99 شبهة رافضية والرد عليها (للأخ جلال)
لقد قام بعض الرافضة بعمل شريط يمثل فيه أحدهم دور السني والأخر دور الرافضي , وقد دار في هذا الحوار الكثير من الأكاذيب والتلبيسات , والتي لا يكاد يخلوا منها أي عمل رافضي , ونبدأ بعون الله تعالى هذه الردود : ((بحث للأخ جلال حفظه الله ))
(1) قوله أن المسلمين افترقوا بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم .
نقول أن هذا من الكذب الواضح , والذي يريد أن يبدأ به موضوعه المتهالك , فقد أختلف الصحابة في من هو الخليفة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم كما اختلفوا في أشياء أخرى عديدة , ولكن كان دينهم ومذهبهم وطريقتهم واحدة وليست متضاربة كما هو الحال الآن بين المسلمين الأصليين والذين هم أهل السنة وبين غيرهم ممن خرج وأنحرف عن الإسلام كالرافضة بفرقها والخوارج بفرقهم وغير ذلك , ففرقة الرافضة مثلاً لم تظهر إلا بعد ( 25 ) من وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك بعد أن أعلن أبن سبأ اليهودي اليمني الذي اتخذ من الإسلام ومحبة أهل البيت ستاراً له عن عقيدته الخبيثة , لذلك يقول إمامهم المتكلم الحسن بن موسى النوبختي في كتابه الحجة عند الإمامية ( فرق الشيعة ) (( وحكى جماعة من أصحاب علي عليه السلام أن عبد الله بن سبأ كان يهودياً فأسلم ووالى علياً عليه السلام وكان يقول وهو على يهوديته في يوشع بن نون بعد موسى عليه السلام بهذه المقالة فقال في إسلامه بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم وآله في علي عليه السلام بمثل ذلك وهو أول من شهر القول بفرض إمامة علي عليه السلام وأظهر البرآءة من أعدائه وكاشَفَ مخالفيه فمن هناك قال من خالف الشيعة أن أصل الرفض مأخوذ من اليهودية !!!! )) فرق الشيعة ص (22). بل ونجد أن الإمام عليّ يؤكد على حقيقة أنه هو والصحابة على مذهب واحد حيث قال : ((وبدء أمرنا أنا التقينا والقوم من أهل الشام، والظاهر أن ربنا واحد ونبينا واحد، ودعوتنا في الإسلام(1/1)
واحدة، ولا نستزيدهم في الإيمان بالله والتصديق برسوله، ولا يستزيدوننا، الأمر واحد إلا ما اختلفنا فيه من دم عثمان ونحن منه براء )) نهج البلاغة جـ3 ص (648).
(2) قوله حزن النبي صلى الله عليه وسلم على الحسين .
نقول إن الحزن والبكاء شيء , والنياحة والتي هي بكاء مع صوت والتطبير وشق الرؤوس بالفؤوس , وضرب الوجه بالسلاسل والموس واللطم وشق الجيوب ولبس السواد شيء آخر , فلم يجرأ الرافضة ولو كذباً كعادتهم أن يرووا حديثاً واحداً على النبي صلى الله عليه وسلم بأنه كان يفعل هذه الأمور أو أمر بها والعياذ بالله , بل لم يأت حديث عن أئمتهم يأمرهم بذلك كما روي عنهم بعكس هذا , ثم كيف يقيسون الحزن والبكاء بهذه الأشياء مع أنه قياس فاسد ؟؟! بالإضافة إلى أن القياس أصلاً محرم وباطل في مذهبهم ؟؟! وهذا شيخهم محمد بن الحسين بن بابويه القمي الملقب عند الشيعة بالصدوق قال: من ألفاظ رسول الله صلى الله عليه وآله التي لم يسبق إليها: " النياحة من عمل الجاهلية " رواه الصدوق في من لا يحضره الفقيه 4/271 – 272 كما رواه الحر العاملي في وسائل الشيعة 2/915، ويوسف البحراني في الحدائق الناضرة 4/167 والحاج حسين البروجردي في جامع أحاديث الشيعة 3/488.
(3) قوله نزول آية ( إنما وليكم ) في علي بن أبي طالب .
فنقول أن الروايات التي رويت في هذا الباب كلها من الأكاذيب فمنها : أن الواو ليست واو الحال إذ لو كان كذلك لكان لا يسوغ أن يتولى إلا مَن أعطى الزكاة في حال الركوع فلا يتولى سائر الصحابة والقرابة . ومنها : أنَّ المدح إنما يكون بعمل واجبٍ أو مستحبٍ ، وإيتاء الزكاة في نفس الصلاة ليس واجباً ولا مستحباً باتفاق علماء الملة ، فإن في الصلاة شغلاً . ومنها : أنه لو كان إيتاؤها في الصلاة حسناً لم يكن فرقٌ بين حال الركوع وغير حال الركوع ، بل إيتاؤها في القيام والقعود أمكن . ومنها : أن "عليّاً" لم يكن عليه زكاةٌ على عهد النبي صلى(1/2)
الله عليه وسلم . ومنها : أنه لم يكن له أيضا خاتمٌ ولا كانوا يلبسون الخواتم حتى كتب النبي صلى الله عليه وسلم كتاباً إلى كسرى فقيل له إنهم لا يقبلون كتاباً إلا مختوماً فاتخذ خاتماً مِن ورِق ونقش فيها (محمَّدٌ رسولُ الله). ومنها : أنَّ إيتاءَ غيرِ الخاتم في الزكاة خيرٌ مِن إيتاء الخاتم فإنَّ أكثر الفقهاء يقولون لا يجزئ إخراج الخاتم في الزكاة . ومنها : أن هذا الحديث فيه أنه أعطاه السائل ، والمدح في الزكاة أنْ يخرجها ابتداءً ، ويخرجها على الفور لا ينتظر أن يسأله سائلٌ . ومنها : أنَّ الكلام في سياق النهي عن موالاة الكفار والأمر بموالاة المؤمنين كما يدل عليه سياق الكلام .
(4) قوله بأن أصحاب الكتب الستة أجمعوا على نزول الآية في عليّ .
يقول الإمام ابن كثير في تفسيره لهذه الآية الكريمة وبعد أن ذكر بعض أحاديث التي تذكر أن علياً تصدق بخاتمه قال : (( وليس يصح شيء منها بالكلية لضعف أسانيدها وجهالة رجالها )) تفسير ابن كثير جـ 2 ص ( 598 ) فهذا قول أمام من كبار المفسرين يعرض أسانيد تلك الروايات ويفندها , وهذا دليل قاطع على عدم وجود ذلك الإجماع المزعوم .
(5) قوله بأن هناك صحاح ستة .
يقول الإمام الألباني : (( فمن الخطأ أيضاً إطلاق بعض المتأخرين على الكتب الستة : "الصحاح الستة" , أي الصحيحين والسنن الأربعة , لأن أصحاب السنن لم يلتزموا الصحة , ومنهم الترمذي , وهو ما بينه علماء المصطلح كابن الصلاح , وابن كثير , والعراقي وغيرهم , ولهذا قال السيوطي في " ألفيته ص 17" : يروي أبو داود أقوى ما وجد ثم الضعيف حيث غيره فقد والنسائي من لم يكونوا اتفقوا تركا له , والآخرون ألحقوا بالخمسة ابن ماجة , قيل : ومن ماز بهم فإن وهن تساهل الذي عليه أطلقا صحيحة والدرامي والمنتقي " . ضعيف سنن الترمذي ص ( 22 ) .
(6) قوله ( وأنذر عشيرتك الأقربين ) نزلت في عليّ .
نقول أن هذا من الكذب الذي تعود عليه القوم ,(1/3)
ففي الحديث أن بني عبد المطلب ( هم يومئذ أربعون رجلاً يزيدون رجلاً أو ينقصونه) والتاريخ يشهد أنهم لم يبلغوا العشرين رجلاً فضلاً عن الأربعين! كما إن هذه الرواية معارضة برواية أخرى اتفق أهل الحديث على صحّتها وثبوتها والتي رواها البخاري وسلم , والرافضة طالما ادعوا النص الصريح على خلافة عليّ وأنه هو الوصي والمستحق الوحيد لهذا المنصب , وهذا الحديث يدحض مزاعمهم , ففي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا قومه لنصرته وأن من يقبل نصرته فسيصبح أخوه ووصيه وخليفته من بعده ولم يخص عليّ بذلك بل وأعرض عنه ثلاث مرات , ثم كيف يقول النبي صلى الله عليه وسلم لقومٍ رفضوا مؤازرته ونصرته بل وحاربوه، هذا خليفتي فاسمعوا له وأطيعوا؟! هم أنفسهم لم يطيعوا النبي المرسل فهل سيطيعون صبياً صغيراً ؟! كما أن الحديث ضعيف ففيه عبد الغفار بن القاسم قال عنه الذهبي (( أبو مريم الأنصاري رافضي، ليس بثقة )) ميزان الاعتدال للذهبي جـ2 ص (640).
(7) قوله ( والنجم إذا هوى ) نزلت في عليّ .
نقول أنه لم تأت رواية واحدة صحيحة السند في ذلك , وحسبك الاضطراب حتى في كتب الرافضة في وقت نزول النجم ، ففي رواية : مع طلوع الفجر ، وفي رواية : بعد طلوع الفجر ، وفي رواية : أن وقت نزوله ضحوة حتى غلب على ضوء الشمس . وأيضا الاضطراب بين كون القصة في أوائل العهد المكي ، وبين كونها في المدينة بعد الهجرة . وبعيدا عن هذا كله فمن المعلوم حتى لدى الصغير أن النجم عبارة عن كتلة مستديرة من غازات شديدة الحرارة وأن هناك فرقا بين الكواكب والنجوم ، حيث إن النجوم ذات إضاءة ذاتية ، بينما الكواكب تعكس ضوء النجوم ، ولا ينبغي أن يكون النازل في أو على دار علي رضي الله عنه والذي غلب ضوءه ضوء الدنيا ، أو الشمس ، لا ينبغي أن يكون كوكبا كما في بعض الروايات السابقة ، لأنه كتلة حجرية غير مضيئة ، إنما المضيء هو النجم ، ولو افترضنا أن أصغر نجم هو بحجم الأرض(1/4)
، فأين يكون دار علي في مكة أو المدينة من ذلك . فضلا عن أن النجوم والكواكب لا تزول عن مستقرها ومداراتها ، وإنما قيل بانفصال شهب من الكواكب تكون رجوما للشياطين ، وليست فضيلة أو كرامة لأحد . بل ذهب بعضهم إلى التهكم بهذه الرواية قائلا: إن أصغر النجوم هو أكبر من الأرض ..فكيف يعقل استيعاب دار علي لنجم لا تستوعبه الأرض بأكملها . الأخبار الدخيلة ، للتستري ، 217 الموضوعات في الآثار والأخبار ، لهاشم معروف ، 151
(8) قوله ( أن الله بعث لكم طالوت ملكاً ) تعبر عن حال المسلمين .
نقول لا أدري كيف يشبه هذا الرافضي الصحابة الكرام الذين قال الله تعالى فيهم (( كنتم خير أمة أخرجت للناس )) وقوله (( رضي الله عنهم ورضوا عنه )) ببني إسرائيل الذين قال تعالى فيهم (( لعن الذين كفروا من بني إسرائيل )) وقوله (( ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة )) وقد جعل منهم القردة والخنازير !! فحتى ولو كان الصحابة كبني إسرائيل فلا يجوز لكم القياس لأنه ممنوع في دينكم , فكيف إذن بقياس فاسد بني شر الخلق وخير الخلق !!؟
(9) قوله إن الإمامة منصب ألهي
نقول كيف يكون منصب ألهي وعلي بن أبي طالب نفسه يقول : (( دعوني والتمسوا غيري ؟؟! )) نهج البلاغة جـ 1 ص ( 181 ) بل وقال أيضاً : (( وإن تركتموني فأنا كأحدكم ولعلي أسمعكم وأطوعكم لمن وليتموه أمركم , وأنا لكم وزيرا خير لكم مني أمير !!! )) نهج البلاغة جـ 1 ص ( 182 ) . أما استدلالهم بالآية الكريمة : (( إني جاعلك للناس إماما )) البقرة : 124 فنقول كيف تفسرون إذن قوله تعالى (( وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت )) فهل الله تعالى جعل عبادة الطاغوت منصب ألهي ؟؟! أو قوله تعالى ((وجعلنا قلوبهم قاسية )) فهل قسوة القلوب أمر ألهي !؟ ألا قبح الله الجهل ! ثم إذا كان معنى "الإتيان" أي النبوة فكيف تفسير قوله تعالى { سل بني إسرائيل كم أتيناهم من آية بينة } البقرة : 11(1/5)
وقوله : { واتل عليهم نبا الذي أتيناه آياتنا فانسلخ منها } الأعراف : 175 فهذا يعني أن بني إسرائيل الملعونين أخوة القردة والخنازير أصبحوا أنبياء بمقياسكم العجيب !! وإذا كان "الاصطفاء" يعني النبوة فكيف تفسر قوله : ( إن الله اصطفى آدم ونوحا وال إبراهيم وال عمران على العالمين ) آل عمران : 33 وبعد ذلك قال ( فقد أتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وأتيناهم ملكا عظيما * فمنهم من آمن به ومنهم من صد عنه وكفى بجهنم سعيرا ) النساء : 54 - 55 فهذا يعني أن هناك من الأنبياء من آمن ومنهم من صد عنه أي كفر !! ويقول ( ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله ذلك هو الفضل الكبير ) فاطر : 32 .. وهذه الآيات لو أنزلنا على الأنبياء أو الأئمة فلأتضح لنا أن منهم ظالم ومنهم مقتصد ومن سابق !!؟؟ فهل يقول بذلك عاقل ؟؟!
(10) قوله أن المقصود ( وأمرهم شورى بينهم ) هي في الأمور الدنيوية .
نقول أن هذه الآية جاءت مخاطبة للنبي الكريم صلوات الله وسلامه عليه , وكان الأمر بأن يشاورهم في الأمور الدنيوية كالحروب مثلاً , فهذا لا خلاف فيه إطلاقاً , فلا يمكن أن يكون التشاور في أمور الدين !! كأن يقول صلى الله عليه وسلم : ما رأيكم هل نجعل صلاة الظهر أربعة ركعات أم ستة ؟؟! أو يقول : ما هو الأنسب لكم أن تصوموا شهر رمضان أم شعبان !!؟ ولكن هناك شيء يجب التنبه عليه وهو أن الرافضة جعلوا من منصب الخلافة أمراً دينياً وليس دنيوياً !! ولنترك الإمام علي يرد عليهم من أصح كتبهم وهو نهج البلاغة حيث يقول : (( وإنَّما الشورى للمهاجرين والأنصار، فإنِ اجتمعوا على رجُلٍ، وسَمُّوْهُ إماماً، كانَ ذلك لله رِضي، فإن خرج من أمرِهِم خارجٌ بِطَعْنٍ، أو بِدعةٍ، رَدُّوه إلى ما خَرَجَ منه، فإنْ أبَى قاتلوهُ على اتِّباعهِ غير سبيل المؤمنين، وولَّاه الله ما تولَّى )) نهج البلاغة ص ( 137 ) فقد(1/6)
أثبت الإمام علي أن الإمامة هي منصب دنيوي ومن يقوم باختيار صاحبه هم الناس أنفسهم والذين كانوا في ذاك الوقت هم المهاجرين والأنصار .
(11) قوله إن الإمامة امتداد للنبوة .
نقول أن دين الله تعالى قد أكتمل , ودليل ذلك قوله تعالى (( اليوم أكملت لكم دينكم )) فما هي الحاجة للإمام بعد ذلك ؟؟! وإن كان القصد من هذا الامتداد أن الإمام يأتِ هو أيضاً بتشريع وينزل الوحي على الإمام , فهذا كفر بواح , بل إن لم يكن هذا هو الكفر فلا نعلم أن في الوجود أي كفر !! فهذا هو عين قول القاديانية الذين قالوا بوجود أنبياء بعد محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم , ولكن الاختلاف فقط في اللفظ !! فأولئك يقولون أنه نبي والرافضة يقولون أنه إمام !! ثم أين هو هذا الأمام الذي لابد من وجوده هاديا ومبشرا ومرشدا للبشرية ؟؟! وما هي الحكمة من اختفاءه لأكثر من ألف سنة ؟! ولماذا لا يخرج ويهدي الناس ويقوم بمباشرة أعماله !!؟ وهل من المعقول أن يكون مرشد النصارى يباشر أعماله في حين مرشد المسلمين مختبئ في سردابه ؟؟! وإذا كان الأمر مقتصر على الإرشاد فما الفرق بينه وبين العلماء ؟! فوالله لست أدري كيف يبقى البعض يؤمن بعقيدة تخالف النقول وتهين العقول؟!
(12) قوله أن حديث الغدير يعني الإمامة .
وقوفه في الحر الذي لا يطاق ليس دليلاً على أن علياً خليفة، فهذا لا يحتج به إلا مفلس ولعل هذه الحجة تقبل عقلاً في حال جمع النبي صلى الله عليه وسلم الناس وأمرهم بالذهاب لغدير خُم ثم ذكر لهم الحديث، ولكنه عندما قال ما قال كان عائداً من حجة الوداع وفي الطريق عند الغدير ذكر موالاة عليّ فلو كان يقصد بالموالاة الإمامة لذكرها في حجة الوداع التي خطبهم فيها بأهم ما يجب أن يعرفوه، وكان يقول ألا هل بلّغت، اللهم فاشهد، ولكن لما لم يكن هذا بلاغاً للناس فلم يذكره , ولتأكيد مقصد النبي صلى الله عليه وسلم بموالاة عليّ على أنها الحب والنصرة هو ما رواه(1/7)
احمد في الفضائل عن ابن بريدة عن أبيه قال (( بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم واستعمل علينا علياً، فلما رجعنا سأَلنا: كيف رأيتم صحبة صاحبكم؟ فإما شكوته أنا إما شكاه غيري فرفعت رأسي وكنت رجلاً من مكة، وإذا وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم قد احمرّ فقال: من كنت وليه فعليّ وليه )) خصائص أمير المؤمنين برقم (77) وأحمد في الفضائل برقم (947) وقال المحققان: صحيح. ومن هنا نعلم أن المولاة المقصودة هي الحب والنصرة.
(13) قوله أن الإمام مسلم أخرج حديث الغدير في صحيحه .
نقول أن هذا من الكذب الذي تعود عليه القوم , فقد أخرج مسلم في حديث رقم ( 2408 ) ونصه : وأنا تارك فيكم ثقلين : أوّلهما كتاب الله فيه الهدى والنور ، فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به . فحثّ على كتاب الله ورغّب فيه . ثم قال : وأهل بيتي . أذكّركم الله في أهل بيتي ، أذكّركم الله في أهل بيتي ، أذكّركم الله في أهل بيتي . فقال له حصين : ومن أهل بيته يا زيد ؟ أليس نساؤه من أهل بيته ؟ قال : نساؤه من أهل بيته ، ولكنْ أهل بيته من حرم الصّدقة بعده . قال : ومن هم ؟ قال : هم آل علي وآل عقيل وآل جعفر وآل عباس . قال : كلّ هؤلاء حرم الصدقة ؟ قال : نعم . )) وليس في هذا الحديث أي دليل على التمسك وأتباع أهل البيت , إنما فيه الحث على برهم ومعرفة حقهم , فالحث على الأخذ والتمسك بالقرآن الكريم دونما سواه .
(14) قوله أن نزول آية ( يا أيها النبي بلغ ) كان بعد حادثة الغدير .
يقول الرافضة أن تعيين علي بن أبي طالب كان من تمام الدين إذ لم يتفرق الناس حتى نزل قوله تعالى { اليوم أكملت لكم دينكم } ، و ساقوا على ذلك أحاديث ضعيفة رواها مطر الوراق و هو ضعيف . تقريب التهذيب (2/256) ، وبالإضافة إلى ضعف الأسانيد فإن هذه الروايات تخالف الأحاديث الصحاح التي أثبتت أن الآية { اليوم أكملت لكم دينكم } نزلت في حجة الوداع . راجع البخاري (5/285) . أما عن الآية(1/8)
الكريمة فيقول العلماء : أنها نزلت في حجة الوداع لتبين للناس أن الله سبحانه وتعالى أكمل لهم دينهم فإفرادهم بالبلد الحرام وإجلاء المشركين جامع البيان للطبري (4/51 ) . فعلم أنه لم يكن في غدير خم أمرٌ بشرع نزل إذ ذاك ، لا في حق علي ولا في غيره ، أما النسبة لحادثة الغدير فقد كانت بعد حجة الوداع و بالتحديد يوم الثامن عشر من ذي الحجة . انظر السيرة النبوية في ضوء المصادر الأصلية لمهدي رزق ( ص 678 ). كما روي الحديث في صحيح مسلم كذلك . و بما أنها حدثت بعد حجة الوداع فالأهمية تكمن في أن الرسول صلى الله عليه وسلم لو أراد أن يبلغ بشرع جديد أو بالوصية لعلي ، لفعل ذلك في أثناء الحج وفي يوم عرفة لاجتماع الناس ولم يؤجله إلى بعد الحج ، كما أن ميقات أهل المدينة هو ذا الحليفة ، والحجفة تقع على بعد أميال كثيرة من الميقات والغدير يقع في الجحفة ، و ليس هناك أي شيء يستدل به الرافضة ليتمسكوا به كدليل لهم ، فإن الحج قد انتهى و الوفود قد انطلقت إلى بلادها ومن بقي من أهل المدينة هم الذين سافروا مع النبي صلى الله عليه وسلم فلو أراد الرسول صلى الله عليه وسلم أن يحدث الناس بهذا الخبر فإنه لم يؤجله إلى نهاية الحج ، و لو أنه أراد فعلاً أن يبلغ هذا الأمر لفعل في الموسم لأن الناس كانوا يأخذون عنه صلى الله عليه وسلم مناسكهم ، فكانت فرصة كبيرة ليبلغ هذه الوصية .
(15) قوله أن تلك القصة ذكرها كل المفسرين !
نقول ليس هذا بغريب عن من يقول إلهي ومعبودي هو الكذب !! فلو فتحنا تفسير الطبري والقرطبي والجلالين وابن الجوزي ومجاهد والصنعاني والثوري والتي تُعد من أشهر تفاسير المسلمين لما وجدنا فيها حرفاً من ذلك !! إنما فقط ذكرها ابن كثير في تفسيره وقال : (( عن أبي سعيد الخدري أنها نزلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم غدير خم حين قال لعلي " من كنت مولاه فعلي مولاه " ثم رواه عن أبي هريرة وفيه أنه اليوم الثامن(1/9)
عشر من ذي الحجة يعني مرجعه - عليه السلام - من حجة الوداع ولا يصح لا هذا ولا هذا بل الصواب الذي لا شك فيه ولا مرية أنها أنزلت يوم عرفة وكان يوم جمعة !! )) تفسير ابن كثير جـ 2 ص ( 15 ) فمرحى بالصدق !! وقديماً قيل في الأمثال : أكذب من رافضي !!
(16) قوله ( سأل سائل بعذاب واقع ) نزلت في من أنكر ولاية عليّ .
نقول هذه القصة المكذوبة ذكرها الثعلبي في تفسيره ومنها نقلها بقية المفسرين , وسوف نبين حال الثعلبي هذا وتفسيره التالف بعد قليل بإذن الله , أجمع الناس كلهم علي أن ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم بغدير خم كان مرجعه من حجة , والنبي صلى الله عليه وسلم لم يرجع إلى مكة بعد ذلك بل رجع من حجة الوداع إلى المدينة وفي هذا الحديث يذكر انه بعد أن قال هذا بغدير خم و شاع في البلاد جاءه الحارث وهو بالأبطح والأبطح بمكة فهذا لم يعلم متى كانت قصة غدير خم (!!)كما أن هذا الرجل لا يُعرف في الصحابة (!!) وأيضا فان هذه السورة مكية نزلت بمكة قبل الهجرة فهذه نزلت قبل غدير خم قبل بعشر سنين أو أكثر من ذلك فكيف تكون نزلت بعده !!؟ و أيضا قوله { وإذ قالوا اللهم أن كان هذا هو الحق من عندك } في سورة الأنفال و قد نزلت عقيب بدر بالاتفاق قبل غدير خم بسنين كثيرة وأهل التفسير متفقون على أنها نزلت بسبب ما قاله المشركون للنبي صلى الله عليه سلم قبل الهجرة كأبي جهل و أمثاله وأن الله ذكر نبيه بما كانوا يقولونه بقوله { وإذ قالوا الله أن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء } أي اذكر قولهم كقوله { وإذ قال ربك للملائكة } أو قوله { وإذ غدوت من أهلك } و نحو ذلك يأمره بان يذكر كل ما تقدم فدل على أن هذا القول كان قبل نزول هذه السورة .
(17) قوله " أنت مني بمنزلة هارون من موسى " تعني خلافة عليّ .
أن لقول النبي صلى الله عليه وسلم سبب وهو أنه استخلف علياً في غزوة تبوك، وهي الغزوة التي لم يأذن لأحد في(1/10)
التخلف عنها فقال المنافقون إنما استخلفه لأنه يبغضه , كما جاء في خصائص أمير المؤمنين للنسائي برقم (43) وقال المحقق: إسناده صحيح , ولهذا خرج عليّ إلى النبي وقال ما قال، فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يطيب قلب عليّ وأبان له أن الاستخلاف لا يوجب نقصاً له، لأن موسى استخلف هارون على قومه فكيف يعدّ ذلك نقصاً، فرضي علي بذلك ( فقال: رضيت رضيت ) كما جاء في رواية ابن المسيب عند أحمد راجع الفتح جـ7 ص (92) فكان قول النبي صلى الله عليه وسلم هذا لترضية عليّ ليس إلا. ومعنى ذلك أن عليّ لو لم يعترض على النبي صلى الله عليه وسلم لما خصه بذلك , الثابت في السيرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستخلف في كل مرة يغزو أو يسافر فيها ولكنه لم يقل لأحد ممن استخلفه أنه منه بمنزلة هارون من موسى، وسبب ذلك أن كل من استخلفه لم يظن أن في استخلافه نوع نقص، فلم يحتج أن يقول له هذه الجملة .
(18) استدلاله بآية براءة في إمامة علي .
نقول أنه كان من دأب العرب إذا كان بينهم مقاولة في نقض وإبرام وصلح ونبذ عهد أن لا يؤدي ذلك السيد أو من يليه من ذوي قرابته القريبة ولا يقبلون ممن سواهم , ومع أن النبي صلى الله عليه وسلم أردف بعلي ليؤذن ببراءة فقد جعله تابعاً مأموراً تحت أبي بكر، لأن أبا بكر كان أميراً على الحج في ذلك الوقت فليس إرداف عليّ مأموراً من قبل أبي بكر دليل على أحقيته للخلافة بل على العكس، فالأحق هو أبو بكر لأنه كان الأمير على الحج.
(19) قوله ( أنفسنا وأنفسكم ) تعني أن علي هو نفس النبي صلى الله عليه وسلم .(1/11)
نقول أن هذه الآية مثل قوله { لولا إذا سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا } نزلت في قصة عائشة رضي الله عنها في الإفك فإن الواحد من المؤمنين من أنفس المؤمنين والمؤمنات وكذلك قوله تعالى { فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم أي يقتل بعضكم بعضا } ومنه قوله تعالى { وإذ أخذنا ميثاقكم لا تسفكون دماءكم ولا تخرجون أنفسكم من دياركم } أي لا يخرج بعضكم بعضا فالمراد بالأنفس الإخوان إما في النسب أو في الدين .
(20) عدم إكماله لحديث الفرقة الناجية .
نقول أن نهاية حديث الفرقة الناجية يبين أوله , فقد قال صلى الله عليه وسلم في بيان هذه الفرقة الناجية من بين الفرق الهالكة : (( من كان على ما أنا عليه وأصحابي )) وقد نقله المجلسي في بحار الأنوار جـ 28 ص ( 30 ) والطباطبائي في تفسيره جـ 3 ص ( 380 ) , وقد روي من طرق الرافضة أن الفرقة الناجية هم أتباع أهل البيت , ونحن أهل السنة نتبع أهل البيت والصحابة أيضاً , أما هم فيزعمون أنهم أتباع طرف واحد فقط , فإن صحّ حديث أتباع أهل البيت فهو يشمل أهل السنة , وإن صحّ حديث الصحابة فهو يشمل أهل السنة كذلك , ولكنه لن يشمل الرافضة بكل تأكيد , فثبت نجاة أهل السنة على كل حال .(1/12)
(21) تكذيبه لحديث " كتاب الله وسنتي " وقوله أنه غير موجود في صحاحكم .
نقول ليس كل ما لم يروا في الصحاح ضعيف , فهنالك أحاديث كثيرة لم ترو في الصحاح وهي صحيحة , وحديث كتاب الله وسنتي صحيح وثابت , فهذا الحديث أخرجه الحاكم في المستدرك جـ1 كتاب العلم ص (93) وصحح إسناده الألباني في صحيح الجامع برقم ( 3232 ) وكذلك (2937) عن أبي هريرة , وصححه ابن حزم في الأحكام جـ 6 ص ( 810 ) كما صححه السيوطي في الجامع برقم ( 3932 ) .
(22) قوله " كتاب الله وعترتي " تعني إمامة أهل البيت .
أن المقصود بهم هم أهل العلم والصلاح المتمسكون بالكتاب والسنة من أهل البيت , وإلا لدخل أبو لهب في أهل البيت أيضاً !! و يجب أن نعرف من هم (أهل البيت) أولاً , يقول الفيروز آبادي في تعرف معنى أهل بيت الرجل : (( ... أهل الأمر: ولاته وللبيت : سكانه وللمذهب : من يدين به، وللرجل : زوجته كأهلَتِه وللنبي صلى الله عليه وسلم : أزواجه وبناته وصهرُه علي رضي الله عنه ... ) القاموس المحيط ص (1245). ويقول ابن منظور (( ... أهل البيت : سكانه، وأهل الرجل : أخص الناس به، وأهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم : أزواجه وبناته وصهره، أعني علياً عليه السلام، وقيل نساء النبي صلى الله عليه وسلم ... )) لسان العرب ص (290). كما أن الاستعمال اللفظي في القرآن لكلمة ( الأهل ) تبين أن المقصود بها الزوجات كما في قوله تعالى { إذ قال موسى لأهله إني آنست ناراً سآتيكم منها بخبر } ( النمل 7 ) ومعلوم أن زوجته هي التي كانت معه، وقوله تعالى { قالت ما جزاء من أراد بأهلك سوءاً إلا أن يسجن ... } ( يوسف 25) قائل هذه الجملة هي زليخا زوجة العزيز باتفاق المفسرين وقوله تعالى { فأنجيناه وأهله إلا امرأته ...} ( النمل 57) و( إلا ) أداة إستثناء بمعنى أنها من أهله ولكنها إستثنيت للسبب المعلوم , كما أخرج البخاري في جزء من الحديث الذي يرويه أنس رضي(1/13)
الله عنه (( ... فخرج النبي صلى الله عليه وسلم فانطلق إلى حجرة عائشة، فقال : ( السلام عليكم أهل البيت ورحمة الله )، فقالت : وعليك السلام ورحمة الله ) فتقَرَّى حجر نسائه كلِّهنَّ، يقول لهن كما يقول لعائشة … )) صحيح البخاري (4515).
(23) قوله أن الإجماع على أبي بكر باطل بسبب عدم مبايعة عليّ .
نقول أنه حتى ولو لم يبايع علي فذلك لا يقدح في خلاقة أبي بكر , ويمكن الجمع بين رواية أن علي لم يبايع إلا بعد ستة أشهر على أن علي بايع بيعتين، بيعة في أول الأمر وبيعة بعد ستة أشهر أمام الناس فقد ذكر عبد الله بن أحمد بن حنبل في كتاب السنة (( عن أبي نضرة قال: لما اجتمع الناس على أبي بكر رضي الله عنه فقال: مالي لا أرى علياً؟ قال: فذهب رجال من الأنصار فجاءوا به فقال له: يا علي: قلت ابن عم رسول الله وختن رسول الله؟ فقال علي رضي الله عنه: لا تثريب يا خليفة رسول الله ابسط يدك، فبسط يده فبايعه، ثم قال أبو بكر: مالي لا أرى الزبير؟ قال: فذهب رجال من الأنصار فجاءوا به فقال: يا زبير قلت ابن عمة رسول الله وحواري رسول الله، فقال الزبير: لا تثريب يا خليفة رسول الله.. ابسط يدك فبسط يده فبايعه )) كتاب السنة جـ2 رقم (1292) وقال المحقق: إسناده صحيح.
(24) قوله بأن سلمان والمقداد وأبو ذر وغيرهم لم يبايعوا .
نقول ولو فرضنا جدلاً أن هؤلاء الصحابة المذكورون لم يبايعوا أبا بكر على الخلافة، فهذا أيضاً لا يقدح في البيعة لأنها لا تحتاج إلى إجماع كل الناس، ولكن يكفي موافقة أهل الشوكة والجمهور الذي يقام بهم أمر الخلافة، وهذا ما اتفق عليه أهل العلم، يقول النووي (( أما البيعة فقد اتفق العلماء على أنه لا يشترط لصحّتها مبايعة كل الناس، ولا كل أهل الحل والعقد، وإنما يشترط مبايعة من تيسر إجماعهم من العلماء والرؤساء ووجوه الناس )) مسلم مع الشرح جـ12 ص (112 ـ 113). ويقول علي بن أبي طالب في كتب الرافضة (( لعمري(1/14)
لئن كانت الإمامة لا تنعقد حتّى يحضرها عامَّة الناس فما إلى ذلك سبيل (!!)، ولكن أهلها يحكمون على من غاب عنها، وليس للشاهد أن يرجع ولا للغائب أن يختار )) نهج البلاغة جـ2 ص (368) .
(25) قوله " الحق مع علي " دليل على بطلان واقعة السقيفة .
نقول أن هذا الحديث باطل , فقد قال الحافظ ابن كثير بعد ذكر هذا الحديث وغيره (( وفي كل منهما نظر !! )) البداية والنهاية جـ 7 ص ( 389 ) ويقول الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد ( 12031) : (( رواه البزار وفيه سعد بن شعيب ولم أعرفه )) وقد حاول الأميني الكذاب في كتابه الغدير أن يوهم القارئ بأن سعد بن شعيب صدوق وثقة وأنه جاءت ترجمته في تهذيب التهذيب !! وكل هذا من الأكاذيب , فلم تأت ترجمة له في أي من كتب أهل السنة .
(26) قوله ( وأكثرهم للحق كارهون ) دليل على ضلال الأكثرية .
نقول أن هذا يمكن أن ينطبق على الرافضة أيضاً , فيمكن أن نقول أن أغلب الرافضة أيضاً على ضلال ونحمل تلك الآيات عليهم كذلك !! فهذه الآيات تتحدث عن أغلب الناس , ولا تتحدث عن المسلمين لا من قريب ولا من بعيد , ومن تأمل في حال الناس وجد أغلبهم يتبع غير الإسلام , وأهل الإسلام يتمثلون قلة من مجموع البشر , وصدقت الآية الكريمة .
(27) قوله ( وقليل من عبادي الشكور ) دليل على صواب القلة .
نقول أن هذه الحجة يمكن أيضاً ردها على الرافضة , ونفسرها كما يفسروها بأن القلة من الرافضة فقط هم أهل الحق , وهذا سوف يخرج الجعفرية لأن أغلب الرافضة ينتهجون منهجها !! ونقول أن الزيدية أو النصيرية هي التي على حق !! فما رد الرافضة الجعفرية الآن ؟؟!
(28) استدلاله بتفسير الثعلبي .
أولاً تفسير الثعلبي ليس من التفاسير المعتبرة , يقول عنه ابن كثير : (( وهو كتاب حافل بالإسرائيليات دون التنبيه عليها )) تفسيره جـ 1 ص ( 20 ) ويقول أيضاً : (( وكان كثير الحديث واسع السماع , ولهذا يوجد في كتبه من الغرائب شيء كثير(1/15)
)) . البداية والنهاية جـ 12 ص ( 40 ) ويقول الفتني : (( الثعلبي في نفسه كان ذا خيرا ودين لكن كان حاطب ليل )) تذكرة الموضوعات ص ( 84 ) . ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية : (( وليس الثعلبي من أهل العلم بالحديث )) . منهاج السُنة جـ 7 ص ( 34 ) . ويقول كذلك في مقدمة أصول التفسير : (( كان حاطب ليل ينقل ما وجد في كتب التفسير من صحيح وضعيف وموضوع )) . ويقول ابن الجوزي : (( ليس فيه – أي في تفسيره الثعلبي – ما يعاب به إلا ما ضمنه من الأحاديث الواهية التي هي في الضعف متناهية )) هامش سير أعلام النبلاء جـ 17 ص ( 436 ) تحقيق : شعيب الأرنؤوط .
(29) قوله ( إلا المودة في القربى ) دليل على فضل أهل البيت .
قوله في إيجاب المودة لهم غلط فقد ثبت عن سعيد بن جيبر أن ابن عباس سئل عن قوله تعالى { قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى } قال فقلت إلا أن تودوا ذوي قربى محمد صلى الله عليه وسلم فقال ابن عباس عجلت إنه لم يكن من قريش إلا لرسول الله صلى الله عليه وسلم منهم قرابة فقال قل لا أسألكم عليه أجرا إلا أن تؤدوني في القرابة التي بيني وبينكم . راجع صحيح البخاري جـ 4 ص ( 154 ) فابن عباس كان من كبار أهل البيت وأعلمهم بتفسير القران وهذا تفسيره الثابت عنه ويدل على ذلك أنه لم يقل إلا المودة لذوي القربى ولكن قال إلا المودة في القربى ألا ترى أنه لما أراد ذوي قرباه قال { واعلموا أنما غنمتم من شيء فإن لله خمسة وللرسول ولذي القربى } ولا يقال المودة في ذوي القربى وإنما يقال المودة لذوي القربى فكيف وقد قال { قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى } ويبين ذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يسأل أجرا أصلا إنما أجره على الله وعلى المسلمين موالاة أهل البيت لكن بأدلة أخرى غير هذه الآية وليست موالاتنا لأهل البيت من أجر النبي صلى الله عليه وسلم في شيء وأيضا فإن هذه الآية مكية ولم يكن على بعد قد تزوج بفاطمة(1/16)
ولا ولد له أولاد .
(30) قوله أن آية المباهلة نزلت في أهل البيت .
أن هذه الآية من باب المناقب لا من باب الفضائل وكل صحابي اختص بمنقبة لا توجد في غيره ، كما لا يخفى على من تتبع كتب السير, وأيضاً إن القرآن نزل على أسلوب كلام العرب ، وطرز محاوراتهم ، ولو فرض أن كبيرين من عشيرتين وقع بينهما حرب وجدال ، يقول أحدهما للآخر : ابرز أنت وخاصة عشيرتك وأبرز أنا وخاصة عشيرتي فنتقابل و لا يكون معنا من الأجانب أحد ، فهذا لا يدل على أنه لم يوجد مع الكبيرين أشجع من خاصتهما وأيضاً الدعاء بحضور الأقارب يقتضي الخشوع المقتضي لسرعة الإجابة, ولا ينشأ الخشوع إلا من كثرة المحبة والتي مرجعها إلى الجبلة والطبيعة، كمحبة الإنسان نفسه وولده أكثر ممن هو أفضل منه ومن ولده بطبقات فلا يقتضي وزراً ولا أجراً إنما المحبة المحدودة التي تقتضي أحد الأمرين المتقدمين إنما هي المحبة الإختيارية.
(31) قوله ( فسئلوا أهل الذكر ) نزلت في أهل البيت .
نقول أنه لا يوجد دليل على أن هذه الآية نزلت في أهل البيت , بل حتى الأقوال الأربعة التي ذكرها المفسرون لم يكن من ضمنها أهل البيت , ولكن يقول ابن كثير في تفسيره : (( وعلماء أهل بيت رسول الله عليهم السلام والرحمة من خير العلماء إذا كانوا على السنة المستقيمة كعلي وابن عباس وابني علي الحسن والحسين ومحمد بن الحنفية وعلي بن الحسين زين العابدين وعلي بن عبد الله بن عباس وأبي جعفر الباقر وهو محمد بن علي بن الحسين وجعفر ابنه وأمثالهم وأضرابهم وأشكالهم ممن هو متمسك بحبل الله المتين وصراطه المستقيم )) تفسيره جـ 2 ص ( 592 ) , فهل يجرأ أحد بعد هذا الكلام لشيخ مفسري أهل السنة أن يصف أهل السنة بالنصب أو ببغض أهل البيت ؟؟!
(32) تدليسه في حديث زيد عن آل البيت .
حيث ذكر الحديث وحذف منه الجزء المهم , قال (( فاستمسكوا بكتاب الله وخذوا به فرغب في كتاب الله وحث عليه, ثم قال: وأهل بيتي(1/17)
أذكركم الله في أهل بيتي ثلاث مرات. فقيل لزيد: ومن أهل بيته؟ أليس نساؤه من أهل بيته؟ [ وحذف : فقال زيد: إن نساءه من أهل بيته ] ولكن أهل بيته من حرم الصدقة بعده، قيل: ومن هم؟ قال: هم آل العباس وآل علي وآل جعفر وآل عقيل، قيل: أكل هؤلاء يحرم الصدقة؟ قال: نعم )) فانظروا بالله عليكم هذا التدليس وفي القرن الحادي والعشرين !! لأن هذا الجزء (( نساءه من أهل بيته )) سوف يهدم كل التُرهات التي بناها هذا الرافضي من قعرها !!
(33) قوله " يكون أثنى عشر أميراً " دليل على إمامة أهل البيت .
نقول أن هذا الحديث ليس متواتر , إذ لم تصح إلا الروايات عن طريق صحابي واحد وهو جابر بن سمرة، أما الروايتان عن ابن مسعود وأنس ففيهما كلام ولما كان الحديث غير متواتر فإننا لا ندري كيف يِحتج به الرافضة في العقائد وأصول الدين !!؟ كما أن هذا الحديث هو من الإخبار عن الغيبيات، وليس متضمناً لأحكام شرعية، إذ السنة ليست فقط الإخبار عن الحكم الشرعي، بل فيها إخبار عن الغيبيات كوصف حال القيامة وغيرها , ثم ما هو الحكم الشرعي الذي تضمنه هذا الحديث؟ هل تضمن طلباً بعمل أو بإيمان؟ ثم أين النص على أسماء هؤلاء الأئمة ؟؟! ومتى كان الإسلام عزيزاً بهم ؟؟! فهل الإسلام الآن عزيز بتلك الشخصية المهدية الخيالية والذي تزعمون أنه مختبئ ؟؟! كما أن الحديث ليس تحديداً لعدد الأئمة الذين سيلون أمر هذه الأمة، بل فيه إخبار كما هو ظاهر في الروايات بأن الدين عزيز ومنيع بهؤلاء الاثني عشر , وهو شبيه لحديث الفرق وتعدادها بثلاث وسبعين فرقة، إذ اختلف العلماء كثيراً بتحديد هؤلاء الثلاث وسبعين فرقة , وليس هناك إشكال في اختلاف أهل السنة في هذا الحديث , فالرافضة أنفسهم قد اختلفوا فيه أيما اختلاف في تعيين أسماء الأئمة فقسم منكم يجعلونها في أولاد الحسين إلى جعفر، ثم ينقسمون فـ ( الإمامية ) يدّعون أن المراد بأهل البيت هم الأئمة الاثنا عشر من ولد علي بن(1/18)
أبي طالب إلى جعفر الصادق، ثم جعلوا الإمامة من بعده في موسى بن جعفر الكاظم، ويخالفهم في ذلك ( الإسماعلية )، الذين يجعلون الإمامة من بعد جعفر لابنه إسماعيل بن جعفر، ثم خرجت فرقة أخري ( الكيسانية ) التي لفظت أولاد عليّ من فاطمة، وقالت بإمامة محمد بن الحنفية بن عليّ، وتبعتها فرقة قالت بأن أهل البيت هم العباس وولده وهي فرقة ( الرواندية ) وتختلف عنها ( الزيدية ) وهلم جرا , ويكفي القارئ الرجوع إلى كتاب ( فرق الشيعة ) للنوبختي ليعلم مدى تخبّطهم في ذلك، فالإدعاء أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد نص على الأئمة بأسمائهم حجة متهافته.
(34) قوله " سفينة نوح " دليل على إمامة أهل البيت .
مدار هذا الحديث على مجموعة من الضعفاء والمتروكين، ففي سندها: الحسن بن أبي جعفر وهو متروك،وعلي بن زيد ضعيف، وفي إسناد الطبراني عبد الله بن داهر وهو متروك راجع معجم الطبراني الكبير الأحاديث رقم (2636)، (2637)، (2638)، (12388).، وقال عنه الألباني في ( المشكاة ): إسناده واهٍ . مشكاة المصابيح للتبريزي حديث رقم (6183) ، وأقره محقق فضائل الصحابة لأحمد لأن في سنده مفضل بن صالح النحاس الأسدي وقد ضعفه أهل التحقيق، وقال عنه الذهبي: مفضل واه . فضائل الصحابة جـ2 برقم (1402). وقد ضعف الحافظ الهيثمي كل أسانيد هذه الرواية في مجمع الزوائد جـ 9 ص (168).
(35) قوله " أهل بيتي أمان لأمتي " دليل على إمامة أهل البيت .
نقول أن هذا الحديث ضعيف , قال عنه الهيثمي : رواه الطبراني وفيه موسى بن عبيدة الربذي وهو متروك . حديث رقم ( 15025 ) . وأهل البيت لا تعني علي وأولاده , كما قال صلى الله عليه وسلم في حديث رأس المنافقين ابن سلول عن السيدة عائشة رضي الله عنها : من يعذرنا في رجل بلغي آذاه في أهل بيتي فوالله ما علمت من أهلي إلا خيراً . صحيح البخاري جـ 3 ص ( 47 ) . وبالإضافة إلى أمهات المؤمنين فيدخل في أهل البيت أيضاً آل علي وآل(1/19)
عقيل وآل جعفر وآل عباس , والمقصود هم العلماء من أهل البيت والمشهود لهم بالصلاح , وليس كل أهل البيت , وإلا لدخل أبي لهب في ذلك المصطلح أيضاً !!
(36) قوله " من أحب أن يحي حياتي " دليل على إمامة أهل البيت .
نقول هذا الحديث أورده الهندي في كنز العمال رقم ( 32960 ) وقال : مطير والباوردي وابن شاهين وابن منده عن زياد بن مطرف وهو واه , وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد ( 9 / 108 ) وقال رواه الطبراني وفيه يحيى ابن يعلى الأسلمي وهو ضعيف .
(37) قوله " معرفة آل محمد براءة من النار " دليل على إمامة أهل البيت .
نقول أن هذا الحديث موجود في كتاب الشفاء للقاضي عياض بلا إسناد !! أي أن هذا الحديث المكذوب لا يساوي فلساً!! كما أن متنه مخالف لأصوال الدين الإسلامي ,وهو أشبه بكلام النصارى الذين يؤمنون بعقيدة الفداء !!
(38) قوله " من مات على حب آل محمد مات شهيداً " دليل على إمامة أهل البيت .
نقول أن هذا الحديث ذكره الثعالبي في تفسيره , وقد تبينا حال هذا الثعالبي في ما سبق مما يغني عن الإعادة , ولا أدري ما هو وجه الاستدلال بهذه الأحاديث في إثبات إمامة أثنى عشر شخص ؟؟!!
(39) قوله أن حب أهل البيت ليس بكاف .
هذا صحيح , فبعد أن بينّا من هم أهل البيت نقول هل يجب التمسك بالصالحين من أهل البيت فقط؟ الجواب بالطبع لا، لأنه ليس من المعقول أن يلم بعض أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم بالسنة كلها كعليّ مثلاً لأنه لا يمكن أن يحصل العلم بالقرآن والسنة له وحده، فلا بد أن يشاركه الصحابة الذين استأنسوا بصحبة النبي صلى الله عليه وسلم وشاهدوا التنزيل وعرفوا التأويل، وتعلموا منه صلى الله عليه وسلم , ويقابل حديث العترة من حيث المعنى قوله صلى الله عليه وسلم (( … فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عَضُّوا عليها بالنواجذ )) صحيح الترمذي (2157). وقوله صلى الله عليه وسلم (( إني لا أدري ما بقائي(1/20)
فيكم، فاقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر )) صحيح الترمذي برقم (2896). ففي هاذين الحديثين، حض بالتمسك بسنة الخلفاء الراشدين وخصوصاً أبو بكر وعمر فحديث العترة ليس على إطلاقه. وهذا ما يعترف به الرافضة الإمامية أيضاً وهو أن اتباع العترة هو بما وافق السنة وليس أن كل ما يقولونه حق، وما سواهم من الصحابة قولهم باطل، لذلك يروي الكليني في كتاب ( أصول الكافي ) ـ مثل البخاري عند السنة ـ عن أيوب بن الحر قال (( سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: كل شيء مردود إلى الكتاب والسنة وكل حديث لا يوافق كتاب الله فهو زخرف )) الكافي جـ 1 ص ( 55 ) .
(40) تحريفه لحديث كتاب الله وعترتي .
نقول أن حديث أهل بيتي الذي في مسلم جاء لفظه ( ما أن تمسكتم "به" فلن تضلوا ) ولكن الرافضة يحرفون الحديث ويقولون ( ما أن تمسكتم "بهما" فلن تضلوا !!) ولم يأتِ حديث واحد صحيح ولا حتى ضعيف ولا موضوع حتى فيه لفظ ( بهما ) !! والتمسك هو فقط بكتاب الله , وفي لفظ مسلم يدل على أن الذي أمرنا بالتمسك به وجعل المتمسك به لا يضل، هو كتاب الله وجاء في غير هذا الحديث عن جابر في حجة الوداع لما خطب يوم عرفة وقال: وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به كتاب الله. صحيح مسلم (2941).
(41) قوله أن أهل البيت أمان يعني أن غيرهم ليس بأمان .
نقول لقد تبين لنا في ما سبق ضعف هذا الحديث فهو ليس بحجة , ثم حتى ولو صحّ ( وهو غير صحيح كما قلنا ) فكيف فسرت هذا التفسير العجيب ؟! فإذا كان القرآن الكريم أمان للعالمين فهل يلزم من ذلك أن السُنة النبوية وكل ما عادا القرآن ليس بأمان !!؟ فأي استخفاف بعقول البشرية أعظم من هذا ؟؟!!
(42) قوله ( أقم الصلاة لدلوك الشمس ) تعني أن الصلوات ثلاثة .
قال تعالى { وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل } الآية وهو وقت المغرب والعشاء وكذلك قال الله تعالى { أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل(1/21)
وقرآن الفجر } والدلوك هو الزوال وغسق الليل هو اجتماع ظلمة الليل وهذا يكون بعد مغيب الشفق فأمر الله بالصلاة من الدلوك إلى الغسق فرض في ذلك الظهر والعصر والمغرب والعشاء ودل ذلك على أن هذا كله وقت الصلاة فمن الدلوك إلى المغرب وقت الصلاة ومن المغرب إلى غسق الليل وقت الصلاة وقال { وقرآن الفجر } لأن الفجر خصت بطول القراءة فيها ولهذا جعلت ركعتين في الحضر والسفر فلا تقصر ولا تجمع إلى غيرها فإنه عوض بطول القراءة فيها عن كثرة العدد .
(43) قوله " جمع رسول الله بين الظهر والعصر " يعني أنه يجوز الجمع .
أن الجمع الذي رواه لم يكن في مطر ولكن كان بن عباس في أمر مهم من أمور المسلمين يخطبهم فيما يحتاجون إلى معرفته ورأى أنه إن قطعه ونزل فاتت مصلحته فكان ذلك عنده من الحاجات التي يجوز فيها الجمع فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجمع بالمدينة لغير خوف ولا مطر بل للحاجة تعرض له كما قال ( أراد أن لا يحرج أمته ) , كما أن الجمع الذي ذكره ابن عباس هو الجمع الصوري، وهو أن يصلي المصلي صلاة الظهر في آخر جزء من وقتها أي القدر الذي يؤدي فيه أربع ركعات مثلا ثم يصلي صلاة العصر في أول جزء من وقتها فيظنه من رآه جمعاً وهو في الواقع ليس بجمع، لأن كل صلاة صليت في وقتها. ومن هنا سماه الفقهاء الجمع الصوري. وليس الجمع الحقيقي الذي تقدم فيه صلاة عن وقتها إلى وقت أخرى أو تأخر صلاة إلى وقت أخرى.(1/22)
(44) قوله أن هناك قراءة في القرآن .
نقول أن هذا القول لا تؤمن به الرافضة , وذلك أن عن الفضيل بن يسار قال : قلت لأبي عبد الله (ع) : إن الناس يقولون إن القرآن نزل على سبعة أحرف . فقال : كذبوا أعداء الله ولكنه نزل على حرف واحد من عند واحد . الكافي جـ 2 ص ( 630 ) أما بالنسبة لأهل السنة أهل الحق والوسطية فهم يؤمنون بذلك , وقول جعفر الصادق أو المنسوب إليه ( من عند واحد ) فهذا صحيح , فالله تعالى واحد أحد , ولكن قوله ( على حرف واحد ) فهذا فيه تكذيب للحقيقة , حيث ثبت بالأدلة القطعية النقلية منها والعقلية وقوع تعدد القراءات , وأن القرآن نزل على سبعة أحرف , والاختلاف هو اختلاف تعددي وسردي , وليس اختلاف تضاد وتناقض , فروايات نزل القرآن على سبعة أحرف إنما تعني فقط التوسعة على الناس بقراءة القرآن بمترادفات من اللفظ الواحد من ملاحظة أن جميع هذه المترادفات قد نزلت فعلاً من عند الله تعالى , وليس في ذاك أي انتقاص كيف يتوهم الرافضة من الذات الإلهية , لأن الذي أنزل الحرف الواحد هو نفسه جل جلاله الذي أنزل بقية الأحرف .
(45) قوله لا دليل على غسل الأرجل في الوضوء .
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية : غسل القدمين في الوضوء منقول عن النبي نقلا متواترا كحديث " ويل للأعقاب من النار " وقد تواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم المسح على الخفين ونقل عنه المسح على القدمين في موضع الحاجة مثل أن يكون في قدميه نعلان يشق نزعهما وأما مسح القدمين مع ظهورهما جميعا فلم ينقله أحد عن النبي وهو مخالف للكتاب والسنة أما مخالفته للسنة فظاهر متواتر وأما مخالفته للقرآن فلأن قوله تعالى (( وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين )) فيه قراءتان مشهورتان النصب والخفض فمن قرأ بالنصب فإنه معطوف على الوجه واليدين والمعنى فاغسلوا وجوهكم وأيديكم وأرجلكم إلى الكعبين وامسحوا برؤوسكم ومن قرأ بالخفض فليس معناه وامسحوا أرجلكم كما يظنه بعض(1/23)
الناس لأوجه : أحدها إن الذين قرأوا ذلك من السلف قالوا عاد الأمر إلى الغسل , الثاني أنه لو كان عطفا على الرؤوس لكان المأمور به مسح الأرجل لا المسح بها والله إنما أمر في الوضوء والتيمم بالمسح بالعضو لا مسح العضو فقال تعالى (( وامسحوا برؤوسكم )) وقال (( فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه )) ولم يقرأ القراء المعروفون في آية التيمم وأيديكم بالنصب كما قرأوا في آية الوضوء فلو كان عطفا لكان الموضعان سواء وذلك أن قوله (( وامسحوا برؤوسكم )) وقوله (( فامسحوا بوجوهكم وأيديكم )) يقتضي إلصاق الممسوح لأن الباء للإلصاق وهذا يقتضي إيصال الماء والصعيد إلى أعضاء الطهارة وإذا قيل امسح رأسك ورجلك لم يقتض إيصال الماء إلى العضو وهذا يبين أن الباء حرف جاء لمعنى لا زائدة كما يظنه بعض الناس .. والمسح اسم جنس يدل على إلصاق الممسوح به بالممسوح ولا يدل لفظه على جريانه لا بنفي ولا إثبات قال أبو زيد الأنصاري وغيره العرب تقول تمسحت للصلاة فتسمى الوضوء كله مسحا ولكن من عادة العرب وغيرهم إذا كان الاسم عاما تحته نوعان خصوا أحد نوعيه باسم خاص وأبقوا الاسم العام للنوع الآخر كما في لفظ الدابة فإنه عام للإنسان وغيره من الدواب لكن للإنسان اسم يخصه فصاروا يطلقونه على غيره .
(46) قوله ( إلى غسق الليل ) الغسق يعني الظلمة وهو دليل وقت صلاة المغرب .
أما الوقت فالأصل في ذلك أن الوقت في كتاب الله وسنة رسول الله نوعان وقت اختيار ورفاهية ووقت حاجة وضرورة , أما الأول فالأوقات خمسة وأما الثاني فالأوقات ثلاثة فصلاتا الليل وصلاتا النهار وهما اللتان فيهما الجمع والقصر بخلاف صلاة الفجر فإنه ليس فيها جمع ولا قصر لكل منهما وقت مختص وقت الرفاهية والاختيار والوقت مشترك بينهما عند الحاجة والاضطرار لكن لا تؤخر صلاة نهار إلى ليل ولا صلاة ليل إلى نهار , وقد دل على هذا الأصل إن الله في كتابه ذكر الوقوت تارة ثلاثة وتارة(1/24)
خمسة , أما الثلاثة ففي قوله { أقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل } وفى قوله { أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل } وقوله { فسبح بحمد ربك حين تقوم ومن الليل فسبحه وأدبار النجوم } , وأما الخمس فقد ذكرها أربعة في قوله { فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون وله الحمد في السموات والأرض وعشيا وحين تظهرون } وقوله { فأصبر على ما يقولون وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها ومن آناء الليل فسبح وأطراف النهار لعلك ترضى } وقوله { وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب ومن الليل فسبحه وأدبار السجود } والسنة هي التي فسرت ذلك وبينته وأحكمته , وذلك أنه قد ثبت بالنقل المتواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم ( أنه كان يصلى الصلوات الخمس في خمس مواقيت في حال مقامه بالمدينة وفى غالب أسفاره ) وقريب منه سؤال اليهود لرسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخمس صلوات . ذكره الجزائري في قصص الأنبياء ص ( 44 ) وفلاح السائل ص ( 125 ) لابن طاووس الحسني .
(47) قوله أن أهل البيت هم أناس لهم جاه عند الله ولهذا ندعوهم .
نقول أن هذه نفس حجة المشركين الأوائل , إذ قالوا عن أصنامهم (( ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى )) !! كما أن الله تعالى لم يأمرنا باتخاذ وسائط بيننا وبينه !! حتى أنه أخرج رسول الله من الآية الكريمة (( وإذا سألك عبادي عني فأني قريب )) ولم يقل له "فقل لهم أني قريب" كما حدث في الآيات الأخرى !! ويقول صلى الله عليه وآله : وإذا سألت فاسأل الله ، وإذا استعنت فاستعن بالله . من لا يحضره الفقيه جـ 4 ص ( 413 ) وسائل الشيعة للحر العاملي جـ 7 ص ( 43 ) وميزان الحكمة للريشهري جـ 2 ص ( 1223 ) وفيه قول : الإمام علي عليه السلام : من سأل غير الله أستحق الحرمان . وكذا قوله : لا تسألوا إلا الله سبحانه , فإنه إن أعطاكم أكرمكم , وإن منعكم خار لكم . ويقول الخوئي : الإيمان بالله يقتضي أن لا يعبد الإنسان أحدا(1/25)
سواه , ولا يسأل حاجته إلا منه, ولا يتكل إلا عليه , ولا يستعين إلا به , وإلا فقد أشرك بالله . البيان ص ( 460 ) .
(48) قوله أن في تركيا وباكستان وتونس يقدس الناس فيها الأضرحة .
ونقول أن في تركيا وباكستان وتونس أناس يشربون الخمر !! ويتعاطون المخدرات !! ويفعلون المحرمات !! بل وهذا في كل بلاد العالم !! فهل يعني هذا أن الخمر والمخدرات وكل المحرمات أصبحت حلالاً زلالاً بسبب ممارسة بعض المسلمين لها ؟؟! فوالله أظنه أنه لو نطق الجهل والحمق وسفه لتبرأ من قائل هذه الكلمات !!
(49) استدلاله بتقبيل على جواز تقبيل والتبرك بالقبور .
نقول أن هذا قياس , وهو في دينكم الرافضي باطل !! بل وقد شبه أمامهم الصادق من قاس بإبليس !! فكيف تقيس الآن ؟؟! كما أن الحجر الأسود نزل من الجنة والله تعالى هو من أمرنا وأمر نبيه صلى الله عليه وسلم بتقبيله , ويوضح ذلك قول عمر الفاروق رضي الله عنه : إني لأعلمُ إنك حجر لا تضر ولا تنفع , فلولا أني رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك . صحيح الترغيب جـ 1 ص ( 94, 41 ) ثم نحن نوجه نفس الكلام لمن يقبلون المصحف , والذي لا شك أنه بدعة , ونقول له : لماذا تقبل المصحف ؟! فإن قال أنا أعظم القرآن ! فنقول : وهل رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يعظم القرآن ؟! لا شك أنه كان يعظم القرآن ومع هذا لم يقبله , ثم هل كان هذا التعظيم والتبجيل كان خافياً على الصحابة وأهل البيت والسلف الصالح بأجمعه ؟؟! فلو كان في هذا حسنة أو خير لسبقونا إليه بلا شك .
(50) استدلاله بتبرك الصحابة بوضوء النبي صلى الله عليه وسلم .
أقول أن عجبي من هؤلاء الروافض لا ينقضي !!؟ فلم أرَ مذهب أول من يخالف تعاليمه هم أصحابه كما رأيت ذلك في مذهب الرافضة !! فجعفر الصادق يقول لهم أن القياس باطل وهم لا يكفون عن القياس !! ثم أن هذا القياس فاسد , لأنه قاس النبي صلى الله عليه وسلم بغيره من البشر(1/26)
, والنبي الكريم لا يُقاس بأحد , كما أن وضوئه وفضلاته الشريفة شيء وقبره الشريف شيء آخر , فالقبر ليس من آثاره ولا من فضلاته حتى نقول بجواز التبرك به , وهذا على قبره الشريف فما بالك بقبر غيره من الناس حتى ولو كانوا من سلالته .
(51) قوله ( ولا تحسبن الذي قتلوا في سبيل الله ) دليل على حياة النبي وأهل بيته .
نقول أن هؤلاء أحياء عند ربهم , وأموات عندنا نحن , ولا أدري كيف يفسرون قوله تعالى ( إنك مت وأنهم ميتون ) ؟؟! أو قوله ( كل نفس ذائقة الموت ) ؟؟! وعلى فرض أنهم أحياء وهذا باطل كما تبين , نقول ما الدليل على أنهم يسمعوننا ؟؟! ولو سمعوا ما الدليل على أن لديهم القدرة على أستجابة الدعاء ؟؟! وصدق الله تعالى القائل في محكم تنزيله (( والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير * إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون بشرككم ولا ينبئك مثل خبير ) فاطر : 13 , 14
(52) قوله ( وابتغوا إليه الوسيلة ) دليل على جواز التوسل بالأولياء .
نقول أن الوسيلة تعني العمل الصالح , يقول المجلسي : ( أي ما تتوسلون به إلى ثوابه والزلفى منه من فعل الطاعات وترك المعاصي ) بحار الأنوار جـ 67 ص ( 271 ) ويقول الطبرسي : ( الوسيلة كل ما يتوسل به إليه من الطاعات وترك المقبحات ) جوامع الجامع جـ 1 ص ( 496 ) وكذا في تفسير الصافي للكاشاني جـ 2 ص ( 33 ) بل أن الله تعالى يقول ( وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان ) ولم يقل كما في كل الآيات الأخرى : فقل أني قريب !! كما أننا نقرا في كتب سير عن خلفاء كأمثال عمر الفاروق الذي كان متواضعاً ولا يتكبر ولا يتجبر , وكان يتمكن أضعف الناس من مخاطبته !! فهل عمر الفاروق وغيره من الخلفاء أفضل من آلهكم الذي تزعمون أنه لا يمكن الوصول إليه إلا بالواسطة ؟؟! وما الفرق بينكم وبين المشركين الذين قالوا عن أصنامهم ( ما نعبدهم إلا ليقربونا(1/27)
إلى الله زلفى ) ؟؟! وصدق الله تعالى إذ قال ( وما أموالكم ولا أولدكم بالتي تقربكم عندنا زلفى إلا من آمن وعمل صالحاً ) سبأ : 37
(53) قوله بأن الله أمر بإتمام الصيام إلى الليل .
نقول أن مثل هذه الآيات يرجع تفسيرها للسنة النبوية الشريفة , وقد حدث نفس هذا التفسير لبعض أصحاب النبي صلى الله وسلم , حيث كانوا يظنون أن الليل لا يتحقق بعد غروب الشمس فوراً , فأُفهموا بأنه يكفي أول الظلام من جهة المشرق بعد اختفاء قرص الشمس مباشرة , راجع حديث عبد الله بن أبي أوفى في البخاري جـ 4 ص ( 199 ) وقد ثبت أيضاً أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم اقتدوا بقوله فوافق فعلهم قوله صلى الله عليه وسلم , فقد كان أبو سعيد الخُدري يُفطر حين يغيبُ قرصُ الشمس . انظر المصنف جـ 3 ص ( 12 ) والفتح للحافظ جـ 4 ص ( 196 ) ويقول المؤسس الثاني لمذهب الرافضة المفيد : حد دخول الليل مغيب قرص الشمس . راجع المقنعة ص ( 300 ) ووسائل الشيعة للعاملي جـ 10 ص ( 125 ) .
(54) قوله أن النبي نهي عن الصلاة البتراء .
نقول أن حديث ( لا تصلوا عليّ الصلاة البتراء ) غير موجود في كتب السنة على الإطلاق , وهو موجود بكل تأكيد في عقول الكذابين الذين يتخذون من الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم ديناً يتعبدون الله به!!
(55) قوله " قولوا اللهم صلّ على محمد وآل محمد " دليل على لزوم الصلاة على الآل .
نقول لقد وردت أحاديث أخرى تبين أن الصلاة على الآل ليس واجبة , منها قوله صلى الله عليه وسلم يقول من صلى علي صلاة لم تزل الملائكة تصلى عليه ما صلى علي فليقل عبد من ذلك أو ليكثر ورواه ابن ماجة من حديث شعبة به . مسند أحمد (( 15126 )) وكذلك قوله أولى الناس بي يوم القيامة أكثرهم على صلاة. سنن الترمذي (( 446 )) وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم إن جبريل عليه السلام قال لي ألا أبشرك إن الله عز وجل يقول من صلى عليك صليت عليه ومن سلم عليك سلمت عليه .(1/28)
مسند أحمد (( 1574 )) وكل هذه الأحاديث وغيرها لم يُذكر فيها الصلاة على الآل .
(56) قوله أنه لا دليل على جواز الصلاة على الصحابة .
نقول اختلف أهل السنة في حكم الصلاة على غير النبي صلى الله عليه وسلم فقال بالمنع مالك والشافعي والمجد ابن تيمية، وحجتهم في ذلك أن ابن عباس قال (( لا تصلح الصلاة على أحد إلا على النبي صلى الله عليه وسلم ولكن للمسلمين والمسلمات الاستغفار )) وقال بالجواز أحمد بن حنبل واختاره أكثر أصحابه كالقاضي وابن عقيل والشيخ عبد القادر واحتجوا بما روى عن على أنه قال لعمر: صلى الله عليك .. راجع مجموع الفتاوى جـ22 ص (472 ـ 474). واتفقوا على جواز جعل غير الأنبياء تبعاً لهم في الصلاة فيقال (( اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد وأصحابه وأزواجه وذريته وأتباعه، للأحاديث الصحيحة في ذلك، وقد أمرنا به في التشهد، ولم يزل السلف عليه خارج الصلاة أيضاً )) الأذكار للإمام النووي ص (177) وانظر مسائل من فقه الكتاب والسنة لعمر الأشقر ص (62 ـ 63).
(57) قوله أن الصحابي هو من رأى النبي وسمع حديثه !
نقول أن تعريف الصحابي في الاصطلاح: (( الصحابي من اجتمع بالنبي صلى الله عليه وسلم مؤمن به ومات على ذلك )) لمعة الإعتقاد لابن قدامة ص (140)، وهذا التعريف يقتضي أنه من رأى النبي غير مؤمن به ومات على ذلك لا يدخل في مسمى الصحبة له . إذا كان المنافقون جزءاً من الصحابة ( زعموا ) فمعنى ذلك أن كل من رأى النبي صلى الله عليه وسلم فهو صحابي لعدم اشتراط الإيمان به والموت على ذلك ولأن المنافق من جملة الكافرين فليس صحابياً ولكن الرافضة لا يشترطون الإيمان فيدخلونه في مسمى الصحابي ومعنى ذلك أن اليهود والنصارى والمشركين الذين رأوا النبي صلى الله عليه وسلم سيدخلون في مسمى الصحابة لأنه لا يشترط الإيمان في الصحبة وهذا الكلام لا يقوله إلا من تشبع بالغباء فضلاً عن العقلاء، فإذا اعترف الرافضة بأن(1/29)
الصحابي هو من رأى النبي صلى الله عليه وسلم مؤمناً به ومات على ذلك فقد أبطلوا الادعاء بأن المنافق صحابي لأنه ليس من أهل الإيمان بالاتفاق.
(58) قوله ( ومن أهل المدينة مردوا على النفاق ) دليل على أن في الصحابة منافقين .
يقول ابن القيم (( المنافق الذي يظهر الإسلام ومتابعة الرسول ويبطن الكفر ومعاداة الله ورسوله )) طريق الهجرتين وباب السعادتين لابن قيم الجوزية ص (662). وبعد هذا البيان التعريفي لكلمتي ( الصحابي والمنافق) نخلص إلى أنهما لا يتفقان لا من الناحية اللغوية ولا من الناحية الاصطلاحية فالصحابي هو الذي آمن بالنبي صلى الله عليه وسلم ومات على الإسلام والمنافق من أظهر الإيمان وأبطن الكفر، فلا يتوافق أن يكون الصحابي منافقاً ولا المنافق صحابياً.
(59) قوله ( إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد أنك رسول الله ) دليل على ذلك أيضاً .
نقول لاشك أن علياً وبقية الصحابة الذين تترضون عنهم سيدخلون في باب المنافقين لأنكم فتحتم الباب على مصراعيه ولم تحددوا من هم الصحابة ومن هم المنافقون!! ونحيل الرافضة إلى كتاب ( مجمع البيان في تفسير القرآن ) للإمام الطبرسي ـ وهو من أكابر علمائهم ـ فقد أورد سبب نزول سورة المنافقين في ابن أبي سلول فقال (( نزلت الآيات في عبد الله بن أبي ـ المنافق ـ وأصحابه ... )) مجمع البيان ص ( 85 ) ويقول الإمام الحسن العسكري ، وهو الإمام الحادي عشر عند القوم ـ في تفسيره مبيناً منزلة الصحابة الكرام عندما سأل موسى عليه السلام الله بضع أسئلة منها قوله ((..هل في صحابة الأنبياء أكرم عندك من صحابتي قال الله عز وجل: يا موسى أما علمت أن فضل صحابة محمد على جميع صحابة المرسلين كفضل آل محمد على جميع آل النبييين وكفضل محمد على جميع المرسلين )) تفسير الحسن العسكري ص (11) .
(60) قوله أن حديث الحوض دليل على دخول بعض الصحابة النار !
نقول أن المذكورين في الحديث هم الذين(1/30)
ارتدوا على عهد أبي بكر يعني حتى قتلوا وماتوا على الكفر، وقال الخطابي: لم يرتد من الصحابة أحد وإنما ارتد قومٌ من جفاة الأعراب ممن لا نصرة له في الدين , يقول الفضل الطبرسي ( وهو من أكابر علماء الشيعة ) في تفسيره ( مجمع البيان ) عند تفسير قوله تعالى { فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم } ...اختلف فيمن عنوا به على أقوال فذكر أربعة أقوال وذكر في آخرها أنهم أهل البدع والأهواء من هذه الأمة ثم استدل على ذلك من حديث ( الارتداد ) فقال (( ورابعها أنهم أهل البدع والأهواء من هذه الأمة عن علي (ع) ومثله عن قتادة أنهم الذين كفروا بالارتداد، ويروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال والذي نفسي بيده ليردن على الحوض ممن صحبني أقوام حتي إذا رأيتهم اختلجوا دوني فلأقولن أصحابي أصحابي أصحابي فيقال إنك لا تدري ما أحدثوا بعد إيمانهم ارتدوا على أعقابهم القهقري، ذكره الثعلبي في تفسيره فقال أبو أمامة الباهلي: هم الخوارج ويروي عن النبي أنهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية...)) مجمع البيان جـ2 ص (162) . أما بالنسبة للصحبة فإنها إسم جنس ليس له حد في الشرع ولا في اللغة، والعرف فيها مختلف والنبي صلى الله عليه وسلم لم يقيد الصحبة بقيد ولا قدّرها بقدْرٍ بل علّق الحكم بمطلقها ولا مطلق لها إلا الرؤية , فقد جاء في رواية (( ليردن عليّ الحوض رجالٌ ممن صحبني ورآني )) فتح الباري جـ11 ص (393) بالإضافة إلى أنه ذكرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بصيغة التصغير فقد روى أنس بن مالك فيما أخرجه البخاري ومسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (( ليردن عليّ الحوض ممن صاحبني حتى إذا رأيتهم ورفعوا إليّ اختلجوا دوني فلأقولنّ أى ربي أُصَيْحابي أُصَيْحابي فَلَيقالنّ لي: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك )) شرح مسلم (2304) والبخاري (6211). بالإضافة إلى أنه قد جاء في بعض الروايات ( أنهم من أمتي ) ومرة ((1/31)
رجال منكم ) ومرة ( زمرة ) فلا يصح أن يحمل المعنى على نص واحد فقط هو في حد ذاته ليس دليلاً على ذم الصحابة فبات ظاهراً لدينا أن الأمر لا يعدو أن يكون من خزعبلات الرافضة. أما قوله في الحديث أنه عرفهم ليس بالضرورة أنه عرفهم بأعيانهم بل بمميزات خاصة كما يوضحها حديث مسلم (( ترد عليَّ أمتي الحوض وأنا أذود الناس عنه كما يذود الرجل إبل الرجل عن إبله، قالوا: يا نبي الله أتعرفنا؟ قال: نعم لكم سيما ليست لأحد غيركم تردون عليّ غراً محجلين من آثار الوضوء. وليُصدَّن عني طائفة منكم فلا يصلون، فأقول: يارب هؤلاء من أصحابي فيجبني ملك فيقول: وهل تدري ما أحدثوا بعدك؟)) شرح مسلم جـ3 ص برقم (247) .(1/32)
(61) قوله أن من سب صحابياً فقد كفر .
نقول أن من سبهم بالجملة فهو كافر , لأنه من شكك في الناقل فقد شكك في المنقول , وهذا فيه طعن في الإسلام ، وكذلك من سب واحداً منهم تواترت النصوص بفضله ، فيطعن فيه بما يقدح في دينه وعدالته ، وذلك لما فيه من تكذيب لتلك النصوص المتواترة والإنكار والمخالفة لحكم معلوم من الدين بالضرورة . ونقل الخلال عن الإمام أحمد أنه سئل عمن يشتم أبا بكر وعمر وعائشة رضي الله عنهم أجمعين فقال: ما أراه على الإسلام . وأما من سب من تواترت النصوص بفضله بما لا يقدح في دينه وعدالته، كأن يصفه بالبخل أو الجبن ، أو سب بعض من لم تتواتر النصوص بفضله ، فلا يكفر بمجرد ذلك السب، لعدم إنكاره ما علم من الدين بالضرورة ، ولكنه يكون قد أتى ما يوجب تأديبه وتعزيره . وأما ما ذكره من لعن علي فإن التلاعن وقع من الطائفتين كما وقعت المحاربة وكان هؤلاء يلعنون رؤوس هؤلاء في دعائهم وهؤلاء يلعنون رؤوس هؤلاء في دعائهم وقيل إن كل طائفة كانت تقنت على الأخرى والقتال باليد أعظم من التلاعن باللسان وهذا كله سواء كان ذنبا أو اجتهادا مخطئا أو مصيبا فإن مغفرة الله ورحمته تتناول ذلك بالتوبة والحسنات الماحية والمصائب المكفرة وغير ذلك , ثم من العجب أن الرافضة تنكر سب علي وهم يسبون أبا بكر وعمر وعثمان .
(62) قوله أن الصحابة سبوا بعضهم وقتلوا بعضهم .
يقول الله تعالى { وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداها على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين، إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويْكُم } ( الحجرات 9ـ 10 ) فأثبت لهم الإيمان والأخوة مع أنهم قاتلوا بعضهم بعضاً وإذا كانت هذه الآية يدخل فيها المؤمنين فالأولى دخول الصحابة فيها , ، وأهل السنة يقولون: إن أهل الجنة ليس من شرطهم سلامتهم عن الخطأ، بل ولا عن(1/33)
الذنب، بل يجوز أن يذنب الرجل منهم ذنباً صغيراً أو كبيراً ويتوب منه، وهذا متفق عليه بين المسلمين , ونحن قد علمنا أنهم من أهل الجنة، ولو لم يعلم أن أولئك المعينين في الجنة لم يجز لنا أن نقدح في استحقاقهم للجنة بأمور لا نعلم أنها توجب النار، فإن هذا لا يجوز في آحاد المؤمنين الذين لم يعلم أنهم يدخلون الجنة، فليس لنا أن نشهد لأحد منهم بالنار لأمور محتملة لا تدل على ذلك، فكيف يجوز مثل ذلك في خيار المؤمنين !!؟ فكان كلامنا في ذلك كلاماً فيما لا نعلمه، والكلام بلا علم حرام، ولهذا كان الإمساك عما شجر بين الصحابة خيراً من الخوض في ذلك بغير علم بحقيقة الأحوال .
(63) قوله أن الصحابة اجتهدوا وهو أيضاً يجتهد !
نقول إن الاجتهاد لا يكون في الثوابت , كما أنه لا يكون في النصوص القطيعة الثبوت والقطعية الدلالة , فهناك مناطق لا يجوز فيها الاجتهاد , كما يمكن الاجتهاد في غيرها إذا أمتلك المرء أدوات الاجتهاد وأصبح مجتهداً , ولكن الذي لا نفهمه هو كيف يقارن هذا الرافضي نفسه بأولئك الصحابة الأجلاء والذين زكاهم الله تعالى في القرآن الكريم !!؟ فهل وردت تزكيتكم أنتم أيضاً في كتابه الحكيم ؟؟!
(64) قوله أن القول بعدم عصمة الأنبياء هو انتقاص منهم .
نقول لقد أجمع العلماء على أنه يقع من النبي أخطاء ، ولكن على سبيل فعل خلاف الأولى . فقد تعْرِض له المسألة، وليس عنده في ذلك نص شرعي يستند إليه فيجتهد برأيه كما يجتهد العالِم من آحاد المسلمين فإن أصاب نال من الأجر كِفْلين، وإن أخطأ نال أجراً واحداً .
(65) قوله أن الإمام السارق لا تجوز الصلاة وراءه .
نقول كل من صحت صلاته لنفسه صحت صلاته لغيره , ولكن الصلاة خلف المنحرفين مكروهة ، فجمهور أهل السنة يرون أن العاصي تصح إمامته إن توافرت فيه شروط الإمامة ، مع القول بكراهة إمامته ، فالأولى أن يصلي بالناس رجل صالح , أما مخالفة الرافضة فلا لا تقوم على أي دليل(1/34)
اللهم إلا الهوى .
(66) قوله أن القول بعدم عصمة الأنبياء لا يجعل منهم قدوة .
نقول بل أن العكس هو الصحيح , فكيف يأمرنا الله تعالى أن نتخذهم قدوة وهم يختلفون عنا ؟؟! فهذا أشبه بأن يأمرنا الله بأن نتخذ من الملائكة قدوة لنا !! وهذا تكليف لا يطيقه البشر , كما أنه مخالف للعدل الإلهي , ولهذا فإن الله عصمهم من الكبائر فلا تقع منهم بحال من الأحوال، وهم معصومون من الذنوب الظاهرة والباطنة، أما الأخطاء التي تصدر عن اجتهاد دون سبق نص فيجوز أن تصدر عنهم، ولكن الله تعالى لا يقرهم على خطئهم بل يبين لهم خطأهم رحمة بهم ، ويوفقهم للتوبة والأوبة إليه والاستغفار بعد ذلك , إذن فالعبرة بما أستقر عليه الأمر , وهو تبيين الخطأ .(1/35)
(67) قوله أن القول بعدم عصمة الأنبياء جعل هنالك شك في التنزيل .
نقول أن من قرأ القرآن الكريم وجد عشرات الآيات التي تتحدث عن أخطاء الأنبياء عليهم الصلاة والسلام , وهذه الآيات تفيد أن ابن آدم جميعهم يخطئون حتى الأنبياء ، فليس لأحد أن يخلو من الذنب في حياته الدنيوية ، وتلك الأخطاء إنما هي خارجه عن نطاق التبليغ برسالات الله , فلا عصمه إلا بالتبليغ , وهذا ما أكده صلى الله عليه وسلم حيث قال : إنما أنا بشر مثلكم , وإن الظن يخطئ ويصيب , ولكن ما قلت لكم قال الله , فلن أكذب على الله. كنز العمال ( 32181 ) ونقله الريشهري الرافضي في ميزان الحكمة جـ 4 ص ( 3203 ) .
(68) قوله " أن النبي بال قائماً " ينتقص من النبي صلى الله عليه وسلم .
نقول وما هو هذا الانتقاص المزعوم ؟؟! وسوف نترك جعفر الصادق يرد عليهم حيث جاء عن رجل عنه ( عليه السلام ) قال سألته عن الرجل يطلي فيتبول وهو قائم قال لا بأس به . الكافي جـ 6 ص ( 500 ) . قال ابن قتيبة : ونحن نقول ليس ههنا بحمد الله اختلاف , ولم يبل قائماً قط في منزله والموضع الذي كانت تحضره فيه عائشة رضي الله عنها , وبال قائماً في المواضع التي لا يمكن أن يطمئن فيها , أما للثق ( الندى ) في الأرض وطين أو قذر . وكذلك الموضع الذي رأى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم حذيفة يبول قائماً , كان مزبلة لقوم , فلم يمكنه العقود فيه , وحكم الضرورة خلاف حكم الاختيار . تأويل مختلف الحديث ص ( 92 ) .
(69) قوله " أن موسى صك ملك الموت " ينتقص من موسى عليه السلام .
يقول الإمام ابن حجر : ( أن الله لم يبعث ملك الموت لموسى وهو يريد قبض روحه حينئذ ،وإنما بعثه إليه اختيارا وإنما لطم موسى ملك الموت لأنه رأى آدمياً دخل داره بغير إذنه ولم يعلم أنه ملك الموت ، ....وقد جاءت الملائكة إلى إبراهيم وإلى لوط في صورة آدميين فلم يعرفاهم ابتداء ، ولو عرفهم إبراهيم لما قدم لهم المأكول ولو(1/36)
عرفهم لوط لما خاف عليهم من قومه ) فتح الباري جـ 6 ص ( 510 ) وثبت بالكتاب والسنة أن الملائكة يتمثلون في صور الرجال ، وقد يراهم كذلك بعض الأنبياء فيظنهم من بني آدم كما في قصتهم مع إبراهيم ومع لوط عليهما السلام ، واقرأ من سورة هود الآيات 69-80 ، وقال في مريم عليها السلام { فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فََتمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيًّا } [مريم /17] .
(70) قوله أن حديث الجاريتان ينتقص من النبي صلى الله عليه وسلم .
نقول وهذان الحديثان لا يوجد ما يقدح بهما فالجاريتان اللتان ذكرتا هما فتاتان لم تبلغا الحلم، وكانتا تغنّيان في يوم عيد وبالطبع ليس كالغناء المعروف الذي يحرّك الساكن ويبعث الكامن ويثير الغريزة من الغناء المحرّم، وهذا ظاهر بقول عائشة ( وليستا بمغنّيتين ) وأما انتهار أبو بكر لهما وإضافة الضرب بالدف لمزمار الشيطان فلأنها تلهي وتشغل القلب عن الذكر، ولكن صلى الله عليه وسلم قال له: دعهما وعلل ذلك بقوله ( إن لكل قوم عيداً، وهذا عيدنا ) والحديث الآخر فيه أن جارية سوداء قالت للرسول صلى الله عليه وسلم أنها نذرت إن رجع سالماً أن تضرب بالدف فقال لها ( إن كنت نذرت فاضربي، وإلا فلا ) فأباح لها النبي صلى الله عليه وسلم أن تضرب لايفاء النذر وإلا فلا , ثم بعد ذلك دخل أبو بكر ثم عليّ ثم عثمان وعندما دخل عمر ألقت الجارية بالدف ثم قعدت عليه فقال الرسول صلى الله عليه وسلم ( إن الشيطان ليخاف منك ياعمر ) فهل بعد هذا المدح من النبي صلى الله عليه وسلم لعمر من مديح.
(71) قوله نزول ( عبس وتولى ) في النبي صلى الله عليه وسلم ينتقص منه .
نقول ليس في ذلك أي انتقاص , وقد تبين لنا مما سبق أن عصمة الأنبياء عليهم السلام هي في التنزيل , كما أنهم معصومون من الكبائر , وليس في ذلك أي انتقاص منهم .
(72) قوله أن ( عبس وتولى )(1/37)
نزلت في عثمان بن عفان .
نقول وكيف تنزل سورة كاملة مكملة على رجل غير النبي صلى الله عليه وسلم ؟؟ فهذا من أعجب من سمعت !! أيعقل أن تنزل سور كاملة على عثمان بسبب خطأ أرتكبه !!؟ ولماذا لم تنزل على بقية الصحابة الذين أخطئوا أيضاً !! ولا أدري كيف يسفر قول أمامه الذي يعتبره معصوماً وهو الصادق أنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا رأى عبد الله بن أم مكتوم قال: "مرحبا مرحبا! لا والله، لا يعاتبني الله فيك أبدا" وكان يصنع به من اللطف حتى كان يكف عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مما يفعل به." المجمع جـ 5 ص ( 437 ) . وبحار الأنوار جـ 17 ص ( 77 ) ونور الثقلين للحويزي جـ 5 ص ( 509 ) وتفسير الميزان للطباطبائي جـ 20 ص ( 204 ) وتفسير البرهان جـ 3 ص ( 161 ) ومجمع البحرين للطريحي جـ 3 ص ( 112 ) .
(73) قوله " يضع الرب قدمه على جهنم " تنقص من الذات الإلهية .
فقوله سبحانه وتعالى ( يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون ) [سورة القلم : الآية 42] هو بيان لبعض ما يكون يوم القيامة ، وأن الله سبحانه يكشف عن ساقه فيسجد له المؤمنون ولا يستطيع ذلك المنافقون . وفي هذه الآية إثبات لصفة الساق لله سبحانه كغيرها من الصفات التي تليق بجلاله ، نؤمن بها لفظاً ومعنىً ونفوض كيفيتها إلى الله سبحانه القائل ( ليس كمثله شيء وهو السميع البصير )[ الشورى: 11] والقائل ( ولا يحيطون به علماً )[ طه: 110] , وإذا كان إثبات الصفات يلزم منه ( حسب قولكم ) تشبيه الله بالموجودات , فليزم من ذلك أن تعطيل صفات الله يلزم منه تشبيه الله بالمعدومات , فقد وقعتم في نفس شرك الذين حاولتم الهروب منه , وكما قال العلماء : المجسم يعبد صنماً , والمعطل يعبد عدماً , ودين الله بين هذا وذاك , يقول تعالى ( ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ) فـ "ليس كمثله شيء" رد على المجسمة , و "هو السميع البصير" رد على المعطلة .
(74) قوله(1/38)
أن القول بأن الله يضحك تنقص من الذات الإلهية .
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية : إن قول القائل ( الضحك خفة الروح ) إن أراد به وصفا مذموما فهذا يكون لما لا ينبغي أن يضحك منه وإلا فالضحك في موضعه المناسب له صفة مدح وكمال وإذا قدر حيان أحدهما يضحك مما يضحك منه والآخر لا يضحك قط كان الأول أكمل من الثاني ولهذا قال النبي : ( " ينظر إليكم الرب قنطين فيظل يضحك يعلم أن فرجكم قريب " فقال له أبو رزين العقيلي يا رسول الله أو يضحك الرب قال : " نعم " قال لن نعدم من رب يضحك خيرا ) فجعل الأعرابي العاقل بصحة فطرته ضحكه دليلا على إحسانه وإنعامه فدل على أن هذا الوصف مقرون بالإحسان المحمود وانه من صفات الكمال والشخص العبوس الذي لا يضحك قط هو مذموم بذلك وقد قيل في اليوم الشديد العذاب انه { يوما عبوسا قمطريرا } [الإنسان/10] وما يميز الإنسان عن البهيمة صفة كمال فكما إن النطق صفة كمال فكذلك الضحك صفة كمال فمن يتكلم اكمل ممن لا يتكلم ومن يضحك أكمل ممن لا يضحك وإذا كان الضحك فينا مستلزما لشيء من النقص فالله منزه عن ذلك وذلك الأكثر مختص لا عام فليس حقيقة الضحك مطلقا مقرونة بالنقص كما إن ذواتنا وصفاتنا ووجودنا مقرون بالنقص ولا يلزم أن يكون الرب موجدا وان لا تكون له ذات .
(75) قول الذي يمثل دور سني أن الشفاعة تدل على عدم العدل الإلهي .
نقول أن الشافعة ثابتة بالكتاب والسنة , ونحن أهل السنة لا ننكرها على الإطلاق , فهي ثابتة للأنبياء والرسل والملائكة والشهداء والصالحين على اختلاف مراتبهم عند الله تعالى، والأدلة على ذلك كثيرة، منها: ما في مسند الإمام أحمد ليدخلن الجنة بشفاعة رجل ليس بنبي مثل الحيين أو مثل أحد الحيين: ربيعة ومضر. وهذا القدر من هذا الحديث قال الأرناؤوط: صحيح بطرقه وشواهده. ومنها: ما ثبت في مسند أحمد والترمذي وابن ماجه من أن الشهيد يشفع في سبعين ألفا من أقاربه. والشفاعة أنواع, ومن أهمها وهي(1/39)
أعظمها على الإطلاق: شفاعة نبينا صلى الله عليه وسلم لأهل الموقف لفصل القضاء، وهي المقام المحمود الذي وعده الله تعالى يوم القيامة. ومنها: الشفاعة لتخفيف العذاب عن بعض الكفار، وهذه أيضاً خاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم. ومنها: الشفاعة فيمن استوجبوا النار بأعمالهم فلم يدخلوها بسبب الشفاعة. ومنها: الشفاعة في رفع درجات المشفوع لهم.
(76) قوله " أن النبي كان يصلي على الخمرة " دليل على جواز الصلاة على التربة .
يقول الملا علي القاري : (( قد روى أحمد وأبو داود والحاكم عن المغيرة أنه عليه الصلاة والسلام كان يصلي على الحصيرة والفروة المدبوغة، وروى ابن ماجه عن ابن عباس أنه عليه الصلاة والسلام كان يصلي على بساط، وفيه رد على الرافضة حيث لا يجوزون الصلاة والسجدة إلا على الأرض، وجنسها وإن كان هو الأفضل اتفاقاً )) . شرح مسند أبي حنيفة ص ( 42 ) . وقال الشوكاني في النيل : (( والحديث يدل على أنه لا بأس بالصلاة على السجادة سواء كان من الخرق و الخوص أو غير ذلك، سواء كانت صغيرة أو كانت كبيرة كالحصير والبساط لما ثبت من صلاته صلى الله عليه وسلم على الحصير والبساط والفروة. وقد أخرج أحمد في مسنده من حديث أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأفلح: يا أفلح ترب وجهك أي في سجوده. قال العراقي: والجواب عنه أنه لم يأمره أن يصلي على التراب وإنما أراد به تمكين الجبهة من الأرض وكأنه رآه يصلي ولا يمكن جبهته من الأرض فأمره بذلك لا أنه رآه يصلي على شيء يستره من الأرض فأمره بنزعه )) نيل الأوطار جـ 2 ص ( 130 ) .أما من حمله على الكراهة فيحمل على كراهة التنزيه كما قال الحافظ.
(77) قوله " وجعلت لي الأرض مسجداً " دليل على جواز الصلاة على التربة .
قال العراقي: أراد بالطيبة الطاهرة وبالطهور المطهر لغيره فلو كان معنى طهوراً طاهراً لزم تحصيل الحاصل وفيه أن الأصل في الأشياء الطهارة وإن غلب ظن النجاسة وأن الصلاة(1/40)
بالمسجد لا تجب وإن أمكن بسهولة وكان جاراً بالمسجد وخبر لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد لم يثبت وبفرضه المراد لا صلاة كاملة وهذا الخبر وما بعده قد احتجت به الحنفية على جواز التيمم بسائر ما على وجه الأرض ولو غير تراب وأخذ منه بعض المجتهدين أنه يصح التيمم بنية الطهارة المجردة لأنه لو لم يكن طهارة لم تجز الصلاة به وخالف الشافعي وردَّ ذلك بأنه مجاز لتبادر غيره والأحكام تناط باسم الحقيقة دون المجاز وبأنه لا يلزم من نفي الطهارة الحقيقية نفي المجازية.
(78) قوله أن الصحابة كانوا يأخذون الحصى ويصلون عليها .
أقول سوف أنقل الرواية كاملة حتى تتبين لنا الأمانة التي ألتزم بها القوم !! جاء في سنن أبي داود وغيره عن جابر بن عبد الله، قال: كنت أصلِّي الظهر مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فآخذ قبضةً من الحصى لتبرد في كفي، أضعها لجبهتي أسجد عليها لشدة الحر (!!) وعند البيهقي عن أنس في شدّة الحرّ فيأخذ أحدنا الحصباء في يده فإذا برد وضعه وسجد عليه (!) فهذه الأحاديث واضحة بفضل الله ولا تحتاج إلى شرح طويل , فصحابة الكرام لم يفعلوا ذلك تقرباً إلى الله كما يفعل الرافضة المبطلة, إنما فعلوا ذلك لأجل حاجة والتي هي شّدة الحّر .
(79) قوله أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحرم المتعة .
نقول إن زواج المتعة كان مباحاً في أول الإسلام ثم حُرِّم ثم أبيح ثم حُرم إلى يوم القيامة، والذي حرمه النبي صلى الله عليه وسلم ولم يحرمه عمر ولا علي رضي الله عنهما، إنما شدد عمر في النكير على من لم يبلغه التحريم والذي روى حديث التحريم المؤبد هو علي رضي الله عنه. وقد روى البخاري ومسلم في صحيحيهما: أن عليا رضي الله عنه قال لابن عباس رضي الله عنهما: "إن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن المتعة وعن لحوم الحمر الأهلية زمن خيبر". صحيح البخاري جـ 6 ص ( 129 ) وفي رواية: "عن متعة النساء زمن خيبر" ص ( 230 ) ولا يصح زواج المتعة(1/41)
حضرا ولا سفرا فإنها حرام إلى يوم القيامة. وأخرج البيهقي من حديث أبي ذر قال: "إنما أحلت لنا أصحاب محمد متعة النساء ثلاثة أيام ثم نهى عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم". وجاء النسخ المؤبد بقوله صلى الله عليه وسلم: "إنها حرام إلى يوم القيامة . السنن الكبرى جـ 7 ص ( 203 ) . ومن كتب الرافضة . الاستبصار جـ 3 ص ( 142 ) والتهذيب جـ 7 ص ( 251 ) ووسائل الشيعة جـ 21 ص ( 12 ).
(80) قوله أن عمر بن الخطاب هو من حرم المتعة .
نقول أن عمر شدد في تحريهما , وأن الذي استمتع في عهد أبي بكر وشطراً من خلافة عمر لم يبلغه النسخ منهم جابر رضي الله عنه نفسه , وليس في الحديث دلالة على أن أبا بكر رضي الله عنه يرى حلها إذ لم يذكر جابر اطلاع أبي بكر على فاعلها والرضى به , وأنه لا يلزم من كون البعض فعلها أو مارسها في عهد أبي بكر أن يكون مطلعاً عليها , ولعل السبب في عدم اطلاع الصديق عليها لكونها " نكاح سر" حيث لم يشترط فيها الإشهاد ، ولما كانت خالية عن الإعلان حق لها أن تخفي على القريب فضلا عن المضطلع بأعباء الخلافة وأمر المسلمين كافة كأبي بكر .
(81) قوله أن قول عمران بن حصين " لم ينزل قرآن يحرم المتعة " دليل على حليتها .
نقول أن هذا عن متعة الحج , والحديث أخرجه البخاري في كتاب التفسير " تفسير سورة البقرة " باب { فمن تمتع بالعمرة إلى الحج }. وأورده مسلم أيضاً في كتاب ( الحج ) !! وأطبق شراح صحيح البخاري كالعسقلاني والعيني و القسطلاني وشراح صحيح مسلم كالنووي والمازري وغيرهم على تفسير المتعة هنا " بمتعة الحج" .
(82) قوله أن قول جابر " حتى نهي عمر عن المتعة " دليل على حليتها .
نقول أن الذي استمتع في عهد أبي بكر وشطراً من خلافة عمر لم يبلغه النسخ , ومنهم جابر رضي الله عنه نفسه , كما ليس في الحديث دلالة على أن أبا بكر رضي الله عنه يرى حلها إذ لم يذكر جابر اطلاع أبي بكر على فاعلها والرضى به ، كما أن(1/42)
كتب السنة لم تذكر رأي أبي بكر رضي الله عنه في المتعة والظاهر أن موقفه وهو الملازم لرسول الله صلى الله عليه وعلى وسلم في جميع غزواته وأغلب حالاته التحريم لها ، والذي نقصده في هذه السطور أنه لا يلزم من كون البعض فعلها أو مارسها في عهد أبي بكر أن يكون مطلعاً عليها , ولو اطلع الصديق على فاعلها في خلافته لوقف منها موقف الفاروق عمر رضي الله عنه لأن الفاروق فعلت في عهده ولم يطلع عليها كما يدل عليه حديث جابر الثاني ثم اطلع بعد ذلك ، فنهى عنها وقال فيها أشد القول ولعل السبب في عدم اطلاع الصديق عليها لكونها " نكاح سر" حيث لم يشترط فيها الإشهاد، ولما كانت خالية عن الإعلان حق لها أن تخفي على القريب فضلا عن المضطلع بأعباء الخلافة وأمر الناس كافة كأبي بكر .
(83) قول عفان تمتعنا في عهد أبي بكر .
نقول نحن لا ننكر أبدا أن المتعة قد أباحها رسول الله صلى الله عليه وسلم . وهذا ما أثبته جابر ، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن المتعة بعد ذلك ، ولم يعلم بذلك جابر . وهذا ليس بغريب ، وذلك أنه يستحيل أن النبي صلى الله عليه وسلم كلما أمر بأمر أو نهى عن شيء ، أنه يجمع جميع الصحابة يخبرهم . بل يخبر ، ثم يبلغ الحاضر الغائب . فكان النهي مما غاب عن جابر ، ولم يسمعه من النبي صلى الله عليه وسلم ، فظل على الأصل وهو الإباحة حتى علم عن طريق عمر أنها حرام ، فقال بتحريمها .
(84) تفسير شعبة عن الحكم " فما استمتعتم به منهن " أنها ليست منسوخة .
قال تعالى : ( وأحل لكم ما وراء ذلكم ) فالكلام كله في النكاح الصحيح ، وليس من المتعة في شيء ، ولذلك ذلك قال تعالى : { فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة ، ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة ، إن الله كان عليما حكيما } . وقال : { والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم كتاب الله عليكم وأحل لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم محصنين } وقف عند(1/43)
قوله تعالى : { محصنين } فلو كانت الآية في المتعة لما قال الله : {محصنين } لأن المتعة لا تحصن ، فلو كانت الآية في المتعة ما قال : { محصنين } لأنها لا تدخل في الإحصان . ولذلك هذه الرواية عندهم عن إسحاق بن عمار قال : سألت أبا إبراهيم عليه السلام (موسى الكاظم) عن الجل إذا هو زنا وعنده الأمة يطأها ، تحصنه الأمة ، قال : نعم . قال : فأن كانت عنده امرأة متعة أتحصِّنُهُ ، قال : لا ، إنما هو على الشيء الدائم عنده . وهذا في وسائل الشيعة جـ 28 ص ( 68 ). فالآية إذن ليست في المتعة ، وإنما هي في النكاح الصحيح ، بدلالة ما قبلها ، أنها ذكرت في المحرمات ، فذكر الله تبارك وتعالى ما يحل ، ثم بدلالة قول الله تبارك وتعالى : { محصنين } ، والمتعة كما قلنا لا تحصن إنما الذي يحصن هو النكاح الشرعي بدلالة قولهم هم .
(85) قوله أن الأجر واجب في الآية حتى بدون استمتاع وهذا بخلاف المهر .
قال الزجاج : إن هذه الآية غلط فيها قوم غلطا عظيما لجهلهم باللغة وذلك أنهم ذهبوا إلى قوله فما استمتعتم به منهن من المتعة التي قد اجمع أهل العلم أنها حرام ، وإنما معنى فما استمتعتم به منهن أي فما نكحتم منهن على الشريطة التي جرى في الآية أنه الإحصان ، أن تبتغوا بأموالكم محصنين أي عاقدين التزويج ، فآتوهن أجورهن فريضة أي مهورهن . لسان العرب جـ 8 ص ( 329 ), وقد ذكر الله تبارك وتعالى التمتع في غير النكاح في مواضع من كتابه الكريم كما قال جل ذكره : { أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها } وقال جل ذكره : { فاستمتعتم بخلاقكم } فلا يلزم من ذكر كلمة متعة أنها تكون دائما على هذا الذي زعموه وهو نكاح المتعة . وأما الأجر أنه ذكر الأجر في الآية : { فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة } ، قالوا اذكر الأجر دليلا على ذكر المتعة . وهذا غير صحيح وذلك أن الأجر أيضا يذكر ويراد به المهر كما قال الله جل وعلى : { والمحصنات من(1/44)
المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهن أجورهن } وقال جل ذكره : { فأنكحوهن بإذن أهلهن وآتوهن أجورهن } والمتعة ليس فيها إذن الأهل . وقال جل ذكره : { يا أيها إنا أحللنا لك أزواجك الذي آتيت أجورهن } أي مهورهن . وقال سبحانه : { ولا جناح عليكم أن تنكحوهن إذا آتيتموهن أجورهن } . فالأجر يذكر ويراد به المهر الذي هو النكاح الصحيح .
(86) قوله أن السيوطي ذكر في تاريخ الخلفاء أنه أول من حرم المتعة عمر .
نقول لقد أثبتنا تحريم رسول الله عليه الصلاة والسلام لها حتى من كتب الرافضة , فكلمات السيوطي أو غيره لم تعد ذات قيمة .
(87) قوله أن أبي موسى الأشعري كان يفتى بالمتعة .
نقول أن أحاديث أبي موسى الأشعري تتحدث عن متعة حج وليس غيرها , وعمر لم يحرم متعة الحج و مما يدل على ذلك أيضا علاوة على ما سبق ما رواه أصحاب السنن : فروى النسائي وابن ماجة و غيرهما أن الضبي بن معبد لما قال له : إني أحرمت بالحج والعمرة جميعا فقال له عمر : هديت لسنة نبيك صلى الله عليه وعلى آله وسلم . أخرجه الحميدي 18 وأحمد 1 / 14 وأبو داود 1798 وابن ماجه 2970 .
(88) قوله ( لا تحرموا طيبات ما أحل لكم ) نزلت في زواج المتعة .
نقول لا يوجد سند ثابت وصحيح في ذلك , كما أنه مخالف لما جاء في الصحيحين عن سعد قال : رد النبي صلى الله عليه و سلم على عثمان بن مظعون التبتل و لو أذن له لاختصينا وعن عكرمة أن علي بن أبى طالب و ابن مسعود وعثمان بن مظعون و المقداد و سالما مولى أبي حذيفة في أصحاب لهم تبتلوا فجلسوا في البيوت و اعتزلوا النساء و لبسوا المسوح و حرموا الطيبات من الطعام و اللباس إلا ما يأكل و يلبس أهل السياحة من بني إسرائيل و هموا بالإختصاء واجمعوا لقيام الليل وصيام النهار فنزلت هذه الآية و كذلك ذكر المفسرين ما يشبه هذا المعنى .
(89) قوله أن هناك قراءة " إلى أجل مسمى " وهي قراءة ابن عباس وأبي بن(1/45)
كعب وسعيد .
نقول إن هذه القراءة غير صحيحة وهي قراءة شاذة ، لا هي من السبع ولا هي من العشر , ثم أن الرافضة أصلا لا يعترفون بالقراءات حتى تستدل بهذه القراءة , فعن الفضيل بن يسار قال : قلت لأبي عبد الله (ع) : إن الناس يقولون إن القرآن نزل على سبعة أحرف . فقال : كذبوا أعداء الله ولكنه نزل على حرف واحد من عند واحد . الكافي جـ 2 ص ( 630 ) .
(90) استدلاله برواية : متعتان كانتا على عهد رسول الله .
نقول أن الفاروق رضي الله عنه لم يحرم متعة الحج , وغير خارجة عن موضوعنا , وأما متعة النساء فإن أهل السنة يقولون إن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم هو الذي أباحها وهو الذي حرّمها تحريما أبدياً إلى يوم القيامة كما سبق ذكر أحاديث التحريم . ومما يدل على أن عمر رضي الله عنه نهى عنها لنهي الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم عنها ما رواه البيهقي في السنن من طريق سالم بن عبد الله عن أبيه عن عمر بن الخطاب قال : صعد عمر على المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : ما بال رجال ينكحون هذه المتعة وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم عنها ألا و إني لا أوتى بأحد نكحها إلا رجمته .السنن الكبرى 7/206 وقال البيهقي في تعليقه على هذا الحديث ما نصه : " فهذا إن صح يبين أن عمر رضي الله عنه إنما نهى عن نكاح المتعة لأنه علم نهي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عنه .
(91) قوله أنه يشترط في المتعة أذن الولي .
أما الولي فعن أبي عبد الله قال : وصاحب الأربع نسوة يتزوج منهن ما شاء بغير ولي ولا شهود . وهذا في الوسائل جـ 21 ص ( 64 )
(92) قوله أنه يشترط في المتعة العدة .
أما العدة فعن أبي عبد الله قال : لا نفقة ولا عدة عليها . وهذا في الوسائل جـ 21 ص ( 79 ) . فقد أثبت أبي عبد الله جعفر الصادق أنه ليس للمتمتع بها عدة ولا يشترط في العقد ولي !
(93) قوله " لولا أن نهي عمر عن المتعة ما زنى إلا شقي "(1/46)
دليل على حليتها .
نقول لقد تبث في ما سبق أن النبي صلى الله عليه وسلم هو من حرمها , أما حديث ( لولا أن عمر نهى عن المتعة ما زنى إلا شقي ) نقول أن هذه الرواية باطلة , فهي من روايات المفضل بن عمر والذي هو ضعيف عند الجميع . قال النجاشي: المفضل بن عمر أبو عبد الله وقيل أبو محمد الجعفي الكوفي ، فاسد المذهب ! مضطرب الرواية لا يعبأ به و قيل : أنه كان خطابيا و قد ذكرت له مصنفات لا يعول عليها و إنما ذكره للشرط الذي قدمناه له . رجال النجاشي 2/359 -360 . وقال ابن الغضائري كما نقل عنه صاحب مجمع الرجال للقهبائي 6/131 والحلي في رجاله ص258 وأبو داود الحلي في رجاله ص280 : المفضل بن عمر الجعفي أبو عبد الله ضعيف متهافت مرتفع القول خطابي وقد زيد عليه شيء كثير وحمل الغلاة في حديثه حملا عظيما ولا يجوز أن يكتب حديثه . مجمع الرجال للقهبائي 6/131 والحلي في رجاله ص258 وأبو داود الحلي في رجاله ص280 . وقال الأردبيلي: وروى روايات غير نقية الطريق في مدحه وأورد الكشي أحاديث تقتضي مدحه والثناء عليه لكن طرقها غير نقية كلها ، وأحاديث تقتضي ذمه والبراءة منه وهي أقرب إلى الصحة فالأولى عدم الاعتماد والله أعلم . جامع الرواة 2/258 - 259
(94) قوله أن السني يعمل بالتقية لأنه لا ينهي عن مظاهر الفجور .
نقول حتى ولو ترك السُني الصلاة والصيام والدين كله فلا يغير ذلك من الحق قيد أنملة , فعمل أهل السنة ليس تشريعاً, إنما مصادر التشريع هي القرآن الكريم والسنة المطهرة والإجماع والقياس , وليس في ذلك أعمال أفراد المسلمين , فما يقوم به العامة من المسلمين والذين هم أهل السنة لا يُعد من التشريع .
(95) محاولة التهرب من تعريف التقية عند الرافضة !
ويجب أولاً وقبل الخوض في هذا أن نُعرف التقية عند الرافضة , فيقول ابن بابويه : (اعتقادنا في التقية أنها واجبة من تركها بمنزلة من ترك الصلاة ) [الاعتقادات : ص114] . بل جعلوا هذا(1/47)
من كلام محمد صلى الله عليه وسلم وهو منه براء , فقالوا على لسان نبينا عليه أفضل الصلاة والسلام : ( تارك التقية كتارك الصلاة ) [جامع الأخبار: ص110، وبحار الأنوار: 75/412] وعن جعفر قال : (إن تسعة أعشار الدين في التقية ولا دين لمن لا تقية له ) [أصول الكافي: 2/217، بحار الأنوار: 75/423، و وسائل الشيعة : 11/460] ؛ بل وتارك التقية ذنباً لا يغفر كالشرك ، فقد جاء في أخبارهم : ( يغفر الله للمؤمن كل ذنب، يظهر منه في الدنيا والآخرة، ما خلا ذنبين: ترك التقية، وتضييع حقوق الإخوان ) [تفسير الحسن العسكري: ص130، وسائل الشيعة 11/474، بحار الأنوار: 75/415].
(96) قوله أن الله أمر بالتقية في قوله ( إلا أن تتقوا منهم تقاتاً ) .
وبعد هذا التعريف التي يعتبر أرضية للمسألة نُعرف التقية عند المسلمين والتي ذكرها الله تعالى في كتابه فالتقية في دين الله التي جاءت في كتابه هي تقية حال الاضطرار، وهي مع الكفار خاصة لا المسلمين، ففي قوله تعالى : { إلا أن تتقوا منهم تقاة } قال ابن جرير الطبري : ( التقية التي ذكرها الله في هذه الآية إنما هي تقية من الكفار لا من غيرهم ) [تفسير الطبري : 6/316] فليت شعري كيف يتفق هذا المعنى القرآني العظيم مع تلك التقية التي يؤمن بها الرافضة !! فالتقية في الإسلام رخصة عند الاضطرار , وهي عند الرافضة عزيمة يجب العمل بها في كل حال , ولا تشترك تقية الإسلام وتقية الرافضة إلا في الاسم فقط .
(97) قوله أن ما فعله عمار بن ياسر كان تقية .
إن التقية في الإسلام أشد حرمة من أكل لحم الخنزير، إذ يجوز للمضطر أكل لحم الخنزير عند الشدة، وكذلك التقية تجوز في مثل تلك الحالة فقط فلو أن إنسانا تنزه عن أكل لحم الخنزير في حالة الاضطرار أيضا ومات فإنه آثم عند الله، وهذا بخلاف التقية فإنه إذا لم يلجأ إليها عند في حالة الاضطرار ومات فإن له درجة وثوابا عند الله، فكأن رخصة أكل لحم الخنزير تنتقل إلى(1/48)
العزيمة لكن لا تنتقل رخصة التقية إلى العزيمة بل إنه إن مات لدين الله ولم يحتم بالتقية فإنه سيؤجر على موته هذا أجراً عظيماً والعزيمة فيها على كل حال أفضل من التقية، والتاريخ الإسلامي من تحمل الرسول صلى الله عليه وسلم إيذاء المشركين وكذا الصديق وبلال وغيرهما وشهادة سمية أم عمار وشهادة خبيب وغيرهم رضي الله عنهم كلها وإلى غير ذلك من وقائع وقصص نادرة في البطولة والعزيمة في مسيرة هذه الأمة الطويلة لخير دليل على أن العزيمة هي الأصل والأفضل والأحسن.
(98) قوله " لولا قومكِ حديثوا عهد بالكفر " أن رسول الله قد فعل التقية !
نقول لقد عرفنا التقية وقلنا أنها تستخدم عند الضرورة فقط , والتقية لا تكون إلا في حال الضعف وخوف العدو الكافر، أما مع الأمن والعزة والقوة فلا تقية حينئذ، يقول معاذ بن جبل ومجاهد رضي الله عن الجميع : (كانت التقية في جدة الإسلام قبل قوة المسلمين، أما اليوم فقد أعز الله المسلمين أن يتقوا منهم تقاة ) [انظر : تفسير القرطبي: 4/57، وكذا فتح القدير للشوكاني : 1/331] .
(99) قوله أن سرية دعوة النبوة تقية !
نقول كما قلنا سابقاً أن هناك فرق كبير بين تقية في دين الله وبين التقية في دين الرافضة , فالتقية عند الرافضة تسع أعشار الدين ولا دين لمن لا تقية له , وهي في الإسلام رخصة عند الضرورة , وهي كأكل لحم الخنزير بل أشد, ومن قارن هذه بتلك كمن قال: أكل لحم الخنزير تسع أعشار الدين , ولا دين لمن لم يأكل لحم الخنزير !!
اللهم اغفر لكاتبها وناقلها واغفر لوالديهما واهليهما وذريتهما واحشرهم مع سيد المرسلين محمد صلوات ربي وسلامه عليه .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .(1/49)
ابحث عن دينك حتى يقال مجنون؟
افتراه التيجاني زورا وكذبا. ولا يوجد هذا الحديث بمثل هذا اللفظ في شيء من كتب الحديث. والصحيح أن اللفظ هكذا (أكثروا ذكر الله حتى يقولوا مجنون). وليس ابحث كما ادعى من زعم أنه اهتدى بينما هو من الذين ]اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ[ (لأعراف:30).
ومع هذا فالحديث ضعيف: أخرجه أحمد (3/68) والحاكم (1/499) وقال: صحيح الإسناد. وليس كذلك. فإن فيه دراج أبو السمح. (سلسلة الأحاديث الضعيفة 517).(2/1)
بسم الله الرحمن الرحيم
تقديم لفضيلة الشيخ صالح الفوزان
الحمد لله وحده – وبعد : فقد قرأت هذا الكتاب : (ابن تيمية لم يكن ناصبياً) وهو الرد على من احترق غيظاً من كتاب شيخ الإسلام : " منهاج السنة النبوية في الرد على الشيعة والقدرية" فاتهمه بأنه ناصبي يبغض علياً رضي الله عنه لأن الذي يخالف مذهب الشيعة في الكذب والافتراء في حب علي بزعمه وأن حبه يلزم منه بغض صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتكفيرهم .
فمن لم يوافقهم على ذلك أو ردَّ عليهم مفترياتهم يعتبر ناصبياً .
ولذلك لما بين شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله افتراءات الشيعة في هذا الكتاب وفضح كيدهم وذب عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وزيف دعواهم المحبة لعلي رضي الله عنه ، وأن الذين يحبون علياً رضي الله عنه هم أهل السنة والجماعة ، الذين يعتبرونه رابع الخلفاء الراشدين وأحد السابقين الأولين المهاجرين ، وأحد العشرة المبشرين بالجنة ، لذلك كله اشتدت عداوة الرافضة لشيخ الإسلام ابن تيمية ، واتهموه بأنه ناصبي ومنهم أناس يندسون بيننا ويروجون في المجالس وبين شبابنا هذه الفكرة الخبيثة – فجاء هذا الكتاب : ( ابن تيمية لم يكن ناصبياً) تأليف الشيخ سليمان بن صالح الخراشي ، رداً على هذه الفكرة ومروجها ، بذكر مقاطع من كلام شيخ الإسلام تدحض هذه الفرية وتخرس مروجها – ولله الحمد – فجزى الله الشيخ سليمان خير الجزاء على نصرة الحق ودحض الباطل ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه . ... ... ... ... كتبه : صالح بن فوازان بن عبدالله الفوزان
المقدمة
إن الحمد لله نحمده و نستعينه و نستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمد عبده ورسوله.(3/1)
أما بعد : فلم يزل شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – منذ أن جهر بدعوة الحق يتلقى التهم والافتراءات التي يلفقها عليه خصومه في حياته وبعد مماته.
وهذه التهم والافتراءات يوصي بها سلف المبتدعة إلي خلفهم ، ويرجون بها إلي أوليائهم ، لتكون سلاحاً بيدهم أمام دعوة الشيخ التي عشت بنورها أبصارهم الكليلة .
فهم قد اتهموا الشيخ - رحمه الله - بتهم كثيرة تفوق الحصر ، منها ما هو مكذوب من أصله ، ومنها ما هو مساء فهمه .
فقيل في الشيخ – مثلا – بأنه يقول بعدم العالم ، وأنه مجسم ، وأنه مشبه ، وأنه يبغض الرسول صلى الله عليه وسلم ويمنع من زيارته ، وأنه يفتي بمسائل شنيعة لم يقل بها أحد قبله ، وأنه ، وأنه ... في تهم عديدة يحسن بشيخ الإسلام أن يمثل أمامها بقول أبي الطيب :
رماني الدهر بالإزراء حتى ... في غشاء من نبال
فصرت إذا أصابتني سهام ... ... النصال على النصال
وهان فما أبالي بالرزايا ... ... لأني ما انتفعت بأن أبالي
قلت : ولكن الله القائل ( إن الله يدافع عن الذين آمنوا )
لم تزل سنته ماضية في أن يهيئ لأوليائه من يقوم بالذب عنهم ، أحياءً وأمواتاً .
فقد قيض لشيخ الإسلام تلاميذ بررة ، وأنصاراً متلاحقين يدفعون تهم الأعداء عن عرض الشيخ – رحمه الله –
والكتب التي ألفت في رد خصوم الشيخ كثيرة جداً ، ليس هذا موضع استقصائها .
وهذه الرسالة التي قمت بإعدادها – راجياً أن تسلك مسالكهم – هي في دفع تهمة وفرية على شيخ الإسلام ، افتراها خصومه عليه عندما ألف كتابه العظيم ( منهاج السنة ).
فهؤلاء الخصوم عندما قرأوا كتابه لم يفهموه حق الفهم – أو فهموه و غاضهم ما فيه ، أو لحسدهم وبغيهم – فانقلبت حسنات الشيخ – في تأليفه لهذا الكتاب – عندهم إلي سيئات.
إن يحسدوك فلا تعبأ بقائلهم هم الغثاء وأنت السيد البطل(3/2)
فقالوا قولتهم الآثمة : بأن شيخ الإسلام ابن تيمية يبغض علياً – رضي الله عنه – و يتنقصه في كتابه هذا ؟؟
وقد اتخذا هؤلاء الجهال من عبارات خاطئة للحافظ ابن حجر أطلقها في هذا المقام سلماً للولوغ في عقيدة شيخ الإسلام ، فأصبحوا يرددون كلمات الحافظ – رحمه الله – في كتبهم ورسائلهم نكاية بأهل السنة، وشيخهم .
وأني شقي باللئام ولا ترى شقياً بهم إلا كريم الشمائل
وهذه الفرية ليست هي الأولى ولا الأخيرة في سجل التهم الموجهة لشيخ الإسلام ، بل قد قيل فيه ما هو أعظم منها وقيل في غيره من الأئمة ما هو مثلها .
فهي تهمة باطلة قد تعودناها من أهل البدع في كل زمان . وأنا لم أكن لأعبأ بها ، أو أن أقيم رسالتي هذه عليها ، لولا أن سمعت من تأثر بها ممن يدعي طلب العلم آخذاً في ترديدها في رسائله على استحياء وفي مجالسه بتصريح دون تلميح
وأجرأ من رأيت بظهر غيب على عيب الرجال ذوو العيوب
وخشية من أن يقع في نفوس الناشئين من شباب الإسلام أي حسيكة على شيخ الإسلام نظراً لترديد مثل هذه التهمة في بعض المجالس مقرونة بأقوال الحافظ ابن حجر – رحمه الله – رغبت في دفع هذه التهمة الباطلة في رسالتي هذه بشيء من التفصيل الذي لم أجده في رسائل أخرى .
وكما قال الشيخ الألباني – حفظه الله – ( نحن إنما علينا أن ندافع عن الذين آمنوا ، ونبرئ ساحتهم مما اتهموا به من الأكاذيب والأباطيل التي يكون الدافع عليها تارة الجهل ، وأخرى الظلم ، وقد يجتمعان )
والله أسال أن يجعلني من الذابين عن عرض علم الإسلام وشيخه ابن تيمية – رضي الله عنه – وأن يكتب لي ولقارئها المنتفع بها الأجر والثواب .
وأن يعظم أجر شيخنا : الشيخ صالح الفوزان الذي تفضل بتقديم هذه الرسالة .
وصلى الله على نبينا محمد ، وآله وصحبه وسلم
لمحة عن كتاب ( منهاج السنة )
لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمة الله(3/3)
الذين اتهموا شيخ الإسلام بهذه التهمة كانت عمدتهم في هذا الاتهام عبارات لم يفهموا مغزاها عثروا عليها متفرقة في كتابه " منهاج السنة" وقبل أن أبين مقصود شيخ الإسلام منها أحب أن يعلم القارئ نبذة عن هذا الكتاب وظروفه ليكون على وعي وبصيرة بمنهج الشيخ .
كتاب " منهاج السنة " هو ( من أهم وأكبر كتب شيخ الإسلام ، وقد ورد ذكره في أكثر الكتب التي تحدثت عن مؤلفات ابن تيمية ) وهو قد ألفه ( حوالي سنة 710هـ . وهذا يعني أنه ألف هذا الكتاب أثناء وجوده في مصر)
وهو – رحمه الله – قد ألفه نقضاً لكتاب (منهاج الكرامة ) للرافضي ابن المطهر .
يقول شيخ الإسلام في مقدمة كتابه بعد حمد الله والثناء عليه : ( أما بعد، فإنه قد أحضر إلي طائفة من أهل السنة والجماعة كتاباُ صنفه بعض شيوخ الرافضة في عصرنا ، منفقاً لهذه البضاعة ، يدعو به إلي مذهب الرافضة الإمامية من أمكنه دعوته من ولاة الأمور . .) قال : ( وذكر من أحضر هذا الكتاب أنه من أعظم الأسباب في تقرير مذاهبهم عند من مال إليهم من الملوك وغيرهم . وقد صنفه للملك المعروف الذي سماه فيه ( خدابنده) وطلبوا مني بيان ما في هذا الكتاب من الضلال وباطل الخطاب، لما في ذلك من نصر عباد الله المؤمنين ، وبيان بطلان أقوال المفترين الملحدين )
قلت : أما الرافضي المردود عليه فهو : ( أبو منصور الحسن بن يوسف بن علي ابن المطهر الحلى المشهور عند الشيعة بالعلامة . ولد سنة 648 وتوفي سنة 726هـ قبل وفاة ابن تيمية بعامين ، وهو منسوب إلى الحلة السيفية التي بناها الأمير سيف الدولة صدقة بن منصور المزيدي الأسدي من أمراء دولة الديالمة في محرم سنة 495هـ ، وهي واقعة بين النجف و الخار علي طرفي شط الفرات )(3/4)
( أما الملك خدابنده الذي ألف ابن المطهر كتابه " منهاج الكرامة من أجله فهو أحد ملوك الدولة الإيلخانية ومن أحفاد جنكيز خان واسمه الجايتو ( أو أولجايتو ) خدابنده غياث الدين محمد بن أرغون بن أبغا بن هولاكو بن طلو بن جنكيز خان . وقد تولى أخوة الملك غازان ( أو قازان ) الحكم سنة 694 وولاه حكم خراسان ، وكان غازان ميالاً لأهل السنة ( ولابن تيمية عدة وقائع معه ) واستمر حكمه مدة ثمان سنين وعشرة أشهر إلى أن توفي في شوال سنة 703، وتولى بعده أخوه خدابنده في شهر ذي الحجة من نفس العام . وقد استمر خدابنده بعض الوقت مقيماً على السنة إلى أن كانت سنة 709 حينما انتقل إلى مذهب الشيعة ) بسبب الرافضي (ابن المطهر) الذي ألف له كتاب : " منهاج الكرامة " ودعاه فيه إلى اعتناق مذهب الرافضة بعد أن حسنه له وقبح صورة مذهب أهل السنة في عينه .
وكتاب " منهاج الكرامة " يتحدث فيه الرافضي عن مسألة ألإمامة التي يقول عنها بأنها ( أهم المطالب في أحكام الدين ، وأشرف مسائل المسلمين ) ويلخص لنا الرافضي كتابه أو رسالته في هذه المسألة بقوله: ( وسميتها " منهاج الكرامة في معرفة الإمامة " ورتبتها على فصول :
الفصل الأول : في نقل المذاهب في هذه المسألة .
الفصل الثاني : في أن مذهب الإمامية واجب الاتباع .
الفصل الثالث : في الأدلة على إمامة علي رضي الله عنه بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم .
الفصل الرابع . في الإثني عشر .
الفصل الخامس . في إبطال خلافة أبي بكر وعمر وعثمان )
قلت هذا بإجمال فصول الكتاب المردود عليه فهو قد حدد هدفه من تأليفه ، وهو تقرير إمامة علي – رضي الله عنه – بعد الرسول صلى الله عليه وسلم ، والطعن في خلافة أبي بكر وعمر وعثمان – رضي الله عنهم – وغيرهم من الصحابة .(3/5)
وفي سبيل هذا الهدف الباطل الذي أقام عليه رسالته غلا غلواً فاحشاً في علي – رضي الله عنه – فصوره في صورة غير التي نعرف من سيرته ، وعظمه على غيره من الصحابة – بل والرسول صلى الله عليه وسلم – فجعل الأحداث تدور من حوله ، فهو صانعها ، وهو بطلها الوحيد .
وأقذع في تصويره – رضي الله عنه – وأهل البيت في صورة المظلومين، الذين قد هضم الصحابة حقوقهم ، وأما الصحابة الآخرين فقد صغر مواقفهم ، ونال منهم ، وجعلهم في صورة الظالمين الذين انتهكوا حق علي وأهل البيت ، وتفنن – في سبيل هذا الهدف – في توزيع التهم عليهم.
فعلي – رضي الله عنه – عنده هو الإمام المعصوم ، وهو أفضل البشر بعد الرسول صلى الله عليه وسلم وهو أزهد الناس ، وأعبدهم ، وأعلمهم في جميع العلوم وأشجعهم ، وأنه يعلم الغيب وكان مستجاب الدعاء ، وأن الشمس قد ردت له ونزلت في شأنه آيات كثيرة ، وفضله الرسول صلى الله علية وسلم في أحاديث كثيرة ، وكانت له كرامات عظيمة ... إلخ .
وأما أبوبكر – رضي الله عنه – فهو عند الرافضي قد اغتصب الخلافة من علي ، وظلم فاطمة حقها ، وأنه لا علم عنده ، وهو لا يقيم الحدود على رعيته .... إلي آخر تهم الرافضي لأبي بكر – رضي الله عنه – التي فندها شيخ الإسلام في كتابه .
وهكذا صنع الرافضي مع عمر ومع عثمان ومع معاوية ومع طلحة والزبير – رضي الله عنهم أجمعين - .
فهو قد أخفى فضائلهم واختلق لكل واحد منهم تهمة باطلة ليشوه صورته أمام الناس .
هذا ملخص ما احتواه هذا الكتاب الآثم الذي حاءته جنود شيخ الإسلام من كل مكان : من فوقه ، ومن أسفل منه ، حتى جعله حصيداً خامداً كأن لم يغن بالأمس فذب بحماس عن أعراض أكرم الخلق بعد الرسل ، ونفى غلو الرافضة في علي ، وبين المنهج الحق في جميع المسائل التي تعرض لها الرافضي .(3/6)
ومما يأسف له المسلم أن هذا الكتاب العظيم لشيخ الإسلام – رحمه الله – الذي أصبح مرجعاً لكل طالب علم بعده يريد أن ينقض شبهات الروافض لم يعجب بعض من يدعون العلم ، ورأوا أنه كان الأولى أن لا يؤلفه شيخ الإسلام .
ومن هؤلاء : السبكي الذي كان خصماً من خصوم شيخ الإسلام ، حيث يقول في قصيدته حول الروافض وكتاب " منهاج السنة "
إن الروافض قوم لا خلاق لهم من أجهل الناس في علم وأكذبه
والناس في غنية عن رد إفكهم ... لهجنة الرفض واستباح مذهبه
فهو يرى أنه لا داعي للرد عليهم لافتضاح مذهبهم ، وهذا سوء فهم وجهل من السبكي لأن شبه الروافض وأكاذيبهم إذا كانت مفضوحة عند العلماء الذين يخبرون مذهبهم الباطل ، فإنها قد تروج على عامة المسلمين من عليه القوم و أسافلهم ممن لا علم عند برد شبهاتهم ، فيتأثر بأقوالهم ، وقد ينصر مذهبهم كما فعل الملك ( خدابنده ) الذي ألف له ابن المطهر كتابه . وتخيل لو كان عند هذا الملك علم بأباطيلهم كما وضحها شيخ الإسلام ، هل كان سيترفض ؟
قلت : وكأني بالحسد قد ملأ قلب السبكي حتى قال قولته السابقة ، لأن الله قد ادخر هذا العمل العظيم لشيخ الإسلام ابن تيمية ، ولم يكتبه لغيره .
وقولة السبكي هذه أغضبت أحد علماء السنة ( يوسف السرمري ) فرد علي قصيدته السابقة بقصيدة أجمل منها جاء فيها :
وقعت في الشيخ إذ رد الروافض في قعر الحضيض وكانوا فوق مرقبه
أوهمتنا فيك رفضاً في كلامك والـ إنسان قد يبتلى من تحت مذربه
فهو يقول للسبكي بأنك أوهمتنا بأنك رافضي لأنك تدافع عن الروافض وترى عدم الرد على مذهبهم .
والصحيح أن السبكي ليس برافضي ، ولكنه العداء والحسد لشيخ الإسلام.(3/7)
قلت : ومن هؤلاء الذين لم يروا أهمية لرد شيخ الإسلام على الروافض : الصفدي ، الذي لقي شيخ الإسلام عدة مرات ، وكان شيخ الإسلام يحثه على ملازمة التتلمذ على يديه ليستفيد ، ولكن غلبه حب الأدب ، فصرفه الله عن العلم .
يقول الصفدي في كتابه : " أعيان العصر " عن شيخ الإسلام : ( وضيع الزمان في رده على النصارى و الرافضة ومن عاند الدين أو ناقضه ، ولو تصدى لشرح البخاري أو لتفسير القرآن العظيم لقلد أعناق أهل العلوم بدر كلامه النظيم )
قلت : لم يضيع شيخ الإسلام زمانه ، بل أفاد الأمة بردوده تلك وجعلها مرجعاً لمن بعده ممن أرد نقض شبهات الأعداء ، وأما التفسير وشروح البخاري فقد تتابع عليها علماء الإسلام بما يغني الأمة أن تنصرف ( جميع ) جهود علمائها إليها ، ومن تأمل كتب وفتاوى شيخ الإسلام يعلم أن له حظا وافراً من ذلك – أيضاً -.
وأخيراً : ما أجمل قول الأستاذ محمد كرد على – رحمه الله – في شيخ الإسلام :
( ولو لم يكن له إلا " منهاج السنة " لكفاه على الأيام فخراً لا يبلى ، ففيه مثال من علمه وقوة حجته ، ومعرفته بالملل والنحل ، وإذا قلنا : إنه لم يؤلف نظيره في الرد على المخالفين لأهل السنة لصدقنا كل منصف من أهل القبلة ) .
المتهمون
لشيخ الإسلام بتنقص علي – رضي الله عنه – والانحراف عنه
لقد حاولت أن أذكر في هذا المبحث أبرز المتهمين لشيخ الإسلام بتلك الفرية ، ممن عثرت على أقوالهم ، مع توثيقها من كتبهم أو من كتب الناقلين عنهم ، وقد اتضح لي أنهم على نوعين :(3/8)
الأول : أناس لم يفهموا مقاصد شيخ الإسلام من عباراته التي ذكرها في كتابه " منهاج السنة " والتي ظنوا أن فيها تنقصاً لعلي - رضي الله عنه - ، وأداهم لهذا عجلتهم في الحكم دون ترو ، ولا مراجعة لأقوال شيخ الإسلام الصريحة في نفي ذلك عن نفسه ، إضافة إلى عدم إدراكهم لعمق مذهب الشيخ في رده لأكاذيب الروافض ، فلهذا زلوا هذا الزلة العظيمة . وخير مثال لهؤلاء : الحافظ ابن حجر العسقلاني – عفا الله عنه-
الثاني أناس قد أشربت قلوبهم مختلف أنواع البدع ، فطارت قلوبهم فرحاً عندما عثروا على تلك العبارات التي ظنوها تنقصاً لعلي – رضي الله عنه- فأذاعوا بها شرقاً وغرباً قاصدين بذلك ذم شيخ الإسلام والتنفير منه ومن كتبه وآرائه التي تخالف مشربهم .
وخير مثال لهؤلاء : ابن حجر الهثيمي ، و الكوثري ، و الغماري ، و السقاف ، والحبشي ، وغيرهم – كما سيأتي - .
المتهمون وأقوالهم
فمنهم العلامة الحافظ ابن حجر العسقلاني - رحمه الله – الذي جرأت كلماته السفهاء على شيخ الإسلام ، واتخذوها متكأ للتطاول على مقامه – رحمه الله – وسهولة كيل التهم له بتنقص علي – رضي الله عنه – ما دام الحافظ – رحمه الله – قد ألمح إلى ذلك ومهد لهم الطريق بكلماته في شيخ الإسلام .
ونحن نعلم أن الحافظ – رحمه الله – هو ممن يقدرون شيخ الإسلام ، ويثنون عليه ، ويعرفون فضله .
قال العلامة محمود شكري الألوسي : ( إن الحافظ ابن حجر العسقلاني موالاته ومحبته للشيخ ابن تيمية مما لا ينكره إلا جاهل ، وقد تلقى العلم عن تلامذة الشيخ وأصحابه وانتفع بكتبه ، وقرأ كثيراً منها درساً، وهذا هو اللائق به وبأمثاله من أهل الفضل والعلم ، وقد قيل : إنما يعرف ذا الفضل ذووه )(3/9)
قلت : ومن ذلك قول الحافظ : ولو لم يكن للشيخ تقي الدين من المناقب إلا تلميذه الشهير الشيخ شمس الدين ابن قيم الجوزية صاحب التصانيف النافعة السارة ، التي انتفع بها الموافق والمخالف : لكان غاية في الدلالة على عظيم منزلته ، فكيف وقد شهد له بالتقدم في العلوم والتمييز في المنطوق والمفهوم أئمة عصره من الشافعية وغيرهم فضلاً عن الحنابلة )
أما كلام الحافظ في شيخ الإسلام حول موضوع تنقص على – رضي الله عنه – فهو اجتهاد خاطئ من الحافظ تعجل في إطلاقه لعدم فهمه مقاصد شيخ الإسلام .
ومن ذلك قوله في لسان الميزان في ترجمة الرافضي الذي رد عليه شيخ الإسلام :
( صنف كتاباً في فضائل على – رضي الله عنه – نقصه الشيخ تقي الدين ابن تيمية في كتاب كبير ، وقد أشار الشيخ تقي الدين السبكي إلى ذلك في أبياته المشهورة حيث قال : وابن المطهر لم تطهر خلائقه........ )
قال ابن حجر : ( طالعت الرد المذكور فوجدته كما قال السبكي في الاستيفاء ، لكن وجدته كثير التحامل إلى الغاية في الرد الأحاديث التي يوردها ابن المطهر ، وان كان معظم ذلك من الموضوعات الواهيات ، لكنه رد في رده كثيراً من الأحاديث الجياد التي لم يستحضر حالة التصنيف مظانها ، لأنه كان لاتساعه في الحفظ يتكل على ما في صدره ، والإنسان عامد للنسيان ، وكم من مبالغة لتوهين كلام الرافضي أدته أحياناً إلى تنقيص على رضي الله عنه ) .
وقال – أيضاً – في ترجمة الرافضي في كتابه : ( الدرر الكامنة ) : ( له كتاب في الإمامة رد عليه فيه ابن تيمية بالكتاب المشهور المسمى بالرد على الرافضي ، وقد أطنب فيه وأسهب ، وأجاد في الرد إلا أنه تحامل في مواضع عديدة ، ورد أحاديث موجودة وإن كانت ضعيفة بأنها مختلقة ).(3/10)
وقال في الدرر الكامنة في ترجمة ابن تيمية : ( وكان يتكلم على المنبر على طريقة المفسرين مع الفقه والحديث ، فيورد في ساعة من الكتاب والسنة واللغة والنظر ما لا يقدر أحد على أن يورده في عدة مجالس ، كأن هذه العلوم بين عينيه فأخذ منها ما يشاء ويذر ، ومن ثم نسب أصحابه إلى الغلو فيه واقتضى له ذلك العجب بنفسه حتى زهى على أبناء جنسه ، واستشعر أنه مجتهد فصار يرد على صغير العلماء وكبيرهم ، قعويهم وحديثهم ، حتى انتهى إلى عمر فخطأه في شئ ، فبلغ الشيخ إبراهيم الرقي فأنكر عليه ، فذهب إليه واعتذر واستغفر ، وقال في حق علي : أخطأ في سبعة عشر شيئاً ثم خالف فيها نص الكتاب ، منها اعتداد المتوفى عنه زوجها أطول الأجلين )
وقال ابن حجر – أيضاً - :
منهم من ينسبه إلى النفاق لقوله في علي ما تقدم ، ولقوله : إنه كان مخذولا حيث ما توجه ، وأنه حاول الخلافة مراراً فلم ينلها ، وإنما قاتل للرياسة لا للديانة ، ولقوله : إنه كان يحب الرياسة ، وإن عثمان كان يحب المال ، ولقوله : أبو بكر أسلم شيخاً يدري ما يقول وعلى أسلم صبياً ، والصبي لا يصح إسلامه على قول ، وبكلامه في قصة خطبة بنت أبي جهل ، ومات ما نسبها من الثناء على ..... وقصة أبي العاص ابن الربيع وما يؤخذ من مفهومها ، فإنه شنع في ذلك ، فألزموه بالنفاق لقوله صلى الله عليه وسلم " ولا يبغضك إلا منافق ")
ومنهم : ابن حجر الهيتمي الذي قال في فتاواه الحديثية :
( ابن تيمية عبد خذله الله تعالى وأضله وأعماه وأصمه وأذله وبذلك صرح الأئمة الذين بينوا فساد أحواله وكذب أقواله ، ومن أراد ذلك فعليه بمطالعة كلام الإمام المجتهد المتفق على إمامته وجلالته وبلوغه مرتبة الاجتهاد أبي الحسن السبكي وولده التاج والشيخ الإمام العز بن جماعة وأهل عصرهم وغيرهم من الشافعية والمالكية والحنفية .(3/11)
ولم يقصر اعتراضه على متأخري الصوفية بل اعترض على مثل عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنهما – والحاصل أن لا يقام لكلامه وزن ، بل يرمى في كل وعر وحزن ويعتقد فيه أنه مبتدع ضال ومضل جاهل غال ، وأجارنا من مثل طريقته وعقيدته)
قال : ( ولا زال يتتبع الأكابر حتى تمالأ عليه أهل عصره ففسقوه و بدعوه ، بل كفره كثير منهم ، وقد كتب إليه بعض أجلاء عصره علماً ومعرفة سنه خمس وسبعمائة :
من فلان إلى الشيخ الكبير العالم إمام أهل عصره – بزعمه – أما بعد ، فإنا أحببناك في الله زماناً وأعرضنا عما يقال فيك إعراض الفضل إحساناً ، إلى أن ظهر لنا خلاف موجبات المحبة بحكم ما يقتضيه العقل والحس ، وهل يشك في الليل عاقل إذا غربت الشمس ؟ وإنك أظهرت إنك قائم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والله تعالى أعلم بقصدك ونيتك ، ولكن الإخلاص مع العمل ينتج ظهور القبول ، وما رأينا آل أمرك إلا إلى هتك الأستار والأعراض باتباع من لا يوثق بقوله من أهل الأهواء والأغراض ، فهو سائر زمانه يسب الأوصاف والذوات ولم يقنع بسب الأحياء حتى حكم بتكفير الأموات .
ولم يكفه التعرض على ما تأخر من صالحي السلف حتى تعدى إلى الصدر الأول ومن له أعلى المراتب في الفضل ، فيا ويح من هؤلاء خصماؤه يوم القيامة ، وهيهات أن لا يناله غضب وأنى له بالسلامة .(3/12)
وذكر سامعه منه تخطئة الخليفتين عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب ، وقد تقدم ، ثم قال : فيا ليت شعري من أين يحصل لك الصواب إذا أخطأ علي بزعمك كرم الله وجهه وعمر بن الخطاب ؟ والآن قد بلغ هذا الحال إلى منتهاه والأمر إلى مقتضاه ولا ينفعني إلى القيام في أمرك ودفع شرك ، لأنك قد أفرطت في الغي ووصل أذاك إلى كل ميت وحي ، وتلزمني الغيرة شرعاً لله تعلى ولرسوله ، ويلزم ذلك جميع المؤمنين وسائر عباد الله المسلمين ، بحكم ما يقوله العلماء ، وهم أهل الشرع ، وأرباب السيف الذي بهم الوصل والقطع ، إلى أن يحصل منك الكف عن أعراض الصالحين رضي الله عنهم أجمعين)
قلت : قال صاحب كتاب ( جلاء العينين ) : السيد نعمان الألوسي بعد نقله لهذا الكلام :
( كان ينبغي من ابن حجر أن يعزو هذا الكلام إلى كتاب الذي نقله منه ، ونسبه إلى ابن تيمية )
وقال أيضاً : ( إن ما نسبه الشيخ ابن حجر إلى شيخ الإسلام من سوء الاعتقاد في أكابر الصحابة الكرام لا أصل له )
ومن المتهمين لشيخ الإسلام بأنه منحرف عن على المدعو زاهد الكوثري أحد رؤوس المبتدعة في هذا القرن والذي سخر كل تأليفه وتعليقاته على الكتب في النيل من علماء السلف ممن لم يوافق مشربه البدعي .
يقول هذا الكوثري راداً على شيخ الإسلام تضعيفه حديث ( رد الشمس لعلي – رضي الله عنه - ) دون اعتبار لتصحيح الطحاوي له :
( فتراه يحكم عليه هذا الحكم القاسي لأنه صحح حديث رد الشمس لعلي كرم الله وجهه ، فيكون الاعتراف بصحة هذا الحديث ينافي انحرافه عن علي رضي الله عنه ، وتبدو على كلامه آثار بغضه لعلي عليه السلام في كل خطوة من خطوات تحدثه عنه )
ويقول في كتابه " اللإشفاق "(3/13)
( ولو لا شدة ابن تيمية في رده على ابن المطهر في منهاجه إلى أن بلغ به الأمر أن يتعرض لعلي بن أبي طالب كرم الله وجهه على الوجه الذي تراه في أوائل الجزء الثالث منه ، بطريق يأباه كثير من أقحاح الخوارج مع توهين الأحاديث الجيدة في هذا السبيل – لما قامت دولة الغلاة من الشيعة في بلاد الفرس والعراق وشرق الآسيا ( كذا ) الصغرى وأذربيجان من عهد الملك المغولي " خدابنده " وابن المطهر الحلي لما وصل إليه كتاب ابن تيمية هذا ، قال : كنت أجاوبه لو كان يفهم كلامي ، ولكن جوابي يكون بالفعل ، حتى سعي سعياً إلى أن تمكن من قلب الدولة السنية من تلك الأقطار غالية في التشيع يحمل " خدابنده " الملك الشعوب على المتذهب بمذهب ابن المطهر ، ولم يزل الغلو في التشيع في تلك البلاد منذ علم ابن تيمية هذا ، ولم كان يسعى بحكمة لما بعدت شقة الخلاف بين الإخوان المسلمين على الوجه الذي تراه )
قلت : قال الشيخ محمد بهجة البيطار راداً هذا الاتهام عن شيخ الإسلام :
( أقوال : كلامه هذا الصريح في أن الإمام ابن تيمية هو الذي أثار ثائرة الشيعة بتعصبه عليهم ، وطعنه فيهم ، وتنقيصه علياً عليه السلام بما يأبى مثله الخوارج وأنه هو الذي حمل ابن المطهر على هذا الغلو في التشيع والسعي في نشر المذهب من عهد الملك المغولي " خدابنده " الذي تشيع وقلب دولته شيعية بسعي ابن المطهر الحلي هذا ، وأن منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة والقدرية لشيخ الإسلام هو الذي زاد النار ضراماً . ألخ .
سبحان الله ما أجرأ هذا الرجل على تشويه الحقائق وإفساد التاريخ ، فهو ممن زين له سوء عمله فرآه حسناً . وإليك الجواب عن الكذب الصريح :(3/14)
إن شيخ الإسلام ابن تيمية لم يؤلف كتابه " منهاج السنة النبوية " ابتداءً ، ولكنه ألفه رداً على كتاب الحلي الشيعي الذي سماه " منهاج الكرامة " وقد قال رحمه الله في مقدمة كتابه : " أما بعد فإنه أحضر إلي طائفة من أهل السنة والجماعة كتاباً صنفه بعض شيوخ الرافضة في عصرنا منفقاً لهذه البضاعة ، ويدعو به إلى مذهب الرافضة الإمامية من أمكنه دعوته من ولاة الأمور وغيرهم ( إلى أن قال ) وذكر من أحضر هذا الكتاب بأنه من أعظم الأسباب في تقرير مذهبهم عند من مال إليهم من الملوك وغيرهم ، وقد صنفه للملك المعروف الذي سماه " خدابنده " وطلبوا مني بيان ما في هذا الكتاب من الضلال وباطل الخطاب " ا هـ .
فأنت ترى أن كتاب منهاج السنة النبوية قد كتب رداً لاعتداء من اعتدى على أهل السنة وتهجم عليهم ، وطعن في دينهم ، وأن شيخ الإسلام قد أحضر إليه كتاب الشيعي ولم يكن رآه ، وطلب منه أهل السنة والجماعة رد مفترياته على أهل السنة وهو شيخهم ، بل شيخ الإسلام ، ومن أولى منه ببيان الحق وأقدر منه عليه ؟
إن الملك المغولي " خدابنده " قد ترفض أو تشيع على يد ابن المطهر الحلي قبل صدور رد شيخ الإسلام عليه كما هو ظاهر من كلامه.
إن أقصى ما في كلام شيخ الإسلام هو الدعوة إلى الاعتدال في الأقوال و الأعمال ، وتخفيف غلو الغاليين في العقائد ، وتقليص ظل عصبيات أهل البدع والأهواء ، ودفع أكاذيبهم وأباطيلهم ، والغرض من ذلك كله تنوير العقول ، وتقريب القلوب ، وتطهيرها مما تراكم عليها من أوضار الباطل ، و أوغار الحقد ، وإزالة ما استحكم فيها من جفوة وقسوة .
وهذه نبذة صغيرة من كلام شيخ الإسلام مصدقة لما ذكرناه .(3/15)
قال رحمه الله : " وأما الرافضي فإذا قدح في معاوية بأنه كان باغياً ظالماً ، قال له الناصبي : وعلي أيضاً كان باغياً ظالماً لما قاتل المسلمين على إمارته وبدأهم بالقتال ، وصال عليهم وسفك دماء الأمة بغير فائدة لا في دينهم ، وكان السيف مسلولاً في خلافته على أهل الملة ، كفوفاً عن الكفار – إلى أن قال – فالخوارج و المروانية وكثير من المعتزلة وغيرهم يقدحون في على ( رضي الله عنه ) وكلهم مخطئون في ذلك ضالون مبتدعون " ا هـ .
فأنت ترى شيخ الإسلام يحكي كلام الروافض و النواصب و الخوارج ، ولكنه لا يحكم على فريق ، بل يحكم بأنهم مخطئون مبتدعة ضالون ، خلافاً لما يزعمه الكوثري ، المقلد الغبي ، من انتقاص مقام الإمام علي ، فما أضيع البرهان عند المقلد .
وأوضح وأفضح مما تقدم أن هذا المعتدي على التاريخ ، دعواه أن ابن تيمية هو سبب الغلو في التشيع ، وبسط سلطانه في الأرض ، ويوهم كلامه أو يفهم أن السلطان " خدابنده " قد ترفض ونشر مذهب ابن المطهر بسبب ابن تيمية ، وتحامله على الشيعة في منهاج السنة النبوية .
وقال : وابن المطهر الحلي لما وصل إليه كتاب ابن تيمية هذا ، قال : كنت أجاوبه لو كان يفهم كلامي ، ولكن جوابي يكون بالفعل حتى سعى سعياً إلى أن تمكن من قلب الدولة السنية من تلك الأقطار إلى دولة غالية في التشيع يحمل " خدابنده " الملك الشعوب على التمذهب بمذهب ابن المطهر ، ولم يزل الغلو في التشيع متغلغلاً في تلك البلاد منذ عمل ابن تيمية هذا . ا هـ .
ونحن ننقل لك بعد هذا الكلام ما ذكره الشيعة الإمامية أنفسهم في سبب ترفض الملك " خدابنده " ليعلم مبلغ هذا الرجل من تحريف التاريخ وقلب الحقائق الواقعية بكل وقاحة وصفاقة ، ونسجل عليه حقده وتعصبه على رجال الإسلام العظام ، وافتراءه عليهم الكذب الصريح .(3/16)
جاء في كتاب " روضات الجنات في تراجم الشيعة " تأليف ميرزا محمد باقر الموسوي الخوانساري الميلاد ، والأصفهاني الموطن والمهاد – في ترجمة الحسن بن المطهر الحلي ما نصه : ثم نقل عن كتاب شرح مولانا التقي المجلس علي الفقيه نقلاً عن جماعة من الأصحاب أن الشاه " خدابنده " المذكور غضب يوماً على امرأته فقال لها : أنت طالق ثلاثاً ، ثم ندم وجمع العلماء فقالوا : لا بد من المحلل فقال : عندكم في كل مسألة أقاويل مختلفة ، أو ليس لكم هنا اختلاف ؟ فقالوا : لا ، فقال : أحد وزرائه : إن عالماً بالحلة وهو يقول ببطلان الطلاق ، فبعث كتابه إلى العلامة وأحضره – وهنا أطال في وصف اجتماعه بعلماء السنة ومناظرته لهم ، بما يضحك الثكلى ويشبه كلام الصبيان ثم قال : وعلى أي حال فالطلاق الذي أوقعه الملك باطل ، لأنه لم يتحقق شروطه ، ومنه العدلان ، فهل قال الملك بمحضرهما ؟ قال : لا ثم شرع في البحث مع العلماء حتى ألزمهم جميعاً فتشيع الملك وبعث إلى البلاد والأقاليم حتى يخطبوا بالأئمة الإثني عشر ، ويضربوا السكك على أسمائهم ، وينفقوها على أطراف المساجد ، والمشاهد منهم ( ثم قال ) والذي في أصفهان موجود الآن في الجامع القديم الذي كتب زمانه ثلاثة مواضيع منه ، وكذا في معبديه – مكوار لنجان ، ومعبد الشيخ نور الدين النطنزي من الفرقاء ، وكذا على منارة دار السيادة التي تممها هذا السلطان من بعد ما أحدثه أخوه غازان . ا هـ .
( ثم قال ) : وهذه اليد العظمى والمنة الكبرى التي له على أهل الحق مما لم ينكره أحد من المخالفين والموافقين ، حتى أنه في بعض تواريخ العامة ( أي أهل السنة ) رأيت التعبير عن هذه الحكاية بمثل هذه الصورة . ومن سوانح سنة سبع وسبعمائة ، أظهر " خدابنده " شعار التشيع بإضلال ابن المطهر . ا هـ .(3/17)
أعلمت الآن أيها القارئ الكريم السبب الذي من أجله ترفض هذا الجاهل الأعجمي المغولي وأنه مسألة شخصية ، لا دخل فيها لشيخ الإسلام ابن تيمية ، ولا لكتاب منهاج السنة النبوية ، وهو كونه طلق زوجته ثلاثاً وهو غضبان ، واستفتى أمثال الكوثري من علماء عصره فأفتوه بالمحلل ، وهو الذي سماه الرسول صلى الله عليه وسلم التيس المستعار ، وقال الملك لهم : عندكم في كل مسألة أقاويل مختلفة ، أو ليس لكم هنا اختلاف ؟ قالوا : لا ، لابد من المحلل – أي الملعون بلسان الرسول صلى الله عليه وسلم هو المحلل له ، فاستنكف الملك عن هذا التحليل الذي هو زنا صريح ، ولو أخذوا بما كان عليه الطلاق الثلاث في عهده صلى الله عليه وسلم وفي عهد صاحبيه ، لخرجوا من جحر الضب الذي أوقعوا الملك معهم فيه ، ولو اهتدى إلى شيخ الإسلام ابن تيمية لوجد لمسألته عنده حلاً نبوياً سنياً غير شيعي ، ولكن الكوثري يلبس شيخ الإسلام ذنب غيره فعليه ما يستحق من ربه ، ولماذا تسكت أيها الكوثري عمن أحرجوا الملك فأخرجوه من بينهم ، وتطعن في دين من يرده وقومه إلى حظيرة السنة ؟
أكان بالله إثما أن يؤلف ابن تيمية كتاب " منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة والقدرية " ؟ ويرد به ضلالات ابن المطهر الحلي و الكوثري السني فيما يزعم يتبجح بقول الحلي الشيعي لإمام السنة : كنت أجاوبه لو كان يفهم كلامي .
وفي كتاب " روضات الجنات " في تراجم الشيعة الذي لخصنا عنه ما تقدم ( ص171 – 174 ) نقلاً عن تذكرة الشيخ نور الدين علي بن عراق المصري – أن الشيخ تقي الدين بن تيمية الذي كان من جملة علماء السنة معاصراً للشيخ جمال الدين العلامة المذكور – منكراً عليه في الخفاء كثيراً – كتب إليه العلامة بهذه الأبيات :
لو كنت تعلم كل ما علم الورى طراً لصرت صديق كل العالم
لكن جهلت فقلت إن جميع من يهوى خلاف هواك ليس بعالم(3/18)
فكتب الشيخ شمس الدين محمد بن محمد بن عبدالكريم الموصلي في جوابه هذه القطعة وأرسلها إليه :
يا من يموه في السؤال مسفسطاً إن الذي ألزمت ليس بلازم
هذا رسول الله يعلم كل ما علموا وقد عاداه جل العالم
وترى الكوثري ينوه بكلمة ابن المطهر الحمقاء التي أخذها من شعره ولكنه لم يذكر جوابها السديد لبعض علماء السنة .
ويمكنك أن تقف مما أوردناه لك على دخيلته ، وتعرف حقيقة نحلته وخبيئته .
وجملة القول : أن هذا الرجل لا يتعد بعقله ولا بنقله ولا بعلمه ولا بدينه . ومن يراجع تعليقاته يتحقق صدق ما قلناه فيه ، على أنا أوردنا شواهد منها دلت على سائلها وعرفنا حقيقة قائلها ، فمن بقي له شك فيها فليرجع إليها ، ليرى كيف أن التعصب يعمي ويصم ، والله عليم بذات الصدور )
قلت : ومن المتهمين لشيخ الإسلام بالانحراف عن علي – رضي الله عنه – المدعو : عبدالله الغماري أحد مبتدعي زماننا الذي يقول في رده على الشيخ الألباني أثناء كلامه على حديث " أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بسد الأبواب الشارعة في المسجد وترك باب علي عليه السلام "
قال الغماري : ( حديث صحيح ، أخطأ ابن الجوزي بذكره في الموضوعات ، ورد عليه الحافظ في القول المسدد ، وابن تيمية لانحرافه عن عليه السلام كما هو معلوم لم يكفه حكم ابن الجوزي بوضعه فزاد من كيسه حكاية اتفاق المحدثين على وضعه )
وقال الغماري – أيضاً – في موضع آخر من رسالته السابقة – متحدثاً عن الألباني – حفظه الله - .(3/19)
( وحاله في هذا كحال ابن تيمية ، وتطاول على الناس فأكفر طائفة من العلماء ، وبدع طائفة أخرى ، ثم اعتنق هو بدعتين لا يوجد أقبح منهما : إحداهما : قوله بقدم العالم ، وهي بدعة كفرية – والعياذ بالله تعالى – والأخرى : انحرافه عن علي عليه السلام ، ولذلك وسمه علماء عصره بالنفاق ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم لعلي : " لا يحبك إلى مؤمن ولا يبغضك إلا منافق ")
ومن المتهمين – أيضاً – المدعو حسن بن علي السقاف أحد المبتدعة المعاصرين الذي عول على الغماري في هذا الاتهام الباطل فقال في كتابه: " التنبيه والرد على معتقد قدم العالم والحد " نقلاً عن عبدالله بن الصديق الغماري من كتابه " الصبح السافر " ( وابن تيمية يحتج كثير من الناس بكلامه ، ويسميه بعضهم ( شيخ الإسلام ) وهو ناصبي عدو لعلي عليه السلام ، واتهم فاطمة عليها السلام بأن فيها شعبة من النفاق )
ومنهم صاحب كتاب " التوفيق الرباني في الرد على ابن تيمية الحراني ومؤلفه كما على غلافه ( لجماعة من العلماء )
يضع هذا الزائغ عنواناً في صفحة (85 ) يقول فيه : ( افتراؤه على الإمام على ) أي افتراء ابن تيمية على علي – رضي الله عنه – ثم نقل تحته أقوال الحافظ ابن حجر السابقة ، وشيئاً من أقوال شيخ الإسلام زاعماً الرد عليها .
ومن المتهمين لشيخ الإسلام بهذا الاتهام الشنيع : المدعو : عبدالله الحبشي وذلك في قوله : ( وابن تيمية هذا طعن في علي بن أبي طالب .
وقال : إن حروبه أضرت بالمسلمين .
قلت : وقد رد عليه الشيخ عبدالرحمن دمشقية – حفظه الله – في كتابه : " المقالات السنية في تبرئة شيخ الإسلام ابن تيمية ورد مفتريات الفرقة الحبشية "
ومن المتهمين لشيخ الإسلام بهذه التهمة : حسن المالكي الذي اشتهر بين أهل العلم بمحبته للمخالفة والانفراد بأقوال شاذة يلتقطها من كتب المبتدعة ، ويثيرها عند أهل السنة ، وليس هذا مقام ذكرها .(3/20)
وقد سمعت هذا المالكي يقول في أحد المجالس بأن ابن تيمية ( فيه شئ من النصب )
وأما في كتبه – أي المالكي – فقد ألمح إلى هذه التهمة ولم يصرح ، فمن ذلك قوله في كتابه " نحو إنقاذ التاريخ الإسلامي " ( أقول لكم – وبلا فخر – خذوا مني هذه الحقائق التي هي خلاصة دراسة استمرت أربع سنوات في كتب التاريخ ، وهي : أن الكتب المفتقدة للتحقيق العلمي المتشدقة بمنهج أهل الحديث بالإضافة إلى ما سبق هي ......... ) ثم ذكر مجموعة من الكتب التي ينبغي عدم اعتمادها – كما يزعم – ثم قال في الحاشية ، ( كنت يومها قد ذكرت كتاب (منهاج السنة ) لابن تيمية ضمن هذه الكتب التي تفتقد التحقيق ويقلده المؤرخون بلا محاكمة للنصوص ، وقد حذفت ذكره هنا مؤجلاً الحكم النهائي بعد دراسة الكتاب دراسة مستفيضة )
قلت : ونحن على شوق إلى رؤية هذه ( الدراسة المستفيضة ) لكتاب شيخ الإسلام .
ومن أقوال المالكي التي تلمح إلى هذه التهمة قوله في كتابه الآنف عن شيخ الإسلام : ( وهو معروف بدفاعه عن الخلفاء الثلاثة ) وليس الأربعة ؟ نعوذ بالله من الظلم والبهتان .
وممن قد يعد من المتهمين لشيخ الإسلام – أيضاً – أم مالك الخالدي ، وهي زوج حسن المالكي فقد ألفت كتاباً بعنوان " البرهان الجلي في دفاع ابن تيمية عن خلافة علي رضي الله عنه " ألمحت إلى هذه التهمة بشئ من الحذر حيث أبهمت العبارة في أن لشيخ الإسلام أخطاءً عدة في كتابه : " منهاج السنة" ، وأن له أقوالاً متناقضة ...... إلخ اتهامها الذي لم تذكر عليه أي مثال ليتبين مرادها بدلاً من هذا التعمية والتعتعة وإليك شيئاً من أقوالها ، لعل أحداً من القراء يفهم ما لم أفهمه من هذا الغموض المطبق على حروفها :
تقول : ( يوجد لابن تيمية أقوال ظاهرها يناقض بعض ما أوردناه هنا فلعل ما أوردناه هو آخر ما كان عليه الشيخ لأنه الحق ومن عرف الحق يستبعد أن ينحرف عنه )(3/21)
قلت : ولم توضح – هداها الله – هذه الأقوال المتناقضة لشيخ الإسلام ، أو الأقوال التي فيها لبس واشتباه ، وكان الواجب عليها ما دامت تعتقد أن ما تقوله هو الحق أن تصرح بهذه الانتقادات لشيخ الإسلام وترد عليها رداً علمياً ، لا أن تطلق هذه العبارات والأقوال التي ( فيها لبس واشتباه )
هؤلاء هم أبرز المتهمين لشيخ الإسلام بهذا الاتهام وهم كما ترى من أقحاح أهل البدع – ما عدا ابن حجر العسقلاني – فلا يستغرب منهم هذا الكذب والافتراء على شيخ الإسلام الذي هدم بدعهم وفضحهم على رؤوس الأشهاد فلهذا توارثوا هذا العداء الدفين له على مر الأجيال ، إلي أن يشاء الله .
وكما قلت سابقاً : لو كان المتهم للشيخ هم هؤلاء المبتدعة وحدهم لما أقمت لأقوالهم أي أهمية ، لأننا قد تعودنا منهم الكثير من مثل هذه الافتراءات والتهم على علماء السلف ، ولكن وقوف الحافظ ابن حجر في صفهم ولو بالتلميح هو الذي دفعني لرد خطئه على شيخ الإسلام لكي لا يتسرب دون علم إلى ناشئة المسلمين ، أو يستغله أحد مرضى النفوس ممن في صدورهم إحن خفية على شيخ الإسلام لسبب من الأسباب الله أعلم به .
منهج شيخ الإسلام في
دفع شبهات الروافض
علمنا أن شيخ الإسلام يواجه كتاباً قد ألفه رجل من طائفة جاهلة ظالمة قد عرف أفرادها بالكذب المختلق لا يفوقهم فيه أحد ، فهذا الرافضي قد حشد أكاذيبه في هذا الكتاب من جهتين : من جهة الغلو في علي – رضي الله عنه – بشتى الأكاذيب والموضوعات ، ومن جهة الطعن في الصحابة الآخرين – رضي الله عنهم – فصاحب هذا الكتاب مندفع بحماسة إلى تقرير مذهبه الباطل بأي وسيلة ، ولو كانت الافتراءات والأكاذيب .
وشيخ الإسلام أمام سيل جارف من الغلو المكذوب في علي – رضي الله عنه – وأمام حمم متدفقة من الأكاذيب في سبيل الطعن في الصحابة – رضوان الله عليهم – فماذا يصنع ؟
إن المتأمل لهذه الظروف التي عاشها شيخ الإسلام أمام هذا الكتاب يجد أن له خيارين :(3/22)
الخيار الأول : وهو المشهور عند العلماء وأصحاب التآليف : هو أن يقوم شيخ الإسلام بدفع الطعون عن الصحابة ببيان كذبها وأنها مختلقة ، فكلما رمى الرافضي بشبهة أو طعن على صحابي قام شيخ الإسلام بردها أو برده بكل اقتدار لينفيه عن هذا الصحابي . هذا هو الخيار الأول ، وهو في ظني الخيار الذي كان الحافظ ابن حجر يريد لشيخ الإسلام أن يسلكه مع الرافضي .
وهو خيار جيد ومقبول لو كان الخصم غير الرافضي ، أي لو كان الخصم ممن يحتكمون في خلافاتهم إلى النقل الصحيح أو العقل الصريح ، أما مع الرافضي فإن هذا الأسلوب لا يجدي ، ولن يكف بأسه عن أعراض الصحابة ، فإنك مهما أجدت في رد الشبهة أو الطعن فإنه لن يقتنع بذلك أبداً – كما علم من طريقة القوم – ومهما أفنيت عقلك وجهدك في دفع أكاذيبه فإنه لن يألو جهداً في اختلاف غيرها من الأكاذيب .
إذاً فهذا الخيار الأول لن يثني الرافضي عن هدفه من النيل من الصحابة – رضوان الله عليهم –
نعم هو سينفع أهل السنة ، ولكنه لن يضر الروافض ولن يسكتهم .
الخيار الثاني : وهو الذي اختاره شيخ الإسلام لأنه يراه ذا مفعول فعال في مواجهة أكاذيب الروافض وغلوهم المستطير وهذا الخيار يرى أن أجدى طريقة لكف بأس الروافض هو مقابلة شبهاتهم بشبهات خصومهم من الخوارج و النواصب ، أي مقابلة هذا الطرف بذاك الطرف المقابل له ، ليخرج من بينهما الرأي الصحيح الوسط .
فكلما قال الرافضي شبهة أو طعناً في أحد الخلفاء الثلاثة – أبي بكر وعمر وعثمان – رضي الله عنهم – قابلها شيخ الإسلام بشبهة مشابهة للنواصب والخوارج في علي رضي الله عنه .
وهو لا يقصد بهذا تنقص على – رضي الله عنه – والعياذ بالله ، وإنما يقصد إحراج الروافض ، وكفهم عن الاستمرار في تهجمهم على الصحابة ، لأنه ما من شئ من الطعون والتهم سيثبتونه على واحد من الصحابة إلا وسيثبت الخوارج و النواصب مماثلاً له في علي رضي الله عنه .(3/23)
وهذا مما يخرس ألسنة الروافض ، لأنهم في النهاية سيضطرون إلي أن تضع حربهم على الصحابة أوزارها عندما يرون شبههم وأكاذيبهم تقابل بما يناقضها في على – رضي الله عنه – فعندها سيبادرون إلى أن يختاروا السلم وعدم ترديد الشبهات حفاظاً على مكانة علي أن يمسها أحد بسوء .
فهذه ( حيلة ) ذكية من شيخ الإسلام ضرب بها النواصب بالروافض ليسلم من شرهم جميعاً ، وهذا ما لم يفهمه أو تجاهل عنه من بادر باتهامه بتلك التهمة الظالمة .
وشيخ الإسلام – أيضاً – يعلم أن الروافض و النواصب جميعاً أصحاب كذب وغلو ، ولكنه يقابل غلو هؤلاء وكذبهم بغلو أولئك وكذبهم ، ليسكت الجميع ويدفعهم عن الخوض في أعراض الصحابة .
فطريقة شيخ الإسلام أنه رأى قوماً يغلون في شخص من الأشخاص ، و يتنقصون من يكون مثله أو أفضل منه ، أن يقابل هؤلاء بمن يناقضهم في القول لكي يدفع الغلو عن الشخصين الفاضلين جميعاً .
وهذا مما قد تقرر عند علماء السنة ولم يستنكروه .
وأما أهل الباطل من الغلاة فإنهم يتهمون كل من لم يكن على مثل غلوهم بأنه عدو لذاك الفاضل .
يقول العلامة المعلمي في كتابه " التنكيل " :
( ومن أوسع أودية الباطل الغلو في الأفاضل ، ومن أمضى أسلحته أن يرمي الغالي كل من يحاول رده إلى الحق ببغض أولئك الأفضل ومعاداتهم ، ويرى بعض أهل العلم أن النصارى أول ما غلوا في عيسى عليه السلام كان الغلاة يرمون كل من أعظم ما ساعد على انتشار الغلو ، لأن بقايا أهل الحق كانوا يرون أنهم إذا أنكروا على الغلاة نسبوا إلى ما هم أشد الناس كراهية له من بغض عيسى وتحقيره ، ومقتهم الجمهور وأوذوا ، فثبطهم هذا عن الإنكار ، وخلا الجو للشيطان ، وقريب من هذا حال الغلاة الروافض وحال القبوريين ، وحال غلاة المقلدين )(3/24)
قلت : وأما شيخ الإسلام فإنه لم يأبه لتلك الاتهامات التي يلمز بها أهل الباطل كل من لم يكن على طريقتهم في الغلو ، وإنما كان – رحمه الله – ينزل كل إنسان منزلته التي أنزله الله تعالى .
وكان كثيراً ما يجري المقارنات بين الأشخاص الذين غلا فيهم قوم، وجفا عنهم آخرون ، فيصد غلو هؤلاء بجفاء أولئك ، ويخرج من بينهما الرأي الصحيح في ذا ك الشخص الفاضل .
فهذه الطريقة تميز بها شيخ الإسلام ، ولم يستخدمها مع على – رضي الله عنه – والخلفاء الثلاثة كما يعتقد أعداؤه ، وإنما هي طريقة مطردة له رحمه الله في كل موقف مشابه .
فمن ذلك أنه – رحمه الله – عقد مقارنة بين ما ثبت لموسى من فضائل وما ثبت لعيسى – عليهما السلام – قاصداً من ذلك الرد على النصارى الذين يغلون في عيسى عليه السلام ويحطون من قدر غيره من الأنبياء .
قال – رحمه الله – ( إنه ما من آية جاء بها المسيح إلا وقد جاء موسى بأعظم منها ، فإن المسيح صلى الله عليه وسلم وإن كان جاء بإحياء الموتى ، فالموتى الذين أحياهم الله على يد موسى أكثر كالذين قالوا : ( لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فأخذتكم الصعقة) ثم أحياهم الله بعد موتهم ، وقد جاء بإحياء الموتى غير واحد من الأنيباء والنصارى يصدقون بذلك .
وأما جعل العصا حية فهذا أعظم من إحياء الميت ، فإن الميت كانت فيه حياة فردت الحياة إلى محل كانت فيه الحياة وأما جعل خشبة يابسة حيواناً تبتلع العصي والحبال فهذا أبلغ في القدرة وأقدر ، فإن الله يحيي الموتى ولا يجعل الخشب حياة .(3/25)
وأما إنزال المائدة من السماء فقد كان ينزل على عسكر موسى كل يوم من المن والسلوى وينبع لهم من الحجر من الماء ما هو أعظم من ذلك ، فإن الحلو أو اللحم دائماً هو أجل في نوعه وأعظم في قدره مما كان على المائدة من الزيتون والمسك وغيرهما ، وذكرت له نحواً من ذلك مما تبين أن تخصيص المسيح بالاتحاد ودعوى الإلهية ليس له وجه ، وإن سائر ما يذكر فيه إما أن يكون مشتركاً بينه وبين غيره من الأنبياء والرسل ، مع أن بعض الرسل كإبراهيم وموسى قد يكون أكمل في ذلك منه .
وأما خلقه من امرأة بلا رجل ، فخلق حواء من رجل بلا امرأة أعجب من ذلك ، فإنه خلق من بطن امرأة ، وهذا معتاد ، بخلاف الخلق من ضلع رجل ، فإن هذا ليس بمعتاد ، فما من أمر يذكر في المسيح صلى الله عليه وسلم إلا وقد شركه فيه أو فيما هو أعظم منه غيره من بني آدم )
قلت : إذاً فشيخ الإسلام عندما عقد هذه المقارنة بين موسى وعيسى – عليهما السلام – وما ثبت لهما من فضائل إنما يريد الرد على من يغلو في عيسى – عليه السلام – مستغلاً ما ثبت له من خصائص على حساب غيره من الأنبياء ، فأراد شيخ الإسلام أن يوقف غلوه هذا ببيان أن ما ثبت لعيسى من خصائص فإنها ثابتة لغيره من الأنبياء ، مثلها أو أعظم منها ، فلماذا هذا الغلو ؟
وهو بهذا الموقف يحفظ لكل أنبياء الله حقوقهم ، ويدفع عنهم طعن الطاعنين وازدراء الشانئين ، ويصرف عنهم غلو الغالين ، ولا يقول عاقل قط بأن صنيع شيخ الإسلام هذا فيه ازدراء وتنقص لعيسى – عليه السلام –
لأنه – رحمه الله – لم يتنقصه ، وحاشاه أن يفعل ذلك ، أو أن يظن به ذلك ، وإنما ذب عن عرض إخوانه من الأنبياء – عليهم السلام- دون أدنى تعرض لمقام عيسى – عليه السلام - .(3/26)
وقارن بين صنيعه – رحمه الله – مع عيسى وموسى – عليهما السلام - وقارنه مع صنيعه مع على والخلفاء الثلاثة – رضوان الله عليهم – تجد أن الموقف متشابه وأن منهج شيخ الإسلام واحد لا يتغير أمام غلاة الكفار وغلاة المبتدعة الذين يغلون في شخوص بعض الأنبياء أو بعض الأولياء ، ويذمون غيرهم .
قلت : وفي موضع آخر يجري شيخ الإسلام مقارنة بين موسى وعيسى – عليهما السلام – وبين محمد صلى الله عليه وسلم وذلك رداً على اليهود والنصارى الذين يؤمنون بموسى وعيسى – عليهما السلام - ولا يؤمنون بمحمد صلى الله عليه وسلم .
يقول الشيخ : ( إن الدلائل الدالة على صدق محمد صلى الله عليه وسلم أعظم وأكثر من الدلائل الدالة على صدق موسى وعيسى ، ومعجزاته أعظم من معجزات غيره ، والكتاب الذي أرسل به أشرف من الكتاب الذي بعث به غيره ، والشريعة التي جاء بها أكمل من شريعة موسى وعيسى – عليهما السلام – وأمته أكمل في جميع الفضائل من أمة هذا وهذا . ولا يوجد في التوراة والإنجيل علم نافع وعمل صالح إلا وهو في القرآن مثله وأكمل منه , وفي القرآن من العلم النافع والعمل الصالح ما لا يوجد مثله في التوراة والإنجيل ، فما من مطعن من مطاعن أعداء الأنبياء يطعن على محمد صلى الله عليه وسلم إلا ويمكن توجيه ذلك الطعن وأعظم منه على موسى وعيسى ، وهذه جملة مبسوطة في موضع آخر لم نبسطها هنا ، لأن جواب كلامهم لا يحتاج إلى ذلك ، فيمتنع الإقرار بنبوة موسى وعيسى عليهما السلام مع التكذيب بنوة محمد صلى الله عليه وسلم ولا يفعل ذلك إلا من هو من أجل الناس وأضلهم ، أو أعظمهم عناداً واتباعاً لهواه )
قلت : تأمل قوله : ( فما من مطعن من مطاعن أعداء الأنبياء يطعن على محمد صلى الله عليه وسلم إلا ويمكن توجيه ذلك الطعن وأعظم منه على موسى وعيسى )(3/27)
إذا تأملت هذه العبارة تبين لك بوضوح منهج شيخ الإسلام المطرد في مثل هذه المواضع التي يعظم فيها نبي أو صحابي أو ولي على حساب نبي أو صحابي أو ولي آخر ، فإنه رحمه الله يلزم ذلك المعظم الجهول أن يعظم الجميع ويثني عليهم وإلا فإنه لا يستقيم له أن يعظم بعضهم ويطعن في بعضهم ، لأنه ما من طعن أو اتهام باطل يمكن أن يوجه لأحدهم إلا سيوجه للآخر مثله أو أعظم منه . لأن النفس الدنيئة لن تعدم مثل هذه الاتهامات الباطلة على الأفاضل ، فإذا كان أصحاب الإفك كاليهود مثلاً قد مسوا جانب الله وعظمته في فولهم ( يد الله مغلولة ) فما ظنك ببني البشر ؟ مهما علت منزلتهم .
إذاً : فخلاصة منهج شيخ الإسلام في مثل هذه المقامات التي يمجد فيها شخص على حساب آخر ، ويكونان جميعاً من أهل الفضل ، أو يكون المطعون فيه أفضل من الممجد كأبي بكر مع على مثلاً ، فإن الشيخ – رحمه الله – يبين لهم أنكم إذا طعنتم في هذا الشخص الفاضل بالطعونات الباطلة فسيأتي قوم مثلكم لا خلاق لهم يطعنون فيمن مجدتموه بنفس طعونكم ، فماذا سيكون موقفكم تجاههم ؟ إلا الكف عن الأفاضل وإنزالهم منزلتهم التي أرادها الله لهم .
