لولا بقيةُ عقلٍ بي سقطتُ لَقَىً ** من شدةِ الوَجْدِ أو مَزّقتُ قُمْصاني
يا نوبةَ الوَجْدِ ألقي بي على شَغَفٍ ** بمن يُغنيّ ومن بالشوقِ أغناني
أنا حنينٌ " لزِرْيابٍ " فأسمعُهُ ** وهو الذي كانَ أُستاذاً ببغدانِ
بهِ قد ازدهرتْ أرجاءُ أندلسٍ ** وما ثناهُ بفنٍّ قد أتى ثاني
رَفْرِفْ بقلبي أيا زريابُ ها أنا ذا ** أعلّمُ الطيرَ شدواً فوقَ أغصانِ
من الجليلِ أنا شَجْوٌ وناصرتي ** تعتزُّ بي ناصرًا أهلي وخُلاّني
شِعْري نَمَتْهُ فلسطينٌ تُوَشِّحُهُ ** زهورُ حُبٍّ غَدَتْ تزهو بأفنانِ
مُضَمَّخاتٌ وذي ألوانُها اقْتُبِسَتْ ** من بيرقٍ في سماءِ القدسِ سَهْرانِ
في أرضِ تينٍ وزيتونٍ وقد نزلتْ ** لأهلِها سُوَرٌ من عهدِ كنعانِ
بهم قد اتّصَلَتْ قِدْماً وما انفصلتْ ** عنهمْ وقد نَصَلَتْ أرضاً بسُكّانِ
هم انصلاتٌ إلى استقلالِ دولتِهِمْ ** فليتَها حَصَلَتْ في طَبْقِ أجفانِ
كوني فكانتْ وشعري نارُهُ انقدَحَتْ ** كقدحِكَ النارَ من زَنْدٍ بصَوّانِ
كنارِ بغدادَ لما رُحْتُ أجمعُها ** بنارِ شِعْريَ نيراناً بنيرانِ
لأهلِ بغدادَ إنّيْ رافعٌ عَلَماً ** أللهُ أكبرُ قد ضَمَّاهُ نَجْمانِ
لأهلِ بغدادَ إني منشدٌ أملاً ** ومُعْلِنٌ لجميعِ الناسِ إعلاني
إنّ العراقَ عراقي مَنْ يُسالِمُهُ ** مسالمٌ ليْ ومن عَاداهُ عاداني
____________________
هوامش ومفردات:
المواويل: مفردها موّال فنّ من فنون الزجل المغنّى وأشهرها الموّال البغداديّ. الأبوذيّة: لون من ألوان الزجل يقال بنفس شروط بيت العتابا يختم بهاء كقولك الحميّه، الرديّة، البليّه. جاسم: هو جاسم الجبوري من الجزيرة الفراتيّة، أشهر من غنّى العتابا في بلاد الرافدين حتى قيل عتابا جبورية. ملحمة جلجامش: أقدم ملحمة شعرية بابلية أكتشفت على ألواح مسماريّة. جالغي بغداد: كلمة جالغي تركيّة تعني جماعة المغنين، وتعني بالمصطلح العراقي حفلات غنائية موسيقيّة، لها تقاليد خاصّة، كانت ولا تزال تقام في بغداد، وأدواتها الموسيقية السنطور والجوزة والدنبك والدفّ والنقّارة. أنليل: كبير آلهة الكلدانيين. يوضاس: هو يهوذا الإسخريوطي أحد تلاميذ المسيح الأثني عشرة وقد قبض ثمن تسليم معلمه إلى أعدائه ثلاثين من الفضة، فماذ قبض يا ترى اليوضاسيون العراقيون وغير العراقيين ثمن تسليم بغداد والعراق؟ حيّ بن يقظان بطل قصّة فلسفيّة رائعة عند ابن طُفيل وابن سينا والسهرُورديّ، وقد تخلّق حيّ بن يقظان من طينة بقوة الطبيعة، وحنّت عليه غزالة فأرضعته، واستطاع بقوّة عقلة وتأمّله بلوغ أقصى درجات المعرفة. النمرود: ملك جبار ادّعى الإلوهية فكان عقابه أن دخلت برغشة (حشرة دقيقة جدا)أذنه، وظلّت تزمزم إلى أن قضت عليه. الجيلاني: هو الشيخ الأكبر، والإمام الزاهد عبد القادر الجيلاني (1077 1166) من كبار الصوفيين. مؤسّس الطريقة القادرية عاش في بغداد ومقامه شهير فيها. من آثاره " الفتح الربّاني "، " الغُنْية لطالبي طريق الحق"، " فتوح الغيب ". زرياب: أكبر موسيقيّي بغداد أخذ الغناء عن إسحق الموصلي، ورحل عن بغداد بسبب مؤامرة عليه لتفوّقه، وعاش في الأندلس وقد جلب معه تقاليد موسيقى بغداد وحضارتها توفِّي نحو845 م. وزرياب في اللغة اسم لطائر.
نصلت:برزت.انصلات: عدو سريع.
http://www.odabasham.net المصدر:
==============(67/211)
(67/212)
فلسطين في أزمة الخلافة بين المشروعين الصهيوني والصليبي
أيمن خالد
فلسطين تلك البقعة الصغيرة نسبياً من الكون، شهدت أرضها ما لم يشهده مكان في الكون من حوادث، وعبرت عليها إمبراطوريات العالم القديم كلها، ودارت فيها رحى حروب كثيرة تنافس فيها الفرسان على إبداء براعتهم، وحاول معظم الأباطرة أن يجدوا لهم فيها موطئاً، وفتحت أبوابها للمسلمين دون الغزاة، ثم فقدها المسلمون إبان الغزو الصليبي، ثم استردوها عندما استعاد المسلمون خيارهم الإسلامي، ثم فقدوها مجدداً عندما عبثوا بوحدة البلاد الإسلامية، لكنها تبقى بحق المكان الفريد الذي أعيد فيه ترتيب العالم كله مرات عديدة من خلاله.
أزمة في دار الإسلام:
انهيار الخلافة العباسية بدأ عملياً سنة 485هـ 1092م أي قبل ثلاث سنوات من انعقاد مجمع كليرمون الشهير، والذي أعلنت فيه الحروب الصليبية على الإسلام، وكانت الخلافة العباسية ممثلة آنذاك بالسلاجقة الذين بدأ تمزق دولتهم الفعلية بمقتل الوزير نظام الملك الذي أسندت إليه مهمة الحفاظ على الدولة من الداخل مدة ثلاثة عقود، وبمقتله نتيجة مؤامرة دخلت البلاد في حروب مريرة ذهب على إثرها كل أمير بإمارته، واشتعلت الحروب الداخلية بشكل لم يعرف له العرب مثيلاً، وامتدت الحروب لتطال بلاد الشام بأكملها، ناهيك عن العراق والأناضول، لكن الأثر الكبير سيكون بفعل تلك الحروب التي دارت رحاها في بلاد الشام، والتي ستستقبل عما قريب الغزاة الصليبيين، حتى إذا كانوا في جوار الدولة الإسلامية كان من الطبيعي أن يحدث انكسار كبير في الجبهة أمام حالة الإحباط التي تعيشها العامة؛ رافعة الأمة، والقوة المساندة التي تقف وراء الجيوش باستمرار.
فالحروب بين الإمارات على التوالي: دمشق وحلب، والموصل وغيرها وصولاً إلى ما جرى في «نصيبين»، ونترك لابن القلانسي الشاهد الحي على تلك الحوادث ليقول: «ولما وصل تاج الدولة إلى نصيبين، وصل إليه الأمير بوزان صاحب الرها، وخرج إليه والي نصيبين يبذل الطاعة له والمناصحة في الخدمة، فامتنع أهل البلد من الجند الذين بها من أصحاب إبراهيم بن قريش، فقاتلها وهدم بعض سورها، وقتل كل من التجأ إلى جامعها ومساجدها، وأخذت الحرم، وهتكت البنات، وعوقبوا بأنواع العقوبات إلى أن اظهرن كل مذخور، وأبرزن كل مستور، وفعل في أمرهم ما لا يستحله مسلم ولا يستحسنه كافر»، وكان هنا يتحدث عما فعله أمير دمشق آنذاك، ولكن التفاصيل هي أكثر مرارة، فسوف نجد أن معركة دارت على نهر الخابور قضى فيها عشرة آلاف رجل، وحدث فيها سلب ونهب وسبي داخل دار الإسلام، لكن أكثر ما بالأمر من مرارة أن بعض الأمراء تجاوزوا الذبح والسبي إلى مسألة جديدة وهي الاعتداء على الحجيج، مما أدى إلى تعطل هذه الشعيرة فترة من الزمن بالتالي، ما ذكره في هذا الجانب ليس سرداً تاريخياً، ولكن صورة من حالة البؤس الذي كلله انهيار الخلافة العباسية، ومدى انعكاس ذلك على أرض الواقع.
إن نظرة تحليلية على تلك الحوادث تشير إلى أن الإسلام كان الغائب الأكبر، فليست هي أخلاق المسلمين، وليست هي قواعد العمل الإسلامي المعروفة، بل إنها صورة عن مجتمع جاهلي لا يمت إلى الإسلام بصلة، وإذا أردنا أن نتفحص النصوص بشكل أدق، ونقف على تلك الحوادث؛ سنجد أن البلاد الإسلامية كانت تحتكم إلى منهجية سياسية غاب فيها الدين، واختفى وجه العلماء الذين بهم تتقدم الأمة، وسوف نجد أن كثيراً منهم كانوا آنذاك في بيت المقدس، وقد ذبحوا حينما دخلها الصليبيون مع سبعين ألف من أهل المدينة، بالتالي لم يكن الدين الإسلامي هو الوجهة التي تحتكم إليها الأمة، ولم تكن هناك حتى دولة واحدة بإطار سياسي معين لحظة قدوم الصليبيين، إنما ما كانت هناك هي مجموعة من الإمارات التي تتنازع فيما بينها، بحيث باتت الإمارة الإسلامية عبارة عن مدينة واحدة أحياناً، تماماً على طريقة الممالك القديمة في العهدين الفينيقي والكنعاني، وحدث أن افتدت بعض الإمارات الإسلامية نفسها ببيت المقدس التي سهلت دخول الصليبيين إليها، دون أن تدرك تلك الإمارات أن دخول الغزاة إلى هذه المدينة المقدسة سوف يؤدي إلى شلّ الأمة، ومنعها من التقدم إلى الإمام.
إن الحروب الصليبية قد أدت إلى تراجع في مشروع الأمة الإسلامية، وأدت إلى انحسار قوة الإسلام وتأثيره ليس مئتي سنة فحسب من عمر تلك الحروب، بل إننا نعيش اليوم آثار تلك الحروب، وآثار ذلك التراجع الخطير الذي أرسى صورة باتت تتكرر مع المشروع الصهيوني الشبيه في الكثير من الأوجه بالمشروع الصليبي، بوصفه نتاج أوروبا ذاتها، وعقليتها الدينية المتعصبة.(67/213)
الصليبيون بعدما استقروا في بيت المقدس شكلوا حلفاً مع الإمارات الإسلامية، واستخدموا جيوشها لقتال المسلمين أنفسهم، وشكلوا في تلك الحقبة قوة عسكرية استطاعت أن تخضع المنطقة لصالح المشروع الصليبي، وكان من أبرز نتائج تلك المرحلة أن الجهاد ضد الصليبيين حظرته الإمارات الإسلامية المجاورة للمملكة اللاتينية، وبقي لفترة طويلة يعتمد على عمل جماعات فردية هنا وهناك، ريثما استنهض الفعل القليل جهود الأمة فيما بعد، ولكن تبقى هناك مسألة مهمة فمع أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قد وجه المسلمين الأوائل في فتوحاتهم باتجاه فلسطين، ومع أن الجيش الإسلامي الأول هزم الروم في أولى معاركه في فلسطين، ومع وجود القيمة الكبيرة للقدس في نظر الإسلام؛ إلا أن قيمتها السياسية والاستراتيجية لم تكتشفها الأمة إلا عندما باتت في يد الصليبيين، في تلك اللحظة أدرك العرب والمسلمون أن مفتاح قوتهم رهن طهارة هذه المدينة من الغزاة.
الصهيونية وتكرار التجربة:
صحيح أن التاريخ لا يكرر نفسه بشكل متماثل، لكن التشابه في الوقائع والأحداث يفضي إلى نتائج متشابهة، وهو ما وقعت فيه الأمة الإسلامية أثناء الحرب العالمية الأولى، وقبيل بدء المشروع الصهيوني في بلادنا بشكل معلن، فالدولة العثمانية كانت تشكل دولة الخلافة، وقوة الأمة مجتمعة في تلك المرحلة، وكانت الناس قد ارتضت ذلك الشكل، وسكتت على أخطاء كثير من الولاة رغبة في الحفاظ على وحدة الأمة الإسلامية، إذ لا يبرر خطأ بعض الولاة أو استبدادهم - لظرف ما - فكرة الخروج عليهم، واستباحة دمهم وقتالهم، فقد كان من غير الممكن أن يتمكن الإنجليز من السيطرة على الأمة الإسلامية رغم ترامي إمبراطوريتهم الكبيرة، لأن الأمة الإسلامية كانت تحتمي وراء عقيدتها، والتي كان المطلوب إزاحتها، والاحتكام إلى أسس جديدة في الصراع؛ تسهل عليهم ضرب الأمة وتفتيتها والهيمنة عليها، ناهيك عن أن الأمة كانت تقاتلهم مجتمعة، فأراد الإنجليز إحداث شرخ في الأمة يعملون بموجبه على استخدام جزء من الأمة لمشروعهم ذلك، فلجؤوا إلى مكة المكرمة، واستقدموا أسماء كانت توحي بمظهرها وألقابها بأنها تمثل الإسلام، وبدأت إثارة الفتن والنعرات، وإعادة تمثيل لفكرة الدولة القومية التي داعبت عقول الكثيرين وذلك منذ حملة نابليون على مصر وعكا، فبدأ النظر إلى الأتراك بوصفهم أتراكاً، والى العرب بوصفهم عرباً، مما ساهم في تغذية تلك النزعة التي أطاحت عملياً من خلال الأمراء العابثين بدولة الخلافة.
ما كانت تريده بريطانيا هو تحطيم دولة الخلافة وليس نهضة العرب، وعندما اكتملت صورة إخراج العثمانيين من بلاد العرب لم تأت دولة العرب الإسلامية من خلال الأمراء الجدد، بل تماماً ذات الصورة القديمة التي كانت في العصر الإسلامي الوسيط، ومنذ تلك اللحظة والمشروع الإسلامي والعرب في موقع المركز منه يشهد تراجعاً خطيراً لا نزال نعيش تبعاته إلى الآن، بالتأكيد لقد خسرنا فلسطين بسبب هذه المحنة، لكن هذه الغزوة الصليبية كانت ماكرة بما فيه الكفاية، فلم نشاهد قدوم الغزاة عبر البسفور بالجحافل الكبيرة، لكن ما شاهدناه استغلالهم لأدوات عربية أدت فيما بعد إلى ضياع القدس، وفلسطين، وخضوع العالم العربي كله تحت الاستعمار من جديد.
إن المفارقة المؤلمة تتجلى في ما قاله الجنرال «اللنبي» لحظة دخوله القدس حينما قال قولته الشهيرة: «الآن انتهت الحروب الصليبية» فهذه المقولة تثبت حقيقة كامنة في نفوس الغرب من الرغبة لاستئناف الحروب الصليبية من جديد، لكن المؤلم أيضاً هو انصياع الأمراء العرب لتنفيذ رغبات المحتل، وعدم التعامل معه بصورته الحقيقية، فعندما يكون احتكامنا للإسلام وشرائعه سيظهر هؤلاء غزاة أرادوا النيل من الدولة الإسلامية، وعندما تكون السياسة وآراء الحكام الشخصية هي التي تصنع ثقافة الأمة لن ندرك ما نعانيه حتى نقع في صميم المأساة.
عندما دخل الصليبيون إلى القدس فإن كل الذين ساهموا في تسهيل وصولهم نالهم جزء من هذا السيف بشكل أو بآخر، وعندما توحدت الأمة في مشروعها بهدف إزالتهم كانت نهضة الأمة من جديد، وكانت قوتها وعزتها وكرامتها.
إن اختيار الإسراء إلى فلسطين والمعراج منها مسألة فيها الكثير من الدلالات، فقد أصبحت منذ تلك الفترة المكان الذي تتجه إليه الأمة الإسلامية بأفئدتها، فإذا ما أصيب هذا المكان بالضرر فإن الأمة بأكملها تتضرر، وما أن تلتف قلوب المسلمين حول القدس، وتتوجه إليها؛ إلا وكانت النتائج هي قوة هذه الأمة، وكرامتها من جديد.
فحول القدس كانت تتصارع الحضارات بغاية كسب عنصر القوة والمنعة، وحول القدس ينبغي أن تتوجه جهود الأمة، وتعمل على رفع وتيرة الفعل الجهادي القليل الذي فيها، بانتظار تحولات قادمة تزيل المشروع الصهيوني أساس بؤس الأمة، ومظهر نكبتها.
من كتاب ذيل تاريخ دمشق
ملاحظة: النص نشر في مجلة المجاهد الفلسطينية عدد 398
http://www.islamselect.com:المصدر
=============(67/214)
(67/215)
نظرية الدكتور كمال الصليبي وتاريخ فلسطين القديم
د. أسامه محمد أبو نحل
في دراسةٍ ليست بجديدة لتاريخ فلسطين القديم، قام الدكتور كمال الصليبي بتأليف كتاباً أسماه "التوراة جاءت من جزيرة العرب". والحق يقال، فإن هذه الدراسة جيدة، حاول فيها المؤلف نفي صلة بني إسرائيل أولاً واليهود ثانياً بفلسطين، وقام بسرد عدد من الوقائع والمعلومات ليدعم بها نظريته إزاء هذه القضية، ولم يكن بوسعي تجاهل عملٍ كهذا، رغم أنني قرأت هذا الكتاب منذ سنوات عدة، لكن اختلاف بعض الباحثين حول نظريته ما بين مؤيدٍ ومعارض، فإنني وجدت لزاماً علىَّ مناقشة الباحث عن بعض ما أورده في كتابه.
ومع اختلافي مع بعض أراء الدكتور الصليبي الواردة في كتابه، فإنني لا أتهمه بتغيير مسار التاريخ لهذه البقعة من الأرض ـ أي فلسطين ـ فهو باحث، والباحث يحاول دوماً دراسة الظواهر التاريخية للوصول إلى الحقيقة المجردة البعيدة عن أي أهداف دنيوية، لذلك نجده قد اجتهد قدر إمكانه، والمجتهد قد يصيب وقد يخطئ، غير أنه في النهاية حاول الوصول إلى نتيجةٍ ما، وكانت النتيجة التي وصل إليها، أن حركة تاريخ الكنعانيين وبني إسرائيل ثمَّ اليهود لم تكن أساساً في فلسطين، بل في جنوب غرب الجزيرة العربية، خاصةً فيما يحيط بمنطقتي عسير وجيزان، ودلل على صحة نظريته هذه بوجود عدد كبير من أسماء المدن الموجودة في تلك المناطق شبيهةً بأسماء المناطق الموجودة في فلسطين، أو بمعنى آخر أن الكنعانيين والإسرائيليين لمَّا هجروا موطنهم الأول في غرب شبه الجزيرة العربية إلى فلسطين، حملوا معهم أسماء مدنهم كنوعٍ من احتفاظ المهاجر الجديد بما يربطه بموطنه الأصلي.
وفي هذه الدراسة التي بين أيدينا سوف نقوم بذكر ما ذهب إليه الدكتور الصليبي والرد عليه إن اقتضى الأمر الرد، ونكرر القول إننا بذلك لا نبخس الرجل حقه فيما ذهب إليه، بل هو مجرد مجتهد، وعلى كل حال فكما يقول المثل العربي "لكل مجتهد نصيب".
يقول الدكتور كمال الصليبي في كتابه ص27: "لقد كان الأمر عبارة عن اكتشاف تمَّ بالصدفة، كنت أبحث عن أسماء الأمكنة ذات الأصول غير العربية في غرب شبه الجزيرة العربية عندما فوجئت بوجود أرض التوراة كلها هناك، وذلك في منطقة بطول يصل إلى حوالي 600 كيلو متر وبعرض يبلغ حوالي 200 كيلو متر، تشمل ما هو اليوم عسير والجزء الجنوبي من الحجاز، وكان أول ما انتبهت إليه أن في هذه المنطقة أسماء أمكنة كثيرة تشبه أسماء الأمكنة المذكورة في التوراة، وسرعان ما تبين لي أن جميع أسماء الأمكنة التوراتية العالقة في ذهني، أو جلها، ما زال موجوداً فيها، وقد تبين لي أيضاً أن الخريطة التي تستخلص من نصوص التوراة في أصلها العبري، سواء من ناحية أسماء الأمكنة أو من ناحية القرائن، أو من الإحداثيات، تتطابق تماماً مع خريطة هذه الأرض. وهي حقيقة ذات أهمية أولية، نظراً لأنه لم يثبت بعد إطلاقاً تطابق الخريطة الموصوفة في التوراة مع خريطة الأرض بين "النيل والفرات" التي اُعتبرت حتى اليوم أنها كانت بلاد التوراة.
وأكثر من ذلك، فإني لم أستطع العثور على مثل هذا التجمع لأسماء الأمكنة التوراتية، وفي صيغها الأصلية عادة، في أي جزء آخر من الشرق الأدنى. وهنا قدم الاستنتاج المذهل نفسه بنفسه: فاليهودية لم تولد في فلسطين، بل في غرب شبه الجزيرة العربية، ومسار تاريخ بني إسرائيل، كما رُوى في التوراة العبرية، كان هناك، في غرب شبه الجزيرة العربية، وليس في أي مكان آخر".
إن المؤلف يعتمد هنا على إثبات صحة نظريته بالمواقع الجغرافية، وهو تشابه أسماء عدد من المدن الموجودة في التوراة بأسماء مدن موجودة في غرب الجزيرة العربية، وهذا وحده لا يكفي لإثبات صحة ما وصل إليه، فمن المعلوم أن اسم مدينة واحدة ربما يتكرر في عدة بلاد وتحمل المسمى نفسه، فعلى سبيل المثال يوجد على سطح هذه الأرض ثلاث مدن تحمل اسم مدينة غزة، الأولى في جزيرة العرب في بلاد بني سعد بن زيد بن مناة بن تميم، وقد نسب الأخطل الشاعر المشهور الوحش إلى غزة الموجودة في جزيرة العرب. والثانية ببلاد المغرب، بينها وبين القيروان نحو ثلاثة أيام، والثالثة في فلسطين.
وفيما يخص قول المؤلف، أنه لم يثبت بعد إطلاقاً تطابق خريطة التوراة مع خريطة الأرض بين النيل والفرات، والتي اعتبرت حتى يومنا هذا على أنها بلاد التوراة، فقد ثبت بالفعل أنه لم يكن لبني إسرائيل ثمَّ لليهود وجود أو سيطرة على تلك البقعة الكبيرة من الأرض، فأقصى توسع أو امتداد كان لبني إسرائيل لم يتجاوز جبل الكرمل وتل القاضي في شمال فلسطين، إلى بئر السبع في صحراء النقب الفلسطينية، وكان هذا أعظم اتساع لأي مملكة إسرائيلية حتى في زمن داوود وسليمان أعظم ملوك بني إسرائيل، لدرجة أن الساحل الفلسطيني الممتد شمالي يافا إلى جنوب غزة كان تابعاً للحكم المصري، ولم يدخل أبداً تحت الحكم الإسرائيلي، وهذا يدلل لنا أن كل فلسطين لم تقع تحت حكم الإسرائيليين حتى في ذروة فتوحاتهم.(67/216)
كما أكّد بعض الباحثين أن مدينة القدس نفسها لم تدخل تحت الحكم الإسرائيلي، إلاَّ بعد عودة بني إسرائيل الذين اعتنقوا الديانة اليهودية من السبي البابلي زمن الحكم الفارسي للمنطقة، فلم يثبت بعد أن داوود صاحب أعظم توسع للمملكة الإسرائيلية قد تعبَّد في مدينة القدس ولا الذين حكموا من بعده، ولكن لكون أن التوراة كُتبت على يد بعض الكتبة المتأخرين أثناء وجودهم في السبي البابلي، فقد حاولوا جمع الذين سيعودون إلى فلسطين على مدينةٍ يقدسونها مع تبرير حق لهم فيها، الأمر الذي لم يتم إلاَّ بعد دمار القدس وقتل سكانها الكنعانيين الأصليين على أيدي البابليين.
أما بخصوص قول الدكتور الصليبي ص29-30، بأن اليهودية لم تولد في فلسطين، فهو بالفعل محق بذلك، لأن الديانة اليهودية ولدت في بابل أثناء فترة السبي وليس قبل ذلك، وذلك على يد الكاهن عزرا، فجماعة السبي البابلي كانوا يمثلون بقايا جماعة موسى، ثمَّ اختلط بهم ممن اعتنق ديانتهم من مختلف الأجناس، وقد جاءت تسميتهم باليهود نسبةً إلى مملكة يهوذا المنقرضة.
ويقول الدكتور الصليبي، إن الدراسة اللغوية لأسماء الأمكنة في الشرق الأدنى، إذا أخذت في اعتبارها التوزيع الجغرافي لهذه الأسماء، توحي بأن لغة الكتب اليهودية المقدسة، المسماة تقليدياً اللغة العبرية، هي عبارة عن لهجة من لغةٍ سامية كانت منتشرة في الأزمنة التوراتية في أنحاء مختلفة من جنوب شبه الجزيرة العربية وغربها ومن الشام (بما فيها فلسطين). ونظراً لعدم وجود تعبير أفضل، فإن هذه اللغة تسمى في يومنا هذا "الكنعانية" نسبةً إلى شعبٍ توراتي كان يتكلمها، وإلى جانب الكنعانية كانت هناك لغة سامية أخرى منتشرة في الوقت ذاته في شبه الجزيرة العربية والشام، هي الآرامية، التي سُميت كذلك نسبةً إلى الآراميين التوراتيين. وبغض النظر عمن كان الكنعانيون، ومن كان الآراميون، في الحقيقة، فإن اللغتين الكنعانية (العبرية) والآرامية كانتا تستخدمان بالتأكيد لدى مجتمعات مختلفة في غرب الجزيرة العربية، في مرحلةٍ واحدة، وفي الوقت نفسه، كما كان الأمر عليه في الشام.
والرد على ذلك، أن لغة أهل جنوب الجزيرة العربية لم تكن بالتأكيد الكنعانية أو حتى الآرامية، بل كانت لغة أهل اليمن، كما إن اللغة الكنعانية ليست بالتأكيد اللغة العبرية، فمن المعروف أن بني إسرائيل لمَّا دخلوا فلسطين كانوا يتكلمون اللغة المصرية الهيروغليفية، ونتيجة لاختلاطهم بالكنعانيين تكلموا باللغة الكنعانية التي أسموها "شفة كنعان"، كما أنه من المعروف أن اكتشاف اللغة الكنعانية تمَّ في مدينة أوغاريت الكنعانية شمال سوريا وليس في غرب أو جنوب الجزيرة العربية.
وبالنسبة للغة الآرامية، فهي متأخرة نسبياً بالنسبة للغة الكنعانية، فمن المعروف أن موجة الهجرة الآرامية إلى بلاد الشام تمت بعد الهجرة الكنعانية بنحو ألف عام، كما أن بني إسرائيل تكلموا باللسان الآرامي أثناء وجودهم في بابل ومنها اقتبسوا اللغة العبرية الخاصة بهم، وبما أن جميع اللغات العربية السامية مقتبسة أصلاً من اللغة العربية الأم، فمن الطبيعي أن تكون جميع هذه اللغات عبارة عن لهجات مستقاة من اللغة الأم، وندلل على ذلك بأن جميع اللهجات العربية اليوم والتي تتكلم بها الشعوب العربية منبثقة من اللغة العربية الفصحى، كما الحال بالنسبة للغة اللاتينية القديمة التي انبثق عنها عدة لغات مثل الإسبانية والإيطالية والبرتغالية وغيرها.
ولا يعقل أساساً أن يتحدث أهل غرب الجزيرة العربية وجنوبها بنفس اللغة أو اللهجة التي يتحدث بها أهل الشام، نظراً للبعد الجغرافي بينهما، فمن المحتم أن يتحدث كل منهما لهجة مغايرة للأخرى.
وما نهدف الوصول إليه من نتيجة، أنه أينما كان موطن بني إسرائيل الأول سواء في غرب الجزيرة العربية أو غيره، فهو لا يعني بحالٍ من الأحوال أحقيتهم بفلسطين، لأن أقواماً أخرى عاشت على ثراها قبلهم، وظل أحفاد هذه الأقوام يحيون فوق ثراها إلى اليوم، بينما كان بقاء بني إسرائيل في فلسطين مؤقتاً انتهى تماماً باستيلاء العراقيين سواء آشوريين أو بابليين على فلسطين، ومن تمَّ أخذ القبائل الإسرائيلية كسبايا إلى بلادهم، وعندئذ انتهى الوجود الإسرائيلي كليةً من على أرض فلسطين، أما بنو إسرائيل الذين عادوا فيما بعد إلى فلسطين تحت مسمى اليهود زمن الحكم الفارسي للبلاد، لم يكونوا أبداً من نسل يعقوب، بل ممن تهودوا في بلاد بابل.
ويضيف الدكتور الصليبي ص29-30 (الحاشية): أن أرض كنعان التوراتية كانت تقع في الجانب البحري من عسير، وليس في فلسطين والساحل الشامي.(67/217)
والحقيقة، فإن هذا الكلام خطير للغاية، إذ يعني أن موطن الكنعانيين والإسرائيليين الأصلي هو واحد، سواء كان في الجزيرة العربية أو إن الكنعانيين هاجروا إلى فلسطين فيما بعد وأعطوها اسمهم، فأصبحت بلاد كنعان، وهنا يصبح الاثنان أصحاب حق في هذه البقعة من الأرض حتى ولو كانت هذه البقعة في غرب الجزيرة العربية؛ إذ إنه من الثابت تاريخياً أن وجود الكنعانيين سبق الوجود الإسرائيلي بما لا يقل عن ألف وأربعمائة عام تقريباً، وبما أن الإسرائيليون قدموا إلى فلسطين عبر القوافل التجارية كما يقول الدكتور الصليبي، فهذا يعطيهم حقاً فيها، لأن الدكتور الصليبي لم يشر ولو إشارة صغيرة لتاريخ فلسطين قبل هجرة بني إسرائيل إلى موطنهم الجديد (أي فلسطين)، رغم التناقض الذي يبديه الدكتور الصليبي عن هجرة أقوام آخرين إلى فلسطين قبل الإسرائيليين مثل الفلسطينيين الذين وصلوا إليها حسب قوله من غرب شبه الجزيرة العربية أيضاً، وهو بذلك يؤكد نسبهم السامي الصريح، كما هاجر إليها الكنعانيون ليعطوها اسمهم على امتداد الساحل الشامي شمال فلسطين.
ونحن لا نرى أي مبرر لِما أورده الدكتور الصليبي لإثبات حق هو في الواقع ثابت للكنعانيين في وجودهم في فلسطين قبل مجيء بني إسرائيل إليها، فالكنعانيون بالفعل هاجروا إلى فلسطين من الجزيرة العربية قبل أي شعبٍ سامي آخر، ولم تعرف البلاد شعباً سامياً استوطنه قبلهم. أما بنو إسرائيل فقد قدموا إلى فلسطين كمحطة توقف لا أكثر ثمَّ رحلوا عنها زمن يعقوب إلى مصر وعاشوا في مصر فترة طويلة من الزمن تجاوزت الأربعمائة عام، ممَّا يدلّل على إن فلسطين لم تكن آنذاك مناسبة لإقامتهم بها، وإلاَّ لِما تركوها ورحلوا عنها طيلة هذه المدة.
ويضيف الدكتور الصليبي أن: الفلسطينيين أطلقوا على عددٍ من مستوطناتهم مثل غزة وعسقلان أسماء هي في الأصل أسماء لأماكن في غرب شبه الجزيرة العربية جاءوا منها، وفي شمال فلسطين، أعطى الكنعانيون أيضاً أسماء من غرب شبه الجزيرة العربية لبعض مستوطناتهم، وهي أسماء مثل صور وصيدون (صيدا) وجبيل وأرواد ولبنان، وعندما بدأ إسرائيليو غرب شبه الجزيرة العربية (وربما يهود آخرون من غير بني إسرائيل من غرب شبه الجزيرة) بالهجرة باتجاه الشمال للاستيطان في فلسطين، كائناً ما كان زمن الهجرة، أطلقوا بدورهم أيضاً أسماء من غرب شبه الجزيرة العربية على بعض مستوطناتهم الفلسطينية (وليس كلها بالتأكيد)، أو على أوابد دينية محلية استولوا عليها وعرّفوها بأوابد يهودية في غرب شبه الجزيرة العربية، وهي أسماء مثل يهوده (يهوذا) ويروشليم (القدس) وبيت لحم وحبرون (الخليل) وشمرون (السامرة) وجرزيم وعيبل والكرمل وربما الجليل وحرمون والأردن.
ويضيف قائلاً ص34-36: أن هذه الظاهرة مرتبطة بالهجرة في كل زمن، وفي كل أنحاء العالم، فالمهاجرون يحنّون دائماً إلى أوطانهم الأصلية، وكثيراً ما يسمون البلدات والأقاليم والجبال والأنهار، وحتى بلداناً أو جزراً بكاملها، بأسماء مألوفة حملوها معهم من مواطنهم القديمة.
والواقع أن ما ذكره الدكتور الصليبي لا يمكننا الاعتداد به، لأن مدينتي غزة وعسقلان أصلاً مدن كنعانية ولم يكن الفلسطينيون سوى قاطنين لهما، أما المدن التي ذكرها الدكتور الصليبي على أن الإسرائيليين قد أعطوا أسمائها لها في فلسطين على أنها موجودة أصلاً في بلادهم الأصلية، فتلك زلة لسان وقع بها، فهو بذلك يعطي اليهود الحق في إدعاءاهم بأحقيتهم بمدينة أورشليم وجرزيم والكرمل وغيرها من المدن، لأنه من الثابت أن جميع هذه المدن مدن كنعانية صِرفة، أسسها الكنعانيون بأنفسهم، كما أننا لو سلّمنا جدلاً بإدعاءات الدكتور الصليبي، فهذا يعني أن فلسطين قبل ذلك التاريخ لم يكن لها تاريخ، وهو يساوي بذلك بين بلدٍ كفلسطين معروف على مستوى الشرق الأدنى وبين أماكن أخرى تمَّ اكتشافها لأول مرة، فأعطاها المهاجرون أسماء مدنهم التي هجروها، فعلى سبيل المثال نجد بلداً كالولايات المتحدة الأمريكية وكندا، تعتبر جلّ أسماء مدنها أسماء لمدنٍ قديمة وعريقة موجودة أصلاً في بلدان المهاجرين إليها مثل مدينة لندن في إقليم أونتاريو الكندية المأخوذ عن مدينة لندن البريطانية العريقة، والمعروفة منذ زمنٍ بعيد، ومدينة فيلادليفيا في الولايات المتحدة الأمريكية المأخوذ عن مدينة فيلادليفيا (عمَّان) في شرق الأردن، ومدينة الإسكندرية الموجودة أصلاً في مصر وغيرها من الأسماء كثير مثل مقاطعة ويلز الجديدة في أستراليا المأخوذ عن أسم مقاطعة ويلز البريطانية.
إذن، فأسماء المدن التي ينقلها المهاجرون إلى مواطنهم الجديدة ليست دليلاً على ما ذهب إليه الدكتور الصليبي، لأن بلداً كفلسطين كما أسلفنا القول ليس بلداً حديث النشأة تمَّ اكتشافه بالصدفة من قِبل المهاجرين إليها، بل سكنته الشعوب عن طريق الإزاحة وهزيمة الشعوب التي كانت موجودة فيها أصلاً، فالكنعانيون عندما قدموا إليها وجدوا بها شعوباً تمكنوا من هزيمتها والاستيلاء على أراضيهم، وهكذا فعل بنو إسرائيل وغيرهم.
http://www.fustat.com المصدر:
===============(67/218)
(67/219)
أفي جهاد الصليبيين الغزاة شك؟
عبد العزيز التميمي
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
فضيلة الشيخ عبد المحسن العبيكان وفقه الله تعالى
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وأسأل الله لي ولكم العافية في الدنيا والآخرة وبعد:
فانطلاقاً من قوله صلى الله عليه وسلم : (الدين النصيحة قلنا لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم)، ومن باب التواصي بالحق ووجوب المناصحة بين المسلمين أكتب لكم بعض التعقيبات والإيرادات على ما طرحتموه وتطرحونه في الحوارات الفضائية والصحفية من بيان موقفكم من قيام المجاهدين السنة في أرض الرافدين برفع راية الجهاد ضد العدو الصليبي المحتل الذي غزا المسلمين في عقر دارهم، وقصدي من هذه المناصحة بالدرجة الأولى أنتم بارك الله فيكم؛ فإني أخاف عليكم من تبعات هذه الفتوى في الدنيا والآخرة، وإلا والحمد لله فالسواد الأعظم من المسلمين علمائهم وعامتهم قد أنكروا هذه الفتوى واستغربوا أن تصدر من أمثالكم.
أسأل الله - عز وجل - أن يهدينا لما اختلف فيه من الحق بإذنه إنه يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم والآن أرجو أن تفتح قلبك لهذه المناصحة وأن تتقبلها بصدر رحب وأن تحسن الظن بمسديها لكم.
فضيلة الشيخ: يرد على فتواكم بعدم مشروعية الجهاد في العراق الإيرادات التالية:
الإيراد الأول: من المعلوم أن الفتوى الشرعية حتى تكون مسددة وصائبة فلا بد لها من ركنين اثنين:
الأول: معرفة الواقعة التي يراد الافتاء فيها من جميع الجوانب.
الثاني: معرفة حكم الله فيها أو في مثلها وحينئذ ينزل الحكم على الواقعة وبهذا يتم إصابة الحق إن شاء الله - تعالى- ولتطبيق هذه القواعد على ما يدور الآن من جهاد وقتال بين المسلمين وبين الكفرة الصليبين الغزاة و المظاهرين لهم من المنافقين في العراق يتبين لنا ما يلي:
أولاً: توصيف الواقع: والواقع في أرض العراق أنها أرض إسلامية غزيت من قبل الأمريكان الكفرة وحلفائهم من الغرب والشرق واحتلوا هذه الأرض الإسلامية وفتنوا المسلمين أصحاب هذه الديار في دينهم ودمائهم وأعراضهم واقتصادهم.
ومما يتعلق بوصف الواقع أيضاً أن غزو الكفار لأرض العراق سيتعداه إلى الدول المجاورة للعراق فيما لو انتصر الكفار وفرضوا سيطرتهم على العراق لا قدر الله - تعالى - وهذا ما يلوحون به بل يصرحون به أحياناً بما يسمى بـ مشروع الشرق الأوسط الكبير-
ثانياً: معرفة حكم الله - عز وجل - في مثل هذه الواقعة:
قد حسم علماء الإسلام هذا الأمر بما لا يدع مجالاً للشك ولا للتردد والحيرة حيث قسموا الجهاد في سبيل الله - عز وجل - إلى قسمين:
(1) جهاد الطلب: وهو طلب العدو في أرضه وإخضاعه لدين الإسلام وهو فرض كفاية إلا أن يطلب الإمام النفير من عموم المسلمين فعندئذ يتعين، وكذلك الحال فيما لو حضر المسلم الصف للقتال فلا يجوز له حينئذ النكوص عن القتال ولو كان القتال في أصله كفائياً.
(2) جهاد الدفع: وهو جهاد الكفار الذين هاجموا المسلمين في عقر دارهم وراموا احتلال بلاد المسلمين وفرض حكمهم عليهم.
وهذا النوع من الجهاد هو الذي أفتى فيه أهل العلم بأنه فرض عين على أهل هذا البلد المغزو حسب القدرة المتاحة لهم فإن لم يستطيعوا وجب على من يليهم من بلدان المسلمين نصرتهم وفي ذلك.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى -: (وإذا دخل العدو بلاد المسلمين فلا ريب أنه يجب دفعه على الأقرب فالأقرب، إذ بلاد المسلمين كلها بمنزلة البلدة الواحدة)[1].
وقد نقل - رحمه الله تعالى -الإجماع على وجوب جهاد الدفع هذا، وأنه لا يشترط له شرط من توفر القدرة التامة والإمكانات، بل إن العدو يدفع حسب الإمكان؛ يقول - رحمه الله تعالى -: (وأما الدفع فهو أشد أنواع دفع الصائل عن الحرمة والدين فواجب إجماعاً، فالعدو الصائل الذي يفسد الدين والدنيا لا شيء أوجب بعد الإيمان من دفعه، فلا يشترط له شرط بل يدفع بحسب الإمكان، وقد نص على ذلك العلماء أصحابنا وغيرهم فيجب التفريق بين دفع الصائل الظالم الكافر وبين طلبه في بلاده). [2]
ولما سئل - رحمه الله تعالى -فيما لو تعارض إنفاق المال في الجهاد الذي يتضرر بتركه مع إطعام الجياع أفتى - رحمه الله - بقوله: (قدمنا الجهاد وإن مات الجياع كما في مسألة التترس وأولى؛ فإن هناك التترس نقتلهم بفعلنا وهنا يموتون بفعل الله). [3]
ويقول الإمام ابن القيم - رحمه الله تعالى -: (فقتال الدفع أوسع من قتال الطلب وأعمّ وجوباً، ولهذا يتعين على كل أحد أن يقوم ويجاهد فيه: العبد بإذن سيده وبدون إذنه، والولد بدون إذن أبويه، والغريم بغير إذن غريمه، وهذا كجهاد المسلمين يوم أحد والخندق، ولا يشترط في هذا النوع من الجهاد أن يكون العدو ضعفي المسلمين فما دون، فإنهم كانوا يوم أحد والخندق أضعاف المسلمين، فكان الجهاد واجباً عليهم، لأنه حينئذ جهاد ضرورة ودفع، لا جهاد اختيار) [4](67/220)
فهل يدع هذا الكلام الواضح الصريح الذي صرح به هذان العالمان الجليلان في حكم جهاد الدفع من قول لقائل أو فتوى لمفت بأن جهاد الأمريكان الغزاة في العراق غير مشروع
الإيراد الثاني: من حجج المانعين من جهاد المحتلين في العراق عدم مقدرة المسلمين هنالك على قتال الأمريكان وحلفائهم؛ وذلك لضعفهم وللأضرار العظيمة التي تصيب المسلمين من عدوهم من جراء ذلك.
والجواب على هذه الشبهة من ثلاثة أوجه:
الوجه الأول: سبق كلام شيخ الإسلام - رحمه الله تعالى - وتلميذه ابن القيم - رحمه الله - تعالى -وذلك بقولهما إن جهاد الدفع لا يشترط له شرط بل يدفع العدو الصائل حسب الإمكان؛ لأنه جهاد ضرورة ودفع لا جهاد اختيار، ولا أرى داعياً إلى نقل كلامهما مرة ثانية فليرجع إليه في الفقرة السابقة.
الوجه الثاني: إن القول بأن المسلمين في العراق لا قدرة لهم ولا حيلة لدفع عدوهم الكفار والمحتل كلام يكذبه الواقع ويرده، فما نراه اليوم ونسمعه من الإثخان الشديد والنكاية العظيمة بالكفرة الغزاة من قبل المجاهدين شيء يثلج صدور كل مسلم صادق محب لدينه وأهل ملته، وقد اعترف العدو الكافر بهذه المعاناة والإثخان مع محاولته التعتيم الشديد على نقل أخبار قتلاه وجرحاه وخسائره الكبيرة، فكيف يقال إنه لا قدرة للمسلمين هناك على قتال عدوهم ونحن نرى ونسمع ما يشفي صدورنا من هزائم متلاحقة للكفرة وأذنابهم من المنافقين؟
الوجه الثالث: لو سلمنا باشتراط القدرة لجهاد المحتل في العراق فما هي حدود هذه القدرة ومن الذي يحددها؟
وللجواب على ذلك نرجع إلى ما سبق بيانه من أن الفتوى والحكم على الشيء يقوم على معرفة الواقعة التي يراد الحكم فيها، وعلى معرفة حكم الله في مثلها، وإذا أردنا أن نطبق هذه القاعدة هنا على مسألة القدرة على قتال الغزاة في العراق فمن الذي يصف لنا هذا الواقع ويحدده بدقة؟ أهم الذين يعيشون هذا الواقع ويعرفون ما عندهم من القدرة وما عند عدوهم؛ ويعلمون الملابسات والظروف المحيطة بهم وغير ذلك من المسائل التي لها أثر في إعطاء الوصف الدقيق؟ أم أن الذي يصف هذا الواقع وبالتالي يفتي فيه هو من يجهل هذا الواقع ممن هو بعيد عن البلد وظروفه ومجريات الأمور فيه ولا دراية له بأحوال المجاهدين وقدراتهم ولا حال عدوهم وما يعاني من مشاكل وورطات؟ لا شك أن الجواب البدهي الموافق لقواعد الفتوى هو أن الذي يحدد القدرة ووجوبها من عدمها هو من يعيش في هذا الواقع ويراه و يلمسه، ويعاينه يوماً بعد يوم، فلا جرم أن كانوا هم أولى من يفتي في ذلك فهم الذين يقاسون حر وجرم العدو الغازي ويلمسون جبنه وخيبته؛ وثقتهم بالله - عز وجل - كبيرة في إلحاق الهزيمة به ولو بعد حين.
فليتق الله - عز وجل - أولئك الظالمون لأنفسهم الذين يفتون في واقع الجهاد وهم بعيدون عنه لا يعلمون عنه إلا نتفاً من هنا وهناك ـ وقد يكون أغلبها من الإعلام المضلل المخذل ـ وليتركوا الحكم على الوقائع لأهلها الذين يعانون حرها وقرها، ويعرفون مدخلها ومخرجها. نسأل الله - عز وجل - أن يرفع عنهم البلاء وأن يثبت أقدامهم وينصرهم على القوم الكافرين.
الإيراد الثالث: عندما غزا الروس الشيوعيون بلاد الأفغان في العقود الماضية أجمع علماء المسلمين على مشروعية جهاد الشيوعيين هنالك، وهب أغنياء الأمة وأغلب حكامها في مساندة المجاهدين في أفغانستان بالمستطاع من المال والعتاد والرجال، وبعد أن هزم الله الشيوعيين على أيدي المجاهدين وخرجوا أذلة صاغرين بعد ذلك بسنوات غزا الصليبيون أرض أفغانستان بقيادة أمريكا الطاغية ثم قامت بعد ذلك بغزو العراق واحتلاله والسؤال الذي يطرح نفسه الآن بقوة هو:
ما الفرق بين غزو الشيوعيين لبلاد أفغانستان وبين غزو الأمريكان الكفرة لبلاد الأفغان والعراق؟
أليس كلاهما عدوين كافرين قاما بغزو المسلمين في عقر دارهم واحتلوا بلادهم؟
إذن فما معنى كون الجهاد مشروعاً ضد الشيوعيين عندما احتلوا أفغانستان وليس مشروعاً عندما احتل الأمريكان الكفرة أفغانستان والعراق؟ وما معنى أن يهب المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها لنصرة إخوانهم المجاهدين في أفغانستان ـ هذا بنفسه وذاك بماله، وآخر برأيه وخبرته ـ ثم لا نجد هذه المناصرة للمجاهدين في أرض العراق المحتلة إلا من قلة من الناس على خوف ووجل؟ أليس في هذا تفريق بين متماثلين وتطبيق لمعيارين؟ وإن لم يكن هذا هو الواقع فما هو الجواب إذن؟
إني لا أجد جواباً مقنعاً إلا القول بأن أمريكا كانت راضية مؤيدة لذلك الجهاد لأنه ضد أعدائها الروس، أما في العراق فإن أمريكا هي الغازية وبالتأكيد هي المستهدفة بالقتال والجهاد، هذا هو الجواب المقنع لهذه التساؤلات المحيرة، ولكن هل هذا الجواب هو المنجي بين يدي الله - عز وجل -؟ وهل هو عذر لهذا التخذيل والتعويق والتباطؤ عن نصرة المجاهدين في أرض الرافدين؟(67/221)
وإهمالاً لهذا الجواب الصحيح سمعت من بعض المنتسبين للعلم جواباً آخر مفاده أن المجاهدين في أرض الأفغان كانت لديهم القدرة وكانوا يُدعمون من المسلمين بكل مكان، بل كانت بعض الدول الكافرة تدعمهم، أما الجهاد في العراق فليس له القدرة وليس هناك من يدعمه ولا من ينصره كما حصل ذلك في أفغانستان!!
ولا يخفى ما في هذا الجواب من اضطراب وحيدة عن الجواب الصحيح السالف الذكر. إن الأفغان لما بدؤوا الجهاد لم يكن لديهم الحد الأدنى من القدرة، وكانت بدايتهم ببنادق الصيد والأسلحة الشخصية عكس المجاهدين في العراق؛ فهم منذ بدايتهم وهم يملكون مخازن الأسلحة المتطورة والمتنوعة ولديهم أهل الخبرة في القتال فكيف يقال: إن جهاد الأفغان كان لديه القدرة وهذه بدايتهم، نعم لقد تلقوا بعد ذلك دعم إخوانهم المسلمين لهم، فلماذا لا يكون مثل هذا الدعم للمجاهدين في العراق؟ والجواب هو ما ذكرته آنفاً وهو الجواب الصحيح مهما حاول من يحاول الحيدة عنه، ولكنه والله لا يعذر عند الله - تعالى -ولا تبرأ به الذمة.
وأمر مهم لا بد من ذكره هنا:
ألا وهو التأكيد على أن دعم الجهاد في العراق أهم و آكد من دعم الجهاد السابق في أفغانستان ضد الشيوعية ذلك لأن جهاد الصليبين في أرض العراق والنكاية بهم وإلحاق الهزيمة بهم إن هو إلا دفاعاً عن المنطقة الإسلامية المحيطة بالعراق كلها وليس دفاعاً عن العراق وحده، وانتصار المجاهدين هنالك هو انتصار للمسلمين في البلاد المجاورة كلها؛ ذلك لأن الكفرة الغزاة قد أعلنوا ذلك في خططهم وطفح على ألسنة قادتهم كطرحهم مصطلح الشرق الأوسط الكبير.
وإن نجاحهم في إيجاد حكومة ديمقراطية بزعمهم يعني فرضها بعد ذلك على دول المنطقة، وقيامهم بالتدخل السافر في خصائص سياسة كل بلد كالجيش والتعليم والإعلام والاقتصاد وضرورة أن يمشي وفق النظرة الأمريكية، ولو تم انتصارهم في العراق لا قدر الله - عز وجل - ووجدوا أنفسهم مستقرين مرتاحين لا يزعجهم أحد بقتال ولا جهاد لبدؤوا بتنفيذ مخططاتهم في غزو دول المنطقة سواء بالغزو العسكري السافر أو الغزو المبطن الذي يتدخل في تغيير عقيدة الأمة وهويتها وثقافتها ويجعلها تابعة ذليلة للغرب الكافر.
إذن: فكسر الأمريكان في العراق والإثخان فيهم وجعلهم لا يذوقون الراحة والاطمئنان من شأنه أن يحمي العراق ودول المنطقة كلها من شر هؤلاء الكفرة، ومن شأنه أن يحبط عليهم مخططاتهم ومكرهم ويقطع الطريق عليهم حتى لا يفكروا مرة أخرى بغزو بلاد الإسلام.
أما لو ضعف الجهاد في العراق وخذل أهله كما يفعله الآن وللأسف بعض المنتسبين إلى العلم فإن النتيجة وخيمة على المسلمين بعامة وليس على أهل العراق خاصة. فليتق الله - عز وجل - من ينفر الناس من جهاد المسلمين في العراق؛ إنه بذلك يقدم خدمة كبيرة للغزاة الكفرة في التمكين لهم وإفساح الطريق الممهد لهم في تثبيت جذورهم في أرض العراق المسلمة، والتي ينطلقون بعد ذلك منها لفرض سيطرتهم العسكرية أو الفكرية التامة على بلاد الحرمين والخليج والشام.
أفيرضي المخذلون للجهاد في العراق بهذه النتيجة المرة؟؟؟
الإيراد الرابع: لو سلمنا جدلاً بما يقوله المانعون للجهاد في العراق بحجة العجلة والتهور وعدم القدرة أو بحجة الأخطاء التي يرتكبها بعض المجاهدين في قتالهم فما هو الموقف من هؤلاء المجاهدين بعد أن لم يسمعوا ولم يقتنعوا بحجج المانعين حيث بدؤوا جهادهم واشتعل القتال بينهم وبين عدوهم الكافر المحتل؟
هل يجب والحالة هذه دعمهم ومواصلة توجيههم ونصحهم والوقوف معهم أمام العدو الكافر؟ أم العكس من ذلك وهو تخذيلهم وتحذير الناس منهم ومن دعمهم؟ أم اعتزال الفريقين والنظر إلى هذا القتال على أنه قتال فتنة فلا يشارك فيه بيد ولا لسان ولا مال؟
هذه المواقف ثلاثة نضعها أمام المانعين للجهاد في العراق فما هو الموقف الصائب منها الموافق للشرع ومقاصده؟(67/222)
إن مما أقره أهل العلم في جهاد الكفار أنهم يرون قتالهم مع البر والفاجر لا يمنع فجور المسلم وفسقه من أن يقاتل معهم، إذا كان العدو كافراً بل حتى لو كان المسلمون المجاهدون أصحاب بدعة غير مكفرة لجاز أو وجب قتال الكفار معهم وبخاصة إذا كان القتال قتال دفع وصد للكفار عن ديار المسلمين، ولم يقل أحد من أهل العلم بأنه قتال فتنة؛ لأن قتال الفتنة هذا الذي يكون بين فئتين من المسلمين أما القتال بين الكفار وبين المسلمين فلم يقل أحد من أهل العلم بأنه فتنة ولو كان الصف المسلم متلبساً ببدع غير مكفرة أو فسوق أو أخطاء، بل يجب والحالة هذه مناصحتهم فيما هم عليه من أخطاء فإن استجابوا فالحمد لله وإن لم يستجيبوا لسبب أو آخر فلا يكون هذا مبررا لاعتزالهم فضلاً عن التنفير منهم أو التحذير من دعمهم أو نصرتهم، لأن في تخذيلهم أو التخلي عن نصرتهم إعانة ومظاهرة غير مباشرة للعدو الكافر الصائل، وتوهين للصف المسلم وإخفاق له مما قد يقود إلى انتصار الكفار وتمكينهم من بلدان المسلمين؛ وحينئذ لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة. فإذا تقرر هذا مع أهل البدع، فكيف والحال عند المجاهدين السنة في العراق أنهم ملتزمون بمنهج أهل السنة الجماعة؟
والمقصود أن يتقي الله - عز وجل - هؤلاء المخذلون للمجاهدين والمنفرون عن جهاد الكفار بحجة أخطاء المجاهدين أو تسرعهم، وبما أن سوق الجهاد قد قام بين المسلمين وأعدائهم الكفرة فليس أمام المسلم إلا أن يتولى إخوانه الذين يجاهدون الكفرة الغزاة ولو كان يرى أنهم مخطئون ما دام أن هذا الخطأ لم يخرجهم من الإسلام.
أما أنه ـ لا قدر الله - تعالى -ـ يضع نفسه في خندق المخذلين لهم المضعفين لشوكتهم، فما أقرب هذا الخندق من خندق الكفرة المعتدين؛ لأن فرحهم بذلك سيكون شديداً،
ويكفي بفرح الكفار وسرورهم بهذه المواقف المخذلة مقتاً وشناعةً ونكراً، فإن المتعين على المسلم أن يقوم بما يغيظ الكفار ويحزنهم لا بما يفرحهم ويسرهم؛ قال - تعالى -: ((أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ)) (المائدة: من الآية54) وقال - تعالى -: ((مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْأِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً)) (الفتح: 29).
وقال - تعالى -: ((وَلا يَطَأُونَ مَوْطِئاً يُغِيظُ الْكُفَّارَ وَلا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلاً إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ)) (التوبة: من الآية120).
الإيراد الخامس: لا أدري ما هو موقف من يفتي بعدم مشروعية الجهاد في العراق والاستسلام للأمر الواقع وعدم مدافعته..لا أدري ما موقفه فيما لو غزت أمريكا بلاد الحرمين لا قدر الله - عز وجل - ونصبت فيها أحد عملائها حاكما على المسلمين فهل يرى الاستسلام لذلك والرضى به وعدم مقاومته أم أنه يرى جهادهم ودفعهم قدر الإمكان؟
فإن كان الجواب بالاستسلام والرضى بالواقع فهو الخزي والعار والشنار وإن كان الجواب هو الجهاد والدفع فقد وقع في التناقض والاختلاف في تطبيق المعايير والتفريق بين المتماثلين إذ ما الفرق بين بلاد الحرمين وبلاد الرافدين أليس كل منهما أرضا من بلاد المسلمين؟
وأختم هذه الرسالة بتذكير نفسي وتذكير الشيخ العبيكان بضرورة مراجعة النفس ومحاسبتها والحذر من الأهواء الخفية التي قد تخفى على صاحبها فيظن أنه متجرد للحق فتدفعه لمثل هذه الآراء الشاذة وكما أخبر المعصوم صلوات ربي وسلامه عليه فإن الرجل ليتكلم بالكلمة لا يرى بها بأسا يهوي بها سبعين خريفا في النار وإن سلف هذه الأمة وخيارها كانوا يخافون على أنفسهم من النفاق والفتنة على ما وقر في قلوبهم من الإيمان و مجانبتهم لأسباب النفاق وذرائعه وتحريهم للحق والصواب وطلبهم له من مصادره الأصيلة كما أطلب منه الوقوف على تلك الإيرادات السابقة وغيرها من الإيرادات ومراجعة فتواه وعرضها على ميزان الكتاب والسنة بفهم خيار الأمة والتراجع عنها علنا إبراء لذمته أمام الله - عز وجل -، أسأل الله - عز وجل - أن ينصر دينه ويعلي كلمته ويعز جنده كما أسأله - سبحانه - أي يهدينا لما اختلف فيه من الحق بإذنه إنه يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما كثيراً.
----------------------------------------
[1]الاختيارات الفقهية ص 447
[2 ]الاختيارات الفقهية ص 309، 310
[3]الفتاوى الكبرى 4/608
[4]الفروسية لابن القيم ص 187
27/12/1425 هـ
http://www.islamlight.net المصدر:
==============(67/223)
(67/224)
(67/225)
الإرهاب الصليبي
ماجد بن عبد الرحمن الفريان
الخطبة الأولى
أما بعد: فيا عباد الله اتقوا الله حق التقوى.
معاشر المسلمين:
إن لكل عِلمٍ مصطلحاتُه، التي تُستخدم للتعبير عن حقائقه العلمية، ولكلّ فنٍّ كلماتُه، التي تشرح أصوله وفروعه وجزئياتِه
السياسة عِلْمٌ من جهة، وفنٌّ من جهةٍ ثانية. لذلك فهي تزخر بالمصطلحات العلمية والفنية، التي تدلّ على الموقف أو الظرف أو الحادثة، في مكانٍ وزمانٍ معَيّنَيْن. غير أنّ السياسة في عصرنا الحالي، الذي يصطلي فيه العالَمُ بجحيم النظام العالمي الجديد..لم تَعُد عِلماً ولا فنّاً، فقد حوّلها (رعاة البقر) وأذنابهم، إلى أكوامٍ من (الخزعبلات) و(الخرافات)، فأصبحت السياسة عِلم (اللفّ والدوران) وفنّ (الاحتيال والتلاعب والخداع والنفاق)، وتحوّل العالَمُ إلى مسرحٍ، أقرب للشعوذة منه إلى السياسة الحقّة، وتكاثر المشعوذون بشكلٍ مذهلٍ، فأصبحت السياسة مهنة كلّ المخاتلين، الذين وجدوا فيها سِتاراً لنفاقهم وغشّهم ومواهبِهِمُ الخادعةُ الباهرة!..
إنّ للعولمة بعض مزاياها الإيجابية القليلة، لكنها متخمة بالسلبيات الكثيرة، وأهم ما في العولمة من سلبيات، أن يتحوّل العالَم بمؤسساته وسياسيّيه إلى: (جَوْقةٍ) ممتدّةٍ تُردّد ما يُردّده الغرب بحسن نيّةٍ أحياناً، وبسوء نيّةٍ في أغلب الأحيان، ويصبح العالَم بكلّ مؤسساته السياسية والإعلامية، أسراباً من (الببّغاوات)، يسوقها غُرابٌ واحد!..
وكلَّ شيءٍ ممكنٌ في زمن السياسة العرجاء، وعصر المصطلحات العوراء، زمن الصلف الصليبي اليهودي.
• فالقتل والسحل، والإبادة واسترخاص الدم البشري يصبح: (دفاعاً) مشروعاً عن النفس!..
• والتشريد والتدمير، واقتحامُ البيوت وهدمُها فوق رؤوس ساكنيها، وإبادةُ البشرِ والشجر، والزرع والضِّرع؛ تصبح: (مبالغةً) في العنف!.. أو(خطأً) بشرياً مبرّراً!
• وانتهاكُ سيادة الدول، وخرق القوانين الدولية التي التزموا بها، واتفاقيات الأمم المتحدة، وشنّ الغارات وعمليات التجسّس والاغتيال السافر تصبح: (تصعيداً) أو (تسخيناً)!.. أو (مكافحةً) للإرهاب!..
• و يصبح الاحتلال السافر لمجموعةٍ من الأراضي: (إعادةَ انتشار)!.. والحربُ تصبح: (السلام)!..
• ويصبح الجهاد لتحرير البلاد والعباد من رِجس المحتلّ الغاصب: (إرهابا)!..
• والفساد في الأرض يصبح: (تطهيراً)!..
• وبائعُ الأرض بثمنٍ بَخْسٍ، وهاتكُ العِرض، وقاتلُ الأحرار ومعذّبُهم يصبح: (زعيماً تاريخياً)!..
• والاستخذاء والاستسلام والجُبن يصبح: (ضبطاً للنفْس)!..
• والخروج عن أبسط معاني الشرف والقِيَمِ والدّين والخلق القويم السويّ يصبح: (تقدّماً وتحضّراً)!.. و(خيراً) في مواجهة (الشرّ)!..
• وتصبح الخيانةُ: (حُنْكةً)!.. والعبوديةُ والمهانةُ والذلُ: (تحرّراً)!.. والاحتلالُ بكلّ أشكاله: (استقلالاً)!..
• والتحيّز السافر: (حياديّةً)!.. والتواطؤ مع المجرمين والظلم والظالمين: (نزاهةً) و(إحقاقاً للحقّ)!.. و.. إلى آخر كلمةٍ من المعجم السياسيّ العالميّ اليهوديّ الصليبيّ..
إنها لعبة المصطلحات وسِحرها، ومعاجمها المعاصرة، بكلّ شعوذتها ونفاقها ودَجَلِها، وجهلها....
معاشر المسلمين: ولم يسجل التاريخ قضية تجمعت فيها الأحقاد العالمية، وبرزت فيها المتناقضات الدولية، وتجلى فيها التلاعب بالمصطلحات اللفظية، مثلما سجل في قضية فلسطينَ المسلمةِ وقدسها المقدسة.
ولقد آن لكلِّ مسلمٍ أن يُخرجَ القلمَ ويَكتُبَ، وأن يرفعَ عقيرتَه ويَندُبَ، وأن يرتقيَ منبرَه ويَخطُب، وأن يرفعَ سلاحَه ويَضرِب... نعم؛ حان الوقت!؛ فدعوني أبثُّ إليكم أحزاني، وأقصُّ عليكم قصة الجاني، يوم سلبَ مني أندلسَ وفلسطينَ وبعضَ أوطاني.
هل قلت حان اليوم: بعد بضع وخمسين عاماًَ من الفشل الذريع في الحرب وفي السلام.
لا... بل إن الأوانقد آن وحل من عشرات السنين، منذ بضع وخمسين سنة، نعم ما كان لإسرائيل أن تبقى وتعلو أو لتوجد أصلاً لولا تقدير الله لها ذلك، ثم تقصير المسلمين، في سلسلة من الأخطاء المترادفة، والخطايا المتراكمة، ممن وضعوا أنفسهم في واجهة هذا الصراع الديني الاعتقادي؛ حيث تعمد هؤلاء عن سابق إصرار وترصد أن يفرغوا هذا الصراع من محتواه الاعتقادي وخلفيته الدينية
في الوقت الذي يتعمد فيه اليهود بصبغه الصبغة العقدية في كل جزئياته.
أما بنو قومنا فإنهم لما تخلوا عن الله وشرعه ومنهجه حرمهم الله من نوره وبصيرته التي بها يبصر أولياؤه المؤمنون الصادقون، وأضحى الحل الصحيح لهذه الأزمة الثقيلة مجهولاً لديهم مستغلقاً عليهم، لتخلي الله عنهم ( نَسُواْ اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ )[الحشر: 19].
يتجلى ذلك إخوة الإسلام في جميع محاولاتهم اليائسة التي تستهدف إقناع دولة الكفر بأن اليهود يمارسون عليهم الإرهاب الدولي المنظم لكي يفعلوا شيئاً تجاه اليهود.
نسوا أن بريطانيا هي التي جاءت باليهود ابتداءً مقابل دعمهم لها بالمال في الحرب العالمية الثانية، فكيف تستنكر اليوم عليهم أو تعطي موعداً مكفراً لسيئتها يقضي بإقامة دولة فلسطينية!!!.(67/226)
إن بريطانيا لم تنسحب رسمياً ولم تلغ انتدابها لفلسطين إلا لما رأت تفوق اليهود وانتصارَهم على المسلمين في حرب سبعٍ و ستين بعد أن ساعدتهم في الاستيلاء على الدوائر الحكومية، ومعسكرات الجيش، ومستودعات الأسلحة بما في ذلك الطائراتِ، والدباباتِ، وخطوطِ السكك الحديدية بقطاراتها ومعداتها، وكذلك المطارِ الدولي، والميناءِ الرئيسي، فكيف تأتي اليوم لنصرة المسلمين عليهم؟؟!!.
نسوا أم جهلوا أن أمريكا هي التي تعين اليهود وتمدهم بالمال والسلاح وتستعمل حق النقض في كل شيء يمثل غضاضة عليهم، وأن إسرائيل بدون أمريكا لا تعتبر شيئاً. !!!!
ألم يتذكروا أيضاً أن مجلس الأمن هو الذي أقر الدولة اليهودية واعترف بها بمجرد طلب بسيط منها ولم يعترف بالدولة الفلسطينية إلى اليوم!!!.
وهو الذي ساعد دولة اليهود في تطبيق قراراته المناسبة لها، وتغاضى عن كل قرار أصدره مكْرَهاً فلم يطبقه عليها.
لم يعتبروا بما يفعلونه اليوم جميعاً من المغازلات السياسية لليهود والعبارة اللطيفة لهم، وأيمانهم المغلظة أنهم لن يتركوا أمن إسرائيل نهبة لهؤلاء المتجبرين الذين يحملون الحجارة باليمين.
فترى الإدانة تلو الإدانة للإرهاب عندما تحصل العمليات الاستشهادية وترى التغاضي والخرس الذي يغيظ القلوب عندما تكون الاعتداءات من جانب الطفل المدلل.
تدخل القواتُ اليهوديةُ بالأسلحة الأمريكية من الدبابات والمجنزرات ومروحيات الأباتشي في القرى والمدن والأحياء السكنية تقصف المدنيين وتقتل المارين وتهدم البيوت وتغتال الناشطين وتقصف النائمين وتستهدف الأطفال في الرؤوس، وتمنع سيارات الإسعاف من الإنقاذ، وكل هذا حق مشروع في الدفاع عن النفس، ولا يستوجب من دول الكفر إلا التعبيرَ عن القلق من الأحداث، أو مناشدة الطفل المدلل (إسرائيل) لكي يضبط نفسه عن حقه المشروع.
لا أريد أن أعقد المقارنات الطويلة ـ كما تفعل السلطة ـ بين موقف الكفر مع الكفر وموقفه مع الإسلام، فالموازنة واضحة ولا تحتاج إلى إقناع.
وكذبهم عرفه القاصي والداني وحقدهم أزكمت رائحتُه الأنوف؛ غير أن القائمين على القضية لا زالوا يقنعون دول الكفر بأن هناك فرقاً في تعاملهم مع الكفر وتعاونهم مع الإسلام.
هل نسي القائمون على القضية تلك الأبعاد التاريخية والقضايا العقدية؟.. لا... لم ينسوا ذلك ولكنهم عموا وصموا، لما أعرضوا عن شرع الله ( خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ )[البقرة: 7] (وأفسدوا في القضية وكان أبطال الحجارة يريدون الإصلاح فقيل لهم في ذلك فقالوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِن لاَّ يَشْعُرُونَ ) [البقرة: 11، 12].
لما رأوا دول الكفر فتحت طريقاً لدعم الإرهاب الإسرائيلي وطريقاً آخر لاستقبال الشكاوى عليه، عمت عيونهم وبصائرهم عن الطريق الداعم للإرهاب الإسرائيلي فاصطفوا في طريق بث الشكاوى، يستجيرون بأمريكا وبريطانيا ومجلس الأمن وهم أساس كل بلية ولم يعلموا أن:
المستجير بعمرٍ بعد كربته *** كالمستجير من الرمضاء بالنار
معاشر المسلمين، إن الأطماع في الأرض المقدسة ليست من اليهود فقط ولكن النصارى يشاركونهم في هذه الأطماع، ونحن اليوم في حرب مع الجميع من اليهود والنصارى، فمن الغباء وغيبة الوعي أن نستجير بهم ونستعديهم على أنفسهم ومطامعهم ولم يحصل هذا في التاريخ إطلاقاً... لكنْ من لم يجعل الله له نوراً فماله من نور.
معاشر المسلمين: لقد علمت دول الكفر المعاصرة أن السلطة المتحدثة باسم القضية الفلسطينية اليوملم ترفع بالإسلام رأساً وإنما هدفها هو إقامة دولة علمانية، فحرصوا عليها وجعلوا الاعتداء عليها شيئاً محظوراً؛لأنها هي التي تحقق مطالبهم وهي التي تقدم التنازلات عند الضغط عليها، ثم إن البديل عنها هو الشيء الذي يخلق الرعب في قلوبهم وهو الحل الجذري للصراع، ألا وهو الانتفاضة والجهاد في سبيل الله - تعالى -، لا في سبيل القومية العربية، ولا الدفاع عن الوطن والتراب. ولقد علمت الأمة الإسلامية اليوم أن الأرض المقدسة لن تحرر من خلال التسكع في المنتجعات ولا من خلال الجلوس مع العلوج على الطاولات وإنما الحل هو فعل النبي مع اليهود عندما نقضوا العهود.
نعم... الجهاد في سبيل الله حاصرهم حتى نزلوا عند حكمه من الجلاء أو القتل..... إن الحل مع اليهود هو قوله: ((لقد جئتكم بالذبح)) كما عند أحمد وكما في قول الصحابي: (من يبايعني على الموت).
نعم. إن الحل مع هؤلاء ليس في السلام والوئام، ونحن نعلم أن الحق عندهم لا يؤخذ بالمدمع ولكن بالمدفع، لا يؤخذ بالسلم ولكن بالحرب، لا يؤخذ بالضعف ولكن بالقوة.... ليس السلام هو الحل، ولكن الجهاد هو الحل.
معاشر المسلمين: إن الذي هزم وتراجع أمام اليهودية والنصرانية ليس هو الإسلام بل العلمانية. والذي ألقى السلاح وطلب الاستسلام ليس هو الإسلام بل العلمانية. نعم لم ينهزم الإسلام أمام اليهودية والنصرانية في تلك المعركة لأنه لم يمكن أصلاً من الدخول في هذه المعركة العقائدية التي تدار عقائدياً من جانب واحد.(67/227)
أما من نصب نفسه للدفاع عن القضية فإنه لم يرفع بالإسلام رأساً، ومن كانت هذه حاله فإن كلام الليل يمحوه النهار ورفضه بالأمس ينقلب إقراراً اليوم، يؤثر في قراراته مصالح شخصية ومواعيد وهمية من الدولة اليهودية.
اللهم انصر من نصر الدين واخذل من خذل عبادك المؤمنين
أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم....
الخطبة الثانية
أما بعد: فيا عباد الله،
إن مشكلة الأرض المباركة جزء يسير من مصيبة معقدة في واقع الأمة الإسلامية اليوم، ألا وهي ما سيطر على الأمة من روح الانهزام أمام أعداء الإسلام، حتى بلغت الأمة في ذلك مبلغاً من الانحطاط والتقهقر لا مزيد عليه والله المستعان، فرضيت بالقعود، واستسلمت للغزاة، وتخلفت عن القيام بالواجب، ورغبت في المزيد من الانغماس في الترف الذي غرقت في أوحاله إلى أذنيها، فلا يزيدها العبُّ منه إلا حرصاً على العب منه من جديد.
ولم تعلم الأمة أن طريق عزها ومجدها فيما أمرها الله به وأرشدها نبيه إليه من الجهاد في سبيل الله - تعالى -، وهذا الذي نعلمه علم اليقين، وأما الاستخذاء والاستجداء للكافرين فلم يكن يوماً من الدهر طريقاً للعزة والكرامة واستعادة الحقوق المسلوبة والأراضي السليبة، ولقد أعزنا الله بالإسلام وما فيه من الجهاد فمهما ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله، ولن تُحل هذه القضية حتى يقيض الله لها الأبطالَ المجاهدة والليوث المستأسدة من أمثال: سعدِ بن أبي وقاص والقعقاعِ بن عمرو التميمي، و صلاحِ الدين الأيوبي وغيرِهم - رضي الله عنهم - أجمعين.
وإن استدعاء حقائقِ التاريخ ودروسِ الماضي ليبين لنا عن كثب كيف كان الجهاد في سبيل الله - تعالى -عروةً وثقى في سبيل عزة الأمة ونجاتها، وصمامَ أمانٍ في علوها ومجدها، فلقد انقلبت الموازين على المسلمين في القرن الرابع والخامس الهجري، حتى ظن الناس أنه لا فائدة من محاولات التغيير، وسيطر أهل البدع والأهواء وتشبث الحكام بمواقعهم ولو على حساب الأوطان، وبلغ التفرق والتشتت مداه، ثم جاء الفرج من الله بعد أن تمهدت له الأسباب؛ من العودة إلى الدين وانتشار العلم وبعث المجددين من الأمراء الذين فيهم دين وشجاعة وحبٌّ للجهاد، من أمثال نور الدين محمود وصلاح الدين الأيوبي فربوا الأمة على الجهاد ووحدوا صفوفها في مواجهة الكافرين، حتى أكرمهم الله بفتح بيت المقدس بعد احتلال زاد على التسعين عاماً.
ولم ير مثل الجهاد جامعاً للأمة المحمدية، وهي اليومَ تحتاج إلى تيار كبير يقوده العلماء الحكماء مع الأمراء الموفقين كما التقوا في عهد صلاح الدين الأيوبي - رحمه الله - وكما حصل في بداية نشأة الدولة السعودية الأولى عندما التقى الإمامان محمد بن سعود ومحمد بن عبد الوهاب عليهم رحمة الله.
اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أهل الطاعة ويعاف فيه أهل المعصية ويؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر وتقال فيه كلمة الحق لا يخشى قائلها في الله لومة لائم.
اللهم هيئ لهذه الأمة من يقيم علم الجهاد ويجدد أمر الدين.
http://www.alminba صلى الله عليه وسلم net :المصدر
==============(67/228)
(67/229)
أمير الشام عماد الدين رائد الجهاد الإسلامي ضد الصليبين
شريف عبد العزيز
مقدمة:
عندما يحيى الإنسان لهدف ما يجعله نصب عينيه بحيث لا يرى غيره ولا يعمل إلا لتحقيقه ولا يفكر في سواه، يدندن حوله ليل نهار، يسعى للوصول إليه بكل السبل، فإن هذا الإنسان مهما كان حاله يستحق الإعجاب والثناء والتقدير، كيف إذا كان هذا الهدف هو الدفاع عن الأمة الإسلامية وإنقاذ المقدسات الأسيرة وتحرير الأراضي المحتلة، كيف وإذا كان الساعي لتحقيق هذا الهدف السامي هو أول من سعى لتحقيقه؟ وكيف إذا كان معظم من حوله أو حتى كلهم يعمل ضده ويعيقه في هذا السعي الحميد؟ فهو كالمغرد والطائر وحده في سماء مليئة بالغيوم والكواسر، وبطلنا الذي سنسرد سيرته هو رائد الجهاد الإسلامي ضد الوجود الصليبي بالشام بعد أن ظن الجميع أنهم لن يخرجوا أبداً من بلاد الإسلام، هذا البطل الذي كسر أسطورة الصليبيين الذين لا يقهرون هو البطل العظيم عماد الدين زنكي.
البطل بن البطل
كان من النتائج الطيبة لاهتمام الوزير العظيم 'نظام الملك' بالعلم والمدارس وأهل الصلاح خلال وزارته لسلاطين السلاجقة العظام ألب أرسلان وولده ملكشاه، وحرصه على استعمال الأكفاء وأصحاب الديانة في المناصب الهامة والقيادية، أن سطع نجم العديد من الرجال والأبطال على مستوى عال من الكفاءة والمسئولية وكان لهم الأثر العظيم في حفظ بلاد الإسلام، من هؤلاء القائد ' آق سنقر بن عبد الله التركي ' الملقب بقسيم الدولة وكان له مكانة عظيمة عند السلطان ملكشاه السلجوقي حتى أنه قد جعله والياً على حلب، وقد قتل هذا القائد في دفاعه عن الدولة السلجوقية ضد الخارجين عليها ولم يترك وراءه سوى ولد صغير في العشرة من العمر هو بطلنا الفذ ورائد الجهاد ضد الصليبيين عماد الدين زنكي.
*تولى الأمير كربوقا أمير الموصل تربية عماد الدين زنكي وتعهده بالعناية والرعاية وتعليمه فنون الفروسية والقيادة والقتال، ثم انتقل عماد الدين بعد ذلك للعمل في شحنة بغداد بعد أن أبان عن فروسية وذكاء وصلاح، وترقى في سلك الجندية حتى صار مقدم عساكر مدينة واسط ثم ظهرت كفاءته القتالية سنة 517 في قتاله مع الخليفة العباسي المسترشد بالله ضد أحد الثوار الشيعة واسمه 'دبيس بن صدفة' مما جعل السلطان السلجوقي محمود يرقيه ليصبح قائد شحنة بغداد سنة 521 هجرية ويعطيه لقب الأتابك أي مربى الأمير، ذلك لأنه توسم فيه الخير والصلاح والنجابة، فعهد إليه بتربية ولديه ألب أرسلان وفروخ شاه.
من قيادة إلى ولاية
بعد أن أصبح عماد الدين زنكي قائداً لشحنة 'شرطة' بغداد، حدث تغير كبير في مجرى الأحداث في منطقة الشام الملتهبة حيث توفى أمير الموصل عز الدين مسعود، وحاول بعض المنتفعين توليه ولده الصغير مكانه، ولكن قاضى الموصل بهاء الدين الشهرزوري ذهب إلى السلطان محمود وطلب منه تعيين أمير قوى وكفء للموصل التي على حدود الشام حيث الوجود الصليبي الكثيف في سواحل الشام منذ ثلاثين سنة و الذي أسفر عن قيام أربع ممالك صليبية [أنطاكية ـ الرها ـ طرابلس ـ بيت المقدس].
بعد تفكير سريع وإمعان نظر عميق قرر السلطان محمود أن يسند ولاية الموصل وأعمالها إلى بطلنا عماد الدين زنكي، الذي لم يجد السلطان محمود أفضل منه لهذه المهمة، وكانت هذه الولاية سنة 521 هجرية أى بعد شهور من قيادته لشحنة بغداد، وكان هذا التاريخ إيذاناً بعهد جديد في الصراع ضد الصليبيين وفاتحة خير على الأمة كلها.
الأوضاع على الجبهة الشامية
عندما تولى عماد الدين زنكي الموصل تسنى له أن يرى الأوضاع على الجبهة الشامية عن قرب حيث كانت الصورة قاتمة فالصليبيون قد احتلوا معظم سواحل الشام وأقاموا أربع إمارات صليبية بالشام والجزيرة، أما المدن والحصون التي تحت حكم المسلمين فهي تعانى من الفرقة والاختلاف والتنافر وربما التقاتل فيما بينها، فكل وال على مدينة يتعامل فيها كأنه ملك مستقل عن سائر البلاد، وأغلبهم بل كلهم يتقى شر الصليبيين ويتحاشى الصدام معهم خوفاً على ضياع ملكه وانهدام دنياه، وهذا الخذلان من ولاة الأمصار سهل للصليبيين مهمتهم وجعل وجودهم في الشام يترسخ شيئاً فشيئاً.
أضف إلى ذلك أن الأمصار الإسلامية كلها تقريباً كانت في حالة فوضى واضطراب، فالخلاف على أشده بين أمراء البيت السلجوقي بعضهم بعضاً، كذلك الخلاف بين السلطان مسعود السلجوقي والخليفة العباسي المسترشد بالله على أشده.
ومن خلال النظر في هذه الأوضاع كلها قرر عماد الدين زنكي أخذ زمام المبادرة والقيام بعمل لم يسبقه فيه أحد ووضع نصب عينيه هدفاً عظيماً طالما حلم المسلمون بتحقيقه ولكن يتعد نطاقه الأحلام إلى الحقيقة، قرر البطل تحرير بلاد الشام من الوجود الصليبي.
