" لم يزل نص القرآن الذى رتبه عثمان على الصحيفة المتلقاة بالقبول المعتمد عليها عند المسلمين "
r وجاء عن (بن بول) قوله :
" إن أكبر ما يمتاز به القرآن أنه لم يتطرق شك إلى أصالته ، إن كل حرف نقرأه اليوم نستطيع أن نثق بأنه لم يقبل أى تغيير منذ ثلاثة عشر قرنا " 11
r والذى يعايش المسلمين عن قرب يتأكد من هذه الحقيقة وهو كتاب واحد وليس كتب .
r و أجمع المسلمون على منع ترجمته إلى أى لغة أخرى وإنما الذى يترجم هو تفسيره وليس القرآن نفسه وبذلك يكون النص الأصلى ثابت باللغة العربية لا يتبدل ولا يتغير على مر القرون .
r والذى يقرأ أى مصحف ينشره المسلمون اليوم ويطابقه بالنسخة الأصلية "النسخة التى نسخها الخليفة عثمان " لا يجد أى تغيير فيها حتى فى رسمها وشكلها .
r ومن الأمور التى جعلت رسالة صلى الله عليه وسلم خاتمة : (حفظ الله سبحانه وتعالى للقرآن الكريم من التغيير والتبديل والتحريف ) .
r والقرآن الكريم بهذه الخاصية الفريدة يخالف غيره من الكتب المنزلة، حتى أقربها عهدًا (كالإنجيل)
r وقد أحسن العالم المستشرق المهتدى " آيتين دينيه " الفرنسى ، فى وصف هذه الأناجيل التى يطلق عليها (العهد الجديد) وتحديد قيمتها العلمية والتاريخية ، يقول بكل تدقيق وتحقيق :
{ أما أن الله سبحانه قد أوحى الإنجيل إلى عيسى بلغته ولغة قومه ، فالذى لا شك فيه ، أن هذا الإنجيل قد ضاع واندثر ، ولم يبق له أثر أو أنه أبيد }
إنه من السهل أن يذهب من يريد إلى المطبعة ، ومعه نسخة محرفة من الإنجيل ، فيطبعها ثم ينشرها فى الأسواق .
إن أحدًا لن يثور على هذا العمل .. بل ستتلقاها الدوائر المسيحية بقبول ، وستصبح بعد قليل مرجعًا تستقي منه العقيدة المسيحية … !
إن هذا الكلام الذي أقوله .. ليس وليد الخيال المجنح … بل هو ما حدث فعلاً .. و اقرأوا هذه القصة ..
مثال على التحريف :
لقد قامت ( دار النشر اليهودية ) بالقدس بإصدار طبعة محرفة لأسفار العهد الجديد عام 1970 م ، وقامت بترجمته بمختلف لغات العالم ، ومن بينها اللغة الإنجليزية ، التى كانت تقوم على توزيعها ، وكالة ( ريد ) بلندن ، وقد جاء فى مقدمة هذه الترجمة المحرفة لأسفار العهد الجديد خاليًا من معاداة السامية -
إن التعديلات التي أدخلت هنا على ترجمة عام 1611 ( الإنجليزية المعتمدة إلى الآن ) يمكن إثباتها من المصادر الأولى ، وقد اختيرت جميعها لهدف واحد هو : التخلص - بقد ما تسمح به الحقيقة - مما تحتويه تلك الترجمة النكدة ، والتى تهدف إلى بذر العداوة بين المسيحيين واليهود .
إن تعاليم العهد الجديد الحقيقى تتضمن المحبة بدلا من تلك الكراهية القاتلة ، وعلى هذا الأساس ، فإن الترجمة اليهودية يحق لنا أن نقول بأنها الترجمة المسيحية الصادقة ، وفيما عدا ذلك من تعديلات ، فإن نصوص هذه الترجمة كما هي فى ترجمة عام 1611 م .
إن هذه الترجمة تمثل إعلانًا تأخر كثيرًا عن موعده للتقارب بين المسيحية واليهودية ) .
سبحان الله ….
لقد قام اليهود بتحريف العهد الجديد - أسفار المسيحية - لتنقيتها مما يسيء إليهم حتى تسود المحبة بينهم وبين المسيحيين …
فماذا كان رد الفعل عند المسيحيين إزاء هذا العمل الخطير ؟
لا شيء … أيها السادة … لا شيء ! لقد صمت المسيحيون تمامًا .. وكأن الأمر لا يعنيهم في قليل ولا كثير ... !
فلم يتحرك واحد منهم على الإطلاق ... سواء من الكنسيين ، أو الكتَّاب والمفكرين ! بل إن الذي نبه إلى ذلك العبث اليهودي بالأسفار المسيحية إنما هم الكتَّاب الإسلاميون !
لقد أثاروا موضوع تحرف الأناجيل ، وبقية أسفار العهد الجديد في مؤتمرات إسلامية مسيحية عقدت في قرطبة وطرابلس والقاهرة .. وكان موقف رجال الدين المسيحي هو الصمت التام ، والاكتفاء بالنظر في وجوه العلماء المسلمين وفي أيديهم النسخة المحرفة ، تدور أعينهم كالذي يغشى عليه من الموت .. !
ألا شتان ما بين موقف المسيحيين من كتبهم المقدسة ... وبين موقف المسلمين من القرآن الكريم .12
* وليس ذلك فى العصر الحديث وفقط ، بل وفى القديم أيضًا ..
فقد نقل الإمام القرطبى فى تفسيره عند قول الله تعالى ( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون )13 هذه القصة فقال :(70/117)
كان للمأمون - وهو أمير إذ ذاك - مجلس نظر، فدخل في جملة الناس رجل يهودي حسن الثوب حسن الوجه طيب الرائحة، قال: فتكلم فأحسن الكلام والعبارة، قال: فلما تقوض المجلس دعاه المأمون فقال له: إسرائيلي؟ قال نعم. قال له: أسلم حتى أفعل بك وأصنع، ووعده. فقال: ديني ودين آبائي! وانصرف. قال: فلما كان بعد سنة جاءنا مسلما، قال: فتكلم على الفقه فأحسن الكلام؛ فلما تقوض المجلس دعاه المأمون وقال: ألست صاحبنا بالأمس؟ قال له: بلى. قال: فما كان سبب إسلامك؟ قال: انصرفت من حضرتك فأحببت أن أمتحن هذه الأديان، وأنت تراني حسن الخط، فعمدت إلى التوراة فكتبت ثلاث نسخ فزدت فيها ونقصت، وأدخلتها البيعة فاشتريت مني، وعمدت إلى الإنجيل فكتب نسخ فزدت فيها ونقصت، وأدخلتها الكنيسة فاشتريت مني، وعمدت إلى القرآن فعملت ثلاث نسخ وزدت فيها ونقصت، وأدخلتها الوراقين فتصفحوها، فلما أن وجدوا فيها الزيادة والنقصان رموا بها فلم يشتروها؛ فعلمت أن هذا كتاب محفوظ، فكان هذا سبب إسلامي.14
* مما يدل على أن القرآن الكريم شأنه يختلف عن شأن جميع الكتب السماوية كل الاختلاف ، فقد تكفل الله بحفظه وسلامته من كل تحريف أو تبديل أو زيادة أو نقص ، قال تعالى : ( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) 15
أما عن صلى الله عليه وسلم :
فقد ادعى محمد أنه رسول من عند الله . والرجل الذى يدعى النبوة إما أن يكون أصدق خلق الله وأعلاهم شأنا ، وإما أن يكون أكذب خلق الله وألعنهم .
أما عن محمد فقد درس القاصى والدانى سيرته فوجده رجلا صادق الكلمة .
* وقالت له قريش "قومه" : " ما جربنا عليك كذبا قط "
فعن ابن عباس، قال: لما نزلت هذه الآية: "وأنذر عشيرتك الأقربين"16 ورهطك منهم المخلصين. خرج رسول ا صلى الله عليه وسلم حتى صعد الصفا. فهتف "يا صباحاه!" فقالوا: من هذا الذى يهتف؟ قالوا: محمد. فاجتمعوا إليه، فقال "يا بنى فلان! يا بنى فلان! يا بنى فلان! يا بنى عبد مناف! يا بنى عبد المطلب!" فاجتمعوا إليه فقال "أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلا تخرج بسفح هذا الجبل أكنتم مصدقى؟" قالوا: ما جربنا عليك كذبا. قال " فإنى نذير لكم بين يدى عذاب شديد".17
* حادثة هرقل :
وهى أن هرقل سأل أبا سفيان بن حرب - وكان تاجرا وكان معاديًا للنبى محمد وقت السؤال - عن النبى محمد وصدقه فأخبره بأنه صادق أمين فقال هرقل : سألتك هَلْ كُنْتُمْ تَتَّهِمُونَهُ بِالْكَذِبِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ مَا قَالَ؟ فَذَكَرْتَ أَنْ لَا، فَقَدْ أَعْرِفُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِيَذَرَ الْكَذِبَ عَلَى النَّاسِ وَيَكْذِبَ عَلَى اللَّهِ.18
* بل إن قريشا عندما هاجر من بلده إلى المدينة كان الذين يطاردونه قد أودعوا عنده الودائع لأمانته الشديدة . وكان من الأسباب التى جعلته يترك ابن عمه على بن أبى طالب t لكى يرد الأمانات الى أصحابها .
* وكان محمد يدعو إلى الصدق دائما : " عليكم بالصدق فإن الصدق يدعو إلى البر .. "19
* وكان يستشهد عليهم بقوله " فقد لبثت فيكم عمرا "20 ولم يؤثر عليه كذبا قط .
* ولم يؤثر عنه أنه ذهب إلى معلم ، فقد كان أميًا .. ولم يؤثر عنه شعر ومع ذلك فقد جاء هذا الرجل الأمي بكتاب معجز للعلماء ..
فالقرآن يصف مراحل خلق الإنسان بصورة مدهشة مما جعل أحد علماء الأجنة وهو " كيث مور الألمانى " أن يعلن إسلامه بعد توصله بهذه الأبحاث الدقيقة فوجد القرآن قد سبقها منذ عدة قرون فهل كان محمد معه هذه الأجهزة الدقيقة التي توصل بها إلى هذه الحقائق ؟
* وصدق فيما تنبأ به فقد قال :
أ) أن فاطمة ابنته أول أهله لحوقا به .. وقد كان
ب) أبو ذر يعيش وحيدًا ويموت وحيدا .. وقد كان
جـ) عمر وعثمان يقتلان .. وقد كان
د) أنهم يقسمون كنوز ملك فارس وملك الروم .
هـ) إخباره بفتح مكة وبيت المقدس واليمن والشام والعراق.
و) أن الحسن بن على سيصلح الله بين فئتين عظيمتين .
ز) أن سراقة بن مالك سيلبس سوارى كسرى .
ليس الإسلام ديانة عنصرية
ومن العلامات البارزة فى ديانة الإسلام أنه ديانة للعالمين جميعا وليست دعوة عنصرية لجماعة من الجماعات أو لقوم من الأقوام .. فأول آية فى القرآن الكريم .. " الحمد لله رب العالمين "21 .
وفيه يقول الله لرسوله صلى الله عليه وسلم " وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين "22.
وقد قال رسول ا صلى الله عليه وسلم : " كان كل رسول يأتى إلى قومه خاصة وأرسلت إلى الناس كافة "23
ودعوة الإسلام - منذ بدايتها - انتمى إليها : سلمان الفارسى ، وصهيب الرومى ، وبلال الحبشى ، وأبو بكر من العرب ، دلالة واضحة على عموم الرسالة. ووجه رسول الإسلام r إلى الأمراء والملوك فى أنحاء الأرض يدعوهم إلى الإسلام ويعرضه عليهم .
وما زال له تأثيره عند المسلمين حتى اليوم فلا فرق عند المسلمين بين الأسود ولا الأبيض ولا لجنس دون آخر ...
على غير أمة كأمريكا التى لم تتخلص من العنصرية حتى اليوم .
أما الديانات الأخرى كالنصرانية فندع النصوص تتكلم :(70/118)
* فقد جاء فى متى ما نصه 15:21-24 : " ثم خرج يسوع من هناك وانصرف إلى نواحى صور وصيدا ، وإذا امرأة كنعانية خارجة من تلك التخوم صرخت قائلة ارحمنى يا سيد يا ابن داوود ، ابنتى مجنونة جدا . فلم يجبها بكلمة ، فتقدم تلاميذه وطلبوا إليه قائلين : اصرفها لأنها تصيح وراءنا . فأجاب وقال : لم أُرسَل إلا إلى خراف بنى إسرائيل الضالة "
* وفى متى 10 : 5-6 أوصى عيسى الحواريين الاثنى عشر قائلا : " إلى طريق أمم لا تمضوا ، وإلى مدينة السامرين لا تدخلوا ، بل اذهبوا بالحرىِّ إلى خراف بنى إسرائيل الضالة "
- إنها النصرانية دعوة إلى قوم محددين ..
- وما زال اليهود حتى اليوم يظنون أنفسهم فوق البشر ..
- وكذلك الألمان ....
- أما الإسلام فلا فرق بين أفراد بنى البشر ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى والعمل الصالح.
منهج الإسلام
وسوف نعرض منهجا صحيحا يمكن أن يكون مرجعا لما أراده الإسلام . ومن كان بعيدا عنه فليرجع إليه يهتدى بإذن الله ..
* أما عن طريق الإجمال فتجمعها هذه العبارة :
فقد جاء حديث عن رسول ا صلى الله عليه وسلم يبين لك مراتب الأمر كله ...
( الإسلام - الإيمان - الإحسان )
أما الإسلام فهو :
* شهادة ألا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله .
* إقام الصلاة .
* إيتاء الزكاة .
* صوم رمضان .
* حج البيت لمن استطاع إليه سبيلا .
وأما الإيمان فهو :
* الإيمان بالله
* وملائكته
* وكتبه
* ورسله
* واليوم الآخر
* والقدر خيره وشره حلوه ومره .
وأما الإحسان فهو :
* أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك
..........
* أما طريق النجاة ومنهجه على الإجمال فقد وصفه نبى الإسلام r بهذه العبارة الموجزة : حين سئل عن الفرقة الناجية ، فقال " ما أنا عليه وأصحابى" 24
- ومعنى " ما أنا عليه وأصحابى" : أن نتخذهم قدوة لنا فى عقائدهم وعباداتهم ويسرهم فى الدين وتمسكهم بالفطرة السليمة بعيدًا عن الأفكار المنحرفة والعقائد الضالة .
أرأيت لو أن رجلا معه ساعة يريد أن يضبطها أفلا يرجع إلى ساعة مضبوطة ليضبط ساعته عليها ؟!
* وأما عقيدة المسلم بشئ من التفصيل وباختصار فقد ساقها أحد أعلام المسلمين25 ( ت : 386 ) فقال :
باب ما تنطق به الألسنة وتعتقده الأفئدة
من واجب أمور الديانات
من ذلك : الإيمانُ بالقلب والنُّطقُ باللسان أنَّ الله إلهٌ واحدٌ لا إله غيرُه , ولا شبيهَ له , ولا نَظيرَ له , ولا وَلَدَ له, ولا وَالِدَ له , ولا صاحبة له , ولا شريكَ له .
ليس لأَوَّلِيَّتِهِ ابتداءٌ , ولا لآخِريّتِه انقضَاءٌ , لا يَبْلُغُ كُنْهَ صِفَتِهِ الواصفون , ولاَ يُحيطُ بأمرِه المُتَفَكِّرونَ , يَعتَبِرُ المتفَكَّرونَ بآياته , ولا يَتَفكَّرونَ في مَاهِيَةِ ذاتِه , ? ولا يُحيطون بشيءٍ من عِلمه إلاَّ بِما شاء وَسِعَ كرْسِيُّه السَّموات والأرض , ولايِؤُوده حفظُهما وهو العليُّ العَظيمُ ?26.
العالِمُ الخبيرُ , المُدَبِّرُ القَديرُ , السَّمِيعُ البصيرُ , العَلِيُّ الكَبيرُ , وَانَّه فوقُ عَرشه المجيد بذاته , وهو في كلِّ مَكان بعِلمه .
خَلَقَ الإنسانَ , ويَعلمُ ما تُوَسْوِسُ به نفسُه , وهو أَقَرَبُ إليهِ من حَبْلِ الوَريدِ , ? وما تَسْقُطُ من ورقةٍ إلاَّ يَعلَمُها ولاَ حَبَّةٍ في ظُلُمَات الأرضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلا يابِس إلاَّ في كتاب مُبين ?27.
? على العرشِ استْوَى ?28 وعَلى المُلْكِ احْتَوى , وله الأسماء الحُسنى والصِّفاتُ العُلى , لَم يَزَل بِجَميعِ صفاتهِ وأسمائِه , تَعالى أن تكون صفاتُه مَخلوقَةً , وأسماؤُه مُحْدَثَةً .
كلَّم موسى بكلامِه الَّذي هو صفةُ ذاتِه , ولا خلْقٌ مِن خَلقه , وَتَجَلَّى
للجَبَل فصار دَكاًّ مِن جلالِه , وأنَّ القرآنَ كلامُ الله , وليس بمخلُوقٍ فَيبِيدُ , ولا صفة لمخلوقٍ فَيَنْفَدُ .
والإيمانُ بالقدَرِ خَيْرِه وشَرِّه , حُلْوِهِ وَمُرِّهِ , وكلُّ ذلك قَد
قّدَّرَهُ اللهُ رَبُّنا , ومقاديرُ الأمورِ بيدِه , ومَصدَرُها عن قضائِه .
عَلِمَ كلَّ شيْءٍ قَبل كَونِه , فجَرَى على قَدَرِه , لا يَكون مِن عِباده قَولٌ ولا عَملٌ إلاَّ وقدْ قَضَاهُ وسبق عِلْمُه به ?أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ
اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ?29 .
يُضلُّ مَن يشاء , فيَخْذُلُه بعدْلِه , ويُهدي مَن يَشاء , فَيُوَفِّقُه بفضلِه ,
فكَلٌّ مُيَسَّرٌ إلى ما سَبَقَ مِن علمه وقَدَرِه , مِن شقِيٍّ أو سعيدٍ .
تعالَى أن يكونَ في مُلْكِهِ ما لا يُريد , أو يكون لأَحَد عنه غنِىً ، خالقاً لكلِّ شيءٍ , ألاَ هو رَبُّ العباد ورَبُّ أعمالِهم , والمُقَدِّرُ لِحَركاتِهم وآجالِهم .
الباعثُ الرُّسُل إليهِم لإقَامَةِ الحُجَّةِ عَلَيهم .
ثُمَّ خَتَمَ الرِّسالة والنَّذَارَةَ والنُّبُوَةَ بمحمَّد نَبيَّ صلى الله عليه وسلم فجَعَلَه آخرَ المرْسَلين, بَشِيراً ونَذِيراً , وداعياً إلى الله بإذنِه وسِراجاً منيراً , وأنزَلَ عَليه كتابِه الحَكِيمَ , وشَرَحَ به دينَه القَويمَ , وهّدّى به الصِّرَاطَ المستَقيمَ .
وأنَّ الساَّعة َ آتَية ٌلا رَيْبَ فيها , وأنَّ الله يَبعَثُ مَن يَموتُ , كما
بدأهم يعودون .(70/119)
وأنَّ الله سبحانه وتعالَى ضاعَفَ لعباده المؤمنين الحسَنات , وصَفَحَ لهم بالتَّوبَة عن كبائرِ السيَّئات , وغَفَرَ لهم الصَّغائِرَ باجْتناب الكبائِر ,
وجَعَلَ مَن لَم يَتُبْ مِنَ الكبائر صَائراً إلى مَشيئتِه ? إِنَّ اللَّهَ لا
يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ ?30 .
ومَن عاقَبَه اللهُ بنارِه أخرجه مِنها بإيمانِه , فأدخَلَه به جَنَّتَه ? فَمَنْ
يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ?31 ويُخرِجُ منها بشفاعة النَّبِي r مَن شَفَعَ لَه مِن أهلِ الكبائِر مِن أمَّتِه .
وأنَّ الله سبحانه قد خَلَقَ الجَنَّةَ فأَعَدَّها دارَ خُلُود لأوليائِه ,
وأكرَمهم فيها بالنَّظر إلّى وَجْهْه الكريم , وهي الَّتِي أَهْبَطَ منها آدَمَ
نبِيَّه وخلِيفَتَه إلى أَرضِه , بما سَبَقَ فِي سابِق عِلمِه .
وخَلَقَ النَّارَ فأعَدَّها دَارَ خُلُود لِمَن كَفَرَ به وألْحد في آياتِه وكتُبه
ورُسُلِه , وجَعَلَهم مَحجُوبِين عن رُؤيَتِه .
وأنَّ الله تبارك وتعالى يَجيءُ يَومَ القيامَةِ وَالمَلَكُ صَفاًّ صَفاًّ ,
لِعَرْضِ الأُمَمِ وَحِسَابِهَا وثَوابِها , وتُوضَعُ الموازِين لَوَزْنِ أَعْمَالِ
العِبَادِ , ? فمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأولئك هم المُفلِحون ?32 , ويُؤْتَوْنَ
صَحائِفهم بأعمَالِهم , فمَن أُوتِي كتابَه بيمينه فسوف يُحاسَبُ حِساباً يَسيراً , ومَن أُوتِي كتابَه ورَاء ظَهْرِه فأولئِك يَصْلَوْنَ سَعيراً .
وأنَّّ الصَّرَاطَ حَقًّ , يَجُوزُه العبادُ بِقَدْرِ أعمالِهم , فناجُون
مُتفاوِتُون في سُرعَة النَّجاةِ عليه مِن نار جَهَنَّم , وقَوْمٌ أَوْبَقَتْهُمْ
فيها أعمالُهم .
والإيمانُ بِحَوْضِ رسولِ ا صلى الله عليه وسلم , تَرِدُهُ أمَّتُهُ لاَ
يَظْمَأُ مَنْ شَرب مِنه , ويُذَادُ عنه مَنْ بَدَّلَ وغَيَّرَ .
وأنَّ الإيمانَ : قَولٌ باللّسانِ , وإخلاَصٌ بالقلب , وعَمَلٌ بالجوارِح , يَزيد بزيادَة الأعمالِ , ويَنقُصُ بنَقْصِها .
فيكون فيها النَّقصُ وبها الزِّيادَة , ولا يَكْمُلُ قَولُ الإيمانِ إلاَّ بالعمل,
ولا قَولٌ وعَمَلٌ إلاَّ بنِيَّة , ولا قولٌ وعَمَلٌ وَنِيَّةٌ إلاَّ بمُوافَقَة
السُّنَّة .
وأنَّه لا يكفرُ أَحدٌ بذَنب مِنْ أهْل القِبلَة .
وأنَّ الشُّهداءَ أحياءٌ عند ربِّهم يُرْزَقونَ , وأرْواحُ أهْل السَّعادَةِ
باقِيةٌ ناعِمةٌ إلى يوم يُبْعَثون , وأرواحُ أهلِ الشَّقاوَةِ مُعَذَّبَةٌ إلى
يَوم الدِّين .
وأنَّ المؤمنِين يُفْتَنُونَ في قُبُورِهم ويُسْأَلُون ? يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ?33 .
وأنَّ على العباد حَفَظَةً يَكتُبون أعمالَهم , ولا يَسقُطُ شيْءٌ مِن ذلك عَن عِلمِ ربِّهِم , وأنَّ مَلَكَ الموتِ يَقْبِضُ الأرواحَ بإذن ربِّه .
وأنَّ خيْرَ القرون القرنُ الَّذين رَأَوا رسولَ ا صلى الله عليه وسلم , وآمَنوا
به , ثمَّ الَّذين يَلُونَهم ثمَّ الَّذين يَلونَهم .
وَأفْضَلُ الصحابةِ : الخُلَفاءُ الرَّاشدون المَهْديُّون , أبو بكر ثمَّ عُمر ثمَّ عُثمان ثمَّ عليٌّ رضي الله عنهم أجمعين .
وأن لاَ يُذكَرَ أَحَدٌ مِن صحابَةِ الرَّسولِ r إلاَّ بأحْسَن
ذِكْرٍ , والإِمساك عمَّا شَجَرَ بَينهم , وأنَّهم أحَقُّ النَّاس أن يُلْتَمَسَ
لَهم أَحَسَن المخارج , ويُظَنَّ بهم أحْسن المذاهب .
والطَّاعة لأئمَّة المسلمين مِن وُلاَة أمورِهم وعُلمائهم .
وَاتِّباعُ السَّلَفِ الصَّالِح واقتفاءُ آثارِهم , والاستغفارُ لهم , وتَركُ المراءِ والجِدَالِ في الدِّين , وتَركُ ما أَحْدَثَهُ المُحْدِثُونَ .
وصلَّى الله على سيِّدنا محمَّد نبيِّه وعلى آله وأزواجهِ وذريته , وسلَّّم تَسليماً كثيراً .
.........................
انتهى نص الرسالة الجامعة لعقيدة المسلمين ، سقناها بتمامها لتتم الفائدة .
بعض تعاليم الإسلام
وجاءت رسالة الإسلام تأمر بكل خير وتنهى عن كل شر
? وإليك بعض ما أمر به الإسلام :
1- بر الوالدين
2- الصدق
3- الإحسان إلى الجار
4- العلم والتعلم للأمور النافعة .
5- النظافة
6- الإنفاق على الفقراء
7- إتقان العمل
8- رعاية الزوجة والأولاد
9- معاملة الآخرين بالحسنى .
10 - الرحمة بالحيوان
11- المساواة فى أصل الخلق بين البشر جميعًا .
12- العدل .
? وإليك بعض ما نهى عنه الإسلام :
1- الغش بأنواعه .
2- الكذب
3- الظلم
4- الربا
5- أكل أموال الناس بالباطل
6- قتل النفس التى حرم الله
7- السحر
8- الغيبة والنميمة والوقيعة بين الناس
9- السرقة والنهب والاغتصاب
10- إكراه الناس على الدخول فى دين بعينه .
? وإليك مقاصد هذه الشريعة الكبرى :
1- حفظ النفس .
2- حفظ العقل .
3- حفظ المال .
4- حفظ النسل .
5- حفظ الدين .
هذا .. وهناك الكثير من الأوامر والنواهى التى يفرضها الإسلام على أتباعه ، من درسها بعين الفحص والدرس آمن بأن هذا كله من لدن حكيم خبير .
وصدق الله إذ يقول : " سنريهم آياتنا فى الأفاق وفى أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق "34
ومع ذلك(70/120)
فليس معنى ما سبق أن يقوم المسلم على غيره فيحاربه ويحطمه ويبقى وحده فى العالم ، بل إن رسالة الإسلام الأولى والصحيح منها أن رسول ا صلى الله عليه وسلم دعا الناس إلى دين الله وترك عبادة الأحجار والأصنام والبقر والأشخاص .. وهكذا
? فانقسم الناس أمام هذه الدعوة إلى قسمين كبيرين :
1) قوم آمنوا بالله الواحد الأحد ، فهذا هو المطلوب .
2) وآخرون رفضوا هذه الدعوة وكفروا بها .
وهؤلاء الكافرون انقسموا إلى نوعين :
أ) منهم من سالم الإسلام ولم يحاربه سواء كان في أي ديانة أخرى فأمر الإسلام أتباعه أن يحسنوا معاملتهم " لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم فى الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين "35
وأمر رسول الإسلام قواد الجيوش ألا يقتلوا طفلا ولا يقطعوا شجرة وألا يقتلوا امرأة ولا شيخا ولا رجل جالس فى أماكن العبادات .
وتبعه على ذلك خلفاؤه مثل أبو بكر وعمر فإنهم كانوا يوصون قواد الجيوش بتلك الوصية .
ب) أما النوع الآخر من الكفار وهم الذين أعلنوا الحرب على الإسلام بالكلمة والسيف والتحريض فقد أمر الإسلام أتباعه بأن يحاربهم وأن يغلظ عليهم " يا أيها النبى جاهد الكفار والمنافقين و اغلظ عليهم ومأواهم جهنم وبئس المصير "36
ولو ترك الكفار المحاربين محاربة الإسلام وطلبوا المسالمة فإن الإسلام يأمر أتباعه أن يفسحوا لهم الطريق للسلم " وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله " 37
تلك هى نظرة الإسلام العامة سلم على من سالمه وحرب على من حاربه .
* وأنقل عبارة رائعة لصاحب العبقريات يقول : " وإذا كان معروفًا أن الفكرة تواجه بالفكرة ، وأن القوة تواجه بالقوة . فإن النبى محمد لم يستخدم أبدا القوة فى مجابهة الفكرة "38.
وإذا كان قادة العالم إذا انتصروا على أعدائهم علقوا لهم المشانق ونفذوا فيهم سياسة القتل والمحاكمات العسكرية الصورية .. ولو رأيت ملكا أو قائدا منتصرا لرأيته قد صعر خده للآخرين ونال من أعداءه ، أما محمد رسول ا صلى الله عليه وسلم فحين انتصر على أعدائه ودخل إلى مكة فقد دخلها خافض الرأس منحنيا لله تعالى وعفا عن أعدائه قائلا: " اذهبوا فأنتم الطلقاء "39 .
وأى انحراف عن هذا النهج فلا يحاسب عنه الإسلام إنما يحاسب عنه من صنعه ، ويجب على العلماء أن يدعوه إلى الرجوع إلى الإسلام الصافى.
أرأيت لو أن قانونًا سليمًا طبقه مواطن بطرقة خاطئة ، هل يكون اللوم علي القانون أم على هذا المنحرف ؟!
والله الموفق
والحمد لله أولا وآخرا
المراجع
1- القرآن الكريم .
2- تفسير القرآن العظيم للإمام ابن كثير .
3- تفسير القرآن للإمام القرطبى .
4- صحيح البخارى .
5- صحيح مسلم .
6- السنن الأربعة .
7- إظهار الحق للعلامة رحمة الله الهندى .
8- قصة الحضارة ول ديورانت
9- الأديان الكبرى د. أحمد شلبى
10- إنجيل متى .
11- سفر التكوين .
12- الفصل فى الملل والأهواء والنحل لابن حزم الأندلسى .
13- مناظرة بين الإسلام والنصرانية ط . الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد .
14- حياة محمد المؤلف السير وليم ميور .
15- مدخل لدراسة الأديان د. صفوت حامد مبارك
16- عبقرية محمد - للعقاد .
17- المقدمة العقَدية للرسالة الفقهية للإمام ابن أبي زيد القيرواني.
الفهرس
الموضوع …رقم الصفحة
* بداية …
u الحلقة الأولى : بين الكفر والإيمان …
v الحلقة الثانية : بين أهل الأديان جميعا …
w الحلقة الثالثة : بين أهل الأديان الكبرى فى العالم
( اليهودية - النصرانية - الإسلام )
…
x الحلقة الرابعة : داخل الإسلام …
* منهج النجاة إجمالا وتفصيلا
…
* بعض تعاليم الإسلام
…
* ومع ذلك
…
المراجع …
الفهرس
============(70/121)
(70/122)
دراسة لسقوط ثلاثين دولة إسلامية
د. عبد الحليم عويس
إهداء
لا أزال أؤمن بأن ثمة دورا كبيرا ينتظر الأمة المسلمة ، ولا أزال أؤمن بأن حركة التاريخ التي هي من سنن الله سوف توقف هذه الأمة أمام قدرها المحتوم . . لتؤدي واجبها نحو البشرية التائهة . .
فإلى الذين يساعدون التاريخ ، كي تقف هذه الأمة في مكانها الصحيح . . وكي تؤدي دورها الصحيح . . .
إليهم . . وحدهم . . أهدي هذا الكتاب
بين يدي هذه الصفحات
المكتبة الإسلامية والتاريخية حافلة بالدراسات والقصص حول الصفحات الوضيئة من تاريخنا . ولكم كتب الكاتبون حول صناع الحضارة الإسلامية ، ولكم أطنبوا في الحديث عن أبطالنا ، وعن فضلنا على أوربا . . وغير أوربا .
ولقد ظهر تاريخنا من خلال التركيز ، وكأنه تاريخ أسطوري ، وكأن الذين عاشوه وأسهموا في صنعه ملائكة ليسوا بشرا . . ! !
ولقد كان هذا المنهج في التناول خطيرا من عدة وجوه :
أولا : لأنه ترك مهمة التحليل العلمي لتاريخنا كتاريخ بشر لهم مزايا وغرائز - لأعداء هذا التاريخ ، فراحوا يركزون على الجوانب السلبية في هذا التاريخ ، وصادف هذا هوى من بعض العقليات التي كانت تسأم التركيز على الماضي بهذه الصورة غير الموضوعية ، وبالتالي . . انساقت هذه العقليات وراء جماعة المستشرقين الذين يدرسون تاريخنا . . . من نقطة الانطلاق المحددة ، وهي تشويه هذا التاريخ وأصحاب هذا التاريخ ! !
ثانيا : وفي غمرة الانبهار العقلي بالمناهج الاستشراقية . . ضاعت بحكم رد الفعل حقائق موضوعية تتصل بهذا التاريخ ، وانقسم الناس حول هذا التاريخ قسمين : قسم يرفضه بالجملة ، ويراه عقبة في طريق التقدم والمستقبل ، وقسم آخر يراه كل شيء ، ويراه من جانبه العالمي الإيجابي هو النموذج الحرفي الذي يجب إعادته وتكرار نمطه .
وبين طرفي النقيض . . يمكن أن توجد الحقيقة ، ويمكن أيضا أن تسقط الحقيقة . ! !
ثالثا : لقد صرفنا منهج التركيز على المدح عن الاستفادة الحقيقية من تاريخنا ، ولعل بعض الناس قد وقر في أذهانهم بفعل هذا التركيز ، أن ما نعانيه في هذا القرن من مشكلات حضارية ، ومن تحديات مصيرية ، هو نموذج لم يتكرر في تاريخنا . . وهم يشعرون - لذلك - بيأس شديد ، ولعلهم يحسون ، وإن كانوا لا يفصحون بأننا لن نعود إلى استئناف مسيرتنا - نحن المسلمين - وبأننا لم يعد لدينا ما يمكن أن نعطيه للحياة في عصر القوة النووية والمركبات الفضائية ، نحن الذين نستورد الساعات والسيارات والآلات البسيطة ! ! .
إن هذا الكتاب . . يتناول " أوراقا ذابلة من حضارتنا " من خلال تركيزه على سقوط دول إسلامية بعضها كان درسا أبديا حين كانت الأمراض خبيثة وفتاكة ، وحينما ذهبنا نطلب الدواء من عدونا . . فكانت فرصته لإعطائنا السموم القاتلة . . ولعل هذا الدرس لم يتضح بجلاء إلا في الأندلس وجزر البحر الأبيض المتوسط كصقلية . .
ولعل من الملاحظات التاريخية أن القرن الذي شاهد سقوط غرناطة - آخر مصارعنا في الأندلس ( 1492م ) كان نفسه الذي شاهد سنة 1453م - الفتح الإسلامي الخالد للقسطنطينية ، ذلك الفتح الذي كان من آثاره عند الإنصاف التاريخي حماية المسلمين لفترة تزيد على خمسة قرون . .
لقد سقطت الأندلس . . كعضو اجتمعت فيه كل عناصر السقوط ، وكان لا بد من بتره . . فحقت عليه كلمة الله ! !
ولقد ظهرت قوة أخرى فتية زاحفة من أواسط آسيا كي تبني للإسلام تاريخا جديدا . . ولقد أرعبت هذه القوةُ الأحقادَ الأوربية الصليبية ثلاثة قرون على الأقل .
إن درس الأندلس لا يجوز أن يغيب عن بالنا ، ولقد كانت عناصر السقوط فيه تتشكل من عدة نقاط بارزة :
أولا : الصراع العنصري الجنسي
ثانيا : ارتفاع رايات متعددة بعيدة عن راية الإسلام الواحدة المتصلة بالنفوس والعقول .
ثالثا : استعانة مسلمي الأندلس بالأعداء ضد بعضهم البعض . . .
وكل العوامل الأخرى . . تدور حول هذه النقاط بطريقة أو بأخرى ! ! ولقد دفع مسلمو الأندلس جميعا ثمن أخطائهم : دفع الحكام الثمن حين أذلهم الله وسلبهم ممالكهم ، وهل ننسى أشعار ابن عباد البائسة ، حين أذله الله على يد المرابطين في " أغمات " بالمغرب الأقصى ؟ ؟ وهل ننسى قولة ابن صمادح حاكم " ألمرية " وهو يموت : " نغص علينا كل شيء حتى الموت " ؟ وهل ننسى دموع . . أبي عبد الله - آخر ملوك غرناطة . . حين رحلت به سفينة العار مودعة آخر وجود إسلامي في أوربا . . رحلت به على أنغام الأمواج الهائجة . . وكلمات أمه المسكينة تدوي في سمعه : " ابك مثل النساء ملكا لم تحفظه حفظ الرجال " ! !
ولقد دفع الشعب الإسلامي الثمن حين استسلم لأمثال هؤلاء الملوك . ولم يأخذ على أيديهم ، فأحرقت دوره ، وسلبت أمواله ، وأرغم على تبديل دينه ، بل وتغيير اسمه ، وحرمته الصليبية الآثمة أبسط حقوق الإنسان ! !(70/123)
على أن " الأوراق الذابلة من حضارتنا " كانت مجرد تغيير في هيئة الحكم بحثا عن طموح شخصي ، أو انطلاقا من دعوى عنصرية ، أو دفاعا عن نعرة مذهبية، أو فشلا من دولة كبيرة جامعة كالعباسيين والأمويين في السيطرة على كل ما تحت يدها . . مما يمنح الفرصة للمطامع أن تظهر ، وللنعرات أن تحكم .
ونحن لا نستطيع القول : بأن هذه الأوراق كانت كلها خيرا أو شرا ، ولعل بعضها كان لفتة قوية للدول الكبرى كي تسير في الطريق الإسلامي الصحيح . . كما أننا كذلك لا نميل إلى القول : بأن هذه الصفحات التي أدت إلى تغيير دولة بدولة أو حكم بحكم كانت تسير بالأمة في طريق الهاوية . . فلا شك أن ثمة مزايا أخرى يمكن أن تكون قد تناثرت على الطريق .
إنني لا أميل إلى ما يعتقده البعض من أن التاريخ يسير في طريق عمودي . . سواء إلى أعلى أو على أسفل . . عن تجربة تاريخنا الإسلامي تكشف لنا أن حركة التاريخ في دائرة الحضارات الكبرى الجامعة - كالحضارة الإسلامية - حركة لولبية - إن صح هذا التعبير - فثمة انحناءة إلى أسفل في جانب تقابلها انحناءات إلى أعلى في جوانب أخرى ، فهي حركة دورية تنتظمها مراحل الهبوط والصعود . . الهبوط بفعل التناحر والفساد الداخليين ، والصعود بفعل الاستجابة لتحديات خارجية قوية . ومن اللافت للنظر أن مراحل الهبوط - في التجربة التاريخية لهذه الأمة - قد ارتبطت بأوضاع داخلية ، فهذه الأمة لم تضرب من خارجها بقدر ما ضربت من داخلها ، بل إن الأعداء الخارجين لم ينفذوا إليها إلا من خلال السوس الذي ينخر فيها من الداخل . . ولقد أفادنا الأعداء بتدخلهم كثيرا ، وغالبا ما كان لتدخلهم فضل إيقاظ الضمير الإسلامي ، أو إعلان الجهاد العام ، أو إظهار " صلاح دين " أو " سيف دين " مما من شأنه أن يجمع المسلمين تحت راية واحدة .
لقد كانت الأمة المسلمة قادرة بما فيها من عناصر القوة الكامنة على الاستجابة للتحديات الخارجية ، كأروع ما تكون الاستجابة للتحديات ، ولو لم ترهق هذه الأمة - في أغلب مراحل تاريخها - بحكام يشلون حركتها ، ويخنعون أمام أعدائها ، ويبددون من طاقتها حفاظا على أنفسهم . . لو لم تكن هذه الظاهرة مستشرية على هذا النحو ، ولو أن هذه الأمة قد تركت لفطرتها وتراثها وقيمها وحضارتها التي غرسها ورعاها الإسلام . . لو تم هذا لكان في الإمكان أن تحدث منعطفات كثيرة في تاريخ هذه الأمة . هي لصالحها . . ولحساب رقيها وازدهارها .
لقد حاولت من خلال هذه الأوراق الذابلة أن أمد الطرف - في تاريخنا الإسلامي - إلى آفاق ثلاثة : الأندلس ( أوروبا ) ، والمشرق العربي بخلافتيه الكبيرتين ( العباسية والفاطمية ) والدول التي تبعتهما ، ثم المغرب العربي . . وهي الأجنحة الثلاثة الشهيرة التي تزعمت العالم الإسلامي ، ومثلث القيادة الفكرية والسياسية بالنسبة لمسلمي العالم .
ولم تكن الأوراق التي اخترتها إلا مجرد نماذج من هذه الأجنحة . ولربما كانت هناك دول أخرى كفيلة بمدنا بشارات من شارات طريق السقوط . . لكن الاستقصاء ، فضلا عن صعوبته ، لم يكن من أهداف هذه الصفحات .
إن هذا البحث . . وجبة خفيفة من وجبات تاريخنا . لكنها وجبة من نوع خاص . . ليست زاخرة بأنواع الدسم والمشهيات ، فإن جسم الحضارة كأجسام الأفراد - لا يستقيم بالدسم الدائم ! !
وهذا البحث دعوة لتشريح تاريخنا من جديد . . وبجرأة ، فلأن نشرحه نحن - بإنصاف - أولى من أن نتركه لأدعياء المنهج العلمي يشرحونه - بحقد وعنف وإجحاف . . ! !
وهو كذلك بحث للذين يقرءون تاريخنا . . ليتعلموا ، أو ليناقشوا ، أو ليعرفوا معالم المستقبل .
وتبقى في النهاية كلمة :
لسوف تبقى هذه الأمة ، ولسوف تؤدي دورها ، لسوف تقوم من عثرتها . . هكذا يقول لنا معلمنا العظيم . . " تاريخنا " ذو الأربعمائة وألف سنة - أطال الله عمره ! !
ولقد كبونا كثيرا . . ثم قمنا
ولقد حاربنا العالم كله ذات يوم . . ونجونا . . وانتصرنا . . فقط ثمة شرط واحد : أن نعرف من أين نبدأ ، وإلى أية غاية نريد ! ! ودائما يعلمنا تاريخنا أن آخر أمتنا لن يصلح إلا بما صلح به أولها .
القسم الأول : من قصص سقوطنا في أوروبا
* آخر خطواتنا في أوروبا
* أحفاد صقر قريش يسقطون
* وسقط ملوك الطوائف
* قصة الفردوس المفقود
* وقصة أخرى من الأندلس
* ركن من الفردوس يسقط
* سقوط غرناطة " آخر مصارعنا في الأندلس "
آخر خطواتنا في أوربا
قصة " الغنيمة " في تاريخنا غريبة ، والدرس الذي تلقيه علينا - كذلك - أغرب ! !
لقد بدأت أولى هزائمنا بسبب الغنيمة ، ولقد وقفنا مرغمين - عند آخر مدى وصلت إليه فتوحاتنا ، بسبب الغنيمة - كذلك ! !
فقصة الغنيمة . . هي قصة الهزيمة في تاريخنا .
كان قائد المعركة الأولى هو الرسول عليه الصلاة والسلام . . وخالف الرماة أمره، وخافوا من أن تضيع فرصتهم في الغنيمة . . فكانت " أحد " وشهد الجبل العظيم استشهاد سبعين رجلا من خيرة المسلمين . . بسبب الغنيمة . . نعم بسبب الغنيمة ! !(70/124)
وكان قائد المعركة الأخيرة " عبدالرحمن الغافقي " آخر مسلم قاد جيشا إسلاميا منظما لاجتياز جبال البرانس ، ولفتح فرنسا ، وللتوغل - بعد ذلك - في قلب أوروبا .
وهزم الغافقي . . سقط شهيدا في ساحة " بلاط الشهداء " إحدى معارك التاريخ الخالدة الفاصلة . . وتداعت أحلام المسلمين في فتح أوربا ، وطووا صفحتهم في هذا الطريق . . وكان ذلك لنفس السبب الذي استفتحنا به دروس الهزيمة . . أعني بسبب الغنيمة .
ومنذ تم الاستقرار في المغرب العربي، وإسبانيا الإسلامية ، وهم يطمحون إلى اجتياز جبال البرانس وفتح ما وراءها ، هكذا أراد " موسى بن نصير " لكن الخليفة الوليد بن عبد الملك " خشي أن يغامر بالمسلمين في طريق مجهولة ثم فكر على نحو جدي " السمح بن مالك الخولاني " والي الأندلس ما بين عامي ( 100 - 102 هجرية ) ، وتقدم فاستولى على ولاية ( سبتماية ) إحدى المناطق الساحلية المطلة على البحر الأبيض المتوسط جنوب فرنسا ، وعبر - بذلك - " السمح " جبال البرانس ، وتقدم فنزل في أرض فرنسا منعطفا نحو الغرب حيث مجرى نهر الجارون ، مستوليا في طريقه على ما يقابله من البلدان ، حتى وصل إلى - تولوز - في جنوب فرنسا - لكن لم يستطع أن يستقر فيها ، وقتل السمح ، وتراجعت فلول جيشه تحت قيادة أحد قواده ( عبد الرحمن الغافقي ) فكأن السمح لم ينجح إلا في الاستيلاء على سبتماية .
ثم واصل الوالي الجديد بعد ( عنبسة بن سحيم الكلبي ) التقدم نحو أوربا ، وإن كان قد غير طريق السير ، وتمكن من الوصول إلى " أوتان " في أعالي نهر الرون ، لكنه لم يكن حذرا فلم يؤمِّن طريق عودته فانتهى الأمر بقتله وعاد جيشه إلى أربونة في سبتماوية .
لكن عبد الرحمن الغافقي ، كان الشخصية الحاسمة التي أرادت التقدم نحو أوربا وحرصت عليه ، وكان عبد الرحمن مشبعا بروح الإيمان والرغبة في الثأر لما أصاب المسلمين من قبل حين قتل " السمح " وحين رجع هو بالجيوش الإسلامية إلى سبتماوية ( وقد أعلن الغافقي الدعوة للجهاد في الأندلس كلها وفي أفريقية ، وقد جاءته وفود المتطوعين من كل مكان ، كما أنه من جانبه استعد استعدادا كبيرا لهذا الغزو ) .
ولقد التقى المسلمون ( عربا وبرابرة ) بالمسيحيين بين بلدتي " تورو " و " بواتيه " على مقربة من باريس ، وكان قائد النصارى ( شارل مارتل ) وزير دولة الفرنجة وأمين القصر ، بينما كان ( عبد الرحمن الغافقي ) - يقود جيوش المسلمين . وكانت المعركة شديدة قاسية استمرت قريبا من سبعة أيام ، وكان الجيش الفرنجي وحلفاؤه أكثر من جيش العرب ، ولكن المسلمين أحسنوا البلاء في القتال ، وكاد النصر يتم لهم . . لولا أن ظهرت قضية " الغنائم " ! !
لقد عرف المسيحيون أن لدى الجيش الإسلامي غنائم كثيرة حصل عليها من معاركه أثناء تقدمه من قرطبة حتى " بواتيه " . .
وقد أثقلت هذه الغنائم ظهور المسلمين ، وكان من عادة العرب أن يحملوا غنائمهم معهم ، فيضعوها وراء جيشهم مع حامية تحميها .
وقد فهم النصارى هذا ، ونجحوا في ضرب المسلمين عن طريق التركيز على هذا الجانب ، لقد شغلوهم من الخلف . من جانب الحامية المكلفة بحراسة الغنائم . . ولم يفطن المسلمون للتخطيط النصراني ، فاستدارت بعض فرقهم لحماية الغنائم . . وبالتالي اختل نظام الجيش الإسلامي . . ففرقة تستدير لحماية الغنائم ، وأخرى تقاتل النصارى من الأمام . .
وعبثا حاول عبدالرحمن الغافقي إنقاذ نظام الجيش الإسلامي ، إلا أن سهما أصابه وهو يبذل محاولاته المستميتة . . فوضع حدا لمحاولات الإنقاذ ، وأصبح جيش المسلمين دون قيادة . . وتقدم النصارى فأخذوا بخناق المسلمين من كل جانب وقتلوا من جيشهم الكثير ! !
لقد كانت " بلاط الشهداء " سنة 114 هجرية آخر خطوات المد الإسلامي في اتجاه أوربا ، أو على الأقل آخر خطواته المشهورة .
ثم توقف المد . . لأن بريق المادة غلب على إشعاعات الإيمان ! !
والذين يسقطون في هاوية البحث عن الغنائم لا يمكن أن ينجحوا في رفع راية عقيدة أو حضارة .
أحفاد " صقر قريش " يسقطون
خلافة ولدت من خلافة . . ولئن كان أبو مسلم الخراساني ، وأبو عبيد الله السفاح قد استطاعا أن يقضيا على دولة الخلافة الأموية بدمشق سنة 132 هـ ، وأن يقتلا مروان بن محمد بحلوان مصر ، فيقتلا بقتله آخر خليفة أموي في المشرق العربي، فإن هذه الخلافة المنهارة ، قد نبتت لها بذرة غريبة الشكل والتكوين في أرض تفصلها عنها بحار ، وآلاف الأميال .
وقد استطاع عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك بن مروان ، أن يكون هو الفارس لهذه النبتة في الأندلس ، بعد مطاردة عنيفة تصلح أن تكون عملا روائيا عظيما . .
ونجح " صقر قريش " العجيب في أن يهرب أمام الجنود العباسيين حتى وصل إلى فلسطين ، ومنها إلى مصر ، ثم إلى المغرب بعد خمس سنوات من التجول والتخفي عن عيون العباسيين . . .(70/125)
لقد كان يحكم الأندلس آنذاك يوسف بن عبد الرحمن الفهري نيابة عن العباسيين ، وقد حاول الفهري مقاومة تسلل وتجمعات عبدالرحمن الداخل ، لكنه هزم أمامه عندما التقيا سنة 139 هـ ، ودخل عبد الرحمن قرطبة ، فتأسس بذلك للأمويين الذين سقطوا في دمشق على يد العباسيين ، ملك جديد في الأندلس الإسلامية . لم تنجح كل محاولات العباسيين على عهد جعفر المنصور في استرداد الأندلس ، كما لم تنجح محاولات ملك الصليبيين ( شارلمان ) في استغلال الظروف والقضاء على صقر قريش ، واستتب بذلك الأمر للفرع الأموي الذي تكون في الأندلس .
لقد عاش عبد الرحمن الداخل يبني ويقوي من دعائم دولته أكثر من ثلاثين سنة بعد ذلك .
فلما مات سنة 172 هـ كان قد ترك وراءه دولة قوية البنيان توارثها أبناؤه من بعده . . تولاها هشام ابنه ، ثم عبد الرحمن الثاني ، إلى أن وصل الأمر إلى عبد الرحمن الثالث الملقب بالناصر ، الذي اعتبر عهده قمة ما وصلت إليه الأندلس الأموية من ازدهار وتقدم .
وقد دام حكم الناصر هذا نصف قرن من الزمان . نعمت الأندلس فيه بخير فترات حياتها في ظلال الإسلام ، وطلبت ود الدولة المماليك النصرانية المحيطة بها ، وأصبحت قرطبة ، والمدن الأندلسية الأخرى ، كعبة العلوم ، ومقصد طلاب العلم، وعواصم الثقافة العالمية الراقية . .
وفي سنة 350 هـ مات عبد الرحمن الناصر هذا ، فتربع على عرش الأندلس من بعده ولده الحكم بن عبد الرحمن الناصر ، ثم حفيده هشام الضعيف الذي تسلط عليه الحجاب وأبرز هؤلاء الحجاب المنصور محمد بن عبد الله بن أبي عامر ، الذي حكم باسم الأمويين بمعونة أم الخليفة " صبح " وتمكن من تحويل الخلافة لنفسه ولأبنائه مدة قصيرة ، مكونا خلالها الدولة المنسوبة إليه ، والمسماة بالدولة العامرية .
ثم عادت أمور الأمويين إليهم فترات قصيرة قلقة ، إلى أن قضي عليهم قضاء أخيرا في الأندلس سنة 422 هـ ، وعلى أنقاضهم قامت مجموعة دويلات هزيلة في الأندلس عرف عهدها بعهد ملوك الطوائف ، الذي كان من أكثر عهود المسلمين في الأندلس تفككا وضعفا وانحدارا نحو هاوية السقوط .
لقد قضى على الأمويين في الأندلس عاملان بارزان - أولهما : أن هؤلاء الأمويين لم يفهموا طبيعة التكوين الأندلسي ، أو فهموه ولم يقوموا بما تتطلبه طبيعته ، وأبرز سمات هذا التكوين ، وجود النصارى في ترقب دائم لأية ثغرة ينفذون منها ، وتباين الأجناس التي تعيش على أرضهم وتستظل برايتهم ، لا يجمعها إلا أقوى وشيجة في التاريخ وهي الإسلام . ولم يكن هناك من حل حضاري لمواجهة طبيعة هذا التكوين إلا تعميق " الإسلامية " وتجديدها بين الحين والحين ، بحركات جهاد مستمرة ضد المماليك النصرانية المتحفزة . . وحركات جهاد تمتص المشاكل الجنسية الداخلية ، وفي الوقت نفسه توقف النصارى عند حدودهم وتجعلهم في موقف الدفاع لا الهجوم .
والعامل الثاني البارز كذلك ، هو ترك بعض هؤلاء الخلفاء الأمور لحُجَّابهم أو نسائهم ، مما مكن لرجل كالمنصور بن أبي عامر سرقة الخلافة دون جهد .
ومن حقائق التاريخ التي نستفيدها من الوعي به وبقوانينه ، أن الدولة التي لا تفهم طبيعة تكوينها ، وتعمل على إيجاد حل دائم ملائم لهذه الوضعية ، تكون معرضة للزوال . . وهذا هو الأمر الذي آلت إليه أمور بني أمية في الأندلس بعد حياة دامت قريبا من ثلاثة قرون . .
وسقط ملوك الطوائف
عندما أوشكت الخلافة الأموية في الأندلس على السقوط ، لم تسقط دفعة واحدة .
لقد جرى عليها ما جرى على الفاطميين بعد ذلك في مصر ، وما جرى على المماليك أيضا . . لقد ضاعت الزعامة منهم عبر انقلاب سلمي لم ترق فيه قطرة دم - بالمعنى المباشر للانقلابات الدموية - ! !
لقد ولي أمر الخلافة طفل في السابعة من عمره يدعى " هشاما " ولما لم يكن بإمكانه حكم البلاد ، فقد كانت أمه " صبح " وصية عليه ، ولم تستطع صبح هذه أن تنفرد بالسلطة ، فقد أشركت معها في الأمر رجلا من أغرب الرجال وأقدرهم يدعى " المنصور بن أبى عامر " . .
وقد نجح هذا المنصور في أن يعبر الانقلاب السلمي بنجاح ، ويحول الخلافة الأموية في الأندلس إلى ملك ينتسب إليه ، ويرثه أبناؤه من بعده ! ! وإن كان لبني أمية الاسم الرمزي والخلافة الصورية .
ولم يمض أكثر من أربعين سنة حتى كانت دولة العامريين قد أصبحت آخر ومضة تمثلت فيها دولة الخلافة الأموية في الأندلس ، وبسقوط دولة العامريين التي قامت على غير أساس ، انفرط عقد الأندلس ، وظهر بهذه الأرض الطيبة عصر من أضعف وأردأ ما عرف المسلمون من عصور الضعف والتفكك والضياع .(70/126)
لقد ورث خلافة الأمويين أكثر من عشرين حاكما في أكثر من عشرين مقاطعة أو مدينة ، وقد انقسم هؤلاء الحكام إلى بربر وصقالبة وعرب ، وكانت بينهم حروب قومية لم يخمد أوارها طيلة السنوات التي حكموا فيها ، ولقد ترك هؤلاء الملوك المستذلون الضعاف الملوك النصارى يعيشون بهم ويتقدمون في بلادهم ، وانشغلوا هم بحروبهم الداخلية ، وباستعداء النصارى ضد بعضهم البعض ، وتسابقوا على كسب النصارى ، وامتهنوا في ذلك كرامتهم وكرامة الإسلام ، فدفعوا الجزية وتنازلوا طوعا عن بعض مدنهم للنصارى ، وحاربوا في جيوش النصارى ضد المسلمين من إخوانهم في المدن الأخرى من أرض الأندلس الإسلامية .
ولا يستطيع المرء أن يزعم أن باستطاعته أن يحصي كل مساوئ الفترة المسماة بفترة ملوك الطوائف .
ولقد أدى التنافس بين هؤلاء الملوك إلى رفعة منزلة الشعراء والأدباء والمطربين ، ولم يكن ذلك حبا في الأدب ، ولا إعجابا بفن الطرب ، وإنما كان ذلك من جملة أساليبهم في حرب بعضهم البعض ، وفي محاولة تحصيل المجد والشهرة المزيفين .
وقد اشتهر من بين هؤلاء الملوك المتنافسين أسرة بني عباد ، التي نبغ فيها المعتمد بن عباد كأمير مشهور عاطفي ، وكشاعر كبير ذي قلم سيال ! !
ولقد استفحل الخلاف والتنافس بين هؤلاء الملوك ، كما استفحل كذلك ضعف كل منهم ، وكان من نتائج ذلك طمع النصارى في إشبيلية وفي المدن الأندلسية الأخرى .
ولئن كان للمعتمد بن عباد من فضل ، فإن ذلك الفضل لن يكون إلا في محاولته مقاومة هذا الخطر حين رأى دنوه من أبواب المسلمين .
ولم يكن أمامه من مخرج غير الاستعانة بقوة المغرب العربي . . فاستعان بالمرابطين في المغرب الأقصى ، وعندما كان بقية ملوك الطوائف يبدون خشيتهم من المعتمد ، قال لهم كلمته المشهورة : " لأن أرعى الجمال في صحراء العرب خير من أرعى الخنازير في أرض الصليبيين " .
ولقد تقدم زعيم المرابطين يوسف بن تاشفين فعبر البحر و ( جبل طارق ) لنجدة المسلمين في الأندلس وحقق في ( معركة الزلاقة ) سنة 479 هـ ( 1086 م ) انتصارا كبيرا ساحقا على النصارى كان من أثره مد عمر الإسلام في الأندلس فترة أخرى من الزمن .
ولقد تبين ليوسف بن تاشفين بعد ذلك أن ملوك الطوائف هؤلاء ليسوا أهلا للبقاء في مراكز السلطة في الأندلس ، وجاءته النداءات والفتاوى من العلماء كالغزالي بوجوب الاستيلاء على الأندلس فاستولى على الأندلس وأعاد إليها وحدتها ، وطرد هؤلاء الطائفيين الذين كانوا يخشون قدومه ، ويفضل بعضهم النصارى عليه .
وفي مدينة ( أغمات ) بالمغرب الأقصى عاش ( ابن عباد ) أشهر ملوك الطوائف بقية أيامه فقيرا ذليلا لا يجد ما يكفيه ! !
إن هذه هي النتيجة الطبيعية لكل ملوك طوائف في كل عصر ، فالذين يخشون الموت سيموتون قبل غيرهم ، والذين يحسبون للفقر حسابه مضحين بكرامة دينهم ووجود أمتهم . . سوف يصيبهم الفقر من حيث لا يشعرون .
ولقد نسي ملوك الطوائف هذه الحقائق . . فنغص الله كل شيء عليهم حتى الموت ، كما قال ابن صمادح الطائفي حاكم ( ألمرية ) وهو يحتضر ويسمع أصداء الهجوم على قصره ، فليبحث ملوك الطوائف في كل عصر عن الحياة ، حتى لا يبحثوا ذات يوم عن الموت فلا يجدوه ، وحتى لينغص الله عليهم كل شيء حتى الموت . . فتلك سنة الله .
ولن تجد لسنة الله تبديلا . . .
قصة الفردوس المفقود
كانت السنوات الأولى من القرن الخامس الهجري " الحادي عشر الميلادي " تحمل في أحشائها وباء خطيرا على الأندلس الإسلامية .
لقد سقطت الدولة العامرية ، آخر حامية للدولة الأموية في الأندلس ، ولقد ظهر أن أحفاد عبد الرحمن الداخل الأمويين أقل من أن يقوموا بعبء حماية الإسلام الأندلسي .
وكان البربر قد هاجر كثير منهم إلى الأندلس بحثا عن سلطة أو زعامة ، وكان الصقالبة وهم مجموعة من النازحين إلى الأندلس من طوائف مسيحية مختلفة ، كان هؤلاء الصقالبة يشكلون بدورهم عنصرا من عناصر الوجود في الحياة الإسبانية الإسلامية .
ومن هذه القوميات المتناطحة تشكل الوجود الأندلسي غرة القرن الخامس الهجري . . فلما سقطت خلافة الأمويين الإسلامية في الأندلس ، نتيجة امتصاص طاقتها في مشاحنات داخلية . . تحركت كل هذه الطوائف المقيمة فوق أرض الأندلس الإسلامية تبحث عن السلطة والامتلاك .
وبدلا من أن تتحد قواهم في وجه المسيحيين المجاورين لهم وبدلا من أن يرفعوا راية الإسلام والجهاد . . كأمل ينقذ أندلسهم من التحدي الصليبي المتربص بهم . . بدلا من هذا . . أعلنوا أحقاد القومية الطائفية والنعرات الجنسية ! !
وظهر في الأندلس أكثر من عشرين دولة يتقاسمها الأندلسيون والبربر والعرب والصقالبة . . ففي كل مدينة دولة ، بل ربما اقتسم المدينة أكثر من طامع ومنافس .
واستمر أمر هذه الدول أو هذه المدن المتنافسة التي عرف حكامها بملوك الطوائف . . استمر أمرها أكثر من خمسين سنة . . امتهن فيها الإسلام والمسلمون ، وتوسل كل ملك منهم بالنصارى ضد إخوانه المسلمين ، ووقف ابن حيان " - مؤرخ الأندلس - يستشف ما وراء الحجب ويقول لأبناء جنسه :(70/127)
يا أهل أندلس شدوا رواحلكم ** فما المقام بها إلا من الغلط
الثوب ينسل من أطرافه وأرى ** ثوب الجزيرة منسولا من الوسط
من جاور الشر لا يأمن بوائقه ** كيف الحياة مع الحيات في سفط
لقد فشل ملوك الطوائف في أن يلموا شعثهم ، وأن يتكتلوا ضد النصارى . . ومن عجيب المقادير أن " ألفونسو السادس " ملك قشتالة وليون واستوريا ، كان يتظاهر بحماية هؤلاء الملوك المسلمين ، ويأخذ منهم الجزية والإتاوات التي يرفع من قيمتها سنة بعد أخرى ، واستطاع أن يعد عدته من الإتاوات التي يفرضها عليهم ليلتهمهم بها كلهم . . وكان آخر ما التهمه ألفونسو من أرض المسلمين تحت سمع وبصر هؤلاء الإسلاميين بل وبمساعدة بعضهم . . مدينة طليطلة سنة 478 هـ 1085م .
وعند هذه الموقعة تأكد لدى أكبر ملك من ملوك الطوائف " المعتمد بن عباد " أن ألفونسو يريد الالتهام . . ولا أقل من الالتهام الكامل . . وفكر المعتمد في وسيلة الإنقاذ . . وضعته الأقدار أمام حل واحد لم يكن له خيار فيه .
لقد قرر أن يستنجد بالمرابطين المسلمين الموجودين في المغرب الأقصى كقوة إسلامية ناشئة . .
وقد نجح المرابطون في إيقاف الزحف النصراني ، وأذلوا كبرياء ألفونسو ، واستردوا كثيرا من مدن الإسلام ، ولم يحاول الأندلسيون بناء أنفسهم . . لم يحاولوا صنع التقدم من خلال الذات . . لقد اعتادوا تسول النصر واستيراد البقاء من إخوانهم المغاربة المسلمين .
وحقيقة . . نعم حقيقة . . بقيت الأندلس إسلامية باستيرادها النصر أيام المرابطين ثم أيام الموحدين ثم أيام بني مرين . . وبقيت مملكة غرناطة الإسلامية وحدها أكثر من مائتي سنة تصارع الموت - كوهجة الشمس قبل الغروب .
ولكن قانون الحضارة كان قد قال كلمته . . فإن الذين فشلوا في أن يخلقوا من أنفسهم قوة قادرة على الحياة ما كان ينفعهم أن يشتروا النصر أو يستوردوه .
وفي سنة ( 897هـ ) 1542م سقطت غرناطة آخر ممالك الإسلام في الأندلس ، وطرد المسلمون شر طردة . وكانت هذه هي النهاية التي تنبأ بها الشاعر ابن حيان وغيره من هؤلاء الذين أدركوا قانون البقاء الذي هو من سنة الله .
نعم : أدركوا أن التاريخ لا يقوم بالاستيراد ، ولا تنتصر حركة تقدمه بالمتسولين !
وقصة أخرى من الأندلس
كانت الحالة سيئة للغاية . . وعندما تصل حركة التاريخ إلى طريق مسدود بعد أن يفسق أهل القرى ويخلعوا طاعة الله . . في هذه الحال يكون لا أمل إلا في شيء واحد . . هو الزوال . . وهذه هي المعادلة الوحيدة الصحيحة في تفسير التاريخ : خروج على قوانين الله . . إمهال نسبي من الله قد يغري الخارجين على القانون بالتمادي . . تجمع لعوامل الفناء . إغلاق لباب العودة . إبادة وموت في شكل مجموعة من الكوارث ! !
وإلى الحالتين الأخيرة وما قبلها . . وصلت حال الأندلس في القرن السابع الهجري . . ذلك القرن الذي شهد سقوط معظم القلاع والمدن الإسلامية الأندلسية ، ولم تفلت منه - إلى حين - سوى مملكة غرناطة ، التي لم تلبث بعد قرنين - أن لقيت حتفها .
وعلى امتداد الأندلس - شرقيه وغربيه - بدأت حركة ما يسمى بالاستيراد الصليبي تسوق المسلمين المفككين ، المتناطحين بالألفاظ ، المقسمين في ولائهم بين ملوك النصارى . . تسوقهم إلى حتفهم الأخير .
وبعد سقوط الموحدين في الأندلس ، انفرط عقد هؤلاء ، فلم يعد يجمعهم جامع من خلافة إسلامية جامعة ، أو من استجابة لتحد خارجي ، أو من عقيدة متفوقة تشتعل أعماقهم بها ، ويبحثون عن رفعها أكثر مما يبحثون عن رفعة أنفسهم . . ولذا ؛ فقد تبع سقوط الموحدين التمهيد لسقوط كثير من مدن الأندلس كمرسية وبلنسية وقرطبة والشرق الأندلسي . . ثم الغرب الأندلسي الذي كانت عاصمته إشبيلية ! !
لقد عرف أهل إشبيلية بعد سقوط الموحدين ، أنهم لا بد لهم من حماية خارجية بعد أن فشلوا في الاعتماد على الذات . . وقد أرسلوا بيعتهم إلى الأمير أبي زكريا الحفصي أمير الحفصيين في تونس هؤلاء الذين لمعوا بعد سقوط الموحدين ، لكن الرجال الذين أرسلهم الأمير الحفصي إلى إشبيلية أساءوا معاملة الناس وأظهروا الفساد . . فاضطر أهل إشبيلية لإخراجهم ، وبدءوا في الاعتماد على أنفسهم ، وألغوا معاهدة ذليلة كانت قد عقدت بينهم وبين ملك قشتالة النصراني فرناندو الثالث ، وقتلوا " ابن الجد " صاحب مشروع المعاهدة المذكورة ونصير السياسة المستذلة للنصارى .
وكان هذا نذيرا ببداية النهاية لإشبيلية ، إلا أنهم قد فقدوا العون الإسلامي الخارجي . . وأعلنوا - بقطعهم المعاهدة - حربا على قشتالة ، لم تكن ظروفهم مهيأة لدخولها .
وقد شهدت سنة 644هـ بداية التحرك النصراني ضد إشبيلية ، واستولى الصليبيون على حامية إشبيلية في هذا العام . . وكان ذلك بمساعدة ابن الأحمر ملك غرناطة وفقا لمعاهدته مع فرناندو . . !
وفي العام التالي تقدمت الجيوش النصرانية مرة أخرى على إشبيلية ، وقد نجحت في الاستيلاء على عشرات من المدن الإسلامية بفضل تدخل ابن الأحمر ، ومنعه هذه المدن من القتال بحجة أن القتال عبث . . . ! ! !(70/128)
وتم حصار إشبيلية وتطويقها من جميع الجهات بالكتائب النصرانية . وبالكتيبة التي يقودها ابن الأحمر المسلم ، مشتركين جميعا - باسم وحدة الطبقة العاملة فيما نظن ! ! - في تشريد أهلها وسحق دعوة الإسلام بها . . ولعل وجود راية محاربة إسلامية يلمحها المسلمون المحاصرون . . كان أشد ضربة تلقاها بعيون وقلوب باكية أهل إشبيلية المستبسلون ! !
لقد وقف أهل إشبيلية الشرفاء نحوا من سنة يدافعون الحصار النصراني المدعوم من ابن الأحمر . . وقد نجحوا في إيقاع النصارى في أكثر من كمين وأصابوهم بالهزيمة غير مرة .
وقد حاولوا - وهم في حصارهم ، الاستنجاد بالمغرب دون جدوى . . بينما توالت النجدات على النصارى ، حتى نجحوا بسببها في منع المؤن عن المسلمين المحاصرين في إشبيلية . . فنفدت الأقوات وبدأ شبح الجوع يدب في أوصال المدينة المجهدة . . . ! !
وكان قضاء الله . . وخرج المسلمون الإشبيليون من مدينتهم وفق شروط المعاهدة . . خرجوا نازحين إلى مدن إسلامية أسبانية أخرى لم تلبث أن أسقطت ! !
لو كان هؤلاء المسلمون في مئات المدن التي استسلمت دون قتال بواسطة ابن الأحمر أو خوفا من الموت . . لو كان قد اتحدوا وقاتلوا . . أو لو أنهم قاتلوا تحت أي ظرف . . أكانت النتيجة ستصبح شرا من هذا الحال الذي لقيه المسلمون في الأندلس ؟
لكنها سنة الله في حركة التاريخ . . فعندما يتم الخروج على قوانين الله تتجمع عوامل الفناء فيغلق باب العودة . . فتتحقق الإبادة . . ويتحقق الموت في شكل مجموعة من الكوارث . . سنة الله ولن تجد لسنة الله تبديلا ! !
ركن الفردوس يسقط
حين تذهب إلى التاريخ تتلقى منه تلقي التلميذ المتعلم ، وليس تلقي التلميذ المتحجر المكابر ، يروعك أنك تقرأ نفسك ومجتمعك وأحداث عصرك في بعض صفحاته ، وتكاد تحس بأن ما يدور حولك ليس إلا آخر طبعة من كتاب التاريخ ، وأن الذين يظنون أنفسهم آخر حلقات التاريخ - أي أفضلها - أو يظنون أنفسهم خارج دائرة التاريخ . . هؤلاء وأولئك قوم مخدوعون ، يمتازون بالغباء الشديد والسذاجة المفرطة .
إن قصة خروجنا من الأندلس لم تكن قصة عدو قوي انتصر علينا بقدر ما كانت قصة هزيمتنا أمام أنفسنا . . قصة ضياعنا وأكلنا بعضنا بعضا كما تأكل الحيوانات المنقرضة بعضها بعضا .
وكان سقوط ( قرطبة ) أكبر معاقل الإسلام في الأندلس سنة 633هـ النهاية لسقوطنا التام في الأندلس .
وقد اضطر ابن الأحمر مؤسس مملكة غرناطة إلى أن يهادن ملك قشتالة الصليبي، وأن يعقد معه صلحا لمدة عشرين سنة ، وأن يسلم له - بناء على شروط الصلح - مدينة جيان وما يلحق بها من الحصون والمعاقل ، وأن ينزل عن أرجونة وبيع الحجار وقلعة جابر وأرض الفرنتيرة . . واعترف بالطاعة لملك قشتالة وتعهد بأن يؤدي إليه جزية سنوية قدرها مائة وخمسون ألف مرافيدي ( العملة الإسبانية ) وأن يعاونه في حروبه ضد أعدائه ( المسلمين ) ! وعندها استغل ملك قشتالة هذا الصلح ليتفرغ لضرب المسلمين الآخرين ، هاجم مدينة إشبيلية قاعدة غربي الأندلس كله . . وكانت هناك كتيبة إسلامية أرسلها ابن الأحمر تهاجمها معه ( باسم التقدمية ! ! ) فسرعان ما سقطت إشبيلية الإسلامية حاضرة الثقافة الإسلامية الرفيعة - بيد فرناندو الثالث ملك قشتالة سنة 646هـ وبمعونة ابن الأحمر 0- مؤسس مملكة غرناطة العظيم ، . . ولم تعد إشبيلية إلى الإسلام منذ ذلك اليوم ! !
وعندما كاد أمد الصلح بين ابن الأحمر وبين ملوك قشتالة ينتهي بعد ( العشرين سنة ) سعى ابن الأحمر لتجديد الصلح . . وفي سبيل ذلك تنازل لقشتالة عن عدد كبير من بلاد الإسلام قيل إنها بلغت أكثر من مائة بلد وحصن !
وأنا لا ألوم ابن الأحمر وحده . . إنما ألوم ملوك الطوائف جميعا . . لقد كان كل شيء ممكنا بالنسبة لهم - وفي عرفهم - عدا شيئا واحدا . .
كان الترامي في أحضان العدو ممكنا . . وكان التنازل له عن الأرض ممكنا . . وكان الخلاف بين بعضهم وبعض لدرجة الاستنجاد بالعدو ممكنا . . أجل . . كان كل هذا ممكنا إلا شيئا واحدا . . إلا العودة إلى الإسلام الصحيح الخالي من حب السلطة واستعباد الدنيا . . . والأمر بالاعتصام بحبل الله وحده وعدم التفرقة . . كل شيء كان ممكنا - في عرفهم - إلا هذا .
وبالطبع . . فإن لنا أن نتوقع ظهور كثير من الحركات التقدمية والقومية والجدلية في مثل هذا المناخ الفاسد . . وبالتأكيد . لولا بروز مثل هذه النزعات التي لا شك في أن النصارى قد ساعدوا على ترويجها ، لولا هذا لأصبح المكان خاليا وملائما لبروز الحل الوحيد الصحيح . . الحل الإسلامي .
وفي الشرق الأندلسي كان شيء من هذا يحدث على نحو أعتى وأقسى ، ففي " بلنسية " . . كان آخر أمراء الموحدين هناك " أبو زيد بن أبي عبد الله " يلجأ بعد انهيار ملكه في بلنسية تحت ضربات منافسه " أبي جميل زيان " . . وكان هذا الموحدي العاق الجاحد يشهد مع ملك أرجوان كل غزواته ضد المسلمين . . ولم يكتف بهذا المصير التعس . . فاتخذ قراره الثوري الحاسم " باعتناق النصرانية " . . . ! !(70/129)
وبينما كانت مدن بلنسية الكبرى وقراها وحصونها تتداعى ما بين سنوات ( 63-636هـ ) كان ( أبو زيد ) يبذل جهوده مع النصارى في حروبهم ضد الإسلام . . ويعاونهم في التعرف على نقاط الضعف لدى أبناء دينه السابق . وفي الوقت نفسه كان ابن الأحمر يساعد ملك قشتالة بكتائبه ضد إخوانه المسلمين .
وتسألني لماذا طردنا من الأندلس ؟ فأقول لك : لأن الله لا يظلم الناس شيئا ولكن الناس أنفسهم يظلمون . . ثم أقول لك عبرة التاريخ . . قانون سقوطنا : " حين يبحث كل عضو منا عن نفسه تسقط سائر الأعضاء " .
سقوط غرناطة
كان بقاء مملكة غرناطة الإسلامية في الأندلس قرنين من الزمان معجزة من معجزات الإسلام .
فهذه الجزيرة الإسلامية العائمة فوق بحر الصليبية المتلاطم الأمواج والطافح بالحقد والمكر التاريخيين . . هذه الجزيرة ما كان لها أن تصمد صمودها المشهور إلا لأن طبيعة الصمود كامنة في العقيدة والمبادئ الإسلامية . وبدون العقيدة الإسلامية . . ما كان لهذه الجزيرة أن تصمد وحدها في الأندلس بعد أن سقطت كل المدن والقلاع الإسلامية منذ قرنين من الزمان .
كان قانون " الاستجابة للتحدي " هو الذي أبقى غرناطة حية زاخرة بالفكر الإسلامي والرقي الحضاري هذين القرنين . . وكان شعور الغرناطيين بأنهم أمام عدو محيط بهم من كل جانب ، ينتظر الفرصة لالتهامهم ، وبأنه لا أمل لهم في استيراد النصر من العالم الإسلامي ، وبأنه لا بد لهم من الاعتماد على أنفسهم . . كان هذا الشعور باعثهم الأكبر على الاستعداد الدائم . ؟ ورفع راية الجهاد والتمسك بإسلامهم .
وبهذا نجحت غرناطة في أن تظل إلى سنة 1492م ( 897 هـ ) سيدة الأندلس الإسلامي ومنارة العلوم وشعلة الحضارة الإسلامية الباقية في أوربا .
لكن الأعوام القريبة من عام السقوط شهدت تطورا في الحياة الأندلسية . . فعلى المستوى النصراني بدأ " اتحاد " كبير يضم أكبر مملكتين مسيحيتين مناوئتين للإسلام . . وهما مملكتا أرجوان وقشتالة ، وقد اندمج الاثنان في اتحاد توجاه بزواج " إيزابيلا " ملكة قشتالة من " فرناند " ملك أرجوان . . وكان الحلم الذي يراود الزوجين الملكين الكاثوليكيين ليلة زفافهما هو دخول غرناطة . . وقضاء شهر عسلهما في الحمراء ، ورفع الصليب فوق برج الحراسة في غرناطة - أكبر أبراجها - وعلى المستوى الإسلامي . . كان " خلاف " كبير قد دب داخل مملكة غرناطة ولا سيما بين أبناء الأسرة الحاكمة ، وتم تقسيم مملكة غرناطة المحدودة قسمين ، يهدد كل قسم منهما الآخر ويقف له بالمرصاد . . قسم في العاصمة الكبيرة ( غرناطة ) يحكمه أبو عبد الله محمد علي أبو الحسن النصري ( آخر ملوك غرناطة ) وقسم في ( وادي آش ) وأعمالها يحكمه عمه أبو عبد الله محمد المعروف بالزغل .
وقد بدأ الملكان الكوثوليكيان هجومهما على ( وادي آش ) سنة 894 هـ ، ونجحا في الاستيلاء على وادي آش وألمرية وبسطة . . وغيرها ، بحيث أصبحا على مشارف مدينة غرناطة .
وقد أرسلا إلى السلطان أبي عبد الله النصري يطلبان منه تسليم مدينة الحمراء الزاهرة ، وأن يبقى هو حيا في غرناطة تحت حمايتها . . وكما هي العادة في الملوك الذين يركبهم التاريخ وهو يدور إحدى دوراته ، كان هذا الملك ضعيفا . . لم يحسب حسابا لذلك اليوم . . ولقد عرف أن هذا الطلب إنما يعني الاستسلام بالنسبة لآخر ممالك الإسلام في الأندلس فرفض الطلب ودارت الحرب بين المسلمين والنصارى واستمرت عامين . . يقودها ويشعل الحمية في نفوس المقاتلين فيها فارس إسلامي من هؤلاء الذين يظهرون كلمعة الشمس قبل الغروب " موسى بن أبي الغسان " .
وبفضل هذا الفارس وأمثاله وقفت غرناطة في وجه الملكين الكاثوليكيين عامين وتحملت حصارهما سبعة أشهر . .
لكن مع ذلك . . لم يكن ثمة شك في نهاية الصراع . . فأبو عبد الله الذي لم يحفظ ملكه حفظ الرجال . والانقسام العائلي والخلاف الداخلي في المملكة في مقابل اتحاد تام في الجبهة المسيحية . . مضافا إلى ذلك حصاد تاريخ طويل من الضياع والقومية الجاهلية والصراع بعيدا عن الإسلام . . عاشته غرناطة وورثته مما ورثته عن الممالك الإسلامية الإسبانية الساقطة .
كل هذه العوامل قد عملت على إطفاء آخر شمعة إسلامية في الأندلس .
وعندما كان أبو عبد الله ( آخر ملوك غرناطة هذا ) يركب سفينته مقلعا عن غرناطة الإسلامية ، مودعا آخر أرض تنفست في مناخ إسلامي في أوروبا بعد ثمانية قرون عاشتها في ظلال الإسلام . . .
في هذا الموقف الدرامي العنيف . . بكى أبو عبد الله ملكه " وملك الإسلام المضاع، وتلقى من أمه الكلمات التي حفظها التاريخ ( ابك مثل النساء ملكا لم تحفظه حفظ الرجال ) .
والحق أن أمه بكلمتها تلك ، إنما كانت تلطمه وتلطم حكاما في الإسلام كثيرين . . بكوا مثل النساء ملكا لم يحفظوه حفظ الرجال ! ! ! .
القسم الثاني : سقوط خلافات ودول شرقية
* الأمويون - أصحاب دولة الفتوحات - يسقطون
* سقوط الدولة الطولونية في مصر
* الصفاريون ، وقصة سقوطهم
* الإخشيديون على خطى الطولونيين
* سقوط السامانيين في فارس
* البويهيون الذين سطوا على الخلافة . . يسقطون(70/130)
* سقوط الانفصاليين في طبرستان
* وقصة سقوط الحمدانيين
* السلاجقة . منقذو الخلافة . يسقطون
* سقوط دولة الفاطميين
* سقوط دولة صلاح الدين
* من عوامل سقوط العباسيين
* المماليك . . أبطال عين جالوت يسقطون
الدولة الأموية - دولة الفتوحات - . . تسقط ! !
في عام ( 41 هـ - 661م ) ويسمى عام الجماعة - تنازل الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، عن حرب معاوية بن أبي سفيان ، الذي كان واليا على الشام منذ عهد عمر بن الخطاب ، والذي رفض مبايعة علي بن أبي طالب - رابع الخلفاء الراشدين - متذرعا بأن عليا قد فرط في الثأر من قتلة عثمان بن عفان ثالث الخلفاء الراشدين . . . رضي الله عنهم جميعا .
وبتنازل الحسن استقر الأمر لمعاوية فأصبح خليفة المسلمين ، وقامت دولة بني أمية التي تنتسب إلى أمية بن عبد شمس بن عبد مناف ، فحكمت نحو تسعين عاما ( 41 - 132هـ ) ( 661 - 750م ) ونقلت عاصمة الحكم من مدينة رسول ا صلى الله عليه وسلم بالحجاز إلى دمشق بالشام .
كان نظام الحكم في عهد بني أمية عائليا ، وقد تداول الحكم أربع عشرة خليفة أولهم معاوية وآخرهم مروان بن محمد الذي قتله العباسيون في " أبو صير " من حلوان مصر . .
الخلفاء الأمويون :
1 - كان معاوية أول الخلفاء الأمويين ومؤسس دولتهم ، وكان مولده بالخيف من منى قبل الهجرة بخمس عشرة سنة وأمه هند بنت عتبة، وأبوه أبو سفيان ، وقد أسلموا جميعا في فتح مكة .
وأصبح معاوية من كتاب الوحي لرسول ا صلى الله عليه وسلم ، واشترك في حروب الردة مع أخيه وأبيه ، ثم ولاه عمر جزءا من بلاد الشام ، فلما جاء عثمان رضي الله عنه جمع الشام كلها تحت حكمه .
2 - وبموت معاوية سنة 60هـ بايع المسلمون ابنه يزيد ، ما عدا الحسين بن علي وعبد الله بن الزبير وعبد الله بن عمر ، وقد وقف الأولان منه موقف العداء ، وقتل في عهده الحسين ، في كربلاء ، وحكم ثلاث سنوات ثم مات سنة 64هـ ، وعمره ثمانية وثلاثون عاما .
3 - ثم تولى معاوية بن يزيد ، بوصاية أبيه ، لكنه كان ورعا زاهدا فتنازل عن الخلافة بعد ثلاثة أشهر .
4 - وقد وقعت حروب انتهت في ( مرج راهط ) بين الأمويين وعبد الله بن الزبير ، وأصبح مروان بن الحكم خليفة على الشام وحدها ، وبقي ابن الزبير خليفة على سائر الأمصار ، حتى ظهر عبد الملك بن مروان ، فتمكن من توحيد العالم الإسلامي الشرقي تحت إمرته ، ولذا اعتبر المؤسس الثاني للدولة الأموية .
5 - وكانت لعبد الملك أياد عظيمة ، فقد عرب الدواوين وضرب العملة ، وبقي في الحكم اثنين وعشرين عاما ، وتوفي سنة 86هـ ، فتولى بعده ابنه الوليد بن عبد الملك ، الذي حكم عشرة أعوام ، وتمت في عهده إصلاحات داخلية عظيمة وفتوحات إسلامية كبرى على يد قادة عظام مثل محمد بن القاسم الثقفي فاتح السند، وموسى بن نصير فاتح الأندلس .
6 - ثم جاء بعده أخوه سليمان بن عبد الملك فحكم ثلاثة أعوام لم تتقدم فيها الدولة شيئا ، لا من الداخل ولا من الخارج ، ومات سنة 99هـ ، فوسد الأمر لأعظم شخصية في تاريخ بني أمية ، على الرغم من أنه لم يحكم إلا عامين ، وهو عمر بن عبد العزيز ، الذي اعتبره البعض ( خامس الخلفاء الراشدين ) لكثرة ما عمل من إصلاحات خلال الفترة الوجيزة التي حكم فيها .
لقد راقب عمر الولاة بحذر ، وأخذ على أيديهم وطرد القساة منهم ، وانتشر الإسلام في عهده انتشارا كبيرا لأنه وضع الجزية عمن يعتنق الإسلام ، وكان ولاة السوء لا يفعلون ذلك ، ويروي ابن عبد الحكم ، ملخصا عهد عمر بن عبد العزيز ، في قوله الوجيز " إنما ولي عمر بن عبد العزيز سنتين ونصفا فذلك ثلاثون شهرا ، فما مات حتى جعل الرجل يأتينا بالمال العظيم فيقول : اجعلوا هذا حيث ترون في الفقراء ، فما يبرح حتى يرجع بماله يتذكر من يضعه فيهم فلا يجده ، فقد أغنى عمر بن عبد العزيز الناس " .
7 - ثم ولي الأمر بعده يزيد بن عبد الملك ، بعهد من أخيه سليمان بعد ابن عمه عمر بن عبد العزيز ، وهو ابن تسع وعشرين سنة . فدامت خلافته أربع سنوات وشهرا ، ثم مات بعدها دون أن يترك أثرا ذا بال اللهم إلا إخماده لفتنة يزيد بن المهلب .
8 - وولي بعده هشام بن عبد الملك ، فمكث في الخلافة عشرين عاما حاول فيها تقليد عمر بن عبد العزيز ، ولم ينجح في ذلك نجاحا كبيرا ، وإن كانت الدولة قد اتسعت في عهده ، ففتحت قيسارية وبلاد الخزر ، وأرمينية ، وشمال آسيا الصغرى ، وجزءا كبيرا من بلاد الروم .
لكن الأحوال الداخلية لم تكن مستقرة على عهده وتوفي في عام 125هـ ، وترك الحكم للوليد بن يزيد بن عبد الملك الذي يعتبر عهده - الذي لم يدم أكثر من عام إلا قليلا - من أسوأ عهود الدولة الأموية ، ظلما وانتقاما من أبناء سلفه هشام فضلا عن عنصريته وخلاعته .
9 - ولم يكن للخليفتين اللذين وليا بعده يزيد بن الوليد بن عبد الملك ، وإبراهيم ابن الوليد أثر يذكر ، ولم يدم حكم كل منهما إلا ثلاثة أشهر ، ولم تستقم لهما الأمور ، وكانت أيامهما ، وأيام سابقهما الوليد بن يزيد ، فرصة ذهبية نجح فيها العباسيون في تعبئة النفوس وتنظيم الصفوف ، للانقضاض على الدولة .(70/131)
10 - فلما آلت الخلافة لمروان بن محمد - آخر خلفاء بني أمية في المشرق لم يستطع أن يقر قواعد الدولة ، على الرغم من أنه " كان أشجع بني أمية وأقدرهم على تحمل الأخطار " . . فسقطت الدولة في عهده ، بعد فتنة واضطرابات دامت خمس سنوات ، وكان سقوطها في سنة 132هـ .
وكانت دولة بني أمية دولة عربية تتعصب للعرب وللتقاليد العربية ، وللغة العربية ، ولم يستطع معظم خلفائها أن يرتفعوا على مستوى المساواة والعدل في الإسلام .
لكن مع ذلك كان لهذه الدولة أياد طولى على المسلمين لعل من أهمها جهودها العظيمة في مجال الفتوحات الإسلامية .
فتوحات الدولة الأموية :
اتسعت فتوحات الدولة الأموية اتساعا عظيما ، منذ عهد معاوية الذي لم تكد تستقر له الأوضاع حتى جهز الجيوش وأنشأ الأساطيل ، وأرسل قواده إلى أطراف الدولة لتثبيت دعائمها ، بعد أن حاول الفرس والروم استغلال فترة الفتنة بين علي ومعاوية رضي الله عنهما .
*وقد أخضعت هذه الجيوش ثورة فارسية هدفت إلى الامتناع عن دفع الجزية . ثم توغلت جيوشه شرقا ، فعبرت نهر جيحون ، وفتحت بخارى وسمرقند وترمذ .
*ومن الجهة الرومانية ، كان الرومان قد أكثروا من الغارات على حدود الدولة الإسلامية في الناحية الشمالية الغربية ، فأعد معاوية لهم الجيوش ، وانتصر عليهم في مواقع كثيرة .
وبأسطوله الذي بلغت عدته ( 1700 ) سفينة ، استولى على قبرص ورودس وغيرهما من جزر الروم - كما قام بالمحاولة الأولى لفتح القسطنطينية عاصمة الدولة الرومانية الشرقية سنة 48هـ ، فأرسل جيشا بإمرة ابنه يزيد ، وجعل تحت إمرته عددا من خيرة الصحابة كعبد الله بن عباس وعبد الله بن الزبير وعبد الله بن عمر وأبي أيوب الأنصاري ، لكن المحاولة لم تنجح ! !
ومن الشمال الإفريقي ( تونس والجزائر والمغرب الأقصى ) امتد الفتح الإسلامي، فأرسل ( معاوية ) عقبة بن ابن نافع سنة ( 50هـ ) في عشرة آلاف مقاتل ، لتثبيت فتحها، وقد عمل عقبة على نشر الإسلام بين البربر ثم بنى مدينة القيروان ، وفي عهد ابنه الخليفة ( يزيد ) وصل عقبة في اكتساحه للشمال الإفريقي حتى المحيط الأطلسي غربا ، وقال هناك كلمته المأثورة " والله لولا هذا البحر لمضيت في سبيل الله مجاهدا " .
وفي الشرق اتجهت جيوش عبد الملك بن مروان - الخليفة الأموي الخامس - إلى التوسع في بلاد ما وراء النهر ، وكانت القيادة في هذا الركن للمهلب بن أبي صفرة وليزيد بن عبد الملك . وكان من أبرز الفتوحات في عهد الوليد بن عبد الملك فتح بلخ ، والصفد ، ومرو ، وبخارى ، وسمرقند ، وذلك كله على يدي قتيبة بن مسلم .
أما محمد بن القاسم الثقفي فقد فتح السند ( باكستان ) . وفتح مسلمة بن عبد الملك فتوحات كثيرة في آسيا الصغرى ، منها فتحه لحصن طوالة وحصن عمورية ، وهرقلة ، وسبيطة ، وقمونية ، وطرسوس . . كما حاصر القسطنطينية أيام سليمان بن عبد الملك .
وفي أوربا فتح موسى بن نصير الأندلس ، وبقيت في حوزة المسلمين ثمانية قرون ( 92-898 . . هـ ) وكان جزاؤه من بني أمية جزاء سنمار ! !
وقد حاول عنبسة بن سحيم الكلبي غزو جنوب فرنسا وفتح سبتماية ، وبرغونية ، وليون - ونجح المسلمون في ذلك نجاحا مؤقتا ، حتى انتهت هذه المحاولات بعيد موقعة بلاط الشهداء التي قادها عبد الرحمن الغافقي - بقليل . ولم يكن لهذه الفتوحات صدى حقيقي ، لأنها كانت أشبه بحملات جهادية فردية .
ولماذا سقط هؤلاء العظماء ؟
كان معاوية رضي الله عنه - بلا ريب - أحد دهاة العرب القلائل ، وكان رجل دولة وخبير سياسة بمعنى الكلمة . . بيد أنه كانت هناك حقيقة حضارية ينبغي عليه إدراكها وهي : أن الحضارة حين ينفصل جسدها عن دماغها لا يمكن أن تكون قابلة للبقاء . . حين يحدث انشقاق بين روح الأمة وجهاز عملها المادي تحدث الآلية القاتلة وتسير القافلة بلا روح . . تماما كما يسير الذي قطع رأسه من جسده . . إنه لا بد من أن يسقط بعد خطوات ! !
ومنذ قامت الدولة الأموية ، واعتمد فيها نظام وراثة الخلافة كرها عن الأمة . .
منذ هذا الحدث وثمة انفصال بين جسد الأمة وروحها ذاقت منه الأمة الإسلامية مر الأهوال . . وكان أحد الأسباب ، بل أهم الأسباب في سقوط الدولة الأموية .
لقد تشكلت طبقة تعطي نفسها امتيازا جنسيا غريب الشكل . . فهي لمجرد أنها من البيت الأموي ، حتى ولو افتقدت كل صلاحيات الوجود والحكم بعد ذلك ، لا بد أن تقف في الصف الأول . . وأن تقود وتحكم . . ! ! والأدهى من ذلك أن هذه الدولة اعتمدت العنصرية العربية المستعلية حقا تتكئ عليه في سيادتها . . وظلمها ! !(70/132)
وهذه الظاهرة . . تلد أمراضا حضارية خبيثة كلها شؤم وبلاء . . فإن هذه الطبقة سرعان ما يحاول كل واحد منها الحصول على حق . . أكثر شرعية جنسية . . لكي يصل إلى الحكم ، وبالتالي يلجأ إلى الدس والخديعة والقتل والاغتيال ويسود الطبقة الحاكمة جو من الصراع الداخلي يمنعها عن أن تؤدي للأمة أي شيء ، ويكون كل هم الحاكمين أن يحافظوا على الموقع الذي يقفون فيه . . هكذا كان الأمر بين الأمويين ولا سيما في الأيام الأخيرة من عمرهم . . أيام الوليد بن يزيد، ومروان بن محمد .
ومن الأمراض الخطيرة التي تلدها ظاهرة الانفصام المشئومة استعانة هؤلاء الحاكمين بطبقة تتولى هي في الحقيقة الأمر ، وتستبد بالأمة ، وحين تستغيث الأمة لا تجد من يغيثها ، إذ يكون الحكام في واد آخر بعيد عنها ، بل إن هؤلاء الحكام يعتقدون أنهم بوجودهم في مراكز السلطة مدينون لهؤلاء العمال أو الولاة الغاشمين الظالمين .
وقد زخرت صفحات التاريخ بعديد من هؤلاء الجبابرة الذين أساءوا إلى المسلمين والإسلام إساءات بالغة كالحجاج بن يوسف الثقفي في المشرق ، والوالي عبد الله ابن الحبحاب في المغرب .
ولقد أساءت هذه الطبقة المصطنعة العازلة إلى تاريخ الأمويين نفسه أيما إساءة ، وزينت للخلفاء الأمويين كل جور ، وعملت في المسلمين عمل كسرى وقيصر في شعبيهما . . وكانت - يعلم الله - بلاء على المسلمين أي بلاء ! ! وقد كانت سببا في نجاح الخوارج ، وفي إشعال ثورات بربرية ، في ساحة الأندلس والمغرب .
وبتأثير الطغيان الذي ساس به الولاة جماهير المسلمين ، انصرف الناس إلى أمورهم ، تاركين أمور الدولة في يد الفئة الحاكمة بل انصرفوا إلى الاندماج في كل حركات الخروج على الدولة . . وقد تمخض كل ذلك عن ميلاد تنظيم من أدق التنظيمات في تاريخ الانقلابات السياسية ، وهو التنظيم العباسي الذي رفع الراية العلوية ( الرضا من آل البيت ) أيام سريته . . إلى أن وصل إلى الحكم .
ولم يك هذا التنظيم لينجح ويجد المناخ والعناصر الصالحة إلا نتيجة سياسة الولاة الغريبة عن روح الإسلام .
وقد اختلف المؤرخون في سقوط هذه الدولة العظيمة . . دولة الفتوحات . . وقد رأى بعضهم ، وهم محقون ، أنه النزاع بين المضرية واليمانية ، الذي ابتدأ منذ أيام مؤسس الدولة الأموية معاوية ، قد أدى إلى ضياع بني أمية .
ويرى بعضهم أن مصرع الحسين بن علي في كربلاء كان الداء القاتل الذي تفاقم حتى قضى عليها .
ورأى آخرون أن العامل الهام الذي أدى إلى سقوط بني أمية هو تعصب الأمويين للعرب، مما أدى إلى خروج الموالي على الدولة الأموية وهم غير العرب الذين دخلوا في الإسلام عقب الفتح العربي في فارس ومصر والمغرب .
وما لبث هؤلاء أن أصبحوا أعداء للعرب من بني أمية ولا شك أن سلوك الوليد ابن يزيد الذي أدى إلى مصرعه كان من أبرز الأسباب المباشرة في فساد الأحوال .
كما أن الاستبداد الفردي عامل من عوامل سقوط الدولة قال به كثيرون .
وقد تكون كل هذه الأسباب صحيحة ، بل قد تكون متداخلة ، لكننا نميل إلى سبب جوهري نراه أكبر الأسباب وأبرزها ، وهو العنصرية الأموية التي جعلتهم يرفعون العرب على حساب غيرهم، ويثيرون الأحقاد في بقية الطوائف المسلمة ! !