هذا هو منهج شيخ الإسلام ، وليس معنى هذا أنه يطعن فيمن مجده الغلاة ، لأن هذا الأمر لم يخطر بباله أصلاً ، لأنه ينقض شبهة هؤلاء بشبه غيرهم من أهل الباطل ، كاليهود مع النصارى ، و الروافض مع النواصب ، ثم يبرز منهج الإسلام أو منهج أهل السنة ، كما فعل مع علي – رضي الله عنه – مثلاً ، حيث أكثر من ذكر فضله ومكانته في كتابه " منهاج السنة " الذي يدعي خصومة أنه تنقصه فيه ، وما كان لمثل شيخ الإسلام أن يتناقض فوله لا سيما في كتاب واحد ولكن القوم لم يفهموا مقصد شيخ الإسلام من عباراته تلك فبادروه بتلك التهمة ، ولا سيما والنفوس مولعة بالطعن فيمن على صيته وانتشرت تزكيته في الآفاق كشيخ الإسلام الذي لن يعدم حاسداً أو حاقداً فوق كل أرض وتحت أي سماء .(3/28)
قلت : ومن هذه المقارنات التي يقوم بها شيخ الإسلام للحاجة أنه أجرى مقارنة بين ابن عباس وأبي هريرة – رضي الله عنهما – ليبين الفرق بين الحفظ وبين الاستنباط فيقول : ( وأين تقع فتاوى ابن عباس وتفسيره ، واستنباطه ، ومن فتاوى أبي هريرة وتفسيره ؟ وأبو هريرة أحفظ منه ، بل هو حافظ الأمة على الإطلاق، يؤدي الحديث كما سمعه ، ويدرسه بالليل درساً ، فكانت همته مصروفة إلى الحفظ ، وتبليغ ما حفظه كما سمعه ، وهمة ابن عباس مصروفة إلى التفقه والاستنباط ، وتفجير النصوص ، وشق الأنهار منها ، واستخراج كنوزها )
ومن ذلك أيضاً أنه أجرى مقارنة بين صالحي بني آدم وبين الملائكة ليبين رأيه في هذه المسألة التي طال فيها الجدل بين العلماء قبل شيخ الإسلام .
قال رحمه الله : ( وأما الصفات التي تتفاضل ، فمن ذلك : الحياة السرمدية والبقاء الأبدي في الدار الآخرة ، وليس للملك أكثر من هذا ، وإن كانت حياتنا هذه منغوصة بالموت فقد أسلفت أن التفضيل إنما يقع بعد كمال الحقيقتين ، حتى لا يبقى إلا البقاء وغير ذلك من العلم الذي امتازت به الملائكة .
فنقول : غير منكر اختصاص كل قبيل من العلم بما ليس للآخر ، فإن الوحي للرسل على أنحاء ، كما قال تعالى : ( وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من و رأي حجاب أو يرسل رسولا فيوحى بإذنه ما يشاء ) فبين أن الكلام للبشر على ثلاثة أوجه : منها واحد يكون يتوسط الملك . ووجهان أخران ليس للملك فيهما وحي ، وأين الملك من ليلة المعراج ، ويوم الطور ، وتعليم الأسماء وأضعاف ذلك ؟ )
قلت : وبهذه الأمثلة السابقة تعلم طريقة شيخ الإسلام ومنهجه الذي يسير عليه في هذه الظروف والقضايا المتشابهة ، ومنها قضية الرافضة مع علي – رضي الله عنه – حيث غلا فيه الروافض ورفعوه فوق مقامه الذي أراده الله له ، ولم يكفهم ذلك ، بل تنقصوا من يزيدون عليه في الفضل والمرتبة .(3/29)
ولهذا فشيخ الإسلام – رحمه الله – في كتابه ساوى بين الروافض وبين النصارى الذين غلوا في عيسى – علية السلام – وتنقصوا غيره من الأنبياء – عليهم السلام –
يقول شيخ الإسلام في كلام بديع له ، يبين فيه منهجه الذي سبق أن عرفناه ، ويدلل عليه بالأمثلة من القرآن ، ومن أفعال العلماء السابقين ، فتأمله وتدبره فإنه يلخص لك هذه الرسالة كلها .
يقول شيخ الإسلام : ( أهل السنة مع الرافضة كالمسلمين مع النصارى ، فإن المسلمين يؤمنون بأن المسيح عبدالله ورسوله ، ولا يغلون فيه غلو النصارى ، ولا يجفون جفاء اليهود . والنصارى تدعى فيه الإلهية وتريد أن تفضله على محمد و إبراهيم و موسى بل تفضل الحواريين على هؤلاء الرسل ، كما تريد الروافض أن تفضل من قاتل مع على كمحمد بن أبي بكر ، و الأشتر النخعي على أبي بكر وعمر وعثمان وجمهور الصحابة من المهاجرين والأنصار ، فالمسلم إذا ناظر النصراني لا يمكنه أن يقول في عيسى إلا الحق ، لكن إذا أردت أن تعرف جهل النصراني وأنه لا حجة له ، فقدر المناظرة بينه وبين اليهودي ، فإن النصراني لا يمكنه أن يجيب عن شبهة اليهودي إلا بما يجيب به المسلم ، فإن لم يدخل في دين الإسلام وإلا كان منقطعاً مع اليهودي ، فإنه إذا أمر بالإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم ، فإن قدح في نبوته بشئ من الأشياء ، لم يمكنه أن يقول شيئاً إلا قال له اليهودي في للمسيح ما هو أعظم من ذلك ، فإن البينات لمحمد أعظم من البينات للمسيح ، وبعد أمر محمد عن الشبهة أعظم من بعد المسيح عن الشبهة ، فإن جاز القدح فيما دليله أعظم وشبهته أبعد عن الحق فالقدح فيما دونه أولى ، وإن كان القدح في المسيح باطلاً فالقدح في محمد أولى بالبطلان ، فإنه إذا بطلت الشبهة القوية فالضعيفة أولى بالبطلان ، وإذا ثبتت الحجة التي غيرها أقوى منها فالقوية أولى بالثبات .(3/30)
ولهذا كان مناظرة كثير من المسلمين للنصارى من هذا الباب كالحكاية المعروفة عن القاضي أبي بكر بن الطيب لما أرسله المسلمون إلى ملك النصارى بالقسطنطينية ، فإنهم عظموه وعرف النصارى قدره ، فخافوا أن لا يسجد للملك إذا دخل ، فأدخلوه من باب صغير ليدخل منحنياً ، ففطن لمكرهم فدخل مستديراً متلقياً لهم بعجزه ، ففعل نقيض ما قصدوه ، ولما جلس وكلموه أراد بعضهم القدح في المسلمين ، فقال له : ما قيل في عائشة امرأة نبيكم ؟ يريد إظهار قول الإفك الذي يقوله من يقوله من الرافضة أيضاً ، فقال القاضي : ثنتان قدح فيهما ورميتا بالزنا إفكا وكذباً : ومريم وعائشة فلم تأت بولد مع أنه كان لها زوج فأبهت النصارى .
وكان مضمون كلامه أن ظهور براءة عائشة أعظم من ظهور براءة مريم ، وأن الشبهة إلى مريم أقرب منها إلى عائشة ، فإذا كان مع هذا قد ثبت كذب القادحين في مريم ، فثبوت كذب القادحين في عائشة أولى .
ومثل هذه المناظر أن يقع التفضيل بين طائفتين ، ومحاسن إحداهما أكثر وأعظم ، ومساويها أقل وأصغر ، فإذا ذكر ما فيها من ذلك عورض بأن مساوئ تلك أعظم ، كقوله تعالى : ( يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير ) ثم قال : ( وصد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند الله والفتنة أكبر من القتل ) ، فإن الكفار عيروا سرية من سرايا المسلمين بأنهم قتلوا ابن الحضرمي في الشهر الحرام ، فقال تعالى : هذا كبير ، وما عليه المشركون من الكفر بالله والصد عن سبيله وعن المسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند الله ، فإن هذا صد عما لا تحصل النجاة والسعادة إلا به ، وفيه من انتهاك المسجد الحرام ما هو أعظم من انتهاك الشهر الحرام .(3/31)
لكن هذا النوع قد اشتملت كل من الطائفتين فيه على ما يذم وأما النوع الأول فيكون كل من الطائفتين لا يستحق الذم ، بل هناك شبه في الموضعين وأدلة في الموضعين ، وأدله أحد الصنفين أقوى وأظهر ، وشبهته أضعف وأخفى ، فيكون أولى بثبوت الحق ممن تكون أدلته أضعف وشبهته أقوى .
وهذا حال النصارى واليهود مع المسلمين وهو حال أهل البدع مع أهل السنة لا سيما الرافضة .
وهكذا أمر أهل السنة مع الرافضة في أبي بكر وعلي ، فإن الرافضي لا يمكنه أن يثبت إيمان على وعدالته وأنه من أهل الجنة – فضلاً عن إمامته – إن لم يثبت ذلك لأبي بكر وعمر وعثمان ، وإلا فمتى أراد إثبات ذلك لعلي وحده لم تساعده الأدلة ، كما أن النصراني إذا أراد إثبات نبوة المسيح دون محمد لم تساعده الأدلة ، فإذا قالت له الخوارج الذين يكفرون علياً أو النواصب الذين يفسقونه : إنه كان ظالماً طالباً للدنيا ، وإنه طلب الخلافة لنفسه وقاتل عليها بالسيف ، وقتل على ذلك ألوفاً من المسلمين حتى عجز عن انفراده بالأمر ، وتفرق عليه أصحابه وظهروا عليه فقاتلوه ، فهذا الكلام إن كان فاسداً ففساد كلام الرافضي في أبي بكر وعمر أعظم ، وإن كان ما قاله في أبي بكر وعمر متوجهاً مقبولاً فهذا أولى بالتوجه والقبول ، لأنه من المعلوم للخاصة والعامة أن من ولاه الناس باختيارهم ورضاهم ، ومن غير أن يضرب أحداً لا بسيف ولا عصا ، ولا أعطى أحداً ممن ولاه مالاً ، واجتمعوا عليه فلم يول أحداً من أقاربه و عترته ، ولا خلف لورثته مالاً من مال المسلمين ، وكان له مال قد أنفقه في سبيل الله فلم يأخذ بدله ، وأوصى أن يرد إلى بيت مالهم ما كان عنده لهم ، وهو جرد قطيفة وبكر وأمة سوداء ونحو ذلك ، حتى قال عبدالرحمن بن عوف لعمر : أتسلب هذا آل أبي بكر ؟
قال : كلا والله لا يتحنث فيها أبو بكر وأتحملها أنا . وقال : يرحمك الله يا أبا بكر لقد أتعبت الأمراء بعدك .(3/32)
ثم مع هذا لم يقتل مسلماً على ولا يته ، ولا قاتل مسلماً بمسلم ، بل قاتل بهم المرتدين عن دينهم والكفار ، حتى شرع بهم في فتح الأمصار ، واستخلف القوي الأمين العبقري الذي فتح الأمصار ونصب الديوان وعمر بالعدل والإحسان .
فإن جاز للرافضي أن يقول : إن هذا كان طالباُ للمال والرياسة ، أمكن الناصبي أن يقول : كان علي ظالماً طالباً للمال والرياسة ، قاتل على الولاية حتى قتل المسلمون بعضهم بعضاً ولم يقاتل كافراَ ، ولم يحصل للمسلمين في مدة ولايته إلا شر وفتنة في دينهم ودنياهم .
فإن جاز أن يقال : علي كان مريداً لوجه الله ، والتقصير من غيره من الصحابة ، أو يقال : كان مجتهداً مصيباً وغيره مخطئاً مع هذه الحال ، فأن يقال : كان أبو بكر وعمر مريدين وجه الله مصيبين ، والرافضة مقصرون في معرفة حقهم ، مخطئون في ذمهم بطريق الأولى والأحرى ، فإن أبا بكر وعمر كان بعدهما عن شبهة طلب الرياسة والمال أشد من بعد علي عن ذلك ، وشبهة الخوارج الذين ذموا علياً وعثمان وكفروهما أقرب من شبهة الرافضة الذين ذموا أبا بكر وعمر وعثمان وكفروهم ، فكيف بحال الصحابة والتابعين الذين تخلفوا عن بيعته أو قاتلوه ؟ فشبهتهم أقوى من شبهة من قدح في أبي بكر وعمر وعثمان ، فإن أولئك قالوا : ما يمكننا أن نبايع إلا من يعدل علينا ويمنعنا ممن يظلمنا ويأخذ حقنا ممن ظلمناه ، فإذا لم يفعل هذا كان عاجزاً أو ظالماً ، وليس علينا أن نبايع عاجزاً أو ظالماً.(3/33)
وهذا الكلام إذا كان باطلاً ، فبطلان قول من يقول : إن أبا بكر وعمر كانا ظالمين طالبين للمال والرياسة أبطل وأبطل ، وهذا الأمر لا يستريب فيه من له بصر ومعرفة ، وأين شبهة مثل أبي موسى الأشعري الذي وافق عمراً على عزل علي ومعاوية وأن يجعل الأمر شورى في المسلمين ، من شبهة عبدالله بن سبأ وأمثاله الذين يدعون أنه إمام معصوم ، أو أنه إله أو نبي ، بل أين شبهة الذين رأوا أن يولوا معاوية من شبهة الذين يدعون أنه إله أو نبي فإن هؤلاء كفار باتفاق المسلمين بخلاف أولئك .
ومما يبين هذا أن الرافضة تعجز عن إثبات إيمان على وعدالته مع كونهم على مذهب الرافضة ، ولا يمكنهم ذلك إلا إذا صاروا من أهل السنة ، فإذا قالت لهم الخوارج وغيرهم ممن تكفره أو تفسقه : لا نسلم أنه كان مؤمناً بل كان كافراً أو ظالماً – كما يقولون هم في أبي بكر وعمر – لم يكن لهم دليل على إيمانه وعدله إلا وذلك الدليل على إيمان أبي بكر وعمر وعثمان أدل .
فإن احتجوا بما تواتر من إسلامه وهجرته وجهاده ، فقد تواتر ذلك عن هؤلاء ، بل تواتر إسلام معاوية ويزيد وخلفاء بني أمية وبني العباس ، وصلاتهم وصيامهم وجهادهم للكفار ، فإن ادعوا في واحد من هؤلاء النفاق أمكن الخارجي أن يدعي النفاق ، وإذا ذكروا شبهة ذكر ما هو أعظم منها .(3/34)
وإذا قالوا ما تقوله أهل الفرية من أن أبا بكر وعمر كانا منافقين في الباطن عدوين للنبي صلى الله عليه وسلم أفسدا دينه بحسب الإمكان ، أمكن الخارجي أن يقول ذلك في علي ويوجه ذلك بأن يقول : كان يحسد ابن عمه والعداوة في الأهل وأنه كان يريد فساد بينه فلم يتمكن من ذلك في حياته وحياة الخلفاء الثلاثة ، حتى سعي في قتل الخليفة الثالث وأوقد الفتنة حتى تمكن من قتل أصحاب محمد وأمته بغضاً له وعداوة ، وأنه كان مباطناً للمنافقين الذين ادعوا فيه الإلهية والنبوة ، وكان يظهر خلاف ما يبطن لأن دينه التقية ، فلما أحرقهم بالنار أظهر إنكار ذلك ، وإلا فكان في الباطن معهم ، ولهذا كانت الباطنية من أتباعه ، وعندهم سره ، وهم ينقلون عنه الباطن الذين ينتحلونه .
ويقول الخارجي مثل هذا الكلام الذي يروج على كثير من الناس أعظم مما يروج كلام الرافضة في الخلفاء الثلاثة ، لأن شبه الرافضة أظهر فساداً من شبه الخوارج و النواصب ، والخوارج أصح منهم عقلاً وقصداً ، والرافضة أكذب وأفسد ديناً .
وإن أرادوا إثبات إيمانه وعدالته بنص القرآن عليه .
قيل لهم : القرآن عام ، وتناوله له ليس بأعظم من تناوله لغيره وما من آية يدعون اختصاصها به إلا أمكن أن يدعي اختصاصها أو اختصاص مثلها أو أعظم منها بأبي بكر وعمر ، فباب الدعوى بلا حجة ممكنة ، والدعوى في فضل الشيخين أمكن منها في فضل غيرهما .
وإن قالوا : ثبت ذلك بالنقل والرواية ، فالنقل والرواية في أولئك أشهر وأكثر ، فإن ادعوا تواتراً فالتواتر هناك أصح ، وإن اعتمدوا على نقل الصحابة فنقلهم لفضائل أبي بكر وعمر أكثر .
ثم هم يقولون : إن الصحابة ارتدوا إلا نفراً قليلاً ، فكيف تقبل رواية هؤلاء في فضيلة أحد ؟ ولم يكن في الصحابة رافضة كثيرون يتواتر نقلهم ، فطريق النقل مقطوع عليهم إن لم يسلكوا طريق أهل السنة ، كما هو مقطوع على النصارى في إثبات نبوة المسيح إن لم يسلكوا طريق المسلمين .(3/35)
وهذا كمن أراد إن يثبت فقه ابن عباس دون علي ، أو فقه أبن عمر دون أبيه ، أو فقه علقمة والأسود دون ابن مسعود ، ونحو ذلك من الأمور التي يثبت فيها للشيء حكم دون ما هو أولى بذلك الحكم منه ، فإن هذا تناقض ممتنع عند من سلك طريق العلم والعدل ) .
قلت : ويقول شيخ الإسلام – أيضاً –
( والكلام في الناس يجب أن يكون بعلم وعدل ، لا بجهل وظلم كحال أهل البدع ، فإن الرافضة تعمد إلى أقوام متقاربين في الفضيلة ، تريد أن تجعل أحدهم معصوماً من الذنوب والخطايا ، والآخر مأثوماً فاسقاً أو كافراً فيظهر جهلهم وتناقضهم ، كاليهودي والنصراني إذا أراد أن يثبت نبوة موسى أو عيسى ، مع قدحه في نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ، فإنه يظهر عجزه وجهله وتناقضه ، فإنه ما من طريق يثبت بها نبوة موسى وعيسى إلا وتثبت بنوة محمد بمثلها أو بما هو أقوى منها ، وما شبهة تعرض في نبوة محمد صلى الله عليه وسلم إلا وتعرض في بنوة موسى وعيسى عليهما السلام بما هو مثلها أو أقوى منها ، وكل من عمد إلى التفريق بين المتماثلين ، أو مدح الشئ وذم ما هو من جنسه ، أو أولى بالمدح منه أو بالعكس ، أصابه مثل هذا التناقض والعجز والجهل )
قلت : وبعد أن عرفنا طريق شيخ الإسلام في دفع شبهات الروافض مما اضطره إلى تلك العبارات التي أسئ فهمها منه لغرض أو لآخر، سأذكر في المباحث التالية ما ينقض تلك الفرية بوضوح من كلام شيخ الإسلام في ذم النواصب ، وكلامه في فضل على – رضي الله عنه – ثم ذكر المواضع التي حسبوها تنتقص من مكانة على – رضي الله عنه – مع توجيهها التوجيه الصحيح ، لكي لا تحمل على ما لم يرده شيخ الإسلام .
أقوال شيخ الإسلام في :
ذم النواصب
فضل على – رضي الله عنه –
أولاً : ذم شيخ الإسلام للنواصب(3/36)
مما يدفع هذه الفرية عن شيخ الإسلام أنه كان شديد الذم للنواصب بطوائفهم ، والخوارج الذين اتخذوا بغض علي – رضي الله عنه – ديناً يدينون الله به ، وتجرأ بعضهم على تكفيره ، أو تفسيقه ، أو سبه وشتمه ، والعياذ بالله .
وكان – رحمه الله – يكثر من ذم هؤلاء في كتابه " منهاج السنة " فلو كان ناصبياً كما يزعم أعداؤه لأثنى عليهم ، أو دافع عن مواقفهم ، والتمس العذر منهم .
ولكنه مع هذا الذم لهم يرى أنهم خير من الرافضة ، أهل الكذب والنفاق .
يقول شيخ الإسلام : ( لا تجد أحداً ممن تذمه الشيعة بحق أو باطل إلا وفيهم من هو شر منه ، ولا تجد أحداً ممن تمدحه الشيعة إلا وفيمن تمدحه الخوراج من هو خير منه ، فإن الروافض شر من النواصب ، والذين تكفرهم أو تفسقهم الروافض هم أفضل من الذين تكفرهم أو تفسقهم النواصب .
وأما أهل السنة فيتولون جميع المؤمنين ، ويتكلمون بعلم وعدل ، ليسوا من أهل الجهل ولا من أهل الأهواء ، و يتبرؤن من طريقة الروافض و النواصب جميعاً ، ويتولون السابقين والأولين كلهم ، ويعرفون قدر الصحابة وفضلهم ومناقبهم ، ويرعون حقوق أهل البيت التي شرعها الله لهم ، ولا يرضون بما فعله المختار ونحوه من الكذابين ، ولا ما فعله الحجاج ونحوه من الظالمين ، ويعلمون مع هذا مراتب السابقين الأولين ، فيعلمون أن لأبي بكر وعمر من التقدم والفضائل ما لم يشاركهما فيها أحد من الصحابة ، لا عثمان ولا علي ولا غيرهما )(3/37)
ويقول : ( وهؤلاء هم الذين نصبوا العداوة لعلي ومن والاه ، وهم الذين استحلوا قتله وجعلوه كافراً ، وقتله أحد رؤوسهم " عبدالرحمن بن ملجم المرادي " فهؤلاء النواصب الخوارج المارقون إذا قالوا : إن عثمان وعلي بن أبي طالب ومن معهما كانوا كفاراً مرتدين ، فإن من حجة المسلمين عليهم ما تواتر من إيمان الصحابة ، وما ثبت بالكتاب السنة الصحيحة من مدح الله تعالى لهم ، وثناء الله عليهم ، ورضاء عنهم ، وإخباره بأنهم من أهل الجنة ، ونحو ذلك من النصوص ، ومن لم يقبل هذه الحجج لم يمكنه أن يثبت إيمان علي بن أبي طالب وأمثاله .
فإنه لو قال هذا الناصبي للرافضي : إن علياً كان كافراً ، أو فاسقاً ظالماً ، وأنه قاتل على الملك : لطلب الرياسة ، لا للدين وأنه قتل " من أهل الملة " من أمة محمد صلى الله عليه وسلم بالجمل ، وصفين ، و حروراء ، ألوفاً مؤلفة ، ولم يقاتل بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم كافراً ، ولا فتح مدينة ، بل قاتل أهل القبلة ، نحو هذا الكلام – الذي تقوله النواصب المبغضون لعلي – رضي الله عنه – لم يمكن أن يجيب هؤلاء النواصب إلا أهل السنة والجماعة ، الذين يحبون السابقين الأولين كلهم ، ويوالونهم .(3/38)
فيقولون لهم : أبو بكر ، وعمر ، وعثمان ، وطلحة ، والزبير ، ونحوهم ، ثبت بالتواتر إيمانهم وهجرتهم وجهادهم ، وثبت في القرآن ثناء الله عليهم ، والرضى عنهم ، وثبت بالأحاديث الصحيحة ثناء النبي صلى الله عليه وسلم عليهم خصوصاً وعموماً ، كقوله في الحديث المستفيض عن : " لو كنت متخذاً من أهل الأرض خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً " ، وقوله : " إنه قد كان في الأمم قبلكم محدثون ، فإن يكن في أمتي أحد فعمر " ، وقوله عن عثمان : " ألا أستحي ممن نستحي منه الملائكة " ؟ وقوله لعلي : " لأعطين الراية رجلاً يحب الله ورسوله ، ويحبه الله ورسوله ، يفتح الله علي يديه " وقوله : " لكل نبي حواريون ، وحواريي الزبير " وأمثال ذلك .
وأما الرافضي فلا يمكنه إقامة الحجة على من يبغض علياً من النواصب ، كما يمكن ذلك أهل السنة ، الذين يحبون الجميع )
قلت : وفي كلام شيخ الإسلام الآتي صرح رحمه الله بأنه ليس ناصبياً ، وأن الشام كلها لم يبق فيها نواصب ، وهو قول صريح من الشيخ يرد به على من يظن به هذا الظن .
قال – رحمه الله - :
( وأما جواز الدعاء للرجل وعليه فبسط هذه المسألة في الجنائز ، فإن موتى المسلمين يصلي عليهم برهم و فاجرهم ، وإن لعن الفاجر مع ذلك بعينه أو بنوعه ، لكن الحال الأولى أوسط وأعدل ، وبذلك أجبت مقدم المغل بولاي ، لما قدموا دمشق في الفتنة الكبيرة ، وجرت بيني وبينه وبين غيره مخاطبات ، فسألني فيما سألني : ما تقول في يزيد ؟ فقلت : لا نسبه ولا نحبه ، فإنه لم يكن رجلاً صالحاً فنحبه ، ونحن لا نسب أحداً من المسلمين بعينه .
فقال : أفلا تلعنونه ؟ أما كان ظالماً ؟ أما قتل الحسين ؟
فقلت له : نحن إذا ذكر الظالمون كالحجاج بن يوسف وأمثاله : نقول كما قال الله في القرآن : ( ألا لعنه الله على الظالمين ) ولا نحب أن نلعن أحداً بعينه ، وقد لعنه قوم من العلماء وهذا مذهب يسوغ فيه الاجتهاد ، لكن ذلك القول أحب إلينا وأحسن .(3/39)
وأما من قتل " الحسين " أو أعان على قتله ، أو رضي بذلك فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ، لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً .
قال : فما تحبون أهل البيت ؟
قلت : محبتهم عندنا فرض واجب ، يؤجر عليه ، فإنه قد ثبت عندنا في صحيح مسلم عن زيد بن أرقم قال : خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بغدير يدعي خماً ، بين مكة والمدينة فقال " أيها الناس إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله " فذكر كتاب الله وحض عليه ، ثم قال : " و عترتي أهل بيتي ، أذكركم الله في أهل بيتي ، أذكركم الله في أهل بيتي " قلت لمقدم : ونحن نقول في صلاتنا كل يوم : " اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم إنك حميد مجيد ، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد "
قال مقدم : فمن يبغض أهل البيت ؟
قلت : من أبغضهم فعليه لعنه الله والملائكة والناس أجمعين ، لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً .
ثم قلت للوزير المغولي : لأي شئ قال عن يزيد وهذا تتري ؟
قال : قد قالوا له إن أهل دمشق نواصب .
قلت بصوت عال : يكذب الذي قال هذا ، ومن قال هذا فعليه لعنة الله ، والله ما في أهل دمشق نواصب ، وما علمت فيهم ناصبياً ولو تنقص أحد علياً بدمشق لقام المسلمون عليه ، لكن كان قديماً – لما كان بنو أمية ولاة البلاد – بعض بني أمية ينصب العداوة لعلي ويسبه ، وأما اليوم فما بقي من أولئك أحد )
ثانياً- أقوال شيخ الإسلام في فضل علي – رضي الله عنه
لشيخ الإسلام – رحمه الله – مواضع عديدة يمدح فيها علياً رضي الله عنه ، ويثني عليه ، وينزله في المنزلة الرابعة بعد أبي بكر وعمر وعثمان – رضي الله عنهم – كما هو منهج أهل السنة والجماعة ، وهي واضحة صريحة تلوح لكل قارئ لكتب الشيخ ، فلا أدري كيف زاغت عنها أبصار أهل البدعة والشانئين لشيخ الإسلام ؟(3/40)
وقد أحببت جمع بعضها في هذا المبحث ليقرأها كل منصف وطالب للحق من أولئك النفر ، ولكي تقر بها أعين أهل السنة ، فلا يحوك في صدر أحدهم وسواس أهل البدع تجاه شيخ الإسلام ، عندما يطلعون على تلك الاتهامات الظالمة .
وقد أكثرت من النقل عن كتاب " منهاج السنة " لأنه عمدة الطاعنين والمتهمين للشيخ بأن فيه عبارات توحي بانحرافه عن علي – رضي الله عنه – أو توهم تنقصه له ، فوددت أن أبين لهؤلاء أنهم قوم لم يفقهوا مقاصد الشيخ من عباراته لأنهم ينظرون بعين السخط وعين العداوة في الدين ومثل هذه الأعين لا يفلح صاحبها .
وأبدأ هذه المواضع بذكر مجمل عقيدته – رحمه الله – في الصحابة نقلاً عن " العقيدة الواسطية " وهي عقيدته الشهيرة التي كتبها بيده ونافح عنها في حياته أمام أهل البدع .
قال رحمه الله : ( ومن أصول أهل السنة والجماعة : سلامة قلوبهم وألسنتهم لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كما وصفهم الله في قوله تعالى : ( والذين جاءوا من بعدهم يقولون رينا اغفر لنا و لإخوننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين ءامنوا ربنا إنك رءوف رحيم ) .
وطاعة النبي صلى الله عليه وسلم في قوله : " لا تسبوا أصحابي ، فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصفيه "
ويقبلون ما جاء به الكتاب والسنة والإجماع من فضائلهم ومراتبهم ، ويفضلون من أنفق من قبل الفتح وقاتل – وهو صلح الحديبية – على من أنفق من بعده وقاتل ، ويقدمون المهاجرين على الأنصار ، ويؤمنون بأن الله قال لأهل بدر – وكانوا ثلاثمائة وبضعة عشر - : " اعلموا ما شئتم فقد غفرت لكم " وبأنه لا يدخل النار أحد بايع تحت الشجرة كما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم بل قد رضي الله عنهم ورضوا عنه ، وكانوا أكثر من ألف وأربعمائة –(3/41)
ويشهدون بالجنة لمن شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم كالعشرة ، وثابت بن قيس بن شماس وغيرهم من الصحابة .
ويقرون بما تواتر بن النقل عن أمير المؤمنين على بن أبي طالب رضي الله عنه وغيره ، من أن خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر ، ويثلثون بعثمان ويربعون بعلي رضي الله عنهم ، كما دلت عليه الآثار ، وكما أجمع على تقديم عثمان في البيعة ، مع أن بعض ... أهل السنة كانوا قد اختلفوا في عثمان وعلي – رضي الله عنهما – بعد اتفاقهم على تقديم أبي بكر وعمر أيهما أفضل ، فقدم قوم عثمان وسكتوا ، أو ربعوا بعلي وقدم قوم علياً ، وقوم توقفوا ، لكن استقر أمر أهل السنة على تقديم عثمان ثم علي .
وإن كانت هذه المسألة – مسألة عثمان وعلي – ليست من الأصول التي يضلل المخالف فيها عند جمهور أهل السنة ، لكن التي يضلل فيها مسألة الخلافة ، وذلك أنهم يؤمنون أن الخليفة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي ، ومن طعن في خلافة أحد هؤلاء فهو أضل من حمار أهله )
وأما المواضع التي ذكر فيها فضل علي – رضي الله عنه – ودافع عنه :
فمن ذلك قوله – رحمه الله - :
( فضل علي وولايته لله وعلو منزلته عند الله معلوم ، ولله الحمد ، ومن طرق ثابتة أفادتنا العلم اليقيني ، لا يحتاج معها إلى كذب ولا إلى ما لا يعلم صدقه )
ومن ذلك قوله :
( وأما كون علي وغيره مولى كل مؤمن ، فهو وصف ثابت لعلي في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وبعد مماته ، وبعد ممات علي ، فعلي اليوم مولى كل مؤمن ، وليس اليوم متولياً على الناس ، وكذلك سائر المؤمنين بعضهم أولياء بعض أحياء وأمواتاً )
ومن ذلك قوله :
( وأما علي رضي الله عنه فلا ريب أنه ممن يحب الله ويحبه الله )
ومن ذلك قوله :
(لا ريب أن موالاة علي واجبة على كل مؤمن ، كما يجب على كل مؤمن موالاة أمثاله من المؤمنين )
ومن ذلك أنه سئل – رحمه الله - :(3/42)
عن رجل قال عن علي بن أبي طالب – رضي الله عنه – إنه ليس من أهل البيت ، ولا تجوز الصلاة عليه ، والصلاة عليه بدعة ؟
فأجاب : أما كون علي بن أبي طالب من أهل البيت فهذا مما لا خلاف فيه بين المسلمين ، وهو أظهر عند المسلمين من أن يحتاج إلى دليل ، بل هو أفضل أهل البيت ، وأفضل بني هاشم بعد النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد ثبت عن النبي أنه أدار كساءه على علي ، وفاطمة ، وحسن ، وحسين ، فقال : " اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنه الرجس وطهرهم تطهيراً "
وأما الصلاة عليه منفرداً فهذا ينبني على أنه هل يصلى على غير النبي صلى الله عليه وسلم منفرداً ؟ مثل أن يقول : اللهم صلى على عمر أو علي . وقد تنازع العلماء في ذلك .
فذهب مالك ، والشافعي ، وطائفة من الحنابلة : إلى أنه لا يصلى على غير النبي صلى الله عليه وسلم منفرداً ، كما روي عن ابن عباس أنه قال : لا أعلم الصلاة تنبغي على أحد إلا على النبي صلى الله عليه وسلم .
وذهب الإمام أحمد وأكثر أصحابه إلى أنه لا بأس بذلك ، لأن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال لعمر بن الخطاب : صلى الله عليك. وهذا القول أصح وأولى .
ولكن إفراد واحد من الصحابة والقرابة كعلي أو غيره بالصلاة عليه دون غيره مضاهاة للنبي صلى الله عليه وسلم ، بحيث يجعل ذلك شعاراً معروفاً باسمه : هذا هو البدعة )
ومن ذلك أنه يفضله بعبارة صريحة واضحة على معاوية ، وعلى من هو أفضل من معاوية ، ولو رغمت أنوف النواصب ، يقول رحمه الله:
( ليس من أهل السنة من يجعل بغض علي طاعة ولا حسنة ، ولا يأمر بذلك ، ولا من يجعل مجرد حبه سيئة ولا معصية ، ولا ينهي عن ذلك .(3/43)
وكتب أهل السنة من جميع الطوائف مملوءة بذكر فضائله مناقبه ، ويذم الذين يظلمونه من جميع الفرق ، وهم ينكرون على من سبه ، وكارهون لذلك ، وما جرى من التساب والتلاعن بين العسكرين ، من جنس ما جرى من القتال ، وأهل السنة من أشد الناس بغضاً وكراهة لأن يتعرض له بقتال أو سب .
بل هم كلهم متفقون على أنه أجل قدراً ، وأحق بالإمامة ، وأفضل عند الله وعند رسوله وعند المؤمنين من معاوية وأبيه وأخيه الذي كان خيراً منه ، وعلي أفضل ممن هو أفضل من معاوية رضي الله عنه ، فالسابقون الأولون الذين بايعوا تحت الشجرة كلهم أفضل من معاوية ، وأهل الشجرة أفضل من هؤلاء كلهم ، وعلي أفضل جمهور الذين بايعوا تحت الشجرة ، بل هو أفضل منهم كلهم إلا الثلاثة ، فليس في أهل السنة من يقدم عليه أحداً غير الثلاثة ، بل يفضلونه على جمهور أهل بدر وأهل بيعة الرضوان ، وعلى السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار )
ومن ذلك أنه : يرد علي قول الرافضي بأن علياً سيف الله المسلول وليس خالد بن الوليد ، فيقول :
( وأما قوله أي الرافضي : " علي أحق بهذا الاسم "
فيقال : أولاً من الذي نازع في ذلك ؟ ومن قال : إن علياً لم يكن سيفاً من سيوف الله ؟ وقول النبي صلى الله عليه وسلم الذي ثبت في الصحيح يدل على أن لله سيوفاً متعددة ، ولا ريب أن علياً من أعظمها , وما في المسلمين من يفضل خالداً على علي ، حتى يقال : إنهم جعلوا هذا مختصا بخالد . والتسمية بذلك وقعت من النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح ، فهو صلى الله عليه وسلم الذي قال : إن خالداً سيف من سيوف الله .(3/44)
ثم يقال ثانياً : علي أجل قدراً من خالد ، وأجل من أن تجعل فضيلته أنه سيف من سيوف الله ؟ فإن عليا له من العلم والبيان والدين والإيمان والسابقة ما هو به أعظم من أن تجعل فضيلته أنه سيف من سيوف الله ، فإن السيف خاصته القتال ، وعلي كان القتال أحد فضائله ، بخلاف خالد فإنه كان هو فضيلته التي تميز بها عن غيره ، لم يتقدم بسابقة ولا كثرة علم ولا عظيم زهد ، وإنما تقدم بالقتال ، فلهذا عبر عن خالد بأنه سيف من سيوف الله )
ومن ذلك قوله :
( فكيف يظن بعلي – رضي الله عنه – وغيره من أهل البيت أنهم كانوا أضعف ديناً وقلوباُ من الأسرى في بلاد الكفر ، ومن عوام أهل السنة ، ومن النواصب ) .
ومن ذلك أنه يرد أكاذيب الروافض في فضل علي ، وأنه قاتل الجن ، وأن الجن تحتاجه ، بقوله :
( لا ريب أن من دون علي بكثير تحتاج الجن إليه وتستفتيه وتسأله ، وهذا معلوم قديماً وحديثاً ، فإن كان هذا قد وقع ، فقدره أجل من ذلك . وهذا من أدنى فضائل من هو دونه . وإن لم يكن وقع ، لم ينقص فضله بذلك )
ويقول – رحمه الله – مبيناً شجاعة علي – رضي الله عنه - :
( لا ريب أن علياً رضي الله عنه كان من شجعان الصحابة ، وممن نصر الله الإسلام بجهاده ، ومن كبار السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار ، ومن سادات من آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله ، وممن قاتل بسيفه عدداً من الكفار )
ومن ذلك قوله :
( أما زهد علي رضي الله عنه في المال فلا ريب فيه ، لكن الشأن أنه كان أزهد من أبي بكر وعمر )
ومن ذلك قوله :
( نحن نعلم أن علياً كان أتقى لله من أن يتعمد الكذب ، كما أن أبا بكر وعمر وعثمان وغيرهم كانوا أتقى لله من أن يتعمدوا للكذب )
ومن ذلك أنه سئل – رحمه الله - :
( عمن قال : إن علياً قاتل الجن في البئر ؟ وأنه حمل على اثني عشر ألفاً وهزمهم ؟(3/45)
فأجاب : لم يحمل أحد من الصحابة وحده لا في اثني عشر ألفاً ولا في عشرة آلاف ، لا علي ولا غيره ، بل أكثر عدد اجتمع على النبي صلى الله عليه وسلم هم الأحزاب الذين حاصروه بالخندق ، وكانوا قريباً من هذه العدة ، وقتل علي رجلاً من الأحزاب اسمه " عمرو بن عبدود العامري " .
ولم يقاتل أحد من الإنس للجن ، لا علي ولا غيره ، بل علي كان أجل قدراً من ذلك ، والجن الذين يتبعون الصحابة يقاتلون كفار الجن ، لا يحتاجون في ذلك إلى قتال الصحابة معهم ) .
ومن ذلك أنه – رحمه الله – يرى أن الذين لم يقاتلوا علياً – رضي الله عنه – هم أحب إلى أهل السنة ممن قاتله ، وأن أهل السنة يدافعون عنه بقوة أمام اتهامات النواصب والخوارج ، يقول :
( وأيضاً فأهل السنة يحبون الذين لم يقاتلوا علياً أعظم مما يحبون من قاتله ، ويفضلون من لم يقاتله على من قاتله ، كسعد بن أبي وقاص ، وأسامة بن زيد ، ومحمد بن مسلمة ، و عبدالله بن عمر رضي الله عنهم .
فهؤلاء أفضل من الذين قاتلوا علياً عند أهل السنة . والحب لعلي وترك قتاله خير بإجماع أهل السنة من بغضه وقتاله ، وهم متفقون على وجوب موالاته ومحبته ، وهم من أشد الناس ذبا عنه ، ورداً على من طعن عليه من الخوارج وغيرهم من النواصب ، لكن لكل مقام مقال )
ومن ذلك أنه يفضل الصحابة الذين كانوا مع علي على الصحابة الذين كانوا مع معاوية – رضي الله عنهم أجمعين – يقول :
( معلوم أن الذين كانوا مع علي من الصحابة مثل : عمار وسهل بن حنيف ونحوهما كانوا أفضل من الذين كانوا مع معاوية )
ومن ذلك أنه يرد على من تأول حديث " عمار تقتله الفئة الباغية " بأن علياً هو الذي قتله لأنه الذي أحضره إلى المعركة معه ، فيقول :
( وأما تأويل من تأوله : أن علياً وأصحابه قتلوه ، وأن الباغية الطالبة بدم عثمان ، فهذا من التأويلات الظاهرة الفساد، التي يظهر فسادها للعامة والخاصة ) .(3/46)
ومن ذلك أنه يبرئه من دم عثمان – رضي الله عنهما – فيقول : ( وتولى علي على إثر ذلك ، والفتنة قائمة ، وهو عند كثير منهم متلطخ بدم عثمان ، والله يعلم براءته مما نسبه إليه الكاذبون عليه ، المبغضون له ، كما نعلم براءته مما نسبه إليه الغالون فيه ، المبغضون لغيره من الصحابة ، فإن عليا لم يعن على قتل عثمان ولا رضي به ، كما ثبت عنه – وهو الصادق – أنه قال ذلك ) .
ومن ذلك أنه يقول – رحمه الله - :
( إن قتل علي وأمثاله من أعظم المحاربة لله ورسوله والفساد في الأرض )
وينكر شيخ الإسلام علي الجهلة الذين يطعنون في علي – رضي الله عنه – في مقابل الروافض الذين يطعنون في الصحابة ، فهو يقول عن بعض أهل السنة بأن :
( فيهم نفرة عن قول المبتدعة ، بسبب تكذيبهم بالحق ونفيهم له ، فيعرضون عن ما يثبتونه من الحق أو ينفرون منه ، أو يكذبون به ، كما قد يصير بعض جهالة المتسننة في إعراضه عن بعض فضائل علي وأهل البيت ، إذا رأى أهل البدعة يغلون فيها ، بل بعض المسلمين يصير في الإعراض عن فضائل موسى وعيسى بسبب اليهود والنصارى بعض ذلك ، حتى يحكى عن قوم من الجهال أنهم ربما شتموا المسيح إذا سمعوا النصارى يشتمون نبينا في الحرب .
وعن بعض الجهال أنه قال :
سبوا علياً كما سبوا عتيقكم
كفراً بكفر وإيماناً بإيمان
هذه مواضع يسيرة مما نقل عن شيخ الإسلام – رحمه الله – في فضل علي - رضي الله عنه – ودفاعه الحار عنه أمام أعدائه ، وتبرئته مما نسبوه إليه .
فهل يقال بعد هذا كما قال هؤلاء المبتدعة الجائرون بأنه – رحمه الله – كان منحرفاً عن علي – رضي الله عنه – أو أنه تنقصه في كتبه ؟(3/47)
سبحانك هذا بهتان عظيم ؟ لا يقوله أدنى مسلم فضلاً عن شيخ الإسلام الذي تصرمت حبال أيامه تقرير عقيدة السلف الصالح ، ومن ضمنها تفضيل علي رضي الله عنه وجعله الخليفة الرابع الراشد ، واعتقاد أنه على الحق أمام من حاربه وخالفه .
ولكن ذنب شيخ الإسلام عند هؤلاء المبتدعة أنه لم يغل في علي كما غلوا ، أو يتجاوز به قدره الذي أراده الله له .
المواضع
التي احتج بها الطاعنون في شيخ الإسلام ابن تيمية من كتاب " منهاج السنة " مع الرد عليهم
بعد أن عرفنا منهج شيخ الإسلام في نقض حجج الرافضي وأنه رحمه الله متبع لمنهج السلف الصالح في محبة علي رضي الله عنه وأنه من الخلفاء الراشدين دون غلو فيه وتفضيله على الثلاثة وطعن فيهم كما تفعل الرافضة ، دون جفاء عنه وتنقص له كما تفعل النواصب ، بعد أن عرفنا هذا وهو جواب مجمل للرد على متهمي شيخ الإسلام ببغض علي وتنقصه سوف أعرض في هذا المبحث المواضع التي يزعم أولئك أن فيها تنقصاً أو إيهاماً بالتنقص من كتاب " منهاج السنة " بجميع أجزائه ، ثم أتبع كل موضع بتعليق موجز يوضح مقصد شيخ الإسلام منه .
الموضع الأول : قال شيخ الإسلام :
وأما قوله : " ثم علي بمبايعة الخلق له "
فتخصيصه علياً بمبايعة الخلق له ، دون أبي بكر وعمر وعثمان ، كلام ظاهر البطلان ، وذلك أنه من المعلوم لكل من عرف سيرة القوم أن اتفاق الخلق ومبايعتهم لأبي بكر وعمر وعثمان ، أعظم من اتفاقهم علي بيعة علي رضي الله عنه وعنهم أجمعين ، وكل أحد يعلم أنهم اتفقوا على بيعة عثمان أعظم مما اتفقوا على بيعة علي . والذين بايعوا عثمان في أول الأمر أفضل من الذين بايعوا علياً ، فإنه بايعه علي و عبدالرحمن بن عوف وطلحة والزبير و عبدالله بن مسعود والعباس بن عبد المطلب وأبي بن كعب ، وأمثالهم ، مع سكينة وطمأنينة بعد مشاورة المسلمين ثلاثة أيام .(3/48)
وأما علي رضي الله عنه فإنه بويع عقيب قتل عثمان رضي الله عنه والقلوب مضطربة مختلفة ، وأكابر الصحابة متفرقون ... )
تعليق
في هذا الموضع يدفع شيخ الإسلام فرية الرافضي في أن علياً رضي الله عنه بايع له جميع الخلق بخلاف غيره من الخلفاء الراشدين ، ويبين أن هذا القول باطل وأن الصحيح أن اتفاق الخلق على الخلفاء الثلاثة أكثر من اتفاقهم على علي رضي الله عنه .
وهو في هذا القول لم يخطئ – رحمه الله – وإنما يبين حقيقة يتجاهلها الروافض ليتوصلوا من خلالها إلى الطعن في خلافة أبي بكر وعمر وعثمان – رضي الله عنهم أجمعين – وتقرير الحقيقة والواقع التاريخي لا يعد طعناً أو استنقاصاً من علي – رضي الله عنه – كما سبق .
الموضع الثاني : قال شيخ الإسلام :
( إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان أعظم فتوحاً وجهاداً بالمؤمنين ، وأقدر على قمع الكفار والمنافقين من غيره مثل عثمان وعلي ، رضي الله عنهم أجمعين )
تعليق
في هذا الموضع يقرر الشيخ حقيقة لا يستطيع أحد جحدها وهي أن عمر رضي الله عنه كان أعظم فتوحاً وجهاداً ، وأقدر على قمع الكفار والمنافقين من غيره ، كعثمان وعلي – رضي الله عنهما – وهذا واضح من مطالعة سيرهم ، والأحداث التي وقعت في عصرهم ، ففي عهد عمر – رضي الله عنه – امتدت الفتوحات شرقاً وغرباً بخلاف من بعده . وتقرير الحقائق التاريخية لا يعد تنقصاً من عثمان أو علي – رضي الله عنهما - .
الموضع الثالث : قال شيخ الإسلام :(3/49)
( من المعلوم بالضرورة أن حال اللطف والمصلحة التي كان المؤمنون فيها زمن الخلفاء الثلاثة ، أعظم من اللطف والمصلحة الذي كان في خلافة علي زمن القتال والفتنة والافتراق ، فإذا لم يوجد من يدعي الإمامية فيه أنه معصوم ، وحصل له سلطان بمبايعة ذي الشوكة إلا علي وحده ، وكان مصلحة المكلفين واللطف الذي حصل لهم في دينهم ودنياهم في ذلك الزمان أقل منه في زمن الخلفاء الثلاثة ، علم بالضرورة أن ما يدعونه من اللطف والمصلحة الحاصلة بالأئمة المعصومين باطل قطعاً )
تعليق
في هذا الموضع يبين الشيخ – أيضاً – حقيقة تاريخية لا تعمي إلا على كل صاحب هوى ، وهي أن المؤمنين في عهد الخلفاء الثلاثة أبي بكر وعمر وعثمان كانوا أسعد حياة وأعظم أمناً في عصرهم ، بخلاف حالهم في عهد علي رضي الله عنه ، بحيث وقعت الفتنة وحدث الانقسام والتفرق . وقصد الشيخ بتقرير هذه الحقيقة الرد على قول الروافض بأن أئمتهم معصومون ، ويحصل بهم اللطف والصلاح للأمة ، وهذا منتقض بحال الناس في عهد أفضل هؤلاء الأئمة عند الرافضة حيث لم يحصل في عهده من اللطف والمصلحة ما ادعاه الروافض ، وتقرير الحقائق التاريخية لنقض أقوال أهل الكذب ليس فيه أي منقصة لأمير المؤمنين على – رضي الله عنه – وليس في هذا تنقص لعلي رضي الله عنه لأن وقته وقت فتن واضطرابات لا وقت صفاء وطمأنينة .
الموضع الرابع : قال شيخ الإسلام :(3/50)
( وأيضاً فالحق لا يدور مع شخص غير النبي صلى الله عليه وسلم ، ولو دار الحق مع علي حيثما دار لوجب أن يكون معصوماً كالنبي صلى الله عليه وسلم ، وهم من جهلهم يدعون ذلك ، ولكن من علم أنه لم يكن بأولى بالعصمة من أبي بكر وعمر وعثمان وغيرهم ، وليس فيهم من هو معصوم ، علم كذبهم ـ و فتاويه من جنس فتاوى عمر وعثمان ليس هو أولى بالصواب منهم ، ولا في أقوالهم من الأقوال المرجوحة أكثر مما في قوله ، ولا كان ثناء النبي صلى الله عليه وسلم ورضاه عنه بأعظم من ثنائه عليهم ورضائه عنهم ، بل لو قال القائل : إنه لا يعرف من النبي صلى الله عليه وسلم أنه عبت على عثمان في شئ ، وقد عتب علي علي في غير موضع لما أبعد ـ فإنه لما أراد أن يتزوج بنت أبي جهل اشتكته فاطمة لأبيها وقالت : إن الناس يقولون : إنك لا تغضب لبناتك ، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم خطيباً ، وقال : " إن بني المغيرة استأذنوني أن يزوجوا ابنتهم علي بن أبي طالب ، وإني لا آذن ثم لا آذن ، ثم لا أذن : إلا أن يريد ابن أبي طالب أن يطلق ابنتي ويتزوج ابنتهم ، فإنما فاطمة بضعة مني يريبني ما رابها ويؤذيني ما آذاها " ثم ذكر صهراً له من بني عبد شمس فقال : " حدثني فصدقني ووعدني فوفى لي " والحديث ثابت صحيح أخرجاه في الصحيح .
وكذلك في الصحيحين لما طرقه وفاطمة ليلاً ، فقال : " ألا تصليان ؟ " فقال له علي : إنما أنفسنا بيد الله إن شاء أن يبعثنا بعثنا ، فانطلق وهو يضرب فخذه ويقول : " وكان الإنسان أكثر شئ جدلاً "
وأما الفتاوى فقد أفتى بأن المتوفى عنها وزجها وهي حامل تعتد أبعد الأجلين ، وهذه الفتيا كان قد أفتى بها أبو السنابل بن بعكك على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " كذب أبو السنابل " وأمثال ذلك كثير . ثم بكل حال فلا يجوز أن يحكم بشهادته وحده ، كما لا يجوز له أن يحكم لنفسه )
تعليق(3/51)
في هذا الموضع يرد شيخ الإسلام على قول الروافض بأن الحق يدور مع علي أينما دار ويروون في هذا حديثاً موضوعاً رده شيخ الإسلام وبين أن الحق لا يدور مع شخص غير النبي صلى الله عليه وسلم ولكي يزيد في دحض هذه الشبهة الباطلة أوضح للروافض أن علياً – رضي الله عنه – ليس معصوما ً ، وله من الاختيارات المرجوحة كما لغيره أو أكثر ، وهذا ثابت يعرفه أهل العلم بالآثار لم يأت به شيخ من عنده ، وأنه رضي الله عنه قد يجتهد في فعل فيعاتبه عليه النبي صلى الله عليه وسلم كما في قصة خطبته بنت أبي جهل وغيرها .
وتقرير الحقائق الثابتة لدفع غلو أهل الرفض لا يعد انتقاصاً من علي رضي الله عنه كما سبق .
الموضع الخامس : قال شيخ الإسلام :
( وأما قوله : " رووا جميعاً أن فاطمة بضعة مني من آذاها آذاني ومن أذاني آذى الله " فإن هذا الحديث لم يرو بهذا اللفظ ، بل روي بغيره ، كما روي في سياق حديث خطبة علي لابنة أبي جهل ، لما قام النبي صلى الله عليه وسلم خطيباً فقال : " إن بن هشام بن المغيرة استأذنوني أن ينكحوا ابنتهم علي بن أبي طالب ، وإني لا آذن ، إلا أن يريد ابن طالب أن يطلق ابنتي وينكح ابنتهم " وفي رواية : " إني أخاف أن تفتن في دينها " ثم ذكر صهراً له من بني عبد شمس فأثنى عليه في مصاهرته إياه فقال : " حدثني فصدقني ، ووعدني فوفى لي . وإني لست أحل حراماً ، ولا أحرم حلالاً ، ولكن والله لا تجتمع بنت رسول الله وبنت عدو الله مكاناً واحدا أبداً " رواه البخاري ومسلم في الصحيحين من رواية علي بن الحسين و المسور بن مخرمة ، فسبب الحديث خطبة علي رضي الله عنه لابنة أبي جهل ، والسبب داخل في اللفظ قطعاً ، إذ اللفظ الوارد على سبب لا يجوز إخراج سببه منه ، بل السبب يجب دخوله بالاتفاق .(3/52)
وقد قال في الحديث : " يريبني ما رابها ويؤذيني ما آذاها " ومعلوم قطعاً أن خطبة ابنة أبي جهل عليها رابها وآذاها ، والنبي صلى الله عليه وسلم رابه وآذاه ، فإن كان هذا وعيداً لاحقاً بفاعله ، لزم أن يلحق هذا الوعيد علي بن أبي طالب ، وإن لم يكن وعيداً لاحقاً ، كان أبو بكر أبعد عن الوعيد من علي .
وإن قيل : إن عليا تاب من تلك الخطبة ورجع عنها .
قيل : فهذا يقتضي أنه غير معصوم . وإذا جاز أن من راب فاطمة وآذاها ، يذهب ذلك بتوبته ، جاز أن يذهب بغير ذلك من الحسنات الماحية ، فإن ما هو أعظم من هذا الذنب تذهبه الحسنات الماحية والتوبة والمصائب المكفرة .
وذلك أن هذا الذنب ليس من الكفر الذي لا يغفره الله إلا بالتوبة ، ولو كان كذلك لكان علي – والعياذ بالله – قد ارتد عن دين الإسلام في حياة النبي صلى الله عليه وسلم . ومعلوم أن الله تعالى نزه علياً من ذلك . والخوارج الذين قالوا : إنه ارتد بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم لم يقولوا : إنه ارتد في حياته ، ومن ارتد فلا بد أن يعود إلى الإسلام أو يقتله النبي صلى الله عليه وسلم ، وهذا لم يقع ، وإذا كان هذا الذنب هو مما دون الشرك فقد قال تعالى : ( إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ) .
وإن قالوا : بجهلهم : إن هذا الذنب كفر ليكفروا بذلك أبا بكر ، لزمهم تكفير علي ، واللازم باطل فالملزوم مثله . وهم دائماً يعيبون أبا بكر وعمر وعثمان ، بل ويكفرونهم بأمور قد صدر من علي ما هو مثلها أو أبعد عن العذر منها ، فإن كان مأجوراً أو معذوراً فهم أولى بالأجر والعذر ، وأن قيل باستلزام الأمر الأخف فسقاً أو كفراُ ، كان استلزم الأغلظ لذلك أولى .(3/53)
وأيضاً فيقال : إن فاطمة رضي الله عنها إنما عظم أذاها لما في ذلك من أذى أبيها ، فإذا دار الأمر بين أذى أبيها وأذاها كان الاحتراز عن أذى أبيها أوجب . وهذا حال أبي بكر وعمر ، فإنهما احتراز عن أن يؤذيا أباها أو يريباه بشئ ، فإنه عهد عهداً وأمر بأمر ، فخافا إن غيرا عهده وأمره أن يغضب لمخالفة أمره وعهده ويتأذى بذلك ، وكل عاقل يعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حكم بحكم ، وطلبت فاطمة أو غيرها ما يخالف ذلك الحكم ، كان مراعاة حكم النبي صلى الله عليه وسلم أولى ، فإن طاعته واجبة ، ومعصيته محرمة ، ومن تأذى بطاعته كان مخطئاً في تأذيه بذلك ، وكان الموافق لطاعته مصيباً في طاعته . وهذا بخلاف من آذاها لغرض نفسه لا لأجل طاعة الله ورسوله .
ومن تدبر حال أبي بكر في رعايته لأمر النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه إنما قصد طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم لا أمراً آخر ، يحكم أن حاله أكمل وأفضل وأعلى من حال علي رضي الله عنهما ، وكلاهما سيد كبير من أكابر أولياء الله المتقين ، وحزب الله المفلحين ، وعباد الله الصالحين ، ومن السابقين الأولين ، ومن أكابر المقربين ، الذين يشربون بالتسنيم ، ولهذا كان أبو بكر رضي الله عنه يقول : " والله لقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إلي أن أصل من قرابتي " وقال : " ارقبوا محمداً صلى الله عليه وسلم في أهل بيته " رواه البخاري عنه .(3/54)
لكن المقصود أنه لو قدر أن أبا بكر آذاها ، فلم يؤذها لغرض نفسه ، بل ليطيع الله ورسوله ، ويوصل الحق إلى مستحقه ، وعلي رضي الله عنه كان قصده أن يتزوج عليها ، فله في آذاها غرض ، بخلاف أبي بكر ، فعلم أن أبا بكر كان أبعد أن يذم بأذاها من علي ، وأنه إنما قصد طاعة الله ورسوله بما لا حظ له فيه ، بخلاف علي ، فإنه كان له حظ فيما رابها به وأبو بكر كان من جنس من هاجر إلى الله ورسوله ، وهذا لا يشبه من كان مقصوده امرأة يتزوجها . والنبي صلى الله عليه وسلم يؤذيه ما يؤذي فاطمة إذا لم يعارض ذلك أمر الله تعالى ، فإذا أمر الله تعالى بشئ فعله ، وإن تأذى من تأذى من أهله وغيرهم ، وهو في حال طاعته لله يؤذيه ما يعارض طاعة الله ورسوله ، وهذا الإطلاق كقوله : " من أطاعني فقد أطاع الله ، ومن أطاع أميري فقد أطاعني ، ومن عصاني فقد عصى الله ، ومن عصى أميري فقد عصاني " ثم قد بين ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم " إنما الطاعة في المعروف " فإذا كانت طاعة أمرائه أطلقها ومراده بها الطاعة في المعروف ، فقوله : " من آذاها فقد آذاني " يحمل على الأذى في المعروف بطريق الأولى والأحرى ، لأن طاعة أمرائه فرض ، وضدها معصية كبيرة . وأما فعل ما يؤذي فاطمة فليس هو بمنزلة معصية أمر النبي صلى الله عليه وسلم ، وإلا لزم أن يكون على قد فعل ما هو أعظم من معصية الله ورسوله ، فإن معصية أمرائه معصيته ، ومعصيته معصية الله . ثم إذا عارض معارض وقال : أبو بكر وعمر وليا الأمر . والله قد أمر بطاعة أولي الأمر ، وطاعة ولي الأمر طاعة لله ومعصيته معصية لله ، فمن سخط أمره وحكمه فقد سخط أمر الله وحكمه .(3/55)
ثم أخذ يشنع على علي وفاطمة رضي الله عنهما بأنهما ردا أمر الله ، وسخطا حكمه ، وكرها ما أرضى الله ، لأن الله يرضيه طاعته وطاعة ولي الأمر ، فمن كره طاعة ولي الأمر فقد كره رضوان الله ، والله يسخط لمعصيته ، ومعصية ولي الأمر معصيته ، فمن اتبع معصية ولي الأمر فقد اتبع ما أسخط الله وكره رضوانه .
وهذا التشنيع ونحوه على علي وفاطمة رضي الله عنهما أوجه من تشنيع الرافضة على أبي بكر وعمر ، وذلك لأن النصوص الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم في طاعة ولاة الأمور ، ولزوم الجماعة ، والصبر على ذلك مشهورة كثيرة ، بل لو قال قائل : إن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بطاعة ولاة الأمور وإن استأثروا ، والصبر على جورهم ، وقال : " إنكم ستلقون بعدي أثرة ، فاصبروا حتى تلقوني على الحوض " وقال : " أدوا إليهم حقهم وسلوا الله حقكم " وأمثال ذلك . فلو قدر أن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما كان ظالمين مستأثرين بالمال لأنفسهما ، لكان الواجب مع ذلك طاعتهما والصبر على جورهما .(3/56)
ثم لو أخذ هذا القائل يقدح في علي وفاطمة رضي الله عنهما ونحوهما بأنهم لم يصبروا ولم يلزموا الجماعة ، بل جزعوا وفرقوا الجماعة ، وهذه معصية عظيمة – لكانت هذه الشناعة أوجه من تشنيع الرافضة على أبي بكر وعمر رضي الله عنهما ، فإن أبا بكر وعمر لا تقوم حجة بأنهما تركا واجباً ، ولا فعلا محرماً أصلاً ، بخلاف غيرهما ، فإنه قد تقوم الحجة بنوع من الذنوب التي لم يفعل مثلها أبو بكر ولا عمر . وما ينزه علي وفاطمة رضي الله عنهما عن ترك واجب أو فعل محظور ، إلا وتنزيه أبي بكر وعمر أولى بكثير ، ولا يمكن أن تقوم شبهة بتركهما واجباً أو تعديهما حداً ، إلا والشبهة التي تقوم في علي وفاطمة أقوى وأكبر ، فطلب الطالب مدح علي وفاطمة رضي الله عنهما أما بسلامتهما من الذنوب ، وإما بغفران الله لهما ، مع القدح في أبي بكر وعمر بإقامة الذنب والمنع من المغفرة ، من أعظم الجهل والظلم ، وهو من أجهل وأظلم ممن يريد مثل ذلك في علي ومعاوية رضي الله عنهما ، إذا أراد مدح معاوية رضي الله عنه ، والقدح في علي رضي الله عنه )
تعليق
في هذا الموضع الطويل يقلب الشيخ حجة الرافضي عليه ويحرجه أيما إحراج , فالرافضي يزعم أن أبا بكر رضي الله عنه قد منع فاطمة رضي الله عنها حقها من ( فدك ) وإن هذا إيذاء لها كما أنه إيذاء للرسول صلى الله عليه وسلم القائل : " فاطمة بضعة مني يريبني ما رابها ، ويؤذيني ما آذاها " .
فبين له شيخ الإسلام أن هذا الحديث له سبب ، وقد قيل في علي رضي الله عنه لا أبي بكر رضي الله عنه .(3/57)
فهو صلى الله عليه وسلم قد قاله عندما أراد علي أن يتزوج بنت أبي جهل على فاطمة ، فإذا كان أبو بكر قد آذى فاطمة كما تزعمون فعلي قد آذاها قبله ، فما قلتم في أبي بكر فقولوه في علي ، رضي الله عنهما وأبو بكر – أيضاً لم يمنعها إلا اتباعاً لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فهو قد قدم حقه صلى الله عليه وسلم عليها بخلاف علي الذي أراد الزواج عليها – وفيه أذية لها – لحظ نفسه .
ولك هذا من تقرير الحقائق الثابتة ، وفيه إنزال الصحابة منازلهم التي أنزلهم الله إياها دون غلو في بعضهم ، وذم لآخرين هم أفضل من الأولين .
وليس في هذا أي تنقص لعلي رضي الله عنه ، وإنما فيه إفحام الروافض الجهال .
الموضع السادس : قال شيخ الإسلام :
( واستخلاف علي لم يكن على أكثر ولا أفضل ممن استخلف عليهم غيره ، بل كان يكون في المدينة في كل غزوة من الغزوات من المهاجرين والأنصار أكثر وأفضل ممن تخلف في غزوة تبوك ، فإن غزوة تبوك لم يأذي النبي صلى الله عليه وسلم لأحد بالتخلف فيها ، فلم يتخلف فيها إلا منافق أو معذور أو الثلاثة الذين تاب الله عليهم ، وإنما كان عظم من تخلف فيه النساء والصبيان ولهذا لما استخلف علياً فيها خرج إليه باكياً ، وقال : أتدعني مع النساء والصبيان ؟ وروي أن بعض المنافقين طعنوا في علي ، وقالوا : إنما استخلفه لأنه يبغضه ، وإذا كان قد استخلف غير علي على أكثر وأفضل مما استخلف عليه علياً . وكان ذلك استخلافاً مقيداً على طائفة معينة في مغيبه ، ليس هو استخلافاً مطلقاً بعد موته على أمته ، لم يطلق على أحد من هؤلاء أنه خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا مع التقييد ، وإذا سمي علي بذلك فغيره من الصحابة المستخلفين أولى بهذا الاسم ، فلم يكن هذا من خصائصه.(3/58)
وأيضاً فالذي يخلف المطاع بعد موته لا يكون إلا أفضل الناس ، وأما الذي يخلفه في حال غزوه لعدوه ، فلا يجب أن يكون أفضل الناس ، بل العادة جارية بأنة يستصحب في خروجه لحاجته إليه في المغازي من يكون عنده أفضل ممن يستخلفه على عياله ، لأن الذين ينفع في الجهاد هو شريكه فيما يفعله ، فهو أعظم ممن يخلفه على العيال ، فإن نفع ذاك ليس كنفع المشارك له في الجهاد .
والنبي صلى الله عليه وسلم إنما شبه علياً بهارون في أصل الاستخلاف لا في كماله ، ولعلي شركاء في هذا الاستخلاف يبين ذلك أن موسى لما ذهب ميقات ربه لم يكن معه أحد يشاركه في ذلك ، فاستخلف هارون علي جميع قومه ، والنبي صلى الله عليه وسلم لما ذهب إلى عزوة تبوك أخذ معه جميع المسلمين إلا المعذور ، ولم يستخلف علياً إلا على العيال وقليل من الرجال ، فلم يكن استخلافه كاستخلاف موسى لهارون ، بل ائتمنه في حال مغيبه ، كما ائتمن موسى هارون في حال مغيبه ، فبين له النبي صلى الله عليه وسلم أن الاستخلاف ليس لنقص مربتة المستخلف ، بل قد يكون لأمانته كما استخلف موسى هارون على قومه ، وكان علي خرج إليه يبكي وقال : أتذرني مع النساء والصبيان ؟ كأنه كره أن يتخلف عنه .
وقد قيل : أن بعض المنافقين طعن فيه ، فبين له النبي صلى الله عليه وسلم أن هذه المنزلة ليست لنقص المستخلف ، إذ لو كان كذلك ما استخلف موسى هارون )
تعليق
في هذا الموضع يدحض شيخ الإسلام شبهة الرافضة في أن علياً هو الخليفة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه قد استخلفه في غزوة تبوك على المدينة ، وشبهه بهارون مع موسى عليه السلام ، ويبين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد استخلف غير علي غير مرة في حياته ، فلم يكن هذا دليلاً على استحقاقهم الخلافة ، وإنما هو دليل على أمانة المستخلف حيث أئتمنه الرسول صلى الله عليه وسلم على الأهل والأولاد والأموال .(3/59)
فالشيخ رحمه الله قد أنزل علياً منزلته التي أنزله الرسول صلى الله عليه وسلم إياها وهي ائتمانه ، ولم يغل فيه كغلو الرافضة فيجعل هذا دليلاً على أحقيته في الخلافة على أبي بكر وعمر وعثمان – رضي الله عنهم - .
الموضع السابع :
قال شيخ الإسلام راداً على قول الرافضة " بأن محبة علي مفرقة بين أهل الحق والباطل "
( وإن أريد بذلك مطلق دعوى المحبة ، دخل في ذلك الغالية كالمدعين لإلهيته ونبوته ، فيكون هؤلاء أهل حق وهذا كفر باتفاق المسلمين .
وإن أريد بذلك المحبة المطلقة فالشأن فيها ، فأهل السنة يقولون : نحن أحق بها من الشيعة ، وذلك أن المحبة المتضمنة للغلو هي كمحبة اليهود لموسى ، والنصارى للمسيح ، وهي محبة باطلة ، وذلك أن المحبة الصحيحة أن يحب العبد ذلك المحبوب على ما هو عليه في نفس الأمر ، فلو اعتقد رجل في بعض الصالحين أنه نبي من الأنبياء ، وأنه من السابقين الأولين فأحبه ، لكان قد أحب ما لا حقيقة له ، لأنه أحب ذلك الشخص بناءً على أنه موصوف بتلك الصفة ، وهي باطلة ، فقد أحب معدوماً لا موجوداً ، كمن تزوج امرأة توهم أنها عظيمة المال والجمال والدين والحسب فأحبها ، ثم تبين أنها دون ما ظنه بكثير ، فلا ريب أن حبه ينقص بحسب نقص اعتقاده ، إذا الحكم إذا ثبت لعلة زال بزوالها .
فاليهودي إذا أحب موسى بناء علي أنه قال : تمسكوا بالسبت ما دامت السموات والأرض ، وأنه نهي عن اتباع المسيح صلى الله عليه وسلم يوم القيامة علم أنه لم يكن يحب موسى على ما هو عليه ، وإنما أحب موصوفاً بصفات لا وجود لها ، فكانت محبته باطلة ، فلم يكن مع موسى المبشر بعيسى المسيح ومحمد .(3/60)
وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " المرء مع من أحب " واليهودي لم يحب إلا ما لا وجود له في الخارج ، فلا يكون مع موسى المبشر بعيسى ومحمد صلى الله عليه وسلم فإنه لم يحب موسى هذا ، والحب والإرادة ونحو ذلك يتبع العلم والاعتقاد ، فهو فرع الشعور، فمن اعتقد باطلاً فأحبه ، كان محباً لذلك الباطل ، وكانت محبته باطلة فلم تنفعه ، وهكذا من اعتقد في بشر الإلهية فأحبه لذلك ، كمن اعتقد إلهية فرعون ونحوه ، أو أئمة الإسماعيلية ، أو اعتقد الإلهية في بعض الشيوخ ، أو بعض أهل البيت ، أو في بعض الأنبياء أو الملائكة ، كالنصارى ونحوهم ، ومن عرف الحق فأحبه ، كان حبه لذلك الحق فكانت محبته من الحق فنفعته .
قال الله تعالى : ( الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله أضل أعملهم (1) والذين ءامنوا وعملوا الصالحت و ءامنوا بما نزل على محمد وهو الحق من ربهم كفر عنهم سيئاتهم واصلح بالهم (2) ذلك بأن الذين كفروا اتبعوا البطل وأن الذين ءامنوا اتبعوا الحق من ربهم كذلك يضرب الله للناس أمثلهم (3) . وهكذا النصراني مع المسيح : إذا أحبه معتقداً أنه إله – وكان عبداً – كان قد أحب ما لا حقيقة له ، فإذا تبين له أن المسيح عبد رسول لم يكن قد أحبه ، فلا يكون معه .(3/61)
وهكذا من أحب الصحابة والتابعين والصالحين معتقداً فيهم الباطل ، كانت محبته لذلك الباطل باطلة . ومحبة الرافضة لعلي رضي الله عنه من هذا الباب ، فإنهم يحبون ما لم يوجد ، وهو الإمام المعصوم المنصوص على إمامته ، الذي لا إمام بعد النبي صلى الله عليه وسلم إلا هو ، الذي كان يعتقد أن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما ظالمان معتديان أو كافران ، فإذا تبين لهم يوم القيامة أن علياً لم يكن أفضل من واحد من هؤلاء ، وإنما غايته أن يكون قريباً من أحدهم ، وأنه كان مقرا بإمامتهم وفضلهم ، ولم يكن معصوماً لا هو ولا هم ، ولا كان منصوصاً على إمامته ، تبين له أنهم لم كونوا يحبون علياً ، بل هم من أعظم الناس بغضاً لعلي رضي الله عنه في الحقيقة ، فإنهم يبغضون من اتصف بالصفات التي كانت في علي أكمل منها في غيره : من إثبات إمامة الثلاثة وتفضيلهم فإن علياً رضي الله عنه كان يفضلهم ويقر بإمامتهم . فتبين أنهم مبغضون لعلي قطعاً .
وبهذا يتبين الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه عن علي رضي الله عنه أنه قال : إنه لعهد النبي الأمي إلي أنه : " لا يحبني إلا مؤمن ولا يبغضني إلا منافق " إن كان محفوظاً ثابتاً عن النبي صلى الله عليه وسلم فإن الرافضة لا تحبه على ما هو عليه ، بل محبتهم من جنس محبة اليهود لموسى والنصارى لعيسى ، بل الرافضة تبغض نعوت علي وصفاته ، كما تبغض اليهود والنصارى نعوت موسى وعيسى ، فإنهم يبغضون من أقر نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ، وكانا مقرين بها صلى الله عليهم أجمعين .
وهكذا كل من أحب شيخاً علي أنه موصوف بصفات ولم يكن كذلك في نفس الأمر ، كمن اعتقد في شيخ أنه يشفع في مريديه يوم القيامة ، وأنه يرزقه وينصره ويفرج عنه الكربات ويجيبه في الضرورات ، كما اعتقد أن عنده خزائن الله ، أو أنه يعلم الغيب أو أنه ملك ، وهو ليس كذلك في نفس الأمر ن فقد أحب ما لا حقيقة له.(3/62)
وقول علي رضي الله عنه في هذا الحديث : لا يحبني إلا مؤمن ولا يبغضني إلا منافق ، ليس من خصائصه ، بل قد ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " آية الإيمان حب الأنصار ، وآية النفاق بغض الأنصار " وقال " لا يبغض الأنصار رجل مؤمن بالله واليوم الآخر " وقال " لا يحب الأنصار إلا مؤمن ولا يبغضهم إلا منافق . وفي الحديث الصحيح حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا له ولأمه أن يحببهما الله إلى عباده المؤمنين ، قال : فلا تجد مؤمناً إلا يحبني وأمي .
وهذا مما يبين به الفرق بين هذا الحديث وبين الحديث الذي روي عن ابن عمر : " ما كنا نعرف المنافقين على عهد النبي صلى الله عليه وسلم إلا ببغضهم علياً " فإن هذا مما يعلم كل عالم أنه كذب ، لأن النفاق له علامات كثيرة وأسباب متعددة غير بغض علي ، فكيف لا يكون على النفاق علامة إلا بغض علي ؟ وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح : " آية النفاق بغض الأنصار " وقال في الحديث الصحيح : " آية المنافق ثلاث : إذا حدث كذب ، وإذا وعد أخلف وإذا أؤتمن خان " .
وقد قال تعالى في القرآن في صفة المنافقين : ( ومنهم من يلمزك في الصدقات فإن أعطوا رضوا ) ( ومنهم الذين يؤذون النبي ) ( ومنهم من عهد الله ) ( ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتني ) ( وإذا ما أنزلت سورة فمنهم من يقول أيكم زادته هذه إيمنا ) .
وذكر لهم سبحانه وتعالى في سورة براءة وغيرها من العلامات والصفات ما لا يتسع هذا الموضع لبسطه .(3/63)
يل لو قال : كنا نعرف المنافقين ببغض علي لكان متوجهاً كما أنهم أيضاً يعرفون ببغض الأنصار ، بل وببغض أبي بكر وعمر ، وببغض غير هؤلاء ، فإن كل من أبغض ما يعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم يحبه ويواليه ، وأنه كان يحب النبي صلى الله عليه وسلم ويواليه ، كان بغضه شعبة من شعب النفاق ، والدليل يطرد ولا ينعكس. ولهذا كان أعظم الطوائف نفاقاً المبغضين لأبي بكر ، لأنه لم يكن في الصحابة أحب إلى النبي صلى الله عليه وسلم منه ، ولا كان فيهم أعظم حباً للنبي صلى الله عليه وسلم منه فبغضه من أعظم آيات النفاق . ولهذا لا يوجد المنافقون في طائفة أعظم منها في مبغضيه ، كالنصيرية والإسماعيلية وغيرهم .
وإن قال قائل : فالرافضة الذين يبغضونه يظنون أنه كان عدواً للنبي صلى الله عليه وسلم لما يذكر لهم من الأخبار التي تقتضي أنه كان يبغض النبي صلى الله عليه وسلم وأهل بيته فأبغضوه لذلك.
قيل : إن كان هذا عذراً يمنع نفاق الذين يبغضونه جهلاً وتأويلاً ، فكذلك المبغضون لعلي الذين اعتقدوا أنه كافر مرتد ، أو ظالم فاسق ، فأبغضوه لبغضه لدين الإسلام ، أو لما أحبه الله وأمر به من العدل ، ولا اعتقادهم أنه قتل المؤمنين بغير حق ، وأراد علواً في الأرض وفساداُ ، وكان كفرعون ونحوه ، فإن هؤلاء وإن كانوا جهالاً فليسوا بأجهل ممن اعتقد في عمر أنه فرعون هذه الأمة ، فإن لم يكن بغض أولئك لأبي بكر وعمر نفاقاً لجهلهم وتأويلهم ، فكذلك بغض هؤلاء لعلي بطريق الأولى والأحرى ، وإن كان بغض علي نفاقاً وإن كان المبغض جاهلاً متأولاً فبغض أبي بكر وعمر أولى أن يكون نفاقاً حينئذ ، وإن كان المبغض جاهلاً متأولاً )
تعليق(3/64)
في هذا الموضع الطريف يبين شيخ الإسلام أن الرافضة يبغضون علياً ؟ لأنهم في الحقيقة قد أحبوا شخصاً لا وجود له إلا في أذهانهم ، ولا يحبوا علياً رضي الله عنه على حقيقته الثابتة عند المؤمنين ، فهم كاليهود مع موسى ، والنصارى مع عيسى عليهما السلام .
ثم بين الشيخ أن حديث علي – رضي الله عنه - : " لا يبغضني إلا منافق " ينطبق على الرافضة ، فهم منافقون لأنهم يبغضون علياً ( الحقيقي ) ، ويحبون علياً ( الوهمي ) .
وهذا الحديث ليس من خصائص علي أيضاً ، فقد شاركه غيره فيه كالأنصار .
ثم ذكر الشيخ أن الرافضة الذين يبغضون أبا بكر لا حجة لهم قائمة أمام الذين يبغضون علياً فما يدعونه في أبي بكر من أسباب البغض يمكن ادعاء أكثر منه في علي ، وكلاهما قد برأه الله من ذلك ، ولكن الروافض قوم لا يفقهون .
فهذا من باب ( الحجج المحرجة ) كما سبق ، ولا دخل له في ( التنقص ) من بعيد أو قريب .
الموضع الثامن : قال شيخ الإسلام :
( فإن جاز لرافضي أن يقدح فيهما يقول : بأي وجه تلقون رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ مع أن الواحد منا لو تحدث مع امرأة غيره حتى أخرجها من منزلها وسافر بها ، مع أن ذلك إنما جعلها بمنزلة الملكة التي يأتمر بأمرها ويطيعها ، ولم يكن إخراجها لمظان الفاحشة – كان لناصبي أن يقول : بأي وجه يلقى رسول الله صلى الله عليه وسلم من قاتل امرأته وسلط عليها أعوانه حتى عقروا بها بعيرها ، وسقطت من هودجها ، وأعداؤها حولها يطوفون بها كالمسبية التي أحاط بها من يقصد سباءها ؟ ومعلوم أن هذا مظنة الإهانة لأهل الرجل وهتكها و سبائها وتسليط الأجانب على قهرها وإذلالها وسبها وامتهانها ، أعظم من إخراجها من منزلها بمنزلة الملكة العظيمة المبجلة التي لا يأتي إليها أحد إلا بإذنها ، ولا يهتك أحد سترها ، ولا ينظر في خدرها .(3/65)
ولم يكن طلحة والزبير ولا غيرهما من الأجانب يحملونها ، بل كان في العسكر من محارمها ، مثل عبدالله بن الزبير ابن أختها ، وخلوة ابن الزبير بها ومسه لها جائز بالكتاب والسنة والإجماع ، وكذلك سفر المرأة مع ذي محرمها جائز بالكتاب والسنة والإجماع ، وهي لم تسافر إلا مع ذي محرم منها . وأما العسكر الذين قاتلوها ، فلولا أنه كان في العسكر محمد بن أبي بكر مد يده إليها لمد يده إليها الأجانب ، ولهذا دعت عائشة رضي الله عنها على من مد يده إليها قالت : يد من هذه ؟ أحرقها الله بالنار . فقال : أي أخية في الدنيا قبل الآخرة . فقالت : في الدنيا قبل الآخرة ز فأحرق بالنار بمصر .
ولو قال المشنع : أنتم تقولون : إن آل الحسين سبوا لما قتل الحسين ولم يفعل بهم إلا من جنس ما فعل بعائشة حيث استولى عليها ، وردت إلى بيتها ، وأعطيت نفقتها . وكذلك آل الحسين استولى عليهم ، وردوا إلى أهليهم ، وأعطوا نفقة ، فإن كان هذا سبياً واستحلالاً للحرمة النبوية ، فعائشة قد سبيت واستحلت حرمة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يشنعون ويزعمون أن بعض أهل الشام طلب أن يسترق فاطمة بنت الحسين ، وأنها قالت : لا هاً لله حتى تكفر بديننا . وهذا إن كان وقع فالذين طلبوا من علي رضي الله عنه أن يسبي من قاتلهم من أهل الجمل وصفين ويغنموا أموالهم ، أعظم جرماً من هؤلاء ، وكان في ذلك لو سبوا عائشة وغيرها .(3/66)
ثم إن هؤلاء الذين طلبوا ذلك من علي كانوا متدينين به مصرين عليه ، إلى أن خرجوا على علي وقاتلهم على ذلك . وذلك الذي طلب استرقاق فاطمة بنت الحسين واحد مجهول لا شوكة له ولا حجة ، ولا فعل هذا تديناً ، ولما منعه سلطان من ذلك امتنع ، فكان المستحلون لدماء المؤمنين وحرمهم وأموالهم وحرمة رسول الله صلى الله عليه وسلم في عسكر علي أعظم منهم في عسكر بني أمية ، وهذا متفق عليه بين الناس ، فإن الخوارج الذين مرقوا من عسكر علي رضي الله عنه هم شر من شرار عسكر معاوية رضي الله عنه . ولهذا أمر النبي صلى الله علية وسلم بقاتلهم وأجمع الصحابة والعلماء على قتالهم ز
والرافضة أكذب منهم وأظلم وأجهل ، وأقرب إلى الكفر والنفاق ، لكنهم أعجز منهم وأذل ، وكلا الطائفتين من عسكر علي ، وبهذا وأمثاله ضعف علي وعجز عن مقاومة من كان يإزائه .
والمقصود هذا أن ما يذكرونه من القدح في طلحة والزبير ينقلب بما هو أعظم منه في حق علي ، فإن أجابوا عن ذلك بأن علياً كان مجتهداً فيما فعل ، وأنه أولى بالحق من طلحة والزبير .
قيل : نعم ، وطلحة والزبير كان مجتهدين ، وعلي – وإن كان أفضل منهما – لكن لم يبلغ فعلهما بعائشة رضي الله عنها ما بلغ فعل علي ، فعلي أعظم قدراً منهما ، ولكن إن كان فعل طلحة والزبير معها ذنباً ، ففعل علي أعظم ذنباً ، فتقاوم كبر القدر وعظم الذنب .
فإن قالوا : هما أحوجا علياً إلى ذلك ، لأنهما أتيا بها ، فما فعله علي مضاف إليهما لا إلى علي .
قيل : هكذا معاوية لما قيل له : قد قتل عمار ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم " تقتلك الفئة الباغية " قال : أو نحن قتلناه ؟ إنما قتله الذين جاءوا به حتى جعلوه تحت سيوفنا . فإن كانت هذه الحجة مردودة ، فحجة من احتج بأن طلحة و والزبير هما فعلا بعائشة ما جرى عليها من إهانة عسكر علي لها ، واستيلائهم عليها – مردودة أيضاً . وإن قبلت هذه الحجة قبلت حجة معاوية رضي الله عنه .(3/67)
والرافضة وأمثالهم من أهل الجهل والظلم يحتجون بالحجة التي تستلزم فساد قولهم وتناقضهم ، فإنه إن احتج بنظيرها عليهم فسد قولهم المنقوض بنظيرها ، وإن لم يحتج بنظيرها بطلت هي في نفسها ، لأنه لا بد من التسوية بين المتماثلين ، ولكن منتهاهم مجرد الهوى الذي لا علم معه ، ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله ، أن الله لا يهدي القوم الظالمين .
وجماهير أهل السنة متفقون على أن علياً أفضل من طلحة والزبير ، فضلاً عن معاوية وغيره ، ويقولون : إن المسلمين لما افترقوا في خلافته فطائفة قاتلته وطائفة قاتلت معه ، كان هو وأصحابه أولى الطائفتين بالحق ، كما ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " تمرق مارقة على حين فرقة من المسلمين ، يقتلهم أولى الطائفتين بالحق " فهؤلاء هم الخوارج المارقون الذين مرقوا فقتلهم علي وأصحابه ،فعلم أنهم كانوا أولى بالحق من معاوية رضي الله عنه وأصحابه . لكن أهل السنة يتكلمون بعلم وعدل ، ويعطون كل ذي حق حقه .
تعليق
في هذا الموضع يقابل شيخ الإسلام بين حجج الرافضة في ذم طلحة والزبير – رضي الله عنهما – وحجج النواصب في ذم علي –رضي الله عنه – ويبين أنه ما من شبهة يقيمها الروافض على ذم طلحة والزبير إلا و للنواصب أشد منها ، وهذا من قبيل ( الحجج المحرجة ) كما سبق . وليس من قبيل التنقص ، وإنما ساق الشيخ ( هذيان ) النواصب لدفع (هذيان ) الروافض .
وتأمل ما خط بالأسود مما يدل على مقدار محبته وتعظيمه لعلي – رضي الله عنه – وإنزاله في منزلته التي أرادها الله له .
ثم تأمل قوله في الأخير : ( أهل السنة يتكلمون بعلم وعدل ويعطون كل ذي حق حقه ) .
الموضع التاسع : قال شيخ الإسلام :(3/68)
( قالوا ومعاوية أيضاً كان خيراً من كثير ممن استنابه علي ، فلم يكن يستحق أن يعزل ويولى من هو دونه في السياسة ، فإن علياً استناب زياد بن أبيه ، وقد أشاروا على علي بتولية معاوية . قالوا : يا أمير المؤمنين توليه شهراً واعزله دهراً . ولا ريب أن هذا كان هو المصلحة ، إما لا استحقاقه وإما لتأليفه واستعطافه ، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل من علي ، وولى أبا سفيان ، ومعاوية خير منه ، فولى من هو خير من علي من هو دون معاوية .
فإذا قيل : إن علياً كان مجتهداً في ذلك .
قيل : وعثمان كان مجتهداً فيما فعل . وأين الاجتهاد في تخصيص بعض الناس بولاية أو إمارة أو مال ، من الاجتهاد في سفك المسلمين بعضهم دماء بعض ، حتى ذل المؤمنين وعجزوا عن مقاومة الكفار ، حتى طمعوا فيهم وفي الاستيلاء عليهم ؟ ولا ريب أنه لو لم يكن قتال ، بل كان معاوية مقيماً على سياسة رعيته ،وعلي مقيماً على سياسة رعيته ، لم يكن في ذلك من الشر أعظم مما حصل بالاقتتال ، فإنه بالاقتتال لم تزل هذه الفرقة ولم يجتمعوا على إمام ، بل سفكت الدماء ، وقويت العداوة والبغضاء ، وضعفت الطائفة التي كانت أقرب إلى الحق ، وهي طائفة علي ، وصاروا يطلبون من الطائفة الأخرى من المسالمة ما كانت تطلبه ابتداء .
ومعلوم أن الفعل الذي تكون مصلحته راجحة على مفسدته ، يحصل به من الخير أعظم مما يحصل بعدمه ، وهنا لم يحصل بالاقتتال مصلحة ، بل كان الأمر مع عدم القتال خيراً وأصلح منه بعد القتال ، وكان علي وعسكره أكثر وأقوى ، ومعاوية وأصحابه أقرب إلى موافقته ومسالمته ومصالحته ، فإذا كان مثل هذا الاجتهاد مغفوراً لصاحبه ، فاجتهاد عثمان أن يكون مغفوراً أولى وأحرى .(3/69)
وأما معاوية وأعوانه فيقولون : إنما قاتلنا علياً قتال دفع عن أنفسنا وبلادنا ، فإنه بدأنا بالقتال فدفعناه بالقتال ولم نبتدئه بذلك ولا اعتدينا عليه . فإذا قيل لهم : هو الإمام الذي كانت تجب طاعته عليكم ومبايعته وأن لا تشقوا عصا المسلمين . قالوا ما نعلم أنه إمام تجب طاعته ، لأن ذلك عند الشيعة إنما يعلم بالنص ، ولم يبلغنا عن النبي صلى الله عليه وسلم نص بإمامته ووجوب طاعته . ولا ريب أن عذرهم في هذا ظاهر ، فإنه لو قدر أن النص الجلي الذي تدعيه الإمامية حق ، فإن هذا قد كتم وأخفى في زمن أبي بكر وأصحابه مثل ذلك لو كان حقا ، فكيف إذا كان باطلاً ؟ )
تعليق
في هذا الموضع يمارس الشيخ رحمه الله موهبته في ضرب شبهات الروافض بشبهات النواصب لتسقط الشبهتان ويبقي منهج أهل السنة المعتدل .
فهو يحرج الرافضة بأن جميع ما يقولونه في عثمان أو معاوية هو لازم لعلي ، لا مناص من ذلك .
وكما سبق : ليس هذا من قبيل التنقص ، ولكن من قبيل إسقاط شبهات الطرفين ، ليبقى أهل الوسط وهم أهل السنة ظاهرين .
الموضع العاشر : قال شيخ الإسلام :
( ثم يقال لهؤلاء الرافضة : لو قالت لكم النواصب : علي قد استحل دماء المسلمين ، وقاتلهم بغير أمر الله ورسوله على رياسته . وقد النبي صلى الله عليه وسلم : " سباب المسلم فسوق ، وقتاله كفر " وقال : " لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض " فيكون علي كافراً لذلك – لم تكن حجتكم أقوى من حجتهم ، لأن الأحاديث التي احتجوا بها صحيحة .(3/70)
وأيضاً فيقولون : قتل النفوس فساد ، فمن قتل النفوس على طاعته كان مريداً للعلو في الأرض والفساد . وهذا حال فرعون . والله تعالى يقول : ( تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعقبة للمتقين ) ، فمن أراد العلو في الأرض والفساد لم يكن من أهل السعادة في الآخرة . وليس هذا كقتال الصديق للمرتدين ولمانعي الزكاة ، فإن الصديق إنما قاتلهم على طاعة الله ورسوله ، لا على طاعته . فإن الزكاة فرض عليهم ،
فقاتلهم على الإقرار بها ، وعلى أدائها ، بخلاف من قاتل ليطاع هو).
( وفي الجملة فالذين قاتلهم الصديق رضي الله عنه كانوا ممتنعين عن طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم والإقرار بما جاء به ، فلهذا كانوا مرتدين ، بخلاف من أقر بذلك ولكن امتنع عن طاعة شخص معين كمعاوية وأهل الشام ، فإن هؤلاء كانوا مقرين بجميع ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم : يقيمون الصلاة ، ويؤتون الزكاة ، وقالوا : نحن نقوم بالواجبات من غير دخول في طاعة علي رضي الله عنه ، لما علينا في ذلك من الضرر ، فأين هؤلاء من هؤلاء ؟ )
تعليق
هذا الموضع – أيضاً – هو من قبيل التضييق على الروافض وأنهم إن طعنوا في أبي بكر – رضي الله عنه – بشبهات لا غية فسيوجد غيرهم من النواصب ممن يطعن في علي – رضي الله عنه – بشبهات أخرى لا غية ، فمهما ألصقوا بأبي بكر تهمة من التهم فسيندرج ذلك على علي أيضاً ولن يستطيعوا أن يدفعوا ذلك عنه إلا بأن يدفعوا شبهاتهم عن أبي بكر ، فهم في حرج وضيق يرتدعون معه عن التعرض لصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أدنى تعرض .
الموضع الحادي عشر : قال شيخ الإسلام :(3/71)
( اجتماع الناس على مبايعة أبي بكر كانت على قولكم أكمل ، وأنتم وغيركم تقولون : إن علياً تخلف عنها مدة . فيلزم على قولكم أن يكون علي مستكبراً عن طاعة الله في نصب أبي بكر عليه إماماً ، فيلزم حينئذ كفر علي بمقتضى حجتكم ، أو بطلانها في نفسها . وكفر علي باطل ، فلزم بطلانها )
تعليق
الروافض يزعمون أن معاوية – رضي الله عنه – قد استكبر عن طاعة علي رضي الله عنه ، فلهذا هو شر من إبليس الذي استكبر على آدم فيجيبهم شيخ الإسلام دافعاً هذه الفرية عن معاوية بأن هذا يلزم علياً كما يلزم معاوية ، فإن علياً قد تأخر عن مبايعة أبي بكر بالخلافة عدة أشهر فيلزم من هذا على قولكم أنه قد استكبر عن طاعته فيلزم من ذلك اللوازم الشنيعة التي ألزمتم بها معاوية .
فإذا لم تلتزموا ذلك ، فالحجة من أصلها باطلة ، فإذا بطلت في حق علي فهي باطلة في حق معاوية سواء بسواء ؟
فهذا الموضع يبين موهبة شيخ الإسلام في إفحام الخصوم وإحراجهم بالحجة المنعكسة التي تجعلهم يقولون : اللهم سلم ، سلم ؟
الموضع الثاني عشر : قال شيخ الإسلام :
( إن الفضائل الثابتة في الأحاديث الصحيحة لأبي بكر وعمر أكثر وأعظم من الفضائل الثابتة لعلي ، والأحاديث التي ذكره هذا وذكر أنها في الصحيح عند الجمهور ، وأنهم نقلوها في المعتمد من قولهم وكتبهم ، هو من أبين الكذب على علماء الجمهور ، فإن هذه الأحاديث التي ذكرها أكثرها كذب أو ضعيف باتفاق أهل المعرفة بالحديث ، والصحيح الذي فيها ليس فيه ما يدل على إمامة علي ولا على فضيلته على أبي بكر وعمر ، بل وليست من خصائصه ، بل هي فضائل شاركه فيها غيره ، بخلاف ما ثبت من فضائل أبي بكر وعمر ، فإن كثير منها خصائص لهما ، لا سيما فضائل أبي بكر ، فإن عامتها خصائص لم يشركه فيها غيره .
وأما ما ذكره من المطاعن ، فلا يمكن أن يوجه على الخلفاء الثلاثة من مطعن إلا وجه على علي ما هو مثله أو أعظم منه .(3/72)
فتبين أن ما ذكره في هذا الوجه من أعظم الباطل ، ونحن نبين ذلك تفصيلاً .
وأما قوله : " إنهم جعلوه إماماً لهم حيث نزهه المخالف والموافق ، وتركوا غيره حيث روى فيه من يعتقد إمامته من المطاعن ما يطعن في إمامته "
فيقال : هذا كذب بين ، فإن علياً رضي الله عنه لم ينزهه المخالفون ، بل القادحون في علي طوائف متعددة ، وهم أفضل من القادحين في أبي بكر وعمر وعثمان ، والقادحون فيه أفضل من الغلاة فيه ، فإن الخوارج متفقون على كفره ، وهم عند المسلمين كلهم خير من الغلاة الذين يعتقدون إلاهيته أو نبوته ، بل هم – والذين قاتلوه من الصحابة والتابعين – خير عند جماهير المسلمين من الرافضة الإثنى عشرية ، الذين اعتقدوه إماماً معصوماً .
وأبو بكر وعمر وعثمان ليس في الأمة من يقدح فيهم إلا الرافضة ، والخوارج المكفرون لعلي يوالون أبا بكر وعمر ويترضون عنهما ، و المروانية الذين ينسبون علياً إلى الظلم ، ويقولون : إنه لم يكن خليفة يوالون أبا بكر وعمر مع أنهما ليسا من أقاربهم ن فكيف يقال مع هذا : إن علياً نزهه المؤالف والمخالف بخلاف الخلفاء الثلاثة ؟
ومن المعلوم أن المنزهين لهؤلاء أعظم وأكثر وأفضل ، وأن القادحين في علي حتى بالكفر والفسوق والعصيان طوائف معروفة ، وهم أعلم من الرافضة وأدين ، والرافضة عاجزون معهم علماً ويداً ، فلا يمكن الرافضة أن تقيم عليهم حجة تقطعهم بها ، ولا كانوا معهم في القتال منصورين عليهم .(3/73)
والذين قدحوا في علي رضي الله عنه وجعلوه كافراً وظالماً ليس فيهم طائفة معروفة بالردة عن الإسلام ، بخلاف الذين يمدحونه ويقدحون في الثلاثة ، كالغالية الذين يدعون إلهيته من النصيرية وغيرهم ، وكالإسماعيلية الملاحدة الذين هم شر من النصيرية ،وكالغالية الذين يدعون نبوته ، فإن هؤلاء مرتدون كفرهم بالله ورسوله ظاهر لا يخفى على عالم بدين الإسلام ، فمن اعتقد في بشر الإلهية ، أو اعتقد بعد محمد صلى الله عليه وسلم نبياً ، أو أنه لم يكن نبياً بل كان علي هو النبي دونه وإنما غلط جبريل ، فهذه المقالات ونحوها مما يظهر كفر أهلها لمن يعرف الإسلام أدنى معرفة .
بخلاف من يكفر علياً ويلعنه من الخوارج ، وممن قاتله ولعنه من أصحاب معاوية وبني مروان وغيرهم ، فإن هؤلاء كانوا مقرين بالإسلام وشرائعه : يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ،ويصومون رمضان ، ويحجون البيت العتيق ، ويحرمون ما حرم الله ورسوله ، وليس فيهم كفر ظاهر ، بل شعائر الإسلام وشرائعه ظاهرة فيهم معظمة عندهم ، وهذا أمر يعرفه كل من عرف أحوال الإسلام ، فكيف يدعى مع هذا أن جميع المخالفين نزهوه دون الثلاثة ؟
بل إذا اعتبر الذين كانوا يبغضونه ويوالون عثمان والذين كانوا يبغضون عثمان ويحبون علياً ، وجد هؤلاء خيراً من أولئك من وجوه متعددة ، فالمنزهون لعثمان القادحون في علي أعظم وأدين وأفضل من المنزهين لعلي القادحين في عثمان كالزيدية مثلاً .
فمعلوم أن الذين قاتلوه ولعنوه وذموه من الصحابة والتابعين وغيرهم هم أعلم وأدين من الذين يتولونه ويلعنون عثمان ، ولو تخلى أهل السنة عن موالاة علي رضي الله عنه وتحقيق إيمانه ووجوب موالاته ، لم يكن في المتولين له من يقدر أن يقاوم المبغضين له من الخوارج والأموية و المروانية ، فإن هؤلاء طوائف كثيرة )
تعليق(3/74)
في هذا الموضع يرد شيخ الإسلام على مقولة الرافضي بأن علياً قد نزهه المؤالف والمخالف بخلاف الخلفاء الراشدين الثلاثة ، فبين رحمه الله أن علياً قد خالفه أقوام وظعنوا فيه ولم يتفقوا عليه كما يزعم الرافضي .
ثم عقد مقارنة بين الذين غلوا فيه وبين الذين طعنوا فيه ووضح أن الأخرين أفضل من الأولين فمتابعتهم وتصديق شبهاتهم أولى من متابعة وتصديق الروافض ، ولكن الله نزه أهل السنة وحماها من سلوك مسلك الطائفتين ، فحفظت لعلي حقه وعرفت فضله ، فلم تغل فيه أو تجف عنه .
وتأمل – أخي القارئ – ما خط بالأسود في نهاية الموضع تجد أن شيخ الإسلام – بذكائه الواسع – قد أخبرنا بأن أهل السنة هم المدافعون حقاً عن علي رضي الله عنه أمام أعدائه ، بخلاف الروافض الذين سيعجزون عن مقاومة النواصب الشانئين له ، لأنه ما من مطعن للروافض على الخلفاء الثلاثة إلا و النواصب أشد مه وأعظم في علي . أما أهل السنة فإنهم يترضون عن الجميع ويتعاملون كما أمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم .
الموضع الثالث عشر قال شيخ الإسلام :
عن علي رضي الله عنه :( وتشبيهه بهارون ليس بأعظم من تشبيه أبي بكر وعمر : هذا بإبراهيم وعيسى ، وهذا بنوح وموسى ، فإن هؤلاء الأربعة أفضل من هارون ، وكل من أبي بكر وعمر شبه باثنين لا بواحد ، فكان هذا التشبيه أعظم من تشبيه علي ، مع أن استخلاف علي له فيه أشباه وأمثال من الصحابة .
وهذا التشبيه ليس لهذين فيه شبيه ، فلم يكن الاستخلاف من الخصائص ، ولا التشبيه بنبي في بعض أحواله من الخصائص .(3/75)
وكذلك قوله : " لأعطين الراية رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله قال : فتطاولنا ، فقال : ادعوا لي علياً ، فأتاه وبه رمد ، فبصق في عينيه ودفع الراية إليه ، ففتح الله على يديه" وهذا الحديث أصح ما روي لعلي من الفضائل ، أخرجاه في الصحيحين من غير وجه . وليس هذا الوصف مختصاً بالأئمة ولا بعلي ، فإن الله ورسوله يحب كل مؤمن تقي ، وكل مؤمن تقي يحب الله ورسوله ، لكن هذا الحديث من أحسن ما يحتج به على النواصب الذين يتبرؤون منه ولا يتولونه ولا يحبونه ، بل قد يكفرونه أو يفسقونه كالخوارج ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم شهد له بأنه يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله .
لكن هذا الاحتجاج لا يتم على قول الرافضة الذين يجعلون النصوص الدالة على فضائل الصحابة كانت قبل ردتهم ، فإن الخوارج تقول في علي مثل ذلك ، لكن هذا باطل ، فإن الله ورسوله لا يطلق هذا المدح على من يعلم أنه يموت كافراً )
( وكذلك حديث المباهلة شركه فيه فاطمة وحسن وحسين ، كما شركوه في حديث الكساء ، فعلم أن ذلك لا يختص بالرجال ولا بالذكور ولا بالأئمة ، بل يشركه فيه المرأة والصبي ، فإن الحسن والحسين كانا صغيرين عند المباهلة ، فإن المباهلة كانت لما قدم وفد نجران بعد فتح مكة سنة تسع أو عشر ، والنبي صلى الله عليه وسلم مات ولم يكمل الحسين سبع سنين ، والحسن أكبر منه بنحو سنة ، وإنما دعا هؤلاء لأنه أمر أن يدعو كل واحد من الأقربين : والنساء والأنفس ،فيدعو الواحد من أولئك : أبناؤه ونساءه ، وأخص الرجال به نسباً .
وهؤلاء أقرب الناس إلى النبي صلى الله عليه وسلم نسباً ، وإن كان غيرهم أفضل منهم عنده ، فلم يؤمر أن يدعو أفضل أتباعه ، لأن المقصود أن يدعو كل واحد منهم أخص الناس به ، لما في جبلة الإنسان من الخوف عليه وعلى ذوي رحمه الأقربين إليه ، ولهذا خصهم في حديث الكساء .(3/76)
والدعاء لهم و المباهلة مبناها على العدل ، فأولئك أيضاً يحتاجون أن يدعوا أقرب الناس إليهم نسبهم ، وهم يخافون عليهم مالا يخافون على الأجانب ، ولهذا امتنعوا عن المباهلة ، لعلمهم بأنه على الحق ، وأنهم إذا باهلوه حقت عليهم بهلة الله وعلى الأقربين إليهم ، بل قد يحذر الإنسان على ولده مالا يحذره على نفسه .
فإن قيل : فإذا كان ما صح م فضائل علي رضي الله عنه ، كقوله صلى الله عليه وسلم : " لأعطين الراية رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله " ، وقوله : " أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى " ، وقوله : " اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً " ليس من خصائصه ، بل له فيه شركاء ، فلماذا تمنى بعض الصحابة أن يكون له ذلك ، كما روى عن سعد وعن عمر ؟
فالجواب : أن في ذلك شهادة النبي صلى الله عليه وسلم لعلي بإيمانه باطناً وظاهراً ، وإثباتاً لموالاته لله ورسوله ووجوب موالاة المؤمنين له . وفي ذلك رد على النواصب الذين يعتقدون كفره أو فسقه ، كالخوارج المارقين الذين كانوا من أعبد الناس ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم فيهم : " يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم ، وصيامه مع صيامهم ، وقراءته مع قراءتهم ، يقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم ، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية ، أينما لقيتموهم فاقتلوهم " وهؤلاء يكفرونه ويستحلون قتله ، ولهذا قتله واحد منهم ، وهو عبدالرحمن بن ملجم المرادي ، مع كونه كان من أعبد الناس .(3/77)
وأهل العلم والسنة يحتاجون إلى إثبات إيمان علي وعدله ودينه للرد على هؤلاء ، أعظم مما يحتاجون إلى مناظرة الشيعة ، فإن هؤلاء أصدق وأدين ، والشبه التي يحتجون بها أعظم من الشبه التي تحتج بها الشيعة ، كما أن المسلمين يحتاجون في أمر المسيح صلوات الله وسلامه عليه إلى مناظرة اليهود والنصارى ، فيحتاجون أن ينفوا عنه ما يرميه به اليهود من أنه كاذب ولد زنا ، وإلى ما تدعيه النصارى من الإلهية ، وجدل اليهود أشد من جدل النصارى ، ولهم شبه لا يقدر النصارى أن يجيبوهم عنها ، وإنما يجيبهم عنها المسلمون ، كما أن للنواصب شبهاً لا يمكن الشيعة أن يجيبوا عنها ، وإنما يجيبهم عنها أهل السنة .
فهذه الأحاديث الصحيحة المثبتة لإيمان علي باطناً وظاهراً رد على هؤلاء ، وإن لم يكن ذلك من خصائصه ، كالنصوص الدالة على إيمان أهل بدر وبيعة الرضوان باطناً وظاهراً ، فإن فيها ردا على من ينازع في ذلك من الروافض والخوارج ، وإن لم يكن ما يستدل به من خصائص واحد منهم ، وإذا شهد النبي صلى الله عليه وسلم لمعين بشهادة ، أو دعا له بدعاء ، أحب كثير من الناس أن يكون له مثل تلك الشهادة ومثل ذلك الدعاء ، وإن كان النبي صلى الله عليه وسلم يشهد بذلك لخلق كثير ويدعو به لخلق كثير ، وكان تعيينه لذلك المعين من أعظم فضائله ومناقبه ).
تعليق
في هذا الموضع يبين شيخ الإسلام قضية سبق توضيحها في المقدمة وهي أن الفضائل الثابتة لعلي رضي الله عنه هي فضائل مشتركة بينه وبين غيره ولم ينفرد بشئ منها ، وفي هذا رد على الروافض الذين سيستغلون مثل هذه الفضائل في ادعاء عصمته أو أحقيته بالخلافة أو نحو ذلك من الغلو .
ثم وضح – رحمه الله – أن هذه الفضائل الثابتة له فيها أعظم الرد على النواصب الذين يبغضونه ، فهي سلاح بيد أهل السنة يقطعون به شبهاتهم .
ففي فضائله الثابتة رد على الطائفتين الخائبتين : رد على الروافض لأنها مشتركة ورد على النواصب لأنها ثابتة .(3/78)
وتقرير الحقائق ليس فيه أي تنقص لعلي رضي الله عنه .
الموضع الرابع عشر : قال شيخ الإسلام :
( استعانة علي برعيته وحاجته إليهم كانت أكثر من استعانة أبي بكر ، وكان تقويم أبي بكر لرعيته وطاعتهم له أعظم من تقويم علي لرعيته وطاعتهم له . فإن أبا بكر كانوا إذا نازعوه أقام عليهم الحجة حتى يرجعوا إليه ، كما أقام الحجة على عمر في قتال مانعي الزكاة وغير ذلك . وكانوا إذا أمرهم أطاعوه . وعلي رضي الله عنه لما ذكر قوله في أمهات الأولاد وأنه اتفق رأيه ورأي عمر على أن لا يبعن ، ثم رأى أن يبعن ، فقال له قاضيه عبيدة السلماني : رأيك مع عمر في الجماعة أحب إلينا من رأيك وحدك في الفرقة .
وكان يقول : اقضوا كما كنتم تقضون ، فإني أكره الخلاف ، حتى يكون الناس جماعة أو أموت كما مات أصحابي .
وكانت رعيته كثيرة المعصية له ، وكانوا يشيرون عليه بالرأي الذي يخالفهم فيه ، ثم يتبين له أن الصواب كان معهم . كما أشار عليه الحسن بأمور ، مثل أن لا يخرج من المدينة دون المبايعة ، وأن لا يخرج إلى الكوفة ، وأن لا يقاتل بصفين ، وأشار عليه أن لا يعزل معاوية ، وغير ذلك من الأمور .
وفي الجملة فلا يشك عاقل أن السياسة انتظمت لأبي بكر وعمر وعثمان ما لم تنظم لعلي رضي الله عنهم . فإن كان هذا لكمال المتولي وكمال الرعية ، وكانوا هم ورعيتهم أفضل . وإن كان لكمال المتولي وحده ، فهو أبلغ في فضلهم . وإن كان ذلك لفرط نقص رعيه علي ، كان رعية علي أنقص من رعية أبي بكر رضي الله عنه وعمر وعثمان .
ورعيته هم الذين قاتلوا معه ، وأقروا بإمامته . ورعية الثلاثة كانوا مقرين بإمامتهم . فإذا كان المقرون بإمامة الثلاثة أفضل من المقرين بإمامة علي ، لزم أن يكون كل واحد من الثلاثة أفضل منه.
وأيضاً فقد انتظمت السياسة لمعاوية ما لم تنظم لعلي ،(3/79)
فيلزم أن تكون رعية معاوية خيراً من رعية علي ، ورعية معاوية شيعة عثمان ، وفيهم النواصب المبغضون لعلي ، فتكون شيعة عثمان و النواصب أفضل من شيعة علي ، فيلزم على كل تقدير : إما أن يكون الثلاثة أفضل من علي : ، وإما أن تكون شيعة عثمان و النواصب أفضل من شيعة علي و الروافض .
وأيهما كان لزم فساد مذهب الرافضة ، فإنهم يدعون أن علياً أكمل من الثلاثة ، وأن شيعته الذين قاتلوا معه أفضل من الذين بايعوا الثلاثة ، فضلاً عن أصحاب معاوية .
والمعلوم باتفاق الناس أن الأمر انتظم للثلاثة ولمعاوية ما لم ينتظم لعلي . فكيف يكون الإمام الكامل والرعية الكاملة – على رأيهم – أعظم اضطراباً وأقل انتظاماً من الإمام الناقص والرعية الناقصة ؟ بل من الكافرة والفاسقة على رأيهم ؟
ولم يكن في أصحاب على من العلم والدين والشجاعة والكرم ، إلا ما هو دون ما في رعية الثلاثة . فلم يكونوا أصلح في الدنيا ولا في الدين . ومع هذا فلم يكن للشيعة إمام ذو سلطان معصوم بزعمهم أعظم من علي ن فإذا لم يستقيموا معه كانوا أن لا يستقيموا مع هو دونه أولى وأحرى . فعلم أنهم شر وأنقص من غيرهم )
تعليق
في هذا الموضع يرد شيخ الإسلام على طعن الرافضي في أبي بكر بأنه قد احتاج إلى رعيته في قوله : " إن استقمت فأعينوني ، وإن زغت فقوموني " قال الرافضي : ( وكيف يجوز إمامة من يستعين بالرعية على تقويمه ، مع أن الرعية تحتاج إليه ؟ )
فأجابه الشيخ بما سبق ، وهو أن استعانة علي برعيته أكثر من استعانة أبي بكر ، فإذا لم تجز إمامة أبي بكر بزعمكم ، لم تجز إمامة علي .
ثم بين عكس هذا الذي يزعمه الرافضي من خلال الواقع التاريخي ، فقرر أن خلافة أبي بكر بل عمر وعثمان ومعاوية كانت السياسة فيها منتظمة أكثر مما انتظمت في عهد علي ، فإذا لم تجز إمامتهم وهم كذلك ، فإمامة علي غير جائزة على قولكم .(3/80)
وتقرير الحقائق الثابتة للرد على الغلاة ليس فيه أي تنقص من علي – رضي الله عنه – كما سبق .
الموضع الخامس عشر :
( قال الرافضي : " وأحرق الفجاءة السلمي بالنار ، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الإحراق بالنار " )
فقال شيخ الإسلام : ( الجواب : أن الإحراق بالنار عن علي أشهر وأظهر منه عن أبي بكر وأنه قد ثبت في الصحيح أن علياً أتى بقوم زنادقة من غلاة الشيعة ، فحرقهم بالنار ، فبلغ ذلك أبن عباس ن فقال لو كنت أنا لم أحرقهم بالنار ، لنهي النبي صلى لله عليه وسلم أن يعذب بعذاب الله ، ولضربت أعناقهم ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " من بدل دينه فاقتلوه : .
فبلغ ذلك علياً ، فقال : ويح ابن أم الفضل ما أسقطه على الهنات .
فعلي حرق جماعة بالنار . فإن كان ما فعله أبو بكر منكراً ، ففعل علي أنكر منه ، وإن كان فعل علي مما لا ينكر مثله على الأئمة ، فأبوبكر أولى أن لا ينكر عليه )
تعليق
في هذا الموضع – وقد مر مثله كثير – يقلب شيخ الإسلام شبهة الروافض على رؤؤسهم ليجعلهم يطلبون النجاة من هذا المأزق الذي ورطوا به أنفسهم بجهلهم .
ولم يكذب شيخ الإسلام على علي في هذا الموضع وإنما أبرز للروافض هذه الحادثة الثابتة ليفحمهم بها ، وهي اجتهاد من إمام المسلمين في زمانه علي بن أبي طالب – رضي الله عنه – لا يذم بفعله .
الموضع السادس عشر :
قال الرافضي طاعناً في أبي بكر رضي الله عنه :( وأهمل حدود الله فلم يقتص من خالد بن الوليد ولا حده حيث قتل مالك بن نويرة ، وكان مسلماً ، وتزوج امرأته في ليلة قتله وضاجعها ، وأشار عليه عمر بقتله فلم يفعل )(3/81)
قال شيخ الإسلام : ( والجواب : أن يقال : أولاً إن كان ترك قتل قاتل المعصوم مما ينكر على الأئمة ، كان هذا من أعظم حجة شيعة عثمان على علي ، فإن عثمان خير من ملء الأرض من مثل مالك بن نويرة ، وهو خليفة المسلمين ، وقد قتل مظلوماً شهيداً بلا تأويل مسوغ لقتله ، وعلي لم يقتل قتلته ، وكان هذا من أعظم ما امتنعت به شيعة عثمان عن مبايعة علي ، فإن كان علي له عذر شرعي في ترك قتل قتلة عثمان ، فعذر أبي بكر في ترك قتل قاتل مالك بن نويرة أقوى ، وإن لم يكن لأبي بكر عذر في ذلك فعلي أولى أن لا يكون له عذر في ترك قتل قتلة عثمان .
وأما ما تفعله الرافضة من الإنكار على أبي بكر في هذه القضية الصغيرة ، وترك إنكار ما هو أعظم منها على علي ، فهذا من فرط جهلهم وتناقضهم .
وكذلك إنكارهم على عثمان كون لم يقتل عبيد الله بن عمر بالهرمزان ، هو من هذا الباب .
وإذا قال القائل : علي كان معذوراً في ترك قتل قتلة عثمان ، لأن شروط الاستيفاء لم توجد : إما لعدم العلم بأعيان القتلة ، وإما لعجزه عن القوم لكونهم ذوي شوكة ، ونحو ذلك .
قيل : فشروط الاستيفاء لم توجد في قتل قاتل مالك بن نويرة ، وقتل قاتل الهرمزان ، لوجود الشبهة في ذلك ، والحدود تدرأ بالشبهات .
وإذا قالوا : عمر أشار على أبي بكر بقتل خالد بن الوليد ،وعلي أشار على عثمان بقتل عبيد الله بن عمر .
قيل : وطلحة و الزبير وغيرهما أشاروا على علي بقتل قتلة عثمان ، مع أن الذين أشاروا على أبي بكر بالقود ، أقام عليهم حجة سلموا لها : إما لظهور الحق معه ، وإما لكون ذلك مما يسوغ فيه الاجتهاد.
وعلي لما لم يوافق الذين أشاروا عليه بالقود ، جرى بينه وبينهم من الحروب ما قد علم ، وقتل قتلة عثمان أهون مما جرى بالجمل وصفين فإذا كان في هذا اجتهاد سائغ ، ففي ذلك أولى .
وإن قالوا : عثمان كان مباح الدم .(3/82)
قيل لهم : فلا يشك أحد في أن إباحة دم مالك بن نويرة أظهر من إباحة دم عثمان ، بل مالك بن نويرة لا يعرف أنه كان معصوم الدم ، ولم يثبت ذلك عندنا . وأما عثمان فقد ثبت بالتواتر ونصوص الكتاب والسنة أنه كان معصوم الدم . وبين عثمان ومالك بن نويرة من الفرق ما لا يحصى عدده إلا الله تعالى .
ومن قال : أن عثمان كان مباح الدم ، لم يمكنه أن يجعل علياً معصوم الدم ، ولا الحسين ، فإن عصمة دم عثمان أظهر من عصمة دم علي والحسين . وعثمان أبعد عن موجبات القتل من علي والحسين . وشبهة قتلة عثمان أضعف بكثير من شبهة قتلة علي والحسين ، فإن عثمان لم يقتل مسلماً ، ولا قاتل أحداً على ولايته ولم يطلب قتال أحد على ولايته أصلاً ، فإن وجب أن يقال : من قتل خلقاً من المسلمين على ولايته إنه معصوم الدم ، وإنه مجتهد فيما فعله ، فلان يقال : عثمان معصوم الدم ، وإنه مجتهد فيما فعله من الأموال والولايات بطريق الأولى والأحرى .
ثم يقال : غاية ما يقال في قصة مالك ابن نويرة : إنه كان معصوم الدم وإن خالداً قتله بتأويل ، وهذا لا يبيح قتل خالد ، كما أن أسامة بن زيد لما قتل الرجل الذي قال : لا إله إلا الله . وقال له النبي صلى الله عليه وسلم : " يا أسامة أقتلته بعد أن قال : لا إله إلا الله ؟ يا أسامة أقتلته بعد أن قال : لا إله إلا الله ؟ يا أسامة أقتلته بعد أن قال لا إله إلا الله ؟ " فأنكر عليه قتله ، ولم يوجب قوداً ولا دية ولا كفارة.(3/83)
وقدر روى محمد بن جرير الطبري وغيره عن ابن عباس و قتادة أن هذه الآية : قوله تعالى : ( ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلم لست مؤمناً ) نزلت في شأن مرداس ، رجل من غطفان ، بعث النبي صلى الله عليه وسلم جيشاً إلى قومه ، عليهم غالب الليثي ، ففر أصحابه ولم يفر . قال : إني مؤمن ، فصحبته الخيل ، فسلم عليهم ، فقتلوه وأخذوا غنمه ، فأنزل الله هذه الآية ، وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم برد أمواله إلى أهله وبديته إليهم ، ونهى المؤمنين عن مثل ذلك .
وكذلك خالد بن الوليد قد قتل بني جذيمة متأولاً ، ورفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه وقال : " اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد ".
ومع هذا فلم يقتله النبي صلى الله عليه وسلم لأنه كان متأولاً .
فإذا كان النبي لم يقتله مع قتله غير واحد من المسلمين من بني جذيمة للتأويل ، فلأن لا يقتله أبو بكر لقتله مالك بن نويرة بطريق الأولى والأحرى .
وقد تقدم ما ذكره هذا الرافضي من فعل خالد ببني جذيمة ، وهو يعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقتله ، فيكف لم يجعل ذلك حجة لأبي بكر في أن لا يقتله ؟ لكن من كان متبعاً لهواه أعماه عن أبتاع الهدى.
وقوله : إن عمر أشار بقتله .
فيقال : غاية هذا أن تكون مسألة اجتهاد ، كان رأي أبي بكر فيها أن لا يقتل خالداً ، وكان رأي عمر فيها قتله ،وليس عمر بأعلم من أبي بكر : لا عند السنة ولا عند الشيعة ، ولا يجب على أبي بكر ترك رأيه لرأي عمر ، ولم يظهر بدليل شرعي أن قول عمر هو الراجح ، فيكف يجوز أن يجعل مثل هذا عيباً لأبي بكر إلا من هو من أقل الناس علماً وديناً ؟
وليس عندنا أخبار صحيحة ثابتة بأن الأمر جرى على وجه يوجب قتل خالد .(3/84)
وأما ما ذكره من تزوجه بامرأته ليلة قتله ، فهذا مما لم يعرف ثوته . ولو ثبت لكان هناك تأويل يمنع الرجم . والفقهاء مختلفون في عدة الوفاة : هل تجب للكافر ؟ على قولين . وكذلك تنازعوا : هل يجب على الذمية عدة وفاة ؟ على قولين مشهورين للمسلمين ، بخلاف عدة الطلاق ، فإن تلك سببها الوطء ، فلا بد من براءة الرحم . وأما عدة الوفاة فتجب بمجرد العقد ، فإذا مات قبل الدخول بها فهل تعتد من الكافر أم لا ؟ فيه نزاع . وكذلك إن كان دخل بها ،وقد حاضت بعد الدخول حيضة .
هذا إذا كان الكافر أصلياً . وأما المرتد إذا قتل ، أو مات على ردته ، ففي مذهب الشافعي وأحمد وأبي يوسف ومحمد ليس عليها عدة وفاة بل عدة فرقة بائنة ، لأن النكاح بطل بردة الزوج ، وهذه الفرقة ليست طلاقاً عند الشافعي وأحمد ، وهي طلاق عند مالك وأبي حنيفة ، ولهذا لم يوجبوا عليها عدة وفاة ، بل عدة فرقة بائنة ، فإن كان لم يدخل بها فلا عدة عليها ، كما ليس عليها عدة من الطلاق .
ومعلوم أن خالداُ قتل مالك بن نويرة لأنه رآه مرتداً ، فإذا كان لم يدخل بامرأته فلا عدة عليها عند عامة العلماء ، وإن كان قد دخل بها فإنه يجب عليها استبراء بحيضة لا بعدة كاملة في أحد قوليهم ، وفي الآخر بثلاث حيض ، وإن كان كافراً أصلياً فليس على امرأته عدة وفاة في أحد قوليهم . وإذا كان الواجب استبراء بحيضة فقد تكون حاضت . ومن الفقهاء من يجعل بعض الحيضة استبراء ، فإذا كانت في آخر الحيض جعل ذلك استبراء لدلالته على براءة الرحم .
وبالجملة فنحن لم نعلم أن القضية وقعت على وجه لا يسوغ فيها الاجتهاد ، والطعن بمثل ذلك من قول من يتكلم بلا علم ، وهذا مما حرمه الله ورسوله )
تعليق(3/85)
في هذا الموضع يجيب شيخ الإسلام على شبهة أخرى من شبهات الروافض في الطعن على أبي بكر بأنه لم يقتل خالداً لقتله مالك بن نويرة ، فبين الشيخ أن هذا قد وقع مثله أو أعظم منه لعلي رضي الله عنه حيث لم يقتل قتلة عثمان ، وهو – أي عثمان – ( خير من ملء الأرض من مثل مالك بن نويرة ) فإذا لمتم أبا بكر فلوموا علياً . الذي تتهمه النواصب بمثل اتهامكم لأبي بكر ، وأما عند أهل السنة فلا لوم على الاثنين لأن لكل منهما عذره المقبول . وتقرير الثابت ليس فيه أي تنقص لعلي – رضي الله عنه - .
الموضع السابع عشر : قال شيخ الإسلام :
( وأما علي رضي الله عنه فإن أهل السنة يحبونه ويتولونه ، ويشهدون بأنه من الخلفاء الراشدين والأئمة المهديين ، لكن نصف رعيته يطعنون في عدله ، فالخوارج يكفرونه ، وغير الخوارج من أهل بيته وغير أهل بيته يقولون : إنه لم ينصفهم ، وشيعة عثمان يقولون : إنه ممن ظلم عثمان . وبالجملة لم يظهر لعلي من العدل ، مع كثرة الرعية وانتشارها ، وما ظهر لعمر ، ولا قريب منه .
وعمر لم يول أحداً من أقاربه ، وعلي ولى أقاربه ، كما ولى عثمان أقاربه . وعمر مع هذا يخاف أن يكون ظلمهم ، فهو أعدل وأخوف من الله من علي . فهذا مما يدل على أنه أفضل من علي .
وعمر ، مع رضا رعيته عنه ، يخاف أن يكون ظلمهم ، وعلي يشكون من رعيته وتظلمهم ، ويدعو عليهم ويقول : إني أبغضهم ويبغضوني وسئمتهم وسئموني . اللم فأبدلني بهم خيراً منهم ، وأبدلهم بي شرا مني .
فأي الفريقين أحق بالأمن إن كنتم تعلمون ؟ )
تعليق(3/86)
في هذا الموضع يرد شيخ الإسلام على طعن الرافضة في عمر وأحقيته بالخلافة ، وقد قال قبله عن الرافضة بأنها ( لما غلت في علي جعلت ذنب عمر كونه تولى ، وجعلوا يطلبون له ما يتبين به ظلمه ، فلم يمكنهم ذلك ) لأنه ما من شبهة لهم ضده إلا و للنواصب مثلها ضد علي ، ففي هذا إلزام لهم بأن يحفظوا ألسنتهم ولا يطلقوها في عرض عمر ، لأنهم سيقابلون بالمثل من النواصب .
وأما أهل السنة فيردون ( غلو ) الروافض ( بجفاء ) النواصب .
وليس في هذا أي تنقص لعلي – رضي الله عنه - .
الموضع الثامن عشر : قال شيخ الإسلام :
راداً قول الرافضي بأن فاطمة قد دعت على عمر لأنه ظلمها ، فسلط الله عليه أبا لؤلؤة المجوسي حتى قتله .
( والداعي إذا دعا على مسلم بأن يقتله كافر ، كان ذلك دعاء له لا عليه ، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو لأصحابه بنحو ذلك ، كقوله : " يغفر الله لفلان " فيقولون : لو أمتعتنا به وكان إذا دعا لأحد بذلك استشهد .
ولو قال قائل : إن علياً ظلم أهل صفين والخوارج حتى دعوا عليه بما فعله ابن ملجم ، لم يكن هذا أبعد عن المعقول من هذا . وكذلك لو قال إن آل سفيان بن حرب دعوا على الحسين بما فعل به )
تعليق
هذا رد مفحم يشابه الردود السابقة ، وهو مقابلة شبهات أهل الرفض بضدها ، فما قالوه في غير علي ، قد يقوله غيرهم في علي ، فالأولى بهم أن يصمتوا عن تلفيق الأكاذيب . وليس في هذا أي تنقص – كما سبق – بل هو من قبيل الحجج ( المحرجة ).
الموضع التاسع عشر : قال شيخ الإسلام :
متابعاً ردوده على طعن الرافضي بعمر – رضي الله عنه - :( وأما قول الرافضي : " وعطل حدود الله فلم يحد المغيرة بن شعبة " .(3/87)
فالجواب : أن جماهير العلماء على ما فعله عمر في قصة المغيرة ، وأن البينة إذا لم تكمل حد الشهود . ومن قال بالقول الآخر لم ينازع في أن هذه مسألة اجتهاد . وقد تقدم أن ما يرد على علي بتعطيل إقامة القصاص والحدود على قتلة عثمان أعظم فإذا كان القادح في علي مبطلاً ، فالقادح في عمر أولى بالبطلان )
تعليق
ونحن نعلم ، كما أن الشيخ يعلم ، أن هذا القدح باطل في عمر وفي علي رضي الله عنهما ، ولكنه ذكر هذا للتضييق على الرافضة ،ومقابلة شبهتهم بما يكسرها من شبه غيرهم .
الموضع العشرون : قال شيخ الإسلام:
متابعاً ردوده على الرافضي في اتهامه عمر بأنه يجهل السنة :( وعلي رضي الله عن قد خفي عليه من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أضعاف ذلك ،ومنها ما مات ولم يعرفه )
تعليق
قد علمنا أن الروافض إذا أبغضت أحداً تقولت عليه الأقاويل ، واتهمته بما ليس تهمة عند العقلاء ، ومنه هذا الموضع ، وهو أن عمر قد تخفى عليه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وليس في هذا أي مطعن أو نقص فيه رضي الله عنه ، لأن أحداً لا يدعي بأنه قد أحاط بجميع مسائل الدين جليلها ودقيقها . فبين لهم الشيخ أن ما تقولونه في عمر هو حاصل لعلي من خلال الوقائع الثابتة ، فإن طعنتم في عمر فاطعنوا في علي ، وهذا من قبيل إفحام الخصم كما سبق .
الموضع الحادي والعشرون : قال شيخ الإسلام:
متابعاً رده على طعون الرافضي في عمر رضي الله عنه بأنه قد قال بالرأي ؟(3/88)
( فإن كان القول بالرأي ذنباً فذنب غير عمر – كعلي وغيره – أعظم ، فإن ذنب من استحل دماء المسلمين برأي ، هو ذنب أعظم من ذنب من حكم في قضية جزئية برأيه ، وإن كان منه ما هو صواب ومنه ما هو خطأ ، فعمر رضي الله عنه أسعد بالصواب من غيره ، فإن الصواب في رأيه أكثر منه في رأي غيره ، والخطأ في رأي غيره أكثر منه في رأيه ، وإن كان الرأي كله صواب ، فالصواب الذي مصلحته أعظم هو خير وأفضل من الصواب الذي مصلحته دون ذلك ، وآراء عمر رضي الله عنه كانت مصالحها أعظم للمسلمين )
تعليق
كما سبق معنا كثيراً ، فهذا الموضع من قبيل مقابلة الشبهة بشبهة تدحضها ثم تتساقط الشبهتان سوياً ويبقى الرأي الصحيح .
وقد علمنا في المقدمة أن هذا من الجوانب التي بذ فيها شيخ الإسلام من سواه من العلماء ، فكما أن الشبهة الساقطة ليس فيها أي تنقص من الفاضل فليس فيها أي تنقص من المفضول .
الموضع الثاني والعشرون : قال شيخ الإسلام:
راداً على الرافضي قوله بأن عثمان قد صدرت منه من الأفعال ما توجب عدم أحقيته بالخلافة ، وأن عمر قد أخطأ في اختياره مع أصحاب الشورى .
( وأين إيثار بعض الناس بولاية أو مال ، من كون الأمة يسفك بعضها دماء بعض وتشتغل بذلك عن مصلحة دينها ودنياها حتى يطمع الكفار في بلاد المسلمين ؟ وأين اجتماع المسلمين وفتح بلاد الأعداء من الفرقة والفتنة بين المسلمين ، وعجزهم عن الأعداء حتى يأخذوا بعض بلادهم أو بعض أوالهم قهراً أو صلحاً)
تعليق
يبين هنا شيخ الإسلام أن ما حصل في عهد عثمان من خير للأمة واستقرار لأفرادها وتوسع في الفتوح الإسلامية لم يحصل مثله في عهد علي ، وهذه حقيقة لا ينازع فيها من له أدنى علم بالتاريخ ، ففيها أعظم الرد على مزاعم الرافضة في عثمان والأخطاء التي قد حصلت في عهده فإن أصررتم على ذلك فقولوا مثلها في علي ، لأنه قد حدث في عهده ما هو أعظم من ذلك .(3/89)
وقد مر معنا كثيراً أن هذا من قبيل مقابلة الحجج المتهافتة بعضها ببعض ليخرج من بينها الرأي الصائب سليماً معافى .
الموضع الثالث والعشرون : قال شيخ الإسلام:
راداً طعون الروافض في عثمان – رضي الله عنه - :( نواب علي خانوه وعصوه أكثر مما خان عمال عثمان له وعصوه ، وقد صنف الناس كتباً فيمن ولاه علي فأخذ المال وخانه ، وفيمن تركه وذهب إلى معاوية ، وقد ولى علي رضي الله عنه زياد بن أبي سفيان أبا عبيد الله بن زياد قاتل الحسين ، وولى الأشتر النخعي ، وولى محمد بن أبي بكر وأمثال هؤلاء .
ولا يشك عاقل أن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه كان خيراً من هؤلاء كلهم .
ومن العجب أن الشيعة ينكرون على عثمان ما يدعون أن علياً كان أبلغ فيه من عثمان . فيقولون : إن عثمان ولى أقاربه من بني أمية . ومعلوم أن علياً ولى أقاربه من قبل أبيه وأمه ، كعبد الله وعبيد الله ابن العباس . فولى عبيد الله بن عباس على اليمن ، وولى على مكة والطائف قثم بن العباس . وأما المدينة فقيل إنه ولى عليها سهل بن حنيف . وقيل ثمامة بن العباس . وأما البصرة فولى عليها عبدالله بن عباس . وولى على مصر ربيبه محمد بن أبي بكر الذي رباه في حجره )
تعليق
هذا أيضاً من مقابلة الشبهة بالشبهة ، فما قلتم في عثمان فقولوه في علي ، لأنهما قد تشابها في الفعل ، ولكنكم قوم لا تعدلون .
وقد برأ الله علياً رضي الله عنه كما برأ عثمان رضي الله عنه .
الموضع الرابع والعشرون : قال شخ الإسلام :
( والمقصود هنا أن ما يعتذر به عن علي فيما أنكر عليه يعتذر بأقوى منه عن عثمان ، فإن عليا قاتل على الولاية ، وقتل بسبب ذلك خلق كثير عظيم ، ولم يحصل في ولايته لا قتال للكفار ، ولا فتح لبلادهم ، ولا كان المسلمون في زيادة خير ، وقد ولى من أقاربه من ولاه ، فولاية الأقارب مشتركة ، ونواب عثمان كانوا أطوع من نواب علي , وأبعد عن الشر .(3/90)
وأما الأموال التي تأول فيها عثمان ، فكما تأول علي في الدماء ، وأمر الدماء أخطر وأعظم )
تعليق
وهذا الموضع كسابقه في رد الطعون عن عثمان ، فإن ما اتهمتموه به قد حصل من علي مثله أو أعظم منه – على حد زعمكم – فقولوا فيه ما قلتم في عثمان إن كنتم صادقين .
وأما أهل السنة فيوالون الاثنين ، ويقيمون لهم العذر فيما صنعوا .
الموضع الخامس والعشرون : قال شيخ الإسلام :
( ولو قدح رجل في علي بن أبي طالب بأنه قاتل معاوية وأصحابه وقاتل طلحة والزبير .
لقيل له : علي بن أبي طالب أفضل وأولى بالعلم والعدل من الذين قاتلوه ، فلا يجوز أن يجعل الذين قاتلوه هم العادلين وهو ظالم لهم.
كذلك عثمان فيمن أقام عليه حداً أو تعزيراً هو أولى بالعلم والعدل منهم . وإذا وجب الذب عن علي لمن يريد أن يتكلم فيه بمثل ذلك ، فالذب عن عثمان لمن يريد أن يتكلم فيه بمثل ذلك أولى )
تعليق
يبين شيخ الإسلام هنا أن أهل السنة كما يدافعون عن علي رضي الله عنه – في حروبه ، فكذلك يدافعون عن عثمان في أفعاله ، وليسوا كالرافضة التي لا ترى عثمان إلا بعين السخط :
وعين الرضا عن كل عيب كليلة
... ... ... ... كما أن عين السخط تبدي المساويا
الموضع السادس والعشرون : قال شيخ الإسلام :
( وكذلك أحمد بن حنبل جوز التعريف بالأمصار ، واحتج بأن ابن عباس فعله بالبصرة . وكان ذلك في خلافة علي : وكان ابن عباس نائبه بالبصرة : فأحمد بن حنبل وكثير من العلماء يتبعون علياُ فيما سنه ، كما يتبعون عمر وعثمان فيما سناه ، وآخرون من العلماء ، كمالك وغيره ، لا يتبعون علياً فيما سنه ، وكلهم متفقون على اتباع عمر وعثمان فيما سناه ، فإن جاز القدح في عمر وعثمان فيما سناه وهذا حاله ،فلان يقدح في علي بما سنه – وهذا حاله بطريق الأولى .(3/91)
وإن قيل : بأن ما فعله علي سائغ لا يقدح فيه ، لأنه باجتهاده ، أو لأنه سنة يتبع فيه ، فلأن يكون ما فعله عمر وعثمان كذلك بطريق الأولى )
تعليق
وهذه كسوابقها من قبيل ( قلب الحجة ) على الخصم وقد مر مثلها كثير .
الموضع السابع والعشرون : قال شيخ الإسلام :
( نحن لا ننكر أن عثمان رضي الله عنه كان يحب بني أمية ، وكان يواليهم ويعطيهم أموالاً كثيرة . وما فعله من مسائل الاجتهاد التي تكلم فيها العلماء ، الذين ليس لهم غرض ، كما أننا لا ننكر أن علياً ولى أقاربه ، وقاتل وقتل خلقاً كثيراً من المسلمين الذين يقيمون الصلاة ، ويؤتون الزكاة ، ويصومون ويصلون ، لكن من هؤلاء من قاتله بالنص والإجماع ، ومنهم من كان قتاله من مسائل الاجتهاد التي تكلم فيها العلماء الذين لا غرض لهم .
وأمر الدماء أخطر من أمر الأموال . والشر الذين حصل في الدماء بين الأمة أضعاف الشر الذي حصل بإعطاء الأموال .
فإذا كنا نتولى علياً ونحبه ، ونذكر ما دل عليه الكتاب والسنة من فضائله ، مع أن الذي جرى في خلافته أقرب إلى الملام مما جرى في خلافة عثمان ، وجرى في خلافة عثمان من الخير ما لم يجر مثله في خلافته ، فلأن نتولى عثمان ونحبه ،ونذكر ما دل عليه الكتاب والسنة بطريق الأولى ).
تعليق
تأمل رأي شيخ الإسلام الواضح في أفعال علي رضي الله عنه وقتاله لغيره وهي قسمان :
الأول : من قاتلهم بالنص والإجماع كالخوارج فالحق لا شك معه .
الثاني : من قاتلهم بالاجتهاد ، فلا مأخذ عليه .
فهو رحمه الله يبرئ علياً في جميع أفعاله التي قد يستغلها النواصب في الطعن فيه . ثم يقول بأننا إذا برأنا علياً من ذلك كله وهو في أمر الدماء وهي عظيمة عند الله ، أفلا نبرئ عثمان مما أخذتموه عليه ، وهي من أمور المال ، وأمره أسهل من الدماء فهل يعقل الرافضة هذه الحجة القوية ؟
الموضع الثامن والعشرون : قال شيخ الإسلام :(3/92)
( ولم يكن لعلي اختصاص بنصر النبي صلى الله عليه وسلم دون أمثاله ، ولا عرف موطن احتاج النبي صلى الله عليه وسلم فيه إلى معونة علي وحده ، ولا باليد ولا باللسان ، ولا كان إيمان الناس برسول الله صلى الله عليه وسلم وطاعتهم له لأجل علي ، بسبب دعوة علي لهم ، وغير ذلك من الأسباب الخاصة ، كما كان هارون مع موسى ، فإن بني إسرائيل كانوا يحبون هارون جداً ويهابون موسى ، وكان هارون يتألفهم .
والرافضة تدعي أن الناس كانوا يبغضون علياً ، وأنهم لبغضهم له لم يبايعوه . فكيف يقال : إن النبي صلى الله عليه وسلم احتاج إليه ، كما احتاج موسى إلى هارون ؟
وهذا أبو بكر الصديق أسلم على يديه ستة أن خمسة من العشرة : عثمان ، وطلحة ، والزبير ، وسعد ، و عبدالرحمن بن عوف ، وأبو عبيدة ، ولم يعلم أنه أسلم على يد علي وعثمان وغيرهما أحد من السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار ) .
تعليق
واضح من هذا الموضع أن شيخ الإسلام كما يفضل أبا بكر على علي كذلك يفضله على عثمان ، وهذا هو منهج أهل السنة . فهل يقول عاقل بأنه يتنقص عثمان ؟ أم أنه أنزله في منزله الذي يستحقه دون غلو فيه ، أو تفضيله على من هو أفضل منه ، وما يصدق على عثمان يصدق على علي .
الموضع التاسع والعشرون : قال شيخ الإسلام :
( لا ريب أن الفضيلة التي حصلت لأبي بكر في الهجرة لم تحصل لغيره من الصحابة بالكتاب والسنة والإجماع ، فتكون هذه الأفضلية ثابتة له دون عمر وعثمان وعلي وغيرهم من الصحابة ، فيكون هو الإمام.
فهذا هو الدليل الصدق الذي لا كذب فيه . يقول الله : ( إلا تنصروه فقد نصره الله إذا أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصحبه لا تحزن إن الله معنا ) .(3/93)
ومثل هذه الفضيلة لم تحصل لغير أبي بكر قطعاً ، بخلاف الوقاية بالنفس ، فإنها لو كانت صحيحة فغير واحد من الصحابة وقى النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه . وهذا واجب على كل مؤمن ، ليس من الفضائل المختصة بالأكابر من الصحابة .
والأفضلية إنما تثبت بالخصائص لا بالمشتركات . يبين ذلك أنه لم ينقل أحد أن علياً أو ذي في مبيته على فراش النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد أوذي غيره في وقايتهم النبي صلى الله عليه وسلم : تارة بالضرب ،وتارة بالجرح ، وتارة بالقتل ، فمن فداه وأوذي أعظم ممن فداه ولم يؤذ .
وقد قال العلماء : ما صح لعلي من الفضائل فهي مشتركة ، شاركه فيها غيره ، بخلاف الصديق ، فإن كثيراً م فضائله – وأكثرها – خصائص له ، لا يشركه فيها غيره . وهذا مبسوط في موضعه )
تعليق
تزعم الرافضة أن علياً يستحق الإمامة بعد الرسول صلى الله عليه وسلم لأنه ثبت له من الفضائل ما لم يشركه فيها أحد غيره ، ومنها أنه بات في فراش النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الهجرة ، فبين لهم شيخ الإسلام أن وقاية النبي صلى الله عليه وسلم ثابتة له ولغيره ، بخلاف فضائل أبي بكر التي اختص بها ، ومنها مشاركة الرسول صلى الله عليه وسلم في هجرته . فعلى قولكم يكون هو الإمام .
الموضع الثلاثون : قال شيخ الإسلام :
( وأبو بكر وعمر رضي الله عنهما قد أبغضهما وسبهما الرافضة و النصيرية والغالية والإسماعيلية . ولكن معلوم أن الذين أحبوا ذينك أفضل وأكثر ، وأن الذين أبغضوهما أبعد عن الإسلام وأقل ، بخلاف علي ، فإن الذين أبغضوه وقاتلوه هم خير من الذين أبغضوا أبا بكر وعمر ، بل شيعة عثمان الذين يحبونه ويبغضون علياً ، وإن كانوا مبتدعين ظالمين ، فشيعة علي الذين يحبونه ويبغضون عثمان أنقص منهم علماً وديناً ، وأكثر جهلاً وظلماً .
فعلم أن المودة جعلت للثلاثة أعظم .
وإذا قيل : علي قد ادعيت فيه الإلهية والنبوة .(3/94)
قيل : قد كفرته الخوارج كلها ، وأبغضته المروانية ، وهؤلاء خير من الرافضة الذين يسبون أبا بكر وعمر رضي الله عنهما فضلاً عن الغالية ) .
تعليق
يرد شيخ الإسلام هنا على زعم الرافضة بأن آية : ( إن الذين ءامنوا وعملوا الصالحت سيجعل لهم الرحمن ودا ) نزلت في علي رضي الله عنه ، وأن ألله قد جعل له في قلوب المؤمنين مودة فبين شيخ الإسلام بأن هذا من أكاذيب الرافضة وأن المودة التي كانت للخلفاء الثلاثة أكثر من المودة التي كانت له في قلوب المؤمنين ، حيث خالفه ونازعه أناس مؤمنون ، بخلاف غيره فإن الذين أبغضوهم كانوا أبعد عن الإسلام من الأولين وتقرير الحقائق ليس فيه أي تنقص لعلي ، لأن الهدف دفع فرية الرافضة على غيره من أجلاء الصحابة .
الموضع الحادي والثلاثون : قال شيخ الإسلام :
( إن علياً لم يكن أعظم معاداة للكفار والمنافقين من عمر ، بل ولا نعرف أنهم كانوا يتأذون منه كما يتأذون من عمر ، بل ولا نعرف أنهم كانوا يتأذون منه إلا وكان بغضهم لعمر أشد ) .
تعليق
قد سبق مثل هذا الكلام في الموضع الثامن ، وهو من قبيل رد اتهامات الروافض لعمر – رضي الله عنه - .
الموضع الثاني والثلاثون : قال شيخ الإسلام :
( ولا يشك من عرف أحوال الصحابة أن عمر كان أشد عداوة للكفار والمنافقين من علي ، وأن تأثيره في نصر الإسلام وإعزازه وإذلال الكفار والمنافقين أعظم من تأثير علي ، وأن الكفار والمنافقين أعداء الرسول يبغضونه أعظم مما يبغضون علياً .
ولهذا كان الذي قتل عمر كافراً يبغض دين الإسلام ، ويبغض الرسول وأمته ، فقتله بغضاً للرسول ودينه وأمته . والذي قتل علياً كان يصلي ويصوم ويقرأ القرآن ، وقتله معتقداً أن الله ورسوله يحب قتل علي ، وفعل ذلك محبة الله ورسوله – في زعمه – وإن كان في ذلك ضالاً مبتدعاً .(3/95)
والمقصود أن النفاق في بغض عمر أظهر منه في بغض علي . ولهذا لما كان الرافضة من أعظم الطوائف نفاقاً كانوا يسمون عمر فرعون الأمة . وكانوا يوالون أبا لؤلؤة – قاتله الله – الذي هو من أكفر الخلق وأعظمهم عداوة لله ورسوله )
تعليق
هذا الموضع مثل الذين قبله .
الموضع الثالث والثلاثون : قال شيخ الإسلام :
( من المعلوم بالتواتر أن جهاد أبي بكر بماله أعظم من جهاد علي ، فإن أبا بكر كان موسراً ، قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم : " ما نفعني مال كمال أبي بكر " وعلي كان فقيراً ، وأبو بكر أعظم جهاداً بنفسه ، كما سنذكره إن شاء الله تعالى ).
تعليق
قد عرفنا طريقة شيخ الإسلام في مواجهة اتهام الروافض للخلفاء الثلاثة ، وهي أنه يحرجهم بأن ما حصل منهم من خير كان أكثر مما حصل من علي ، وهذا لا خلاف فيه عند أهل السنة ، ويشهد له الواقع التاريخي ، وإبراز هذا الشيء من الشيخ هو لهدف إسقاط شبهة الرافضة بتفضيل علي عليهم .
ومن المعلوم للجميع أن أبا بكر كان أكثر إنفاقاً على الدعوة الإسلامية أكثر من علي ، لأن أبا بكر كان موسراُ ، وأما علي فكان فقيراً ، وفي هذا عذر له عند أهل العقول الصحيحة التي لم تختلق له الأكاذيب .
الموضع الرابع والثلاثون : قال شيخ الإسلام :
( وعمر قد وافق ربه في عدة أمور ، يقول شيئاً وينزل القرآن بموافقته . قال للنبي صلى الله عليه وسلم : لو اتخذت من مقام إبراهيم مصلى ، فنزلت : ( و أتخذوا من مقام إبراهيم مصلى ) ، وقال إن نساءك يدخل عليهن البر والفاجر ، فلو أمرتهن بالحجاب ، فنزلت آية الحجاب . وقال : عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجاً خيراً منكن مسلمات مؤمنات قانتات تائبات ، فنزلت كذلك . وأمثال ذلك . وهذا كله ثابت في الصحيح . وهذا أعظم من تصويب علي في مسألة واحدة .(3/96)
وأما التفضيل بالإيمان والهجرة والجهاد ، فهذا ثابت لجميع الصحابة الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا ، فليس ها هنا فضيلة اختص بها علي ، حتى يقال : أن هذا لم يثبت لغيره ) .
تعليق
قد مر معنا أن شيخ الإسلام يركز على تقرير حقيقة مهمة تنقض أصول الروافض ، وهي أن جميع الفضائل الثابتة لعلي هي مشتركة بينه وبين غيره ، فلهذا لا يحق للرافضة أن تجعل من هذه الفضائل المشتركة وسيلة إلى بيان أحقيته بالخلافة بعد الرسول صلى الله عليه وسلم ، لأنهم إن قالوا بهذا ، فسيأتي غيرهم ممن ينازعهم ويدعي لغيره هذا الحق ، ممن شاركوه في الفضائل .
وهذا الموضع هو مثال للحقيقة السابقة .
الموضع الخامس والثلاثون : قال شيخ الإسلام :
( وبالجملة فباب الإنفاق في سبيل الله وغيره ، لكثير من المهاجرين والأنصار فيه من الفضيلة ما ليس لعلي ، فإنه لم يكن له مال على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم )
تعليق
قد سبق مثل هذا .
الموضع السادس والثلاثون : قال شيخ الإسلام :
( إنه لم يكن لعلي في الإسلام أثر حسن ، إلا ولغيره من الصحابة مثله ، ولعضهم آثار أعظم من آثاره . وهذا معلوم لمن عرف السيرة الصحيحة الثابتة بالنقل ، وأما من يأخذ بنقل الكذابين وأحاديث الطرقية ، فباب الكذب مفتوح ، وهذا الكذب يتعلق بالكذب على الله ( ومن أظلم ممن افترى على الله كذباً أو كذب بالحق لما جآءه )
ومجموع المغازي التي كان فيها القتال مع النبي صلى الله عليه وسلم تسع مغاز ، و المغازي كلها بض وعشرون غزاة ، وأما السرايا فقد قيل : إنها تبلغ سبعين .(3/97)
ومجموع من قتل من الكفار في غزوات النبي صلى الله عليه وسلم يبلغون ألفاً أو أكثر أو أقل ، ولم يقتل علي منهم عشرهم ولا نصف عشرهم ، وأكثر السرايا لم يكن يخرج فيها . وأما بعد النبي صلى الله عليه وسلم فلم يشهد شيئاً من الفتوحات ، لا هو ، ولا عثمان ، ولا طلحة ، ولا الزبير إلا أن يخرجوا مع عمر حين خرج إلى الشام . وأما الزبير فقد شهد فتح مصر ، وسعد شهد فتح القادسية ، وأبو عبيدة فتح الشام .
فكيف يكون تأييد الرسول بواحد من أصحابه دون سائرهم والحال هذه ؟ وأين تأييده بالمؤمنين كلهم من السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار الذين بايعوه تحت الشجرة والتابعين لهم بإحسان ؟
وقد كان المسلمون يوم بدر ثلاثمائة وثلاثة عشر ، ويوم أحد نحو سبعمائة ، ويوم الخندق أكثر من ألف أو قريباُ من ذلك ، ويوم بيعة الرضوان ألفاً وأربعمائة ، وهم الذين شهدوا فتح خبير ، ويوم فتح مكة كانوا عشرة آلاف ، ويوم حنين كانوا اثني عشر ألفاً : تلك العشرة ، والطلقاء ألفان . وأما تبوك فلا يحصى من شهدها ، بل كانوا أكثر من ثلاثين ألفاً . وأما حجة الوداع فلا يحصى من شهدها معه ، وأيده الله بهم في حياته باليمن وغيرها ، وكل هؤلاء من المؤمنين الذين أيده الله بهم ،بل كل من آمن وجاهد إلى يوم القيامة دخل في هذا المعنى )
تعليق
في هذا الموضع يرد شيخ الإسلام على ادعاء الروافض بأن علياً هو الذي أيد الرسول صلى الله عليه وسلم في حروبه وغزواته دون غيره من الصحابة ؟
الموضع السابع والثلاثون : قال شيخ الإسلام :(3/98)
( وأما علي رضي الله عنه فلا ريب أنه ممن يحب الله ويحبه الله ، ولكن ليس بأحق بهذه الصفة من أبي بكر وعمر وعثمان ، ولا كان جهاده للكفار والمرتدين أعظم من جهاد هؤلاء ، ولا حصل به من المصلحة للدين أعظم مما حصل بهؤلاء ، بل كل منهم له سعي مشكور وعمل مبرور وآثار صالحة في الإسلام ، والله يجزيهم عن الإسلام وأهله خير جزاء ، فهم الخلفاء الراشدون والأئمة المهديون ، الذين قضوا بالحق ، وبه كانوا يعدلون .
وأما أن يأتي إلى أئمة الجماعة الذين كان نفعهم في الدين والدنيا أعظم ، فيجعلهم كفاراً أو فساقاً ظلمة ، ويأتي إلى من لم يجر علي يديه من الخير مثل ما جرى على يد واحد منهم ، فيجعله الله أو شريكاً لله ، أو شريك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أو الإمام المعصوم الذين لا يؤمن إلا من جعله معصوماً منصوصاً عليه ، ومن خرج عن هذا فهو كافر ويجعل الكفار المرتدين الذين قاتلهم أولئك كانوا مسلمين ، ويجعل المسلمين الذين يصلون الصلوات الخمس ، ويصومون شهر رمضان ، ويحجون البيت ، ويؤمنون بالقرآن يجعلهم كفاراً لأجل قتال هؤلاء .
فهذا عمل أهل الجهل والكذب والظلم والإلحاد في دين الإسلام ، عمل من لا عقل له ولا دين ولا إيمان )
تعليق
هذا الموضع سبق نقله عند تقدير موقف شيخ الإسلام من علي رضي الله ومن الروافض ، وهو من أهم المواضع ، لأنه يبين حقيقة موقف الشيخ من علي رضي الله عنه ، وأنه يحبه ويجعله من الخلفاء الراشدين والأئمة المهديين ، ولكنه لا يغلو فيه كغلو الرافضة فيفضله على الثلاثة .
الموضع الثامن والثلاثون : قال شيخ الإسلام:(3/99)
عن تسلسل الخلافة بين الخلفاء الراشدين : ( ثم إن المسلمين بايعوه ودخلوا في طاعته ، والذين بايعوه هم الذين بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة ، وهم السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار ، والذين اتبعوهم بإحسان ، رضي الله عنهم ورضوا عنه ، وهم أهل الإيمان والهجرة والجهاد ، ولم يختلف عن بيعته إلا سعد بن عبادة.
وأما علي وسائر بني هاشم فلا خلاف بين الناس أنهم بايعوه ، لكن تخلف فإنه كان يريد الإمرة لنفسه ، رضي الله عنهم أجمعين . ثم إنه في مدة ولايته قاتل بهم المرتدين والمشركين ، ولم يقاتل المسلمين ، بل أعاد الأمر إلى ما كان عليه قبل الردة ، وأخذ يزيد الإسلام فتوحاً ، وشرع في قتال فارس والروم ، ومات والمسلمون محاصرو دمشق ،وخرج منها أزهد مما دخل فيها : لم يستأثر عنهم بشيء ، ولا أمر له قرابة .
ثم ولي عليهم عمر بن الخطاب ، ففتح الأمصار ، وقهر الكفار ، وأعز أهل الإيمان ، وأذل أهل النفاق والعدوان ، ونشر الإسلام والدين ، وبسط العدل في العالمين ، ووضع ديوان الخراج والعطاء لأهل الدين ، ومصر الأمصار للمسلمين ، وخرج منها أزهد مما دخل فيها : لم يتلوث لهم بمال ، ولا ولى أحداً من أقاربه ولاية ، فهذا أمر يعرفه كل أحد .
وأما عثمان فإنه بنى على أمر قد استقر قلبه بسكينة وحلم ، وهدى ورحمة وكرم ن ولم يكن فيه قوة عمر ولا سياسته ، ولا فيه كمال عدله وزهده ، فطمع فيه بعض الطمع ، وتوسعوا في الدنيا ، وأدخل من أقاربه في الولاية والمال ، ودخلت بسبب أقاربه في الولايات والأموال أمور أنكرت عليه ، فتولد من رغبة بعض الناس في الدنيا ،وضعف خوفهم من الله ومنه ، ومن ضعفه هو ، وما حصل م أقاربه في الولاية والمال ما أوجب الفتنة ، حتى قتل مظلوماً شهيداً.(3/100)
وتولى علي على إثر ، ذلك والفتنة قائمة ، وهو عند كثير منهم متلطخ بدم عثمان ، والله يعلم براءته مما نسبه إليه الكاذبون عليه ، والمبغضون له ن كما نعلم براءته مما نسبه إليه الغالون فيه ، المبغضون لغيره من الصحابة ، فإن علياً لم يعن على قتل عثمان ولا رضي به ، كما ثبت عنه – وهو الصادق – أنه قال ذلك ، فلم تصف له قلوب كثير منهم ، ولا أمكنه هو قهرهم حتى يطيعوه ، ولا اقتضى رأيه أن يكف عن القتال حتى ينظر ما يؤول إليه الأمر ، بل اقتضى رأيه القتال ، وظن أنه به تحصل الطاعة والجماعة ، فما زاد الأمر إلا شدة ، وجانبه إلا ضعفاً ، وجانب من حاربه إلا قوة ، والأمة إلا افتراقاً ، حتى كان في آخر أمره يطلب هو أن يكف عنه من قاتله ، كما كان في أول الأمر يطلب منه الكف .(3/101)
وضعفت خلافة النبوة ضعفاً أوجب أن تصير ملكا ، فأقامها معاوية ملكاً برحمة وحلم ، كما في الحديث المأثور : " تكون نبوة ورحمة ، ثم تكون خلافة نبوة ورحمة ، ثم تكون ملك ورحمة ن ثم يكون ملك " ولم يتول أحد من الملوك خيراً من معاوية ، فهو خير ملوك الإسلام ، وسيرته خير من سيرة سائر الملوك بعده ، وعلي آخر الخلفاء الراشدين ، الذين هم ولايتهم خلافة نبوية ورحمة ، وكل من الخلفاء الأربعة رضي الله عنهم يشهد له بأنه أفضل أولياء الله المتقين ، بل هؤلاء الأربعة أفضل خلق الله بعد النبيين ، لكن إذا جاء القادح فقال في أبي بكر وعمر : إنهما كانا ظالمين متعديين طالبين للرئاسة مانعين للحقوق ، وأنهما كانا من أحرص الناس على الرئاسة ، وأنهما – ومن أعانهما – ظلموا الخليفة المستحق المنصوص عليه من جهة الرسول ، وإنهم منعوا أهل البيت ميراثهم ، وإنهما كانا من أحرص الناس على الرئاسة والولاية الباطلة ، مع ما قد عرف من سيرتهما – كان من المعلوم أن هذا الظن لو كان حقا لهو أولى بمن قاتل عليها حتى غلب ، وسفكت الدماء بسبب المنازعة التي بينه وبين منازعه ، ولم يحصل بالقتال لا مصلحة الدين ولا مصلحة الدنيا ، ولا قوتل في خلافته كافر ، ولا فرح مسلم ، فإن علياً لا يفرح بالفتنة بين المسلمين ، وشيعته لم تفرح بها ، لأنها لم تغلب ، والذين قاتلوه لم يزالوا أيضاً في كرب وشدة .
وإذا كنا ندفع من يقدح في علي من الخوارج ، مع ظهور هذه الشبهة ، فلأن ندفع من يقدح في أبي بكر وعمر بطريق الأولى والأحرى .
وإن جاز أن يظن بأبي بكر أنه كان قاصداً للرئاسة بالباطل ، مع أنه لم يعرف منه إلا ضد ذلك ، فالظن بمن قاتل على الولاية – ولم يحصل له مقصوده – أولى وأحرى .
فإذا ضرب مثل هذا وهذا بإمامي مسجد ، وشيخي مكان ، أو مدرسي مدرسة – كانت العقول كلها تقول : إن هذا أبعد عن طلب الرئاسة ، وأقرب إلى قصد الدين والخير .(3/102)
فإذا كنا نظن بعلي أنه كان قاصداً للحق والدين ، وغير مريد علوا في الأرض ولا فساداً ، فظن ذلك بأبي بكر وعمر – رضي الله عنهما – أولى وأحرى .
وإن ظن ظان بأبي بكر أنه كان يريد العلو في الأرض والفساد ، فهذا الظن بعلي أجدر وأولى .
أما أن يقال : أن أبا بكر كان يريد العلو في الأرض والفساد ، وعلي لم يكن يريد علوا في الأرض ولا فساداً ، مع ظهور السيرتين – فهذا مكابرة ، وليس فيما تواتر من السيرتين ما يدل على ذلك ، بل المتواتر من السيرتين يدل على أن سيرة أبي بكر أفضل .
ولهذا كان الذين ادعوا هذا لعلي أحالوا على ما لم يعرف ، وقالوا: ثم نص على خلافته كتم ، وثم عداوة باطنة لم تظهر ، بسببها منع حقه.
ونحن الآن مقصودنا أن نذكر ما علم وتيقن وتواتر عند العامة والخاصة ، وأما ما يذكر من منقول يدفعه جمهور الناس ، ومن ظنون سوء لا يقوم عليها دليل بل نعلم فسادها ، فالمحتج بذلك ممن يتبع الظن وما تهوى الأنفس ، وهو من جنس الكفار وأهل الباطل ، وهي مقابلة بالأحاديث من الطرق الأخر .
ونحن لم نحتج بالأخبار التي رويت من الطرفين ، فكيف بالظن الذي لا يغني من الحق شيئاً ؟
فالمعلوم المتيقن المتواتر عند العام والخاص أن أبا بكر كان أبعد عن إرادة العلو والفساد من عمر وعثمان وعلي ، فضلاً عن علي وحده ، وأنه كان أولى بإرادة وجه الله تعالى وصلاح المسلمين من الثلاثة )
تعليق
في هذا الموضع الطويل يعيد شيخ الإسلام ما سبق أن قرره كثيراً ، وهو أن الرافضة إذا طعنت في الخلفاء الثلاثة ، فسيطعن الخوارج و النواصب في علي بمثل طعنهم ، فالأولى بالطائفتين أن تلزما منهج أهل السنة والجماعة الذي يحب الخلفاء الأربعة جميعاً ، ويحفظ جهادهم ، ويحمل ما حصل من بعضهم من اجتهادات على المحمل الحسن ، لأنهم قوم قد زكاهم الله وأثنى عليهم .
الموضع التاسع والثلاثون : قال شيخ الإسلام :(3/103)
( وبالجملة فلا بد من كمال حال أبي بكر وعمر وأتباعهما ، فالنقص الذي حصل في خلافة علي ( فلا بد ) من إضافة ذلك : وإما إلى الإمام ، وإما إلى أتباعه ، وإما إلى المجموع .
وعلى كل تقدير فيلزم أن يكون أبو بكر وعمر وأتباعهما أفضل من علي وأتباعه ، فإنه كان سبب الكمال والنقص من الإمام ظهر فضلهما عليه ، وإن كان من أتباعه كان المقرون بإمامتهما أفضل من المقرين بإمامته ، فتكون أهل السنة أفضل من الشيعة ، وذلك يستلزم كونهما أفضل منه ، لأن ما امتاز به الأفضل أفضل مما امتاز به المفضول .
وهذا بين لمن تدبره ، فإن الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم وقاتلوا معهم ، هم أفضل من الذين بايعوا علياً وقاتلوا معه ، فإن أولئك فيهم من عاش بعد النبي صلى الله عليه وسلم ، من السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه .
وعامة السابقين الأولين عاشوا بعد النبي صلى الله عليه وسلم ، إنما توفي منهم أو قتل في حياته قليل منهم .
والذين بايعوا علياً كان فيهم من السابقين والتابعين بإحسان بعض من بايع أبا بكر وعمر وعثمان . وأما سائرهم فمنهم من لم يبايعه ولم يقاتل معه ، كسعد بن أبي وقاص ، وأسامة بن زيد ، وابن عمر ، ومحمد بن مسلمة ، وزيد بن ثابت ، وأبي هريرة ، وأمثال هؤلاء من السابقين ، والذين اتبعوهم بإحسان .
ومنهم من قاتله ، كالذين كانوا مع طلحة والزبير وعائشة ومعاوية من السابقين والتابعين .(3/104)
وإذا كان الذين بايعوا الثلاثة وقاتلوا معهم أفضل من الذين بايعوا علياً وقاتلوا معه ، لزم أن يكون كل من الثلاثة أفضل ، لأن علياً كان موجوداً على عهد الثلاثة ، فلو كان هو المستحق للإمامة دون غيره ، كما تقوله الرافضة ، أو كان أفضل وأحق بها ، كما يقوله من يقوله من الشيعة ، لكان أفضل الخلق قد عدلوا عما أمرهم الله به ورسوله به إلى ما لم يؤمروا به ، بل ما نهو عنه ، وكان الذين بايعوا علياً وقاتلوا معه فعلوا ما أمروا به .
ومعلوم أن من فعل ما أمر الله به ورسوله كان أفضل ممن تركه وفعل ما نهى الله عنه ورسوله ، فلزم لو كان قول الشيعة حقاً أن يكون أتباع علي أفضل . وإذا كانوا هم أفضل وإمامهم أفضل من الثلاثة ، لزم أن يكون ما فعلوه من الخير أفضل مما فعله الثلاثة .
وهذا خلاف المعلوم بالاضطرار ، الذي تواترت به الأخبار ، وعلمته البوادي و الحضار ، فإنه في عهد الثلاثة جرى من ظهور الإسلام وعلوه ، وانتشاره ونموه ، وانتصاره ، وعزه ، وقمع المرتدين ، وقهر الكفار من أهل الكتاب والمجوس وغيرهم – ما لم يجر بعدهم مثله .
وعلي رضي الله عنه فضله الله وشرفه بسوابقه الحميدة وفضائله العديدة ، لا بما جرى في زمن خلافته من الحوادث بخلاف أبي بكر وعمر وعثمان ، فإنهم فضلوا مع السوابق الحميدة والفضائل العديدة ، بما جرى في خلافتهم من الجهاد في سبيل الله ، وإنفاق كنوز كسرى وقصير ، وغير ذلك من الحوادث المشكورة ، والأعمال المبرورة .
وكان أبو بكر وعمر أفضل سيرة وأشرف سريرة من عثمان وعلي رضي الله عنهم أجمعين . فلهذا كانا أبعد عن الملام وأولى بالثناء العام ، حتى لم يقع في زمنهما شيء من الفتن ، فلم يكن للخوارج في زمنهما لا قول مأثور ، ولا سيف مشهور ، بل كان كل سيوف المسلمين مسلولة على الكفار ، وأهل الإيمان في إقبال ، وأهل الكفر في إدبار )
تعليق(3/105)
قد تكرر مثل هذا الموضع ، وهو من زيادة التفصيل لمنهج شيخ الإسلام – الذي عرفناه – في مواجهة شبه الرافضة .
الموضع الأربعون : قال شيخ الإسلام :
( وأيضاً فعلي تعلم من أبي بكر بعض السنة ، وأبو بكر لم يتعلم من علي شيئاً . ومما يبين هذا أن علماء الكوفة الذين صحبوا عمر وعلياً ، كعلقمة والأسود و شريح وغيرهم ، كانوا يرجحون قول عمر على قول علي . وأما تابعوا المدينة ومكة والبصرة ، فهذا عندهم أظهر وأشهر من أن يذكر ، وإنما ظهر علم علي وفقهه في الكوفة بحسب مقامه فيها عندهم مدة خلافته ، وكل شيعة علي الذين صحبوه لا يعرف عن أحد منهم أنه قدمه على أبي بكر وعمر ، لا في فقه ولا علم ولا دين ، بل كل شيعته الذين قاتلوا معه كانوا مع سائر المسلمين متفقين على تقديم أبي بكر وعمر ، إلا من كان ينكر عليه ويذمه ، مع قتلهم وحقارتهم وخمولهم ) .
تعليق
في هذا الموضع يرد شيخ الإسلام على شبهة الرافضة في ادعاء أحقية علي بالخلافة لأنه أعلم من غيره ، فيثبت الشيخ عكس ذلك .
الموضع الحادي والأربعون : قال شيخ الإسلام :
( ومما يبين ذلك أن علياً لم يعرف المستقبلات أنه في ولايته وحروبه في زمن خلافته كان يظن أشياء كثيرة فيتبين له الأمر بخلاف ما ظن ، ولو ظن أنه إذا قاتل معاوية وأصحابه يجري ما جرى لم يقاتلهم ، فإنه كان لو لم يقاتل أعز وانتصر ، وكان أكثر الناس معه ، وأكثر البلاد تحت ولايته ، فلما قاتلهم ضعف أمره ، حتى صار معهم كثير من البلاد التي كانت في طاعته ، مثل مصر واليمن ، وكان الحجاز دولاً.
ولو علم أنه إذا حكم الحكمين يحكمان بما حكما لم يحكمهما . ولو علم أن أحدهما يفعل بالآخر ما فعل حتى يعزلاه ، لم يول من يوافق على عزله ، ولا من خذله الحكم الآخر ) .
تعليق(3/106)
في هذا الموضع يرد شيخ الإسلام على غلو الرافضة في ادعائهم أن علياً يعلم المستقبلات ؟ ويوضح لهؤلاء الجهلة خطأ ذلك من خلال ما ثبت تاريخياً عنه – رضي الله عنه - .
الموضع الثاني والأربعون : قال شيخ الإسلام :
( وأما الطريق النظرية فقد ذكر من ذكره من العلماء ، فقالوا : عثمان كان أعلم بالقرآن ، وعلي أعلم بالسنة ، وعثمان أعظم جهاداً بماله ، وعلي أعظم جهاداً بنفسه ، وعثمان أزهد في الرياسة ، وعلي أزهد في المال ، وعثمان أورع عن الدماء ، وعلي أورع عن الأموال ، وعثمان حصل له من جهاد نفسه حيث صبر عن القتال ولم يقاتل ما لم يحصل مثله لعلي .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : " المجاهد من جاهد نفسه في ذات الله " .
وسيرة عثمان في الولاية كانت أكمل من سيرة علي ، فقالوا : فثبت أن عثمان أفضل ، لأن القرآن أعظم من علم السنة .
وفي صحيح مسلم – وغيره – أنه قال : " يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله ، فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة " .
وعثمان جمع القرآن كله بلا ريب ، وكان أحياناً يقرؤه في ركعة . وعلي قد اختلف فيه : هل حفظ القرآن كله أم لا ؟
والجهاد بالمال مقدم على الجهاد بالنفس ، كما في قوله تعالى : ( وجهدوا بأمولكم وأنفسكم في سبيل الله ذلكم ) الآية ، وقوله : ( الذين ءامنوا وهاجروا وجهدوا في سبيل الله بأمولهم وأنفسهم ) الآية ، وقوله : ( إن الذين ءامنوا وهاجروا وجهدوا بأمولهم وأنفسهم في سبيل الله والذين ءاووا ونصروا أولئك بعضهم أوليآء بعض ) .
وذلك لأن الناس يقاتلون دون أموالهم ، فإن المجاهد بالمال قد أخرج ماله حقيقة لله ، والمجاهد بنفسه لله يرجو النجاة ، لا يوافق أنه يقتل في الجهاد . ولهذا أكثر القادرين على القتال يهون على أحدهم أن يقاتل ، ولا يهون عليه إخراج ماله ، ومعلوم أنهم كلهم جاهدوا بأموالهم وأنفسهم ، لكن منهم من كان جهاده بالمال أعظم، ومنهم من كان جهاده بالنفس أعظم .(3/107)
وأيضاً فعثمان له من الجهاد بنفسه بالتدبير في الفتوح ما لم يحصل مثله لعلي ، وله من الهجرة إلى أرض الحبشة ما لم يحصل مثله لعلي ، وله من الذهاب إلى مكة يوم صلح الحديبية ما لم يحصل مثله لعلي ، وإنما بايع النبي صلى الله عليه وسلم بيعة الرضوان لما بلغه أن المشركين قتلوا عثمان ، وبايع بإحدى يديه عن عثمان، وهذا من أعظم الفضل ، حيث بايع عنه النبي صلى الله عليه وسلم .
وأما الزهد والورع في الرياسة والمال ، فلا ريب أن عثمان تولى ثنتى عشرة سنة ، ثم قصد الخارجون عليه قتله ، وحصروه وهو خليفة الأرض ، والمسلمون كلهم رعيته ، وهو مع هذا لم يقتل مسلماً ، ولا دفع عن نفسه بقتال ، بل صبر حتى قتل .
لكنه في الأموال كان يعطي لأقاربه من العطاء ما لا يعطيه لغيرهم ، وحصل منه نوع توسع في الأموال ، وهو رضي الله عنه ما فعله إلا متأولاً فيه ، له اجتهاد وافقه عليه جماعة من الفقهاء ، منهم من يقول : إن ما أعطاه الله للنبي من الخمس والفيء هو لمن يتولى الأمر بعده ، كما هو قول أبي ثور وغيره ، ومنهم من يقول : ذوو القربى المذكورون في القرآن هم ذوو قربى الإمام . ومنهم من يقول : الإمام العامل على الصدقات يأخذ منها مع الغنى . وهذه كانت مأخذ عثمان رضي الله عنه ، كما هو منقول عنه . فما فعله هو نوع تأويل يراه طائفة من العلماء .
وعلي رضي الله عنه لم يخص أحداً من أقاربه بعطاء ، ولكن ابتداء بالقتال لمن لم يكن مبتدئاً له بالقتال ، حتى قتل بينهم ألوف مؤلفة من المسلمين ، وإن كان ما فعله هو متأول فيه تأويلات وافقه عليه طائفة من العلماء . وقالوا : أن هؤلاء بغاة ، والله تعالى أمر بقتال البغاة بقوله : ( فقتلوا التي تبغي ) .
تعليق(3/108)
في هذا الموضع يرد الشيخ على مزاعم الرافضة وطعونهم في عثمان رضي الله عنه وأنه قد حصلت منه أمور استوجبت عدم أحقيته بالخلافة ، فبين لهم الشيخ أن ما اتهمتموه به فقد حدث أعظم منه – على رأيكم – من علي – رضي الله عنه - ، فلماذا لا تتهمونه أيضاً ؟
وفي هذا إسكات للرافضة عن قول الإثم .
الموضع الثالث والأربعون : قال شيخ الإسلام :
( ما ذكره من فضائله التي هي عند الله فضائل ، فهي حق . لكن للثلاثة ما هو أكمل منها .
وأما ما ذكره من الفضيلة بالقرابة ، فعنه أجوبة :
أحدها : أن هذا ليس هو عند الله فضيلة ، فلا عبرة به ، فإن العباس أقرب منه نسباً ، وحمزة من السابقين الأولين من المهاجرين ، وقد روي أنه " سيد الشهداء " وهو أقرب نسباً منه.
وللنبي صلى الله عليه وسلم من بني العم عدد كثير ، كجعفر ، وعقيل ، و عبدالله ، وعبيد الله ، والفضل ، وغيرهم من بني العباس، وكربيعة ، وأبي سفيان بن الحارث بن عبدالمطلب .
وليس هؤلاء أفضل من أهل بدر ، ولا من أهل بيعة الرضوان ، ولا من السابقين الأولين ، إلا من تقدم بسابقته ، كحمزة وجعفر ، فإن هذين – رضي الله عنهما – من السابقين الأولين . وكذلك عبيدة بن الحارث الذي استشهد يوم بدر .
وحينئذ فما ذكره من فضائل فاطمة والحسن والحسين لا حجة فيه ، مع أن هؤلاء لهم من الفضائل الصحيحة ما لم يذكره هذا المصنف ، ولكن ذكر ما هو كذب ، كالحديث الذي رواه أخطب خوارزم : أنه لما تزوج علي بفاطمة زوجه الله إياها من فوق سبع سموات ، وكان الخاطب جبريل ، وكان إسرافيل و ميكائيل في سبعين ألفاً من الملائكة شهوداً .
وهذا الحديث كذب موضوع باتفاق أهل المعرفة بالحديث .
وكذلك الحديث الذي ذكره عن حذيفة .(3/109)
الثاني : إن يقال إن كان إيمان الأقارب فضيلة ، فأبو بكر متقدم في هذه الفضيلة . فإن أباه آمن بالنبي صلى الله عليه وسلم باتفاق الناس ، وأبو طالب لم يؤمن . وكذلك أمه آمنت بالنبي صلى الله عليه وسلم ، وأولاده ، وأولاد أولاده ، وليس هذا لأحد من الصحابة غيره . فليس في أقارب أبي بكر – ذرية أبي قحافة – لا من الرجال ولا من النساء إلا من قد آمن بالنبي صلى الله عليه وسلم .
وقد تزوج النبي صلى الله عليه وسلم بنته ، وكانت أحب أزوجه إليه . وهذا أمر لم يشركه فيه أحد من الصحابة إلا عمر ، ولكن لم تكن حفصة ابنته بمنزلة عائشة ، بل حفصة طلقها ثم راجعها ، وعائشة كان يقسم لها ليلتين ، لما وهبتها سودة ليلتها .
ومصاهرة أبي بكر للنبي صلى الله عليه وسلم كانت على وجه لا يشاركه في أحد ، وأما مصاهرة علي فقد شركه فيها عثمان ، وزوجه النبي صلى الله عليه وسلم بنتاً بعد بنت ، وقال : " لو كان عندنا ثالثة لزوجناها عثمان " ولهذا سمي ذو النورين : زوجه النبي صلى الله عليه وسلم أكبر بناته زينب وحمد ومصاهرته ) .
تعليق
في هذا الموضع يرد شيخ الإسلام على زعم الرافضة بأن علياً أحق بالخلافة لأنه قريب للنبي صلى الله عليه وسلم فبين لهم أن هذا ثابت لغيره من الصحابة فلماذا لا تدعون ذلك فيهم ؟
الموضع الرابع والأربعون : قال شيخ الإسلام :
( وأما كون صبي من الصبيان قبل النبوة سجد لصنم أو لم يسجد ؟ فهو لم يعرف . فلا يمكن الجزم بأن علياً أو الزبير ونحوهما لم يسجدوا لصنم ، كما أنه ليس معنا نقل بثبوت ذلك ، بل ولا معنا نقل معين عن أحد من الثلاثة أنه سجد لصنم . بل هذا يقال لأن من عادة قريش قبل الإسلام أن يسجدوا للأصنام ، وحينئذ فهذا ممكن في الصبيان ، كما هو العادة في مثل ذلك ) .