بناء القاعدة الصلبة(67/230)
*من البديهيات الأساسية في قتال أي عدو وطرد أي محتل وتحرير أي أرض أن تكون جبهة المقاومة والدفاع واحدة صلبة مجتمعة، إذ كيف يجاهد المسلمون بصف متهرئ ممزق لذا كان أول ما سعى عماد الدين لتحقيقه هو تكوين وبناء القاعدة الصلبة للمسلمين بتوحيد الجبهة الداخلية للشام، وربما كانت هذه المهمة هي أصعب مرحلة في مراحل الانتصار.
بدأ عماد الدين زنكي بمدينة 'حلب فضمها إلى الموصل في 1 محرم سنة 522 هجرية أي بعد شهور قليلة من ولايته على الموصل مما يوضح أن هذا الرجل الفذ كان يملك خطة شاملة ورؤية واضحة معدة سلفاً لحركته بأرض الشام، ولم يكن ضمة لمدينة 'حلب' بالشيء السهل فلقد ظل محاصراً لها عدة شهور قبل فتحها وكان عليها بعض الطامعين المتغلبين، ثم قام بعدها بضم مدينة 'حماة' في السنة التالية 523 هجرية، ثم ضم مدينة سرجى ودارا ثم حصن الأثارب وكان بيد الصليبيين، ثم انشغل عماد الدين زنكي بالخلافات العنيفة بين الخليفة المسترشد والسلطان مسعود بل تورط فيها وذلك لعدة سنوات، ثم عاد بعدها لهدفه الأسمى وضم عدة قلاع للأكراد الحميدية والهكارية وقلعة الصور وواصل سعيه حتى استقامت له ديار بكر وإقليم الجبال سنة 528 هجرية.
*استقامت معظم بلاد الشام لعماد الدين زنكي عدا ما كان بيد الصليبيين ودمشق قلب الشام وحاضرته وقد حاول زنكي ضم دمشق سنة 529 هجرية بعد أن أرسل إليه أهلها يطلبون ذلك منه صراحة ولكنه فشل بسبب أحد المتغلبين عليها واسمه 'معين الدين أنر'.
أسد الشام
بعد أن تم لعماد الدين زنكي معظم ما أراد من تكوين القاعدة الصلبة، بدأ في العمل الحقيقي والجهاد الأصيل ضد أعداء الأمة المحتلين لمقدساتها، وكان الصليبيون قبل مجيء عماد الدين زنكي يخططون للاستيلاء على أرض الشام كلها ثم مصر بعدها، فلما جاء أسد الشام الجديد صار غاية سعيهم الحفاظ على ما تحت أيديهم.
*ولما ازدادت قوة عماد الدين زنكي وثقلت وطأته على الصليبيين في الشام فكروا في الاستعانة بإمبراطور القسطنطينية 'عمانوئيل' ورغم الاختلاف المذهبي بينهم فهم كاثوليك وهو أرثوذكسي إلا إنهم في النهاية صليبيون فوافق 'عمانوئيل' على نجدتهم.
رجل المهام الصعبة
أصبحت بلاد الشام في موقف حرج بالغ الخطورة فإمبراطور بيزنطة 'عمانوئيل' جاءها بجيوش جرارة سنة 532 هجرية واخترق أسيا الصغرى ولم يقدر أحد من سلاجقة الروم على إيقافه ثم استولى على مدينة 'بزاعة' وهى قريبة من حلب فغدر بأهلها بعد أن أعطاهم الأمان فقتلهم وسبى نساءهم ودخل أهل الشام رعب شديد من وقوعهم بين مطرقة امبراطور بيزنطة وسندان الصليبيين الفرنجة بالشام وهنا برز رجل المهام الصعبة.
بعد نظر وتمعن في هذه النازلة العامة قرر عماد الدين زنكي العمل في اتجاهين: ـ
1. الاتجاه الأول: مناوشة إمبراطور بيزنطة بشن حرب عصابات على معسكره باستخدام المجاهدين المتطوعين ضد الأعداء بالكر والفر وإظهار القوة والشجاعة وإرسال رسائل تهديد ووعيد لهذا الإمبراطور على الرغم من الفارق الضخم بين القوتين وذلك من أجل إرهاب البيزنطيين.
2. الاتجاه الثاني: فهو إيقاع الخلاف بين البيزنطيين والفرنجة، فلقد كان عماد الدين زنكي من دواهي العصر ذكاءاً وفطنة وحدة بصيرة فلقد استغل الخلاف المذهبي بين الأرثوزكس والكاثوليك للتفريق بينهما، فأرسل إلى إمبراطور بيزنطة يخوفوه من نكصان الفرنجة للعهود وأنهم يتربصون به فإن فارق مكانه الذي فيه 'قلعة شيراز' سيتخلفون عن نصرته ثم أرسل إلى الصليبيين الفرنجة يخوفهم من إمبراطور بيزنطة ويقول لهم إن ملك بالشام حصناً واحداً ملك بلادكم جميعاً.
ونجحت خطة عماد الدين زنكي ووقع الخلاف بين الطرفين وانسحب الإمبراطور من الشام وترك المجانيق وأسلحة كثيرة بحالتها غنمها المسلمون، وحرروا أسرى المسلمين، وارتفعت مكانة عماد الدين بين المسلمين وعظمت هيبته في صدور الصليبيين وأثبت للجميع أنه رجل المهام الصعبة.
*وقد حاول بعدها فتح دمشق ولكنه فشل بسبب سياسة 'معين الدين أنر' المتحكم في دمشق والتي كانت ستجلب وبالاً شديداً على المسلمين فتركها عماد الدين وضم شهر زور وأعمالها.
فتح الرها
تقع إمارة الرها في منطقة الجزيرة وهى المنطقة الواسعة الواقعة بين العراق وسوريا، وقد فتحها المسلمون سنة 17 هجرية، و'الرها' من البلاد التي كان لها خصوصية عن البيزنطيين لأنها إحدى المدن الدينية عندهم وكانت تنتشر بها الكنائس والصوامع، وأيضا لها خصوصية عند المسلمين لكونها على حدود الدولة الإسلامية المشتركة مع الدولة البيزنطية، وكان الخلفاء دائمي الاهتمام بهذه المنطقة، ولكن مع ضعف الخلافة العباسية وخروج كثير من أجزاءها عن سيطرتها تعرضت منطقة الرها للعدوان المتكرر من البيزنطيين.
*وعندما انطلقت شرارة الحملات الصليبية احتل الصليبيون 'الرها' وأقاموا بها أول إمارة صليبية بأرض الإسلام وذلك سنة 492 هجرية.(67/231)
*كانت الرها قريبة من الموصل وكان أميرها داهية صليبي اسمه 'جوسلين' ففهم من تحركات عماد الدين زنكي أنه يخطط لفتح الرها فعمد إلى تقوية دفاعاتها والمبالغة في تحصينها وظل مقيماً في الرها لا يفارقها أبداً رغم أن زوجته وأولاده بفرنسا ولكنه صبر في فراقهم من أجل الدفاع عن الرها وهكذا يكون عزم الرجال وهمة القادة.
*كان عماد الدين زنكي يعرف قدر 'جوسلين' ودهائه وحنكته لذلك وضع خطة في غاية الذكاء فهو كما يقولون [لا يفل الحديد إلا الحديد] فلقد أظهر عماد الدين أنه مشغول بحرب القبائل الكردية التي تسيطر على قلاع كثيرة في منطقة ديار بكر 'جنوب تركيا الآن' وهى قبائل ذات نزعة استقلالية ولا تقبل الانضمام لصف عماد الدين زنكي لدواعي عصبية وقبلية، وبالفعل انطلت هذه الخدعة على 'جوسلين' الذي خفف من شدة التحصينات وتراخى في دفاعاته حتى أنه قد سافر لزيارة أهله في فرنسا، وكان عماد الدين زنكي قد بث العيون التي ترافع له الأخبار ليل نهار فلما علم مغادرة 'جوسلين' وتراخت الدفاعات، نادى في معسكر جيشه بالاستعداد للهجوم على الرها.
*كان عماد الدين من أشجع الناس وأقواهم وأجرؤهم في القتال لايجاريه أحد من جنده في ذلك، وقبل القتال وضع عماد الدين مائدته للطعام وقال [لا يأكل معي على المائدة إلا من يطعن معي غداً باب الرها] وهى كناية عن شدة القتال والشجاعة لأن طاعن الباب يكون أول فارس في الجيش يصل لباب المدينة ولا يفعل ذلك إلا أشجع الناس، فلم يجلس معه على المائدة إلا صبى صغير فقيل له: ارجع مما أنت في هذا المقام، فقال له عماد الدين زنكي القائد المربى القدوة الذى يعرف كيف يحمس الشباب والنشء ويحفز طاقاتهم [دعوه فوالله إني أرى وجهاً لا يتخلف عنى] وبالفعل أثمرت هذه الكلمات عن طاقة جبارة عند الصبي فكان أول طاعن وأول بطل في هذه المعركة وفتحت المدينة في 6 جمادى الآخرة سنة 539 هجرية وكان لفتحها رنة شديدة في العالمين الإسلامي والصليبي، فلقد كان أعظم انتصار حققه المسلمون على الصليبيين منذ دخولهم للشام منذ خمسين سنة، وأعاد ذاكرة الانتصارات لهم وسرت روح جهادية كبيرة عند المسلمين بعدها وعادت لهم الثقة وتغلبوا على الهزيمة النفسية تجاه الصليبيين والتي أقعدتهم عن السعي للتحرير عشرات السنين.
*أما الصليبيون فقد نزلت بهم أعظم المصائب وفقدوا أهم إمارة صليبية لهم بالمنطقة، ولقد قاموا بحملتهم الصليبية الثالثة على الشام سنة 543 هجرية لاسترجاع الإمارة ولكنهم فشلوا.
الأبطال لا يقتلون إلا غدراً
إن الأسود لا يقتلون إلا في الظلام وإن الأبطال لا يُنالون إلا بالغدر والخيانة، وتلك هي المأساة الكبيرة التي عانت منها أمة الإسلام على مر عصورها، فكلما ظهر فيها بطل أو قائد أو داعية أو عالم في الشرع أو في فرع من فروع العلوم أو نبغ أحد في أى مجال من المجالات التي ستحقق خيراً ونفعاً للمسلمين فإن أعداء الأمة والدين يعملون على إزاحة هذا النابغة بشتى الوسائل إما بالإغراء والاستقطاب أو بالسجن والنفي أو بالقتل والغدر، وثبت الأبطال والأفذاذ الذين قتلوا غدراً طويل وممتد منذ عهد النبي صلى الله عليه وسلم حتى وقتنا الحاضر.
*بعد الانتصار العالمي في 'الرها' ضاقت السبل على أعداء الإسلام وأصبح كيانهم الصليبي بالشام والذي بنوه في خمسين سنة في خطر حقيقي في ظل وجود هذا الأسد الرابض، وبعد أن أعيتهم الحيل في ميادين القتال وصار ينتصر الأسد عليهم في كل موطن، قرروا اللجوء إلى سلاح الغدر والخيانة والأيدي القذرة التي لا تعمل إلا في الظلام.
*فكر الصليبيون في كيفية التخلص من عماد الدين زنكي وبعد تفكير وتقليب في من سيقوم بهذه المهمة قرروا إسناد مهمة الاغتيال لمجرمين محترفين مأجورين متخصصين في هذا الطريق وهم الحشاشون وهى فرقة باطنية وإحدى الفرق الشيعية وقد أسسها رجل اسمه الحسن الصباح بعد أن تعلم الزندقة والإلحاد في مصر أيام المستنصر الفاطمي ولما عاد إلى الشام أسس هذه الفرقة التي تعتمد على الاغتيال والغدر مقابل الأموال والضياع، وكان الباطنية أشد ضرراً وخطراً على المسلمين من الصليبيين واليهود.
*وبالفعل وفى 6 ربيع الآخر سنة 541 هجرية والبطل الفذ عماد الدين زنكي يحاصر أحد القلاع المطلة على نهر الفرات واسمها 'قلعة جعبر' قامت مجموعة من الباطنية بالاتفاق مع الصليبيين بعد أن قبضوا الثمن بالتسلل إلى معسكر عماد الدين زنكي واندسوا بين حراسه وفى الليل دخلوا عليه خيمته وهو نائم وقتلوه - رحمه الله - وهكذا مات البطل وترجل الفارس وحط الراكب بعد حياة طويلة كلها جهاد وكفاح ونصرة للإسلام وأهله وبعد أن أحيا ما كان مندثراً وأعاد ما كان مفقوداً ووضع الأساس المتين لمن جاء بعده ف- رحمه الله - رحمة واسعة وغفر له ما كان من خطايا وزلات.
*واسمع ما قاله عنه المؤرخون قال ابن الأثير في وصفه [كان شديد الهيبة في عسكره ورعيته عظيم السياسة لا يقدر القوى على ظلم الضعيف وكانت البلاد قبل أن يملكها خراباً من الظلم وتنقل الولاة ومجاورة الفرنج، فعمرها وامتلأت أهلاً وسكاناً، وكان أشجع خلق الله].(67/232)
*وقال عنه ابن كثير [وقد كان زنكي من خيار الملوك وأحسنهم سيرة وشكلاً وكان شجاعاً مقداماً حازماً خضعت له ملوك الأطراف وكان من أشد الناس غيرة على نساء الرعية وأجود الملوك معاملة وأرفقهم بالعامة].
* ولعل أكثر ما تميز بع عماد الدين زنكي عن قادة زمانه هو فهمه لحقيقة المشكلات التي تعانى منها الأمة الإسلامية وإحساسه بالمسئولية تجاه أمته وإيثاره لمصلحتها على مصلحته الخاصة وعمله بمقتضى ما يجب عليه وقتها، لذلك فاق ملوك زمانه وعلا ذكره عنهم، ويكفيه فخراً أنه قد خلف ورائه بطلاً عظيماً مثله وزيادة هو نور الدين محمود.
*وقد لقب الناس عماد الدين زنكي بالشهيد لحرصه على طلب الشهادة في كل لقاء مع الأعداء حتى قدرها المولى - جل وعلا - له في آخر السعي.
ــــــــــــــــــــــــ
المراجع والمصادر:
الكامل في التاريخ / البداية والنهاية / سير أعلام النبلاء / شذرات الذهب / البرق الشامى / الروضتين في تاريخ الدولتين / وفيات الأعيان / الطريق إلى بيت المقدس / محاضرات الدولة العباسية / المنتظم / النجوم الزاهرة.
29 شوال1426هـ
1ديسمبر 2005م
http://www.islammemo.cc المصدر:
==============(67/233)
(67/234)
بمناسبة أعياد الميلاد : الوعيد الشديد لمن هنأ أو شارك في أعياد عباد الصليب
الأعياد من أخص ما تتميز به الشرائع، ومن أهم ما تعتد به الأمم والشعوب، ومن أظهر ما لها من الشعائر، فهي من جملة الشرع والمناهج والمناسك، قال - تعالى -: "ولكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجاً"، ولهذا عندما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وكان لأهلها يومان يلعبون فيهما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إن الله قد أبدلكم بهما خيراً، يوم الأضحى ويوم الفطر"، وكان هذا أول شيء شرع في تغييره وتبديله، لأن هذا من صميم الشريعة.
هذا فيما يتعلق بالأعياد السنوية، أما بالنسبة للعيد الأسبوعي للمسلمين - إذ ليس للمسلمين سوى هذه الأعياد الثلاثة - وهو الجمعة التي هدى الله لها الأمة المرحومة، وحرم منها الأمتين الغضبية والملعونة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في تقرير ذلك: "نحن الآخِرون السابقون يوم القيامة، بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا وأوتيناه من بعدهم، فهذا يومهم الذي فرض الله عليهم، فاختلفوا فيه فهدانا الله له، فالناس لنا فيه تبع، اليهود غداً والنصارى بعد غدٍ".
إذا كانت الأمة أجمعت، وهي لا تجتمع على ضلالة، واتفق أهل الحل والعقد فيها على أنه لا يجوز أن يُمَكَّن أهلُ الذمة من إظهار أعيادهم، وذلك لما شرطه عليهم عمر - رضي الله عنه -، فمن باب أولى وبالأحرى أنه لا يحل لمرء يؤمن بالله واليوم الآخر أن يشارك الكفار من اليهود والنصارى وغيرهم في أعيادهم بأي صورة من الصور، مهما كان هدفه، نحو:
1. أن يهنئهم بأعيادهم.
2. أو يدخل كنائسهم في أعيادهم.
3. أو يشاركهم في احتفالاتهم ويشاهد مهرجاناتهم.
4. أو يُهدي إليهم، أو يتقبل هداياهم.
5. أو رضي ذلك ولم ينكره بقلبه، وهو أضعف الإيمان.
لما يقتضيه ذلك من أمرين خطيرين هما:
أولاً: موالاة الكفار التي هي كفر بحكم الله: "ومن يتولهم منكم فإنه منهم"، "لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادُّون من حادَّ الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم.." الآية.
ثانياً: التشبه بهم، الذي هو صنو الموالاة، وهو كفر كذلك بحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم : "ومن تشبه بقوم فهو منهم"، "خالفوا المشركين".
وأقل درجات هذا الفعل القبيح، والعمل المشين، والسلوك المهين، الحرمة التي قد تفضي إلى الكفر.
قال شيخ الإسلام مفتي الأنام: (ولا ريب أن الموافقة في هذا الأعياد قد تنتهي إلى الكفر في الجملة بشروط، وأما مبدؤها فأقل أحواله أن يكون معصية، وهذا أقبح من مشاركتهم في لبس الزنار ونحوه من علاماتهم، لأن تلك العلامات وضعية ليست في الدين، وإنما الغرض منها مجرد التمييز بين المسلم والكافر.
وأما العيد وتوابعه فإنه من الدين الملعون هو وأهله، فالموافقة فيه موافقة فيما يتميزون به من أسباب سخط الله وعقابه).
وقال أيضاً: (فإن الموافقة في جميع العيد موافقة في الكفر، والموافقة في بعض فروعه موافقة في بعض شعب الكفر).
ومما يدل على ذلك من كتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وآثار الصحابة، والتابعين، وأئمة الدين، بجانب ما سبق ما يأتي:
"والذين لا يشهدون الزور"، فقد أوِّل الزور بأنه "الشعانين" عيد من أعياد الكفار - كما قال ابن سيرين، وقال الربيع بن أنس: "إنه أعياد المشركين.
وعن عمر - رضي الله عنه -: "إياكم ورطانة العجم، وأن تدخلوا على المشركين يوم عيدهم في كنائسهم".
وعن عمر - رضي الله عنه - قال: "اجتنبوا أعداء الله في أعيادهم".
عن ابن عمرو - رضي الله عنهما -: "من بنى ببلاد الأعاجم فصنع نيروزهم ومهرجانهم، وتشبه بهم حتى يموت وهو كذلك حُشر معهم".
وعن علي - رضي الله عنه - أنه كره موافقتهم في اسم العيد الذي ينفردون به، فكيف بموافقتهم في العمل؟
قال ابن تيمية: (وقد نص أحمد على معنى ما جاء عن عمر وعلي من كراهة موافقتهم في اللغة والعيد).
وقال أبو الحسن الآمدي المعروف بابن البغدادي المتوفى 476ه في كتابه "عمدة الحاضر وكفاية المسافر": (فصل: لا يجوز شهادة أعياد النصارى واليهود، نص عليه أحمد في رواية مُهَنَّا، واحتج بقوله: "والذين لا يشهدون الزور").
وقال الخلال في جامعه باب "في كراهة خروج المسلمين في أعياد المشركين": (وذكر عن مُهَنَّا قال: سألتُ أحمد عن شهود هذه الأعياد، مثل طور بابور وقيل دير هارون ودير أيوب وأشباهه، يشهده المسلمون؟ قال: إذا لم يدخلوا عليهم بيعهم، وإنما يشهدون السوق فلا بأس).
والله أسأل أن يعصمنا وجميع إخواننا المسلمين من الزلل، وأن يثبتنا وإياهم على الحق ويعيننا عليه، وأن يحبب إلينا الإيمان ويزينه في قلوبنا، ويكرِّه إلينا وإليهم الكفر والفسوق والعصيان، ويجعلنا من الراشدين، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله وسلم على محمد القائل: "وجعل الذل والصغار على من خالف أمري"، ورضي الله عن عمر القائل:"لقد أعزنا الله بالإسلام، فمن أراد العزة في غيره أذله الله".
http://www.islamadvice.com المصدر:
===============(67/235)
(67/236)
القول المصيب في حكم زواج المسلمة من عابد الصليب
عبد الله زقيل
مقدمة:
الحمد لله، وبعد:
لقد سمعنا ورأينا عن طريق وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة قصة زواج الشابة البحرانبة من ذلك الكافر عابد الصليب، وقد أصابت الدهشة الناس من هذا الخبر، وأصبحت القصة فاكهة المجالس، والعجيب أن وسائل الإعلام الأمريكية - كما هي عادتها - جعلت هذا الموضوع حديث غالب شبكاتها الإعلامية، وأثارت الموضوع بشكل ملفت للنظر.
ولست بصدد التحدث عن وقائع تلك القصة فهذا أمر ننزه أسماعنا عنه، وإنما نريد أن نقف مع حكم شرعي من خلال هذه الحادثة ألا وهو حكم زواج المسلمة من الكافر، وذلك من خلال نصوص الوحيين، وكلام العلماء.
أدلة تحريم زواج المسلمة من الكافر:
الأدلة من القران الكريم:
1 - قال - تعالى -: " وَلَا تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلَا تُنكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُوْلَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ " [البقرة: 221]
ذكر الله - تعالى -في هذه الآية حكمين:
الحكم الأول: زواج المسلم من المشركة، والمقصود بالمشركة هنا الوثنية التي لم ينزل عليها كتاب من الكتب السماوية.
روى الإمام ابن جرير الطبري - رحمه الله - في تفسيره (4/363) بإسناد حسن عن قتادة أنه قال في قوله - تعالى -: " وَلَا تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ ": يعني مشركات العرب اللاتي ليس فيهن كتاب يقرأنه.
وقد استثنى الله من هؤلاء المشركات اللاتي ليس لهن دين سماوي نساء أهل الكتاب قال - تعالى -: " وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ " [المائدة: 5].
قال ابن جرير - رحمه الله - بعد ذكر الأقوال في مسألة نكاح المشركة (4/365): وأولى الأقوال بتأويل هذه الآية ما قاله قتادة من أن الله - تعالى -ذكره عنى بقوله: " وَلَا تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ " من لم يكن من أهل الكتاب من المشركات وأن الآية عام على ظاهرها خاص باطنها، لم ينسخ منها شيء وأن نساء أهل الكتاب غير داخلات فيها. وذلك أن الله - تعالى -ذكره أحل بقوله: " وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ " للمؤمنين من نكاح محصناتهن، مثل الذي أباح لهم من نساء المؤمنات. ا. هـ.
وقال ابن كثير في تفسيره (1/474): هذا تحريم من الله - عز وجل - على المؤمنين أن يتزوجوا من المشركات من عبدة الأوثان ثم إن كان عمومها مراداً وأنه يدخل فيها كل مشركة من كتابية ووثنية فقد خُص من ذلك نساء أهل الكتاب بقوله: " وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ ". قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله: " وَلَا تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ " استثنى الله من ذلك نساء أهل الكتاب. وهكذا قال مجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير ومكحول والحسن والضحاك وزيد بن أسلم والربيع بن أنس وغيرهم. وقيل: بل المراد بذلك المشركون من عبدة الأوثان ولم يُرد أهل الكتاب بالكلية والمعنى قريب من الأول والله أعلم. ا. هـ.
الحكم الثاني: حكم نكاح المسلمة من الكافر وهو ما يهمنا فالآية صريحة في تحريم نكاح المسلمة من الكافر سواء كان وثنيا أو يهوديا أو نصرانيا.
قال أبو جعفر الطبري - رحمه الله - في تفسيره (4/370): يعني - تعالى -ذكره بذلك، أن الله حرَّم على المؤمنات أن ينكحن مشركا كائنا من كان المشرك، ومن أي أصناف الشرك كان، قلا تنكحوهن أيها المؤمنون منهم، فإن ذلك حرام عليكم، ولأن تزوجوهن من عبد مؤمن مصدق بالله وبرسوله وبما جاء من عند الله، خير لكم من أن تزوجوهن من حر مشرك، ولو شرُف نسبه وكرم أصله، وإن أعجبكم حسبه ونسبه. ا. هـ.
وقال الشيخ عبد الرحمن بن سعدي - رحمه الله - في تيسير الكريم المنان (ص99): " وَلَا تُنكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا " وهذا عام لا تخصيص فيه. ا. هـ.
2 قال - تعالى -: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمْ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ " [الممتحنة: 11]
قال ابن كثير في تفسيره (8/93): وقوله: " لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ " هذه الآية حَرّمَت المسلمات على المشركين، وقد كان جائزا في ابتداء الإسلام أن يتزوج المشرك المؤمنة. ا. هـ. فهذان دليلان من كتاب الله صريحان في تحريم زواج الكافر من المسلمة.
الأدلة من السنة:
أما الأدلة من السنة فلا يكاد يثبت حديث في هذه المسألة، وإنما الوارد في ذلك أحاديث معلولة وهي:(67/237)
1 عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رد ابنته زينب على أبي العاص بن الربيع، وكانت هجرتها قبل إسلامه بست سنين على النكاح الأول، ولم يحدث شهادة ولا صداقا.
رواه الإمام أخمد (1/261)، وأبو داود (2240)، والترمذي (1143)، وابن ماجة (2009).
والحديث من رواية داود بن الحصين عن عكرمة، وقد قال عنها أبو داود: أحاديثه أي داود بن الحصين عن عكرمة مناكير، وأحاديثه عن شيوخه مستقيمة.
قال الحافظ في التقريب: ثقة إلا في عكرمة.
2 - روى الإمام مالك في الموطأ (2/543) فقال: حدثني مالك عن بن شهاب انه بلغه ان نساء كن في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يسلمن بأرضهن وهن غير مهاجرات وأزواجهن حين أسلمن كفار منهن بنت الوليد بن المغيرة وكانت تحت صفوان بن أمية فأسلمت يوم الفتح وهرب زوجها صفوان بن أمية من الإسلام فبعث إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بن عمه وهب بن عمير برداء رسول الله صلى الله عليه وسلم أمانا لصفوان بن أمية ودعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام وان يقدم عليه فإن رضى أمرا قبله وإلا سيره شهرين فلما قدم صفوان على رسول الله صلى الله عليه وسلم بردائه ناداه على رؤوس الناس فقال يا محمد إن هذا وهب بن عمير جاءني بردائك وزعم انك دعوتني إلى القدوم عليك فإن رضيت أمرا قبلته وإلا سيرتني شهرين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم انزل أبا وهب فقال لا والله لا أنزل حتى تبين لي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بل لك تسير أربعة أشهر فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل هوازن بحنين فأرسل إلى صفوان بن أمية يستعيره أداة وسلاحا عنده فقال صفوان أطوعا أم كرها فقال بل طوعا فأعاره الأداة والسلاح التي عنده ثم خرج صفوان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو كافر فشهد حنينا والطائف وهو كافر وامرأته مسلمة ولم يفرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين امرأته حتى أسلم صفوان واستقرت عنده امرأته بذلك النكاح.
قال ابن عبد البر في التمهيد (12/19): هذا الحديث لا أعلمه يتصل من وجه صحيح، وهو حديث مشهور معلوم عند أهل السير وابن شهاب إمام أهل السير وعالمهم وكذلك الشعبي، وشهرة هذا الحديث أقوى من إسناده إن شاء الله. ا. هـ.
3 عن جابر - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : نتزوج نساء أهل الكتاب ولا يتزوجون نساءنا.
وهذا الحديث فيه ثلاث علل:
- شريك بن عبد الله النخعي قال عنه الحافظ ابن حجر في التقريب: صدوق، يخطىء كثيرا، تغير حفظه منذ ولي القضاء في الكوفة.
- أشعث بن سوار الكندي، قال الحافظ ابن حجر في التقريب: ضعيف.
- الانقطاع بين الحسن البصري وجابر - رضي الله عنه -. قال علي بن المديني: الحسن لم يسمع من جابر بن عبد الله شيئا.
والصحيح أن الحديث موقوف على جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما -، كما رواه البيهقي في الكبرى (7/172).
أما آثار الصحابة:
1 روى ابن جرير الطبري في تفسيره (4/366) بإسناده عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنه قال: المسلم يتزوج النصرانية، ولا يتزوج النصراني المسلمة.
والأثر في إسناده يزيد بن أبي زياد الهاشمي، قال الحافظ ابن حجر في التقريب: ضعيف كبر فتغير وصار يتلقن وكان شيعيا.
الأدلة من الإجماع:
قال ابن عبد البر في التمهيد (12/21): ومما يدل على أن قصة أبي العاص منسوخة بقوله: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمْ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ " إلى قوله: " ولا تمسكوا بعصم الكوافر " إجماع العلماء على أن أبا العاص بن الربيع كان كافرا وأن المسلمة لا يحل أن تكون زوجة لكافر. ا. هـ.
وقال القرطبي في " جامع أحكام القرآن " (3/72): الأولى: قوله - تعالى -: " وَلَا تُنكِحُوا " أي لا تزوجوا المسلمة من المشرك، وأجمعت الأمة على أن المشرك لا يطأ المؤمنة بوجه لما في ذلك من الغضاضة على الإسلام.
لماذا حلت الكافرة من أهل الكتاب للمسلم، ولم تحل المسلمة للكافر من أهل الكتاب؟
طرح الشيخ عطية محمد سالم في إكماله لأضواء البيان (8/164-165) فقال في جوابه عنه:
والجواب من جانبين:
الأول: أن الإسلام يعلو ولا يعلى عليه والقوامة في الزواج للزوج قطعا لجانب الرجولة، وإن تعادلا في الحلية بالعقد، لأن التعادل لا يلغي الفوارق كما في ملك اليمين، فإذا امتلك رجل امرأة حلَّ له أن يستمتع منها بملك اليمين، والمرأة إذا امتلكت عبدا لا يحل لها أن تستمتع منه بملك اليمين، ولقوامة الرجل على المرأة وعلى أولادها وهو كافر لا يسلم لها دينها، ولا لأولادها.(67/238)
والجانب الثاني: شمول الإسلام وقصور غيره، وينبني عليه أمر اجتماعي له مساس بكيان الأسرة وحسن العشرة، وذلك أن المسلم إذا تزوج كتابية، فهو يؤمن بكتابها ورسولها، فسيكون معها على مبدأ من يحترم دينها لإيمانه به في الجملة، فسيكون هناك مجال للتفاهم، وقد يحصل التوصل إلى إسلامها بموجب كتابها، أما الكتابي إذا تزوج مسلمة، فهو لا يؤمن بدينها، فلا تجد منه احتراما لمبدئها ودينها، ولا مجال للمفاهمة معه في أمر لا يؤمن به كلية، وبالتالي فلا مجال للتفاهم ولا للوئام، وإذا فلا جدوى من هذا الزواج بالكلية، فمنع منه ابتداءً. ا. هـ.
وبعد هذا البيان لهذه المسألة يظهر أن زواج الكافر من المسلمة محرم، ولا يشك في هذا الأمر إلا مكابر معاند.
فتاوى العلماء في حكم هذا النكاح:
سئل الشيخ صالح بن فوازان بن عبد الله الفوزان - حفظه الله -: ما موقف الإسلام من امرأة مسلمة تزوجت من رجل غير مسلم حيث إنها كانت في حاجة إلى ذلك، أي: مجبرة لهذا الزواج؟
فأجاب: لا يجوز زواج المسلمة بالكافر، ولا يصح النكاح.
قال - تعالى -: " وَلَا تُنكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا " وقال - تعالى -: " فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ ".
وإجبارها على ذلك لا يسوغ لها الخضوع والاستسلام لهذا التزويج. قال صلى الله عليه وسلم : لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. ويعتبر هذا النكاح باطلا، والوطء به زنى.
فتوى المرأة المسلمة (2/696).
وسئل الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين - حفظه الله -: ما حكم زواج المسلمة من المسيحي، وما حجم شرعية أبناء هذا الزواج، وما الحكم على المأذون الذي قام بإتمام هذا الزواج، وما حكم الزوجة لو كانت تعلم ببطلان هذا الزواج، وهل يقام عليها الحد الشرعي أم لا؟
وإذا أسلم الزوج فما حكم الزواج الأول وكيف يتم النكاح الجديد؟
فأجاب: يحرم على المسلمة نكاح النصراني وغيره من الكفار لقوله - تعالى -: " وَلَا تُنكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا " وقوله: " لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ " ومتى عقد له عليها وجب الفسخ فورا فإن علمت بذلك الزوجة وعرفت الحكم استحقت التعزير وكذا يعزر الوالي والشهود والمأذون إذا علموا ذلك، لإغن ولد لهما أولاد تبعوا أمهم في الإسلام فإن أسلم الزوج بعد العقد جدد له عقد النكاح وذلك بعد التأكد من صحة إسلامه كيلا يكون حيلة فإن ارتد بعد ذلك ضربت عنقه لحديث: من بدل دينه فاقتلوه.
فتوى المرأة المسلمة (2/697).
وسئل أيضا: هل يجوز للفتاة المسلمة أن تتزوج من رجل مسيحي قرر الإسلام لأجلها الإسلامي حيث أنه طلب الزواج منها وأخبره بأنه سوف يترك دينه ويتحول إلى الدين الإسلامي أفيدوني، فأنا أعلم أنني سبب لإسلام هذا الشخص؟
فأجاب: لا يجوز للمسلمة أن تتزوج بكافر أصلا لقوله - تعالى -: " لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ " وقال - تعالى -: " وَلَا تُنكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ " فإن أسلم وحسن إسلامه جاز ذلك ولكن لا بد من اختباره قبل النكاح بمحافظته على الصلاة والصوم وسائر العبادات وتعلمه القرآن والأحكام وتركه الشرك والخمر وجميع المحرمات وتبديل الديانة في إقامته وجوازه وهويته الشخصية والانتظار بعد إسلامه مدة يتحقق بها كونه مسلما حقا لئلا يتخذ الإسلام حيلة إلى الزواج ثم يرتد على عقبيه فإن فعل وجب قتله لقوله صلى الله عليه وسلم : من بدل دينه فاقتلوه.
فتوى المرأة المسلمة (2/697).
انتهى.
http://saaid.net المصدر:
==============(67/239)
(67/240)
التعصب الأوربي الصليبي
د. محمد مورو
منذ أن سطع نجم الحضارة الإسلامية ـ كحضارة عظيمة تحمل قيماً كريمة وتسعى لإسعاد البشر، وتحقيق مجتمع العدل والحرية والانحياز إلى المستضعفين- وهي في حالة صراع دائم ومستمر ضد القوى الشيطانيّة المتربصة بها، وعلى رأس تلك القوى الشيطانية كانت الحضارة الأوروبية التي لم تترك جريمة إلا وارتكبتها في حق البشرية. بدءاً من قهر الإنسان وقمعه، وانتهاء بنهبه وسلب ثرواته.
الحضارة الأوروبية حضارة إغريقية وثنية ذات قشرة مسيحية(1)، وقد أنتجت هذه الخلطة العجيبة بين الوثنية الإغريقية وبين القشرة المسيحيةـ أنتجت الروح الصليبية التي تتسم بها الحضارة الأوربية في مواجهة الأمة الإسلامية.
الحضارة الإسلامية بما تتسم به من عدل وتسامح وحرية ـ هي التي أنتجت أمثال عمر بن عبد العزيز الذي أمر بهدم جزء من المسجد ورده إلى الكنيسة.
وحتى في لحظات ضعف الحضارة الإسلاميةـ نجد أن رجلاً مثل الأمير عبد القادر الجزائري، وهو الذي عانى شخصياً، وعانت معه بلاده الجزائر من المذابح والمجازر والنهب والقمع الاستعماري الصليبي الفرنسي ـ نجده هو نفسه يحمي نصارى لبنان أثناء نفيه في دمشق سنة 1860 فيما عُرف بطوشة النصارى(2).
وهي الحضارة التي أنتجت أمثال الشيخ الباجوري شيخ الأزهر في عهد عباس باشا الأول ـ ذلك الشيخ الذي رفض الإفتاء بنفي بعض النصارى في السودان عندما طلب عباس الأول ذلك، وقد قال الشيخ الشجاع.
(إنه لم يطرأ على ذمة الإسلام طارئ، ولم يستول عليها خلل، وهم في ذمته إلى اليوم الآخر) (3).
أما الحضارة الأوروبية الصليبية فهي حضارة مجرمة. أليست هي التي أبادت الهنود الحمر في أمريكا؟ أليست هي التي مارست عمليات الخطف والاستعباد والاسترقاق لأهالي أفريقيا؟ وقتلت منهم (45) مليوناً يوم أن كان سكان إنجلترا مثلاً ثلاثة ملايين؟
أليست هي الحضارة التي ذبحت خمسة ملايين جزائري في فترة الاحتلال الفرنسي للجزائر 1830 ـ 1962 (4).
أليست هي الحضارة التي زرعت الكيان الصهيوني في فلسطين؟
الحضارة الأوروبية حضارة مجرمة بكل إفرازاتها السياسية والفكرية. الرأسمالية والاشتراكية. الملكية والجمهورية. الليبرالية والاشتراكية الديمقراطية.
فعلى سبيل المثال عانى شعب الجزائر معاناة شديدة على يد الملكيين والجمهوريين على السواء، على يد المحافظين والليبراليين الفرنسيين على السواء.
بل كانت معاناته تصل إلى ذروتها في فترات الحكم الاشتراكي في فرنسا.
ففي سنة 1940 مثلاً نفذت السلطات الفرنسية مذبحة كبيرة في أهالي الجزائر، وقتلت منهم في يوم واحد أكثر من (45 ألفاً) ـ بل وقام الطيران الفرنسي بحرق قرى جزائرية كاملة. وكان يحكم فرنسا في ذلك الوقت الاشتراكيون الديمقراطيون، بل إن وزير الطيران الذي أمر بدكّ القرى الجزائرية وإحراقها كان وزيراً شيوعياً.
وهكذا فإن الحضارة الغربية الأوروبية الصليبية لم تفرز إلا كل ما هو حقير ومجرم. ألم تفرز الشيوعية والفاشية والنازية؟ بل إن كل هذه الإفرازات السياسية والمدارس الفكرية المختلفة تتناسى خلافاتها الأيدلوجية والسياسية والفكرية وتظهر على حقيقتهاـ تظهر روحها الصليبية عندما يكون الأمر خاصاً بالعالم الإسلامي أو أحد شعوبه.
وإذا كانت الرأسمالية والشيوعية قد أُصيبتا بالإفلاس، وأصبحت سمعتهما سيئة للغاية؛ فإن المثقفين المغتربين في بلادنا يحاولون الآن تحسين سمعة الحضارة الغربية، وترويج بضاعتها لدينا عن طريق التبشير بإحدى إفرازاتها وهي الاشتراكية الديمقراطية.
ووصل الأمر إلى عقد أحد مؤتمرات هذه الاشتراكية الديمقراطية في مصر 1990 ـ ويتناسى هؤلاء أن الأفعى لا تلد إلا ثعباناً. بل إن حقائق التاريخ القريب تؤكد أن بلادنا عانت أكثر المعاناة على يد هذه الاشتراكية الديمقراطية بالتحديد.
ألم تقم حكومة فرنسا الاشتراكية الديمقراطية بأبشع المذابح في الجزائر؟ بل ومارس هؤلاء المنتمون إلى الاشتراكية الديمقراطية الفرنسية أبشع أشكال التعذيب والاستنطاق في السجون الجزائريةـ بل وابتكروا أساليب شديدة الهمجية سجلت اختراعها باسمهم مثل الإقعاء على قارورة زجاجية مكسورة، وغيرها من وسائل التعذيب الوحشية.
ألم تتلق إسرائيل الدعم دائماً وأبداً من الاشتراكية الديمقراطية الدولية، بل إن حكومة إسرائيل في معظم الفترات تنتمي إلى حزب العمل الإسرائيلي، وهو العضو النشط في الاشتراكية الديمقراطية الدولية.
ألم تتعرض مصر سنة 1956 إلى عدوان ثلاثي شاركت فيه ثلاث حكومات اشتراكية هي حكومة العمال البريطانية، وحكومة الحزب الاشتراكي الفرنسي، وحكومة حزب العمل الإسرائيلي.
يخطئ من يظن أن الحروب الصليبية هي تلك الحروب التي شهدها الشرق العربي منذ 1098 م وحتى 1295 م، بل الحقيقة أن الصراع مع أوروبا الصليبية امتد في الزمان والمكان قبل ذلك وبعد ذلك.(67/241)
ففي بلاد المغرب العربي امتد الصراع قبل ذلك، واستمر أكثر من ألف عام، ولا يزال مستمراً، بل إن الجزائريين يُطلقون عليها حرب الألف عام. وهي حرب استمرت بين أوروبا الصليبية ـ البرتغال ـ إسبانيا ـ إنجلترا ـ فرنساـ ألمانيا وبين بلاد المغربي وخاصة الجزائر بين كر وفر إلى أن انتهت باحتلال الجزائر سنة 1830.
وفي الشرق كانت تركيا تخوض حروب الإسلام ضد أوروبا الصليبية وفي قلب أوروبا ذاتها، واستطاعت أن تخضع معظم القارة الأوروبية للنفوذ الإسلامي التركي ـ إلى أن عادت أوروبا فاستطاعت أن تحيك المؤامرات ضد الخلافة العثمانية ونجحت في إسقاطها سنة 1924.
وقد استخدمت أوروبا الصليبية في صراعها مع الحضارة الإسلامية في المرحلة الأخيرة عدداً من التكتيكات والأساليب الشيطانية في سبيل السيطرة على الأمة الإسلامية وتدمير الحضارة الإسلامية، منها التطويق البحري عن طريق الكشوف الجغرافية، ومنها إرساليات التبشير المسيحية الأوروبية.
ومنها زرع مدارس الفكر الأوروبي والغربي في بلادنا عن طريق مؤسسات وأحزاب وصحف ومراكز إعلامية، ومنها الاحتلال العسكري، وهي ذات الخطة التي رسمها لويس التاسع أثناء سجنه في المنصورة إبان الحملات الصليبية، وفي الحقيقة فإن الهدف الأوروبي الصليبي في القضاء على الحضارة الإسلامية يتضمن أيضاً على كنائس الشرق باعتبارها جزءاً لا يتجزأ من الحضارة الإسلامية، وخاصة القضاء على الكنيسة القبطية المصرية باعتبارها جزءاً أصيلاً من التراث الحضاري والثقافي الإسلامي، وباعتبارها كنيسة متميزة ومستقلة عن الكنائس الأوروبية.
إذن عندما يتحدث المفكرون الإسلاميون في الوطن العربي عن التعصب الأوروبي الصليبي. فإن هؤلاء لا يعكسون تعصباً إسلامياً ـ بل هم يقرّرون واقعاً مرئياً لكل ذي عينين؛ بل هؤلاء الذين يتجاهلون الحقائق هم الذين يخفون تعصبهم ـ ولكن هؤلاء الذين يصفون الواقع كما هو ليسوا متعصبين ـ إذ لو كانوا متعصبين لحاولوا إخفاء تعصبهم.
نعم ـ عندما يتحدث الأفغاني أو النديم أو عرابي ـ أو مصطفى كامل أو محمد فريد أو حسن البنا أو أي زعيم وطني عن التعصب الأوربي الصليبي، وعندما يدعون إلى التمسك بالثقافة والحضارة الإسلامية، وعندما يحشدون الجماهير لمواجهة الغزوة الأوربية على بلادنا ـ، فإنهم في الحقيقة يدافعون عن الكنيسة القبطية أيضاًـ وعن التراث القبطي أيضاً، لأن الكنيسة القبطية تنتمي إلى الحضارة الإسلاميةـ ولأن التراث القبطي جزء لا يتجزأ من الثقافة الإسلامية. وإذا كانت إرساليات التبشير تستهدف تنصير المسلمين. أو زرع أنماط التفكير الغربي في بلادناـ أو العمل كطابور خامس لصالح الاستعمار، وإذا كانت إرساليات التبشير قد ارتبطت بالاستعمار أيّما ارتباط. فهي إما أن تكون طلائع له، أو تأتي في ركابه لتدعيم موقفه ونشر أهدافه والعمل على تهيئة الأجواء لصالح المشروع الاستعماري، فإنها أيضاً استهدفت تذويب الكنيسة القبطية في مصر وتبشير أبنائها، ومحاولة تحويلهم إلى الكنائس الأوروبية البروتستنتية والكاثوليكية، ومحاولة اختراق المجتمع عن طريق التلويح بالمشروع الحضاري الغربي للأقباط.
إلا أن تلك المحاولات وجدت من يتصدى لها من الأقباط وخاصة البابا كيرلس الخامس الذي أنشأ مطبعة خصيصاً للردّ على شبهات ومحاولات إرساليات التبشير بين الأقباط، بل دعا إلى مقاطعة المدارس التابعة لإرساليات التبشير، واعتبر كل من يدعم تلك المدارس خارجاً على الكنيسة القبطية(6).
----------------------------------------
1. من الأمور المثيرة للتأمل أن مراسم تنصيب بابا روما هي نفسها مراسم تنصيب كهنة المعابد الوثنية الإغريقية القديمة.
2. بسام العسلي ـ عبد القادر الجزائري ـ دار النفائس ـ بيروت
3. ميخائيل شاروبيم ـ الكافي.
4. محمد خليفة ـ أحمد بن بيلا ـ حوار معرفي شامل.
5. أسامة حميد ـ موجز تاريخ مصر في الحقبة العلمانية.
6. طارق البشري ـ المسلمون والأقباط في إطار الجماعة الوطنية.
19/2/1426
29/03/2005
http://www.islamtoday.net المصدر:
==============(67/242)
(67/243)
العاشق والصليب!!
موسى بن محمد الزهراني
كاد يجنُّ من الفرح، و يطير من فرط السعادة؛ ولم تسعه ثيابه كما يقال؛ عندما سمع نبأ قبوله في البعثة الخارجية إلى فرنسا. كان يشعر أنه سيمتلك الدنيا ويصبح حديث مجالس قومه؛ وكلما اقترب موعد السفر، كلما شعر أنه أقبل على أبواب العصر الحديث التي ستفتح له آفاقاً يفوق بها أقرانه وأصحابه..
شيءٌ واحدٌ كان يؤرقه.. ويقضُ مضجعه.. كيف أترك مكة! سنين طوالاً وقد شغف بها فؤادي وترعرعت بين أوديتها، وشربت من مائها الحبيب من زمزم العذب، ما أنشز عظامي وكساها لحماً!؛ وأمي..أمي الغالية من سيرعاها في غيابي.. إخوتي يحبونها.. لكن ليس كحبي لها.. من سيوصلها من الحرم لتصلي فيه كل يوم كعادتها؟!.. أسئلة كثيرة.. لا جواب عليها. أزف الرحيل.. وحزم الحقائبَ؛ وحمل بيده التذاكرَ.. وودع أمَّه وقبلَّ رأسها ويديها.. وودع إخوته وأخواته.. واشتبكت الدموعُ في الخدود.. وودع مكة المكرمة والمسجد الحرام.. وسافر والأسى يقطّع قلبه …
قدم إلى فرنسا بلادٍ لا عهد له بها.. صُعق عندما رأى النساء العاريات يملأن الشوارع بلا حياء.. وشعر بتفاهة المرأة لديهم.. وحقارتها وعاوده حنينٌ شديد إلى أرض الطهر والإيمان.. والستر والعفاف..
انتظم في دراسته.. وكانت الطامة الأخرى!! يقعد معه على مقاعد الدراسة.. بناتٌ مراهقاتٌ قد سترن نصف أجسادهن.. وأبحن النصف الآخر للناظرين!؛ كان يدخل قاعة الدرس ورأسه بين قدميه حياءً وخجلاً!! ولكنهم قديماً قالوا: كثرةُ الإمساس تُفقد الإحساس.. مرَّ زمنٌ عليه.. فإذا به يجد نفسه تألف تلك المناظر القذرة.. بل ويطلق لعينيه العنان ينظر إليهن.. فالتهب فؤاده.. وأصبح شغله الشاغل هو كيف سيحصل على ما يطفي نار شهوته.. وما أسرع ما كان!.
أتقن اللغة الفرنسية في أشهر يسيرة!! وكان مما شجعه على إتقانها رغبته في التحدث إليهن.. مرت الأشهر ثقيلةً عليه.. وشيئاً فشيئاً..وإذا به يقع في أسر إحداهن من ذوات الأعين الزرقاء! والعرب قالوا قديماً: زرقة العين قد تدل على الخبث..[1]..
ملكت عليه مشاعره في بلد الغربة.. فانساق وراءها وعشقها عشقاً جعله لا يعقل شيئاً.. ولا يشغله شيءٌ سواها.. فاستفاق ليلة على آخر قطرة نزلت من إيمانه على أعقاب تلك الفتاة.. فكاد يذهب عقله.. وتملكه البكاء حتى كاد يحرق جوفه.. ترأى له في أفق غرفته.. مكةُ.. والكعبةُ.. وأمُّه.. وبلاده الطيبة! احتقر نفسه وازدراها حتى همَّ بالانتحار! لكن الشيطانة لم تدعه.. رغم اعترافه لها بأنه مسلمٌ وأن هذا أمرٌ حرمه الإسلام؛ وهو نادمٌ على ما فعل.. إلاَّ أنها أوغلت في استدارجه إلى سهرة منتنةٍ أخرى.. فأخذته إلى منزلها.. وهناك رأى من هي أجمل منها من أخواتها أمام مرأى ومسمع من أبيها وأمها! لكنهم أناسٌ ليس في قاموسهم كلمة (العِرض) ولا يوجد تعريف لها عندهم.. لم يعد همُّه همَّ واحدٍ.. بل تشعبت به الطرق.. وتاهت به المسالك.. فتردى في مهاوي الردى.. وانزلقت قدمه إلى أوعر المهالك! ما استغاث بالله فما صرف الله عنه كيدهن؛ فصبا إليهن وكان من الجاهلين؛ تشبثن به يوماً.. ورجونه أن يرى معهن عبادتهن في الكنيسة في يوم (الأحد).. وليرى اعترافات المذنبين أمام القسيسين والرهبان!! وليسمع الغفران الذي يوزعه رهبانهم بالمجان! فذهب معهن كالمسحور..وقف على باب الكنيسة متردداً فجاءته إشارة ٌمن إحداهن.. أن افعل مثلما نفعل!! فنظر فإذا هن يُشرن إلى صدورهن بأيديهن في هيئة صليبٍ!.. فرفع يده وفعل التصليب! ثم دخل!!. رأى في الكنيسة ما يعلم الجاهل أنه باطل.. ولكن سبحان مقلب القلوب! أغرته سخافاتُ الرهبان، ومنحُهم لصكوك الغفران.. ولأنه فَقَدَ لذة الإيمان كما قال صلى الله عليه وسلم "إذا زنى العبد خرج منه الإيمان فكان على رأسه كالظُّلّة؛ فإذا أقلع رجع إليه [*]".. فقدْ أطلق أيضاً لخياله العنان.. وصدق ما يعتاده من توهمِ؛ فكانت القاضية.. جاءته إحداهن تمشي على استعلاء! تحمل بيدها علبة فاخرة من الكرستال؛ مطرزة بالذهب أو هكذا يبدو له.. فابتسمت له ابتسامة الليث الهزبر؛ الذي حذر من ابتسامته المتنبي فيما مضى..
إذا رأيت نيوب الليث بارزةً فلا تظنن أن الليث يبتسم
فلم يفهم!.. وأتبعتها بقُبلةٍ فاجرةٍ.. ثم قدّمت له تلك الهدية الفاخرة التي لم تكون سوى صليبٍ من الذهب الخالص!! وقبل أن يتفوه بكلمة واحدة؛ أحاطت به بيدها فربطت الصليب في عنقه وأسدلته على صدره وأسدلت الستار على آخر فصل من فصول التغيير الذي بدأ بشهوةٍ قذرة؛ وانتهى بِردّةٍ وكفرٍ؛ نسأل الله السلامة والعافية!.(67/244)
عاش سنين كئيبة.. حتى كلامه مع أهله في الهاتف فَقَدَ..أدبَه وروحانيته واحترامه الذي كانوا يعهدونه منه.. اقتربت الدراسة من نهايتها.. وحان موعد الرجوع.. الرجوع إلى مكة.. ويا لهول المصيبة.. أيخرج منها مسلماً ويعود إليها نصرانياً؟! وقد كان.. نزل في مطار جدة.. بلبس لم يعهده أهله [2].. وقلبٍ (أسود مرباداً كالكوز مجخياً.. لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً)[3].. عانق أمَّه ببرودٍ عجيبٍ.. رغم دموعِها.. وفرحةِ إخوته وأخواته.. إلاَّ أنه أصبح في وادٍ؛ وهم في وادٍ آخر.. أصبح بعد عودته منزوياً كئيباً حزيناً.. إما أنه يحادثُ فتياته بالهاتف أو يخرج لوحده في سيارته إلى حيث لا يعلم به أحدٌ.. لاحظ أهله عليه أنه لم يذهب إلى الحرم أبداً طيلة أيامه التي مكثها بعد عودته؛ ولفت أنظارهم عدم أدائه للصلاة.. فحدثوه برفق فثار في وجوههم وقال لهم:"كل واحد حر في تصرفاته.. الصلاة ليست بالقوة".. أما أمُّه فكانت تواري دموعها عنه وعن إخوته كثيراً وتعتزل في غرفتها تصلي وتدعو له بالهداية وتبكي حتى يُسمع نشيجُها من وراء الباب!!؛ دخلت أخته الصغرى عليه يوماً في غرفته..- وكان يحبها بشدة -.. وكانت تصغره بسنوات قليلة؛ وبينما كان مستلقياً على قفاه؛ مغمضاً عينيه؛ يسمع أغنيةً أعجميةً مزعجةً.. وقعت عيناها على سلسالٍ من ذهبٍ على صدره.. فأرادت مداعبته.. فقبضت بيدها عليه.. فصعقت عندما رأت في نهاية هذا السلسال صليب النصارى!! فصاحت وانفجرت بالبكاء.. فقفز وأغلق الباب.. وجلس معها مهدداً أياها.. إن هي أخبرت أحداً.. أنه سيفعل ويفعل! فأصبح في البيت كالبعير الأجرب.. كلٌ يتجنبه.
في يوم.. دخلت أمه عليه.. وقالت له:-
قم أوصلني بسيارتك! وكان لا يرد لها طلباً! فقام.. فلما ركبا في السيارة.. قال لها:- إلى أين!
قالت: إلى الحرم أصلي العشاء!؛ فيبست يداه على مقود السيارة.. وحاول الاعتذار وقد جف ريقُه في حلقه فألحّت عليه بشدة.. فذهب بها وكأنه يمشي على جمرٍ.. فلما وصل إلى الحرم.. قال لها بلهجة حادة.. انزلي أنت وصلّي.. وأنا سأنتظرك هنا!؛ فأخذت الأمُّ الحبيبة ترجوه وتتودد إليه ودموعها تتساقط على خدها..:-
"يا ولدي.. انزل معي.. واذكر الله.. عسى الله يهديك ويردك لدينك.. يا وليدي.. كلها دقائق تكسب فيها الأجر".. دون جدوى.. أصر على موقفه بعنادٍ عجيب.
فنزلت الأم.. وهي تبكي.. وقبع هو في السيارة.. أغلق زجاج الأبواب.. وأدخل شريطاً غنائياً (فرنسياً) في جهاز التسجيل.. وخفض من صوته.. وألقى برأسه إلى الخلف يستمع إليه.. قال:-
فما فجأني إلا صوتٌ عظيمٌ يشق سماءَ مكة وتردده جبالها.. إنه الأذان العذب الجميل؛ بصوت الشيخ / علي ملا.. الله أكبر.. الله أكبر.. أشهد ألا إله إلا الله...
… فدخلني الرعبُ.. فأطفأت (المسجل) وذهلت.. وأنا أستمع إلى نداءٍ؛ كان آخرُ عهدي بسماعة قبل سنوات طويلة جداً؛ فوالله وبلا شعورٍ مني سالت دموعي على خديّ.. وامتدت يدي إلى صدري فقبضت على الصليب القذر؛ فانتزعته وقطعت سلساله بعنفٍ وحنق وتملكتني موجةٌ عارمة من البكاء لفت أنظار كل من مر بجواري في طريقه إلى الحرم. فنزلت من السيارة.. وركضت مسرعاً إلى (دورات المياه) فنزعت ثيابي واغتسلت.. ودخلت الحرم بعد غياب سبع سنواتٍ عنه وعن الإسلام!. فلما رأيت الكعبة سقطت على ركبتيّ من هول المنظر؛ ومن إجلال هذه الجموع الغفيرة الخاشعة التي تؤم المسجد الحرام؛ ومن رعب الموقف.. وأدركت مع الإمام ما بقي من الصلاة وأزعجت ببكائي كل من حولي.. وبعد الصلاة.. أخذ شابٌ بجواري يذكرني بالله ويهدّأ من روعي.. وأن الله يغفر الذنوب جميعاً ويتوب على من تاب.. شكرته ودعوت له بصوت مخنوق؛ وخرجت من الحرم ولا تكاد تحملني قدماي.. وصلت إلى سيارتي فوجدت أمي الحبيبة تنتظرني بجوارها وسجادتها بيدها.. فانهرت على أقدامها أقبلها وأبكي.. وهي تبكي وتمسح على رأسي بيدها الحنون برفق.. رفعت يديها إلى السماء.. وسمعتها تقول:_"يا رب لك الحمد.. يا رب لك الحمد.. يا رب ما خيبت دعاي.. ورجاي.. الحمد لله.. الحمد لله".. فتحت لها بابها وأدخلتها السيارة وانطلقنا إلى المنزل ولم أستطع أن أتحدث معها من كثرة البكاء.. إلاَّ أنني سمعتها تقول لي:_"يا وليدي.. والله ما جيت إلى الحرم إلاّ علشان أدعي لك.. يا وليدي.. والله ما نسيتك من دعاي ولا ليلة.. تكفى [4]! وأنا أمك لا تترك الصلاة علشان الله يوفقك في حياتي ويرحمك"(67/245)
نظرت إليها وحاولت الرد فخنقتني العبرة فأوقفت سيارتي على جانب الطريق.. ووضعت يديّ على وجهي ورفعت صوتي بالبكاء وهي تهدؤني.. وتطمئنني.. حتى شعرت أنني أخرجت كل ما في صدري من همًّ وضيقٍ وكفرٍ!.. بعد عودتي إلى المنزل أحرقت كل ما لدي من كتب وأشرطة وهدايا وصورٍ للفاجرات.. ومزقت كل شيء يذكرني بتلك الأيام السوداء وهنا دخلت في صراعٍ مرير مع عذاب الضمير.. كيف رضيت لنفسك أن تزني؟ كيف استسلمت للنصرانيات الفاجرات؟ كيف دخلت الكنيسة؟ كيف سمحت لنفسك أن تكذّب الله وتلبس الصليب؟ والله يقول:_(وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ) كيف؟ وكيف؟! أسئلة كثيرة أزعجتني.. لولا أن الله - تعالى - قيّض لي من يأخذ بيدي.. شيخاً جليل القدر.. من الشباب المخلصين؛ لازمني حتى أتممت حفظ ثلاثة أجزاء من القرآن الكريم في فترة قصيرة ولا يدعني ليلاً ولا نهاراً.. وأكثر ما جذبني إليه حسن خلقه وأدبه العظيم.. جزاه الله عني خيراً.. اللهم اقبلني فقد عدت إليك وقد قلت ياربنا في كتابك الكريم (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَف)..وأنا يا رب انتهيت فاغفر لي ما قد سلف.. وقلت:_ (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ).. وأنا يا رب قد أسرفت على نفسي في الذنوب كثيراً كثيراً.. ولا يغفر الذنوب إلاَّ أنت فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم....
وبعد.. فالله - تعالى - يمهل عبده ولا يهمله؛ وربما بلغ بالعبدِ البُعْدُ عن ربه بُعداً لا يُرجى منه رجوعٌ؛ ولكن الله - جل وتعالى - عليمٌ حكيم ٌ؛ غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذو الطول؛ لا إله إلا هو إليه المصير..
ما أجمل الرجوع إلى الله؛ وما ألذّ التوبة الصادقة؛ وما أحلم الله - تعالى -.. وما أحرانا معاشر الدعاة بتلمس أدواء الناس؛ ومحاولة إخراجهم من الظلمات إلى النور بإذن ربهم.. وبالحكمة والموعظة الحسنة والصبر العظيم وعدم ازدراء الناس؛ أو الشماتة بهم؛ أو استبعاد هدايتهم؛ فالله - سبحانه و تعالى - هو مقلب القلوب ومصرفها كما جاء عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن قلوب بني آدم كلها بين أصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد يصرفه حيث يشاء) وكان من دعاء الرسول الله صلى الله عليه وسلم :
(اللهم مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك) رواه مسلم.. آمين..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1]- وليس على إطلاقه ولكن هكذا قالوا!!.
* - حديث صحيح رواه أبو داود والحاكم عن أبي هريرة؛ وهو في صحيح الجامع 1/586
[2]- كان ذلك قبل سنوات عندما كان شبابنا يخجلون من لبس ملابس الكفار؛ ويرونها منافية للرجولة؛ أما اليوم؛ فلا حول ولا قوة إلا بالله.
[3]- حديث صحيح رواه مسلم.
[4] - كلمة عامية ترجمتها (أرجوك).
http://saaid.net المصدر:
==============(67/246)
(67/247)
قبل أن يرفع أبناؤنا الصليب !
هيا الرشيد
قد يجذبك هذا العنوان، وقد تستنكر كلماته، وقد تستعيذ بالله - تعالى - من فحواه، وقد يتبادر إلى ذهنك أنه عنوان للإثارة فقط؛ وفيه كثير من المبالغة، ولكن مهلاً فلا تتعجل الخبر، فقد يكون قد تم بالفعل بين أرجاء بيتك العامر وعلى غفلة منك ودون علمك، ستسأل: كيف يكون هذا بالضبط؟! إليك الطريقة من خلال خمسة أيام متواصلة في حياة فتىً مسلم لم يكمل الخامسة عشر من عمره بعد.
قصة الخمسة أيام:
اقتطع من مصروفه القليل يوماً بعد يوم، كان بين الحين والآخر يعد ثروته الصغيرة على حين غرة من والديه وأخوته، يحرص كل الحرص على إخفائها عن الأعين؛ وإلا تلقّى توبيخاً قاسياً من والده وتهديداً بتحويل المصروف القليل إلى الأقل، وبعد أيام طويلة، ومعاناة أطول مع الحرمان؛ أطلق صيحة نصر مفزعة، وقفز بفرحة غامرة وهو يردد: أخيراً اكتمل المبلغ، سأحصل عليها دون استجداء الآخرين، ستكون لي وحدي، سأواصل الليل بالنهار لأصل إلى النهاية...
ينتظر بفارغ الصبر أن تطلب منه والدته الذهاب لشراء أغراض من المحل المقابل، تقفز الفرحة من بين عينيه؛ فقد حانت اللحظة الحاسمة، لأن محل ألعاب الكومبيوتر على الجانب الآخر، يذهب بسرعة، دقائق سريعة لشراء أغراض والدته، ووقت طويل جداً في المحل الآخر، تقليب للأسطوانات المتنوعة، أصلي.. تقليد، لا يهم، فالمال الذي جمعه بالكاد يحصل من خلاله على تلك اللعبة في اسطوانة مقلدة، ولكن لا بأس، المهم أن ينهي اللعبة التي أنهاها كثير من زملاء المدرسة، والأكثر من أولاد الأقارب، وجدها، طلب تجريبها، دفع ثمنها وأخفاها بين ملابسه، عاد إلى البيت على عجل، ألقى بأغراض البيت أمام والدته وأسرع إلى حجرته، كان بينه وبين نفسه يشعر بالامتنان دوماً نحو خالته منذ أن فاجأته بـ(السوني تو) في الصيف الماضي، جلبته له من دولة مجاورة في إحدى رحلاتها، أصر أن تكون هديته خاصة به في حجرته، رفض مشاركة إخوته خوفاً من عبثهم بها، كان له ما أراد، فلننظر إلى النتيجة.
ابتدأ اللعبة منذ تلك اللحظة، كان من الصعب جداً أن يشارك أفراد أسرته طعامهم أو شرابهم، بضع لقيمات يبتلعها وهو واقف أمام طاولة المطبخ، ومن ثم يعود لمتابعة اللعبة، يشعر بالإرهاق الشديد ويغالبه النوم؛ فتنقذ مراحل لعبته القطعة المسماة بالذاكرة، ستحفظ لعبته وسيواصل في الغد، يصحو قبل الجميع ويواصل المراحل، تكاد الأم تجن من مكوثه المتواصل في حجرته، تستجدي الأب لمعالجة هذا الوضع الذي تأزم، وبعد مرور خمسة أيام يستشعر الأب الخطر، يطرق الباب بشدة وإذا بالابن يصرخ ويصيح بصوت هستيري: لقد وصلت، لقد انتهيت، ووالده يطرق الباب مرة أخرى، يفتح لهم وهو يقفز فرحاً، وقد بدا الذبول والنحول على وجهه، وعلامات إرهاق شديد تغالب فرحته، توجه والداه إلى الشاشة لمشاهدة ما تم إنجازه، وإذا بالنتيجة تصيبهم بصدمة شديدة، فقد وجدوا نتيجة لم تكن ضمن حساباتهم، قلعة كبيرة جداً، ارتفع فوقها عدد كبير من الصلبان، وقصاصات الورق الملون تنزل من السماء بكثافة إعلاناًً للنصر الكبير الذي أحرزه هذا الفتى المسلم؛ وهو رفعه لراية الصليب عالياً، وعبارة في الأسفل كتبت باللغة الإنجليزية بشكل ملون وجميل تقول له بكل امتنان: أنت فائز، لقد ربحت، لقد وصلت إلى الهدف.
نجيب على أصحاب هذه التقنية بأنه بالفعل قد وصل إلى الهدف، الهدف الذي سعوا هم لتحقيقه سنوات طويلة، حققوه من خلال فلذات الأكباد، ارتفع الصليب حقيقة في كثير من البيوت المسلمة، قد لا يكون ارتفاعه ملموساً في البيوت؛ ولكن رفع النشء له من خلال الألعاب الإلكترونية لها دلالات خطيرة؛ فقد تكون غفلتنا عن تفسيرها تعطيها شيئاً من البساطة، ولكن السبب الذي جعلهم يروجون لمثل هذه الألعاب والنتائج دون غيرها يعطينا دافعاً قوياً للبحث الجاد في الأسباب والملابسات ومن ثم النتائج، فالمجال واسع أمامهم لصنع ألعاب أخرى في أي شيء آخر، ولكنهم يريدون هذه اللعبة بالذات، ويريدون الوصول إلى هذه النتيجة تماماً، ويعملون على غرس مبادئ معينة في النفوس تسهم بشكل كبير في توصيل أفكارهم إلى أبنائنا بالرغم من كل شئ.(67/248)
في الماضي القريب كانت المخاوف محصورة في السلوكيات التي ينتهجها الأطفال والمراهقين من جرَّاء إدمانهم ألعاب الكومبيوتر العنيفة؛ حيث كان الاعتقاد سائداً بأنها تؤثر بشكل سلبي مباشر على تعاملهم مع الآخرين في المدرسة والبيت، ويمكننا توقع حدوث مثل هذا الأمر مادام الأولاد من أطفال ومراهقين يمسكون بدفة الألعاب الإلكترونية لساعات طويلة يتلقون من خلالها شتى الطرق والأساليب التي تعلمهم الجريمة بأنواعها، وتزودهم أيضاً بروح عدائية يتشربون من خلالها العنف بكافة أشكاله، فماذا نتوقع من إنتاج تكنولوجي عفن يقوم عليه في الأساس عقول يهودية ونصرانية، تدعمها الصناعة الشيوعية في كثير من الأحيان، تعددت الاتجاهات والهدف واحد، كلهم معادون للأمة المسلمة، ويسعون إلى تحطيم النشء فيها، ولا أدل على ذلك من طريقة تصميم تلك الألعاب التي يفترض أن تُصاغ بشكل أكثر براءة، فإذا بها تلقى للنشء بدروس دقيقة في فنون القتل والسلب، ودهس المارة في الطرقات، وتعودهم على منظر الدماء وهي تسيل.
كانت المخاوف سابقاً من الأسلوب المتبع في تصميم الألعاب، والأفكار التي تطرحها، والأفكار التي يأخذها الأبناء منها، ولكننا الآن نوجه مخاوفنا نحو اتجاه آخر تماماً؛ حيث نشعر من خلال لعبة رفع الصليب أن الهدف لم يعد السلوك المعتاد للطفل أو المراهق؛ بل تغيَّر الهدف وانصب نحو زعزعة العقيدة بطريق غير مباشر، وزرع مفاهيم أخرى في هذه العقول الغضة البريئة على حين غرة من الأهل، فهل نتوقع من صنَّاع هذه الألعاب تصميم لعبة مشابهة لأطفالهم تكون نتيجتها رفع راية- لا إله إلا الله، محمد رسول الله-؛ الإجابة معروفة فهم بطبيعة الحال يكرسون جلَّ وقتهم لإبعاد أبنائنا عن راية التوحيد، ولن يكون لديهم استعداداً مطلقاً لتقويض دعائم البناء الإسلامي هنا وإنشائه هناك وبين أبنائهم، ولا ننسى الفكرة الأهم التي أصبحوا يروجون لها من خلال لعبهم وهي التصوير لأبطال الخطف والعنف بشكل يوحي بهوية مسلمة، وكأنهم يؤكدون للأجيال بشكل غير مباشر بالعلاقة بين الإسلام والعنف.
الألعاب الإلكترونية التي غزت أسواق المسلمين بأفكارها المنحلة تحتاج إلى وقفة صارمة من الجميع، ويجب أن تتكاتف الجهود للوقوف أمام غزوها لعقول أبنائنا؛ حيث إن المسؤولية منوطة بعدة جهات وليست جهة واحدة، ولنذكر الجهات على حسب تسلسل المسؤولية:
نتساءل بفزع: كيف غزت هذه الألعاب عالمنا الإسلامي؟ وأين المراقبة لأفكارها وما تحمله من مفاهيم؟ فمن المسئول أساساً عن استيرادها؟ ومن المسئول عن قبول دخولها الأسواق بهذا الشكل الكبير؟ ولنا أن نعلم أن هناك منظمات خارج العالم الإسلامي ترفع قضايا ضد الشركات المصنِّعة تصل أحياناً إلى تعويضات بملايين الدولارات، خاصة عندما يتضرر أبناؤها من أفكارها، وطريقة تصميمها.
دخلت الأسواق بطريقة ما، فأين الرقابة على أصحاب المحلات؟ يروجون العنف، ويدعون لأفكار اليهود والنصارى، ويعودون النشء على مظاهر العري والانحلال، وما من رقيب ولا حسيب!
يأتي الدور الأهم وهو دور الأب الذي يجب عليه أن يكون متابعاً لما يشتريه ابنه؛ حيث يكون عوناً له -بعد الله- على الانتقاء بشكل يوفر له بعض المتعة، ويبعد عنه كثير من الشرور.
• هناك دور هام يقع على عاتق المربين الأفاضل من معلمين وموجهين؛ حيث إن لكلامهم تأثير قوي على الأبناء، خاصة عندما يتحدثون عن الأضرار التي يتعرض لها الطلاب من جراء البقاء ساعات طويلة أمام الكومبيوتر للعب، فهناك أضرار صحية، وأضرار أخرى أكثر أهمية وهي إضاعة أوقات ثمينة من حياة الإنسان المسلم، بالإضافة إلى تلقي كثير من الأفكار، ورؤية صور تؤثر على دين المرء دون أن يشعر.
• يبقى الدور الإعلامي في تبني هذه القضية؛ فقد يكون الآباء والمعلمون في غفلة عن المخاطر، ودور الإعلام هنا الحديث عنها لبيان الطريقة المناسبة للتعامل مع هذه المشكلة، والعمل الذي يجب أن يقوم به كل مسؤول حسب قدرته، وقد يكون للحديث عن الأثر السلبي الذي يعود على النشء من جراء هذه الألعاب هو الطريق الأمثل لإقناع الآباء والمعلمين بخطورة الوضع، وأهمية التصدي لهذه الظاهرة.
19/4/1425
07/06/2004
http://www.islamtoday.net :المصدر
==============(67/249)
(67/250)
مستقبل الاحتلال الصليبي في العراق
عبد الله الصادق
مقدمة:
بدأت ملامح الاحتلال الانجلو-أمريكي بالوضوح بعد ثلاثة أشهر من الغزو المجرم للعراق.
وأصبح واضحاً لدى الجميع بأن الأهداف الكامنة وراءه تكمن في تنفيذ الاستراتجية الأمريكية بالسيطرة العسكرية المباشرة على بلاد الشام والعراق ولما يسمى بالمفهوم الأمريكي بمنطقة الشرق الأوسط.
وقد أشار وزير الخارجية الأمريكية إلى ذلك لضرورة تحويل منطقة الشرق الأوسط إلى الديمقراطية -على الطريقة الأمريكية- وبتنفيذ الأجندة الأمريكية خلال العشر سنوات القادمة.
وهو ما نراه في التدخل الوقح للإدارة الأمريكية في الشؤون الداخلية لدول المنطقة سواء على المستوى السياسي أو الاجتماعي وحتى التربوي الثقافي.
وبعد هدوء عاصفة الغارات الجوية والمدفعية على العراق، برز على الأرض حقيقة المأساة الحقيقية من قتل وتهديم وتشريد.
ومن خلال متابعة لحقيقة الأوضاع الداخلية في العراق بعد سيطرة القوات الأمريكية والبريطانية على الوضع يتضح حقيقة الديمقراطية والحرية المزعومة في هذا البلد المسلم.
الأوضاع المعيشية:
وصلت هذه الأوضاع إلى حد الانهيار في ظل اللامبالاة لقوات الاحتلال، وذلك لتحقيق أهداف مدروسة، أهمها إلهاء الشعب العراقي في تأمين معيشته لأسرته في ظل الأوضاع المتدهورة لعموم الجماهير للرضوخ للاحتلال وثنيه عن المقاومة.
وقد عمدت قوات الاحتلال إلى منع تدفق النفط العراقي إلى المحطات إلا بكميات محدودة لا تكفي لتغطية الاستهلاك، مما كون طوابير كبيرة على المحطات.
هذا فضلاً عن التباطؤ لإعادة التيار الكهربائي والماء، واستهداف هذه القوات لمخازن الأغذية التي وفرتها الحكومة العراقية السابقة، لتخفيف حجم الحصار على شعبها.
هذه الأوضاع المزرية انعكست بصورة سيئة على الأوضاع الاجتماعية، حيث أطلق الجيش الأمريكي والبريطاني يد عصابات اللصوص والغوغائيين ليسعوا في الأرض الفساد نهباً وإجراماً.
ووقع الشعب العراقي في دوامة خبيثة من الجرائم المرتكبة ضده كالإغتصابات الجماعية والسرقة وغيرها والتي لم يسمع بها العراقيون هناك من قبل.
وقد تضاعفت هذه النقمة بعد سلسلة من القرارات من تسريح للقطاعات العامة من جيش وإعلام وباقي القطاعات العامة.
حقوق الإنسان الديمقراطية:
برزت الديمقراطية الأمريكية على وجهها الحقيقي من خلال ممارسات الحاكم الأمريكي بتعينه مستشارين أمريكيين في الإدارات العامة، تعود إليهم كلمة الفصل في كل القرارات، كما أنهم ألغوا ما يسمى بالمجلس العراقي الوطني، واستبدلوه بمجلس معين من قبل الإدارة المحتلة، هذا فضلاً على تصريحاتهم بضرورة بقائهم لسنوات عديدة لصون ديمقراطيتهم المزعومة وإعادة الحرية للشعب العراقي.
أما حقوق الإنسان العراقي، فحدث ولا حرج عن انتهاكها، فهناك اعتقالات للآلاف، وإطلاق نار على المتظاهرين وقتل وجرح الكثيرين منهم، ودهس لسيارات المواطنين بدباباتهم.
بالإضافة إلى ما كشفت عنه منظمات الحقوق الدولية وحتى تلك التابعة لمزرعتهم -الأمم المتحدة- حجم الإجرام والإرهاب الذي تمارسه تلك القوات عبر التعذيب، وذلك عبر تصريح صحفي لمنظمة العفو الدولية عما يجري في المعتقلات الأمريكية حيث استمعوا لشهادات عدد من الأسرى العراقيين، فأفادوا عن تعرضهم للضربٍ ركلاً بالأقدام، وبأعقاب البنادق، وكسر للأسنان، والتعرض للصدمات الكهربائية لمدد طويلة.
ولا شك أن الفضيحة التي فجرتها صحيفة الـ Sun البريطانية مؤخراً عبر نشرها لتقرير مرفق بصور زودها أحد الجنود العائدين من الحرب في العراق، وتظهر هذه الصور بعض نماذج للتعذيب التي تمارسها تلك القوات بحق المسلمين في العراق، رغم أن هذه الصور لم تظهر سوى بعضٍ من هذه الفظائع لجنود (التحرير(حاملي لواء الديمقراطية والحرية.
هذه الحقائق تظهر حقيقة الاحتلال الصليبي لبغداد (التي كانت عاصمة الخلافة الإسلامية العباسية(والعراق ككل، وهذا ما كرسه قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2841 حيث أطلق يد الولايات المتحدة الأمريكية إذ لم يشر في تقريره إلى كلمة (احتلال(وأعطاها حق سرقة النفط العراقي، كما مدد برنامج الغذاء مقابل النفط لمدة 6 أشهر ليسهل على الاحتلال تدبير أموره ونهب هذه الثروة الهائلة.
ولا شك بأن الحديث عن إحياء خط أنبوب النفط الرابط بين الموصل وحيفا يظهر حقيقة قرار الإدارة المحتلة ونيتها.
حقائق الوضع العراقي:
على الرغم من هذه الصورة القاتمة للحالة العراقية ينبغي إظهار معالم أخرى تشكل في حال تطورت بداية النهاية لهذا الاحتلال البغيض.(67/251)
أولاً: الهزيمة الأخلاقية للإدارة الأمريكية وفقدانها لأي نوع من المصداقية أمام شعوب العالم. فمن المعروف أن هذه الإدارة قد ملأت العالم صراخاً وعويلاً بأنها خائفة على شعوب المنطقة من أسلحة العراق للدمار الشامل، ولكن وبعد مرور أكثر من 3 أشهر فشلت آلاف من مهمات التفتيش بالعثور عليها، مما اضطر مساعد وزير الدفاع الأمريكي بول ولفونير أن يصرح بأن المبرر الأساسي لغزو العراق لم يكن يرتكز على الخوف من أسلحة الدمار الشامل، لكن ركزنا على هذه النقطة لأنها كانت محل اتفاق بين الأطراف المعنية.
ثانياً: الإعلان بصورة رسمية عن كتائب الفاروق المسلحة لمقاومة الاحتلال وأصدروا بيانين، الأول طالبوا فيه قوات الاحتلال بالرحيل، والثاني بينوا فيه طائفة من العمليات التي قام بها مجاهديها في مناطق عدة ضد الصليبيين، في الفلوجة ومحافظة الإنبار، والوسط وغيرها والتي أدت إلى مقتل العشرات وإصابة المئات من القوات المحتلة وإسقاط لمروحيتين وتدمير للعشرات من دبابات وآليات العدو.
وقد حاولت القوات الأمريكية التغطية عن هذه المقاومة المسلمة عبر نسبة هذه الخسائر إلى حوادث فردية أو حوادث سير ونحوها.
لكنها أرغمت مؤخراً أن تعلن عن نجاح بعض المجاهدين العرب في الدخول إلى العراق وأسمتهم (بالمتشددين(الذين يحاولون زعزعة الوضع في العراق، ثم وفي استهانة بالشعب العراقي المسلم طلبت منهم مساعدتها وبكل وقاحة في القبض على هؤلاء المجاهدين، وعرضت منح مالية لمن يساعدها في القبض عليهم.
ثالثاً: هزل وضعف من تسميهم الإدارة الأمريكية بالمعارضة العراقية، من خلال ظهور الدعم الشعبي للحركات الإسلامية في العراق. وهذا ما دفع أحد عملائها المدعو أحمد شلبي إلى استنكار قرار الأمم المتحدة الذي يطلق يد الاحتلال على مصراعيها في العراق، في محاولة منه لكسب بعض التأييد الشعبي.
رابعاً: حجم الوعي لدى الشعب العراقي في كشف المؤامرة على بلاده، ورفضه لها، والتي تتمثل بالمظاهرات اليومية التي تشهدها مختلف المناطق العراقية المطالبة برحيل الاحتلال، وبتشكيل حكومة إسلامية، والبعض ينادي بتشكيل حكومة وطنية مستقلة.
الخلاصة:
أظهرت السياسة الأمريكية في العراق مدى حمق إدارتها وسذاجتها، سواء على مستوى تقييم الوضع الداخلي، أو بسبب اعتمادها على عملاء محليين لا وزن لهم، متحدية الوضع الإقليمي، مستهدفة لتحقيق مصالحها الإستراتجية والاقتصادية في المنطقة بمزاعم أظهرت الحقائق كذبها.
والمدى الذي تستعد فيه هذه الإدارة أن تسير عليه لتحقيق أحلامها وأهدافها، وعلى حساب قتل الآلاف من الشعوب المسلمة وقتلهم وحصارهم.
وهذا يظهر حقيقة هذه الإدارة المسيحية والتي تعمل على تحقيق نبوءات مزعومة من ظهور المسيح - عليه الصلاة والسلام - وتحويل المسجد الأقصى المبارك إلى هيكل سليمان - عليه الصلاة والسلام - وتحول اليهود إلى النصرانية، إلى غير ذلك من الخرافات التي تؤمن بها إدارة البيت الأسود (الأبيض(.