وتبقى عبرة التاريخ الأخيرة في سقوط الدولة الأموية . فإن نصر بن سيار ( والي خراسان ) كان على عهد مروان بن محمد آخر خلفاء الأمويين . . وكان نصر هذا . . كما كان مروان . . كان كلاهما من خيرة من أنجبت الدولة الأموية . . هذا في الولاة ، وذلك في الخلفاء .
لكنهما ظهرا بعد أن اتسعت خروق الدولة على أي راقع ، وكان رصيد الدولة من الفساد والتحلل والظلم والضعف ، قد أصبح أكبر وأضخم من طاقة أي إنسان .
لقد كانت حركة التاريخ التي هي من سنة الله قد قالت في الدولة الأموية كلمتها . . وقد حاول " نصر " أن يستعمل ذكاءه في إنقاذ الدولة ، إذ كان يستشف ببصيرته الوقادة أن ثمة أمورا تبينت للدولة ، وأن دولة الأمويين على وشك الرحيل ، وكم كاتب الخليفة الأموي الأخير " مروان " في ذلك . . ولكن دون جدوى . . لقد اتسع الخرق ووجب أن ينهار البناء ! !
وكان مروان . . مشغولا بسداد " شيكات " سابقيه من الديون . . في بنك الضياع . . فلم يمكنه أن يستجيب لا " لنصر " ولا لضميره الذي كان يحس بقرب الكارثة . . هكذا تفعل الدول بنفسها . . نتيجة ظلمها . وتراكم هذا الظلم .
وعندما سقطت الدولة الأموية سنة 132هـ ، ولقي مروان المسكين مصرعه في حلوان بمصر . . كان كتاب التاريخ يطوي إحدى صفحاته . . يطويها بعنف لأن أبطالها أرادوا لأنفسهم هذا . . . حين راحوا ينفصلون عن ضمير الأمة ووجدانها ، ويعزلون أنفسهم عن شعوبهم - بطبقة من العمال الظالمين الغاشمين وبعنصرية عربية قومية ظالمة . . لقد فتحوا كثيرا من الأراضي ، لكنهم فشلوا في أن يفتحوا القلوب . . . والعقول ! !
سقوط الدولة الطولونية في مصر(70/133)
الانتصار في معركة . . والحصول على مكسب وقتي . . . والوصول إلى السلطة . . هذه كلها ليست هي قضية التاريخ . . ولا معركة التقدم البشري . . بل هي عموما ليست من عوامل تحريك التاريخ إلى الأمام أو الخلف على نحو واضح وضخم . . إن الانتصار في معركة . . قد لا يعني الهزيمة الحقيقية للأعداء ، فحين لا تتوافر العوامل الحقيقية للنصر . . يصبح أي نصر مرحلي عملية تضليل ، واستمرارا للسير الخطأ ، وتماديا في طريق الوصول إلى الهزيمة الحقيقية . . هكذا سار التاريخ في مراحل كثيرة من تطوراته . . كان النصر بداية الهزيمة ، وكانت الهزيمة بداية للنصر !
وحين يصل إنسان ما إلى الحكم . . دون أن يكون معدا إعدادا حقيقيا للقيادة ، ودون أن يكون في مستوى أمته . . يكون وصوله على هذا النحو هو المسمار الأخير الذي يدق في نعش حياته وحياة الممثل لهم . . !
والتاريخ في دوراته غريب وهو يعلمنا أنه لا توجد قاعدة ثابتة للتحول ترتكز على أسس متينة ، اللهم إلا قاعدة التغيير من الداخل المرتكزة على عقيدة لها جذورها في أعماق النفس ، ولها انسجامها مع حركة الكون ولها صلاحياتها في البقاء والانتشار والخلود !
وعندما أعلن " أحمد بن طولون " مؤسس الدولة الطولونية في مصر انفصاله عن الدولة العباسية بعد سنة 254هـ ، كان ينقصه الوعي بحركة التاريخ والشروط الضرورية للتغيير ، وكان بإنشائه هذه الدولة ليس أكثر من " انقلابي " سيطر على الحكم في ظل أوضاع معينة مرت بها الدولة العباسية ، سمحت له ولأمثاله بإظهار مطامحهم في مزيد من السلطة والشهرة والرغبة الجامحة في السيطرة . لم يحاول هذا الرجل - ما دام قد وصل إلى مستوى الثقة لدى الجهاز العباسي الحاكم - أن يتقدم بإصلاحاته ، وأن يبحث عن السبل المؤدية لحماية الدولة الإسلامية الجامعة ، وإنما راح في إغراق في عبودية الذات يبحث عن استغلال الظروف لصالحه .
ومنذ استقر في مصر سنة 254هـ وهو يحاول جمع كل مقاليد السلطة في يده ، فيتخذ من الإجراءات ما يجعله الرجل الوحيد في مصر ، وليس الرجل التابع لدولة إسلامية كبرى تستطيع عزله وتولية غيره . وقد عزل - في سبيل ذلك - عامل الخراج الذي عينه العباسيون على مصر - وتمكن من التحكم في الشئون المالية إلى جانب الشئون الإدارية والعسكرية .
ودخل أحمد بن طولون في صراع مع الدولة العباسية الجامعة وانتصر على أخي الخليفة أبي أحمد " الموفق " واتخذ من الإجراءات الثورية ما يكفل له الوقوف على قدميه لصد أي هجوم عباسي .
لكنه في الحقيقة لم يكن في حاجة إلى هجوم . . فنشأته على النحو السابق تحمل في أحشائها النهاية الطبيعية العاجلة . ورأت الخلافة من الحكمة أن تستغله . بدل أن تدخل معه في صراع ، وكلفته بمهام جديدة ، منها حماية الثغور الشامية . . ومات أحمد بن طولون تاركا دولة تقف كلها على أقدامه وحده وليست لها أقدام أخرى . . من عناصر الحياة التاريخية والحضارية ولذا فإنها بموته وقعت على الأرض . . وعلى الرغم من كل ما أبداه " خمارويه " ابنه من اتباع لسياسة أبيه ، ومن تمسك بمعالم استقلال وقوة دولته المستقلة . . إلا أنه لم يعد أن يكون مرحلة عبرها التاريخ ليدخل بالدولة - فورا - في مرحلة الأفول والفناء .
فبعد خمارويه انغمس الأمراء الطولونيون في لهوهم ، وتفشت ظاهرة حب السلطة والاستقلال لدى عمالهم في الأقاليم . وانقلب الثوريون على أنفسهم ، أو بالتعبير الدارج . . بدأت طلائع الثورة يأكل بعضها البعض . وقد ولي الأمر بعد خمارويه ثلاثة من آل طولون لم يزد حكمهم على عشر سنوات ، ولم تستفد البلاد المصرية أو الشامية منهم شيئا غير الفوضى والتنافس بين الطامعين في السلطة أو الفساد الذي نجم عن الترف ، وعن الاستبداد وغيبة الأمة عن الرقابة أو الحكم . . وفي هذه الحال . . لم يكن الأمر متعبا بالنسبة للدولة العباسية . . فتقدمت جيوشها لاسترداد مصر من خامس الولاة الطولونيين وهو " شيبان " الذي كانت الفوضى قد وصلت في عهده قمتها وأعلى معدلات خطورتها ، وشهدت سنة 292 هـ دخول هذه الجيوش إلى القطائع في القاهرة . . ومن فوق المنبر أعلن إزالة الدولة الطولونية التي لم تستطع أن تحكم أكثر من أربعين سنة عاشتها في صراع خارجي وعاشت معظمها في صراع داخلي ، مع شعب لم يهضم حركتها التي لم يكن لها المبرر الحضاري الهام لإحداث التغيير .
وعادت مصر إلى حظيرة الدولة العباسية . . وعلى امتداد تاريخنا سجلت صفحاته عشرات من الانقلابات وسجلت أسماء مئات الانقلابيين . . ولكنهم - جميعا وبلا استثناء - لم يقدموا ما يتوازى مع أحجام الخسائر التي كبدوها لأمتهم . . لأن الانقلاب ليس الوسيلة التاريخية المهيئة للتغيير ، إذ هو موجة انفعالية سرعان ما تنحسر محدثة رد فعل انحساري عنيف . . ودائما . . . دائما أثبتت كل تقلبات تاريخنا كما أثبتت كل تطورات الحضارة " أن الانقلاب يدفع إلى انقلاب . . وأن حركة التاريخ لا تندفع بالعنف والانفعال " ! !
الصفاريون وقصة سقوطهم
تاريخنا الإسلامي العظيم كتاب كامل من التكاملية التاريخية ، يضم بين صفحاته كل صور التقدم والتأخر .(70/134)
وهو معلم عظيم . . اشتملت تجاربه على نوعيات من كل تجارب التاريخ البشري، وليس ذلك لأن القرآن العظيم قد حكى على نحو تركيبي كل صور التقلب والحركة والهبوط والارتقاء التي مر بها الموكب البشري ، والتي تغني التطور التاريخي الإسلامي وتكفل له الاندفاعة العاقلة . . ليس مرد الأمر إلى ذلك وحسب . . بل لأن كتاب التاريخ الإسلامي نفسه قد شاء الله له أن يكون من التكاملية والحبكة والتنوع بحيث يصلح كمرجع تال للقرآن والسنة يرجع المسلمون إليه ويتعلمون منه ، ويتلقون تلقي التلميذ من الأستاذ . .
إننا لا ندعو إلى رفض تأمل الموكب البشري المتحرك الذي يتحرك إلى جانبنا ومن حولنا . . أبدا . . فكل ما هنالك أننا لا بد أن ندرس أنفسنا قبل أن ندرس الآخرين .
والعجيب في أمر الدولة العباسية التي عاشت أكثر من خمسة قرون . . أستاذا وقائدا زمنيا وروحيا - مع اختلاف في الدرجة - العجيب أن هذه الدولة قد اشتملت على باب كامل من أبواب تاريخنا تكاملت له البداية . . والعقدة . . والنهاية .
وكما تعرضت هذه الدولة لعلل الانفصال عنها بوضوح منذ منتصف القرن الثالث الهجري ببروز الدولة الطولونية في مصر ، فإنها كانت تتعرض على امتداد النصف الثاني من القرن الثالث المذكور لهذه العلل على امتداد أرضها كلها . . كانت حركات الانفصال التي كانت لا تزال تخطب في المغرب باسم الخليفة العباسي " حركات الأغالبة والرساميين والأدارسة " بدلا من هذا أصبح الفاطميون حركة عصيان وتمرد علني . . بل وخروج على الأيديولوجية العباسية .
ومن الغريب أن حركة خروج أخرى تحمل نفس العداء السياسي والعسكري للخليفة العباسي ، وإن كانت لم تخرج أيديولوجيا ، كانت قد برزت في خراسان وتمخضت عن صراع عسكري اتبعه انفصال عن الدولة في سنة 254هـ وهي السنة نفسها التي برزت فيها الدولة الطولونية وسميت حركة الانفصال في خراسان هذه باسم " الدولة الصفارية " ! !
وكان لخراسان - كما هو معروف - وضع خاص في الدولة إذ كان هؤلاء الخراسانيون يشعرون بأنهم أصحاب فضل على الدولة العباسية ، وبأن سيدهم " أبا مسلم الخراساني " هو المؤسس الأكبر في رأيهم للدولة العباسية ، لكنهم - وهذا رأيهم كذلك - جوزوا جزاء " سنمار " حين قتل أبو جعفر المنصور الثاني ثاني الخلفاء العباسيين أبا مسلم هذا .
وقد تجاوزت الخلافة العباسية عن خراسان بعض الشيء بدافع من الوفاء والمجاملة ، وتركت " لطاهر بن الحسين " الذي قدم للدولة خدمات جليلة فرصة التحكم في خرسان . . له ولأبنائه من بعده في إطار الخلافة الجامعة والسمع والطاعة لدولة الخلافة عاصمة وخليفة . . حربا وسلما .
لكن منتصف القرن الثالث شهد بروز جماعة من المجاهدين الحريصين على بقاء هيبة الخلافة . تمكن " يعقوب بن الليث الصفري " من الاتصال بها . . والسيطرة عليها . . وتحويلها إلى جماعة خادمة له . . نجح بها في تأسيس " الدولة الصفارية " .
وقد استطاع يعقوب أن يجتذب إلى تأييده عددا من المتطوعين الجدد ، فعظم جيشه، واستطاع أن يحدث القلق لدى دولة الخلافة ، وبالقلق وإظهار تعاونه مع الدولة ، وحروبه تظاهرا لمصلحتها ، ثم باصطدامه بها . . اصطداما فاشلا كاد
يلقى حتفه فيه . . بكل هذا سكتت الخلافة عن هذه الحركات التي ولدت لتموت ، ولم يلبث يعقوب أن مات متأثرا بجراحه سنة 256هـ في سابور .
وخلفه أخوه عمرو بن الليث . . وأقرت الخلافة ولايته على خراسان ولواحقها كالسند وسجستان وكرمان وفارس وأصبهان . . فأظهر عمرو الطاعة الكاملة للخلافة ، لكنه - أمام كرم الخلافة - قد زاد في أطماعه ، ودخل في معارك مع السامانيين في بلاد ما وراء النهر ، واستطاع السامانيون بقيادة إسماعيل بن نصر الساماني أسره في إحدى المعارك ، وسيروه مكبلا إلى الخليفة العباسي المعتضد . . وأحضر إلى مجلس الخليفة المعتضد محمولا على جمل ذي سنامين ، وسجن حتى مات في سجنه سنة 287هـ .
واضطرب أمر الصفاريين لمدة ثلاثة أعوام بعد ذلك ، وسقطوا كما تسقط كل حركة انفعالية ترتكز على طموح شخصي ، وتفتقد الوعي بحركة التاريخ وبأيديولوجية قتالية واضحة تستأهل الموت في سبيلها .
ودائما يعلمنا التاريخ الإسلامي العظيم من تجربة الانقلاب ، الذي سماه المؤرخون غير المحددين بعمق لرصيد المصطلحات " الدولة الصفارية " ؛ يعلمنا التاريخ الإسلامي العظيم أن " الاندفاع غير الموضوعي وغير المتناسق مع روح التطور لا مصير له إلا الموت السريع " ! !
الإخشيديون على خطى الطولونيين يسقطون ! !
في قوانين الحضارة : أن المادة والروح لا تفنيان فناء مطلقا . . وأن بذور الخير والشر لا يمكن أن تموت موتا أبديا . . وأن الخير أو الشر يتحولان إلى مادة خام . . . لميلاد جديد سواء كان هذا الميلاد انبعاثة خير أو انبثاقة شر .(70/135)
وبوسع علماء الحضارة أن يقدموا نماذج عديدة تبين بوضوح أن " الخمر العتيقة " لا يمكن أن تذوب دون أن تدخل في صنع مآدب حضارية جديدة . . تماما كالجسم الميت الذي يدخل في أجسام أخرى حية يمنحها من طاقته الذاهبة طاقات جديدة مندفعة للحياة والإبداع ، وكما يأكل الإنسان لحوم الدواجن والحيوانات الأخرى الحلال والأسماك . . ثم يتحول هو يوما إلى طعام يسهم في إحياء حيوانات أخرى . . أو في منح الأرض بعض المواد الكيماوية والحضارات تمر بنفس الطريق الدائري الخالد . . فأثينا برقيها الفلسفي والأدبي . . تتحول إلى خميرة حضارة لروما . والحضارة الأوربية تقوم على خميرة الحضارة الإسلامية وبقايا الحضارات الرومانية .
وعندما زرع أحمد بن طولون منشئ الدولة الطولونية أولى بذور الحركات الانفصالية في مصر عن الخلافة العباسية الجامعة والأم ، بدأت بزرعه لهذه البذرة الخبيثة بذور الانفصام تدب في نفوس قوى كثيرة جياشة بالفوضى . زاخرة بالطموح الشخصي، ناقمة على قيادة العباسيين . . الجامعة . متأثرة بعوامل قومية من تلك العوامل التي تدمر روح الحضارة وتبشر بمستقبل ضائع ميت . . لقد كانت دولة ابن طولون مثالا لكثير من الدويلات التي شذت على الخلافة ، وشيدت أبنيتها المتداعية على أنقاض الخلافة ، ولم يعد لكثير منها علاقة بالخلافة أكثر من الاعتراف بسلطة الخليفة الاسمية .
وبعد السقوط المتوقع لهذه الدولة عادت مصر وسورية إلى حكم العباسيين ، بيد أن بذرة الانفصال - كما ذكرنا - كانت قد زرعت في نفوس قوى كثيرة ، جائشة بالفوضى فوارة بالنوازع القومية الوثنية . . فما كادت دولة ابن طولون تموت حتى حلت محلها بعد برهة زمنية قصيرة - في مصر - دولة الإخشيديين التي أسسها " محمد بن طغج " والتي عاشت آيلة للسقوط بين سنوات ( 323 - 358هـ ) ( 935 - 969م ) .
وكانت بداية الدولة نظيرة لنفس البداية التي انطلقت منها الدولة الطولونية ، فمحمد ابن طغج وكل إليه من قبل الخلافة العباسية أمر مصر لتنظيم أحوالها . . فنظم أحوالها لنفسه واستقل بالأمر ، واستولى على سورية وفلسطين وضم مكة والمدينة إلى دولته .
وبموت ابن طغج حكم بعده ابنان له صغيران لم يكن لهما من الحكم إلا اسمه . . وكانت مقاليد الأمور في الحقيقة منوطة بيد عبد خصي حبشي يدعى " كافور " " أبا المسك " - كان ابن طغج الذي لقب بالإخشيد - قد اشتراه من تاجر زيت بثمانية دنانير .
وقد استقل هذا العبد الحبشي بإدارة مصر . . ( وكانت له مع شاعر العصر أبي الطيب المتنبي قصص مشهورة ) كما أن هذا العبد الخصي نافس دولة الحمدانيين التي ظهرت في شمال سورية .
وعبر خمسة حكام ضعاف باستثناء أولهم محمد بن طغج - مشت الدولة مسرعة في طريقها إلى الموت المحقق . . فلم يكن الحاكمان التاليان لمؤسسي الدولة إلا تابعين لكافور - كما ذكرنا - وبموت كافور وتولي ( أبي الفوارس أحمد ) سقطت الدولة سقوطا مروعا على يد جوهر الصقلي قائد المعز لدين الله الفاطمي سنة 358هـ .
ولم يقدر لهذه الدولة أن تخلف شيئا يذكر من المآثر العامة ، كما أن الحياة الأدبية والفنية لم تكن ذات بال فيها ، ولم يظهر كلمعة الشمس المتوهجة إلا ذلك الضيف الباحث عن فضلة من كأس الحكم . . يدعم بها غروره الشعري وتفوقه الجدير بالتقدير في ميدان الكلمة المسيطرة الآمرة ! ! وعندما ضن عليه كافور بفضلة الكأس هرب من مصر دون " تأشيرة خروج " ولقي حتفه جزاء له . . بعد أن ترك حقده على السلطة ممثلا في أشهر أبياته :
لا تشتر العبد إلا والعصا معه ** إن العبيد لأنجاس مناكيد
مريدا بذلك أشهر حكام الدولة الإخشيدية " كافور " .
ولو لم يصل جوهر إلى حدود مصر لسقطت الدولة الإخشيدية بفعل عامل آخر ، فعندما لا يكون هناك مبرر للوجود . . لا يكون ثمة مبرر للبقاء . . ولا تفعل القوى الخارجية التي تسيطر على الأمم والشعوب سوى أن تتقدم في فراغ دون أن تصطدم بجدران حضارية أو صخور قوية راسخة بالعقيدة " بمبرر الوجود . . . ومؤهل البقاء " !
سقوط السامانيين في فارس
كما لا تلد الطفرات غير الطبيعية إلا طفرات مضادة اندفاعية - هكذا تحولت أرض خراسان - منذ أن ابتدع فيها سنة الانفصال عن العباسيين بنو طاهر ، ولئن كان بنو طاهر قد أفلتوا من العقاب المضاد ، لأنهم لم يكونوا حركة ثورية عنيفة ، وإنما كانت انفصالا هادئا في حدود السلطة الرسمية المشروعة ، سلطة الخلافة العباسية الأم . . لئن كان هذا قد تم لهم . . فإن الأمور قد استفحلت من بعدهم . . وأصبح الشذوذ هو القاعدة . . وانقلبت الأرض الخراسانية إلى أرض للثورات المذهبية والجنسية . . ولعل هذا كان من أكبر عوامل القضاء على الدور التاريخي الذي كان يمكن أن يلعبه الخراساني في صنع الحضارة الإسلامية الإنسانية .
فحيثما حل العنف واللامشروعية . . وانساقت الجماهير دون تعقل خلف رايات متعددة ، وخلف كلمات مبهمة . . فقدت بالتالي قدرتها على الرؤية . . وقدرتها على العطاء الحضاري . أصبحت لعبة في يد كل ناعق سواء كان ذا صوت طبيعي أو مصطنع .(70/136)
وهكذا شرب الطاهريون الانفصاليون من نفس الكأس التي أذاقوها للعباسيين،فقام الصفاريون عليهم . واستولوا على حكم خراسان سنة 261هـ بقيادة يعقوب ابن الليث الصفاري .
وكان بنو سامان الذين يرجع نسبهم إلى سامان أحد نبلاء " بلخ " قد نشأوا عمالا مسلمين لبني طاهر . ثم لم يلبثوا أن استأثروا بفارس وما وراء النهر من 874 هـ إلى سنة 999م وكان ذلك على أشلاء الانقلابيين الانفصاليين : الطاهريين والصفاريين . . وكان مؤسس دولتهم الأول هو نصر بن أحمد ، إلا أن موطد الدولة هو إسماعيل الذي قدر له أن يهزم يعقوب بن الليث الزعيم الصفاري وأن يصيبه بجروح قاتلة .
وفي عهد ملكهم نصر الثاني بن أحمد ( 913 - 943 ) وهو الرابع من ملوكهم ، وسعوا ملكهم إلى أعظم حدود وصلوا إليها ، فاستولوا على سجستان وكرمان وجرجان وما وراء النهر وخراسان وتمتعوا بسلطة مستقلة ، وإن كانوا لم يقطعوا الصلة الرسمية الإسلامية بالخليفة العباسي في بغداد .
وقد قدمت هذه الدولة بعض مظاهر التقدم العلمي والأدبي سواء من ناحية اللغة أو الأدب شعرا ونثرا . . وكانت النهضة الفارسية فيها أبرز من النهضة العربية من ناحية فكرها وطابعها العام باعتبارها دولة فارسية ، ففيها ظهر الرازي الشهير ، وقدم كتابه المنصوري في الطب إلى أحد ملوكها . . وكان ابن سينا أحد المترددين على مكتبات بخارى عامة الدولة . . . ووضع الفردوسي أشعاره بالفارسية لأمرائها .
على أن أسلوب الطفرات غير الطبيعية التي لا بد لها أن تلد طفرات مضادة انفعالية ، لم يلبث أن ظهر كقانون حضاري لا بد له من أن يؤدي دوره مع الدولة السامانية ، كما أداه مع الطاهريين ومع الصفاريين ، ومع الطولونيين والإخشيد ، فلم تنج الدولة بالتالي من عناصر التهديم والفوضى التي قضت على ما سواها من الحركات الانقلابية في ذلك العصر .
وبالإضافة إلى المشاكل الخارجية التي كانت تسببها الخلافة للدولة كلما أتيح لها ذلك ، وفضلا عن سرعة توالي الأمراء على الحكم بتأثير الصراع الداخلي بين الأسرة الحاكمة ، وبتأثير مطامع الكبراء العسكريين الذي يظنون أنفسهم أولى بالحكم لأنه لا يوجد من يفوقهم في حكم البلاد ، فكلهم أصحاب حق في مغانم الانقلاب الانفصالي .
بالإضافة إلى هذا وذاك . . ظهر خطر جديد يهدد كيان السامانيين ويؤذن بأفول شمسهم . . ولقد بدا أنهم يكادون يشربون من نفس ما أذاقوه للخلافة . . تماما كما شرب غيرهم من الانفصاليين .
وقد ظهرت القبائل التركية البدوية . . وارتفع نجمها في الدولة ، وسيطرت على الشئون الداخلية للدولة ، وتحولت القوة تدريجيا من أيدي السامانيين إلى أيدي الأتراك الموالي . . وحتى قصورهم كان الأتراك يتمتعون بنفوذ كبير فيها .
وقد نجح الغزنويون الذين كانوا من الموالي الأتراك في انتزاع الجنوب ، كما وقعت المنطقة الشمالية من نهر جيحون في أيدي خانات تركستان " الايلاق " الذي قدر لهم أن يستولوا على عاصمة السامانيين " بخارى " ثم لم يلبثوا - بعد تسع سنوات - أن التهموا الدولة السامانية ! ! .
ولم تكن الدولة السامانية أكثر من حركة قومية غرقت في إحياء تراثها الخاص ، كما أنها لم تكن أكثر من حركة انقلابية قامت بأسلوب الطفرة غير الطبيعية وانتهت كذلك بأسلوب الطفرة غير الطبيعية سنة 308هـ بعد أن عاشت في ظل حماية ( ضعف الخلافة ) قرنا من الزمان ! !
البويهيون الذين سطوا على الخلافة يسقطون ! !
بينما كانت الدولة العباسية تستجمع قواها وتلتقط أنفاسها بعد تخلصها من حركات الانشقاق في خراسان ومصر أخريات القرن الثالث للهجرة ، بينما هذا . . كانت الدولة تنتقل بسرعة لتدخل في طور جديد ذي معالم جديدة لم تشهدها من قبل . . وبدخولها هذا الطور شهدت انفصالا ضخما بين رأسها وجسدها ظل هو السمة العامة المسيطرة عليها لحين زوالها رسميا من محاضر التاريخ سنة 656هـ .
إن الأمر لم يكن مجرد حركة انشقاق هذه المرة ، كما أنه لم يكن مجرد الاستئثار بحكم جزء من الدولة ، مع رفع راية الدولة ، كما أنه لم يكن ثورة انفعالية مذهبية أو سياسية . . لقد كان الأمر أعمق من ذلك بكثير . . . لقد كان أسلوبا جديدا في التعامل مع الدولة العباسية الجامعة . . لقد كان احتواء لها أو بتعبير آخر سيطرة عليها وفرض نوع من الوصاية على خليفتها . . ولأول مرة في تاريخ الدولة الإسلامية نرى بعض الخلفاء - على نحو واضح وعنيف - لعبة في يد بعض المغامرين ، ونرى بعض الخلفاء يعزلون ويولون دون أن يكون لهم من الأمر شيء . . يفعل باسمهم كل شيء ويخطب لهم على كل منبر وتعلن باسمهم الحروب التي لا ناقة لهم فيها ولا جمل . . وليس هذا وحسب . . بل لأول مرة تصبح الخلافة عبثا يهرب منه الخلفاء . . وينأى عنه المحترمون لأنفسهم لأن مصير الخليفة غالبا الجر من قدميه أو الجوع الشديد . .
وبدأ العالم الإسلامي يترنح منذ هذا الحدث الضخم الذي انفصل فيه رأس الأمة عن جسدها .(70/137)
وقد حمل كبر هذا الأمر الخطير ، الأتراك من الجند الذين كانوا يمرون آخر القرن الثالث فترة تمزق داخلي ، وانقلاب ضد الخلفاء الذين أتوا بهم ، بادئ الأمر لحمايتهم منذ أن انتشرت هذه السنة السيئة .
فلما وصل ( أحمد بن بويه ) المؤسس الحقيقي للدولة البويهية ( 334 - 447 ) إلى بغداد، بعد أن كاتب الخليفة المستكفي ، ووافق الأخير على دخوله بغداد فدخلها في يسر ودون مشقة وفتحت له أبواب بغداد ، واستقبله الخليفة ( المستكفي ) ولقبه معز الدولة . . وفرح الناس به لينقذهم من الفوضى التي أحدثها الجند الأتراك في جهاز الدولة وبين الشعب .
لما تم هذا الدخول وتحولت به الدولة إلى حماية البويهيين الرسمية ، بعد أن كان خضوعها للأتراك مجرد نشاز أو انقلاب في داخل السلطة يعتقد الناس أنه طارئ لا بد أن يزول .
لما تم هذا كانت الخلفية التاريخية في ذهن البويهيين واضحة، وكان دخولهم بغداد بمثابة تقلد صريح لقيادة الخلافة . . وقيادة المسلمين . . وقد فهم الخلفاء أنفسهم هذا . . . فلم يحاولوا منافسة البويهيين في السلطة التنفيذية أو السياسية .
بيد أن الأمر لم يقف عند هذه الحدود بالنسبة للبويهيين ، فلقد تمادوا في الأمر، وقد زعموا لأنفسهم نسبا ساسانيا فارسيا، وبما أنهم كانوا يعتنقون المذهب الشيعي الزيدي . . فقد حاولوا فرض المناخ الشيعي على الناس ، بل إن أحمد بن بويه المذكور حاول تغيير الخلافة العباسية إلى خلافة شيعية لولا نصيحة أصحابه له بأن يتجنب ذلك خشية العواقب .
ولم يعد للخليفة في ظلهم حتى حق تعيين كتابه ووزرائه ، وقد منع وارد الخليفة عنه ، ولم يعد يصله إلا مرتب شهري استبدل به مرتب سنوي . . ثم اقتطع منه بعد ذلك بحجج واهية ، وقد بلغ إذلال بعض الخلفاء مبلغه ==المستكفي عن الخلافة وعزل الخليفة الطائع وعزل غيرهما ، وقد عزل المطيع لله نفسه بعد أن رأى أنه لا قيمة له ! !
وقد وقع البويهيون فيما وقع فيه الأتراك ، فقد أحدثوا الفوضى في البلاد وصادروا الأموال ، ودخلوا مع الناس في صراع عنيف من أجل الحصول على الأموال .
وخلال أكثر من قرن ظل البويهيون يسيطرون على خلافة العباسيين ، ولم يفعلوا فيها شيئا ذا بال سوى أن يضيفوا إلى صورة الجند الأتراك مزيدا من ملامح الطيش والرعونة .
وكما هي العادة في أمثال هذه الأسر المتسلطة . . أنها سريعة الانقسام على نفسها شديدة التنافس فيما بينها، وهكذا سقطت الأسرة البويهية إلى حضيض الانقسام والتناطح الداخلي . . وعانى المسلمون من وراء تناطحهم وتسلطهم الشيء الكثير .
إن سيطرة عنصر من العناصر المتعصبة قوميا أو المتأثرة بخلفية تاريخية لم تتخلص من شوائبها . . . هو أبرز ما واجه ركب مسيرتنا الحضارية والتاريخية .
وبالقومية المتعصبة وبأصحاب النزعات المشبوهة وذوي الولاء لحضارات معاكسة لنا ولخطنا الحضاري ، بهؤلاء تمت عملية سقوطنا المتكرر في مراحل تاريخنا .
لكن تاريخنا . . الذي تتدخل فيه إرادة الله بحفظ هذا الدين كي يظل المعلم الثابت المضيء في ليل البشرية الطويل المظلم . . .
هذا التاريخ يجد مع كل نكبة تاريخية ، أو فترة من فترات التداعي والهبوط ، من يعيد إلى الجسم حيويته ويمنع عنه السقوط القاتل . . وهكذا انبعث - من جديد - من بين الأتراك أنفسهم عنصر إسلامي مجاهد . . أعاد للخلافة شبابها ، ونجح قائد الأتراك السلاجقة " طغرلبك " سنة 447 هـ في أن يقضي على دولة البويهيين .
وبين عشية وضحاها سقط البويهيون الذين أثبت تاريخهم أنهم غير أهل لتحمل أمانات التاريخ . . وقد تعبت الأمة من جراء سياستهم أشد التعب . . لأن التاريخ يعلمنا دائما أنه " بانفصال رأس الأمة عن جسدها . . تتعطل طاقات الحياة فيها " .
سقوط الانفصاليين في طبرستان
في كل دولة جامعة كالدولة العباسية ، يمكن لأي راغب في السلطة أن يجد مندوحة للقيام بثورة ولرفع راية الانفصال ، وإقامة حكم ذاتي له ولأبنائه .
فثمة قوميات مختلفة . . من السهل استجاشة عواطف كل منها القومية . . .
وثمة أوطان مختلفة . . من السهل الضرب على وتر الاستقلال ودعوى الحرية الذاتية فيها .
وثمة عقائد مختلفة . سواء عقائد مخالفة تماما ، أو عقائد منشقة على العقيدة الأصل ، وبالتالي يمكن الضرب على وتر من ينضمون إلى هذه العقيدة المضادة أو المنشقة ، من أجل سيطرة العقيدة المضادة على العقيدة الأصل .
وثمة لافتات أخرى كثيرة يمكن أن يجد فيها كل راغب في التمرد - التبرير الذي يسهل له أمام الجماهير - لاسيما الغوغاء الذين يجرون وراء كل ناعق بدون وعي - عملية الثورة والانفصال . . وكانت هذه أكبر التحديات التي واجهت الدولة العباسية الجامعة .
وكان طابع الانفصال في طبرستان وبلاد اليمن مختلفا عن محاولات الاستقلال بالسلطة فقط ، كان يحمل بذرة الانشقاق الروحي عن الخلافة العباسية . . كان يحمل بين يديه دعوى آل البيت والترويج لأحقيتهم في الخلافة .(70/138)
وفي طبرستان في النصف الأول من القرن الثالث للهجرة ضغط على الفلاحين الإقطاع المتزايد ، وقد أقطع الخليفة العباسي محمد بن عبد الله بن طاهر - حاكم بغداد - أراضي في طبرستان لم تكفه ، فقام بوضع يده على الأراضي المجاورة له، مما جعل الفلاحين يضجون من ذلك .
وقد استغل بعضهم هذه الفرصة ، فقاموا بإعلان الثورة على الإقطاع ووعدوا السكان برفع الإجحاف والظلم وفي سنة 250هـ وبالتحديد - قام الحسن بن زيد بإعلان ثورته وجمع حوله عددا كبيرا من الفلاحين ، واستولى على طبرستان وجرجان ، ونجح في إقامة إمارة مستقلة باسمه - وظلت دولته قائمة حتى سنة 287هـ حين ظهر السامانيون فأزاحوها - بسهولة - عن المنطقة كلها .
ومع ذلك ظلت هذه الدعوة الشعار المسكين أو قميص عثمان الذي يتمسح فيه الراغبون في السلطة . . وهم يصلون إلى أغراضهم عن طريق رفع رايات مختلفة بحسب الظروف . . ليكن الشعار القضاء على الاستغلال ، أو محاربة الإقطاع المهم الوصول إلى الغاية .
ولم يمض إلا قليل . . أربعة عشر عاما فقط . . حتى ظهر متمسح جديد في آل البيت ! ! ومن الغريب أن هذا الثائر الجديد " حسن بن علي الأطروش " الذي لقب نفسه " بناصر الحق " سار على نفس الطريق الذي سارت فيه الحركة السابقة التي تزعمها الحسن بن زيد . . فقد قام في طبرستان . . وقد رفع شعار " القضاء على الإقطاع " وأبرز سلاح آل البيت ، وكما هو المرتقب ، التف حوله الفلاحون . . . ونجح في الوصول إلى السلطة .
وكما هو المنتظر كذلك ، لم تلبث هذه الحركة على مسرح السلطة في طبرستان أكثر من ثلاثة عشر عاما ( 301 - 314هـ ) وانكشفت حقيقتها . . ولقيت حتفها بفعل عاصفة " الزياريين " الذين أطاحوا بحكم الأطروش ، وحكموا جرجان وطبرستان بين أعوام ( 315 - 417هـ ) ثم زالوا كما زال غيرهم .
وفي جنوبي الجزيرة العربية ظهرت دعوة الزيديين رافعة راية آل البيت ، متمسحة في شعار القضاء على الإقطاع . . وقد نجح يحيى بن الحسين من أحفاد القاسم الرسي أحد كبار علماء المذهب الزيدي في إقامة حكم لنفسه متخذا من ( صعدة ) عاصمة له . وقد حكمت الدولة الزيدية مدة طويلة بلغت قريبا من أربعة قرون ونصف . واعتمدت هذه الدولة في تكوينها على أسس أكثر أصالة من مجرد " القضاء على الإقطاع " . . وبذا حققت لنفسها انتصارا وشهرة كبيرة على امتداد العالم الإسلامي . . وكانت في الحق من الحركات الممتازة في التاريخ الإسلامي .
وأيا كان الأمر ، فقد كان شعار " القضاء على الإقطاع " قميص عثمان الذي تمسحت فيه دول كثيرة وحركات أكثر . . ولم تتضح الرؤية عند هذه الحركات أو تلك الدول إلا أن تحقيق علاج اقتصادي مؤقت لا يكفي لإقامة دولة ، فضلا عن أن ينشئ حضارة لا تضيف جديدا لموكب البشرية .
إن حجم العلاج لا بد أن يكون مساويا لحجم المرض . كما أن من الضروري أن تكون نوعية الدواء مناسبة لنوعية المرض . . . أما علاج ظاهرة اقتصادية بالوصول على قمة السلطة السياسية . . فهو جرعة كبيرة من العلاج قد تكفي للقتل والموت .
ومن هنا أخفقت كل الحركات الزاعمة القضاء على الإقطاع ، لأنها بعد أن نجحت، أو أصدرت قرارها بإصلاح الوضع الاقتصادي - إذا حدث - تجد نفسها في فراغ ، وتجد أن مبرر وجودها قد انتهى ولم يعد ثمة ما وجب الاستمرار والبقاء
قصة سقوط الحمدانيين
من " تغلب " - إحدى قبائل العرب الكبرى - انبثقت دولة بني حمدان ، جاعلة من الموصل - أول الأمر - عاصمة لها . . وكان ذلك سنة 317هـ ( 929م ) على يد زعيم الدولة حمدان بن حمدون .
كان على هذه الدولة الناشئة أن تلعب دورا مصيريا في عدة جبهات :
في محاولة تضميد جروح الدولة العباسية من الطعنات المتتالية من الأتراك الذين استبدوا بها، وحولوا خلفاءها إلى دمى للتسلية واللهو . . وأيضا من الطعنات الانفصالية التي تصيب الدولة من كل صوب .
في مقاومة الغارات البيزنطية التي يقودها الإمبراطور الروماني ( شميشق ) رغبة في الاستيلاء على بيت المقدس، وفي مقاومة الإمبراطور البيزنطي " نقفور فوقاس " الذي حاول بكل قوته السيطرة على حلب والثغور المتاخمة لحدود الدولة الرومانية .
في مقاومة الحركة الانفصالية التي تحكم مصر الإخشيدية ، وتريد فرض سيطرة كاملة على مصر وبلاد الشام والحجاز ، وتناوئ بالتالي أية حركة انفصالية أخرى تحاول بناء نفسها على حسابها .
لقد نجح الحسن بن عبد الله الحمداني في أن يشل نفوذ الترك . وأن ينقذ الخليفة العباسي المتقي بالله من استبداد الأتراك به ، وقد رضي الخليفة العباسي عن صنيعه ومنحه لقب أمير الأمراء ومنح أخاه المرافق له لقب " سيف الدولة " لكنهما سرعان ما هزما أمام الأتراك وخرجا من بغداد عائدين إلى عاصمتهما الموصل . . سنة 331هـ " 942م " . ولما تولى سيف الدولة - وكان شجاعا كريما - قام بعدة غارات لصد البيزنطيين ، ونجح في أن يطردهم من المناطق التي تسللوا إليها ، وواصل زحفه حتى دخل بلادهم واستولى على بعض حصونهم . . والمهم، زرع هيبته في نفوسهم . . وجدد شباب الإرادة القتالية ، ولم تستطع بيزنطة أن تمد نفوذها إلى بلاد الشام وفلسطين .(70/139)
وفي الجانب الإخشيدي استمر الحمدانيون في مقاتلتهم تتبع نفوذهم ، لكنهم أيام سيف الدولة خسروا أمامهم معركة في قنسرين . . وانتهى الأمر بصلح وضع حدود الصراع المستمر بين جبهتيهما .
كانت هذه هي التحديات التي واجهتها دولة الحمدانيين . . وقد نجحت الدولة في بعضها وأخفقت في أكثرها ، ولقد بدا سيف الدولة الحمداني . . وكأنه الرجل الوحيد الممثل لهذه الدولة .
كان سيف الدولة بحق يملك أكبر رصيد من أمجاد الدولة . . ولم يرفعه في سجل التاريخ ما قام به من حروب خارجية وحسب ، بل كانت له في مجال الحضارة والعمران الداخلي مجالات برز فيها أكثر من بروزه في المجالات الخارجية .
ولقد يبدو سيف الدولة في أعين كثير من المؤرخين وكأنه هارون الرشيد أو المأمون ، وإنه ليعيد إلى الأذهان ذكرى تلك الساحة العلمية الفكرية التي مثلتها بغداد . . في عصرها الذهبي . . لكن الساحة كانت على عهده . . حلب الشهباء ! !
كان سيف الدولة - الذي احتضن المتنبي وأبا الفرج الأصفهاني والفارابي وابن نباتة فضلا عن أبي فراس الحمداني " شاعر الدولة " - كان هذا الرجل يمثل قوة الدولة وقمة ما وصلت إليه من رفعة .
وظهرت الدولة بعده وكأنها بناء مائل للسقوط .
وقد تولى الحكم بعد وفاة سيف الدولة ثلاثة خلفاء ضعاف حتى زالت في عهد أبي المعالي شريف سنة 394هـ . . أي أنها لم تعش بعد سيف الدولة الذي مات سنة 356هـ أكثر من أربعين سنة ! ! .
لقد تمثلت قوة الدولة الحمدانية في شخص ، وكعادة الدول التي ترتبط بأشخاص تسقط بسقوطهم . . وكان أكبر عامل حضاري زحزح الدولة الحمدانية عن مكانتها في التاريخ أنها فشلت في الاستجابة للتحدي الذي كان أقوى منها ، ولم تنهج النهج السليم في مقاومته . . عن طريق إيجاد وحدة إسلامية تتجاوز الصراعات الجزئية لتواجه الخطر الحضاري الكبير . . وعندما تفشل دولة في الاستجابة للتحدي الذي يفرضه القدر عليها . . فإنها ، وإن قاومت قليلا ، فإنها لا بد أن تسقط من قطار التاريخ .
السلاجقة . . الذين أنقذوا الخلافة يسقطون
في تركستان - بدولة الاستعمار السوفيتي - نشأت هذه الأسرة . . ولظروف ما هاجرت هذه الأسرة بقيادة كبيرها " سلجوق " الذي تنسب الأسرة إليه . . وبين خراسان ، وبخارى ، وأصبهان ، تراوحت إقامتها حتى استقرت بمرو حيث هاجمها السلطان الغزنوي مسعود ولكنه هزم أمامها . . وأصبحت الخطبة تلقى بمرو باسم داود السلجوقي . . نجل سلجوق الكبير ، وكان هذا في سنة 433هـ .
ومن مرو انتشر سلطان السلاجقة إلى الري وإلى خوارزم ، وبدأ تاريخهم يظهر كقوة لها كيانها المستقل في العالم الإسلامي خلال القرن الخامس للهجرة .
وقد نجحوا في السيطرة على بلاد كثيرة . . كخراسان وأصبهان وهمذان وبخارى ، وامتد نفوذهم حتى العراق . والتحموا بالدولة العباسية ، ثم أتيحت لهم فرصة ذهبية . إذ استنصر بهم الخليفة العباسي " القائم " ضد ثائر شيعي يدعى " البساسيري " عجزت الخلافة العباسية عن مقاومته ، فأسرعوا إلى انتهاز الفرصة التاريخية ودخل زعيمهم طغرل بك بغداد منتصرا على البساسيري سنة 447هـ وكان هذا العام حدا فاصلا في تاريخ السلاجقة إذ اعتبر بداية عصر نفوذ السلاجقة وسيطرتهم على مصير الخلافة العباسية الكبرى .
امتاز السلاجقة الأتراك في معاملاتهم بالتدين ، وكانوا مظهرا للإنسان الفطري الذي هذبه الإسلام ، وإذا ما استثنينا صورا قليلة تحتمها الطبيعة البشرية التي لا تخلو من بعض القصور ، فإن هؤلاء السادة كانوا نموذجا طيبا حتى في معاملتهم للخليفة العباسي الذي حفظوا له عرشه . . إنهم لم يكونوا كالذين انتصر بهم المعتصم ، ولم يكونوا كالبويهيين حينما سيطروا على الخلافة وأذلوا كبرياء الخلفاء . . أبدا لقد احترموا الخلفاء وأجلوهم ، وكان لهم - كذلك - فضل كبير في رفع راية الإسلام ، وفي مد عمر الخلافة العباسية أكثر من قرنين من الزمان ، كما أنهم بدأوا مرحلة جديدة من التوسع الإسلامي في اتجاه آسيا الصغرى ، ويقال إن هذا التوسع كان أحد أسباب قيام الحروب الصليبية .
ومن الظواهر المتعلقة بسياسة هؤلاء القوم الاجتماعية والفكرية . . إلغاء أشهر ملوكهم " ألب أرسلان " لنظام المخابرات ولجوء أحد ملوكهم " نظام الملك " إلى نظام الإقطاع . . بإعطاء الشخصيات السلجوقية والشخصيات الأخرى الكبرى إقطاعات أو " أتابكيات " لحسابها الخاص . ومن الظواهر كذلك الحملات الجهادية شبه المنتظمة التي كانت خير علاج للفوضى الداخلية . . كذلك من الظواهر صراع السلاجقة المستمر ضد حركات الإسماعيلية ، ونجاحهم في تقليم أظفارهم .
وبعد صفحة تاريخية رائعة من صفحات الحضارة الإسلامية امتدت بين سنوات _ 433 - 619 ) قدر للسلاجقة أن يأفل نجمهم وأن تغرب شمسهم بعد أن حكم منهم واحد وثلاثون زعيما سلجوقيا ، وبعد أن قدموا للخلافة الإسلامية الكبرى أجل الخدمات وحموها من كثير من عثرات السقوط ، وقدموا للحضارة الإسلامية يدا من أروع ما قدمت الدول الإسلامية من أياد .
بيد أن السلاجقة ، وقعوا ، وهم يسيرون في الطريق ، في أخطاء ظنوها خيرا . . فانقلبت على دولتهم شرا .(70/140)
لقد لجأ السلاجقة - كما ذكرنا - إلى نظام الإقطاعات وأسندوا معظمها إلى شخصيات سلجوقية ، وقد حسبوا أن هذا من شأنه أن يشغل السلاجقة عن التفكير في الحكم ، وأن يرضيهم بالبعد عن السلطة ، لكن الإقطاعيين السلاجقة سرعان ما حاول كل منهم أن يكون لنفسه من إقطاعاته إمارة صغيرة حاولت كل منها الانفصال عن السلطة وهو عكس ما كان يهدف إليه السلاجقة الحكام ، وقد أدى هذا إلى تفكك وحدة السلاجقة وإلى إجهاد السلطة السياسية الحاكمة ، وإلى توزع الدول بين عديد من الأمراء .
كما أن هذا الخطأ أدى إلى عدول السلاجقة عن طريقة اختيار زعمائهم القديمة التي كانت تعتمد على الكفاءة . . إلى طريقة جعل الزعامة ووراثية . نظرا لكثرة تنازع أمراء الإقطاعات عليها .
ومن المضاعفات كذلك تهاون السلاجقة - في ظل تفككهم - أمام حركات التمرد الباطنية لا سيما الحركة الإسماعيلية بزعامة قائدها الحسن الصباح . . وقد قدر لهذه الحركة أن تستنفذ طاقة كبرى من طاقات السلاجقة التي كان في الإمكان استخدامها في القضاء على حركات التفكك التي أصيبت بها الدولة أو الزعامة السلجوقية للخلافة العباسية .
وتبقى كلمة التاريخ الموحية : فإن السلطة غير الحازمة ، والتي تقبل التهاون في وحدة الدول إرضاء لبعض العناصر أو الشخصيات . . هذه السلطة ستدفع ثمن تهاونها يوما .
إن عقال بعير يمنع من الحاكم - بغير حق - هو انتقاص لسيادة الدولة . . هكذا فهم أبو بكر رضي الله عنه الأمور . . وبهذا نجح في القضاء على المتمردين .
وهكذا كان يجب أن يفهم السلاجقة وغيرهم من زعماء الدول . . الذين يقبلون نصف الحكم . . أو شيئا من الحكم دون وعي منهم بأن سيادة الدولة لا تتجزأ ، وبأن أنصاف الحلول أو أرباعها . . مقدمة طبيعية لزوال الحكم كله .
هكذا علمنا تاريخنا الإسلامي العظيم .
سقوط دولة الفاطميين
حين تستعين بعدوك التاريخي وتفقد القدرة على الرؤية الصحيحة . . فلا ضير في أن تموت . . فأنت ـ في البدء ـ إنسان منتحر . . ! !
والتسامح قضية كبرى من قضايا حضارتنا ، ومبدأ عظيم من مبادئ إسلامنا ، لكن هذا التسامح ـ بترك الناس يحيون وفق معتقداتهم ـ شيء ، وتسليمك مقاليد الأمور لهذا الذي ينتمي روحيا إلى أعدائك ، ويشعر بتعاطف نحو من تحارب ، وتقل حضانته ـ مهما يكن ـ عن أخيك المسلم . . تسليمك هذا شيء آخر بعيد عن التسامح . . إنه نوع من الغفلة والحماقة . . أو بتعبير آخر نوع من الانتحار ! !
وفي الدولة الفاطمية التي قامت في المغرب العربي سنة 298هـ وانتقلت قيادتها إلى مصر سنة 362هـ . . كانت ظاهرة الاعتماد على اليهود والنصارى سمة من سمات الحكم في الدولة ، فمن هؤلاء كان كثير من الوزراء وجباة الضرائب والزكاة، والمستشارين في شؤون السياسة والاقتصاد والعلم ، ومنهم الأطباء والثقات لدى الحكام، وإليهم تحال معظم الأعمال الجسام .
ولقد أحدثت هذه الظروف انفصاما بين الفاطميين والشعب ـ إلى جانب عوامل أخرى هامة ـ حتى لقد كان الناس يستجيرون من تسلط اليهود في البلاد فلا يجارون ، وقد ظهرت في ذلك أشعار كثيرة معروفة ، بل إن الناس قد اضطروا إلى أن يلفتوا نظر العزيز ( الحاكم الثاني في مصر ) إلى هذه الظاهرة التي كان يبدي تغافلا عنها ، وقد وضعوا له صورة من الورق لرجل يطلب حاجة أثناء مرور موكبه . . وقد مد الرجل يدا بورقة مكتوب فيها : " بالذي أعز اليهود بمنشا، وأعز النصارى بعيسى ، وأذل المسلمين بك إلا ما قضيت ظلامتي " وقد لمعت في سماء الدولة الفاطمية أسماء كثيرة من هؤلاء ، فقد لمع يعقوب بن كلس ( وسنورد تفصيلا عنه بعد ) ، ومنصور بن مقشر النصراني الطبيب صاحب الكلمة السامية في قصر العزيز ، وعيسى بن نسطورس الكاتب ، والمنجم ابن علي عيسى ، ويجين بن وشم الكواهي ، ومنشا اليهودي الذي كان نائب العزيز في الشام . . وغيرهم كثير . وعندما وصل الحاكم بأمر الله إلى الحكم . . وهو رجل أجمع المؤرخون على اضطراب عقله حتى أنه كان يأمر بالشيء وينهى عنه ـ أمر بهدم الكنائس التي بمصر ، لكنه سرعان ما عاد فأمر ببنائها ، وأطلق من جديد يد اليهود في البلاد ، واستمر أمر اليهود والنصارى في عهد الظاهر ، وعندما قدر للحاكم الفاطمي السادس في مصر " المستنصر بن علي الظاهر " أن يصل إلى الحكم سنة 427هـ كانت الحالة قد بلغت قمتها من التدهور . وفي ظل سياسة اليهود وتحكمهم في مرافق البلاد أصبح قصر هذا الحاكم زاخرا بالدسائس التي يحيكها القواد ورجال البلاط والخصيان والنساء ، ويقف وراء كل هؤلاء هذه الطوائف يديرون المعارك لصالحهم، ويرقبون الفائز، ويفسحون في شقة الخلاف .(70/141)
وقد ذاقت البلاد من الجوع والبؤس والنزاع على السلطة ما أحالها إلى فوضى لم يشهد تاريخ مصر مثلها . وقد صور المقريزي هذه الحالة في قوله : " لم تجد البلاد صلاحا ولا استقام لها أمر ، وتناقضت عليها أمورها ، ولم يستقر عليها وزير تحمد طريقته . . " على آخر كلامه الطويل الذي قال في آخره بأنه : " تلاشت الأمور واضمحل الملك " وقد فكر ابن حمدان زعيم الأتراك في مصر في تغيير الخلافة الفاطمية إلى العباسية ، وكانت حال البلاد والفاطميين تسمح بتحقيق كل ذلك . . لولا سوء سياسة ابن حمدان لأتباعه وانقلابهم عليه . . وفي هذه السنوات أكل الناس بعضهم بعضا ، وبيع الرغيف بمائة دينار ، وأكل الناس لحوم الكلاب والحمير ، ولم ينته الأمر إلا بسقوط الدولة الفاطمية السقوط الحقيقي حين ترك حكامها السلطة تماما وقبعوا في قصورهم ، وحمل أمانة الحكم الوزراء العظام الذين كان أولهم وأعظمهم " بدر الجمالي " .
وقد أصبح بيد هؤلاء الوزراء كل مقاليد الأمور حتى أنهم لم يدعوا للخلافة ولا للخليفة في أغلب الأوقات إلا بالاسم ، وكانوا يتحكمون في اختيار الخلفاء وفي عزلهم ، والمؤرخون المنصفون يعتبرون سقوط الدولة هو تاريخ تولية بدر الجمالي أمور مصر سنة 464هـ . . ولم يفعل صلاح الدين الأيوبي حين أسقط الخطبة للفاطميين دون أية معارضة أو مقاومة حقيقية سنة 567هـ ـ إلا إسقاط عهد الوزراء العظام الذين كان آخرهم شاور . . أما الفاطميون فقد سقطوا منذ مدة طويلة أي قبل ذلك بقرن .
ومن الغريب أن العزيز الفاطمي . . بلغ من حبه لوزيره يعقوب بن كلس اليهودي أن ترك له أمر الدعوة إلى المذهب الفاطمي ، وكان هذا الأخير يجلس بنفسه يعلم الناس فقه الطائفة الإسماعيلية ، وقد ألف نفسه كتابا يتضمن الفقه على ما سمعه من المعز والعزيز الذي قال له : " وددت لو أنك تباع فأبتاعك بملكي " ولم يدرك العزيز أن ملكه كان قد بيع فعلا بهذه السياسة التي جعلت عهد الفاطميين في مصر عهد شدة وتناطح وبؤس . ووقف هؤلاء يستثمرون كل هذا ويتملقون الغرائز . . وبقيت عبرة التاريخ عبرة للذين يطلبون النصر من الأعداء ، والذين يطلبون الحياة من السم ، والذين ينسون " الاستراتيجية الإسلامية العالية " : " ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم " ! ! .
سقوط دولة صلاح الدين
من أسرة كردية من أذربيجان هاجرت إلى العراق ، انبثق فجر قائد هذه الدولة ـ التي لعبت بقيادته ـ دورا من أروع أدوار تاريخنا .
ولعل " صلاح الدين الأيوبي " أروع بطل قدمته الحضارة الإسلامية على امتداد القرنين السادس والسابع للهجرة ، وبه أفلت المسلمون وأفلتت الحضارة الإسلامية من غزو عالمي صليبي كاسح كان يقوده أخبث صليبي عرفته أوروبا الهمجية في عصورها المظلمة " بطرس الناسك " .
وقد كان لاشتراك صلاح الدين مع عمه أسد الدين شيركوه في الحملات العسكرية التي كان يرسلها نور الدين إلى مصر ، أثر كبير في تعميق خبرته وإبراز مواهبه ، وما إن مات عمه أسد الدين سنة 564 هـ حتى أسند إليه الخليفة الفاطمي في مصر " العاضد " الوزارة ، ولقبه بالملك الناصر ، فظفر صلاح الدين بحب الشعب واحترامه نظرا لحزمه وعدالته .
ولم تأت سنة 567هـ أي بعد توليته الوزارة بثلاث سنوات ـ حتى مات الخليفة العاضد " فطويت صفحة الخلافة الفاطمية في مصر وغيرها ، وعادت مصر ـ العاصمة الفاطمية الأولى ـ عاصمة كبرى للعباسيين تحت قيادة الدولة الأيوبية وقائدها صلاح الدين الأيوبي .
كان أمام صلاح الدين تحديات داخلية في مصر ، فإن الآثار الفكرية التي خلفتها الدولة الفاطمية كانت تحتاج إلى إعلان ثورة فكرية .
وكان أمام صلاح الدين خلل اقتصادي منذ أيام المجاعة العظمى . . أيام " المستنصر " وما جر على مصر والعالم الإسلامي الحكم الفاطمي من ويلات تسلط الوزراء العظام منذ " بدر الجمالي " ( 464 هـ ) إلى شاور وضرغام .
وكان بإمكان صلاح الدين ، لو أنه قائد مخادع ، أن يعلن ثورة اقتصادية واجتماعية ، ويلهي الناس عن حقيقة الخطر الصليبي الذي يواجهونه ! !
لكن صلاح الدين لم يكن هذا القائد المخادع ، بحيث يشغل الناس لحساب الأعداء عن معركتهم الحقيقية بمعارك جانبية .
وكان بإمكان صلاح الدين أن يبحث عن " اتفاقية جلاء " مع الصليبين أو عن " حل سلمي استسلامي " حتى تنتهي فترة تثبيته في الحكم ، ثم يعلن للناس أن الحكام السابقين يتحملون المسؤولية ، وأنه جاء إلى الحكم بعد فوات الأوان ، وبالتالي يخضع العالم الإسلامي لهذا الغزو الخبيث ! !
لكن صلاح الدين لم يكن هذا القائد المخادع .
وفي مواجهة غزو صليبي عالمي أعلن صلاح الدين ثورة إسلامية عالمية ، وأصبح هو رمزها ومحورها ، وكان هذا هو الطريق الوحيد ولا يزال هو الطريق .(70/142)
لقد جاء توحيد العالم الإسلامي جنبا إلى جنب مع الجهاد المستمر ضد الصليبية العالمية الحاقدة ، ولم يكن صلاح الدين بالأبله الذي يبحث عن أي حل بديل للجهاد، فوسط الحروب التي تهز الكيان المادي والمعنوي والفكري للأمة لا يمكن إنجاح أي هدف بعيد عن الهدف الأول ، وكل الأهداف تأتي من خلال هذا الهدف، لأن الجماهير تعتقد أنها عملية تلهية وخداع . . وقد دخل صلاح الدين عديدا من المعارك قبل حطين الشهيرة . . كموقعة " مرج عيون " جنوب لبنان سنة 575 هـ وموقعة " مدينة صفد " في السنة نفسها .
وعلى امتداد كل السنوات كانت هناك معارك لا تحصى بين صلاح الدين والصليبين .
وقد شن صلاح الدين على الصليبيين حروبا واسعة من أجل استخلاص إمارات إسلامية استولى عليها الصليبيون وأسسوا فيها إمارات صليبية مضى على استيلائهم عليها قريبا من تسعين سنة كأنطاكية وطرسوس والرها وبيت المقدس وطرابلس . . لم يكن صلاح الدين ساذجا ضعيفا متهاونا فيدعو إلى حدود ما قبل " معركة " ما ، أو . . " اتفاقية " ما . . ! !
لقد كان الحق الإسلامي في عقيدته مقدسا لا يقبل التفريط والمساومة ! !
هكذا كان هذا الرجل العظيم . صلاح الدين الذي انتصر في حطين واسترد بيت المقدس ! !
وبوفاة صلاح الدين بقيت الدولة الأيوبية التي تنسب إليه تؤدي دورها قريبا من ستين سنة .
لكن هؤلاء الحكام كانوا أقل من صلاح الدين ، فلم يستطيعوا لعب الدور الذي لعبه . . وكان بعضهم متخاذلا يؤمن بإمكانية المفاوضات مع العدو الصليبي التاريخي ، كالملك الكامل الذي استجلب سخط العالم الإسلامي كله ، حين قام بتسليم القدس للصليبيين ، وقد تمكن الصالح أيوب الذي جاء بعده من استردادها .
ومن الغريب أن هذه الدولة التي بدأت بعظيم من أعظم الرجال هو صلاح الدين . . وانتهت بملك عظيم كذلك هو الملك الصالح ، كانت نهايتها على يد امرأة مملوكة من هؤلاء اللائى يظهرن في عصور الضعف ، ويساعدن على سقوط الدول .
إنها واحدة من هؤلاء النسوة القويات اللائى يجدن اللعب في خفاء القصور ودستورها ، متجردات من كل خصائص الأنوثة الحقيقية ، مستغلات مظاهر هذه الأنوثة في القتل والتدمير . . إنها شجرة الدر . . التي قتلت ابن زوجها " توران شاه " لكي تنفرد بالحكم ، ثم شربت من نفس الكأس حين قتلها المماليك أخذا بثأر زوجها منها .
وعجبا . . لقد قضي على الدولة التي قامت على أكتافها واحد من أعظم الرجال على يد مملوكة ـ مهما اختلفنا حولها ـ فإنها كذلك من أبرز نساء العالم .
من عوامل سقوط العباسيين
من أعرق الصفحات التي قدمناها للحضارة الإنسانية ، وللتاريخ البشري صفحة الدولة العباسية .
خمسة قرون وأكثر ( 132 هـ ـ 656 هـ ) مرت على التاريخ البشري ، وهو يحني جبهته لهذه الدولة .
وبالطبع . . فليس من خصائص المسيرة البشرية أن تظل على وتيرة واحدة ، وهكذا كان شأن الدولة العباسية في مسيرتها ، يتعاورها المد والجزر ، واختلف عليها الحماة بين أتراك وبويهيين وأتراك سلاجقة ، لكنها بقيت مع ذلك رمز الهيبة التاريخية التي تفرض نفسها على كل القوى ، مستمدة هذه الهيبة من رصيد الخلافة الإسلامية التي مثلت وحدة الوجود الإسلامي إلى فترة قريبة من عمر التاريخ .
كان قيام هذه الدولة حركة سياسية قامت على تخطيط ، لعله لم يتوفر للمسلمين في كل تاريخهم . . دقة وعمقا . . وصبرا على النتائج ، واستغلالا لكل القوى وسرية ، وتوافر لكل مقومات النجاح .
ثم كان السير التاريخي لهذه الدولة معجزة عجيبة ، فوسط بحار متلاطمة الأمواج، وعالم إسلامي فسيح لا يمكن ، بل يتعذر استمرار تماسكه . . وأعداء خارجيين من عناصر متباينة المذاهب والجنس والميول .
وسط هذا كله شقت الدولة طريقها . . ولا شك في أنها كانت بين الحين والحين تتعرض لحركة تفكك من هنا، وحركة تمرد من هناك ، وبروز لحركة خروج في ناحية ثالثة . . وغلبة عنصر من العناصر في مكان رابع .
ولكن مهما يكن . . فهذه هي طبيعة المسيرة البشرية ، ولم يقدم لنا التاريخ على كثرة ما قدم مدينة فاضلة خلت من كل النوازع البشرية وخلت من الصراع . . والمد والجزر ! !
وعبر القرون الخمسة تقلب في الحكم عشرات من الحكام . . بلغوا سبعة وثلاثين خليفة، أولهم أبو العباس السفاح ثم أبو جعفر المنصور . . وقد برز منهم كثيرون كالمأمون والرشيد والمعتصم والواثق والمتوكل والمهدي .
وكان آخرهم ـ ومن أشأمهم ـ أبو أحمد المستعصم الذي استسلم للتتار .
وظهرت أسر قوية وعناصر كبيرة سيطرت على الدولة أحيانا كالبرامكة وبني بويه والسلاجقة .
وتمتعت دول كثيرة بالاستقلال الفعلي عن الدولة كالطولونيين والإخشيديين في مصر ، وبني طاهر في خراسان ، وبني سامان في فارس وما وراء النهر ، والغزنويين في أفغانستان والبنجاب والهند ، وبني بويه ـ الذين لم يستقلوا وحسب ـ بل تحكموا في الخلفاء أنفسهم في شيراز في فارس . . ثم السلاجقة .
وهكذا ـ كما ذكرنا ـ تعاورت كل ظروف المسيرة التاريخية هذه الدولة ذات القرون الخمسة ! .(70/143)
وخلال رحلة الدولة العباسية الطويلة في التاريخ ، لم يجد المؤرخون بدا من تقسيم هذه الدولة إلى عصور ثلاثة : العصر الأول ( 132هـ ـ 232 هـ ) وفيه كانت السلطة للخلفاء ما عدا المغرب والأندلس . والعصر الثاني ( 232 ـ 590 هـ ) وفيه ضاعت السلطة من الخلفاء لتكون في يد الأتراك والبويهيين والعصر الثالث ( 590 ـ 656 هـ ) وفيه عادت السلطة إلى أيدي الخلفاء في حدود بغداد وما حولها، دون بقية أملاك الخلافة التي سطا عليها الطامعون .
وفي مثل دولة جامعة كبيرة ذات حياة حافلة كالدولة العباسية يصعب الوصول إلى رأي أخير في أسباب انحلالها . . .
ـ أكانت حركات الانشقاق عن الدولة سبب هذا الانحلال ؟
لا : إن حركات الانشقاق هذه ظاهرة أو نتيجة من نتائج بروز عوامل الانحلال .
أكان ظهور أو تحكم عناصر غير عربية في الحكم من أسباب هذا الانحلال ـ لا ، فهذه العناصر قد وجدت في حضارات كثيرة وأين هي الدولة التي تخلو من خدمات عناصر ليست منها ؟ . . ثم إن هؤلاء لم يصلوا إلى ما وصلوا إليه إلا في ظل مظاهر الانحلال الحقيقية ، وأدى معظمهم خدمات للدولة كانت سببا من أسباب بقائها وصمودها .
أكان ظهور حركات التمرد الديني كالقرامطة والحشاشين وغيرهم هو السبب الأقوى في تحلل الدولة ؟
ومما لا شك فيه أن لهذه الحركات أثرها الكبير في ضياع " الوحدة العقائدية " وفي ضياع كثير من مثل الإسلام الصافية خلال هذه العصور . . وفي خلق جو من الفوضى الفكرية والاجتماعية والاقتصادية ، لكن مع ذلك ، وإن كان هذا سبب قويا ، فليس هو السبب الأقوى في سقوط الدولة العباسية . فما هي إذن ـ عوامل تحلل الدولة العباسية ودخولها في طور الاضمحلال ؟
لا شك في أن العوامل السابقة وغيرها ، كان لها تأثيرها الكبير في اضمحلال الدولة العباسية وفي دخولها مرحلة الأفول .
بيد أن أخطر العوامل التي أسقطت خلافة العباسيين ، إهمالهم لركن هام من أركان الإسلام . . وهو ( الجهاد ) ، فبعد المعتصم المتولي أمور الدولة سنة ( 833م ) لم نسمع عن معارك ذات شأن قامت بها الدولة ، ولم يكن مبدأ " الجهاد الدائم " حماية لهذه الدولة المترامية الأطراف أحد أركان السياسة العباسية .
لقد تقوقعوا في مشاكل الدولة الداخلية . . فحصرتهم مشاكلها . . وماتوا ببطء ، ولو أنهم وجهوا طاقة الأمة نحو " الجهاد " ضد الصليبيين ، لتغير أمر الحركات الهدامة التي قدر لها أن تظهر وتنتشر ، وذلك أن هذه الحركات لا تنتشر إلا في جو مليء بالركود والفساد ، والمناخ الوحيد الصالح للقضاء عليها هو المناخ القتالي الذي يكشف المعادن النقية ويذيب المعدن الرخيص .
لقد كانت الحاجة الإسلامية ملحة في ضرورة رفع راية الجهاد ، وكانت الدولة الإسلامية التي تعرضت للانشقاق والتمزق تحتاج إلى هذا الصمام ليحميها من جو السكون والاستسلام .
لكن العباسيين غزوا في عقر دارهم . . فذلوا ، ولم يرفعوا راية الجهاد ضد العدو الخارجي . . فارتفعت رايات العصيان الداخلي .
وكان بإمكانهم أن يشغلوا الأجناس المختلفة التي ضمتها الدولة في هذه الحروب الجهادية المستمرة ضد الغزاة والوثنيات المختلفة . . لكنهم لم يفعلوا ، فتحركت النعرات القومية الجاهلية لتفتت الدولة، وتقسم جسمها تحت رايات مختلفة ليست لها بالإسلام أو الجهاد صلة .
وفي سنة 656هـ ( 1258م ) كان هولاكو ـ حفيد جنكيز خان ـ يؤدب الذين اتجهوا إلى كل الطرق إلا طريق الجهاد . . وحاولوا العلاج بكل الوسائل إلا الوسيلة الإسلامية القوية الخالدة .
وقد هاجم هولاكو بغداد وهدم أسوارها ، وأعمل المنجنيق فيها ، وحصد بغداد ، حتى لم يعد ممكنا الإقامة فيها لشدة روائحها المنفرة ، وعندما خرج الخليفة المستعصم إليه مستسلما بصحبة ثلاثمائة من أصحابه وقضاته دون شرط ، أمر هولاكو بقتلهم جميعا ، وطويت صفحة الخلافة العباسية .
ذلك أن أسلوب الأحلام الرومانتيكية الساذجة ليس وسيلة البقاء أو تشييد الحضارات . . فالذين لا يملكون إرادة الهجوم . . يفقدون القدرة على الدفاع ! !
المماليك أبطال عين جالوت يسقطون
كانوا دائما أهل طعان ونزال . . كانوا أشقاء للسيف والرمح ، هو هويتهم وهو مؤهلهم للحياة والبقاء . . وعلى امتداد تاريخهم كان السيف مقرونا بهم . وكانوا عضد الدولة الإسلامية في كثير من المواقف ، وكانوا حماتها من أعدائها .
وفي مقابل ذلك عاشوا . . وتحملتهم شعوب مصر والشام ، وسمحت لهم بالسيطرة عليها . . وهم بدورهم كانوا جيشها وأسطولها وحماتها أمام كل غزو خارجي ، وكانوا يخضعون لتقاليد البلاد ولا يعرفون لهم ولاء إلا للدين الذي عاشوا به وربوا على تعاليمه ، وإلا للسلطان الذي يحكم . . .
ثم مع تطورهم الداخلي أصبح ولاؤهم للسلطان الذي يحكمهم منهم . .
ولقد شكلوا مجتمعا ذا هوية خاصة ، له أسلوبه الخاص في الحياة ، وله تربيته الخاصة وله فكره الخاص . . لقد كان مجتمعهم أشبه ما يكون بالمجتمع العسكري أو المجتمع البحري الذي يعيش للبحر أو الجندية ، فالجندية عقله وهي عاطفته . . ولا ولاء عنده لسواها .(70/144)
وعندما مات فجأة آخر سلاطين الأيوبيين الملك الصالح أيوب . . تكتمت زوجه شجرة الدر الخبر لأن بلاد مصر كانت في حرب مع لويس التاسع الذي هزم وأبيد جيشه في دمياط والمنصورة ، ثم استدعت الزوجة الملكة ابن زوجها " توران شاه " لينقذ البلاد ، فلما جاء توران وأنقذ البلاد من الصليبيين ، وحاول أن يستأثر بالسلطة دبرت المرأة قتله . . ثم أقامت نفسها بمساعدة المماليك ملكة على مصر ، وقد اختار المماليك كبيرهم عز الدين أيبك ليقوم بمساعدة " المملوكة " التي صارت " ملكة " ( شجرة الدر ) في إدارة شؤون مصر ، وتطور الأمر فتزوجت شجرة الدر من مساعدها عز الدين ، وتنازلت له عن السلطة .
وهكذا تم تنازل آخر من ينتسبون إلى دولة الأيوبيين بنسب إلى كبير المماليك ، ومع أن شجرة الدر تعتبر البداية التاريخية لدولة المماليك ، لكن البداية الأكثر عمقا وأحقية هي التي مثلها هذا التنازل ، ثم استأثر عز الدين أيبك بالسلطة سبع سنوات أحست فيها المملوكة القاتلة بأنها سلبت كل سلطة ، فقامت بقتل زوجها الجديد مثلما قتل من قبل ابن زوجها القديم .
لكن المماليك سرعان ما قتلوها ثأرا وانتقاما . . واستقر الأمر لدولة المماليك في مصر والشام .
والمماليك قسمان : برجية نسبة إلى أبراج القلعة التي كانوا يسكنون فيها بالقاهرة . . وبحرية نسبة إلى جزيرة الروضة المطلة على النيل التي كانوا يسكنون فيها كذلك ، ومن أشهر المماليك الأول برقوق . . وآخرهم قانصوه الغوري الذي سقط تحت سنابك خيل السلطان سليم سنة 1527م . .
ومن أشهر المماليك البحرية عز الدين أيبك وبيبرس والمنصور قلاوون . . وقد انتهى هؤلاء من قبل المماليك البرجية بحوالي قرنين وكان المماليك البرجية ـ أبطال عين جالوت ـ يمثلون امتدادهم التاريخي .
لقد لعب المماليك البرجية بخاصة في تاريخنا دورا لم تقم به إلا دول قليلة في التاريخ . . لقد صدوا غارتين حضارتين من أكبر وأشهر الغارات التي عرفها تاريخنا وتاريخ الإنسانية .
كانت الأولى يمثلها زحف هولاكو الذي ينتمون إليه جنسيا ، لقد صدوه بعقيدتهم الإسلامية التي لم يعد لهم ولاء إلا لها ( الحمد لله أن نظرية القومية العنصرية لم تكن ظهرت بعد ) وقد وقفوا أروع وقفاتهم في صده في عين جالوت الشهيرة رافعين راية واإسلاماه ! !
ثم كانت الثانية في معاركهم الدائمة ضد الصليبيين الذين كانت لهم بقايا بعد صلاح الدين ، فعلى يد السلطانين المنصور قلاوون الذين تسلم الحكم سنة 678 هـ والسلطان الأشرف خليل ـ الذي تولى الحكم سنة 689 هـ . . على يد هذين السلطانين ـ فضلا عن جهود بيبرس ـ تهاوت قلاع الصليبيين الباقية والتي كانوا قد تقدموا في بعضها بعد صلاح الدين كحصن المرقب وعكا وغيرهما ، وطويت على يد المماليك آخر صفحات الغزو الصليبي الذي استمر قرنين من الزمان وكان ذلك سنة 960 هـ .
وقد تضافرت ظروف عالمية ، كاكتشاف رأس الرجاء الصالح ـ وظروف إسلامية كبروز الأتراك ـ ثم محمد علي ، وظروف داخلية كانقسام الأتراك على أنفسهم .
تضافرت كل هذه الظروف على إنهاء الدور الذي قام به المماليك ، لكن كان أكبر سبب هوى بالمماليك وزحزحهم من مكانهم في التاريخ ، هو أنهم نسوا الرسالة التي عاشوا من أجلها وتعاقدوا مع الشعوب التي حكموها بشأنها .
نسو رسالتهم في الدفاع الخارجي . . نسوا السيف ، وتبلدوا عند أسلوب معين ، ولم يطوروا أنفسهم ، ثم تطوروا فانقلبوا من حماية خارجية للأمة إلى متسلطين داخليين عليها يمنعون حركتها وتطورها .
وبذا فقدوا دورهم في التاريخ . . وسقطوا بعد أن أدوا للحضارة الإسلامية الكثير . . وأنقذوها من أكبر خطرين عالميين وهما التتار والصليبيون . .
القسم الثالث : دول مغربية تسقط
*سقوط الأغالبة في تونس
* سقوط دولة الخوارج في الجزائر
* غروب الأدارسة في المغرب الأقصى
* سقوط صقلية الإسلامية
* سقوط المرابطين بالمغرب
* سقوط دولة صنهاجة في تونس
* سقوط بني حماد في الجزائر
* والموحدون . . يسقطون
سقوط الأغالبة في تونس
الحركات الانفصالية في العالم الإسلامي ارتكزت على عديد من الأسس المتباينة ، وجنحت كل منها إلى حجة تعطيها مشروعية الوجود والبقاء ، فبعضها قد التمس السبب في الانفصال من نزعة سياسية ، وبعضها قد التمسه من نزعة مذهبية ، وبعضها قد التمسه من نزعة قومية ، وبعضها قد التمسه من ( ضعف الخلافة ) .
ولم نجد في تاريخ هذه الحركات ذلك الشجاع الصريح الذي يعلن أن رغبته في الانفصال ترجع إلى سبب حقيقي واحد هو الرغبة في الوصول إلى السلطة . . وتملك الحكم . . والمجد الأدبي والمالي .
وفي فترة متقاربة بدأت الحركات الانفصالية تظهر في العالم الإسلامي ، وكأنها خصيصة جديدة من خصائص التطور التاريخي لهذه الفترة ، فالأندلس انقسمت عن الخلافة العباسية بقيادة عبد الرحمن الداخل ( صقر قريش ) ومثلت بوجودها آخر ومضة من ومضات وجود بني أمية ، وظلت باقية ثلاثة قرون تمثل هذه الومضة ، وانقسم بنو طاهر في خراسان انقساما تبعوا فيه دولة الخلافة العباسية عكس بني أمية في الأندلس ، وانقسم في مصر ابن طولون في تاريخ قريب من هذا .(70/145)
وكان لا بد للمغرب العربي ، وهو الأرض الواقعة كجسر تاريخي بين الامتداد العقائدي الذي وصل إلى مشارف باريس وبدأ ينحسر بعد موقعة بلاط الشهداء و استشهاد عبد الرحمن الغافقي . . بينه وبين مركز الإسلام الأصيل ومهبط الوحي وأرض العرب أن تظهر فيه هذه الظاهرة .
والحق أن الحركات الانفصالية في المغرب العربي كانت تملك المبرر في الانفصال ، فإن عمال بني أمية كانوا قد أساءوا السيرة فيهم وعاملوهم " كبربر " أي كمواطنين من الدرجة الثانية ، كما أن أهل العراق بكل ما أثير بينهم من جدل كلامي وفتن عقائدية . . قد حملوا هذا الجدل وهذه الفتنة إليهم وحرضوهم على خلفاء بني أمية ، وولدوا فيهم الرغبة في الانفصال . وعلى مشارف القرن الثالث الهجري كانت هناك دول ثلاث منفصلة تحكم المغرب العربي ولا تخضع للخلافة العباسية إلا اسما . . وهي : الأدارسة والأغالبة والرستميون . . وكانت هذه الدول بوضعها ذاك تمثل الأرض القابلة لأي امتداد طموحي . . ووجد فيها الفاطميون فيما بعد الأرض الصالحة لغرس بذورهم .
وكانت دولة الأغالبة التي قامت في تونس سنة 184 هـ أبرز الدول الانفصالية في المغرب العربي .
وكان مؤسسها إبراهيم بن الأغلب الذي أرسله الخليفة العباسي هارون الرشيد لخلق الاستقرار في المغرب العربي في ظل حماية العباسيين ، يتمتع بقدر كبير من الشجاعة والذكاء ، وقد اتخذ إبراهيم مدينة القيروان عاصمة له ، وبعد وفاته سار بنو الأغلب على منواله في توطيد أمن المغرب وتقوية أسطوله وجيشه وتنمية موارده .
وكان أبرز ما قدمه الأغالبة للإسلام هو فتحهم لصقلية وضمها إلى أرض الإسلام ، بقيادة قائدهم أسد بن الفرات في عهد أميرهم زيادة الله بن إبراهيم الأغلب ، الذي تولى الحكم سنة 201 هـ ، كما أنهم تقدموا فاستولوا على جنوب إيطاليا ، ويقال : إنهم واصلوا زحفهم حتى دقوا أبواب روما .
وقد ازدهرت الحركة الاقتصادية والعمرانية في أفريقيا التونسية على عهدهم ، كما أن الأمن قد ساد البلاد وأصبحت تونس ـ على الجملة ـ عامرة مزدهرة ازدهارا عظيما . . وقد أسسوا بالقيروان عدة مساجد لعبت دورا كبيرا في تدعيم الحضارة الإسلامية ، ومن أبرزها جامع الزيتونة الذي أصبح في المغرب كالأزهر في الشرق ولعب دورا مهما في الحياة العلمية الإسلامية .
وقد اشتهر بعض ملوك الأغالبة بالقسوة الشديدة ، وكان سفك الدماء عندهم أسهل من شرب الماء ، ولعل هذا من أبرز ما أخذ عليهم ، وقد مد من عمرهم في المغرب انصراف الخلافة العباسية إلى مشكلاتها المشرقية . . وعدم قطعهم لكل أواصر المودة مع الخلافة العباسية ، وبالتالي رضيت الخلافة في ظل ظروفها بالقدر الذي يدينون به بالطاعة لها . كما أسكتها انتصارات الأغالبة في معارك الجهاد ضد الصليبيين في أوروبا والساحل الجنوبي الأوروبي وجزر البحر الأبيض المتوسط .
هذا كله قد غفر لهم بعض أخطائهم وجعلهم يعيشون أكثر من قرن من الزمان يحكمون تونس وملحقاتها ، ويحكمون صقلية ويفرضون هيبتهم على الدول الأوروبية .
لكن الدول الانفصالية لا يمكن أن تقف أمام الحضارات الجامعة التي تمثل كيانا وجوديا له أبعاده الحضارية المتكاملة .
ومن هنا فلم يستطع الأغالبة الصمود أمام الفاطميين الذين برزوا في المغرب بقيادة داعيتهم أبي عبيد الله المهدي . . فسقطوا على يد الفاطميين هؤلاء سنة 296 هـ .
لقد سقطوا ـ أولا وقبل كل شيء ـ باعتبارهم حركة انفصالية لا تستطيع أن تصمد أمام كيان حضاري زاحف له راية الأيديلوجية يقف تحتها ، مهما اختلفنا في أبعاد هذه الراية . . أو هذه الأيديلوجية .
سقوط دولة الخوارج في الجزائر
منذ خرج " الخوارج " عن طوع علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، وتسببوا في قتله على يد عبد الرحمن بن ملجم ، وهم يشكلون على امتداد التاريخ الإسلامي المادة الخام لكثير من الحركات الثورية . لقد انتشر الخوارج على امتداد الأرض الإسلامية ولقد دخلوا في عديد من المعارك واجهوا في بعضها تصفية جسدية هائلة . . لكنهم مع كل ذلك ـ ظلوا شعلة ثورة في الأرض الإسلامية ، وشعارهم قول أحد روادهم " قطري بن الفجاءة " :
فصبرا في مجال الموت صبرا ** فما نيل الخلود بمستطاع
سبيل الموت غاية كل حي ** فداعيه لأهل الأرض داع
وبالطبع لم يكن المغرب الإسلامي ، وهو تلك الأرض الإسلامية العذارء ليفلت من أيدي الخوارج .
لقد حاولوا بكل الطرق أن يشكلوا على أرضه قوة إسلامية خارجية ينشرون من خلالها مبادئهم الخارجية .
وقد كان أهم بروز لهم سنة 122 هـ في طنج برئاسة " ميسرة المطغري " ، وقد عرف المغرب من مذاهب الخوارج : الصفرية والإباضية ، وقد انتشرت الصفرية في الجهات الغربية ، بينما انتشرت الثانية في النواحي الشرقية ، وكانت أكثر القبائل البربرية ( المغربية ) الموالية للخوارج زناتة وهوارة .(70/146)
بيد أن حركاتهم ظلت حركات ثورية فوضوية ، لم يقدر لها إلى منتصف القرن الثاني الهجري أن تنتظم في دولة . . ولذا فمعظم حركاتهم ماتت وكانت تذوب في بوتقة المجتمعات المنظمة ، لا سيما وقد أصيبت كثير من حركاتهم بما أصيبت به الحركات التي تقف على الطرف الآخر منهم . . أي أنهم أصيبوا بكثير من المغالاة والتطرف ، والميل إلى نزعة التكفير وإراقة الدماء والقتل لأوهى الأسباب .
لكن مع بروز سنة 144 هجرية بدا وكأن الخوارج يستمتعون بإقامة دولة مستقرة لهم بالمغرب .
وقد نجح عبد الرحمن بن رستم الإباضي عبر سلسلة من المغامرات والتعرض للموت غير مرة ، والتحايل على جذب القبائل البربرية . نجح في إقامة دولة خارجية تعتمد على البربر وعلى العرب والعجم وتتمركز في مدينة جزائرية يفصلها عن الصحراء الجزائرية أكثر من مائتي كيلو متر ، وتقع في منطقة النجود ، وتتبوأ مكانا جيدا يحميها من الإغارات ، ويحميها كذلك من الشمس التي لا تكاد تظهر في سمائها ( ! ! ) وهي مدينة " تاهرت " .
وقد نجح عبد الرحمن بن رستم هذا في توطيد دعائم دولته خلال الفترة التي قدر له أن يحكمها ( 144 ـ 168 هـ ) وقد خلفه من بعده ابنه عبد الوهاب الذي بقي في حكم الدولة التي تنسب إلى أبيه " الدولة الرستمية " عشرين سنة . . ثم " أفلح ابن عبد الوهاب " الذي عمر أطول مدة عمرها حاكم رستمي ، فقد بقي في الحكم أكثر من خمسين سنة ( 188 ـ 238 هـ ) ، ثم تتابع في حكم الدولة الرستمية خمسة من الأمراء ( أبو بكر بن أفلح . . فأبو اليقظان ، فأبو حاتم ، فيعقوب بن أفلح ، فاليقظان ابن أبي اليقظان آخر أمرائهم ) والذي لم يتمتع بالحكم أكثر من عامين عاشهما في اضطراب ، ثم غلبه على أمره الشيعة الروافض وقتلوه في شوال سنة 296 للهجرة ، وانتهت به الدولة الرستمية التي حكمت جزءا كبيرا من أرض الجزائر " تيهارت وما حولها " قرنا ونصف قرن من الزمان ( 144 ـ 296 هـ ) ( وكان ظهورها الذي دعمه الرخاء الاقتصادي والاجتماعي أبرز مثل لبروز دولة خارجية ) .
إن الخوارج الذين اشتهروا بالحمية والتفاني في سبيل المبدأ ، قد تحولوا في ظل دولتهم الرستمية إلى رجال حكم ودولة أكثر منهم رجال عقيدة ودعوة .
وقد عاشت طوائف كثيرة مختلفة النزعة في ظل دولتهم الرستمية حياة رغدة طيبة سهلة . . وبعد أن كان الخوارج أرباب سيف سقط السيف من يدهم منذ أبو بكر بن أفلح ، وقد رضوا بسلم يمكن لهم البقاء في حدود ما حول تاهرت ، عقدوه مع جيرانهم الأغالبة والأدارسة .
وجلي أن الذي لا يتقدم يكون عرضة للتأخر . . وهكذا تأخر الرستميون بعد أن فقدوا روحهم النضالية . . ودعنا من انحرافات كثيرة منهم لدرجة المغالاة والتطرف . . ودعنا كذلك من سذاجة آخر ملوكهم " اليقظان " واضطراب الملك في يديه .
لقد عمل ذلك عمله في سقوط الدولة الرستمية . . كما عمل في سقوطها كذلك أخطر قانون من قوانين الحضارة . . وهو أن الدولة التي تفتقد راية حضارية جديرة بالانتشار والبقاء . . دولة جديرة بالانحسار والفناء
غروب الأدارسة في المغرب الأقصى
في تخوم السنوات التي تصل شطري القرن الثاني الهجري تفككت وحدة المغرب العربي ( تونس ـ الجزائر ـ مراكش ) وبدلا من خضوعه للدول الإسلامية الجامعة سواء دولة الأمويين أو دولة العباسية . . بدلا من هذا انقسم المغرب الإسلامي على نفسه إلى قوى ثلاث تحكمها زعامات ثلاث . . الرستميون في تيهارت ( الجزائر ) والأغالبة في تونس ، والأدارسة في المغرب الأقصى .
وليس من السهل تلمس الأسباب الحقيقية لهذا الانفصال سوى أنه مطية لتحقيق أغراض شخصية ومذهبية .
بيد أن كثيرا من المؤرخين لا يفوتهم البحث عن أسباب لكل الظواهر ، حتى ولو كانت الظاهرة مجردة حادث مفتعل يخلف نتائج مضادة ويكون حصاده وبالا على الأمة التي خضعت له.
وليس من شك في أن الحياة ليست سلبا كلها . . وبالتالي ليست إيجابا كلها . . فنحن لن نعدم أن نجد في الدولة الحضارية الجماعية سلبيات . . كذلك لن نعدم أن نجد في كل الحركات الانفصالية التي تمثل ـ في رأينا ـ بوادر غروب للحضارة الجامعة . . لن نعدم أن نجد فيها إيجابيات ، بيد أنه لا السلبيات تصلح للحكم على الدولة الجامعة بالموت وبالانقضاض عليها من داخلها ، ولا الإيجابيات تصلح كمبرر للوجود . . إذا قيست هذه الإيجابيات الجزئية بما تخلفه حركات الانشقاق من هدم في روح الحضارة . . ومن صراع يجهد الدولة الجامعة والبلد المنفصل معا .
وكان إدريس بن عبد الله بن الحسين هو ( قائد حركة الانفصال عن دولة العباسيين في المغرب الأقصى )
وكان إدريس هذا قد ساهم مع إخوته ومع العلويين في إشعال ثورة الحجاز ضد العباسيين ، لكن الثورة فشلت ، وأخمدت فهرب إدريس إلى بلاد المغرب ، وهناك استطاع أن يجمع حوله بعض قبائل البربر ، وأن يكون له إمارة مستقلة دامت حوالي قرنين من الزمان . . وكان ذلك في مطلع القرن الثالث الهجري . . أي أن حركة إدريس كانت متأخرة عن حركتي الرستميين في الجزائر والأغالبة في تونس .(70/147)
وقد نجح الخليفة العباسي هارون الرشيد في أن يدس على إدريس من يدس له السم في العسل ، وكان الرشيد يضحك ويتندر بقوله " إن لله جنودا من عسل " لأنه سمه بواسطة العسل .
وقد ترك إدريس زوجته حاملا فولدت بعد موته ذكرا التف البربر حوله وبايعوه باسم إدريس الثاني . وفي عهد إدريس الثاني هذا حاول العباسيون بواسطة ولاء الأغالبة الموجودين في تونس لهم ، حاولوا القضاء على الأدارسة . . لكنهم فشلوا . . وركن العباسيون إلى السكوت . . واستمرت الدولة الإدريسية ـ كما ذكرنا ـ قرنين من الزمان .
وكان من أعظم حكام الأدارسة يحيى الرابع بن إدريس الذي حكم ثماني عشرة سنة ( 292 ـ 310 هـ ) وازدهر المغرب الأقصى في حكمه أيما ازدهار .
كما بلغت مدينة فاس عاصمة الأدارسة ذروة مجدها ، وأصبحت مركزا هاما من مراكز الحضارة الإسلامية في أنحاء المغرب العربي . وأيضا قد ساعد الأدارسة على رسوخ قدم الإسلام في بلد المغرب بين البربر ، وانتشر الإسلام بواسطة البربر في أفريقيا الغربية .
وكانت جامعة القرويين التي قامت بدور بارز في نشر وإنماء الثقافة الإسلامية من أهم آثار الأدارسة في المغرب الإسلامي ، وقد قامت في المغرب بما قام به الأزهر ـ أو على نحو قريب منه ـ في المشرق العربي .
لقد كان الأدارسة أول دولة لها هذا الطابع في التاريخ وفيما نعتقد لم تكن دولتهم شيعية إلا بمقدار حب آل البيت والولاء لهم . . وهي صفة يشترك فيها السنة والشيعة معا . . فحب آل البيت من حب الرسول عليه الصلاة والسلام ما كانوا قائمين على كتاب الله وسنة رسوله . . أما إذا خالف أحدهم كتاب الله وسنة رسوله . . . فإنه يقف من الله موقف أي إنسان " يا فاطمة بنت محمد اعملي فإني لا أغني عنك من الله شيئا " هكذا قال الرسول عليه الصلاة والسلام ! ! .
ولهذا الوضوح في دولة الأدارسة أحبها أهل السنة وانتصرت بهم ، وكانت القبائل البربرية السنية في المغرب حاميتهم وعماد دولتهم .
ولهذا السبب عاشت دولة الأدارسة نحوا من قرنين من الزمان وأدت دورا حضاريا لا بأس به في المغرب الإسلامي .
بيد أنها كأية حركة انفصالية كانت تفتقد مبرر الوجود والبقاء . . فظلت على الرغم من " قرنيها " مجرد حركة انفصالية . ولم تستطع ـ لا جغرافيا ولا فكريا ـ أن تزيد على حدودها التي ضمها إدريس الأول شيئا ذا بال .
وقد وقعت كذلك بين عديد من القوى الراغبة في الابتلاع . . وقعت بين الأمويين في الأندلس ، الذين كثيرا ما سددوا إليها الطعنات . . وبين مصر التي انتقلت إلى الفاطميين منذ سنة 359 هـ . . فوجهوا إلى الأدارسة طعنات كذلك على الرغم من القرابة المذهبية . .
ولا يمكن إغفال ضربات القبائل البربرية الراغبة في حكم نفسها، لا سيما قبائل زناتة وهوارة .
وقد أدى ذلك كله على غروب شمس الأدارسة عام 375 هـ .
فانتهت إحدى الحركات الانفصالية في تاريخنا الإسلامي . . لأن السقوط ـ وإن كثرت المقويات والمساعدات ـ هو مصير كل الحركات الانفصالية .
سقوط صقلية الإسلامية
بعد قرنين من فتح المسلمين لصقلية على يد الفقيه أسد بن الفرات سنة 212 هـ كان كل شيء يؤذن بالأفول . . كانت الأندلس تعيش حالة ملوك الطوائف الذين تداعوا تداعي البيت المفكك أمام زحف المرابطين بقيادة رجلهم المؤمن رجل العقيدة والدولة يوسف بن تاشفين .
وكانت الجزائر وتونس تعانيان من هجمة القبائل العربية الهمجية الزاحفة تدمر كل شيء دون تعقل .
وكانت مصر قد ذهبت نضارتها على يد الفاطميين الذين كانوا قد فقدوا نضارتهم كذلك ، بل كانت مصر التي يحكمها الخليفة المستنصر تعاني من مجاعات غريبة لعلها لم تحدث في تاريخها بالمرة لدرجة أن الناس أكلوا بعضهم بعضا وبيعت لحوم الكلاب في الأسواق .
كان هذا هو الجو المحيط بصقلية الأغلبية الإسلامية . . الجو الذي يطلق عليه مؤرخونا عبارة " الحالة الإسلامية في النصف الثاني من القرن الخامس الهجري " ! ! !
لكن كل هذا كان أقل من أن يقتطع غصن صقلية من شجرة الإسلام إلى اليوم . . لقد كان ثمة سبب آخر أشد وأقوى .
كان هناك الهزيمة الداخلية التي هي الباب الوحيد التي تدلف منه كل الهزائم الواردة . . كان هناك لصوص المناصب وهواة الزعامات والمتمسحون في أمجادهم العائلية .
كانت صقلية قد فقدت أمثال فاتحها العظيم أسد بن الفرات القاضي والفقيه والقائد والشهيد الذي استحق عن جدارة بطولة فتح صقلية .
وحل جيل جديد تتنازعه التقاليد الوثنية النورمانية وينظر بإعجاب إلى الجنوب الأوروبي ، وإلى تقاليد العدو الواقف بالباب . . وعندما حلت الهزيمة الداخلية على هذا النحو . . كان من السهل أن يدخل روجار بجيوشه ، وأن تتحول صقلية إلى اليوم قلعة صليبية تكيد للإسلام .(70/148)
كان روجار قائد النورمان المستوطنين بالغرب الفرنسي والإيطالي يترقب فرصة الوثوب على الجزائر وتونس . . فضلا عن صقلية ، وكما هي العادة في تاريخنا لم يستطع روجار أن يدخل إلى صقلية إلا من خلال أهلها ، من خلال الهزيمة الداخلية . . فمبدأ الجهاد قد وقانا شر الأعداء الخارجيين ، أما حين تتفتت العقيدة وتنحل إرادة القتال يبدأ العدو في الولوج ممتطيا أحد الأصنام الباحثين عن الملك تحت أي شعار .
وفي معركة من المعارك الداخلية بين لصوص الحكم هزم أحدهم . . ويسمى ابن الثمنة . . ولم يجد هذا الرجل غضاضة في أن يطلب الوصول إلى الحكم عن طريق الاستعانة بالنورمان المتحينين للفرصة فذهب إليهم يستعين بهم ويطلعهم على خفايا الجزيرة ، ويمدهم بالعون إذا هم حاولوا الاستيلاء عليها .
وبدأ من يومها الغزو النورماني لصقلية . . ولم تكن القوى الإسلامية المفككة المحيطة بصقلية بقادرة قدرة حقيقية على عمل شيء . . بالرغم من أن تونس قد حاولت تقديم المساعدة .
وتساقطت كأوراق الشجر في الخريف مدن الإسلام الزاهرة في هذه الجزيرة التي قدمت للإسلام والحضارة الإسلامية عديدا من الأبطال في كل المجالات .
سقطت " مسنة " . . وسقطت " بلرم " العاصمة . " وماذر " .
وبعد جهاد طويل من أحد شباب الإسلام الذين يظهرون كوهجة الشمس قبل المغيب " ابن عباد " سقطت سرقوسة ، ثم خرجت ولحقت بها ضريانة فنوطس ، وسجلت سنة 484 هـ 1091 م السقوط الكبير لصقلية في يد عصابات النورمان . .