تعليق(3/110)
يرد شيخ الإسلام في هذا الموضع على زعم الرافضة بأن علياً أفضل من الثلاثة لأنه لم يسجد لصنم فبين لهم الشيخ بأن هذا لم يثبت بطريق صحيح ، كما أنه لم يثبت أن أحداً من الخلفاء الثلاثة سجد لصنم ، فلماذا التفضيل بالكذب ؟
الموضع الخامس والأربعون : قال شيخ الإسلام :
( الذين أنكروا على علي وقاتلوه أكثر بكثير من الذين أنكروا على عثمان وقتلوه ، فإن علياً قاتله بقدر الذين قتلوا عثمان أضعافاً مضاعفة ، وقطعه كثير من عسكره : خرجوا عليه وكفروه ، وقالوا : أنت ارتددت عن الإسلام ، لا نرجع إلى طاعتك حتى تعود إلى الإسلام .
ثم إن أحداً من هؤلاء قتله قتل مستحل لقتله ، متقرب إلى الله بقتله ، معتقداً فيه أقبح مما اعتقده قتله عثمان فيه .
فإن الذين خرجوا على عثمان لم يكونوا مظهرين لكفره ، وإنما كانوا يدعون الظلم ، وأما الخوارج لكانوا يجهرون بكفر علي ، وهم أكثر من السرية التي قدمت المدينة لحصار عثمان حتى قتل .
فإن كان هذا حجة في القدح في عثمان ، كان ذلك حجة في القدح في علي بطريق الأولى . والتحقيق أن كليهما حجة باطلة ، لكن القادح في عثمان بمن قتله أدحض حجة من القادح في علي بمن قاتله ، فإن المخالفين لعلي المقاتلين له كانوا أضعاف المقاتلين لعثمان ، بل الذين قاتلوا علياً كانوا أفضل بإتفاق المسلمين من الذين حاصروا عثمان وقتلوه ، وكان في المقاتلين لعلي أهل زهد وعبادة ، ولم يكن قتله عثمان لا في الديانة ولا في إظهار تكفيره مثلهم . ومع هذا فعلي خليفة راشد ، والذين استحلوا دمه ظالمون معتدون ، فعثمان أولى بذلك من علي ) .
تعليق
في هذا الموضع يدافع شيخ الإسلام عن عثمان – رضي الله عنه – ويبين فضله على علي كما هو منهج أهل السنة ، لا كما تدعي الرافضة .
الموضع السادس والأربعون : قال شيخ الإسلام :(3/111)
( وأما مناقب علي التي في الصحاح فأصحها قوله يوم خيبر : " لأعطين الراية رجلاً يحب الله ورسوله ، ويحبه الله ورسوله " . وقوله في عزوة تبوك : " ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي " . ومنها دخوله لي المباهلة وفي الكساء ، ومنها قوله : " أنت مني وأنا منك " . وليس في شيء من ذلك خصائص .
وحديث " لا يحبني إلا مؤمن ولا يبغضني إلا منافق " ومنها ما تقدم من حديث الشورى ، وإخبار عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم توفي وهو راض عن عثمان وعلي وطلحة والزبير وسعد و عبدالرحمن .
فمجموع ما في الصحيح لعلي نحو عشرة أحاديث ، ليس فيها ما يختص به . ولأبي بكر في الصحاح نحو عشرين حديثاً أكثرها خصائص .
وقول من قال : صح لعلي من الفضائل ما لم يصح لغيره ، كذلك لا يقوله أحمد ولا غيره من أئمة الحديث ، لكن قد يقال : روي له ما لم يرو لغيره ، لكن أكثر ذلك من نقل من علم كذبه أو خطؤه . ودليل واحد صحيح المقدمات سليم عن المعارضة ، خير من عشرين دليلاً مقدماتها ضعيفة ، بل باطلة ، وهي معارضة بأصح منها يدل على نقيضها .
والمقصود هنا بيان اختصاصه في الصحبة الإيمانية بما لم يشركه مخلوق ، لا في قدرها ولا في صفتها ولا في نفعها ، فإن لو أحصى الزمان الذي كان يجتمع في أبو بكر بالنبي صلى الله عليه وسلم ، والزمان الذي كان يجتمع به فيه عثمان أو علي أو غيرهما من الصحابة ، لوجد ما يختص به أبو بكر أضعاف ما اختص به واحد منهم ، لا أقول ضعفه .
وأما المشترك بينهم فلا يختص به واحد .
وأما كمال معرفته ومحبته للنبي صلى الله عليه وسلم وتصديقه له ، فهو مبرز في ذلك على سائرهم تبريزاً باينهم فيه مباينة لا تخفى من كان له معرفة بأحوال القوم ، ومن لا معرفة له بذلك لم تقبل شهادته .
وأما نفعه للنبي صلى الله عليه وسلم ومعاونته له على الدين فكذلك .(3/112)
فهذه الأمور التي هي مقاصد الصحبة ومحامدها ، التي بها يستحق الصحابة أن يفضلوا بها على غيرهم ، لأبي بكر فيها من الاختصاص بقدرها ونوعها وصفتها وفائدتها ما لا يشركه فيه أحد.
ويدل على ذلك ما رواه البخاري عن أبي الدرداء ، قال كنت جالساً عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ أقبل أبو بكر آخذاً بطرف ثوبه حتى أبدى عن ركبتيه ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( أما صاحبكم فقد غامر فسلم ) . وقال : إن كان بيني وبين ابن الخطاب شيء ، فأسرعت إليه ، ثم ندمت ، فسألته أن يغفر لي ، فأبى علي ، فأقبلت إليك ، فقال : ( يغفر الله لك يا أبا بكر ) ثلاثاً . ثم إن عمر ندم فأتى منزل أبي بكر ، فسأل : أثم أبو بكر ؟ قالوا : لا 0فأتى النبي صلى الله عليه وسلم ، فجعل وجه النبي صلى الله عليه وسلم يتمعر ، حتى أشفق أبو بكر ن فجثا على ركبتيه ، وقال : يا رسول الله ، والله أنا كنت أظلم . مرتين .فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" إن الله بعثني إليكم فقلتم : كذبت . وقال أبو بكر : صدق . وواساني بنفسه وماله ، فهل أنتم تاركوا لي صاحبي " مرتين . فما أوذي بعدها ) .
تعليق
في هذا الموضع يبين شيخ الإسلام فضل أبي بكر على غيره من الصحابة – ومنهم علي - ، وأن له من الفضائل ما لم يشركه فيها أحد ، بخلاف علي ، وقد مر مثل هذا .
الموضع السابع والأربعون : قال شيخ الإسلام :
( قوله : ( وما لأحد عنده من نعمة تجزى ) وهذه لأبي بكر ودون علي ، لأن أبا بكر كان للنبي صلى الله عليه وسلم عنده نعمة الإيمان أن هداه الله به ، وتلك النعمة لا يجزى بها الخلق ، بل أجر الرسول فيها على الله ، كما قال تعالى : ( قل ما أسألكم عليه من أجر ومآ أنا من المتكلفين ) ، وقال ( قل ما سألتكم من أجر فهو لكم إن أجرى إلا على الله ) .(3/113)
وأما النعمة التي يجزى بها الخلق فهي نعمة الدنيا ، وأبو بكر لم تكن للنبي صلى الله عليه وسلم عنده نعمة الدنيا ، بل نعمة دين ، بخلاف علي ، فإنه كان للنبي صلى الله عليه وسلم عنده نعمة دنيا يمكن أن تجزى .
الثالث : أن الصديق لم يكن بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم سبب يواليه لأجله ، ويخرج ماله ، إلا الإيمان ، ولم ينصره كما نصره أبو طالب لأجل القرابة ، وكان كاملاً في إخلاصه لله تعالى ، كما قال : ( إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى ( 20 ) ولسوف يرضى ) .
وكذلك خديجة كانت زوجته ، والزوجة قد تنفق ما لها على زوجها ، وإن كان دون النبي صلى الله عليه وسلم .
وعلي لو قدر أنه أتفق ، لكان على قريبه ، وهذه أسباب قد يضاف الفعل إليها بخلاف إنفاق أبي بكر ، فإنه لم يكن له سبب إلا الإيمان بالله وحده ، فكان من أحق المتقين بتحقيق قوله : ( إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى ) .
تعليق
يرد شيخ الإسلام في هذا الموضع على زعم الرافضي بأن آية ( وسيجنبها الأتقى ).. الآية لم تنزل في أبي بكر ، ثم وضح أن أبا بكر – رضي الله عنه – له من بذل المال في سبيل الدعوة ما ليس لعلي – رضي الله عنه - ، وقد مر مثل هذا الموضع .
الموضع الثامن والأربعون : قال شيخ الإسلام :
( وأما قتال علي بيده ، فقد شاركه في ذلك سائر الصحابة الذين قاتلوا يوم بدر ، ولم يعرف أن علياً قاتل أكثر من جميع الصحابة يوم بدر ولا أحد ولا غير ذلك .
ففضيلة الصديق مختصة به لم يشركه فيها غيره ، وفضيلة علي مشتركة بينه وبين سائر الصحابة ، رضي الله عنهم أجمعين ) .
تعليق
يقرر شيخ الإسلام هنا ما قرره في مواضع عديدة أن فضائل علي –رضي الله عنه - مشتركة بينه وبين الصحابة ، بخلاف أبي بكر – رضي الله عنه - ، فإذا قلتم بأحقية إنسان في الخلافة لتفرده في الفضائل فليس إلا أبو بكر ، وهذا ما لم تقولوا به ، فظهر تناقضكم وكذبكم .
*****************(3/114)
أحاديث أطيط العرش من ثقل الله (زعموا) ؟
سلوا الله الفردوس؛فإنها سرة الجنة، وإن أهل الفردوس يسمعون أطيط العرش. قال الألباني «ضعيف» (سلسلة الضعيفة3705).
ويحك لا يستشفع بالله على أحد من خلقه، شأن الله أعظم من ذلك، ويحك تدري ما الله عز وجل ؟ إن عرشه على سماواته وأرضيه هكذا – وقال بأصبعه مثل القبة – وإنه ليئط به أطيط الرحل بالراكب. قال الألباني (سلسلة الضعيفة2639).
أن كرسيه وسع السماوات والأرض، و إنه يقعد عليه، ما يفضل منه مقدار أربع أصابع-ثم قال بأصابعه فجمعها - و إن له أطيطا كأطيط الرحل الجديد إذا ركب من ثقله. قال الألباني « منكر» (سلسلة الضعيفة866).
ويحك أتدري ما تقول ؟ وسبح رسول الله، فما زال يسبح حتى عرف ذلك في وجوه أصحابه، ثم قال: ويحك ! إنه لا يستشفع بالله على أحد من خلقه، شأن الله أعظم من ذلك، ويحك ! أتدري ما الله ؟ إن الله فوق عرشه، وعرشه فوق سمواته، وقال بأصابعه ! مثل القبة ( عليه)، وإنه ليئط به أطيط الرحل بالراكب. قال الألباني (ضعيف) (شرح الطحاوية ص311).
أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم أعرابي فقال يا رسول الله جهدت الأنفس وضاعت العيال ونهكت الأموال وهلكت الأنعام فاستسق الله لنا فإنا نستشفع بك على الله ونستشفع بالله عليك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ويحك أتدري ما تقول وسبح رسول الله صلى الله عليه وسلم فما زال يسبح حتى عرف ذلك في وجوه أصحابه ثم قال ويحك إنه لا يستشفع بالله على أحد من خلقه شأن الله أعظم من ذلك ويحك أتدري ما الله إن عرشه على سماواته لهكذا وقال بأصابعه مثل القبة عليه وإنه ليئط به أطيط الرحل بالراكب. قال الألباني (ضعيف) (ضعيف أبي داود1017).
ويحك ! إنه لا يستشفع بالله على أحد من خلقه، إن شان الله أعظم من ذلك، ويحك ! أتدري ما الله ؟ إن الله فوق عرشه، و عرشه على سمواته و أرضه مثل القبة، و إنه ليئط به أطيط الرحل بالراكب. قال الألباني « ضعيف» (ضعيف(4/1)
الجامع6137).
سلوا الله الفردوس، فإنها سرة الجنة، و إن أهل الفردوس يسمعون أطيط العرش. قال الألباني (ضعيف الجامع3273).
إن أهل الفردوس يسمعون أطيط العرش. قال الألباني « ضعيف» (ضعيف الجامع1837).
إن امرأة أتت النبي فقالت: ادع الله أن يدخلني الجنة فقال: فعظم الرب تبارك و تعالى و قال: إن عرشه فوق سبع سموات و إن به لأطيطا كأطيط الرجل الحديد إذا ركب من ثقله. قال الألباني «ضعيف» (كتاب السنة لابن أبي عاصم ح رقم574).
أتى رسول الله أعرابي فقال: يا رسول الله جهدت الأنفس و ضاع العيال و نهكت الأبدان و هلكت الأموال فاستسق الله لنا فإنا نستشفع بك على الله تبارك و تعالى و نستشفع بالله عليك قال قال رسول الله: ويحك تدري ما تقول فسبح رسول الله فما زال يسبح حتى عرف ذلك في وجوه أصحابه فقال: ويحك لا تستشفع بالله على أحد من خلقه فإن شأن الله أعظم من ذلك ويحك تدري ما الله إن عرشه على سمواته و أرضيه لهكذا مثل القبة و إنه ليأط أطيط الرجل بالراكب. قال الألباني «ضعيف» (كتاب السنة ح رقم575).
أتى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أعرابي، فقال: وجهدت الأنفس، وجاع العيال، ونهكت الأموال، وهلكت الأنعام؛ فاستسق الله لنا؛ فإنا نستشفع بالله عليك! فقال النبي –صلى الله عليه وسلم- سبحان الله! سبحان الله!، فما زال يسبح حتى عرف ذلك في وجوه أصحابه، ثم قال: ويحك! إنه لا يستشفع بالله على أحد، شأن الله أعظم من ذلك، ويحك! أتدري ما الله؟! إن عرشه على سماواته لهكذا- وقال بأصابعه مثل القبة عليه-؛ وإنه ليئط به أطيط الرحل بالراكب. قال الألباني « ضعيف ولا يصح في الأطيط حديث (مشكاة المصابيح5660)(4/2)
أخذك(وفي رواية ألبسك) شيطانك يا عائشة؟
قلت: فيه سعيد بن محمد بن إبراهيم التيمي. أما أبوه محمد فثقة غير أن ابن أبي حاتم والدارقطني ذكرا بأنه لم يسمع من عائشة (العلل5/الورقة99). وأما ابنه (سعيد) فقد حكى يعقوب بن سفيان أن روايته عن أهل الكوفة ليست بشيء. (المعرفة والتاريخ1/426).
وذكر الحافظ في التلخيص الحبير 1/121 أن في الحديث أيضا فرج بن فضالة وهو ضعيف.
وفي صحيح مسلم (لقد جاءك شيطانك يا عائشة) حين أصابتها الغيرة. فقالت: أمعي شيطان؟ قال نعم. قلت: ومعك يا رسول الله؟ قال نعم. ولكن الله أعانني عليه حتى أسلم« وسياق الحديث يأبى الطعن بعائشة فإنها قالت: أمعي شيطان يا رسول الله؟ فقال نعم. قالت: ومع كل إنسان؟ قال نعم. قالت ومعك يا رسول الله؟ فقال نعم ولكن الله أعانني عليه فأسلم. (2815). فمناسبة الحديث الغيرة عليه e. وليس تعمد إيذائه كما يكذب التيجاني.(5/1)
إذا أضل أحدكم شيئا أو أراد عونا وهو بأرض ليس بها أنيس ؟
فليقل يا عباد الله أعينوني ثلاثا فإن لله عبادا لا يراهم. وقد جرب ذلك كذا في الأصل ولم أعرف تعيين قائله ولعله مصنف المعجم» (فيض القدير1/307).
قلت: فيه عبد الرحمن بن شريك وهو ابن عبد الله القاضي وأبوه كلاهما ضعيف. قال الحافظ في الأول «صدوق يخطئ» وفي الثاني « صدوق يخطئ كثيرا». ورواه الهيثمي ثم أشار إلى ضعف بعض رواته (مجمع الزوائد10/132).
وفيه انقطاع بين عتبة وابن علي.
وعلى فرض صحته فهو منطبق على الجن أو الملائكة الذين لا نراهم عادة. وقد جاء في آخر تعيين أنهم طائفة من الملائكة. أخرجه البزار عن ابن عباس بلفظ « إن لله تعالى ملائكة في الأرض سوى الحفظة يكتبون ما يتساقط من ورق الشجر. فإذا أصابت أحدكم عرجة بأرض فلاة فليناد: يا عباد الله أعينوني» (قال الحافظ كما في شرح ابن علان (5/151) « هذا حديث حسن الإسناد غريب جدا، أخرجه البزار وقال: لا نعلم يروى عن النبي e بهذا اللفظ إلا من هذا الوجه. وحسنه السخاوي في الابتهاج وقال الهيثمي « رجاله ثقات» غير أن البيهقي رواه في الشعب موقوفا. والشيخ الألباني حسن الرواية غير أنه أوقفها على ابن عباس. (أنظر سلسلة الأحاديث الضعيفة2/108 ح رقم (655).
وأما قوله والنووي والبيهقي « إنه جربه هو وبعض أكابر مشايخه» فالسنة لا تثبت بالتجربة وإنما بالسند.(6/1)
إذا انفلتت دابة أحدكم بأرض فلاة : فليناد : يا عباد الله احبسوا . فإن لله حاضراً في الأرض سيحبسه ".
رواه أبو يعلى والطبراني . وفيه معروف بن حسان: وهو ضعيف. قال أبو حاتم في (الجرح والتعديل 8/323) " ضعيف!" وقال ابن عدي في ( الكامل 6 / 325 ) " منكر الحديث " . وقال الهيثمي في (مجمع الزوائد 10/132) " فيه معروف بن حسان وهو ضعيف " . وقال الشيخ محمد بن درويش الحوت في ( أسنى المطالب ص 62 ) " معروف بن حسان منكر الحديث " .
وفيه سعيد بن أبي عروبة : اختلط ، قال النسائي : من سمع منه بعد الاختلاط فليس بشيء . ومعروف بن حسان من الصغار ولم يسمع منه قبل الاختلاط إلا الكبار . وكان بدأ اختلاطه سنة 132 واستحكم سنة 148 أفاده البزار، ثم إن سعيداً مدلس كثير التدليس، وقد روى هذا الحديث معنعناً عن أبي بريدة فلا يقبل .
وروى ابن أبي شيبة في المصنف ( 10/424 ) : ثنا يزيد بن هارون قال أخبرنا محمد بن إسحاق عن أبان بن صالح أن رسول الله e قال .. " فذكره. وهذا إسناد معضل فيه محمد بن إسحاق وهو مدلس مشهور.
قال الحافظ ابن حجر « في السند انقطاع بين ابن بريدة وابن مسعود» (5/105-151).(7/1)
إذا رأيتم معاوية على منبري فاقتلوه ؟
موضوع. فيه أبو سعيد عباد بن يعقوب الأسدي الكوفي. وهو مختلق رواية أن عبد الله بن مسعود قرأ قوله تعالى هكذا « وكفى الله المؤمنين القتال بعلي» (ميزان الاعتدال2/380). وقال بأن « إسناده مظلم» (سير أعلام النبلاء3/149).
وفي لسان الميزان (2/247) والتاريخ للخطيب (1/259) « رجال إسناده ما بين محمد بن إسحاق وأبي الزبير كلهم مجهولون».
ما بال الشيعة يحتجون بهذا الحديث وقد بايع الحسن معاوية وسلمه ذاك المنصب الإلهي؟
هل قال الرسول إذا لقيتم معاوية فاقتلوه أو قال فبايعوه؟(8/1)
إذا قرأتم الحمد لله فاقرءوا بسم الله الرحمن الرحيم ؟
إنها أم القرآن وأم الكتاب والسبع المثاني وبسم الله الرحمن الرحيم إحداها
هذا حديث صحيح كما نص عليه شيخنا الألباني (سلسلة الأحاديث1183 وصحيح الجامع رقم729) وهو يدل على أن البسملة جزء من الفاتحة دون غيرها.
ويدعي الروافض أن عندهم نفس القرآن الذي عندنا. ولو فتحنا معهم البسملة من كل سورة لوجدنا أن البسملة ليست آية من القرآن. فيلزمهم أن هذا الذي بأيدينا محرف.
بينما يصرحون بانعقاد إجماعهم على أن البسملة جزء من القرآن (البيان في تفسير القرآن ص516 للخوئي جواهر الكلام10/24 للجواهري)
وكل علماء الشيعة يقولون بأن « البسملة جزء من كل سورة فيجب قراءتها ما عدا سورة براءتها (كتاب الصلاة3/352 و538 ومنهاج الصالحين1/163 تحرير الوسيلة1/165 للخميني، هداية العباد1/151 للكلبايكاني، منهاج الصاالحين1/177 والمسائل المنتخبة ص 106 كلاهما لمحمد الروحاني، العروة الوثقى1/646 و2/502 و6/174).
ونقل المجلسي عن الشهيد في الذكرى الإجماع الشيعي على أن البسملة (بحار الأنوار82/21).
بل وبأن هذا مما تواتر عن أهل البيت عليهم السلام كما قال الخوئي (البيان في تفسير القرآن ص446 تفسير الحمد ص141 لمحمد باقر الحكيم). وصرح الخوئي بأن المخالف لذلك ليس إلا سوى شرذمة من الناس (البيان في تفسير القرآن ص446).
وصرح المحقق البحراني أن البسملة آية من كل سورة تجب قراءتها مع كل سورة (الحدائق الناضرة8/107).(9/1)
إذا مات أحد من إخوانكم فسويتم عليه التراب ؟
ضعفه العراقي (تخريج الإحياء4/492) كذلك قال النووي في (المجموع5/406) وقال الهيثمي «فيه من لم أعرفه» (مجمع الزوائد2/324) بل قال في موضع آخر (3/45) « في إسناده جماعة لم أعرفهم» فهذا يدل على أن في السند مجاهيل.
وقال الحافظ «إسناده صالح» (التلخيص الحبير2/135) مع أنه روى عن الأثرم عن أحمد أنه لا يعرف من سنة النبي شيئا من هذا الفعل. ثم ذكر له علة في (خلاصة البدر المنير1/274) وهو جهالة سعيد بن عبد الله.(10/1)
إذا مات أحدكم فلا تحبسوه وأسرعوا به إلى قبره (مقالات الحبشي174) ؟
وليقرأ ثم رأسه بفاتحة الكتاب وعند رجليه بخاتمة البقرة في قبره.
قال الحافظ « رواه الطبراني بإسناد حسن» (فتح الباري3/184) والتلخيص الحبير (2/135). وهذا من تساهل الحافظ رحمه الله. فالحديث ضعيف وفيه :
1 - يحيى بن عبد الله الضحاك البابلتي وهو ضعيف باعتراف الحافظ نفسه كما في التقريب (7585) وضعفه ابن عدي قائلا « والضعف على حديثه بين» (الكامل في الضعفاء2151) وقال ابن حبان «ساقط الاحتجاج» (الضعفاء والمتروكون لابن الجوزي ت رقم3736) وفي الكشف الحثيث (ت رقم837) « يروي عن الثقات المعضلات ويهم فيها» وقال الأزدي «متروك». والدليل على تساهل الحافظ أنه لم يفرق فيما إذا كانت الرواية هذه مرفوعة أو موقوفة بينما فرق البيهقي قائلا بأن بأنه موقوف عليه » يعني على عبد الله بن عمر (شعب الإيمان7/16).
وقد ضعفه الهيثمي في مجمع الزوائد (3/44) وقال بأن فيه البابلتي وتهو ضعيف.(11/1)
أرحم أمتي بأمتي أبو بكر وأرفق أمتي لأمتي عمر وأصدق أمتي حياء عثمان وأقضى أمتي علي بن أبي طالب ؟
الحديث ضعيف (أنظر ضعيف الجامع الصغير رقم775 للألباني).(12/1)
أرسل ملك الموت إلى موسى فلما جاءه صكه (لطمه) ففقأ عينه ؟
رواه مسلم في الفضائل (2372) وقد استنكره الروافض مع أنه مروي في كتبهم كما في لآلئ الأخبار للتويسركاني ص91 والأنوار النعمانية4/205 واستدل به الكاشاني قائلا « أن الطباع البشرية مجبولة على كراهة الموت مطبوعة عن النفور منه،وقصة آدم uمع طول عمره وإمداد أيام حياته مع داود مشهورة ، وكذلك حكاية موسى مع ملك الموت» (المحجة البيضاء4/209).
يقول الرافضة: هذا لا يليق بنبي أن يغضب فيبطش بطش الجبارين.
ولكن القرآن يثبت لموسى أنه لطم رجلا فقتله ثم قال (إن هذا من عمل الشيطان). فهل يحكي القرآن خرافة لا تليق بالأنبياء؟(13/1)
أرضعيه تحرمي عليه ؟
على كل حال رضاع الكبير مشروع عند القوم حتى إرضاع الذكور للذكور والذين لا يخرج منهم الحليب عادة.
ألم تقولوا بأن أبا طالب كان يرضع النبي.
ألم تقولوا بأن النبي كان يعطي أصبعه للحسين فيمصه الحسين ويخرج منه حليب مشبع يكفيه يومه كله؟؟؟
اقرءوا هذه الروايات إن شئتم:
- عن أبي عبد الله قال » لم يرضع الحسين من فاطمة عليها السلام ولا من أنثى. كان يؤتى به النبي e فيضع إبهامه في فيه. فيمص منها ما يكفيه اليومين والثلاث« (الكافي 1/386 كتاب الحجة. باب مولد الحسين بن علي).
- عن أبي عبد الله قال » لما ولد النبي e مكث أياما ليس له لبن. فألقاه أبو طالب على ثدي نفسه. فأنزل الله فيه لبنا فرضع منه أياما حتى وقع أبو طالب على حليمة السعدية فدفعه إليها« (الكافي 1/373 كتاب الحجة. باب مولد النبي e ووفاته).
- عن أبي الحسن أن النبي e كان يؤتى به الحسين فيلقمه لسانه فيمصه فيجتزئ به. ولم يرتضع من أنثى« (الكافي 1/387 كتاب الحجة. باب مولد الحسين).
جاء في صحيح ابن حبان (10/27) أن امرأة أبي حذيفة قالت عندما نزل قوله تعالى في حق أولاد التبني (أدعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله) « كنا نرى سالما ولدا» (رواه البخاري وانظر الاصابة3/15) وفي رواية « بلغ ما بلغ الرجال وعلم ما علم الرجال» وفي رواية « عقل ما يعقل الرجال» (رواه مسلم) أي أنه كان حدثا وإن ورد في مسلم أن لحيته نبتت فهذا يقع لصغار وحتى قبل بلوغهم أو عند بداية بلوغهم.
قال أبو عمر « صفة رضاع الكبير أن يحلب له اللبن ويسقاه فأما أن تلقمه المرأة ثديها فلا ينبغي ثم أحد من العلماء، وهذا ما رجحه القاضي والنووي» (شرح الزرقاني3/316).
فإن قيل إنه ورد أنه رجل كبير نقول هذا وصف نسبي بالنسبة لما يعرف عن الرضاع بأنه عادة لا يكون إلا للصغير.
فإن أبيتم روينا لكم ما رواه ابن سعد في طبقاته عن محمد بن عبد الله ابن أخي الزهري عن أبيه قال كانت(14/1)
سهلة تحلب في مسعط أو إناء قدر رضعته فيشربه سالم في كل يوم حتى مضت خمسة أيام فكان بعد ذلك يدخل عليها وهي حاسر رخصة من رسول الله صلى الله عليه وسلم لسهلة» (الطبقات الكبرى8/271 الإصابة لابن حجر7/716).
أيهما أعظم: رضاعة أم إعارة فرج لبضعة أيام أو ساعات؟
النبي هو الذي قال: أرضعيه تحرمي عليه.
النص لم يصرح بأن الإرضاع كان بملامسة الثدي.
سياق الحديث متعلق بالحرج من الدخول على بيت أبي حذيفة فكيف يرضى بالرضاع المباشر بزعمكم؟
أو نسي هؤلاء أن النبي حرم المصافحة؟ فكيف يجيز لمس الثدي بينما يحرم لمس اليد لليد؟
الحجة لا تقوم على الخصم بما فهمه خصمه وإنما تقوم بنص صريح يكون هو الحجة.
هل الطفل الذي يشرب الحليب من غير رضعه من الثدي مباشرة يثبت له حكم الرضاعة أم لا؟
ماذا عن رضاع الصغير للخميني، بالطبع الخميني لم يكن يتكلم عن رضاع الطفلة الصغيرة ولكن مفاخذتها وضمها وتقبيلها جنسيا. وهذا من عجائب الشيعة الذين ينظرون بدقة بالغة في نصوصنا ثم يصابون فجأة بعمى في أبصارهم عند مطالبتهم بالنظر في كتبهم وكلام مراجعهم الملقبين بآيات الله.
يقول الخميني « وأما سائر الاستمتاعات كاللمس بشهوة والضم والتفخيذ فلا بأس بها حتى في الرضيعة» (تحرير الوسيلة2/216).
قليلا من الإنصاف. هل أنتم مبصرون لكتب مخالفيكم عمي في شأن كتبكم؟(14/2)
أروني ابني ما سميتموه.. سميته محسنا ؟
953 حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا حجاج ثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن هانئ بن هانئ عن على رضي الله عنه قال « لما ولد الحسن جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أروني ابني ما سميتموه قلت سميته حربا قال بل هو حسن فلما ولد الحسين قال أروني ابني ما سميتموه قلت سميته حربا قال بل هو حسين فلما ولدت الثالث جاء النبي صلى الله عليه وسلم فقال أروني ابني ما سميتموه قلت حربا قال بل هو محسن ثم قال سميتهم بأسماء ولد هارون شبر وشبير ومشبر».
- يقصد الرافضة إثبات محسن الذي زعموا أن عمر أسقطه من بطن فاطمة أثناء ضربها.
رواه البخاري في الأدب المفرد وأحمد ورواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي وليس كما قالا. فإن الحاكم متساهل في التصحيح. لأن في الرواية هانئ بن هانئ قال عامة أهل العلم « مجهول» وقال فيه الحافظ في التقريب « مستور» يعني هو مجهول. ولا عبرة بتوثيق ابن حبان له لما عرف من التساهل في التوثيق.
وفيه أبو إسحاق السبيعي وهو ثقة لكنه مدلس، والمدلس لا يقبل منه ما رواه معنعنا وإن كان ثقة. ناهيك عن اختلاط السبيعي في آخر عمره. وهذا قد أنكره الذهبي واقتصر على سوء حفظ السبيعي في آخر عمره نافيا الاختلاط. والراجح قول الجمهور في جهالة هانئ وهو ما اعتمده الحافظ في التقريب.
ولذلك ضعف الألباني الرواية (ضعيف الأدب المفرد ص77 ح رقم 133).
953 حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا حجاج ثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن هانئ بن هانئ عن على رضي الله عنه قال « لما ولد الحسن جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أروني ابني ما سميتموه قلت سميته حربا قال بل هو حسن فلما ولد الحسين قال أروني ابني ما سميتموه قلت سميته حربا قال بل هو حسين فلما ولدت الثالث جاء النبي صلى الله عليه وسلم فقال أروني ابني ما سميتموه قلت حربا قال بل هو محسن ثم قال سميتهم بأسماء ولد هارون شبر وشبير ومشبر» ().
رواه(15/1)
الحاكم وصححه ووافقه الذهبي وليس كما قالا. فإن الحاكم متساهل في التصحيح. لأن في الرواية هانئ بن هانئ قال عامة أهل العلم « مجهول» وقال فيه الحافظ في التقريب « مستور» يعني هو مجهول. ولا عبرة بتوثيق ابن حبان له لما عرف من التساهل في التوثيق.
وفيه أبو إسحاق السبيعي وهو ثقة لكنه مدلس، والمدلس لا يقبل منه ما رواه معنعنا وإن كان ثقة. ناهيك عن اختلاط السبيعي في آخر عمره.(15/2)
أسئلة
قادت شباب الشيعة
إلى الحق
إعداد وجمع
سليمان بن صالح الخراشي
1426هـ
http://www.almjos.com
http://www.saaid.net/
http://www.alkashf.net/
مكتبة الرضوان
حقوق الطبع محفوظه
1426 هـ – 2005م
رقم الإيداع بدار الكتب والوثائق القومية المصرية
10942 - 2005
مكتبة الرضوان
5شارع الفقى – كوم حماده – البحيرة
الرمز البريدى 22821
مصر
هاتف :0020103932810 فاكس :0020453681553
البريد الإلكترونى :ccnasser@hotmail.com
مقدمة
الحمد لله القائل: { وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ } [الأنعام: 153]، والصلاة والسلام على رسوله خاتم الأنبياء القائل «إن بني إسرائيل افترقوا على إحدى وسبعين ملة، وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين ملة؛ كلها في النار إلا واحدة»، فقيل: يا رسول الله، ما الواحدة؟ قال: «ما أنا عليه اليوم وأصحابي»(1).
أما بعد:
فقد أراد الله ـ بإرادته الكونية القدرية ـ أن يتفرق المسلمون إلى شيع وأحزاب ومذاهب شتى، يعادي بعضهم بعضاً، ويكيد بعضهم لبعض؛ مخالفين بذلك أمر الله لهم حال الاختلاف بالرد إلى كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم؛ في قوله: { إِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً } [النساء: 59].
__________
(1) ... «صحيح الترمذي» للألباني (2129). وانظر الكلام على هذا الحديث رواية ودراية في رسالة الشيخ سليم الهلالي «درء الارتياب عن حديث ما أنا عليه والأصحاب».(16/1)
ولهذا: كان من الواجب على كل ناصح لأمته، محب لوحدتها واجتماعها أن يسعى ـ ما استطاع ـ في لم شملها «على الحق»، وإعادتها كما كانت في عهده صلى الله عليه وسلم (عقيدة وشريعة وأخلاقاً)؛ اتباعاً لقوله تعالى: { َاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ } [آل عمران: 103].
ومن أهم ما يعجل بهذا الأمر: تنوير أبناء الفِرَق المخالفة لدعوة الكتاب والسنة بما هم عليه من تجاوزات وانحرافات تحول بينهم وبين الهدى ولزوم جماعة المسلمين.
ومن هنا جاء التفكير في جمع هذه الأسئلة والإلزامات الموجهة إلى شباب طائفة الشيعة الاثني عشرية لعلها تساهم في رد العقلاء منهم إلى الحق؛ إذا ما تفكروا في هذه الأسئلة والإلزامات التي لا مجال لدفعها والتخلص منها إلا بلزوم دعوة الكتاب والسنة الخالية من مثل هذه التناقضات.
وقد أعجبني ـ حقًّا ـ ما قام به أحد الإخوة الشيعة المهتدين إلى الحق(1) عندما تحدث عن تجربته في الانتقال من الضلال إلى الهدى في كتاب اختار له اسماً مناسباً هو:
«ربحتُ الصحابة.. ولم أخسر آل البيت»!
وقد وُفِّق ـ ثبَّته الله ـ في هذا الاختيار؛ لأن المسلم الحق لا يجد حرجاً في الجمع بين محبة آل البيت ومحبة الصحابة ـ رضي الله عنهم أجمعين ـ.
وهو يذكرني بذاك النصراني الذي أسلم؛ فألَّف كتاباً بعنوان: «ربحتُ محمداً.. ولم أخسر عيسى» ـ عليهما السلام ـ.
__________
(1) ... هو الأخ الفاضل: أبوخليفة القضيبي، من مملكة البحرين. وقد أكرمني بزيارته في منزلي بمدينة الرياض.(16/2)
وليُعلم ـ بعد هذا ـ أنني انتقيت معظم هذه الأسئلة والإلزامات من منتديات الشبكة العنكبوتية ـ لاسيما منتدى الدفاع عن السنة ـ، وأضفتُ عليها مجموعة كبيرة من الإلزامات التي اطلعتُ عليها في الكتب التي حاورت الشيعة، ثم قمت بتهذيب ذلك كله، وسبكه في قالب متحد، وبنَفَسٍ واحد؛ فليس لي من هذا العمل إلا الجمع والتهذيب، سائلاً الله أن ينفع به الموفقين من شباب الشيعة، وأن يجعله مفتاح خير لهم، مذكرهم أخيراً بأن مراجعة الحق خير من التمادي في الباطل، وأن الواحد منهم في حال لزومه السنة، والفرح بها، ونصرتها؛ قد يفوق في أجره ومكانته آلافاً من أهل السنة البطالين، المعرضين عن دينهم، اللاهين في الشهوات، أو الواقعين في الشبهات، والله يقول: { مَن كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَمَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِأَنفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ } [الروم: 44].
والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
كتبه/ أبو مصعب
Alkarashi1@maktoob.com
الإلزامات(16/3)
1 يعتقد الشيعة أن عليًا رضي الله عنه إمام معصوم، ثم نجده ـ باعترافهم ـ يزوج ابنته أم كلثوم «شقيقة الحسن والحسين» من عمر بن الخطاب رضي الله عنه!!(1) فيلزم الشيعة أحد أمرين أحلاهما مر :
الأول: أن عليًّا رضي الله عنه غير معصوم؛ لأنه زوج ابنته من كافر!، وهذا ما يناقض أساسات المذهب، بل يترتب عليه أن غيره من الأئمة غير معصومين.
والثاني: أن عمر رضي الله عنه مسلمٌ! قد ارتضى علي رضي الله عنه مصاهرته. وهذان جوابان محيّران.
2 يزعم الشيعة أن أبابكر وعمر رضي الله عنهم كانا كافرين، ثم نجد أن عليًا رضي الله عنه وهو الإمام المعصوم عند الشيعة قد رضي بخلافتهما وبايعهما الواحد تلو الآخر ولم يخرج عليهما، وهذا يلزم منه أن عليًا غير معصوم، حيث أنه بايع كافرين ناصبَيْن ظالمَيْن إقراراً منه لهما، وهذا خارم للعصمة وعون للظالم على ظلمه، وهذا لا يقع من معصومٍ قط، أو أن فعله هو عين الصواب!! لأنهما خليفتان مؤمنان صادقان عادلان، فيكون الشيعة قد خالفوا إمامهم في تكفيرهما وسبهما ولعنهما وعدم الرضى بخلافتهما! فنقع في حيرة من أمرنا: إما أن نسلك سبيل أبي الحسن رضوان الله عليه أو نسلك سبيل شيعته العاصين؟!
__________
(1) ... أثبت هذا الزواج من شيوخ الشيعة: الكليني في الكافي في الفروع (6/115)، والطوسي في تهذيب الأحكام (باب عدد النساء ج8/ص 148) وفي (2/380)، وفي كتابه الاستبصار (3/356)، والمازنداراني في مناقب آل أبي طالب، (3/162)، والعاملي في مسالك الأفهام، (1/كتاب النكاح)، ومرتضى علم الهدى في الشافي، (ص 116)، وابن أبي الحديث في شرح نهج البلاغة، (3/124)، والأردبيلي في حديقة الشيعة، (ص 277)، والشوشتري في مجالس المؤمنين. (ص76، 82)، والمجلسي في بحار الأنوار، (ص621). وانظر للزيادة: رسالة «زواج عمر بن الخطاب من أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب ـ حقيقة لا افتراء» لأبي معاذ الإسماعيلي.(16/4)
3 لقد تزوج علي رضي الله عنه بعد وفاة فاطمة رضي الله عنها عدة نساء، أنجبن له عدداً من الأبناء، منهم : عباس بن علي بن أبي طالب، عبدالله بن علي بن أبي طالب، جعفر بن علي ابن أبي طالب، عثمان بن علي بن أبي طالب.
أمهم هي: «أم البنين بنت حزام بن دارم»(1).
وأيضاً: عبيد الله بن علي بن أبي طالب، أبوبكر بن علي بن أبي طالب.
أمهم هي: «ليلى بنت مسعود الدارمية»(2).
وأيضاً: يحيى بن علي بن أبي طالب، محمد الأصغر بن علي ابن أبي طالب، عون بن علي بن أبي طالب.
أمهم هي: «أسماء بنت عميس»(3).
وأيضاً: رقية بنت علي بن أبي طالب، عمر بن علي بن أبي طالب ـ الذي توفي في الخامسة والثلاثين من عمره ـ.
وأمهما هي: «أم حبيب بنت ربيعة»(4).
وأيضاً: أم الحسن بنت علي بن أبي طالب، رملة الكبرى بنت علي بن أبي طالب.
وأمهما هي: «أم مسعود بنت عروة بن مسعود الثقفى»(5).
والسؤال : هل يسمي أبٌ فلذة كبده بأعدى أعدائه؟ فكيف إذا كان هذا الأب هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
فكيف يسمي علي رضي الله عنه أبناءه بأسماء من تزعمون أنهم كانوا أعداء له؟!
وهل يسمي الإنسان العاقل أحبابه بأسماء أعدائه؟!
وهل تعلمون أن عليًا أول قرشي يسمي أبا بكر وعمر وعثمان؟
4 يروي صاحب كتاب ( نهج البلاغة ) ـ وهو كتاب معتمد عند الشيعة ـ أن عليًا رضي الله عنه استعفى من الخلافة وقال: «دعوني والتمسوا غيري»!(6) وهذا يدل على بطلان مذهب الشيعة، إذ كيف يستعفي منها، وتنصيبه إمامًا وخليفة أمر فرض من الله لازم ـ عندكم ـ كان يطالب به أبابكر ـ كما تزعمون ـ؟!
__________
(1) ... «كشف الغمة في معرفة الأئمة»؛ لعلي الأربلي (2/66).
(2) ... السابق.
(3) ... السابق.
(4) ... السابق.
(5) ... «كشف الغمة في معرفة الأئمة»؛ لعلي الأربلي (2/66).
(6) ... «نهج البلاغة»، (ص 136)، وانظر: (ص 366ـ 367) و(ص 322).(16/5)
5 يزعم الشيعة أن فاطمة رضي الله عنها بَضْعة المصطفى صلى الله عليه وسلم قد أهينت في زمن أبي بكر رضي الله عنه وكسر ضلعها، وهمّ بحرق بيتها وإسقاط جنينها الذي أسموه المحسن!
والسؤال : أين علي رضي الله عنه عن هذا كله؟! ولماذا لم يأخذ بحقها، وهو الشجاع الكرار؟!
6 لقد وجدنا كثيراً من سادة الصحابة أصهروا إلى أهل بيت النبي عليه الصلاة والسلام وتزوجوا منهم، والعكس بالعكس، لا سيما الشيخين منهم، كما هو متفقٌ عليه بين أهل التواريخ ونقلة الأخبار سُنة منهم أو شيعة.
فإنَّ النبي عليه الصلاة والسلام:
- تزوج عائشة بنت أبي بكر رضي الله عنه.
- وتزوج حفصة بنت عمر رضي الله عنه.
- وزوج ابنتيه ( رقية ثم أم كلثوم ) لثالث الخلفاء الراشدين الجواد الحيِي عثمان بن عفان رضي الله عنهما، ولذلك لقِّب بذي النورين.
- ثم ابنه أبان بن عثمان تزوج من أم كلثوم بنت عبدالله بن جعفر بن أبي طالب.
- ومروان بن أبان بن عثمان كان متزوجاً من أم القاسم ابنة الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب
- ثم زيد بن عمرو بن عثمان كان متزوجاً من سكينة بنت الحسين.
- وعبدالله بن عمرو بن عثمان بن عفان كان متزوجاً من فاطمة بنت الحسين بن علي.
ونكتفي بذكر الخلفاء الثلاثة من الصحابة، دون غيرهم من الصحابة الكرام الذين كانوا أيضاً مصاهرين لأهل البيت؛ لبيان أن أهل اليبت كانوا محبين لهم، ولذلك كانت هذه المصاهرات والوشائج(1).
وكذلك وجدنا أن أهل البيت كانوا يسمون أبناءهم بأسماء أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام كما هو متفق عليه بين أهل التواريخ ونقلة الأخبار سُنة منهم أو شيعة.
__________
(1) ... ومن أراد التوسع في مصاهرات الصحابة مع أهل البيت فليرجع إلى كتاب (الدر المنثور من تراث أهل البيت) للفقيه الإمامي علاء الدين المدرس، ففيه غنية وزيادة على ما ذكرنا.(16/6)
فهذا علي رضي الله عنه كما في المصادر الشيعية يسمِّي أحد أبنائه من زوجته ليلى بنت مسعود الحنظلية باسم أبي بكر، وعلي رضي الله عنه أول من سمَّى ابنه بأبي بكر في بني هاشم(1).
وكذلك الحسن بن علي سمَّى أبناءه : أبابكر وعبدالرحمن وطلحة وعبيدالله(2).
و كذلك الحسن بن الحسن بن علي(3).
وموسى الكاظم سمى ابنته عائشة(4).
وهناك من كان يكنى بأبي بكر من أهل البيت وليس له بإسم، مثل زين العابدين بن علي(5)، وعلي بن موسى (الرضا )(6).
أمَّا من سمَّى ابنه باسم عمر رضي الله عنه؛ فمنهم علي رضي الله عنه، سمَّى ابنه عمرَ الأكبر وأمه أم حبيب بنت ربيعة، وقد قتل بالطف مع أخيه الحسين رضي الله عنهم، والآخر عمر الأصغر وأمه الصهباء التغلبية، وهذا الأخير عُمِّرَ بعد إخوته فورثهم(7).
وكذلك الحسن بن علي سمَّى ابنه أبا بكر وعمر(8).
وكذلك علي بن الحسين بن علي (9).
و كذلك علي زين العابدين
__________
(1) ... انظر: الإرشاد للمفيد (ص 354)، ومقاتل الطالبيين لأبي الفرج الأصبهاني الشيعي، (ص91)، وتاريخ اليعقوبي الشيعي (ج2 ص213).
(2) ... التنبيه والإشراف للمسعودي الشيعي، (ص 263).
(3) ... مقاتل الطالبيين لأبي الفرج الأصبهاني الشيعي، (ص 188) طبعة دار المعرفة.
(4) ... كشف الغمة للأربلي (3/26).
(5) ... كشف الغمة للأربلي (2/317).
(6) ... مقاتل الطالبيين لأبي الفرج الأصبهاني الشيعي، (ص 561ـ 562) طبعة دار المعرفة.
(7) ... انظر: الإرشاد للمفيد ص 354، معجم رجال الحديث للخوني ج 13، ص51، مقاتل الطالبيين لأبي الفرج الأصبهاني ص 84 طبعة بيروت، عمدة الطالب: ص 361 طبعة النجف. جلاء العيون ص 570.
(8) ... الإرشاد للمفيد ص 194، منتهى الآمال ج1 ص 240، عمدة الطالب ص 81. جلاء العيون للمجلسي ص 582، معجم رجال الحديث للخوئي ج13 ص29. رقم (8716)، كشف الغمة (2/201).
(9) ... «الإرشاد للمفيد» (2/155)، و«كشف الغمة» (2/294).(16/7)
وكذلك موسى الكاظم
وكذلك الحسين بن زيد بن علي.
و كذلك إسحاق بن الحسن بن علي بن الحسين.
وكذلك الحسن بن علي بن الحسن بن الحسين بن الحسن.
وغيرهم كثير، لكن نكتفي بهذا القدر من المتقدمين من أهل البيت خشية الإطالة (1).
أمَّا من سمَّى ابنته بعائشة فمنهم : موسى الكاظم(2)، وعلي الهادي(3).
و نكتفي بالشيخين رحمهم الله وأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها.
7 ذكر الكليني في كتاب الكافي: «أن الأئمة يعلمون متى يموتون، وأنهم لا يموتون إلا باختيار منهم» (4). ثم يذكر المجلسي في كتابه (بحار الأنوار) حديثاً يقول: «لم يكن إمام إلا مات مقتولاً أو مسموماً» (5). فإذا كان الإمام يعلم الغيب كما ذكر الكليني والحر العاملي، فسيعلم ما يقدم له من طعام وشراب، فإن كان مسموماً علم ما فيه من سم وتجنبه، فإن لم يتجنبه مات منتحراً؛ لأنه يعلم أن الطعام مسموم! فيكون قاتلا لنفسه، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم أن قاتل نفسه في النار! فهل يرضى الشيعة هذا للأئمة؟!
8 لقد تنازل الحسن بن علي ـ رضي الله عنهما ـ لمعاوية ـ رضي الله عنه ـ وسالمه، في وقت كان يجتمع عنده من الأنصار والجيوش ما يمكنه من مواصلة القتال. وفي المقابل خرج أخوه الحسين ـ رضي الله عنه ـ على يزيد في قلة من أصحابه، في وقت كان يمكنه فيه الموادعة والمسالمة.
__________
(1) ... تفاصيل ذلك موجودة في «مقاتل الطالبيين» وغيرها من مصادر الإمامية، انظر على سبيل المثال: (الدر المنثور) لعلاء الدين المدرس ص 65ـ ص69.
(2) الإرشاد ص 302، الفصول المهمة 242، كشف الغمة ج 3 ص26.
(3) الإرشاد للمفيد (2/312).
(4) انظر: «أصول الكافي للكليني» (1/258)، وكتاب: الفصول المهمة للحر العاملي، (ص 155).
(5) 43/364).(16/8)
فلا يخلو أن يكون أحدهما على حق، والآخر على باطل؛ لأنه إن كان تنازل الحسن مع تمكنه من الحرب (حقاً) كان خروج الحسين مجرداً من القوة مع تمكنه من المسالمة (باطلاً)، وإن كان خروج الحسين مع ضعفه (حقاً) كان تنازل الحسن مع ( قوته) باطلاً!
وهذا يضع الشيعة في موقف لا يحسدون عليه؛ لأنهم إن قالوا : إنهما جميعا على حق، جمعوا بين النقيضين، وهذا القول يهدم أصولهم. وإن قالوا ببطلان فعل الحسن لزمهم أن يقولوا ببطلان إمامته، وبطلان إمامته يبطل إمامة أبيه وعصمته؛ لأنه أوصى إليه، والإمام المعصوم لا يوصي إلا إلى إمام معصوم مثله حسب مذهبهم.
وإن قالوا ببطلان فعل الحسين لزمهم أن يقولوا ببطلان إمامته وعصمته، وبطلان إمامته وعصمته يبطل إمامة وعصمة جميع أبنائه وذريته؛ لأنه أصل إمامتهم وعن طريقه تسلسلت الإمامة، وإذا بطل الأصل بطل ما يتفرع عنه!(16/9)
9 ذكر الكليني في كتابه الكافي(1) : «حدثنا عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَجَّالِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عُمَرَ الْحَلَبِيِّ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ قَالَ دَخَلْتُ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ( عليه السلام ) فَقُلْتُ لَهُ جُعِلْتُ فِدَاكَ إِنِّي أَسْأَلُكَ عَنْ مَسْأَلَةٍ هَاهُنَا أَحَدٌ يَسْمَعُ كَلَامِي، قَالَ فَرَفَعَ أَبُو عَبْدِ اللَّه) (عليه السلام ) سِتْراً بَيْنَهُ وبَيْنَ بَيْتٍ آخَرَ فَاطَّلَعَ فِيهِ ثُمَّ قَالَ : يَا أَبَا مُحَمَّدٍ سَلْ عَمَّا بَدَا لَكَ، قَالَ : قلْتُ :جُعِلْتُ فداك ..... ثُمَّ سَكَتَ سَاعَةً ثُمَّ قَالَ : وإِنَّ عِنْدَنَا لَمُصْحَفَ فَاطِمَةَ ( عليها السلام ) ومَا يُدْرِيهِمْ مَا مُصْحَفُ فَاطِمَةَ ( عليها السلام )، قَالَ: قُلْتُ: ومَا مُصْحَفُ فَاطِمَةَ ( عليها السلام )؟ قَالَ :مُصْحَفٌ فِيهِ مِثْلُ قُرْآنِكُمْ هَذَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، واللَّهِ مَا فِيهِ مِنْ قُرْآنِكُمْ حَرْفٌ وَاحِدٌ، قَالَ: قُلْتُ :هَذَا واللَّهِ الْعِلْمُ، قَالَ :إِنَّهُ لَعِلْمٌ ومَا هُوَ بِذَاكَ». انتهى.
فهل كان الرسول صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم يعرف مصحف فاطمة؟! إن كان لا يعرفه، فكيف عرفه آل البيت من دونه وهو رسول الله؟! وإن كان يعرفه فلماذا أخفاه عن الأمة؟! والله يقول: { يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ }ـ [المائدة:67-77].
10 في الجزء الأول من كتاب الكافي للكليني أسماء الرجال الذين نقلوا للشيعة أحاديث الرسول صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، ونقلوا أقوال أهل البيت، ومنها الأسماء التالية :
__________
(1) انظر: «أصول الكافي» للكليني (1/239).(16/10)
مُفَضَّلِ بْنِ عُمَر، أَحْمَدَ بْنِ عُمَرَ الْحَلَبِيِّ، عُمَرَ بْنِ أَبَانٍ، عُمَرَ ابْنِ أُذَيْنَةَ، عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، ابْرَاهِيمَ بْنِ عُمَرَ، عُمَرَ بْنِ حَنْظَلَةَ، مُوسَى بْنِ عُمَرَ، الْعَبَّاسِ بْنِ عُمَرَ والجامع بين هذه الأسماء هو اسم عمر! سواء كان اسم الراوي أو اسم أبيه.
فلماذا تسمى هؤلاء باسم عمر؟!
11 يقول سبحانه وتعالى: { وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ }ـ [البقرة:155-157].
ويقول-عز وجل-: { وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ } [البقرة:177].
وذكر في «نهج البلاغة»: «وقال علي رضي الله عنه بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم مخاطبا إياه صلى الله عليه وسلم: لولا أنك نهيت عن الجزع وأمرت بالصبر لأنفدنا عليك ماء الشؤون»(1).
وذكر أيضا : «أن علياً عليه السلام قال: من ضرب يده عند مصيبة على فخذه فقد حبط عمله»(2).
وقد قال الحسين لأخته زينب في كربلاء كما نقله صاحب «منتهى الآمال» بالفارسية وترجمته بالعربية(3) :
«يا أختي، أحلفك بالله عليك أن تحافظي على هذا الحلف، إذا قتلت فلا تشقي عليّ الجيب، ولا تخمشي وجهك بأظفارك، ولا تنادي بالويل والثبور على شهادتي».
ونقل أبو جعفر القمي أن أمير المؤمنين عليه السلام قال فيما علم به أصحابه: «لا تلبسوا سوادا فإنه لباس فرعون» (4).
__________
(1) ... «نهج البلاغة»، (ص576). وانظر: «مستدرك الوسائل»، (2/445).
(2) ... انظر: «الخصال» للصدوق (ص621)، و«وسائل الشيعة» (3/270).
(3) 1/248)
(4) من لا يحضره الفقيه، لأبي جعفر محمد بن بابويه القمي (1/232)، ورواه الحر العاملي في «وسائل الشيعة» (2/916).(16/11)
وقد ورد في «تفسير الصافي» في تفسير آية {ـ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ }ـ [الممتحنة:12] أن النبي صلى الله عليه وسلم بايع النساء على أن لا يسوِّدْن ثوباً ولا يشققن جيباً وأن لا ينادين بالويل.
وفي «فروع الكافي» للكليني أنه صلى الله عليه وسلم وصى فاطمة ـ رضي الله عنها ـ فقال: « إذا أنا مت فلا تخمشي وجهاً ولا ترخي عليّ شعراً ولا تنادي بالويل ولا تقيمي عليَّ نائحة»(1).
وهذا شيخ الشيعة محمد بن الحسين بن بابويه القمي الملقب عندهم بالصدوق يقول: «من ألفاظ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم التي لم يسبق إليها:
« النياحة من عمل الجاهلية»(2).
كما يروي علماؤهم المجلسي والنوري والبروجردي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال:«صوتان ملعونان يبغضهما الله:إعوال عند مصيبة، وصوت عند نغمة؛ يعني النوح والغناء»(3)
والسؤال بعد كل هذه الروايات :
لماذا يخالف الشيعة ما جاء فيها من حق؟! ومن نصدق: الرسول صلى الله عليه وسلم وأهل البيت أم الملالي؟!
12 إذا كان التطبير(4) والنواح وضرب الصدور له أجر عظيم كما يدعون(5)، فلماذا لا يطبر الملالي؟
__________
(1) ... (5/527).
(2) رواه الصدوق في من لا يحضره الفقيه (4/271 – 272) كما رواه الحر العاملي في وسائل الشيعة (2/915)، ويوسف البحراني في الحدائق الناضرة (4/149) والحاج حسين البروجردي في جامع أحاديث الشيعة. (488/3) ورواه محمد باقر المجلسي بلفظ: «النياحة عمل الجاهلية» بحار الأنوار (82/103).
(3) ... أخرجه المجلسي في بحار الأنوار (82/103) ومستدرك الوسائل (1/143-144) وجامع أحاديث الشيعة (3/488)، ومن لا يحضره الفقيه (2/271).
(4) ... التطبير هو : إدماء الرأس الذي يفعله الشيعة في عاشوراء. انظر: «صراط النجاة» للتبريزي (1/432).
(5) ... انظر: «إرشاد السائل» (ص184).(16/12)
13 إذا كانت الشيعة تزعم أن الذين حضروا غدير خم آلاف الصحابة قد سمعوا جميعاً الوصية بالخلافة لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم مباشرة؛ فلماذا لم يأت واحد من آلاف الصحابة ويغضب لعلي ابن أبي طالب ولا حتى عمار بن ياسر ولا المقداد بن عمرو ولا سلمان الفارسي رضي الله عنهم فيقول : يا أبا بكر لماذا تغصب الخلافة من علي وأنت تعرف ماذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم في غدير خم؟!
14 لماذا لم يتكلم علي رضي الله عنه عندما طلب الرسول صلى الله عليه وسلم قبل وفاته أن يكتب لهم كتاباً لن يضلوا بعده أبداً، وهو الشجاع الذي لا يخشى إلا الله؟! وهو يعلم أن الساكت عن الحق شيطان أخرس!!
15 أليست الشيعة تقول بأن معظم روايات الكافي ضعيفة؟! وليس لدينا صحيح إلا القرآن.
فكيف يدعون بعد هذا ـ كذباً وزوراً ـ أن التفسير الإلهي للقرآن موجود في كتاب معظم رواياته ضعيفة باعترافهم؟!
16 العبودية لا تكون إلا لله وحده؛ يقول سبحانه وتعالى : { بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ } [الزمر:66]، فلماذا يتسمى الشيعة بعبد الحسين، وعبد علي، وعبد الزهراء، وعبد الإمام؟! ولماذا لم يسم الأئمة أبناءهم بعبد علي وعبدالزهراء؟ وهل يصح أن يكون معنى عبدالحسين (خادم الحسين) بعد استشهاد الحسين رضوان الله عليه؟ وهل يعقل أنه يقدم له الطعام والشراب ويصب له ماء الوضوء في قبره!!! حتى يصير خادماً له..؟؟
17 إذا كان علي رضي الله عنه يعلم أنه خليفة من الله منصوص عليه، فلماذا بايع أبا بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم؟!
فان قلتم : إنه كان عاجزًا، فالعاجز لايصلح للإمامة؛ لأنها لا تكون إلا للقادر على أعبائها.
وإن قلتم : كان مستطيعًا ولكنه لم يفعل، فهذه خيانة.
والخائن لايصلح إماما! ولا يؤتمن على الرعية.
ـ وحاشاه من كل ذلك ـ
فما جوابكم إن كان لكم جواب صحيح..؟(16/13)
18 عندما تولى علي رضي الله عنه لم نجده خالف الخلفاء الراشدين قبله؛ فلم يخرج للناس قرآناً غير الذي عندهم، ولم ينكر على أحد منهم شيئاً، بل تواتر قوله على المنبر: «خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر وعمر» ولم يشرع المتعة، ولم يرد فدك، ولم يوجب المتعة في الحج على الناس، ولا عمم قول «حي على خير العمل» في الأذان، ولا حذف «الصلاة خير من النوم».
فلو كان أبوبكر وعمر رضي الله عنهما كافرين، قد غصبا الخلافة منه ـ كما تزعمون ـ فلماذا لم يبين ذلك، والسُلطة كانت بيده؟! بل نجده عكس ذلك، امتدحهما وأثنى عليهما.
فليسعكم ما وسعه، أو يلزمكم أن تقولوا بأنه خان الأمة ولم يبين لهم الأمر. وحاشاه من ذلك.
19 يزعم الشيعة أن الخلفاء الراشدين كانوا كفاراً، فكيف أيدهم الله وفتح على أيديهم البلاد، وكان الإسلام عزيزاً مرهوبَ الجانب في عهدهم، حيث لم ير المسلمون عهدًا أعز الله فيه الإسلام أكثر من عهدهم.
فهل يتوافق هذا مع سنن الله القاضية بخذلان الكفرة والمنافقين؟!
وفي المقابل:رأينا أنه في عهد المعصوم الذي جعل الله ولايته رحمة للناس ـ كما تقولون ـ تفرقت الأمة وتقاتلت، حتى طمع الأعداء بالإسلام وأهله، فأي رحمة حصلت للأمة من ولاية المعصوم؟! إن كنتم تعقلون..؟!
20 يزعم الشيعة أن معاوية ـ رضي الله عنه ـ كان كافرًا، ثم نجد أن الحسن بن علي رضي الله عنه قد تنازل له عن الخلافة ـ وهو الإمام المعصوم ـ، فيلزمهم أن يكون الحسن قد تنازل عن الخلافة لكافر، وهذا مخالف لعصمته! أو أن يكون معاوية مسلمًا!
21 هل سجد الرسول صلى الله عليه وسلم على التربة الحسينية التي يسجد عليها الشيعة؟!
إن قالوا: نعم، قلنا: هذا كذب ورب الكعبة.
وإن قالوا: لم يسجد، قلنا: إذا كان كذلك، فهل أنتم أهدى من الرسول صلى الله عليه وسلم سبيلا؟
مع العلم أن مروياتهم تذكر أن جبريل أتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم بحفنة من تراب كربلاء.(16/14)
22 يدعي الشيعة أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ارتدوا بعد موته صلى الله عليه وسلم، وانقلبوا عليه.
والسؤال: هل كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ قبل موته ـ «شيعة اثني عشريّة»، ثم انقلبوا بعد موته صلى الله عليه وسلم إلى «أهل سنّة»؟
أم أنهم كانوا ـ قبل موت النبي صلى الله عليه وسلم ـ «أهل سنّة»، ثم «انقلبوا شيعة اثني عشريّة»؟
لأن الانقلاب انتقالٌ من حالٍ إلى حال..؟!!
23 من المعلوم أن الحسن رضي الله عنه هو ابن علي، وأمه فاطمة رضي الله عنهما، وهو من أهل الكساء عند الشيعة(1)، ومن الأئمة المعصومين، شأنه في ذلك شأن أخيه الحسين رضي الله عنه، فلماذا انقطعت الإمامة عن أولاده واستمرت في أولاد الحسين؟!! فأبوهما واحد وأمهما واحدة وكلاهما سيدان، ويزيد الحسن على الحسين بواحدة هي أنه قبله وأكبر منه سناً وهو بكر أبيه؟
هل من جواب مقنع؟!
24 لماذا لم يُصل علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ بالناس صلاة واحدة في أيام مرض النبي صلى الله عليه وسلم الذي مات فيه، مادام هو الإمام من بعده ـ كما تزعمون ـ؟! فالإمامة الصغرى دليل على الإمامة الكُبْرى..؟
25 أنتم تقولون : إن سبب غيبة إمامكم الثاني عشر في السرداب هو الخوف من الظَلَمة، فلماذا استمرت هذه الغيبة رغم زوال هذا الخطر بقيام بعض الدول الشيعية على مر التاريخ؛ كالعبيديين والبويهيين والصفويين، ومن آخر ذلك دولة إيران المعاصرة؟!
__________
(1) ... حديث الكساء ملخصه أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج مرة وعليه كساء من شعر أسود، فجاء الحسن فأدخله في الكساء، ثم جاء الحسين فأدخله، ثم جاءت فاطمة فأدخلها، ثم جاء علي فأدخله، ثم تلا: ? إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً? [الأحزاب:33] أخرجه مسلم في فضائل الصحابة.(16/15)
فلماذا لا يخرج الآن، والشيعة يستطيعون نصره وحمايته في دولتهم؟! وأعدادهم بالملايين وهم يفْدونه بأرواحهم صباح مساء..!!
26 اصطحب رسول الله صلى الله عليه وسلم الصديق أبا بكر في هجرته واستبقاه حياً وبالمقابل عرّض علي بن أبي طالب رضي الله عنه للموت والهلاك على فراشه... فلو كان علي إماماً وصياً وخليفة منصوباً فهل يُعَرض للهلاك ويُسْتبقى أبو بكر وهو لو مات فلا ضرر على الإمامة ولا سلسلة الإمامة من موته... وهنا السؤال: أيهما أولى أن يبقى حياً لا تمسه شوكة أو يطرح على فراش الموت والهلاك...؟
وإن قلتم إنه ـ أي علي ـ يعلم الغيب، فأي فضل له في المبيت؟!.
27 إن التقية لا تكون إلا بسبب الخوف.
والخوف قسمان :
الأول : الخوف على النفس.
والثاني : خوف المشقة والإيذاء البدني والسب والشتم وهتك الحرمة.
أما الخوف على النفس فهو منتف في حق الأئمة لوجهين :
أحدهما: أن موت الأئمة الاثني عشر الطبيعي يكون باختيارهم ـ حسب زعمكم ـ.
وثانيهما: أن الأئمة يكون لهم علم بما كان ويكون، فهم يعلمون آجالهم وكيفيات موتهم وأوقاته بالتخصيص ـ كما تزعمون ـ
فقبل وقت الموت لن يخافوا على أنفسهم، ولا حاجة بهم إلى أن ينافقوا في دينهم ويغروا عوام المؤمنين.
أما القسم الثاني من الخوف؛ وهو خوف المشقة والإيذاء البدني والسب والشتم وهتك الحرمة فلاشك أن تحمل هذه الأمور والصبر عليها وظيفة العلماء، وأهل البيت النبوي أولى بتحمل ذلك في نصرة دين جدهم صلى الله عليه وسلم.
فلماذا التقية إذاً؟!
28 إنما وجب نصب الإمام المعصوم ـ عند الشيعة ـ لغرض أن يزيل الظلم والشر عن جميع المدن والقرى، ويقيم العدل والقسط.
والسؤال : هل تقولون : إنه لم يزل في كل مدينة وقرية خلقها الله تعالى معصوم يدفع ظلم الناس أم لا؟!
إن قلتم : لم يزل في كل مدينة وقرية خلقها الله تعالى معصوم.
قيل لكم :(16/16)
هذه مكابرة ظاهرة، فهل في بلاد الكفار من المشركين وأهل الكتاب معصوم؟ وهل كان في الشام عند معاوية رضي الله عنه معصوم؟
وإن قلتم : بل نقول هو واحد، وله نواب في سائر المدائن والقرى. قيل لكم : له نواب في جميع مدائن الأرض أم في بعضها؟
إن قلتم : في جميع مدائن الأرض وقراها.
قيل لكم: هذه مكابرة مثل الأولى!
وإن قلتم : بل له نواب في بعض المدن والقرى.
قيل لكم: جميع المدن والقرى حاجتهم إلى المعصوم واحدة، فلماذا فرقتم بينهم؟!
29 بوّب الكليني باباً مستقلاً في الكافي بعنوان (إنّ النساء لا يرثن من العقار شيئا)، روى فيه عن أبي جعفر قوله: «النساء لا يرثن من الأرض ولا من العقار شيئاً»(1).
وروى الطوسي في التهذيب(2) عن ميسر قوله: «سألت أبا عبد الله عليه السلام عن النساء ما لهن من الميراث؟ فقال: لهن قيمة الطوب والبناء والخشب والقصب فأما الأرض والعقار فلا ميراث لهن فيهما» وعن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: «النساء لا يرثن من الأرض ولا من العقار شيئاً» وعن عبد الملك بن أعين عن أحدهما عليهما السلام قال: «ليس للنساء من الدور والعقار شيئًا». وليس في هذه الروايات تخصيص أو تقييد لا لفاطمة رضي الله عنها ولا غيرها.
__________
(1) ... انظر: «فروع الكافي» للكليني (7/127).
(2) ... (9/254).(16/17)
وعلى هذا فإنه لا حق لفاطمة رضي الله عنها أن تطالب بميراث رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ (حسب روايات المذهب الشيعي). وأيضاً كل ما كان للرسول صلى الله عليه وسلم فهو للإمام، فعن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد رفعه، عن عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبي جعفر (ع) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «خلق الله آدم وأقطعه الدنيا قطيعة، فما كان لآدم (ع ) فلرسول الله صلى الله عليه وسلم وما كان لرسول الله فهو للأئمة من آل محمد» (1) والإمام الأول بعد رسول الله حسب معتقد الشيعة هو علي رضي الله عنه، ولذا فالأحق بالمطالبة بأرض فدك هو علي رضي الله عنه، وليس فاطمة رضي الله عنها، ولم نره فعل ذلك، بل هو القائل: «ولو شئت لاهتديت الطريق إلى مصفى هذا العسل، ولباب هذا القمح، ونسائج هذا القز، ولكن هيهات أن يغلبني هواي وأن يقودني جشعي إلى تخير الأطعمة، ولعل بالحجاز واليمامة من لا طمع له في القرص، ولا عهد له بالشبع»(2).
30 لماذا قاتل أبو بكر رضي الله عنه المرتدين، وقال: لو منعوني عقالاً كانوا يؤدونه لرسول الله لقاتلتهم عليه، بينما يقول الشيعة بأن عليًا رضي الله عنه، لم يخرج المصحف الذي كتبه عن الرسول صلى الله عليه وسلم خوفاً من أن يرتد الناس!! وقد كان هو الخليفة، وله من الصفات والتأييد الإلهي كما يدعي الشيعة، ومع هذا يرفض أن يُخرج المصحف خوفاً من ارتداد الناس، ويرضى أن يدع الناس في الضلال، وأبو بكر يقاتل المرتدين على عقال بعير!!
__________
(1) ... أصول الكافي للكليني، كتاب الحجة ـ باب أن الأرض كلها للإمام عليه السلام، (ج1 ص476).
(2) ... نهج البلاغة، (1/211).(16/18)
31 لقد أجمع أهل السنة والجماعة، والشيعة بجميع فرقهم على أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه شجاع لايشق له غبار، وأنه لايخاف في الله لومة لائم. وهذه الشجاعة لم تنقطع لحظة واحدة من بداية حياته حتى قتل على يد ابن ملجم. والشيعة كما هو معلوم يعلنون أن علي بن أبي طالب هو الوصي بعد النبي صلى الله عليه وسلم بلا فصل.
فهل توقفت شجاعة علي رضي الله عنه بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم حتى بايع أبا بكر الصديق رضي الله عنه؟!
ثم بايع بعده مباشرة الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه؟!
ثم بايع بعده مباشرة ذا النورين عثمان بن عفان رضي الله عنه؟!
فهل عجز رضي الله عنه ـ وحاشاه من ذلك ـ أن يصعد منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو مرة واحدة في خلافة أحد الثلاثة ويعلنها مدوية بأن الخلافة قد اغتصبت منه؟! وأنه هو الأحق بها لأنه الوصي؟!
لماذا لم يفعل هذا ويطالب بحقه وهو من هو شجاعة وإقدامًا؟! ومعه كثير من الناصرين المحبين؟!
32 حديث الكساء شمل أربعة أنفس من بيت « علي » ـ رضي الله عنه ـ بالتطهير (1).
فما هو الدليل على إدخال غيرهم في التطهير والعصمة؟!
33 يروى الشيعة عن الإمام جعفر الصادق ـ مؤسس المذهب الجعفري حسب اعتقادهم ـ قوله مفتخراً ( أولدني أبو بكر مرتين) (2) لأن نسبه ينتهي إلى أبي بكر من طريقين :
الأول : عن طريق والدته فاطمة بنت قاسم بن أبي بكر.
والثاني : عن طريق جدته لأمه أسماء بنت عبد الرحمن بن أبي بكر التي هي أم فاطمة بنت قاسم بن محمد بن أبي بكر.
ثم نجد الشيعة يروون عن الصادق روايات كاذبة في ذم جده أبي بكر رضي الله عنه!
__________
(1) ... وهم: علي وفاطمة والحسن والحسين ـ رضي الله عنهم ـ، كما سبق.
(2) ... كشف الغمة، للأربلي، (2/373).(16/19)
والسؤال: كيف يفتخر الصادق بجده من جهة ثم يطعن فيه من جهة أخرى؟! إن هذا الكلام قد يصدر من السوقي الجاهل، ولكن ليس من إمام يعتبره الشيعة أفقه وأتقى أهل عصره وزمانه. ولم يُلزمه أحد قط لا بمدحٍ ولا بقدحٍ.
34 تم تحرير المسجد الأقصى في زمن عمر رضي الله عنه، ثم في زمن القائد السني صلاح الدين الأيوبي رحمه الله.
فما هي انجازات الشيعة على مدار التاريخ؟!
وهل فتحوا شبراً من الأرض أو نكأوا عدواً للإسلام والمسلمين؟
35 يدعي الشيعة أن عمر ـ رضي الله عنه ـ يبغض عليًا ـ رضي الله عنه ـ ثم نجد عمر يولي عليًا على المدينة عندما خرج لاستلام مفاتيح بيت المقدس؟! علما بأن عليًا رضي الله عنه كان سيصبح خليفة على المسلمين في حال تعرض ـ عمر رضي الله عنه ـ لأية مكروه!
فأي بغض هذا؟!
36 يرى علماء الشيعة أن أعضاء السجود في الصلاة ثمانية ( الجبهة والأنف والكفين والركبتين والقدمين) وهذه الأعضاء يجب أن تلامس الأرض في حال السجود(1).
ثم يقولون بوجوب السجود على ما لا يؤكل ولا يلبس، ولذا يضعون التربة تحت جباههم(2).
فلماذا لا يضع الشيعة تربة تحت كل عضو من أعضاء السجود؟!
37 يزعم الشيعة أن مهديهم إذا ظهر فإنه سيحكم بحكم آل داود!
فأين شريعة محمد صلى الله عليه وسلم الناسخه للشرائع السابقة؟!
38 لماذا إذا خرج مهدي الشيعة صالح اليهود والنصارى وقتل العرب وقريش؟!! أليس محمد صلى الله عليه وسلم من قريش ومن العرب، وكذا الأئمة حسب قولكم؟!
39 يعتقد الشيعة أن الأئمة تحملهم أمهاتهم في الجنب، ويولدون من الفخذ الأيمن!!(3) أليس محمد صلى الله عليه وسلم هو أفضل الأنبياء وأشرف البشر حمل في بطن أمه وخرج من رحمها؟!
__________
(1) ... «وسائل الشيعة»؛ للحر العاملي (3/598).
(2) ... انظر: «الجامع للشرائع» للحلي، (ص70).
(3) ... «إثبات الوصية»، المسعودي، (ص196).(16/20)
40 يروي الشيعة عن أبي عبد الله ـ جعفر الصادق ـ أنه قال : «صاحب هذا الأمر رجل لا يسميه باسمه إلا كافر..»(1).
ويروون عن أبي محمد الحسن العسكري أنه قال لأم المهدي : «ستحملين ذكرًا واسمه محمد وهو القائم من بعدي....» (2).
أليس هذا من التناقض؟! مرة تقولون : من ناداه باسمه فهو كافر، ومرة تقولون بأن الحسن العسكري سماه محمدًا!
41 لقد كان عبد الله بن جعفر الصادق شقيقاً لإسماعيل ابن جعفر الصادق، وأمهما هي : فاطمة بنت الحسين بن علي ابن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم.
فهما ـ حسب مفهومكم ـ سيدان حسينيان من الطرفين.
فلماذا حُرم السيد عبد الله بن جعفر الإمامة بعد شقيقه إسماعيل الذي مات في حياة والده؟!
42 روى الكليني في الكافي عن أحمد بن محمد رفعه عن أبي عبدالله عليه السلام قال : «يكره السواد إلا في ثلاث الخف والعمامة والكساء» (3).
وعنه أيضاً في كتاب الزي مرفوعاً عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : «كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يكره السواد إلا في ثلاثة الخف والكساء والعمامة»(4).
__________
(1) ... الأنوار النعمانية، (2/53).
(2) ... الأنوار النعمانية، (2/55).
(3) ... رواه عنه صاحب الوسائل (ج 3 ص 278) حديث (1)، وانظر: «فروع الكافي» للكليني (6/449).
(4) ... رواه في الكافي (ج 2 ص 205) باب لبس السواد من طبع طهران سنة 1315هـ إلا أن فيه: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكره السواد إلا في ثلاث، وتقديم العمامة على الكساء.(16/21)
وروى الحر العاملي في وسائله عن الصدوق عن محمد بن سليمان مرسلا عن أبي عبد الله عليه السلام : قال ـ قلت له : «أصلى في القلنسوة السوداء؟ قال : لا تصل فيها فانها لباس أهل النار»(1).
وروى أيضاً عن الصدوق في الفقيه عن أمير المؤمنين عليه السلام مرسلا وفي العلل والخصال كما في الوسائل عنه ( ع ) مسنداً أنه قال لأصحابه: لا تلبسوا السواد فإنه لباس فرعون. وروى أيضاً بإسناده كما في الوسائل عن حذيفة بن منصور قال: كنت عند أبي عبدالله عليه السلام بالحيرة فأتاه رسول أبي العباس الخليفة يدعوه فدعى بممطرة، والممطرة ثوب من صوف يلبس في المطر يتوقي به من المطر كما في اللسان(2).
بل وردت بعض الأخبار عندهم تبين أن السواد من زي بني العباس أعدائهم :
__________
(1) ... رواه في الوسائل (ج 3 ص 281 باب 20 حديث 3 من أبواب لباس المصلي)، والصدوق في الفقيه (2/232): قال: وسئل الصادق عليه السلام عن الصلاة في القلنسوة السوداء؟ فقال: لا تصل فيها فإنها من لباس أهل النار. وانظر: «وسائل الشيعة» (3/281).
(2) ... رواه في من لا يحضره الفقيه (ج 1 ص 251)، ونقله عنه صاحب الوسائل في (ج 3 ص 278) من أبواب لباس المصلي. والرواية الثانية في الوسائل في (ج 3 ص 279 حديث 7 من أبواب لباس المصلي)، ورواه الفقيه في (ج 2 ص 252) والكافي (ج 2 ص 205).(16/22)
مثل ما روي عن الصدوق في الفقيه مرسلا أنه قال : روي أن جبريل عليه السلام أتى إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعليه قباء أسود ومنطقة فيها خنجر، فقال صلى الله عليه وآله وسلم : يا جبرائيل ما هذا الزي؟ فقال : زي ولد عمك العباس، فخرج النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى العباس فقال : ياعم ويل لولدي من ولدك، فقال: يا رسول الله أفاجب نفسي؟ قال صلى الله عليه وآله وسلم : جرى القلم بما فيه. والظاهر أن المراد بأهل النار في بعض مامر من الأخبار هم المعذبون بها المخلدون فيها يوم القيامة، وهم فرعون ومن حذا حذوه واحتذى مثاله ونحوه من الفرق الطاغية الباغية من أشباه الخلفاء العباسية وغيرهم من كفرة هذه الأمة المرحومة والأمم السابقة الذين اتخذوا السواد ملابس لهم(1).
ومن ذلك ما روي عن الصدوق في الفقيه بإسناده عن إسماعيل بن مسلم عن الصادق عليه السلام أنه قال : أوحى الله إلى نبي من أنبيائه عليهم السلام : قل للمؤمنين لا تلبسوا ملابس أعدائي ولا تطعموا مطاعم أعدائي ولا تسلكوا مسالك أعدائي، فتكونوا أعدائي كما هم أعدائي(2).
__________
(1) ... أوفى العلل والخصال كما في الوسائل، ورواه في الفقيه (ج 2 ص 252).
(2) ... رواه الفقيه (ج 1 ص 252)، وانظر: «وسائل الشيعة» (4/384)، و«بحار الأنوار» (2/291)، (28/48).(16/23)
وقال في كتاب عيون الأخبار على ما في الحدائق بعد نقل الخبر بسند آخر عن علي بن أبي طالب عليه السلام عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نقلا عن المصنف رضي الله عنه : أن لباس الأعداء هو السواد، ومطاعم الأعداء النبيذ والمسكر والفقاع والطين والجرى من السمك والمار الماهي والزمير والطافي وكل ما لم يكن له فلس من السمك والأرنب.. إلى أن قال : ومسالك الأعداء مواضع التهمة ومجالس شرب الخمر والمجالس التي فيها الملاهي والمجالس التي تعاب فيها الأئمة عليهم السلام والمؤمنون، ومجالس أهل المعاصي والظلم والفساد. انتهى ملخصاً(1).
وبعد هذه الأخبار الكثيرة في ذم الأئمة للسواد، وأنه لباس أعداء الشيعة : لماذا يلبس الشيعة السواد ويعظمونه، ويجعلونه لباس الأسياد...؟!!
43 لو أراد إنسان أن يتشيع، فما هو المذهب الذي يسلكه من جملة مذاهب الشيعة الكثيره المختلفة؟! مابين إمامية، وإسماعيلية، ونصيرية، وزيدية، ودروز...إلخ، وكلهم يزعم الانتساب لآل البيت، ويقر بالإمامة، ويعادي الصحابة؟! ويعتقدون جميعاً إمامة علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأنها ركنٌ وأنه الخليفة بلا فصل، ومعهم أصل الدين...!!
44 عندما يريد الشيعة إثبات إمامة الاثني عشر فإنهم يستدلون بحديث: الكساء.
والسؤال: لقد ذكرت فاطمة رضي الله عنها في حديث الكساء بنص نقلي فلماذا تستبعد عن الإمامة، ولا تذكر ضمن أئمة الشيعة؟!
45 يزعم الشيعة أن من شروط الإمام: التكليف وهو البلوغ والعقل، والثابت أن إمامهم الغائب المسمى محمد العسكري ثبتت إمامته وهو ابن خمس أو ثلاث سنين من خلال توقيعاته، فلماذا استبعد هذا الشرط وقيل بإمامته؟!
46 هل أنزلت كتب أخرى على رسول الله صلى الله عليه وسلم غير القرآن واختص بها علي رضي الله عنه؟!
إن قلتم : لا، فبماذا تجيبون عن رواياتكم التالية :
1- الجامعة:
__________
(1) ... ذكر ذلك في (1/26) من عيون الأخبار.(16/24)
عن أبي بصير عن أبي عبد الله قال : أنا محمد، وإن عندنا الجامعة، وما يدريهم ما الجامعة؟!
قال: قلت: جعلت فداك وما الجامعة؟.
قال: صحيفة طولها سبعون ذارعاً بذراع رسول الله صلى الله عليه وسلم وإملائه من فلق فيه، وخط علي بيمينه، فيها كل حلال وحرام، وكل شيء يحتاج الناس إليه حتى الأرش في الخدش.. إلخ(1).
تأمل :« وفيها كل ما يحتاجه الناس».
فلماذا أخفيت إذن، وحُرمنا منها ومما فيها؟!
ثم : أليس هذا من كتمان العلم؟!
2- صحيفة الناموس:
عن الرضا رضي الله عنه في حديث علامات الإمام قال :
«وتكون صحيفة عنده فيها أسماء شيعتهم إلى يوم القيامة، وصحيفة فيها أسماء أعدائهم إلى يوم القيامة»(2).
نقول : أية صحيفة هذه التي تتسع لأسماء الشيعة إلى يوم القيامة؟!
ولو سجل فيها أسماء الشيعة في ايران مثلا في يومنا هذا لاحتجنا إلى مائة مجلدعلى أقل تقدير!!
3- صحيفة العبيطة:
عن أمير المؤمنين رضى الله عنه قال: وأيم الله إن عندي لصحفاً كثيرة قطائع رسول الله صلى الله عليه وآله، وأهل بيته وإن فيها لصحيفة يقال لها العبيطة، وما ورد على العرب أشد منها، وإن فيها لستين قبيلة من العرب بهرجة، مالها في دين الله من نصيب(3).
نقول : إن هذه الرواية ليست مقبولة ولا معقولة، فإذا كان هذا العدد من القبائل ليس لها نصيب في دين الله، فمعنى هذا أنه لا يوجد مسلم واحد له في دين الله نصيب!
ثم لاحظوا تخصيص القبائل العربية بهذا الحكم القاسي الذي يشم منه رائحة الشعوبية.
4 - صحيفة ذؤابة السيف:
عن أبي بصير عن أبي عبد الله رضى الله عنه أنه كان في ذؤابة سيف رسول الله صلى الله عليه وآله صحيفة صغيرة فيها الأحرف التي يفتح كل حرف منها ألف حرف.
__________
(1) ... انظر: «الكافي» (1/239).
(2) ... انظر: «بحار الأنوار» (25/117).
(3) ... «بحار الأنوار» (26/37).(16/25)
قال أبو بصير: قال أبو عبد الله: فما خرج منها إلا حرفان حتى الساعة(1).
نقول : وأين الأحرف الأخرى؟!
ألا يفترض أن تخرج حتى يستفيد منها شيعة أهل البيت؟!
أم أنها ستبقى مكتومة حتى يقوم القائم؟؟! وتهلك الأجيال تلو الأجيال والدين محبوس في السرداب..؟!
5 - صحيفة علي :
وهي صحيفة أخرى وجدت في ذؤابة السيف:
عن أبي عبد الله رضى الله عنه قال:
وُجِدَ في ذؤابة سيف رسول الله صلى الله عليه وآله صحيفة فإذا فيها مكتوب :
بسم الله الرحمن الرحيم، إن أعتى الناس على الله يوم القيامة من قتل غير قاتله، ومن ضرب غير ضاربه، ومن تولى غير مواليه فهو كافر بما أنزل الله تعالى على محمد صلى الله عليه وآله، ومن أحدث حدثاً أو آوى محدثاً لم يقبل الله منه يوم القيامة صرفاً ولا عدلاً(2).
6- الجفر:
وهو نوعان: الجفر الأبيض، والجفر الأحمر:
عن أبي العلاء قال: سمعت أبا عبد الله رضى الله عنه يقول: إن عندي الجفر الأبيض.
قال: فقلت: أي شيء فيه؟
قال: زبور داود، وتوراة موسى، وإنجيل عيسى، وصحف إبراهيم عليهم السلام والحلال والحرام..، وعندي الجفر الأحمر.
قال: قلت: وأي شيء في الجفر الأحمر؟
قال: السلاح، وذلك إنما يفتح للدم يفتحه صاحب السيف للقتل.
فقال له عبد الله بن أبي اليعفور: أصلحك الله، أيعرف هذا بنو الحسن؟
فقال: أي والله كما يعرفون الليل أنه ليل والنهار أنه نهار، ولكنهم يحملهم الحسد وطلب الدنيا على الجحود والإنكار، ولو طلبوا الحق بالحق لكان خيراً لهم(3).
نقول : تأمل : زبور داود وتوراة موسى وانجيل عيسى وصحف إبراهيم عليهم الله والحلال والحرام، كلها في هذا الجفر!
فلماذا تكتمونه؟!
7- مصحف فاطمة :
أ- عن علي بن سعيد عن أبي عبد الله رضي الله عنه قال :
__________
(1) «بحار الأنوار» (26/56).
(2) ... «بحار الأنوار» (27/65).
(3) ... «أصول الكافي» (1/24).(16/26)
وعندنا والله مصحف فاطمة ما فيه آية من كتاب الله، وإنه لإملاء رسول الله صلوات الله عليه وآله بخط علي رضي الله عنه بيده(1).
ب- وعن محمد بن مسلم عن أحدهما رضى الله عنه:
(وخلفت فاطمة مصحفاً، ما هو قرآن، ولكنه كلام من كلام الله أنزل عليها، إملاء رسول الله صلى الله عليه وآله وخط علي رضي الله عنه) (2).
جـ- عن علي بن أبي حمزة عن أبي عبد الله رضى الله عنه:
(وعندنا مصحف فاطمة عليها السلام، أما والله ما فيه حرف من القرآن، ولكنه إملاء رسول الله صلى الله عليه وآله وخط علي) (3)
فإذا كان الكتاب من إملاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وخط علي، فلماذا كتمه عن الأمة؟!
والله تعالى قد أمر رسوله صلى الله عليه وسلم أن يبلغ كل ما أنزل إليه، قال الله تعالى: { أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ } [المائدة:67-77].
فكيف يمكن لرسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هذا أن يكتم عن المسلمين جميعاً هذا القرآن؟! وكيف يليق بعلي رضى الله عنه والأئمة من بعده أن يكتموه عن شيعتهم؟!
أليس هذا من خيانة الأمانة؟!
8 - التوراة والإنجيل والزبور:
عن أبي عبد الله رضى الله عنه أنه كان يقرأ الإنجيل والتوراة والزبور بالسريانية(4).
نقول : وماذا يفعل أمير المؤمنين والأئمة من بعده بالزبور والتوراة والإنجيل يتداولونها فيما بينهم ويقرؤونها في سرهم، ونصوص الشيعة تدعي أن عليًا وحده حاز القرآن كاملاً وحاز كل تلك الكتب والصحائف الأخرى على حد زعمكم, فما حاجته إلى الزبور والتوراة والإنجيل؟! وبخاصة إذا علمنا أن هذه الكتب قد نسخت بنزول القرآن؟
__________
(1) ... «بحار الأنوار» (26/41).
(2) ... «البحار» (26/41).
(3) ... «البحار» (26/48).
(4) ... انظر: «أصول الكافي» (1/227).(16/27)
بعد كل هذا نقول : نحن نعلم أن الإسلام ليس له إلا كتاب واحد هو القرآن الكريم،وأما تعدد الكتب فهذا من خصائص اليهود والنصارى كما هو واضح في كتبهم المتعددة.
47 لماذا لم يلطم النبي صلى الله عليه وسلم عندما مات ابنه إبراهيم؟!
ولماذا لم يلطم علي رضي الله عنه عندما توفيت فاطمة رضي الله عنها؟!
48 كثير من علماء الشيعة وخصوصاً في إيران لا يعرفون اللغة العربية, فهم عُجُم الألسنة. فكيف يستنبطون الأحكام من كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم؟! مع العلم أن المعرفة بالعربية هي أحد ضرورات العالم.
49 يعتقد الشيعة أن أغلب الصحابة كانوا منافقين وكفارًا إلا قلة قليلة جداً, فإذا كان الأمر كذلك : لماذا لم ينقض هؤلاء الكفار على القلة القليلة التي كانت مع النبي صلى الله عليه وسلم؟! إن قالوا : بأنهم إنما ارتدوا بعد وفاته صلى الله عليه وسلم إلا سبعة، فلماذا لم ينقضوا على المسلمين القلة ويرجعوا الأمر كما كان عليه آباءهم وأجدادهم؟!
50 هل يعقل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم فشل في اختيار أصحابه، في مقابل نجاح الخميني في ذلك؟!(16/28)
51 يقول شيخ الشيعة أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي في مقدمة كتابه «تهذيب الأحكام»(1) وهو أحد كتبهم الأربعة: «الحمد لله ولي الحق ومستحقه وصلواته على خيرته من خلقه محمد صلى الله عليه وآله وسلم تسليماً، ذاكرني بعض الأصدقاء أبره الله ممن أوجب حقه علينا بأحاديث أصحابنا أيدهم الله ورحم السلف منهم، وما وقع فيها من الاختلاف والتباين والمنافاة والتضاد، حتى لا يكاد يتفق خبر إلا وبإزائه ما يضاده، ولا يسلم حديث إلا وفي مقابلة ما ينافيه، حتى جعل مخالفونا ذلك من أعظم الطعون على مذهبنا..», ويقول السيد دلدار علي اللكهنوي الشيعي الاثنا عشري في أساس الأصول (2): إن «الأحاديث المأثورة عن الأئمة مختلفة جداً لا يكاد يوجد حديث إلا وفي مقابله ما ينافيه، ولا يتفق خبر إلا وبإزائه ما يضاده، حتى صار ذلك سبباً لرجوع بعض الناقصين ...». ويقول عالمهم ومحققهم وحكيمهم ومدققهم وشيخهم حسين بن شهاب الدين الكركي في كتابه «هداية الأبرار إلى طريق الأئمة الأطهار»(3): «فذلك الغرض الذي ذكره في أول التهذيب من أنه ألفه لدفع التناقض بين أخبارنا لما بلغه أن بعض الشيعة رجع عن المذهب لأجل ذلك».
نقول : لقد اعترف علماء الشيعة بتناقض مذهبهم(4)، والله يقول عن الباطل { وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراًـ}ـ [النساء:82].
52 يقول الشيعة : إن البكاء على الحسين مستحب! فهل هذا الاستحباب مبني علي دليل أم على هوى؟! وإذا كان على دليل فأين هو؟!
ولماذا لم يفعل ذلك أحد من أئمة أهل البيت الذين تزعمون أنكم أتباعهم؟!
__________
(1) ... (1/45).
(2) ... (ص 51) ط لكهنو الهند.
(3) ... (ص 164) الطبعة الأولى 1396هـ.
(4) ... انظر: أصول مذهب الشيعة الإمامية الإثني عشرية، للقفاري، (1/418 وما بعدها).(16/29)
53 يعتقد الشيعة أن علي بن أبي طالب أفضل من ابنه الحسين, فإذا كان الأمر كذلك فلماذا لا تبكون عليه في ذكرى مقتله كبكائكم على ابنه؟! ثم ألم يكن النبي صلى الله عليه وسلم أفضل منهما؟ فلماذا لا تبكون عليه أشد من بكائكم السابق؟!
54 إذا كانت ولاية علي بن أبي طالب رضي الله عنه وولاية أبنائه من بعده ركناً لا يتحقق الإيمان إلا به ومن لم يؤمن بذلك فقد كفر واستحق جهنم ولو شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وأقام الصلاة، وآتى الزكاة، وصام رمضان، وحج بيت الله الحرام ـ كما يعتقد الشيعة ـ؛
فلماذا لا نجد التصريح بهذا الركن العظيم في القرآن الكريم؟!
إنما نجد القرآن قد صرح بغيره من الأركان والواجبات التي هي دونه؛ كالصلاة والزكاة والصيام والحج، بل صرح القرآن الكريم ببعض المباحات كالصيد مثلاً... فأين الركن الأكبر من الثقل الأكبر...؟!.
55 لو كان مجتمع الصحابة كما يصفه الشيعة مجتمعًا متباغضًا يحسد بعضه بعضًا، ويحاول كلٌ من أفراده الفوز بالخلافة، مجتمعًا لم يبق على الإيمان من أهله إلا نفر قليل، لم نجد الإسلام قد وصل إلى ما وصل إليه من حيث الفتوحات الكثيرة، واعتناق آلاف البشر له في زمن الصحابة رضي الله عنهم.
56 لماذا يعطّل كثير من الشيعة صلاة الجمعة التي ورد الأمر الصريح بإقامتها في في سورة الجمعة : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ }ـ [الجمعة:9].
إن قالوا : نحن نعطلها حتى يخرج المهدي المنتظر!
نقول : وهل هذا الانتظار يسوّغ تعطيل هذا الأمر العظيم؟! حيث مات مئات الألوف من الشيعة إن لم يكن أكثر وهم لم يؤدوا هذه الشعيرة العظيمة من شعائر الإسلام، بسبب هذا العذر الشيطاني الواهي.(16/30)
57 يعتقد الشيعة أن القرآن حذفت منه وغيرت آيات من قِبَل أبي بكر وعمر رضي الله عنهما!
ويروون عن أبي جعفر أنه قيل له : لماذا سمي ـ علي ـ أمير المؤمنين؟
قال: الله سماه، وهكذا أنزل في كتابه : ( وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم وأن محمدًا رسولي وأن عليًا أمير المؤمنين)(1)!
ويقول الكليني في تفسير الآية: { فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ } (يعني بالإمام) { وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ }ـ [الأعراف:157].
يعني: الذين اجتنبوا الجبت والطاغوت أن يعبدوها. والجبت والطاغوت: فلان وفلان(2)!
قال المجلسي ( المراد بفلان وفلان أبو بكر وعمر ) (3)!
ولهذا يعتبرهما الشيعة شيطانين ـ والعياذ بالله ـ .
فقد جاء في تفسيرهم لقوله تعالى: { لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ } [النور:21]، قالوا:خطوات الشيطان والله ولاية فلان وفلان(4).
ويروون عن أبي عبد الله قال :{ ومن يطع الله ورسوله في ولاية علي وولاية الأئمة من بعده فقد فاز فوزا عظيما } قال: هكذا نزلت (5).
وعن أبي جعفر قال نزل جبرائيل عليه السلام بهذه الآية على محمد هكذا {بئسما اشتروا به أنفسهم أن يكفروا بما أنزل الله في علي بغيا}(6).
وعن جابر قال : نزل جبرائيل عليه السلام بهذه الآية على محمد هكذا {وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا في علي فأتوا بسورة من مثله}(7).
__________
(1) ... «أصول الكافي» (1/412).
(2) ... السابق (1/429).
(3) ... «بحار الأنوار» (23/306).
(4) ... «تفسير العياشي» (1/214)، «تفسير الصافي» (1/242).
(5) ... انظر: كتاب «أصول الكافي» (1/414).
(6) ... السابق (1/417).
(7) ... «شرح أصول الكافي» (7/66).(16/31)
وعن أبي عبد الله عليه السلام قال : نزل جبرائيل على محمد صلى الله عليه وآله بهذه الآية هكذا { يا أيها الذين أوتوا الكتب آمنوا بما نزلنا في علي نورا مبينا }(1).
وعن محمد بن سنان عن الرضا عليه السلام قال :{ كبر على المشركين بولاية علي ما تدعوهم إليه يا محمد من ولاية علي}. هكذا في الكتاب مخطوطة(2).
وعن أبي عبد الله قال: {سأل سائل بعذاب واقع للكافرين بولاية علي ليس له دافع} قال: هكذا والله نزل بها جبرائيل عليه السلام على محمد صلى الله عليه وآله(3).
وعن أبي جعفر أنه قال : نزل جبرائيل عليه السلام بهذه الآية على محمد صلى الله عليه وآله هكذا : { فبدل الذين ظلموا آل محمد حقهم قولا غير الذي قيل لهم فأنزلنا على الذين ظلموا آل محمد حقهم رجزًا من السماء بما كانوا يفسقون}(4).
وعن أبي جعفر قال : نزل جبرائيل عليه السلام بهذه الآية هكذا {إن الذين ظلموا آل محمد حقهم لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم طريقا إلا طريق جهنم} ثم قال {يا أيها الناس قد جاءكم الرسول بالحق من ربكم في ولاية علي فآمنوا خيرا لكم وإن تكفروا بولاية علي فإن لله ما في السماوات وما في الأرض}(5).
فهذه الآيات يزعم الشيعة أنها تدل صراحة على إمامة علي رضي الله عنه، ولكن أبابكر وعمر رضي الله عنهما حرفوها كما تزعم الشيعة.
وهاهنا سؤالان محرجان للشيعة :
الأول :مادام أن أبابكر وعمر قد حرفا هذه الآيات فلماذا لم يقم علي بعد أن صار خليفة للمسلمين بتوضيح هذا الأمر؟! أو على الأقل إعادة هذه الآيات في القرآن كما أنزلت؟!
__________
(1) ... السابق.
(2) ... السابق (5/301).
(3) ... انظر: كتاب «أصول الكافي» (1/422).
(4) ... السابق (1/423).
(5) ... السابق (1/424).(16/32)
لم نجده رضي الله عنه فعل هذا، بل بقي القرآن في عهده كما كان في عهد الخلفاء من قبله، وكما كان زمن النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه محفوظ بحفظ الله القائل: { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ }ـ [الحجر:9]، ولكن الشيعة لا يعلمون.
السؤال الثاني: أن بعض هذه الآيات التي حرفوها لكي يثبتوا لعلي ولايته وإمامته وخلافته تخبرنا صراحة بأن هذا لن يكون!!
فتأملوا في الآية التي حرفوها وهي تتكلم عن اليهود ونسبوها للمسلمين! :
{فبدل الذين ظلموا آل محمد حقهم قولاً غير الذي قيل لهم فأنزلنا على الذين ظلموا آل محمد حقهم رجزا من السماء بما كانوا يفسقون}.
فحسب تحريفهم هذه الآية تتكلم عن أمر سيحدث مستقبلاً، وأن عليًا يعرف ذلك.
و بأي حق يطالب علي وأهل البيت بحقهم الذي اغتصب منهم والقرآن يخبرهم بأن ذلك سيقع؟ وأنه لن يقبل المسلمون من علي ولاية ولا وصاية ولن يكون الخليفة بعد الرسول صلى الله عليه وسلم؟!
ثم متى وقع الرجز الذي أنزله الله على الذين ظلموا آل محمد حقهم في الخلافة؟!
الكل يعلم بأن هذا لم يحدث أبدًا، ولكنه التحريف الساذج المكشوف.
58 يروي الشيعة عن أبي الحسن في قوله تعالى: { يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ }ـ «يريدون ليطفئوا ولاية أمير المؤمنين»، { وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ }ـ [الصف: 8] يقول: «والله متم الإمامة، والإمامة هي النور»، وذلك قول الله عز وجل: { فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنزَلْنَا }ـ [التغابن:8] قال: «النور والله: الأئمة من آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم يوم القيامة»(1).
والسؤال : هل أتم الله نوره بنشر الإسلام أم بإعطاء الولاية والوصاية والخلافة لأهل البيت؟!
__________
(1) ... «الكافي» (1/149).(16/33)
59 لقد وجدنا اثنين فقط من الأئمة ـ حسب مفهومكم ـ توليا الخلافة :علي وابنه الحسن رضي الله عنهما! فأين إتمام النور ببقية العشرة؟!
60 تروي بعض كتب الشيعة عن جعفر الصادق أنه قال لامرأة سألته عن أبي بكر وعمر: أأتولاهما؟! قال : توليهما. فقالت : فأقول لربي إذا لقيته إنك أمرتني بولايتهما؟! قال لها : نعم (1).
وتروي أن رجلا من أصحاب الباقر تعجب حين سمع وصف الباقر لأبي بكر رضي الله عنه بأنه الصديق، فقال الرجل : أتصفه بذلك؟! فقال الباقر: نعم الصديق فمن لم يقل له الصديق فلا صدق الله له قولا في الآخرة(2).
فما رأي الشيعة بأبي بكر الصديق رضي الله عنه؟
61 لقد ذكر أبو الفرج الأصفهاني في مقاتل الطالبين(3) والأربلي في كشف الغمة(4), والمجلسي في جلاء العيون(5) أن أبا بكر بن علي بن أبي طالب كان ممن قتل في كربلاء مع أخيه الحسين رضي الله عنهما، وكذا قتل معهم ابن الحسين واسمه أبو بكر! (ومحمد الأصغر المكنى أبا بكر).
فلماذا تخفي الشيعة هذا الأمر؟! وتركز فقط على مقتل الحسين؟!
السبب هو أن اسم أخ الحسين، واسم ابنه كذلك : (أبوبكر)!!
وهذا ما لا تريد الشيعة أن يعلمه المسلمون، ولا أتباعهم الغافلون؛ لأنه يفضح كذبهم في ادعاء العداوة بين آل البيت وكبار الصحابة وعلى رأسهم أبوبكر رضي الله عنه. لأنه لو كان كافرًا مرتدًا، قد اغتصب حق علي وآله ـ كما يزعم الشيعة ـ لما رأينا آل البيت يتسمون باسمه!
بل هذا دليل محبة لمن تأمل.
ثم: لماذا لا يقتدي الشيعة بعلي والحسين رضي الله عنهما ويسمون أبناءهم ( بأبي بكر)؟!
__________
(1) ... روضة الكافي (8/101).
(2) ... كشف الغمة (2/360).
(3) ... صفحة 88، 142، 188 طبعة بيروت.
(4) ... (2/66).
(5) ... ص 582.(16/34)
62 إنّ الإيمان بِكوْن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خاتم الأنبياء والمرسلين يحصل به مقصود الإمامة في حياته وبعد مماته، فمن ثبت عنده أنّ محمدًا عليه الصلاة والسلام رسول الله، وأنّ طاعته واجبة، واجتهد في طاعته بحسب الإمكان، إن قيل بأنه يدخل الجنة استغنى عن مسألة الإمامة ولم يلزمه طاعة سوى الرسول عليه الصلاة والسلام، وإن قيل لا يدخل الجنة إلا باتباعه الإمام كان هذا خلاف نصوص القرآن الكريم، فإنه سبحانه وتعالى أوجب الجنة لمن أطاع الله ورسوله في غير موضع من القرآن، ولم يعلق دخول الجنة بطاعة إمام أو إيمان به أصلاً؛ كمثل قوله تعالى: { وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً } [النساء:69]، وقوله تعالى: { وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ }ـ [النساء:13].(16/35)
فلو كانت الإمامة أصلاً للإيمان أو الكفر، أو هي أعظم أركان الدين التي لا يقبل الله عمل العبد إلا بها كما تقول الشيعة، لذكر الله عز وجل الإمامة في تلك الآيات وأكّد عليها؛ لعلمه بحصول الخلاف فيها بعد ذلك، ولا أظن أحداً سيأتي ليقول لنا بأنّ الإمامة في الآيات مذكورة ضمناً تحت طاعة الله وطاعة الرسول؛ لأنّ في هذا تعسفاً في التفسير، بل يكفي بياناً لبطلان ذلك أن نقول بأنّ طاعة الرسول في حد ذاتها هي طاعة للرب الذي أرسله، غير أنّ الله عز وجل لم يذكر طاعته وحده سبحانه ويجعل طاعة الرسول مندرجة تحت طاعته بل أفردها لكي يؤكد على ركنين مهمين في عقيدة الإسلام (طاعة الله، وطاعة الرسول)، وإنما وجب ذكر طاعة الرسول بعد طاعة الله كشرط لدخول الجنة لأنّ الرسول مبلّغ عن الله ولأن طاعته طاعة لمن أرسله أيضاً، ولمّا لم يثبت لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جانب التبليغ عن الله، فإنّ الله عز وجل علّق الفلاح والفوز بالجنان بطاعة رسوله والتزام أمره دون أمر الآخرين.
63 كان فى عهد النبى صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم أناس يرونه مرة واحدة ثم يذهبون لديارهم، فلم يسمعوا ـ بلا شك ـ عن ولاية علي بن أبي طالب وأبنائه وأحفاده رضي الله عنهم جميعاً.
فهل إسلامهم ناقص؟!
إن قلتم: نعم. نقول : لو كان كذلك لكان النبي صلى الله عليه وسلم أولى الناس بتصحيح إسلامهم وتبيين أمر الإمامة لهم. ولم نجده فعل ذلك صلى الله عليه وسلم.
64 ورد في كتاب ( نهج البلاغة ) الذي تقدره الشيعة ما يلي :
( ومن كتاب له ( عليه السلام ) إلى معاوية :(16/36)
إنه بايعني القوم الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان على ما بايعوهم عليه فلم يكن للشاهد أن يختار ولا للغائب أن يرد وإنما الشورى للمهاجرين والأنصار فإن اجتمعوا على رجل وسمَّوه إماماً كان ذلك لله رضاً فإن خرج عن أمرهم خارج بطعن أو بدعة ردوه إلى ما خرج منه فإن أبى قاتلوه على اتباعه غير سبيل المؤمنين وولاه الله ما تولى ولعمري يا معاوية لئن نظرت بعقلك دون هواك لتجدني أبرأ الناس من دم عثمان، ولتعلمن أني كنت في عزلة عنه إلا أن تتجنى فتجن ما بدا لك والسلام)(1).
ففي هذا دليل على :
1- أن الإمام يختار من قبل المهاجرين والأنصار، فليس له أي علاقة بركن الإمامة عند الشيعة!
2- أن عليا قد بويع بنفس الطريقة التي بويع بها أبو بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم أجمعين.
3- أن الشورى للمهاجرين والأنصار، وهذ يدل على فضلهم ودرجتهم العالية عند الله، ويعارض ويخالف الصورة التي يعكسها الشيعة عنهم.
4- أن قبول المهاجرين والأنصار ورضاهم ومبايعتهم لإمام لهم يكون من رضا الله، فليس هناك اغتصاب لحق الإمامة كما يدعي الشيعة، وإلا فكيف يرضى الله عن ذلك الأمر؟!
5- أن الشيعة يلعنون معاوية رضي الله عنه، ولم نجد عليًا رضي الله عنه يلعنه في رسائله!
65 لا يستطيع الشيعة أن ينكروا أن أبابكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم أجمعين قد بايعوا الرسول صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة، وأن الله أخبر بأنه قد رضي عنهم وعلم ما في قلوبهم(2)، فكيف يليق بالشيعة بعد هذا أن يكفروا بخبر الله تعالى، ويزعموا خلافه؟! فكأنهم يقولون
__________
(1) ... انظر: كتاب «صفوة شروح نهج البلاغة» (ص593).
(2) ... قال تعالى: { لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً } [الفتح: 18].(16/37)
( أنت يا رب لا تعلم عنهم ما نعلم( ! ـ والعياذ بالله ـ.
66 بينما نجد الشيعة يتقربون إلى الله بسب كبار الصحابة، وعلى رأسهم الخلفاء الراشدون الثلاثة : أبوبكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم، لا نجد سنيًا واحدًا يسب واحدًا من آل البيت! بل يتقربون إلى الله بحبهم.
وهذا ما لم يستطع الشيعة إنكاره، ولو بالكذب.
67 طالما ردد الشيعة في كتبهم عن مقتل الحسين رضي الله عنه أنه مات عطشانا في المعركة، ولذلك تراهم يكتبون على مخازن المياه العبارة التالية ( اشرب الماء وتذكر عطش الحسين)!
والسؤال : مادام الأئمة حسب مفهوم الشيعة يعلمون الغيب :
ألم يكن باستطاعة الحسين أن يعلم حاجته إلى الماء أثناء القتال، وأنه سوف يموت عطشاً، وبهذا يستطيع أن يجمع كمية من الماء كافية للمعركة؟!
ثم : أليس توفير المياه أثناء القتال يدخل في باب الأخذ بالأسباب؟! والله يقول : { وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ } [الأنفال:60].
68 لقد اكتمل دين الإسلام في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، لقوله تعالى { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ } [المائدة: 3]، ومذهب الشيعةإنما ظهر بعد وفاته صلى الله عليه وسلم؟!
69 لقد أنزل الله عز وجل براءة عائشة رضي الله عنها في قصة الإفك الشهيرة، وطهرها من هذا السوء، ثم نجد بعض الشيعة لا زالوا يرمونها بالخيانة(1)!! ـ والعياذ بالله ـ. وهذا كما أن فيه طعنًا برسول الله صلى الله عليه وسلم، فيه طعن بالله عز وجل الذي يعلم الغيب، ولم يخبر نبيه بأن زوجته خائنة؟! ـ حاشاها من ذلك ـ.
وبئس المذهب مذهبًا يطعن في زوجات خير البشر وأمهات المؤمنين.
__________
(1) ... انظر: «تفسير القمي» (2/377)، و«البرهان» للبحراني (4/358).(16/38)
70 إذا كان لعلي وولديه رضوان الله عليهم كل تلك الخوارق التي ترويها كتب الشيعة، وهم ينفعونهم الآن وهم أموات ـ كما يزعمون ـ فلماذا لم ينفعوا أنفسهم وهم أحياء؟!
فقد وجدنا عليًا رضي الله عنه لم يستقر له أمر الخلافة، ثم مات مقتولاً، ووجدنا الحسن كذلك يضطر للتنازل عن الخلافة لمعاوية، ووجدنا الحسين يتعرض للتضييق ثم للقتل ولم يحصل له مبتغاه.. وهكذا من بعدهم!
فأين تلك الخوارق التي كانت عندهم؟!
71 يزعم الشيعة أن فضائل علي متواترة عن طريق الشيعة، وكذا النص على إمامته. فيقال : أما الشيعة الذين ليسوا من الصحابة فإنهم لم يروا النبى صلى الله عليه وسلم ولم يسمعوا كلامه، فنقلهم هو نقل مرسل منقطع إن لم يسندوه إلى الصحابة لم يكن صحيحا، والصحابة الذين تواليهم االشيعة نفر قليل بضعة عشر أو نحو ذلك، وهؤلاء لا يثبت التواتر بنقلهم! والجمهور الأعظم من الصحابة الذين نقلوا فضائله تقدح الشيعة فيهم وتتهمهم بالكفر!
ثم يلزمهم إذا جوزوا على الجمهور الذين أثنى عليهم القرآن الكذب والكتمان فتجويز ذلك على نفر قليل أولى وأجوز!
72 يدعي الشيعة : أن أبا بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم كان قصدهم الرياسة والملك فظلموا غيرهم بالولاية، فيقال لهم : هؤلاء لم يقاتلوا مسلما على الولاية، وإنما قاتلوا المرتدين والكفار، وهم الذين كسروا كسرى وقيصر وفتحوا بلاد فارس وأقاموا الإسلام، وأعزوا الايمان وأهله وأذلوا الكفر وأهله، وعثمان وهو دون أبي بكر وعمر فى المنزلة طلب الثوار قتله وهو في ولايته فلم يقاتل المسلمين ولا قتل مسلما على ولايته وخلافته.
فإذا جوّز الشيعة على هؤلاء أنهم كانوا ظالمين فى ولايتهم أعداء الرسول صلى الله عليه وسلم، لزمهم أن يقولو مثل ذلك في علي رضي الله عنه!!
73 لقد كفرت القاديانية بادعائها النبوة لزعيمها، فما الفرق بينها وبين الشيعة الذين يزعمون لأئمتهم خصائص الأنبياء وزيادة؟!(16/39)
أليس هذا مدعاة للكفر؟! أو يذكرون لنا الفروق الجوهرية بين الإمام والرسول؟! وهل جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ليبشرنا باثني عشر ـ إماماً ـ أقوالهم كأقواله وأفعالهم كأفعاله معصومون مثله تماماً...؟
74 كيف يُدفن رسول الله صلى الله علية وسلم في حجرة عائشة رضي الله عنها؟! وأنتم تتهمونها بالكفر والنفاق والعياذ بالله؟! أليس هذا دليلاً على حبها ورضاه عنها؟!
75 مثله : كيف يدفن رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أبي بكر وعمر، وهما ـ في نظركم ـ كافران؟! والمسلم لا يدفن بين الكفار، فكيف بالنبي صلى الله عليه وسلم؟! لم يحفظه الله من مجاورة الكافرين في مماتة ـ حسب زعمكم ـ.
ثم أين علي رضي الله عنه من ذلك كله؟! لماذا لم يعارض هذا الأمر الخطير؟!
يلزمكم : أن أبابكر وعمر رضي الله عنهما مسلمان، وقد أنالهم الله هذا الشرف لشرفهم عنده وعند رسوله صلى الله عليه وسلم ـ وهذا هو الحق ـ، أو أن يكون عليًا رضي الله عنه قد داهن في دينه!! وحاشاه عن ذلك. وإلا فكيف لنبي مختار أن يدفن معه كفره فجار كما تزعمون؟
76 يدعي الشيعة أن النص على إمامة علي رضي الله عنه، واستحقاقه الخلافة ثابت في القرآن ولكن الصحابة كتموه.
وهذه دعوى باطلة؛ لأننا وجدنا الصحابة رضي الله عنهم لم يكتموا الأحاديث التي يستشهد بها الشيعة على إمامة علي؛ مثل حديث «أنت مني بمنزلة هارون من موسى» وغيره من الأحاديث المشابهة، فلماذا لم يكتموها أيضًا؟!
77 لقد كان الخليفة الحق بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم هو أبو بكر الصديق؛ والدليل على هذا :
1- اتفاق الصحابة وإجماعهم على طاعته وانقيادهم لأوامره ونواهيه وتركهم الإنكار عليه، ولو لم يكن خليفة حقا لما تركوا ذلك، ولما أطاعوه، وهم من هم زهدًا وورعًا وديانة، وكانت لا تأخذهم في الله لومة لائم.(16/40)
2- أن عليًا رضي الله عنه ما خالفه ولا قاتله، ولا يخلو : إما أن يكون تركه لقتاله خوفًا من الفتنة والشر، أو لعجز، أو لعلمه أن الحق مع أبي بكر.
ولا يمكن أن يكون تركه لأجل اتقاء الفتنة وخوف الشر؛ لأنه قاتل معاوية رضي الله عنه، وقتل في الحرب الخلق الكثير، وقاتل طلحة والزبير رضي الله عنهما وقاتل عائشة رضي الله عنها حين علم أن الحق له ولم يترك ذلك خوفًا من الفتنة!
ولا يمكن أن يكون عاجزًا؛ لأن الذين نصروه في زمن معاوية كانوا على الإيمان يوم السقيفة ويوم استخلاف عمر ويوم الشورى، فلو علموا أن الحق له لنصروه أمام أبي بكر رضوان الله عليه؛ لأنه أولى من معاوية رضي الله عنه بالمحاربة والقتال.
فثبت أنه ترك ذلك لعلمه أن الحق مع أبي بكر رضي الله عنهما!
78 يدعي الشيعة أن معاوية رضي الله عنه كان كافرًا مرتدًا!، ويلزمهم لو كان الأمر كما يقولون : القدح في علي وابنه الحسن رضي الله عنهما، وتوضيح هذا :
أن يكون عليٌّ مغلوبًا من المرتدين، وأن الحسن قد سلم أمر المسلمين إلى المرتدين. بينما نجد أن خالد بن الوليد قد حارب المرتدين زمن أبي بكر وقهرهم، فيكون نصر الله لخالد على الكفار أعظم من نصره لعلي! والله سبحانه وتعالى عدل لا يظلم واحدًا منهما، فيكون أفضل عند الله منه، بل إن جيوش أبي بكر وعمر وعثمان ونوابهم كانوا منصورين على الكفار، بينما علي عاجز عن مقاومة المرتدين!(16/41)
أيضا : فإن الله سبحانه وتعالى يقول: {وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ}ـ [آل عمران:139]، ويقول: {فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَن يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ}ـ [محمد:35]، وعلي رضي الله عنه دعا معاوية إلى السلم في آخر الأمر لما عجز عن دفعه عن بلاده، وطلب منه أن يبقى كل واحد منهما على ما هو عليه، فإن كان أصحابه مؤمنين وأولئك مرتدين ـ كما تزعم الشيعة ـ وجب أن يكون أصحابه هم الأعلون، وهو خلاف الواقع!
79 إن الشيعة تعجز عن إثبات إيمان علي وعدالته، ولا يمكنهم ذلك إلا إذا صاروا من أهل السنة؛ لأنه إذا قالت لهم الخوارج وغيرهم ممن يكفرون عليًا أو يفسقونه : لا نسلم أنه كان مؤمنًا، بل كان كافرا أو ظالما ـ كما يقول الشيعة في أبي بكر وعمرـ لم يكن لهم دليل على إيمانه وعدالته إلا وذلك الدليل على إيمان أبي بكر وعمر وعثمان أدل.
فإن احتجوا بما تواتر من إسلامه وهجرته وجهاده، فقد تواتر ذلك عن هؤلاء، بل تواتر إسلام معاوية وخلفاء بني أمية وبني العباس وصلاتهم وصيامهم وجهادهم للكفار!
فإن ادعوا في واحد من هؤلاء النفاق أمكن الخارجي أن يدعي في علي النفاق!
وإن ذكروا شبهة ذكر ما هو أعظم منها!(16/42)
وإن قالوا ما تقوله أهل الفرية من أن أبا بكر وعمر كانا منافقين في الباطن عدوين للنبي صلى الله عليه وسلم أفسدا دينه بحسب الإمكان، أمكن الخارجي أن يقول ذلك في علي، ويوجه ذلك بأن يقول كان يحسد ابن عمه ـ والعداوة في الأهل ـ وكان يريد فساد دينه، فلم يتمكن من ذلك في حياته وحياة الخلفاء الثلاثة حتى سعى في قتل الخليفة الثالث وأوقد الفتنة، حتى تمكن من قتل أصحاب محمد وأمته بغضا له وعداوة، وكان مباطناً للمنافقين الذين ادعوا فيه الإلهية والنبوة، وكان يظهر خلاف ما يبطن لأن دينه التقية، ولهذا كانت الباطنية من أتباعه وعندهم سره وهم ينقلون عنه الباطن الذين ينتحلونه!
وإن أرادوا إثبات إيمانه وعدالته بنص القرآن عليه، قيل لهم : القرآن عام وتناوله له ليس بأعظم من تناوله لغيره، وما من آية يدعون اختصاصها به إلا أمكن أن يدعى اختصاصها واختصاص مثلها أو أعظم منها بأبي بكر وعمر، فباب الدعوى بلا حجة ممكنة، والدعوى في فضل الشيخين أمكن منها في فضل غيرهما.
وإن قالوا: ثبت ذلك بالنقل والرواية، فالنقل والرواية في أولئك أشهر وأكثر، فإن ادعوا تواترا فالتواتر هناك أصح، وإن اعتمدوا على نقل الصحابة فنقلهم لفضائل أبي بكر وعمر أكثر!
80 يزعم الشيعة أن عليًا كان أحق الناس بالإمامة لثبوت فضله على جميع الصحابة ـ كما يدعون ـ ولكثرة فضائله دونهم، فنقول: هبكم وجدتم لعلي رضي الله عنه فضائل معلومة؛ كالسبق إلى الإسلام والجهاد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسعة العلم والزهد، فهل وجدتم مثل ذلك للحسن والحسين رضي الله عنهما في مقابل سعد بن أبي وقاص وعبدالرحمن بن عوف وعبد الله بن عمر وغيرهم من المهاجرين والأنصار؟!(16/43)
هذا ما لا يقدر أحد على أن يدعيه لهما، فلم يبق إلا دعوى النص عليهما، وهذا مالا يعجز عن مثله أحد، ولو استحلت الأموية ـ مثلا ـ أن تجاهر بالكذب في دعوى النص على معاوية لكان أمرهم في ذلك أقوى من أمر الشيعة؛ لقوله تعالى: {وَمَن قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً فَلاَ يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُوراً}ـ [الإسراء:33]
فسيقولون : المظلوم هو عثمان بن عفان، وقد نصر الله معاوية لتوليه دم عثمان!
81 تزعم الشيعة أن أبابكر وعمر اغتصبا الخلافة من علي وتآمرا عليه لكي يمنعوه منها..الخ افترائهم.
نقول : لو كان ما ذكرتموه حقا فما الذي دعا عمر إلى إدخاله في الشورى مع من أدخله فيها؟ ولو أخرجه منها كما أخرج سعيد بن زيد أو قصد إلى رجل غيره فولاه ما اعترض عليه أحد في ذلك بكلمة؟!
فصح ضرورة بما ذكرنا أن القوم أنزلوه منزلته غير غالين ولا مقصرين، رضي الله عنهم أجمعين، وأنهم قدموا الأحق فالأحق والأفضل فالأفضل، وساووه بنظرائه منهم.
ويؤكد هذا : البرهان التالي؛ وهو : أن علياً رضي الله عنه لما تولى بعد قتل عثمان رضي الله عنه سارعت طوائف المهاجرين والأنصار إلى بيعته، فهل ذكر أحد من الناس أن أحدا منهم اعتذر إليه مما سلف من بيعتهم لأبي بكر وعمر وعثمان؟! أو هل تاب أحد منهم من جحده للنص على إمامته؟! أو قال أحد منهم: لقد ذكرت هذا النص الذي كنت أنسيته في أمر علي؟!
82 لقد نازع الأنصار رضي الله عنهم أبا بكر رضي الله عنه ودعوا إلى بيعة سعد بن عبادة رضي الله عنه، وقعد علي رضي الله عنه في بيته لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، فلا يخلو رجوع الأنصار كلهم إلى بيعة أبي بكر من أن يكون بسبب من هذه الأسباب :
1- أن يكون بالقوة.
2- أو أن يكون عن ظهور حق أبي بكر بالخلافة؛ فأوجب ذلك الانقياد لبيعته.
3- أو فعلوا ذلك لغير معنى. ولا سبيل إلى قسم رابع بوجه من الوجوه.(16/44)
فإن قال الشيعة : إنما بايعوه بالقوة، فهذا كذب؛ لأنه لم يكن هنالك قتال ولا تضارب ولا سباب ولا تهديد ولا سلاح، ومحال أن يرهب الأنصار وهم أزيد من ألفي فارس أبطال كلهم عشيرة واحدة قد ظهر من شجاعتهم ما لا مرمى وراءه وهو أنهم بقوا ثمانية أعوام متصلة محاربين لجميع العرب في أقطار بلادهم، موطنين على الموت متعرضين مع ذلك للحرب مع قيصر الروم بمؤتة وغيرها، محال أن يرهبوا أبا بكر ورجلين أتيا معه فقط لا يرجع إلى عشيرة كثيرة ولا إلى موال ولا إلى عصبة ولا مال، فيرجعوا إليه وهو عندهم مبطل! بل بايعوه بلا تردد ولا تطويل.
وكذلك يبطل أن يرجعوا عن قولهم وما كانوا قد رأوه من أن الحق حقهم وعن بيعة ابن عمهم، فمن المحال اتفاق أهواء هذا العدد العظيم على ما يعرفون أنه باطل دون خوف يضطرهم إلى ذلك، ودون طمع يتعجلونه من مال أو جاه، ثم يسلمون كل ذلك إلى رجل لا عشيرة له ولا منعة ولا حاجب ولا حرس على بابه ولا قصر ممتنع فيه ولا موالي ولا مال.
وإذ قد بطل كل هذا فلم يبق إلا أن الأنصار رضي الله عنهم إنما رجعوا إلى بيعة أبي بكر رضي الله عنهم لبرهان حق صح عندهم عن النبي صلى الله عليه وسلم، لا لاجتهاد كاجتهادهم ولا لظن كظنونهم.
فإذا بطل أن يكون الأمر في الأنصار وزالت الرياسة عنهم، فما الذي حملهم كلهم أولهم عن آخرهم على أن يتفقوا على جحد نص النبي صلى الله عليه وسلم على خلافة علي؟! ومن المحال أن تتفق آراؤهم كلهم على معونة من ظلمهم وغصبهم حقهم!!
83 بما أن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما قد نجحا في تنحية علي رضي الله عنه عن الخلافة ـ كما تزعم الشيعة ـ، فما هي المكاسب التي حققوها لأنفسهم؟!
ولماذا لم يخلف أبو بكر أحد أولاده على الحكم، كما فعل علي؟!
ولماذا لم يخلف عمر أحد أولاده على الحكم كما فعل علي؟!(16/45)
84 لقد وجدنا أن محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان ابن عفان رضي الله عنهم، أمه فاطمة بنت الحسين بن علي بن أبي طالب رضوان الله تعالى عنهم، فجدته هي فاطمة رضي الله عنها، وجده عثمان بن عفان رضي الله عنه!
وهنا سؤال محرج للشيعة : هل يصح عندهم أن يكون لفاطمة رضي الله عنها حفيدٌ ملعونٌ؟! لأن بني أمية عند الشيعة ـ ومنهم محمد الذي ذكرناه سابقًا ـ هم (الشجرة الملعونة في القرآن)! (1)
85 لقد جمع الشيعة لأئمتهم بين العصمة والتقية، وهما ضدان لا يجتمعان. لأنه ما الفائدة من عصمة أئمتكم إذا كنتم لا تدرون صحة ما يقولونه ويعملونه، طالما أن تسعة أعشار دينكم التقية؟!
وبما أنكم تجعلون التقية ثوابها ومرتبتها بمرتبة الصلاة، بحيث أن «تارك التقية كتارك الصلاة»(2) وأن «تسعة أعشار الدين هو التقية»(3)، فلا شك أن أئمتكم قد عملوا بكل الأعشار التسعة! وهذا يضاد عصمتهم المزعومة!
86 يتناقض الشيعة عندما يستدلون على إمامة أئمتهم بحديث الثقلين(4)، ثم نجدهم يكفرون من طعن في الثقل الأصغر؛ وهم أهل البيت، بخلاف من طعن في الثقل الأكبر وهو القرآن، بل يقولون إنه مجتهد مخطئ فقط، ولا يكفرونه.
87 يزعم الشيعة أن الصحابة ارتدوا كلهم إلا عددا قليلاً، لا يتجاوز سبعة (على أكثر تقدير).
والسؤال: أين بقية أهل البيت؛ كأولاد جعفر وأولاد علي..وغيرهم، هل ارتدوا مع من ارتد؟!
__________
(1) ... انظر: «الكافي» (5/7), «كتاب سليم بن قيس» (ص362).
(2) ... «بحار الأنوار» (75/421)، «مستدرك الوسائل» (12/254) .
(3) ... «أصول الكافي» (2/217)، «بحار الأنوار» (75/423).
(4) ... وهو قوله صلى الله عليه وسلم: «إني تارك فيكم الثقلين: كتاب الله وعترتي أهل بيتي» أخرجه الترمذي (5/328 ـ 329).(16/46)
88 جاء في حديث المهدي : «لو لم يبقَ من الدنيا إلا يوم لطوَّل الله ذلك اليوم حتى يبعث فيه رجلاً من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي»(1)، والرسول صلى الله عليه وسلم كما هو معلوم اسمه: محمد بن عبد الله صلى الله علية وسلم، والمهدي عند الشيعة اسمه محمد ابن الحسن! هذه إشكالية عظيمة!
ولهذا حل أحد شيوخ الشيعة هذه الإشكالية بجواب طريف! حيث قال: ( كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم سبطان أبو محمد الحسن وأبو عبد الله الحسين، ولما كان الحجة ـ أي المنتظرـ من ولد الحسين أبي عبد الله، وكانت كنية الحسين أبا عبد الله، فأطلق النبي صلى الله عليه وسلم على الكنية لفظ الاسم، لأجل المقابلة بالاسم في حق أبيه، وأطلق على الجد لفظة الأب )!! (2).
89 تناقضات في حياة مهدي الشيعة المنتظر :
1- من هي أم المهدي؟
هل هي جارية اسمها نرجس، أم جارية اسمها صقيل، أم جارية اسمها مليكة، أم جارية اسمها خمط، أم جارية اسمها حكيمة، أم جارية اسمها ريحانة، أم سوسن، أم هي حرة اسمها مريم؟!
2- ومتى ولد ؟
هل ولد بعد وفاة أبيه بثمانية أشهر، أم ولد قبل وفاة أبيه سنة 252، أم ولد سنة255،أم ولد سنة 256، أم ولد سنة 257، أم ولد سنة 258، أم ولد في 8 من ذي القعدة، أم ولد في 8 من شعبان، أم ولد في 15 من شعبان، أم ولد في 15 من رمضان؟!
3- كيف حملت به أمه؟
هل حملت به في بطنها كما يحمل سائر النساء؟ أم حملته في جنبها ليس كسائر النساء؟!
4- كيف ولدته أمه؟
هل ولدته من فرجها كسائر النساء؟ أم من فخذها على غير عادة النساء؟
5- كيف نشأ؟
رووا عن أبي الحسن : ( إنا معاشر الأوصياء ننشأ في اليوم مثلما ينشأ غيرنا في الجمعة)!.
__________
(1) ... أخرجه أبوداود (4/106)، وصححه الألباني في «صحيح الجامع» (5180).
(2) ... «كشف الغمة في معرفة الأئمة» للأربلي، (3/228).(16/47)
وعن أبي الحسن قال : ( إن الصبي منا إذا أتى عليه شهر كان كمن أتى عليه سنة)!.
وعن أبي الحسن أنه قال : ( إنا معاشر الأئمة ننشأ في اليوم كما ينشأ غيرنا في السنة)(1)!.
6- أين يقيم؟
قالوا : في طيبة، ثم قالوا : بل في جبل رضوى بالروحاء، ثم قالوا: بل في مكة بذي طوى، ثم قالوا : بل هو في سامراء!
حتى قال بعضهم :
(ليت شعري أين استقرت بك النوى … بل أي أرض تقلك أو ثرى، أبرضوى أم بغيرها أم بذي طوى… أم في اليمن بوادي شمروخ أم في الجزيرة الخضراء ) (2).
7- هل يعود شاباً أو يعود شيخاً كبيراً؟
عن المفضل قال سألت الصادق : يا سيدي يعود شابا أو يظهر في شيبه؟ قال : (سبحان الله، وهل يعرف ذلك، يظهر كيف شاء وبأي صورة شاء )(3).
و في رواية أخرى (يظهر في صورة شاب موفق ابن اثنين وثلاثين سنة)(4).
و في وراية أخرى : (يخرج وهو ابن إحدى وخمسين سنة)(5).
و في رواية أخرى ( يظهر في صورة شاب موفق ابن ثلاثين سنة )(6).
8- كم مدة ملكه؟
قال محمد الصدر : ( وهي أخبار كثيرة ولكنها متضاربة في المضمون إلى حد كبير حتى أوقع كثيراً من المؤلفين في الحيرة والذهول )(7).
وقيل : ( ملك القائم منا 19سنة ) وفي رواية : ( سبع سنين، يطول الله له في الأيام والليالي حتى تكون السنة من سنيه مكان عشر سنين فيكون سني ملكه 70 سنة من سنيكم )(8).
وفي رواية أخرى أن القائم يملك 309 سنة كما لبث أهل الكهف في كهفهم.
9- كم مدة غيبته؟
__________
(1) ... انظر: «الغيبة»، للطوسي، (ص159 ـ 160).
(2) ... «بحار الأنوار» (102/108).
(3) ... بحار الأنوار (53/7).
(4) ... كتاب تاريخ ما بعد الظهور (ص 360).
(5) ... كتاب تاريخ ما بعد الظهور (ص 361).
(6) ... كتاب الغيبة للطوسي (ص 420).
(7) ... تاريخ ما بعد الظهور (ص 433).
(8) ... تاريخ ما بعد الظهور (ص 436).(16/48)
رووا عن على بن أبي طالب أنه قال : ( تكون له ـ أي للمهدي ـ غيبة وحيرة، يضل فيها أقوام ويهتدي آخرون، فلما سئل : كم تكون الحيرة؟ قال : ستة أيام أو ستة أشهر أو ست سنين )(1).
وعن أبي عبد الله أنه قال : ( ليس بين خروج القائم وقتل النفس الزكية إلا خمس عشرة ليلة )، يعني 140 للهجرة!
قال محمد الصدر عن هذا الخبر : خبر موثوق قابل للإثبات التاريخي ـ بحسب منهج هذا الكتاب ـ فقد رواه المفيد في الإرشاد عن ثعلبة بن ميمون عن شعيب الحداد عن صالح بن ميتم الجمال، وكل هؤلاء الرجال موثقون أجلاء (2)!
فلما لم يظهر كما حددت الرواية السابقة! جاءت رواية أخرى عنه أنه قال : ( يا ثابت إن الله كان وقت هذا الأمر في السبعين، فلما أن قتل الحسين اشتد غضب الله على أهل الأرض فأخره إلى أربعين ومائة: فحدثناكم أنه سيخرج سنة 140، فأذعتم الحديث وكشفتم قناع الستر، فلم يجعل الله له بعد ذلك عندنا وقتا ) (3)!!
ثم جاءت رواية تكذب كل ما سبق عن أبي عبد الله جعفر الصادق أنه قال : (كذب الوقاتون إنا أهل البيت لا نوقّت)(4).
و(ما وقتنا فيما مضى، ولا نوقت فيما يُستقبل)(5).
__________
(1) ... الكافي (1/338).
(2) ... تاريخ ما بعد الظهور (ص 185).
(3) ... «أصول الكافي» (1/368)، «الغيبة» للنعماني (ص197)، «الغيبة» للطوسي (ص263)، «بحار الأنوار» (52/117).
(4) ... «أصول الكافي» (1/368)، «الغيبة» للنعماني (ص198).
(5) ... «الغيبة» للطوسي (ص262)، «بحار الأنوار» (52/103).(16/49)
90 يروي الشيعة عن علي رضي الله عنه أنه لما خرج على أصحابه محزونا يتنفس، قال:(كيف أنتم وزمان قد أظلكم تعطل فيه الحدود ويتخذ المال فيه دولا , ويعادى فيه أولياء اللّه , ويوالى فيه أعداء اللّه)؟ قالوا : يا أمير المؤمنين فإن أدركنا ذلك الزمان فكيف نصنع؟ قال : (كونوا كأصحاب عيسى (ع ) : نشروا بالمناشير , وصلبوا على الخشب، موت في طاعة اللّه عز وجل خير من حياة في معصية اللّه) (1).
فأين هذا من تقية الشيعة؟!
91 ما الذي أجبر أبا بكر رضي الله عنه على مرافقة النبي عليه الصلاة والسلام في هجرته؟!
فلو كان منافقًا ـ كما يقول الشيعة ـ فلماذا يهرب من قومه الكفار وهم المسيطرون ولهم العزة في مكة؟! وإن كان نفاقه لمصلحة دنيوية، فأي مصلحة كان يرجوها مع النبي تلك الساعة، والنبي صلى الله عليه وسلم وحيد طريد؟! مع أنه قد يتعرض للقتل من الكفار الذين لن يصدقوه!
92 لقد أثنى الله عزو جل على الصحابة في أكثر من موضع في كتابه الكريم، فقال تعالى : { وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } [الأعراف:156-157].
__________
(1) ... نهج السعادة، (2/639).(16/50)
وقال تعالى : { الَّذِينَ اسْتَجَابُواْ لِلّهِ وَالرَّسُولِ مِن بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُواْ مِنْهُمْ وَاتَّقَواْ أَجْرٌ عَظِيمٌ{172} الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ }ـ [آل عمران:172، 173].
وقال تعالى : { هُوَ الَّذِيَ أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ{62} وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }ـ [الأنفال:62، 63]
وقال تعالى : { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ }ـ الأنفال:64]
قال تعالى : { كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ }ـ [آل عمران:110].
وآيات أخرى كثيرة جدًا.
والشيعة يقرُّون بإيمان الصحابة في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم، لكنهم يزعمون أنهم ارتدُّوا بعد ذلك! فيا لله العجب، كيف اتفق أن يُجمعَ كل صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم على الارتداد بعد موته؟ ولماذا؟
كيف ينصرون النبي صلى الله عليه وسلم وقت الشدَّة واللأواء، ويفدونه بالنفس والنفيس، ثمَّ يرتدون بعد موته دون سبب؟!
إلاَّ أن تقولوا إنَّ ارتدادهم كان بتوليتهم أبي بكر رضي الله عنه عليهم، فيقال لكم :(16/51)
لماذا يُجمِعُ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على بيعة أبي بكر، وماذا كانوا يخشون من أبي بكر؟ وهل كان أبو بكر رضي الله عنه ذا سطوة وسلطان عليهم فيجبرهم على مبايعته قسراً؟ ثمَّ إنَّ أبا بكر رضي الله عنه من بني تيم من قريش، وقد كانوا من أقل قريش عددا، وإنما كان الشأن والعدد في قريش لبني هاشم وبني عبدالدار وبني مخزوم.
فإذا لم يكن قادراً على قسر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على مبايعته، فلماذا يضحي الصحابة رضوان الله عليهم بجهادهم وإيمانهم ونصرتهم وسابقتهم ودنياهم وأُخراهم لحظِّ غيرهم، وهو أبو بكر رضي الله عنه؟!
93 إذا كان الصحابة ارتدوا بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم ـ كما تزعمون ـ فكيف قاتلوا المرتدين من أصحاب مسيلمة وأصحاب طليحة بن خويلد وأصحاب الأسود العنسي، وأصحاب سجاح وغيرهم وأرجعوهم إلى الإسلام؟! فهلا كانوا مناصرين لهم،أو تاركين، ماداموا مثلهم مرتدين ـ كما تدعون ـ؟!
94 السنن الكونية والشرعيَّة تشهد بأن أصحاب لأنبياء هم أفضل أهل دينهم، فإنَّه لو سئل أهل كل دين عن خير أهل ملتهم لقالوا : أصحاب الرسل.
فلو سئل أهل التوراة عن خير أهل ملتهم لقالوا أصحاب موسى ـ عليه السلام ـ، ولو سئل أهل الإنجيل عن خير أهل ملتهم لقالوا : أصحاب عيسى ـ عليه السلام ـ وكذلك أصحاب سائر الأنبياء، لأنَّ عهد أصحاب الرسل بالوحي أقرب وأعمق، ومعرفتهم بالنبوة والأنبياء عليهم السلام أقوى وأوثق.(16/52)
فإذن ما بالُ نبينا محمد عليه الصلاة والسلام الذي اختصَّه الله بالرسالة الخالدة الشاملة، والشريعة السمحة الكاملة، والذي وطَّأ لظهوره الرسل والأنبياء من قبله، وبشَّرت به الكتب السماويَّة السابقة، يَكفُرُ به ـ في زعمكم ـ أصحابُه الذين آمنوا به ونصروه، وعزروه ووقروه؟! فأيُّ معنىً أبقيتم لهذه الرسالة المحمديَّة، وأيُّ وزنٍ أقمتم لهذه الشريعة الربانية، بعد أن تخلَّى عنها في زعمكم خواصُّ أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، وارتدُّوا على أعقابهم؟! فمن جاء بعدهم أولى بالكفر والارتداد والخسران، ممَّن فارقوا لنصرة الرسول الأهل والأوطان، وقاتلوا دونه الآباء والإخوان، وافتتحوا من بعد وفاته الأقطار والبلدان، بالعلم والقرآن والتبيان، ثمَّ بالسيف والسنان.
95 لقد وجدنا النبي صلى الله عليه وسلم لم يعمل بالتقية في مواقف عصيبة، والشيعة تدعي ـ كما سبق ـ أن هذه التقية تسعة أعشار الدين! وأن أئمتهم استعملوها كثيرًا. فما بالهم لم يكونوا كجدهم صلى الله عليه وسلم؟!
96 لقد وجدنا عليًا رضي الله عنه لم يكفر خصومه، حتى الخوارج الذين حاربوه وآذوه وكفروه. فما بال الشيعة لا يقتدون به؟! وهم الذين يكفرون خيرة أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، بل وزوجاته أمهات المؤمنين؟!
97 الإجماع عند الشيعة ليس بحجة بذاته، بل بسبب وجود المعصوم -كما يقولون - (1)، وهذا فضول من القول؛ لأنه لا داعي للإجماع إذن.
98 لقد وجدنا الشيعة يكفرون الزيدية، مع أن الزيدية موالون لآل البيت، فعلمنا أن العمدة عندهم هي بغض الصحابة والسلف الصالح لا محبة آل البيت كما يدعون(2).
__________
(1) ... انظر: تهذيب الوصول لابن المطهر الحلي، (ص 70)، والمرجعية الدينية العليا لحسين معتوق، (ص 16).
(2) ... انظر للفائدة: رسالة «تكفير الشيعة لعموم المسلمين» للشيخ علي العماري، فقد ذكر كثراً من النصوص الصريحة لهم في تكفير غيرهم؛ ومنهم الزيدية.(16/53)
99 لقد وجدنا الشيعة يردون إجماع الأمة في قضايا عديدة بدعوى أنه ليس فيها قول المعصوم، ثم نجدهم يقبلون قول امرأة يسمونها حكيمة ـ الله أعلم بها وبحالها ـ في قضية وجود مهديهم المنتظر!
100 يزعم الشيعة أن عليًا يستحق الخلافة بعد الرسول صلى الله عليه وسلم لحديث: «أنت مني بمنزلة هارون من موسى»(1). ثم نجد أن هارون لم يخلف موسى ـ عليهما السلام ـ! بل خلفه يوشع بن نون!
101 لقد جرأ الشيعة أتباعهم على ارتكاب الآثام والموبقات بدعواهم أن (حب علي حسنة لا تضر معها معصية)، وهذه دعوى يكذبها القرآن الذي يحذر في معظم آياته من المخالفات والنواهي تحت أي دعوى، ويقرر أنه { لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللّهِ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً } [النساء: 123].
102 يعتقد الشيعة عقيدة ( البداء )، ثم يدعون أن أئمتهم يعلمون الغيب! فهل الأئمة أعظم من الله؟!
103 يحدثنا التاريخ أن الشيعة كانوا مناصرين لأعداء الإسلام من اليهود والنصارى والمشركين في حوادث كثيرة؛ من أبرزها : سقوط بغداد بيد المغول، وسقوط القدس بيد النصارى..، فهل يفعل المسلم الصادق ما فعلوه، ويخالف الآيات الناهية عن اتخاذ اليهود والنصارى أولياء؟! وهل فعل علي أو أحد من أبنائه وأحفاده رضي الله عنهم فعلهم؟!
104 لقد وجدنا كثيرًا من الشيعة يقعون في الحسن بن علي رضي الله عنهما ويذمونه وذريته، رغم أنه أحد أئمتهم، ومن أهل البيت(2).
__________
(1) ... أخرجه البخاري ومسلم.
(2) ... انظر: «أعيان الشيعة» (1/26)، وكتاب «سليم بن قيس» (ص288)، و«بحار الأنوار» (27/212).(16/54)
105 من يتأمل الشيعة يجد كثرة الانقسامات في مذهبهم، وكثرة تنازعهم وتكفير بعضهم بعضًا في وقت متقارب، ومن أوضح الأمثلة على ذلك : أن شيخهم أحمد الأحسائي أنشأ فرقة عرفت فيما بعد بالشيخيَّة، ثم جاء تلميذة كاظم الرشتي فأنشأ فرقة الكشفية، ثم أنشأ تلميذه محمد كريم خان فرقة الكريمخانية، وأنشأت تلميذته الأخرى قرة العين فرقة عرفت باسم القرتية، وأنشأ ميرزا علي الشيرازي فرقة البابية، وأنشأ ميرزا حسين علي فرقة البهائية.
فانظر كيف نبغت كل هذه الفرق من الشيعة في عصر واحد، وفي وقتٍ متقارب، وصدق الله العظيم القائل : { وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ } [الأنعام:153-163].
106 لقد وجدنا أهل الفتنة البغاة لمَّا حاصروا دار عثمان ابن عفان رضي الله عنه دافع عنه علي رضي الله عنه وطرد الناس عنه، وأنفذ إليه ولديه الحسن والحسين وابن أخيه عبدالله بن جعفر(1) لولا أن عثمان رضي الله عنه عزم على الناس أن يدعوا أسلحتهم ويلزموا بيوتهم. وهذا يدل على بطلان ماتزعمه الشيعة من التباغض والعداوة بينهما.
107 لقد كان عمر رضي الله عنه باتفاق السنة والشيعة يشاور عليًا رضي الله عنه في أمور كثيرة (2)، ولو كان ظالمًا ـ كما تدعون ـ لما شاور أهل الحق؛ لأن الظالم لا يطلب الحق!
__________
(1) انظر: شرح نهج البلاغة لا بن أبي الحديد (ج10 ص581) طبعة إيران، وتاريخ المسعودي الشيعي (ج2 ص 344) بيروت.
(2) ... انظر: نهج البلاغة، (ص 325، 340)، تحقيق صبحي صالح.(16/55)
108 ثبت بالاتفاق أن سلمان الفارسي رضي الله عنه قد تأمر على المدائن زمن خلافة عمر(1)، وأن عمار بن ياسر قد تأمر على الكوفة(2)، وهما ممن يدعي الشيعة أنهما كانا مناصرين لعلي رضي الله عنه ومن شيعته. فلو كان عمر عندهم مرتدًا أو ظالمًا باغيًا على علي لما قبلا بذلك، إذ كيف يعينان الظلمة والمرتدين؟! والله يقول { وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ }ـ [هود:113].
109 يزعم الشيعة أن أئمتهم معصومون، وأن مهديهم موجود، يتصل به بعض علماء مذهبهم، قيل إنهم ثلاثون رجلاً، فكيف بعد هذا الزعم يسوغ الاختلاف والخلاف في مذهبهم، الذي لا يكاد يوجد له نظيرٌ في جميع الفرق والطوائف، حتى إنَّه يكاد أن يكون لكل مجتهدٍ أو مرجعٍ من علمائهم مذهب خاص به؟! مع أنَّهم يدعون وجوب وجود إمام تقوم به الحجة على الناس، وهو المهدي المنتظر، فما بالهم أكثر أهل الأرض اختلافًا مع وجود إمامهم وقائمهم واتصالهم به؟!، ثم تقولون إن المجلسي ذكر حديث أن الإمام الغائب لا يُرى ومن ادعى أنه قد رأى الإمام المهدي فقد كذب ثم نقرأ أن علماءكم قد رأو الإمام المهدي مرات كثيرة.
110 يقال للشيعة : أنتم تقولون بأنَّه لا يصح خلو الزمان من قائم لله بالحجَّة وهو الإمام، فإذا كانت التقية ـ عندكم ـ تسعة أعشار الدين، وهي له سائغة، بل مندوبة، بل منقبة وفضيلة، إذ إنه أتقى الناس، فكيف تتمُّ الحجة به على الخلق؟!
111 يزعم الشيعة أن معرفة الأئمة شرط لصحة الإيمان، فما قولهم فيمن مات قبل اكتمال الأئمة الإثني عشر؟! وما الجواب إذا كان الميت إماماً؟
وبعض أئمتكم لم يكن يعرف من هو الإمام بعده! فكيف جعلتم ذلك شرطًا للإيمان؟!
__________
(1) ... «سير أعلام النبلاء»، للذهبي (1/547).
(2) ... السابق (1/422).(16/56)
112 يروي صاحب «نهج البلاغة» أن علياً لما بلغه ادعاء الأنصار أن الإمامة فيهم قال: «فهلا احتججتم عليهم بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصى بأن يحسن إلى محسنهم ويتجاوز عن مسيئهم؟ قالوا: وما في هذا من الحجة عليهم؟ قال: لو كانت الإمامة فيهم لم تكن الوصية بهم»(1). فيقال للشيعة: وأيضاً فقد أوصى صلى الله عليه وسلم بأهل البيت في قوله: «أذكركم الله في أهل بيتي» فلو كانت الإمامة حقاً خاصاً لهم دون غيرهم لم تكن الوصية بهم؟!
113 لو قيل لك بأن رجلا قيادياً مؤمناً صالحاً تقياً يتولى أناساً بعضهم مؤمن وبعضهم منافق، وأنه لفضل الله عليه يعرف أهل النفاق بلحن قولهم، ومع هذا قام هذا الرجل بتجنب أهل الصلاح، ثم اختار أهل النفاق وأعطاهم المناصب القيادية وسودهم على الناس في حياته، بل تقرب إليهم وصاهر بعضهم ومات وهو راض عنهم. فما أنت قائل في هذا الرجل؟!
هذا ما يعتقده الشيعة في رسول الله صلى الله عليه وسلم!
114 روى عالم الشيعة الحر العاملي عن أبي جعفر في تفسير قوله تعالى {وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ}ـ [الممتحنة:10] قال: «من كانت عنده امرأة كافرة يعني على غير ملة الإسلام، وهو على ملة الإسلام، فليعرض عليها الإسلام، فإن قبلت فهي امرأته وإلا فهي بريئة منه، فنهى الله أن يستمسك بعصمتها»(2).
فأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها لو كانت كما يقول الشيعة كافرة مرتدة ـ والعياذ بالله ـ لكان الواجب تطليقها بكتاب الله. إلا إذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يعلم نفاقها وردتها، وعلم الشيعة ذلك!
__________
(1) ... نهج البلاغة، (ص 97).
(2) ... وسائل الشيعة (20/ 542).(16/57)
115 ذهبت فرقة «الخطابية» من الشيعة إلى أن الإمام بعد جعفر الصادق هو ابنه إسماعيل، فرد عليهم علماء الشيعة بأن «إسماعيل مات قبل أبي عبد الله عليه السلام، والميت لا يكون خليفة الحي..» (1) الخ.
فيقال للشيعة: أنتم تحتجون على ولاية علي بقوله صلى الله عليه وسلم: «أنت مني بمنزلة هارون من موسى» ومعلوم أن هارون توفي قبل موسى ـ عليهما السلام ـ، والميت لا يكون خليفة للحي باعترافكم!
116 يحتج الشيعة على ثبوت الإمامة لأئمتهم الاثني عشر بحديث: «لا يزال الأمر عزيزاً إلى اثني عشر خليفة كلهم من قريش» وفي رواية «يكون اثنا عشر أميراً» وفي رواية «لا يزال أمر الناس ماضياً ما وليهم اثنا عشر رجلا»(2).
فيقال: الحديث برواياته صريح في أن هؤلاء الاثني عشر يكونون «خلفاء» و«أمراء» على الناس، ومعلوم أن أئمة الشيعة لم يتول منهم الخلافة والإمارة سوى علي وابنه الحسن. فالحديث في وادٍ والشيعة في وادٍ آخر! ولم تُسمِّ الروايات هؤلاء الخلفاء ولا واحداً منهم...!
117 يدعي الشيعة ـ كما هو معلوم ـ أن الصحابة ارتدوا إلا بضعة نفر بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم. فيقال لهم: المرتد إنما يرتد لشبهة أو شهوة.
ومعلوم أن الشبهات في أوائل الإسلام كانت أقوى، فمن كان إيمانهم مثل الجبال في حال ضعف الإسلام، كيف يكون إيمانهم بعد ظهور راياته وانتشار أعلامه؟!
وأما الشهوات: فمن خرجوا من ديارهم وأموالهم، وتركوا ما كانوا عليه من عز وشرف حباً لله ولرسوله، طوعاً غير إكراه، كيف يظن بهم أنهم ارتدوا لأجل الشهوات التي تركوها؟!
__________
(1) ... كمال الدين وتمام النعمة، (ص105).
(2) ... أخرجه البخاري ومسلم.(16/58)
118 يعتقد الشيعة عدم عدالة الصحابة رضي الله عنهم. ولكننا نجد في كتب الشيعة روايات تدل على هذه العدالة بلا ريب! فمن ذلك ما رووه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه خطب في حجة الوداع قائلاً: «نضّر الله عبداً سمع مقالتي فوعاها، ثم بلغها إلى من لم يسمعها..» (1). فإذا لم يكن الصحابة عدولاً فكيف يأتمن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحداً منهم على تبليغ كلامه إلى من لم يسمعه؟!
119 قيل لأحد الشيعة: ألم يدعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اختيار الزوجة الصالحة، وإلى مصاهرة الكرام من الناس؟
قال: نعم؛ بلا شك.
قيل له: هل ترتضي لنفسك أن تصاهر ابن زنا؟!
قال : معاذ الله!
قيل له: ها أنتم تدعون ـ كذباً ـ أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان ابن زانية اسمها (صهاك) (2)! ويدعي عالمكم نعمة الله الجزائري بكل وقاحة أن عمر كان لا يهدأ إلا بماء الرجال ـ والعياذ بالله ـ(3)، وتدعون أن ابنته حفصة كانت منافقة خبيثة كأبيها، بل كافرة!
أترى رسول الله يصاهر أبناء الزنا؟!
أو يرتضي لنفسه امرأة فاسدة منافقة؟!
والله إنكم لتفترون على رسول الله وعلى الصحابة وترتضون لهم ما لا ترتضونه لأنفسكم.
120 إذا كان أهل النفاق والردة في الصحابة بهذه الكثرة والعدة التي يدعيها الشيعة، فكيف انتشر الإسلام؟! وكيف سقطت فارس والروم وفتح بيت المقدس؟!
121 يقول عالم الشيعة محمد كاشف آل الغطاء عن علي رضي الله عنه: «وحين رأى أن الخليفتين قبله ـ أي أبا بكر وعمر ـ بذلا أقصى الجهد في نشر كلمة التوحيد، وتجهيز الجيوش، وتوسيع الفتوح، ولم يستأثرا ولم يستبدا، بايع وسالم»(4).
__________
(1) ... الخصال، (ص 149ـ 150)، حديث رقم 182.
(2) ... الكشكول للبحراني (3/212)، وكتاب «لقد شيعني الحسين» (ص 177).
(3) ... الأنوار النعمانية (1/63).
(4) ... أصل الشيعة وأصولها، (ص 49).(16/59)
إذاً فهما: نشرا كلمة التوحيد، وجهزا الجيوش في سبيل الله، وفتحا الفتوح ـ باعتراف أحد كبار علماء الشيعة ـ، إذاً فلماذا اتهامهما بأنهما رأسا الكفر والنفاق والردة؟! ما هذا التناقض؟!
122 يستدل الشيعة على ردة الصحابة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بحديث: «يرد علي رجال أعرفهم ويعرفونني، فيذادون عن الحوض، فأقول: أصحابي، أصحابي!، فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك»(1).
فيقال للشيعة: الحديث عام لم يسمِّ أحداً دون أحد، ولا يستثني عمار بن ياسر ولا المقداد بن الأسود ولا أبا ذر ولا سلمان الفارسي ممن لم يرتدوا في نظر الشيعة! بل لا يستثني علي ابن أبي طالب نفسه! فلماذا خصصتموه ببعضٍ دون بعض؟! إن كل من في قلبه غل على أحد من الصحابة يستطيع أن يدعي بأن هذا الحديث يخبر عنه!
123 يقول مالك بن الأشتر أحد كبار أصحاب علي رضي الله عنه، وهو ممن تعظمهم الشيعة: «أيها الناس، إن الله تبارك وتعالى بعث فيكم رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم بشيراً ونذيراً، وأنزل عليه الكتاب فيه الحلال والحرام والفرائض والسنن، ثم قبضه إليه وقد أدى ما كان عليه، ثم استخلف على الناس أبا بكر فسار بسيرته واستن بسنته، واستخلف أبو بكر عمر فاستن بمثل تلك السنّة»(2) فهو يثني على أبي بكر وعمر بما هما أهل له، ومع هذا يتعامى الشيعة عن هذا الثناء ولا يذكرونه في مجالسهم وحسينياتهم التي لا تخلو من الطعن في الشيخين! هداهم الله. فلماذا؟!
__________
(1) ... رواه البخاري.
(2) ... مالك بن الأشتر ـ خطبة وآراؤه، (ص89)، و«الفتوح» لابن أعثم، (1/396).(16/60)
124 يقول ابن حزم عن علي رضي الله عنه ـ ملزماً الشيعة ـ بأنه «بايع أبا بكر بعد ستة شهور تأخر فيها عن بيعته (وهذا) لا يخلو ضرره من أحد وجهين: إما أن يكون مصيباً في تأخره، فقد أخطأ إذ بايع. أو يكون مصيباً في بيعته، فقد أخطأ إذ تأخر عنها»(1)!
125 لماذا يعطي الشيعة العصمة لفاطمة رضي الله عنها ويمنعونها أختيها: رقية وأم كلثوم، وهما بَضْعتان من رسول الله صلى الله عليه وسلم كفاطمة؟!
126 إذا قيل للشيعة: لماذا سكت علي رضي الله عنه عن المنازعة في أمر الخلافة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ـ وهو كما يدعون منصوص عليه ـ، قالوا: لأن النبي صلى الله عليه وسلم أوصاه أن لا يوقع بعده فتنة ولا يسل سيفاً! فيقال لهم: فلماذا سلّ السيف إذاً على أهل الجمل وصفين؟! وقد مات في تلك المعارك ألوف من المسلمين؟! ومن الأحق بالسيف: أول ظالم أو رابع ظالم أو عاشر ظالم... إلخ..؟!
127 لا يذكر الشيعة فرقاً كبيراً بين الأنبياء والأئمة، حتى قال شيخهم المجلسي عن الأئمة: «ولا نعرف جهة لعدم اتصافهم بالنبوة إلا رعاية خاتم الأنبياء. ولا يصل إلى عقولنا فرق بين النبوة والإمامة»(2).
والسؤال: ما أهمية عقيدة ختم النبوة إذاً؟! إذا كانت الوظائف والخصائص التي اختص بها الأنبياء دون الناس من عصمة وتبليغ عن الله ومعجزات وغيرها لم تتوقف بوفاة خاتم الأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم، بل امتدت من بعده متمثلة باثني عشر رجلاً؟!
__________
(1) ... الفِصَل في الملل والأهواء والنِّحَل، (4/ 235).
(2) ... بحار الأنوار، (26/ 28).(16/61)
128 يزعم الشيعة أن من الأدلة على وجوب خلافة علي بعد الرسول صلى الله عليه وسلم أنه صلى الله عليه وسلم استخلفه على المدينة في غزوة تبوك وقال له: «أنت مني بمنزلة هارون من موسى»(1). ولو كان زعمهم صحيحاً لعهد إليه النبي صلى الله عليه وسلم بالحكم في جميع الغزوات التي تخلف فيها بدلاً من إسنادها إلى غيره. فقد ثبت أنه استخلف عثمان ابن عفان رضي الله عنه و... فلماذا خُصَّ علي دون غيره؟
129 يزعم الشيعة أن وجوب نصب الأئمة يرجع لقاعدة «اللطف». والعجيب أن إمامهم الثاني عشر اختفى وهو صبي ولم يخرج إلى اليوم! فأي «لطف» لحقَ المسلمين من جراء نصبه إماماً؟!
130 يقول الشيعة بأن إرسال الرسل ونصب الأئمة واجبان على الله عز وجل لقاعدة «اللطف». وقد رأينا أن الله تعالى أرسل رسله وأيدهم بالمعجزات، وأهلك من كذبوهم. وسؤالنا للشيعة: ما هي أدلة تأييد الله لأئمتكم وأدلة غضبه على من كذبوهم وقاتلوهم؟!
131 يدعي الشيعة أن أئمتهم معصومون، وقد ورد بالاتفاق ما يناقض هذا، فخذ على سبيل المثال :
أ ـ كان الحسن بن علي يخالف أباه علياً في خروجه لمحاربة المطالبين بدم عثمان رضي الله عنهم. فلا شك أن أحدهما مصيب والآخر مخطئ. وكلاهما إمامان معصومان عند الشيعة!
ب ـ خالف الحسين بن علي أخاه الحسن في قضية الصلح مع معاوية رضي الله عنهم. ولا شك أن أحدهما مصيب والآخر مخطئ. وكلاهما إمامان معصومان عند الشيعة!
ج ـ بل روت بعض كتب الشيعة عن علي قوله: «لا تكفوا عن مقالة بحق، أو مشورة بعدل، فإني لست آمن أن أخطئ»(2).
__________
(1) ... رواه البخاري ومسلم.
(2) ... «الكافي» (8/256)، «بحار الأنوار» (27/253).(16/62)
132 شنع الشيعة في هذا الزمان على علماء أهل السنة في بلاد الحرمين لفتواهم بجواز الاستعانة بالكفار «للضرورة» في مواجهة البعثيين المرتدين. ثم وجدنا شيخهم الشهير ابن المطهر الحلي ينقل في كتابه «منتهى الطلب في تحقيق المذهب»(1) إجماع الشيعة ـ ما عدا شيخهم الطوسي ـ على جواز الاستعانة «بأهل الذمة على حرب أهل البغي»!! فما هذا التناقض؟!
133 من قواعد الشيعة أن الإمامة تثبت لمن ادعاها من أهل البيت وأظهر خوارق العادة الدالة على صدقه، ثم لم يثبتوا إمامة زيد بن علي مع أنه ادعاها، وبالمقابل أثبتوا الإمامة لمهديهم الغائب الذي لم يدعها ولا أظهر ذلك لغيبته صغيراً ـ كما يعتقدون ـ.
134 لما نزل قوله تعالى: {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا}ـ [النساء:58] دعا صلى الله عليه وسلم بني شيبة وأعطاهم مفتاح الكعبة وقال: «خذوها يا بني طلحة خالدة مخلدة فيكم إلى يوم القيامة، لا ينزعها منكم إلا ظالم»(2) يقول هذا صلى الله عليه وسلم في شأن أمر لا يخص إلا سدنة الكعبة.
فلماذا لم يقل مثله في أمر خلافة علي، وهو أمرٌ يهم جميع المسلمين ويتوقف عليه مصالح كثيرة؟!
135 اختلق الشيعة حديثاً يقول: «لعن الله من تخلف عن جيش أسامة»(3) يهدفون من ورائه إلى لعن عمر ـ رضي الله عنه ـ! وفاتهم أنه يلزمهم أمران:
أ ـ أن يكون علي لم يتخلف، وهذا اعتراف منه بإمامة أبي بكر؛ لأنه رضي أن يكون مأموراً لأمير نَصّبه أبوبكر!
ب ـ أو يقولوا بأنه تخلف عن الجيش، فيلحقه ما كذبوه!
__________
(1) ... (2/985).
(2) ... رواه الطبراني في الكبير وفي الأوسط (مجمع الزوائد 3/285).
(3) ... انظر: «المهذب» لابن البراج (1/13)، «الإيضاح» لابن شاذان (ص454)، «وصول الأخيار» للعاملي (ص68).(16/63)
136 يزعم الشيعة أن علياً رضي الله عنه عنده نسخة من القرآن مرتبة حسب ترتيب النزول! فيقال: قد تولى علي رضي الله عنه الخلافة بعد عثمان رضي الله عنه فلماذا لم يخرج هذا المصحف الكامل السليم؟! يلزمكم أمران:
1- إما أن يكون هذا المصحف لا وجود له، وأنكم تكذبون على علي.
2- أو أن يكون علي رضي الله عنه قد أخفى الحق وكتمه وغش المسلمين طوال مدة خلافته! ـ وحاشاه من ذلك ـ.
137 يدعي الشيعة محبة آل البيت وعترة النبي صلى الله عليه وسلم، ولكننا نجد عندهم ما يناقض هذه المحبة؛ حيث أنكروا نسب بعض العترة؛ كرقية وأم كلثوم ابنتي رسول الله صلى الله عليه وسلم!، وأخرجوا العباس عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وجميع أولاده، والزبير ابن صفية عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهم يبغضون كثيراً من أولاد فاطمة رضي الله عنها بل يسبونهم؛ كزيد بن علي، وابنه يحيى، وإبراهيم وجعفر ابنا موسى الكاظم، وجعفر بن علي أخي إمامهم الحسن العسكري. ويعتقدون أن الحسن بن الحسن «المثنى»، وابنه عبدالله «المحض»، وابنه محمد «النفس الزكية» ارتدوا! وهكذا اعتقدوا في إبراهيم بن عبدالله، وزكريا بن محمد الباقر، ومحمد بن عبد الله بن الحسين بن الحسن، ومحمد ابن القاسم بن الحسين، ويحيى بن عمر.. الخ. فأين ادعاء محبة آل البيت؟! ويشهد لذلك مقولة أحدهم: «إن سائر بني الحسن بن علي كانت لهم أفعال شنيعة ولا تحمل على التقية»(1)! بل أعظم من هذا وأدهى:
__________
(1) ... تنقيح المقال (3/142).(16/64)
138 أن الشيعة يكفرون جميع أهل البيت في القرن الأول!! حيث جاء في أخبارهم ومصادرهم المعتمدة: أن الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ارتدوا إلا ثلاثة (سلمان وأبو ذر والمقداد، وبعضهم يوصلهم إلى 7، وليس فيهم واحد من أهل البيت) (1). فقد حكموا على الجميع بالكفر والردة ـ والعياذ بالله ـ.
139 لقد قام الحسن رضي الله عنه ـ رغم كثرة أنصاره ـ بالتنازل عن الخلافة لمعاوية رضي الله عنه، بينما قام أخوه الحسين رضي الله عنه ـ مع قلة أنصاره ـ بمنازعة يزيد بن معاوية والخروج عليه. وكلاهما ـ أي الحسن والحسين ـ إمام معصوم عند الشيعة!، فإن كان فعل الحسن حقاً وصواباً، ففعل الحسين باطل. والعكس بالعكس! بل إنهم صرّحوا بتكفير بعض أعيان أهل البيت! كالعباس عم الرسول صلى الله عليه وسلم الذي ادعوا أنه نزل فيه قوله تعالى {وَمَن كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً}ـ [الإسراء:72]!(2)، وكابنه ابن عباس حبر الأمة وترجمان القرآن، فقد جاء في الكافي ما يتضمن تكفيره وأنه جاهل سخيف العقل! (3) وفي رجال الكشي: «اللهم العن ابني فلان وأعم أبصارهما، كما عميت قلوبهما..»! (4) وعلق على هذا شيخهم حسن المصطفوي فقال: «هما عبد الله بن عباس وعبيد الله بن عباس»(5).
بل بنات النبي صلى الله عليه وسلم ـ غير فاطمة ـ شملهن حقد الشيعة، بل نفى بعضهم أن يكن بنات للنبي صلى الله عليه وسلم! (6)
__________
(1) ... انظر: كتاب سليم بن قيس العامري، (ص92). وكتاب الروضة من الكافي (8/245). و«حياة القلوب» للمجلسي ـ فارسي ـ (2/640).
(2) ... «رجال الكشي»، (ص 53).
(3) ... أصول الكافي، (1/247).
(4) ... رجال الكشي، (ص 53) ، «معجم رجال الحديث» للخوئي، (12/81).
(5) ... المرجع السابق، للكشي.
(6) ... كشف الغطاء، لجعفر النجفي، (ص 5)، ودائرة المعارف الشيعية لمحسن الأمين، (1/27).(16/65)
فأين محبة أهل البيت المزعومة؟!
140 لقد شارك علي رضي الله عنه في زمن خلافة أبي بكر رضي الله عنه في حرب المرتدين، وأخذ جارية من سبي (بني حنيفة)، أنجبت له فيما بعد ولده المسمى (محمد بن الحنفية). ويلزم من هذا أن علياً يرى صحة خلافة أبي بكر، وإلا لما ارتضى أن يشاركه في هذا الأمر.
141 تتضارب الأقوال المنقولة عن جعفر الصادق في مسائل عديدة؛ فلا تكاد تجد مسألة فقهيه ـ مثلاً ـ إلا وله فيها قولان أو أكثر متناقضة. فمثلاً: البئر التي وقعت فيها نجاسة، قال مرة: هي بحر لا ينجسه شيء، وقال مرة: إنها تنزح كلها، وقال مرة: ينزح منها 7 دلاء أو 6. ولما سئل أحد علماء الشيعة عن كيفية المخرج في مثل هذا التناقض والتضارب قال: يجتهد المجتهد بين هذه الأقوال ويرجح واحداً أما الأقوال الأخرى فيحملها على أنها «تقية»! فقيل له: ولو اجتهد مجتهد آخر ورجح قولاً غير الذي رجحه المجتهد الأول فماذا يقول في الأقوال الأخرى؟ قال: نفس الشيء يقول بأنها تقية! فقيل له: إذاً ضاع مذهب جعفر الصادق!! لأنه ما من مسألة تنسب له إلا ويحتمل أن تكون تقية؛ إذ لا علاقة تميز بين ما هو للتقية وما هو لغيره!
142 الكتب المعتمدة عند الشيعة في الحديث هي: «الوسائل» للحر العاملي المتوفى سنة 1104هـ و«البحار» للمجلسي المتوفى سنة 1111هـ و«مستدرك الوسائل» للطبرسي المتوفى سنة 1320هـ، فجميعها متأخرة! فإن كانوا قد جمعوا تلك الأحاديث عن طريق السند والرواية فكيف يثق عاقل برواية لم تسجل طيلة أحد عشر قرناً أو ثلاثة عشر قرناً؟! وإن كانت مدونة في كتب، فلمَ لم يُعثر على هذه الكتب إلا في القرون المتأخرة؟! ولِمَ لم يجمع تلك الروايات متقدموهم؟! ولِمَ لم تذكر تلك الكتب وتسجل في كتبهم القديمة؟!(16/66)
143 هناك مجموعة كبيرة من الروايات والأحاديث التي في كتب الشيعة عن آل البيت توافق ما عند أهل السنة؛ سواء في العقيدة وإنكار البدع أو غير ذلك، ولكن الشيعة يصرفونها عن ظاهرها لأنها لا توافق أهواءهم بدعوى أنها من التقية!
144 ينقل صاحب كتاب «نهج البلاغة» ـ وهو من الكتب المعتمدة عند الشيعة ـ مدح علي رضي الله عنه لأبي بكر وعمر رضي الله عنهما؛ كقوله عن أبي بكر «ذهب نقي الثوب قليل العيب، أصاب خيرها وسبق شرها، أدى إلى الله طاعته، واتقاه بحقه»(1). فيحتار الشيعة بمثل هذا المدح الذي يخالف عقيدتهم في الطعن بالصحابة؛ فيحملونه على «التقية»!! وأن علياً إنما قال مثل هذا من أجل استصلاح من يعتقد صحة خلافة الشيخين واستجلاب قلوبهم، أي أنه أراد خداع الصحابة! فيلزمهم أن علياً كان منافقاً جباناً يظهر ما لا يبطن، وهذا يخالف ما يروونه عنه من الشجاعة وقول الحق.. الخ.
145 يدعي الشيعة عصمة أئمتهم ـ كما هو معلوم ـ، وهذا أحرجهم كثيراً أمام الروايات العديدة التي فيها أن الأئمة كغيرهم من البشر يجوز عليهم صدور السهو والخطأ..، حتى أقر عالم الشيعة المجلسي بأن: «المسألة في غاية الإشكال؛ لدلالة كثير من الأخبار والآيات على صدور السهو عنهم..»(2).
146 لقد مات إمام الشيعة الحادي عشر: الحسن العسكري ولم يخلف ولداً، ولكي لا تسقط دعائم المذهب الإمامي زعم رجل اسمه «عثمان بن سعيد» أن للعسكري ولداً اختفى وعمره أربع سنوات، وأنه وكيله.
فعجباً للشيعة! تزعم أنها لا تقبل إلا قول المعصوم، وها هي تقبل في أهم عقائدها دعوى رجل واحد غير معصوم!!
__________
(1) ... نهج البلاغة، (ص 350)، تحقيق : صبحي الصالح.
(2) ... بحار الأنوار، (25/ 351).(16/67)
147 يهاجم الشيعة مروان بن الحكم ويعلقون به كل شنيعة، ثم يتناقضون فيروون في كتبهم: أن الحسن والحسين رضي الله عنهما كانا يصليان خلفه! (1).
والعجيب أن معاوية بن مروان هذا قد تزوج رملة ابنة علي رضي الله عنه!! كما ذكر ذلك النسابون(2). وكذلك زينب بنت الحسن «المثنى» كانت متزوجة من حفيد مروان: الوليد ابن عبد الملك(3). وكذلك تزوج الوليد: نفيسة بنت زيد بن الحسن بن علي(4).
148 يزعم الشيعة أن الإمام لا يكون إلا بالغاً(5). ثم تناقضوا فادعوا إمامة محمد بن علي الملقب «بالجواد» حيث لم يبلغ الحلم عند وفاة والده علي «الرضا».
149 يدعي الشيعة ـ في قصصهم الكثيرة عن مهديهم الغائب ـ أنه لما ولد «نزلت عليه طيور من السماء تمسح أجنحتها على رأسه ووجهه وسائر جسده ثم تطير! فلما قيل لأبيه ضحك وقال: تلك ملائكة السماء نزلت للتبرك بهذا المولود، وهي أنصاره إذا خرج»(6)! والسؤال: مادامت الملائكة أنصاره؛ فلماذا الخوف والدخول في السرداب؟!
150 وضع الشيعة عدة شروط للإمام: منها أن يكون أكبر أبناء أبيه، وأن لا يغسله إلا الإمام، وأن درع الرسول صلى الله عليه وسلم يستوي عليه، وأن يكون أعلم الناس، وأن لا تصيبه جنابة ولا يحتلم، وأنه يعلم الغيب!…الخ
__________
(1) ... بحار الأنوار، (10/139). النوادر للراوندي (ص163).
(2) ... نسب قريش لمصعب الزبيري، (ص 45). وجمهرة أنساب العرب لابن حزم، (ص 87).
(3) ... نسب قريش، (ص 52)، وجمهرة أنساب العرب، (ص 108).
(4) ... عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب، لابن عنبة الشيعي، (ص 111)، وطبقات ابن سعد، (5/ 34).
(5) ... انظر: «الفصول المختارة» للمفيد، (ص112 ـ 113).
(6) ... روضة الواعظين، (ص 260).(16/68)
ولكنهم وقعوا في حرج ـ فيما بعد ـ بهذه الشروط!! لأننا وجدنا أن بعض الأئمة لم يكن أكبر إخوته؛ كموسى الكاظم والحسن العسكري، وبعضهم لم يغسله إمام، كعلي الرضا الذي لم يغسله ابنه محمد الجواد حيث لم يكن يتجاوز الثامنة من عمره آنذاك، وكذلك موسى الكاظم لم يغسله ابنه علي الرضا لغيابه عنه آنذاك، بل الحسين بن علي لم يغسله ابنه علي زين العابدين لملازمته الفراش ولحيلولة عساكر ابن زياد دون ذلك.
وبعضهم لا يستوي عليه درع رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ مثل محمد الجواد الذي لم يتجاوز الثامنة عند وفاة أبيه، وكذلك ابنه علي بن محمد مات عنه وهو صغير.
وبعضهم لم يكن أعلم الناس؛ كمن كان صبياً، وبعضهم جاء النص ـ في أخبار الشيعة ـ بأنه يحتلم وتصيبه الجنابة؛ كعلي وابنيه الحسن والحسين رضي الله عنهم، حيث رووا أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: «لا يحل لأحد أن يجنب في هذا المسجد إلا أنا وعلي وفاطمة والحسن والحسين»(1).
وأما علم الغيب فهذا كذبة لا تستحق الرد وإلا لما وجدنا أن بعضهم يموت مسموماً ـ كما يقولون ـ، فأين علم الغيب؟!
151 يدعي الشيعة أن الإمام يجب أن يكون «منصوصاً» عليه. ولو كان الأمر كذلك ما وجدنا كثرة الاختلافات بين فرقهم في أمر الإمامة، فكل فرقة تدعي «النص» في إمامها! فما الذي يجعل هذه الفرقة أولى من تلك؟! فالكيسانية مثلاً تدعي أن الإمام بعد علي رضي الله عنه هو ابنه «محمد بن الحنفية»، وهكذا.
__________
(1) ... عيون أخبار الرضا، (2/60).(16/69)
152 يفتري بعض الشيعة على عائشة رضي الله عنها ويتهمونها بما اتهمها به أهل الإفك ـ والعياذ بالله ـ كما سبق ـ ، فيقال لهم: إذا كان الأمر كما تفترون؛ فلماذا لم يُقم رسول الله صلى الله عليه وسلم عليها الحد وهو القائل «والله لو سرقت فاطمة بنت محمد لقطعت يدها»(1)؟! ولماذا لم يقم علي عليها الحد، وهو الذي لا يخاف في الله لومة لائم؟! ولماذا لم يقم عليها الحد الحسن لما تولى؟!