ولعل الجهاد المبارك في أرض العراق سوف يؤدي بالإدارة الأمريكية إلى إدراك حجم المأزق الذي وقعت فيه، كما أدركت ذلك على أرض أفغانستان الحبيبة، حيث إن البدء بحرب العصابات في وقت قياسي -بأقل من شهر احتلال- وحجم العمليات واتساعها الجغرافي، كل ذلك يشير بعون الله - تعالى - إلى هزيمة شنيعة للإدارة الصليبية المتسلطة، كما أن الأمر ينبأ عن خروج الجهاد من وضعه الإقليمي إلى جهاد عالمي.
http://www.islam.o r g.au المصدر:
===============(67/252)
(67/253)
الخبث الصليبي
عندما شعرت الحكومة الصليبية في الفلبين بأن المواجهة المسلحة مع المسلمين غير مجدية لصلابة المسلمين في ميادين الجهاد شرعت في استخدام الخبث الصليبي المعهود فعملت على شق صف المسلمين بأن تبنت أحد المسلمين الطامعين في الدنيا واسمه (نور ميسواري) وعقدت معاهدة مع جبهته المسماة بالجبهة الوطنية لتحرير مورو على أن يكون هو بمثابة الحاكم على مينداناو شريطة التبعية للحكومة الصليبية في الفلبين وألا تطبق الشريعة وهللت وسائل الإعلام النصرانية لهذا الاتفاق سنة 1417هـ الذي يتضمن عقد استفتاء بعد ثلاث سنوات في مينداناو وصولو لتحديد الاستقلال أم البقاء في ظل الحكومة الصليبية ورفضت جبهة مجاهدي مورو بقيادة الشيخ المجاهد (سلامات هاشم) لعلمها بالدوافع الخبيثة لهذا الاتفاق وأصرت على مواصلة الجهاد ومازالت الحرب دائرة بين مسلمي مرور والحكومة الفلبينية ومما يدعو للاعتبار والعظة حقا أن الرجل الذي شق الصف المسلم في المورو (نور ميسواري) ألقت الحكومة الفلبينية القبض عليه وأودعته سجونها تمهيدا لمحاكمته بتهمة إثارة الإضطرابات في مينداناو وهذه هي عاقبة الركون إلى الظالمين وشق صف المسلمين.
لا يزال المسلمون في الفلبين يعانون من تسلط النصارى على دينهم وأعراضهم وأراضيهم وأرواحهم، وهم بحاجة لدعم ومساعدة إخوانهم بالدعاء والمال، فنسأل الله أن يعز المسلمين ويحظ دماءهم وأعراضهم وأن يقيم دولتهم على التوحيد وأن يمكن لهم إنه على ذلك قدير وبالإجابة جدير.
http://www.alsyf.ws المصدر:
==============(67/254)
(67/255)
ثورة اليونان ـ وحدة الصليب
الزمان/ 28 صفر ـ 1242هـ
المكان/ كرمان ـ غرب تركيا
الموضوع/ توقيع معاهدة 'آمد كرمان' كنجاح للثورة اليونانية في تمزيق الدولة العثمانية
الأحداث/ من ضمن أهم الأسلحة التي يستخدمها أعداء الإسلام في حربهم المقدسة ضد الأمة الإسلامية دعواهم الباطلة أن المسلمين يضطهدون غير المسلمين في بلادهم المسلمة، وأن حقوق الأقليات ضائعة في بلاد المسلمين، وأن المسلمين يهدرون حق 'الآخر' ويستخدمون هذا السلاح كورقة ضغط على الحكومات للحصول على تنازلات وتراجعات من الأمة المسلمة، والعجيب أن الناظر لأحوال هؤلاء الأقليات أو ما يسمى بالآخر يجده لا يشعر أبدًا أنه مواطن في بلده الذي ينتمي إليه وولد فيه بل دائمًا يطبق عقيدة الولاء والبراء، فيشعر بالغربة في بلده ويربط نفسه مع بني دينه مهما نائت بهم الديار، بل إن الآخر هذا لا يتردد مطلقًا في خيانة وطنه من أجل خدمة دينه ووحدة صليبه، والتاريخ مليء بأمثال تلك الوقائع والأحداث التي تبرهن على موقف الآخر من قضية المواطنة والولاء والبراء.
المسألة الشرقية:
لما وصلت الدولة العثمانية لمرحلة الضعف ودخلت طور الاندحار والانحطاط أحاطت بتلك الدولة العتيقة عدة متغيرات أثرت فيها وسرعت وتيرة سقوطها هذه المتغيرات وهي:
1] النهضة العلمية والصناعية التي قامت بالقارة الأوروبية وساهمت في رقيها وتقدمها.
2] حالة الجمود العلمي والتخلف الحضاري الذي أصاب الدولة العثمانية وجعلها لا تواكب مسيرة التقدم وتتخلف عن عدوتها التقليدية أوروبا.
3] اتفاق الدول النصرانية الأوروبية كلها رغم خلافاتها الداخلية على العمل ضد الدولة العثمانية والتفاهم على تمزيقها وتقسيمها، وهو ما عرف في كتب التاريخ لتلك الحقبة بالمسألة الشرقية.
هذه المتغيرات في الخارج والداخل أفرزت حالة من الهزيمة النفسية والانبهار بأوروبا عند الطبقة المثقفة في الدولة العثمانية، وأصبح تقليد الأوروبيين هدفًا لكثير منهم في العادات والتصرفات مع تشجيع من الأفعى اليهودية التي كانت تتحرك تحت ثياب الدولة العثمانية خاصة يهود الدونمة الذين ذابوا وسط المجتمع المسلم ظاهرًا وبقوا على كفرهم وحقدهم على المسلمين باطنًا وقد تبوءوا أرفع المناصب في الدولة وولاؤهم وعملهم لبني دينهم وللإسهام في تمزيق الدولة العثمانية.
الخطأ العثماني:
كان من أهم الأسباب التي أدت لضعف الدولة العثمانية وترهل جسدها الكبير الذي كان ينبغي أن يكون هو في ذاته مصدر قوة وهو الخلل والانحراف الذي وقع في مفهوم الجهاد في سبيل الله، وهي أصل الفكرة التي قامت عليها الدولة العثمانية وبدأت قوية وفتية بسبب تبنيها للجهاد في سبيل الله، والخطأ الذي وقع فيه العثمانيون هو تركهم لأهالي البلاد المفتوحة على ما هم فيه من عقائد ولغات وعادات وضلالات والاكتفاء بأخذ الجزية والخراج ولم ينشطوا لنشر الإسلام بين أهالي البلاد المفتوحة ولم يهتموا بشأن الدعوة الإسلامية في تلك الربوع ولم يفتحوا مدارس لنشر اللغة العربية هناك.
هذا الخطأ العثماني جعل أهالي البلاد المفتوحة على علاقة وثيقة ببني جلدتهم ودينهم وعقيدتهم في أوروبا وجعل رابطة العقيدة والولاء مع باقي نصارى أوروبا أشد من سابقه وزاد الطين بلة سماح العثمانيين لأبناء تلك البلاد للذهاب والخروج لباقي بلدان أوروبا للتعليم والتلقي مما زاد من حالة البعد والشقاق بين هذه البلاد والدولة العثمانية الأم وكان أوضح مثال على هذا الخطأ العثماني بلاد اليونان.
اليونان على طريق الثورة:
عرفت بلاد اليونان بحضارات قديمة من أكبر الحضارات وأعمقها أثرًا في العالم القديم وعرفت حضارتها بالحضارة الإغريقية أو الهيلنية واشتهرت بالفلاسفة الكبار أمثال أرسطو وأفلاطون وفيثاغورث، وكانت بلاد اليونان معروفة عند المسلمين الأتراك ببلاد المورة أو شبه جزيرة المورة، وقد فتحها السلطان محمد الفاتح سنة 863هـ ومن يومها أصبحت اليونان إمارة عثمانية ولكن أهلها لم يكفوا عن الثورة مرة بعد مرة ولكن في كل مرة كانت تبوء الثورة بالفشل.
بدأت أعراض الثورة تظهر على الشعب اليوناني مرة أخرى من جديد بعدما خرج أبناء البلاد للدراسة بأوروبا وعادوا محملين بالشحن المعنوي والدعم المادي من زعماء النصارى في أوروبا الذين كانوا حريصين على تمزيق الدولة العثمانية وإعادة تكوين الإمبراطورية البيزنطية القديمة التي أزالها السلطان محمد الفاتح يوم أن فتح القسطنطينية سنة 857هـ.
بدأت أولى خطوات الثورة بتكوين جمعيات سرية على شكل شبكة كبيرة ممتدة داخل بلاد اليونان وخارجها وذلك كله تحت إشراف البطريركية الأرثوذكسية الرومية باستانبول ويقود هذا التنظيم السري البطريرك 'جريجوريوس' صاحب الرسالة الشهيرة في كيفية هدم الدولة العثمانية والتي وجهها لبطرس الثاني قيصر روسيا ألد أعداء العثمانيين وكان هذا البطريرك معينًا من قبل الدولة العثمانية وله أملاك وأموال كثيرة ونفوذ كبير بسبب هذا التعيين من قبل العثمانيين وهكذا حال أعداء الدين يقابلون الإحسان بالإساءة والإنعام بالنكران.
اندلاع الثورة:(67/256)
هكذا بدأت الثورة تجهز الشعب اليوناني للعصيان، وكانت أول شرارة للثورة عندما قام 'جرمانوس' أسقف 'باتراس' ورئيس تنظيم الجمعية السرية في المورة بحمل علم عليه صورة مريم العذراء بزعمهم وأخذ يصيح 'يا أيتها الأمة اليونانية هيا أفيقي واقتلي الأتراك' فاندلعت الثورة الشاملة سنة 1821م يقودها رجال الكنيسة والقساوسة.
كان الثوار قد حددوا ليلة عيد الفصح للهجوم على الحاميات العثمانية فوصلت الأخبار للعثمانيين فانسحبوا سريعًا من قلاعهم وحصونهم قبل انقضاض الثائرين عليهم، وخلال ثلاثة أسابيع استطاع الثائرون السيطرة على بلاد المورة كلها وكان القساوسة قد حولوا الكنائس والأديرة لمخازن للمدافع والذخيرة وملاجئ للثائرين، وكون القساوسة شبكة اتصال قوية مع روسيا، وأرسل المطران 'باليا بادرا' برسالة لقيصر روسيا يقول فيه: 'من أجل التخلص من الأتراك تمامًا يجب أن تقوم روسيا بمساعدة الشعب المتمرد'.
إعدام الخائن:
قلنا من قبل أن البطريرك 'جريجوريوس' كان هو المحرك الأول للثورة والمدبر لها، وكان صاحب عقلية ذكية ونفس مملؤة بالثورة، وقد حامت عليه شبهات كثيرة بخصوص قيادته للثورة مما دفعه لأن يصدر مرسومًا ضد الثائرين سماه 'بيان الحرمان' ليدفع عن نفسه الشكوك والتهم باشتراكه في الثورة.
استطاعت المخابرات العثمانية أن تأتي بمعلومات مؤكدة بأن 'جريجوريوس' هو الذي قد وضع خطة الثورة وقادها بنفسه وقد اندهش الخليفة 'محمود الثاني' المشهور بتسامحه مع النصارى عندما عرف الخبر وأصدر أوامره بتفتيش مقر البطريرك، وتمت المداهمة بمنتهى الدقة والإحكام وعثرت الدولة على وثائق خطيرة تكشف أبعاد الثورة وقادتها وتحركاتها وكافة ترتيباتها والمراسلات الخارجية مع دول أوروبا خاصة إنجلترا وفرنسا وروسيا.
لم يستطع البطريرك أن ينكر شيئًا مما نسب إليه، واعترف بقيادة الثورة وأصدر السلطان 'محمود الثاني' قراراً بعزل البطريرك من منصبه ثم إعدامه، وقد نفذ حكم الإعدام يوم عيد الفصح عند الروم الأرثوذكس، وتم تعيين 'أويانيوس' بطريرك مكانه، وتتبعت الدولة العثمانية قادة التمرد فأعدمت بعضهم وأمنت البعض الآخر، وأصبح البطريرك الجديد واسطة بين المتمردين والحكومة العثمانية وعفت الحكومة عن كثير من الثائرين وعاملتهم بالحسنى لعل ذلك يهدئ الثورة، ولكن لم تفلح هذه الإجراءات السلمية في التعامل مع ثائرين لبغضهم وحقدهم، فقد استمرت الثورة مشتعلة وذلك بتحريض من إنجلترا وفرنسا وذلك لحاجة في نفوسهم يخططون لها ويدبرون.
مؤامرة الصليب:
لم يكن لأوروبا الصليبية هدف من إذكاء ثورة اليونان إلا تمزيق جسد الدولة العثمانية والحصول على أكبر قدر من المكاسب لصالح أوروبا على حساب المسلمين، وكان والي مصر محمد علي هو مخلب القط الذي استخدمته أوروبا في طعن الإسلام والخلافة العثمانية وقد أدى دوره على الوجه الأكمل بالديار المصرية وبالحجاز عندما قمع الحركة السلفية لصالح أوروبا الصليبية، ولكنه قد شب عن الطوق واستفحلت قوته وراودته نفسه أن يعمل دون إذن أسياده الأوروبيين فقرروا تقليم أظافره وإضعافه ليعود مرة أخرى رهن الإشارة وتحت الطلب.
أوصت إنجلترا وفرنسا الخليفة 'محمود الثاني' أن يعهد لمحمد علي والجيوش المصرية بإخماد ثورة اليونان، وخدعت إنجلترا صنيعتها محمد علي وأوهمته بأنه سيكون أكبر زعيم في المنطقة ويستطيع أن يحقق طموحاته لأن يكون هو خليفة المسلمين وسلطانهم، وتم نسج خيوط المؤامرة الصليبية بمنتهى المكر والخداع وراجت على الخليفة والوالي.
عهد محمد علي لابنه الأكبر وقائد جيوشه الأسد الضاري 'إبراهيم' بقيادة الحرب على اليونان وتوجهت الأساطيل الحربية إلى اليونان سنة 1823م فاستولت على نافرين سنة 1824م، ثم دخلت أثينا سنة 1825م ـ 1240هـ، ونجحت الجيوش المصرية العثمانية المشتركة في قمع الثورة وإخمادها تمامًا باليونان وهنا أظهرت أوروبا حقدها الصليبي وأعلنت حمايتها لليونان وأعلنت روسيا الحرب على الدولة العثمانية وشعر الخليفة العثماني 'محمود الثاني' بحراجة الموقف فوافق على معاهدة 'آمد كرمان'.
أجبرت الدولة العثمانية على توقيع هذه المعاهدة في 28 صفر سنة 1242هـ مع روسيا الصليبية، وكان من أهم بنود هذه المعاهدة السماح لروسيا بالملاحة في البحر الأسود ومرور سفنها من المضائق العثمانية دون تفتيش وإعطاء امتيازات جديدة وبنود أخرى، والعجيب أن المعاهدة قد عقدت في الأساس بسبب التمرد اليوناني الصليبي إلا أنها لم تذكر شيئًا عن اليونان ولا أهلها؛ لأن الهدف الأساسي هو إضعاف الدولة العثمانية وتمزيقها، وأما مسألة اليونان فسوف تحسمها معركة نادرين كما سنعرف إن شاء الله.
http://links.islammemo.cc المصدر:
==============(67/257)
(67/258)
الإرهاب الصليبي وفرية تحرير العراق!
محمد بن عائض القرني
حمامَ الدوح كُفّ عن النشيدِ *** ألا تبكي لعاصمةِ الرشيدِ؟!
أما أبصرتَ دجلةَ سالَ قَهْراً *** تَخَضَّبَ وجهُه بدم الوريدِ
وما عادَ الفُراتُ يسيلُ ماءً *** ولكنْ بالجماجم والحديدِ
ضفافُ الرافدَيْن غَدَت مَلاذاً *** ومأوى للثعالبِ والقرودِ
أُبيحت للغُزاةِ وكان يوماً *** يُشيب لَظَاهُ ناصيةَ الوليدِ
صليبيون هجَّنَهم يهودٌ *** فماذا بعدَ تهجِينِ اليهودِ؟!
لصوصُ النفطِ ما عُرفوا بعدلٍ *** عبيدُ المال ناقضةُ العهود!ِ
فيا للهِ كم ذبحوا رجالاً *** وأحراراً تُجَرجَرُ كالعبيدِ!
ويا للهِ كم فتكوا بطفل! *** وكم شيخٍ يمرَّغُ في الصعيدِ!
وكم من حُرةٍ هتكوا حماها *** وكم بين العشائرِ من طريدِ!
جِراحُ المسلمين بكلِّ أرضٍ *** وما لِجِراحِ قوميَ من نديدِ
تُسامُ اليومَ (إرهاباً) وظلماً *** وتُسقى ناقعَ السمِّ المبيدِ
مآسي الرافدَيْن لها جُذورٌ *** بعُمْقِ الدهرِ من زمنِ الجدودِ!
وما أعداؤها إلا بنوها! *** كحزبِ (البعثِ قاعدةِ الصمودِ)!
وكابنِ (العلقميِّ) وكان خِدْنا *** لأهلِ عمائمٍ بيضٍ وسودِ
فقُل للمستجيرِ (بعمِّ سامٍ) *** كلابِ الحي ساحبةِ الجلودِ
مددتم للعدوِّ حبالَ وصلٍ *** فَشَدَّ الحبلَ في عضُدٍ وجيدِ
ولَغْتُم في موائدِهم زماناً *** فما ذقتُم بها غيرَ الصديد
أتحريرُ البلادِ بقتلِ شعبٍ! *** وإفساد الطريفِ مع التليدِ؟!
أيُرجَى من طغاةِ العصر نصرٌ؟! *** سَلُوا ـ إن تجهلوا ـ جُثثَ الهنودِ
وأرضُ الرافدَيْن لكم سُدودٌ *** وقد جئتمْ لبعثرةِ السدودِ؟!
وظلمُ الأقربينَ أشدُّ فَتْكاً *** على الأحرارِ من فتكِ الأسودِ
فلا عاشتْ فُلولُ (أبي رِغالٍ) *** ذيولُ الخصمِ فاتحةُ الحدودِ
http://www.albayan-magazine.com المصدر:
==============(67/259)
(67/260)
وفاة الناصر صلاح الدين قاهر الصليبيين
الزمان/ 27 صفر 589هـ
المكان/ دمشق ـ بلاد الشام.
الموضوع/ وفاة السلطان الناصر صلاح الدين الأيوبي، قاهر الصليبيين.
الأحداث/
قيض الله - عز وجل - لهذا الدين رجالاً شجعانًا حملوا هم هذا الدين والدفاع عنه، وترك الدنيا وراء ظهورهم وامتلأت قلوبهم بقضية الإسلام، فلم يبق فيها مكانًا لغير الإسلام وأهله، وكان هؤلاء الرجال أوتادًا حفظ الله - عز وجل - بهم الإسلام وأهله. ومن هذا الصنف السلطان الناصر صلاح الدين - رحمه الله -.
- هو السلطان الناصر يوسف بن أيوب بن شادي، ولد في تكريت بين بغدد والموصل بالعراق عام 532هـ، وكان أبوه نجم الدين أيوب بن شادي من أمراء الأمير عماد الدين زنكي وولده نور الدين محمود. ولقد أُجبر نجم الدين على الخروج من بلده في نفس اليوم الذي وُلد فيه صلاح الدين، فتشاءم به، فقال له بعض الناس: 'قد نرى ما أنت فيه من التشاؤم بهذا المولود، فما يدريك أن يكون لهذا المولود ملكًا عظيمًا له صيت'.
- لما كبر صلاح الدين وظهرت نجابته وشجاعته صار من أكبر أمراء نور الدين محمود، وعلى يديه تم إسقاط الدولة الفاطمية، وأزال دولتهم في مصر، وأعادها إسلامية مرة أخرى، ولما مات نور الدين محمود ولي الأمر مكانه في الحفاظ والذب عن حياض الإسلام صلاح الدين الأيوبي، وذلك من عام 570هـ، فقام بدوره خير القيام، فكان - رحمه الله - ردءًا للإسلام، وحرزًا وكهفًا من كيد الكفرة اللئام، ولقد قيضه الله - عز وجل - في وقت حاسم للإسلام، فقام بحراسة الأمة ولمّ شعثها مع المخلصين من أتباعه، ووحد الصف المسلم، وقصم الصليبيين في حطين عام 583 هـ، وحرر بيت المقدس بعد أسره قرابة المائة عام، وكان معنيًا بأمر القدس خاصة، وعنده - رحمه الله - من القدس أمر عظيم لا تحمله الجبال، بل كان عزوفًا عن كل المتع والملذات بسبب ذلك، وقال - رحمه الله -: 'كيف يطيب لي الفرح والطعام ولذة المنام، وبيت المقدس بأيدي الصليبيين! '.
- أما عن فعاله - رحمه الله -، فكان زاهدًا في ملابسه، لم يلبس الناعم ولا الحرير قط، ولا يعرف أنه تخطى المكروه قط، بل كان همه الأوحد نصرة الإسلام، وهو مع ذلك شديد المواظبة على الطاعات والعبادات، خاصة صلاة الجماعة، حتى يقال أنه لم تفته الجماعة في صلاة قبل وفاته بدهر طويل، وكان محبًا للعلم والعلماء والأتقياء والصالحين، وبذل يومًا فدية لأحد علماء المسلمين الأسرى عند الروم تقدر بستين ألفًا، وكان بنو قدامة المقدسيين من قادة جيوشه، وكان يواظب على سماع الحديث حتى سمع جزءًا من الحديث وهو واقف بين الصفين، وقال: هذا موقف لم يسمع أحد في مثله حديثًا، وكان شديد التعظيم لشرائع الدين، وقد أمر بقتل الشهاب الهرودي لما ذاع أمر كفره وفجوره، وكان - رحمه الله - رقيق القلب، سريع الدمع، عنده من السماحة والعفو، حتى إن المؤرخين الغربيين رغم صليبيتهم قد اعترفوا له بذلك، فقال 'استيفين سن': 'إن السلطان قد سمح لعدد كبير بالرحيل من غير فدية، وقيل له: إن البطريرك خارج بأمواله وذخائره، وكانت كثيرة جدا لم يصرفها في فداء الفقراء والمساكين من المسيحيين، فقيل للسلطان: لِمَ لم تُصادر هذا فيما يحمله ويستعمله فيما تقوي به أمر المسلمين؟ فقال السلطان: لا آخذ من غير العشرة دنانير ولا أغدر به'. وعلى هذه الحادثة علّق مؤرخ آخر هو 'ستانلي لي بول' قائلاً: 'وقد وصل الأمر إلى أن سلطانًا مسلمًا يلقي على راهب مسيحي درسًا في معنى البر والإحسان'. وكان صلاح الدين محبًا للجهاد والنصرة للدين، فكان من قوله: 'وفي نفسي أنه متى يسّر الله - تعالى - فتح بقية الساحل قسمت البلاد وأوصيت وودعت وركبت هذا البحر إلى جزائره وابتعثتهم فيها حتى لا ألقى على وجه الأرض من يكفر بالله أو أموت'.
- ولقد أصيب - رحمه الله - بالحمى الصفراوية [وهي نوع من حمى الكبد] ليلة 16 صفر، ومكث أحد عشر يومًا في مرضه، وفي ليلة موته استدعى أحد قراء القرآن ليبيت عنده يقرأ القرآن ويلقنه الشهادة، فلما أذن الصبح كان في آخر رمق في حياته، فلما وصل القارئ إلى قوله - عز وجل -: {لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم} تبسم وتهلل وجهه ثم فاضت روحه - رحمه الله -، ولم يترك في خزائنه سوى دينارًا واحدًا وستة وثلاثين درهمًا، ولم يترك دارًا ولا عقارًا ولا مزرعة ولا شيئًا من الأملاك، بل كان زاهدًا عابدًا مجاهدًا رحمه الله رحمة واسعة وجزاه عن الإسلام خيرًا.
http://links.islammemo.cc المصدر:
===============(67/261)
(67/262)
دحر الصليب ونصر الهلال في الرد على كولن باول
حامد بن عبد الله العلي
نشرت صحيفة الوطن الكويتية يوم الأربعاء تاريخ 15 ذو القعدة 1424ه الموافق 7/1/ 2004م، مقالا كتبه وزير الخارجية الأمريكي كولن بول في دورية " فورن أفيرز "، ووضعت ملخصا له في الصفحة الأولي، وهذا رد مفصل أوسع مما طلبنا نشره في الصحافة المحلية لما ذكره كولن باول من مغالطات كثيرة، بل كان مقاله كله، مبنيا على المغالطات الواضحة.
وهذه هدية لأهل الفلوجة
لا زالت أيها الجنرال الأمريكي الذي وصل إلى ما وصل إليه بقدر الرؤوس التي قطعها وسحقتها قواته في حروب أمريكا "الإرهابية" قصة الحسناء الأمريكية والجمجمة اليابانية التي أرسلها لها خطيبها الأمريكي من الجبهة، ونشرتها مجلة ريف، لازالت ماثلة للعيان أيها الجنرال المشارك في فظائع حرب فيتنام كولن باول، كسحابة القنبلة الذرية التي دمرت مئات الآلاف في اليابان.
ومنذ إبادة الهنود الحمر إلى حروب الإرهاب الأمريكية في كوريا والهندوراس واليابان وبنما وغواتيمالا وحرب فيتنام التي ألقت فيها أمريكا آلاف الأطنان من القنابل الكيماوية المسماة " AGENT O r ANG "بين عام 1965، وعام 1975.
ولازال ما قاله " ماكسويل تايلور " وهو يصف "الفييتكونغ" في شهادة له أمام الكونجرس " إن الفيتناميين ليسوا بأفضل من قمل يغزو جلد الكلب "، وكانت قناة histo r y التليفزيونية الأمريكية قد عرضت في 3 تموز 1996 شكلاً حياً من مشاهد السلخ في فيلم وثائقي بعنوان " قيام العنقاء " نرى فيه الجنود الأمريكان في فيتنام وهم يقطعون رؤوس "الفييتكونغ"ويعرضونها في مهمة أشرفت عليها وكالة الاستخبارات المركزية في أواخر عام 1967 وأطلقت عليها اسم " العنقاء " "ope r ation phoenix"،
وقد أعلن البنتاغون أن عدد ضحايا عملية العنقاء وحدها وصل إلى 26369 قتيل، و33358 معتقل، بينما يؤكد روي بروسترمن " أستاذ القانون في جامعة واشنطن أن عملية العنقاء شملت " فيتنام والفلبين والسلفادور " وبلغ عدد ضحايا فيتنام وحدها في الفترة بين 1968، 1971، ما يزيد عن 40 ألف قتيل وأكثر الضحايا كانوا من المدنيين والمعتقلين من التعذيب.
لازال ذلك كله أيضا ماثلا للعيان أيها الجنرال الخادم المطيع لل " المحافظون الجدد المتصهينون ".
ومرورا بحروب الإرهاب الأمريكية في كل العالم، من تورطها في إيران منذ أن أسقطت ثورة مصدق، إلى ما فعلته كوبا، فبورتريكو وجزيرة غوام، والفلبين، لبنان، ولعبتها المكشوفة في الحرب العراقية الإيرانية، وتسليح العراق، والإغضاء عن جرائمه مادام يحقق أطماع أمريكا، وفضيحة إيران كونترا التي كان من أبطالها الكبار " إليوت إبرامز " برز " إبرامز" بعد اعترافه بالكذب على الكونجرس في فضيحة "إيران كونترا"، وما أدراك من هو هذا "الليكودي"الذي رسم في كتاب P r esent Dange r s الذي ألفه عن "مشروع القرن الأمريكي الجديد" (P r oject fo r the New Ame r ican Centu r y) في عام ألفين، رسم أبرامز ملامح سياسية أمريكية جديدة في الشرق الأوسط، وبناها على أن استعداد أمريكا لاستعمال القوة هو مفتاح الطريق لبناء امبراطوريتها.
مرورا بهذا كله، وانتهاء بما يحدث في ظل الاحتلال الأمريكي للعراق كل يوم من انتهاكات لا توصف لحقوق الإنسان، وقد امتلأت السجون بآلاف السجناء العراقيين، و ذكرت صحيفة «صنداي تليغراف» البريطانية أن سي. آي. إيه تخطط لإنشاء شرطة سرية عراقية وقالت الصحيفة في تقرير لها إن إدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش ستمول إنشاء الشرطة السرية العراقية الجديدة، وأنه سيتكلف ثلاثة مليارات دولار على مدار ثلاث سنوات بتمويل أمريكي من نفس بند الميزانية الذي تمول منه أنشطة وكالة، سي. آي. إيه، وأضافت الصحيفة نقلا عن مسئولين في واشنطن أن عدد العاملين في وكالة المخابرات العراقية الجديدة سيصل إلى عشرة آلاف.
كل ذلك.. وأضعافه مما لا يمكن حصره، يجعل العالم كله بأسره، على يقين تام، أن أمريكا ليست سوى دولة بوليسية عالمية، طالما حمت الدول البوليسية المستبدة ورعتها، واعتمدت عليها في تحقيق أهدافها وأطماعها الاقتصادية والتوسعية.
والآن جاءت تريدنا أن نصدقها وهي تبشرنا بقرن الإمبراطورية الأمريكية الحالم برومانسية السلام للعالمي، والعالم نراه كل يوم يزداد خوفا وفقرا وفوضى، بفضل سعي ساسة أمريكا وعمالقة المال فيها المتواصل للسيطرة وإشباع نهمتهم نحو النفوذ والسلطة وتراكم الثروة، وإرضاء اللوبي الصهيوني الذي يوفر لهم كل ذلك، ماداموا يباركون جرائمه.
وكيف ليت شعري ستحصل أمريكا على صك البراءة، والعالم كله يرى أن حصيلة الانتفاضة الأخيرة فحسب، لشعب يحتله كيان دخيل مزروع، لا ينتهك حقوق الفلسطينيين إلا بالمال والخبرة والدعم والرعاية الأمريكية، حصيلة ضحاياه بلغت 3853شهيدا، فيهم 522 طفلا، و116 امرأة، و37 ألف جريح وتجريف 62039 دونماً، ويوجد 60 ألف، و678أسيرا، منهم مئات النساء اللاتي بعضهن يحملن أولاده في بطونهن.(67/263)
وكل هذه الجرائم ليست سوى في هذه الانتفاضة فحسب، فإذا أضفت إليها ما سقط من الضحايا، وانتهك من حقوق الإنسان في هذا الكيان الذي تتبجح أمريكا أنها الكيان الديمقراطي الوحيد في الشرق الأوسط!! منذ تأسيسه إلى اليوم فإنه يفوق بملايين المرات، ما يسقط من الضحايا الأمريكيين مما تهوله وتضخمه وسائل الإعلام، مع أنهم يسقطون بعيدا عن بلادهم، في بلاد احتلوها وحولوها إلى مرتع لتحقيق أطماعهم، وهيمنتهم على العالم.
وكيف لعمري ستحصل أمريكا على صك البراءة، وهي تكدس هي والكيان الصهيوني من أسلحة الدمار الشامل، مالا يسمح لأحد أن يسأل عنه فضلا أن يعرف كميته وخطره على العالم، بينما تلاحق كل من يفكر بامتلاكها، وتستعمل كل وسائل الكذب، والإرهاب، لكي تبقى هي والكيان الصهيوني مهيمنة على العالم.
وكيف سيصدقها أحد أنها راعية الحرية وحقوق الإنسان، وهي تنفق على إنشاء الجيوش وتنشرها في العالم بما لم تفعله أي دولة مثلها في التاريخ، أكثر من إنفاقها على أي شيء آخر، فأي ثقافة هذه التي لا تنتشر إلا وراء حاملات الطائرات النووية، والصواريخ الموجهة، وأم القنابل، وتلويث الكرة الأرضية باليورانيوم المنضب، وسفك دماء البشر، واحتلال أرضهم!!
نحن ببساطة نفهم ما يجري يا باول، إنه كما قالت جوليا ميتشل كربت، ومايكل كوربت في كتباهما القيم " الدين والسياسة في أمريكا ": (أدى التقاء الدين بالسياسة في نقطة ما إلى ظهور اليمين المسيحي الجديد، الذي بدأ في سبعينات القرن العشرين على الرغم من عودة بعض جذوره إلى الفترة الاستعمارية، ولم يكن هذا الظهور، نتيجة للتوجه نحو المحافظة في الدين خلال السبعينات فحسب، ولكن نتيجة لدين محافظ يؤكد صوته السياسي)
ثم نضجت الحركة الأصولية السياسية هذه، كما قال المؤلفان (وساعد ترشيح جيمي كارتر للرئاسة على احتلال المسيحية المحافظة مركز الصدارة في الوعي الشعبي، وأعلن كل من مجلة تايم ونيوزويك عام 1976عاما للإنجيلية، وتأكد هذا مجددا بإعلان جيرالد فورد المنافس في عام 1976 والمتنافسين عام 80 ريغان، وجون أندرسون، بإعادة مولدهم كمسيحيين)ص 152155 وكان هذا بمثابة إعلان عن نضوج الحركة "
ثم قد تطورت هذه الحركة الدينية الأًصولية، وأصبحت أهدافها كما ذكر المؤلفان في الكتاب السابق:
1 ترنو إلى أمريكا كدولة تمتثل لقوانين ومشيئة الرب ما يفهمونها.
2 يجب أن تتوافق الأخلاقيات الخاصة والعامة مع تعاليم الكتاب المقدس الذي يفسر بشكل محافظ.
3 استخدام العملية التشريعية لضمان توافق القانون المدني مع القانون الديني وتطبيقه على المؤمنين وغير المؤمنين.
4 المدارس العامة تأتي بعد البيت والكنيسة كعنصر أساسي في تدريب الأبناء وفق معتقداتهم.
يقول المؤلفان: تضرب هذه الأهداف بجذورها في فهمهم للاهوت بشكل متشابه إلى حد بعيد، فهناك حقيقة واحدة مطلقة أوحى بها الرب للبشر الرب المتصف بالقوة والملك فالبشر مخطئون وضائعون بدون الرب، وأمريكا أمة الرب المختارة لتكون مثال أمة الرب في الدنيا. ص 159
ثم بعد هذا كله، ها هو والتر أ. ماكدونالد يقول في كتابه أرض الميعاد والدولة الصليبية:
" فإن أمريكا الدولة الصليبية تمسكت بأن الإحجام عن محاولة تغيير العالم كان غير أخلاقي وغبيا "
ثم يقول نقلا عن وليام فولبرايت واصفا المؤثرات على السياسة الخارجية الأمريكية، فيذكر أن الشطر يقوم على: " أخلاقية التوكيد المطلق للذات التي أشعلتها الروح الصليبية" ص 289
Jwilliam fulb r ight، the a r rogance of powe r ، newyo r k: صلى الله عليه وسلم andom house، 1966 pp. 245-46
ثم حان الآن في عصر" الليكوديين" "المحافظين الجدد"، إعلان الحروب الأصولية الصليبية على الإسلام، لقطف ثمار التعصب الصليبي الذي يقود عصابة البيت الأبيض.
ليس هناك يا باول خادم العهد القديم! ديمقراطية، ولا حقوق إنسان، ولا حرية، تؤمن بها الولايات المتحدة، إن ذلك كله هراء لم يعد يصدقه أحد، فلا تتعبوا أنفسكم في ترديده.
واليوم لقد اختارت أمريكا أن تحتل العراق، بعد أن قتلت الملايين من أطفاله ونسائه في حصار استمر 12 عاما، وجاءت تنشئ فيه أول مستوطنات الإمبراطورية الصليبيّة، إمبراطورية القرن الأمريكي، الذي بشرت به في مقالك، وقلت إنه لم يعد ثمة ضرورة لعالم متعدد الأقطاب بين أسرة دول تتشاطر القيم الأساسية!! وهكذا ألغت أمريكا التعددية التي طالما تبجحت بها، وهاهي تدعو إلى منهج شمولي واحد، وهو القيم الأمريكية، التي ستفرضها أمريكا بالإرهاب، والاحتلال، وحرب الهجمات الإستباقية، والدماء، بروح صليبية، وأهداف صهيونية، ونزعه مادية لا تعترف بأي قيمة للإنسانية إذا وقفت أمام جشعها.
غير أن الإسلام لن يقف مكتوف الأيدي، بل سيقوم بواجبه في الدفاع عن حقه، وشعوبه.
وهاهي أبطال الفلوجة، تثبت أن أحلام الإمبراطورية الأمريكية الصليبيّة، ستتحطم، وستنقلب إلى كوابيس، وستعترف يوما ما، بأن الأكاذيب التي طالما غلفت بها سياستنا الخارجية، قد تساقطت كلها، وظهر زيفها.(67/264)
هاهي هذه المدينة الصغيرة، تفضح أسطورتكم، منذ أن قال ترومان: " لقد خلقنا الرب ونصبنا في موقع السلطة والقوة التي ننعم بها الآن من أجل غرض عظيم "، إلى أن قال الرئيس الحالي " إن إرادة السماء توجهنا لنقود العالم ".
هاهي هذه المدينة الصغيرة، توقظكم من سباتكم، وتريكم أن الشيطان هو الذي يقودكم إلى الهاوية، وأما الرب العظيم، رب موسى وعيسى ومحمد - عليهم السلام - فبريء منكم ومن جرائمكم في العالم كله، وهي التي ستدمركم.
التاريخ: 10-01-2004
http://www.h-alali.net المصدر:
==============(67/265)
(67/266)
التحالف اليهودي الصليبي
الحمد لله أعز من أطاعه وأذل من عصاه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين..
أما بعد..
فيقول الله - تعالى - [تجدن أشد الناس عداوة ً للذين ءامنوا اليهود والذين أشركوا].
ويقول - تعالى - (إنْ يَثْقَفُوكُم يكونوا لكم أعداءً ويَبْسُطُوا إليكم أيديَهم وألسنتَهم بالسوء وودُّوا لو تكفرون).
ويقول - تعالى -: (لا ينهاكم اللهُ عن الذين لم يقاتِلُوكُم في الدينِ ولم يُخْرِجُوكم من ديارِكم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إنَّ اللهَ يُحبُّ المقسطين. إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدينِ وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تَوَلَّوهُم ومن يتولَّهُم فأُولئك همُ الظالمون).
ويقول - تعالى -: (لا يرقبون في مؤمن إلاًّ ولا ذمّة وأولئك هم المعتدون).
ويقول - تعالى - (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهودَ والنصارى أولياء بعضُهم أولياء بعض ومن يتولهم
منكم فإنه منهم إنّ الله لا يهدي القوم الظالمين).
أيها الإخوة والأخوات، لقد واجه اليهود الإسلام بالعداء منذ اللحظة الأولى التي قامت فيها دولة الإسلام
بالمدينة النبوية وكادوا للأمة المسلمة منذ اليوم الأول، وقد تضمن القرآن الكريم من التقريرات عن هذا العداء وذلك الكيد ما يكفي وحده لتصوير تلك الحرب المريرة التي شنها اليهود على الإسلام وعلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وسوء أدبهم معه حتى في الألفاظ والمخاطبة الملتوية التي فيها التورية.
ولا يزال اليهود وأذنابهم يتربصون بالمسلمين ولن يرضوا عنهم أبداً إلا باتباع ملتهم، ولنتأمل قول الله
عز وجل الذي بدأه بلن التأبيدية التي تفيد عدم رضي اليهود والنصارى عن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم وأتباعِه إلى يوم الدين ما داموا متمسكين بالإسلام، قال - تعالى -: [ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم].
وقال - تعالى -: [ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وألئك أصحاب النار هم فيها خالدون].
ولقد انتهى المطاف باليهود في هذا العصر الأخير إلى أن يكونوا هم الذين يقودون الحرب والمعركة
مع الإسلام والمسلمين في كلِّ مكان، وهم الذين يستخدمون الصليبية والوثنية في هذه الحرب الشاملة.
ويسمع كل شخص ويرى ويقرأ عنهم شيئاً كثيراً من خلال الوسائل الإعلامية المتعددة، والمسلمُ يعتبر بما يجري على الساحة من خيانة اليهود وغدرهم ونقضهم للعهود والمواثيق وعدم التزامهم بما يتفقون عليه، بل يحصل منهم التلاعب بمشاعر الناس والاستفزاز، فهذه التصرفات القبيحة والأفعال المشينة والأخلاق الدنيئة في الجيل الجديد مرتبطة بأخلاق أجدادهم الذين ساروا على نهجهم واقتفوا أثرهم ولم يتخلوا عن عقائدهم الباطلة وأخلاقهم الخبيثة.
والمسلم لا يستغرب أي تصرف أو خلق من يهود الحاضر لأن لديه الحصيلة الكافية عن آبائهم الأولين، قتلة الأنبياء، وناقضي العهود والمواثيق، ولكن استغرابه من العرب أو المنتسبين إلى الإسلام الذين يغفلون عن تعاليم إسلامهم، ويعجب للتخاذل والغفلة والذلة المسيطرة على هذه الأجواء حيث اتبع اليهود عليهم لعائن الله سياسات عدة لتنفيذ أطماعهم الحالية التي يريدون بعدها الوصول إلى مطامعهم الصهيونية، فإلى جانب ضرب الدول المجاورة وإشعال نار الفتنة في ديار المسلمين، وإشغالهم بها لتحويل أفكار الناس عنهم وصرف أنظارهم عن تنفيذ مخططاتهم فلا زالت معاول الصهاينة تهدم المدن والقرى وتدنس المساجد بكل ما يستطيعون.
وأخيراً في هذه الأيام هذا الإجرام الذي يشاهده العالم وتنقل صوره وأخباره عن قتل العشرات وجرح المئات
بل الألوف من المسلمين الممنوعين من حمل السلاح دفاعاً عن المسجد الأقصى، وليس لديهم إلا الحجارة، وإخوان القردة والخنازير يملكون من السلاح وأنواعه المتعددة ما لا يحصى ومن تقنيات العصر ما لا تملكه دول المنطقة، بل ما هو محظور وممنوع على معظم دول العالم، فاستفزازاتهم تلك ولجوؤهم إلى كل فعل مشين هي من ضمن تنفيذ خطتهم التخريبية التي رسموها منذ استتب لهم الأمر منتهجين سياسة المراحل.
قال - تعالى -: [يا أيها الذين ءامنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم
منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين].
وقال - تعالى -: [يا أيها الذين ءامنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالاً ودوا من عنتم قد بدت
البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر قد بينا لكم الأيات إن كنتم تعقلون، ها أنتم أولاء تحبونهم
ولا يحبونكم وتؤمنون بالكتاب كله وإذا لقوكم قالوا ءامنا وإذا خلوا عضوا عليكم الأنامل من الغيظ قل موتوا
بغيظكم إن الله عليم بذات الصدور].(67/267)
والواجب على المسلمين الحذر من من كل من خالف دينهم، والبراءة منهم وعدم التعاطف معهم إلا فيما حدده الإسلام من حيث التعامل الدنيوي الحسن مع غير المحاربين للمسلمين والذين لهم عندنا عهد وميثاق، والتفريق بين الفريقين حسب ما ورد في القرآن والسنة.
ولم يكن مستغرباً ما تقول به إسرائيلُ وأعوانها وأنصارها، فقضية فلسطين قضية إسلامية، وإن أعظم نجاح يمكن أن تحققه يهود هو إبعاد القضية عن الإسلام، وإن تحرير فلسطين لن يكون بدون العودة إلى الإسلام كما بيّن ذلك نبينا محمّد صلى الله عليه وسلم وأعداؤنا لا يرعبهم إلا الإسلام وأهل الإسلام، وهم يعلمون أنّ القضية قضية إسلامية، ولن ينجح في دحرهم إلا من تمسك بدينه؛ لذلك يسعون جاهدين لصرف المسلمين عن إسلامية القضية، وضرب كل مسلم يطالب بها، وهذا ما طنطنت حوله كثير من وسائل إعلامهم منذ قيام دولتهم، فقد كتبت صحيفة الديلي ميرور: تحذر الغرب من المسلمين الذين يسعود جاهدين لإقناع العرب أن قضية فلسطين إسلامية، وأن العرب لو اقتنعوا بإسلامية قضية فلسطين فستفشل كلُّ مخططات إسرائيل والدولِ الغربية.
ويقول إيريل برغر: إن العرب لا بد أن يأتي اليوم الذي يتعاونون فيه معنا، وهذا التعاون لن يتحقق إلا بعد
القضاء على المسلمين المتعصبين الذين يغذون الشعب بنظرة العداء ضدنا.
وفي صحيفة يدعوت إحرانوت في مقالها الرئيسي: يجب أن يبقى الإسلام بعيداً عن معركتنا مع العرب،
ولو اقتضى الأمر إلى الاستعانة بأصدقائنا لاستعمال العنف والبطش لإخماد أي يقظة للروح الإسلامية.
وكتب يبرغين ودرستورن يقول: إن الاكتفاء بمراقبة الانتفاضة الإسلامية لن يفيدنا بشيء، وإذا لم نبادر إلى مقابلتها بعنف عسكري يفوق عنفها الديني، فإننا نكون قد حكمنا على العالم النصراني بمصير مهين يجلبه على نفسه إذا استمر تهاوننا في مواجهة المسلمين المتطرفين.
وكتب ليندون لاروش يناشد الحكومة الأمريكية بإصدار إعلان رسمي بمطاردة الإسلاميين، واعتبارهم خارجين عن القانون الدولي حتى يتم القضاء عليهم.
وقال البرفسور يوشواح بورات: إنّ المساجد هي دائماً منبع دعوة الجماهير العربية إلى التمرد على الوجود اليهودي.
وكتب المستشار الدكتور ريتشارد ميتشل إلى الحكومة الأمريكية في توصية له يقول: انصح بإجراءات القمع الجزئية ضد القيادات الإسلامية.
ومن هنا كان مقتل الشيخ أحمد ياسين -رحمه الله- أمراً متوقعاً، وهذه المحاولة الثالثة، وتمت كما أراد العدو بتقدير الله - تعالى - وفرغوا من تصفية جسده لتبقى قصته عبرةً لمن يعتبر.
لقد وجه الشيخ أحمد ياسين - قبيل استشهاده - رسالة إلى القمة العربية القادمة قال فيها: الجهاد في فلسطين حقٌّ مشروع للشعب الفلسطيني، وهو فرض عين على كل مسلم ومسلمة، وإنّ وصفهم بالإرهاب من قِبل أعداء الله لَظلم عظيم يرفضه شعبنا المرابط في فلسطين وترفضه كذلك شعوبنا العربية والإسلامية.
وقال: إن شعبنا وهو يخوض ببسالة معركة فرضت عليه لهو جدير أن يلقى كل أشكال الدعم والتأييد من الأمة.
وزاد: المسجد الأقصى يناشدكم، وقد أعد الصهاينة العدة بدكّ أركانه وهدم بنيانه، فمن له بعد الله إن لم تكونوا أنتم.
وبعد هذه الرسالة المكتوبة بمداد الأقلام كتب الشيخ رسالته الأبلغ إلى الأمة وقادتها بمداد دمه.
والذي تابع ما وقع للشيخ أحمد ياسين -رحمه الله- يرى حرباً إسرائيلية هائلة، مزودةً بكل أدواتِ التقنية
الحديثة، تواجه شيخاً كبيراً مقعداً، لم يكن متخفياً، بل يعيش كالناسِ في بيته، وتغيرُ عليه طائرة بصاروخ
وهو خرج من صلاة الفجر على كرسيه.
إنّه انتصارٌ كبيرٌ للشعب الفلسطيني، ودفعٌ معنوي كبير لكل مسلم، طفلاً كان أو بالغاً، رجلاً أو امرأة، مريضاً أو معافى، إذ كيف تقف دولةٌ هي الأقوى عسكرياً في المنطقة، تدعمها قوى البغي العالمية في مواجهة شيخ مشلول؟ لا شك أنّ هذه الغارة أظهرت إسرائيل ومن وراءها في موقف الضعيف المهزوم الجبان.
وقتلُ الشيخِ ياسين أظهر أنّ شعبنا الفلسطيني هو الأقوى في هذه المعركة، لأنَّ صاحب الحقِّ مهما كان ضعفُه الحسي يكتسب قوته في الحق، وأنّ الباطل هو الضعيف، ويبدو واضحاً أن الشعب الفلسطيني يمتلك من الإرادة والقدرة ما يجعل التفكير في المستقبل لا يعطي مجالاً لاحتمال الهزيمة، ويجعل القبول بالهزيمة أمراً غير مقبول واقعاً.
كيف استطاع مثل هذا الشيخ بضعفه الجسدي أن يلحق بأعتى احتلال وأبشعه في التاريخ والجغرافيا خسائر وهزائم بالغة الأثر؟ بل وكيف يستطيع رجل مقعد كبير في السن يحتاج إلى مساعدة من الناس ليؤدي أبسط حاجاته أن يقهر مثل هذا الاحتلال ويقود مثل هذه المقاومة، وينجز مثل هذه المؤسسات والحركات والشبكة الإسلامية والوطنية القوية والمؤثرة؟(67/268)
لقد أدرك اليهود والنصارى أنّ قوة هذا الشيخ وخطره يكمنان في تمسكه بدينه، وكلُّ مسلم متمسكٍ بدينه فهو أحمد ياسين عندهم، وكلُّ مسلم ليس بمغفل ولا ينسى قضيته فهو أحمد ياسين عندهم، وكلُّ مسلم يسعى جاهداً لنصرة إخوانه في فلسطين بدعائه لهم، وإعداده نفسه للجهاد، ودعمه المالي لهم، وفضحه لمخططاتهم، وتعريف المسلمين بإسلامية قضية فلسطين هو أحمد ياسين عندهم.
هذه دروس عظيمة مستفادة من من مقتل هذا الشيخ المريض المقعد، وفضله على الأمة حياً، وفضل مقتله علينا عظيم، إذا استطعنا الاستفادة من هذا الدرس بعيداً عن التميع وبعيداً عن الصراخِ الذي لا يتعدى العواطف التي سرعان ما تخبو نيرانها.
والله الموفق.
http://www.dawahwin.com المصدر:
==============(67/269)
(67/270)
جهود العلماء والأدباء في استنقاذ القدس من الصليبيين
عبد العزيز بن سعد الدغيثر
من يطلع على التاريخ يجد تشابهاً إلى حد كبير بين الفترات التاريخية، فالصراع بين الغرب النصراني والشرق المسلم بدأ من عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، وسيستمر إلى نزول عيسى - عليه السلام -، كما نجد أن المسلمين إذا كانت قلوبهم متحدة قبل أبدانهم فإن عدوهم لا يجرؤ على التحرش بهم؛ لأنه يعرف عاقبة ذلك، وأما عند التفرق فإن العدو ينقض عليهم انتهازاً لهذه الفرصة التي قد لا تتكرر. وبعد هذا الإجمال نورد شيئاً من فوائد دراسة التاريخ؛ ليكون ممهداً لهذه الدراسة.
فمن فوائد معرفة التاريخ:
1 - تثبيت قلوب المؤمنين، قال - تعالى -: وكلا نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك وجاءك في هذه الحق وموعظة وذكرى" للمؤمنين (120) {هود: 120}، قال الجنيد - رحمه الله -: " الحكايات جند من جند الله - عز وجل - يقوي بها إيمان المريدين"(1).
2 - أنها سبيل إلى معرفة سير أهل الصلاح والاقتداء بهم قال - تعالى -: أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده قل لا أسألكم عليه أجرا إن هو إلا ذكرى" للعالمين 90 {الأنعام: 90}، قال أبو حنيفة - رحمه الله -: " الحكايات عن العلماء ومحاسنهم أحب إلي من كثير من الفقه لأنها آداب القوم"(2). كما أنها سبيل لمعرفة سير أهل الضلال والخيانة لأمانتهم، ومن قدموا دنياهم على أخراهم، وكيف أنهم خسروا دنياهم بسوء العاقبة وسوء الذكر حتى إنهم لا يزالون يشتمون ما دامت مخازيهم مسطرة في كتب التاريخ.
3 - أنها سبيل إلى أخذ العبر والدروس من السابقين قال - تعالى -: "لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب ما كان حديثا يفترى" ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل كل شيء وهدى ورحمة لقوم يؤمنون 111 {يوسف: 111}، وما أصدق الشاعر حين يقول:
اقرؤوا التاريخ إذ فيه العبر *** ضل قوم ليس يدرون الخبر
4 - معرفة السنن الكونية من سنن التمكين والنصر، ونهاية الظالم، ونصر المؤمنين الصادقين ولو بعد حين، كما قال - تعالى -: "أكفاركم خير من أولائكم أم لكم براءة في الزبر 43 "{القمر: 43}، وقال - سبحانه -: "وكذلك ننجي المؤمنين 88" {الأنبياء: 88}، وقال - جل وعلا -: " وهل نجازي إلا الكفور 17 "{سبأ: 17}.
قال الحافظ ابن كثير - رحمه الله -: "وقد قص الله على نبيه صلى الله عليه وسلم خبر ما مضى من خلق المخلوقات وذكر الأمم الماضين، وكيف فعل بأوليائه، وماذا حلَّ بأعدائه، وبين ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم بياناً شافياً"(3).
ولما في القصص التاريخي من فوائد وعبر فإننا نجد أن الله - سبحانه - قص في كتابه كثيراً من القصص للأنبياء وغيرهم، قال - تعالى -: "كذلك نقص عليك من أنباء ما قد سبق وقد آتيناك من لدنا ذكرا 99 "{طه: 99}. وقال - سبحانه -: "ذلك من أنباء القرى" نقصه عليك منها قائم وحصيد 100" {هود: 100}. والقصص القرآني أحسن القصص كما قال - جل وعلا -: "نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك "هذا القرآن وإن كنت من قبله لمن الغافلين 3 "{يوسف: 3}، وهذا يدل على أهمية القصص التاريخية المليئة بالدروس والعبر.
ومن أحلك الفترات، وأشد المصائب التي مرت على المسلمين؛ فأبكت العيون، وأثارت الشجون، وأثرت في النفوس مصيبة استيلاء النصارى على أولى القبلتين، وثالث المسجدين، فقد استغل الصليبيون فرصة وجود عوامل الهزيمة في المسلمين فانقضوا مدمرين من يقف أمامهم بوحشية لا توصف، ولشبه تلك الفترة بأحوال المسلمين في الوقت الحالي من تحالف بين الصليبيين واليهود، واحتلال للأراضي المقدسة أحببت أن أسلط الضوء على تلك الفترة الحالكة من تاريخنا، وكيف انقلب الظلام شيئاً فشيئاً إلى نور مشع بالنصر والتمكين، وكيف لم يأتِ ذلك النصر إلا بتعب وجهود مضنية من المصلحين؛ علَّنا ندرك ذلك فنتبع طريق الإصلاح الموصل إلى النصر.
أسباب استيلاء النصارى على أراضي المسلمين ومنها القدس:
استمرت الحروب الصليبية قرابة المائتي عام من (491 - 690)ه، وكان الذي تولى كبرها البابا أوربانس بعد أن قدم إليه رجل فرنسي اسمه (بولس السائح) وحكى ما يجري للحجاج النصارى من ذل في الأراضي المقدسة على يد المسلمين، فعُقِد مؤتمرٌ عظيم في فرنسا وانتهى بتصميم النصارى على الاستيلاء على الأراضي المقدسة. فبدؤوا حملتهم واستولوا على إنطاكية سنة 491ه وسقطت القدس سنة 492ه وقتلوا في ساحات الأقصى من العباد والعلماء وطلاب العلم نحواً من 70 ألفاً(4) إلى أن أعادها الله - تعالى - بعد وقعة حطين سنة 583ه. وقد ساعدت بعض العوامل الداخلية الصليبيين على النجاح في حملتهم تلك، فمن تلك العوامل:
1 - ضعف الخلافة واستقلال الأقاليم:
فقد وصل تمزق دولة الخلافة إلى أن تملك رقعة من الأرض في الأندلس مقدارها ثلاثون فرسخاً أربعة كلهم يتسمى أمير المؤمنين(5). وما أصدق قول الشاعر:
مما يزهدني في أرض أندلس *** ألقاب معتضد فيها ومعتمد
ألقاب مملكة في غير موضعها *** كالهر يحكي انتفاخاً صولة الأسد(67/271)
وفي المشرق لم يكن للخليفة إلا قصره فقط، وليس له من الأمر شيء، وتحكم الخدم في العزل والتعيين كما قال الشاعر:
ومليك في قفص ***بين وصيف وبغا(6)
يقول ما قالا له ***كما تقول الببغاء
فنجد البويهيين في إيران، والفاطميين - العبيديين - في مصر، والحمدانيين في الجزيرة، وأكثر المدن لها شبه استقلال، وهذه الدويلات المتنازعة لا تملك مقومات الدول، وصدق الشاعر في قوله:
تأبى الرماح إذا اجتمعن تكسرا ***وإذا افترقن تكسرت آحادا
2 - التنازع على الحكم، وتولي من ليس بأهل لها، وكثرة الانقلابات ومنازعة الحكام والخروج عليهم:
فحكامهم كما يقول المعري:
يسوسون الأنام بغير لب ***فينفذ أمرهم ويقال ساسة
ومن عجيب ما ذكر في ذلك: أن أمية بن عبد الرحمن بن هشام بن عبد الجبار بن الناصر قام وتسور القصر، ودعا إلى نفسه، فقال له بعض أهل قرطبة: (نخشى عليك أن تقتل في هذه الفتنة؛ فإن السعادة قد ولت عنكم، فقال: (بايعوني اليوم واقتلوني غداً)(7). وبهذه النفسية لدى العوائل الحاكمة يضحي أحدهم بكل شيء؛ لينال الإمارة، فيضحي بدينه، ويتحالف مع الأعداء النصارى ضد المسلمين، وقد يقتل أخاه، وقد يفعل أشياء لا تخطر بالبال لأجل الكرسي.
3 - الفساد الاقتصادي والفجوة الكبيرة بين الفقراء والأغنياء:
فبينما نجد ولائم كبار الدولة ووزرائها فيها من البذخ الشيء الكثير(8)؛ نجد أن الفقر مستشرٍ فيها(9) حتى إن القاضي عبد الوهاب المالكي غادر بغداد من الفقر، وقال لمودعيه: لو وجدت بين ظهرانيكم رغيفين كل غداة وعشية ما عدلت ببلدكم أمنية، وفي ذلك يقول:
بغداد دار لأهل المال طيبة ***وللمفاليس دار الضنك والضيق
ظللت حيران أمشي في أزقتها *** كأنني مصحف في بيت زنديق(10)
وقال:
سلام على بغداد في كل موطن ***وحق لها مني سلام مضاعف
فوالله ما فارقتها عن قلى لها ***وإني بشطي جانبيها لعارف
ولكنها ضاقت علي بأسرها ***ولم تكن الأرزاق فيها تساعف(11)
4 - بعد الفقهاء عن السياسة، وقد قال شيخ الإسلام:
"وبسبب ضعف الفقهاء من العلم الكافي للسياسة العادلة وقع انفصام في المجتمع الإسلامي فصار يقال: الشرع والسياسة، هذا يدعو خصمه إلى الشرع وهذا يدعوه إلى السياسة، والسبب تقصير هؤلاء في معرفة السنة"(12).
ورأى أحد الشعراء بعض أهل العلم في مكة يتباحثون في النحو والصرف فوبخهم بقوله:
أما تستحون الله يا معدن النحو ***شغلهم بذا والناس في أعظم الشغل
إمامكم أضحى قتيلاً مجندلاً ***وقد أصبح الإسلام مفترق الشمل
وأنتم على الأشعار والنحو عُكَّفاً ***تصيحون بالأصوات في أحسن السبْل(13)
5 - الباطنية ونخرهم في الجسد الإسلامي:
فقد حصل من الحشاشين في قلعة آلموت، والبويهيين في فارس، والقرامطة في الإحساء، والعبيديين في مصر ما يندى له الجبين من قتل للأرواح، وانتهاك للحرم، واغتيال للصالحين من العلماء والوزراء. وقد كانوا كثيراً ما يخذلون المسلمين، ويوالون النصارى عليهم(14)، وأفعال القرامطة في الحرم المكي مما لا ينساه التاريخ فقد هدموا الكعبة، وقتلوا حولها أكثر من مائة ألف من الحجاج، وأخذوا الحجر الأسود إلى الإحساء وهذا لا يُتصور أن يصدر من مسلم. وأما العبيديون في مصر والشمال الإفريقي فقد قتلوا من أهل السنة الكثير، وأظهروا الرفض بالإكراه، وألزموا المؤذنين بأن يقولوا في الأذان: (أشهد أن علياً ولي الله وحي على خير العمل) ونشروا بدع القبور، وشجعوا العوام على تقديسها، كما أنهم تعاونوا مع الصليبيين ضد المسلمين، فقد قال ابن الأثير:"إن أصحاب مصر من العلويين لما رأوا قوة الدولة السلجوقية وتمكنها واستيلاءها على بلاد الشام إلى غزة، ولم يبق بينهم وبين مصر ولاية أخرى تمنعهم، خافوا وأرسلوا إلى الفرنج يدعونهم إلى الخروج إلى الشام ليملكوه، ويكونوا بينهم وبين المسلمين، والله أعلم"(15).
واستولى الصليحيون على اليمن، والحمدانيون على أجزاء من الشام وهم من الرافضة، وإن كان لهم دور في محاربة النصارى لكن قتالهم إنما هو للدفاع عن أراضيهم وليس لغرض الجهاد(16). فقد كان بين هذه الدول الباطنية تعاون لاتحادهم في المذهب، فعلى سبيل المثال نجد أن سيف الدولة الحمداني يساعد القرامطة في حربهم لكافور الإخشيدي مع ما عمله القرامطة من مخاز لا تجهل(17).
6 - التجاوب الضعيف من المسلمين لنصرة إخوانهم المنكوبين: فعندما هاجم الصليبيون الرها سنة 361ه ألح الناس على بختيار البويهي (18) أن يقوم بواجبه، فماطلهم ولم يحصل منه شيء، وعندما استولى الصليبيون على القدس هام الناس على وجوههم فارين من وحشية العدو الصليبي، وخرج الفقهاء من بغداد ليندبوا الملوك على الجهاد، فلم ينفع سعيهم، وتجهز بعض الفقهاء في بغداد ومعهم جمع من المتطوعة سنة 504هـ للجهاد ثم رجع كثير منهم حين بلغهم كثرة الصليبيين، وعندما أرسل صلاح الدين رسالة إلى ملك المغرب يطلب منه المساعدة بأسطول بحري يقطع إمدادات الصليبيين القادمة عبر مضيق جبل طارق غضب؛ لأنه لم يخاطبه بأمير المؤمنين(19).
7 - الاستنصار بالأعداء النصارى في النزاعات الداخلية:(67/272)
ومن ذلك ما فعله عمارة اليمني الشاعر المشهور عندما كاتب الصليبيين لغزو مصر، واسترجاع الحكم الفاطمي، وفيه يقول الشاعر:
عمارة في الإسلام أبدى جناية ***وبايع فيها بيعة وصليبا(20)
وأمسى شريك الشرك في بغض أحمد ***فأصبح في حب الصليب صليبا(21)
وكان خبيث الملتقى إن عجمته *** تجد منه عوداً في النفاق صليبا(22)
سيلقى غداً ما كان يسعى لأجله ***ويسقى صديداً في لظى وصليبا (23)(24)
بوادر العودة:
في ظل تلك الأوضاع السيئة لأمة محمد صلى الله عليه وسلم نجد أن العلماء تحركوا للقيام بما أوجب الله - تعالى - عليهم من إصلاح المجتمعات المسلمة، فكان لهم جهود لا تخفى لاستنهاض الأمة لتعود إلى الجهاد، ففي سنة 362ه اجتمع أبو بكر الرازي الحنفي، وأبو الحسن الرماني، وابن الدقاق الحنبلي بعز الدولة باختيار وحرضوه على غزو الروم الذين استولوا على الرها وبعض بلاد الشام، فبعث جيشاً إلى الشام فأظفره الله بهم، وقتلوا منهم خلقاً كثيراً، وبعثوا برؤوسهم إلى بغداد فسكنت أنفس الناس(25).
وقد كان للعلماء محاولات جادة في الإصلاح، فمنهم من اهتم بالجانب التنظيري فألف الكتب في معالجة مواضع الخلل عند المسلمين، ومنهم من اهتم بالإصلاح الشعبي فعقد المواعظ والدروس لإعادة الناس إلى الدين، ومن أمثلة الاتجاه الأول: الإمام الماوردي، والجويني، والغزالي، ومن أمثلة الاتجاه الثاني: الشيخ عبد القادر الجيلاني، وسبط ابن الجوزي. ونذكر أمثلة تمثل هذين الاتجاهين.
الجانب الأول: الإصلاح التنظيري بتأليف المؤلفات:
- ألف الماوردي (364 - 450) كتاب أدب الدنيا والدين في كيفية الجمع بين الدين والدنيا لمعالجة انحراف جهلة العباد والمتصوفة، وأهل الملذات ممن لا يأبه بحلال أو حرام. كما ألف الأحكام السلطانية؛ للمساهمة في إيضاح الأحكام الشرعية للسياسة.
- ألف أبو المعالي الجويني كتاب غياث الأمم في التياث الظلم؛ لإيجاد حلول شرعية للقضايا السياسية.
- ألف أبو حامد الغزالي (ت 505) كتاب إحياء علوم الدين؛ لإصلاح أحوال المسلمين(26). وحيث إنه يعد أهم من ألف في تلك الحقبة وقد كان لكتابه صدى واسع بين المسلمين. وقد تميز علاجه لأحوال المسلمين بصفات منها:
1 - خلو كتاباته من التحريض على الجهاد واعتماده على النقد الذاتي، فهو يعالج القابلية للهزيمة بدل التباكي على مظاهر الهزيمة، وقد قال - تعالى -: "وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير 30 "{الشورى: 30}، وقال - سبحانه -: "وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا بما كانوا يكسبون 129 "{الأنعام: 129}.
2 - عزم الغزالي على أن يمضي إلى يوسف بن تاشفين سلطان المغرب، لما بلغه عدله وصلاحه؛ ليحضه على النهوض بدار الإسلام فبلغه موته وهو بالإسكندرية فقطع رحلته وعاد(27).
3 - نقده للاتجاهات الباطنية والفلسفية التي أفسدت عقائد المسلمين.
4 - كثرة تبدله، نظراً لخبراته وقناعاته وبحثه عن الحق حتى مات وصحيح البخاري على صدره كما قال شيخ الإسلام - رحمه الله - وقد توفي وعمره 55 سنة، ولو كتب له فسحة في العمر لربما رأينا طرحاً آخر في منهج إصلاحه.
فمن نفيس أقواله:
قال:"أما الآن فقد قيدت الأطماع ألسن العلماء فسكتوا، وإن تكلموا لما تساعد أقوالهم أحوالهم فلم ينجحوا، ولو صدقوا وقصدوا حق العلم لأفلحوا، ففساد الرعايا بفساد الملوك، وفساد الملوك بفساد العلماء، وفساد العلماء باستيلاء حب الجاه والمال، ومن استولى عليه حب الدنيا لم يقدر على الحسبة على الأراذل فكيف على الملوك والأكابر"(28).
يعيب على المسلمين ترك العلوم الدنيوية فيقول:" والفطن يعلم أنه لو كان غرض طالب العلم أداء حق الأمر في فرض الكفاية لقدم عليه فرض العين، بل قُدم عليه كثير من فروض الكفايات فكم من بلدة ليس فيها طبيب إلا من أهل الذمة... وهل لهذا سبب إلا أن الطب ليس يتيسر الوصول به إلى تولي الأوقاف والوصايا، وحيازة مال الأيتام، وتقلد القضاء، والتقدم على الأقران"(29).
يعيب على بعض أغنياء المسلمين فيقول:"صنف حرصوا على بناء المساجد والمدارس والأربطة والقناطر، وكتبوا أسماءهم عليها، وقد اغتر هؤلاء من وجهين: الأول: أنهم يبنونها من أموال اكتسبوها من الرشاوى والظلم والنهب، والثاني: أنهم ربما اكتسبوا المال من الحلال ولكنهم في التركيز على بناء المساجد أصابهم داء الرياء، وحب الثناء، وصنف يحرصون على إنفاق الأموال في الحج، وربما تركوا جيرانهم جياعاً، وصنف يشتغلون بكنز الأموال بحكم البخل، ويشتغلون بالعبادات البدنية التي لا تحتاج إلى نفقة كصيام النهار وقيام الليل" (30).
الجانب الثاني: الإصلاح الشعبي:(67/273)
من أعظم العلماء المصلحين في ذلك الوقت الشيخ عبد القادر الجيلاني الحنبلي (470 - 561). وكان قد اعتزل الناس للتأمل وتهذيب النفس عشر سنين ثم عاد للإصلاح. وقد بدأ عام 521 هـ وعمره50 سنة في الجلوس لوعظ الناس وإصلاحهم، وبدأ مجلسه بالرجلين والثلاثة، ثم تزاحم الناس حتى صار مجلسه يضم سبعين ألفاً (31). ثم تزايد الإقبال عليه، وصار الناس يجيئون إليه، ويتوب عليه الخلق الكثير(32). وقد تبنى الشيخ عبد القادر مدرسة لإخراج جيل من العلماء الذين يقودون الناس إلى الصلاح، واكتمل بناؤها سنة528 هـ، وجعل الدراسة فيها لكتب الفقه والحديث والقراءات وغيرها، واستبعد كتب الفلسفة والكلام(33).
وقد خصص لعامة الناس ثلاث جلسات للوعظ في صباح الجمعة، ومساء الثلاثاء في المدرسة، وصباح الأحد في الرباط، ودونت مواعظه باليوم والتاريخ في كتابه: الفتح الرباني.
وقد كانت خطبه نارية تلهب الحماس في الجالسين، وكان كثيراً ما ينتقد فيها العلماء الذين يأكلون بدينهم، ويسكتون عن قول الحق، كما لم يسلم من النقد موظفو السلاطين الذين يطيعونهم في معصية الله؛ بل إنه - رحمه الله - كان ينكر على الخليفة الظلم إذا حضر موعظة؛ من مواعظه كما في كتابه المذكور.
فمن أقواله في مواعظه:" ملائكتكم تتعجب من وقاحتكم، تتعجب من كثرة كذبكم في أحوالكم، تتعجب من كذبكم في توحيدكم، كل حديثكم في الغلاء والرخص، وأحوال السلاطين والأغنياء. أكل فلان، لبس فلان، تزوج فلان، استغنى فلان، افتقر فلان... "(34)، وكما هو ظاهر فالجيلاني يسلك طريق النقد الذاتي باستخدام الهجوم والتغليظ كما هو واضح في كتابه الفتح الرباني.
وقد اهتم بالفقراء والغرباء فكان يؤويهم ويطعمهم، ويحضرون دروسه في مدرسته؛(35) ولذا أحبه الناس، وتاب على يديه معظم أهل بغداد(36)، وقد قال عن نفسه:" وقد تاب على يدي من العيارين والمسالحة أكثر من مائة ألف وهذا خير كثير"(37).
ولانتشار التصوف في عهده وكثرة طرقه فقد سعى الجيلاني إلى توحيد المتصوفة على أفكاره، وتقريبهم إلى الكتاب والسنة، وعقد لهم اجتماعات تمخضت بهيكل تنظيمي يتكون من القطب وهو الشيخ عبد القادر ويليه الأبدال ثم الأوتاد(38). وقد كان - رحمه الله - متأثراً بطريقة المتصوفة وإلا فهذه الطبقات مبتدعة ولم تكن على عهد أهل القرون المفضلة، ولا زال كثير من الجهال يعتقد أن الجيلاني يتحكم في الكون وهذا شرك في الربوبية نسأل الله الثبات على التوحيد والسنة. وسبب ذلك أنه - رحمه الله - تعالى - كان متأثراً بالتصوف المنتشر في وقته إلى حد كبير؛ ولكنه كان من أقرب المتصوفة إلى الكتاب والسنة.
اهتم بدعوة الكفار وقد قال عن نفسه:" اسلم على يدي أكثر من خمسة آلاف من اليهود والنصارى"(39).
كما أن لمجالس الوعظ التي كان يعقدها سبط ابن الجوزي دوراً كبيراً. وقد كان يستخدم العاطفة في إذكاء الحماس لدى المستمعين، وقد وصف ابن كثير مجلسه في دمشق، وقدر الحضور في بعض الأيام بثلاثين ألفاً، ثم قال ابن كثير:" فلما جلس يوم السبت خامس ربيع الأول بالجامع حث الناس على الجهاد، وأمر بإحضار ما كان قد تحصل عنده من شعور التائبين، وقد عمل منها شكالات(40)، يحملها الرجال، فلما رآها الناس ضجوا ضجةً واحدة، وتباكوا بكاء كثيراً، وقطعوا من شعورهم نحوها، ثم توجه بتلك الشعور إلى الملك المعظم فأراه الشعور، فجعل يقبلها ويمرغها على وجهه ويبكي، ثم عمل سبط ابن الجوزي ميعاداً بنابلس، وحث الناس على الجهاد، ثم ساروا بقيادة الملك المعظم إلى الفرنج، فقتلوا منهم خلقاً، وخربوا أماكن كثيرة، وغنموا وعادوا سالمين"(41).
ولم يكن الفقهاء بمعزل عن ساحات الجهاد فقد كانوا أول المشاركين في طرد الصليبيين من آخر معاقلهم سنة 690ه في عكا، وكان من أشهر المشاركين شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - (42).
دور الشعراء في استنهاض المسلمين لإنقاذ مقدساتهم أيام الحروب الصليبية:
لا شك أن للشعر دوره في استنهاض الهمم، وبعث الأمل في النفوس اليائسة، وقد كان للشعراء دور عظيم في استنهاض المسلمين، وحثهم على الجهاد، وتحرير أراضي المسلمين، فمن ذلك:
يقول أحدهم:
أحل الكفر بالإسلام ضيماً ***يطول عليه للدين النحيب
فحق ضائع وحمى مباح ***وسيف قاطع ودم صبيب
وكم من مسلم أمسى سليباً ***ومسلمة لها حرم سليب
وكم من مسجد جعلوه ديراً ***على محرابه نصب الصليب
دم الخنزير فيه لهم خلوق ***وتحريق المصاحف فيه طيب
أمور لو تأملهن طفل ***لطفَّل في عوارضه المشيب
أتسبى المسلمات بكل ثغر ***وعيش المسلمين إذن يطيب
أما والله للإسلام حق ***يدافع عنه شبان وشيب
فقل لذوي البصائر حيث كانوا ***أجيبوا الله ويحكم أجيبوا(43)
وقال القاضي أبو المظفر الأبيوردي يرثي القدس ويحث على الجهاد:
مزجنا دماء بالدموع السواجم ***فلم يبق منا عُرضة للمراحم
وشر سلاح المرء دمع يفيضه ***إذا الحرب شُبَّت نارها بالصوارم
فإِيها بني الإسلام إن وراءكم ***وقائع يلحقن الذرى بالمناسم
أتهويمة في ظل أمن وغبطة ***وعيش كنوار الخميلة ناعم(67/274)
وإخوانكم بالشام أضحى مقيلهم ***ظهور المذاكي أو بطون القشاعم(44)
تسومهم الروم الهوان وأنتم ***تجرون ذيل الخفض(45) فعل المسالم
وتلك حروب من يغب عن غمارها ***ليسلم، يقرع بعدها سنَّ نادم
أرى أمتي لا يشرعون إلى العدى ***رماحهم والدين واهي الدعائم
ويجتنبون النار خوفاً من الردى ***ولا يحسبون العار ضربة لازم
أيرضى صناديد الأعاريب بالأذى ***ويغضي إلى ذل كماة الأعاجم
فليتهمو إذ لم يذودوا حميةً ***عن الدين ضنُّوا غيرة بالمحارم(46)
ويقول شهاب الدين ابن المجاور:
أعيني لا ترقي من العبرات ***صلي في البكا الآصال بالبكرات
لعل سيول الدمع يطفئ فيضها ***توقد ما في القلب من جمرات
على المسجد الأقصى الذي جل قدره ***على موطن الإخبات والصلوات
لتبك على القدس البلاد بأسرها ***وتعلن بالأحزان والترحات
أما علمت أبناء أيوب(47) أنهم ***عدوا من السروات
وأن افتتاح القدس زهرة ملكهم ***وهل ثمر إلا من الزهرات(48)
ويقول ابن الخياط(ت517ه) وهو يخاطب الأمير عضد الدولة:
إلى كم وقد زخر المشركون ***بسيل يهال له السيل مدًّا
وقد جال في أرض إفرنجة ***جيوش كمثل جبال تردَّى
تراخون من يجتري شدةً ***وتنسون من يجعل الحرب نقدا
أنوماً على مثل هذا الصفا ***وهزلاً وقد أصبح اليوم جدًّا
وكيف تنامون عن أعين ***وُتِرتُم فأسهرتموهن حقدا
وشر الضغائن ما أقبلت ***لديه الضغائن بالكفر تُحدى
بنو الشرك لا ينكرون الفساد ***ولا يعرفون مع الجور قصدا
ولا يردعون عن القتل نفساً ***ولا يتركون من الفتك جهدا
فكم من فتاة بهم أصبحت ***تدق من الخوف نحراً وخدا
وكم من عواتق ما إن عرفن ***حراً ولا ذقن بالليل بردا
تكاد عليهن من خيفة ***تذوب وتتلف حزناً ووجدا
فحاموا عن دينكم والحريم ***محاماة من لا يرى الموت فقدا
وسدوا الثغور بطعن النحور ***ثغر بكم أن يُسدّا
فلن تعدموا في انتشار الأمور ***أخا همة حازم الرأي جلدا
يظاهر تدبيره بأسَه ***مظاهرة السيف كفاً وزندا
فدونكم ظفراً عاجلا ***لكم جاعلاً سائر الأرض مهدا
فقد أينعت رؤوس المشركين ***فلا تغفلوها قطافاً وحصدا
فلا بد من حدهم أن يُفلَّ ولا ***بد من ركنهم أن يهدَّا(49)
ولما تولى صلاح الدين كثرت مناشدة الشعراء له بأن يطهر بيت المقدس ومثال ذلك قول أحد الشعراء على لسان القدس:
يا أيها الملك الذي ***لمعالم الصلبان نكَّس
جاءت إليك ظلامة ***تسعى من البيت المقدَّس
كل المساجد طهرت ***وأنا على شرفي منجس(50)
ومن المواضيع التي طرقها شعراء تلك الفترة معاتبة حكام المسلمين إذا تصالحوا مع الأعداء على تسليم بعض الأراضي الإسلامية، فمن ذلك قول أسامة بن منقذ (ت548ه) يعاتب معين الدولة على استسلامه للفرنج:
أين الحمية والنفس الأبية إذ ***ساموك خطة خسف عارها يصمُ
هلا أنفت حياء أو محافظة ***من ما أنكرته العُرب والعجمُ
أسلمتنا وسيوف الهند مغمدة ***ولم يرو سنان السمهري دمُ
وكنت أحسب من والاك في حرم ***لا يعتريه به شيب ولا هرمُ
وأن جارك جار السموأل لا ***يخشى الأعادي ولا تغتاله النقم
هبنا جنينا ذنوباً لا يكفرها ***عذر فماذا جنى الأطفال والحرم
ألقيتهم في يد الإفرنج مبتغياً ***رضى عديً يسخط الرحمن فعلهم(51)
نصرة الشعراء للإسلام بالدعاء والابتهال:
يقول ابن القيم - رحمه الله -:
هذا ونصر الدين فرض لازم ***لا للكفاية بل على الأعيان
بيد وإما باللسان فإن عجزت فبالتوجه والدعا بجنان
ما بعد ذا والله للإيمان ***حبة خردل يا ناصر الإيمان(52)
فالدعاء سلاح المؤمن، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم بعد أخذ الاستعدادات اللازمة للجهاد يدعو ربه، ويناشده، ويتضرع إليه، كما أنه صلى الله عليه وسلم شرع لنا القنوت إذا حصل للمسلمين ضر. وقد كثرت القصائد المتضمنة لدعاء الله - سبحانه - بأن يكشف الضر عن المسلمين في ذلك العصر، فمن ذلك ما قاله أبو الفضل التوزري المعروف بابن النحوي (513ه) في قصيدته التي نظمها في الدعاء، والاستغاثة، والمسماة "المنفرجة"، ومما جاء فيها:
اشتدي أزمة تنفرجي ***قد آذن ليلك بالبلج
وظلام الليل له سرج ***حتى يغشاه أبو السرج
وسحاب الخير لها مطر ***فإذا جاء الإبان تجي
وفوائد مولانا جمل ***لسروح الأنفس والمهج(53)
وقد حظيت بعناية أهل الأدب والعلم فمن شروحها: "الأضواء البهجة في إبراز دقائق المنفرجة" و" الأنوار المنبلجة في بسط أسرار المنفرجة" و" السريرة المنزعجة في شرح المنفرجة". وغير ذلك.
ويقول الغزالي (ت505ه) في قصيدة سماها:" دعاء المنفرجة":
الشدة أودت بالمهج ***يا رب فعجل بالفرج
والأنفس أمست في حرج ***وبإذنك تفريج الحرج
هاجت لدعاك خواطرنا ***والويل لها إن لم تهج(54)
النصرة بمدح الإسلام والفرح بنصرته:
وهذا كثير جداً، فلا تخلو معركة ينتصر فيها المسلمون إلا ويتنافس الشعراء لنظم القصيد فرحاً بالنصر، وابتهاجاً بخذلان الكفر، ومن ذلك على أنه لما هزم آخر جيش للصليبيين سنة 690ه وأخرجوا من معقلهم الأخير"عكا" قال شهاب الدين محمود:
الحمد لله ذلت دولة الصُّلُب ***وعزَّ بالترك دين المصطفى العربي(67/275)
هذا الذي كانت الآمال لو طلبت ***رؤياه في النوم لاستحيت من الطلب
ما بعد عكا وقد هُدَّت قواعدها ***في البحر للشرك عند البر من أرب
لم يبق من بعدها للكفر إذ خربت ***في البر والبحر ما ينجي سوى الهرب(55)
وهكذا لا تعود المقدسات، ولا تنتصر المبادئ إلا بتظافر الجهود، كل في مجاله، وإلقاء التبعية على الحكام أو العلماء وحدهم من ضعف التدبير.