وكما تمثلت الهزيمة الأولى ـ في بداية الهزيمة ـ . . كما قدمتها ـ في شخص ابن الثمنة ـ كذلك تمثلت الهزيمة هنا في صورتين :
في صورة ابن حمود حاكم قصريانة إحدى المدن الصقلية التي سقطت وكان هذا الرجل يزعم النسب إلى العلويين . . لدرجة جعلت أحد المؤرخين الأوروبيين يصفه ( بالعلوي الدنيء الرخيص ) مسلما بقضية علويته ، ولربما كانت صحيحة ، فكثير من دعاة العلوية كانوا خونة ! !
وقد تواطأ الرجل مع روجار لدرجة جلبت عليه سخط المسلمين في الجزيرة كلها .
ولم ينته أمر هذا الخائن لأمته إلا بالنهاية الطبيعية ، إلا أنه حرصا على مزيد من الجاه لدى روجار أعلن نصرانيته وطلب من روجار أن ينقله إلى إيطاليا ليقضي بقية حياته هادئا آمنا ، وذهب الخائن ، ومع ذهاب الإسلام من أعماقه وأعماق أمثاله من المنهارين ذهبت صقلية . . والصورة الثانية . . تقدمها لنا صفحات التاريخ في شكل رسالة بعث بها المسمى الخليفة الفاطمي في مصر إلى روجار تحمل تشفيا وتهنئة بالنصر المسيحي ، وبعد أن يوافق خليفة المسلمين العظيم روجار على كل أوصافه للزعماء المسلمين في الجزيرة ، تلك التي وردت في رسالته وكيف أنهم جانبوا طريق الخبرات واجترءوا في الطغيان ، واستعملوا الظلم، وتمادوا في الغي .
بعد ذلك ينهي رسالته بأن من كانت هذه حاله حقيق بأن تكون الرحمة نائية عنه ، خليق بأن يأخذه الله من مأمنه أخذة رابية .
وهذا الكلام . . صحيح . بيد أنه لن يغفر للخليفة المنهار في مصر المتمسح ـ كذبا ـ في شرف النبوة أن يسقط ركن من أركان دولة الإسلام ـ تابعا لحكمه ـ دون أن يحرك ساكنا . . ثم يخرج علينا بشعارات منمقة لا قيمة لها .
ولن يغفر له التاريخ كذلك أنه نفسه كان لعبة هزيلة في قصره بيد الوزراء العظام، وفي ظل أحط مجاعات عرفتها مصر الإسلامية ، وإنه بدوره كان حلقة في سلسلة مصائبنا الكثيرة .
وقد زار ابن جبير الرحالة المسلم ـ صقلية ـ بعد سقوطها ـ فوصف أحوال أهلها تحت الحكم النصراني ، بما يجعلها قريبة من أحوال أهل الأندلس ، فقد ضربوا عليهم إتاوة يؤدونها في فصلين من العام ، وحالوا بينهم وبين سعة الأرض ، ولا جمعة لهم يؤدونها بسبب الخطبة المحظورة عليهم ، ويصلون الأعياد بخطبة يدعون فيها للعباس ، ولهم بها قاض وجامع . .
ثم يختم ابن جبير حديثه عن أحوال المسلمين في صقلية بقوله :
" وبالجملة فهم غرباء عن إخوانهم المسلمين تحت ذمة الكفار ، ولا أمن لهم في أموالهم ولا في حريمهم ولا في أبنائهم . . " .
وكان هذا جزاء ما قدم زعماؤهم الخونة ، وسادتهم الفاطميون المارقون . .
والمهم :
سقطت صقلية الإسلامية ! !
سقوط المرابطين بالمغرب
بدأت دولة المرابطين بالمغرب العربية بداية طيبة قوية . . كانت هذه الدولة بحق انبثاقة فكرة إسلامية عظيمة الأثر في حياة الدعوة الإسلامية . . هذه الفكرة تقوم على إبراز دور محدد قيادي للمسجد الإسلامي ، فالمسجد ليس مجرد دار لأداء صلوات خمس مبتوتة الصلة بالحياة ، وإنما المسجد الإسلامي دار تنطلق منها قيادة البشرية وتربيتها في كل مرافق الحياة . . فهو إلى جانب كونه دار عبادة هو كذلك دار علم ، وهو دار قضاء وهو مكتبة ، وهو مجلس شورى . . أي أن المسجد في الحقيقة نموذج لكل الوزارات والدواوين التي تقود شؤون الناس وتوجه مصالحهم ، وعلى هذا الأساس قامت فكرة الأربطة التي أنشأها المرابطون والتي من خلالها تكونت طليعة إسلامية استطاعت أن تنشئ دولة المرابطين التي حمت المغرب الإسلامي والأندلس قرابة قرن من الزمان .(70/149)
ومضت فترة القوة في هذه الدولة عندما مات أكبر شخصية مرابطة هي شخصية يوسف بن تاشفين على رأس المائة الخامسة ، وبالتحديد سنة 500 من الهجرة .
وبعد يوسف ، ومع الجهود الضخمة التي بذلها خليفته وابنه علي بن يوسف بدأت دولة المرابطين تدخل طور الأفول .
وكان ذلك بتأثير سبب قوي غريب . . كان ذلك لأن علي بن يوسف هذا قد انصرف عن شؤون الحكم إلى حد كبير ، ولم يتحرك إلا في مرات قليلة لم تكن كافية لسد الثغرات التي فتحت على الدولة في المغرب والأندلس ، وراح هذا الأمير المرابطي يصوم النهار ويقوم الليل ويعكس بزهده وإهماله لشؤون دولته فهما مغلوطا للإسلام بل إنه وقع في خطأ كبير . . حين وقع تحت تأثير مجموعة كبار الفقهاء البارزين في دولته ، وكان لا يزيد عن كونه لعبة صغيرة في أيديهم .
ونتيجة غفلة علي بن يوسف هذا ، وانصراف الفقهاء إلى تكفير الناس وجمع الثروات ، بدأت مظاهر التحلل تسود قطاعات كبيرة من الدولة .
كانت الخمر تباع علنا في الأسواق ، وكان النبيذ يشرب دون حرج ، وكانت الخنازير تمرح في الأسواق كالأغنام ، واستولى أكابر المرابطين على إقطاعات كبيرة وذهبوا إلى الاستبداد فيها ، واستولى النساء على الأحوال " وصارت كل امرأة تشتمل على كل مفسد وشرير وقاطع سبيل وصاحب خمر وماخور " .
وكان ثمة مظهر آخر من مظاهر الفساد انتشر على عهد الخلفاء الضعاف المرابطين . . هذا المظهر هو تحجب الرجال ، حتى إن الرجل لا تبدو منه إلا عينه ، وبروز النساء وظهورهن في الأسواق العامة سافرات ، واختلاطهن بالرجال . لكن مفتاح المصائب الكبرى على المرابطين كانوا هم الفقهاء
لقد ذهبوا إلى تكفير كل من يحاول تأييد القواعد والأصول الشرعية ، لا سيما العقائد بأدلة عقلية . وقد يكونون على خطأ أو على صواب ، فلسنا نعرض لآرائهم أو لآراء غيرهم ، وإنما الذي نقصده أن نظرية التكفير هي دلالة إفلاس وتحجر ، وليس من حق أحد أن يتعجل فيرمي الناس بالكفر . . إذ ليس من حق أحد أن يتعجل فيرمي الناس بالكفر . . إذ ليس الكفر مفتاحا يملكه الناس ما لم تظهر أدلته المادية التي لا تقبل الشك . . أما الخلاف على رأي فليس مجال تكفير .
وقد ذهب هؤلاء الفقهاء في استرسالهم التكفيري هذا إلى تكفير أعظم شخصية إسلامية أنجبها القرن الخامس والسادس الهجري . . وهي شخصية الإمام " أبي حامد الغزالي " المعروف بحجة الإسلام بل إنهم ذهبوا في غلوائهم أبعد مذهب ، فحرصا على امتيازاتهم التي يكتسبونها من جدلياتهم في علوم الفقه التي تمثل الفروع . . أفتوا بإحراق كتب الإمام الغزالي لا سيما كتابه الشهير " إحياء علوم الدين " وكانت حجتهم في ذلك اشتمال الكتاب على بعض المسائل الفلسفية الكلامية . . مما اضطر السلطان علي بن يوسف الخاضع لتأثيرهم إلى إصدار أمره بوجوب إحراق الكتاب " إحياء علوم الدين " في جميع أنحاء مملكته تنفيذا لفتوى الفقهاء ، ثم أنذر بالوعيد الشديد . . . بل بالقتل واستلاب مال كل من يوجد عنده الكتاب ! ! .
وكان هذا الحادث أبرز ألوان الجمود والتحجر والخوف على الامتيازات الشخصية التي أظهرها الفقهاء .
وقد بلغ الحنق بالإمام الغزالي مبلغه ، فدعا على علي بن يوسف بن تاشفين المرابطي أن يمزق الله ملكه . . حين علم بالأمر ! .
لقد كان منهج الفقه الذين تصدروا شؤون الدولة المرابطية يقوم على الابتعاد عن المصدرين الرئيسيين للتشريع وهما القرآن والسنة ، والتمسك الشديد بآراء الفقهاء . . حتى ولو لم يعرفوا لها سندا من الكتاب والسنة . . وقد بلغ الأمر بهم في هذا الأمر مبلغه ، حتى أن أحد الناس قال لرجل وهما في الطريق : إن رسول ا صلى الله عليه وسلم يقول كذا . . فرد عليه الآخر . . لكني أعتقد أن الإمام مالكا يقول كذا ( ! ! ) وهكذا ذهبت آراء الفقهاء في نظرهم مذهب التقديس والغلو المبالغ فيه .
وقد أمات الفقهاء واجب " الحسبة " . . وهي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فلم يقوموا بتغيير نواحي التحلل التي ظهرت في الدولة ، وكان بإمكانهم لتمكنهم من الحكم أن يقوموا على تغييرها . . لكنهم جاروا العامة في غرائزها وبحثوا عن أنفسهم ، بل قاوموا المخلصين الذين حاولوا التغيير ورموهم بالتكفير والمروق .
بقي أن نقول : إن الفقيه أبا القاسم بن حمدين زعيم الفقهاء في هذه الفوضى . . وأكبر المكفرين للإمام الغزالي ، بل المكفر لكل من قرأ كتاب الإحياء كان يمثل نموذجا لكثير من الدجالين المتاجرين بالإسلام ، والإسلام منهم براء .
ومع ألسنة النار المندلعة من نسخ كتاب الإحياء التي أحرقت في مشهد علي بجامع قرطبة ، كانت ألسنة نيران حركة التاريخ التي تقودها سنة الله التي لا تتخلف ، تأكل دولة المرابطين التي تركت أمرها لمجموعة من ضيقي الأفق ومرتزقة الكلمة ، هؤلاء الذين لا يفهمون أصول الإسلام ولا روح الإسلام . . ولا أصول الحكم في الإسلام . . ولا روح الحكومة الإسلامية الحقيقية . . .
سقوط دولة صنهاجة في تونس(70/150)
عندما رحل الفاطميون إلى مصر سنة 360 هـ ، بعد أن أسسوا دولتهم بالمغرب العربي وعاشوا فيها أكثر من نصف قرن ، خلفوا وراءهم قبيلة بربرية كبرى تدعى صنهاجة كي تحكم المغرب العربي ( تونس والجزائر ) نيابة عنهم وباسمهم .
لقد كان انتقال الفاطميين إلى مصر وتسليمهم الأمور لهذه القبيلة البربرية الكبرى حدا فاصلا في أحداث المغرب العربي ، إذ كان إعلانا ببداية عهد يحكم فيه البربر أنفسهم ويستقلون بحكم بلادهم ، في ظل اعتراف بسلطة الدولة الفاطمية وهو اعتراف من النوع الذي يمكن نقضه ، لأنه لا تساعده قوى متمركزة عسكرية، ولا ولاء جماهيري عقائدي ، وبالتالي فقد اعتبر هذا الحدث بداية عهد " حكم البربر للبربر " ! ! .
وقد نشأت بعد رحيل الفاطميين أول دولة بربرية كبرى في الجزائر وتونس هي " دولة الصنهاجيين " التي عرفت باسم " دولة بني زيري " نسبة إلى أول حكامها " بلكين بن زيري الصنهاجي " ، وقد نجح بلكين هذا في أن يقضي على الفتن الداخلية وعلى الثورات القبائلية المجاورة على حدود البلاد ، وحقق استقرارا كبيرا بالبلاد إلى أن مات سنة 373 هـ ( 984م ) فخلفه ابنه المنصور بن بلكين ، وكان من أعدل بني زيري ، فاستعمل السياسة والعنف معا ، ونجح في تصفية خصومه باللين والحكمة والترهيب كذلك .
وقد لمس الفاطميون النية لدى حكام بني زيري في الاستقلال ، فحاولوا وضع العراقيل في وجه المنصور ، إلا أن سياسته قد امتصت محاولاتهم .
وعندما مات سنة 387 هـ خلفه ابنه باديس بن المنصور فسار على سياسة أبيه ، ونجح في تحقيق الاستقرار للدولة . حتى مات سنة 406 هجرية ( 1015م ) .
لقد تولى الأمر بعد باديس أعظم ملوك بني زيري على الإطلاق " المعز بن باديس " ولقد واجه المعز بن باديس وضعين جديدين كان لهما تأثير كبير في مستقبل الدولة : أما الوضع الأول . . . فهو قيام حركة انشقاق في الدولة قادها أحد أعمام أبيه ويدعى " حمادا " وكانت قد بدأت منذ عهد أبيه واستنفذت من طاقة أبيه الكثير ! ! وأما الوضع الثاني فهو ميول المعز نفسه ، إذا كان المعز قد تربى على يد رجال من رجالات السنة المالكية ، ونشأ محبا للمالكية والسنة . وقد حاول منذ ولي تغيير مذهب الدولة ، ففي سنة 407 تغاضي ، بل أوعز بطريقة غير مباشرة، بقتل عدد كبير من مخالفي السنة والجماعة في مذبحة كبيرة .
لقد كان ابن باديس واقعيا مع ظروفه وظروف دولته ، وبالتالي فقد قبل انشقاق جزء من دولته في ظل سيادته ، هذا في الجانب الأول .
وفي الجانب الثاني كان واقعيا مع ظروفه كذلك ، فتمهل في الأمور ، ولم يقم بتغيير المذهب الشيعي ، حيث كانت دولة الفاطميين في القاهرة قوية تستطيع تأليب القوى عليه من داخل بلاده وخارجها .
ولقد عاش المعز يحكم دولته في هدوء ، قريبا من خمس وثلاثين سنة ، أي إلى سنة 441 هـ . . وفي السنة الأخيرة التي كان حاكم الدولة الفاطمية فيها هو المستنصر ، أعلن انفصاله عن دولة الفاطميين ، إذ كان المستنصر يعاني من تدهور كبير في الأوضاع ، وكان المعز يعيش فترة تألق شديد .
لكن الفاطميين في مصر لم يستسلموا للضربة التي سددها إليهم المعز ، وهم في الوقت نفسه ، كانوا عاجزين عن توجيه ضربة مقابلة له ، خضوعا لظروفهم التي كانت تجنح إلى التدني والسقوط والأزمات الاقتصادية الشديدة .
ولم يعدم المستنصر الفاطمي ـ أطول خلفاء الإسلام بقاء في الحكم وسيلة يضرب بها المعز .
وكانت الوسيلة التي رآها هي إطلاق القبائل العربية " الهلالية " كي تزحف على المغرب العربي ، وقد استدعى رؤساءهم وأقنعهم بمحاولة امتلاك المغرب وأرسل إلى المعز خطابا بذلك .
وكانت هذه القبائل حجازية استوطنت مصر ، وتعيش بطريقة شبه فوضوية ، وقد تقدمت نحو المغرب في أعداد كبيرة يبالغ بعض المؤرخين فيزعمون أنها تتجاوز المليون .
لقد أتيح للمعز بن باديس فرصة ترويض هذه القبائل ولكنه لم يوفق إلى هذا النهج وكانت هذه أكبر أخطائه . وبالتالي فقد تقدمت هذه القبائل تهلك الحرث والنسل وتخرب المدن والقرى ، حتى قضت على حضارة القيروان العظيمة .
كما أن المعز لم يوفق في إعلان مواجهة حضارية في مقابل غزوة حضارية ولقد كانت وشيجة الإسلام كفيلة بترويض هذه القبائل وباستغلالها ، وبالتالي بإحباط الهدف الذي سعى إليه المستنصر ، في إيثار الجماعة والسنة .
وعندما يفشل المغزوون حضاريا في إحداث غزو حضاري مضاد ـ لا سيما وأن هذه القبائل كانت تجنح إلى ما جنح إليه المغرب العربي ـ يفقدون عنصر القدرة على البقاء .
إن الغزو الحضاري لا يقاوم بمجرد المقاومة ، بل لا بد من امتصاصه بغزو حضاري مضاد .
وهذه القاعدة قد غابت عن ذهن بني زيري في تونس ، فتهاووا وتهاوت حضارتهم، وللأسف الشديد فإن هذه القاعدة لا تزال غائبة عن ذهن كثير من المخدوعين والمهزومين .
وسقوط بني حماد في الجزائر
لا يلد الانفصال إلا انفصالا ، والسير ضد سنة الله محاولة انتحارية ومن سمات حركة التطور البشري أن الروح العامة تؤدي دورا مهما في عملية السير التاريخي .(70/151)
فإذا كانت الروح العامة متجهة إلى الخير تسابق الناس إلى الخير ، وهكذا تقدمت حركات الإصلاح ، وهكذا استقطبت أجيالا في أيامها ، والأمر نفسه ينطبق على الشر ، ولم تمت الأمم إلا بالروح الشريرة العامة التي جعلت التحلل " مودة " والتفسخ الخلقي " فضيلة " ، والسقوط تقدمية . . وهكذا تحللت الأمة الإسلامية في فترات تداعيها . . فمن انفصال إلى خلافات كبرى ثلاث ( عباسية ببغداد ، أموية بالأندلس ، فاطمية في مصر ) وإلى انفصال آخر في الأندلس بين ملوك الطوائف، وفي المشرق بين الشام ومصر واليمن ، وهكذا ، وفي المغرب العربي بين بني زيري في تونس وزناتة ثم المرابطين في المغرب الأقصى ، وبني حماد في الجزائر .
ولقد كانت السنوات الأولى من القرن الخامس الهجري " الحادي عشر الميلادي " مسرحا لمعارك طويلة دارت بين بني زيري الذين يحكمون تونس ، وبني حماد الذين أحبوا تكوين إمارة مستقلة بهم في الجزائر ، بعد أن كان بنو زيري يحكمون تونس والجزائر معا .
وعبر حروب طويلة خاضها حماد مؤسس الدولة مع بني زيري في ناحية . . ومع زناتة في المغرب الأقصى من ناحية أخرى ، عبر هذه الحروب استطاع حماد بمساعدة ظروف كثيرة منها عنصر المصادفة . . . أن يستقل بجزء كبير من أرض الجزائر الإسلامية وكان ذلك سنة 408 هـ ( 1016م ) حين نجح في عقد صلح مع المعز بن باديس حاكم تونس - ( 405 ـ 454م ) وأصبح الرجل الأول في الجزائر .
ولقد عاشت هذه الدولة قريبا من مائة وأربعين سنة وتعاور الحكم فيها تسعة من الملوك كان من أشهرهم حماد نفسه ( 408 ـ 419 هـ ) والقائد بن حماد ( 408ـ 466 هـ ) والناصر بن علناس ( 454 ـ 481 هـ ) والمنصور بن الناصر ( 481 ـ 498 هـ ) .
إلى أن وصل الحكم ليحيى بن العزيز الذي حكم ما بين ( 515 ـ 547 هـ ) فكان سلوكه ومجموعة ظروف أخرى من أسباب سقوط الدولة على يد الموحدين سنة 547 هـ 1152م .
لقد كانت دولة بني حماد انفصالا من انفصال . . وسارت في طريقها فكان طريقها على امتداده زاخرا بالمشاكل ، وعلى امتداد هذا التاريخ كانت الحروب شبه دائمة بين الحماديين وقبيلة زناتة وبني زيري .
مضافا إلى ذلك أن هذه الدولة لم تكن لها أهداف محددة ، اللهم إلا هدف البقاء والسيطرة .
وكان كثير من ملوكها يمتازون بالقسوة الشديدة ، بل إن مؤسسها حمادا نفسه استعمل أسلوب الدم كي يبني دعائم دولته .
ولقد دمر مدنا وقرى أمنت لعهده ووثقت في كلماته ، وكان مكروها من جنوده ، وقد تتابع هذا النهج في كثير من أحفاده كبلقين بن محمد ، وباديس ، وبعض أيام يحيى آخر الأمراء .
لقد كان يحيى بن عبد العزيز ( آخر الأمراء الحماديين ) عابثا لاهيا ، وربما كان لهوه ومجونه هذا هو السبب المباشر لسقوط الدولة .
وأيضا من المحتمل أن بروز قوة كبرى في المغرب وهي قوة دولة الموحدين بقيادة محمد بن تومرت ثم خليفته " عبد المؤمن بن علي " يحتمل أن يكون هذا كذلك هو السبب المباشر في السقوط . . لكن مع ذلك يبقى أن كل هذا لم يكن إلا المرحلة الأخيرة في السقوط وهي تلك المرحلة التي تركبها عجلات التاريخ لتقفز بها قفزتها الأخيرة . . أما الأسباب الحقيقية لسقوط الدولة فتتلخص في سياسة الدولة الخارجية التي كانت أكبر عار في تاريخها وأكبر لطمة في وجهتها إلى نفسها .
فلقد انتهجت هذه الدولة نهجا سياسيا ذاتيا يعتمد على البحث عن النفس حتى ولو سقط العالم الإسلامي كله .
وسقطت تكريت ، وسقطت رودس ، وسقطت صقلية وعاصمتها العظيمة " بلرم " ، وسقطت المهدية عاصمة أبناء عمومتهم في تونس .
سقط كل هذا فلم تتحرك عواطف زعماء هذه الدولة ، بل إنهم كانوا يعقدون معاهدات صداقة مع المسيحيين . ظنا منهم أن للصليبيين عهدا أو شرفا أو أمانة ، وناسين قوله تعالى " ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم " .
ولقد أثبت لهم الصليبيون صدق منطق القرآن فهاجموهم بالرغم من معاهداتهم معهم سنة 524 هـ وهاجموهم في المهدية سنة 529 هـ .
وسقطت دولة الحماديين ، لأن كلمة التاريخ التي هي جزء من سنة الله تقول :
إن الدول كالأفراد ، تتآكل بالتدريج ما لم تبحث عن شملها المبعثر ، أو كما يقول المثل العربي الصادق : " إنما أكلت يوم أكل الثور الأبيض " .
وسقطت دولة الحماديين سنة 547 هـ على يد قوة إسلامية جديدة .
والموحدون . . . . . . . . يسقطون
إنك تستطيع أن تنتصر في معركة ، وأن تقهر عدوك وأن تحكم بالموت على مدينة بريئة ، وقد يكون ذلك انتصارا لك ويمد التاريخ في عمرك عدة سنوات ! ! .
لكن . . أن تصنع حضارة وأن تبني دولة تبقى . . أن تمد التاريخ بصناع مبدعين . . أن تفعل ذلك وأكثر منه ، فهناك طريق آخر . . طريق ليس " الدم " من معالمه، بل هو أبرز صخوره وعوائقه .
هذه حقيقة من حقائق الحضارة أكثر منها حقيقة من حقائق التاريخ ! ! .
لكن هذه الحقيقة غابت عن بناة دولة الموحدين التي قامت في المغرب والأندلس قرابة قرن ونصف القرن ( 524 ـ 668 هـ ) .(70/152)
ومنذ تأسيس هذه الدولة سواء فكريا " أيديلوجيا " على يد زعيمها الروحي " محمد بن تومرت " أو زعيمها السياسي والعسكري " عبد المؤمن بن علي " وأسلوب الدم هو أبرز الأساليب التي اعتمدت عليها هذه الدولة في إرساء دعائمها .
لقد كانت دولة المرابطين هي أبرز الدول التي قامت على أنقاضها هذه الدولة الموحدية . وقد استعمل الموحدون أقسى الوسائل الدموية في تصفية دولة المرابطين التي لم تكن أكثر من دولة مسلمة ، مهما قيل عن حكامها الأخيرين ، وقد أخذوا الناس بجرائر الحكام وقتلوا مع المحاربين والنساء والشيوخ ، وحكموا على مدن بأكملها بالموت . . هكذا فعلوا في " وهران " فقد قتل الموحدون فيها كل من وجدوهم مع المرابطين ، وعندما التجأت جماعات مرابطية على حصن من الحصون قطع الموحدون عنهم الماء فلجأ المرابطون إلى التسليم بعد ثلاثة أيام ، ومع أنهم استسلموا فقد قتلهم الموحدون كبارا وصغارا ، وكان ذلك يوم عيد الفطر من سنة 539 هـ ! ! .
والشيء نفسه أو قريب منه قام به الموحدون عند استيلائهم على مدينة " مراكش " ، فعندما سقطت المدينة بعد مقاومة رائعة ودفاع مستميت قتل الموحدون من أبناء المدينة من الجنود والمدنيين على حد سواء نيفا وسبعين ألف رجل ، ولم يكتفوا بهذا العدد من الرجال ، بل إنهم استباحوا المدينة ثلاثة أيام فاستحر برجالها القتل الذريع هذه الأيام الثلاثة الكئيبة ، لم ينج من أهلها إلا من استطاع الاختفاء في سرب أو غيره ، وقد قيل إنه عند الانتهاء الأيام الثلاثة وإعلان العفو عن الباقين من الأحياء من أهلها لم يظهر حيا إلا سبعون رجلا ! ! وباعهم الموحدون بين أسارى المشركين .
وهكذا كانت البداية الثورية العنيفة الخاطئة لدولة الموحدين التي نجحت في إنقاذ الأندلس في موقعة " الأرك " سنة 591 هجرية من التداعي وقامت على نحو ناجح بتوحيد المغرب العربي والأندلس . . ومع ذلك بقيت لعنة " الدم " وراءها لقد بقي قانون الله يطالب بالقصاص العادل ، قوانين الله أكبر من أن يحيط بها هذا الإنسان المحدود التصور والرؤية ، لقد قضى الله بعقوبة هذه الدولة من داخلها ، لقد تحول أسلوب " الدم " إلى وسيلة داخلية قتل بها الموحدون بعضهم بعضا . . وخضعوا ـ بذلك ـ لقانون الله الذي لا يتخلف .
ولم يمر على انتصار الموحدين الخالد في موقعة الأرك أكثر من ثمانية عشر عاما حتى انتكس الموحدون نكستهم التي كانت من أسباب تحطيم الوجود الإسلامي في الأندلس كلها ، وكان ذلك سنة 609 هجرية حين هزموا شر هزيمة في " العقاب " التي أبيدت فيها جيوش الموحدين، وسحق نفوذهم في الأندلس من جرائها ، ومنذ هذا الوقت وصرح الموحدين يتداعى تحت ضربات " الدم " وعلى امتداد خمسين سنة ( 609 ـ 668 هـ ) والموحدون يقضون على أنفسهم بأيديهم في معارك أهلية داخلية . . فالمأمون " الخليفة " الموحدي العاشر ـ والرشيد " الحادي عشر " ويحيى المعتصم " التاسع " ويوسف المنتصر " الخامس " وغيرهم قد استنفدت قواهم في قتال داخلي أباد كثيرا من عناصر الموحدين بل إن جهاز الدولة ، والعناصر الثائرة فيها قد تولت هي قتل الخلفاء في الآونة الأخيرة . . فتم قتل الخليفة الموحدي " أبي محمد ، عبد الواحد الرشيد " والخليفة العادل " ، بل إن الخليفة المأمون قتل أشياخ الموحدين الذين خالفوه ، وكانوا أكثر من مائة ، فقضى بهذا الأسلوب الدموي على خلاصة الزعامة الموحدية .
ومن خلف مسيرة الدم والعنف بقي قانون الله في القصاص عبرة للذين يعتبرون ، فالدم هو طريق الدم . . أما الذين يحاولون صنع الإنسان أو صنع حضارة فلهم طريق آخر . . طريق آخر كريم ونظيف .
القسم الرابع : سقوطنا في العصر الحديث
* سقوط آخر خلافة إسلامية
* سقوط القومية العربية ( المعادية للإسلام )
سقوط آخر خلافة إسلامية
عندما تتشقق الحضارة تتحول إلى ذرات متناثرة متنافرة ، شأنها شأن الجدار المتداعي الذي أصابه التآكل فتحولت لبناته إلى لبنات منفصلة تسقط عقب بعضها لبنة لبنة .
ويأخذ الانهيار في العملية الحضارية شكلا غريبا . وبدلا من الانسجام الذي كان سمة الحضارة الناهضة تتنافر أجزاء الحضارة الساقطة أو السائرة في طريق السقوط ، ويكاد ينطبق على عملية السقوط التاريخي قول الله ( كلما دخلت أمة لعنت أختها حتى إذا اداركوا فيها جميعا قالت أخراهم لأولاهم ربنا هؤلاء أضلونا فآتهم عذابا ضعفا من النار ) .
وعجيب كل العجب أمر هذا العصر، وليس العجب في هذا العصر كثرة ما بليت به الأمة الإسلامية من هزائم أو انتكاسات . وليس العجب كذلك أن الأمة أصبحت تطلب دواءها من عدوها ، وترفض " الصيدلية والطبيب " الحقيقيين ، كذلك ليس العجب في إصرار عناصر من هذه الأمة ـ بيدهم الأمر ـ على أن يتجنبوا الصواب ـ ويلهثوا وراء طريق الفناء والدمار .
نعم : ليس أمر كل هذا بعجيب . . فعملية السقوط التاريخي تشهد مثل هذه الانقلابات في المعايير .(70/153)
تشهد انقلاب الحق ـ في العقول ـ إلى باطل ، وانقلاب المعروف ـ في السلوك ـ إلى منكر ، وانقلاب السفلة إلى قادة ، وارتفاع السخافة وانخفاض العلم والنور . . نعم : ليس كل هذا بعجيب في العملية التاريخية .
وإنما العجيب أن تتنكر أمة لليد الكريمة التي أنقذتها ، وأن تبحث جادة عن نفسها، عن طريق لعن الذين أنقذوها لمدة خمس قرون ، كأنها كانت تريد الغرق من قديم . . وبدلا من البحث عن حلول عملية ، وشكر الذين وقفوا معها في دورانها التاريخي والذين تربطهم بها صلات عقيدة وتاريخ وحضارة .
بدلا من هذا تحرف تاريخا لتلعنهم ، وتزيف الحقائق لتحيل إليهم وحدهم أسباب تخلفها . . مع أنها لم تستطع بعدهم أن تتقدم شيئا . بل وقعت في أحابيل أشرار البشر .
كان هذا بالتحديد هو موقف بعض العرب من الدولة العثمانية ، التي حمت الحضارة الإسلامية والعرب خمسة قرون من الزمان ! !
يرجع نسب الأتراك العثمانيين إلى قبائل الغزو التركية في بلاد تركستان ، وعندما اجتاح المغول تركستان لجأت هذه القبيلة التركية إلى جنوب القوقاز حيث توفي زعيمها " سليمان " وتسلم القيادة بعده ابنه ( أرطغول ) الذي أنجب عثمان بن ( أرطغول ) الذي تنتسب الدولة إليه .
وعلى يد عثمان هذا تحولت الجماعات العثمانية من أسلوبها القبلي إلى أسلوب " الدولة " على حساب أملاك الدولة البيزنطية ، وخلف عثمان ابنه " أورخان " سنة 726 هـ واستمر ملوكها يتتابعون " مراد الأول " بايزيد ابنه ، محمد بن بايزيد ، مراد الثاني بن بايزيد ، محمد الثاني " ( ومحمد الثاني هذا هو المعروف في التاريخ بمحمد الفاتح الذي ولي الأمور سنة 854 هـ ( 1451م ) والذي نجح في الاستيلاء على القسطنطينية وقتل الإمبراطور البيزنطي " قسطنطين الحادي عشر " سنة 1453 م فقضى بذلك على الإمبراطورية البيزنطية ) .
في ذلك الوقت كان المماليك في البلاد العربية في حالة اجترار ماضيهم ولم يعد لديهم ما يمكن أن يعطوه للوجود الإسلامي ، وكان رأس الرجاء الصالح قد اكتشف ، وبدأت مصر تفقد جزءا كبيرا من أهميتها ، كما أن قانصوه الغوري لم يستطع إيقاف البرتغاليين الذين بدأوا يسيطرون على البحر الأبيض المتوسط عند حدود احترام الأمة الإسلامية .
وفي عهد سليم الأول سنة 1516م ـ 922 هـ " وزحف على مصر وقتل قانصوه الغوري ( تحت سنابك الخيول ) وشنق طومان باي ـ على باب زويلة ـ بعد أن هزمه سليم في موقعة الريدانية . . واستولى على مصر والشام .
ولم يتوان سلطان الحجاز ، فأرسل مفاتيح الكعبة للسلطان سليم ، وحكم الحجاز باسم العثمانيين . . وفي عهد خليفة سليم الأول ( سليمان القانوني ) دخلت معظم البلاد العربية ( اليمن ـ الجزائر ـ تونس ، مراكش ـ العراق ـ ليبيا ) في حوزة العثمانيين .
ولم تمض أكثر من عشرين سنة على اتجاه العثمانيين نحو البلاد العربية حتى كان المشرق العربي كله خاضعا لهم ، نعم : المشرق العربي الذي كان آيلا للسقوط ومفكك الوصال في مطلع العصر الحديث وبداية النهضة الأوروبية ، والذي لولا ظهور العثمانيين الذين كانوا يخيفون أوروبا ويتقدمون في أراضيها ، لولا ظهورهم هذا لتحول المشرق العربي إلى أرض بكر لمغامرات الغرب الأوروبي الخارج من أوحال العصور الوسطى كما فعل بعد ذلك بأربعة قرون بعد أن أسقط الخلافة العثمانية . . أو بعد أن انتهى مما كان يسميه تهويلا لأمره وخوفا منه : " المسألة الشرقية " .
خمسة قرون في حماية المسلمين :
لمدة خمسة قرون ظلت الخلافة العثماني تؤدي الدور الأول والوحيد في حماية المسلمين والعرب .
والغريب أن هذه القرون الممتدة من القرن الخامس عشر حتى مشارف القرن العشرين لم تحظ من المؤرخين باهتمام كاف ، بل إنها ووجهت بتفسيرات غريبة عنصرية أو جدلية مادية أو شعوبية متطرفة . ولم يحدثنا هؤلاء المتطرفون عن حالة العرب مثلا لو لم تكن هناك دولة عثمانية . أو لم يكن من المحتم أن تقع الدولة الإسلامية ـ والعربية ـ تحت براثن الغزو الصليبي قبل وقوعها المعروف بهذه القرون ؟ ! !
لقد كان الأوروبيون قد سيطروا على البحر الأبيض المتوسط ، وقد نجحوا في إخفاء صوت الشرق ، وبدأ النهضة تنطلق من أوروبا . . من مصانعها ، ومن تطور وسائل التقنية بها ، وتقدم الفكر الاجتماعي والسياسي .
ولم يكن بقدرة العروبة النائمة، والتي لم تستطع إلى الآن أن تستيقظ اليقظة المرجوة ـ أن تقف في وجه هذا الزحف . وعلى الرغم من تخلف العثمانيين في بعض النواحي ـ كما هو معلوم ـ فقد كانت قوتهم العسكرية تدوي في أوروبا ، وكانت هذه القوة بالنسبة للأوربيين هي القوة التي لا تغلب ولا تهزم ، حتى إن أوروبا لم تجتمع على مسألة إلا على اجتماعها على المسألة الشرقية أو مسألة التهام الرجل المريض ( الخلافة العثمانية ) . وبالطبع فإن العثمانيين لم يستطيعوا ـ شأنهم شأن العالم الذي كان قد بدأ يدخل في طور عملية انقلاب داخلية جديدة ـ تمهيدا لميلاد جديد ـ لم يستطع العثمانيون ـ بدورهم ـ أن يواجهوا هذه الثورة العلمية الزاحفة .(70/154)
وكما هي عادة المتخلف حضاريا ، والمتقدم عنصريا وعشائريا . . ذهب العرب . . وذهب غيرهم . إلى رمي الخلافة العثمانية ـ حاميتهم ـ بأنها المسئولة عن تخلفهم الذريع . وعندما ماتت هذه الخلافة موتها الحضاري قبل موتها التاريخي سرعان ما سقط هؤلاء في وهدة الغزو الصليبي ولم تنفعهم عنصريتهم القومية ، ومع ذلك لا يزالون يكيلون للخلافة العثمانية الطعنات .
لقد كانت الدولة العثمانية قوية بلا شك طيلة القرون التي حكمت فيها وإلي بداية اضمحلالها ، فلما بدأت سنوات الاضمحلال تحولت أسباب قوتها إلى أسباب ضعف . وهذا هو الشأن في قوانين الحضارة . . إن عوامل القوة تتحول برتابتها وعدم تجديدها لنفسها إلى عالة على حركة التطور ، ولقد أصبحت الإنكشارية ، وأصبحت وسائل الحرب التقليدية عالة على حركة التقدم العثماني ، وانقلبت العسكرية العثمانية التي قدمت ما قدمت للحضارة الإسلامية إلى عبء تنوء به الدولة . وفي ظل قرون القوة التي عاشتها الدولة تمتعت بأنظمة ممتازة من حكومة مركزية ، إلى مجلس وزراء يرأسه الصدر الأعظم، إلى ديوان سلطاني مكون من الوزراء وكبار الموظفين ، على القضاء الذي يرأسه شيخ الإسلام ، على نواب عن الجيش . أما في الولايات فكان يتولى أمر كل ولاية والي ( الباشا ) الذي يعين من قبل الخليفة ، ويعاونه في أعمال إدارة الولاية ( الديوان ) . أما القضاء فكان يتولاه قاضي القضاة ( قاضي العسكري ) . وقد قسمت الولايات إداريا إلى سناجق ، عين على كل منها حاكم سمي بالسنجق، مهمته الإشراف على شئون الأقاليم والحفاظ على الأمن ، وجمع الضرائب ، وفي كل ولاية كان يوجد حاكم عسكري وحامية عسكرية تساعد الباشا على حفظ النظام والأمن . . .
كانت هذه هي خلاصة تنظيمات الدولة ، وكانت هذه التنظيمات وسائل قوة ، فلما انقلبت دفة الحضارة ، وظهر أن حركة التاريخ لم تكن في صف الدولة العثمانية تحولت هذه التنظيمات من أدوات قوة إلى أدوات ضعف . . وقد ساعد هذا الضعف على تحقيق أغراضه في تعجيز الدولة عن حماية الأراضي الخاضعة لها عدة عوامل :
أولا : ضعف بعض السلاطين وانغماسهم في الترف .
ثانيا : فساد أجهزة الدولة وانتشار الرشوة .
ثالثا : تدخل رجال الحاشية في شئون الحكم .
رابعا : وثمة عوامل أخرى كثيرة عملت عملها في إفساد الحياة السياسية والعقائدية والفكرية . . وجرت على الخلافة الويلات .
خامسا : ومما لا شك فيه أن " الأعداء " الصليبين ، والأعداء اليهود ـ كجماعات الدونما والماسونية ـ لا شك أن هؤلاء جميعا كانوا عوامل إضعاف للخلافة العثمانية .
وكان أكبر عوامل نجاح اليهود والصليبيين في ضرب الخلافة العثمانية الإسلامية . . هو بعثهم لما يسمى بالنزعات العنصرية . القومية ، الطورانية للترك ، والقومية الكردية ، والبربرية وعشرات القوميات المعروفة الأخرى .
وجروا هؤلاء جميعا إلى ترك الخلافة العثمانية في محنتها ، بل جروا إلى ضرب الخلافة والتجمع ضدها تحت قيادات قومية عميلة للجمعيات اليهودية ، وقد نجح بعض أفراد هذه القيادات نجاحا كبيرا في تبوؤ مناصب كبرى ، وبالتالي في ضرب العثمانيين والإسلام في الصميم .
الصراع العنصري كان سببا في انهيار آخر خلافة إسلامية :
تعتبر قصة سقوط الدولة العثمانية من القصص الغامضة التي لا زالت تحتاج إلى الدرس العميق والتمحيص الموضوعي . . ونحاول إجمال أبرز عناصر هذه القصة في هذه السطور . . . . . في خلال القرن الثامن عشر كانت أوروبا تكتل أحقادها للانقضاض على الخلافة العثمانية واقتسام أملاك " الرجل المريض " تركيا ـ وأطلقت على هذه النزعة اسم " المسألة الشرقية " باعتبار تركيا العقبة " الشرقية " الوحيدة التي تشكل خطرا على الصليبية الدولية . وحماية حقيقية لبلاد الإسلام المتناثرة .
ولم يكد ينتهي هذا القرن حتى كانت القوى الصليبية الكبرى في ذلك الوقت " بريطانيا وفرنسا والروسيا " تحاول الوصول إلى صيغة ملائمة للانقضاض واقتسام الغنائم . لا سيما وقد اكتشفوا ضعف الجانب التركي في معركة " سان جوتار " وعلى أبواب " فيينا " عموما . . عندما ظهر تخلف العسكرية العثمانية .
وفي سنة 1798 م كان صبي الثورة الفرنسية التي وقف اليهود وراء مبادئها " نابليون بونابرت " يزحف على مصر ليلقنها بمدافعه وخيوله وتحويله الأزهر الشريف إلى إسطبل لخيوله ، وتدميره القرى والمدن على امتداد الطريق بين القاهرة والإسكندرية . . يلقنها بهذه الوسائل وبغيرها من الوسائل الهمجية الأوروبية كالخمور والتحلل الخلقي وإغراء الخادمات المصريات . . يلقن مصر والعالم الإسلامي أو دروس القومية ، والمدنية والمبادئ الثلاثة الماسونية المزيفة التي رفعتها الثورة الفرنسية ! !(70/155)
ولم يكد يمضي على ذلك الحادث أكثر من ست سنوات حتى كانت بريطانيا تحاول غزو العالم العربي مستهلة وجودها فيه بغزو مصر سنة 1807 فيما يسمى بحملة فريزر " . . وبين هذه السنوات ، وبالتحديد في سنة 1803 نجح عميل فرنسي في أن يصل إلى الحكم ، ويعلن أكبر محاولة للانفصال عن الدولة العثمانية . . وكان هذا العميل الفرنسي " محمد علي باشا " صدى باهتا رديئا للغزو النابليوني لمصر . . وكما أهان نابليون بونابرت الأزهر ـ بدل إيقاظه لو كان قائد ثورة ، كذلك أهان محمد علي ـ الأزهر وعلماءه ـ وعلى الرغم من أن محمد علي كان مجرد " عبد " مملوك لا ينتمي إلى الدم العربي ، إلا أنه رفع راية القومية باعتبارها السلاح البراق الذي يمكن به ضرب الوحدة الإسلامية والشعور بالمصير الإسلامي الواحد . . ثم يتبع ذلك وضع العرب على انفراد ـ كما حدث فعلا ـ ، ولعل بعث " محمد علي " غير العربي للفتنة القومية لضرب الخلافة العثمانية ـ لمصلحة فرنسا ـ أكبر دليل على حقيقة جذور هذه اللعبة التي اخترعها تطور الفكر الأوروبي في عصر النهضة ، لكي يقضي على الشعوب ذات الوحدة الأيديولوجية كي تنفرد أوروبا بالتقدم وحدها ، بينما تضيع الدول والأيديولوجيات الأخرى في زحمة الانشقاقات القومية والجنسية ، وهذا ما حدث ! !
وبعد أن كانت دولة الخلافة المسكينة تقف على تخوم القرن التاسع عشر تحاول أن تفيق من سكرة لقائها المفاجئ لمنتجات الحضارة الصناعية ، وتحاول أن تبحث عن حل حضاري مضاد . . وجدت دولة الخلافة نفسها متخمة بالمشاكل العنصرية التي أثارها عملاء الغرب . . هؤلاء العملاء الذين أنهكوا قواها ، وحاولوا أن يفرضوا عليها الدواء الأوروبي لعلاج أمراضها دون تبصر بحقيقة أمراضها . وبحقيقة اختلاف بنائها المادي والمعنوي ، ودون وعي بالعلاج الحضاري الناجع !
وامتدادا للخروج الشاذ الذي أعلنه المملوك الآبق " محمد علي " ظهرت محاولات أخرى للخروج وقام بها " بشير الشهابي " في لبنان ، وحركات في المغرب العربي ، بل وحركات داخل تركيا نفسها ترفع القومية الطورانية .
هذا فضلا عن حركات الخروج التي سبقت حركة " محمد علي " تحت تأثير دوافع انفصالية مختلفة ، كحركة علي بك الكبير سنة 1773م في مصر ، وحركة الشيخ ضاهر العمر سنة 1775م في فلسطين ، وفخر الدين المعنى في لبنان قبل سنة 1635م . . . . وهكذا . . كانت الدولة العثمانية تعاني من الداخل أشد المعاناة ، وتواجه من الخارج بتحديات صليبية غربية . . ففقدت على الطريق ـ بالتالي ـ أملاكها في أوروبا " هنغاريا ، وبلغراد ، وألبانيا ، واليونان ، ورومانيا وصربية ، وبلغاريا " .
وأكبر الظن أن بعض أتباع " لورانس " في ذلك الوقت قد فرحوا لسقوط هذه البلاد من يد الإمبراطورية الإسلامية الكبرى .
فهذا هو الهدف الحقيقي الذي ساقهم إليه أسيادهم من الصليبيين والماسون ! . .
سقطوا حين ساعدوا على سقوطها :
يدرج بعض الكتاب في العالم العربي على وصف الحركات المناهضة للدولة العثمانية ( بالحركات الاستقلالية ) . . ! !
وهذا التعبير يوازي بين حركات الاستقلال عن الاستعمار الإنجليزي والفرنسي مثلا وبين حركات التمرد على الخلافة العثمانية . وفي تصور أصحاب هذا التعبير أن الدولة العثمانية لا تعدو أن تكون استعمارا . تماما كالاستعمار الإنجليزي ، وبالتالي يعتبر الانفصال عنها استقلالا ، والانشقاق عنها تحررا دون أية تفرقة بينها وبين الاستعمار الأوروبي .
وهؤلاء الكتاب الذي يفرضون هذه الروح على دراسة ( الخلافة الإسلامية العثمانية ) يتعمدون الوقوع في عدة أخطاء !
أولها : التجاهل التام لوشيجة ( الإسلام ) التي تربط العثمانيين بالعرب ، وهي وشيجة غير متوفرة في الاستعمار الأوربي .
ثانيها : ويتجاهل هؤلاء كذلك أربعة قرون ( أربعة أخماس ) ويذكرون قرنا واحدا هو فترة وقوف الدولة العثمانية في موقف الدفاع عن حياتها ، وتعلقها في سبيل ذلك بأي خيط ، وتخبطها تخبط المشرف على الغرق ! !
ثالثها : وهؤلاء يتجاهلون كذلك أن الانفصال عن العثمانيين كان لحساب الاستعمار الأوروبي ، وأنه هو الذي كان يقوده مغذيا في العرب روح الانفصال لمصلحته ! ! وأن الوعي الديني والقومي الصحيح لو كان موجودا لأوجب التمسك بالخلافة وقيادتها في هذه المرحلة على الأقل كضربة للاستعمار الأوربي ! !
لقد قدمت حركات الانفصال هذه أكبر خدمة للاستعمار الأوربي ، وفي الوقت نفسه جرت على الأمة العربية أكبر الويلات . وكان أكبر ويلاتها مأساة فلسطين ثم ما تبعها من هزيمة سنة 1967م .
ولم يقف أمر خطأ هذه الحركات عند هذا الحد ، بل إنها وقعت في خطأ ( أيديولوجي ) آخر ، فتركيا الإسلامية لم تكن أبدا حين بدءوا ينشقون عنها في مرحلة ( استعمار ) فالاستعمار مرحلة تاريخية معينة بحسب تعريفهم له ، تقف في قمة الهرم الرأسمالي أي أنها مرحلة اقتصادية تعني توفر رءوس الأموال لدرجة تتطلب فتح أسواق جديدة وتوفير أيد عاملة ومواد خام ، فهل كان العثمانيون يعيشون ( مرحلة الاستعمار ) هذه ؟ أم أنهم كانوا بحاجة إلى مجرد إصلاح اقتصادي بداخل تركيا نفسها ؟(70/156)
إن كثيرا من المصلحين لم تفتهم هذه الحقيقة وعلى رأسهم : " الزعيم مصطفى كامل ـ في مصر ، وعبد العزيز جاويش ، ومحمد فريد ، وغيرهم ، بل إنني أشك كثيرا في أن أكثر الزعماء الإسلاميين الإصلاحيين كجمال الدين الأفغاني والشيخ محمد عبده . . أشك في أن هذه الحقيقة فاتتهم . وما كانت دعوة هؤلاء دعوة انفصالية عن الخلافة ، وإنما كانت دعوة إلى إصلاح أمر الخلافة الذي كان يميل إلى التداعي بفعل مؤثرات خارجية كثيرة ، ومؤثرات أخرى داخلية .
وقد وقعت هذه الحركات في خطأ آخر كبير .
فمنذ أواخر القرن التاسع عشر أخذت الحركة الصهيونية التي بدأت تأخذ شكلا تنظيميا واضحا مرتكزا على الأيديلوجية " الصهيونية " محاولة الوصول إلى أهدافها في إقامة دولة يهودية .
وفي سنة 1897م ( والسلطان عبد الحميد رحمه الله ـ هو الحاكم ) عقد المؤتمر الصهيوني بزعامة هرتزل في مدينة " بال " بسويسرا وهو المؤتمر المعروف باسم " مؤتمر بال " ووضعت خطة إنشاء وطن قومي يهودي في فلسطين .
وقد حاول الصهاينة بقيادة هرتزل إقناع ( السلطان عبد الحميد ) العثماني عدو القوميين العرب ـ بالسماح لهم بالهجرة إلى فلسطين . . فرفض السلطان رفضا قاطعا ولم يكتف بهذا ، بل وأصدر قانونا بمنع الهجرة اليهودية وبمنع إقامة مستعمرات لليهود في فلسطين .
وكان هذا هو ( قشة البعير ) كما يقولون التي قصمت ظهر الرجل المظلوم ، فقد حرك الصهاينة . . حركات التحرر والحركات القومية ، والاستعمار الإنجليزي ، ووجدت الإمبراطورية العثمانية نفسها أمام طوفان من المشاكل لا ينتهي ، كان أشدها وأبعدها أثرا حركات التمرد الداخلي ، ومن الغريب جدا أن يكون مشعلو الثورات ضد الخلافة الإسلامية في داخل البلدان العربية من الطوائف الإسلامية أو الإسلامية المتطرفة التي تحركها أيديولوجيا وحركيا ـ أيد أجنبية ، لكن مع ذلك ، وبتأثير شعارات براقة صنعها اليهود ، بتأثير هذا وغيره من الوسائل اندمج في هذه التجمعات المضادة للخلافة بعض العناصر الإسلامية .
ولم تأت سنة 1918م إلا وكان السلطان عبد الحميد المظلوم قد سقط ، ووقعت جميع الأٌقطار العربية كمناطق نفوذ لبريطانيا وفرنسا . . وأيضا صدر ( وعد بلفور ) المشئوم في 2 نوفمبر 1917م ، وبدأت فلسطين تقع تحت الظروف الممهدة للزوال ، وكانت أولى الخطوات في ذلك وقوعها تحت الانتداب البريطاني في عام 1920م .
وبين الحربين العالميتين " 1918م ـ 1939م " كان التطبيق العملي للمؤامرة العالمية ، وأيضا في الجانب الآخر الحركات الداخلية الممتصة للطاقة والمبددة لها والصارفة عن الخط الحقيقي لاستهلاكها . . كان ذلك كله يعمل على سقوط الخلافة
العثمانية ، وسقوط العرب بدءا من فلسطين ! !
وطوى اليهود . . آخر صفحاتنا المشرقة !
كان رفض السلطان العظيم " عبد الحميد " تهويد فلسطين لطمة لم ينس اليهود أن يردوها للخلافة ردا سخيا لم يكن بوسع السلطان عبدالحميد أن يتخيله ! 1
فإلى جانب ما ذكرناه من تحريك للقوى المناوئة للدولة ، ومن غرس لبذور الفكرة العنصرية المحاربة للراية الإسلامية الموحدة لربع البشر ! !
إلى جانب هذا . . هجم اليهود من الداخل على الدولة العثمانية بواسطة الأسلحة نفسها التي استعملوها في كل بلدان العالم الإسلامي، وهي أسلحة العنصرية والتحضرية، والحرية ، والإخاء ، والمساواة . . وهلم جرا من الشعارات التي اصطنعها الماسون ، وروجوا لها ، واستعملوا بعض المخدوعين لإذاعتها وتفتيت راية الأمة وقبلتها وأهدافها ! !
وكانت جماعة تركيا الفتاة ثم الاتحاد والترقي هما الأداتين اللتين سخرهما اليهود وطوعوهما لهذا الغرض . وكانت الكاتبة " خالدة أديب " إحدى المروجات على المستوى الأدبي والفكري لفكرة القومية الطورانية ، بينما كان زعماء تركيا الفتاة هم المنفذون على المستويات الأخرى لعملية إحداث الانقلاب نحو تخلي تركيا عن هويتها ورسالتها الإسلامية . .
وقد أقحم هؤلاء تركيا في الحرب العالمية الأولى دون مبرر معقول أو سبب يتعلق بها . فلما هزم الألمان ، أذعنت تركيا للهزيمة بنفسها ، وسجل رسميا سقوط الكرامة العثمانية الإسلامية بهدنة رودس في 1918م .
وقد غادر زعماء تركيا الفتاة البلاد ، فقصد أحدهم " أنور باشا " روسيا ، وقصد " طلعت باشا " ألمانيا ، ولقد شاء الله أن يقتص منهم قصاصا دنيويا عاجلا ، فلم يلبث " أنور باشا " أن قتل اغتيالا في تركستان ، وأن يصرع طلعت في برلين ، ويغتال جمال في تفليس " أما الكاتبة خالدة أديب . . التي طال بها العمر فترة . . فلم تلبث أن طردت شر طردة ، من تركيا بعد خلاف حاد بينها وبين الزعيم اليهودي الكبير مصطفى كمال أتاتورك ! !(70/157)
ولم تكد الحرب العالمية الأولى توشك على الانتهاء حتى كانت الدول الأوروبية قد أتمت المسرحية الهزلية . . لاقتسام أملاك الخلافة الإسلامية الأخيرة ، ولإبراز رجل ينفذ مخططاتهم وأطماعهم بحذافيرها . . وعلى الرغم من أن الكتابات الاستشراقية والكتابات الصليبية واليهودية والشيوعية تجمع على إخفاء هذه الحقيقة ، فإن الأحداث بطبيعة تطورها تثبت هذه الحقيقة ، ويكاد يصرح بهذه الحقيقة المستشرق " كارل بروكلمان " على الرغم من ذكائه الحاد في تطويع الحقائق ، وبترها وإضفاء جو إنشائي حماسي عليها ، نعم ، يكاد يصرح بهذا في كتابه الشهير " تاريخ الشعوب الإسلامية ـ الدولة الإسلامية بعد الحرب العالمية الأولى " وهو يقول : " عند ذلك . . هيأت الدول الحليفة لتركيا ـ لاحظ الحليفة ـ الفرصة السانحة للرجل الذي قدر له أن ينشئ تركية الحديثة ـ يقصد اليهودي الدونمي أتاتورك ـ " ولنا أن نتساءل : أي دول حليفة لتركيا تلك التي حولتها من زعيمة روحية ـ على الأقل ـ لربع البشرية إلى دولة هزيلة تعيش بلا ماض وبلا حاضر وبلا مستقبل ؟ وأي دول هذه التي ساعدت هذا اليهودي على إلغاء الحروف العربية ، وإزالة الأوقاف ، وإغلاق المساجد ، وقصر علماء الدين على ثلاثمائة واعظ في طول البلاد وعرضها ، وتحويل مسجد " أياصوفيا " الشهير إلى متحف ، ومسجد محمد الفاتح إلى مستودع ، وإلغاء الشريعة الإسلامية ، واستبدال القبعة بلباس الرأس الوطني السابق " الطربوش " وفرض اللباس الأوربي بالقوة ،وحذف اللغة العربية واللغة الفارسية من مناهج التعليم بالمرة ، وبيع الكتب والمخطوطات العربية بأبخس الأثمان ، فضلا عن التعليم العلماني الأوروبي ، ليس في المجال التقني كما يجب أن يكون ، بل ـ فقط ـ في المجال الإنساني والأدبي والديني ! .
إن إلغاء الخلافة الإسلامية وإعلان الجمهورية التركية في 29 أكتوبر سنة 1923م ، وانتخاب مصطفى كمال أتاتورك من قبل جمعية لقبت نفسها " بالجمعية الوطنية " ، إن هذا كله لم يكن يعني سقوط تركيا الإسلامية في الحقيقة ، فكم من شعارات براقة زائفة ترفع ثم لا تلبث أن تزول . لكن تمكن الأتاتوركي " الغازي " من السيطرة على البلاد ، بمساعد ( الدول الحليفة لتركيا ) كما يقول بروكلمان وأمثاله ، ثم الاجراءات الخطيرة التي ذكرناها والتي اتخذها أتاتورك بعد ذلك .
هذه في الحقيقة كانت الإلغاء الحقيقي لتركيا الإسلامية وللخلافة العثمانية .
ولم يكن الخليفة العثماني محمد السادس الذي عاصر هذا الانقلاب ، كما لم يكن الخليفة الذي وضعه الانقلابيون مكانه عبد المجيد بن عبد العزيز " لم يكن هذا وذاك أكثر من تحفتين تاريخيتين . . تحملان معالم صورة هزيلة مهتزة ، لحقيقة كانت ـ يوما ما ـ عظيمة قوية ترعب أوربا كلها .
ومع ذلك فلقد أدرك مصطفى كمال الدونمي اليهودي أن البقاء الرمزي الصوري لهذه الحقيقة القوية العظيمة يشكل في حد ذاته خطرا على مخططاته الصهيونية . . ولذا فلم يكد يملك السلطة في يده ويتربع بتؤدة على عرش السيطرة لمدة خمسة أشهر ، حتى أعلن إلغاء الخلافة الإسلامية ، ثم طرد آخر خليفة للمسلمين من البلاد في اليوم الثالث من مارس سنة 1924م .
ولعل العقلاء وحدهم هم الذين يسألون : ماذا استفادت تركيا من هذه الخطوة ؟ وماذا كان يمكن أن تكسب لو أنها مضت في طريق الإصلاح مبقية على مركزها كزعيمة روحية إذا كانت هناك نية إصلاح حقيقية ؟ .
ولعل هذا وذاك يفسران للعقلاء وحدهم أن هناك أمرا كان مبيتا ، وأن العالم الإسلامي والعالم العربي كانا من الأهداف الرئيسية لضرب الخلافة الإسلامية ، ولم تكن أبدا تركيا هي المقصودة وحدها .
وفعلا تداعت تركيا وسقطت ، فلم تقم لها قائمة حتى اليوم وتداعى بعدها ومعها العالم الإسلامي بلدا بلدا ، وفكت أواصر الحب والوحدة . . ونال العرب حظهم من كل ما أصاب العالم الإسلامي . . ولعل الأقدار قد لقنتهم أقسى الدروس ، حين زرعت في قلبهم شوكة الصهيونية .
تؤرق مضجعهم ، وتنتقم للخلافة الإسلامية وتطلعهم بجلاء على حقيقة كمال أتاتورك ، وحقيقة مخططاته . . وأيضا على حقيقة الذين ساروا على هدى أتاتورك في فلسطين العربية وفق انقلابات يقف وراءها اليهود مستترين في كلمات الشيوعية أو الحرية أو " القومية " . . ليزرعوا في القلب العربي أشواكا أخرى ! ! .
سقوط القومية العربية
بعد سقوط آل عثمان على يد جمعية الاتحاد والترقي وسادتها اليهود ـ يهود الدونما ـ تفككت أوصال العالم الإسلامي . . ونجح ساطع الحصري ـ وهو رجل أعجمي لا يستطيع الكلام بالفصحى ويضمر عداء شديد للإسلام بتأثير تربيته الصهيونية ـ نجح هذا الرجل في نشر فكرة القومية بمفهومها العلماني الإلحادي المعادي للإسلام بين العرب .
وكانت إنجلترا ـ سيدة العالم آنذاك ـ قد ساعدت على إنشاء ما يسمى بجامعة الدول العربية ، وهي مؤسسة لم ير منها العرب خيرا ، ولم تسهم في حل أية مشكلة ، أو في تحقيق أي تقدم للعرب في حاضرهم الأسيف ، وحسبها أنها فصلت العرب ـ رسميا ـ عن العالم الإسلامي وأشعرتهم بكيان مستقل وهمي .(70/158)
وفي ظلال المد العربي ـ على يد حفنة من الثوريين والمقامرين الشبان ـ خسر العرب جزءا كبيرا من أرضهم ، وساحت في بلادهم دويلة يهودية ، ودرعها الغرب بأحدث الأسلحة . . والمعارف . . والخبائث الأخلاقية .
وأما هذه الدويلة الهزيلة التي لا يزيد سكانها عن 1 / 35 من سكان العرب ـ سقط القوميون العرب أبشع سقوط . .
وكان المقدمة الطبيعية لنجاح هذه الدويلة أنها ساعدت هؤلاء القوميين الثوريين وحدهم على الصعود إلى الحكم ، لأن وجودهم هو وحده الكفيل بتحقيق ما تريد إسرائيل من ضمانات بقائها التي أهمها :
1 - إبعاد العرب عن عقيدة جامعة روحية تقاوم اليهودية التي يتسلحون بها .
2 - ضمان إبقاء الأمة العربية في حالة استيراد دائم ، لأن الذين لا عقيدة لهم لا يستطيعون إبداع شيء ذاتي .
3 - ضمان تفكك العرب ، تفككا دائما ، لأن هؤلاء القوميين والثوريين مجرد شبان مغامرين ، لا رصيد لهم من عقيدة أو أصلة أو وعي تاريخي، ومن السهل تلقينهم بعض شعارات . . أو ( شعارات مضادة ) يصرخون بها ، وتضيع معها عقولهم وعقول الجماهير التي يقودونها .
وقد قامت هذه القوى الحاكمة الثورية بالواجب نحو العرب وإسرائيل على النحو المرسوم لها :
1 - فصادرت حريات المواطنين وإرادتهم ، بحيث لم يعد للشعوب العربية من الأمر شيء وأصبحت هذه الشعوب نسبة عددية مهيأة تقوم بالموافقة للحكام على كل شيء بنسبة ( 99 . 999% ) وهي تقوم بالتصفيق الحاد لكل خطيب ، وتؤيد كل القرارات .
2 - أعلنت هذه الحكومات الحرب على الإسلام وقد نجحت هذه القوى في إبعاد الإسلام عن مجال التأثير تماما . . على الأقل في مستوى توجيه الأمور وقيادتها .
ففي عصر الطاغية جمال عبد الناصر ، أمكن من جعل الصلاة شبهة ، وقراءة القرآن من طالب جامعي أمرا يضعه في القائمة السوداء ، وأمكن نشر الرعب ، وفرض الشيوعية ، حتى قضى الله عليه ، وخلص البلاد من شروره ، بعد أن خلف تركة أخلاقية ومادية وهزائم تحتاج لأجيال طويلة كي تزال آثارها . . وهيهات ! !
ولما جاء خلفه أمكن تحوير الأسلوب بعض الشيء ، ووضع على رأس العمل الإسلامي المتصوفة والدجالين وحدهم ، كما ظل الخط الراعي للتحلل الأخلاقي في طريقه ، وعومل الإسلاميون وحدهم بقوانين استثنائية وعسكرية .
ـ أما حزب البعث بجناحيه السوري والعراقي فعداؤه للإسلام وتنكيله بأهله وفقا لتوجيهات الصليبي الحاقد ميشيل عفلق ـ أمر مقرر كجزء من سياسة الحزب وأساسياته الفكرية والحركية .
3 - نجحت أساليب هذه النظم في الوصول إلى النتيجة الطبيعية ، وفي إقرار قواعد إسرائيل عسكريا وسياسيا ، كدولة ذات سيادة تفصل العالم العربي عن بعضه البعض ، وتقف بالمرصاد لأية بادرة نهضة حقيقية سواء في مجال البعث الإسلامي والوحدة العربية الإسلامية .
وأصبحت إسرائيل بفضل هذه النظم ، التي قتلت شعوبها وشلت قواها ـ كابوسا ثقيلا يؤمن أكثر أبناء هذا الجيل ـ باستثناء المؤمنين منهم ـ بأن زواله أمر شبه مستحيل .
وكان هذا هو حصاد التخطيط العالمي الصليبي الصهيوني الشيوعي الثوري . . القومي المشترك ! !
ولأنهم بلا عقيدة . .
ولأن القومية شعار لا يصلح لصناعة حضارة ولا لإيجاد وحدة جامعة شاملة .
ولأن التبعية الفكرية أوسع أبواب التبعية العامة التي تفرض الهزيمة والذل .
لهذا ولغيره أصبح العرب أشبه بدول عظمى ، الوحدة بين الدول العربية والأخرى أصعب من الوحدة بين الدولة العربية وإسرائيل ، أو الوحدة بين بعضها وأمريكا . . أو روسيا . . كما هو قائم فعلا .
لقد أصبح معظم العالم العربي دولا متقطعة الأوصال ، أسيرة نظم يمينية وأخرى يسارية وليس للإسلام نصيب فيها سياسيا أو إداريا . وقد تمزقت وسائل التوحيد كلها ، فلا تكامل اقتصادي ، ولا تكامل اجتماعي ، ولا تنسيق سياسي ، أو إعلامي ، وهلم جرا .
وهم كأسلافهم سلالة " أبي جهل " يتقاتلون لأتفه الأسباب ، ويقطعون العلاقات بلا مبرر كاف ، ويسيرون في طريقهم دون مشورة وتكامل ، بل كل حسب مصالحه وتوجيهات سادته . . وقد أصبح العربي لا يأمن على نفسه في أي بلد عربي آخر ، بل أصبحت بلاد الغرب هي المثوبة والأمن ، كما أن الملجأ والأمن لأموالهم هي بنوك اليهود في أمريكا وأوروبا ، والمنتجع لتعليم أبنائهم ولاستراحاتهم وجولاتهم هي مرفأ الأمن والحرية . . أوربا العظيمة . . وتقوم بينهم الحواجز الجمركية وإجراءات الزيارة والإقامة بدرجة تجعل زيارة الدول الأوربية أسهل من زيارة عربي دولة عربية أخرى .
وقد بلغ الانحطاط بالعرب إلى أن صنفوا أنفسهم طبقيا على جنسيات مختلفة تفصل بعضها بعضا ، فبعض دول الخليج تصنف الشعوب العربية على هذا النحو :
1 - خليجي درجة أولى ( وله سائر الحقوق السياسية والمادية ) .
2 - خليجي درجة ثانية ( وله الحقوق المادية فقط )
3 - إيراني ( وله حق الحصول على الجنسية بعد فترة وجيزة ) .
4 - عراقي
5 - سوري
6 - فلسطيني وأردني
7 - مصري . . وهكذا ! !
. . وهكذا . . تتوالى التصنيفات التي تتبعها حقوق مادية غير متكافئة ، بالرغم من تساوي المؤهل والخبرة ، كما يتبعها احترام بقدر الدرجة الطبقية المحددة .(70/159)
لقد انحطت القومية العربية بالعرب إلى أسفل سافلين ، ومن الغريب أنهم على الرغم من درس لبنان ، ومن درس فلسطين ، ومن الدروس المتكررة التي يلقنها لهم الاستعمار ولا يتعلمون ، فإنهم إذا تخاصموا لا يلجئون إلى العلاج إلا بإثارة النعرة الإقليمية الوطنية الضيقة . . ( مصر للمصريين ـ الهلال الخصيب ـ وحدة المغرب العربي ) . . فبدلا من أن يبحثوا عن دين يغير نفوسهم وأخلاقهم ، وبدلا من البحث عن مركز آخر للوحدة في عصر " الوحدات الكبرى " ـ ( الأمريكتان ـ السوق الأوربية المشتركة ـ دول حلف وارسو ـ الكتلة الشرقية ـ الكتلة الغربية ) . . بدلا من هذا ينزوي كل منهم كأطفال ، مكتفيا بلعبة الوطنية . . ممزقا شمل العرب تمزيقا جديدا .
وعلى أية حال . . فكما سقطت النزعة الوطنية ، وأقام الاستعمار النزعة القومية بديلا للوحدة الإسلامية التي دعا إليها السلطان عبدالحميد . وكاد يقضي بها على مخططات الاستعمار وينقذ العالم الإسلامي كله ، حتى جاء " جماعة الاتحاد والترقي " وأعوانهم من الماسون في العالم العربي . . فقضوا على الخليفة المجاهد العظيم .
أجل . . كما سقطت النزعة الوطنية بعد فترة تاريخية حالكة ـ نسجل هنا . سقوط القومية العربية ) بعد فترة تاريخية ثورية لا تقل حلكة وظلاما عن الفترة الاستعمارية ! !
ولم يبق إلا الحل الحضاري الشامل . . الإسلام ! !
===============(70/160)
(70/161)
نصرة صلى الله عليه وسلم وسنته
يحيى بن موسى الزهراني
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهديه الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله ، { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } ،{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً } ، { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً } . . . أما بعد : فأوصيكم أيها الناس ونفسي بتقوى الله تبارك وتعالى ، تحلّوا بها أقوالاً وأفعالاً ، فكم أورثت مالاً ، وتوّجت جمالاً ، وشرّفت خصالاً ، وجنبت زيغاً وضلالاً ، وأصلحت حالاً ومآلاً .
أمة الإسلام : ما فتئ أعداء الله تعالى ، وأعداء دينه العظيم ، يمارسون صنوف الاستهزاء ، وألوان الازدراء ، تارة بكتاب الله تعالى ، بتدنيسه وتلويثه ، ورميه في الأماكن الغير لائقة ، بل وصل بهم الأمر إلى أشد من ذلك ، رموه في أماكن قضاء الحاجة ، وأهانوه إهانة ، لا يتوقع معها إلا القتال المستميت ، والدفاع عن الكتاب المبين ، قال تعالى : { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } ، الله جل وعلا حفظ كتابه من التبديل والتحريف ، والتغيير والحذف ، ونحن بدورنا نحفظ كتاب ربنا من التشويه والتدنيس والتلويث ، فإما شهادة ، وإما نصر ، قال تعالى : { قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلاَّ إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَن يُصِيبَكُمُ اللّهُ بِعَذَابٍ مِّنْ عِندِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُواْ إِنَّا مَعَكُم مُّتَرَبِّصُونَ } ، لقد حصلت إهانة القرآن العظيم ، في سجون جوانتناموا ، وسجون أبو غريب ، وغيرها من السجون الأمريكية والبريطانية ، كل ذلك من أجل إثارة حفيظة المسلمين ، لعلمهم أنهم لن يتحركوا لمواجهة عدوهم ، وأيم الله لقد تحقق ذلك ، إلا من رحم الله وعصم ، وهم أهل الغيرة على دين الله تعالى ، وإلا فالإثم حاق بالأمة ، قال تعالى : { وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ } ، لقد ذهبت الدنيا بلب القلوب ، فبنينا الأحلام ، وتبنينا الأوهام ، من أجل زخرف الدنيا وبهرجتها ، وما عرفنا أن الموت له هالة ، وهو قادم لا محالة ، فطوبى لمن مات وهو يكن لله ولكتابه ولرسول صلى الله عليه وسلم كل حب وتفاني ، وغيرة وفداء ، وويل لمن تخاذل ، ودس رأسه في التراب ، وسمع فنسي ، ورأى فعمي ، قال تعالى : { وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ } .
أيها المسلمون : اليوم وإثر البعد الديني الواضح للمسلمين ، وبرودة طقسهم حول دينهم ، تجرأت الصحف الأوروبية من كل حدب وصوب ، استهانة وإهانة لكل مسلم ، على رسم رسول الإسلام ، وسيد الأنام ، عليه الصلاة والسلام ، برسوم مشينة مهينة لا يرضاها مسلم أبي شامخ ، يتطلع للجنة العلياء ، ولقاء خاتم الأنبياء ، حول الجنة الخضراء ، قال تعالى : { مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً } ، فما عسى كل مسلم ومسلمة أن يفعل إزاء هذا الحدث الرهيب ، والأمر العصيب ، إن من أوجب الواجبات أن يجدد الجميع الولاء لنبيهم صلى الله عليه وسلم ، كما حصل للمسلمين الأوائل في بيعة السقيفة ، والعقبة ، بايعوا رسول ا صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في المنشط والمكره ، بايعوه على نصرته بالنفس والمال والوالد والولد ، فكانوا صُدقاً عند اللقاء ، أعزة على الأعداء ، ونحن اليوم بحاجة ماسة لمثل أولئك الرجال الشجعان ، الأبطال الفرسان ، حماة العقيدة والدين ، أنصار محمد النبي الأمين ، قال تعالى : { وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ } .(70/162)
أمة الإسلام : نحن اليوم نمر باختبار حقيقي ، وامتحان رباني ، ليميز الله الخبيث من الطيب ، قال تعالى : { ألم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ } ، الأمة اليوم تمر بمنحنيات خطيرة ، وتجارب مريرة ، ليبين المنافق من المسلم ، والكاذب من الصادق ، فبعد الرسوم الكاريكاتورية ، والصور الكرتونية ، لنبي الإنسانية ، وهادي البشرية ، تهجَّم مذيع أمريكي بالاستهزاء والعنجهية ، بصورة استفزازية ، لمنظر حادث الحجيج ، حول الجمرات ، واصفاً المسلمين بالبهائم ، كبرت كلمة خرجت من فيه ، وقاتله الله من سفيه ، هكذا هي أمم الكفر تصمد ، وعلى الإسلام تتحد ، تنفق الأموال ، لتنال من الإسلام ، قال تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ اللّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ } ، وهكذا هي أمة الإسلام تتعرض للنكبات ، وتُجر إلى ويلات ، حتى تُمحص وتُفحص ، فاللهم رحماك رحماك ، فاستعدوا عباد الله لملاقاة أعداء الله ، وخوض الغمار ، جهاداً بكل صوره وأشكاله ، وأنواعه وأنماطه ، قال تعالى : { قُل لِلَّذِينَ كَفَرُواْ إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُواْ فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الأَوَّلِينِ * وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّه فَإِنِ انتَهَوْاْ فَإِنَّ اللّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ * وَإِن تَوَلَّوْاْ فَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَوْلاَكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ } .
أمة الإسلام : لقد تنوعت أساليب إهانة الكفار للإسلام وأهله ، بصورة تجعل الحياة تعيسة ، والموت راحة ، وأيم الله لبطن الأرض خير من ظهرها ، إزاء الأحداث الآثمة ، والأحوال الغاشمة ، ضد المسلمين ومقدساتهم وحرماتهم ، في شتى بقاع الأرض ، من تعد على كتاب الله ، وسب لله تعالى ، واستهزاء برسول صلى الله عليه وسلم ، والاستهزاء بموتى الجمرات ، وانتهاك لأعراض المسلمات ، واستيلاء على ديار المسلمين ، واحتلال أراضيهم ، وأخذ مقدراتهم وممتلكاتهم ، وأدهى من ذلك وأمر امتهان حرمات المسلمين ومقدساتهم ، فسبحان الله أين المسلمون عن ذلك كله ، أم أن قول الله تعالى في سورة الفرقان حق علينا : { أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً } ، لقد أضحت مشاهد الأشلاء ، ومناظر الدماء ، غير مؤثرة في المسلمين شيئاً ، تبلدت الأحاسيس ، وقتلت الغيرة ، هذه الأحداث لم أخترعها من تلقاء نفسي ، ولم تكن أضغاث أحلام ، أو ركضات شيطان ، بل شاهدها عبر الشاشات ملايين المسلمين ، وسمعها الملايين ، وقرأها الملايين ، فماذا حدث ؟ هل فعلوا كما فعل المعتصم ، صرخت امرأة في زبطرة ، وامعتصماه ، فجهز الجيوش ، وأعد جحافل الإسلام لنصرتها ، فهل فعلنا اليوم كما فعل المعتصم ، كلا ، وكلا ، بل السجينات المسلمات امتلأت بهن سجون الكفار في كل مكان ، لا لأنهن ارتكبن خطأ ، بل ليُتسلى بهن من قبل الكفار وأعوانهم ، فكم حملت أحشاؤهن سفاحاً ، وهن لا يملكن لأنفسهن حولاً ولا قوة ، بل يتعهدن بالانتحار فور الخروج من المعتقلات ، خوف الفضيحة ، وخشية الحرمات ، ورجال الإسلام حول الدشوش متحلقين ، وعلى المسلسلات مندمجين ، لم تعد تؤثر فيهم مشاهد القتل ، والهدم والتدمير ، وهتك الأعراض المسلمة ، فيا الله كيف يهنأ لنا عيش ، ونحن في طيش ، بأي وجه نلقى ربنا ، وما هو عذر تقاعسنا ، قال تعالى : { وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيّاً وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيراً } ، وقال تعالى : { إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً } .(70/163)
أيها المسلمون : ربما حالنا اليوم لا يؤهل لمواجهة العدو أياً كان ، فنحن لم نتسلح بالسلاح المهم ، ولم نتدرع بالدرع الأهم ، حتى نعود إلى حياض الدين ، وتجتمع الكلمة ، ويُلم الشعث ، وتوحد الصفوف ، ويكون كتاب الله هو دستورنا ، وسنة رسول صلى الله عليه وسلم هي نبراسنا ، فكم من الناس اليوم من هو مسلم وليس في قلبه مثقال ذرة من إيمان ، ولا أقول ذلك جزافاً ، أو تخرصاً ، أو رجماً بالغيب ، بل بيني وبينكم قول الله عز وجل : { فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً } ، فأين الإيمان عن أقوام ودول وشعوب إسلامية ، وهي تحكم قوانين وضعية ، شرقية وغربية ، وأين الإيمان عن شعوب تدعي الإسلام ، وهي تهادن الكفار وتواليهم من دون المؤمنين ، والله جل وعلا يقول : { لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُوْنِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللّهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللّهِ الْمَصِيرُ } .
أيها المسلمون : أين الإيمان والربا قد تفشى ، وآكل الرشوة بها قد استغنى ، بنوك ربوية ، ومعاملات إجرامية ، رباً في وضح النهار ، لم يعد ينكره أحد ، وهو حرب لله ولرسول صلى الله عليه وسلم ، قال تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ * فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ } ، أي إيمان ندعيه ، ونحن نحارب ربنا وخالقنا ورازقنا ومولانا ، نعم في سلات المهملات ، وأموال تنفق في غير سبيل الله ، دخان ومخدرات ، ولواط ومعاكسات ، فلا إله إلا الله ، كيف ننتصر على الأعداء ووسيلة النصر معطلة ، وأسبابه مؤجلة ، مرتهنة بعودة معجلة ، قال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ } .(70/164)
أمة الإسلام : ننقم على الكفار عندما سبوا رسول ا صلى الله عليه وسلم واستهزءوا به ، وأيم الله بين أظهرنا من يسب الله تعالى ويشتمه ، ويكيل له سبحانه مكاييل الكلمات النابية ، وسيل الأقوال الجافية ، بل هناك من يعترضون على أوامره جل وعلا ، ويستدركون عليه في حكمه سبحانه تعالى ، ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ، ويغدرون وعد الله من بعد قطعه ، كيف ننتصر ومن المسلمين من يستهزئ بشعائر الدين المعلومة بالضرورة ، ويسفه سنة صلى الله عليه وسلم المعلومة ، كإعفاء اللحى ، وتقصير الثياب ، والأمر بالحجاب ، واستعمال السواك ، وطلب العلم الشرعي الواجب ، كيف ننتصر والمساجد خاوية على عروشها ، والصلاة يُنادى لها ، والأمة حول الأسهم والبنوك والصرافات ، ومتابعة المباريات عبر الشاشات ، ومشاهدة الملاهي والمغريات عبر الفضائيات ، غرقى وحلقى ، مقصرين في دينهم بل محلقين ، لا يخافون الله ولا يتقونه ، مجاهرة بالمعاصي والآثام ، ومفاخرة بالذنوب العظام ، أغانٍ صاخبة ماجنة ، تطير بها سيارات شبابنا ، وتحملها جوالات رجالنا ، في شوارعنا ومساجدنا ، إنهم يؤخرون النصر ، ويبعدون الظفر ، معاكسات بين الشباب والشابات ، بل وحتى المحصنات ، خطف لنساء المسلمين ، وانتهاك لأعراض المؤمنين ، تتبع للعورات ، وتقص للهفوات ، تبعية للكفار ، وتقليد للفجار ، أناس جهلة ، يعصون الله جهرة ، أحوال مخجلة ، وأعمال مخزية ، قال تعالى : { يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لاَ يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطاً } ، برامج فاضحة ، ومشاهد عري واضحة ، استار أكاديمي ، ذهب بلب الشباب ، أكَلَ الأعراض ، وأدى للأمراض ، برنامج مزق الحياء ، وأوصل للبغاء ، فاستيقضوا يا رجال الأمة ، واخرجوا من الغمة ، واطلبوا الهمة ، ألستم للعلياء ترومون ، وللعزة تسعون ، وللرفعة تركضون ، أم أنتم سامدون ، وفي سكرتكم تعمهون ، أفيقوا أيها الشباب ، فقد نال منكم الأعداء ، فأعدوا لهم العِداء ، يا أحفاد خالد بن الوليد ، وصلاح الدين ، مقدساتكم تدنس وتلوث ، وبأخواتكم الأسيرات يُعبث ، فأين أنتم عن تلكم الأحداث ، فسبحان الله ! كيف ننتصر ، ولم ننصر ديننا ، وكيف نحقق آمالنا ، ولم نغير أوضاعنا ، آهات وصرخات تطلقها القلوب قبل الحناجر ، خوفاً على الأمة من الضياع في مستنقعات الحرام ، وتوافه الأحلام ، فغيروا ما بأنفسكم ، يغير الله أحوالكم ، قال تعالى : { إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللّهُ بِقَوْمٍ سُوءاً فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ } ، نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم ، وبهدي سيد المرسلين ، أقول قولي هذا ، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولكافة المسلمين من كل ذنب ، فاستغفروه وتوبوا إليه ، إنه كان حليماً غفوراً .
الحمد لله على إحسانه ، والشكر له على توفيقه وامتنانه ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه ، صلوات الله وسلامه عليه ، وعلى آله وأصحابه وإخوانه .
أمة الإسلام : أمم الكفر اليوم أمة واحدة ، وإن اختلفت أجناسهم ومشاربهم ، وأمة الإسلام مفككة مبعثرة ، يقفون موقف المتفرج على بعضهم البعض ، والعدو يلتهمهم واحداً تلوا الآخر ، وهم صفاً واحداً ينتظرون الموت انتظاراً ، قال تعالى : { مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ? وَالَّذِينَ مَعَهُ?? أَشِدَّآءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَآءُ بَيْنَهُمْ? } ، وقال تعالى : { وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ? } ، المسلمون يتناصرون ويتعاضدون كما جاء في الصحيح : " المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً " وشبك بين أصابعه " ، وفي الصحيح أيضاً : " مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر " .
أيها المسلمون : آن الأوان لأن تعود الأمة لكتاب ربها ، وتحكيم سنة نبيها r ، وما هذه الحملة الشرسة على رسول ا صلى الله عليه وسلم من قبل أعداء الله ، وأعداء رسوله ، إلا فأل خير ، إنها انتفاضة مباركة ، واجتماعات موفقة ، فهذا الغضب العالمي الإسلامي ، يبهج القلوب ، ويفرح النفوس ، لقد اجتاحت موجة الغضب العارمة أنحاء المعمورة ، حباً لرسول ا صلى الله عليه وسلم ، ودفاعاً عنه ، وتفانياً لأجله ، وفداءً لكرامته ، لقد أقلق العالم الغربي ، هذا الاجتماع الإسلامي الأخوي ، فهم يدركون معنى ألفة المسلمين واتحادهم ، يعرفون معنى محبة المسلمين واجتماعهم ، إنها القاضية ، للأمم الفاضية ، لقد أينعت رؤوسهم وحان قطافها ، وظهرت أنيابهم وآن اقتلاعها ، وتشدقت أفواههم ولابد من إخراسها ، ورسمت أيديهم ويجب بترها .(70/165)
أمة الإسلام : هذه الأحداث اليوم ، تجعلنا أكثر تمسكاً بديننا ، وأشد محبة لنبينا ، وإن مما يؤسف له ، أن هناك قلة من أتباع النبي الحبيب ، هربوا عن دينهم ، وابتعدوا عن منهجهم ، ولا زالوا يشترون منتجات الكفار ، الذي أعلنوا الحرب على الإسلام ، وعلى نبي الأنام ، في سفاهة ولا مبالاة ، ليس لها نظير ، ومالها من ظهير ، فأحذِّرهم وأخوفهم بقول الله تعالى : { وَالَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُوْلَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ } ، بل احرصوا يا رعاكم الله ، على تشجيع المنتجات المحلية والعربية والإسلامية ، حتى تكون الصادرات والواردات تصب في خزانة نفع الإسلام وأهله .
أيها المسلمون : هذه الأحداث أظهرت عيب كثير من المسلمين ، في تقصيرهم عن معرفة شيء عن سيرة صلى الله عليه وسلم ، وهذا ولا شك خطأ ، وعلاجه المطالعة والقراءة ، وحضور المحاضرات والخطب التي تعني بالموضوع ، وهنا أدعو جميع الأئمة والخطباء والدعاة ، إلى إفراد أوقات لجماعات المساجد للقراءة لهم من كتب أهل العلم الموثوقة ، غير الغالية أو الجافية ، عن سيرة صلى الله عليه وسلم ، حتى يعرف الناس نبيهم ، وحقوقه عليهم ، وواجبهم تجاهه ، فقد عم الجهل بالموضوع ، واليوم حان الوقت لقطف الثمرة ، كما يجب على جميع الفضائيات في بلاد الإسلام ، أن تعني بالموضوع عناية فائقة ، وتولية رعاية مهمة ، من خلال استضافة العلماء والدعاة ليبينوا للناس سيرة صلى الله عليه وسلم ، وحسن الإسلام ، ويسر أحكامه ، وترجمة ذلك إلى عدة لغات ، سيما الدنمركية خاصة ، والأوروبية عامة ، حتى يعرفوا ما هو الإسلام ، ومن هو نبيه صلى الله عليه وسلم
==============(70/166)
(70/167)
أزمة الحجاب.. على يد وزير الثقافة المصري
د . ليلى بيومي 6/11/1427
27/11/2006
الأزمة التي أثارها فاروق حسني وزير الثقافة المصري، لم تكن مفاجئة للمتابعين للشأنين الثقافي والإسلامي. فالهجوم على الإسلاميين، بصفة عامة، ليس مستهجنًا على المستوى المصري الرسمي، وكذلك على المستويين الثقافي والإعلامي.
القضية بشكل أو آخر، تختزل الصراع الثقافي وصراع الهوية بين النموذج الإسلامي الأصيل والنموذج العلماني الغربي الذي وفد إلى عالمنا العربي والإسلامي مع قدوم الاستعمار الغربي في العصر الحديث.
وقد بدأت عملية "علمنة" المجتمع المصري وتغريبه على يد محمد علي، الذي كان منبهرًا انبهارًا كاملاً بالثقافة الغربية والمدنية الغربية.
ومنذ عهد محمد علي ترسّخت العلمانية في المجتمع المصري، وأصبحنا نرى إنتاجًا ثقافيًا وأدبيًا يحذو حذو الغرب، ويدير ظهره للهوية الإسلامية والتراث الإسلامي، وليته وقف عند هذا الحد فقط؛ بل أصبح همه الأساسي هو الهجوم على التيار الإسلامي ورموزه ومشروعه.
ولقد كانت البعثات العلمية وسيلة من وسائل الدولة المصرية، منذ عهد محمد علي وحتى الآن، لمتابعة الحضارة الغربية وإنجازاتها. وكان فاروق حسني هو واحد من هؤلاء المبتعثين، ثم أصبح ملحقًا ثقافيًا في روما، فاطلع على الثقافة الغربية وانهزم أمامها؛ لأنه لم يكن محصنًا بالثقافة العربية الإسلامية بشكل كاف.
وما حدث لفاروق حسني حدث للكثيرين غيره من روّاد الثقافة، مثل قاسم أمين وأحمد لطفي السيد وطه حسين وهدى شعراوي.. الخ.
نصف علماني ونصف إسلامي
ولقد وجد المسؤولون المصريون على امتداد التاريخ المعاصر أنفسهم في معضلة ليست سهلة. فهم من ناحية يعرضون أنفسهم على أنهم بلد الأزهر والريادة للعالمين العربي والإسلامي، وهذا يستلزم احترامًا معينًا لثوابت الدين والشريعة، وفي نفس الوقت هم خاضعون أيضًا للتراث المصري الذي أسسه محمد علي، والذي يؤكد على علمانية الدولة، أي الفصل بين الدين والدولة.
وقد اتزن ميزان الدولة المصرية عند هذا الحد الدقيق بين النقيضين (الإسلام والعلمانية). وهكذا فإن علمانية مصر ليست هي العلمانية المتطرفة كما هو الحال في تركيا أو تونس، ولكنها علمانية من النوع المخفف، الذي لا يخاصم الشريعة الإسلامية، ولا الرموز الإسلامية بشكل عام.
وما فعله فاروق حسني هو توريط للدولة المصرية ونقلها من حالة العلمانية المخففة إلى حالة العلمانية المتطرفة التي تسخر من الرمز الإسلامي (الحجاب) وتستهزئ به على الرغم من أنه ثابت بالقرآن والسنة، ولا مجال للتشكيك فيه.
كما أن نساء مصر، في غالبيتهن، يرتدين الحجاب (وإن بدرجات متفاوتة وأزياء مختلفة) ليس انطلاقًا من انتماء لتيار إسلامي أو آخر، ولكن لأن هذا الزي أصبح مكافئًا للزي الوطني، الذي يؤكد الهوية الوطنية للنساء المصريات.
ولذلك لم يكن مستغربًا أن يشن نواب الحزب الوطني (الذي هو حزب الحكومة التي ينتمي إليها الوزير) في البرلمان هجومًا كاسحًا على فاروق حسني بصفته تجاوز الخطوط الحمراء التي ما كان له أن يتجاوزها. لدرجة أن الدكتور زكريا عزمي رئيس ديوان رئيس الجمهورية، والسيد كمال الشاذلي الوزير السابق والقيادي البارز في الحزب الوطني؛ شنّا هجومًا عنيفًا على الوزير، وأكّدا أن زوجتيهما وبناتهما محجبات، ومعظم نساء مصر محجبات، وما كان ينبغي للوزير أن يقع في هذه السقطة التي تجعل الحزب والحكومة في مواجهة مباشرة مع القاعدة العريضة من الجماهير المصرية من مختلف الفئات الاجتماعية والسياسية.
إحراج الدولة
وهكذا وجدت الدولة نفسها في حالة حرج بالغ سببها لها وزير ثقافتها.. خاصة بعد أن وصف المشايخ بأن الواحد منهم "بتلاتة مليم". وفي هذا استخفاف بالمشايخ الذين هم القادة الحقيقيون للمجتمع المصري الذي يكن لهم احترامًا كبيرًا.
الحرج الذي أصاب الدولة المصرية كان حرجًا على المستوى العربي والإسلامي .. فكيف لمصر بعد ذلك أن تتباهى بأنها بلد الأزهر والحصن المنيع الذي يدافع عن المصالح العربية والإسلامية؟
ثم إن الوزير فاروق حسني فعل فعلته بلا أي مسوّغ .. فلم يكن هناك ما يستدعي ذلك، وليس من كياسة الوزراء أن يصدموا الناس في رموزهم الدينية وثوابتهم الشرعية بمثل هذه الفجاجة. لو كانت الدولة تخوض حربًا معينة ضد الإسلاميين لقلنا إن الوزير يقوم بدوره في هذه الحرب.. فأين هذه الحرب؟
ثم إن الوزير لا بد أن يتصف بالذكاء في اختيار ألفاظه، وهو ما غاب عن فاروق حسني. خلاصة القول: إن الوزير الذي استمر (19) عامًا في الوزارة، وهو مقرب بشدة من مؤسسة الرئاسة ارتكب الجرم الذي لا يُغتفر.
هناك الآن عدة سيناريوهات للخروج من المأزق الذي سبّبه فاروق حسني للنظام:
فإما أن يسحب البرلمان الثقة من الوزير وبالتالي يجبره على الاستقالة.. وهو احتمال ممكن ولكنه ليس سهلاً.. بل مستبعدًا لأن الرئيس مبارك لا يؤيد هذا الاتجاه، ولا يميل إليه بل يعارضه. وإما أن تجبر رئاسة الجمهورية الوزير على هذه الاستقالة.. وإما أن يصدر قرار بالإقالة بدون انتظار أن يقدم الوزير استقالته.(70/168)
بين زكي بدر وفاروق حسني
هناك وجه شبه كبير بين ما حدث لوزير الداخلية الأسبق زكي بدر وما يحدث الآن لفاروق حسني. فزكي بدر استمر لسنوات طويلة يهاجم التيارات الإسلامية على اختلاف مشاربها، ويصف قادتها بأشنع الصفات.. ومع ذلك كانت الدولة تشجعه ويعجبها ما يقوم به. ولكن ذات مرة نسى زكي بدر نفسه في أحد الاجتماعات الخاصة، وراح يسب ويلعن الرموز السياسية والثقافية والإعلامية من مختلف الاتجاهات العلمانية واليسارية والقومية والليبرالية، وقام أحد الصحفيين بجريدة "الشعب" بتسجيل كلام الوزير، ونشرته الجريدة في خبطة صحفية كبيرة، فتمت إقالة الوزير بعد ساعات من نشر كلامه في ذلك الاجتماع.
الخطيئة التي وقع فيها زكي بدر هي أنه وسّع دائرة الهجوم، واستهدف اتجاهات أخرى غير الإسلاميين. وكذلك فعل فاروق حسني، فهو لم يهاجم الإسلاميين كتيارات تمارس العمل السياسي أو الثقافي، وإنما استهزأ برمز إسلامي تواترت به نصوص الدين، ويحظى باحترام بالغ في نفوس كافة المصريين على اختلاف مشاربهم وليس الإسلاميين فقط.
المشكلة ليست فاروق حسني
المشكلة إذًا ليست في فاروق حسني ولا فيما قاله، وإنما المشكلة هي في الإطار الفكري العلماني الذي أصبحت له أرضية وجذور لا يُستهان بها في مصر، وأصبح محضنًا يحتضن الكثيرين غير فاروق حسني، الذي لن يكون آخرهم.
إنني لم أستغرب ما قاله الوزير، ولم يقلقني، وإنما أقلقني ما قاله رموز التيار العلماني من مساندة للوزير فيما نطق به (بالحق أو بالباطل). فهؤلاء يعدّون الوزير في مهمة مقدسة دفاعًا عن "حرية التعبير"، التي هي في اعتقادهم حرية الإساءة للثوابت والمقدسات، كما أنها في الوقت نفسه حرية التفلّت من الدين.
تصريحات وزير الثقافة المصري عن الحجاب إذًا ليست شاذة على الأرضية العلمانية، والدليل على ذلك أن كثيرًا من الإعلاميين المتنفذين في وسائل الإعلام المصرية وبعض المثقفين يعتبرون الحجاب ظاهرة "وهّابية"، وانتشاره "وباء" يهدد مستقبل النساء، وهم مع ما قاله الوزير قلبًا وقالبًا، سواء كان هذا رأيه الشخصي أو رؤيته كمسؤول في الدولة، فالحجاب (في رأيهم) نبتة زرعها الرئيس الراحل أنور السادات في سبعينيات القرن الماضي. ويتمادى هؤلاء في غيّهم قائلين إن فرائض الإسلام خمسة ليس من بينها الحجاب، ولا النقاب وعندما فُرض الحجاب كان ذلك على نساء النبي والمؤمنات المعاصرات له فقط.
ويذهب الخيال والكذب ببعضهم حين يزعم أن الحجاب يشكل اعتداءً على مستقبلهن، وأن هناك من يدفع أموالاً لكل من ترتدي الحجاب.
وكلها افتراءات علمانية بغيضة.. الواقع يكذبها وحجاب الفتيات في المدارس والشوارع يؤكد أن الصحوة الإسلامية نبْت ربانيّ، الله وحده يرعاها، ويتكفل بحمايتها وصدق الله القائل: (وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً)
==============(70/169)
(70/170)
الولايات المتحدة وديمقراطية الأنابيب من المغرب إلى باكستان!
إدريس الكنبوري 12/1/1425
03/03/2004
أعلنت الإدارة الأمريكية يوم 9 فبراير على لسان الرئيس الأمريكي جورج بوش عن وضع مشروع جديد أطلقت عليه تسمية"الشرق الأوسط الكبير"، من أجل دمقرطة المنطقة العربية والعالم الإسلامي وتطوير الحالة السياسية فيهما، والدفع بالإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي. وبالإطلاع على النص الكامل للمشروع، يتضح لنا بأنه لا يختلف كثيرًا عما طرحه قبل عامين كل من "ريتشارد هاس" مدير إدارة التخطيط في الخارجية الأمريكية، وكولن باول كاتب الدولة الأمريكي في الخارجية، باسم "مبادرة الديمقراطية" في العالم العربي، ويمكن ملاحظة أوجه الاختلاف بين المشروعين السابقين والمشروع الحالي في نقطتين:
ـ النقطة الأولى: أن مشروع بوش يأتي قبيل الانتخابات الرئاسية الأمريكية التي سيخوض فيها الرئيس الجمهوري منافسة قوية مع غريمه الحزب الديمقراطي، وهو لذلك يريد إقناع الرأي العام الأمريكي بأنه يحمل مشروعًا شاملاً لتغيير منطقة الشرق الأوسط، وأن احتلال العراق لم يكن سوى الحلقة الأولى في هذا البناء الكبير، ومن ثم فإن هذا الاحتلال مشروع من هذه الناحية، وهو رد غير مباشر على الحملة التي يواجهها بوش حاليًّا بعد انكشاف الأكاذيب المخابراتية بشأن أسلحة الدمار الشامل العراقية.