153 يعتقد الشيعة أن العلم مخزون عند أئمتهم، وأنهم ورثوا كتباً وعلماً لم يرثه غيرهم؛ فعندهم: «صحيفة الجامعة» و«كتاب علي» و« العبيطة» و«ديوان الشيعة» و«الجفر»، وهذه الصحف الوهمية فيها كل ما يحتاجه الناس.
والعجيب أن هذه الصحف التي تزعمها الشيعة لو كان شيء منها موجوداً لتغير وجه التاريخ، ولما عجز أئمتهم عن الوصول للحكم، ولما عصفت بهم المحن ومات كل واحد منهم مقتولاً أو مسموماً ـ كما يزعمون ـ، ولما غاب غائبهم في سردابه وظل مختفياً قابعاً في مكمنه خوف القتل!
154 ويقال أيضاً: أين هذه «المصادر» اليوم؟ وماذا ينتظر «منتظرهم» حتى يخرج بها إلى الناس؟ وهل الناس بحاجة إليها في دينهم؟ فإن كانوا بحاجة؛ فلماذا تبقى الأمة منذ اختفاء الإمام المزعوم منذ أكثر من 11 قرناً بعيدة عن مصدر هدايتها؟ وما ذنب كل هذه الأجيال لتحرم من هذه الكنوز؟ وإن لم تكن الأمة في حاجة إليها؛ فلماذا كل هذه الدعاوى؟ ولماذا يُصْرَف الشيعة عن مصدر هدايتهم الحقيقي، وهو كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم؟!
155 يذكر الشيعة في كتبهم أن مسير الحسين إلى أهل الكوفة ثم خذلانهم له وقتله كان سبباً في ردة الناس إلا ثلاثة. إذاً لو كان يعلم المستقبل ـ كما يزعمون ـ لما سار إليهم.
__________
(1) ... رواه البخاري(16/70)
156 تدعي الشيعة أن سبب اختفاء إمامهم الثاني عشر هو خوف القتل. فيقال: ولماذا لم يُقتل من قبله من الأئمة؟! وهم يعيشون في دولة الخلافة، وهم كبار، فكيف يُقتل وهو طفل صغير؟!
157 يدعي الشيعة أنهم يعتمدون في الأحاديث «على ما صح من طريق أهل البيت»(1). وهذا فيه تمويه وخداع؛ لأنهم يعدون الواحد من أئمتهم الاثني عشر كالرسول صلى الله عليه وسلم لا ينطق عن الهوى، وقوله كقول الله ورسوله، ولذلك يندر وجود أقوال الرسول في مدوناتهم؛ لأنهم اكتفوا بما جاء عن أئمتهم. أيضاً: ليس بصحيح أنهم يعتمدون على ما جاء عن طريق أهل البيت (كلهم)؛ إنما عن طريق أئمتهم فقط، فهم لا يعتدون بذرية «الحسن» مثلاً.
158 ويقال أيضاً: أنتم تعتدون بما جاء عن طريق «أئمتكم من أهل البيت» كما تزعمون، ومعلوم أنه لم يدرك أحدهم الرسول صلى الله عليه وسلم وهو مميز سوى علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فهل سيتمكن من نقل كل سنة الرسول صلى الله عليه وسلم للأجيال من بعده؟! كيف ذلك: وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستخلفه في بعض الأحيان أو يبعثه ـ باعترافكم ـ؟! فهو لم يكن مرافقاً للرسول صلى الله عليه وسلم طوال وقته.
أيضاً: كيف سيستطيع علي رضي الله عنه نقل أحوال رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته، التي اختص بنقلها أزواجه؟!
إذاً فعلي لوحده لن يستطيع نقل جميع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم إليكم!
__________
(1) ... أصل الشيعة وأصولها؛ لمحمد حسين آل كاشف الغطا، ( ص 83).(16/71)
159 يقال ـ أيضاً ـ: لقد وجدنا أن جل بلاد الإسلام بلغهم العلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من غير طريق علي رضي الله عنه، وعامة من بلغ عنه صلى الله عليه وسلم من غير أهل بيته! فقد بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أسعد ابن زرارة إلى المدينة يدعو الناس إلى الإسلام، ويعلم الأنصار القرآن، ويفقههم في الدين، وبعث العلاء بن الحضرمي إلى البحرين في مثل ذلك، وبعث معاذاً وأبا موسى إلى اليمن، وبعث عتاب بن أسيد إلى مكة. فأين دعوى الشيعة أنه لا يبلغ عنه صلى الله عليه وسلم إلا رجل من أهل بيته؟!
160 أيضاً: يعترف الشيعة في كتبهم أنهم لم يبلغهم علم الحلال والحرام ومناسك الحج إلا عن طريق أبي جعفر الباقر. وهذا يعني أنه لم يبلغهم عن علي شيء في هذا! وأن أسلافهم كانوا يتعبدون بما جاء عن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم! تقول كتب الشيعة: «كانت الشيعة قبل أن يكون أبو جعفر وهم لا يعرفون مناسك حجهم وحلالهم وحرامهم، حتى كان أبو جعفر ففتح لهم وبين لهم مناسك حجهم وحلالهم وحرامهم، حتى صار الناس يحتاجون إليه من بعد ما كانوا يحتاجون إلى الناس»(1).
161 يتناقض الشيعة فيحكمون لمن زعم أنه رأى مهديهم المنتظر بأنه عدل وصادق. يقول الممقاني شيخهم : «تشرف الرجل برؤية الحجة ـ عجل الله فرجه وجعلنا من كل مكروه فداه!ـ بعد غيبته، فنستشهد بذلك على كونه في مرتبة أعلى من مرتبة العدالة ضرورة»(2).
فيقال: ولماذا لا تجرون هذا الحكم على من رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! وهو أعظمُ وأولى من حجتكم؟!
__________
(1) ... أصول الكافي، (2/20)، تفسير العياشي، (1/252 ـ 253)، البرهان، (1/386)، رجال الكشي، (ص425).
(2) ... تنقيح المقال، (1/211).(16/72)
162 يتناقض الشيعة فيردون رواية من أنكر إمام من أئمتهم، فردوا روايات الصحابة لأجل هذا، ثم نجدهم لا يفعلون ذلك مع من أنكر بعض أئمتهم من أسلافهم الشيعة! فقد أكد شيخهم الحر العاملي على أن الإمامية عملت بأخبار «الفطحية»(1) وأخبار «الواقفية»(2) وأخبار «الناووسية»(3)، وكل هذه الطوائف الثلاث تنكر بعض أئمة الشيعة الاثني عشرية، ومع ذلك يعدون جملة من رجالها ثقات(4). ولا يفعلون هذا مع صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم!
163 يعتقد فريق كبير من علماء الشيعة بأن كتابهم «الكافي» للكيلني فيه الصحيح والضعيف والموضوع، ومن المقرر بين الشيعة أن هذا الكتاب قد عرض على مهديهم الغائب ـ كما يزعمون ـ فقال بأنه «كافٍ لشيعتنا»(5)، والسؤال: لماذا لم يعترض على ما فيه من الموضوعات؟!
164 يقول شيخ الشيعة الهمداني في مصباح الفقيه: «إن المدار على حجية الإجماع على ما استقر عليه رأي المتأخرين ليس على اتفاق الكل، بل ولا على اتفاقهم في عصر واحد، بل على استكشاف رأي المعصوم بطريق الحدس..» (6) فهم يعرفون رأي غائبهم المؤيد للإجماع بالحدس! فانظر لهذا التناقض! يجعلون حدسهم وظنهم هو العمدة، وإجماع السلف ليس بعمدة؟!
__________
(1) ... أتباع عبدالله «الأفطح» ابن جعفر الصادق.
(2) ... هم الذين وقفوا على موسى بن جعفر فلم يقولوا بإمامة من بعده.
(3) ... أتباع رجل يقال له ناووس أو ابن الناووس. يقولون بأن جعفر بن محمد لم يمت، وهو المهدي.
(4) ... انظر على سبيل المثال: رجال الكشي، (الصفحات: 563، 565، 570، 612، 616، 597، 615).
(5) ... مقدمة الكافي، لحسين علي، (ص25)، روضات الجنات للخوانساري، (6/109)، الشيعة لمحمد صادق الصدر، (ص 122).
(6) ... مصباح الفقيه، (ص 436)، الاجتهاد والتقليد، (ص 17).(16/73)
165 يعترف الشيعة بأن أحد أبرز علمائهم وهو ابن بابويه القمي صاحب «من لا يحضره الفقيه» أحد الكتب الأربعة التي عليها العمل عندهم، يعترفون بأنه «يدعي الإجماع في مسألة ويدعي إجماعاً آخر على خلافها»(1) حتى قال أحد علمائهم «ومن هذه طريقته في دعوى الإجماع كيف يتم الاعتماد عليه والوثوق بنقله»(2).
166 من عجائب الشيعة أنه إذا اختلفوا في مسألة وكان أحد القولين يُعرف قائله والآخر لا يُعرف قائله، فالصواب عندهم هو القول الذي لا يُعرف قائله! لأنهم يزعمون أنه قد يكون قول الإمام المعصوم! حتى انتقدهم شيخهم الحر العاملي وتعجب قائلاً: «وقولهم باشتراط دخول مجهول النسب فيهم أعجب وأغرب، وأي دليل عليه؟ وكيف يحصل مع ذلك العلم بكونه هو المعصوم أو الظن به»(3).
167 يقول شيخ الشيعة المجلسي: «إن استقبال القبر أمر لازم وإن لم يكن موافقاً للقبلة»(4) وذلك عند أداء ركعتي زيارة أضرحتهم!!
والعجيب أن النهي عن اتخاذ القبور مساجد وقبلة قد ورد في كتبهم عن أئمتهم من آل البيت، ولكنهم يحملون ذلك على التقية ـ كعادتهم في كل ما لا يوافق أهواءهم ـ!
168 يردد الشيعة كثيراً حديث «الغدير» وقوله صلى الله عليه وسلم فيه «أذكركم الله في أهل بيتي» وينسون أنهم أول من خالف هذه الوصية النبوية؛ حيث عادَوْا جمهوراً كبيراً من أهل البيت!
169 يقال للشيعة: لو كتم الصحابة مسألة النص على علي رضي الله عنه لكتموا فضائله ومناقبه فلم ينقلوا منها شيئاً، وهذا خلاف الواقع، فعلم أنه لو كان شيء من ذلك لنُقل؛ لأن النص على الخلافة واقعة عظيمة، والوقائع العظيمة يجب اشتهارها جداً، فلو حصلت هذه الشهرة لعلمها المخالف والموافق.
__________
(1) ... جامع المقال فيما يتعلق بأحوال الحديث والرجال، الطريحي، (ص 15).
(2) ... المرجع السابق.
(3) ... عن : مقتبس الأثر، (3/63).
(4) ... بحار الأنوار، (101/ 369).(16/74)
170 يروي الشيعة أن الحسن العسكري والد إمامهم المنتظر قد أمر بحجب خبر «المنتظر» إلا عن الثقات، ثم يتناقضون فيزعمون أن من لم يعرف الإمام فإنما يعرف ويعبد غير الله! وإن مات على هذه الحال مات ميتة كفر ونفاق(1)!
171 يقال للشيعة الذين يزعمون أن الله قد أمد في عمر «مهديهم المنتظر» مئات السنين، لحاجة الخلق بل والكون كله إليه!: لو كان الله يمد في أجل أحد من بني آدم لحاجة الخلق إليه لمد في أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم.
172 لا يقبل الشيعة قول جعفر أخي الحسن العسكري والد «إمامهم الغائب» في أن أخاه الحسن لم يخلف ولداً؛ لأنه –كما يقولون- غير معصوم(2)، ثم يقبلون دعوى عثمان بن سعيد في إثبات الولد للحسن، وهو غير معصوم ـ أيضاً ـ! فما هذا التناقض؟!
173 من عقائد الشيعة المشهورة: عقيدة «الطينة»، ـ كما سبق في المقدمة ـ، وملخصها أن الله عز وجل قد خلق الشيعة من طينة خاصة وخلق السنة من طينة خاصة! وجرى المزج بين الطينتين بوجه معين؛ فما في الشيعي من معاصٍ وجرائم هو من تأثره بطينة السني! وما في السني من صلاح وأمانة هو بسبب تأثره بطينة الشيعي!، فإذا كان يوم القيامة جمعت موبقات وسيئات الشيعة ووضعت على السنة! وجمعت حسنات السنة وأعطيت للشيعة!
وفات الشيعة أن هذه العقيدة المخترعة تناقض مذهبهم في القضاء والقدر وأفعال العباد؛ لأن مقتضى هذه العقيدة أن يكون العبد مجبوراً على فعله وليس له اختيار؛ إذ أفعاله بمقتضى «الطينة»، مع أن مذهبهم أن العبد يخلق فعله كما هو مذهب المعتزلة!
174 يذكر علماء الشيعة الاثني عشرية كثيراً حب الأنصار لعلي بن أبي طالب وأنهم كانوا كثرة في جنده في موقعة صفين. فيقال لهم: إذا كان الأمر كذلك فلماذا لم يسلّموا الخلافة إليه وسلّموها لأبي بكر؟! لن تجد إجابة مقنعة تسلّي بها نفسك.
__________
(1) ... أصول الكافي، (1/181ـ 184).
(2) ... انظر: الغيبة، (ص 106-107).(16/75)
إن نظرة الأنصار ومن قبلهم المهاجرين أبعد وأصوب منا جميعاً، لقد كانت هذه الفئة المؤمنة تُفرّق بين الخلافة وبين الارتباط العاطفي مع قرابة النبي صلى الله عليه وسلم.
ولذا رأينا الكتب الشيعية التي تمتدح هؤلاء الأنصار ووقوفهم جنباً إلى جنب مع علي في موقعة صفين هي الكتب نفسها التي تنعتهم بالردة والانقلاب على الأعقاب في حادثة السقيفة!
ميزان عجيب يُكال به أصحاب رسول الله: إن كانوا مع علي في أمر من الأمور صاروا خير الناس، وإن كان موقفهم مع من خالف علياً أو قُل في غير الاتجاه الذي أراده علي صاروا أهل ردة ومصلحة ونفاق!
فإن قالوا حكمنا عليهم بالردة والانقلاب على أعقابهم لأنهم أنكروا النص على علي بن أبي طالب، قيل لهؤلاء المستنكرين: أو ليس الشيعة الاثني عشرية يذكرون أن حديث الغدير متواتر وأن مئات من الصحابة قد رووه؟ فأين الإنكار؟
عندما أقول بلساني إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعلي (من كنت مولاه فعلي مولاه) فأين إنكاري للنص؟!
فإن قيل: أنكروا المعنى، قيل لهؤلاء: ومن ذا الذي قال بأن ما ذهبتم إليه في تفسير الحديث هو الحق؟! هل أنتم أفهم وأعقل من صحابة رسول الله الذين عاشوا تلك اللحظات وسمعوا الحديث بآذانهم؟! أم أنكم أفهم بالعربية منهم حتى صرتم تعقلون من الحديث ما لم يعقلوه هم(1)؟!
175 أمامنا فريقان: فريق طعن في كتاب الله مدعياً وقوع التحريف والتبديل فيه، على رأسه النوري الطبرسي ـ مؤلف كتاب المستدرك أحد الأصول الحديثية الثمانية لدى الشيعة الاثني عشرية ـ والذي ألفّ كتاباً باسم (فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب) يقول فيه عن القرآن وعن وقوع التحريف فيه ما نصه: (ومن الأدلة على تحريفه فصاحته في بعض الفقرات البالغة حد الإعجاز وسخافة بعضها الآخر)(2)!
__________
(1) ... ثم أبصرت الحقيقة، محمد سالم الخضر، (ص 291ـ 292).
(2) ... فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب ص 211.(16/76)
وسيد عدنان البحراني القائل: (الأخبار التي لا تحصى كثرة وقد تجاوزت حد التواتر ولا في نقلها كثير فائدة بعد شيوع القول بالتحريف والتغيير بين الفريقين، وكونه من المسلمات عند الصحابة والتابعين بل وإجماع الفرقة المحقة وكونه من ضروريات مذهبهم وبه تضافرت أخبارهم)(1).
ويوسف البحراني القائل: (لا يخفى ما في هذه الأخبار من الدلالة الصريحة والمقالة الفصيحة على ما اخترناه ووضوح ما قلنا، ولو تطرق الطعن إلى هذه الأخبار على كثرتها وانتشارها لأمكن الطعن إلى أخبار الشريعة كلها، كما لا يخفى؛ إذ الأصول واحدة وكذا الطرق والرواة والمشايخ والنقلة، ولعمري إن القول بعدم التغيير والتبديل لا يخرج من حسن الظن بأئمة الجور وأنهم لم يخونوا في الإمامة الكبرى مع ظهور خيانتهم في الأمانة الأخرى التي هي أشد ضرراً على الدين)(2).
طعن هذا الفريق بالقرآن بكل وضوح قائلاً بوقوع التحريف فيه!
وفريق آخر (وهم صحابة رسول الله) خطيئته التي لا يغفرها له الشيعة الاثنا عشرية هي أنه سلّم الخلافة لأبي بكر بدلاً من علي!
الفريق الأول الذي طعن في كتاب الله يعتذر له علماء الشيعة الاثني عشرية وغاية ما يقولون فيه كلمة (أخطأوا)، (اجتهدوا وتأولوا ولا نوافقهم على ما ذهبوا إليه)، وليت شعري متى صارت مسألة حفظ كتاب الله أو تحريفه مناطاً للاجتهاد؟! وأي اجتهاد في قول هذا المجرم إن (في القرآن آيات سخيفة)! والله إنها لطامة كبرى.
ولنأخذ مثالاً على نظرة علماء الشيعة الاثني عشرية إلى القائلين بالتحريف:
__________
(1) ... مشارق الشموس الدرية ص 126.
(2) ... الدرر النجفية ليوسف البحراني؛ مؤسسة آل البيت لإحياء التراث (ص298).(16/77)
السيد علي الميلاني ـ من كبار علماء الشيعة الاثني عشرية اليوم ـ يقول في كتابه (عدم تحريف القرآن ص 34) مدافعاً عن (الميرزا نوري الطبرسي): (الميرزا نوري من كبار المحدثين، إننا نحترم الميرزا النوري، الميرزا نوري رجل من كبار علمائنا، ولا نتمكن من الاعتداء عليه بأقل شيء، ولا يجوز، وهذا حرام، إنه محدّث كبير من علمائنا)!!(1) فتأمل هذا التناقض.
176 قال الله عز وجل: {اتَّبِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء}ـ [الأعراف:3] فهذا نص في إبطال اتباع أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما الحاجة إلى فرض الإمامة لينفذ الإمام عهود الله تعالى الواردة إلينا على من عبد فقط، لا لأن يأتي الناس بما لا يشاؤنه في معرفته من الدين الذي أتاهم به رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووجدنا علياً رضي الله عنه إذ دعي إلى التحاكم إلى القرآن أجاب، وأخبر بأن التحاكم إلى القرآن حق. فإن كان عليّ أصاب في ذلك فهو قولنا، وإن كان أجاب إلى الباطل فهذه غير صفته رضي الله عنه، ولو كان التحاكم إلى القرآن لا يجوز بحضرة الإمام لقال علي حينئذ: كيف تطلبون تحكيم القرآن، وأنا الإمام المبلغ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
فإن قالوا: إذ مات رسول الله صلى الله عليه وسلم فلابد من إمام يبلغ الدين.
قلنا: هذا باطل ودعوى بلا برهان، وقول لا دليل على صحته، وإنما الذي يحتاج إليه أهل الأرض من رسول الله صلى الله عليه وسلم بيانه وتبليغه فقط، سواء في ذلك من كان بحضرته، ومن غاب عنه، ومن جاء بعده؛ إذ ليس في شخصه صلى الله عليه وسلم إذا لم يتكلم بيان عن شيء من الدين فالمراد منه عليه السلام كلام باق أبداً مبلغ إلى كل من في الأرض،
__________
(1) ... ثم أبصرت الحقيقة، (ص294).(16/78)
وأيضاً، فلو كان ما قالوا من الحاجة إلى إمام موجود إلى الأبد لكان منتقضاً ذلك عليهم بمن كان غائباً عن حضرة الإمام في أقطار الأرض، إذ لا سبيل إلى أن يشاهد الإمام جميع أهل الأرض الذين في المشرق والمغرب من فقير وضعيف وامرأة ومريض ومشغول بمعاشه الذي يضيع إن أغفله، فلابد من التبليغ.
فإذ لابد من التبليغ عن الإمام، فالتبليغ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أولى بالاتباع من التبليغ عمن هو دونه، وهذا ما لا انفكاك لهم منه(1).
177 لقد جاءت روايات بأسانيد ثابتة وصحيحة لدى الشيعة تذم وتلعن مجموعة من الكذابين الذين قام الدين الشيعي على رواياتهم، تذمهم بأعيانهم، فلم يقبل شيوخ الشيعة الذم الوارد فيهم (لأنهم لو قبلوا ذلك لأصبحوا من أهل السنة وتخلوا عن شذوذهم) وقد فزعوا إلى التقية لمواجهة هذا الذم، وهذا ليس له تفسير إلا رد قول الإمام من وجه خفي، وإذا كان منكر نص الإمام كافراً في المذهب الشيعي فهم خرجوا بهذا عن الدين رأساً!
وقد اعترف محمد رضا المظفر ـ وهو من شيوخهم وآياتهم المعاصرين ـ اعترف بأن جل رواتهم قد ورد فيهم الذم من الأئمة ونقلت ذلك كتب الشيعة نفسها، قال وهو يتحدث عما جاء في هشام بن سالم الجواليقي من ذم قال: «وجاءت فيه مطاعن، كما جاءت في غيره من أجلة أنصار أهل البيت وأصحابهم الثقات والجواب عنها عامة مفهوم»(2) (أي العلة المعروفة السائرة عندهم وهي التقية) ثم قال: «وكيف يصح في أمثال هؤلاء الأعاظم قدح؟ وهل قام دين الحق وظهر أمر أهل البيت إلا بصوارم حججهم»(3).
__________
(1) ... الفصل في الملل والأهواء والنِحَل، (4/ 159ـ 160).
(2) ... الإمام الصادق لمحمد الحسين المظفر، (ص 178).
(3) ... نفس الموضع من المصدر السابق.(16/79)
لاحظ ماذا يصنع التعصب بأهله: فهم يدافعون عن هؤلاء الذين جاء ذمهم عن أئمة أهل البيت، ويردون النصوص المروية عن علماء أهل البيت في الطعن فيهم والتحذير منهم، التي تنقلها كتب الشيعة نفسها، فكأنهم بهذا يُكذبون أهل البيت، بل يصدقون ما يقوله هؤلاء الأفاكون؛ حيث زعموا أن ذم الأئمة لهم جاء على سبيل التقية، فهم لا يتبعون أهل البيت في أقوالهم التي تتفق مع نقل الأمة، بل يقتفون أثر أعدائهم ويأخذون بأقوالهم، ويفزعون إلى التقية في رد أقوال الأئمة.
178 قد عرف بالتواتر الذي لا يخفى على العامة والخاصة أن أبا بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم كان لهم بالنبي صلى الله عليه وسلم اختصاص عظيم وكانوا من أعظم الناس صحبة له وقرباً إليه، وقد صاهرهم كلهم، وكان يحبهم ويثني عليهم، وحينئذ فإما أن يكونوا على الاستقامة ظاهراً وباطناً في حياته وبعد موته، وإما أن يكونوا بخلاف ذلك في حياته أو بعد موته، فإن كانوا على غير الاستقامة مع هذا القرب فأحد الأمرين لازم: إما عدم علمه بأحوالهم، أو مداهنته لهم، وأيهما كان فهو من أعظم القدح في الرسول صلى الله عليه وسلم كما قيل:
فإن كنت لا تدري فتلك مصيبة
وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم
وإن كانوا انحرفوا بعد الاستقامة فهذا خذلان من الله للرسول في خواص أمته، وأكابر أصحابه، ومن وعد أن يظهر دينه على الدين كله، فكيف يكون أكابر خواصه مرتدين؟ فهذا ونحوه من أعظم ما يقدح به الشيعة في الرسول صلى الله عليه وسلم؛ كما قال أبوزرعة الرازي: إنما أراد هؤلاء الطعن في الرسول صلى الله عليه وسلم ليقول القائل: رجل سوء كان له أصحاب سوء، ولو كان رجلاً صالحاً لكان أصحابه صالحين.(16/80)
179 إن مذهب الشيعة في تكفير الصحابة يترتب عليه تكفير علي رضي الله عنه؛ لتخليه عن القيام بأمر الله. ويلزم عليه إسقاط تواتر الشريعة، بل بطلانها ما دام نقلتها مرتدين، ويؤدي إلى القدح في القرآن العظيم، لأنه وصلنا عن طريق أبي بكر وعمر وعثمان وإخوانهم، وهذا هو هدف واضع هذه المقالة.
180 يقول الشيعة بأن «الإمامة واجبة لأن الإمام نائب عن النبي صلى الله عليه وسلم في حفظ الشرع الإسلامي وتيسير المسلمين على طريقه القويم، وفي حفظ وحراسة الأحكام عن الزيادة والنقصان»(1) ويقولون بأنه «لابد من إمام منصوب من الله تعالى وحاجة العالم داعية إليه، ولا مفسدة فيه، فيجب نصبه...»(2)، وأن الإمامة «إنما وجبت لأنها لطف.. وإنما كانت لطفاً؛ لأن الناس إذا كان لهم رئيس مطاع مرشد يردع الظالم عن ظلمه، ويحملهم على الخير، ويردعهم عن الشر، كانوا أقرب إلى الصلاح، وأبعد عن الفساد، وهو اللطف»(3).
فيقال لهم: إن أئمتكم الاثني عشر ـ غير علي رضي الله عنه ـ لم يملكوا الرئاسة العامة في أمور الدين والدنيا، ولم يملكوا ردع الظالم عن ظلمه، وحمل الناس على الخير وردعهم عن الشر! فكيف تدعون لهم الدعاوى الخيالية التي لم تكن واقعاً أبداً؟! وهذا لو تأملتم ينقض كونهم أئمة ـ حسب مفهومكم ـ؛ لأنه لم يحصل منهم اللطف الذي تزعمون.
__________
(1) ... الشيعة في التاريخ، (ص 44ـ 45).
(2) ... منهاج الكرامة، (ص 72 ـ 73).
(3) ... أعيان الشيعة، (1/ 2/ص6).(16/81)
181 ورد في كتاب نهج البلاغة أن علياً رضي الله عنه كان يناجي ربه بهذا الدعاء: «اللهم اغفر لي ما أنت أعلم به مني، فإن عدت فعد عليّ بالمغفرة، اللهم اغفر لي ما وأيت(1) من نفسي ولم تجد له وفاء عندي، اللهم اغفر لي ما تقربت به إليك بلساني ثم ألفه قلبي، اللهم اغفر لي رمزات الألحاظ وسقطات الألفاظ، وسهوات الجنان وهفوات اللسان»(2).
فهو رضي الله عنه يدعو الله بأن يغفر له ذنوبه من السهو وغيره، وهذا ينافي ما تزعمونه له من العصمة!
182 يزعم الشيعة أنه ما من نبي من الأنبياء إلا ودعا إلى ولاية علي(3)! وأن الله قد أخذ ميثاق النبيين بولاية علي(4)! بل وصلت بهم المبالغة والغلو إلى أن زعم شيخهم الطهراني أن ولاية علي «عُرضت على جميع الأشياء، فما قبل صلح، وما لم يقبل فسد»(5)!
ويقال للشيعة: لقد كانت دعوة الأنبياء عليهم السلام إلى التوحيد وإخلاص العبادة لله، لا إلى ولاية علي كما تدعون. قال تعالى {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ }ـ [الأنبياء:25]. وإذا كانت ولاية علي كما تدعون مكتوبة في جميع صحف الأنبياء؛ فلماذا ينفرد بنقلها الشيعة ولا يعلم بها أحد غيرهم؟! ولماذا لم يعلم بذلك أصحاب الديانات؟! وكثير منهم أسلم ولم يذكر هذه الولاية. بل لماذا لم تُسجل في القرآن وهو المهيمن على جميع الكتب؟!.
183 هل تمتع الأئمة؟!
ومن هم أبناؤهم من المتعة؟!
__________
(1) ... وأيت: أي وعدت. والوأي: الوعد.
(2) ... نهج البلاغة (شرح ابن أبي الحديد، 6/ 176).
(3) ... انظر: «بحار الأنوار» (11/60)، «المعالم الزلفى» (ص 303).
(4) ... «المعالم الزلفى» (ص 303).
(5) ... «ودائع النبوة» للطهراني، (ص 155).(16/82)
184 يقول الشيعة: إن الأئمة يعلمون ما كان وما يكون وأنه لا يخفى عليهم الشيء، وإن علي بن أبي طالب باب العلم ـ فكيف يجهل علي حكم المذي ويُرسل للنبي صلى الله عليه وسلم من يعلمه الأحكام المتعلقة بذلك؟!
185 إن الجريمة التي اقترفها الصحابة عند الشيعة هي انحرافهم عن ولاية علي ـ رضي الله عنه ـ كما يدَّعون، وعدم التسليم له بالخلافة، فتصرفهم هذا أسقط عدالتهم عند الشيعة. فما بالهم لم يفعلوا مثل ذلك مع الفِرَق الشيعية الأخرى الذين أنكروا بعض أئمتهم كـ«الفطحية» و«الواقفة» وغيرهم؟! بل تجدهم يحتجون برجالهم ويعدلونهم(1)! فلماذا هذا التناقض؟!
186 تتفق مصادر الشيعة على العمل بالتقية للأئمة وغيرهم ـ كما سبق ـ وهي أن يُظهر الإمام غير ما يُبطن، وقد يقول غير الحق. ومن يستعمل التقية لا يكون معصوماً؛ لأنه حتماً سيكذب، والكذب معصية!
187 ينقل الكليني أن بعض أنصار الإمام علي ـ رضي الله عنه ـ طالبه بإصلاح ما أفسده الخلفاء الذين سبقوه، فرفض محتجًّا بأنه يخشى أن يتفرق عنه جنده(2) مع أن التهم التي وجهوها للخلفاء قبله (أبي بكر وعمر وعثمان ـ رضي الله
عنهم ـ) تشمل مخالفة القرآن والسنة. فهل ترك علي لتلك المخالفات كما هي يُناسب «العصمة» التي يدَّعونها له؟!
188 لقد اختار عمر ـ رضي الله عنه ـ ستة أشخاص للشورى بعد وفاته، ثم تنازل ثلاثة منهم، ثم تنازل عبدالرحمن ابن عوف، فبقي عثمان وعلي ـ رضي الله عنهم ـ، فلماذا لم يذكر عليٌّ منذ البداية أنه موصىً له بالخلافة؟! فهل كان يخاف أحداً بعد وفاة عمر؟!
* * *
__________
(1) ... انظر على سبيل المثال: «رجال الكشي» (ص27، 219، 445، 465)، و«رجال النجاشي» (ص 28، 53، 76، 86، 95، 139)، و«جامع الرواة» للأردبيلي (1/413).
(2) ... «الروضة للكليني»، (ص29).(16/83)
استسق لأمتك (كان بلال بن الحارث) ؟
- أن سيفاً هذا منكر الحديث فقد قالوا عنه إنه كان يضع الأحاديث، قال ابن عدي وأبو حاتم متروك الحديث وقال أبو داود ليس بشيء وقال ابن حبان يروي الموضوعات (تهذيب التهذيب 4: 295).
- فيه الضحاك بن يربوع والسحيمي . قال الأزدي في الضحاك : حديثه ليس بقائم . وهو والسحيمي من المجهولين اللذين تفرد بالرواية عنهما سيف .
- إيراد ابن جرير لها وغيرها من الروايات الضعيفة والموضوعة إنما جرى فيه على جمع شتات الروايات من غير تمحيص لها. فقد قال في مقدمة تاريخه (1/8) " فما يكن في كتابي هذا من خبر ذكرناه عن بعض الماضين مما يستنكره قارئه أو يستشنعه سامعه ، من أجل أنه لم يعرف له وجهاً في الصحة : فليعلم أنه لم يؤت في ذلك من قبلنا، وإنما أتي من قتل بعض ناقليه إلينا ، وأنا إنما أدينا ذلك على نحو ما أدي إلينا ).(17/1)
استسق لأمتك فإنهم هلكوا ؟
عن مالك الدار " أصاب الناس قحط في زمن عمر فجاء رجل إلى قبر النبي e فقال يا رسول الله استسق لأمتك فإنهم قد هلكوا فأتى الرجل في المنام فقيل له : ائت عمر فأقرئه السلام وأخبره أنكم مسقون وقل له عليك الكيس الكيس ".
1) فيه اضطراب : مالك الدار مجهول الحال ، إذا شهدنا له بالثقة لم نشهد له بالضبط .
2) وأما ما جاء في رواية سيف بن عمر الضبي أن الرجل هو بلال بن الحارث فهذا مردود : فإن سيفاً هذا زنديق بشهادة نقاد الحديث وكان يضع الأحاديث . قال ابن أبي حاتم "ضعيف " (الجرح والتعديل 4/278) " ورماه ابن حبان والحاكم بالزندقة " (تهذيب التهذيب 4/295) .
3) أن الرواية ليست متواترة ، وقد عاهد الأشاعرة ألا يأخذوا بالآحاد في العقائد .
4) أن البخاري اقتصر على قول عمر (ما آلو إلا ما عجزت عنه) (التاريخ الكبير 7/304 رقم 1295) ، ولم يذكر مجيء الرجل إلى القبر ، وهذه الزيادة دخلت في القصة وهي زيادة منكرة ومعارضة لما هو أوثق منها مما رواه البخاري في صحيحه في ترك جمهور الصحابة التوسل بالنبي إلى التوسل بالعباس.(18/1)
اسمي في القرآن والشمس وضحاها واسم علي والقمر إذا تلاها ؟
واسم الحسن والحسين والنهار إذا جلاها واسم بني أمية والليل إذا يغشاها»
قال الحافظ « قال ابن الجوزي هذا منكر جدا بل هو موضوع وفيه ثلاثة مجاهيل الحوضي وموسى وأبوه» (لسان الميزان5/329).(19/1)
أصحابي أصحابي فيقال إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك. إنهم ما زالوا مرتدين ؟
السؤال الأول لمن يفرطون في محبة وتعظيم علي:
هل بايع علي مرتدين؟ وزوج أحدهم ابنته؟ وسمى أبناءه بأسمائهم؟
المرتدون هم جماعة ارتدوا بعد موت النبي e وأرسل أبو بكر في حربهم. وكان ممن حاربهم علي الذي كانت تحته امرأة من سبيهم وهي خولة بنت جعفر أم محمد بن علي الأكبر (شرح الأخبار3/295 للقاضي النعمان المغربي) ونسب المجلسي هذا القول إلى المحققين من الرواة وجعله هو القول الأظهر (بحار الأنوار42/99).
السؤال الثاني: هل يتناقض القرآن؟ كيف يفهم من هذا ارتدادهم وهو الذي أثنى عليهم مهاجرين وأنصارا؟ كيف يمكن الله للمنقلبين أن يتملكوا المنصب الإلهي ويحرم منه من وعدهم بالتمكين؟
فهل عندكم من مخرج سوى القول بالبداء؟
حديث أصحابي عام. والقرآن خص بالثناء المهاجرين والأنصار فهل الرافضة يخصصونهم بالثناء موافقة للقرآن؟
القرآن أثبت وجود منافقين كانوا يتظاهرون بالآية لا تفيد تحقق الارتداد. فقد قال تعالى ]أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين[. فلماذا أخذتم القرآن عنهم وهم مرتدون محرفون للنصوص؟ وهل عندكم بدائل عنهم؟(20/1)
أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم؟
أهل السنة ضعفوا هذا الحديث. ولو كان التصحيح والتضعيف عند أهل السنة بحسب موافقة المذهب لصححوا الحديث لأن فيه ثناء على الصحابة والحث على الاقتداء بهم. لكنهم حكموا على الحديث بالضعف.
رواه الحارث بن غصين عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر.
فيه الحارث بن غصين مجهول كما قال ابن عبد البر.
وفيه أبو سفيان وهو ضعيف. وفيه سلام بن سليمان. وهو الأولى أن يضعف الحديث لأجله كما قال الشيخ الألباني (سلسلة الضعيفة رقم 58 1/78).
وفيه عدة طرق أخرى هكذا: (مهما أوتيتم من كتاب الله)
فيه سليمان بن أبي كريمة. وجويبر بن سعيد الازدي.
وفيه الضحاك وهو ابن مزاحم الهلالي متروك.
قال ابن الجوزي بوضعه والحافظ العراقي بأن سنده ضعيف.(21/1)
أعطيت في علي خمس خصال لم يعطها نبي يقضي ديني ويواري عورتي ؟
وهو الذائد عن حوضي ولوائي معه يوم القيامة. وأما الخامسة فإني لا أخشى أن يكون زانيا بعد حصان ولا كافرا بعد إيمان». قال الحافظ « رواه العقيلي وإسناده لين» (لسان الميزان2/404).
قلت: بل موضوع. فإن فيه حسين بن عبد الله أبو علي العجلي: متروك وضاع. قال الدارقطني « كان يضع الأحاديث على الثقات» وقال ابن عدي « يشبه أن يكون ممن يضع الحديث» وقال الخطيب كان غير ثقة» (تاريخ بغداد8/56 ميزان الاعتدال1/541 لسان الميزان2/295).
ورواه أو نعيم في (الحلية10/211) من طريق عطية العوفي عن أبي سعيد (زعموا) أنه الخدري. وهذا من خدع عطية الذي كان يروي عن أبي سعيد الكلبي الكوفي الكذاب وظن كثيرون أنه له صحبة بأبي سعيد الخدري. وعطية أحاديثه ليست نقية فكن منها على تقية. وهو ضعيف متشيع كما صرح به جمع من أهل العلم كالنووي وغيره.(22/1)
أعلم أمتي بعد علي؟
لا أصل له. وقد أورده الديلمي بلا إسناد (الفردوس بمأثور الخطاب1/370).(23/1)
اقتلوا نعثلا فانه كفر (قول منسوب لعائشة يطعن بعثمان) ؟
فيه نصر بن مزاحم قال فيه العقيلي » كان يذهب إلى التشيع وفي حديثه اضطراب وخطأ كثير« (الضعفاء للعقيلي (4/300) رقم (1899) وقال الذهبي » رافضي جلد، تركوه وقال أبو خيثمة: كان كذاباً، وقال أبو حاتم: واهي الحديث، متروك، وقال الدارقطني: ضعيف« (الميزان للذهبي 4/253) رقم (9046).) وقال الجوزجاني: كان نصر زائفاً عن الحق مائلاً، وقال صالح بن محمد: نصر بن مزاحم روى عن الضعفاء أحاديث مناكير، وقال الحافظ أبي الفتح محمد بن الحسين: نصر بن مزاحم غال في مذهبه « (تاريخ بغداد 13/283) وعلى ذلك فهذه الرواية لا يعول عليها ولا يلتفت إليها إضافة إلى مخالفتها للروايات الصحيحة الناقضة لها.(24/1)
اقرءوا يس على موتاكم؟
أو اقرءوا على موتاكم يس وهذا الحديث قد اجتمعت فيه علل عديدة كما بيّنه الحافظ ابن حجر في التلخيص ، منها :
ا- جهالة أبي عثمان 2- جهالة أبيه 3- الاضطراب : فقد أعله ابن القطان بذلك . وقال الدارقطنى هذا حديث ضعيف الإسناد مجهول المتن ولا يصح حديث في الباب (التلخيص الحبير 2 / 104 إرواء الغليل للألباني ( 688 ).(25/1)
اقض بيني وبين هذا الكاذب الآثم الغادر الخائن؟
إذا كانت عقيدة علي بن أبي طالب قد رضي في عمر أنه كان غادرا كاذبا خائنا فكيف يرتضي المجيء إليه ليحكم بينه وبين العباس؟ هذه صورة أخرى من صور التناقض التي يصورها المذهب الشيعي.
مبايعة علي لغادر خائن كاذب تجعله غير جدير بأن يكون قدوة للناس.
الحديث رواه مسلم رقم 1757« حدثني عبد الله بن محمد بن أسماء الضبعي. حدثنا جويرية عن مالك، عن الزهري؛ أن مالك بن أوس حدثه. قال: قال عباس: يا أمير المؤمنين! اقض بيني وبين هذا الكاذب الآثم الغادر الخائن. فقال القوم: أجل. يا أمير المؤمنين! فاقض بينهم وأرحهم. (فقال مالك بن أوس: يخيل إلي أنهم قد كانوا قدموهم لذلك) فقال عمر: اتئدا. أنشدكم بالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض! أتعلمون أن رسول الله e قال (لا نورث. ما تركنا صدقة) قالوا: نعم. ثم أقبل على العباس وعلي فقال: أنشدكما بالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض! أتعلمان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا نورث. ما تركناه صدقة) قالا: نعم. فقال عمر: إن الله عز وجل كان خص رسوله صلى الله عليه وسلم بخاصة لم يخصص بها أحدا غيره. قال: ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول [59 /الحشر /7] (ما أدري هل قرأ الآية التي قبلها أم لا) قال: فقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم بينكم أموال بني النضير. فوالله! ما استأثر عليكم. ولا أخذها دونكم. حتى بقي هذا المال. فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأخذ منه نفقة سنة. ثم يجعل ما بقي أسوة المال. ثم قال: أنشدكم بالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض! أتعلمون ذلك؟ قالوا: نعم. ثم نشد عباسا وعليا بمثل ما نشد به القوم: أتعلمان ذلك؟ قالا: نعم. قال: فلما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أبو بكر: أنا ولي رسول الله صلى الله عليه وسلم. فجتئما، تطلب ميراثك من ابن أخيك، ويطلب هذا ميراث امرأته من أبيها. فقال أبو بكر: قال(26/1)
رسول الله صلى الله عليه وسلم (ما نورث. ما تركنا صدقة) فرأيتماه كاذبا آثما غادرا خائنا، والله يعلم إنه لصادق بار راشد تابع للحق. ثم توفي أبو بكر. وأنا ولي رسول الله صلى الله عليه وسلم وولي أبا بكر. فرأيتماني كاذبا آثما غادرا خائنا. والله يعلم إني بار راشد تابع للحق. فوليتها. ثم جئتني أنت وهذا. وأنتما جميع وأمركما واحد. فقلتما: ادفعها إلينا. فقلت: إن شئتم دفعتها إليكما على أن عليكما عهد الله أن تعملا فيها بالذي كان يعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم. فأخذتماها بذلك. قال: أكذلك؟ قالا: نعم. قال: ثم جئتماني لأقضي بينكما. ولا ، والله! لا أقضي بينكما بغير ذلك حتى تقوم الساعة. فإن عجزتما عنها فرداها إلي.
التعليق على الحديث
عندنا شهادات وقرائن تبطل باطل من يحملون النصوص ما لا تحتمل:
لئن كان هذا حقا بأن عليا كان يرى في أبي بكر أنه كاذاب غادر خائن فكيف يبايع علي من تكون فيه هذه الصفات؟
لئن كان هذا حقا بأن عليا كان يرى في أبي بكر أنه كان كاذبا غادرا خائنا: فيكون علي مخطئا وهو بشر. لأن أبا بكر احتج على فاطمة بحديث صححه عامة الرافضة. وهو حديث (وإن الأنبياء لم يورثوا درهما ولا دينارا ولكن ورثوا العلم. فانقلب الرافضة يذلك غادرين كاذبين خائنين آثمين.
هل تأخذون بعين الاعتبار في مواقفكم من الصحابة بثناء الله على المهاجرين وعمر منهم وثناء الله على أصحاب الشجرة وعمر منهم؟ ألستم تقولون كل ما خالف القرآن فاضربوا به عرض الحائظ؟ وشهادة الله مقدمة على شهادة علي على حد زعمكم.
تزويج علي ابنته أم كلثوم لعمر بن الخطاب. والمبايعة والتيمن باسم عمر تبقى قرائن تكون حجة عليكم في الدنيا والآخرة.
من اعتقد في عمر الغدر والكذب والخيانة لا يزوجه ابنته فهل ترضون لبناتكم من يحمل هذه الصفات. أين عقولكم؟ هل وجدتم أحد ملالكم يزوج ابنته نصرانيا أو يهوديا؟
قول عمر للعباس عن أبي بكر « فرأيتماه كاذبا آثما غادرا(26/2)
خائنا» هو إلزام للعباس الذي رأى أن عليا كاذبا آثما غادرا خائنا. وكأنه يقول لقد رأيتم ذلك في أبي بكر وكان متمسكا بالنص.
فإذا قلتم هذا يبين اعتقاد علي في أبي بكر. الحديث نص على اعتراف علي بصحة قول النبي e «لا نورث» فقال «نعم» ولم يقل نعم في سؤاله عن أبي بكر.
وليس في الحديث سوى إلزام العباس بما اتهم به عليا من الغدر والكذب والاثم والغدر. فإن يكن أبو بكر كذلك صار علي كذلك وإن لم يكن أبو بكر كذلك لم يكن علي كذلك.(26/3)
أقيلوني بيعتي فقال علي والله لا نقيلك ؟
ولا نستقيلك رضيك رسول الله صلى الله عليه وسلم لديننا أفلا نرضاك لديننا. (تفسير القرطبي1/272 فضائل الصحابة لابن حنبل 1/151).(27/1)
أقيلوني فإن لي شيطانا يعتريني (خطبة منسوبة لأبي بكر) ؟
يجعل الرافضة هذه الرواية مطعنا في أبي بكر. وهل منا أحد إلا وقد جعل الله له قرينا من الشياطين؟
الحديث رواه الطبراني في المعجم الأوسط8/267) وفيه عيسى بن سليمان وهو ضعيف وعيسى بن عطية وهو مجهول قال الهيثمي « لم أعرفه» (مجمع الزوائد5/183).
وذكره الطبري في تاريخه (2/245) عن سيف بن عمر الضبي وهو رافضي كذاب كما أجمع عليه أهل العلم بالرواية.
ورواه عبد الرزاق في المصنف (11/336) وابن عساكر في تاريخه (30/304) وفيه انقطاع بين معمر وبين الحسن.(28/1)
أكلت داجن ورقة من مصحف؟
رواه الطبراني في المعجم الأوسط (8/12) وابن ماجة في سننه (1/625) وصححها الألباني في صحيح سنن ابن ماجة رقم 1580.
ولكن هذا لا حجة فيه فإن مصاحف المسلمين كثيرة. والداجن إذا أكلت ورقة لا تستطيع إذهاب آيات القرآن من صدور مئات آلاف المسلمين وليست عائشة وحدها عندها أوراق من القرآن ولم تكن من كتبة الوحي المتخصصين في كتابة كل آية تتنزل على النبي e.
إن هذا محاولة يائسة لإيجاد مساومة مع السنة على قول قول الرافضة بأن القرآن محرف.
ولئن كان هذا عندهم تحريفا لزمهم التحريف من رواية شبيهة برواية عائشة وهي: « عن جابر عن أبي جعفر قال: سمعته يقول: وقع مصحف في البحر فوجدوه وقد ذهب ما فيه إلا هذه الآية: ألا إلى الله تصير الأمور» (الكافي 2/462 كتاب فضل القرآن بدون باب).(29/1)
ألا ترضى يا علي إذا جمع الله الناس في صعيد واحد؟
أن أقوم عن يمين العرش وأنت عن يميني وتكسى ثوبين أبيضين؟ فلا داعي بخير إلا دعيت أيضا».
قال الحافظ « رواه الأزدي في سنده تالف والخبر منكر» (لسان الميزان2/404).(30/1)
الأئمة من بعدي إثنا عشر كعدة نقباء بني إسرائيل؟
حدثنا حسن بن موسى حدثنا حماد بن زيد عن المجالد عن الشعبي عن مسروق قال: كنا جلوسا عند عبد الله بن مسعود وهو يقرئنا القرآن فقال له رجل يا أبا عبد الرحمن هل سألتم رسول الله e كم تمالله بن مسعود: ما سألني عنها أحد منذ قدمت العراق قبلك ثم قال نعم ولقد سألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إثنا عشر كعدة نقباء بني إسرائيل» (مسند
ضعيف لضعف مجالد وهو ابن سعيد الهمداني. قال الحافظ في التقريب « ضعيف» (6478).
قال الهيثمي « وثقه النسائي وضعفه الجمهور وبقية رجاله ثقات» (مجمع الزوائد5/190).(31/1)
الإجابات الْجَلِيَّة عن الشُّبُهات الرافضية
تأليف
الشيخ عبدالرحمن بن عبدالله السحيم
الحمد لله فاطر السماوات والأرض بارئ الورَى ، والصلاة والسلام على من بعثه ربّه رحمة للعالمين ، فأقام به عَلَم الهدى ، وعلى آله وأصحابه الغرّ الميامين ، نجوم الدُّجَى ومصابيح الهدى .
أما بعد :
فقد سألني أحد الإخوة مجموعة من الأسئلة ، أوردها طالباً الجواب عنها .
ولما رأيت الأمر أمراً مُنكَرا شددتُ ذراعي ، وجرّدت ذراعي ، واستللتُ قَلمي ، واستعنت بِربِّي وأمضيت وقتا في الذب عن خيار هذه الأمة ، وفي تجلية الحق ودَحْض الشبهة وكشف الغمّة .
وتلك الشبهات عبارة عن عشرين سؤالاً وجّهها بِزعمه إلى الوهابية !
وهي – كما سيأتي – لازمة لأمة الإسلام جمعاء !
وسوف أصدّر كل سؤال له بـ " قال الرافضي : "
قال الأخ الفاضل الذي أورد الأسئلة :
شيخنا الفاضل
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وَرَدَ إليّ هذا المقال و فيه بعض الأسئلة تحتاج إلى جواب و معرفة لحال السائل
المقال بعنوان :
جائزة للوهابية لمن يجيب على هذه الأسئلة
الجواب :
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
وبارك الله فيك أخي الكريم :
لا شك أن هذه شُبُهات رافضية
وهي دالّة على قِلة فقه في الدِّين ، وتُنبئ عن حقد دفين على أهل السنة ، بل على الصحابة رضي الله عنهم .
فإن ما في هذه الأسئلة أو أغلبه لا يلزم ( الوهابية ) كما زَعم ، وإنما تلزم كل أهل القِبْلَة !
فإن أهل القِبْلَة قاطبة يُصلُّون التراويح عدا الرافضة ومن دار في فلكهم ، ولذا قال الإمام القحطاني رحمه الله :
إن التّراوح راحة في ليلِه *** ونشاط كل عويجز كسلان
والله ما جَعَل التراوِح مُنكَراً *** إلا المجوس وشيعة الشيطان
وسيأتي الجواب عن ذلك في محلّه – إن شاء الله –
قال الرافضي :(32/1)
إذا أجبتم عن هذه الأسئلة فلكم جائزة قيمة سنعلن عنها فيما بعد
يجب أن تكون الإجابة صحيحة وليست كلاما تحليليا من جيوبكم
يجب التحلي بالأخلاق الإسلامية والابتعاد عن السب والشتم .
الردّ :
أقول : هذا أول التّهكم والسخرية منه .
وليس نحن من نسبّ ونشتم ، وإنما الذي هو دأبهم وديدنهم السب والشتم واللعن ، حتى اخترعوا دعاء في لعن وسب خيار هذه الأمة ، في ما يُسمونه ( دعاء صنمي قريش ) !
وآخر من يُطالِب بالتحلّي بالأخلاق الإسلامية هم الرافضة ، لأنهم أبعد الناس عنها قولاً وفِعلاً !
فإن دِينهم يقوم على السب والشتم واللعن .
قال الرافضي :
السؤال الأول :
هل يستطيع أي إنسان أن يغير القوانين والشرائع الإلهية ؟
أليس الله هو من أنزل آيات تدعونا لاتباع ما أتانا به الرسول ؟
أليس الله هو من قال إنه لا خيرة لأي إنسان إذا ما قضى الله ورسوله أمرا !؟
فلماذا تقبلون قيام عمر ابن الخطاب بابتداع صلاة التراويح؟ ولماذا تقبلون ابتداعه للطلاق الثلاث في مجلس واحد ؟
ولماذا تقبلون بدعته التي أدخلها على الأذن ؟ الصلاة خير من النوم .
من الذي أعطاه الحق ليجتهد مقابل النص النبوي والإلهي ؟
الردّ :
ليت الذي طَرَح هذه الشبهات غير الرافضة !
لأن هذا الاعتراض منقوض على الرافضة بأمور كثيرة ، من أبرزها :
أنهم يدّعون – زورا وبُهتاناً – أن القرآن ناقص ومُحرّف ، منذ زمن المفسِّر الرافضي الشهير ( علي بن إبراهيم الْقُمِّي ) الذي كان حيا سنة 307 هـ إلى زمن النوري الطبرسي صاحب كتاب " فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب " وقد حَشَد أكثر من ألفي رواية عن أئمة وعلماء الرافضة تُبت تحريف القرآن – بِزعمه – ، ولدى الرافضة سورة الولاية ! ليست في مصاحف المسلمين ! فقط في مصاحف الرافضة !!!
وأما قول الرافضي :
أليس الله هو من أنزل آيات تدعونا لاتباع ما أتانا به الرسول ؟
فالجواب : بلى .(32/2)
والله قد أمرنا باتِّباع رسوله صلى الله عليه وسلم ، فقال : (وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) ومما أتانا به رسول الله صلى الله عليه وسلم الأمر بالاقتداء بالشيخين على وجه الخصوص ، فقال عليه الصلاة والسلام : اقتدوا باللذين من بعدي : أبي بكر وعمر . رواه الإمام أحمد والترمذي ، وهو حديث صحيح .
ومما أتانا به رسول الله صلى الله عليه وسلم الأمر بالتّمسّك بِسُنّة الخلفاء الراشدين المهديين ، فقال : فعليكم بسنتي ، وسنة الخلفاء الراشدين المهديين ، عضوا عليها بالنواجذ . رواه الإمام أحمد وغيره .
قال الرافضي :
فلماذا تقبلون قيام عمر ابن الخطاب بابتداع صلاة التراويح ؟
الردّ :
عمر رضي الله عنه لم يَبتدِع صلاة التراويح ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم صلاّها ، فصلّى بالناس في رمضان ، يومين أو ثلاثة وصلّى بصلاته أُناس من أصحابه إلا أنه عليه الصلاة والسلام تَرَكها خشية أن تُفرض على أمّته .
فقد روى البخاري ومسلم من حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلّى في المسجد ذات ليلة فصلّى بصلاته ناس ، ثم صلى من القابلة فكثُر الناس ثم اجتمعوا من الليلة الثالثة أو الرابعة ، فلم يخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما أصبح قال : قد رأيت الذي صنعتم فلم يمنعني من الخروج إليكم إلا أني خشيت أن تُفْرَض عليكم . قال وذلك في رمضان .(32/3)
وفي رواية للبخاري ومسلم : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج من جوف الليل فصلى في المسجد فصلى رجال بصلاته ، فأصبح الناس يتحدثون بذلك ، فاجتمع أكثر منهم ، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في الليلة الثانية فصلوا بصلاته ، فأصبح الناس يذكرون ذلك فكثر أهل المسجد من الليلة الثالثة ، فخرج فصلوا بصلاته ، فلما كانت الليلة الرابعة عجز المسجد عن أهله فلم يخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فطفق رجال منهم يقولون الصلاة ، فلم يخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى خرج لصلاة الفجر ، فلما قضى الفجر أقبل على الناس ، ثم تشهد ، فقال : أما بعد : فإنه لم يخفَ علي شأنكم الليلة ، ولكني خشيت أن تفرض عليكم صلاة الليل ، فتعجزوا عنها .
وهذا مِنْ رحمته صلى الله عليه وسلم بأمته ، فهو صلى الله عليه وسلم بالمؤمنين رؤوف رحيم ، كما وَصَفَه ربُّه بذلك .
ولم يَتركها الناس ، فقد كانوا يُصلّون التراويح والقيام في رمضان ، إلا أنهم كانوا يُصلونها أوزاعاً مُتفرّقين .
روى البخاري عن عبد الرحمن بن عبدٍ القاري : خرجت مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه ليلة في رمضان إلى المسجد فإذا الناس أوزاع متفرقون ، يصلي الرجل لنفسه ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط فقال عمر : إني أرى لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد لكان أمثل ، ثم عزم فجمعهم على أبي ابن كعب ، ثم خرجت معه ليلة أخرى والناس يصلون بصلاة قارئهم قال عمر : نعم البدعة هذه ، والتي ينامون عنها أفضل من التي يقومون . يريد آخر الليل وكان الناس يقومون أوله .
قال الإمام الزهري في التراويح : فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم والأمر على ذلك ، ثم كان الأمر على ذلك في خلافة أبي بكر وصدراً من خلافة عمر رضي الله عنهما .
فكل الذي صَنَعه عمر رضي الله عنه أن جَمَع ما تفرّق ، ولم يُشرِّع ابتداء .(32/4)
فَعُمَر رضي الله عنه لم يكن منه إلا أنه أحيا الأمر الأول ، وجَمَع الناس على إمام واحد بدل الفرقة والاختلاف ، فهل فِعل عُمر الذي يُعد عند العقلاء مَدْحاً صار عند الرافضة قَدْحاً ؟!
قال ابن عبد البر : لم يَسُنّ عمر إلا ما رضيه صلى الله عليه وسلم ، ولم يمنعه من المواظبة عليه إلا خشية أن يُفرض على أمته ، وكان بالمؤمنين رؤوفا رحيما ، فلما عَلِمَ عمر ذلك مِنْ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعَلِمَ أن الفرائض لا يُزاد فيها ولا يُنقص منها بعد موته صلى الله عليه وسلم أقامها للناس وأحياها ، وأَمَرَ بها وذلك سنة أربعة عشرة من الهجرة ، وذلك شيءٌ ذخره الله له وفضّله به . اهـ .
قال ابن رجب - في قول عمر رضي الله عنه : نعم البدعة هذه - : وأما ما وقع في كلام السلف من استحسان بعض البدع ؛ فإنما ذلك في البدع اللغوية لا الشرعية ، فمن ذلك قول عمر رضي الله عنه لما جمع الناس في قيام رمضان على إمام واحد في المسجد وخرج ورآهم يصلون كذلك فقال : نعمت البدعة هذه . اهـ .
قال الرافضي :
ولماذا تقبلون ابتداعه للطلاق الثلاث في مجلس واحد ؟
الردّ :
لم يَبْتَدِع عُمر رضي الله عنه ذلك ، وما كان عمر رضي الله عنه ليَبْتَدِع ، بل لا يُعرف في الصحابة مُبتدِعاً .
وما فعله عمر رضي الله عنه يُعتبر من السياسة الشرعية لا من التشريع ، وبينهما فَرْق .
ما هو الفرق بين التشريع وبين السياسة الشرعية ؟
التشريع : هو سنّ أمر لم يكن في شريعة الإسلام ، كأن يأتي أحد فَيَسُنّ ويُشرِّع للناس الحج لغير مكة ، كالحج إلى كربلاء أو إلى النجف !
أو فَرْض خُمس في أموال الناس ، ونحو ذلك !
والسياسة الشرعية : أن يأخذ الناس بالحزم في أمر مشروع .
وهذا باب واسع عند أهل العلم ، بل عند العقلاء .(32/5)
فللحاكم أن يأخذ الناس بالسياسة الشرعية ، ويُلزِمهم بأمر رآهم توسّعوا فيه ، ولهذا أصل في السنة النبوية ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم نَهَى عن الوصال في الصيام ، فقال له رجال من المسلمين : فإنك يا رسول الله تواصل . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أيكم مثلي ؟ إني أبيت يطعمني ربي ويسقين ، فلما أبوا أن ينتهوا عن الوصال واصَلَ بهم يوماً ، ثم رأوا الهلال ، فقال : لو تأخر لزدتكم ، كالمنكل بهم حين أبوا . رواه البخاري ومسلم .
ومثل ذلك ما يُفرض على الناس من عقوبات إذا تساهلوا في أمر كان لهم فيه سَعة .
بل للحاكم العفو عن الحدود في سِنيّ المجاعات ، وهذا ما عمِل به عُمر ، والرافضة تعيب عُمر رضي الله عنه بذلك !
عابوا عُمر بأنه تَرَك إقامة الحدود عام المجاعة !
وتلك شَكَاة ظاهر عنك عارها أبا حفص !
فإن الحدود تُدرأ وتُدفع بالشُّبُهات ، والمجاعة شُبهة أن الجائع ما دَفَعه على السرقة إلا الجوع .
وهذا موافق لِهَدْيِه عليه الصلاة والسلام :
كما أن هذا له أصل في الشريعة ، فقد فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم مع ماعز رضي الله عنه وقد اعترف ماعز بما اقترف .
فكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول له : لعلك قبلت ، أو غمزت ، أو نظرت . رواه البخاري .
فكأن النبي صلى الله عليه وسلم يُلقنه ، وهو مع ذلك يُردّه .
وكان عُمر رضي الله عنه يقول : لأن أُعَطِّل الحدود بالشبهات أحب إلي من أن أُقيمها بالشبهات
ولم يَنْفَرِد عمر رضي الله عنه بهذا ، فقد جاء هذا عن معاذ وعبد الله بن مسعود وعقبة بن عامر أنهم قالوا : إذا اشتبه عليك الحدّ فادرأه . رواه ابن أبي شيبة .
وقالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها : ادرأوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم ، فإذا وجدتم للمسلم مَخْرَجاً فخلوا سبيله ، فإن الإمام إذا اخطأ في العفو خير من أن يخطئ في العقوبة . رواه ابن أبي شيبة .(32/6)
ومن باب السياسة الشرعية إلزام الناس بالطلاق الثلاث ، أي بإيقاعها .
وهذا ليس تشريعا ، فإن التشريع لو أن أحداً قال : يُزاد طلقة رابعة – مثلا – فإن هذا هو التشريع .
أما إلزام الناس بأمر مشروع فهذا ليس من باب التشريع ، وإنما هو من باب السياسة الشرعية ، والناس إذا رأوا أنه ضُيِّق عليهم في أمر كان لهم فيه سَعة كان أدعى للزّجر .
وهذا الذي ذَهَب إليه عمر رضي الله عنه .
قال ابن عباس : كان الطلاق على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وسنتين من خلافة عمر طلاق الثلاث واحدة ، فقال عمر بن الخطاب : إن الناس قد استعجلوا في أمر قد كانت لهم فيه أناة ، فلو أمضيناه عليهم ، فأمضاه عليهم . رواه مسلم .
وهذا قد وافقه عليه الصحابة وهم مُتوافرون .
كما أن عمر رضي الله عنه لم يزعم نسخ العمل بالثلاث أن تكون واحدة ، وإنما أخذ بذلك .
وهذا كالذي يأخذ بأمر واحد من كفارة اليمين ، أو يَصرف الزكاة لصنف واحد من الأصناف الثمانية .
فالذي يُكفِّر عن يمينه بالإطعام ، ويلتزم هذا لا يُعتبَر مُشرِّعاً ، وإنما أخذ ببعض ما شُرِع ، وتركه لبعض ما فيه اختيار .
وكذلك الذي يصرف الزكاة لصنف واحد من الأصناف الثمانية [ أهل الزكاة ] لا يُعتبر مُعطّلاً لما شرعه الله ، وإنما أخذ ببعض ما له فيه خيار .
وكذلك القول بالنسبة للطلاق الثلاث ، وما اختاره عُمر رضي الله عنه فيها .
وقد أذِن لنساء بني إسرائيل الخروج إلى أماكن العبادة ، ثم مُنِعن لما توسّعن في الزينة والطِّيب .
قالت عائشة رضي الله عنها : لو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى ما أحدث النساء لمنعهن المسجد كما منعت نساء بني إسرائيل . قال يحيى بن سعيد : فقلت لعمرة : أنساء بني إسرائيل منعهن المسجد ؟ قالت : نعم . رواه البخاري ومسلم .
وإنما مُنعت نساء بني إسرائيل من المساجد لما أحدثن وتوسعن في الأمر من الزينة والطيب وحسن الثياب . ذكره النووي في شرح مسلم .(32/7)
قال ابن حجر في موضوع آخر مشابه : وفائدة نهيهن – أي النساء – عن الأمر المباح خشية أن يَسْتَرْسِلْن فيه فيُفضي بهن إلى الأمر المحرَّم لضعف صبرهن ، فيستفاد منه جواز النهي عن المباح عند خشية إفضائه إلى ما يحرم . اهـ .
وقد غضب النبي صلى الله عليه وسلم عندما تلاعب الناس بالطلاق ، فقد أُخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رجل طلق امرأته ثلاث تطليقات جميعا ، فقام غضبانا ، ثم قال : أيلعب بكتاب الله وأنا بين أظهركم ؟ حتى قام رجل وقال: يا رسول الله ألا أقتله ؟ رواه النسائي .
ثم إن اعتبار الثلاث واحدة له أصل في السنة ، ففي قصة الملاعنة أن الرجل طلقها ثلاثا قبل أن يأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال ابن شهاب : فكانت تلك سنة المتلاعنين . رواه البخاري .
قال الرافضي :
ولماذا تقبلون بدعته التي أدخلها على الأذن ؟ الصلاة خير من النوم .
من الذي أعطاه الحق ليجتهد مقابل النص النبوي والإلهي ؟
الردّ :
هذا يدل على جهل الرافضي !
فإن قول " الصلاة خير من النوم " ليست من مُختَرعات عُمر كما زَعَم ! بل هي من السنة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ففي حديث أبي محذورة رضي الله عنه قال : قلت : يا رسول الله علمني سنة الأذان . قال : فمسح مقدم رأسي ، وقال : تقول :
الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر - ترفع بها صوتك - ثم تقول :
أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله . أشهد أن محمدا رسول الله أشهد أن محمدا رسول الله - تخفض بها صوتك - ثم ترفع صوتك بالشهادة : أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله . أشهد أن محمدا رسول الله أشهد أن محمدا رسول الله . حي على الصلاة حي على الصلاة . حي على الفلاح حي على الفلاح ، فإن كان صلاة الصبح قلتَ : الصلاة خير من النوم الصلاة خير من النوم . الله أكبر الله أكبر . لا إله إلا الله . رواه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي(32/8)
قال محذورة رضي الله عنه : كنت أؤذن للنبي صلى الله عليه وسلم فكنت أقول في أذان الفجر الأول : حي على الصلاة حي على الفلاح الصلاة خير من النوم الصلاة خير من النوم الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله .
فهذا يدل على أن قول المؤذن لصلاة الفجر " الصلاة خير من النوم " ليس مما ابتدعه عمر رضي الله عنه – كما زَعَم الرافضي – .
وليت المعترض من غير الرافضة !
لأن الرافضة زادوا في الأذان " حي على خير العَمَل " وزادوا شهادة ثالثة عما عليه أهل القِبْلَة ، وهي قولهم في الأذان : اشهد أن علياً وليّ الله " .
وأهل السنة يشهدون أن علياً وليّ الله ، بل هو من خيرة أولياء الله ، وفرق بين أن نشهد بهذا وبين أن تُجعَل في الأذان !
وهذه ينفرد بها الرافضة عن سائر أهل القبلة ، وهي مما زادوه واخترعوه في العبادة .
فـ [ من الذي أعطاههم الحق ليجتهدوا مقابل النص ؟!! ]
من الذي أعطى أئمة الرافضة أن يُشرِّعوا لهم الخمس ؟
من الذي أعطاهم الحق ليُشرِّعوا في الأذان ( حي على خير العمل ) ؟
من الذي أعطاهم الحق ليزيدوا في الأذان شهادة ثالثة ( اشهد أن علياً ولي الله ) ؟
من الذي أعطاهم الحق ليُشرِّعوا طقوساً معينة مخصوصة ليوم عاشوراء ؟
من الذي أعطاهم الحق ليحجّوا إلى كربلاء والعتبات المقدّسة في النجف ( الأشرف ) بزعمهم ؟
ومن الذي أعطاهم الحق ليبنوا لهم كعبة في قُم ؟!!!
ومن ... ؟؟
ومن ... ؟؟
لا شيء سوى التعصّب الأعمى !
وأُضِيف هنا :
أن علي بن أبي طالب كان ممن يُشير على عُمر بمثل ذلك .
روى عبد الرزاق عن عكرمة أن عمر بن الخطاب شَاوَرَ الناس في جلد الخمر ، وقال : إن الناس قد شربوها واجترؤوا عليها . فقال له عليّ : إن السكران إذا سكر هذى ، وإذا هذى افترى فاجعله حَدّ الفرية . فجعله عمر حد الفرية ثمانين .(32/9)
وروى الحاكم عن وبرة الكلبي قال : أرسلني خالد بن الوليد إلى عمر رضي الله عنه ، فأتيته وهو في المسجد معه عثمان بن عفان وعليّ وعبد الرحمن بن عوف وطلحة والزبير رضي الله عنهم متكئ معه في المسجد ، فقلت : إن خالد بن الوليد أرسلني إليك وهو يقرأ عليك السلام ، ويقول : إن الناس قد انهمكوا في الخمر وتحاقروا العقوبة . فقال عمر : هم هؤلاء عندك فَسَلْهُم . فقال عليّ رضي الله عنه : نراه إذا سكر هذى ، وإذا هذى افترى ، وعَلَى المفتري ثمانون . فقال عمر : أبلغ صاحبك ما قال . فَجَلَدَ خالد ثمانين ، وجَلَدَ عُمر ثمانين .
فهذا رأي علي بن أبي طالب ، وهذه مشورته التي أخذ بها عُمر وأخذ بها الخلفاء من بعدِه ، وعليها العَمَل إلى يومنا هذا .
ولم يقتصر الأمر على المشورة فحسب بل كان علي بن أبي طالب يَفعل مثل ذلك من غير نكير ، لأن باب السياسة الشرعية واسع ، وليس هو من باب البِدع .
روى البخاري ومسلم من طريق عمير بن سعيد النخعي قال : سمعت علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : ما كنت لأقيم حَدّاً على أحد فيموت فأجِد في نفسي إلا صاحب الخمر ، فإنه لو مات وَدَيتُه ، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يَسُنَّه .
يعني حدّ الخمر .
فَلَم نَقُل نحن ولا الرافضة إن علياً يُشرِّع من دون الله !
بل نرى هذا من باب السياسة الشرعية التي فيها مُتّسَع للأمة .
وأن الناس إذا توسّعوا في أمر كان لهم فيه سَعة ، أنه يُضيّق عليهم من باب السياسة الشرعية ، وأخذ الناس بالْحَزم .
قال الرافضي :
السؤال الثاني :
من هم الخلفاء الاثنا عشر المذكورين في صحيحي البخاري ومسلم ، والذين بهم يكون الدين عزيزا !؟
أليس من المفروض أن يعرف هؤلاء الاثنا عشر؟
وخصوصا أنهم أئمة زمانهم , خصوصا أن من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية ؟
خصوصا وأن ابن عمر نفسه هو من روى أن من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية ؟(32/10)
ما هو مصير أهل السنة على مدى القرون من خلال عدم وجود بيعات معروفة لهؤلاء الخلفاء الاثنا عشر ؟
الردّ :
أولا : الحديث رواه مسلم من حديث جابر بن سمرة رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : لا يزال الإسلام عزيزا إلى اثني عشر خليفة ، كلهم من قريش .
وفي رواية لمسلم : إن هذا الأمر لا ينقضي حتى يمضي فيهم اثنا عشر خليفة .
والرواية الثانية تُفسِّرها الرواية الأولى ، وهو أن الإسلام سيظلّ عزيزاً إلى انقضاء عهد اثني عشر خليفة .
ثانياً : حديث " من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية " هذا من أحاديث الرافضة ! وليس له أصل عند أهل السنة بهذا اللفظ .
وفرق بينه وبين حديث : " من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية " ، فإن الأول تكليف لمعرفة إمام الزمان – كما تدّعيه الرافضة – والآخر في مسألة البيعة .
فالبيعة شيء ، ومعرفة إمام زمانه شيء آخر .
ثم إن هذا الحديث لو صحّ لكان فيه ابلغ رد على الرافضة .
كيف ؟
الرافضة تعتقد بإمامة اثنا عشر إماماً من أئمة آل البيت ، وانتهت الإمامة إلى أن جاءت ولاية الفقيه !
فلذلك هم يُصلّون مُتفرِّقين ، لا يجمعهم إمام ، مع اعتقادهم خلو الزمان من إمام .
فهذا الحديث لو ثبت لكان رداً عليهم !
ثالثاً : هذا الحديث الذي ذكره المعترض ، وهو قوله عليه الصلاة والسلام : " لا يزال الإسلام عزيزا إلى اثني عشر خليفة ، كلهم من قريش " يُلزِم الرافضة الأخذ به ، ويَلزَم منه قبول إمامة من رفضوا إمامتهم ، كأبي بكر وعمر وعثمان ومعاوية رضي الله عنهم .
فإن هؤلاء من الأئمة من الخلفاء ، وهم من قريش .
فأهل السنة – بحمد الله – عَرَفوا هؤلاء الأئمة ، وعرفوا لهم حقّهم ، وهم أكثر الناس حظّا في الأخذ بهذا الحديث الذي ذَكَره المعتَرِض .
فإن أهل السنة يعتقدون إمامة أبي بكر وعمر وعثمان وعليّ والحسن بن علي ومعاوية ، فهؤلاء ستة من الأئمة الاثنا عشر ، وكلهم من قريش .(32/11)
ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم قال : وستكون خلفاء فتكثر . قالوا : فما تأمرنا ؟ قال : فُوا ببيعة الأول فالأول ، وأعطوهم حقهم ، فإن الله سائلهم عما استرعاهم . رواه البخاري ومسلم .
فنحن أخذنا بهذا الحديث ، والبيعة الأولى كانت لأبي بكر رضي الله عنه ، فيجب الوفاء بها .
كما أن الرافضة لا تعترف بإمامة ولا بخلافة الحسن بن علي رضي الله عنهما ، والذي أتم عِقد الخلافة ، لقوله صلى الله عليه وسلم : الخلافة في أمتي ثلاثون سنة ثم ملك بعد ذلك . رواه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي .
وفي رواية لأبي داود : خلافة النبوة ثلاثون سنة ، ثم يؤتي الله الملك - أو ملكه - من يشاء .
والإمام الحسن بن علي رضي الله عنهما أتم بخلافته هذه الثلاثين سنة التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم .
قال ابن كثير رحمه الله :
وإنما كملت الثلاثون بخلافة الحسن بن علي ، فإنه نَزَل عن الخلافة لمعاوية في ربيع الأول من سنة إحدى وأربعين ، وذلك كمال ثلاثين سنة من موت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإنه توفى في ربيع الأول سنة إحدى عشرة من الهجرة ، وهذا من دلائل النبوة صلوات الله وسلامه عليه وسلم تسليما ، وقد مَدَحَه رسول الله صلى الله عليه وسلم على صنيعه هذا ، وهو تركه الدنيا الفانية ورغبته في الآخرة الباقية ، وحقنه دماء هذه الأمة ، فَنَزَل عن الخلافة وجَعَلَ الملك بِيدِ معاوية حتى تجتمع الكلمة على أمير واحد . اهـ .
كما أن الحسن بن عليّ رضي الله عنهما حقق نبوة جدِّه صلى الله عليه وسلم ، حينما قال عليه الصلاة والسلام : إن ابني هذا سيد ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين . رواه البخاري
أما الرافضة فإنه رَفَضُوا إمامة الحسن بن علي رضي الله عنهما ، بل وسمّوه (خاذل المؤمنين ) ، وذلك حينما حقق هذه النبوّة ، وحينما حَقَن دماء المسلمين ، وتنازل عن الخلافة لمعاوية رضي الله عنه .(32/12)
فإن الرافضة قالوا للحسن بن علي رضي الله عنهما : يا خاذل المؤمنين !
وقالوا له : مُسوّد وجوه المؤمنين !
وصنيع الحسن بن علي رضي الله عنهما يؤكِّد على أمر آخر ، وهو أن الحسن بن علي رضي الله عنهما قَبِل إمامة معاوية رضي الله عنه ، فلو كان الحسن رضي الله عنه لا يَرى له بيعة أو يرى أنه غَصَب آل محمد حقّهم – كما تزعم الرافضة – أكان يتنازل عن حقِّه ؟
وفي مصادر الرافضة عن الحسن رضي الله عنه أنه قال :
أرى والله معاوية خيراً لي من هؤلاء ؛ يزعمون أنهم لي شيعة ، ابتغوا قتلي وأخذوا مالي ، والله لأن آخذ من معاوية ما أحقن به من دمي وآمن به في أهلي خير من أن يقتلوني فيضيع أهل بيتي ، والله لو قاتلت معاوية لأخذوا بعنقي حتى يدفعوا بي إليه سلماً ، ووالله لأن أسالمه وأنا عزيز خير من أن يقتلني وأنا أسير . ( الاحتجاج للطبرسي ) .
ومن أراد الاستزادة حول حياة أمير المؤمنين الحسن بن علي رضي الله عنهما فيُراجِع كتاب :
حياة أمير المؤمنين الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه : شخصيته وعصره ، للدكتور علي بن محمد الصلابي .
والرافضي يقصد معرفة الأئمة الاثنا عشر ، ويعني بهم :
علي بن أبي طالب
والحسن بن علي
والحسين بن علي
وزين العابدين علي بن الحسين
والباقر
والصادق
والكاظم
وعلي بن موسى الرضا
محمد بن علي بن موسى الرضا
والهادي
والعسكري
وابنه : محمد بن الحسن [ الذي تزعم الرافضة أنه غاب في سرداب سامرا سنة 329 هـ ]
وهو الذي تُسمه الرافضة ( المهدي ) و ( القائم ) .
فلو كان المقصود بالحديث هؤلاء الأئمة – عليهم السلام – لَقَال : كلهم من أهل بيتي ، كما قال ذلك في الإخبار عن المهدي المنتظر ، لا مهدي السرداب !
أو لقال : من عِترتي .
ويَرِد على هذا أن فِرق الرافضة مُختَلِفة مُتباينة في تحديد الأئمة الاثنا عشر .(32/13)
قال البغدادي في الفرق بين الفِرق : افترقت الرافضة بعد زمان علي رضي الله عنه أربعة أصناف : زيدية وإمامية وكيسانية وغُلاة ، وافترقت الزيدية فرقا ، والإمامية فِرقا . اهـ .
ثم إن عند ( الاثنا عشرية) ( الجعفرية ) ( الإمامية ) أن الأئمة هم الذين تقدّم ذِكرهم .
واتفقوا مع الإسماعيلية إلى جعفر الصادق رحمه الله ورضي الله عنه ، ثم افتَرقوا ، الإسماعيلية مع إسماعيل بن جعفر ، والرافضة مع موسى بن جعفر .
إلى غير ذلك مما يطول ذِكره من الاختلافات بين فِرق الرافضة أنفسهم فضلا عن غيرهم .
ثم إن زين العابدين علي بن الحسين بن علي رضي الله عنهم أولاد غير محمد الباقر ، فماذا حَصَرتْ الرافضة الإمامة في الباقر ؟
فإن من أولاد زين العابدين :
محمد الباقر وعبد الله وزيد وعمر وعلي ومحمد الأوسط ولم يُعقب ، وعبد الرحمن وحسين الصغير ، والقاسم ولم يعقب .
ثم إن الإمام الثاني عشر اخْتَلفت أقوال الرافضة فيه :
ففي قول لهم : إنه لم يُولَد أصلا ، وهذا ما أثبته غير واحد من علماء الرافضة ، كالطوسي في كتابه (الغَيبة) ، والمفيد في كتابه (الإرشاد) ، والطبرسي في كتاب (أعلام الورى) .
وفي قول ثاني : أنه وُلِد ومات صغيرا ، وقُسِم ميراث أبيه بعد وفاة الأب [ الحسن بن علي العسكري ] .
فكيف يُقسم ميراث أبيه مع وُجوده في السرداب ؟!!
وقول ثالث : أنه دَخَل في السرداب ، وهذا قالوا به لخداع العامة ، وأكل أموالهم باسم الإمام والخمس والمرقد والسرداب !! وإلا كيف يُعقل أن يعيش إنسان في سرداب أكثر من ألف عام ؟!
ومتى سوف يخرج ويُخلّص الرافضة ؟!
ويزعمون أن من إنجازات القائم أنه يُخرج الذين غصبوا آل محمد حقهم [ كما يزعمون ] وسوف يُخرجهم من قبورهم ويُقيم عليهم الحدّ !!!
وسوف يهدم المسجدين : الحرام والنبوي ، كما نصّوا عليه !
وكان يُقال : حدِّث العاقل بما لا يُعقل ، فإن صدّق فلا عَقْل له !(32/14)
فو الله لا أعلم في مِلة من الملل ، ولا في دِين من الأديان ، بل ولا في معقول من المعقولات ، بل ولا في كلام المجانين !! أن الموتى يُخرجون من قبورهم ليُقتصّ منهم ، وتُقام عليهم الحدود !
لا أعلم هذا إلا في دِين الرافضة !
فأي أئمة تُريدون أن نعرف أو نتّبِع ؟
الأئمة الذين يؤمن بهم الزيدية ؟
أو الذين يؤمن بهم الرافضة الاثنا عشرية ؟
أو الذين يؤمن بهم الإسماعيلية ؟
أما من أراد أن يطّرد مع نفسه ، ويأخذ بهذا الحديث ، فإن عليه أن يعرف الأئمة من بعد وفاته صلى الله عليه وسلم ، فإن قوله عليه الصلاة والسلام : لا يزال الإسلام عزيزا إلى اثني عشر خليفة ، كلهم من قريش " يعني أن هذا مُتتابِع مُتواصِل مع عِزّة الإسلام التي كان عليها في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ، فإنه قال : " لا يزال " أي من وقته صلى الله عليه وسلم وزمانه ، ويمتدّ هذا العِز وتلك العِزّة إلى اثني عشر خليفة .
ولم يقُل عليه الصلاة والسلام سوف يكون الدين عزيزاً إذا مرّ اثنا عشر خليفة ، أو إذا حَكَم اثنا عشر خليفة ، ونحو ذلك .
ولم يقُل سيكون هذا الدين عزيزاً إذا اتّبعتم اثنا عشر خليفة .
وإنما أخبر أن هذا الدين سوف يستمر عزيزاً إلى انقضاء اثني عشر خليفة .
والتاريخ يشهد أن الدين كان قائما عزيزاً في ظل الخلفاء الأربعة ، ففي زمانهم فُتِحت الفتوح ، ومُصِّرت الأمصار ، وذلّت أمم الكُفر ، وأُطفِئت نار المجوس ! مما حدا بالغلام المجوسي الذي فُتحت بلاده ، وأُطفِئت نار آلهته أن يطعن ويقتل من فعل ذلك ، وهو أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، فقد قَتَله المجوسي الملعون : أبو لؤلؤة المجوسي ، والذي أُقيم له مؤخّراً ضريح في إيران ! وتُسمّيه الرافضة [ بابا شجاع الدين ] !
فيا عجبا ممن يترضّون على مجوسي قَتَل مُسلِما ، بل قَتَل خليفة خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويلعنون خيار هذه الأمة !!
قال الرافضي :(32/15)
السؤال الثالث: إن الصحابة كانوا معروفين بالشجاعة والكرم والعبادة والعلم ... فنسال : كم كافرا قتل عمر ابن الخطاب في معارك بدر احد الخندق خيبر وحنين ؟
الردّ :
لسنا بحاجة إلى معرفة الأعداد ، لأننا لو أردنا معرفة ذلك بالنسبة لِكبار الصحابة فلن نتمكّن من معرفة ذلك بِدِقّة ، ليس ذلك في حق كبار الصحابة ، بل في حق سيد ولد آدم عليه الصلاة والسلام ، لا يُعلَم كم قَتَل رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده على وجه التحديد والدقّة .
وذلك راجع إلى أمور ، منها :
أولاً : أن دواعي الإخلاص تمنع من التحدّث بمثل هذا .
ثانياً : أن الحروب تدور رحاها حتى يذهل الابن عن أبيه ، والأب عن ابنه ، فضلا عن أن يعدّ كم قَتَل .
ثالثاً : أن هذا ليس مما يُتفاخَر به ، أي كثرة من قَتَل ، ولم يكن هذا من شأن القوم ولا من دأبهم .
فإننا لو سألنا الرافضة على وجه التحديد والدِّقّة : كم قَتَل علي بن أبي طالب رضي الله عنه ؟
ما استطاعوا الإجابة بِدِقّة .
وقد يُعرف ذلك في حق آحادٍ منهم ، كخالد بن الوليد ، وذلك ليس على وجه الدقّة ، وإنما يكون على التقريب والظنّ .
ثم يُقال لهذا الرافضي : لماذا خصصت عُمر رضي الله عنه ، وهو المشهود له بالشجاعة في الجاهلية والإسلام ؟
فالجواب : أن عمر رضي الله عنه كما تقدّم هو من أطفأ نيران أجدادك المجوس !
من اجل هذا تحقد الرافضة على عمر رضي الله عنه ، وتحيك ضدّه الأساطير وتُلفّق الأكاذيب ، وتختلق القصص في حق رجل أحبه النبي صلى الله عليه وسلم وبشّره بالجنة ، وتزوّج ابنته ، وهي حفصة بنت عمر رضي الله عنها وارضاها ، وهي أم المؤمنين ، ومن لم يَرض بها أُمّاً للمؤمنين ، فقد طعن في عرض رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكذّب القرآن ؟
كيف ؟
قال الله عز وجل : ( النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ ) .(32/16)
فمن لم يعتقد أن زوجات النبي صلى الله عليه وسلم أمهات للمؤمنين فليس هو من المؤمنين بِنصّ الآية .
وحفصة وعائشة رضي الله عنهن من زوجات نبينا صلى الله عليه وسلم ، ومات عليه الصلاة والسلام وهو في حجر عائشة رضي الله عنها .
أيُعقل أن يموت النبي صلى الله عليه وسلم وهو راض عنها ثم لا نرضى عنها ، وندّعي اتِّباع النبي صلى الله عليه وسلم ومحبته ؟
أُيعقل أن يرضى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن زوجاته ، ويموت وهو عنهن راضٍ ، ولا يأتيه الوحي من السماء يُخبره بخبرهن ؟
إن نبينا أفضل من نوح ومن لوط ، وقد جاء القرآن بالإخبار عما فعلته امرأة نوح وامرأة لوط ، فقال الله تعالى : ( ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَامْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ ) .
بل لقد جاء القرآن وتنزّل على رسول الله صلى الله عليه وسلم في قضايا عديدة ، وفي إخباره عليه الصلاة والسلام بما قيل من قول .
والرافضة تزعم أن أمهات المؤمنين – خاصة عائشة وحفصة – خانتا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأين هو الوحي الذي أخبرهم بهذا ؟
وهل تَرَك الله رسوله صلى الله عليه وسلم يعيش مع من لا يُناسِبن مقام النبوة في حياته وبعد مماته ؟
سبحانك هذا بهتان عظيم .
ولسنا بحاجة إلى نسج أساطير وخيالات ، كتلك التي يُحدِّث بها الرافضة في حق عليّ رضي الله عنه ، ن أنه ضَرَب مَرحب اليهودي في خيبر فقدّه نصفين ، فما زال سيفه ذو الفقار يفري في الأرضين ويَقطع حتى بَعَث الله جبريل ليُمسك بسيف عليّ قبل أن يقطع الأرض نصفين ! فما أمسكه جبريل إلا قبل الأرض السابعة ! ثم قال : إنه أثقل عليّ من قرى قوم لوط !
هكذا تروي الرافضة !(32/17)
ولا عَجب أن يُقبَل هذا إذا كان في أصح كتاب ( وهو الكافي للكليني ) حديث حمار عن أبيه عن جدّه ! بل وفيه أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم فداك أبي وأمي !
ففي الكافي ( المجلد الأول ص 237 بَابُ مَا عِنْدَ الأَئِمَّةِ مِنْ سِلاحِ رَسُولِ اللَّهِ ( صلى الله عليه وآله ) وَ مَتَاعِهِ) :
أَنَّ أَوَّلَ شَيْ ءٍ مِنَ الدَّوَابِّ تُوُفِّيَ عُفَيْرٌ سَاعَةَ قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه وآله ) قَطَعَ خِطَامَهُ ثُمَّ مَرَّ يَرْكُضُ حَتَّى أَتَى بِئْرَ بَنِي خَطْمَةَ بِقُبَا فَرَمَى بِنَفْسِهِ فِيهَا فَكَانَتْ قَبْرَهُ وَرُوِيَ أَنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ( عليه السلام ) قَالَ إِنَّ ذَلِكَ الْحِمَارَ كَلَّمَ رَسُولَ اللَّهِ ( صلى الله عليه وآله ) فَقَالَ : بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي إِنَّ أَبِي حَدَّثَنِي عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ مَعَ نُوحٍ فِي السَّفِينَةِ فَقَامَ إِلَيْهِ نُوحٌ فَمَسَحَ عَلَى كَفَلِهِ ثُمَّ قَالَ يَخْرُجُ مِنْ صُلْبِ هَذَا الْحِمَارِ حِمَارٌ يَرْكَبُهُ سَيِّدُ النَّبِيِّينَ وَ خَاتَمُهُمْ فَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَنِي ذَلِكَ الْحِمَارَ .
فهل يقول عاقل عن حمار أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم (بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي) ؟
والله لو قِيل هذا لزبّال ما رضيه ، فكيف بسيّد ولد آدم عليه الصلاة والسلام ؟
كيف يرضى من ينتسب إلى الإسلام أن يكون هذا جزء من دِينه ؟
أما أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجلّ في أعينهم من أن يُحِدّوا إليه النّظر .(32/18)
وقد شهِد بذلك العدو قبل الصديق ، فقال عروة بن مسعود الثقفي – وكان مُشركا – وقد عاد إلى قريش يُحدِّثهم بما رأى ، قال : أي قوم والله لقد وفدت على الملوك ووفدت على قيصر وكسرى والنجاشي ، والله إن رأيت ملكا قط يعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم محمدا ، والله إن تنخم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم فَدَلَكَ بها وجهه وجلده ، وإذا أمرهم ابتدروا أمره ، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وَضوئه ، وإذا تَكلّم خفضوا أصواتهم عنده ، وما يُحِدُّون إليه النظر تعظيما له . رواه البخاري .
هذا حال أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم .
وذاك حال الرافضة التي تزعم محبة النبي صلى الله عليه وسلم وآل بيته رضي الله عنهم .
قال الرافضي :
السؤال الرابع :
إذا كان قولنا بعدم محبة عائشة ومودتها موجب للكفر ، فما هو قولكم في من حاربها وأراد قتلها؟
الردّ :
ألا يعلم الرافضي أنه بقوله هذا يُسيء إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه ؟
عليّ رضي الله عنه لم يُرِد قَتْل عائشة رضي الله عنها .
بل قال لها يا أمّه .
ففي التاريخ أنه لما كان نهاية وقعة الْجَمَل ، وحُمِل هودج عائشة ، وأنه لكالقنفذ من السهام ، ونادى منادى عليّ في الناس : إنه لا يتبع مُدبر ولا يُذَفَّف على جريح ، ولا يَدخُلوا الدُّور ، وأمَرَ عليّ نفراً أن يحملوا الهودج من بين القتلى ، وأمر محمد بن أبي بكر وعماراً أن يضربا عليها قبة ، وجاء إليها أخوها محمد فسألها : هل وصل إليك شيء من الجراج ؟ فقالت : لا ، وما أنت ذاك يا ابن الخثعمية ؟ وسلّم عليها عمار ، فقال : كيف أنت يا أم ؟ فقالت : لست لك بأم ؟ قال : بلى وإن كرهتِ ! وجاء إليها علي بن أبي طالب أمير المؤمنين مُسَلِّماً ، فقال : كيف أنت يا أمّه ؟ قالت : بخير ، فقال : يغفر الله لك . وجاء وجوه الناس من الأمراء والأعيان يُسَلِّمُون على أم المؤمنين رضي الله عنها .(32/19)
فهل كان عليّ رضي الله عنه يُريد قَتْل عائشة رضي الله عنها ؟
أما لو كان يُريد ذلك لما أمر بالهودج أن يُحمَل ، بل يأمر أن يُجهز عليها ، وحاشاه ذلك .
وفي كُتُب التاريخ : ثم جاء عليّ إلى الدار التي فيها أم المؤمنين عائشة ، فاستأذن ودخل فَسَلَّم عليها وَرَحَّبَتْ به .
بل أمَرَ عليّ رضي الله عنه بِجَلْدِ من نال من أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها ، ففي كُتب التاريخ أن علياً رضي الله عنه لما سلّم على عائشة ورحّبت به ، ثم خَرَج من الدار ، فقال له رجل : يا أمير المؤمنين إن على الباب رجلين ينالان من عائشة ! فأمَرَ عليٌّ القعقاع بن عمرو أن يجلد كل واحد منهما مائة ، وأن يُخرجهما من ثيابهما .
وفي دواوين التاريخ : أن أم المؤمنين عائشة لما أرادت الخروج من البصرة بَعَثَ إليها عليّ رضي الله عنه بكل ما ينبغي من مركب وزاد ومتاع وغير ذلك ، وأذن لمن نجا ممن جاء في الجيش معها أن يَرجع إلا أن يحب المقام ، واختار لها أربعين امرأه من نساء أهل البصرة المعروفات ، وسَيَّر معها أخاها محمد بن أبي بكر ، فلما كان اليوم الذي ارتحلت فيه جاء عليٌّ فوقف على الباب وحضر الناس معه ، وخَرَجَتْ من الدار في الهودج فَوَدَّعَتِ الناس ، وَدَعَتْ لهم ، وقالت : يا بَنِيَّ لا يعتب بعضنا على بعض ، إنه والله ما كان بيني وبين عليّ في القِدَم إلا ما يكون بين المرأة وأحمائها ، وإنه على مَعتبتي لمن الأخيار . فقال عليٌّ : صَدَقْتِ ، والله ما كان بيني وبينها إلا ذاك ، وإنها لزوجة نبيكم صلى الله عليه وسلم في الدنيا والاخرة . وسار علي معها مُوَدِّعا ومُشيِّعاً أميالا ، وسَرَّحَ بَنِيهِ معها بقية ذلك اليوم .
وهذا يدل على أن علياً رضي الله عنه لم يُرِد أن يَقتُل أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها ، وأنها سار معها وودّعها ، ولم يُنقل عنه كلمة واحدة في الطّعن في عائشة رضي الله عنها .(32/20)
ولذلك لما سأل بعض أصحاب عليّ علياً أن يَقْسِم فيهم أموال أصحاب طلحة والزبير ، فأَبَى عليه ، فطعن فيه السبئية ! وقالوا : كيف يحل لنا دماؤهم ولا تحل لنا أموالهم ؟ فبلغ ذلك علياً ، فقال: أيكم يحب أن تصير أم المؤمنين في سهمه ؟ فسكت القوم .
وهذا إقرار من عليّ رضي الله عنه بأن عائشة أم المؤمنين ، وهو إقرار عمّار أيضا – كما سيأتي – ولكن الرافضة لا ترضى بما رضيه عليّ رضي الله عنه ولا بما رضيه أصحابه رضي الله عنهم .
وهذا ما فهمه أصحابه رضي الله عنهم ، فقد قام عمار رضي الله عنه على منبر الكوفة فذكر عائشة ، ذكر مسيرها ، وقال : إنها زوجة نبيكم صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة ، ولكنها مما ابتليتم . رواه البخاري .
وروى البخاري من طريق عبد الله بن زياد الأسدي قال : لما سار طلحة والزبير وعائشة إلى البصرة بعث عليٌّ عمار بن ياسر وحسن بن عليّ فقدِما علينا الكوفة فصعدا المنبر ، فكان الحسن بن عليّ فوق المنبر في أعلاه وقام عمار أسفل من الحسن ، فاجتمعنا إليه فسمعت عمارا يقول : إن عائشة قد سارت إلى البصرة ووالله إنها لزوجة نبيكم صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة ، ولكن الله تبارك وتعالى ابتلاكم ليعلم إياه تطيعون أم هي ؟
وروى الإمام أحمد في فضائل الصحابة من طريق عريب بن حميد قال : رأى عمار يوم الجمل جماعة ، فقال : ما هذا ؟ فقالوا : رجل يسب عائشة ، ويقع فيها . قال : فمشى إليه عمار فقال : اسكت مقبوحا منبوحا ! اتقع في حبيبة رسول الله ؟ إنها لزوجته في الجنة .
وذَكَرَ ابن كثير أن عماراً سمع رجلا يسب عائشة ، فقال : اسكت مقبوحا منبوحا ! والله إنها لزوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة ، ولكن الله ابتلاكم بها ليعلم أتطيعوه أو إياها .
وفي رواية أنه قال له بعدما لَكَزَهَ لَكَزَات .(32/21)
فإذا كان هذا قول أحد المقرّبين إلى عليّ رضي الله عنه ، وهو أنه كان ينهى عن سبّ عائشة رضي الله عنها ، ويُشدِّد في النهي ، فهل يُظنّ أنهم كانوا يُريدون قَتلها رضي الله عنها ؟
ونحن نرضى لأنفسنا ما رضيه عمار بن ياسر رضي الله عنه .
ونحفظ ألسنتنا عن فتنة طهّر الله منها أسيافنا .
هذا هو شأن الأخيار في معرفة الفضل لأهله ، ولا يَعرف الفضل إلا أهل الفضل .
ولما نَقَل ابن كثير ما جرى من أحداث في وقعة الجمل قال :
هذا ملخص ما ذكره أبو جعفر بن جرير رحمه الله عن أئمة هذا الشأن ، وليس فيما ذكره أهل الأهواء من الشيعة وغيرهم من الأحاديث المختلفة على الصحابة والأخبار الموضوعة التي ينقلونها بما فيها ، وإذا دعوا إلى الحق الواضح أعرضوا عنه ، وقالوا : لنا أخبارنا ولكم أخباركم ! فنحن حينئذ نقول لهم : ( سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ ).
قال الرافضي :
السؤال الخامس :
أن عائشة زوج النبي خلال حياتها وخلال خلافة عثمان كان لها موقف حاد ضد الخليفة لدرجة التحريض على قتله وتشبيهه باليهودي نعثل .
فما هو سبب خروجها على إمام زمانها الذي يستوجب الخروج عليه الموت على غير دين الإسلام وشق عصا المسلمين ؟
هل هو حبها ومودتها لعثمان الخليفة المقتول بلسانها وسيوف الصحابة أم عداوتها لعلي بن أبي طالب الخليفة الشرعي المختار من قبل الصحابة ؟
الردّ :
لم تُحرِّض عائشة رضي الله عنها الناس ضد عثمان رضي الله عنه .
ولم يصحّ في ذلك نَقْل يُعتمَد عليه .
وقد كُذب على عائشة رضي الله عنها ، والذين كذَبُوا عليها هم الذين أوقدوا الفتنة تحت رئاسة اليهودي ( المترفّض ) ابن سبأ !
وسبب كذبهم عليها معرفتهم بقدر أم المؤمنين عند الناس ، إذ هي زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بل هي أحب زوجاته إليه ، وعلِموا أن الباطل لا يَروج إلا بأن يُلصَق بأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها .(32/22)
وعائشة رضي الله عنها نَفَتْ ذلك ، بل أقسَمْ أنها ما كتبت في ذلك شيئا ، فقالت رضي الله عنها :
والذي آمن به المؤمنون ، وكَفَر به الكافرون ما كَتَبتُ سواداً في بياض .
قال الأعمش – وهو من رواة الحديث وفيه تشيّع - :
فكانوا يَرون أنه كُتِب على لسانها .
كما علِم أهل الفتنة مكانة عليّ رضي الله عنه فَكَتَبُوا على لسانهم كُتُباً يَدعون فيها بالخروج على عثمان رضي الله عنه .
فنحن نعتقد أن عائشة كُذِب عليها كما كُذِب على عليّ رضي الله عنه .
فإن أثبت الرافضة مكاتبات عائشة وثورتها على عثمان فليُثبِتوا ذلك عن علي رضي الله عنه .
وحاشا عليّ رضي الله عنه وحاشا عائشة رضي الله عنها أن يكونوا من دُعاة الفتنة .
ثم إن قول الرافضي : (لدرجة التحريض على قتله وتشبيهه باليهودي نعثل )
أقول هذا كذب صريح ، وهذا لو صحّ عن عائشة رضي الله عنها لما نَطَق به الرافضة ، لأمور :
الأول : شدّة عداوتهم لعائشة رضي الله عنها ، فكيف يأخذوا بقولها ؟
والرافضة لا تزال إلى اليوم تُسمي عثمان رضي الله عنه ( نعثل ) .
فهل بلغ حب الرافضة لعائشة رضي الله عنها أن يتشبّهوا بها حتى في اللفظ !!!
الثاني : أن الرافضة يتديّنون بمخالفة العامة ( أهل السنة ) ويقولون في ذلك : كل خير فيما خالَف العامة .
ففي ( الكافي 1/68) يَروون عن أبي عبد الله وقد سُئل :(32/23)
قُلْتُ : فَإِنْ كَانَ الْخَبَرَانِ عَنْكُمَا مَشْهُورَيْنِ قَدْ رَوَاهُمَا الثِّقَاتُ عَنْكُمْ ؟ قَالَ : يُنْظَرُ فَمَا وَافَقَ حُكْمُهُ حُكْمَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَخَالَفَ الْعَامَّةَ ! فَيُؤْخَذُ بِهِ وَيُتْرَكُ مَا خَالَفَ حُكْمُهُ حُكْمَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَوَافَقَ الْعَامَّةَ . قُلْتُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ الْفَقِيهَانِ عَرَفَا حُكْمَهُ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ، وَوَجَدْنَا أَحَدَ الْخَبَرَيْنِ مُوَافِقاً لِلْعَامَّةِ وَالآخَرَ مُخَالِفاً لَهُمْ . بِأَيِّ الْخَبَرَيْنِ يُؤْخَذُ ؟ قَالَ : مَا خَالَفَ الْعَامَّةَ فَفِيهِ الرَّشَادُ .
فلو كانت عائشة نَطَقتْ بذلك لما تلفّظ به الروافض !
الثالث : أن أئمة الرافضة يعترفون بأنفسهم بأن الشيعة هم قَتَلة عثمان رضي الله عنه .
ويتبجّحون بذلك .
ويُصرِّح الصفّار المعاصر بان الشيعة هم قَتَلَة عثمان رضي الله عنه ، ويتّهم عمار بن ياسر بأنه هو المخطِّط لذلك .
وهو بصوته هنا :
http://www.albrhan.com/arabic/video/index.html
وكَذّب الصّفار !
فإن الحسن والحسين كانا يُدافِعان عن عثمان رضي الله عنه .
قال ابن كثير :(32/24)
كان الحصار مستمرا من أواخر ذي القعدة إلى يوم الجمعة الثامن عشر من ذي الحجة ، فلما كان قبل ذلك بيوم قال عثمان للذين عنده في الدار من المهاجرين والأنصار - وكانوا قريبا من سبعمائة ، فيهم عبد الله بن عمر وعبد الله بن الزبير والحسن والحسين ومروان وأبو هريرة وخلق من مواليه ، ولو تركهم لَمَنَعُوه - فقال لهم : أُقْسِم على من لي عليه حق أن يكف يده ، وأن ينطلق إلى مَنْزِله . وعنده من أعيان الصحابة وأبنائهم جمّ غفير ، وقال لرقيقه : من أغمد سيفه فهو حرّ . فَبَرَدَ القتال من داخل وحَمِي من خارج ، واشتد الأمر ، وكان سبب ذلك أن عثمان رأى في المنام رؤيا دلّت على اقتراب أجله ، فاستسلم لأمر الله رجاء موعوده ، وشوقاً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وليكون خير ابني آدم حيث قال حين أراد أخوه قَتْلَه : ( إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ ) ورُوي أن آخر من خَرَجَ من عند عثمان من الدار بعد أن عَزَمَ عليهم في الخروج الحسن بن عليّ ، وقد جُرِح . اهـ .
فهذا الثابت في كُتب التاريخ من أن الحسن والحسين كانا مع عثمان في الدار ، وكانا ممن أراد الدفاع عن عثمان بل والقتال معه .
فهل يُقال بعد ذلك : إن آل البيت هم الذين خَرَجوا على عثمان ؟
إن هذه مَنقصَة ومثلَبَة ، وليست مما يُمدَح به آل البيت .
إن الغدر ليس من شِيَم الرِّجال .
وإنما المظنون بآل البيت بل والمعروف عنهم الوفاء .
كيف لا ؟ وهم نسل النبي صلى الله عليه وسلم وقرابته .
وأما قول الرافضي :
( فما هو سبب خروجها على إمام زمانها الذي يستوجب الخروج عليه الموت على غير دين الإسلام وشق عصا المسلمين ؟ )
أقول : هي لم تَخرَج عليه ، بل خَرَجتْ رجاء أن يُصلح الله بها بين فئتين .
فقد أرسلت عائشة إلى عليّ تُعْلِمه أنها إنما جاءت للصلح . كما في كُتب التواريخ .(32/25)
وقد تقدّم أنها أثَنَتْ على عليّ رضي الله عنه ، وأثنى عليها .
كما أنها ندِمت في خروجها ذلك لما كان فيه ، مع أنها لم تخرج أصلا إلا للإصلاح .
قالت عائشة لابن عمر : ما منعك أن تنهاني عن مسيري ؟ قال : رأيت رجلا قد استولى على أمرك ، وظننت أنك لن تخالفيه . يعني ابن الزبير قالت : أما أنك لو نهيتني ما خرجتُ .
ثم إن الذي أنشب الحرب هم أهل الفتنة ودعاتها والذين تستّروا بحبّ عليّ رضي الله عنه .
وهم الذين كانوا يُخالِفون علياً ، إن أمرهم لم يأتمروا ، وإن نهاهم لم ينتهوا .
وهذا هو شأن أدعياء المحبة في كل زمان ومكان .
وهل ما قاله الصفّار من دعوى أن عمار بن ياسر رضي الله عنه هو الذي قاد الثورة ضد عثمان رضي الله عنه ينطبق عليه قولك هنا في حق عائشة رضي الله عنها ؟
مع أننا نُبرئ عمار بن ياسر وعائشة من ذلك .
وأنتم تُثبتونه ؟
فأجيبوا عما أثبتموه في ضوء ما قررته من قولك : (الذي يستوجب الخروج عليه الموت على غير دين الإسلام وشق عصا المسلمين ؟) .
قال الرافضي :
السؤال السادس :
قال رسول الله (ص) في حق علي ما نصه :"من كنت مولاه فعلي مولاه" .
"علي مني وأنا منه ، وهو ولي كل مؤمن بعدي" .
"إن هذا خليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا " .
"علي مع الحق والحق مع علي " .
"من أطاع عليا فقد أطاعني ومن أطاعني فقد أطاع الله" .
فإذا كانت كل هذه الأحاديث لا تدل على خلافة علي وأحقيته بالخلافة ، فما هي العبارات التي تطلبونها للدلالة على الخليفة بعد النبي ؟
وإذا كان قول النبي من كنت مولاه فعلي مولاه دليل محبة فقط ، فالنبي حسب زعمكم كان يحب أبا بكر وعمر . فهل عندكم أحاديث تفيد أن النبي استخدم نفس الألفاظ معهما ؟
وهل قال لهما : إن أبا بكر وعمر وليا كل مؤمن بعدي ؟
طالما أن هذا القول دليل محبة فقط ؟
الردّ :
حديث : " من كنت مولاه فعلي مولاه " رواه الإمام أحمد وغيره ، وهو حديث صحيح .(32/26)
وحديث : " عليا مني وأنا منه وهو ولي كل مؤمن بعدي " رواه الإمام أحمد والترمذي ، وهو صحيح .
وصحّ عند أهل السنة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لِعليّ : أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى . رواه البخاري ومسلم .
ويوضِّح هذا ويُبيِّنه ما جاء في سبب هذه الرواية ، وهو ما رواه البخاري ومسلم من طريق مصعب بن سعد عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى تبوك واستخلف علياً ، فقال : أتخلفني في الصبيان والنساء ؟ قال : ألا ترضى أن تكون مِنِّي بمنزلة هارون من موسى ؟ إلا أنه ليس نبي بعدي .
وموسى عليه الصلاة والسلام قد خَلَفه هارون عليه الصلاة والسلام عندما ذهب موسى لميقات ربِّه .
ولم يَخلفه في النبوة ، لأنه مات قبله .
قال الإمام القرطبي :
لا خلاف أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يُرِد بمنزلة هارون من موسى الخلافة بعده ، ولا خلاف أن هارون مات قبل موسى عليهما السلام ، وما كان خليفة بعده ، وإنما كان الخليفة يوشع بن نون ، فلو أراد بقوله : " أنت مني بمنزلة هارون من موسى " الخلافة ، لقال : أنت مني بمنزلة يوشع من موسى ، فلما لم يَقُل هذا دل على أنه لم يُرِد هذا ، وإنما أراد أني استخلفتك على أهلي في حياتي وغيبوبتي عن أهلي كما كان هارون خليفة موسى على قومه لما خرج إلى مناجاة ربه . اهـ .
وصح عند أهل السنة قول عليّ رضي الله عنه :
والذي فلق الحبة وبَرأ النَّسَمَة إنه لعهد النبي الأمي صلى الله عليه وسلم إليّ أن لا يُحبّني إلا مؤمن ، ولا يبغضني إلا منافق . رواه مسلم .
أما حديث : " إن هذا خليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا " فهو حديث موضوع مكذوب لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ولو صح ما كان لأحد أن يُخالِفه ، وما كان لعليّ رضي الله عنه أن يسكت ، ولا يُنفِّذ وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وحسبك منقصة لِعليّ أن يُزعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره بأمر ولم يُنفِّذه .(32/27)
سأل حفص بن قيس عبدَ الله بن الحسن بن علي رضي الله عنهم عن المسح على الخفّين . فقال : امسَح ، فقد مَسَح عُمر بن الخطاب رضي الله عنه . قال : فقلت : إنما أسألك أنت تمسح ؟
قال : ذاك أعجز لك ! أُخبِرك عن عُمر وتسألني عن رأيي . فَعُمَر كان خيراً مِنِّي ومن ملء الأرض . فقلت : يا أبا محمد ، فإن ناساً يَزعمون أن هذا منكم تقيّة !
قال : فقال لي – ونحن بين القَبر والمنبر – : اللهم إن هذا قولي في السر والعلانية ، فلا تسمعنّ عَلَيَّ قول أحد بعدي . ثم قال : من هذا الذي يَزعم أن عليا رضي الله عنه كان مقهوراً ، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمَرَه بأمر ولم يُنفذه ؟ وكفى بإزراء على عليٍّ ومَنقَصَة أن يُزعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمَره بأمرٍ ولم يُنفِذه .
وكذلك حديث : " "علي مع الحق والحق مع علي " .
وحديث : "من أطاع عليا فقد أطاعني ومن أطاعني فقد أطاع الله "
هذه لا تثبت ولا تصح عند أهل العلم ، وفيما صحّ في فضائل أبي الحسن غُنية وكفاية .
وسبق لي التفصيل في سيرة أبي الحسن رضي الله عنه وأرضاه ، والتفصيل هنا :
http://saaid.net/Doat/assuhaim/146.htm
وقول الرافضي :
فإذا كانت كل هذه الأحاديث لا تدل على خلافة علي وأحقيته بالخلافة ، فما هي العبارات التي تطلبونها للدلالة على الخليفة بعد النبي ؟
الردّ :
أقول لو كانت هذه الأحاديث – ما صحّ منها – تدلّ على خلافة عليّ وأحقّيته بالخلافة أكان يجوز لأبي الحسن رضي الله عنه وأرضاه مع شجاعته وإمامته في الدِّين – أكان يجوز له السكوت ؟
أكان يجوز له ترك تنفيذ وصية النبي صلى الله عليه وسلم ؟
إنكم حينما تطعنون في خلافة الخلفاء الثلاثة تطعنون في عليّ رضي الله عنه من حيث لا تشعرون
كيف ذلك ؟
تطعنون في عليّ رضي الله عنه أنه قصّر في تنفيذ وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن عمّه ووالد زوجته وجدّ أولاده !(32/28)
ومما يؤكِّد أنه عليه الصلاة والسلام لم يُوصِ وصية صريحة لأحد من آل بيته ما رواه البخاري من طريق عبد الله بن عباس أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه خرج من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجعه الذي توفي فيه ، فقال الناس : يا أبا الحسن كيف أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال : أصبح بحمد الله بارئا . فأخذ بيده عباس بن عبد المطلب فقال له : أنت والله بعد ثلاث عبد العصا ، وإني والله لأرى رسول الله صلى الله عليه وسلم سوف يتوفى من وجعه هذا ، إني لأعرف وجوه بني عبد المطلب عند الموت . اذهب بنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلنسأله فيمن هذا الأمر . إن كان فينا علمنا ذلك ، وإن كان في غيرنا علمناه فأوصى بنا . فقال عليّ : إنا والله لئن سألناها رسول الله صلى الله عليه وسلم فمنعناها لا يعطيناها الناس بعده ، وإني والله لا أسألها رسول الله صلى الله عليه وسلم .
فلو كان عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه يفهم من تلك النصوص أنه وصيّ النبي صلى الله عليه وسلم أكان يقول : إنا والله لئن سألناها رسول الله صلى الله عليه وسلم فمنعناها لا يعطيناها الناس بعده ، وإني والله لا أسألها رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وروى البخاري ومسلم من طريق إبراهيم عن الأسود بن يزيد قال : ذَكَرُوا عند عائشة أن عليا كان وصيا. فقالت : متى أوصَى إليه ؟ فقد كنت مسندته إلى صدري أو قالت : حجري ، فدعا بالطست فلقد انخنث في حجري وما شعرت أنه مات ، فمتى أوصَى إليه ؟
ولو كان النبي صلى الله عليه وسلم أوصى بالخلافة لِعليّ رضي الله عنه فلماذا اختلف علماء الرافضة قبل غيرهم في الوصية ؟
فعلماء الرافضة قد اختلفوا فيما بينهم : هل أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم لِعليّ أو لم يُوصِ ؟
وسمعت مرّة رافضيا وقِحا يقول : أخطأت يا رسول الله إذ لم تُوصِ .
قبّحه الله من خطيب وقبّحه الله من مذهب يُخطّئ رسول الله صلى الله عليه وسلم .(32/29)
وهذا هو التناقض بعينه !
ففريق يزعمون أنه أوصى لِعليّ وفريق يُخطِّئونه لأنه لم يُوصِ .
وقد أوصى النبي صلى الله عليه وسلم بالوفاء لمن بُويع أولاً ، فقال : ستكون خلفاء فتكثر . قالوا : فما تأمرنا ؟ قال : فُوا ببيعة الأول فالأول ، وأعطوهم حقهم ، فإن الله سائلهم عما استرعاهم . رواه البخاري ومسلم .
فالذي بُويع له أولاً هو أبو بكر .
فقول الرافضي :
وإذا كان قول النبي من كنت مولاه فعليّ مولاه دليل محبة فقط ، فالنبي حسب زعمكم كان يحب أبا بكر وعمر . فهل عندكم أحاديث تفيد أن النبي استخدم نفس الألفاظ معهما ؟
وهل قال لهما : إن أبا بكر وعمر وليا كل مؤمن بعدي ؟
فـ
الردّ :
أما محبته صلى الله عليه وسلم لأبي بكر فظاهره ، وأبو بكر رضي الله عنه زكّاه الله تعالى وزكّاه رسوله صلى الله عليه وسلم .
فمن ذلك :
قوله تعالى : ( ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا ) .
والذي كان معه صلى الله عليه وسلم في الغار هو أبو بكر رضي الله عنه .
فمن خاطَرَ بنفسه وماله غير أبي بكر في الهجرة ؟(32/30)
قالت أسماء : لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وخرج أبو بكر معه احتمل أبو بكر ماله كله معه خمسة آلاف ، أو ستة آلاف درهم ، فانطلق بها معه . قالت : فدخل علينا جدي أبو قحافة ، وقد ذهب بصره ، فقال : والله إني لأراه قد فجعكم بِمَالِه مع نفسه ! قالت : قلت : كلا يا أبت ، إنه قد ترك لنا خيرا كثيرا . قالت : فأخذتُ أحجارا فوضعتها في كوّة في البيت كان أبي يضع فيها ماله ، ثم وضعت عليها ثوبا ، ثم أخذت بيده فقلت : ضع يدك يا أبت على هذا المال . فوضع يده فقال : لا بأس إن كان ترك لكم هذا فقد أحسن ، ففي هذا لكم بلاغ . قالت : ولا والله ما ترك لنا شيئا ، ولكني أردت أن أسكن الشيخ بذلك . رواه ابن إسحاق في السيرة ، وأورده أصحاب التواريخ ، وقال د . الصلابي : وإسناده صحيح .
وقوله تعالى : ( وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ )
فإنه جاء في تفسير هذه الآية : والذي جاء بالصدق : رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وصدّق به : أبو بكر رضي الله عنه .
وأما الأحاديث التي تدل على محبته صلى الله عليه وسلم وتزكيته للخلفاء الراشدين ، فمن ذلك:
قوله صلى الله عليه وسلم :
عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ ، وإياكم والأمور المحدثات ، فإن كل بدعة ضلالة . رواه الإمام أحمد والترمذي وابن ماجه وغيرهم .
وقوله صلى الله عليه وسلم في حق الشيخين : اقتدوا باللذين من بعدي : أبي بكر وعمر . رواه الإمام أحمد والترمذي ، وهو حديث صحيح .
بل هناك ما هو أصرح في النصّ على خلافة الصدّيق رضي الله عنه ، فمن ذلك :
روى البخاري ومسلم من طريق عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه قال : أتت امرأة النبي صلى الله عليه وسلم فأمرها أن ترجع إليه . قالت : أرأيت إن جئت ولم أجدك - كأنها تقول الموت - قال صلى الله عليه وسلم : إن لم تجديني فأتي أبا بكر .(32/31)
وقال صلى الله عليه وسلم في حق أبي بكر : لو كنت متخذا من أمتي خليلا لاتخذت أبا بكر ، ولكن أخي وصاحبي . رواه البخاري من حديث ابن عباس رضي الله عنهما ، ورواه مسلم من حديث ابن مسعود رضي الله عنه .
فهذا صريح في إثبات الأخوّة والصُّحبة لأبي بكر رضي الله عنه ، فإنه صلى الله عليه وسلم قال عن أبي بكر : أخي وصاحبي .
ومن ذلك أيضا :
ما روه البخاري عن ابن عباس قال : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي مات فيه عاصبا رأسه بِخِرْقَة ، فقعد على المنبر ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : إنه ليس من الناس أحد أمَنّ عليَّ في نفسه وماله من أبي بكر بن أبي قحافة ، ولو كنت متخذا من الناس خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا ولكن خلة الإسلام أفضل ، سُدّوا عني كل خوخة في هذا المسجد غير خوخة أبي بكر .
ومما فيه النص الصحيح الصريح على خلافة أبي بكر رضي الله عنه ما رواه مسلم من حديث عائشة رضي الله عنها قالت : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه : ادعي لي أبا بكر وأخاك حتى أكتب كتابا ، فإني أخاف أن يتمنى مُتَمَنٍّ ويقول قائل : أنا أولى . ويأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر .
قال ابن أبي العز الحنفي :
ولو كتب عهداً [ يعني النبي صلى الله عليه وسلم ] لَكَتَبَه لأبي بكر ، بل قد أراد كتابته ثم تركه وقال : يأبى الله والمسلمون إلا أبا بكر . فكان هذا أبلغ من مجرد العهد ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم دلّ المسلمين على استخلاف أبي بكر وأرشدهم إليه بأمور متعددة من أقواله وأفعاله ، وأخبر بخلافته إخبار راضٍ بذلك حامد له ، وعَزَم على أن يكتب بذلك عهداً ثم علم أن المسلمين يجتمعون عليه فترك الكتاب اكتفاء بذلك . اهـ .(32/32)
ومن ذلك أنه صلى الله عليه وسلم لما مرض مرضه الذي مات فيه فحضرت الصلاة فأذن ، فقال : مُرُوا أبا بكر فليصلِّ بالناس ، فقيل له : إن أبا بكر رجل أسيف إذا قام في مقامك لم يستطع أن يُصلي بالناس ، وأعاد فأعادوا له ، فأعاد الثالثة : مُرُوا أبا بكر فليصل بالناس ، فخرج أبو بكر فصلى ، فَوَجَد النبي صلى الله عليه وسلم من نفسه خِفّة فخرج يُهادَي بين رجلين ، فأراد أبو بكر أن يتأخر فأومأ إليه النبي صلى الله عليه وسلم أن مكانك ثم أُتِيَ به حتى جلس إلى جنبه . رواه البخاري ومسلم .
ولهذا قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : إن نبيكم صلى الله عليه وسلم نبي الرحمة لم يُقْتَل قتلاً ولم يَمُتْ فجأة ، مرض ليالي وأياما يأتيه بلال فيؤذنه بالصلاة ، وهو يرى مكاني فيقول : ائت أبا بكر فليُصَلِّ بالناس ، فلما قُبِضَ رسول الله صلى الله عليه وسلم نَظَرتُ في أمري فإذا الصلاة عظم الإسلام وقوام الدين ، فرضينا لدنيانا من رضيه رسول الله صلى الله عليه وسلم لديننا ، بايعنا أبا بكر . رواه ابن سعد في الطبقات الكبرى وابن عبد البر في التمهيد وابن عساكر في تاريخ دمشق .
وفي رواية : لقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر أن يصلي بالناس وإني لشاهد ما أنا بغائب ، ولا في مرض ، فرضينا لدنيانا ما رضي به النبي صلى الله عليه وسلم لديننا .
فنحن نرضى بمن رضي به أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه .
- وسيأتي أن عليا رضي الله عنه بايَع أبا بكر بعد وفاة فاطمة رضي الله عنها -
ومما يدلّ على ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم بَعَثَ أبا بكر الصديق رضي الله عنه في الحجة التي قبل حجة الوداع وأمّره عليها يؤذن في الناس : ألا لا يحج بعد العام مشرك ، ولا يطوف بالبيت عريان .
فنبذ أبو بكر إلى الناس في ذلك العام ، فلم يحجّ عام حجة الوداع الذي حج فيه النبي صلى الله عليه وسلم مُشرِك .(32/33)
وفي رواية للبخاري : ثم أردف رسول الله صلى الله عليه وسلم بِعَلِيّ بن أبي طالب وأمَرَه أن يؤذن ببراءة .
وهذا يدلّ على أن علياً رضي الله عنه كان تحت إمرة أبي بكر في تلك الحجّة التي قَبْل حجّة الوداع .
فهذه أحاديث صحيحة صريحة في إثبات أخوة أبي بكر وصحبته للنبي صلى الله عليه وسلم ، بل وفي النصّ على خلافته .
وعليّ رضي الله عنه أثبت خلافة أبي بكر بقوله وفِعله .
أما قوله فقد تقدّم قوله : فرضينا لدنيانا ما رضي به النبي صلى الله عليه وسلم لديننا .
وأما فِعله فـ :
عَدم منازعة أبي بكر في أمر الخلافة .
قبوله لأحكام أبي بكر رضي الله عنه ، ولو كان عليّ رضي الله عنه يَرى أن أبا بكر ليس هو الخليفة ، أو يرى أنه غاصب لحق آل محمد – كما تقول الرافضة – لم يُمضِ أحكامه .
ومن أظهر الأحكام التي أمضاها قبوله لِسَبي أبي بكر ، فإن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أخذ جارية من سَبي بني حنيفة ، فإن أم محمد بن الحنفية من سَبْي بني حنيفة ، ومحمد بن علي يُنسب إلى أمِّه فيُقال : محمد بن الحنفية .
فلو كان علياً رضي الله عنه لا يَرى خلافة أبي بكر أكان يأخذ سبيّة من سبايا حَرب سيّرها وأمَر بها الصدِّيق رضي الله عنه ؟
ولما قَدِم خالد بن سعيد بن العاص بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بشهر وعليه جبة ديباج فلقي عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب فصاح عمر بمن يليه : مزقوا عليه جبته ، أيَلبس الحرير ؟ فمزَّقوا جبته . فقال خالد لِعليّ : يا أبا الحسن يا بني عبد مناف أغُلبتم عليها ؟ فقال عليّ عليه السلام : أمُغالبة ترى أم خلافة ؟ قال : لا يُغالب على هذا الأمر أولى منكم يا بني عبد مناف . وقال عمر لخالد : فضّ الله فاك ، والله لا يزال كاذب يخوض فيما قلتَ ، ثم لا يضرّ إلاّ نفسه . ذَكَره ابن جرير الطبري في تاريخه وابن عساكر وابن كثير وغيرهم .
وفضائل أبي بكر شهد بها أئمة آل البيت رضي الله عنهم ، فمن ذلك :(32/34)
ما أخرجه الدارقطني في الأفراد من طريق أبي إسحاق عن أبي يحيى قال : لا أحصي كم سمعت علياً يقول على المنبر : إن الله عز وجل سَمَّى أبا بكر على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم صِدِّيقاً . ذكره ابن حجر في الإصابة .
قال : وأخرج البغوي بسند جيد عن جعفر بن محمد الصادق عن أبيه عن عبد الله بن جعفر قال : وَلِينا أبو بكر فخير خليفة ؛ أرحم بنا ، وأحْنَاهُ علينا .
وقول الإمام جعفر الصادق رحمه الله ورضي الله عنه : أوْلَدَني أبو بكر مرتين .
وسبب قوله : أولدني أبو بكر مرتين ، أن أمَّه هي فاطمة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر ، وجدته هي أسماء بنت عبد الرحمن بن أبي بكر .
فهو يفتخر في جّدِّه .. ثم يأتي من يدّعي اتِّباعه ويلعن جدَّ إمامه .
وقول جعفر الصادق لسالم بن أبي حفصة وقد سأله عن أبي بكر وعمر ، فقال : يا سالم تولَّهُما ، وابرأ من عدوهما ، فإنهما كانا إمامي هدى ، ثم قال جعفر : يا سالم أيسُبُّ الرجل جدّه ؟ أبو بكر جدي ، لا نالتني شفاعة محمد صلى الله عليه وسلم يوم القيامة إن لم أكن أتولاهما ، وأبْرَأ من عدوهما .
وروى جعفر بن محمد – وهو جعفر الصادق - عن أبيه – وهو محمد بن علي بن الحسين بن علي – رضي الله عنهم أجمعين ، قال : جاء رجل إلى أبي – يعني علي بن الحسين ، المعروف والمشهور بِزين العابدين - فقال : أخبرني عن أبي بكر ؟ قال : عن الصديق تسأل ؟ قال: وتسميه الصديق ؟
قال : ثكلتك أمك ، قد سماه صديقا من هو خير مني ؛ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم والمهاجرون والأنصار ، فمن لم يُسَمِّه صديقا ، فلا صدّق الله قوله ، اذهب فأحبّ أبا بكر وعمر وتَوَلّهما ، فما كان من أمْرٍ ففي عُنقي .
ولما قدم قوم من العراق فجلسوا إلى زين العابدين ، فذكروا أبا بكر وعمر فسبوهما ، ثم ابتركوا في عثمان ابتراكا ، فشتمهم .
وابتركوا : يعني وقعوا فيه وقوعاً شديداً .(32/35)
وما ذلك إلا لعلمهم بمكانة وزيري رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبمكانةِ صاحبه في الغار ، ولذا لما جاء رجل فسأل زين العابدين : كيف كانت منزلة أبي بكر وعمر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فأشار بيده إلى القبر ثم قال : لمنْزِلتهما مِنه الساعة .
وهل يُصاحب الخيّر إلا الأخيار ؟
وهل يُنبتّ الخَطّيُّ إلا وشيجه *** وهل تنبت إلا في منابتها الشجر
فإذا انتقص أحدٌ أبا بكر أو انتقص عمر – رضي الله عنهما – فإنه في الحقيقة منتقصٌ لمن اتّخذهما صديقين وصاحبين .
ومُنتقِص لمن تولاّهما ولمن كان له بهما صِلة نسب وقَرابة .
فمن سبّ أبا بكر فقد سب الإمام جعفر الصادق وأساء إليه .
وإذا كان الصديق رضي الله عنه وعُمر غصبا آل محمد حقّهم – كما تزعم الرافضة – أكانوا يُناكِحونهم ، فيَتزوّجون منهم ويُزوّجونهم ؟
إن هذا غير مُتصوّر في وجود عداوة .
وهذا خلاف ما تزعمه الرافضة ، فإن الإمام عليّ زوّج عمر ابنته أم كلثوم .
ومحمد بن علي بن الحسين بن علي – المعروف بـ (الباقر) تزوّج فاطمة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر رضي الله عنهم .
وجدّة جعفر الصادق هي : أسماء بنت عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنهم .
وعُمر رضي الله عنه تزوّج أم كلثوم بنت عليّ كما تقدّم .
روى ابن عساكر في تاريخ دمشق عن الزبير بن بكار قال في تسمية ولد فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : وأم كلثوم بنت عليّ خطبها عمر بن الخطاب إلى عليّ بن أبي طالب وقال : زوجني يا أبا الحسن ، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : كل نسب وصهر منقطع يوم القيامة إلا نسبي وصهري . فَزَوّجه إياها ، فولدت لعمر زيداً ورقية . تزوج رقية بنت عمر إبراهيم بن نعيم فماتت عنده ، ولم يترك ولداً ، وقُتِلَ زيد بن عمر ، قَتَلَه خالد بن أسلم مولى آل عمر بن الخطاب خطأ ، ولم يترك ولداً ، ولم يَبْقَ لعمر بن الخطاب ولد من أم كلثوم بنت علي .(32/36)
والرافضة نتيجة بغضهم لِعُمَر يُنكرون هذه الرواية ، وهي ثابتة صحيحة .
فهذه أحاديث في إثبات محبة النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر وعمر .
وهذه أحاديث في النص على خلافة أبي بكر بعد النبي صلى الله عليه وسلم .
وهذه آثار عن بعض أئمة آل البيت في إثبات إمامة أبي بكر وعُمر .
وهذه المعقولات والمنقولات لمن كان له عقل ، ولمن كان له قلب .
قال سالم بن أبي الجعد : قلت لمحمد بن الحنفية لأي شيء قُدِّم أبو بكر حتى لا يُذكر فيهم غيره ؟ قال : لأنه كان أفضلهم إسلاما حين أسلم ، فلم يَزَل كذلك حتى قبضه الله .
ومحمد بن الحنفية هو محمد بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وعن أبيه .
قال الرافضي :
السؤال السابع :
تبعا لمبدأ العقلانية يُفترض بأي فرقتان تتقاتلان أن تكون إحداهما على حق والأخرى على الباطل ، أو أن الاثنتين على الباطل؟ فطبقوا نفس السؤال على معارك الجمل وصفين .
الردّ :
قوله : (يُفترض بأي فرقتان) يحتاج إلى تصحيح لغوي !
ونقول : تبعا لمبدأ العقلانية : ألا يُمكن أن يكون الفريقان على حقّ ؟
الجواب : بلى .
وقد أثبت الله وَصْف الإيمان للمقتتلِين ، فقال تبارك وتعالى : ( وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ) .
أما أهل الجَمَل فتمّ الإصلاح بينهما كما تقدّم ، واكرم عليّ رضي الله عنه أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها ، ولا يُظنّ بأبي الحسن غير ذلك .
وأما أهل صِفِّين فتم الاصطلاح على أمر التحكيم .
فلا نعلم أن فريقا بغى على الآخر .(32/37)
وقد قال سبحانه وتعالى : ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ) .
فالله أثبت الإيمان لكلا الطائفتين ، فهل تستطيع أنت أن تنفي الإيمان عن إحدى الطائفتين ؟
وقد أثبت النبي صلى الله عليه وسلم أن المختَلِفِين من المسلمين ، فقال : ابني هذا سيد ولعل الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين . رواه البخاري .
فكلا الطائفتين والفِئتين من المسلمين .
ولهذا كان أهل السنة لا يخوضون في ما وقع بين الصحابة لأن هذا مما يُوغِر الصّدور ، ولأننا قد نُهينا عن الخوض في ذلك ، وأُمِرنا بالسكوت إذا ذُكِر أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم ، كما في قوله عليه الصلاة والسلام : إذا ذُكر أصحابي فأمْسِكُوا ، وإذا ذُكرت النجوم فأمسكوا ، وإذا ذُكر القَدَر فأمسكوا . رواه الطبراني في الكبير واللالكائي في الاعتقاد . وصححه الألباني .
ولا نسبّ أحدا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم امتثالاً لأمره عليه الصلاة والسلام حينما قال :
لا تسبوا أصحابي . لا تسبوا أصحابي ، فو الذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحدٍ ذهبا ما أدرك مُدّ أحدهم ولا نصيفه . رواه البخاري ومسلم .
ونحن نُثبت قوله عليه الصلاة والسلام لعمّار بن ياسر رضي الله عنه : ويح عَمّار تقتله الفئة الباغية . رواه البخاري ومسلم .
قال يعقوب بن شيبة : سمعت أحمد بن حنبل سُئل عن هذا ، فقال : فيه غير حديث صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وَكَرِه أن يتكلم في هذا بأكثر من هذا .
قال الرافضي :
السؤال الثامن :
أن الخارجين على علي بن أبي طالب هم عندكم متأولين مجتهدين ولا يضرّ خروجهم عليه بدخولهم الجنة ؟
فهل ستطبقون نفس المعايير إذا ما خرج أحد ضد غير عليّ من الخلفاء ؟(32/38)
لماذا سميتم من خرج على أبي بكر بأهل الردة ؟ مع أن الروايات الموجودة في البداية والنهاية وتاريخ الطبري تفيد بأن هؤلاء من أهل الإسلام .
الردّ :
مَن خَرَج على أبي بكر لم يَخرج ضد الحاكم والخليفة وإنما هو ضد الإسلام ككلّ .
وبين الحالتين كما بين المشرق والمغرب !
فالذي يخرج على حاكم قد يكون مُتأوِّلاً ، والذي يرفض الإسلام أو بعض شعائره لا يُمكن اعتباره مُتأوِّلاً .
فالذين سُمُّوا بالمرتدِّين هم طوائف ، منهم مَن مَنَع أداء الزكاة ، ومنهم من ارتدّ عن الإسلام بموت النبي صلى الله عليه وسلم .
ولسنا نحن الذين سمّيناهم بذلك ، بل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم هم سمّوهم كذلك .
قال أنس بن مالك رضي الله عنه : لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ارتدّت العرب ، قال عمر : يا أبا بكر كيف تُقَاتِل العرب ؟ فقال أبو بكر رضي الله عنه : إنما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أُمِرْتُ أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله ، وأني رسول الله ، ويُقيموا الصلاة ، ويؤتوا الزكاة . والله لو منعوني عناقا مما كانوا يعطون رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليه . قال عمر رضي الله عنه : فلما رأيت رأي أبي بكر قد شرح علمت أنه الحق . رواه النسائي بهذا اللفظ ، وأصله في الصحيحين .
أما الذين خَرَجوا على عثمان رضي الله عنه فلَم يُسمّوا مرتدِّين ، وكذلك الذين خَرَجوا على عليّ رضي الله عنه .
لتعلم أن أهل السنة أهل إنصاف وعدل .
فالذين خَرَجوا على عثمان وقَتَلوا صاحب القرآن وصهر رسول الله صلى الله عليه وسلم وزوج ابنتيه ، هم دُعاة فتنة ، تستّروا بحجج داحضة ، وكَتَبوا كُتُباً وزوّروها على ألسنة بعض الصحابة – كما تقدّم – يقودهم ابن سبأ اليهودي المتستّر بالرّفض !
والذين خَرجوا على عليّ رضي الله عنه سُمُّوا خوارج .
وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم علياً بهؤلاء ، وبعلاماتهم ، فمن ذلك :(32/39)
ما رواه مسلم من طريق عبيد الله بن أبي رافع – مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم – أن الحرورية [ الخوارج ] لما خَرَجَتْ على عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه قالوا : لا حكم إلا لله ! قال عليّ : كلمة حق أريد بها باطل ! إن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصف ناسا إني لأعرف صفتهم في هؤلاء ، يقولون الحق بألسنتهم لا يجوز هذا منهم - وأشار إلى حلقه - مِنْ أبغض خلق الله إليه ، منهم أسود إحدى يديه طُبْيُ شاة أو حلمة ثدي ، فلما قتلهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : انظروا ، فنظروا فلم يجدوا شيئا ، فقال : ارجعوا فو الله ما كذبت ولا كذبت - مرتين أو ثلاثا - ثم وجدوه في خربة ، فأتوا به حتى وضعوه بين يديه .
(طُبْيُ شاة ) ضرع شاة .
وبين الفريقين فرق وبَون ، وذلك أن الذي يرفض بعض شعائر الإسلام يُسمى مرتداً .
والذي يخرج على الحاكم لشُبهة أو لهوى يُسمى باغياً .
والتفريق بينهما جاء في القرآن .
فمن ذلك :
قوله تعالى : ( وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) .
وقوله سبحانه وتعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ ) الآية .
وقال في شأن الباغي : ( فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) .
وقال في شأن الخصمين : ( قَالُوا لا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ ) .
وهذا يُبيِّن أصل التفريق ، فإن من بَغَى على غيره وَجَب الْحُكم بينهما أو الإصلاح بينهما .(32/40)
فإن كان في حال قِتال وَجَب الإصلاح بينهما ، لقوله تعالى : ( وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ) .
فالطائفة التي تُقاتِل بعد الإصلاح ولا تَقْبَل به تُعتبر باغية ولا تُسمى مرتدّة .
فهذا أصل التفريق بين اللفظين وبين الْحُكمَين .
فلو خَرَج خارج على أبي بكر لقِيل في حقِّه باغٍ أو خارجي ، أما أن يَخرج عن الإسلام كله أو بعضه فهذا مرتد لا باغٍ .
قال الرافضي :
السؤال التاسع :
أن أهل السنة عندهم أربعة مصادر للتشريع .. القرآن السنة القياس والاجتهاد .. فهل أخذت تلك المصادر بعين الاعتبار من قبل المختلفين في سقيفة بني ساعدة ؟
الردّ :
الاجتهاد مُختَلَف فيه وليس من الأدلة المتفق عليها ، وأما الأدلة المتفق عليها بين أهل السنة فهي :
القرآن ، والسنة ، والإجماع ، والقياس .
وأما قول الرافضي :
فهل أُخذت تلك المصادر بعين الاعتبار من قبل المختلفين في سقيفة بني ساعدة ؟
فالجواب عنه : نعم أُخِذتْ بِعين الاعتبار ، والأدلة على ذلك :
أن القرآن فيه مَدح أبي بكر رضي الله عنه ، كما تقدّم ، فَتمّ تقديمه .
والسنة فيها النصّ على خلافة أبي بكر رضي الله عنه ، فَتمّ تقديمه . وقد سَبَقت أدلة السنة في النص على خلافة أبي بكر ، وعدم النص على خلافة غيره ، وبهذا نَطَقتْ كُتب الرافضة قبل كُتب السنة ، أعني أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يَنصّ على عليّ رضي الله عنه ، وقد تقدّمت الأدلة في ذلك .(32/41)
والإجماع قد أُخِذ به في سقيفة بني ساعدة ، فإنهم بايَعوا أبا بكر بالإجماع بعد وقوع الخلاف ، والإجماع مُنعقد على بيعة أبي بكر ، بما في ذلك قبول عليّ رضي الله عنه كما تقدّم بقوله وفِعله .
وأما القياس فإن الذي قاس في هذا الموضع هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه الذي قال :
فرضينا لدنيانا من رضيه رسول الله صلى الله عليه وسلم لديننا .
فهذا قياس جَليّ .
فإن شأن الدِّين أعظم ، وقد قدّم رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر في الصلاة – التي هي عَمود الدِّين – ، والدنيا تأتي تبعاً للدِّين ، فقَدَّم الصحابة أبا بكر في أمور دنياهم ، وهي الخلافة .
فاجتمعت أدلة الكتاب والسنة والإجماع والقياس على خلافة أبي بكر رضي الله عنه .
وإمامة أبي بكر ثابتة بالنص – كما تقدّم – وهي لازِمة للرافضة !
كيف ؟
جَلَسْتُ يوما في المسجد النبوي إلى جوار مُعمّم إيراني ! وكان يقرأ القرآن ، فسألته : ماذا تقرأ ؟
قال : هذا – وأشار إلى المصحف – مُستغرِبا السؤال ؟
قلت : نعم
قال : هذا كلام ربي .
قلت : وهل تؤمن به ؟!
قال : طبعاً .
قلت له : مَن جَمَعَ هذا القرآن ؟
فسكت ، ثم قال : الصحابة .
قلت : بالتحديد مَنْ ؟
قال : أبو بكر .
قلت : ومن ؟
قال : وعثمان .
قلت : هذا يعني أن الخلفاء الثلاثة هم من جَمَع هذا القرآن .
قال : نعم
قلت : إذا يَلزمك أحد أمرين :
إما الاعتراف بإمامتهم ، وقبول هذا القرآن .
أو ردّ إمامتهم وردّ القرآن .
قال – متمحِّلاً – :هذا ليس بِلازِم !
قلت : بلى ، وبينهما تلازم .
فلو جَمَع اليهود كتابا وقالوا لنا هذا قرآن ، فهل نقبَله ؟
قال : لا
قلت : ولو جاءك كتاب قيل : هذا من الخميني . هل تقبله ؟
قال : نعم
قلت : هذا التفريق يلزم منه أحد الأمرين .
وهذا لازم لكل رافضي
إما أن يَقبَل القرآن ويقول بإمامة من جَمَعوه .
وإما أن يَدّعي تحريف القرآن ، ويردّ إمامة من جَمَعوه .(32/42)
فالمصاحف تُعرف إلى اليوم بالمصاحف العثمانية ، والرسم يُعرف بالرسم العثماني ، نسبة إلى عثمان بن عفان رضي الله عنه .
قال الرافضي :
السؤال العاشر:
إن الله سبحانه وتعالى أخبرنا في كتابه العزيز عن وجود منافقين من أهل المدينة مَردوا على النفاق وإن الله يعلمهم .. في أي معسكر كان هؤلاء بعد وفاة النبي (ص) يوم انقسم المسلمين إلى حزبين حزب علي اللي رفض البيعة وأعوانه ، وحزب أبي بكر وعمر وأتباعهم ؟
ومن بايع هؤلاء المنافقين ؟
الردّ :
في هذا السؤال إساءة أدب في حق عليّ رضي الله عنه .
كيف ؟
يَزعم هذا الرافضي أن علياً رضي الله عنه لم يُبايع أبا بكر رضي الله عنه .
فهل خَرَج عليّ عن إجماع المسلمين ؟
وهل قَبِل عليّ رضي الله عنه أن يأخذ سبية من سبايا بني حنيفة كما تقدّم ، ليُناقِض نفسه ؟
فالرافضة تزعم أن علياً رَفَض بيعة أبي بكر ، وعليّ قبِلها بقوله وفِعله .
والرافضة تُسيء إلى عليّ رضي الله عنه في قولها هذا .
كيف يُنسب هذا إلى عليّ ؟
هل يُتصوّر أن يعيش عليّ على هامش الحياة ؟
ولا يأخذ بِحقِّه ومعه أتباع – كما يَزعم هذا المتسائل – بقوله : (حزب علي اللي رفض البيعة وأعوانه) .
أيرضى الأسد الضرغام والشجاع الصنديد بمثل هذا الموقف ؟
لو كان من أطراف الناس ، أو ممن لا يُؤبَه له ، لربما قِيل ذلك في حقِّه .
أما في حقّ أبي الحسن فهذا القول مَنْقَصَة في حقِّه .
ومثل هذا الزعم والْمَنْقَصَة زعم الرافضة أن عُمر رضي الله عنه كَسَر أضلاع فاطمة رضي الله عنها !
فأين أبا الحسن رضي الله عنه ليأخذ بثأره وحقِّه ؟
إن ضعفاء الناس لا يَرضون بهذا فكيف يَرضى به عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه ؟
وكيف يُتصوّر أن عمر رضي الله عنه الذي تزوّج أم كلثوم بنت عليّ ثم يكسر أضلاع أمِّها ؟
هذا غير مُتصوّر على الإطلاق .(32/43)
وأما شُبهة الرافضي هذه ، وهي ما أخبر الله عنه من شأن المنافقين في قوله تبارك وتعالى : ( وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ ) .
فالجواب في نفس الآية .
كيف ؟
لقد قال الله تعالى لِنبيِّه صلى الله عليه وسلم : ( لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ ) ، فَمَا علِم رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم إلا القليل .
ولذا كانت أسماء المنافقين تخفى على الصحابة رضي الله عنهم ، ومَن عُلِم منهم ، فقد مات ، كعبد الله بن أُبي ، فإنه مات في حياة النبي صلى الله عليه وسلم ، ومن عَلِمه النبي صلى الله عليه وسلم فقد أعْلَم به أمين سِرِّه : حُذيفة رضي الله عنه ، ولذا كان عمر رضي الله عنه يسأله : هل سماني رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم . فيقول : لا ، ولا أُزكّي أحدا بعدك .
وقد أخفى الله أسماء المنافقين لِحِكم عديدة ، منها :
أنه أدعى للتوبة من النِّفاق ، وقد تاب بعض المنافقين .
أن الله يَبتلي المؤمنين بالمنافقين .
أن المنافق يُعامَل في الدنيا مُعاملة المؤمن .
فالمنافقون ما كانوا يستعلِنون بالنِّفاق على رؤوس الأشهاد ، ولذا لما سُئل حذيفة رضي الله عنه : يا أبا عبد الله النفاق اليوم أكثر أم على عهد رسول الله ؟ فضرب بيده على جبهته وقال : أوه ! وهو اليوم ظاهر ! إنهم كانوا يستخفونه على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ولما قال رجل : اللهم أهلك المنافقين . قال حذيفة : لو هَلَكُوا ما انتصفتم من عدوكم !
ولما قيل للحسن : يا أبا سعيد اليوم نفاق ؟ قال : لو خرجوا من أزقة البصرة لاستوحشتم فيها !
وهذا يدل على استخفاء المنافقين .
فهذا السؤال الذي أورده ليس في محلّه .
وليس في هذا السؤال سوى سوء الأدب مع علي بن أبي طالب رضي الله عنه .
وأما قوله : ( ومن بايع هؤلاء المنافقين ؟ )(32/44)
فلم يُبايِع أحدٌ من الناس أحدً من المنافقين !
وهو يَقصد ومن بايَع هؤلاء المنافقون !
قال الرافضي :
السؤال الحادي عشر:
أن الله سبحانه وتعالى أخبرنا في كتابه العزيز أن من يقتل مسلما مؤمنا فنصيبه جهنم ، وأنه ملعون ، ومع ذلك فالتاريخ يخبرنا أن 70800 مسلم قتل في معارك الجمل وصفين ؟ فما هو مصير القتلة هنا ؟
الردّ :
وهذا سوء أدب آخر مع عليّ رضي الله عنه ، فإن علياً رضي الله عنه ممن قاتَل في تلك المعارِك .
فالواجب التّرضّي عن الصحابة وعدم الخوض فيما شَجَر بينهم ، وقد تقدّم سبب ذلك والتفصيل فيه .
وقد رأيت الرافضي في هذه الاعتراضات يُورِد الآيات بالمعنى ، وهذا لا يجوز ، وهو خلاف التأدّب مع الله .
وأبسط رد على هذا السؤال الذي أورده :
أن الله أثبت الإيمان للقاتِل والمقتول ، فقال : ( وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا ) فأثبَت الإيمان للطائفتين .
وأبته النبي صلى الله عليه وسلم في قوله : يضحك الله إلى رجلين يقتل أحدهما الآخر يدخلان الجنة ، يَقاتِل هذا في سبيل الله فيُقْتَل ، ثم يتوب الله على القاتِل ، فيُسلم فيُقاتِل في سبيل الله عز وجل ، فيُستشهد . رواه البخاري ومسلم
وأما آية النساء : ( وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا ) فهي على سبيل التهديد والزّجر ، ألا ترى أنه إذا جاءك شخص يُريد أن يَقتُل آخراً أنك تزجره وتُهدِّده ، وتقول له : إن الله توعّد القاتِل بالنار والغضب واللعنة .
وفي آية النساء ذِكر الجزاء ، وليس من شرط الجزاء أن يَقع ، ولا من شرط العقوبة الإيقاع .
فإن الله يغفر لمن يشاء ما دون الشِّرك ، كما في قوله تعالى : ( إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ ) .(32/45)
ونحن نعتقد أن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم اجتهدوا في هذا الأمر ، فمن أصاب فَلَه أجران ، ومن أخطأ فَلَه أجر ، ومن وقع في أعراضهم فَعَليه وِزر .
كما أننا لا نعتقد العصمة في الصحابة ولا في العلماء كما تدّعيه الرافضة في الأئمة ، بل يَزعمون أن الأئمة يعلمون الغيب ، وأنهم يَعلمون متى يموتون !
ففي الكافي ( 1/ 258 ) بَابُ أَنَّ الأَئِمَّةَ ( عليهم السلام ) يَعْلَمُونَ مَتَى يَمُوتُونَ ، وَأَنَّهُمْ لا يَمُوتُونَ إِلا بِاخْتِيَارٍ مِنْهُمْ
ثم روى الكليني بإسناده عَنْ أَبِي بَصِيرٍ قَالَ : قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ( عليه السلام ) : أَيُّ إِمَامٍ لا يَعْلَمُ مَا يُصِيبُهُ وَ إِلَى مَا يَصِيرُ فَلَيْسَ ذَلِكَ بِحُجَّةٍ لِلَّهِ عَلَى خَلْقِهِ !
ثم عقد الكليني باباً في كتابه الكافي ( 1 / 260 ) الذي هو أصح كتب الرافضة فقال :
بَابُ أَنَّ الأئِمَّةَ ( عليهم السلام ) يَعْلَمُونَ عِلْمَ مَا كَانَ وَ مَا يَكُونُ وَ أَنَّهُ لا يَخْفَى عَلَيْهِمُ الشَّيْ ءُ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ !
إذا كان هذا في حق الأئمة في اعتقاد الرافضة ، فماذا بقي في عِلم الله ؟!
وأي غيب أثبت الله أنه لا يَعلمه إلا هو ؟
أليس الله هو القائل عن نفسه : ( قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاّ اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ ) ؟
وهو القائل : ( عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (26) إِلاَّ مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا (27) لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا ) .
فهل الغيب الذي لا يعلمه إلا الله والذي اختصّ بِعِلمه سبحانه وتعالى هو الذي يَعلمه الأئمة ؟(32/46)
وهل الغيب الذي لا يُظهر عليه أحداً إلا من ارتضى من الرسل ، فعلّمهم ما يَحتاج إليه الناس ، ليس محجوبا عن الأئمة ؟
إن الأئمة لم يَدّعوا ذلك لأنفسهم ، وإنما ادّعاه من انتسب إليهم – زورا وبهتانا – .
والله المستعان .
قال الرافضي :
السؤال الثاني عشر :
من بين ال 124000 نبي المرسلين من الله لهداية البشر .. هل هناك أي دليل يثبت أن ما تركه هؤلاء الأنبياء ذهب صدقة ؟
ولماذا استأثر بعض نساء النبي بإرث النبي كالبيت مثلا ؟
وإذا كانت نساء النبي من أهل البيت كما يقول السنة فالصدقة عليهم حرام !
الردّ :
أولاً : هذا العدد ما مصدره ؟ وما صحة القول به ؟!
ثانياً : هل هناك دليل على أن ما تَرَكه هؤلاء الأنبياء أُعطِيَ لورثتهم ؟
فعلى سبيل المثال : سليمان عليه الصلاة والسلام له أكثر من مائة زوجة .. فأين هو الدليل على أن ما تَرَكه سليمان عليه الصلاة والسلام قُسِم على ورثته ومن بينهم زوجاته ؟
وقول الله تعالى : ( وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ ) فإن سليمان ورِث العِلم والحِكمة والنبوّة .
فإن قلتَ : وَرِثَ كل شيء .
قلنا لك : أين الدليل على ذلك ؟
ثم إن كان كما قلت : فأين بقية ورَثة داود عليه الصلاة والسلام ؟
وفي " الجوهر الثمين في تفسير الكتاب المبين " للسيد عبد الله شُبّر ( مفسِّر رافضي ) أن أبناء داود تسعة عشر .
وهذا التفسير من التفاسير المعتمدة لدى الرافضة .
فهل يُمكن أن يرِث سليمان دون بقية أبناء داود ؟
فإن قُلتم : لا .
قلنا : هذا هو الحق ، وهو مُتّفق عليه ، من أن الأنبياء لا يُورَثُون .
وإن قُلتم : نَعم .
فأنتم محجوجون باحتجاجكم !
فأنتم تزعمون أن زوجات النبي صلى الله عليه وسلم ورِثنه دون ابنته !(32/47)
أما نحن فنعتقد أن ما تركه الأنبياء لا يُورَث لقوله عليه الصلاة والسلام : لا نُورَث ما تَرَكْنَا فهو صدقة . رواه البخاري ومسلم .
قال ابن كثير : قال الله تعالى : ( وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ ) أي وَرِثَه في النبوة والملك ، وليس المراد وَرِثَه في المال ، لأنه قد كان له بنون غيره ، فما كان ليخص بالمال دونهم ، ولأنه قد ثبت في الصحاح من غير وجه عن جماعة من الصحابة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لا نورث ما تركنا فهو صدقة . وفي لفظ : نحن معاشر الأنبياء لا نورث . فأخبر الصادق المصدوق أن الأنبياء لا تُورَث أموالهم عنهم كما يُورَث غيرهم بل يكون أموالهم صدقة من بعدهم على الفقراء والمحاويج ، لا يَخُصُّون بها أقرباؤهم لأن الدنيا كانت أهون عليهم وأحقر عندهم من ذلك كما هي عند الذي أرسلهم واصطفاهم وفضلهم . اهـ .
فأتوا بخبر واحد يُفيد أن نبياً من الأنبياء وَرِثه ورثتُه كما يتوارث الناس .
وقول الرافضي : (ولماذا استأثر بعض نساء النبي بإرث النبي كالبيت مثلا ؟ )
فالجواب عنه :
أن عائشة رضي الله عنها لم تستأثر بشيء من إرثه صلى الله عليه وسلم .
فإن الرافضة يقولون : لماذا بقيت عائشة في بيتها ؟ فهم يَزعمون بذلك أنها ورثته !
وهذا ليس بصحيح من وجهين :
الوجه الأول : أن عائشة ما كانت تتصرّف في حجرتها ، وما كان لها ذلك ، وقد دُفِن فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم .
هل يُمكن أن تتصرفّ في حُجرة دُفِن فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟
وهل يُمكن أن تُوهب تلك الحجرة ؟
هذا ليس بمتصوّر عقلا .
الوجه الثاني : أن بقاء عائشة رضي الله عنها في حجرتها لا يعني أنها ملكتها ولا أنها ورثتها ، وإنما أُقِرّتْ عليها وفيها .(32/48)
وهذا يؤكِّد على قوله عليه الصلاة والسلام : ما تَرَكْنَا فهو صدقة .
فعائشة رضي الله عنها كسائر الناس في ذلك ، بل هي أولى الناس أن يُقرّ في تلك الحجرة .
ولذا فإن عمر رضي الله عنه استأذن عائشة رضي الله عنها أن يُدفَن في تلك الحجرة ، لا لأنها تملكها ، وإنما تأدّبا مع أم المؤمنين رضي الله عنها .
ثم هي حجرة صغيرة ، كانت إذا نامت فيها لم يبق للنبي صلى الله عليه وسلم مُتّسعاً للسجود .
فلو كانت عائشة رضي الله عنها أُعطِيتْ نصيبها من ميراث النبي صلى الله عليه وسلم هل كانت تُعطى حجرة دُفن فيها النبي صلى الله عليه وسلم ؟
بل لو كان ميراث النبي صلى الله عليه وسلم قُسِم على زوجاته – كما يزعم الرافضي – لما رضيَتْ بتلك الحجرة الصغيرة ، ومما تَرَكه النبي صلى الله عليه وسلم فَدَك .
فهل صح عند أهل السنة أو عند الرافضة أن أبا بكر أو عمر قسما فَدَك بين زوجاته صلى الله عليه وسلم ؟
الجواب : لا
والدليل على ذلك ما رواه البخاري من طريق عروة عن عائشة رضي الله عنها أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم حين توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم أرَدْن أن يبعثن عثمان إلى أبي بكر يسألنه ميراثهن ، فقالت عائشة : أليس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا نورث ما تركنا صدقة ؟
وإنما يتشبّث الرافضة بالقشّة !
وهي زعمهم أن عائشة أُقِرّت في حجرتها فهذا يعني أنها ورثتها !
وهذا خلاف الحقيقة .
ولا يَجوز أن تُورّث عائشة ولا غيرها حجرة دُفِن فيها النبي صلى الله عليه وسلم .
ثم يُورِدون استئذان عمر أن يُدفَن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومع صاحبه ، وهذا هو الآخر ليس فيه مُستمسك ، فإن عمر رضي الله عنه تأدّب مع أمِّه فاستأذنها .
كما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال : لا يقتسم ورثتي دينارا ، ما تركت بعد نفقة نسائي ومئونة عاملي فهو صدقة . رواه البخاري ومسلم .(32/49)
فهذا صريح في استثناء نفقة نسائه ومئونة عامله ، وهو ليس من الميراث الذي يُقسم سمة الميراث ، بل هو صدقة من الصدقات .
وقول الرافضي : (وإذا كانت نساء النبي من أهل البيت كما يقول السنة فالصدقة عليهم حرام )
فالجواب عنه :
أن نساء النبي صلى الله عليه وسلم من آل بيته ومِن أهله بنصّ القرآن .
فإن الله قال عن نوح : ( حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ ) .
وقال في شأن زوجة إبراهيم : ( قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ ) .
وقال عن لوط : ( إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلاَّ امْرَأَتَكَ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ ) .
وقال في شأن زوجات نبيِّنا صلى الله عليه وسلم : ( يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلا مَعْرُوفًا (32) وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآَتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا (33) وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آَيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا ) .
فالخِطاب لنساء النبي صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهن .
ونحن نُصَلِّي على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى آله وعلى زوجاته .(32/50)
روى البخاري ومسلم من حديث أبي حميد الساعدي رضي الله عنه أنهم قالوا : يا رسول الله كيف نصلي عليك ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قولوا : اللهم صل على محمد وأزواجه وذريته كما صليت على آل إبراهيم وبارك على محمد وأزواجه وذريته كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد .
فإن ذُكِر آل البيت وحدهم دَخَل فيهم زوجاته صلى الله عليه وسلم .
والصيغة المشهورة :
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد . رواه البخاري ومسلم .
وأما حديث الكساء فقد رواه مسلم من حديث عائشة رضي الله عنها قالت : خرج النبي صلى الله عليه وسلم غداة وعليه مُرط مرحل من شعر أسود ، فجاء الحسن بن عليّ فأدخله ، ثم جاء الحسين فدخل معه ، ثم جاءت فاطمة فأدخلها ، ثم جاء عليّ فأدخله ، ثم قال : ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) .
فهذا الحديث ليس فيه حصر آل البيت في هؤلاء ، فإن أزواجه صلى الله عليه وسلم أمهات المؤمنين ، وهن من أهل بيته ، والآيات السابقة صريحة في ذلك .
والصلاة الإبراهيمية صريحة أيضا ، كما تقدّم في الرواية .
وأما الصدقة فإنها تَحرم على بني هاشم وبني المطّلب فحسب – على الصحيح – .
فإن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى بني هاشم وبني المطّلب ، ومَنَع بني عبد شمس وبني نوفل .
روى البخاري من طريق جبير بن مطعم قال : مشيت أنا وعثمان بن عفان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلنا : يا رسول الله أعطيت بني المطلب وتركتنا ، ونحن وهم منك بِمَنْزِلة واحدة . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنما بنو المطلب وبنو هاشم شيء واحد .
فهؤلاء هم الذين تَحرم عليهم الصدقة .
وجبير بن مطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف .(32/51)
وعثمان بن عفان بن أبي العاص بن عبد شمس بن عبد مناف .
فأولاد عبد مناف بن قصي أربعة :
هاشم والمطلب وعبد شمس ونوفل .
فهؤلاء الأربعة يلتقون في عبد مناف ، ومع ذلك لا تَحرم الصدقة إلا على بني هاشم وبني عبد المطّلب .
قال الشيخ الشنقيطي رحمه الله :
الصحيح أن المراد بذي القربى في الآية بنو هاشم وبنو المطلب دون بني عبد شمس وبني نوفل .
ووجهه أن بني عبد شمس وبني نوفل عادوا الهاشميين وظاهروا عليهم قريشا فصاروا كالأباعد منهم للعداوة وعدم النصرة . اهـ .
فتحريم الصدقة شيء ، وكون زوجاته من أهل بيته شيء آخر .
ألا ترى أن النبي صلى الله عليه وسلم مَنَع بني عبد شمس وبني نوفل من سهم ذوي القُربى ؟ مع كونهم أبناء رجل واحد .
وأما مسألة ميراثه صلى الله عليه وسلم التي يُدندن حولها الرافضة ، وما يتعلّق بأرض فَدَك ، وقوله عليه الصلاة والسلام : لا نُورَث ما تَرَكْنَا فهو صدقة .
فالجواب عنها من وجوه :
الوجه الأول : أن الأنبياء لا يُورَثون ، ومَن قال بِخلاف ذلك فعليه الدليل ، ولا دليل .
الوجه الثاني : أن آل البيت شهِدوا بصحة حديث : لا نورَث ، ما تركنا صدقة .
بل شهد به عليّ بن أبي طالب نفسه .(32/52)
روى الإمام البخاري في صحيحه أن فاطمة عليها السلام أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من النبي صلى الله عليه وسلم مما أفاء الله على رسوله صلى الله عليه وسلم ، تطلب صدقة النبي صلى الله عليه وسلم التي بالمدينة وفَدَك وما بقي من خمس خيبر ، فقال أبو بكر : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لا نورث . ما تركنا فهو صدقة . إنما يأكل آل محمد من هذا المال - يعني مال الله - ليس لهم أن يَزيدوا على المأكل . وإني والله لا أغير شيئا من صدقات النبي صلى الله عليه وسلم التي كانت عليها في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، ولأعمَلَنّ فيها بما عَمِل فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فتشهد عليّ رضي الله عنه ثم قال : إنا قد عرفنا يا أبا بكر فضيلتك ، وذَكَرَ قرابتهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم وحقهم . فتكلم أبو بكر فقال : والذي نفسي بيده لقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحبّ إلي أن أصِلَ من قرابتي .
فأين هذا ممن زعم الظلم لبنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟
أكان عليّ رضي الله عنه قال ذلك تقيّة ؟
أو كان عليّ رضي الله عنه ضعيفاً لا يأخذ حقّه ؟
وروى الإمام مسلم في صحيحه أن عمر رضي الله عنه كان في مجلسه فاستأذن عليه عباس وعليّ رضي الله عنهما ، فأذن لهما فقال عباس : يا أمير المؤمنين اقض بيني وبين هذا ، فقال القوم : أجل يا أمير المؤمنين ، فاقض بينهم وأرِحهم .
فقال عمر : اتئِدا . أنشدكم بالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لا نورث ما تركنا صدقة ؟
قالوا : نعم .
ثم أقبل على العباس وعليّ فقال : أنشدكما بالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض أتعلمان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لا نورث ما تركناه صدقة ؟
قالا : نعم .(32/53)
فقال عمر : إن الله جل وعز كان خصّ رسوله صلى الله عليه وسلم بخاصة لم يخصص بها أحدا غيره . قال : ( مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ ) .
وفي رواية للبخاري أن عُمر قال لعلي وعباس : أنشدكما بالله هل تعلمان ذلك ؟ قالا : نعم ، فَتَوَفَّى الله نبيه صلى الله عليه وسلم ، فقال أبو بكر : أنا وَلِيّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقبضها فَعَمِلَ بما عمل به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم تَوفى الله أبا بكر ، فقلت : أنا ولي وليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقبضتها سنتين أعمل فيها ما عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر ، ثم جئتماني وكلِمتكما واحدة وأمركما جميع ، جئتني تسألني نصيبك من ابن أخيك وأتاني هذا يسألني نصيب امرأته من أبيها . فقلتُ : إن شئتما دفعتها إليكما بذلك . فتلتمسان مني قضاء غير ذلك ؟ فو الله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض لا أقضي فيها قضاء غير ذلك حتى تقوم الساعة ، فإن عجزتما فادفعاها إليّ فأنا أكفيكماها .
فهذا عُمر رضي الله عنه يقول للعباس وعليّ رضي الله عنهما : إن شئتما دفعتها إليكما .
فلماذا لم يَقبضاها ؟ ثم يَقسمانها على ورثة النبي صلى الله عليه وسلم كما تزعم الرافضة !
بل جاء في رواية لمسلم صريحة في أن عمر رضي الله عنه دَفَع بعض ما تركه النبي صلى الله عليه وسلم إلى عليّ والعباس رضي الله عنهما .
ففي صحيح البخاري ومسلم : فأما صدقته بالمدينة فدفعها عمر إلى عليّ وعباس ، فغلبه عليها عليّ ، وأما خيبر وفدك فأمسكهما عمر .
فهذه الرواية الصحيحة تُثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم دَفَع صدقة النبي صلى الله عليه وسلم التي كانت بالمدينة إلى عليّ والعباس .
فأين هو الدليل أن علياً رضي الله عنه أعطى فاطمة نصيبها من ميراث أبيها ؟
فمن طَعَن في أبي بكر وعُمر بشأن ميراث فاطمة فيَلزمه أن يَطعن في عليّ لأنه عمِل كما عَمِلا !(32/54)
ومن طريف ما يُروى في هذا المقام ، وإلزام الرافضة بمثل هذا اللزوم ، ما رواه ثعلب عن ابن الأعرابي قال : أول خطبة خطبها السفاح في قرية يقال لها العباسية ، فلما صار إلى موضع الشهادة من الخطبة قام رجل من آل أبي طالب في عنقه مصحف فقال : أذكّرك الله الذي ذَكَرْتَه ألا أنصفتني من خصمي ، وحكمت بيني وبينه بما في هذا المصحف .
فقال له : ومَن ظَلَمَك ؟
قال : أبو بكر الذي مَنَعَ فاطمة فَدَكاً .
قال : وهل كان بعده أحد ؟
قال : نعم .
قال : مَنْ ؟
قال : عمر .
قال : فأقام على ظلمكم ؟
قال : نعم .
قال : وهل كان بعده أحد ؟
قال : نعم .
قال : مَنْ ؟
قال : عثمان .
قال : وأقام على ظلمكم ؟
قال : نعم .
قال : وهل كان بعده أحد ؟
قال : نعم .
قال : ومَنْ هو ؟
قال : عليّ .
قال : وأقام على ظلمكم ؟
قال : فأسكت الرجل ! وجَعَل يلتفت إلى ورائه .
فأثبتوا لنا أن عليا رضي الله عنه قَسَم ميراث النبي صلى الله عليه وسلم سواء فيما تولاّه زمن عمر ، أم في زمان خلافته هو رضي الله عنه .
وأين إثبات ذلك ؟
فهل أعطى ورثة فاطمة حقّهم من فَدَك وسهم النبي صلى الله عليه وسلم في خيبر ؟
فإن لم تأتوا به – وهو الحق – فلا أقل من مُعاملة أبي بكر وعمر كمعاملة عليّ رضي الله عنهم أجمعين .
ثم إن الرافضة تزعم أن أبا بكر وعمر ظلما فاطمة ميراثها .
وها هو العباس رضي الله عنه عم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وها هو عليّ رضي الله عنه زوج ابنته يُقرّان بقول النبي صلى الله عليه وسلم ويتذكّرانه يوم ذكّرهما به عُمر رضي الله عنه ، وهو قوله صلى الله عليه وسلم :
" لا نورث ما تركناه صدقة " .
فيلزم من تكذيبنا لهذا الخبر لانفراد أبي بكر به – كما يَزعم بعضهم – أن نُكذّب العباس وعليّ رضي الله عنهما ، لأنهما وافقا أبا بكر عليه ، وشهدا بِصحّة قول عمر .(32/55)
وهما يشهدان عليه شهادة بعد أن نشدهما عمر رضي الله عنه فقال : أنشدكما بالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض أتعلمان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لا نورث ما تركناه صدقة ؟
فهل شهدا على كذب وزور ؟؟ سبحانك هذا بهتان عظيم .
وعند أبي داود أن العباس وعلي دخلا على عمر وعنده طلحة والزبير وعبد الرحمن وسعد وهما يختصمان فقال عمر لطلحة والزبير وعبد الرحمن وسعد : ألم تعلموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : كل مال النبي صلى الله عليه وسلم صدقة إلا ما أطعمه أهله وكساهم إنا لا نورث ؟ قالوا : بلى .
يعني كل هؤلاء شهدوا على صدق عمر رضي الله عنه وعلى صدق أبي بكر رضي الله عنه ثم تأتي الرافضة لتّكّذّب الأخيار الأبرار !!!
والحديث لم ينفرد به أبو بكر رضي الله عنه بل رواه عمر وعائشة رضي الله عنهم أجمعين .
الوجه الثالث : أن الله خصّ نبيّه بشيء لم يخصّ به غيره ، وهو الفيء ، وهو الغنائم التي أُخِذت من غير قِتال .
وخصّ بني هاشم وبني المطّلب بسهم ذوي القربى ، فلا تحلّ لهم الصدقة – كما تقدّم – .
الوجه الرابع : هل ردّ عليّ رضي الله عنه هذا الميراث لورثته حينما تولّى الخلافة ؟!
الجواب : لا .
إذا يُقال في حق عليّ رضي الله عنه ما يُقال في حق أبي بكر وعُمر إذ لم يُعطيا فاطمة حقها من ميراث أبيها.
قد يقول قائل : فاطمة قد ماتت آنذاك .
والجواب : أن فاطمة رضي الله عنها وإن ماتت ، إلا أنه إذا كان لها حق في ميراث أبيها ، فهو لورثتها من بعدها .
فلماذا لم يَقسمه عليّ رضي الله عنه حينما تولّى الخلافة وصار الأمر له ؟!
بل لماذا لم يَقسِمه وقد وُكِل إليه ؟
وقد تقدم هذا .
الوجه الخامس : إذا كان رسول الله يُؤيِّد بالوحي – وهو كذلك – فلماذا لم يَقسِم أرض فدَك وسهمه في خيبر على ورثته ؟
فإن قيل : النبي صلى الله عليه وسلم لا يعلم ما يكون بعده .(32/56)
فيُقال : فالله يعلم ما كان وما يكون ، ولم يأمر نبيّه صلى الله عليه وسلم بأن يَقسم ميراثه قبل موته لئلا تُظلَم ابنته .
وهل يُتصوّر أن الله أقرّ نبيّه على ظلم ابنته ؟!
أما في ظل عقيدة ( البداء ) التي يَعتقدها الرافضة والمستمدّة من عقائد اليهود التي تَنْسِب الجهل إلى الله فقد يجوز مثل هذا !
هذا إذا قلنا إن النبي صلى الله عليه وسلم لا يَعلم ما يكون بعده على معتقد أهل السنة والجماعة ، أما على اعتقاد الرافضة من الأئمة يعلمون الغيب – كما تقدّم – فيلزم على هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم يَعلم الغيب عند الرافضة ! ويلزم من هذا أن يكون علِم ما سيكون بعده في شأن ابنته ، ولم يُنصِفها .
أقول هذا من باب إلزام الرافضة ، وإلا فإن عقيدة أهل السنة والجماعة أنه لا يَعلم الغيب إلا الله
وليُعلم أن أهل السنة هم أعفّ الناس ألسنة ، وهم أكثر الناس تأدّبا مع مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم .
فلا ينسبونه إلى الخطأ ، ولا إلى الجهل ، ولا إلى الظلم ، كما هو لازم دِين الرافضة وعقيدتهم وأقوالهم !
الوجه السادس : أن فاطمة رضي الله عنها ليست كبقيّة النساء .
كيف ؟
سألني مرّة بعض الرافضة : لماذا كل بنت ترِث من أبيها إلا فاطمة ؟
فأجبت : لأن كل بنت ليست بنت نبي غير فاطمة !
ولأن فاطمة هي بنت سيد المرسلين ، وخاتم النبيين ، فليست مثل سائر النساء ، ولا كَبقيّة البنات
وثمّة شُبهة يتمسّك بها الرافضة ، وهي قولهم : إن أبا بكر أنفذ وعد النبي صلى الله عليه وسلم لِجابر رضي الله عنه ، ولم يُورّث فاطمة من ميراث أبيها .(32/57)
والجواب عنه : أن النبي صلى الله عليه وسلم وَعَد جابر بن عبد الله رضي الله عنهما ، فقال : لو قد جاء مال البحرين قد أعطيتك هكذا وهكذا وهكذا ، فلم يجئ مال البحرين حتى قُبض النبي صلى الله عليه وسلم ، فلما جاء مال البحرين أمر أبو بكر مُنادياً فنادى : من كان له عند النبي صلى الله عليه وسلم عدة أو دين فليأتنا . قال جابر : فأتيته فقلت : إن النبي صلى الله عليه وسلم قال لي كذا وكذا ، فحثى لي حثية فعددتها فإذا هي خمسمائة ، فقال : خُذ مثليها . رواه البخاري ومسلم .
فهذا من وفاء أبي بكر رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه وسلم أن يُنفذ مُجرّد الوعد ، وهذا من حسنات أبي بكر ، والرافضة تعدّه من مساوئه !
والرافضة تقول : لماذا صدّق أبو بكر جابر فيما قال ، ولم يُصدق فاطمة رضي الله عنها ؟
والجواب :
أن جابر بن عبد الله يُخبر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وَعَدَه ، ومن وفاء أبي بكر رضي الله عنه لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن أنفذ وعده لجابر رضي الله عنه .
وأما فاطمة فإنها لم تقل وعدني رسول الله صلى الله عليه وسلم . بل تُطالب بحقها من ميراث أبيها حيث فهمت أن لها الحق في ميراث أبيها ، فهي رضي الله عنها ما قالت : وعدني أبي صلى الله عليه وسلم .
فأبو بكر رضي الله عنه لم يُكذّب الزهراء رضي الله عنها ، وإنما أفهمها أن ما تركه رسول الله صلى الله عليه وسلم صَدَقة بنصّ قولِه عليه الصلاة والسلام .
ويدل عليه ما رواه الترمذي عن فاطمة أنها جاءت إلى أبي بكر فقالت : من يرثك ؟ قال : أهلي وولدي . قالت : فما لي لا أرث أبي ؟ فقال أبو بكر : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : لا نُورَث . ولكني أَعُول من كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعوله ، وأنفق على من كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُنفِق عليه .
وثمّة شُبهة يتشبّث بها الرافضة في هذا السياق ، وهي :(32/58)
أن النبي صلى الله عليه وسلم فاطمة بَضْعَة مني فمن أغضبها أغضبني . رواه البخاري .
تقول الرافضة : إن أبا بكر أغضب فاطمة رضي الله عنها ، فهو داخل في هذا الحديث .
وليس الأمر كما زعموا ، فإن أبا بكر رضي الله عنه عمِل بوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كما سيأتي ، وعمِل بما اتفق عليه الخلفاء من بعده ووافقوه عليه بما في ذلك عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه .
فهل يُقال : إن علياً رضي الله عنه أغضب فاطمة بهذا ؟
والجواب عن ذلك من وُجوه :
الأول : سبب وُورد الحديث ، وهو خِطبة عليّ رضي الله عنه ابنة أبي جهل .
وذلك أن ن علي بن أبي طالب خطب بنت أبي جهل وعنده فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما سمعت بذلك فاطمة أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت له : إن قومك يتحدثون إنك لا تغضب لبناتك ! وهذا عليّ ناكحا ابنة أبي جهل . قال المسور : فقام النبي صلى الله عليه وسلم فسمعته حين تشهد ثم قال : أما بعد فإني أنكحت أبا العاص بن الربيع فحدّثني فصدقني ، وإن فاطمة بنت محمد مضغة مني ، وإنما أكره أن يفتنوها ، وإنها والله لا تجتمع بنت رسول الله وبنت عدو الله عند رجل واحد أبدا . قال : فَتَرَكَ عليّ الخطبة . رواه البخاري ومسلم .
الثاني : أن أبا بكر عمِل بما عمِل به الخلفاء من بعدِه ، وهذا يعني أنه على الحق ، فالغضب الذي يُغضب فاطمة والذي يَغضب له النبي صلى الله عليه وسلم ما كان في حقّ ، أي ما كانت فيه مُحقّة .
ونحن لا ندّعي العِصمة لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وفاطمة سيدة نساء العالمين ، وهي من بنات آدم تغضب كما يَغضبون .
بل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذلك عن نفسه ، فقال : اللهم إنما أنا بشر ، فأيّ المسلمين لعنته أو سببته فاجعله له زكاة وأجرا . رواه مسلم .(32/59)
الثالث : أن علياً رضي الله عنه أغضَب فاطمة مرّة ، فهل يُمكن أن يُقال إن علياً رضي الله عنه أغضب فاطمة فغضبت عليه ، أو غاضبها ثم خَرَج من عندها ، أنه بفعله ذلك أغضب النبي صلى الله عليه وسلم ؟
روى البخاري ومسلم عن سهل بن سعد قال : جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت فاطمة فلم يجد علياً في البيت ، فقال : أين ابن عمك ؟ قالت : كان بيني وبينه شيء ، فغاضبني ، فخرج فلم يَقل عندي . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لإنسان : انظر أين هو . فجاء فقال : يا رسول الله هو في المسجد راقد . فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مضطجع قد سقط رداؤه عن شِقه وأصابه تراب ، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسحه عنه ويقول : قُم أبا تراب ، قَم أبا تراب .
فلو كان هذا الإغضاب من عليّ سبب في غضب النبي ما مسح عنه التراب ، ولا مازحه بقوله هذا .