أسأل الله - سبحانه - أن يصلح أحوال المسلمين، وأن يبصرهم في دينهم، والحمد لله أولاً وآخراً وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
ـــــــــــــــــــ
الهوامش:
1 - صفحات من صبر العلماء (18).
2 - الإعلان بالتوبيخ (33).
3 - البداية والنهاية (7/1).
4 - تاريخ ابن خلدون (5 - 21) عن كتاب هكذا ظهر جيل صلاح الدين (67 - 68)، ومختصر الدول (197) للمؤرخ الأرمني بارهبريوس ويسميه العرب بابن العبري عن موقف ابن تيمية من الأشاعرة (1 - 88) هامش 4، وذكر أن افتخار الدولة حاكم القدس من قبل العبيديين خرج هو وجنوده سالمين.
5 - الكامل (9 - 443).
6 - الوصيف: الخادم، والبغا: القائد من الأتراك، وأكثرهم كانوا مماليك للخليفة.
7 - الكامل (9 - 283).
8 - ومن أعظم ما أورد المؤرخون في ذلك زواج ابنة السلطان ملكشاه عام 480ه وحفلة ختان أبناء الخليفة المسترشد بالله سنة 517ه كما في البداية والنهاية في حوادث تلك السنتين، وتركة الوزير الفاطمي المتوفى سنة 515ه في وفيات الأعيان (2 - 160 - 162) وتركة أبي نصر الكردي صاحب ديار بكر المتوفى سنة 453ه كما في البداية والنهاية في حوادث تلك السنة.
9 - حصلت بعض المجاعات في العالم الإسلامي حتى أُكلت الكلاب والموتى، بل خطف النساء والأطفال وأكلوا كما في السنوات 428ه وسنة 440ه وسنة 448ه وسنة 470ه وسنة 511ه. وتفصيلها في البداية والنهاية في حوادث تلك السنين.
10 - وفيات الأعيان (3 - 221).
11 - وفيات الأعيان (3 - 22).
12 - الفتاوى (20 - 293).
13 - البداية والنهاية (11 - 26) عن كتاب أيعيد التاريخ نفسه (27).
14 - البداية والنهاية (15 - 334) طبعة دار هجر.
15 - الكامل (10 - 273) والنجوم الزاهرة (5 - 147) وتاريخ الخلفاء للسيوطي (679).
16 - كفعل ما يسمى بحزب الله اللبناني في هذه الأزمنة.
17 - البداية والنهاية (15 - 266) طبعة دار هجر. وقارن بما حاول أن يفعله الرافضة من تفجيرات وإفساد في مواسم الحج.
18 - وانتقم الله منه فقتل سنة 367ه كما في البداية والنهاية (15 - 382) طبعة دار هجر.
19 - البداية والنهاية (12 - 167، 181) والكامل لابن الأثير (8 - 618)، (10 - 452)، (10 - 284). عن كتاب أيعيد التاريخ نفسه (32 - 33).
20 - صليب النصارى.
21 - أي مصلوباً.
22 - أي صلباً من الصلابة.
23 - الصليب هنا: ودك العظام، وقيل: إنه الصديد.
24 - أثر الحروب الصليبية على الأدب العربي لمحمد سيد كيلاني(43).
25 - البداية والنهاية (15 - 337) طبعة دار هجر.
26 - وقد انتقد العلماء على الغزالي حشو كتابه بالآراء الكلامية والشطحات الصوفية المخالفة لعقيدة السلف الصالح، كما أنه مزجى البضاعة في علم الحديث فقد احتوى كتابه على كثير من الأحاديث الضعيفة والموضوعة، وقد خرج الحافظ العراقي أحاديث الإحياء في كتابه المغني عن حمل الأسفار في الأسفار في تخريج ما في الإحياء من أخبار.
27 - طبقات الشافعية للسبكي (4 - 105).
28 - إحياء علوم الدين (1 - 42).
29 - السابق (1 - 43).
30 - السابق (3 - 397).
31 - مسالك الابصار (5 - 104) عن كتاب هكذا ظهر جيل صلاح الدين (161).
32 - المنتظم (10 - 219).
33 - هكذا ظهر جيل صلاح الدين (166).
34 - الفتح الرباني (241) عن السابق (180).
35 - مسالك الابصار (1 - 104) عن السابق (182).
36 - المنتظم (10 - 219).
37 - السابق (183).
38 - السابق (187).
39 - السابق (192).
40 - الشكال: العقال للدابة.
41 - البداية والنهاية (17 - 20) طبعة دار هجر.
42 - البداية والنهاية (13 - 320) والأعلام العلية (68) والكواكب الدرية (92) عن موقف ابن تيمية من الأشاعرة (1 - 91).
43 - النجوم الزاهرة (5 - 152) عن كتاب هكذا ظهر جيل صلاح الدين (69).
44 - المذكاة: الخشبة التي يذبح عليها، والقشاعم: السباع.
45 - الخفض: الترف.
46 - الكامل (10 - 284) عن كتاب أيعيد التاريخ نفسه (34).
47 - يخاطب أبناء صلاح الدين الذين تنازعوا على الملك ولم يواصلوا مسيرة والدهم الجهادية كما يجب.
48 - أثر الحروب الصليبية على الأدب العربي لمحمد سيد كيلاني(223).
49 - أثر الحروب الصليبية على الأدب العربي لمحمد سيد كيلاني (231).
50 - أثر الحروب الصليبية على الأدب العربي لمحمد سيد كيلاني (235).
51 - أثر الحروب الصليبية على الأدب العربي لمحمد سيد كيلاني (296).
52 - نونية ابن القيم المسماة الكافية الشافية في آخر فصل من فصولها.
53 - أثر الحروب الصليبية على الأدب العربي لمحمد سيد كيلاني (240).
54 - أثر الحروب الصليبية على الأدب العربي لمحمد سيد كيلاني (237).
55 - البداية والنهاية (17 - 637 - 638) طبعة دار هجر.(67/276)
ــــــــــــــــــ
أهم الصادر والمراجع:
1 - الإعلان بالتوبيخ لمن ذم التاريخ للسخاوي.
2 - الآداب الشرعية لابن مفلح.
3 - صحيح القصص النبوي لعمر الأشقر
4 - صفحات من صبر العلماء - عبد الفتاح أبو غدة.
5 - صحيح الجامع - للألباني.
6 - صفة الصفوة - لابن الجوزي.
7 - البداية والنهاية - لابن كثير.
8 - أثر الحروب الصليبية على الأدب العربي لمحمد سيد كيلاني.
9 - النونية ابن القيم.
10 - أيعيد التاريخ نفسه - محمد العبدة.
11 - هكذا ظهر جيل صلاح الدين - للكيلاني.
12 - موقف ابن تيمية من الأشاعرة - للمحمود.
http://jmuslim. naseej. Com المصدر:
==============(67/277)
(67/278)
مستقبل الاحتلال الصليبي في العراق
عبد الله الصادق
مقدمة:
بدأت ملامح الاحتلال الانجلو-أمريكي بالوضوح بعد ثلاثة أشهر من الغزو المجرم للعراق.
وأصبح واضحاً لدى الجميع بأن الأهداف الكامنة وراءه تكمن في تنفيذ الإستراتيجية الأمريكية بالسيطرة العسكرية المباشرة على بلاد الشام والعراق ولما يسمى بالمفهوم الأمريكي بمنطقة الشرق الأوسط.
وقد أشار وزير الخارجية الأمريكية إلى ذلك لضرورة تحويل منطقة الشرق الأوسط إلى الديمقراطية - على الطريقة الأمريكية - وبتنفيذ الأجندة الأمريكية خلال العشر سنوات القادمة.
وهو ما نراه في التدخل الوقح للإدارة الأمريكية في الشؤون الداخلية لدول المنطقة سواء على المستوى السياسي أو الاجتماعي وحتى التربوي الثقافي.
وبعد هدوء عاصفة الغارات الجوية والمدفعية على العراق، برز على الأرض حقيقة المأساة الحقيقية من قتل وتهديم وتشريد.
ومن خلال متابعة لحقيقة الأوضاع الداخلية في العراق بعد سيطرة القوات الأمريكية والبريطانية على الوضع يتضح حقيقة الديمقراطية والحرية المزعومة في هذا البلد المسلم.
الأوضاع المعيشية:
وصلت هذه الأوضاع إلى حد الانهيار في ظل اللامبالاة لقوات الاحتلال، وذلك لتحقيق أهداف مدروسة، أهمها إلهاء الشعب العراقي في تأمين معيشته لأسرته في ظل الأوضاع المتدهورة لعموم الجماهير للرضوخ للاحتلال وثنيه عن المقاومة.
وقد عمدت قوات الاحتلال إلى منع تدفق النفط العراقي إلى المحطات إلا بكميات محدودة لا تكفي لتغطية الاستهلاك، مما كون طوابير كبيرة على المحطات.
هذا فضلاً عن التباطؤ لإعادة التيار الكهربائي والماء، واستهداف هذه القوات لمخازن الأغذية التي وفرتها الحكومة العراقية السابقة، لتخفيف حجم الحصار على شعبها.
هذه الأوضاع المزرية انعكست بصورة سيئة على الأوضاع الاجتماعية، حيث أطلق الجيش الأمريكي والبريطاني يد عصابات اللصوص والغوغائيين ليسعوا في الأرض الفساد نهباً وإجراماً.
ووقع الشعب العراقي في دوامة خبيثة من الجرائم المرتكبة ضده كالإغتصابات الجماعية والسرقة وغيرها والتي لم يسمع بها العراقيون هناك من قبل.
وقد تضاعفت هذه النقمة بعد سلسلة من القرارات من تسريح للقطاعات العامة من جيش وإعلام وباقي القطاعات العامة.
حقوق الإنسان الديمقراطية:
برزت الديمقراطية الأمريكية على وجهها الحقيقي من خلال ممارسات الحاكم الأمريكي بتعينه مستشارين أمريكيين في الإدارات العامة، تعود إليهم كلمة الفصل في كل القرارات، كما أنهم ألغوا ما يسمى بالمجلس العراقي الوطني، واستبدلوه بمجلس معين من قبل الإدارة المحتلة، هذا فضلاً على تصريحاتهم بضرورة بقائهم لسنوات عديدة لصون ديمقراطيتهم المزعومة وإعادة الحرية للشعب العراقي.
أما حقوق الإنسان العراقي، فحدث ولا حرج عن انتهاكها، فهناك اعتقالات للآلاف، وإطلاق نار على المتظاهرين وقتل وجرح الكثيرين منهم، ودهس لسيارات المواطنين بدباباتهم.
بالإضافة إلى ما كشفت عنه منظمات الحقوق الدولية وحتى تلك التابعة لمزرعتهم - الأمم المتحدة- حجم الإجرام والإرهاب الذي تمارسه تلك القوات عبر التعذيب، وذلك عبر تصريح صحفي لمنظمة العفو الدولية عما يجري في المعتقلات الأمريكية حيث استمعوا لشهادات عدد من الأسرى العراقيين، فأفادوا عن تعرضهم للضربٍ ركلاً بالأقدام، وبأعقاب البنادق، وكسر للأسنان، والتعرض للصدمات الكهربائية لمدد طويلة.
ولا شك أن الفضيحة التي فجرتها صحيفة الـ Sun البريطانية مؤخراً عبر نشرها لتقرير مرفق بصور زودها أحد الجنود العائدين من الحرب في العراق، وتظهر هذه الصور بعض نماذج للتعذيب التي تمارسها تلك القوات بحق المسلمين في العراق، رغم أن هذه الصور لم تظهر سوى بعضٍ من هذه الفظائع لجنود (التحرير) حاملي لواء الديمقراطية والحرية.
هذه الحقائق تظهر حقيقة الاحتلال الصليبي لبغداد (التي كانت عاصمة الخلافة الإسلامية العباسية) والعراق ككل، وهذا ما كرسه قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2841 حيث أطلق يد الولايات المتحدة الأمريكية إذ لم يشر في تقريره إلى كلمة (احتلال) وأعطاها حق سرقة النفط العراقي، كما مدد برنامج الغذاء مقابل النفط لمدة 6 أشهر ليسهل على الاحتلال تدبير أموره ونهب هذه الثروة الهائلة.
ولا شك بأن الحديث عن إحياء خط أنبوب النفط الرابط بين الموصل وحيفا يظهر حقيقة قرار الإدارة المحتلة ونيتها.
حقائق الوضع العراقي:
على الرغم من هذه الصورة القاتمة للحالة العراقية ينبغي إظهار معالم أخرى تشكل في حال تطورت بداية النهاية لهذا الاحتلال البغيض.(67/279)
أولاً: الهزيمة الأخلاقية للإدارة الأمريكية وفقدانها لأي نوع من المصداقية أمام شعوب العالم. فمن المعروف أن هذه الإدارة قد ملأت العالم صراخاً وعويلاً بأنها خائفة على شعوب المنطقة من أسلحة العراق للدمار الشامل، ولكن وبعد مرور أكثر من 3 أشهر فشلت آلاف من مهمات التفتيش بالعثور عليها، مما اضطر مساعد وزير الدفاع الأمريكي بول ولفونير أن يصرح بأن المبرر الأساسي لغزو العراق لم يكن يرتكز على الخوف من أسلحة الدمار الشامل، لكن ركزنا على هذه النقطة لأنها كانت محل اتفاق بين الأطراف المعنية.
ثانياً: الإعلان بصورة رسمية عن كتائب الفاروق المسلحة لمقاومة الاحتلال وأصدروا بيانين، الأول طالبوا فيه قوات الاحتلال بالرحيل، والثاني بينوا فيه طائفة من العمليات التي قام بها مجاهديها في مناطق عدة ضد الصليبيين، في الفلوجة ومحافظة الإنبار، والوسط وغيرها والتي أدت إلى مقتل العشرات وإصابة المئات من القوات المحتلة وإسقاط لمروحيتين وتدمير للعشرات من دبابات وآليات العدو.
وقد حاولت القوات الأمريكية التغطية عن هذه المقاومة المسلمة عبر نسبة هذه الخسائر إلى حوادث فردية أو حوادث سير ونحوها.
لكنها أرغمت مؤخراً أن تعلن عن نجاح بعض المجاهدين العرب في الدخول إلى العراق وأسمتهم (بالمتشددين( الذين يحاولون زعزعة الوضع في العراق، ثم وفي استهانة بالشعب العراقي المسلم طلبت منهم مساعدتها وبكل وقاحة في القبض على هؤلاء المجاهدين، وعرضت منح مالية لمن يساعدها في القبض عليهم.
ثالثاً: هزل وضعف من تسميهم الإدارة الأمريكية بالمعارضة العراقية، من خلال ظهور الدعم الشعبي للحركات الإسلامية في العراق. وهذا ما دفع أحد عملائها المدعو أحمد شلبي إلى استنكار قرار الأمم المتحدة الذي يطلق يد الاحتلال على مصراعيها في العراق، في محاولة منه لكسب بعض التأييد الشعبي.
رابعاً: حجم الوعي لدى الشعب العراقي في كشف المؤامرة على بلاده، ورفضه لها، والتي تتمثل بالمظاهرات اليومية التي تشهدها مختلف المناطق العراقية المطالبة برحيل الاحتلال، وبتشكيل حكومة إسلامية، والبعض ينادي بتشكيل حكومة وطنية مستقلة.
الخلاصة:
أظهرت السياسة الأمريكية في العراق مدى حمق إدارتها وسذاجتها، سواء على مستوى تقييم الوضع الداخلي، أو بسبب اعتمادها على عملاء محليين لا وزن لهم، متحدية الوضع الإقليمي، مستهدفة لتحقيق مصالحها الإستراتجية والاقتصادية في المنطقة بمزاعم أظهرت الحقائق كذبها.
والمدى الذي تستعد فيه هذه الإدارة أن تسير عليه لتحقيق أحلامها وأهدافها، وعلى حساب قتل الآلاف من الشعوب المسلمة وقتلهم وحصارهم.
وهذا يظهر حقيقة هذه الإدارة المسيحية والتي تعمل على تحقيق نبوءات مزعومة من ظهور المسيح -عليه الصلاة والسلام- وتحويل المسجد الأقصى المبارك إلى هيكل سليمان - عليه الصلاة والسلام- وتحول اليهود إلى النصرانية، إلى غير ذلك من الخرافات التي تؤمن بها إدارة البيت الأسود (الأبيض).
ولعل الجهاد المبارك في أرض العراق سوف يؤدي بالإدارة الأمريكية إلى إدراك حجم المأزق الذي وقعت فيه، كما أدركت ذلك على أرض أفغانستان الحبيبة، حيث إن البدء بحرب العصابات في وقت قياسي -بأقل من شهر احتلال- وحجم العمليات واتساعها الجغرافي، كل ذلك يشير بعون الله - تعالى- إلى هزيمة شنيعة للإدارة الصليبية المتسلطة، كما أن الأمر ينبأ عن خروج الجهاد من وضعه الإقليمي إلى جهاد عالمي.
http://www.islam.o r g.au المصدر:
==============(67/280)
(67/281)
لمثقفون والعلماء وممثلو الحركة الإسلامية بالمغرب يعلنون بطلان "فتوى" المثقفين الأمريكيين
…الإسلام اليوم
…9/12/1423 2:49 م
10/02/2003
بعد عشرة أشهر من إصدار "فتوى المثقفين الأمريكيين" بتأييد الحرب التي أعلنتها حكومتهم على العالم الإسلامي تحت غطاء "الإرهاب"، يعلن مثقفون وعلماء وممثلو الحركات والجمعيات الإسلامية - الذين يمثلون الشعب المغربي المسلم خير تمثيل- "بطلان هذه "الفتوى" لأنها لا تستند على أي (مرجع ديني أو أخلاقي أو حضاري)، سندها الوحيد امتلاك "أسلحة الدمار الشامل" رمز "الإرهاب العالمي" في القرن "الواحد والعشرين".
تقديم :
في شهر يبراير 2002، أصدر "ستون مثقفا أمريكيا" باسم "معهد القيم الأمريكية" في نيويورك "فتوى" بتأييد وتبرير "قرار الحرب الصليبية ـ الصهيونية ـ التي أعلنها الرئيس بوش الثاني "يوم 7 أكتوبر 2001" على العالم الإسلامي، مبتدئا بأفغانستان، وتاركا لحليفه الجنرال السفاح أرييل شارون مهمة "تصفية القضية الفلسطينية"، ليتفرغ هو لتخليص العالم من "محور الشر" بادئا بالعراق "خريطة الطريق" إلى إيران، وجاء في خاتمة هذه الفتوى :
"إننا باسم "الأخلاق العالمية للبشر"؟! ومع الوعي التام بقيود ومقتضيات "الحرب العادلة"؟!، نقوم بتأييد قرار حكومتنا ومجتمعاتنا باستعمال "القوة المسلحة" في محاربتهم".
وتتضمن هذه (الفتوى) أربعة أسئلة، أجابت عنها من وجهة نظرها في نحو عشر صفحات، وهذه هي الأسئلة :
1- على أي أساس نقاتل ؟
2- ما هي القيم الأمريكية ؟
3- ماذا عن الله ؟
4- حرب عادلة ؟
وللباحث السياسي أن يتساءل عن سر قيام "المثقفين الأمريكيين" بإصدار هذه "الفتوى"؟ وهل كانت الحكومة الأمريكية بحاجة إليها؟.
ذلك أن السؤال الذي كان مطروحا بقوة من طرف الرأي العام العالمي : ليس فقط بالنسبة ل "رد فعل العالم العربي والإسلامي" بل وأيضا بالنسبة لشعوب الولايات المتحدة الأمريكية، وحليفتها بريطانيا، هو :
لماذا تقوم أمريكا بشن حرب مدمرة ـ وهي أقوى وأغنى دولة في العالم ـ على أفغانستان، الدولة الإسلامية الفقيرة والمتخلفة والبعيدة عنها بئالاف الكيلومترات ؟
السبب المباشر والمعلن هو : حادث الهجوم المفاجئ على برجي نيويورك ومقر وزارة الدفاع بواشنطن يوم 11 شتنبر 2001، الذي كان بمثابة زلزال أصاب الحكومة والشعب الأمريكي برعب لم يتقدم له نظير في تاريخ هذه الدولة العظمى، حيث وجهت التهمة لمنظمة "القاعدة" وزعيمها أسامة بن لادن، ولحكومة طالبان التي ءاوته في بلدها كلاجئ ومجاهد إسلامي وسياسي، ولكن القيم الإسلامية كانت تمنعها من تسليمه لأعدائه.
لكن الرأي العام العالمي استنكر هذه الحرب العدوانية على دولة مستقلة، بسبب حادث جزئي ومنعزل، لا علم ولا علاقة للشعب الأفغاني، ولا لشعوب العالم الإسلامي به، خاصة وإن الحكومة الأمريكية نفسها لا تملك أي دليل مادي، على هوية المدبر والمخطط للحادث، فالذين قاموا بالهجوم مات سرهم معهم، دفاعا عن قضية فلسطين، شأنهم في ذلك شأن الفلسطينيين الذين يقدمون أرواحهم دفاعا عن وطنهم ودينهم، حسب تسجيلات بعضهم في أشرطة نشرتها فضائية "الجزيرة". وأسامة بن لادن، وإن كان أثنى على عملهم البطولي، لكنه لم يعترف قط بأنه هو المدبر والمخطط لهذا الهجوم، ولا يزال المحققون الأمريكيون حتى اليوم، يبحثون عن الأسرار التي تحيط بالقضية، رغم اتهامهم لزعيم "القاعدة"، هذا مع العلم أن عددا من الباحثين المتخصصين أكدوا استحالة أن يكون بن لادن هو الذي قام بتدبيره، نظرا للكفاءات العلمية والتقنية الدقيقة، التي يتطلبها مثل هذا الهجوم، ورجحوا أن يكون العمل كله تم داخل الولايات المتحدة نفسها، وأشاروا إلى أن فلما أمريكيا اشتمل على "سيناريو" أشبه ما يكون بحادث "11 شتنبر"، تم إيقاف عرضه أخيرا، حتى لا يتأكد الناس من صحة الفرضية الأخيرة، وهناك من استدل على أنه من تدبير جماعة يهودية أمريكية، بدليل غيبة 400 من اليهود العاملين بالبرجين، عن الحضور في ذلك اليوم!".
وأمام هذا الغموض الذي يلف بالقضية، والنتائج الخطيرة التي ترتبت عنه، وتسببت فيه، قام الرئيس بوش يوم 27 نونبر 2002 بإصدار قرار بتعيين وزير الخارجية الأسبق هنري كيسنجر على رأس لجنة رباعية متخصصة لتقصي الحقائق حول "11 شتنبر" جاء فيه :
"أن مهمة اللجنة ستكون التحقيق في الهجمات، وأسباب وقوعها، ومعرفة خطط وأساليب الأرهابيين وتكتيكاتهم لضمان عدم وقوع هجمات أخرى في المسقبل".
كان من شأن كل هذه الشكوك والفرضيات التي اكتنفت بالحادث عبر الإعلام العالمي، أنها أضعفت تبرير القيام بحرب ضروس ضد أفغانستان، بسبب حادث "11 شتنبر" فقط، حيث انتشر التيار الذي يتهم الولايات المتحدة بأنها انتهزت فرصة هذا "الحادث" لتقوم باحتلال أفغانستان، طبق مخطط إستراتيجي جاهز، للتغلل السياسي والعسكري داخل بلاد القوقاز، لاستغلال ثرواتها النفطية، وضمان نقله عبر الأراضي الأفغانية، كانت هناك إذن حاجة ملحة، لإعطاء هذه الحرب مبررات سياسية وإيديولوجية غير "11 شتنبر" رغم مرور أربعة أشهر على بدايتها!.(67/282)
وقام بهذه المهمة "معهد القيم الأمريكية" ليعطي لفتواه التي وقعها ستون مثقفا أمريكيا (بعدا وطنيا وأخلاقيا وحضاريا)، من بينهم صمويل هنتنغتن أستاذ العلوم السياسية ومدير مركز الدراسات الاستراتيجية "جون أولين" صاحب نظرية "صدام الحضارات" والحدود الدموية للإسلام؟!.
فهل نجح هؤلاء "المثقفون" فعلا، في إقناع الرأي العام العالمي لمختلف الشعوب والدول والثقافات والحضارات، وخاصة شعوب خمسين دولة عربية وإسلامية ـ بعد خمسة عشر شهرا من بداية هذه الحرب، بأنها فعلا حرب أخلاقية وعادلة؟!.
السؤال الأول : على أي أساس نقاتل ؟.
"اهتمت "الفتوى" بالتركيز على خمسة مبادئ أساسية تتعلق بجميع البشر دون تمييز :
1ـ يولد جميع الناس أحرارا متساوين في الكرامة والحقوق.
2ـ الإنسان هو العنصر الأساسي للمجتمع، ودور الحكومة الشرعي هو حمايته، والعمل على
تطوير الازدهار الفكري :
3ـ من طبيعة البشر الرغبة في البحث عن الحقيقة، ومعرفة الهدف من الحياة ومصيرها.
4ـ حرية الاعتقاد، والحرية الدينية، من الحقوق غير القابلة للإنتقاص لجميع البشر.
5ـ القتل باسم الله مخالف للإيمان بالله.
نحن نقاتل للدفاع عن أنفسنا، وعن هذه المبادئ العالمية".
قبل مناقشة الأسئلة : تحديد منهج البحث :
منهج البحث العلمي في أي (حوار حضاري) بين الشعوب والدول المختلفة، يفرض على المتحاورين أن يحددوا مفاهيم مصطلحاتهم، خاصة بالنسبة للمبادئ التي لا يعتنقها كل منهم، والأخلاق التي يدعيها كل منهم لنفسه، وبما أن لكل حضارة إنسانية عرفها التاريخ، واعترف بمكوناتها وخصائصها المتميزة عن غيرها، فإن أول مظهر تختلف فيه ملامحها وقسماتها الاجتماعية والفكرية عن غيرها، يتمثل في طبيعة مبادئها الدينية أو اللادينية، ونماذج سلوكها الأخلاقي، التي يلاحظها الباحث الاجتماعي، والسفير السياسي، والمؤرخ الناقد، عندما يزور لأول مرة بلدا يختلف عن دينه وحضارته.
وهذا يعنى أنه عندما يعلن "ستون مثقفا أمريكيا" تأييدهم المطلق لقرار الحرب الذي اتخذته حكومتهم ضد دولة إسلامية، وفي الحقيقة ضد عالم عربي إسلامي اعتمادا على خمسة مبادئ أخلاقية، ينبغي أن لا يغيب عن ذهن هؤلاء، أن هذه المبادئ يختلف مفهومها، وأسلوب ممارستها في حضارة المستكبرين معلني الحرب، عنه في حضارة المستضعفين المدافعين عن أنفسهم، وهذا ما يحتم منهجيا تحديد هذه المفاهيم، واعتراف "المثقفين الأمريكيين" بأنهم لا يمثلون جميع البشر، ولا جميع الحضارات والثقافات، ولا جميع الشرائع السماوية، وإذا كنا نحن "المثقفين العرب والمسلمين" نعترف بما أنجزته (شعوب الحضارة الغربية) من تقدم في العلوم الكونية والإنسانية، فهذا يوجب عليها، وخاصة منها الأمريكية، أن تعترف بما أنجزته (شعوب الحضارة العربية والإسلامية) في جميع مجالات العلم والمعرفة والأخلاق، وتكريم الإنسان، وإعلان حقوقه، قبل ميلاد الولايات المتحدة الأمريكية بمئات السنين.
هذا (الاعتراف المتبادل) بين الحضارتين : "الغربية المسيحية" و "العربية الإسلامية" ليس شرطا أساسيا لاستقرار الأمن والسلام في العالم فقط، ولكنه أيضا، (الرسالة الأخلاقية الإنسانية العالمية) التي يجب أن يؤمن بها، ويدافع عنها، كل هؤلاء الذين يعتبرون أنفسهم "مثقفين" في نظر "الفكر الإنساني" وفي أية "حضارة إنسانية" وجدوا، خاصة في العصر الذي ينعته هؤلاء ب "عصر التقدم العلمي".
إذا اتفقنا على هذا "المبدأ الأساسي في الحوار" فلن تكون هناك أية مشكلة منطقية، ـ أو حضارية، تقف في وجه التفاهم والتعاون الصادق بين حضارتينا، وشعوبهما ومصالحهما المشتركة، والمتبادلة، والمتكاملة...
وكان المفروض ـ بعد أن تزعمت أمريكا قيادة "الحضارة الغربية" بفضل تفوقها العلمي والصناعي والعسكري ـ أن لا يغريها هذا التفوق، ويدفعها لإملاء إرادتها على شعوب وحضارات العالم الأخرى، وان يكون تقدمها الفكري في فهم التاريخ السياسي والاجتماعي والديني والحضاري للدول والشعوب الأخرى، موازيا لتقدمها العسكري ، حتى لا يصيبها الغرور والبطر الذي أصاب ليس فقط الإمبراطوريات الاستعمارية : الإنجليزية والفرنسية، وإنما أيضا الاتحاد السوفياتي، المنافس الأخير والأقوى لأمريكا، الذي لم تعش إمبراطوريته إلا 73 عاما.
علينا إذن أن نفهم ونحلل أساب ودوافع "11 شتنبر" بفكر متزن، وأعصاب هادئة، وهذا يتطلب منهجيا تحديد مفاهيم ومصطلحات المبادئ الخمسة الواردة في الفتوى المذكورة :
بالنسبة للمبادئ الأربعة الأولى، نرجو أن تتأكدوا تاريخيا وحضاريا أن الإسلام كان أول من أعلنها وطبقها في عصور ازدهاره الأولى منذ أربعة عشر قرنا، وأن عبارة مبدئكم الأول، ليست إلا "الإرث التاريخي الحضاري الإسلامي"، الذي جاء في إحدى خطب عمر ابن الخطاب الخليفة الثاني للرسول محمد عليه السلام" : "...متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا؟!". وهذه هي عقيدة جميع المسلمين في العالم باستثناء المارقين أو الجاهلين بالتاريخ، والمبدأ الرابع نص عليه القرءان الكريم بكامل الوضوح ـ على خلاف ما يعتقده اغلب الغربيين ـ في قوله تعالى :(67/283)
"لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي" (البقرة 256) لكن هذه الحرية لا تعنى حق الاعتداء والسخرية بعقيدة الآخرين، وتنديد القرآن بالكفر والكافرين، لا يتعارض مع وجود هذه الحرية للكافرين، بدليل قوله تعالى لرسوله : "ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء" البقرة 272". فالتنديد إنذار إلهي، وتحذير الكافرين بربهم الذي خلقهم، وتأتي "الحرية" في حياتهم الدنيا باختيارهم الحر، لتبرير مضاعفة عقوبتهم يوم الحساب.
ويبقى المبدأ الخامس : "القتل باسم الله مخالف للإيمان بالله"؟!.
هذا حكم جزافي تعميمي، لا يستند لأي قانون منطقي، أنتم تعنون بذلك عمليات المجاهدين والمجاهدات في فلسطين والشيشان أو أفغانستان باسم الجهاد في سبيل الله، ضد المستعمرين المعتدين والمحتلين للأراضي الإسلامية.
"الجهاد" مصطلح إسلامي لا يعني شيئا أكثر من " حق المسلمين ـ كغيرهم من الناس في الدفاع عن أنفسهم وأوطانهم وأموالهم وأعراضهم ضد أي عدو يعتدي عليهم"، وهذا حق شرعي وطبيعي منحه الله لجميع البشر فضلا عن الحيوان أفرادا وجماعات وشعوبا ودولا في كل زمان ومكان، وليس خاصا بالمسلمين. ولكن القرءان الكريم اختص من بين الشرائع السماوية، بأعدل قانون عرفته المجتمعات البشرية لشروط الدفاع عن نفسها، من غير تجاوز للحدود، ولا عدوان على أمن وسلام غير المحاربين.
ولا يخفى أن القرءان ندد بالظلم والظالمين بين عموم البشر في عشرات الآيات، وفي الحديث القدسي يقول الله تعالى : "يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته محرما بينكم فلا تظالموا".
ولم يشهد التاريخ البشري ظلما على شعب كامل اخرج من أرضه بقوة الحديد والنار والقتل والتشريد، ليحل محله شعب ءاخر، لتحقيق أهداف سياسية واستعمارية، كالظلم الذي لحق بالشعب الفلسطيني، نتيجة تخطيط وتآمر دولي بزعامة بريطانيا والولايات المتحدة، ولكن قمة هذه المأساة الدولية التاريخية لا تتمثل فقط في سقوط الملايين من الفلسطينيين ضحايا على مدى أربعة وخمسين سنة الماضية، وإنما تتمثل في قرار الرئيس بوش حرمان الشعب الفلسطيني من حقه في الدفاع عن نفسه، واعتبار منظماته الإسلامية : حماس والجهاد وحزب الله منظمات إرهابية، وإطلاق يد السفاح شارون يعيث فسادا وتقتيلا في الشعب الفلسطيني أمام أنظار العالم اجمع، بكل أسلحة الدمار الشامل التي زودته بها الولايات المتحدة، إمعانا في إرهاب العالم العربي والإسلامي والدول المستضعفة كلها، وقلبا لكل الحقائق والقيم الإنسانية رأسا على عقب.
لذلك نرجو من "المثقفين الأمريكيين" أن يصححوا معلوماتهم الخاطئة، ومواقفهم السياسية، التي تسيء أعظم إساءة، ليس فقط إلى الفكر الإنساني، وقيم الحضارة الإنسانية وقانون العدل الإلهي العام، الذي فرضه على جميع خلقه على أساس المساواة الكاملة بينهم، ولكن أيضا إلى قضية الأمن والسلام العالمي، وقضية الانفتاح والتعاون والتعايش بين شعوب ودول الحضارتين الإسلامية والغربية.
السؤال الثاني : ما هي القيم الأمريكية ؟
ولماذا "11 شتنبر" ؟
أولا : من خلال جوابنا على هذين السؤالين، ستبدو مواقف وأخطاء تفسير "المثقفين الأمريكيين" لهما : جميل جدا أن يتسم هذا التفسير بالاعتراف بأن دولتهم قد تصرفت بروح الاستكبار والجهل تجاه مجتمعات أخرى، ومارست سياسات مضللة وغير عادلة، وتناقضت مع قيمها الأخلاقية، شأنها في ذلك شأن العلماء والمثقفين الذين لا يمكنهم إنكار الواقع اللاأخلاقي للحضارات العالمية المعاصرة، رغم دخول القرن الواحد والعشرين!.
ثانيا : ومؤسف جدا أن يحاول إعطاء تفسير لدوافع "11 شتنبر" من وجهة نظر منحازة لسياسة أمريكية خاطئة ومضللة مائة في المائة، لأنها تنظر إلى الأحداث بعين واحدة، تنظر وتبرر السياسات الحربية العدوانية المتجبرة التي تقوم بها حكومتكم، والرئيس بوش الثاني ضد الإسلام والمسلمين، لا يمكن وصفها ـ والحالة هذه - إلا بأنها "كارثة فكرية أخلاقية حضارية" لصراع عالمي خطير مقبل، ما لم يتم تصحيح هذه الأخطاء، والأحكام الصادرة بمقتضاها من طرف أصحاب هذه الفتوى، وما لم تقتنع الحكومة الأمريكية بضرورة تعديل سياساتها العدائية تجاه الإسلام والعالم الإسلامي.
هجوم "11 شتنبر" لم يوجه إطلاقا ضد "القيم الأمريكية" ولا ضد "الحضارة الغربية"!(67/284)
إنه من المؤسف حقا انه بقدر ما يتقن المثقفون العرب والمسلمون اللغة الإنجليزية، نرى "المثقفين الأمريكيين" الذين يتوفر قاموس لغتهم الرسمي على أكثر من 3000 مصطلح علمي وتقني مقتبس من اللغة العربية، لا يجهلون فقط هذه اللغة ـ أقدم وأفصح وأبلغ اللغات العلمية العالمية ـ وإنما يعجز المختصون فيها عن ترجمة رموز ومصطلحات أساليبها البلاغية والإبداعية إلى اللغات الغربية، هذا فضلا عن جهل السياسيين والمثقفين الأمريكيين وأغلب الأوروبيين بالتاريخ السياسي للإسلام، والذين يعرفون هذا التاريخ لا يجهلون أن ثلاثة من (الخلفاء الراشدين الأربعة) الذين تولوا حكم الدولة الإسلامية بعد وفاة الرسول عليه السلام، قتلوا في عهد حكمهم خلال الثلاثين سنة الأولى من نشأة وبناء الدولة الإسلامية، وتتابع قتل حفدة الرسول وأهل بيته، من خصومهم ومنافسيهم على السلطة السياسية في الدولتين الأموية والعباسية، اللتين حكمتا العالم العربي والإسلامي نحو قرنين ونصف قرن، ولم يقل أحد من المؤرخين بان حوادث القتل هذه ترجع لأسباب دينية، أو لعنف نابع من العقيدة أو التربية الإسلامية، لا أحد من المؤرخين من علماء الإسلام يجهل الأسباب الحقيقية لها، والتي تنحصر في التعصب العنصري ـ القبلي ـ والتنافس على النفوذ السياسي، وظلم الحكام الاستبدادي، وهي ظواهر سياسية واجتماعية تاريخية عالمية، ربما كان إرث بعض الشعوب العربية منها متميزا بحساسيات و "ردود فعل" سريعة وأحيانا بطيئة، لتواجدها في مناطق حارة، أكثر منها في المناطق الباردة.
واستنادا إلى ذلك، نستطيع أن نؤكد أن التنظيم السري الذي قام بالهجوم يوم "11 شتنبر" لم يخطر على بال أفراده ـ الذين عاشوا وتعلموا في أمريكا ـ أن يهاجموا" القيم الأمريكية" أو "الحضارة الغربية"، هذا تفسير خاطئ وجاهل بعقيدة المسلم الأمي فأحرى المتعلم.
المسلم لا ينتقد الشعوب والحضارات لأنها وثنية أو صليبية أو علمانية ولا يحقد عليها كعوالم كلية مهما كان سلوكها لأنه يصبح اعتراضا على الحكمة الإلهية في خلق الشعوب كما هي، ولكن الدافع الوحيد هو "رد الفعل السياسي" المتمثل في "الانتقام السياسي" والمبرر بمنطق "المعاملة بالمثل" إذ لا فرق عند هذا التنظيم بين هذا السلوك وبين أن تقبل الحكومة الأمريكية" تسليح إسرائيل (بأسلحة الدمار الشامل)، ويصدر الرئيس بوش أوامره السرية وشبه العلنية لحليفه السفاح شارون بإبادة الشعب الفلسطيني قتلا وتعذيبا وإذلالا، وهدم البيوت على سكانها، وقتل النساء والأطفال والسكان المدنيين عمدا، ليلا ونهارا والناس نيام بالطائرات والدبابات التي تتوغل داخل المدن والقرى الفلسطينية بكامل حريتها أمام شعب أعزل إلا من (أطفال الحجارة)، هذه الظاهرة الفريدة في التاريخ البشري، وحتى في تاريخ الحروب الاستعمارية التي رغم قساوتها ومظالمها لم يضطر الأطفال فيها للدفاع عن أسرهم وأمهاتهم.
الرئيس بوش لم يتجاهل "ردود الفعل" السياسية عند هذا التنظيم فقط، وإنما أقدم على تحدي المشاعر الدينية والوطنية للشعب الفلسطيني بتصنيف حركات المقاومة الوطنية الإسلامية : حماس والجهاد وحزب الله وكتائب الأقصى. التي تتساقط تحت ضربات الطائرات والدبابات الأمريكية ـ ضمن المنظمات الإرهابية، ضاربا عرض الحائط بكل المفاهيم والقيم الإنسانية والحضارية لشعوب العالم، ليس هذا فقط، بل بلغ به الاستهتار بشعار : "حقوق الإنسان" وكأن الإنسان الفلسطيني، والمرأة الفلسطينية، الذين تدمر بيوتهم يوميا، وتخرب أراضيهم ومدارسهم، ويقتلون يوميا، ويحرمون من حق التعليم والعلاج والأمن، هؤلاء جميعا في نظر بوش إرهابيون؟! ومن حق السفاح شارون أن لا يرى لهم أي حق في الوجود، فكيف بحقوق الإنسان؟.
ومنذ أيام، أحيا الشعب الفلسطيني ذكرى مذابح "صبرا وشاتيلا"التي دشن بها هذا السفاح عمليات إبادة الشعب الفلسطيني كرئيس لأركان جيش إسرائيل سنة 1982، وها هو اليوم، يواصل تدمير جميع مدن الضفة الغربية، وقطاع غزة، واغتيال وتصفية كل من يتهم بالدفاع عن حق بلاده في التحرر والاستقلال، كرئيس لحكومة إسرائيل، وحليف مطاع للرئيس الأمريكي بوش، والذي عاد بالبشرية إلى عصر وحشية هولاكو و جنكيزخان.(67/285)
وإذا كان حادث "11 شتنبر" يعد بمثابة أكبر زلزال هز أركان الولايات المتحدة الأمريكية، وقيل عنه إنه أكبر من حادث "هيروشيما" فإنه لم يكن في الواقع بالنسبة للرأي العام العربي والإسلامي ـ حسبما شرحناه سابقا ـ مجرد "رد فعل سياسي" لتنظيم عربي إسلامي سري، انفجر غضبه ضد الوضع المأساوي الذي يعيشه الشعب الفلسطيني منذ قيام إسرائيل، وبلغ قمة غليانه بمجيء السفاح شارون إلى الحكم، ومجيء الرئيس بوش المؤيد والمبرر لجرائمه في أمريكا، وفي الاتحاد الأوربي، وفي مجلس الأمن ـ باستعمال حق الفيتو ـ ليس هذا فقط وإنما خرج القطب الأمريكي عن توازنه، ليعلن حربا صليبية ـ صهيونية على كل العرب وكل المسلمين، ويدفع الغرب معه إلى هاوية حرب لن يكون مصيرها احسن حالا من الحروب الصليبية القديمة التي استمرت 195 سنة، ولا من الحروب الاستعمارية التي عرفت خلال القرن العشرين، سقوط الإمبراطوريات البريطانية والفرنسية والسوفياتية.
إسرائيل لا تجهل أنها عميلة لأمريكا، لكنها ـ بدورها ـ لن تتخلى عن ثمن عمالتها وهذا ما صرح به مناحيم بيغن في مقابلة مع مجلة الجيش الإسرائيلي "يا ما خان".
"إن إسرائيل أكثر أهمية لأمن الولايات المتحدة، من أهمية أمريكا لأمن إسرائيل، وأضاف : إن إسرائيل توفر دعما استراتيجيا، وتسهم في الأمن القومي لأمريكا، أكثر من تأييد ودعم أمريكا لإسرائيل". (أراب بريس) واشنطن في 20/09/1982.
هذا الاعتراف الصريح يعنى أن العالم العربي ـ وخاصة الشعب الفلسطيني ـ يعيش منذ 54 سنة، جرائم حروب الدفاع عن "الأمن القومي المتبادل" بين الحليفين : أمريكا وإسرائيل، وكل حديث عن الأخلاق العالمية، والحضارة الإنسانية. لا يعدو أن يكون مغالطات دعائية، واستهانة بعقول من يعنيهم أمر هذا الصراع.
وبناء على كل هذه البيانات والتوضيحات، يمكننا أن نؤكد الحقائق التالية :
- إن (التنظيم السري) الذي خطط ونفذ هجوم "11 شتنبر" يمثل "رد فعل سياسي عربي ـ إسلامي" كحادث مستقل، ضد الظلم والعدوان والاحتلال والإبادة التي لحقت بالشعب الفلسطيني، يتحمل مسئوليته السياسية المباشرة. حسب العوامل المؤثرة والضاغطة لاختيار نموذج هذا السلوك بالذات الأطراف التالية :
- أمريكا بنسبة 60% ستين في المائة للأسباب التي شرحناها.
- الأنظمة العربية بنسبة 20% عشرين في المائة لأنها : تخلت عن كل مسؤولياتها الدينية والأخلاقية والقومية والإنسانية، في الدفاع عن الشعب الفلسطيني، ومقدساتها الإسلامية بحجة أن إسرائيل "محمية أمريكية" وهي عاجزة عن مواجهة أمريكا، ولو أن الأنظمة العربية ساندت قضية فلسطين ولو بنسبة 50% خمسين في المائة لضعف "رد الفعل السياسي" عند هذا التنظيم، والمبرر الديني والأخلاقي للتضحية بالنفس في سبيله.
- أمريكا أيضا بنسبة 20% عشرين في المائة إضافية لأن اضطرار "التنظيم السري" لاستعمال طائرات (ركاب أبرياء) كسلاح انتقامي وحيد وعنيف ضد الغطرسة والجبروت الأمريكي، الذي لم يكتف بمنع الدول العربية من امتلاك أي سلاح دفاعي يمثل خطرا على إسرائيل، وإنما حرم الشعب الفلسطيني الأعزل نفسه من حق الدفاع عن نفسه ولو بالأسلحة التقليدية.
غرور "أصحاب الفتوى" بسمو القيم الأمريكية، واقتراحهم بأن تصبح ميراثا مشتركا لكل البشرية، وبناء المجتمع العالمي على أساسها، الذي هو السلم والعدل؟!.
- (من نحن إذن ، وما هي قيمنا ؟)
ـ سؤال ألقاه أصحاب (الفتوى) وأجابوا عنه أولا بتواضع واعتراف :
" تبدو هذه القيم لكثير من الناس ـ حتى لبعض الأمريكيين وعدد من موقعي هذه الرسالة ـ أن بعضها في بعض الأحيان، غير جميلة بل مضرة :
ـ الاستهلاكية كطريقة حياة.
ـ وتصور الحرية على أنها تعني عدم وجود قيود.
ـ والتصور السائد بأن الفرد مستقل قائم بذاته، فليس له مسؤولية كبيرة نحو الآخرين والمجتمع.
ـ وضعف العلاقة الزوجية، والحياة الأسرية.
"وبالإضافة إلى ذلك كله، فثمة وسائل هائلة للتسلية والإعلام، تعظم هذه القيم، وتنشرها بدون توقف في جميع أنحاء العالم، سواء لقيت هذه القيم الترحيب أم لا، أن هذه القيم هي مبادئنا الأساسية، وهي التي تحدد طريقة حياتنا، ونذكر باختصار أربعة منها :
ـ الأولى : الاعتقاد الجازم بأن الأفراد يملكون حرمة ذاتية، كحق مكتسب، بمجرد وجود أحدهم كإنسان، ومن ثم يجب أن يعامل كل إنسان كغاية، لا كوسيلة.
ـ الثانية : وهي فرع عن الأولى ـ الإيمان بوجود حقائق أخلاقية شمولية عبر عنها مؤسسو الولايات المتحدة ب "قوانين الطبيعة، وقوانين إله هذه الطبيعة" وأنها في متناول جميع الناس.
ـ الثالثة : لأن الأفراد والجماعات لا تستطيع إدراك "الحقيقة المطلقة" فإننا نعتقد أن أكثر الاختلافات حول "القيم" تفرض التوجه نحو المدينة، والانفتاح على الآخرين، والحوار في سبيل البحث عن الحقيقة؟!
ـ الرابعة : حرية القيم. والحرية الدينية، مترابطتان، يعترف بهما في دولتنا وخارجها كانعكاس للاحترام الأساسي للبشر، وكشرط مسبق للحريات الفردية الأخرى.(67/286)
بالنسبة لنا فإن ميزة هذه القيم أنها تطبق على جميع الناس بدون تمييز، ولا يمكن استخدامها لمنع أحد من الاحترام والاعتراف به على أساس الجنس أو اللغة أو الدين.
ولذلك يمكن لأي شخص أن يصبح أمريكيا، وهذا ما يحدث فعلا، فيأتي الناس من جميع أنحاء العالم إلى دولتنا، ليتنسموا الحرية، كما ينادي به تمثال الحرية في ميناء نيويورك، وفي وقت قصير يصبح هؤلاء أمريكيين، ولم يسبق في التاريخ أن أمة من الأمم أقامت شخصيتها ـ من دستورها ووثائقها الأساسية، وفهمها الذاتي ـ بهذه الصراحة، على أساس القيم البشرية العالمية، وعندنا لا توجد حقيقة عن دولتنا أهم من ذلك"؟!.
هذه هي القيم الأمريكية التي يفتخر بها (المثقفون الأمريكيون)، ولا بدان نبدي ملاحظاتنا عليها قبل أن نعرفهم بقيم حضارتنا الإسلامية، لتكون المقارنة بينهما واضحة المعالم بالنسبة للحضارتين :
1ـ أنتم تبالغون في تقديس الإنسان انطلاقا من عقيدة أنه "خلق على صورة الإله" ولأنكم تؤمنون ب "قوانين الطبيعة وقوانين إله هذه الطبيعة؟!" وهذا يعنى أن الإنسان إله نفسه، وليس عبدا للإله الذي خلقه، وليس خاضعا لقوانينه وأحكام شريعته، انسجاما مع إنكاركم للبعث والحساب والعقاب.
2ـ في نظركم أنه لا توجد "حقيقة مطلقة"، ويستحيل على عامة الناس إدراكها، لذلك ليس أمامهم إلا أن يعيشوا داخل مجتمع المدينة، ويندمجوا فيه بحثا عن الحقيقة؟!، وهذه أيضا ليست من قيمنا، المجتمع الإسلامي يومن بوجود "الحقيقة المطلقة" ويفهمها بسهولة، لأنها تنسجم مع المنطق العقلي، والفطرة البشرية، وهي التي شرح القرآن الكريم جميع تفاصيلها، وأدلتها العقلية والعلمية، المادية والحسية، وتتلخص في الإيمان والاعتقاد بجملة واحدة : "لا إله إلا الله، محمد رسول الله"، وعندنا لا توجد حقيقة في عالمنا الإسلامي أعظم منها.
3ـ قبل أن نتحدث عن "حرية القيم والحرية الدينية". ينبغي أن نحدد مفهوم كل منهما، فالقيم تختلف باختلاف الشرائع والحضارات والثقافات، وما يعتبر قيمة أخلاقية في أحدها، قد لا يعتبر كذلك في غيرها، وبالتالي فحرية القيم في حضارة لا دينية، ليست مطلقة في حضارة دينية، وإذا كان المراد بالحرية الدينية حق الفرد في اختيار الدين الذي يريده أو عدم التدين، فهذا الحق أكده القرءان بقوله : "لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي". كما أسلفنا، لكن هذه الحرية لا تعني حقه في انتقاد أو معارضة المخالفين له، وحتى مفهوم الحرية الفردية، يجب أن لا تكون سببا لحرمان الآخرين من حريتهم.
4ـ أما الإدعاء بأن "ميزة هذه القيم أنها تطبق على جميع الناس بدون تمييز" فلا شك أن المقصود بالناس هنا، "الأمريكيون البيض" فقط، فالتمييز العنصري والديني والثقافي هو المرض المزمن الذي لا تملك قيم (الحضارة الغربية الاستكبارية) القدرة على التخلص منه، ومنذ (11 شتنبر) أصدرت الولايات المتحدة عشرات القوانين لترسيخ الميز العنصري ضد جميع العرب والمسلمين حتى الحاصلين منهم على الجنسية الأمريكية.
لم نكن نظن أننا بحاجة للتعريف بقيم الحضارة العربية الإسلامية العالمية، التي استغرقت ملايين الدراسات العلمية في كل مجالات المعرفة، بمختلف اللغات، وخاصة اللغة العربية، عبر أربعة عشر قرنا، واعتنقها اكثر من مليار نسمة، ينتمون إلى مئات الجنسيات والقوميات والأعراق الممتدة عبر القارات الخمسة لكوكب الأرض، لولا ما جاء في (الفتوى) من الغرور والاستخفاف، والاستكبار، واعتبار القيم الأمريكية قمة الأخلاق، والقيم الإنسانية العالمية، وكأنه درس موجه للعرب والمسلمين الذين يتهمهم الرئيس بوش ـ المصدوم من هجوم (11 شتنبر) ـ بالإرهاب فقط لأن "تنظيما إسلاميا سياسيا سريا متهم بهذا الهجوم"، دون أن يعلم أحد في العالم بحقيقة أسرار هذا "الحدث" الفريد من نوعه في تاريخ المقاومة الوطنية ضد الغزو الاستعماري الأجنبي.
وتأتي (فتوى المثقفين الأمريكيين) لتأييد حكومتهم، وتعميم وصف الإرهاب على مليار من المسلمين فوجئوا بالحادث مثلما فوجئ به سكان العالم أجمع، وأكثر من ذلك، أن يتخذ الرئيس بوش من هذا (الحدث) فرصته الذهبية لإعلان الحرب على جميع المسلمين ودولهم، واحدة بعد أخرى، مدعيا أن الإرهاب نابع من دينهم الإسلامي؟! وتؤكد (فتوى المثقفين الأمريكيين) هذه التهمة متسائلة :
"ما الذي يساعد على التقليل من سوء الظن والحقد والعنف الناشئة عن الاعتقاد الديني في القرن الحادي والعشرين؟!.
وتتابع "الفتوى" "موضحة" :(67/287)
ـ "الذين قاموا بمهاجمتنا في (11 شتنبر) أعلنوا أنهم يقومون "بحرب مقدسة"؟، كثير من مؤيديهم والمتعاطفين معهم يذكرون اسم الله على هذا الأمر، ويبدو أنهم يعتقدون الفكرة الأساسية للحرب المقدسة، ويكفينا كأمريكيين أن نتذكر تاريخنا وتاريخ الغرب، لندرك حجم الكارثة في هذه الطريقة من التفكير : الحروب الدينية النصرانية، والعنف القائم بين فرق النصارى، مزقت أوربا لما يقرب من قرن من الزمان، وفي الولايات المتحدة لنا إلمام بالذين يعتدون على الغير بالقتل باسم الدين. وهذه الظاهرة السيئة لا يخلو منها دين، ولا تخلو منها حضارة"؟!.
كم نأسف نحن اليوم، كمثقفين وعلماء مسلمين، لكون المثقفين الأمريكيين، وتلاميذهم العلمانيين من العرب والمسلمين، بحكم جهلهم المسبق بالإسلام، وتاريخ الحضارة الإسلامية، و "من جهل شيئا عاداه - كما يقول المثل العربي- لا يفرقون بين الإسلام والمسيحية، ولا يستوعبون الخصائص المميزة لكل منهما :
أولا : مصطلح "الحرب المقدسة" مصطلح مسيحي أعلنته الكنيسة الكاثوليكية لتعبئة وتجنيد شعوب وممالك الدول المسيحية الغربية، في الحروب الصليبية الثمانية التي استمرت 195 سنة، ورسمت الصليب في راياتها رمزا لهذه "الحرب المقدسة"، هذا مع العلم بان الإسلام لا يعرف شيئا اسمه "الحرب المقدسة"، وحتى الحرب التي قام بها صلاح الدين ضد الصليبيين باسم "الجهاد" الإسلامي كانت مجرد "حرب دفاعية" لتحرير فلسطين، والقدس التي وصفها القرآن ب "الأرض المقدسة".
ومع ذلك فحروب "الجهاد" الإسلامي الشرعية، سواء كانت لتحرير فلسطين أو أفغانستان أو الشيشان أو أي بلد إسلامي آخر، هي حروب "دفاعية"واجبة إسلاميا على جميع المسلمين ضد أي عدوان أجنبي، ولم يصفها أحد من العلماء المسلمين أو المؤرخين بأنها "مقدسة"، وعلى عكس ذلك فالرئيس بوش هو الذي وصف حربه ضد ما سماه ب "الإرهاب الإسلامي" في أفغانستان وفلسطين والأقطار الإسلامية الأخرى ب "الحرب الصليبية" أي المقدسة ليعود بالتاريخ الصليبي وبالحضارة الإنسانية ألف عام إلى الوراء!!.
ثانيا : الإسلام على خلاف المسيحية لا يعرف شيئا اسمه "السلطة الدينية" مثلما هي للكنيسة، ولا "رئيسا دينيا اسمه البابا" ولا نظاما يقوم على أساس "الأكليروس والرهبنة، والاعتراف، والغفران، ورجال الدين، وعقيدة التثليث، والطقوس الدينية الأخرى، كما لا يعرف شيئا اسمه "الحروب الدينية" من نوع الحروب المسيحية التي قامت ـ ولا تزال ـ بين الكاثوليك والبروتستانت والأرثوذكس. أما (المسجد) فهو مجرد بيت الله المخصص لعبادته بالعلم والمعرفة.
ثالثا : الإسلام ليس دينا رجعيا، ولا وثنيا، ولا فكرا فلسفيا أو إيديولوجيا، ولا مدينة فاضلة، ولا ثورة عمالية، ولا ليبرالية رأسمالية، وليس من صنع زعماء أو رؤساء دول، وعلى خلاف جميع هذه التصورات والمفاهيم الخاطئة عن الإسلام، تأتي الحضارة الإسلامية لتعرف الإنسان بأن الحياة الدنيا مجرد "وسيلة" زمنية محدودة للعبور إلى الدار الآخرة التي هي : "الغاية"، لأنها الحياة الأبدية الخالدة في الجنة أو في النار، وان الحياة الدنيا ليست ضربا من العبث كما يظن الكافرون، وهذا ما يؤكده القرآن بكل وضوح في الآيات التالية :
ـ "وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلا، ذلك ظن الذين كفروا، فويل للذين كفروا من النار" (ص27).
ـ "أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا، وأنكم إلينا لا ترجعون، فتعالى الله الملك الحق، لا إله إلا هو رب العرش الكريم" (المؤمنون 116).
ولأن الحياة ليست عبثا، هناك إذن مسؤولية يتحملها الإنسان طيلة حياته للقيام بواجباته المفروضة عليه تجاه خالقه، وتجاه مجتمعه الإنساني والديني، تقرر مصيره الأبدي في الحياة الآخرة. رابعا : الإسلام دين تقدمي أخلاقي حضاري بأسمى ما تحمله هذه الكلمات من المعاني الإنسانية، لأنه حقق لأول وآخر مرة، في التاريخ البشري ـ دون منافس ولا منازع ـ "مبدأ الوحدة البشرية" الملتحمة عقيدة وإحساسا عاطفيا ب "الأخوة الدينية" والمتمثلة في مفهوم "الأمة الإسلامية العالمية" التي لا تميز بأي شكل من الأشكال بين الإنسان الأبيض والأسود من أي جنس، وأية لغة، مهما تباعدت أو اختلفت أوطانهم، حيث يعتبر "الحج" إلى مكة المكرمة ـ الركن الخامس من أركان الإسلام ـ واجبا على كل مسلم ومسلمة مرة واحدة في العمر، لحضور هذا المؤتمر الديني الاجتماعي ـ الثقافي ـ العالمي، الذي ينعقد سنويا وبدون انقطاع، منذ 1423 سنة هجرية، لتحقيق وإبراز معاني وقيم هذه "الوحدة البشرية الإسلامية العالمية"، وهذا ما عجزت عن تحقيقه الدول الغربية العنصرية، ولعله لأول مرة، يدعو النائب البريطاني سايمون هيوز - المتحدث باسم حزب الديمقراطيين الأحرار- المسيحيين البريطانيين إلى تغليب صفة "العالمية" على تفكيرهم وسلوكهم، كما يفعل مواطنوهم المسلمون (مليونا نسمة). "6/11/2002 ش أ"
هذه إذن فروق جوهرية واضحة المعالم، ليست في حقيقة الأمر والواقع، بين دينين، بل بين حضارتين عالميتين متعاصرتين :(67/288)
ـ "حضارة إسلامية" جميع قيمها ومبادئها الأخلاقية، وقوانين شريعتها وأحكامها الأساسية، تستمد شرعيتها من مصادر الإسلام الأربعة : القرآن الكريم، والسنة النبوية، وإجماع علماء الشريعة، والقياس على الأحكام الثابتة المتفق عليها.
وعلى الدولة الإسلامية، وحكومتها، ورئيسها تطبيق مبادئ وأحكام الشريعة على جميع المواطنين المسلمين بمن فيهم أعضاء الحكومة ورئيس الدولة، على قدم المساواة الكاملة، وبدون أي تمييز عنصري أو جنسي أو لغوي، وطبق "نظام الشورى" الذي يتجاوز بديمقراطيته الحقيقة العادلة مغالطات وإغراءات الحملات الانتخابية الممولة والموجهة لمصلحة الأقلية المستغلة والمستبدة بالسلطة. هذا مع العلم بأن غير المسلمين لهم الحق في تطبيق أحكام شريعتهم، تبعا لقوله تعالى :
" لا إكراه في الدين، قد تبين الرشد من الغي" (البقرة 256).
ـ و "حضارة غربية لا دينية" من صنع قادتها وزعمائها ومفكريها، ورواسب إرثها الديني، واجتهاداتها العلمية والفكرية، ومصالحها المادية.
وهذا مع اعترافنا بأن "الحضارة الإسلامية" لا تنكر ما أنجزته "الحضارة الغربية" من اكتشافات علمية وصناعية وعمرانية وفضائية، لم يتقدم لها نظير في التاريخ، قدمت خدمات كبرى لصحة الإنسان ورفاهيته في شطر من سكان الأرض، كانت لها انعكاساتها السلبية والخطيرة، على الشطر الأعظم الآخر.
لكن أخطر هذه الانعكاسات على النظام الدولي : السياسي والأخلاقي العالمي، وعلى أمن الدول والشعوب، والحفاظ على قيمها الثقافية، وإبداعاتها الحضارية، يتمثل في صنع وامتلاك واحتكار "أسلحة الدمار الشامل"، واستعمالها في تدمير المدن، وقتل مئات الآلاف من سكانها، ليس فقط لإخضاع دولة كبيرة منافسة كاليابان، وتحطيم قيمها وثقافتها، ولكن لإرهاب وتهديد كل الدول والشعوب المعادية لها، أو المعارضة لمصالحها، التي لا تمتلك هذه الأسلحة، ولم يقف الأمر عند هذا الحد، ذلك أن "منطق القوة" يدفع صاحبه تلقائيا وبقوة، نحو التوسع والتسلط، وفرض سياسة "العولمة" كنموذج "عولمة القيم الأمريكية" ومحاولة تطبيقها على جميع الناس؟!.
السؤال الثالث : ماذا عن الله؟
"منذ (11 شتنبر) سأل ملايين الأمريكيين أنفسهم، وبعضهم بعضا : ماذا عن الله؟، فإن أزمات من هذا الحجم الهائل، أجبرتنا على التفكير من جديد بالمبادئ الأولية، عندما نتأمل الرعب الذي حدث، والخطر الذي قد يأتي، يتساءل كثير منا:
هل المعتقد الديني جزء من الحل، أو جزء من المشكلة؟". إن مجرد إلقاء هذا السؤال بهذه الصيغة، من طرف "المثقفين الأمريكيين" ـ فضلا عن مناقشة الجواب عنه في صفحتين ـ تدل على أنهم يفهمون الدين من خلال تاريخ الكنيسة الكاثوليكية، والصراع بين الأديان المسيحية، كمشكلة ينبغي التخلص منها :
ـ "نريد أن نعرف سبب ولادتنا وماذا سيحدث بعد الموت؟.
ـ هناك من يعتقد أن الإنسان كائن ديني بالطبع، جميع موقعي هذه الرسالة يعترفون بأن الإيمان الديني، والمؤسسات الدينية أسس مهمة للحياة المدنية في جميع أنحاء العالم. ـ ما افضل موقف للحكومات وقادة المجتمع من هذه الحقائق البشرية؟
ـ أحد المواقف التي يمكن أن يتخذوها هي أن يقمعوا أو يمنعوا الدين بالكلية، كما يمكن أن يعتنقوا العلمانية الإيديولوجية، وهي الشك القوي على مستوى المجتمع، أو العداوة للدين، وتقوم على أساس أن الدين بالذات، وأي مظاهر عامة للاعتقاد الديني يسبب المشاكل.
ـ نحن مخالفون لجميع هذه المواقف، فإن القمع القانوني يعتدي على الحريات المدنية والدينية، ولا ينسجم مع المجتمع الديمقراطي.
ـ وأحسن ما تحاول إلخ... وأحسن ما تحاول الولايات المتحدة أن تحققه في نفسها أن تكون مجتمعا يتعايش فيه الإيمان والحرية ـ لدينا دولة علمانية، لكننا أكثر تمسكا بالدين من سائر مجتمعات الغرب... وباختصار نحن نطلب الانفصال بين الكنيسة والدولة لحمايتهما وحفظ حيويتهما.
ـ الأمريكيون المتدينون يواجهون الصعوبة في اعتناق الحقائق الدينية والحرية في نفس الوقت، هذه القضية ليس لها حل نهائي"؟!.(67/289)
هذه هي أكبر مأساة في الفكر الديني المسيحي، بل في سائر النظم التربوية والثقافية والإعلامية في دول الغرب قاطبة، هناك اعتقاد واحد وهو أن الدين الإسلامي هو كالأديان المسيحية : يتعارض مع العلم، ومع العقل، ومع الحرية، مع أن الإسلام نفسه يؤكد بمئات من الآيات والأحاديث النبوية ـ رفضه لأي رأي أو تشريع أو تفسير أو حكم لا يقوم على أساس علمي، أو عقلي، ويتطابق مع حرية وكرامة الإنسان، وهذا ما اعترف به وأكده عدد من العلماء الباحثين الغربيين، نذكر من بينهم الطبيب الفرنسي موريس بوكاي في كتابه "الأناجيل والقرآن والعلم"، والباحثة الألمانية زيغريد هونكيه في كتابها : "الله يسطع على الغرب" وهناك اعتراف عام من طرف الخبراء الغربيين بالفكر الإسلامي، بأن الرأي العام الغربي يجهل تماما حقيقة الإسلام، وتأكد هذا بعد (11 شتنبر)، وإعلان الرئيس بوش "الحرب على الإسلام تحت غطاء "الإرهاب"، لكن هذا الموقف استهجنه الخبراء والكتاب الموضوعيون الغربيون أنفسهم، نذكر من بينهم ما جاء في مقال نشرته "لوموند ديبلوماتيك" الفرنسية (بتاريخ يونيه ـ غشت 2002) بقلم أينيا سيورا موني، نقلا عن مجلة "وجهة نظر" الفرنسية عدد 64. بمناسبة الذكرى الأولى لأحداث "11 شتنبر" بعنوان : "الإسلام دين وحضارة وليس إرهابا"، جاء فيه :
"... فحتى الرئيس الأمريكي تحدث في الساعات التي تلت الحادث عن (حرب صليبية)، وعن صراع بين قوى الخير والشر، ووصف الهجمات الانتحارية بأنها هجوم على الحضارة، الشيء الذي أعطى الانطباع بأنه يرمي بالإسلام إلى جهة الشر والوحشية، أما رئيس الحكومة الإيطالية فقد كان أكثر وضوحا في شعوره المهين، بتأكيده على تفوق الحضارة الغربية على الإسلام، وذلك طرح عنصري يتداوله بشكل أو بآخر، جميع الزعماء الوطنيين الشعبيين في أوربا، من هولندا إلى النمسا، ومن الدانمارك إلى فرنسا، ... والحقيقة أن الإسلام ما يزال مجهولا بشكل كبير لدى كثير من الغربيين، الشيء الذي يشجع على ظهور شتى أنواع المغالطات.
لقد منح الانسجام والبساطة للدين الإسلامي قدرة كبيرة على مستوى الإقناع، لم يبلغها أي دين آخر، بحيث استطاع الإسلام في ظرف قرن واحد، أي بين 632 و 732 ميلادية، أن يوسع نفوذه إلى تخوم الصين، ويصل إلى منطقة بواتيي بفرنسا...
وإلى غاية اليوم ما يزال الإسلام يكسب المزيد من المؤمنين، ليس في أوربا وأمريكا فحسب، بل في إفريقيا جنوب الصحراء، وآسيا أيضا، فالمسلمون تجاوزوا اليوم المليار نسمة... وجاء في ختام مقاله :
"... إن أولئك الذين ينفعلون مع تيار الكراهية المعادي للإسلام، يستفحل شعورهم العدواني، إلى درجة أنهم ينسون أن الإسلام ثقافة وحضارة، وأن هاتين الأخيرتين تعتبران من أرقى الحضارات والثقافات التي شهدتها الإنسانية، كما ينسون أن أبرز النصوص التي ألفها أكبر المبدعين والمفكرين اليونان القدامى، حفظت وأنقذت من الضياع، بل وصلتنا بفضل الفلاسفة والعلماء المسلمين، ولو لم يسهم العلماء المسلمون في تطوير الرياضيات، واكتشاف الجبر والفيزياء والطب والبصريات والهندسة والفلك، لما وجدت العلوم الحديثة.
ينبغي على أولئك الذين يظنون أن هذا المجد كله ينتمي إلى الماضي وينتهي عنده، أن يتأملوا الآية القرآنية : "...فأماته الله مائة عام ثم بعثه، قال كم لبثت، قال لبثت يوما أو بعض يوم، قال : بل لبثت مائة عام، فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه..."، أي لم يتغير (البقرة 259).
نضيف نحن بدورنا أيضا :
كما ينبغي أن لا ينسى هؤلاء أن أكاديميات العلوم الغربية، تشتمل على فصل للدراسات العلمية العليا تحت عنوان : " دور الإسلام في بناء العلم العالمي"، ولا يزال أمام جميع الباحثين في العالم "مكتبة مرجعية
ونجيب عن السؤال الذي طرح عرضا دون اهتمام بالجواب عنه :
ـ " نريد أن نعرف سبب ولادتنا وماذا سيحدث بعد الموت" ؟، وهو السؤال الذي قال عنه رجاء كارودي الفيلسوف الفرنسي المسلم : "أن كل محاولات الإجابة عنه في القرن العشرين باءت بالفشل"، مع العلم بأن الإسلام هو الدين الوحيد الذي أعطى للبشرية جميع التفاصيل المتعلقة بالإجابة عنه.
عرفنا قيم حضارتكم، وعلينا أن نعرفكم بقيم حضارتنا :
وحتى لا يتمادى "المثقفون الأمريكيون" في الغرور بأن دولتهم تملك من القيم البشرية العالمية، ما لم تعرفه أو تمارسه أية دولة أخرى عبر التاريخ، نقدم لهم الملاحظات الدالة على جهلهم، أو تجاهلهم الاستخفافي بتاريخ الإسلام وقيمه وحضارته :
قبل ميلاد الولايات المتحدة الأمريكية بمئات السنين، أي في منتصف القرن السادس للميلاد، كانت البشرية كلها قد دخلت عصر اكتمال مراحل تطورها العقلي، ونضجها الفكري والاجتماعي، وتأهلها لإدراك واستيعاب واستقبال آخر خطاب سماوي، ينزل على آخر رسول بشرى، بآخر واكمل "شريعة إسلامية عالمية" تابعة ونابعة من نفس دين جميع الأنبياء والرسل السابقين، الذي هو الإسلام.(67/290)
ذلك أن "وحدة الألوهية" و "وحدة البشرية" تستلزمان في المنطق العقلي والفطري "وحدة الدين" هناك إذن تعدد "للشرائع" لا "للأديان"، وإنما اختلفت الشرائع تبعا لمستوى تطور ووعي قوميات الرسل ومجتمعاتهم البدائية، وهذا ما نص عليه القرآن الكريم بكل وضوح في قوله تعالى :
"شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا، والذين أوحينا إليك، وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى،
أن أقيموا الدين ولا تفرقوا فيه" (الشورى 13).
"لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا" (المائدة 50).
"إن الدين عند الله الإسلام، وما اختلف الذين أوتوا الكتاب إلا من بعدما جاءهم العلم، بغيا بينهم" (ءال عمران 19).
"إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء، إنما أمرهم إلى الله، ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون" (الأنعام 159).
"أفغير دين الله يبغون وله أسلم من في السماوات والأرض طوعا وكرها، وإليه يرجعون، قل ءامنا بالله وما أنزل علينا، وما انزل على إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط، وما أوتي موسى وعيسى والنبيئون من ربهم، لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون، ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه، وهو في الآخرة من الخاسرين" (آل عمران 81-85).
" ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا، ولكن كان حنيفا مسلما، وما كان من المشركين" (آل عمران 67).
"قل يأيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا" (الأعراف 158).
" وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا، ولكن أكثر الناس لا يعلمون" (سبأ 28).
هذه هي الحقيقة الدينية الإيمانية التاريخية الأساسية الكبرى لعقيدة المسلمين المومنين في العالم.
وتتمثل إحدى معجزات الإسلام ـ التي لا يزال العلماء والمفكرون في العالم يكتشفونها حتى اليوم ـ أن الله تعالى اختار لتبليغ خطابه إلى البشرية رجلا أميا، في شعب مغرق في الجهل والأمية يعبد الأصنام، وفي عصر كانت السيادة والملك والحضارة فيه لدولتين كبيرتين : فارس والرومان، الشهيرتين بملوكهما : الأكاسرة والقياصرة.
ويظل القرءان الكريم "معجزة الإسلام الكبرى" (الوثيقة) السماوية الوحيدة الموثوق بصحبتها على وجه الأرض، التي عرفت البشرية قاطبة بكل ما يجب أن تعرفه عن خالقها، وعن السماوات والأرض، والكون والحياة والإنسان، وعن الموت والحساب والعقاب، والجنة والنار في الحياة الأخرى الباقية والخالدة.
وقد جاء القرءان بالأدلة العلمية الدقيقة، وبالمنطق العقلي، وبمنهج البحث النفسي ـ الاجتماعي، وبأحداث التاريخ، وتجارب الأقوام والأمم، ليس فقط على صحة وصدق رسالته الإلهية التي قام بتبليغها رسوله النبي الأمين بواسطة الوحي، إلى جميع الناس، وإنما أيضا بالقوانين الأخلاقية والمدنية والجنائية والاقتصادية والتجارية والزراعية والاجتماعية وقوانين الأحوال الشخصية والعلاقات الدولية والحربية، فضلا عن القيم الإنسانية المشتركة بين الشعوب المتحضرة، والتي تميز بفطرتها بين الشر والخير، في السلم أو الحرب القائمة، على مبادئ العدالة والحرية والمساواة، وضمان حقوق الإنسان في جميع الظروف والحالات، من ميلاده حتى الوفاة، وبتعبير أبلغ، لخص الرسول الأعظم المهمة الأساسية لرسالته قائلا : "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق".
وبفضل معجزة الإسلام الخالدة "القرءان" عرفت شعوب العالم وحضاراتها القديمة، تحولا فكريا وعلميا وأخلاقيا عالميا، غير وجه الخريطة الجغرافية البشرية : الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والدينية، رأسا على عقب.
السؤال الرابع : حرب عادلة ؟
"نعلم بمقتضى العقل، ومن خلال التأمل الدقيق في الأخلاق، إن في بعض الأحيان، يكون أول وأهم ما يقام به لمواجهة الشر هو إيقافه، وفي بعض الأوقات لا يكون الشروع في الحرب جائزا فحسب، بل واجبا أخلاقيا في مقابلة أعمال عنيفة هائلة ظالمة ناشئة عن الحقد والبغضاء، وهذا أحد هذه الأوقات".
" إن القيام بتطبيق المنطق الأخلاقي على قضية الحرب، هو نفسه القول بإمكانية بناء المجتمع على الحياة المدنية، وبناء مجتمع عالمي على أساس العدل".
"إن مبادئ الحرب العادلة تعلمنا أن الحروب القائمة على الاعتداء والاستعلاء مرفوضة بالكلية، فلا تشرع الحرب لتعزيز الوطن، أو للانتقام لما مضى من الظلم، أو لأخذ الأراضي، أو لأي غرض ءاخر سوى الدفاع".
"إن المبرر الأخلاقي الرئيس للحرب، هو صيانة الأبرياء من الضرر الأكيد".
"القتلة المنظمون بقدراتهم العالمية يهددوننا جميعا، فإننا باسم الأخلاق العالمية للبشر، مع الوعي التام بقيود ومقتضيات الحرب العادلة، نقوم بتأييد قرار حكومتنا ومجتمعاتنا في إعلان الحرب ضد هؤلاء بالقوة المسلحة".(67/291)
وقد استغرق أسلوب "المراوغة الخادعة" بين إظهار الاقتناع برفض حروب الاعتداء والاستعلاء، وإقحام المبررات الأخلاقية الدفاعية لخوضها، ثلاث صفحات، لكن الحرب التي أعلنها الرئيس بوش بعد أحداث "11 شتنبر" ضد بن لادن وطالبان باسم "الإرهاب" لم تقتصر على المتهمين المسؤولين وحدهم، حسب منطق وقانون الأخلاق الإنسانية العالمية، الذي أعلنه القرآن بقوله تعالى : "ولا تزر وازرة وزر أخرى" (الأنعام 164)، أي لا تؤخذ نفس بذنب غيرها، وحسب جميع القوانين الوضعية، وإنما تحولت إلى "حرب صليبية"جديدة ضد الإسلام نفسه، وضد جميع المسلمين، وهكذا انتقلت من تدمير أفغانستان وقتل عشرات الآلاف من سكانها الأبرياء، إلى تدمير فلسطين، وقتل عشرات الآلاف من نسائها وأطفالها وشيوخها الأبرياء، ولتغطية فشلها فيهما تحولت الآن إلى العراق، وستتلوها إيران شريكة العراق في "محور الشر" الذي أعلنه بوش، وقال الرئيس السابق لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية (سيا) جيمس ويلسي :
" أن الولايات المتحدة ستعمل على تغيير الحكم في جميع الدول العربية وعلى رأسها السعودية ومصر، بعد الانتهاء من العراق، وقال : لقد حان وقت إصلاح الأخطاء التي ارتكبتها الإدارات الأمريكية المتعاقبة، بتعاملها مع الحكومات العربية الحالية، وذلك بسبب حاجتها للطاقة والنفط، وأضاف : أن الولايات المتحدة عازمة على تكرار تجربة أوربا الشرقية في منطقة الشرق الأوسط" جاء ذلك في مناظرة " الحرب على الإرهاب" التي نظمها اتحاد الطلبة في جامعة أكسفورد البريطانية، لكن عميد البرلمانيين البريطانيين تام دلايل قال : إن الحرب لا تحل المشاكل، وأشار إلى معارضته للحرب ضد العراق"
(20/11/2002 القدس العربي).
ومع ذلك، ليست شعوب العالم وحدها التي استنكرت هذه الحرب، فرؤساء ألمانيا وفرنسا وروسيا والصين، أعلنوا موقفهم ضدها، وقال رئيس وزراء كندا ج اك كريتيان للصحفيين في براغ حيث حضر قمة حلف "الناتو" عن الرئيس بوش : "إنه صديق لي، إنه ليس معتوها على الإطلاق"، وقالت الصحف : إنه من غير المرجح أن تسفر هذه الحادثة عن تحسن في العلاقات المتوترة بالفعل بينهما.
.( 23/11/2002 ق ع).
لقد اعترف الرئيس بوش نفسه بأنه ذو مزاج ناري، وأنه يحب استفزاز من حوله، وأضاف باستعلاء وكبرياء : "نحن قادة العالم"، وأنه لا يأبه لما يكتبه وتبثه وسائل الإعلام "أنا لا أقرأ افتتاحيات الصحف، كل هذا الصخب ليس سوى ضجيج في خلفية الأشياء"؟!، (21/11/2002 ش أ).
هذه الغطرسة الفرعونية، تجاوزت كل حدود الآداب الدبلوماسية التي عرفت عن رؤساء الدول العظام قديما وحديثا، بل تجاوزت حدود المنطق المعقول والمقبول، إلى الإصرار على إهانة العدو وإذلاله بلغة بذيئة، عندما خاطب الرئيس العراقي صدام حسين قائلا : "ستكون نهايتك إذا أنكرت امتلاكك أسلحة الدمار الشامل"؟!.
لكن فرنسا استنكرت هذا المنطق بقولها : "إن إنكار العراق حيازة هذه الأسلحة، ليس مبررا كافيا للقيام بعمل عسكري لنزع أسلحته، فهذا تفسير شخصي لبوش، لقرار مجلس الأمن، ولا نشاركه فيه، وهذا في الوقت الذي شرع فيه المفتشون القيام بعملهم في العراق؟! (23/11/2002 ش أ).