ـ النقطة الثانية: أن المشروعين السابقين كانا مشروعين أمريكيين، دعوة وتنفيذًا، وقد لقيا لهذا السبب اعتراضًا قويًّا من لدن بلدان الاتحاد الأوروبي، خاصة تلك التي كانت تعارض الحرب على العراق، أما المشروع الحالي فتريد الإدارة الأمريكية إشراك الاتحاد الأوروبي ومجموعة الثمانية الكبار فيه، وسوف تقدمه لقمة هذه الأخيرة التي ستعقد في يونيو القادم بالولايات المتحدة الأمريكية، للحصول على دعم أعضائها، كما أن المشروع يتضمن عدة إشارات إلى هذه الدول باعتبارها مسؤولة عن تطبيق ما ورد فيه ورعاية تنفيذه وتحمّل جزء من تمويله.
لكن مشروع بوش لا يختلف كثيرًا من حيث مضامينه عن مشروعي هاس وباول، فهو استمرار لهما في الروح التبشيرية التي انطلقا منها، كما يشترك معهما في القناعة بأنه لا بد من تغيير الظروف السياسية والاقتصادية والثقافية في المنطقة.
مفهوم الشرق الأوسط الكبير
يعتبر المشروع أن مفهوم الشرق الأوسط الكبير، مع زيادة هذه الصفة إليه، يقصد به عموم المنطقة العربية من المحيط إلى الخليج، ولكنه يدخل فيه البلدان الإسلامية الأخرى غير المحسوبة على الشرق الأوسط مثل باكستان وإيران وتركيا وأفغانستان، وبطبيعة الحال الكيان الصهيوني الذي يعتبره المشروع جزءًا من الشرق الأوسط الكبير، مع ملاحظة أنه يعتبر الكيان الصهيوني البلد الديمقراطي الوحيد في هذا المحيط الجيوـ سياسي، ويهم المشروع كامل المنطقة التي تمتد من المغرب إلى باكستان.
مثل هذا المفهوم للشرق الأوسط لا بد أن يذكرنا بمفهوم آخر سبق وأن تم التسويق له على نطاق واسع في بداية التسعينيات من القرن المنصرم، بعد المؤتمر الاقتصادي الشهير للشرق الأوسط وشمال إفريقيا الذي عقد بمدينة الدار البيضاء عام 1994، وهو"الشرق الأوسط الجديد"، والذي كان قد بشر به وزير الخارجية الإسرائيلي في ذلك الوقت شيمون بيريز الذي شارك في المؤتمر إلى جانب رئيس الوزراء المغتال أسحق رابين. ولكن مفهوم الشرق الأوسط الجديد الذي نادى به بيريز في كتاب له بنفس العنوان كان ذا أبعاد اقتصادية صرف، الهدف منه تحويل الكيان الصهيوني إلى دولة طبيعية في المحيط العربي من خلال آليات العمل الاقتصادي والتجاري المشترك مع البلدان العربية، وقطف ثمار التطبيع الاقتصادي الذي بدأ ينشط بعد توقيع اتفاقية أوسلو عام 1993، بينما مفهوم الشرق الأوسط الكبير يتسع ليأخذ أبعادًا شاملة تصب في الأهداف السياسية والاقتصادية والثقافية والتجارية، وتشكل الولايات المتحدة محورًا له.
النواقص الثلاث
ينطلق المشروع الأمريكي الجديد في تسويغ مطالبته بالإصلاح السياسي والاقتصادي في العالم العربي والإسلامي من تقريري التنمية البشرية العربية لعامي 2002 و 2003 الذين شخصا مواضع الأزمات في المجتمعات العربية وعوامل التخلف فيها، من ذلك مؤشرات التنمية الاقتصادية ومستوى الدخل الفردي ونسبة الأمية وغياب الديمقراطية وضعف المشاركة السياسية والفساد السياسي وغياب حرية التعبير وتبعية الإعلام الرسمي وغياب مجتمع المعرفة والمعلومات والفقر والبطالة، وهي ظواهر حقيقية يعيشها العالم العربي ولا يمكن التغافل عنها.(70/171)
ويرى المشروع أن هناك نواقص ثلاث يعتبر أنها" تهدد المصالح الوطنية لكل أعضاء مجموعة الثمانية"، وهي: الحرية والمعرفة وتمكين النساء، ويضيف أنه "طالما تزايد عدد الأفراد المحرومين من حقوقهم السياسية والاقتصادية في المنطقة، سنشهد زيادة في التطرف والإرهاب والجريمة الدولية والهجرة غير المشروعة"، وبعد أن يورد بعض الإحصاءات والأرقام الواردة في تقريري التنمية البشرية العربية المشار إليهما أعلاه، يقرر بأن"المنطقة العربية تقف عند مفترق طرق"، ليستنتج بأن"البديل هو الطريق إلى الإصلاح".
ما هي مرتكزات الإصلاح؟
يتضمن المشروع ثلاث أعمدة رئيسة ترتكز عليها خطة تغيير منطقة الشرق الأوسط الكبير:
ـ تشجيع الديمقراطية والحكم الصالح.
ـ بناء مجتمع معرفي.
ـ توسيع الفرص الاقتصادية.
وتعتبر هذه بمثابة الأولويات الضرورية لتغيير وتنمية المنطقة، حسب واضعي المشروع؛ "فالديمقراطية والحكم الصالح يشكلان الإطار الذي تتحقق داخله التنمية، والأفراد الذين يتمتعون بتعليم جيد هم أدوات التنمية، والمبادرة في مجال الأعمال هي ماكينة التنمية"، ويدعو المشروع في إطار تشجيع الديمقراطية والحكم الصالح في العالم العربي إلى تنظيم انتخابات حرة، وتنظيم زيارات متبادلة على الصعيد البرلماني بين هذه البلدان ودول مجموعة الثماني التي يدعوها المشروع إلى تبني أطروحاته وتمويل مشاريع الإصلاح في المنطقة العربية، ورعاية معاهد لتدريب النساء على القيادة السياسية، وتقديم المساعدة القانونية للناس العاديين. كما يدعم المشروع مبادرة تطوير وسائل الإعلام المستقلة والحرة في العالم العربي، وتنمية دور المجتمع المدني.
أما على صعيد بناء مجتمع معرفي؛ فالمشروع يرى أن الفجوة المعرفية في المنطقة العربية ونزيف الأدمغة يشكلان تحديًا لآفاق التنمية فيها، لذلك فهو يدعو إلى دعم التعليم الأساسي وتعميمه والقضاء على الأمية، وتحديث التعليم بحيث يواكب التطورات التكنولوجية الحالية، داعيًا إلى إنشاء ما أسماه "مدارس الاكتشاف" أسوة بالأردن، ويدعو المشروع في نفس السياق إلى عقد قمة خاصة بإصلاح التعليم في المنطقة في شهر مارس الجاري أو أبريل المقبل، قبل انعقاد قمة دول الثماني في شهر يونيو القادم.
وفيما يتعلق بالشطر الثالث من مبادرة الإصلاح الخاص بتوسيع الفرص الاقتصادية، يلح المشروع على تجسير الفجوة الاقتصادية بين بلدان الشرق الأوسط الكبير، عبر إحداث تحولات اقتصادية تشبه في مداها ما حدث في البلدان الأوروبية الشرقية الشيوعية، وإطلاق قدرات القطاع الخاص، ويدعو البلدان الثمانية الأوروبية المتقدمة إلى دعم وتمويل ما يسميه"مبادرة تمويل النمو" التي تقوم على مشاريع الإقراض الصغيرة وإنشاء "مؤسسة المال للشرق الأوسط الكبير" تقوم دول الثماني بالمساهمة في تمويله، وهدفه تمويل مشروعات التنمية في المنطقة، كما يدعو إلى إنشاء"بنك تنمية الشرق الأوسط الكبير" على غرار البنك الأوروبي للإعمار والتنمية، لمساعدة الدول الراغبة في الإصلاح على توفير الاحتياجات الأولية للتنمية ( نشير إلى أن مشروع بيريز الذي أشرنا إليه أعلاه دعا إلى إنشاء بنك خاص بشمال إفريقيا والشرق الأوسط تقوم دول الخليج بتمويل القسط الأوفر فيه).
المشروع والخلافات الأوروبية ـ الأمريكية
كما سبق القول، لا يختلف المشروع الحالي لدمقرطة العالم العربي وتغييره عما طرحه مدير إدارة التخطيط في الخارجية الأمريكية ريتشارد هاس في 4 ديسمبر 2002 حول"المزيد من الديمقراطية في العالم العربي"، ووزير الخارجية الأمريكي كولن باول في 12 ديسمبر 2002 بعده بأيام حول مبادرة الشراكة بين الولايات المتحدة الأمريكية والشرق الأوسط، وما طرحه الرئيس الأمريكي جورج بوش في خطابه يوم 6 نوفمبر 2003 أمام"الصندوق القومي للديمقراطية"، ولكن الجديد في المشروع الأخير هو أن الولايات المتحدة تريد تقسيم الأدوار بينها وبين الاتحاد الأوروبي والبلدان الصناعية الكبرى، عبر إيكال بعض الأدوار إليها، لا تتجاوز التمويل وبعض التقنيات التي لا تمس بجوهر المشروع، بمعنى أن الإدارة الأمريكية تريد لمخطط إصلاح العالم العربي أن يكون أمريكي الصنع أوروبي التسويق والتمويل.
إن واشنطن من خلال رغبتها في إشراك الأوروبيين في مشروعها، تريد أن تعطي دفعًا أكبر له وتأييدًا دوليًّا أوسع لأهدافه، وهي بذلك تحاول في نفس الوقت كسب أوروبا إلى جانبها بعد الفجوة التي اتسعت بينهما منذ ما قبل الحرب على العراق في أبريل من السنة الماضية، خاصة فرنسا وألمانيا، وأن تظهر للبلدان الأوروبية بأنها لا ترغب في أن تستحوذ لوحدها على المنطقة، ولكنها تمنح لها فرصة للمشاركة في تشكيل مستقبل بلدانها، من خلال الإحالة في إحدى الفقرات على مسلسل برشلونة الأوروبي ـ متوسطي لعام 1995، على الرغم من أن ما هو مخول لأوروبا لا يتجاوز الجوانب المالية والفنية، كما تفعل الولايات المتحدة دائمًا في منطقة الشرق الأوسط والصراع الفلسطيني ـ الصهيوني، حيث تكون مبادرات التسوية السياسية أمريكية، وتمويل الإعمار والبناء أوروبيًّا.(70/172)
وقد وضعت ألمانيا في السابع من فبراير الماضي، بعد اطلاعها على المبادرة الأمريكية، مبادرة جديدة لتشكل نواة لمبادرة أوروبية أوسع تخص التغيير في منطقة الشرق الأوسط والعالم العربي، وركزت المبادرة الألمانية على الاعتبارات الأمنية في المنطقة التي تشكل خطرًا على الأمن الأوروبي والأمريكي، وهو ما يوحي بأن هناك تقاربًا أمريكيًّا ـ أوروبيًّا قيد التبلور فيما يتعلق بمبادرات الإصلاح السياسي في العالم العربي. ويوم السبت الماضي، انطلقت في بروكسيل مناقشات فرنسية ـ ألمانية بمشاركة الممثل الأعلى للسياسة الخارجية الأوروبية خافيير سولانا بشأن ورقة عمل تتعلق بالشراكة الاستراتيجية مع الشرق الأوسط، سوف تتم مناقشتها في إطار أوروبي أوسع، قصد وضع تصور أوروبي مشترك قبل انعقاد قمة البلدان الثمانية بين 8 و 10 يونيو القادم، والتي سيقوم فيها جورج بوش شخصيًّا بطرح مشروع "الشرق الأوسط الكبير" فيها، كما أن وزير الدفاع دونالد رامسفيلد سيدافع عن الجوانب الأمنية في المشروع في قمة دول حلف شمال الأطلسي التي ستنعقد يومي 28 و29 يونيو في استانبول بتركيا. غير أن الفجوة بين الولايات المتحدة وأوروبا، خاصة فرنسا وألمانيا، ما زلت متسعة فيما يخص هذه المبادر؛ فأوروبا ترى أن المطلوب أولاً إنهاء ملف الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي المسؤول عن توتر المنطقة، وطي الملف العراقي بزوال القوات الأمريكية وتفويض السلطة للعراقيين.
العرب أمام التحدي الجديد
رفضت بعض الدول العربية حتى الآن المشروع الأمريكي الداعي للتغيير السياسي والاقتصادي، بدعوى أنه يحاول الإتيان بالتغيير من الخارج وفرضه قسرًا على البلدان العربية، ووقعت الحكومتان السعودية والمصرية بيانًا رفضتا فيه الخطة لكونها مفروضة وتتجاهل الخصوصيات العربية، والتحقت سوريا بهما لاحقًا، لكن كاتب الدولة الأمريكي في الخارجية كولن باول رد على هذه الاعتراضات بأن واشنطن" لن تقترح أبدًا خطة إصلاحات قادمة من الخارج"، وقال في الأسبوع الماضي في تصريحات له بأن كل ما تحاول الولايات المتحدة القيام به هو مساعدة هذه الدول على الإصلاح "بالطريقة التي يختارونها".
الإدارة الأمريكية أوفدت مبعوثًا خاصًّا إلى بعض الدول العربية هو مارك غروسمان وكيل وزارة الخارجية للشؤون السياسية، الذي بدأ جولة له في بلدان المغرب والمشرق العربي يوم الأحد الماضي بهدف طرح المبادرة الأمريكية على زعماء هذه الدول قبل انعقاد القمة العربية المقررة في العشرين من الشهر الجاري بتونس، وكانت بعض البلدان العربية قد أكدت بعد الاطلاع على الوثيقة الأمريكية بأن هذه الأخيرة يمكن أن تعرض للمناقشة في القمة إذا رغبت الدول العربية، ويبدو أن غرض جولة غروسمان هو فرض المشروع على القمة العربية لتتم مدارستها رسميًّا. وغروسمان هو المسؤول الأمريكي الثاني الذي يزور المنطقة العربية للترويج للمشروع، بعد الجولة التي قام بها ألان لارسون مساعد كاتب الدولة في الشؤون الاقتصادية والزراعية في الأسبوع الماضي.
هذه هي ديمقراطية الأنابيب الصناعية التي تريد الولايات المتحدة إنزالها من أعلى على بلدان العالم العربي وزرعها في جسمه، وهي تطرح تحديًّا جديًّا على العالم العربي والإسلامي الذي لم يعد يملك زمام أمره، وتفرض عليه بالتالي الاختيار بين نوعين من التغيير: التغيير من الداخل، أو التغيير القادم من الخارج والمفروض بالقوة والتهديد وربما بوسائل أكثر بشاعة. ويمكن القول إن هذه المشاريع الأمريكية المتعددة والمتوالية، وآخرها مشروع الشرق الأوسط الكبير، قد رسخت لدى القيادات والنخبة العربية قناعة مفادها أن المنطقة قد أصبحت اليوم في مرمى الاستهداف الأمريكي والغربي، ولكنها أيضًا رسخت قناعة أخرى من الضروري التجاوب معها، وهي أن الإصلاح بات مطلبًا ضروريًّا، وأن تفادي المخاطر الخارجية ينطلق من الإنصات للدعوات الداخلية بالتغيير.
والواضح أن المشروع الأمريكي يكتسي الكثير من النفاق، فهو يتجاوز المشكلات الرئيسة في منطقة الشرق الأوسط، وفي القلب منها الصراع الفلسطيني ـ الصهيوني والاحتلال الصهيوني لفلسطين، وما يحدث في العراق يقدم الدليل حسب العديد من الملاحظين الأوروبيين على فشل الولايات المتحدة في إرساء الديمقراطية التي تنادي بها، علمًا بأنها تدّعي بأن العراق سيكون اللبنة الأولى في بناء الشرق الأوسط الجديد الذي تدعو إليه
==============(70/173)
(70/174)
لا ترمش بطرفك !!
محمد الأحمري 3/8/1423
09/10/2002
في حمى المواجهات وتجريم المؤسسات الإسلامية، اتصل بمكتب التجمع مدير مكتب مجلة نيوز ويك واسعة الانتشار، ولم اكن وقتها أقبل مكالمة أو أرد على الهاتف ؛ لأنك إن نطقت في هذه الأيام بكلمة فستراها مع اسمك في الغد على صفحة جريدة تحت عنوان "إرهاب" الكلمة المحببة اليوم، وقد تسبب لك إشكالا أكبر مثل تهديد بالقتل أو عدوان على مكتب أو مسجد أو غيره. حييت في محدثي الصحفي هذه المبادرة بالاتصال، وطلب مني مقابلة عن الإرهاب، ومعلومات شخصية، ووافقت على الطلب بشرط أن يسمح لي بمقال في مجلته، فقال أخشى ألا نضعها في العدد نفسه، قلت أقبل بذلك، المهم أن توضع ولو بعد وقت، قال لا بأس ولكن ننشر مقالتك في الطبعة العربية وفي طبعة الإنترنت، قلت له لا بل يكون المقال في النسخة الإنجليزية المطبوعة. قال سأتحدث مع رئيس التحرير ثم أرجع لك، وكنت أعلم انه لن يعود لي برد ولا موافقة. لأنني جربت وطلبت النشر من أقل شأنا من مجلته فأبوا. ثم قرأت أن كاتباً ومفكراً شهيراًُ في أمريكا مثل إدوارد سعيد يدور بمقالاته على المجلات والجرائد مهمها وتافهها فلا تنشر له، وتبين أن هذا طموح وأمل في الحرية في غير مكانه، ويدل أن هذه السنين التي قضيناها معهم لم تفدنا بعد في معرفة الكثير.
وقد صنع الإعلام رعبا مضاعفا، فالخوف الذي لحق بالمسلمين والعرب فاق كل تخيل سابق، مما أثر على تدين بعض المسلمين وفسخت نساء الحجاب، وقل رواد المساجد في الجمع والجماعات وبخاصة الأيام الأولى. ثم العدوان الكلامي على المسلمين حتى عبر التلفاز كان مزعجا، فصهيوني مثل"تشارلي روز" يقدم برامج ثقافية حول برنامجه إلى برنامج حرب إعلامية، يستضيف صهاينة مثل رئيس الموساد السابق إلى عام 96م، الذي لا يستطيع تقديم فكرته بالإنجليزية، ويضع معه ستيف إمرسون "سيئ الذكر"، مساء21 رجب 1422هـ 10-10 2001م وصهيوني آخر "بوب سايمون" يستضيفه نفس البرنامج في الليلة السابقة لها يحذر من بن لادن الذي يراه العرب صلاح الدين الأيوبي كما يرى. ثم يقول اسمحوا لي أن أكون عنصريا، و يتحدث عن ملامح العرب وأنها تنذر بالإرهاب للأمريكيين ، وهذا في محطة عامة وليست تجارية.
ومحطة أخرى يملكها اليهودي الأسترالي مردوخ اسمها "فوكس نيوز" تنافس إن لم تتقدم على "سي إن إن" الآن، حملت صليب الحرب على الإسلام، والتهييج ضد المسلمين، حتى تساءلوا فيها: هل القرآن فيه تعاليم تحث على الإرهاب؟ ونقلوا وترجموا آيات عن الجهاد توحي بذلك، وفقدت هذه المحطة كل لغة عقلانية أو إعلامية أو سياسية، ووضعوا نابحا مزعجا للمسلمين اسمه أو رالي، قدم مقابلة مع سامي العريان الأستاذ في جامعة فلوريدا، ووضعوا عنوانا في المقابلة يقول: "العريان أستاذ - بروفسور- أم إرهابي؟" وقد سخر المذيع وخوف منه، مما جعل مواطنين يهددون العريان بالقتل، فاضطر أن يختفي لعدم الأمن على حياته، وأعطته الجامعة إجازة مدفوعة.
ولعل من المناسب أن نذكر هنا بعض ملامح الإستراتيجية اليهودية لاستغلال حالة الإرهاب الإعلامي الجارية ضد المسلمين والعرب، بناءً على مراقبة لا على دراسة للموضوع، واهم ملامح هذه الحملة لتحسين صورة اليهود مايلي:
1- إبراز اليهود على انهم ضحايا للإرهاب العربي والإسلامي على مدار عشرات السنين، وأن الأمريكان لم يستيقضوا إلا متأخرين جدا، وأن عليهم أن يقوموا بواجب تجاه الإنسانية والحضارة ويتعاونوا مع البلد الديموقراطي الوحيد "اسرائيل" في غابة الديكتاتورية والوحشية والإرهاب العربي.
2- إبراز اليهود الأمريكان كأعلم الناس بالإرهاب وهم فلاسفته ومدركوه وأن على الحكومة والشعب أن يرجعوا لقولهم ووصاياهم في التعامل مع العرب، ومع الإسلام فهم الخبراء بذلك لأنهم يعانون من هذه المسألة عن قرب، ومن العبث أن تعتمد أمريكا على معرفتها ولا تستشير المراكز اليهودية، ولا تستفيد من تجربتها.
3- الإهتمام بتاكيد أن هذه الحرب ضد أمريكا لا علاقة لها أبدا بمشكلة فلسطين، وأنها حرب كراهية لأمريكا وحسد على نمط الحياة الأمريكية ، وكراهية لديموقراطيتها وتقدمها وحرب على حداثتها، لأن سكان "الكهوف" من الإسلامميين لا يريدون التقدم الذي تبشر به إسرائيل وأمريكا! كما يزعم الصهيوني "دنيس روس" الذي ترك منصبه في إدارة مشروع السلام ليعمل في مركز استراتيجي يقوم عليه متشددون متدينون يهود.(70/175)
4- يستغل يهود أمريكا كلمة نحن، يقولها يهودي أمريكي يتحدث الإنجليزية دون لهجة غريبة، ولونه شبيه بهم، والمدافعون عن الرأي الإسلامي العربي مكروهون قبل أن يتحدثوا، ثم يتكلمون الإنجليزية بلهجة عربية، وألوانهم لا تساعدهم، وكثير منهم يتملقون ويقتلون قضيتهم بأيديهم، عندما يتقمصون التمثيل فيفشلون، فيصدق الأمريكان موقف اليهود، وأنهم مخلصون لأمريكا، على رغم أن أمريكا ذاقت في السنوات الأخيرة مشاهد من خيانة اليهود لها لا تحصى، بدءا بالمعلومات العسكرية، وبيعها للصين وغيرها، ثم ختاما بالسفير الأمريكي في إسرائيل مارتن أنديك الذي رفعت عنه الحصانة، ثم أعيدت له رغما عن الأمريكان، وهو من يهود أستراليا، ولم يحصل على الجنسية الأمريكية إلا قبيل تعيينه سفيرا في إسرائيل بوقت قصير. وقد أنشأ معهدا للسلام، في واشنطن يقوم بوضع السياسة الأمريكية تجاه مسألة فلسطين، خلفه في إدارة المركز بعده من هو أكثر منه تزمتا.
5- شدد اليهود في أمريكا على قصة المال والثروة في الجزيرة والخليج، وأنها مصدر للإرهاب، وشددوا على ضرورة القضاء على التعليم الإسلامي، وضرورة حذفه أو توجيهه، والتحكم في المساجد وما يقال فيها، وضرورة الخروج بإسلام يقبل "الآخرين" وقال نتنياهو للكونجرس إن من يعاني من البعوض لا يمسك بعوضة ويقتلها ولكنه يجفف المياه، يجفف المنابع. ويفكر يهود أمريكا بحملة شاملة على التعليم الإسلامي في المنطقة.
6- حاول اليهود صراحة ضم خصومهم جميعا تحت لائحة الإرهاب، سواء كانوا من حماس أو الجهاد، أو حزب الله، حتى تكون المعركة معركة إسرائيل ضد الإسلام المقاوم لاحتلالهم، وضد من يواجه وحشيتهم، وهذه غنيمتهم من الحرب وقد نجحوا إلى الآن في كسب الأنصار والإعلام، وتتردد الحكومة الأمريكية في الإعلان عن تأييدها المطلق لمشروع إرهاب خصوم إسرائيل، هذا موقف بالغ الحرج لجميع الأطراف، ولن تنجح فيه إسرائيل وأمريكا حتى تستطيع إقرار سلام ولو شكلي يسمح لها بقتل من يناوئه. ولكن العرب وأمريكا ليسوا جاهزين له. ولأن بقاء الإحتلال يجيز به القانون الدولي محاربة المحتل، ومن يحارب المحتل يعتبر قانونيا داعيا للحرية! والفصل بين رجال التحرير والإرهابيين صعب في إسرائيل دائما.
7- حاول اليهود إلحاق لبنان وسوريا وإيران تحت قائمة الدول التي تدعم الإرهاب وتؤويه، لوجود حزب الله، وحماس، والجهاد، وغيرها في هذه الدول، مما يؤزم الموقف أمام أمريكا، وما وجود البحرية على الأمريكية على شواطي سوريا عبثا. وقد لا يستجاب للدعوات الإرهابية اليهودية الآن ولكن هذا قد يكشف مواقف مستقبلية.
8- تأذى اليهود وبعض الأمريكيين جدا من وجود قناة الجزيرة مرجعا إعلاميا، وقال بيتر جيننز "ليس يهوديا" مستغربا: إذن فالعرب الآن يمكنهم أن يروا ما نراه، وأن يتابعوا الحرب بلغتهم، لا بل هذه المواد والصور من عندهم! لأن هناك ثقة عندهم بأن العرب في حال من التخلف لا يعقل معه أن يكون عندهم محطة كالجزيرة. وفي مقابلة مع الميرازي، مدير مكتب الجزيرة في واشنطن كان يلح عليه المذيع أن المحطة تقوم بتهييج الشارع العربي ضد أمريكا، وأنها روجت للإرهابيين رسالتهم، في الوقت الذي نقلوا كلهم نقلا مباشرا عنها وبترجمات أحيانا رديئة. ورد مدير المكتب إننا ننقل الرأيين، ننقل كلام بوش وبياناته فهل هذا إرهاب أيضا؟ قال له المذيع إن مراسلكم في لندن سأل بلير وقال له: القاعدة أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته فالمحطة ترى بن لادن بريئاً ؟ وهكذا سلسلة من الاتهامات والتجريم للمحطة مما يجعل المراقب يشك في استمرار هذه المحطة مستقبلا بهذه القدرة التي سبقت فيها كل الوسائل الإعلامية في العالم. وقد سبق هذا طلب رسمي من كلينتن في رمضان 1421هـ ثم طلب أخير من باول بلجم القناة. ورد الشيخ حمد على هذا أنه يأخذ الطلب الأمريكي "كاقتراح" فقد أزعجهم جدا أن كلمة بن لادن ربطت ما حدث لأمريكا بدورها في تأييد إسرائيل، وقد تكون حقيقة مسلمة عند العرب ولكن عامة الأمريكيين لا يعرفون هذه الحقائق. ففتحت أعين الشعب الأمريكي على أن ما أصابهم جاء بسبب الدعم الأعمى لإسرائيل. وهذه الرسالة أوصلتها الجزيرة لكل بيت ولكل الناس وبكل اللغات! وهنا تكمن أهمية الأخبار، وصياغتها، والسبق لها، وهذا ما أخرج يهود من جلودهم، وبات المراقبون للأسف يعدون الأيام المتبقية لحرية قناة الجزيرة.(70/176)
هذه الحرب الترويعية، والتهويل الإعلامي، الضروري لجلب الشعب وراء قرارات الحكومة في أمريكا، والخوف من تأثير الإعلام العالمي العربي الذي سحب بساط المبادرة من القنوات الأمريكية الغنية و"البي بي سي" العريقة جعل الحكومة الأمريكية تصدر قرارا للمحطات الإعلامية يمنعها من نشر المواد العربية التي قد يكون فيها رسائل مشفرة للقيام بأعمال إرهابية، وجاءت المحطة العامة" بي بي إس" بمسؤولي الدفاع في الكونجرس ليحذروا الشعب من إعلام العدو، قال حكيمهم "إطلاق الألسن قد يغرق السفن" ثم استدل بقصة يصعب تصديقها أنه في بعض المواجهات السابقة كان الإرهابيون يستعملون المقابلات التلفزيونية لإرسال رسائل مشفرة لأتباعهم ويتم ذلك بأن "تطرق أعينهم" طريق إرماش أعينهم، فقد كانوا بهذه الطريقة يوغزون بالتعليمات! وهذه غاية في الإرهاب والتجنيد للعبودية والتحذير من الحرية الإعلامية يبالغون في جانب لينتصر آخر، فاحذر أن تطرف بعينيك فقد تفسر على أنك ترسل رسالة مشفرة إرهابية! لقد قدمت بعض الجامعات برامج جيدة، ولقاءات منصفة، ولكنها هامشية، ولا قيمة لها أمام الإعلام الرسمي، أو التوجه العام الذي قد لا يصدق عليه وصف رسمي. وكانت حرب الصور أبلغ أحيانا من الكلام، فهم يحاولون إشغال الناس عن قتل المدنيين الفقراء العراة الجوعى بصورة من طائرة تسقط كرتونا من البقول، لأن الكمية الغذائية فيه عالية كما يقول المعلقون هنا، أو ربما خشوا على الأفغان من زيادة الوزن! قال مراسل "البي بي سي" يوم 23 رجب 1422هـ 11-10، أنه مر على مسافة أكثر من مائة ميل مليئة بالمهاجرين الجائعين التائهين على الدروب ولم يروا لقمة ولا غطاءا. إنهم فقط يستمعون للحرب الإرهابية ضدهم، والطائرات تسقط عليهم نارا ومنشورات دعائية. والجيش الأمريكي يحرق أفغانستان ويبني القواعد العسكرية في طاجيكستان، ثم يطالبون اليابان بالمساهمة أو دفع نفقات الحرب ("الحياة" 24 رجب 1422هـ). وعلى العرب والمسلمين أن يؤيدوا ويدفعوا النفقات، ومع كل هذا فهم إرهابيون من قبل ومن بعد، ومحرم عليهم، بل لا يستحقون حتى أن يكون لهم إعلام ولو محطة تلفزيون واحدة. ترى لو كانت هذه المحطة تذيع الموسيقى، أو المقابلات والنقاشات والصور والبرامج المخدرة هل سيسخطون عليها؟ لا لأن عدو الاستعمار هو المعرفة. والمعرفة الصادقة المباشرة دون تحوير خطر كبير، لا يحتمل مستبد وجوده.
إن من عاصر هذه الحملة من خلال مؤسسة لها علاقة مباشرة بالإسلام والعرب، بحكم عملها أو هويتها، لا أشك أنه سيرى وجها آخر لأمريكا لم يكن يعرفه من قبل، وأنه سيتعاطف مع كلام اليسار الأمريكي وأمثاله، وسيجد في كتابة الناقدين الشيوعيين والفرنسيين والأوروبيين واليابانيين وغيرهم مادة صادقة في وصف الحقيقة الأمريكية التي تتقنع بأقنعة أخرى. ومنذ نحو أربع سنوات حين صدر كتاب "الحقيقة القذرة"، لدكتور ومحلل سياسي جريء، وجدت صعوبة في قبول العنوان، ولكن عندما قرأت ورأيت علمت الكثير مما سماه حقائق قذرة، ولو خفف العنوان وجعله "الحقيقة المؤذية" لربما خفف على "المتحضرين" الذين يكرهون أن تؤذي الحقائق التي ذكرها آذانهم، ولكن الكتاب لم يبر سوقه وخرجت طبعته الثانية في وقت قصير، وهكذا بقية كتبه مثل: أمريكا المحاصرة، و"ديموقراطية للأقلية" ولكن الكاتب من الأقلية التي قد لا تقبل، لأنها لا تقدم آراءها بطريقة لبقة. لقد سمعت من يشكو من عودة أمريكا للمكارثية التي كانت تحاسب الناس حتى على الأفكار في الأدمغة، أيام الحرب الباردة مع الشيوعية في منتصف القرن السابق. و لقد سمعت أمريكيين أبا وجدا يتحدثون عن تفكيرهم بالخروج من بلدهم لأسباب منها حماية حقهم في حرية التعبير. ومنهم من يردد: إنها بلاد لحرية اليهودي المخادع والمستعمر المستغل. ورغم هذا ففيها من بقية الهمس ما لا يضر بالحياة العامة، وهناك من لا يسمح حتى بالهمس، فيجعل الدنيا عزاء
===============(70/177)
(70/178)
الشرق الأوسط الكبير
د. محمد مورو 11/1/1425
02/03/2004
الشرق الأوسط الكبير أو الشرق الأوسط الأوسع نطاقًا أحدث صيحة في عالم المبادرات الأمريكية والأوروبية لإعادة صياغة المنطقة بما يخدم المصالح الأمريكية والصهيونية والفرنسية عمومًا. المسألة إذًا ليست جديدة تمامًا ولكن فيها ما هو جديد أيضًا فمثل هذه المشروعات والمبادرات لم تنقطع منذ حرب الكويت عام 1991 في إطار انفراد أمريكا بالهيمنة على العالم بعد سقوط الاتحاد السوفيتي السابق والمنظومة الاشتراكية والتواجد الفعلي للقوات الأمريكية في المنطقة بعد حرب الكويت عام 1991 لتكمل مع إسرائيل حلقة الاحتلال والهيمنة، وقد شهدنا مثل تلك المبادرات منها ما يسمى بالسوق الشرق أوسطية ، وهي فكرة أمريكية صهيونية تستهدف إدماج إسرائيل في المنطقة وإفقاد العرب والمسلمين الهوية والثقافة والتميز الحضاري وبالتالي الانتماء إلى الشرق الأوسط أو عالم المصالح و(البيزنس) والسلام - وهو وهم طبعًا-. ثم ما يسمى الانتماء لبحر المتوسط، وهي فكرة أوروبية تحقق أهدافًا قريبة من الأهداف السابقة، أي استبدال الانتماء العربي والإسلامي بالانتماء إلى ثقافة البحر المتوسط، وهذه بالطبع أقل خطرًا من الشرق أوسطية رغم أنها تدمج إسرائيل أيضًا في المنطقة، ولكنها تتعارض شيئًا ما مع المفهوم الأمريكي للمنطقة.
ثم بعد ذلك ظهرت مبادرة (كولن باول) للشراكة والسلام والتنمية، وقد تم رصد اعتمادات وأموال وإنشاء صحف وقنوات فضائية وتليفزيونية للتبشير بتلك القيمة وغيرها، ثم أخيرًا مشروع بوش المسمى بالشرق الأوسط الأوسع نطاقًا، وهو يضم حسب تعريف بوش نفسه العالم العربي + إسرائيل + إيران، وباكستان ، وتركيا ، وأفغانستان؛ أي نطاق عربي إسلامي يقبل باندماج إسرائيل فيه وهو هنا يشبه مشروع الشرق أوسطية المعروف، ثم حديث عن التنمية ، وعن الرخاء وأرقام عن تدني الدخول ، وتدني مستوى المعيشة ، تفشي البطالة و الأمية، وكأن السيد الأمريكي اكتشف ما هو غير معروف لحالتنا. بدهي فإن الوعد هنا الرخاء الاقتصادي وهو وهم طبعًا (فالحدأة لا تلقي بالكتاكيت)، المهم في المسألة أن ذلك كله بشرط دعم اقتصاد السوق، أي تسليك مواسير النهب والهيمنة وإعادة هيكلة المجتمعات لإفقادها الهوية والثقافة، ثم حديث عن دور المرأة وتحريرها، وهو حديث ممجوج من كثرة تكراره وحق يراد به باطل، وكذا دعم مؤسسات المجتمع المدني طبعًا بشروط أن تكون تلك المؤسسات ناشئة في ظل العولمة ووفقًا لمفاهيمها وأجندتها وليست مؤسسات أهلية إسلامية كانت ولا تزال معروفة ومؤثرة، وأخيرًا الحديث التقليدي عن الديمقراطية وحقوق الإنسان ونزاهة الانتخابات ووقف التعذيب والانتهاكات، وهو حديث منافق تمامًا لأنه يمس وترًا حساسًا وصحيحًا، ولكنه نوع من الخيار بين الوهم والجحيم؛ وهم إمكانية تحقيق الحرية عن طريق الاستعمار، وجحيم دعم الحكومات المستبدة نكاية في أمريكا. وينبغي بالطبع أن نكون موقفًا مركبًا يرفض الاستعمار ويرفض الاستبداد في نفس الوقت.
دكتاتورية ونفاق
على كل حال فإن الحديث المنافق عن الديمقراطية وحقوق الإنسان يستدعي قدرًا أكبر من المناقشة ووضع النقاط على الحروف، فبداية فإن الذي صنع الديكتاتورية وصنع التطور الاجتماعي الصحيح في المنطقة هو الاستعمار ذاته وأمريكا وإسرائيل تحديدًا، وجورج بوش نفسه اعترف بأن أمريكا دعمت الاستبداد في المنطقة لمدة ستين عامًا، وقد آن الأوان لوقف هذا الخطأ والجزء الأول من كلام بوش صحيح؛ وبالتالي ينبغي لإصلاح الخطأ الاعتذار ودفع التعويضات للمتضررين وهم كثير من الذي انتهكت حرياتهم ومحاكمة المسؤولين عن ذلك أمثال كسينجر وكلينتون وبوش الأب وفيهم من لا يزالون أحياء مثلا !! أما الجزء الثاني من كلام بوش فهو نفاق محض ، ذلك أن أمريكا نفسها لا تطيق ولا تقبل حكومات منتخبة ومقبولة شعبيًّا ولا تقبل بديمقراطية حقيقية في المنطقة؛ لأن ذلك يقود مباشرة إلى ظهور التيار الإسلامي وثقافة المقاومة وهما خطر على المشروع الأمريكي الصهيوني قطعًا ، ثم إن التاريخ القديم والحديث بل والآتي للولايات المتحدة لا يبشر بذلك؛ فهي أولاً دولة قامت على إبادة شعب آخر ثم استرقت السود ثم مارست طوال تاريخها العدوان على الآخرين وارتكبت من المذابح ما يكفي لتسويد صفحتها، ثم هي التي أسقطت الديمقراطيات ودعمت المستبدين وتآمرت ضد زعماء وطنيين .. إلخ .. ثم هي نفسها التي تدعم إسرائيل التي تنتهك كل حقوق الشعب الفلسطيني يوميًّا على مدار الساعة، وهكذا فإن الحديث عن الديمقراطية أمريكيًّا هو نفاق محض، أضف إلى ذلك أنه على مستوى اللحظة والراهن؛ فإن أمريكا قد ثبت كذبها في موضوع الديمقراطية وحقوق الإنسان في كل من أفغانستان والعراق فلم تحقق في أيٍّ من البلدين لا الرخاء ولا الأمان ولا الديمقراطية؛ بل العكس كان هو الصحيح على طول الخط، فالبطالة زادت والمعاناة الاقتصادية تفاقمت والأمن والأمان ضاعا تمامًا، فضلا عن فقدان الاستقرار والكرامة.
أمريكا فقدت المصداقية(70/179)
وعلى مستوى الأحداث الجزئية ذات الدلالة؛ فإن قيام القوات الأمريكية بقتل أسرى قلعة جانجي في أفغانستان، وإصدارها الأوامر بقتل كل أسير ينتمي لطالبان والقاعدة، ثم ما حدث ويحدث في معتقل جوانتانامو، وكذا الممارسات القمعية والتمييزية والعنصرية ضد العرب والمسلمين في أمريكا كلها تقول بأن فاقد الشيء لا يعطيه وأن حديث أمريكا عن الديمقراطية هو نفاق محض.
في هذا الصدد فإن أحدًا لا يصدق أمريكا حتى الأمريكيين والأوروبيين بل والمتعاطفين مع النموذج الأمريكي بين المثقفين العرب؛ فالمفكر الأمريكي (فوكوياما) صاحب نظرية " نهاية التاريخ " التي بشر فيها بسيادة الليبرالية الغربية يرى أن دعوة أمريكا إلى الديمقراطية تفتقر إلى المصداقية، والصحفي البريطاني (روبرت فيسك) يقول الشيء نفسه مع إضافة أن أمريكا تدعم الطائفية وتمنع الديمقراطية في العراق؛ بل ويقول: إن الغرب نفسه هو الذي منع التطور الديمقراطي في المنطقة؛ فبريطانيا مثلاً هي التي منعت بالقوة التطور الديمقراطي في مصر في الثلاثينيات من القرن الماضي. والدكتور (عبد المنعم سعيد) وهو مفكر مصري وصحفي بالأهرام ورئيس مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية وهو بالمناسبة مع النموذج الأمريكي وضد المقاومة ومع التطبيع .. إلخ اكتشف أخيرًا أن الاستثناء الأمريكي بخصوص الديمقراطية قد انتهى، وأن المدينة المضيئة على التل قد أصبحت معتمة!! وأن هناك أيديولوجية شوفينية بدأت تترعرع في أمريكا ذاتها.
الجديد في المبادرة
الجديد في مبادرة الشرق الأوسط الكبير هو أن الأمريكان قد لجأوا هذه المرة إلى إشراك الأوروبيين في المسألة، وهذا بالطبع جاء تحت ضغط المقاومة العراقية التي يمكن أن تتحول إلى حالة عربية إسلامية وتكون خطرًا على المشروع الغربي برمته وليس المشروع الأمريكي فقط، وأمام مثل هذا الخطر؛ فإن أمريكا تتخلى عن غطرستها وتشرك الأوروبيين معها والأوروبيون يتنازلون عن مصالحهم المتعارضة مع أمريكا لمواجهة هذا الخطر ويشاركون الأمريكيين في المسألة، وهذا ما يفسر قبول الأوروبيين بالمشاركة في المبادرة، بل وتتخلي ألمانيا عن معارضتها لأمريكا عمومًا وهكذا أقوال وزير خارجيتها التي تصب في دعم أمريكا تمامًا، وهذا الموقف ليس جديدًا لا على أوروبا ولا على أمريكا؛ فهناك بالطبع تناقضات مصالح بين هذه الدول وبعضها ولكنها تناقضات ثانوية في النهاية يتم تسويتها باقتسام الكعكة أو زوالها بظهور خطر حقيقي عليها كلها مثل خطر المقاومة والتاريخ مملوء بنماذج لزوال تلك التناقضات الثانوية مثل ترحيب فرنسا بالاحتلال الإنجليزي لمصر 1882؛ وذلك لذبح الثورة العرابية لأنها كانت تشكل خطرًا على المشروع الاستعماري الأوروبي بأكمله وقد قال ذلك مباشرة وزير خارجية فرنسا في إطار تهنئته للإنجليز بهزيمة عرابي ، والأمر نفسه حدث في الاتفاق الودي الفرنسي الإنجليزي عام 1904 والذي ضربت فيه فرنسا الحركة الوطنية المصرية في ظهرها بعد أن أظهرت لها التأييد قبل ذلك وهو نفسه ما يفسر الموقف الفرنسي "الضمير الفرنسي المطاط" في الموقف من العراق منذ عام 1990 وحتى الآن والموقف الألماني مؤخرًا والموقف الروسي "السوفيتي" عام 1967..، وغيرها من الأمور التي تبدو غير مفهومة بعض الوقت ما لم يتم وصفها في إطار نظرية التناقضات الثانوية التي تزول أمام التناقض الجوهري وهو التناقض بين الحضارة الإسلامية ككل والحضارة الغربية ككل!
صناعة خارجية مرفوضة
بقي أن نقول إن تلك المبادرات تأتي بطريقة فوقية، فلا الشعوب شاركت في مناقشتها - وهذا طبيعي - ولا حتى الحكومات الصديقة للغرب تم استشارتها وهذه إهانة لها! وهي مبادرات على طريقة القص واللصق، ومهما كانت النية وراءها؛ فإن الجسم العربي الإسلامي سيرفضها بالضرورة بحكم التكوين الحضاري والثقافي وبحكم الحساسية التاريخية وبحكم أنها صناعة خارجية.
===========(70/180)
(70/181)
"الدور العربي" في العراق كما تريده أمريكا !
علي حسين باكير/ لبنان 5/3/1427
03/04/2006
يفتقد الدور العربي في أحداث وتطورات المنطقة إلى الاستقلالية في اتخاذ المواقف ، وضبابية الرؤية والارتجالية فيما يتعلق بالقرارات المصيرية ذات الأبعاد السياسية والاقتصادية والثقافية المتصلة ببلدان وشعوب المنطقة العربية . وهذا الدور يشبه إلى حد كبير دور من يسعى لإضفاء الشرعية على عمليات غسيل الأموال، بمعنى شرعنة ما هو غير شرعي أصلا . فالدور العربي فيما يُسمّى بعملية السلام هو عملياً شرعنة وجود إسرائيل, والدور العربي فيما يُسمّى الحرب على الإرهاب - في جانب كبير منه - هو شرعنة الحرب على الإسلام باسم "مكافحة الإرهاب ", و أخيراً الدور العربي في العراق، و الذي لا يأتي" لشرعنة " الاحتلال فقط، و ذلك لأنّ "الشرعنة " قد تمّت منذ فترة، و إنما لمساعدة الأمريكيين على الخروج من الجحيم العراقي . الدور الذي تريده أمريكا هذه المرّة من العرب هو في العراق المحتل ، و لكن ماذا تريد أمريكا؟
الجواب كتبه (أنتوني كوردسمان) الباحث المختص بقضايا الشرق الأوسط و خاصّة العراق في مركز الدراسات الإستراتيجية و الدولية في واشنطن في مقال له بعنوان: "الدور العربي في العراق"، و اقترح فيه إستراتيجية عربية تجاه العراق تقوم على:
أولاً: تعاون العرب التام مع الحكومة العراقية، و التحالف، و ذلك من خلال تقديم الدعم الدبلوماسي، و فتح السفارات، و التواجد على الأرض في العراق أقلّه في المنطقة الخضراء التي تؤمن قدراً من الحماية تحت المظلة الأمريكية .
ثانياً: إلغاء ديون العراق كي لا يكون هناك عبء على الحكومة الجديدة، و تقديم مساعدات معتبرة للحكومة التي ستقوم بتوزيعه بدورها بشكل عادل على الشعب العراقي، و في كافة المناطق.
طبعاً نحن مع الغاء ديون العراق، و لكن لماذا لا تلغي الدول الأجنبية ، و التي دمّرت العراق و شعبه ديونها أولاً، و تقدّم هذه المساعدات التي يتكلم عنها، و تُرجع الحكومة الأمريكية ما سرقته من أموال النفط مقابل الغذاء، و من ثمّ ما سرقه بريمير و الأحزاب و الميليشيات الشيعية، و بعدها لا ضير في أن يأتي الدور العربي.
إنّ ما يريده (كوردسمان) من هذا الاقتراح هو في الحقيقة دعم الحكومة العميلة، و استنزاف الفوائض البترولية التي تمّ تحقيقها مؤخراً, بمعنى أن يكون العرب البقرة التي تحلب الأموال مقابل كل الحروب التي تخوضها أمريكا على الساحة العربية الإسلامية ، و حتى التي تخوضها ضدّ الطبيعة "كاترينا", أمّا فقراء المسلمين، و ضحايا الزلازل منهم، و أسرهم و أبناؤهم فنرى ما تستطيع الأمم المتحدة تقديمه في هذا الخصوص!! هذا هو منطقهم.
ثالثاً: المساهمة و المساعدة في الموضوع النفطي، و تدريب كوادر عراقية ذات خبرة!!
و هذا معناه الاستغناء عن كل العراقيين أصحاب الكفاءة في هذا المجال، و استبدالهم بموظفين جدد على توافق مع أفكار و توجهات الأمريكيين، و يكونون خدماً مطيعين عندهم للسيطرة على القطاع النفطي، و ضمان ألاّ يتسلم هذا القطاع أناس ممن كانوا سابقاً فيه.
رابعاً: إغراء السنّة العرب بأن المساعدات ستصل إليهم، و إلى مناطقهم فور إنهائهم "للتمرد "، و المشاكل الأمنية كما يقول.
و هذا معناه حقيقة نقل رسالة تهديد واضحة عبر العرب بأنّه إذا لم ينخرط أهل السنّة في المشروع العراقي الجديد, فسيقوم الأمريكيون و أعوانهم بتدمير المدن السنّية، و المناطق التي ينطلقون منها. و طبعاً حرصوا على إعطاء بعض النماذج في الفلوجة و تلعفر و الرمادي و غيرها من المناطق التي سوّوها بالأرض.
خامساً تكثيف الضغوط على سوريا و إيران لتحقيق الاستقرار و الأمان في العراق.
سادساً: مراقبة الحدود المشتركة مع العراق جيداً، و منع أي شباب متطوعين من الانخراط في أعمال "التمرّد" العراقي.
و هو هنا يطلب من الحكومات إلغاء الإيمان و الكرامة و العزة حتى لدى الشباب، و لا ينسى أن يذكّر الحكومات بقوله: إنّه مهما كانت دوافعهم اليوم (أي الشباب المتطوع) فإنّهم سيشكلون تهديداً للتطور، و للحضارة، و للنمو في العالم العربي غداً!!
سابعاً: العمل مع الحكومة العراقية لمنع التدخل الإيراني، و طبعاً ذلك لا يعجب المسؤولين العراقيين الشيعة، و لكن يجب ألاّ يكون الجيش عبارة أيضاً عن مجموعات طائفية و عرقية.
إذاً هو في هذه الفقرة يعترف بأنّ الحكومة و الشيعة منها خاصّة موالون لإيران بقدر ما هم موالون لأمريكا و أكثر قليلاً أيضاً. و هو كذلك يعترف بأنّ الجيش الذي تعدّه أمريكا و تستعين به لتدمير المدن المقاومة هو جيش عنصري طائفي ، و لو كان عكس ذلك لما تكلم (كوردسمان) عنه بهذا الخصوص.
أخيراً و ليس آخراً ينصح (كوردسمان) الدول العربية باتّباع نموذج الأردن و بعض دول الخليج!! و ينصح بعض الدول أيضاً بأن تقدم ما لديها من مساعدات عسكرية من دبابات و عربات عسكرية قديمة لديها للجيش العراقي!! و لا ينسى أن يضيف "عراق اليوم لم يعد يشكل تهديداً عسكرياً ( بالطبع لإسرائيل ) !!(70/182)
نعم هذا هو العراق الجديد الذي يتحدثون عنه، و بإمكانكم مقارنته مع ما يقولون: إنّه كان عراق صدّام حسين و استخلاص العبر:
العراق القديم كان:
1- الأول في إنتاج النفط في العالم بعد المملكة العربية السعودية و قبل الحصار، و من ثم التدمير, و أصبح عراق اليوم الذي كان يوزع المنح النفطية، و الهبات يستجدي بضع جالونات من البنزين لعدد محدود من السيارات!!
2- عراق الأمس صاحب الاكتفاء الذاتي من القمح أصبح يستورد كل ما يحتاجه من القمح من إيران و أمريكا!!
3- عراق الأمس صاحب الاكتفاء الذاتي من الكهرباء، و الذي استطاع في ظرف أسبوع إعادة الكهرباء إلى كامل العراق بعد تدمير الشبكة تدميراً كلياً من قبل قوات الحلفاء في عملية ثعلب الصحراء, أصبح اليوم يشتري الكهرباء من إيران، و بالكاد ينير مكاتب المنطقة الخضراء و بعض مؤسسات و مناطق الأحزاب العميلة.
4- عراق الأمس صاحب المياه و نهري دجلة و الفرات يموت اليوم عطشاً!!
5- عراق الأمس صاحب الجيش العريق و القوي و المعدات المتطورة قبل الحصار و التدمير يستجدي اليوم بعض الآليات و العربات العسكرية "القديمة" ممن يحب أن يتبرع له بها!!
6- عراق الأمس صاحب الثروة العلمية و الساعي للتكنولويجا النووية و أبو العلماء العرب أصبح اليوم يستنجد بالخبرات الأجنبية، و يعيّن مستشارين غربيين في جميع القطاعات الرسمية و الخاصة!!
7- العراق القديم الذي كان خالياً من الصهيونية و الفارسية أصبح اليوم مرتعاً خصباً لهما، و مصدراً منها إلى الدول الأخرى!!
هكذا كان عراقنا القديم، و هكذا أصبح عراقنا الجديد, و من لم يفهم بعد نقول له: هذا هو عراق "الحرية و الديموقراطية" الذي تريده أمريكا نموذجاً للمنطقة العربية !!
============(70/183)
(70/184)
تطرف اليمين في العالم الغربي .. وكيفية مواجهته..؟
22/4/1424
22/06/2003
لا يمكن أن ينكر متابع أن الحرب التي شنتها أمريكا أولا على أفغانستان ومن ثم على العراق هي حرب دينية .. مع كونها حرب مصالح سياسية..
ولا ينكر أن الرئيس الأمريكي جورج بوش يميل للتيار الأصولي النصراني...
ومع النداءات الغربية والأمريكية على وجه الخصوص على محاربة الإرهاب والذي لايمثل في أحيان إلا صورة الدين الإسلامي ..
برايك..
هل بالغعل أن الحرب التي شنتها أمريكا مؤخرا .. وربما لاحقا تنطلق من منطلقات دينية..؟؟
وما هو دورنا - كمسلمين - في مواجهة موجة التطرف في معسكر اليمين الغربي..؟
وهل ترى أن الحرب على الإسلام من الممكن أن تساهم في وحدة المسلمين ..؟
وما قولك لحكام الدول الإسلامية في مواجهة هذا التيار الغربي المتطرف المتصاعد..؟
=============(70/185)
(70/186)
حرب الحجاب في تونس!
رضا عبد الودود 21/12/1426
21/01/2006
على خطا الغرب وفرنسا تسارع تونس نحو المزيد من التغريب والتقارب مع الغرب على حساب قيم ومعالم الإسلام، متذرعة بالحرية والخصوصية الثقافية بنهج تطويعي لكل القيم والمعتقدات في سبيل إحكام السيطرة على المجتمع المسلم الذي صار أكثر تململاً ورفضاً لمحاولات تهميشه.
وفي هذا الإطار وصف وزير الشؤون الدينية التونسي أبو بكر الأخزوري
الحجاب بـ"الدخيل والنشاز" غير المألوف على المجتمع التونسي، متوعداً باجتثاث الحجاب وكل المظاهر الإسلامية من لحية وجلباب أبيض في المجتمع التونسي.
وأكد "الأخزوري" في حوار مع صحيفة الصباح اليومية التونسية مؤخراً أن "الحجاب زي طائفي يخرج من يرتديه عن الوتيرة"، وأنه يرفض أيضاً ارتداء الرجال للجلباب الأبيض الخليجي الذي يُطلق عليه في تونس "الهركة البيضاء"، وإطالة اللحية، وقال: إن هذه المظاهر تنبئ عن اتجاه معين-وذلك في محاولة لتسييس الزي تمهيداً لتجريمه.
يذكر أن السلطات التونسية تحظر على الإناث الدراسة والعمل في المؤسسات العمومية بالحجاب استناداً إلى قانون صدر سنة 1981 في عهد الرئيس السابق الحبيب بورقيبة يُعرف "بالمنشور 108" ينعت الحجاب بالزي الطائفي. ومع بدء العام الدراسي في سبتمبر الماضي شن مسؤولو التعليم في تونس حملة واسعة النطاق لتطبيق القانون (108). وتم منع الطالبات المتحجبات من دخول المدارس والكليات، وهو ما اضطرهن إلى تغيير شكل حجابهن حتى يوفّقن بين الدراسة والتمسك بالحجاب. كما منعت إحدى المحجبات من إجراء عملية ولادة في إحدى المستشفيات الحكومية التي رفضت مجرد التعامل معها حتى تخلع حجابها في صورة لا إنسانية، لا يطيقها حتى عتاة التغريب في فرنسا أو أوروبا، ومع ذلك ترفض السلطات التونسية التهم الموجهة إليها بمحاربة الحجاب أو أي شكل من أشكال التدين، معتبرة أن ما تقوم به يدخل في باب محاربة ما تصفه بـ"ملابس دخيلة" على العادات والتقاليد التونسية.
لماذا الحجاب مجدداً؟
ويحمل توقيت إثارة قضية الحجاب في تونس مجدداً على لسان وزير الشؤون الدينية الذي أثار كافة الأوساط الحقوقية والاجتماعية في تونس وفي المغرب العربي عدد من المغازي والأهداف السياسية لعل أهمها:
ـ حصر الإسلاميين بعيداً عن المعارضة.
- ضرب جهود التقارب بين التيارات السياسية وقوى المعارضة الإسلامية والقومية والاشتراكية التي بدا صوتها يرتفع بصورة غير مسبوقة لمعارضة نظام الحكم الاستبدادي في تونس، وتحاول الحكومة التونسية تسويق رسالة سياسية مفادها "أن الإسلاميين خطر على المجتمع المدني"، وعلى قوى المعارضة العلمانية الابتعاد عن التيار الإسلامي.
ولعل كثرة الحديث حول الحجاب في تلك الظروف منذ أن ابتعدت الظاهرة عن التسييس وباتت تعبيراً حيوياً عما تعتنقه المرأة في تونس من أفكار وقناعات. لعبت ثورة الاتصالات والفضائيات دوراً كبيراً في إحياء ما حاربته رماح السلطة على مدى عشرية ونصف، إذ لم تعد النهضة ولا تنظيماتها المدنية محفزاً أو مبشراً بما ارتأته المرأة في تونس من خيارات وقناعات، ولكن الديكتاتورية الحاكمة عادت لتجد في المسألة فزّاعة تمزّق بها قميص أي ائتلاف سياسي معارض...
وعلى مستوى أعلى تستهدف تلك الحملة إدخال الدين إلى دائرة الجدل السياسي بعدما اقتنع الجميع بحرية الاختيار والاعتقاد انطلاقاً من أن المرأة حرة فيما تختار أو تعتنق من أفكار ومعتقدات، فإذا كانت الأطراف الدينية لا تمارس الوصاية على لابسات الجينز أو التنورة الفاضحة، ومن ثم فإن خصوم الفكر الإسلامي مطالبون أيضاً بالاعتراف لها أيضاً بحقها في الاختيار إذا ما اقتنعت بزي ترى فيه معبراً عن الحشمة أو القناعات الدينية التي تريد الالتزام بها.
- تأتي تلك الحملة الشرسة على الحجاب كأحد المظاهر الإسلامية في إطار حملة أوسع للحرب على الإسلام، وذلك على حد تعبير الشيخ راشد الغنوشي في تصريحاته مؤخراً مع قناة الجزيرة؛ إذ أكد أن هذا الموقف من الحجاب ليس جديداً بل هو جزء من الحرب على الإسلام التي بدأت، كما قال زعيم النهضة، مع دولة الاستقلال بقيادة الرئيس السابق الحبيب بورقيبة. وأوضح أن منع الحجاب بدأ عام 1981، إلا أن تطبيقه منذ ذلك الوقت شهد صعوداً و انحداراً حسب الظروف. ومنذ عام 1991، تحول الأمر من حرب على الحركة الإسلامية التونسية بوصفها حركة سياسية، ليصبح حرباً على الإسلام نفسه، وعلى كل ممارسة دينية، وتسببت تلك الحرب في هجر آلاف الشباب للمساجد ومنع الحجاب، إضافة لطرد آلاف الفتيات والعاملات والموظفات، بل حُظر على المحجبات التعامل مع مؤسسات الدولة لدرجة منع الحوامل من وضع أحمالهن بالمستشفيات حتى يخلعن الحجاب.
وما يؤكد ذلك تصريحات الرئيس التونسي زين العابدين بن علي في ذكرى إعلان الجمهورية في 25 يوليو الماضي، على أن الحرب على الحجاب مستمرة، وأنه لا عودة للحجاب الذي وصفه بالطائفي. وكانت تأكيدات "بن علي" جاءت رداً على نداءات من داخل تونس وخارجها لإطلاق حرية المرأة في لبس الحجاب.
مغازلة الغرب(70/187)
وعلى صعيد آخر تبدو تصريحات وزير الشؤون الدينية وحملات الحكومة التونسية الأخيرة على المناهج الدراسية وتصفيتها لكل ما يمت للإسلام بصلة تحت شعارات "أكل عليها الزمان وشرب"- من التنوير والإبداع، كرسالة ترغب في توصيلها لحكومات الغرب بعد أن انفضح أمر الحكومة التونسية أمامها لما تمارسه من تضييق على الصحفيين والقضاء على هامش الحرية بل والقضاء على المخالفين للنظام بسبل لا إنسانية، وهو بالتالي يوجه رسالة للقوى الغربية التي بدأت بالضغط عليه من أجل تحقيق انفراج يتعلق بحقوق الإنسان بتونس. معتقدة أن تحركها ضد ما يسمى بـ"الأصولية والإرهاب"، قد يوفر لها فرصة لاستعادة رضا الدول الغربية عنها.
ولعل انتقادات المشاركين في قمة المعلوماتية الأخيرة التي عُقدت بتونس مؤخراً كانت آخر تلك الانتقادات، ومن ثم جاءت حملة التعبئة والتصعيد ضد الصحوة الإسلامية من قبل أجهزة الدولة تعبيراً عن استياء النظام من انكشاف صورته أمام المنظمات الدولية أثناء انعقاد قمة المعلوماتية، وما تعرض له الصحفيون والمعارضون من قمع لفت أنظار المنظمات الحقوقية والإعلامية الدولية.
وفي النهاية لابد من التأكيد على خطورة منحى السلطات التونسية التي تصر على منهج الإقصاء سواء لقوى الإسلاميين أو المعارضة التونسية، مما يهدد دورها الحضاري في صياغة مستقبل تونس السياسي في ضوء من التقارب والتعاضد الوطني إزاء مشروعات التغريب والشرق أوسطية التي تستهدف حصر الدول العربية والإسلامية في جزر منعزلة عن بعضها لتسهيل عملية فرض الأجندة الغربية على شعوبها خدمة لمصالح وأهداف غريبة عن تكوينها الثقافي ومصيرها السياسي...فهل تستمع الإدارة التونسية لصوت العقل بإلغاء القوانين سيئة السمعة وقانون (108) الخاص بالزي الوطني..
============(70/188)
(70/189)
هل تعود الحكومة إسلامية؟
الإسلام اليوم - خاص 17/5/1423
27/07/2002
دقت ساعة الانتخابات فى تركيا إثر الأزمة الوزارية على خلفية الاستجابة لشروط وطلبات الاتحاد الأوروبي لتهيئة تركيا للانضمام إليه، فتوجهت الأنظار إلى الحركة الإسلامية التركية وأوضاعها، تلك الحركة التي وصل للحكم أبرز أحزابها (الرفاه) في انتخابات عام 1995 حيث أصبح الحزب الأول "انتخابيًا " في البلاد.
وسواء أجريت الانتخابات وفقًا لقرار مجلس الوزراء بإجرائها فى نوفمبر من هذا العام، أو جرى تأجيلها إلى العام المقبل وفقًا لمطلب رئيس الوزراء بولاند أجاويد ، أو حتى إذا تم إجراؤها وفقًا لموعدها المحدد فى إبريل عام 2004 ، فإن السؤال الرئيس في كل الحالات هو : ماهي فرص الإسلاميين القادمة؟، وإلى أي مدى أثَّرت الإجراءات والقيود التى وضعها مجلس الأمن القومي التركي والطغمة العلمانية على النشاط الإسلامي- بعد تجربة حزب (الرفاه)- بكافة مجالاته وفى كافة مظاهره ، خاصة فى ضوء الظروف والأجواء الدولية الراهنة بعد الحادي عشر من سبتمبر وما خلفته من حرب على الإسلام والمسلمين، وفى ضوء تصاعد الحوار التركي الأوروبي لضم تركيا للاتحاد الأوربي .
تعددية القوى الإسلامية فى تركيا
القوى الإسلامية فى تركيا - على عكس ما هو شائع- قوى متعددة وواسعة ، شأنها في ذلك شأن أوضاع الحركة الإسلامية في كل أنحاء العالم العربي والإسلامي، ولا تقتصر على حزب (الرفاه) وملاحقه حزب الفضيلة وحزب السعادة.
وإذا كان قد نشط التعرف على الحركة الإسلامية فى تركيا بعد الظهور الكبير لحزب (الرفاه) بقيادة نجم الدين أربكان فى منتصف التسعينات فلا بد من تسلط الضوء عليه .
حصل حزب (الرفاه) على 22.21% من أصوات الناخبين في انتخابات عام 1995 وبذلك تحصل على 158 من مقاعد البرلمان التركي البالغ عددها 550 مقعدًا ليصبح الحزب الأول فى البلاد انتخابيا. غير أن القوى العلمانية خاصة الطغمة العسكرية ممثلة فى مجلس الأمن القومي- وفي إطار تهيئة شروط الانضمام إلى الاتحاد اأوروبي- أشهرت سلاح العلمانية ودستور كمال أتاتورك في وجه الحزب وأطيح بأربكان وتم حل الحزب ، وفي تلك المدة و بضغط من جنرالات العلمانية جرى تشكيل حكومة أقليات بعد أن قدم أربكان استقالة حكومته فى 18 يوليو عام 97 والتي لم تمكث سوى عام واحد !
وقد صدر حكم قضائي ضد أربكان وحزبه فى عام 1998 بحل الحزب وإسقاط عضوية أربكان من البرلمان - رغم أنه استقال من الحزب لتفويت فرصة حل الحزب - وصدَّقت محكمة التمييز فى يوليو الماضي على الحكم بسجن أربكان سنة مع النفاذ ومنعه من ممارسة العمل السياسي لمدة 5 سنوات استنادًا إلى المادة 312 من قانون العقوبات فى دستور أتاتورك والتي تنص على أن حرية التعبير والرأي خارج الدولة الأتاتوركية للدولة يعد جرمَا.
حزب الفضيلة الإسلامي
أسست الحركة الإسلامية حزب (الفضيلة) بديلاً لحزب (الرفاه) بعد حله ، وخاض الانتخابات التالية في عام 1999 وحصل على 110 مقعدًا ليصبح الحزب الثالث في هذه الانتخابات من حيث عدد المقاعد.
وإذا كان القمع هو حال حزب (الرفاه) مع جنرالات العلمانية، فإن حزب (الفضيلة) واجه بدوره الإجراءات نفسها حيث طلب المدعي العام التركي حظر نشاط الحزب رسميًا، ومنع نوابه من ممارسة العمل السياسي لمدة 5 سنوات .
والواقع التركي يؤكد أن الحركة الإسلامية في تركيا أوسع كثيرًا من حزب (الرفاه) وملاحقه، فهناك تيارات وقوى أخرى منها ما يتبع طريق الدعوة السلمية -قرب أو بعد من (الرفاه) -ومنها مايتخذ العنف طريقا؛ لتحقيق أهدافه مختلفا بصورة جذرية مع منهج (الرفاه).
من القوى الإسلامية: (السليمانيون) وهي جماعة إسلامية تعارض بشدة الأتاتوركية والعلمانية ونمط الحياة على الطراز الغربي وفي رأيها أن تركيا (دار حرب ) يجب الجهاد لتحويلها إلى ( دار إسلام ) وتركز نشاطها في مجال المدارس الدينية وفصول تحفيظ القرآن .
وهناك ( الايشيكتشيون) وهي جماعة تولي النشاط الاقتصادي أولوية أولى للوصول للسلطة والقوة ، وهي تملك صحفًا ومحطات تليفزيونية أهمها (تي جي أر تي) ومجلاتٍ إسبوعية وشهرية . وجماعة (فتح الله غولين) وهي تملك أكثر من 20 مدرسة و20 مركزًا تعليميًا، وجماعة (جامعة الفتح) وتملك العديد من المصارف المالية أهمها مصرف آسيا. وهناك غيرهم.
أما الجماعات الجهادية فهي ترفض الصيغة التى يحاول حزب (الرفاه) وملاحقه التعايش من خلالها مع الأوضاع القائمة للوصول للسلطة ، فأهمها (حزب الله ) التركي وهو أهم الحركات صاحبة هذا التوجه وتستهدف إقامة حكم إسلامي من خلال الجهاد ، وهناك مجاهدو الشرق ومنظمة (الحركة الإسلامية) و(اتحاد الجمعيات والجماعات الإسلامية) وهو الشكل العلني الذي تجتمع فيه كل الجماعات الإسلامية، ويقوم بإصدار عدة مجلات مثل: اقتباس-توحيد-شهادات -مكتوب-دعوت-استقلال.(70/190)
ونشير أيضًا إلى أن النشاط الإسلامي نشاط متسع ومتعدد المجالات فهناك دورات القرآن الكريم وقد زادت بمعدل مرتين بين عامي 1970 ( كانت 2610 دورة ) و عام 1990 ( أصبحت 5170 دورة)، وهناك معاهد تخريج الدعاة التى بلغ نصيبها نسبة 48%من إجمالي المعاهد المتوسطة فى تركيا ونسبة 18% من إجمالي عدد المدارس فى المرحلة الثانوية، وهناك نحو 500 صحيفة ومجلة إسلامية، و350 محطة إذاعة وأربع محطات تليفزيونية ...إلخ
القوى العلمانية واضطهاد الإسلاميين
رغم هذا الاتساع والتوسع إلا أن الحركة الإسلامية تعاني من اضطهاد شديد فى تركيا.وإذا كان ما حدث مع أربكان وحزب (الرفاه) مؤشرًا على ذلك إلا أن ثمة تاريخًا طويلاً من الاضطهاد.ونشير هنا إلى إعدام رئيس الوزراء التركي عدنان مندريس عقب الانقلاب العسكري فى عام 1960 بحجة إنقاذ وحماية العلمانية من الخطر الديني الإسلامي الذي قام بتنشيطه ولعب دوراً مهماً في نشره !
وقد تكرر الأمر نفسه فى انقلاب عام 1971 الذى بُرر وقتها بإنقاذ العلمانية من الخطر الذى يحيق بها بسبب التصاعد فى المد الإسلامي ، وكان الانقلاب الثالث الذي قاده كنعان افرين في عام 1980 للسبب نفسه ، بل كان السبب المباشر لهذا الانقلاب هو مهرجان تحرير القدس الذى نظمه حزب (السلامة الوطني) والذي تحول للمطالبة بإقامة دولة إسلامية ورفض العلمانية وقام ايفرين - صاحب مقولة: عند الشريعة فالانقلاب مشروع - بحظر الأحزاب السياسية وسجن قادتها وعلى رأسهم - بطبيعة الحال- (حزب السلامة الوطني) بزعامة نجم الدين أربكان ، وقد تواصل الاضطهاد العلماني ضد الحركة الإسلامية وتوسع في صور ومواقف أبرزها: لائحة المطالب التى وجهها مجلس الأمن القومي التركي لأربكان والتي اضطر معها للاستقالة من رئاسة الوزارة.كما طولب بتنفيذ لائحة احتوت على 20 بندًا منها ضرورة إبراز وإحياء المادة 163 من قانون العقوبات والتي تنص على تجريم أي نشاط سياسي بدافع ديني، وهي مادة سبق وقف العمل بها في عام 1991 ، ومنها منع تشجيع ارتداء الحجاب، ومنها العمل على جعل السياسات التعليمية مشمولة بقانون توحيد نظم التعليم، ومنها تحديد عدد مدارس تخريج الدعاة وتحويل العدد الفائض إلى التعليم المهني، ومنها إيقاف تعيين الموظفين "الأصوليين " في المؤسسات الحكومية ، ومنها المراقبة المالية الدقيقة للمؤسسات المالية التابعة للجماعات الدينية (الإسلامية) ومنع تحويلها إلى قوة اقتصادية ، ومنها مراقبة الإعلام المسموع والمطبوع والمرئي الذي يتخذ منهجًا معاديًا للعلمانية .
ولم يكتف مجلس الأمن القومي التركي العلماني بكل ذلك ففي هذه المدة صدرت قرارات متعاقبة بطرد ضباط إسلاميين ، وأقر البرلمان قانونًا - بضغط من مجلس الأمن القومي- يقضي بوضع المدارس الدينية الخاصة تحت إشراف المؤسسة الدينية الرسمية، وحل الجماعات والفرق الدينية وحظر أنشطتها، ومنع بناء المساجد دون الحصول على موافقة مسبقة من الهيئة الدينية الرسمية ، ووضع البعثات التعليمية إلى الخارج تحت إشراف لجنة مشتركة من وزارات الدفاع، والداخلية، والخارجية، والأمن القومي، ووكالة المخابرات خوفًا من ارتباط الطلاب بتنظيمات إسلامية فى الخارج.
أما واقعة نائبة البرلمان التي طردت منه بسبب ارتدائها للحجاب، فكانت بدورها مؤشرًا على درجة الاضطهاد، ووصفت بأنها رسالة شديدة اللهجة للحركة الإسلامية للدرجة التي ستصل إليها المواجهة ، حيث تم إسقاط الجنسية التركية-إلى هذا الحد- عن نائبة حزب (الفضيلة) مروة كاوكاجى التي أصرت على حضور الجلسة الافتتاحية للبرلمان فى مايو 1999 وهي ترتدي الحجاب فاتهمت بأنها خطر أصولي يهدد علمانية الدولة وأنها تحرض على الحقد العرقي والديني.
فرص الإسلاميين في الانتخابات القادمة
إذا كانت مدة النصف الثاني من العقد الأخير من القرن الماضي قد شهدت تصاعدًا فى المد الإسلامي فى تركيا؛ لعوامل متعددة منها ما هو محلي وما هو خارجي ، فإن المرحلة الراهنة تشهد هجومًا معاكسًا من القوى العلمانية سواء المتربعة على عرش الجيش ، أو القوى العلمانية المدنية، أومن القوى الخارجية.وإذا كانت الطريقة فى المواجهة ضد الحركة الإسلامية لم تعد الانقلابات العسكرية، فإنها أصبحت أشد وأنكى ممثلة في سياسات عزل القادة سياسيا وحل الأحزاب وإسقاط الجنسية وتجفيف المنابع .
وإذا كانت المرحلة السابقة قد شهدت اجواءً أفضل خارجيًا، فإن العوامل الخارجية في هذه المرحلة باتت معاكسة تمامًا لوضع الحركة الإسلامية التركية بشكل خاص ، فإذا كانت تعاني مثلها مثل غيرها من الحرب الأمريكية المعلنة ضد الإسلام والمسلمين-بعد 11 سبتمبر- فإن الحرب على الإسلام في تركيا فرص الأعداء فيها أقوى بحكم سيطرة العلمانيين على الجيش وقوتهم في الحياة المدنية، ويضاف إلى ذلك أن الرغبة فى الانضمام للاتحاد الأوروبي واشتداد التكالب التركي -العلماني-عليه وتزايد أجواء الحوار حول الانضمام تنعكس بدورها تشددًا على الحركة الإسلامية وتضييقًا عليها.(70/191)
وفي ظل هذه الأجواء فالمتوقع ليس فقط الاكتفاء بما هو حادث حاليًا من اضطهاد وإجراءات عقابية، وإنما تصعيده باتجاه قيام المحكمة الدستورية بحظر حزب (الفضيلة) بنفس تهمة حزب (الرفاه)، وإذا كانت الحركة الإسلامية قد جهزت بديله-حزب (السعادة)-فلا شك أن مثل هذا الإجراء سيضعف فرصها في تحقيق نصر كبير فى الانتخابات المقبلة خاصة وأن حل الحزب غالبا ما سيتم قبل الانتخابات بأيام أيا كان موعدها.
ويضاف إلى ذلك أن الحركة الإسلامية ستخوض هذه الانتخابات في ظل غياب قائد الحركة الإسلامية نجم الدين أربكان ، لكن السؤال الأول والأخير الذي سيحدد نتائج الحركة هو إلى أي مدى سيستجيب الشعب التركي للحملات ضد الإسلام والمسلمين داخليًا وخارجيًا؟
=============(70/192)
(70/193)
السقوط المريع
د. محمد بن سعود البشر 22/9/1426
25/10/2005
درسٌ مريرٌ، وعبرة ظاهرة، وتجربة مؤلمة للذين تدافعوا تجاه الأجنبي، وارتموا في أحضانه، وانصهروا في أُنموذجه، وتميّعوا في الولاء لدينهم وفكرهم وثقافتهم.
التجربة المريرة لنُخَبنا، والسقوط المريع للمنتمين لفكرنا، مستخلَص من التصريح الأخير للرئيس الأمريكي الذي أكّد أن دوافعه في حرب بلاده على أفغانستان والعراق، وأهدافه من خلخلة البناء العقدي والثقافي لشعوب الشرق الأوسط إنما هي - بزعمه- استجابة "لأوامر من الرب" تلقاها من السماء ونفّذها على الأرض.
صدع الرئيس الأمريكي بأيديولوجيته في السياسة، وأعلن للمرة الثانية أن غاياته دينية إنجيلية حين تولى كِبر الحرب على الإسلام، وقاد معاونوه الهجمة على المسلمين، أفراداً، وجماعات، وحكومات، وخطّط مستشاروه للتغيير وفق رؤى الإنجيليين وآمال المتصهينين.
إن ذلك من العدو ليس عجباً، نعم ليس عجباً أن نراه واقعاً ملموساً؛ فهو ترجمة لحقيقة أخبر بها القرآن، ومصداق لخبر حدّثت به السنة، وشاهد لأحداث مثيلة أنبأ بها التاريخ، وإنما العجب - كل العجب-، والواقع المستدعي للألم أن تتأمل حال كثير من النخب السياسية والفكرية والإعلامية التي تواطأت مع الآخر بالتأييد الظاهر والباطن لأهدافه حيناً، ودعم وسائل التغيير حيناً آخر، تأييد مصحوب بتدافع المهزوم، ودعم مسنود بتنادي المحموم، لإظهار التقرّب إلى العدو: في الاعتقاد والقول والعمل.
لقد شهدنا بكل حسرة وأسى ارتماءً في أحضان الأجنبي، خوفاً من عقاب، أو طمعاً في مغنم، ذلك الركض اللاهث من أقوام من العرب، وفِئام من المسلمين نحو الأجنبي المحتل كان حصيلة انهزام للذات أثبتت شعوراً بالنفاق البيّن، والتودّد السافر، خوفاً من دائرة تصيبهم، أو طعماً في مغنم ينالهم.
أربع سنوات عجاف تقلّبت فيها أفئدة المحسوبين على النّخب، وتبدّلت فيها مواقف من نظنّهم من الصّفوة.
أربع سنوات عجاف تواطأ فيها أقوام مع الأجنبي، فكانوا معه معاول هدم للمعتقد، ووسائل تشكيك في الثوابت، وأدوات خلخلة للبناء بضمائر مهتزّة، وهُويّة متميّعة، وأفئدة متقلّبة(لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ...)[لأنفال: من الآية37].
هذه هي الأحداث: امتحان للمواقف، وابتلاء للضمائر، واختبار للسرائر، وقبل ذلك وبعده: اختبار للمعتقد والثوابت (فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ) [المائدة:52].
============(70/194)
(70/195)
المأزق الأمريكي في العراق .. وشبح سيناريو فيتنام !
عبد الحق بوقلقول / الجزائر 13/7/1426
18/08/2005
يبدو أن ورطة المحافظين الجدد في العراق صارت نكسة حقيقية ؛ إذ بعد أن كان مجرد الحديث عن إمكانية الإقدام على سحب القوات من هناك يسبب الكثير من المشكلات التي قد ترهن مستقبل أي ناشط في الحياة السياسية غرب الأطلسي، فإن الأمر صار الآن نقطة التقاء تجتمع حولها كل الآراء و العقول، ولا تختلف بينها إلا في لمسات طفيفة لا تعدو أن تكون عن كيفية القيام بذلك، ولم يعد سراً حالياً أن العملاق الأمريكي قد تعلقت أرجله بالوحل العراقي، ولا ينبغي لهذا الوضع غير اللائق بمشروع "القرن الأمريكي السعيد" أن يستمر.
في هذا الإطار جاء مقال أحد أساطين الدبلوماسية الأمريكية في العقود الأخيرة، وأحد أكثر الأسماء حضوراً في مسرح السياسة العالمية أيام الحرب الباردة، وهو هنري كيسنجر كاتب الدولة الأسبق للخارجية الذي خرج علينا بمقال نشرته صحيفة الواشنطن بوست بتاريخ الثاني عشر من شهر آب/أغسطس الحالي تحت عنوان "دروس الانسحاب الإستراتيجي"، وهو مقال في عمومه لا يناقش فكرة الانسحاب -لأنها غدت أمراً غير قابل للنقاش- ولا يتطرق إلا لضرورة الإقدام عليها قبل التورّط أكثر في حرب توضحت أمارات الهزيمة فيها؛ لأنه يبتدئ طرح الإشكالية مباشرة بالاستناد إلى تصريح الجنرال جورج كيزي قائد جيش الاحتلال الأمريكي في العراق، والذي يفيد بأن: "الولايات المتحدة سوف تباشر سحباً جزئياً لقواتها مباشرة عقب تنصيب الحكومة الدستورية التي سوف تفرزها الانتخابات المقررة لشهر كانون الأول/ديسمبر القادم".
من هنا يطرح كيسنجر صلب المشكلة، ويقول: إنه وبناء على تصريحات كيزي فإن: "تحسن الوضع الأمني، واكتمال إعداد تدريب القوات العراقية سوف يسهلان هذا الانسحاب"، بما أنه لا يمكن في الوضع الحالي الحديث عن تحقق هذين المطلبين نظراً لتركز أعمال "التمرد" -كما يسميه- على تسريع هذا الأمر من دون أن ينسى أن يتطرق إلى أن "التمرّد يدرك أنه بتخفيضه لحجم استهداف القوات الأمريكية سوف يعطي الانطباع بأن الحالة صارت تسمح بالانسحاب".
كيسنجر الذي كان من أكثر المتحمسين لمشاريع الدمقرطة في العراق - بالمفهوم الأمريكي طبعا - بات الآن يدرك حجم الخطر الذي يتهدد المفاهيم الأمريكية برمتها؛ لذلك فإنك تجده هنا يحاول إجراء مقاربة بين الحالة العراقية، و الحالة في فيتنام خلال القرن الماضي ، حيث كانت القوات الأمريكية قد واجهت جحيماً لا يُطاق جعل كل مؤسساتها محل هزات كبيرة لم تنته إلا بسيناريوهات تجميلية ، اقتضت سحباً مهيناً لثقلها من ذلك الأتون الملتهب في جنوب شرق آسيا مثلما يذكر الجميع.
الجديد في المقالة التي أعدها كيسنجر هذه المرة هو الإسقاطات الدقيقة التي حملها، ونقاط الشبه الكبيرة بين الحالتين العراقية و الفيتنامية، على الرغم من أن صاحبه لم يتورع عن الاعتراف بالقول: "بالنسبة لشاهد عاصر تلك التحولات التي رافقت التدخل ثم الانسحاب من فيتنام مثلي، تأتي تصريحات كيزي لتحرّك ذكريات مؤلمة. إنه وبالرغم من أن الحرب ما زالت مستمرة فإن هذا الكلام قد يعدم حظوظنا في النجاح"، وهو هنا لا يريد أن يقول بأن الولايات المتحدة منهزمة حالياً بكل ما للكلمة من معنى، فتراه يتفادى ذلك ليقفز منبهاً إلى: "إن سحب أي جندي من العراق سوف لا يعني غير رفع النسبة المئوية للمنسحبين في مقابل مجموع الباقين هناك، وبالتالي خفض قدرة القوات العاملة هناك على التعامل مع الواقع، أي جعل التحليل الإستراتيجي يصير عملاً ارتجالياً".
في مقابل مثل هذه المعوقات التي ستواجه القوات الأمريكية في العراق، يجري كاتب الدولة الأسبق مقارنة بين قرار أمريكا في فيتنام بمحاولة تعويض قواتها هناك بقوى محلية - فيما عُرف تاريخياً بسياسة "الفتنمة"- و هي السياسة التي يقول عنها: إنها كانت قد حققت نجاحات كبيرة: "قامت الولايات المتحدة بين عامي 69 و 1972 بسحب ما مجموعه نصف مليون جندي، و هذا ما جعل من قضية مشاركة الأمريكيين في المعارك البرية أمراً منتهياً منذ سنة 1971، و هذا كان قد تم فعله بطريقة السحب البطيء، بمعدل (400) جندي أسبوعياً في البداية، ثم بواقع (20) جندياً في الأسبوع مع بداية عام 1972".(70/196)
النتيجة التي حققتها تلك السياسة كانت على حسب كيسنجر: "الخلاص النهائي من خطر حرب العصابات بعد فشل هجمات Têt في 1968" وعلى الرغم من أن القول هنا بفشل تلك الهجمات المركزة لقوات الشماليين لا يعدو أن يكون تغطية متعمدة من قبل هذا الدبلوماسي على إخفاقات أمريكية لم تعد سراً على أحد، إلا أن ما يهمنا هنا هو الإسقاط الصريح الذي تحمله المقارنة؛ فكيسنجر مثلما حاول تغطية الفشل الأول يحاول فعل نفس الشيء مع الحالة الراهنة؛ إذ من غير المعقول أن يعترف مثله بهذا حتى و إن قال صراحة: إن "الحالة الأمنية في سايجون و في باقي المراكز الحضرية كانت أفضل بكثير من الواقع الأمني في العراق الآن؛ لأن الموظفين الأمريكيين هناك كانوا يملكون القدرة على التحرك و التجوّل في الشوارع من غير الحاجة إلى التفكير في حمل السلاح، ولا في اصطحاب الحراسة الأمنية؛ بما أن سايجون كانت تملك القدرة على مراقبة نحو 80 % من تراب فيتنام زيادة على أن الجبهة كانت تُرسم من خلال خطوط واضحة تماماً، و حينما استطاع الجنوبيون بمساعدة أمريكية طبعاً، أن يردوا هجمات الشماليين صار هؤلاء الأخيرين يقبلون شروطاً سبق لهم رفضها قبل أربع سنوات من ذلك، مما يعني نجاح سياسة الفتنمة" و لكنه يصر على تبرير الهزيمة التي مرّغت سمعة أمريكا ثلاث سنوات بعد ذلك، فتجده يعزوها إلى الحالة الداخلية المتصدعة في الولايات المتحدة: "كان من الممكن الحفاظ على نجاح الفتنمة لولا أنه -وبعد زمن قليل من ذلك- قام الشماليون بالهجوم في الوقت الذي كانت أمريكا تشهد حالة إعياء نتيجة فضيحة ووترغيت، و قيام الكونجرس بتوقيف كل أشكال الدعم العسكري زيادة على أنه لا أحد من الأطراف التي كانت تضمن اتفاقية باريس فعل أي شيء".
النتيجة التي يخلص إليها صاحب هذه الدروس المجانية هنا قوله: "في الحالة العراقية الراهنة يمكننا الخروج من الدرس الفيتنامي بمبدأين اثنين هما: لا يمكننا الحفاظ على النجاح العسكري حينما نخفق في الحفاظ على السند الداخلي، بالإضافة إلى ضرورة تشجيع عملية إيجاد أرضية دولية يتمكن العراق من خلالها أن يتبوأ مكانته فيها".
إن وقائع التاريخ لا تكرر نفسها بذات الشكل دائماً، و بالتالي فإن كيسنجر لا يفوّت هذه الملاحظة ليقول: "لقد كانت حرب فيتنام حلقة من مسلسل الحرب الباردة، بينما العراق هو حلقة من الحرب على الإسلام الأصولي، و خلال الحرب الباردة كان المهم هو ضمان بقاء الدول (الحرة) المتحالفة مع الولايات المتحدة و الواقعة في المحيط الدائر بالاتحاد السوفييتي"، و هنا مكمن الإشكال بما أن معايير تلك الفترة كانت واضحة، ولا تحتمل تفسيرات كثيرة؛ لأن المصالح الإستراتيجية كانت بينة، والكل كان يسعى إلى تحقيق نفوذه وإدامة نقاط قوته؛ مما يعني أنها كانت حرباً تتركز حول مفاهيم جيوسياسية بحتة بخلاف الراهن الذي يدور حول صدام أيديولوجي يقول عنه الكاتب: "صدام بين ثقافات و معتقدات دينية" مما يعني اعترافاً صريحاً ببطلان مزاعم الدمقرطة و نشر قيم الحرية، مثلما يريد البعض أن يفهمنا.
و لأن القضية تتعدى مجرد الوضع في العراق بالنظر إلى الامتداد الشاسع للرقعة الإسلامية فإن كيسنجر يطرح هنا النتيجة الأهم في مقاله حينما يقول بصريح العبارة: "سيكون لنتائج الأحداث في العراق معانٍ أكثر بعداً من نتائج فيتنام، إن قيام دولة من نمط طالبان أو أي نموذج أصولي آخر في بغداد أو في أي جهة أخرى من العراق سيُولّد موجات ارتداديّة يصل مداها إلى كل العالم الإسلامي، و هذا سبب قول أولئك الذين عارضوا هذه الحرب من بدايتها بأن المخرج الكارثي من المأزق العراقي سيكون ذا آثار خطيرة جداً على السلم بكوكبنا الأرضي -بخلاف فيتنام-".
في هذا الإطار، يتولى كيسنجر مهمة توضيح المأزق فهو، وفق رأيه، يمثل حالة عسكرية معقدة تجعل من العملية الأمريكية هناك أمراً بالغ الصعوبة لأسباب يحصرها في مشكلة جوهرية مفادها أن قوة التمرد في العراق ترجع إلى كونها لا تمثل خط جبهة واضحاً؛ لأن مجال المعركة واسع؛ ويتوزع على كل الأمكنة، وهذا ما يضع الأمريكيين في حالة قتال مع جهة أهدافها -على رأيه- أربعة:
1- طرد كل الأجانب خارج العراق.
2- الانتقام من أولئك العراقيين الذين يتعاونون مع المحتلين.
3- إيجاد حالة من الفوضى تسمح بإقامة حكومة مكونة من إسلاميين مما يعني نموذجاً يحرك الحساسيات الإسلامية في باقي الدول المسلمة.
4- تحويل العراق إلى قاعدة تدريب و إعداد للمعارك المقبلة التي ستكون،على ما يبدو، -حسب كيسنجر دائماً- في مصر و الأردن و المملكة العربية السعودية.(70/197)
مجال آخر للمقارنة بين العراق و فيتنام يستعرضه الكاتب حينما يصل إلى هذه المرحلة من محاولته إيجاد مبررات معقولة للانسحاب مثلما فسر التدخل في البداية، و يتعلق الأمر بقضية نوعية التسليح بين الحالتين ففي الأولى يصف كيسنجر أسلحة الفيتناميين الشماليين بأنها كانت "أسلحة ثقيلة" إلى جانب أن أولئك المحاربين كانوا يتوفرون على ملاجئ آمنة في الدول المجاورة لهم زيادة على أن عددهم كان يقارب النصف مليون فرد في مقابل الحالة العراقية التي يقول: إنه بإمكانه أن يقدر عدد أفرادها ببضع عشرات الألوف من المتمردين مسلحين بأسلحة خفيفة بالإضافة إلى امتلاكهم لقنابل تقليدية الصنع، إلا أن نقطة قوتهم تتمثل- في رأيه-في العمليات "الانتحارية" التي يقومون بها غالباً ضد أهداف مدنية.
و حتى و إن سلمنا بذلك فإن كاتب الدولة الأسبق يجعل الأمر هنا في رقبة الشعب العراقي نفسه؛ لأنه على حسب رأيه سيكون صاحب الكلمة الفاصلة في تحديد مصير هذه الأحداث من غير أن يخفي قلقه من هذا الموقف الذي يرى فيه حالياً: "هدوءاً غير عادي في مقابل مجازر منظمة"، و لكنه لا ينسى أن يضيف إلى الأمر برمته فكرة الإشارة إلى الدور الذي يمكن للمصالح الاستخباراتية لعبه؛ لأن دروس فيتنام أثبتت الأهمية التي تمثلها هذه الجهات في التنسيق بين مختلف الفرق العسكرية العاملة وقتها من خلال القدرة على التوزيع الأمثل للمقدرات و التمكن من رصد تحركات الجهات المعادية و استشراف التصعيد.
لا شك أن المقاومة العراقية تدرك الآن أن إستراتيجيتها في استنزاف القوى الأمريكية قد بدأت تؤتي أكلها، و الواقع الذي لا غبار عليه حالياً يقر هذه الحقيقة إقراراً لا يختلف فيه اثنان إلا أنها، أي المقاومة، تدرك أيضاً من جانب آخر قدرة الأمريكيين على إشاعة النعرات الطائفية، وهي بالمناسبة عين الفكرة التي أحسن كيسنجر الإشارة إليها حينما قارن التنوع المجتمعي في العراق بالخلافات بين الشماليين و الجنوبيين في فيتنام بما يعني توجّه أمريكا حالياً إلى محاولة استدراج مختلف الطوائف إلى المعمعة بتنصيب مخارج سياسية تدخل في إطار "عرقنة" المأزق الذي باتت تتخبط فيه هي نفسها على الرغم من أنها أولاً وأخيراً أول من أوجده.
يقول كيسنجر في هذا المجال: "هل في استطاعتنا في الوقت الحالي الكلام عن جيش وطني؟ تتشكل القوات العراقية أساساً من الشيعة في الوقت الذي تتشكل فيه قوات التمرد من المناطق ذات التقاليد السنية مما يترك الانطباع بتوقع عودة الخلافات بين الشيعة و السنة، و لكن هل ستقوم القوات النظامية بمحاربة السنة؟ وهل سوف تقبل مرجعياتها بانصهار ميليشياتها ضمن إطار وطني؟ ... إن نجاح إستراتيجية القضاء على التمرد تتركز أساساً على مدى نجاح سياسة إدماج القيادات السنية ضمن المسار السياسي؛ لأن فشل هذا سيكون بمثابة توطئة للحرب الأهلية".
و حول ما إذا كان من المتوقع أن تتطور الوضعية الدستورية في العراق إلى درجة أن تتشكل هناك دولة متجانسة الأطراف تحظى باستقرار ضروري للمؤسسات فإن كيسنجر يعترف بصعوبة المهمة؛ لأنها مثلما قد تكون مقدمة لتطور ديموقراطي سوف يمتد إلى كل منطقة الشرق الأوسط، قد تتحول في حالة الإخفاق الأمريكي، إلى نواة مأزق ينتشر بعدها حتماً إلى ما لم يمكن تحديده و احتواؤه، ومن هنا لا يقترح هذا الدبلوماسي المخضرم سوى: "ضرورة الإسراع بطرح مبادرة دولية تحدد مستقبل العراق، و تبرمج خطة للانسحاب" و ختاماً يعترف بعد كل هذا السيل من المقاربات بالإخفاق السياسي قبل العسكري: "إننا بحاجة إلى مساعدة سياسية أكثر منها عسكرية، تسمح لنا بأن نزرع نمط حكم غربي قادر على إبراز مقدرته على تكييف نظام مجتمعي مع حاجيات ذلك المجتمع".
=============(70/198)
(70/199)
رايس: زيارة "الإملاءات" الجديدة..
د. محمد بن سعود البشر 14/5/1426
21/06/2005
جاءت كونداليزا رايس وزيرة الخارجيّة الأمريكيّة إلى المنطقة العربيّة حاملة حزمة من الإملاءات الجديدة للحكومات والشعوب..
انطلقت من بلادها بعد أن وضعت بنفسها، وجمعت من غيرها ممن هم حولها في المؤسسة السياسيّة والفكريّة "الوصايا" الأمريكيّة للشعوب التي مرّغتها الغطرسة الأمريكيّة العسكريّة حتى ظنت أنها الآن جاهزة لاستيعاب درس "المعلم"!!
حطّت رايس في تل أبيب.. وكانت وقفتها الأولى لتأدية فروض الطاعة لمعقل الصهيونيّة الذي تغلغل في بلادها.. هناك تبسّمت لليهود.. وتمعّر وجهها للفلسطينيين، وصنّفت الجماعات الفلسطينيّة إلى موالية ومحبّة للسلام، ومعتدلة، ومتطرّفة. كانت الجماعات التي تنادي بتحرير الأرض المقدسة هي -بالطبع- المصنفة في خانة التطرّف.
في الأردن.. حاولت رايس أن يمثل الأردنيّون ورقة ضغط على الفلسطينيين حتى لا يغلوا في آمالهم، ولا يشطحوا في تمنيّاتهم، وأن يكونوا واقعيّين "براجماتيّين" في تعايشهم مع جيرانهم اليهود.
ونسيت وزيرة الخارجيّة الأمريكيّة أن علماء السياسة وصفوا هذه النظريّة بأنّها (ملاذ الجبناء).
ذهبت رايس إلى مصر.. انتقدت بشدة الحكومة المصريّة وهي ضيفة عليها.. لا بل عقدت لقاءً خاصاً مع بعض قادة المعارضة في بلد يُفترض أن تتأدب في زيارته، وألا تمارس دور "المفتش التربويّ" على المدير!!
وفي محاضرة عُقدت في الجامعة الأمريكيّة في القاهرة يطالب "الوصي" بتصحيح الأوضاع الداخليّة، ويدعو إلى الحريّة والشفافيّة في الانتخابات.
كان ذلك كله يتم بساقين سافرتين متقاطعتين وابتسامة مجاملة باهتة..
في الرياض احتشمت رايس في اللباس واعتدلت في جلستها، وكانت يداها ملتصقتين بجنبيها، لكن الستر الخارجي لم يمنع سفور المقصد؛ إذ انتقدت موقف الحكومة السعوديّة من دعوات الإصلاح!! ولا نعلم:
أيّ إصلاح تريد؟
إصلاح الدعوات المشبوهة في الخارج أم دعاوى الموالين لها في الداخل؟
أما الإصلاح الحقيقي الذي تريده الحكومة ويوافقها عليه الشعب فإن معاييره ومفاهيمه ربما لا تفقهه رايس، أوهي لا تريد ذلك.
العقل السياسي الأمريكي يدعو إلى الإصلاح، وهو أكبر مفسد في الأرض.. ويدعو إلى الديموقراطيّة وقد نحرها في العراق..
وإلى الشفافيّة السياسيّة، وهو أكبر مدلّس سياسيّ عانت منه الأمم المتحدة والمنظمات الدوليّة..