الرابع : أن أبا بكر رضي الله عنه عَرَف لقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم حقّهم ، وما كان يسرّه أن تموت فاطمة وهي غضبى عليه . فقد طَلَب رضاها قبيل موتها .
فقد حدّث الشعبي قال : لما مرضت فاطمة أتى أبو بكر فاستأذن ، فقال عليٌّ : يا فاطمة هذا أبو بكر يستأذن عليك ، فقالت : أتحبّ أن آذن له ؟ قال : نعم . فأذِنَتْ له ، فدخل عليها يترضّاها ، وقال : والله ما تركت الدار والمال والأهل والعشيرة إلا ابتغاء مرضاة الله ورسوله ومرضاتكم أهل البيت . قال : ثم ترضّاها حتى رَضِيَتْ . رواه البيهقي في الكبرى وفي الاعتقاد .
قال الذهبي في سيرة سيدة نساء العالمين رضي الله عنها :
ولما توفي أبوها تعلقت آمالها بميراثه ، وجاءت تطلب ذلك من أبي بكر الصديق ، فحدّثها أنه سمع من النبي يقول : لا نورث ما تركنا صدقة ، فَوَجَدَتْ عليه ، ثم تعللت . اهـ .
ومما يدلّ على رضاها عنه أنها رضي الله عنها أوصَتْ أن تُغسِّلها أسماء بنت عُميس امرأة أبي بكر رضي الله عنها وعنه .(32/60)
قال ابن كثير : ولما حضرتها الوفاة أوْصَتْ إلى أسماء بنت عميس امرأة الصديق أن تغسلها ، فغسلتها هي وعلي بن أبي طالب وسلمى أم رافع ، قيل : والعباس بن عبد المطلب . وما رُوي من أنها اغتسلت قبل وفاتها وأوصت أن لا تُغَسّل بعد ذلك فضعيف لا يُعوّل عليه ، والله أعلم .
فلو كانت تجِد في نفسها على الصدِّيق رضي الله عنه لما أوصَتْ أن تُغسِّلها امرأته ، ولكانت بمنأى عن أهل بيت أغضبوها وغصبوها حقّها – كما تزعم الرافضة – .
قال الرافضي :
السؤال الثالث عشر :
أن الله سبحانه وتعالى أرسل 124000 نبي لهداية البشر .. فهل نقل عن أي نبي من هؤلاء أن صحابته لم يحضروا مأتمه ؟ وأنهم تنازعوا المنصب بعده ؟
الردّ :
يُقال في هذا العدد ما قيل فيه سابقاً .
ثم يُقال : وهل نُقِل عن نبي من الأنبياء أنه عُمِل له مأتم ؟ كما هو دِين الرافضة !
الذي لا يكاد يخلو شهر من الشهور من مأتم !
وهذا يدل على أن المآتِم ليست من دين الأنبياء ، وإنما هي من دِين الرافضة الذين اتّخذوا الأئمة آلهة !
ولم يتنازَع الصحابة رضي الله عنهم المنصب بَعده .
ومن تعنيه بالانشغال بالمنصب هو من كان حضر دَفنه ، فإن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لم يَدروا أين يقبرون النبي صلى الله عليه وسلم حتى قال أبو بكر رضي الله عنه : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : لن يُقبر نبي إلا حيث يموت . فأخّروا فراشه وحَفَروا له تحت فراشه . رواه الإمام أحمد .(32/61)
وحدّث ابن عباس رضي الله عنهما قال : لما أرادوا أن يَحفروا لرسول الله صلى الله عليه وسلم بعثوا إلى أبي عبيدة بن الجراح وكان يضرح كضريح أهل مكة ، وبعثوا إلى أبي طلحة وكان هو الذي يحفر لأهل المدينة وكان يلحد ، فبعثوا إليهما رسولين فقالوا : اللهم خِر لرسولك ، فوجدوا أبا طلحة فجيء به ولم يوجد أبو عبيدة ، فلحد لرسول الله صلى الله عليه وسلم . قال : فلما فرغوا من جهازه يوم الثلاثاء وُضع على سريره في بيته ، ثم دخل الناس على رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسالا يُصلّون عليه حتى إذا فرغوا أَدْخَلوا النساء حتى إذا فرغوا أدْخَلوا الصبيان ، ولم يؤم الناس على رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد . لقد اختلف المسلمون في المكان الذي يُحفَر له ، فقال قائلون : يُدفَن في مسجده ، وقال قائلون : يُدفن مع أصحابه ، فقال أبو بكر : إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ما قُبِض نبيّ إلا دُفن حيث يُقبض . قال : فرفعوا فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي توفي عليه فحفروا له ثم دُفِن صلى الله عليه وسلم وسط الليل من ليلة الأربعاء ، ونزل في حفرته علي بن أبي طالب والفضل بن العباس وقثم أخوه وشقران مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم . رواه ابن ماجه .
فهل الذين دَخَلوا عليه أرسالاً يُصلّون عليه كانوا يتنازعون المنصب آنذاك ؟!
ثم إن الأمم الماضية كانت تسوسها الأنبياء ، فليس ثم منصب خلافة .
قال عليه الصلاة والسلام : كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء كلما هلك نبي خلفه نبي . رواه البخاري ومسلم .
والأمة قد افترقت رغم حرص أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم على وِحدة الصف واجتماع الكلمة ، فكيف لو ضُيِّع هذا المنصب ؟
قال الرافضي :
السؤال الرابع عشر:(32/62)
إذا كان عمر ابن الخطاب مُصيبا عندما رفض طلب النبي للدواة والقلم ليكتب كتابا لن يضل به أحد بعده ... فما هي العبرة المستفادة من لا وعي النبي يومها كسنة لنطبقها لأن فعل النبي سنة ؟
وما هو مصير من يتعرض للنبي بهذه الطريقة ؟
الردّ :
وما مصير من يسب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، ويُسيء الأدب مع أصهاره صلى الله عليه وسلم ؟!
فعُمر رضي الله عنه هو والِد حفصة أم المؤمنين ، وهو زوج أم كلثوم بنت عليّ .
وعثمان رضي الله عنه هو زوج ابنتي النبي صلى الله عليه وسلم .
ولم يُعرف عن أحد أنه جَمَع ابنتي نبيّ ، أي تزوّج بهما الواحدة بعد الأخرى ، سوى عثمان رضي الله عنه ، ومع ذلك لم يَسْلَم من أذى الرافضة وسبِّهم وشتمهم ولعنهم !
ومن آذى أصهار النبي صلى الله عليه وسلم فقد آذى النبي صلى الله عليه وسلم .
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : يا أيها الناس من آذى عَمِّي فقد آذاني .
ونحن نقول : ومن آذى أصهاره فقد آذاه صلى الله عليه وسلم .
وأما قول الرافضي إن عمر رفض طلب النبي صلى الله عليه وسلم ، فهذا لا يصحّ ، وإنما قال عُمر رضي الله عنه ذلك من باب التأدّب مع النبي صلى الله عليه وسلم ، ولعدم رفع الصوت عنده صلى الله عليه وسلم ، ولكراهته لِلّغط عنده صلى الله عليه وسلم .
ثم إن ما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يَكتبه قاله ونُقِل إلينا .
فإنه عليه الصلاة والسلام لما قال : ائتوني بكتاب أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا . فتنازعوا - ولا ينبغي عند نبي تنازع – ثم قال : دَعوني فالذي أنا فيه خير مما تدعونني إليه . وأوصى عند موته بثلاث : أخرجوا المشركين من جزيرة العرب ، وأجِيزوا الوفد بنحو ما كنت أُجيزهم . قال الراوي : ونسيت الثالثة . رواه البخاري ومسلم .(32/63)
وسَبَق أنه عليه الصلاة والسلام قال لعائشة رضي الله عنها وهو في مرضه : ادعي لي أبا بكر وأخاك حتى أكتب كتابا ، فإني أخاف أن يتمنى مُتَمَنٍّ ويقول قائل : أنا أولى . ويأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر . رواه مسلم .
فهذا مما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقوله ويَكتبه .
وعُمر رضي الله عنه كان ينهى عن رفع الصوت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي مسجده في حياته وبعد موته .
روى البخاري من طريق السائب بن يزيد قال : كنت قائما في المسجد فحصبني رجل ، فنظرت فإذا عمر بن الخطاب ، فقال : اذهب فأتني بهذين ، فجئته بهما . قال : من أنتما ؟ أو من أين أنتما ؟ قالا : من أهل الطائف . قال : لو كنتما من أهل البلد لأوجعتكما ! ترفعان أصواتكما في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم .
فأنكر عمر رضي الله عنه رَفع الصوت عند النبي صلى الله عليه وسلم في حال حياته ، وأنكر رفع الصوت في مسجده صلى الله عليه وسلم بعد مماته .
وهذا الرافضي يعتبر ذلك مَنقصة في حق عُمر !
قال الرافضي :
السؤال الخامس عشر :
إذا كان الشيعة هم من خذل الحسين وقتله كما يجعجع بعض الجهلة ؟ فلماذا لم ينصره السنة ؟
وفي أي موقف كانوا يومها ؟
في أي معسكر ؟
هل كانوا جانيا فخذلوه أم كانوا في معسكر يزيد ؟
أم لم يكونوا موجودين أصلا ؟
أم كانوا في رحلة في جزر المالديف..؟
الردّ :
لن أرد عليك بحقائق التاريخ الساطعة الناصعة ، وإنما سوف أرد عليك في جواب هذا السؤال بما أثبته أئمة الشيعة الرافضة من أن الذين زعموا محبة الحسين هم من خَذَله !
وقال الإمام الحسين رضي الله عنه في دعائه على شيعته :
اللهم إن متعتهم إلى حين ففرقهم فرقاً، واجعلهم طرائق قدداً ، ولا ترض الولاة عنهم أبداً، فإنهم دعونا لينصرونا ثم عدوا علينا فقتلونا . (الإرشاد للمفيد 241).
ودعا عليهم مرة أخرى ، فقال :(32/64)
لكنكم استسرعتم إلى بيعتنا كطيرة الدّبا ، وتهافتم كتهافت الفراش ، ثم نقضتموها ، سفهاً وبعداً ، وسحقاً لطواغيت هذه الأمة وبقية الأحزاب ونَبَذة الكتاب ، ثم انتم هؤلاء تتخاذلون عنا وتقتلوننا ، ألا لعنة الله على الظالمين . (الاحتجاج للطبرسي 2/24) .
وقال السيد محسن الأمين :
بَايَع الحسين من أهل العراق عشرون ألفاً ، غَدروا به وخرجوا عليه وبيعته في أعناقهم ، وقتلوه . (أعيان الشيعة/القسم الأول 34) .
وقال الإمام زين العابدين لأهل الكوفة :
هل تعلمون أنكم كتبتم إلى أبي وخدعتموه ، وأعطيتموه من أنفسكم العهد والميثاق ثم قاتلتموه وخذلتموه ؟ بأي عين تنظرون إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وهو يقول لكم : قاتلتم عِترتي وانتهكتم حرمتي ، فلستم من أمتي . (الاحتجاج 2/32).
وقال أيضا :
إن هؤلاء يبكون علينا فمن قتلنا غيرهم ؟! (الاحتجاج 2/29).
وقالت فاطمة الصغرى في خطبة لها في أهل الكوفة :
يا أهل الكوفة ، يا أهل الغدر والمكر والخيلاء ، إنا أهل البيت ابتلانا الله بكم ، وابتلاكم بنا فجعل بلاءنا حسناً . فكفرتمونا وكذبتمونا ورأيتم قتالنا حلالاً وأموالنا نهباً . كما قتلتم جدنا بالأمس ، وسيوفكم تقطر من دمائنا أهل البيت . تباً لكم ! فانتظروا اللعنة والعذاب فكأن قد حلّ بكم ... ألا لعنة الله على الظالمين . تباً لكم يأهل الكوفة ، كم قرأت لرسول الله صلى الله عليه وآله قبلكم ، ثم غدرتم بأخيه علي بن أبي طالب وجدي ، وبنيه وعترته الطيبين .
فَرَدّ علينا أحد أهل الكوفة [ ممن يدّعون محبة آل البيت ] فقال :
نحن قتلنا علياً وبني علي *** بسيوف هندية ورماحِ
وسبينا نساءهم سبي تركٍ ... *** ونطحناهمُ فأيُّ نطاحِ (الاحتجاج 2/28) .
وقالت زينب بنت أمير المؤمنين لأهل الكوفة :(32/65)
أما بعد يا أهل الكوفة ، يا أهل الختل والغدر والخذل . إنما مثلكم كمثل التي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثاً ، هل فيكم إلا الصلف والعجب والشنف والكذب ؟ أتبكون أخي ؟ أجل والله فابكوا كثيراً واضحكوا قليلاً فقد ابليتم بِعارِها . وأنى ترخصون قتل سليل خاتم النبوة . (الاحتجاج 2/29-30).
هذا ما أثبتته مصادر الرافضة قبل غيرهم !
وقد علِم الإمام الحسن بن علي رضي الله عنه بأن الذين يدّعون محبة الحسين إنما هم كَذّبَة .
فقد قال لأخيه الحسين رضي الله عنه :
يا أخي إن أبانا رحمه الله تعالى لما قُبض رسول الله استشرف لهذا الأمر ورجا أن يكون صاحبه ، فصرفه الله عنه ، ووليها أبو بكر ، فلما حضرت أبا بكر الوفاة تشوّف لها أيضا فصُرفت عنه إلى عمر ، فلما احتضر عمر جعلها شورى بين ستة هو أحدهم ، فلم يشك أنها لا تعدوه فصُرفت عنه إلى عثمان ، فلما هلك عثمان بُويع ثم نُوزع حتى جرّد السيف وطلبها فما صَفَا لَه شيء منها ، وإني والله ما أرى أن يجمع الله فينا أهل البيت النبوة والخلافة ، فلا أعرفن ما استخفّك سفهاء أهل الكوفه فأخرجوك .
وأما أهل السنة فما أخرجوه من داره ولا وَعدوه بالنُّصرة ، ولا زعموا أن الكوفة بل العراق كلها تحت أمره ..
ما كان أهل السنة أهل ثورة وفِتنة !
وإنما كان ذلك في أهل الرفض ، فهم الذين يَزعمون أنهم أهل ثورة !
ويَنسبُون ذلك إلى بعض الصحابة ، كعمّار بن ياسر والحسين بن علي رضي الله عنهم .
فهل علِمت مَن قَتَل الحسين ؟ ومن الذي أخرجه ثم خذَله ؟
شهِد بهذه الحقيقة علماء الرافضة قبل غيرهم .
قال الرافضي :
السؤال السادس عشر:(32/66)
إذا كان لا وجود لأي خلاف بين علي والخلفاء الثلاثة ممن سبقه ، فلماذا لم يحمل علي سيفه على عاتقه ويشارك في المعارك التي خاضها هؤلاء الخلفاء ضد الكفار خصوصا وأن الجهاد واجب عيني يومها في كثير من المعارك ... بينما نجده حينما استلم الخلافة وهو في سن متأخرة حمل سيفه على عاتقه في حربه في صفين والجمل ؟
الردّ :
ها أنت تُسيء إلى أمير المؤمنين عليّ رضي الله عنه المرّة تِلو الأخرى !
هل كان عليّ جباناً بحيث يقبع في بيته ، ولا يُشارك في الجهاد ؟ ولا يأخذ بِحقّه المغصوب – بزعمكم – ؟
أحد أمرين :
إما أنه يرى بيعة أبي بكر – وهذا ما تقدّم تقريره بقوله وفِعله – وإقراره أحكام أبي بكر .
وإما أنه لا يراها . فلماذا انزوى وسَكَت – كما تدّعون – ؟!
إما أن يكون شُجاعاً يقوم على رؤوس الناس ويُحرّضهم على أخذ حقّه
وإما أن يَنْزَوي ويكون جباناً .
فأيهما تختار ؟ طالما أنك تدّعي وُجود خلاف !
أما من أخذ بالقول الصحيح وهو أن عليّ بن أبي طالب كان يرى صحّة البيعة لأبي بكر ، فإنه لا يَلزمه شيء من ذلك !
نعم .. كان هناك خلاف يسير في أول الأمر ثم بايَع عليّ أبا بكر وانتهى الخلاف .
روى البخاري ومسلم عن عائشة حديثاً طويلاً – وفيه – :(32/67)
وكان لعلي من الناس وجْه حياة فاطمة ، فلما توفيت استنكر عليٌّ وجوه الناس ، فالتمس مصالحة أبي بكر ومبايعته ، ولم يكن يبايع تلك الأشهر ، فأرسل إلى أبي بكر أن ائتنا ولا يأتنا أحد معك ... فدخل عليهم أبو بكر فتشهد عليٌّ فقال : إنا قد عرفنا فضلك ، وما أعطاك الله ، ولم ننفس عليك خيرا ساقه الله إليك ، ولكنك استبددت علينا بالأمر ، وكنا نرى لقرابتنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم نصيبا ، حتى فاضت عينا أبي بكر ، فلما تكلم أبو بكر قال : والذي نفسي بيده لقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحبّ إليّ أن أصل من قرابتي ، وأما الذي شَجَرَ بيني وبينكم من هذه الأموال فلم آل فيها عن الخير ، ولم أترك أمرا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنعه فيها إلا صنعته . فقال عليٌّ لأبي بكر : موعدك العشيّة للبيعة ، فلما صلى أبو بكر الظهر رقي على المنبر فتشهد وذكر شأن عليّ وتخلفه عن البيعة وعذره بالذي اعتذر إليه ، ثم استغفر وتشهد عليٌّ فعظّم حق أبي بكر وحدّث أنه لم يحمله على الذي صنع نفاسة على أبي بكر ولا إنكارا للذي فضّله الله به ، ولكنا نرى لنا في هذا الأمر نصيباً فاستبد علينا ، فوجدنا في أنفسنا ، فَسُرّ بذلك المسلمون وقالوا : أصبت . وكان المسلمون إلى عليّ قريبا حين راجع الأمر المعروف .
فهذا عليّ رضي الله عنه قد شهد بِفضل أبي بكر وبإمامته ، بل وبايعه بعد أشهر .
فهل يبقى بعد ذلك مجالا لقائل أن يقول : إن عليا كان يرى أن أبا بكر غصبه حقّه .
فلو كان كذلك لَما بايَعه ، ولما اعترف بِفضله .
وأما أنه لم يَحمِل سيفه فقد كان الخلفاء يستشيرونه ، ويَعرفون له فضله ، ولهذا كان يبقى في المدينة .
وهذا ثابت في كُتب السنة والشيعة ( الرافضة ) .
فإن مما يُروى في كُتب الرافضة قول عمر : أعوذ بالله من معضلة ولا أبو حسن لها .
وهو مُثبت في كُتب أهل السنة .
قال ابن كثير : وكان عمر يقول : أعوذ بالله من معضلة ولا أبو حسن لها .(32/68)
وذَكَر ابن حزم الظاهري أن هذا القول جاء عن معاوية رضي الله عنه .
وكذلك ذَكَره ابن الأثير في النهاية .
وكان عُمر رضي الله عنه يستشير عليّ بن أبي طالب وعمّه العباس .
قال ابن كثير في ذِكر نهاوند :
فصعد عُمر المنبر حتى اجتمع الناس فقال : إن هذا يوم له ما بعده من الأيام ، ألاَ وإني قد هممت بأمر فاسمعوا وأجيبوا وأوجزوا ، ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم . إني قد رأيت أن أسير بمن قبلي حتى أنزل منزلا وسطا بي هذين الْمِصْرَين فأستنفر الناس ، ثم أكون لهم ردءا حتى يفتح الله عليهم ، فقام عثمان وعليّ وطلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف في رجال من أهل الرأي فتكلم كل منهم بانفراده فأحسن وأجاد ، واتفق رأيهم على أن لا يسير من المدينة ولكن يبعث البعوث ويحضرهم برأيه ودعائه ، وكان من كلام عليّ رضي الله عنه أن قال : يا أمير المؤمنين إن هذا الأمر لم يكن نصره ولا خذلانه بكثرة ولا قِلة ، هو دينه الذي أظهر وجنده الذي أعزّه وأمدّه بالملائكة حتى بلغ ما بلغ ، فنحن على موعود من الله ، والله منجز وعده وناصر جنده ، ومكانك منهم يا أمير المؤمنين مكان النظام من الخرز يجمعه ويمسكه ، فإذا انحلّ تفرّق ما فيه وذهب ، ثم لم يجتمع بحذافيره أبداً ، والعرب اليوم وإن كانوا قليلا فهم كثير عزيز بالإسلام ، فأقِم مكانك واكتب إلى أهل الكوفة فهم أعلام العرب ورؤساؤهم فليذهب منهم الثلثان ويُقيم الثلث ، واكتب إلى أهل البصرة يُمِدّونهم أيضا . وكان عثمان قد أشار في كلامه أن يُمدّهم في جيوش من أهل اليمن والشام ، ووافق عمر على الذهاب إلى ما بين البصرة والكوفة فَرَدّ عليّ على عثمان في موافقته على الذهاب إلى مابين البصرة والكوفة ، كما تقدم ، وَرَدّ رأي عثمان فيم أشارّ بِهِ من استمداد أهل الشام خوفاً على بلادهم إذا قلّ جيوشها من الروم ، ومن أهل اليمن خوفاً على بلادهم من الحبشة ، فأعجب عمر قول عليٍّ وسُرّ به ، وكان عمر إذا استشار أحدا(32/69)
لا يُبْرِم أمرا حتى يشاور العباس . اهـ .
واستشاره عمر رضي الله عنه في فتح بيت المقدس ، وفي فتح المدائن .
وكان عمر رضي الله عنه يستخلفه على المدينة إذا خَرج عُمر رضي الله عنه لِحجّ أو عمرة أو فتوحات .
وكانت علاقة عليّ رضي الله عنه بِعُمر علاقة الأخ بأخيه .
أخرج ابن أبي شيبة من طريق أبي السفر قال : رُئي على عليّ بُرد كان يكثر لبسه . قال فقيل له : إنك لتكثر لبس هذا البرد . فقال : إنه كسانيه خليلي وصفيي وصديقي وخاصّي عمر . إن عمر ناصح الله فنصحه الله ، ثم بكى .
وأقطَع عمر علياً ينبع .
وروى جعفر بن محمد ( الصادق ) عن أبيه أن عُمر جَعَل للحسين مثل عطاء عليّ ، خمسة آلاف
وهذا يدلّ أيضا على شرعية خلافة عمر رضي الله عنه ، وإقرار عليّ بذلك ، بل وإقرار أولاده من بعده .
فإن عمر رضي الله عنه أعطى للحسين بن عليّ ابنة يزدجرد ، وهي من سبي الفُرس ، فولدتْ له زين العابدين ، ومن هذا النسل تتابع الأئمة الذين اتّخذهم الرافضة أئمة من الأئمة الاثنا عشر .
فعِماد دين الرافضة قائم على هِبة وأعطية أعطاها عُمر رضي الله عنه للحسين بن علي رضي الله عنهما .
كما كان يحضر مجلس الخلافة في زمن عثمان رضي الله عنه ، وكان عثمان يستشيره .
ولم يقتصر الحضور على عليّ رضي الله عنه بل إن الحسن كان يحضر مجلس عثمان رضي الله عنه(32/70)
روى الإمام مسلم في صحيحه من طريق حُضَين بن المنذر أبو ساسان قال : شهدت عثمان بن عفان وأُتِيَ بالوليد قد صلى الصبح ركعتين ، ثم قال : أزيدكم فشهد عليه رجلان - أحدهما حمران - أنه شرب الخمر ، وشَهِد آخر أنه رآه يتقيأ ، فقال عثمان : إنه لم يتقيأ حتى شربها ، فقال : يا علي قُم فاجلده ، فقال عليّ : قُم يا حَسَن فاجلده ، فقال الحسن : وَلِّ حارها من تولى قارّها ، فكأنه وَجَدَ عليه ، فقال عليّ : يا عبد الله بن جعفر قم فاجلده ، فجلده وعليّ يَعُدّ حتى بلغ أربعين ، فقال : أمسِك ، ثم قال : جَلَدَ النبي صلى الله عليه وسلم أربعين ، وَجَلَدَ أبو بكر أربعين ، وعمر ثمانين ، وكلّ سُنَّة ، وهذا أحب إليّ .
فهذا الحديث فيه ردود وليس ردّاً على الرافضة !
ففيه أن عليّاً رضي الله عنه كان يحضر مجلس عثمان
وأنه كان يُقرّ عثمان على إقامة الحدود ، ولو كانت ولاية عثمان غير شرعية ، فهل كان يُقرّ أو يأمر من يُقيم الحد ، والآمِر به عثمان رضي الله عنه ؟
وفيه إقرار عليّ عُمرَ على فعله في تحديد الجلد بـ 80 ، وقد تقدّم هذا في أول الإجابات .
إلى غير ذلك مما يجهله الرافضة !
وكان في زمان الخلفاء من يُقاتِل ويَقود الجيوش ، أما في زمان عليّ رضي الله عنه فقد هَلَك كثير من القادة .
فسيف الله خالد بن الوليد مات قبل خلافة عليّ ، والنعمان بن مُقرّن استُشهد في نهاوند في خلافة عمر ، وغيرهم كثير ، مما جَعَل علي بن أبي طالب يحمل سيفه ويقود الجيوش بنفسه .
مع ما ناء به من أعباء الخلافة ، حيث كان يرى أن المسؤولية أُلقيَت على عاتقه .
فهذه من أسباب عدم كثرة خروجه للقتال في زمن الخلفاء الثلاثة قبله ، وخروجه للقتال في زمنه
قال الرافضي :
السؤال السابع عشر:(32/71)
إن كتب أهل السنة مليئة بالأحاديث عن رسول الله(ص) والتي يرويها عمر وعائشة وابن عمر وأبو هريرة بينما لا نجدها تحوي إلا القليل القليل من الأحاديث التي يرويها علي وفاطمة والحسن والحسين الذين تربوا في أحضان النبي ورأوه أكثر مما رآه غيرهم ؟
ما السبب ... هل عدم وجود طريق صحيح إليهم ؟
طيب نسال لماذا لم يوجد هذا الطريق الصحيح ... هل كان كل من يصاحب أهل البيت من غير الثقاة ... ولماذا لم يرو ثقاتهم عن أئمة أهل البيت اللاحقين الذين عاصروا البخاري ومسلم إلا القليل ... هل كانت روايات أهل البيت لا تعجب حفاظ السنة!
الردّ :
بل أهل السنة يَروون عن أئمة آل البيت .
والمسألة تحتاج إلى تفصيل :
أولاً :
ليس المقياس هو القُرب من النبي صلى الله عليه وسلم أو البُعد ، ولا تقدّم الإسلام أو تأخّره ، وإنما المقياس التفرّغ لهذا الشأن ، والتحديث بما سَمِع .
فعبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما كان يَكتب الأحاديث ، وله صحيفة معروفة بالصحيفة الصادقة ، وشهِد له أبو هريرة بكثرة الأحاديث ، فقال أبو هريرة رضي الله عنه : ما من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أحد أكثر حديثاً عنه مني إلا ما كان من عبد الله بن عمرو ، فإنه كان يكتب ولا أكتب . رواه البخاري .
وجاء عن عبد الله بن عمرو أنه تفرّغ للعبادة وانقطع لها ، ولهذا لم يُكثر التحديث .
وخبره في الصحيحين .
وجاء عن غير واحد ممن كَتَبوا أنهم أحرقوا تلك الصُّحُف ، وأمَروا الناس أن يعتمِدوا على حِفظهم ..
إلى غير ذلك من الأسباب التي تجعل الراوي أكثر أو أقل من غيره في الرواية .
وعلى سبيل المثال :
أحاديث أبي بكر رضي الله عنه قليلة ، وذلك لاشتغاله بأعباء الخلافة ، وبحروب الردّة .
وخالد بن الوليد قليل الحديث جداً ، وذلك لاشتغاله بالجهاد والمرابَطة .
وعُمر أيضا ليس من المكثرين .(32/72)
ولذا قال أبو هريرة رضي الله عنه : إن الناس يقولون أكثر أبو هريرة ! ولولا آيتان في كتاب الله ما حدثت حديثا ، ثم يَتلو : ( إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ ) إلى قوله ( الرَّحِيمُ ) إن إخواننا من المهاجرين كان يشغلهم الصفق بالأسواق ، وإن إخواننا من الأنصار كان يشغلهم العمل في أموالهم ، وإن أبا هريرة كان يلزم رسول الله صلى الله عليه وسلم بِشبع بطنه ، ويحضر ما لا يحضرون ، ويحفظ ما لا يحفظون . رواه البخاري ومسلم .
ثانياً :
الحسن رضي الله عنه وُلِد في السنة الثالثة والحسين رضي الله عنه في السنة الرابعة من الهجرة ، فعلى هذا تكون أعمارهم دون العاشرة عند موت النبي صلى الله عليه وسلم ، وتقريبا قُرابة سبع وست سنوات ، وهم يُعدّون من صغار الصحابة .
ولذلك لما قال أبو الحوراء السعدي للحسن بن علي : ما تذكر من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : أذكر أني أخذت تمرة من تمر الصدقة فألقيتها في فمي ، فانتزعها رسول الله صلى الله عليه وسلم بلعابها فألقاها في التمر . رواه الإمام أحمد .
ثالثاً : بالنسبة لأمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه فإن الحقيقة أن مروياته عند أهل السنة أكثر من مروياته عند الرافضة !
قَلِّب الكافي مثلا تجد أن الرواية عن جعفر الصادق – مثلا – أكثر من الرواية عن عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه .
وقلّب الكافي فلا تكاد تجد رواية عن الحسن بن عليّ رضي الله عنه إلا نادراً .
وأما كتب أهل السنة ففي مسند الإمام أحمد فقط لِعليّ رضي الله عنه (819) حديثا بالمكرر .
ولعليّ رضي الله عنه في مسند بَقيّ بن مخلد (586) حديثا .
وله رضي الله عنه في الكُتُب الستة (322) حديثاً .
واتفق البخاري ومسلم على (20) حديثا ، وانفرد البخاري بـ (9) ومسلم بـ (15) حديثا .(32/73)
يقول الدكتور علي الصِّلابي : ويُعتبر أمير المؤمنين عليّ أكثر الخلفاء الراشدين رواية لأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهذا راجع إلى تأخّر وفاته عن بقية الخلفاء ، وكثرة الرواة عنه . اهـ .
وأما سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء رضي الله عنها فلم تُعمّر طويلا بل توفّيت بعد وفاة أبيها صلى الله عليه وسلم بستة أشهر ، عاشَتْ أربعاً أو خمساً وعشرين سنة .
ولذلك قَلَّتْ مروياتها ، وأحسب أن مروياتها عند أهل السنة أكثر منها عد الرافضة !
ولكي تعرف أن أهل السنة لا يتحيّزون ضد آل البيت ، بل هم محل تقدير ، أن في مسند الإمام أحمد - وهو يُعتبر من أضخم الموسوعات الحديثية - المجلد الأول منه لأحاديث الخلفاء الثلاثة ( أبي بكر وعمر وعثمان ) والمجلّد الثاني كاملا لأحاديث عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه .
فبلغت أحاديث الخلفاء الثلاثة (561) حديثا ، في حين بلغت أحاديث علي بن أبي طالب (819) حديثا .
فهل بعد هذا يُتّهم أهل السنة أنهم لا يَروون عن آل البيت ؟!
وهم يَروون لعليّ رضي الله عنه أكثر من ثلاثة من الخلفاء !!
رابعاً : آل البيت ليسوا محصورين بِعليّ وفاطمة والحسن والحسين ، كما أن ذرية الحسين ليست محصورة في الباقر – كما تقدّم – .
ويكاد يكون عُمدة أهل السنة في التفسير حبر الأمة وتُرجمان القرآن ابن عمّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أعني ابن عباس رضي الله عنهما .
وهو لا يُعتبر عُمدة في التفسير عند الرافضة ، بل العُمدة في الأئمة المعصومين – زعموا – !
وانظر إلى مرويات ابن عباس رضي الله عنهما في كُتب السنة أو في كُتب التفسير تجد أنها ليست بالقليلة بل هي كثيرة جداً .
ومسند ابن عباس ( 1660) حديثاً ، وله في الصحيحين (75) وانفرد البخاري له بـ (120) ومسلم بـ (9) .
ولابن عباس في تفسير ابن جرير الطبري (5809) روايات .
خامساً :
قول الرافضي : (هل كان كل من يصاحب أهل البيت من غير الثقاة) ؟(32/74)
فالجواب في كُتُب الرافضة ، من أن بعض من صحب أئمة آل البيت كانوا كذلك .
وإليك بعض ما جاء فيها :
جابر بن يزيد الجعفي :
روى الكشّي في معرفة أخبار الرجال عن زرارة بن أعين قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن أحاديث جابر ، فقال : ما رأيته عند أبي قطّ إلا مرة واحدة ، وما دَخَل عليّ قطّ .
وجابر الجعفي هذا رافضي يُقال في كُتب الرافضة أنه روى سبعين ألف حديث عن الأئمة !
مفضّل بن عمر :
روى الكشي عن حماد بن عثمان قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول للمفضل بن عمر : يا كافر ! يا مشرك ! مالك ولابني ؟ يعني إسماعيل بن جعفر .
وقد نبّه الكشي على أن المفضل بن عمر كان يكذب على جعفر الصادق يستأكل الناس .
أبو بصير الليث المرادي :
روى الكشي عن أبي يعفور قال : خرجنا من السواد نطلب دراهم لنحجّ ، ونحن جماعة ، وفينا أبو بصير المرادي قال : قلت له : يا أبا بصير اتق الله وحجّ بِمالِك ، فإنك ذو مال كثير . فقال : اسكت ! فلو أن الدنيا وقعت لصاحبك لاشتَمَل عليها بِكسائه !
وكان يقول عن جعفر الصادق : أظنّ صاحبنا ما تكامل عقله !
زرارة بن أعين :
في رجال الكشي عن الإمام الصادق أنه قال في حقّ زرارة : زرارة شرّ من اليهود والنصارى !
وفي المصدر المذكور عن أبي عبد الله عليه السلام : لعن الله زرارة ، لعن الله زرارة ، لعن الله زرارة .
وفي كتاب الرجال للكشي وتنقيح المقال للمامقاني في عن زرارة قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن التشهد فقال : أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله . قلت : التحيات والصلوات ؟ قال : التحيات والصلوات ، فلما خرجت قلت : إن لقيته لأسألنه غدا فسألته من الغد عن التشهد ، فقال كمثل ذلك قلت : التحيات والصلوات ؟ قال : التحيات والصلوات . فلما خرجت ضَرَطْتُ في لحيته ، وقلت لا يفلح أبدا .
وزرارة هذا من أكثر الرواة في كُتب الرافضة !(32/75)
فقد ذكر الخوئي أن مرويات زرارة تبلغ 2490 مورداً ، كما في كتاب رجال الشيعة للزرعي .
بريد بن معاوية العجلي :
روى الكشي عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال : لعن الله بريدا وزرارة .
فهذه نماذج ممن كانوا يلتفّون حول بعض الأئمة من آل البيت ، فهذا سبب واضح من أسباب قلّة الرواية عنهم .
وهؤلاء ممن كَذَب على الأئمة خاصة على جعفر الصادق ، ويكفي أن جابر الجُعفي روى سبعين ألف حديث عن الأئمة !
ومع ذلك يقول عنه أبو عبد الله : ما دَخَل عَلَيَّ قطّ .
وأما عند أهل السنة فإن هؤلاء الأئمة محلّ تقدير وإجلال ، وقد رووا عنهم بخلاف ما يُوهمه كلام هذا الرافضي !
قال الرافضي :
السؤال الثامن عشر :
إذا كان أبو بكر هو الأفضل بعد النبي لقربه من النبي فلماذا لم يختاره النبي يوم آخى بين المسلمين في الوقت الذي نراه آخى نفسه مع علي !؟
الردّ :
تقدّم قوله عليه الصلاة والسلام في حق أبي بكر رضي الله عنه :
لو كنت متخذا من أمتي خليلا لاتخذت أبا بكر ، ولكن أخي وصاحبي .
ومعلوم أن القول أبلغ من الفعل .
ومع ذلك فإننا نُثبت فضل عليّ وفضل أبي بكر ، ولا يمتنع عقلا ولا شرعا أن يكون هذا له فضائل وهذا له فضائل .
بل قد يقول قائل : أيهما أفضل من زوّجه النبي صلى الله عليه وسلم بنتاً واحدة من بناته أو من زوّجه النبي صلى الله عليه وسلم ابنتين من بناته ، زوّجه الأولى فلما ماتت زوّجه الثانية ؟
والجواب : من زوّجه ابنتيه أفضل ممن زوّجه بنتاً واحدة . وهو كذلك عند أهل السنة .
ونحن لا نُفضِّل بين الصحابة ولا بين الأنبياء على وجه يُنتقَص فيه آخر ، وإنما نذكر فضل هذا وفضل هذا .
ولا نغمط أحداً حقّه .
قال الرافضي :
السؤال التاسع عشر :(32/76)
أن السيدة فاطمة بنت النبي ماتت بعد النبي بستة أشهر ، بينما مات أبو بكر بعد النبي بسنتين ونصف وعمر في وقت لاحق بعده ولكن بالرغم من تأخر موتهما عن موت فاطمة إلا أننا نجدهما دفنا إلى جانب النبي في الوقت الذي لم تنل فاطمة ابنه النبي التي غضبها من غضب النبي هذا المكان كقبر لها ؟
فهل هي التي أوصت أن تدفن بعيدا عن أبيها؟
إذا كان الجواب لا ، فهل هناك من منع دفنها بجانب أبيها ؟
وما السر في دفنها ليلا وعدم حضور أبو بكر وعمر لدفنها .. مع أن الإسلام ينتدب الخليفة والمسلمين لحضور جنازة أي شخص يموت حتى ولو كانت جارية مملوكة ؟
لقد ماتت ابنة سيد البشر فمن حضر جنازتها ؟
الردّ :
هذا القول فيه حق وباطل .
أما الحق فإن فاطمة رضي الله عنها ماتت بعد أبيها بستة أشهر .
وأما الباطل فهو الإيحاء بمنع دفن فاطمة إلى جوار أبيها .
ومثله ما ترويه الرافضة من منع دفن الحسن إلى جوار جدّه صلى الله عليه وسلم .
وهنا يُقال للرافضي : وهل أوصت فاطمة رضي الله عنها أن تُدفَن إلى جوار أبيها ورُفِضتْ هذه الوصية ؟
وهل كانت هناك عداوة – كالتي يحملها الرافضة – بين آل أبي بكر وآل البيت ؟
الجواب : لا
ثم إن أبا بكر استرضى فاطمة في آخر حياتها ، فرضيَت عنه ، وقد تقدّم هذا .
فـ فاطمة رضي الله عنها رضِيَتْ عن أبي بكر والرافضة رَفَضتْ أن تترضّى عن أبي بكر !
صاحبة الشأن رَضِيَتْ ، ومن ليس له شأن يسبّ ويلعن !
هذا والله من العجب العُجاب !
وتقدّم فيما سبق بيان القول الفصل في غضب فاطمة رضي الله عنها ، الذي هو من غضب أبيها صلى الله عليه وسلم .
وفي الوقت الذي نرى الرافضة يستعظمون غضب فاطمة رضي الله عنها لأن غضبها من غضب أبيها صلى الله عليه وسلم ، نجدهم يستهينون بغضبه صلى الله عليه وسلم ، إذ يسبُّون زوج ابنتيه رقية وزينت ، وهن أخوات فاطمة الزهراء رضي الله عنهن جميعاً .(32/77)
فلماذا يُتحاشى غضب الرسول صلى الله عليه وسلم هنا ولا يُتحاشى هناك ؟!
الذي يسب ويلعن عثمان رضي الله عنه هو سابّ للنبي صلى الله عليه وسلم ومؤذٍ له ، فالنبي صلى الله عليه وسلم زوّجه بنتاً بعد أخرى .
أكان يخفى على رسول الله صلى الله عليه وسلم حال عثمان ؟
فهبوا أنه خَفي عليه ، فهل يَخفى على من لا تخفى عنه خافية سبحانه وتعالى ، العالِم بحال عثمان ومآله بعد ذلك ؟
فهل وَجَدتْ الرافضة في مصاحفها أن الله غضَب على عثمان بعد أن رضي عنه ؟!
وهل وَجدوا أن النبي صلى الله عليه وسلم زوّج ابنتيه لملعون ؟
حاشا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يُصاهِر من لا يُرضى دينه وخُلُقه ، وحاشا عثمان رضي الله عنه أن لا يكون كذلك .
وفي الصحيحين أنها رضي الله عنها لما توفيت دفنها زوجها عليّ ليلا ، ولم يُؤذِن بها أبا بكر ، وصلّى عليها ، وكان لعلي من الناس وجه حياة فاطمة ، فلما توفيت استنكر علي وجوه الناس فالتمس مصالحة أبي بكر ومبايعته .
فهذا يدل على أن علياً رضي الله عنه هو الذي دَفَنها ليلاً ، ولم توصِ هي رضي الله عنها بشيء ، لا من جهة دفنها إلى جوار أبيها ولا من جهة دفنها ليلاً .
وقد تكون وفاتها في آخر النهار أو في الليل فكرِه عليّ أن يؤذِن أبا بكر ، كما كرِه الصحابة أن يُؤذِنوا النبي صلى الله عليه وسلم في موت الذي كان يقمّ المسجد .
وقد يكون ذلك لما وقع أول الأمر من خلاف حول ما تَرَكه النبي صلى الله عليه وسلم ، إلا أن هذه الرواية تدل على رجوع عليّ رضي الله عنه ومُبايعته لأبي بكر بعد وفاة فاطمة رضي الله عنها
ونحن لا ندّعي العصمة لأحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم ، فكلٌّ يؤخذ من قوله ويُترك .
ومما يَردّ على هذا الرافضي من أن فاطمة لم تُقبَر إلى جوار أبيها صلى الله عليه وسلم ، أن أبا بكر لم يَعلَم أصلاً بوفاتها ، وأن علياً دَفَنها بليل .(32/78)
فلو كان عَرَض على عائشة أن يَدفنها إلى جوار أبيها صلى الله عليه وسلم هل كان هذا يخفى على أبي بكر رضي الله عنه ؟
ثم إن فاطمة رضي الله عنها كانت محل تقدير عند عائشة رضي الله عنها .
روى الحاكم عن عائشة رضي الله عنها قالت : ما رأيت أحدا كان أصدق لهجة من فاطمة ، إلا أن يكون الذي وَلَدها .
فلا يُتصوّر بعد هذا أن تكون عائشة تمنع فاطمة من أن تُقبَر إلى جوار النبي صلى الله عليه وسلم .
أما دَفن أبي بكر وعُمر إلى جوار النبي صلى الله عليه وسلم فهذا قد أجاب عنه إمام من أئمة آل البيت ، وهو زين العابدين رضي الله عنه ، وقد سُئل : كيف كانت منزلة أبي بكر وعمر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فأشار بيده إلى القبر ثم قال : لمنْزِلتهما مِنه الساعة .
وأشار إليه الإمام عليّ رضي الله عنه فيما رواه عنه ابن عباس رضي الله عنهما .
قال ابن عباس رضي الله عنهما : وُضِعَ عُمر على سريره فتكنّفه الناس يَدعون ويُصلون قبل أن يُرفع ، وأنا فيهم ، فلم يَرعني إلا رجل آخذ منكبي ، فإذا علي بن أبي طالب ، فَتَرَحَّم على عُمر وقال : ما خَلَّفْتُ أحداً أحبّ إليّ أن ألقى الله بمثل عمله منك ، وأيم الله إن كنت لأظن أن يجعلك الله مع صاحبيك ، وحسبت إني كنت كثيرا أسمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول : ذهبت أنا وأبو بكر وعمر ، ودخلت أنا وأبو بكر وعُمر ، وخرجت أنا وأبو بكر وعمر . رواه البخاري ومسلم .
أما قوله : ( مع أن الإسلام ينتدب الخليفة والمسلمين لحضور جنازة أي شخص يموت حتى ولو كانت جارية مملوكة ؟ ) .
فهذا ليس بصحيح ، فالخليفة الذي ينوء بأعباء الخلافة لا يُكلّف بحضور جنازة كل مسلم .
وفاطمة رضي الله عنها دُفِنت ليلاً .
ومما رأيته يُروى في كُتب الرافضة زعمهم أن الحسن أوصى أن يُدفَن إلى جوار جدّه ، ويزعمون أن عائشة رضي الله عنها رَفَضَتْ ذلك .
وهذا غير صحيح لا من حيث الرواية ولا من حيث الدراية .(32/79)
فهذه الرواية التي رواها الكليني في الكافي رواية مُنقطِعة وفيها مجاهيل ، فهو يَروي – كعادته - بإسناده عن ( عِدّة من أصحابنا ) وهذا يُعتبر من رواية المجاهيل . فمن هم هؤلاء الأصحاب ؟
وفي الإسناد :
علي بن إبراهيم ، وهو القُمِّي ، وهو شيخ الكليني ، والرافضة مختلفون في توثيق القُمِّي .
هارون بن الجهم يُخالف في حديثه .
ثم إنه من رواية أبي جعفر ، وأبو جعفر يَروي عن الحسن مُرسلاً ، أي لم يَلقَ الحسن .
فالحسن رضي الله عنه توفِّي سنة 49 أو 50 أو 51 هـ على أقوال في وفاته .
وأبو جعفر الباقر وُلِد ولد سنة ست وخمسين (56) وتوفِّي سنة 114 هـ .
فعلى هذا يكون الباقر لم يَر الحسن أصلاً .
فالحسن على أكثر الأقوال توفي سنة 51 هـ ، والباقر وُلِد سنة 56 هـ
أي أن بين وفاة الحسن وبين ولادة الباقر خمس سنوات .
فالرواية على هذا لا تصح من عدّة وُجوه .
هذا لو سلمنا بقبول الكافي أصلاً !
أما إذا لم نُسلِّم به ، فالرواية أصلا لا تُناقش هذه المناقَشة .
وإنما قرّرت هذا التقرير من باب التنزّل مع الخصم .
فالكافي يحتاج إلى إثبات عدالة الكليني أولاً .
ثم عدالة رواة الرافضة .
وتقدّم الكلام على أشهر رواة الرافضة في الكافي وغيره .
قال الرافضي :
السؤال العشرين :
إن التاريخ يخبرنا بأن قريش طردت بني هاشم والمؤمنين بالنبي في أوائل الدعوة من مكة إلى شعاب أبي طالب حيث بقوا لثلاث سنين هناك يعانون الصعوبات .. أين كان أبو بكر وعمر خلال تلك الفترة إذا ما فرضنا أنهم من أوائل المسلمين كما يدعي مخالفي مذهب أهل البيت ؟
لِمَ لم يطردوا مع من طرد وخصوصا إذا عرفنا أن أبا بكر وعمر من قبيلتي تيم وعدي الصغيرتين اللتان لا وزن لهما أمام قبيلة بني هاشم المطرودة !
إذا كانوا في مكة فلما لم يقدما للنبي المساعدة يومها ؟(32/80)
وإذا كانا لا يستطيعان الوصول إلى شعب أبي طالب فهل هناك أي دليل تاريخي يثبت أنهما قدما شيئا للمسلمين بطريقه أو بأخرى في تلك الأيام وخصوصا أن قريش منعت التعامل والتزاوج مع النبي وبني هاشم .
الردّ :
أولاً : أهل السنة لا يُعتَبرون من مُخالِفي آل البيت ، بل هم من موافقيهم .
وتقدّم قبل قليل أن مسند الإمام عليّ رضي الله عنه أكثر من مُسند ثلاثة من الخلفاء قبله .
ثانياً : كان هذا الحصار الآثم الظالِم ضد بني هاشِم وبني المطّلب .
قال الإمام البيهقي : وحين بُعِث رسول الله صلى الله عليه وسلم بالرسالة آذاه قومه وهَمُّوا به فقامت بنو هاشم وبنو المطلب مسلمهم وكافرهم دونه ، وأبوا أن يُسْلِموه ، فلما عرفت قريش أن لا سبيل إلى محمد صلى الله عليه وسلم معهم اجتمعوا على أن يكتبوا فيما بينهم على بني هاشم وبني المطلب أن لا يُنكحوهم ولا يَنكحوا إليهم ، ولا يبايعوهم ولا يبتاعوا منهم ، وعمد أبو طالب فأدخلهم الشعب شعب أبي طالب في ناحية من مكة ، وأقامت قريش على ذلك من أمرهم في بني هاشم وبني المطلب سنتين أو ثلاثا .
وهذا الحصار كان بعد قوّة الإسلام وفُشوّه وانتشاره .
وكان ذلك بعد إسلام حمزة رضي الله عنه وبعد إسلام عُمر رضي الله عنه .
قال الإمام ابن كثير : وقال ابن هشام عن زياد عن محمد بن اسحاق : فلما رأت قريش أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نزلوا بلداً أصابوا منه أمناً وقرارا ، وأن النجاشي قد منع من لجأ إليه منهم ، وأن عُمَر قد أسلم فكان هو وحمزة مع رسول الله وأصحابه ، وجعل الإسلام يفشو في القبائل ، فاجتمعوا وائتمروا على أن يَكتبوا كتابا يَتعاقدون فيه على بني هاشم وبني عبد المطلب على أن لا ينكحوا إليهم ولا يُنكحوهم ، ولا يَبيعوهم شيئا ولا يَبتاعوا منهم . اهـ .
وهذا يدل على تَقدّم إسلام عُمر رضي الله عنه .
بل كان عُمر رضي الله عنه من أسباب قوّة المسلمين .(32/81)
قال ابن مسعود رضي الله عنه : ما زلنا أعِزّة منذ أسلم عمر . رواه البخاري .
وأما إسلام أبي بكر فلا يشك عاقل مُنصِف أنه أول من أسلم من الرِّجال .
وكان أبو بكر رضي الله عنه يَدفَع عن النبي صلى الله عليه وسلم ويُدافِع عنه ما استطاع .
روى البخاري من طريق عروة بن الزبير قال : سألت عبد الله بن عمرو عن أشدّ ما صَنَعَ المشركون برسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : رأيت عقبة بن أبي معيط جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يُصلي فوضع رداءه في عنقه فخنقه به خنقا شديدا ، فجاء أبو بكر حتى دفعه عنه فقال : أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله ، وقد جاءكم بالبينات من ربكم ؟
ثالثاً : أبو بكر رضي الله عنه عانَى كما عانى غيره في تلك الفترة ، بل لعله عانّى أشدّ مُعاناة .(32/82)
ويدل على ذلك أنه لما ابتلي المسلمون في مكة واشتد البلاء خرج أبو بكر رضي الله عنه مهاجراً قِبل الحبشة حتى إذا بلغ بَرْك الغماد لقيه ابن الدّغِنة وهو سيد القارة ، فقال : أين تريد يا أبا بكر ؟ فقال أبو بكر : أخرجني قومي فأنا أريد أن أسيح في الأرض فأعبد ربي . قال ابن الدغنة : إن مثلك لا يَخرج ولا يُخرج ، فإنك تكسب المعدوم ، وتصل الرحم ، وتحمل الكَلّ ، وتقري الضيف ، وتعين على نوائب الحق ، فأنا لك جار . فارجع فاعبد ربك ببلادك ، فارتحل ابن الدغنة ، فرجع مع أبي بكر ، فطاف في أشراف كفار قريش ، فقال لهم : إن أبا بكر لا يَخرج مثله ولا يُخرج . أتُخرجون رجلا يكسب المعدوم ، ويصل الرحم ، ويحمل الكل ، ويَقري الضيف ، ويعين على نوائب الحق ؟! فأنفذت قريش جوار ابن الدغنة ، وآمنوا أبا بكر ، وقالوا لابن الدغنة : مُر أبا بكر فليعبد ربه في داره ، فليصل ، وليقرأ ما شاء ، ولا يؤذينا بذلك ، ولا يستعلن به . فإنا قد خشينا أن يَفْتِنَ أبناءنا ونساءنا . قال ذلك ابن الدغنة لأبي بكر فطفق أبو بكر يعبد ربه في داره ولا يستعلن بالصلاة ولا القراءة في غير داره ، ثم بدا لأبي بكر فابتنى مسجدا بفناء داره وبرز فكان يصلي فيه ويقرأ القرآن فيتقصف عليه نساء المشركين وأبناؤهم يُعجبون وينظرون إليه ، وكان أبو بكر رجلاً بكّاءً لا يملك دمعه حين يقرأ القرآن ، فأفزع ذلك أشراف قريش من المشركين ، فأرسلوا إلى ابن الدغنة ، فقدم عليهم فقالوا له : إنا كنا أجرنا أبا بكر على أن يعبد ربه في داره ، وإنه جاوز ذلك ، فابتنى مسجدا بفناء داره ، وأعلن الصلاة والقراءة ، وقد خشينا أن يفتن أبناءنا ونساءنا فأتِه فإن أحب أن يقتصر على أن يعبد ربه في داره فعل ، وإن أبى إلاّ أن يعلن ذلك فَسَلْهُ أن يردَّ إليك ذمتك فإنّا كرهنا أن نخفرك ، ولسنا مقرّين لأبي بكرٍ الاستعلان . قالت عائشة : فأتى ابن الدغنة أبا بكر فقال : قد علمت الذي عقدت لك عليه ،(32/83)
فإما أن تقتصر على ذلك ، وإما أن ترد إلي ذمتي ، فإني لا أحب أن تسمع العرب أني أُخفِرت في رجل عقدت له . قال أبو بكر : إني أرد إليك جوارك وأرضى بجوار الله . رواه البخاري .
وَتعرّض أبو بكر رضي الله عنه لأشدّ أنواع التعذيب حتى شارَف على الهلاك .
قال ابن كثير : وقام أبو بكر في الناس خطيبا ورسول الله جالس ، فكان أول خطيب دعا إلى الله وإلى رسوله ، وثار المشركون على أبي بكر وعلى المسلمين فضُرِبوا في نواحي المسجد ضربا شديدا ، ووُطِئ أبو بكر وضُرِب ضربا شديدا ، ودنا منه الفاسق عتبة بن ربيعة فجعل يضربه بنعلين مخصوفتين ويحرفهما لوجهه ، ونَزَا على بطن أبي بكر حتى ما يُعرف وجهه من أنفه ، وجاء بنو تَيم يتعادون فأجْلَت المشركين عن أبي بكر ، وحملت بنو تيم أبا بكر في ثوب حتى أدخلوه مَنْزِله ولا يَشُكُّون في موته ، ثم رجعت بنو تيم فدخلوا المسجد ، وقالوا : والله لئن مات أبو بكر لنقتلن عتبة بن ربيعة ، فرجعوا إلى أبي بكر فجعل أبو قحافة وبنو تيم يكلمون أبا بكر حتى أجاب فتكلم آخر النهار ، فقال : ما فعل رسول الله ؟ فمسُّوا منه بألسنتهم وعَذَلُوه ، ثم قاموا ، وقالوا لأُمِّه أم الخير : انظري أن تطعميه شيئا ، أو تسقيه إياه . فلما خَلَتْ به ألَحَّتْ عليه ، وجعل يقول : ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقالت : والله مالي علم بصاحبك . فقال : اذهبي إلى أم جميل بنت الخطاب فاسأليها عنه . فَخَرَجَتْ حتى جاءت أم جميل فقالت : إن أبا بكر يسألك عن محمد بن عبد الله . فقالت : ما أعرف أبا بكر ولا محمد بن عبد الله ، وإن كنت تُحبِّين أن أذهب معك إلى ابنك ؟ قالت : نعم . فمضت معها حتى وجدت أبا بكر صريعا دَنِفَاً ، فَدَنَتْ أم جميل وأعلنت بالصِّياح ، وقالت : والله إن قوما نالوا هذا منك لأهل فِسْق وكُفر ، وإني لأرجو أن ينتقم الله لك منهم . قال : فما فعل رسول الله ؟ قالت : هذه أمك تسمع . قال : فلا شيء عليك منها .(32/84)
قالت : سالِم صَالِح . قال : أين هو ؟ قالت : في دار ابن الأرقم . قال : فان لله عَليَّ أن لا أذوق طعاما ولا أشرب شرابا أو آتي رسول الله . فامْهَلَتَا حتى إذا هدأت الرِّجْل وسكن الناس ، خرجتا به يتكئ عليهما حتى أدخلتاه على رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال : فأكب عليه رسول الله فَقَبَّلَه ، وأكبّ عليه المسلمون ورَقَّ له رسول الله رِقَّةً شديدة ، فقال أبو بكر : بأبي وأمي يا رسول الله ليس بي بأس إلا ما نال الفاسق من وجهي ، وهذه أمي بَرَّة بولدها ، وأنت مبارك فادعها إلى الله ، وادع الله لها عسى الله أن يستنقذها بك من النار . قال : فدعا لها رسول الله ودعاها إلى الله ، فأسْلَمَتْ ، وأقاموا مع رسول الله في الدار شهرا ، وهم تسعة وثلاثون رجلا ، وقد كان حمزة بن عبد المطلب أسلم يوم ضُرِب أبو بكر ، ودعا رسول الله لعمر بن الخطاب أوْ لأبي جهل بن هشام ، فأصبح عمر ، وكانت الدعوة يوم الأربعاء فأسْلَمَ عُمر يوم الخميس ، فَكَبَّر رسول الله وأهل البيت تكبيرة سُمِعَتْ بأعلى مكة .
فقول الرافضي : ( لِمَ لم يطردوا مع من طرد وخصوصا إذا عرفنا أن أبا بكر وعمر من قبيلتي تيم وعدي الصغيرتين اللتان لا وزن لهما أمام قبيلة بني هاشم المطرودة ! )
فالجواب عنه أن المقاطعة كانت لبني هاشم وبني المطّلب ، كما تقدّم .
كما أن قبيلة تيم ( قبيلة أبي بكر ) ليست كما وَصَف الرافضي ( لا وَزن لها ) بل لها وَزن حتى أنها هَدّدتْ عند تعذيب أبي بكر رضي الله عنه بِقَتْل عُتبة بن ربيعة ، ومن هو عُتبة ؟
إلا أن قوّة قريش وجبروتها وسطوتها ومكانتها عند العَرَب بالإضافة إلى قرابتها ببني هاشم وبني المطّلب جَعَلت الناس يُحجِمون عن مدّ يد المساعدة لبني هاشم وبني عبد المطّلب حينما حُصِروا .
وقد عَلِمتَ أن أبا بكر رضي الله عنه تعرّض للتعذيب من قِبَل بعض صناديد قريش ، وتعرّض للمضايقة حتى همّ بالخروج من مكة حتى ردّه ابن الدّغنة .(32/85)
يقول الدكتور مهدي رزق الله : ونَالَ أبا بكر رضي الله عنه نصيبه من الأذى ، حتى فكّر في الهجرة إلى الحبشة فراراً بِدِينِه . اهـ .
كما أن تلك المقاطَعة ليس فيها تفاصيل دقيقة إذ لم تكن العَرَب تُعنى بالتوثيق والكتابة والتقييد للأحداث .
يقول الدكتور مهدي رزق الله : لم يَرِد ذِكر هذه المقاطَعة بتفصيل في الصِّحاح . اهـ .
وأنت لو تأمّلت في كتاب الله فضلا عن السنة لوجدّتَ كثيرا من الأحداث لا يَرد لها تفاصيل دقيقة .
فَعَلى سبيل المثال قصة يوسف عليه الصلاة والسلام ، وقد لبِث في السجن بِضع سنين ، ومع ذلك لم يَرِد تفاصيل ماذا عمِل في تلك السنوات .
بل في قصة نوح عليه الصلاة والسلام وقد لبِثَ في قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً ، لم يَرد ذِكر تفاصيل ماذا عمِل في تلك السنين ، والفائدة حاصلة في الإشارة ، والعِبْرَة مُتحقّقة بسياق هذا القَدْر من قصّته .
فالذي يَطلب تفاصيل دقيقة لما حَدَث في سنوات تلك المقاطَعة لن يجد تلك التفاصيل الدقيقة ، بحيث تتناول ماذا عمِل فلان وماذا قال فلان .
وبقي أن نُذكِّر القارئ الكريم المنصف بشيء من فضائل أبي بكر رضي الله عنه .
فإنه قدَّم نفسه وماله في سبيل الله ، وفي سبيل نُصرة رسول الله وحمايته .
ولذا حفِظ له رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الصَّنِيع .
روى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي مات فيه عاصبا رأسه بِخِرْقَة ، فقعد على المنبر ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : إنه ليس من الناس أحد أمَنّ عليَّ في نفسه وماله من أبي بكر بن أبي قحافة ، ولو كنت متخذا من الناس خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا ، ولكن خلة الإسلام أفضل ، سُدُّوا عني كل خوخة في هذا المسجد غير خوخة أبي بكر .(32/86)
وهذا فيه إشارة في آخر حياته صلى الله عليه وسلم إلى فضل أبي بكر مع ما تقدّم من صريح العبارة في رضاه صلى الله عليه وسلم عن أبي بكر ، وأمره له أن يَؤمّ الناس .
ولما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم الهجرة إلى المدينة أتى إلى أبي بكر رضي الله عنه ظُهراً ، ولم يأتِ إلى غيره ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر : أشعرت أنه قد أُذِن لي في الخروج ؟ قال أبو بكر : الصحبة يا رسول الله . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الصحبة . قال : يا رسول الله إن عندي ناقتين أعددتهما للخروج ، فَخُذ إحداهما . قال : قد أخذتها بالثمن . رواه البخاري .
وتقدّم أن أبا بكر لما خرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الهجرة احتمل أبو بكر ماله كله معه خمسة آلاف ، أو ستة آلاف درهم ، فانطلق بها معه .
ولما حثّ رسول الله صلى الله عليه وسلم على الصدقة وأمر بها ، جاء أبو بكر رضي الله عنه بمالِه كلّه ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما أبقيت لأهلك ؟ قال : أبقيت لهم الله ورسوله رواه أبو داود والترمذي .
ولما قال النبي صلى الله عليه وسلم : من أنفق زوجين في سبيل الله نُودي من أبواب الجنة : يا عبد الله هذا خير ، فمن كان من أهل الصلاة دُعي من باب الصلاة ، ومن كان من أهل الجهاد دُعي من باب الجهاد ، ومن كان من أهل الصيام دُعي من باب الريان ، ومن كان من أهل الصدقة دُعي من باب الصدقة . فقال أبو بكر رضي الله عنه : بأبي وأمي يا رسول الله ما على من دُعي من تلك الأبواب من ضرورة ، فهل يُدْعَى أحد من تلك الأبواب كلها ؟ قال : نعم ، وأرجو أن تكون منهم . رواه البخاري ومسلم .(32/87)
ولما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من أصبح منكم اليوم صائما ؟ قال أبو بكر رضي الله عنه : أنا . قال : فمن تبع منكم اليوم جنازة ؟ قال أبو بكر رضي الله عنه : أنا . قال : فمن أطعم منكم اليوم مسكينا . قال أبو بكر رضي الله عنه : أنا . قال : فمن عاد منكم اليوم مريضا . قال أبو بكر رضي الله عنه : أنا . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما اجتمعن في امرئ إلاَّ دَخَل الجنة . رواه مسلم .
قال ابن حجر في افصابة : وأخرج أبو داود في الزهد بسند صحيح عن هشام بن عروة أخبرني أبي قال : أسلم أبو بكر وله أربعون ألف درهم . قال عروة : وأخبرتني عائشة أنه مات وما ترك دينارا ولا درهما .
وقال يعقوب بن سفيان في تاريخه : حدثنا الحميدي حدثنا سفيان حدثنا هشام عن أبيه : أسلم أبو بكر وله أربعون ألفا ، فأنفقها في سبيل الله ، وأعتق سبعة كلهم يعذب في الله ؛ أعتق بلالا وعامر بن فهيرة وزنيرة والنهدية وابنتها وجارية بني المؤمل وأم عبيس .
وقال الحافظ :(32/88)
ومن أعظم مناقبه قول الله تعالى : ( إِلاَّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ) فإن المراد بصاحبه أبو بكر بلا نزاع ، إذ لا يعترض لأنه لم يتعين ، لأنه كان مع النبي صلى الله عليه وسلم في الهجرة عامر بن فهيرة وعبد الله بن أبي بكر وعبد الله بن أريقط الدليل ، لأنا نقول : لم يصحبه في الغار سوى أبي بكر ، لأن عبد الله بن أبي بكر استمر بمكة وكذا عامر بن فهيرة ، وإن كان ترددهم إليهما مدة لبثهما في الغار استمرت لعبد الله من أجل الإخبار بما وقع بعدهما ، وعامر بسبب ما يقوم بغذائهما من الشياه ، والدليل لم يصحبهما إلا من الغار ، وكان على دين قومه مع ذلك كما في نفس الخبر ، وقد قيل إنه أسلم بعد ذلك . وثبت في الصحيحين من حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي بكر وهما في الغار : ما ظنك باثنين الله ثالثهما ؟ والأحاديث في كونه كان معه في الغار كثيرة شهيرة ، ولم يشركه في هذه المنقبة غيره . اهـ .
وروى الإمام أحمد والحاكم – وصححه – عن عليّ رضي الله عنه قال : قال لي النبي صلى الله عليه وسلم ولأبي بكر : مع أحدكما جبريل ومع الآخر ميكائيل وإسرافيل ملك عظيم يشهد القتال ويكون في الصف .
وروى البخاري ومسلم عن عمرو بن العاص رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثه على جيش ذات السلاسل . قال : فأتيته فقلت : أي الناس أحب إليك ؟ قال : عائشة . قال : فقلت : من الرجال ؟ فقال : أبوها . قلت : ثم من ؟ قال : عمر بن الخطاب . فَعَدَّ رجالا .
وهذه إشارات لفضل أبي بكر الصديق رضي الله عنه ، وقد أطال ابن عساكر في تاريخ دمشق في ذِكر فضائله رضي الله عنه .
والله تعالى أعلم .
كتبه
عبد الرحمن بن عبد الله السحيم
صفر 1426 هـ(32/89)
المبحث الأول
تعريف الرافضة
... الرفض في اللغة هو: الترك، يقال رفضت الشيء : أي تركته.(1)
... والرافضة في الاصطلاح: هي إحدى الفرق المنتسبة للتشيع لآل البيت، مع البراءة من أبي بكر وعمر، وسائر أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا القليل منهم، وتكفيرهم لهم وسبهم إياهم.
... قال الإمام أحمد -رحمه الله تعالى-: «والرافضة: هم الذين يتبرؤن من أصحاب محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويسبونهم وينتقصونهم».(2)
... وقال عبدالله بن أحمد -رحمهما الله تعالى-: «سألت أبي من الرافضة؟ فقال: الذين يشتمون -أو يسبون- أبا بكر وعمر -رضي الله عنهما-».(3)
... وقال الإمام أبوالقاسم التيمي الملقب (بقوام السنة) في تعريفهم: «وهم الذين يشتمون أبا بكر وعمر -رضي الله عنهما- ورضي عن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... انظر القاموس المحيط للفيروزأبادي 2/332، ومقاييس اللغة لابن فارس ... 2/422.
(2) ... طبقات الحنابلة لابن أبي يعلي 1/33.
(3) ... أخرجه الخلال في السنة رقم (777) وقال المحقق: إسناده صحيح.
محبهما».(1)
... وقد انفردت الرافضة من بين الفرق المنتسبة للإسلام بمسبة الشيخين أبي بكر وعمر، دون غيرها من الفرق الأخرى، وهذا من عظم خذلانهم قاتلهم الله.
... يقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى-: «فأبوبكر وعمر أبغضتهما الرافضة ولعنتهما، دون غيرهم من الطوائف».(2)
... وقد جاء في كتب الرافضة ما يشهد لهذا: وهو جعلهم محبة الشيخين وتوليهما من عدمها هي الفارق بينهم وبين غيرهم ممن يطلقون عليهم (النواصب) فقد روى الدرازي عن محمد بن علي بن موسى قال: «كتبت إلى علي بن محمد عليه السلام(3) عن الناصب هل يحتاج في امتحانه إلى أكثر من تقديمه الجبت
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... الحجة في بيان المحجة 2/478.(33/1)
(2) ... مجموع الفتاوى 4/435.
(3) ... هو: أبو الحسن علي الهادي بن محمد الجواد بن علي الرضا، ويعرف ... بالعسكرى، وهو أحد الأئمة الاثنى عشر عند الإمامية، كانت ولادته سنة ... أربع عشرة، وقيل: ثلاث عشرة ومائتين، ووفاته سنة أربع وخمسين ... ومائتين.
... انظر: وفيات الأعيان 3/272.
والطاغوت(1) واعتقاد إمامتهما؟ فرجع الجواب من كان على هذا فهو ناصب».(2)
سبب تسميتهم رافضة:
... يرى جمهور المحققين أن سبب اطلاق هذه التسمية على الرافضة: هو رفضهم زيد بن علي وتفرقهم عنه بعد أن كانوا في جيشه، حين خروجه على هشام بن عبدالملك، في سنة إحدى وعشرين ومائة وذلك بعد أن أظهروا البراءة من الشيخين فنهاهم عن ذلك.
... يقول أبو الحسن الأشعرى: «وكان زيد بن علي يفضل علي بن أبي طالب على سائر أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويتولى أبا بكر وعمر، ويرى الخروج على أئمة الجور، فلما ظهر في الكوفة في أصحابه الذين بايعوه سمع من بعضهم الطعن على أبي بكر وعمر فأنكر ذلك على من سمعه منه، فتفرق عنه الذين بايعوه، فقال لهم: رفضتموني، فيقال إنهم سموا رافضة لقول زيد لهم رفضتموني».(3)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... يعنون بهما: أبا بكر وعمر -رضي الله عنهما- كما جاء ذلك في تفسير ... العياشى 1/246 -وهو من أهم كتب التفسير عندهم- عند قوله تعالى: ... {ألم تر إلى الذين أوتوا نصيباً من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت} ... (النساء: 51).
(2) ... المحاسن النفسانية: لمحمد آل عصفور الدرازي ص145.
(3) ... مقالات الإسلاميين 1/137.
... وبهذا القول قال قوام السنة(1)، والرازي(2)،والشهرستاني(3)، وشيخ الإسلام ابن تيمية(4) -رحمهم الله-.
... وذهب الأشعري في قول آخر: إلى أنهم سموا بالرافضة لرفضهم إمامة الشيخين، قال: «وإنما سموا رافضة لرفضهم إمامة أبي بكر وعمر».(5)(33/2)
... والرافضة اليوم يغضبون من هذه التسمية ولا يرضونها، ويرون أنها من الألقاب التي ألصقها بهم مخالفوهم، يقول محسن الأمين: «الرافضة لقب ينبز به من يقدم علياً -- رضي الله عنه -- في الخلافة وأكثر مايستعمل للتشفي والانتقام».(6)
... ولهذا يتسمون اليوم بـ(الشيعة) وقد اشتهروا بهذه التسمية
عند العامة، وقد تأثر بذلك بعض الكتاب والمثقفين، فنجدهم
يطلقون عليهم هذه التسمية. وفي الحقيقة أن الشيعة
مصطلح عام يشمل كل من شايع
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... انظر: الحجة في بيان المحجة 2/478.
(2) ... انظر: اعتقادات فرق المسلمين والمشركين ص52.
(3) ... انظر: الملل والنحل 1/155.
(4) ... انظر: منهاج السنة 1/8، ومجموع الفتاوى 13/36.
(5) ... مقالات الإسلاميين 1/89.
(6) ... أعيان الشيعة 1/20.
علياً -- رضي الله عنه --(1).
... وقد ذكر أصحاب الفرق والمقالات أنهم ثلاثة أصناف:
... غالية: وهم الذين غلوا في علي -- رضي الله عنه -- ولربما ادعوا فيه الألوهية أو النبوة.
... ورافضة: وهم الذين يدعون النص على استخلاف علي ويتبرءون من الخلفاء قبله وعامة الصحابة.
... وزيدية: وهم أتباع زيد بن علي، الذين كانوا يفضلون علياً على سائر الصحابة ويتولون أبا بكر وعمر.(2)
... فإطلاق «الشيعة» على الرافضة من غير تقييد لهذا المصطلح غير صحيح، لأن هذا المصطلح يدخل فيه الزيدية، وهم دونهم في المخالفة وأقرب إلى الحق منهم.
... بل إن تسميتهم «بالشيعة» يوهم التباسهم بالشيعة القدماء الذين كانوا في عهد علي -- رضي الله عنه -- ومن بعدهم؛ فإن هؤلاء مجمعون على تفضيل الشيخين على عليّ-- رضي الله عنه -- وإنما كانوا يرون تفضيل علي على ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... انظر: مقالات الإسلاميين للأشعري 1/65، والملل والنحل للشهرستاني ... 1/144.(33/3)
(2) ... انظر: مقالات الإسلاميين للأشعري 1/66،88،137، والملل والنحل ... للشهرستاني 1/145.
عثمان وهؤلاء وإن كانوا مخطئين في ذلك إلا أن فيهم كثيراً من أهل العلم ومن هو منسوب إلى الخير والفضل.
... يقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى-: «ولهذا كانت الشيعة المتقدمون، الذين صحبوا علياً، أو كانوا في ذلك الزمان، لم يتنازعوا في تفضيل أبي بكر وعمر، وإنما كان نزاعهم في تفضيل علي وعثمان».(1)
... لذا فإن تسمية «الرافضة» بالشيعة من الأخطاء البينة الواضحة التي وقع فيها بعض المعاصرين تقليداً للرافضة في سعيهم للتخلص من هذا الاسم، لما رأوا من كثرة ذم السلف لهم، ومقتهم إياهم، فأرادوا التخلص من ذلك الاسم تمويهاً وتدليساً على من لا يعرفهم بالانتساب إلى الشيعة على وجه العموم. فكان من آثار ذلك ماوقع فيه بعض الطلبة المبتدئين ممن لم يعرفوا حقيقة هذه المصطلحات من الخلط الكبير بين أحكام الرافضة وأحكام الشيعة، لما تقرر عندهم إطلاق مصطلح التشيع على الرافضة، فظنوا أن ما ورد في كلام أهل العلم المتقدمين في حق (الشيعة) يتنزل على الرافضة، في حين أن أهل العلم يفرقون بينهما في كافة أحكامهم.
... يقول الإمام الذهبي في ترجمة (أبان بن تغلب)بعد أن ذكر توثيق
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... منهاج السنة 1/13.
الأئمة له مع أنه شيعي: «فلقائل أن يقول: كيف ساغ توثيق مبتدع وحدّ الثقة العدالة والإتقان، فكيف يكون عدلاً من هو صاحب بدعة ؟.(33/4)
... وجوابه: أن البدعة على ضربين: فبدعة صغرى كغلو التشيع، أو كالتشيع بلا غلو ولا تحرّف، فهذا كثير في التابعين وتابعيهم مع الدين والورع والصدق، فلو رُدّ حديث هؤلاء لذهب جملة من الآثار النبوية وهذه مفسدة بينة، ثم بدعة كبرى كالرفض الكامل والغلو فيه والحط على أبي بكر وعمر -رضي الله عنهما- والدعاء إلى ذلك فهذا النوع لايحتج به ولا كرامة...
... إلى أن قال: فالشيعي الغالي في زمان السلف وعرفهم: هو من تكلم في عثمان، والزبير، وطلحة، ومعاوية، وطائفة ممن حارب علياً -- رضي الله عنه -- وتعرض لسبهم.
... والغالي في زماننا وعرفنا هو الذي يكفّر هؤلاء السادة، ويتبرأ من الشيخين أيضاً، فهذا ضال مفتر، ولم يكن أبان بن تغلب يعرض للشيخين أصلاً، بل قد يعتقد علياً أفضل منهما».(1)
... وعليه فإن من الواجب: أن يسمى هؤلاء الروافض بمسماهم الحقيقي الذي اصطلح عليه أهل العلم وعدم تسميتهم بالشيعة على
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... ميزان الاعتدال 1/5-6.
وجه الاطلاق، لما في ذلك من اللبس والإيهام، وإذا ما اطلق عليهم مصطلح (التشيع) فينبغي أن يقيد بما يدل عليهم خاصة كأن يقال (الشيعة الإمامية) أو (الشيعة الاثني عشرية) على ما جرت به عادة العلماء عند ذكرهم والله تعالى أعلم.
المبحث الثاني
نشأة الرافضة وبيان دور اليهود في نشأتهم
... أول من يعرف أنه دعا إلى أصول عقائد الرافضة التي انبنت عليها عقائدهم الأخرى:رجل يهودي اسمه (عبدالله بن سبأ) من يهود اليمن، أسلم في عهد الخليفة الراشد عثمان بن عفان -رضي الله تعالى عنه- وأخذ يتنقل بين أمصار المسلمين للدعوة لهذا المعتقد الفاسد.
... وهذا نص ما ذكره الإمام الطبري في تأريخه في شأن الرجل ضمن حوادث سنة خمس وثلاثين من الهجرة النبوية الشريفة.(33/5)
... قال: «كان عبدالله بن سبأ يهودياً من أهل صنعاء، أمه سوداء، فأسلم زمان عثمان، ثم تنقل في بلدان المسلمين يحاول ضلالتهم، فبدأ بالحجاز، ثم البصرة، ثم الكوفة، ثم الشام، فلم يقدر على ما يريد عند أحد من أهل الشام، فأخرجوه حتى أتى مصر، فاعتمر فيهم فقال لهم فيما يقول: لعجب ممن يزعم أن عيسى يرجع، ويكذب بأن محمداً يرجع وقد قال الله: {إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد}(1)، فمحمد أحق بالرجوع من عيسى، قال: فقبل ذلك عنه، ووضع لهم الرجعة فتكلموا فيها، ثم قال لهم بعد ذلك: إنه كان ألف
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... سورة القصص 85.
نبي ولكل نبي وصيّ، وكان عليّ وصيّ محمد؛ ثم قال: محمد خاتم الأنبياء، وعلي خاتم الأوصياء.
... ثم قال لهم بعد ذلك: من أظلم ممن لم يجز وصية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ووثب على وصي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتناول أمر الأمة.
... ثم قال لهم بعد ذلك: إن عثمان أخذها بغير حق، وهذا وصيّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فانهضوا في هذا الأمر فحركوه، وابدؤوا الطعن على أمرائكم وأظهروا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، تستميلوا الناس وادعوهم إلى هذا الأمر، فبث دعاته وكاتب من كان استفسده في الأمصار، وكاتبوه، ودعوا في السر إلى ما عليه رأيهم». (1)
... هكذا كانت بداية الرفض. ومازالت تلك العقائد التي دعا إليها ابن سبأ تسير في نفوس أناس من أهل الزيغ والضلال وتتشربها قلوبهم وعقولهم حتى كان من ثمارها مقتل الخليفة الراشد ذي النورين عثمان ابن عفان -- رضي الله عنه -- على يد هذه الشرذمة الفاسدة.
... حتى إذا ما جاء عهد علي بن أبي طالب -- رضي الله عنه -- بدأت تلك العقائد تظهر إلى الوجود أكثر من ذي قبل إلى أن بلغت علياً -- رضي الله عنه --فأنكرها أشد ما يكون الإنكار وتبرأ منها ومن أهلها.(33/6)
... ومما صح في ذلك عن علي -- رضي الله عنه -- مارواه ابن عساكر عن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... تأريخ الطبري 4/340.
عمار الدهني قال: «سمعت أبا الطفيل يقول: رأيت المسيب بن لجبة أتى به ملببه يعني -ابن السوداء- وعلي على المنبر فقال علي: ما شأنه؟ فقال: يكذب على الله ورسوله». (1)
... وعن يزيد بن وهب عن علي قال: «مالي ولهذا الحَمِيت(2) الأسود». (3)
... ومن طريق يزيد بن وهب أيضاً عن سلمة عن شعبه قال علي بن أبي طالب: «مالي ولهذا الحَمِيت الاسود -يعني عبدالله بن سبأ- وكان يقع في أبي بكر وعمر». (4)
... وهذه الروايات ثابتة عن علي -- رضي الله عنه -- بأسانيد صحيحة(5) ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... تأريخ مدينة دمشق 9/ق 331.
(2) ... الحَمِيت: هو وعاء السمن الذي مُتِّن بالرُّبِّ، ويطلق على المتين من كل ... شئ وفي حديث وحشي: (كأنه حميت) قال ابن حجر: «أي زِّقُّ كبير ... وأكثر مايقال ذلك إذا كان مملوءاً». انظر: القاموس المحيط 1/146، وفتح ... الباري 7/368.
(3) ... المصدر نفسه.
(4) ... المصدر نفسه.
(5) ... قال الشيخ سليمان العودة: «وقد أرسلت للشيخ ناصر الدين الألباني (جزاه ... الله خيراً» بأسانيد هذه الروايات لدراستها فضبطها بين صحيح، وحسن ... صحيح لغيره) عبدالله بن سبأ وأثره في احداث الفتنه في صدر الاسلام ... ص98 من الحاشية.
وحكى المؤرخون وأصحاب الفرق والمقالات: أن ابن سبأ ادّعى الربوبية في علي -- رضي الله عنه -- فأحرقه علي -- رضي الله عنه -- هو وأصحابه بالنار.
... يقول الجرجاني: «السبئية من الرافضة ينسبون إلى عبدالله بن سبأ، وكان أول من كفر من الرافضة، وقال: عليّ رب العالمين فأحرقه علي وأصحابه بالنار». (1)(33/7)
... ويقول الملطي في معرض حديثه عن السبئية: «هم أصحاب عبدالله بن سبأ. قالوا لعلي -- عليه السلام --: أنت أنت قال: ومن أنا؟ قالوا: الخالق البارئ فاستتابهم فلم يرجعوا، فأوقدلهم ناراً ضخمة وأحرقهم وقال مرتجزاً:
لما رأيتُ الأمرَ أمراً منكراً ... ( ... أجَجْتُ ناري ودعوتُ قنبرا»(2)
... وذهب بعض المؤرخين إلى أن علياً -- رضي الله عنه -- لم يحرق ابن سبأ وإنما نفاه إلى المدائن.ثم ادّعى بعد موت علي-- رضي الله عنه -- أن علياً لم يمت، وقال لمن نعاه: «لو جئتمونا بدماغه في سبعين صُرّة ما صدقنا موته». (3)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... التعريفات ص103.
(2) ... التنبيه والرد على أهل الاهواء والبدع ص18.
(3) ... انظر: الفصل لابن حزم 5/36، والتبصير في الدين للإسفرايني ص123، ... والملل والنحل للشهرستاني 1/177، والأنساب للسمعاني 7/46.
... ولعل القول الأول هو الصحيح ويشهد له ما جاء في صحيح البخاري: عن عكرمة -- رضي الله عنه -- قال: أُتي عليّ -- رضي الله عنه -- بزنادقة فأحرقهم فبلغ ذلك ابن عباس فقال: (لوكنت أنا لم أحرقهم لنهي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لا تعذبوا بعذاب الله. ولقتلتهم لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: من بدل دينه فاقتلوه). (1)
... قال ابن حجر في شرح الحديث بعد أن ذكر بعض الروايات في هؤلاء المحَرَّقين وفيها: أنهم ناس كانوا يعبدون الأصنام، وفي بعضها أنهم قوم ارتدوا عن الإسلام، على اختلاف بين الروايات في تعيينهم قال بعد ذلك: «وزعم أبو المظفر الإسفرايني في (الملل والنحل) أن الذين أحرقهم علي طائفة من الروافض ادعوا فيه الالهية وهم السبئية.(33/8)
... وكان كبيرهم عبدالله بن سبأ يهودياً أظهر الإسلام، وابتدع هذه المقالة. وهذا يمكن أن يكون أصله: ما رويناه في الجزء الثالث من حديث أبي طاهر المخلص من طريق عبدالله بن شريك العامري قال: قيل لعلي إن هنا قوماً على باب المسجد يدعون أنك ربهم، فدعاهم فقال: ويلكم ماتقولون؟ قالوا: أنت ربنا وخالقنا ورازقنا...». (2)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... صحيح البخاري (كتاب استتابة المرتدين... باب المرتد والمرتدة) فتح البارى ... 12/267 ح6922.
(2) ... فتح الباري 12/270.
... ثم ساق بقية الرواية وفيها أن علياً -- رضي الله عنه -- استتابهم ثلاثاً فلم يرجعوا، فحرقهم بالنار في أخاديد قد حُفِرت لهم وقال:
إني إذا رأيت أمراً منكراً ... ( ... أوقدت ناري ودعوت قنبرا
... قال ابن حجر: «وهذا سند حسن». (1)
... فعلى هذا يكون تحريق علي -- رضي الله عنه -- للسبئية ثابتاً وسواء أكان ذلك بأثر عكرمة في البخاري أم بهذا الأثر على رأي ابن حجر
-رحمه الله تعالى-.
... وسيأتي في كلام شيخ الإسلام ابن تيمية ما يشعر بميله للرأي الأول والله تعالى أعلم.
... والمقصود هنا هو ظهور عقائد الرافضة المتمثلة في الغلو في علي -- رضي الله عنه -- في تلك الفترة الزمنية المتقدمة، وإمعان علي -- رضي الله عنه -- في عقوبتهم حتى قال ابن عباس في ذلك ما قال.
... كما ثبت انكار علي -- رضي الله عنه -- لكل العقائد الأخرى التي ظهرت في عهده وانتظمت في سلك التشيع له: كتفضيله على عامة الصحابة وتقديمه على الشيخين، وكانتشار سب الصحابة والازراء عليهم بين أولئك الضلاّل.
... يقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى-: «ولما أحدثت
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... فتح الباري 12/270.(33/9)
البدع الشيعية في خلافة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب -- رضي الله عنه --ردها، وكانت (ثلاث طوائف) غالية، وسبابة ومفضِّلة. فأما الغالية فإنه حرقهم بالنار، فإنه خرج ذات يوم من باب كندة فسجد له أقوام، فقال: ما هذا؟ فقالوا: أنت هو الله فا ستتابهم ثلاثاً فلم يرجعوا فأمر في الثالث بأخاديد فخُدّت وأضرم فيها النار، ثم قذفهم فيها وقال:
لما رأيت الأمر أمراً منكراً ( أججت ناري ودعوت قنبرا
... وفي صحيح البخاري: (أن علياً أتى بزنادقة فحرّقهم وبلغ ذلك ابن عباس فقال: أما أنا فلو كنت لم أحرقهم لنهي النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يُعَذّب بعذاب الله ولضربت أعناقهم لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - من بدل دينه فاقتلوه). (1)
... وأما السبابة: فإنه لما بلغه من سب أبا بكر وعمر طلب قتله، فهرب منه إلي قرقيسيا وكلمه فيه، وكان علي يداري أمراءه، لأنه لم يكن متمكنا ولم يكن يطيعونه في كل ما يأمرهم به.
... وأما المفضلة: فقال: لا أوتى بأحد يفضلني على أبي بكر وعمر إلا جلدته حد المفترين. وروي عنه من أكثر من ثمانين وجهاً أنه قال: خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر...». (2)
... وعلى كل حال فعقائد الرافضة مع ظهورها في عهد علي-- رضي الله عنه --
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... تقدم تخريجه ص 37
(2) ... مجموع الفتاوى 35/184-185.
إلا أنها بقيت محصورة في أفراد لا تمثلها طائفة أو فرقة، حتى انقضى عهد علي -- رضي الله عنه -- وهي على تلك الحال.
... يقول شيخ الإسلام واصفاً ذلك الواقع وما حصل بعد ذلك من تطور في نشأة الرافضة:(33/10)
... «ثم ظهر في زمن علي من تكلم بالرفض؛ لكن لم يجتمعوا ويصير لهم قوة إلا بعد مقتل الحسين -- رضي الله عنه --، بل لم يظهر اسم الرفض إلا حين خروج زيد بن علي بن الحسين بعد المائة الأولى، لما أظهر الترحم على أبي بكر وعمر -رضي الله عنهما- رفضته الرافضة، فسموا (الرافضة) واعتقدوا أن أبا جعفر هو الإمام المعصوم، واتبعه آخرون فسموا (زيدية) نسبة إليه».(1)
... وخلاصة القول أن الرافضة مرت في نشأتها بعدة مراحل حتى أصبحت فرقة مستقلة متميزة بعقيدتها واسمها عن سائر فرق الأمة. ويمكن إبراز ذلك من خلال أربع مراحل رئيسة:
... المرحلة الأولى: دعوة عبد الله بن سبأ إلى ما دعى إليه من الأصول التي انبنت عليها عقيدة الرافضة: كدعوته لعقيدة الرجعة وإحداثه القول بالوصية لعلي -- رضي الله عنه -- والطعن في الخلفاء السابقين لعلي في الخلافة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... مجموع الفتاوى 28/490.
... وقد ساعد ابن سبأ في ترويج فكره الضال البعيد عن روح الإسلام أمران:
... الأمر الأول: اختيار ابن سبأ البيئة المناسبة لدعوته، حيث
بث دعوته في بلدان: الشام، ومصر، والعراق، بعد أن أكثر التنقل بين هذه الأمصار كما مر في كلام الطبري.(1)
... فنشأت هذه الدعوة في مجتمعات لم تتمكن من فهم الإسلام الفهم الصحيح، وتترسخ أقدامها في العلم الشرعي والفقه بدين الله تعالى، وذلك لقرب عهدها بالإسلام فإن تلك الأمصار إنما فتحت في عهد عمر -- رضي الله عنه --. هذا بالإضافة إلى بعدها عن مجتمع الصحابة في الحجاز وعدم التفقه عليهم.(33/11)
... الأمر الثاني: ان ابن سبأ مع اختياره لدعوته تلك المجتمعات فإنه زيادة في المكر والخديعة: أحاط دعوته بستار من التكتم والسرية، فلم تكن دعوته موجهة لكل أحد، وإنما لمن علم أنهم أهل لقبولها من جهلة الناس، وأصحاب الأغراض الخبيثة، ممن لم يدخلوا في الإسلام إلا كيداً لأهله بعد أن قوضت جيوش الإسلام عروش ملوكهم ومزقت ممالكهم، وقد تقدم كلام الطبري السابق عن ابن سبأ: «فبث دعاته، وكاتب من كان استفسده في الأمصار، وكاتبوه، ودعوا في السر إلى
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... انظر ص 33 من هذا الكتاب.
ما عليه رأيهم».(1)
... ويقول في سياق وصفهم: «وأوسعوا الأرض إذاعة
وهم يريدون غير ما يظهرون».(2)
... المرحلة الثانية: إظهار هذا المعتقد، والتصريح به، وذلك بعد مقتل عثمان -- رضي الله عنه -- وانشغال الصحابة رضوان الله عليهم بإخماد الفتنة التي حصلت بمقتله، فوجد هؤلاء الضلال متنفساً في تلك الظروف، وقويت تلك العقائد الفاسدة في نفوسهم، إلا أنه مع كل ذلك بقيت هذه العقائد محصورة في طائفة مخصوصة ممن أضلهم
ابن سبأ، وليست لهم شوكة ولا كلمة مسموعة عند أحد سوى من ابتلي بمصيبتهم في مقتل عثمان -- رضي الله عنه --، وشاركهم في دمه من الخوارج المارقين، ومما يدل على ذلك ما نقله المؤرخون في الحوار الدائر بين هؤلاء قُبيل موقعة الجمل، ومما جاء فيه كما ذكر الطبري: «قال ابن السوداء... ودّ والله الناس أنكم على جديلة(3) ولم تكونوا مع أقوام برآء، ولو كان ذلك الذي تقول لتخطفكم كل شئ».(4)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... انظر ص 34 من هذا الكتاب.
(2) ... تاريخ الطبري 4/341.
(3) ... الجديلة هي: القبيلة، والشاكلة والناصية، القاموس المحيط 3/347 والمعنى ... هنا أي: منعزلين في ناحية عن الناس.
(4) ... تاريخ الطبري 4/494.(33/12)
... وفي موطن آخر: «وتكلم ابن السوداء فقال: يا قوم إن عزكم في خلطة الناس فصانعوهم».(1)
... وهذا القول لا يقوله صاحب شوكة ومنعة. ومع هذا فإنه لاينكر دور هؤلاء السبئية وقتلة عثمان في إشعال نار الحرب بين الصحابة، بل ذلك مقرر عند أهل التحقيق للفتنة وأحداثها.
... يقول ابن حزم مقرراً ذلك: «...وبرهان ذلك أنهم اجتمعوا ولم يقتتلوا ولا تحاربوا، فلما كان الليل عرف قتلة عثمان أن الإراعة والتدبير عليهم، فبيتوا عسكر طلحة والزبير، وبذلوا السيوف فيهم فدفع القوم عن أنفسهم».(2)
... ويقول ابن كثير: «وبات قتلة عثمان بشر ليلة، وباتوا يتشاورون وأجمعوا على أن يثيروا الحرب من الغلس».(3)
... المرحلة الثالثة: اشتداد أمرهم وقوتهم، واجتماعهم تحت قيادة واحدة، وذلك بعد مقتل الحسين -- رضي الله عنه -- للأخذ بثأر الحسين والانتقام له من أعدائه.
... يقول الطبري ضمن حوادث سنة أربع وستين للهجرة: «وفي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... تاريخ الطبري 4/494.
(2) ... الفصل في الملل والاهواء والنحل 4/239.
(3) ... البداية والنهاية 7/251.
هذه السنة تحركت الشيعة بالكوفة، واتّعدوا الاجتماع بالنخيلة سنة خمس وستين للمسير لأهل الشام للطلب بدم الحسين بن علي، وتكاتبوا في ذلك».(1)(33/13)
... وكان مبدأ أمرهم ما ذكره الطبري أيضاً من رواية عبدالله بن عوف بن الأحمر الأزدي أنه قال: «لما قتل الحسين بن علي ورجع ابن زياد من معسكره بالنخيلة، فدخل الكوفة، تلاقت الشيعة بالتلاوم والتندم، ورأت أنها قد أخطأت خطأ كبيراً بدعائهم الحسين إلى النصرة وتركهم إجابته، ومقتله إلى جانبهم لم ينصروه، ورأوا أنه لا يغسل عارهم والإثم عنهم في مقتله إلا بقتل من قتله، أو القتل فيه، ففزعوا بالكوفة إلى خمسة نفر من رؤوس الشيعة: إلى سليمان بن صُرَد الخزاعي، وكانت له صحبة مع النبي - صلى الله عليه وسلم -، وإلى المُسَيّب بن نجَبَة الفزاري، وكان من أصحاب علي وخيارهم، وإلى عبدالله بن سعد ابن نفيل الأزدي، وإلى عبدالله بن وال التَّيمى، وإلى رفاعة بن شداد البَجَلي. ثم إن هؤلاء النفر الخمسة اجتمعوا في منزل سليمان بن صُرَد وكانوا من خيار أصحاب علي، ومعهم أناس من الشيعة وخيارهم ووجوههم».(2)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... تاريخ الطبري 5/551.
(2) ... المصدر نفسه 5/552.
... وكان هذا الاجتماع عاماً يشمل كافة الشيعة، وقد اجتمع إلى سليمان بن صُرَد نحو من سبعة عشر ألفاً، ثم لم تعجب سليمان قلتهم فأرسل حكيم بن منقذ فنادى في الكوفة بأعلى صوته: (يا ثأرات الحسين) فلم يزل ينادي حتى خرج إلى النخلية أشراف أهل الكوفة وخرج الناس معهم فكانوا قريباً من عشرين ألفاً.(1)(33/14)
... ثم إنه في هذه الأثناء قدم المختار بن أبي عبيد الثقفي إلى الكوفة «فوجد الشيعة قد التفت على سليمان بن صرد وعظموه تعظيماً زائداً، وهم معدون للحرب، فلما استقر المختار عندهم بالكوفة دعا إلى إمامة المهدي محمد بن علي بن أبي طالب وهو محمد بن الحنفية، ولقبه بالمهدي فاتبعه على ذلك كثير من الشيعة، وفارقوا سليمان بن صرد، وصارت الشيعة فرقتين، الجمهور منهم مع سليمان، يريدون الخروج على الناس ليأخذوا بثأر الحسين، وفرقة أخرى مع المختار يريدون الخروج للدعوة إلى إمامة محمد بن الحنفية، وذلك عن غير أمر ابن الحنفية ورضاه، وإنما يتقولون عليه ليروجوا على الناس به، وليتوصلوا إلى أغراضهم الفاسده. (2)
... فكان هذا بداية اجتماع الشيعة. ثم يذكر المؤرخون خروج
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... انظر البداية والنهاية لابن كثير 8/254.
(2) ... المصدر نفسه 8/251.
سليمان بن صرد بمن كان معه من الشيعة إلى الشام، فالتقوا مع أهل الشام عند عين تسمى «عين الوردة» واقتتلوا اقتتالاً عظيماً لمدة ثلاثة أيام، يقول ابن كثير في وصفه: «لم ير الشيب والمرد مثله لايحجز بينهم إلا أوقات الصلوات إلى الليل»(1)، ثم انتهى القتال بينهم بقتل سليمان بن صرد رحمه الله وكثير من أصحابه، وهزيمتهم، وعودة من بقي من أصحابه إلى الكوفة. (2)
... وأما المختار بن أبي عبيد: فلما رجع من بقي من جيش سليمان إلى الكوفة وأخبروه بما كان من أمرهم، وما حل بهم فترحم على سليمان ومن كان قتل معه، وقال: «وبعد فأنا الأمير المأمون قاتل الجبارين والمفسدين، إن شاء الله فأعدّوا واستعدوا وأبشروا».(3)
... يقول ابن كثير: «وقد كان قبل قدومهم أخبر الناس بهلاكهم عن ربه(4)، الذي كان يأتي إليه من الشيطان، فإنه قد كان يأتي إليه شيطان فيوحي إليه قريباً مما كان يوحي شيطان مسيلمة له». (5)(33/15)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... البداية والنهاية لابن كثير 8/257.
(2) ... انظر تاريخ الطبري 5/598-599، والبداية والنهاية 8/256-257.
(3) ... البداية والنهاية لابن كثير 8/258.
(4) ... هكذا وردت في المصدر ولعلها: (رئِيه) والرئي: هو الجن يتعرض للإنسان ... يريه الكهانة. لسان العرب 14/297.
(5) ... المصدر نفسه 8/257.
... «ثم إن المختار بعث الأمراء إلى النواحي والبلدان والرساتيق،
من أرض العراق وخراسان، وعقد الألوية والرايات... ثم شرع المختار يتتبع قتلة الحسين من شريف ووضيع فيقتله». (1)
... المرحلة الرابعة: انشقاق الرافضة عن الزيدية، وباقي فرق الشيعة، وتميزها بمسماها وعقيدتها. وكان ذلك على وجه التحديد في سنة إحدى وعشرين ومائة عندما خرج زيد بن علي بن الحسين على هشام بن عبدالملك(2) فأظهر بعض من كان في جيشه من الشيعة الطعن على أبي بكر وعمر فمنعهم من ذلك، وأنكر عليهم فرفضوه، فسموا بالرافضة، وسميت الطائفة الباقية معه بالزيدية.
... يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: «إن أول ما عرف لفظ الرافضة في الإسلام: عند خروج زيد بن علي في أوائل المائة الثانية، فسئل عن أبي بكر وعمر، فتولاهما فرفضه قوم فسموا رافضة». (3)
... وقال: «ومن زمن خروج زيد افترقت الشيعة إلى رافضة وزيدية، فإنه لما سئل عن أبي بكر وعمر فترحم عليهما رفضه قوم فقال لهم: رفضتموني، فسموا رافضة لرفضهم إياه، وسمى من لم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... البداية والنهاية لابن كثير 8/271.
(2) ... انظر: تاريخ الطبري 7/160.
(3) ... مجموع الفتاوى 13/36.
يرفضه من الشيعة زيدياً لانتسابهم إليه». (1)
... ومنذ ذلك التاريخ، تميزت الرافضة عن باقي فرق الشيعة، فأصبحت فرقه مستقلة باسمهما ومعتقدها والله تعالى أعلم.(33/16)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... منهاج السنة 1/35.(33/17)
المبحث الثالث
تعريف موجز بأهم عقائد الرافضة
... تعتبر الرافضة بعقائدها المغرقة في الكفر والضلال، والموغلة في الشر والفساد، من أبعد الفرق المنتسبة للإسلام عن العقيدة الإسلامية الصحيحة بل إن عقائد الرافضة التي انفردت بها مناقضة جملة وتفصيلاً لحقائق الإسلام، وأصول الايمان، كما هو معلوم ومقرر عند أهل العلم والتحقيق.
... يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى -وهو الخبير بهم- في كتابه العظيم (منهاج السنة) الذي ألفه للرد على الرافضة: «فما أذكره في هذاالكتاب،من ذم الرافضة،وبيان كذبهم،وجهلهم،قليل من كثيرمما أعرفه منهم ولهم شر كثير لاأعرف تفصيله...إلى أن قال: والله يعلم وكفى بالله عليماً ليس في جميع الطوائف المنتسبة إلى الإسلام مع بدعة وضلالة شرّ منهم: لا أجهل، ولا أكذب، ولا أظلم، ولا أقرب إلى الكفر والفسوق والعصيان، وأبعد عن حقائق الإيمان منهم». (1)
... وسأذكر هنا بعض عقائد الرافضة التي خالفوا فيها الكتاب والسنة وسائر الأمة، مستدلاً على كل ما أقول بما جاء في كتبهم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... منهاج السنة 5/160.
المعتمدة والموثقة، وبأقوال علمائهم المشهورين المعظمين عندهم، وذلك حتى يقف القارئ الكريم على ما عند القوم من كفر وضلال، وزيغ وفساد، مراعياً أن يكون العرض على سبيل الإيجاز.
... فمن عقائد الرافضة:
عقيدة البداء لله تعالى:
... يطلق البداء في اللغة على معنيين:
... المعنى الأول: (الظهور بعد الخفاء).
... يقال: بدا الشئ بُدوَّاً وبداءً أي: ظهر ظهوراً بيناً(1) ومنه قوله تعالى: {وبدالهم من الله مالم يكونوا يحتسبون}(2) أي ظهر لهم من الله من العذاب مالم يكن في حسابهم. (3)
... المعنى الثاني: (تغير الرأي عما كان عليه).
... قال ابن فارس: «تقول بَدَا لي في هذا الامر بَدَاءٌ: أي تغير رأيي عما كان عليه». (4)(34/1)
... وقال الجوهري: «بدا له في الأمر بَدَاءً أي: نشأ له فيه رأي». (5)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... مفردات القرآن للراغب الأصفهاني ص113، القاموس المحيط للفيروزآبادي ... 4/302.
(2) ... سورة الزمر آية 47.
(3) ... انظر: تفسير ابن كثير 4/57.
(4) ... مقاييس اللغة 1/212.
(5) ... الصحاح 1/77.
... والبداء بمعنييه المتقدمين غير جائز على الله تعالى؛ لأنه يستلزم الجهل بالعواقب، وحدوث العلم. والله تعالى منزه عن ذلك.
... قال ابن الأثير: «والبداء استصواب شئ علم بعد أن لم يعلم، وذلك على الله غير جائز». (1)
... والرافضة يجيزون إطلاق البداء على الله تعالى، بل لهم في ذلك مبالغات عظيمة تفوق حد الوصف، حتى أصبحت هذه العقيدة الفاسدة من أقوى العقائد عندهم جاء في الكافي (2) الذي يعد من أصح الأصول عندهم تحت باب "البداء" من كتاب التوحيد عن زرارة بن أعين عن بعض الأئمة: «ما عُبِدَاللهُ بشئ مثل البَدَاء». (3)
... وفيه عن أبي عبدالله: «ما عُظِّمَ اللهُ بمثل البَدَاء». (4)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... النهاية 1/109.
(2) ... كتاب الكافي لأبي جعفر محمد بن يعقوب الكليني المتوفى سنة 328هـ من ... أصح الكتب عندهم.
... قال أغا بزرك الطهراني: «الكافي في الحديث: هو أجل الكتب الأربعة ... الأصول المعتمدة، لم يكتب مثله في المنقول من آل الرسول...»
... الذريعة 17/245.
... وقال عباس القمى: «هو أجل الكتب الاسلامية، وأعظم المصنفات الإمامية، ... والذي لم يعمل للإمامية مثله». حاشية الاحتجاج للطبرسي ص469.
(3) ... الكافي 1/146.
(4) ... المصدر نفسه 1/146.(34/2)
... وعنه أيضاً: «لو علم الناس ما في القول بالبداء من الأجر ما فتروا عن الكلام فيه». (1)
... وعقيدة البداء هي محل إجماع الرافضة، كما نقل إجماعهم عليها إمامهم المفيد(2) وصرح بمخالفة الرافضة فيها لسائر الفرق الإسلامية: يقول: «واتفقوا (أي الإمامية) على إطلاق لفظ البداء في وصف الله تعالى، وإن كان ذلك من جهة السمع دون القياس... وأجمعت المعتزلة، والخوارج، والزيدية، والمرجئة، وأصحاب الحديث، على خلاف الإمامية في جميع ما عددناه». (3)
... وعقيدة البداء عند الرافضة، من أعظم ماشنع به الناس عليهم، ولذا حاول بعضهم التخلص من هذه الفضيحة بتأول معنى البداء على الله بأنه لايستلزم الجهل، وأنه نسخ في التكوين كالنسخ في التشريع(4)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... المصدر نفسه 1/148.
(2) ... هو: محمد بن محمد بن النعمان المشهور بالمفيد المتوفى عام 413هـ.
... قال عنه الطوسي: «انتهت إليه رياسة الإمامية في وقته» الفهرست للطوسي ... ص190.
... وقال عنه يوسف البحراني: «من أجل مشايخ الشيعة ورئيسهم ... وأستاذهم». لؤلؤة البحرين ص358.
(3) ... أوائل المقالات ص48،49.
(4) ... انظر: حق اليقين في مفرق أصول الدين لعبد الله شبّر 1/78.
لكن أنى لهم ذلك وقد جاء في كتبهم، وعلى ألسنة علمائهم نسبة الجهل وحدوث العلم صراحة لله، تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً.
... جاء في تفسير العياشي(1) -من أشهر كتب التفسير عندهم- عن أبي جعفر أنه قال في تفسير قوله تعالى: {وإذ واعدنا موسى أربعين ليلة}(2) قال: «كان في العلم والتقدير ثلاثين ليله، ثم بدا لله فزاد عشراً فتم ميقات ربه الأول والآخر أربعين ليلة». (3)
... فتأمل أيها القارى قولهم: «كان في العلم والتقدير» لتعلم نسبتهم حدوث العلم صراحة لله تعالى.(34/3)
... ومن الروايات الصريحة أيضاً في ذلك مارواه إمامهم الملقب
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... العياشي: هو محمد بن مسعود بن عياش.
... وصفه الطوسي بقوله: «كان أكثر أهل المشرق علماً وفضلاً وأدباً وفهماً ... ونبلاً في زمانه». رجال الطوسي ص497.
... وقال عنه المجلسي: «من عيون هذه الطائفة ورئيسها وكبيرها» مقدمة بحار ... الأنوار ص130.
... وقال الطباطبائي في تفسيره: «إن من أحسن ما ورثناه من ذلك (أي: علم ... التفسير) كتاب التفسير المنسوب إلى شيخنا العياشي» مقدمة تفسير العياشي ... 1/4.
(2) ... البقرة 51.
(3) ... 1/44.
بالصدوق(1) ونسبه إلى جعفر الصادق -وهو من ذلك برئ-، أنه قال: «مابدا لله في شئ كما بدا له في إسماعيل ابني». (2)
... قال الصدوق في تفسيره: «يقول ما ظهر لله أمر كما ظهر له في إسماعيل ابني إذ اخترمه في حياتي».(3)
... وكما دلت هذه الروايات في كتبهم على نسبة الجهل لله تعالى، فقد دلت على ذلك أقوال علمائهم المتقدمين والمعاصرين.
... يقول الطوسي(4) الملقب عندهم (بشيخ الطائفة) معللاً ما جاء في كتبهم من الروايات التي وقتت خروج المهدي عندهم، ثم افتضاح كذبهم بعدم خروجه في الزمن الذي حددوه:«فالوجه في هذه الأخبار أن تقول إن صحت:أنه لايمتنع أن يكون الله تعالى قد وقّت هذا الأمر
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... هو: محمد بن علي بن الحسين بن موسى الملقب بالصدوق، المتوفى381هـ.
... قال عنه المجلسي:«أمره في العلم والفهم، والثقافة، والفقاهة، والجلالة، الوثاقة، ... وكثرة التصنيف، وجودة التأليف، فوق أن تحيطه الأقلام...» مقدمة بحار الأنوار ... ص68
(2) ... كمال الدين وتمام النعمة 69.
(3) ... المصدر السابق.
(4) ... هو: محمد بن الحسن الطوسي، المتوفى 460هـ.(34/4)
... قال عنه الحلي: «شيخ الإمامية -قدس الله روحه- رئيس الطائفة جليل ... القدر، ... عظيم المنزلة، ثقة عين صدوق، عارف بالأخبار والرجال والفقه...» رجال ... الحلي ص148.
في الأوقات التي ذكرت، فلما تجدد ما تجدد، تغيرت المصلحة واقتضت تأخيره إلى وقت آخر وكذلك فيما بعد».(1)
... ويقول الطوسي أيضاً مصرحاً بما هو أظهر من هذا في نسبته الجهل لله، تعالى الله عن ذلك: «وذكر سيدنا المرتضى -قدس الله روحه- وجهاً آخر في ذلك (البداء) وهو أن قال: يمكن حمل ذلك على حقيقته بأن يقال: بدا بمعنى أنه ظهر له من الأمر ما لم يكن ظاهراً له، وبدا له من النهي مالم يكن ظاهراً له، لأنه قبل وجود الأمر والنهي لا يكونان ظاهرين مدركين، وإنما يعلم أنه يأمر أوينهي في المستقبل، وأما كونه آمراً وناهياً فلا يصح أن يعلمه إلا إذا وجد الأمر والنهي وجرى ذلك مجرى الوجهين المذكورين في قوله تعالى: {ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم}(2) بأن تحمله على أن المراد: حتى نعلم جهادكم موجوداً، وإنما يعلم ذلك بعد حصوله، فكذلك القول في البداء، وهذا وجه حسن جداً».(3)
... فتبين بهذا بيان معتقد الرافضة في الله - عز وجل -، ونسبتهم الجهل له وعدم علمه بالعواقب والمصالح إلا بعد وقوعها. ولا أظن أن أحداً من
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... الغيبة ص263.
(2) ... محمد: 31.
(3) ... نقلاً عن مجمع البحرين للطريحي 1/47.
أهل العقل والفهم، بعد هذه النقول الموثقة من كتب القوم يصدق دعوى الرافضة في براءتهم من هذه الفضيحة.
... وقد قال الشاعر:
خذ ماتراه ودع شيئاًسمعت به ... ( في طلعة البدر مايغنيك عن زحل
عقيدة تحريف القرآن عند الرافضة:(34/5)
... يعتقد الرافضة أن القرآن الكريم الموجود اليوم بين دفتي المصحف: محرّف ومبدّل. وأن هذا المصحف لايمثل إلا جزءاً يسيراً من القرآن المنزل على النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأن الذي حرّف القرآن هم الصحابة وذلك بحذف فضائحهم الواردة في القرآن وفضائل علي -- رضي الله عنه -- وآل البيت التي جاءت منصوصاً عليها في القرآن الكريم.
... وقد دل على اعتقادهم هذه العقيدة الفاسدة روايات كثيرة امتلأت بها كتبهم المشهورة والموثقة عندهم منها:
... ما جاء في كتاب بصائر الدرجات للصفّار(1) بسنده عن
أبي جعفر أنه قال: «ما يستطيع أحد أن يدعى أنه جمع القرآن كله
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... هو: محمد بن الحسن الصفار، وفاته عام 290هـ.
... قال عنه النجاشي: «كان وجهاً في أصحابنا القميين ثقة عظيم القدر...». ... مقدمة بحار الأنوار ص89.
... وقال كوجه باغي عن كتاب بصائر الدرجات: «إنه من الأصول المعتبرة ... والمعتمدة عند الأصحاب». مقدمة بصائر الدرجات ص6.
ظاهره وباطنه غير الأوصياء».(1)
... وعنه أيضاً: «مامن أحد من الناس يقول إنه جمع القرآن كله كما أنزل الله إلا كذاب، وماجمعه وماحفظه كما أنزل إلا علي بن أبي طالب والأئمة من بعده».(2)
... وفي تفسير العياشي عن أبي عبدالله: «لو قُرئ القرآن كما أنزل لألفيتنا فيه مسمين».(3)
... وفيه عن أبي جعفر: «لولا أنه زيد في كتاب الله ونقص منه ما خفى حقنا على ذي حجى...».(4)
... وجاء في الكافي بيان مقدار ما أُسقط من القرآن -بزعمهم- فعن أبي عبدالله: «إن القرآن الذي جاء به جبريل -- عليه السلام -- إلى
محمد - صلى الله عليه وسلم - سبعة عشر ألف آية».(5)
... وهذا يعنى أن ثلثي القرآن قد أُسقطا، حيث إن عدد آيات القرآن الموجود الآن لا يتجاوز (6236) آية.(6)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ(34/6)
(1) ... ص213.
(2) ... بصائر الدرجات ص213.
(3) ... 1/13.
(4) ... تفسير العياشي 1/13.
(5) ... أصول الكافي 2/634.
(6) ... انظر: تفسير ابن كثير 1/7.
... وجاء في كتاب سليم بن قيس(1) الذي يسمى عندهم (أبجد الشيعة): «إن الأحزاب تعدل سورة البقرة، والنور ستون ومائة آية، والحجرات ستون آية والحجر تسعون آية ...».(2)
... والروايات في كتب الرافضة المصرحة بتحريف القرآن كثيرة جداً وإنما سقت هنا أمثلة يستدل بها وقد أخبر عن استفاضتها وتواترها عندهم كبار علمائهم ومحققيهم.
... يقول المفيد: «ان الأخبار جاءت مستفيضة عن أئمة الهدى من آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم باختلاف القرآن وما أحدثه بعض الظالمين فيه من الحذف والنقصان».(3)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... سليم بن قيس الهلالي، توفي سنة 90هـ، زعموا انه من أصحاب ... علي -- رضي الله عنه --.
... قال المجلسي في الثناء على كتابه: «هو أصل من أصول الشيعة وأقدم كتاب ... صنف في الإسلام...».
... وعند الصادق أنه قال: «من لم يكن عنده من شيعتنا ومحبينا كتاب سليم بن ... قيس الهلالي فليس عنده من أمرنا شئ». مقدمة بحار الأنوار
... ص189.
(2) ... كتاب سليم بن قيس ص122.
(3) ... أوائل المقالات ص91.
... ويقول هاشم البحراني(1) -أحد كبار مفسريهم-: «اعلم أن الحق الذي لا محيص عنه بحسب الأخبار المتواترة الآتية وغيرها أن هذا القرآن الذي في أيدينا قد وقع فيه بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شئ من التغييرات وأسقط الذين جمعوه بعده كثيراً من الكلمات والآيات».(2)
... ويقول أيضاً: «وعندي في وضوح صحة هذا القول (أي تحريف القرآن) بعد تتبع الأخبار وتفحص الآثار بحيث يمكن الحكم بكونه من ضروريات مذهب التشيع وأنه من أكبر مقاصد الخلافة».(3)(34/7)
... ويقول نعمة الله الجزائري(4): «إن الأخبار الدالة على هذا (التحريف) تزيد على ألفي حديث، وادعى استفاضتها جماعة كالمفيد،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... هاشم بن سليمان البحراني، توفي سنة 1107هـ.
... قال عنه يوسف البحراني: «كان فاضلاً محدثاً جامعاً متتبعاً للأخبار بما لم ... يسبق إليه سابق سوى شيخنا المجلسي، وقد صنف كتباً عديدة تشهد بشدة ... تتبعه واطلاعة». لؤلؤة البحرين ص63.
(2) ... مقدمة تفسير البرهان في تفسير القرآن ص36.
(3) ... المرجع نفسه ص49.
(4) ... نعمة الله بن عبدالله الجزائري، متوفي سنة 1112هـ.
... قال عنه الحر العاملي: «فاضل عالم محقق جليل القدر». أمل الآمل ... 2/336.
والمحقق الداماد، والعلامة المجلسي...». (1)
... فهذه أقوال أئمتهم ومحققيهم الكبار تقطع بتواتر واستفاضة الروايات في كتبهم بدعوى تحريف القرآن وتبديله، وأنها تبلغ الآلاف مما جعل بعض هؤلاء العلماء يقطع بأن هذه العقيدة من ضروريات المذهب عندهم وأكبر مقاصد الإمامة.
... وزيادة على ما جاء في كتبهم من آلاف الروايات الدالة على دعوى تحريف القرآن، فإن أقوال علمائهم ومنظريهم، وأهل الاجتهاد فيهم،جاءت مؤكدةلتلك العقيدة الفاسدة.ولعل المقام هنا لايتسع لنقل كلامهم هنا وإنما أذكرمن نقل إجماعهم على ذلك من كبار علمائهم.
... يقول المفيد ناقلاً إجماعهم على ذلك، وخلافهم لسائر فرق الأمة في هذه العقيدة: «واتفقوا (أي: الإمامية) أن أئمة الضلال خالفوا في كثير من تأليف القرآن، وعدلوا فيه عن موجب التنزيل وسنة النبي - صلى الله عليه وسلم - وأجمعت المعتزلة، والخوارج، والمرجئة، وأصحاب الحديث، على خلاف الإمامية في جميع ما عددناه».(2)(34/8)
... وإن من الأدلة القوية، والبراهين الجلية، والأمثلة الحية التي تقطع برسوخ هذه العقيدة في نفوس الرافضة، وتوهن حجة كل مراوغ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... نقلاً عن فصل الخطاب ص248.
(2) ... أوائل المقالات ص49.
ومخادع منهم في التنصل من شؤم هذه العقيدة في الظاهر، ما قام به النوري الطبرسي، أحد كبار علمائهم المتأخرين الهالك في سنة 1320هـ(1)، عندما ألف كتاباً ضخماً في إثبات دعوى تحريف القرآن عند الرافضة، سماه: (فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب) صدره بثلاث مقدمات يتبعها بابان:
... الأول : في الأدلة على تحريف القرآن بزعمه.
... والثاني: في الرد على القائلين بصحة القرآن من الأمة.
... وقد أودع الطبرسي في كتابه هذا آلاف الروايات الدالة على تحريف القرآن بزعمهم، حيث أورد في الفصلين الأخيرين فقط من الباب الأول المكون من اثني عشرفصلاً(1602)رواية هذا غير ماأورده في الفصول الأخرى من هذا الباب والمقدمات الثلاث والباب الثاني.
... وقال معتذراً عن قلة ما جمعه: «ونحن نذكر منها ما يصدق به
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... هو: حسين بن محمد تقي الدين النوري الطبرسي.
... قال عنه أغا بزرك الطهراني: «... إمام أئمة الحديث والرجال في الأعصار ... المتأخرة، ومن أعظم علماء الشيعة، وكبار رجال الإسلام في هذا القرن... ... وكان آيه من أيات الله العجيبة كمنت فيه مواهب غريبة وملكات شريفة، ... أهلته لأن يعد في الطليعة من علماء الشيعة...ترك شيخنا آثاراً هامة قلما ... رأت عين الزمان نظيرها في حسن النظم وجودة التأليف وكفى بها كرامة ... له». نقباء البشر 2/544-545-549.
دعواهم مع قلة البضاعة».(1)(34/9)
... وقال موثقاً هذه الروايات: «واعلم أن تلك الأخبار منقولة من الكتب المعتبرة التي عليها معوّل أصحابنا في إثبات الأحكام الشرعية والآثار النبوية».(2)
... وقد قرر الطبرسي في كتابه هذا في بحث مستفيض وتتبع دقيق لأقوال علمائهم مدعماً بحثه بالنقول الموثقة، أن القول بتحريف القرآن وتغييره واعتقاد نقصه وتبديله، هي عقيدة أجلة علمائهم ومحققيهم الذين هم قدوتهم في الدين، ومحل الثقة منهم فيه.
... وقال بعد أن سرد حشداً هائلاً من أسماء علمائهم القائلين بالتحريف استغرقت خمس صفحات من كتابه(3): «ومن جميع ما ذكرنا ونقلنا، بتتبعى القاصر، يمكن دعوى الشهرة العظيمة بين المتقدمين وانحصار المخالفين فيهم بأشخاص معينين يأتي ذكرهم».(4)
... ثم ذكر أن هؤلاء المخالفين هم: الصدوق، والمرتضى، وشيخ الطائفة الطوسي، قال: «ولم يعرف من القدماء موافق لهم»(5)، وذكر
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... فصل الخطاب ص249.
(2) ... المصدر نفسه ص249.
(3) ... انظر: فصل الخطاب ص25-30.
(4) ... فصل الخطاب ص30.
(5) ... المصدر نفسه ص32.
أنه تبعهم الطبرسي صاحب كتاب مجمع البيان، وقال: «وإلى طبقته لم يعرف الخلاف صريحاً إلا من هؤلاء المشايخ الأربعة».(1)
... ثم اعتذر بعد ذلك عن بعض هؤلاء العلماء في عدم قولهم بتحريف القرآن بأن الذي حملهم على ذلك التقية والمداراة للمخالفين.
... قال معتذراً عن الطوسي عما أورده في كتابه (التبيان) من القول بعدم التحريف: «ثم لايخفى على المتأمل في كتاب التبيان أن طريقته فيه على نهاية المداراة والمماشاة مع المخالفين... وهو بمكان من الغرابة لو لم يكن على وجه المماشاة ...». (2)
... وبمثل ذلك ألمح في توجيه قول الطبرسي فقال بعد أن ذكر قوله: «لكنه اعتمد في سورة النساء على أخبار تضمنت نقصان كلمه: (إلى أجل مسمى) من آية المتعة».(3)(34/10)
... وقد سبق النوري الطبرسي في الاعتذار لهؤلاء العلماء :نعمة الله الجزائري حيث قال بعد أن نقل اجماع علماء الإمامية على عقيدة التحريف: «نعم قد خالف فيها المرتضى والصدوق والشيخ الطبرسي، وحكوا أن ما بين دفتي هذا المصحف هو القرآن لاغير، ولم يقع فيه ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... فصل الخطاب ص34.
(2) ... المصدر نفسه ص34.
(3) ... المصدر نفسه ص34.
تحريف ولا تبديل ... والظاهر أن هذا القول صدر منهم لأجل مصالح كثيرة: منها سد باب الطعن عليها، بأنه إذا جاز هذا في القرآن، فكيف جاز العمل بقواعده وأحكامه، مع جواز لحوق التحريف لها
-وسيأتي الجواب عن هذا- كيف وهؤلاء الأعلام رووا في مؤلفاتهم أخباراً كثيرة تشتمل على وقوع تلك الأمور في القرآن، وأن الآية هكذا أنزلت ثم غُيرت إلى هذا».(1)
... وبهذا يظهر أن القول بتحريف القرآن واعتقاد تغييره وتبديله هو محل إجماع علماء الرافضة قاطبة، كما حقق ذلك الطبرسي في فصل الخطاب، ودلت عليه النقول السابقه عن كبار علمائهم، وأنه لم يخالف في هذه العقيدة أحد من علمائهم، حتى وقت تأليف (فصل الخطاب) إلا أربعة منهم حملهم على ذلك التقية والمداراة للمخالفين، على ما نص على ذلك الطبرسي ومن قبله نعمة الله الجزائري. وكما أثبتت ذلك البحوث المعاصرة التي بحثت هذه المسألة وأيدت ذلك بذكر شواهد كثيرة من الروايات الدالة على التحريف الواردة في كتب هؤلاء المشايخ الأربعة(2)، مما يدل على اعتقادهم مضمونها
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... الأنوار النعمانية 2/358-359.
(2) ... انظر: الشيعة والقرآن، لإحسان إلهي ظهير ص68-71، وبذل المجهود في ... إثبات مشابهة الرافضة لليهود 1/405-407.(34/11)
وموافقتهم لسائر علماء الرافضة فيما ذهبوا إليه، من اعتقاد تحريف القرآن وتبديله، وإن أظهروا خلافه تقيّة ونفاقاً، وخداعاً لأهل السنة.
... وهذا المسلك هو الذي سلكه بعض الرافضة اليوم، لما رأوا من تشنيع الناس عليهم في هذه العقيدة، وهو إظهار القول بصحة القرآن وتمامه، وإبطان تلك العقيدة الفاسدة، الراسخة الجذور في نفوسهم، والتي عليها أسلافهم، وهي اعتقاد تحريف القرآن وتبديله على أيدي الصحابة. وهذا ما اعترف به أحد كبار علمائهم المعاصرين(1) عندما قال: «إن علماء الشيعة الذين أنكروا التحريف في القرآن لايحمل إنكارهم إلا على التقيّة».(2)
... فظهر بهذ اتفاق علماء الرافضة قدماء ومعاصرين على هذه العقيدة الفاسدة. ولاينبغى لمسلم بعد ذلك أن ينخدع ببعض أقوال المعاصرين منهم، فيما يظهرون من البراءة من هذه العقيدة نفاقاً وخداعاً للمسلمين، على ما يبيح لهم دينهم ذلك باسم (التقيّة) التي هي تسعة أعشار دينهم، ولا يقوم دينهم إلا عليها.
... فهل يعي المغرورون المخدوعون بهم أم أن على قلوب أقفالها !!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... هو: أحمد سلطان أحمد من كبار علمائهم في الهند.
(2) ... تصحيف كتابين ص18، (ط/ الهند)، نقلاً عن: (الرد على الدكتور ... عبدالواحد وافي) لإحسان إلهي ظهير ص93.(34/12)
عقيدتهم في الإمامة والأئمة:
... يعتقد الرافضة أن الإمامة ركن عظيم من أركان الإسلام، وأصل أصيل من أصول الإيمان، لا يتم إيمان المرء إلا باعتقادها، ولا يقبل منه عمل إلا بتحقيقها.
... روى الكليني عن أبي جعفر أنه قال: «بني الإسلام على خمسة أشياء: على الصلاة، والزكاة، والحج، والصوم، والولاية، قال زراره: فقلت وأي شئ من ذلك أفضل ؟ فقال: الولاية». (1)
... ويقول هاشم البحراني:«فبحسب الأخبار الواردة في أن الولاية أي: الإقرار بنبوة النبي- صلى الله عليه وسلم - إمامة الأئمة، والتزام حبهم، وبغض أعدائهم ومخالفيهم، أصل الإيمان مع توحيد الله -- عز وجل -- بحيث لا يصح الدين إلا بذلك كله. بل إنها سبب إيجاد العالم وبناء حكم التكليف، وشرط قبول الأعمال». (2)
... ويقول المجلسي(3): «ولا ريب في أن الولاية والاعتقاد بإمامة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... أصول الكافي 2/18.
(2) ... مقدمة البرهان في تفسير القرآن ص19.
(3) ... هو: محمد باقر المجلسي، متوفى سنة 1111هـ، من كبار علمائهم المتأخرين ... المكثرين من التأليف.
... قال عنه الحر العاملي: «عالم، فاضل، ماهر، محقق، مدقق، علامة، فهامة، فقيه، ... متكلم، محدث، ثقة ثقة، جامع للمحاسن والفضائل، جليل القدر، عظيم ... الشأن». أمل الآمل ... 2/248.
الأئمة عليهم السلام، والإذعان لهم، من جملة أصول الدين، وأفضل من جميع الأعمال البدنية لأنها مفتاحهن». (1)
... ويقول المظفر(2) -وهو من علمائهم المعاصرين-: «نعتقد أن الإمامة أصل من أصول الدين، لا يتم الإيمان إلا بالاعتقاد بها، ولا يجوز فيها تقليد الآباء والأهل والمربين، مهما عظموا، بل يجب النظر فيها، كما يجب النظر في التوحيد والنبوة». (3)(35/1)
ولا يكتفى الرافضة بإضفاء هذه القداسة الشرعية على عقيدة الإمامة في دينهم، حتى جعلوها بمنزلة التوحيد، وعليها مدار الإيمان، وقبول الأعمال، بل ذهبوا مذهباً بعيداً في غلوهم في الإمامة ومكانتها، فجعلوها ضرورة كونيه لثبات الأرض، وأن الأرض لو بقيت بغير إمام لمادت وساخت بأهلها. يوضح ذلك جملة من الروايات أوردها الصفّار في كتابه (بصائر الدرجات) في باب مستقل بعنوان «باب أن الأرض لا تبقى بغير إمام ولو بقيت لساخت» ومما أورده تحت هذا ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... مرآة العقول 7/102.
(2) ... هو: محمد بن رضا المظفر، من علمائهم المعاصرين، توفي سنة 1383هـ. ... أثنى عليه أغا بزرك الطهراني فقال: «عالم جليل، وأديب معروف... من ... أفاضل أهل العلم، وأشراف أهل الفضل والأدب له سيرة طيبة من يومه». ... نقباء البشر في القرن الرابع عشر 2/772-773.
(3) ... عقائد الإمامية ص102.
الباب مانسبوه إلى أبي جعفر أنه قال: «لو أن الإمام رفع من الأرض ساعة لساخت بأهلها كما يموج البحر بأهله».(1)
... وعن أبي عبدالله أنه سئل: «أتبقى الأرض بغير إمام؟ قال: لو بقيت بغير إمام لساخت». (2)
... ويعتقد الرافضة أن الأئمة بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - اثنا عشر إماماً اختارهم الله تعالى واصطفاهم للإمامة جاء في كتاب (كشف الغمة) للأربلي(3)، نسبه إلى علي-- رضي الله عنه -- أنه قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: «الأئمة من بعدي اثنا عشر، أولهم أنت يا علي، وآخرهم القائم الذي يفتح على يديه مشارق الأرض ومغاربها». (4)
... وعن زرارة بن أعين قال: سمعت أبا جعفر -- عليه السلام -- يقول: «نحن اثنا عشر إماماً، منهم: حسن، وحسين، ثم الأئمة من ولد الحسين». (5)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... بصائر الدرجات ص508.
(2) ... المصدر نفسه ص508.(35/2)
(3) ... هو: علي بن عيسى الأربلي، المتوفى عام 693هـ.
... قال عنه المجلسي: «من أكابر محدثي الشيعة، وأعاظم علماء المائة السابعة ... وثقاتهم». مقدمة بحار الأنوار ص145.
(4) ... كشف الغمة 2/507.
(5) ... الخصال للصدوق ص478.
ويزعم الرافضة أن إمامة هؤلاء الأئمة ثابتة بالنص عليهم من الله، وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - عُرج به إلى السماء مائة وعشرين في كل مرة يوصى بولاية علي.
... جاء في كتاب بصائر الدرجات عن أبي عبدالله أنه قال: «عرج بالنبي - صلى الله عليه وسلم - إلى السماء مائة وعشرين مرة مامن مرة إلا وقد أوصى الله النبي - صلى الله عليه وسلم - بولاية علي والأئمة من بعده أكثر مما أوصاه بالفرائض». (1)
... وللرافضة في الأئمة غلو يفوق الوصف، ويتجاوز كل حد، في صور متعددة وأمثلة متنوعة، تمجها النفوس، وتأباها العقول والفطرة السليمة، وتعارضها النصوص الشرعية.
... فمن ذلك وصفهم لهم بصفات الربوبية وإخراجهم عن طبائعهم البشرية إلى منزلة رب البرية، جاء في بصائر الدرجات فيما نسبوه إلى علي -- رضي الله عنه -- أنه قال: «أنا عين الله، وأنا يد الله، وأنا جنب الله، وأنا باب الله». (2)
... وفي روايه أخرى أنه قال: «أنا علم الله، وأنا قلب الله الواعي، ولسان الله الناطق،وعين الله الناظر، وأنا جنب الله، وأنا يد الله». (3)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... بصائر الدرجات ص99.
(2) ... المصدر نفسه ص81.
(3) ... المصدر نفسه.
... وفي كتاب علم اليقين لعبد الله شبّر(1) عن ابن عباس -وهو من ذلك بريء-: «إن الله تعالى يوم القيامة يولي محمداً حساب النبيين، ويولى علياً حساب الخلق أجمعين». (2)(35/3)
... وروى سليم بن قيس افتراء على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال لعلي: «ياعلي أنت مني وأنا منك سيط لحمك بلحمي، ودمك بدمي... من جحد ولايتك جحد الله ربوبيته، ياعلي أنت عَلَم الله بعدي الأكبر في الأرض، وأنت الركن الأكبر في القيامة، فمن استظل بفيئك كان فائزاً؛ لأن حساب الخلائق إليك، ومآبهم إليك، والميزان ميزانك، والصراط صراطك، والموقف موقفك، والحساب حسابك، فمن ركن إليك نجا، ومن خالفك هوى وهلك، اللهم اشهد اللهم اشهد». (3)
... ويدعي الرافضة في أئمتهم أنهم يعلمون الغيب، وأنهم لا يحجب عنهم شيء من أمر السماء والأرض جاء في الكافي -أصح الكتب عندهم- تحت باب: «إن الأئمة عليهم السلام يعلمون علم ما كان
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... عبدالله بن شبّر، المتوفى عام 1242هـ، من كبار علمائهم المتأخرين.
... قال عنه محمد صادق الصدر: «كان علماً من أعلام الشيعة، وشخصية ... بارزة، لذلك كان محط أنظار أهل العلم...». مقدمة كتاب حق اليقين بقلم ... محمد صادق الصدر ص: ي.
(2) ... علم اليقين في أصول الدين 2/605.
(3) ... كتاب سليم بن قيس ص244-245.
وما يكون وأنه لا يخفى عليهم شئ صلوات الله عليهم».
... عن أبي عبدالله أنه قال: «ورب الكعبة ورب البنيِّة(1) -ثلاث مرات- لو كنت بين موسى والخضر لأخبرتهما أني أعلم منهما ولأنبأتهما بما ليس في أيديهما لأن موسى والخضر عليهما السلام أعطيا علم ما كان، ولم يعطيا علم ما يكون وما هو كائن حتى تقوم الساعة، وقد ورثناه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وراثة». (2)
... وعن أبي عبدالله أيضاً: «... الله أكرم وأرحم وأرأف بعباده، من أن يفرض طاعة عبد على العباد، ثم يحجب عنه خبر السماء صباحاً ومساءً». (3)(35/4)
... ويقول المفيد في كتاب أوائل المقالات: «إن الأئمة من آل محمد - صلى الله عليه وسلم - قد كانوا يعرفون ضمائر بعض العباد ويعرفون ما يكون قبل كونه». (4)
... ومن مظاهر غلو الرافضة في الأئمة تفضيلهم على سائر الأنبياء
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... هي الكعبة. قال ابن الأثير: «وكانت تدعى بنية إبراهيم عليه السلام، لأنه ... بناها وقد كثر قسمهم برب هذه البنية». النهاية 1/158.
(2) ... أصول الكافي 1/261.
(3) ... المصدر نفسه.
(4) ... أوائل المقالات ص75.
والمرسلين والملائكة المقربين.
... جاء في كتاب علل الشرائع للصدوق فيما نسبه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال لعلي: «إن الله تبارك وتعالى فضل أنبياءه المرسلين على ملائكته المقربين، وفضلني على جميع النبيين والمرسلين، والفضل بعدي لك ياعلي وللأئمة من بعدك». (1)
... ويقول عبدالله شبّر: «يجب الإيمان بأن نبينا وآله المعصومين أفضل من الأنبياء والمرسلين ومن الملائكة المقربين، لتضافر الأخبار بذلك وتواترها». (2)
... ويقول الخميني: «فإن للإمام مقاماً محموداً، ودرجة سامية، وخلافة تكوينية، تخضع لولايتها وسيطرتها جميع ذرات هذا الكون، وإن من ضروريات مذهبنا أن لأئمتنا مقاماً لا يبلغه ملك مقرب، ولا نبي مرسل». (3)
... ومن صور غلو الرافضة في أئمتهم ادعاؤهم نزول الوحي عليهم.
... جاء في بحار الأنوار عن أبي عبدالله أنه قال: «إنا نُزاد في الليل والنهار، ولولا أنا نُزاد لنفد ما عندنا، فقال أبو بصير: جعلت فداك ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... علل الشرائع ص5.
(2) ... حق اليقين 1/209.
(3) ... الحكومة الإسلامية ص52.(35/5)
من يأتيكم؟ قال: إن منا لمن يعاين معاينة، ومنا من ينقر في قلبه كيت وكيت، ومنا من يسمع بأذنه وقعاً كوقع السلسلة في الطست، قال: قلت جعلت فداك من يأتيكم بذلك؟ قال: هو خلق أكبر من جبريل وميكائيل».(1)
... وفي بصائر الدرجات عن أبي عبدالله أنه قال: «إن الروح خلق أعظم من جبريل وميكائيل. كان مع رسول الله صلى الله عليه وآله يسدده ويرشده وهو مع الأوصياء من بعده». (2)
... ومن غلوهم في أئمتهم: اعتقادهم عصمتهم من كل الذنوب والخطايا، صغيرها، وكبيرها، وأنه لا يجوز عليهم سهو، ولا غفلة، ولا نسيان.
... يقول المفيد ناقلاً إجماعهم على ذلك: «ان الأئمة القائمين مقام الأنبياء في تنفيذ الأحكام، وإقامة الحدود، وحفظ الشرائع، وتأديب الأنام، معصومون كعصمة الأنبياء، وإنهم لا يجوز منهم صغيرة إلا ما قدمت ذكر جوازه على الأنبياء، وإنه لا يجوز منهم سهو في شئ في الدين، ولا ينسون شيئاً من الأحكام، وعلى هذا مذهب سائر الإمامية إلا من شذ منهم، وتعلق بظاهر روايات، لها تأويلات على خلاف ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... بحار الأنوار للمجلسي 26/53.
(2) ... بصائر الدرجات ص476.
ظنه الفاسد من هذا الباب». (1)
... ويقول الصدوق: «اعتقادنا في الأنبياء والرسل والأئمة أنهم معصومون مطهرون من كل دنس، وأنهم لايذنبون لا صغيراً ولا كبيراً، ولا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، ومن نفى عنهم العصمة في شئ من أحوالهم فقد جهلهم، ومن جهلهم فهو كافر».(2)
... ومن المعاصرين يقول محمد رضا المظفر: «ونعتقد أن الإمام كالنبي يجب أن يكون معصوماً من جميع الرذائل والفواحش ما ظهر منها وما بطن، من سن الطفولة إلى الموت، عمداً، وسهواً، كما يجب أن يكون معصوماً من السهو، والخطأ، والنسيان».(3)(35/6)
... ويقول الخميني: «نحن نعتقد أن المنصب الذي منحه الأئمة للفقهاء لايزال محفوظاً لهم؛ لأن الأئمة الذين لانتصور فيهم السهو، أو الغفلة، ونعتقد فيهم الإحاطة بكل ما فيه مصلحة للمسلمين، كانوا على علم بأن هذا المنصب لايزول عن الفقهاء من بعدهم بمجرد وفاتهم».(4)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... أوائل المقالات ص71،72.
(2) ... نقلاً عن عقائد الإثني عشرية لإبراهيم الموسوي الزنجاني 2/157.
(3) ... عقائد الإمامية ص104.
(4) ... الحكومة الإسلامية ص91.
... وهكذا يتمادى الرافضة في غيهم وضلالهم، ولا يزال الشيطان ينقلهم من ضلالة إلى أخرى، في جوانب كثيرة متعددة، تمثل معتقدهم الفاسد في الأئمة حتى رفعوهم فوق منازل الأنبياء والمرسلين، وملائكة الله المقربين، بل أخرجوهم بذلك الغلو المفرط الذي لا يهتدي بشرع، ولا يحكمه عقل، عن طبائعهم البشرية إلى مقام الربوبية. ولذا كان أئمة أهل البيت الطاهرين المطهرين من عقيدة الرافضة أعظم الناس تأذياً بهم لكثرة كذبهم عليهم ونسبتهم تلك العظائم لهم على ماسيأتي نقل كلامهم في ذلك مفصلاً إن شاء الله تعالى.
عقيدتهم في الصحابة:
... يقف الرافضة من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - موقف العداوة والبغضاء، والحقد والضغينة، يبرز ذلك من خلال مطاعنهم الكبيرة على الصحابة، التي تزخر بها كتبهم القديمة والحديثة.
... فمن ذلك اعتقادهم: كفرهم وردتهم إلا نفراً يسيراً منهم، على ماجاء مصرحاً به في بعض الروايات الواردة في أصح كتبهم، وأوثقها عندهم.
... فقد روى الكليني عن أبي جعفر أنه قال: «كان الناس أهل ردة بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا ثلاثة. فقلت: ومن الثلاثة؟ فقال: المقداد بن الأسود، وأبو ذر الغفاري، وسلمان الفارسي، رحمة الله وبركاته عليهم، ثم
عرف أناس بعد يسير، وقال: هؤلاء الذين دارت عليهم الرحا وأبو أن(35/7)
يبايعوا حتى جاءوا بأمير المؤمنين مكرهاً فبايع».(1)
... وفي كتاب الاختصاص للمفيد عن عبدالملك بن أعين أنه سأل أبا عبدالله فلم يزل يسأله حتى قال: فهلك الناس إذاً، فقال: «أي والله يا ابن أعين هلك الناس أجمعون أهل الشرق والغرب، قال: إنها فتحت على الضلال، أي والله هلكوا إلا ثلاثة نفر سلمان الفارسي، وأبو ذر، والمقداد ولحقهم عمار، وأبو ساسان الأنصاري، وحذيفة وأبو عمرة فصاروا سبعة».(2)
... وقد نقل إجماعهم على تكفير الصحابة علماؤهم المحققون.
... قال المفيد: «واتفقت الإمامية، والزيدية، والخوارج، على أن الناكثين والقاسطين: من أهل البصرة، والشام، أجمعين كفار ضلال ملعونون بحربهم أمير المؤمنين، وأنهم بذلك في النار مخلدون».(3)
... ويقول نعمة الله الجزائري: «الإمامية قالوا بالنص الجلي على إمامة علي، وكفروا الصحابة، ووقعوا فيهم، وساقوا الإمامة إلى جعفر الصادق، وبعده إلى أولاده
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... الروضة من الكافي 8/245-246.
(2) ... الاختصاص ص6.
(3) ... أوائل المقالات ص45.
المعصومين عليهم السلام، ومؤلف هذا الكتاب من هذه الفرقة وهي الناجية إن شاء الله».(1)
... وقدح الرافضة في الصحابة لا يقف عند هذا الحد من اعتقاد تكفيرهم وردتهم، بل يعتقدون أنهم شر خلق الله، وأن الإيمان بالله ورسوله لا يكون إلا بالتبرؤ منهم، وخاصة الخلفاء الثلاثة: أبابكر وعمر، وعثمان، وأمهات المؤمنين.
... يقول محمد باقر المجلسي: «وعقيدتنا في التبرؤ: أننا نتبرأ من الأصنام الأربعة: أبي بكر، وعمر، وعثمان، ومعاوية، والنساء الأربع: عائشة وحفصة، وهند، وأم الحكم، ومن جميع أشياعهم وأتباعهم، وأنهم شر خلق الله على وجه الأرض، وأنه لايتم الإيمان بالله ورسوله والأئمة إلا بعد التبرؤ من أعدائهم».(2)(35/8)
... وبناء على هذا فالرافضة يعتقدون في الخلفاء الثلاثة السابقين لعلي في الخلافة وفي أمهات المؤمنين: أنهم يعذبون أشد العذاب يوم القيامة مع شرار الخلق وطواغيت البشر.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... الأنوار النعمانية 2/244.
(2) ... حق اليقين ص519 (فارسى) وقد قام بترجمة النص ونقله إلى ... العربية الشيخ ... محمد عبدالستار التونسوي في كتابه بطلان عقائد الشيعة ص53.
... جاء في تفسير القمي(1) في تفسير سورة الفلق: «الفلق: جب في نار جهنم، يتعوذ أهل النار من شدة حره، فسأل الله من شدة حره أن يتنفس فتنفس فأحرق جهنم، وفي ذلك الجب صندوق من نار، يتعوذ أهل الجب من حر ذلك الصندوق، وهو التابوت، وفي ذلك التابوت سته من الأولين، وست من الآخرين، فأما الستة الذين من الأولين: فابن آدم الذي قتل أخاه، ونمرود إبراهيم الذي ألقى إبراهيم في
النار، وفرعون موسى، والسامري الذي اتخذ العجل، والذي هوّد اليهود، والذي نصّر النصارى. أما الستة الذين من الآخرين: فهو الأول والثاني، والثالث، والرابع، وصاحب الخوارج، وابن ملجم لعنهم الله».(2)
... ويعنون بالأول والثاني والثالث: الخلفاء الثلاثة السابقين لعلي
-- رضي الله عنه -- في الخلافة، وبالرابع معاوية -- رضي الله عنه -- وهذه من الرموز التي يستخدمها الرافضة في كتبهم عند الطعن في الصحابة. وقد جاء توضيح أكبر لهذه الرموز في رواية العياشي، التي ينسبها كذباً وزوراً ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... هو: علي بن إبراهيم بن هاشم، المتوفى 307هـ.
... قال عنه النجاشي: «ثقة في الحديث، ثبت معتمد، صحيح المذهب، سمع ... فأكثر وصنف كتباً». مقدمة بحار الأنوار ص128.
(2) ... تفسير القمي 2/449.(35/9)
لجعفر الصادق أنه قال: «يؤتى بجهنم لها سبعة أبواب: بابها الأول:
للظالم وهو زريق، وبابها الثاني: لحبتر(1)، والباب الثالث: للثالث، والرابع: لمعاوية، والباب الخامس: لعبد الملك، والسادس: لعسكر بن هوسر، والباب السابع لأبي سلامة(2) فهم أبواب لمن تبعهم». (3)
... ويتمادى الرافضة في حقدهم على خيار أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وخلفائه إلى أشد من هذا، فيروي من يلقب عندهم بالصدوق وهو من أكبر الكذابين الأفاكين.
... عن أبي الجارود قال: قلت لأبي جعفر -- عليه السلام --: «أخبرني بأول من يدخل النار؟ قال: إبليس ورجل عن يمينه، ورجل عن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... نقل الشيخ إحسان إلهي ظهير -رحمه الله- عن أحد علماء الرافضة الكبار ... في الهند أنه فسر هذين المصطلحين بقوله: «روي أن الزريق: مصغر أزرق، ... والحبتر معناه: الثعلب، فالمراد من الأول: (أبو بكر) لأنه كان أزرق العينين، ... والمراد من الثاني: (عمر) كناية عن دهائه ومكره». الرد على الدكتور علي ... عبد الواحد وافي ص207.
(2) ... ذكر محقق تفسير العياشي معاني هذه الرموز فقال في معنى عسكر بن ... هوسر «كناية عن بعض خلفاء بني أميه أو بني العباس، وكذا أبي سلامة ... كناية عن أبي جعفر الدوانيقي، ويحتمل أن يكون عسكر كناية عن عائشة ... وساير أهل الجمل». حاشية تفسير العياشي 2/243.
(3) ... تفسير العياشي 2/243.
يساره» (1)، وظاهر أنهم يعنون بالرجلين أبا بكر وعمر -رضي الله عنهما-.(35/10)
... ويذهب نعمة الله الجزائري إلى أن عمر يعذب يوم القيامة في النار أشد من إبليس يقول: «وإنما الاشكال في تزويج علي -- عليه السلام --
أم كلثوم لعمر بن الخطاب وقت تخلفه، لأنه قد ظهرت منه المناكير وارتد عن الدين ارتداداً أعظم من كل من ارتد، حتى إنه قد وردت روايات الخاصة أن الشيطان يغل بسبعين غلاً من حديد جهنم، ويساق إلى المحشر، فينظر ويرى رجلاً أمامه تقوده ملائكة العذاب، وفي عنقه مائة وعشرون غلاً من أغلال جهنم، فيدنوا الشيطان إليه ويقول: ما فعل الشقي حتى زاد علي في العذاب، وإنما أغويت الخلق، وأوردتهم موارد الهلاك؟ فيقول عمر للشيطان: ما فعلت شيئاً سوى أني غصبت خلافة علي بن أبي طالب. والظاهر أنه استقل سبب شقاوته ومزيد عذابه ولم يعلم أن كل ما وقع في الدنيا إلى يوم القيامة من الكفر والطغيان، واستيلاء أهل الجور والظلم، إنما هو من فعلته هذه». (2)
... وقد بلغ من حقد هؤلاء على أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -: استباحة لعنهم،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... ثواب الاعمال وعقاب الأعمال ص255.
(2) ... الأنوار النعمانية 1/81-82.
بل تقربهم إلى الله بذلك، وخاصة الشيخين: أبا بكر وعمر. فإن لهم في لعنهما والمبالغة في ذلك أمراً يفوق الوصف.(35/11)
... فقد روى الملا كاظم عن أبي حمزة الثمالى -افتراء على زين العابدين رحمه الله- أنه قال: «من لعن الجبت والطاغوت لعنة واحدة كتب الله له سبعين ألف ألف حسنة، ومحي عنه ألف ألف سيئة، ورفع له سبعون ألف ألف درجة ومن أمسى يلعنهما لعنة واحدة كتب له مثل ذلك، قال: فمضى مولانا علي بن الحسين، فدخلت على مولانا أبي جعفر محمد الباقر. فقلت: يامولاي حديث سمعته من أبيك قال: هات ياثمالى، فأعدت عليه الحديث. فقال: نعم ياثمالى. أتحب أن أزيدك؟ فقلت: بلى يامولاي. فقال: من لعنهما لعنة واحدة في كل غداة لم يكتب عليه ذنب في ذلك اليوم حتى يمسى، ومن أمسى لعنهما لعنة واحدة لم يكتب عليه ذنب في ليلة حتى يصبح».(1)
... ومن الأدعية المشهورة عندهم الواردة في كتب الأذكار: دعاء يسمونه دعاء صنمي قريش (يعنون بهما أبا بكر وعمر) وينسبون هذا الدعاء ظلماً وزوراً لعلي -- رضي الله عنه -- وهو يتجاوز صفحة ونصف وفيه: (اللهم صل على محمد وآل محمد والعن صنمي قريش وجبتيها
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... أجمع الفضائح لملا كاظم ص513. بواسطة الشيعة وأهل البيت لإحسان ... إلهي ظهير ص157.
وطاغوتيها،وأفكيها، وابنتيهما اللذين خالفا أمرك، وأنكرا وحيك، وجحدا إنعامك، وعصيا رسولك، وقلبا دينك، وحرّفا كتابك...
[إلى أن جاء في آخره]: اللهم العنهما في مكنون السر، وظاهرالعلانية، لعناً كثيراً أبداً، دائماً سرمداً، لا انقطاع لأمده ولانفاد لعدده، لعناً يعود أوله ولايروح آخره، لهم ولأعوانهم، وأنصارهم، ومحبيهم، ومواليهم، والمسلمين لهم، والمائلين إليهم، والناهضين باحتجاجهم، والمقتدين بكلامهم، والمصدقين بأحكامهم، (قل أربع مرات): اللهم عذبهم عذاباً يستغيث منه أهل النار، آمين رب العالمين». (1)(35/12)
... وهذا الدعاء مرغب فيه عندهم، حتى إنهم رووا في فضله نسبةً إلى ابن عباس أنه قال: «إن علياً -- عليه السلام --كان يقنت بهذا الدعاء في صلواته، وقال إن الداعي به كالرامي مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في بدر، وأُحد، وحنين، بألف ألف سهم». (2)
... ولهذا كان هذا الدعاء محل عناية علمائهم، حتى إن أغا بزرك الطهراني ذكر أن شروحه بلغت العشرة. (3)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... مفتاح الجنان في الأدعية والزيارات والأذكار ص113-114، وتحفة عوام ... مقبول ص214-215، وهذا الكتاب الأخير موثق من جماعة من كبار ... علمائهم المعاصرين،ورد ذكراسمائهم على غلاف الكتاب، ومنهم: الخميني.
(2) ... علم اليقين في أصول الدين لمحسن الكاشاني 2/101.
(3) ... انظر: الذريعة إلى تصانيف الشيعة 8/192.
... فهذا ما جاء في كتبهم القديمة وعلى ألسنة علمائهم المتقدمين. أما المعاصرون منهم فهم على عقيدة سلفهم سائرون وبها متمسكون، وسأكتفي للدلالة على هذا بما جاء عن إمامهم المقدس وآيتهم العظمى الخميني -وذلك خشية الإطالة-.
... حيث يقول في كتابه كشف الأسرار: «إننا هنا لا شأن لنا بالشيخين،وما قاما به من مخالفات للقرآن، ومن تلاعب بأحكام الإله، وماحللاه وحرماه من عندهما، وما مارساه من ظلم ضد فاطمة ابنة النبي- صلى الله عليه وسلم - وضدأولاده،ولكننا نشيرإلى جهلهما بأحكام الإله والدين». (1)
... ويقول عن الشيخين -رضي الله عنهما-: «وهنا نجد أنفسنا مضطرين على إيراد شواهد من مخالفتهما الصريحة للقرآن لنثبت بأنهما كانا يخالفان ذلك». (2)
... ويقول متهمهما بتحريف القرآن: «لقد ذكر الله ثمان فئات تستحق سهماً من الزكاة، لكن أبا بكر أسقط واحدة من هذه الفئات، بإيعاز من عمر ولم يقل المسلمون شيئاً». (3)(35/13)
... ويقول أيضاً: «الواقع أنهم أعطوا الرسول حق قدره... الرسول
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... كشف الأسرار ص126.
(2) ... المرجع نفسه ص131.
(3) ... المرجع نفسه ص135.
الذي كدّ وجد وتحمل المصائب من أجل إرشادهم وهدايتهم وأغمض عينيه وفي أذنيه كلمات ابن الخطاب القائمة على الفرية والنابعة من أعمال الكفر والزندقة». (1)
... فهذه عقيدة الرافضة في الصحابة، وليعلم أن ما أوردته هنا غيض من فيض مما هو موجود في كتبهم من مطاعن، وسباب، وشتائم بذيئة، يتنزه أصحاب المرؤة والدين عن إطلاقها على أكفر الناس، بينما تنشرح بها صدور الرافضة، وتسارع بها ألسنتهم في حق أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وخلفائه ووزرائه وأصهاره، بل ويعدون ذلك ديناً يرجون عليه من الله أعظم الأجر والمثوبة. وفي الحقيقة إن المسلم إذا ما تأمل حال هؤلاء الناس وما هم عليه من بعد وضلال فإنه لا بد له من موقفين:
... الموقف الأول: موقف استشعار نعمة الله، وعظم لطفه، وسابغ كرمه أن أنقذه من هذا الضلال. الأمرالذي يستوجب شكر الله على ذلك.
... والموقف الثاني: موقف الاتعاظ والاعتبار، بما بلغ بهؤلاء القوم من زيغ وانحراف، يعلمه من له أدنى ذرة من عقل، كتقربهم إلى الله بلعن أبي بكر وعمر صباحاً ومساءً، وزعمهم أن من لعنهما لعنة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... كشف الأسرار ص137.
واحدة لم تكتب عليه خطيئة في يومه ذلك.(35/14)
... وذلك أن عامة العقلاء من هذه الأمة، بل ومن أصحاب
الملل السماوية يدركون إدراكاً ضرورياً من دين الله، أن الله ما تعبد
أمة من الأمم بلعن أحد من الكفار، ولو كان من أكفر الناس،
بل ما تعبدهم بلعن إبليس اللعين المطرود من رحمة الله صباحاً
ومساءً، في أوراد مخصوصه تقرباً إلى الله كما تتقرب الرافضة
بلعن أبي بكر وعمر. بل إني لا أعلم فيما اطلعت عليه من كتب الرافضة أنفسهم -مع اطلاعي على الكثير منها- أنها تضمنت دعاءً مخصوصاً أو غير مخصوص في لعن أبي جهل، أو أمية بن خلف،
أو الوليد بن المغيرة الذين هم أشد الناس كفراً بالله وتكذيباً لرسوله - صلى الله عليه وسلم -، بل ولا في لعن إبليس في حين أن كتبهم تمتلأ
بالروايات في لعن أبي بكر وعمر، كما في دعاء صنمي قريش وغيره.
... ففي هذا عبرة لكل معتبر فيما يبلغ بالعبد من الضلال إن هو أعرض عن شرع الله، واتبع الأهواء والبدع كيف يزين له سوء عمله، وقبيح أفعاله حتى يصبح لا يعرف معروفاً من منكر، ولا يميز حقاً من باطل، بل يتخبط في الظلمات، ويعيش في سكرة الشهوات، وهذا ما أخبر الله عنه في كتابه وبين حال أصحابه في قوله: {أفمن زين له سوء عمله فرآه حسناً فإن الله يضل من يشاء ويهدي
من يشاء}(1)، وقال: {الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً}(2)، وقال: {قل من كان في الضلالة فليمدد له الرحمن مداً حتى إذا رأوا ما يوعدون إما العذاب وإما الساعة فسيعلمون من هو شر مكاناً وأضعف جنداً}.(3)
عقيدة الرجعة:
... يعتقد الرافضة رجعة بعض الأموات بعد موتهم إلى الحياة الدنيا، وذلك في زمن خروج المهدي -المزعوم عندهم-.
... يقول أحمد الأحسائي(4) في كتاب الرجعة: «اعلم أن الرجعة في الأصل يراد بها رجوع الأموات إلى الدنيا، كأنهم خرجوا منها
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... فاطر آيه: 8.(35/15)
(2) ... الكهف آيه: 104.
(3) ... مريم آيه: 75.
(4) ... أحمد بن زين الدين الأحسائي، متوفى سنة 1241هـ، يعد من كبار ... علمائهم المتأخرين.
... قال عنه الخونساري: «ترجمان الحكماء المتألهين، ولسان العرفاء والمتكلمين، ... غرة الدهر، وفليسوف العصر ... لم يعد في هذه الأواخر مثله في المعرفة ... والفهم، والمكرمة والحزم، وجودة السليقة وحسن الطريقة...الخ» روضات ... الجنات 1/88-89 بواسطة الشيعة والتشيع لإحسان إلهي ظهير ص307- ... 308.
ورجعوا إليها».(1)
... ويقول -الزنجاني- وهو من علمائهم المعاصرين: «الرجعة عبارة عن حشر قوم عند قيام القائم الحجة -- عليه السلام --، ممن تقدم موتهم من أوليائه وشيعته، ليفوزوا بثواب نصرته ومعونته، بظهور دولته، وقوم من أعدائه ينتقم منهم، وينالوا بعض ما يستحقونه من العذاب والقتل على أيدى شيعته وليبتلوا بالذل والخزي بما يشاهدونه من علو كلمته. وهي عندنا الإمامية الاثنا عشرية تختص بمن محّض الإيمان، ومحّض الكفر والباقون سكوت عنهم».(2)
... فالرجعة عندهم هي للأئمة، ومن محّض الإيمان من أوليائهم، ومن محّض الكفر من أعدائهم -وهم يعنون بذلك الصحابة - رضي الله عنهم -- والقصد من ذلك هو إظهار العز والنصر للأئمة ومواليهم، والانتقام من أعدائهم، كما نص على هذا الزنجاني في كلامه المتقدم. وقد دلت على هذا رواياتهم وأقوال علمائهم المتقدمين.
... جاء في تفسير القمي نسبة إلى علي بن الحسين -رحمه الله-: أنه قال في تفسير قوله تعالى: {إن الذي فرض عليك القرآن لرادك
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... الرجعة ص41.
(2) ... عقائد الإمامية الإثني عشريه 2/228.
إلى معاد}(1) قال:«يرجع نبيكم صلى الله عليه وآله، وأمير المؤمنين، والأئمة عليهم السلام». (2)
... وممن يرجع عندهم للعذاب بزعمهم -أبو بكر وعمر.(35/16)
... يقول نعمة الله الجزائري بعد أن ذكر لعن الشيخين، وأنه من ضروريات المذهب عندهم: «وفي الأخبار ما هو أغرب من هذا: وهو أن مولانا صاحب الزمان -- عليه السلام --، إذا ظهر وأتى المدينة أخرجهما من قبريهما، فيعذبهما على كل ما وقع في العالم من الظلم المتقدم على زمانيهما: كقتل قابيل هابيل، وطرح إخوة يوسف له في الجبّ، ورمي إبراهيم في نار نمرود، وإخراج موسى خائفاً يترقب، وعقر ناقة صالح، وعبادة من عبد النيران، فيكون لهما الحظ الأوفر من أنواع ذلك العذاب»(3)، وهذه الرواية كافية الدلالة على سخف عقول القوم، وشدة حقدهم وبغضهم لخيري هذه الأمة بعد نبيها أبي بكر وعمر -رضي الله عنهما-.
... وقد جاءت أقوال علمائهم موضحة ومفصلة لبيان من يرجع من الأموات:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... القصص آية 85.
(2) ... تفسير القمي 2/147.
(3) ... الأنوار النعمائية 1/141.
... يقول المرتضى: «اعلم أن الذي قد ذهب الشيعة الإمامية إليه أن الله تعالى يعيد عند ظهور إمام الزمان المهدي صلوات الله عليه قوماً ممن كان تقدم موته من شيعته، ليفوز بثواب نصرته ومعونته، ومشاهدة دولته، ويعيد أيضاً قوماً من أعدائه لينتقم منهم، فيلتذون بما يشاهدون من ظهور الحق، وعلو كلمة أهله». (1)
... ويقول الأحسائي في بيان معنى الرجعة: «والمراد بها رجوع الأئمة عليهم السلام وشيعتهم وأعدائهم، ممن محّض من الفريقين الإيمان أو الكفر محضاً». (2)
... ولعقيدة الرجعة عند الرافضة أهمية بالغة، ومكانة عالية، دلت عليها رواياتهم وأقوال علمائهم.
... جاء في كتاب (علم اليقين)(3) عن الصادق أنه قال: «ليس منا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... الرجعة لأحمد الأحسائي 29.
... وانظر أيضاً: كلاماً قريباً من هذا نقله صاحب (علم اليقين في أصول الدين) ... 2/823 عن أبي علي الطبرسي.(35/17)
(2) ... الرجعه ص11.
(3) ... علم اليقين في أصول الدين لمحسن الكاشاني.
... قال الحر العاملي مثنياً على المؤلِّف: «كان فاضلاً، عالماً، ماهراً، حكيماً، ... متكلماً، محدثاً، فقيهاً، شاعراً، أديباً، حسن التصنيف، من المعاصرين، له ... كتب... وذكر فيها: علم اليقين» أمل الآمل 2/305.
من لا يؤمن برجعتنا، ويقر بمتعتنا». (1)
... ويقول أحمد الاحسائي: «اعلم أن الرجعة سرٌّ من الله، والقول بها ثمرة الإيمان بالغيب». (2)
... ويقول أيضاً في معرض استدلاله للرجعة: «فقد تكررت في أحاديثهم، وأدعيتهم، وزياراتهم، حتى إن من تتبع آثارهم حصل له العلم القطعى: بأن الرجعة من متمات الإيمان عندهم، والقول بها شعارهم». (3)
... ولهذا كان القول بالرجعة وتقريرها، محل إجماع الرافضة، كما نقل ذلك غير واحد من أئمتهم.
... يقول المفيد: «واتفقت الإمامية على وجوب رجعة كثير من الأموات إلى الدنيا قبل يوم القيامة، وإن كان بينهم في معنى الرجعة اختلاف». (4)
... ويقول المرتضى: «وإذا ثبت جواز الرجعة، ودخولها تحت المقدور، فالطريق إلى إثباتها إجماع الإمامية على وقوعها، فإنهم لا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... علم اليقين لمحسن الكاشاني 2/827.
(2) ... الرجعة ص11.
(3) ... المرجع نفسه ص24.
(4) ... أوائل المقالات ص48.
يختلفون في ذلك». (1)
... ويقول الحر العاملي ضمن ذكره الأدلة على إثبات الرجعة: «الضرورة: فإن ثبوت الرجعة من ضروريات مذهب الإمامية عند جميع العلماء المعروفين المشهورين، بل يعلم العامة أن ذلك من مذهب الشيعة، فلا ترى أحداً يعرف اسمه ويعلم له تصنيف من الإمامية يصرح بإنكار الرجعة ولا تأويلها». (2)
... ويقول الأحسائي: «وقد نقل الإجماع على ثبوتها العلماء، وهو عندنا حجة لكشفه عن قول المعصوم -- عليه السلام --».(3)(35/18)
... ويقول أيضاً: «إن الرجعة لم تثبت بخصوص أخبار آحاد ليمكن تأويلها أوطرحها، وإنما ثبتت بأخبار متواترة مضى عليها عمل العلماء واعتقادهم. على أن أكثرهم إنما عوّل على الإجماع الذي هو مقطوع به، ولا يحتمل التأويل: بأن الله يحي أمواتاً عند قيام القائم -- عليه السلام -- من أوليائه وأعدائه». (4)
... ويقول أيضاً: «فإذا عرفت هذا فاعلم يا أخي: أني لا أظنك
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... نقلاً عن الرجعة للأحسائي ص30.
(2) ... الايقاظ من الهجعة في إثبات الرجعة ص60.
(3) ... الرجعة ص24.
(4) ... المرجع نفسه ص25.
ترتاب بعدما مهدت وأوضحت لك، في القول بالرجعة، التي أجمعت
الشيعة عليها في جميع الأعصار، واشتهرت بينهم كالشمس في رابعة النهار، حتى نظموها في أشعارهم واحتجوا بها على جميع المخالفين في جميع أعصارهم، وشنّع المخالفون عليهم في ذلك». (1)
... ويقول عبدالله شبّر: «اعلم أن ثبوت الرجعة مما أجمعت عليه الشيعة الحقة، والفرقة المحقة، بل هي من ضروريات مذهبهم». (2)
... وأقوالهم في تقرير هذه العقيدة الفاسدة التي نَقلَتْ إجماع علمائهم عليها كثيرة جداً، وإنما سقت هنا بعضها.
... وقد أفرد (عقيدة الرجعة) بالتأليف بعض علمائهم الكبار كالحر العاملي الذي ألف كتاب (الإيقاظ من الهجعة في إثبات الرجعة). والأحسائي الذي ألف كتاب (الرجعة) وغيرها من المؤلفات الخاصة: التي تنتصر لهذه العقيدة الفاسدة، بمئات الروايات المكذوبة على الأئمة، وتدعي تواترها عنهم. وأهل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم منها ومنهم برآء.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... الرجعة ص30.
(2) ... حق اليقين 2/3.
عقيدة التقيّة:
... التقيّة من عقائد الرافضة المشهورة، التي تحتل مكانة كبيرة، ومنزلة رفيعة من دينهم. ولهم في فضلها مبالغات كبيرة.(35/19)
... ففي الكافي والمحاسن أن أبا جعفر قال -بزعمهم-: «التقيّة من ديني ودين آبائي، ولا إيمان لمن لا تقيّة له». (1)
... وفيهما أيضاً عن أبي عبدالله: «إن تسعة أعشار الدين في التقية، ولا دين لمن لا تقية له». (2)
... وعن أبي جعفر أنه قال: «لا والله ما على وجه الأرض شيء أحب إلى الله من التقية، ياحبيب: إنه من كانت له تقيّة رفعه الله ياحبيب، من لم تكن له تقيّة وضعه الله». (3)
... وعن أبي عبدالله أنه قال: «... ما عبدالله بشيء أحب إليه من الخَبْءِ، قلت: وما الخَبْء؟ قال: التقيّة». (4)
... والرافضة يحتجون لهذه العقيدة الفاسدة بقوله تعالى: {لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... أصول الكافي 2/219، والمحاسن للبرقي ص255.
(2) ... أصول الكافي 2/217، والمحاسن للبرقي ص259.
(3) ... أورده البرقي في المحاسن ص257.
(4) ... أورده الكليني في الكافي 2/219.
الله في شئ إلا أن تتقوا منهم تقاة}(1) ولا حجة لهم في هذه الآية ولا غيرها من النصوص.(35/20)
... يقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: «وهذه الاية حجة عليهم، فإن هذه الآية خوطب بها أولاً من كان مع النبي - صلى الله عليه وسلم - من المؤمنين. فقيل لهم: لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين، وهذه الآية مدنية باتفاق العلماء، فإن سورة آل عمران كلها مدنية، وكذلك البقرة والنساء والمائدة، ومعلوم أن المؤمنين بالمدينة على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يكن أحد منهم يكتم إيمانه، ولا يظهر للكفار أنه منهم كما تفعله الرافضة مع الجمهور... والرافضة من أعظم الناس إظهاراً لمودة أهل السنة، ولا يظهر أحدهم دينه حتى إنهم يحفظون من فضائل الصحابة والقصائد التي في مدحهم وهجاء الرافضة، ما يتوددون به إلى أهل السنة، ولا يظهر أحدهم دينه، كما كان المؤمنون يظهرون دينهم للمشركين وأهل الكتاب. فعلم أنهم من أبعد الناس عن العمل بهذه الآية. وأما قوله تعالى: {إلا أن تتقوا منهم تقاه}(2)، قال مجاهد: إلا مصانعة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... الآية من سورة آل عمران آية (28)، وممن نص على استدلالهم بها حسين ... ابن محمد العصفور في الانوار الوضية ص110.
(2) ... سورة آل عمران 28.
... والتقاة ليست بأن أكذب وأقول بلساني ماليس في قلبي، فإن هذا نفاق، ولكن أفعل ما أقدر عليه، كما في الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان). (1)(35/21)
... فالمؤمن إذا كان بين الكفار والفجار، ولم يكن عليه أن يجاهدهم بيده مع عجزه، ولكن إن أمكنه بلسانه وإلا فبقلبه، مع أنه لايكذب ويقول بلسانه ماليس في قلبه، إما أن يظهر دينه، وإما أن يكتمه، وهو مع هذا لا يوافقهم على دينهم كله، بل غايته أن يكون كمؤمن آل فرعون وامرأة فرعون، وهو لم يكن موافقاً لهم على جميع دينهم، ولا كان يكذب، ولا يقول بلسانه ماليس في قلبه، بل كان يكتم إيمانه، وكتمان الدين شئ، وإظهار الدين الباطل شئ آخر». (2)
... فتبين أنه لا حجة للرافضة في هذه الآية، بل إن عقيدة التقيّة عندهم مناقضة لأصل الإسلام وقواعد الشريعة.
... فالتقية الواردة في الآية هي: كتم مالا يستطيع أن يظهره المسلم من دينه عند الكفار، دون إظهار دينهم وموافقتهم فيه، والرافضة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... رواه مسلم (كتاب الإيمان، باب كون النهي عن المنكر من الايمان) 1/69 ... ح49.
(2) ... منهاج السنة 6/421-424.
يظهرون من عقائد مخالفيهم غير ما يعتقدون. فقد رووا عن أبي جعفر
أنه قال: «خالطوهم بالبرانية، وخالفوهم بالجوانية إذا كانت الإمرة صبيانية». (1)
... ويقول البحراني مبيناً معنى التقية عندهم: «المراد بها إظهار موافقة أهل الخلاف فيما يدينون به خوفاً». (2)
... ويقول الخميني: «التقية معناها: أن يقول الإنسان قولاً مغايراً للواقع، أو يأتي بعمل مناقض لموازين الشريعة، وذلك حفاظاً لدمه أو عرضه أو ماله». (3)
... والتقية الواردة في الآية إنما هي في حال الخوف، والرافضة يبيحون التقية على كل حال.
... روى الطوسي عن الصادق أنه قال: «ليس منا من لم يجعلها شعاره ودثاره مع من يأمنه، ليكون سجيته مع من يحذره». (4)
... وما دلت عليه الآية من جواز كتم شئ من الدين عند الإكراه، لا يعدوا أن يكون رخصة، وترك الرخصة والأخذ بالعزيمة جائز في(35/22)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... أصول الكافي 2/220.
(2) ... الكشكول 1/202.
(3) ... كشف الأسرار ص147.
(4) ... أمالي الطوسي ص229.
الشرع، بل إنه من أعظم الجهاد في سبيل الله.
... وأما الرافضة: فالأخذ بالتقية عندهم واجب، بل إنه لا دين لمن لاتقية له، والتقية هي تسعة أعشار الدين عندهم، كما تقدم في رواياتهم.
... وقد رووا عن علي بن محمد من مسائل داود الصرمي عنه أنه قال له: «ياداود لو قلت لك: إن تارك التقية كتارك الصلاة لكنت صادقاً».(1)
... وعن الباقر أنه قال: «أشرف أخلاق الأئمة، والفاضلين من شيعتنا استعمال التقية».(2)
... والرافضة يجيزون التقية في كل شئ حتى في العبادات.
... روى الصدوق عن أبي عبدالله أنه قال: «ما منكم أحد يصلي صلاة فريضة في وقتها، ثم يصلي معهم صلاة تقية، وهو متوضئ إلا كتب الله له بها خمساً وعشرين درجة فارغبوا في ذلك».(3)
... ويقول الصدوق: «وقال لي أبي في رسالته إليّ: لاتصل خلف أحد إلا خلف رجلين: أحدهما من تثق بدينه وورعه، وآخر تتقي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... الأصول الأصيلة لعبدالله شبّر ص320.
(2) ... المصدر السابق ص323.
(3) ... من لايحضره الفقيه 1/266.
سيفه وسطوته، وشناعته على الدين، وصل خلفه على سبيل التقية والمداراة».(1)
... ورووا عن الصادق: «أنه دخل على أبي العباس في يوم شك وهو يتغذى، فقال: ليس هذا من أيامك، فقال الصادق: ما صومي إلا صومك، ولا فطري إلا فطرك، فقال: ادن، فدنوت وأكلت، وأنا والله أعلم أنه من رمضان».(2)
... ومعلوم لدى الخاص والعام من المسلمين، مناقضة هذا لأصل دين الإسلام القائم على وجوب الإخلاص لله في الأعمال، والمتابعة لنبيه - صلى الله عليه وسلم - فيها وأن الله لايقبل من الأعمال إلا ما كان خالصاً لوجهه، على وفق سنة نبيه - صلى الله عليه وسلم -.(35/23)
... ومن خلال هذا العرض يتبين أن عقيدة التقية عند الرافضة، إنما هي نفاق محض، بكل صورها وأشكالها، وأن الإسلام بريء منها ومن أهلها، وأن ما يقرره الرافضة ويدينون به، ويتعاملون به مع المسلمين باسم التقية هو حقيقة ماكان عليه المنافقون في عهد البعثة الذين فضحهم الله وبين حالهم بقوله: {وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... من لا يحضره الفقيه 1/265.
(2) ... الصراط المستقيم إلى مستحقي التقديم للنباطي 3/73.
وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزئون}.(1)
... وبقوله: {إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يرآؤن الناس ولا يذكرون الله إلا قليلاً}.(2)
... فعلى المسلمين اليوم أن يكونوا على حذر ويقظة من حيل الرافضة ومكرهم، وأن لا ينخدعوا بما يظهرون لهم من الموافقة، وإخفاء تلك العقائد الفاسدة، التي يقوم عليها دينهم، وتبنى عليها عقيدتهم، كعقيدة تحريف القرآن، وتكفير الصحابة، وحقدهم الدفين على الأمة وعلمائها، وغيرها من عقائدهم المقررة في كتبهم، وليعلم أولئك المخدوعون بهم من أهل السنة وبما يظهرون لهم من الموافقة في الدين أن دينهم يقوم على ذلك النفاق والخداع، من يوم أن عرفت الرافضة إلى اليوم، وأن هذا المسلك يمثل عقيدة أصيلة عندهم هي تسعة أعشار دينهم، ولا إيمان لمن لم يحققها، على ما صرحت به كتبهم القديمة والحديثة. فهل يعي المغرورون ويتنبه الغافلون؟!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... سورة البقرة آيه: 14.
(2) ... سورة النساء آية: 142.(35/24)
المبحث الرابع
مطاعن الرافضة على
أئمة أهل السنة وعلمائهم
... انفرد الرافضة من بين طوائف الأمة بحقدهم العظيم، وطعنهم الشديد، على سائر سلف الأمة وعلمائها ابتداء من الصحابة إلى علماء السنة المعاصرين، على ما هو معلوم لدى المطلع على كتبهم.
... وفي الحقيقة إن المتأمل لعداوة الرافضة لسلف الأمة وعلمائها يدرك أن هذه العداوة نابعة من بغض مؤسسي هذا المذهب الخبيث لهذا الدين وأهله، حيث وضعوا لأتباعهم الطعن في نقلة هذا الدين وعلمائه بقصد هدمه من أساسه.
... وإن من الأدلة الظاهرة، والبراهين الساطعة، على صحة هذا أن عداوة الرافضة تزداد بحسب مكانة الرجل في الإسلام، وسبقه إليه، وبلائه فيه. ولهذا يجد المطلع على أقوالهم وكتبهم، أنه قد ورد فيها من المطاعن في حق أبي بكر وعمر -رضي الله عنهما- ما لم يرد في حق غيرهما من الصحابة حتى من الذين اختلفوا مع علي -- رضي الله عنه -- وذلك لمكانتهما العالية في الدين وحسن بلائهما فيه، كما أن لهم من المطاعن في الصحابة عموماً ما ليس في من بعدهم من السلف، وكذلك لهم من المطاعن في أئمة الإسلام وعلمائه ما ليس في من هم دونهم في الفضل.
... وأغرب من هذا كله: أن هؤلاء الرافضة في الوقت الذي يطعنون فيه في خيار أئمة أهل السنة -الذين هم أعظم الناس تحقيقاً لموالاة علي -- رضي الله عنه -- ومحبته المحبة الشرعية الصحيحة- ويرمونهم بما يرمونهم به من الكفر، والنفاق، يغضون الطرف عن الخوارج الذين يكفرونه، والنواصب الذين يفسقونه، وإذا ما ذكروهم، فإنهم لا يذكرونهم بما يذكرون به أئمة أهل السنة من الذم والقدح.
... وإن كان الحديث قد سبق بذكر بعض مطاعنهم على الصحابة، فإني أذكر هنا بعض مطاعنهم على أئمة أهل السنة وعلمائهم، الذين هم خيار الأمة بعد الصحابة:(36/1)
... فمن ذلك ما أورده النباطي(1) في كتابه الصراط المستقيم إلى مستحقي التقديم حيث أورد في المجلد الثالث من هذا الكتاب فصلاً خاصاً بالطعن على رواة أهل السنة وعلمائهم عنون له بقوله:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... هو: زين الدين علي بن يونس العاملي النباطي، متوفى عام 877هـ.