ورغم أن الرئيس بوش أعلن أنه سيحارب العراق بكل ما تملكه الولايات المتحدة من طاقات وقوات عسكرية مدمرة، لم يكن مع ذلك واثقا من عواقب هذه الحرب، وقال له وزير خارجيته كولن باول : إنك لا تستطيع أن تحارب وحدك، وهذا ما جعله يطلب من خمسين دولة في العالم أن تشترك معه في هذه الحرب العالمية ضد العراق. وهذا ما لم يحدث له نظير في التاريخ، وما ينبئ بأن الرئيس بوش سيدخل الولايات المتحدة الأمريكية ومن يشاركها في هذه الحرب - طوعا أو خوفا أو طمعا في غنائمها ـ في عصر من الفتن، يتميز ب "حرب الإرهاب والإرهاب المضاد" قد تستمر عشرات السنين!. وستكون "بداية النهاية لإسرائيل" التي لا يشك العلماء المسلمون العارفون بأسرار ومعجزات القرآن، بحتمية سقوطها، تطبيقا لمعطيات الآيات الأربعة : 4-5-6-7 من سورة الإسراء التي أكدت بوضوح :
ـ أن الله تعالى أعلم بني إسرائيل في الكتاب، بإفسادهم في الأرض المقدسة مرتين مع علوهم الكبير، وذكر أوصافا متطابقة تماما مع الأحداث التي عشناها، وشاهدها العالم معنا في مرحلة إفسادهم الأول، منذ قيام إسرائيل حتى اليوم، ولكن موعد إفسادهم الثاني. (الذي يبدوا أنه سيكون المعركة الحاسمة)، سيقترن بالإساءة إلى وجوههم (رمز الإذلال والهزيمة)، ودخول عباد الله المومنين إلى المسجد (الأقصى) منتصرين كما دخلوه أول مرة (في عهد الخليفة الثاني عمر ابن الخطاب.(67/292)
إن كل القرائن والتطورات السياسية الخطيرة التي يعيشها العالم منذ "11 شتنبر" تحت تأثير الرعب الذي زلزل كيان الدولة الأمريكية، ليتحول إلى "حرب ضد الإرهاب" أي ضد أشباح مجهولي المكان والزمان، هذه القرائن نشير إلى أن النظام العالمي الخاضع لحكم القطب الواحد، مقبل على "كارثة" زلزال، أحس كثير من الناس في مختلف الشعوب بخطر ارتجاج الأرض من تحتهم، بمن فيها شعوب أوربا وأمريكا نفسها، وهذا ما جعل الكاتب الأمريكي دانييل إيلسبورغ صاحب كتاب "الأسرار... مذكرات فييتنام وأوراق البنتاغون" يدق ناقوس الخطر محذرا من حدوث "كارثة مروعة" في حال إقدام الولايات المتحدة على غزو العراق، تعيد إلى الذهن ما حدث في فييتنام، وتمهد لعصر من الكوارث"
(25/11/2002ق ع).
وقالت صحيفة "ميرور" الشعبية البريطانية المعارضة للحرب : "إن الرئيس الأمريكي جورج بوش والمروجين للحرب في إدراته يطالبون بإيقاف صدام عند حده ومنعه من استخدام أسلحة الدمار الشامل، ولكن هناك قائد واحد يملك أسلحة الدمار الشامل، ويخطط لاستخدامها، اسمه جورج بوش، وهو الذي يجب أن يوقف عند حده، وأضافت :
"أن ما يخطط بوش لعمله في العراق لن ينقذ حياة ناس أو يساعد على إحلال السلام، وبدلا من ذلك فعمله سيقوض العالم، ويهدد حياة الألوف إن لم يكن الملايين، وعلقت على دعوى قيام العراق بانتهاك مادي لقرار 1441 قائلة : أنه يجب إيقاف الأمريكيين عند حدهم، قبل أن تبدأ هذه الحرب المجنونة والخطيرة، وأضافت : صحيح يجب عدم السماح بوقوع أسلحة الدمار الشامل في يد الأشخاص الخطإ، ولكنها موجودة في يد بوش الذي يمثل الخطر الأكبر على العالم" (21-22/12/2002ق ع).
هل (المثقفون الأمريكيون)، وهم يصدرون فتواهم بتأييد هذه الحرب، ويشهدون مع ذلك بأنها "حرب عادلة"؟! كانوا واعين حقا بمثل هذه الأخطار؟! وغير عابئين بمعارضة الرأي العام الجماهيري لشعوب الشرق والغرب لها؟!.
وما رأيهم في "ازدواجية معايير الرئيس بوش إزاء العراق وكوريا الشمالية وإسرائيل.
- تجاه امتلاك كوريا الشمالية لأسلحة الدمار الشامل، وتحديها الأخير بامتلاكها، وطرد مراقبي وكالة الطاقة النووية الدولية، واقتصر (رد فعله) بان دعا إلى "مفاوضات صارمة" معها؟!.
- بينما هو يرفض إجراء مفاوضات مع العراق حول القضية نفسها، ويندفع لغزو العراق الذي لا يملك هذه الأسلحة، بشهادة المفتشين حتى اليوم؟! (13/11/2002 ش أ).
- ويتجاهل امتلاك إسرائيل لها، رغم اعترافها أخيرا بامتلاكها؟!.
وأخيرا هل يعترف "المثقفون الأمريكيون" بل وحتى حكومتهم نفسها، بمسؤوليتها عن المظالم التي ارتكبتها ضد الإسلام والمسلمين في العالم، والتي لا يمكن إحصاؤها ولا حصرها، ابتداء من (خلق إسرائيل) بالتنسيق والتعاون مع بريطانيا، كما اعترف وزير خارجيتها جاك سترو أخيرا، في عرض للأخطاء التاريخية التي ارتكبتها بريطانيا في مقابلة مع أسبوعية "نيو ستيتسمن" البريطانية اليسارية جاء فيه :
"إن الكثير من المشاكل التي ينبغي علينا تسويتها الآن، هي من نتائج ماضينا الأمبريالي" مضيفا : "أنها قضية مشينة بالنسبة إلينا، ونحن نتحمل نتائجها". وأردف قائلا : "لعبنا في أفغانستان دورا غير مشرف على الإطلاق خلال قرن ونصف قرن من الزمان" كما اعترف "بأن الحدود الغربية للعراق رسمها البريطانيون"، وقال أيضا : "إن وعد بلفور والضمانات المتناقضة التي منحت للفلسطينيين سرا في الوقت نفسه التي أعطيت للإسرائليين، تشكل مرة أخرى حدثا مهما بالنسبة إلينا، لكنه ليس مشرفا".
هذه الاعترافات جاءت من باب "تأنيب الضمير" فقط، وإلا فهو الذي لعب دورا رئيسيا في اعتماد قرار الأمم المتحدة الجديدة حول "نزع أسلحة العراق" رقم 1441، (17/11/2002 ش أ).
الخاتمة :
لعل من المهم في ختام ردنا هذا على "فتوى المثقفين الأمريكيين"، وتحليل تطور ونتائج هذه الحرب بعد مرور خمسة عشر شهرا على غزوا أفغانستان، وبعد عشرة أشهر من قرار تأييدهم لها، لنسألهم :
- هل نجحت هذه الحرب حقا في تحقيق أي هدف من أهدافها المعلنة؟
- وهل حافظت أو ستحافظ حقا على الأمن والسلام في العالم؟
- وهل تعتقدون أن بإمكان أمريكا "القضاء على الإرهاب في العالم" بدون القضاء على أسبابه، وفي الوقت الذي يتصاعد فيه "الإرهاب المضاد" وينذر بأوخم العواقب، إذا أعلنت أمريكا الحرب على العراق ؟
ولنذكرهم بالسياسة الأمريكية "اللاأخلاقية" التي دأبت ـ منذ حرب الخليج بصفة خاصة ـ على " قتال العرب بالعرب" و "المسلمين بالمسلمين" و "الأفغان بالأفغان"، و "استعمال الخونة والعملاء ضد أوطانهم"، و "اعتراف المخابرات الأمريكية (السيا) بأنها وزعت على قادة الحرب في شمال أفغانستان سبعين مليون دولار لضمان ولائهم لها".
هذا فضلا عن مطالبة خمسين دولة بالمشاركة معها في ضرب العراق، سواء بالمساومة، وعقد الصفقات، وأداء التعويضات، وشراء الضمائر، أوبوسائل التهديد والإغراء، بهدف إشراكها في تحمل مسؤوليات جرائم الحرب تاريخيا وإنسانيا وحضاريا، بينما الذي سيستفيد من غنائمها اقتصاديا وسياسيا هو الولايات المتحدة الأمريكية؟!.(67/293)
وفضلا عن سياسة "من لم يكن معنا فهو ضدنا" إمعانا في تخويف وإرهاب المستضعفين من الدويلات والشعوب والحكومات التي تفضل البقاء على الحياد.
وهل من (القيم الأخلاقية للدولة) ـ أية دولة ـ أن تجعل من (مخابراتها السرية) أخطر سلطة مسلحة" قادرة على تدبير الانقلابات والاغتيالات في أي مكان من العالم، لتطبيق السياسات العدوانية (اللاأخلاقية، واللاقانونية، واللاشرعية) التي لا يمكن للدولة أن تقوم بها علنا؟.
وهل الحرب العدوانية الاستعمارية الظالمة التي تقوم بها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني الأعزل منذ قيامها، وخاصة منذ حرب الخليج، وبالأخص منذ مجيء السفاح شارون، وحليفه الرئيس بوش إلى الحكم، وهي الحرب (المسؤولة أساسا عن هجوم 11 شتنبر) - سواء أدركت أمريكا، والغرب قاطبة، والرئيس بوش، هذه الحقيقة التي يومن بها مليار من المسلمين، أواستمروا في تجاهلها ـ هل هي في نظر "المثقفين الأمريكيين" تنبع فعلا من قيم العدالة والحرية والمساواة الإنسانية، وحقوق الإنسان ؟!
هذا مع اعترافنا بأن الشعب الأمريكي الطيب يؤمن بهذه القيم، ولكنه واقع ـ مع الأسف الشديد ـ تحت تأثير سلطة الإعلام والمال الصهيوني؟!.
وهل هذه الحرب "الصليبية ـ الصهيونية" التي تواصلها دولتكم اليوم ضد الإسلام والمسلمين، وقيم الحضارة العربية ـ الإسلامية، في شخص دول لا تمثل - مع الأسف الشديد أيضا ـ إلا صورة كئيبة وباهتة ومتخلفة جدا عن قيم دينها وحضارتها التاريخية، هل هي حقا حرب أخلاقية؟، وهل هي حقا حرب عادلة؟
وقد وقع على هذا البيان كل من :
عبد السلام ياسين
إدريس الكتاني
محمد المرواني
فتح الله ارسلان
محمد الحبيب الفرقاني
زهير العبادي
عبد الواحد متوكل
عمر الكتاني
أبو زيد المقرئ الإدريسي
عبد اللطيف جسوس
محمد بنيحيى
محمد حمداوي
عبد السلام البقالي
محمد البشير الكتاني
محمد خليل
أحمد الفيزيقي
عبد الصمد فتحي
أحمد الساسي
عبد العالي مجذوب
عبد الصمد حيكر
أحمد زكري
عبد الإله بلعباس
محمد الحبوس
حسن بناجح
منى الخليفي
محمد الحسينات
محمد أحبوش
أحمد الودغيري
عبد الجبار القسطلاني
عبد الحفيظ السريتي
بنسالم باهشام
عبد العالي مسؤول
عبد الرحيم لعريبي
عمر إحرشان
حميد التدلاوي
خالد الصبحي
أحمد خربوش
===============(67/294)
(67/295)
دورة الزمان وصعود طالبان
خباب بن مروان الحمد
لا زالت الذاكرة الإسلاميَّة تحتضن صور ذلك اليوم الذي سقطت فيه حكومة طالبان ، وأعلنت أنَّها انسحبت من جميع مواقعها الاستراتيجيَّة ، مع أنَّ كثيراً من المحلِّلين لم يكونوا يتوقعون ذلك التراجع ، من قِبَل طالبان في أفغانستان.
نعم ...لقد انسحب الطالبان ، وغادروا مناطق حكمهم إلى قلاع ومخابئ ، وكهوف ومغارات في الجبال الشاهقة في أفغانستان والحدود المحيطة بها ، وجرت الاعتقالات ، والقصف الجماعي العشوائي، وبانت مساعدة المنافقين للصليبي المحتل ، ومعاونتهم ضدَّ المقاومة الإسلاميَّة التي وقفت صفَّاً واحداً قبالة الغزاة المعتدين.
وأتى كرزاي بتكليف من قِبَل المحتل الصليبي ؛ ليستبدل الأطلال الطالبانيَّة بأخرى كرزانيَّة ، وحالفه جمع من المنتفعين والمرتزقة الأفغان ، ظنَّاً منهم أنَّه سيغرس قيم العدل والمساواة والديموقراطية، بتشكيلة جديدة تجتمع عليها جميع القوى.
وما إن بدأت هذه الحكومة تحكم الشعب الأفغاني ، حتَّى ظهرت المعاناة ، وكثرت النزاعات ، وازداد الأفغان فقراً وأميَّة ، وبطالة وشتاتاً ، وأدركوا أنَّ تلك الحكومة مع سابق معرفته بأنَّها صنيعة أمريكيَّة ، إلاَّ أنَّها لم تضبط الأمن ، ولم تحفظ المجتمع ، ولم تساعده على النمو الإيماني و الحضاري ، بل بقي الوضع كما كان وأسوأ ممَّا كان.
في هذه الأثناء يرقب التأريخ بداية حقيقيَّة لتجمُّع فلول طالبان ، وبداية مقاومة جديدة لها ، سحبت أذيالها في شتَّى الجبهات الأفغانيَّة.
وبدأنا نرى أنَّ هذه المجموعات الطالبانيَّة من المجاهدين ، رتَّبوا أمورهم ، وأعادوا كرَّتهم بعد فترة ليست بالطويلة ، وبدأ العالم يرقب تزايد الهجمات الجهاديَّة الطالبانيَّة على الحلفاء الصليبيين ، وإحراقهم بنار الموت ، وفرار كثير من الصليبيين من ثكنة عسكريَّة إلى أخرى ، حتَّى أذاعت وكالات الأنباء أنَّ الفلول الطالبانيَّة المجتمعة سيطرت على العديد من المدن والقرى الأفغانيَّة مرَّة أخرى.
وهنا سؤال يطرح نفسه : لماذا عادت الطالبان بعد الهجمة الصليبيَّة ، وتحالفت معها بعض التكوينات الجهاديَّة والتي كانت منشقَّة عنها إبَّان حكم طالبان للأفغان قبل ثماني سنوات ؟!
يمكن الإجابة على هذا التساؤل في عدَّة نقاط :
1ـ الشعب الأفغاني شعب عتيد وعنيد يأبى الاحتلال ، ويرفض الضيم والعتو ، ولا يوالي أكثريَّته لمن احتلَّ أرضه ، وهذا ما ذكره شكيب أرسلان بقوله عن هذا الشعب:( لا ينام على الثأر ، ولا يقبل أن يطأ الأجنبي أرضه ولا يواطئ العدو على استقلال بلاده) حاضر العالم الإسلامي ـ تأليف: شكيب أرسلان / صـ200.
ونحن لا ننسى كيف لقَّن المجاهدون الأفغان ؛ التتر دروساً في الدفاع عن دينهم وعقيدتهم ، بل هزموا جنكيز خان الذي كانت له اليد الطولى في سفك الدماء ، واحتلال بلاد الإسلام ، وكيف حطَّم الأفغان الاستعمار البريطاني الذي جثم على أرضهم 44 عاماً ، وأهان المجاهدون البريطانيين في ثلاث حروب متتالية ، وأمَّا الاتحاد السوفييتِّي فقد كان للمجاهدين الأفغان دورٌ كبيرٌ في تفكيكه إلى دويلات ، وعدم الاستسلام له خلال حرب دامت أكثر من عشرين عاماً من الزمان ، لقِّبت بعدها بلاد الأفغان بأنَّها مقبرة للغزاة.
وهكذا تمضي دورة الأيَّام ويأتي الأمريكان وحلفاؤهم من الصليبيين ليحطِّموا إمارة طالبان ويكسروا شوكتهم ويقضوا عليهم خلال فترة وجيزة ، ولكن الأمل الذي كان يحدوهم ، انقلب إلى ألم شديد، فقد أيقنوا أنَّ المجاهدين الأفغان كانوا غصَّة في حلوقهم ، وحجر عثرة في طريقهم ، حيث صمدوا في قتالهم ضدَّ المحتلِّين ، وبدأت الأنظار تتلفَّت إلى أعمالهم ومواقفهم بشكل ملحوظ.
2ـ أنَّ طالبان لا تعترف بالانتخابات ، بل طريقها الوحيد هو الجهاد المسلَّح ضد القوات الغازية الأجنبيَّة ، بل كانت دعوة الملاَّ محمد عمر للشعب الأفغاني قبل أكثر من ثمانية أشهر ، مؤثِّرة في مقاطعتهم للمشاركة في الانتخابات ، حيث إنَّهم رأوا أنَّ ممارسة الحق الانتخابي فيها عمل شكلي لا طائل من ورائه ، بل مسألة بلا قيمة كما عبَّر عن ذلك أحد المحلِّلين السياسيين وخصوصاً إذا علمنا أنَّ العرق البشتوني يمثِّل 60% من الشعب الأفغاني ، ممَّا يؤدي إلى انجذابهم للاستماع لأميرهم السابق الملاَّ محمد عمر ، وانصياعهم له ومؤازرة كثير منهم لجيش طالبان المقاوم ، ومعاونته بعد أن رأوا أنَّ حكومة كرزاي موالية للمحتل !
3ـ إدراك الشعب الأفغاني أنَّ جميع ما ادَّعاه حامد كرزاي من نشر قيم الحريَّة والديموقراطيَّة ؛ إنَّما هي فقاعات كلمات طارت في الهواء ، ولم يكن لها نصيب من العمل والعطاء ؛ ممَّا جعلهم يشعرون بالحنين إلى دولة الطالبان السابقة بعد فشل الحكومة الجديدة في ملء الفراغ الذي سبَّبه خروج طالبان من الحكم ، مع احتفاظ الأفغان في عقولهم بمدى الأمن والاستقرار الذي هيَّأته الطالبان لهم حين حكموهم ردحاً من الزمن.(67/296)
وأيقن الشعب الأفغاني أنَّ وعود "كرزاي"بأنه سيسخِّر جميع القوى والموارد المتاحة لإجراء تغييرات تقلب أفغانستان رأساً على عقب ، بأنَّها وعودٌ كاذبة ، وأنَّ ذلك ما هو إلاَّ لذرِّ الرماد في العيون ، لامتصاص الغضب الشعبي الأفغاني على نتائج الدمار الذي خلَّفته القوى الغازية ، ولهذا فإنَّ أنشطة كرزاي وتحركاته ضاعت سنين دون أن يستفيد الأفغان منها شيئاً ، وفضَّل بدلاً من إعمار البلاد بالحفاظ على الوضع القائم وتعزيز نفوذه.
مع أنَّ الدول الغربية تعهدت بتقديم 5ر2 بليون دولار سنوياً على مدى أربعة أعوام قد مضت ، لأجل إعادة إعمار أفغانستان ، ولكنَّنا نصاب بالخيبة إذا علمنا أنَّ نصف هذا المبلغ قد وصل لأفغانستان ، ولم يقم سد واحد أو محطة توليد كهرباء على مدى الأعوام الأربعة الفائتة ، بل بقيت أفغانستان ثالث أفقر بلد في العالم ، كما ذكر ذلك الباحث في الشؤون الآسيويَّة : الأستاذ : علي مطر في تقرير له نشره في موقع المسلم .
ولمَّا فشل كرزاي في تأمين أفغانستان وتحقيق وعوده ، وظهر للعيان الفرق بين حكومته وإمارة الطالبان ، اضطرَّ إلى مد يده إلى الملاَّ محمد عمر ومن حالفه مثل حكمتيار ودعوته إيَّاهم إلى المصالحة والحوار ، إلاَّ أنَّ ذاك النداء لم يُلتفت إليه من قِبَل طالبان وحتَّى من حكمتيار ، بل ردُّوا عليه بأن كرزاي ما هو إلا دمية أمريكية على حدِّ قول أحد مسؤولي الحركة ، وطالبوا الشعب الأفغاني بمواصلة العمل القتالي ضدَّ العدو المحتل.
ولا ريب أنَّ هذه الدعوة من كرزاي إلى قادة المقاومة الجهادية في أفغانستان ، ناتجة عن الوضع المتأزم الذي يعيشه نظام كرزاي ، الذي فشل في توفير الأمن للمواطن الأفغاني، وهو أبسط حق للمواطن البسيط ، وإذا كان كرزاي قد أخفق في هذا الأمر فإنه كان فيما سواه أكثر إخفاقاً .
إضافة إلى بروز حالات تذمر كبيرة داخل الشعب الأفغاني ضد العمليات العسكرية الأمريكية بسبب الإصابات التي توقعها في صفوف المدنيين، وهو الشيء الذي أحرج "كرزاي" ودعاه لأن يستنجد ويطلب من الأمريكيين وقف طلعاتهم الجويَّة ، وحملات التفتيش في القرى ، وذلك لتهدئة المواطنين الأفغان ! إلاَّ أنَّ ذلك الاستنجاد لم يلتفت إليه الأمريكان ، ولم يلقوا له بالاً!
دلائل الحنين للطالبان:
حين بدأ حكم حامد كرزاي انتشرت جرائم الفساد الأخلاقي ، واغتصاب النساء ، والتفجيرات العشوائيَّة التي تثير قلاقل أمنية في البلاد ، وظهر قطَّاع الطرق والمافيات المحليّة التي تتاجر بالنساء وتفرض الدية على أصحاب المحلات والتجّار ، كما انتشرت جرائم خطف الأطفال ، ولعلَّ خبراً سريعاً أورده موقع الجزيرة نت 18/3/2005م يوضح مأساة خطف الأطفال وانتشارها في أفغانستان بعد حكم "كرزاي" ، فقد قام رجال مجهولون بخطف أحد أبناء مقاول بنَّاء في قندهار، وتركوا له رسالة تقول:(نحن أناس متوحِّشون قساة ، وسنقتل ابنك إن لم تدفع فدية قدرها 15ألف دولار ) فما كان من ذلك الرجل إلاَّ أن جمع المال بكلِّ سرعة ممكنة وتركه في المكان الذي حدَّده له الخاطفون، لكنَّه في اليوم التالي عثر على جثَّة ابنه ممزَّقة في أحد شوارع المدينة ، وبعدها بقليل ثار مئات الأهالي وخرجوا متظاهرين يهتفون: يسقط أباطرة الحرب ، أعيدوا حكم طالبان...حيث عثروا على جثَّة طفل آخر مخطوف.
بل وصل التذمُّر من الوضع الأمني القلق من الممثِّل عن المجلس المحلي المنتخب بقندهار المسمَّى بـ"زارجونا كاكار" بحسب ما ذكرت صحيفة "فاينانشيال تايمز" البريطانية ، حيث صرَّح خلال اجتماع له قائلاً: "نحن في حاجة إلى الأمن، وليس الطرق والجسور والمدارس"مضيفًا: 'يجب أن يأتي الأمن في المقدمة، ثم يمكننا بعد ذلك القيام بإعادة البناء والإعمار" وممَّا هو معلوم أنه في معظم الطرق السريعة بين القرى والمدن الأفغانية ، لا يستطيع أحد أن يخرج بعد صلاة العصر خوفاً من قطاع الطرق الذين ينتمون في معظم الأحيان لفصائل الحكومة الأفغانية الائتلافية!!
وللقارئ الكريم أن يتخيَّل وهو يعيش تحت حكومة مدنيَّة ديموقراطيَّة ! يحصل أثناء حكمها هذه المآسي ، ولا تفعل تلك الحكومة إلاَّ أن تقيل مسؤولاً وتعيِّن آخر هذا إن فعلت ! ويبقى الوضع كما كان من الفوضى والجرائم.
وبالنظر إلى الاتجاه المعاكس لهذه الحكومة المتمثِّل في جماعة الطالبان وحلفائهم ، فإنَّا واجدون أنَّ لهم دوراً كبيراً في نشر الأمن ، ومحاربة أهل الفساد ، وتأكيداً على ذلك فقد نشرت وكالات الأنباء مؤخَّراً ومنها موقع: "العربية نت" دور الطالبان في تأمين كثير من الأوضاع في أفغانستان ، ومحاولة تأمين النَّاس ، وحمايتهم من قطَّاع الطرق واللصوص الذين انتشروا بعد تسلُّم كرزاي حكم أفغانستان حيث شهدت بلدة "دريا خيل" وهي قريبة من منطقة وزيرستان الشمالية الباكستانية المتاخمة للحدود مع أفغانستان يوم الأربعاء 7- 12- 2005 اشتباكاً مسلحاً حامي الوطيس أسفر عن مقتل 20 شخصاً من بينهم 4 من أبناء القبائل المنتمين للطالبان ممَّا أدى إلى وقوع خسائر فادحة في الممتلكات.(67/297)
وقد أدَّت عناصر الطالبان دوراً كان من المفترض أن تقوم به القوات الأمنية الباكستانية ضد العصابات الإجرامية ، حيث أن الصدام المسلح وقع بين عصابة تخصَّصت في عمليات السطو وفرض الإتاوات على السكان المحليين ، وتشتهر هذه العصابة باسم عصابة "حكيم خان" ويقودها مطلوب خطير يدعى "شير علي" وقد دامت "عملية طالبان ضد عصابات الإجرام" نحو 10 ساعات متواصلة في أحياء وحواري بلدة "بادا خان" تمكن فيها أبناء القبائل الذين يعرفون بـ:(الطالبان) من القضاء على 16 من أفراد العصابة،وأفاد أبناء البلدة أيضاً أن عصابة "حكيم خان" كانت تمارس عمليات السطو والقتل وفرض الإتاوات منذ سنوات عدة، وبعد اختفاء حركة "طالبان" في أفغانستان توسعت نشاطات هذه العصابة لتشمل القرى المجاورة، ومع أن القوات الحكومية نفَّذت العديد من العمليات الأمنية ضد هذه العصابة إلا أنها لم تفلح في القضاء عليها .
ولهذا فلا عجب أن تؤكِّد صحيفة (الواشنطن بوست) بأنَّ هناك شعوراً متزايداً بالحنين إلى حقبة طالبان بين السُّكَّان المحلِّيين.
أمر آخر جعل كثيراً من الأفغان يحنُّون إلى الحكومة الطالبانيَّة ، ويتذمَّرون من الحكومة الجديدة ، التي منذ أن وصلت لسدَّة الحكم حتَّى تصاعد انتشار المخدرات التي قضى على أكثر حقولها إمارة الطالبان عندما قامت على حكم أفغانستان ، وذلك بشهادة الأمريكان أنفسهم .
أمَّا "كرزاي" فإنَّه حين استلم الحكم وعد بأنَّه سيزرع حقولاً للمخدرات ، ولأجل هذا فقد تنامت زراعة المخدرات في عهد الحكومة الجديدة حيناً بعد حين ، وقد ذكرت إحدى الإحصائيَّات أنَّه قد أنتج من الأفيون في عام 2001م ما يقارب 185طنَّاً ، وازدادت الكميَّة خلال عامين حيث وصل الأفيون إلى 3600طن عام 2003م ، واحتلَّت أفغانستان عام2003م المركز الأوَّل في زراعة الأفيون 77% من الإنتاج العالمي.(انظر: التقرير الاستراتيجي الصادر عن مجلَّة البيان(الإصدار الثاني) ـ مقال بعنوان: أفغانستان ألم وأمل /صـ395) وأما في عام 2004م فقد أنتجت 4950 طناً ، بحسب ما ذكره جمع من الباحثين في الشؤون الآسيويَّة ، وفي عام 2005 فقد تصاعدت النسبة إلى 87% كما أوردته جريدة الحياة يوم25/11/2005م
ولهذا فهل يعقل أن يعجب الشعب الأفغاني المسلم بحكومة كانت زراعة المخدِّرات من أولى أولوياتها حين تولَّت حكم أفغانستان ؟ !
4 ـ المراقب لوضع الطالبان يلحظ تزايداً وتنامياً للمقاومة ضدَّ الأمريكان وحلفائهم ، ولعلَّ تصريحاً للمتحدِّث باسم حركة طالبان مفتي لطيف الله يعطينا تصوراً لقوَّة طالبان ، وبداية التمكين لها،فقد ذكر أن مقاتلي الحركة قتلوا أكثر من 1200 من قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة المتمركزة في أفغانستان ـ كان أولئك القتلى مقابل استشهاد600 قتيل من الطالبان كما ذكرت بعض التقارير ـ وأضاف لطيف الله : وذلك خلال 228 هجوماً شنوها العام الماضي 2004، دمروا خلالها أيضاً 243 سيارة عسكرية بينها 46 دبابة وعربة مصفحة.
وممَّن شهد على تنامي مقاومة الطالبان للتحالف الصليبي ؛ (رئيس بعثة الأمم المتحدة في أفغانستان الفرنسي جان ارنوه) حيث أشار إلى تفاقم الوضع ميدانياً، وقال في مداخلة أمام مجلس الأمن في 26 يونيو: " إن المجاهدين يملكون على ما يبدو المزيد من الوسائل ومن الأسلحة الأكثر فتكاً ولديهم وسائل دعائية أفضل ، ويستخدمون تكتيكاً أكثر قوة ".
وقد اعترف المتحدث باسم الجيش الأمريكي، العقيد جيمس يونتس، بأن العناصر التي شاركت في العمليات التي حدثت في مناطق الجنوب الأفغاني "مزيج من عناصر طالبان والمليشيات المعادية للتحالف"، وقال إنها مجموعات ذات "تدريبات عالية وجيدة التسليح وليست شرذمة مسلحين، لم يفروا أمامنا، بل ثبتوا وقاتلوا "، وهو ما يزيد المعارك صعوبة على القوات الأمريكية.
فلا عجَبَ إذن أن يصرِّح أحد مسؤولي حركة طالبان بأنَّ القوات الأمريكيَّة لا حول لها في أرض أفغانستان ، ممَّا جعل الملا محمد حسن رحماني الحاكم السابق لإقليم قندهار يبشِّرُ بأنَّ هجمات طالبان ستزيد بدرجة أكبر مع انحسار برد الشتاء ، حيث أنَّ الجليد يغلق الممرَّات الجبليَّة ، ممَّا يؤدِّي إلى ضعف تحرك مقاتلي الطالبان.
كيف طوَّرت طالبان قوَّتها وبدأت استعادة دورها من جديد؟
لعلَّ من الدلالات على تنامي الهجمات القتاليَّة لطالبان للعدو المحتل ، ما يمكن رصده بالآتي:(67/298)
* تغيير التكتيك القتالي للطالبان ، والتطورات النوعيَّة في عمليَّاتها ، وقد ذكر رحماني أنَّ "طالبان تكبِّد القوات الأمريكية خسائر كبيرة في الرجال والعتاد ، وأمريكا تخفض قواتها لإخفاء جبن قواتها وفشلها" من أجل هذا فقد وصلت قوات بريطانية قوامها 150 جندياً إلى مطار العاصمة الأفغانيَّة كابول أفغانستان الأربعاء 16/1/1427هـ ، ثمَّ أقلَّتها طائرة أخرى إلى مواقعها في جنوب البلاد ، في أول عملية انتشار للقوات البريطانية في البلاد ضمن بعثة قوات حفظ السلام وقد تعهدت الحكومة البريطانية بنشر 3300 جندي في أفغانستان؛ لتحل محل القوات الأمريكية التي تتولى مهام الأمن في إقليم هلمند بجنوب البلاد.
إضافة لما تحضِّره قريباً دول حلف شمال الأطلسي بنشر 2000 جندي كندي ، وأكثر من ألف جندي هولندي ، في المناطق الجنوبية خلال الأشهر القليلة القادمة ، ونشر القدر الكافي منهم لإحباط ضربات مقاتلي طالبان ، والمتوقع أنَّ ذلك سيعطي طالبان المزيد من الأهداف لضربها كما يصرِّح به رحماني ، وكذا الملاَّ داد الله وهو القيادي البارز في حركة طالبان ، حيث تحدَّث عن وصول هذه القوَّات قبل مجيئها لأفغانستان معلِّقاً على قرار إرسال المزيد من القوَّات إلى أفغانستان بلغة إيجابيَّة قائلاً:(إنَّ التوسُّع في عمليات حلف الأطلسي في أفغانستان ، سيسهِّل على طالبان استهداف هذه القوَّات) كما أذاعته وكالة رويترز10/12/2005م.
* توالي إسقاط طائرات الأمريكان وفلول التحالف الصليبي ، عبر استخدام حركة طالبان لمضاد الطائرات ، وقد أعلنت الحركة على لسان القائد العسكري في حديث له لقناة الجزيرة أنَّ الحركة امتلكت أسلحة قادرة على إسقاط الطائرات الأمريكية والأكثر تقدماً وتعقيداً ، وجاء تصريح هذا القائد بعد سلسلة من الإسقاطات الطالبانيَّة لطائرات التحالف ، والتي كان منها إسقاط طائرة شينوك الأمريكية العملاقة قبل بضعة أشهر.
* النجاح في اختراق القواعد العسكرية الأمريكية جنوب البلاد بعمليات تفجير الصهاريج التي يخزَّن فيها النفط.
* إعلان طالبان عن استعداد المئات من عناصرها لتنفيذ عمليات استشهادية ضد القوات الأمريكية وحلفائها ، مع تأكيدهم أنَّ تلك العمليات تضحية بالنفس من أجل العقيدة ، كما تحدَّث بذلك الملاَّ داد الله القائد العسكري لحركة طالبان في لقاء له مع الجزيرة في أبريل 2004.
* السيارات المفخَّخة التي يستخدمها المجاهدون لتنفيذ عمليَّاتهم ضد القوات الغازية.
* الاختطاف لبعض المواطنين الذين يعملون لحساب بعض الشركات الأمريكيَّة ، وكذا اختطاف منسوبي أجهزة المخابرات.
* نصب الكمائن والتي تكون عبارة عن حقول ألغام ، وقنابل توضع على جانب الطريق ، وتصطاد الدوريات المؤلَّفة من عدَّة سيَّارات من سيارات التحالف ، وممَّن نبَّه إلى ذلك جيش الاحتلال الأمريكي ممَّا أدَّى لتصاعد الهجمات وشهدت البلاد 15 هجوماً خلال الأشهر القليلة الماضية ضدَّ أهداف سهلة.
* إطلاق الصواريخ وقذائف المورتر التي تتجدد حيناً بعد حين ، كلَّما سنحت فرصة كانت كميناً لمن مرَّ بها من الحلفاء الغازين.
* استهداف الشاحنات التي تنقل النفط والبترول إلى داخل أفغانستان.
* حصول الطالبان على أسلحة متطورة وجديدة ، من بعض البلدان الخارجية ، وخاصة من صواريخ (أرض- جو) مع الاستعانة بالصواريخ الروسية والصينية التي تعد رخيصة وليست غالية الثمن.
* استعمال الطالبان لحروب العصابات وتطويرهم لها ، ولا يمر يوم للطالبان إلاَّ ويكون لهم شيء من ذلك ، ولا ريب أنَّ حرب العصابات تستنزف قوَّة العدو ، وتبقي المهاجم يزداد قوَّة وإثخاناً ونجاحاً، وتجنِّبُ مقاتلي الطالبان الخسائر كما يقول الملاَّ داد الله .
* قدرة الطالبان على الصمود من محاولات شقِّ صفوفها ، واستيعابها لبعض الجهات التي كانت تعارضها أيام حكمها كالحزب الإسلامي الذي يتزعَّمه قلب الدين حكمتيار ، ووقوف الاثنين معاً ضدَّ القوات الغازية ، وقد أكَّدت ذلك وكالة الأنباء الصينيَّة في إحدى تقاريرها معتبرة ذلك العامل الرئيس وراء الارتفاع الحاد في معدَّل هجمات مقاتلي طالبان هذا العام.
* التقدم والتفوق الإعلامي ، فبعد سقوط حكم طالبان إثر الغزو الصليبي المتحالف ضدَّها ، خفت الإعلام الطالباني ، ولم يحاول أفراد تلك الحركة لفت الأنظار المترصِّدة لها بفتح قناة إعلاميَّة لنشر أخبارها على حقيقتها ، ولكن في الأيام الأخيرة فإنَّنا نسمع على الأقل شيئاً من تلكم الأخبار لهذه الحركة بعد أن خفت نجمها ، ومن دلائل ذلك قيام الطالبان بإعادة بث "إذاعة الشريعة" لتغطي أقاليم وسط البلاد، كما يمكن التقاطها في المناطق الحدودية بين باكستان وأفغانستان.(67/299)
ولا ريب أنَّ هذا تطوُّر لافت للنظر ، يدلُّ على أنَّ طالبان بدأت تستعيد قوَّتها ، وتنظم أمورها ، كما صرَّح بذلك المتحدِّث باسم الحركة لطف الله حكيمي ـ الناطق الجديد باسم الحركة ، والمعتقل حاليَّاً من قبل السلطات الباكستانيَّة ـ حيث كان يقوم بالاتصال بوكالات الأنباء العالمية لنقل بيانات الحركة ، ممَّا يفضح الأكاذيب الأمريكيَّة بانتهاء وجود طالبان في أفغانستان ، وقد ابتدأت هذه الإذاعة بثَّها بإذاعة بيان للملا محمد عمر ، حثّ فيه الأفغان على مواصلة القتال ضدَّ العدو المحتل.
* سرَّبت بعض وسائل الإعلام بأنَّ بعض المصادر الاستخباراتيَّة الآسيويَّة تناقلت أنَّ عدداً من قيادات المقاومة العراقيَّة انتقلوا إلى أفغانستان قبل فترة قصيرة ، من أجل وضع استراتيجيَّة تنظيميَّة وتكتيكيَّة جديدة للهجمات العسكريَّة تجاه قوى الاحتلال ، بل ذكر مصدر إخباري أنَّ هناك تهريباً للأسلحة من العراق عموماً ومن كردستان خصوصاً إلى أفغانستان ، حيث تهرَّب من إيران مع بعض العوائق في ذلك ، ولكنَّها تصل إلى أفغانستان متجاوزة هذه العوائق.
ومن خلال هذه المؤشِّرات الراصدة لتنامي المد القتالي للطالبان في بلاد الأفغان ، فإنَّه يمكننا من خلال قراءة الوضع أن نقول: إنَّ طالبان الآن تبدو أكثر قوَّة وعملاً عسكرياً قبل أربع سنوات ، ويكفي أن الإدارة الأمريكية اعترفت بقوَّتها ، بل قالت صحيفة (الإندبندنت) البريطانية: إن حركة طالبان لم تهزم أبداً في إقليم هلمند جنوب أفغانستان.
ومنطقة هلمند بالذات كان للمقاومة الطالبانيَّة فيها عدَّة هجمات شملت 14 تفجيراً جنوب وشرق أفغانستان ـ سجلت خلال الأشهر الأخيرة ـ بل صرَّح حاكم ولاية "هلمند" أنه كاد أن يقع في أسر طالبان عندما أحاط 200 من مقاتلي الحركة به وحرسه البالغ عددهم 100 عنصر في أشرس قتال تشهده المنطقة.
وهذه التصريحات لا تدع مجالاً للشك بأنَّ المجاهدين بدؤوا يستعيدون دورهم من جديد ، وبقوَّة شهد لهم بها الأعداء ، كمَّا صرَّحت صحيفة الإندبندنت بأنَّ سبب عدم قدرة القوات الأمريكية على توجيه ضربة حاسمة ضد طالبان في هلمند، هو طبيعة الإقليم, بالإضافة إلى إخفاق حكومة حامد كرزاي المدعومة من الولايات المتحدة في القيام بمزيد من الأعمال لإعادة بناء الإقليم.
تنويهات وتحذيرات:
ومن خلال ما سبق طرحه فإنَّ من المرجَّح أنَّ حكومة طالبان لن تستسلم للاحتلال الغازي ، ولا للمزيد من القوَّات الآتية من دول حلف الأطلسي أو غيرها ، بل المراقب لتحرُّكاتهم يجد أنَّهم أشدُّ حماساً لقتال هذه الأحلاف الصليبيَّة الغازية ، من منطلق قوله تعالى:(أذن للذين يقاتلون بأنَّهم ظلموا وإنَّ الله على نصرهم لقدير) لعلمهم أنَّ هؤلاء الحلفاء المعتدون قد تواطؤوا على قتالهم ووالى بعضهم بعضاً كما يقول الله تعالى عنهم : (والذين كفروا بعضهم أولياء بعض إلاَّ تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير) يقول الشوكاني:(أي بعضهم ينصر بعضاً ويتولاَّه في أموره...وفيه تعريض للمسلمين بأنَّهم لا يناصرون الكفَّار ولا يتولَّونهم) (فتح القدير2/249)وقد أدرك المجاهدين الأفغان هذه القضيَّة، وخرجت التصريحات من بعض قادتهم كالملاَّ (عبيد الله آخوند) نائب الملا عمر ووزير الدفاع السابق في الحركة ، حيث نبَّه على أنَّ طالبان لن تتوقف عن مقاتلة الأمريكان وحلفائهم ، وأكَّد أنَّ الهجمات الفدائيَّة ستستمر ؛ بقوله:(سيكون خيانة للإسلام التوقف عن محاربة أمريكا، والملا عمر وطالبان ليسا مستعديْن لتحمل هذا الإثم).
فما البال إذا علمنا أنَّ البشتون إذا قالوا كلمتهم فإنَّهم لا يتراجعون عنها ، ومن الأمثال الشعبيَّة الدارجة عندهم في أفغانستان:(إنَّ البشتوني إذا قال نعم فهو يعني نعم ، وإذا قال لا فإنّه لن يتحوَّل عنها) فما ظنُّك وهذا العِرق يرى أنَّ الإسلام هو البديل الصحيح لشتَّى البدائل الأخرى؟.
وبالطبع فإنَّ كثيراً من وسائل الإعلام الغربية أو المستغربة تحاول قدر الإمكان إخفاء هذه الحقائق ، وتعميتها وتعتيمها على الناس ، وخلق حالة من الغبش والضبابيَّة عن انتصارات المجاهدين في أفغانستان ، لأنَّهم يعلمون أنَّه لو ظهرت الحقائق ، على مرأى من هذا العالم ، لشهدوا لهم بذلك ، ولشعروا بتنامي القوَّة الطالبانيَّة الصاعدة في أراضي أفغانستان ، وذلك يذكِّرني كثيراً ، بالأساليب العمليَّة التي يستخدمها الطغاة والكفرة بالتحذير من سماع منطق الحق والقوَّة بقصَّة إسلام الطفيل بن عمرو الدوسي ـ رضي الله عنه وأرضاه ـ حيث كان كفَّار قريش يغبِّشون عليه الحقائق ، ويخفونها عليه ، بعدَّة قوالب وأساليب ، ولنتأمَّل ما قاله الطفيل قبل إسلامه :(فوالله ما زالوا بي يقصُّون عليَّ من غرائب أخباره و يخوِّفونني على نفسي وقومي بعجائب أفعاله ، حتى أجمعتُ أمري على أن ألا أقترب منه وألا أكلمه أو أسمع منه شيئاً ، حتى حشوت في أذني حين غدوت إلى المسجد كُرْسُفَاً فَرَقَاً من أن يبلغني شيء من قوله وأنا لا أريد أن أسمعه) (انظر: الروض الأنف للسهيلي).(67/300)
ولنا أن نتخيَّل كيف بلغ الأمر بالطفيل بن عمرو إلى أن يضع الكرسف ـ أي القطن ـ في أذنيه لئلاَّ يستمع شيئاً من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم وهكذا الحال في عصرنا الحاضر، حيث يكيد الأعداء للمسلمين ويخفون عليهم الحقائق ، فاللاَّزم إذن لسالك طريق الحق أن يصبر ويصابر ، ويعلم أنَّ الأعداء سينصبون له كلَّ ما يقدرون من سبل الإلغاء والتهميش والتشويه ، وبالطبع فإنَّها سياسة الكفَّار في كلِّ زمان ، ولا أدلَّ على ذلك من أنَّ الاتحاد الأوروبي يمنع من مسك زمام الحكم لطالبان حيث اعتبر رئيس الوزراء البريطاني توني بلير أن منع حركة طالبان من العودة إلى السلطة في أفغانستان مصلحة أساسية لكل دول حلف شمال الأطلسي، وأوضح أن "عناصر طالبان إذا عادوا إلى أي جزء من البلاد فإن آثار ذلك ستكون في شوارع بريطانيا وهولندا وفرنسا أو ألمانيا أو أي مكان آخر" وهذا يظهر مدى خوفهم من انتشار الإسلام ، وحتَّى في بلادهم التي يقطنون فيها .
ومن أساليب الكفرة أيضاً ، محاولة إلصاق التهم بهذه الحركة وتشويهها ، ومن ذلك قيام المواطن الأفغاني "تيمور شاه" باحتجاز الإيطالية "كليمنتينا كأنتوني" وإبلاغه السلطات بأنه سيقتلها ما لم تلبِ الحكومة مطالبه المتمثلة في التزام الحكومة بتعاليم الشريعة الإسلامية، ووقف برامج الموسيقى في الإذاعة والتليفزيون، ومنع استيراد الخمور ، وقد اتُّهمت طالبان بأنَّها وراء تلك الفعلة ، ولكن بعد تحرٍ دقيق برَّأت الحكومة الأفغانية الحركة من هذه الحادثة ، وقالت: إن جماعة إجرامية وراء الحادث.
ومن ذلك مشاهد خطف عمال الإغاثة والعاملين التابعين للأمم المتحدة المتكرر في أنحاء البلاد ، واتهام بعض قوى التحالف لطالبان بأنَّها وراء تلك الاختطافات ، وطالبان ـ باعتراف الحكومة ـ لا ترتكب هذه الأعمال.
تلك ومضات أحببت أن أبيِّن بها مدى صعود مجاهدي طالبان في قتال الأمريكان وقوى التحالف ، والانهيارات التي يصاب بها التحالف الصليبي ، نسأل الله أن يمكِّن لعباده ، وأن يكتب لهم الخير حيث كان ، وبالله التوفيق ، وصلَّى الله وسلَّم على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه وسلَّم أجمعين.
ملاحظة
هذا المقال نشر في موقع المسلم ، ومجلة العصر.
================(67/301)
(67/302)
كمشتكين بن دانشمند
إبراهيم بن صالح الدحيم
.. كمشتكين بن دانشمند ؟ ليس فناناً مُنحرفاً .. ولا رياضياً محترفاً ..ولا هو بطل لأحد أفلام المسلسلات الغربية .. أو المغامرات البوليسية !! كلا.. بل هو ( بطل الإنتصارات الأولى على الصليبيين ).
كمشتكين بن دانشمند .. اسم لامع في الأفق .. و نجم ساطع في سماء البطولة .. وقائد عسكري محنك .
هو ليس عربي !!. فنصرة الدين ليست حكراً على العرب - و إن كانوا هم أحق بها وأهلها - إن اختيار الله لنا حملُ دعوته ،وتبليغ رسالته , و نصرة دينه , والذود عن شريعته تكريمٌٌ و تفضلٌ واصطفاء . وحين لا نكون أهلاً لهذا الفضلٌ وهذا التكريم ، ولم ننهض بتكاليفه , فإن الله يستبدلنا بغيرنا , ويؤتي ملكه من يشاء ,ويمنح فضله لقومٍ يقدرون الفضل قدره { وإن تتولو يستبدل قوماً غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم } محمد (38) { إلا تنفروا يعذبكم عذاباً أليماً و يستبدل قوم غيركم ولا تضروه شيئاً } التوبة (39)
( كمشتكين بن دانشمند ) .. ليس أول مجد من أمجادنا نضيعه ،ولا أول رمز من رموزنا نجهله !؟ لقد جهلنا أو تجاهلنا شيئاً كثيراً من تاريخنا و أمجادنا . والواقع شاهد على ذلك فأكثر شبابنا اليوم مشغول بتلقف الثقافات المستوردة الهابطة !! بدلاً من أمجادنا الرفيعة العالية .
• ذكر بن الأثير و غيره شيئاً يسيراً من أخبار القائد المسلم (كمشتكين بن دانشمند) لكن أكثر آثاره وأخباره حفظها لنا المؤرخون الغربيون عن غير قصد ، وهم يؤرخون للحملات الصليبية ( و الحق ما شهدت به الأعداء !! ) :-
- والد كمشتكين هو(طايلو) التركماني ,وإنما لقب (دانشمند) لأنه كان معلماً لأبناء التركمان ، وكانوا يسكنون بعض المناطق في [أذربيجان و أران] .
في عام 455 هـ قدم الجيش السلجوقي المسلم بقيادة (ألب أرسلان) إلى أذربيجان ، و كان عازماً على غزو الروم و الكرج . فالتحق به أمراء التركمان مع قبائلهم ، ومن بين هؤلاء الأمراء الأمير (دانشمند) ، فدلوا السلاجقة على طرق و مجاهل بلاد الكفار , وزادت مكانة الأمير عند السلطان (ألب أرسلان) لما رأى فيه من آثار العقل و الشجاعة والحماسة للإسلام , فعقد له لواءً وكلفه بفتح بعض البلدان هناك وولاه على بعض المناطق ، وكتب له بذلك . فظل الأمير (دانشمند) على ولايته يغزو الروم مجاهداً في سبيل الله حتى توفي سنة 477 هـ فخلفه أبنه الأكبر (كمشتكين) الذي يعتبر المؤسس الحقيقي للدولة الدانشمندية في بلاد الأنضول .
فظل ( كمشتكين ) يواصل الفتوحات ففتح (قصطمونية وجانجري) وانتزع من البيزنطيين ميناء (سينوب ) على البحر الأسود .
الحملة الصليبية الأولى
وجاءت الحملة الصليبية الأولى , واستولت على مدينة (نيقية) عاصمة سلطان سلاجقة الروم( ثلج أرسلان) وأنزلوا بالسلاجقة هزيمة أخرى غرب آسيا الصغرى بقيادة الأمير الصليبي (بوهيمند) النورماني . ثم تقدموا إلى أنطاكية وحاصروها حتى أستولوا عليها سنة 491 هـ وأنزلوا الهزيمة بجيوش المسلمين التي قدمت لنجدة إنطاكيه , وأضحى ( بوهيمند ) أميرًا على أنطاكية بتأييد وموافقة أمراء الصليبيين حيث كانت مكافأةً له على جهوده .
ثم شرع ( بوهيمند) على توسيع إمارته عن طريق العدوان على بلاد المسلمين المجاورة ، فتقدم الصليبيون نحو (حلب ) و التقو بجيش السلاجقة المسلم بقيادة ( رضوان تتش ) .. فحلّت بالمسلمين هزيمة عظيمة استباح خلالها الصليبيون معسكر المسلمين و قتلوا عددا كبيراً منهم ، وأسروا منهم قرابة الخمسمئة ، منهم بعض الأمراء ، ثم استولوا على ( كفر طاب) ، و( برج الحاضر ).
وفي ظل هذه الهزائم المتلاحقة على المسلمين يهب القائد المحنك ( كمشتكين ) لمجابهة هذا الخطر, حيث زحف بجيشه حتى حاصر (ملطيه) الخاضعة ل (جبريل الأرمني ) ، و عندما شعر الأرمني بالخطر استنجد بالقائد الصليبي (بوهيمند) الذي كان قد استولى على إنطاكية. وفعلاً توجه ( بوهيمند ) لنجدة ( جبريل الأرمني ) . ولما بلغت المعلومات إلى القائد المسلم (كمشتكين ) بهذا التحرك , أرسل جواسيسه لرصد تحركاتهم بدقة وتربص لهم في المكان المناسب .
وصل ( بوهيمند) على رأس قواته إلى قرب (ملطية) وبين التلال التي تفصل ( ملطية ) عن وادي ( امتسو) - أحد الفروع العليا لنهر الفرات - كان قد كمن فيها ( كمشتكين) و جنوده الأبطال ، فانقض عليهم في هجوم صاعق من أعالى التلال ، و طوق قوته ، و بعد قتال قصير انهارت قوات ( بوهيمند) و قتل معظم الصليبيين ، ووقع (بوهيمند) و ابن عمه (ريشارد) و غيرها من الفرسان في الأسر , وكان ذلك في شهر رمضان عام 493 هـ , ثم تقدم (كمشتكين) بعد هذه المعركة بجيشه رافعاً رؤوس القتلى من الصليبيين و حاصر ( ملطية ) .ويعتبر هذا النصر الذي حققه (كمشتكين) هو أول انتصار يحققه المسلمون على الصليبيين منذ وصول الحملة الصليبية الأولى عام 490 هـ .(67/303)
ولاشك أن هذا الانتصار رفع من الروح المعنوية لدى المسلمين بعد الهزائم المتلاحقة , مما أحدث قناعة بإمكانية إعادة الأمجاد وتحقيق انتصارات أخرى عليهم . إن أشد ما يضر بالأمم في مثل هذه الأزمان هو الوقوع في شباك الهزيمة النفسية .
• أما الصليبيون في الشرق الاسلامي ، فقد شعروا بالخطر من نقص القوات البشرية ، وحاجتهم إلى إمدادات عسكرية , فأرسلوا إلى أوروبا يستغيثون و يطلبون المدد .
وضجت أوربا لنداء البابا ( باسكال الثاني ) الذي بعث برسالة إلى رجال الدين الفرنسيين ، و نشر دعاته في أوروبا يأمرهم بالدعوة إلى حملة صليبية جديدة . وأعلن البابا غفران ذنوب كل من يشترك في الحملة الصليبية الجديدة ( فاستخف قومه فأطاعوه ) الزخرف(54)
فعاد رجع صدى البابا بحملة صليبية ثانية بلغ قوامها ثلاثمئة ألف مقاتل .
الحملة الصليبية الثانية :
وجاءت الحملة الصليبية الثانية , وعلى الرغم من أن الهدف الرئيسي لهذه الحملة هو الوصول إلى الأراضي المقدسة في الشام , إلا أنه وبعد ضغوط من غالبية الجيش توجهت الحملة إلى جبال ( بنطس ) في شمال شرق الأنضول لإطلاق سراح ( بوهيمند) الذي كان مسجوناً هناك ، و انتزاع بلاد الشام من (كمشتكين) .
فكيف استطاع (كمشتكين) مواجهة هذه الحملة ببضعة آلاف من رجاله : إنها الثقة بالله وبنصره للمؤمنين , وإعداد المستطاع من القوة , والدعاء , ثم الصبر والثبات ( ولما برزوا لجالوت وجنوده قالوا ربنا أفرغ علينا صبراً وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين ) البقرة (250 ) وما أحوج المسلمين اليوم وهم يواجهون حملات صليبية متتالية إلى تأمل التكتيك الذي قام به هذا القائد الفذ أمام هذا العدوان الوحشي على بلاد المسلمين .
لما علم (كمشتكين) بتوجههم نحوه أتخذ أغضل الخطط العسكرية , فلم يُقْدِم على الاشتباك بهم مباشرة , بل أمر بإخلاء المدن والبلاد الواقعة على طريقهم ، وإحراق المؤَن والأقوات ، وذلك حتى يحل التعب والإعياء و الجوع بهم ، ثم يتم استدراجهم إلى المناطق الوعرة والحصينة .. حتى إذا تعبوا انقض عليهم الأتراك المسلمون كالأسود .
تقدم الصليبيون و استولوا على أنقرة وقتلوا كل من كان بها من المسلمين ، ومضى الصليبيون في طريقهم فقاسوا من التعب و الجوع ما قاسوا ، وازدادت متاعبهم بسبب حرارة الصيف الشديدة في هضبة الأنضول . ثم توجهوا نحو الشمال الشرقي إلى ( قصطمونية) غير أن تحركهم إليها كان بطيئاً و قاسياً إذ عمد الأتراك المسلمون إلى تدمير كل المحاصيل ، إضافة إلى نفاذ الماء عبر الصحراء ، زد على ذلك ما يجدون من الغارات تلو الغارات التي يشنها عليهم المسلمون .
وحدث مرة أن خرجت فرقة من الصليبيين بهدف جمع حبوب الشعير و النباتات التي لم تنضج بعد والتفاح البري ، فطوقهم المسلمون في حرش كبير ، و أحرقوه عليهم و أبادوهم عن أخرهم , مما أجبر الجيش الصليبي على أن يمشي كتلة واحدة وهذا يضاعف من معاناته .
وخارج أخرجه حب الطمع *** فرَّ من الموت وفي الموت وقع
معركة (مرسيفان) :
وأرسل(كمشتكين) إلى بعض حكام المسلمين يطلب المدد , استعدادا لملاقاة الصليبيين في معركة (مرسيفان) الشهيرة . ففي شهر شوال من عام 494 هـ جهز (كمشتكين) جيشه وأعد الكمائن للصليبيين ، وبنى خطته في مهاجمة الصليبيين على أن تكون على شكل موجات من الفرسان الرماة الذين يأتون بسرعة شديدة إلى قرب الجيش الصليبي فيمطرونهم بسهامهم الماضية ، ثم يعودون وتعقبهم موجة أخرى من مكان آخر , وهي خطة درج الأتراك المسلمون على استخدامها ، ففرضوا بذلك أسلوبهم في القتال على الصليبيين . وكانت ألسنتهم تصيح بالتكبير مما زاد من رعب الصليبيين ، وأوهن عزائمهم .
وانتهى اليوم الأول من معركة ( مرسيفان ) وقد صمد فيها الصليبيون رغم ما تكبدوه من خسائر , وفي اليوم الثاني من المعركة توجهت فرقة من جيش الصليبيين إلى قلعة في منطقة مجاورة لمرسيفان ونهبوا كل ما وجدوه ، فنصب لهم المسلمون كميناً واستردوا كل ما سلبوه وقتلوا المئات من عسكر الصليبيين .(67/304)
وفي اليوم الثالث من المعركة , قام رئيس أساقفة ( ميلان) برفع الروح المعنوية المنهارة بين الصليبيين ، فألقى موعظة علىكل الجيش الصليبي وطالبهم أن يعترفوا بذنوبهم ، وعرض عليهم ما زعم أنه أثر مقدس لأحد القديسين وطعام مقدس ، وحرب مقدسة , وبعد سماع الموعظة انتظمت الحشود الصليبية في خمسة جيوش مقاتله . وأعد ( كمشتكين ) خطته بإحكام وتقدم بقواته واشتبك مع الصليبيين في قتال شديد ، وما هو إلا أن قام قائم الظهير ،وإذ بالجيش الصليبي ينحل عقده و ينفرط نظامه , و المسلمون يحصدونهم بنبالهم وسيوفهم , حتى إذا جاء الغسق فروا إلى معسكرهم مهزومين ، فطاردهم المسلمون و طوقوا المعسكر بكامله , وأغلقوا كل المنافذ أمام الصليبيين ، فلم ينج من الحصار إلا الفرسان الذين هربوا من المعسكر قبل اكتمال التطويق . وتقدم المسلمون في داخل المعسكر الصليبي ، فحصدوا المشاة , وغنموا كل ما في المعسكر من النساء و الأطفال و الأموال و المتاع . ولم يكتف القائد المسلم ( كمشتكين) بهذا النصر بل هرع - و معه بعض الفرسان - بمطاردة فلول الصليبيين فقتل ما يزيد على ثمانية من أمراء الصليبيين .
ودنونا ودنوا حتى إذا *** أمكن الضرب فمن شاء ضرب
تركوا القاع لنا إذ كرهوا *** غمرات الموت واختاروا الهرب
وما أن استعاد (كمشتكين ) شيئاً من أنفاسه إلا وجيوش أخرى للصليبيين بقيادة ( وليم الثاني) تتقدم نحوه فحاصر(قونية) لكن الحامية الاسلامية التي كانت تحرسها قاومت هذا الحصار ببسالة فتركها ( وليم ) و توجه إلى ( هرقلة) . وعلم (كمشتكين ) بذلك فأغذ السير جنوباً لمواجهته ، وانضم إليه ( قلج أرسلان) بنفسه ، وسار القائدان المسلمان بسرعة ، فوصلا (هرقلة) قبل الصليبيين ، وقاموا بتدمير مصادر المياه ، فطميت الآبار الواقعة على امتداد الطريق ، وبعد أن أرهق المسلمون الصليبيين بالعطش عدة أيام طوقوهم ،وبعد معركة قصيرة الأمد انهزم الصليبيون هزيمة ساحقة ,وفر الفرسان تاركين المشاة و النساء والأطفال .
واشتد حنق الصليبيين ، فعبرت قوات صليبية متحدة مضيق البسفور ، وكانوا يدمرون كل ما يمرون عليه ، وأخذوا طريقهم نحو مدينة ( قونية ) . ولما علمت الحامية الإسلامية هناك بتوجه الصليبيين إليهم بجيش كبير ، قد لا يستطيعون مدافعته ، قرروا إخلاء المدينة وحملوا معهم كل ما فيها من مواد غذائية ،و جردوا بساتينها من الفواكه ,حتى إذا أتي الصليبيون إليها لم يجدوا إلا القليل ، ثم شرع الصليبيون يشقون طريقهم من (قونية) متجهين نحو (هرقلة) ،وبدأوا يعانون صعوبات جمة ، و يكابدون عقبات قاسية ، فقد اشتد بهم العطش و الجوع عبر الصحراء . وكان الفرسان المسلمون ينقضون عليهم من حين لآخر ، و يطلقون سهامهم على قلب الجيش و يعودون أدراجهم ، كما قتلوا كل الذين خرجوا من صفوفهم للبحث عن الحطب أو ضلوا الطريق .
و لما وصل الصليبيون إلى مدينة (هرقلة) وجدوا سكانها قد أخلوها بكل ما فيها مثل ما حدث في (قونية)
وكان (كمشتكين) و(قلج أرسلان) يعرفان جيداً متاعب الصليبيين ، وما أصابهم من عطش شديد ، فكمنا برجالهما داخل النباتات على ضفة النهر خلف مدينة هرقلة ، و أصبح الصليبيون كالكلاب المسعورة من شدة العطش ، فلما شاهدوا مياه النهر تلمع من وراء المدينة ، حلّوا صفوفهم و اندفعوا في صخب شديد يصطرخون صوب النهر ، و هم لا يعلمون أن مصارعهم تنتظرهم على ضفاف النهر .
لزم المسلمون أماكنهم في سكون تام داخل النباتات الكثيفة على طول ضفة النهر ، وبمجرد أن أقترب الصليبيون نحو الماء أمطرهم المسلمون وابلاً كثيفاً من السهام ، و حملوا عليهم بقوة فلم يستطع الصليبيون الوقوف أمام الهجوم الكاسح لأبطال الإسلام ، فاضطربوا و شدهو من هول المفاجأة ، فارتدوا على أعقابهم بلا نظام ، وتقدمت بعض كتائب المسلمين خلف الصليبيين و قطعت عليهم خط الرجعة ،وجرى تطويق الجيش الذي اختلط فرسانه بمشاته ، و بعد قتال قصير في أراضٍ طينية سبخة ضفر المسلمون بأعدائهم وحصدوهم ومزقوهم شر ممزق ، وشفوا صدورهم و صدور قوم مؤمنين , وغنموا كل ما كان يحمله العدو من خيول و أموال و أسلحة .
ينثني الصَّارم المهند والرمح *** الرُّدَينيُّ والشجاع الجريٌّ
حيث لا أنثني ولا ينثني *** بيدي صارم ولا سمهريُّ
من رآني فقد رأى مشرفياًّ *** ماضياً في يمينه مشرفيُّ
وقد كان لهذه الانتصارات على هذه الحملات أثر كبير في خمود الحماسة للحروب الصليبية في أوروبا قرابة نصف قرن من الزمان والحمد لله رب العالمين .
هذا شيء من تاريخ هذا البطل المسلم , وهذه حقبة لامعة من أمجادنا فهل درستها ووعتها الأجيال المسلمة اليوم الهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم
كتبه
إبراهيم بن صالح الدحيم
eedd@gawab.com
================(67/305)
(67/306)
تحالف ظالم، وتخاذل آثم! (1)
لا غرابة في أن تجتمع دول الكفر الصليبي واليهودي، والوثني بقواتها البرية والبحرية والجوية، وما ملكت من أدوات إبادة، لتدمير شعب فقير محطم مسلم، وهو أفغانستان، فطغاة الكفر لم يهدأ لهم بال من قديم الزمان، وهم يرون في الأرض مجاورة الإسلام لهم على كوكب الأرض، فقد أقسم قائد الكفر الأول"إبليس لعنه الله": ((قال فبما أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم(16)ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين(17) [الأعراف]
وهكذا استمر أعداء الإسلام يصدون عن سبيل الله، ويحاربون دعاة الإسلام من عهد نوح عليه السلام، إلى أن بعث رسول ا صلى الله عليه وسلم ، ولا يزالون على مكانتهم إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
ولا يرضى أعداء الإسلام بإقامة دين الله في الأرض، ولو هادنهم دعاة الحق، واقرأ طلب نبي الله شعيب من طغاة الكفر أن يدعوه هو ومن آمن به، يقومون بعبادة ربهم، حتى يحكم الله بينهم، وما أجابوه به من الرفض والتهديد:
((وإن كان طائفة منكم ءامنوا بالذي أرسلت به وطائفة لم يؤمنوا فاصبروا حتى يحكم الله بيننا وهو خير الحاكمين(87) قال الملأ الذين استكبروا من قومه لنخرجنك يا شعيب والذين ءامنوا معك من قريتنا أو لتعودن في ملتنا قال أولو كنا كارهين(88)قد افترينا على الله كذبا إن عدنا في ملتكم بعد إذ نجانا الله منها وما يكون لنا أن نعود فيها إلا أن يشاء الله ربنا وسع ربنا كل شيء علما على الله توكلنا ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين(89)) [الأعراف]
فعلة محاربة طغاة الكفر في كل زمان، هي تمسك أهل دين الله بدينهم وعدم اتباع ملة أهل الكفر، كما قال تعالى: ((ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم قل إن هدى الله هو الهدى ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم ما لك من الله من ولي ولا نصي)) [البقرة: 120]
وقال تعالى: ((ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون)) [البقرة: 217]
أقول: لا غرابة في أن تجتمع دول الكفر الصليبي واليهودي، والوثني بقواتها البرية والبحرية والجوية، وما ملكت من وسائل إبادة، لتدمير شعب فقير محطم مسلم، وهو أفغانستان.
وإنما الغرابة أن يتحالف مع طغاة الكفر من يدعون الإسلام، فيوالون أهل الكفر ويناصرونهم على إخوانهم في الدين، كما هو حال غالب حكومات الشعوب الإسلامية التي أعلنت تحالفها مع دولة الظلم والعدوان، التي أعلن زعيمها "بوش" الحرب الصليبية على المسلمين، الذي اغتر بقوته مقتديا بغرور صنوه "فرعون" الذي تجاوز حد المخلوقين إلى ادعاء الربوبية: ((فقال أنا ربكم الأعلى)) [النازعات: 24]
ولسان حال "بوش" وحال أشياعه يقول كما قالت عاد قوم هود: ((فأما عاد فاستكبروا في الأرض بغير الحق وقالوا من أشد منا قوة أولم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة وكانوا بآياتنا يجحدون)) [فصلت: 15]
والذي جمع بين طغاة الصليب، ومدعي الإسلام في هذا الحلف الظالم، هو محاربة الإرهاب -كما يدعون- فما نصيب هذه الدعوى من الصحة؟
الإرهاب الذي يدعيه الحليفان غير محدد المعنى.
وهو في اللغة العربية: التخويف والترويع.
وفي الاصطلاح الإسلامي ينقسم قسمين:
قسم مشروع مأمور به، وهو أن تعد الدولة الإسلامية القوة التي ترهب بها أعداءها، لتحقق به أمرين:
الأمر الأول: ردع العدو من الاعتداء على بلدان المسلمين.
الأمر الثاني: فتح الطريق أمام الدعوة الإسلامية، لتصل إلى الناس، وتقوم عليهم الحجة بالبلاغ المبين.
وقد دل على هذا القسم قول الله جل وعلا: ((وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وءاخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم وما تنفقوا من شيء في سبيل الله يوف إليكم وأنتم لا تظلمون)) [الأنفال: 60]
والأمة الحريصة على أنها وسلامتها، من عدوان أعدائها، لا بد أن تعد القوة التي ترهبهم بها، وهذا أمر لا تختلف فيه الأمم، ولهذا نجد السباق الشديد بين الدول في إعداد القوة التي يرهبون بها أعداءهم، سواء سموا ذلك إرهابا أو ردعا، أو سلاما، والعدو الذي لا ترهبه لا بد أن يرهبك.
وهل يليق بالأمة الإسلامية أن تخضع لإرهاب أعدائها، وهي الأمة الوحيدة التي تملك الحق الإلهي، وهي وحدها التي تستحق أن تكون لها القيادة في العالم، لا لكبرياء وعدوان، وإنما لتخرج الناس من الظلمات إلى النور، ولتنشر العدل في الأرض، وتطارد الظلم عن المظلومين فيها
ألست ترى حكومات الشعوب الإسلامية، قد ارتعدت فرائصها من دويلة أجنبية غرسها الصليبيون في قلب الأرض الإسلامية، وفي أشرف البقاع بعد الحرمين الشريفين، لا يزيد عددهم على أربعة ملايين، وعدد العرب وحدهم يقارب 300 مليون..؟
وسبب ذلك إنما هو إعداد العدو اليهودي القوة التي أرهب بها تلك الحكومات.
افتح الرابط الآتي لمعرفة القسم المشروع من الإرهاب.
http://www.jlsaat.net/jlsaat/showth...&th r eadid=16212(67/307)
القسم الثاني: إرهاب غير مشروع، وهو: الاعتداء على غير المقاتلين، أفرادا كانوا أوجماعات، أو دولا بينها وبين المسلمين عهد لم تنقضه.
قال تعال: ((وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين)) [البقرة: 190]والآيات والنصوص كثيرة في هذا القسم.
افتح الرابط الآتي: http://www.eslah.o r g/ubb/Fo r um2/HTML/000122.html
هذا هو معنى الإرهاب في الإسلام وهذان قسماه: المشروع منه وغير المشروع.
والحقيقة أن حكومة أمريكا الصليبية، تريد بالإرهاب-فيما ظهر من قرائن مواقفها-خمسة أمور:
الأمر الأول: أن تملك أي دولة مسلمة سلاحا يمكنها من الدفاع عن نفسها، إذا اعتدت عليها أمريكا، أو قاعدتها المحتلة "دولة اليهود" كالقنبلة النووية وأسلحة الدمار الشامل التي تريد أن تحتكرها لنفسها، حتى ترهب به العالم كله وتهيمن عليه.
وقد تبين ذلك من ضرب اليهود الأجانب في المنطقة، المفاعل النووي العراقي.
كما تبين من استدراج أمريكا النظام العراقي سنة 1990م لاحتلال العراق، من أجل القضاء على ما يملك من قوة عسكرية، كان اليهود يرهبونها أشد الرهبة، وقد فعلوا، ولا زالوا.
ويتبين ذلك من تهديدات أمريكا واليهود لدولة باكستان التي ملكت السلاح النووي، وهما يهددان إيران خشية من أن تملك هذا السلاح، وتريد أمريكا أن تبقى الدول العربيو وحكومات الشعوب الإسلامية الأخرى خاضعة لها وللدولة اليهودية.
الأمر الثاني: ظهور شعبية لجماعة إسلامية أو حزب إسلامي، تتيح له تولي زمام الأمر في بلده، عن طريق الانتخابات التي تسميها أمريكا: "الديمقراطية" وتدعي حمايتها في العالم، ففوز أي حزب إسلامي في الانتخابات يعتبر إرهابا عند أمريكا.
يظهر ذلك في المسألة الجزائرية التي فازت فيها جبهة الإنقاذ فوزا ساحقا، فتعاونت دول الكفر من أمريكا وأوربا، مع العسكر في الجزائر، والقصة وآثارها معروفة.
ويظهر كذلك في تأييد أمريكا للدولة العسكرية في تركيا ضد الحزب الإسلامي الذي تعرض للأذى والحل بسبب فوزه الذي أوصل زعيمه "أربكان" يصل إلى تكوين حكومة ولو ترك وشأنه لأصبحت تركيا -كسالف عهدها-دولة إسلامية.
الأمر الثالث: أن تتجه أي دولة في البلدان الإسلامية، إلى الحكم بالشريعة الإسلامية، كالحال في السودان، التي أعلنت أنها تريد تطبيق الشريعة على المسلمين، فحاربتها أمريكا حربا شعواء بسبب ذلك، وأعلنت الإدارة الأمريكية ذلك مرارا.
الأمر الرابع: أن يقوم شعب أو حزب أو جماعة بالجهاد في سبيل الله، ضد عدو اغتصب بلده، وانتهك حرماته، ودنس مقدساته، وأخرج أهله من ديارهم، وهدم منازلهم، وافسد مزارعهم، وقتل وسفك دماءهم، كمنظمتي "حماس" و "الجهاد" في فلسطين، و "المجاهدون" في كشمير، و "جبهة مورو الإسلامية" في الفيليبين...
وقد جمعت أمريكا قبل سنتين تقريبا زعماء العالم، ومنهم زعماء الدول العربية، وزعيم الشرطة الفلسطينية، في شرم الشيخ، لمحاربة الإرهابيين في فلسطين، والمقصود منهم منظمتا حماس والجهاد... افتح الرابط الآتي: http://64.29.210.216/completesea r ch...agazineID=14334
الأمر الخامس: أن تتمكن أي جماعة إسلامية في أي بلد إسلامي من نشر مبادئ الإسلام بين أبناء شعبها، عن طريق مدارس ومعاهد إسلامية، وبمناهج وكتب إسلامية، كالحال في اليمن التي بلغت المعاهد العلمية فيها ما يقارب ألف معهد، وكذلك المدارس الإسلامية في الأردن، فقد تكرر الضغط الأمريكي على الدولتين، وقد استجابت الحكومة اليمنية للضغط، فقررت إلغاء تلك المعاهد، مع إلحاح عامة الشعب -وبخاصةالطلاب وأولياء أمرهم- على الإبقاء عليها. افتح الرابط الآتي
http://www.yemeniislahpa r ty.com/bai...ia19-5-2001.htm
وكذلك أصدرت الحكومة الأردنية قانونا للسيطرة على المدارس الإسلامية، وهو شرط من شروط التطبيع مع اليهود. افتح الرابط الآتي:
http://www.islam-online.net/A r abic/...A r ticle34.shtml
هذه هي مظاهر الإرهاب عند الولايات المتحدة الأمريكية، والدولة اليهودية الصهيونية، وهي التي ستسوق أمريكا حلفاءها من حكومات الشعوب الإسلامية التي وافقت على محاربة الإرهاب، إلى محاربتها.
نعم نحن نسمع تصريحات -على خجل-من بعض حكومات الشعوب الإسلامية، تدعو إلى تعريف الإرهاب، بحيث تستثنى منه حركات التحرير التي تدافع عن العدوان على أرضها، كالشعب الفلسطيني، ولكن تلك التصريحات، لا أظن أنها ستصمد أمام الأوامر والتهديدات الأمريكية، وبخاصة إذا تلقت الشرطة الفلسطينية طعما من اليهود، بإقامة حكم ذاتي، يسمى "دولة فلسطينية" فإن الشرطة الفلسطينية، ستؤم الدول العربية إلى القبلة الصليبية "واشنطن" في التضييق على المجاهدين الذين يجاهدون في فلسطين لنيل حريتهم من الهيمنة اليهودية، ومعاملتهم معاملة الإرهابيين.
وهاهي الشرطة الفلسطينية قد قتلت ثلاثة من أبناء شعبها قبل يومين أو ثلاثة، وجرحت ستين منهم، عندما قاموا بمظاهرات سلمية، استجابة لتصريح أمريكي صحفي، أن أمريكا ترغب في إقامة دولة فلسطينية!!!(67/308)
إن تحالف حكومات الشعوب الإسلامية مع الدولة الأمريكية الصليبية باسم محاربة الإرهاب، للاعتداء على الشعب الأفغاني المسلم، هو من موالاة أعداء الله الكافرين ونصرهم على أولياء الله المسلمين، وهو أمر محرم، لا يرضاه الله ولا رسوله ولا المؤمنون.
والحقيقة أن غالب حكومات الشعوب الإسلامية، إنما تستجيب للتحالف مع أمريكا، لأمرين:
الأمر الأول: الرعب الشديد الذي أنزلته أمريكا في قلوبهم، وخوفهم من بطشها وهز عروشهم من تحتهم، وهو أمر مألوف عند من يخاف الناس أشد من خوف الله، ويعتمد على الناس أكثر من اعتماده على الله، وقد قال تعالى في أمثال هؤلاء: ((ياأيها الذين ءامنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين)) [المائدة: 51-52]
الأمر الثاني: أن ذلك قد وافق هوى في نفوسهم، فهم قد ضاقوا ذرعا بالصحوة الإسلامية التي عمت الأرض، وأصبح المسلمون بسبب ذلك يتوقون إلى أن يستظلوا في ظل حكم الإسلام الذي حرمهم منه المغتصبون لبلادهم من الصليبيين في القرن الماضي، وحاربوا تطبيقه في حياتهم بكل وسيلة: إعلامية وتعليمية وتشريعية وقانونية، وعسكرية، ثم نصبوا على كراسي حكمهم تلامذتهم من أبناء تلك الشعوب الذين أخلصوا لتطبيق أهداف أساتذتهم أشد منهم، وهم يرون أن نمو الصحوة الإسلامية وتأثيرها في الشعوب الإسلامية، سيقضي على زعاماتهم التي لم يعد لهم مؤهلات تمكنهم من البقاء فيها.
ولهذا تراهم يهرولون إلى التحالف مع الصليبي الظالم، كما قال الله تعالى: ((فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة)) ولا يدرون كما لم يكن يدري إخوانهم من قبلهم أن العاقبة لأولياء الله المؤمنين، وأن عاقبة تولي الكافرين هي الندم: ((فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين))
الخلاصة أن تحالف المسلمين مع الكافرين للعدوان على الشعب الأفغاني المسلم، تحالف محرم شرعا لا يجوز لمن يؤمن بالله واليوم الآخر أن يتعاطاه، وأن متعاطيه يعتبر مواليا للكافرين، معاديا للمؤمنين، والله تعالى يقول: ((ومن يتولهم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين))
وللحديث صلة.
كتبه
د . عبد الله قادري الأهدل
===============(67/309)
(67/310)
حوار أم تصادم ؟!
سلمان بن فهد العودة 14/6/1425
31/07/2004
هذا التساؤل يتحدث عن خيارين متقابلين في العلاقة بين الناس، وكثيرًا ما تردد على ألسنة الباحثين والساسة في توصيف طبيعة العلاقة بين الشرق والغرب, خاصة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر.
وفي اعتقادي أن هذا التساؤل جديرٌ بالعرض عند الحديث عن العلاقة داخل المجتمع المسلم, بين الأطياف والتيارات المتنازعة.
والإسلام أسّس للتعايش بين المختلفين, حتى في الدين.
وقد عايش النبي - صلى الله عليه وسلم - الوثنيين واليهود والمنافقين بالمدينة, ومات ودرعه مرهونة عند يهودي؛ وهذا من باب المصالح المشتركة. فالنبي - صلى الله عليه وسلم - اشترى؛ لأن في شرائه مصلحة له ولأزواجه, ولا يضيره أن يكون في هذه الصفقة مصلحة لليهودي البائع؛ فالحياة لا تقوم على السعي المستميت في حرمان الآخرين من مصالحهم، ولكنها تقوم على السعي في تحصيل مصالحنا, وإن تضمنت مصالح للآخرين.
بل إن الإسلام ترقّى في العلاقة إلى ما هو أبعد من ذلك؛ وذلك للحرص الإضافي على مصالحهم متى كانوا غير محاربين.
والمجتمعات الإسلامية تشهد حالات من الصدام؛ حولتها إلى ميادين مفتوحة لحروب داخلية، تستخرج أسوأ ما في النفس البشرية من مشاعر، وتعوق مسيرة الإصلاح والدعوة والبناء والتنمية. وهذا مصدر حزن وقلق وتعاسة لكل الذين يعنيهم مستقبل هذه الأمة وهذا الدين.
وأحد مظاهر هذا الصراع - وليس هو الوحيد - ما تقوم به بعض الجماعات الدينية المتشددة من حمل السلاح, ومحاولة فرض الرأي بالقوة, وهذا ما جرى في مصر والجزائر والسعودية وغيرها.
وأعتقد أن أهم المآخذ على هذه الجماعات هو استخدام القوة في غير موضعها, وشهر السلاح بغير مسوغ.
إن المجتمعات الإسلامية، ومنها المجتمع السعودي مُهيأة للصدام إذا لم تشرع لها قنوات الحوار المسؤول.
وفي السعودية أعلنت الدولة عن مشروع الحوار الوطني، وبغض النظر عن استباق الحكم على نتائج الحوار, والتي لم تتبلور بعد بصورة واضحة؛ إلا أنني أعتقد أن الحوار كمبدأ يجب ألا يكون محل خلاف, وأن يشاع ويتخذ عادة في العلاقات على صعيد الأسرة والمدرسة والمؤسسة, والمسجد, والوسيلة الإعلامية, والسلطة السياسية.
وليس الهدف من هذا الحوار هو أن يتحول طرف إلى ما يريده الطرف الآخر, أو يغير مذهبه أو قناعته، وإن كان هذا ممكنًا, وأثرًا من آثار الاستماع إلى الآخرين, والتسليم بحجتهم, ومنطقهم, ولكن الهدف الأول هو الاتفاق على كيفية التعامل, والمصالح المشتركة, وتجنب الصدام ما أمكن.
فالمجتمع السعودي متنوع عقديًّا؛ فهناك: السنة, والشيعة, والصوفية, وغيرهم...
وفقهيًّا؛ فهناك المذاهب الأربعة.
وفكريًّا؛ فهناك: التيارات الإسلامية, والليبرالية, والوطنية...
وأجد أنه بسبب أحداث العنف التي تشهدها البلاد برزت أطروحات إعلامية مدعومة من بعض أطراف رسمية بصورة علنية؛ تحضّر -ولو بغير قصد- لنوع من الصدام داخل المجتمع تحت دعوى مكافحة الإرهاب، مع توسيع مصطلح الإرهاب؛ ليشمل مع العنف الأفكار المتشددة التي لا تخلق عنفًا, والاتجاهات المعتدلة التي لا تتفق مع مشربهم !!
وثمة صوت جريء يُعلن الانقلاب على كثير من قيم وموروثات المجتمع، ويسعى لتمرير هذه الأجندة من خلال إدراجها ضمن مشروع (( مكافحة الإرهاب )).
نعم ليس كل ما في المجتمع من موروث يجب التسليم له؛ لكن لا بد من:
أولاً: الاتفاق على مرجعية شرعية محكمة، وذات تمثيل مؤسسي واقعي صادق؛ لضبط المسار، وحماية المجتمع من الانهيار.
وثانيًا: الهدوء في المعالجة.. فأنا لا أؤمن بالحركات الانقلابية؛ لأنها تكرس المشكلة, ولا تحلها.