يدعو إلى الصدق وهو الكذاب الأشِر، بل إن بلاده أكبر مصنع للكذب والدجل؛ يدعو إلى حقوق الإنسان.. وهو يغتالها في "أبو غريب" و"جوانتانامو" و"دارفور" وفي أفغانستان كلها.. وفي غيرها مما لم يصله ضوء الإعلام..
أنا لست معنياً هنا برصد شواهد الظلم والكذب والاستكبار التي تمارسها الولايات المتحدة ضد شعوب المنطقة وحكوماتها، ولكني أقول: إن هذا "الوصي" أو "المفتش" لا بد أن يسمع كلمة "لا" عندما نعتقد أننا على حق في قولها.. وألاّ نقوم لهذا الضيف "احتراماً مطلقاً" أو "موافقة مطلقة".. فالكرامة لا تزال متجذّرة في العربي، فضلاً عن المسلم، وهو ما سمعناه في الرياض
=============(70/200)
(70/201)
في العراق.."حروب قذرة"
محمد أبو رمان / عمان 11/6/1426
17/07/2005
شهدت الأيام الأخيرة تسريبات صحافية وتصريحات متعددة حول تزايد احتمال الانسحاب الأميركي والبريطاني من العراق، وربما ساهمت أحداث لندن في تكريس قناعة لدى الرأي العام في كل من بريطانيا وأميركا بأنّ الحرب على العراق - خلافا للدعاية الرسمية- لم تجعل مواطني هذه الدول بمنأى عن أحداث العنف، بل خرجت عدة تحليلات إعلامية وسياسية تربط بين ما يجري في العراق وبين تفجيرات لندن. في حين كشفت صحف بريطانية عن وثيقة عسكرية بريطانية وأميركية تتضمن خطة عسكرية معدة لسحب أغلب القوات العسكرية من العراق خلال الشهور القليلة القادمة.
وإذا صحت التحليلات السابقة فسنكون أمام مفارقة تاريخية كبيرة، إذ يعد هذا الانسحاب المتوقع في حالات أخرى بمثابة النصر السياسي والعسكري للشعب الخاضع للاحتلال ويوما وطنيا لنيل الاستقلال والسيادة الكاملة وامتلاك أزِمّة القرار السياسي ونهاية الاحتلال العسكري، لكن الواقع العراقي لا يشير إلى أننا أمام هذا اليوم الموعود، بل أمام خطر أكبر من الاحتلال، وهو الفتنة الداخلية التي صعدت ملامحها للعيان. ويبدو الأمر وكأننا أمام حرب عصابات وعمليات متبادلة لا توفر طفلا أو شيخا أو مريضا أو امرأة ضحيتها هو الإنسان العراقي. في الأيام القليلة الماضية قام انتحاري بتفجير نفسه موديا بحياة عدد من المدنيين بينهم عدد كبير من الأطفال الصغار، بينما أعلن الوقف السني العثور على إحدى عشرة جثة تعود لعراقيين من السنة إحداها لإمام مسجد.
لقد تمكن العراقيون في الفترة التي تلت الاحتلال من التغلب على أصوات المتطرفين والمتعصبين، ولعب علماء الدين دورا بارزا في احتواء الأزمات التي نشبت بعد كل محاولة اغتيال لرمز سني أو شيعي أو بعد حالات الصراع على المساجد بين أفراد الطائفتين. إلاّ أنّ يد الاغتيال لم توفر -في الشهور الأخيرة- حتى رجال الدين من السنة والشيعة، وقد وجدت جثث لأكثر من إمام سني وعليها آثار التعذيب، واتهمت القوى السنية ممثلة بهيئة العلماء المسلمين وإدارة الوقف السني في بغداد "منظمة بدر" الشيعية التابعة للمجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق بأنها وراء اغتيالات الأئمة والمصلين من السنة. في المقابل أسس الزرقاوي (زعيم القاعدة في العراق) ما سماه "فيلق الفاروق" لمواجهة "فيلق بدر"، فتحولت العناوين الإسلامية لتصبح اسما حركيا لحرب أهلية وطائفية وعمليات قذرة تجتاح العراق وتقتل الناس في تجاوز لألف باء الأخلاق الإسلامية التي تصون دماء المسلمين وأعراضهم فيما بينهم، وتجعل من السلم الأهلي أمرا مقدسا لا يجوز الاعتداء عليه!.
ومما يزيد الأمور سوءا ويدفع إلى قلق أكبر التقارير المتواترة حول عمليات التعذيب اللا إنسانية التي تتم بحق عراقيين لمجرد الاشتباه بعلاقتهم بالجماعات المسلحة، فهذا التعذيب أخذ منحى خطيرا بعيدا عن الرقابة الشرعية والمنطق القانوني والأخلاقي. في هذا السياق نشرت صحيفة "الأوبزرفر" تقريرا مرعبا (بعنوان سير حياة الشهداء العراقيين مدونة على أجسادهم) حول عمليات تعذيب بشعة للمعتقلين والمشتبه بعلاقتهم بالإرهاب، والغريب أن التقرير يقارن بين عهد صدام والفترة الحالية، ويتساءل كاتبه البريطاني فيما إذا كان العراق يسير باتجاه تقنين وشرعنة التعذيب، ثم يقول: "ما يصدم المرء أن ما حدث ويحدث، يمر تحت أنوف الرسميين البريطانيين والأميركيين، ويعترف البعض بعلمهم بالانتهاكات التي ترتكبها الوحدات التي تتمتع بالدعم المالي الدولي في حربهم القذرة".
ربما أصاب كاتب التقرير في اختياره مصطلح "الحرب القذرة"، إذ أن كل المؤشرات تدل أن العراق يعيش مؤشرات لحروب عصابات أبعد ما تكون عن سيادة القانون والشرائع والأخلاق، هذه الحروب هي نتيجة طبيعية للتعبئة الاجتماعية والسياسية الطائفية السائدة اليوم، أما ما يسمى بالعمليات المسلحة والرد عليها، فهي بمثابة حرب عصابات متبادلة ستكون كفيلة بتحويل العراق إلى نموذج مرعب.
لا نطالب العراقيين اليوم بالانعتاق من القوالب الطائفية والعرقية بقدرة قادر، وأن يعودوا لمفهوم الجماعة الوطنية، فهذا مطلب نظري غير ممكن التحقق في الأمد القريب، لكن ما نطالب به العراقيين أن يضعوا ميثاق شرف يجعل من دماء المدنيين والأبرياء ومن الفتنة الأهلية خطا أحمر لا يجوز الاقتراب منه، وأن يكون هناك هيئة من القيادات الشعبية العراقية تحارب الخطاب التحريضي الطائفي في السياق الاجتماعي والثقافي، بنفس الوقت وضع حد لعمليات التعذيب والتنكيل في المعتقلات والسجون التي تساهم في التعبئة التحريضية وتتنافى مع منطق القانون والأخلاق.
أخيرا لا أعرف إذا كان ممكنا الاستفادة من الفتوى التاريخية التي صدرت عن المؤتمر الإسلامي الدولي في عمان قبل مدة وجيزة والتي تمنع التكفير المتبادل بين الطوائف والمذاهب الإسلامية، وتؤكد على حرمة دماء المسلمين بين بعضهم، فهذه الفتوى مهمة جدا في الواقع العراقي اليوم.
===============(70/202)
(70/203)
الفاتيكان رأس حربة للصهيونية
السيد أبو داود … … … … …8/5/1425
… … … … …26/06/2004
حملة "مليون ضد محمد" التي أطلقها الفاتيكان ليست آخر موقف للفاتيكان ضدّ الإسلام ونبيّ صلى الله عليه وسلم ، فقد أصدر الفاتيكان مؤخّراً بيانا يحذّر فيه النّساء الكاثوليكيّات من الزواج بمسلمين سواء في أوروبا أو خارجها، لأنّ المسلمين متوحّشين ضد النساء، وأن المسيحيّة التي سوف تتزوج من مسلم ستحرم من حقوقها.
فالفاتيكان له حساباته الخاصّة في أوروبا ، فهو يعلم أنّه ضعيف على مستوى الوجود العام، ولذلك يريد أن يركب موجة العِداء للإسلام التي تثار كثيرًا في مؤسسات صناعة القرار في الغرب لكي يستعيدَ بعض توازنه المفقود.
وذلك يذكرنا بما حدث في أوروبا منذ عشرين عامًا عندما ركب موجة العداء للشيوعيّة وحرّك الكنائس الكاثوليكيّة في أوروبا الشرقيّة ضد الشيوعيّة.
وكان الفاتيكان هو الذي حرّض نقابة " تضامن " في بولندا، حيث كانت هي المبادرة بإسقاط النظام الشيوعيّ.
ولأن الفاتيكان يعلم أنّ الشّعار المرفوع الآن هو محاربة الإسلام تحت دعاوى مواجهة الإرهاب، فهو يريد أن يلعب مع الإسلام نفس الدور الذي لعبه مع الشيوعية في السّابق.
والغريب أن القوم يتحدثون عن الحِوار بين الأديان والمحبّة والتّسامح ، فكيف يستقيم الحِوار مع هذه المواقف السلبيّة التي كانت حملة " مليون ضد محمد " أعنفها وأفحشها؟.
والفاتيكان يعلم أنّه ضعيف في أوروبا ولذلك ضغط مؤخّرًا للاعتراف بالجذور المسيحيّة في الدستور الأوروبيّ بعد أنْ تجاهله السّاسة ولم يشيروا إلى هذا الأمر.
والغريب في الأمر أنّه في الوقت الذي يعلن فيه الفاتيكان الحرب على الإسلام نجد المؤسسات الإسلاميّة في البلاد العربيّة والإسلاميّة عاجزة عن العمل وتكاد تكون مشلولة، حتى في الدّعوة الدّاخلية، لأنّها مقيّدة تحت دعوى محاربة الإرهاب.
و من غرائب الأمور أيضا أنّه بينما يسيطر اليمين المسيحيّ على السياسة في أوروبا ... ويرفع بوش شعارات الدين في الانتخابات ويقول: إنّه مرشّح المسيحيّة.. بينما يحدث ذلك يحذّرنا الغرب وأتباعه في ديارنا من التداخل بين الدّين والسياسة!!
مُحارَبة ُالإسْلام
إنّ الضّغينة والحُنق على الإسلام والرّغبة العنيفة في إقصائه هي أهمّ أهداف الحملة الصّليبيّة على جنوب السودان، إنّها تدرك أنّه لو نفذ الإسلام إلى هناك فإنّ ذلك مدعاة لانتشاره في كامل القرن الإفريقي ومنابع النيل ومنطقة البحيرات، وهي مناطق استراتيجية هامّة ومفصل حركة القارّة، وهذه ميادين لا مساومة فيها؛ ومن ثَمّ سعت الكنيسة إلى نفي كل أثر يتعلق به من الجنوب، لقد كتب (اللورد كتشنر) عام 1982م قائلاً: "ليس من شك في أن الدين الإسلامي يلقى ترحيباً حاراً من أهالي هذه البلاد فإذا لم تقبض القوى النّصرانيّة على ناصية الأمر في إفريقيا فأعتقد أنّ العرب سيخطون هذه الخطوة، وسيصبح لهم مركز في وسط القارة يستطيعون منه طرد كافة التأثيرات الحضارية إلى الساحل، وستقع البلاد في هذه العبودية". ويشرح القس (أرشيد كون شو) الأمر فيقول عام 1909م: "إنْ لم يتمّ تغيير هذه القبائل السوداء في السنوات القليلة القادمة فإنّهم سيصيرون محمّديّين؛ إذ إنّ هذه المِنطقة مِنطقة استراتيجيّة لأغراض التنصير، إنّها تمتد في منطقة شرق إفريقيا في منتصف الطريق بين القاهرة والكاب". ثم يقول: "إنْ كانت الكنيسة في حاجة إلى مكان لإيوائها فهو هنا لصدّ انتشار الإسلام، والقضاء على تعاليم النبيّ الزائف". ونحن نقول: وهو تماماً ما تمت التوصية به في المؤتمر الإرسالي العالمي بأدنبرة عام 1910م: "إنّ أول ما يتطلب العمل إذا كانت إفريقيا ستكسب لمصلحة المسيح أن نقذف بقوة تنصيريّة قويّة في قلب إفريقيا لمنع تقدّم الإسلام".
التنصير وسيلتهم الخبيثة
التّنصير حركة سياسيّة استعماريّة بدأت بالظهور إثر فشل الحروب الصليبيّة بغية نشر النصرانيّة بين الأمم المختلفة في دول العالم الثالث بعامّة، وبين المسلمين بخاصة بهدف إحكام السّيطرة على هذه الشعوب .
ويساعدهم في ذلك انتشار الفقر والجهل والمرض في معظم بلدان العالم الإسلاميّ، والنفوذ الغربيّ في كثير من بلدان المسلمين، وضعف بعض حكام المسلمين الذين يسكتون عنهم أو ييسرون لهم السّبل رغبًا ورهبًا أو نفاقًا لهم .
ويعد "ريمون لول" أول نصرانيّ تولّى التبشير بعد فشل الحروب الصليبيّة في مهمتها؛ إذ إنّه قد تعلم اللّغة العربيّة بكل مشقة وأخذ يجول في بلاد الشام مناقشاً علماء المسلمين .
ومنذ القرن الخامس عشر وأثناء الاكتشافات البرتغالية دخل المبشرون الكاثوليك إلى إفريقيا وبعد ذلك بكثير أخذت ترد الإرساليات التبشيريّة البروتستانتيّة إنجليزيّة وألمانيّة وفرنسيّة .
وكان للمنصّر "هنري مارتن "ت 1812م يد طُولى في إرسال المنصّرين إلى بلاد آسيا الغربيّة وقد ترجم التوراة إلى الهنديّة والفارسيّة والأرمنيّة .
وفي عام 1795م تأسست جمعية لندن التنصيريّة وتبعتها أخريات في اسكوتلاندة ونيويورك .(70/204)
وفي سنة 1819م اتفقت جمعيّة الكنيسة البروتستانتيّة مع النصارى في مصر وكوّنت هناك إرسالية عُهد إليها نَشْر الإنجيل في إفريقيا .
وفي سنة 1849م أخذت ترد إرساليات التبشير إلى بلاد الشام وقد قامت بتقسيم المناطق بينها .
وفي سنة 1855م تأسست جمعية الشبان المسيحية من الإنجليز والأمريكان وقد انحصرت مهمّتها في إدخال ملكوت المسيح بين الشّبان كما يزعمون .
وفي سنة 1895م تأسّست جمعيّة اتحاد الطلبة المسيحيّين في العالم ، وهي تهتم بدراسة أحوال التلاميذ في كل البلاد مع العمل على بثّ روح المحبّة بينهم (المحبة تعني نَشْر النصرانيّة) .
وجاء "صموئيل زويمر" وكان رئيس إرساليّة التنصير العربيّة في البحرين، ورئيس جمعيات التنصير في الشّرق الأوسط، وكان يتولى إدارة مجلّة العالم الإسلاميّ الإنجليزية التي أنشأها سنة 1911م وما تزال تصدر إلى الآن من هارتيفورد ، دخل البحرين عام 1890م ومنذ عام 1894م قدمت له الكنيسة الإصلاحية الأمريكية دعمها الكامل . وأبرز مظاهر عمل البعثة التي أسّسها "زويمر" كان في حقل التطبيب في مِنطقة الخليج، وتبعا لذلك فقد افتتحت مستوصفات لها في البحرين والكويت ومسقط وعمان، ويُعَدّ " زويمر" من أكبر أعمدة التنصير في العصر الحديث وقد أسس معهدا باسمه في أمريكا لأبحاث تنصير المسلمين.
خلف "كنيث كراج " "صموئيل زويمر" على رئاسة مجلة العالم الإسلاميّ ، وقام بالتدريس في الجامعة الأمريكيّة بالقاهرة فترة من الوقت، وهو رئيس قسم اللاهوت المسيحي، في هارتيفورد بأمريكا وهو معهد للمنّصرين ومن كتبه ( دعوة المئذنة ) صدر عام 1956م .
أما "لويس ماسينيون" فقد قام على رعاية التنصير في مصر وهو عضو مجمع اللّغة العربيّة بالقاهرة، كما أنّه مستشار وزارة المستعمرات الفرنسية في شؤون شمال إفريقيا .
ويرى بابا الفاتيكان بعد سقوط الشيوعية أنّ من مصلحة الكنيسة ومصلحة رجال السياسة توجيه عموم الشعب المسيحي نحو خصم جديد يخيفه به وتجنده ضده والإسلام هو الذي يمكن أن يقوم بهذا الدور في المقام الأول، ويقوم البابا بمغادرة مقره بمعدل أربع رحلات دوليّة لكسب الصّراع مع الأيديولوجيّات العالميّة وعلى رأسها الإسلام ، وتوجد بلايين الدولارات تحت تصرّفه للإنفاق منها على إرسال المنصّرين، وإجراء البحوث، وعقد المؤتمرات، والتخطيط لتنصير أبناء العالم الثالث وتنظيم وتنفيذ ومتابعة النشاط التنصيريّ في كل أحاء العالم وتقويم نتائجه أوّلا بأوّل .
مّنْعُ الوَحدة الإسلاميّة هدفُهمg
يقول "القس سيمون" : "إنّ الوَحدة الإسلاميّة تجمع آمال الشعوب الإسلاميّة وتساعد على التملّص من السيطرة الأوروبيّة، والتبشير عامل مهم في كسر شوكة هذه الحركة، من أجل ذلك يجب أن نَحُول بالتنصير باتجاه المسلمين عن الوحدة الإسلامية" .
ويقول "لورنس براون": " إذا اتحد المسلمون في إمبراطورية عربيّة أمكن أن يصبحوا لعنة علىالعالم وخطرا ، أو أمكن أن يصبحوا أيضا نعمة له ،أما إذا بقوا متفرقين فإنّهم يظلون حينئذ بلا وزنٍ ولا تأثير" .
ويقول "مستر بلس" : إنّ الدّين الإسلاميّ هو العقبة القائمة في طريق تقدم النصرانيّة في إفريقيا" . كما دأب المنصّرون على بث الأكاذيب والأباطيل بين أتباعهم ليمنعوهم من دخول الإسلام وليشوّهوا جمال هذا الدين .
يقول "هنري جسب" الأمريكي : "المسلمون لا يفهمون الأديان ،ولا يقدّرونها قدرها إنهم لصوص وقتلة ومتأخرون، وإنّ التنصير سيعمل على تمدينهم" .
أما "لطفي ليفونيان" وهو أرمني ألّف بضعة كتب للنّيْل من الإسلام يقول: "إنّ تاريخ الإسلام كان سلسلة مخيفة من سفك الدماء والحروب والمذابح".
و"أديسون" يقول عن محمد صلى الله عليه وسلم "محمد لم يستطع فهم النّصرانيّة ولذلك لم يكن في خياله إلا صورة مشوّهة بنى عليها دينه الذي جاء به العرب" .
المنصّر" نلسن" يزعم بأن الإسلام مقلد، وأنّ أحسن ما فيه إنما هو مأخوذ من النصرانيّة وسائر ما فيه أخِذ من الوثنيّة كما هو أو مع شيء من التّبديل" .
المبشر" ف.ج هاربر" يقول : "إنّ محمدا كان في الحقيقة عابدَ أصنام ؛ذلك لأن إدراكه في الواقع كاريكاتور" .
المنصّر "جسب" يقول : "إن الإسلام مبنيّ على الأحاديث أكثر مما هو مبني على القرآن، ولكننا إذا حذفنا الأحاديث الكاذبة لم يبق من الإسلام شيء" .
ويقول كذلك : ا"لإسلام ناقص والمرأة فيه مستعبدة" .
المنصّر "جون تاكلي" يقول : "يجب أنْ نُريَ هؤلاء الناس أن الصّحيح في القرآن ليس جديدا، وأنّ الجديد فيه ليس صحيحًا .
أما القس "صموئيل زويمر" فيقول في كتابه العالم الإسلامي اليوم: يجب إقناع المسلمين بأنّ النصارى ليسوا أعداء لهم .
ويقولون أيضاً: تنصير المسلمين يجب أن يكون بوساطة رسول من أنفسهم ومن بين صفوفهم لأن الشجرة يجب أن يقطعها أحد أعضائها .
تحالف الكنائس العالميّة والصهيونيّة(70/205)
الصهيونيّة العالميّة ومعها الفاتيكان ومجلس الكنائس العالمي استبدلوا العدو الغربي القديم بصناعة عدو جديد؛ ليحققوا من خلاله أهدافهم الاستراتيجيّة قريبة وبعيدة المدى, وأرادوا أنْ يضربوا أكثر من عصفور بحجر واحد على النحو التالي:
* يقومون بتصعيد حربهم التاريخيّة ضد الإسلام والمُسلمين بأيدي آخرين, على أن يتمّ تفضيل توريط أفراد ومؤسسات وتنظيمات "ذات واجهة إسلاميةّ" حتى تحدث الفتنة بين المُسلمين وبين بعضهم البعض في الداخل, ومن ناحية ثالثة يوجدون بذلك مُبرّرات للغرب لكي يتدخل في الشؤون العربيّة والإسلاميّة, ويعملون على تحريض دعاة العنف على أوطانهم, واحتضانهم وتغذيتهم بالأموال والسلاح, والدفع بهم إلى داخل بلادهم لارتكاب جرائم غير إنسانيّة, باسم الدين مرة, وأخرى تحت وهم العمل السياسي المُعارض.
* الاستمرار في شَغْل العرب في صراعات مع الغير, حتى يمنحوا الفرصةَ لإسرائيل لتحقيق مآربها في المِنطقة العربيّة, وتنفرد بسياسة يهوديّة تفرضها داخل الأراضي الفلسطينيّة على الوجه الأخص.
* السعي لهز أمن واستقرار المِنطقة العربيّة من حولها, ليقولوا للعالم الغربي :إنّ إسرائيل مُهدّدة من جيرانها العرب, وإنّ عدم استقرار الأمن في المنطقة العربية ينعكس عليها, وبذلك يقومون بتعطيل ووأد مُبادرات السلام, أو عودة الحقوق الفلسطينيّة المشروعة.
* البحث عن جبهات جديدة بعد أن تم تحييد دور كل من مصر والأردن وبعض الدول الخليجية "نسبيًا" في الصّراع العربيّ الإسرائيليّ, وبذلك ترتاح إسرائيل من وجود وَحدة موقف عربيّ يؤثر على مخططاتها, ويحرجها أمام الرأي العالميّ, وفي ذات الوقت يحرم العرب من استمالة المواقف الأوروبيّة التي هي أفضل نسبيًّا, مقارنة بموقف الولايات المتحدة الأمريكيّة, تجاه القضية الفلسطينيّة.
* إفساد العلاقات السياسيّة والتعاون والصداقة بين الدول العربيّة والإسلاميّة والغرب, بتحريك ملفّات تعتمد على النماذج الغربيّة, سياسيًّا واجتماعيًّا, والقيام بتحريض المؤسسات السياسيّة الغربيّة في شكل حثها على فرض مطالب من العرب والمسلمين, تصل لحد التدخل في الشؤون الداخلّة لدول المنطقة.
إنّ خبراءهم يقولون: إنّه توجد خُطّة سرّية لتحويل الأراضي المُقدسة الإسلاميّة في كل أنحاء العالم إلى مناطق" مُغلقة معزولة", يتمّ فيها ممارسة الشعائر الدينيّة, على أنْ تديرها مؤسّّسات دينيّة لا تكون لها علاقات بالسياسات الدوليّة, باستثناء ما يرتبط بأمور الدين البحتة, والقضايا التي تؤثر عليه, وذلك اقتداء بنموذج "الفاتيكان" في إيطاليا, كما أنّ النصائح السياسيّة والتقارير التي تخرج من عباءة المنظمات اليهوديّة وعلى رأسها" الإيباك" في أمريكا, تطلب من الإدارات السياسية الأوروبيّة والأمريكيّة إقامة أنظمة سياسيّة جديدة أكثر مرونة "في مِنطقة الخليج العربيّ" للتعاون بإيجابيّة أكثر تطوّرًا مع أمريكا والغرب.
===============(70/206)
(70/207)
عن الانقسام الطائفي في العراق
د. غازي التوبة 9/4/1428
26/04/2007
عندما وقعت أحداث 11 سبتمبر، وتحدّد فاعلوها حسب تقديرات واشنطن، اتجهت واشنطن إلى إسقاط نظام طالبان، وقد تحقّق لها ذلك بعد أقل من شهرين من سقوط البرجين في نيويورك، ثم رسم بوش محوراً للشرّ جعل فيه ثلاث دول، هي العراق وإيران وكوريا الشمالية، وأصبحت مطاردة الإرهاب هاجس الإدارة الأمريكية، ورسمت خططها كلها انطلاقاً من ذلك الهاجس، واستهدفت العراق بعد سقوط أفغانستان في يد القوات الأمريكية، وادّعت أنّ النظام العراقي يمتلك أسلحة دمار شامل، وأنه نظام مارق، ويتعاون مع الإرهابيين، وبالذات مع أبي مصعب الزرقاوي، وأقرّت إدارة بوش إستراتيجية الحرب الاستباقية من أجل أن تقضي على الإرهاب قبل أن يصل إلى أمريكا، وبناء على كل المسوّغات السابقة شنّت أمريكا حرباً استباقية على العراق في مارس 2003، وقد ثبت بعد تفتيش دقيق في كل أنحاء العراق أنه لم تكن هناك أسلحة دمار شامل، وأنه لم يكن هناك تعاون مع الإرهابيين، فلماذا شنّت أمريكا -إذن- حربها على العراق؟ شنّت حربها من أجل السيطرة على منابع البترول بالدرجة الأولى، وقد تحقّق لها ذلك لكننا نجد نتائج أخرى تمخّض عنها الاحتلال الأمريكي للعراق، وهي الطائفية، وعندما تحدّث بوش في خطابه الأخير في 9/1/2007 عن إستراتيجيته الجديدة، وضّح أنه سيرسل أكثر من عشرين ألف جندي إضافي من أجل ضبط الأمن في بغداد ومحافظة الأنبار، فهل سيكفي ذلك لضبط الوضع الأمني، أم أنّ هذه الزيادة من أجل تغطية الانسحاب الأمريكي من العراق؟ وماذا ستكون النتيجة إذا تم الانسحاب؟ الأرجح أنّ النتيجة ستكون التقسيم الطائفي والمذهبي للعراق.
من الواضح أنّ الإدارة الأمريكية لم تسع إلى هذه النتيجة، لكنها أعلنت حربها على العراق من أجل إزالة الديكتاتورية وإقامة الديموقراطية، و إسرائيل حليفة أمريكا الرئيسة سعت إلى هذه النتيجة، أي إلى التقسيم الطائفي والعرقي للعراق؛ فهي تخطّط من أجل أن تجزّئ المنطقة إلى تقسيمات طائفية وعرقية منذ نشوئها، وقد جاء ذلك في مذكّرات بن غوريون المؤسس الأول لإسرائيل، وقد أشار إلى إمكانية تحقيق ذلك في لبنان، كما أشار إلى ذلك الصحفي الهندي كارانجيا الذي تحدّث عن ذلك في خمسينيات القرن الماضي.
تحقّق أمران نتيجة الاحتلال الأمريكي للعراق: أحدهما لأمريكا والآخر لإسرائيل، فكيف حصلت إسرائيل على جانب كبير من الغنيمة مع أنها لم تكن غازية؟ حصلت بسبب فريقين يؤيّدان إسرائيل:
الأول: فريق المحافظين الجدد الذين يدعمون إسرائيل من مواقع دينية وهم كثر في إدارة بوش بدءاً من ديك تشيني نائب الرئيس، وانتهاء بأمير الظلام ريتشارد بيرل، ومروراً برامسفيلد وزير الدفاع السابق وبول وولفوفيتز أحد المسؤولين السابقين في وزارة الدفاع الأمريكية.
الثاني: فريق اللوبي الإسرائيلي الذي تحدّث عنه الأستاذان الجامعيان: جون جي شايمير وستيفن إم والت في دراستهما التي نُشرت في آذار (مارس) من عام 2006 في مجلة ريفيو أوف بوكس بعنوان "اللوبي الإسرائيلي" والتي تحدّثت عن نفوذ هذا اللوبي، وكانت هذه الدراسة شرحت كيفية تقديم الولايات المتحدة لإسرائيل دعماً يفوق الدعم الذي تقدّمه للدول الأخرى بأشواط، مع أنّ إسرائيل باتت الآن قوة صناعية يوازي ناتجها المحلي الإجمالي الفردي ناتج اسبانيا أو كوريا الجنوبية، فهي مازالت تتلقّى كل سنة مساعدات بقيمة ثلاثة بلايين دولار، أي (500) دولار لكل فرد إسرائيلي، وتحصل إسرائيل أيضاً على صفقات خاصة أخرى ودعم دبلوماسي دائم، وقد تحدّث الدارسان على أنه لا يمكن تسويغ هذا السخاء وفقاً لأسس إستراتيجية وأخلاقية.
هذا ما يمكن أن نذكره عن العوامل الخارجية التي أدّت إلى توجيه الغزو نحو أشياء ليست من صلب الأهداف الأمريكية على الأقل في ظاهر الصورة، فما العوامل الداخلية التي ساعدت على بروز الطائفية والتي تنذر بتقسيم طائفي وحرب طائفية طاحنة في العراق خاصة والمنطقة العربية عامة؟ أبرز العوامل الداخلية هو الفكر القومي العربي الذي حكم العراق منذ نشوء الدولة العراقية تحت حكم الملك فيصل، والذي أرسى قواعده ساطع الحصري رائد القومية العربية، والذي استمر حزب البعث مطبقاً له بقيادة صدام حسين، والفكر القومي العربي الذي أصّل له ساطع الحصري قام بدور الهدم ولم يقم بدور البناء في العراق؛ فهو قد قام بإثارة العنصرية، ومهّد لممارسات غير مقبولة نحو الأكراد من خلال حملة "الأنفال" وغيرها، كما ساهم في توليد ردود الفعل الدينية؛ لأنه طرح نفسه كفكر علماني يريد أن يقتلع الدين الذي اعتبره يمثّل الخرافة، ويولّد الجمود والتأخّر والانحطاط، ليس من خلال نقد علمي فاحص للتاريخ الإسلامي، ولكن من خلال إسقاط دور الكنيسة السلبي المعوّق للنهضة في أوروبا على واقع المنطقة العربي.(70/208)
ثم جاءت ممارسات بريمر بعد احتلال العراق عام 2003 لتؤجج نار الطائفية على أرض الواقع عندما اعتمد المحاصصة الطائفية أصلاً في بناء الدولة العراقية؛ فأنشأ مجلس الحكم الأول بناء على هذه المحاصصة الطائفية، ثم جاء الدستور ليجذّر التوجّه الطائفي في مرحلة تالية، ثم قامت إيران باستغلال الوضع الطائفي في العراق عندما أمدّت بعض الهيئات والأحزاب و الأشخاص بالسلاح والأموال، وأغرقت الجنوب برجال مخابراتها، وساعدت على التطهير الطائفي في بعض الأماكن.
لاشك أنّ هذا التأجيج الطائفي سيحرق الأخضر واليابس في العراق والمنطقة، وعلى العقلاء من الأمّة أن يتداركوا ذلك، وقد جاءت مبادرة الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الذي يرأسه الشيخ يوسف القرضاوي بتاريخ 24/12/2006، والتي دعت إلى التحقيق في حوادث الاقتتال الطائفي عن طريق تكوين لجان تابعة للمؤتمر الإسلامي أو غيره، وإدانة المؤجج لها، والوقوف في وجه فاعليها سواء كانوا سنّة أم شيعة، تصبّ في هذا الاتجاه، وكان على إيران ومؤسساتها وهيئاتها الشعبية أن تتجاوب مع هذه المبادرة، ولكنها تجاهلتها.
فعلى إيران أن تدرك أنّ اللعب بالورقة الطائفية لن يفيدها باستمرار، وإن أفادها مؤقتاً فسينعكس عليها في وقت لاحق، وسيكون حكم التاريخ قاسياً عليها، لذلك فعليها أن تكفّ عن اللعب بهذه الورقة بقصد أن تربح بعض المواقع الطائفية؛ لأنها ستخسر أمّتها أولاً، وسَيُسَوِّد التاريخ صحائفها ثانياً
================(70/209)
(70/210)
الموالون للأجنبي.. أنتم أشد رهبة عليهم..!
د. محمد بن سعود البشر 30/4/1426
07/06/2005
يواجه العالم الإسلامي اليوم موجات متتابعة من العصف الثقافي والسياسي والاجتماعي الذي يستهدف خلخلة البناء، وزلزلة المعتقد والتشكيك في الثوابت، بعضها سافر في المواجهة، والآخر مغلف بدعاوى ظاهرها فيه الرحمة، وباطنها من قبله العذاب.
وليس هذا بغريب في تاريخنا الإسلامي، لكن ما يجعل هذه الموجات التغريبية أشد وطأة علينا اليوم هو قدرتها البارعة واستخدامها الذكي في توظيف نفر من بني جلدتنا ليكونوا أدوات للأجنبي، يبلّغون رسالته، ويستميتون في الدفاع عنها، ويقاتلون بكرة وعشياً لتحقيق غاياتها.
يُسخّرون أسماءهم، ويوظّفون منافذ التأثير عبر الصحافة والأثير للترويج لعقائد المستعمر وتسويق فكر المحتل.
في كل يوم لهم وسيلة.. وفي كل آنٍ لهم قضية.. من يتابع توقيت الزمان، ويحلل بعمق مضامين الرأي يجد أنهم يعملون -بجَلَد الفاسق- لتنفيذ إستراتيجيّة الاختراق من الداخل!!
هؤلاء الذين في قلوبهم مرض قويت شوكتهم بدعم المحتل، وكثر عددهم في مساحات كثيرة من عالمنا الإسلامي، وعلا صوتهم وصراخهم في المؤسسات الإعلاميّة التي تميّعت في الهُويّة، فلم تعد تفرّق -مع هؤلاء- بين حق وباطل، بل ربما شرعت لهم الأبواب على مصاريعها، لتوافق الهوى وتطابق التوجّه، حتى ولو كان ذلك على حساب ثوابت الدين والوطن!!
ولئن كانت مواجهة هؤلاء، وتعريتهم، وكشف زيغهم وأباطيلهم واجبة فيما مضى، فإنها اليوم آكد في الوجوب، ولم يعد لذي دين وعقل وعلم وغيرة أن ينتبذ مكاناً قصياً يرقب المشهد ولا يراغم في تغييره بقدر استطاعته.
والصدارة في المواجهة اليوم للنخب التي تحمل الهم، وتدرك حجم المسؤولية، وخطورة الموقف.
وإن من ضعف الإيمان أن تنفر من كل بلد إسلامي فرقة تلاحق نتاج المستغربين -أدوات المستعمر المحتل- تجمعه، وتحلله، وتربط أوله بآخره، ووسائله بمقاصده، ثم تعلنه، وتطلب مقاضاته ومحاكمته، أو -في أقل حالاته- الردّ عليه، وإعلام الملأ به؛ فهؤلاء لم يعد لهم رادع من دين، ولا حياء من مجتمع.. ولن يتوقف تهافت أطروحاتهم وأساليب ولائهم لثقافة الأجنبي إلا المخلصين من أبناء الأمة "لأنتم أشد رهبة في صدورهم من الله".
==============(70/211)
(70/212)
استراتيجية خطابي بوش وابن لادن!
طلعت رميح 29/2/1425
19/04/2004
الأقدار وحدها هي التي جعلت خطاب أسامة بن لادن ..يصل إلى الناس بعد يومين من خطاب بوش ومؤتمره الصحفي الخاص بالانتخابات، ثم مؤتمره الصحفي مع الإرهابي آرائيل شارون، وهو أمر يوفر فرصة للمقارنة بين الوضع الإستراتيجي للاثنين كما تعكسها خطاباتهما.. ذلك أن الخطاب والمؤتمر الصحفي والبيان لم يصدر في وقت هام وحرج من مراحل تطور الصراع فقط ، ولكن أيضًا لأن كلاً منهما حدد جديدًا يرقى للمستوى الإستراتيجي في التأثير على حالة الصراع ومستقبله، وكذلك كشف الخطاب والبيان الأوضاع الإستراتيجية الحالية التي بات عليها طرفا الصراع . ففي حين طرح بن لادن خطوته السياسية الإستراتيجية الأعلى لشق التحالف الغربي أو لتصعيد حالة العزلة التي أصيبت بها الولايات المتحدة من خلال توجيه عرضه "الصلح مع الأوروبيين" وإعلانه استمرار القتال ضد الأمريكيين، وكذلك في حين أنه عرض صلحًا مشروطًا بخروج الجنود الأوروبيين من أرض المسلمين، وحدد مدة زمنية لذلك، بما يعني أن ابن لادن في حالة هجوم سياسي إستراتيجي يأتي عقب أعمال عسكرية؛ فإن بوش بالمقابل كان في حالة تراجع، بل وتدهور... إذ عاد يلهث خلف الاتحاد الأوروبي الذي سبق أن هاجمه بعنف وقسمه بين أوربا القديمة والجديدة، وعاد متطلعًا إلى دور لمجلس الأمن يخرجه من ورطته المتفاقمة في العراق، والتي ظهر من معالجته لها في الخطاب أنه تحول إلى الدفاع بدلاً من الهجوم، إذ كرر "أنه لن يتراجع ولن يستسلم"، وقال: "يجب أن نبقى صامدين"، و"يريدوننا أن نرحل.. ونحن لن نرحل"، هذا بالإضافة إلى تعبيره "أنه يشعر بخيبة الأمل"... الخ.
اهتزاز بوش وثقة ابن لادن
بدت الكارثة التي أصيبت بها الولايات المتحدة في العراق واضحة على وجه الرئيس الأمريكي ومشيته ولسانه في مؤتمره الصحفي الأخير؛ فقد غابت ابتسامته وهو في مشيته دخولاً وخروجًا من البيت الأبيض إلى الصحفيين والعكس.. لم يعد هو ذلك المنتصر المتباهي الذي شاهدناه يوم أول مايو 2003 على ظهر حاملة الطائرات، يعلن انتصار أمريكا في الحرب، وانتهاء العمليات العسكرية الرئيسة، وهو لم يعد ذلك المرسومة خطواته في وثوق وارتفاع وجهه ورقبته إلى أعلى في خيلاء القوة أثناء لقاءاته بأعضاء الكونجرس، وهو لم يكن في المؤتمر الصحفي نقطة تسقط عندها سهام الهجوم من قبل الصحفيين فقط؛ بل ومطالبًا في أكثر من سؤال بالاعتراف بخطأ الحرب على العراق، بل تلعثم لسانه، وارتبك حينما جاءه سؤال واحد لم يكن عرض عليه قبل المؤتمر.. هو الذي قال ذلك علنًا للصحفي: ليتك أطلعتني على هذا السؤال قبل المؤتمر.. وأنهى المؤتمر هربًا.
أما في مؤتمره الصحفي مع الإرهابي شارون؛ فهو تحدث لما أحدث ارتباكًا في الدوائر الرسمية خاصة الخارجية الأمريكية، الأمر الذي دفع باول ليومين متواليين يحاول التخفيف من هذه التصريحات الخاصة بحق العودة للشعب الفلسطيني..إضافة إلى أنه دفع أوربا إلى اشتباك أوسع مع الولايات المتحدة.
وفى المقابل، ورغم أن أسامة بن لادن لم تظهر صورته، ولم يكن في مواجهة مع جمهور صحفيين يسأله؛ إلا أن الذي تابع الجانب الذي أذيع من البيان يلحظ على الفور وثوق الرجل وصموده، وعدم حدوث أي تغير في نبرات صوته الواثق.. برنة الصبر التي فيه، وأنه كان ينتقل في فقرات الخطاب من الموقف المحدد بعرض الصلح على الأوروبيين إلى التهديد..إلى تحديد وقت محدد لكل خطوة...وكذا هو شدد على استمرار قتال الأمريكيين انتقامًا لمقتل الشيخ أحمد ياسين ..الخ
بوش يتراجع.. وابن لادن يتقدم!
من زاوية التحليل؛ فإن خطاب بوش كان مروعًا لمن تصوروا أن الولايات المتحدة باتت دولة لا تقهر ولا تتراجع؛ فقد جاء مهتزًا ومتراجعًا، فهو عاد إلى كل مفردات لغة الأدب في التعامل مع أوربا ومجلس الأمن الدولي وبات يتحدث عن أن أمريكا ليست قوة إمبريالية، ثم هو لم يهدد ولم يتوعد كما كان عليه الحال من قبل، بل صار يعترف بصعوبة الأوضاع في العراق، ويكرر الصيحة التي أطلقها قائد القيادة المركزية بشعوره بالإحباط، وعندما سئل عن إرسال قوات جديدة لم يقل كعادته أمرت جنود جيشنا بالذهاب، بل قال إن هذا يخضع لطلب القادة الميدانيين- الذين كانوا طلبوا من قبل علنًا أمام شاشات التلفزة- وذلك تعبير عن عدم ثقته في قبول الرأي العام الأمريكي لمزيد من التورط في العراق، وهو عاد مجددًا للتأكيد على تسليم السلطة للعراقيين بغض النظر عن زيف هذا الادعاء.
وفى خطابه إلى الداخل الأمريكى جاءت كلماته في معظمها محاولة لاستدرار العطف من المواطن الأمريكي الذي توجه إليه بالعزاء عدة مرات وفي أكثر من موضع من خطابه..وهو ما أظهر تراجعه أمام تصاعد حركة الأسر الرافضة لاستمرار أبنائها في العراق..وتوسع أعداد من فقدوا ذويهم في العراق.(70/213)
وقد جاء خطاب بوش على خلفية أوضاع خطيرة بالنسبة لأوضاع القوات الأمريكية في العراق..وللوضع الإستراتيجي للولايات المتحدة على هذا الصعيد أيضًا عقب اندلاع ثورة الشعب العراقي في كل أرجاء العراق، وارتباك هذه القوات وطلبها للنجدة والهدنة، والتي كان أهم ملامحها الإستراتيجية انهيار شبه تام لقوات الدول التي نجح الأمريكي في جذب قواتها للعراق للحصول على تغطية لاحتلاله العراق..وتزايد إعلانات الدول التي ستسحب قواتها من العراق بحلول نهاية يونيو..وهو تطور أجبر تشيني على الذهاب في جولة إلى هذه الدول يحاول تثبيت مواقفها. والأهم في تطورات العراق من الزاوية الإستراتيجية أن قوات الاحتلال لم تعد هي الجهة التي تتعامل معها الدول الأخرى على أرض العراق؛ حيث بدأت سفارات الدول الاتصال مباشرة بهيئة علماء المسلمين وبوسطاء لإنهاء حالات الأسر التي صعدت المقاومة منها في الفترة الأخيرة، وما نتج عنها من تحول إستراتيجي هام آخر يظهر أن خطة الولايات المتحدة قد فشلت في جعل المسلمين السنة بلا قيادة سياسية .. وانتهى الأمر إلى أن أصبحت هيئة علماء المسلمين هيئة تحظى باحترام داخلي ودولي؛ وتكاد تصبح هيئة علنية مدافعة ومساندة للمقاومة، وقبل هذا وبعده جاء خطاب بوش ليعكس حالة الهزيمة التي منيت بها القوات الأمريكية في الفلوجة، سواء على صعيد عدم قدرتها - بكل ما تملك من قوة عسكرية وتكنولوجيا- على احتلال المدينة أو على صعيد ما حدث من تمرد ورفض في قوات الجيش والشرطة العراقية المشاركة في اقتحام المدينة الصامدة.
وعلى العكس من ذلك جاء بيان ابن لادن متقدمًا ومهاجمًا؛ فهو يعرض الصلح على الأوروبيين وفق شروطه وتحت تهديد الاستمرار في العمليات، وهو يستخدم الضغط الشعبي الأوروبي المتصاعد، ويطوره ضد مواقف الحكومات الأوروبية؛ لهدف محدد هو تصعيد عزلة الولايات المتحدة، وتوسيع الشرخ في التحالف الغربي، وهو طرح إستراتيجي جاء بعد ضغط على قوات هذه الدول في العراق، سواء بعمليات عسكرية أو بعمليات أسر لأفراد أجهزة مخابراتها، وبعد عمليات على أرض هذه الدول وتهديدات بوقوع عمليات أخرى أقوى.. بما مثل هجومًا سياسيًّا مرتبط بأوضاع أقوى على الأرض، وهو أمر ستكون له نتائج هامة -(لاحظ أن بوش كان مستجديًا للموقف الأوربي) سواء لأنه وضع هذه الحكومات في خانة الرافض لوقف العمليات -بما يعطي مشروعية للعمليات حتى داخل الرأي العام الأوربي نفسه- أو لأنه سيحصل بالفعل عمليًّا على نتائج على الأرض بانسحاب قوات بعض الدول من فوق أرض العراق..والأهم أن ابن لادن ظهر هنا كقوة ذات نفوذ دولي سواء بتمثيل القطاع المقاوم في الأمة.. أو كمفاوض عنها وقائد..أو كلاعب دولي على ساحة السياسة والتوازنات الدولية
================(70/214)
(70/215)
القاضي الهتار: لايُعالَج الفكر إلا بالفكر!
حوار: عبدالفتاح الشهاري 17/1/1425
08/03/2004
- الشباب يمتازون بقوة الإيمان واحترامهم للعلماء، وهم من أهل السنة والجماعة لذا فتراجعهم عن قناعة لأنهم لا يؤمنون بالتقية.
- هناك فرق بين مراجعات إخواننا المشائخ في المملكة أو مصر وبين الحوار الذي ننتهجه.
- توجيهات الرئيس بأن كل من وصل إلى اللجنة والتزم بنتائج الحوار فهو آمن ومكفي بنص القرآن الكريم.
- مثل هذا التصريح لهذا الشباب دليل على قناعتهم بنتائج الحوار.
- أعتقد أنه لا مصلحة للولايات المتحدة الأمريكية اليوم في حجز أي من المعتقلين هناك، فقد أستتب لها الأمر وتحقق لها ما تريد.
- المفاهيم الخاطئة قد ألحقت وسوف تلحق بالإسلام أخطارًا بليغة لا تقل عن الأخطار التي ألحقتها مخططات الأعداء بديننا وأمتنا.
شُكِّلت في الجمهورية اليمنية بتوجيه من الرئيس اليمني (علي عبدالله صالح) لجنة للحوار مع العائدين من أفغانستان، أو من يُتهمون بالانضمام لتنظيم القاعدة، أو جيش (أبين عدن) أو غيرهم من ذوي الاتجاهات المخالفة للحكومات. وقد نالت تجربة اليمن في الحوار معهم استحساناً دوليًّا واسعًا لما خرجت به من نتائج تتمثل كما أشار القاضي (حمود الهتار)، في أنها قناعات فكرية لهؤلاء الشباب متمثلة في نبذ العنف والتطرف والإرهاب وفي طاعة أولي الأمر والالتزام بالدستور والقوانين النافذة واحترام حقوق غير المسلمين، ومنها حرمة دمائهم وأموالهم وأعراضهم. وكذلك المحافظة على الأمن والاستقرار وعدم التعرض لسفارات ومصالح الدول التي تربطها معاهدات مع الجمهورية اليمنية ما دام العهد قائمًا واعتبار الإذن الذي تمنحه السلطات المختصة لشخص ما لدخول الأراضي اليمنية أماناً له حتى يلغى بقرار من السلطة المختصة.
ورغبة منا في تسليط الضوء على هذه اللجنة قمنا بالاتصال بالقاضي (حمود بن عبدالحميد الهتار) عضو المحكمة العليا ورئيس اللجنة من مقر إقامته المؤقت في لندن، حيث كان لـ(الإسلام اليوم) هذا الحوار معه..
كان من المفترض أن نبدأ مباشرة بالحديث حول تجربة اليمن في الحوار مع الشباب العائدين من أفغانستان، ولكن هناك نبأ إدراج الشيخ (عبدالمجيد الزنداني) ضمن قائمة المتهمين بدعم الإرهاب، ما تعليقكم على هذا الخبر؟
ليس كل ما يقال حول هذا الموضوع صحيح وإذا كانت هناك أدلة لدى الولايات المتحدة الأمريكية تثبت إدانة الشيخ (عبدالمجيد الزنداني) في أي عمل يشكل مخالفة لأي من القوانين في اليمن فعليها أن تتقدم بأدلتها إلى القضاء اليمني، والقضاء في اليمن قوي ونزيه ومستقل ويمكن أن يتخذ الإجراءات التي تنص عليها القوانين.
عودة إلى موضوع لجنة العلماء المشكَّلة برئاستكم في الحوار وقبل الخوض في تفاصيل التجربة نريد إعطاء تعريف أولي عن هوية الطرف الآخر، وماهي الصفة التي يمكن أن نطلقها عليهم؟
من خلال تسمية اللجنة يمكن أن تعرفوا الطرف الآخر في الحوار؛ فهذه اللجنة هي (لجنة الحوار الفكري مع الشباب العائدين من أفغانستان، وغيرهم ممن لديهم قناعات فكرية مخالفة لما عليه جمهور علماء المسلمين) ومن خلال هذا التعريف يمكن أن تعرفوا من هم الطرف الآخر، وإن كان الحوار قد شمل عددًا من الأشخاص المشتبه بانتمائهم لتنظيم القاعدة وآخرين يشتبه بانتمائهم لتنظيم الجهاد وآخرين أيضًا يشتبه بانتمائهم لتنظيم جيش عدن أبين؛ لكن المهم أن مهمتها فكرية وهي الحوار مع العائدين من أفغانستان وغيرهم ممن لديهم قناعات فكرية مخالفة لما عليه جمهور علماء المسلمين أيًا كانت التسميات.
اليمن سلكت طريقًا مختلفًا في الحوار مع هذا التيار. من أين أتت فكرة تبني هذا الحوار؟
دعني أقول لك بداية عن سياسة الجمهورية اليمنية في مكافحة الإرهاب، فسياسة الجمهورية اليمنية تقوم على محاور أربعة: المحور الأول: وهو الحوار الفكري لاقتلاع الجذور الفكرية للتطرف والإرهاب. والمحور الثاني: يتمثل في اتخاذ الإجراءات والتدابير الكفيلة بمنع الجريمة قبل وقوعها وضبطها بعد وقوعها وتعقب مرتكبيها وتقديمهم للعدالة. المحور الثالث: وهو حل المشكلات الاقتصادية التي قد تكون سببًا في استغلال بعض الأشخاص للقيام بأعمال إرهابية مع تشتيت مصادر التمويل. والمحور الرابع: اتخاذ الإجراءات والتدابير التي تقتضيها ضرورة التعاون الإقليمي أو الدولي لمكافحة الإرهاب طبقاً للدستور والقوانين النافذة.
والحوار يُعد تجسيدًا لمنهج الأنبياء في الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة وحل المشكلات الفكرية التي يستعصي حلها عن طريق القوة، ذلك لأن القوة تزيد الفكر متانة وصلابة ولا يمكن أن تحل القضايا الفكرية عن طريق القوة.(70/216)
والفكر هو الأولى بالفكر وبالتالي فإن هذا المنهج يعد تجسيدًا لمنهج نبينا محمد - صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم - بالحوار ولمنهج الحوار من قبله في حل المشكلات الفكرية وتغيير السلوك بطريقة طوعية، والحوار هو أول شيء أمرنا الله عز وجل به منذ أن خلق آدم عليه السلام حينما قال الله في كتابه الكريم: (وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء…) الآية، كما أن القرآن ذهب بالحوار مذهبًا أوسع مما يتصوره البشر؛ فلقد سجل القرآن الكريم الحوار مع أكثر المخالفين وألد أعداء الإنسان وهو إبليس؛ بل جعل الله - عز وجل - الحوار مع فرعون قرآناً يُتلى رغم قول فرعون: (أنا ربكم الأعلى) فهذا هو منهج القرآن، وهذا هو منهج نبينا محمد - صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم -.
فالحوار مع هؤلاء الشباب يُعد امتدادًا لنهج الرئيس لحل المشكلات الفكرية عن طريق الحوار ليس مع الإسلاميين فحسب؛ بل مع كافة الاتجاهات الفكرية على الساحة اليمنية كما تعلمون.
ممن تتكون لجنة الحوار؟ وماهي معايير اختيار أعضائها؟
اللجنة تتكون من خمسة أعضاء، محدثكم كُلِّف برئاستها، وهناك أربعة من أصحاب الفضيلة العلماء، تم تشكيل هذه اللجنة بناء على رغبة هؤلاء الأشخاص وبتوجيه من الرئيس.
من خلال حواركم مع المعتقلين من تنظيم القاعدة أو العائدين من أفغانستان بشكل عام أو من يسمون بجيش أبين عدن؛ كيف تُقيِّمون من وجهة نظركم الأفكار التي لمستموها لدى هؤلاء الشباب ومن الذي يقف وراءها، أو ما هو الدافع؟
بغض النظر عمن يقف وراء هذه الأفكار؛ فإننا نستطيع القول إن هؤلاء الشباب الذين أجرينا معهم الحوار يمتازون بقوة الإيمان واحترامهم للعلماء واستعدادهم للحوار والقبول بنتائجه إذا كانت مبنية على نص من كتاب الله أو سنة الرسول - صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم - ويؤخذ عليهم الخطأ في بعض هذه المفاهيم، وقد يرجع الخطأ إلى إلمامهم ببعض نصوص الكتاب والسنة دون الإلمام بالبعض الآخر، أو إلمامهم بتلك النصوص كاملة وجهلهم بقواعد استنباط الأحكام الشرعية والأدلة التفصيلية، أو ما يطلق عليه العلماء (علم أصول الفقه)، أو إلمامهم بهذا العلم إضافة إلى إلمامهم بالنصوص؛ لكنهم ربما أساؤوا التقدير أو فهم الواقع، ذلك لأن فهم الواقع أمرٌ لابد منه لتنزيل الأحكام إليه كما تعرفون.
هذا بالإضافة إلى أن بعض هذه الأسباب تعد امتدادً للحرب الباردة وللتعبئة التي تمت للجهاد الأفغاني في مواجهة الاتحاد السوفيتي، وهناك أيضاً رد فعل لدى بعض الشباب غير منضبط بأحكام الإسلام فقد ذهب بعضهم للجهاد في أفغانستان بناءًا على طلب من الحكومات العربية وبدعم من الأنظمة الغربية وكانوا يحلون ضيوفاً على أي عاصمة ينزلونها ولما انتهت الحرب الباردة وانهار الاتحاد السوفيتي تخلى الجميع عنهم فترة من الزمن ثم أصبحوا عرضة للملاحقة بعد فترة أخرى، تولدت إليهم ردود فعل غير منضبطة بأحكام الإسلام إضافة إلى بعض الممارسات والسياسات التي تنتهك لاسيما في القضايا العربية والإسلامية، وهناك ربما استغل هؤلاء الشباب أصحاب الطموحات الشخصية لتحقيق مآربهم.
إذاً فضيلة القاضي .. هل نفهم من كلامكم بأن الخطأ كان أساسه في الفتاوى التي كانت تصدر أيام الحرب الباردة، أم أن الخطأ هو في عدم فهم الشباب لطبيعة الواقع وإسقاط تلك الفتاوى على ما يرونه من وجهة نظرهم موافقاً لتلك المرحلة؟
الجهاد في أفغانستان في المرحلة الأولى كان واجباً بإجماع كل علماء المسلمين، ولما انتهت الحرب الباردة وانهار الاتحاد السوفييتي وانسحبت القوات السوفيتية من أفغانستان تغير حكم الجهاد حينذاك، ولم يعد الجهاد واجباً بعد ذلك؛ بل أصبح النزاع بين الفصائل الأفغانية، ولهذا النزاع حكم آخر ينطبق عليه قول الله عز وجل (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله) كان هذا هو الحكم الواجب التطبيق لكن بعض العلماء - سامحهم الله - ربما أفتوا بوجوب الجهاد في المرحلة الثانية وكان لهذه الفتاوى أثرها.
هذا بالإضافة إلى أن هناك ناسا تصدوا للفتوى وليسوا أهلاً لها أو لإصدار مثل تلك الأحكام؛ فضلوا وأضلوا بغير علم، وكان لهذا أثر على أبنائنا وإخواننا، ولذلك نحن نقول في تعاملنا مع هؤلاء الشباب العائدين من أفغانستان ومن لديهم قناعات مخالفة لما عليه جمهور علماء المسلمين لا نقول إنهم من الخوارج، ولا نقول إنهم من المغالين حتى نتيح الفرصة للعودة؛ ذلك لأن باب التوبة مفتوح لمن أراد أن يسلكه.
فضيلة القاضي من الواضح - كما يبدو - أنه لم يكن هناك تقبل في البداية من الشباب لمسألة الحوار معكم استنادًا إلى نظرتهم تجاه الدولة أساسًا، فكيف تقيمون تجاوبهم معكم أثناء فترة الحوار والنقاش؟ وما مدى النتائج التي لمستموها في هؤلاء الشباب؟(70/217)
دعني أقول لك في البداية إن هناك معارضة كانت ابتداء للحوار من قبل الشباب ومن قبل غيرهم، ولكن مع استمرار طرح الفكرة وجدنا - كما أخبرتكم سابقاً - أن الاستعداد موجود لديهم للحوار، والاستعداد للقبول بهذه النتائج أيضاً موجود إذا كانت مبنية على نصٍّ من كتاب الله أو سنة الرسول - صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم -، فهؤلاء الشباب يمتازون بقوة الإيمان واحترام العلماء والاستعداد للقبول بالنتائج إذا كانت مبنية على نصٍّ من كتاب أو من سنة أو إجماع، وإذا كان الأمر مبنيًّا على الرأي لاشك أنهم يرفضون، ونحن من خلال تجربتنا مع هؤلاء الشباب وجدنا لديهم استعداداً طيباً للحوار، وقبلوا بالنتائج - كما سمعتم - والتي انتهت إليها جلسات الحوار، والنتائج كانت تمثل قناعات فكرية لهؤلاء الشباب، تتمثل في نبذ العنف والتطرف والإرهاب، وفي طاعة أولي الأمر، والالتزام بالدستور والقوانين النافذة، واحترام حقوق غير المسلمين؛ ومنها: حرمة دمائهم وأموالهم وأعراضهم، وكذلك المحافظة على الأمن والاستقرار وعدم التعرض لسفارات ومصالح الدول التي تربطها معاهدات مع الجمهورية اليمنية ما دام العهد قائماً، واعتبار الإذن الذي تمنحه السلطات المختصة لشخص ما لدخول الأراضي اليمنية أماناً له حتى يُلغى بقرار من السلطة المختصة.
هل لمستم قبولاً مبنيًا على قناعة فكرية منهم بهذه النتائج أم فقط جعلوا موافقتهم سُلَّمًا يتسللون من خلاله للخروج فقط من أزمة السجن؟
الحقيقة أن وقائع الحوار كانت ساخنة وكانوا على مستوى من الكفاءة في الحوار لا يتخوفون من إبداء آرائهم وإبداء ملاحظاتهم، يقولون لا ونعم في موقعهما، ومن الصعب - بل من المستحيل - أن تمرر عليهم قناعات لا يقتنعون بها على الإطلاق؛ فكانت المناقشات متسمة بالشفافية والوضوح، هذا بالإضافة إلى أن الكثير منهم ملتزمون بعقيدة أهل السنة والجماعة، وأهل السنة والجماعة لا يقولون بمبدأ التقية أبداً ولا يعترفون بهذا المبدأ ولا يقرونه.
وهل هذا مما أتاح فرصة الشفافية بشكل أكبر في التجاوب معهم؟
أي نعم هذا بالإضافة إلى أن المجموعة الأولى التي تم الإفراج عنها عقب الجولة الأولى من جولات الحوار خضعت لرقابة من قبل الأجهزة الأمنية ومن قبل لجنة الحوار أيضًا لمدة عام، وقد أثبتت تقارير الجهات المختصة حسن التزام هؤلاء الشباب بنتائج الحوار وما انتهى إليه، وكانت هذه النتيجة مشجعة للقيادة اليمنية للإفراج عن المجموعة الثانية والتي بلغ عدد أفرادها (92) شخصًا ثم تأمين (54) آخرين ممن سلَّموا أنفسهم طوعًا للجهات الأمنية وأعلنوا التزامهم بنتائج الحوار. إن الحوار هو السبيل الأمثل لحل المشكلات الفكرية وهو السبيل الأمثل لتغيير السلوك؛ ذلك لأن القوة تزيد الفكر متانة وصلابة، وإن استسلم أي شخص من الأشخاص تحت وطئة القوة فإنما هو من قبيل التربص وربما يعود لفكره أو لسلوكه عندما تتاح له الفرصة، أما إذا كانت الأمور مبنية على حوار فإنها تكوّن قناعة ثابتة يلتزم بمقتضاها.
في هذا الصدد فضيلة الشيخ تبادر إلى مسمعنا معلومات لا ندري صحتها تقول أن هناك أسلوبًا اتُبع في الفترة الأخيرة فيمن يسلم نفسه إلى منزلكم تحديدًا بأن ترسل إليه لجنة تحقيق إلى المنزل دون أن يتعرض إلى أذى أو إلى تهديد وما إلى ذلك ..؛ فهل هناك بالفعل تنسيق بينكم وبين الجهات الأمنية في أن يتم التعامل مع من يسلم نفسه طواعية إليكم بكل أمان؟
كانت توجيهات الرئيس بأن كل من وصل إلى لجنة الحوار وأعلن قبوله لمبدأ الحوار والتزامه بنتائج الحوار فهو آمن ولا يُمس بسوء، وبعد الجلوس مع لجنة الحوار يعود إلى منزله ويتمتع بكامل حقوقه وحريته وإن استلزم الأمر سماع قوله أو رأيه في مسألة من المسائل يذهب المختصون إليه وهو في منزله دون الإساءة إليه بأية حال من الأحوال، وهذا يستند إلى قول الله - عز وجل - (إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم) فمن تاب قبل القدرة عليه فهو أمن وهو مكفيٌّ بنص القرآن الكريم سواء وصل إلى لجنة الحوار أو إلى أيٍّ من الأجهزة المختصة إذا سلم نفسه طوعاً، ولن يمس بسوء.
وجهت إليكم دعوة من المملكة المتحدة، هل لهذه الدعوة ارتباط أو علاقة بالتجربة اليمنية في الحوار مع المخالفين لفكر الدولة؟
نعم، فها نحن نتحدث إليكم من لندن وقد التقينا المسؤولين في الخارجية البريطانية وعددًا من القيادات الدينية والقضائية حول تجربة الحوار في مكافحة الإرهاب، ولاقت هذه الفكرة استحساناً لديهم؛ بل إن هناك اتفاقًا يمنيًّا بريطانيًّا على أن الحوار هو السبيل الأمثل لحل هذه المشكلة.
بمناسبة هذه الزيارة .. ماذا عن قضية أبي حمزة المصري وهل توصلتم فيها إلى حل؟
لم نتحدث معهم حول قضية أبي حمزة؛ فهناك قنوات مختصة للمطالبة به، ولا شك أن مطالبة اليمن قائمة، ولكن الشيء الأهم أن البريطانيين يريدون أن يستفيدوا من تجربة الحوار في حل مشكلة الإرهاب.
تناقلت الصحف اليمنية نبأ إطلاق سراح (92) من المتهمين فعلاً - كما ذكرتم وتفضلتم -، كم بقي من المعتقلين الآن، وكيف تقيّمون تجاوبهم مع اللجنة وتفاعلهم معها؟.(70/218)
دعني أقول لك بأن كل من شملهم الحوار وصلنا معهم إلى نتائج طيبة ولم يعلن أيٌٌ من الأشخاص رفضه لنتائج الحوار وقد جرى الحوار، في الجولة الأولى مع 104 أشخاص، وفي الجولة الثانية مع 120 شخصاً، وفي الجولة الثالثة 22 شخصاً شملهم الحوار، وجميعهم اقتنعوا بنتائجه والقرار الذي اتخذه الرئيس بأن الحوار شامل للجميع ما لم يكونوا متهمين في قضايا أخرى، أما المتهمين في قضايا جنائية فيُحالوُن إلى القضاء وهو الذي يفصل في أمرهم طبقاً للدستور والقوانين النافذة.
فضيلة الشيخ دعني أنقل لك تساؤلات تثار عند البعض، ومنها أن التوبة أو الرجوع تم داخل الزنازين والمعتقلات، وهو ما يعني تغيير معتقدات الإنسان الدينية والمذهبية تحت التعذيب، ما تعليقكم على القول هذا؟
هذا قول من لا يعرف حقيقة ما جرى بالحوار؛ فمثل هؤلاء الشباب لا يمكن أن يقبلوا بشيء لا يقتنعون به حتى وإن أدى الأمر إلى أن يقدم كل واحد منهم رأسه ضحية لرأيه. لا يمكن أن نقول إن أيًّا منهم قبل بالحوار أو بنتائجه مُكرهًا. ويردد هذا القول هو من له مصلحة في تأجيج الصراع والمواجهات ويريد أن يستمر هؤلاء الشباب في أعمال التفجير وإقلاق الأمن نيابة عنه؛ لأنهم يريدون أن يستثمروا أي حدث يحدث من قبلهم لمصلحتهم الشخصية ولو على حساب الوطن؛ فكانوا يعادون الحوار ابتداءًا؛ لكن حقيقة الأمر أن الحوار كان جادًّا والنتائج كانت تمثل قناعات فكرية ليس فيها ترهيب وليس فيها إكراه لأحد على الإطلاق، والدليل على ذلك أنهم التزموا بهذه النتائج بعد خروجهم ولو كانت مبنية على إكراه لما قبلوا بها، هذا بالإضافة إلى ان أحد الشباب صرح عقب التوقيع على بيان نتائج الحوار قائلاً: أوافق على هذا البيان وأنا على استعداد للبقاء في السجن ولو لمدة عشرين عاماً بعد التوقيع عليه.
هل هناك ضمانات تمتلكها الدولة على هؤلاء الشباب لعدم النكوص أو الرجوع عما وقّعوا عليه؟
أول الضمانات يتمثل في أخذ العهد منهم على الالتزام بنتائج الحوار، وهذا هو أوثق ضمان بالنسبة لنا وللدولة، فهؤلاء الشباب معرفون بقوة إيمانهم، ولا يمكن أن يغدروا أو ينطقوا بخلاف قناعاتهم. الضمان الثاني: إجرائي، حيث يقوم من تقرر الإفراج عنه بإحضار ضمانة من مقتدر بحضوره عن الطلب، وتعرفون أن استمرار التواصل والرعاية اللاحقة بهؤلاء الشباب تلعب دورًا كبيراً ونحن على اتصال دائم بهم اتصل بهم، سواءٌ مني شخصيًّا أو من خلال إخواني وزملائي أعضاء اللجنة، وبالتالي فقد أثبتوا حسن التزامهم وصدق تعهدهم بنتائج الحوار، ولاشك أن الدولة هي الجانب القوي وهؤلاء الشباب يمثلون طرفاً ضعيفاً. البعض ربما يتصور أن هؤلاء لابد أن يحضروا ضمانات كبيرة وطائلة، هذا كلام غير صحيح؛ لأنه كلما يسرت الدولة على مواطنيها كلما عاد عليها ذلك بالخير (اللهم من ولي من أمر المؤمنين شيئاً فرفق بهم فارفق به) (وإن الإحسان ما دخل شيئاً إذا زانه وما خلا من شيء إلا شانه) فالإحسان أمر مهم، والدولة تتعامل مع هؤلاء كأبناء لها وأنهم بحاجة إلى من يرشدهم أو يدلهم إلى الطريق الصحيح، وتساعد على إعادة تأهيلهم وتربيتهم بطرق تربوية علمية نافعة.
هل تعتقدون فضيلة الشيخ أن المراجعات التي تمت وأُعلن عنها في المملكة العربية السعودية خلال شهر رمضان المبارك من بعض المشايخ الذين كانوا يتبنون مثل هذه الفتاوى المؤيدة للعنف وطريقه، وأيضاً إلى المراجعات التي تمت في مصر من قبل الجماعات الإسلامية، هل من الممكن أن تصب في تأييد طرحكم هذا والسير عليه؟
الفرق بين هذه المراجعات والحوار الذي نقوم به أن المراجعات ذاتية وليست مبنية على حوار من قبل لجنة أو من قبل لجان مكلفة من قبل السلطات المختصة، فالذي امتاز به الحوار في اليمن أنه يمثل توجهًّا رسميًّا لحل هذه المشكلة، أما المراجعات فكانت ذاتية وإن كان البعض قد كان له دور في هذه المراجعات، إنما نريد أن نقول إن المراجعات سواء كانت بناء على حوار أو كانت ذاتية مطلوبة في مثل هذه الأمور، خاصة وأن بعض الأحكام تتغير بتغير الزمان والمكان والأحوال، وأنه لابد من مراجعة لمثل هذه الأشياء كما أننا لو وقفنا أمام نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية أو بعض النصوص وحاولنا أن نقرأها في هذه الأيام لأخذنا منها أحكاماً جديدة، فالنصوص موقوفة والوقائع متجددة ويمكن أن نستفيد من إعادة القراءة والمراجعة في كثير من قضايانا، وفي كل الأحوال فإنا ما سمعنا عنه من مراجعات في المملكة العربية السعودية أو في جمهورية مصر تعد بادرة طيبة نشكر القائمين عليها، ونسأل الله - عز وجل - أن يوفقهم للقيام بما يجب عليهم نحو أمتهم ودينهم.
بالمناسبة وعودة إلى موضوع الشيخ الزنداني؛ تردَّدَ أيضاً إقحام الشيخ (عبدالمجيد الزنداني) في بعض الأمور المتعلقة بهذا الأمر، وأن لديه فتاوى تؤيد عمليات العنف، ما تعليقكم ؟
الشيخ عبدالمجيد الزنداني نفى هذا شخصيًّا وقوله حجة.
ماذا عن معتقلي غوانتانامو؟ وهل من تحركات من أجل تحريك قضيتهم والسعي للبت في موضوعهم؟(70/219)
هناك مساع حثيثة لمساعدة المعتقلين في غونتنامو، وهذه القضية تهم الحكومات العربية والإسلامية بشكل عام كما تهم الحكومات التي لها مواطنون هناك، وأعتقد أنه لا مصلحة للولايات المتحدة الأمريكية اليوم في حجز أي من المعتقلين هناك، فقد أستتب لها الأمر وتحقق لها ما تريد.
نريد أن نسأل عن قضية الشيخ (محمد المؤيد)، وحيث هي من القضايا المثارة حتى على مستوى المجتمع اليمني هل لدى لجنتكم دور في قضيته؟
نحن مهمتنا مهمة فكرية كما تعلمون مع الشباب العائدين من أفغانستان وهناك جهات أخرى تهتم بقضية الشيخ (محمد المؤيد) وإن كان وضعه يهمنا جميعاً والمسألة أو المعركة معركة قانونية بحته؛ فيجب على رجال القانون أن يركزوا جهودهم في الدفاع عن الشيخ المؤيد طبقاً للدستور والقوانين الآن في الولايات المتحدة الأمريكية والمواثيق الدولية، ولاشك ان مسألة الاختصاص في نظر قضيته مسألة حساسة وهامة، إذ لا يمكن أن يمتد الاختصاص القضائي بأي سلطة إلى خارج نطاقها الإقليمي، فإذا لم تقع الجريمة على الأراضي الأمريكية أو من مواطن أمريكي فإن القضاء الأمريكي غير مختص بالنظر في هذه القضية.
هل من كلمة تود أن تقولوها ؟
أوجه الدعوة إلى الحكومات العربية والإسلامية إلى أن تسلك مسلك الحوار لحل مشكلة؛ الإرهاب باعتبار أن الحوار هو السبيل الأمثل لحل هذه المشكلة لأنها تنطلق من منطلقات فكرية خاطئة، ويجب أن نعالج مشكلات الفكر من خلال الفكر، واستخدام القوة في غير محلها مضر ولا يحقق الأمن والاستقرار لأي من الشعوب. وأوجه الدعوة أيضاً إلى الشباب الذين لديهم أفكار مخالفة لما عليه جمهور علماء المسلمين إلى أن يعودوا إلى الله - عز وجل - وأن يجلسوا مع علمائهم للحوار، كما أرجو من أخواني وآبائي العلماء في المملكة العربية السعودية أن يقوموا بدورهم في الحوار وتوجيه الناس وإرشادهم نحو الالتزام بالمفاهيم الصحيحة عن الإسلام، وأُحذِّر من المفاهيم الخاطئة؛ لأن المفاهيم الخاطئة قد ألحقت وسوف تلحق بالإسلام أخطاراً بليغة لا تقل عن الأخطار التي ألحقتها مخططات الأعداء بديننا وأمتنا. وخطورة هذه المفاهيم أنها تُظهر الإسلام بغير صورته الحقيقية وتوفر المبررات والذرائع للآخرين لكي ينالوا من هذه الأمة ودينها!
==============(70/220)
(70/221)
ماذا يريد هؤلاء..؟!
د. خالد بن سعود الحليبي * 25/12/1424
16/02/2004
صخب وضجيج تكتظ به صحافتنا المحلية في أعمدة عدد كبير من الكتاب هذه الأيام، يتحدثون عن بلادنا ـ حرسها الله ـ وكأنها بلاد متخلفة حضاريًّا، لا تزال تعيش بين تلافيف غابات مجهولة تحتاج إلى (كولمبس) جديد ليكتشفها، فتراهم وكأنهم يمسكون بيد ضرير خشية أن يقع في حفرة، أو ليسلكوا به طريقًا لا يعرفه من قبل..!
إن هؤلاء الكتبة ينادون برفع (الوصاية) من أيدي علماء الشريعة كما يعبرون ـ بدهاءٍ ـ بهذا المصطلح عن المصطلح الحقيقي الذي يريدونه وهو: (إلغاء مسؤولية العلماء عن المجتمع)، ليأخذوا هم بالزمام فينصبوا أنفسهم أوصياء على بلادنا وشعبنا، فيتحدثون باسم جماهير الشعب دون أن يحصلوا على تفويض منه، بل ولا قسم ضئيل منه؛ لأنهم لا يمثلون سوى أنفسهم، ويكررون الحديث عن المطالبة بحقوق المرأة السعودية في مطالب لا تمثل هموم المرأة السعودية الحقيقية، وإنما تمثل أحلامهم التي نسجوها خلال تلقيهم ثقافتهم المؤمركة.
لقد تجرأ كثير من هؤلاء على أن يتهم المجتمع كله بالتخلف وكاد بعضهم ـ لاسيما من غير السعوديين ـ يصرح بأن المجتمع السعودي للتو بدأ ينهض، ومعنى ذلك أنه كان في تخلف ورجعية. وثان دعا إلى عزل الدين عن الحياة في دعوة صريحة للعلمانية، وثالث استهجن رجوع الشباب إلى العلماء المعتبرين واستشارتهم في أمور حياته وعمله، ورابع يطالب بسفر المرأة دون إذن زوجها لتحقق حريتها، وخامس يضع جميع دعاة البلد من أهل التكفير، وسادس ينادي بألا يتحدث بعد اليوم أحد باسم الدين، فلكل فرد ـ أيًّا كانت خلفيته العلمية ـ أن يتحدث بما شاء من أمور الشريعة، ملغيًا هيئات حكومية عليا بأكملها كهيئة كبار العلماء، ومقام سماحة مفتي عام المملكة، ومجمع الفقه العالمي؛ بل وأحقية الشريعة في كونها أشرف علم وأعظم اختصاص، لا يحق لغير المختصين فيه أن يخوضوا في دقائقه، وسابع ينادي بإلغاء التعليم الشرعي نهائيًّا مدعيًا أن المساجد تكفي للتثقيف الشرعي، وثامن يفصل في قضايا في منتهى الدقة من أمور العقيدة مما يتصل بالولاء والبراء مما يعجز عنه بعض طلبة العلم الشرعي ولا يفتي فيه إلا كبار العلماء، وتاسع يرى أنه لا خصوصية لمجتمعنا نهائيًّا، وأن هذا من أسرار تخلفنا، وأنه آن الأوان ألا ننظر إلى الخلف.. ولا أدري ماذا يعني بالخلف؟! وعاشر بل عشرات..!
كلنا نحب الحرية في طرح آرائنا، ولكن الحرية لا تعني أبدًا أن يتحدث أصحاب الثقافة المستوردة بالكامل في قضايا لا يستطيع الخوض فيها إلا أهل الرسوخ في العلم، يقول الله جل في علاه: (وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلا). [سورة النساء 83].
إن الأمر جلل.. فلقد أصبح هؤلاء يتقافزون على الصحف بطريقة مثيرة للراصد، فها هي أسماء كثيرة جدت على هذه الصفحات خلال الأيام القليلة الماضية، من خارج المملكة وداخلها، تجعلنا نتساءل ـ ببراءة ـ من أين أتى كل هؤلاء؟ وكيف خرجوا؟ ولماذا الآن بالذات؟ وإلى ماذا يرمون؟ ولماذا تسمح لهم الصحف بكل هذه المهاترات والاعتداءات على صميم العلم الشرعي أهله، مشنعين بفلان! ومستهزئين بفلان! وهل وراء الأكمة ما وراءها؟!
وإذا كان من حق كل إنسان أن يقول رأيه بكل حرية، فلماذا تحجب الآراء المخالفة لهذه الأطروحات في الصحف، وتحرق الردود والمناقشات الموجهة ضدها؟ ولماذا لم تحفل معظم الصحف والقنوات الفضائية من بين المشاركين في الحوار الوطني السعودي إلا بالشخصيات التي تحمل الرأي الذي تعتنقه تلك الصحف، بينما اختفت أسماء الدعاة المشاركين على ما لهم من قدر كبير في الطرح، وقدرة على استيعاب مستجدات الحياة المعاصرة، واستعداد واسع الأفق للحوار وتفهم وجهة النظر المخالفة بكل أريحية..؟! ولو لم يكونوا كذلك لما اختيروا أصلاً، ولماذا تصر الصحف على أحادية الطرح، بينما تحمل على الرأي المخالف لها حملة شعوا؛ بل وتلقي كل ما يناقش هذه الآراء في سلة المهملات عمدًا كما صرح بذلك أحدهم..!
إن الأسئلة أكبر من حجم هذه السطور.. ويبقى السؤال الأكبر منها جميعًا: إلا تمثل هذه الأطروحات المتتابعة تطرفًا آخر قد يثير تطرفًا فكريًّا جديدًا في مقابله؛ فيخسر الوطن فرصة حوارية كان من الممكن أن توصلنا شفافيتها إلى وضع أفضل؟.
عفوًا أيها المتزيدون.. إنني لا يمكن أن أتهم بلدي بأنها كانت تسير في اتجاه خاطئ؛ بل كانت ولا تزال تسير في اتجاه حدده المولى الخبير بعباده وبما يصلحهم، أوصلها إلى قمة في الأمن لم تحلم به أمريكا منذ أن تكونت من أشتات الأرض، ولكن ذلك لا يعني أبدًا ألا أقبل الحوار؛ بل مرحبًا به بكل آدابه، وبكل نتائجه التي لا تمس معتقدًا ولا مبدأً ولا كيانًا ككيان وطني الحبيب وشخصيته المتميزة.. نعم المتميزة.* الوكيل التعليمي بكلية الشريعة بالأحساء
===========(70/222)
(70/223)
بيت سيئ السمعة
سلمان بن فهد العودة 26/3/1425
15/05/2004
كنت أشعر بالقهر والغيظ يتغلغل في داخلي؛ كلما سمعت مسؤولاً في الإدارة الأمريكية يتحدث عن القيم والحرية والديمقراطية والحقوق!!
ولقد وصف كبير الأغبياء الحرب على العراق بأنها واحدة من أكثر الحملات العسكرية إنسانية في التاريخ.
أقول: لستم أهلاً لأن تعطوا الناس دروسًا في هذا المجال، وأنتم أول من يطيح بها!
ويشاء الله أن تتعرض هذه الإدارة لامتحان عسير في ما أسمته (حربًا على الإرهاب) وأن تتكتم لفترة على ممارساتها الوحشية في أفغانستان وغوانتاناموا ثم في العراق؛ لينكشف الأمر غير بعيد.
إن آلاف الصور التي نشرتها الصحف ومحطات التلفزة الأوربية والأمريكية؛ تفضح ممارسات في غاية البشاعة ضد الإنسانية والأخلاق، فتعرية الأجساد والإجبار على الممارسات الجنسية والإهانات النفسية والسحل والسحب والضغط الهائل والتضليل والقتل المتعمد هي مفردات في سجل أسود لهذه الإدارة وآلتها العمياء (البنتاجون).
والذي ظهر ليس سوى جزء من جبل الجليد!!
فهناك المزيد مما لم تصله الكاميرات، أو وصلته ولم يصل بعد إلى وسائل الإعلام.
ولقد يقول المرء: إن ممارسات البعث البائد أهون مما عملته هذه الإدارة خلال عام أو أقل!!
ولو أتيح لكل امرئ أن يتحدث ويظهر أمام وسائل الإعلام ليبوح بمعاناته؛ لكنا نسمع ونرى ما تشمئز منه النفوس وتنفطر القلوب وتدمع العيون مما ينسينا ما سمعناه من أمثالهم عن الحقبة السابقة.
ولعل هذا اليوم غير بعيد.
والإدارة ظلت متكتمة على هذا الإجراء الإجرامي لبضعة شهور حتى فضحتها الصور؛ فقال كبيرها ببلادة: إن الأمر لا يعجبه ..!!
ثم رفع اللهجة ليقول: إنها ممارسات شائنة!
لكن تظل الإشادة المفرطة بأداء العسكريين، ومحاولة حصر المسؤولية بعدد محدود من الجنود ليذهبوا ضحايا.
ومن الواضح أن الذي حدث هو جزء من عملية واسعة؛ للتحقير والإذلال وانتزاع الاعترافات وتدمير عوامل القوة والاعتزاز في نفوس العراقيين؛ بل وفي نفوس المسلمين، وأنها أمور مبيتة على أعلى المستويات.
ويأبى الله إلا أن تتحول الشواهد والصور ووسائل الإعلام إلى أدوات لتعرية وجه أمريكا القبيح وأعمالها الوحشية واستخفافها بالقيم الإنسانية؛ فلقد أصبحنا نعرف جيدًا ما تعني الحرية التي تعدنا بها أمريكا.. وماذا تعني حقوق الإنسان.. وماذا يعني الإصلاح والشرق الأوسط الكبير الذي يبشرون به..
وهاهم يعلنون الحرب على الحرية في القنوات العربية التي لم تندمج في برنامجهم ويمارسون الضغط السياسي الكبير، والإجراء الأمني والعسكري لعرقلتها أو تعويق أدائها كما فعلوا مع الجزيرة والعربية وغيرها !!
وها هي (الحرة) تغرد خارج السرب وتتجاهل معاناة الناس وهمومهم الحقيقية وتشاغلهم بقضايا خارج التاريخ، ولكن دون جدوى.
إن الأمر أكبر من الاعتذار! وهذه الصور وقود جديد لكراهية عارمة ضد أمريكا قد تتحول إلى طوفان جارف لا يميز ولا يفرق، وتصعب السيطرة عليه، أو التحكم في برامجه واتجاهاته وردود أفعاله، أو محاكمته بالمنطق.
وإذا كنا رأينا آلاف الاعتداءات العنصرية على مسلمين في أمريكا وأوربا بعد أحداث سبتمبر.. فكيف نتخيل ما سيقع نتيجة هذا القهر والعدوان الرسمي الموثق.. والمرتبط بعدوان أوسع على استقلال و إرادة الشعوب الإسلامية في العراق وفلسطين وغيرهما.
إنني أرى الأمر يتجه نحو مزيد من الوضوح والحسم، وإن شعوب الإسلام اليوم لم تعد تتحمل المزيد.
وهذا الإجرام الأمريكي والصمت الدولي والاستسلام العربي والإسلامي؛ سيصنع المزيد من الاضطرابات في الشعوب الإسلامية وسيحولها إلى برميل بارود قابل للانفجار.
ولعل أمريكا وإسرائيل تراهنان على زعزعة الاستقرار في بلاد المسلمين وحرمانهم من السلام الداخلي تمهيدًا لتغيير الأوضاع وفق ما يريدون!!
ولقد قال النبِي - صلى الله عليه وسلم -: "مَا حَسَدَتْكُمُ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ مَا حَسَدَتْكُمْ عَلَى السَّلاَمِ وَالتَّأْمِينِ"[ رواه ابن ماجة من حديث عائشة رضي الله عنها (856)].
وبيقين فاليهود لا يحسدوننا على مجرد تبادل التحية بيننا؛ لكنهم يحسدوننا على ما هو أبعد من مجرد اللفظ؛ يحسدوننا على السلام النفسي والهدوء الاجتماعي ومتانة العلاقة بين المسلمين ويسعون في الأرض فسادًا، والله لا يحب المفسدين.
نعم؛ إن اليهود ومتطرفي الإدارة الأمريكية الحالية يريدون خلخلة الأوضاع؛ باعتقاد أن خلط الأوراق يمهد لإعادة ترتيبها!
ولكنني أرى هذه حماقة رعناء جديدة؛ يرتكبها هؤلاء الطغاة دون أن يستفيدوا من دروس التاريخ، مما يكشف عن هشاشة القيم التي يتشدقون بها. وليس هذا ببدع في تاريخهم؛ فقد واجهت الجالية اليابانية داخل الولايات المتحدة اضطهادًا بشعًا أثناء الحرب العالمية الثانية.
وظلت أمريكا أكبر مصدّر للعنف في العالم كله، وأكبر متملص من الالتزامات الدولية في مجال العدل والحقوق إلا حينما تكون محتاجةً لها. ويكفي أن 45% من صادرات الأسلحة بالعالم أمريكية، ومنها الأسلحة التي يقتل بها الأبرياء في فلسطين.
يبقى السؤال الكبير منتصبًا أمامنا جميعًا:(70/224)
ماذا يتوجب علينا أن نصنع من أجل الإصرار على السلام في داخلنا ؟
كيف نتغلب على أسباب التوتر الذاتي الذي تحدثه لنا تلك الممارسات ؟
كيف نجمع بين رفض مؤثر وصوت مسموع ضد الاعتداءات المتكررة على كل ما هو مقدس لدينا .. وبين بعد النظر والرؤية المستقبلية التي تضمن لنا موقعًا سياسيًّا ومعلوماتيًّا وحضاريًّا أفضل بين أمم الأرض ؟
كيف نتلافى الروح الغضبية المفرطة التي هي من لوازم رؤية العار الذي يلحق بنا دون أن نحرك ساكنا ؟!
إن السلام النفسي والاجتماعي في خطر..
وعلى الذين يدركون أهمية المحافظة عليه أن يعلموا أن الصمت المطبق والسكوت المهين أمام غطرسة المتغطرسين هو أقوى عناصر هذا التفجير.
من حق كل مسلم أن يشعر بأن هذه الصور وما سيخرج بعدها يعنيه بصفة شخصية وكأنه يحدث له أو لعائلته، فهذا أقل مقتضيات الإيمان (بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ)، "كمثل الجسد الواحد"، "كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا ".
ومن حقه وواجبه أن يتدبر الوسيلة التي يعبر بها عن امتعاضه وانزعاجه لهذا الاحتقار اللعين لأبناء ملته ودينه.
وكيف لا وقد بدأت الخيوط ترشد إلى أن كبار المتطرفين الدينيين لهم أصابع في استخدام هذا النمط من الأذى النفسي والجسدي لتحطيم امتناع السجناء وتدمير رجولتهم وإنسانيتهم؟!
إن المطالب ليست هي رأس وزير الدفاع، ولكنها رأس السياسة الأمريكية العدوانية عديمة الحياء، والتي تعلن تأييد العنف الإسرائيلي، وتعلن العقوبات على سوريا، في الوقت ذاته الذي تستبطن المزيد من صور الممارسات البشعة التي يمهدون لظهورها وانتشارها.
ولو أن كل مسلم سجل شعوره الحي تجاه هذا البغي السافر في مقال، أو نشره في موقع، أو أعلنه في قناة فضائية، أو نادى به في مجلس لما كان لصوت مليار وربع مليار أن يذهب أدراج الرياح.
وربما كانت الأدلة تتزايد علينا يومًا بعد يوم لتقول لنا: إن كنتم صادقين في لجم هذه الحرب الصليبية فوحدوا المعركة ولا تضيعوا جهدكم القليل في صراعات صغيرة حقيرة لا تليق إلا بعقول التافهين.
لقد أسمعت لو ناديت حيا … …
ولكن لا حياة لمن تنادي
ولو نارًا نفخت بها أضاءت … …
ولكن أنت تنفخ في رمادِ
=============(70/225)
(70/226)
وصلوا إلى دمشق .. فمن سيكون التالي؟
مشرف النافذة 19/8/1424
15/10/2003
فرغوا من فلسطين واستوطنوا فيها.
واتجهوا إلى أفغانستان فعاثوا فيها.
وحطوا رحالهم في بغداد فأفسدوا فيها.
وها هي اليوم دمشق تضرب أراضيها.
اختر أحد المحاور التالية للحديث عنها
أبلغ رسالتك للعالم حول هذا التآمر الذي يستهدف بلاد المسلمين.
ماهي رؤيتك ونصيحتك؟.
ماهي الأولويات التي تتطلبها المرحلة.
أي الطرق يجب أن نسلك أولاً: الإعلام، التربية، التعليم، .... إلخ؟.
السلام عليكم ليس مثلي من يتكلم في هذه الامور الجسام ولكني تعلمت من كتاب قيمانصح بقرائته لكل من يواجه مشكله كتاب نشكر من وضعه بيننا قرائته بذاتها نعمه فكيف بالعمل به هذا الرحمه رزقنا اياها ربنالكي يربينافمنه نتربى على فهم السلف الصالح كثير من يود ان تزول هذه الغمه وكثير من يعتقد انه هو صلاح الدين الجديد.ان نقسم هذه الاولويات الى اقسام هذا خطأ كبير لاننا لسنا شرذمه قليلون بل نحن امه تستطيع ان تنهض في كل المجالات في وقت واحد.في الختام سأبدأ باصلاح نفسي ولن انتظر غيري حتى يصلحني طبعا اصلاح نفسي دينيا لاني اعلم كما الجميع انه لاعز لنا الا بلاسلام فارجوا من الاخوه ان يتحاملوا على شهواتهم وان يحاولوا اصلاح انفسهم. والسلام
بسم الله الرحمن الرحيم:
العالم الإسلامي ـ وفقا لواقع فرض نفسه ـ يعيش تاريخه الأسود الحقيقى ، وسوف يحاسبنا الله جميعًا عما يحدث الآن ـ كل على قدر طاقته ومسئوليته ، وعلى قدر نطقه وصمته وتأييده ورفضه ، وربما لن ينجو منا غير من يعيشون الآن خلف جدران السجون ممن أرادوا الإصلاح فقيدت السلطة حركتهم وقمعتهم بالحديد والنار !!
إن كل تفريط اليوم يقابله إهدار دم شهيد ، وكل خسارة يخسرها الإسلام الآن تعنى إنقاص جزء من مُلك الصحابة وجهد التابعين .
لنا أن نتخيل وزر قوم هدموا ما بناه رسولهم الكريم ...
لنا أن نتخيل وزرنا ونحن صامتون أمام كل شئ , صامتون أمام جرائم الحكام , وصامتون أمام جرائم اليهود دون عجز منا أو ضعف ...
لنا أن نتخيل حدود الدولة الإسلامية فى عهد الصحابة , وحدودها الآن فى عهد أصحاب الجلالة والفخامة ...
لنا أن نتخيل الكفار الآن وهم يرتعون فى كل بلاد الإسلام بما فيها السعودية ، وقد حرم الله عليهم الإقتراب منها ، فما بالنا وقد سكونها ؟!!
أى هوان هذا الذى نعيشه , وأى ضياع هذا الذى ألفناه ؟!!
لو كنا قطيع من الأغنام لعمى غبار السير عيون الخونة والأعداء , لو كنا أسراب من الجراد لصم طنين الحركة آذان الغزاة ولدمرنا الأخضر واليابس وأفسدنا عليهم الحياة .
تركنا البوسنة فالتفتوا للشيشان ، وتركنا الشيشان فالتفتوا إلى أفغانستان ، وتركنا أفغانستان فالتفتوا إلى العراق , واليوم تُهَدَد سوريا وإيران ولبنان ، ومصر تعيش فى أمان الرقود وسلام الشجعان ، وتصمت صمت الطفل المقهور الذى لا حول له ولا قوة .
تركنا الأهل فى فلسطين وكأنهم ليسوا عرب أو مسلمين .
أصبح لا شئ يهم الحكام ولا يثير حفيظتهم طالما ظلت كراسيهم فى الشرق وأموالهم فى الغرب (ملايير من الدولارات في أبناك أمريكا وسويسرا لأسرة آل سعود مثلا , وهذا هو السر الذي يجعلهم خاضعين خضوع الكلاب لأمريكا خوفا من تجميدها).
الكعبة الشريفة صارت على مرمى حجر من الأعداء ، وقبر رسولنا الكريم أصبح على مدى البصر , ولا شئ يحركنا أو يقلقنا وكأن انتصارات أمريكا تصب فى صالح الإسلام !!
إلى هذا الحد صِرنا جبلات وأموات نأكل كالأنعام ونشرب كالدواب ونصب اللعنات على بعضنا البعض ، وأمام أمريكا يبلع كل مسئول لسانه ويثبت فى مكانه ويقف أمام الكلب بوش وكأنه يقف فى الصلاة , لا حركة ولا خروج عن النص !!
فى بلادنا العامرة تحول الحاكم إلى لص ، وعالم الدين إلى زنديق, يسبح بحمد الحاكم وحكمته.
فى بلادنا تحول الأسد إلى كلب ، والكلب إلى قط ، والقط إلى فأر ، والفأر صار فأر أجرب يعف عليه الذباب .
لم تعد لنا أنياب , لنا ذيول وقرون وكروش وبطون ، ولنا عيون نشاهد بها جرائم اليهود ونقول "لا حول ولا قوة إلا بالله" .
نعم , لا حول ولا قوة إلا بالله ، ولكن هل ظلمنا الله , هل خلقنا من غير موارد وثروات , هل جعلنا فى منطقة زلازل وبراكين , هل خلقنا من غير أفئدة وعقول , 7 هل نحن قِلة ؟!!
لا , لقد صرنا من الكثرة بحيث أصبح حكامنا يطالبوننا بتحديد النسل , نعم نحن كُثر ولكن كغثاء السيل .
صدقت يا سيدى يا رسول الله , لا توجد أمة على وجه الأرض أخبرها الله بما سوف يحدث لها ثم فعلت عكس ما اُمرت به , غير أمة الإسلام !!
لا توجد أمة إحتوى كتابها على كل أخبارها ثم نكصت عهدها ونقضت غزلها ووالت عدوها , غير أمة الإسلام !!
لا توجد أمة أطلعها الله على عدوها إلا أمة الإسلام ، وعلى الرغم من ذلك سعينا لنقيم مع العدو سلام !!
سلام مع اليهود يا ولي عهد السعودية ,و يا حكام العرب الأصنام , سلام مع اليهود أولاد الحرام , سلام مع القتلة والزناة وصُناع الظلام ....!!
حقًا .. إن الطيور على أشكالها تقع , نصادق بوش وشارون وبلير ، ونعادى أسامه بن لادن رضي الله عنه والظواهرى وصدام .(70/227)
نحاصر العراق ، ولا نحاصر إسرائيل , نحارب التدين ، ولا نحارب التسيب , نحارب الفضيلة ، ونحث على الرذيلة , قنواتنا صارت قنوات بغاء ، وإعلامنا صار إعلام عهر ، وتعليمنا صار تعليم زيف .
تضربنا إسرائيل بالحذاء ، فنبالغ فى الإنحناء , ويتركنا بوش ويمضى مع كلبه ، فنسير خلف الكلبان دون هدى أو بيان .
ماذا بقى يا تنابلة السلطان ؟!!
ماذا بقى يا هدمة القرآن ؟!!
ماذا بقى يا من حاربتم الله ورسوله وسعيتم ـ كاليهود ـ فسادًا فى الأرض ؟!!
ماذا بقى يا خُدام الكفره وعُباد الفسقة الفجره ؟!!
وأنت يا شعب "الضاد" أين التضاد ؟!!
أين التمرد والعصيان ؟!!
لقد ظهرت الوجوه على حقيقتها وسقطت الأقنعة , فلِما الانتظار ؟!!
ينتظر كل منا فعل غيره ، وغيره ينتظر فعل غيره ، ولا أحد يريد أن يضحى ,
تركنا الأبناء يُطاردون حتى فى المساجد ويُقتلون فى المنازل والشوارع ، ويتسور عليهم عسكر الخونة الأسوار ، وقد أبى الكفرة أن يفعلوا ذلك مع رسول الله ليلة الهجرة خشية أن ينالهم العار .
هؤلاء هم حكام العرب:
خودوا مبارك مثلا .. مبارك الذى قال عنه الوزير حسب الله الكفراوى فى 29/3/1991 ونشر ذلك فى مجلة المصور , قال : ( لولا وقفة مبارك ما كان لأمريكا أكبر قوة فى التاريخ والعالم المعاصر أن تدخل إلى المنطقة تحت أى مسمى وإلا كانت هناك فيتنام أخرى أو حرب صليبية ، لكن الذى أعطاها الشرعية هو الرئيس مبارك ) ثم قال بالحرف الواحد ( إن الذى جعل الملك فهد (لا شفاه الله) يطلب قوات أمريكية هو الرئيس مبارك ، فحسنى مبارك لا جدال هو الذى أعطى الشرعية للولايات المتحدة وقوى التحالف للدخول ، ومن يقول بأن دور مصر هامشى غير واع لمجريات الأحداث أو أن لديه مرارة تجاه مصر , مصر هى التى صنعت حرب الخليج ). نعم حكام مصر ,السعودية والكويت هؤلاء هم الدين صنعوا حرب الخليج وهيهات أن يصل هؤلاء الزنادقة لشعرة من البطل المحتسب لله صدام.