... قال عنه الحر العاملي: «كان عالماً، فاضلاً، محققاً، مدققاً، ثقة، متكلماً، ... شاعراً، أديباً، متبحراً، له كتب منها: كتاب الصراط المستقيم إلى مستحقي ... التقديم». أمل الآمل 1/135.
(في ذكر رواتهم والطعن فيهم).
... قال بعد الطعن في طائفة كبيرة من فقهاء الصحابة وفي سياق طعنه في أئمة أهل السنة من بعد الصحابة: «ومنهم: مقاتل، قال الجزري: كان كذاباً بإجماع المحدثين، وقال وكيع: كذاب، وقال السعدي: كان حسوداً...
... ومنهم: محمد بن سيرين كان مؤدِّباً للحجاج على ولده، وكان يسمعه يلعن علياً فلا ينكر عليه، فلما لعن الناس الحجاج خرج من المسجد وقال: لا أطيق أسمع شتمه.
... ومنهم: سفيان الثوري كان في شرطة هشام بن عبدالملك.
... ومنهم: الزهري، قال سفيان بن وكيع: إنه كان يضع الأحاديث لبني مروان وكان مع عبدالملك يلعن علياً. وروى الشاذكوني(1) بطريقين أنه قتل غلاماً له.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... هو: أبو أيوب سليمان بن داود بن بشر بن زياد المِنْقَري البصري، ... المعروف بالشاذكوني، من أهل البصرة.
... قال السمعاني: يتهم بشرب النبيذ، وغير ذلك، وكان يتهم بوضع ... الحديث. وذكره البخاري فقال: هو أضعف عندي من كل ضعيف. وقال ... أبو عبدالرحمن النسائي: هو ليس بثقة، مات سنة 234هـ.
... انظر الأنساب 3/371.(36/2)
... ومنهم: سعيد بن المسيب، فقيه الحجاز، روى أبو معشر أنه تأبىّ من حضور جنازة علي بن الحسين، وهو ابن ناقل هذا الدين، ومحمود عند سائر المسلمين، وقال: ركعتين أحب إليَّ من حضور علي بن الحسين.
... ومنهم: خالد الواسطي، روى: الجنة والنار يخربان.
... ومنهم: منصور بن المعتمر كان شرطياً لهشام بن عبدالملك.
... ومنهم: سعيد بن جبير، كان على عطاء الخيل في زمرة الحجاج وتخلف عن الحسين.
... ومنهم: الحسن البصري، خرج مع ابن الأشعث، وتخلف عن الحسين، وخرج في جند الحجاج إلى خراسان، وقال في عثمان: قتله الكفار، وخذله المنافقون، فنسب جمع المهاجرين والأنصار إلى النفاق.
... ومنهم: مسروق بن الأجدع، ومرّة الهمدانيان: لم يخرجا مع علي إلى صفين، بل أخذا عطاءهما منه وهربا إلى قزوين، وكان مسروق يلي الجسر بالبصرة لعبيدالله بن زياد يأخذ له المكس...
... ومنهم: كعب الأحبار، ضربه أبو ذر بمحجنه فشجه، فقال له: ما خرجت اليهودية من قلبك.
... ومنهم: إبراهيم النخعي، تخلف عن الحسين، وخرج مع ابن الأشعث، وفي جيش عبيدالله بن زياد إلى خراسان.
... ومنهم: أبو إسحاق السبيعي، خرج إلى قتال الحسين -- عليه السلام --.
... ومنهم: الشعبي، خرج مع ابن الأشعث، وتخلف عن الحسين، وأسند الشاذكوني: أنه سرق من بيت المال مائة درهم في خفية، وأن شريحاً، ومسروقاً، ومرّة، كانوا لايؤمّنون على دعائه.
... وأسند العطار إلى بهلول إلى أبي حنيفة قال: دخلت على الشعبي وبين يديه شطرنج، وروى أبو بكر الكوفي عن المغيرة: أن الشعبي كان لايهون عليه أن تقوم الصلاة وهو يلعب بالشطرنج والنرد، وروى الفضل بن سليمان عن النضر بن محارب أنه رأى: الشعبي يلعب بالشطرنج، فإذا مر عليه من يعرفه أدخل رأسه في قطيفته.(36/3)
... ومنهم: خالد الحذّاء، روى عنه أبو عاصم النيلي أنه أول من وضع العشور، وروى فقهاؤهم مثل: حماد بن زيد، وغيره: إنا لنرى علياً بمنزلة العجل الذي اتخذه بنوا إسرائيل.
... فهذا اختلاف من أخذوا عنهم أمر دينهم واعتمدوا في الاحتجاج على قولهم. وقد ذكر علماؤهم أن عامة من تعلق بهم علم الحديث مبتدعة».(1)
... هذا ما ذكره النباطي في الطعن على أئمة أهل السنة والنيل منهم
وبعض ما ذكره منقول بنصه من كتاب الإيضاح
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... الصراط المستقيم إلى مستحقي التقديم 3/244-254.
لابن شاذان.(1)
... ويقول نعمة الله الجزائري في كتابه: (الأنوار النعمانية) تحت عنوان: (ظلمة حالكة في بيان أحوال الصوفية والنواصب): «اعلم أن هذا الاسم وهو: التصوف كان مستعملاً في فرقة من الحكماء الزائغين عن طريق الحق، ثم قد استعمل بعده في جماعة من الزنادقة، وبعد مجئ الإسلام استعمل في جماعة من أهل الخلاف كالحسن البصري، وسفيان الثوري، وأبي هشام الكوفي، ونحوهم، وقد كانوا في طرق من الخلاف مع الأئمة عليهم السلام، فإن هؤلاء المذكورين قد عارضوا الأئمة عليهم السلام في أعصارهم، وباحثوهم وأرادوا إطفاء نور الله، والله متم نوره ولو كره الكافرون، والذي وجد منهم في أعصار علمائنا رضوان الله عليهم، قد عارضهم ورد عليهم، وصنف علماؤنا كتباً في ذمهم والرد عليهم».(2)
... فهذا هو موقف الرافضة من خيار الأمة بعد الصحابة وهم التابعون وأتباعهم، الذين هم حملة العلم، وقدوة الناس في الخير والفضل. وإنما ذكرت هنا نماذج من طعنهم فيهم، بغية الاختصار،
وإلا فكتبهم تزخر بالكثير من المطاعن والشتائم على أولئك الأخيار.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... انظر: الإيضاح ص45-47.
(2) ... الأنوار النعمانية 2/281.(36/4)
... وأما أئمة المذاهب الفقهية الأربعة عند أهل السنة فقد بالغوا في الطعن عليهم بحسب مقامهم في الأمة وانتفاع الناس بعلومهم.
... وها هي ذي نماذج من مطاعنهم عليهم:
طعنهم في الإمام أبي حنيفة -رحمه الله-:
... يقول النباطي ضمن فصل خاص عقده للطعن في الأئمة الأربعة بعنوان: (في تخطئة كل واحد من الأئمة الأربعة) :«الأول أبو حنيفة، وفيه أمور: ...
... قال الغزالي: أجاز أبو حنيفة وضع الحديث على وفق مذهبه.
... وعن يوسف بن أسباط، قال أبو حنيفة: لو أدركني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأخذ بكثير من أقوالي...
... وفي مجالس ابن مهدي: كان أبو حنيفة يشرب مع مساور فلما تنسك عاب مساوراً فكتب إليه شعراً:
إن كان فقهك لا يتم ... ( ... بغير شتمي وانتقاصي
فاقعد وقم بي حيث شئت ... ( ... من الأداني والأقاصي
فلطال ما زكّيتني و ... ( ... أنا مقيم على المعاصي
أيام تعطينى وتأخذ ... ( ... في أباريق الرصاص
... فأنفذ إليه أبو حنيفة بمال وكف عنه...»(1) الخ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... الصراط المستقيم 3/213.
ماذكره من مطاعن وأكاذيب على هذا الإمام الجليل. عليه من الله ما يستحق.
... ويقول البحراني: «وأما أبو حنيفة فكان يقول قال علي-- عليه السلام -- وأنا أقول خلافاً لقوله، وحُكي عنه أنه كان يقول خالفت جعفر بن محمد في جميع أقواله وفتاواه، ولم يبق إلا حالة ... السجود، فما أدري أنه يغمض عينيه أو يفتحها حتى أذهب إلى ... خلافه وأفتى الناس بنقيض فعله». (1)
طعنهم في الإمام مالك -رحمه الله-:
... يقول النباطي ضمن طعنه عليه: «كان مالكاً يذكر علياً وعثمان وطلحة والزبير، ويقول: والله ما اقتتلوا إلا على الثريد الأعفر.(36/5)
... ودخل محمد بن الحسن على مالك ليسمع منه الحديث فسمع في داره المزمار والأوتار فأنكر عليه فقال: إنا لا نرى به بأساً.
... وفي حلية الأولياء وغيرها عن ابن حنبل وأبي داود أن جعفر بن سليمان ضرب مالكاً وحلقه وحمله على بعير، وروي أنه كان
على رأي الخوارج فسئل عنهم فقال:ما أقول في قوم ولوّنا فعدلوا فينا». (2)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... الكشكول ليوسف البحراني 3/46.
(2) ... الصراط المستقيم إلى مستحقي التقديم 3/220.
طعنهم في الإمام الشافعي -رحمه الله-:
... يقول النباطي في معرض طعنه عليه: «عن أبي بكر ابن عياش أنه قال: سوّد الله وجه ابن إدريس.
... وقال عمار بن زريق: ذكر الشافعي عند الثوري فقال: غير فقيه ولا مأمون.
... وقال القاضي بن شهري: كان الشافعي لا يحدث إلا ولجانبه غلام أمرد حسن الوجه...
... [وقال النباطي]: ونسب نبينا إلى الرغبة في الحرام حيث قال: إذا أبصر امرأة وأعجبته وجب على زوجها ... طلاقها». (1)
طعنهم في الإمام أحمد -رحمه الله-:
... يقول الكشي في ترجمته: «هو من أولاد ذي الثدية، جاهل، شديد النصب يستعمل الحياكة لايعد من الفقهاء».(2)
... ويقول النباطي: «في مسند جعفر قال أحمد: لايكون الرجل سنياً ... حتى يبغض علياً ولو قليلاً».(3)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... الصراط المستقيم 3/217-219.
(2) ... إلى مستحقي التقديم نقله عن الكشي، النباطي: في الصراط المستقيم ... 3/223
(3) ... الصراط المستقيم إلى مستحقي التقديم 3/224.
... ويقول أيضاً: «ووقع الراضي بالله نسخة للحنابلة فيها: وقد
تأمل أمير المؤمنين جماعتكم، وكشفت له الخبرة عن مذهب صاحبكم. فوجده كاللعين إبليس يزين لحزبه المحظور، ويركب بهم صعاب الأمور، ويدلي لهم حبل الغرور».(1)
... وأما الإمامان المحدثان البخاري ومسلم:(36/6)
... فيقول النباطي في الطعن عليهما: «كتم البخاري ومسلم أخباراً جمة في فضائل أهل البيت صحيحة على شرطهما». (2)
... ويقول: بعد أن ذكر جملة من الأحاديث الموضوعة والضعيفة زعم أن الشيخين قد أسقطاها من كتابيهما- : «فهذه الأحاديث إن كانت لم تصل إلى الشيخين مع شهرتها، فهو دليل قصورهما فكيف يرجحون كتابيهما ويلهجون بذكرهما على غيرهما، وإن وصلت إليهما فتركا روايتها ونقلها كان ذلك من أكبر التهمة والانحراف والرجوع عن السبيل الواضح إلى الاعتساف». (3)
... ويقول أيضاً في طعنه على الإمام البخاري: «ما رأينا عند العامة أكثر صيتاً منه ولا أكثر درجة منه فكأنه جيفة علت، أو كلفة(4)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... الصراط المستقم إلى مستحقي التقديم 3/225.
(2) ... المصدر نفسه 3/232
(3) ... المصدر نفسه 3/234.
(4) ... الكلفة: حمرة كَدِرة تعلو الوجه، وقيل: لون بين السواد والحمرة، وقيل: هو ... سواد يكون في الوجه. لسان العرب 9/307.
غشت بدراً، كتم الحق وأقصاه، وأظهر الباطل وأدناه». (1)
... فهذه نماذج مما جاء في كتب الرافضة في حق أئمة أهل السنة وعلمائهم، توضح مدى حقدهم وبغضهم، وشدة عدائهم لهم.
... وليعلم القارئ أني إنما سقت هنا أمثلة فقط وإلا فقد تركت نصوصاً أخرى لهم في الطعن في السلف فيها قدح شنيع ونيل عظيم من أعراضهم ودينهم تنزهاً عن نقلها وتأثماً من نشرها بين الناس.
... وأختم الحديث هنا بنقل مهم عن شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في بيان موقف الرافضة من سلف الأمة وأئمتها تأكيداً لما تقدم نقله من كتبهم.
... يقول -رحمه الله-: «الرافضة كفّرت أبا بكر وعمر وعثمان، وعامة المهاجرين والأنصار، والذين اتبعوهم بإحسان، الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه،وكفروا جماهيرأمة محمد- صلى الله عليه وسلم - من المتقدمين والمتأخرين.(36/7)
... فيكفرون كل من اعتقد في أبي بكر وعمر والمهاجرين والأنصار العدالة، أو ترضى عنهم كما رضي الله عنهم، أو يستغفر لهم كما أمر الله بالاستغفار لهم، ولهذا يكفرون أعلام الملة: مثل سعيد بن المسيب، وأبي مسلم الخولاني، وأويس القرني، وعطاء بن أبي رباح، وإبراهيم النخعي، ومثل: مالك، والأوزاعي، وأبي حنيفة، وحماد بن زيد،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... الصراط المستقم إلى مستحقي التقديم 3/226.
وحماد بن سلمة، والثوري، والشافعي، وأحمد بن حنبل، وفضيل بن عياض، وأبي سليمان الداراني، ومعروف الكرخي ، والجنيد بن محمد، وسهل بن عبدالله التستري وغير هؤلاء.
... ويرون أن كفرهم أغلظ من كفر اليهود والنصارى، لأن أولئك عندهم كفار أصليون، وهؤلاء مرتدون، وكفر الردة أغلظ بالإجماع من الكفر الأصلي.
... إلى أن قال: وأكثر محققيهم -عندهم- يرون أبا بكر وعمر وأكثر المهاجرين والأنصار، وأزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - مثل: عائشة، وحفصة، وسائر أئمة المسلمين وعامتهم ما آمنوا بالله طرفة عين قط، لأن الإيمان الذي يتعقبه الكفر عندهم يكون باطلاً من أصله كما يقوله بعض علماء السنة، ومنهم من يرى أن فرج النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي جامع به عائشة وحفصة لابد أن تمسه النار ليطهر بذلك من وطء الكوافر على زعمهم لأن وطء الكوافر حرام عندهم». (1)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... مجموع الفتاوى 28/477-481.
المبحث الخامس
موقف أهل السنة من الرافضة ومن عقيدتهم
أولاً: موقف أهل البيت من الرافضة ومن عقائدهم:(36/8)
... أئمة أهل بيت النبي - صلى الله عليه وسلم - ... كسائر أهل السنة في موقفهم من الرافضة ومن عقائدهم، فهم يعتقدون ضلالهم وانحرافهم عن السنة، وبعدهم عن الحق. وهم من أشد الناس ذماً ومقتاً لهم وذلك لنسبتهم تلك العقائد الفاسدة إليهم، وكثرة كذبهم عليهم، وقد تعددت عبارات أهل البيت وتنوعت في ذم الرافضة وبراءتهم من عقيدتهم.
... فمما جاء عنهم في براءتهم من عقائد الرافضة وتأصيلهم عقيدة أهل السنة:
... ما ثبت عن علي -- رضي الله عنه -- وتواتر عنه أنه قال وهو على منبر الكوفة: (خير هذه الأمة بعد نبيها أبوبكر ثم عمر -رضي الله عنهما-).(1)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... أخرجه الإمام أحمد في المسند 1/106، وابن أبي عاصم في السنة ص556، ... وصححه الألباني في ظلال الجنة، وأخرجه اللالكائي 7/1366-1397، ... ورواه أبو نعيم في كتاب الإمامة ص283 ، ومحمد بن عبدالواحد المقدسي ... في النهي عن سب الأصحاب ص73، وأبو حامد المقدسي في رسالة ==
... وعنه - رضي الله عنه - أنه قال: (لايفضلني أحد على الشيخين إلا جلدته حد المفتري).(1)
... وفي الصحيحين أنه قال في حق عمرعند تشييعه:(ما خلفت أحداً أحب إلىّ من أن ألقى الله بمثل عمله منك وايم الله إن كنت لأظن أن يجعلك الله مع صاحبيك، وذلك أني كنت أسمع كثيراً رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول:ذهبت أنا وأبوبكر وعمر، ودخلت أنا وأبوبكر وعمر،وخرجت أنا وأبوبكر وعمر، وإن كنت لأظن أن يجعلك الله معهما).(2)
... وهذه الآثار الثابتة عن علي -- رضي الله عنه -- تناقض عقيدة الرافضة في الشيخين كماتقدم، وتدل على براءة علي-- رضي الله عنه -- من الرافضة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ(36/9)
(=) ... في الرد على الرافضة ص296. قال شيخ الإسلام ابن تيمية ضمن حديثه ... عن براءة علي -- رضي الله عنه -- من الرافضة: «وقد تواتر عنه من الوجوه الكثيرة أنه ... قال على منبر الكوفة وقد أسمع من حضر: خير هذه الأمة بعد نبيها:أبوبكر، ... ثم عمر.وبذلك أجاب ابنه محمد بن الحنفية.فيمارواه البخاري في صحيحه» ... منهاج السنة 1/11-12،وانظر الأثر في البخاري (كتاب فضائل الصحابة، ... باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم - لو كنت متخذاً خليلاً). فتح الباري 7/20ح3671.
(1) ... اخرجه عبدالله بن أحمد في السنة 2/562، وابن أبي عاصم في السنة ... ص561، وأبو حامد المقدسي في رسالة في الرد على الرافضة ص298.
(2) ... أخرجه البخاري في (كتاب فضائل الصحابة، باب مناقب عمر بن الخطاب) ... فتح الباري 7/41، ح3685، ومسلم (كتاب فضائل الصحابة، باب من ... فضائل عمر -- رضي الله عنه --) 4/1858، ح2389.
ومن عقيدتهم، وتوليه للشيخين وسائرأصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -، وحبه لهم، وإقراره للشيخين بالفضل عليه، وعقوبته من فضله عليهما، وتمنيه أن يلقىالله بمثل عمل عمر. فرضي الله عنه وعن سائر أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - الطيبين المطهرين من كل ماينسبه إليهم أهل البدع من الرافضة والخوارج المارقين.
... ثم من بعد علي -- رضي الله عنه -- جاءت أقوال أبنائه، وأهل بيته، في البراءة من الرافضة ومن عقيدتهم، وانتصارهم لعقيدة أهل السنة. وإليك طرفاً من أقوالهم في ذلك:
... قول الحسن بن علي -رضي الله عنهما-:
... عن عمرو بن الأصم قال: قلت للحسن: إن الشيعة تزعم أن علياً مبعوث قبل يوم القيامة، قال: (كذبوا والله ما هؤلاء بالشيعة؛ لو علمنا أنه مبعوث، ما زوجنا نساءه ولا اقتسمنا ماله).(1)(36/10)
... وروى أبو نعيم قيل للحسن بن علي -رضي الله عنهما-: إن الناس يقولون: إنك تريد الخلافة، قال: (كانت جماجم العرب في يدي. يحاربون من حاربت، ويسالمون من سالمت، فتركتها ابتغاء وجه الله، وحقن دماء أمة محمد- صلى الله عليه وسلم - ).(2)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... أخرجه الإمام أحمد في المسند 1/148، وفي فضائل الصحابة 2/175، ... وأورده الذهبي في السير 3/263.
(2) ... حلية الأولياء 2/37.
... قول الحسين بن علي -رضي الله عنهما-:
... كان يقول في شيعة العراق -الذين كاتبوه ووعدوه بالنصر، ثم تفرقوا عنه وأسلموه إلى أعدائه-: (اللهم إن أهل العراق غرّوني، وخدعوني، وصنعوا بأخي ما صنعوا، اللهم شتت عليهم أمرهم وأحصهم عدداً).(1)
... ثم كان نتيجة غدرهم وخذلانهم له استشهاده -- رضي الله عنه -- هو وعامة من كان معه من أهل بيته، بعد أن تفرق عنه هؤلاء الخونة. فكان مقتله -- رضي الله عنه -- مصيبة عظيمة، ومأساة جسيمة، يتفطر لها قلب كل مسلم. تولى كبرها هؤلاء الشيعة، الذين يظهرون اليوم تحسرهم وندمهم على مقتل الحسين بإقامة تلك المآتم المبتدعة في يوم عاشوراء من كل سنة، فقبحهم الله ما أكذب دعواهم في ولاية أهل البيت، وأعظم غدرهم وخذلانهم لهم !!
... قول علي بن الحسين -رحمه الله-:
... ثبت عنه أنه قال: (يا أهل العراق أحبونا حب الإسلام، ولا تحبونا حب الأصنام، فما زال بناحبكم حتى صار علينا شيناً).(2)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... أورده الذهبي في السير 3/302.
(2) ... أخرجه اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة 7/1398، وأورده أبو ... نعيم في الحلية 3/137، والذهبي في السير 4/390.(36/11)
... وعنه -رحمه الله-: أنه جاءه نفر من أهل العراق، فقالوا في أبي بكر وعمر وعثمان -رضي الله عنهم-، فلما فرغوا قال لهم: (ألا تخبروني أنتم المهاجرون الأولون الذين أُخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلاً من الله ورضواناً وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون؟ قالوا: لا! قال: فأنتم الذين تبوؤا الدار والإيمان من قبلهم، يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة، ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون؟ قالوا: لا! قال: أشهد أنكم لستم من الذين قال الله - عز وجل -: {والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفرلنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم}(1) اخرجوا فعل الله بكم !!).(2)
... قول محمد بن علي (الباقر):
... عن محمد بن علي أنه قال: (أجمع بنو فاطمة على أن يقولوا في أبي بكر وعمر أحسن ما يكون من القول).(3)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... سورة الحشر آيه 10.
(2) ... أورده أبو نعيم في الحليه 3/137.
(3) ... أخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق 15/355 أ، وأورده الذهبي في السير ... 4/406، وأبو حامد المقدسي في الرد على الرافضة ص302.
... وعنه -رحمه الله- أنه قال لجابر الجعفي: (إن قوماً بالعراق
يزعمون أنهم يحبوننا، ويتناولون أبا بكر وعمر -رضي الله عنهما-، ويزعمون أني أمرتهم بذلك؛ فأخبرهم: أني أبرأ إلى الله تعالى منهم، والله برئ منهم، والذي نفس محمد بيده لو وليت؛ لتقربت إلى الله بدمائهم. لانالتني شفاعة محمد، إن لم أكن أستغفر لهما، وأترحم عليهما، إن أعداء الله غافلون عنهما).(1)
... وعن بسام الصيرفي قال: سألت أبا جعفر عن أبي بكر وعمر فقال: (والله إني لأتولاهما، وأستغفر لهما. وما أدركت أحداً من أهل بيتي إلا هو يتولاهما).(2)(36/12)
... قول زيد بن علي -رحمه الله-:
... عن زيد بن علي أنه قال:(كان أبوبكر إمام الشاكرين.ثم تلا {وسيجزي الله الشاكرين}(3)ثم قال:البراءة من أبي بكر هي البراءة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... أخرجه محمد بن عبدالواحد المقدسي في النهى عن سب الأصحاب ص75، ... وأورده البيهقي في كتاب الاعتقاد ص361، وأبو حامد المقدسي في الرد ... على الرافضة ص303.
(2) ... أخرجه ابن سعد في الطبقات 5/321، وابن عساكر في تاريخ دمشق ... 15/355ب، وأورده ابن كثير في البداية والنهاية 9/321، والذهبي في ... السير 4/403، وأبو حامد المقدسي في الرد على الرافضة ص304.
(3) ... سورة آل عمران من الآية: 144.
من علي).(1)
... وعنه -رحمه الله- أنه قال: (البراءة من أبي بكر وعمر، البراءة من علي -رضي الله عنهم-. فإن شئت فتقدم، وإن شئت فتأخر).(2)
... قول جعفر بن محمد (الصادق):
... عن عبدالجبار بن عباس الهمداني: أن جعفر بن محمد أتاهم وهم يريدون أن يرتحلوا من المدينة.فقال:(إنكم إن شاء الله من صالحي أهل مصركم، فأبلغوهم عني:من زعم أني إمام معصوم مفترض الطاعة؛ فأنا منه برئ، ومن زعم أني أبرأ من أبي بكر وعمر؛ فأنا منه برئ). (3)
... وعن سالم بن أبي حفصه قال: سألت أبا جعفر وابنه جعفر عن أبي بكر وعمر فقال: يا سالم تولهما وابرأ من عدوهما؛ فإنهما كانا إمامي هدى، ثم قال جعفر: يا سالم أيسب رجل جده؟ أبو بكر جدي، لا نالتني شفاعة محمد - صلى الله عليه وسلم - يوم القيامة إن لم أكن أتولاهما وأبرأ من عدوهما).(4)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... أخرجه اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة 7/1302، وابن ... عساكر في تاريخ دمشق 6/324ب، وأورده الذهبي في السير 5/390.
(2) ... أخرجه محمد بن عبدالواحد المقدسي في النهي عن سب الأصحاب ص75.(36/13)
(3) ... أورده الذهبي في سير أعلام النبلاء 6/259.
(4) ... أخرجه عبدالله بن أحمد في كتاب السنة 2/558، واللالكائي في شرح ... أصول اعتقاد أهل السنة 7/1301، وأورده الذهبي في السير 6/258.
... وعن جعفر بن محمد أنه كان يقول: (ما أرجوا من شفاعة علي شيئاً، إلا وأنا أرجوا من شفاعة أبي بكر مثله، لقد ولدني مرتين(1)).(2)
... وعنه -رحمه الله- أنه سئل عن أبي بكر وعمر فقال: (إنك تسألني عن رجلين قد أكلا من ثمار الجنة).
... وعنه أنه قال: (برئ الله ممن تبرأ من أبي بكر وعمر).(3)
... قال الذهبي معقباً على هذا الأثر: «قلت هذا القول متواتر عن جعفر الصادق، وأشهد بالله إنه لبار في قوله، غير منافق لأحد، فقبح الله الرافضة».(4)
... فهذه هي أقوال أئمة أهل البيت، الطيبين، الطاهرين، الذين تدعي الرافضة إمامتهم وولايتهم، وينسبون إليهم عقيدتهم؛ جاءت موضحة ومبينة موقفهم من الرافضة، ومن دينهم، وبراءتهم منهم ومن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... قال الذهبي في ترجمة جعفر بن محمد: «وأمه هي أم فروة بنت القاسم بن ... محمد بن أبي بكر التيمي، وأمها هي أسماء بنت عبدالرحمن بن أبي بكر، ... ولهذا كان يقول: ولدني أبوبكر الصديق مرتين»سير أعلام النبلاء 6/255.
(2) ... أخرجه اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة 7/1301، وأورده ... الذهبي في السير 6/259.
(3) ... أورده الذهبي في سير أعلام النبلاء 6/260.
(4) ... سير أعلام النبلاء 6/260.(36/14)
كل ما يلصقونه بهم من عقائدهم المكفرة، ومطاعنهم على خيار الصحابة، وأمهات المؤمنين؛ وأن هؤلاء الأئمة من أهل البيت على عقيدة أهل السنة، ظاهراً وباطناً؛ في كل كبير وصغير؛ فهي عقيدتهم التي بها يدينون، وعليها يوالون ويعادون؛ وأن من نسب لهم غير ذلك فهو كاذب عليهم ظالم لهم، فرحمهم الله رحمة واسعة، وقبح الله الرافضة ما أعظم فريتهم عليهم وأشد أذيتهم لهم.
ثانيا: أقوال المنسوبين للتشيع(1) من الأئمة المتقدمين:
... روى اللالكائي عن ليث بن أبي سليم قال: (أدركت الشيعة الأولى ما يفضلون على أبي بكر وعمر أحداً).(2)
... وعن سلمة بن كهيل أنه قال: (جالست المسيب بن نجبة الفزاري في هذا المسجد عشرين سنة، وناساً من الشيعة كثيراً، فما
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... التشيع في اصطلاح العلماء المتقدمين هو: تقديم علي على عثمان، دون ... التعرض للشيخين أبي بكر وعمر -رضي الله عنهما-، وقد تقدم في كلام ... الذهبي: أن هذا قد وجد في التابعين وتابعيهم، مع الدين، والورع، ... والصدق.
... انظر: نص كلامه ص 31 من هذا الكتاب.
(2) ... شرح أصول اعتقاد أهل السنة 7/1302، وأورده الذهبي في السير ... 6/255.
سمعت أحداً منهم تكلم في أحد من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا بخير، وما كان الكلام إلا في علي وعثمان(1)).(2)
... ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية: «ولهذا كانت الشيعة المتقدمون، الذين صحبوا علياً، أو كانوا في ذلك الزمان، لم يتنازعوا في تفضيل أبي بكر وعمر، وإنما كان نزاعهم في تفضيل علي وعثمان، وهذا مما يعترف به علماء الشيعة الأكابر من الآوائل والأواخر».(3)
... وروى اللالكائي عن إبراهيم بن أعين قال: قلت لشريك(4): (أرأيت من قال: لا أفضل أحداً، قال: هذا أحمق أليس قد فُضِّل أبوبكر وعمر؟). (5)(36/15)
... وعن سليمان بن أبي شيخ قال: لقي عبدالله بن مصعب الزبيري
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... أي: في المفاضلة بينهما -رضي الله عنهما-.
(2) ... أخرجه اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة 7/1368.
(3) ... منهاج السنة 1/13.
(4) ... هو: شَرِيْك بن عبدالله النخعي، القاضي أبو عبدالله، أحد الأعلام، كانت ... وفاته سنة سبع وسبعين ومائة.
... قال عنه الذهبي: فيه تشيع خفيف على قاعدة أهل بلده.
... انظر: سير أعلام النبلاء 8/200-202.
(5) ... شرح أصول اعتقاد أهل السنة 7/1369، وأورده الذهبي في السير ... 8/205.
شريكاً فقال: بلغني أنك تنال من أبي بكر وعمر؟ فقال شريك: (والله ما أنتقص الزبير، فكيف أنال من أبي بكر وعمر!!).(1)
... وعن حفص بن غياث قال: سمعت شريكاً يقول: (قُبض النبي - صلى الله عليه وسلم -، واستخار المسلمون أبا بكر، فلو علموا أن فيهم أحداً أفضل منه كانوا قد غَشُّونا، ثم استخلف أبوبكر عمر، فقام بما قام به من الحق والعدل؛ فلما حضرته الوفاة جعل الأمر شورى بين ستة فاجتمعوا على عثمان، فلو علموا أن فيهم أفضل منه كانوا قد غَشُّونا).(2)
... قال علي بن خشرم: (فأخبرني بعض أصحابنا من أهل الحديث أنه عرض هذا على عبدالله بن إدريس، فقال ابن إدريس: أنت سمعت هذا من حفص؟ قلت: نعم، قال: الحمد لله الذي أنطق بهذا لسانه، فوالله إنه لشيعي، وإن كان شريكاً لشيعي).(3)
... قال الذهبي معقباً: (قلت: هذا التشيع الذي لا محذور فيه -إن شاء الله- إلا من قبيل الكلام فيمن حارب علياً -- رضي الله عنه -- من الصحابة، فإنه قبيح يؤدب فاعله...).(4)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... أورده الذهبي في السير 8/206.
(2) ... المصدر نفسه 8/209.
(3) ... المصدر نفسه.
(4) ... المصدر نفسه.(36/16)
... وعن سلمة بن شبيب قال: سمعت عبدالرزاق(1) يقول: (ما انشرح صدري قط أن أفضل علياً على أبي بكر -فرحمهما الله-، ورحم الله عثمان وعلياً، من لم يحبهم فما هو بمؤمن أوثق عملي حبي إياهم).(2)
... وعن عبدالرزاق أيضاً أنه قال: (أفضل الشيخين بتفضيل علي إياهما على نفسه، كفي بي إزراء أن أخالف علياً -- رضي الله عنه --).(3)
... وروى اللالكائي عن أبي السائب عتبة بن عبدالله الهمداني قال: (كنت يوماً بحضرة الحسن بن زيد الداعي بطبرستان... وكان بحضرته رجل ذكر عائشة بذكر قبيح، من الفاحشة. فقال: يا غلام اضرب عنقه فقال له العلويون: هذا رجل من شيعتنا، فقال: معاذ الله هذا رجل طعن على النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال الله - عز وجل -: {الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات والطيبات للطيبين والطيبون للطيبات أولئك مبرؤن مما يقولون لهم مغفرة ورزق كريم}(4) فإن كانت عائشة ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... هو: عبدالرزاق بن همام بن نافع الحميري، أبو بكر الصنعاني.
... قال ابن حجر:«حافظ،مصنف، شهير، عمي في آخر عمره، وكان يتشيع».
... تقريب التهذيب ص354.
(2) ... أورده الذهبي في السير 9/574.
(3) ... المصدر نفسه.
(4) ... سورة النور آيه: 26.(36/17)
خبيثة فالنبي - صلى الله عليه وسلم - خبيث، فهو كافر فاضربوا عنقه. فضربوا عنقه وأنا حاضر). (1)
ثالثاً: أقوال أئمة السلف وأهل العلم من بعدهم
... اتفق سائر أئمة الدين، وعلماء المسلمين، المعتد بأقوالهم في الأمة، والمقتدى بأفعالهم فيها، جيلاً بعد جيل، وعصراً بعد عصر، منذ عصر الصحابة حتى هذا العصر الذي نعيش فيه على اختلاف أزمانهم وبلدانهم، وعلى تنوع مذاهبهم وعلومهم، من محدثين ومفسرين، وفقهاء، ومؤرخين، ومحققين في الفرق والمقالات: على ذم الرافضة وتضليلهم، والتحذير منهم، وكونهم أبعد الناس عن الحق، وأشدهم زيغاً وانحرافاً، وأقربهم للكفر والإلحاد، وأخطرهم على الدين
والعباد.
... كما تضافرت كلمة المحققين منهم في أقوال الرافضة وعقيدتهم: أنه ليس في الفرق المنتسبة للأمة أجهل، ولا أكذب، ولا أسخف، ولا أسفه، ولا أظلم، ولا أجرأ على حدود الله، ولا أعظم خذلاناً، ولا أكبر خسراناً في الدنيا والآخرة منهم وما ابتليت الأمة بمثلهم.
... وفيمايلي طائفة من أقوالهم في ذلك:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... شرح أصول اعتقاد أهل السنة 7/1269.
قول علقمة بن قيس النخعي -رحمه الله- (62هـ):
... روى عبدالله بن أحمد بسنده عن الشعبي عن علقمة قال: (لقد غلت هذه الشيعة في علي -- رضي الله عنه -- كما غلت النصارى في عيسى بن مريم). (1)
قول عامر الشعبي -رحمه الله- (105هـ):
... نقلت عنه آثار كثيرة في ذم الرافضة -وكان من أعرف الناس بهم-(2) ومن هذه الآثار ما رواه عبدالله بن أحمد وغيره عنه أنه قال: (مارأيت قوماً أحمق من الشيعة). (3)
... وعنه-رحمه الله-أنه قال:(لوكانت الشيعةمن الطير لكانوارخماً).
... وقال: (نظرت في هذه الأهواء وكلمت أهلها فلم أرقوماً أقل عقولاً من الخشبية(4)). (5)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ(37/1)
(1) ... السنة لعبد الله بن أحمد 2/548، وقال المحقق: «إسناده صحيح».
(2) ... ذكره شيخ الإسلام. انظر: منهاج السنة 1/22.
(3) ... السنة لعبد الله بن أحمد 2/549، وأخرجه الخلال في السنة 1/497، ... واللالكائي في شرح السنة 7/1461.
(4) ... من أسماء الرافضة القديمة: قال شيخ الإسلام: (كما كانوا يسمون الخشبية ... لقولهم: إنا لا نقاتل ... بالسيف إلا مع إمام معصوم فقاتلوا بالخشب).
... منهاج السنة 1/36.
(5) ... أخرجه عبدالله بن أحمد في السنة 2/548.
... وعنه أنه قال: (لو شئت أن يملؤا هذا البيت ذهباً وفضة، على أن أكذب لهم على علي لفعلوا. وكان يقول: لو كانت الشيعة من الطير لكانوا رخماً، ولو كانوا من الدواب لكانوا حمراً). (1)
... وقال: (أحذركم الأهواء المضلة وشرّها الرافضة، وذلك أن منهم يهوداً يغمصون الإسلام لتحيا ضلالتهم، كما يغمص بولس بن شاول ملك اليهود النصرانية لتحيا ضلالتهم.ثم قال: لم يدخلوا في الإسلام رغبة ولا رهبة من الله ولكن مقتاً لأهل الإسلام). (2)
قول طلحة بن مصرّف -رحمه الله- (112هـ):
... روى ابن بطة بسنده عنه أنه قال: (الرافضة لا تنكح نساؤهم، ولا تؤكل ذبائحهم، لأنهم أهل ردة). (3)
... وعن الحسن بن عمرو قال: قال طلحة بن مصرّف: (لولا أني
على وضوء، لأخبرتك بما تقول الرافضة). (4)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... أخرجه اللالكائي في شرح السنة 7/1267.
(2) ... أخرجه اللالكائي في شرح السنة 8/1461، والخلال في السنة 1/497، ... واللفظ لللالكائي غير عبارة (النصرانية لتحيا ضلالتهم) ذكر المحقق:
... أنها غير واضحة، فأكملتها من السنة للخلال ليستقيم المعنى.
(3) ... الإبانة الصغرى ص161.
(4) ... أخرجه ابن بطة في الإبانة الكبرى 2/557، واللالكائي في شرح السنة ... 7/1269، وأورده ابو نعيم في حلية الأولياء 5/15.(37/2)
قول الإمام أبي حنيفة -رحمه الله- (150هـ):
... روى ابن عبد البر عن حماد بن أبي حنيفة أنه قال: سمعت أبا حنيفة يقول: (الجماعة أن تفضل أبا بكر وعمر وعلياً وعثمان ولا تنتقص أحداً من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -). (1)
قول مسعر بن كدام -رحمه الله- (155هـ):
... روى اللالكائي: (أن مسعر بن كدام لقيه رجل من الرافضة فكلمه بشئ... فقال له مسعر: تنح عني فإنك شيطان). (2)
قول سفيان الثوري -رحمه الله- (161هـ):
... روى مؤمل بن إسماعيل عن سفيان قال: (تركتني الروافض وأنا
أبغض أن أذكر فضائل علي(3)). (4)
... وعن محمد بن يوسف الفريابي قال: (سمعت سفيان ورجل يسأله عن من يشتم أبا بكر وعمر؟ فقال: كافر بالله العظيم، قال:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... الانتقاء في فضائل الثلاثة الأئمة الفقهاء ص163.
(2) ... أخرجه اللالكائي في شرح السنة 8/1457.
(3) ... كان سفيان -رحمه الله- من أهل الكوفة التي يشيع فيها الرفض، فكان يرى ... أن في ذكر فضائل علي -- رضي الله عنه -- تقوية لبدعتهم: يشهد لهذا مارواه عطاء بن ... مسلم عنه أنه قال له: (إذا كنت بالشام فاذكر مناقب علي، وإذا كنت ... بالكوفة؛ فاذكر مناقب أبي بكر وعمر). سير أعلام النبلاء 7/260.
(4) ... أورده الذهبي في سير أعلام النبلاء 7/253.
نصلي عليه؟ قال: لا، ولا كرامة، قال: فزاحمه الناس حتى حالوا بيني وبينه، فقلت للذي قريباً منه: ما قال؟ قلنا هو يقول: لا إله إلا الله مانصنع به؟ قال: لا تمسوه بأيديكم، ارفعوه بالخشب حتى تواروه في قبره). (1)
قول الإمام مالك بن أنس -رحمه الله- (179هـ):
... روى الخلال بسنده عن الإمام مالك أنه قال: (الذي يشتم أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -، ليس لهم سهم، أوقال نصيب في الإسلام). (2)(37/3)
... وروى اللالكائي عنه أنه قال: (من سب أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فليس له في الفيء حق يقول الله - عز وجل -: {للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلاً من الله ورضواناً} الآية. ... هؤلاء أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذين هاجروا معه ثم قال: {والذين تبؤوا الدار والإيمان} الآية. هؤلاء الأنصار، ثم قال: {والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفرلنا ولأخواننا الذين سبقونا بالإيمان}(3) فالفيء لهؤلاء الثلاثة فمن سب أصحاب
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... أورده الذهبي في سير أعلام النبلاء 7/253.
(2) ... السنة: للخلال 1/493، وأخرجه ابن بطة في الابانة الصغرى ص162.
(3) ... الآيات من سورة الحشر 8-10.
رسول لله - صلى الله عليه وسلم - فليس من هؤلاء الثلاثة ولا حق له في الفيء). (1)
... وقال أشهب بن عبدالعزيز سئل مالك عن الرافضة فقال: (لا تكلمهم ولا تروعنهم فإنهم يكذبون). (2)
قول القاضي أبي يوسف -رحمه الله- (182هـ):
... روى اللالكائي بسنده عن أبي يوسف أنه قال: (لا أصلي خلف جهمي، ولا رافضي، ولا قدري). (3)
قول عبدالرحمن بن مهدي -رحمه الله- (198هـ):
... قال البخاري قال عبدالرحمن بن مهدي: (هما ملتان: الجهمية،
والرافضة). (4)
قول الإمام الشافعي -رحمه الله- (204هـ):
... ثبت بنقل الأئمة عنه أنه قال: (لم أر أحداً من أصحاب الأهواء،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... شرح أصول اعتقاد أهل السنة 7/1268-1269.
(2) ... ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية في منهاج السنة 1/61، وذكر أنه رواه ابن ... بطة في الإبانة الكبرى ولم أجده في الجزء المطبوع من الكتاب.
(3) ... شرح أصول اعتقاد أهل السنة 4/733.(37/4)
(4) ... خلق أفعال العباد ضمن مجموعة "عقائد السلف" جمع علي سامي النشار، ... وعمار الطالبي ص125.
أكذب في الدعوى، ولا أشهد بالزور من الرافضة). (1)
قول يزيد بن هارون -رحمه الله- (206هـ):
... قال مؤمل بن إهاب: سمعت يزيد بن هارون يقول: (يكتب عن كل صاحب بدعة إذا لم يكن داعية إلا الرافضة فإنهم يكذبون). (2)
قول محمد بن يوسف الفريابي -رحمه الله- (212هـ):
... روى اللالكائي عنه أنه قال: (ما أرى الرافضة والجهمية إلا زنادقة). (3)
... وعن موسى بن هارون قال: سمعت الفريابي ورجل يسأله عمن شتم أبا بكر وعمر؟ قال: كافر...، قال: فيصلى عليه؟ قال: لا، وسألته كيف يصنع به وهو يقول: لا إله إلا الله؟ قال: لا تمسوه بأيديكم ارفعوه بالخشب حتى تواروه في حفرته). (4)
قول أبي بكر عبدالله بن الزبير الحميدي-رحمه الله-(219هـ):
... قال في كتابه أصول السنة بعد أن ذكر الصحابة ووجوب
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... أخرجه ابن بطة في الإبانة الكبرى 2/545، واللالكائي في شرح السنة ... 8/1457.
(2) ... نقله شيخ الإسلام في منهاج السنة 1/60 وعزاه لابن بطة في الإبانة ... الكبرى، ولم أجده في القسم المطبوع من الكتاب ولعله في القسم المخطوط.
(3) ... شرح أصول اعتقاد أهل السنة 8/1457.
(4) ... أخرجه الخلال في السنة 1/499، وابن بطة في الإبانة الصغرى ص160.
الترحم عليهم: (فلم نؤمر إلا بالاستغفار لهم، فمن يسبهم، أو ينتقصهم أو أحداً منهم، فليس على السنة، وليس له في الفئ حق). (1)
قول القاسم بن سلام -رحمه الله- (224هـ):(37/5)
... روى الخلال عن عباس الدوري قال: سمعت أبا عبيد القاسم بن سلام يقول: (عاشرت الناس، وكلمت أهل الكلام، وكذا، فما رأيت أوسخ وسخاً، ولا أقذر قذراً، ولا أضعف حجة، ولا أحمق من الرافضة، ولقد وليت قضاء الثغور فنفيت منهم ثلاثة رجال: جهميين ورافضي، أو رافضيين وجهمي، وقلت: مثلكم لا يساكن أهل الثغور فأخرجتهم). (2)
قول أحمد بن يونس -رحمه الله- (227هـ):
... روى اللالكائي عن عباس الدوري قال: سمعت أحمد بن يونس يقول: (إنا لا نأكل ذبيحة رجل رافضي، فإنه عندي مرتد). (3)
قول الإمام أحمد بن حنبل -رحمه الله- (241هـ):
... روى الخلال عدة روايات عنه في ذم الرافضة منها:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... أصول السنة للحميدي ص43.
(2) ... السنة للخلال 1/499.
(3) ... شرح أصول اعتقاد أهل السنة 8/459.
... عن عبدالملك بن عبدالحميد قال: سمعت أبا عبدالله قال: من شتم أخاف عليه الكفر مثل: الروافض، ثم قال: من شتم أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -، لا نأمن عليه أن يكون مرق من الدين). (1)
... وعن عبدالله بن أحمد قال: سألت أبي عن رجل شتم رجلاً من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: (ما أراه على الإسلام). (2)
... وعن أبي بكر المروذي قال: سألت أبا عبدالله عن من يشتم أبا بكر وعمر وعائشة؟ قال: (ما أراه على الإسلام). (3)
... وعن إسماعيل بن إسحاق أن أبا عبدالله سُئل: عن رجل له جار رافضي يسلم عليه؟ قال: (لا، وإذا سلم عليه لا يرد عليه). (4)
قول الإمام البخاري -رحمه الله- (256هـ):
... قال في كتاب خلق أفعال العباد: (ما أبالي صليت خلف الجهمي والرافضي، أم صليت خلف اليهود والنصارى، ولا يسلم عليهم، ولا يعادون، ولا يناكحون، ولا يشهدون، ولا تؤكل ذبائحهم). (5)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... السنة للخلال 1/493.(37/6)
(2) ... المصدر نفسه 1/493.
(3) ... المصدر نفسه 1/493.
(4) ... المصدر نفسه 1/494.
(5) ... خلق أفعال العباد (ضمن عقائد السلف) ص125.
قول أبي زرعة الرازي -رحمه الله- (264هـ):
... روى الخطيب بسنده عنه أنه قال: (إذا رأيت الرجل ينتقص أحداً من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاعلم أنه زنديق، وذلك أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - عندنا حق، والقرآن حق، وإنما أدي إلينا هذا القرآن، والسنن: أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإنما يريدون أن يجرحوا شهودنا، ليبطلوا الكتاب والسنة، والجرح بهم أولى وهم زنادقة). (1)
... وروى اللالكائي من طريق عبدالرحمن بن أبي حاتم: أنه سأل أباه وأبا زرعة عن مذاهب السنة، واعتقادهما الذي أدركا عليه أهل العلم في جميع الأمصار، ومما جاء في كلامهما: (وإن الجهمية كفار، وإن الرافضة، رفضوا الإسلام). (2)
قول عبدالله بن قتيبة -رحمه الله- (276هـ):
... قال في كتابه: تأويل مختلف الحديث بعد حديثه: عن أهل الكلام وأساليبهم في تفسير القرآن الدالة على جهلهم: «وأعجب من هذا التفسير، تفسير الروافض للقرآن، وما يدعونه من علم باطنه، بما وقع إليهم من الجفر... وهو جلد جفر ادعوا أنه كَتَبَ فيه لهم الإمام، كل ما يحتاجون إلى علمه، وكل ما يكون إلى يوم القيامة....
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... الكفاية ص49.
(2) ... شرح أصول اعتقاد أهل السنة 1/178.
... إلى أن قال: وهم أكثر أهل البدع افتراقاً ونحلاً... ولا نعلم في أهل البدع والأهواء، أحداً ادعى الربوبية لبشر غيرهم، فإن عبدالله بن سبأ ادعى الربوبية لعلي فأحرق علي أصحابه بالنار وقال في ذلك:
لما رأيت الأمر أمراً منكراً ... ( ... أججت ناري ودعوت قنبرا
... ولا نعلم أحداً ادعى النبوة لنفسه غيرهم، فإن المختار بن أبي عبيد ادعى النبوة لنفسه...». (1)(37/7)
قول الإمام الطحاوي -رحمه الله- (321هـ):
... قال في عقيدته: «ونحب أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا نفرط في حب أحد منهم، ولا نتبرأ من أحد منهم، ونبغض من يبغضهم، وبغير الخير يذكرهم، ولا نذكرهم إلا بخير، وحبهم: دين، وإيمان، وإحسان، وبغضهم: كفر، ونفاق، وطغيان». (2)
قول الحسن بن علي بن خلف البربهاري-رحمه الله-(329هـ):
... قال: «واعلم أن الأهواء كلها ردية، تدعوا إلى السيف، وأردؤها وأكفرها الرافضة ،والمعتزلة، والجهمية، فإنهم يريدون الناس على التعطيل والزندقة». (3)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... تأويل مختلف الحديث ص76-79.
(2) ... العقيدة الطحاوية مع شرحها لابن أبي العز ص689.
(3) ... كتاب شرح السنة ص54.
قول أبي حفص عمر بن شاهين (385هـ):
... قال في كتاب اللطيف: «وإن أفضل الناس بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أبوبكر، وعمر، وعثمان، وعلي عليهم السلام، وإن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كلهم أخيار أبرار، وإني أدين الله بمحبتهم كلهم، وأبرأ ممن سبهم، أو لعنهم، أو ضلّلهم، أو خوّنهم، أو كفّرهم...، وإني بريء من كل بدعة: من قدر، وإرجاء، ورفض، ونصب، واعتزال». (1)
قول ابن بطة -رحمه الله- (387هـ):
... قال في الإبانة الكبرى: «وأما الرافضة: فأشد الناس اختلافاً، وتبايناً، وتطاعناً، فكل واحد منهم يختار مذهباً لنفسه يلعن من خالفه عليه، ويكفر من لم يتبعه. وكلهم يقول: إنه لا صلاة، ولا صيام، ولاجهاد، ولا جمعة، ولا عيدين، ولا نكاح، ولا طلاق، ولا بيع، ولاشراء، إلا بإمام وإنه من لا إمام له، فلا دين له، ومن لم يعرف إمامه فلا دين له...(37/8)
... ولولا ما نؤثره من صيانة العلم، الذي أعلى الله أمره وشرّف قدره، ونزهه أن يخلط به نجاسات أهل الزيغ، وقبيح أقوالهم، ومذاهبهم، التي تقشعر الجلود من ذكرها، وتجزع النفوس من استماعها، وينزه العقلاء ألفاظهم وأسماعهم عن لفظها، لذكرت من
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... كتاب اللطيف لشرح مذاهب أهل السنة ص251-252.
ذلك ما فيه عبرة للمعتبرين». (1)
قول الإمام القحطاني -رحمه الله- (387هـ):
... قال في نونيته:
إن الروافضَ شرُّمن وطيءَ الحَصَى ... ( ... من كلِّ إنسٍ ناطقٍ أو جانِ
مدحوا النّبيَ وخونوا أصحابه ... ( ... ورموُهمُ بالظلمِ والعدوانِ
حبّوا قرابتهَ وسبَّوا صحبه ... ( ... جدلان عند الله منتقضانِ(2)
قول (قوام ... السنة) أبي القاسم إسماعيل بن محمد الأصبهاني -رحمه الله- (535هـ):
... قال: «ومن بلغ من الخوارج والروافض في المذهب أن يكفر الصحابة، ومن القدرية أن يكفر من خالفه من المسلمين، ولا نرى الصلاة خلفهم، ولا نرى أحكام قُضاتهم، وقضائهم جائزه، ورأى السيف واستباح الدم؛ فهؤلاء لا شهادة لهم». (3)
قول أبي بكر بن العربي -رحمه الله- (543هـ):
... قال في العواصم: «مارضيت النصارى واليهود، في أصحاب موسى وعيسى، ما رضيت الروافض في أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم -، حين
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... الإبانة الكبرى 2/556.
(2) ... نونيه القحطاني ص21
(3) ... الحجة في بيان المحجة لقوام السنة 2/511.
حكموا عليهم بأنهم قد اتفقوا على الكفر والباطل». (1)
قول القاضي عياض -رحمه الله- (544هـ):
... قال: «وكذلك نقطع بتكفير غلاة الرافضة في قولهم: إن الأئمة أفضل من الأنبياء». (2)
قول ابن الجوزي -رحمه الله- (597هـ):(37/9)
... قال: «وغلو الرافضة في حب علي -- رضي الله عنه --، حملهم على أن وضعوا أحاديث كثيرة في فضائله، أكثرها تشينه وتؤذيه... ولهم مذاهب في الفقه ابتدعوها، وخرافات تُخالف الاجماع... في مسائل كثيرة يطول ذكرها خرقوا فيها الإجماع، وسوّل لهم إبليس وضعها على وجه لا يستندون فيه إلى أثر ولا قياس، بل إلى الواقعات، ومقابح الرافضة أكثر من أن تحصى». (3)
أقوال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- (728هـ):
... شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- من أخبر الناس بالرافضة، وبعقيدتهم، وله في الرد عليهم كتابه العظيم: (منهاج السنة) الذي لم يُؤَلف في بابه مثله، والناس من بعده عالة عليه في الرد على الرافضة،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... العواصم من القواصم ص192.
(2) ... الشفا بتعريف حقوق المصطفى - صلى الله عليه وسلم - 2/1078.
(3) ... تلبيس إبليس ص136-137.
كما له رسائل أخرى عظيمة النفع في دحض شُبه الرافضة ورد باطلهم، فجزاه الله عن الإسلام خير ما جزى به علماء الأمة، الذابين عن السنة، والمجاهدين أعداءها.
... وإليك أيها القارى: نبذا من كلامه في ذم الرافضة وفضحهم -حقها أن تكتب بماء الذهب- هي لك أيها السني درر وضيئة، تعرف بها حقيقة الرافضة وشدة خطرهم، وللرافضة درة عُمَرِيّة تُقْمع بها رؤوسهم وأنوفهم.
... قال -رحمه الله- ضمن حديثه عن الرافضة في منهاج السنة: «والله يعلم وكفى بالله عليماً، ليس في جميع الطوائف المنتسبة إلى الإسلام مع بدعة وضلالة شر منهم: لا أجهل، ولا أكذب، ولا أظلم ولا أقرب إلى الكفر والفسوق والعصيان، وأبعد عن حقائق الإيمان منهم». (1)(37/10)
... ويقول: «وهؤلاء الرافضة: إما منافق، وإما جاهل، فلا يكون رافضي ولا جهمي إلا منافقاً، أو جاهلاً بما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم -، لا يكون فيهم أحد عالماً بما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم - مع الإيمان به. فإن مخالفتهم لما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وكذبهم عليه لا يخفى قط إلا على
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... منهاج السنة 1/160.
مفرط في الجهل والهوى». (1)
... ويقول: «والنفاق والزندقة في الرافضة أكثر منه في سائر الطوائف. بل لابد لكل منهم من شعبة من النفاق». (2)
... وقال: «فبهذا يتبين أنهم شر من عامة أهل الأهواء... وأيضاً فغالب أئمتهم زنادقة إنما يظهرون الرفض لأنه طريق إلى هدم الإسلام». (3)
... ويقول عن جهلهم وضلالهم: «القوم من أضل الناس عن سواء السبيل فإن الأدلة إما نقليه وإما عقليه، والقوم من أضل الناس في المنقول والمعقول، في المذاهب والتقرير، وهم من أشبه الناس بمن قال الله فيهم: {وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير}(3) والقوم من أكذب الناس في النقليات، ومن أجهل الناس في العقليات، يصدقون من المنقول بما يعلم العلماء بالاضطرار أنه من الأباطيل ويكذبون بالمعلوم من الاضطرار، المتواتر أعظم تواتر في الأمة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... منهاج السنة 1/161.
(2) ... المصدر نفسه 2/46.
(3) ... مجموع الفتاوى 28/482-483.
(4) ... سورة الملك آية 10.
جيلاً بعد جيل». (1)
... ويقول أيضاً: «إن الرافضة في الأصل ليسوا أهل علم وخبرة بطريق النظر والمناظرة ومعرفة الأدلة وما يدخل فيها من المنع والمعارضة، كما أنهم من أجهل الناس بمعرفة المنقولات والأحاديث والآثار والتمييز بين صحيحها وضعيفها». (2)(37/11)
... ويقول: «ثم من المعلوم لكل عاقل أنه ليس في علماء المسلمين المشهورين أحد رافضي، بل كلهم متفقون على تجهيل الرافضة وتضليلهم وكتبهم كلها شاهدة بذلك، وهذه كتب الطوائف كلها تنطق بذلك مع أنه لا أحد يلجئهم إلى ذكر الرافضة وذكر جهلهم وضلالهم...
... والله يعلم أني مع كثرة بحثي وتطلعي إلى معرفة أقوال الناس ومذاهبهم ما علمت رجلاً له في الأمة لسان صدق يتهم بمذهب الإمامية فضلاً عن أن يقال: إنه يعتقده في الباطن». (3)
... ويضيف قائلاً: «فهل عرف أحد من فضلاء أصحاب الشافعي وأحمد وأصحاب مالك كان رافضياً؟ أم يعلم بالاضطرار أن كل
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... منهاج السنة 1/8.
(2) ... المصدر نفسه 1/58.
(3) ... المصدر نفسه 4/130-131.
فاضل منهم فإنه من أشد الناس إنكاراً للرفض، وقد اتهم طائفة من أتباع الأئمة بالميل إلى نوع من الاعتزال ولم يعلم عن أحد منهم أنه اتهم بالرفض لبعد الرفض عن طريق أهل العلم». (1)
... ويقول عن اشتهارهم بالكذب: «وقد اتفق أهل العلم بالنقل والرواية والإسناد على أن الرافضة أكذب الطوائف، والكذب فيهم قديم، ولهذا كان أئمة الإسلام يعلمون امتيازهم بكثرة الكذب». (2)
... ... ثم ساق الآثار في ذلك عن السلف.
... ويقول: «والمقصود أن العلماء كلهم متفقون على أن الكذب في الرافضة أظهر منه في سائر طوائف أهل القبلة». (3)
... ويقول: «وليس في الطوائف المنتسبة للقبلة أعظم افتراء للكذب على الله وتكذيباً بالحق من المنتسبين إلى التشيع ولهذا لا يوجد الغلو في طائفة أكثر مما يوجد فيهم». (4)
... ويقول: «وفي الجملة: فمن جرّب الرافضة في كتابهم وخطابهم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... منهاج السنة 4/135.
(2) ... المصدر نفسه 1/59.
(3) ... المصدر نفسه 1/66.
(4) ... المصد نفسه 2/34.(37/12)
علم أنهم من أكذب خلق الله». (1)
... ويقول عن عدائهم للمسلمين ومناصرتهم الكفرة والمشركين: «وقد عرف العارفون بالإسلام أن الرافضة تميل مع أعداء الدين، ولما كانوا ملوك القاهرة كان وزيرهم مرة يهودياً، ومرة نصرانياً أرمينياً، وقويت النصارى بسبب ذلك النصراني الأرميني، وبنوا كنائس كثيرة بأرض مصر في دولة أولئك الرافضة المنافقين، وكانوا ينادون بين القصرين: من لعن وسب فله دينار وأردب». (2)
... ويقول: «والرافضة تحب التتار ودولتهم لأنه يحصل لهم بها من العز مالا يحصل بدولة المسلمين، والرافضة هم معاونون للمشركين واليهود والنصارى على قتال المسلمين، وهم كانوا من أعظم الأسباب في دخول التتار قبل إسلامهم إلى أرض المشرق بخراسان والعراق والشام، وكانوا من أعظم الناس معاونة لهم على أخذهم لبلاد الإسلام وقتل المسلمين وسبي حريمهم، وقضية ابن العلقمي وأمثاله مع الخليفة، وقضيتهم في حلب مع صاحب حلب مشهورة يعرفها عموم الناس». (3)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... منهاج السنة 2/467.
(2) ... مجموع الفتاوى 28/637.
(3) ... المصدر نفسه 28/527-528.
... ويقول: «وهؤلاء يعاونون اليهود والنصارى والمشركين على أهل بيت النبي - صلى الله عليه وسلم - وأمته المؤمنين، كما أعانوا المشركين من الترك والتتار على ما فعلوه ببغداد وغيرها بأهل بيت النبوة، ومعدن الرسالة ولد العباس وغيرهم من أهل البيت المؤمنين من القتل والسبي وخراب الديار.
... وشر هؤلاء وضررهم على أهل الإسلام لا يحصيه الرجل الفصيح في الكلام». (1)(37/13)
... ويقول -رحمه الله- ذاكراً بعض حماقاتهم الدالة على سخف عقولهم مع شدة الضلال: «ومن حماقاتهم تمثيلهم لمن يبغضونهم بالجماد أو الحيوان، ثم يفعلون بذلك الجماد أو الحيوان ما يرونه عقوبة لمن يبغضونه، مثل: اتخاذهم نعجة -وقد تكون نعجة حمراء- لكون عائشة تسمى الحميراء، يجعلونها عائشة ويعذبونها بنتف شعرها وغير ذلك، ويرون أن ذلك عقوبة لعائشة.
... ومثل: اتخاذهم حلساً مملؤاً سمناً، ثم يبعجون بطنه فيخرج السمن فيشربونه، ويقولون: هذا مثل ضرب عمر وشرب دمه.
... ومثل:تسمية بعضهم لحمارين من حمر الرحا أحدهما بأبي بكر، والآخر بعمر، ثم يعاقبون الحمارين جعلاً منهم تلك العقوبة عقوبة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... مجموع الفتاوى 25/309.
لأبي بكر وعمر.
... وتارة يكتبون أسماءهم على أسفل أرجلهم، حتى إن بعض الولاة جعل يضرب رجلي من فعل ذلك ويقول: إنما ضربت أبا بكر وعمر ولا أزال أضربهما حتى أعدمهما.
... ومنهم: من يسمي كلابه باسم أبي بكر وعمر ويلعنهما.
... ومنهم: من إذا سمى كلبه فقيل له: (بكير) يضارب من يفعل ذلك، ويقول: تسمى كلبي باسم أصحاب النار.
... ومنهم: من يعظم أبا لؤلؤة المجوسي الكافر الذي كان غلاماً للمغيرة بن شعبة لما قتل عمر، ويقولون: واثارات أبي لؤلؤة؟ فيعظمون كافراً مجوسياً باتفاق المسلمين لكونه قتل عمر -- رضي الله عنه --». (1)
... ويقول أيضاً: «ومنهم من يرى أن فرج النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي جامع به عائشة وحفصة لابد أن تمسه النار ليطهر بذلك من وطء الكوافر على زعمهم». (2)
... ومع هذا كله يقول شيخ الإسلام في منهاج السنة: «فما أذكره في هذا الكتاب من ذم الرافضة، وبيان كذبهم وجهلهم قليل من كثير
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... منهاج السنة 1/49-50.
(2) ... مجموع الفتاوى 28/481.(37/14)
مما أعرفه منهم، ولهم شر كثير لا أعرف تفصيله».(1)
... فرحم الله شيخ الإسلام رحمة واسعه فإنه قد نصح للأمة، وفضح الرافضة، وأمعن في ذلك بما لم يترك لأحد من بعده مقالاً ولا تفصيلاً ولا بياناً في ذم هذه الطائفة ودحض شبههم. ولولا ما التزمت به من المنهج في سرد أقوال العلماء في ذم الرافضة إلى هذا العصر لاكتفيت بكلامه -رحمه الله- عن نقل كلام غيره من العلماء رحمهم الله أجمعين.
قول الذهبي -رحمه الله- (748هـ):
... قال معلقاً على بعض الأحاديث الموضوعة في فضل علي -- رضي الله عنه --: «وعلي -- رضي الله عنه -- سيد كبير الشأن، قد أغناه الله تعالى عن أن يثبت مناقبه بالأكاذيب، ولكن الرافضة لا يرضون إلا أن يحتجوا له بالباطل، وأن يردوا ما صح لغيره من المناقب، فتراهم دائماً يحتجون بالموضوعات، ويكذبون بالصحاح، وإذا استشعروا أدنى خوف لزموا التقية، وعظموا الصحيحين، وعظموا السنة، ولعنوا الرفض، وأنكروا، فيعلنون بلعن أنفسهم شيئاً ما يفعله اليهود ولا المجوس بأنفسهم، والجهل بفنونه غالب على مشايخهم وفضلائهم،فما الظن بعامتهم، فما
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... منهاج السنة 1/160.
الظن بأهل البر والحَيْل منهم، فإنهم جاهلية جهلاء، وحمر مستنفرة، فالحمد لله على الهداية، فتعليمهم ونصحهم وجرّهم إلى الحق بحسب الإمكان من أفضل الأعمال». (1)
قول ابن القيم -رحمه الله- (751هـ):
... قال في إغاثة اللهفان: »وأخرج الروافض الإلحاد والكفر، والقدح في سادات الصحابة، وحزب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأوليائه وأنصاره في قالب محبة أهل البيت والتعصب لهم وموالاتهم». (2)(37/15)
... ويقول في المنار المنيف: «وأما ماوضعه الرافضة في فضائل علي: فأكثر من أن يعد. قال الحافظ أبو يعلي الخليلي في كتاب الإرشاد: وضعت الرافضة في فضائل علي -- رضي الله عنه -- وأهل البيت نحو ثلاثمائة ألف حديث. ولا تستبعد هذا فإنك لو تتبعت ما عندهم من ذلك لوجدت الأمر كما قال». (3)
... وقال في الكتاب نفسه بعد أن ذكر عقيدة الرافضة في المهدي:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... ترتيب الموضوعات لابن الجوزي تأليف محمد بن أحمد الذهبي ص124.
(2) ... إغاثة اللهفان 2/75.
(3) ... المنار المنيف ص108.
«ولقد أصبح هؤلاء عاراً على بني آدم، وضحكة يسخر منهم كل عاقل». (1)
قول ابن كثير -رحمه الله- (774هـ):
... يقول في وصف حال الرافضة: «ولكنهم طائفة مخذولة وفرقة مرذولة يتمسكون بالمتشابه، ويتركون الأمور المحكمة المقدرة(2) عند أئمة الإسلام». (3)
... ويقول ضمن حديثه عن المهدي عند أهل السنة: «فيخرج المهدي، ويكون ظهوره من بلاد المشرق، لامن سرداب سامراء، كما يزعمه جهلة الرافضة: من أنه موجود فيه الآن وهم ينتظرون خروجه في آخر الزمان، فإن هذا نوع من الهذيان، وقسط كبير من الخذلان، شديد من الشيطان، إذ لا دليل على ذلك، ولا برهان، لا من كتاب، ولا سنة، ولا معقول صحيح، ولا استحسان». (4)
قول أبي حامد المقدسي -رحمه الله- (888هـ):
... قال في كتابه الرد على الرافضة بعد أن ذكر جملة من عقائدهم:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... المنار المنيف ص152، (ط: الأولى، تحقيق: عبدالفتاح أبو غدة).
(2) ... هكذا وردت في المصدر ولعل الصواب: المقررة.
(3) ... البداية والنهاية 5/251.
(4) ... النهاية في الفتن والملاحم 1/55.(37/16)
«لا يخفى على كل ذي بصيرة وفهم من المسلمين، أن أكثر ما قدمناه في الباب، قبله من عقائد هذه الطائفة الرافضة على اختلاف أصنافها كفر صريح، وعناد مع جهل قبيح، لا يتوقف الواقف مع تكفيرهم، والحكم عليهم بالمروق من دين الإسلام وضلالهم». (1)
قول شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله- (1206هـ):
... قال في رسالة الرد على الرافضة معلقاً على عقيدة الرجعة عندهم: «فانظر أيها المؤمن إلى سخافة رأي هؤلاء الأغبياء، يختلقون ما يرده بديهة العقل، وصراحة النقل. وقولهم هذا مستلزم تكذيب ما ثبت قطعاً في الآيات والأحاديث: من عدم رجوع الموتى إلى الدنيا فالمجادلة مع هؤلاء الحمر تُضَيّع الوقت. لو كان لهم عقل لما تكلموا أي شئ يجعلهم مسخرة للصبيان ويمج كلامهم أسماع أهل الإيقان. لكن الله سلب عقولهم، وخذلهم في الوقيعة في خلص أوليائه لشقاوة سبقت لهم». (2)
... وقال بعد أن ذكر قولهم بتجويز الجمع بين المرأة وعمتها:«وبهذا وأمثاله تعرف أن الرافضة أكثر الناس تركاً لما أمر الله به وإتياناً لما
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... رسالة في الرد على الرافضة لأبي حامد المقدسي ص200.
(2) ... رسالة في الرد على الرافضة للشيخ محمد بن عبدالوهاب ص32.
حرمه الله، وأن كثيراً منهم ناشئ عن نطفة خبيثة، موضوعة في رحم حرام، ولذا لاترى منهم إلا الخبيث اعتقاداً وعملاً، وقد قيل كل شيء يرجع إلى أصله». (1)
... وقال -رحمه الله-: «فهؤلاء الإمامية خارجون عن السنة، بل عن الملة، واقعون في الزنا وما أكثر ما فتحوا على أنفسهم أبواب الزنا في القبل والدبر، فما أحقهم بأن يكونوا أولاد زنا».(2)
قول الإمام الشوكاني -رحمه الله- (1250هـ):(37/17)
... قال -رحمه الله-: «واعلم أن لهذه الشنعة الرافضية، والبدعة الخبيثة ذيلاً هو أشر ذيل، وويلاً هو أقبح ويل، وهو أنهم لما علموا أن الكتاب والسنة يناديان عليهم بالخسارة والبوار بأعلى صوت، عادوا السنة المطهرة، وقدحوا فيها وفي أهلها بعد قدحهم في الصحابة -رضي الله عنهم-، وجعلوا المتمسك بها من أعداء أهل البيت، ومن المخالفين للشيعة لأهل البيت، فأبطلوا السنة بأسرها، وتمسكوا في مقابلها،وتعوضوا عنها بأكاذيب مفتراه، مشتملة على القدح المكذوب المفترى في الصحابة، وفي جميع الحاملين للسنة المهتدين بهديها العاملين بما فيها، الناشرين لها في الناس من التابعين وتابعيهم إلى هذه الغاية،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... رسالة في الرد على الرافضة للشيخ محمد بن عبدالوهاب ص39.
(2) ... المرجع نفسه ص42.
وسَمُوْهم بالنصب، والبغض لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب -- رضي الله عنه -- وأولاده، فأبعد الله الرافضة وأقمأهم».(1)
قول عبدالعزيز بن ولي الله الدهلوي-رحمه الله-(1239هـ):(37/18)
... قال عن الرافضة في آخر كتابه العظيم (التحفة الأثنى عشرية) الذي ألفه في الرد عليهم واختصره الألوسي، واشتهر من خلاله: «ومن استكشف عن عقائدهم الخبيثة، وما انطووا عليه علم أن ليس لهم في الإسلام نصيب، وتحقق كفرهم لديه، ورأى منهم كل أمر عجيب، واطلع على كل أمر غريب، وتيقن أنهم قد أنكروا الحسي، وخالفوا البديهي الأوّلى، ولا يخطر ببالهم عتاب، ولا يمر على أذهانهم عذاب أو عقاب، فإن جاءهم الباطل أحبوه ورضوه، وإذا جاءهم الحق كذبوه وردوه {مثلهم كمثل الذي استوقد ناراً فلما أضاءت ماحوله ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات لايبصرون - صم بكم عمى فهم لا يرجعون}(2) ولقد غشي على قلوبهم الران، فلا يعون ولا يسمعون، فإنا لله وإنا إليه راجعون، ولقد تعنّتوا بالفسق والعصيان في فروع الدين وأصوله، فصدق ظن إبليس فاتبعوه من دون الله ورسوله، فياويلهم من تضييعهم الإسلام ويا خسارتهم مما وقعوا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... قطر الولي على حديث الولي للشوكاني ص305-306.
(2) ... سورة البقرة 17،18.
فيه من حيرة الشبه والأوهام...».(1)
أقوال بعض هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية
(حرسها الله):
... جاء ... في إحدى فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء ضمن الإجابة عن سؤال عن معتقد الرافضة: «مذهب الشيعة الإمامية مذهب مبتدع في الإسلام أصوله وفروعه...».(2)(37/19)
... وفي فتوى أخرى: «... إن الشيعة الإمامية الإثنى عشرية قد نقلوا في كتبهم عن أئمتهم: أن القرآن الذي جمعه عثمان بن عفان -- رضي الله عنه -- عن طريق حفاظ القرآن من الصحابة محرفاً بالزيادة فيه والنقص منه وتبديل بعض كلماته وجمله، وبحذف بعض آيات وسور منه يعرف ذلك من قرأ كتاب (فصل الخطاب في تحريف كتاب رب الأرباب) الذي ألفه حسين بن محمد تقي النوري الطبرسي في تحريف القرآن، وأمثاله مما ألف انتصاراً للرافضة ودعماً لمذهبهم كمنهاج الكرامة لابن المطهر، كما أنهم يعرضون عن دواوين السنة الصحيحة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... مختصر التحفة الأثني عشرية ص300-301.
(2) ... فتاوى اللجنة الدائمة جمع أحمد الدويش 2/268 فتوى رقم (9420) وقد ... جاءت هذه الفتوى مذيلة بتوقيعات كل من: سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز ... (رئيس اللجنة) الشيخ عبدالرزاق عفيفي (نائب رئيس اللجنة) الشيخ ... عبدالله بن غديان (عضو).
كصحيحي البخاري ومسلم فلا يعتبرونها مرجعاً لهم في الاستدلال على الأحكام عقيدة وفقهاً، ولا يعتمدون عليها في تفسير القرآن وبيانه، بل استحدثوا كتباً في الحديث، وأصلوا لأنفسهم أصولاً غير سليمة يرجعون إليها في تمييز الضعيف في زعمهم من الصحيح، وجعلوا من أصولهم الرجوع إلى أقوال الأئمة الإثني عشرية المعصومين في زعمهم...»(1) الخ الفتوى.(37/20)
... فهذه بعض أقوال أئمة السلف، وأهل العلم من بعدهم، مضافة إلى ما سبق أن تقدم من أقوال أئمة أهل البيت -رضي الله عنهم- جاءت كلها مقررة ومرسخة موقفهم الموحد من الرافضة، من خلال تلك النصوص المتواترة عنهم والمتضافرة في ذمهم للرافضة، ووصفهم لهم بكل شر ورذيلة وأنهم أبعد الناس عن كل خير وفضيلة
في سياقات متعددة وعبارات متنوعة إمعاناً منهم في التحذير من شرهم وبيان شدة خطرهم، حتى قال الرجل المتبحر في أمرهم الخبير بأحوالهم بعد أن بلغ الغاية في ذمهم -وهو شيخ الإسلام ابن تيمية- «وشر هؤلاء وضررهم على أهل الإسلام لايحصيه الرجل الفصيح
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... فتاوى اللجنة الدائمة 2/269 فتوى رقم (11461) وهذه الفتوى موقعة ... من قبل اللجنة المذكورة في الفتوى السابقة.
في الكلام» على ما تقدم بذلك النقل عنه موثقاً.(1)
... فجزى الله هؤلاء الأئمة وسائر العلماء المحذرين من الرافضة خيراً، فإنهم قد أدوا للأمة حق النصيحة، واجتهدوا في ذلك حتى قامت بأقوالهم وتحذيراتهم الحجة على الخلق، وظهر لكل من له أدنى حظ من فهم، ومعرفة بالشرع: أن الرافضة أبعد ما تكون عن الحق وأقرب ما تكون للظلم والجور، وأنهم أشد الناس مشاقة للشرع، وبغضاً لأهل الخير والفضل، وأنه ما ابتلي المسلمون في سالف عصورهم وحاضرها بشر منهم ولا أخوف على الدين منهم.
... فنسأل الله الكريم أن يقي المسلمين شرهم، وأن يجعل كيدهم ومكرهم عليهم، وأن يجعل هلاكهم بأيديهم إنه سميع مجيب.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... انظر: ص 143 من هذا الكتاب.(37/21)
المبحث السادس
نقد عام للمؤلِّف ومنهجه في كتبه
... قبل الدخول في الرد المفصل على المسائل التي ذكرها المؤلف في كتابه الأول (ثم اهتديت) لابد لي من وقفة معه لبيان حاله، ومنهجه الذي سار عليه في تأليف كتبه، ومدى صدقه، وأمانته، ومبلغه من العلم، ليقف القارئ على ذلك بنفسه قبل الشروع في قراءة الرد عليه.
... وذلك ببيان جهل المؤلف، وغروره، وكذبه، وتدليسه، وتناقضه في كلامه، واتباعه الظن في أحكامه، وعدم توثيقه للنقول، ومخالفته في كتبه لأصول التأليف التي درج عليها أهله، وكذلك للمنهج الذي ألزم به نفسه في التأليف، ومخالفته أيضاً لعقيدة الرافضة المعروفة عندهم.
... وسيكون تقرير هذا كله بالاستدلال على كل جزئية من كلامه والمقارنة بين أقواله والمناظرة بين مسائلة التي يقررها من خلال كتبه الأربعة السالفة الذكر.
... وها هو ذا تفصيل ذلك:
أولاً: جهله.
... ويدل على ذلك ما ذكره المؤلف عن نفسه واعترافه بأنه
ليست عنده مكتبة خاصة إلا بعد أن أهدى له الرافضة في العراق مجموعة من كتبهم، يقول: «وفوجئت عند دخولي إلى منزلي بكثرة الكتب التي وصلت قبلي وعرفت مصدرها........فرحت كثيراً، ونظمت الكتب في بيت خاص سميته المكتبة».(1)
... ثم يقول بعد ذلك: «سافرت إلى العاصمة، ومنها اشتريت صحيح البخاري، وصحيح مسلم، ومسند الإمام أحمد، وصحيح الترمذي، وموطأ مالك، وغيرها من الكتب الأخرى المشهورة، ولم أنتظر الرجوع إلى البيت فكنت طوال الطريق بين تونس وقفصة وأنا راكب في حافلة النقل العمومية أتصفح كتاب البخاري، وأبحث عن رزية الخميس متمنياً أن لا أعثر عليها، ورغم أنفي وجدتها...».(2)
... فليتأمل القارئ قوله: (ثم وضعت الكتب في مكان سميته المكتبة) وكأنه أول من ابتكر المكتبات في البيوت ثم وضع لها هذا الاسم الذي ظن أنه لم يسبق إليه، ثم شرائه من بعد ذلك الصحيحين، والكتب المشهورة في الحديث بعد أن لم تكن عنده ولا يعرفها.(38/1)
... في حين أن هذه الكتب لاتكاد تخلو منها مكتبة طالب علم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... ثم اهتديت ص86-87.
(2) ... المرجع نفسه ص88.
صغير، فضلاً عمن يعد نفسه من العلماء، ويتصدى للبحث والتأليف في أخطر المسائل وأدقها في باب الاعتقاد.
... هذا وقد اعترف المؤلف في موطن آخر من كتابه (ثم اهتديت) بأنه ليست عنده معرفة بعلوم الشريعة، زاعماً -لفرط جهله- أنه لا يحتاج إليها في بحثه عن أحوال الصحابة.
... يقول ضمن نقله لحوار دار بينه وبين عالم سني: «فقال: لايمكنك الاجتهاد إلا إذا عرفت سبعة عشر علماً، منها علم التفسير واللغة،والنحو،والصرف،والبلاغة، والأحاديث، والتاريخ، وغير ذلك.
... وقاطعته قائلاً: أنا لن أجتهد لأبين للناس أحكام القرآن والسنة، أو لأكون صاحب مذهب في الإسلام كلا، ولكن لأعرف من على الحق، ومن على الباطل، ولمعرفة أن الإمام علي على الحق أو معاوية مثلاً، ولا يتطلب ذلك الإحاطة بسبعة عشر علماً، ويكفي أن أدرس حياة كل منهما، وما فعلاه حتى أتبين الحقيقة».(1)
... قلت: ولهذا وقع المؤلف في أخطاء وجهالات لا تخفى على طالب في المراحل الدنيا من التعليم.
... كقوله في كتابه فاسألوا أهل الذكر: «وإذا ما سألتهم -أي أهل السنة- من هؤلاء المنافقون الذين نزلت فيهم أكثر من مائة وخمسين آية
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... ثم اهتديت ص150.
في سورتي التوبة والمنافقون فسيجيبون هو عبدالله بن أبيّ،
وعبدالله بن أبي سلول، وبعد هذين الرجلين لا يجدون اسماً
آخر».(1)
... وقوله أيضاً: «فكيف يحصر النفاق بابن أبيّ، وابن أبي سلول المعلومين لدى عامة المسلمين». (2)
... فقد وقع في أخطاء شنيعة:(38/2)
... الأول: قوله: إنه نزلت في المنافقين أكثر من مائة وخمسين آية في سورتي (التوبة) (والمنافقون)، فسورتا (التوبة) و(المنافقون) لم تبلغا مائة وخمسين آيه في مجموعها، فالتوبة (129) آيه، والمنافقون (11) آية، هذا مع أنه ليس كل آيات السورتين في المنافقين، فالثلاث الآيات الأخيرة من سورة (المنافقون) ليست في المنافقين، وكذلك التوبة فيها آيات كثيرة ليست في المنافقين.
... ومفهوم كلامه هنا أن الآيات التي نزلت في المنافقين محصورة في السورتين، وهذا خطأ آخر، فقد نزلت آيات كثيرة في المنافقين ليست في السورتين المذكورتين، كما وردت بذلك آيات في البقرة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... فسألوا أهل الذكر ص119.
(2) ... المرجع نفسه ص119.
وآل عمران والنساء والمائدة(1) وغيرها من سور القرآن.
... الثاني: ظنه أن ابن أبيّ غير ابن سلول وأنهما رجلان، وإنما هو رجل واحد فهو عبدالله بن أبيّ بن سلول، زعيم المنافقين ورأسهم في المدينة.(2)
... الثالث: قوله: «وبعد هذين الرجلين لا يجدون اسماً آخر»، فهذا من جهله المركب، وعظيم جرأته على الكلام بدون علم، ولا تثبت، فلو رجع هذا المجازف في الكلام إلى أشهر كتاب متداول في السيرة، وهو سيرة ابن هشام، لوجد أن المؤلف سرد في الجزء الثاني من هذا الكتاب أسماء طائفة كبيرة من المنافقين في أكثر من عشر صفحات يذكرهم بأسمائهم وأسماء آبائهم، مبيناً بعض ما نزل في كل واحد منهم من القرآن(3)، هذا غير ما ذكره المؤرخون الآخرون، والمفسرون في كتب التفسير.
... ومن جهالات المؤلف الكبيرة قوله: «وأبدلت الصحابة المنقلبين على أعقابهم أمثال معاوية، وعمرو بن العاص، والمغيرة بن شعبة، وأبي هريرة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ(38/3)
(1) ... من هذه الآيات على سبيل المثال: في البقرة 8-20،204-206، وفي ... آل عمران 120،154، وفي النساء 60-66،72-73،138-146، وفي ... المائدة 41،52،53.
(2) ... انظر ترجمته وطرفاً من أخباره في سيرة ابن هشام 2/620،469،555.
(3) ... انظر: سيرة ابن هشام 2/548-557.
وعكرمة، وكعب الأحبار وغيرهم بالصحابة الشاكرين...»(1) وهذا الكلام مع ما فيه من زيغ وضلال بعيد، سيأتي الرد عليه في موضعه، فإنه متضمن لخطأ شنيع حيث عدّ كعب الأحبار من الصحابة وإنما هو من التابعين، فقد أسلم بعد موت النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقدم المدينة في عهد عمر -- رضي الله عنه --(2)، وهذا مشهور عند أهل العلم، لكن المؤلف بجهله وقع في مثل هذا الخطأ الفادح الفاضح.
... وعموماً فأخطاء المؤلف الدالة على جهله، وقلة بضاعته في العلم كثيرة، وإنما سقت هنا أمثلة يستدل بها، قبل تفصيل الرد عليه، وسيأتي في أثناء الرد المزيد من ذلك إن شاء الله تعالى.
...
ثانياً: غروره وإعجابه بنفسه.
... اتسمت شخصية المؤلف بالغرور المفرط، والإعجاب بالنفس، يظهر ذلك من خلال حديثه عن نفسه، وتزكيته لنفسه في مواطن كثيرة من كتبه ومن أمثله ذلك:
... قوله متحدثاً عن رحلته للحج: «لذلك ظننت أن الله هو الذي ناداني، وأحاطني بعنايته، وأوصلني إلى ذلك المقام الذي تموت
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... ثم اهتديت 158.
(2) ... انظر: سير أعلام النبلاء 3/489.
الأنفس دون الوصول إليه حسرة ورجاء».(1)
... ويقول أيضاً: «عناية ربانية أخرى، جعلت كل من يراني من الوفود يحبني، ويطلب عنواني للمراسلة».(2)
... ويقول متحدثاً عن وضعه في بلده: «وتعدت شهرتي حدود مدينتي إلى مدن أخرى مجاورة، فقد يمر المسافر فيصلي الجمعة، ويحضر تلك الدروس، ويتحدث بها في مجتمعه».(3)(38/4)
... ويقول: «وبشّروني بأن صاحب الزمان -ويقصدون به الشيخ إسماعيل- قد اصطفاني من بين الناس لأكون من خاصة الخاصة، وطار قلبي فرحاً بهذا الخبر، وبكيت تأثراً بهذه العناية الربانية التي ما زالت ترفعني من مقام سام، إلى ما هو أسمى، ومن حسن إلى ما هو أحسن...».(4)
... فهذه بعض أقوال المؤلف في حديثه عن نفسه، وتزكيته لها، وكفى بذلك قدحاً في الرجل، ونقصاً في دينه وعلمه وعقله، يقول الله - عز وجل -: {فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى}(5)، ويقول: {ألم تر إلى الذين
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... ثم اهتديت ص14.
(2) ... ثم اهتديت ص14.
(3) ... المرجع نفسه ص16.
(4) ... المرجع نفسه ص17.
(5) ... سورة النجم 32.
يزكون أنفسهم بل الله يزكى من يشاء ولا يظلمون فتيلاً - انظر كيف يفترون على الله الكذب وكفى به إثماً مبيناً}.(1)
... ومع وقوع هذا المسكين في هذا المحذور العظيم، فإنه قد جمع إليه جرماً آخر، وهو افتخاره بالمعاصي كالغناء وكثرة السفر إلى بلاد الكفر، ومعرفته بتلك البلاد، حيث يقول ضمن حديثه عن زيارته لمصر: «... وكانوا يعجبون لحماسي وصراحتى وكثرة اطلاعي، فإذا تحدثوا عن الفن غنيت، وإذا تحدثوا عن الزهد والتصوف ذكرت لهم أني من الطريقة التيجانية والمدنية أيضاً، وإذا تحدثوا عن الغرب حكيت لهم عن باريس، ولندن، وبلجيكا، وهولندا، وإيطاليا، وأسبانيا التي زرتهاخلال العطل الصيفية، وإذا تحدثوا عن الحج فاجأتهم بأني حججت وأني ذاهب إلى العمرة، وحكيت لهم عن أماكن لايعرفها حتىالذي حج سبع مرات:كغارحراء،وغارثور، ومذبح إسماعيل، وإذا تحدثوا عن العلوم والاختراعات شفيت غليلهم بالأرقام والمصطلحات، وإذا تحدثوا عن السياسة أفحمتهم بما عندي من آراء».(2)(38/5)
... إلى أن يقول: «والمهم من كل ما حكيته في هذا الفصل هو أن شعوري بدأ يكبر، وركبني بعض الغرور، وظننت فعلاً بأني أصبحت
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... سورة النساء 49-50.
(2) ... ثم اهتديث ص23-24.
عالماً، كيف لا وقد شهد لي بذلك علماء الأزهر الشريف، ومنهم من قال لي: يجب أن يكون مكانك هنا في الأزهر، ومما زادني فخراً واعتزازاً بالنفس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أذن لي في الدخول لرؤية مخلّفاته حسب ما ادعاه المسؤول عن مسجد سيدنا الحسين بالقاهرة...».(1)
... فهنيئاً للمؤلف بهذا الشرف، وهذه الكرامات التي أهلته بكل جدارة لاعتناق عقيدة الرافضة، والدخول مع زمرة ابن سبأ، وابن العلقمي، ونصير (الشرك) الطوسي، وابن مطهر والخميني وغيرهم. فنسأل الله بكرمه وجوده السلامة والعافية وحسن العاقبة، وأن يجنبنا والمسلمين طريق الضلال والغواية.
ثالثاً: كذبه وتدليسه.
... هناك أمثلة كثيرة تدل على كذب المؤلف، وتدليسه، وتزويره في كتبه ومن ذلك:
... قوله في كتابه: (الشيعة هم أهل السنة): «وكما قدمنا فيما سبق بأن المتسمين بأهل السنة والجماعة هم القائلون بخلافة الخلفاء الراشدين الأربعة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، هذا ما يعرفة الناس اليوم، ولكن الحقيقة المؤلمة هي أن علي بن أبي طالب لم يكن معدوداً
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... ثم اهتديث ص24.(38/6)
عند أهل السنة من الخلفاء الراشدين، لا ولم يعترفوا حتى بشرعية خلافته، وإنما أُلحق علي بالخلفاء الثلاثة في زمن متأخر جداً، وذلك في سنة ثلاثين ومائتين للهجرة، في زمن أحمد بن حنبل. أما الصحابة من غير الشيعة، والخلفاء والملوك والأمراء الذين حكموا المسلمين من عهد أبي بكر وحتى عهد الخليفة العباسي محمد بن الرشيد المعتصم، لم يكونوا يعترفون بخلافة علي بن أبي طالب أبداً، بل منهم من كان يلعنه، ولا يعتبره حتى من المسلمين، وإلا كيف يجوز لهم سبه ولعنه على المنابر».(1)
... ويقول أيضاً: «ولكل ذلك قلنا بأن أهل السنة والجماعة، لم يقبلوا بخلافة علي إلا بعد زمن أحمد بن حنبل بكثير، صحيح أن أحمد بن حنبل هو أول من قال بها، ولكنه لم يقنع بها أهل الحديث، كما قدمنا، لاقتدائهم بعبد الله بن عمر».(2)
... فزعمه أن أهل السنة لم يعترفوا بخلافة علي ولا يرون شرعيتها إلا بعد زمن أحمد بن حنبل بكثير، وأن الصحابة على ذلك بل منهم من يكفر علياً، افتراء عظيم وكذب مشين على أهل السنة والجماعة، إذ أن محبة علي -- رضي الله عنه -- وموالاته، واعتقاد صحة خلافته بعد الخلفاء
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... الشيعة هم أهل السنة ص45.
(2) ... المرجع نفسه 48-49.
الراشدين الثلاثة، الذين هو رابعهم، محل اتفاق بين أهل السنة على مختلف العصور والأمصار، من عصر الصحابة إلى اليوم، وقد بلغ من شهرة هذه المسألة وتواترها بين الخاصة والعامة من أهل السنة ما أصبحت به من الضروريات المسلمات عندهم، التي لا ينازع في تقريرهم لها إلاّ مفرط في الجهل أو مغرق في الإفك والكذب.
... ولذا فإن دعوى الرافضي فيها من أظهر الأدلة وأقوى الشواهد على شدة كذبه، وعظيم افترائه وإفكه.(38/7)
... ومن أمثلة كذبه وتدليسه أيضاً قوله في كتابه (ثم اهتديت): «من الأحاديث التي أخذت بها فدفعتني للاقتداء بالإمام علي: تلك التي أخرجتها صحاح أهل السنة والجماعة، وأكدت صحتها، والشيعة عندهم أضعافها ولكن -وكالعادة- سوف لا أستدل ولا أعتمد إلا الأحاديث المتفق عليها من الفريقين».(1)
... ثم ذكر عدة أحاديث منها:
- ... حديث: (أنا مدينة العلم وعلي بابها).
- ... حديث: (إن هذا أخى ووصيي وخليفتي من بعدي فاسمعوا له
... وأطيعوا.
- ... حديث: (من سره أن يحيا حياتي، ويموت مماتي، ويسكن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... ثم اهتديت ص172.
... جنة عدن غرسها ربي فليوال علياً من بعدي، وليوال ... وليه...».(1)
... وهذا كذب وتدليس، فإن هذه الأحاديث المذكورة لم ترد في صحاح أهل السنة المعتمدة عندهم، ولم يحكموا بصحتها، بل حكموا ببطلانها ووضعها(2) وسيأتي الكلام في الرد على المؤلف في ذلك، وإنما أردت هنا بيان كذبه فيما ادعاه.(3)
... ومن صور كذبه أيضاً ما زعمه من اعتداء الجنود في المدينة المنورة على الحجاج بالضرب يقول: «زرت البقيع وكنت واقفاً أترحم على أرواح أهل البيت، وكان بالقرب مني شيخ طاعن في السن يبكي، وعرفت من بكائه أنه شيعي، واستقبل القبلة وبدأ يصلي، وإذا بالجندي يأتي إليه بسرعة، وكأنه كان يراقب حركاته وركله
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... ثم اهتديت ص172-176-191.
(2) ... انظر: الموضوعات لابن الجوزي 1/357، والتذكرة في الأحاديث المشتهرة ... للزركشي ص163، والمقاصد الحسنة للسخاوي ص169، وكشف الخفاء ... للعجلوني 1/203، ومجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية 4/410، ... ومنهاج السنة لشيخ الإسلام ابن تيمية 7/299-354، والتلخيص للذهبي ... مع المستدرك للحاكم 3/139.
(3) ... انظر: ص 513،551،589 من هذا الكتاب.(38/8)
بحذائه ركلة وهو في حالة سجود، فقلبه على ظهره وبقي المسكين فاقداً للوعي بضع دقائق، وانهال عليه الجندي ضرباً وسباً وشتماً، ورق قلبي لذلك الشيخ وظننت أنه مات، ودفعني فضولي، وأخذتني الحمية، وقلت للجندي: حرام عليك لماذا تضربه وهو يصلي؟ فانتهرني قائلاً:اسكت أنت ولاتتدخل حتى لا أصنع بك مثله...».(1)
... فلا يخفي ما في كلامه هذا من الكذب والافتراء، الذي يعلمه كل من زار هذه البلاد من المسلمين، حجاجاً، أو معتمرين، أو غيرهم من أصحاب الأعمال والحاجات، وما أكثرهم، حيث يُقدّرون في كل سنة بالملايين، وكلهم يشهد ويلمس ما يعيشه الحجاج والزائرون من أمن وأمان، وراحة بدنية ونفسية، عن طريق ما توفره الدولة السعودية السنية السلفية، من مرافق ومنشآت، ووسائل حديثة في مختلف المجالات، لخدمة الحجاج والزائرين، ثم تجنيد القوة البشرية في الدولة للسهر على تقديم كافة التسهيلات لهم، مع حسن المعاملة والرفق بهم، حتى أصبحت رحلة الحج والعمرة أشبه ما تكون بنزه سياحية لما يلاقيه الحجاج والمعتمرون، من راحة وطمأنينة، بفضل الله ثم بما تقدمه الدولة من خدمات.
... أما الرافضة فالكل يعلم أنهم أهل شغب وإثارة للفتن، خصوصاً
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... ثم اهتديت ص82-83.
في مواسم الحج، ومع هذا فالدولة وفقها الله تدفع شرهم بأيسر السبل، وتقابل السيئة بالحسنة، مع حفظها ومحافظتها على أمن هذه البلاد الذي هو واجبها أمام الله ثم المسلمين.
... وهذا أمر لايخفى بحمد الله على كل مطلع على الأحداث، ويعلمه على وجه الخصوص ملايين الحجاج والمعتمرين، الذين يقصدون هذه البلاد في كل سنة. فعلى من يلبس هذا الأفاك الأثيم، صنيعة الرافضة ودسيستهم على المسلمين؟؟!
رابعاً: تناقضه في كلامه.(38/9)
... المؤلف متناقض في كلامه وأحكامه التي يقررها، فما يكاد يذكر مسألة ويقررها إلا وينقضها في موطن آخر، حتى أصبح هذا الأمر سمة بارزة في كتبه، ولا عجب فهذه من أبرز سمات أهل الأهواء والبدع، لأن أقوالهم وأحكامهم إنما تبنى على آراء الرجال وأهوائهم، يقول الله تعالى:{ولوكان من عندغير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً}. (1)
... ومن هذه التناقضات:
1- ... قوله في كتابه الشيعة هم أهل السنة: «يكفينا على ذلك دليل واحد يعطينا الحجة البالغة، وكما قدمنا بأن أهل السنة والجماعة ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... النساء 82.
لم يعرفوا إلا في القرن الثاني للهجرة كرد فعل على الشيعة الذين
والوا أهل البيت وانقطعوا إليهم، فإننا لا نجد شيئاً في فقههم وعباداتهم، وكل معتقداتهم يرجعون فيه إلى السنة النبوية المروية عن أهل البيت». (1)
... يعارض هذا قوله في الكتاب نفسه: «وإذا شئنا التوسع في البحث لقلنا: بأن أهل السنة والجماعة هم الذين حاربوا أهل البيت النبوي، بقيادة الحكام الأمويين والعباسيين، ولذلك لو فتشت في عقائدهم وكتب الحديث عندهم فسوف لا تجد لفقه أهل البيت شيئاً عندهم يذكر، وسوف تجد كل فقههم وأحاديثهم منسوبة لأعداء أهل البيت». (2)
... ففي النص الأول يدعى أن كل معتقدات أهل السنة وفقههم ترجع إلى أهل البيت،وفي النص الثاني يناقض ذلك تماماً، ويزعم أن أهل السنة أخذوا كل معتقداتهم وفقههم من أعداء أهل البيت وليس لفقه أهل البيت عندهم أي ذكر.
2- ... قوله: «وتجدر الإشارة إلى أن الشيعة تقيدوا بمصادر التشريع من الكتاب والسنة، ولم يزيدوا عليها شيئاً، وذلك لوجود النصوص
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... الشيعة هم أهل السنة ص300.
(2) ... المرجع نفسه ص295.
الكافية عند أئمتهم لكل مسألة من المسائل التي يحتاج الناس إليها».(1)(38/10)
... يعارضه قوله: «وبدأت سلسلة الفقهاء المجتهدين منذ ذلك العهد الى اليوم تتوالى بدون انقطاع، وفي كل عهد يبرز مرجع واحد أو عدة مراجع للشيعة، يقلدونهم في أعمالهم، حسب الرسائل العلمية التي يستنبطها كل مرجع من الكتاب والسنة، ولا يجتهد إلا في الأمور المستحدثة التي عرفها هذا القرن، بسبب التقدم العلمي والتكنولوجي». (2)
... ففي النص الأول:يثبت أن الشيعةتقيدوابنصوص الكتاب والسنة، ولم يزيدوا عليها، لوجود النصوص الكافية عندهم لكل مسألة.
... وفي النص الثاني: يقرر أن سلسلة الفقهاء المجتهدين من الشيعة تتوالى في كل عصر، وأنهم يستنبطون من النصوص ما يحتاجون إليه من الأحكام في المسائل المستحدثة.
3- ... قوله «أما الصحابة من غير الشيعة، والخلفاء، والملوك، والأمراء، الذين حكموا المسلمين من عهد أبي بكر، وحتى عهد الخليفة العباسي محمد بن الرشيد المعتصم، لم يكونوا يعترفون بخلافة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... الشيعة هم أهل السنة ص138.
(2) ... المرجع نفسه ص144.
علي بن أبي طالب أبداً، بل منهم من كان يلعنه، ولا يعتبره حتى من المسلمين». (1)
... وقوله: «ولكل ذلك قلنا بأن أهل السنة والجماعة لم يقبلوا بخلافة علي إلا بعد زمن أحمد بن حنبل بكثير». (2)
... ونصوص أخرى كثيرة في هذا المعنى. (3)
... ثم يعارض هذا كله بقوله: «أما خلافة علي فكانت ببيعة المهاجرين والأنصار له، بدون فرض ولا إكراه وكُتب ببيعته إلى الآفاق، فأذعنوا كلهم إلا معاوية من الشام». (4)
... وبقوله: «وهل من سائل يسأل ابن عمر ومن يقول بمقالته من أهل السنة والجماعة، متى حصل الإجماع على خليفة في التاريخ كالذي حصل لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب؟». (5)
... وكذلك قوله في حق ابن عمر رضي الله عنهما: «نراه يمتنع عن بيعة علي التي أجمع عليها المسلمون». (6)(38/11)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... الشيعة هم أهل السنة ص45.
(2) ... المرجع نفسه ص48.
(3) ... انظر الشيعة هم أهل السنة ص24-49-152-229-230.
(4) ... الشيعة هم أهل السنة ص232.
(5) ... المرجع نفسه ص231.
(6) ... المرجع نفسه ص232.
... ونحن لا نعلم أي أقواله نصدق: دعواه بأن أهل السنة لم يعترفوا بخلافة علي حتى زمن أحمد بن حنبل؟! أم القول بأنهم أجمعوا على خلافته وأذعنوا لها من أول يوم بدون فرض ولا إكراه؟!
4- ... قوله: «وفي هذا الصدد سجل لنا التاريخ أن الإمام علياً هو أعلم الصحابةعلى الإطلاق،وكانوايرجعون إليه في أمهات المسائل. ولم نعلم أنه رجع إلى واحد منهم قط.فهذا أبوبكر يقول:(لا أبقاني الله لمعضلة ليس لها أبو الحسن)، وهذا عمر يقول: (لولا علي لهلك عمر». (1)
... وهذا يتعارض تماماً مع قوله: «إنهم أبعدوا علي بن أبي طالب فنبذوه وتركوه حبيس داره، ولم يشركوه في شئ من أمرهم طيلة ربع قرن، ليذلوه ويحقروه، ويبعدوا الناس عنه... وفعلاً فقد بقى علي سلام الله عليه على تلك الحالة مدة خلافة أبي بكر وخلافة عمر وخلافة عثمان رهين البيت، يعمل الجميع على تحقيره، وإطفاء نوره، وإخفاء فضائله ومناقبه». (2)
5- ... قوله: «وهذا لم يعجب قريش فثارت ثائرتها بعد وفاة محمد - صلى الله عليه وسلم - وحاولت القضاء على عترته كلها، فأحاطوا بيت فاطمة بالحطب ولولا استسلام علي وتضحيته بحقه في الخلافة، ومسالمته لهم، لقضى
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... ثم اهتديت ص173.
(2) ... فسألوا أهل الذكر ص252.
عليهم، وانتهى أمر الإسلام من ذلك اليوم» .(1)(38/12)
... وهذا الكلام يعارضه بالكلية وينقضه من أساسه في جواب سؤال زعم أنه ورد عليه وهو: هل رضي الإمام علي بالأمر الواقع، وبايع الجماعة؟ فيجيب قائلاً: «لا لم يرض الإمام علي بالأمر الواقع، ولم يسكت، بل احتج عليهم بكل شيء، ولم يقبل أن يبايعهم رغم التهديد والوعيد... فعلي لم يسكت، وبقي طيلة حياته كلما وجد فرصة إلا وآثار مظلمته، واغتصاب حقه، ويكفي دليلاً على ذلك ما قاله في خطبته المعروفة بالشقشقية». (2)
6- ... قوله: «وقد اتفق المسلمون بلا خلاف: على مودة أهل البيت عليهم الصلاة والسلام، واختلفوا في غيرهم». (3)
... يعارض هذا قوله ضمن حديثه عن أهل البيت:«ولذلك فإنك لاترى لهم وجوداً عند أهل السنة والجماعة، ولا يوجد في قائمة أئمتهم وخلفائهم الذين يقتدون بهم واحد من أئمة أهل البيت عليهم السلام». (4)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... الشيعة هم أهل السنة ص110-111.
(2) ... فسألوا أهل الذكر ص250-251.
(3) ... فسألو أهل الذكر ص164.
(4) ... الشيعة هم أهل السنة ص238.
7- ... قوله: «أضف إلى ذلك أن الإمام علياً عندما تولى الخلافة بادر بإرجاع الناس إلى السنة النبوية. وأول شئ فعله هو توزيع
بيت المال...». (1)
... وقوله: «ويكفي علي بن أبي طالب أن يعود بالناس إلى السنة النبوية، حتى يثور عليه الصحابة، الذين أُعجبوا بما ابتدعه عمر». (2)
... وقوله: «إن أمير المؤمنين علياً لم يجبر الناس على البيعة بالقوة والإكراه، كما فعل الخلفاء من قبله، ولكنه تقيد -سلام الله عليه- بأحكام القرآن والسنة ولم يغير ولم يبدل». (3)
... وهذا كله تعارضه أقوال له آخرى كقوله: «وإذا كان علي بن أبي طالب عليه السلام هو المعارض الوحيد، الذي حاول كل جهوده في أيام خلافته، إرجاع الناس للسنة النبوية بأقواله وأفعاله وقضائه، ولكن بدون جدوى، لأنهم شغلوه بالحروب الطاحنة...». (4)(38/13)
... وقوله: «وهذه كتبهم وصحاحهم تشهد على صدق ما ذهبنا إليه، من أنه -سلام الله عليه- قد حاول بكل جهوده إحياء السنة النبوية، وإرجاع الناس إلى أحضانها، ولكن لا رأي لمن لا يطاع. كما قال
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... الشيعة هم أهل السنة ص 189.
(2) ... المرجع نفسه ص190.
(3) ... المرجع نفسه ص198.
(4) ... المرجع نفسه ص260.
هو بنفسه». (1)
... وقوله أيضاً: «وقضى خلافته في حروب دامية، فرضت عليه فرضاً، من الناكثين، والقاسطين، والمارقين، ولم يخرج منها إلا باستشهاده ... سلام الله عليه وهو يتحسر على أمة محمد». (2)
... فهذه أمثلة لما جاء في كتبه من تناقضات وتعارضات، ولو أردت الاسترسال في ذكر ما وقع فيه المؤلف من هذه التناقضات لذكرت الكثير منها، إذ أن كتبه مليئة بذلك، غير أني أكتفي بما تقدم، حرصاً على عدم الإطالة ولتحقق المقصود بما ذكر حيث تبين من خلال هذا العرض تناقض الرجل واضطرابه، وشكه وارتيابه، مما يسقط الثقة بنقله، أو الاعتداد بحكمه.
خامساً: اتباعه الهوى والظن في أحكامه:
... المؤلف لا يبني أحكامه وما يقرره من مسائل على منهج صحيح، كالاستدلال بالنصوص، والاستعانة بكلام أهل العلم في بحث المسائل وتحقيقها. وإنما له طريقة غريبة في ذلك، وهي تأصيل المسائل وتقريرها بمجرد الهوى والظن، بل امتدت طريقته هذه لتشمل الأحاديث النبوية
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... الشيعة هم أهل السنة ص182.
(2) ... لأكون مع الصادقين ص81.
والروايات التاريخية التي ينفيها أو يقررها بغلبة الظن والهوى والرأي المجرد الذي لايستند لمبرر معقول، أو نقل مقبول، وهذه الطريقة سائدة في كتبه، وإنما أذكر لها أمثله. فمن ذلك:(38/14)
... قوله في كتابه فسألوا أهل الذكر: «إن أولئك الذين حكموا المسلمين في عهد الدولة الأموية وعلى رأسهم معاوية بن أبي سفيان، لم يعتقدوا يوماً من الأيام بأن محمداً بن عبدالله هو مبعوث برسالة من عند الله، و هو نبي الله حقاً، وأغلب الظن أنهم كانوا يعتقدون بأنه كان ساحراً». (1)
... فهذا حكم خطير على حكام المسلمين الذين جاءوا بعد عهد الخلفاء الراشدين واستغرق حكمهم جل قرن النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي هو خير القرون والثلث الأول من القرن المفضل الثاني وحصل في عهدهم من الفتوح وعز الإسلام والمسلمين، والقيام بالسنة ونصرة أهلها ما دل على صدق إيمانهم وتدينهم، واشتهر من أخبارهم في العدل والتقوى والصلاح بين الأمة خاصها وعامها، على مر العصور، وكرّ الدهور ما بلغ حد التواتر، خصوصاً ما ثبت من ذلك في حق الصحابي الجليل معاوية بن أبي سفيان والتابعي الكبير عمر بن عبدالعزيز -رضي الله عنهما-حتى إذا ما جاء هذا الأفاك الأثيم في هذا العصر المتأخر،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... فسألوا أهل الذكر ص41.
أطلق هذا الحكم الجريء، بأن هؤلاء الحكام لم يصدقوا يوماً ببعثة النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يعتقدوا صدق رسالته، حكماً مجرداً من أي دليل ولا يعتضد لأي نقل وإن كان زوراً وبهتاناً. بل لم يكتف بهذا حتى أعقب هذا الحكم بحكم آخر مصرحاً أن مستنده فيه غلبه الظن حيث يقول: وأغلب الظن أنهم يعتقدون أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان ساحراً... هكذا يصدر هذا المجرم الأحكام في حق خيار الأمة، ومستنده فيها غلبة الظن عنده فعليه من الله ما يستحق.
... ونظير هذا قوله: «وأغلب الظن أن القائلين بمبدأ الشورى في الخلافة، ومؤسسي هذه النظرية، هم الذين صرفوا نزولها عن حقيقتها يوم غدير خم». (1)(38/15)
... وقوله عن عبدالرحمن بن عوف: «وأغلب الظن أنه اشترط على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب بأن يحكم فيهم بكتاب الله وسنة الشيخين فرفض علي هذا العرض...». (2)
... وقوله أيضاً: «ولذلك أعتقد شخصياً بأن بعض الصحابة نسب النهي عن المتعة وتحريمها إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - لتبرير موقف عمر بن الخطاب وتصويب رأيه». (3)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... لأكون مع الصادقين ص71.
(2) ... الشيعة هم أهل السنة 179.
(3) ... لأكون مع الصادقين ص195.
... وفي مقابل هذا الطعن والتهم الباطلة في حق أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وخيار سلف الأمة من أئمة المسلمين وعلمائهم، القائمة على الهوى والظن، والمجردة من أي دليل، نجده في الوقت نفسه يمجد الرافضة، ويعظمهم ويثني على دينهم.
... فيقول ضمن حديثه عن زيارته للعراق، ورؤيته للرافضة وهم يطوفون بالقبور ويتمسحون بها: «كنت أنظر إلى الشيوخ الطاعنين في السن، وعلى رؤوسهم عمائم بيض وسود، وفي جباههم آثار السجود، وزاد في هيبتهم تلك اللحى التي أعفوها، وتنطلق منها روائح طيبة ،ولهم نظرات حادة مهيبة، وما أن يدخل الواحد منهم حتى يجهش بالبكاء، وتساءلت في داخلي أيمكن أن تكون هذه الدموع كاذبة؟؟ أيمكن أن يكون هؤلاء الطاعنون في السن مخطئين؟؟». (1)
... ويقول في موطن آخر: «بل قد استهوتني عباداتهم، وصلاتهم ودعاؤهم،وأخلاقهم،واحترامهم لعلمائهم،حتىتمنيت أن أكون مثلهم». (2)
... أماطريقته في الحكم على الأحاديث من حيث الصحة والضعف، فله في ذلك طريقة غريبة لا أظن أن أحداً سبقه إليها، حتى من أصحاب المنهج العقلي: الذين يخضعون الآحاديث لعقولهم فما وافقها أخذوا به، وما خالفها ضعفوه وتركوه، وأما هذا الرجل فإنه يخضع
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... ثم اهتديت ص36-37.
(2) ... المرجع نفسه ص43.(38/16)
الآحاديث لهواه، فتراه يصحح ويضعّف ويحذف ويزيد في الآحاديث، بل قد يصحح جزءاً من الحديث، ويضعف الجزء الآخر، كل ذلك بمجردالهوى والظن غير مستدل لكلامه ولا موثق لأحكامه،ومن ذلك:
... إيراده الحديث الذي رواه مسلم من حديث ابن عمر قال: خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من بيت عائشة فقال: (رأس الكفر من هنا من حيث يطلع قرن الشيطان، يعني المشرق). (1)
... قال بعد إيراده هذا الحديث وقد حذف منه العبارة الأخيرة -يعني المشرق-:«ولاعبرة بالزيادة التي أضافوها بقولهم: يعني المشرق، فهي واضحة الوضع ليخففوا بها عن أم المؤمنين، ويبعدوا هذه التهمة عنها». (2)
... ومن الأحاديث التي طعن فيها، الحديث الصحيح الذي رواه البخاري عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: (حججنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فأفضنا يوم النحر، فحاضت صفية فأراد النبي - صلى الله عليه وسلم - منها مايريد الرجل من أهله فقلت يارسول الله إنها حائض). (3)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... رواه مسلم (كتاب الفتن... باب الفتنة من المشرق...) 4/2228 ... ح2905.
(2) ... فسألوا أهل الذكر ص105.
(3) ... رواه البخاري في كتاب الحج (باب الزيادة يوم النحر) 3/567، ح1733.
... قال: حسبه الله: «عجباً لهذا النبي الذي يحب مجامعة زوجه،
على مشهد وعلم من زوجته الآخرى، فتعلمه بأنها حائض، بينما لا
تعلم المعنية بالأمر من ذاك شيئاً». (1)
... وبهذا الأسلوب نفسه يطعن في حديث عائشة وعثمان الذي رواه مسلم في صحيحه: (أن أبا بكر استأذن على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو مضطجع على فراشه لابس مرط عائشة، فأذن لأبي بكر وهو كذلك فقضى إليه حاجته ثم انصرف، ثم استأذن عمر فأذن له وهو على تلك الحال فقضى إليه حاجته ثم انصرف، قال عثمان: ثم استأذنت عليه فجلس وقال: لعائشة اجمعي عليك ثيابك، فقضيت إليه حاجتي ثم انصرفت...)(2) الحديث.(38/17)
... قال بعد إيراده الحديث متهكما غامزاً الحديث بالوضع:«أي نبي هذا الذي يستقبل أصحابه وهو مضطجع في مرط زوجته على فراشه، وبجانبه زوجته في لباس مبتذل، حتى إذا جاء عثمان جلس، وأمر زوجته بأن تجمع عليها ثيابها»(3)- على هذا المفترى من الله مايستحق-.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... فسألوا أهل الذكر ص266.
(2) ... صحيح مسلم (كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل عثمان بن عفان
... -- رضي الله عنه --) 4/1866، ح2402.
(3) ... فسألوا أهل الذكر ص267.
... وكلامه عن هذين الحديثين وعن أحاديث أخرى تتعلق
بشخصية النبي - صلى الله عليه وسلم - اعرضت عن نقل كلامه فيها لبشاعته-مع مافيه من تكذيب بالأحاديث الصحيحة واتهام للصحابة بوضعها فإن فيه طعناً في ذات النبي - صلى الله عليه وسلم - ونيلاً من مقامه الشريف، وأخلاقة السامية الرفيعة، وتعريضاً بزوجاته الطاهرات العفيفات، وهذا كفر صريح بإجماع المسلمين. وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- اجماع العلماء على كفر من سب النبي - صلى الله عليه وسلم - أو عابه، أو تنقّصه، ونقل عباراتهم في ذلك.(38/18)
... قال الإمام أحمد: (كل من شتم النبي عليه الصلاة والسلام، أو تنقّصه، مسلماً كان أو كافراً، فعليه القتل. وأرى أن يقتل ولا يستتاب).
... وقال ابن القاسم عن مالك: (من سب النبي - صلى الله عليه وسلم - قُتل ولم يستتب)، قال ابن القاسم: (أو شتمه، أو عابه، أو تنقّصه، فإنه يقتل كالزنديق. وقد فرض الله توقيره).
... وروى ابن وهب عن مالك من (قال: إن رداء النبي - صلى الله عليه وسلم - -ورُوي بُرْده- وسخ وأراد به عيبه قتل).
... وكذلك قال أبو حنيفة وأصحابه فيمن تنقصه أو برئ منه، أو كذبه: إنه مرتد.
... وكذلك قال أصحاب الشافعي: كل من تعرض لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - بما فيه استهانة فهو كالسب الصريح فإن الاستهانة بالنبي كفر.
... قال شيخ الإسلام بعد ذكره هذه النقول: «فقد اتفقت نصوص العلماء من جميع الطوائف على أن التنقص له كفر مبيح للدم وهم في استتابته على ما تقدم من الخلاف، ولا فرق في ذلك بين أن يقصد عيبه، لكن المقصود شئ آخر حصل السبُّ تبعاً له، أو لا يقصد شيئاً من ذلك بل يهزل ويمزح أو يفعل غير ذلك». (1)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... الصارم المسلول ص527، وانظر: في النقول قبله ص525-527، من ... الكتاب نفسه.(39/1)
... كما نقل الاجماع على ذلك أيضاً القاضي عياض قال: «جميع من سب النبي - صلى الله عليه وسلم -، أو عابه، أو ألحق به نقصاً في نفسه أو نسبه أو دينه أو خصله من خصاله، أو عرّضَ به، أو شبهه بشيء على طريق السب له، والإزراء عليه، أو التصغير لشأنه، أوالغضّ منه والعيب له فهو ساب له. والحكم فيه حكم الساب يقتل، ولا نستثنى فصلاً من فصول هذا الباب عن هذا المقصد، ولا نمتري فيه، تصريحاً كان أو تلويحاً. وكذلك من لعنه أو دعا عليه أو تمنى مضرة له، أونسب إليه مالا يليق بمنصبه على طريق الذم، أو عبث في جهته العزيزة بسخف من الكلام وهجر، ومنكر من القول وزور، أو عيّره بشئ مما جرى من البلاء والمحنة عليه، أو غمصه ببعض العوارض البشرية الجائزة والمعهودة لديه. وهذا كله إجماع من العلماء وأئمة الفتوى من لدن الصحابه رضوان الله عليهم إلى هلمّ جرا». (1)
سادساً: مخالفة المؤلف لأصول التأليف التي درج عليها أهله:
... لم يلتزم المؤلف في كتبه بالمنهج العلمي المتعارف عليه بين الباحثين والمؤلفين، لا من حيث الطريقة في عرض المسائل وترتيبها، ولامن حيث توثيق المعلومات من مصادرها. كما أنه لم يلتزم التحقيق
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... الشفا بتعريف حقوق المصطفى - صلى الله عليه وسلم - 2/932.
العلمي الصحيح المبني على الاستدلال لما يعرضه من مسائل وموضوعات بل جاءت كتبه خالية من كل ذلك.(39/2)
... أما طريقته في عرض المسائل فإنه لم يلتزم منهجاً واضحاً في عرضها، كتقسيم مسائل البحث على مباحث تجمعها فصول أو أبواب متناسبة -كما هو معروف في مناهج البحث الحديثة-(1)
أو الأخذ بطريقة المتقدمين القائمة على عرض المسائل تحت فصول أو أبواب مستقلة مع الدقة في العرض والترتيب، بل كانت طريقته قائمة على وضعه عناوين لا ارتباط لها بما قبلها أو بعدها من عناوين آخرى، هذا مع تكراره للعناوين في الموضوع الواحد في أكثر من موطن في كتاب واحد، مما جعل كتبه أشبه ما تكون بمقالات صُحُفِيه جمعت من غير تهذيب ولا ترتيب.
... فمن الأمثلة لعدم ترابط الموضوعات وترتيبها ترتيباً موضوعياً حديثه في كتابه (لأكون مع الصادقين) عن مسألة الشورى تحت عنوان: (تعليق على الشورى) وهذا العنوان يشعر بأنه سبق أن بحث المسألة، وإنما جاء دور التعليق عليها، في حين أن هذا لم يحصل، وإنما جاء هذا العنوان بعد مبحث بعنوان: (شواهد آخرى على ولاية علي)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... يستثنى من هذا طريقته في كتابه فسألوا أهل الذكر، حيث قسمه إلى فصول ... وإن كان لم يلتزم منهجاً علمياً في عرض المسائل تحتها كعادته في سائركتبه.
ثم ما يلبث أن يضع عنواناً آخر بعد التعليق على الشورى فيقول: (الاختلاف في الثقلين).
... وبعد هذا بمبحث يعقد عنواناً جديداً بعنوان: (اختلاف المذاهب السنية في السنة النبوية) ثم ينتقل لموضوع جديد بعد هذا بمبحث فيقول: (القضاء والقدر عند أهل السنة) وبعده بمبحثين -يبحث مسألة الخمس ثم التقليد(1)، وهكذا فالمؤلف لا يسير في بحثه على منهج علمي، وإنما يعقد عناوين مختلفة في موضوعاتها، ثم يتحدث تحتها بما لا يتجاوز ثلاث إلى أربع صفحات في الغالب كلاماً مجرداً من أي تحقيق علمي، ثم ما يلبث أن ينتقل إلى موضوع آخر بالطريقة نفسها.(39/3)
... وزيادة في التمثيل على ماتقدم، أنقل جملة من بعض عناوين كتابه: (الشيعة هم أهل السنة) التي جاءت متتابعة مع اختلاف موضوعاتها.
... وهي بحسب ترتيبها: (التقليد والمرجعية عند أهل السنة)، (الخلفاء الراشدون عند الشيعة)، (الخلفاء الراشدون عند أهل السنة)، (النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يقبل تشريع أهل السنة والجماعة)، (تنبيه لابد منه)، (عداوة أهل السنة لأهل البيت تكشف عن هويتهم).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... انظر:هذه المباحث من ص111 إلى ص154من كتابه لأكون مع الصادقين.
... وهذه العناوين تحدث عنها كلها في ثلاث عشرة صفحة فقط
دون ربط لموضوعاتها. (1)
... ومن الأمثلة أيضاً لذلك: عقده هذه العناوين بهذا الترتيب (فصل الخطاب في تقييم الأصحاب)، (مخالفة أهل السنة والجماعة للسنن النبوية)، (نظام الحكم في الإسلام)، (القول بعدالة الصحابة يخالف صريح السنة). (2)
... ومع هذا الاضطراب الكبير في عرض المسائل فليت أن المؤلف اقتصر في بحث كل مسألة على موطن واحد، بل نجد أنه يعرض المسألة في أكثر من موطن، من كل كتاب من كتبه في تكرار ممل للنفوس وحشو للكلام بما لا طائل تحته.
... مثل بحثه لمسألة موقف أهل السنة من السنة النبوية ودعواه مخالفتهم لها بحثها في أكثر من موضع من كتابه: (الشيعة هم السنة).
... الأول: في ص29 تحت عنوان: (في مخالفتهم للسنة).
... الثاني: في ص45 تحت عنوان: (أهل السنة لا يعرفون السنة النبوية).
... الثالث: في ص52 تحت عنوان: (أهل السنة ومحق السنة).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... انظر: الشيعة هم أهل السنة ص146-159.
(2) ... انظر: المرجع السابق ص280-292.
... الرابع: في ص287 تحت عنوان: (مخالفة أهل السنة والجماعة للسنن النبوية).(39/4)
... الخامس: في ص 295 تحت عنوان: (النبي - صلى الله عليه وسلم - يأمر المسلمين بالاقتداء بعترته وأهل السنة يخالفونه).
... ومثل مسألة التعريف بأهل السنة، بحثها في موطنين من كتاب الشيعة هم أهل السنة:
... الأول: في ص75 تحت عنوان: (التعريف بأئمة أهل السنة).
... الثاني: في ص170 تحت عنوان: (أئمة أهل السنة وأقطابهم).
... وكذلك مسألة موقف أهل السنة من الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - بحثها في موطنين متباعدين من الكتاب نفسه:
... الأول: ص164 تحت عنوان: (تحريف أهل السنة والجماعة كيفية الصلاة على محمد وآله).
... والثاني: ص303 تحت عنوان: (أهل السنة والصلاة البتراء).
... وهذه أمثلة من كتاب واحد فقط، وأما بالنظر إلى مجموع كتبه فحدث ولا حرج.
... وأما عدم توثيقه للمعلومات من مصادرها، فهذا ظاهر لكل من اطلع على كتبه، بل هو الغالب عليها وسأكتفي هنا بذكر أمثلة فقط.
... فمن ذلك إيراده بعض الأحاديث المنكرة والموضوعة، وادعاؤه
صحتها مع عدم عزوه إلى مصادرها من كتب السنة مثل:
... حديث: (كم قارئ للقرآن والقرآن يلعنه). (1)
... حديث: (اختلاف أمتي رحمة). (2)
... حديث: (علي قائد البررة وقاتل الكفرة). (3)
... حديث: (أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم). (4)
... حديث: (علي مني بمنزلتي من ربي). (5)
... حديث: (حلال محمد حلال إلى يوم القيامة). (6)
... حديث: (الغيرة للرجل إيمان وللمرأة كفر). (7)
... وكذلك نسبته بعض الأقوال والأفعال للصحابة مما لا تليق بمكانتهم من غير الإحالة على مصدر كنسبته لعائشة-رضي الله عنها- أنها منعت من دفن فاطمة -رضي الله عنها- بجوار أبيها. ومنعت الحسين بعد ذلك من دفن الحسن بجوار جده - صلى الله عليه وسلم -. وأنها ركبت بغلة وخرجت تنادي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... ثم اهتديت ص180.(39/5)
(2) ... لأكون مع الصادقين ص20-126.
(3) ... المرجع نفسه ص45.
(4) ... المرجع نفسه ص16.
(5) ... المرجع نفسه ص162.
(6) ... المرجع نفسه ص193.
(7) ... فسألوا أهل الذكر ص80.
وتقول: (لا تدفنوا في بيتي من لا أحب). (1)
... وزعمه أن الحسين -- رضي الله عنه -- طاف بأخيه الحسن -- رضي الله عنه -- بعد موته على قبر جده.(2) وكذلك رميه عموم الصحابة بالتهم العظيمة والجرائم الشنيعة حيث يقول: «ويذكر المؤرخون أشياء عجيبة وغريبة، وقعت في تلك الأيام، من أولئك الصحابة الذين أصبحوا فيما بعد خلفاء الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأمراء المؤمنين.
... كحملهم الناس على البيعة، بالضرب، والتهديد، بالقوة.
... وكالهجوم على بيت فاطمة، وكشف وعصر بطنها بالباب الذي كانت وراءه، حتى أسقطت جنينها.
... وإخراج علي مكتفاً، وتهديده بالقتل إن رفض البيعة.
... وغصب الزهراء حقوقها، من النحلة، والإرث، وسهم ذوي القربى، حتى ماتت غاضبة عليهم، وهي تدعو عليهم في كل صلاة.
... وكهتكهم للمحارم، وتعدي حدود الله في قتل الأبرياء من المسلمين، والدخول بنسائهم من غير احترام للعدة.
... وكتغييرهم أحكام الله ورسوله المبينة في الكتاب والسنة، وإبدالها بأحكام اجتهادية تخدم مصالحهم الشخصية.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... ثم اهتديت ص165.
(2) ... المرجع نفسه ص166.
... وكنفي أبي ذر وطرده من مدينة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
... وكسب ولعن أهل البيت، الذين أذهب الله عنهم الرجس، وطهرهم تطهيراً...». (1)
... إلى غير ذلك من التهم الملفقة، التي لم يقدم عليها دليلاً، أويسندها لمصدر موثوق.
... وأما عدم تحقيقه للمسائل تحقيقاً علمياً صحيحاً، وبناؤه الأحكام على آرائه الشخصية المجردة من كل دليل، فهذا كثير في كتبه ومن أمثلة ذلك:(39/6)
... قوله في كتاب ثم أهتديت: «ولما استشهد الإمام علي، واستولى معاوية على الحكم بعد الصلح الذي أبرمه مع الإمام الحسن، وأصبح معاوية هو أمير المؤمنين، سمي ذلك العام (عام الجماعة) إذاً فتسمية أهل السنة والجماعة، دالة على اتباع سنة معاوية والاجتماع عليه، وليست تعني اتباع سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -» .(2)
... وقوله: «وبمجرد اطلاعك على عقيدة الشيعة الإمامية في هذا الصدد يرتاح ضميرك، ويسلم عقلك بقبول تأويل الآيات القرآنية، التي فيها تجسيم أو تشبيه لله تعالى، وحملها على المجاز والاستعارة، لاعلى الحقيقة ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... فسألوا أهل الذكر 159-160.
(2) ... ثم اهتديت ص203.
ولاعلى ظواهر الألفاظ كما توهمه البعض». (1)
... ويقول: «والمهم أن تعرف لماذا غير عمر رأيه في البيعة؟ أكاد اعتقد بأنه سمع بأن بعض الصحابة يريد بيعة علي بن أبي طالب بعد موت عمر، وهذا مالا يرضاه عمر أبداً». (2)
... ويقول منتقداً مقدار ما يُخْرج من المال للزكاة في الشرع، وأخذ الجزية من الكفار راداً بذلك على الله في حكمه وشرعه: «فلا يمكن لدولة الإسلام أن تعتمد على ما يخرجه أهل السنة والجماعة من الزكاة، وهي تمثل في أحسن الأحوال اثنين ونصف بالمائة، وهي نسبة ضعيفة لا تقوم بحاجة الدولة من إعداد القوة، ومن بناء المدارس والمستشفيات، وتعبيد الطرقات، فضلاً عن أن تضمن لكل فرد دخلاً يكفي معاشه ويضمن حياته، كما لا يمكن لدولة الإسلام أن تعتمد على الحروب الدامية، وقتال الناس لتضمن بقاءها، وتطوّر مؤسساتها على حساب المقتولين الذين لم يرغبوا في الإسلام». (3)
... فهذه نماذج لبعض المسائل والأحكام، التي يقررها المؤلف من غير تحقيق علمي يستند لدليل شرعي، أو لقول أحد من العلماء، وإنما يبني
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ(39/7)
(1) ... لأكون مع الصادقين ص27.
(2) ... المرجع نفسه ص88.
(3) ... المرجع نفسه ص152.
تلك الأحكام على اعتقاداته الشخصية، وآرائه الضالة المنحرفة، فيكذب بالنصوص، ويرد أحكام الله، ويقرر أحداثاً تأريخية بظنون كاذبة، وهوى دفين في النفس، يحمله على كل ذلك حقده العظيم على سلف الأمة وخيارها وحبه وانتصاره للرافضة وعقيدتها، فعليه من الله ما يستحق.
سابعاً: مخالفة المؤلف للمنهج الذي ألزم به نفسه:
... المؤلف لم يخالف أصول التأليف وقواعده المتعارف عليها عند أهل العلم فحسب، بل خالف حتى المنهج الذي ألزم به نفسه في كتبه. وسأبين فيما يلي بعض القواعد والأصول، التي وعد المؤلف أن يلتزمها في كتبه وبحثه للمسائل، ثم مخالفته لها بعد ذلك، مستدلاً على كل ذلك بنماذج من كلامه:
1- ... وعده بتجرده من العاطفة، والهوى، والتعصب، والتزامه الإنصاف والتجرد والعدل.
... يقول في كتابه ثم اهتديت: «وقد عاهدت ربي -إن هداني- أن أتجرد من العاطفة لأكون حيادياً موضوعياً ولأسمع القول من الطرفين فأتبع أحسنه».(1)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... ثم اهتديت ص92.
... ويقول في الكتاب نفسه: «وقد عاهدت ربي أن أكون منصفاً
فلا أتعصب لمذهبي، ولا أقيم وزناً لغير الحق».(1)
... ويقول في كتابه فسألوا أهل الذكر: «فعلى الباحث هنا أن يتقي الله في بحثه، ولا تأخذه العاطفة فيميل عن الحق، ويتبع الهوى، فيضل عن سبيل الله، إنما واجبه أن يخضع للحق، ولو كان الحق مع غيره، ويحرر نفسه من الرواسب، والعواطف، والأنانية».(2)
... هذا ما ذكره المؤلف عن منهجه في البحث، فهل التزم بهذا؟ ... إليك أيها القارئ الإجابة على هذا من كلامه:
... يقول مثنياً على الرافضة: «بل قد استهوتني عباداتهم، وصلاتهم ودعاؤهم، وأخلاقهم، واحترامهم لعلمائهم، حتىتمنيت أن أكون منهم». (3)(39/8)
... ويقول: «ثم قرأت كتاب المراجعات للسيد شرف الدين الموسوي، وما إن قرأت فيه بضع صفحات، حتى استهواني الكتاب، وشدنى إليه شداً، فكنت لا أتركه إلا غصباً وكنت أحمله في بعض الأحيان إلى المعهد». (4)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... المرجع نفسه ص101.
(2) ... فسألوا أهل الذكر ص36.
(3) ... ثم اهتديت ص43.
(4) ... المرجع نفسه ص87.
... ويقول ولست أدري كيف أقنع نفسي، أو غيري، بآراء أهل السنة التي اعتمدت على ما أظن: أقوال الحكام من بني أمية». (1)
... ويقول: «ولذلك اعتقد شخصياً: بأن بعض الصحابة نسب النهي عن المتعة وتحريمها إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، لتبرير موقف عمر بن الخطاب وتصويب رأيه». (2)
... ويقول: «ويدفعني هذا الاحتمال: بأن عمر بن الخطاب هو الذي أثار بقية الحاضرين، ودفعهم إلى التردد والتخلف عن أمر الرسول - صلى الله عليه وسلم -». (3)
... فهذه أمثلة لما جاء في كلام المؤلف من اتباعه الهوى في أحكامه.
... ولك ... أن تتأمل أيها القارئ عباراته المتقدمة التي صدّر بها أحكامه كقوله: (استهوتني) و(استهواني) (على ما أظن) (اعتقد شخصياً) (دفعني الاحتمال) .... لتعلم مدى التزامه بما وعد به من التجرد من العاطفة والهوى.
... وأما ماوعد به من نبذ التعصب والتزامه الإنصاف والحيادية، فيكذّب ذلك تعصبه الشديد للرافضة ولعقيدتهم الفاسدة، وثناؤه ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... لأكون مع الصادقين ص150.
(2) ... المرجع نفسه ص195.
(3) ... ثم اهتديت ص95.
عليهم، وعلى عقيدتهم، في مقابل طعنه في أهل السنة وعقيدتهم
وأئمتهم.(39/9)
... يقول معبراً عن رأيه في الخلافة عند أهل السنة: «أما الخلافة عند أهل السنة والجماعة، فهي بالاختيار والشورى، وبذلك فتحوا الباب الذي لا يمكن غلقه على أي واحد من الأمة، وأطمعوا فيها كل قاص ودان، وكل غث وسمين، وحتى تحولت من قريش إلى الموالي والعبيد، وإلى الفرس والمماليك، وإلى الأتراك والمغول». (1)
... ويقول عن عقيدة الشيعة في الخلافة: «فما أعظم عقيدة الشيعة في القول بأن الخلافة أصل من أصول الدين، وما أعظم قولهم بأن هذا منصب هو باختيار الله سبحانه، فهو قول سديد ورأي رشيد، يقبله العقل ويرتاح إليه الضمير، وتؤيده النصوص من القرآن والسنة، ويرغم أنوف الجبابرة المتسلطين، والملوك والسلاطين، ويفيض على المجتمع السكينة والاستقرار». (2)
... ويقول ضمن حديثه عن عقيدة تحريف القرآن عند الرافضة: «وما ينسب إلى الشيعة من القول بالتحريف، هو مجرد تشنيع وتهويل، وليس له في معتقدات الشيعة وجود، وإذا ما قرأنا عقيدة الشيعة في
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... لأكون مع الصادقين ص112.
(2) ... المرجع نفسه ص114.
القرآن الكريم، فسوف نجد إجماعهم على تنزيه كتاب الله من كل تحريف...
... [إلى أن قال]: ... إن هذه التهمة (نقص القرآن والزيادة فيه) هي أقرب لأهل السنة منها إلى الشيعة، وذلك من الدواعي التي دعتني إلى أن أراجع كل معتقداتي، لأني كلما حاولت انتقاد الشيعة في شئ، والاستنكارعليهم، إلا وأثبتوا براءتهم منه وإلصاقه بي، وعرفت أنهم يقولون صدقاً. وعلى مر الأيام، ومن خلال البحث اقتنعت
والحمد لله».(1)(39/10)
... ويقول مثنياً على عقيدة الرافضة، ومصرحاً باعتناقه لها مع تبرئه من الصحابة وولايتهم واتهامه لهم بالردة: «وقرأت الكثير حتى اقتنعت بأن الشيعة الإمامية على حق، فتشيعت وركبت على بركة الله سفينة أهل البيت، وتمسكت بحبل ولائهم، لأني وجدت بحمد الله البديل عن بعض الصحابة، الذين ثبت عندي أنهم ارتدوا على أعقابهم، ولم ينج منهم إلا القليل، وأبدلتهم بأئمة أهل البيت النبوي، الذين أذهب الله عنهم الرجس، وطهّرهم تطهيراً...». (2)
... فهذه نماذج من أقوال المؤلف، الدالة على بعده عن العدل ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... المرجع نفسه ص200-202.
(2) ... ثم اهتديت ص156.
والإنصاف في أحكامه، بل ظلمه وكذبه في أقواله. وذلك بثنائه
على بعض عقائد الرافضة وتصحيحها، وتخطئة أهل السنة فيما عندهم من الحق، كحديثه عن الخلافة وموقف الفريقين منها. أو إنكاره أن تكون بعض عقائد الرافضة الشنيعة من عقائدهم، كزعمه براءتهم من عقيدة التحريف، المشتهرة في كتبهم القديمة والحديثة، والمجمع عليها بين علمائهم، ونسبة تلك العقيدة لأهل ... السنة، ظلماً،وزوراً، وبهتاناً.
... ثم تصريحه باعتناقه عقيدة الرافضة وبراءته من عقيدة أهل السنة، ومن الصحابة، ورميه لهم بالردة، مدعياً أنه توصل لذلك، بعد بحث ودراسة، ليلبس بذلك على أهل الجهل والغفلة، ودعوتهم لعقيدة الرافضة المقيتة. ممايدل على عدم حياديته وإنصافه كمازعم. بل هو رافضي يدعو لما هو عليه من كفر وضلال،كغيره من زنادقة الرافضة.
2- ... زعمه أن ما في كتبه لا يخرج عن الحق، وأنه لا يذكر من المسائل إلا ما اتفق عليه السنة والشيعة.(39/11)
... يقول: «فكتابي الأول والثاني يحملان عناوين من القرآن الكريم، وهو أصدق الكلام وأحسنه، وكل ما جمعته في الكتابين إن لم يكن الحق، فهو أقرب ما يكون إليه، لأنه مما اتفق عليه المسلمون: سنة، وشيعة، وما ثبت عند ... الفريقين أنه صحيح». (1)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... لأكون مع الصادقين ص7-8.
... ويقول: «ولكن ما اتفق عليه أهل السنة والشيعة فهو صحيح، لانه ثبتت صحته ... عند الطرفين، ونلزمهم به كما ألزموا أنفسهم، وما اختلفوا فيه حتى لو كان صحيحاً عند أحدهم فلا يلزم الطرف الثاني بقبوله، كما لا يلزم الباحث الحيادي قبوله والاحتجاج به». (1)
... فدعواه أن ما في كتبه إن لم يكن الحق فهو أقرب ما يكون إليه، دعوى باطلة مجردة من أي دليل، وما من مبتدع إلا وهو يدعي هذا، والحق الذي لا مرية فيه، أن كتبه أبعد ما تكون عن الحق، ويكفي على ذلك دليلاً أنه إنما ألّفها للانتصار والدعوة لعقيدة الرافضة التي هي أغرق عقائد الفرق في الكفر والضلال، وأبعدها عن حقائق الإيمان ..هذا من حيث الإجمال وسيأتي بيان ذلك مفصلاً عند الرد عليه إن شاء الله تعالى.
... وأما زعمه أنه لا يذكر من المسائل إلا مااتفق عليه السنة والشيعة ويلزمهم بذلك: فهذا كذب محض، وهاهي ذي أمثلة من أقواله ... تدل على نقيض ادعائه، يقول: «والمعروف عند العلماء قديماً بأن علياً
ابن أبي طالب، هو المرشح للخلافة من قبل الرسول- صلى الله عليه وسلم -». (2)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... فسألوا أهل الذكر ص35.
(2) ... المرجع نفسه ص318.
... وضمن أجوبته عن بعض الأسئلة التي زعم أنها وجهت إليه:(39/12)
... يقول في جواب سؤال... لماذا لم يعين الرسول - صلى الله عليه وسلم - له خليفة؟ «لقد عين صلى الله عليه وآله وسلم خليفة له بعد حجة الوداع، وهو علي بن أبي طالب، وأشهد على ذلك صحابته الذين حجوا معه، وكان يعلم بأن الأمة ستغدر به وتنقلب على أعقابها». (1)
... وإجابة عن سؤال: هل كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يعلم بموعد موته؟ قال: «لاشك بأنه كان يعلم مسبقاً بموعد وفاته، في الوقت المعلوم، وقد علم بذلك قبل خروجه لحجة الوداع، ومن أجل ذلك سماها حجة الوداع، وبذلك علم أكثر الصحابة دنو أجله». (2)
... وجواباً عن سؤال: هل عين الرسول - صلى الله عليه وسلم - أبا بكر ليصلي بالناس؟ ... يقول: «من خلال الروايات المتناقضة نفهم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يعين أبا بكر ليصلي بالناس، اللهم إلا إذا اعتقدنا ما قاله عمر بن الخطاب في هجرانه، ومن اعتقد بذلك فقد كفر». (3)
... ويقول مجيباً عن سؤال: لماذا حاربوا مانعي الزكاة، رغم تحريم النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك؟ «لأن بعض الصحابة الذين حضروا بيعة الإمام علي في ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... فسألوا أهل الذكر ص242.
(2) ... المرجع نفسه ص243.
(3) ... المرجع نفسه ص245.
غدير خم وهم راجعون من حجة الوداع وصحبة النبي - صلى الله عليه وسلم - امتنعوا
عن أداء الزكاة لأبي بكر... ولا شك بأن بعض الأخبار وصلت إليهم بأن فاطمة تخاصمت معهم، وغضبت عليهم، وبأن علياً امتنع عن بيعتهم، لكل ذلك رفضوا إعطاء الزكاة لأبي بكر حتى يتبينوا الأمر». (1)(39/13)
... وأمثلة كثيرة من هذا الهراء في كتبه -اعرضت عنها اختصاراً- وفيما تقدم دليل على كذبه فيما ادعاه. وأن ما يقرره في كتبه لا يخرج في الحقيقة عن ما هو موجود عند الرافضة، ولا يعدو أن يكون تكراراً لشبههم وأقوالهم. وإلا فأين ماذكره في أجوبته السابقه من عقيدة أهل السنة! بل من قال به من أهل السنة! ... فلعنة الله على الكاذبين.
3- ... زعمه أنه لا يستدل من الأحاديث إلا بما صح عند أهل السنة.
... يقول: «ولمَّا آليت على نفسي، فإني لا أستدل إلا بما يحتج به الشيعة من صحاح أهل السنة والجماعة، فإني اقتصرت على ذلك». (2)
... ويقول: «وأنا بدوري وكالعادة، حسبما تعهدت به في كل ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... المرجع نفسه ص252.
(2) ... لأكون مع الصادقين ص17.
أبحاث الكتاب لا أستدل إلا بما هو ثابت، وصحيح عند أهل السنة
والجماعة». (1)
... ويقول أيضاً: «وأخذت على نفسي عهداً وأنا أدخل هذا البحث الطويل العسير أن أعتمد الأحاديث الصحيحة، التي اتفق عليها أهل السنة والشيعة». (2)
... وهذه أيضاً دعوى كاذبة يشهد لبطلانها ما امتلأت به كتبه من الأحاديث المنكرة والموضوعة كما سبق أن تقدم لها أمثلة فيما مضى مما يغني عن إعادتها هنا. (3)
... وبعد هذا النقد العام للمؤلف ومنهجه في كتبه، الذي ظهر من خلاله: جهله، وقلة علمه، مع اتباعه للهوى والظنون، وبعده عن التحقيق العلمي، القائم على الصدق في النقل، والعدل في الحكم: انتقل من الإجمال إلى التفصيل وذلك بالرد عليه مفصلاً في كتابه الأول (ثم اهتديت).
... وهذا هو أوان الشروع في ذلك، سائلاً الله الكريم العون والتوفيق، والإصابة والتسديد.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... لأكون مع الصادقين ص232.
(2) ... ثم اهتديت ص88.
(3) ... انظر: ص187 من هذا الكتاب.(39/14)
الرد على المؤلف
في كتابه
«ثم اهتديت»
الرد على المؤلف في
مسمى الكتاب وبيان مخالفته للحق والصواب
... سمى المؤلف كتابه: (ثم اهتديت)، ويعني بذلك: انتقاله من عقيدته السابقة، وهي الطريقة التيجانية، التي صرح باعتناقه إياها هو وسائر أسرته(1) في صدر الكتاب، ثم انتقاله إلى عقيدة الرافضة، التي زعم أنه اهتدى إليها. حيث يقول: (وقرأت الكثير حتى اقتنعت بأن الشيعة الإمامية على حق، فتشيعت وركبت على بركة الله سفينة أهل البيت، وتمسكت بحبل ولائهم...». (2)
... قلت: ما زعمه من الهداية دعوى تحتاج إلى بينة وبرهان: {قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين}(3)، وإلا فكم من كافر عتيد، جبار عنيد، يدّعي الإيمان والهداية، وهو رأس في الكفر والضلالة، كما أخبر الله عن اليهود والنصارى في قوله: {وقالوا كونوا هوداً أو نصارى تهتدوا قل بل ملة إبراهيم حنيفاً وما كان من المشركين}(4)، وعن ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... انظر: ثم اهتديت ص10-11.
(2) ... ثم اهتديت ص156.
(3) ... البقرة 111
(4) ... البقرة 135.
فرعون في قوله: {قال فرعون ما أُريكم إلاّ ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد}(1)، وقوله في وصف أهل الضلال: {وإنهم ليصدونهم عن السبيل ويحسبون أنهم مهتدون}(1)، وقوله: {فريقاً هدى وفريقاً حق عليهم الضلالة إنهم اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله ويحسبون أنهم مهتدون}. (3)(40/1)
... وإذا ثبت هذا فليعلم، أن عقيدة الرافضة التي يزعم أنه اهتدى باعتناقها، هي أفسد عقيدة، والرافضة هم أضل فرقة انتسبت إلى الإسلام، وأبعد طائفة عن الحق، وأجهلها به، وأقرب طائفة إلى الكفر واعرقها فيه، وهذا باتفاق أئمة الإسلام -على ما تقدم نقل كلامهم مفصلاً في ذم الرافضة-(4)، وباتفاق المحققين في الفرق، الذين هم أعرف الناس بمذاهب الناس، ومقالاتهم، حيث صرحوا بأن الرافضة أبعد الفرق عن الدين، واعرقها في الضلالة.
... قال ابن حزم: «وما نعلم أهل فرية أشد سعياً في إفساد الإسلام وكيده من الرافضة». (5)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... غافر 29.
(2) ... الزخرف 37.
(3) ... الأعراف 30.
(4) ... انظر: ص 112-119.
(5) ... الفصل في الملل والأهواء والنحل لابن حزم 4/57.
... وقال البغدادي: «وقال المحققون من أهل السنة: إن ابن السوداء
كان على هوى دين اليهود، وأراد أن يفسد على المسلمين دينهم بتأويلاته في علي وأولاده، لكي يعتقدوا فيه ما اعتقدت النصارى في عيسى -- عليه السلام --، فانتسب إلى الرافضة السبئية حين وجدهم أعرق أهل الاهواء في الكفر». (1)
... ويقول الاسفرايني بعد أن ذكر الرافضة وبعض معتقداتهم: «وليسوا في الحال على شيء من الدين، وليس مقصودهم من هذا الكلام تحقيق الكلام في الإمامة، ولكن مقصودهم إسقاط كلفة تكليف الشريعة عن أنفسهم». (2)
... فأي هدى في الانتساب إلى هؤلاء الرافضة!! وإنما هو الكفر، والزندقة والإلحاد، الذي تشربته قلوبهم، وعقولهم.(40/2)
... وأما هذا الأفاك: فزيادة على انتسابه للرافضة، وإعلانه اعتناق عقيدتهم الفاسدة، -وحسبه ذماً، أن يكون رافضياً- فإني أورد هنا من كلامه على وجه الخصوص، ما يدل على زيف ما ادعاه من الهداية، وانغماسه في الكفر والغواية، فإني أخشى أن يظن ظان أن الرجل قد لُبِّسَ عليه، وما عرف حقيقة ما عليه القوم، وإلا ما انتسب
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... الفرق بين الفرق للبغدادي ص235.
(2) ... التبصير في الدين للاسفرايني ص41.
إليهم، فإليك أيها القارىء أمثلة من كلامه تنبئك عن حقيقة حاله.
... يقول عن القرآن الكريم: «... لأن كتاب الله وحده لا يكفي للهداية، فكم من فرقة تحتج بكتاب الله وهي في الضلالة كما ورد ذلك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عندما قال: (كم من قارىء للقرآن والقرآن يلعنه)، فكتاب الله صامت، وحمال أوجه، وفيه المحكم والمتشابه، ولابد لفهمه من الرجوع إلى الراسخين في العلم، حسب التعبير القرآني، وإلى أهل البيت حسب التفسير النبوي». (1)
... فهل من يعتقد هذا الاعتقاد في كتاب الله من المهتدين!! أم من الضالين المكذبين، الذين يكذبون بما أخبر الله عنه في صريح كلامه وصفاً لكتابه، من أنه جعله هدى يهدي للتي هي أقوم كما في قوله: {ذلك الكتاب لاريب فيه هدى للمتقين}(2)، وقوله: {إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم}(3)، وقوله تعالى: {وما أنزلنا عليك الكتاب إلا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه وهدى ورحمة لقوم يؤمنون}(4)، وقوله تعالى: {ونزّلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شئ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... ثم اهتديت ص180.
(2) ... البقرة 2.
(3) ... الإسراء 9.
(4) ... النحل 64.
وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين}(1) إلى غير ذلك من الآيات في هذا المعنى.(40/3)
... وإذا كان هذا الرجل يصرح بأن القرآن لا يكفي لهداية الخلق، فهذا أكبر دليل على ضلاله، بل كفره وإلحاده، لتكذيبه لصريح القرآن، مما لا يسع جهله العوام، فكيف بمن يدعى العلم
والتحقيق.
... ووجه آخر يدل على ضلاله: وهو أن الله أخبر في هذه الآيات: أن هذا القرآن هدى للمتقين والمؤمنين، فإذا كان المؤلف يرى أن هذا الكتاب لا يكفي في الهداية-وهو بطبيعة الحال إنما يعبر عن حاله وما يجد من نفسه- فليُعلم أن: الله قال في وصف كتابه: {قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر وهو عليهم عمى أولئك ينادون من مكان بعيد}. (2)
... وقال - عز وجل -: {وننزل من القرآن ماهو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا}. (3)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... النحل 89.
(2) ... فصلت 44.
(3) ... الإسراء 82.
... ويقول تعالى في وصف المنافقين: {وإذا ما أُنزلت سورة فمنهم
من يقول أيكم زادته هذه إيمانا فأما الذين آمنوا فزادتهم إيماناً وهم يستبشرون - وأما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجساً إلى رجسهم وماتوا وهم كافرون}. (1)
... ومن خلال هذه الآيات، مع دعوى المؤلف أن القرآن لا يكفي في هداية الخلق، يتبين لك أيها القارىء حال الرجل، ومن أي الفريقين هو، أهو من أهل الإيمان الذين زادهم القرآن إيماناً وهدى؟ أم من المنافقين الذين زادهم رجساً إلى رجسهم وهو عليهم عمى؟
... وإذا كان هذا هو موقفه من القرآن، فإن موقفه من السنة لا يختلف عن ذلك بل أشد، يقول: «فإذا كان القرآن وهو كتاب الله العزيز يتطلب من يقاتل في سبيل تفسيره، وتوضيحه، لأنه كتاب صامت لا ينطق، وهو حمال أوجه متعددة، وفيه الظاهر والباطن، فكيف بالأحاديث النبوية».(2)(40/4)
... ويقول أيضاً زاعماً أن السنة ليست الحل لقضايا المسلمين، وإنما تزيد الأمر تعقيداً: «فقول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بأنه ترك كتاب الله وسنة نبيه، ليس هو الحل المعقول لقضيتنا بل يزيدنا تعقيداً
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... التوبة 124-125.
(2) ... لأكون مع الصادقين ص128.
وتأويلاً، ولايقطع دابر المشاغبين والمنحرفين». (1)
... وقوله هذا وموقفه من السنة غني عن كل توضيح في براءته من الدين ومروقه منه يقول تعالى: {وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم}(2)، ويقول: {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً}. (3)
... وأما أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - فيقول في حقهم: «فالمتمعن في هذه الأحاديث العديدة، التي أخرجها علماء أهل السنة في صحاحهم ومسانيدهم، لا يتطرق إليه الشك في أن أكثر الصحابة قد بدلوا وغيروا، بل ارتدوا على أدبارهم بعده - صلى الله عليه وسلم - إلا القليل الذي عبر عنه بهمل النعم». (4)
... ويقول: «وجدت بحمد الله البديل عن بعض الصحابة، الذين ثبت عندي أنهم ارتدوا على أعقابهم القهقري، ولم ينج منهم إلا القليل، وأبدلتهم بأئمة أهل البيت النبوي، الذين أذهب الله عنهم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... لأكون مع الصادقين ص129.
(2) ... الأحزاب 36.
(3) ... النساء 65.
(4) ... ثم اهتديت ص65-66.
الرجس وطهرهم تطهيراً». (1)
... ويقول أيضاً: «مرحى لهؤلاء الصحابة، الذين لا يتورعون عن تغيير سنة الرسول، وحتى أحكام الله، للوصول إلى أغراضهم الدنيئة، وأحقادهم الدفينة، ومطامعهم الخسيسة». (2)(40/5)
... ويقول أيضاً: «فهذه من الأسباب القوية التي جعلتني أنفر من أمثال هؤلاء الصحابة، ومن تابعيهم الذين يتأولون النصوص، ويختلقون الروايات الخيالية لتبرير أعمال أبي بكر، وعمر، وعثمان، وخالد بن الوليد، ومعاوية، وعمرو بن العاص، وإخوانهم، اللهم إني استغفرك وأتوب إليك، اللهم إني أبرأ إليك من أفعال هؤلاء وأقوالهم التي خالفت أحكامك، واستباحت حرماتك، وتعدت حدودك، واغفر لي ما سبق من موالاتهم، إذ كنت من الجاهلين». (3)
... إلى غير ذلك من مطاعنه على أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -، وتكفيره إياهم هم وسائر سلف الأمة، مما يدل على ما تنطوي عليه نفس الرجل من حقد وضغينة على الإسلام وأهله، ونفاق باطن يحمله على الوقيعة في خيار الأمة وأصفيائها من الصحابة والتابعين -- رضي الله عنهم -- أجمعين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... ثم اهتديت ص156.
(2) ... المرجع نفسه ص128.
(3) ... المرجع نفسه ص188.
... بل إن قوله بردة الصحابة إلا القليل منهم كفر ظاهر وصريح، كما نص على ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- حيث قال في تفصيل حكم من سب الصحابة: «وأما من جاوز ذلك إلى أن زعم أنهم ارتدوا بعد رسول الله -عليه الصلاة والسلام - إلا نفراً قليلاً لا يبلغون بضعة عشر نفساً، أو أنهم فسقوا عامتهم، فهذا لا ريب أيضاً في كفره، لأنه مكذب لما نصه القرآن في غير موضع: من الرضى عنهم، والثناء عليهم، بل من شك في كفر مثل هذا، فإن كفره متعين، فإن مضمون هذه المقالة أن نقلة الكتاب والسنة كفار أو فُسَّاق، وأن هذه الآية التي هي {كنتم خير أمة أخرجت للناس}(1) وخيرها: هو القرن الأول، كان عامتهم كفاراً أو فساقاً، ومضمونها أن هذه الأمة شر الأمم، وأن سابقي هذه الأمة هم شرارها وكفر هذا مما يعلم بالاضطرار من دين الإسلام». (2)(40/6)
... وأخيراً أختم النقل عن هذا الرجل، بنص مهم يتبرأ فيه من أهل السنة ويتمنى أن يموت على عقيدة الرفض حيث يقول: «وإذا كانت السنة والجماعة من ابتكار معاوية بن أبي سفيان فنسأله سبحانه أن يميتنا على بدعة الرفض، التي أسسها علي بن أبي طالب وأهل
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... آل عمران 110.
(2) ... الصارم المسلول على شاتم الرسول - صلى الله عليه وسلم - ص586-587.
البيت عليهم السلام». (1)
... وبهذه النصوص الصريحة من كلامه يظهر للقارئ موضع هذا الرجل من الدين، ومدى صدق ما يدعيه من الهداية. على أني قبل أن أختم الحديث عن هذه الجزئية أشير الى نقطة مهمة وهي: أن هذا الرجل مع ما يدعيه من أنه لم يكن رافضياً ثم اهتدى لعقيدة الرفض، إلا أنه صرح في بعض كلامه بانتمائه في الأصل لأسرة تنتسب الى السادة، قد فرت من العراق، وأنه بهذا يكون قد رجع الى أصله حيث يقول: «وبذلك أكون قد رجعت إلى أصلي، فقد كان أبي وأعمامي يحدثوننا حسب الشجرة التي يعرفونها أنهم من السادة الذين هربوا من العراق، تحت الضغط العباسي، ولجأوا إلى شمال أفريقيا حيث أقاموا في تونس وبقيت آثارهم حتى اليوم». (2)
... وهذا مما يشير الى أصله الرافضي وتلطخ أسرته بهذه العقيدة قديماً، ثم إدراكه شؤمها بعد تلك السنين الطويلة مما فيه عبرة لكل معتبر فنسأل الله بمنه وكرمه العافية والسلامة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... الشيعة هم أهل السنة ص87.
(2) ... ثم اهتديت ص159.
قول المؤلف إن البحث عن أحوال الصحابة من أهم البحوث
التي تقود إلى الحقيقة والرد عليه(40/7)
... قال المؤلف ص89 من كتابه ثم اهتديت: «من أهم الأبحاث التي اعتبرها الحجر الأساسي في كل البحوث التي تقود إلى الحقيقه هو البحث في حياة الصحابة، وشؤونهم، وما فعلوه، وما اعتقدوه، لأنهم عماد كل شيء وعنهم أخذنا ديننا، وبهم نستضيء في الظلمات لمعرفة أحكام الله، ولقد سبق لعلماء الإسلام -لقناعتهم بذلك- البحث عنهم وعن سيرتهم، فألفوا في ذلك كتباً عديدة أمثال: أُسد الغابة في تمييز الصحابة، وكتاب الإصابة في معرفة الصحابة، وكتاب ميزان الاعتدال، وغيرها من الكتب التي تناولت حياة الصحابة بالنقد والتحليل، ولكنها من وجهة نظر أهل السنة والجماعة».
... قلت: قوله إن البحث في حياة الصحابة من أهم الأبحاث التي تقود الى الحقيقة... الخ كلامه، هذا كلام مجمل: فإن كان القصد منه دراسة أحوالهم ومعرفة أخبارهم للتأسي بهم في العلم والعمل فهذا حق، فهم حملة العلم إلينا وعن طريقهم تلقينا الكتاب والسنة، وتفقه أهل العلم فيهما على أيديهم، فمن تمسلك بهديهم واقتفى أثرهم فهو على سبيل نجاة وفلاح، ومن انحرف عن طريقهم واتبع غير سبيلهم فهو من الهالكين الخاسرين، كما أخبر الله عن ذلك بقوله: {ومن يشاقق الرسول من بعد ماتبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا}.(1)
... فالصحابة: هم خيار المؤمنين الذين من خالف هديهم استحق ذلك الوعيد.
... وإن كان يقصد البحث عن أحوال الصحابة من حيث العدالة والنظر في قبول رواياتهم وأخبارهم، مما هو ذريعة للقدح فيهم، والنيل من أعراضهم، والحط من شأنهم ومقاماتهم العالية الرفيعة في الدين، -ولا آراه إلا يقصد ذلك- لزعمه بعد ذلك أن تلك الكتب التي ذكر قد تناولت حياة الصحابة بالنقد والتحليل. فنقول له: يامسكين لقد ارتقيت مرتقى صعباً، وتجشمت خطراً، وعرضت نفسك لما لا حول لك به ولا قدرة.(40/8)
كناطحٍ صَخْرةً يوماً ليُوهِنَهَا ... ( ... فَلَمْ يَضِرْهَا وأَوْهَي قَرَنُةالوَعِلُ(2)
... ومن سعادة العبد أن يعرف قدر نفسه. فلو كان البحث في أحوال الصحابة بالنقد والتعديل منهجاً متبعاً في أهل العلم ونقّاد الرجال، فلست من فرسان ميدانه، ولا ممن يسابق في مضماره، فكيف ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... النساء 115.
(2) ... هذا البيت للأعشى ميمون بن قيس من لاميته المشهورة، وهو من شواهد ... ابن عقيل في شرح الألفية. انظر: شرح ابن عقيل لألفية ابن مالك 2/109.
به وقد أغلق العلماء باب بحثه وانصرفت ههمهم عن دراسته، وذلك لتعديل الله تعالى لهؤلاء الصحابة، وثنائه عليهم أجمل الثناء، ووصفه لهم بالإيمان والهدى والبر والتقوى في محكم كتابه، وتزكية الرسول - صلى الله عليه وسلم - لهم في صريح سنته، وذكره الكثير من فضائلهم، ونهيه الأمة عن التعرض لهم وسبهم.
فمن ذلك قوله تعالى:{والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعدلهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً ذلك الفوز العظيم}. (1)
... وقوله تعالى: {لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحاً قريباً}. (2)
... وقوله سبحانه: {لا يستوى منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى والله بما تعملون خبير}. (3)
... وقوله - عز وجل -: {محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... التوبة 100.
(2) ... الفتح 18.
(3) ... الحديد 10.
رحماء بينهم تراهم ركعاً سجداً يبتغون فضلاً من الله ورضوانا...}. (1)
... إلى غير ذلك من الآيات في فضل الصحابة وهي كثيرة.(40/9)
... وأما ما جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في فضلهم والثناء عليهم:
... فمن ذلك ما رواه الشيخان من حديث عمران بن حصين -- رضي الله عنه -- عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (خير أمتي قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم)(2)، قال عمران: فلا أدري ذكر بعده قرنين أو ثلاثة.
... ورويا أيضاً عن أبي سعيد الخدري -- رضي الله عنه -- عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (لا تسبوا أصحابي فلو انفق أحدكم مثل أحد ذهبا ما بلغ مدَّ أحدهم ولا نصيفه). (3)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... الفتح 29.
(2) ... رواه البخاري في: (كتاب فضائل الصحابة، باب فضائل أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ... ومن صحب النبي أو رآه من المسلمين) فتح الباري 7/3، ح3650.
... ومسلم في (كتاب فضائل الصحابة، باب فضل الصحابة ثم الذين يلونهم ... ثم الذين يلونهم) 4/1964، ح2535.
(3) ... رواه البخاري في: (كتاب فضائل الصحابة، باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم - لوكنت ... متخذاً خليلاً) فتح الباري 7/21، ح3673.
... ومسلم (كتاب فضائل الصحابة، باب تحريم سب الصحابة - رضي الله عنهم -)4/1967، ... ح2540.
... وفي صحيح مسلم من حديث أبي موسى الأشعري -- رضي الله عنه -- عن
النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (النجوم أمنة للسماء، فإذا ذهبت النجوم أتى السماء ما توعد، وأنا أمنة لأصحابي فإذا ذهبت أتي أصحابي ما يوعدون، وأصحابي أمنة لأمتي فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون). (1)
... ففي هذه الأدلة الصحيحة الصريحة، وما في معناها من النصوص الأخرى، المتضمنة حسن الثناء من الله ورسوله على هؤلاء الصحابة، أكبر دليل على عدالتهم وطهارتهم ونزاهتهم، وأنه لا يُبْحث عن عدالتهم. ولهذا كان أئمة الإسلام متفقين على عدالتهم.(40/10)
... يقول الخطيب البغدادي بعد أن ذكر الأدلة على عدالة الصحابة: «والأخبار في هذا المعنى تتسع، وكلها مطابقة لما ورد في نص القرآن، وجميع ذلك يقتضى طهارة الصحابة، والقطع على تعديلهم ونزاهتهم، فلا يحتاج واحد منهم مع تعديل الله تعالى -لهم المطلع على بواطنهم- إلى تعديل أحد من الخلق....
... إلى أن قال: هذا مذهب كافة العلماء، ومن يعتد بقوله من الفقهاء». (2)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... صحيح مسلم (كتاب فضائل الصحابة، باب بيان أن بقاء النبي - صلى الله عليه وسلم - أمان ... لأصحابه) 4/1961.
(2) ... الكفاية في علم الرواية 48-49.
... وقال النووي:«الصحابة كلهم عدول، من لابس الفتن وغيرهم،
بإجماع من يعتد به». (1)
... وقال ابن كثير: «والصحابة كلهم عدول عند أهل السنة والجماعة لما أثنى الله عليهم في كتابه العزيز، وبما نطقت به السنة النبوية في المدح لهم في جميع أخلاقهم وأفعالهم، وما بذلوه من الأموال والأرواح بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رغبة فيما عند الله، من الثواب الجزيل، والجزاء الجميل». (2)
... وقال ابن الملقن: «للصحابة بأسرهم خصيصة وهي أنه لا يسأل عن عدالة أحد منهم بل ذلك أمر مفروغ منه، لكونهم على الإطلاق معدلين بنصوص الكتاب والسنة، وإجماع من يعتد به.
... -إلى أن قال بعد أن ساق بعض النصوص في الثناء عليهم-: ثم إن الأمة مجمعة على تعديل جميع الصحابة، ومن لابس الفتن منهم كذلك بإجماع العلماء الذين يعتدّبهم في الإجماع إحساناً للظن بهم، ونظراً إلى ما تمهّدَ لهم من المآثر وكأن الله تعالى أتاح الإجماع على ذلك لكونهم نقلة الشريعة». (3)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... التقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النذير للنووي مع شرحة تدريب الراوي ... 2/190.(40/11)
(2) ... الباعث الحثيث ص154.
(3) ... المقنع في علوم الحديث 2/492-493.
... فظهر بهذا اتفاق العلماء المعنيين بنقد الرجال والنظر في أحوالهم على عدالة الصحابة، وأنه لا يسأل عن عدالتهم ولم يخالف في ذلك أحد ممن يعتد بقوله: بل لم يخالف في ذلك إلا متهم في دينه من أهل البدع والزندقة.
... ولهذا عد العلماء قديماً أن الطعن في أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - علامة أهل البدع والزنادقة، الذين يريدون إبطال الشريعة بجرح رواتها.
... قال أبو زرعة: (إذا رأيت الرجل ينتقص أحداً من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاعلم أنه زنديق، وذلك أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - عندنا حق، والقرآن حق، وإنما أدى إلينا هذا القرآن والسنن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وإنما يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة، والجرح بهم أولى، وهم زنادقه). (1)
... وعن الإمام أحمد أنه قال: (إذا رأيت رجلاً يذكر أحداً من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بسوء فاتهمه على الإسلام). (2)
... وقال الإمام البربهاري: (واعلم أن من تناول أحداً من أصحاب
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... رواه الخطيب في الكفاية ص49.
(2) ... ذكره ابن الجوزي في مناقب الإمام أحمد ص209 وشيخ الإسلام ابن تيمية ... في الصارم المسلول ص568.
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاعلم أنه إنما أراد محمداً وقد آذاه في قبره). (1)
... فتبين بهذا أن قول المؤلف -الذي بنى عليه بحثه (وهو أن البحث في حياة الصحابة وشؤونهم بحثاً عن عدالتهم من البحوث التي يقود إلى الحقيقة) قول باطل من أصله، وهو طريق كل زنديق وملحد إلى الطعن في الإسلام، كما نص على ذلك العلماء، وذلك ظاهر من وجهين:(40/12)
... الوجه الأول: أنه تكذيب لما ثبت في الكتاب والسنة في مواطن متعدده من الثناء عليهم بالخير والفضل، والشهادة لهم بالإيمان والصدق، وما تواتر في الأمة بالنقل الصحيح من عظيم جهادهم في سبيل الله، وحسن بلائهم في الدين، وإيثارهم ما عند الله والدار الآخرة على هذه الحياة العاجلة، مما أصبحوا به مضرب الأمثال في الزهد والورع، وقدوة الناس في العلم والعمل.
... الوجه الثاني: أن الطعن في عدالتهم قدح في الشرع كله، فهم حملته إلى الأمة، ولهذا لا يوجد أحد يطعن في عدالتهم إلا ويضعف إيمانه، وتصديقه بالنصوص بقدر ما يطعن في الصحابة، وهذا أمر ظاهر لكل من تأمل حال من ابتلي بالطعن في الصحابة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... شرح السنة ص54.
... وهذا ما اعترف به المؤلف نفسه عندما خاض البحث في حياة الصحابة بقوله: «بقيت متحيراً ثلاثة أشهر، مضطرباً في نومي، تتجاذبني الأفكار، وتموج بي الظنون والأوهام، خائفاً على نفسي من بعض الصحابة الذين أحقق في تأريخهم فأقف على بعض المفارقات المذهلة في سلوكهم... وعلى هذا خشيت على نفسي، واستغفرت ربي مرات عديدة أردت فيها الانقطاع عن البحث في مثل هذه الأمور التي تشككني في صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبالتالي تشككني في ديني...». (1)
... وأما قوله: «إن العلماء ألفوا في ذلك كتباً تناولت حياة الصحابة بالنقد والتحليل، وذكر منها أُسد الغابة، والإصابة، وميزان الاعتدال.
... فهذا غير صحيح، بل افتراء عظيم على العلماء بما هم منه برآء، ولا أدري ما الذي يحمل هذا الرجل على هذا، أهو الجهل ؟! أم الكذب والتلبيس على الناس؟!(40/13)
... أما الكتابان الأول والثاني وهما: (أُسد الغابة) و(الإصابة) فهما في تراجم الصحابة وتمييزهم عن غيرهم، دون التعرض لهم بجرح ولا تعديل كما زعم. وهذا أمر معلوم لدى صغار طلاب العلم، ولا يحتاج في إثباته إلى دليل، وإنما أشير هنا إلى ما يدفع كذبه وتلبيسه على بعض ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... ثم اهتديت ص147-148.
من لايعلم ذلك من العامة الذين قد يطلعون على كتبه، فأقول إن ما زعمه من أن هذين الكتابين قد تناولا حياة الصحابة بالنقد والتحليل، قول باطل لا أساس له من الصحة. وبيان بطلانه وكذبه من عدة وجوه:
... أولاً: أن هذين الكتابين لإمامين جليلين من أئمة أهل السنة، يدينان لله بعدالة الصحابة، ويعرفان لهم فضلهم ومكانتهم، فأُسد الغابة للإمام ابن الأثير، والإصابة للحافظ ابن حجر رحمهما الله تعالى، وقد نص كل منهما على عدالة الصحابة في مقدمة كتابه، وبينا أن الصحابة كلهم عدول لا يُبحث عن عدالتهم، ولا يتطرق إليهم الجرح بحال.
... قال ابن الأثير -رحمه الله-: «والصحابة يشاركون سائر الرواة في جميع ذلك، إلا في الجرح والتعديل، فإنهم كلهم عدول، لا يتطرق إليهم الجرح، لأن الله ورسوله زكياهم وعدلاهم، وذلك مشهور لا يحتاج لذكره ويجئ كثير منه في كتابنا هذا».(1)
... وقال ابن حجر -رحمه الله- ضمن حديثه عن حال الصحابة من العدالة: «اتفق أهل السنة على أن الجميع عدول، ولم يخالف في ذلك إلا شذوذ من المبتدعة، وقد ذكر الخطيب في الكفاية فصلاً نفيساً
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... أسد الغابة 1/10.
في ذلك، فقال: عدالة الصحابة ثابتة معلومة بتعديل الله لهم وإخباره عن طهارتهم واختياره لهم»(1)، ثم ساق كلام الخطيب بتمامه، وساق بعده بعض الأدلة الدالة على عدالة الصحابة وفضلهم.(40/14)
... فكيف يسوغ في عقل أن يقرر كل واحد من هذين الإمامين القول بعدالة الصحابة، وأنه لا يبحث في عدالتهم ولا يتعرض لهم بنقد ولا بتجريح في مقدمة كتاب، ثم ينقض ذلك في الكتاب نفسه بتجريح الصحابة والطعن فيهم.
... ثانياً: أن هذين الكتابين قد ألفا للتعريف بالصحابة، وجمع أكبر قدر من أسمائهم، حتى يتميز الصحابة عن غيرهم كما صرح بذلك المؤلفان:
... قال ابن الأثير بعد أن ذكر بعض الكتب التي ألفت في جمع أسماء الصحابة والتعريف بهم: «فرأيت أن أجمع بين هذه الكتب، وأضيف إليها ما شذ عنها».(2)
... وقال ابن حجر معرفاً بكتابه في مقدمته: «فجمعت كتاباً كبيراً في ذلك، ميزت فيه الصحابة من غيرهم». (3)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... الإصابة 1/10-11.
(2) ... أسد الغابة 1/10.
(3) ... الإصابة 1/4.
... هذا مع أن عنواني الكتابين ينبئان عنهما فقد سمي ابن الأثير كتابه: (أسد الغابة في معرفة الصحابة) وسمى ابن حجر كتابه: (الإصابة في تمييز الصحابة)، ولو أرادا الجرح والتعديل لقالا في (نقد الصحابة) أو عبارة قريبة منها، كما هو الحال في الكتب التي ألفت في نقد الرواه من بعد الصحابة.
... على أن المؤلف أخطأ في اسمي الكتابين فزعم أن كتاب ابن الأثير: (أُسد الغابة في تمييز الصحابة) وكتاب ابن حجر: (الإصابة في معرفة الصحابة) فخلط بين عنواني الكتابين وهذا مما يدل على جهله بهما.
... ثالثاً: واقع الكتابين يشهد بكذب ما ادعى هذا المفترى من نقدهما للصحابة، فما على القارئ إلا أن يتصفح هذين الكتابين فهما موجودان منتشران، ليعلم حظ هذا الرجل من الصدق، وموقعه من العلم.(40/15)
... وأما كتاب ميزان الاعتدال للإمام الذهبي فإن مؤلفه لم يتعرض فيه للصحابة بذكر لامن قريب أو من بعيد، بل ولم يتعرض فيه لذكر أحد من الأئمة الموثقين المتفق على عدالتهم، لأن أصل موضوع الكتاب في نقد الضعفاء والمجروحين من الرواة.
... قال الذهبي في مقدمة الكتاب: «وقد احتوى كتابي هذا على ذكر الكذابين الوضاعين المتعمدين قاتلهم الله، وعلى الكذابين في
أنهم سمعوا ولم يكونوا سمعوا، ثم على المتهمين بالوضع والتزوير».(1)
... ثم ذكر بقية طبقات المجروحين عند أهل العلم، وذكر أنه ذكر في كتابه من تكلم فيه مع ثقته، بأدنى لين وبأقل جرح.
... ثم قال: «إلا ما كان في كتاب البخاري، وابن عدي وغيرهما من الصحابة فإني أسقطهم لجلالة الصحابة، ولا أذكرهم في هذا المصنف، فإن الضعف إنما جاء من جهة الرواة إليهم، وكذا لا أذكر في كتابي من الأئمة المتبوعين في الفروع أحداً لجلالتهم في الإسلام وعظمتهم في النفوس، مثل أبي حنيفة، والشافعي، والبخاري، فإن ذكرت أحداً منهم فأذكره على الإنصاف وما يضره ذلك عند الله ولا عند الناس». (2)
... وبهذا يظهر لك أيها القارى أن دعوى هذا الرافضي في هذا الكتاب، من أنه تعرض لنقد الصحابة وتجريحهم دعوى باطلة، تدل على فرط جهل صاحبها، وعدم معرفته بأمهات المصادر في الرجال، مع ادعائه التحقيق العلمي المبني على التوثيق والتدقيق.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... ميزان الاعتدال 1/3.
(2) ... ميزان الاعتدال 1/2.(40/16)
زعم المؤلف أن اختلاف الصحابة هو الذي حرم
الأمة العصمة وأدى إلى تفرقها
وتمزقها والرد عليه
... قال المؤلف ص89-90: «والمشكل الأساسي في كل ذلك هو الصحابة، فهم الذين اختلفوا في أن يكتب لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذلك الكتاب، الذي يعصمهم من الضلالة إلى قيام الساعة، واختلافهم هذا هو الذي حرم الأمة الإسلامية من هذه الفضيلة، ورماها في الضلالة، حتى انقسمت وتفرقت وتنازعت وفشلت وذهبت ريحها، وهم الذين اختلفوا في الخلافة، فتوزعوا بين حزب حاكم، وحزب معارض، وسبب ذلك تخلف الأمة، وانقسامها إلى: شيعة علي، وشيعة معاوية، وهم الذين اختلفوا في تفسير كتاب الله، وأحاديث رسوله - صلى الله عليه وسلم - فكانت المذاهب والفرق والملل والنحل، ونشأت من ذلك المدارس الكلامية والفكرية المختلفة، وبرزت فلسفات متنوعة أملتها دوافع سياسية محضة، تتصل بطموحات الهيمنة على السلطة والحكم.
... فالمسلمون لم ينقسموا ولم يختلفوا في شئ لولا الصحابة، وكل خلاف نشأ وينشأ إنما يعود إلى اختلافهم في الصحابة».