لقد قلت هذا الكلام قبل أيام، ثم سمعت ( ليلة الجمعة 5/6/25هـ ) في برنامج حواري مع أستاذ سعودي من جامعة هارفارد تعبير ( الثورة ) حرفيًّا!
يجب أن ندق ناقوس الخطر، ومن الأمانة والنصيحة لمجتمعنا أن نحذّر من خطر قادم، ولو بعد عشر سنوات، أو عشرين سنة، يتمثل في صدام بين التيارات الدينية، وهي ذات امتداد, وعمق, ورسوخ في مجتمعنا, شاء من شاء، وأبى من أبى، وهي هنا غطاء واسع يشمل: الرسمية منها وغير الرسمية، التقليدية والحركية، المعتدلة وغير المعتدلة..
وبين التيارات الأخرى الليبرالية, وما يندرج في سلكها، الرسمي وغير الرسمي، البعيد والقريب.
والمعروف أن القوة نوعان:
أ - القوة الصلبة، وهي السلاح والبندقية.
ب- القوة الناعمة، وهي الإعلام ووسائل التأثير والضغط.
والشيء الذي يثير استغرابي أن بعض هؤلاء المتحدثين يدعو إلى التهدئة مع أطراف داخلية يقر بوجود خلافات تاريخية معها، وهذا بحد ذاته أمر مفهوم.
لكن.. لماذا لا نتعامل مع ما نسميه بالتيارات الدينية الظاهرة، والخفية بالأسلوب ذاته، مع اعترافنا بأنها واقع قائم وموجود؟!
لماذا لا نؤسس للتنوع, والاختلاف في الرأي، ونجعل الحوار الموضوعي البعيد عن التشنّج وتصفية الحسابات الشخصية؛ هو السبيل إلى أن يفهم بعضنا بعضًا؟!
لماذا لا تسعى الأطراف كلها إلى إشاعة قيم التسامح, والعفو, وحسن الظن, والتجاوز والتعافي, بدل التراشق, والتهم, وكشف الأوراق؟!(67/311)
إن أهواء الناس ومقاصدهم لا تتناهى، وحمل المجتمع على هوى فئة أو أخرى ليس رشيدًا, ولا ممكنًا أصلاً، ويبقى الحل الصحيح -في نظري- هو الاستعداد لفهم الآخرين بصورة صحيحة، ومحاورتهم بحكمة وهدوء، والتسليم بحق الاختلاف ضمن المرجعية الشرعية الواسعة، والاتفاق على حفظ مصالح البلد وأهله، والوضوح في التعامل بعيدًا عن المكايدات والحيل الخفية.
ويشهد الله أني لا أقول هذا إلا من منطلق الخوف على هذا المجتمع من انفراط عقده وتشتت وحدته!!
والله خيرٌ حافظًا وهو أرحم الراحمين.
==============(67/312)
(67/313)
اقتلوهم!
أيها الشعب العراقي المسلم، يا شباب الإسلام ...
يبدو أن العدوان على إخواننا في عراقنا العريق، قد اقترب، وأن الصليبي اليهودي، مصمم على عدوانه الذي وصفته الخارجية الألمانية بأنه هتلر ، برغم أن العالم كله ما عدا العملاء والمنافقين - واقفون ضد إرادته، ولهذا بدأ يصرخ في مكبراته في بيت الظلم والطغيان المسمى بـ"البيت الأبيض" مهددا الأمم المتحدة والعالم كله بتجاهلها، والمضي قدما في تنفيذ مخططاته الظالمة، وعدوانه السافر.
وهاهو يحشد جيوشه وآلاته العسكرية ويجمعها في بلدان المسلمين، فملأ بها البر والبحر والجو، على مقربة من هذا الشعب العظيم، الذي ذاق مرارة العدوان والحصار، منذ اثني عشر عاما، فأهلكه الجوع والمرض، ولاقى من العنت والمشقة ما لا يطاق وهو صابر صامد.
كأن الله يعد شعب العراق لساعة الصبر والصمود الحاسمة، أمام القوات الصليبية اليهودية المعتدية، فيصمد ويصبر ويصابر، ليلقن ذوي الكبرياء والجبروت، دروسا يذلهم الله بها، ويمرغ أنوفهم بتراب لا زال يحتفظ بآثار قادة الجهاد الإسلامي، من أصحاب رسول ا صلى الله عليه وسلم ، وأتباعهم، الذين حرروه، من الكفر والظلم والطغيان، وأذل الله بهم هامات قادة الفرس والروم، وأزال بها دولهم العتيدة.
أهداف الحرب الصليبية اليهودية:
الهدف الأول: من العدوان الأمريكي الظالم على العراق، هو إزاحة ما بقي من عقبات في طريق اليهود المغتصبين للأرض المباركة، بقدسها وأقصاها، ثم الانقضاض على ما يطمع فيه أبناء القرد والخنازير، من توسيع دولتهم الكبرى، من النيل إلى الفرات، بل ما يطمعون فيه من العودة إلى ما يدعونه من وطن لهم في الجزيرة العربية.
وما الذي يمنعهم من تنفيذ مآربهم التي قد حققوا الجزء المهم منها، وهو إقامة دولة يدعمها الغرب وعملاؤه، في قلب الأمة الإسلامية، وعلى مقربة من المسجدين الشريفين، اللذين أسر أخوهما الكريم "قبلتنا الأولى- المسجد الأقصى" فلم يجد من المسلمين من يحرره ويطلق سراحه من أيديهم؟
أقول: ما الذي يمنع اليهود من كل ذلك، وقد رأوا الانهزام والخضوع لكبريائهم وغطرستهم، وقد ضمنوا استسلام الدول العربية والإعلان الجماعي على مستوى القمم بالاعتراف الكامل بشرعية دولتهم، باسم "السلام الاستراتيجي" وهو في حقيقته "استسلام"
وغاية ما طلبوه من الدولة اليهودية السراطينية، أن تمنح الفلسطينيين دولة، يعرفون أن اليهود لو استجابوا لهذا الطلب، فإن الدولة التي سيمنحونها للفلسطينيين، هي مديرية شرطة في مدن وقرى متفرقة، لا حدود ولا أجواء لها مستقلة، منزوعة السلاح، يديرها رئيس جهاز أمني ، تحت الحكم اليهودي، ينفذ أوامر اليهود باضطهاد شباب الجهاد الأحرار الذين لا يصبرون على ضيم، لا يتحرك هو وأجهزته في داخل البلد وخارجه، إلا بورقة مرور موقعة من وزارة الداخلية اليهودية، هذه هي الدولة التي قد يمنحونها اليهود للفلسطينيين، كم كرر ذلك زعماؤهم، ومنهم رئيس وزرائهم الأسبق "نتنياهو" في كتابه "بلدة تحت الشمس"
ومع ذلك لم يرض اليهود وأعوانهم من الصليبيين، بالاستسلام العربي، لأنهم يريدون طرد جميع الفلسطينيين من أرضهم، ليشتتوا شملهم وليدفعوهم إلى مخيمات جديدة، في بعض البلدان العربية، التي لم يخف الأمريكان تفاوضهم معها في هذا الشأن، ومنها بعض دول الخليج...
ومن مخططات اليهود طرد الفلسطينيين جميعا، إلى الأردن التي يقول نتنياهو في كتابه المذكور وكتابه الآخر "استئصال الإرهاب": إنها - دولة الأردن - امتداد لدولة إسرائيل...
ومن أهم البلدان العربية التي يريدون طرد الفلسطينيين إليها العراق، وقد يكون ذلك إحدى صفقات العملاء العراقيين مع الإدارة الأمريكية... وقد صرح بعضهم أنهم مستعدون للاعتراف بالدولة اليهودية...
إن هذا الهدف هو أهم الأهداف التي يريد الصليبيون واليهود تحقيقه باحتلال الشعب العراقي، وإذا تحقق لهم ذلك، مكنهم من السيطرة الكاملة على المنطقة كلها، وأصبحت الدولة اليهودية هي المهيمنة على الشعوب العربية التي هي قلب الأمة الإسلامية كلها، هيمنة سياسية، وهيمنة اقتصادية، وهيمنة عسكرية، وهيمنة صناعية، وهيمنة إعلامية... وهو حلم دولة اليهود العالمية، وما الذي سيبقى لهذه الأمة المغلوب على أمرها؟!
الهدف الثاني: السيطرة الكاملة على خيرات الدول العربية، التي تشتمل على غالبها منطقةُ الخليج العربي... والظاهر لغالب الناس من هذه الخيرات، هو النفط والغاز، الذي تريد الدولة الصليبية واليهود السيطرة عليه في كل المناطق الغنية به، وقد حققوا تقدماً ماَّ في شرق الخليج فاحتلوا أفغانستان، وأصبحوا مجاورين لمنطقة القوقاز الغنية بهذه الثروة الهائلة هناك، والمفاوضات بينهم وبين دول آسيا الوسطى جارية لإبرام الاتفاقات التي تمكنهم من الاستئثار بثمار تلك الثروة، وستحرم من ذلك بعض الشعوب الإسلامية، ومنها إيران.(67/314)
قلت: "والظاهر لغالب الناس من هذه الخيرات، هو النفط والغاز" ولكن العراق يحتوي على ثروات أخرى من المعادن، يعرفها العدو الظالم معرفة تامة، ومنها الذهب الذي يغطيه نهر الفرات، وقد أخبرنا به رسولنا r، قبل أكثر 1400 عام.
فقد روى عنه أبو هريرة، رضي الله عنه، أنه قال: (لا تقوم الساعة حتى يحسر الفرات عن جبل من ذهب يقتتل الناس عليه، فيقتل من كل مائة تسعة وتسعون، ويقول كل رجل منهم: لعلي أكون أنا الذي أنجو) [البخاري (6/2605) ورقمه: (6702) ومسلم (4/2219) ورقمه: (2894) واللفظ له]
وأنبه القارئ ألا يفهم من إيرادي لهذا الحديث أنني أفسره بأن الحملة الأمريكية الظالمة على العراق، هي التي يفسر بها الحديث، فالجزم بذلك غير لائق بالباحث، لأن كثيرا من الأحداث، قد تحصل فيها شبه ببعض أشراط الساعة، ولكنها قد لا تكون هي التي عناه الرسو صلى الله عليه وسلم ، وأن حقيقتها ستكون غير ذلك، فلنترك الزمن الذي ذكره الرسو صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث، لليوم الذي يأتي فيه تأويله وحقيقته، وإنما ذكرته، ليعلم أن البترول ليس جزءاً من الثروات التي يطمع العدو في الاستيلاء عليها،،، وهي كثيرة، ويعلمها الصليبيون واليهود أكثر من علمنا بها، لما عندهم من إمكانات تجسسية، يكشفون بها ما يخفى علينا في بلداننا.
الهدف الثالث: إنشاء قواعد عسكرية دائمة في البلدان الإسلامية، أي استعمار جديد لهذه البلدان، قواعد شاملة للقوات الجوية والبرية والبحرية، تصحبها أجهزة أمنية واقتصادية وإعلامية واجتماعية وجغرافية متخصصة، تعيد ترتيب المنطقة ترتيبا يمكن الدولة الصليبية الجديدة واليهودية المغتصبة، من تقسيم الدول العربية، إلى دويلات صغيرة، تتناحر فيها القبائل والأعراق والأحزاب، ويتعمق بينها النزاع الذي يزيدها ضعفا على ضعفها، ليخلو الجو للمستعمر والمغتصب الجديد، وينعمان بالمزيد من قاعدة: "فرق تسد".
الهدف الرابع: السيطرة على القوة العسكرية التي تملكها بعض حكومات الشعوب الإسلامية، أو تحاول الحصول عليه، وبخاصة دولة "باكستان" وإيران، لتبقى الدولة التي تملك السلاح النووي وأسلحة الدمار الشامل، التي تزعم أمريكا أن حربها ضد العراق هدفه تدميرها، تبقى الدولة اليهودية هي التي تملك ذلك السلاح الذي تخيف به حكومات الشعوب الإسلامية كلها، وبخاصة العربية منها.
هذه بعض الأهداف المهمة التي تريد الدولة الصليبية واليهود، تحقيقها في المنطقة، وهي أهداف خطيرة، ستكون نتيجتها السيطرة الكاملة والإذلال الشامل لهذه الأمة، وكل هدف منها كاف لحفز همم من بقيت عندهم ذرة إيمان، أوغيرة على دينهم وأوطانهم، وأعراضهم، وأموالهم، وكل ضرورات حياتهم، أن يبذلو كل ما يملكون من غال ونفيس، للوقوف صفا واحدا ضد العدوان الصليبي اليهودي الذي يستعد لغزو العراق...
واجب الشعب العراقي.
ونحن مع وضوح موقفنا من الهجوم على مركز التجارة العالمي في نيويورك، والذي أعلناه في حينه، وهو عدم تأييده، لما ينبني عليه من مفاسد أعظم من المصلحة التي قد يظن حصولها، وقد أثبتَ الواقع صحة رأينا، فيما يظهر لنا، مع اعترافنا أن لله تعالى حكمة من وراء ذلك الحدث كغيره، قد تكون نتيجتها مخالفة لرأينا، لأننا لا نتعامل إلا مع ما يظهر لنا، وأما الغيب فأمره إلى الله تعالى.
أقول مع موقفنا ذلك الذي خالفَنا فيه بعضُ إخواننا الذين نحترم رأيهم عند وقوع الحدث، نريد أن نقول هنا للشعوب الإسلامية: إن هجوم أمريكا واليهود على أي شعب من الشعوب الإسلامية، هو عدوان سافر، حكمه في شريعتنا، أن الجهاد في سبيل الله لدفع العدوان الكافر فرض عين على أهل البلد المعتدى عليه، على كل قادر من الرجال والنساء، ليس لأحد حق في منع أحد من القيام بجهاد العدو المعتدي، لا الأب له حق منع ابنه، ولا الزوج له حق منع زوجته، ولا السيد له منه عبده، بل الواجب على الجميع دفع العدو عن أرضه.
وإن الشعب العراقي لقادر بإذن الله تعالى أن يلقن العدو دروسا لا ينساها، لأن العدو أجنبي طارئ، لا يملك أرضا ولا دارا، وإنما يحتل أرضا غير مهجورة، ودارا بأهلها معمورة، ومثل هذا العدو مهما بلغت قوته، نهايته الهزيمة والخسارة الشاملة في الأرواح والعتاد.
ولنأخذ العبرة من المجاهد الفلسطيني الذي زلزل الأرض من تحت أقدام اليهود، وهم متمكنون في أرضه، بمدنهم وقراهم ومستوطناتهم، وجيوشهم النظامية والاحتياطية، وأسلحتهم الفتاكة الجوية والبرية والبحرية، وتقف من ورائهم الدولة الأمريكية الظالمة بالمال والاقتصاد، والإعلام والسياسة والدبلوماسية، ولكن الشعب المجاهد يقف بكل شجاعة واستبسال، أمام تلك القوة العاتية، لا فرق بين شاب وشابة، ورجل وامرأة، زلزلوا أقدام العدو، بإمكانات مادية ضعيفة، ولكن بقلوب أفرغ الله عيها من الصبر، ما جعلها رابطة الجأش مطمئنة عند لقاء العدو الغاشم، وأجساد نحيفة نحيلة، ولكنها أشد ثباتا من الجبال الصخرية الراسية...(67/315)
دمر اليهود منازلهم، وقصفوا مستشفياتهم، وقطعوا أشجارهم، وأغلقوا مدارسهم، وجرفوا طرقهم، وقتلوا منهم من قتلوه، وأسروا من أسروه، واغتالوا من اغتالوه، وحاصروهم حصارا قل أن يوجد له في العالم نظير، منعوهم الطعام والشراب والكساء والدواء، ورغم ذلك كله صمدوا، وأرعبوا العدو، وجعلوه يقف عاجزا، أمام أفراد قليلين من الشباب المسلم المجاهد، الذي تخطى الحواجز المتصل بعضها ببعض، وأجهزة الأمن والجيش الذين لا يخلو منهم شبر من الأرض، ووصلوا إلى حيفا وقلب تل أبيب والخضيرة... وغيرها من المدن والمستوطنات المحصنة.
وقاموا بهجماتهم الاستشهادية التي أعلن اليهود عجزهم عن الوقاية منها، لأن رجالها ونساءها، ينفذونها بأجسادهم، راغبين في لقاء ربهم شهداء، ملبين داعي النفير في سورة النساء و سورة آل عمران، وسورة الأنفال والتوبة، وسورة الأحزاب وسورة الحشر...، فأي قوة في الأرض قادرة على منع المسلم المجاهد من جعل جسمه صاروخا يمزق أشلاء عدوه، وقنبلة تتفجر في حشود جيشه؟
إن لك أيها الشاب المسلم العراقي، وأيتها الشابة المسلمة العراقية، عبرة في إخوانكم وأخواتكم المسلمين والمسلمات، المجاهدين والمجاهدات في الشعب الفلسطيني، فخذوا هذه العبرة وهذه القدوة، وقودا يدفعكم، وزادا يقويكم وينفعكم، عندما يهاجمكم الجيش الأمريكي وأعوانه في عقر داركم.
ولنأخذ مثالا آخر وعبرة ثانية من شباب الشيشان المجاهد، الذي زلزل الأرض من تحت أقدام الروس الغزاة المعتدين، وهو يعد عدته في رؤوس الجبال، وفي بطون الأودية والشعاب وبين حَرَج الغابات، أمام جيش عرمرم، بسلاح أحرق الأخضر واليايس، ودمر المدن والقرى، في هذا البلد المسلم، ولكن رجال الجهاد ساموا عدوهم سوء العذاب، دمروا دباباته، وأحرقوا آلياته، وأسقطوا طائراته، وقتلوا جنوده وجنرالاته، بل إنهم أقلقوه في عقر داره...
وفرق بعيدٌ جدُّ بعيد بينكم - يا شباب العراق - وبين هذين الشعبين، في الإمكانات وفي غيرها، كما ذكرنا، ففرصكم المادية أكثر من فرصهم، والمهم أن تتزودوا بزاد الإيمان والعزم والتصميم والشجاعة التي تزودوا بها.
فأعدوا أنفسكم، واجمعوا عُدتكم، وأحضروا دروعكم، وأحزمة متفجراتكم، وتوكلوا على ربكم، واقتلوا عدوكم عندما يهاجمكم أينما ثقفتموه، ولا تأخذكم في الله لومة لائم، فأنتم على حق وهم على باطل...
وأنبهكم بعد هذا على أمرين مهمين:
الأمر الأول: ألا تنتظروا من الدول العربية نصرا ولا عونا، فقد مضى على الشعب الفلسطيني أكثر من خمسين عاما، وهو يطلب منهم العون فلم يجد إلا الخذلان، ولكن لا يثبطنكم خذلان الدول العربية لكم، فكل دولة تنتظر يومها من الإهانة والإذلال الأمريكي اليهودي، إذا أنزل بكم الذل والهوان، وهذا الذي نرجو الله تعالى أن يحمينا ويحميكم منه.
الأمر الثاني: ألا تبالوا بالعملاء والمشككين، الذين يوالون أعداء الله من الصليبيين واليهود، ويدعونكم إلى انتظار الجنة الأمريكية التي ستمنحكم أمريكا، بعد إسقاط النظام العراقي، بحجة أن النظام العراقي نظام دكتاتوري، أزهق الأرواح، ونشر الظلم، وقهر العباد، وأفسد البلاد... وأنه إذا أسقطه الأمريكان، فسيحكم العراقيون أنفسهم بديمقراطية تنسيهم كل تلك المآسي العظام...
نعم النظام العراقي فيه كل تلك المخازي، ولكنه قابل للتغيير من داخل الشعب العراقي، ولم يدم في الأرض نظام واحد، ومهما كان الأمر، فإن حكم قرد أو حمار عراقي مؤقت، خير من حكم جنرال أمريكي، باسم كرازاي عراقي.
وإنا نحمد الله أن بعض المعارضين للنظام العراقي، أظهروا معارضتهم لعملاء الأمريكان واليهود، الذين يريدون أن تزفهم الدبابات الأمريكية واليهودية إلى قصور الحكم في بغداد...
http://www.alwatan.com.sa/daily/2002-10-24/fi r st_page/fi r st_page08.htm
((الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين أيبتغون عندهم العزة فإن العزة لله جميعا)) النساء (139)]
وأخيرا نقول لكم يا شباب العراق المسلم: إن تحقيق الصليبي الصهيوني، أهدافه في العراق، ستكون منطلقه للجثوم على المنطقة بأكملها، وإن خير ما تهدونه لأمتكم الإسلامية، هو كثرة النعوش الأمريكية التي لا يقبل الأمريكان نصيحة غيرها...
فنحن لا ندعو قتال الأمريكان في ديارهم، وإنما ندعو إلى ما إلى ما هو ضرورة وفريضة عين، وفيها يقول الله تعالى: ((وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين)) [البقرة(190) ((فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم واتقوا الله واعلموا أن الله مع المتقين(194)]
نسأل الله تعالى أن يقيكم شر أعدائكم، وينصركم عليه، ويجعلكم وسيلة من وسائل تحطيم كبريائهم.
والله أكبر. ((ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون)) [المنافقون (8)]
كتبه
د . عبد الله قادري الأهدل
================(67/316)
(67/317)
ماذا يريدون من الإسلام؟
محمد حسن يوسف
إن الغرب يتبعون الآن استراتيجية منهجية، يهدفون من خلالها ضرب الإسلام في مقتل والقضاء عليه بلا رجعة. وقد قام الغرب بتفويض الولايات المتحدة - بصفتها زعيمة العالم الغربي حاليا - لأداء هذه المهمة. لذا يحسن بنا الآن قراءة الخطوط العامة للاستراتيجية التي تتبنى الولايات المتحدة تحقيقها، لنتعرف من خلالها على الذي يريدونه بالضبط من الإسلام!!
تقوم الولايات المتحدة، بدعم من التحالف الصهيوني الصليبي، بوضع الخطط الرامية لإحداث التطور الذي تنشده في بلدان المسلمين، وخاصة تلك التي تقع في منطقة الشرق الأوسط. وقد دشنت لتحقيق ذلك الدراسات العديدة، والتي يأتي على رأسها: تقرير مؤسسة راند، ومشروع الشرق الأوسط الكبير.
وقد انتهج هذا التحالف الصهيوني الصليبي - وفق هذه الاستراتيجيات - أخطر الوسائل والأساليب التي من شأنها تمزيق أوصال الأمة الإسلامية، وتحويلها إلى دويلات صغيرة لا تستطيع الصمود أمام الكيان الإسرائيلي، الذي يسعى لتكوين دولته الكبرى التي تمتد لتشمل جميع الأراضي الواقعة فيما بين نهري النيل والفرات.
وأهم الرؤى التي تتبناها هذه الاستراتيجيات، هي إما دخول قوات التحالف الصهيوني الصليبي في حروب طاحنة لا هوادة فيها مع الدول الإسلامية، وإما إعداد السياسات الإصلاحية التي ينبغي على تلك الدول تطبيق أجندتها بالكامل. وإذا ما حاولت تلك الدول في التملص من أحد بنود هذه الأجندة الإصلاحية، يتم التلويح لها باستخدام الخيارات العسكرية ضدها.
ونستعرض أولا أشكال الحروب العسكرية التي تبنتها استراتيجيات هذا التحالف الصهيوني الصليبي. فقد اتبعت هذه الحرب الضروس ثلاثة أساليب[1] مختلفة في منهجيتها وشكلها، وإن اتحدت في مضمونها، وذلك على النحو التالي:
الأسلوب الأول: وهو أسلوب التصادم المباشر:
وذلك على كافة الأصعدة، اقتصادية وسياسية، أم فكرية وثقافية، بل وعسكرية كذلك إذا لزم الأمر، ليتحول الأمر إلى احتلال عسكري صريح للدول الإسلامية. وأوضح مثال على ذلك، ما حدث في دولة العراق، حيث تمثل التحالف الصهيوني الصليبي في اتفاق الولايات المتحدة وبريطانيا بالأساس، وبعض الحلفاء الصليبيين، على غزو العراق واحتلال أراضيه. وتم اختلاق أسباب وهمية لهذا الغزو، ثبت كذبها - وليس خطئها - فيما بعد.
ولكن وجدت قوات ذلك التحالف نفسها وقد غرقت في مستنقع دامي لا تستطيع الخروج منه، ومُنيت بخسائر فادحة زلزلت أركانها. لتوقن بعد فوات الأوان أن الصدام المباشر مع الإسلام يخلق في نفوس أبنائه قوة جبارة هائلة على تحدي الموت والاستهانة بالحياة، لتتحول الأسلحة البدائية في أيديهم - مع تفجر هذه الروح - إلى أسلحة فتاكة لا تستطيع أية قوة في العالم الصمود أمامها.
وهكذا فشل أسلوب التصادم فشلا ذريعا في تحقيق التحالف الصهيوني الصليبي لأهدافه في تفتيت دولة العراق المسلمة وفق المخطط الذي أرادوه لها. وها هي الولايات المتحدة وبعد مرور ثلاثة أعوام من غزو العراق، لا تستطيع توفير الأمن لقواتها على أرض العراق، بل تؤكد الوقائع على الأرض أن عمليات المقاومة من الداخل في ازدياد يوما بعد يوم.
وثبت بوضوح خطأ المقولة الأمريكية عن الحروب السريعة التي لا يسقط فيها أي أمريكي. فمنذ أعلنت الولايات المتحدة عن انتهاء عملياتها العسكرية في العراق، ولا يكاد يمر يوم إلا ويسقط قتلى وجرحى من أفراد الجيش الأمريكي في كمائن وهجمات متنوعة. وتقوم المقاومة العراقية باستخدام وسائل أقوى وأسلحة غير متوقعة يوما بعد يوم.[2]
الأسلوب الثاني: وهو أسلوب تشجيع النزاع بين الأطراف المتنازعة، مع تبني أحد أطراف النزاع، والتدخل عسكريا لصالحه:
يبتعد هذا الأسلوب عن التصادم المباشر، ويقوم على إثارة المشاحنات والنزاعات العرقية والمذهبية والنزعات القبلية بين أفراد الدولة الواحدة، مع تشجيع تطور الأمور وتصعيدها للوصول إلى حرب أهلية بين الطوائف المتنازعة. ويكون موقف قوات التحالف الصهيوني الصليبي هو تبني موقف إحدى هذه الطوائف، ودعمه بالمال والسلاح، ثم التدخل عسكريا لنصرته وتمكينه من السيطرة على مقاليد الحكم في هذا البلد، فيقيم نظام حكم عميل يوالي قوات هذا التحالف ويدور في فلكها.
وأوضح مثال لذلك ما حدث في أفغانستان. فقد أرادت الولايات المتحدة وحلفائها إسقاط نظام حكم طالبان على خلفية إيوائه لقادة تنظيم القاعدة، الذي ادعت من قبل أنه المدبر للتفجيرات التي حدثت على أراضيها في أحداث سبتمبر الشهيرة! وهكذا قامت قوات هذا التحالف بالاتفاق مع قبائل الطاجيك والأوزبك والتركمان التي تقطن في شمال أفغانستان، لكي تدخل في حرب مع قبائل البشتون - التي ينتمي إليها حكام طالبان - والتي تقطن جنوب البلاد.(67/318)
واستطاعت القبائل الشمالية، بمساعدة من قوات التحالف الصهيوني الصليبي ماليا وعسكريا، هزيمة نظام حكم طالبان، وإجلائه عن جميع المدن الأفغانية، بما فيها العاصمة كابول. وهكذا سقطت حكومة طالبان، لتقوم مكانها حكومة حليفة للولايات المتحدة وللتحالف الصهيوني الصليبي. وأنشأت الولايات المتحدة عدة قواعد عسكرية لها في مدينة كابول، وقاعدة باجرام الجوية في الجنوب.
وبذلك نجد أن التحالف الصهيوني الصليبي استطاع تحقيق هدفه بأقل قدر ممكن من الخسائر في صفوفه، بل إن الخسائر الحقيقية كانت تلك التي وقعت في صفوف قوات القبائل الشمالية، التي كانت بمثابة درع واقٍ للقوات الأمريكية والقوات المتحالفة معها. كما مكّن هذا الأسلوب في النهاية من إقامة حكومة أفغانية موالية للتحالف الصهيوني الصليبي.
الأسلوب الثالث: وهو أسلوب تشجيع النزاع بين الأطراف المتنازعة، مع تبني أحد أطراف النزاع، ودفعه لعمل عسكري ضد الطرف الآخر، مع الاكتفاء بمساعدته تسليحيا وماديا:
ويتشابه هذا الأسلوب مع الأسلوب الثاني في إثارة الخلافات والنزاعات بين أبناء الوطن الواحد، وفي تبني وجهة نظر أحد أطراف النزاع وتعضيدها والعمل على تمديدها. إلا أنه يختلف عنه في اكتفاء التحالف الصهيوني الصليبي بمساعدة هذا الطرف المدعوم من حيث توفير السلاح والمال والدعم السياسي له في المحافل الدولية، دون التدخل عسكريا لمصلحة هذا الفريق.
ومثال هذا الأسلوب هو ما حدث في جنوب السودان، حيث اختار التحالف الصهيوني الصليبي رجلا له من جنوب السودان، هو جون جارانج، وقدّم الدعم له من أجل إثارة مشكلة تعصب الحكومة الإسلامية في شمال السودان ضد المواطنين من المسيحيين في الجنوب. وظلت هذه الضغوط تتصاعد على مدى ما يزيد عن ثلاثين عاما، واتخذت أشكالا عدة، بدءا من توفير السلاح والتدريب العسكري والمعونات الغذائية والدعم السياسي لمواطني الجنوب، ثم ممارسة الضغوط السياسية والاقتصادية على نظام الحكم في السودان.
وآتت تلك الجهود ثمارها، ولو بعد فترة طويلة نسبيا، حيث تمكن دعاة الانفصال في الجنوب من إجبار الحكومة السودانية على توقيع اتفاق " ماشاكوس " في نيروبي عاصمة كينيا، يقضي بإعطاء بعض الحقوق لأبناء الجنوب، مثل وجوب تعيين نائب لرئيس السودان منهم، بل والأخطر من ذلك هو النص على عقد استفتاء بين سكان الجنوب وذلك بعد ست سنوات من إبرام هذا الاتفاق، يتم بمقتضاه تقرير مصير الجنوب: إما الانفصال والاستقلال بذاته، وإنشاء دولة مستقلة له تبعا لذلك، وإما بقائه في ظل الاتحاد مع الشمال.
وهذا الأسلوب، وإن نجح في مخططه مع عدم تدخل القوات الصهيونية والصليبية في النزاع مطلقا وعدم تعرضها لأي مخاطر من أي نوع، سواء في الأرواح أو في السلاح، إلا أن مدته الزمنية كانت طويلة للغاية، ولا تتناسب مع السرعة التي يريدون إتمام عملياتهم بها.
حقيقة الإصلاح الذي يريدونه:
واكب تبني التحالف الصهيوني الصليبي للعمل باستراتيجيات التدخل العسكري التي ناقشناها أعلاه، إعداد استراتيجية أخرى لفرض السياسات الإصلاحية على بقية الدول الإسلامية التي تبدو " مسالمة " من وجهة نظر هذا التحالف، ولكن بشرط تطبيق أجندتها بالكامل من جانب تلك الدول. وإذا ما حاولت تلك الدول التملص من أحد بنود هذه الأجندة الإصلاحية، يتم التلويح لها باستخدام أحد الخيارات العسكرية السابقة ضدها. لذا قد يكون من المناسب الحديث الآن عن أجندة الإصلاح التي يحاول هذا التحالف فرضها على بقية دول العالم الإسلامي:
قال نيكولا ساركوزي، وزير الداخلية الفرنسي: " الإسلام الذي تريده فرنسا هو إسلام فرنسي وليس إسلاما في فرنسا ".[3] أي أن فرنسا تريد تطويع الإسلام وفقا لما يتناسب مع مجتمعها بحيث يصطبغ بالصبغة الفرنسية ( العلمانية بالطبع )، ولا تريد الإسلام الذي يفرض نصوصا يحكم بها المجتمع.
هذا هو الإسلام الذي يريدون تطبيقه في دولهم، ومن ثم فرض أجندته على الدول الإسلامية. وهم يقولون بضرورة تشجيع الديمقراطية في الدول الإسلامية، على خلفية أن الممارسات الاستبدادية هي التي تقف وراء العمليات " الإرهابية " المزعومة! وبالطبع فلا يخلو هذا الطرح من الخطأ. فالعمليات " الإرهابية " المشار إليها تعود في معظمها إلى ضياع حقوق المسلمين واغتصابه بأيدي دول التحالف الصهيوني الصليبي.
فالعمليات الاستشهادية التي يقوم بها الفلسطينيون - على سبيل المثال - تعبر عن حق مشروع لهم تجاه مستعمر احتل الأرض وتملص من أداء الحقوق لأصحابه، ويسانده في غيه وطغيانه كل قوى التحالف الصهيوني الصليبي، مما أدى بأبناء هذا الوطن لليأس من أي طرح باتجاه إنهاء معاناتهم أو حتى تسويتها. والعمليات الشهيرة التي تمت في قلب الولايات المتحدة - إن كانت فعلا على أيدي مسلمين - فهذا يرجع ليأسهم من الانحياز الأمريكي المطلق ضد الثقافة الإسلامية والعمل بكل السبل على إنهائها وإزالتها من الوجود.(67/319)
وهكذا تدعو أجندات الإصلاح التي يتبناها التحالف الصهيوني الصليبي للعمل بمقتضاها في محيط الدول الإسلامية، تدعو إلى إجراء إصلاح شكلي، فارغ الجوهر أو المضمون. في حين أن الإصلاح الحقيقي الذي يركز على الضرورات، قد يؤدي إلى نتائج تتعارض مع المصالح الأمريكية وقد تهددها، خصوصا في ظل استمرار الشعور المعادي للسياسة الأمريكية في المنطقة، الأمر الذي يوفر جوا مواتيا لانتخاب قوى معبرة عن ذلك الشعور، إذا ما كانت الانتخابات حرة ونزيهة.
وقد نبّه إلى ذلك بعض الكتّاب الأمريكيين، أحدهم توني كارون، أحد كتّاب مجلة تايم، الذي نشرت له صحيفة " ها آرتس " - عدد 18/3/2005 - مقالة حذر فيها من التفاؤل بإمكانية حلول الديمقراطية في العالم العربي، فيما وصفه بالسقوط الثاني لحائط برلين. وذكر أن 53% من مقاعد المجلس الوطني العراقي ذهبت للشيعة الموالين لإيران، الأمر الذي ينبغي ألا يكون مصدر فرح للولايات المتحدة وحلفائها. وخلص إلى أن العالم العربي بغير ديمقراطية حقيقية هو أفضل كثيرا للولايات المتحدة والعالم الغربي بعامة. ألا تشم من الكلام أن الإصلاح السياسي الذي تدعو إليه واشنطن له " سقف " ينبغي عدم تجاوزه، وأن ذلك السقف إلى عمليات التحسين والتجمل أقرب؟![4]
زد على ذلك ما صرح به الرئيس الأمريكي جورج بوش مؤخرا، في أعقاب نجاح حركة حماس في الانتخابات الفلسطينية وقيامها بتشكيل الحكومة الفلسطينية الجديدة، من عزمه عدم إجراء اتصالات مع تلك الحكومة الجديدة. وأعلن جورج بوش أن واشنطن تدعم الديمقراطية وإجراء الانتخابات، لكن هذا لا يعني أنه يتعين عليها دعم كل الحكومات المنتخبة نتيجة الديمقراطية!!!
طبيعة العداء الأمريكي للعالم الإسلامي:
يعمل التحالف الصهيوني الصليبي بحرية كاملة في دول العالم الإسلامي، وذلك وفق استراتيجيات معدة ومجهزة للتعامل مع كل كبيرة وصغيرة قد تحدث في هذا الشأن. ويقوم هذا التحالف بإنفاق الأموال الطائلة والوقت والجهد في سبيل تحقيق أهدافه. ومن بين دول هذا التحالف، تبرز الولايات المتحدة كقوة عظمى مهيمنة على إدارة هذا الصراع وتوجيهه وفقا لرؤاها الخاصة.
فوفقا لما جاء بصحيفة الإندبندنت[5]، كشف البنتاجون عن قيام قوات التحالف بإنفاق الملايين من الدولارات لإنشاء ست قواعد " دائمة " على الأقل في العراق، لتزيد بذلك من التوقعات بإمكانية استمرار نشر القوات الأمريكية والبريطانية لقواتها لفترة طويلة الأمد في العراق. ومن المعلوم أن حجم القوات الأمريكية في العراق الآن يصل إلى 130 ألف جندي، وبالنسبة للقوات البريطانية نحو ثمانية آلاف جندي.
ويعتقد بعض المحللين أن الرغبة في إقامة تواجد عسكري أمريكي طويل الأمد في العراق كان دائما أحد الأسباب وراء غزوها للعراق في عام 2003. ويقول أحد مؤرخي القواعد العسكرية الأمريكية، ويدعى جوزيف جيرسون: " إن نية إدارة الرئيس بوش هي إقامة تواجد عسكري بعيد المدى في هذه المنطقة ... ولقد كان استخدام الولايات المتحدة لعدد من الخيارات التي تمكنها من فرض هيمنتها على الشرق الأوسط مثار بحث دؤوب لعدة سنوات مضت ... وقد انتهت إلى اعتبار العراق بمثابة أفضل الأماكن المتاحة لقواتها ولقواعدها خلال السنوات القليلة القادمة ".
أما زولتان جروسمان، أحد الباحثين في علم الجغرافيا بجامعة Eve r g r een State، فقد قال: " بعد كل تدخل عسكري للولايات المتحدة منذ عام 1990، يترك البنتاجون وراءه مجموعات من القواعد في المناطق التي لم يكن له فيها موطأ قدم من قبل فيها. ولذلك فيمتد طابور القواعد الجديدة من كوسوفو ودول البلقان المجاورة، إلى العراق وغيره من دول الخليج العربي، وحتى أفغانستان وغيره من دول وسط آسيا ... والعقبتان الوحيدتان اللتان تقفان في وجه مجال التدخل الأمريكي في هذه المنطقة هما إيران وسوريا ".
وهذا يفسر سر العداء الأمريكي حاليا تجاه النظامين السوري والإيراني. كما أن هذه الخلفية تفسر لنا أيضا السر وراء إحالة الملف الإيراني لمجلس الأمن. أما السر في عدم تسارع الخطوات بشأن هذين الملفين، على نحو ما حدث في أفغانستان والعراق، فهو بالطبع ما تكبدته القوات الأمريكية والقوات المتحالفة معها من خسائر باهظة، دفعت بها إلى التأني وعدم التعجل مرة أخرى. وغالب الظن أن الأمور لو كانت قد استقرت بالعراق، كما تحقق بأفغانستان - حتى وإن كان استقرارا شكليا - لما كانت انتظرت الولايات المتحدة كثيرا للقيام بغزو هاتين الدولتين والانقضاض عليهما.(67/320)
إن الراصد لاستراتيجية الولايات المتحدة الأمريكية في منطقة الخليج العربي منذ عقد الخمسينات وحتى يومنا هذا، يلاحظ بوضوح أن الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة لم يطرأ عليها أي تغيير في المضمون، وإنما التغير كان دائماً يدخل في مجال المنهج. وإن أسس هذه الاستراتيجية قائمة على استمرارية تدفق النفط لأمريكا وحلفائها الغربيين والشرقيين وبالكمية التي يريدونها، وبالأسعار التي لا تهدد اقتصادهم. كما أن من ركائز هذه الاستراتيجية أيضا اعتبار الاتحاد السوفيتي الخطر الأول الذي يتهدد المنطقة، وإن هذه المنطقة لا تستطيع تأمين دفاعها الذاتي، ومن هنا نصّبت الولايات المتحدة نفسها مسئولة عن أمن هذه المنطقة.[6]
أما بخصوص التطورات على صعيد الاستراتيجية الأمريكية بشأن حروبها القادمة، فقد أدار الرئيس الأمريكي ظهره للسياسة أحادية الجانب، مشدداً على أهمية السياسة متعددة الأطراف فيما يتعلق بالشؤون الخارجية ( أو الحروب التي ينتويها مستقبلا ). وبطبيعة الحال، جدد الرئيس بوش التزامه بما سمّاه بالحرب ضد الإرهاب وحماية أمن الشعب الأمريكي. جاء ذلك في الوثيقة التي صدرت مؤخرا بعنوان: " استراتيجية الأمن القومي للولايات المتحدة ".[7]
*****
إن طبيعة الصراع بين العالم الإسلامي والتحالف الصليبي الصهيوني له أبعاد مختلفة وجذور عميقة. وفي ذلك يقول " يوجين روستو " مستشار الرئيس الأمريكي الأسبق جونسون: " يجب أن ندرك أن الخلافات القائمة بيننا وبين الشعوب العربية ليست خلافات بين دول أو شعوب، بل هي خلافات بين الحضارة الإسلامية والحضارة المسيحية. لقد كان الصراع محتدما بين المسيحية والإسلام منذ القرون الوسطى، وهو مستمر حتى هذه اللحظة، بصور مختلفة. ومنذ قرن ونصف خضع الإسلام لسيطرة الغرب، وخضع التراث الإسلامي للتراث المسيحي. إن الظروف التاريخية تؤكد أن أمريكا إنما هي جزء مكمل للعالم الغربي: فلسفته، وعقيدته، ونظامه. وذلك يجعلها تقف معادية للعالم الشرقي الإسلامي بفلسفته وعقيدته المتمثلة في الدين الإسلامي. ولا تستطيع أمريكا إلا أن تقف هذا الموقف في الصف المعادي للإسلام وإلى جانب العالم الغربي والدولة الصهيونية، لأنها إن فعلت عكس ذلك فإنها تتنكر للغتها وفلسفتها وثقافتها ومؤسساتها ".
إن روستو يحدد أن هدف الاستعمار في الشرق الأوسط هو تدمير الحضارة الإسلامية، وأن قيام إسرائيل هو جزء من هذا المخطط، وأن ذلك ليس إلا استمرارا للحرب الصليبية.[8]
5 من ربيع الأول عام 1427 من الهجرة ( الموافق في تقويم النصارى 3 من أبريل عام 2006 ).
----------------------------------------
[1] راجع في ذلك تفصيلا: أزمة دارفور ... بين حقيقة الأوضاع وآفاق المستقبل، د/ رضا الطيب، مجلة التبيان،عدد: 5، ص: 25-26.
[2] الأمريكان يعترفون: سقطنا في وحل الرافدين، بهاء حبيب، جريدة الأسبوع، العدد 470، 27/3/2006، ص: 12.
[3] مجلة البيان، العدد 188، ربيع الآخر 1424، نقلا عن: السبيل، 29/4/2003.
[4] عن الديمقراطية: تغيير الطلاء ليس حلا، فهمي هويدي، جريدة الأسبوع، العدد (418)، 28/3/2005.
[5] راجع المقال الذي كتبه And r ew Buncombe، بعنوان: US and UK fo r ces establish "endu r ing bases" in I r aq، جريدة The Independent، يوم 2/4/2006.
[6] تطور الاستراتيجية الأمريكية في الخليج العربي، د/ فؤاد شهاب.
[7] مستقبل الأزمة العراقية إذا تراجعت أمريكا عن الأحادية، جون هيوز، صحيفة الإتحاد الإماراتية ( بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور)، 26/3/2006.
[8] الإسلام والغرب، عبد الودود شلبي، ص: 55-56.
==================(67/321)
(67/322)
التحذير من البلية بالالتحاق بالمدارس الأجنبية
بقلم: محمد حسن يوسف (*)
يفرح الأب المسلم بمجيء مولود جديد له، ويحاول أن يحتفل بذلك وفقا للهدي النبوي، فيقيم عقيقة ويدعو الناس للوليمة، ويستمر الفرح مع نمو الطفل. ويضع دائما في خاطره حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم " يولد الطفل على الفطرة، فأبواه إما يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه "، فيسعى كل السعي للحفاظ على فطرته سليمة نقية من شوائب الشرك والاعتقاد.
ولكن ما أن يشب الطفل ويبلغ سن الدراسة، حتى تبدأ الحيرة أمام والديه: أية مدرسة يلتحق بها؟! هل نلحقه بالمدارس العربية أم بالمدارس الأجنبية؟ وتكون النتيجة غالبا لصالح الأخيرة لعدة مبررات يحسب من يطلقها في وجه الناصح أنها في غاية القوة.
فهم يقولون: لقد وصى ديننا على تعلم لغة غيرنا حتى نأمن مكرهم. والمؤمن القوي أحب إلى الله من المؤمن الضعيف. أقول: نعم لقد طلب صلى الله عليه وسلم من زيد بن ثابت رضي الله عنه أن يتعلم له لغة اليهود، لأن صلى الله عليه وسلم لم يكن يأمنهم على كتبه إليهم. ولكن انظر إلى قول زيد بن ثابت رضي الله عنه عن وقت تعلم هذه اللغة، قال: فتعلمت كتابهم، ما مرت بي خمس عشرة ليلة حتى حذقته، ( وفي رواية سبعة عشر يوما ). فانظر رحمك الله إلى الفرق: طلبة اليوم ينفقون من أعمارهم اثنان وعشرون عاما لإتقان اللغة الأجنبية، ويشغلهم ذلك تماما عن تعلم لغتهم الأصلية لغة القرآن بحيث لا يتقنونها. كذلك لنا ملاحظة: فلقد كان سبب اختيار زيد بن ثابت رضي الله عنه لتعلم السريانية هو حفظه لبعض سور القرآن الكريم، وهو ما يستلزم حذقه للغة العربية، مما يعني أن هذا هو الضابط الذي يحكم تعلم اللغات الأجنبية.
ويقولون: هل تريد أن تتخلف عن الركب وتكون رجعيا. فالحداثة في نظرهم هي الكلام باللغة الأجنبية، وإدخال عدة كلمات أجنبية في وسط الحوار معك حتى يشار إليك بالبنان، ويقال: هذا يجيد اللغة الإنجليزية. إن المغلوب ينهزم نفسيا ومعنويا أمام الغالب. ولذلك فمنذ غزو الغرب الصليبي لديارنا ونحن ننظر إلي لغتهم نظرة تقديس وإكبار. وهذا بسبب ضعف نفوسنا ومعنوياتنا، وسوف يظل الحال هكذا ما لم نبدأ بالرجوع إلى أصالتنا المتمثلة في لغتنا الأصلية لغة القرآن وتعود ثقتنا بها واعتزازنا بها.
ويقولون: هل تريد أن يكون ابنك شحاذا؟ إن من لا يتعلم اللغة الإنجليزية فلن يجد له مكانا في سوق العمل، ولن يجد له مكانا في قطار الوظائف. وأقول: نحن الذين فعلنا ذلك بأنفسنا. فما حاجة العمل كمحاسب - مثلا - للغة الإنجليزية في عمله، هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى، فلو لم نتجه بهذه الأعداد الكبيرة والمتزايدة إلى مدارس اللغات الأجنبية، لما زاد الطلب عليها بهذا الشكل الذي نجده الآن. ومن ناحية ثالثة، فالمسلم لا يفعل جميع أعماله وهو يبتغي الدنيا فقط ولا شيء سواها. بل على العكس، يجب أن تكون جميع أعماله خاضعة لميزان الآخرة ولما يرفع درجته فيها. فلو لم يبتغ المسلم من تعليمه للغة العربية سوى وجه الله وإتقان لغة قرآنه لكفاه ذلك، ولآتاه كذلك الرزق المقدر له، والذي لم يكن ليزيد لو اتجه لاتجاه آخر.
ويقولون: ومن قال إن القرآن في خطر؟ سوف نقوم بتعليم القرآن للأولاد في فترة الأجازة! ونرد عليهم بنفس حجتهم: ولماذا لا يحدث العكس وتعلمهم أنت اللغة الأجنبية في فترة الأجازة؟ ذلك أن قيامك بتدريس اللغة الأجنبية لطفلك في فترة الدراسة، ثم تعليمه القرآن في فترة الأجازة، سوف يرسخ داخله أن الأصل هو اللغة الأجنبية لأنها هي التي تنال الجهد والوقت بدراستها بشكل منتظم، وأما القرآن فهو شيء زائد كمالي لن يؤدي تعلمه إلى شيء.
وهناك من يقول: إذا لم يكن هناك سبب ذاتي وراء الالتحاق بهذه المدارس، فلنعمل مثلما يعمل بقية الناس. وهؤلاء نقول لهم لا تكن إمعة! تسير في ركب الناس.
وبالرغم من أن معظم الآباء الذين يلهثون وراء تعليم أولادهم اللغة الأجنبية هم ممن كانوا يدرسون في مدارس اللغة العربية، إلا أنهم - بالرغم من ذلك - لا يتقنون اللغة العربية تماما. فهناك الكثيرون الذين اسألهم عن بعض معاني مفردات القرآن، وأجدهم لا يعرفونها. فعلى سبيل المثال ما معنى قوله تعالى: ( ومن شر غاسق إذا وقب ) في سورة الفلق التي تتكرر قراءتها في اليوم الواحد عدة مرات؟ وما معنى التعبير: ( ولات حين مناص )؟ وما هو مفرد الكلمة ( صياصيهم )؟ فإذا كان الحال هكذا، فكيف بأبنائهم حينما يدرسون اللغة الأجنبية ويبتعدون تماما عن اللغة العربية أصل القرآن؟ وإذا كنت لا تعرف معاني هذه المفردات في لغتك، وهي من أساسيات فهم القرآن، الذي هو كذلك من أساسيات تدبر القرآن، وهذه هي لغتك الأصلية - فلماذا إذن تحاول تعليم أولادك لغة أخرى غيرها قبل أن تتقن لغتك الأم؟(67/323)
ونزيد على ذلك بالتساؤل: ما جدوى دراسة مادة الرياضة باللغة الإنجليزية على سبيل المثال؟ وما هي الجدوى من وراء دراسة الأدب الإنجليزي؟ وحفظ قصص شكسبير ودراسة ما فيها من أفكار تتنافى مع طبيعة المجتمع الإسلامي؟ لماذا لا نسعى لدراسة الأدب العربي، وإتقان الشعر العربي ومعرفة بحوره. أليس هذا من الأجدى لنا؟ بل أود التنبيه إلى وجود رأي بدأ يسود بين علماء التربية، مفاده أن الأطفال التي تتلقى دروسا في لغة أخرى قبل إتقان لغتها الأم، فإن ذلك يؤدي لعدم تقدمهم في اللغتين معا، وهو ما يعرف بظاهرة الاعتماد المتبادل inte r dependence.
ولعلنا نفهم الموقف بشكل أعمق إذا ما نظرنا إليه نظرة تاريخية. ذلك أنه بعد احتلال الإنجليز لمصر بدءا من عام 1882، فقد تولى " القسيس دنلوب " مقاليد وزارة المعارف ( التعليم ) المصرية الإسلامية، ليشرف على وضع المناهج وتفريخ أجيال المسلمين الجدد. وكان الهدف الأساسي لهذا القسيس هو ضرب الأزهر، بما يمثله من حفاظ على اللغة العربية، وهي لغة القرآن، وذلك بفتح مدارس جديدة تعلم " العلوم الدنيوية ". في هذه المدارس تختصر العلوم الشرعية من قرآن وتفسير وعلوم حديث وفقه وعقيدة وشريعة وأصول فقه إلى مادة واحدة فقط تسمى ( التربية الدينية ). وليس هناك أدنى اهتمام بهذه المادة فهي خارج المجموع. أي أن المواد الاجتماعية على سبيل المثال أهم منها. بل تأتي اللغة الأجنبية لتتربع على القمة بلا منازع، فهي السيدة التي تدور في فلكها بقية المواد الأخرى، وأولها اللغة العربية. وهكذا فُرضت لغة المستعمر بسياسة الأمر الواقع، مع انتهاج كل الوسائل الممكنة التي تؤدي لضياع لغة البلاد الأصلية.
والآن نود أن نعرف لماذا يحرص الغرب الصليبي على ذلك؟ هل هو حريص على أن يتخرج أجيال من المسلمين على أعلى مستوى من التعليم لخدمة قضايا التنمية والتقدم في بلادنا؟ أم أنهم يخططون لإفراز أجيال من المسلمين مقطوعي الصلة بماضيهم غير واعين بعقيدتهم يقفون هم بأنفسهم حجر عثرة أمام تحقيق طموحات شعوبهم وآمالها بتطبيق نصوص دينهم والالتزام بعقيدتهم؟ ماذا يخشاه الغرب من دراسة المسلمين لأصول دينهم؟ إنهم يخشون رجوع المسلمين لعقيدتهم والالتزام بنصوصها وخاصة مفهوم الجهاد. بل أقول إن من الأجيال التي درست في هذه المدارس لا يستطيع بعضهم أن يفكر باللغة العربية، فهو يفكر باللغة الإنجليزية، ثم يترجم ما فكر فيه إلى اللغة العربية. فكيف سيتمكنون - والحال هكذا - من حل مشكلات مجتمعاتهم؟ وكيف سيدخل الجيل القادم المعركة الحاسمة مع الغرب الصليبي وهو غير فاهم لدستوره الذي بين يديه ( القرآن الكريم )؟
والآن لننظر: ماذا أفادت اللغات الأجنبية في قضية التعليم في الوطن الإسلامي؟ هل أدت لحدوث نهضة تنموية في علوم الطب والصيدلة والتشريح والهندسة بحيث تفرز أبحاث خاصة بتلك الدول تعتمد عليها في تحقيق نهضتها الموعودة. إن جميع المكاسب التي تحققت هي مكاسب فردية مادية دنيوية لم تصب في جانب المجتمع والدين.
لقد قال الله عز وجل في محكم التنزيل: ? يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنْ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنْ اْلآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ ? ] الروم: 7 [. قال ابن كثير في تفسيره ( ج: 3 / ص: 558 ): أي أكثر الناس ليس لهم علم إلا بالدنيا وأكسابها وشئونها وما فيها، فهم حذاق أذكياء في تحصيلها ووجوه مكاسبها، وهم غافلون في أمور الدين وما ينفعهم في الدار الآخرة، كأن أحدهم مغفل لا ذهن له ولا فكرة. قال الحسن البصري: والله ليبلغ من أحدهم بدنياه أنه يقلب الدرهم على ظفره فيخبرك بوزنه وما يحسن أن يصلي. وقال ابن عباس في تفسير هذه الآية: يعني الكفار يعرفون عمران الدنيا وهم في أمر الدين جهال.
وقال الله تعالى: ? قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِاْلأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا ? ] الكهف: 103-104 ].
أيها المسلم ... اعلم أنك موقوف بين يدي الله، فسائلك عن رعيتك: هل حافظت عليها أم ضيعت؟ فاعدد لهذا السؤال جوابا، وابتغ وجه الله تعالى عند اتخاذ قرارك بتعليم أولادك.
12 من صفر عام 1425 ( الموافق في تقويم النصارى 2 ابريل عام 2004 ).
-----------
[1] الكاتب حاصل على دبلوم ترجمة الفورية والتحريرية، حتى لا يظن ظان أنه يتخذ هذا الموقف لأية أسباب أخرى.
==================(67/324)
(67/325)
الصحوة الإسلامية وتحديات الدور التربوي
رضا أحمد صمدي
عندما سقطت الخلافة العثمانية ظنت الدول الصليبية التي خططت وسعت لإسقاط الخلافة أن الإسلام قد قضى نحبه ، وأن المسلمين لن تقوم لهم قائمة بعد ذلك ، وقد استغرقت خططهم أكثر من قرن من الزمان ، بدءا من الحملة الفرنسية على مصر ، وانتهاء بمؤتمر لوزان الذي اشترطت فيه القوى العظمى إلغاء الخلافة حتى تعترف باستقلال تركيا بعد أن مزقتها الحروب المدبرة لإنهاك الدولة العثمانية كقوة عظمى .
ولم تكتف القوى الصليبية والصهيونية العالمية بهذا التفكيك السياسي الذي يعني عدم وجود سلطة سياسية دولية تدافع عن مصالح المسلمين ، بل سعت إلى تفكيك الوحدة العقدية التي احتمى بها المسلمون في شتى بقاع الأرض ، يظللهم دين واحد ، وتجمعهم عبادة واحدة وقبلة واحدة ، فاخترعت لهم دينا يظنون معه أنهم مستمسكون بالدين الحق ، وفي نفس الوقت ساعون في جادة التقدم والحضارة ، فانتشر الفكر السياسي العلماني الذي يقوم على تحييد الدين في المجال السياسي والاقتصادي وحصر مفهوم التدين في أداء العبادات المحضة وصرف اهتمام المسلمين عن الأحكام الشرعية في الجوانب الأخرى كالمعاملات والجنايات والسياسة وما إلى ذلك .
فبعد الانحلال السياسي ، تبعه انحلال عقدي وأخلاقي وفكري واجتماعي ، ظهر أنه مدبر من القوى الصليبية والصهيونية لجعل المجتمعات الإسلامية ذات سحنة غربية في كل منطلقاتها .
بل إن المشروع الصليبي تجرأ لدرجة دعوة المسلمين في بلاد الإسلام إلى النصرانية ، وكان التنصير يمارس دورا قذرا كالدور الاستعماري ، بل كانا في الحقيقة صنوان .
وتجاور مع هذا المشروع التنصيري مشروع ثقافي آخر لاستقطاب العقليات المفكرة ، وذلك بمسخ تلك العقليات والانتحاء بها ثقافيا إلى قبلة غير قبلة المرجعيات المعصومة التي يحترمها المسلمون .
فكان الاستشراق الذي غزا جامعات العالم الإسلامي بأبحاثه وباحثيه ، وارتقى في سلم التوجيه الثقافي حتى غدا متحكما في صياغة الفكر الإسلامي عبر قارات العالم .
ومن خلال هذا الثالوث ( الاستعمار السياسي والتنصير والاستشراق ) أصبحت الأصقاع الإسلامية ترزح تحت الاحتلال الصليبي سياسية وعقيدة وفكرا .
وتمطى الكفر وتبختر ، وصار يحرك أحابيله في أرجاء الكرة الأرضية عبر سطوته التي صار يرتعد منها المسلمون ،وعبر الأصابع الخفية التي كان يحركها من وراء ستار شخصيات مسلمة ليوهم بها جمهور المسلمين أن الفاعل لتلك الأحابيل في الحقيقة هم قادة المسلمين فتخف وطأة المعارضة ، وتمضي الخطة في طريقها دون عنت أو مواجهة .
وعندما انتفض جسد الأمة ليزيح عن كاهله وطأة الاستعمار بما ورثه من خراب اقتصادي وذل اجتماعي وهوان سياسي استطاعت الدول الاستعمارية أن تمسك بزمام تلك الانتفاضة ، فما من ثورة قامت إلا واستطاعت أن تطويها تحت جناحها ، أو تسحقها سحقا ، فما لبثت الدول الإسلامية أن رجعت خاضعة وذلت طائعة للاستعمار في صورته الجديدة ، متغلفا بستار قانوني دولي كعصبة الأمم ثم هيئة الأمم ، ومجلس الأمن ، وسيطرة الدول الدائمة العضوية فيه .
لم تكن الصورة مختلفة بعد الاستعمار ، أي بعد حصول الدول الإسلامية على استقلالها عما كان عنه قبل الاستعمار ، بل إن الدول الإسلامية كانت في إبان الاستعمار ذات شخصية مستقلة ، بينما هي بعد الاستعمار تنماع في فكر الغير وعقيدته وسلوكه وطريقة حياته ، بل في أخلاقه ومثله .
كانت هذه الصورة سوداء قاتمة للغيورين على حال هذه الأمة ، بينما كانت صورة مشرقة بهية لأصحاب التبعية والتقليد ، فما لبث أصحاب المعسكر الأخير يستعلن بهويته الحقيقية ، وهي النفاق الأكبر ، بل الإلحاد المحض ، وصار الدين يحارب من قادة الدول كما لم يحارب من المستعمرين ، وطفق المنافقون ( الذين تسربلوا من قبل بسربال الديانة ) يحصدون البقية الباقية من معالم الشريعة ، حتى ظن كل الناس أن الإسلام يحتضر ، وصار من يمشي في عواصم الدول الإسلامية الكبرى لا يجد كبير فرق بينها وبين عواصم الغرب الكافر أو الشرق الملحد .
وتحت وطأة هذا الواقع الأليم ، وفي كثافة ضباب الانحلال الذي عم الأرجاء ، وعبر ظلمة ليل التيه البهيم ، يبزغ نور خافت ، ظنه الناس نجما بعيدا لا حَظَّ للأرض منه إلا التماعة بعد التماعة ، وإذا بهذا النور يتعاظم حتى اكتمل ، فإذا هي شمس الإسلام الساطعة ، عادت في واقع الكفر العنيد والفسق العتيد ، لتنذر كل الناس أن نور الله باق ، ( ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون ) .
علت صيحة النذير في كل أرجاء العالم ، في جوف الكعبة ، وعند محراب الأزهر ، مرورا بمآذن كل الدول الإسلامية وانتهاء بأبراج كنائس أوروبا وأمريكا .
لقد كان نورا باهرا ، متى بدأ بالتحديد ؟ لا أحد يدري ، ولكنه عندما سطع أول مرة ، لم تقف أمامه قوة ، ولم تحل إية إرادة بينه وبين الانتشار .(67/326)
لقد كانت صحوة للأمة الإسلامية من سكرها الذي عاشت فيه عقودا متطاولة ، ويقظة من نومها الذي دام سنين عددا ، وانتباهة من غفوتها التي ظلت فيه دهرا مديدا ، ولكنها صحوة صاحبتها غضبة ، ويقظة قارنتها ثورة ، وانتباهة على إثرها بدأ الزحف المتواصل الذي لم ينقطع حتى الآن .
لقد كان الحدث السعيد الذي بهر العالم ، وحيت به الأمة الأسلامية بعد موات ، وعلى خلاف توقعات كل المتوقعين ، وبرغم إرجاف المرجفين ، وتخذيل المنافقين ، نهض شباب الأمة ، بل وشيوخها وأطفالها ونساؤها يعاضدون هذه الصحوة ، كل على قدر ما يستطيع ، ولكنها كانت صيحة جماعية تطامنت لها الجبال ، وخضعت لها رقاب المستكبرين ، وأصبحت واقعا لا ينكره إلا سكير أو عنيد ، أو من ينتظر أن تزهق روحه تحت سنابك الصحوة ليتأكد أنها حق ( وأن الله موهن كيد الكافرين ) .
( نجاحات وإخفاقات )
إن هذه الصحوة نشأت في رحم الجو الاستعبادي الذي جثم على العالم الإسلامي إبان العهود الاستعمارية ، فتمالأت العقول المفكرة والمدبرة تلتمس لهذه الصحوة أنموذجا تقتدي به ، وقبلة تيمم شطرها نحوه .
ولا يجوز أن نجحد أنه قد كان في صفوف تلك الصحوة دخلاء ومتطفلون ومتسلقون بل وعملاء وخونة ، وبعض المخلصين من أبنائها انطلت عليه أحابيل الأعداء فسلك طريقا في مساعدة الصحوة أدى بها فيما بعد إلى انحرافات ومجازفات .
وقبل أن يسوء الفهم فإننا لا نستطيع أن ننكر أن الصحوة عندما بدأت حققت انتصارات متوالية ، وزحفت زحفا مؤزرا في كل الأرجاء ، مما ينبئ عن مقدار القبول الذي حظيت به في قلوب الناس .
وفي عصر كان التغريب فيه دين الأكثرية ، صار الإسلام يكتسح القلوب دون عائق ، وصارت الجماهير الإسلامية تنادي صراخا وهمسا ( كل على قدر استطاعته ) بالعودة إلى دين الله تعالى .
وكان هذا في حد ذاته انتصارا باهرا ونجاحا ساحقا ، بالمقارنة بما كانت تعانيه الأمة من ضعف وهوان وتبعية .
لقد نجحت الصحوة في إعادة ملامح العقيدة الصافية إلى قلوب الناس ، عقيدة أهل السنة والجماعة ، والسلف الصالح من الصحابة والتابعين ، نعم … لقد انتصرت هذه العقيدة ، وكان لها النصر المؤزر في كل الميادين ، ودون توجيه من موجه ، أو إرشاد من مرشد ، لقد اتجهت الصحوة منذ مهدها إلى كتب التراث العتيقة ، تبحث عن المَعين الذي نصر أجيال المجد الإسلامي القديم ، فوجدت أن نصرهم إنما انبنى على منهج عقدي وعبادي وأخلاقي ثابت ، هو ما كان عليه صلى الله عليه وسلم وأصحابه وقرون الفضل والخير التي مدحها صلى الله عليه وسلم نصا ، والتي ظهر انتصارها على من عداها تاريخا .
كما نجحت الصحوة في زرع العاطفة الدينية في قلوب الناس ، فأصبح التدين أمرا يتمناه كل مسلم ، لولا ما يضعه أعداء الله أمام الدين من عوائق وتهديدات وتخويفات .
كما نجحت الصحوة إلى حد بعيد في التميز والاستقلالية ، ولا يمنع ذلك من إثبات وقوع الصحوة في بعض من الأخطاء المنهجية التي قدحت في هذا التميز أو تلك الاستقلالية .
ونجحت الصحوة كذلك في الانتشار عبر كل الميادين ، أفقيا ورأسيا ، كما وكيفا ، وكان هذا الانتشار سببا في تكثير أعدائها وممالأة شانئيها ضدها ، حتى اجتمعت قوى الكفر في العصر الحديث على إعلان القرن العشرين والحادي والعشرين زمن المواجهة مع الإسلام بعد أن تخلص الغرب من العدو الشيوعي ، وتفرغ لعدوهم المسلم اللدود .
وبإزاء كل هذه النجاحات كان هناك الكثير من الإخفاقات أيضا ، وفي نفس المجالات التي حققت الصحوة نجاحاتها .
ولأجل ما قدر الله تعالى في أفعالنا من النقص ، ولعزة الكمال بين الأناسي ، ولأجل ضعف خبرات الصحوة ، وقلة إمكانياتها ، وكثرة مؤامرات أعدائها ، وتسلط الكثير من ذوي الأهواء في إدارة شئونها ، رأينا الكثير من الإخفاقات ، ولمسنا مشاهد الفشل في العديد من الميادين التي خاضتها الصحوة ، لقد كان قدر الفشل يجري دون تقصير في بعض الأحايين ، ولكنه كثيرا ما كان يصيب الجهود بسبب التقصير الواضح وعدم الاستعداد .
وكانت إصبع الاتهام تتجه بحدة وشدة إلى جيل الشباب الذي يمثل الصحوة في معظم بلدان العالم ، وتنامى دوره في قيادة دفة الصراع الحضاري بين الإسلام وخصومه ، ما هو موقفهم من هذه الإخفاقات ؟
وأحسب أن من محاسن الصحوة الإسلامية أنها نجحت في الآونة الأخيرة إلى حد بعيد في تقبل النقد الذاتي ، ومحاسبة النفس ، والبحث عن القصور والعيوب التي كانت سببا في توالي الإخفاقات ، ولم يعد أحد من المنتسبين إلى الصحوة يستنكف عن مراجعة النفس في ما يأتي وما يذر إذا تبين له وجه الحق فيما نصح فيه ، إلى من أغواه هواه ، وأرداه ضلاله وعجبه بنفسه .
وكان السؤال الملح الذي صار يطرح في كل مكان ، ويتداوله العلماء والدعاة أينما حلوا أو ارتحلوا : ما هو حال شباب الأمة ، وإلى أين يتجهون ، وما هو دورهم إزاء هذه الورطة والمحنة التي تعانيها الأمة ؟
( الشباب إلى أين ؟ )(67/327)
يمكننا أن نعدد في عجالة الكثير من المخاطر التي تهدد جيل الشباب المسلم ، والتي هي كفيلة بزحزحته عن عقيدته ودينه أو إجباره على التنازل عن الكثير من أحكام شرعه الحنيف .
لكن أخطر ما يواجهه الشباب اليوم ذلك الزحف الفكري الوافد الذي يتغلف ببهرج الدنيا وشهواتها وملذاتها ، ولكنه يحمل بين طياته إطارا عقديا وفكريا مدروسا ، ويجذب المنساق إليه رويدا رويدا ( عن طريق تلك الشهوات والملذات ) ليصبح رهين تلك العقيدة وتلك الفكرة .
ذلكم هو التغريب بمعناه الواسع ، أي الغزو الثقافي والفكري الغربي الذي صار يزحف بجحافله على الأصقاع الإسلامية ، ليس بدباباته وأعتده وأسلحته بل بطريقة حياته كلها ، برؤيته إلى الكون والوجود والحياة ، وطريقة المعيشة ، والأفلام والفن والأدب والأخلاق والفلسفة والعلوم التكنولوجية وكل ما يخطر بالبال من ظاهر الحياة الدنيا ، إنه تغريب لكل مظاهر الحياة .
وكان من الطبيعي أن أول من ينساق إلى هذه الحملة الشرسة وينخدع بمظاهرها هم الشباب الغر الذي لم يتسلح بسلاح العقيدة ولم يتحصن بحصن الإيمان والاستقلالية ، فانساق وراء زخرف الحضارة الغربية منبهرا بأضوائها ، مشدوها بعجائبها ، مخلوبا بتقنيتها العالية .
لقد كان التغريب أخطر ما واجه الأمة الإسلامية على مر التاريخ ، ذلك أنه لم يستخدم العسكرية صورة للعداء ، ولا القنبلة والدبابة وسيلة للحرب ، ولم يحتل الأراضي أو يسيطر على البحار ، بل اتخذ الأساليب الناعمة والخادعة في احتلال قلب المسلم نفسه ، فضمن إغواء الأمة دون أن يريق قطرة دم ، بل وسخر من أبناء الأمة ممن يتكلمون بلسانها ومن جلدتها ليكونوا أحبولة من أحابيله ، فزاد الاغترار ، وأحكمت حيل المخاتلة ، وصار الكفر متسربلا بزينة الألفاظ ، ويدعو إليه من اسمه أحمد ومحمد ، وربما كان يلبس عمامة ويمسك مسبحة .
يقول الأستاذ أنور الجندي : لقد علمتنا التجارب أن المقلدين من كل أمة المنتحلين أطوار غيرها يكونون منافذ لتطرق الأعداء إليها وتكون أفئدتهم مهبط الدسائس نتيجة لتعظيم الذين قلدوهم ويكون هؤلاء المقلدون طلائع الجيوش الغالبة وأرباب الغارات يمهدون لهم السبيل ويفتحون الأبواب ويثبتون لهم الأقدام ويمكنون السلطان [1].
ويقول شيخ الأزهر السابق محمد الخضر حسين رحمه الله : ودلت التجارب على أن زائغ العقيدة متى ملك جاها أو سلطة فتن الأمة في دينها وانتهك حرمات شريعتها ولم يخلص النظر في إصلاح أمرها ولاقى منه المؤمنون اضطهادا والجاحدون أصحاب الأهواء مناصرة وإقبالا ، فيكون داعيا عمليا إلى الخروج على الدين ، فتموت الفضيلة والغيرة على الحقوق العامة ويتقطع حبل اتحاد الأمة إربا [2] .
نعم .. لقد صار هذا حال شباب الأمة ، فمع الفتن الصريحة الجارفة عن الدين ، فهناك فتن الشبهات التي أوقعت شباب الأمة في أفكار منحرفة تتظاهر بتعاطفها مع الدين ولكنها في عداد أول أعدائه .
ولم يعد خافيا على أي عين مراقبة ما يجول في مجتمعاتنا المسلمة من انجراف حاد تجاه الفكر الغربي وطريقة الحياة الغربية ، ولو شئنا لقلنا الصليبية ، فالفكر الغربي في حقيقته ما زال متلبسا بموروثات دينية صليبية .
وليت الأمر اقتصر على أغرار الشباب ممن لا عداد بهم في دنيا الناس ، ولكن تعدى إلى النماذج الفذة التي تميزت بتخصصات مختلفة كالعلوم والأدب ، فسرى هذا التغريب إلى صميم الاتجاه الثقافي ، الذي غدا بوقا للصليبية الغربية ، يستخدم مصطلحاتها وينادي باتجاهاتها الفكرية دون حياء أو خفر [3].
وكانت ثالثة الأثافي أن سرى في جسد الصحوة الإسلامية اتجاه ديني غربي سمى نفسه باتجاه الإسلام المستنير ، واستطاع أن يغزو كثيرا من صروح الدعوة ، وأن يخدع بعض الدعاة ويضمهم إلى صفوفه بغرض استغلال تلك الرموز في تشويه الأصالة التي تميزت بها الصحوة منذ نشأتها .
وصار هذا الاتجاه يتبنى كل دعوة تغريبية ويغلفها بغلاف المصطلحات الشرعية مموها دعوته بشعار المصلحة ، وتجديد الدين ، وتغير الفتوى بتغير الزمان ، ومراعاة الظروف ، وضرورة التفتح وعدم الانغلاق ونحو ذلك من العبارات التي يظهر منها لكل نابه أن المراد إنما هو جر الحبائل للوقوع في شرك التغريب الذي يريد أن يعيد صياغة إسلامنا ليكون إسلاما أليفا لا يقاوم الظلم ، ولا يثور على الباطل ، ولا يكره الكفر والشرك .
وصنف منذ هذا الاتجاه لا يخفى صلاحه وإخلاصه ، ولكنه مني بهزيمة نفسية قوية أمام التغريب ، فدعته تلك الهزيمة أن يتبرأ من كل ما يعتبره المجتمع الغربي همجيا في الإسلام ، وصارت حقائق الدين تصاغ من جديد لتوائم الفكر الإسلامي الذي يراد عرضه على الغرب ، وصرنا نسمع مثلا من يقول إن الجهاد في الإسلام رخصة وليس عزيمة ، أي أنه مشروع عند الضرورة وحالة الدفاع فقط ، مع أنه لا خلاف بين أهل العلم في أن جهاد الطلب فرض كفاية عند الاستطاعة على المسلمين في كل زمان .(67/328)
وصرنا نسمع من يقول إن الطلاق في الإسلام محرم بالأصالة ، وأن الرجل لا يجوز أن يطلق زوجته إلا في حالة الضرورة القصوى ، فلم يفترق هذا المذهب عن الكثلكة التي حرمت الطلاق ثم أباحته للضرورة القصوى ، فأين إسلامنا يا قوم ؟!! [4].
ولأجل هذا كله اعتبرت الموسوعة الميسرة [5] مبدأ التغريب : هجمة نصرانية صهيونية استعمارية في آن واحد التقت على هدف مشترك بينها وهو طبع العالم الإسلامي بالطابع الغربي تمهيدا لمحو الطابع المميز للشخصية الإسلامية .
ولا شك أن الضحية الأولى هم شباب الأمة الذين صاروا يتساقطون أفواجا أفواجا أمام هذا الزحف الفكري الصليبي ، فكان من نتائجه تلك ذوبان الشخصية الإسلامية ، وتشويه معالم الشرع في قلوب المسلمين ، ونشوء جيل مسلم خائر غير قادر على حمل رسالة الإسلام إلى الإنسانية ، وتوقف المد الإسلامي الذي كان منتظرا منه أن يكون منقذ البشرية من وهدتها وورطتها .
وقد اختلفت الرؤى حول كيفية صد هذا الخطر الداهم ، ومقاومة هذا الزحف العنيد ، فكان كل يدلي بما رآه قريبا من إحساسه الدعوي ، ويمحص ما يراه أنفع وأجدى في العلاج والحل .
لكن مع سبر كثير من كتابات ودعوات العلماء والدعاة والمصلحين في الآونة الأخيرة أستطيع أن أجزم مطمئنا أن الجمهرة الغالبة صارت تميل إلى أن ما تعانيه الصحوة الآن من بطء في السير وقصور في الأداء ، وفشل في بعض الميادين مرده إلى عدم الاهتمام بشريحة الشباب التي تمثل الطاقة الهادرة في أية حركة اجتماعية .
وبعيدا عن الإحصائيات الإسكانية التي تثبت أن نسبة الشباب والمراهقين في الدول الإسلامية يبلغ النصف في معظم الدول ، وفي بعض الدول فإنه يفوق النصف ، أقول : بغض النظر عن هذه الحقيقة فإن أحدا لا يماري في أن شريحة الشباب هي أقوى شريحة في المجتمع وعليها تعول كل الخطط التنموية في بناء الحضارات ونشدان التقدم .
وإزاء هاتي القناعتين :
(1) أن شباب الصحوة يعاني كسادا في الجانب التربوي .
(2) وأن شريحة الشباب هي أهم شريحة في المجتمع .
يمكننا أن نشير بأصبع الاتهام الجريئة إلى كل من يقصر في هذا الدور التربوي ، بدءا من الاهتمام بالمشكل كمشكل ، وانتهاء بتطبيق منهج تربوي متكامل إزاء هذه الشريحة .
( الحل : تربية ربانية من نوع فريد )
إن التحدي الحضاري الضخم الذي تخوضه أمتنا الآن يجب أن نستعد له بجملة من الإنجازات التي يجب أن تتأسس قبل أن نفكر أصلا في خوض هذا الصراع ، وليست هذه الإنجازات من قبيل ما نجهله أو نعجز عن تحقيقه ، بل هي حقائق متفق عليها في أدبياتنا ، ومشروعات لم يجر أي نزاع بين أي اتجاه من اتجاهات الصحوة حولها ، فالإجماع منعقد على ضروريتها ، والاتفاق واقع حول لزومية تنفيذها .
إنني مع الاستقراء الطويل والدقيق لأدبيات الصحوة الإسلامية أستطيع أن أجزم أن الشيء الوحيد الذي اتفقت عليه كل اتجاهات الصحوة كخطوة أصيلة في بناء الأمة المسلمة القوية القادرة على استعادة أمجادها ، والنهوض من كبوتها إنما هو التربية .
ومهما اختلفت الرؤى حول هذا اللفظ ومعناه ، ومهما تباينت المعاني الاصطلاحية حول مدلوله وعمقه فسيبقى أن القدر المتفق عليه من معناه أن يعاد بناء الشخصية المسلمة ، وهذا كاف في إثبات أهمية التربية كحل وحيد لهذا العرج الإصلاحي الذي تعاني الصحوة الإسلامية .
ويبقى بعد ذلك احتياجنا أن نثبت أن التربية التي تحتاجها الصحوة لا بد أن تتوفر فيها ثلاثة أمور أساسية حتى نضمن حصول الثمرة منها ، كما نضمن تناسبها مع مقاصد الصحوة الإسلامية بل الروح الإسلامية التي تتقمصها الصحوة .
تلك الأمور هي :
(1) العقيدة القوية بما تتضمنها من إيمان كامل بمرجعية الكتاب والسنة .
(2) العلم بما يتضمنه من كفاية وأهلية للقيام بالحجة الشرعية ، ونعني بالعلم كل ما أفاد نصرة الدين ، ولكن يتأكد العلم الشرعي باعتباره مادة النذارة وحجة الرسل وأتباع الرسل .
(3) الجهاد ، والحركة ، والبذل ، باعتبار الثلاثة مظهر من مظاهر قوة المعتقد ، والطريق الوحيدة للإصلاح والتغيير .
وهذه الأمور الثلاثة هي ركيزة الجهد التربوي الذي ننشده ، بل هي الملامح الأصيلة التي بها نضمن تنشئة جيل قادر على حمل أمانة الدين وتبليغها للكون .
وهذه الأمور الثلاثة تجمعها الربانية التي أمر بها الله تعالى في قوله : ( ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عبادا لي من دون الله ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون ) .
فالربانية كانت في مقابل الشرك الذي نفاه الله عن دعوة المرسلين ، وهو ركن العقيدة المذكور ، والربانية مأخوذة من ربان السفينة ( كما حققه ابن جرير الطبري رحمه الله ) أي قائدها ، والقائد لا بد له من جهاد وحركة وبذل ، وإلا ما صلح للقيادة أصلا ، كما أن الآية نصت على دراسة الكتاب وتعليمه ، وهو أساس العلم المشروط فيما سلف .
إن ربانية التربية هي الحل الوحيد لاستنهاض جيل الشباب في كل مكان ، ولجعل هذا الجيل متأهلا لاستنهاض الأمة وقيادتها نحو الريادة والمجد .(67/329)
وليس من ريب أن أية محاولة تربوية تنحِّي هذه الملامح محكوم عليها بالفشل ، مأذون لها بضياع الجهد والتعب ، فأجدر بمن تصدر لهذا الدور الجلل أن يعاود الفكرة في ما ذكرنا من المعاني ، وفيما سنسطر في هذا الكتاب ليتأسس جهده على بينة ، وليكمل بناؤه على هدى ، والله يقول الحق وهو يهدي السبيل .
وهذه المعاني التي ذكرناها متسلسلة أردنا بها أن نثبت أن الصحوة في قد بلغت حدا من الضرورة يملي عليها أن تعزم عزمة جادة في درب التربية الربانية ، فليس من بديل لهذه الغثائية التي نعانيها إلا الاهتمام بالكيف ، وتحسين النوع ، والرقي بمستوى المهارة لدى جيل الشباب ، وما من سبيل لخوض الصراع الحضاري الضاري الذي بدأ معتركه إلا بحشد الإمكانيات كلها لإبادة كل جينات الفشل وبقايا المعوقات والصفات المثبطة التي تخلد بالصحوة ورجالها إلى الأرض ، وتحول بينهم وبين الزحف الظافر باليقين القاهر .
وهذه التربية إذا أردنا لها ظفرا ونجاحا فلا بد أن تقوم على أساس من العلم متين ، ونعني بالعلم منهجيته ، بمعنى أن تقوم التربية على منهج واضح المعالم والملامح ، وليس خاضعا للتجارب الفردية ، والأهواء الذاتية ، بل مراعيا لنص الوحي ، متابعا لطريق المعصوم ، متحريا لأمارة الحق التي لها نور من أدلة الشرع وهدى من البينات والفرقان .