أعيدوا قراءة ذلك وافهموا الحقائق يا من تنتظروا الخير من الحكام العرب , مبارك مثلا ومثله (الأمير عبد الله , والملك عبد الله ....) يتعاون مع المخابرات الأمريكية ويقول ويُنشر ذلك فى أهرام 9 يونيو 2002 ( إننا نتعاون مع الاستخبارات الأمريكية قبل وقت طويل من الحادى عشر من سبتمبر ، وقد أشارت المعلومات التى قدمناها للمسئولين الأمريكيين ان شيئا خطيرًا سوف يقع ولم نعرف على وجه التحديد أين ) .
مبارك الذى يقول فى حديث لشبكة سى إن إن : ( لقد قدمنا معلومات على مدى أكثر من عام قبل هجمات الحادى عشر من سبتمبر ، ولكننا كثفنا منها خاصة بعد الحادى عشر من سبتمبر ) وعندما يسأله المراسل : كيف ؟!! يجيبه الرئيس : ( لقد زرعنا بطريقة ما أشخاصًا يتمتعون بصفات خاصة كانوا هناك فى أفغانستان ) !!!!
هؤلاء هم حكام العرب, أليسوا أكثر خطورة على الإسلام من بوش وبلير وشارون؟؟؟
بسم الله الرحمن الرحيم
لن يصلح حال الامة الاسلاميه , الا بتغير جميع الحكومات العربيه بدون استثناء. وتسليم الحكومات الى امثال اسامه بن لادن ,عائض القرني ,ناصر العمر ,سفر الحوالي ,سلمان العوده , ايمن الظواهري ..وغيرهم الكثير ممن صدقوا مع الله
عند ذلك صدقون ..سيصلح التعليم ولامن والتربيه والدفاع والاعلام وجميع احوال الامه الاسلاميه والعربيه
والسلام عليكم
بعد الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
اقول وباختصار بعد الشام ان شاء الله لعله يكون ظهور المهدى عليه السلام يملأ الارض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا مصداقا للحديث الصحيح فى السنن عن حصار العراق ثم الشام ثم سكت هنيهة r ثم قال : ثم يخرج رجل من اهل بيتى يملا .......... او كما قا صلى الله عليه وسلم وان كنت لا اجزم بذلك حتى لا اكون ممن يرجم بالغيب ولكن من باب الاستعداد للحدث , اما النصيحة فانصحكم أن تتعلموا البتوحيد ولا تستكبروا عن ذلك لعل الله أن يجعلكم من جند المهدى او من جند التوحيد على كل حال كما انصحكم بالبعد عن محاولات الترقيع فقد أطبق الجهل والشرك على الارض وضل اكثر الناس الا من رحم الله فها هو شيخكم يفتى بجواز ارتكاب الشرك والكفر وشهوده من اجل تخفيف الضرر او ارتكاب ادنى المفسدتين فعجبا والله اى مفسدة اعظم من ارتكاب الشرك ومن الذى امرنا وتعبدنا بان نرتكب الشرك لنحقق الاصلاح فيما هو مستطاع على حد زعم الزاعمين ( وقد نزل عليكم فى الكتاب ان اذا سمعتم ايات الله يكفر بها ويستهزا بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا فى حديث مثله انكم اذا مثلهم ان الله جامع الكافرين و....(70/228)
لن أعلق بقولي إلا قولا واحدا إنها حرب مسيحية متصهينة وحرب صليبية حدودك ياإسرائيل من الفرات إلى النيل.. الاسلام يهان من قبل هؤلاء المجرمين المرتزقة الذي لاوطن لهم بالأصل ولادار .. إنهم لصوص وقطاع طرق كأمثال قوم لوط والله لن يتركهم الله على ماهم عليه بعد أن عاثوا فسادا في البلاد .. مايجب علينا فعله هو: ان نهيأ أنفسنا لمحاربة هؤلاء الأوغاد الذين يتطاولون على الاسلام في كل أنحاء العالم وذلك من خلال جمع شمل المسلمين وتوحيدهم .. ليس عن طريق حكامهم الذي لاحول لهم ولاقوة.. بل عن طريق علماء المسلمين في كل أنحاء العالم والدعوة إلى محاربة هؤلاء الصليبين بكل الوسائل الممكنة .. كفانا ياأخواني ذلا وعبودية .. هيا بنا نحاول أن نعيد للإسلام كرامته وعزته .. أما نرى إخواننا في العراق وفلسطين .. أمانسمع صرخات أطفالهم ونحيب نساءهم ؟ أم لم يعد لنا نخوة؟ أطفال تقتل وبيوت تهدم وأرواح تزهق ونحن نقف وقفة المتفرج الباك؟ لم؟ ستضرب سوريا والدول العربية ستعلن تنديدا ومن ثم سيضربون بلاد الحرمين ومصر وكل من قال لااله الا الله محمد رسول الله .. (فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا إن من المجرمين منتقمين)
بلا شك أن أمتنا الاسلامية تعيش في هذه الايام تحت تآمر مركب فهو صليبي و صهيوني وشيوعي وعلماني ....إلخ فالله المستعان وعليه التكلان .. ولكن يجب على كل فرد من افراد هذه الامة ان يعمل مابوسعه لنصرتها والذود عن حماها فالكل مسؤؤل,ولندع الاتكالية وقول يكفي فلان او فلان....ومن وجهة نظري ياأحبه ان من اهم الامور التي يجب علينا اصلاحها هو الاعلام لانه عنصر متعدي التاثير ,فهو يؤثر على التربية وعلى التعليم
ايضا,,فكم من أفلام اثرت على اخلاق وسلوك من رآها, وكم من اخبار نقلت الينا بطريقة غير صحيحةوكم من مخالفات شرعية ارتكبت وكم وكم...فنصيحتي ان نبدا بالاعلام ونكسوه حلة اسلامية راشدة ذات رؤيةثاقبةو سديدة وبعدها باذن الله تتيسر لنا باقي الامور ومن ثم يعود لهذه الامة مجدها وسؤددهابعزعزيز او بذل ذليل عزا يعز الله به الاسلام واهله وذلا يذل الله به الكفر واهله .واخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين...
المخطط الصهيوني الاسرائيلي الامريكي في المرحلة الحالية يعرف العدو على انه:
1- البعث،ويعتبرونه منتهي بعد سقوط حكومة الظالم صدام وهو من خدمهم وسهل لهم الدخول والتوغل في منطقة الاسلام والله يسلط الظالمين على بعض (يجب الا ننسى ما حصل لاخواننا في حلبجه وغيرها من المجازر التي قام بها الطاغية ولم يتذكر الصهاينة في الغرب انها جراءم حرب الا عندما حانت ساعة الصفر "الاحتلال".
2- الشيعة، والصهاينة يعتقدون ان الطريق للقضاء عليهم يأتي بقلب الحكم في ايران.
3- السنة، وهم يعتبرون ان اهل هذا المذهب يشكلون الخطر الحقيقي عليهم وان هزيمته غير ممكنة بالسلاح العسكري فقط ولهذا فمخططهم للقضاء علية يمتد عشرون سنه قابلة للزيادة ويرون ان ما يسمونه بالوهابيه في السعودية وبعض الجماعات في مصر يشكلون القلب النابض لهذا المذهب ولذلك تتركز الحملة على السعوديةبالدرجة الاولى ومن ثم مصر وهم يتهمون الحكومتان في السعودية ومصر بامور الهدف منها ليس مصلحة الشعوب بقدر ما تهدف الى ابتزازهما للمساهمة في الحرب على الاسلام والتنازل في موضوع الاحتلال الاسرائيلي. جيمس ويلسلي مستشارهم المعروق قدم هذا التعريف في جامعة بيركلي.
ما سيحصل هو التالي: فجأة سيتذكر العالم المجازر التي ارتكبها النظام السوري، وفجأة ستذكر الأخوة الخليجيون أن سوريا نظام بعثي لا يعرف لله طريقا، وفجأ سيتذكر مجلس الأمن أن سوريا لم تف بالزاماتهاتجاه السلام، وفجأة ستتذكر هيئة الطاقة الدولية أن سوريا لديها برنامج نووي، وستصبح جميع المداجن وزرائب تربية الحيوان في سوريا مكانا لتنمية الجمرة الخبيثة، وكل محطات تعبئة الغاز المنزلي تصبح أماكن قابلة للتحويل للعمل العسكري وتعبئة الأسلحة الكيمياوية، وستنبري دول الأقزام كالكويت والأردن لمنح اراضيها مؤاطئ قدم لجيوش الغرب لتحقيق السلام العالمي وازالة الطاغية، وسيخرج حسني مبارك ويقول "إحنا نصحنا الأسد بس هو ماردش، وسياتي أمير الامارات بمبادرة سلام، وستأتي اوربا بشروط غير منطقية وتطلب من سوريا تحقيقها، وسيخرج علماء الأمة بسلة من الأحاديث النبوية عن أن سقوط الشام بأيدي الصليبين خير للأمة لأن ذلك سيلحق به خروج المهدي المنتظر, وسيخرج مثقفون من تحت مزابل التاريخ لييخترعواأسس مرحلة ما بعد حرب سوريا، وستخرج تلفزيونات العالم العربي لتظهر الوضع السيء في سوريا متمنية أن تأتي أمريكا بأحسن منه، وسيبقى العرب يتفرجون!
بسم الله الرحمن الرحيم:
لقد تكلمنا كثيرا و يبقى السؤال البديهي الذي يطرح نفسه اليوم هو ما هو الحل.
ولكي نجيب عن هذا السؤال, علينا أن نشخص المرض العضال الذي أصابنا اليوم. إن حال المسلمين اليوم عامتهم وعلمائهم وصلت إلى حد من الإنهيار لا سابق له..(70/229)
من كان يتخيل منا, أن يوما ما ,أرض بلاد الرافدين و دار الخلافة الإسلامية ,ستحاصرها الروم وتدكها انطلاقا من بلاد الحرمين. من كان منا يتخيل أن علماء الجزيزة, وأهلها أحفاد الصحابة رضي الله عنهم, سيقفون متفرجين, بل يا ليتهم كانوا متفرجين فحسب, بل أخرجوا الفتاوي التي تزكي عمل الشيطان. إن جميع مياه دجلة والفرات لن تغسل عار أهل الجزيزة على العموم, وأهل الحجاز على الخصوص. و المصيبة أنه عندما و قف أحد أبناء الإسلام الغيورين: أسامة بن لادن رضي الله عنه صارخا في وجه الصليب , لينقد شرف هذه الأمة, وقف بعض الأقزام من العلماء, بدون استحياء, يفتوا لنا , ويتفلسفوا حول جهاد الشيخ حفضه الله. وكان الأولى بهؤلاء الأقزام أن يقفوا أمام الدبابات الصليبية, دونها أجسادهم حتى لا تعبر إلى العراق.
إخوتي في الله إن الخطب جلل, ولا أمل في الحكام, فأنا لن ألوم أمريكا أبدا, فهي لا تعمل إلا وفق عقيدتها ومصلحتها. إن هؤلاء الحكام, متورطون, في العمالة و سرقة الأموال وفي الزندقة, ولا يمكنهم الرجوع إلى الوراء, وكلكم يذكر ذالك الأمير الإماراتي الذي خرج في مظاهرة ضد الغزو الأمريكي للعراق, فجائت الأوامر مباشرة من واشنطن لفصله عن ولاية العهد, فكان السمع والطاعة.
إخوتي في الله إن الوقت ليس في صالحنا, فإذا أصلحنا نحن واحدا أفسدوا هم ( أي الحكام) عشرة, فأنا أذكر في السبعينات في بلادي المغرب, وكنت عندها صغيرا, أذكر أن جميع نسائنا كن منقبات, لكن الحسن الثاني المقبور ابن فرنسا استطاع وفي ظرف وجيز أن يعري جميع بناتنا ويجعل من المغرب وكر ذعارة, يحج إليه الزناة من كل صوب وحذب, ومن بينهم ولي عهد السعودية الذي يملك أكبر القصور على شاطئ عين الذئاب بالدار البيضاء.....
إخوتي في الله إن ما يجري في الإمارات, أو اليمن مثلا, هو ما جرى من قبل في تونس, ومصر والمغرب, إن المرأة الإماراتية, أو اليمنية, الطاهرة, العفيفة , بدأت تتعرى شيئا فشيئا. فسيطرة هؤلاء الزناة على وسائل الإعلام, وكل مرافق الحياة لا يترك لنا مجال للإصلاح, و إذا انتضرنا, فسنصل لليوم, الذي نرى فيه بنات الجزيزة كلهن كاسيات عاريات, إلا ما رحم ربي....
إنه لاحل لنا, إلا بأن يلغي كل واحد منا, مبدأ الدولة القطرية التي خلفها الإستعمار, وقدسها حكامنا عبدة الشيطان, فهي ضد عقيدتنا, لأن مبدأ العقيدة الإسلامية يلغي جميع الحدود بين المسلمين. إن دولة السعودية, أو الكويت أو قطر, أو المغرب , هي دول لا شرعية,( أنا لا أتكلم عن الحكومات, فعدم شرعيتها بديهي, بل أتكلم عن الدول). إن هذا الإلغاء ستترتب عنه نتيجة , منطقية, وهي عودة الخلافة, بإذن الله. أما الخليفة فهو موجود , وكلنا يعرفه, إنه محاصر في جبال أفغانستان, فهل عرفتموه: إنه أسامة بن لادن رضي الله عنه. إخوتي في الله, مدوا أيديكم نبايع..... اللهم أشهد فإني قد بايعت.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وعلى احبابه واصحابه ومن تبعهم باحسان إلى يوم الدين اما بعد :
ان ما يحصل من حولنا وامامنا ونحن عنه لاهون من المصائب الكبيرة التي تعيشها خير امة اخرجت للناس دول كاملة بخيرها وشعبها نساءها واطفالها تحتل من قبل من يشهر العداء للاسلام والمسلمين ونحن في جدل عقيم امضت الامة وعلماءها قرون طويلة في الاتهام ورد الاتهام ويؤجج ناره منافقي العصر الحديث ومستغلوا خيرات الشعوب وكأن ما يدور حولنا في عالم اخر لايهمنا00 ولا يعنيننا 00ولا يعني ديننا في شيء0
اخوتي في الله
لابد لكل من يقول لااله الاالله محمد رسول الله ان يقف لحظات متأملا 00ومتألما لما يحصل ولكل منا وجهة نظر حسب تربيته وثقافته الدينية والوطنية وادعوكم من هذا المقام والمساحة البسيطة ان نتكلم بكل صراحة ونفتح القلوب والعقول عسى ان ينفع الله تعالى بعضنا ببعض ونبدأ بطرح نقاط للبحث والتأمل متمنيا ان نبتعد فيها عن الجدال والتخاصم والله يعلم سرائرنا وما تخفي الصدور 000
اولا : الصليبية الجديدة بقيادة أمريكا وأثرها على الإسلام والمسلمين
ثانيا :تفرق المسلم
ثانيا :تفرق المسلمين إلى شيع وأحزاب وأسبابها وإمكانية معالجتها
ثالثا :الجهاد والمجاهدين والأسلوب الخاطئ في فهم الجهاد وتنفيذه
رابعا :وأخيرا هل من الممكن الإصلاح أم نسلم لليأس ؟
هذه المحاور اطرحها بين أيديكم عسى ان نرى ويرى القارئ ما يفيد فيها وليكن شاهدنا واستدلالنا كتاب الله تعالى لان الخير وكل الخير بين سطوره والله اعلم 0
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ثانيا :تفرق المسلمين إلى شيع وأحزاب وأسبابها وإمكانية معالجتها
ثالثا :الجهاد والمجاهدين والأسلوب الخاطئ في فهم الجهاد وتنفيذه
رابعا :وأخيرا هل من الممكن الإصلاح أم نسلم لليأس ؟
هذه المحاور اطرحها بين أيديكم عسى ان نرى ويرى القارئ ما يفيد فيها وليكن شاهدنا واستدلالنا كتاب الله تعالى لان الخير وكل الخير بين سطوره والله اعلم 0
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ثانيا :تفرق المسلمين إلى شيع وأحزاب وأسبابها وإمكانية معالجتها(70/230)
ثالثا :الجهاد والمجاهدين والأسلوب الخاطئ في فهم الجهاد وتنفيذه
رابعا :وأخيرا هل من الممكن الإصلاح أم نسلم لليأس ؟
هذه المحاور اطرحها بين أيديكم عسى ان نرى ويرى القارئ ما يفيد فيها وليكن شاهدنا واستدلالنا كتاب الله تعالى لان الخير وكل الخير بين سطوره والله اعلم 0
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
السلام عليكم ورحمة الله
{ ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم قل ان هدى الله هو الهدى ولئن اتبعت أهوائهم بعد الذي جاءك من العلم مالك من الله من ولي ولا نصير)
أيها المسلم العاقل:: هذا دستور الهي مقرر منذ الأزل بأنهم لن يرضوا عنك مهما فعلت ومهما تنازلت لترضيهم ضع هذا نصب عينك00 وتعال لنقف وقفة متأمل لمواقفهم ضد الإسلام والمسلمين00 ولا نعود للتاريخ البعيد بل للتاريخ المعاصر حيث ان كبار السن من آبائنا عاصروه وعايشوه بأرواحهم وأجسادهم منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية واحتلالهم لبلاد المسلمين ونهب خيراتهم وثرواتهم وتهميشهم حتى باتوا بعد فترة اقل قيمة من الحيوان 0
وبعدها ظهور أمريكا على الساحة وتمسك غالبية أهلها بالمذهب الجديد الذي تعانق فيه الصليب مع نجمة داوود واشترك الفكر المتطرف ان صح التعبير من اليهود والنصارى ليشكلوا هذا المنهج الذي نراه اليوم من عداء لا يتصوره العقل للإسلام والمسلمين0
بدأت الحرب عليهم بالفكر والثقافة واستغلال ثرواتهم لخدمة اليهود واحتلت فلسطين واجتث المسلمين منها ووقفت كل الدول المسيحية مؤيدة ودا عمة لليهود حتى باتت من أقوى الدول في العالم0
وبعدها عاثوا في بلاد المسلمين الفساد وأعطوهم استقلالا وهميا بعد ان أسسوا قواعد فكرية وثقافية بل وحتى دينية لخدمتهم وسلموا زمام السلطة لمن يقوم على رعاية مصالحهم اكثر0
ظهرت في هذه الفترة تيارات إسلامية مناهضة لهذا الفكر ولهذه السيطرة الصليبية الصهيونية وانخرط فيها الشباب المسلم يسيطر عليه الحماس والاندفاع وأصبح سهل الاصطياد من قبل الأعداء أنفسهم مما جعله يدخل في حرب مع السلطات دون وعي أو تفكير ونسي العدو الأساسي وبالتالي تعرض لقمع شديد واضطهاد لم يسبق إليه مثيل من قبل الحكومات المستفيدة وأصبح ذريعة للحكومات لتقوم بالحرب على الإسلام علانية وان كلمها احد قالت انظر ماذا فعل المسلمين تجد ذلك متميزا وبارزا في مصر وسوريا وأخيرا الجزائر ومستقبلا دول الخليج العربي
=============(70/231)
(70/232)
الانبطاح.. أو الطريق إلى الهاوية!!
د.محمد مورو 14/11/1424
06/01/2004
هل كتب على زعمائنا وبالتالي أمتنا باعتبار أن تصرفات وقرارات الحكام لا تعود فقط على شخوصهم، بل على مجمل الأمة حاضرها ومستقبلها.. هل كتب عليهم وعلينا بالتالي الانبطاح بلا توقف ونزول السلم درجة درجة، حيث إن الذي ينزل درجة واحدة من السلم بالضرورة سينزل باقي الدرجات؛ لأنه يفقد قدرته ومناعته على الصمود ويصبح في حالة قابلية للنزول، ويتصور خطأً أنه بنزوله هذه الدرجات سيصل إلى قاع بئر الأمان وهو في الحقيقة يحفر قبره المادي والمعنوي أو يصل إلى قاع الهاوية!.
منطق الانبطاح أو المنبطحين يقوم على أساس قاعدة إرضاء الذئب والذئب لن يرضي لأنه ذئب، وبالتالي يطالب الذئب بالمزيد وبلا نهاية قريبة أو بعيدة.. ونحن أمام عدو أو أطراف دولية وإقليمية لن ترضى بغير الوليمة كاملة لأسباب تتصل بالتاريخ والجغرافيا والمصالح.. فهم يستهدفون استئصالنا كأمة وكحضارة وكوجود وكقيمة ثقافية ومصالح اقتصادية وسياسية.. إلخ. وهم- ونعني هنا أمريكا وإسرائيل- ونحن مثل نار جنهم تقول دائمًا: هل من مزيد؟ ولا تشبع أبدًا، والمنطق القرآني ذاته وهو حق ومقدس وواجب الاتباع يقول: (ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم)، وقياسًا نقول: لن ترضى عنكم يا زعماء العرب والمسلمين أمريكا وإسرائيل.. عن كل شئ.. نعم كل شئ: الأرض، والعرض، والكرامة، والوجود، ثم تلقي بمن يرضى بذلك في أقرب مزبلة..
ألم تقرؤوا تجربة الأندلس؟ فالحكام الذين قبلوا بالانبطاح والتسليم بمطالب الصليبيين مقابل مجرد النجاة بممتلكاتهم الشخصية لم يحصلوا على هذا الأمان الشخصي ولا الاحتفاظ بالممتلكات؛ بل بمجرد جفاف حبر الاتفاق وربما قبل أن يجف هذا الحبر صودرت ممتلكاتهم، وطلب منهم أن يبدلوا دينهم، وهكذا خسروا الدنيا والآخرة؛ بل حتى الذين بدلوا دينهم لم يقبل منهم هذا وقتلوا بلا هوادة.
ومن لا يتعلم من التاريخ؛ فهو غافل ومن لم يتعلم من الحاضر أيضًا فهو أحمق. ليس التاريخ وحده هو من علمنا أن الانبطاح لن يؤدي إلى الأمان ورضا الأعداء وسكون الأحوال؛ بل العكس هو الصحيح على طول الخط.. نعم ليس التاريخ؛ بل الحاضر الماثل أمام أعيننا.
عبرة اعتقال صدام
مروِّجو سياسة وثقافة الانبطاح يقولون: انظروا ماذا حدث لصدام حسين.. هذا جزاء من يعارض أمريكا ويحتفظ بأسلحة دمار شامل. ونقول لهم: إن ما حدث لصدام حسين لا علاقة له بمعارضة أمريكا ولا بأسلحة الدمار الشامل؛ بل العكس هو الصحيح فصدام حسين دمر منذ التسعينات كل ما طلب منه من أسلحة وقبل بالتفتيش الدولي وانصاع لكل القرارات، ووافق على كل المطلوب، ولما أيقن الآخرون أنه لم يعد لديه أسلحة دمار شامل قاموا بغزو العراق واحتلاله، ومن ثم إنهاء حلم صدام حسين واعتقاله وإذلاله، ولو كان صدام حسين لم ينصع للقرارات والمطالب، واحتفظ بأسلحة الدمار الشامل التي دمرتها لجان التفتيش؛ ربما كان الموقف مختلفًا ولو حتى من باب الكرامة والمعنويات، وكوريا الشمالية أعلنت أنها تمتلك أسلحة دمار شامل، ولذلك فإن أمريكا تطلب الحوار معها وليس التفكير في غزوها.
المثال الآخر ياسر عرفات الذي اعترف بإسرائيل، وغيّر ميثاق المنظمة، وتخلى عمليًّا عن حق العودة للاجئين، ووقع اتفاق أوسلو، وفعل ما هو أكثر من ذلك، ومع ذلك انتهى الأمر به إلى أنه أصبح مرفوضًا من أمريكا وإسرائيل، ومعزولاً ومحاصرًا على المستوى الشخصي وعلى مستوى القضية؛ فإن إسرائيل تواصل بناء الجدار، وتعلن خططها العملية لتحويل الفلسطينيين إلى كائنات ممزقة بلا روابط!! بل إن كل المبادرات الأمريكية والإسرائيلية التي أعطت شيئًا من المكاسب جاءت عقب قيام المجاهدين داخل فلسطين وخارجها بنوع من الضغط، وأراد الأمريكيون أن يعطوا شيئًا كمخدر للجماهير حتى لا تلتف حول هؤلاء المجاهدين. فالحديث الأمريكي عن دولة فلسطينية تم لأول مرة عقب أحداث 11 سبتمبر كنوع من نزع التبرير من القاعدة وابن لادن على أساس أن الانتقام لما يحدث في فلسطين أمر مشروع وربما واجب.. وبالتالي؛ فإن على أمريكا أن تنزع هذا الأمر بادعائها (زورًا) أنها ستراعي الفلسطينيين، وكذا كان الأمر في خارطة الطريق لأسباب تتصل بمنع التضامن مع العراق ونزع جدرانه الشعبية، والأمثلة الحاضرة -فضلاً عن التاريخية- أكثر من أن تحصى.
تنازلات القذافي
هذا الكلام بمناسبة ما حدث من سلسلة الانبطاحات العربية الإسلامية أمام أمريكا وبالطبع لن نحصيها عددًا؛ بل ستضرب عليها بعض الأمثلة غير ملتزمين بالترتيب التاريخي.(70/233)
من هذه الأمثلة هو ما قامت به "الجماهيرية العظمى العربية الاشتراكية" من أنها قررت من تلقاء نفسها تدمير أسلحة الدمار التي لديها من صواريخ باليستية، وأسلحة جرثومية وكيمائية، وخط لإنتاج سلاح نووي، واستعدادها لفتح أراضيها أمام أي نوع من التفتيش من الأمم المتحدة أو هيئة الطاقة الدولية أو خبراء أمريكان أو أوروبيين وكل من هب ودب. وكانت الجماهيرية العظمى سلمت من قبل اثنين من المتهمين في أحداث لوكيربي وتمت محاكمتهما، ومازال أحدهما محبوسًا في السجون الهولندية بعد صدور الحكم بإدانته، ثم قامت الجماهيرية بدفع 3.7 مليار دولار كتعويضات لضحايا الطائرة..! كل هذا لإرضاء الغرب وتبييض الصفحة، وقد فسر البعض ذلك على أن الرئيس أو الزعيم الليبي معمر القذافي عندما رأى ما حدث لصدام حسين فضل أن يقوم بكل أنواع الاسترضاء للأمريكان عملاً بحكمة الفيلسوف (بيدبا): "ما الذي جعلك تفعل هذا يا ثعلب؟ قال: رأس الذئب الطائر" ولعل أوساط الجماهيرية الليبية ترفض هذا التفسير، ولكن وزير الخارجية البريطاني جاك سترو قال: "إن الحرب على العراق وسقوط النظام العراقي قد ساعد ليبيا على اتخاذ قراراها الأخير بالتفاهم مع لندن وواشنطن".
التبرير الليبي للقرار تجاهل هذا بالطبع، واعتبر أن القرار لا علاقة له بما حدث في العراق ولا بمصير صدام، وأن ذلك يرجع إلى رغبة ليبية في نزع أسلحة الدمار الشامل من المنطقة، وأنها تبدأ بنفسها، وأن ليبيا تريد التركيز على التنمية الاقتصادية ومعيشة شعبها واستبدال السيف بالمنجل. وبدهي أن هذا الكلام يحمل كثيرًا من الخداع والمغالطة.. فنزع أسلحة الدمار الشامل من المنطقة لا يكون بقرار فرديّ من ليبيا؛ بل بالتفاهم مع دول المنطقة العربية والإسلامية مثلاً ليبيا ومصر وسوريا، وربط ذلك بنزع الأسلحة الإسرائيلية المؤكدة وليست المحتملة كما في حالة العرب وإيران؛ فإسرائيل تملك على أقل تقدير 200 رأس نووي وآلاف الأطنان من الأسلحة البيولوجية والكيمائية. وهكذا؛ فإن الزعم بأن القرار الليبي يحرج إسرائيل.. هو كلام بلا رصيد؛ فمتى كان الإحراج وسيلة لانتزاع الحقوق والمواقف؟! ومتى كان الإحراج أصلاً يؤثر في إسرائيل بالذات؟!.
ثم القول بأن ذلك يضع إسرائيل في حرج أمام المجتمع الدولي هو قول ناقص؛ فالصحيح أن ذلك يضع سوريا ومصر وإيران في حرج أكبر، ليس أمام المجتمع الدولي فقط وإنما أمام أمريكا بالذات، ويضعف موقف هؤلاء تمامًا، وخصوصًا سوريا أمام التحرش الأمريكي. وهكذا فالقرار خاطئ من هذه الناحية، أما من ناحية التركيز على التنمية في ليبيا؛ فهذا الكلام لو كان حقيقيًّا؛ فمعنى ذلك أن هناك خطأ ارتكب في حق الشعب الليبي لمدة 34 سنة من حكم الثورة الليبية. ألا يحق للشعب الليبي إذًا محاكمة المسؤول عن هذا الخطأ المستمر لمدة 34 سنة، ومحاسبته على تأخير تنمية ليبيا هذه المدة، وإنفاق المليارات على مشروعات تسليح تم تضييعها بشكة دبوس فجأة؟.
ولا يفهم من كلامنا هذا أننا مع هذه الطريقة في التسليح لا.. إننا ضد التنمية بدعوى الإنفاق العسكري؛ فالصحيح أن التنمية تأخرت لأن هناك فسادًا وسوء تخطيط وديكتاتورية، وليس فقط بسبب الإنفاق العسكري، وكذلك لأن الأسلوب الصحيح للتسليح ليس اقتناء الطائرات والدبابات والصواريخ ..إلخ؛ بل تسليح كل الجماهير بالسلاح الخفيف لأن الآلة العسكرية الأمريكية قادرة على تدمير وهزيمة الجيوش الثقيلة بسهولة وبيسر وسرعة، وبالتالي فالجري وراء هذا الوهم هو سراب؛ بل هذا ما يريده بالضبط الأمريكيون، وربما يكون من الصحيح هنا أن نقول إنه تم معاقبة الحكومات والدول التي تقوم بالتنمية وترفض استيراد هذا السلاح الثقيل وأسلحة الدمار الشامل؛ لأنها تدفع فيه ثمنًا باهظًا لخبراء وصناعات الغرب، ثم تجعل نفسها أسيرة الاتهام، وإن المقاومة الشعبية وبالتالي تسليح الجماهير بالسلاح الخفيف وإطلاق حريتها في التعبير وإنهاء الديكتاتورية أسلوب لا تستطيع أمريكا ولا أقوى منها ولا أكبر أن تواجهها.
تخاذل إيران
المثال الثاني هو إيران.. وإيران حاولت استرضاء أمريكا خاصة في القطاع الإصلاحي من السلطة بمواقفها المريبة والمزرية في أفغانستان، ثم في سكوت الشيعة في العراق وعدم مشاركتهم في عمليات المقاومة، وتعاون المجلس الأعلى للثورة في العراق -وهو محسوب على إيران- مع أمريكا، و مشاركته في مجلس الحكم، وتراجع الموقف الثوري لحزب الله، ثم قبول إيران شروط هيئة الطاقة الدولية وتوقيعها على البروتوكول الإضافي.
ولكن ذلك لن يحل المشكلة؛ فالمطالب الأمريكية لن تنتهي بخصوص إيران أو ليبيا، وحادثة تعكير الحمل للماء معروفة ومشهورة ولن تقدم القريحة الأمريكية والإسرائيلية البحث عن المزيد من الطلبات والشروط، ويمكن لي شخصيًّا أن استنتج بدون عناء بعض هذه المطالب:(70/234)
فبخصوص إيران؛ سيطلب منها: تسليم قيادات حزب الله للمحاكمة -مثلاً-، أو التخلي عن تعليم اللغة العربية في المدارس الإيرانية، تغيير اسم الجمهورية الإسلامية لأن فيه تعصب، إلغاء منصب مرشد الثورة، إلغاء مجلس الخبراء؛ لأن ذلك يتعارض مع الديمقراطية؛ إعطاء حكم ذاتي للأكراد ثم الآذريين ثم التركمان وهلم جرا.. !!
والنسبة لليبيا: إلغاء اللجان الشعبية، إنشاء أحزاب وتعددية وبرلمان، وتسليم العقيد القذافي نفسه للمساءلة في قضية لوكيربي، وابتداع قضايا جديدة تتصل بالإرهاب على أساس علاقة ليبيا بإرهابيين فلسطينيين، والأمثلة أكثر من أن تحصى.. وإرهابيين في أيرلندا أو أسبانيا.. إلخ.
ندم المنبطحين
الانبطاح إذًا لن يجري لا على المستوى الشخصي، ولا على مستوى الدول؛ بل هو طريق مؤكد إلى الهاوية.. وأمثلة الانبطاح ليست قاصرة على ليبيا وإيران؛ فهناك مثلاً حالات مماثلة في السودان ومصر والأردن حول مطالب جزئية أو شاملة، وكذلك في باكستان. والانبطاح ليس قاصرًا على الجانب السياسي والعسكري وأسلحة الدمار الشامل؛ فهناك انبطاح ثقافي وآخر اقتصادي وثالث تعليمي .. إلخ.
والمحصلة أن المنبطحين يجنون على أنفسهم وعلى الأمة، والمواجهة أقل خسائر من الناحية العملية؛ فهي تقلل حجم الهزيمة، وربما توقف مسلسل الهزائم، وفي أسوأ الأحوال؛ فهي تحافظ على الكرامة وعلى الجذوة مشتعلة تحت الرماد؛ لتأتي أجيال جديدة فتحمل الشعلة من جديد، أما الانبطاح؛ فخسائره المادية أكبر، وخسارته المعنوية شاملة، وفيه ضياع للكرامة وتضيع الشعلة، وبالتالي تضييع حق الجماهير والأجيال القادمة في النهوض بالعرب من جديد، ونعود إلى القرآن الكريم الذي ينسف منطق المنبطحين نسفًا.
يقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (51) فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَن تُصِيبَنَا دَآئِرَةٌ فَعَسَى اللّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ فَيُصْبِحُواْ عَلَى مَا أَسَرُّواْ فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ (52)) [المائدة].
فالذين يدعون إلى الانبطاح بدعوى أنه لا قبل لنا بقوة أمريكا وإسرائيل نقول لهم: عسى الله أن يأتي بالفتح أو بأمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين. ومن المثير أن هذه الآيات تتحدث عن موالاة اليهود والنصارى و"الموالاة أعلى من التحالف"، وهو أمر لم يتحقق إلا في الخمسين سنة الأخيرة فقط. فالتاريخ كان عداءً مستمرًا بين اليهود والنصارى حتى هتلر؛ لدرجة أن مفسري القرآن الكريم كانوا يحملون الآية على أن الكفر ملة واحدة، ولكن هذه الآيات هي من الإعجاز القرآني، وهي نبوءة قرآنية تحققت، وبالتالي فهي تنطبق على حالتنا المعاصرة تمامًا، ومن هنا فإن الحل يكون قرآنيًّا، وهو عدم مولاة اليهود والنصارى، والمواجهة والاعتماد على مدد الله تعالى، وسوف يتحقق -إن شاء الله- ويومها سوف يندم المنبطحون على ما أسروا في أنفسهم.
==============(70/235)
(70/236)
معاداة النبي والصهيونية المسيحية
إدريس الكنبوري … … … … …20/10/1423
… … … … …24/12/2002
اتخذت الحرب ضد الإسلام بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 منعطفا جديدا لم يكن مألوفا من قبل، ولعلها أكبر هجمة بعد الحروب الصليبية التي لم يكن هناك في حينها لا إعلام ولا أقمار تنقل الصور والبشاعات، فقد أصبح الإسلام مستهدفا بشكل كبير باعتباره عدوا للحضارة الغربية تارة، وتهديدا للغرب أخرى، وإرهابا تارة ثالثة، وهمجية تارة رابعة.
ليس في الأمر مفاجأة، ففي كل مراحل التاريخ كان الإسلام في جوهر الصراع العالمي العقائدي والسياسي، تبدلت الإمبراطوريات وسادت ثم بادت ولا واحدة منها انحرفت عن طريق المواجهة مع الإسلام، ويحاول الغرب اليوم بدفع قوي من التحالف المسيحي اليهودي الناشط في أكثر من بلد أوروبي أن يبعث تركة الماضي الصليبي في الحرب على الإسلام والمسلمين، وإطفاء نور الحق الذي رأوا كيف تحدى صراعات البقاء والإمبراطوريات المتعاقبة في الزمن.
بعد 11 سبتمبر، وجد الكثيرون في الحادث فرصة للنيل من الإسلام وشن حرب إعلامية ودعائية قوية ضده، مستفيدين هذه المرة من الأجواء المشحونة ضده في أمريكا وأوروبا، لتأليب الرأي العام العالمي والغربي على المسلمين، وخلق حالة من"الفوبيا" الخطيرة التي تهدد بقطع جذور التواصل الحضاري.
ولكن الأمر لم يتوقف عند حد اتهام المسلمين والإسلام بالإرهاب والعنف والهمجية، بل تعداه إلى المس بشخص الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - وإلصاق التهم الرخيصة به عليه الصلاة والسلام، وهي زيادة في الكيد تبين بأن الأمر يتجاوز كونه نتاج سوء فهم أو تقدير، بقدر ما هو حرب حقيقية فيها من الإذلال قدر كبير وفيها من الاستكبار القدر الأكبر.
الخطير في الأمر أن هذه الحملة الكيدية ضد شخص النبي صلى الله عليه وسلميشرف عليها ويقودها -وهم وقودها- رجال دين مسيحيون وراءهم أتباع وأنصار، مثل القس "جيري فلويل" و"بات روبرتسون" و"فرانكلين جراهام" و"كورت كرين"، كما أن هؤلاء لا يقتصرون على صفتهم الدينية ومواقعهم الكنسية كقساوسة فقط، بل لهم نشاطات سياسية ويتمتعون بنفوذ سياسي قوي، مثل القس "روبرتسون" الذي ترشح عام 1988 للرئاسة في الولايات المتحدة الأمريكية، ويقود (التحالف النصراني)في الحزب الجمهوري الحاكم، وكان الرجل قد لعب دورا بارزا في عهد الرئيس الأمريكي الأسبق "رونالد ريغان" الذي شهد عهده نموا واسعا لليمين الديني المسيحي في أمريكا، ويمول عددا من المنابر الإعلامية والقنوات التي يروج من خلالها لأفكاره المتطرفة الشاذة.
زد على ذلك أن هذه الحملة لا تقتصر على بلد أوروبي بعينه، بل بدأت تنتشر في كثير من البلدان الغربية، ووصلت إلى إسرائيل حيث ألف يهود أغاني تدعو إلى هدم المسجد الأقصى وإقامة الهيكل محله. ما يعني أن الحملة وراءها تحالف صهيوني مسيحي نافذ يريد أن يشعل فتيل المواجهة مع الإسلام، وأن يوظف السياسة الأمريكية ما بعد 11 سبتمبر الموجهة ضد ما تسميه هذه السياسة بـ"الإرهاب" لتصفية الحساب مع الإسلام والمسلمين، ومع الفلسطينيين في فلسطين، إذ ليس يخفى ذلك التناغم بين الحملة والعدوان الصهيوني في هذا الظرف العالمي الدقيق.
إن العداوة الغربية للإسلام أمر ثابت منذ وقت طويل، وقد أفصح الغرب عن هذا التوجه العدواني في عدة محطات ومواقف ليس أولها تقسيم فلسطين نفسها والتآمر عليها، ولا آخرها احتلال البلدان العربية والإسلامية ووضع سياسات عنصرية لصرف المسلمين عن دينهم، كما أن الكيد اليهودي للإسلام في العصر الحديث مما لا يمكن أن يخفى على أحد، فكم مرة نسمع عن صناعة ألبسة أوأحذية أو عطور عليها إسم الجلالة أو اسم النبي -محمد r- سخرية واستهزاء وإذلالاً للمسلمين، ولا يتحرك الغرب ليوقف هذا العدوان، فيما هو ينهض ضد حق المسلمين في المنافحة عن دينهم وكرامتهم، وما قضية سلمان رشدي وتسليمة نسرين إلا نموذجين للازدواجية الغربية في التعاطي مع دعوى حقوق الإنسان، فلم يقتصر الغرب على الدفاع عن هؤلاء بحجة تلك الدعوى المختلة في الموازين الغربية، بل كافأهما بالجوائز والأوسمة الأدبية، وفي العام الماضي منحت جائزة نوبل للآداب لكاتب هندي مغمور يدعى" ف،س،نايبول" معروف بعدائه للإسلام والمسلمين، وكتبت الصحافية الإيطالية "أوليانا فالاشي" كتابها"الكبرياء والغضب"المليء بكل أشكال الحقد الأعمى على الإسلام والمسلمين، وعاد المستشرق اليهودي العجوز "ماكسيم رودنسون" بعد 11سبتمبر إلى حملاته التقليدية ضد القرآن والإسلام والحضارة الإسلامية، معطيا إياها نغمة جديدة تساير أجواء ما بعد الأحداث في الغرب، النفسية والسياسية والإيديولوجية. وفي خلال كل هذه المواقف المتتابعة، منذ ما قبل 11 سبتمبروبعدها، بدا الأمر وكأن هناك "حلفا مقدسا" في الغرب وفي أمريكا بالذات يستجمع قوته للهجوم على الإسلام.(70/237)
إن هذه الحملات كلها، ما هي إلا حلقة في سلسلة ممتدة عبر تاريخ العلاقة المهتزة بين الغرب والإسلام، كانت ترتفع أحيانا وتهدأ أخرى، لكنها لم تبرح ذاكرة الغرب ونخبه ومثقفيه، واتخذت دفعة قوية بعد انهيار الشيوعية وزوال الاتحاد السوفييتي، لتتخذ دفعة أقوى بعد أحداث سبتمبر من العام الماضي، والتي اعتبرها الأصوليون المسيحيون المتطرفون واليهود مناسبة لا يجب أن يخطئوا مواعيدهم معها، ليجعلوا منها عنوانا لصراع الحضارات الأثير لديهم.
وبنظرة للتاريخ، نجد أن صورة النبي - صلى الله عليه وسلم - في أذهان القساوسة المسيحيين ورجال الدين منذ عدة قرون، هي صورة الرجل المعادي للمسيحية، وكانت تلك الصورة جزءاً من الصورة العامة المشوهة للإسلام في الغرب، والاعتقاد الراسخ دائما لدى المنظرين والكتاب المسيحيين هو أن تشويه صورة نبي الإسلام يؤدي إلى انهيار الإسلام في نفوس أبنائه، وقد بين "دانييل نورمان" في كتابه(الإسلام والغرب) هذه الخطة الإيديولوجية المسيحية من خلال عبارة وردت في باب النبوة المزيفة جاء فيها:"لقد بدا لأولئك الأكثر اهتماما أن الهجوم المسيحي يجب أن يوجه بمجمله إلى تعرية الرسول، فإذا أمكن إظهاره على حقيقته، أي تجريده من صفات النبوة، فإن ذلك سيؤدي إلى انهيار صرح الإسلام كله".
وقد كان الحقد على الرسول - صلى الله عليه وسلم - هو الطاغي على الفكر المسيحي قبل وبعد موجة الحروب الصليبية، وبلغ هذا الحقد مبلغه على يد "بطرس المبجل" الذي قال قبل سبعة قرون:"إن أوضح منهج لصدق النبوة، هو المنهج الذي يتضمن رفض دعوة محمد"، ورسخت المسيحية في أذهان أتباعها أن الإسلام ليس سوى مروق من المسيحية، وأنه دين وثني يحتل فيه النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - موقع المعبود، بل أشاعت الكنيسة أن المسلمين يعبدون ثالوثا هو:ماهوميت(أي محمد) وأبوللو وتروفونيوس(الإسلام والمسيحية،جورافسكي،عالم المعرفة ،الكويت).
ولم تكن هذه الصورة المنحرفة عن الإسلام والنبوة قاصرة على الأدبيات الدينية، بل لقد لعب الأدب الغربي والأساطير الشعبية المتأثرة بتلك الصورة النمطية التي كرستها المسيحية دورا بارزا في ترويج تلك الصورة المعوجة وتكريسها في الوعي الغربي الحديث والمعاصر، وقد لا يتسع المجال للإحاطة بكل ما كتب في هذا النطاق وهو كثير، ولكن يمكن الاقتصار هنا على ما جاء عند الكاتب المسرحي الإيطالي "دانني" في كتابه المعروف"الكوميديا الإلهية"،حيث إنه جعل النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - (موميتو في النص) ضمن نزلاء الجحيم رفقة علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- مع مثيري الفتن والانشقاقات الدينية والسياسية، وهذا أخطر تعبير عن الجهل والتعصب المسيحي ضد الإسلام في عصر ما يسمى بالنهضة الأوروبية الحديثة.
وفي "أنشودة رولان" المسيحية نقرأ مثلا أن المسلمين "رفعوا تمثال محمد فوق منارة، وكل الوثنيين كانوا يصلون له ويعبدونه" والمقصود بالوثنيين هنا المسلمون(البيتان 853-854). أما الفيلسوف الفرنسي فولتير فقد كتب في رسالة إلى ملك بروسيا يقول:"محمد عندي ليس سوى مراء في يده سلاح".
وكلمة "ماهومي" أو "مامت" التي تشير في اللغات الأوروبية إلى النبي محمد مشحونة بمعانٍ،وهي من الكلمات التي كانت رائجة في MOMET التحقير القذف،فهما مأخوذتان من كلمة في القرون الوسطى،
وتحملت معاني الألوهية المزيفة، قبل أن تستعمل منذ عام 1529م للسب والقذف، وهذا يعني أن اللغة اللاتينية نفسها في ما يخص النبي -محمد r- لغة متحيزة وعنصرية.
لقد ساعدت هذه الصور النمطية عن الإسلام في الثقافة المسيحية في بلورة موقف سياسي محدد من الإسلام والمسلمين في العصر الحديث، وعمل اليهود في فترات معينة من التاريخ على استثمار هذه الثقافة لصالح مشروعهم الاستيطاني في فلسطين، وتهويد الأماكن المقدسة بها،إذ وجدت الحركة الصهيونية في الغرب المسيحي بيئة ثقافية ودينية ملائمة مكنتها من جلب الدعم المالي والسياسي، وقدمت الأصولية المسيحية المسوغ الديني لهذا الدعم في الغرب، ولا تزال هذه الأصولية تشكل أهم مصادر التأييد الدائم لإسرائيل في الولايات المتحدة.(70/238)
ومن أبرز وجوه تيار الأصولية المسيحية البروتستانتية في الولايات المتحدة اليوم بات روبرتسون الذي أسس مشروع "القناة العائلية" التي يشاهدها أزيد من 16مليون عائلة أي أكثر من 19% من المواطنين الأمريكيين، وقد برز "بات روبرتسون" بقوة في الحياة السياسية الأمريكية أثناء عهد رونالد ريغن في ثمانينيات القرن الماضي برفقة القس جيري فلويل مؤسس تنظيم"الأغلبية الأخلاقية"، حيث رافقا حملته الانتخابية، وأقاما دعايتهما السياسية على المؤامرة الكونية المزعومة ضد أمريكا والمسيحية في العالم، وإضافة إلى هذين الاسمين، هناك أسماء أخرى مثل "جيمي سواجارت" الذي يدير حملة الترويج لإسرائيل من قناته التلفزيونية، وجيمي بيكر الذي يملك ثالث أشهر محطة تلفزيونية تبشيرية في أمريكا، وأورال روبرتس، وكينيث كوبلاند، وريتشارد ديهان الذي يقدم برنامج "يوم الكشف"، وريكس همبرد، والقاسم المشترك بين هؤلاء جميعا هو الدعاية لإسرائيل والدعوة إلى حمايتها باعتبارها تجسيدا للنبوءات المسيحية في فلسطين.
وهذا التيار المتشدد في وجهة نظره من الإسلام والمسلمين هو اليوم تيار نافذ في الإدارة الأمريكية الجمهورية، بل قيل في بعض الصحف الغربية أن "صقور" البيت الأبيض الذين يقفون مع هذا التيار في صف واحد هم الذين أشرفوا على تحرير جوانب كبيرة من خطابات جورج بوش الابن التي أبدى فيها تشددا بارزا ناحية الإسلام والمسلمين بعد 11 سبتمبر في إطار مسمى الحملة ضد الإرهاب، وجاءت ردود الفعل من هذا الجناح في الإدارة الأمريكية قوية إثر التصريحات التي أدلى بها بوش ردا على تصريحات القس بات روبرتسون، حيث اعتبر هذا الجناح أن دفاع الرئيس الأمريكي عن الإسلام والمسلمين أمر لا يتماشى والحملة ضد الإرهاب، وقال أحد رموز هذا التيار: "إن العدو له إيديولوجية، وإن قضاء ساعة أمام الإنترنيت سيقدم نوعية الرؤية التي يمكن أن تحصل عليها خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية بقراءة كتاب"كفاحي" لهتلر أو كتابات ستالين وما تسي تونغ".
هكذا يظهر أن التحالف المسيحي الصهيوني داخل الولايات المتحدة الأمريكية يحاول جاهدا خلق المواجهة بين الغرب والإسلام باسم محاربة الإرهاب، ودفع مسار العلاقة التي خضعت لاهتزاز كبير بعد 11سبتمبر نحو صراع حضارات، وهذا أمر مفهوم، لكن غير المفهوم هو صمت المسلمين عن تدنيس مقدساتهم والتهجم على شخص الرسول -صلى الله غليه وسلم- .
==============(70/239)
(70/240)
تزايد الاضطهاد ضد مسلمي بريطانيا
بسيوني الوكيل … … … … …24/7/1425
… … … … …09/09/2004
انعكست آثار أحداث الحادي عشر من سبتمبر التي تعرضت فيها الولايات المتحدة إلى هزة كبيرة سياسياً وأمنياً واقتصادياً، انعكست على العديد من دول العالم، لاسيما في أوروبا، وقد تجلت آثار هذا الحدث الضخم في بريطانيا، فمنذ ذلك الوقت والوجود الإسلامي في بريطانيا، البلد الذي طالما تفاخر بقوانينه المتقدمة التي تكفل حريات الأفراد وحقوق الإنسان بما فيها الدينية، منذ ذلك الوقت والمراكز الإسلامية هناك تتعرض لما يُوصف بهجمة شديدة حسب قول المعنيين؛ فقد تعالت أصوات غربية متطرفة تروج لشعار "لا مجال للتعايش بين الإسلام والغرب الحضاري" ، وقد شكا مسلمون بريطانيون من أن هناك دوائر بريطانية ترفض سماع وجهة نظرهم أو السماح لهم بالدفاع عن أنفسهم، ويرى آخرون أن هذا يأتي وسط حملة متعددة الأشكال للتآمر على الإسلام.. بعد 11سبتمبر، مظاهر عديدة للاضطهاد والمصادرة لكل ما هو إسلامي في دول أوروبا عمومًا وفي بريطانيا على وجه الخصوص .. هذا ما أكدته أحدث التقارير الصادرة عن أوضاع المسلمين في بريطانيا.
حيث أكد التقرير الذي أعدته لجنة مسلمي بريطانيا تزايد عمليات الاضطهاد لكل ما هو إسلامي في بريطانيا خلال عام 2003 /2004 وتزايد ظاهرة الإسلاموفوبيا وهي الخوف المرضي من الإسلام بين البريطانيين.
وحذر تقرير اللجنة التي تعد مركزًا فكريًا تم تأسيسه لمكافحة العنصرية في لندن من أن هذا التحيز يؤدي إلى وجود شريحة من الشباب الساخط بين المسلمين مما قد يجعلهم يشكلون قنبلة موقوتة يحتمل أن تنفجر في أعمال عنف عرقية. مؤكدًا أن مسلمي بريطانيا يشعرون أنهم دخلاء على بلادهم بعد هجمات 11 سبتمبر 2001، لكن الوضع يتزايد وهو ما يتطلب من كل الهيئات العامة القيام بعمل إيجابي في منع التمييز على أسس دينية، مع ضرورة تشكيل لجان لرصد تأثير الدين على الحياة العامة .
جيل الاضطهاد
وأشار التقرير إلى أن بعض الجاليات المسلمة ترى نفسها منعزلة في "جيتوهات" كما أن المسلمين يشعرون بعدم القبول في المجتمع البريطاني حيث يُنظر إليهم على أنهم عدو الداخل أو طابور خامس، ويشعرون بأنهم واقعون تحت حصار مستمر وهذا أمر يسيء للمجتمع ، كما هو للمسلمين أنفسهم .. وطالب بضرورة البحث عن علاج سريع لهذا الوضع، منتقدًا منظمات تحسين العلاقات العرقية لتباطؤها في التصدي لهذه المشكلة .
وتعليقًا على هذا التقرير الخطير الذي نشر في عدد من المجلات ومواقع شبكة المعلومات الدولية "الإنترنت"؛ أكد عدد من المعلقين أن جيلاً جديدًا من المسلمين البريطانيين يتنامى ولديه إحساس بالاضطهاد مما يجعله يشعر بالاغتراب والمرارة وهو ما يتطلب مواجهة هذه الظاهرة .
وأكدت باروكس ليتون العضوة المسلمة بحزب العمال أن الحرب على العراق عمقت بشدة الخلافات بين الأعراق.
وأضاف الدكتور ريتشارد دستون رئيس لجنة مسلمي بريطانيا أن المجتمع البريطاني يشهد تنامي انقسامات عميقة بين ثناياه وقال: "أنا قلق أشد القلق بشأن الشباب المسلم الغاضب الذي لا يحصل على نوع التعليم الذي يحصل عليه أطفالي.. فماذا يفعل عندما يأتي إليهم المتطرفون ويقولون لهم لدينا الحل .. فهذا أمر خطير .. يجب عدم تجاهله حتى لا تندم الحكومة البريطانية فيما بعد" .
مناخ عدائي
في مقابلة مع مُعدّة التقرير أكد أحمد فرسي -رئيس لجنة تحرير صحيفة "مسلم نيوز"- للجنة أن بعض المتطرفين الغربيين في بريطانيا يلقون قنابل حارقة على المساجد بصورة دائمة، بخلاف كتابة عشرات العبارات المسيئة على جدرانها .
في المقابل اتهم مجلس مسلمي بريطانيا الحكومة البريطانية بعدم عمل شيء يُذكر من أجل تحسين حياة مسلمي بريطانيا منذ عام 1997، وقال: نحن نرى أن الحكومة لم تفعل شيئًا يذكر للقيام بمسؤولياتها وفقًا للقانون الدولي لحماية رعاياها من التمييز وتشويه السمعة والتحرش والحرمان.
واستشهد الأمين العام للمجلس إقبال سكراني بزيادة عمليات الإيقاف والتفتيش للمسلمين بنسبة 41 % خلال عام 2003 /2004 وهناك تزايد مستمر في العداء نحو المسلمين .
ويقول فادي إيتاني "34 عامًا" المدير التنفيذي لدار رفاهة المسلمين في فينزبيري بارك شمال لندن: "عندما كنت في طريقي إلى أحد المطاعم للقاء صديق في وست اند وبعد تفجيرات مدريد .. توقفت سيارة وسألني سائقها إن كنت أحمل قنبلة في حقيبة أوراقي .. وهذا يظهر أنني أنا المختلف بين كل من كانوا يسيرون في الشارع. إنها الطريقة التي يراك بها الناس أحيانًَا .. ثمة مناخ يتسم بالعداء ضد المسلمين".
ويضيف: كثيرًا ما نسمع تعليقات مثل: اطردوا المسلمين .. أغلقوا أبواب المساجد.. فيما لا يوجد نظام قانوني يتعامل مع شكاوى المسلمين في هذا الصدد.. ويؤكد أنه مع كل ذلك فإن مثل هذه الأمور تزيد المرء إيمانًا ويشعر في قرارة نفسه بأنه أصبح أقوى .
بينما يضيف بشير خان نائب مدير مركز التراث الثقافي الإسلامي قائلاً:(70/241)
منذ 11 سبتمبر والحكومة البريطانية وقطاعات إعلامية أخرى ترفض الاعتراف بالنظرة الإيجابية للإسلام وتواصل ربطه بالإرهاب .. ويتساءل إذا كان توني بلير وبوش قد طلبا عدم الحكم على الأمريكيين والبريطانيين بأفعال قلة من الجنود في (أبو غريب) بالعراق .. فلماذا يحكمان على الإسلام بأفعال قلة من المتطرفين الرافضين للظلم.
أما احتشام عبد الله -من رابطة مسلمي بريطانيا في لندن-؛ فترى أن محطات الراديو لديها جدول أعمال خاص برسم صور سيئة عن الإسلام والمسلمين، فهذه المحطات هي المسؤولة عن زيادة مشاعر الكراهية ضد المسلمين.
الغريب أنه رغم كل هذه الأوضاع السيئة التي يعيشها المسلمون في بريطانيا هذه الأيام نجد أن توني بلير يطالبهم بالتصويت لصالحه في الانتخابات القادمة .. فهل هذا معقول؟
=============(70/242)
(70/243)
الحرب على الإسلام في العراق تحت مسمى 'الحرب على الإرهاب'
21-2-2005
وإذا كان بوسع اشكروفت - في بلده- أن يشرع القوانين لمحاصرة المسلمين في الولايات المتحدة وتطويقهم وإرهابهم، فلا أظن أن نفس الظروف قائمة في العراق، وإذا حاول الأمريكان تجاهل ذلك فإنهم يرتقون مرتقى صعباً وسيدفعون ثمناً باهظاً في العراق وفي الجزيرة العربية، فلقد اصبح واضحاً للقاصي والداني أن ما تسميه إدارة بوش "الحرب على الإرهاب") صارت "الحرب على الإسلام"، وما يدور في العراق هذه الأيام خير برهان.
بقلم د . عبدالله النفيسي
تُبدي الإدارة الأمريكية الحالية وهي تتعامل مع الملف العراقي حرصا بارزا على إقصاء الإسلام بعيدا تماما عن أي موقع من شأنه أن يؤثر من خلاله على شئون الدولة القادمة في العراق.
حرص الأمريكان من خلال إشراف إدارة بريمر على مجلس الحكم الحالي على صياغة دستور علماني يفصل الدين (الإسلام) عن الدولة، أي يفصل عملية التعليم والثقافة والتربية والتخطيط الاجتماعي وشئون المرأة وغير ذلك من أبعاد البنى التحتية للدولة عن الإسلام أو ضرورة الالتزام بثوابته، وترك هذه الأمور المتعلقة بمستقبل العراق في مهب الريح للاجتهادات الفردية التي - بالضغط والترغيب والترهيب والتضليل الإعلامي الأمريكي- سوف تُفضي بالعراق إلى تشكيل (بؤرة علمانية) في محيط وجوار الجزيرة العربية ذات التكوين الديني والانعطاف التاريخي للتقاليد والموروثات الاسلامية، فتصريحات رمسفيلد المتكررة بأن الولايات المتحدة (لن تسمح للتشدد الإسلامي أن يسود في العراق)، تتضمن إعلان حرب من الولايات المتحدة على أية بادرة (إسلامية) في العراق سواء في مجال المرأة أو التشريع أو الثقافة والتعليم والإعلام وغير ذلك، واتهام أي انعطاف تجاه الإسلام على أنه ضرب من ضروب التشدد والتزمت.
لقد اصطلح بريمر مع الحزب الشيوعي العراقي في سبيل تعزيز قوة الجهات السياسية المضادة للإسلام في مجلس الحكم الانتقالي. فحميد جاسم عيّنه عضوا في مجلس الحكم، وحميد جاسم هو الأمين العام للحزب الشيوعي العراقي، وأما مفيد الجزائري (عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي) فقد عينه بريمر وزيرا للثقافة في العراق، وغريب فعلا أن يتولى الجزائري هذه الحقيبة الخطيرة والهامة في بلد كالعراق يضجّ ويزدحم بالتنظيمات الاسلامية المنتمية للثقافة الإسلامية.. أليس في ذلك استفزاز ظاهر للعيان؟ أن يتولى شخص ملحد وكافر بالدين وثوابته ويُكلف بصياغة الثقافة العامة في بلد، للتو خرج من قمقم الثقافة البعثية ذات النزعة الضيقة ليدخل من جديد في نفق أحفاد شلومو دلال ويهودا إبراهيم صادق، الآباء المؤسسون اليهود للحزب الشيوعي العراقي. وفي مقابلة مشتركة بين مندوب رويترز في بغداد ومفيد زكريا وزير الثقافة في بغداد وعبداللطيف السعدي رئيس تحرير جريدة (طريق الشعب) الناطقة باسم الحزب الشيوعي العراقي، يقول مفيد زكريا مايلي: (كنا في الخمسينيات في وضع اجتماعي أفضل في العراق، إذ كنا أيامها مجتمعاً علمانياً إلى حد كبير، أستطيع بكل سهولة أن ألقي محاضرة حول: هل الله موجود فعلاً أم غير موجود؟، أما الآن فقد انتكس الوضع الاجتماعي في العراق (لاحظ!) ولا أتجرأ بإلقاء محاضرة حول هذا الموضوع لأن الجمهور العراقي أصبح متعاطفا مع الدين، أو بعبارة أدق منحاز دينياً) انتهى.
أظن أن هذا التصريح يكفي لنتبين حقيقة شخصية مفيد زكريا وزير الثقافة في بغداد واتجاهاته الثقافية وموقفه من الإسلام وثوابته وعلى رأس ذلك الإيمان بالله سبحانه وتعالى، إذن تخيل المفاهيم (الثقافية) التي ستبثها وزارة بريمر للثقافة في بغداد؟.
نلاحظ أن الإدارة الأمريكية في العراق حريصة كل الحرص على تشكيل (وقائع على الأرض) في العراق تكون معيقة ومانعة لأي انعطاف إسلامي في العراق، وذلك تحت سياسة التخويف والترهيب والتحذير من شيوع الإرهاب ومدارسه الفكرية في العراق. حتى مدارس تحفيظ القرآن وحلقات الذكر في المساجد تقلقهم ولا ننسى مراسل السي آن آن CNN في بيشاور وهو يقف في فصل أطفال لا يتجاوز أكبرهم سناً الثامنة وهم منكبون على مصاحفهم يحفظون قصار السور ولهم طنين كطنين النحل، أشار إليهم ذلك المراسل وقال: (هذا هو مطبخ الإرهاب. ).
نفس هذه الحساسية من الإسلام تتشبع بها إدارة بريمر وذلك يُنذر بارتطام تاريخي بين ما تريده الولايات المتحدة وبين ما تقرره أمة الاسلام في العراق وغيره.
وإذا كان بوسع اشكروفت - في بلده- أن يشرع القوانين (Pat r iotic Act) لمحاصرة المسلمين في الولايات المتحدة وتطويقهم وإرهابهم، فلا أظن أن نفس الظروف قائمة في العراق، وإذا حاول الأمريكان تجاهل ذلك فإنهم يرتقون مرتقى صعباً وسيدفعون ثمناً باهظاً في العراق وفي الجزيرة العربية، فلقد اصبح واضحاً للقاصي والداني أن ما تسميه إدارة بوش "الحرب على الإرهاب") صارت "الحرب على الإسلام"، وما يدور في العراق هذه الأيام خير برهان.
============(70/244)
(70/245)
أولمرت" أعلن الحرب على الإسلام
السبت 23 من محرم1428هـ 10-2-2007م الساعة 12:45 م مكة المكرمة 09:45 ص جرينتش
الصفحة الرئيسة > حدث الساعه > المحاولات الصهيونية للمساس بالأقصى
…الجرافات الصهيونية تعتدي على الحرم القدسي…
الجرافات الصهيونية تعتدي على الحرم القدسي
مفكرة الإسلام: اعتبر الشيخ "رائد صلاح" رئيس الحركة الإسلامية في الأراضي المحتلة عام 1948م، أن رئيس الوزراء الصهيوني "إيهود أولمرت" أعلن الحرب علي الإسلام؛ من خلال إعطائه الأوامر بتنفيذ أعمال الهدم عند باب المغاربة داخل الحرم القدسي.
وهدّد ـ في كلمة خطابية ألقاها في مظاهرة احتجاجية أمس ـ بالرد على هذه الخطوة التي أثارت استفزاز المسلمين في أنحاء العالم، قائلا:ً إن الذي يقوم بالاعتداء علي بيتنا، سنقوم بالرد عليه، وسنهدم بيته، وأن الذي يقوم بهدم المسجد الأقصى المبارك، سنردُّ عليه بالمثل، وسنهدم بيته.
ونقلت صحيفة "القدس العربي"، عن الشيخ "صلاح" تحذيره من أيام عصيبة تنتظر المسلمين في هذه البلاد، ودعاهم إلى الدفاع عن الأقصى من خلال التوجّه إلى الحرم القدسي الشريف في كل يوم من أيام الأسبوع. وتوعّد من يلعب بالنار بأن يُحرقَ في نهاية المطاف.
ورأى أن "إسرائيل" تمهّد بخطوتها الأخيرة لهدم الأقصى تدريجيًا؛ رغم أنها تدرك مدى مكانته في قلوب مليار ونصف مليار مسلم وعربي وفلسطيني، محذرًا من أنها بذلك تثير حربًا دينية واسعة جدًا في المنطقة، وهي بذلك تضحي بالشعب اليهودي بشكل واضح.
ولفت إلى أن الردّة العربية والإسلامية على الجريمة جاءت باردة!، ولم ترتقِ إلى مستوى الحدث، مشيرًا إلى إجراء اتصالات مكثفة خلال الفترة الأخيرة مع المسئولين الرسميين، وكل المؤسسات الرسمية في الحاضر الإسلامي والعربي لتنشيطهم بهدف نصرة الأقصى المبارك.
وتزعم سلطات الاحتلال أن أعمال الهدم عند باب لمغاربة هي لدعم جسر تأثّر قبل سنتين بعاصفة ثلجية. بينما تؤكّد دائرة الأوقاف بالقدس, أن التل معلمٌ إسلامي، وأن هدمه سيؤثر على غرفتين تاريختين تقعان أسفل؛ وبالتالي تؤثر على أساس المسجد الأقصى
===============(70/246)
(70/247)
مدونة الاحوال الشخصية و الحرب على الاسلام ..!!!
السلام عليكم و رحمة الله تعالى و بركاته ,
ساكتفي بمدونة الأحوال الشخصية في المغرب نظرا لانني عشت هذه المعركة التي مازالت تشتعل الى يومنا هذا .
اولا لماذا دائما الحديث عن مدونة الأحوال الشخصية ؟؟؟
لانها هي ما تبقى من الاسلام في الدستور على الاقل في المغرب و تغييرها معناه القضاء نهائيا على اي شيء اسمه اسلام في الدستور المغربي .و لان ايضا تعرية المرأة و نزع حجاب العفة والطهارة عنها لا يتأتى عمليا الا بتغيير تلك المدونة و فرض قوانين لادينية شبيهة بقانون الحجاب مثلا في تونس .
ترجع معركة المدونة بين الاسلاميين و اللادينيين الى ايام الاستعمار لكنها بدأت فعليا سنة 1975 حين بدأ الحديث وقتها من قبل ناشطات يساريات عن تغيير بعض قوانين مدونة الاحوال الشخصية و خاصة ما هو متعلق بالزواج و الطلاق و مشكلة الحجاب و ارادت و تأسيا بالنموذج البورقيبي ترجمة تلك الفكار الى واقع فعلي عملي لكن آمالهم خابت برفض ملكي مطلق و تحذير مبطن بعدم الاقترب من المدونة لانها امر بالغ الخطورة .
بعد تلك المعركة الخاسرة جددوا الحرب مرة اخرى و كان ذلك سنة 1993 حين ذهب وفد مؤلف من مجموعة من الحركات النسوية المغربية لمقابلة الملك الراحل الحسن الثاني و طرح مشروعا جديدا لا يتضمن قوانين ضد الحجاب و لكن يختص فقط بالزواج و الطلاق و الارث .فكان جواب الملك ان المدونة أمر بالغ الخطورة و ان اساس ملكيته مرتبط ببقاء تلك المدونة ثم حسم الأمر معهم بأن أمرهم بالابتعاد عن هذا الامر نهائيا و نسيانه .
و بعد وفاته بشهرين أحيوا مرة اخرى تلك الحرب لكن بصورة جديدة هذه المرة .فقد ظنوا ان من كان يقف امام تطلعاتهم قد رحل و ان الملك الحالي انسان " متفتح " عصري غربي التفكير يلبس الجينس و يربي الكلاب و لن يكون لديه مانع في تغيير مدونة الاحوال الشخصية .
قدموا مشروعا و هللوا له عن طريق برامج اذاعية و تلفزية و عبر المحاضرات وكل وسائل الاعلام المختلفة . المشروع اساسا يرتكز على امور هي :
تحريم تعدد الزوجات
تحديد سن الزواج في سن 18 سنة
منح الحرية المطلقة للزوجة لتطليق نفسها ( مختلف عن الخلع )
يفرض على الزوج اذا طلق زوجته ان يمنحها نصف ما يملك حتى و لو لم تكن شريكة له في ذلك الملك
استبدال نظام الارث الاسلامي المعمول به حاليا بنظام إرث فرنسي
حرية الجنس و اتخاذ العشيقة
تزويج البنت نفسها بدون ولي و العمل بالزواج المدني على الطريقة الاوروبية
مساواة المرأة بالرجل في كل شيء
و قوانين اخرى لا يسع المجال لذكرها . و قد رأينا كمسلمين مدافعين عن وجودنا و عن تاريخنا و ديننا ان المشروع ممول من البنك الدولي و جمعيات نسوية فرنسية و امريكية و قراراته مستمدة من مؤتمرات نسائية عالمية .و هو بشكله العام حرب معلنة ضد القيم الاسلامية و هدم لاسس الاسرة المسلمة .
اولا تعدد الزواجات ليس ظاهرة في المغرب و لاحتى في العالم الاسلامي اليوم .فنسبة تعدد الزوجات في المغرب و حسب احصائياتهم لا تتعدى 2% .فهل نسن القوانين للقاعدة و الاغلبية ام من اجل استثناءات .و متى كنا نبني على الاستثناء .هذا يؤكد ان همهم محاربة الاسلام و ليس حرية المرأة .ثم ان تعدد الزوجات حق و ليس واجب بمعنى ان لكل رجل مسلم ان يعدد و ليس على كل رجل مسلم ان يعدد ففرق بين حق قد يعمل به و قد لا يعمل به و بين واجب يفرض العمل به كالصلاة مثلا .
اما تحديد سن الزواج في 18 سنة فهي مهزلة ما بعدها مهزلة . فكما قلنا ان هؤلاء الناس يحاربون الاسلام فقط .البنت اليوم في المغرب لا تتزوج الا بعد سنة 25 او 30 هذا اذا تزوجت و من يتزوجن تحت سن 18 هن فقط في القرى و البوادي و عددهم قليل جدا جدا . و مرة اخرى نقول انه ما العيب في زواج البنت قبل 18 سنة و لنا في سلفنا الصالح خير مثال . ثم ان تعطيل سن الزواج الى 18 هو دفع لكثير من بناتنا لممارسة الرذيلة و هذا ما تسعى اليه الجمعيات النسوية .
و ينتقلون بعد هذا ليحاولون سن قانون يسمح للمرأة بتطليق نفسها و لو بدون ضرر من الزوج .فمثلا متى شاءت ترفع دعوى بأنها تريد ان تطلق نفسها فيفرق القاضي بينهما بدون الفصل في قضية الضرر من الزوج او غير ذلك .و هذا يفتح الباب لكل امرأة لتتزوج هذا ثم ترى من هو احسن منه فتطلق نفسها لتتزوجه .و ليس هذا فحسب بل يريدون ان يفرضوا على الزوج الذي يطلق زوجته ان يقسم معها كل ما يملك حتى و لو لم تكن شريكة له في ذلك . فمثلا اذا عملت طول حياتك و جمعت ثروة قدرت ب2 مليون دولار فحين تتزوج و تطلق زوجتك تعطيعها مليون دولار و هو نصف ما تملك فهل هذا منطق ؟!!!!! اما فيما يخص حرية الشواذ و الزنى و البغاء و السحاق فحدث و لاحرج . و المصيبة انهن يردن استبدال نظام الارث بالنظام الفرنسي الذي يفضل الاخ الاكبر على بقية اخوانه . و الكلام يطول و هذا فقط ملخص لمضمون ذلك المشروع .(70/248)
و الله صدقوني يا اخوة ان قلت لكم ان المجتمع مازال بخير و لله الحمد فهؤلاء الشرذمة تلقوا الشتائم و الاحتقار في كل جامعة او تجمع حضروه لتقديم مشروعهم الا في فيلاتهم الخاصة بهم . فمثلا اذكر و نحن نحضر لحملة للدفاع عن مدونة الاحوال الشخصية ان كان اعلان في جامعة محمد الخامس في شهر 11/1999عن محاضرة كبرى ينظمها رموز تلك الجمعيات للتعريف بمشروعهم و حشد التأييد له .مدرجات الجامعة امتلأت عن آخرها لكن بالاسلاميين من طلبة و طالبات و من اناس عاديين غيورين هم كذلك على دينهم فأحرجت تلك الناشطات احراجا كبيرا فالمنبر ليس في فرنسا او بريطانيا او امريكا بل في الجامعة المغربية و الجامعة قد فتحت اسلاميا منذ اواخر الثمانينات و لم يعد لليساريين أثر الا ما بقي من عاد و ثمود .
تركنا الفرصة للاخوات ليردوا فتفاجأنا بامرأة مسنة و لكن مثقفة و على وعي اسمعتهم كلاما و الله ما زال يرن في اذني فصفقنا لها بحرارة . لم يكملن محاضرتهن فخرجن من الباب الخلفي و اقتصرت محاضراتهن بعد ذلك على فنادق الخمسة نجوم و على الفيلات و القصور .
طبعا اشتدت المعركة بيننا و بينهم فنطموا مظاهرة لحوالي مائة الف خرجن في الرباط و الغريب ان معظم من خرجن كن من عامة النساء الغير واعيات بخطورة ذلك المشروع فكان رد الاخوة قاسيا جدا فخرجت مظاهرة نظمتها جماعة العدل و الاحسان و الوحدة و التواصل الاسلاميتين و كان عدد من خرج تجاوز المليون و 300 الف شخص نقلتها قناة الجزيرة و معظمهم من النساء و الطالبات بشكل خاص و كان شارع مديونة و هو احد اكبر الشوارع في مدينة الدار البيضاء مسرحا لها . هذا كان استفتاءا شعبيا أكثر من ديمقراطي .
طبعا الملك و خوفا من اهتزاز عرشه المتكىء اساس على تلك المدونة لانها البقية المتبقية من الاسلام في الدستور و ذهابها معناه ذهاب ملكه . و كرد دبلوماسي شكل لجنة من فقهاء و علماء و كتاب و باحثين و مستشارين لبحث الامر و الخروج بصيغة نهائية و تعديل و حذف ما تراه اللجنة ضد الاسلام .و فشل بهذا مشروعهم لكن الحرب مازالت مفتوحة مادام العالم الاسلامي نائم .
نريد ان نقول كلمة هنا و هي اننا لسنا ضد حقوق المرأة لكن فقط ما قرره الاسلام و للاسف الحقوق التي منحها اياها ديننا لا تطبق اليوم و من العار ان نحاكم الاسلام بسبب بعض الممارسات السيئة من الكثير من الرجال في حق زوجاتهم و بناتهم . فكثير من الناس يتكلم باسم الاسلام و الاسلام منه بريء .
فمثلا تجد بعض الناس يمنع بنته من طلب العلم ثم يبرر ذلك بان الاسلام فرض عليه هذا . لا نريد ان نغطي على كثير من حقوق المرأة المهضومة و لكن نريد ان نقول اننا مع تحرر المرأة كما قرر ذلك الاسلام و ليس كما قررت مؤتمرات " البغاء " .
يا ليتك تعرفين يا أختاه " انك جميلة جدا و انت بحجابك ..........."
==============(70/249)
(70/250)
الحرب على الاسلام ؟
حين يبدأ المرء الحديث عن أوجاع وآلام أمتنا الإسلامية يتيه في بحر من الحيرة التي يلج فيها بسبب تعدد القضايا وتنوعها وتباينها في درجة الخطورة والقسوة. فمن بلاد تغتصب ومسلمون يقتلون ودين تفرق عنه بنوه إلى صمت مستفز وعجز مخزٍ عن دفع ما يدور في دائرة الإسلام والمسلمين من مآسي ونكبات.
إن هذا الصمت القاتل الذي يحوم رغم الخناجر المغروسة في جسد الأمة لا ينتج عنه إلا موت صامت لا يسمع لصاحبه تأوه أو حتى صراخ. ولعل أقسى الجراح وأثخنها هو البلاد الإسلامية في أفريقيا والتي تنتزع من بين أيادي المسلمين وهم لا يدرون.
فالمسلمون هناك يواجهون موجات عارمة من حملات التقتيل والتنصير والتفتيت الاجتماعي والتجهيل المتعمد والفقر والأمراض المتفشية. ومن هذه البلاد الإسلامية بلاد عدّها المؤرخون البوابة الشرقية لأفريقيا بل ولقّبت ببستان أفريقيا الشرقية؛ تلك هي زنجبار التي تبلغ نسبة المسلمين فيها 98% من مجموع السكان البالغ عددهم مليون نسمة!
فبعد أن طغت الهوية الإسلامية على هذه البلاد بدأت الحركات التنصيرية تتغلغل في زنجبار حتى إن عدد الكنائس بلغ كنيسة لكل مائة نصراني بل وانتشرت الكتب النصرانية والانجيل مترجمة باللغات المحلية انتشارا واسعا بحيث تصل إلى أيادي المسلمين الذين يفتقرون إلى العلم الديني وفهم القرآن بعد أن سادت اللغة السواحلية مقابل محو اللغة العربية، بل وصل الأمر إلى حد إجبار المسلمات على الزواج من النصارى وبذلك يتمكنوا من سلخ المجتمع عن دينه والقضاء على الروح الإسلامية في مجتمع زنجبار. ولم يكتفِ المستعمرون البريطانيون بهذا بل وأغرقوا الكتب العربية والمصادر الإسلامية في المحيط الهندي الذي تقع زنجبار على ضفافه.
ولم تقف مآسي زنجبار إلى هذا القدر ولكن ضمها إلى تنجانيقا عام 1964م وخضوعها لجمهورية تنزانيا نتج عنه أن صارت نسبة المسلمين 35% مقابل 45% من النصارى والبقية من ديانات مختلفة. ورغم هذه التعددية الطائفية إلا أن المسلمون تحت سيادة مسيحية بحتة يعانون في ظلمتها من قمع حقوقهم في التعبير والسيادة وصنع القرار فنسبة المسلمين في مراكز صنع القرار لا تتعدى الـ 5% وبالتالي فإن عباد الصليب يتحكمون بالمسلمين وما يحق لهم وما لا يحق بل إن التحيز للنصارى واضح جدا فالوظائف الحكومية استحالت غالبيتها إلى النصارى وحرم الشباب المسلم من فرص التعليم والمنح الدراسية والحياة الأكاديمية التي يتمتع بها النصارى بلا حدود. ولكن هذا لم يثنِ المسلمون في زنجبار عن التعلق بالإسلام والإقبال على تعلم أحكامه واللغة العربية رغم ما يواجهونه من تحديات.
وإن كانت النصرانية قد ارتدت قناعًا يغطي نواياها الحقيقية في مواجهة الإسلام في كثير من البلاد إلا أنها في تنزانيا تبدو واضحة جلية فمن سلسة الأحداث التي تشهد على حملة التنصير وهضم حقوق المسلمين اعتقال الشيخ الإمام محمد الخامس في منتصف شهر أغسطس 2001م بتهمة الإساءة إلى المسيح عليه السلام وذلك لأنه نفى أن يكون المسيح إلهًا! ورغم أنه قد قال ذلك في مسجد يحيط به المسلمون إلا أن ذلك اعتبر انتقاصا من مقام سيدنا عيسى عليه السلام! أليس هذا قلب رسالة التوحيد التي يدين بها المسلمون فمال التوحيد يصبح جريمة يعاقب عليها المسلم، أليس هذا قمعا للحريات الدينية؟!
إن هذا الاعتداء يأتي ضمن مسلسل مخطط له يهدف إلى محو الهوية الإسلامية وتهديد الوجود الإسلامي في تنزانيا. ورغم غياب المسلمين في أقطار العالم عن هذه المجريات فإن مسلمو تنزانيا قد أعلنوها مدوّيةً في عنان السماء "الإسلام لا يُذل، والمسلمون لا يقبلون الهزيمة، ومن بارزنا فسنلقِّنه درسًا لا ينساه.
==============(70/251)
(70/252)
الحرب على الاسلام
في عالم ممتلئ بالصرعات والحروب التي تشن بمبرر وبغير مبرر وتطحن فيها الإنسانية بالة قتل متطورة تزيد من بشاعة هذه المعارك 0 وسيظل الإنسان يجد لنفسه سبب يقنعه بأن ما يقوم به هو الصحيح ويغذي قناعته هذه بعقيدة سياسية أو دينية أو غير ذلك مما يقدس الإنسان في حياته 0 ولا يخفى على أحد تزايد العنف في عالمنا وخاصة تحت إنتشار الهلع من مما يسمى الإرهاب والذي يحصد محاربوه المفترضون من الضحايا الكثير من الأبرياء 0 بل يخرج ساستهم ليطرحوا تصنيفات جديدة تلبي لهثم الدائم للدم وبطبيعة الحال أصبح الإسلام والمسلمين هم الهدف لتلك التصنيفات والتي تجري في نفس السياق الذي تسير فيه ألتهم الحربية المتخبطة 0ولكن تبلغ الشناعة مبلغها حينما يخرج حكيم روما ليفتري على الإسلام فرية قبيحة
ويتطاول على هذا الدين الاسلامي دون أدنى حس بمكانته لدى متبعيه ولا إدراك لنتائج هلوساته 0 ولاشك في أن تلك التصريحات هي تبرير لكل أفعال القتل الوحشية التي أرتكبها غوغاء العصر الحديث ، بل هي بمثابة تأيد لممارسة الظلم على المسلمين أينما كانوا وحث وتشجيع لأي متطرف ليعتدى على أبرياء ذنبهم أنهم مسلمين 0 للأسف فقد كشف عن وجه قبيح ظل يخفيه وراء قدسية الدين ولكنه سقط وسقط معه أخر قلاع الأخلاق في حضارة إمتلاء تاريخها الحديث بالكراهية والعنصرية 0 ربما حان الوقت ليؤمن المسلمون أن ضعفهم وبعدهم عن دينهم وتخليهم عنه هو سبب ضعفهم وتجرئ الأخرين عليهم ،وأنه لم يعرف التاريخ من أمة ضعيفة قد أنتصرت لنفسها وهي بلا عقيدة وبلا روح 0 ليس الحل في العنف أو الصراخ وإنما في العودة إلى المنابع التي صنعت في يوم ما دولة حكمت العالم0
=============(70/253)
(70/254)
الحرب على الإسلام.. حرب على الحرية والمساواة
رسالة المرشد
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد!!
مع إطلالة كل يوم تخرج علينا التصريحات، وتتوالى البيانات، وتتكاثر أمامنا الدلائل حول تنامي روح العَداء لدى قادةٍ غربيين ضد الإسلام والمسلمين والعاملين للإسلام، فتارةً تخرج التصريحات والبيانات تؤكد أن الخللَ في المسلمين الذين لم يفهموا الإسلام فهمًا صحيحًا (على حد زعمهم)، وتارةً ترجِّح أن الخيار الأنسب والأوفق للغرب هو مواجهة الإسلام جملةً وتفصيلاً، شريعةً وعقيدةً، ثقافةً وحضارةً، أخلاقًا ومعاملاتٍ.
فها هو قائد القيادة الأمريكية الوسطى الجنرال جون أبو زيد يبشِّر منذ قريبٍ بحربٍ عالميةٍ ثالثةٍ ضد المسلمين، تأكل الأخضر واليابس، وتهلك الحرث والنسل، على غرار الحربَين الأولى والثانية، اللتين ذاق العالمُ منهما الويلات، وراح ضحيتهما الملايين من الأبرياء.
يخرج علينا هذا القائدُ العسكريُّ الجديدُ ليروِّج لحربٍ هَوجاء لن تجرَّ على البشرية إلا الخراب والدمار، بعد أن حصدت الحرب العالمية الأولى 10 ملايين من الجانبَين، إضافةً إلى الضحايا المدنيين، وبلغ عدد الجرحى 20 مليون جريح من الجانبَين، بينما خسرت البشرية في الحرب العالمية الثانية حوالي 17 مليونًا من العسكريين وأضعاف هذا العدد من المدنيين.
ولم يكن هذا المسئول الأمريكي الأول الذي يطلِق هذه التصريحات ويروِّج تلك المقولات ويبشِّر بتلك السياسات.. فها هو الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش يقول إننا بصدد حرب صليبية، ثم يردف في تصريحٍ آخر: إن "أمريكا في مواجهة مع الفاشية الإسلامية".
وفي التاريخ القريب يقول كيسنجر (وزير الخارجية الأمريكي الأسبق): إن "الخطر الإسلامي هو تحدٍّ للحضارة الغربية يفوق الخطر الشيوعي".
أما هوبير فيدرين- وزير الخارجية الفرنسي السابق- فيقول: "لقد سخِرنا من هنتنجتون لأنه تنبَّأ بالصراع بين الغرب والإسلام وتبنَّاه، بينما كان ينبهنا من خطره".
وها هي قوى التحريض من طابور الكتَّاب والإعلاميين في الغرب قائمة ولا تزال تقوم بدعم هذا الاتجاه وإمداده بمزيد من الأحقاد، والدفع به إلى سُدَّة السلطة والترويج لمقولاته والتخويف من الإسلام والمسلمين، فنجد صامويل هنتنجتون- المفكِّر الأمريكي الذي يتبنَّى فكرَه المحافظون الجُدُد في الإدارة الأمريكية وفي أطياف واسعة من المسئولين في الغرب- يؤكد أننا نعيش "عصر حروب المسلمين"، أما فرانسيس فوكاياما فيؤكد أن الغرب الآن في معركة مع "الفاشية الإسلامية" وها هو روبرت سبنسر يقول إن الإسلام" دينٌ يميل إلى العنف بطبيعته ويهدد السلم العالمي".
لماذا الحرب على الإسلام؟!
والسؤال الذي يطرح نفسه لماذا هذا العَداء السافر ولماذا هذه الحرب الشرسة على الإسلام والمسلمين؟! ولماذا تتنامى وتيرتُها وتتصاعد حدَّتُها لتنطلق إلى آفاق خطيرة ضد دين يدعو إلى الحبِّ الذي يتأسس على مبدأ المساواة والعدالة "الناس سواسية كأسنان المشط، لا فضل لعربي على أعجمي ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى والعمل الصالح"، حتى تخطَّى هذا الحبُّ حاجزَ حُبِّ الخيرِ للبشر جميعًا إلى حُبِّ الجماد "أُحُدٌ جبلٌ يحبُّنا ونحبه".
زاد العَداءُ واتسع مجالُ الحرب على دين يدعو إلى الرحمة المؤسسة على الحق والمسئولية ?وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِيْنَ? (الأنبياء: 107) "ارحموا مَن في الأرض يرحمْكم من في السماء".
لقد عمَّت هذه الرحمة وشملت واستوعبت البشرَ جميعهم، بل والكائنات جميعًا، حتى إن النبي- صلى الله عليه وسلم - يقول إن رجلاً دخل الجنة في كلبٍ سقاه، وتبلغ هذه الرحمة المدى، وتصل إلى المنتهى عندما يؤكد النبي- صلى الله عليه وسلم - أن امرأةً دخلت النار في قطةٍ حبستها، لا هي أطعمتها ولا سقتها ولا تركتها تأكل من خشاش الأرض.
لقد زاد العَداء واتسع مجال الحرب على دينٍ أعزّ ما يدعو إليه هو الحرية، وأعلى مراتبها الانعتاق من الاستعباد للبشر، فلا يعترف هذا الدين بطغيان طاغية أو استبداد مستبدٍّ، ويأبى على المسلم أن يعيش في كنف ظالم، ويطلب من الناس جميعًا أن يرفضوا أيَّ طاغيةٍ يستعبدهم أو يقهرهم أو يحرمهم من أعزِّ ما يملكون، وهي حريتهم، فيطالبهم أن يعلنوا رفضَهم للاستبداد والعبودية صباحَ مساءَ.. بكرةً وعشيًّا، بل جعل شرطًا لدخول هذا الدين العظيم أن تعلنَها قويةً مدويةً عاليةً، دون خوف أو وجل، ودون تردُّدٍ أو تراجُع أن "لا إله إلا الله يمكن أن يستعبدَني أو أخضعَ له".
نعم.. "لا إله.. إلا الله" فمن قالها فقد فتح صفحةً جديدةً في حياته ترفض القهرَ وتمقت الاستبدادَ، وتسعى إلى الحرية والانعتاق من ظلم الإنسان لأخيه الإنسان، ومن طغيان الناس على حقوق بعضهم البعض، حتى قال أحدهم: "جئنا لنُخرجَ العبادَ من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد".
ألهذه الأسباب يحاربون الإسلام؟!(70/255)
وهنا يتبدَّى سؤال جديد: هل يستحق دينٌ يدعو إلى هذا السموِّ أن يُحارِبَه الناسُ أو يواجهَه البشرُ أو يقفوا حائطَ صدٍّ أمامَه، أو يروا أنه دينٌ فاشيٌّ؟!
إن دينًا يدعو إلى هذه الفضائل، ويسعى إلى نشر الحب والعدل والحرية بين بني الإنسان، لا يخاف منه إلا المستبدُّون ولا يرهبه إلا الطغاةُ المتجبِّرون، ولا يخشاه إلا مَن يستمرئون تعبيدَ الناس لذواتهم وتركيعَ الشعوب لأطماعهم ونهْبَ ثرواتهم.
إن دينًا ينشُرُ الوعْيَ بين بني الإنسان بحقوقهم ويلفت أنظارَهم إلى أن حريتَهم هي أغلى ما يسعَون إلى نَيْلِه والحصول عليه لَجديرٌ بأن يهابَه المستعمِرون، الذين يسطون على ثروات الشعوب، وحريٌّ بأن يتوجَّس منه الطامعون فيما عند الناس.
قضايا مصنوعة
هذا ما يخشاه المحافظون الجُدُد في الغرب؛ ولذا فهم حريصون على أن يُصدِروا لنا كلَّ يوم قضايا مصنوعةً ويفرضوا علينا معاركَ موهومةً وأقضيةً مستجدةً، تصرف المسلمين عن قضيتهم الكبرى ومهمتهم العظمى التي جاء بها هذا الدين العظيم، وهي تبشير الناس بالحرية والعدل والمساواة، والانعتاق من الاستبداد، حينها يعيش المرء في كنف الله ووفق منهجه الذي ارتضاه لعباده.
وهم لذلك تارةً يثيرون قضية الحجاب؛ بحجة مناهَضَة ذلك لخصوصيتهم الثقافية، ويشاركهم فيها- للأسف- بنو جلدتنا، ممن يتسمَّون بأسمائنا، ويدَّعون الانتماءَ إلى مجتمعنا، وإنما هم صنيعة الغرب وأدواته، ومرةً يثيرون قضية الرسوم المهينة لنبينا- صلى الله عليه وسلم - بدعوى حرية الرأي والتعبير؛ حتى ينصرف الناس عن إدراك أن هذه الحملات إنما تأتي في إطار منظومة متكاملة تستهدف دينًا يشترط الإيمان بالحرية على من يعتنقه، ويدعو إلى إشاعة العدل والقسط، ويأبى أن يفرِّق بين بني الإنسان، فهم في كنفه سواسية أكفاء.
إن هذه الحملات التي تظهر يومًا وتختفي في يوم هي فروعٌ من هذه الحرب المدمِّرة، التي يسعى إليها المستبدُّون الراغبون في السيطرة على مقدرات الأمم والشعوب، وهي لن تصرفَ أمتَنا عن التمسك بحريتها واستقلالها وكرامتها وأخلاقها وقيمها، ولن تصرف الدعاة إلى هذا الدين- وفي القلب منهم جماعة الإخوان المسلمين- عن الاستمساك بحبل الله المتين، ولن تدفعَهم إلى الركون إلى الطغاة والمستكبرين في الأرض، فلن نُستعبَد وقد خَلَقَنا اللهُ أحرارًا، ورضِيَ لنا الحريةَ منهجًا وطريقًا مستقيمًا.
وصلَّى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين.
=============(70/256)
(70/257)
الحرب على الإسلام (10) ( الشوري أعلى مراتب الديمقراطية )
مجدي إبراهيم محرم
إلى كل من يريدون تدمير قيمة الإنسان
هاهو
الإسلام يدعو لإعلاء قيمة الإنسان وإحترامه كأهم المخلوقات الكونية
إلى من يرغبوننا غارقين حتى الثمالة في براثن المادية نعب من نجسها ونرتع في أقذارها
ها هو
الدين الخاتم والرسالة العظمي تأتي لتتمم مكارم الأخلاق وتخاطب البشرية جمعاء فلا انفصال بين متع الحياة والدين الحق
فالإسلام العظيم
يعتبر الإنسان محور هذا الكون
فهو حامل الأمانة والقادر على تلوين الحياة
فكل شيء مخلوق ليكون مسخراً لهذا الإنسان يستعين به لإنفاذ تكليفه الذي كلفه اللّه تبارك وتعالى به
وهو عبادة اللّه
ومع امتلاك الإنسان لكل هذه السبل فهو يعيش ضمن أطر وضع نظامها رب هذا الكون وعلى الإنسان أن يقدّر هذه الأمانة الكبرى ليكون الدين والوطن لله عز وجل :
((( قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين )))
والعبادة في الإسلام لا تعني فقط فرض الطقوس والشعائر وإنما تشمل كل نواحي حياة الإنسان، الفردية، والجماعية
فالإنسان في كل تصرف يتصرفه وفي كل خطوة يخطوها
في واحد من حالين
أما هو في حال طاعة للّه
واما هو في حال معصية
فإن كان ينطلق في تصرفه من منطلق مراعاة أحكام الشرع، وعدم الرغبة في مخالفته، فهو في طاعة، سواء أصاب في تصرفه، أم أخطأ.
وإن كان ينطلق في تصرفه من منطلق عدم مراعاة الشرع، وعدم إقامة الاعتبار لرأيه، فهو في معصية سواء أصاب أم أخطأ.
تعلوا بنا يا سادتي الكرام
نستأنف ما بدأناه في حديثنا عن الإسلام دين وحضارة لنستكمل ما تناولناه عن الديمقراطية كمنظومة بشرية يونانية نسبت إلى الغرب بالخطأ وما يقابلها في فكرنا الإسلامي ومنظومتنا السامية الصالحة لكل زمان ومكان ألا وهي الشُّورى .
والشُّورى حق لجميع المسلمين على الخليفة، فلهم عليه أن يرجع إليهم في أمور لاستشارتهم فيها
قال تعالى:
{وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ}.
وكان الرسو صلى الله عليه وسلم يرجع إلى الناس ليستشيرهم
فقد استشارهم يوم بدر في أمر مكان المعركة، واستشارهم يوم أُحد في القتال خارج المدينة أو داخلها
ونزل عند رأي الحباب بن المنذر في الحالة الأولى وكان رأياً فنياً صدر عن خبير فأخذ به ونزل عند رأي الأكثرية يوم أُحد مع أن رأيه كان بخلافه.
وقد رجع عمر إلى المسلمين في أمر أرض العراق:
أيوزعها على المسلمين لأنها غنائم؟ أم يبقيها في يد أهلها، على أن يدفعوا خراجها، وتبقى رقبتها ملكاً لبيت مال المسلمين. وقد عمل بما أداه إليه اجتهاده، ووافقه عليه أكثر الصحابة، فترك الأرض بأيدي أصحابها على أن يؤدوا خراجها.
وقد عزل سعد بن أبي وقاص عن الولاية لمجرد الشكوى منه. وقال: إني لم أعزله عن خيانة أو ضعف.
وكما أن للمسلمين حق الشورى على الخليفة، فإنه يجب عليهم محاسبة الحكام على أعمالهم وتصرفاتهم.
والله سبحانه وتعالى فرض على المسلمين محاسبة الحكام وأمرهم أمراً جازماً بمحاسبتهم والتغيير عليهم إذا هضموا حقوق الرعية أو قصّروا بواجباتهم نحوها، أو أهملوا شأنا من شؤونها أو خالفوا أحكام الإسلام أو حكموا بغير ما أنزل الله.
روى مسلم عن أم سلمة أن رسول ا صلى الله عليه وسلم قال:
«ستكون أمراء فتعرفون وتنكرون، فمن عرف برئ، ومن أنكر سلم، ولكن من رضي وتابع، قالوا أفلا نقاتلهم؟ قال: لا، ما صلّوْا».
وقد اعترض الصحابة على رسول ا صلى الله عليه وسلم وعارضوه، فقد اعترض عمر بشدة على ما ورد في عقد صلح الحديبية من نص:
«إنه من أتى محمداً من قريش بغير إذن وليّه رَدَّهُ عليه، ومن جاء قريشاً ممن مع محمد لم يردوه عليه»
. كما أنكر المسلمون أول الأمر، وعلى رأسهم عمر على أبي بكر عزمه على
محاربة المرتدين
كما أنكر طلحة والزبير عليه، عندما علما أنه يريد أن يعهد لعمر من بعده.
كما أنكر بلال بن رباح، والزبير وغيرهم على عمر عدم تقسيمه أرض العراق على المحاربين، وكما أنكرت عليه امرأة نهيه عن أن يزيد الناس في المهور على أربعمائة درهم، فقالت له: ليس هذا لك يا عمر: أما سمعت قول الله سبحانه:{وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا} فقال: أصابت امرأة وأخطأ عمر.
ولهذا كله فمجلس الأُمة له حق الشورى، وعليه واجب المحاسبة
والقرآن الكريم أيها السادة حجة يجب العمل بما ورد فيه من أحكام وتتفق آراء المسلمين على انه قانون واجب الإتباع والدليل على ذلك أنه نزل من عند الله تعالى وانه قد نقل إليهم من عند ربهم بطريق قطعي لاشك في صحته .