... قلت: قوله فهم الذين اختلفوا في أن يكتب لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذلك الكتاب، الذي يعصمهم من الضلالة إلى قيام الساعة، وأن هذا
الاختلاف هو الذي حرم الأمة من هذه الفضيلة.
... يشير بذلك إلى ما رواه الشيخان من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: (لما اشتد بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وجعه، قال: ائتوني بكتاب أكتب لكم كتاباً لا تضلوا بعده، قال عمر: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - غلبه الوجع، وعندنا كتاب الله حسبنا، فاختلفوا، وكثر اللغط، قال: قوموا عني ولا ينبغي عندي التنازع). (1)(41/1)
... وقد ذكره الرافضي بنصه في موضع آخر سيأتي قريباً مستدلاً به على طعنه في الصحابة، ولذا أؤجل الرد عليه في ذلك، وتوجيه الحديث إلى موطنه الذي ذكره فيه، وأقتصر الآن في الرد على الشبهة التي أثارها هنا، وهو زعمه أن اختلافهم هذا هو الذي حرم الأمة الإسلامية من العصمة ورماها في الضلالة والتفرق إلى قيام الساعة.
... والجواب على هذا: إن قوله هذا باطل، وهو يعني أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قد ترك تبليغ أمته ما فيه عصمتها من الضلال، ولم يبلغ شرع ربه لمجرد اختلاف أصحابه عنده حتى مات على ذلك، وأنه بهذا مخالف لأمر ربه في قوله: {يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... أخرجه البخاري في: (كتاب العلم، باب كتابة العلم) فتح الباري 1/208، ... ح114. ومسلم: (كتاب الوصية، باب ترك الوصية لمن ليس له شئ يوصي ... فيه) 3/1259.
بلغت رسالته والله يعصمك من الناس}. (1)
... وإذا كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - مبرأً من ذلك ومنزهاً بتزكية ربه له في قوله: {لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عَنِتُّم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم} (2)
... فوصفه بالحرص على أمته: أي على هدايتهم، ووصول النفع الدنيوي والأخروي لهم، ذكره ابن كثير في تفسيره(3):(41/2)
... وإذا كان هذا الأمر معلوماً بالاضطرار من دين الإسلام عند الخاص والعام، لايشك فيه من في قلبه أدنى مثقال ذرة من إيمان، أن هذا الرسول الكريم قد بلغ كل ما أُمر به، وكان أحرص ما يكون على أمته، بما هو متواتر من جهاده وتضحيته، وأخباره الدالة على ذلك، علمنا علماً يقينياً لا يشوبه أدنى شك، أنه لو كان الأمر كما يذكر هذا الرافضي من الوصف لهذا الكتاب من أن به عصمة الأمة من الضلال في دينها، ورفع الفرقة والاختلاف فيما بينها، إلى أن تقوم الساعة، لما ساغ في دين ولا عقل أن يؤخر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
كتابته إلى ذلك الوقت الضيق، ولو أخره ما كان
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... سورة المائدة 67.
(2) ... سورة التوبة 128.
(3) ... انظر تفسير ابن كثير 2/404.
ليتركه لمجرد اختلاف أصحابه عنده(1) وقد ثبت من سيرته أنه لربما راجعوه أحياناً في بعض المسائل مجتهدين، فما كان يترك أمر ربه لقولهم، كمراجعة بعضهم له في فسخ الحج إلى عمرة في حق من لم يسق الهدي، وذلك في حجة الوداع، وكذلك مراجعة بعضهم له يوم الحديبية، وفي تأمير أسامة(2) -- رضي الله عنه --، فهل يتصور بعد هذا أن يترك أمر ربه فيما هو أعظم من هذا لخلافهم، ولو قدر أنه تركه في ذلك الوقت لتنازعهم عنده لمصلحة رآها فما الذي يمنعه من أنه يكتبه بعد ذلك، وقد ثبت أنه عاش بعد ذلك عدة أيام فقد كانت وفاته -عليه الصلاة والسلام- يوم الإثنين على ما جاء مصرحاً به في رواية أنس في الصحيحين(3) وحادثة الكتاب يوم الخميس بالاتفاق.
... فإن أبى الرافضي إلا جدالاً، وقال: خشي أن لا يقبلوه منه، ويعارضوه فيه، كما تنازعوا عنده أول مرة، قلنا: لا يضره ذلك وإنما عليه البلاغ كما قال تعالى: {من يطع الرسول فقد أطاع الله ومن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ(41/3)
(1) ... ذكر هذا الوجه من الردّ الدهلوي. انظر: مختصر التحفة الاثني عشرية ... ص251.
(2) ... انظر: الأحاديث في ذلك من صحيح البخاري مع الفتح 3/606، ... ح1785، 8/587، ح4844، 8/152، ح4468،4469.
(3) ... انظر: صحيح البخاري مع الفتح 8/143، ح4448، وصحيح مسلم ... 1/315، ح419.
تولى فما أرسلناك عليهم حفيظاً}. (1)
... فإذا ثبت هذا باتفاق السنة والرافضة، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يكتب ذلك الكتاب حتى مات، علمنا أنه ليس من الدين الذي أمر بتبليغه، ولا على ما يصفه هذا الرافضي من المبالغة لاستحالة ذلك على الرسول - صلى الله عليه وسلم -.
... ولِمَا دل عليه القرآن من أن الله قد أكمل له ولأمته الدين، فأنزل عليه قبل ذلك في حجة الوداع: {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً}. (2)
... وكما أخبر الرسول - صلى الله عليه وسلم - بذلك في قوله: (إني تركتكم على مثل البيضاء، ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك). (3)
... فإذا تقرر بطلان ما يدعي هذا الرافضي من أن الأمة وقعت في الضلالة، وحرمت العصمة بسبب عدم كتابة الرسول - صلى الله عليه وسلم - لهم ذلك الكتاب لاختلاف الصحابة عنده:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... سورة النساء 80.
(2) ... المائدة 3.
(3) ... أخرجه أحمد في المسند 4/126، ضمن حديث العرباض بن سارية في ... موعظة النبي - صلى الله عليه وسلم - وكذا ابن ماجه في سننه 1/16، وقد صحح الحديث ... الألباني بمجموع طرقه في ظلال الجنة. انظر: ظلال الجنة مع كتاب السنة ... لابن أبي عاصم ص26.
... فليعلم بعد هذا أن الذي أراده الرسول - صلى الله عليه وسلم - من كتابة ذلك الكتاب هو أن يكتب لهم كتاباً يبين فيه فيمن تكون الخلافة من بعده كما ذكر ذلك العلماء.(41/4)
... قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: «ولم تكن كتابة الكتاب مما أوجبه الله عليه أن يكتبه أو يبلغه في ذلك الوقت، إذ لو كان كذلك لما ترك - صلى الله عليه وسلم - ما أمره الله به، لكن ذلك مما رآه مصلحة لدفع النزاع في خلافة أبي بكر، ورأى أن الخلاف لابد أن يقع». (1)
... وقال في موضع آخر: «وأما قصة الكتاب الذي كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يريد أن يكتبه، فقد جاء مبيناً كما في الصحيحين عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مرضه: (ادعى لي أباك وأخاك حتى أكتب كتاباً، فإني أخاف أن يتمنى متمن، ويقول قائل: أنا أولى، ويأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر)(2) ....
... [إلى أن قال بعد ذكر روايات الحديث]: والنبي - صلى الله عليه وسلم - قد عزم على أن يكتب الكتاب الذي ذكره لعائشة، فلما رأى أن الشك قد وقع، علم أن الكتاب لا يرفع الشك، فلم يبق فيه فائدة، وعلم أن الله يجمعهم على ما عزم عليه كما قال: (ويأبى الله والمؤمنون إلا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... منهاج السنة 6/316.
(2) ... أخرجه مسلم في صحيحه: :(كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل أبي ... بكر) 4/1857، ح2387.
أبا بكر)». (1)
... وأما قوله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث: (لن تضلوا بعدي) فيقول الدهلوي في توجيهه: «فإن قيل: لو لم يكن ما يكتب أمراً دينياً فلم قال: (لن تضلوا بعدي؟) قلنا: للضلال معان، والمراد به ههنا عدم الخطأ في تدبير الملك، وهو إخراج المشركين من جزيرة العرب، وإجازة الوفد بنحو ما كان يجيزه، وتجهيز جيش أسامة منه، لا الضلالة والغواية عن الدين». (2)
... وأما قوله: «وهم الذين اختلفوا في الخلافة فتوزعوا بين حزب حاكم وحزب معارض، وسبب ذلك تخلف الأمة وانقسامها إلى شيعة علي وشيعة معاوية...»(41/5)
... فالجواب على هذا: أن الخلاف بين الصحابة -- رضي الله عنهم -- في عهد علي -- رضي الله عنه -- لم يكن في الخلافة، فإن الذين اختلفوا مع علي -- رضي الله عنه -- هم: طلحة، والزبير، وعائشة، ومعاوية -- رضي الله عنهم --، ولم يكن هؤلاء ينازعونه في الخلافة بل لم يَدَّعِ أحد لامن هؤلاء ولا من غيرهم، أنه أولى بالخلافة بعد مقتل عثمان -- رضي الله عنه -- من علي؛ لأنه أفضل من بقي، وقد كانوا يقرون له بالفضل، وإنما أصل الخلاف بين هؤلاء الصحابة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... منهاج السنة 6/23،25.
(2) ... مختصر التحفة الاثني عشرية ص251.
المذكورين وعلي هو في المطالبة بدم عثمان وقتل قتلته، فقد كانوا يرون تعجيل ذلك والمبادرة بالاقتصاص منهم، وقد كان علي -- رضي الله عنه -- لا ينازعهم في أن عثمان -- رضي الله عنه -- قُتل مظلوماً، وعلى وجوب الاقتصاص من قتلته، وإنما كان يرى تأجيل ذلك حتى تهدأ الأوضاع ويستتب له الأمر، لأن قتلة عثمان كثير وقد تفرقوا في الأمصار كما كانت طائفة كبيرة منهم في المدينة بين الصحابة.
... ومع هذا كله فإن اختلافهم -رضي الله عنهم- لم يصل بهم إلى الطعن في الدين، واتهام بعض لبعض، وإنما كان كل فريق يرى لمخالفه مكانته في الفضل والصحبة ويرى أنه مجتهد في رأيه، وإن كان يخطئه فيه.
... فههنا ثلاث مسائل مقررة عند أهل العلم والتحقيق من أهل السنة، يندفع بها ما يثيره هؤلاء المغرضون من شبه، حول الفتنة التي حصلت في زمن الصحابة -- رضي الله عنهم -- في خلافة علي وهي:
... المسألة الأولى: أن الخلاف الذي حصل بينهم لم يكن حول الخلافة، ولم ينازع علياً -- رضي الله عنه -- أحد من مخالفيه فيها، ولم يَدَّعِ أحد منهم على الإطلاق أنه أولى بالخلافة من علي.(41/6)
... المسألة الثانية: أن الخلاف بينهم إنما هو في تعجيل قتل قتلة عثمان أو تأخيره، مع اتفاقهم على وجوب تنفيذ ذلك.
... المسألة الثالثة: أنهم مع اختلافهم لم يتهم بعضهم بعضاً
في الدين، وإنما يرى كل فريق منهم أن مخالفه مجتهد متأول، يعترف له
بالفضل في الإسلام، والصحبة لرسول - صلى الله عليه وسلم -.
... وهذه مسائل عظيمة، دلت عليها الأخبار الصحيحة. وفيها توضيح لحقيقة الخلاف بين الصحابة وتبرئة لساحتهم من كل مايرميهم به الرافضة والزنادقة، وهي أصل كبير في الرد على هؤلاء ينبغي لطالب العلم أن يتعلمها بأدلتها، وإليك أيها القارئ بسط الأدلة على تقريرها:
... المسألة الأولى: أن الخلاف الذي حصل بينهم لم يكن في الخلافة، ولم ينازع علياً أحد من مخالفيه فيها، ولم يدع أحد منهم أنه أولى بها من علي -- رضي الله عنه --.
... ومن أقوى الأدلة، وأكبر الشواهد على هذا: اجتماع الصحابة -- رضي الله عنهم -- على مبايعته بالخلافة بعد مقتل عثمان -- رضي الله عنه -- بما فيهم طلحة والزبير -رضي الله عنهما-، وقد دلت على ذلك الروايات الصحيحة المنقولة عنهم في ذلك.
... منها مارواه الطبري في تاريخه بسنده إلى محمد بن الحنفية، قال: «كنت مع أبي حين قتل عثمان -- رضي الله عنه -- فقام فدخل منزله، فأتاه أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقالوا: إن هذا الرجل قد قتل ولابد للناس من إمام، ولا نجد اليوم أحداً أحق بهذا الأمر منك، لا أقدم سابقة، ولا أقرب من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: لا تفعلوا، فإني أكون وزيراً، خيرٌ من أن أكون أميراً، فقالوا: لا والله ما نحن بفاعلين حتى نبايعك، قال: ففي المسجد فإن بيعتي لا تكون خَفِيّاً ولا تكون إلا عن رضا المسلمين.(41/7)
... قال سالم بن الجعد، فقال عبدالله بن عباس: فلقد كرهت أن يأتي المسجد مخافة أن يُشْغَب عليه، وأبى هو إلا المسجد، فلما دخل دخل المهاجرون والأنصار فبايعوه ثم بايعه الناس».(1)
... وعن أبي بشير العابدي قال: «كنت بالمدينة حين قتل عثمان -- رضي الله عنه -- واجتمع المهاجرون والأنصار فيهم طلحة والزبير فأتوا علياً، فقالوا: يا أبا الحسن هلم نبايعك، فقال: لا حاجة لي في أمركم أنا معكم، فمن اخترتم فقد رضيت به، فاختاروا والله، فقالوا: ما نختار غيرك....»(2) الخ الرواية، وفيها تمام البيعة لعلي-- رضي الله عنه --.
... والروايات في هذا كثيرة ذكر بعضها ابن جرير في تأريخه(3)
وهي دالة على مبايعة الصحابة -- رضي الله عنهم -- لعلي -- رضي الله عنه -- واتفاقهم على بيعته بما فيهم طلحة والزبير، كما جاء مصرحاً به في الرواية
السابقة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... تاريخ الطبري 4/427.
(2) ... تاريخ الطبري 4/427-428.
(3) ... انظر: تاريخ الطبري 4/427-429، وقد قام بجمع هذه الروايات ودرسها ... الدكتور محمد أمحزون في كتابه القيم: (تحقيق مواقف الصحابة في الفتنة ... 20/59-75.
... وأما ما جاء في بعض الروايات من أن طلحة، والزبير بايعا مكرهين فهذا لا يثبت بنقل صحيح، والروايات الصحيحة على خلافه.
... فقد روى الطبري عن عوف بن أبي جميلة قال: «أما أنا فأشهد أني سمعت محمد بن سيرين، يقول: إن علياً جاء فقال لطلحة: ابسط يدك ياطلحة لأبايعك. فقال طلحة: أنت أحق، وأنت أمير المؤمنين، فابسط يدك، فبسط علي يده فبايعه». (1)
... وعن عبد خير الخَيْوانيّ أنه قام إلى أبي موسى فقال: «يا أبا موسى، هل كان هذان الرجلان -يعني طلحة والزبير- ممن بايع علياً قال: نعم...». (2)(41/8)
... كما نص على بطلان ما يُدَّعَى من أنهما بايعا مكرهين، الإمام المحقق ابن العربي وذكر أن هذا مما لا يليق بهما، ولا بعلي قال
-رحمه الله-: «فإن قيل بايعا مكرهين [أي طلحة والزبير]، قلنا: حاشا لله أن يكرها، لهما ولمن بايعهما، ولو كانا مكرهين ما أثر ذلك، لأن واحداً أو اثنين تنعقد البيعة بهما وتتم، ومن بايع بعد ذلك فهو لازم له، وهو مكره على ذلك شرعاً، ولو لم يبايعا ما أثر ذلك
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... تاريخ الطبري 4/434.
(2) ... المصدر نفسه 4/486.
فيهما، ولا في بيعة الإمام.
... وأما من قال يد شلاء وأمر لا يتم(1)، فذلك ظن من القائل أن طلحة أول من بايع ولم يكن كذلك.
... فإن قيل فقد قال طلحة: (بايعت واللُّجّ علي قَفَيّ) قلنا: اخترع هذا الحديث من أراد أن يجعل في (القفا) لغة (قفى)، كما يجعل في (الهوى) (هوي)، وتلك لغة هذيل لا قريش(2)، فكانت كذبة لم تدبر.
... وأما قولهم: (يد شلاء) لو صح فلا متعلق لهم فيه، فإن يداً شُلّت في وقاية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يتم لها كل أمر، ويتوقى بها من كل مكروه، وقد تم الأمر على وجهه، ونفذ القدر بعد ذلك على حكمه». (3)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... إشارة إلى ما جاء في بعض الروايات: أن أول من بايع علياً طلحة -رضي ... الله عنهما- وكان بيده اليمنى شلل، لما وقى بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم أحد، ... فقال رجل في القوم: أول يد بايعت أمير المؤمنين شلاء لا يتم هذا الأمر. ... انظر: تاريخ الطبري 4/435، والبداية والنهاية لابن كثير 7/237.(41/9)
(2) ... وقيل هي: لغة طيّ. ذكره ابن الأثير في النهاية 4/94 وكذلك: اللُّجّ ليس ... من لغة قريش بل من لغة طيّ، قال ابن الأثير: «هو بالضّم: السيف بلغة ... طيّ» النهاية 4/234، وقيل هو السيف أيضاً بلغة هذيل وطوائف من ... اليمن. انظر لسان العرب 2/354.
(3) ... العواصم من القواصم ص148-149.
... وكذلك معاوية -- رضي الله عنه -- فقد ثبت بالروايات الصحيحة أن خلافه مع علي -- رضي الله عنه -- كان في قتل قتلة عثمان -- رضي الله عنه -- ولم ينازعه في الخلافة بل كان يقر له بذلك.
... فعن أبي مسلم الخولاني أنه جاء وأناس معه إلى معاوية وقالوا: «أنت تنازع علياً أم أنت مثله؟ فقال: لا والله إني لأعلم أنه أفضل مني وأحق بالأمر مني، ولكن ألستم تعلمون أن عثمان قُتل مظلوماً، وأنا ابن عمه والطالب بدمه فأتوه، فقولوا له فليدفع إليّ قتلة عثمان وأسلم له، فأتوا علياً فكلموه فلم يدفعهم إليه(1)».(2)
... ويروى ابن كثير من طرق ابن ديزيل بسنده إلى أبي الدرداء وأبي أمامة -رضي الله عنهما- «أنهما دخلا على معاوية فقالا له: يا معاوية علام تقاتل هذا الرجل؟ فو الله إنه أقدم منك ومن أبيك إسلاماً، وأقرب منك إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأحق بهذا الأمر منك، فقال: أقاتله على دم عثمان، وإنه آوى قتلته، فاذهبا إليه فقولا له:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... سبب ذلك أن علياً -- رضي الله عنه -- طلب من معاوية أن يدخل في البيعة ويحاكمهم ... إليه فأبى معاوية -رضي الله عنهما- جميعاً. انظر: البداية والنهاية 7/265، ... وتحقيق مواقف الصحابة في الفتنة لمحمد أمحزون 2/147.
(2) ... أخرجه ابن عساكر في تاريخ مدينة دمشق 16/356ب،
... وأورده الذهبي في ... سير أعلام النبلاء 3/140، وقال محققوا الكتاب: ... رجاله ثقات.
فليقدنا من قتلة عثمان ثم أنا أول من أبايعه من أهل الشام».(1)(41/10)
... والروايات في هذا كثيرة مشهورة بين العلماء(2) وهي دالة على عدم منازعة معاوية لعلي -رضي الله عنهما- في الخلافة ولهذا نص المحققون من أهل العلم على هذه المسألة وقرروها.
... يقول إمام الحرمين الجويني: «إن معاوية وإن قاتل علياً فإنه لا ينكر إمامته، ولا يدعيها لنفسه، وإنما كان يطلب قتلة عثمان ظاناً منه أنه مصيب وكان مخطئاً».(3)
... ويقول ابن حجر الهيتمي: «ومن اعتقاد أهل السنة والجماعة
أن ما جرى بين علي ومعاوية -رضي الله عنهما- من الحروب
فلم يكن لمنازعة معاوية لعلي في الخلافة للإجماع على أحقيتها
لعلي كما مر فلم تهج الفتنة بسببها، وإنما هاجت بسبب أن
معاوية ومن معه طلبوا من علي تسليم قتلة عثمان إليهم،
لكون معاوية ابن عمه فامتنع علي».(4)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... البداية والنهاية 7/270.
(2) ... انظر: البداية والنهاية لابن كثير 7/268-270، وقد جمع هذه الروايات ... الدكتور محمد أمحزون في كتابه: (تحقيق مواقف الصحابة في الفتنة) ... 2/146-150.
(3) ... لمعة الأدلة في عقائد أهل السنة والجماعة ص115.
(4) ... الصواعق المحرقة ص 216.
... ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: «ومعاوية لم يدَّعِ الخلافة، ولم يبايع له بها حين قاتل علياً، ولم يقاتل على أنه خليفة، ولا أنه يستحق الخلافة ويقرون له بذلك، وقد كان معاوية يقر
بذلك لمن سأله عنه... وكل فرقة من المتشيعين(1) مقرة مع ذلك بأنه ليس معاوية كفأ لعلي بالخلافة، ولا يجوز أن يكون خليفة مع إمكان استخلاف علي -- رضي الله عنه -- فإن فضل علي وسابقيته وعلمه ودينه وشجاعته وسائر فضائله: كانت عندهم ظاهرة معروفة». (2)(41/11)
... فثبت بهذا أنه لم ينازع علياً -- رضي الله عنه -- أحدٌ في الخلافة لامن الذين خالفوه ولا من غيرهم، وبهذا يبطل ما ادعا هذا الرافضي من أن الصحابة تنازعوا في الخلافة، وترتب على ذلك تفرق الأمة
وانقسامها.
... المسألة الثانية: أن الخلاف بين علي ومخالفيه -- رضي الله عنهم -- إنما هو في تقديم الاقتصاص من قتلة عثمان أو تأخيره مع اتفاقهم على وجوب تنفيذه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... أي من المتشيعين لعثمان أو علي -رضي الله عنهما-، وقد كان المطالبون ... بدم عثمان -- رضي الله عنه -- قد انضموا إلى معاوية ومع هذا ما كانوا يفضلونه على ... علي -- رضي الله عنهم -- أجمعين.
(2) ... مجموع الفتاوى 35/72-73.
... وهذه المسألة مقررة أيضاً عند أهل العلم من أهل السنة بما ثبت في ذلك من الأخبار، والآثار الدالة على أن علياً -- رضي الله عنه -- لا ينازع مخالفيه في وجوب الاقتصاص من قتلة عثمان، وإنما كان يرى تأجيل ذلك حتى يستتب له الأمر. وذلك أن قتلة عثمان -- رضي الله عنه -- كانوا قد تمكنوا من المدينة، ثم قام في أمرهم من الأعراب وبعض أصحاب الأغراض الخبيثة ما أصبح به قتلهم في أول عهد علي -- رضي الله عنه -- متعذراً.
... يشهد لهذا ما ذكره الطبري حيث يقول: «واجتمع إلى علي بعدما دخل طلحة والزبير في عدة من الصحابة، فقالوا: يا علي إنا قد اشترطنا إقامة الحدود، وإن هؤلاء القوم قد اشتركوا في دم هذا الرجل وأحلّوا بأنفسهم، فقال لهم: يا إخوتاه، إني لست أجهل ما تعلمون، ولكني كيف أصنع بقوم يملكوننا ولا نملكهم! هاهم هؤلاء قد ثارت معهم عبدانكم، وثابت إليهم أعرابكم، وهم خلالكم يسومونكم ما شاءوا، فهل ترون موضعاً لقدرة على شيء مما تريدون؟ قالوا: لا، قال: فلا والله لا أرى إلا رأياً ترونه إن شاء الله». (1)(41/12)
... ويقول ابن كثير: «ولما استقر أمر بيعة علي دخل عليه طلحة والزبير ورؤوس الصحابة -- رضي الله عنهم -- وطلبوا منه إقامة الحدود، والأخذ بدم عثمان، فاعتذر إليهم: بأن هؤلاء لهم مدد وأعوان، ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... تاريخ الطبري 4/437.
وأنه لا يمكنه ذلك يومه هذا». (1)
... فكان هذا هو عذر علي -- رضي الله عنه -- في بداية الأمر، أما بعد ذلك فإن الأمور أصبحت أكثر تعقيداً، وأشدّ اشتباهاً، خصوصاً بعدما اقتتل الصحابة -- رضي الله عنهم -- في معركة الجمل بغير اختيار منهم، وإنما بسبب المكيدة التي دبرها قتلة عثمان للوقيعة بينهم، كما تقدم بيان ذلك، فلم يكن أمر الاقتصاص مقدوراً عليه بعد هذه الأحداث لا لعلي، ولا لغيره من مخالفيه، وذلك لتفرق الأمة وانشغالها بما هو أولى منه من تسكين الفتنة ورأب الصدع.
... يقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: «لم يكن علي مع تفرق الناس عليه متمكناً من قتل قتلة عثمان، إلا بفتنة تزيد الأمر شرّاً وبلاءً. ودفع أفسد الفاسدين بالتزام أدناهما أولى من العكس، لأنهم كانوا عسكراً، وكان لهم قبائل تغضب لهم، والمباشر منهم للقتل -وإن كان قليلاً- فكان ردؤهم أهل الشوكة، ولولا ذلك لم يتمكنوا، ولما سار طلحة والزبير إلى البصرة ليقتلوا قتلة عثمان، قام بسبب ذلك حرب قتل فيها خلق.
... ومما يبين ذلك أن معاوية قد أجمع الناس عليه بعد موت علي، وصار أميراً على جميع المسلمين، ومع هذا فلم يقتل قتلة عثمان الذين
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... البداية والنهاية لابن كثير 7/239.
كانوا قد بقوا». (1)(41/13)
... وعلى كل حال فأياً كان عذر علي -- رضي الله عنه -- فالمقصود هنا أنه لا يخالف بقية الصحابة المطالبين بدم عثمان -- رضي الله عنه -- في وجوب الاقتصاص من قتلة عثمان -- رضي الله عنه -- على ما تقدم تصريحه بذلك في إجابته لطلحة والزبير لما طالباه بقتل قتلة عثمان حيث قال (يا إخوتاه، إني لست أجهل ما تعلمون، ولكن كيف أصنع بقوم يملكوننا ولا نملكهم)، ثم أقسم بعد ذلك وهو الصادق البار: أنه لا يرى إلا ما يرون في هذا الأمر، وهذا مما يدل على إجماع الصحابة -- رضي الله عنهم -- على هذه المسألة، والله تعالى أعلم.
... المسألة الثالثة: أن الصحابة -- رضي الله عنهم -- الذين اختلفوا في الفتنة لم يتهم بعضهم بعضاً في الدين، وإنما كان يرى كل فريق منهم أن مخالفه وإن كان مخطئاً، فهو مجتهد متأول، يعترف له بالفضل في الإسلام وحسن الصحبة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
... وهذه مسألة مقررة عند أهل العلم أيضاً بما ثبت من ثناء الصحابة بعضهم على بعض -- رضي الله عنهم -- أجمعين، فمن ذلك ما جاء عن علي -- رضي الله عنه -- بعد معركة الجمل أنه كان يتفقد القتلى فرأى طلحة بن عبيد الله مقتولاً فجعل يمسح التراب عن وجهه ويقول: (رحمة الله
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... منهاج السنة 4/407-408
عليك أبا محمد يعزّ عليّ أن أراك مجدولاً(1) تحت نجوم السماء، ثم قال: إلى الله أشكو عُجَري وبُجَري(2)). (3)
... ولما جاءه (ابن جرموز) قاتل الزبير ومعه سيفه لعله يجد عنده حظوة فاستأذن عليه فقال علي -- رضي الله عنه --: (لا تأذنوا له وبشروه بالنار)، وفي رواية أن علياً قال: (سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: بشر قاتل ابن صفية بالنار).
... وقال لما رأى سيف الزبير: (طال ما فرج الكرب عن وجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -). (4)(41/14)
... وبعد انتهاء معركة الجمل ذهب علي إلى عائشة -رضي الله عنهما- فقال: (كيف أنت يا أُمّه ؟ قالت: بخير، قال: يغفر الله لكِ، قالت: ولك). (5)
... وذكر الطبري أن علياً -- رضي الله عنه -- بلغه أن رجلين شتما عائشة -رضي الله عنها- فبعث القعقاع بن عمرو فأتى بهما، فقال: اضرب أعناقهما، ثم قال: لأنهكنهما عقوبة، فضربهما مائة مائة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... أي: مرمياً ملقيً على الأرض قتيلاً: النهاية لابن الاثير 1/248.
(2) ... أي: همومي وأحزاني، النهاية لابن الأثير 3/185.
(3) ... البداية والنهاية لابن كثير 7/258.
(4) ... ذكر هذه الروايات ابن كثير في البداية والنهاية 7/260.
(5) ... أورده الطبري في تأريخه 4/534.
وأخرجهما من ثيابهما. (1)
... وروى الطبري من طريق محمد بن عبدالله بن سواد وطلحة بن الأعلم في تجهيز علي لعائشة -رضي الله عنهما- لما أرادت أن ترتحل من البصرة قالا: «جهز على عائشة بكل شيء ينبغي لها من مركب، أوزاد أو متاع، وأخرج معها كل من نجا ممن خرج معها إلا من أحب المقام، واختار لها أربعين امرأة من نساء أهل البصرة المعروفات، وقال: تجهز يا محمد فبلَّغها.
... فلما كان اليوم الذي ترتحل فيه، جاءها حتى وقف لها، وحضر الناس، فخرجت على الناس وودعوها، وقالت: يابَنيّ تعتب بعضنا على بعض استبطاءً واستزادة فلا يعتدّن أحد منكم على أحد بشيء بلغه من ذلك، إنه والله ما كان بيني وبين عليّ في القديم إلا ما يكون بين المرأة وأحمائها، وإنه عندي على معتبتي من الأخيار. وقال علي: يا أيها الناس، صدقت والله وبرت ما كان بيني وبينها إلا ذلك وإنها لزوجة نبيكم - صلى الله عليه وسلم - في الدنيا والآخرة». (2)(41/15)
... ومما ثبت من ذلك عن عمار -- رضي الله عنه -- وكان في جيش علي يوم الجمل ما رواه الطبري من رواية مالك بن دينار قال:«حمل عمار على
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... انظر: تاريخ الطبري 4/540.
(2) ... تاريخ الطبري 4/544.
الزبير يوم الجمل فجعل يحوزه(1) بالرمح فقال: أتريد أن تقتلني؟ قال: لا انصرف».(2)
... وروى الطبري أيضاً عن عامر بن حفص قال: «أقبل عمار حتى حاز الزبير يوم الجمل بالرمح فقال: أتقتلني يا أبا اليقظان! قال: لا يا
أبا عبدالله». (3)
... وهذا كله فيما دار بين الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين في معركة الجمل، أما في موقعة صفين التي دارت بين علي ومعاوية
-رضي الله عنهما-.
... فقد ثبت عن علي -- رضي الله عنه -- على ما نقله شيخ الإسلام ابن تيمية عن إسحاق بن راهويه بسنده إلى جعفر بن محمد عن أبيه قال: (سمع علي يوم الجمل أو يوم صفين رجلاً يغلو في القول فقال: لا تقولوا إلا خيراً إنما هم قوم زعموا إنا بغينا عليهم، وزعمنا أنهم بغوا علينا فقاتلناهم). (4)
... وعن محمد بن نصر بسنده عن مكحول: (أن أصحاب علي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... الحيز والحوز هو السوق اللين، ومنه حاز الأبل يحوزها سارها في رفق. ... انظر: ... لسان العرب 5/343.
(2) ... تاريخ الطبري 4/512
(3) ... تاريخ الطبري 4/512.
(4) ... منهاج السنة 5/244-245.
سألوه عمن قُتِل من أصحاب معاوية ماهم؟ قال: هم مؤمنون). (1)
... وعن عبد الواحد بن أبي عون قال: (مر علي -وهو متوكئ على الأشتر- على قتلى صفين، فإذا حابس اليماني مقتول: فقال الأشتر: إنا لله وإنا إليه راجعون هذا حابس اليماني معهم يا أمير المؤمنين عليه علامة معاوية، أما والله لقد عهدته مؤمناً، قال علي: والآن هو مؤمن). (2)(41/16)
... وأما معاوية -- رضي الله عنه -- فقد تقدم ثناؤه على علي -- رضي الله عنه -- واعترافه بفضله كما جاء في حواره مع أبي مسلم الخولاني لما قال له أنت تنازع علياً أم أنت مثله؟ فقال: (لا والله إني لأعلم أنه أفضل مني وأحق بالأمر مني...).(3) الخ كلامه.
... وقد روى أبو نعيم في حلية الأولياء أن ضرارة بن ضمرة الصُّدَائي دخل على معاوية فقال له: صف لي علياً، فقال: أو تعفيني يا أمير المؤمنين، قال: لا أعفيك، قال: (أما إذ لابد فإنه كان والله بعيد المدى، شديد القوى، يقول فضلاً، ويحكم عدلاً...). وذكر كلاماً طويلاً في وصف علمه وشجاعته وزهده.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... منهاج السنة 5/245.
(2) ... المصدر نفسه 5/245.
(3) ... انظر ص238 من هذا الكتاب.
... إلى أن قال: (فوكفت دموع معاوية على لحيته ما يملكها، وجعل ينشفها بكمه، وقد اختنق القوم بالبكاء، فقال: كذا كان أبو الحسن رحمه الله). (1)(41/17)
... فهذه بعض الآثار المنقولة عن الصحابة -- رضي الله عنهم -- ممن وقع بينهم الخلاف، في ثناء بعضهم على بعض وتعظيم بعضهم لبعض وتحابهم في الله، رغم ما حصل بينهم من اختلاف وحروب نشأت عن اجتهاد كل منهم فيما يرى أنه فيه مصلحة الأمة، وإقامة دين الله وشرعه، ومع هذا فقد كان كل منهم ينصف صاحبه، ولا يحمله خلافه له في الاجتهاد على الطعن عليه في الدين، والاعتداء والظلم، بل كان يشهد كل منهم لأخيه بما هو عليه من الفضل والسبق إلى الإسلام. وهذا لعمر الله هو الفضل، فإن الإنصاف عند الخصومة عزيز، وهو في الناس قليل، إلا لمن علت درجاتهم في الإيمان، وزكى الله نفوسهم وطهرها من الشهوات، أمثال أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم - الذين اصطفاهم الله بعلمه لصحبة نبيه، فنسأل الله أن يرزقنا محبتهم جميعاً، وحسن الأدب معهم، وأن يجعلنا ممن قال فيهم: {والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولأخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... حلية الأولياء 1/84-85.
قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم}. (1)
... وأما قول المؤلف في حق الصحابة: «وهم الذين اختلفوا في
تفسير كتاب الله، وأحاديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فكانت المذاهب والفرق، والملل والنحل، ونشأت من ذلك المدارس الكلامية والفكرية المختلفة وبرزت فلسفات متنوعة....
... إلى أن قال: فالمسلمون لم ينقسموا، ولم يختلفوا في شيء لولا الصحابة، وكل خلاف نشأ وينشأ إنما يعود إلى اختلافهم في الصحابة».
... فجوابه: أن هذا من أكبر التلبيس والتمويه، والطعن على أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - بما هم منه برآء، فما ينقل عن الصحابة من اختلاف في التفسير، وفي فهم بعض الأحاديث، لم يترتب عليه ما ذكر من نشأة الفرق والمدارس الكلامية والفلسفات المتنوعة.(41/18)
... وذلك أن الاختلاف ينقسم إلى قسمين: اختلاف تنوع، واختلاف تضاد(2)، وغالب ما ينقل عن الصحابة في تفسير بعض الآيات، من باب اختلاف التنوع لا اختلاف التضاد كما بين ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... سورة الحشر 10.
(2) ... انظر: مجموع الفتاوى 6/58.
... قال: «الخلاف بين السلف في التفسير قليل، وخلافهم في الأحكام أكثر من خلافهم في التفسير، وغالب مايصح عنهم من الخلاف يرجع إلى اختلاف تنوع، لا اختلاف تضاد». (1)
... ثم ذكر -رحمه الله- أن اختلاف التنوع يرجع إلى أمرين:
... الأول: أن يعبر كل واحد من السلف بعبارة غير عبارة صاحبه، تدل على المعنى في المسمى غير المعنى الآخر، مع اتحاد المسمى مثال ذلك تفسيرهم للصراط المستقيم فيقول بعضهم: بأنه هو القرآن أو اتباع القرآن، ويقول آخر: هو الإسلام، أو دين الإسلام، ويقول آخر: هو السنة والجماعة، ويقول آخر: طريق العبودية، أو طريق الخوف والرجاء والحب، أو امتثال المأمور واجتناب المحظور، أو متابعة الكتاب والسنة أو العمل بطاعة الله أو نحو هذه الأسماء والعبارات.
... الثاني: أن يذكر كل واحد من السلف الاسم العام ببعض أنواعه على سبيل التمثيل، وتنبيه المستمع على النوع، لا على سبيل الحد المطابق للمحدود في عمومه وخصوصه، مثل سائل أعجمي سأل عن مسمى لفظ (الخبز) فأُري رغيفاً وقيل له: هذا فالإشارة إلى نوع هذا، لا إلى هذا الرغيف وحده. (2)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... مقدمة في أصول التفسير ص10.
(2) ... انظر: مقدمة في أصول التفسير لشيخ الاسلام ابن تيمية ص10-12، ... ومجموع الفتاوى 13/381-382.
... قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «وعامة الاختلاف الثابت عن
مفسري السلف من الصحابة والتابعين هو من هذا الباب». (1)(41/19)
... ومن هنا يظهر أن هذا النوع من الاختلاف -وهو الغالب على ما ينقل عن الصحابة من اختلاف في التفسير- لا أثر له في الاختلاف في استنباط الأحكام من الآيات، وتنازع الأمة من بعدهم في ذلك، فضلاً أن يكون سبباً لنشأة الفرق والنحل، والمدارس الفلسفية والكلامية كما يدعي الرافضي.
... أما اختلاف الصحابة الراجع إلى القسم الثاني وهو اختلاف التضاد فما يثبت عنهم من ذلك سواء في التفسير، أو في الأحكام، فقليل وهو ليس في الأصول العامة المشهورة في الدين، وإنما في بعض المسائل الدقيقة التي هي محل اجتهاد ونظر.
... يقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- بعد أن ذكر أن عامة ماينقل عن الصحابة والسلف من الخلاف في التفسير من باب اختلاف التنوع: «ومع هذا فلابد من اختلاف مخفف بينهم، كما يوجد مثل ذلك في الأحكام، ونحن نعلم أن عامة ما يضطر إليه عموم الناس من اختلاف،معلوم بل متواترعند العامة أو الخاصة، كما في عدد الصلوات ومقادير ركوعها ومواقيتها، وفرائض الزكاة ونصبها، وتعيين شهر ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... مجموع الفتاوى 13/381.
رمضان، والطواف، والوقوف، ورمي الجمار، والمواقيت وغير ذلك.
... ثم اختلاف الصحابة في الجد والإخوة، وفي المشركة ونحو ذلك لايوجب ريباً في جمهور مسائل الفرائض...». (1)(41/20)
... وهذا النوع من الاختلاف بين الصحابة -- رضي الله عنهم -- لم يكن سبباً في تفرقة الأمة، ونشأة البدع كما زعم هذا الرافضي المفتري، ذلك أنه لم يكن في الأصول العامة لهذا الدين، التي حصل الخلاف فيها بين أهل السنة وأهل البدع، وإنما كان في مسائل جزئية ودقيقة، الاجتهاد فيها سائغ والخطأ فيها مغفور، لأنه ناشئ عن اجتهاد من غير تعمد للمخالفة، وقد ثبت في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - أن أفراداً منهم أخطأوا في بعض المسائل مجتهدين، كما في قصة عدي بن حاتم -- رضي الله عنه -- لما اتخذ عقالين أحدهما أسود، والآخر أبيض، فجعل ينظر إليهما ظناً(2) منه أن هذا هوالمقصود من قوله تعالى:{حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر} (3)، واختلف الصحابة إلى فريقين في فهم قصد
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... مقدمة التفسير ص17.
(2) ... انظر الحديث في صحيح البخاري: (كتاب الصوم، باب قول الله تعالى: ... {وكلوا واشربوا} الآية)، فتح الباري 4/133، ح1916، وصحيح ... مسلم: (كتاب الصوم، باب أن الدخول في الصوم يحصل بطلوع الفجر)
... 2/766.
(3) ... سورة البقرة آية 187.
النبي - صلى الله عليه وسلم - من قوله: (لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة)(1)، فصلى فريق منهم في الطريق، وفريق آخر لم يصل إلا في بني قريظة. كما حصل لبعضهم -- رضي الله عنهم -- بعض المخالفات متأولين، كما في قصة حاطب ابن أبي بلتعة-- رضي الله عنه --(2)، وقصة خالد -- رضي الله عنه -- مع بني جذيمة(3) في حوادث كثيرة يطول ذكرها، ومع هذا لم يؤثمهم النبي - صلى الله عليه وسلم - أغير الأمة على دين الله، لأن أخطاءهم نشأت عن اجتهاد أو تأويل، قد رفع الحرج فيه عن الأمة.
... ولهذا لم يكن اختلاف الصحابة -- رضي الله عنهم -- في مسائل الاجتهاد سبباً في تفرقهم، وتنازعهم، وتحزبهم.(41/21)
... قال الامام قوام السنة: «إنا وجدنا أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورضي عنهم اختلفوا في أحكام الدين، فلم يفترقوا، ولم يصيروا شيعاً،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... الحديث أخرجه البخاري من حديث ابن عمر: (كتاب المغازي، باب مرجع ... النبي - صلى الله عليه وسلم - من الأحزاب) فتح الباري 7/408، ح4119.
(2) ... انظر: الحديث في هذا في صحيح البخاري: (كتاب استتابة المرتدين، باب ... ما جاء في المتأولين) فتح الباري 12/304، ح 939، صحيح مسلم: ... (كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل أهل بدر...) 4/1941، ... ح2494.
(3) ... انظر: الحديث في هذا في صحيح البخاري: (كتاب المغازي، باب بعث ... النبي - صلى الله عليه وسلم - خالد إلى بني جذيمة)، فتح الباري 8/56، ح4339.
لأنهم لم يفارقوا الدين، ونظروا فيما أذن لهم». (1)
... فإذا كان التنازع منتفياً في حقهم، بل الثابت عنهم هو التآلف والاتفاق، والمحبة والتواد، كما وصفهم ربهم بقوله: {أشداء على الكفار رحماء بينهم}. (2)
... فكيف لهذا الرافضي أن يدعي: أن اختلافهم في الاجهتاد سبب في تنازع الأمة وتفرقها.
... بل إن الأمة استفادت بسبب اختلاف الصحابة في الاجتهاد، مع عدم التفرق والتمزق، من الدروس والعبر، ما كان سبباً في اجتماع الأمة لا تفرقها، ووحدتها لا تمزقها، لكن إنما حصل هذا لأهل المتابعة لطريقهم الذين اهتدوا بهديهم، واقتفوا أثرهم في ذلك، فلم يتفرقوا لاختلاف الآراء في الاجتهاد. ألا وهم أهل السنة، الذين هم أهل الاجتماع والائتلاف، وفارقهم وخالفهم في هذا سائر أهل البدع، الذين هم أهل التفرق والاختلاف.(41/22)
... ولذا لما رأى خيار السلف من بعدالصحابة هذه الثمار الطيبة المباركة لاجتهادات الصحابة، وأثرها في الأمة، وما حصل بسببها من الرحمة للأمة والتوسعة في الاجتهاد والترجيح بين أقوالهم، ما كرهوا ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... الحجة في بيان المحجة 2/227-228.
(2) ... سورة الفتح من الآية 29.
اختلاف الصحابة بل أظهروا الفرح والرضا به.
... قال عمر بن عبد العزيز -رحمه الله-: (ما يسرني أن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يختلفوا). (1)
... وفي رواية أخرى عنه: (ما يسرني أن لي باختلافهم حمر النعم). (2)
... وقال القاسم بن محمد -رحمه الله-: (لقد نفع الله باختلاف أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - في أعمالهم، لا يعمل العامل بعمل رجل منهم، إلا رأى أنه في سعة ورأى خيراً منه قد عمله). (3)
... وقال أيضاً: (لقد أعجبني قول عمر بن عبد العزيز: ما أحب أن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يختلفوا، لأنه لو كان قولاً واحداً، كان الناس في ضيق، وإنهم أئمة يقتدى بهم، فلو أخذ بقوله رجل منهم كان في سعة). (4)
قال الشاطبي-رحمه الله-:«وبمثل ذلك قال جماعةمن العلماء». (5)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... نقله شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى 3/80، والشاطبي في الموافقات ... 4/125.
(2) ... ذكره الشاطبي في الموفقات 4/125.
(3) ... المصدر نفسه 4/125.
(4) ... المصدر نفسه 4/125.
(5) ... المصدر نفسه 4/125.(41/23)
... وقال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: «ولهذا كان بعض العلماء يقول إجماعهم حجة قاطعة، واختلافهم رحمة واسعة، وكان عمر بن عبدالعزيز يقول: مايسرني أن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يختلفوا، لأنهم إذا اجتمعوا على قول فخالفهم رجل كان ضالاً، وإذا اختلفوا فأخذ رجل بقول هذا، ورجل بقول هذا كان الأمر في سعة». (1)
... فأقوال هؤلاء الأئمة تدل دلالة ظاهرة على أن اختلاف الصحابة -رضي الله عنهم- في الاجتهاد، لم يفض إلى مفسدة في الدين، ولم يكن سبباً في تفرق المسلمين، ونشأة الفرق المبتدعة في الإسلام، على ما ادعى هذا الرافضي، إذ لو أدى اختلافهم إلى هذا أو أقل منه بكثير، فكيف يفرح بخلافهم ولا يحزن له هؤلاء الأئمة الكبار، وهم أهل الغيرة على الدين والنصح للمسلمين.
... وإذا ثبت هذا فاعلم أيها القارئ أن هذه الفرق المبتدعة على كثرتها واختلاف مشاربها لا ترجع بحمد الله في أصل نشأتها لأحد من الصحابة، ولا تستند في بدعها لقول واحد منهم وإن كان بعض هذه الفرق تدعى الانتساب لبعضهم، كانتساب الرافضة لعلي -- رضي الله عنه -- وأبنائه إلا أن هذا غير صحيح فعلي وأبناؤه -- رضي الله عنهم -- بريئون منهم ومن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... مجموع الفتاوى 30/80.
عقيدتهم كما تقدم نقل أقوالهم في ذلك.
... وفي الحقيقة إن عامة هذه الفرق المبتدعة، إنما أحدثها أول من أحدثها، إما كفار أصليون أو منافقون ظاهروا النفاق في الأمة.(41/24)
... فالخوارج يرجعون في أصل عقيدتهم ونسبهم إلى ذي الخويصرة الذي اعترض على النبي - صلى الله عليه وسلم - في قسم الغنائم يوم حنين فقال: (يارسول الله اعدل، قال: رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويلك ومن يعدل إن لم أعدل؟ قد خبت وخسرت، فقال عمر بن الخطاب -- رضي الله عنه --: يارسول الله أئذن لي فيه أضرب عنقه، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: دعه فإن له أصحاباً يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه من صيامهم، يقرأون القرآن لايجاوز تراقيهم يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من
الرّمية..). (1)
... والرافضة ترجع في أصل نشأتها إلى عبد الله بن سبأ اليهودي الحميري الذي هو أول من ابتدع الرفض.
... يقول شيخ الإسلام: «إن الذي ابتدع الرفض كان يهودياً، أظهر الإسلام نفاقاً، ودس إلى الجهال دسائس، يقدح بها في أصل الإيمان، ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... رواه البخاري من حديث أبي سعيد الخدري في: (كتاب استتابة المرتدين، ... باب ترك قتل الخوارج للتألف) فتح البارى 12/390. ومسلم: (كتاب ... الزكاة، باب ذكر الخوارج وصفتهم) 2/744.
ولهذا كان الرفض أعظم أبواب النفاق والزندقة». (1)
... وهذا أمر مقرر مشهور عند علماء الإسلام، متواتر عنهم في كتبهم.
... وقد اعترف بهذا كبار مؤرخي الرافضة ومحققيهم.
... يقول الكشي عن عبد الله بن سبأ: «وكان أول من أشهر القول بفرض إمامة علي، وأظهر البراءة من أعدائه، وكاشف مخالفيه، وأكفرهم فمن هناك قال من خالف الشيعة، أصل التشيع والرفض مأخوذ من اليهودية». (2)
... وقد نقل هذا النص كبار علمائهم المشهورين: كالأشعري القمي(3)، والنوبختي(4)، والمامقاني. (5)(41/25)
... وأما القدرية: فأول من أظهر مقالتهم وتكلم في القدر: رجل نصراني يسمى: (سوسن) روى الآجري واللالكائي عن الأوزاعي قال: «أول من نطق في القدر: رجل من أهل العراق يقال له: سوسن كان نصرانياً فأسلم ثم تنصر، فأخذ عنه معبد الجهني وأخذ غيلان
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... مجموع الفتاوى 4/428.
(2) ... رجال الكشي ص71.
(3) ... المقالات والفرق ص21-22.
(4) ... فرق الشيعة ص22.
(5) ... تنقيح المقال 2/184.
عن معبد». (1)
... وأما الجهمية: فمنسوبة للجهم بن صفوان، أول من أشهر القول بتعطيل الصفات، والجهم أخذ مقالته عن الجعد بن درهم، وأخذها الجعد عن طالوت ابن أخت لبيد بن الأعصم، وأخذها طالوت من لبيد بن الأعصم اليهودي الساحر، الذي سحر النبي - صلى الله عليه وسلم - ذكر هذا شيخ الإسلام ابن تيمية وابن كثير -رحمهما الله-. (2)
... وأما الفلاسفة: فأخذوا الفلسفة عن فلاسفة اليونان، بل عن شرهم وهو أرسطو.
... قال ابن القيم: «الفلاسفة لا تختص بأمة من الأمم، بل هم موجودون في سائر الأمم، وإن كان المعروف عند الناس، الذي اعتنوا بحكاية مقالاتهم: هم فلاسفة اليونان». (3)
... ويقول في التعريف بمصطلح الفلسفة: «وقد صار هذا الاسم في عرف كثير من الناس مختصاً بمن خرج عن ديانات الأنبياء، ولم يذهب إلا إلى ما يقتضيه العقل في زعمه، وأخص من ذلك أنه في عرف
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... الشريعة للآجري ص243، وشرح أصول اعتقاد أهل السنة للالكائي ... 4/750.
(2) ... انظر: مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية 5/20، والبداية والنهاية ... لابن كثير 9/364.
(3) ... إغاثة اللهفان 2/260.(41/26)
المتأخرين اسم لأتباع أرسطو، وهم المشاؤن خاصة، وهم الذين هذب ابن سينا طريقتهم وبسطها وقررها، وهي التي يعرفها بل لا يعرف سواها، المتأخرون من المتكلمين، وهؤلاء فرقة شاذة من فرق الفلاسفة، ومقالتهم واحدة من مقالات القوم حتى قيل: إنه ليس فيهم من يقول بقدم الأفلاك غير أرسطو وشيعته». (1)
... وأما الباطنية: فبذرة يهودية بذرها عبدالله بن ميمون القداح اليهودي.
... يقول محمد بن مالك بن أبي الفضائل عن الباطنية: «وأصل هذه الدعوة الملعونة، التي استهوى بها الشيطان أهل الكفر والشقوة، ظهور عبد الله بن ميمون القداح في الكوفة، وما كان له من الأخبار المعروفة... وكان ظهوره في سنة ست وسبعين ومائتين من التاريخ للهجرة النبوية، فنصب للمسلمين الحبائل، وبغي لهم في الغوائل، ولبس الحق بالباطل: {ومكر أولئك هو يبور}(2) وجعل لكل آية من كتاب الله تفسيراً، ولكل حديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تأويلاً... وكان هذا الملعون يعتقد اليهودية، ويظهر الإسلام، وهو من اليهود من ولد الشلعلع من مدينة بالشام يقال لها سلمية». (3)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... المصدر نفسه 2/524.
(2) ... فاطر 10.
(3) ... كشف أسرار الباطنية لمحمد بن مالك بن أبي الفضائل ص31-33
... فهذه أصول الفرق المبتدعة في الإسلام، وأول من دعا لها وبثها في الأمة من أولئك الكفرة، والزنادقة الحاقدين على هذا الدين.
... فانظر أيها المسلم كيف أن هذا الرافضي الخبيث يبرئ هؤلاء الكفرة والملحدين مما أحدثوه من البدع العظيمة، وما نتج عنها من شر عظيم، وتفريق لوحدة المسلمين، ويلصق هذه التهم بصحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زاعماً أن هذه الفرق، إنما نشأت بسبب اختلافهم، وأنها ترجع إليهم. فعليه من الله ما يستحق.(41/27)
دعوى المؤلف أن الصحابة لم يمتثلوا أمر النبي - صلى الله عليه وسلم -
في صلح الحديبية والرد عليه
... قال المؤلف ص93 تحت عنوان: (الصحابة في صلح الحديبية)، بعد أن ذكر على وجه الإجمال خبر صلح النبي - صلى الله عليه وسلم - مع قريش على الشروط المعروفة: «لكن بعض الصحابة لم يعجبهم هذا التصرف من النبي - صلى الله عليه وسلم - وعارضوه في ذلك معارضة شديدة، وجاءه عمر بن الخطاب فقال: ألست نبي الله حقاً؟ قال: بلى، قال عمر: ألسنا على الحق وعدونا على الباطل؟ قال: بلى، قال عمر: فلم نعطي الدنية في ديننا إذاً؟ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إني رسول الله ولست أعصيه وهو ناصري، قال عمر: أولست كنت تحدثنا أنا سنأتي البيت فنطوف؟ قال: بلى أفأخبرتك أنا نأتيه العام؟ قال عمر: لا، قال: فإنك آتيه ومطوف به...
... إلى أن قال: ولما فرغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من كتاب الصلح قال لأصحابه: قوموا فانحروا ثم احلقوا، فو الله ما قام منهم رجل، حتى قال ذلك ثلاث مرات، فلما لم يمتثل لأمره منهم أحد، دخل خباءه ثم خرج فلم يكلم أحداً منهم بشيء حتى نحر بدنة بيده، ودعا حالقه فحلق رأسه، فلما رأى أصحابه ذلك قاموا فنحروا، وجعل بعضهم يحلق بعضاً، حتى كاد بعضهم يقتل بعضاً».
... ثم يقول بعد ذلك معلقاً: «هل يقبل عاقل قول القائلين بأن الصحابة -- رضي الله عنهم -- كانوا يمتثلون أوامر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وينفذونها، فهذه الحادثة تقطع عليهم ما يرومون... فهل سلم عمر بن الخطاب هنا ولم يجد في نفسه حرجاً بما قضى الرسول - صلى الله عليه وسلم -؟! أم كان في موقفه تردد في ما أمر به النبي - صلى الله عليه وسلم -، وخصوصاً في قوله: أولست نبي الله حقاً، أولست كنت تحدثنا إلى آخره، وهل سلم بعدما أجابه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بتلك الأجوبة المقنعة؟ كلا لم يقتنع بجوابه وذهب يسأل أبا بكر الأسئلة نفسها...».(42/1)
... والجواب عن هذا: أن ما ذكره من مراجعة عمر للنبي - صلى الله عليه وسلم - في أمر الصلح، وكذلك تأخر الصحابة في بداية الأمر عن النحر والحلق حتى نحر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وحلق، كل هذا صحيح ثابت في الصحيحين وغيرهما من كتب الحديث التي نقلت أخبار صلح الحديبية. (1)
... وعلى هذين الأمرين مدار طعنه وسلفه من الرافضة على أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا مطعن في شيء من هذا على أصحاب
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... انظر: صحيح البخاري مع فتح الباري: (كتاب الشروط، باب الشروط في ... الجهاد...) 5/329، ح2731-2732، و(كتاب الجزية) 6/281، ... ح3182، وصحيح مسلم: (كتاب الجهاد والسير، باب صلح الحديبية) ... 3/1411، ح1785، ومسند أحمد 3/486.
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا عمر ولا غيره من الصحابة الذين شهدوا الحديبية.
... وبيان ذلك: أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - كان قد رأى في المنام أنه دخل مكة وطاف بالبيت فأخبر أصحابه بذلك وهو بالمدينة، فلما ساروا معه عام الحديبية لم يشك جماعة منهم أن هذه الرؤيا تتفسر هذا العام، فلما وقع أمر الصلح وفيه أن يرجعوا عامهم هذا، ثم يعودوا العام القادم شق ذلك على أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -(1) فجعل عمر -- رضي الله عنه -- على ما عرف به من القوة في الحق والشدة فيه يسأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويراجعه في الأمر، ولم تكن أسئلته التي سألها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لشك في صدق الرسول - صلى الله عليه وسلم -، أو اعتراض عليه، لكن كان مستفصلاً عما كان متقرراً لديه، من أنهم سيدخلون مكة ويطوفون بالبيت، وأراد بذلك أن يحفز رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على دخول مكة، وعدم الرجوع إلى المدينة، لما يرى في ذلك من عز لدين الله وإرغام للمشركين.(42/2)
... قال النووي: «قال العلماء لم يكن سؤال عمر -- رضي الله عنه -- وكلامه المذكور شكاً بل طلباً لكشف ما خفي عليه، وحثاً على إذلال الكفار وظهور الإسلام، كما عرف من خلقه -- رضي الله عنه -- وقوته في نصر الدين وإذلال المبطلين». (2)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... انظر: تاريخ الطبري 2/635، والبداية والنهاية لابن كثير 4/170.
(2) ... شرح صحيح مسلم 12/141.
... ونقل هذا أيضاً ابن حجر -رحمه الله- عن بعض شراح الحديث. (1)
... فعمر -- رضي الله عنه -- كان في هذا مجتهداً حمله على هذا شدته في الحق، وقوته في نصرة الدين، والغيرة عليه، مع ما كان قد عودهم عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من المشورة وإبداء الرأى، امتثالاً لأمر الله تعالى: {فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر}(2) وقد كان كثيراً ما يستشيرهم ويأخذ برأيهم، كما استشارهم يوم بدر في الذهاب إلى العير، وأخذ بمشورتهم، وشاورهم يوم أحد في أن يقعد في المدينة أو يخرج للعدو فأشار جمهورهم بالخروج إليهم فخرج إليهم، وشاورهم يوم الخندق في مصالحة الأحزاب بثلث ثمار المدينة عامئذٍ فأبى عليه السعدان (سعد بن معاذ، وسعد بن عبادة) فترك ذلك، وشاورهم يوم الحديبية أن يميل على ذراري المشركين، فقال أبو بكر: إنا لم نجيء لقتال، وإنما جئنا معتمرين فأجابه إلى ما قال(3)، في حوادث كثيرة يطول ذكرها.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... انظر: فتح البارى 5/346.
(2) ... سورة آل عمران من الآية 159.
(3) ... انظر: تفسير ابن كثير 1/420 عند تفسير قوله تعالى: {وشاورهم في ... الأمر}.(42/3)
... فقد كان عمر -- رضي الله عنه -- يطمع أن يأخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - برأيه في مناجزة قريش وقتالهم، ولهذا راجعه في ذلك، وراجع أبا بكر، فلما رأى اتفاقهما أمسك عن ذلك وترك رأيه، فعذره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما يعلم من حسن نيته وصدقه.
... أما توقف الصحابة عن النحر والحلق حتى نحر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وحلق، فليس معصية لأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقد ذكر العلماء له عدة توجيهات.
... قال ابن حجر: «قيل كأنهم توقفوا لاحتمال أن يكون الأمر بذلك للندب، أو لرجاء نزول وحي بإبطال الصلح المذكور، أو تخصيصه بالإذن بدخولهم مكة ذلك العام لإتمام نسكهم، وسوّغ لهم ذلك لأنه كان زمان وقوع النسخ، ويحتمل أنهم ألهتهم صورة الحال فاستغرقوا في الفكر لما لحقهم من الذل عند أنفسهم، مع ظهور قوتهم واقتدارهم في اعتقادهم على بلوغ غرضهم، وقضاء نسكهم بالقهر والغلبة، أو أخروا الامتثال لاعتقادهم أن الأمر المطلق لا يقتضي الفور، ويحتمل مجموع هذه الأمور لمجموعهم».(1)
... وجاء في بعض الروايات أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لما رأى عدم امتثالهم، دخل على أم سلمة فذكر لها ذلك فقالت: (يا رسول الله لاتكلمهم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... فتح الباري 5/347.
فإنهم قد دخلهم أمر عظيم مما أدخلت على نفسك من المشقة في أمر الصلح ورجوعهم بغير فتح).(1)
... فأشارت عليه كما جاء في رواية البخاري: (أن اخرج ثم لاتكلم أحداً منهم كلمة حتى تنحر بدنك، وتدعو حالقك فيحلقك، فخرج فلم يكلم أحداً منهم حتى فعل ذلك، نحر بدنه، ودعا حالقه فحلقه، فلما رأوا ذلك قاموا فنحروا).(2)(42/4)
... قال ابن حجر: «ويحتمل أنها فهمت عن الصحابة أنه احتمل عندهم أن يكون النبي - صلى الله عليه وسلم - أمرهم بالتحلل أخذاً بالرخصة في حقهم، وأنه يستمر على الإحرام أخذاً بالعزيمة في حق نفسه، فأشارت عليه أن يتحلل لينتفي عنهم هذا الاحتمال، وعرف النبي - صلى الله عليه وسلم - صواب ما أشارت به ففعله... ونظير هذا ما وقع لهم في غزوة الفتح من أمره لهم بالفطر في رمضان، فلما استمروا على الامتناع، تناول القدح فشرب، فلما رأوه شرب شربوا».(3)
... وهذا الوجه حسن، وهو اللائق بمقام أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -، فإنهم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... ذكره ابن حجر في فتح الباري 5/347.
(2) ... صحيح البخاري مع الفتح (كتاب الشروط، باب الشروط في الجهاد) ... 5/332
(3) ... فتح الباري 5/347.
كانوا على قدر كبير من تعظيم الإحرام والحرص على إكمال النسك، فلما أمرهم النبي - صلى الله عليه وسلم - بالتحلل ولم يفعل ، ظنوا أن الذي حمله على هذا هو الشفقة عليهم، كما كانت سيرته معهم، فكأنهم -رضي الله عنهم- آثروا التأسي به على ما رخص لهم فيه من التحلل، ثم لما رأوه قد تحلل أيقنوا أن هذا هو الأفضل في حقهم، فبادروا إليه، وهذا مثل ما حصل منهم في الحج مع النبي - صلى الله عليه وسلم - لما بلغوا مكة وطافوا وسعوا أمرهم أن يحلوا، وأن يصيبوا النساء ويجعلوها عمرة، فكبر ذلك عليهم لتعظيمهم لنسكهم، وقالوا: نذهب إلى عرفة ومذاكيرنا تقطر من المني، فلما علم بذلك الرسول - صلى الله عليه وسلم - وكان لم يتحلل، قال لهم: (أيها الناس أحلوا فلولا الهدى الذي معى فعلت كما فعلتم) قال جابر -- رضي الله عنه -- راوي الحديث: فحللنا وسمعنا وأطعنا.(1)(42/5)
... وهذا كله من حرص أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الخير والرغبة في التأسي برسول الله - صلى الله عليه وسلم - التأسي الكامل. فرضي الله عنهم أجمعين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... ملخصاً من حديث جابر بن عبدالله الذي رواه البخاري في (كتاب ... الاعتصام، باب نهي النبي - صلى الله عليه وسلم - على التحريم إلا ما تعرف إباحته) فتح الباري ... 13/337، ح7367، ومسلم (كتاب الحج، باب بيان وجوه الإحرام..) ... 2/883-884، ح1216.
... وبهذا تظهر الوجهة الصحيحة لمواقف الصحابة الجليلة في هذه الغزوة المباركة، التي ازدادوا بها رفعة عند الله، وسبقاً في دينه، ومحبة في قلوب المؤمنين.
... فإن أبى الرافضي قبول ذلك استكباراً وعناداً، وظلماً وطغياناً وأصر على ما هو عليه من الكذب والتدليس، فإني أورد هنا عدة أوجه فيها إلزامه وفضيحته، ودحض شبهته بحول الله وقوته وهي:
... الوجه الأول: ما بدر من الصحابة -رضي الله عنهم- يوم الحديبية كان بحضور رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقد كان الوحي ينزل عليه، فهل ذمهم الله بذلك؟ فإن الله لا يقر على باطل. أو أنكر عليهم رسوله - صلى الله عليه وسلم -؟ فإنه لا تأخذه في الله لومة لائم. فإذا لم يحصل شيء من ذلك ولم ينقل عن أحد من الصحابة الذين شهدوا الواقعة أنهم سعوا في الإنكار على من يدعي هذا الرافضي أنه مخالف ومنازع، ثم تتابعت الأمة بعد ذلك جيلاً بعد جيل على عدم الإنكار بل الترضي على أولئك الأخيار، أفاد كل ذلك حقيقة حتمية، وضرورة شرعية عند كل متدين بهذا الدين داخل في عقد المسلمين ألا وهي: براءة الصحابة وطهارتهم من كل ما يرميهم به الرافضة والزنادقة من العظائم وأن الطعن فيهم بعد هذا رد على رب العالمين، ومشاقة لرسوله الكريم، واتباع لغير سبيل المؤمنين.(42/6)
... الوجه الثاني: أن الله - عز وجل - قال في سورة الفتح التي أنزلها على
رسوله - صلى الله عليه وسلم - بعد رجوعه من الحديبية في طريقه إلى المدينة(1): {لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحاً قريباً ومغانم كثيرة يأخذونها وكان الله عزيزاً حكيماً}.(2)
... وكان عدد أهل الحديبية الذين بايعوا النبي - صلى الله عليه وسلم - تحت الشجرة ألفاً وأربعمائة رجلٍ، كما ذكر جابر -- رضي الله عنه -- قال: (كنا يوم الحديبية ألفاً وأربعمائة فبايعناه، وعمر آخذ بيده تحت الشجرة وهي سمرة).(3)
... وفي صحيح مسلم أن أم بشر سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: (لايدخل النار -إن شاء الله- من أصحاب الشجرة أحد الذين بايعوا تحتها).(4)
... فثبت بصريح الكتاب والسنة أن الله رضي عنهم، وأنزل السكينة في قلوبهم، وشهد لهم الرسول - صلى الله عليه وسلم - بالجنة، والنجاة من النار، فالطعن فيهم بعد هذا تكذيب صريح لما دلت عليه النصوص، ورد على الله ورسوله، ولهذا لم يتوقف العلماء في تكفير من كفّر، أو فسق ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... انظر تفسير ابن كثير 4/182.
(2) ... سورة الفتح آيتا 18،19.
(3) ... رواه مسلم (كتاب الإمارة، باب استحباب مبايعة الإمام الجيش..) ... 3/1483، ح1856.
(4) ... رواه مسلم (كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل أصحاب الشجرة..) ... 4/1942، ح2496.
عامة الصحابة لمناقضته لصريح الكتاب والسنة.(42/7)
... يقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في تفصيل حكم سب الصحابة: «... وأما من جاوز ذلك إلى أن زعم أنهم ارتدوا بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا نفراً قليلاً لا يبلغون بضعة عشر نفساً، أو أنهم فسقوا عامتهم فهذا لا ريب أيضاً في كفره، لأنه مكذب لما نصه القرآن في غير موضع من الرضى عنهم والثناء عليهم، بل من يشك في كفر مثل هذا فإن كفره متعين».(1)
... الوجه الثالث: يتعلق بما جاء في سياق بعض الروايات الصحيحة وفيها فقال الرسول - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه: (قوموا انحروا ثم احلقوا، قال: فوالله ما قام منهم رجل حتى قال ذلك ثلاث مرات).(2)
... أورده المؤلف ثم قال معلقاً: «هل يقبل عاقل قول القائلين بأن الصحابة -رضي الله عنهم- كانوا يمتثلون أوامر الرسول - صلى الله عليه وسلم - وينفذونها، فهذه الحادثة تقطع عليهم ما يرومون...».(3)
... قلت: تقدمت الإجابة عليه، وأنه لا مطعن على أصحاب
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... الصارم المسلوك على شاتم الرسول - صلى الله عليه وسلم - ص586.
(2) ... وردت هذه العبارة ضمن الحديث الطويل الذي رواه البخاري من حديث ... المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم في (كتاب الشروط، باب الشروط في ... الجهاد..) فتح الباري 5/329، ح2731،2732.
(3) ... تقدم نقل نصه كاملاً ص263.
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيه.(1)
... لكن أقول للمؤلف هنا: ألم يكن علي -- رضي الله عنه -- ومن تعتقدون عدالته من الصحابة في هؤلاء، ويرد عليه ما قلتم فما هو جوابكم؟.(42/8)
... الوجه الرابع: ثبت في الصحيحين من حديث البراء بن عازب -- رضي الله عنه -- قال: (كتب علي أبي طالب الصلح بين النبي - صلى الله عليه وسلم - وبين المشركين يوم الحديبية، فكتب هذا ما كاتب عليه محمد رسول الله، فقالوا: لاتكتب رسول الله فلو نعلم أنك رسول الله لم نقاتلك، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: امحه، فقال: ما أنا بالذي أمحاه، فمحاه النبي - صلى الله عليه وسلم - بيده).(2) وفي بعض الرويات أن علياً -- رضي الله عنه -- قال: (والله لا أمحاه أبداً..).(3)
... فما ثبت عن علي -- رضي الله عنه -- هنا نظير ما ثبت عن عمر -- رضي الله عنه -- في مراجعته رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أمر الصلح فإذا لم يكن في هذا مطعن على
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... انظر ص 266 من هذا الكتاب.
(2) ... رواه البخاري في (كتاب الصلح، باب كيف يكتب هذا ما صالح فلان ابن ... فلان..) فتح الباري 5/303، ح2698، ومسلم (كتاب الجهاد، باب ... صلح الحديبية) 3/1409، ح1783.
(3) ... أوردها البخاري في كتاب (الجزية، باب المصالحة على ثلاثة أيام) فتح ... الباري 6/282، ح3184، ومسلم في الكتاب والباب السابقين ... 3/1410.
علي -- رضي الله عنه -- وهو الحق، لم يكن فيما ثبت عن عمر -- رضي الله عنه -- مطعن عليه، فإن قال الرافضي إنما منعه من محو كلمة (رسول الله) محبته لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتعظيمه، قلنا: وإنما حمل عمر على ما فعل نصرته لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإعزاز دينه.(42/9)
... الوجه الخامس: أن الباعث لما صدر من الصحابة -رضي الله عنهم- يوم الحديبية هو شدة حرصهم على الخير ورغبتهم في الأجر، يشهد لهذا أن الذي أرادوا كان أشد عليهم في الدنيا مما أريد منهم، فعمر -- رضي الله عنه -- كان يريد القتال ومناجزة الكفار، وما أراده الرسول - صلى الله عليه وسلم - من أمر الصلح كان أهون عليه وأسلم، وكذلك الصحابة لما تأخروا في بداية الأمر عن النحر والحلق إنما أرادوا إكمال النسك، وما أمرهم به الرسول - صلى الله عليه وسلم - من التحلل في مكانهم كان أيسر عليهم وأسهل، وإن كنا لا نشك أن ما أراده الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأمرهم به هو أكمل لهم وأفضل في الدنيا والآخرة، لكن المقصود هنا هو حسن نياتهم، وصدق رغباتهم فيما عند الله والدار الآخرة، وهذا بخلاف من أراد الدنيا، كمثل حال المنافقين الذين يتثاقلون عن الجهاد، وأعمال البر ويتلمسون الاعذار في التأخر عنها، كما هو معلوم من قصصهم في القرآن، ولذا أثنى الله على أهل الحديبية وأعطاهم من الخير والفضل بما علمه عنهم من صدق الرغبة فيما عنده وطلب رضوانه فقال: {لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة
فعلم ما في قلوبهم}.(1)
... قال ابن كثير: «أي من الصدق والوفاء والسمع والطاعة».(2)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... سورة الفتح آية 18.
(2) ... تفسير ابن كثير 4/191.
دعوى المؤلف أن الصحابة لم يمتثلوا أمر النبي - صلى الله عليه وسلم -
بكتابة الكتاب الذي أمر به في مرض موته
وطعنه عليهم والرد عليه في ذلك(42/10)
... يقول المؤلف ص95، تحت عنوان: (الصحابة ورزية الخميس): «ومجمل القصة أن الصحابة كانوا مجتمعين في بيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل وفاته بثلاثة أيام فأمرهم أن يحضروا له الكتف والدواة، ليكتب لهم كتاباً يعصمهم من الضلالة، ولكن الصحابة اختلفوا، ومنهم من عصى أمره واتهمه بالهجر، فغضب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأخرجهم من بيته دون أن يكتب لهم شئياً».
... ثم ذكر تحته كلاماً طويلاً، مفاده:
- ... أن اختلاف الصحابة هذا هو الذي منع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من كتابة الكتاب، وبالتالي حرم الأمة من العصمة من الضلالة، واستدل على ذلك بقول ابن عباس -رضي الله عنهما-: (إن الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب).
- ... أن الشيعة يعتقدون بأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أراد أن ينص على خلافة علي، ثم ذكر أن هذا هو الرأي الذي يميل إليه، وليس هناك تفسير معقول غيره.
- ... أن عمر هو الذي عارض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال: (إنه يهجر)، ثم
قال: (عندكم القرآن)، (حسبنا كتاب الله)، وقال إنه لا يجد مبرراً لقول عمر الذي أنزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه لا يعي ما يقول، وذكر أن تعليل أهل السنة بأن عمر قال ذلك شفقة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لايقبله بسطاء العقول فضلاً عن العلماء.
- ... أن الأكثرية الساحقة من الصحابة كانت على قول عمر ذلك، ولذلك رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عدم جدوى كتابة الكتاب، لأنه علم بأنهم لن يمتثلوه بعد موته.
- ... أن الصحابة في هذه الحادثة تعدوا حدود رفع الأصوات إلى رميه - صلى الله عليه وسلم - بالهجر والهذيان...(42/11)
... قلت: ما ذكره المؤلف هنا من مطاعن ليس هو أول من أوردها، وإنما أخذها عن سلفه من الرافضة، وهي من مطاعنهم القديمة المشهورة على الصحابة. وعمدتهم في ذلك ما ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- أنه قال: (لما حضر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفي البيت رجال فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - هلموا أكتب لكم كتاباً لا تضلوا بعده، فقال بعضهم: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد غلبه الوجع، وعندكم القرآن، حسبنا كتاب الله، فاختلف أهل البيت واختصموا، فمنهم من يقول: قربوا يكتب لكم كتاباً لا تضلوا بعده، ومنهم من يقول غير ذلك، فلما أكثروا اللغو والاختلاف قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: قوموا.
... قال عبيد الله: فكان ابن عباس يقول: إن الرزية كل الرزية ما
حال بين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب لاختلافهم ولغطهم ). (1)
... وفي رواية أخرى عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: (يوم الخميس وما يوم الخميس، اشتد برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجعه فقال: ائتوني أكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعده أبداً فتنازعوا، ولا ينبغي عند نبي نزاع، فقالوا: ما شأنه؟ أَهَجَر، اسْتَفْهِمُوه، فذهبوا يردون عليه، فقال: دعوني فالذي أنا فيه خير مما تدعونني إليه، وأوصاهم بثلاث، قال: أخرجوا المشركين من جزيرة العرب، وأجيزوا الوفود بنحو ما كنت أجيزهم، وسكت عن الثالثة، أو قال: فنسيتها). (2)
... وليس فيما ثبت في هذا الحديث ورواياته الصحيحة أي مطعن على أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأما ما ذكره هذا الرافضي من مطاعن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ(42/12)
(1) ... رواه البخاري: (كتاب المغازي، باب مرض النبي - صلى الله عليه وسلم -) فتح البارى 8/132، ... ح4432. ومسلم: (كتاب الوصية، باب من ترك الوصية) 3/1258، ... وفي رواية مسلم أن القائل إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد غلبه الوجع... الخ هو عمر ... -- رضي الله عنه --.
(2) ... رواه البخاري: (كتاب المغازي، باب مرض النبي - صلى الله عليه وسلم -( فتح الباري 8/132، ... ح4431. ومسلم: (كتاب الوصية، باب من ترك الوصية) 3/1257، ... ح1637.
فباطلة معلومة الفساد، وقد أجاب العلماء قديماً عن بعضها.
... وإليك أيها القارى الرد عليها مفصلاً:
... قوله أولاً: إن الصحابة اختلفوا ومنهم من عصى أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فغضب وأخرجهم من البيت...
... فيقال له: أما اختلافهم فثابت، وقد كان سببه اختلافهم في فهم قول الرسول - صلى الله عليه وسلم -، ومراده لاعصيانه كما زعمت.
... قال القرطبي في سبب اختلافهم: «وسبب ذلك أن ذلك كله إنما حمل عليه الاجتهاد المسوغ، والقصد الصالح، وكل مجتهد مصيب، أو أحدهما مصيب، والآخر غير مأثوم بل مأجور كما قررناه في الأصول». (1)
... ثم ذكر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يعنفهم ولاذمهم بل قال للجميع:(دعوني فالذي أنا فيه خير) (2) وهذا نحو ما جرى لهم يوم الأحزاب حيث قال لهم الرسول - صلى الله عليه وسلم -: (لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة) (3) فتخوف ناس فوات الوقت، فصلوا دون بني قريظة، وقال آخرون لا نصلي إلا حيث أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فما عنف أحد الفريقين. (4)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم للقرطبي 4/559.
(2) ... تقدم ذكر الحديث وتخريجه في الصفحة السابقة.
(3) ... تقدم تخريجه ص 253.
(4) ... انظر: المفهم 4/559.(42/13)
... وقد نبه المازري -رحمه الله- على وجه اختلافهم هذا فقال: «إنما جاز للصحابة الاختلاف في هذا الكتاب، مع صريح أمره لهم بذلك، لأن الأوامر قد يقارنها ما ينقلها من الوجوب، فكأنه ظهرت منه قرينة، دلت على أن الأمر ليس على التحتم، بل على الاختيار، فاختلف اجتهادهم، وصمم عمر على الامتناع، لما قام عنده من القرائن بأنه - صلى الله عليه وسلم - قال ذلك عن غير قصد جازم، وعزمه - صلى الله عليه وسلم - كان إما بالوحي وإما بالاجتهاد، وكذلك تركه إن كان بالوحي فبالوحي وإلا فبالاجتهاد، وفيه حجة لمن قال بالاجتهاد في الشرعيات». (1)
... فتبين أن اختلافهم ناشئ عن اجتهاد في فهم كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - ومراده، وإذا كان علماء الأمة من بعدهم قد اختلفوا في فهم النصوص اختلافاً كبيراً في مسائل كثيرة إلى أقوال متعددة ولم يُذَموا بذلك لما تضافرت به النصوص من رفع الحرج عنهم، بل أجرهم على الاجتهاد على كل حال، فكيف يذم أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - باختلافهم في مسألة جزئية مجتهدين، بعد أن عذرهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يعنف أحداً منهم بل أخذ بقول الطائفة المانعة من كتابة الكتاب، ورجع إلى قولها في ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... نقله عنه ابن حجر في فتح الباري 8/134، كما نقله النووي في شرحه ... لصحيح مسلم 11/92، وبينهما اختلاف يسير، والذي يظهر أن في نقل ... ابن حجر تصرفاً واختصاراً.
ترك الكتابة.
... وأما ما ادعاه الرافضي من أن اختلاف الصحابة، وما ترتب عليه من عدم كتابة النبي - صلى الله عليه وسلم - لهم ذلك الكتاب هو الذي حرم الأمة من العصمة إلى آخر كلامه في هذا...
... فقد تقدم الرد عليه مفصلاً بما يغني عن إعادته هنا وليراجع في موضعه. (1)(42/14)
... وأما استدلاله بقول ابن عباس: (ان الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب)(2)، فلا حجة له فيه.
... قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في معناه: «يقتضي أن الحائل كان رزية، وهو رزية في حق من شك في خلافة الصديق، واشتبه عليه الأمر، فإنه لو كان هناك كتاب لزال الشك، فأما من علم أن خلافته حق فلا رزية في حقه ولله الحمد». (3)
... ويوضح هذا أن ابن عباس -رضي الله عنهما- ما قال ذلك إلا بعد ظهور أهل الأهواء والبدع، من الخوارج والروافض.نص على هذا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... انظر: ص 227 ومابعدها.
(2) ... تقدم تخريجه ص277.
(3) ... منهاج السنة 6/25.
شيخ الإسلام ابن تيمية(1) والحافظ ابن حجر. (2)
... وأيضاً فقول ابن عباس هذا قاله اجتهاداً منه، وهو معارض بقول عمر واجتهاده، وقد كان عمر أفقه من ابن عباس قطعاً. قاله
ابن حجر. (3)
... قلت: بل هو معارض بقول عمر، وطائفة من الصحابة معه، كماجاء في الحديث:(فاختلف أهل البيت واختصموا، فمنهم من يقول قربوا يكتب لكم كتاباً لا تضلوا بعده، ومنهم من يقول غير ذلك). (4)
... ويعضد هذا القول موافقة النبي - صلى الله عليه وسلم - له بعد ذلك وتركه كتابة الكتاب، فإنه - صلى الله عليه وسلم - لو أراد أن يكتب الكتاب ما استطاع أحد أن يمنعه، وقد ثبت أنه عاش بعد ذلك أياماً باتفاق السنة والرافضة فلم يكتب شيئاً. (5)
... وأما ادعاؤه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أراد بذلك الكتاب أن ينص على خلافة علي -- رضي الله عنه -- بعد أن حكى ذلك عن الرافضة، زاعماً أنه ليس هناك تفسير معقول غيره:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... انظر: منهاج السنة 6/316.
(2) ... انظر: فتح الباري 1/209.
(3) ... انظر: فتح البارى 8/134.(42/15)
(4) ... تقدم تخريجه ص 277.
(5) ... تقدم تقرير هذه المسألة ص 229.
... فالجواب على هذا أن ادعاءه أن هذا قول الرافضة -على الإطلاق- كذب ظاهر، خلاف المشهور من عقيدتهم.
... فالرافضة يزعمون أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد نص على خلافة علي، ونصبه وصياً من بعده، بأمر الله له قبل حادثة الكتاب، ولهم في ذلك مبالغات كبيرة، حتى زعموا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - عُرِجَ به إلى السماء الدنيا مائة وعشرين مرة، في كل مرة يوصى بولاية علي.
... جاء في كتاب بصائر الدرجات للصفار فيما يرويه عن أبي عبد الله أنه قال: «عرج بالنبي صلى الله عليه وآله إلى السماء مائة وعشرين مرة، ما من مرة إلا وقد أوصى الله النبي صلى الله عليه وآله بولاية علي والأئمة من بعده أكثر مما أوصاه بالفرائض». (1)
هذا وقد نقل إجماعهم على هذه العقيدة شيخهم المفيد في مقالاته حيث قال: «واتفقت الإمامية على أن رسول الله صلى الله عليه وآله استخلف أمير المؤمنين عليه السلام في حياته، ونص عليه بالإمامة بعد وفاته، وأن من دفع ذلك دفع فرضاً من الدين». (2)
... وبهذا يظهر كذب هذا الرجل وتلبيسه فيما ادعاه: من أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أراد بذلك الكتاب النص على استخلاف علي، ونسبته هذا القول
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... بصائر الدرجات ص99.
(2) ... أوائل المقالات ص44.
إلى الرافضة. فأي معنى لهذا عندهم إذا كانت الرافضة تعتقد أن النص على ولاية علي واستخلافه قد جاء من الله لنبيه - صلى الله عليه وسلم - في أكثر من مائة وعشرين مرة في كل مرة يعرج به إلى السماء ويوصى بها، ثم تبليغ
النبي - صلى الله عليه وسلم - أمته ذلك على ما تدعي الرافضة في نصوص متواترة قبل حادثة الكتاب.(42/16)
... ولذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: «ومن توهم أن هذا الكتاب كان بخلافة علي فهو ضال باتفاق عامة الناس، من علماء السنة والشيعة، أما أهل السنة فمتفقون على تفضيل أبي بكر وتقديمه، وأما الشيعة القائلون بأن علياً كان هو المستحق للإمامة فيقولون: إنه قد نص على إمامته قبل ذلك نصاً جلياً ظاهراً معروفاً، وحينئذ فلم يكن يحتاج إلى كتاب». (1)
... وعلى كل حال فسواء ثبت هذا القول عن بعض الرافضة، أم انفرد به هو فلا صحة له، إذ لا دليل عليه، وإنما مبناه على الظنون والأوهام الكاذبة، التي لا تستند لدليل من عقل أو شرع، بل الأدلة على خلافه كباقي عقائد الرافضة، وعلى فرض صحته -مع استحالة ذلك- فلا حجة فيه للرافضة، بل هو حجة عليهم في إبطال دعوى
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... منهاج السنة 6/25.
الوصية لعلي -- رضي الله عنه -- وهذا ظاهر، فإذا كان النبي - صلى الله عليه وسلم - قد أراد من ذلك
الكتاب النَّصَ على خلافة علي في ذلك الوقت المتأخر من حياته، دل هذا على عدم نصه عليها قبل ذلك، إذ لا معنى للنص عليها مرتين، وإذا ثبت باتفاق أهل السنة والرافضة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مات ولم يكتب ذلك الكتاب، بطلت دعوى الوصية من أصلها.
... وإذا تقرر هذا: فليعلم أن العلماء اختلفوا في مراد النبي - صلى الله عليه وسلم - من ذلك الكتاب، فذهب بعضهم إلى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أراد أن يكتب كتاباً ينص فيه على الأحكام ليرتفع الاختلاف. نقله النووي، وابن حجر عن بعض أهل العلم. (1)
... وقيل: إن مراده - صلى الله عليه وسلم - من الكتاب: بيان ما يرجعون إليه عند وقوع الفتن، وقد ذكر هذا القرطبي ضمن الاحتمالات المرادة من الكتاب. (2)(42/17)
... وقيل: إن المراد بيان كيفية تدبير الملك، وهو إخراج المشركين من جزيرة العرب، وإجازة الوفد بنحو ما كان يجيزهم، وتجهيز جيش أسامة. وبهذا قال الدهلوي(3) مستدلاً على ذلك بما كان النبي - صلى الله عليه وسلم -
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... انظر: شرح صحيح مسلم للنووي 11/90، وفتح الباري لابن حجر ... 1/209.
(2) ... انظر: المفهم 4/558.
(3) ... انظر: مختصر التحفة الإثني عشرية ص251.
أوصى به في حديث ابن عباس المتقدم.(1)
... والذي عليه أكثر العلماء المحققين: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أراد أن ينص على استخلاف أبي بكر -- رضي الله عنه --ثم ترك ذلك اعتماداً على ما علمه من تقدير الله تعالى.
... وقد حكى هذا القول سفيان بن عيينة عن أهل العلم قبله(2) وإليه ذهب القرطبي(3)، وشيخ الإسلام ابن تيمية(4)، والسويدي.(5) ... وذكر القاضي عياض: أن الكتاب كان في أمر الخلافة وتعيينها من غير أن يشير إلى أبي بكر. (6)
... وقد استدل من قال بهذا القول بما جاء في الصحيحين من حديث عائشة -رضي الله عنها-قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (ادعي لي أبا بكر وأخاك، حتى أكتب كتاباً، فإني أخاف أن يتمنى متمن، ويقول قائل: أنا أولى، ويأبى الله والمؤمنون إلا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... انظر: ص 277 من هذا الكتاب.
(2) ... انظر: شرح صحيح مسلم للنووي 11/90.
(3) ... انظر: المفهم 4/558.
(4) ... انظر: منهاج السنة 6/23-24-316.
(5) ... انظر: الصارم الحديد في عنق صاحب سلاسل الحديد (الجزء ... الثاني)، ... ص48.
(6) ... انظر: الشفا بتعريف حقوق المصطفى - صلى الله عليه وسلم - 2/890.
أبا بكر). (1)(42/18)
... قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «وأما قصة الكتاب الذي كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يريد أن يكتبه، فقد جاء مبيناً كما في الصحيحين عن عائشة -رضي الله عنها-»(2)، ثم ساق الحديث.
... فهذه أقوال أهل العلم المعتد بأقوالهم، ليس فيها قول واحد يؤيد ما ذهب إليه الرافضي، بل تدل في مجموعها على بطلان ما ادعاه.
... على أن الذي عليه أكثر العلماء في المراد بالكتاب هو النص على استخلاف أبي بكر، كما دل على ذلك حديث عائشة في الصحيحين وهو من القوة بمكان والله أعلم.
... وأما طعن المؤلف على عمر -- رضي الله عنه -- وزعمه بأنه قد اتهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأنه لا يعي ما يقول، وقال: (إنه يهجر) ولم يمتثل قوله، وقال: (عندكم كتاب الله)، (حسبنا كتاب الله).
... فجوابه: أن ما ادعاه أولاً بأن عمر اتهم رسول الله بالهجر وأنه لايعي ما يقول فهذا باطل. وذلك أن هذه اللفظة (أهجر) لا تثبت عن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... هذه الرواية أخرجها مسلم في صحيحه: (كتاب فضائل الصحابة، باب من ... فضائل أبي بكر الصديق) 4/1857، ح2387، وأخرج الحديث البخاري ... -مع اختلاف في اللفظ- في صحيحه: (كتاب الأحكام، باب الاستخلاف) ... فتح الباري 13/205، ح7217.
(2) ... منهاج السنة 6/23.
عمر -- رضي الله عنه -- أصلاً وإنما قالها بعض من حضر الحادثة من غير أن تعين الروايات الواردة في الصحيحين -والتي احتج المؤلف بها- قائلها، وإنما الثابت فيها (فقالوا ما شأنه أهجر)(1)، هكذا بصيغة الجمع دون الإفراد. ولهذا أنكر بعض العلماء أن تكون هذه اللفظة من كلام عمر.
... قال ابن حجر: «ويظهر لي ترجيح ثالث الاحتمالات، التي ذكرها القرطبي، ويكون قائل ذلك بعض من قرب دخوله في الإسلام، وكان يعهد أن من اشتد عليه الوجع ،قد يشتغل به عن تحرير ما يريد». (2)(42/19)
... وقال الدهلوي: «من أين يثبت أن قائل هذا القول هو عمر مع أنه وقع في أكثر الروايات (قالوا) بصيغة الجمع». (3)
... وقد ذهب إلى هذا السويدي وذكر أنه قد صرح بذلك جمع من متأخري المحدثين ومنهم ابن حجر. (4)
... وهذا الذي صرح به العلماء هنا هو ظاهر قول النووي حيث يقول في معرض شرحه للحديث: «... وهو المراد بقولهم هجر، وبقول عمر غلب عليه الوجع»، فقد فرّق بين القولين فتأمله..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... تقدم نص الحديث بكماله وتخريجه ص277.
(2) ... فتح الباري 8/133.
(3) ... مختصر التحفة الإثني عشرية ص250.
(4) ... انظر: الصارم الحديد (الجزء الثاني) ص16.
... فثبت بهذا افتراء الرافضي وظلمه بنسبته هذه اللفظة لعمر من غير دليل، بل ظاهر الأدلة على خلافه، على أن هذه اللفظة لا مطعن فيها على عمر لو ثبتت عنه،كما أنه لامطعن فيها على من ثبتت عنه من الصحابة. وما ادعاه المؤلف من نسبة قائلها رسول- صلى الله عليه وسلم - إلى أنه لايعي مايقول -حاشاه ذلك- باطل لايحتمله اللفظ وبيان ذلك من عدة وجوه.
... الوجه الأول: أن الثابت الصحيح من هذه اللفظة أنها وردت بصيغة الاستفهام هكذا (أهجر؟) وهذا بخلاف ما جاء في بعض الروايات بلفظ (هجر، ويهجر) وتمسك به المؤلف فإنه مرجوح على ما حقق ذلك المحدثون، وشراح الحديث: منهم القاضي عياض(1)، والقرطبي(2)، والنووي(3)، وابن حجر. (4)
... فقد نصوا على أن الاستفهام هنا جاء على سبيل الإنكار على من قال: (لا تكتبوا).
... قال القرطبي بعد أن ذكر الأدلة على عصمة النبي - صلى الله عليه وسلم - من الخطأفي التبليغ في كل أحواله، وتَقَرُرِ ذلك عند الصحابة: «وعلى هذا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... انظر: الشفا 2/886.(42/20)
(2) ... انظر المفهم 4/559.
(3) ... انظر شرح صحيح مسلم 11/93.
(4) ... انظر فتح الباري 8/133.
يستحيل أن يكون قولهم (أهجر)، لشك عرض لهم في صحة قوله، زمن مرضه، وإنما كان ذلك من بعضهم على وجه الإنكار على من توقف في إحضار الكتف والدواة، وتلكأ عنه، فكأنه يقول لمن توقف: كيف تتوقف أتظن أنه قال: هذيانا، فدع التوقف وقرب الكتف، فإنه إنما يقول الحق لا الهجر، وهذا أحسن ما يحمل عليه». (1)
... قلت: وهذا يدل على اتفاق الصحابة على استحالة الهجر على الرسول - صلى الله عليه وسلم -، حيث إن قائليها أوردوها على سبيل الإنكار الملزم، الذي لا يشك فيه المخالف، وبه تبطل دعوى الرافضي من أصلها.
... الوجه الثاني: أنه على فرض صحة رواية (هجر) من غير استفهام، فلا مطعن فيها على قائلها، لأن الهجر في اللغة يأتي
على قسمين: قسم لانزاع في عروضه للأنبياء، وهو عدم تبيين الكلام لبحّة الصوت، وغلبة اليبس بالحرارة على اللسان، كما في الحميات الحارة، وقسم آخر: وهو جريان الكلام غير المنتظم، أو المخالف للمقصود على اللسان لعارض بسبب الحميات المحرقة في الأكثر.
وهذا القسم محل اختلاف بين العلماء في عروضه للأنبياء، فلعل
القائل هنا أراد القسم الأول، وهو أنا لم نفهم كلامه بسبب
ضعف ناطقته، ويدل على هذا قوله بعد ذلك
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... انظر: المفهم 4/559.
(استفهموه). (1)
... الوجه الثالث: أنه يحتمل أن تكون هذه اللفظة صدرت عن قائلهاعن دَهَشٍ وحَيْرةٍ أصابته في ذلك المقام العظيم،والمصاب الجسيم، كما قد أصاب عمر وغيره عند موت النبي - صلى الله عليه وسلم - قاله القرطبي. (2)(42/21)
... قلت: وعلى هذا فقائلها معذور أياً كان معناها، فإن الرجل يعذر بإغلاق الفكر والعقل، إما لشدة فرح أو حزن، كما في قصة الرجل الذي فقد دابته ثم وجدها بعد يأس فقال: (اللهم أنت عبدي، وأنا ربك، أخطأ من شدة الفرح). (3)
... الوجه الرابع: أن هذه اللفظة صدرت بحضور رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكبارأصحابه،فلم ينكرواعلى قائلها، ولم يؤثموه، فدل على أنه معذور على كل حال، ولا ينكر عليه بعد ذلك إلا مفتون في الدين، زائغ عن الحق والهدى، كما هوحال هذا المسكين المعرض نفسه لما لا يطيق.
... وأما ما ادعاه من معارضة عمر لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقوله: (عندكم كتاب الله، حسبنا كتاب الله) وأنه لم يمتثل أمر الرسول - صلى الله عليه وسلم - فيما أراد من كتابة الكتاب:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... انظر: مختصر التحفة الإثني عشرية ص250.
(2) ... المفهم 4/560.
(3) ... أخرجه مسلم من حديث أنس -- رضي الله عنه -- (كتاب التوبة، باب الحض على ... التوبة...) 4/2104، ح2747.
... فالرد عليه:
... أنه ليس في قول عمر هذا، أي اعتراض على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعدم امتثال أمره كما توهم هذا الرافضي، وبيان هذا من عدة وجوه:
... الوجه الأول: أنه ظهر لعمر -- رضي الله عنه -- ومن كان على رأيه من الصحابة، أن أمر الرسول - صلى الله عليه وسلم - بكتابة الكتاب ليس على الوجوب، وأنه من باب الارشاد إلى الأصلح، وقد نبه على هذا القاضي عياض، والقرطبي، والنووي، وابن حجر. (1)
... ثم إنه قد ثبت بعد هذا صحة اجتهاد عمر -- رضي الله عنه -- وذلك بترك الرسول- صلى الله عليه وسلم - كتابة الكتاب، ولو كان واجباً لم يتركه لاختلافهم،لأنه لم يترك التبليغ لمخالفة من خالف.ولهذا عد هذا من موافقات عمر
-- رضي الله عنه --. (2)(42/22)
... الوجه الثاني: أن قول عمر -- رضي الله عنه --: (حسبنا كتاب الله) رد على من نازعه لا على أمر النبي - صلى الله عليه وسلم -(3) وهذا ظاهر من قوله: (عندكم كتاب الله) فإن المخاطب جمع وهم المخالفون لعمر -- رضي الله عنه -- في رأيه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... انظر: الشفا 2/887، والمفهم 2/559، وشرح صحيح مسلم 11/91، ... وفتح الباري 1/209.
(2) ... انظر: فتح الباري لابن حجر 1/209.
(3) ... نص عليه النووي في شرح صحيح مسلم 11/93.
... الوجه الثالث: أن عمر -- رضي الله عنه -- كان بعيد النظر، ثاقب البصيرة، سديد الرأي، وقد رأى أن الأولى ترك كتابة الكتاب -بعد أن تقرر عنده أن الأمر به ليس على الوجوب- وذلك لمصلحة شرعية راجحة للعلماء في توجيهها أقوال.
... فقيل: شفقته على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مما يلحقه من كتابة الكتاب مع شدة المرض، ويشهد لهذا قوله: (إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد غلبه الوجع) فكره أن يتكلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما يشق ويثقل عليه(1) مع استحضاره قوله تعالى: {ما فرطنا في الكتاب من شيء}(2)، {تبياناً لكل شيء}. (3)
... وقيل: إنه خشى تطرق المنافقين، ومن في قلبه مرض، لما كتب في ذلك الكتاب في الخلوة، وأن يتقولوا في ذلك الأقاويل نص على ذلك القاضي عياض وغيره من أهل العلم.(4)
... وقيل: إنه خشي أن يكتب أموراً ربما عجزوا عنها فاستحقوا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... انظر: الشفا للقاضي عياض 2/888، وشرح صحيح مسلم للنووي ... 11/90، وفتح الباري لابن حجر 1/209.
(2) ... سورة الأنعام آية 38.
(3) ... سورة النحل آية 89.
(4) ... انظر: الشفا 2/889 ، وشرح صحيح مسلم للنووي 2/92.(42/23)
العقوبة لكونها منصوصة، ورأى أن الأرفق بالأمة في تلك الأمور سعة الاجتهاد، لما فيه من الأجر والتوسعة على الأمة. (1)
... قلت: ولا يبعد أن يكون عمر -- رضي الله عنه -- لاحظ هذه الأمور كلها، أوكان لاجتهاده وجوه أخرى لم يطلع عليها العلماء، كما خفيت قبل ذلك على من كان خالفه من الصحابة، ووافقه عليها الرسول - صلى الله عليه وسلم - بتركه كتابة الكتاب، ولهذا عد العلماء هذه الحادثة من دلائل فقهه ودقة نظره.
... قال النووي: «وأما كلام عمر -- رضي الله عنه -- فقد اتفق العلماء المتكلمون في شرح الحديث، على أنه من دلائل فقه عمر، وفضائله، ودقيق نظره». (2)
... الوجه الرابع: أن عمر -- رضي الله عنه -- كان مجتهداً في موقفه من كتابة الكتاب، والمجتهد في الدين معذور على كل حال، بل مأجور لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران وإذا حكم فاجتهد ثم اخطأ فله أجر)(3)، فكيف وقد كان اجتهاد عمر بحضور
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... انظر: الشفا 2/889، وفتح الباري 8/134.
(2) ... شرح صحيح مسلم 11/90.
(3) ... رواه البخاري من حديث عمرو بن العاص في: (كتاب الاعتصام، باب أجر ... الحاكم إذا اجتهد...) فتح الباري 13/318، ح7352، ومسلم: (كتاب ... الأقضية، باب بيان أجر الحاكم إذا اجتهد) 3/1342، ح1716.
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم يؤثمه، ولم يذمه به، بل وافقه على ما أراد من ترك كتابة الكتاب.
... وأما قوله: إن الأكثرية الساحقة كانت على قول عمر، ولذلك رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عدم جدوى كتابة الكتاب، لأنه علم بأنهم لن يمتثلوه بعد موته.(42/24)
... فجوابه:(أن هذا الكلام مع ما فيه من الكذب على الرسول - صلى الله عليه وسلم -، والطعن على الصحابة بمجرد التخرص والظنون الكاذبة، فهو دليل على جهل صاحبه. وذلك أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - مأمور بالتبليغ سواء استجاب الناس أم لم يستجيبوا، قال تعالى: {فإن أعرضوا فما أرسلناك عليهم حفيظاً إن عليك إلا البلاغ}(1)، وقال تعالى: {فإن تولوا فإنما عليك البلاغ المبين}(2)، فلو كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - أمر بكتابة الكتاب، ما كان ليتركه لعدم استجابة أصحابه، كما أنه لم يترك الدعوة في بداية عهدها لمعارضة قومه وشدة أذيتهم له، بل بلغ ما أُمر به، وما ثناه ذلك عن دعوته، حتى هلك من هلك عن بينة، وحيا من حيي عن بينة.
... فظهر بهذا أن كتابة الكتاب لم تكن واجبة عليه، وإلا ما
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... سورة الشورى آية 48.
(2) ... سورة النحل آية 82.
تركها، وقد نص على ذلك العلماء كشيخ الإسلام ابن تيمية
وابن حجر -رحمهما الله-.(1) وحينئذ يكون توجيه إرادته له أولاً، ثم تركه له بعد ذلك: ما ذكره النووي حيث قال: «كان النبي - صلى الله عليه وسلم - همّ بالكتاب حين ظهر له أنه مصلحة، أو أوحي إليه ذلك، ثم ظهر أن المصلحة تركه، أو أوحي إليه بذلك ونسخ ذلك الأمر الأول». (2)
... وبهذا يظهر بطلان طعن الرافضي على الصحابة في هذه الحادثة، وينكشف زيف ما ادعاه في حقهم. وبيان توجيه مواقفهم التوجيه الصحيح اللائق بمقاماتهم العظيمة في الدين من خلال النصوص وكلام أهل العلم في ذلك.
... فلله الحمد والمنة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... انظر: منهاج السنة 6/315-316، وفتح الباري 1/209.
(2) ... شرح صحيح مسلم 11/90.(42/25)
طعن المؤلف على الصحابة بدعوى تركهم
إنفاذ جيش أسامة والرد عليه
... قال الرافضي ص100 تحت عنوان: (الصحابة في سرية أسامة)، «مجمل هذه القصة أنه - صلى الله عليه وسلم - جهز جيشاً لغزو الروم قبل وفاته بيومين، وأمّر على هذه السرية: أسامة بن زيد بن حارثة، وعمره ثمانية عشر عاماً، وقد عبأ - صلى الله عليه وسلم - في هذه السرية وجوه المهاجرين والأنصار، كأبي بكر وعمر، وأبي عبيده، وغيرهم من كبار الصحابة المشهورين، فطعن قوم منهم في تأمير أسامة، وقالوا: كيف يؤمر علينا شاب لا نبات بعارضيه، وقد طعنوا من قبل في تأمير أبيه، وقد قالوا في ذلك وأكثروا النقد، حتى غضب - صلى الله عليه وسلم - غضباً شديداً مما سمع من طعنهم وانتقادهم، فخرج معصّب الرأس محموماً، يتهادى بين رجلين ورجلاه تخطان في الأرض، بأبي هو وأمّي، من شدة ما به من لغوب، فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس ما مقالة بلغتني عن بعضكم في تأمير أسامة، ولئن طعنتم في تأميري أسامة فقد طعنتم في تأميري أبيه من قبله، وأيم الله إنه كان خليقاً بالإمارة، وإن ابنه من بعده لخليق بها».
... ثم أخذ يطعن في أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - زاعماً معارضتهم له
معارضة صريحة، حيث تباطأوا عن جيش أسامة،ولم ينفذوه حتى
مات رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
... إلى أن قال ص103: «وإذا أردنا أن نتمعن في هذه القضية، فإننا سنجد الخليفة الثاني من أبرز عناصرها، إذ أنه هو الذي جاء بعد وفاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الخليفة أبي بكر وطلب منه أن يعزل أسامة ويبد له بغيره. فقال أبو بكر: ثكلتك أمك يا ابن الخطاب، أتأمرني أن أعزله وقد ولاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -».
... والجواب على هذا:
... أن ما ادعاه من معارضة الصحابة للرسول - صلى الله عليه وسلم - في تأمير أسامة معارضة صريحة: فمن أظهر الكذب، الذي ترده الأخبار الصحيحة.(43/1)
... والثابت في هذه الحادثة أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - في مرضه الذي توفي فيه أمر أصحابه بالمسير إلى تخوم البلقاء من الشام، والإغارة على أهل مؤته، حيث قتل زيد بن حارثة، وجعفر بن أبي طالب، وعبدالله بن رواحه الذين كانوا أمراء الرسول - صلى الله عليه وسلم - على غزوة مؤته المعروفة، فلما تجهز الصحابة لما أمرهم به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جعل الرسول - صلى الله عليه وسلم - أسامة بن زيد أميراً عليهم، وقال له: سر إلى موضع مقتل أبيك، فأوطئهم الخيل وأغر صباحاً على أُبْنى(1) وحرّق عليهم، وأسرع المسير تسبق الخبر، ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... أُبْنَى: بوزن حُبْلى موضع بالشام من جهة البلقاء، معجم البلدان لياقوت ... الحموي 1/79.
فإن ظفرك الله بهم، فأقل اللبث فيهم، فتكلم في تأمير أسامة قوم منهم عياش بن أبي ربيعة المخزومي، فرد عليه عمر وأخبر النبي - صلى الله عليه وسلم -(1) فخطب وقال: (إن تطعنوا في إمارته فقد كنتم تطعنون في إمارة أبيه من قبل، وايم الله إن كان لخليقاً للإمارة وإن كان من أحب الناس إليّ وإن هذا لمن أحب الناس إليّ بعده). (2)
... فظاهر أن من تكلم في إمارة أسامة كانوا أفراداً من الصحابة وليس كل الصحابة، وكانوا بذلك مجتهدين في ما قالوا لأنهم خشوا أن يضعف عن الإمارة لصغر سنه، ومع هذا فقد أنكر عليهم عمر وأخبر بذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبرهم إنه جدير بالإمارة فما يعرف أن أحداً منهم تكلم فيه بعد ذلك.
... فأي لوم على الصحابة -- رضي الله عنهم -- بقول أفراد منهم أنكره عليهم بعضهم، ثم نهاهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فانتهوا.(43/2)
... وأما ادعاء هذا الرافضي. أنهم تباطؤوا في الخروج مع أسامة حتى مات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم يحصل شيء من ذلك بل إن الصحابة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... انظر: تاريخ الطبري 3/184، وفتح الباري لابن حجر 8/152.
(2) ... من قوله: إن تطعنوا... رواه البخاري في (كتاب المغاري، باب بعث النبي ... - صلى الله عليه وسلم - أسامة) فتح الباري 2/152، ح4469، ومسلم: (كتاب فضائل ... الصحابة،باب فضائل زيد بن حارثة وأسامة بن زيد)4/1884، ح2426.
بادروا بالاستعداد للقتال، وأعدوا العدة لذلك، فقد نقل ابن هشام والطبري بسنده عن ابن إسحاق قال: «بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسامة بن زيد بن حارثة إلى الشام وأمره أن يوطئ تخوم البلقاء والداروم من أرض فلسطين،فتجهزالناس وأوعب مع أسامة المهاجرون الأولون». (1)
... وفي الطبقات لابن سعد: «وعسكر بالجرف فلم يبق أحد من وجوه المهاجرين الأولين والأنصار، إلا انتدب في تلك الغزوة». (2)
... فكان الصحابة قد تهيؤوا للخروج مع أسامة، وخرج بهم وعسكر بالجرف استعداداً للانطلاق، لكن الذي حصل بعد ذلك أن النبي- صلى الله عليه وسلم - اشتدعليه المرض فجاءه أسامة وقال:(يارسول الله قد أصبحت ضعيفاً وأرجوا أن يكون الله قد عافاك فأذن لي فأمكث حتى يشفيك الله، فإني إن خرجت وأنت علىهذه الحالة خرجت وفي نفسي منك قرحة وأكره أن أسأل عنك الناس، فسكت عنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -). (3)
... فكان أسامة هو الذي طلب من النبي - صلى الله عليه وسلم - التأخر في الخروج حتى يطمئن على رسول - صلى الله عليه وسلم - فأذن له الرسول - صلى الله عليه وسلم - ولو أراد أسامة الخروج ما تأخر عنه أحد ممن كان تحت إمرته.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... سيرة ابن هشام 4/1499، تاريخ الطبري 3/184.(43/3)
(2) ... الطبقات الكبرى لابن سعد 2/190.
(3) ... نقلة شيخ الإسلام ابن تيمية في منهاج السنة 5/488.
... قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «ولا امتنع أحد من أصحاب أسامة من الخروج معه لو خرج، بل كان أسامة هو الذي توقف في الخروج لما خاف أن يموت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: كيف أذهب وأنت هكذا، أسأل عنك الركبان؟ فأذن له النبي - صلى الله عليه وسلم - في المقام، ولو عزم على أسامة في الذهاب لأطاعه، ولو ذهب أسامة لم يتخلف عنه أحد ممن كان معه وقد ذهب جميعهم معه بعد موت النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يتخلف عنه أحد بغير إذنه».(1)
... ثم إن أسامة بقي معسكراً في الجرف ينتظر شفاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى إذا كان يوم الإثنين أصبح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مفيقاً فدخل عليه أسامة، فقال له الرسول - صلى الله عليه وسلم -: (أغد على بركة الله، فودعه أسامة وخرج إلى معسكره، فأمر الناس بالرحيل، فبينما هو يريد الركوب إذ رسول أمه أم أيمن قد جاءه يقول: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يموت فأقبل وأقبل معه عمر وأبو عبيدة، فانتهوا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يموت فتوفي عليه الصلاة والسلام). (2)
... فهذا هو حقيقة ما حصل، ولم يكن تأخر خروج أسامة إلا بطلب منه أذن له فيه النبي - صلى الله عليه وسلم -، على أنه لم يكن بين أمر النبي - صلى الله عليه وسلم -
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... منهاج السنة 6/318-319.
(2) ... الطقبات الكبرى لابن سعد 2/191.
أصحابه بالتهيؤ للغزو، ووفاته إلا ستة عشر يوماً، فقد كان ندبه أصحابه لذلك يوم الاثنين لأربع ليال بقين من صفر سنة إحدى عشرة، وعين أسامة أميراً على الجيش في اليوم الثاني.(43/4)
... فلما كان يوم الأربعاء بدئ برسول الله - صلى الله عليه وسلم - المرض فما زال مريضاً حتى توفاه الله يوم الاثنين الثاني عشر من شهر ربيع الأول(1)، ومعلوم أن هذه المدة ليست طويلة في تجهيز جيش في مثل ذلك الوقت على أن الصحابة كانوا قد استعدوا وتهيؤوا للخروج قبل هذه المدة بكثير لولا استئذان أسامة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في تأخير الخروج، فقد ثبت أن أسامة قد خرج بالجيش وعسكر في الجرف يوم الخميس أي بعد ثلاثة أيام من أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بالتهيؤ للقتال.(2)
... وبهذا تبطل دعوى الرافضي في تثاقل الصحابة عن الخروج بل إن هذا يدل على سرعة امتثالهم -- رضي الله عنهم -- لأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وذلك بتجهيزهم جيشاً كهذا قيل: إن قوامه ثلاثة آلاف مقاتل(3) بكل ما يحتاج إليه من مؤونة وعتاد في خلال ثلاثة أيام على ماهم فيه من فاقة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... انظر: المصدر السابق 2/189-191.
(2) ... انظر: المصدر السابق.
(3) ... انظر: كتاب المغازي للواقدي 3/1122، وفتح الباري لابن حجر ... 8/152.
وفقر وحاجة فرضي الله عنهم جميعاً، وجزاهم على جهادهم، وحسن بلائهم في الإسلام، خير ما جازى به المحسنين.
... وأما زعمه: أنه كان في جيش أسامه أبو بكر وعمر، بتعيين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لهما ثم تثاقلا عن الخروج معه.
... فجوابه: أنه لم يثبت أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أمر أبا بكر وعمر أن يلتحقا بجيش أسامة، بل ولا أمر غيرهما بذلك، إذ لم يكن من عادته إذا أراد أن يجهز سرية أو غزوة أن يعين من يخرج فيها باسمائهم، وإنما كان يندب أصحابه لذلك ندباً عاماً، ثم إذا اجتمع عنده من يقوم بهم الغرض عين لهم أميراً منهم.(43/5)
... يقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: «إن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم تكن من عادته في سراياه، بل ولا في مغازيه، أن يعين كل من يخرج معه في الغزو بأسمائهم ولكن يندب الناس ندباً عاماً مطلقاً، فتارة يعلمون منه أنه لم يأمر كل أحد بالخروج معه ولكن ندبهم إلى ذلك، كما في غزوة الغابة، وتارة يأمر الناس بصفة كما أمر في غزوة بدر أن يخرج من حضر ظهره فلم يخرج معه كثير من المسلمين، وكما أمر في غزوة السويق بعد (أحد) أن لا يخرج معه إلا من شهد أحداً، وتارة يستنفرهم نفيراً عاماً،ولايأذن لأحد في التخلف كما في غزوة تبوك...
... ولما أمّر أسامة بن زيد بعد مقتل أبيه، فأرسله إلى ناحية العدو الذين قتلوا أباه لما رآه في ذلك من المصلحة، ندب الناس معه فانتدب
معه من رغب في الغزو، وروي أن عمر كان ممن انتدب معه لا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - عين عمر ولا غير عمر». (1)
... فالنبي - صلى الله عليه وسلم - لم يعين أحداً باسمه، للالتحاق بجيش أسامة، وإنما دعا أصحابه إلى ذلك فالتحق بالجيش كبار المهاجرين والأنصار. (2)
... وكان من بين هؤلاء عمر بن الخطاب -- رضي الله عنه -- كما نص على ذلك المؤرخون،(3) وثبت أنه فيمن خرج في معسكر أسامة بالجرف، ثم عاد للمدينة مع أسامة، لما بلغه احتضار رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، كما تقدم بذلك النقل عن ابن سعد. (4)
... ثم إن عمر -- رضي الله عنه -- بقي مكتتباً في جيش أسامة فلما استخلف أبو بكر وأمر بمسير الجيش استأذن أبو بكر أسامة أن يأذن لعمر بالبقاء معه لحاجته إليه.
... قال الواقدي: «ومشى أبو بكر-- رضي الله عنه -- إلى أسامة في بيته، وكلمه أن يترك عمر، ففعل أسامة وجعل يقول له: أذنت ونفسك طيبة؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... منهاج السنة 4/277-279.
(2) ... تقدم نقل الروايات في ذلك ص 299.(43/6)
(3) ... انظر: المغازي للواقدي 3/1118، والطبقات الكبرى لابن سعد 2/190، ... وتاريخ الطبري 3/226، والبداية والنهاية 6/308، وسير أعلام النبلاء ... للذهبي 2/497.
(4) ... انظر: ص 300 من هذا الكتاب.
فقال أسامة: نعم». (1)
... ويذكر الطبري أن أبابكر قال لأسامة لما شيعه في خروجه بالجيش: (إن رأيت أن تعينني بعمر فافعل فأذن له). (2)
... كما نص على هذا غير واحد من المؤرخين والمحققين. (3)
... فثبت بهذا أن التحاق عمر بجيش أسامة كان برغبته واختياره، وأن خروجه منه كان بطلب الخليفة، وإذن الأمير فأي لوم على عمر -- رضي الله عنه -- في ذلك.
... وأما أبو بكر فالذي عليه أكثر المؤرخين: أنه لم يكن في جيش أسامة أصلاً، فإنهم سموا من التحق بجيش أسامة من كبار الصحابة، ولم يذكروا فيهم أبا بكر.
... قال الواقدي ضمن حديثه عن غزوة أسامة: «فلم يبق أحد من المهاجرين الأولين إلا انتدب في تلك الغزوة: عمر بن الخطاب، وأبو عبيدة بن الجراح، وسعد بن أبي وقاص،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... المغازي للواقدي 3/1121-1122.
(2) ... تاريخ الطبري 3/226.
(3) ... انظر: الطبقات الكبرى لابن سعد 2/191، والبداية والنهاية لابن كثير ... 6/309، ومنهاج السنة لشيخ الإسلام ابن تيمية 5/448، 6/319.
وأبو الأعور سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل...». (1)
... وقال الطبري: «ضرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل وفاته بعثاً على أهل المدينة ومن حولهم، وفيهم عمر بن الخطاب، وأمر عليهم أسامة بن زيد». (2)
... وقال الذهبي ضمن ترجمة أسامة: «استعمله النبي - صلى الله عليه وسلم - على جيش لغزو الشام، وفي الجيش عمر والكبار». (3)
... فلم يذكر هؤلاء المؤرخون أبا بكر في جيش أسامة، وذكروا بعض كبار الصحابة كعمر، وأبي عبيدة، وسعد وغيرهم، ولو كان أبو بكر في الجيش لكان ذكره أولى وأشهر.(43/7)
... وإنما عدّ أبا بكر في جيش أسامة: ابن سعد قال: «فلم يبق أحد من وجوه المهاجرين الأولين والأنصار إلا انتدب في تلك الغزوة فيهم: أبو بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، وأبو عبيدة...». (4)
... وإلى هذا ذهب ابن حجر في الفتح. (5)
... وقال ابن كثير في سياق الموضوع: «وكان بينهم:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... المغازي 3/1118.
(2) ... تاريخ الطبري 3/226.
(3) ... سير اعلام النبلاء 2/497.
(4) ... الطبقات الكبرى لابن سعد 2/190.
(5) ... انظر: فتح الباري 8/152.
عمر بن الخطاب، ويقال: أبوبكر فاستثناه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للصلاة». (1)
... وقد جزم شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- بأن أبا بكر لم يكن في جيش أسامة ونقل اتفاق أهل العلم عليه.
... قال:«وأبوبكر-- رضي الله عنه -- لم يكن في جيش أسامة باتفاق أهل العلم، لكن روي أن عمر كان فيهم، وكان عمر خارجاً مع أسامة، لكن طلب منه أبو بكر أن يأذن له في المقام عنده لحاجته إليه، فأذن له». (2)
... وقال في موضع آخر في الرد على الرافضي: «وأما قوله إنه أمّر أسامة على الجيش الذي فيهم: أبو بكر، وعمر، فمن الكذب الذي يعرفه من له أدنى معرفة بالحديث، فإن أبا بكر لم يكن في ذلك الجيش، بل كان - صلى الله عليه وسلم - يستخلفه في الصلاة من حين مرضه إلى أن مات. وأسامة قد روى أنه عقد له الراية قبل مرضه، ثم لما مرض أمر أبا بكر أن يصلي بالناس فصلى بهم إلى أن مات النبي - صلى الله عليه وسلم -، فلو قُدر أنه أُمر بالخروج مع أسامة قبل المرض، لكان أمره بالصلاة تلك المدة، مع إذنه لأسامة أن يسافر في مرضه، موجباً لنسخ إمرة أسامة عنه، فكيف إذا لم يُؤمر عليه أسامة بحال». (3)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... البداية والنهاية لابن كثير 6/308.
(2) ... منهاج السنة 6/319.(43/8)
(3) ... المصدر نفسه 4/276-277.
... وبهذا يظهر أن أبا بكر لم يكن في جيش أسامة. وهو قول عامة المؤرخين إلا من شذ منهم، بل نقل شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- اتفاق أهل العلم والحديث على هذا، لاشتغال أبي بكر -- رضي الله عنه -- بالصلاة بالناس في مرض النبي - صلى الله عليه وسلم -.
... على أن من قال بالقول الآخر، لم يقل: إن أبا بكر بقي في جيش أسامة بعد أمر الرسول - صلى الله عليه وسلم - له بالصلاة، فهذا لم يقل به أحد من أهل العلم، لما هو معلوم عندهم بالتواتر من اشتغال أبي بكر بإمامة الناس في مرض النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى مات، في حين أن الجيش كان معسكراً بالجرف، استعداداً للخروج. ولهذا ذكر ابن كثير أن من قال بدخول أبي بكر في جيش أسامة، ذكر أنه مستثني بأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - له بالصلاة.
... فثبت بهذا بطلان ما ادعاه الرافضي: من كون الشيخين في جيش أسامة وأنهما تثاقلا عن الخروج معه.
... وأما قوله: إن عمر كان من أبرز عناصر المعارضة، وهو الذي جاء بعد وفاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى أبي بكر، وطلب منه أن يعزل أسامة ويبدله بغيره.
... فجوابه: أنه لم تكن هناك معارضة أصلاً حتى يكون لها عناصر بارزة أو غير بارزة، وإنما هذا من أوهام الرافضة، وأكاذيبهم التي يحاولون عن طريقها التلبيس على ضعاف العقول بقصد الطعن في أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - والنيل منهم. والعبرة في هذا بصحة النقل فأين النقل
الصحيح على صحة ما ادعى!!
... على أنه قد تقدم بيان مواقف الصحابة المشرفة في سرية أسامة بالنقل الصحيح وبراءتهم من كل ما يرميهم به هذا الرافضي الحاقد، مما يغني عن إعادته هنا.(43/9)
... وأما قوله: إن عمر طلب من أبي بكر عزل أسامة فليس هذا رأي عمر وحده، بل رأى بعض الصحابة، وسبب هذا أنه لما مات النبي - صلى الله عليه وسلم - ارتدت كثير من قبائل العرب، ونجم النفاق، وتربص الأعداء بالمسلمين من كل ناحية، وقد كان في جيش أسامة جل الصحابة وخيارهم، فخشى كبار الصحابة على المدينة بعد خروج الجيش منها أن يحيط بها الأعداء، وفيها خليفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأمهات المؤمنين، والنساء، والذراري، فأشاروا على أبي بكر أن يؤجل بعث أسامة حتى يستقر الحال، ويفرغ من قتال المرتدين، فلما أبى عليهم ذلك أشار عليه بعضهم أن يولي الجيش من هو أسن من أسامة، وأعرف بالحرب منه حرصاً منهم على سلامة الجيش في ذلك الوقت العصيب الذي يمرون به.
... وبهذا جاءت الروايات:
... فقد روى الطبري من حديث عروة عن أبيه قال: (لما بويع أبو بكر -- رضي الله عنه -- وجمع الأنصار في الأمر الذي افترقوا فيه، قال: ليتم بعث أسامة، وقد ارتدت العرب، إما عامة، وإما خاصة في كل قبيلة، ونجم
النفاق وأشر أبت اليهود والنصارى، والمسلمون كالغنم في الليلة المطيرة الشاتية، لفقدهم نبيهم - صلى الله عليه وسلم - وقلتهم وكثرة عدوهم، فقال له الناس: إن هؤلاء جل المسلمين، والعرب -على ماترى- قد انتقضت بك، فليس ينبغي لك أن تفرق عنك جماعة المسلمين، فقال أبو بكر: والذي نفس أبي بكر بيده، لو ظننت أن السباع تخطفني لأنفذت بعث أسامة كما أمر به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولو لم يبق في القرى غيري لأنفذنه). (1)(43/10)
... وفي روايه للواقدي: «فلما بلغ العرب وفاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وارتد من ارتد عن الإسلام، قال أبو بكر -- رضي الله عنه -- لأسامة -رحمة الله عليه- أنفذ على وجهك الذي وجهك فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وأخذ الناس بالخروج وعسكروا في موضعهم الأول، وخرج بريده باللواء حتى انتهى إلى معسكرهم الأول فشق على كبار المهاجرين الأولين، ودخل على أبي بكر، عمر، وعثمان، وسعد بن أبي وقاص، وأبو عبيدة بن الجراح، وسعيد بن زيد، فقالوا ياخليفة رسول الله إن العرب قد انتقضت عليك من كل جانب وإنك لا تصنع بتفريق هذا الجيش المنتشر شيئاً، اجعلهم عُدة لأهل الردة ترمي بهم في نحورهم؟ وأخرى
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... تاريخ الطبري 3/225، وأورد هذه الرواية ابن كثير أيضاً في البداية ... والنهاية 6/308.
لا نأمن على أهل المدينة أن يغار عليها، وفيها الذراري والنساء، فلو استأنيت لغزو الروم حتى يضرب الإسلام بجرانه وتعود الردة إلى ما خرجوا منه، أو يفنيهم السيف، ثم تبعث أسامة حينئذ فنحن نأمن الروم أن تزحف إلينا؟ فلما استوعب أبو بكر -- رضي الله عنه -- منهم كلامهم قال: هل منكم أحد يريد أن يقول شيئاً؟ قالوا: لا قد سمعت مقالتنا، فقال: والذي نفسي بيده لو ظننت أن السباع تأكلني بالمدينة لأنفذت هذا البعث، ولا بدأت بأولى منه، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينزل عليه الوحي من السماء يقول: أنفذوا جيش أسامة). (1)(43/11)
... وفي رواية للطبري: أن هذا هو رأي أسامة نفسه، وهو الذي بعث عمر إلى أبي بكر بهذا وعلى هذا الرأى الأنصار أيضاً، وأنهم قالوا لعمر فإن أبى ذلك فليول الجيش أقدم سناً من أسامة، وهاهوذا نص الرواية من رواية الحسن البصري قال: (ضرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل وفاته بعثاً على أهل المدينة ومن حولهم، وفيهم عمر بن الخطاب وأمّر عليهم أسامة بن زيد، فلم يجاوز آخرهم الخندق، حتى قبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فوقف أسامة بالناس ثم قال لعمر: ارجع إلى خليفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاستأذنه يأذن لي أن أرجع بالناس، فإن معي وجوه الناس وحدَّهم، ولا آمن على خليفة رسول الله، وثقل رسول الله،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... المغازي للواقدي 3/1121.
وأثقال المسلمين أن يتخطفهم المشركون، وقالت الأنصار: فإن أبي إلا أن نمضي فأبلغه عنا، واطلب إليه أن يولي أمرنا رجلاً أقدم سناً من أسامة، فخرج عمر بأمر أسامة، وأتى أبا بكر فأخبره بما قال أسامة، فقال أبو بكر: لو خطفتنى الكلاب والذئاب، لم أرد قضاءً قضى به رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. قال: فإن الأنصار أمروني أن أبلغك، وإنهم يطلبون إليك أن تولي أمرهم رجلاً أقدم سناً من أسامة، فوثب أبو بكر-وكان جالساً- فأخذ بلحية عمر، فقال له: ثكلتك أمك وعدمتك يابن الخطاب؟ استعمله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتأمرني أن أنزعه؟ فخرج عمر إلى الناس فقالوا له: ما صنعت؟ فقال: امضوا، ثكلتكم أمهاتكم؟ مالقيت في سببكم من خليفة رسول الله؟). (1)(43/12)
... فظاهر من هذا أن الذي حمل الصحابة على ما قالوا إنما هو النصح لدين الله، وشفقتهم على المسلمين، وأن القول بتأجيل خروج جيش أسامة، هو قول عامة الصحابة، بما فيهم أسامة، وذلك لشدة الظروف التي كانوا يمرون بها، نظراً لموت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما تبع ذلك من كثرة الارتداد، وشيوع النفاق، وتربص الأعداء، وطمعهم في المسلمين، في حين أن الجيش سيقطع مسافات بعيدة يخترق من خلالها كثيراً من أحياء العرب الذين لا يؤمن جانبهم، ويخشى من
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... تاريخ الطبري 3/226.
غدرهم وردتهم، مما حمل الأنصار أن يطلبوا من عمر -كما في رواية الطبري- أن يطلب من خليفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا ما عزم على مسيرة الجيش أن يولي إمرته من هو أسن من أسامة، فإنه كان شاباً عمره ثماني عشرة سنة(1)، وهذا لا مطعن فيه على أسامة، وإنما للسن أثره في الحكمة وسياسة الأمور، خصوصاً في تلك المرحلة الحرجة.
... ومع هذا فقد صمم الصديق -- رضي الله عنه -- على تسيير الجيش بقيادة أسامة امتثالاً لأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وثقة بنصر الله، فسار الجيش إلى ما أمر به رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأغار على أهل تلك البلاد فقتل أسامة قاتل أبيه وغنموا منهم ورجع الجيش سالماً إلى المدينة. (2)
... والصحابة على كل حال مجتهدون في شأن جيش أسامة سواء من رأى منهم تسيير الجيش، أو لم ير ذلك، أو رأى عزل أسامة، أو لم ير ذلك، فما أرادوا من ذلك إلا الخير، والنصح لدين الله والمسلمين، وهم أبعد ما يكونون على كل ما يرميهم به الرافضة من التهم الباطلة الجائرة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... انظر: سير اعلام النبلاء للذهبي 2/500.
(2) ... انظر: الطبقات الكبرى لابن سعد 2/191.(43/13)
تقسيم الرافضي الصحابة إلى ثلاثة أقسام وزعمه أن
منهم من نزل القرآن بتوبيخهم والتحذير
منهم والرد عليه في ذلك
... قال المؤلف ص111 تحت عنوان (رأي القرآن في الصحابة).
... «قبل كل شيء لابد لي أن أذكر أنه سبحانه وتعالى قد مدح في كتابه العزيز في العديد من المواقع صحابة رسول الله، الذين أحبوا الرسول - صلى الله عليه وسلم - واتبعوه...، وهذا القسم من الصحابة الذين عرف المسلمون قدرهم من خلال مواقفهم وأفعالهم معه، أحبوهم، وأجلوهم، وعظموا قدرهم، وترضوا عنهم كلما ذكروهم.
... وبحثي لا يتعلق بهذا القسم من الصحابة، الذين هم محط الإحترام والتقدير من السنة والشيعة، كما لا يتعلق بالقسم الذي اشتهر بالنفاق، والذين هم معرضون للعن المسلمين جميعاً من السنة والشيعة،ولكن بحثي يتعلق بهذاالقسم من الصحابة،الذين اختلف فيهم المسلمون، ونزل القرآن بتوبيخهم وتهديدهم في بعض المواقع، والذين حذرهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في العديد من المناسبات أو حذر منهم».
... قلت: لا يخفى ما في كلامه هذا من الكذب والتلبيس، وذلك أن أهل السنة يعتقدون عدالة الصحابة كلهم،وأما المنافقون فليسوا من الصحابة بحال، فالصحابي في الإصطلاح: هو من لقي النبي - صلى الله عليه وسلم - مؤمناً
به ومات على ذلك (1) فخرج الكفار والمنافقون من حد الصحبة، لأنهم لم يؤمنوا بالنبي - صلى الله عليه وسلم -، وإن كان المنافقون في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - يعاملون بما يظهرون من الإسلام.
... وتقسيمه الذي ذكره لا يمثل سوى عقيدة الرافضة، دون أهل السنة. فالرافضة هم الذين يقسمون الصحابة إلى قسمين: عدول ومرتدين، وعندهم أن الصحابة كلهم ارتدوا عن الإسلام إلا القليل منهم، لا يتجاوزون أربعة أو سبعة، كما جاء ذلك مصرحاً به في بعض رواياتهم المشهورة، التي تقدم نقلها عند الحديث عن معتقدهم في الصحابة.(2)(43/14)
... فالصحابة الذين قال: إن الفريقين يعتقدون عدالتهم: هم أولئك الأفراد الذين يستثنيهم الرافضة من حكم الردة، والقسم الذي ذكر أنه اختلف فيه هم عامة الصحابة الذين يعتقد الرافضة ردتهم وكفرهم، وأما أهل السنة فلا يقرون هذا التقسيم ولا يعتقدونه فالصحابة عندهم كلهم عدول.
... ومع فساد هذا التقسيم الذي ذكره، فكان الأولى به لو كان صادقاً فيما ادعاه من الإنصاف أن يقول بعد هذا: إني سأبحث في ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... الإصابة لابن حجر 1/7.
(2) ... انظر ص 75 ومابعدها.
سيرة هذا القسم من الصحابة وأثبت الحق في ذلك، لكنه ذكر هذا
القسم ثم حكم عليه مباشرة وطعن فيه فقال: «ولكن بحثي يتعلق بهذا القسم من الصحابة الذين اختلف فيهم المسلمون، ونزل القرآن بتوبيخهم وتهديدهم في بعض المواقع، والذين حذرهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في العديد من المناسبات أو حذر منهم».
... فظهر أن الرجل إنما يقرر عقيدة الرافضة في الصحابة في أصل تقسيمه لهم وحكمه عليهم، خلافاً لما يدعيه من العدل والإنصاف والتجرد في الحكم، ولهذا سبق حُكْمُه بحثه في سيرتهم وأحوالهم، وذكره النصوص التي زعم أنها مستنده فيما يقرر.
... ثم شرع المؤلف في ذكر الآيات التي زعم أنها كشفت حال الصحابة ونزلت بتوبيخهم وتهديدهم.
طعن الرافضي على الصحابة بقوله تعالى: {محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار}، والرد عليه.(43/15)
... قال الرافضي ص112: «المثال الأول على ذلك هو آية
محمد رسول الله يقول تعالى: {محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعاً سجداً يبتغون فضلاً من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطئه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجراً عظيماً}. (1)
... قال بعد ذلك: «.. فكلمة (منهم) التي ذكرها الله تعالى دلت على التبعيض وأوحت أن البعض من هؤلاء لاتشملهم مغفرة الله ورضوانه، ودلت أيضاً على أن البعض من الصحابة انتفت منهم صفة الإيمان والعمل الصالح، فهذه الآيات المادحة والقادحة في آن واحد فهي بينما تمدح نخبة من الصحابة تقدح في آخرين».
... قلت: تضمنت هذه الآية الكريمة أبلغ الثناء والمدح من الله تعالى لأصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ووصفه لهم بتلك الصفات العظيمة، الدالة على
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... سورة الفتح آية 29.
علو قدرهم في الدين، ورسوخ قدمهم في الإيمان والعمل الصالح، وأما
ما ادعاه هذا الرافضي أن (منهم) في قوله تعالى: {وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم...}(1) للتبعيض وأنها تدل على انتفاء الإيمان والعمل الصالح عن بعضهم، فهذا من فرط جهله، وجرأته على الله، وكذبه عليه بما لا تحتمله الآية ولا يستند لقول أحد من أهل العلم في تفسيرها.
... والذي عليه المفسرون وأهل العلم أن (من) في الآيه لبيان الجنس فيكون المعنى: (وعد الله الذين آمنوا من هذا الجنس) وهم
الصحابة.(43/16)
... قال القرطبي: «وليست من في قوله: (منهم) مبعضة لقوم من الصحابة دون قوم، ولكنها عامة مجنسة مثل قوله تعالى: {فاجتنبوا الرجس من الأوثان}(2) لايقصد للتبعيض لكنه يذهب إلى الجنس أي: فاجتنبوا الرجس من جنس الأوثان إذ كان الرجس يقع من أجناس شتى، منها الزنى والربا وشرب الخمر والكذب فأدخل (من) يفيد بها الجنس وكذا (منهم) أي: من هذا الجنس، يعني: جنس
الصحابة، ويقال: أنفق نفقتك من الدراهم أي: اجعل نفقتك
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... سورة الفتح آية 29.
(2) ... سورة الحج آية 30.
هذا الجنس».(1)
... وكذا قال ابن كثير في تفسير هذه الآية: «من هذه لبيان الجنس».(2)
... ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية في منهاج السنة: «فإن قيل لم قال: {وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم}(3) ولم يقل: وعدهم كلهم؟
... قيل: كما قال: {وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا
الصالحات}(4) ولم يقل: وعدكم و(من) تكون لبيان الجنس، فلا يقتضي أن يكون قد بقي من المجرور بها شيء خارج عن ذلك الجنس، كما في قوله تعالى: {فاجتنبوا الرجس من الأوثان}(5) فإنه لا يقتضي أن يكون من الأوثان ما ليس برجس.
... وإذا قلت: ثوب من حرير فهو كقولك: ثوب حرير، وكذلك قولك: باب من حديد كقولك: باب حديد، وذلك لا يقتضي أن يكون هناك حرير وحديد غير المضاف إليه، وإن كان الذي يتصوره
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... الجامع لأحكام القرآن 16/282.
(2) ... تفسير ابن كثير 4/205.
(3) ... سورة الفتح آية 29.
(4) ... سورة النور آية 55.
(5) ... سورة الحج آية 30.(43/17)
كلياً فإن الجنس الكلي هو: مالا يمنع تصوره من وقوع الشركة فيه، وإن لم يكن مشتركاً فيه في الوجود، فإذا كانت (من) لبيان الجنس كان التقدير: {وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات} من هذا الجنس وإن كان الجنس كلهم مؤمنين مصلحين»(1).
... فتبين بهذا بطلان ما ادعاه الرافضي من أن (من) في الآية تبعيضية واستدلاله بها على انتفاء الإيمان والعمل الصالح عن بعض الصحابة، لمخالفة ذلك لما ذكره العلماء هنا، بل مخالفته لعموم نصوص الكتاب والسنة، القاطعة بعدالة الصحابة وتزكيتهم، والشهادة لهم بالإيمان والتقوى، والسبق في ذلك، وما أخبر الله عنهم من رضاه عنهم، ورضاهم عنه، ووعده لهم بأعلى الدرجات في الجنة، ومخالفته كذلك لما هو معلوم بالاضطرار للمسلمين، وما انعقد عليه إجماعهم من حسن الثناء عليهم، والاعتراف لهم بالفضل والسبق في الدين، وأن الأمة بعدهم لا يبلغوا مراتبهم، ولا يدانوهم في الفضل، مما يجعل الطعن فيهم طعن في الأمة، والقدح فيهم قدح في الكتاب والسنة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... منهاج السنة 2/38-39.
طعن الرافضي على الصحابة بقوله تعالى: {وما محمد
إلارسولٌ قد خلت من قبله الرسل} والرد عليه.
... قال المؤلف ص114: «قال الله تعالى في كتابه العزيز: {وما محمدٌ إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفئن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئاً وسيجزي الله الشاكرين}.(1)
... ثم قال بعدها: «فهذه الآية صريحة وجلية في أن الصحابة سينقلبون على أعقابهم بعد وفاة الرسول - صلى الله عليه وسلم - مباشرة، ولا يثبت منهم إلا القليل، كما دلت على ذلك الآية في تعبير الله عنهم -أي:عن الثابتين الذين لاينقلبون- بالشاكرين، فالشاكرون لايكونون إلا قلة، كما دل عليه قوله سبحانه وتعالى: {وقليل من عبادي الشكور}».(2)(43/18)
... إلى أن قال ص115: «والمهم أن آية الانقلاب تقصد الصحابة مباشرة، الذين يعيشون معه في المدينة المنورة، وترمي إلى الانقلاب مباشرة بعد وفاته بدون فصل...».
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... سورة آل عمران آية 144.
(2) ... سورة سبأ آية 13.
... قلت: قاتل الله الجهل ما أضره بأهله!! ولو اطلع هذا المتشدق بما لا يعلم في كتاب مختصر من كتب التفسير، على سبب نزول هذه الآية، التي زعم أنها في الردة بعد موت النبي - صلى الله عليه وسلم -، ورمى الصحابة بذلك، لم يقل ما قال، ولكان في ستر من هذه الفضيحة، التي تشهد بجهله وتقوله على الله بلا علم ولا بصيرة، وذلك أن هذه الآية نزلت يوم أحد، عندما أصاب المسلمين ما أصابهم، وشج رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكسرت رباعيته، وشاع في الناس أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قتل، فقال بعض المنافقين: إن محمداً قد قتل فالحقوا بدينكم الأول فنزلت هذه الآية.
... روى الطبري في تفسيره بسنده عن الضحاك قال في قوله تعالى: {وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل}(1)، «ناس من أهل الارتياب والمرض والنفاق، قالوا يوم فرّ الناس عن نبي الله - صلى الله عليه وسلم -، وشج فوق حاجبه، وكسرت رباعيته، قتل محمد فالحقوا بدينكم الأول، فذلك قوله: {أفئن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم}». (2)
... وروى أيضاً عن ابن جريج قال: «قال أهل المرض والارتياب والنفاق، حين فرّ الناس عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: قد قتل محمد، فالحقوا بدينكم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... سورة آل عمران من الآية 144.
(2) ... تفسير الطبري 3/458.
الأول فنزلت هذه الآية». (1)(43/19)
... فالمقصود بالانقلاب على الأعقاب في الآية هو: ما قاله المنافقون لما أُشيع في الناس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قتل، وهو قولهم: ارجعوا إلى دينكم الأول. ولم تكن هذه الآية فيمن ارتد بعد موت النبي - صلى الله عليه وسلم - وإن كانت هي حجة عليهم، مع أنها لو كانت فيمن ارتد بعد موت النبي - صلى الله عليه وسلم - لكانت أظهر في الدلالة على براءة أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - من المرتدين، فإنهم هم الذين قاتلوهم، وأظهر الله دينه على أيديهم، وخذل المرتدين بحربهم لهم، فرجع منهم من رجع إلى الدين، وهلك من هلك على ردته، وظهر فضل الصديق والصحابة بمقاتلتهم لهم.
... ولهذا ثبت عن علي -- رضي الله عنه -- أنه كان يقول في قوله تعالى: {وسيجزي الله الشاكرين}(2)، (الثابتين على دينهم أبا بكر وأصحابه). (3)
... وكان يقول: (كان أبو بكر أمين الشاكرين، وأمين أحباءِ الله، وكان أشكرهم وأحبهم إلى الله). (4)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... تفسير الطبري 3/458.
(2) ... سورة آل عمران من الآية 144.
(3) ... تفسير الطبري 3/455.
(4) ... المصدر نفسه.
... وقد ذهب بعض المفسرين إلى أن قول الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجهادون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم}(1)، أنها كانت في أبي بكر وأصحابه، لما كان في علم الله أنهم سيقاتلون أهل الردة.
... روى الطبري بسنده عن علي -- رضي الله عنه -- أنه قال في قوله تعالى: {فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه}، (بأبي بكر وأصحابه).
... وعن الحسن البصري قال: (هذا والله أبو بكر وأصحابه).
... وعن الضحاك قال: (هو أبو بكر وأصحابه، لما ارتد من ارتد من العرب عن الإسلام جاهدهم أبو بكر وأصحابه، حتى ردهم إلى الإسلام).(43/20)
... وبهذا قال قتادة وابن جريج وغيره من أئمة التفسير. (2)
... فتأمل أيها القارئ كيف أن هذا الرافضي الحاقد يرمي أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - بالردة بعد موت النبي - صلى الله عليه وسلم -، في حين أنهم هم الذين قاتلوا المرتدين، وأثنى الله عليهم بذلك، واشتهر في الأمة فضلهم بما قاموا به من نصرة دين الله بعد موت النبي - صلى الله عليه وسلم -، وجهادهم أولئك المرتدين على ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... سورة المائدة آية 54.
(2) ... تفسير الطبري 4/623-624.
كثرتهم، مما لا يجهله أحد من عوام المسلمين اليوم، فضلاً عن علمائهم، ثم يأتي هذا الرافضي فيتهم هؤلاء الصحابة بالردة مصادماً بذلك النصوص والواقع، بل وحتى العقل. فلو كان لهذا الرجل عقل، لما قال ما قال، فيصبح أضحوكة بين الناس، بهذا الهذيان الذي يدل على سخافة في العقل وبلادة في الفهم.
... ولقد أحسن الشعبي -رحمه الله- في قوله: (ما رأيت قوماً أحمق من الشيعة، لو كانت الشيعة من الطير لكانت رخماً، ولو كانوا من الدواب لكانوا حمراً). (1)
... ولقد صدق شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في وصفهم بقوله: «القوم من أضل الناس على السواء، فإن الأدلة: إما نقلية، وإما عقلية، والقوم من أضل الناس في المنقول والمعقول، في المذاهب والتقرير، وهم من أشبه الناس بمن قال الله فيهم: {وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير} ».(2)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... أخرجه الخلال في السنة 1/497، واللالكائي في شرح السنة 7/1267.
(2) ... منهاج السنة 1/8. والآية من سورة الملك آية 10.(43/21)
طعن الرافضي على الصحابة بقوله تعالى: {يا أيها الذين
آمنوا مالكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله
اثاقلتم إلى الارض...} والرد عليه.
... قال المؤلف ص115 قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا مالكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الارض أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل - إلا تنفروا يعذبكم عذاباً أليماً ويستبدل قوماً غيركم ولا تضروه شيئاً والله على كل شئ قدير}.(1)
... ثم قال: «هذه الآية صريحة في أن الصحابة تثاقلوا عن الجهاد، واختاروا الركون إلى الحياة الدنيا، رغم علمهم بأنها متاع قليل، حتى استوجبوا توبيخ الله سبحانه، وتهديده إياهم بالعذاب الأليم واستبدال غيرهم من المؤمنين الصادقين بهم.
... وقد جاء هذا التهديد باستبدال غيرهم في العديد من الآيات، مما يدل دلالة واضحة على أنهم تثاقلوا عن الجهاد في مرات عديدة، فقد جاء في قوله تعالى: {وإن تتولوا يستبدل قوماً غيركم ثم لا يكونوا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... سورة التوبة آيتا 38-39.
أمثالكم}. ..».(1)
... إلى أن قال: «ومن البديهي المعلوم أن الصحابة تفرقوا بعد النبي [- صلى الله عليه وسلم -]، واختلفوا، وأوقدوا نار الفتنة، حتى وصل بهم الأمر إلى القتال والحروب الدامية، التي سببت انتكاس المسلمين وتخلفهم، وأطمعت فيهم أعداءهم».(44/1)
... وجوابه: أنه ليس في هاتين الآيتين مطعن على أصحاب
النبي - صلى الله عليه وسلم -، وإنما فيهما حث الله تعالى الصحابة على الجهاد، وذلك عندما أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أصحابه في غزوة تبوك بغزو الروم، وكان ذلك في زمن عسرة وفاقة من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -، مع شدة الحر وبعد السفر، فشق ذلك على بعضهم، فنزلت الآيات في الترغيب في الجهاد في سبيل الله، والتحذير من التثاقل عنه فاستجاب أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - لأمر ربهم.
... قال الطبري في تفسير قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا مالكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الارض}(2): «وهذه الآية حث من الله جل ثناؤه المؤمنين به من أصحاب رسوله على غزو
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... سورة محمد آية 38.
(2) ... سورة التوية آية 38.
الروم، وذلك غزوة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تبوك». (1)
... ولاشك أن هاتين الآيتين تضمنت نوع عتاب من الله - عز وجل - لبعض من ثقل عليهم الخروج في الجهاد، وهذا قطعاً لا يرد على عامة أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - الذين استجابوا لله ورسوله بالمسارعة في الخروج في سبيل الله، وهم غالب الصحابة وأكثرهم.
... قال ابن كثير في تفسير الآية: «هذا شروع في عتاب من تخلف عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة تبوك». (2)(44/2)
... قلت: ومعلوم أنه لم يتخلف عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في غزوة تبوك أحد من أصحابه من غير أهل الأعذار، إلا ثلاثة نفر كما دل على ذلك حديث كعب بن مالك المشهور في الصحيحين(3) وهم كعب بن مالك، وهلال بن أمية، ومرارة بن الربيع، ومع هذا فقد ثبت بنص كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، أن الله تاب على الجميع، وأنزل في توبته على سائر الصحابة وحياً يتلى في كتابه وذلك في قوله تعالى: {لقد تاب الله على النبي والمهاجرين
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... تفسير الطبري 6/372.
(2) ... تفسير ابن كثير 2/357.
(3) ... انظر: صحيح البخاري: (كتاب المغازي، باب حديث كعب بن مالك) فتح ... الباري 8/113-116، ح4118، وصحيح مسلم: (كتاب التوبة، باب ... حديث توبة كعب وصاحبيه) 4/2120-2128، ح2769.
والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم ثم تاب عليهم إنه بهم رؤوف رحيم - وعلى الثلاثة الذين خلفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه ثم تاب عليهم ليتوبوا إن الله هو التواب الرحيم}. (1)
... فتضمنت هذه الآيات إخبار الله تعالى عن توبته على المهاجرين والأنصار الذين اتبعوا الرسول - صلى الله عليه وسلم - في غزوة تبوك، والتي تسمى غزوة العسرة فلم يتخلفوا عنه مع ما أصابهم فيها من الجهد والشدة والفقر، حتى جاء في بعض الروايات أن النفر منهم كانوا يتناولون التمرة بينهم يمصها هذا ثم يشرب عليها ثم يمصها هذا، ثم يشرب عليها حتى تأتي على آخرهم. (2)
... كما تضمنت توبة الله على الثلاثة المخلفين(3) الذين تأخروا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في تلك الغزوة بعد هجر النبي - صلى الله عليه وسلم - لهم، وندمهم ندماً
عظيماً حتى ضاقت عليهم الأرض بما رحبت.(44/3)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... سورة التوبة آيتا 117،118.
(2) ... انظر: تفسير الطبري 6/502، وتفسير البغوي 2/333.
(3) ... وصفوا بالمخلفين لأنهم خلفوا عن التوبة عندما جاءوا للنبي - صلى الله عليه وسلم - واعترفوا ... بذنوبهم فقال لهم قوموا حتى يقتضي الله فيكم، ثم أنزل الله توبتهم في ... الآيات المذكورة أعلاه، انظر تفسير الطبري 6/505.
... فلم يبق بعد ذلك عذر لأحد في النيل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أو غمزهم بشيء مما قد يقع منهم، بعد مغفرة الله لهم وتوبته عليهم، وثنائه عليهم الثناء العظيم في كتابه، وتزكية الرسول - صلى الله عليه وسلم - لهم في سنته -- رضي الله عنهم -- أجمعين.
... والرافضة يدركون هذا وإنما يحملهم حقدهم على أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وبغضهم لهم على تنقصهم وسبهم بغير حق، وغمط مناقبهم، وفضائلهم الثابتة في الكتاب والسنة، التي لا يجهلها أحد من الأمة.
... ولهذا ذكر هذا الرافضي الآيات السابقة في حث الله - عز وجل - الصحابة على الجهاد في سبيل الله، مستدلاً بها على ذمهم وتنقصهم، وأغفل ما جاء في سياق هذه الآيات وبعدها مباشرة، وهو قوله تعالى: {إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا}(1) وذلك حجباً منه لما تضمنته الآية من إثبات تلك المنقبة العظيمة لأبي بكر، وهي صحبة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الهجرة، وكذلك تجاهله الآيات الأخرى في السورة نفسها، المشتملة على ثناء الله تعالى على الصحابة كقوله تعالى: {والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... سورة التوبة آيه 40.(44/4)
تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً ذلك الفوز العظيم}(1) وكالآيات المتقدمة في توبة الله تعالى عليهم، ومغفرته لهم، يحمله على ذلك ضغنه الكمين وحقده الدفين على أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - فعليه من الله ما يستحق.
... وأما قوله: «إن الصحابة اختلفوا واقتتلوا ونتج عن ذلك حروب دامية تسببت في انتكاس المسلمين».
... فجوابه: أن اقتتال الصحابة إنما نشأ في عهد علي -- رضي الله عنه -- وقد كان علي طرفاً من أطرافه، فإذا كان لايرد في ذلك ذم على علي -- رضي الله عنه -- وهو إمام المسلمين والمسؤل عن سلامة الرعية فمن باب أولى أن لا يذم بذلك غيره من الصحابة.
... وقد تقدم الحديث عن أسباب الاختلاف بين الصحابة في الفتنة، وبيان وجهة كل فريق، وبراءتهم من كل ما يلصق بهم في ذلك، وأن عامة ما صدر منهم إنما كانوا مجتهدين فيه، ليس لأحد أن يذمهم بشيء منه، وإنما الامساك عما شجر بينهم والترحم عليهم هو السبيل الأمثل، والمنهج الأقوم في حقهم، فرضي الله عنهم أجمعين.(2)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... سورة التوبة آيه 100.
(2) ... انظر تقرير ذلك ص 240 من هذا الكتاب.
طعن الرافضي على الصحابة بقوله تعالى: {ألم يأن للذين
آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله ...} والرد عليه.
... قال المؤلف ص117: «قال تعالى: {ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون}. (1)(44/5)
... وفي الدر المنثور لجلال الدين السيوطي قال: لما قدم أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة، فأصابوا من لين العيش ما أصابوا، بعدما كان بهم من الجهد، فكأنهم فتروا عن بعض ما كانوا عليه، فعوتبوا فنزلت: {ألم يأن للذين آمنوا}. وفي رواية أخرى أن الله - سبحانه وتعالى - استبطأ قلوب المهاجرين بعد سبع عشرة سنة من نزول القرآن فأنزل الله: {ألم يأن للذين آمنوا}.
... وإذا كان هؤلاء الصحابة وهم خيرة الناس على ما يقوله أهل السنة والجماعة، لم تخشع قلوبهم لذكر الله، وما نزل من الحق طيلة سبعه عشر عاماً، حتى استبطأهم الله وعاتبهم، وحذرهم من قسوة القلوب، التي تجرهم إلى الفسوق، فلا لوم على المتأخرين من سراة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... سورة الحديد آيه 16.
قريش الذين أسلموا في السنة الثامنة من الهجرة بعد فتح مكة. فهذه بعض الأمثلة التي استعرضها من كتاب الله العزيز كافية للدلالة على
أن الصحابة ليسوا كلهم عدولاً، كما يقول أهل السنة والجماعة...».
... وجوابه: أن هذه الآية لا تدل بحال على ما ادعاه: من زعمه أن قلوب الصحابة لم تخشع لذكر الله طيلة سبعة عشر عاماً، بل هذا من أقبح الكذب والافتراء على الله الذي لا تحتمله الآية، ويعرف هذا بمعرفة أقوال المفسرين في سبب نزولها وتفسيرها، فهذه الآية قد اختلف المفسرون في سبب نزولها.(44/6)
... فقيل: إنها نزلت في المنافقين، قال الكلبي ومقاتل: نزلت في المنافقين بعد الهجرة بسنة، وذلك أنهم سألوا سلمان الفارسي ذات يوم فقالوا: حدثنا عن التوراة فإن فيها العجائب فنزلت: {نحن نقص عليك أحسن القصص}(1)، فأخبرهم أن القرآن أحسن قصصاً من غيره، فكفوا عن سؤال سلمان ما شاء الله، ثم عادوا فسألوا سلمان عن مثل ذلك فنزل: {الله نزل أحسن الحديث كتاباً متشابهاً}(2)، فكفوا عن سؤاله ما شاء الله ثم عادوا فقالوا: حدثنا عن التوراة فإن فيها العجائب فنزلت هذه الآية، فعلى هذا تأويل قوله: {ألم يأن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... سورة يوسف آية 3.
(2) ... سورة الزمر آية 23.
للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله}(1) يعني في العلانية وباللسان.
... وقال آخرون: نزلت في المؤمنين، قال عبد الله بن مسعود: ما كان بين إسلامنا وبين أن عاتبنا الله بهذه الآية: {ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله} إلا أربع سنين. (2)
... وقيل: هي خطاب لمن آمن بموسى وعيسى دون محمد عليهم السلام لانه قال عقيب هذا: {والذين آمنوا بالله ورسله}(3)، أي ألم يأن للذين آمنوا بالتوراة والإنجيل، أن تلين قلوبهم للقرآن، وألا يكونوا كمتقدمي قوم موسى وعيسى، إذ طال عليهم الأمد بينهم وبين نبيهم فقست قلوبهم. (4)
... فهذه أقوال المفسرين في سبب نزول الآية، وعلى قول من قال: إنها نزلت في المنافقين أو في أهل الكتاب، فلا وجه لتنزيلها على الصحابة بحال.
... وأما على القول بنزولها فيهم: فإنها لا مطعن فيها على الصحابة،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... سورة الحديد آية 16.
(2) ... انظر: تفسير البغوي 4/297، وتفسير القرطبي 17/240.
(3) ... سورة الحديد من الآية 19.
(4) ... انظر: تفسير القرطبي 17/240.(44/7)
لأن غاية ما في الآية هو حثهم على أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل عليهم من القرآن، وأن أوان ذلك قد حان، دون أن تتعرض الآية لذمهم أو تنقصهم.
... قال الطبري في معنى الآية: «ألم يحن للذين صدقوا الله ورسوله أن تلين قلوبهم لذكر الله فتخضع قلوبهم له، ولما نَزَل من الحق، وهو هذا القرآن الذي نزله على رسوله - صلى الله عليه وسلم -».(1)
... وقال ابن كثير: «يقول تعالى: أما آن للمؤمنين أن تخشع قلوبهم لذكر الله، أي: تلين عند الذكر والموعظة، وسماع القرآن، فتفهمه وتنقاد له وتسمع له وتطيعه». (2)
... وليس في الآية ما يدل على نفي أصل الخشوع من القلب، وهو الخشوع الواجب -كما ادعى هذا الرافضي الحاقد- بل وصف الله تعالى لهم بالإيمان في قوله: {ألم يأن للذين آمنوا} دليل على أن أصل الخشوع موجود، لكنه أراد أن ينقلهم إلى درجة أعلى منه، وذلك أن الخشوع منه ما هو واجب، ومنه ما هو مستحب.
... قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «فإن قيل فخشوع القلب لذكر الله وما نزل من الحق واجب، قيل: نعم، لكن الناس فيه على قسمين:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... تفسير الطبري 11/681.
(2) ... تفسير ابن كثير 2/310.
مقتصد، وسابق، فالسابقون يختصون بالمستحبات، والمقتصدون الأبرار هم عموم المؤمنين المستحقين للجنة». (1)
... وعلى هذا فالخطاب في الآية يكون في حق من لم يحقق تلك الدرجة العالية من الخشوع، دون من بلغها من الصحابة، يؤيد هذا ما
نقله الشوكاني عن الزجاج في سبب نزول الآية حيث قال: (نزلت في طائفة من المؤمنين حثوا على الرقة والخشوع، فأما من وصفهم الله بالرقة والخشوع فطبقة فوق هؤلاء). (2)(44/8)
... وقد ثبتت هذه المنزلة العالية من الخشوع وكثرة البكاء لبعض الصحابة قبل نزول هذه الآية، ومن ذلك ما ثبت عن أبي بكر الصديق -- رضي الله عنه -- من رواية عائشة -رضي الله عنها- في قصة جوار ابن الدّغنّة لأبي بكر في بداية البعثة وفيها: (... ثم بدا لأبي بكر فابتنى مسجداً بفناء داره، فكان يصلي فيه ويقرأ فيتقصف(3) عليه نساء المشركين وأبناؤهم، يعجبون منه وينظرون إليه، وكان أبو بكر -- رضي الله عنه -- رجلاً بكّاءً لا يملك دمعه حين يقرأ القرآن، فأفزع ذلك أشراف قريش من
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... مجموع الفتاوى 7/29.
(2) ... فتح القدير للشوكاني 5/172.
(3) ... أي يزدحمون، النهاية لابن الأثير 4/73.
المشركين). (1)
... وهذه الحادثة في بداية البعثة وهي قبل نزول الآية قطعاً، فإن الآية في سورة الحديد، وسورة الحديد مدنية.
... وأما زعمه أن نزول الآية في الحث على الخشوع كان بعد سبع عشرة سنة من نزول القرآن، فهذا إن جاء في بعض الروايات فهو معارض بما جاء في غيرها.
... فعن ابن عباس -رضي الله عنهما- أنه قال: (إن الله استبطأ قلوب المؤمنين، فعاتبهم على رأس ثلاث عشرة سنة من نزول القرآن).(2)
... وفي صحيح مسلم عن ابن مسعود -- رضي الله عنه -- (ما كان بين إسلامنا وبين أن عاتبنا الله بهذه الآيه {ألم يأن للذين آمنوا..} إلا أربع سنين).(3)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... أخرجه البخاري في: (كتاب الكفالة، باب جوار أبي بكر في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم -)
... فتح الباري 4/475-476، ح: 2297، وأخرجه أيضاً في: (كتاب ... الصلاة، باب المسجد يكون في الطريق) فتح الباري 1/563،564، ... ح476.
(2) ... ذكره البغوي في تفسيره 4/297، وابن كثير في تفسيره 4/310.(44/9)
(3) ... أخرجه مسلم (كتاب التفسير، باب قوله تعالى: {ألم يأن للذين ... آمنوا ...}) ... 4/2319، ح3027.
... ورواية ابن مسعود أصح من غيرها فإنها في صحيح مسلم، وهي دليل على أن عتاب الله لهم بالآية كان في بداية إسلامهم، خلافاً لما زعمه الرافضي أنه بعد سبع عشرة سنة من نزول القرآن.
... وأما طعن الرافضي في الصحابة بزعمه أنه لم تخشع قلوب السابقين منهم فكيف بمن أتى بعدهم...!
... فهذه دعوى باطلة وفرية ظاهرة، يردها ما ثبت في سيرة
الصحابة -- رضي الله عنهم -- من أخبار تدل على تحقيقهم أعلى مقامات الخشوع، وشدة خوفهم من الله وكثرة بكائهم من خشيته مما لاينكره إلا مكابر أو جاهل.
... فمن ذلك ما رواه الشيخان من حديث أنس -- رضي الله عنه -- قال: (خطب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خطبة ما سمعت مثلها قط، قال: لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً، قال: فغطى أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجوههم لهم حنين...).(1) وفي رواية مسلم (خنين)
... والحنين هو: الصوت الذي يرتفع بالبكاء من الصدر، والخنين:
من الأنف(2)، والمقصود شدة بكائهم من موعظة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... صحيح البخاري (كتاب التفسير، باب لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم ... تسؤكم) فتح الباري 8/280، ح4621، وصحيح مسلم (كتاب ... الفضائل، باب توقيره - صلى الله عليه وسلم -..) 4/1832، ح2359.
(2) ... فتح الباري لابن حجر 8/281.
... وفي رواية أخرى لمسلم: (فأكثر الناس البكاء، حين سمعوا ذلك من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -).(1)(44/10)
... وقد ثبت البكاء لبعض الصحابة، بل كان بعضهم معروفاً به
مما يدل على شدة خوفهم من الله وخشيتهم له ففي الصحيحين من حديث عائشة -رضي الله عنها- في أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أبا بكر أن يصلي بالناس: (...فقلت يا رسول الله إن أبا بكر رجل رقيق القلب إذا قرأ القرآن لايملك دمعه).
... وفي روايه: (إن أبابكر إذا قام في مقامك لم يسمع الناس من البكاء). (2)
... وفي الحلية لأبي نعيم عن عبدالله بن عيسى قال: (كان في وجه عمر خطان أسودان من البكاء).(3)
... وعن هشام بن الحسن قال: (كان عمر يمر بالآيه في ورده
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... أخرجها مسلم من حديث أنس (كتاب الفضائل، باب توقيره - صلى الله عليه وسلم -..) ... 4/1832.
(2) ... أخرج الحديث الشيخان واللفظ الأول لمسلم والثاني للبخاري، صحيح ... البخاري (كتاب الأذان، باب أهل العلم والفضل أحق بالامامة) فتح الباري ... 2/164، ح679، صحيح مسلم (كتاب الصلاة، باب استخلاف الإمام ... إذا عرض له عذر..) 1/313.
(3) ... حلية الأولياء 1/51.
فتخنقه فيبكي حتى يسقط).(1)
... وعن عثمان -- رضي الله عنه -- أنه جاء إلى بيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخبرته عائشة -رضي الله عنها- أنهم لم يطعموا طعاماً منذ أربعة أيام، قالت عائشة -رضي الله عنها-: (فبكى عثمان ثم قال: مقتاً للدنيا، ثم أحضر لهم
طعاماً كثيراً وصرة دراهم).(2)
... وعن عبدالرحمن بن عوف -- رضي الله عنه -- أنه أتي بصحفة فيها خبز ولحم فلما وضعت بكى فقيل له: يا أبا محمد ما يبكيك؟ قال: هلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يشبع هو وأهل بيته من خبز الشعير، ولا أرانا أخرنا لها لما هو خير منها.(3)
... وكان ابن عمر لا يذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - قط إلا بكى. (4)(44/11)
... وأخبارهم في ذلك تطول، وإنما ذكرت هنا أمثلة، للرد على ما افتراه هذا الرافضي في حق الصحابة، وزعمه عدم خشوعهم وخشيتهم، وبيان براءتهم من طعنه وقدحه بهذه الأمثلة الدالة على قوة إيمانهم وشدة خوفهم من الله تعالى، وحسبهم قبل ذلك وبعد
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... حلية الأولياء 1/51.
(2) ... أورده ابن قدامة المقدسي في الرقة والبكاء ص188.
(3) ... أورده أبو نعيم في الحلية 1/100.
(4) ... رواه الدارمي في سننه 1/54 ح86.
تزكية الله ورسوله لهم، وما ثبت في الكتاب والسنة من فضائلهم ومناقبهم التي اختصهم الله بها على من بعدهم من الأمة فرضي الله عنهم أجمعين، وأعلى درجاتهم في جنات النعيم.
... فثبت بهذا الاستعراض لما ذكره المؤلف من آيات زاعماً أنها دلت
على الطعن في الصحابة، ثم الوقوف على النصوص الأخرى وأقوال أهل العلم المفسرة لهذه الآيات، والموضحة لمقصودها، والمبينة لأسباب نزولها: بطلان ما ادعاه الرافضي في حق الصحابة، وأن هذه الآيات لا تدل بحال على ذم الصحابة أو تنقصهم، وإنما يحمل الرافضة على تأويلها على غير مراد الله منها وتحريفها عن مواضعها، ماامتلأت به قلوبهم من حقد وضغينة على أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هذا مع ماعليه هؤلاء الرافضة من جهل عظيم بالشرع، ونقص كبير في العقول، وبلادة في الأفهام، مصحوب ذلك بهوى وظلم وكذب وافتراء.
... ولذا ذكر شيخ الإسلام في وصفهم: «والقوم من أكذب الناس في النقليات، ومن أجهل الناس في العقليات، يصدقون من المنقول بما يعلم العلماء بالاضطرار أنه من الأباطيل، ويكذبون بالمعلوم من الاضطرار المتواتر أعظم تواتر في الأمة جيلاً بعد جيل».(1)
... وفي ختام هذا المبحث المتعلق بالرد على المؤلف في ما يستدل به
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) منهاج السنة 1/8.(44/12)
من آيات في الطعن على الصحابة اذكر بعض الأوجه العامة في الرد على استدلاله ببعض الآيات بعد ذكر الرد المفصل عليه عند كل آيه.
... فأقول مستعيناً بالله:
... الوجه الأول: أن كل ما يستدل به المؤلف وغيره من الرافضة
من آيات في الطعن على الصحابة لايخلو من ثلاثة أقسام:
... إما أن تكون آيات نزلت في الكفار والمنافقين، ينزلونها على الصحابة بجهل وظلم، لاحجة لهم فيها بوجه عند أهل العلم.
... وإما أن تكون آيات عامة نزلت في حث الأمة على الخير، وأمرها به، أو تحذيرها من الشر ونهيها عنه، والخطاب فيها للصحابة ولمن بعدهم من الأمة، وهي مصدرة في الغالب: بـ(يا أيها الذين آمنوا) وذلك كقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه}(1) وقوله: {يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله ورسوله وتخونوا أماناتكم}(2) وقوله: {يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم}(3) وقوله: {يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم}(4)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... سورة المائدة آيه 54.
(2) ... سورة الأنفال آيه 27.
(3) ... سورة المائدة آيه 87.
(4) ... سورة الأنفال آيه 24.
وقوله: {يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن}(1) والأمثلة على هذا كثيرة جداً في القرآن، وليس فيها أي طعن على الصحابة.(44/13)
... وقد خاطب الله تعالى بمثل هذا رسوله - صلى الله عليه وسلم - كما في قوله: {يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته}(2) وقوله: {ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين}(3) وقوله: {ولئن اتبعت أهواءهم من بعد ما جاء من العلم إنك إذا لمن الظالمين}(4) وقوله: {فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل ولا تستعجل لهم}(5) وقوله: {ولاتمنن تستكثر - ولربك فاصبر}(6) وغيرها من الآيات في معناها فكما أن هذه الآيات بما تضمنته من الأوامر والنواهي من الله لرسوله، ليس فيها أي مطعن عليه، فكذلك ما ثبت من ذلك في حق الصحابة ليس فيه أي مطعن عليهم.
... وأما القسم الثالث من الآيات فآيات تضمنت نوع عتاب من ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... سورة الحجرات آيه 12.
(2) ... سورة المائدة آيه 67.
(3) ... سورة الزمر آيه 65.
(4) ... سورة البقرة آيه 145.
(5) ... سورة الأحقاف آيه 35.
(6) ... سورة المدثر آيتا 6، 7.(44/14)
الله لبعض الصحابة، كما في قوله تعالى: {ألم يأن للذين آمنوا أن
تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق}(1) وقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثّاقلتم إلى الأرض}(2) وقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة}(3) فهذه الآيات وما في معناها ليس فيها كذلك مطعن على الصحابة، وإنما عاتب الله بها أفراداً منهم، بل ربما كان العتاب لفرد واحد منهم، كما في الآية الأخيرة، فإنها نزلت في حاطب بن أبي بلتعة -- رضي الله عنه --(4) ومن الخطأ تعميم ذلك على الصحابة كلهم، كما هو صنيع الرافضة، وأيضاً فإن الله تعالى خاطبهم فيها بوصف الإيمان الدال على تزكية الله لهم وثنائه عليهم، ولهذا أُطلق على هذه الآيات وأمثالها على أنها عتاب من الله للمؤمنين،كمافي أثر ابن مسعود المتقدم: (ما كان بين إسلامنا وبين أن عاتبنا الله بهذه الآيه {ألم يأن للذين آمنوا..} (5) إلا أربع سنين).(6) ...
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... سورة الحديد آيه 16.
(2) ... سورة التوبة آيه 38.
(3) ... سورة الممتحنة آيه 1.
(4) ... انظر تفسير ابن كثير 4/344.
(5) ... سورة الحديد من الآيه 16.
(6) ... تقدم تخريجه ص 336.
... وكذلك قال ابن عباس: (إن الله استبطأ قلوب المؤمنين فعاتبهم).(1)(44/15)
... والعتاب عرفه أهل اللغة بأنه: «مخاطبة الإدْلاَل وكلام المُدِلّيِن أَخِلاَّءَهم طالبين حسن مراجعتهم» (2) ولهذا عاتب الله رسوله وخليله - صلى الله عليه وسلم - في أكثر من آية كما في قوله تعالى: {عبس وتولى - أن جاءه الأعمى}(3) وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - بعدها يكرم ابن أم مكتوم ويقول له إذا رآه: (مرحباً بمن عاتبني فيه ربي) (4) وقال تعالى: {يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضات أزواجك والله غفور رحيم}(5) وقال تعالى: {وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وانعمت عليه أمسك عليك زوجك واتق الله وتخفي في نفسك ما الله مبديه}.(6)
... إلى غير ذلك من الأمثلة في هذا الباب.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... تقدم تخريجه ص 336.
(2) ... لسان العرب لابن منظور 1/577.
(3) ... سورة عبس آيتا 1-2.
(4) ... ذكره البغوي في تفسيره 4/446، والقرطبي في تفسيره من رواية سفيان ... الثوري 19/203.
(5) ... سورة التحريم آيه 1.
(6) ... سورة الأحزاب آيه 37.
... والمقصود هنا: هو التأكيد على أن كل ما ثبت في حق الصحابة من عتاب الله تعالى لهم، لا يوجب انتقاصهم به، إذا ما ثبت جنس ذلك في حق الرسول - صلى الله عليه وسلم - وهو بالمكانة المعروفة من ربه.
... فثبت بهذا أنه لاحجة للرافضة فيما استدلوا به من آيات للطعن في الصحابة عند النظر والتدقيق، والبحث والتحقيق.(44/16)
... الوجه الثاني: أنا لو سلمنا جدلاً أن في تلك الآيات التي ذكر المؤلف ذماً لبعض الصحابة، فمن أين له الحكم على بعضهم أنهم هم المعنيون بها دون البعض الآخر، ممن تعتقد الرافضة عدالتهم من الصحابة، وعلى رأسهم علي -- رضي الله عنه --، فإن هذا التعيين يحتاج إلى دليل، وإلا فلغيره أن يدعى ما يشاء، وينزل تلك الآيات على من شاء من الصحابة، كما لو احتج الخوارج بتلك الآيات على تكفير علي -- رضي الله عنه -- أو النواصب على تفسيقه، فلن يجد المؤلف ولا غيره من الرافضة حجة يدفعون بها عن علي -- رضي الله عنه -- إلا بقول أهل السنة واعتقاد عدالة الصحابة جميعاً.
... الوجه الثالث: أن الله تعالى أثنى في كتابه على الصحابة أبلغ الثناء، وزكاهم أعظم تزكية، وأخبر أنه رضي الله عنهم ورضوا عنه، ووصفهم بالإيمان والتقوى، ووعدهم بالحسنى، كقوله تعالى: {والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم
بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري
تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً ذلك الفوز العظيم}.(1)
... وقوله: {لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحاً قريباً}.(2)
... وقوله: {محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعاً سجداً يبتغون فضلاً من الله ورضواناً سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطئه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجراً عظيماً}.(3)
... وقوله: {لايستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلاً وعد الله الحسنى}.(4)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... التوبة آيه 100.
(2) ... سورة الفتح آيه 18.(44/17)
(3) ... سورة الفتح آيه 29.
(4) ... سورة الحديد آيه 10.
... فقد تضمنت هذه الآيات ثناء الله - عز وجل - العظيم على الصحابة
ووصفه لهم بتلك الصفات الفاضلة الدالة على علو شأنهم في الدين، وسمو مكانتهم فيه، وإخباره بما أعد لهم في الآخرة من الأجر والثواب والمغفرة والرضوان، والخلود في جنات تجري من تحتها الأنهار، مما يدل دلالة واضحة على بطلان ما ادعاه الرافضي من أن بعض الآيات جاءت بذمهم وتنقصهم، وذلك أنه كتاب محكم لا يناقض بعضه بعضاً كما قال تعالى: {ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً}.(1)
... ولو افترض وجود بعض الآيات تدل بظاهرها على ما ادعى الرافضي، فالواجب حملها على هذه الآيات الصريحة القاطعة بعدالة الصحابة جميعاً، فكيف والنصوص كلها من الكتاب والسنة بعدالتهم متواترة، وبإيمانهم قاطعة.
... الوجه الرابع: أن الله تعالى أثنى على المستغفرين لهم السائلين الله تعالى أن لا يجعل في قلوبهم غلاً لهم، فقال بعد أن ذكر المهاجرين والأنصار: {والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم}(2) فكيف يتصور بعد هذا أن يذمهم الله
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... سورة النساء آيه 82.
(2) ... سورة الحشر آيه 10.
تعالى في آيات أخرى بما يوجب تنقصهم وبغضهم، فإن هذا من أبعد ما يكون عند أصحاب العقول، أن يتضمن مثل ذلك كتاب الله المحكم المنزه عن الاختلاف والاضطراب.(44/18)
... الوجه الخامس: أن الله تعالى جعل أصحاب نبيه غيظاً للكفار فقال: {ليغيظ بهم الكفار}(1) فمن المحال بعد ذلك أن يجعل للكفار حجة عليهم بذمهم في كتابه، وقد قال الله تعالى: {ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلاً}.(2)
... وبهذا يظهر زيف دعوى الرافضي في أن القرآن قد جاء بذم الصحابة.
... فلله الحمد والمنة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... سورة الفتح من الآيه 29.
(2) ... سورة النساء من الآيه 141.(44/19)
طعن الرافضي على الصحابة بحديث
الحوض والرد عليه
... قال الرافضي ص119 تحت عنوان: (رأي الرسول - صلى الله عليه وسلم - في الصحابة).
... «قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (بينما أنا قائم فإذا زمرة حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم فقال: هلم، فقلت: إلى أين؟ فقال: إلى النار والله، قلت: ما شأنهم؟ قال: إنهم ارتدوا بعدك على أدبارهم القهقري، فلا أرى يخلص منهم إلا مثل همل النعم).
... وقال - صلى الله عليه وسلم -: (إني فرطكم على الحوض من مر علي شرب، ومن شرب لم يظمأ أبداً ليردن علي أقوام أعرفهم ويعرفونني، ثم يحال بيني وبينهم، فأقول: أصحابي، فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فأقول: سحقاً سحقاً لمن غير بعدي).