نعم .. إن جانبا ليس بالقليل من التربية مبني على الممارسة ، والممارسة أصلا يجب أن تخضع لمرجعية الشرع ، فلا حركة ولا جهاد إلا ببرهان وبينة ، كما أنه لا عبادة إلا بدليل ، ومع أن الأصل في المسلم أنه متحرك لدينه ، إلا أنه يتحرك وفق ما رسمه له الشرع ، لا ما يرسمه له هواه ، وتمليه عليه أمانيه .
فمع تضافر التجربة والممارسة بإزاء البرهان الشرعي تتولد الشخصية الربانية التي استهدت بنور الوحي ، وارتسمت منهج المعصوم r ، وراعت حقيقة الشريعة ، فكان سعيها نورا على نور ( ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور ) .
وهذه الأوراق محاولة لتقعيد هذه التربية الربانية ، والانتحاء بها عن الارتجال إلى النظام والدقة ، ودعوة للمربين أ يمارسوا هذه التربية الربانية بنوع من وضوح الرؤية ، بعيدا عن الاقتراحات التي صارت وليدة الظرف ، والتجارب التي صارت رهينة المشكل ، فأضحت عمليتنا التربوية أشبه ما يكون بعملية جراحية يمارسها طبيب مبتدئ أو جراح غير متخصص فهو يثخن في المريض الجراح راجيا أن تفلح تجربة من تجارب مشرطه ومبضعه ، والضحية هو المريض المسكين .
إن من مقاصد وضع هذه الأوراق أن نشاهد بداية حملة جادة لجعل التربية الربانية شغلا شاغلا لشباب الصحوة تعلما وتعليما وتثقفا ، فينشغل الكل منذ أن عرف طريق الله بما يؤهله لبلوغ هذه الربانية المنشودة .
ومن مقاصدها دفع الغثائية التي تعانيها أمتنا ، والاتجاه نحو الجودة التربوية ، بوضع مواصفات دقيقة لها ، واشتراط شروط قاسية لتحصيلها ، وليست الشخصية المسلمة الكاملة بأبخس من المصانع التي تحتاج إلى شهادة الآيزو لتثبت جودة منتجاتها للناس .
لقد صار الإتقان سمة العصر ، وما لم تواجه أمتنا عدوها برجال أعدوا إعدادا متقنا ، وبعدة متقنة التجهيز فإنها بذلك تغامر في معركة خاسرة ، وتخوض تجربة معروفة النتائج ، ولا بد أن نقف وقفة صدق مع أنفسنا لنختار لأمتنا ، فاختيارنا لأمتنا هو اختيار لأنفسنا .
----------------------------------------------
[1] الشبهات والأخطاء الشائعة في الفكر الإسلامي لأنور الجندي ص224. نقلا عن المسلمون وظاهرة الهزيمة النفسية لعبد الله الشبانة .
[2] رسائل الإصلاح (1/101) نقلا عن المرجع السابق .
[3] راجع : حصوننا مهددة من داخلها والإسلام والحضارة الغربية كلاهما للدكتور محمد محمد حسين ، وأدب الردة لجمال سلطان ، وعودة الحجاب ؛ الجزء الأول للشيخ محمد إسماعيل .
[4] يراجع ما كتبه جمال سلطان في كتابه : أزمة الحوار الديني .
[5] الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة إصدار الندوة العالمية للشباب الإسلامي . انظر صفحة 715 .
================(67/330)
(67/331)
رسالة إلى أهل العراق في هذه الأحداث العصيبة
الشيخ محمد بن أحمد الفراج
يا أهل العراق ..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. أيها الصامدون الثابتون.. أيها الرابضون في الخنادق أمام الزحف الصليبي اليهودي الحاقد.. هذه كلمات يسطرها بنان كان يود لو كان معكم يضرب من أعداء الله كل بنان ، قلب متحرق يعيش شعوركم ويحس إحساسكم كغيره من آلاف الملايين ، تحترق قلوبهم لما يجري لكم ويرقص قلبها طرباً لبطولاتكم وثباتكم .
فيا أهل العراق .. يأهل الرافدين .. يا أهل الكوفة والبصرة .. يا أهل بغداد .. يا دار الخلافة ومنبت العلم والعلماء والفقه والفقهاء والحكمة والحكماء .. بلد أمير المؤمنين الرشيد وإمام أهل السنة أحمد بن حنبل ..والقائد المظفر المثنى بن حارثة ..
أنتم الآن رمز الأمة وحملة لواء بطولاتها فلا تخذلوها .. الله الله .. ولا تبتغوا بإسلامكم بديلاً فهو سر عزتكم وكرامتكم ، ما عُرفت بلادكم بحضارة أشور ولا بابل ولكن بحضارة الدين والإسلام ، ولا استمدت إمامتها من حمو رابي ولا بختنصر ولكن من خلفاء الإسلام وأئمة الدين .. فا الله الله .. ارفعوا لواء الجهاد وهوية الإسلام وأخلصوا الدين لله وتبرأوا من كل راية جاهلية قومية وبعثية وقبلية واجعلوها جهاداً صادقاً ناصعاً بعد تصحيح الاعتقاد وتحكيم الشريعة ، وادعوا الأمة جميعاً لتشارككم شرف الدفاع عن الحرمة والحوزة والديانة ، حتى يكون قتيلكم شهيداً و تليدكم عزيزاً .
يا أهل العراق .. أيها الصامدون .. صبراً صبراً في مواجهةٍ الزحف الصليبي فإنما الشجاعة صبر ساعة والمهزوم من يئن أولاً .
تذكروا أسلافكم المجاهدين أهل القادسية والجسر والمعارك الفاصلة و (كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله )
من دياركم وأراضيكم سقط العرش الكسروي ودمر البيت الأبيض ( إيوان كسرى ) قا صلى الله عليه وسلم ( عصابة من أمتي تفتح البيت الأبيض ) ( أو القصر الأبيض ) فعسى أن يكون على أيديكم سقوط البيت الأبيض إيوان بوش والظالمين ..
ومن دياركم انطلقت ألوية فتح الهند والسند والصين والروس .
أيها الصامدون .. تذكروا الشعوب الصامدة التي قاتلت حتى آخر قطرة دم ووقفت في وجه الاستعمار حتى آخر رجل .. تذكروا أهل فيتنام الذين ذهبوا مثلاً خالداً في تاريخ البطولة والتضحية ودنسوا وجه أمريكا القبيح فلا يكن الكافرون أشد وأقوى منكم بأساً ( ولا تهنوا في ابتغاء القوم إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون وكان الله عليماً حكيماً ) . لا يكن الروس الملا حدة أقوى منكم بأساً حينما سطروا بطولات خارقة وقاتلوا هتلر قتال المدن على خرائب ليننغراد وعلى أطلال ستالين غراد وفي شوارع كييف وفوق ركام سيبا ستيبول ومنسك وكركوف وغيرها .. أبوا على الغزاة الألمان وصمدوا شهوراً وسنين وتحملوا أعنف قصف جوي ومدفعي عرفته البشرية إلى ذلك الوقت وقاتلوا فرق الإنزال المجوقلة وحصدوا فرق الصاعقة والكوماندوز حتى هزموا الألمان هزيمة منكرة وحطموا جيشهم الذي كان عداده بالملايين ..
تذكروا تضحياتهم بل تذكروا تضحيات إخوانكم الأفغان وخوضهم غمار حرب واجهوا فيها بالبنادق أقوى جبروت عسكري مجهز بكل الطائرات والصواريخ والمدافع حتى هزموا الاتحاد السوفيتي وكان على أيديهم تفككه .
صبراً يا أيها العراقيون المسلمون العرب .. لا يكن هؤلاء الصليبيون العلوج أشد بأساً منكم ، فإنما هم لفيف من اللقطاء والبغايا والخمارين والحشاشين ، وهاهم يهاجمونكم يا أحفاد الصحابة والعرب الأباة في عقر داركم وعلى مرأى ومسمع من العالم ، فلا يكن النساء الفاجرات وأولاد العلوج أشد منكم بأساً .
إياكم أن تتراجعوا في وجوه نساء الغرب ومخنثيه، إنها سبة التاريخ و وصمة العار قاتلوا حتى النهاية فإما الفوز وإما الشهادة .
عش عزيزاً أو مت وأنت كريم بين طعن القنا وخفق البنود
أيها العراقيون.. اعلموا أن قضيتكم عادلة وأنتم مظلومون معتدى عليكم في دياركم ( أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير * الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق ) وكل هذه الصفات محققة فيكم، قوتلتم وُظلمتم وأراد الغزاة إخراجكم من دياركم وسلب أموالكم وبترولكم فلا تكونوا عبيداً للغرب، اثبتوا واصبروا إن الله يحب الصابرين.
واعلموا أن أمريكا غاشمة ظالمة مستبدة متكبرة مغرورة بقوتها ظانة ألا غالب لها وهذه أمارات الزوال والهزيمة ( وتلك القرى أهلكناهم لما ظلموا وجعلنا لمهلكهم موعداً ) فعسى أن يكون موعد هلاكهم على أيديكم وفي دياركم وقال تعالى ( ومن يظلم منكم نذقه عذاباً كبيراً ) وقال تعالى ( ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطراً ورئاء الناس ) وقال تعالى ( لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين ) وقال سبحانه ( والله لا يحب كل مختال كفور ) فأمريكا مكروهة مبغوضة لله بتكبرها وغطرستها وظلمها..(67/332)
واحرصوا أنتم على أسباب محبة الله لكم بتحكيمكم شرعه واتباع هدي رسوله والمحافظة على الطاعة وترك المعصية ورفع راية الجهاد الخالص والاجتماع وترك الفرقة حتى يكون النصر حليفكم لمحبة الله إياكم إذا حققتم أسبابها قال تعالى ( إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفاً كأنهم بنيان مرصوص )
يا أهل العراق.. ماذا عليكم لو أعلنتموها إسلامية خالصة جامعة وتبرأتم من كل عصبية سوى الدين كالبعثية والاشتراكية وغيرها، لتلتئم حولكم الشعوب وتهوي إليكم القلوب وترضوا علام الغيوب، ومن الملاحظ أن خطاباتكم في أول المعركة كانت تتسم بالصبغة الدينية وتحلى بالآيات القرآنية، ولكن في الآونة الأخيرة لا حظنا أنها بدأت تنحى منحى حزبياً بغيضاً، وهذا من شأنه أن يفُض من حولكم المتعاطفين ويفرق المسلمين.. فاتقوا الله.. واجعلوه جهاداً في سبيله لإعلاء كلمة الله.
وفي ختام كلمتي أحب أن أزف لكم بعض المبشرات التي يرجى معها دحر هذا العدو الكافر فمنها:
1 / ما أعد الله للمجاهدين في سبيله من الثواب الأوفى إذا صدقوا النية وأخلصوا القصد وقاتلوا لتكون كلمة الله هي العليا ، وكم في القرآن والسنة من الآيات والأحاديث الواعدة بهذا الثواب ويكفيكم قوله تعالى ( إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتِلون ويقتَلون وعداً عليه حقاً في التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم ) قال الحسن البصري ( يا عجباً أنفساً خلقها وأموالاً وهبها فباع واشترى معها وضمن الربح لها) الله أكبر ما أعظم كرم الله ، تأملوا الشروط في الآية بعدها وحققوها : ( التائبون العابدون الحامدون السائحون الراكعون الساجدون الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر والحافظون لحدود الله وبشر المؤمنين ) والسائحون : المجاهدون أو الصائمون .
واعلموا أن قتال أهل الكتاب من أفضل القتال والجهاد، وذكر رسول ا صلى الله عليه وسلم أن أفضل الشهداء في زمانهم من يقتلهم النصارى في الملحمة بينهم وبين المسلمين هذا قدركم يا أهل العراق جاءكم الجهاد في دياركم يسعى، ودخلت عليكم الشهادة أرضكم وبيوتكم فقولوا مرحباً بلقاء الله واعلموا أنها سوق الجنة قامت في أرضكم فبيعوا واشتروا مع الله وانووا الجهاد الصادق وحققوا الدين الخالص والتوحيد الحق وتجردوا من كل أنواع الشرك والضلالات والبدع والمحدثات فوالله لا نحب أن يودعنا منكم ذاهب إلا إلى جنة عرضها السماوات والأرض.
2 / ومن المبشرات كثرة دعوات المسلمين لكم في أرجاء الدنيا شعوراً منهم بفداحة ما وقع عليكم من ظلم وإجرام وليتكم تسمعون ضجيج الأصوات بالدعوات من المساجد والبيوت والمجامع من العجائز والأطفال والصغار والكبار والرجال والنساء يدعون الله لكم بالنصر والثبات ولعدوكم بالهزيمة والخذلان فلستم وحدكم في الساحة ، فكم من جنود لله مجاهيل تقاتل معكم ( وما يعلم جنود ربك إلا هو ) ويحييون الليالي ويتهجدون في الظلام ويدعون الواحد الأحد ويستمطرون لكم النصر( إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم )
وحري أن يستجيب الله الدعاء إذا تظافرت وتظاهرت عليه الجموع وأنتم كذلك لا تملوا الدعاء والتضرع فإنه من أسباب النصر والتمكين .
3 / ومن المبشرات أن عدوكم ظالم باغ متغطرس متكبر يقاتل جنوده المكرهون لا لهدف ولا لغاية وأنتم تقاتلون في بلادكم وبيوتكم ودون محارمكم فاصبروا فإن النصر مع الصبر ، وعدوكم يقاتل غريباً وحيداً في صحراء لم يتعودها ولا يتحملها ولئن صبرتم قليلاً يوشك أن تشتد عليه الشمس فتذوب أجسادهم المنعمة كما يذوب الثلج تحت واهج اللهب ، لا تملوا ولا تستبطئوا ، قاتلتم إيران ثمان سنين فقاتلوا هؤلاء سنة وهم غرباء لا يتحملون ولا يصبرون .
4 / ومن المبشرات مراءٍ صادقة عرضت علينا وعلى غيرنا ورؤيا المؤمن حق وهي من المبشرات ومما يستأنس به المسلم ولا يعتمد عليها ولولا خشية الإطالة لقصصت عليكم بعضاً منها وتعبيرها وهي من القوة والوضوح بحمد الله.
وهناك مبشرات كثيرة أكتفي بهذا داعياً ربنا العظيم أن يدحر هذه الدولة الظالمة الباغية ومن حالفها وظاهرها على الظلم ، وأوصيكم مرة أخرى بتحكيم شرع الله وتحقيق التوحيد والبراءة من الأحزاب القائمة على غير عصبية الدين والإسلام والإيمان ورفع راية الجهاد وجمع الكلمة تحت لواء الحق والتوحيد الخالص والدين والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والرجوع إلى الله بكل خير .
( عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون )
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أخوكم
محمد بن أحمد الفراج
22 / 1 / 1424هـ
===============(67/333)
(67/334)
حرب بلا دخان !!
الدكتور رياض بن محمد المسيميري
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فحين تنادي الغيورون بضرورة صنع شيء ما يقاومون من خلاله البطش الصليبي الغاشم ؛ لم يجدوا أفضل وأنكأ من " مقاطعة بضاعة العدو" بيعاً وشراءً لمعرفتهم ما يمثله هذا الإجراء المؤثر من إصابة في الصميم لمعبودهم المقدس" الدولار" والذي يشكل في حس المواطن الصليبي هناك كل حياته وسعادته والتي يضحى من أجلها بأبويه وولديه وشرفه وعرضه , في سبيل الظفر به!! .
وكانت فكرة المقاطعة امتحان واقعي جيد لإرادة الجماهير المسلمة ومدى قدرتها على التضحية في سبيل مبادئها العليا وثوابتها الراسخة . كما كانت الفكرة كذلك اختبار فيه جدة وجدية لعواطف الشعوب ومصداقيتها وهي التي ظلت دائماً وأبداً تضع اللوم على أصحاب القرار دون أن تظهر اعترافات ذات بال بأنها تشارك إلى حد ما في ولادة مشاكلها واستمرار مصائبها وفشو أوجاعها المزمنة!! .
وقد اجتهد البعض فوضع قوائم لجملة من المنتجات الوافدة ووضع إزائها البديل من المنتج المحلي أو العالمي إلا أنّ التجاوب والتفاعل مع هذه الأفكار الجريئة ظل بين مدّ وجزر ، وبين مُشجع ومُخذل, ومُقدم ومُحجم!
وساد لدى البعض هاجس من الشك حول جدوى هذا الأسلوب ومدى فاعليته وتأثيره؛ كما تردد آخرون في مبدأ الإقدام خوفاً من فضيحة الانسحاب في منتصف الطريق!!
أما أكثر الأطراف سلبية فهم أولئك العاجزون عن مقاومة إغراء الجودة وعقدة التفوق للمنتج الأمريكي فضلاً عن كون المقاطعة ستحرمهم من منتجات اعتادوها وألفوها منذ نعومة أظفارهم ولم يخطر ببال أحدهم أنه سيطالب يوماً ما بمقاطعتها إلى غير رجعة !!
وهذه السطور محاولة لتفعيل الفكرة بحسب الإمكان وبث بعض الأفكار والرؤى حولها أملاً في تحقيق نجاح معقول من ورائها!! .
أولاً : لا يماري أحد أنّ الولايات المتحدة واحدة من أغنى دول العالم وأقواها عسكرياً واقتصادياً وسياسياً ولا يشك أحد أن ترسانتها العسكرية التي من خلالها تمارس نفوذها وسيطرتها على الأمم والشعوب إنما ساهم في صنعها وكثافتها سعة ثرائها وامتلاء خزينتها بفضل إنتاجها المذهل, وصادراتها الهائلة، ولا ريب أنّ الدول الإسلامية بالذات تعد أسواقاً مثالية للبضائع والمنتجات الأمريكية ابتداء من البيبسي كولا ووجبات الهامبورجر ومروراً بسيارات الفورد وال GMC وانتهاءً بطائرات الجامبو والأواكس والإف 15 !!
ومعلوم تلك الأرقام الفلكية التي تدفع مقابل هذا الواردات الضخمة والتي تضخ في الخزانة الأمريكية دون توقف!! .
وأحسب أنّ ما تدفعه الشعوب - بمحض إرادتها - يفوق الكثير مما تدفعه الدول لقاء صفقات الأسلحة أو إزاء تأمين طائرات الركاب المدينة!!
فعلى سبيل المثال فإن صناعة السيارات والأجهزة والملابس والأطعمة التي تستهلكها الشعوب الإسلامية والتي تقدر بمليارات الدولارات تضخ في خزينة الشركات الأمريكية الصليبية الحاقدة .
ثانياً : من المعلوم أنّه في عالم الاقتصاديات الضخمة تتشابك المصالح , وتتعقد الروابط بين أصحاب رؤوس الأموال, وأرباب الشركات بحيث أنّ اهتزاز شركة ما أو إفلاسها سيؤدي إلى آثار سلبية أكيدة على الشركات الأخرى ، وبعض تلك الآثار آني الحدوث, وبعضها متوسط, وبعضها متأخر لكنه حتمي الوجود!! .
فعلى سبيل المثال لو أنّ شركة أمريكية ما تنتج أقلاماً للكتابة وتستخدم 1000 عامل فهي بموجب القانون مضطرة لدفع التأمين الصحي لشركة أخرى وهي كذلك محتاجة إلى شراء ملابس لعمالها من شركة ثانية, ولا بد أن تطلب من شركة ثالثة أن توفر لها حافلات لنقل عمالها من وإلى مقر العمل ,وهي كذلك مجبورة على تأمين سكن ملائم لهم, لذا كان لا بد من إبرام عقد استئجار مبني أو شراءه.
ولا ننسى ساعة الغداء وما تتطلبه من تجهيز صالة للطعام وإبرام عقد مع إحدى شركات التغذية لتشغيله والإشراف عليه فهذه ست أو سبع شركات لها مصالحها وعقودها مع الشركة محل المثال وضربت صفحاً عن الاسترسال اختصاراً!! فلنفرض الآن أنّ شركة الأقلام هذه فقدت 50% من الأسواق المستهلكة نتيجة المقاطعة الشعبية الإسلامية فما النتيجة ؟ !ّ
النتيجة أنها ستفقد نصف أرباحها, وبالتالي ستسرح نصف عمالها, وستخفض التعامل مع شركة التأمين الصحي إلى 50 % وستقلل من شراء الملابس لعمالها من الشركة الثانية إلى النصف , وهكذا إلى آخر شركة تتعامل معها!!
وكل شركة ستقوم بنفس الأجراء مع الشركات التي تتعامل معها في تسلسل عجيب أشبه ما يكون بسقوط مبنى التجارة العالمية حيث سقط كل طابق على الذي تحته حتى سقط المبني بأكمله وأصبح كومة من التراب المتفحم والحديد المهترئ !!(67/335)
ثالثاً : لا ينبغي أن يغيب عن البال أنّ الكساد الذي سيصيب الشركات المنتجة والمصدرة سيعود سلباً على حجم الضرائب المدفوعة قصراً للحكومة الفدرالية فضلاً عن عشرات الألوف من الموظفين والعمالة المسرحين في الشوارع ، والذين سيشكلون عبئاً ثقيلاً على ميزانية الضمان الاجتماعي أو إضافة جديدة لقائمة اللصوص وتجار المخدرات ، أو قنابل موقوتة تنتظر لحظة الانتقام من المجتمع الأناني فاقد الرحمة !!
ولا يزال الراصدون يذكرون الأزمة الاقتصادية الخانقة التي أصابت الأسواق الغربية في مقتل إبان الثلاثينات الميلادية والتي عرفت باسم (الكساد الكبير) وظلت تمثل إلى اليوم كابوساً مخيفاً لأرباب رؤوس الأموال لا يطيقون له ذكراً ! !
رابعاً : آلية المقاطعة :
إنّ ممّا يساهم في نجاح المقاطعة هو الواقعية في تنفيذها فليس من المعقول أن نقاطع ما لا بد منه أو نسرف في شراء كل شيء بحجة أنه مباح مع وجود البديل المماثل بل والأفضل فكلا طرفي قصد الأمور ذميم . فالأحوال إذاً كما يلي :
- هناك من الناس من يقوي على مقاطعة كل منتج مستورد , ابتداء كما أسلفت من المشروبات الغازية, ومروراً بالوجبات السريعة و البيتزاهت وعروجاً على الملابس, وانتهاءً بالسيارات فمن وجد لدى نفسه الحماسة الكافية والإصرار الأكيد على الاستغناء عن كل ما ذكر فحسن فعل, ولا ينبغي تخذيله أو توهين عزيمته, أو تعييره عند اضطراره لشراء شيء من (المحظورات) !
- هناك فئة أخرى قادرة على الاستغناء عن بعض المنتجات لكنها لا تقوى على مقاطعة بضائع معينة و أصناف محددة فيقال: ما لا يدرك كله لا يترك جله فقاطعوا ما استطعتم وأعانكم الله فيما عجزتم .
- هناك فئة أخرى بلغت من السلبية درجتها القصوى وعجزت كبح جماح رغبتها وأهوائها؛ فتُجادل بالتي هي أحسن دون تثريب أو تجريح فلا ينبغي أن تكون فكرة المقاطعة سبباً في (القطيعة !!) أو إذكاء نار العداوة بين أبناء الأمة الواحدة, وحتى لا يستفيد العدو الكافر من حيث أردنا خسارته !!
خامساً : يستعجل البعض النتائج, ويستشرف الآثار في الحال, ويظن أن مقاطعة أمبروطوريات عريضة من رؤوس الأموال والشركات الضخمة سيؤدي إلى انهيارها في ظرف شهر أو شهرين, أو السنة والسنتين ، وهو ظن خاطئ لا يعرف الأناة والتريث , وموغل في التفاؤل إلى حد غير مقبول !!
والحق في هذا الصدد أنّ الثمار اليانعة قد لا يتأتى قطفها إلا بعد سنوات من القطيعة الجادة, وربما يتطلب الأمر تعاقب أكثر من جيل, لكنها حتمية الوقوع بإذن الله تعالى!! .
وماذا يضيرنا أن يتحقق المقصود على أيدينا, أو على أيدي الجيل الذي يلينا, وأجرنا وأجرهم على الله ؟ ّ!
سادساً : ينبغي لإنجاح المقاطعة بث الوعي في المجتمع؛ بكثرة الطرح والطرق لهذا الموضوع الهام ، من خلال الجلسات العائلية ، والجلسات الشبابية ، والمجالس العلمية, مع الحرص التام على سلامة الصدور, وألا يكون وجود بعض الأصوات المخالفة أو المخذلة سبباً في شيوع اليأس من النجاح ,أو إعاقة المسيرة فيجب أن نتوقع كل شيء ..
يجب أن ننتظر بكل تأكيد تلك الأصوات النشاز من مخذلين ومعوقين ومراهنين على الفشل, أو على الأقل تحقيق نجاح محدود, وإذا ظننا بأننا سنلقى تجاوباً مثالياً من الجميع؛ فهذا إيغال في الخيال وإسراف في التفاؤل, أتخوف من نتائجه العكسية على أنصار الفكرة !!.
ولا ينبغي أن ننسى طبيعة مجتمعاتنا المترفة, ونمط العيش السائد لدى الأكثرية, والذين تعودوا أن يجدوا كل شيء متوفراً- بحمد الله- فأصابهم ذلك بالخمول والدعة ، والإخلاد إلى ملذات الدنيا, حتى لم يعودوا قادرين على الزهد ببعض الكماليات ، إلى بدائل ربما تفوقها ترفاً وجودة ، والله المستعان .
ومما يساهم في نجاح فكرة المقاطعة, تشجيع التجار والمحلات التجارية التي لا تبيع المنتجات المزمع مقاطعتها والتواصي بذلك في كل مكان ، ومخاطبة التجار والمستوردين كي يحدوا من متاجرتهم ببضائع الأمريكان فالكلمة الصادقة ، والموعظة الحسنة تفعل الأعاجيب ، وقد خوطبوا من قبل بعدم بيع الدخان والمجلات الفاسدة ؛ فاستجاب الكثيرون فلم يعد غريباً أن تقرأ إعلاناً بارزاً على واجهة المحلات التجارية كتب فيه عبارة (لا نبيع السجائر) .
وأخيراً
فالمقاطعة هي اختبار حقيقي ومحك قوي لإرادة الشعوب والأفراد يتبين من خلالها مدى مصداقية وغيرة هؤلاء على دينهم ، ونصرتهم لقضايا أمتهم فالشعوب والأفراد الذين كانوا إلى عهد قريب يلقون بمسؤولية انتكاسة الأمة وخمولها على غيرهم, ويحملونهم كل جريرة وخطأ.
قد آن أوانهم الآن للقيام بدور عملي ميسور من خلال المقاطعة للكشف عن أصالة معدنهم ، ونضوج فكرهم ، وجاهزيتهم للبذل والتضحية فهل يفعلون ؟؟ .
================(67/336)
(67/337)
الجولة القادمة
محمد بن شاكر الشريف
تغيرات سريعة متلاحقة تحدث في سنوات قلائل، وربما في أشهر، كانت لا تحدث فيما مضى إلا في عشرات السنين، وهذه سمة من سمات العصر الذي نحياه؛ وقد أدى إلى ذلك عاملان:
1 ـ أولهما وأخطرهما على العالم: تفرد دولة ظالمة باغية بامتلاك وسيلة القوة التي لا تُجارى؛ فانهار بذلك التوازن الذي كان يحكم تصرفات الأنداد والنظراء.
2 ـ الثاني: النقلة، أو القفزة بل الطفرة التقنية التي باعدت كثيراً بين الدول المتقدمة تقنياً والدول المتخلفة في ذلك المضمار، فَقبْل التطور الهائل في التقنية الحديثة لم يكن مرور الزمن يكاد يُحدث تغييراً يذكر في موازين القوى، وأما اليوم فإن السنة الزمنية ربما باعدت تقنياً بين فئة الدول المتقدمة وبين فئة الدول المتخلفة ما يعادل خمسين سنة زمنية أو يزيد.
وفي ظل هذين العاملين وقع العالم العربي والإسلامي ـ وهو ينتمي في جملته إلى العالم المتخلف ـ تحت تأثير أو في دائرة جذب المعسكر الصليبي المتفوق تقنياً واقتصادياً، وهو يتعرض اليوم إلى محنة شديدة تكونت من تشابك ثلاث زوايا:
الأولى: كره الصليبيين لدين الإسلام والمسلمين، ورغبتهم في القضاء عليه والثأر منه؛ إذ إن كثيراً من دوله كانت قبل مجيء الإسلام ممالك نصرانية، ثم استطاع الإسلام بنقائه أن يجذبهم إليه، وينقلهم إلى صفه حتى فقدت أصلها القديم، وصارت دولاً إسلامية. ويدل على ذلك الكره كثرة كاثرة من أقوال الصليبيين، لا فرق في ذلك بين الساسة أو المفكرين والمثقفين أو العسكريين أو حتى العامة الدهماء، وهذا الموقف ليس نتيجة لما يروجه بعضهم بما يعرف بـ «أحداث الحادي عشر من سبتمبر»؛ فإن موقف الصليبيين من الإسلام موقف قديم ضارب بأطنابه في أعماق التاريخ لبداية ظهور الإسلام، ثم امتد عبر ما يعرف بالحروب الصليبية في القرون الوسطى مدة قرنين من الزمان، ثم إلى يومنا هذا، ولهم في ذلك كلمات مشهورة مدونة في وثائقهم التي لم تعد اليوم شيئاً مستوراً. وفي العصر الحديث توالت الحملات الصليبية على الدول الإسلامية والعربية منها خاصة لاحتلالها؛ فقد احتلت فرنسا في نهاية القرن الثامن عشر مصر حتى اضطرتها الحرب مع إنجلترا للجلاء عنها، ثم أعيد احتلال مصر في الربع الأخير من القرن التاسع عشر من قِبَل إنجلترا، ثم توالى احتلال الدول الصليبية للدول العربية، فاحتلت إنجلترا العراق والسودان وفلسطين واليمن الجنوبي، واحتلت فرنسا سوريا ولبنان والجزائر والمغرب وتونس، واحتلت إيطاليا ليبيا، كما احتلت هولندا أندونيسيا، وغير ذلك من الدول التي وقعت تحت الاحتلال الصليبي. لقد قامت تلك الدول بسرقة خيرات البلاد في الوقت الذي حاولوا فيه بكل ما وسعتهم الطاقة القضاء على الإسلام، والعمل على تحريفه؛ فما الذي حملهم على ذلك؟ هل كانوا حملة رسالة يودون إبلاغها غير كراهيتهم للمسلمين والرغبة في القضاء على دينهم؟
الثانية: تمتع كثير من الدول العربية والإسلامية بثروات ضخمة متعددة، وخاصة النفط، إضافة إلى الأراضي الزراعية الخصبة، والتي تلهب حماس الطامعين في نهب خيرات البلاد.
الثالثة: عدم كفاءة كثير من قيادات البلاد العربية والإسلامية لقيادة تلك الفترة الحرجة من حياة الأمة، وبعدهم عن الالتزام والتقيد بالإسلام وشريعته، مما أوقعهم في ضعف شديد وتخاذل كبير أمام القوى الصليبية الباغية.
فباجتماع تلك الزوايا الثلاث في ظل العاملين السابقين تصبح الصورة واضحة جداً؛ بحيث لا تخطئها العين المبصرة، وإن لم تكن كاملة الإبصار، وهو أن هناك جولة قادمة تهجم فيها الدول الصليبية (التحالف الصليبي بقيادة أميركا وبريطانيا) على الدول العربية والإسلامية؛ وذلك لتحقيق عدة أهداف:
أولاً: لالتهامها والقضاء على إسلامها سعياً للتمكين للصليب ونشر الصليبية، وضمان أمن واستقرار اليهود، وتحقيق أحلامهم في تكوين دولتهم من النيل إلى الفرات.
وثانياً: لسرقة خيراتها وثرواتها.
وثالثاً: لتحويل أهلها خدماً وعبيداً عند الصليبيين؛ فالهجمة قادمة قادمة لا شك في ذلك، والدلائل كلها تشير إلى ذلك إلا أن يشاء ربي الذي يدبر الأمر في السموات والأرض شيئاً غير ذلك، وقد قال كبير التحالف الصليبي: «سنشنها حرباً صليبية»، كما قالوا: إن الحرب على الإرهاب (وهو الاسم الذي يحلو للصليبيين أن يسموا به المتمسكين بالإسلام، الرافضين لهيمنة الدول الصليبية على بلادهم) ستطاول ستين دولة، وقد تستمر لأكثر من عشر سنوات، والستون دولة المرادة هي الدول العربية والإسلامية؛ فإن عددها ثمانٍ وخمسون دولة.(67/338)
إن القوم لفرط ثقتهم في قوتهم وآلتهم العسكرية في مقابل الضعف الشديد للطرف المقابل، جعلهم يتحدثون عن خطط الحرب التي يعتزمون شنها قبل ذلك بكثير، ويقومون بعمل التجهيزات والتحضيرات الميدانية في وضح النهار، ولم يعد ذلك سراً تحرص تلك الدول على إخفائه وعدم إفشائه؛ وذلك أنها ترى أنه لا مفر لهذه الدول من بطشها، وأنه مهما أخذت من استعدادات واحتياطات فلن تكون بقادرة على التصدي لقواتها التي يمكنها أن تطلق نيرانها على أهدافها من مسافات تبعد مئات الكيلو مترات، وهي بعد لم تدخل أرض العدو، أو تقع في مرمى نيرانه، ومهما حاولت أن أصف أو أصور قوة العدو فقد تكون قوتهم أكثر بكثير مما أقول، وليس في هذا الكلام أي قدر من المبالغة أو التهويل(1)، ولن تكون الدول الإسلامية ـ في نظر الصليبيين ـ بمأمن من بطش الكفار وانتقامهم، إلا بالاستسلام التام والخضوع الكامل لسيطرة التحالف الصليبي، وهذا الإعلان المسبق عن الحرب وخطتها لا يترتب عليه ضرر يلحق بأمن تلك القوة الطاغية، من أي رد فعل قد يقوم به المستهدفون بتلك الحرب، لكن يكون له عندهم في الوقت نفسه نتائج إيجابية كثيرة يحرصون عليها؛ فمن ذلك: إلقاء الرعب والفزع في قلوب الناس جميعاً حكاماً ومحكومين، وقد بدأ يُتَداوَل في وسائل الإعلام الحديث عمّا يسمى بـ (ضربة الصدمة والفزع)، ومن ذلك: حمل الدول على الاستسلام بمجرد هذا التهديد، والتخويف من غير احتياج إلى خوض معركة حقيقية قد تكلفهم الكثير، وعندنا مثال واقعي من ذلك وهو استسلام نظام عربي، والقيام بتحطيم أسلحته بيده وتسليم أسرارها للعدو الذي كان يظهر العداوة له عدة عقود، وإن كنت أرجح أنه لو وجدت دولة تظهر الاستسلام، فإن هذا لن يمنع من دخولها في مظاهرة مسلحة إمعاناً في الإذلال والقهر ولو بعد حين، ومن ذلك: حمل كثير من ضعاف النفوس على المسارعة فيهم ليضمنوا لأنفسهم الأمان، فيكونوا لهم أعواناً وجواسيس، حتى إذا ما رفضت قيادة الدولة الاستسلام، أو أظهرت بعض الإباء والامتناع، كانت هذه الصفوف تعمل على سقوط الدولة، وانهيارها وعدم قدرتها على الصمود، وهناك من المحللين من يفسر الانهيار السريع غير المتوقع، وسقوط بغداد في غزو التحالف الصليبي للعراق بذلك.
لقد أعلن أعداؤنا بوضوح شديد لا لبس فيه، وبصفاقة شديدة لا أثر للمجاملة فيها، أنهم عازمون على تغيير ديننا، أو تغيير مفهومنا للدين، وأنهم سوف يسلكون لتحقيق ذلك كل سبيل بما في ذلك الإكراه بالقوة المسلحة، ولم يعد يهمهم اليوم أن يقدموا مسوغات حقيقية لعدوانهم غير رفع شعار محاربة الإرهاب، أو الحرب الاستباقية التي بمقتضاها يضربون من شاؤوا وقتما شاؤوا، وبدؤوا يطالبوننا بتغيير مناهجنا الدراسية، وحذف كل ما لا يتوافق مع تصوراتهم، أو يكون حجر عثرة في سبيل طموحاتهم في السيطرة على العالم التي لم يعودوا يخفونها عن أحد، كما بدؤوا يطالبوننا بإغلاق مدارسنا ومعاهدنا الشرعية بدعوى أن تلك المعاهد والمدارس تخرج إرهابيين، لأنها تدرس الدين الإسلامي الذي يعد ديناً إرهابياً في نظر الصليبيين، وصارت مؤسساتنا الخيرية غير مرغوب فيها، وليس لها من ذنب عندهم سوى أنها تقف في وجه التنصير في بلاد المسلمين، وتعين الناس على شدة الحياة وقسوتها، وقد بدأت بعض الأنظمة في الاستجابة لذلك، وقامت بإغلاق الآلاف من تلك المعاهد، وإني لأظن لو أن الدول العربية، أو بعضها طالبت أمريكا بتوقيع معاهدة عدم اعتداء بين الجانبين فلن تستجيب لذلك؛ لأن مثل هذه المعاهدة تعيق المخطط التوسعي الذي يسعى إلى تكوين إمبراطورية عالمية، وهم قد بدؤوا جولتهم بأفغانستان، ثم العراق، ثم...، ثم...
فما نحن فاعلون؟ من حقي ومن حق كل مسلم أن يفكر لمصلحة أمته، وفيما يدفع عنها البلاء والشدة، ويسعى في ذلك بجهده ما استطاع، بل هذا مما يجب على كل امرئ حسب مكانته وإمكاناته، وهذه نفثات صدر مكلوم، وهو يرى ما يدبر لأمته، والكثيرون لاهون عابثون؛ فهو كالرائد الذي يحذر قومه مما قد يفجؤهم و «الرائد ـ كما قالوا ـ لا يكذب أهله»، والمشوار العظيم إنما يبدأ بخطوات يسيرة، وأول ما نبدأ به مشوارنا:(67/339)
1 ـ أن نوقن يقيناً تاماً، وأن نجزم جزماً أكيداً، أن أعداءنا عازمون على غزو بلادنا لاحتلالها، أو لجعلها في حكم المحتلة؛ حيث يولُّون علينا بعد غزونا مَنْ تكون قلوبهم معهم ممن يتكلم بألسنتنا، وإنما ينفذ من ذلك ما تسمح الأحوال بتنفيذه وفق الخطط المعدة، وكل شيء عندهم له وقته المناسب، وإنما يبدؤون بما يكون من البلاد أسهل عليهم وأنسب: إما لعزلته عن العام العربي بمشاكله مع جيرانه وتخويفه لهم، فيفرط العرب فيه كما حصل مع العراق، وإما لضعفه خاصة من الناحية العسكرية، وإما للاستفادة والاستعانة بثرواته على تمويل الحرب، وإما لأن سقوطه يضعف غيره ويسهل استسلامه؛ فإذا تساقطت الدول دولة بعد دولة، أمكن أن يتساقط الباقي بدون قتال، ومن هذا التصور فإني أرى أن آخر دولتين يمكن غزوهما في هذا المسلسل الذي يرسمه الشيطان، هما السعودية لمكانتها الدينية في نفوس المسلمين جميعاً، لاشتمالها على مكة (التي فيها بيت الله الحرام) والمدينة (التي فيها قبر الرسول صلى الله عليه وسلم ) أقدس البقاع عند المسلمين، وأن المسلمين لا يمكنهم التهاون، أو التفريط في تلك البقاع؛ لأن ذلك يقرب من التفريط في الإسلام نفسه، وأنه لذلك لا يمكن أن يفكر التحالف الصليبي في غزوها إلا بعد الإضعاف والإنهاك الشديد للأمة الإسلامية، أو أن الخطة قد تعتمد على تقسيمها إلى جزأين: جزء يشمل مكة والمدينة وهذا يترك للمسلمين يحكمونه حتى لا يثيروا حفيظتهم، وجزء يشتمل على الأماكن الغنية بالنفط، وهذا يتم احتلاله المباشر من قِبَلهم، أو احتلاله بالواسطة أي بواسطة أوليائهم، وأتباعهم الذين ينتشرون في كل بلادنا العربية والإسلامية {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} [الأنفال: 30]، والثانية مصر لكثافتها العددية، ولتدرب أكثر شبابها على استخدام الأسلحة المتنوعة، لقضائهم فترة إلزامية من عمرهم في الجيش، ولذلك يُعمل الآن على تحديد النسل كإجراء مؤقت، كما يتم السماح للمحترفين العسكريين بالتقاعد المبكر نظير مكافآت مالية كبيرة، وليس ببعيد عن هذه الخطة ما يجري من تطويق مصر من ناحية إضعاف السودان، وافتعال المشاكل بين مصر وبين دول حوض النيل حول تقاسم مياه النيل، لكنهما مدرجتان على الخطة إذا لم يسقطا من تلقاء نفسيهما، بعد الإنهاك الشديد الذي تتعرض له الأمة العربية والإسلامية، وخاصة بعد تدخل الأمم المتحدة في خصوصيات الدول العربية، وفيما يعد من قبيل السيادة القومية، وفرضها عليهم لأمور لم تستطع أن تفرضها، أو تفرض جزءاً منها على من يحتلون بلاد العرب والمسلمين.
وهناك سيناريوهات كثيرة عند الأشرار لتحقيق ذلك، وقد بدأت دعوات كثيرة عند الأمريكيين تظهر بين كل فترة وأخرى تدعو إلى احتلال منابع النفط في السعودية، وإلى تقسيم مصر وتمكين النصارى فيها، وقد تناقلت كثير من المواقع الإخبارية مفاهيم وتصريحات أمريكية بالنسبة للاستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط تدور حول «أن العراق الهدف التكتيكي، والسعودية الهدف الاستراتيجي، ومصر الجائزة الكبرى». إن الأمر جد لا هزل فيه، وإن من أكبر الأخطاء التي يمكن أن نقع فيها الركون والانخداع ببعض الكلام الذي قد يردده الأعداء أو العملاء، بأنه لا خوف من الحرب؛ لأن أمريكا لا تشن الحرب على أصدقائها، أو أنها لا تشن الحرب إلا بمسوغات مقبولة، أو أنها لا تخالف الشرعية الدولية التي تمنع الاعتداء على الآخرين، ونحو ذلك الكلام الأجوف الذي لا مصداقية له؛ فإن مما هو معروف إلى درجة تبلغ اليقين أن هذه الدولة، أو تلك التي تملك من القوة ما تتمكن به من تحقيق ما تريد، إذا لم يكن لها دين صحيح يقودها؛ فإنها تتصرف بمقتضى الهوى، ولا يوقفها عن ذلك إلا القوة المضادة التي تجبرها إجباراً على مراعاة الآخرين. أما ما يدعى من حقوق الإنسان، والسلام العالمي، ونشر الحرية فذلك مجرد كلام لا رصيد له من الواقع، والشرعية الدولية التي يزعمونها ليست إلا وسيلة لإمضاء إرادة الدول القوية على الدول الضعيفة، في شكل يحفظ ماء وجه الحكام الضعاف عند شعوبهم، وهذه جملة لا يحتاج المرء فيها إلى إقامة الدليل؛ إذ يكفي النظر إلى أحوال العالم اليوم ليظهر الدليل على ذلك بلا خفاء.(67/340)
لقد تبين للعالم أجمع أن كل المسوغات التي زعموها لشن الحرب على العراق كانت كذباً في كذب، ولست أشك أن أمريكا كانت على يقين كامل، وهي تشن الحرب على العراق، وتستنفر دول العالم في حملتها الظالمة بأن العراق لا يمتلك شيئاً من هذه الأسلحة المدعاة، ولو كانت أمريكا تشك مجرد شك أن العراق يمتلك أسلحة دمار شامل صالحة للعمل، لم تقدم على دخول الحرب بهذه الصورة التي لم يظهر فيها على الجنود أو المعدات أي أثر للاحتياطات التي ينبغي اتخاذها في مثل تلك الحالات، تحسباً لاستخدام تلك الأسلحة؛ فلما حدث الغزو، وانتهى كل شيء، وبدا لهم أنهم حققوا أو قاربوا ما أرادوا، لم يهمهم أن يعلنوا على العالم أنهم لم يعثروا على أسلحة الدمار الشامل التي كانت مسوغاً للغزو، وأنهم قد لا يعثرون عليها مستقبلاً، حتى اعترف المسؤولون فيهم بعد ذلك بكل برود أن ملف أسلحة الدمار الشامل في العراق قد جرى التلاعب فيه من قِبَل المخابرات عن قصد وعمد، ولنا أن نتساءل: هل جرى التلاعب فعلاً من المخابرات، أم أنه قد طلب ذلك منهم؟ والشيء الغريب أنهم بعد فضيحتهم في ذلك يقولون: لكننا وإن لم نجد الأسلحة، فإن العراق كان في نيته أن ينتج هذه الأسلحة، وهو منطق معوج وهو نفس منطق الذئب مع الحمل المعروف في التراث الشعبي. وبغض النظر عن الحديث بأنه لا حق لهم في منع أحد من امتلاك أسلحة هم أنفسهم يملكونها، بل هم أول من استخدمها فقتلوا بها مئات الآلاف من المدنيين اليابانيين من الرجال والنساء والأطفال غير أضعاف ذلك العدد من المصابين، مع تخريب الأرض والتربة في تلك الأماكن لأكثر من خمسين سنة؛ حيث جرى ضرب مدينتي نجازاكي وهيروشيما اليابانيتين في الحرب العالمية الثانية، وذلك في لحظات من دون أية دواعٍ عسكرية تدعو لذلك؛ حيث إن هاتين المدينتين لم تكونا من المدن العسكرية، وإنما فُعل ذلك فقط من أجل إلقاء الرعب والفزع في قلوب الشعب، والقيادة، وفرض شروط الاستسلام؛ فلأجل تحقيق ذلك جرى ضرب اليابان بكل قسوة، دون التحلي بأي قدر من المسؤولية الأخلاقية في ذلك؛ فمن يستطيع الآن بعد التيقن من كذب هذه المسوغات، واعترافهم أنفسهم بذلك أن يعوض الشعب العراقي عما حدث له نتيجة كذب المخابرات أو خطئها؟ وأين الشرعية الدولية التي يزعمونها؟ وماذا قدمت لشعب العراق المسكين سوى إسباغ الشرعية على الاحتلال؟ لكني لا أنظر إلى ما تم في ذلك على أنه خطأ مخابراتي؛ فإن النظر إليه على هذا النحو هو نوع من البلاهة، بل هو أمر مقصود رُتب له بعناية على مدى سنوات متطاولة.
2 ـ إن من أكبر الأخطاء الفادحة أن نروِّج في وسائل إعلامنا، أو أن نقبل أن يروج أحد بيننا أن أمريكا بلد الحرية والعدل والمحافظة على حقوق الإنسان وكرامته؛ فإن هذا مما يسهل عليها غزونا فكرياً واحتلالنا عسكرياً. ألم يقتل في الحرب الأمريكية على العراق أكثر من مائة ألف نفس؟ فأي شيء يسوّغ لأمريكا قتل هذه النفوس، أو التسبب في قتلها؟ إن العراقيين لم يهاجموا أمريكا ولم يبدؤوها بقتال، بل الأمريكان وحلفاؤهم هم الذين جاؤوا من وراء البحار، ومن على بعد آلاف الكيلو مترات، فنزلوا أرضهم، وقتلوا رجالهم ونساءهم وأطفالهم، وسجنوا شبابهم، وعذبوهم بطرق وأساليب يندى لها الجبين خزياً وعاراً وشناراً، وتدل على همجية قلَّ أن يعرف التاريخ لها نظيراً. وهل كانت أمريكا تعرف معاني الحرية والعدل وحقوق الإنسان وكرامته، وهي تقدم الدعم غير المحدود لعصابات اليهود التي قامت بالاستيلاء على فلسطين بعد أن مكنتهم بريطانيا من ذلك؟ هل عرف التاريخ مثل هذه المأساة؟ قوم يأتون من بلاد بعيدة متفرقة فينزلون أرضاً فيقتلون أهلها ويشردون من بقي منهم، ويستولون على أراضيهم وممتلكاتهم، ثم يجدون من يدافع عنهم ويؤيدهم ويناصرهم، بل يعدون أهل الأرض وأصحابها الذين يدافعون عن أرضهم، وأموالهم من الساعين في الأرض بالفساد، الذين يجب سحقهم والقضاء عليهم؟ لكننا ما لنا نذهب بعيداً، أليست أمريكا نفسها قامت على المبدأ نفسه؟ ألم يستولِ أجداد الأمريكان على الأرض من أهلها الأصليين الهنود الحمر؟ ألم يقوموا بعملية إبادة منظمة لهم؟ أليس من الكذب والتضليل الذي يقوم به بعض من هم من بني جلدتنا أن يقال: إن أمريكا تعرف معاني الحرية والعدل وحقوق الإنسان، وأنها في تصرفاتها تعمل على تحقيق ما تعرف من تلك المعاني؟
3 ـ خذوا حذركم! لقد أمرنا الله ـ تعالى ـ بذلك، وإن أوْلى ما يستدعى فيه الأخذ بالحذر هي الأوضاع التي نحن فيها؛ ففي ظل تفرد دولة بالقوة الباطشة وأحلامها غير المحدودة في التوسع والتمدد، وبسط سلطانها، ونفوذها، وفرض ثقافتها ودينها على العالم، ومحاربة ما يخالف ذلك من ثقافات وعقائد، ما يجعلنا موقنين أن المعركة بين جند الرحمن وبين عبيد الشيطان قادمة لا مفر منها؛ إذ هما نقيضان لا يلتقيان، ونحن نخوضها في هذا الظرف بصفتها معركة مفروضة علينا، ولسنا نحن الذين فرضناها، ونحن ندخلها حين ندخلها في هذا الوقت كارهين مرغمين، ومثلنا في ذلك مثل القائل:(67/341)
إذا لم تكن غير الأسنة مركباً *** فما حيلة المضطر إلا ركوبها
وليس سوى ذلك إلا الذل والهوان، وتسليم أمرنا للصليبيين: يقتلون من شاؤوا، ويستعبدون من شاؤوا، ويشردون من شاؤوا، ولن يقبل الصليبيون من المسلمين أقلّ من ذلك، وتاريخهم معنا معروف في القديم وفي الحديث؛ فرغم عقيرتهم التي ترتفع صباح مساء مطالبة الدول العربية بالإصلاح، فإنهم لا يقبلون الإصلاح الحقيقي؛ لأن الإصلاح الحقيقي إنما ينحصر في اتباع شرع الله ـ تعالى ـ وعدم الخروج عليه كما قال نبي الله شعيب ـ عليه السلام ـ: {إنْ أُرِيدُ إلاَّ الإصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ} [هود: 88] فسوف يمانع الصليبيون في أية خطة حقيقية للإصلاح، وسوف يسعون في تخريبها؛ لأنها تهدد مصالحهم، وتقضي على أطماعهم، وهم يسعون لإقرار خطط الفساد تحت اسم خطط الإصلاح تزويراً وكذباً؛ لأن الإصلاح الذي يسعون إليه هو الإصلاح من وجهة نظرهم، وهو الذي يحقق مصالحهم، حتى وإن أضر بمصالح البلاد والعباد. إن النظر إلى المشروعات الصليبية على أنها خطط للإفساد ليس نابعاً فقط من الرؤية الدينية، بل هي إفساد حتى من المنظور القومي أو الوطني؛ فالقومي أو الوطني الحقيقي الذي يحرص على مصالح قومه ووطنه ويسعى في سبيلها حتى ولو لم يكن إسلامياً، سوف يرى بكل وضوح أن الإصلاح الأمريكي ضد القوم والوطن؛ لأنه في النهاية إذابة للقوم والوطن في مسلاخ الأمركة؛ فالجري أمام الصليبيين وقبول ما يأتون به، والاستسلام لهم ليس طريقاً لأمن شرهم، بل هو طريق الهلاك والدمار؛ وإنْ وعد الشيطان ومنّى بغير ذلك؛ فلا ينبغي أن نفعل معهم كما فعل بعض المسلمين من قبلُ مع التتار؛ حيث كان التتري يخرج على جماعة من المسلمين، وليس معه ما يقتلهم به، فيقول لهم: مكانكم حتى آتي بالسيف فأقتلكم! فما يستطيع أحد أن يغادر مكانه، ويظلون واقفين في مكانهم لا يبرحونه إلى أن يأتي التتري بالسيف فيذبحهم به ذبح الشياه؛ وهذا ما لا يرضاه مسلم لنفسه، ولا لأمته التي شرفها الله ـ تعالى ـ وجعلها خير أمة أخرجت للناس، تلك الأمة الحاملة للرسالة الخاتمة، والتي كانت تحرص على الموت في سبيل الله، كما يحرص أعداؤنا على الحياة، بل علينا أن نقف وقفة الأسد عندما يُهاجَم عرينه، ولسان حالنا قول الشاعر:
ولست بمبتاع الحياة بسبة *** ولا مرتق من خشية الموت سلما
تأخرت استبقي الحياة فلم أجد *** لنفسي حياة مثل أن أتقدما
فلسنا على الأعقاب تدمى كلومنا *** ولكن على أقدامنا تقطر الدما
فلا مناص لنا أن نوقن بحتمية المواجهة وبقرب ساعة النزال، فنستعد لذلك ونتجهز ونأخذ الأهبة ونعد العدة المستطاعة، امتثالاً لقوله ـ تعالى ـ: {وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ} [الأنفال: 60] وإني والله لموقن من نصر الله للمسلمين ومن هزيمة الكافرين، رغم ما عندهم من القوة وفراغ أيدينا من كثير من أدواتها ووسائلها؛ فإن القوم علاوة على كفرهم قد طغوا وبغوا وأكثروا في الأرض الفساد، وأتوا بكل أسباب الخذلان لهم من الله، فاستحقوا بذلك أن يكتب الله عليهم الهزيمة والخزي.
ولم يبق لتحقيق ذلك في عالم الواقع إلا أن يحقق المسلمون شروط النصر، حتى يحقق الله لهم ما وعدهم به؛ فإن الله لا يخلف وعده، وإن سنته لا تتبدل.
* شروط النصر:
ومن شروط النصر: أن ننصر الله. قال الله ـ تعالى ـ: {إن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [محمد: 7] ونصر الله هو نصر دينه وكتابه وسنة نبيه، فأعظم مخزون استراتيجي عند الأمة هو دينها الذي أعزها الله به، وهو أعظم سلاح تمسكت به، وبتحقيقها له وتمسكها بأحكامه حققت النصر في المعارك الصعبة، وإننا لو فتشنا حياة العرب كلها على مدى تاريخهم القديم والحديث، لم نكد نجد لهم من نقطة مضيئة إلا يوم أن آمنوا بالله ورسوله، وعضّوا على ذلك بالنواجذ، ولولا الإسلام لما راح العرب ولا جاؤوا، ولذلك لا يمكننا الحديث عن النصر الكامل، أو النصر المستقر ـ لا مجرد نصر زائف أو نصر خاطف مؤقت ـ إلا مع الالتزام بالإسلام، والتمسك به، والرجوع إليه.
ونحن بحاجة إلى جهود مخلصة مع عزمات الرجال الأشداء لنحقق نصر الله، حتى ينصرنا الله ـ تعالى ـ كما وعد من ينصره بنصرٍ من عنده، ولا مجال هنا للتفاصيل، ويكفي كل دولة من دول المسلمين أن تستعين بمجموعة من العلماء البارزين المخلصين ـ وهم كُثر بحمد الله ـ تعالى ـ وهم قادرون بإذن الله ـ تعالى ـ على وضع الخطط الجيدة، والسريعة، والقابلة للتنفيذ في عالم الواقع، للعودة بالأمة إلى دينها في جميع المجالات: السياسية، والاقتصادية، والقضائية، والتربوية، والجهادية، والإعلامية. وينبغي على الدولة المسلمة أن تعتمد هذا الاتجاه؛ فتذلل أمام العلماء الصعوبات التي تعترضهم، وتمدهم بما يحتاجون إليه من رجال أو مال أو دعم؛ أي يكون هذا المشروع مشروع دولة لا مشروع فئة من الناس صغرت أو كبرت؛ فإن الخطر الداهم هو خطر بحجم الأمة كلها. وينبغي أن يكون التحدي المقابل بالحجم نفسه.(67/342)
ومن شروط النصر: الاتحاد؛ فالاختلاف والتنازع سبب للهزيمة والجبن والضعف، وإفساد الخطط وضياع الأهداف. والوقت الآن ليس وقت حروب داخلية، أو نزاعات بين أقلية وأكثرية، أو بين حكومة ومعارضة، أو بين عدة اتجاهات سياسية، والوقت يمر بأسرع مما نتصور، والإعداد الجيد يتطلب وقتاً مكافئاً، وخاصة في مثل الأوضاع التي نعيشها في ظل البعد عن الفهم والالتزام الحقيقي بالدين؛ فالحرب القادمة تستهدف الجميع، ولا تعتد بهذه التفاريق والاختلافات التي بين المسلمين، أو بين الحكام والمحكومين؛ فالجميع أعداء بالنسبة للصليبيين، وما يظهرونه من اعتداد ببعض الفرق، أو الجماعات، أو الحكومات فإنما على اعتبار أنها مرحلة تكتيكية تخدم مخططهم الكبير؛ فهي إذا ناصرت بعضاً وأظهرت لهم المعاونة والتأييد فإنما ذلك لتحقيق أهداف خاصة بهم، كأن تناصر فريقاً وتمده بالعون ليقضي على الفريق الآخر، وفي ذلك إضعاف للجميع، أو تناصر المجاهدين للقضاء على عدو مشترك كما حدث في الحرب الأفغانية الأولى؛ فقد ناصرهم الصليبيون (وإن كان ذلك حدث بطريق غير مباشر عبر الأبواب الخلفية) من أجل القضاء على الشيوعيين؛ فلما تم لهم ذلك قلبوا للمجاهدين ظهر المجن، والدروس في التاريخ كثيرة، والواقع ماثل مشاهد للعيان، ومن لا يعتبر فإنه يجني ثمار ذلك علقماً وحنظلاً، يجنيه على نفسه وعلى قبيله، فلا مسوغ للاختلاف بين المخلصين الذين يرجون رحمة الله، ويحرصون على مصالح دار الإسلام؛ فالعدو يستهدف الجميع، ونصر دين الله هو عمل الجميع، وقد قال ـ تعالى ـ محذراً من التنازع والاختلاف: {وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [الأنفال: 46] ويعظم التنازع، ويكثر الاختلاف عندما يكون الأعداء على مشارف البلاد، وهذا أمر لا بد أن يدركه الجميع، وليس المطلوب أن يدركه فريق بينما بقية الفرقاء يغطون في نوم عميق: لا يهمهم ولا يعنيهم غير تحقيق مصلحة حزبهم أو جماعتهم، بمنظارهم الضيق، تلك المصلحة الحزبية أو الفئوية التي لا يمكن أن تستوعب مصلحة الأمة كلها.
ومن شروط النصر: إعداد المستطاع من القوة، وقد تعددت وسائل القوة، واختلفت صورتها من جيل إلى جيل، والمطلوب أن يعد المسلمون ما استطاعوا من القوة المناسبة لعصرهم، كما جاء الأمر بذلك في كتاب الله ـ عز وجل ـ فقال ـ عز من قائل ـ: {وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ} [الأنفال: 60]. إن من فوائد إعداد العدة أنها تقوم بوسيلة الدفاع من حيث لا يدري المسلمون؛ فاستعداد المسلمين وتحصنهم بالآلات والوسائل القتالية المناسبة لعصرهم، تلقي في قلوب الأعداء الذين لا نعلمهم أو لا نعلم بعداوتهم الرعب والخوف، فلا يجرؤون على العدوان علينا، ولذلك جاء قوله ـ تعالى ـ بعد الحديث عن إعداد القوة فقال: {تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ} [الأنفال: 60] فأَمْر الله ـ تعالى ـ بإعداد ما يستطاع من القوة، يعني أن المسلمين مكلفون بذلك، وأن التهاون أو التفريط فيه يعرضهم لعقاب الله تعالى، بل عليهم أن يبذلوا جهدهم ما استطاعوا وأن يستفرغوا وسعهم، ثم بعد ذلك يقال: «لا يكلف الله نفساً إلا وسعها» أي لا يكلفها ما تعجز عنه، أو ما لا يمكنها فعله إلا بمشقة شديدة، تخرج عن حد الوسع والطاقة، وغير ذلك فإنما هو التهاون والتخاذل.
وفي واقعنا المعاصر يمكننا أن نحدد أربع مجالات من مجالات إعداد القوة:(67/343)
أولاً: المجال التربوي: فإن المجتمعات تقاس قوتها اليوم بما لديها من نظم تربوية وتعليمية قادرة على إعداد الأجيال وتهيئتها، وفق عقيدة المجتمع وثقافته. وعلينا نحن في هذا المجال أن نعتني بالتربية في الجانب الشرعي التي تحفظ علينا ديننا، كما نعتني بالتعليم في الجانب التقني الذي يمكننا من مواكبة العصر وعدم التخلف عنه، من غير أن ينفي أحدهما الآخر؛ إذ لا تعارض بين الأمرين؛ فإن تعلم المعارف الدنيوية التي تحتاج إليها المجتمعات من فروض الكفايات، كما بيّن ذلك أهل العلم، ونصوا عليه في مصنفاتهم، والإنسان ينبغي له أن يتخصص في جانب بعد أن يكون قد حصل الأمور الأساس في بقية الجوانب، كما أن ما عرف بـ «سياسة تجفيف المنابع» أي منابع التدين في المجتمعات الإسلامية والتي اعتمدتها بعض المؤسسات الحاكمة، لا تكون إلا معولاً من معاول الهدم في يد الأعداء، كي يهدموا بنياننا، ويقوِّضوا صروحنا، ويستولوا على ديارنا وثرواتنا. إنّ فهم الدين الفهم الصحيح، والعمل به، والدعوة إليه على بصيرة، وإزالة كل ما يعارضه ويخالفه: هو صِمَام الأمان للمجتمعات في داخلها وخارجها. إن الدين هو الذي يُنشئ مجاهدين أقوياء شجعاناً ومقاومين، لهم بأس شديد أمام عدو الإسلام والمسلمين، وإن العناية بالتعليم في الجانب التقني تجعل أبناءنا يحوزون خبرات ومعارف العصر، حتى يمكن لنا أن نقيم مصانعنا بأيدينا، وننتج ما نحتاج إليه، فلا نكون عالة على غيرنا، حتى نستورد منهم أتفه الأشياء في بعض الأحيان، بحجة رخص ثمنها وجودة صناعتها، ومتى يمكن لنا أن نتقدم في هذا المجال إذا ظللنا نعتمد سياسة الاستيراد، إنّ من أهم ما ينبغي أن نحرص عليه في مجال التقنية أن تكون بلادنا قادرة على إنتاج سلاحها الذي تحمي به نفسها ورعاياها، فتحمي بذلك البلاد والعباد من بأس الكافرين وظلمهم، وليس من المعقول أو المقبول أن تنتج كثير من الدول على اختلاف مللها النصرانية، واليهودية، والبوذية، وعباد البقر والوثن، كثيراً من أسلحتها التي تحتاج إليها لتحقيق أهدافها ولحماية أراضيها، بينما يقف المسلمون وحدهم يتسولون السلاح.
ثانياً: المجال التثقيفي: وهذا دور وسائل الإعلام الملتزمة بعقيدة بلدها وثقافة أمتها؛ حيث تقوم بتثقيف العباد وتبصيرهم؛ ببيان الحقائق، وكشف مخططات الأعداء وأساليبهم، ومن يجاريهم ويسير في دربهم وعلى مناهجهم، حتى تتكون لدى عامة المسلمين ثقافة المناعة والامتناع أمام الغزو الفكري، لا أن تكون تلك الوسائل هي رأس الحربة، والجسر الذي تعبر عليه كل الفلسفات الباطلة، والأخلاق الهادمة؛ فالإعلام لا بد أن يعد نفسه هو رأس الحربة والجسر الذي يعبر عليه المسلمون لفهم واقعهم على الوجه الصحيح، وفهم أعدائهم وخططهم وطرقهم، وأن يحصنهم ضد كثير من أفكارهم التي تتناثر عبر الفضائيات وشبكات الإنترنت تناثر الهوام؛ لأن تنويم الشعوب، وإشعارها بالطمأنينة الكاذبة، وعدم إطلاعها على حقيقة تربص الأعداء بها، لا يصب إلا في مصلحة العدو، بل يعد ذلك نوعاً من مشاركة العدو في استهدافهم لبلادنا. ولو أردنا أن نحدد للإعلام أهدافاً يجول من خلالها، وهو يقوم بدوره الإعلامي لقلنا: إن على الإعلام أن يعمل على بيان الحقائق وتوضيحها، وخاصة المتعلقة بعلاقة الغرب بالإسلام والمسلمين، وتوحيد قوى الأمة كافة، وإزالة ما بينها من فرقة واختلاف، أو شحناء، وإشاعة التراحم بين الناس، وحثهم على التعاون والتكامل، وشحذ الهمم نحو البذل والعطاء، والجهاد في سبيل الله؛ فمن خلال العمل على تحقيق هذه الأهداف يقوم الإعلام برسالته الإعلامية.(67/344)
ثالثاً: المجال الاقتصادي: صار الاقتصاد اليوم من أهم عناصر القوة، لذلك كانت تقوية الاقتصاد في بلاد المسلمين تقوية للأمة في معركتها المفروضة عليها من أعدائها، وأول خطوة في تقوية الاقتصاد هو اجتناب الربا اجتناباً كاملاً تاماً؛ لأن أصحاب الربا مخذولون غير منصورين؛ إذ الربا والخذلان قرينان، وقد آذنهم الله بالحرب فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ * فَإن لَّمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [البقرة: 278 - 279]...الآيات؛ فمتى يُنصر من يحاربه الله ورسوله؟ وقد بيّن الله ـ تعالى ـ أن الربا لا فائدة فيه، وأن عاقبته إلى قُلٍّ وإن كثر؛ كما قال ـ تعالى ـ: {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا} [البقرة: 276]. ومن ذلك أيضاً نشر ثقافة الاستهلاك الرشيدة التي تهدف إلى الحصول على الاحتياجات من غير إسراف، أو توسع في الكماليات، وزيادة الإنتاج، وتجويده وتنويعه، حتى يغطي أكثر احتياجات السوق المحلية؛ مما يحفظ قوة العملة، وقدرتها في الأسواق المالية، والاستغناء عن الاستيراد في كثير من الأمور إلا ما لا بد منه، والعمل على أن يكون لدينا فائض من إنتاجنا، نصدره لضمان قوة اقتصادنا؛ وهذه بلا شك أمور لا تتم بالأماني والرغبات، بل هي في حاجة إلى تخطيط جيد من عدة نواحٍ، وليس في هذا مشكلة؛ إذ المخططون الأكفاء موجودون، والمطلوب الآن الاستعانة بهم، وعدم تهميشهم، والعمل بما يشيرون به في هذا المجال، وقد جربت أمتنا كثيراً من الخطط الاقتصادية، سواء ما ينتمي إلى الفكر الغربي الرأسمالي، أو الفكر الشرقي الشيوعي أو الاشتراكي، ولم تجن من وراء ذلك تقدماً أو تحسناً، بل الأوضاع الاقتصادية تزداد سوءاً بمرور الأيام؛ فهذه الديون على الدول قد زادت زيادات غير معقولة، حتى إنها لو وزعت على أفراد بعض الدول ذات التعداد الكبير لكانت كل نفس فيها (حتى الأطفال الرضع) مدينة بعدة آلاف من الدولارات، ولم يبق للدول إن أرادت الخير إلا أن تبحث عن الخطط التي تنطلق من الفهم الإسلامي للاقتصاد، وهم مدعوون إلى ذلك من منطلق الدين أولاً: لأن هذا هو الفرض عليهم، ومدعوون إليه ثانياً: من قِبَل الدنيا؛ لأنه هو الكفيل بتحقيق الحياة السعيدة بعيداً عن الحياة التعيسة البئيسة.(67/345)
رابعاً: المجال العسكري: وهو أشهر مظاهر القوة وأصرحها، وعليه يقع عبء كبير، لكنه إذا لم تسانده المجالات المتقدمة؛ فإن فعاليته تكون ضعيفة، والناس تنقسم في هذا المجال إلى عسكريين ومدنيين، لكن هذا التقسيم إنما ينظر إليه عند جهاد الطلب، أما عند الدفاع عن الحرمات والحريم، والعيال والديار؛ فإن الجميع من عسكريين ومدنيين يطالبون بذلك، ولا أثر لذلك التفريق على توجه الطلب للجميع. واستعداداً للجولة القادمة التي يفرضها علينا أعداؤنا في تلك الظروف، وحالات الضعف التي تمر بها الأمة، فإنه ينبغي علينا أن نقوم بتدريب الجيوش تدريبياً حسناً، وأن نمدها بالأسلحة الحديثة المتقدمة المتطورة، مع إجراء المناورات المتعددة واختبار القدرات، وربط ذلك كله بالجانب العقدي في المحافظة على الدين، وحماية دار الإسلام، وشحن العسكر شحناً إيمانياً عن طريق جهاز التوجيه الديني المعاون للجيوش. وإذا كانت الجيوش بما لديها من أسلحة قديمة وغير متطورة، لا تستطيع بعد بذلها لما يمكن بذله من النفوس أن تحقق التفوق والتغلب على أسلحة الأعداء؛ فإن هناك من أنواع الخطط العسكرية (التكتيك) التي يمكن اتباعها، والتي يمكن أن توقع بالعدو خسائر جسيمة لا يستطيع تحملها مع طول أمد المعركة، وهذه الخطط تعتمد على حرمان العدو من القدرة على استعمال السلاح الأكثر تطوراً، والذي لا يملكه أحد غيره سوى حلفائهم؛ فإذا أمكن تحييد هذه الأسلحة بالطرق المعروفة في الفنون العسكرية، صارت المعركة بيننا وبين أعدائنا تعتمد في أغلب جوانبها على السلاح التقليدي الذي يمكننا صناعته، أو الحصول عليه بطرق كثيرة من خلال المنافذ المتعددة. وهنا يظهر تأثير الجندي القوي المؤمن بقضيته وحقه، بل واجبه في الدفاع عن دينه وأمته ووطنه، ومع الإعداد الإيماني لجنودنا، إضافة إلى الإعداد العسكري الجيد، فإن النصر في صفنا بإذن الله، ولن نخسر المعركة أبداً من قِبَل نقص السلاح والعتاد، وإنما تأتي الخسارة من قِبَل ضعف العزيمة والوهن الذي يصيب النفوس، برغبتها في الحياة، وتغليب العيش الذليل على عز الجهاد والاستشهاد، وقد أثبتت الخبرة المكتسبة من عدة حروب، من آخرها الحرب الدائرة في العراق الآن بين المحتل الصليبي وبين أهل البلد المقاومين؛ أن الأسلحة التقليدية قادرة ـ بإذن الله ـ على فعل الأعاجيب، وإيقاع الخسائر البالغة بأصحاب القوة العظمى، وهذا يستلزم من دول المسلمين، وهي تخشى على نفسها من عدوان العدو الغادر الذي لا يقيم وزناً لأي شيء إلا ما وافق مصلحته الذاتية، أن تقوم بتدريب فئة قوية من الشعب (تتراوح أعمارها غالباً بين العشرين والأربعين) على مختلف الأسلحة إلى حد الإتقان، مع تكديس الكثير من هذه الأسلحة وذخيرتها في مخازن عدة متفرقة في أماكن مختلفة على طول البلاد وعرضها، بالإضافة إلى تمكين الشعوب من الحصول على ذلك السلاح عند قرب اقتحام الأعداء لحدود البلاد، مع تنظيم تلك المجموعات الشعبية، وترتيبها وتعويدها العمل الجماعي المنضبط، مع ما يتبع ذلك من تأمين وسائل اتصال جيدة بين تلك المجموعات، وغير ذلك مما يُحتاج إليه في ذلك، وهو ما يعرفه العسكريون بصورة أكمل وأشمل، وينبغي أن نجهز ذلك من الآن قبل أن يدهمنا العدو، فلا نملك التجهيز والإعداد إلا والعدو فوق رؤوسنا؛ فإن الأمر أعجل مما نتصور بكثير، وليس يمنع أعداؤنا من هذه الخطوة إلا عدم قدرتهم العسكرية على إشعال أكثر من حرب في أماكن متعددة، وخاصة بعد الصمود غير المتوقع من المقاومين العراقيين، ولو أن العراقيين سلَّموا من أول أمرهم، ولم يقاوموا بل استقبلوا ذلك بالتسليم والتاييد لتغير التاريخ والجغرافيا في منطقة الشرق الأوسط بأكملها.(67/346)
إن المستقرئ للأحداث يدرك أن أحداث الحادي عشر من سبتمبر ليست هي المحرك الوحيد لما تلاها من أحداث، وإن حاول الصليبيون أن يروجوا ذلك، ولكنها كانت الظرف الأفضل الذي يمكن من خلاله عمل ما جرى التخطيط له منذ زمن. إن أمريكا بعد انهيار توازن الرعب بانهيار الاتحاد السوفييتي اشرأب عنقها نحو السيطرة الفعلية على العالم، وإن هذا قد جرى التخطيط له منذ فترة رئاسة (ريجان)، بل قبل ذلك، ولكننا نحن الذين لم نتفطن لذلك ولم ننتبه له، وكان ينبغي علينا أن نحسب لهذه الأيام حسابها، وأن نعد لها العدة، فإن الذي يبدأ بالضربة الأولى هو الذي يملك زمام الأمر لفترة تطول أو تقصر بحسب قوته، واستعداده، وبحسب قوة الخصم، واستعداده لاستيعاب الضربة الأولى، ولا شك أن الذي يكون في وضع الدفاع يفقد جزءاً من قوته مع الضربة الأولى، وتتوقف استعادته لتوازنه على قدرته وتدريبه على مثل تلك المواقف، وكيفية مواجهتها ووضع الخطط المناسبة لها، ونحن وإنْ كنا لن نضرب الضربة الأولى لعدم استطاعتنا لذلك، بل سنظل ننتظر الضربة التي تقع علينا؛ فما زال في الوقت فسحة ولو قصيرة للمخلصين للتخطيط لتلقي الضربة الأولى، وكيفية العمل على إفسادها، ومن ثم العمل على إيقاف تلك الهجمة التي لو قدر لها أن تنجح فلن تبقي ولن تذر، وسيتحول المسلمون الطاهرون عندها إلى رعاة خنازير عند عباد الصليب. وبعدُ فنحن هنا لسنا دعاة حرب، بل في حالة دفاع عن الدين والنفس والمال والعرض، وكلها من الضروريات، ولسنا في حالة هجوم؛ فنحن لا نخطط للذهاب إلى بلادهم وديارهم ومهاجمتهم، وإنما ندعو أمتنا للتخطيط من أجل الحفاظ على ديننا وديارنا وأهلينا وثرواتنا، وليس في هذا عدوان على أحد، وإنما هو محاولة لرد العدوان، ومحاولة لزجر من تسول له نفسه أن يقترب من حياضنا؛ حتى يعلم أننا لسنا لقمة سائغة يسهل ابتلاعها وهضمها، بل يدرك أننا لقمة مُرَّة يصعب ابتلاعها، وأنه لن يشعر بالسعادة أبداً إذا حاول ابتلاعها، بل سيجدها أشواكاً ضخمة في حلقه مثل الكلاليب تسد حلقه، حتى تقضي عليه، {لِلَّهِ الأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَن يَشَاءُ} [الروم: 4 - 5]. وإني أرى أن تقوم الآن في كل دولة مسلمة هيئة هدفها العام إعداد الدولة للمواجهة والجولة القادمة، وهي هيئة حكومية أو مدعومة من الحكومة تتعاون فيها وزارات الدفاع، والدعوة، أو الأوقاف، والتعليم مع مجموعة من الكفاءات الشعبية، ومن أول ما ينبغي القيام به من هذه الهيئة أن تطلع الشعوب على ما يراد بهم؛ فإن عدونا لم يعد اليوم يخشى من التصريح بما يريد فعله في ديار المسلمين، فألفاظهم صريحة محددة، ومباشرة ليس فيها تورية؛ فلا بد من إطلاع أمتنا على ذلك، حتى تكون لديهم البصيرة بما يراد بهم، وماذا يريد هؤلاء منهم، وحتى لا ينخدعوا ببعض ما قد تبثه وسائل الإعلام التابعة، أو الموالية لهم، ولست أتمنى أن يأتي اليوم الذي يقف فيه الإنسان، كما وقف الشاعر العربي قديماً بعدما نصح قومه بالاستعداد للعدو فأهملوا نصحه، حتى فجأهم العدو ضحى على حين غرة، فحصل لهم ما حصل من الهزيمة والخسران؛ فوقف الشاعر وقال:
أمرتُهُمُ أمري بمُنعَرَج اللِّوى *** فلم يستبينوا النصح إلا ضحى الغدِ
أسأل الله ـ تعالى ـ أن يوفقنا وأمتنا، وأن يحفظ علينا ديننا وأمننا، وأن يرد كيد عدونا في نحره.
================(67/347)
(67/348)
قراءة أولية في نتائج الانتخابات الفلسطينية؟!
اجتهد الشعب الفلسطيني في مذاكرة دروسه التي خطط لها منهجيا العدو قبل ما يقارب 120 سنة في بازل بسويسرا، وألف كتبها وقررها ونفذها قهرا وإجبارا عليه أخو المخطط اليهودي، قادة الغرب النصراني الصليبي [الذي بدأت تولي كبره المملكة المتحدة، وختمته غطرسة قادة واشنطن العدوانية] وكانت دروسا صعبة في لغتها وفي أسلوبها و مشوهة في طباعتها وشكلها، مع قسوة أساتذتها وسوء أخلاقهم وفظاظتها، فكلما حاول الدارسون محاورتهم و الشكوى من صعوبة دروسهم والضيق بها، رفع المدرسون هراواتهم وعصيهم وكسروا بها عظام جماجمهم وأرجلهم وأيديهم، وقالوا لهم: احفظوا دروسنا وافهموها واحترمونا، وإلا فاتركوا مدارسنا واذهبوا من بلادنا إلى غبر رجعة.
فانبرت لهم القيادات الإسلامية السياسية والجهادية من البلدان الإسلامية من جاكرتا إلى المغرب، وكان لبلاد الشام بمصطلحها الجغرافي الإسلامي حظها الوافر في ساحة الجاد، وكان لشباب مصر وغيرهم جهود جبارة في محاولة إنقاذ الأرض المباركة والأقصى الشريف.
وسالت دماؤهم مع دماء إخوانهم في فلسطين، على هضاب فلسطين ووهادها ووديانها وزلزلوا أقدام المحتل مع قلة عَدَدهم وعُدَدهم، ودخلت في الخط الجيوش العربية التي لم تكن معدة معنويا ولا ماديا، وتدخلت قوى الشر الأجنبية، وأجبرت قيادات تلك الجيوش على سحبها وقد هزمت هزيمة منكرة، ثم انعطف بعض الحكام لحرب المجاهدين بدلا من حرب اليهود وأعوانهم، فزجوا بهم في السجون وجازوهم بالمعتقلات والمشانق والاغتيالات.
وتمكن اليهود والدول الغربية من السيطرة على فلسطين، وقتلوا وشردوا وهجروا أهلها، واستؤنف النشاط الجهادي في أواخر الستينات، وكان لمعركة الكرامة مؤشر على نصب سُلَّم كرامة الأمة، ولكن المشروع أجهض والسُّلَّم حطم من عملاء في الداخل وأعداء في الخارج.
وقامت منظمة التحرير الفلسطينية التي توجت بإجماع الدول العربية في قممها المتكررة، [الممثل الشرعي والوحيد] وكان مشروعها الذي زاولته هو التدريب المادي والدعوة إلى المواجهة المادية، مثل الاختطافات والاغتيالات لبعض عناصر اليهود، وتبنت ما تبنته غالب الدول العربية من إبعاد التربية الإسلامية الجهادية عن أتباعها، وإن رفع بعض قادتها شعارات إسلامية في بعض المناسبات بدون تطبيق في الواقع.
بل كان بعضهم يصرح في مقابل من يدعو من الجماعات الإسلامية إلى جعل القضية الفلسطينية قضية إسلامية، - كما هو الأصل الذي يجب الالتزام به -كانوا يصرحون بأن القضية قضية عربية، بل كانوا يصرحون أحيانا بأنها قضية فلسطينية، وفي بعض المناسبات الإسلامية يحاولون من باب المجاملات أن يظهروا طلب العون لهم من حكومات الشعوب الإسلامية.
ونخن نعترف أن منظمة التحرير الفلسطينية خُذلت من قبل غالب العرب، بل إن بعض الفئات في بعض الشعوب العربية حاربتهم حربا قد تفوق حرب اليهود لهم، فتشتت شمل المنظمة في عدد من الشعوب العربية ونالهم اليهود بالاغتيالات في بعضها.
ومرت فترة حرجة على الشعب الفلسطيني في الداخل بالذات، حرم من كل ما تتمتع به الحيوانات في الغابات، وبدأ اليهود في اتخاذ الأسباب التي تجعله يخضع خضوعا كاملا للإهانات، دون أن يحرك ساكنا، ومن ذلك محاولة إغراق شبابه وشاباته بالخمور ولمخدرات، وتسهيل أنواع مختلفة من المغريات للفساد الأخلاقي، حتى ظنوا أنه كل أجياله القادمة ستكون فاقدة الكرامة والعزة.
فكان تشتت اللاجئين في الخارج، وعدم تأثيرهم على اليهود في واقع الأمر، وإخضاع إخوانهم في الداخل بشتى الأسباب، وعلى رأسها القهر المادي، مُطَمْئِناً للمحتل المعتدي.