فإذا نحن بحثنا عن أدلة حجية الشورى في القران أي عن الآيات التي نصت على الشورى فإننا نجد مثل ذلك النص في موضعين وآيتين شهيرتين وان كان القرآن قد أشار الى الشورى في بعض آيات أخرى .
الأولى : سورة آل عمران
والثانية : سورة الشورى .
و في سورة آل عمران :
نجد النص على الشورى في هذه السورة في قوله تعالى :(70/258)
((((( فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فضاً غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله أن الله يحب المتوكلين)))))
ففي هذه الآية نجد النص على الشورى قد جاء بصيغة الأمر الذي يتمثل في قوله تعالى
( وشاورهم في الأمر )
فقد أمر الله تعالى رسوله عليه السلام أن يشاور قومه في الأمر
وفي المشاورة فائدتان :
الأولى : تأليف قلوبهم وإشاعة المودة بينهم نتيجة للمشاورة .
الثانية : تعويد المسلمين على هذا النهج في معالجة الأمور لآن الرسول عليه السلام الأسوة الحسنة لهم , فإذا كان يلجأ إلى المشاورة فهم أولى أن يأخذوا بها .
و في سورة الشورى :
نجد في هذه السورة دليلاً ثانياً على حجية الشورى والسورة نفسها حملت اسم (( سورة الشورى )) حيث ورد ذكر الشورى في هذه الآية منها وهي قوله تعالى :
( والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون)
وفي هذه الآية يبين الله تعالى
أن الشورى هي إحدى الدعائم الهامة التي يقوم عليها المجتمع الإسلامي وما حملت السورة هذا الاسم إلا لبيان العناية بالشورى والتنبيه إلى عظيم أهميتها .
وكذلك نجد من يقول أن سورة الشورى إنما سميت بهذا الاسم
((((( لأنها السورة الوحيدة في القرآن الكريم التي قررت الشورى عنصراً من عناصر الشخصية الإيمانية الحقة))))).
يقول شيخنا الجليل محمد حامد الفقي :
(( إذا كان النص على الشورى قد جاء بصيغة الأمر في سورة آل عمران في قوله تعالى :
( وشاورهم في الأمر)
فإن النص عليها بالصيغة الخبرية أو الوصفية في سورة الشورى لا يمنع من ثبوت الدليل عليها وإنما جاء اختلاف صيغة النص عليها تبعاً للخصائص تميز السور المكية في القرآن الكريم عن سوره المدنية
فسورة الشورى مكية النزول فيما عدا أربع آيات منها نزلت بالمدينة ليس من بينها هذه الآية التي تنص على الشورى ويلاحظ أن ما نزل من آيات القرآن بمكة لم يتميز بطابع الأسلوب التشريعي ووضع الأحكام المحددة فذلك هو طابع الآيات المدنية
أما الآيات المكية فليس فيها شيء من التشريع التفصيلي
بل معظم ما جاء فيها يرجع إلى المقصد الأول من الدين وهو توحيد الله سبحانه وتعالى وإقامة البراهين على وجوده
وذلك يؤدي إلى تربية القلب والوجدان ثم أن الإيمان يسبق العمل ويؤدي إليه ولهذا لا نعجب إذا جاء النص على الشورى في هذا الآية كإحدى الصفات المميزة للمؤمنين , ومذكورة بين صفات أخرى يمتازون بها وواجبة فيهم ثم أن ذكر الشورى جاء تالياً مباشرة لذكر الصلاة ، فإن المؤمنين منصفاتهم أنهم ذوو شورى لا ينفردون برأي حتى يتشاوروا ويجتمعوا عليه وكانوا قبل الهجرة وبعدها إذا حزبهم أمر اجتمعوا وتشاوروا .
وأما قوله تعالى ( ومما رزقناهم ينفقون )
فالمقصود به الإنفاق في سبيل الخير ولعل فصل الإنفاق عن قرينه ( الصلاة ) بذكر المشاورة بينهما إنما كان لوقوعها عند اجتماع المؤمنين للصلوات
فكان المؤمنون الأولون لا ينفردون برأي حتى يتشاوروا عليه
وذلك من فرط تدبرهم وتيقظهم وصدق تآخيهم في إيمانهم وتحابهم في الله تعالى)))
ويذكر في ذلك الصدد أيضاً أن المؤمنين كانوا لانقيادهم إلى الرأي في أمورهم متفقون ولا يختلفون فمدحوا باتفاق كلمتهم .. وأنه ما تشاور قوم قط إلا هدوا لأرشد أمورهم
يقول بن عربي :
أن الشورى ألفة للجماعة
ومسبار للعقول
وسبب إلى الصواب
فمدح الله المشاورة في الأمور بمدح القوم الذين يتمثلون ذلك ويطبقون الشورى في سلوكهم .
وقد ورد ذكر الشورى
في سورتين أخريتين بالنسبة للشرائع السابقة على الإسلام فيما ذكره الله تعالى في سورة طه وفي سورة النمل:
ففي سورة طه :
نجد إشارة إلى الشورى في سورة طه في قوله تعالى عما يذكره موسى عليه السلام :
(( واجعل لي وزيراً من أهلي ، هرون أخي ، أشدد به أزري ، وأشركه في أمري ))
وقد أشار أقضى القضاة أبو الحسن البغدادي
ذكر أن الله تعالى إذ حكى عن نبيه موسى عليه السلام هذا القول بهذه الآيات فأننا نفهم منه
(((( أنه إذا جاز ذلك في النبوة كان في الإمامة أجوز )))).
وقد قال رسول ا صلى الله عليه وسلم :
(( من ولى منكم عملاً فأراد الله به خيراً جعل له وزيراً صالحاً أن نسى ذكره وإن ذكر أعانه ))
((((( عليك صلوات الله وسلامه يا رسول الله فلو إتخذ حكامنا هذا الحديث الشريف ميثاق لهم لفلحوا وما كان هذا هو حال الأمة
فما تعانيه الأمة إن هو إلى من فساد الرأس أكثر
ومن سوء بطانة سدة الحكم أكبر !!!!! )))))
ومن هذا المعنى قوله عليه الصلاة والسلام أيضاً :
(( ما بعث الله من نبي ولا استخلف من خليفة إلا كانت له بطانتان :
بطانة تأمره بالمعروف وتحضه عليه
وبطانة تأمره بالشر وتحضه عليه فالمعصوم من عصمه الله ))
وقد سأل موسى ربع عز وجل أن يجعل له وزيرأً يشاركه في الأمر وفي النبوة أيضاً .
و في سورة النمل :
أورد القرآن الكريم إشارة إلى صورة من صور الشورى في قصة ملكة سبأ في قوله تعالى :
( قالت يأيها الملأ أفتوني في أمري ما كنت قاطعة امرأً حتى تشهدون ).(70/259)
وقد ذهب العلماء في تفسير هذا الآية إلى أن الملكة (( بلقيس )) ملكة سبأ طلبت من قومها أن يشيروا عليها في الأمر الذي نزل بما عندهم من الرأي
فما كان لها أن تمضي حكماً حتى يحضروا ويكونوا شاهدين وذكر أن أهل الشورى عندها كانت عدتهم ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً .
وإذا كان القرآن الكريم أيها السادة هو المصدر الأول للتشريع الإسلامي بلا خلاف
فإن الحديث الشريف
أو السنة النبوية هي المصدر الثاني للتشريع بعد القرآن
وهي التي جاءت مفسرة ومتممة له ولو كره المنكرون .
فالسنة حجة على جميع المسلمين
وأصل من أصول تشريعهم
ودليل من الأدلة الشرعية التي يجب الأخذ بها
والعمل بمقتضاها
وهي بمعناها المعروف مآثر عن الرسول عليه الصلاة والسلام من قول أو فعل أو تقرير
ولقدحفلت السنة النبوية الشريفة
بما يثبت أن الرسول الله شاور أصحابه في عدة أمور وفي جملة المواقف
ونجد الكثير من الأمثلة على ذلك في كتب التاريخ والتفسير والحديث وقد عبر عن ذلك أبو هريرة بقوله
(( لم يكن أحد أكثر مشورة لأصحابه من رسول ا صلى الله عليه وسلم ))
فكان يستشيرهم في الحرب وفي السلم بل وفي خاصة أمره فقد روى عنه في حادثة الإفك قوله عليه السلام :
(( أشيروا علي يا معشر المسلمين في قوم أبنوا أهلي ورموهم ))
واستشار علياً وأسامة بن زيد في فراق عائشة رضي الله عنها ونورد بعض الأمثلة على أخذ الرسول عليه السلام بالشورى .
**** غزوة بدر :
كان عدد الذين خرجوا مع الرسول عليه السلام في بدر 313 رجلاً ، منهم 207 من الأنصار و106 من المهاجرين
وقد استشار الرسول عليه السلام أصحابه في ثلاثة مواقف بغزوة بدر :
الأول قبل أن تبدأ المعركة
والثاني أثناءها
والثالث بعد انتهائها
فلم يصدر إليهم أمر بالحرب دون مشاورتهم ولو فعل لوجد منهم الطاعة والإذعان التامين ولكنه
استشارهم قبل الإقدام على القتال وقد استشار المهاجرين
فقام أبو بكر الصديق فقال فأحسن
ثم قام عمر فقال فأحسن
ولم يفته استشارة الأنصار أيضاً لأنهم كانوا قد تعاهدوا معه على الدفاع عنه وحمايته في المدينة فحسب ولذلك حرص على ألا يورطهم في حرب قد لا يريدونها ولذلك فعندما طلب الرأي قال سعد بن معاذ سيد الأوس بل سيد الأنصار
( وكان فيهم كالصديق في المهاجرين ) :
كأنك تريدنا والله يا رسول الله ثم أعلن تأييد الأنصار ومبايعتهم على القتال .
وعند المعركة وعلى أرضها برزت صورة أخرى للشورى إذ تقدم
((((( المنذر بن الحباب )))))يعرض مشورته على الرسول عليه السلام
فيما يتعلق باختيار المكان المناسب للنزول فيه وقد أقره الرسول على مشورته وعمل المسلمون برأيه .
وبعد انتصار المسلمين في بدر وحصولهم على الأنفال والأسرى من الكفار احتاجوا إلى المشورة مرة ثالثة :
وقد استشار الرسول عليه السلام أبا بكر وعمر
فأشار أبو بكر
بقبول الفداء من الأسرى ووافق ذلك رأى الرسول عليه السلام أيضاً
وخالفهما فيه عمر
أما علي بن أبي طالب فلم يعلن رأيه في هذا الأمر مع أنه أحد الثلاثة المستشارين ولعله آثر التريث حين رأى هذا الخلاف .
وقد نزل بعد ذلك الوحي بعدم أخذ الفداء .
**** في غزوة أحد :
حين علم الرسول عليه السلام بقدوم قريش للقتال استشار أصحابه فيما يفعل
فأشار قوم منهم
بلقاء قريش خارج المدينة وكان هذا رأي الشباب ومن لم يشهد بدراً وهم أكثر أهل المدينة وعلى رأس هذا الفريق حمزة بن عبد المطلب ( عم النبي عليه السلام ) وسعد بن عبادة والنعمان بن مالك .
أما الرسول عليه السلام فكان رأيه البقاء في المدينة وذلك لحصانتها الطبيعية ومناعتها وسهولة الإحاطة بالأعداء المهاجمين في أزقتها والانتفاع بمساعدة النساء والصبيان وقد رأى البقاء بالمدينة كذلك أكابر المهاجرين والأنصار وأرسل الرسول عليه السلام إلى عبدالله بن أبي بن سلول يستشيره ولم يكن استشاره من قبل ذلك ، فكان رأيه أيضاً هم بالبقاء بالمدينة وانتظار قدوم قريش إليهم .
وقد حدث أن قبل الرسول عليه السلام الرأي الأول رأي الكثرة من الشباب والمتحمسين للاستشهاد في المعركة وفي سبيل الله وقرر الخروج من المدينة وكانت موقعة أحد حيث فات المسلمين الأنصار
ومع ذلك فإن الله تعالى أمر الرسول عليه السلام في عقبها بأن يعفو عن المسلمين وأن يستغفر لهم وأن يشاورهم في الأمر حتى لا تكون هزيمة أحد سبباً مؤثراً في إغفال الشورى بعد ذلك .
**** صلح الحديبية :
كذلك شاور الرسول عليه السلام يوم الحديبية في أن يميل على ذرارى ( نسل ) المشركين ويقتلهم
فقال له أبو بكر الصديق :
أنا لم نجيء لقتال أحد وإنما جئنا معتمرين فوافقه الرسول عليه السلام على رأيه وهذا وعدل عما كان يراه .
هذا هو حكم الأمة وإستشارة أهل الحل والعقد والمشورة والصلاح والحكمة وقد يظن المغرضون أن أهل الحل والعقد هم البطانة سواء كانوا على مساوئهم أو محاسنهم دون أن يعلموا
أن مشروعية نظام الحكم في الإسلام له ضوابط وأخلاقيات لا يمكن للأمة أن تحيد عنها
منها طريقة إختيار ممثلى الأمة الإسلامية ؟
وطريقة إختيار أهل الحل والعقد ؟؟؟
وكذلك مشروعية إختيار الحاكم وبيعته ؟؟؟؟(70/260)
وماذا عن صلاحيات كل منهم في ظل الحكومة الإسلامية ؟؟؟؟؟
وهذا ما سنتناوله في الحلقة القادمة
=============(70/261)
(70/262)
امريكا تعلن الحرب على الاسلام
بسم الله الرحمن الرحيم
بسم الله ناصر المؤمنين.....
بسم الله ناصر من نصر الدين....
بسم الله قاهر الكفرة المجرمين...
بسم الله الفتح المبين....
بسم الله محب المجاهدين المخلصين لدينهم الواعيين ....
وبعد ايها الاخوة :
يا ويلتي على امتي ويا حسرتي عليها باتت فريسة للقاصي والداني والاسى كل الاسى على ما تعانيه من ذل وهوان ....
تكالبت عليها الامم والشعوب وباتت تتقاذفها وتستهدفها قوى لا تاريخ ولا حضارة لها واصبحت بلا عنوان وبلا حضارة بلا فكر بعد ان كانت تتربع على عرش العالم لا تجاريها قوة مهما بلغت وبعد ان قدمت للبشرية ارقى واعظم حضارة عرفتها البشرية جمعاء وبتنا نرى التبجح في استعداء الاسلام وامته على السنة اعدائها فلم يعودوا يحسبوا لنا اي حساب على العكس من ذلك فالمؤامرات تحاك ضدها وتسلب مقدراتها بواسطة حكامها وتسخر للكفر وللكافرين وللحرب على الاسلام والمسلمين .
لم تستحي امريكا منكم لتعاديكم بل استشرست في عدائها واطلقت ما سمته "مكافحة الارهاب" والمقصود به الاسلام والمسلمين ونحن من نكتوي وسنكتوي بناره والعذر لهم من حكامنا فهم من يعينوهم علينا وعلى ديننا والعذر لهم ايضا من علماء السلاطين الذين يمكنون من وسائل الاعلام ليبثوا السموم لترويج ما يتناسب واهداف امريكا في بلادنا ...اما نحن فلا عذر لنا فمنا يخرج المضبوعين بالافكار الراسمالية ومنا يخرج العلمانيون الذين ينادون بدول لادينية في بلادنا وان نبعد الدين عن السياسة وان لا نخلط الاوراق فدعوا ما لقيصر لقيصر وما لله لله حتى ترضى عنكم امريكا وجنحنا لرضى امريكا وما عدنا مبالين برضى المولى جلت قدرته ...فاعلموا ان من اعتقد بالعلمانية وبنظرية فصل الدين عن الحياة وبالافكار والمفاهيم الغربية فهو بهذا الاعتقاد قد انكر صلاحية الدين كنظام للحياة وهو بالتالي خارج من الاسلام ويستتاب .
فلم تستحي منكم امريكا واعلنت حربها على الاسلام فماذا انتم فاعلون ؟؟؟؟
حتى دولة"يهود " تجرات وتتجرا علينا وتتبجح في عدائها للمسلمين ناهيكم عما يدبرونه بمعية حكامنا لاعطائهم الشرعية في جزء من بلاد المسلمين .
واخيرا وليس اخرا الهندوس والصرب وغيرهم الكثير الكثير من امم الارض وشعوبها كلهم يستهدفون ديننا وامتنا .
هم لم يستحوا من اظهار هذا العداء والحرب التي يشنونها علينا فما بالنا نحن من يستحي من الخوض في هكذا حديث والذي ينبغي ان يتم من خلاله العمل على كبح جماحهم جميعا ولنبدأ اول ما نبدأ بقلع اعوانهم في بلادنا من حكام ومضبوعين وعلمانيين ونعلنها تضحية ودما يصل الى رقابنا في سبيل عزة هذا الدين الذي يستحق منا ان نقدم قبالته المهج والارواح عندها نستحق نصر الله ونستانف حياة اسلامية نستظل من خلالها بظل الاسلام الذي يوحد الهم والغم والشعور لتصبح هذه الامة امة واحدة دولة واحدة امانها بايدي ابنائها لا بايدي الكفر والكافرين
==============(70/263)
(70/264)
الحرب على الإسلام (9)
مجدي إبراهيم محرم
(((( نبوءةخير الأنام بتحقيق الشوري وانتصار الإسلام ))))
يا أبناء الأمة :
إقرؤوا وتأملوا هذا الحديث الشريف عن صلى الله عليه وسلم قال:
(((((( تكون النبوة ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة فتكون ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها ثم تكون ملكًا عارضًا ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها ثم تكون مُلكًا جبريًا فتكون ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة ثم سكت)))))))
هذا الحديث الشريف الصحيح يدلل على أننا في مرحلة المُلك الجبري ولن يكون بعده حل وسط
إنما خلافة على منهاج النبوة
وقد تكون بوسائل جديدة كما فعل الخلفاء الراشدون باستحداث وسائل لم تكن على عهد رسول ا صلى الله عليه وسلم
المهم أن تكون على منهاج النبوة بموافقتها قواعد الإسلام وأصوله، وعدم معارضتها لنصوصه قطعية الثبوت والدلالة وتحقيقها لمقاصد الشريعة.
يا كل أبناء الأمة
لقد فتح الله عليكم بالنصر فلا تحولوا النصر إلى هزائم
لقد رفع الله أصواتكم ونلتم شرف التأييد من الشعب المصري الذي وصف رسول الله موطنه بأرض الكنانة وهو مفتاح المنطقة ورقبة العالم وهو لمن غلب وإن الله غالب على أمره والعاقبة للمتقين
فلا تظنوا أن اختياركم تشريف ولكنه انتظار وترقب وتكليف فقد لاحت رايات الفجر الجديد إنها البدايات التي ظهرت في الأفق
فلتصبح أياديكم جذوة واحدة تتعانق على الحق وتعتبر خدمة الشعب عبادة وجهاد في سبيل الله عز وجل
فهما يكن من بقايا الطريق
فلا بد مهما عتا أن نسير
إن العبرة بالعمل
والعمل الجاد في طريق الحق
فلقد شاء الله تعالى أن يكون ديننا الإسلامي هو الدين الخاتم كما شاء أن يكون نبينا صلى الله عليه وسلم هو النبي الخاتم
ولهذا اقتضت الحكمة الإلهية العظيمة أن يكون هذا الدين صالحا ومصلحا للإنسانية وملائما للطبائع البشرية
ووافيا بالمقاصد الضرورية والجاجية والتحسينية فيقوم بحفظ الدين والنفس والمال والنسل والعقل
ويرفع عن الناس الحرج ويدفع عنهم المشقة ويفتح لهم باب الأخذ من محاسن العادات
ويحول بينهم وبين المدنسات التي تأنفها العقول الراجحات
فقد قال الله تعالى :
(( فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القّيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون ))
يا كل أبناء الأمة
إن الزنادقة الذين يكفرون بالله ورسله يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون
وهؤلاء الناكرين الذين يؤمنون بالقرآن رافضين سنة نبي صلى الله عليه وسلم وكأن هناك تعارض بين كلام الله وسنة نبيه الذي لا ينطق عن الهوى ولا ينطق بما يتعارض مع القرآن أولئك هم الكافرون حقا
وهؤلاء الذين يدعوننا بأن ديننا هو علاقة فرديه تعبدية !!!! بين الله والفرد دون أن يكون للأمة مكان ودون أن يكون للمجتمع موقع!!!
ويؤتون لنا بأنظمة يونانية قديمة حاكوها على بلادهم ورغباتهم وألبسوها على أجسادهم من أجل ضرب الإسلام وتفكيك مجتمعه وهزيمة منطقه ومنطلقه وإتهامه بالديكتاتورية والنفعية واللصوصية وقهر الأقلية !!!
أولئك سوف يؤتيهم أجورهم وجزاؤهم جهنم بما فعلوا ولهم في الدنيا خزي بما فعلوا إن شاء الله
يا كل أبناء الأمة
لقد قال تعالى:
{فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ}- 159سورة آل عمران.
فهل هذه الآية الكريمة تدلل على ديكتاتورية الحاكم المسلم ؟؟؟؟؟
وهل هذه الآية الكريمة تدلل على إقتصار الإيمان بالله في الإسلام على علاقة فردية تعبدية طقوسية كما يدعي المدعون ؟؟؟؟؟؟؟
وقال تعالى: { وَالَّذِين اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ...} 38سورة الشورى.
وقال سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه
: سئل رسول ا صلى الله عليه وسلم عن العزم
فقال: "مشاورة أهل الرأي ثم إتباعهم".
وعن رسول ا صلى الله عليه وسلم قال:
"المستشار مؤتمن".
وقد قيل عن رسول ا صلى الله عليه وسلم أنه قال لأبي بكر وعمر رضي الله عنهما :
"لو اجتمعتما في مشورة ما خالفتكما".
وقال الشيخ العلامة الدكتور/ يوسف القرضاوي حفظه الله:
"سمي أهل الشورى في الإسلام أهل الحل والعقد فإذا لم يكن لرأيهم وزن فماذا يحلون ويعقدون إذا؟".
والمتأمل لسيرت صلى الله عليه وسلم يجده كثير التشاور مع أصحابه وحتى مع زوجاته عليه السلام، بل كان أصحابه رضي الله عنهم يبادرونه بالرأي والمشورة، فكانوا يسألون رسول ا صلى الله عليه وسلم
أهو الرأي والمشورة أم هو وحي من الله
فإذا قال بل الرأي والمشورة بادروه بآرائهم، وكان عليه السلام يأخذ بآرائهم إذا شاورهم أو بادروه بالمشورة إلا إذا حسم الأمر بالوحي،(70/265)
وكان ينزل عند رأي الجمهور - الأغلبية - حتى وإن كان يرى غيره أفضل منه، وسيأتي مثال مشهور من سيرته على ذلك، وكان عليه السلام أمر الصحابة مرة بعدم تأبير النخل (تلقيحه) فلما تركوه لم يحمل النخل ثمرًا، فعاد وقال لهم: "... أنتم أدرى بأمور دنياكم". وهذا تشريع وليس مجاملة يطيب بها خاطرهم، ولم يكن هذا الحدث عبثا بل جعله الله ليشرع به هذا الموقف المهم.
وفي تفسير قوله تعالى:
"وشاورهم في الأمر" يقول الشهيد سيد قطب - رحمه الله- الذي قال كلمة حق أمام سلطان جائر فقتله، في كتابه المعروف "في ظلال القرآن":
يقرر الإسلام هذا المبدأ في نظام الحكم - حتى ومحمد رسول ا صلى الله عليه وسلم هو الذي يتولاه، وهو نص قاطع لا يدع للأمة المسلمة شكا في
أن الشورى مبدأ أساسي
لا يقوم نظام الإسلام على أساس سواه...
(((((( أما شكل الشورى والوسيلة التي تتحقق بها، فهذه أمور قابلة للتحوير والتطوير
وفق أوضاع الأمة وملابسات حياتها وكل شكل وكل وسيلة، تتم بها حقيقة الشورى - لا مظهرها - فهي من الإسلام ))))))
وقد نزلت هذه الآية بعد هزيمة المسلمين في "أحد" وكان رسول ا صلى الله عليه وسلم يميل إلى البقاء في المدينة ومواجهة من يدخلها عليهم في الداخل، ولكنه نزل على رأي جمهور الصحابة الذين أرادوا الخروج لملاقاة العدو خارج المدينة فنزلت الآية:
"فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر"
ليقرر مبدأ الشورى في مواجهة أخطر الأخطار التي واجهت استعماله، وليثبت هذا المبدأ في حياة الأمة المسلمة، أيًا كانت الأخطار التي تقع في أثناء التطبيق
وليسقط الحجة الواهية التي تثار لإبطال هذا المبدأ في حياة الأمة المسلمة، كلما نشأ عن استعماله بعض العواقب التي تبدو سيئة، ولو كان هو انقسام الصف كما وقع في "أحد" والعدو على الأبواب، لأن وجود الأمة الراشدة مرهون بهذا المبدأ، ووجود الأمة الراشدة أكبر من كل خسارة أخرى في الطريق...
ويقول الشيخ د/ يوسف القرضاوي في "الفتاوى المعاصرة":
"ومن القواعد الشرعية المقررة:
أن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وأن المقاصد الشرعية المطلوبة، إذا تعينت لها وسيلة لتحقيقها، أخذت هذه الوسيلة حكم ذلك المقصد".
ولا يوجد شرعًا ما يمنع اقتباس فكرة نظرية أو حل عملي، من غير المسلمين، فقد أخذ صلى الله عليه وسلم بفكرة "حفر الخندق" وهو من أساليب الفرس.
((((((( إقرؤوا أيها اللادينيون يا من ترغبون بتسفيه الرجل بإتهامه بالسلفية التي لا تعد عيبا أو عارا يختفي من حمله وهم أنفسهم الذين يأخذون أفكارهم من الفكر اليوناني القديم في معتقداتهم وفلسفة عقيدتهم )))))))))
ويقول شيخنا الجليل في كتاب الحل الإسلامي فريضة وضرورة :
"أن من حقنا أن نقتبس من غيرنا من الأفكار والأساليب والأنظمة ما يفيدنا....
ما دام لا يعارض نصًا محكمًا، ولا قاعدة شرعية ثابتة. وعلينا أن نحور فيما نقتبسه، ونضيف إليه، ونضفي عليه من روحنا ما يجعله جزءًا منا، ويفقده جنسيته الأولى"
(((( إنه ليس من حق أي نظام أن يحتكر الفكر الإنساني لصالحه فالماركسية استفادة من الإسلام والرأسمالية استفادة من المادية وصارت هناك العديد من النظم والأطر الرأسمالية والإشتراكية !!! ))))
أما
هؤلاء الذين يدّعون كذبا
ويعبثون بفكر الأمة في
قضية إختيار الخلفاء الراشدين رضوان الله عليهم
وقد كذبت أقوالهم وأفعالهم وإفتراءاتهم برفض آل البيت البيعة لأبو بكر الصديق
ويحدثنا المفكر الإسلامي راشد الغنوش ليقول :
بعد وفاة رسول ا صلى الله عليه وسلم اجتمع أهل الحل والعقد من أصحاب رسول ا صلى الله عليه وسلم من الأنصار ومن قريش لتنصيب خليفة لرسول ا صلى الله عليه وسلم
(((((وأهل بيته وأبناء عمومته عليه الصلاة والسلام كانوا منشغلين بتكفين جثمانه الشريف r وليس كما كتب طه حسين أنه آل البيت قد رفضوا البيعة لأبو بكر وهو العزوف عن السلطة والسلطان !!!!)))))
فأخذوا يتناقشون حول كيفية ترشيح الخليفة
أيكون من الأنصار؟
أم من المهاجرين؟
أم واحد من هؤلاء وواحد من هؤلاء؟
حتى استقروا بعد نقاش مستفيض على أبي بكر رضي الله عنه وبايعوه جميعًا ثم خرج يخطب في الناس خطبة توليه الخلافة وقبوله البيعة، فكان مما قال:
"أيها الناس إني قد وليت عليكم ولست بخيركم، فإن رأيتموني على حق فأعينوني وإن رأيتموني على باطل فقوموني، أطيعوني ما أطعت الله فيكم، فإن عصيته فلا طاعة لي عليكم...".
وبعد حكم عامين أوصى أبو بكر بالخلافة لعمر رضي الله عنهما - وذلك بعدما استشار كبار الصحابة -
ولم تنعقد الخلافة لعمر (رضي الله عنه) بمجرد وصية أبي بكر (رضي الله عنه)، بل كانت هذه الوصية بمثابة ترشيح من أبي بكر لعمر، وكان عمر الفاروق هو المرشح الوحيد الذي اختاره أبو بكر لدرايته به وبإمكانياته وأمانته وجدارته وتوقعه قبول الناس به(70/266)
فلما مات أبو بكر (رضي الله عنه) أعلن أهل الحل والعقد قبولهم بعمر - مرشح أبي بكر (رضي الله عنه) - لهذا المنصب، فبايعوه ليبايعه عامة الناس من ورائهم، وبهذه البيعة انعقدت الخلافة شرعًا لعمر (رضي الله عنه) وليس بمجرد ترشيح أبي بكر له، فخطب بالناس خطبة شبيهة بخطبة أبي بكر، وكان مما قال فيها:
"أيها الناس من رأى في اعوجاجًا فليقومني..."
ويرد عليه واحد من الجمهور أمام الناس فيقول:
"والله يا ابن الخطاب لو رأينا فيك اعوجاجًا لقومناه بحد سيوفنا!".
فكان يحض الناس ويشجعهم ويفتح لهم الباب للتدخل لتقويمه وإصلاح خطأه
فمن إذن صاحب الأسبقية في حكم الشعب وأبناء الأمة ؟؟؟؟؟؟؟
الإسلام أم الغرب ؟؟؟؟؟؟؟
(((((((( من المؤكد أن البشرية آنذاك لم تكن قد عرفت مجالس الشورى المنتخبة ذات الصلاحية الرسمية لمحاسبة الرئيس إذا ظهر منه اعوجاج عن الدستور المنظم لمصالح البلاد، ولو كانت موجودة وقتها لسارع عمر رضي الله عنه لأسلمتها لحماية دستور الأمة الإسلامية
(الشريعة المستقاة من القرآن والسنة الصحيحة..)
من استبداد أمير أو حتى سهوه وخطأه غير المتعمد، حتى ولو كان ذلك الأمير هو عمر نفسه رضي الله عنه، فما أحرصه وأغيره على هذه الأمانة العظيمة - هذا الدين الحنيف)))))))))
والخليفة العادل عمر بن الخطاب هو الذي قام بأسلمة نظام الديوان الفارسي وطوعه لخدمة الإسلام والمسلمين.
وهو الذي ردت عليه امرأة رأيه وهو فوق المنبر أمام الناس، فلم يجد في نفسه غضاضة بل قال أمام الملأ: "أصابت امرأة وأخطاء عمر" وتراجع عن رأيه.
وكان عمر رضي الله عنه إذا عصى أمامه أمر لم يجده في الكتاب والسنة، جمع له أصحاب صلى الله عليه وسلم وجعله شورى بينهم!.
ومن شدة حرصه على مصلحة الأمة
حين أراد أن يرشح لهم خليفة - ولم يجد واحدًا مميزًا جدًا يعلم أن الأمة ستجتمع عليه- فيسميه ويرشحه للخلافة من بعده، كما فعل أبو بكر رضي الله عنه
فاختار من الصفوة ستة، رشحهم لهذا المنصب، ولم يكتف بذلك بل وسنَّ لهم أول نظام عرفه العالم في انتخاب الرئيس
((((((((((((((وذلك قبل ظهور ديموقراطية أوروبا بأكثر من ألف عام، ففي ذلك الوقت ما كانت تعرف البشرية هذه الانتخابات، وكان للفرس ملك (شاه) يدعى كسرى، وكان للروم ملوك هم القياصرة يتوارثون الملك ويستبدون بالشعوب بلا رقيب ولا حسيب ولا دستور ضابط أو مرجعية تحسم الخلاف.))))))))))))))
وكان للإسلام دستور هو القرآن والسنة ومرجعية هم العلماء الذين يستنبطون الأحكام من القرآن والسنة وفق منهج بينه لنا رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام
قال تعالى:
{ "وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ } 83- النساء.
الذين يستنبطونه هم العلماء، فأولو الأمر ليسو فقط الأمراء بل هم الأمراء والعلماء، وهي بصيغة الجمع كناية عن أهل الحل والعقد، فلم يقل سبحانه إلى الأمير أو إلى الخليفة بل قال: "وإلى أولي الأمر منهم"، وقال تعالى:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً}59- النساء،
ففي الشطر الثاني عند ذكر النزاع لم يذكر ولاة الأمر لأنهم قد يكونون طرفًا في النزاع فإلى من يرد الأمر عندها؟
إلى الله والرسولل، ومن يستنبط حكم الله والرسولل؟
هم العلماء
ومن يفصل في النزاع إذا كان ولي الأمر طرفًا فيه؟
هم القضاة وهذا وقع في تاريخ الإسلام عدة مرات لما كانت الأمة في عافيتها.
وجد عمر أن الستة يمكن أن يصيروا ثلاثة مقابل ثلاثة!!!!
فحتى يحسم نتيجة الانتخاب بوضوح رشح ابنه عبد الله - ليس لأنه ابنه فجمع الناس يعرفون قدر عبد الله بن عمر - رشحه كعضو في هذا المجلس، ولكن أعطاه حق التصويت فقط ولم يعطه حق الترشيح، فليس لعبد الله بن عمر أن يرشح نفسه بل له فقط أن يعطي صوته لأحد المرشحين إذا تساوت الأصوات، والعبرة هنا ليس بتحديد العدد بل بالفكرة التي أحدثها عمر في الإسلام على أسس الإسلام خدمة لمقاصده، فأقر مبدأ التشاور والترشيح والتصويت والانتخاب
بل وزاد على ذلك أن كلف إحدى القبائل بمحاسبة أعضاء هذا المجلس إذا هم أخفقوا في التوصل إلى حل في مدة ثلاثة أيام، وقال لهم أن يقتلوا كل هؤلاء المرشحين إذا لم يتوصلوا إلى حل ويتفقوا بعد ثلاثة أيام. وأعود فأقول ليست العبرة هنا بالمدة التي حددها عمر رضي الله عنه ولا بنوع العقوبة، بل بالمبدأ الذي أقره، وأقره عليه الصحابة بقبوله وتطبيقه وفق فهمهم لمنهج النبوة الذي كانوا على عهد قريب به، وهو محاسبة أولي الأمر وأهل الحل والعقد بالإضافة إلى موضوع الانتخاب.(70/267)
إن تطورات الأمور في هذا المجلس أدت إلى أن بقي مرشحان هما علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وعثمان بن عفان رضي الله عنه، وكانت الكلمة التي تحدد من منهما يكون الخليفة هي كلمة أو لنقل صوت الصحابي الجليل عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه، وهذا الصحابي لم يرد أن يغامر في هذه المسؤولية ويختار للأمة إلا بعد أن يسألهم ليطمئن أنه اختار لهم من يقبلوه، فذهب يسأل أهل المدينة بيتًا بيتًا، حتى أنه كان يسأل النساء أيضا (علي أو عثمان) وكانت نتيجة هذا الاستفتاء
تميل إلى كفة عثمان
ليس رفضًا لعلي رضي الله عنه بل ميلًا إلى سهولة وسخاء عثمان مقارنة بشدة علي - في الحق طبعًا - وعند انقضاء المدة أعلن عبد الرحمن بن عوف بيعة عثمان، وبايعه علي رضي الله عنه ثم بايع سائر الناس، فكم من درس يمكن أن نستنبط من هذه القصة؟؟؟
وفي خلافة عثمان رضي الله عنه رأى عثمان ألا يجمع الناس بين الحج والعمرة في وقت الحج، فقال للناس في الحج:
"أتموا الحج وأخلصوه في أشهر الحج، فلو أخرتم هذه العمرة حتى تزوروا هذا البيت زورتين كان أفضل فأن الله قد أوسع في الخير"
فقال له على رضي الله عنه: "عمدت إلى سنة رسول ا صلى الله عليه وسلم ورخصة رخص الله للعباد بها في كتابه، تضيق عليهم فيها وتنهي عنها، وكانت لذي الحاجة ولنائي الدار" ثم أهل علي رضي الله عنه بعمرة وحج معًا، فأقبل عثمان بن عفان رضي الله عنه على الناس فقال: "إني لم أنه عنها، إنما كان رأيًا أشرت به، فمن شاء أخذه ومن شاء تركه". فكون عثمان هو الخليفة والأمير لم يمنع عليًا أن يواجهه بالخلاف بالرأي ويصوبه، ولم يتعال عثمان على الحق، فسارع ليبين للناس أن رأيه ليس بلازم للأمة الأخذ به.
وفي فترة خلافة علي رضي الله عنه عارضه رجل في أمر، فقال له علي رضي الله عنه: "أصبت - وأخطأت، وتلا قوله تعالى:
"وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ" - 76سورة يوسف.
وفي الحلقة القادمة بإذن الله
سوف نتناول المعارضة ومخالفة الخليفة أو الحاكم في الإسلام وكذلك الفروق الجوهرية بين الشورى والديمقراطية
ــــــــــــــــــــ
magdymoha r em@hotmail.com
almaged@gawab.com
الموقع الإلكتروني:
http://www.magdymoha r em.net.tc/
=============(70/268)
(70/269)
الحرب على الإسلام( هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كمثال)
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كان لدي كتاب قبل أكثر من 15 سنة طبع في 1982 بعنوان (اليهود وراء كل جريمة) لوليم كار وشرح وتعليق خير الله الطلفاح.
المؤامرة في مرحلتها التاريخية
اليهود كما تحدث عنهم القرآن هم ماكرون تمكن الشيطان من التغلغل في أعماقهم فلا يريدون سلاما ولا يحبون إسلاما ولا يشك عاقل في أنهم يسعون لمصالحهم لايهمهم سوى الفساد والإفساد ولو خدعنا بمظاهرهم ودعاويهم للسلام في وقت ماتزال أيديهم ملطخة بدماء الأبرياء في فلسطين بل وفي كل مكان.
شاء الله أن تكشف إرادة الشر عام 1784 أي قبل أكثر من 200 عام!!
"تفاصيل القضية أن آدم وايز هاويت أحد رجال الدين المسيحيين وأستاذ علم اللاهوت في جامعة انغولد شتات الألمانية ارتد عن المسيحية واعتنق الإلحاد وتقمصت في روحه طبيعة الشر بشكل خبيث وفي عام 1770 اتصل به كبار المرابين اليهود في ألمانيا فوجدوا فيه ضالتهم وكلفوه بمراجعة بروتوكولات حكماء صهيون القديمة وإعادة تنظيمها على أسس حديثة الغاية منها وضع خطة للكنيس الشيطاني ليسيطر على العالم عن طريق فرض عقيدة الإلحاد والشر على البشر جميعا ، أو على الأصح من تبقى منهم حيا في حالة نجاح المؤامرة القاضية بتدمير المجتمعات والشعوب والأمم وإثارة المجازر والمذابح وتفجير الثورات وإقامة الأنظمة الإرهابية الدموية وتخريب الحكومات القائمة على مبادئ الخسؤ والعقائد الإنسانية الصحيحة.
وقد أنهى وايز هاويت مهمته خلال 1776 بإعداد [sic] المخطط الدموي الوحشي الذي رسمه والذي ضمنه النقاط التالية:
1- تدمير جميع الحكومات الشرعية وتقويض الأديان السماوية كافة.
2- تقسيم الغوييم (البشر غير اليهود) إلى معسكرات متنابذة تتصارع فيما بينها بشكل دائم حول عدد من المشاكل التي تتولى المؤامرة توليدها وإثارتها باستمرار ملبسة إياها ثوبا اقتصاديا تارة وأخرى اجتماعية وثالثة سياسية ورابعة عنصرية وإلى آخره.
3- تسليح هذه المعسكرات بعد خلقها ثم تدبير حادث في كل مرة يكون من نتيجته أن ينقض كل معسكر على الآخر حتى يفني بعضها بعضا.
4- بث سموم الشقاق والنزاع داخل البلد الواحد وتمزيقه إلى فئات متناحرة وإشاعة الحقد والبغضاء بين أبناء البلد الواحد حتى تتقوض جميع مثومات المجتمع الدينية والأخلاقية والمادية.
5- الوصول بصورة تدريجية إلى النتيجة المرجوة بعد ذلك كله وهي تحطيم الحكومات الشرعية والأنظمة الاجتماعية السليمة وتهديم الدين والأخلاق والفكر والكيانات القائمة عليها المجتمعات تمهيدا لنشر الفوضى والكفر والفسوق والإرهاب والإلحاد." وطبعا تشرف عليها منظمة النورانيين كما يطلق عليها حاخامات الكنيس اليهودي نسبة إلى النار لا إلى النور.
الخطوط العامة لأسلوب المؤامرة والتي وجب على منظميها وورثتهم عبر عصور التاريخ أن يتخذوها منهجا للعمل فهي :
"1- استخدام الرشوة بالمال واستخدام الفساد الجنسي دون أي وازع بما في ذلك الشذوذ الأخلاقي في سبيل الوصول إلى الأشخاص الذين يشغلون المراكز الحساسة في المناطق التي تصبح هدفا للمؤامرة. " هذا الأسلوب يتم في غالبية المجالات ثم تتم محاصرة الضحية من كل مكان وجعله عرضة للفضيحة مالم يستجب للمطالب.
"2-يجب على النورانيين وأعوانهم ممن يعملون كأساتذة في الجامعات أو المعاهد العلمية(مؤسسات تعليمية ولا يقصد بها معاهدنا العلمية المعروفة) أن يوجهوا اهتمامهم بصورة خاصة إلى الطلاب المتفوقين عقليا والمنتمين إلى أسر محترمة حتى يعملوا على تشريبهم بروح الإلحاد شيئا فشيئا وقتل المبادئ الأخلاقية والروحية والوطنية في نفوسهم وغرس عقلية الاستهتار بالقيم المثل العليا في أفكارهم. " ثم تتم متابعتهم حتى يستغل من نجحت عملية الهدم الديني والأخلاقي والوطني والنفسي فيرسلوا إلى مراكز ومعاهد خاصة ليعودوا إلى بلادهم أو إلى غيرها في حالة التعذر فينضموا إلى الشبكات والتنظيمات السرية والعلنية الهدامة فيؤدوا دورهم في نفث السموم بصورة مدروسة غايتها تدمير كيان المجتمع و فرض شبح الإرهاب الأسود عليه وعقيدة الإلحاد.
3- إيكال الطلاب الذين استقطبتهم المؤامرة كما سبق إلى المراكز الإعلامية كافة من سياسة واقتصاد وثقافة وغيرها ليكون لهم دورهم الفعال.
4- السيطرة على الإعلام وطرح الأخبار المشوهة والمختلقة والأباطيل الدعائية والدسائس الكذابة وتحوير وتغيير عقول الناس وطمس الحقائق أمامها، حتى ينتهي بها الأمر إلى التطلع إلى خارج حدود وطنها ونسيان مبادءها السامية وانهيار الروح الوطنية والدينية والأخلاقية والعائلية لديها والإقتناع بقبول الإرهاب الخارجي والعقائد الإلحادية الهدامة.
كانت هذه مقدمة لابد لكل عاقل من معرفتها والتنبه لها ويجب علينا عدم الاندفاع والتروي والتفكر ولنمض سويا إلى أحد أخطر هذه المؤامرات وهي مؤامرة بايك على الإسلام
مؤامرة بايك ضد الإسلام
استمد الجنرال بايك روح مخططه من الأسس التي وضعها وايز هاويت ومخططه هذا له شقان/
الأول/(70/270)
الشق الأول تمثل في مجموعة التخطيطات والمشروعات السابقة كأساس له منطلقا من المرحلة الأخيرة التي وصل إليها المؤامرة العالمية فأقر المخطط النظم التي تبناها النورانيون بحكات التخريب العالمية الثلاث المبنية على الإلحاد المطلق والتفسخ الأخلاقي والإيقاع بالمجتمعات الإنسانية وهذه هي:
- الشيوعية.
- الفاشستية.
- الصهيونية السياسية.
الثاني/
الشق الثاني ويتمثل بتحقيق التدابير والتنفيذ بعمل ثلاث حروب عالمية وهي كالتالي:
- الحرب العالمية الأولى والإطاحة بالحكم الملكية في روسيا وجعلها المعقل المركزي للحركة الشيوعية الإلحادية وتأتي بعد هذه الحرب محلة تستكمل فيها الشيوعية بنيانها على أسس مذهبية على أسس مذهبية ونظرية . وكذلك توليد خلاف شديد بين الامباطوريتين الألمانية والبريطانية وتكليف عملاء النورانيين في كلتا الدولتين بتوسيع نطاق العمل في تحريض الجانبين على بعضهما حتى تنشب الحرب التي ستشمل الإنسانية كلها.
- تؤمن الحرب العالمية الثانية اجتياح الحكة العالمية الهدامة الأولى(الشيوعين) لنصف العالم ووصولها إلى درجة من القوة تعادل مجموع قوى العالم الغربي مما يمهد للمحلة الثالثة التي سيأتي ذكرها. كما تؤمن وتضخم سلطان الحركة العالمية الهدامة الثانية وهي الصهيونية السياسية .. حتى تصل أخيرا إلى تحقيق هدفها المرسوم وهو إقادمة دولة النورايين في فلسطين... هذه الدولة التي ستكون المنطلق لتحقيق المرحلة الثالثة والأخيرة.
- تأتي الحرب العالمية الثالثة والأخيرة وينص المخطط لهذا الحب على التمهيد لهذه الكارثة الشاملة عن طريق تصدي الصهيونية السياسية للزعماء المسلمين في العالم الإسلامي وشنها حربا ساحقة على الإسلام باعتباره القوة الأخيرة التي ستقف اتجاه قوى الشر.
يقول الكاتب :
" ألم تتحطم الامبراطوريتان الروسية والألمانية؟
ألم يتم انهيار معظم الأنظمة الملكية الأوروبية؟"
ثم يقول: " أما في الشرق الأوسط فإن الصهيونية وهي التنظيم الآخر لقوى الشر ...تنفذ في يومنا هذا مخطط المؤامرة الرامي إلى تدممير العالم العربي وعقيدته الإسلامية ، وتشن حربا خبيثة على قوى الخير فيه وعلى الدين الإسلامي ممهدة بذلك للخطر الذي يتهدد العالم كله في إشعال نيران الحرب العالمية الثالثة.
إن الواجب يقضي بأن تهب قوى الخير كلها دون هوادة لمجابهة المخططات الهدامة ولترد قوى التدمير المسعورة على أعقابها للدفاع عن مصير الإنسانية بأكملها".36-37
هؤلاء استغلوا نابليون بونابارت وهتلر واستغلوا كل شاردة وواردة من أجل تحقيق مطامحهم بالنيل من الأديان كافة ليبقى اليهود متحكمين بالعالم عن طريق تسخيرهم لنفذو المرابين العالميين أصحاب رؤوس الأموال في تنفيذ بعض تلك المخططات الرامية إلى تدمير الإسلام وكسر شوكته وبالتالي ليتبنى المسلمون عقيدة الإلحاد!!
يتابع الكاتب بتحليله للموضوع بأن مايسمى بحقيقة الاضطهاد لليهود وأنهم كانوا هم السبب في هذا الأمر تمهيدا لتمرير مؤامرتهم ، وأضيف كذلك في بسط نفوذهم على العالم بما في ذلك التحكم بإعلامه..
___________________
إخواني الفضلاء بنظرة متأملة على هذا الواقع ودناءة مايقوم به أعداء الإسلام و حديثهم عن هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولغيرة كل مسلم على دينه فإنهم يحاولون تهويل كل شيء لأجل مصالحهم ولو تألمنا أمورا كثيرا كحديثهم عن قيادة المرأة للسيارة ومطالبتهم به وكأنه آخر حقوقها ؟ المرأة في الإسلام لها حقوقها وعليها واجباتها ولو تأملنا بعض مواقعهم الصريحة لوقفنا بصمت متأملين؟ هل هنالك من أبناء جلدتنا من يغدر بنا ويهول صورة الإسلام لتمرير شهواته؟
الجواب هو نعم!! فهم يريدون منا أن نجعل إسلامنا نوعا من الرفاهية لا معتقدا يحثنا على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والإيمان بالله.
هؤلاء يجب أن نتصدى لهم فهو أشد خطرا من غيرهم فلم يكن على الإسلام خطر مثل النفاق فكان رسول ا صلى الله عليه وسلم بأبي هو وأمي يعلم بهم ولم يعاملهم بسوء لكي لايقال أن محمدا يقتل أصحابه.
أظن بعد هذا أن الحجة وقعت علينا كمسلمين ومربين بأن نتنبه لهذا الأمر فلقد بتنا ممنوعين من التفكير والفخ بديننا والدعوة بسببهم والحقيقة أن الإسلام دين التفكير والعقل والمنطق لقد بتنا نلمع فيما يرونه من أخطاء في الإسلام فلقد انتشر الإسلام بالسيف لمن تهجم عليه والمعاملة الحسنة وكمسلمين في هذا العالم فإن الفرصة سانحة لنا بالدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة فالإسلام حماية للناس من النار ونحن نهدف إلى حمايتهم منها بأمر الله نسال الله أن يحم وجوهنا على النار ونسأله فردوسه الأعلى إنه سميع مجيب الدعاء .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
=============(70/271)
(70/272)
الحرب على الإسلام وواجب الأمة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحرب على الإسلام وواجب الأمة
عبدالله جاب الله
رئيس حركة الإصلاح الوطني - الجزائر
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيد الأولين والآخرين ، الذي بعثه الله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره الكافرون ، وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه واستن بسنته إلى يوم الدين .
أصحاب الفضيلة والمعالي أيها الأخوة والأخوات ، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، وبعد :
إن ما حصل في الدانمرك وغيرها من دول الاتحاد الأوروبي من عدوان صارخ على رسول الله ، هو عدوان على الإسلام عقيدة وعبادات ومعاملات وأخلاق وعدوان على المسلمين حضارة وتاريخاً وواقعاً وآفاقاً مستقبلية ، وهو حلقة في مسلسل العدوان الغربي على الإسلام ، فهو لذلك ليس فعلا مفرداً ولا كما حاول البعض تصويره ، ومن قام بذلك ليسوا أفرادا شاذين أو مخمورين كما حاولت بعض الجهات وصفهم ، وإنما هم أفراد تجاوبوا مع الحرب الثقافية على الإسلام والمسلمين ، ومع الهجمة الصهيوأمريكية على الإسلام التي ظهرت معالمها بشكل سافر منذ هجمات 11 سبتمبر 2001 ومن المفيد أن أذكر نماذج من هذه الهجمة والحرب على الإسلام والتي اشترك فيها الرؤساء والوزراء والكتاب والصحافيون
1. وصف بوش الابن ما تقوم به أمريكا في تصريح له يوم 16/9/2001 بأنها حملة صليبية ، ووصف جميع أنواع المقاومة الإسلامية ومنظمات الجهاد بالإرهاب .
2. وصف توني بلير في 17/9/2001 هذه الحرب بأنها حرب المدنية والحضارة والغرب ضد البربرية في الشرق
3. أعلن بيرلسكوني في 26/9/2001 أن الحضارة العربية أرقى من الحضارة الإسلامية ولا بد من انتصار الحضارة الغربية الذي يجب أن يُهزم لأنه لا يعرف الحرية ولا التعددية ولا حقوق الإنسان ، وأن الغرب سيواصل تعميم حضارته وفرض نفسه .
4. في 18/11/2001 صرح بوش أن الحضارة الغربية التي أعلن الحرب للدفاع عنها هي حضارة اليهود والمسيحيين ، ووجه تحذيرا لبعض الحكام يطالب فيه بتوقف الإعلام في بلادهم عن حملة الكراهية لأمريكا وإسرائيل .
5. صرحت تاتشر في مقال لها ملخصه أن المسلمين الذين يرفضون القيم الغربية أعداء أمريكا وأعداؤنا .
6. صرح وزير العدل الأمريكي جون استكروفت قائلاً : إن المسيحية دين أرسل الرب فيه ابنه ليموت من أجل الناس ، أما الإسلام فهو دين يطلب الله فيه من الشخص إرسال ابنه ليموت من أجل هذا الإله .
7. صرحت وزيرة الخارجية مادلين أولبرايت قائلة : إننا معشر الأمريكيين أمة ترتفع قامتها فوق جميع الشعوب وتمتد رؤيتها أبعد من جميع الشعوب .
8. صرح وزير الداخلية الألماني أوتوشيلي أن عقيدة الإسلام عقيدة هرطقة وضلال .
9. صرح السيناتور الديموقراطي الأمريكي جوزيف ليبرمان الذي كان مرشحاً لمنصب نائب الرئيس قائلاً : أنه لا حل مع الدول العربية والإسلامية إلا أن تفرض عليها أمريكا القيم والنظم والسياسات التي تراها ضرورية .
10. تصريحات أشهر كتاب ومفكري الإستراتيجية في أمريكا صموئيل هنتجنون وفرانسوا فوكوياما تدعو لتكون الحرب داخل الإسلام حتى يقبل الإسلام الحداثة الغربية والعلمانية الغربية والمبدأ المسيحي -العلماني - فصل الدين عن الدولة .
والحداثة في المصطلح الغربي تعني القطيعة المعرفية مع الموروث الديني ، وجعل الإنسان سيد الكون ،ومحور الثقافة - بدلاً من الله - وإحلال العقل والعلم والفلسفة محل الله والدين .
11. أعلن الكاتب اليهودي الأمريكي المقرب من دوائر صناعة القرار الأمريكي أن الحرب الحقيقية هي ضد الفكر الإسلامي والتربية والتعليم الإسلاميين .
ولم يقتصر الأمر على التصريحات والإعلانات بل شرعت أمريكا ومنذ سنوات وبخاصة بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 في إصدار الأوامر للأنظمة في العالم العربي والإسلامي بتهيئة نفسها للدخول في حضيرة العولمة بمظاهرها المختلفة وقد كان التركيز بارزاً على منظومات بناء شخصية الإنسان وصناعة الرأي العام ، ومن ذلك :
1. إصدار الأوامر إلى الحكومات في العالم العربي والإسلامي بتغيير المناهج التربوية وبخاصة مناهج التعليم الديني ، وقد استجابت الكثير من الأنظمة لذلك ، منها الجزائر وباكستان ، واليمن .
2. طلب بوش الابن رسمياً من الحكومات في العالم العربي والإسلامي حذف ثقافة الشهادة والاستشهاد من مواد الفكر والثقافة والإعلام .
3. الضغظ على الأنظمة لتعديل منظوماتها القانونية في ميدان الاقتصاد بما يفتح الباب أمام الشركات المتعددة الجنسيات ويمكنها من وضع يدها على مصادر الثروة وبخاصة النفط والذهب والحديد واليورانيوم ، وقد تجاوب كثير من الأنظمة مع ذلك ، ومنها الجزائر تحت أعذار مختلقة منها الرغبة في جلب الاستثمار الأجنبي وتنويع مصادر الدخل القومي .. فكانت النتيجة رهن أهم مصادر الدخل لإرادة تلك الشركات والمؤسسات المالية .(70/273)
4. الضغط على الأنظمة للارتماء في أحضان المؤسسات المالية الأجنبية ، مثل صندوق النقد الدولي والبنك العالمي واستغلال ذلك لغرض وصفات ضارة بالسيادة والاستقلال وضارة بالوضع الاقتصادي والاجتماعي والتربوي ، فقد أصبحت الدول التي ارتمت في أحضات تلك المؤسسات فاقدة لقرارها في الكثير من الميادين ، مثل سياسة الأجور والرسولم وسياسة التعليم وسياسات العمل والتوظيف .
5. تكريم الكتاب والأدباء الفاشلين الذين احترفوا الهجوم على الإسلام وقيمه وثقافته ومقدساته .
6. تشجيع النُخب النافذة في البلاد العربية والإسلامية على ر فع شعار الديمقراطية وممارسة الاستبداد في القضاء على المال والتضييق على الشباب الملتزم والجمعيات الخيرية ذات التوجه الإسلامي ، وتشجيع قوى التغريب على نشر التغريب والعلمنة وحسن معاملة النُخب المقربة ومكافأتها بالمال والإعلام والتوظيف .
7. رصد الميزانيات لتكوين الدعاة والأئمة المستنيرين الذين يحاربون العمل السياسي ويبدعونه ويفتون بوجوب طاعة الحكام وعدم جواز تغييرهم ولو بالانتخابات.
8. احتفل الغرب سنة 1992 بذكرى مرور خمسمائة عام على اقتلاع الإسلام من أوروبا _ الأندلس - بسقوط غرناطة عام 492 ثم بشن حرب الإبادة في نفس السنة على مسلمي البوسنة والهرسك .
9. وقوف الغرب مع المسيحيين في تيمور الشرقية ومساعدتهم على الانفصال على أإندونيسيا وإقامة دولة لهم ، ويحاول بشتى الطرق تقسيم السودان وإقامة دولة للوثنيين في الجنوب ، بينما يضع العراقيل أمام الشعوب الإسلامية في فلسطين وكشمير والشيشان والبلقان ،ويمنعها من الاستفادة من مبدأ حق تقرير المصير رغم قرارات الأمم المتحدة التي تعترف لهم بذلك .
10. هجومه الوحشي على أفغانستان وإسقاطه لنظام طالبان وإقامة حكومة كرزاي العميلة له .، وكذلك فعله في العراق وسعيه الواضح لتفتيت العراق وتقسمه إلى ثلاث دويلات كما مهد دستور العراق الجديد لذلك بإعطائه صلاحيات لدول الأقاليم أهم مما أعطاه من صلاحيات لدولة الاتحاد ـ، ومنحه لدول الأقاليم حقوقاً في التمثيل الدبلوماسي أهم مما منحه لدولة الاتحاد ، ثم بإعطائه نصيباً في الثروة أكبر مما أعطاه لدولة الاتحاد .
كل هذا وغيره يؤكد أن الحرب على الإسلام حرب معلنة وليست مجرد مؤامرة لأن المؤامرة تدبير سري بينما نحن نعيش حرباً معلنة ومطبقة أخذت أشكالا وصوراً مختلفة ، ووظفت فيها آليات ومؤسسات متعددة .
ولابد في تقديري من معرفة أهم خلفيات هذه الحرب ودون إطالة ، أقول :
إن التحالف الصهيوأمريكي يتبنى ما جاء في التوراة والتلمود مرجعية عقدية وفكرية وفلسفية وسلوكية له ، وتلك المرجعية تنص على أن اليهود هم شعب الله المختار " ذلك بأنهم قالوا ليس علينا في الأميين سبيل " ، وقد أصبحت هذه العقيدة عقيدة أمريكا خاصة والغرب عامة فصاروا بسبب ذلك يعتبرون أنفسهم فوق الدول والمنظمات والشعوب فلا يخضعون لقرارات الجمعية العامة ولا لقرارات مجلس الأمن إذا كانت مخالفة لإراداتهم ولا لاتفاقيات جنيف لعام 1949، ولا لمواثيق حقوق الإنسان الفلسطيني والعربي ، وجميع تصرفات أمريكا وحلفائها تدل على ذلك ، ومن ذلك :
أنهم يلوثون العالم ويخرقون طبقة الأوزون دون احترام لمواثيق البيئة .
ويستخدمون الفيتو في كل قضية لا توافق هواهم فيجهضون إرادة سائر دول العالم.
يستخدمون الأسلحة النووية كيفما شاءوا وفي أي وقت شاءوا مثل الذي حصل في هيروشيما وناجازاكي ، ومثل الذي حصل في العراق من استخدام اليورانيوم المخصب .
ويعطون لأنفسهم الحق في شن الحروب الاستباقية ضد الحكومات التي لا تعجبهم متجاهلين مبدأ سيادة الدول على أوطانها .
و يُقرون مبدأ اللاعقاب للأمريكان أمام المحكمة الجنائية الدولية .
يمارسون كل أنواع الضغوط على الأنظمة في البلدان النفطية ليكونوا هم المتصرفون الرئيسيون في سياسة النفط تنقيباً وتكريرا وإنتاجا وتسويقا .
ويعملون بالتحالف مع الأنظمة الاستبدادية وقوى التغريب والعلمنة في أوطاننا على فرض منظورهم الحضاري تحت غطاء العولمة ومكافحة الإرهاب ونشر السلم وغيرها من الشعارات .
وأهم ما يريدون الوصول إليه على المدى المتوسط والبعيد هو فرض الاقتصاد الحر والمفهوم الكنسي للدين - أي العلمانية - والانتخابات التي ظاهرها الحرية والنزاهة وحقيقتها التزوير والإكراه وضمان مصالحهم غير المشروعة وحماية إسرائيل ومصالحها وحماية التيارات التغريبية ومساعدتها على خدمة مشاريعهم في المنطقة .(70/274)
إن نقطة الضعف الكبرى بالنسبة لهذه الأمة هم حكامها وأنظمة حكمها وقد خبر الغرب هؤلاء فما رأي منهم إلا التهافت على أبوابه والتعلق بأسبابه . ولذلك استهان بها واستخف بآرائها وعمل ولا يزال على توظيفها في تنفيذ جوانب من حربه المعلنة على الإسلام وسائر مقومات شخصية الأمة . ولم يبق للأمة إلا علماؤها ودعاتها وقليل من رجال الحكم والمال ، وأخص بالذكر العلماء والدعاة لأنهم مرجع الأمة في بيان الدين ولسانه المعبر عن حقائقه والمبين لشرائعه وأحكامه . وأنهم حراسه المؤتمنون على بقائه. وسلطانهم على الأمة ظاهر وسيزداد قوة وتأثيراً مع ازدياد تمسكهم بدينهم وإصرارهم على الاستمرار في الدعوة إليه بكل استقلالية وتمايز .
فعلي ، هؤلاء تقع المسئولية الكبرى في التصدي لأنواع الحرب الإعلامية والثقافية بالحجة الساطعة والدليل البين القوي . ولعل من أهم ما يجدر التنبيه عليه من الأعمال التي يمكنهم القيام بها ودعوة الأنظمة إليها ما يلي :
1. التواصل مع الحكام وأصحاب النفوذ في العالم العربي والإسلامي ومحاولة إقناعهم بأن في مقدورهم إذا أرادوا أن يحولوا قوة الغرب إلى ضعف وغناه إلى فقر ووحدته إلى شتات وعزه إلى ذل وكبرياءه إلى مسكنة ، وذلك بالاستغناء عن بضائعه وقطع المدد عنه وبخاصة النفط والمواد الأولية الأخرى وترك تأييده في مواطن الرأي والقرار .
2. دعوتهم إلى تقوية العلائق فيما ينهم وتطوير التبادلات التجارية والصناعية وتبادل الخبرات المدنية والتكنولوجية وتفعيل منظمة الدول الإسلامية الثمانية التي أسسها نجم الدين أربكان يوم كان رئيس وزراء تركيا ، ووضع جميع الاتفاقيات الموجودة موضع التنفيذ .
3. دعوتهم لإدخال إصلاحات جوهرية على الوضع السياسي والقضائي والمالي من مبادئ حق الأمة في الاختيار والمراقبة والمحاسبة ومن مبادئ العدالة القانونية وقيم المساواة في توزيع الثروة ورسم السياسات المالية حتى تقام الثقة بين الأنظمة والشعوب ويقع التعاون بينها على خدمة مقومات شخصية الأمة وتحقيق التنمية الاقتصادية الواسعة .
4. دعوتهم من أجل العمل على تصحيح النظام الدولي بما يجعله عادلا ومتوازنا في تعامله مع قضايا الشعوب والتنسيق في ذلك مع أنظمة العالم الثالث ، وبخاصة أنظمة أمريكا اللاتينية .
5. دعوتهم من أجل السعي في إقرار مبدأ التعددية الحضارية والثقافية .
6. دعوتهم من أجل السعي لتقوية سياسة نبذ استعمال القوة في تسوية الخلافات وتعزيز مساعي الحوار والتسوية السلمية لأي خلاف دولي .
7. تشجيع وتطوير مجهودات ومساعي الحوار بين الشمال والجنوب من منطلق البحث عن الحقيقة والرغبة في الاستفادة من حضارات الشعوب و تجاربها المختلفة .
8. تعزيز الجهود التي تبذل للمحافظة والدفاع عن حقوق الإنسان وشرح مكانة الحقوق في الشريعة والضمانات التي وفرتها لحمايتها من التعسفات والتجاوزات .
9. ضرورة الاجتهاد في تنسيق المواقف من المتغيرات والقضايا الدولية التي تهدد مقدسات الأمة وثرواتها وأمنها واستقلالها .
10. دعوتهم للمطالبة بعضوية دائمة لهم في مجلس الأمن وداخل قطاعات الأمة ومؤسساتها.
هذه كبرى مواضيع النضال من الأنظمة القائمة في العالم العربي والإسلامي التي يتعين على العلماء والدعاة وسائر ذوي الرأي في الأمة العمل على إقناع أصحاب القرار في بلداننا على تبنيها والنضال من أجلها .
1. أما ما تعلق بالأحداث التي كانت سببا في اجتماعنا فإن أقل ما يمكن القيام به هو مواصلة تعرية هذا العدوان وهذه الحرب بالوسائل المختلفة من المحاضرة والندوة والكتابة وإلى التجمع والمسيرة إلى غير ذلك من وسائل التواصل مع الرأي العام الإسلامي وغيره
2. مواصلة الدعوة إلى مقاطعة بضائع تلك الدول ودعوة الأنظمة لاتخاذ مواقف أكثر قوة من الدول التي نشرت جرائدها تلك الصور الآثمة وأقل المواقف هو استدعاء سفرائها وتبليغهم احتجاجات قوية .
3. ودعوة الأنظمة إلى تشجيع الحريات الفردية والجماعية وتمكين الأمة من ممارسة حقوقها والتعبير عن عواطفها في رفض هذا العدوان وكل عدوان على الدين ومقدساتهم.
4. والعمل على التعريف بالإسلام وسيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم
ومن المفيد في هذا الصدد استغلال كل ما تيسر من وسائل التكنولوجيا ، وكذلك من الضروري حث أغنياء الأمة ليوفروا الدعم المادي الضروري لنجاح أهل العلم والفكر في القيام بواجبهم المذكور أعلاه خدمة للدين ونصرة لرسول ا صلى الله عليه وسلم وسعيا في حشد طاقات الأمة ورفع مستوى وعيها والتزامها وعطائها .
والحمد لله رب العالمين .
============(70/275)
(70/276)
بالنصح والصبر نوقف الحرب على الإسلام …
بقلم عبد القادر بن احمد بن محمد زين
ربناافتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين ) إن ظاهرة محاربة الدعوة في موريتانيا والتي تولي كبرها العقيد ولد الطائع ظاهرة خطيرة يجب على المجتمع الانتباه إليها ودراسة الدوافع التي تجعل شخصا مثله يصر على مواصلتها عبر محاربة الإسلام والإسلاميين ومحاربة الدعوة والدعاة والملتزمين والملتزمات وأيا تكن الدوافع فالواجب على المجتمع التصدي لهذه الظاهرة الخطيرة وهذه الحرب القذرة التي يشنها ولد الطائع ورفاقه على التدين ومظاهره وعلى بيوت الله وما تملك من وسائل لإبلاغ وإسماع كلمةالحق.
وقد بات لزاما على كل المصلين الدفاع عن المساجد والمصاحف ومكبرات الصوت كما تلزمهم حماية الدروس والمحاضرات والندوات والمنابر المختلفة وحماية القائمين على كل هذه الأنشطة من شيوخ وعلماء وأئمة ودعاة ومؤذنين وأصحاب المكتبات الصوتية وما يملكون من وسائل لنشر الدعوة , وهذا الدفاع يكون بالكلمة الطيبة والصبر والثبات ومحاربة المسيلات بالمياه والمناديل ونصح من يحملون هذه المسيلات ويرمونها على بيوت الله وعباد الله نصحهم مباشرة أو عن طريق أقاربهم أو قبائلهم.
فولد الطايع وإن كان يريد صنع الإرهاب إرضاء لليهود والنصارى أو لجعله ذريعة لمنع التيار الإسلامي من العمل الرسمي فهو لايستخدم شرطة من اليهود والنصارى وإنما يستخدم أبناء ورجالا من بني جلدتنا ويتكلمون بألسنتا ومن قبائلنا وربوعنا المختلفة والشعب قادر بإذن الله على إطفاء نار الفتنة وإنقاذ البلد الحبيب من يد الطاغية ولد الطائع دون إراقة الدماء وحتى دون استعمال العصي أحرى البنادق فهذا المفوض أو الوكيل اسمه فلان بن فلان وينتمي للقبيلة الفلانية ونحن نعرف من أفرادها وعلمائها وشيوخها ووجهائها فلان وفلان وفلان وفلان والإمام و المؤذن والداعية والشيخ والعالم الذين يقبعون وراء القضبان ربما ينتمون لقبيلة الضابط أو المفوض أو الشرطي أو تربطهم بها صلة قرابة أو مصاهرة فلماذا تساهم أيها الشرطي في الحرب على الإسلام إرضاء لضابط جاهل تربع على السلطة في غفلة من أهل الرشد وخرب البلاد ورهنها لأعداء الله ورسوله ولماذا تشوه سمعتك وتحارب إسلامك وقيمك وتدنس عرض قبيلتك فاحذر أيها الشرطي فكل الدوافع أصبحت واضحة وكل الجرائم تنشر بعد لحظات من وقوعها على صفحات الجرائد والمواقع وتسحب وتوزع وتجعل على شكل رسائل عبر المحمول وأنت تعلم أن ولد الطائع سينتهي حكمه ونظامه ويتحسر أزلا مه ومصفقوه على لحظات قضوها دفاعا عن إنجازاته الوهمية واستشهادا بخطاباته الركيكة والمملة ويبقى الشعب الموريتاني مسلما كريما يعلم في المساجد ويرفع الأذان عبر المكبرات ويعقد الندوات والمحاضرات العلمية والدعوية ويفضح كيد الأعداء مهما كانت سطوتهم , فانتبه أيها الشرطي ولا تبع آجرتك بدنيا غيرك فتكون من أخسر الخاسرين , علينا أن نتكلم بهذه الطريقة وغيرها مما هو مجد في مواجهة ولد الطائع ونرفع الصوت عاليا في البيت والمدرسة والجامعة والسوق والحافلة وفي المكاتب والمزارع وفي كل مكان لنساهم في إخماد نار الفتنة التي يريد ولد الطائع إشعالها ظنا منه أنها ستطيل أيامه في الحكم وما درا أنها- إذ تشتعل لا قدر الله - سيكون أول المصطلين بنارها .
لا أكتب هذه الأسطر لمجرد الكتابة وإنماأ كتبها وقلبي يتحسر ودمي يغلي وعيني تدمع لهول وخطورة ما يتعرض له بلدي الحبيب فالحجاب ينزع عن المتحجبات وفقهاء السلطة يفتون بدون تردد بضرورة غلق المساجد والعلماء العاملون والأئمة الفضلاء معتقلون ولا ندري إن كانوا الآن يعذبون عذابا يطاق آو لا يطاق لتنتزع منهم التصريحات بانتمائهم لخلايا الإرهاب المزعومة ومكبرات الصوت يراد انتزاعها من المساجد حتى لا يسمع الناس الأذان للصلاة التي هي أهم أركان الإسلام بعد الشهادتين المكررتين في الأذان ليقضى بذالك على الركنين الأولين من أركان الإسلام, وبيوت الله يراد تعطيلها برفع يد الأئمة عنها ولا ندري من سيعين عليها ولأي وزارة ستتبع ما دام التوجيه الإسلامي معطل هو الآخر فالوضع لا يمكن السكوت عليه وكل مواطن موريتاني غيور على دينه يجب أن يكتب ويتكلم وينصح ويرشد ويوجه بكل الطرق الممكنة كما يجب أن تتحول كل الساحات في المدن والقرى والأرياف إلى أماكن للتجمع وأخذ الأخبار والتنديد بما يجري من محاربة الإسلام ودعاته والتنديد بولد الطائع وأعوانه وخاصة من يعقدون الندوات الآن في الساحات وفي التلفزة ليفخروا به وبخطاباته السخيفة والخالية من أي مضمون إلا محاربة الدعوة والدعاة المخلصين والتأسف على تحرر بعض الفئات من الرق بجهود الدعاة العاملين والغيورين على مصلحة الأمة والمحاربين حقا للأمية.(70/277)
ومرة أخرى لا بد من التحرك العاجل وبالحكمة والموعظة الحسنة فيجب على كل موريتاني داخل الوطن وخارجه أن يعتبر نفسه جنديا في حالة الطوارئ دفاعا عن الإسلام وشعائره ودفاعا عن الدعاة والعلماء والعفيفات ودفاعا عن الوطن ووحدته والمواطنين ووحدتهم ودفاعا عن بيوت الله وكلمات الأذان التي يراد لها أن لا تسمع حتى لا تنبه نائما أو غافلا أو تزعج نظام ولد الطائع وعلمائه وشرطته المصفقين له على كل حال وإن كانت الحال محاربة الإسلام . أقول ما تقرؤن وأستغفر الله لي ولكم والسلام عليكم وحمة الله وبركاته ورحم الله من دعا لي بخير وساهم في نشر هذه النصيحة لتصل كل بيت من بيوت الله على أرض الوطن
=============(70/278)
(70/279)
المسجد الأحمر
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أخوتى وأخواتى
سمعت فى الأخبار
المسجد الأحمر وترددت هذه الكلمة كثير ولكن؟
لم أعرف أو بالضبط لم أسمع ما كنت أود معرفته وبدأت أبحث وأقرأ حتى عرفت
المسجد الأحمر ومشكلته
المسجد الأحمر .. فصول المواجهة الدامية؟؟
تعود فصول المواجه الدامية الأخيرة التي انتهت إليها أزمة "لال مسجد" ويعني بالعربية المسجد الأحمر في العاصمة الباكستانية إسلام آباد إلى مطلع العام الحالي، عقب الإعلان عن خطط حكومية لهدم مساجد في العاصمة بينها المسجد الأحمر بدعوى بنائها بطريقة غير قانونية على أراض مملوكة للدولة.
لكن جذور الأزمة بين الحكومة الباكستانية والمسجد الأحمر تعود إلى سنوات قبل ذلك، إذ إن المسجد -الذي بني عام 1969 وكان يعد أكبر مسجد في إسلام آباد إلى ما قبل تشييد مسجد فيصل- دخل في مواجهة مع الحكومة بعد انضمام باكستان إلى ما يسمى الحرب الأميركية على الإرهاب أواخر 2001 التي بدأت بإسقاط نظام حركة طالبان في أفغانستان المجاورة وكانت المدارس الدينية منطلقا لها.
وبلغ التوتر ذروته عام 2005 إثر طرد وزارة الأوقاف لإمام المسجد الأحمر مولانا عبد العزيز غازي -الذي اعتقل في المواجهات الأخيرة متخفيا بزي امرأة منقبة- بعد إصداره فتواه الشهيرة المثيرة للجدل ضد الجيش الباكستاني الذي يقاتل حركة طالبان ورجال القبائل في المناطق الحدودية مع أفغانستان.
وقال غازي في فتواه تلك إن "ضباط الجيش الباكستاني الذين يقتلون في الاشتباكات مع طالبان ورجال القبائل ليسوا شهداء، ولا يجب تكفينهم شرعا"، ما أثار غضبا حكوميا وإعلان أحد المسئولين حينها بأن مولانا عبد العزيز "يحتل" المسجد الأحمر بالقوة، وهو ما دفع إمام المسجد لعدم مغادرته لمعرفته بتعرضه للاعتقال على خلفية فتواه النارية.
تسلسل الأزمة:
الجيش الباكستاني تدخل بعد تصاعد الأزمة قبل أسبوع وفرض حصارا (الفرنسية)
وعاد التوتر بين الحكومة والمسجد الأحمر للظهور على الساحة مجددا، بعد إقدام طالبات يدرسن بمدرسة حفصة التابعة للمسجد الأحمر مسلحات بالعصي لاقتحام مكتبة عامة للأطفال قريبة والسيطرة عليها في يناير/ كانون الثاني الماضي احتجاجا على خطط الحكومة لهدم مساجد بينها المسجد الأحمر.
وبعد أيام من التوتر تراجعت الحكومة وتخلت عن خطط هدم المساجد، كما نشرت السلطات قوات من الأمن في محيط منطقة المسجد الواقع في حي "آباره" الشعبي بقلب إسلام آباد وعلى مقربة من مؤسسات الدولة.
وعقب نحو ثلاثة أشهر من هذا الحادث بدأ طلاب وطالبات المسجد الأحمر في 27 مارس/ آذار الماضي ما أسموها حملة "توعية أخلاقية" في المنطقة نددت بها وسائل الإعلام الباكستانية، معتبرة أنها تندرج في إطار "طلبنة" باكستان.
محكمة شرعية:
ودخلت الأزمة منعطفاً جديداً في السادس من أبريل/ نيسان الماضي مع إعلان إمام المسجد الأحمر إنشاء محكمة شرعية، وحذر مولانا عبد العزيز غازي السلطات من أي تحرك ضد المسجد أو اقتحامه، مهددا بهجمات انتحارية. وأكد وجود عشرات آلاف المتطوعين لتنفيذها. وأوضح أن حملته ستمتد إلى جميع أنحاء باكستان.
وهدد الرئيس الباكستاني برويز مشرف عقب إقامة محكمة المسجد الأحمر بعدم التساهل مع أي جهة تلجأ إلى العنف. وقال في إشارة إلى طلاب المدارس الدينية "يجب آلا يحققوا العدل بأنفسهم لأن ذلك سيؤدي إلى الفوضى ولن نسمح بذلك".
وبعد أيام من تأسيسها أي في التاسع من نفس الشهر أصدرت المحكمة الشرعية للمسجد الأحمر فتوى تدعو لمعاقبة وإقالة وزيرة السياحة الباكستانية نيلوفار بختيار لظهورها "بشكل غير لائق" مع مظليين فرنسيين.
ولم تقف الحكومة مكتوفة اليدين فأدانت الفتوى وأغلقت موقع المسجد على الإنترنت ومحطة إذاعية تابعة له.
وفي استعراض آخر للقوة اعتقلت السلطات في 19 مايو/ أيار الماضي 10 من أنصار المسجد، لكن الطلاب اختطفوا أربعة من عناصر الشرطة وانتهت الأزمة بإفراج متبادل.
أعقب هذا الحادث في 23 يونيو/ حزيران الماضي اختطاف تسعة أشخاص بينهم ستة صينيين (رجال نساء) يعملون في عيادة اعتبرها مسؤولو المسجد بيت دعارة.
اقتحام المسجد:
لكن التوتر تصاعد فجأة يوم الثالث من يوليو/ تموز الحالي لدوافع يحمل كل طرف مسؤوليتها للطرف الآخر، ما دفع السلطات إلى حصار المسجد واتهام المتحصنين فيه باحتجاز مئات الرهائن من الأطفال والنساء. وهو ما نفاه نائب الإمام وشقيقه عبد الرشيد غازي.
كما خير الرئيس برويز مشرف المتحصنين بين الاستسلام والموت. وهو ما رفضه أيضا غازي، مشيرا إلى أنه يفضل "الشهادة" على الاستسلام، وتوعد بالقتال مع رجاله حتى النهاية، وأكد أنه يستطيع الصمود أمام أي هجوم شهرا.
وقد فشلت جهود وساطة في الساعات الأخيرة لاحتواء الأزمة، حيث أعلن الجيش الباكستاني شن عملية لاقتحام المسجد الأحمر فجر الثلاثاء 10/7/2007
===============(70/280)
(70/281)
حملة صليبية لتنصير الصغار قبل الكبار
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدُ للهِ والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ..
قال تعالى : " وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِن شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً * بَل رَّفَعَهُ اللّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزاً حَكِيماً " [ النساء : 157 - 158 ] .
انتشر في أسواقنا - مع الأسف - الصليبُ - رمزُ النصرانية - على كثير من البضائعِ القادمةِ إلى بلادنا ، وأصبحت تراه يعلو أجساد أولادنا إما على صدورهم من خلال فانيلات الأنديةِ الكافرة التي لا تخلو من الصليبِ في شعاراتها ، أو على رؤوسهم من خلال القبعات المنقوش عليها صليب النصارى ، والأدهى أنها دخلت إلى مساجدنا ! ، ولا أحد ينكرُ ، فهذا الشابُ يدخلُ إلى المسجد وقد علق شعار الأندية على صدره يعلوه الصليب الواضح ، ويصلي فيه ، ولا شك أن أساس فعله الجهلُ .
ولا شك أن هذا الغزو لأسواقنا إنما هو صورةٌ من صورِ الغزو الفكري المتمثل بـ " التبشير " بالنصرانية ، وفي حقيقته تبشير بالنار ، ولا يشترط في التبشير إدخال السرور بل قد يكون على العكس كما قال تعالى : " فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ " [ آل عمران : 21 ] .
لا بد من تكاتف الجهود بين الجهاتِ المعنيةِ للتصدي لهذا الغزو الفكري الخطير .
صليب وأجراس نصرانية هدية أطفال جدة
عادل خميس - جدة
فوجئ أب بمحتوى هدية ابنه التي ابتاعها من أحد مراكز التموين الكبرى في مدينة جدة، حين لم يجد فيها إلا صليباً صغيراً بحبل لتعليقه في رقبة الطفل مع الجرس الذي يرمز إلى الكنيسة في الديانة النصرانية.
بدأت القصة مع الأب محمد الباشا عندما جاءه ابنه الصغير بمغلف بلاستيكي ابتاعه من مركز قريب مكتوب عليه (su r p r ise bag ) أو مفاجأة المغلف طالباً منه أن يفتحه، فصعق الأب من محتويات المغلف، التي شملت رموزاً للديانة النصرانية (صليب وأجراس صغيرة) .
الباشا اتصل بالمدينة مبدياً غضبه من المفاجأة، مؤكداً أنها حيلة من حيل التبشير، وتساءل عن دور وزارة التجارة في الرقابة على مثل هذه المبيعات الخطيرة على أبنائنا ومجتمعنا.
صورة لوزارة الداخلية .
صورة لوزارة التجارة .
صورة للجمارك .
صورة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
تم نقله للإفادة
لا حول ولا قوة الا بلله قايدين علينا حرب صليبية من كل جهة يبون ينصرونا بالقوة ولكن لا يعلمون ان عزتنا في ديننا ومصحفنا وسنة نبينا قائد الغر المحجلين عليه الصلاة والسلام
===============(70/282)
(70/283)
هل أعلنت إدارة بوش الحرب على الإسلام؟
بقلم : باتريك سيل
أكد الرئيس بوش في أكثر من مناسبة بعد 11 ايلول (سبتمبر) 2001 أن ً"حربه على الإرهاب" ليست موجهة ضد الإسلام. فقد قام بزيارة بعض المساجد ودعا وجها الطائفة الإسلامية إلى البيت الأبيض, وامتدح الإسلام كدين تسامح وسلام. لكن قليلين من المسلمين اقتنعوا بإخلاصه وبحسن نيته.
ذلك أن إشارات عديدة جاءت تثبت عكس ما يقول وأنه وجماعة المحافظين الجدد الذين يرسمون السياسة في واشنطن يتصورون بأن معركتهم هي عبارة عن نزاع شامل بين قوى "الديموقراطية" و"أعداء الحرية", بين "الحضارة" و"الهمجية", بين الغرب والإسلام. ويبدو أنهم ابتلعوا نظرية هنتينغتون المريبة حول "صراع الحضارات" وجعلوا منها الأساس العقائدي لسياسة أميركا الخارجية.
وعليه, فإن السؤال الذي يطرح نفسه والحالة هذه هو: هل الحرب في أفغانستان والعراق, ومطاردة الإرهابيين حول العالم بأسره, ما هي إلا المناوشات الأولية لحرب طويلة بين الإمبراطورية الأكبر والديانة الأكثر نمواً في العالم؟ فقد أشار بوش نفسه أن الحرب قد تستمر لأجيال عدة, شأنها شأن الحروب الدينية التي هزّت العالم في القرون الماضية, فقد قال بوش حرفياً بأن "النصر قد يأتي بعد يوم أو شهر أو سنة أو عشر سنوات". وجاء الصدى لأقوال بوش وبلاغته الرسولية على لسان توني بلير رئيس الحكومة البريطانية إذ عاهد على أنه سوف "يكمل المهمة", مهمة القضاء على الإرهاب الإسلامي مهما طال الزمن. ويبدو أننا بين هذا وذاك على موعد مع حرب لا نهاية لها.
ماذا تريد أميركا ؟
لا أحد يشك في أن الولايات المتحدة هي أقوى دولة في تاريخ الإنسانية. فمنذ بضعة أيام, وقع بوش قانوناً باعتماد ميزانية 2004 التي تحتوي على مخصصات عسكرية قدرها 400 بليون دولار, أي ما يفوق الميزانيات العسكرية لجميع الدول الكبرى الأخرى. هذا علماً بأن الـ 87 بليون دولار التي اعتمدت اخيراً للعمليات العسكرية ولإعادة الإعمار في أفغانستان والعراق سوف تضاف إلى ما اعتمد في الميزانية. معنى ذلك حسب ما جاء على لسان أحد أبرز الصقور في البنتاغون وهو بول ولفوفيتز نائب وزرير الدفاع أن القدرة الحربية الأميركية ستقزم كل الإمبراطوريات السابقة بما فيها الإمبراطورية البريطانية في أوج عظمتها.
فهنالك مئات آلاف الجنود الأميركيين, مدعومين بقوة جوية وبرية خارقة, ومسلحين بآلاف الصواريخ النووية التكتيكية في مئات من القواعد العسكرية في 35 دولة في أنحاء العالم. ويحق للمرء أن يتساءل في ظل هذا العملاق, كيف تنوي أميركا استخدام هذه القوة العسكرية التي لا تضاهى. وربما كان هذا هو السؤال الوحيد والأهم الذي يخطر بالبال أمام انتشار العنف واختلال الأمن في العالم. كيف تخطط أميركا لحل مشاكل الكون؟ وماذا سيعني السلام الأميركي (Pax Ame r icana) بالنسبة الى بقية الناس؟ لعل الجواب الأكثر إيجازاً والذي تشير غليه كل الدلائل, هو أن أميركا تنوي فرض إرادتها ومفهومها للأمن الوطني العالمي بالقوة والقسر والضغط بدلاً من الحوار والإقناع والتراضي المتبادل.
وقد وضحت خلال السنتين الماضيتين بعض الأمور التي تدل على الأهداف والنوايا الأميركية التي ربما أمكن تلخيصها بالقول أنه في الصراع الدائر في واشنطن, تغلب البنتاغون على وزارتي الخارجية والخزانة, وأن سياسة أميركا الحربية والخارجية وضعت من جانب صقور البنتاغون بمساعدة مكتب نائب الرئيس ومجلس الأمن القومي وجمهرة اليمينيين المتطرفين من أنصار خلايا التفكير والتحليل الموالية لإسرائيل. وأما الأصوات المعتدلة, فقد تم إسكاتها وتهميشها.
الطموح إلى الهيمنة الشاملة
ترى ما هي والحالة هذه الأهداف الرئيسية لسياسة بوش الخارجية والأمنية ؟ فقد أصبح واضحاً أن الولايات المتحدة تريك استخدام قوتها العسكرية لتحقيق هيمنة شاملة على العالم والاحتفاظ بهذه الهيمنة في المستقبل المنظور. وهي قد أعلنت صراحة أنها تنوي منع ظهور أي منافس يمكن أن تحداها. إنها تريد نظاماً عالمياً أحادي القطب تهيمن عليه وحدها لا عالماً متعدد الأقطاب كالذي تفضله دول مثل ألمانيا وروسيا والصين وفرنسا تصيح فيه التسويات والتنازلات المتبادلة في مصالح الدول المختلفة أمراً ضرورياً.
من هذا المنظور, تبدو "الحرب على الإرهاب" الأميركية مجرد غطاء لسعيها إلى تحقيق هيمنة شاملة, وهذا الانطباع مبني على كون الدول التي استهدفها العداء الأميركي إنما فعل ذلك لا لأنها ترعى الإرهاب ولأنها رفضت الركوع والخضوع. فالدول التي عددها بوش في قائمة "محور الشر", إيران والعراق وكوريا الشمالية, ليس لها أي علاقة بهجمات 11 سبتمبر أو بالقاعدة. ولذا فإن خلاصة رسالة واشنطن هي أن الدول التي ترفض الاعتراف بالهيمنة الأميركية معرضة للضغط أو التدمير أو تغيير النظام. ومعنى ذلك أن مساواتها مع الدول الأخرى في النظام العالمي, أي سيادتها, لم يعد معترفاً بها.(70/284)
هنالك قاعدة أخرى واضحة في نظرية بوش الأمنية تقضي بالاستخدام المنفرد للقوة لتحقيق مصالح أمريكا القومية. بل ذهبت أميركا ابعد من ذلك حين منحت لنفسها الحق بشن الحروب الإستباقية ضد أعداء محتملين, كما تجلى ذلك بوضوح في حربها ضد العراق. وصارت سياسات الردع والاحتواء القديمة مرفوضة لأنها بالية وغير ملائمة.
ويمكن التوصل إلى عدد من الاستنتاجات المقلقة من موقف عرض العضلات الأمريكية هذا. فهو يشير إلى نهاية سياسات "توازن القوى" التي كانت تقليديا تحفظ السلام وتضبط الدول الميالة على العدوان. فأميركا تشعر اليوم بأنها تملك الحرية في ان تفعل ما تريد دونما أي عوائق أو صعوبات, إذ ليس هنالك قوة على وجه البسيطة تستطيع أن تفوق قوتها أو تواجهها. وبالتالي فإن النظام العالمي يتسم بخلل عميق خصوصاً أن أميركا إذ تستغني عن موافقة المجتمع الدولي أو إذنه, فإنما تتجاهل القانون الدولي نفسه غير مبالية بالتزاماته.
مقاومة الهيمنة
على أن قانون التاريخ يفيد بأن كل محاولة لدولة من الدول لفرض هيمنتها تولد المقاومة, سواء من جانب دول أخرى أو من لاعبين آخرين غير الدول أو حتى من جانب المواطنين المعنيين. وقد بدأت مقاومة الهيمنة الأميركية تظهر وتتخذ أشكالاً مختلفة, فهناك مثلاً الحركات الشعبية المناهضة للحرب التي دفعت عشرات آلاف من البريطانيين للتظاهر بمناسبة زيارة بوش الأخيرة لبريطانيا. وهناك المقاومة الديبلوماسية كالتي لجأت إليها فرنسا وألمانيا وروسيا والتي تستخدم عادة في الحلبات الدولية كمجلس الأمن. لكن أشرس المقاومة ربما كانت تلك التي تتجلى في الغضبة على السياسات الأميركية في العالمين العربي والإسلامي والتي يعتبر إرهاب منظمة "القاعدة" وغيرها من الجماعات الإسلامية أعنف تعبير عنها. والمعركة ضد أعضاء هذه المنظمات دائرة وتزداد شدة ودموية مغرقة الدول, الواحدة بعد الأخرى, في حلقة رهيبة من العنف والعنف المضاد.
ولعل المفارقة في الوضع الراهن تكمن في أن أميركا بدلاً من استخدام قوتها العسكرية وضغطها على الدول الإسلامية والمقاتلين الإسلاميين, كان الأحرى بها أن تعبئ هؤلاء. فلا شك مثلاً أن ايران وسورية يمكنهما أن تلعبا دوراً فاعلاً في حل الأزمة العراقية, ولكن ليس هناك ما يشير إلى استعداد أميركا لطلب مساعدتهما بدلاً من تهديدهما. وفي لبنان, نجد حزب الله قد أصبح لاعباً أساسياً على المسرح السياسي, غير عابئ بما يتهم به بأنه منظمة إرهابية (بسبب نجاحه في طرد إسرائيل واحتوائها). أما في العراق, فعلى أميركا إذا ما أرادت استقرار الوضع قبل موعد الانتخابات الرئاسية في نوفمبر المقبل, أن تسعى الى وصول إلى تعاون وثيق مع علماء الشيعة في النجف ومنحهم دور أكبر في تحديد مستقبل البلاد. وأما في الأراضي الفلسطينية, فلا جدوى من توجيه تهمة الإرهاب إلى منظمات حماس والجهاد الإسلامي اللتين تتمتعان بتأييد شعبي واسع, بل الأحرى أن تدعى هذه المنظمات للانضمام على قيادة فلسطينية شرعية موحدة قبل التوصل إلى أي حل دائم يمكن بحثه مع إسرائيل.
ففي كل مسارح النزاع هذه, تبدو السياسة الأميركية غارقة في الخطأ مؤكدة اعتقاد معظم المسلمين بأن بوش يشن حرباً ضد الإسلام. وعلى أميركا أن تحذر: هذه حرب لا يمكن كسبها بسهولة.
نقلا عن الحياة
* كاتب بريطاني متخصص في شؤون الشرق الاوسط.
=============(70/285)
(70/286)
بابا الفاتيكان يشن الحرب على الاسلام
برلين (اف ب)- تطرق البابا بنديكتوس السادس عشر الثلاثاء خلال محاضرة في جامعة ريغينسبورغ جنوب المانيا عن العلاقة بين العقل والعنف في الديانة الاسلامية واستشهد بهذه المناسبة بكتاب للامبراطور البيزنطي مانويل الثاني (1350-1425).
وفي هذا الكتاب الذي يحمل عنوان "حوارات مع مسلم المناظرة السابعة" وقدمه ونشره في الستينات عالم اللاهوت الالماني اللبناني الاصل تيودور خوري من جامعة مونستر (غرب) يعرض الامبراطور الحوار الذي اجراه بين 1394 و1402 على الارجح مع علامة فارسي مسلم.
وفي تعليق على فقرات من "المناظرة السابعة" تحدث استاذ اللاهوت السابق بنديكتوس السادس عشر عن العلاقة بين الايمان والعقل والعنف في المسيحية وفي الاسلام.
في ما يلي ترجمة للنص الفرنسي الذي يستند الى النص الالماني الذي قدمه الفاتيكان لمقاطع من تصريحاته:
"يستند الحوار الى مفهوم الايمان برمته الذي وصف في الكتاب المقدس والقرآن ويتعلق خصوصا بصورة الله والانسان مع العودة بالضرورة وباستمرار الى العلاقة بين ما نسميه +الشرائع الثلاث+: العهد القديم والعهد الجديد والقرآن.
"في هذا الخطاب اريد ان اتطرق الى نقطة واحدة فقط -- هامشية نسبيا في الحوار --اسرتني وتتعلق بموضوع الايمان والعقل وتشكل نقطة انطلاق لتأملاتي في هذا الموضوع.
"في المناظرة السابعة التي حررها البروفسور خوري يتطرق الامبراطور الى موضوع الجهاد. كان الامبراطور يعرف ان الآية 256 من السورة الثانية (سورة البقرة) تقول +لا اكراه في الدين+ -- وقال الخبراء ان هذه واحدة من اوائل السور وتعود الى الحقبة التي لم يكن لمحمد سلطة فيها وكان مهددا.
"لكن الامبراطور كان يعرف ايضا وصايا الجهاد التي كانت بطبيعة الحال متضمنة (...) في القرآن. وبدون ان يتوقف عند التفاصيل مثل الفرق في معاملة +المؤمنين+ و+الكفار+ يطرح على محاوره بفظاظة مفاجئة بالنسبة لنا السؤال المركزي حول العلاقة بين الدين والعنف.
"ويقول +ارني ما الجديد الذي جاء به محمد. لن تجد الا اشياء شريرة وغير انسانية مثل امره بنشر الدين الذي كان يبشر به بحد السيف.
"ويفسر الامبراطور بعد هذه الكلمات القوية جدا من ثم بالتفصيل لماذا يكون نشر الايمان بالعنف مناف للعقل. فعنف كهذا مخالف لطبيعة الله ولطبيعة الروح.الله لا يحب الدم والعمل بشكل غير عقلاني مخالف لطبيعة الله. الايمان هو ثمرة الروح وليس الجسد. من يريد حمل احد على الايمان يجب ان يكون قادرا على التحدث بشكل جيد والتفكير بشكل سليم وليس بالعنف والتهديد.. لاقناع روح عاقلة لا نحتاج الى ذراع او سلاح ولا اي وسيلة يمكن ان تهدد احدا بالقتل.
"الجملة الحاسمة في هذه المحاججة ضد نشر الدين بالعنف هي +العمل بشكل مناف للعقل مخالف لطبيعة الله+.
"يعلق المحرر تيودور خوري في هذا الشأن: بالنسبة للامبراطور وهو بيزنطي تعلم من الفلسفة الاغريقية هذه المقولة واضحة. في المقابل بالنسبة للعقيدة الاسلامية الله ليس مطلق السمو وارادته ليست مرتبطة باي من مقولاتنا ولا حتى بالعقل.
"يذكر (تيودور) خوري في هذا الشأن كتابا للعالم الفرنسي في الشؤون الاسلامية (روجيه) ارنالديز (توفي في نيسان/ابريل الماضي) الذي قال ان ابن حزم (الفقيه الذي عاش في القرنين العاشر والحادي عشر) ذهب الى حد القول ان الله ليس ملزما حتى بكلمته ولا شىء يلزمه على كشف الحقيقة لنا. ويمكن للانسان اذا رغب ان يقوم بعبادة الاوثان".
منقول من موقع اخبارى
===============(70/287)
(70/288)
حرب علي الإسلام في آسيا
في 25 يناير وخلال زيارته إلي موسكو تحدث وزير الخارجية الأمريكي كولين باول عن رغبة في التعامل مع روسيا لبحث مشكلة الحركات الإسلامية في وسط آسيا . ولا يمكن تفسير هذا البند من بنود المحادثات بين البلدين إلا بأنه حرب علي الإسلام لأن الحركات الإسلامية التي يدور الحديث حولها لا تقع داخل أي منهما بل هي علي أحسن الأحوال في منطقة الجوار الروسي. ويفترض كلام الوزير الأمريكي أن هناك مشكلة ما في الحركات الإسلامية.فهو لا يتحدث هذه المرة عن أسامة بن لادن أو تنظيم القاعدة أو الجماعات التي يصفونها بالإرهابية أو التطرف في العالم العربي بل يتحدث عن حركات إسلامية عادية وفي منطقة لم تشهد أي أحداث مما يقال عنه إنها إرهابية بل إن الأحداث الوحيدة التي دخلت فيها هذه الحركات كانت الكفاح من أجل حق تقرير المصير المشروع في كشمير والشيشان وقبل ذلك كان الكفاح الوطني المشروع لتحرير أفغانستان من الغزو والاستعمار السوفيتي . وحديث الوزير الأمريكي في موسكو الذي أدان فيه الحركات الإسلامية بشكل استفزازي غير مسبوق توافق وتواكب مع تطورات أخرى في نفس الأسبوع .