... فالمتمعن في هذه الآحاديث العديدة التي أخرجها علماء أهل السنة في صحاحهم ومسانيدهم، لا يتطرق إليه الشك في أن أكثر الصحابة قد بدلوا وغيروا، بل ارتدوا على أدبارهم بعده - صلى الله عليه وسلم -، إلا القليل الذي عبر عنه بهمل النعم، ولا يمكن بأي حال من الأحوال حمل هذه الآحاديث على القسم الثالث: وهم المنافقون لأن النص يقول: فأقول أصحابي، ولأن المنافقين لم يبدلوا بعد النبي - صلى الله عليه وسلم -، وإلا
فأصبح المنافق بعد وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - مؤمناً».(45/1)
... والجواب: (أن هذين الحديثين اللذين ذكرهما صحيحان أخرجهما البخاري في صحيحه(1)، وأخرج مسلم الثاني منهما(2)، وللحديثين روايات أخرى أخرجهما الشيخان وغيرهما من الأئمة في كتب السنة، ولا حجة في هذه الأحاديث -بحمد الله- على مازعم هذا الرافضي من القول بردة الصحابة إلا القليل منهم، كما هو معتقد سلفه من الرافضة أخزاهم الله. وذلك أن أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - مما لا يقبل النزاع في عدالتهم أو التشكيك في إيمانهم بعد تعديل العليم الخبير لهم في كتابه، وتزكية رسوله - صلى الله عليه وسلم - لهم في سنته، وثناء الله ورسوله عليهم أجمل الثناء، ووصفهم بأحسن الصفات، مما هو معلوم ومتواتر من كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - على ما تقدم نقل بعض النصوص في ذلك. (3)
... ولهذا اتفق شراح الحديث من أهل السنة، على أن الصحابة غير معنيين بهذه الأحاديث وأنها لا توجب قدحاً فيهم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... صحيح البخاري: (كتاب الرقاق، باب في الحوض) فتح الباري 11/464- ... 465، ح 6584-6587.
(2) ... صحيح مسلم: (كتاب الفضائل، باب إثبات الحوض) 4/1793،
... ح229.
(3) ... انظر ص 215-217 ، 345-348.
... قال ابن قتيبة في معرض رده على الرافضة في استدلالهم بالحديث على ردة الصحابة: «فكيف يجوز أن يرضى الله -- عز وجل -- عن أقوام ويحمدهم، ويضرب لهم مثلاً في التوراة والإنجيل، وهو يعلم أنهم يرتدون على أعقابهم بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا أن يقولوا: إنه لم يعلم وهذا هو شر الكافرين».(1)
... وقال الخطابي: «لم يرتد من الصحابة أحد، وإنما ارتد قوم من جفاة العرب، ممن لانصرة له في الدين، وذلك لا يوجب قدحاً في الصحابة المشهورين، ويدل قوله: (أصيحابي) على قلة عددهم». (2)(45/2)
... وقال الدهلوي: «إنا لا نسلم أن المراد بالأصحاب ماهو المعلوم في عرفنا، بل المراد بهم مطلق المؤمنين به - صلى الله عليه وسلم - المتبعين له، وهذا كما يقال لمقلدي أبي حنيفة أصحاب أبي حنيفة، ولمقلدي الشافعي أصحاب الشافعي، وهكذا وإن لم يكن هناك رؤية واجتماع، وكذا يقول الرجل للماضين الموافقين له في المذهب أصحابنا، مع أنه بينه وبينهم عدة من السنين، ومعرفتة - صلى الله عليه وسلم - لهم مع عدم رؤيتهم في الدنيا بسبب أمارات تلوح عليهم...
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... تأويل مختلف الحديث ص279.
(2) ... نقله عنه ابن حجر في فتح الباري 11/385.
... إلى أن قال: ولو سلمنا أن المراد بهم ما هو المعلوم في العرف، فهم الذين ارتدوا من الأعراب على عهد الصديق، وقوله: أصحابي أصحابي، لظن أنهم لم يرتدوا كما يُؤْذِن به ما قيل في جوابه: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك.
... فإن قلت: إن (رجالاً) في الحديث كما يحتمل أن يراد منه من ذكرت من مرتدي الأعراب، يحتمل أن يراد ما زعمته الشيعة أجيب: إن ما ورد في حقهم من الآيات والآحاديث وأقوال الأئمة مانع من إرادة ما زعمته الشيعة». (1)
... ثم ساق الآيات والأحاديث في فضل الصحابة.
... وإذا ثبت هذا فاعلم أيها القارئ: أن العلماء قد اختلفوا في أولئك المذادين عن حوض النبي - صلى الله عليه وسلم - -كما في الأحاديث- بعد اتفاقهم أن الصحابة -- رضي الله عنهم -- غير مرادين بذلك.
... قال النووي في شرح بعض روايات الحديث عند قوله - صلى الله عليه وسلم -: (هل تدري ما أحدثوا بعدك): «هذا مما اختلف العلماء في المراد به على أقوال:(45/3)
... أحدها: أن المراد به المنافقون والمرتدون، فيجوز أن يحشروا بالغرة والتحجيل، فيناديهم النبي - صلى الله عليه وسلم - للسيما التي عليهم، فيقال: ليس ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... مختصر التحفة الإثني عشرية ص272-273.
هؤلاء مما وعدت بهم، إن هؤلاء بدلوا بعدك: أي لم يموتوا على ما ظهر من إسلامهم.
... والثاني: أن المراد من كان في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم ارتد بعده فيناديهم النبي - صلى الله عليه وسلم -، وإن لم يكن عليهم سيما الوضوء، لما كان يعرفه - صلى الله عليه وسلم - في حياته من إسلامهم، فيقال: ارتدوا بعدك.
... والثالث: أن المراد به أصحاب المعاصي والكبائر الذين ماتوا على التوحيد، وأصحاب البدع الذين لم يخرجوا ببدعتهم عن الإسلام، وعلى هذا لا يقطع لهؤلاء الذين يذادون بالنار، يجوز أن يذادوا عقوبة لهم، ثم يرحمهم الله - سبحانه وتعالى - فيدخلهم الجنة بغير عذاب». (1)
... ونقل هذه الأقوال، أو قريباً منها، القرطبي، وابن حجر
-رحمهما الله تعالى-. (2)
... قلت: ولا يمتنع أن يكون أولئك المذادون عن الحوض هم من مجموع تلك الأصناف المذكورة، فإن الروايات محتملة لكل هذا، ففي بعضها يقول النبي - صلى الله عليه وسلم - فأقول: (أصحابي) أو (أصيحابي -بالتصغير-)، وفي بعضها يقول: (سيؤخذ أناس من دوني فأقول ياربي مني ومن أمتي) وفي بعضها يقول: (ليردن عليّ أقوام أعرفهم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... شرح صحيح مسلم 3/136-137.
(2) ... انظر: المفهم للقرطبي 1/504، وفتح الباري لابن حجر 11/385.
ويعرفوني)(1)، وظاهر ذلك أن المذادين ليسوا طائفة واحدة.
... وهذا هو الذي تقتضيه الحكمة، فإن العقوبات في الشرع تكون بحسب الذنوب، فيجتمع في العقوبة الواحدة كل من استوجبها من أصحاب ذلك الذنب.(45/4)
... كما روى عن طائفة من الصحابة منهم عمر وابن عباس -رضي الله عنهما- في تفسير قوله تعالى: {احشروا الذين ظلموا وأزواجهم}(2): قالوا: (أشباههم يجئ أصحاب الزنا مع أصحاب الزنا، وأصحاب الربا مع أصحاب الربا، وأصحاب الخمر مع أصحاب الخمر)(3)، وإذا كان النبي - صلى الله عليه وسلم - قد بين أن سبب الذود عن الحوض هو الارتداد كما في قوله: (إنهم ارتدوا على أدبارهم)، أو الإحداث في الدين، كما في قوله: (إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك)(4)، فمقتضى ذلك هو أن يُذاد عن الحوض كل مرتد عن الدين سواء أكان ممن ارتد ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... انظر: الروايات في صحيح البخاري: (كتاب الرقاق، باب الحوض) فتح ... الباري 11/463-465، وصحيح مسلم: (كتاب الفضائل، باب اثبات ... الحوض) 4/1792-1802.
(2) ... سورة الصافات آية 22.
(3) ... تفسير ابن كثير 4/4.
(4) ... انظر: الروايات في الصحيحين بحسب ما جاء في الحاشية رقم (1) من هذه ... الصفحة.
بعد موت النبي - صلى الله عليه وسلم - من الأعراب، أو من كان بعد ذلك، يشاركهم في هذا أهل الإحداث وهم المبتدعة.
... وهذا هو ظاهر قول بعض أهل العلم.
... قال ابن عبد البر: «كل من أحدث في الدين فهو من المطرودين عن الحوض، كالخوارج، والروافض، وسائر أصحاب الأهواء، قال: وكذلك الظلمة المسرفون في الجور وطمس الحق، والمعلنون بالكبائر، قال: وكل هؤلاء يخاف عليهم أن يكونوا ممن عنوا بهذا الخبر والله أعلم». (1)
... وقال القرطبي في التذكرة: «قال علماؤنا -رحمة الله عليهم أجمعين- فكل من ارتد عن دين الله، أو أحدث فيه ما لا يرضاه، ولم يأذن به الله، فهو من المطرودين عن الحوض المبعدين عنه، وأشدهم طرداً من خالف جماعة المسلمين وفارق سبيلهم، كالخوارج على اختلاف فرقها، والروافض على تباين ضلالها، والمعتزلة على أصناف أهوائهاء، فهؤلاء كلهم مبدلون). (2)(45/5)
... وإذا ما تقرر هذا ظهرت براءة الصحابة من كل ما يرميهم به الرافضة فالذود عن الحوض إنماهو بسبب الردة أو الإحداث في الدين،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... نقلاً عن النووي في شرح صحيح مسلم 3/137.
(2) ... التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة 1/348.
والصحابة من أبعد الناس عن ذلك، بل هم أعداء المرتدين الذين قاتلوهم وحاربوهم في أصعب الظروف وأحرجها بعد موت النبي - صلى الله عليه وسلم - على ماروى الطبري في تأريخه بسنده عن عروة بن الزبير عن أبيه قال: (قد ارتدت العرب إما عامة وإما خاصة في كل قبيلة، ونجم النفاق، واشرأبت اليهود والنصارى والمسلمون كالغنم في الليلة المطيرة الشاتية، لفقد نبيهم - صلى الله عليه وسلم - وقلتهم وكثرة عدوهم). (1)
... ومع هذا تصدى أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - لهؤلاء المرتدين وقاتلوهم قتالاً عظيماً وناجزوهم حتى أظهرهم الله عليهم فعاد للدين من أهل الردة من عاد، وقتل منهم من قتل، وعاد للإسلام عزه وقوته وهيبته على أيدي الصحابة -- رضي الله عنهم -- وجزاهم عن الإسلام خير الجزاء.
... وكذلك أهل البدع كان الصحابة -رضوان الله عليهم- أشد الناس إنكاراً عليهم، ولهذا لم تشتد البدع وتقوى إلا بعد انقضاء عصرهم، ولما ظهرت بعض بوادر البدع في عصرهم أنكروها وتبرؤا منها ومن أهلها.
فعن ابن عمر-- رضي الله عنه --أنه قال لمن أخبره عن مقالة القدرية:(إذا لقيت هؤلاءفأخبرهم أن ابن عمرمنهم بريء،وهم منه برآء ثلاث مرات). (2)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... تاريخ الطبري 3/225.
(2) ... أخرجه عبدالله بن أحمد في كتاب السنة 2/420، والآجري في الشريعة ... ص205.(45/6)
... وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: (ما في الأرض قوم أبغض إلىّ من أن يجيئوني فيخاصموني من القدرية في القدر). (1)
... ويقول البغوي ناقلاً إجماع الصحابة وسائر السلف على معاداة أهل البدع: «وقد مضت الصحابة والتابعون وأتباعهم وعلماء السنن على هذا مجمعين متفقين على معاداة أهل البدع ومهاجرتهم». (2)
... وهذه المواقف العظيمة للصحابة من أهل الردة وأهل البدع، من أكبر الشواهد الظاهرة على صدق تدينهم، وقوة إيمانهم، وحسن بلائهم في الدين، وجهادهم أعداءه بعد موت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، حتى أقام الله بهم السنة وقمع البدع، الأمر الذي يظهر به كذب الرافضة في رميهم لهم بالردة والإحداث في الدين، والذود عن حوض
النبي - صلى الله عليه وسلم -. بل هم أولى الناس بحوض نبيهم لحسن صحبتهم له في حياته، وقيامهم بأمر الدين بعد وفاته.
... ولا يشكل على هذا قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (ليردن عليّ ناس من أصحابي الحوض حتى إذا عرفتهم اختلجوا دوني)(3) فهؤلاء هم من
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... أخرجه الآجري في الشريعة ص213.
(2) ... شرح السنة للبغوي 1/194.
(3) ... جزء من حديث سهل بن سعد أخرجه البخاري في صحيحه: (كتاب ... الرقاق، باب الحوض) فتح الباري 11/464، ح6582.(45/7)
مات النبي - صلى الله عليه وسلم - وهم على دينه، ثم ارتدوا بعد ذلك، كما ارتدت كثير من قبائل العرب بعد موت النبي - صلى الله عليه وسلم -، فهؤلاء في علم النبي - صلى الله عليه وسلم - من أصحابه، لأنه مات وهم على دينه، ثم ارتدوا بعد وفاته ولذا يقال له: (إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك)، وفي بعض الروايات: (إنك لا علم لك بما أحدثوا بعدك إنهم ارتدوا على أدبارهم القهقري) (1) فظاهر أن هذا في حق المرتدين بعد موت النبي - صلى الله عليه وسلم -. وأين أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - الذين قاموا بأمر الدين بعد نبيهم خير قيام، فقاتلوا المرتدين، وجاهدوا الكفار والمنافقين، وفتحوا بذلك الأمصار، حتى عم دين الله كثيراً من الأمصار، من أولئك المنقلبين على أدبارهم.
... وهؤلاء المرتدون لا يدخلون عند أهل السنة في الصحابة، ولا يشملهم مصطلح (الصحبة) إذا ما أطلق. فالصحابي كما عرفه العلماء المحققون: «من لقي النبي - صلى الله عليه وسلم - مؤمناً به ومات على الإسلام». (2)
... وأما قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (فلا أراه يخلص منهم إلا مثل همل النعم)(3)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... انظر: الروايات في صحيح البخاري: (كتاب الرقاق، باب الحوض) فتح ... الباري 11/464-465، وصحيح مسلم: (كتاب الفضائل، باب إثبان ... الحوض) 4/1796.
(2) ... الاصابة في تمييز الصحابة لابن حجر 1/7.
(3) ... تقدم تخريج الحديث ص 350، وهَمَل النعم: ضوال الإبل، واحدها: هامل، ... أي الناجي منهم قليل في قلة النَّعَم الضالة، النهاية لابن الاثير 5/274.(45/8)
واحتجاج الرافضي به على تكفير الصحابة إلا القليل منهم فلا حجة له فيه، لأن الضمير في قوله (منهم) إنما يرجع على أولئك القوم الذين يدنون من الحوض ثم يذادون عنه، فلا يخلص منهم إليه إلا القليل وهذا ظاهر من سياق الحديث فإن نصه: (بينما أنا قائم فإذا زمرة حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم فقال: هلَمّ فقلت أين؟ قال: إلى النار والله، قلت: وما شأنهم؟ قال: إنهم ارتدوا بعدك على أدبارهم القهقري، ثم إذا زمرة حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم، فقال: هلم، قلت: أين؟ قال: إلى النار والله، قلت: ما شأنهم؟ قال: إنهم ارتدوا على أدبارهم القهقري، فلا أراه يخلص منهم إلا مثل هَمَل النعم). (1)
... فليس في الحديث للصحابة ذكر وإنما ذكر زمراً من الرجال يذادون من دون الحوض ثم لا يصل إليه منهم إلا القليل.
... قال ابن حجر في شرح الحديث عند قوله: (فلا أراه يخلص منهم إلا مثل هَمَل النعم) «يعني من هؤلاء الذين دنوا من الحوض وكادوا يردونه فصدوا عنه... والمعنى لا يرده منهم إلا القليل لأن الهَمَل في الإبل قليل بالنسبة لغيره». (2)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... تقدم تخريج الحديث ص 350.
(2) ... فتح الباري 11/474-475.(45/9)
... وبهذا يظهر كذب الرافضي وتلبيسه، وبراءة الصحابة من طعنه وتجريحه، على أن أحاديث الحوض في الجملة لو استقام للرافضي الاحتجاج بها على ردة بعض الصحابة -مع أن ذلك لا يستقيم بما تقدم ذكره -فأين الدليل على تعيين المرتدين المحدثين منهم الذين تعتقد الرافضة ردتهم من الصحابة، فإن هذا يحتاج إلى دليل، ولو احتج الخوارج الذين يكفرون علياً -- رضي الله عنه -- بهذه الآحاديث على ردة علي -- رضي الله عنه -- حاشاه ذلك- ما استطاع الرافضة الذب عنه، بل لو قال الخارجي الواقع يشهد بصحة ما اعتقد فإن الحروب والفتن وتفرق المسلمين وسفك دمائهم إنما كان في عهده دون من سبقه من الخلفاء، لانقطع الرافضي في الخصومة، وهذا لايعني صحة قول الخارجي ولا قوة حجته بل قوله فاسد، معلوم فساده بالاضطرار من دين المسلمين بما تواتر من الأدلة القاطعة بعدالة الصحابة وتزكية الله ورسوله لهم، وبما اشتهر من الأدلة الخاصة في فضل علي -- رضي الله عنه --، لكن الرافضة بفساد عقولهم وضعف أفهامهم لما قدحوا في كل الأصول الدالة على عدالة الصحابة جميعاً، لا يستطيعون بعدها أن يقيموا حجة واحدة على عدالة علي، إلا ألزمهم الخوارج بمثل قولهم في أبي بكر، وعمر، وعثمان، وهذا أصل عظيم في الرد على الرافضة ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- يقول:«وهكذا أمر أهل السنة مع الرافضة في أبي بكر، وعلي، فإن الرافضي لا يمكنه أن يثبت إيمان علي(45/10)
وعدالته وأنه من أهل الجنة، فضلاً عن إمامته إن لم يثبت ذلك لأبي بكر، وعمر، وعثمان، وإلا فمتى أراد إثبات ذلك لعلي وحده لم تساعده الأدلة، كما أن النصراني إذا أراد إثبات نبوة المسيح دون محمد لم تساعده الأدلة. فإذا قالت له الخوارج الذين يكفرون علياً أو النواصب الذين يفسقونه: إنه كان ظالماً طالباً للدنيا، وإنه طلب الخلافة لنفسه وقاتل عليها بالسيف، وقتل على ذلك ألوفاً من المسلمين حتى عجز عن انفراده بالأمر، وتفرق عليه أصحابه وظهروا عليه فقاتلوه، فهذا الكلام وإن كان فاسداً ففساد كلام الرافضي في أبي بكر، وعمر، أعظم، وإن كان ما قاله في أبي بكر، وعمر، متوجهاً مقبولاً فهذا أولى بالتوجه والقبول...». (1)
... وبهذا يظهر الحق في هذه المسألة وزيف ما ادعاه الرافضي.
... فلله الحمد والمنة .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... منهاج السنة 2/58، وانظر: كلاماً لشيخ الإسلام قريباً من هذا في مجموع ... الفتاوى 4/468.
رمي الرافضي الصحابة بتغيير
سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - والرد عليه
... قال الرافضي ص127 تحت عنوان: (رأي الصحابة بعضهم في بعض، وشهادتهم على أنفسهم بتغيير سنة النبي - صلى الله عليه وسلم -).(45/11)
... ثم أورد أثراً عن أبي سعيد الخدري قال: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخرج يوم الفطر والأضحى إلى المصلى، فأول شيء يبدأ به الصلاة، ثم ينصرف فيقوم مقابل الناس، والناس جلوس على صفوفهم، فيعظهم ويوصيهم ويأمرهم، فإن كان يريد أن يقطع بحثاً قطعه، أو يأمر بشيء أمر به، ثم ينصرف، قال أبو سعيد: فلم يزل الناس على ذلك حتى خرجت مع مروان وهو أمير المدينة في أضحى أو فطر، فلما أتينا المصلى إذا منبر بناه كثير بن الصلت، فإذا مروان يريد أن يرتقيه قبل أن يصلي، فجبذت بثوبه فجبذني، فارتفع فخطب قبل أن يصلي، فقلت له: غيرتم والله، فقال: أبا سعيد قدذهب ما تعلم، فقلت: ما أعلم والله خير مما لا أعلم، فقال: إن الناس لم يكونوا يجلسون لنا بعد الصلاة فجعلتها قبل الصلاة). (1)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... أخرجه البخاري: (كتاب العيدين، باب الخروج إلى المصلى بغير منبر) فتح ... الباري 2/448، ح956.
... قال بعده: «وقد بحثت كثيراً عن الدوافع التي جعلت هؤلاء الصحابة يغيرون سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، واكتشفت أن الأمويين وأغلبهم من صحابة النبي - صلى الله عليه وسلم -، وعلى رأسهم معاوية بن أبي سفيان (كاتب الوحي) كما يسمونه كان يحمل الناس ويجبرهم على سب علي بن أبي طالب ولعنه من فوق منابر المساجد، كما ذكر ذلك المؤرخون، وقد أخرج مسلم في صحيحه في باب فضائل علي بن أبي طالب مثل ذلك، وأمر معاوية عماله في كل الأمصار باتخاذ ذلك اللعن سنة يقولها الخطباء على المنابر...».(45/12)
... قلت: استدلال المؤلف بأثر أبي سعيد الخدري -- رضي الله عنه -- على ما زعمه من تغيير الصحابة للسنة من أعجب العجب، فليس فيه ما يدل على زعمه، بل فيه دلالة على قيام الصحابة بأمر السنة وإنكارهم على من خالفها، وهذا يتمثل في إنكار الصحابي الجليل أبي سعيد الخدري -- رضي الله عنه -- على مروان في تقديمه الخطبة على صلاة العيد.
... ولعل المؤلف ظن أن مروان بن الحكم من الصحابة، بل هو الظاهر من كلامه، لقوله بعد القصة: «وقد بحثت كثيراً عن الدوافع التي جعلت هؤلاء الصحابة يغيرون سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -»، فيكون هذا من جملة جهالاته التي سبق التنبيه على أمثلة كثيرة منها. (1)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... انظر ص154-162 من هذا الكتاب.
... والصحيح أن مروان لا تثبت له صحبة، فقد توفي النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو صغير ابن ثمان سنين، وقد كان في الطائف مع أبيه، بعد نفي النبي - صلى الله عليه وسلم - له. (1)
... قال ابن الأثير: «لم ير النبي - صلى الله عليه وسلم - لأنه خرج إلى الطائف طفلاً لايعقل لما نفي النبي - صلى الله عليه وسلم - أباه الحكم». (2)
... وعده الذهبي في السير من كبار التابعين. (3)
... وقال ابن حجر: «لم أر من جزم بصحبته». (3)
... وعلى هذا فلا يُحَمّل الصحابة فعل مروان، فكيف وقد أنكره من حضره من الصحابة وهو أبو سعيد الخدري -- رضي الله عنه --.
... على أن تقديم مروان للخطبة على صلاة العيد، وإن كان خطأً إلا أن العلماء ذكروا أنه إنما فعله مجتهداً.
... قال ابن حجر في شرح الحديث بعد قول مروان: (إن الناس لم يكونوا يجلسون لنا بعد الصلاة): «وهذا يشعر بأن مروان فعل ذلك
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ(45/13)
(1) ... انظر: الإستيعاب لابن عبدالبر المطبوع مع الإصابة 10/70، والإصابة لابن ... حجر 9/318.
(2) ... أسد الغابة 5/139.
(3) ... انظر: سير أعلام النبلاء 3/476.
(4) ... الإصابة 9/318
باجتهاد منه». (1)
... ونقل عن ابن المنير أنه قال: «حمل أبو سعيد فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - في ذلك على التعيين، وحمله مروان على الأولوية، واعتذر عن ترك الأولى بما ذكره من تغير حال الناس، فرأى أن المحافظة على أصل السنة0 وهو سماع الخطبة- أولى من المحافظة على هيئة فيها ليست من شرطها». (2)
... وأما قول المؤلف: إن الأمويين وأغلبهم من الصحابة، وعلى رأسهم معاوية كان يحمل الناس ويجبرهم على سب علي ولعنه من فوق منابر المساجد، فكلامه هذا يتضمن أمرين:
... الأول: قوله إن الأمويين أغلبهم من الصحابة، فإن كان يعني من تولى الخلافة من بني أمية في عهد الدولة الأموية -وهو الظاهر- فمن من خلفاء بني أمية من الصحابة غير معاوية حتى يقال: -إن أغلبهم من الصحابة ؟؟- -وهذا باستثناء عثمان -- رضي الله عنه -- فإن خلافته كانت في عهد الخلفاء الراشدين كما هو معلوم- وأنا لا أعلم هل هذا من تلبيس المؤلف على العوام وأهل الجهل، أم أنه الجهل المفرط ؟!
... الثاني: قوله إن معاوية كان يحمل الناس على سب علي ولعنه فوق منابر المساجد، وهذه دعوى تحتاج إلى دليل، وهي مفتقرة إلى ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... فتح الباري 2/450.
(2) ... المصدر نفسه.
صحة النقل. والمؤلف لم يوثق كلامه هذا، وإنما اكتفى بقوله: (كما ذكر ذلك المؤرخون) ولم يحل على أي مصدر لذلك، ومعلوم وزن مثل هذه الدعوى عند المحققين والباحثين، فكيف بها وقد صدرت من رافضي حاقد.(45/14)
... ومعاوية -- رضي الله عنه -- منزه عن مثل هذه التهم، بما ثبت من فضله في الدين، فقد كان كاتب الوحي لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -(1)، وثبت في سنن الترمذي بسند صحيح من حديث عبدالرحمن بن عميره أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لمعاوية: (اللهم اجعله هادياً مهدياً واهد به). (2)
... وكان محمود السيرة في الأمة، أثنى عليه بعض الصحابة وامتدحه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... روى مسلم في صحيحه من حديث ابن عباس أن أبا سفيان قال للنبي ... - صلى الله عليه وسلم -: ثلاث أعطنيهن، قال: نعم... وفيه: (معاوية تجعله كاتباً بين يديك، ... قال: نعم...) صحيح مسلم 4/1945.
... قال ابن عساكر: «وأصح ما روى في فضل معاوية حديث أبي جمرة عن ... ابن عباس أنه كان كاتب النبي - صلى الله عليه وسلم - منذ أسلم». نقله ابن كثير في البداية ... والنهاية 8/125.
(2) ... أخرجه الترمذي: (كتاب المناقب، باب مناقب لمعاوية -- رضي الله عنه --) 5/687، ... وقال هذا حديث حسن غريب، وصحح الحديث الألباني قال في سلسلة ... الأحاديث الصحيحة 4/615: «رجاله كلهم ثقات رجال مسلم فكان ... حقه أن يصحح..».
... وقال: «وبالجملة فالحديث صحيح».
خيار التابعين، وشهدوا له بالدين والعلم، والعدل والحلم، وسائر خصال الخير.
... فعن عمر بن الخطاب -- رضي الله عنه -- قال لما ولاّه الشام: (لا تذكروا معاوية إلا بخير). (1)
... وعن علي -- رضي الله عنه -- أنه قال بعد رجوعه من صفين: (أيها الناس لاتكرهوا إمارة معاوية، فإنكم لو فقدتموه رأيتم الرؤوس تندر عن كواهلها كأنها الحنظل). (2)
... وعن ابن عمر أنه قال: (ما رأيت بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسود(3) من معاوية فقيل ولا أبوك؟ قال: أبي عمر -رحمه الله- خير من معاوية، وكان معاوية أسود منه). (4)(45/15)
... وعن ابن عباس قال: (ما رأيت رجلاً كان أخلق بالملك من معاوية).(5)
... وفي صحيح البخاري أنه قيل لابن عباس: (هل لك في أمير
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... أورده ابن كثير في البداية والنهاية 8/125.
(2) ... المصدر نفسه 8/134.
(3) ... من السيادة وسمى السيد سيداً لأنه يسود سواد الناس،لسان العرب 3/229
(4) ... أخرجه الخلال في السنة 1/443، وأورده الذهبي في سير أعلام النبلاء ... 3/152، وابن كثير في البداية والنهاية 8/137.
(5) ... أورده ابن كثير في البداية والنهاية 8/137.
المؤمنين معاوية فإنه ما أوتر إلا بواحدة قال: إنه فقيه). (1)
... وعن عبدالله بن الزبير أنه قال: (لله در ابن هند (يعني معاوية) إنا كنا لنفرقه(2) وما الليث على براثنه بأجرأ منه، فيتفارق لنا، وإن كنا لنخدعه وما ابن ليلة من أهل الأرض بأدهى منه فيتخادع لنا، والله لوددت أنا مُتّعنا به مادام في هذا الجبل حجر وأشار إلى أبي قبيس). (3)
... وعن قتادة قال: (لو أصبحتم في مثل عمل معاوية لقال أكثركم هذا المهدي). (4)
... وعن مجاهد أنه قال: (لو رأيتم معاوية لقلتم هذا المهدي). (5)
... وعن الزهري قال: (عمل معاوية بسيرة عمر بن الخطاب سنين لا يخرم منها شيئاً). (6)
... وعن الأعمش أنه ذكر عنده عمر بن عبدالعزيز وعدله فقال:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... صحيح البخاري: (كتاب فضائل الصحابة، باب ذكر معاوية) فتح الباري ... 7/103، ح3765.
(2) ... الفَرَق هو: الخوف والفزع، النهاية لابن الأثير 3/438.
(3) ... أورده ابن كثير في البداية والنهاية 8/138.
(4) ... أخرجه الخلال في السنة 1/438.
(5) ... المصدر نفسه. وأورده ابن كثير في البداية والنهاية 8/137.
(6) ... أخرجه الخلال في السنة 1/444، وقال المحقق: إسناده صحيح.(45/16)
(فكيف لو أدركتم معاويه؟ قالوا: يا أبا محمد يعني في حلمه؟ قال: لا والله، ألا بل في عدله). (1)
... وسئل المعافى معاوية أفضل أو عمر بن عبدالعزيز؟ فقال: (كان معاوية أفضل من ستمائه مثل عمر بن عبدالعزيز).
... والآثار عن السلف في ذلك كثيرة، وإنما سقت هنا بعضها.
... كما أثنى على معاوية -- رضي الله عنه -- العلماء المحققون في السير والتاريخ، ونقاد الرجال.
... يقول ابن قدامة المقدسي: «ومعاوية خال المؤمنين، وكاتب وحي الله، وأحد خلفاء المسلمين -رضي الله تعالى عنهم-». (3)
... وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: «واتفق العلماء على أن معاوية أفضل ملوك هذه الأمة، فإن الأربعة قبله كانوا خلفاء نبوة، وهو أول الملوك، كان ملكه ملكاً ورحمة». (4)
... وقال: «فلم يكن من ملوك المسلمين خير من معاوية، ولا كان الناس في زمان ملك من الملوك خيراً منهم في زمان معاوية». (5)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... أخرجه الخلال في السنة 1/437.
(2) ... المصدر نفسه 1/435.
(3) ... لمعة الاعتقاد الهادي إلى سبيل الرشاد ص33.
(4) ... مجموع الفتاوى 4/478.
(5) ... منهاج السنة 6/232.
... وقال ابن كثير في ترجمة معاوية -- رضي الله عنه --: «وأجمعت الرعايا على بيعته في سنة إحدى وأربعين... فلم يزل مستقلاً بالأمر في هذه المدة إلى هذه السنة التي كانت فيها وفاته، والجهاد في بلاد العدو قائم، وكلمة الله عالية، والغنائم ترد إليه من أطراف الأرض، والمسلمون معه في راحة وعدل، وصفح وعفو». (1)
... وقال ابن أبي العز الحنفي: «وأول ملوك المسلمين معاوية وهو خير ملوك المسلمين». (2)
... وقال الذهبي في ترجمته: «أمير المؤمنين ملك الإسلام». (3)
... وقال: «ومعاوية من خيار الملوك، الذين غلب عدلهم على ظلمهم». (4)(45/17)
وإذا ثبت هذا في حق معاوية -- رضي الله عنه -- فإنه من أبعد المحال على من كانت هذه سيرته، أن يحمل الناس على لعن علي-- رضي الله عنه -- على المنابر وهو من هو في الفضل وهذا يعني أن أولئك السلف وأهل العلم من بعدهم الذين أثنوا عليه ذلك الثناء البالغ، قد مالؤوه على الظلم والبغي واتفقوا على الضلال وهذا مما نزهت الأمة عنه بنص
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... البداية والنهاية 8/122.
(2) ... شرح العقيدة الطحاوية ص722.
(3) ... سير أعلام النبلاء 3/120.
(4) ... المصدر نفسه 3/159.
حديث الرسول - صلى الله عليه وسلم - (إن أمتي لاتجتمع على ضلالة).(1)
... ومن علم سيرة معاوية -- رضي الله عنه -- في الملك، وما اشتهر به من الحلم والصفح،وحسن السياسة للرعية،ظهرله أن ذلك من أكبرالكذب عليه.
... فقد بلغ معاوية -- رضي الله عنه -- في الحلم مضرب الأمثال، وقدوة الأجيال قال: عبدالملك بن مروان وقد ذكر عنده معاوية: (ما رأيت مثله في حلمه واحتماله وكرمه). (2)
... وقال قبيصة بن جابر: (ما رأيت أحداً أعظم حلماً، ولا أكثر سؤدداً، ولا أبعد أناة، ولا ألين مخرجاً، ولا أرحب باعاً بالمعروف من معاوية). (3)
... ونقل ابن كثير: (أن رجلاً أسمع معاوية كلاماً سئياً شديداً، فقيل له لو سطوت عليه؟ فقال: إني لأستحيي من الله أن يضيق حلمي عن ذنب أحد من رعيتي). (4)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ(45/18)
(1) ... رواه ابن أبي عاصم في السنة من حديث أنس -- رضي الله عنه -- ص41 رقم 82- ... 83-84، ورواه الهيثمي في مجمع الزوائد 5/218، وحسنه الألباني في ... ظلال الجنة المطبوع مع السنة ص41-42، وفي سلسلة الأحاديث ... الصحيحة 3/319-320 رقم 1331.
(2) ... البداية والنهاية لابن كثير 8/138.
(3) ... المصدر نفسه.
(4) ... المصدر نفسه.
... وقال رجل لمعاوية: (ما رأيت أنذل منك، فقال معاوية: بلى من واجه الرجال بمثل هذا ). (1)
... فهل يعقل بعد هذا أن يسع حلم معاوية -- رضي الله عنه -- سفهاء الناس وعامتهم المجاهرين له بالسب والشتائم، وهو أمير المؤمنين، ثم يأمر بعد ذلك بلعن الخليفة الراشد علي بن أبي طالب على المنابر، ويأمر ولاته بذلك في سائر الأمصار والبلدان. الحكم في هذا لكل صاحب عقل وفهم؟؟
... وأما ما استدل به الرافضي على تلك الفرية بما عزاه إلى صحيح مسلم فليس فيه ما يدل على زعمه، وهو بهذا إنما يشير إلى حديث عامر بن سعد بن أبي وقّاص عن أبيه قال: (أمر معاوية بن أبي سفيان سعداً فقال: ما منعك أن تسب أبا تراب؟ فقال: أمّا ما ذكرت ثلاثاً قالهن له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلن أسبه،لأن تكون لي واحدة منهن أحب إليّ من حمر النعم...)(2) الحديث.
... قال النووي: «قول معاوية هذا ليس فيه تصريح بأنه أمر سعداً بسبه، وإنما سأله عن السبب المانع له من السب. كأنه يقول: هل امتنعت تورعاً، أو خوفاً، أو غير ذلك، فإن كان تورعاً وإجلالاً له عن ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... البداية والنهاية 8/138.
(2) ... أخرجه مسلم في صحيحه: (كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل علي ... -- رضي الله عنه --) 4/1871.(45/19)
السب فأنت مصيب محسن، وإن كان غير ذلك فله جواب آخر، ولعل سعد قد كان في طائفة يسبون فلم يسب معهم، وعجز عن الإنكار، أو أنكر عليهم، فسأله هذا السؤال. قالوا ويحتمل تأويلاً آخر أن معناه: ما منعك أن تخطئه في رأيه واجتهاده، وتظهر للناس حسن رأينا واجتهادنا، وأنه أخطأ». (1)
... وقال القرطبي معلقاً على وصف ضرار الصُّدَائي لعلي -- رضي الله عنه -- وثنائه عليه بحضور معاوية، وبكاء معاوية من ذلك، وتصديقه لضرار فيما قال(2): «وهذا الحديث يدل على معرفة معاوية بفضل علي -- رضي الله عنه -- ومنزلته، وعظيم حقه، ومكانته، وعند ذلك يبعد على معاوية أن يصرح بلعنه وسبّه، لما كان معاوية موصوفاً به من العقل والدين، والحلم وكرم الأخلاق وما يروى عنه من ذلك فأكثره كذب لا يصح، وأصح ما فيها قوله لسعد بن أبي وقاص: ما يمنعك أن تسب أبا تراب؟ وهذا ليس بتصريح بالسب، وإنما هو سؤال عن سبب امتناعه ليستخرج من عنده من ذلك، أو من نقيضه، كما قد ظهر من جوابه، ولما سمع ذلك معاوية سكت وأذعن، وعرف الحق
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... شرح صحيح مسلم 15/175.
(2) ... تقدم تخريج هذا الخبر ونقل طرف منه ص 247-248.
لمستحقه). (1)(45/20)
... والذي يظهر لي في هذا والله أعلم: أن معاوية إنما قال ذلك على سبيل المداعبة لسعد، وأراد من ذلك استظهار بعض فضائل علي -- رضي الله عنه -- فإن معاوية -- رضي الله عنه -- كان رجلاً فطناً ذكياً، يحب مطارحة الرجال واستخراج ما عندهم، فأراد أن يعرف ما عند سعد في علي -رضي الله عنهما- فألقى سؤاله بهذا الأسلوب المثير. وهذا مثل قوله -- رضي الله عنه -- لابن عباس: (أنت على ملة علي؟ فقال له ابن عباس ولا على ملة عثمان، أنا على ملة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -). (2) فظاهر أن قول معاوية هنا لابن عباس جاء على سبيل المداعبة، فكذلك قوله لسعد هو من هذا الباب، وأما ما ادعى الرافضي من الأمر بالسب فحاشا معاوية -- رضي الله عنه -- أن يصدر منه مثل ذلك والمانع من هذا عدة أمور:
... الأول: أن معاوية نفسه ما كان يسب علياً -- رضي الله عنه -- كما تقدم حتى يأمر غيره بسبه، بل كان معظماً له، معترفاً له بالفضل والسبق إلى الإسلام، كما دلت على ذلك أقواله الثابتة عنه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... المفهم للقرطبي 6/278.
(2) ... أخرجه ابن بطة في الإبانة الكبرى 1/355، والصغرى ص145، ... واللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة 1/94.
... قال ابن كثير: «وقد ورد من غير وجه: أن أبا مسلم الخولاني وجماعة معه دخلوا على معاوية فقالوا له: هل تنازع علياً أم أنت مثله؟ فقال: والله إني لأعلم أنه خير مني وأفضل، وأحق بالأمر مني...).(1) الخبر.
... ونقل ابن كثير أيضاً عن جرير بن عبد الحميد عن مغيرة قال: (لما جاء خبر قتل علي إلى معاوية جعل يبكي، فقالت له امرأته: أتبكيه وقد قاتلته؟ فقال: ويحك إنك لا تدرين ما فقد الناس من الفضل والفقه والعلم).(2)
... فهل يسوغ في عقل ودين أن يسب معاوية علياً بل ويحمل الناس على سبه وهو يعتقد فيه هذا !!.(45/21)
... الثاني: أنه لا يعرف بنقل صحيح أن معاوية -- رضي الله عنه -- تعرض لعلي -- رضي الله عنه -- بسب أو شتم أثناء حربه له في حياته، فهل من المعقول أن يسبه بعد انتهاء حربه معه ووفاته، فهذا من أبعد ما يكون عند أهل العقول، وأبعد منه أن يحمل الناس على سبه وشتمه.
... الثالث: أن معاوية -- رضي الله عنه -- كان رجلاً ذكياً، مشهوراً بالعقل والدهاء، فلو أراد حمل الناس على سب علي -حاشاه ذلك- أفكان
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... البداية والنهاية لابن كثير 8/132.
(2) ... المصدر نفسه 8/133.
يطلب ذلك من مثل سعد بن أبي وقاص، وهو من هو في الفضل والورع، مع عدم دخوله في الفتنة أصلاً!! فهذا لا يفعله أقل الناس عقلاً وتدبيراً، فكيف بمعاوية.
... الرابع: أن معاوية -- رضي الله عنه -- انفرد بالخلافة بعد تنازل الحسن بن علي -رضي الله عنهما- له واجتمعت عليه الكلمة والقلوب ودانت له الأمصار بالملك، فأي نفع له في سب علي؟ بل الحكمة وحسن السياسه تقتضي عدم ذلك، لما فيه من تهدئه النفوس، وتسكين الأمور، ومثل هذا لا يخفي على معاوية -- رضي الله عنه -- الذي شهدت له الأمة بحسن السياسة والتدبير.
... الخامس: أنه كان بين معاوية -- رضي الله عنه -- بعد استقلاله بالخلافة وأبناء علي من الأُلفة والتقارب، ما هو مشهور في كتب السير والتاريخ. ومن ذلك أن الحسن والحسين وفدا على معاوية فأجازهما بمائتي ألف. وقال لهما: (ما أجاز بهما أحد قبلي، فقال له الحسين: ولم تعط أحداً أفضل منا). (1)
... ودخل مرة الحسن على معاوية فقال له: (مرحباً وأهلاً بابن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأمر له بثلاثمائة ألف). (2)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... البداية والنهاية لابن كثير 8/139.
(2) ... المصدر نفسه 8/140.(45/22)
... وهذا مما يقطع بكذب ما ادعى الرافضي في حق معاوية، من حمله الناس على سب علي، إذ كيف يحصل هذا مع ما بينه وبين أولاده من هذه الألفة والمودة، والاحتفاء والتكريم.
... وبهذا يظهر الحق في هذه المسألة، وتتجلى الحقيقة.
... فلله الحمد على نعمه وتوفيقه.(45/23)
زعم الرافضي أن الصحابة غيروا حتى
في الصلاة والرد عليه
... قال الرافضي ص130 تحت عنوان: (الصحابة غيروا حتى في الصلاة).
... «قال أنس بن مالك ما عرفت شيئاً مما كان على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - مثل الصلاة، قال: أليس ضيعتم ما ضيعتم فيها.
... وقال الزهري: دخلت على أنس بن مالك بدمشق وهو يبكي. فقلت: ما يبكيك فقال: لا أعرف شيئاً مما أدركت إلا هذه الصلاة، وقد ضيعت.
... وحتى لايتوهم أحد أن التابعين هم الذين غيروا ما غيروا بعد تلك الفتن والحروب، أود أن أذكّر بأن أول من غير سنة الرسول - صلى الله عليه وسلم - في الصلاة، هو خليفة المسلمين عثمان بن عفان، وكذلك أم المؤمنين عائشة. فقد أخرج الشيخان البخاري ومسلم في صحيحيهما: (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى بمنى ركعتين، وأبو بكر بعده، وعمر بعد أبي بكر وعثمان صدراً من خلافته ثم إن عثمان صلى بعد أربعاً).
... كما أخرج مسلم في صحيحه قال الزهري: قلت لعروة: ما بال عائشة تتم الصلاة في السفر؟ قال: إنها تأولت كما تأول عثمان...».
... والرد عليه:
... أن هذين الأثرين اللذين ذكرهما ثابتان عن أنس -- رضي الله عنه -- وقد أخرجهما البخاري في صحيحه(1) وليس فيهما أي مطعن على أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما زعم الرافضي، وذلك أن أنساً إنما قال ذلك إنكاراً على الحجاج بن يوسف الذي كان والياً على العراق لبني أمية، وكان يؤخر الصلاة إلى آخر وقتها -كما كان على ذلك بعض أمراء بني أمية-(2) فأنكر ذلك أنس -- رضي الله عنه -- عندما كان مقيماً بالعراق على ما روى ثابت البناني قال: (كنا مع أنس بن مالك فأخر الحجاج الصلاة، فقام أنس يريد أن يكلمه فنهاه إخوانه شفقة عليه منه، فخرج فركب دابته فقال في مسيره ذلك: والله ما أعرف شيئاً مما كنا عليه على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - ...)(3) الخ كلامه.(46/1)
... ثم إن أنساً بعد ذلك ذهب إلى دمشق وتكلم بالأثر الثاني الذي رواه عنه الزهري بعد قدومه إلى دمشق.
... قال ابن حجر: «كان قدوم أنس دمشق في إمارة الحجاج على العراق، قدمها شاكياً من الحجاج للخليفة، وهو إذ ذاك ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... صحيح البخاري (كتاب مواقيت الصلاة، باب تضييع الصلاة عن وقتها) ... فتح الباري 2/13.
(2) ... انظر: البداية والنهاية لابن كثير 9/94.
(3) ... ذكره ابن حجر في فتح الباري 2/13.
الوليد بن عبدالملك».(1)
... فتبين أن قول أنس -- رضي الله عنه -- هو وصف لحال ذلك الزمان الذي
أدركه في آخر حياته، وما رأى فيه من التغيير، وتأخيير الصلوات عن
وقتها، من قبل بعض الأمراء في عهد الدولة الأموية. وأنس -- رضي الله عنه -- كان من المعمرين ببركة دعاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حيث دعا له بطول العمر، فعن أنس قال: قالت أم سليم: خويدمك ألا تدعوا له؟ فقال: (اللهم أكثر ماله وولده، وأطل حياته، واغفر له، فدعا لي بثلاث: فدفنت مائة وثلاثة، وإن ثمرتي لتطعم في السنة مرتين، وطالت حياتي حتى استحييت من الناس وأرجو المغفرة).(2)
... ووفاة أنس -- رضي الله عنه -- كانت سنة ثلاث وتسعين(3)، وكان قدومه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... فتح الباري 2/13.
(2) ... أخرجه البخاري في الأدب المفرد في (باب من دعا بطول العمر) الأدب ... المفرد مع شرحه فضل الله الصمد 2/106.
... وقدصحح الحديث الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة 5/284، ... ح2241.(46/2)
... وروى الحديث من طريق أخرى البخاري في صحيحة (كتاب الدعوات، ... باب دعوة النبي - صلى الله عليه وسلم - لخادمه بطول العمر...) فتح الباري 11/144، ورواه ... مسلم في (كتاب فضائل الصحابة، باب من فضل أنس) 4/1928 وليس ... في رواية الصحيحين (أطل حياته).
(3) ... انظر البداية والنهاية لابن كثير 9/94، والإصابة لابن حجر 1/113.
إلى دمشق قبل وفاته بسنة في سنة اثنتين وتسعين.
... قال ابن كثير روى عبدالرزاق بن عمر، عن إسماعيل قال: «قدم
أنس على الوليد في سنة اثنتين وتسعين».(1)
... ومعلوم أنه في ذلك الوقت لم يكن بقي فيه من الصحابة إلا القليل، بل ذهب بعض العلماء إلى أن أنس بن مالك هو آخر من مات من الصحابة،ثم أبوالطفيل عامربن واثلة الليثي-رضي الله عنهما-.(2)
... وعلى هذا فأي لوم على الصحابة في تغير الناس من بعدهم، ومن كان حياً منهم فهو منكر لذلك، كما تقدم في الأثرين عن أنس -- رضي الله عنه --.
... على أن هذا التغيير الذي ذكره أنس لا يعم أمصار المسلمين كلها، وإنما كان في بعض الأمصار كالعراق والشام، دون بقية البلاد، يشهد لهذا ما رواه البخاري من حديث بشير بن يسار الأنصاري، أن أنس بن مالك قدم المدينة، فقيل له: ما أنكرت منا منذ يوم عهدت رسول الله- صلى الله عليه وسلم -، قال:(ماأنكرت شيئاً إلا أنكم لا تقيمون الصفوف).(3)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... البداية والنهاية 9/94.
(2) ... الباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث لابن كثير ص160.
(3) ... رواه البخاري (كتاب الأذان، باب إثم من لم يتم الصفوف) فتح الباري ... 2/209، ح724.(46/3)
... وقد نبه على هذا الحافظ ابن حجر -رحمه الله- عند شرحه للأثرين السابقين لأنس، حيث قال: «إطلاق أنس محمول على ما شاهده من أمراء الشام والبصرة خاصة، وإلا فسيأتي في هذا الكتاب أنه قدم المدينة فقال: (ما أنكرت شيئاً...)» (1)، ثم ساق الأثر.
... وأما قول الرافضي: إن أول من غير سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - هو عثمان وعائشة -رضي الله عنهما- مشيراً لإتمام عثمان -- رضي الله عنه -- الصلاة في منى، وأن عائشة كانت تتم الصلاة في السفر.
... فجوابه: أن عثمان وعائشة -رضي الله عنهما- كانا مجتهدين، وقد اختلف العلماء في وجه اجتهادهما اختلافاً كبيراً، وذكروا وجوهاً كثيرة في ذلك. (2) لكن الذي صوبه أكثر المحققين وقطعوا به، أنهما كانا يريان جواز القصر والإتمام، فأخذا بأحد الجائزين.
... قال النووي: «اختلف العلماء في تأويلهما، فالصحيح الذي عليه المحققون:أنهما رأيا القصر جائزاً والإتمام جائزاً، فأخذا بأحد الجائزين،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... فتح الباري 2/14.
(2) ... انظر شرح صحيح مسلم للنووي 5/195، والمفهم للقرطبي 2/327، ... وفتح الباري لابن حجر 2/570-571.
وهو الإتمام».(1)
... وقال القرطبي: «اختلف في تأويل إتمام عائشة وعثمان في السفر على أقوال، وأولى ما قيل في ذلك أنهما تأولا: أن القصر رخصة غير واجبة، وأخذا بالأكمل، وما عدا هذا القول إما فاسد وإما بعيد».(2) ثم ذكر بقية الأقوال ورد عليها.
... وهذا الذي ذكره القرطبي هنا في سبب تأولهما فيه ترجيح الإتمام على القصر على اعتبار أن القصر رخصة، وأن الإتمام عزيمة ولذا قال: أخذا بالأكمل. بخلاف توجيه النووي فالظاهر منه أنه يستوى فيه الأمران وإنما أخذا بأحد الجائزين.
... وقد فرق بعض المحققين بين سبب إتمام عثمان، وإتمام عائشة -رضي الله عنهما-.(46/4)
... كما ذهب إلى ذلك الحافظ ابن حجر حيث قال في شرح عبارة: (إن عائشة تأولت كما تأول عثمان): «التشبيه بعثمان في الإتمام بتأويل، لا اتحاد تأويلهما، ويقويه أن الأسباب اختلفت في تأويل عثمان فتكاثرت، بخلاف تأويل عائشة».(3)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... شرح صحيح مسلم 5/195.
(2) ... المفهم للقرطبي 2/327.
(3) ... فتح الباري لابن حجر 2/571.
... قال بعد ذلك: «والمنقول أن سبب إتمام عثمان أنه كان يرى القصر مختصاً بمن كان شاخصاً سائراً، وأما من أقام في مكة في أثناء سفره فله حكم المقيم فيتم، والحجة فيه ما رواه أحمد بإسناد حسن عن عباد بن عبدالله بن الزبير قال: لما قدم علينا معاوية حاجاً صلى بنا الظهر ركعتين بمكة، ثم انصرف إلى دار الندوة، فدخل عليه مروان وعمرو بن عثمان فقالا: لقد عبت أمر ابن عمك لأنه كان قد أتم الصلاة، قال: وكان عثمان حيث أتم الصلاة إذا قدم مكة صلى بها الظهر والعصر والعشاء أربعاً أربعاً، ثم إذا خرج إلى منى وعرفة قصر الصلاة، فإذا فرغ من الحج وأقام بمنى أتم الصلاة».(1)
... فيكون هذا الذي ذكره ابن حجر قولاً آخر في سبب إتمام عثمان -- رضي الله عنه --.
... ولهذا ذكر ابن حجر بعده القول المتقدم عن القرطبي، وعزاه إلى ابن بطال وقال: «وهذا رجحه جماعة من آخرهم القرطبي، لكن الوجه الذي قبله أولى لتصريح الراوي بالسبب». (2)
... وأما وجه اجتهاد عائشة -رضي الله عنها- فيقول ابن حجر فيه:«وأما عائشة فقد جاء عنها سبب الإتمام صريحاً، وهو فيما أخرجه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... فتح الباري 2/571، والحديث رواه أحمد في المسند 4/94.
(2) ... فتح الباري لابن حجر 2/571.(46/5)
البيهقي من طريق هشام بن عروة، عن أبيه: (أنها كانت تصلي في السفر أربعاً، فقلت لها: لو صليت ركعتين، فقالت: ابن اختى إنه لا يشق علي). إسناده صحيح وهو دال على أنها تأولت أن القصر رخصة، وأن الإتمام لمن لا يشق عليه أفضل).(1)
... قلت: وهذا موافق لما ذكره القرطبي سابقاً في سبب إتمامها -رضي الله عنها-.
... هذا وقد ذكر بعض العلماء المحققين في: (باب الصحابة) في معرض ردهم على الرافضة أن الذي حمل عثمان -- رضي الله عنه -- على الإتمام في منى لما بلغه أن بعض الأعراب الذين كانوا شهدوا معه الصلاة في الأعوام الماضية ظنوا أنها ركعتان فأراد أن يعلمهم أنها أربع.
... قال أبونعيم في :(كتاب الإمامة): «وإن الذي حمل عثمان -- رضي الله عنه -- على الإتمام أنه بلغه أن قوماً من الأعراب ممن شهدوا معه الصلاة بمنى رجعوا إلى قومهم فقالوا: الصلاة ركعتان، كذلك صليناها مع أمير المؤمنين عثمان بن عفان -- رضي الله عنه -- بمنى، فلأجل ذلك صلى أربعاً ليعلمهم ما يستنوا به للخلاف والاشتباه». (2)
... وقال ابن العربي في العواصم في معرض رده على الشبه التي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... المصدر نفسه.
(2) ... الإمامة والرد على الرافضة ص312.
أُثيرت ضد عثمان -- رضي الله عنه --: «وأما ترك القصر: فاجتهاد إذ سمع أن الناس افتتنوا بالقصر، وفعلوا ذلك في منازلهم، فرأى أن السنة ربما أدت إلى إسقاط الفريضة، فتركها مصلحة خوف الذريعة، مع أن جماعة من العلماء قالوا: إن المسافر مخير بين القصر والإتمام».(1)
... قلت: ويؤيد هذا أن عثمان -- رضي الله عنه -- ما كان يقصر الصلاة في بداية عهده، بل بقي سبع سنين من خلافته وهو يقصر الصلاة بمنى، ثم أتم بعد ذلك، فهو دليل أنه ما فعل ذلك إلا لأمر طرأ.(46/6)
... روى ابن أبي شيبة عن عمران بن حصين أنه قال: (حججت مع عثمان سبع سنين من إمارته لا يصلي إلا ركعتين، ثم صلى بمنى أربعاً).(2)
... وعلى كل حال فكل من عثمان وعائشة -رضي الله عنهما- كانا مجتهدين فيما ذهبا إليه أياً كان السبب الحامل لهما على ذلك.
... وإذا ما تقرر هذا اندحضت دعوى الرافضي في النيل منهما، وانكشفت شبهته، وبطل افتراؤه وظلمه.
... وزيادة على هذا أذكر هنا بعض الأوجه الأخرى المؤكدة لما تقدم من براءة أمير المؤمنين عثمان بن عفان، وأم المؤمنين ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... العواصم من القواصم ص90.
(2) ... المصنف لابن أبي شيبة 2/207.
عائشة -رضي الله عنهما- مما رماهما به الرافضي.
... الوجه الأول: أنهما مجتهدان، والمجتهد معذور، بل مأجور على كل حال لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر). (1)
وهذا أمر مقرر عند أهل السنة لا يختلفون فيه، وإنما يخالف فيه أهل البدع.
... يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: «ولا ريب أن الخطأ في دقيق العلم مغفور للأمة، وإن كان ذلك في المسائل العلمية، ولولا ذلك لهلك أكثر فضلاء الأمة». (2)
... ويقول أيضاً: «هذا قول السلف وأئمة الفتوى كأبي حنيفة والشافعي، والثوري، وداود بن على وغيرهم، لايؤثمون مجتهداً مخطئاً في المسائل الأصولية ولا في الفرعية. كما ذكر ذلك عنهم ابن حزم وغيره، وقالوا: هذا هو القول المعروف عن الصحابة، والتابعين لهم بإحسان، وأئمة الدين، أنهم لايكفرون ولا يفسقون ولا يؤثمون أحداً ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ(46/7)
(1) ... رواه البخاري في: (كتاب الاعتصام، باب أجر الحاكم إذا اجتهد فأصاب ... أو أخطأ) فتح الباري 13/318، ح7352، ومسلم: (كتاب ... الأقضية، باب بيان أجر الحاكم إذا اجتهد فأصاب أو أخطأ) صحيح مسلم ... 3/1342، ح1716.
(2) ... مجموع الفتاوى 20/165.
من المجتهدين المخطئين، لا في مسألة عملية ولا علمية...». (1)
... الوجه الثاني: أن القول بإتمام الصلاة في السفر لم ينفرد به عثمان وعائشة -رضي الله عنهما- وإنما هو قول طائفة من الصحابة.
... قال أبو نعيم: «وقد رأى جماعة من الصحابة إتمام الصلاة في السفر منهم عائشة -رضي الله عنها- وعن أبيها، وعثمان -- رضي الله عنه -- وسلمان -- رضي الله عنه -- وأربعة عشر من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -». (2)
... قلت: وسلمان -- رضي الله عنه -- ممن يعتقد الرافضة عدالته كما جاء في الكافي فيما نسبوه إلى محمد الباقر -وهو من ذلك بريء-: (كان الناس أهل ردة بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا ثلاثة... المقداد بن الأسود، وأبو ذر الغفاري، وسلمان الفارسي -رحمة الله وبركاته عليهم-...). (3)
... فإذا كان سلمان -- رضي الله عنه -- معذوراً في اجتهاده بإتمام الصلاة فكذلك عثمان، وعائشة -رضي الله عنهما- معذوران في ذلك حكمهما حكمه. كما أن الطعن في عثمان وعائشة بهذا طعن في سلمان، ويتوجه عليه من الذم والقدح ما يتوجه عليهما على
حد سواء.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... المصدر نفسه 19/207.
(2) ... الإمامة 312.
(3) ... روضة الكافي 8/245.(46/8)
... الوجه الثالث: أن الصحابة -- رضي الله عنهم -- سواء من قال بإتمام الصلاة في السفر، أو من قال بالقصر، ما كان بعضهم يعيب على بعض، كما روى ابن أبي شيبة من طريق عبدالرحمن بن حصين عن أبي نجيح
المكي قال: (اصطحب أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - في السفر، فكان بعضهم يتم، وبعضهم يقصر، وبعضهم يصوم، وبعضهم يفطر، فلا يعيب هؤلاء على هؤلاء، ولا هؤلاء على هؤلاء). (1)
... قلت: وهذا يدل على أنهم كانوا يرون التوسعة في هذا، وإلا
لأنكر كل فريق منهم على الآخر ما يرى أنه منكر ومخالفة، فهم أقوم الناس بعد رسول الله بدينه، وأشدهم على المخالفين لهديه، فرضي الله عنهم أجمعين.
... الوجه الرابع: أنه ثبت أن عامة الصحابة الذين شهدوا الصلاة مع عثمان -- رضي الله عنه -- في منى تابعوه على ذلك، بل كان بعضهم إماماً خاصاً لأصحابه فصلى بهم أربعاً متابعة لعثمان -- رضي الله عنه -- الإمام العام للحج على ماروى الطبري في تاريخه أن عبدالرحمن بن عوف كلم عثمان في إتمامه للصلاة فاعتذر له فخرج عبدالرحمن فلقي ابن مسعود فقال: (أبا محمد غُير ما يُعلم؟ قال: لا، قال: فما أصنع؟ قال: اعمل أنت بما تعلم، فقال ابن مسعود: الخلاف شر، قد بلغني أنه صلى
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... المصنف لابن أبي شيبه 2/208.
أربعاً، فصليت بأصحابي أربعاً، فقال عبد الرحمن بن عوف: قد بلغني أنه صلى أربعاً فصليت بأصحابي ركعتين، وأما الآن فسوف يكون الذي تقول -يعني نصلي معه أربعاً-). (1)
... وفي سنن أبي داود قال الأعمش: فحدثني معاوية بن قرة عن أشياخه (أن عبد الله صلى أربعاً قال: فقيل له: عبت على عثمان، ثم صليت أربعاً قال: الخلاف شر). (2)(46/9)
... قال الخطابي معلقاً: «قلت لو كان المسافر لا يجوز له الإتمام، كما يجوز له القصر، لما تابعوا عثمان عليه، إذ لا يجوز على الملأ من الصحابة متابعته على الباطل، فدل ذلك على أن من رأيهم جواز الإتمام، وإن كان الاختيار عند كثير منهم القصر». (3)
... الوجه الخامس: أنه ثبت عن علي -- رضي الله عنه -- أنه اجتهد في مسائل فأخطأ وخالف بذلك السنة متأولاً فلم يضره ذلك لمّا كان مجتهداً.
... وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية بعض هذه المسائل فقال: «وكذلك قضى علي -- رضي الله عنه -- في المفوضة بأن مهرها يسقط بالموت، مع قضاء النبي - صلى الله عليه وسلم - في بروع بنت واشق بأن لها مهر نسائها. وكذلك ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... تاريخ الطبري 4/268.
(2) ... رواه أبو داود في سننه: (كتاب المناسك، باب الصلاة بمنى) 2/492.
(3) ... معالم السنن 2/181.
طلبه نكاح بنت أبي جهل، حتى غضب النبي - صلى الله عليه وسلم - فرجع عن ذلك. وقوله لما ندبه وفاطمة النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى الصلاة بالليل فاحتج بالقدر، لما
قال: ألا تصليان فقال علي: إنما أنفسنا بيد الله فإذا شاء أن يبعثنا بعثنا، فولّى النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يضرب فخذه ويقول (وكان الإنسان أكثر شئ جدلاً...) وعلي عرف رجوعه عن بعضها فقط، كرجوعه عن خطبة بنت أبي جهل.
... وأما بعضها كفتياه بأن المتوفى عنها تعتد أبعد الأجلين، وأن المفوضة لامهر لها إذا مات الزوج، وقوله إن المخيرة إذا اختارت زوجها فهي واحدة، مع أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خير نساءه ولم يكن ذلك طلاقاً، فهذه لم يعرف إلا بقاؤه عليها حتى مات، وكذلك مسائل كثيرة ذكرها الشافعي في كتاب (اختلاف علي وعبدالله)...». (1)(46/10)
... قلت: وأعظم من هذا ما حصل في عهد علي -- رضي الله عنه -- من الاقتتال العظيم بين المسلمين الذي كان أحد أطرافه حتى قتل من قتل من المسلمين، فإن كان علي -- رضي الله عنه -- معذوراً في هذا وفي تلك المسائل التي خالف فيها، وهي كثيرة كما ذكر شيخ الإسلام، فعثمان أولى بالعذر في مسألة واحدة وافقه عليها من وافقه من الصحابة، وعذره الباقون، هذا مع ما امتاز به عهده من عصمة دماء المسلمين، حتى إنه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... منهاج السنة 6/28-29.
لم أطلت الفتنة برأسها وحاصره الثوار في البيت آثر المسلمين على نفسه، ونهى من أراد نصرته من الصحابة عن القتال حتى قتل شهيداً -- رضي الله عنه --، بخلاف علي -- رضي الله عنه -- الذي قاتل ورغّب في القتال معه، وهو في كل ذلك معذور بل مأجور -- رضي الله عنه -- وأرضاه. وإنما أردت دحض شبهة هذا الرافضي الحاقد بما لا يستطيع رده ولا دفعه.
... وبهذا تظهر براءة عثمان وعائشة -رضي الله عنهما- مما رماهما به الرافضي بسبب الاجتهاد في مسألة القصر.
... فلله الحمد والفضل.
طعن الرافضي في عمر -- رضي الله عنه -- وزعمه أنه كان يجتهد
في مقابل النصوص والرد عليه
... قال الرافضي ص131 وكان عمر يجتهد ويتأول مقابل النصوص الصريحة من السنن النبوية، بل في مقابل النصوص الصريحة من القرآن الحكيم فيحكم برأيه كقوله: (متعتان كانتا على عهد رسول الله [- صلى الله عليه وسلم -] وأنا أنهى عنهما وأعاقب عليهما).
... ويقول لمن أجنب ولم يجد ماءً (لا تصلّ) رغم قول الله تعالى في سورة المائدة: {فإن لم تجدوا ماء فتيمموا صعيداً طيباً} (1)».
... قلت: طعنه في عمر -- رضي الله عنه -- لنهيه عن المتعتين، هذه من مطاعن الرافضة القديمةالتي أجاب العلماء عنها بمايدحض بطلان دعواهم فيها.(46/11)
... قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في منهاج السنة ضمن رده على ابن المطهر في هذه المسألة: «وإن قدحوا في عمر لكونه نهى عنها، فأبو ذر كان أعظم نهياً عنها(2) من عمر، وكان يقول: إن المتعة ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... هكذا أورد الآية فأخطأ في النقل والآية الصحيحة {فلم تجدوا ماء...} ... سورة المائدة آية6.
(2) ... روى مسلم في صحيحه من طريق إبراهيم التيمي عن أبيه عن أبي ذر قال: ... (كانت المتعة في الحج لأصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - خاصة) وفي رواية: (لاتصلح ... المتعتان إلا لنا خاصة، يعني متعة النساء ومتعة الحج) صحيح مسلم (كتاب ... الحج، باب جواز التمتع) 2/897.
كانت خاصة بأصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهم يتولون أبا ذر
ويعظمونه(1)، فإن كان الخطأ في هذه المسألة يوجب القدح فينبغي أن يقدحوا في أبي ذر، وإلا فكيف يقدح في عمر دونه، وعمر أفضل وأفقه، وأعلم منه.
... ويقال ثانياً: إن عمر -- رضي الله عنه -- لم يحرم متعة الحج بل ثبت عن الضُّبي بن معبد لما قال له: إني أحرمت بالحج والعمرة جميعاً فقال له عمر: هديت لسنة نبيك - صلى الله عليه وسلم - رواه النسائي وغيره. (2)
... وكان عبد الله بن عمر -- رضي الله عنه -- يأمرهم بالمتعة فيقولون له: إن أباك نهى عنها فيقول: إن أبي لم يرد ما تقولون: فإذا ألحوا عليه قال: أفرسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحق أن تتبعوا أم عمر؟(46/12)
... وقد ثبت عن عمر أيضاً أنه قال: لو حججت لتمتعت، ولو حججت لتمتعت وإنما كان مراد عمر -- رضي الله عنه -- أن يأمرهم بما هو الأفضل، وكان الناس لسهولة المتعة تركوا الاعتمار في غير أشهر الحج، فأراد ألا يُعرَّى البيت طول السنة، فإذا أفردوا الحج اعتمروا في سائر السنة، والاعتمار في غير أشهر الحج مع الحج في أشهر الحج ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... سبق أن تقدم نقل رواية الكافي في زعمهم أن الناس ارتدوا بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا ... ثلاثة: أبو ذر وسلمان والمقداد بن الأسود، انظر ص388 من هذا الكتاب.
(2) ... رواه النسائي في: (كتاب مناسك الحج، باب القران) 5/113-114.
أفضل من المتعة باتفاق الفقهاء الأربعة وغيرهم...
... والإمام إذا اختار لرعيته الأمر الفاضل، بالشيء نهي عن ضده فكان نهيه عن المتعة على وجه الاختيار لا على وجه التحريم، وهو لم يقل: وأنا أحرمهما كما نقل هذا الرافضي، بل قال: أنهى عنهما ثم كان نهيه عن متعة الحج على وجه الاختيار للأفضل لا على وجه التحريم.
... وقد قيل: إنه نهى عن الفسخ، والفسخ حرام عند كثير من الفقهاء، وهو من مسائل الاجتهاد، فالفسخ يحرمه أبو حنيفة، ومالك، والشافعي، لكن أحمد وغيره من فقهاء الحديث وغيرهم لا يحرمون الفسخ، بل يستحبونه، بل يوجبه بعضهم، ولا يأخذون بقول عمر في هذه المسألة بل بقول: علي، وعمران بن حصين، وابن عباس،
وابن عمر، وغيرهم من الصحابة -- رضي الله عنهم --....(46/13)
... وأما ما ذكره من نهى عمر عن متعة النساء فقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه حرم متعة النساء بعد الإحلال، هكذا رواه الثقات في الصحيحين وغيرهما عن الزهري عن عبدالله، والحسن ابني محمد بن الحنفية، عن أبيهما محمد بن الحنفية، عن علي بن أبي طالب -- رضي الله عنه -- أنه قال لابن عباس -- رضي الله عنه --: لما أباح المتعة إنك امرؤ تائه، إن
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حرّم المتعة ولحوم الحمر الأهلية عام
خيبر(1)، رواه عن الزهري أعلم أهل زمانه بالسنة وأحفظهم لها، أئمة الإسلام في زمانهم، مثل مالك بن أنس، وسفيان بن عيينة وغيرهما، ممن اتفق المسلمون على علمهم وعدلهم وحفظهم، ولم يختلف أهل العلم بالحديث في أن هذا حديث صحيح متلقى بالقبول ليس في أهل العلم من طعن فيه.
... وكذلك ثبت في الصحيح أنه حرَّمها في غزاة الفتح إلى يوم القيامة(2)، وقد تنازع رواة حديث علي -- رضي الله عنه -- هل قوله: (عام خيبر) توقيت لتحريم الحمر فقط، أوله ولتحريم المتعة؟ فالأول قول
ابن عيينه وغيره قالوا: إنما حرمت عام الفتح، ومن قال بالآخر قال: إنها حرمت ثم أحلّت ثم حرمت، وادعت طائفة ثالثة أنها أحلت بعد ذلك ثم حرمت في حجة الوداع.
... فالروايات المستفيضة المتواترة متواطئة على أنه حرم المتعة بعد إحلالها، والصواب أنها بعد أن حرمت لم تحل وأنها إنما حرمت عام فتح مكة ولم تحل بعد ذلك، ولم تحرم عام خيبر، بل عام خيبر حرمت ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... رواه البخاري بدون: (إنك امرؤ تائه) في: (كتاب النكاح، باب نهي ... رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن نكاح المتعة أخيراً) فتح الباري 9/166، ح5115، ... ومسلم: (كتاب النكاح، باب نكاح المتعة...) 2/1027، ح1407.
(2) ... رواه مسلم في صحيحه من حديث سبرة الجهني -- رضي الله عنه --: (كتاب النكاح، ... باب نكاح المتعة) 2/1025.(46/14)
لحوم الحمر الأهلية.
... وكان ابن عباس يبيح المتعة ولحوم الحمر فأنكر علي بن أبي طالب -- رضي الله عنه -- ذلك عليه...
... وقد روى ابن عباس -- رضي الله عنه -- أنه رجع عن ذلك لما بلغه حديث النهي عنهما فأهل السنة اتبعوا علياً وغيره من الخلفاء الراشدين فيما رووه عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، والشيعة خالفوا علياً فيما رواه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - واتبعوا قول من خالفه». (1)
... ويقول الدهلوي ضمن ذكره لمطاعن الرافضة على عمر والرد عليها: «ومنها أن عمر منع الناس من متعة النساء ومتعة الحج مع أن كلتا المتعتين كانتا في زمنه - صلى الله عليه وسلم -، فنسخ حكم الله تعالى وحرّم ما أحله الله سبحانه، بدليل ما ثبت عند أهل السنة من قوله: (متعتان كانتا على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا أنهي عنهما).
... والجواب: أن أصح الكتب عند أهل السنة الصحاح الست، وأصحها البخاري ومسلم، وقد روى مسلم في صحيحه عن سلمة بن الأكوع وسبرة بن معبد الجهني أنه - صلى الله عليه وسلم - قد حرم هو المتعة بعدما كان أحلها ورخصها لهم ثلاثة أيام، وجعل تحريمها إذ حرمها مؤبداً إلى يوم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... منهاج السنة 4/184-191.(46/15)
القيامة(1) ومثل هذه الرواية في الصحاح الأخر، وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما من كتب أهل السنة رواية الأئمة عن الأمير بتحريمها،(2) فإن ادعت الشيعة أن ذلك كان في غزوة خيبر ثم أُحلت في غزوة الأوطاس فمردود لأن غزوة خيبر كانت مبدأ تحريم لحوم الحمر الأهلية، لامتعة النساء، فقد روى جمع من أهل السنة عن عبدالله والحسن ابني محمد بن الحنفية عن أبيهما عن الأمير كرم الله وجهه أنه قال: (أمرني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن أنادي بتحريم المتعة) فقد علم أن تحريم المتعة كان في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مرة أو مرتين، فالذي بلغه النهي امتنع عنها ومن لا فلا، ولما شاع في عهد عمر ارتكابها أظهر حرمتها وأشاعها وهدد من كان يرتكبها، وآيات الكتاب شاهدة على حرمتها...
... والجواب عن متعة الحج: -أعنى تأديه أركان العمرة مع الحج في سفر واحد في أشهر الحج قبل الرجوع إلى بيته -أن عمر لم يمنعها قط ورواية التحريم عنه افتراء صريح- نعم إنه كان يرى إفراد الحج والعمرة أولى من جمعهما في إحرام واحد وهو القران أو في سفر واحد وهو التمتع، وعليه الإمام الشافعي، وسفيان الثوري، ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... تقدم تخريجه ص396.
(2) ... تقدم تخريجه ص 396.
وإسحاق بن راهوية وغيرهم لقوله تعالى: {وأتموا الحج والعمرة لله} إلى قوله: {فمن تمتع بالعمرة إلى الحج}(1) الآية فأوجب سبحانه الهدي على المتمتع لا على المفرد جبراً لما فيه من النقصان، كما أوجبه تعالى في الحج إذا حصل فيه قصور ونقص، ولأنه - صلى الله عليه وسلم - حج في حجة الوداع مفرداً، واعتمر في عمرة القضاء وعمرة جعرّانة كذلك، ولم يحج فيها بل رجع إلى المدينة مع وجود المهلة.(46/16)
... وأما ما رووا من قول عمر (وأنا أنهى عنهما) فمعناه أن الفسقة وعوام الناس لا يبالون بنهي الكتاب وهو قوله تعالى: {فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون}(2) وقوله تعالى: {وأتموا الحج والعمرة لله} إلا أن يحكم عليهم الحاكم والسلطان، ويجبرهم على مراعاة ما أمروا به وما نهوا عنه، فلذلك أضاف النهي إلى نفسه، فقد تبين لك ولله تعالى الحمد زيف أقوالهم، وظهر لك مزيد ضلالهم والحق يعلو وكلمة الصدق تسمو».(3)
... فظهر بهذا بطلان دعوى الرافضة في طعنهم في عمر لنهيه عن المتعتين. أما متعة الحج فلم ينه عنها نهى تحريم وإنما كان نهيه على ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... سورة البقرة آية 196.
(2) ... وردت الآية في سورة (المؤمنون) آية 7، وفي سورة المعارج آية 31.
(3) ... مختصر التحفة الإثني عشرية ص256-258.
وجه الاختيار للأفضل، وذلك خشية منه أن يهجر البيت بترك الناس للاعتمار في غير أشهر الحج، وقيل إنما كان نهي عمر عن فسخ الحج
إلى عمرة وهذا هو قول أكثر أهل العلم، كما نقله ابن قدامة في المغني لأن الحج أحد النسكين فلم يجز فسخه كالعمرة.(1)
... وأما متعة النساء فالذي حرمها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد أن كان أحلها وكان علي -- رضي الله عنه -- من أشد الناس إنكاراً على من قال بحلها، وإنما قال بحلها ابن عباس -رضي الله عنهما- فأنكر عليه علي -- رضي الله عنه -- ورجع عن ذلك لما بلغه الحديث الذي رواه علي -- رضي الله عنه -- بتحريم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لها، وكذلك روى أحاديث تحريم المتعة غير علي
-- رضي الله عنه -- بعض الصحابة وهي مخرجة في صحاح أهل السنة كما تقدم، فأي لوم على عمر -- رضي الله عنه -- في نهيه عن المتعة بعد أن ثبت تحريم
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لها إلى يوم القيامة.(46/17)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... انظر المغني لابن قدامة 5/252.(46/18)
طعن الرافضي على الصحابة بقول
أنس (فلم نصبر) والرد عليه
... قال الرافضي ص132 تحت عنوان: (الصحابة يشهدون على أنفسهم).
... «روى أنس بن مالك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال للأنصار: إنكم سترون بعدي أثرة شديدة فاصبروا حتى تلقوا الله ورسوله على الحوض، قال أنس: فلم نصبر.
... وعن العلاء بن المسيب عن أبيه قال: لقيت البراء بن عازب -رضي الله عنهما- فقلت طوبى لك صحبت النبي - صلى الله عليه وسلم - وبايعته تحت الشجرة فقال: يا ابن أخي إنك لا تدري ما أحدثنا بعده.
... وإذا كان هذا الصحابي من السابقين الأولين، الذين بايعوا النبي - صلى الله عليه وسلم - تحت الشجرة، ورضي الله عنهم، وعلم ما في قلوبهم فأثابهم فتحاً قريباً، يشهد على نفسه وعلى أصحابه بأنهم أحدثوا بعد النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهذه الشهادة هي مصداق ما أخبر به - صلى الله عليه وسلم - وتنبأ به من أن أصحابه سيحدثون بعده، ويرتدون على أدبارهم...»
... قلت: إن من أغرب الغريب أن يطعن هذا الرافضي الحاقد، فيمن يعترف لهم بفضل الصحبة والسبق للإسلام، مضمناً كلامه في
الطعن عليهم، ما دلت عليه الآية الكريمة في الثناء على أولئك السابقين
الأولين وهي قوله تعالى: {لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحاً قريباً}(1) وهو بهذا يؤكد أنه أثناء طعنه في الصحابة غير غافل عن هذه الآية وغيرها من الآيات المتضمنة ثناء الله العظيم على هؤلاء الصحابة، وإخبار الله أنه رضي عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار.(47/1)
... وهذا تكذيب منه صريح لنص القرآن، ورد قبيح لأخباره، ومشاقة ومعاندة لأحكامه، وهذا والله هو الكفر الصريح الذي لا يشك فيه أحد من أهل العلم، خصوصاً إذا ما اقترن الرد لأحكام القرآن بشيء من السخرية والاستهزاء، وذلك في قول الرافضي: «وإذا كان هذا الصحابي من السابقين الأولين الذين بايعوا النبي - صلى الله عليه وسلم - تحت الشجرة ورضي الله عنهم، وعلم ما في قلوبهم فأثابهم فتحاً قريباً يشهد على نفسه وعلى أصحابه بأنهم أحدثوا بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - وهذه الشهادة هي مصداق ما أخبر به - صلى الله عليه وسلم - ...» الخ كلامه.
... وأما استشهاده بقول أنس -- رضي الله عنه -- (فلم نصبر) على طعنه في
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... سورة الفتح آيه 18.
الصحابة، وما ادعاه من إحداثهم وردتهم بعد الرسول - صلى الله عليه وسلم -، فليس في
قول أنس ما يدل على تلك الدعوى الفاسدة لامن قريب أو بعيد.
... وبيان ذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - عهد للأنصار عهداً أنهم سيلاقون أثرة وظلماً شديداً بعده، كما جاء في الصحيحين من حديث أنس، وفيه يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (... إنكم سترون بعدي أثرة شديدة فاصبروا حتى تلقوا الله ورسوله على الحوض، قال أنس فلم نصبر).(1)
... فقول أنس -- رضي الله عنه -- متعلق بما أوصاهم به من الصبر على ظلم الولاة واستئثارهم بالحقوق عليهم، وغاية ما يدل عليه أنهم لم يصبروا على ظلم الولاة، بخلاف ما ادعى الرافضي من الإحداث والردة فهذا لايتحمله السياق ولا يدل عليه.
... والصبر الذي أمر به النبي - صلى الله عليه وسلم - الأنصار وأمر به غيرهم في
حق الولاة جاء مفسراً في أحاديث أخرى، ففي الصحيحن من
حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
(من كره من أميره شيئاً فليصبر فإنه من خرج من السلطان شبراً(47/2)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... جزء من حديث أنس في خبر قسمة الغنائم يوم حنين رواه البخاري
... في (كتاب فرض الخمس، باب ما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يعطي المؤلفة قلوبهم...) ... فتح الباري 6/251، ح3147، ومسلم (كتاب الزكاة، باب إعطاء
... المؤلفة قلوبهم) 2/733،734، ح1059.
مات ميتة جاهلية).(1)
... وفي رواية أخرى عن ابن عباس أيضاً: (من رأى من أميره شيئاً يكرهه فليصبر عليه، فإنه من فارق الجماعة شبراً فمات إلا مات ميتة جاهلية).(2)
... فتبين أن الصبر على الولاة يكون بلزوم جماعة المسلمين، وعدم الخروج على السلطان، وعلى هذا فأنس -- رضي الله عنه -- وسائر الأنصار من الصابرين على الولاة المتمسكين بوصية نبيهم - صلى الله عليه وسلم - إذ لا يعرف في تأريخ الأنصار أن أحداً منهم خرج على الحكام، لا في عهد الخلفاء الراشدين، ولا فيما أدركوا من عهد الدولة الأموية، وقد كان أنس -- رضي الله عنه -- من آخر الصحابة موتاً كما تقدم(3)، وقد أدرك بعض الأمراء الظلمة مثل الحجاج بن يوسف الذي كان أميراً عليه عندما كان في العراق، ومع هذا لا يعرف من سيرته أنه نازعه في سلطانه، ولا خرج
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... رواه البخاري (في كتاب الفتن، باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم - سترون بعدي أموراً ... تنكرونها) فتح الباري 13/5، ح7053، ومسلم (كتاب الإمارة، باب ... وجوب ملازمة جماعة المسلمين...) 3/1478، ح1849.
(2) ... رواه البخاري (في كتاب الفتن، باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم - سترون بعدي أموراً ... تنكرونها) فتح الباري 13/5، ح7054، ومسلم (كتاب الإمارة، باب ... وجوب ملازمة جماعة المسلمين ...) 3/1477، ح1849.
(3) ... انظر ص381 من هذا الكتاب.(47/3)
عليه، مع ما هو معروف به الحجاج من الظلم والبطش بل كان في ذلك صابراً محتسباً، وكان الحجاج لربما تعرض له بشيء من السب والشتم فلا يخرجه ذلك عن صبره -- رضي الله عنه -- على ما نقل ابن كثير من رواية علي بن يزيد قال: (كنت في القصر مع الحجاج وهو يعرض الناس ليالي ابن الأشعث، فجاء أنس بن مالك فقال الحجاج: هي ياخبيث جوال في الفتن مرة عليّ، ومرة مع ابن الزبير، ومرة مع
ابن الأشعث، أما والذي نفس الحجاج بيده لأستأصلنك كما تستأصل الصمغة، ولأجردنك كما تجرد الضب.
... قال يقول أنس: إياي يعني الأمير؟ قال: إياك أعني أصم الله سمعك قال: فاسترجع أنس).(1)
... وهذا مما يدل على صبر أنس تحقيقاً لوصية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتمسكاً بالعهد الذي عهده إليه -- رضي الله عنه -- وأرضاه، وأما قول أنس -- رضي الله عنه -- (فلم نصبر) فهذا لا يشكل على من عرف سيرة الصحابة رضوان الله عليهم وما كانوا عليه من مقتهم لأنفسهم واستعظامهم ذنوبهم لشدة خوفهم من الله تعالى، وتعظيمهم له، ولذا ثبت في صحيح البخاري عن أنس -- رضي الله عنه -- أنه قال: (إنكم لتعملون أعمالاً هي أدق في أعينكم من الشعر، إن كنا لنعدها على عهد
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... البداية والنهاية لابن كثير 9/96.
النبي - صلى الله عليه وسلم - من الموبقات). (1)
... ولعل أنس -- رضي الله عنه -- أراد بقوله: (لم نصبر) ما قام به من شكوى الحجاج على الخليفة لما اشتد أذاه له على ما روى ابن كثير عن أبي بكر بن عياش أن أنساً بعث إلى عبد الملك يشكو إليه الحجاج ويقول: (والله لو أن اليهود والنصارى رأوا من خدم نبيهم لأكرموه وأنا خدمت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عشر سنين). (2)
... وقد تقدم نقلاً عن ابن حجر أن أنساً -- رضي الله عنه -- قدم دمشق شاكياً الحجاج على الخليفة، وهو إذ ذاك الوليد بن عبد الملك. (3)(47/4)
... ومعلوم أن شكوى أنس للحجاج لاتنافي الصبر، ولا تقدح في أنس -- رضي الله عنه -- فإن الحجاج كان ظالماً مستبداً مؤذياً للأخيار ومنهم أنس، فرفع أمره للخليفة دفع لظلمه، وانتصار بالحق، وهذا جائز في الشرع، بل محمود قال تعالى: {ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل}(4)، وقال -- عز وجل --: {إلا الذين آمنوا وعموا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... رواه البخاري في: (كتاب الرقاق، باب مايتقى من محقرات الذنوب) فتح ... الباري 11/329، ح6492.
(2) ... البداية والنهاية 9/96.
(3) ... انظر: ص 379 من هذا الكتاب.
(4) ... سورة الشوري آية 41.
الصالحات وذكروا الله كثيراً وانتصروا من بعد ما ظلموا}(1)، وقال تعالى في وصف المؤمنين في معرض الثناء عليهم: {والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون} . (2)
... فأنس -- رضي الله عنه -- انتصر لنفسه بحق ثم إنه رأى بعد هذا أن الأولى هو عدم ذلك، وأن الأليق بمقامه هو العفو والصفح، وعليه يتنزل قوله: (لم نصبر) والله تعالى أعلم.
... وأما قول البراء بن عازب -- رضي الله عنه --: (إنك لا تدري ما أحدثنا بعده)(3) فمحول على ماتقدم من مقت الصحابة رضوان الله عليهم لأنفسهم، لكمال إيمانهم، وتعظيمهم لربهم.
... قال ابن حجر في شرحه: «يشير إلى ما وقع لهم من الحروب وغيرها، فخاف غائلة ذلك، وذلك من كمال فضله». (4)
... قلت: وهذا حال كل مؤمن كامل الإيمان، فهو دائماً يستصغر عمله ويستقله، ويستعظم ذنبه ويستكثره، وذلك لكمال علمه بالله ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... سورة الشعراء آية 227.
(2) ... سورة الشورى آية 39.
(3) ... أخرجه البخاري في: (كتاب المغازي، باب غزوة الحديبية) فتح الباري ... 7/449، ح4175.
(4) ... فتح الباري 7/450.(47/5)
وقوة تعظيمه له، بخلاف الفاسق، فإنه يستعظم عمله، ويستقل ذنبه، لضعف الإيمان في نفسه وجرأته على ربه.
... روى البخاري عن عبدالله بن مسعود -- رضي الله عنه -- أنه قال: (إن المؤمن يرى ذنوبه كأنه قاعد تحت جبل يخاف أن يقع عليه وإن الفاجر يرى ذنوبه كذباب مرّ على أنفه فقال به هكذا). (1)
... ولهذا كثرت الآثار عن الصحابة، وخيار سلف الأمة في لوم النفس، واستشعار التقصير لكمال إيمانهم وعلمهم بالله -- رضي الله عنهم -- وما قول البراء وأنس بن مالك إلا من هذا الباب، ولو كان في هذا مطعن عليهما للزم ذلك الطعن على خيار الصحابة وسلف الأمة، الذين نقل عنهم من أمثال ذلك ما يصعب حصره.
... وإنما اذكر هنا بعض ما جاء من ذلك عن الصحابة الذين هم ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... رواه البخاري في: (كتاب الدعوات، باب التوبة...) فتح الباري ... 11/102، ح6308، وهذا الحديث مختلف فيه، هل هو من قول النبي - صلى الله عليه وسلم - ... أو من قول ابن مسعود، لأن رواي الحديث عن عبدالله بن مسعود وهو ... الحارث بن سويد قال: حدثنا ابن مسعود حديثين: أحدهما: عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ... والآخر عن نفسه، وذكر هذا الحديث ثم ذكر (لله أفرح بتوبة العبد...) ... وذكر النووي أن المرفوع هو الثاني، شرح صحيح مسلم 17/61.
... قال ابن حجر: «وكذا جزم ابن بطال بأن الأول هو الموقوف، والثاني هو ... المرفوع وهو كذلك) فتح الباري 11/105.
محل تقدير الرافضة وتعظيمهم، فمن ذلك ما ثبت عن علي -- رضي الله عنه -- من ندمه يوم الجمل ندماً عظيماً حتى إنه قال لابنه الحسن: (يا حسن ليت أباك مات منذ عشرين سنة، فقال له: يا أبه قد كنت أنهاك عن هذا قال: يابني إني لم أر أن الأمر يبلغ هذا). (1)(47/6)
... وفيه رواية: (أنه لما اشتد القتال يوم الجمل ورأى علي الرؤوس تندر، أخذ علي ابنه الحسن فضمه إلى صدره، ثم قال: إنا لله ياحسن؟ أي خير يرجى بعد هذا؟). (2)
... وروى أبو نعيم عن سعيد بن المسيب (أن سعد بن مالك وعبدالله بن مسعود دخلا على سلمان -- رضي الله عنهم -- يعودانه فبكى فقالا: ما يبكيك يا أبا عبدالله؟ فقال: عهد عهده إلينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم يحفظه أحد منا قال: ليكن بلاغ أحدكم كزاد الراكب). (3)
... وعن أبي ذر -- رضي الله عنه -- أنه قال: (والله لوددت أني شجرة تعضد).(4)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... ذكره ابن كثير في البداية والنهاية 7/251، والطبري في تأريخه 4/537، ... ولم يذكر قول الحسن.
(2) ... ذكره ابن كثير في البداية والنهاية 7/251.
(3) ... حلية الأولياء 1/196.
(4) ... أخرجه أحمد في المسند 5/173، والحاكم في المستدرك، وقال صحيح على ... شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي ... ... ... ==
... فإذا كانت مثل هذه الآثار لا تستلزم الطعن في هؤلاء الأخيار من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وهم ممن تعتقد الرافضة عدالتهم وفضلهم، فكذلك الشأن فيما ثبت عن أنس والبراء -رضي الله عنهما- لايلزم منه الطعن عليهما أو تنقصهما.
... وأما ما ادعاه الرافضي من أن تلك الآثار تصديق لما أخبر به النبي - صلى الله عليه وسلم - من أن أصحابه سيحدثون بعده، فقد تقدم الرد على ذلك مفصلاً بما يغني عن إعادته هنا وليراجع في موضعه. (1)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ(47/7)
(=) ... المستدرك مع التلخيص 4/625، وليس في رواية الحاكم النص على أن هذه ... العبارة من كلام أبي ذر، وإنما جاءت مدرجه في حديث: (إني أرى مالا ... ترون وأسمع ما لا تسمعون...) والصحيح أنها ليست من كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - ... بل هي من كلام أبي ذر -- رضي الله عنه -- وقد نبه على ذلك الشيخ الألباني
... -حفظه الله- في سلسلة الأحاديث الصحيحة 4/300.
(1) ... انظر: ص 350 من هذا الكتاب.
طعن الرافضي على الشيخين ببعض ما أثر
عنهما من أقوال في شدة خوفهما
من الله والرد عليه
... قال الرافضي ص133 تحت عنوان: (شهادة الشيخين على نفسيهما).
... «خرج البخاري في صحيحه في باب مناقب عمر بن الخطاب قال: لما طعن عمر جعل يألم فقال له ابن عباس وكأنه يُجَزِّعُهُ: يا أمير المؤمنين ولئن كان ذاك لقد صحبت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأحسنت صحبته ثم فارقته وهو عنك راض، ثم صحبت أبا بكر فأحسنت صحبته ثم فارقته وهو عنك راض، ثم صحبت صحابتهم فأحسنت صحبتهم ولئن فارقتهم لتفارقنهم وهم عنك راضون.
... قال: أما ما ذكرت من صحبة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورضاه فإنما ذاك من منّ الله تعالى منّ به عليّ، وأما ما ذكرت من صحبة أبي بكر ورضاه فإنما ذاك من منّ الله جل ذكره منّ به عليّ، وأما ما ترى من جزعي فهو من أجلك وأجل أصحابك، والله لو أن لي طلاع الأرض ذهباً لافتديت به من عذاب الله - عز وجل - قبل أن أراه.(47/8)
... وقد سجل التاريخ له أيضاً قوله: ياليتني كنت كبش أهلي يسمنونني ما بدا لهم، حتى إذا كنت أسمن ما أكون زارهم بعض من يحبون، فجعلوا بعضي شواء وقطعوني قديداً، ثم أكلوني وأخرجوني عذرة ولم أكن بشراً. كما سجل التاريخ لأبي بكر مثل هذا قال لما نظر أبو بكر إلى طائر على شجرة: طوبي لك ياطائر تأكل الثمر وتقع على الشجر، وما من حساب ولا عقاب عليك، لوددت أني شجرة على جانب الطريق مرّ على جمل فأكلني وأخرجني في بعره ولم أكن من البشر.
... إلى أن قال: فكيف يتمنى الشيخان أبو بكر، وعمر، أن لا يكونامن البشرالذي كرمه الله علىسائرمخلوقاته،وإذاكان المؤمن العادي الذي يستقيم في حياته تتنزل عليه الملائكة وتبشره بمقامه في الجنة فلا يخاف من عذاب الله ولا يخرن... فما بال عظماء الصحابة الذين هم خيرالخلق بعدرسول الله-كما تعلمنا ذلك-يتمنون أن يكونواعذرة».
... والرد عليه من عدة وجوه:
... الوجه الأول: أن هذه الآثار المذكورة تدل على شدة خوف الشيخين من الله تعالى وتعظيمهما لربهما، وهذا من كمال فضلهما وعلو شأنهما في الدين، ولذا أثني الله في كتابه على عباده الخائفين منه المشفقين من عذابه في آيات كثيرة كقوله تعالى: {وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى - فإن الجنة هي المأوى} (1)،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... سورة النازعات آيتا 40-41(47/9)
وقال تعالى: {ولمن خاف مقام ربه جنتان}(1)، وقال تعالى: {الذين يخشون ربهم بالغيب وهم من الساعة مشفقون}(2)، وقال تعالى في وصف المؤمنين: {رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوماً تتقلب فيه القلوب والأبصار}(3)، وقال في وصفهم: {والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب}(4)، والآيات في هذا كثيرة، وهي تدل على أن الخوف من الله من صفات المؤمنين التي أثنى الله بها عليهم، وأحبها منهم، ورتب على ذلك سعادتهم ونجاتهم في الآخرة بخوفهم منه في الدنيا. والشيخان -رضي الله عنهما- ماقالا الذي قالا إلا لتحقيقهما أعلى مقامات الخوف من الله الذي استحقابه ذلك الفضل العظيم عند الله تعالى وسبقا به غيرهما من الأمة فكانا أفضل هذه الأمة بعد نبيها - صلى الله عليه وسلم -.
... الوجه الثاني: أن حمل الرافضي شدة خوف الشيخين على مخالفتهما ومعصيتهما، وأنهما لولا ذلك ما حصل لهما هذا، فهذا من جهله
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... سورة الرحمن آية 46.
(2) ... سورة الأنبياء آية 49.
(3) ... سورة النور آية 37.
(4) ... سورة الرعد آية 21.(47/10)
العظيم بالشرع فإنه من المعلوم أن الخوف والخشية من لوازم العلم، كما قال تعالى: {إنما يخشى الله من عباده العلماءُ}(1)، وكل ماقوي ذلك العلم قويت الخشية في نفس العبد، ولذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه: (والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً، وما تلذذتم بالنساء على الفرش، ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله)(2)، وهذا كله يورث الإستقامة على الطاعة، وحسن العبادة، والانقطاع إلى الله تعالى، قال تعالى: {رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوماً تتقلب فيه القلوب والأبصار}(3)، وقال - عز وجل -: {تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفاً وطمعاً ومما رزقناهم ينفقون}(4)، فَوَصْف الله عباده بالخوف والعبادة دليل تلازمهما واجتماعهما.
... وبعكس هذا عدم الخوف فإنه مصاحب للتفريط وترك العمل، قال تعالى في وصف الكفار: {ما سلككم في سقر - قالوا لم نك
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... سورة فاطر آية 28.
(2) ... أخرجه الحاكم في المستدرك 4/623، وقال صحيح الإسناد على شرط ... الشيخين ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. انظر: التلخيص مع المستدرك.
(3) ... سورة النور آية 37.
(4) ... السجدة آية 16.
من المصلين - ولم نك نطعم المسكين - وكنا نخوض مع الخائضين - وكنا نكذب بيوم الدين}(1)، إلى أن قال: {كل بل لا يخافون الآخرة}(2)، فوصفهم بعدم العمل وعدم الخوف.
... وبهذا يتبين جهل الرافضي في ذمه الشيخين بالخوف، الذي هو من أخص صفات المؤمنين العاملين.
... الوجه الثالث: أن الله تعالى أخبر عن مريم -عليها السلام- بنظير ما ثبت عن أبي بكر، وعمر في قوله: {قالت ياليتني مت قبل هذا وكنت نسياً منسياً}. (3)
... قال ابن عباس في معنى نسياً منسياً أي: (لم أُخلق ولم أك شيئاً).
... وقال قتادة أي: (شيئاً لا يُعرف ولا يُذكر).(47/11)
... وقال الربيع بن أنس هو: (السَّقْط). (4)
... وثبت عن علي-- رضي الله عنه -- كما تقدم في النقل عنه أنه قال يوم الجمل لابنه الحسن: (ياحسن ليت أباك مات منذ عشرين سنة). (5)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... سورة المدثر الآيات من 42-46.
(2) ... سورة المدثر الآية 53.
(3) ... سورة مريم الآية 23.
(4) ... تفسير الطبري 8/325-326.
(5) ... تقدم تخريجه ص 409.
... كما ثبت عن أبي ذر قوله: (والله لوددت أني شجرة تعضد)(1)، فهل هؤلاء مذمومون بهذا؟ فإن لم يكونوا مذمومين فلم القدح في الشيخين بمثل ما ثبت عن هؤلاء؟
... الوجه الرابع: أن قول الرافضي إن المؤمن العادي تتنزل عليه الملائكة وتبشره بمقامه في الجنة، وأنه لا يخاف ولا يحزن، وهو يشير بهذا لقوله تعالى: {إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا}(2)، فهذا من جهله العظيم وفهمه السقيم لمعنى الآية فإن هذه البشارة الواردة في الآية إنما تكون عند الموت، كما ذكر ذلك المفسرون ونقلوه عن أئمة التفسير: كمجاهد والسدي وزيد بن أسلم، وابنه وغيرهم(3)، والمسلم قبل ذلك لايدري هل يبشر بهذا أم لا، فهو دائماً خائف وجل، لايعلم بم يختم له، وخوف الشيخين من ربهما أمر طبيعي، بل هو اللائق بهما لكمال علمهما بالله ومعرفتهما به، والله يقول: {إنما يخشى الله من عباده العلماء}(4)ولايشكل على هذا بشارة النبي- صلى الله عليه وسلم - للشيخين بالجنة فإن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... تقدم تخريجه ص 409.
(2) ... سورة فصلت آية 30.
(3) ... انظر: تفسير الطبري 11/108، وتفسير ابن كثير 4/99.
(4) ... سورة فاطر أية 28.(47/12)
الخوف من الله من أخص صفات المؤمنين الراسخة في قلوبهم، التي لا ترتفع بشيء ولايستطيعون دفعها، بل كلما ازداد العبد إيماناً وعلماً وطاعة لله ازداد خوفاً، ولهذا كان النبي - صلى الله عليه وسلم - أخشى الأمة لله كما أخبر بذلك عن نفسه وأقسم عليه في قوله: (أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له)(1)، وهكذا حال أنبياء الله كما أخبر الله عنهم في قوله: {أولئك الذين أنعم الله عليهم من النبيين من ذرية آدم وممن حملنا مع نوح ومن ذرية إبراهيم وإسرائيل وممن هدينا واجتبينا إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجداً وبكياً}(2) فإذا كان النبي - صلى الله عليه وسلم - أعظم خشية لله من الشيخين وسائر الأمة، وكذلك أنبياء الله هم أعظم خشية لله منهما بلاشك، فأي لوم عليهما في ذلك، وإذا كان المؤلف يرى بفهمه السقيم أن الواجب على المؤمن أن لا يخاف لأنه مبشر من الله بالجنة، ويقدح في الشيخين-رضي الله عنهما- بالخوف، فإن أولى الناس بعدم الخوف لو كان ما ادعاه صحيحاً هم رسل الله الذين اصطفاهم الله برسالته، ووعدهم بأعلى الدرجات في الجنة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... أخرجه البخاري في: (كتاب النكاح، باب الترغيب في النكاح...) فتح ... الباري ... 9/104، ح 5063، ومسلم: (كتاب النكاح، باب استحباب النكاح...) ... 2/1020، ح1401.
(2) ... سورة مريم آية 58.
... الوجه الخامس: أنه ظاهر أن الحامل للشيخين على ما قالا هو شدة خوفهما من الله، والخوف من الله من الصفات الفاضلة الممدوح بها باتفاق العقلاء، كما أن عدم الخوف من الله من الصفات الرذيلة المذموم بها عند العقلاء، ولهذا يصف الناس من أرادوا مدحه بقولهم: (فلان يخاف الله) ويصفون من أرادوا ذمه بعكس ذلك فيقولون: (فلان لا يخاف الله) فتبين أن ذم الرافضي للشيخين بخوف الله، معارض بالشرع والعقل، بل إنه غاية في العجب عند أهل العقول والنظر.(47/13)
... وبهذا يتبين لك أيها القارئ صدق كلام أهل العلم في
الرافضة.
... كقول الشعبي -رحمه الله-: (نظرت في هذه الأهواء وكلمت أهلها فلم أر قوماً أقل عقولاً من الخشبية)(1)، [يعني الرافضة].
... وقول الشافعي -رحمه الله-: (لم أر أحداً من أصحاب الأهواء أكذب في الدعوى، ولا أشهد بالزور منهم). (2)
... وقول شيخ الإسلام -رحمه الله- فيهم: «والقوم من أضل الناس على السواء، فإن الأدلة إما نقلية وإما عقلية، والقوم من أضل الناس في
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... تقدم تخريجه ص 125.
(2) ... تقدم تخريجه ص 130.
المنقول والمعقول، في المذاهب والتقرير، وهم من أشبه الناس بمن قال الله فيهم: {وقالوا لوكنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير}(1)». (2)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... سورة الملك آية 10.
(2) ... منهاج السنة 1/8.(47/14)
طعن الرافضي في أبي بكر بخلافه
مع فاطمة -رضي الله عنهما-
في الميراث والرد عليه
... قال الرافضي ص136: «فهاهو البخاري يخرج من باب مناقب قرابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: فاطمة بضعة مني فمن أغضبها أغضبني.
... كما أخرج في باب غزوة خيبر عن عائشة: أن فاطمة عليها السلام بنت النبي - صلى الله عليه وسلم - أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأبى أبو بكر أن يدفع إلى فاطمة منه شيئاً، فوجدت فاطمة على أبي بكر في ذلك، فهجرته فلم تكلمه حتى توفيت.
... والنتيجة في النهاية هي واحدة ذكرها البخاري باختصار وذكرها ابن قتيبة بشيء من التفصيل ألا وهي: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يغضب لغضب فاطمة، ويرضي لرضاها، وأن فاطمة ماتت وهي غاضبة على أبي بكر وعمر...».
... قلت: ما ذكره المؤلف هنا من مطاعن الرافضة المشهورة على أبي بكر -- رضي الله عنه -- التي تناقلتها كتبهم القديمة. وقد رد العلماء عليهم في ذلك حتى ظهر الحق وبطل افتراء الرافضة وتلبيسهم في هذه المسألة.
... وسأذكر هنا بعض الأوجه التي تندفع بها هذه الفرية مضمناً
الكلام بعض النقول المهمة عن أهل العلم في دحضها.
... الوجه الأول: أن كتب الرافضة متناقضة في نقل هذه الحادثة فبعضها تذكر أن فاطمة طالبت بفدك(1) لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منحها إياها،(2) وبعضها تذكر أن فاطمة -رضي الله عنها- طالبت بإرثها(3) وهذا تناقض واضح يدل على اضطراب القوم، وجهلهم بأصل هذه المسألة، وبالتالي سقوط ما بنوا عليها من أحكام.(48/1)
... قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: «إن ما ذكر من ادعاء فاطمة -رضي الله عنها- فدك فإن هذا يناقض كونها ميراثاً لها، فإن كان طلبها بطريق الإرث امتنع أن يكون بطريق الهبة، وإن كان بطريق الهبة امتنع أن يكون بطريق الإرث، ثم إن كانت هذه هبة في مرض الموت فرسول الله - صلى الله عليه وسلم - منزه إن كان يُورث كما يُورث غيره
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... قرية بينها وبين المدينة يومان، وقيل ثلاثة، أرسل أهلها إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ... بعد فتح خيبر، وطلبوا منه أن يصالحهم على النصف من ثمارهم وأموالهم، ... فأجابهم إلى ذلك. فهي مما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب، فكانت خالصة ... لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -. انظر: معجم البلدان لياقوت الحموي 4/238.
(2) ... انظر: الصراط المستقيم إلى مستحقي التقديم للنباطي 2/282، وحق اليقين ... في معرفة أصول الدين لعبد الله شبّر 1/178.
(3) ... انظر: الاحتجاج للطبرسي 1/102.
أن يوصي لوارث، أو يخصه في مرض موته بأكثر من حقه، وإن كان في صحته فلابد أن تكون هذه هبة مقبوضة، وإلا فإذا وهب الواهب بكلامه، ولم يقبض الموهوب شيئاً حتى مات الواهب كان ذلك باطلاً عند جماهير العلماء، فكيف يهب النبي - صلى الله عليه وسلم - فدكاً لفاطمة ولا يكون هذا أمراً معروفاً عند أهل بيته والمسلمين، حتى تختص بمعرفته أم أيمن أو علي -رضي الله عنهما-(1)». (2)(48/2)
... الوجه الثاني: أن الصحيح الثابت في هذه الحادثة أن فاطمة -رضي الله عنها- طالبت أبا بكر بميراثها من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاعتذر إليها من ذلك محتجاً بقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (لا نورث، ما تركنا صدقة) على ما أخرج ذلك الشيخان من حديث عائشة -رضي الله عنها- قالت: (إن فاطمة بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أرسلت إلى أبي بكر الصديق تسأله ميراثها من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مما أفاء الله عليه بالمدينة وفدك، وما بقي من خمس خيبر، فقال أبو بكر: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال: (لا نورث، ما تركنا صدقه، إنما يأكل آل محمد - صلى الله عليه وسلم - في هذا المال، وإني والله لا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... في هذا رد على الرافضة في زعمهم أن أم أيمن وعلياً -رضي الله عنهما- ... شهدا بمنح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاطمة فدكاً. انظر: الصراط المستقيم إلى ... مستحقي التقديم للنباطي 2/282.
(2) ... منهاج السنة 4/228.
أغير شيئاً من صدقة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن حالها التي كانت عليها في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولأعملن فيها بما عمل به رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأبى أبو بكر أن يدفع لفاطمة منها شيئاً، فوجدت فاطمة على أبي بكر في ذلك فهجرته فلم تكلمه حتى توفيت). (1)
فقد كانت فاطمة -رضي الله عنها- مجتهدة في ذلك، اعتقدت أن الحق معها، ثم لما رأت من عزم الخليفة على رأيه أمسكت عن الكلام في المسألة، وما كان يسعها غير ذلك.(48/3)
... قال ابن حجر في توجيه اجتهادها: «وأما سبب غضبها [أي فاطمة] مع احتجاج أبي بكر بالحديث المذكور فلاعتقادها تأويل الحديث على خلاف ما تمسك به أبو بكر، وكأنها اعتقدت تخصيص العموم في قوله: (لا نورث) ورأت أن منافع ما خلفه من أرض وعقار لا يمتنع أن تورث عنه،وتمسك أبو بكر بالعموم، واختلفا في أمر محتمل للتأويل، فلما صمم على ذلك انقطعت عن الاجتماع به لذلك». (2)
... الوجه الثالث: أن السنة والإجماع قد دلا على أن النبي - صلى الله عليه وسلم -
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... أخرجه البخاري في: (كتاب المغازي، باب غزوة خيبر) فتح الباري ... 7/493، ح4240-4241، ومسلم: (كتاب الجهاد، باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم - ... لا نورث) 3/1380، ح1759.
(2) ... فتح الباري 6/202.
لا يورث فيكون الحق في هذه المسألة مع أبي بكر -- رضي الله عنه --.
... قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: «كون النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يورث ثبت بالسنة المقطوع بها، وبإجماع الصحابة، وكل منهما دليل قطعي، فلا يعارض ذلك بما يظن أنه عموم، وإن كان عموماً فهو مخصوص، لأن ذلك لو كان دليلاً لما كان إلا ظنياً فلا يعارض القطعي، إذ الظني لا يعارض القطعي، وذلك أن هذا الخبر(1) رواه غير واحد من الصحابة في أوقات ومجالس، وليس فيهم من ينكره بل كلهم تلقاه بالقبول والتصديق، ولهذا لم يصرّ أحد من أزواجه على طلب الميراث ولا أصرّ العم على طلب الميراث، بل من طلب من ذلك شيئاً فأخبر بقول النبي - صلى الله عليه وسلم - رجع عن طلبه، واستمر الأمر على ذلك على عهد الخلفاء الراشدين إلى علي، فلم يغير من ذلك شيئاً، ولاقسم له تركة». (2)(48/4)
... وبإجماع الخلفاء الراشدين على ذلك احتج الخليفة العباسي أبو العباس السفاح على بعض مناظريه في هذه المسألة على ما نقل ابن الجوزي في تلبيس إبليس قال: «وقد روينا عن السفاح أنه خطب يوماً
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... يشير إلى الحديث الذي احتج به أبو بكر وهو قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (لا نورث، ما ... تركنا صدقه)، وقد تقدم تخريجه في الصحفة السابقة.
(2) ... منهاج السنة 4/220.
فقام رجل من آل علي -- رضي الله عنه -- قال: أنا من أولاد علي -- رضي الله عنه --، فقال: يا أمير المؤمنين أعدني على من ظلمني قال: ومن ظلمك؟ قال: أنا من أولاد علي -- رضي الله عنه -- والذي ظلمني أبو بكر -- رضي الله عنه -- حين أخذ فدك من فاطمة، قال: ودام على ظلمكم؟ قال: نعم، قال: ومن قام بعده؟ قال: عمر -- رضي الله عنه --، قال: ودام على ظلمكم؟ قال: نعم، قال: ومن قام بعده؟ قال عثمان -- رضي الله عنه --، قال: ودام على ظلمكم؟ قال: نعم، قال: ومن قام بعده؟فجعل يلتفت كذا وكذا ينظر مكاناً يهرب منه...». (1)
... وبتصويب أبي بكر -- رضي الله عنه -- في اجتهاده صرح بعض أولاد علي من فاطمة -رضي الله عنهما- على ماروى البيهقي بسنده عن فضيل بن مرزوق قال: قال زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب: (أما لو كنت مكان أبي بكر، لحكمت بما حكم به أبو بكر في فدك). (2)
... كما نقل القرطبي اتفاق أئمة أهل البيت بدأً بعلي -- رضي الله عنه -- ومن جاء بعده من أولاده، ثم أولاد العباس الذين كانت بأيديهم صدقة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أنهم ما كانوا يرون تملكها، وإنما كانوا ينفقونها في سبيل الله قال -رحمه الله-: «إن علياً لما ولي الخلافة لم يغيرها عما
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... تلبيس إبليس ص135.(48/5)
(2) ... السنن الكبرى 6/302 ، وذكره ابن كثير في البداية والنهاية 5/253.
عمل فيها في عهد أبي بكر، وعمر، وعثمان، ولم يتعرض لتملكها، ولا لقسمة شيء منها، بل كان يصرفها في الوجوه التي كان من قبله يصرفها فيها، ثم كانت بيد حسن بن علي، ثم بيد حسين بن علي، ثم بيد علي بن الحسين، ثم بيد الحسين بن الحسن، ثم بيد زيد بن الحسين، ثم بيد عبدالله بن الحسين، ثم تولاها بنو العباس على ما ذكره أبو بكر البرقاني في صحيحه، وهؤلاء كبراء أهل البيت -- رضي الله عنهم -- وهم معتمد الشيعة وأئمتهم، لم يُرو عن واحد منهم أنه تملكها ولا ورثها ولا ورثت عنه، فلو كان ما يقوله الشيعة حقاً لأخذها علي أو أحد من أهل بيته لما ظفروا بها ولم فلا». (1)
... فظهر بهذا إجماع الخلفاء الراشدين، وسائر الصحابة، وأئمة أهل البيت -- رضي الله عنهم -- أجمعين، على أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يورث، وأن ما تركه صدقة، وعلى ذلك جرى عمل الخلفاء الراشدين وأئمة أهل البيت الذين كانت بأيديهم صدقة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
... الوجه الرابع: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما أراد بغضب فاطمة الذي يغضب له هو:أن تغضب بحق، وإلا فالرسول - صلى الله عليه وسلم - لا يغضب لنفسه، ولأحد من أهل بيته بغير حق، بل ما كان ينتصر لنفسه ولو بحق مالم تنتهك محارم الله، كما جاء في الصحيحين من حديث عائشة -رضي الله عنها-
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... المفهم للقرطبي 3/564.
قالت: (ما خير النبي - صلى الله عليه وسلم - بين أمرين إلا اختار أيسرهما مالم يأثم، فإذا كان الإثم كان أبعدهما منه، والله ما انتقم لنفسه في شيء يؤتى إليه قط، حتى تنتهك حرمات الله فينتقم لله). (1)(48/6)
... وفاطمة -رضي الله عنها- على جلالتها، وكمال دينها، وفضلها، هي مع ذلك ليست معصومة، بل قد كانت تصدر منها بعض الأمور التي ماكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقرها عليها، وقد تطلب من النبي - صلى الله عليه وسلم - الشيء فلا يجيبها له: كسؤالها النبي - صلى الله عليه وسلم - خادماً فلم يعطها وأرشدها وعلياً للتسبيح كما ثبت في حديث علي -- رضي الله عنه -- في الصحيحين. (2)
... وفي سنن أبي داود عن عمر بن عبدالعزيز: إن فاطمة سألت الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن يجعل لها فدكاً فأبى. (3)
... وثبت في صحيح مسلم من حديث عائشة -رضي الله عنها-
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... أخرجه البخاري في: (كتاب الحدود، باب إقامة الحدود) فتح الباري ... 12/86، ح6786، ومسلم: (كتاب الفضائل، باب مباعدته - صلى الله عليه وسلم - للآثام) ... 4/1813، ح2327.
(2) ... انظر: صحيح البخاري: (كتاب فضائل الصحابة، باب مناقب علي بن أبي ... طالب) فتح الباري 7/71، ح3705، وصحيح مسلم: (كتاب الذكر ... والدعاء، باب التسبيح أول النهار وعند النوم) 4/2091، ح2727.
(3) ... انظر: سنن أبي داود: (كتاب الخراج والإمارة، باب في صفايا رسول الله ... - صلى الله عليه وسلم -) 3/378، ح2972.
أن فاطمة جاءت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقالت له: إن أزواجك أرسلنني إليك يسألنك العدل في ابنة أبي قحافة، فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (أي بنية ألست تحبين ما أحب؟ فقالت: بلى، قال: فأحبي هذه...). (1)
... فلم يجبها النبي - صلى الله عليه وسلم - لشيء من ذلك، فدل على عدم موافقته لها في كل شيء، بل قد تفعل الأمر مجتهدة فتخطئ فلا يقرها عليه، وبالتالي فأن لا يغضب لغضبها من باب أولى.(48/7)
... وطلبها ميراث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أبي بكر من جنس ذلك، فقد كانت -رضي الله عنها- مجتهدة وكان الحق في ذلك مع أبي بكر للنص الصريح في ذلك، ولموافقة الصحابة له في رأيه، فكان إجماعاً معتضداً بالنص كما تقدم، فأبو بكر في ذلك قائم بالحق متبع للنص مستمسك بعهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في هذه المسألة، فكيف يتصور أن يسخط بفعله هذا رسول الله، وهو إنما يعمل بشرعه، ويهتدي
بهديه.
... الوجه الخامس: أن قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (فاطمة بضعة مني فمن أغضبها فقد أغضبني)(2)، من نصوص الوعيد المطلق التي لا يستلزم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... أخرجه مسلم: (كتاب فضائل الصحابة، باب فضائل عائشة) 4/1891، ... ح2442.
(2) ... سيأتي تخريجه مع ذكر رواياته في الصفحة التالية.
ثبوت موجبها في حق المعنيين، إلا بعد وجود الشروط، وانتفاء الموانع.(1) هذا مع أن ما في هذا الحديث من الوعيد لو كان لازماً لكل من أغضبها مطلقاً، لكان لازماً لعلي قبل أبي بكر، ولكان لحوقه بعلي أولى من لحوقه بأبي بكر، إذ أن مناسبة هذا الحديث هو خطبة علي -- رضي الله عنه -- لابنة أبي جهل وشكوى فاطمة له على النبي - صلى الله عليه وسلم - على ما روى الشيخان من حديث المسور بن مخرمة قال: (إن علياً خطب بنت أبي جهل فسمعت بذلك فاطمة، فأتت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت: يزعم قومك أنك لا تغضب لبناتك، وهذا علي ناكح بنت أبي جهل، فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسمعته حين تشهد يقول: أما بعد أنكحت أبا العاص ابن الربيع فحدثني وصدقني، وإن فاطمة بضعة مني وإني أكره أن يسوءها، والله لا تجتمع بنت رسول الله وبنت عدو الله عند رجل واحد فترك علي الخطبة). (2)
... وفي رواية: (إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: فاطمة بضعة مني فمن(48/8)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... انظر: تقرير هذه المسألة في مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية ... 10/372، 28/500-501.
(2) ... رواه البخاري في: (كتاب فضائل الصحابة، باب ذكر أصهار النبي - صلى الله عليه وسلم -) فتح ... الباري 7/85، ح3729، ومسلم: (كتاب فضائل الصحابة، باب فضائل ... فاطمة بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) 4/1903.
أغضبها أغضبني). (1)
... فظهر أن مناسبة الحديث هي خطبة علي -- رضي الله عنه -- لابنة أبي جهل وغضب فاطمة من ذلك، والنص العام يتناول محل السبب، وهو نص فيه باتفاق العلماء، حتى قالوا لا يجوز إخراج السبب بدليل تخصيص، لأن دلالة العام على سببه قطعية وعلى غيره على وجه الظهور(2) وعلى هذا فلو كان هذا الحديث متنزلاً على كل من أغضب فاطمة لكان أول الناس دخولاً في ذلك علياً -- رضي الله عنه --.
... قال شيخ الإسلام ابن تيمية ضمن رده على الرافضة في هذه المسألة وبعد أن ذكر الحديث: «فسبب الحديث خطبة علي -- رضي الله عنه -- لابنة أبي جهل والسبب داخل في اللفظ قطعاً، إذ اللفظ الوارد على سبب لا يجوز إخراج سببه منه، بل السبب يجب دخوله بالاتفاق.
... وقد قال في الحديث: (يريبني ما رابها ويؤذيني ما آذاها) ومعلوم قطعاً أن خطبة ابنة أبي جهل عليها رابها وآذاها، والنبي - صلى الله عليه وسلم - رابه ذلك وآذاه، فإن كان هذا وعيد لاحقاً لزم أن يلحق هذا الوعيد
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... رواه البخاري في: (كتاب فضائل الصحابة، باب مناقب قرابة الرسول ... - صلى الله عليه وسلم -) فتح الباري 7/78، ح3714.
(2) ... انظر: المسودة في أصول الفقه للأئمة الثلاثة من آل تيمية: شيخ الإسلام ... وأبيه شهاب الدين وجده أبي البركات ص119، وتخريج الفروع على ... الأصول للزنجاني ص360.(48/9)
علي بن أبي طالب، وإن لم يكن وعيداً لاحقاً بفاعله، كان أبو بكر أبعد عن الوعيد من علي». (1)
... الوجه السادس: أن فاطمة -رضي الله عنها- كانت قد رجعت عن قولها في المطالبة بإرث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، كما نص على ذلك غير واحد من الأئمة في الحديث والسير.
... قال القاضي عياض: «وفي ترك فاطمة منازعة أبي بكر بعد احتجاجه عليها بالحديث: التسليم للإجماع على قضية، وأنها لما بلغها الحديث وبين لها التأويل، تركت رأيها ثم لم يكن منها ولا من ذريتها بعد ذلك طلب ميراث، ثم ولي علي الخلافة فلم يعدل بها عما فعله أبو بكر، وعمر -- رضي الله عنهم --». (2)
... وقال القرطبي: «فأما طلب فاطمة ميراثها من أبيها من أبي بكر فكان ذلك قبل أن تسمع الحديث الذي دل على خصوصية النبي - صلى الله عليه وسلم - بذلك، وكانت متمسكة بما في كتاب الله من ذلك، فلما أخبرها أبو بكر بالحديث توقفت عن ذلك ولم تعد إليه». (3)
... وقال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: «فهذه الأحاديث
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... منهاج السنة 4/251.
(2) ... شرح صحيح مسلم للنووي 12/73.
(3) ... المفهم 3/563.
الثابتة المعروفة عند أهل العلم، وفيها ما يبين أن فاطمة -رضي الله عنها- طلبت ميراثها من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على ما كانت تعرف من المواريث، فأخبرت بما كان من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسلمت ورجعت». (1)
... وقال ابن كثير -رحمه الله-: «وقد روينا أن فاطمة -رضي الله عنها- احتجت أولاً بالقياس، وبالعموم في الآية الكريمة، فأجابها الصديق بالنص على الخصوص بالمنع في حق النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأنها سلمت له ما قال، وهذا هو المظنون بها -رضي الله عنها-». (2)(48/10)
... فظهر بهذا رجوع فاطمة -رضي الله عنها- إلى قول أبي بكر وما كان عليه عامة الصحابة، وأئمة أهل البيت من القول بعدم إرث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهذا هو اللائق بمقامها في الدين والعلم -فرضي الله عنها وأرضاها-.
... الوجه السابع: أنه ثبت عن فاطمة -رضي الله عنها- أنها رضيت عن أبي بكر بعد ذلك، وماتت وهي راضية عنه، على ماروى البيهقي بسنده عن الشعبي أنه قال: (لما مرضت فاطمة أتاها أبو بكر الصديق فاستأذن عليها، فقال علي: يافاطمة هذا أبو بكر يستأذن عليك؟ فقالت: أتحب أن آذن له؟ قال: نعم، فأذنت له فدخل عليها ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... منهاج السنة 4/234.
(2) ... البداية والنهاية 5/252.
يترضاها، فقال: والله ما تركت الدار والمال، والأهل والعشيرة، إلا إبتغاء مرضاة الله، ومرضاة رسوله، ومرضاتكم أهل البيت، ثم ترضاها حتى رضيت). (1)
... قال ابن كثير: «وهذا إسناد جيد قوي والظاهر أن عامر الشعبي سمعه من علي أو ممن سمعه من علي». (2)
... وقال ابن حجر: «وهو وإن كان مرسلاً فاسناده إلى الشعبي صحيح، وبه يزول الإشكال في جواز تمادي فاطمة عليها السلام على هجر أبي بكر». (3)
... وقال أيضاً: «فإن ثبت حديث الشعبي أزال الإشكال وأخلق بالأمر أن يكون كذلك، لما علم من وفور عقلها ودينها، عليها السلام». (4)
... وبهذا تندحض مطاعن الرافضة على أبي بكر التي يعلقونها على غضب فاطمة عليه، فلئن كانت غضبت على أبي بكر في بداية
الأمر فقد رضيت عنه بعد ذلك وماتت عليه، ولا يسع أحد
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... السنن الكبرى للبيهقي 6/301.
(2) ... البداية والنهاية 5/253.
(3) ... فتح الباري 6/202.
(4) ... المصدر نفسه.(48/11)
صادق في محبته لها، إلا أن يرضي عمن رضيت عنه، ولا يعارض ... هذا ما ثبت في حديث عائشة المتقدم (أنها وجدت على أبي بكر فلم تكلمه حتى توفيت)(1) فإن هذا بحسب علم عائشة -رضي الله عنها- راوية الحديث، وفي حديث الشعبي زيادة علم، وثبوت زيارة أبي بكر لها وكلامها له ورضاها عنه، فعائشة -رضي الله عنها- نفت والشعبي أثبت، ومعلوم لدى العلماء أن قول المثبت مقدم على قول النافي، لأن احتمال الثبوت قد حصل بغير علم النافي، خصوصاً في مثل هذه المسألة فإن عيادة أبي بكر لفاطمة -رضي الله عنها- ليست من الأحداث الكبيرة التي تشيع في الناس، ويطلع عليها الجميع، وإنما هي من الأمور العادية التي تخفى على من لم يشهدها، والتي لا يعبأ بنقلها لعدم الحاجة لذكرها.
... على أن الذي ذكره العلماء أن فاطمة -رضي الله عنها- لم تتعمد هجر أبي بكر -- رضي الله عنه -- أصلاً، ومثلها ينزه عن ذلك لنهي النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الهجر فوق ثلاث، وإنما لم تكلمه لعدم الحاجة لذلك.
... قال القرطبي في سياق شرحه لحديث عائشة المتقدم: «ثم إنها (أي فاطمة) لم تلتق بأبي بكر لشغلها بمصيبتها برسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولملازمتها بيتها فعبر الراوي عن ذلك بالهجران، وإلا فقد قال
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... تقدم تخريجه ص 423.
رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ( لايحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث)(1) وهي أعلم الناس بما يحل من ذلك ويحرم، وأبعد الناس عن مخالفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) كيف لا يكون كذلك وهي بضعة من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسيدة نساء أهل الجنة». (2)(48/12)
... وقال النووي: «وأما ما ذكر من هجران فاطمة أبا بكر -- رضي الله عنه -- فمعناه انقباضها عن لقائه، وليس هذا من الهجران المحرم، الذي هو ترك السلام والإعراض عند اللقاء، وقوله في هذا الحديث (فلم تكلمه) يعني في هذا الأمر، أو لانقباضها لم تطلب منه حاجة ولا اضطرت
إلى لقائه فتكلمه، ولم ينقل قط أنهما التقيا فلم تسلم عليه ولا كلمته». (3)
... وبهذا يظهر الحق في هذه المسألة، وتبطل دعوى الرافضي وتندحض شبهته بما تم تقريره من خلال النصوص والأخبار الصحيحة الدالة على براءة الصديق من مطاعن الرافضي، وأن ما جرى بين ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... أخرجه البخاري من حديث أبي أيوب الأنصاري -- رضي الله عنه -- في: (كتاب ... الأدب، باب الهجرة) فتح الباري 10/492، ح6077، ومسلم: (كتاب ... البر والصلة، باب تحريم الهجر فوق ثلاث بلا عذر شرعي) 4/1984، ... ح2560.
(2) ... المفهم 3/568-569.
(3) ... شرح صحيح مسلم 12/73.
الصديق وفاطمة لايعدو أن يكون اختلافاً في مسألة فقهية ظهر
لفاطمة -رضي الله عنها- الحق فيها فرجعت له، وعرف لها الصديق فضلها، فعادها قبل وفاتها واسترضاها فماماتت إلا وهي راضية عنه فرضي الله عنهما جميعاً.(48/13)
طعن الرافضي في أم المؤمنين عائشة
-رضي الله عنها- بمشاركتها في
حرب الجمل والرد عليه
... يقول الرافضي طاعناً في أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها وأبيها- ص139 وما بعدها: «ونتساءل عن حرب الجمل التي أشعلت نارها أم المؤمنين عائشة، إذ كانت هي التي قادتها بنفسها، فكيف تخرج أم المؤمنين عائشة من بيتها التي أمرها الله بالاستقرار فيه بقوله تعالى: {وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى}. (1)
... ونسأل بأي حق استباحت أم المؤمنين قتال خليفة المسلمين علي ابن أبي طالب وهو ولي كل مؤمن ومؤمنة....
... ولمزيد البحث وليطمئن قلبي أقول أخرج البخاري في صحيحه من كتاب الفتن التي تموج كموج البحر قال: لما سار طلحة والزبير وعائشة إلى البصرة بعث علي عمار بن ياسر والحسن بن علي فقدما علينا الكوفة، فصعدا المنبر فكان الحسن بن علي فوق المنبر في أعلاه، وقام عمار أسفل من الحسن، فاجتمعنا إليه فسمعت عماراً يقول: إن عائشة قد سارت إلى البصرة، ووالله إنها لزوجة نبيكم في الدنيا ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... سورة الأحزاب آيه 33.
والآخرة، ولكن الله تبارك وتعالى ابتلاكم ليعلم إياه تطيعون أم هي.
... كما أخرج البخاري أيضاً في كتاب الشروط، باب ما جاء في بيوت أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: قام النبي - صلى الله عليه وسلم - خطيباً فأشار نحو مسكن عائشة، فقال: ههنا الفتنة ههنا الفتنة ههنا الفتنة، من حيث يطلع قرن الشيطان....
... وبعد كل هذا أتساءل كيف استحقت عائشة كل هذا التقدير والاحترام من أهل السنة والجماعة، ألأنها زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فزوجاته كثيرات، وفيهن من هي أفضل من عائشة بتصريح النبي - صلى الله عليه وسلم - نفسه».
... وجوابه:
... أن قوله إنها أشعلت نار حرب الجمل وقادتها بنفسها... الخ كلامه.(49/1)
... فهذا من أظهر الكذب الذي يعلم فساده كل من له اطلاع على التأريخ وأحداث موقعة الجمل، وذلك أن هذه المعركة لم تقع بتدبير أحد من الصحابة لا علي ولا طلحة ولا الزبير ولا عائشة، بل إنما وقعت بغير اختيار منهم ولا إرادة لها، وإنما انشب الحرب بينهم قتلة عثمان لما رأوا أن الصحابة -- رضي الله عنهم -- أوشكوا على الصلح، كما نقل ذلك المؤرخون وصرح به العلماء المحققون للفتنة وأحداثها:
... يقول الباقلاني: «وقال جلة من أهل العلم إن الوقعة بالبصرة بينهم كانت على غير عزيمة على الحرب بل فجأة، وعلى سبيل دفع كل واحد من الفريقين عن أنفسهم لظنه أن الفريق الآخر قد غدر به، لأن الأمر كان قد انتظم بينهم وتم الصلح والتفرق على الرضا، فخاف قتلة عثمان من التمكن منهم والإحاطة بهم، فاجتمعوا وتشاوروا واختلفوا، ثم اتفقت أراؤهم على أن يفترقوا ويبدؤوا بالحرب سحرة في العسكرين، ويختلطوا ويصيح الفريق الذي في عسكر علي: غدر طلحة والزبير، ويصيح الفريق الآخر الذي في عسكر طلحة والزبير: غدر علي، فتم لهم ذلك على ما دبروه، ونشبت الحرب، فكان كل فريق منهم مدافعاً لمكروه عن نفسه، ومانعاً من الإشاطة بدمه، وهذا صواب من الفريقين وطاعة لله تعالى إذا وقع، والامتناع منهم على هذا السبيل، فهذا هو الصحيح المشهور، وإليه نميل وبه نقول».(1)
... ويقول ابن العربي: «وقدم علي البصرة وتدانوا ليتراؤوا، فلم يتركهم أصحاب الأهواء، وبادروا بإراقة الدماء، واشتجر بينهم الحرب، وكثرت الغوغاء على البغواء، كل ذلك حتى لايقع برهان، ولا تقف الحال على بيان، ويخفى قتلة عثمان، وإن واحداً في الجيش يفسد تدبيره فكيف بألف».(2)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... التمهيد في الرد على الملحدة ص233.
(2) ... العواصم من القواصم ص159.(49/2)
... ويقول ابن حزم: «وأما أم المؤمنين والزبير وطلحة -- رضي الله عنهم -- ومن كان معهم فما أبطلوا قط إمامة علي ولا طعنوا فيها... فقد صح صحة ضرورية لا إشكال فيها أنهم لم يمضوا إلى البصرة لحرب علي ولا خلافاً عليه ولا نقضاً لبيعته ... وبرهان ذلك أنهم اجتمعوا ولم يقتتلوا ولا تحاربوا، فلما كان الليل عرف قتلة عثمان أن الإراغة والتدبير عليهم، فبيتوا عسكر طلحة والزبير، وبذلوا السيف فيهم فدفع القوم عن أنفسهم فرُدِعُوا حتى خالطوا عسكر علي، فدفع أهله عن أنفسهم، وكل طائفة تظن ولا تشك أن الأخرى بدأتها بالقتال، فاختلط الأمر اختلاطاً لم يقدر أحد على أكثر من الدفاع عن نفسه، والفسقة من قتلة عثمان، لعنهم الله لايفترون من شب الحرب وإضرامها».(1)
... ويقول ابن كثير واصفاً الليلة التي اصطلح فيها الفريقان من الصحابة: «وبات الناس بخير ليلة، وبات قتلة عثمان بشر ليلة، وباتوا يتشاورون، وأجمعوا على أن يثيروا الحرب من الغلس».(2)
... ويقول ابن أبي العز الحنفي: «فجرت فتنة الجمل على غير اختيار من علي ولا من طلحة والزبير، وإنما أثارها المفسدون بغير
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... الفصل في الملل والأهواء والنحل 4/238-239.
(2) ... البداية والنهاية 7/5.
اختيار السابقين".(1)(49/3)
... فهذه أقوال العلماء المحققين كلها متفقة على أن الحرب يوم الجمل نشأت بغير قصد من الصحابة ولا اختيار منهم، بل إنهم كانوا كارهين لها، مؤثرين الصلح على الحرب، ولم يكن لأي أحد من الصحابة أي دور في نشوبها ولا سعي في إثارتها، لا عائشة -رضي الله عنها- كما زعم هذا الرافضي ولا غيرها، وإنما أوقد جذوتها وأضرم نارها سلف هذا الرافضي الحاقد، وغيرهم من قتلة عثمان -- رضي الله عنه -- وهو اليوم يرمي أم المؤمنين بذلك، فعليهم من الله ما يستحقون، ما أشد ابتلاء الأمة بهم، وأعظم جنايتهم عليها قديماً وحديثاً.
... وأما قوله: إنها خرجت من بيتها، وقد أمرها الله بالاستقرار فيه في قوله تعالى: {وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى}.(2)
... فالرد عليه: أن عائشة -رضي الله عنها- إنما خرجت للصلح بين المسلمين، ولجمع كلمتهم، ولما كانت ترجو من أن يرفع الله بها الخلاف بين المسلمين لمكانتها عندهم، ولم يكن هذا رأيها وحدها،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... شرح العقيدة الطحاوية ص723.
(2) ... سورة الأحزاب آيه 33.
بل كان رأي بعض من كان حولها من الصحابة الذين أشاروا عليها بذلك.
... يقول ابن العربي: «وأما خروجها إلى حرب الجمل فما خرجت لحرب، ولكن تعلق الناس بها وشكوا إليها ما صاروا إليه من عظيم الفتنة وتهارج الناس، ورجوا بركتها في الإصلاح وطمعوا في الإستحياء منها إذا وقفت للخلق، وظنت هي ذلك، فخرجت مقتدية بالله في قوله: {لاخير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس}(1) وبقوله: {وإن طائفتان من المؤمنين أقتتلوا فأصلحوا بينهما}(2) والأمر بالاصلاح، مخاطب به جميع الناس من ذكر أو أنثى حر أو عبد...».(3)
... وقد صرحت عائشة نفسها بأن هذا هو سبب خروجها، كما ثبت ذلك عنها في أكثر من مناسبة وفي غيرما روايه.(49/4)
... فروى الطبري أن عثمان بن حنيف -- رضي الله عنه -- وهو والي البصرة من قبل علي بن أبي طالب أرسل إلى عائشة -رضي الله عنها- عند قدومها البصرة من يسألها عن سبب قدومها، فقالت: (والله ما مثلي ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... سورة النساء آيه 114.
(2) ... سورة الحجرات آيه 9.
(3) ... أحكام القرآن 3/569-570.
يسير بالأمر المكتوم، ولا يغطّي لبنيه الخبر، إن الغوغاء من أهل الأمصار، ونزاع القبائل، غزوا حرم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأحدثوا فيه الأحداث، وآووا فيه المحدثين، واستوجبوا فيه لعنة الله ولعنة رسوله مع ما نالوا من قتل إمام المسلمين بلا ترة ولا عذر، فاستحلوا الدم الحرام فسفكوه، وانتهبوا المال الحرام، وأحلوا البلد الحرام، والشهر الحرام، ومزقوا الأعراض والجلود، وأقاموا في دار قوم كانوا كارهين لمقامهم، ضارين مضرين غير نافعين ولا متقين، ولا يقدرون على امتناع ولا يأمنون، فخرجت في المسلمين أعلمهم ما أتى هؤلاء القوم وما فيه الناس وراءنا، وما ينبغي لهم أن يأتوا في إصلاح هذا، وقرأت: {لاخير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس}(1) فنهض في الإصلاح ممن أمر الله - عز وجل -، وأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الصغير والكبير والذكر والأنثى، فهذا شأننا إلى معروف نأمركم به ونحضكم عليه، ومنكر ننهاكم عنه ونحثكم على تغييره).(2)
... وروى ابن حبان أن عائشة -رضي الله عنها- كتبت إلى أبي موسى الأشعري والي علي على الكوفة: (فإنه قد كان من قتل عثمان
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... سورة النساء آيه 114.
(2) ... تاريخ الطبري 4/462.
ما قد علمت، وقد خرجت مصلحة بين الناس، فمر من قبلك بالقرار في منازلهم، والرضا بالعافية حتى يأتيهم ما يحبون من صلاح أمر المسلمين).(1)(49/5)
... ولما أرسل علي القعقاع بن عمرو لعائشة ومن كان معها يسألها عن سبب قدومها، دخل عليها القعقاع فسلم عليها، وقال: (أي أُمة ما أشخصك وما أقدمك هذه البلدة؟ قالت: أي بنيّ إصلاح بين الناس). (2)
... وبعد انتهاء الحرب يوم الجمل جاء علي إلى عائشة -رضي الله عنها- فقال لها: (غفر الله لك، قالت: ولك، ما أردت إلا الإصلاح). (3)
... فتقرر أنها ما خرجت إلا للإصلاح بين المسلمين، وهذا سفر طاعة لا ينافي ما أمرت به من عدم الخروج من بيتها، كغيره من الأسفار الأخرى التي فيها طاعة لله ورسوله كالحج والعمرة.
... قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في الرد على الرافضة ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... الثقات لابن حبان 2/282.
(2) ... تاريخ الطبري 4/488، والبداية والنهاية لابن كثير 7/248.
(3) ... نقله ابن العماد في شذرات الذهب 1/42، وروى هذا الأثر بدون قولها: ... (ماأردت إلا الإصلاح) الطبري في تأريخه 4/534.
في هذه المسألة: (فهي -رضي الله عنها- لم تتبرج تبرج الجاهلية
الأولى، والأمر بالاستقرار في البيوت لا ينافي الخروج لمصلحة مأمور بها، كما لو خرجت للحج والعمرة، أو خرجت مع زوجها في سفره، فإن هذه الآية قد نزلت في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد سافر بهن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد ذلك كما سافر في حجة الوداع بعائشة -رضي الله عنها- وغيرها وأرسلها مع عبد الرحمن أخيها فأردفها خلفه، وأعمرها من التنعيم، وحجة الوداع كانت قبل وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - بأقل من ثلاثة أشهر بعد نزول هذه الآية، ولهذا كان أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - يحججن كما كن يحججن معه في خلافة عمر-- رضي الله عنه -- وغيره، وكان عمر يوكل بقطارهن عثمان،أوعبدالرحمن بن عوف،وإذاكان سفرهن لمصلحة جائزاً،فعائشة اعتقدت أن ذلك السفر مصلحة للمسلمين فتأولت في ذلك». (1)(49/6)
... وأما قول الرافضي: استباحت قتال خليفة المسلمين...
... فقد تقدم إنها ما خرجت لذلك، وما أرادت القتال، وقد نقل الزهري عنها أنها قالت بعد موقعة الجمل: (إنما أريد أن يحجز بين الناس مكاني، ولم أحسب أن يكون بين الناس قتال، ولو علمت ذلك لم أقف ذلك الموقف أبداً). (2)
... ولهذا ندمت -رضي الله عنها- بعد ذلك ندماً عظيماً على ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... منهاج السنة 4/317-318.
(2) ... المغازي للزهري ص154.
شهود موقعة الجمل، على ماروى ابن أبي شيبة عنها أنها قالت:
(وددت أني كنت غصناً رطباً، ولم أسر سيري هذا). (1)
... وفي الكامل لابن الأثير أنها قالت للقعقاع بن عمرو: (والله لوددت أني مت قبل هذا اليوم بعشرين سنة). (2)
... وموقف عائشة -رضي الله عنها- هذا هو موقف علي -- رضي الله عنه -- من الحرب بعد وقوعها.
... فقد روى ابن أبي شيبة: أن علياً قال يوم الجمل: (اللهم ليس هذا أردت، اللهم ليس هذا أردت). (3)
... وعنه -- رضي الله عنه -- أنه قال: (وددت أني كنت مت قبل هذا بعشرين سنة). (4)
... فثبت بهذا أن عائشة -رضي الله عنها- ما أرادت القتال أولاً، وندمت أن شهدته بعد وقوعه، فلئن كان ذنباً فهو مغفور لها من وجهين: بعدم القصد، وبالتوبة منه، هذا مع ما ثبت أنها خرجت لمقصد حسن وهو الصلح بين المسلمين، فهي بذلك مأجورة على
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... المصنف لابن أبي شيبة 7/543.
(2) ... الكامل في التاريخ 3/254.
(3) ... المصنف لابن أبي شيبة 7/541.
(4) ... المصدر نفسه 7/544، والكامل لابن الأثير 3/254.
قصدها مغفور لها خطؤها.(49/7)
... وموقف علي -- رضي الله عنه -- من الحرب دليل على أنه يرى أنها حرب فتنة، ولهذا تمنى لو لم يدخلها، وأنه مات قبلها بعشرين سنة، وذلك لاشتباه الأمور فيها، ولكونه لم يظهر له أن في قتال مخالفيه يوم الجمل حقاً ظاهراً، ولو أنه كان يعتقد في مخالفيه ما يعتقده الرافضة فيهم من الكفر والردة عن الإسلام بحربهم لعلي -- رضي الله عنه --، فإنه لو كان يعتقد فيهم هذا لما ندم على قتالهم ذلك الندم العظيم، ولفرح بقتلهم وقتالهم لما في ذلك من عز الإسلام وقمع أعدائه، ولما فيه من الأجر العظيم. كما حصل ذلك منه بعد قتال الخوارج -مع كونه لا يعتقد كفرهم- إلا أنه فرح بقتالهم فرحاً عظيماً، وكبر الله سروراً بقتلهم لمّا تأكد له وصفهم، الذي عهد به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومن ذلك وجود ذي الثدية فيهم، على ما جاء ذلك مخرجاً في الصحيحين. (1)
... وفي هذا أكبر رد على هؤلاء الرافضة الطاعنين في أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - المتهمين لهم بالعظائم، فلو كان لهم عقول لما حادوا عن موقف علي من مخالفيه الذي لم يكن يتهمهم في دينهم، ولا يذمهم بشيء مما ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... انظر: صحيح البخاري: (كتاب المناقب، باب علامات النبوة في الإسلام) ... فتح الباري 8/617-618، ح3610، وصحيح مسلم: (كتاب الزكاة، ... باب التحريض على قتل الخوارج) 2/748-749.
يتشدق به هؤلاء الأفاكون المجرمون، بل ثبت ثناؤه عليهم، ووصفه
لهم بالإيمان والتقوى، واستغفاره لهم، كما تقدم نقل ذلك مفصلاً فيما قد سبق من البحث(1) وكما مر قريباً استغفاره لعائشة واستغفارها له(2) فرضي الله عنهم جميعاً.
... وأما طعن الرافضي في أم المؤمنين عائشة بقول عمار: (والله إنها لزوجة نبيكم في الدنيا والآخرة، ولكن الله تبارك وتعالى ابتلاكم بها ليعلم إياه تطيعون أم هي).(49/8)
... فالرد عليه: أن ليس في قول عمار هذا ما يطعن به على عائشة -رضي الله عنها- بل فيه أعظم فضيلة لها، وهي أنها زوجة نبينا - صلى الله عليه وسلم - في الدنيا والآخرة، فأي فضل أعظم من هذا، وأي شرف أسمى من هذا، فإن غاية كل مؤمن رضا الله والجنة، وعائشة -رضي الله عنها- قد تحقق لها ذلك بشهادة عمار -- رضي الله عنه -- الذي كان مخالفاً لها في الرأي في تلك الفتنة، وأنها ستكون في أعلى الدرجات في الجنة بصحبة زوجها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، كما شهد لها بذلك علي نفسه بعد انتهاء حرب الجمل على ما نقل الطبري أنه جاءها فأثنت عليه خيراً وأثنى عليها خيراً(3) وكان فيما قال: (أيها الناس صدقت والله ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... انظره ص 243-247.
(2) ... تقدم ص444.
(3) ... تقدم نقل ذلك ص 245 .
وبرّت... وإنها لزوجة نبيكم في الدنيا والآخرة). (1)
... وبهذا قد جاء الحديث الصحيح المرفوع إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - على ماروى الحاكم في المستدرك من حديث عائشة -رضي الله عنها- أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لها: (أما ترضين أن تكوني زوجتي في الدنيا والآخرة، قالت: بلى والله، قال: فأنت زوجتي في الدنيا والآخرة). (2)
... فيكون هذا الحديث من أعظم فضائل عائشة -رضي الله عنها- ولذا أورد البخاري الأثر السابق عن عمار في مناقب عائشة -رضي الله عنها-. (3)
... وطعن الرافضي به على عائشة دليل على ضعف عقله، وقلة فهمه، وهذا مصداق ما ذكره العلماء عنهم أن هؤلاء الرافضة هم أكذب الناس في النقليات وأجهل الناس في العقليات(4) وأنه ليس في ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... تاريخ الطبري 4/544.(49/9)
(2) ... رواه الحاكم في المستدرك 4/10، وقال: «حديث صحيح ولم يخرجاه» ... وقال الذهبي في التلخيص المطبوع في حاشية المستدرك: «صحيح» كما ... أورد هذا الحديث مصطفى العدوي في كتابه الصحيح المسند من فضائل ... الصحابة وحكم بصحة الحديث ص356.
(3) ... انظر: صحيح البخاري: (كتاب فضائل الصحابة، باب فضل عائشة -رضي ... الله عنها-)، فتح الباري 7/106، ح3772.
(4) ... من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية وقد تقدم نقل النص كاملاً ص 139.
أهل الأهواء أضعف حجة ولا أحمق منهم. (1)
... فتبين أن أثر عمار هذا حجة على الرافضي لا له، وأما قول عمارفي الجزء الأخيرمن الأثر:(ولكن الله ابتلاكم لتتبعوه أوإياها)فليس بمطعن على عائشة -رضي الله عنها- وبيان ذلك من عدة وجوه:
... الوجه الأول: أن قول عمار هذا يمثل رأيه. وعائشة -رضي الله عنها- ترى خلاف ذلك، وأن ما هي عليه هو الحق، وكل منهما صحابي جليل، عظيم القدر في الدين والعلم، فليس قول أحدهما حجة على الآخر.
... الوجه الثاني: أن أثر عمار تضمن معنيين أولهما قوله: (إنها زوجة نبيكم في الدنيا والآخرة) وهذا نص حديث صحيح كما تقدم. والآخر قوله: (ولكن الله ابتلاكم بها لتتبعوه أو إياها) وهذا قول عمار، فإن كان قول عمار غير معارض للحديث فلا مطعن حينئذ، وإن كان معارضاً للحديث فالحديث هو المقدم.
... الوجه الثالث: أن الشهادة بأنها زوجة النبي - صلى الله عليه وسلم - في الدنيا والآخرة، حكم عام باعتبار العاقبة والمآل. وقول عمار حكم خاص في حادثة خاصة، فرجع الحكم الخاص إلى العام وآل الأمر إلى تلك العاقبة السعيدة فانتفى الطعن.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... ذكره أبو عبيد القاسم بن سلاّم وقد تقدم نقله وتخريجه ص 131.(49/10)
... الوجه الرابع: أن غاية ما في قول عمار هو مخالفتها أمر الله في
تلك الحالة الخاصة، وليس كل مخالف مذموماً حتى تقوم عليه الحجة بالمخالفة، ويعلم أنه مخالف، وإلا فهو معذور إن لم يتعمد المخالفة، فقد يكون ناسياً أو متأولاً فلا يؤاخذ بذاك.
... الوجه الخامس: أن عماراً -- رضي الله عنه -- ما قصد بذلك ذم عائشة ولا انتقاصها، وإنما أراد أن يبين خطأها في الاجتهاد نصحاً للأمة، وهو مع هذا يعرف لأم المؤمنين قدرها وفضلها وقد جاء في بعض روايات هذا الأثر عن عمار أن عماراً سمع رجلاً يسب عائشة، فقال: (اسكت مقبوحاً منبوحاً،والله إنها لزوجة نبيكم في الدنيا والآخرة ولكن الله ابتلاكم بها ليعلم أتطيعوه أو إياها). (1)
... ونحن نقول لهذا الرافضي المتطاول على أم المؤمنين كما قال عمار: اسكت مقبوحاً منبوحاً.
... وأما قول الرافضي إن النبي - صلى الله عليه وسلم - قام خطيباً فأشار نحو مسكن عائشة فقال: ههنا الفتنة ههنا الفتنة من حيث يطلع قرن الشيطان، وطعنه على عائشة -رضي الله عنها- بذلك وزعمه أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أراد أن الفتنة تخرج من بيتها.
... فجوابه: أنه لا يخفى ما في كلامه هذا من التضليل والتلبيس،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... نقله ابن كثير في البداية والنهاية 7/248.
وقلب الحقائق والتدليس على من لا علم عنده من العامة وذلك بتفسيره قول الراوي: (فأشار نحو مسكن عائشة) على أن الإشارة كانت لبيت عائشة وأنها سبب الفتنة، والحديث لايدل على هذا بأي وجه من الوجوه، وهذه العبارة لا تحتمل هذا الفهم عند من له أدنى معرفة بمقاصد الكلام.(49/11)
... فان الراوي قال: (أشار نحو مسكن عائشة) أي جهة مسكن عائشة، ومسكن عائشة -رضي الله عنها- يقع شرقي مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - فالإشارة إلى جهة المسكن وهو (المشرق) لا إلى المسكن، ولو كانت الإشارة إلى المسكن لقال: (أشار إلى مسكن عائشة) ولم يقل: (إلى جهة مسكن عائشة) والفرق بين التعبيرين واضح وجلي.
... وهذه الرواية التي ذكرها أخرجها البخاري في كتاب فرض الخمس باب ما جاء في بيوت أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم -(1) وليس كما زعم الرافضي أنها في كتاب الشروط.
... وهذا الحديث قد جاء مخرجاً في كتب السنة من الصحيحين وغيرهما من عدة طرق، وبأكثر من لفظ، وقد جاء التصريح في هذه الروايات بأن الإشارة كانت إلى المشرق، وجاء النص فيها على البلاد المشار إليها بما يدحض دعوى الرافضي ويغني عن التكلف في الرد عليه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... انظر: صحيح البخاري مع فتح الباري 6/210، ح3104.
بأي شيء آخر.
... وها هي ذي بعض روايات الحديث من عدة طرق عن
ابن عمر -رضي الله عنهما-.
... فعن ليث عن نافع عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو مستقبل المشرق يقول: (ألا أن الفتنة هاهنا من حيث يطلع قرن الشيطان). (1)
... وعن عبيد بن عمر قال: حدثني نافع عن ابن عمر: (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قام عند باب حفصة فقال بيده نحو المشرق: الفتنة من حيث يطلع قرن الشيطان قالها مرتين أو ثلاثاً). (2)
... وعن سالم بن عبد الله عن أبيه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (وهو مستقبل المشرق، ها إن الفتنة ههنا، ها إن الفتنة ههنا، ها إن الفتنة ههنا من حيث يطلع قرن الشيطان). (3)
... وفي هذه الروايات تحديد صريح للجهة المشار إليها وهي جهة المشرق،وفيهاتفسيرللمقصود بالإشارة في الرواية التي ذكرها الرافضي.(49/12)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... أخرجه البخاري في: (كتاب الفتن، باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم - الفتنة من قبل ... المشرق)، فتح الباري 13/45، ح7093، ومسلم: (كتاب الفتن، باب ... الفتنة من المشرق...) 4/2228، ح2905.
(2) ... اخرجه مسلم: (كتاب الفتن، باب الفتنة من المشرق...) 4/2229.
(3) ... اخرجه مسلم: (كتاب الفتن، باب الفتنة من المشرق...) 4/2229.
... كما جاء في بعض الروايات الأخرى للحديث تحديد البلاد
المشار إليها.
... فعن نافع عن ابن عمر قال: (ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - اللهم بارك لنا في شامنا، اللهم بارك لنا في يمننا، قالوا: يارسول الله وفي نجدنا(1) فأظنه قال في الثالثة: هناك الزلازل والفتن وبها يطلع قرن الشيطان). (2)
... وعن سالم بن عبد الله بن عمر أنه قال: ياأهل العراق؟ ما أسألكم عن الصغيرة وأركبكم للكبيرة سمعت أبي عبد الله بن عمر يقول: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: (إن الفتنة تجيء من ههنا وأوْمَأ بيده نحو المشرق، من حيث يطلع قرنا الشيطان). (3)
... وفي بعض الروايات جاء ذكر بعض من يقطن تلك البلاد من القبائل ووصف حال أهلها.
... فعن أبي مسعود قال: (أشار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيده نحو اليمن فقال: ألا إن الإيمان ههنا، وإن القسوة وغلظ القلوب في
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... قال الخطابي: «نجد من جهة المشرق ومن كان بالمدينة كان نجده بادية ... العراق، ونواحيها وهي مشرق أهل المدينة»، فتح الباري لابن حجر ... 13/47.
(2) ... أخرجه البخاري: (كتاب الفتن، باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم - الفتنة من قبل المشرق)، ... فتح الباري 13/45، ح7094.
(3) ... أخرجه مسلم: (كتاب الفتن، باب الفتنة من المشرق...) 4/2229.(49/13)
الفدادين.(1) عند أصول أذناب الإبل، حيث يطلع قرنا الشيطان في ربيعة ومضر). (2)
... فدلت هذه الروايات دلالة قطيعة على بيان مراد النبي - صلى الله عليه وسلم - من قوله: (الفتنة هاهنا) وأن المقصود بذلك بلاد المشرق، حيث جاءت الروايات مصرحة بهذا، كما جاء في بعضها وصف أهل تلك البلاد وتعيين بعض قبائلها، مما يظهر به بطلان ما ادعى الرافضي من أن الإشارة كانت إلى بيت عائشة، فإن هذا قول باطل، ورأي ساقط، لم يفهمه أحد وما قال به أحد سوى هذا الرافضي الحاقد. والذي يحمله على هذا هو بغضه لأم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- فعليه من الله ما يستحق وألبسه الله بطعنه في الصحابة لباس الذل والخزي في الدنيا والآخرة.
... وأما قوله: كيف استحقت عائشة كل هذا التقدير والاحترام من أهل السنة والجماعة، ألأنها زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - فزوجاته كثيرات وفيهن من هي أفضل من عائشة بتصريح النبي - صلى الله عليه وسلم -.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... الفدّادون: الذين تعلوا أصواتهم في حروثهم ومواشيهم واحدهم: فدّاد وقيل ... هم المكثرون من الإبل. النهاية لابن الأثير 3/419.
(2) ... أخرجه البخاري في: (كتاب بدء الخلق، باب خير مال المسلم غنم يتبع بها ... شغف الجبال) فتح الباري 6/350، ح3302، ومسلم: (كتاب الإيمان، ... باب تفاضل أهل الإيمان فيه) 1/71، ح51.
... وجوابه: أما كيف استحقت كل هذا التقدير فلما ثبت من فضائلها العظيمة الثابتة بالنصوص الصحيحة.(49/14)
... فمن ذلك تبرأة الله تعالى لها من فوق سبع سموات، في آيات من كتاب الله تتلى إلى أن يأذن الله برفع كتابه من الأرض، وذلك في قول الله تعالى من سورة النور: {إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم لا تحسبوه شراً لكم بل هو خير لكم لكل امرئ منهم ما اكتسب من الإثم والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم}(1) إلى قوله: {الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات والطيبات للطيبين والطيبون للطيبات أولئك مبرؤن مما يقولون لهم مغفرة ورزق كريم}(2) فهذه الآيات من أكبر الأدلة على طهارتها، وشرفها، وعلو شأنها في الدين.
... ومن الأدلة على فضلها من السنة.
... ماثبت في الصحيحين من حديث عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت: قال: رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوماً: (ياعائشة هذا جبريل يقرئك السلام، قلت: وعليه السلام ورحمة الله وبركاته، ترى مالا أرى،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... سورة النور آية 11.
(2) ... سورة النور آية 26.
تريد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -). (1)
... وعن أبي موسى الأشعري -- رضي الله عنه -- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (كمل من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء إلا مريم بنت عمران، وآسية امرأة فرعون، وفضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام). (2)
... وعن هشام بن عروة عن عائشة قالت إنْ كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليتفقد يقول: (أين أنا اليوم؟ أين أنا غداً؟ استبطاءً ليوم عائشة قالت: فلما كان يومي قبضه الله بين سحري ونحري). (3)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... رواه البخاري في: (كتاب فضائل الصحابة، باب فضل عائشة -رضي الله ... عنها-)، فتح الباري 7/106، ح3768، ومسلم: (كتاب فضائل ... الصحابة، باب في فضل عائشة -رضي الله عنها-) 4/1896.(49/15)
(2) ... رواه البخاري في: (كتاب فضائل الصحابة، باب فضل عائشة -رضي الله ... عنها-)، فتح الباري 7/106، ح3769، والجزء الأخير من الحديث وهو ... قوله: (فضل عائشة على النساء...) أخرجه البخاري أيضاً من طريق أنس ... ابن مالك في الباب نفسه برقم 3770، ومسلم في: (كتاب فضائل ... الصحابة، باب في فضائل عائشة -رضي الله عنها-) 4/1895، ... ح2446.
(3) ... رواه البخاري في: (كتاب فضائل الصحابة، باب فضل عائشة)، فتح الباري ... 7/107، ح3774، ومسلم: (كتاب فضائل الصحابة، باب في فضائل ... عائشة) 4/1893، ح2443.
... وعن هشام بن عروة قال: (كان الناس يتحرون بهداياهم يوم عائشة قالت: عائشة: فاجتمع صواحبي إلى أم سلمة فقلن: يا أم سلمة والله إن الناس يتحرون بهداياهم يوم عائشة وإنا نريد الخير كما تريده عائشة، فمري رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يأمر الناس أن يهدوا إليه حيث
كان أو حيث ما دار، قالت فذكرت ذلك أم سلمة للنبي - صلى الله عليه وسلم - قالت: فأعرض عني، فلما عاد إليّ ذكرت له ذلك فأعرض عني، فلما كان الثالثة ذكرت له فقال: يا أم سلمة لا تؤذيني في عائشة فإنه والله ما نزل علي الوحي وأنا في لحاف امرأة منكن غيرها). (1)
... وعن عمرو بن العاص -- رضي الله عنه -- أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعثه على جيش ذات السلاسل قال: فأتيته فقلت: أي الناس أحبّ إليك؟ قال: عائشة، فقلت من الرجال؟ قال: أبوها، قلت ثم من قال: ثم عمر بن الخطاب فعدّ رجالاً). (2)
... إلى غير ذلك من الأحاديث الدالة على فضلها، وسبقها، ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... رواه البخاري في: (كتاب فضائل الصحابة، باب فضل عائشة)، فتح الباري ... 7/107، ح3775.(49/16)
(2) ... رواه البخاري في: (كتاب فضائل الصحابة، باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم - لو كنت ... متخذاً خليلاً)، فتح الباري 7/18، ح3662، ومسلم: (كتاب فضائل ... الصحابة، باب من فضائل أبي بكر) 4/1856، ح2384.
وعلو شأنها في الدين، وعظيم مكانتها عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وفي هذا أكبر رد على هذا الرافضي الذي يتساءل مكابراً: لأي شيء استحقت عائشة هذا التقدير! فنقول له: لما ثبت من فضلها على لسان
رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وتفردها بتلك المناقب العظيمة التي لم يشاركها فيها أحد من أمهات المؤمنين عدا خديجة -رضي الله عنها- في تسليم جبريل عليها كما هو ثابت في الصحيح.(1)
... وأما قول الرافضي وفيهن (أي أمهات المؤمنين) من هي أفضل منها بتصريح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلعله يريد بذلك خديجة -رضي الله عنها- وهذا غير مسلم، فالمفاضلة بين خديجة وعائشة محل نزاع كبير بين العلماء المحققين، وذلك أن العلماء متفقون على أن أفضل نساء الأمة، خديجة وعائشة وفاطمة، ثم اختلفوا بعد ذلك في المفاضلة بينهن -رضي الله عنهن-.
... يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: «وأفضل نساء هذه الأمة خديجة، وعائشة، وفاطمة، وفي تفضيل بعضهن على بعض نزاع». (2)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... انظر: صحيح البخاري: (كتاب فضائل الصحابة، باب تزوج النبي - صلى الله عليه وسلم - ... خديجة وفضلها)، فتح الباري 7/133-134، ح3820، ومسلم: (كتاب ... فضائل الصحابة، باب فضائل خديجة) 4/1887، ح2432.
(2) ... مجموع الفتاوى 4/394.(49/17)
... وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية عن خديجة وعائشة أميّ المؤمنين أيهما أفضل؟ فأجاب: «بأن سبق خديجة وتأثيرها في أول الإسلام ونصرها وقيامها في الدين لم تشاركها فيه عائشة ولا غيرها من أمهات المؤمنين، وتأثير عائشة في آخر الإسلام وحمل الدين وتبلغيه إلى
الأمة وإدراكها من العلم مالم تشاركها فيه خديجة ولا غيرها مما تميزت به عن غيرها». (1)
... وقال ابن حجر: «وقيل انعقد الإجماع على أفضلية فاطمة وبقي الخلاف بين عائشة وخديجة». (2)
... وقال في شرح حديث أبي هريرة وأن جبريل أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - وأمره أن يقرأ خديجة السلام من ربها وفيه: «قال السهيلي: استدل بهذه القصة أبو بكر بن داود على أن خديجة أفضل من عائشة لأن عائشة سلم عليها جبريل من قبل نفسه، وخديجة أبلغها السلام من ربها، وزعم ابن العربي أنه لا خلاف في أن خديجة أفضل من عائشة، ورد بأن الخلاف ثابت قديماً، وإن كان الراجح أفضيلة خديجة بهذا وبما تقدم». (3)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... مجموع الفتاوى 4/393.
(2) ... فتح الباري 7/109.
(3) ... فتح الباري 7/139.
... والمقصود هنا أن الخلاف بين العلماء في المفاضلة بين خديجة وعائشة مشهور، وليس المقام هنا مقام تحرير الخلاف في ذلك، وإنما القصد هو بيان بطلان دعوى الرافضي في زعمه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد نص على تفضيل خديجة على عائشة وصرح بذلك إذ لو حصل ذلك لما اختلف العلماء هذا الاختلاف الكبير في المفاضلة بينهن.(49/18)
... وعلى كل حال فليس فضل إحداهما على الآخرى بمطعن على المفضولة، بل في هذا أكبر دليل على علو مكانة هؤلاء النساء الثلاث (فاطمة وخديجة وعائشة) حيث إن الخلاف لم يخرج عنهن في أنهن أفضل نساء الأمة، وهذا نقيض ما قصده الرافضي الحاقد، فإنه إنما أراد بتفضيل خديجة على عائشة تنقص عائشة وهذا من جهله وقلة فهمه، فما الذي يضر عائشة لو كانت ثانية أو ثالثة نساء الأمة في الفضل، وهل هذا مدعاة لاحترامها وتقديرها أم للنيل منها والطعن فيها!! الحكم في هذا لك أيها القاريء وبه تعرف مدى ضلال هؤلاء الرافضة وبلادة أفهامهم وسخف عقولهم.(49/19)
دعوى الرافضي النص على خلافة علي بحديث:
(من كنت مولاه فعلي مولاه)
وأن ذلك من أسباب استبصاره والرد عليه
... قال الرافضي ص161: «أما الأسباب التي دعتني للاستبصار فكثيرة جداً ولا يمكن لي في هذه العجالة إلا ذكر بعض الأمثلة منها:
1- ... النص على الخلافة:
... لقد آليت على نفسي عند الدخول في هذا البحث أن لا أعتمد إلا ماهو موثوق عند الفريقين، وأن أطرح ما انفردت به فرقة دون الأخرى...
... والباحث في هذا الموضوع إذا تجرد للحقيقة فإنه سيجد النص على علي بن أبي طالب واضحاً جلياً كقوله - صلى الله عليه وسلم -: (من كنت مولاه فهذا علي مولاه). وهذا النص مجمع عليه من الشيعة والسنة...
... أما الاجماع المدعى على انتخاب أبي بكر يوم السقيفة ثم مبايعته بعد ذلك في المسجد، فإنه دعوى بدون دليل، إذ كيف يكون الإجماع وقد تخلف عن البيعة علي والعباس وسائر بني هاشم، كما تخلف أسامة بن زيد، والزبير، وسلمان الفارسي، وأبو ذر الغفاري، والمقداد ابن الأسود، وعمار بن ياسر، وحذيفة بن اليمان، وخزيمة بن ثابت
وأبو بريده الأسلمي، والبراء بن عازب، وأبي بن كعب، وسهل بن حنيف، وسعد بن عبادة، وقيس بن سعد، وأبو أيوب الانصاري، وجابر بن عبد الله، وخالد بن سعيد، وغير هؤلاء كثيرون فأين الإجماع ياعباد الله؟
... وجوابه: أن هذا الحديث الذي ذكره وهو قوله - صلى الله عليه وسلم -: (من كنت مولاه فهذا علي مولاه) قد أخرجه أحمد والترمذي والحاكم(1) ولم يخرجه أحد من أصحاب الصحاح، وقد اختلف العلماء في تصحيحه كما نقل ذلك أئمة أهل الشأن.(50/1)
... يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: «وأما قوله: (من كنت مولاه فعلي مولاه) فليس في الصحاح لكن هو مما رواه العلماء، وتنازع الناس في صحته، فنقل عن البخاري وإبراهيم الحربي وطائفة من أهل العلم بالحديث أنهم طعنوا فيه وضعفوه، ونقل عن أحمد بن حنبل أنه حسنه، كما حسنه الترمذي، وقد صنف أبو العباس بن عقده مصنفاً
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... أخرجه أحمد في المسند 1/84،118، والترمذي: في (كتاب المناقب، باب ... مناقب علي بن أبي طالب) 5/633، ح3713، وقال هذا حديث حسن ... صحيح، والحاكم في المستدرك 3/118، وقال صحيح على شرط الشيخين ... ولم يخرجاه، وقد حكم بصحة الحديث الشيخ الألباني في سلسلة الاحاديث ... الصحيحة 4/330، ح1750.
في جمع طرقه». (1)
... وقال ابن حزم: «وأما من كنت مولاه فعلي مولاه فلا يصح من طريق الثقات أصلاً». (2)
... وقد ذهب إلى تصحيح هذا الحديث الحاكم، ومن المعاصرين الشيخ الألباني. (3)
... والقصد أن العلماء اختلفوا في تصحيح الحديث، وهذا على خلاف ما ادعى الرافضي من أن الحديث موثق عند الفريقين، فإن من العلماء من ينكره ولا يرى صحته كما تقدم.
... وعلى القول بصحة الحديث فلا حجة فيه للرافضة في دعواهم أنه نص على خلافة علي، فإن الموالاة المذكورة في الحديث هي (الموالاة) التي ضد المعاداة. لا (الولاية) التي هي الإمارة.
... قال ابن الاثير في النهاية: «تكرر ذكر المولى في الحديث وهو اسم يقع على جماعة كثيرة فهو: الرب، والمالك، والسيد، والمنعم، والمعتق، والناصر، والمحب، والتابع، والجار، وابن العم، والحليف،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... منهاج السنة 7/319.
(2) ... الفصل 4/224.
(3) ... انظر: أقوالهم عند تخريج الحديث في الصفحة السابقة.(50/2)
والعقيد، والصهر، والعبد، والمعتق، والمنعم عليه، وأكثرها قد جاءت
في الحديث، فيضاف كل واحد إلى ما يقتضيه الحديث الوارد فيه، وكل من ولي أمراً أو قام به فهو مولاه ووليه، وقد تختلف مصادر هذه الأسماء (فالوَلاية) بالفتح في النسب، والنصرة، والمعتق، (والوِلاية) بالكسر في الإمارة والولاء المعتق، (والموالاة) من والى القوم، ومنه الحديث (من كنت مولاه فعلي مولاه) يحمل على أكثر الأسماء المذكورة. قال الشافعي -رضي الله عنه - يعني بذلك ولاء الإسلام، كقوله تعالى: {ذلك بأن الله مولى الذين آمنوا وأن الكافرين لا مولى لهم} (1)». (2)
... وهذا المفهوم اللغوي الذين ذكره ابن الأثير هنا للفظة الموالاة في الحديث واستشهد له بقول الشافعي، هو الذي قرره العلماء المحققون في ردهم على الرافضة.
... قال أبو نعيم: «فإذا احتج بالأخبار وقال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من كنت مولاه فعلى مولاه، قيل له: مقبول منك، ونحن نقول وهذه فضيلة بينة لعلي بن أبي طالب -- عليه السلام -- ومعناه من كان النبي - صلى الله عليه وسلم - مولاه فعلي والمؤمنون مواليه، دليل ذلك قول الله تبارك وتعالى:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... سورة محمد آية 11.
(2) ... النهاية لابن الأثير 5/228.
{والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض}(1)...(50/3)
... وإنما هذه منقبة من النبي - صلى الله عليه وسلم - لعلي -- رضي الله عنه -- وحث على محبته وترغيب في ولايته لما ظهر من ميل المنافقين عليه وبغضهم له، وكذلك قال - صلى الله عليه وسلم -: (لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق). (2) وحكي عن ابن عيينه أن علياً -- رضي الله عنه -- وأسامة تخاصماً فقال علي لأسامة أنت مولاي فقال: لست لك مولى: إنما مولاي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (من كنت مولاه فعلي مولاه). وهذا كما يقول الناس: فلان مولى بني هاشم، ومولى بني أمية وإنما الحقيقة واحد منهم». (3)
... ويقول شيخ الإسلام بعد أن ذكر تضعيف العلماء لهذا الحديث: ونحن نجيب بالجواب المركب، فنقول: إن لم يكن النبي - صلى الله عليه وسلم - قاله فلا كلام، وإن كان قاله فلم يرد قطعاً الخلافة بعده، إذ ليس في اللفظ ما يدل عليه، ومثل هذا الأمر العظيم يجب أن يبلغ بلاغاً مبيناً، وليس في الكلام ما يدل دلالة بينة على أن المراد به الخلافة، وذلك أن المولى
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... سورة التوبة آية 71.
(2) ... رواه مسلم: (كتاب الإيمان، باب الدليل على أن حب الانصار
... وعلي -- رضي الله عنهم -- من الإيمان) 1/86، ح131.
(3) ... الإمامة والرد على الرافضة لأبي نعيم ص217-220.
كالولي والله تعالى قال: {إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا}(1)، وقال: {وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير} (2) فبين أن الرسول ولي المؤمنين وأنهم مواليه أيضاً، كما بين أن الله وليّ المؤمنين وأنهم أولياؤهم، وأن المؤمنين بعضهم أولياء بعض، فالموالاة ضد المعاداة وهي تثبت من الطرفين، وإن كان أحد المتواليين أعظم قدراً، وولايته إحسان وتفضل، وولاية الآخر طاعة وعبادة...(50/4)
... وفي الجملة فرق بين الولي والمولى ونحو ذلك وبين الوالي، فباب الولاية التي هي ضد العداوة شيء، وباب الولاية التي هي الإمارة شيء، والحديث إنما هو في الأولى دون الثانية، والنبي - صلى الله عليه وسلم - لم يقل: من كنت واليه فعلي واليه، وإنما اللفظ: من كنت مولاه فعلي مولاه. وأما كون المولى بمعنى الوالي فهذا باطل، فإن الولاية تثبت من الطرفين، فإن المؤمنين أولياء الله وهو مولاهم». (3)
... فتبين أن المولاة التي أرادها النبي - صلى الله عليه وسلم - هي موالاة الإسلام التي هي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... سورة المائدة آية 55.
(2) ... سورة التحريم آية 4.
(3) ... منهاج السنة 7/321-324.
ضد العداوة، والمستلزمة للمحبة والمناصرة، دون الولاية التي هي الإمارة، ولهذا ما استدل أحد من الصحابة لا علي ولا غيره بهذا الحديث على استخلاف علي، ولا يعرف هذا عن أحد من أهل العلم المعتد بأقوالهم في الأمة، وإنما استدل به الرافضة الذين هم أجهل الناس بمدلولات النصوص وأبعدهم عن الفهم الصحيح.
... وأما دعوى الرافضي تأخر بعض الصحابة عن بيعة أبي بكر وذكر منهم: علياً، والعباس، وسائر بني هاشم، وأسامة بن زيد، والزبير وسلمان، وأبا ذر، والمقداد، الخ من ذكر: فدعوى مجردة من الدليل وهو مطالب بصحة النقل على ما يقول، وأما ما أحال عليه من كتب التاريخ كتاريخ الطبري، وابن الأثير، وتاريخ الخلفاء للسيوطي، فمعلوم لكل مطلع على هذه الكتب أن أصحابها لم يلتزموا صحة ما ينقلون فيها من أخبار، بل ينقلون الأخبار بأسانيدها، ويرون أن الذمة تبرأ بذكر السند ليكون الباب مفتوحاً لمن أراد الدراسة والتحقيق، ولهذا يجد المطلع على هذه الكتب أن أصحابها قد ينقلون الروايات المتعارضة في المعنى في الموضع الواحد لهذا السبب.(50/5)
... على أنني تتبعت الكتب المذكورة فلم أجد أنها نقلت تخلف كل من ذكر عن بيعة أبي بكر، وإنما جاء في بعضها ذكر بعض الروايات التي فيها تخلف بعض الصحابة: كعلي، وطلحة، والزبير،
وسعد بن عبادة، عن البيعة كما في تاريخ الطبري. (1)
... وفي الكامل لابن الأثير: زيادة بني هاشم.(2)
... وفي تاريخ الخلفاء للسيوطي: أن علياً والزبير تأخرا عن بيعة
أبي بكر ثم إنهما جاءا فاعتذرا لأبي بكر وبايعا وقالا: (ما غضبنا
إلا لأنا أخرنا عن المشورة، وإنا نرى أبا بكر أحق الناس بها، إنه لصاحب الغار، وإنا لنعرف شرفه وخيره، ولقد أمره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالصلاة بالناس وهو حي). (3)
... والصحيح الثابت أن الصحابة اتفقوا قاطبة على استخلاف الصديق، على ما دلت على ذلك النقول الصحيحة وأقوال المحققين من أهل العلم.
... ففي صحيح البخاري من حديث عائشة الطويل في خبر البيعة لأبي بكر: (فقال عمر بل نبايعك أنت، فأنت سيدنا وخيرنا، وأحبنا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأخذ عمر بيده فبايعه وبايعه الناس).(4)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... انظر: تاريخ الطبري 3/202،203،206.
(2) ... انظر: الكامل في التاريخ 2/325.
(3) ... تاريخ الخلفاء ص80.
(4) ... أخرجه البخاري في (كتاب فضائل الصحابة، باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم - لو كنت ... متخذاً خليلاً) فتح الباري 7/19-20، ح3668.
... وروى الحاكم عن عبدالله بن مسعود قال: (ما رأى المسلمون
حسناً فهو عند الله حسن، وما رآه المسلمون سيئاً فهو عند الله سييء، وقد رأى الصحابة جميعاً أن يستخلفوا أبابكر -- رضي الله عنه --).(1)(50/6)
وأخرج النسائي والحاكم عن ابن مسعود -- رضي الله عنه -- قال: (لما قبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قالت الأنصار: منا أمير ومنكم أمير، فأتاهم عمر بن الخطاب -- رضي الله عنه -- فقال: يا معشر الأنصار ألستم تعلمون أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد أمر أبابكر أن يؤم الناس؟ فأيكم تطيب نفسه أن يتقدم أبا بكر، فقالت الأنصار: نعوذ بالله أن نتقدم أبابكر).(2)
... فدلت هذه الروايات الصحيحة على اتفاق الصحابة على بيعة أبي بكر وإجماعهم على ذلك، على ماصرح بذلك الصحابة -- رضي الله عنهم --.
... كما نقل هذا الإجماع غير واحد من الأئمة.
... فعن معاوية بن قرة -رحمه الله- قال: (ما كان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يشكون أن أبابكر خليفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وما كانوا يسمونه إلا خليفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وما كانوا يجتمعون على خطأ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ... رواه الحاكم في المستدرك 3/83-84 وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ... ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي في التلخيص.
(2) ... أخرجه النسائي في (كتاب الإمامة- ذكر الإمامة والجماعة) 2/58، ... والحاكم في المستدرك 3/70 وقال هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ... ووافقه الذهبي.
وضلال).(1)
... وعن الإمام الشافعي -رحمه الله- قال: (أجمع الناس على خلافة أبي بكر الصديق، وذلك أنه اضطر الناس بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم يجدوا تحت أديم السماء خيراً من أبي بكر فولوه رقابهم).(2)(50/7)