دور مشرف في الحرب على الإسلام
فقبلة بيومين عقد اجتماع في الصين بعد فترة غياب طويلة بما يسمي بمجموعة شنغهاي التي تضم روسيا والصين وعدة بلدان من وسط آسيا والتي تحولت بفعل قوى خفية وبين عشية وضحاها من كتلة للتضامن الاقتصادي والتعاون السياسي إلي أن تصبح مجرد كتلة للعداء ضد الإسلام وحركاته بعد الحديث عن الإسلام كإرهاب وتطرف . وقبل تصريح الوزير الأمريكي بعدة أيام طور الرئيس الباكستاني الجنرال مشرف من نغمة العداء للحركات الإسلامية (وذلك في بلد يفترض أنه قام علي الإسلام) لكي يعلن عما أسماه بالجهاد المقدس ضد ما وصفه بالتطرف والظلامية الإسلامية دون ما يحدد ما هي معايير ذلك التطرف وتلك الظلامية وينضم إلي هذه التطورات المحاولات " الهندية - الباكستانية " المشتركة الآن لتصفية القضية الكشميرية لمصلحة الهند وضد مصلحة السكان المسلمين . ويتستر كل ذلك تحت غطاء محاربة التطرف الإسلامي دون أن يتحدث احد عن التطرف الهندوسي الذي تمارسه الهند في ذلك البلد الإسلامي وفي سائر ربوع الهند . وهكذا ترتسم أمامنا ملامح حرب دولية متكاملة الأركان علي الإسلام في إقليم وسط آسيا العام من شرقه إلي غربه ومن شماله إلي جنوبه . وإذا كانت هذه الحرب قد دارت في الفترات السابقة علي أنها شأن إقليمي تتزعم قوى إقليمية كبري مثل الهند بمساعدة قوى أكبر مثل روسيا والصين فإن العنصر الجديد الذي أضافته زيارة الوزير الأمريكي هو دخول الولايات المتحدة بشكل علني وظاهر ليس فقط من خلال تصريحات كولين باول ولكن من خلال دفع عملاء أمريكيين صار مثل النظام القائم في باكستان للدخول في ذلك المحور الذي يعلن الحرب علي الإسلام في وسط آسيا . لقد وصل التعاون الأمريكي مع القوى الإقليمية والمجاورة لوسط آسيا إلي الحد الذي يجرى فيه دولة كانت فيما سبق إقليمية الطابع والقوى(باكستان) من عناصر قوتها ويحولها إلي أن تصبح دويلة عملية لمخططات أمريكا وتابعة لها كمجهوريات الموز المشهورة في وسط أمريكا ثم تدفع هذه الدويلة العميلة بعد إخضاعها لتصبح مجرد مشارك في عملية الحرب علي الإسلام في إقليمها رغم أنها من المفترض أنها قامت علي فكرة ومبادئ الإسلام . ولعل هذا ما يفسر حديث الجنرال مشرف حول الجهاد المزعوم ضد الإسلام المتطرف ومغازلة المستمرة لأفكار العلمانية ودعوته إليها. إن أمريكا التي كانت حتى الآن تقتصر علي الحرب ضد الإسلام من منظور عالمي غير محدود بالإقليم تحت دعاوى مكافحة الإرهاب الإسلامي الذي تقوده القاعدة وغيرها تحولت إلي أسلوب جديد وهو المشاركة الإقليمية مع قوى محلية ومجاورة عديدة في خوض الحرب ضد الإسلام .
محابة الإسلام ودور الكيان الصهيوني في آسيا(70/289)
وهذه المشاركة الأمريكية الجديدة تعكس علي ما يبدو الرغبة في دفع أمور الحرب ضد الإسلام إلي أبعاد أوسع وأقوى والرغبة في إنجاز انتصارات سريعة. كما أنها تعكس عدم الثقة الأمريكية في قدرة الأطراف الإقليمية المعينة علي خوض هذه الحرب والوصول بها إلي نهايتها المرجوة بكفاءة ودقة . وثالثا فإن هذه المشاركة تدل علي توجه أمريكي نحو التدخل والتداخل في كل مكان وعدم الاكتفاء بالتوجيه والإشراف الاستراتيجي من بعد . ومن الأمور المهمة في هذا التداخل أن أمريكا تصطحب معها الآن قوى إقليمية من الشرق الأوسط (إسرائيل) لكي تدخل هي الأخرى كقوة محاربة ضد الإسلام علي مساحة وسط آسيا. وإذا كانت التداخلات والاختراقات (الإسرائيلية) في بلدان وسط آسيا من الدول السوفيتية السابقة (أوزباكستان وكازاخستان وأذربيجان ,الخ) معروفة منذ عدة سنوات فإن (إسرائيل) قد نشطت في الآونة الأخيرة في أوساط إسلامية مباشرة مثل الاتصالات مع باكستان تحت سيطرة الجنرال مشرف ومثل مغازلة ما يسمي عادة بالقوى الإصلاحية في إيران وهو ما دل عليه إجراء وزير إسرائيلي متعصب لقاءات تليفونية مع الإيرانيين عبر برنامج إذاعي في ومثل حديث الرئيس خاتمي مع صحفي إسرائيلي في لقاء في منتدى دافوس وهناك بالطبع التدخل الإسرائيلي في العراق المحتل والذي أصبحت تفاصيله معروفة . وعلي مستوى أخر فهناك العلاقات الإسرائيلية الاستراتيجية مع الهند التي وصلت إلي درجة صفقات سلاح كبرى ومعها العلاقات الإسرائيلية المتصاعدة مع الصين وروسيا. هناك إذن انتقال إسرائيلي واضح من المنطقة التي عينت في الأصل كرجل بوليس إقليمي فيها ضد الإسلام إلي مجال أخر إسلامي (وسط آسيا) وهي هنا تعمل كوكيل عن أمريكا أصبح لا يغني وجودة عن حضور السيد الأمريكي نفسه كما دل علي ذلك تصريحات وزير خارجية في موسكو . إزاء هذه التطورات التي تتكامل مع مجريات الأمور في الشرق الأوسط (المنطقة العربية) وغرب أوروبا الهجمة الفرنسية ضد الحجاب ثم اللحية وقبلها الدعوة العامة إلي ما يسمي بالإسلام الفرنسي , أصبح في وجود حرب ضد الإسلام أمرا صعبا بل ومشبوه
=============(70/290)
(70/291)
الحرب على الإسلام
بقلم/عبد القادر بن محمد زين
إن ما يجرى في العراق وفلسطين هذه الأيام لم يعد يخفى على أحد أنه حرب على الإسلام بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى فالإرهاب الأمريكي واليهودي يتعاونان ويخفيان أهدافهما الحقيقية وتتواصل أعمالهما الإجرامية تحت مزاعم وذرائع واهية منها الدفاع عن النفس ومحاربة الإرهاب والبحث عن أسلحة الدمار الشامل وتحرير الشعوب وإقامة الديمقراطية إلي آخر تلك الأهداف المعلنة لكن ما جرى في العراق بعد مرور عام كامل على احتلاله فضح نوايا الأمريكان وجعل أولئك الذين كانوا يدعون إلي التهدئة يخرجون عن صمتهم ويميطون اللثام عن وجوههم ويصيحون: لا للاحتلال الأمريكي ,
لقد سقطت كل الأقنعة فلم يعثر على أسلحة دمارلاشامل ولا غير شامل ولم يتحرر الشعب العراقي من الديكتاتورية ولم نرى ديمقراطية من أي نوع أما الدفاع عن النفس فهي حجة مضحكة لأنها تكذب كل الدعاوى السابقة , والمتابعون هذه الأيام لما يجري في العراق يكتشفون ودون كبير عناء إن هدف هذه الحرب القذرة هو القضاء على الإسلام والمسلمين وقد صرح الناطق العسكري الأمريكي في بغداد وهو يرد على أسئلة الصحافة بأن المقاومين العراقيين يريدون التمسك بقيمهم وثقافتهم الإسلامية الأمر الذي يتعارض مع ما تريد ه قوات التحالف ـ والكلام ما زال للناطق العسكري ـ وعليه فلا يمكن التفاوض معهم وإنما عليهم تسليم أسلحتهم وترك القوات الأمريكية تدخل الفلوجة وعندها نوقف إطلاق النار انتهى كلام الإرهابي الأمريكي , فهل يمكن بعد هذه الصراحة أن نقبل تهدئة أو تعاونا مع هذا المحتل الذي لا يريد إلا القضاء على ديننا ونخوتنا ورجولتنا وهل يقبل بعد فضح نوايا المحتل أن نتخلى عن هذه المقاومة المباركة التي فضحت الإرهاب الأمريكي وأظهرته على حقيقته , إنها مصيبة ابتليت بها هذه الأمة حين تسمع من بعض رموزها من يتبجح بالتعاون مع المحتل وهو يغوص في دمائنا في الفلوجة يتعاون مع المحتل ولا يستقيل من العمالة والخيانة إلا إذا طلب منه المحتل ذلك .
إن الحرب على الإسلام هي التي تسمى زورا وبهتانا (الحرب على الإرهاب) إن أمريكا نجحت في جعل رؤساء المسلمين ينفقون أموالهم بسخاء ويفتحون أرضهم ويخضعون جيوشهم للعدو الأمريكي ليتمتع بذلك كله ويوظفه في الصد عن سبيل الله وترويع الآمنين في فلسطين والعراق وأفغانستان واحتلال أرضهم فهل يعي حكام المسلمين هذه الحقيقة المرة , إن كانوا لا يفقهون ذلك فليسألوا جنين والفلوجة وسجون الصهاينة في فلسطين وسجن أبو غريب في العراق ويقرءوا ما سطر من القوانين التي تهدف إلي سلخ العراق من دينه وعروبته .
إن الحرب على الإسلام هي التي جعلت المحتلين الأمريكيين والابريطانيين يبحثون عن العلمانيين الذين يرضون بحكم ناقص خاضع للمحتل الكافر الغاصب ويبعدون كل من في قلبه ذرة من إيمان لأنه لا يرضى بانتهاك الحقوق والاعتداء على الأعراض, والحرب على الإسلام هي التي جاءت بقوات التحالف من أراضيها الشاسعة والحرب على الإسلام هي التي جعلت بعض الحكام العرب يسكتون على ما يرتكب من جرائم في حق الشعبين الفلسطيني والعراقي لأنهم يعتقدون أنه في حالة تحرير العراق وفلسطين فإن شعوبهم ستثور وتقاوم للتحرر منهم فهل تعي الشعوب العربية ذلك , إن كانت لا تعي ذلك فلتسأل سكوت الحكام هذه الأيام على جرائم المغتصبين في فلسطين والعراق , إن المقاومة الإسلامية في فلسطين والعراق هي أمل الشعوب العربية في التخلص من الإرهاب الأمريكي واليهودي ومن الحكام الجبناء العملاء وهي الأمل كذلك في إحياء روح الجهاد والاستشهاد والعودة بالأمة إلي وحدتها وتحطيم الحدود المصطنعة .
وفي ختام هذه الكلمة لابد من الإشادة ببطولة رجال ونساء الفلوجة فمزيدا من الصمود ومزيدا من الصبر والمصابرة وما النصر إلا من عند الله .
=============(70/292)
(70/293)
إنما الحرب على الإسلام كنظام لا عبادة!!!!
هل حقا يريد الغرب انتزاع الاسلام من الصدور!!! هل يقوم الغرب بمحاربة الاسلام بمجمله!!!هل يحاول الغرب القضاء على المسلمين ليس فقط بالحروب ولكن بتحويلهم عن دينهم!!!
اسئلة كثيرة تداعت الى عقلى وانا اتابع السباق المحموم على كافة المستويات للحرب الاعلامية التى تدور رحاها بسبب او بدون سبب او حتى بنية سليمة وان اخطأت الاتجاه او بسوء نية.
دعونا نتحدث بهدوء وننظر الى ما نريده نحن وما يريده الغرب منا....بعدها نستطيع ان نقيس افعالهم ونضعها فى اطارها الصحيح بلا اى تجميل او وضع اى مساحيق. الغرض كله هو تبيان الحقيقة فى صورة مبسطة حتى نعى كلنا ما يحدث من حولنا وهل فعلا يمكن اجتثاث حوالى مليار ومائتين مليونا من المسلمين موجودين فى جميع ارجاء الارض وتزيد اعدادهم كل عام اما عن طريق التوالد او دخول اعداد جديدة فى الاسلام ، ام ان الامر لا يعدو سوى موضوع مصالح وان كل اغراض الغرب هى المحافظة على مصالحه وان الهدف الاساسى من التنصير ليس التنصير فى حد ذاته (لانهم يعلمون انها ديانة ليست كاملة تختص فقط بالعلاقة بين العبد وربه ولا تملك نظام حياة) ولكنه لمحاصرة انتشار الاسلام فى مثل هذه البلاد التى تمتلك الكثير من الموارد الطبيعية كالبترول والمعادن........الخ وان وحدة هذه البلاد تحت راية واحدة سواء كانت الاسلام او اى ايدلوجية اخرى تعتبر تهديد لاستمرار سيطرة وهيمنة الغرب على مقدرات العالم.
ما اريد ان اعرضه هنا هو قراءة مختلفة بعض الشيئ ونظرة على واقعنا ولكن بصورة مبسطة لنفهم ونعى الصراع بين الحق والباطل مهما اختلفت المسميات وتبدلت الشخصيات.
من المعلوم ان الانسان منذ بدء الخلق تتصارع فيه صفتى الخير والشر ويعتبران هم محور لجميع افعاله. وبما اننا جميعا مستخلفون لعمارة هذه الارض فإن الله لم يخلقنا فيها لنفسد فيها ونتصارع ولكن لنتعاون على البر والتقوى والى ما فيه مصلحة عامة شاملة سواء لاجيال حالية او اجيال قادمة ، وبما ان الاسلام هو خاتم الرسالات والتى اشتمل على منهاج حياة جامع سواء العبادة بين العبد وربه او بين العباد بعضهم البعض فمن هنا تأتى المعضلة بين الانسان بصفة عامة وبين النظام الربانى الذى أتى به الاسلام!!!
لكى نعى الصراع فهو صراع بين الانسان بصفة عامة وليس الغرب فقط سواء كان مسيحى او يهودى او بغير دين...بل ان بعض المسلمين يحاربون نظام الاسلام لانه يقف حجر عثرة امام تحقيق مصالحهم ، بمعنى اصح ان الحرب هنا على النظام الذى يحول بين الانسان وجميع الموبقات من فساد فى الارض الى استغلال الغير واضطهادهم والاستيلاء على ثرواتهم والتحكم فيها بما يحقق مصالحهم. وبما ان الاسلام هو النظام الوحيد الذى ليس من صنع البشر فهو كامل متكامل فى جميع جوانبه وستلاحظ ان الصراع هنا ليس على العبادات او العلاقة فى الاسلام بين العبد وربه ولكن الصراع هنا على العلاقة بين العباد وبعضهم البعض!!!! ومن هنا جاءت الهجمة.
ان الفرد اى فرد لا يعنيه ما تكون العلاقة بينك وبين ربك ولا يعنيهم ان كنت مؤمنا ام لا انما يعنيهم هو تحقيق مصالحهم وتدمير اى شيئ يقف حجر عثرة امام ذلك.
ولك ان تنظر الى الصراع منذ القدم ، هو صراع نفوذ واستغلال حتى ادت الى حروب وصراعات بين المسيحين وبعضهم البعض وبين المسيحيين واليهود ...الخ وليست الحرب العالمية ببعيد او الحرب ضد الشيوعية.
انها صراع مصالح لا دين لها!!!! ليست حبا فى النصرانية وبغضا فى الاسلام كتعاليم ولكنها بغض فى الاسلام كنظام حياة لا ياتيه الباطل من بين يديه او من خلفه انها حروب مصالح......من هنا يجب ان نبنى ونحدد كيفية الممانعة.
وسأجعل الصورة اوضح فى النقاط التالية:
نظام الاسلام
- اخرج الناس من عبودية الانسان والرق الى الناس جميعهم سواسية امام الله كلً بعمله ليس الا.
- طهارة الانساب بتحريم الزنى والممارسات الغير مشروعة بما يحول بين العباد وبعضهم من تصارع وحروب وشرور الناجمة عن اختلاط الانساب.
- منع استغلال الاخريين والاستيلاء على ممتلكاتهم او ثرواتهم سواء كانوا افراد او جماعات او حتى امم.
- الجميع سواء امام القانون لا فضل لحاكم على محكوم الا بعمله وكلهم ترس فى ماكينة الامة بلا تآليه او عصمة لاحد.
- اعطى خطوط عامة لحماية العباد وان لا يؤاخذ الفرد بالشبهات او بالخطأ وجعل لها حدود واشتراطات.
- حض على صلة الرحم والرحمة بالصغير وكفالة الايتام وحسن العلاقة بين الافراد وبعضهم.
- ان اى مجتمع كالبنيان جميع افراده لهم اهمية فى بقاء البناء قائما مهما كان صغيرا وان استقامة البنيان لا تستمر الا باعطاء كل ذى حق حقه.
- للفقير حق معلوم فى مال الغنى ليس تفضلا ولكن لانها الطريقة الوحيدة التى يستطيع بها الغنى ان يأمن الفقير على ماله ويحول بينه وبين الشيطان.(70/294)
اذا نظرنا الى ما يحكم عالمنا اليوم ليست هى الحكومات الغربية ولكنها الشركات والآلة الاعلامية الجبارة وشبكات الدعارة التى تعمل على استغلال النساء كمتاع وقائمة طويلة من المصالح المرتبطة بالاعمال التى حض الاسلام على مقاومتها ومحاربتها.
ان ما يحكم عالما اليوم هو شركات البترول وشركات السيارات وشبكات الاعلام الجبارة والالكترونيات والشركات صاحبة المنتجات الاستهلاكية والتى تعمل على اضعافنا لتستولى على مقدارتنا من ثروات كالبترول والمعادن وان تعيد تصديرها لنا فى صورة منتجات نستهلكها نحن ايضا!!!
ان الحروب ما قامت الا لتقاسم مصالح بعينها او صراع على ثروات ومقدرات مملوكة لاخرين اما دفاعا عن حقوق او طمعا فى ثروات مملوكة لاخريين.
ان المتابع للعالم سيجد حروب طاحنة بين الشركات وبعضها البعض حتى وان لم تكن ظاهرة لنا ادواتها ولكن نتائجها تستطيع ان تراها فى أى بؤرة من العالم. ان الصراع لا يحتاج الى ايدولوجية لاشعاله لانه صراع مصالح. ولك ان تتابع اى من الدول الافريقية التى ليست مسلمة وترى حالها!!!اهى حرب على الاسلام ايضا؟؟؟ ام حرب للاستغلال واستنزاف الثروات واهدار لحقوق اخريين حتى ولو تشاركوا فى العقيدة!!!! بمعنى اصح ليس شرطا للتقدم ان تكون صاحب عقيدة ام لا سواء كنت مسلما او مسيحيا او حتى بلا دين ولكن.......ان وجد ما يفيدك فى علاقتك بينك وبن ربك وبينك وبين الناس وهو الاسلام فلما العناد؟؟؟ لماذا لا نسعى الى اصلاح امورنا بايدينا واستغلال ثرواتنا لرخاء ورفاهية شعوبنا؟؟؟لماذا لا نعى حقيقة اسلامنا؟؟؟لماذا لا نعمل بما اتينا؟؟؟فعلا ان الاسلام فى حد ذاته كنز ان وعيناه وامعنا التفكير فيه؟؟؟
ان من بيدهم مقاليد الحكم فى بلادنا الاسلامية انما يحاربون نظام الاسلام سواء وضعوها تحت هذا المسمى او مسميات اخرى. انهم يستغلون الافراد ويبيحون المنكرات ويمهدون الطريق للغنى ان ياكل مال الفقير ،انهم يستبدون بالحكم ويعتبرون انفسهم طبقة اخرى فوق البشر!!! اليس هذا كله ما حاربه الاسلام ودعا الى نقضه؟؟؟؟ اليس التعليم المسموم القائم على الحفظ وعدم اعمال العقل ضد الاسلام؟؟ ان قيمة التفكر فى كتاب الله للمسلمين " القرآن الكريم" يجعلك قادر على اعمال عقلك والتفكر بل هو محفز له؟؟؟ ان القوم اليوم يحاربون ما دعى اليه الاسلام من نظام. اليس اغتصاب المناصب بغير وجه حق والتحكم فى السلع هو ما نهى الاسلام عنه!!!
الاسلام كل كامل متكامل لا يمكن فصله عن بعضه ، ان من يحكمون اليوم مسلمون اسما لا عملا سواء بتغافل او بنية وعلينا ان اردنا تغيير واقعنا ان نتمسك بالنظام الذى وضعه الاسلام لنا ونترك الحكم عليه للافراد وهم قادرون على اختيار الافضل
ولكن مفترض عليينا ايضا الا نركن الى الماضى فقط بل علينا ان نستخلص من القرآن ما يناسب حياة الناس اليوم ويسهل عليهم معيشتهم وان يعمل المتخصصون فى الدين القادرون على غبر اسراره فى استخراج المنهج والنظام المناسب لكل عصر ليعين الناس على قضاء حوائجهم.
مواطن مصرى ،،،،،،،،
=============(70/295)
(70/296)
هل تجوز له الهجرة إلى أوربا إذا لم يستطع إظهار دينه في بلده ؟
سؤال:
في بلدنا تمنع السلفية ويمنع التمسك بالأحكام الشرعية كاللحية وتقصير الثياب والصلاة في المسجد وخاصة الفجر والكلام بما يخالف المذهب المعمول به هنا وغير ذلك أريد أن أسأل عن الهجرة شروطها ومتى تجب ؟ وما هي الأماكن التي يهاجر إليها والتي لا يهاجر إليها ؟ وهل تجوز الهجرة إلى أوروبا وأمريكا ؟ كما أن البلدان العربية والإسلامية لا تسمح بالهجرة إليها .
الجواب:
الحمد لله
أولا :
ذكر أهل العلم أن من أقسام الهجرة المشروعة : الهجرة من دار الكفر إلى دار الإسلام ، ومن دار البدعة إلى دار السنة ، ومن الأرض التي يغلب عليها الحرام ، والهجرة فرارا من الأذى في البدن أو المال أو الأهل .
قال ابن العربي المالكي رحمه الله : " الهجرة وهي تنقسم إلى ستة أقسام :
الأول : الخروج من دار الحرب إلى دار الإسلام ، وكانت فرضا في أيام صلى الله عليه وسلم مع غيرها من أنواعها ، وهذه الهجرة باقية مفروضة إلى يوم القيامة ، والتي انقطعت بالفتح هي القصد إلى صلى الله عليه وسلم حيث كان .
الثاني : الخروج من أرض البدعة ، قال ابن القاسم : سمعت مالكا يقول : لا يحل لأحد أن يقيم ببلد يسب فيها السلف .
وهذا صحيح ، فإن المنكر إذا لم يقدر على تغييره نزل عنه ، قال الله تعالى : ( وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين ) الأنعام/68 .
وقد كنت قلت لشيخنا الإمام الزاهد أبي بكر الفهري : ارحل عن أرض مصر إلى بلادك فيقول : لا أحب أن أدخل بلادا غلب عليها كثرة الجهل وقلة العقل ، فأقول له : فارتحل إلى مكة أقم في جوار الله وجوار رسوله ، فقد علمت أن الخروج عن هذه الأرض فرض لما فيها من البدعة والحرام ، فيقول : وعلى يدي فيها هُدَى كثير وإرشاد للخلق وتوحيد وصد عن العقائد السيئة ودعاء إلى الله عز وجل .
الثالث : الخروج عن أرض غلب عليها الحرام ؛ فإن طلب الحلال فرض على كل مسلم .
الرابع : الفرار من الإذاية في البدن ، وذلك فضل من الله عز وجل أرخص فيه ، فإذا خشي المرء على نفسه في موضع فقد أذن الله سبحانه له في الخروج عنه والفرار بنفسه ليخلصها من ذلك المحذور ، وأول من حفظناه فيه الخليل إبراهيم عليه السلام لما خاف من قومه قال : ( إني مهاجر إلى ربي ) العنكبوت/26 ، وقال : ( إني ذاهب إلى ربي سيهدين ) الصافات/99 وموسى قال الله سبحانه فيه : ( فخرج منها خائفا يترقب قال رب نجني من القوم الظالمين ) القصص/21 .
الخامس : خوف المرض في البلاد الوخمة والخروج منها إلى الأرض النزهة ، وقد أذن صلى الله عليه وسلم للرعاء حين استوخموا المدينة أن يتنزهوا إلى المسرح فيكونوا فيه حتى يصحوا ، وقد استثني من ذلك الخروج من الطاعون فمنع الله سبحانه منه بالحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم
السادس : الفرار خوف الأذية في المال ، فإن حرمة مال المسلم كحرمة دمه ، والأهل مثله أو آكد " انتهى من "أحكام القرآن" (1/611) باختصار . ولا شك أن هذه المقاصد متفاوتة في الحكم بحسب حال الشخص ، فقد تجب وقد تستحب .
والمتحصل من كلام أهل العلم أن الهجرة تجب على من عجز عن إظهار دينه ، واستطاع الهجرة . وأما من قدر على إظهار دينه ، فلا تجب عليه الهجرة ، وكذلك من عجز عن إظهار دينه وعجز عن الهجرة ، فقد عذره الله تعالى .
قال ابن قدامة رحمه الله مبينا أصناف الناس في حكم الهجرة : " فالناس في الهجرة على ثلاثة أضرب :
أحدها: من تجب عليه , وهو من يقدر عليها , ولا يمكنه إظهار دينه , ولا تمكنه إقامة واجبات دينه مع المقام بين الكفار , فهذا تجب عليه الهجرة ; لقول الله تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً ) . وهذا وعيد شديد يدل على الوجوب . ولأن القيام بواجب دينه واجب على من قدر عليه , والهجرة من ضرورة الواجب وتتمته , وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب .
الثاني: من لا هجرة عليه . وهو من يعجز عنها , إما لمرض , أو إكراه على الإقامة , أو ضعف ; من النساء والولدان وشبههم , فهذا لا هجرة عليه ; لقول الله تعالى : ( إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً ) . ولا توصف باستحباب ; لأنها غير مقدور عليها .(70/297)
والثالث : من تستحب له , ولا تجب عليه . وهو من يقدر عليها , لكنه يتمكن من إظهار دينه , وإقامته في دار الكفر , فتستحب له , ليتمكن من جهادهم , وتكثير المسلمين , ومعونتهم , ويتخلص من تكثير الكفار , ومخالطتهم , ورؤية المنكر بينهم . ولا تجب عليه ; لإمكان إقامة واجب دينه بدون الهجرة . وقد كان العباس عم صلى الله عليه وسلم مقيما بمكة مع إسلامه " . انتهى من "المغني" (9/236).
ثانيا :
علم مما تقدم أنه إذا لم يستطع المسلم إظهار دينه ، فإنه تجب عليه الهجرة عند القدرة ، فإن لم يستطع لعجزه أو مرضه أو عدم وجود جهة تسمح بانتقاله إليها ، فهو معذور ، وفرضه أن يتقي الله ما استطاع ، ويجتهد في أداء ما يستطيعه من أمور دينه ؛ قال الله تعالى : ( لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا) البقرة/286، وقال : ( لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا ) الأنعام/152.
وإذا لم توجد بلد يمكن فيها إظهار الدين كاملا - ممن تسمح بالهجرة إليها - ، فإنه يُبحث عن الأمثل فالأمثل ، وهذا من تقوى الله تعالى ، وامتثالِ أوامره ، وفعلِ الممكن المستطاع .
ثالثا :
إذا لم توجد دولة إسلامية يمكن الانتقال إليها ، وكان العيش في أوروبا أو أمريكا ، مما يمكّن المسلم من إظهار دينه ، أو ينجو فيه من الأذى المتوقع على بدنه أو أهله أو ماله ، بحيث يكون العيش فيها آمن من العيش في بلده الأصلي ، فلا حرج في ذلك ، على أن يقتصر على الإقامة دون أخذ الجنسية ، لما يترتب على أخذها من محظورات كبار ، وقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء سؤالا نصه:
كثير من المسلمين الذين يقدمون إلى هذه الديار ينوون الإقامة وكذلك يحصلون على الجنسية الأمريكية فهل يجوز لهم ذلك علما بأنها ديار كفر وشرك وانحلال فكيف يعطون ولاءهم لحكومتها بالتنازل عن جنسية بلادهم الإسلامية وقبول جنسية هذه البلاد فما حكم الإسلام في ذلك علما بأنهم يبررون ذلك بنشر الإسلام؟
فأجابت: "لا يجوز لمسلم أن يتجنس بجنسية بلاد حكومتها كافرة ، لأن ذلك وسيلة إلى موالاتهم والموافقة على ما هم عليه من الباطل.
أما الإقامة بدون أخذ الجنسية فالأصل فيها المنع لقوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرا. إلا المستضعفين...) النساء/97، 98.
ولقول صلى الله عليه وسلم : ( أنا برئ من كل مسلم يقيم بين المشركين ) ولأحاديث أخرى في ذلك، ولإجماع المسلمين على وجوب الهجرة من بلاد الشرك إلى بلاد الإسلام مع الاستطاعة. لكن من أقام من أهل العلم والبصيرة في الدين بين المشركين لإبلاغهم دين الإسلام ودعوتهم إليه، فلا حرج عليه إذا لم يخش الفتنة في دينه، وكان يرجو التأثير فيهم وهدايتهم "انتهى" .
عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... عبد الرزاق عفيفي..... عبد الله بن قعود
"فتاوى اللجنة الدائمة" (2/69).
وجوَّزَ بعض أهل العلم أخذ الجنسية في حالة الاضطرار ، كالمطارد الذي لا يجد مأوى إلا في هذه البلاد ، قال الشيخ ابن جبرين حفظه الله : " من اضطر إلى طلب جنسية دولة كافرة كمطارد من بلده ولم يجد مأوى فيجوز له ذلك بشرط أن يظهر دينه ويكون متمكنا من أداء الشعائر الدينية ، وأما الحصول على الجنسية من أجل مصلحة دنيوية محضة فلا أرى جوازه.
والله أعلم" وللأهمية يراجع جواب السؤال رقم ( 13363)
نسأل الله تعالى أن يظهر دينه ، ويعلي كلمته ، ويحفظنا وإياكم والمسلمين بحفظه .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
==============(70/298)
(70/299)
هل من الكفار من يحب المسلمين ويريد لهم الخير؟
سؤال:
هناك من يدعي أن بعض الكفار يحبون المسلمين وأن بعضهم يريد لنا الخير ، وقد يتحجج بعلاقات واقعية مع بعضهم حيث لم ير منهم إلا الخير ( وهذا شيء مشاهد)، آمل من فضيلتكم تفنيد هذه الشبهة، وهل يختلف في ذلك عامة الكفار عن علمائهم؟
الجواب:
الحمد لله
قد بين الله تعالى في كتابه أن الكفار يضمرون لنا العداوة ، ولا يقصّرون في إلحاق الضرر بنا ، ويودّون لنا العنت والمشقة ، وأنهم لن يرضوا عنا حتى نتبع ملتهم ، قال الله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ . هَا أَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ. إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ ) آل عمران/118- 120 .
وقال تعالى : ( وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ ) البقرة/120 .
قال ابن كثير رحمه الله : " وقوله تعالى : ( لا تتخذوا بطانة من دونكم ) أي من غيركم من أهل الأديان ، وبطانة الرجل هم خاصة أهله الذين يطلعون على داخلة أمره " ثم أورد ما رواه ابن أبي حاتم بسنده عن ابن أبي الدهقانة ، قال : قيل لعمر بن الخطاب رضي الله عنه : إن ههنا غلاماً من أهل الحيرة حافظ كاتب ، فلو اتخذته كاتباً ، فقال : قد اتخذت إذاً بطانة من دون المؤمنين . قال ابن كثير : " ففي هذا الأثر مع هذه الآية دليل على أن أهل الذمة لا يجوز استعمالهم في الكتابة التي فيها استطالة على المسلمين وإطلاع على دواخل أمورهم التي يخشى أن يفشوها إلى الأعداء من أهل الحرب ، ولهذا قال تعالى : ( لا يألونكم خبالا ودوا ما عنتم ) " انتهى من تفسير ابن كثير (1/528).
وقال القرطبي رحمه الله : " نهى الله عز وجل المؤمنين بهذه الآية أن يتخذوا من الكفار واليهود وأهل الأهواء دخلاء وولجاء ، يفاوضونهم في الآراء ، ويسندون إليهم أمورهم ... ثم بين تعالى المعنى الذي لأجله نهى عن المواصلة فقال : ( لا يألونكم خبالاً ) يقول: فساداً ، يعني لا يتركون الجهد في فسادكم ، يعني أنهم وإن لم يقاتلوكم في الظاهر فإنهم لا يتركون الجهد في المكر والخديعة ".
ثم قال رحمه الله : " قوله تعالى : ( ها أنتم أولاء تحبونهم ) يعني المنافقين ، دليله قوله تعالى : ( وإذا لقوكم قالوا آمنا ) قاله أبو العالية ومقاتل . والمحبة هنا بمعنى المصافاة ، أي أنتم أيها المسلمون تصافونهم ولا يصافونكم لنفاقهم . وقيل : المعنى تريدون لهم الإسلام وهم يريدون لكم الكفر . وقيل : المراد اليهود ، قاله الأكثر . والكتاب اسم جنس ، قال ابن عباس : يعني : بالكتب . واليهود يؤمنون بالبعض ، كما قال تعالى : ( وإذا قيل لهم آمنوا بما أنزل الله قالوا نؤمن بما أنزل علينا ويكفرون بما وراءه ) البقرة/91 .
( وإذا لقوكم قالوا آمنا ) أي ب صلى الله عليه وسلم ، وأنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وإذا خلوا فيما بينهم عضوا عليكم الأنامل يعني أطراف الأصابع من الغيظ والحنق عليكم ، فيقول بعضهم لبعض : ألا ترون إلى هؤلاء ظهروا وكثروا " انتهى من تفسير القرطبي (4/177) .
وقال الطبري رحمه الله : " يعني بقوله جل ثناؤه : ( ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم ) : وليست اليهود يا محمد ، ولا النصارى براضية عنك أبدًا ، فدع طلب ما يرضيهم ويوافقهم ، وأقبل على طلب رضا الله في دعائهم إلى ما بعثك الله به من الحق " انتهى من "تفسير الطبري" (1/565) .
وبين ربنا سبحانه وتعالى أن كثيرا من أهل الكتاب يودون لنا الكفر ، حسدا وبغيا منهم ، فقال : ( وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) البقرة/109 .
قال ابن كثير رحمه الله : " يحذر تعالى عباده المؤمنين عن سلوك طريق الكفار من أهل الكتاب ، ويعلمهم بعداوتهم لهم في الباطن والظاهر ، وما هم مشتملون عليه من الحسد للمؤمنين ، مع علمهم بفضلهم وفضل نبيهم " انتهى .(70/300)
وقال تعالى في شأن أهل الكفر : ( كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ ) التوبة/8 .
فهذا هو حالهم ، يرضون المسلمين بأفواههم ، وأما قلوبهم فإنها تضمر العداوة والشر .
والحاصل أنه إن وجد من الكفار من يظهر المحبة لأهل الإيمان ، فذلك لا يخرج عن ثلاثة أمور :
الأول : أن يكون ذلك تصنّعا وتظاهرا بما لا حقيقة له ، كما أخبرنا ربنا سبحانه وتعالى ، وهو الأعلم بنياتهم وقلوبهم .
الثاني : أن يكون ذلك مع من انسلخ من الإسلام ، ووقع في موالاة الكفار ومودتهم ، فصار منهم ، كما قال الله تعالى : (وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ) المائدة/51 ، ولهذا رضوا عنه وأحبوه .
الثالث : أن يندرج ذلك تحت النادر والقليل ، والنادر لا حكم له ، وقد يكون مرجعه إلى عدم تمسك الكافر بكفره ، أو عدم مبالاته بالأديان ، كما هو حال جماعات منهم اليوم .
والذي يجب على كل مسلم أن يحذره ، هو ما حذر منه الله تعالى ، من موالاة الكافرين ومودتهم ، واتخاذهم بطانة والركون إليهم ، سواء أظهر الكافر المحبة أو العداوة ، وسواء كان صادقا في محبته أو مخادعا ، فهذا هو الأمر المحكم الذي لا نقاش فيه .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
===========(70/301)
(70/302)
في انتظار صلاح الدين الثاني
* لماذا سيأتي حتما؟.. من سيكون؟.. ومن أين سيظهر؟
* روحه هائمة تبحث عن وريث.. والأمة معذبة تبحث عن قائد
* قد يكون ابنا للاجئ فلسطيني من ضحايا النكبة أو من جيل الحصار والعذاب في العراق
* قد يخرج من حواري القاهرة أو من أزقة المحرق أو أي بقعة عربية شبيهة
* و قد يكون خلاصنا على يد قائدة عظيمة مثل شجرة الدر
* سيقف في ساحة الأقصى أو في قلب بغداد ليعلن للعالم: ها قد عدنا يا أبناء صهيون.. ها قد عدنا ايها الصليبي بوش
* يريدون الفتنة بين السنة والشيعة خنجرا مسموما في قلب الإسلام والمسلمين
بعد احداث 11 سبتمبر في أمريكا، وقبل غزو واحتلال العراق، كتب أحد الكتاب الأمريكيين، لا أذكر اسمه الآن، يدعو الرئيس الأمريكي جورج بوش لأن يكون «ريتشارد قلب الأسد الثاني».
وريتشارد قلب الأسد هو كما تعلم عزيزي القارئ القائد الصليبي الذي أراد ان ينتقم لأوروبا من النصر العظيم الذي حققه القائد العظيم صلاح الدين الأيوبي في معركة حطين وفي تحريره لبيت المقدس، وقاد حملة صليبية جديدة أراد منها محاولة استعادة بيت المقدس، ونجح بالفعل في استرداد بعض المدن العربية، لكن أحلامه تحطمت على أبواب القدس قبل ان يضطر لتوقيع صلح الرملة مع صلاح الدين ويعود إلى بلاده.
الكاتب الأمريكي اذن كان يطالب جورج بوش بأن يكون قائدا غربيا يقود حملة صليبية جديدة ضد العرب والمسلمين.
كتبت مقالا آنئذ علقت فيه على ما قاله الكاتب، وقلت، لا بأس من ان يحاول بوش ان يكون ريتشارد قلب الأسد الثاني وان يقود حملة صليبية جديدة، لكن من يريد ان يعيد التاريخ عليه ان يعيده في كامل هيئته. فاذا كان بوش يتطلع لأن يكون قائدا صليبيا جديدا، فإن امتنا قادرة طال الزمان أو قصر على ان تنجب في مواجهته صلاح الدين الثاني فاتحا ومحررا وداحرا للصليبيين.
حين كتب الكاتب الأمريكي هذا، كان مدفوعا بحقد تاريخي غربي لا شك فيه على الإسلام والمسلمين، وكان متشجعا بما اعلنه بوش نفسه في اعقاب هجمات سبتمبر مباشرة حين اطلق تعبيره الشهير ان هذه الحرب هي «حملة صليبية جديدة».
وحين علقت على ما قاله، كنت متسلحا بتاريخنا العظيم وبسيرة القائد المظفر الناصر صلاح الدين وكل القادة العظام في تاريخنا، وبإيمان لا يتزعزع بإمكانيات امتنا وبقدرتها فعلا على ان تنجب صلاح الدين الثاني.
الذي حدث بعد ذلك، منذ غزو افغانستان حتى يومنا هذا، ان جورج بوش حاول فعلا ان يرتدي ثوب ريتشارد قلب الأسد، واعلنها حربا صليبية شاملة على العرب والمسلمين.
لكن الذي جعلني اعود اليوم إلى نفس الموضوع هو تحليل مطول قرأته في الفترة الماضية وتأثرت به كثيرا يطرح نفس القضية مباشرة.. صلاح الدين الذي تحتاجه الأمة في مواجهة جورج بوش وأمثاله. التحليل كتبه كاتب عالمي معروف هو بيب اسكوبار تحت عنوان «الظهور الثاني لصلاح الدين». سألخص أولا ما يطرحه الكاتب.
***
لماذا صلاح الدين؟
في رأي الكاتب اسكوبار ان الظروف في العالم العربي والإسلامي اليوم هي أكثر من مهيأة ل«اختراع» وظهور صلاح الدين الجديد. يقول ان الظروف هي أكثر من مهيأة بعد كل ما عاناه العالم العربي والإسلامي منذ نكبة فلسطين، ومنذ هزيمة يونيو 1967، وبعد احتلال افغانستان والعراق والهجوم الإسرائيلي على لبنان. ويستعرض الكاتب في تحليله بتوسع ابعاد واهداف الهجمة الاستعمارية الشاملة التي تشنها أمريكا اليوم على كل العالم العربي والإسلامي.
لكنه يتوقف خصوصا عند جوانب اساسية. يتوقف بالذات امام سياسة «فرق تسد» التي تتبعها ادارة بوش بهدف تمزيق العالم العربي والإسلامي والسيطرة على مقدراته. يقول ان ادارة بوش، وبشكل خبيث وماكر، تسعى إلى محاولة اشعال نيران الفتنة بين السنة والشيعة في العالم العربي والإسلامي، وتريد لهذه الفتنة ان تكون خنجرا مسموما تطعن به قلب الإسلام، والهدف في النهاية ليس مصلحة لا السنة ولا الشيعة، وانما الهيمنة على مقدرات المنطقة ونهب ثرواتها.
ويعتبر الكاتب ان ما يعانيه العالم الإسلامي اليوم من فقر وقهر وظلم اقتصادي وسياسي هو في احد جوانبه الأساسية نتاج مباشر لعقود طويلة من ممارسة الامبريالية الغربية لسياسة «فرق تسد». ويستعرض مثلا كيف ان الأمريكيين كانوا هم الذين ايدوا طالبان مثلا، وكانوا هم الذين ايدوا الخميني في ايران في مواجهة الشاه، وان هدفهم كان دوما كما هو اليوم الحيلولة بكل السبل دون قيام حركة قومية او وطنية تقدمية عربية.
ويعتبر الكاتب ان الهجمة الأمريكية على العالم العربي والإسلامي والتي يطلقون عليها «الحرب على الارهاب» هي ابعد ما تكون عن الانتهاء. فهذه الحملة في رأيه مدفوعة بكراهية عميقة للإسلام وبما اصبح يسمى ب «الإسلاموفوبيا»، وتتم في اطار استراتيجية للسيطرة المباشرة على النفط و«لقهر أراضي الإسلام» ونهب ثروات العالم العربي والإسلامي. وهي هجمة تحركها نوازع وقناعات عنصرية غربية تعتبر ان الغرب هو في مواجهة مع المسلمين الذين يعتبرونهم «همج غير متحضرين بدائيين» ويعتبرون الإسلام مرادفا للارهاب.(70/303)
هذه هي مجمل الأوضاع في العالم العربي والإسلامي التي يعتبر الكاتب انها اصبحت تحتم ما يسميه «الظهور الثاني لصلاح الدين».
***
.. لأنها حرب صليبية
نعم.. الأمة في انتظار صلاح الدين الثاني. لماذا؟ هذا الذي اجمله الكاتب من مبررات بحاجة إلى تفصيل واضافة.
الأمة في انتظار صلاح الدين الثاني لأننا بالفعل ازاء حلقة جديدة من حلقات الحروب الدينية الصليبية التي يشنها الغرب على العالم العربي والإسلامي. هم الذين يقولون هذا ويريدونه ولسنا نحن.
حين خرج جورج بوش بعد هجمات سبتمبر مباشرة ووصف الحرب التي يعتزم شنها بأنها «حملة صليبية جديدة« حاول بعض مستشاريه ان يصوروا الامر على انه مجرد زلة لسان غير مقصودة. لكنها لم تكن زلة لسان. كانت توصيفا دقيقا للحملة الأمريكية القادمة على العرب والمسلمين.
الكاتب الأمريكي جيمس كارول كتب تحليلا مطولا نشرته مجلة «ذي نيشن» الأمريكية عنوانه «حملة بوش الصليبية» شرح فيه تفصيلا لماذا انها حرب أمريكية دينية صليبية فعلا. ومما قاله ان جورج بوش حين تحدث عن حملة صليبية، فانه كان يعني تماما ما يقول. وقال ايضا انه في التفكير الاستراتيجي الأمريكي، فانهم يأملون في أن يعيدوا تجربة وخبرة الحروب الدينية في الماضي ضد العالم الإسلامي من زاوية ان هذه الحروب الدينية اسست لوحدة ولهوية غربية في مواجهة الإسلام، وهي المواجهة التي يعتبرون انها قائمة حتى اليوم.
دعك مما قالوا انها «زلة لسان لبوش»، ماذا حدث عمليا بعد ذلك؟ الذي حدث ان بوش واركان ادارته على مستوى خطابهم السياسي والايديولوجي المعلن، وضعوا الحرب على العرب والمسلمين في اطار انها حرب دينية صليبية فعلا.
ألم يضع بوش في الكثير من خطاباته هذه الحرب في اطار انها حرب على ما اسماه «الفاشية الإسلامية» مرة و «الارهاب الإسلامي» مرة اخرى وما شابه ذلك من تعبيرات وما أكثرها؟
هم اذن ارادوها ويريدونها حربا ضد الإسلام والمسلمين. والامر لا يقتصر على الخطاب المعلن فقط. على مستوى التخطيط الاستراتيجي الأمريكي، هي حرب ضارية معلنة على الإسلام. هي في ابعادها واهدافها اشنع واخطر مما يتصور الكثيرون منا بكثير. كثير من مراكز الابحاث الاستراتيجية الأمريكية لا عمل لها في السنوات القليلة الماضية إلا رسم وصياغة ابعاد وملامح استراتيجية الحرب على الإسلام، والتي يجري فعلا تنفيذ الكثير منها. لقد سبق لي في مقالات عدة ان ناقشت بعضا من ابعاد هذه الحرب على الإسلام. وسوف اقوم قريبا بعرض ومناقشة آخر فصولها والتي هي الاخطر على الاطلاق.
هم باختصار كما قلت أرادوها ويقودونها كحرب دينية صليبية ضد الإسلام والعرب والمسلمين.
***
.. ولأن الامة مستباحة
والأمة في انتظار صلاح الدين الثاني لأن أمة العرب والمسلمين اصبحت مستباحة.. مستباحة الارض والثروة والسيادة. تأمل منذ أن بدأت هذه الهجمة، ماذا فعلوا؟ قاموا بغزو افغانستان واحتلوها ويريدونها ان تبقى محتلة إلى الابد. قاموا بغزو العراق واحتلوه.. ومزقوا العراق وطنا وحولوا اهله إلى لاجئين معذبين ودمروا كل ما يمكنهم تدميره ويريدون للعراق ان ينمحي من الوجود كوطن عربي موحد ولا تقوم له قائمة. الصومال اصبحت محتلة.. والسودان يخططون لتمزيقه. وفلسطين مزقوا قواها السياسية ويخططون لاضاعة القضية إلى الابد..
.. الأمة في انتظار صلاح الدين الثاني لأن الهجمة مازالت في بدايتها، والقادم الذي يخططون له افظع من كل ما شهدته الأمة. يخططون لحقبة جدية من الصراعات الطائفية الدموية في العالم الإسلامي، ويضعون مخططات لإغراق دول عربية وإسلامية في الفوضى والضياع.
يخططون لغزو دول جديدة وتقسيم دول أخرى. يخططون ليوم يضعون فيه ايديهم مباشرة على كل مقدرات وثروات هذه الأمة، ويسلبون فيه نهائيا أي قرار او سيادة لدولها وشعوبها.
يخططون ليوم تصبح فيه كل مقدرات الأمة بيد حلف الشيطان.. الحلف بين الصهاينة وبين قوى الامبريالية الصليبية في أمريكا.
***
.. ولأن الأمة تبحث عن قائد
الأمة في انتظار صلاح الدين الثاني لأنها تبحث عن قائد. تأمل ما يجري للأمة وما يخطط لها، وما يفعله حكامها الذين من المفروض ان يكونوا امناء على مصالحها وعلى حاضرها وعلى مستقبل اجيالها.. فماذا ستجد؟
ستجد حكاما فرطوا في حقوق الأمة وفي مصالحها، بل وفي كرامتها.
ستجد حكاما لم يعودوا يعرفون من السياسة وادارة الحكم إلا فنون الاستسلام والخنوع. ستجد حكاما تتلخص سياساتهم ومواقفهم في جملة واحدة.. مستعدون بلا تردد ولا تفكير في مقايضة مصالح الأمة وسيادة وكرامة دولها وشعوبها بكراسي الحكم وبالرضا الأمريكي، بل والصهيوني، عنهم. هل لدى احد توصيف آخر لما يفعله حكامنا اليوم؟(70/304)
وهكذا انتهى الحال بأبناء امتنا. يتلفتون حولهم ويرون اراضي الأمة وكرامتها مستباحة.. يرون دينها العظيم يتعرض لهجمة شرسة.. يرون ديار الأمة مهددة بالضياع دارا بعد دار.. يرون ابناء الأمة يولدون ويشبون عن الطوق وهم لا يعرفون لهم أي مستقبل كريم.. يرون كل هذا، ويسألون: واين اولو امر الأمة؟.. اين حكامها وقادتها؟ فلا يجدون الا رموز الذل والاستسلام وخيانة الأمة ودينها.
لا يرون إلا حكاما قرروا تسليم اقدار الأمة إلى حثالة البشرية ونفاية التاريخ من صهاينة ومن صليبيين. الأمة في انتظار صلاح الدين الثاني لأنه طال بها الشوق إلى قائد يعرف للأمة قدرها.
***
من سيكون؟
الأمة في انتظار صلاح الدين الثاني. لكن من سيكون؟.. ومن أين سيأتي؟
الكاتب اسكوبار يقول في تحليله الذي اشرت اليه ان صلاح الدين الجديد قد يكون ابنا للاجئ فلسطيني من ضحايا النكبة عانى مرارة ضياع الوطن.. وقد يكون من أبناء جيل الحصار في العراق الذي حرموه من كل شيء.. وقد يكون عربيا يجيد علوم الكمبيوتر ودرس علوم الغرب ومعها رغبة في استعادة الكرامة والانتقام لما حل بالأمة. ويقول الكاتب ايضا ان صلاح الدين الجديد لن يكون من ابناء اصحاب المليارات ولا من اصحاب المشاريع السياحية العملاقة.
وهذا صحيح. لكن نضيف اليه ايضا.
قد يكون صلاح الدين الثاني فردا .. وقد يكون حركة مقاومة جبارة .. وقد يكون شعبا عربيا بأسره يقرر ان ينهي عهود الذل والاستبداد والقهر والاستسلام للصهاينة والصليبيين.
.. صلاح الدين الثاني قد يخرج من حواري القاهرة ومن ابناء المهمشين فيها.. وقد يكون من ازقة المحرق الشماء المعتزة بعروبتها.. وقد يخرج من أي بقعة عربية شبيهة.
.. وقد يكون خلاصنا على يد قائدة عظيمة مثل شجرة الدر. شجرة الدر ملكة مصر العظيمة التي قادت حربا لتصفية الوجود الصليبي واسرت قائدهم لويس التاسع وكبار قادة الصليبيين ولم تفرج عنهم إلا في مقابل فدية قدرها ثمانمائة الف دينار وفي مقابل تعهد كتابي بـ «عدم العودة إلى سواحل الإسلام مرة اخرى».
***
يقول الكاتب اسكوبار ان «روح صلاح الدين هائمة تتوق إلى وريث يتقمصها. وهذا ما يتوق اليه ايضا مئات الملايين من ابناء الأمة».
نعم.. نعم. كل هذا الهوان ليس قدر الأمة. وهذه الأمة ليست عاقرا ولم تتوقف عن انجاب القادة المخلصين.
هذه الأمة في انتظار صلاح الدين الثاني. قد يأتي غدا او بعد عشر سنوات او أكثر او أقل. لكنه حتما سوف يأتي.
سوف يأتي الزعيم القائد المخلص. سوف يأتي من يمسح الدموع ويضمد الجراح.. من يحرر الارض السليبة.. من يلهم أبناء الأمة.. من يعرف قدرهم وقدر دينهم العظيم.. من يجعل ثروتها لكل ابنائها وفي خدمة ابنائها الذين لم يولدوا بعد.
سوف يأتي من يوحد كل ابناء الأمة تحت راية واحدة.. لا فرق بين سني او شيعي او مسيحي. سوف يأتي من يقف في ساحة الأقصى أو في بغداد الحبييبة ووراءه مئات الملايين من ابناء الأمة كي يعلن للعالم كله:
ها نحن قد عدنا يا أيها الصليبي بوش. ها قد عدنا يا أبناء صهيون.
===============(70/305)
(70/306)
الهولنديون يعلنون الحرب على الاسلام...
حسب جريدة الوطن السعوديه الصادرة اليوم الخميس 02/12/2004
انتشرت بين ايدي الشباب الهولندي في المدارس والجامعات وعلى مقاهي الانترنت , صورة الجريح العراقي وهو يقتل على يد الجندي الامريكي بدم بارد داخل مسجد الفلوجه , حيث تباع الصوره بمبالغ تتراوح بين 2 الى 10 يورو للحجم الكبير , مذيلة بعبارات تدعو للعنف والانتقام من المسلمين في كل مكان على غرار ما فعله الجندي الامريكي بالعراق كما ذيلت الصوره التي تم نشرها عبر عناوين مواقع الانترنت ايضا بكلمات تقول ( هذا ما يستحقه المسلمون في كل مكان - اقتل المسلم ولا ترحمه ) وهو الامر الذي اثار غضب المنظمات الاسلاميه والجاليات العربيه بصورة كبيره , حيث حذر متحدث رسمي باسم المنظمه الاسلاميه الهولنديه من مساعدة هذه الصوره في نشر مزيد من العنف والعداء بين الهولنديين والمسلمين في هولندا
انتهى الخبر الوارد في جريدة الوطن السعوديه الصادرة يوم الخميس 02/12/2004
هذا الخبر يؤكد لنا ان الكفر مله واحده لا تتجزأ ولربما ان الجهة التي وراء نشر هذا الموضوع
في هولندا جهه صهيونيه تعادي العرب والمسلمين ولها هدف ومصلحه في الوقيعه بين العرب والمسلمين مع الهولنديين لان اسلوبهم هو الوقيعه والفتن وكذلك فانهم يدعون لقتل وابادة المسلمين والاعتداء عليهم في عقر دارهم وياتوا ويقولوا ان المسلمين ارهابيين ولا حضاريين وانهم قساه وينسون انهم هم الارهابيون وهم المعتدون وهم القادمون الينا للاعتداء علينا واحتلال بلادنا ونهب ثرواتنا والاعتداء على حرماتنا ومقدساتنا الا يجدر بكل انسان عربي او مسلم ان ينتفض ويثور لكرامته امام هذا العداء السافر والعنصريه اللئيمه ؟؟
الا يستحق الامريكيون المحتلين للعراق او اليهود المحتلون لفلسطين ان يتم قتالهم وذبحهم واخراجهم
اذلاء صاغرين كما اذل صلاح الدين الايوبي الصليبيين وحرر القدس منهم ؟؟؟؟
لكن لماذا نستغرب من الهولنديين او غيرهم بوصف المقاومين العرب بانهم ارهابيون ونحن نرى مسلمين ممن اعمتهم الخيانه والعلمانيه واللبيراليه ممن يصفون المقاومين بالعراق او فلسطين بانهم ارهابيون ؟؟ فحتى بعض العلماء والشيوخ يشتركون بهذه الصفه التي لا تصلح الا لوصف المحتلين والقتله الامريكيين والاسرائيليين لقد ان الاوان ليستعيد المسلمون كرامتهم وعزتهم وقوتهم بالاعتماد على الله الواحد الاحد !!!!
وما النصر الا من عند الله 0 وها نحن نستبشر خيرا بهزيمة المعتدين في العراق لعلها تكون البدايه
الحقيقيه بتراجع هؤلاء الحثاله الساقطه من اشباه البشر من اليهود والصليبيين والمشركين ( عباد القبور )
والله الموفق
===============(70/307)
(70/308)
هل العلمانيّون العرب مشاركون في الحرب على الإسلام والمسلمين؟
خميس بن علي الماجري
الوسط التونسية
22 جوان 2007
الغرب وصراع الحضارات
كان الغرب عبر التّاريخ ولا يزال في تعامله مع المسلمين يروم الهيمنة والسّيطرة على مقدراتهم سواء كانت مادّيّة من خلال سيطرته على البترول، أو جغرافيّة من خلال التّمركز على مواقع الأرض والجوّ والبحر الإستراتيجيّة، أو عقائديّة من خلال محاولاته تجريدنا من المواقع الرّوحيّة الكبرى من مثل القدس ولذلك استولوا عليها إبان حروبهم الصّليبيّة القديمة أو من خلال صناعتهم للكيان الصّهيوني منذ 1948 على أرضها المباركة..
إنّ الغرب منذ زمن بعيد، ينظر للإسلام أنّه عدوّه الأساسيّ وأنّه خطره الإستراتيجيّ وأنّه يخفي وراء علمانيّتِه ولا ئكيّته " نصرانيّته" التي لم يستطع أن يخفيها في كلّ مرحلة يشتدّ فيها الوطيس السّياسيّ أو الحربيّ. ولست بصدد التّذكير بالأحداث الفظيعة التي وقعت للمسلمين في الحروب الصّليبيّة القديمة أو التّذكير بمرحلة الاستعمار، ولكن حسبي بما وقع حديثا لمسلمي أوروبا في غروزني و البوسنة والهرسك وكوسوفا. ولم يتدخّل الأطلسي بآتّفاقيّة دايتون إلاّ بعد افتضاح الأمر، حيث تمّ التّدخّل من أجل مزيد من الظّلم حيث تمّ إبعاد المسلمين بذلك السّلم الظّالم عن مركز القرار في البلقان.
أمّا في الشّيشان فحدّث ولا حرج والغرب لا يتحدّث عن حقوق الإنسان هناك إلاّ لحظة أن تقف موسكو موقفا يعارض مصالح الإمبراطوريّة الأمريكيّة ومن والاها، وقتها تسمع حديثا محتشما ومفضوحا عن حقوق الإنسان في الشّيشان، وقارن بين تحرّك الأنظمة الغربيّة ومنظّمات حقوق الإنسان على قضيّة ممرّضات بلغاريّات في ليبيا حتّى أنّها صارت مادّة سمينة للانتخابات الرّئاسيّة في بلاد الغرب.
أمّا ما يقع هذه الأيّام لمسلمي السّنجق وكشمير والفلبين والعراق وأفغانستان ولبنان والصّومال وفلسطين وقوانتانامو و امتهان أوراق القرآن الكريم ، والتّعدّي على المصحف الشّريف ما لا يعلمه إلاّ الله عزّ وجلّ!!!
والعاقل يدهش من هذا كلّه، و يرى عبر ما يُسمح له بالنّشر في وكالات الأنباء أموراً لا تصدّق، والحمد للّه الذي جعل الصّورة اليوميّة والمتكرّرة لما يحدث للمسلمين في كلّ مكان من العالم جندا عظيما ساهم في إسقاط هذه الحضارة، فلقد هزمت الصّورةُ الدّبّابةَ وهزمت الكاميرا حضارة العلوّ الغربيّ.
إنّ المرء ليحتار لماذا هذه الحشود العسكريّة الجبّارة حول أراضي المسلمين، ولماذا هذا التّدخّل والتّحكّم في شؤوننا ومناهجنا؟
ولماذا هذا الكيد الهائل ضدّ العالم الإسلامي المريض المنهك من وطأة قيادات سياسيّة وعسكريّة منصّبة لأكثر من قرن لم تفلح إلاّ في نهب ثروات بلادنا وفي تنفيذ مهمّة مسخ هويّة أمّتنا وسلخها من عقيدتها.
لماذا يجعل الغرب "المتحضّر" المسلمين ندّاًّ لهم و عدوَّهم المنتظر؟ لماذا يتعامل الغرب مع المسلمين بهذا التّوتّر الشّديد، ولماذا يتعامل مع الإسلام بهذه الحساسيّة المفرطة؟ لماذا هذا الحشد العسكريّ العظيم ضدّ دول مسلمة ضعيفة بل تابعة؟ لماذا هذه الإعدادات السّياسيّة والثّقافيّة والإعلاميّة الضّخمة والكبيرة ضدّ الشّعوب المسلمة المنهكة؟ ما هي الأسباب الحقيقيّة وراء تلك المواقف وتلك السّياسات؟ لماذا هذه التّصريحات الحاقدة؟ وهل لهذه التّصريحات ما يبرّرها ؟
ولكي نعرف أسباب ذلك أترك الغربيّين أنفسهم يجيبون عن هذه الأسئلة.
قال ريتشارد نيكسون الرّئيس الأمريكي الأسبق في كتابيه" نصر بلا حرب" و "انتهزوا الفرصة" إنّ الإسلام يشكل خطرا استراتيجيا عليه من حيث انتشاره زمانا ومكانا وبين شعوب تحتلّ ما بين نواكشوط وجاكرتا وتحتوي على موادّ استراتيجيّة وثروات قوميّة وتطلّ على بحار وخلجان ومواقع هامّة للغاية على طرق التّجارة الدّوليّة وتحمل عقائد وتصوّرات راسخة تتقاطع مع الغرب من حيث هو قوّة هيمنة خارجية.
وحذّر نيكسون -الغربيّين من "خطورة" الإسلام عليهم وعلى مستقبل الهيمنة الغربيّة في العالم. وقال:" إنّه بعد سقوط الاتّحاد السّوفياتي ليس في العالم منافس للغرب - بالمعنى الشّمولي - سوى الإسلام ليس فقط من حيث هو عقيدة ودين، ولكن من حيث هو مشروع حياة متكاملة ومشروع نهضة ومشروع تنمية إنسانية، يتصادم في مقرراته العامة وغاياته مع فلسفة الغرب وغاياته". وقال:" إنّ روسيا ليست العدوّ الطّبيعيّ للغرب لأنّها تنتمي إلى العالم الحرّ المتحضّر و تشترك معنا في الثّقافة والحضارة فضلاً عن الجغرافيا والتّاريخ". ودعا نيكسون الغرب أن ينتهز الفرصة قبل أن يستيقظ المارد الإسلامي كما حرّضهم على احتكار"الرّيادة الرّوحية في العالم" وعدم السّماح لنماذج التّشدّد الإسلاميّ بافتكاكها.(70/309)
ولقد رأينا التّواطؤ الواضح بين الرّوس وحلف النّاتو ـ الأطلسيّ ـ ، في موافقة علنيّة منه على استخدام الرّوس للأسلحة الكيماويّة واستخدام أسلحة الدّمار الشّامل ضدّ المسلمين في الشّيشان. قال الأمين العام للحلف الأطلسيّ إثر زيارته لموسكو:"إن ّمن حقّ روسيا حماية أمنها وحفظ أراضيها ومكافحة الإرهاب ولا أحد يستنكر على روسيا استخدامها أيّ وسيلة في حربها للإرهاب في الشّيشان".
وقد صدرت تصريحات صريحة شبيهة على منوال تصريحات نيكسون من قادة غربيين في أعلى المستويات من أمثال هوفمان الذي كان مدير استعلامات النّاتو في بروكسل، فقد قال:
"يضع جنرالات النّاتو في حسابهم أنّ أكثر المواجهات العسكريّة احتمالاً في المستقبل لن تكون بين الشّرق والغرب ولكن الشّمال والجنوب، فالإسلام هو العدوّ المتنامي المرتقب ".
و في الثّمانينات صدر كتاب ل: ستيف وايسمان وهربرت كروزني " القنبلة الإسلاميّة" حذّرا فيه الغرب من حماس والعراق وليبيا وباكستان للحصول على التقانة النووية ويربطان حركة هذه الدّول في هذا الاتجاه بالإسلام والمسلمين في العالم.
ونادى هنري كيسنجر ودانييل بايبس ومارتن كريمر وجون لوتواك بمعاداة الظاهرة الإسلامية وبالتّعاون مع الحكومات العربيّة الحريصة على استئصالها حسب تعبير كريمر.
كما اعتبرت دانكوس وجود ظاهرة "الإسلام السياسي" هو خطيئة لا تغتفر ولا بدّ أن تتضافر كلّ جهود العالم المستهلك للنّفط للتّخلّص من هذا "الخطر" ودعت إلى تطويق ظاهرة "الإسلام السّياسيّ" وإبعاده عن كلّ"مركز القرار". فهذه بعض الكتابات والتّصريحات تبيّن بكلّ جلاء أنّ الغرب بقيادة أمريكا هو المحرّض على المسلمين منذ زمن بعيد وهو الدّاعي إلى الصّدام الحضاري والصّراع الدّينيّ، فليس فوكوياما وهنتنجتون وغيرهما من المفكّرين، هم أوّل المنظّرين لترشيح العالم الإسلاميّ لخلافة الإتّحاد السّوفياتي في الصّدام مع الغرب، بل إنّ السّاسة الأمريكيّون الكبار هم أوّل الدّاعين إلى ذلك.
توظيف الغرب دينهم للحرب على المسلمين:
لماذا يريد العلمانيّون العرب أن يبعدوا الدّين الحقّ من حياتنا الإسلاميّة، والغربيّون يواجهون المسلمين بعقائدهم الباطلة، فهذا بوش الابن قد جعل من الدّين مبرّرا أساسيّا للسّياسة الخارجيّة الأمريكيّة لغزو أفغانستان والعراق والصّومال، فاستخدم "الفتاوى" الصّادرة عن الكنائس الصّهيونيّة المسيحيّة الأميركيّة واستعمل نصوص الإنجيل وأسفار التّوراة (العهد القديم) لتبرير تلك الحروب القذرة، واستخدم تعبيراتهما الدّينيّة واستشهد بفقرات منهما، وجعل المسلمين وإسلامهم هو الشّرّ الذي يجب دحره،.
فما إن وقعت أحداث11 سبتمبر، وبعد ساعات قليلة من حدوثها، قال أنّ تلك الهجمات تمثّل"انطلاقة الحرب الكونية ضد الشّرّ"، وقال: "إنّ الولايات المتّحدة مدعوّة لكي تتحمّل"مهمّتها التّاريخيّة" وأنّ"الرّدّ على هذه الهجمات هو تخليص العالم من الشّرّ". وشدّد على أنّ النّصر مؤكّد في هذه الحرب لأنّ الله يقف إلى جانبه. وقال:" أشعرأنّ الله يريدني"، وردّد حينها خلال خطاب بثّته وسائل الإعلام المزمور التّوراتيّ رقم 23 الذي يقول:"تقدم إلى الأمام ودافع عن الحرّيّة وعن كلّ ما هو خير وعادل في عالمنا".
ولقد استعمل بوش ومن معه ذلك الخطاب التوراتيّ والإنجيليّ طيلة الإعداد للحرب قبل أفغانستان وأثناءها وبعدها وصولا إلى الحرب على العراق. وهذا يعكس عمق توغّل الأسطورة اليهوديّة والمسيحيّة التي تتلبّس ذهنيّة اليمين المسيحيّ المتصهين في البيت الأبيض والكونغرس الأمريكي. وهو ما يفسّر سعي اليهود لتحقيق حلمهم الموعود بتشتيت وتقسيم جغرافيا بلاد مابين النّهرين إلى دويلات وكانتوتات كارتونية صغيرة، ووأد الحلم الرّافديني باستعادة دوره الرّيادي في قيادة المعمورة، باعتباره الأرض - الامّ الذي خرج من معطفها جميع أبناء المعمورة ـ سيما وأنّ أكثر من مفكر وعبقري غربي قد أشار إلى أنّ هناك أساطير وخرافات تؤسّس للسّياسة الأمريكيّة مثلما تؤسّس للسّياسة الإسرائيليّة.
هذا والذي يعتقد، أنّ أساطير وتخيّلات قد استولت على العقل الباطني لبوش الذي آمن وأيقن بأنّ جيش يأجوج ومأجوج ستتكوّن جاهزيّته العسكريّة في العراق عدّةً وعدداً، وسينطلق لإبادة العالمين الأمريكيّ والغربيّ قريباً، إذا لم يقم بالحرب الإستباقيّة ويجيّش عليه الجيوش ويفتك به بالسّرعة اللاّزمة. وصارت هذه عقيدة في كينونة الرّجل فسعى يشحن بها نفوس حكّام الغرب، وَهَمَّ بِهِم يريد أن يقنع من خالفه منهم في هذه الحرب الجنونيّة القذرة، وهو مضمون خطابه في المكالمة الهاتفيّة بينه وبين جاك شيراك قبيل الحرب على العراق.(70/310)
لقد حشد بوش الابن الكنائس الإنجيليّة الكبرى وأصدقاءه من القساوسة الكبار والمحافظين الجدد معه طيلة الحرب استشهادا بالإنجيل ترويجا للفكرة التي تعتبر أن الولايات المتحدة بقيادة الرّئيس بوش "القائد المتديّن والتّقيّ الورع" تعمل على تطبيق مشيئة الله في الأرض. ومن أولئك الذين جنّدهم لهذه الحرب" المقدّسة" الإنجيليّ لاهاي وهو أحد أبرز المقرّبين من الرّئيس بوش الذي يعتقد انّ العراق نقطة محوريّة خلال أحداث نهاية العالم و إنّه ـ أي العراق ـ سيلعب دورا أساسيّا في معركة هرمجدون التي ستقع في مجدو في فلسطين، وهو ممّن يعتقد أنّ العراق سيصبح بعد غزوه الدّولة العربيّة الوحيدة الّتي لن تدخل في حرب ضدّ إسرائيل وضدّ جيش الله خلال الحرب الأخيرة.
ومن الذين جنّدهم أيضا: أبرز القساوسة الإنجيليّين القسّ روبرستون وهو مؤسّس ورئيس شبكة التّلفزيون المسيحيّة CBN ومؤسّس بعض المراكز والجامعات الخاصّة بتدريس المسيحيّة، وقد قال:"إنّ صدّام حسين يمثّل أعظم خطر على "إسرائيل" وقال إنّه يمثل قوى الشّرّ المعادية للمسيح التي تحاول تقويض قيام الدّولة الموعودة "دولة الله في الأرض" التي ستقام لمدة 1000 سنة بعد عودة المسيح. وقال:"إنّ صدام سيخرج اليهود من أراضيهم كما فعل الملك الكلداني "نبوخذ نصر"، الذي حكم بابل خلال القرن الخامس قبل الميلاد.
كما يعدّ جيري فالويل وهو من أبرز الإنجيليّين القساوسة وقد دعا القوّات الأميركيّة إلى تعقّب أسامة بن لادن وجميع من وصفهم بالإرهابيّين في جميع أنحاء العالم مهما استغرق ذلك من وقت وقتلهم باسم الله، لأنّ الحرب على العراق حرب مقدّسة"، وقال أيضا:"إنّنا عندما نشنّ الحرب في العراق سنقوم بذلك لإعادة المسيح إلى الأرض لكي تقوم الحرب الأخيرة التي ستخلّص العالم من جميع الكافرين". وردّ على رافضي الحرب الذين يرفعون شعار المسيح عيسى المسالم، بقوله في مقال مثير تحت عنوان "إنّ الله مؤيّد للحرب"، قال فيه:"إنّه في الوقت الذي يعتبر فيه رافضو الحرب أنّ السّيّد المسيح مثال للسّلام غير المتناهي، يتجاهلون الرّواية بكاملها التي وردت في الرّؤية التّاسعة عشرة ويظهر فيها المسيح في يده سيف حادّ يصعق الأمم ويحكمهم". وأضاف أن الإنجيل ينصّ على أنّ هناك وقتا للسّلم ووقتا للحرب".
كما قال القسّ ريتشارد لاند"إنّ الحرب الاستباقية ضد العراق هي حرب عادلة". ولهذا القسّ أتباع يبلغ عددهم أكثر من 16 مليون شخص ولديه أكثر من 42 ألف كنيسة عبر الولايات المتحدة.
كما دعا تشارلز ستانلي القسّ بالكنسية المعموديّة الأولى بأتلانتا إلى دعم الحرب بكلّ ما يملك المؤمنون قائلا:"يتعيّن علينا أن نقدم المساعدة في شنّ هذه الحرب بأيّ شكل من الأشكال" كما قال أيضا:" إنّ الله يقاتل ضدّ الذين يعارضونه ويقاتلون ضدّه وضدّ أتباعه".
ولقد أصبحت هذه العقيدة الصّهيونيّة الصّليبيّة هي العقيدة الخلفيّة للفكرة الرّئيسة والمحوريّة التي يردّدها القساوسة الإنجيليّون وأكثريّة الكونغرس خلال صلاة يوم الأحد وهي أنّ الولايات المتّحدة بقيادة بوش تعمل على تطبيق مشيئة الله في الأرض.
وللعدل يجب أن يعلم أنّ الفاتيكان - وهو أعلى منصب كنسيّ في الغرب - أعلن رفضه للحرب إلاّ أنّ البابا بنديكت السّادس عشر انخرط في معمعة تشحيم الحرب وصرّح بما ينال من الإسلام ويمسّ باحترام نبيّ الإسلام صلّى الله عليه وآله وسلّم.
ولمن شاء أن يتابع ذلك الحشد العظيم للصّليبيّة الصّهيونيّة للحرب ضدّ المسلمين فسيجده في مظانّه، وهو معلوم للجميع، ولكن أردت في هذه العجالة أن أبيّن للعلمانيين العرب ولعلمانيّ تونس خاصّة ـ وهم الأسرع انسلاخا من دينهم والأشدّ شراسة على المتديّنين ـ كيف تضفي السّياسات الدّوليّة لأكبر دولة حداثيّة شرعيّتها بالدّين المحرّف وبخرافات مباركات الله لها وكيف سخّر تلك الخزعبلات وحشد لها من أجل التّأييد لحرب شيطانيّة نجسة، تلك الحرب التي لم يقتنع بجدواها جاك شيراك، ولذلك اعتبره بوش عاصيا للّه لأنّ الأوّل لم يقم بواجبه الدّينيّ ولأنّه بالتّالي عارض مشيئة الله.
ففي حين يسجّل الملاحظون أنّ علمانيّ العرب قد أوغلوا في مخاصمة دين ربّهم الصّحيح، وأبعدوه من كلّ نواحي الحياة، تشنّ الحداثة الغربيّة حربها الجديدة على أفغانستان والعراق ومن بعدهما، وتحشد لها التّأييد الشّعبيّ وتمنح لها التّبريرات الدّينيّة؟ فلماذا يبعد علمانيّو العرب الدّين من الحياة ولماذا يهمّشون الدّين ويجرّدون شعوبهم منه، فهل هم يعملون على الإعداد للهزيمة وتخريب الأمّة من داخلها حتّى تستسلم لكلّ غاز وتركع أمام كلّ وافد؟ ألم يعلم هؤلاء أنّ الصّحوة اليوم صارت بفضل الله تعالى عالميّة تجاوزت العالم كلّه، إنّها في قلب أمريكا وروسيا، ممّا يستحيل تطويعها وتطويقها، ولها تجلّياتها التي لا يمكن أن تكون تحت السّيطرة أبدا !!!
رجال السّياسة في ركب رجال الدّين:(70/311)
سلك رجال السّياسة في الولايات المتّحدة الأمريكيّة منهج رجال الدّين الإنجيليّين. فهذا النّائب توم ديلي يقول في أكثر من مرّة عندما كان يتولّى منصب زعيم الأغلبية الجمهورية في مجلس النواب إنه يتعين دعم الحرب ضد العراق لأنها "البشير الذي يسبق عودة المسيح إلى الأرض ويفسح المجال لحدوثها".
وقال الجنرال بويكن قائد العمليات السرية في الجيش الأميركي في العديد من المناسبات:"إنّ الحرب التي تشنّها الولايات المتّحدة ضدّ ما تصفه بالإرهاب هي صراع بين القيم المسيحيّة اليهوديّة والشّيطان"، وقال:"هي حرب ضدّ عدوّ اسمه الشّيطان". وقال: "المتطرّفون الإسلاميّون يكرهوننا لأنّنا أمّة مسيحيّة، ولأنّ أساسنا وجذورنا تنبعث من القيم اليهوديّة المسيحيّة". وقال:" إنّ الرّئيس بوش تولّى منصب الرّئاسة في البيت الأبيض لأنّ الله اختاره لتولّي ذلك المنصب". وقال في كلمة بإحدى الكنائس عام 2002 وهو يرتدي الزيّ العسكريّ الأميركيّ "إننا جيش الله، في بيت الله، وقد أقيمت مملكة الله لمثل هذه الأوقات التي نعيشها".
لقد استخدم غلاة المحافظين الجدد، صقور الحرب وصدام الحضارات، وأصحاب مشروع "محور الخير"مصطلح "الإسلام الفاشي" وبدؤوا يروّجون له، لغرض تزييف صورة الإسلام وتشويهه وبثّ الرّعب في نفوس الأمريكيّين خاصة والغرب عامّة لأنّه يريد أن يصوّر أنّ المسلمين هم فاشيّون جدد. ولقد صدر ذلك عن الرّجل الأمريكيّ الأوّل، كما صدر عنه أنّه يقود الحرب الصّليبيّة المباركة والمؤيّدة، وتزامن مع ذلك حملات سبّ النّبئ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم والإساءة إليه، والنّيل من الإسلام وحضارته... ورغم كلّ ما صدر عن بوش فإنّ صديقه فرانكلين جراهام الممثل للتيّار اليميني الأكثر محافظة في أمريكا صرّح لهيئة الإذاعة البريطانية ( بي . بي . سي ) يوم الاثنين 19 نوفمبر 2001م قائلا:"إنّ بوش لا يقول الحقيقة لأنّه كان يجب عليه أن يقول أكثر من الذي قاله".ولقد آتّسعت تلك الحملة لتشمل كافّة بلاد الغرب، فهذا هيرت فيلدرز، وهو سياسيّ يقود حزبا يمينيّا هولنديّا يقول:" إنّ المسلمين يجب أن يتخلّصوا من نصف القرآن إذا أرادوا البقاء في هولندا، وأنّه يحوي أشياء فظيعة، وانّه كان سيطارد رسول الإسلام إلى خارج البلاد لو كان حيّا الآن".
ويكفي ما ذكرنا من تصريحات الكراهيّة والإساءة للإسلام والتّهجّم على كتابه ورسوله والمسلمين، ولقد صدرت من زعماء السّياسة والكنيسة والثّقافة، ووظّفوا لها كلّ حدث هامّ للحشد النّفسيّ العالميّ، ولو كان رياضيّا تشريكا للجماهير الكرويّة المليونيّة في تلك الحرب، فلقد صرّح مسئول سياسيّ إيطاليّ كبير في نهاية كأس العالم الأخير الذي دار في ألمانيا أنّ فريقه الإيطاليّ انتصر على الفريق الفرنسيّ المتألّف من الأصوليّين والملوّنين الأجانب، إشارة منه إلى المسلمين والسّود!!!
الإمبراطوريّة الأمريكيّة بين هزيمتها وقطع الطّريق أمام المسلمين:
لقد أدرك قادة الغرب قرب هزيمة هويّتهم القائمة على ركني الدّيمقراطية الفاشلة، والنّظام الاقتصادي الرّأسماليّ البائس، واحتمى العلمانيّون بالمسيحيّة الصّهيونيّة في تحالف نصرانيّ يهوديّ ليشكّل أكبر قاعدة مساندة للمصالح المؤيّدة ل"إسرائيل". إلاّ أنّه يجب أن يعلم أنّ هذا العلوّ الإمبراطوريّ الأمريكيّ الهائج يحمل في طيّاته كلّ عوامل الهزيمة، ولذلك تعمل تلك الإمبراطوريّة على قطع الطّريق أمام انتصار الحضارة الإسلاميّة المرتقب، فعملوا على السّيطرة على المسلمين مباشرة بعدما عجزت أنظمة السّلخ والتّبعيّة والتّجزئة على تحقيق تلك المهمّة المستحيلة، فقادت بنفسها حربا "صليبيّة" عالميّة "مقدّسة"، على غريمها اللّدود"الإسلام" تحت مسمّى الحرب على "الإرهاب".
فالحاصل، أنّ الأمريكيّين قد أظهروا معاداتهم للإسلام وللمسلمين من أكثر من وجه، وفي صور كثيرة عبر الاحتكار في كلّ صوره:
ـ من خلال التّدخّل في عقائدنا ومناهجنا، وفرض إسلام أمريكيّ يتساوق مع علوّهم وكبريائهم حتّى يصير ديننا لا يتقاطع مع مصالحهم ولا يقاوم أو يردع عدوانهم.
ـ من خلال تحكّمهم في أنظمتنا السّياسيّة وآختراقهم لمؤسّساتنا الأمنيّة ومساندتهم لهما بل دعمهما لآستئصال الخارجين عن تلك الأنظمة اللّاشرعيّة.
ـ من خلال تحكّمهم في أنظمة عيشنا وحياتنا وثقافتنا ولغتنا وإعلامنا تحت مسمّيات الحداثة والعولمة والإنسانيّة وغيرها من الزّور والباطل.
ـ من خلال تحكّمهم المعرفيّ، عبر احتكارهم مفاتيح المعرفة والعلوم وأسرار التّّقنية والبحث العلميّ و تقانة السّلاح خاصّة.
ـ من خلال تحكّمهم الماليّ وإخضاع هذه الأنظمة العربيّة التّابعة لشروط الصّناديق الرّأسماليّة الدّوليّة، وفرض منهجهم الإقتصاديّ وتفرّدهم التّجاري، ومن خلال آفتاك النّفط والخامات الأخرى بحثا واستخراجا وتصنيعا وتسعيرا.
ـ من خلال احتكار الشّرعية الدّولية عبر ما يسمّى الأمم المتّحدة بتطبيق معايير مزدوجة و إهمال حقوق ما يقارب المليار ونصف من المسلمين.(70/312)
إنّ الإمبراطوريّ الأمريكيّ لا يصدّقه أحد وهو يدّعي أنّه لا يحارب الإسلام، لأنّ الذي يشنّ الحرب على العراق بالكذب على العالم لا يصدّقه عاقل، وإنّ الإدارة الأمريكيّة تحقد على المسلمين بسبب إسلامهم، ولإيضاح هذه الحقيقة الأخيرة هاك شهادة واحدة من المفكِّر النّمسوي: " فيما يتعلّق بالإسلام لا نجد موقف الأوروبيّ موقف كره في غير مبالاة فحسب، كما هو الحال في موقفه من سائر الأديان والثّقافات، بل هو كره عميق يقوم في الأكثر على صور من التّعصّب الشّديد، وهذا الكره ليس عقليّا فحسب، ولكنّه مصطبغ أيضاً بصبغة عاطفيّة قويّة، قد لا تتقبّل أوروبة تعاليم الفلسفة البوذيّة أو الهندوكيّة، ولكنّها تحتفظ دائماً فيما يتعلّق بهذين المذهبين بموقف عقليّ متّزن مبنيّ على التّفكير، إلاّ أنّها حالما تتَّجه إلى الإسلام يختلّ التّوازن ويأخذ الميل العاطفي بالتّسرّب حتّى إنّ أبرز المستشرقين الأوربيين جعلوا من أنفسهم فريسة التّحزّب غير العلميّ في كتاباتهم عن الإسلام، ويظهر في بحوثهم على الأكثر كما لو أنّ الإسلام لا يمكن أن يعالج كما لو أنّه موضوع بحث في البحث العلمي، بل على أنّه متّهم يقف أمام قضاته، إنّ بعض المستشرقين يمثّلون دور المدّعي الذي يحاول إثبات الجريمة، وبعضهم يقوم مقام المحامي في الدّفاع، فهو مع اقتناعه شخصيّاًّ بإجرام موكّله لا يستطيع أكثر من أن يطلب له مع شيء من الفتور اعتبار الأسباب المخفِّفة "1
خلاصة ما سبق:
لقد أسّست الإمبراطوريّة الأمريكيّة علاقاتها الدّوليّة على القوّة من أجل تحقيق مصالحها، فتحكّمت في عقائد المسلمين ومواردهم بالقوّة وتهدّد كلّ من يقف أمامها بالتّدمير، و تستخدم كلّ مراكز صنع القرار في العالم للمضي قدماً فى مشروعها الإمبراطوري، وتتحكم بالفعل في بلاد العرب والمسلمين وهي تتدخل في كلّ شؤونها باسم حماية حقوق الإنسان، أو تحت شعار الإصلاح السّياسيّ أو الاقتصاديّ، أو باسم مكافحة الإرهاب والتّطرّف ووفق رؤيتها. فلقد ابتدأت بأفغانستان ثمّ بالعراق والسّودان والصّومال و لبنان و حماس، وستنتهي حتما بكلّ العلمانيّين الذين وقعوا بين فكّين عظيمين أحلاهما علقم بين الإمبراطوريّ الأمريكيّ وبين الشّعب الغاضب.
لقد تبيّن لكلّ ذي عقل، هشاشة الأساس الأخلاقيّ الذي يطبع علاقة الغرب بالمسلمين وما قصص كذب بوش ووزير خارجيّته إلاّ دليل على ذلك، وتبيّن كذلك أنّ علاقة الإمبراطوريّة الأمريكيّة الدّولية أسّست على المصلحة القوميّة والقوّة، وأنَّ القوّة تحكم تعيين تلك المصلحة أكثرَ مما تحكم المصلحة سلوك القوّة، ولذلك لا يرون المسلمين إلاّ نفطا أو قطنا أو غازا يجلب الدّولار، دعك من خطابات حقوق الإنسان وحرّيّاتهم وكرامتهم!!!
إنّ القارئ الكريم لمّا يستجمع إلى ذهنه كلّ هذه الحقائق السّابقة وعندما يرى أنّ المسلمين هم على خريطة النظام الدّولي الجديد وأنّ وطننا الإسلاميّ الكبير صار محوراً مركزيّا لاهتمام النظام الدولي الجديد ومادّة صراع عقائديّ ملتهب فسيدرك دون تعب أنّ الغرب طبع حضارة القرن بعلاقات دولية عدوانيّة بما يقرّر أنّ الغرب الرّأسمالي سينتهي حتما إلى الفشل الذّريع كما فشلوا من قبل في كلّ حملاتهم. و إنّي على يقين أنّ أمّتنا استفاقت وما عادت تقبل هزيمة جديدة بإذن الله تعالى، وإنّ هذه الحرب التي شنّتها الإمبراطوريّة بمكر الله تعالى هي أكبر من أمريكا وأكبر من حلفائها جميعا"إنّ الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدّوا عن سبيل الله فسينفقونها ثمّ تكون عليهم حسرة ثمّ يغلبون"2.
أمّا المفتونون العلمانيّون العرب، الذين لا يزالون عاكفين على "الحداثة" المعادية للدّين والمستهدفة لمصالحنا والمدمّرة لشعوبنا، هذه الحداثة التي فاقت جرائمها إنجازاتها. فلقد أخذ هؤلاء العلمانيّون أسوأ ما لدى الغرب،" إدانة الإسلام " وردع شعوبنا وربما إبادتها إذا أرادت تحكيم الشّريعة في حياتنا. ومن ثمّ تلحظ أنّنا لا نرى تميّزا للعلمانيّين إلاّ في الوقوف أمام هويّتنا وذاكرتنا، وبعد ذلك يحمّلون الإسلام الذي همّشوه مسؤوليّة كوارثهم.
لقد حرّضت الإمبراطوريّة العلمانيّين العرب على مطاردة ومصادرة كلّ مظاهر الصّمود والمقاومة، ولأنّ تلك الإمبراطوريّة لا تريد لنا الخير أبدا، فهي التي قرّرت أن تكون الفائزة في كلّ الأحوال، فإن نجح العلمانيّون ـ نيابة عن تلك الإمبراطوريّة ـ في ضرب الصّحوة الإسلاميّة، فهو المطلوب الجميل الذي يقدّمونه لها، وإن فشلوا فإنّها قد خطّطت سلفا لتكريس الصّراع بينهم وبين شعوبهم، وهذا ما سيؤدّي حتماً إلى إضعافهم، دعك من الضعف العام الذي يترك الدّولة دائما متوثّبة لتعطيل شعبها عن التّنمية والازدهار.
إذن فمن المسؤول عن هذه الحروب المفروضة على شعوبنا؟ ثمّ هل تنجح هذه الحملة ؟(70/313)
إنّ هذه الهجمة الشّرسة على الإسلام وطلائعه، لا تدلّ إلاّ على أمر واحد وهو قدرة هذا الدّين العظيم على أنّه أعظمَ قوةٍ نهَّاضةٍ عرفها البشر، إنّنا على يقين بأن الإسلام - دين الله الباقي - وعقيدة التّوحيد الخالص، هي عقيدة الحقّ إلى يوم الدّين، فبالرغم من جميع العقبات التي وضعت أمامه فقد تجاوزها وتخطّاها إلى الغرب نفسه! قال اللّه عزّ وجلّ:"هو الّذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحقّ ليظهره على الدّين كله، ولو كره المشركون"3.
بقي لكلّ عاقل أن يتساءل: هل يعي العلمانيّون العرب - حقّا - أهمّية الإسلام في الميزان الاستراتيجيّ العالميّ؟ فلماذا يبعد هؤلاء الإسلام، وقد جعله الغرب محطّ أنظارهم ويقرؤون له ألف حساب، لماذا لا يقرّ السّياسيّ والمثقّف العلمانيّ العربيّ بفشله عن إيجاد البدائل الإستراتيجيّة لإحداث التّنمية والتّوازن، لماذا لا يقرّ أنّ الحروب التي شنّوها ضدّ هويّة شعبنا باءت كلّها بالفشل؟ إنّه يمكن أن نلخّص المهمّة المنوطة للعلمانيّين الذين تسلّموا السّلطة من الغرب أنّهم وبكلّ بساطة قد أزاحوا الفقيهَ النّافع " خليفة النّبيّ" من مركز الإشراف وقد كان لقرون يضمن للمجتمعات الإسلاميّة المتماسكة الاستمراريّة والتّوازن.
فمن أجل إستشراف المستقبل الإسلاميّ المشرق بعد فشل ما يسمّى بالحداثة، فإنّي على يقين أنّ الدّورة القادمة ستكون لأهل العلم الشّرعيّ، وأنّ حركة الإصلاح الحقيقيّة والجادّة والنّاجحة ستكون حركة قيادة علم وخلق ونفع، من أجل ذلك اخترت الإمام مالك قائدا إصلاحيّا لربوع الخضراء العزيزة!!!
ــــــــــــــــ
1 الإسلام على مفترق الطرق ص 50-51 ليوبولد فايس - فيما بعد محمّد أسد.
2 الأنفال- 63
3 التوبة-33
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.tunisalmoslima.com/modules.php?name=News&file=a r ticle&sid=197
- - - - - - - - - - - - - - - -
الفهرس العام
الباب الثاسع والعشرون ... 2
الحرب على الإسلام ... 2(70/314)
(70/315)
الحرب الأمريكية على "الإرهاب" .. إلى أين ؟ ... 2(70/316)
(70/317)
صراع الحضارات أكذوبة غربية ... 6(70/318)
(70/319)
من قال إن الحرب انتهت؟ ... 12(70/320)
(70/321)
الحرب الأمريكية على ساحة التعليم ... 18(70/322)
(70/323)
كتاب " حصار القاعدة " قراءة في الفكر السياسي الأمريكي . ... 21(70/324)
(70/325)
آثار وتداعيات تفجيرات سبتمبر ... 30(70/326)
(70/327)
الحرب العالمية الرابعة ... 33(70/328)
(70/329)
حرب قذرة ... 37(70/330)
(70/331)
أسئلة عن حلقات التحفيظ ... 39(70/332)
(70/333)
التغيير.. بين قيرغيزستان والعالم العربي ! ... 42(70/334)
(70/335)
الأخضرالإبراهيمي: أمريكا لا تعرف النفاق ... 46(70/336)
(70/337)
جواسيس في بيوتنا!! ... 52(70/338)
(70/339)
كفى كلاما ... 56(70/340)
(70/341)
رداً على ما جاء في بيان المثقفين الأمريكان : ... 58(70/342)
(70/343)
(الفوضى الخلاّقة) في نُسختها الطائفيّة! ... 112(70/344)
(70/345)
صياغة القوة ... 115(70/346)
(70/347)
حرب على الإرهاب أم حرب على الإسلام ؟ ... 128(70/348)
(70/349)
وقفات مع الحدث الجلل ... 130(70/350)
(70/351)
العمل الخيري يستغيث ... 140(70/352)
(70/353)
نهاية صدام وقفات ودروس وعبر ... 141(70/354)
(70/355)
بيان أمير المؤمنين بخصوص ما يتعرض له الشعب الفلسطيني المسلم ... 145(70/356)
(70/357)
الدلائل الجليّة على مشروعية العمليّات الاستشهاديّة ... 147(70/358)
(70/359)
على مفترق الطرق ... 170(70/360)
(70/361)
دراسة لسقوط ثلاثين دولة إسلامية ... 196(70/362)
(70/363)
نصرة صلى الله عليه وسلم وسنته ... 290(70/364)
(70/365)
أزمة الحجاب.. على يد وزير الثقافة المصري ... 297(70/366)
(70/367)
الولايات المتحدة وديمقراطية الأنابيب من المغرب إلى باكستان! ... 301(70/368)
(70/369)
لا ترمش بطرفك !! ... 308(70/370)
(70/371)
الشرق الأوسط الكبير ... 314(70/372)
(70/373)
"الدور العربي" في العراق كما تريده أمريكا ! ... 318(70/374)
(70/375)
تطرف اليمين في العالم الغربي .. وكيفية مواجهته..؟ ... 322(70/376)
(70/377)
حرب الحجاب في تونس! ... 322(70/378)
(70/379)
هل تعود الحكومة إسلامية؟ ... 326(70/380)
(70/381)
السقوط المريع ... 331(70/382)
(70/383)
المأزق الأمريكي في العراق .. وشبح سيناريو فيتنام ! ... 332(70/384)
(70/385)
رايس: زيارة "الإملاءات" الجديدة.. ... 338(70/386)
(70/387)
في العراق.."حروب قذرة" ... 340(70/388)
(70/389)
الفاتيكان رأس حربة للصهيونية ... 343(70/390)
(70/391)
عن الانقسام الطائفي في العراق ... 349(70/392)
(70/393)
الموالون للأجنبي.. أنتم أشد رهبة عليهم..! ... 352(70/394)
(70/395)
استراتيجية خطابي بوش وابن لادن! ... 353(70/396)
(70/397)
القاضي الهتار: لايُعالَج الفكر إلا بالفكر! ... 357(70/398)
(70/399)
ماذا يريد هؤلاء..؟! ... 367(70/400)
(70/401)
بيت سيئ السمعة ... 370(70/402)
(70/403)
وصلوا إلى دمشق .. فمن سيكون التالي؟ ... 374(70/404)
(70/405)
الانبطاح.. أو الطريق إلى الهاوية!! ... 386(70/406)
(70/407)
معاداة النبي والصهيونية المسيحية ... 392(70/408)
(70/409)
تزايد الاضطهاد ضد مسلمي بريطانيا ... 397(70/410)
(70/411)
لحرب على الإسلام في العراق تحت مسمى 'الحرب على الإرهاب' ... 400(70/412)
(70/413)
أولمرت" أعلن الحرب على الإسلام ... 403(70/414)
(70/415)
مدونة الاحوال الشخصية و الحرب على الاسلام ..!!! ... 404(70/416)
(70/417)
الحرب على الاسلام ؟ ... 408(70/418)
(70/419)
الحرب على الاسلام ... 410(70/420)
(70/421)
الحرب على الإسلام.. حرب على الحرية والمساواة ... 410(70/422)
(70/423)
الحرب على الإسلام (10) ( الشوري أعلى مراتب الديمقراطية ) ... 414(70/424)
(70/425)
امريكا تعلن الحرب على الاسلام ... 424(70/426)
(70/427)
الحرب على الإسلام (9) ... 426(70/428)
(70/429)
الحرب على الإسلام( هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كمثال) ... 435(70/430)
(70/431)
الحرب على الإسلام وواجب الأمة ... 441(70/432)
(70/433)
بالنصح والصبر نوقف الحرب على الإسلام … ... 448(70/434)
(70/435)
المسجد الأحمر ... 451(70/436)
(70/437)
حملة صليبية لتنصير الصغار قبل الكبار ... 453(70/438)
(70/439)
هل أعلنت إدارة بوش الحرب على الإسلام؟ ... 455(70/440)
(70/441)
بابا الفاتيكان يشن الحرب على الاسلام ... 459(70/442)
(70/443)
حرب علي الإسلام في آسيا ... 461(70/444)
(70/445)
الحرب على الإسلام ... 464(70/446)
(70/447)
إنما الحرب على الإسلام كنظام لا عبادة!!!! ... 466(70/448)
(70/449)
هل تجوز له الهجرة إلى أوربا إذا لم يستطع إظهار دينه في بلده ؟ ... 470(70/450)
(70/451)
هل من الكفار من يحب المسلمين ويريد لهم الخير؟ ... 474(70/452)
(70/453)
في انتظار صلاح الدين الثاني ... 477(70/454)
(70/455)
الهولنديون يعلنون الحرب على الاسلام... ... 484(70/456)
(70/457)
هل العلمانيّون العرب مشاركون في الحرب على الإسلام والمسلمين؟ ... 485(70/458)