ولكن رجال الدعوة والتربية الإسلامية الجهادية، كانوا يعقدون الحلقات المسجدية والمنزلية ويضعون الخطط والمناهج للدراسات الإسلامية والمنشورات السرية لتوعية أطفال فلسطين وشبابهم وشاباتهم وأسرهم، بطريقة لم يكن اليهود يعلمون ما يخبئه لهم القدر من تلك الجهود الصغيرة...
حتى جاء ت انتفاضات الحجر والمقلاع على أيدي المدارس الابتدائية والمتوسطة، بل بعض أطفال الروضة، وتصاعدت تصاعدا أقض مضاجع قادة الدبابات وحملة المدافع.
فاجتمع شياطين اليهود والصليبيين في الغرب، وأتباعهم في العالم، لتطويع منظمة التحرير الفلسطينية تطويعا يترتب عليها ثلاثة أمور:
الأمر الأول: جمع قادة المنظمة في داخل الأرض الفلسطينية تحت سمع وبصر اليهود، بحيث ينالهم سوط المدرسين وهراواتهم وقت الحاجة [وقد كان]
الأمر الثاني: إلغاء منهج المنظمة إزاء اليهود، الحرب المستمرة لليهود حتى يخرجوا من آخر شبر من الأرض المحتلة وإقامة الدولة المستقلة، وعاصمتها القدس. [وقد كان أيضا](67/349)
الأمر الثالث: التحريش بين المنظمة بكل فئاتها: السياسية والاجتماعية والإعلامية، والأهم من ذلك العسكرية التي كانت هي في حقيقة الأمر أهم هدف لليهود، وبين الحركة الجهادية التي سموها"الانتفاضة" هربا من ذكر لفظ "الجهاد" في وسائل الإعلام، جريا على عادتهم، في التحريش بين خصومهم، كما فعلوا ذلك في جميع عصور تاريخهم، من العصر الإسلامي الأول إلى الآن، وليس مع المسلمين فقط بل مع كل المجتمعات في العالم، وقد ذاق ذلك منهم أهل الغرب أنفسهم بما فيهم أمريكا وبعض دول أوربا، ولهذا خططوا لإخراجهم من بلدانهم بحيل سياسية ماكرة، وزروعهم لنا في قلب وطننا المسلم وفي أقدس بقعة في الأرض بعد الحرمين.
وكانت مدريد وأسلو تمهيدا لتحقيق ذلك التطويع.
وبسبب هذه الشرذمة البغيضة المعتدية جلب الغرب وعلى رأسه قادة أمريكا لمنطقتنا ولبلدان المسلمين كلها ما حل بها من مصائب وفتن، وبخاصة أفغانستان وما جاورها والعراق وما حولها، وكل المسلمين ينالون قسطهم من الحملة اليهودية الصليبية.
ولا يمكن أن تنتهي هذه المصائب كلها إلا أذا اجتث السرطان اليهودي من أرضنا.
ولكن هذا الأمر "الثالث" لم يتحقق كما أراد اليهود وأعوانهم، وكان الفضل في عدم تحققه موقف قادة الحركة الجهادية التي صبرت على ظلم البعيد والقريب، وقدمت أفضل زعمائها للشهادة في سبيل الله وصبر بعض عقلاء السلطة الفلسطينية، من أجل أن لا تنطلق رصاصات الجهاد الطاهرة إلى صدور الفلسطينيين فيما بينهم.
الشعوب لا تريد غير الإسلام
وما حصل في فلسطين مما أطلق عليه "الزلزال العنيف" أو "المفاجأة المذهلة" أو غيرهما من الأسماء والصفات التي أظهروا للناس في أجهزة الإسلام، أنها كانت مفاجأة، هي في حقيقة الأمر ليست مفاجأة عند من يفقهون حقيقة الإسلام، وإنما هي الأمر الفطري الطبيعي في شعوبنا الإسلامية، لأن هذه الشعوب لا تريد بديلا بدينها الشامل لحياتها، والدليل على ذلك واضح للعيان، فما أجريت انتخابات أو استبيانات في اختيار الإسلام أو اختيار ما يخالفه، إلا فاز فيها الاختيار الإسلامي.
ونحن نسمع ونشاهد الانتخابات الجزئية التي تجري بحذر شديد، بل بحرب سافرة من بعض المتسلطين على هذه الشعوب، الفوز فيها للمسلمين في البرلمانات وفي الاتحادات المهنية أو الجامعية أو غيرها.
ولكن أعداء الإسلام من قادة الكفر وتلاميذهم الذين تربعوا على كراسي الحكم، يطبقون ما قال الله تعالى: ((يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون))
ولم يقف أعداء الإسلام في محاولتهم لإطفاء نور الله عند هذا الحد: ((بأفواههم)) مع أن وسائل أفواههم التي استأثروا به وحظروها على المسلمين من الفضائيات وغيرها من وسائل الإعلام، هي بأيديهم يتصرفون فيها كما يشاءون، أقول: إنهم لم يقفوا عند "الأفواه" بل تعدوا ذلك، إلى حشد الجيوش العسكرية والقوات المتنوعة البرية والبحرية والجوية، واحتلوا بلداننا واعتدوا على أعراضنا وأخرجونا من ديارنا وخربوا مرافقنا في بلداننا ونجسوا مقدساتنا، فلم يبق لنا مقدس لم يدنسوه: الوحي والمساجد والرسول صلى الله عليه وسلم ، وكل ضرورات حياتنا.
ومع ذلك كله لا زالوا يشاهدون بأم أعينهم ويسمعون بآذانهم، وإن جعلوا أصابعهم فيها، يشاهدون أن الشعوب لا ترضى بديلا بالإسلام.
وهم يدعون الديمقراطية ويريدون تصديرها وفرضها على الشعوب بشرط ألا يترتب على تطبيقها ظهور أهل الإسلام، فإذا أجريت الديمقراطية في شعب من الشعوب وفاز فيها المسلمون الذين يريدون تطبيق دينهم وعقيدتهم سلطوا عليهم وكلاءهم في تلك الشعوب وأعانوهم بكل ما يحتاجونه للقضاء عليهم، فسحقونهم بالدبابات ويزجون بمن بقي حيا في السجون والمعتقلات ليذيقوهم سوء العذاب، كما فعلوا في الجزائر، فإذا عجز وكلاؤهم أسعفوهم بقوتهم من الخارج، كما فعلوا في أفغانستان.
ولقد جاءت النتائج الطبيعية في فلسطين م 25/12/1426هـ ـ 25/1/2006م مفاجأة لهم برغم تهديداتهم، وما أنفقوا من أموال، وما حشدوا له من إعلاميين في كل العالم.
لذلك نقول لهم: إن الشعوب الإسلامية لا تريد إلا الإسلام، والقوة الظالمة التي تتخذونها ضد دينهم لا تزيد تلك الشعوب إلا قوة وصلابة للتمسك بدينهم، والكراهية لمن حاربهم والإصرار على طرد المحتلين لبلدانهم، والعبرة بالخواتيم وليست بالبدايات، وليمت أعداء الإسلام وأعوانهم من المنافقين بغيظهم.(67/350)
ونقول لهؤلاء وهؤلاء المتعاونين على حرب الإسلام وأهله، ما قال الله تعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتْ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمْ الآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ (118) هَاأَنْتُمْ أُوْلاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمْ الأَنَامِلَ مِنْ الغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (119)) [آل عمران]
ونقول لقادة حماس التي أغاظ فوزها في الأرض المباركة أعداء الإسلام: نهنئكم بالفوز، ونرجو أن يكون فوزا يتبعه عمل تسعدون به الشعب الفلسطيني، وتستقبلوا كل الحملات المعادية لكم بالصبر والتوكل على الله، واستشارة الإسلام في المواقف السياسية وغيرها، فدينكم سيسعفكم بفتاواه في حال الشدة والرخاء، والعلاقات السياسية تحتاج إلى مواقف يختلف حكمها باختلاف حالاتها.
وعاشروا من أساء إليكم بالحسنى، فهي الصفة الإيمانية التي لا يطيقها إلا أهل العزم والصبر:
((وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34) وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (35) [فصلت]
التزموا الثوابت وقدموا الأهم فالمهم منها وتدرجوا في الحصول على تلك الثوابت، ولكم في الهدنة المحددة وغير المحددة مندوحة.
http://www.al صلى الله عليه وسلمawdah.net/ صلى الله عليه وسلم php?sub0=allbooks&sub1=a5_gene r al&p=21
كتبه
د . عبد الله قادري الأهدل
================(67/351)
(67/352)
حقيقة الموقف الكويتي من الأحداث !!
حسين بن محمود
كثر الكلام عن الكويت وعن الشعب الكويتي وموقفه من هذه الحرب الصليبية على الإسلام والمسلمين . ولبيان الحقيقة التي غابت عن الكثير من الشباب ، أكتب هذه الكلمات على عجالة علها تصل إلى العقول فتفقهها القلوب وتعمل بمقتضاها الجوارح ..
إن المنهج القرآني في نقل الأخبار واضح لا لبس فيه ولا غبار ، وهو منهج علمي يبحث في الحقائق النظرية العملية البعيدة عن العاطفة الغير منضبطة ، فقد قال تعالى " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ " (الحجرات : 6) ، قال "السعدي" رحمه الله في تفسير هذه الآية " يا أيها الذين صدقوا الله واتبعوا رسوله ، إن جاءكم فاسق بخبر فتثبتوا من خبره قبل تصديقه ونقله حتى تعرفوا صحته. خشية أن تصيبوا قوما برآء بجناية منكم ، فتندموا على ذلك " (انتهى) ..
فالله سبحانه وتعالى أرشدنا في هذه الآية بأن لا نعول على خبر الفاسق (والكافر من باب أولى) ، حتى نتيقن من صدقه ، وخاصة إذا كان هذا الخبر يضر بدين مسلم أو بدنياه ، فإنه قد يكون بريء ، وعندها نقع في المحظور من الذنب الذي يترتب عليه الندم بسبب تصديقنا ونشرنا لمثل هذه الأخبار ..
وقال سبحانه وتعالى في سورة النساء "وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا " (83 النساء)
وما أجمل كلام "الشيخ السعدي" رحمه الله وأصدقه وأحكمه في تفسير هذه الآية العظيمة ، وما أحوج الناس لمثل هذا الفهم لكتاب الله في هذه الأيام ، حيث قال رحمه الله " هذا تأديب من الله لعباده ، عن فعلهم هذا ، غير اللائق. وأنه ينبغي لهم ، إذا جاءهم أمر من الأمور المهمة ، والمصالح العامة ، ما يتعلق بالأمن ، وسرور المؤمنين ، أو بالخوف الذي فيه مصيبة عليهم ، أن يتثبتوا ، ولا يستعجلوا بإشاعة ذلك الخبر. بل يردونه إلى الرسول ، وإلى أولي الأمر منهم : أهل الرأي ، والعلم والنصح ، والعقل ، والرزانة ، الذين يعرفون الأمور ، ويعرفون المصالح وضدها. فإن رأوا في إذاعته مصلحة ونشاطا للمؤمنين ، وسرورا لهم ، وتحرزا من أعدائهم ، فعلوا ذلك. وإن رأوا ما فيه مصلحة ، أو فيه مصلحة ، ولكن مضرته تزيد على مصلحته ، لم يذيعوه. ولهذا قال " لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ " أي: يستخرجونه بفكرهم وآرائهم السديدة ، وعلومهم الرشيدة. وفي هذا دليل لقاعدة أدبية : وهي أنه إذا حصل بحث في أمر من الأمور ، ينبغي أن يولى من هو أهل لذلك ، ويجعل إلى أهله ، ولا يتقدم بين أيديهم ، فإنه أقرب إلى الصواب وأحرى للسلامة من الخطأ. وفيه النهي عن العجلة والتسرع لنشر الأمور من حين سماعها. والأمر بالتأمل قبل الكلام ، والنظر فيه : هل هو مصلحة ، فيُقْدِم عليه الإنسان أم لا ؟ فيحجم عنه ؟ ...." (انتهى كلامه رحمه الله) ..
ففي هاتين الآيتين بيان للمؤمنين بكيفية تلقي الأخبار : فالآية الأولى تبين ضرورة التحقق من الأخبار ومدى صحتها ، وفي الآية التالية يعلّمنا الله سبحانه وتعالى عدم النظر إلى الأنباء من منطلق "إعلامي إخباري" فقط ، بل لا بد لنا من النظر في جميع الجوانب المحيطة بهذا الخبر وملابساته وحيثياته وفق الضوابط الشرعية ثم تقدير مصلحة نشر هذه الأخبار الذي لا يتأتى إلا لأناس لهم عقول تستطيع إدراك المصالح والمفاسد المترتبة على نشرها وكيفية صياغتها وفق المصلحة العامة ..
ولا يمكننا تطبيق هاتين القاعدتين الربانيتين في الحالة الكويتية قبل أن نُدرك المعطيات والأسباب التي تؤدي إلى نشر مثل هذه الإتهامات والأخبار .. فلنستعرضها ، ثم نبين على عُجالة ، مدى صدق هذه الأخبار ، وهل للأمة مصلحة في نشرها :
أولا : المعطيات:
1- حكومة كويتية موالية للنصارى .
2- شعب كويتي مسلم من أهل السنة والجماعة (وهم أغلب سكان الكويت) منهم شباب الصحوة وعلماءها على اختلاف توجهاتهم ، وأكثرهم من العامة .
3- رافضة الكويت .
4- مُرتدين (أو ما يسمّون بالعَلمانيين) وهم المُمَكَّنين من الإعلام الكويتي في ظل الظروف الراهنة.
5- جيوش أمريكية نصرانية مُحتلة للكويت .
ثانياً: أسباب نشر هذه الأخبار والإشاعات عن الشعب الكويتي وحكومته !!
1- محاولة الحكومة الأمريكية التفريق بين الشعب الكويتي وبقية إخوانهم المسلمين ، وتجريد الكويت من هويتها الإسلامية .
2- محاولة العَلمانيين (المرتدين) في الكويت التقرب إلى الحكومة النصرانية الأمريكية على حساب دماء وأشلاء المسلمين .
3- إستجابة الحكومة الكويتية للأوامر الأمريكية .
4- محاولة كسب العامة (وهم الأكثرية) في الكويت في صف الحكومة الكويتية والقوات الأمريكية للحفاظ على أمن هذه القوات .(67/353)
5- محاولة صدع الصف الإسلامي (على مستوى الأمة) كما حصل إبان الغزو الأمريكي الأول للعراق ، حيث تفرقت الأمة بين مؤيد ومعارض للتدخل الأمريكي .
إذاً : هناك جهات مستفيدة من نشر مثل هذه الأخبار بصياغاتها الإستفزازية التي تخلق حالة من السخط النفسي في الشارع الإسلامي على الشعب الكويتي ، وحالة من الفوضى بين الجموع المسلمة ، وحالة من التشتيت الذهني الذي يصب في مصلحة القوى الصليبية بصرف تركيز المقاومة عنه وتشتيته إلى جبهات متعددة ..
هل هذه الإشاعات صحيحة !!
الكويت دولة عربية ، وهي جزء من الأمة الإسلامية ، شعبها مسلم في جملته . وللشعب الكويتي تاريخ مشرّف في التفاعل مع القضايا المصيرية للأمة : فمنابر الكويت كانت ولا زالت من أصدق المنابر التي نافحت عن القضية الإسلامية الكبرى في فلسطين . والشعب الكويتي كان ولا زال من أكثر الناس مساندة للمجاهدين في أفغانستان والشيشان وكشمير والبوسنة والفلبين وغيرها من ثغور المسلمين . بل إن شباب الصحوة في الكويت من أنشط الجماعات الإسلامية في الدعوة إلى الله في أفريقيا وآسيا وغيرها من قارات العالم ..
لقد برهن الشعب الكويتي المسلم - أكثر من غيره من شعوب المنطقة - رفظه لدخول القوات الأمريكية الغازية بلاده ، فكانت هجمات الهاجري والكندري (تقبلهما الله في الشهداء) وغيرهما على القوات الأمريكية في الكويت خير دليل على أن هذا الشعب المثقف الواعي لا تنطلي عليه تلبيسات الإعلام الصليبي وترقيعات علماء السوء الذين أرادوا أن يجعلوا لوجود الجيوش الأمريكية في بلادهم مبررات شرعية !!
إن الإعلام الكويتي الذي تتحكم فيه الحكومة الكويتية والتي سلّمت بدورها هذا الإعلام إلى ثلة من المرتدّين (أو ما يسمون بالعَلمانيين) هو في حقيقته إعلام يخدم الحكومة الأمريكية من منطلق الولاء المطلق ، فهو في الحقيقة إعلام أمريكي "مُعرَّب" ، ولا يمثّل هذا الإعلام - بأي حال من الأحوال - رأي الشعب الكويتي المسلم في الأحداث .. وهؤلاء المنافقين (العَلمانيين) قد وصفهم الله سبحانه وتعالى في كتابه بقوله " لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً ولأَوْضَعُواْ خِلاَلَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ .. " (التوبة : 47) ، ومعنى " ولأَوْضَعُواْ خِلاَلَكُمْ " أي : ولَسَعَوا في الفتنة والشر بينكم ، وفرقوا جماعتكم المجتمعين " (تفسير السعدي) ..
لقد حذرنا الله سبحانه وتعالى من التسليم لهم ولأراجيفهم ، فقال سبحانه في تكملة الآية " وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ " ..
وهذا هو نفس الإعلام الذي نال من الإمارة الإسلامية المجاهدة ومن المجاهدين الأنصار في أفغانستان ، وهو نفس الإعلام الذي أعلن - قبل شهرين - بأن القوات الأمريكية في الكويت من أهل العهد والأمان وأنها لم تأتي للحرب بل أتت لتحقيق السلام !! وكأن الله سبحانه وتعالى يصف القائمين على هذا الإعلام بعينهم في قوله سبحانه " لَقَدِ ابْتَغَوُاْ الْفِتْنَةَ مِن قَبْلُ وَقَلَّبُواْ لَكَ الأُمُورَ حَتَّى جَاء الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللّهِ وَهُمْ كَارِهُونَ " (التوبة : 48) ، فسبحان الله كيف تشابهت قلوب هؤلاء المنافقين وأعمالهم مع قلوب وأعمال إخوانهم من قبلهم !!
إن ما نراه ونسمعه من مظاهرات يقوم بها بعض الكويتيون (300 كويتي في حراسة مشددة طار بهم الإعلام العربي المنافق والنصراني ، والإعلام الأمريكي الصهيوني) لمؤازرة الغزو الصليبي هو من باب ما فعله بعض الشواذ (المخنَّثين ) الذين خرجوا في مظاهرات مماثلة في شوارع الكويت قبل بضع سنوات للمطالبة بحقوقهم الشاذة ، ولا يقول عاقل - له أدنى معرفة بالشعب الكويتي - أن هؤلاء الشواذ المخنّثين أو هؤلاء الجهلاء المرتزقة يمثلون الكويت وشعب الكويت المسلم !!
لقد رأينا الجانب المشرق للشعب الكويتي في أفغانستان وفي البوسنة حيث كان شباب الكويت قادة للسرايا يتقدمون المجاهدين في الصفوف الأمامية للذود عن حياض الإسلام وبلاد المسلمين ، فكم مرة قرأنا عن "أبو فلان الكويتي" الذي استُشهد في المعركة الفلانية ، و"أبو فلان الكويتي" الذي استُشهد في الثغر الفلاني وفي العملية النوعية على جبال سليمان أو غابات سراييفو ..
إن جُلّ أهل الكويت من الصالحين الخيّرين الذين تغلب عليهم العاطفة الدينية الممزوجة بالكرم الإسلامي الأصيل الذي ظهر واضحاً في تفاعلهم الكبير المشرّف مع قضايا الأمة ..
إن الشعب الكويتي (وخاصة شباب الصحوة في الكويت) يدرك تماماً حقيقة قول الله سبحانه وتعالى " لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ .. " (المجادلة:22)
ويُدرك تماماً قوله تعالى "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً مُبِيناً " (النساء:144)(67/354)
أما الحكومة الكويتية ، وبعض المنتفعين من هذه الحرب من اللادينيين في الكويت - وهم قلّة قليلة أظهرتهم الصليبية الصهيونية - من الذين قال الله فيهم " فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ " (المائدة:52) ، فهؤلاء تجدهم في كل بقعة من العالم الإسلامي ، فلا فرق بين علمانيي الكويت وعلمانيي بقية الجزيرة والشام وغيرها من بلاد الإسلام "فالكفر ملّة واحدة" ..
هل لنا مصلحة في النيل من أهل الكويت !!
أقول للذين تجنّوا على أهل الكويت ونالوا منهم بغير حق : يجب أن تفرقوا بين الحكومة الكويتية والشعب الكويتي ، ويجب أن تفرقوا بين المرتدّين في الكويت (وهم شرذمة قليلة كما قلنا) وبين الأغلبية الكويتية المسلمة ، وتذكّروا قول الله تعالى " إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ " (الأنبياء : 92)
ولا تكونوا كالذين قال الله فيهم "فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ " (المؤمنون : 54)
وتذكروا تهديد الله لكم ووعيده " ... وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ " (الأنفال : 46)
إن شباب الصحوة في الكويت مع الشعب العراقي قلباً وقالباً ، أما العامة فإن الحكومة الكويتية والعَلمانيين ومِن ورائهم الحكومة الأمريكية يريدون كسب هؤلاء في صفّهم بالضرب على وتر الإحتلال العراقي للكويت ، ونحن إن عمّمنا الإتهامات للكويت دون تفريق بين الشعب المسلم من جانب والحكومة والمرتدين من جانب آخر فإننا نحقق هدف الصليبيين والمرتدين بدفعنا العامة في الكويت إلى أحضان الأمريكان ..
أقول لمن نال من الكويت ، فعمّم ولم يُخصص :
أليس في بلادك من العَلمانيين الذين يحاربون الإسلام والمسلمين !! أتُحب أن يعمم المسلمون الحكم على بلادك فيتهمونك بالعمالة والردّة !!
أليس حكامك موالين للنصارى في هذه الحرب ، أو مرتدّين أصلاً بحربهم للإسلام والمسلمين !! أتُحب أن يعمم الناس الحكم فيهم فيشملك ..
لماذا تحمّل الشعب الكويتي الأعزل مسؤولية محاربة الجيوش الأمريكية وأنت لا زلت خارج العراق !!
كيف أقنعتك نفسك بأن الطريقة المُثلى للدفاع عن العراق هي بمهاجمة الكويتيين وترك الأمريكان في غيهم يعمهون !!
لماذا تحمّل الشعب الكويتي ذنب حكومته دفاعاً عن العراق ولا تُحمّل أهل العراق ذنب حكومتهم البعثية !! أيُعقل أن يُقال بأن جميع من في العراق بعثيين لأن حكومتهم بعثية !!
إن الله أرسل لنا كتاباً لنتدبّره ، ورسولاً لنتّبع سنته ، فليكن عملنا وفق منهاج الله " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ "..
ولنحذر أن يحبط أجرنا بسبب أذيتنا للمؤمنين "من ضيق منزلا ، أو قطع طريقا ، أو آذى مؤمنا ، فلا جهاد له" (صحيح: صحيح الجامع 6378) ..
ولنحمد الله الذي منَّ علينا بعقول اختارت الإيمان به واتباع شرعه على الكفر وموالاة المشركين ".... وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا " (83 النساء) ..
فليتقي الله من يكتب عن الكويت ، ولا يتجنى على إخوانه ، ولا يفرّق بين المسلمين فيكون ظهيراً للكافرين و "كفى بالمرء إثما أن يحدث بكل ما يسمع" (صحيح : صحيح الجامع 4480) .. والله أعلم ..
كتبه
حسين بن محمود
الأربعاء 23 محرم 1424 هـ
=================(67/355)
(67/356)
أفكار في مواجهة الحروب الصليبية
خاص بالعلماء :
1. الحذر من محاولات الأعداء من التحكم والتلاعب بمناهج المسلمين الدراسية بما في ذلك محاولات نزع المناهج الدينية وزرع الفكر العلماني فيها .
2. التوجيه لترسيخ العقيدة الإسلامية الصحيحة في نفوس الأمة وتحبيبهم إلى دينهم الإسلامي الحنيف فان الاستعمار أول ما عمل به في الدول الإسلامية هو ضرب الإسلام من النفوس.
3. الحذر من طرق الأعداء في نشر الفساد في المجتمع المسلم .. حتى أن احد الإخوة الفلسطينيين قال : أن اليهود في فلسطين عمدوا إلى توزيع الصور الفاجرة على العمال الفلسطينيين بغرض إضاعة دينهم ومن بعدها نفوسهم .
4. تحذير الأمة والدعاة من طرق الأعداء وأذنابهم في دعوة المرأة إلى نزع الحجاب بحجة تحرر المرأة .
5. تحذير الأمة من المنظمات التنصيرية القادمة على أشلاء المسلمين ومن أحابيلها وأهدافها الخفية .. ومراقبة أنشطتها على المدى البعيد وتنبيه الشعوب من تحركاتها المشبوهة .
http://islamonline.net/A r abic/news/...a r ticle19.shtml
6. الربط بين الأمة واعتبار الأمة جزء واحد وعدم استغلال الأعداء لبعض آراءهم في تشويه جزء من الأمة كالمجاهدين أو غيرهم.
7. تكوين جمعيات للعلماء تنطلق منها الدعوات والتوجيهات للأمة .. وعدم انتظار من تختارهم الدول لما يشغلهم من الأعمال الملقاة على عواتقهم في أعمالهم ووظائفهم.
8. ينبغي أن تقود جمعيات العلماء تزكية العلماء وتجريحهم في الفتاوى النازلة .. كما فعل الأولون بمن يحمل حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقد تم جرح بعض العلماء الأجلاء فيما لم يحسنوا فيه من النقل .. وإذا قاموا بذلك فلن يكون التجريح للعلماء مفتوحا لكثير من الناس الحاقدين أو الغافلين ..
9. الاهتمام بالدور الريادي والقدوة المنتظر منهم .. والحذر من الركون إلى الدنيا أو ترك الأمة في أيامها العصيبة.. [وَإِذَ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاء ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْاْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ * لاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَواْ وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُواْ بِمَا لَمْ يَفْعَلُواْ فَلاَ تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِّنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ] .
10. شكر العلماء الذين قالوا كلمة الحق لا تأخذهم في الله لومة لائم أو تأثير وسائل إعلام أو كيد .. وتقدير مكانتهم بين العلماء وتنبيه العلماء الذين تقلبت بهم السبل وضعفت مواقفهم .. ولا أحق من أن يفعل ذلك من العلماء .
11. توجيه الأمة لدعم المجاهدين ماليا من الزكاة أو من غير الزكاة .. والتنبيه على أن هناك محاولات كبيرة جدا من الصليبيين لمنع تمويل المجاهدين أو حتى عائلات المجاهدين .. ولذا ينبغي الاهتمام بالتمويل للجهاد .
12. ذكر بعض جوانب النصر في القضية العراقية وذلك لعلاج بعض حالات الإحباط عند بعض السطحيين من المسلمين و حالة الشعور بعدم الثقة , فنقوم بإقناعهم أن الجهود التي قام بها المسلمون من الدعاء و التفاعل مع هذه القضية كان بحد ذاته نصرا , و أن في توحد صفوف المسلمين على اختلاف الأماكن دليل قوة هي بداية النصر إذا ما التزمنا بالمنهج القويم للإسلام. http://g r oups.yahoo.com/g r oup/abubanan
13. التحريض للاستعداد والإعداد لجهاد الصليبيين الحاقدين ..
14. بناء الأمة لقادة المستقبل... في توحيد الصف الإسلامي ولو كان متعدد المناهج !!... وإقامة حوارات مصارحة بين المشايخ المختلفين للوصول إلى نقاط التقاء لا من باب نبش الخلاف .. والانطلاق في الحوار من أسس مشتركة عملا بالآية [وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ] ..
أقول هذا حتى لا نجد أنفسنا في المستقبل بلا قيادة متفقة ..
15. الحسم الصارم والقضاء العاجل على كل بادرة تنصيرية صليبية ، بل يجب أن نشرّد بكل من نكتشف أنه منهم في بلاد الإسلام ونشرّد بهم من خلفهم ونجعلهم عبرة لغيرهم ليكفوا عن نشاطاتهم الصليبية المعادية للإسلام.
16. الحذر والتحذير من التيارات العلمانية والتيارات الحداثية التي هي في حقيقتها الوجه الفكري والأدبي للصليبيين أو على أقل التقدير هي إحدى الحلفاء التاريخيين لهم . وإذا كان النصارى يتحالفون مع الجميع فإن أفضل حليف لهم هم العلمانيون الذين فقدوا الغيرة الدينية والنخوة الإسلامية وكذلك الحداثيون الذين يدعون إلى التغيير الدائم المستمر.فالنصارى والعلمانيون والحداثيون يجتمعون في مواجهة الخطر المشترك ألا وهو الإسلام.
17. إصلاح مناهج التعليم بما يضمن إخراج الطالب الصالح المرتبط بإسلامه وعقيدته ومجتمعه المؤمن بعقيدة الولاء والبراء المحب للمؤمنين المبغض لليهود والنصارى والمشركين حتى يعرف مَن هو صديقه من عدوه . فهم يقومون بتغيير المناهج بما يخدم مصالحهم التنصيرية ونحن ينبغي لنا أن نبذل الجهد بما يخدم مصالحنا الدينية .(67/357)
18. الدعوة إلى حماية الشباب من السفر إلى الخارج للرياضة واللعب أو حضور المخيمات التي تقام هناك لما في ذلك من أثر سلبي عليهم.
19. الدعوة إلى حماية الشباب من الاختلاط بغير المسلمين قدر المستطاع أو الاتصال بهم .
20. عمل لجنة مطالبات مالية على كل الدول المعتدية على أراضي المسلمين ... وكذا يكون فيمن تعاون معهم كالدول المقاتلة أو الدول التي تحضر جيوشها للأمن باسم الأمم المتحدة وتقاتل المسلمين ولا تقاتل المعتدين المحتلين ... فكما أنهم يقاتلون المسلمين ويثبتون الحكم للمعتدين فعليهم ما على المعتدين من الإصلاح ..
ويكون على كل دولة جانب مالي تعويضي .. يعطي في نفوسهم أننا لن ننسى جرائمهم التي يجاهرون فيها صباح مساء ..
21. عمل قائمة بأسماء مجرمي الحرب الذين قاموا بمحاربة المسلمين أو طاعة رؤساؤهم في ذلك .. ويكون ذلك من قادتهم ورؤسائهم .. فهم يقومون بعمل القوائم على المسلمين ويستهدفون زعماءهم وقاداتهم الإسلامية .. فمن حق المسلمين أن يكون لهم قوائم ينشرونها تحتوي زعماء العصابات النصرانية والتي تلعب في بلاد المسلمين كما تشاء من غير حسيب ولا رقيب.
وهذه القائمة سيكون لها الدور إن شاء الله تعالى في تضعيف أو توهين الطاعة عندهم .. ولذا ينبغي أن تكون القائمة دقيقة وتستهدف الأشخاص القياديين ومن أطاعهم من كبراءهم من القادة الكبار.
قيادات الأمة وحكامها:
1. الحذر من المنظمات التنصيرية القادمة على أشلاء المسلمين ومن أحابيلها وأهدافها الخفية .. ومراقبة أنشطتها على المدى البعيد وتنبيه الشعوب من تحركاتها المشبوهة .. والتي ستكون الخنجر القادم عليهم كما حدث في جنوب السودان.
http://islamonline.net/A r abic/news/...a r ticle19.shtml
2. اتباع العلماء الذين قالوا كلمة الحق لا تأخذهم في الله لومة لائم أو تأثير وسائل إعلام أو كيد .. وتقدير مكانتهم بين العلماء .. والحذر من العلماء الذين تقلبت بهم السبل وضعفت مواقفهم ..
3. قيادة الأمة إلى ما فيه خيرها وصلاحها ..
4. الحذر من التعاون مع الصليبيين ضد الأمة.
5. صناعة السلاح الذي يفتك بأعداء الأمة مع... ولو كانت الأفكار في بدايتها بدائية ... ولكن شيئا فشيئا حتى نصل ...مع الحذر من ترقبات المنافقين ... ولنا مثل وقدوة في إخواننا في فلسطين وكيف ابتكروا صواريخ القسام وغيرها. ويكفي في ذلك قوله تعالى : [وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل] وهذا الذي لا يريده أعداء الإسلام .. فهم يبذلون قصارى جهدهم في جعل الحكومات تحارب هذه الفكرة وبعدها تبقى الدول ضعيفة تنتظر السماح لها بشراء الأسلحة التي هم يريدون .
i. بل هو فرض ديني على الدولة القيام به قبل مرحلة الجهاد ..بل على الدوام لإرهاب الأعداء [وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم]
6. الحسم الصارم والقضاء العاجل على كل بادرة تنصيرية صليبية .. فهي نبتة عداء للأمة وتدريب للطابور الخامس ، بل يجب أن نشرّد بكل من نكتشف أنه منهم في بلاد الإسلام ونشرّد بهم من خلفهم ونجعلهم عبرة لغيرهم ليكفوا عن نشاطاتهم الصليبية المعادية للإسلام.
7. العناية بمؤسسات رعاية الشباب ومؤسساتها المختلفة ونواديها ومخيماتها ونشاطاتها وحمايتها من البلاء الذي يهددها وإبعاد اللاعبين والمدربين الأجانب عن النوادي الرياضية والحرص على تصحيح الأوضاع التي تتعلق بتربية الشباب وإعدادهم وإصلاحهم .
8. رفع الظلم عن الناس بعضهم على بعض.. سواء الفردي أو الجماعي..
فإن الظلم الأكبر الذي يغزونا من الصليبيين.. لا يجذب إلا بالظلم الأصغر الذي بيننا.. كأكل أموال الناس بالباطل .. والاعتداء والافتراء والغيب .. الخ...[وما ظلمناهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون] يعني يتظالمون بينهم.. ويقعون في المعاصي...
9. حماية الشباب من السفر إلى الخارج للرياضة واللعب أو حضور المخيمات التي تقام هناك لما في ذلك من أثر سلبي عليهم.
10. منع الإعلام وخاصة الصحافة من نشر الأخبار الدعائية بهذه الأسفار كما يجب منع الخطوط الجوية من الدعاية للسياحة في الخارج وإعلان أسماء وعناوين الفنادق وأماكن اللهو والقمار في جميع أنحاء العالم ومطالبتها بالإعلان عن الجمعيات والمؤسسات الخيرية وأماكن الإصلاح .
11. حماية الشباب من الاختلاط بغير المسلمين قدر المستطاع أو الاتصال بهم .
12. الحذر من المدارس الأجنبية وبذل الجهد في تحجيمها [أو إيقافها] ...
13. يجب إخراج جميع النصارى واليهود وغير المسلمين من البلاد المقدسة فلا يكون هناك في العمل ولا في الصحة ولا في التعليم إلا المسلمين وفي المسلمين غُنية وكفاية والله تعالى يقول : { يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا } .
14. التنبيه والحذر من الدور الذي تقوم به السفارات الأجنبية ومدارسها في الاتصال بالمواطنين أو مراسلتهم أو مشاركتهم في نشاطاتها وينبغي أن يكون هناك رقابة عليها وتحديد لمجالات عملها ومنعها بالاتصال بالمواطنين .. أو الحذر من المترددين على هذه السفارات .(67/358)
15. عمل توقيت زمني ومرحلي لخطوات العمل حتى تبنى الخطط القادمة على أسس وقواعد شرعية سليمة ومنظمة .
16. تحويل أسماء المدارس والمستشفيات وكافة الطرق والمؤسسات إلى أسماء إسلامية .
17. منع كل ما يخالف الشرع من برامج محرمة وزنا ودور الموضة ومحلات بيع الخمور والبنوك الربوية و.....الخ .
للدعاة والمفكرين :
1. مشاركة العلماء والمعلمين في الحذر من محاولات الأعداء من التحكم والتلاعب بمناهج المسلمين الدراسية بما في ذلك محاولات نزع المناهج الدينية وزرع الفكر العلماني فيها ... والقيام بدورهم في تنبيه المعلمين عن دورهم في ذلك والربط بينهم وبين العلماء ...
2. توعية الشعوب بأهمية الاستمرار في المقاطعة الاقتصادية للبضائع الأمريكية والبريطانية وغيرهم من المعادين للأمة.. والاهتمام بذلك أشد الاهتمام ..
3. التحليل للأخبار المنتشرة في وسائل الإعلام بدلا من أن يتناقلها العامة فقط حسب ما وصفت من الأعداء .. فكل خبر له عدد من التحليلات قد تصح أو تخطيء ولكن وجود هذه التحليلات يعطي تصورا أبعد للحدث .. والتعرف على خطط الأعداء وما يمكن توقعه مستقبلا..
4. ترسيخ العقيدة الإسلامية الصحيحة في نفوس الأمة وتحبيبهم إلى دينهم الإسلامي الحنيف فان الاستعمار أول ما عمل به في الدول الإسلامية هو ضرب العقيدة الإسلامية في النفوس.
5. تحذير الأمة من طرق الأعداء وأذنابهم في دعوة المرأة إلى نزع الحجاب بحجة تحرر المرأة .
6. اتباع العلماء الذين قالوا كلمة الحق لا تأخذهم في الله لومة لائم أو تأثير وسائل إعلام أو كيد .. وتقدير مكانتهم بين العلماء .. والحذر من العلماء الذين تقلبت بهم السبل وضعفت مواقفهم ..
7. ذكر بعض جوانب النصر في القضية العراقية وذلك لعلاج بعض حالات الإحباط عند بعض السطحيين من المسلمين و حالة الشعور بعدم الثقة , فنقوم بإقناعهم أن الجهود التي قام بها المسلمون من الدعاء و التفاعل مع هذه القضية كان بحد ذاته نصرا , و أن في توحد صفوف المسلمين على اختلاف الأماكن دليل قوة هي بداية النصر إذا ما التزمنا بالمنهج القويم للإسلام. http://g r oups.yahoo.com/g r oup/abubanan
8. التحريض للاستعداد والإعداد لجهاد الصليبيين الحاقدين ..
9. الدعوة إلى الله ... بكل الأساليب المتاحة ....
10. استغلال تكالب الأعداء على الأمة وحربهم الجلية على الإسلام وتعاطف جميع طوائف المجتمع مع التوجه الإسلامي وذلك لانكشاف العداء الغربي ، فيستغل ذلك في الاجتهاد في دعوة الشباب ومن حولنا وغرس مفهوم" أن البلاء ينزل بذنوب العباد ويرفع بتوبتهم" حيث أن الأيمان يدخل القلوب بسرعة في مواطن الضعف.
11. استغلال هجوم اليهود والأمريكان على الأمم الكافرة الأخرى وعنصريتهم الدموية في الاجتهاد في دعوة الجاليات الغير مسلمة وتوضيح مفاهيم الإسلام السليمة... فننطلق من نقاط مشتركة.
12. الحاجة لإنشاء مواقع إسلامية أكثر باللغة الإنكليزية[ باستغلال المواقع الشخصية المجانية أو غيرها] لتوضيح مفاهيم الإسلام النبيلة وخطط الصهاينة الخبيثة في العولمة... توضيحها للأمريكان وغيرهم
13. بناء الأمة لقادة المستقبل... في توحيد الصف الإسلامي ولو كان متعدد المناهج !!... وإقامة حوارات مصارحة بين المشايخ المختلفين للوصول إلى نقاط التقاء لا من باب نبش الخلاف .. والانطلاق في الحوار من أسس مشتركة عملا بالآية [وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ] ..
أقول هذا حتى لا نجد أنفسنا في المستقبل بلا قيادة متفقة ..
14. نشر فتاوى العلماء .. وأن الراضي بالاحتلال الأمريكي للعراق يكون كافرا مرتدا .. وأنه لا شبهة بعد سقوط حزب البعث الذي يراه البعض -والله أعلم بالنيات- سببا في عدم تكفير من أعان الصليبيين على المسلمين .. وننقل مثالا في ذلك رأي الشيخ حامد العلي من الكويت :
موضوع : يا من أيدت الغزو الشيخ العلي من الكويت يقول : من رضي باحتلال أمريكا للعراق كافر مرتد
http://d r r r r.com/vb/showth r ead.php?s=&th r eadid=31073
15. الاهتمام بالعمل الجماعي أو المؤسسي .. والبعد عن الفردية المفرطة لأن في الأعمال الفردية مجال لتكرار الأعمال أو ضعفها أو تصادمها أو توقفها بتوقف أصحابها..
16. نشر مفهوم [تعلق النتائج بالأسباب] بين المسلمين لما في المسلمين من تهاون وقعود انتظارا للقدر .. والقدر لا يصرف إلا بالعمل بالقدر .. فترك العمل مدعاة لنتائج ضعيفة أو معدومة .. فمن كان له عمل كانت له نتيجة ومن ترك العمل كانت له نتائج تاركي العمل .
وكثير من الناس يخلط بين القعود وانتظار نصرة الله وبين العمل بكامل الجهد ولو كان قليلا وقد لا يكفي العمل به ومن ثم انتظار نصرة الله عز وجل ..(67/359)
17. التنبيه على تناقضات الغزو الصليبي فهم كانوا يتحدثون عن التحرير من حزب البعث ثم ظهر خداعهم عندما قالوا : [مادام تحت العلم الأمريكي فلا مشكلة في البعث.. وزير الدفاع البريطاني : أعضاء حزب البعث سيشاركون في الحكومة] والحقيقة أن المستعمر محتاج الآن إلى الرافضة وحزب البعث لأنهم أفضل من يتعاون مع الصليبيين ..
http://www.h-alali.net/news/show.php?id=551
وهذا رابط يدل على إرهاصات بأنهم لا مانع عندهم من عودة صدام حسين للسلطة ليقوم بدوره الجديد.
http://fo r um.fwaed.net/showth r ead.php?s=&th r eadid=22902
18. التنبيه من خطر الالتجاء للأمم المتحدة .. والتي تقوم بالدور اللازم في حماية مصالح الدول الكبرى .. وتغطية جرائم الحرب الخاصة بهم ... والتعاون على حرب مصالح المسلمين في العالم .
19. متابعة وكشف وفضح كل بادرة تنصيرية صليبية ، بل وعمل الخطوات اللازمة للتحذير منهم ومن مخططاتهم ونجعلهم عبرة لغيرهم ليكفوا عن نشاطاتهم الصليبية المعادية للإسلام.
20. الحذر والتحذير من التيارات العلمانية والتيارات الحداثية التي هي في حقيقتها الوجه الفكري والأدبي للصليبيين أو على أقل التقدير هي إحدى الحلفاء التاريخيين لهم . وإذا كان النصارى يتحالفون مع الجميع فإن أفضل حليف لهم هم العلمانيون الذين فقدوا الغيرة الدينية والنخوة الإسلامية وكذلك الحداثيون الذين يدعون إلى التغيير الدائم المستمر.فالنصارى والعلمانيون والحداثيون يجتمعون في مواجهة الخطر المشترك ألا وهو الإسلام.
21. الدعوة إلى حماية الشباب من الاختلاط بغير المسلمين قدر المستطاع أو الاتصال بهم .
22. تشجيع السفر من قبل الموثوقين والمخلصين للدعوة لله تعالى والتعليم وغير ذلك من المصالح العلمية والعملية التي تحتاجها الأمة في بلد من بلادها .
23. تخريج فريق بل فِرقٌ من الدعاة المتخصصين في دراسة النصرانية والتعامل مع المنتسبين إليها ودراسة وثائقها ويمكن أن يتولى هذا العمل الجليل معهد للتبشير الإسلامي يقوم عليه بعض الدعاة ويكون هذا المعهد عبارة عن أقسام :
* قسم لإعداد وإخراج الدعاة من الرجال .
* قسم لإعداد الداعيات من النساء .
* قسم لدراسة التنصير وإعداد الخطط والإحصائيات المتعلقة به .
إلى غير ذلك من الأقسام التي يُحتاج إليها .
24. اعتماد أسلوب المناظرة خاصة من الراسخين في العلم مع عباد الصليب وينبغي أن يكون هذا الأسلوب مضبوط بضوابط ينبغي الاستفادة منه وتجنب سلبياته .
25. العناية بالعمال المسلمين الموجودين هنا وفي كل بلد إسلامي في تعليمهم ورعايتهم....... ورفع الظلم الذي يقع عليهم من قبل مكفوليهم من تأخير الرواتب أو إسكانهم في أماكن غير لائقة . بل يجب أن نرفع الظلم إلى كل من هو موجود هنا إنها الفرصة التي يستغلها النصارى في مد يد العون إلى هؤلاء الضعفاء لتنصيرهم أو لإبعادهم عن الإسلام .
26. إعداد أشرطة سمعية لدعوة غير المسلمين إلى الإسلام ويكون إعدادها بطريقة جذّابة بالعربية أولاً ثم يُترجم إلى اللغات الأخرى مع مراعاة حسن الصوت واستخدام المؤثرات الصوتية المقبولة والسعي إلى توزيع هذه الأشرطة بكميات كبيرة لدى غير المسلمين وفي جميع البلاد .
27. على من يجيدون اللغة الإنجليزية مسئولية كبيرة خاصة في إبراز الجوانب المهمة التي يجب أن يُعرّف بها غير المسلمين وإدارة النقاشات والحوارات بكل مناسبة معهم ومجادلتهم بالتي هي أحسن كما قال عز وجل : { ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم } .
28. محاربة العادات الصليبية كالأعياد والمناسبات والشعارات واللباس وغيرها .
29. التذكير بالدعاء في آخر ساعة من ساعات الجمعة .. وتحديد الأهداف التي ندعو الناس للدعوة لهم أو عليهم .. وهذا مثال جيد للتذكير :
http://fo r um.fwaed.net/showth r ead.php?s=&th r eadid=22106
30. فضح زعماء الغرب والتعريف بأهدافهم وتاريخهم لترسيخ كرههم ..
31. نشر تاريخ أمريكا الأسود وذكر الأحداث الدموية التي تمت على أيديهم وتحت سياساتهم .. وفضح هذه السياسات المغلفة بأغلفة خدَّاعة .
32. ذكر وتوثيق تناقضات الغرب في تعامله مع قضايا المسلمين وقضايا غيرهم [مثل مغازلة كوريا وضرب العراق] و [دعم جون قرنق مع أنهم أقلية نصرانية 15% واتهام الكشميريين بالإرهاب] وغيرها كثير .
33. ذكر حقائق وأرقام تنبئ بسقوط امريكا .
34. تذكير التجار المسلمين أن معونتهم للأمريكان كفر وردة في حربهم على أي بلد مسلم حتى لا يتكرر ما شاهدناه في حرب العراق الأخيرة .
35. فضح المصطلحات التي يتكئ عليها الغرب الكافر وتبيينها للمسلم العادي [مثل مصطلح الديموقراطية ...وغيرها] والأمريكان ألد أعداءها إذا كان المستفيد هم المسلمون [كما حدث في الجزائر] ..
36. فضح الصليبيين والصهاينة وأعداء الله عند المسلمين والنصارى واليهود المشاركين في حرب المسلمين والبقية غير المناهضين للحرب .
37. الاهتمام بالمنهج النبوي في تعليم الشباب والأشبال لمهارات القتال كما نُقِل [علموا أولادكم الرماية والسباحة و ركوب الخيل](67/360)
38. عدم انتظار القائد المخلص الجاهز .. والعمل على صناعة هؤلاء القادة .. يجب أن يكون لنا دورا في صناعة القائد .. فكثير من الناس يبحث عن المخلِّص ولو كان خارج دائرة الإسلام أو على رأس نظام طاغوتي ويبحث عن الأسباب التي يمكن أن تدل على إسلاميته ثم يبدأ وضع تصورات الخلاص على يديه .. فمن فرح بجمهورية الخميني التي حاربت وما تزال تحارب السنة .. ومن نسج الخيالات على الطاغية صدام حسين والحديث في صناعة الخيالات تجاه مثل هؤلاء يطول فيه الكلام ..
والهدف أننا ينبغي علينا البحث عن الوسائل المناسبة في صناعة القادة ..
39. فضح أساليب حرب التعليم الديني .. كما حدث في الباكستان وأفغانستان والسعودية وفي غيرها .. وسيكون بشكل أكبر في العراق ..
راجع مقال : كير : تغيير الأمريكان نظم التعليم العراقية خلال 5 أشهر بدعوى مكافحة التطرف لا يخدم العملية التربوية
http://www.h-alali.net/news/show.php?id=549
40. أهمية تعلم ودراسة طرق تفكير العدو و أهم عاداتهم وتقاليدهم إن أمكن .. حتى يمكننا التعرف على الطرق الكفيلة في النجاح في مقاومته ومواجهته.
41. عمل لجنة مطالبات مالية على كل الدول المعتدية على أراضي المسلمين ... وكذا يكون فيمن تعاون معهم كالدول المقاتلة أو الدول التي تحضر جيوشها للأمن باسم الأمم المتحدة وتقاتل المسلمين ولا تقاتل المعتدين المحتلين ... فكما أنهم يقاتلون المسلمين ويثبتون الحكم للمعتدين فعليهم ما على المعتدين من الإصلاح ..
ويكون على كل دولة جانب مالي تعويضي .. يعطي في نفوسهم أننا لن ننسى جرائمهم التي يجاهرون فيها صباح مساء ..
42. عمل قائمة بأسماء مجرمي الحرب الذين قاموا بمحاربة المسلمين أو طاعة رؤساؤهم في ذلك .. ويكون ذلك من قادتهم ورؤسائهم .. فهم يقومون بعمل القوائم على المسلمين ويستهدفون زعماءهم وقاداتهم الإسلامية .. فمن حق المسلمين أن يكون لهم قوائم ينشرونها تحتوي زعماء العصابات النصرانية والتي تلعب في بلاد المسلمين كما تشاء من غير حسيب ولا رقيب.
وهذه القائمة سيكون لها الدور إن شاء الله تعالى في تضعيف أو توهين الطاعة عندهم .. ولذا ينبغي أن تكون القائمة دقيقة وتستهدف الأشخاص القياديين ومن أطاعهم من كبراءهم من القادة الكبار.
43. نشر مفهوم : لا فضل لعربي على أعجمي ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى إن أكرمكم عند الله أتقاكم . وذلك لربط الأمة وجمع كلمتها .
44. إبراز كيفية المحافظة على الأسرة المسلمة وبناءها ودورها .
45. بيان دور الوحدة الإسلامية ونزع بذور القومية والجاهلية والشركية والبدع وارتبط ذلك برضا الله عز وجل وأثره في بناء الدولة الإسلامية .
46. إعادة مفهوم تطبيق الحدود والتعزير والأحكام الإسلامية وفوائدها إلى أذهان المسلمين .
47. الاستفادة من القنوات الفضائية والإذاعية والصحفية الغربية الحرة في أمور مدروسة نحتاجها .
48. بيان دور الأمراض الاجتماعية الفتاكة وخصوصآ الآتية من عند أعداء الله في هدم المجتمع وأخلاقه وقيمه وحضارته .
49. التعريف بالسلف الصالح والعلماء والدعاة والقادة السابقين والمعاصرين والمواقف البطولية لهم وثباتهم ودورهم الجهادي والإصلاحي في إصلاح الفرد والمجتمع .
50. العمل ضمن إطار شرعي ومنظم كالعمل دون وجود اختلاط لما في ذلك من آثار على شخصية الرجل والمرأة وكيان المجتمع الذي سيقوم بدوره في إنتاج المجتمع المسلم .
51. مواصلة العمل في المراحل المخطط لها بنظام وصبر وثبات ودون توقف حتى لو تعطلت أو تأخرت في أماكن ومراحل أخرى .
52. توخي الحذر وإشهار ممن يشك بأنه من العملاء أو الطابور الخامس .
53. إعادة تنظيم الدوائر والمؤسسات الحكومية إسلاميآ ولو بشكل تخطيطي حاليآ حتى يمكن توجيه المؤسسات إلى شكلها الإسلامي إلى حين اليوم الذي يكون تطبيقه سهلا بإذن الله أو أمرآ متاحآ .
للمعلمين :
1. الحذر من محاولات الأعداء من التحكم والتلاعب بمناهج المسلمين الدراسية بما في ذلك محاولات نزع المناهج الدينية وزرع الفكر العلماني فيها .. وتنبيه العلماء عن التغييرات الحادثة.
2. تنمية العواطف الهامة لدى الطلاب للتوجيه بأهمية الاستمرار في المقاطعة الاقتصادية للبضائع الأمريكية والبريطانية وغيرهم من المعادين للأمة.. والاهتمام بذلك أشد الاهتمام ..
3. ترسيخ العقيدة الإسلامية الصحيحة في نفوس الطلاب وتحبيبهم إلى دينهم الإسلامي الحنيف فان الاستعمار أول ما عمل به في الدول الإسلامية هو ضرب العقيدة الإسلامية في النفوس.
4. الاهتمام باللغة العربية فهي مصدر الترابط بين المسلمين وهي مصدر فهم الدين .. والانتباه إلى محاولات الأعداء إلى تضعيف اللغة العربية وجعلها لغة ثانوية في كل بلد ليس إسلامي ولكن عربي . لان الاستعمار الصليبي يعلم انه حتى يفهم المسلم دينه عليه أن يتمكن من اللغة العربية الصحيحة .(67/361)
5. إصلاح مناهج التعليم بما يضمن إخراج الطالب الصالح المرتبط بإسلامه وعقيدته ومجتمعه المؤمن بعقيدة الولاء والبراء المحب للمؤمنين المبغض لليهود والنصارى والمشركين حتى يعرف مَن هو صديقه من عدوه . فهم يقومون بتغيير المناهج بما يخدم مصالحهم التنصيرية ونحن ينبغي لنا أن نبذل الجهد بما يخدم مصالحنا الدينية .
للمربين :
1. الاهتمام بتحفيظ القرآن الكريم للناشئة لأنه المصدر الأساس في فهم الإسلام ... ومنه منطلق العقيدة والدين ..
2. ترسيخ العقيدة الإسلامية الصحيحة في نفوس الأمة وتحبيبهم إلى دينهم الإسلامي الحنيف فان الاستعمار أول ما عمل به في الدول الإسلامية هو ضرب العقيدة الإسلامية في النفوس.
3. الحذر من طرق الأعداء في نشر الفساد في المجتمع المسلم .. حتى أن احد الإخوة الفلسطينيين قال : أن اليهود في فلسطين عمدوا إلى توزيع الصور الفاجرة على العمال الفلسطينيين بغرض إضاعة دينهم ومن بعدها نفوسهم .
4. التوجيه إلى وجوب طلب العلم الشرعي وخاصة في مثل زمننا .. وذلك لما في طلب العلم من أثر في تغيير المفاهيم والسلوك في الشعوب ومنعها من التساقط في مغريات وشبهات الغزاة .. قال رسول ا صلى الله عليه وسلم : [من يرد الله به خيرا يفقه في الدين] .. فالبدء بكتاب الله حفظا وتفسيرا وكذلك الحديث النبوي الشريف تعلما وشرحا .. وهكذا ..
5. العناية بمؤسسات رعاية الشباب ومؤسساتها المختلفة ونواديها ومخيماتها ونشاطاتها وحمايتها من البلاء الذي يهددها وإبعاد اللاعبين والمدربين الأجانب عن النوادي الرياضية والحرص على تصحيح الأوضاع التي تتعلق بتربية الشباب وإعدادهم وإصلاحهم .
6. عدم انتظار القائد المخلص الجاهز .. والعمل على صناعة هؤلاء القادة .. يجب أن يكون لنا دورا في صناعة القائد .. فكثير من الناس يبحث عن المخلِّص ولو كان خارج دائرة الإسلام أو على رأس نظام طاغوتي ويبحث عن الأسباب التي يمكن أن تدل على إسلاميته ثم يبدأ وضع تصورات الخلاص على يديه .. فمن فرح بجمهورية الخميني التي حاربت وما تزال تحارب السنة .. ومن نسج الخيالات على الطاغية صدام حسين والحديث في صناعة الخيالات تجاه مثل هؤلاء يطول فيه الكلام ..
والهدف أننا ينبغي علينا البحث عن الوسائل المناسبة في صناعة القادة ..
للآباء والأمهات:
1. تنبيه العلماء والدعاة عن أي تغيير في محاولات نزع الدين من المناهج الدراسية واستنكار ذلك عند العلماء والولاة.
2. الاستمرار في المقاطعة الاقتصادية للبضائع الأمريكية والبريطانية وغيرهم من المعادين للأمة.. والاهتمام بذلك أشد الاهتمام ..
3. ومن المهم أن يكون لدينا بعض التنازل [بل كل التنازلات] عن رغبات النفس في البضائع التي ليس لها ضرورة ماسة لنا .. فكثير من المشتروات هي في الحقيقة كماليات وغير ضرورية للفرد .. ويمكن تعويضها بغيرها ..
4. فالله الله في عدم دعم الاقتصاد الغربي عموما .. والأمريكي والبريطاني خصوصا .. فكل مال ندفعه لهم فهو في الحقيقة قنابل ورصاصات في صدور إخواننا ..
5. ترسيخ العقيدة الإسلامية الصحيحة في نفوس الخلف أو الذرية وتحبيبهم إلى دينهم الإسلامي الحنيف فان الاستعمار أول ما عمل به في الدول الإسلامية هو ضرب العقيدة الإسلامية في النفوس.
6. الاهتمام باللغة العربية فهي مصدر الترابط بين المسلمين وهي مصدر فهم الدين .. والانتباه إلى محاولات الأعداء إلى تضعيف اللغة العربية وجعلها لغة ثانوية في كل بلد ليس إسلامي ولكن عربي . لان الاستعمار الصليبي يعلم انه حتى يفهم المسلم دينه عليه أن يتمكن من اللغة العربية الصحيحة .
7. الاهتمام بتحفيظ القرآن الكريم للناشئة لأنه المصدر الأساس في فهم الإسلام ... ومنه منطلق العقيدة والدين ..
8. الحذر من طرق الأعداء في نشر الفساد في المجتمع المسلم .. حتى أن احد الإخوة الفلسطينيين قال : أن اليهود في فلسطين عمدوا إلى توزيع الصور الفاجرة على العمال الفلسطينيين بغرض إضاعة دينهم ومن بعدها نفوسهم .
9. الحذر من المدارس الأجنبية وبذل الجهد في تحجيمها [أو إيقافها] ...
للمجاهدين :
1. تفعيل الجهاد ضد الغزاة والدعوة إليه عموما .. وخصوصا في الأراضي المستعرة والتي تقوم الحرب فيها بين المسلمين وبين رايات الكفر المحاربة للإسلام .. وذلك مثل مناطق الأفغان والشيشان وفلسطين والأكراد والعراق والفلبين وكشمير وبعض دول أفريقيا وغيرها ..
2. الاستعداد والتجهيز للاستمرار في حروب الاستنزاف طويلة المدى ..
3. نقل بعض العمليات في قلب الدول الكافرة (المحاربة) .. وهذا حق مشروع وقد اتفقت دول الكفر على أن هذا الأمر غير مباح للمسلمين فقط ولو كانوا محاربين في ديارهم .. فالمسلمون في نظر الغربيين ينبغي ألا يكونوا سببا حتى في اتساخ سكينة الجزار بدمائهم ..
4. تفعيل العمليات الاستشهادية ، وإيلام العدو الغازي بلاد المسلمين بأكبر الخسائر البشرية .(67/362)
5. التوجيه لفتح طرق لدعم المجاهدين ماليا من الزكاة أو من غير الزكاة .. والملاحظ أن هناك محاولات كبيرة جدا من الصليبيين لمنع تمويل المجاهدين أو حتى عائلات المجاهدين .. ولذا ينبغي الاهتمام بالتمويل للجهاد .
6. لابد أن نحرص كل الحرص على الوسائل الإعلامية القوية التي تؤثر في الصديق والعدو أكثر من السلاح أحيانا .. و كلنا يعلم مدى قوة الغرب في الحرب الإعلامية وتأثيره على أعدائهم وحتى على شعوبهم ...
والشاهد على ذلك من سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم .. الصحابي الجليل حسان بن ثابت الذي كان يرسل أبياته وشعره كالصواعق تدك قلوب المشركين ... وكان رسول ا صلى الله عليه وسلم يحثه ويدعو له ..
نعم نهتم بهذا السلاح الذي أغفلته أمتنا في هذه الظروف ويكون ذلك ... عن طريق الانترنت - القنوات الفضائية - الراديو ..... الخ
7. ذكر بعض جوانب النصر في القضية العراقية وذلك لعلاج بعض حالات الإحباط عند بعض السطحيين من المسلمين و حالة الشعور بعدم الثقة , فنقوم بإقناعهم أن الجهود التي قام بها المسلمون من الدعاء و التفاعل مع هذه القضية كان بحد ذاته نصرا , و أن في توحد صفوف المسلمين على اختلاف الأماكن دليل قوة هي بداية النصر إذا ما التزمنا بالمنهج القويم للإسلام. http://g r oups.yahoo.com/g r oup/abubanan
8. التحريض للاستعداد والإعداد لجهاد الصليبيين الحاقدين ..
9. التدرب على صناعة السلاح الذي يفتك بأعداء الأمة مع... ولو كانت الأفكار في بدايتها بدائية ... ولكن شيئا فشيئا حتى نصل ...مع الحذر من ترقبات المنافقين ... ولنا مثل وقدوة في إخواننا في فلسطين وكيف ابتكروا صواريخ القسام وغيرها والزجاجات الحارقة . ويكفي في ذلك قوله تعالى : [وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل]
وهذا الذي لا يريده أعداء الإسلام .. فهم يبذلون قصارى جهدهم في جعل الحكومات تحارب هذه الفكرة وبعدها تبقى الدول ضعيفة تنتظر السماح لها بشراء الأسلحة التي هم يريدون .
10. العمل على البدء في حرب العصابات في الدول التي تحتلها أمريكا .. وأمريكا لن تخرج - في غالب الظن - بسبب الأزمات التي تكاد تعصف بها .. و للمجاهدين اليد الطولى في هذه الحروب والفتك بجند أمريكا أشد الفتك .. ولسهولة الوصول إلى أرض العراق من خلال الحدود الطويلة المحاذية لدول الجوار فينبغي الاهتمام بالجهاد هناك وتمويل المجاهدين بالمال والسلاح ..
والمهم أن تكون تحت راية المجاهدين لا تحت راية البعث الكافر .
11. أهمية تعلم ودراسة طرق تفكير إن أمكن .. حتى يمكننا التعرف على الطرق الكفيلة في النجاح في مقاومته ومواجهته.
12. الثبات .. الثبات ... وخاصة عند ملاقاة العدو .. يقول عز وجل [يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون]
13. عمل لجنة مطالبات مالية على كل الدول المعتدية على أراضي المسلمين ... وكذا يكون فيمن تعاون معهم كالدول المقاتلة أو الدول التي تحضر جيوشها للأمن باسم الأمم المتحدة وتقاتل المسلمين ولا تقاتل المعتدين المحتلين ... فكما أنهم يقاتلون المسلمين ويثبتون الحكم للمعتدين فعليهم ما على المعتدين من الإصلاح ..
ويكون على كل دولة جانب مالي تعويضي .. يعطي في نفوسهم أننا لن ننسى جرائمهم التي يجاهرون فيها صباح مساء ..
14. عمل قائمة بأسماء مجرمي الحرب الذين قاموا بمحاربة المسلمين أو طاعة رؤساؤهم في ذلك .. ويكون ذلك من قادتهم ورؤسائهم .. فهم يقومون بعمل القوائم على المسلمين ويستهدفون زعماءهم وقاداتهم الإسلامية .. فمن حق المسلمين أن يكون لهم قوائم ينشرونها تحتوي زعماء العصابات النصرانية والتي تلعب في بلاد المسلمين كما تشاء من غير حسيب ولا رقيب.
وهذه القائمة سيكون لها الدور إن شاء الله تعالى في تضعيف أو توهين الطاعة عندهم .. ولذا ينبغي أن تكون القائمة دقيقة وتستهدف الأشخاص القياديين ومن أطاعهم من كبراءهم من القادة الكبار.
15. بيان كيفية عمل التدريب الجهادي الفردي ريثما تتاح الفرصة لعمل التدريب الجهادي الجماعي المنظم .
16. بيان دور الخنادق والأهداف الزائفة والأساليب التكتيكية في الحرب .
القادرين على الجهاد من غير المجاهدين:
1. التدرب القتالي في المناطق التي يسمح فيها بالتدرب القتالي للمسلمين .. أو لا يوجد سلبيات وردود فعل أكبر ذات التدريب .. مع الحرص على الكتمان والخصوصية ..
2. الاستعداد والتجهيز للاستمرار في حروب الاستنزاف طويلة المدى ..
3. التدريب الرياضي والبدني ..فأكثرنا بدون لياقة أو سمين أو مريض بسبب القعود وضعف التدرب... ولنا في سباق الرسو صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها ومصارعته لبعض الصحابة ومن سير السلف صعود ابن تيمية الجبل ونزوله للتقوي .. وغير ذلك من المحفزات والاستدلالات التي تدفع بالمسلم إلى التدرب البدني والجهادي..
للإعلاميين :
1. تكوين الوسائل الإعلامية القوية التي تؤثر في الصديق والعدو أكثر من السلاح أحيانا .. و كلنا يعلم مدى قوة الغرب في الحرب الإعلامية وتأثيره على أعدائهم وحتى على شعوبهم ...(67/363)
والشاهد على ذلك من سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم .. الصحابي الجليل حسان بن ثابت الذي كان يرسل أبياته وشعره كالصواعق تدك قلوب المشركين ... وكان رسول ا صلى الله عليه وسلم يحثه ويدعو له ..
نعم نهتم بهذا السلاح الذي أغفلته أمتنا في هذه الظروف ويكون ذلك ... عن طريق الانترنت - القنوات الفضائية - الراديو ..... الخ
2. نشر صور الخوف و الرعب لدى الجندي الغربي .. و قتلى و جرحى القوات الغازية , و ذلك لتحطيم صورة النصر و القوة التي تحاول أمريكا رسمها و من ثم تريد إثارة الرعب بين بقية الدول . فلا بد من إقناع العالم و لاسيما الإسلامي بضعف جيش الغزاة لرفع المعنويات المسلمين .
http://g r oups.yahoo.com/g r oup/abubanan
3. نشر صور الجرائم التي ارتكبت من قبل الغزاة في حق المدنيين و المنشئات المدنية , و ذلك لإعطاء المجاهدين شحنة من القوة في أسباب القتال , و تعرية الغزاة من ثوب التحرير الذي يحاولون إقناع أنفسهم و القلة من المغفلين .
http://g r oups.yahoo.com/g r oup/abubanan
4. ذكر بعض جوانب النصر في القضية العراقية وذلك لعلاج بعض حالات الإحباط عند بعض السطحيين من المسلمين و حالة الشعور بعدم الثقة , فنقوم بإقناعهم أن الجهود التي قام بها المسلمون من الدعاء و التفاعل مع هذه القضية كان بحد ذاته نصرا , و أن في توحد صفوف المسلمين على اختلاف الأماكن دليل قوة هي بداية النصر إذا ما التزمنا بالمنهج القويم للإسلام. http://g r oups.yahoo.com/g r oup/abubanan
5. التحريض للاستعداد والإعداد لجهاد الصليبيين الحاقدين ..
6. نشر فتاوى العلماء .. وأن الراضي بالاحتلال الأمريكي للعراق يكون كافرا مرتدا .. وأنه لا شبهة بعد سقوط حزب البعث الذي يراه البعض -والله أعلم بالنيات- سببا في عدم تكفير من أعان الصليبيين على المسلمين .. وننقل مثالا في ذلك رأي الشيخ حامد العلي من الكويت :
موضوع : يا من أيدت الغزو الشيخ العلي من الكويت يقول : من رضي باحتلال أمريكا للعراق كافر مرتد
http://d r r r r.com/vb/showth r ead.php?s=&th r eadid=31073
7. منع الإعلام وخاصة الصحافة من نشر الأخبار الدعائية المتعلقة بالسفر للخارج للسياحة والاختلاط للشباب (أو غيرهم) كما يجب منع الخطوط الجوية من إعلان أسماء وعناوين الفنادق وأماكن اللهو والقمار في جميع أنحاء العالم ومطالبتها بالإعلان عن الجمعيات والمؤسسات الخيرية وأماكن الإصلاح .
8. إعداد أشرطة سمعية لدعوة غير المسلمين إلى الإسلام ويكون إعدادها بطريقة جذّابة بالعربية أولاً ثم يُترجم إلى اللغات الأخرى مع مراعاة حسن الصوت واستخدام المؤثرات الصوتية المقبولة والسعي إلى توزيع هذه الأشرطة بكميات كبيرة لدى غير المسلمين وفي جميع البلاد .
9. محاربة العادات الصليبية كالأعياد والمناسبات والشعارات واللباس وغيرها .
10. فضح زعماء الغرب والتعريف بأهدافهم وتاريخهم لترسيخ كرههم ..
11. نشر تاريخ أمريكا الأسود وذكر الأحداث الدموية التي تمت على أيديهم وتحت سياساتهم .. وفضح هذه السياسات المغلفة بأغلفة خدَّاعة .
12. ذكر وتوثيق تناقضات الغرب في تعامله مع قضايا المسلمين وقضايا غيرهم [مثل مغازلة كوريا وضرب العراق] و [دعم جون قرنق مع أنهم أقلية نصرانية 15% واتهام الكشميريين بالإرهاب] وغيرها كثير .
13. ذكر حقائق وأرقام تنبئ بسقوط أمريكا .
14. فضح المصطلحات التي يتكئ عليها الغرب الكافر وتبيينها للمسلم العادي [مثل مصطلح الديموقراطية ...وغيرها] والأمريكان ألد أعداءها إذا كان المستفيد هم المسلمون [كما حدث في الجزائر] ..
15. العمل على إنشاء ودعم القنوات الفضائية والإذاعية والصحفية وكافة مؤسسات التي تخدم مقومات الدولة الإسلامية .
مستخدمي الإنترنت :
1. التحليل للأخبار بدلا من النقل فقط .. فكل خبر له عدد من التحليلات قد تصح أو تخطيء ولكن نشر هذه التحليلات يعطي تصورا أبعد للحدث .. فإذا تم نقل الأخبار التالية بعدها يمكن ربط الأخبار والتعرف على التحليلات الصائبة وما يمكن توقعه مستقبلا..
2. تكوين الوسائل الإعلامية القوية في الإنترنت التي تؤثر في الصديق والعدو أكثر من السلاح أحيانا .. و كلنا يعلم مدى قوة الغرب في الحرب الإعلامية وتأثيره على أعدائهم وحتى على شعوبهم ...
والشاهد على ذلك من سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم .. الصحابي الجليل حسان بن ثابت الذي كان يرسل أبياته وشعره كالصواعق تدك قلوب المشركين ... وكان رسول ا صلى الله عليه وسلم يحثه ويدعو له ..
نعم نهتم بهذا السلاح الذي أغفلته أمتنا في هذه الظروف ويكون ذلك ... عن طريق الانترنت - القنوات الفضائية - الراديو ..... الخ
3. نشر صور الخوف و الرعب لدى الجندي الغربي .. و قتلى و جرحى القوات الغازية , و ذلك لتحطيم صورة النصر و القوة التي تحاول أمريكا رسمها و من ثم تريد إثارة الرعب بين بقية الدول . فلا بد من إقناع العالم و لاسيما الإسلامي بضعف جيش الغزاة لرفع المعنويات المسلمين .
http://g r oups.yahoo.com/g r oup/abubanan(67/364)
4. نشر صور الجرائم التي ارتكبت من قبل الغزاة في حق المدنيين و المنشئات المدنية , و ذلك لإعطاء المجاهدين شحنة من القوة في أسباب القتال , و تعرية الغزاة من ثوب التحرير الذي يحاولون إقناع أنفسهم و القلة من المغفلين .
http://g r oups.yahoo.com/g r oup/abubanan
5. الحاجة لإنشاء مواقع إسلامية أكثر باللغة الإنكليزية[ باستغلال المواقع الشخصية المجانية أو غيرها] لتوضيح مفاهيم الإسلام النبيلة وخطط الصهاينة الخبيثة في العولمة... توضيحها للأمريكان وغيرهم
6. نشر فتاوى العلماء .. وأن الراضي بالاحتلال الأمريكي للعراق يكون كافرا مرتدا .. وأنه لا شبهة بعد سقوط حزب البعث الذي يراه البعض -والله أعلم بالنيات- سببا في عدم تكفير من أعان الصليبيين على المسلمين .. وننقل مثالا في ذلك رأي الشيخ حامد العلي من الكويت :
موضوع : يا من أيدت الغزو الشيخ العلي من الكويت يقول : من رضي باحتلال أمريكا للعراق كافر مرتد
http://d r r r r.com/vb/showth r ead.php?s=&th r eadid=31073
7. التنبيه على تناقضات الغزو الصليبي فهم كانوا يتحدثون عن التحرير من حزب البعث ثم ظهر خداعهم عندما قالوا : [مادام تحت العلم الأمريكي فلا مشكلة في البعث.. وزير الدفاع البريطاني : أعضاء حزب البعث سيشاركون في الحكومة] والحقيقة أن المستعمر محتاج الآن إلى الرافضة وحزب البعث لأنهم أفضل من يتعاون مع الصليبيين ..
http://www.h-alali.net/news/show.php?id=551
وهذا رابط يدل على إرهاصات بأنهم لا مانع عندهم من عودة صدام حسين للسلطة ليقوم بدوره الجديد.
http://fo r um.fwaed.net/showth r ead.php?s=&th r eadid=22902
8. تحويل الأفكار إلى تطبيق عملي : فمع الاهتمام بالمزيد من الأفكار فإننا نحتاج إلى تطبيق هذه الأفكار وتحويلها إلى واقع عملي .. وهو الأهم .. وهو سبب النجاح .. وونعوذ بالله أن نكون ممن صفات مشابهة لليهود أو النصارى ..
فمن صفات اليهود التي ذكرت بالقرآن [ المغضوب عليهم] وقال العلماء ليسو اليهود وحدهم المقصودون بهذا القول ولو أن الخطاب كان عنهم ولكن قالو : هم كل من علم ولم يعمل .. وكذلك النصارى [الضآلين] وأيضاً الخطاب عنهم خاصة ولكن يشمل كل من عمل ولم يعلم [عمل العمل بدون علم وتعلم].. وأما الطائفة المحمودة جعلني الله وإياكم وجميع المسلمين منهم هم الذين يعلمون ويتعلمون ..
وما أريد الوصول إليه هو علينا بالعمل بكل ما نعلم أنه في إرضاء ربنا وترك ما نعلم أنه يغضبه - وليس العلم لزيادة المعلومات لدى الشخص هي المقصود - بل العمل العمل العمل
9. نشر روابط أشرطة سمعية لدعوة غير المسلمين إلى الإسلام ويكون إعدادها بطريقة جذّابة بالعربية أولاً ثم يُترجم إلى اللغات الأخرى مع مراعاة حسن الصوت واستخدام المؤثرات الصوتية المقبولة والسعي إلى توزيع هذه الأشرطة بكميات كبيرة لدى غير المسلمين وفي جميع البلاد .
10. على من يجيدون اللغة الإنجليزية مسئولية كبيرة خاصة في إبراز الجوانب المهمة التي يجب أن يُعرّف بها غير المسلمين وإدارة النقاشات والحوارات بكل مناسبة معهم ومجادلتهم بالتي هي أحسن كما قال عز وجل : { ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم } .
11. محاربة العادات الصليبية كالأعياد والمناسبات والشعارات واللباس وغيرها .
12. التذكير بالدعاء في آخر ساعة من ساعات الجمعة .. وتحديد الأهداف التي ندعو الناس للدعوة لهم أو عليهم .. وهذا مثال جيد للتذكير :
http://fo r um.fwaed.net/showth r ead.php?s=&th r eadid=22106
13. فضح زعماء الغرب والتعريف بأهدافهم وتاريخهم لترسيخ كرههم ..
14. نشر تاريخ أمريكا الأسود وذكر الأحداث الدموية التي تمت على أيديهم وتحت سياساتهم .. وفضح هذه السياسات المغلفة بأغلفة خدَّاعة .
15. ذكر وتوثيق تناقضات الغرب في تعامله مع قضايا المسلمين وقضايا غيرهم [مثل مغازلة كوريا وضرب العراق] و [دعم جون قرنق مع أنهم أقلية نصرانية 15% واتهام الكشميريين بالإرهاب] وغيرها كثير .
16. ذكر حقائق وأرقام تنبئ بسقوط امريكا .
17. تذكير التجار المسلمين أن معونتهم للأمريكان كفر وردة في حربهم على أي بلد مسلم حتى لا يتكرر ما شاهدناه في حرب العراق الأخيرة .
18. عمل لجنة مطالبات مالية على كل الدول المعتدية على أراضي المسلمين ... وكذا يكون فيمن تعاون معهم كالدول المقاتلة أو الدول التي تحضر جيوشها للأمن باسم الأمم المتحدة وتقاتل المسلمين ولا تقاتل المعتدين المحتلين ... فكما أنهم يقاتلون المسلمين ويثبتون الحكم للمعتدين فعليهم ما على المعتدين من الإصلاح ..
ويكون على كل دولة جانب مالي تعويضي .. يعطي في نفوسهم أننا لن ننسى جرائمهم التي يجاهرون فيها صباح مساء ..(67/365)
19. عمل قائمة بأسماء مجرمي الحرب الذين قاموا بمحاربة المسلمين أو طاعة رؤساؤهم في ذلك .. ويكون ذلك من قادتهم ورؤسائهم .. فهم يقومون بعمل القوائم على المسلمين ويستهدفون زعماءهم وقاداتهم الإسلامية .. فمن حق المسلمين أن يكون لهم قوائم ينشرونها تحتوي زعماء العصابات النصرانية والتي تلعب في بلاد المسلمين كما تشاء من غير حسيب ولا رقيب.
وهذه القائمة سيكون لها الدور إن شاء الله تعالى في تضعيف أو توهين الطاعة عندهم .. ولذا ينبغي أن تكون القائمة دقيقة وتستهدف الأشخاص القياديين ومن أطاعهم من كبراءهم من القادة الكبار.
20. تأكيد أهمية أن الحرب خدعة وعدم نشر الأسرار كما في قصة حاطب بن أبي بلتعة.
للنساء :
1. الحذر من طرق الأعداء وأذنابهم في دعوة المرأة إلى نزع الحجاب بحجة تحرر المرأة .
2. نشر المقالات في الإنترنت أو روابط المقالات والتي تعلم المطلوب من اللياقة البدنية وكيفية تطوير الفرد بدنيا ..
وهذا مثال عن الموضوع المذكور ..
http://www.muslm.o r g/showth r ead.php?s=&th r eadid=79581
لعموم المسلمين :
1. الدعاء والإلحاح على الله عز وجل أن ينصر المسلمين ويجعل العاقبة لهم .. والمطلوب الاستمرار بالدعاء وعدم اليأس والتوقف .. وهذه الفكرة لجميع أفراد المجتمع المسلم ، كبيرهم وصغيرهم .. عالمهم وجاهلهم .. ذكرهم وأنثاهم .. وهي طريقة سهلة الوصول عظيمة الأثر .. ولن يرد الله من دعاه .. إما أن يقبلها وإما أن يحفظها له إلى يوم القيامة ..
2. [لعموم الأفراد] التنبيه على أهمية الدور الفردي في العمل .. فالأعمال الجماعية تتكون من أعمال فردية صغيرة منظمة بإطار واحد .. فلا يستحقرن أحد عملا ولو كان صغيرا.. ولا يستحقرن أحد منا عملا بالمقاطعة ..ولو ترك كل شخص منا عمله اتكالا على الآخرين لما قام بالعمل أحد ..
3. ترك النعومة والترف وخاصة في هذه الأزمنة للرجال والنساء والأطفال .والتعود على المشي و عدم الإكثار من الأكل ، والتعايش في الظرف القاسية [اخشوشنوا فإن النعم لا تدوم] .
4. التوبة و الاستغفار .. وذلك بترك المعاصي والتوبة ... وفعل الطاعات والأوبة ... فما نزل بلاء إلا بذنب ولا رفع إلا بتوبة .. ومن المهم أن يقوم المجتمع بمكافحة الذنوب الظاهرة في المجتمع .. فالذنوب العامة أشد وأقرب لنزول العقوبات والبلاء من الذنوب الفردية الخفية ..
5. فوالله إن تركنا للذنب ومحافظتنا على الطاعة هو أول طريق النصر ومحاربة والآيات الدالة على ذلك كثيرة ... ومنها قوله تعالى : [ أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم] وقال تعالى : [ إن تنصروا الله ينصركم ]
6. تفعيل الجهاد ضد الغزاة والدعوة إليه عموما .. وخصوصا في الأراضي المستعرة والتي تقوم الحرب فيها بين المسلمين وبين رايات الكفر المحاربة للإسلام .. وذلك مثل مناطق الأفغان والشيشان وفلسطين والأكراد والعراق والفلبين وكشمير وبعض دول أفريقيا وغيرها ..
7. الاهتمام باللغة العربية فهي مصدر الترابط بين المسلمين وهي مصدر فهم الدين .. والانتباه إلى محاولات الأعداء إلى تضعيف اللغة العربية وجعلها لغة ثانوية في كل بلد ليس إسلامي ولكن عربي . لان الاستعمار الصليبي يعلم انه حتى يفهم المسلم دينه عليه أن يتمكن من اللغة العربية الصحيحة .
8. الحذر من المنظمات التنصيرية القادمة على أشلاء المسلمين ومن أحابيلها وأهدافها الخفية .. ومراقبة أنشطتها على المدى البعيد وتنبيه الشعوب من تحركاتها المشبوهة .
http://islamonline.net/A r abic/news/...a r ticle19.shtml
9. وجوب طلب العلم الشرعي وخاصة في مثل زمننا .. وذلك لما في طلب العلم من أثر في تغيير المفاهيم والسلوك في الشعوب ومنعها من التساقط في مغريات وشبهات الغزاة .. قال رسول ا صلى الله عليه وسلم : [من يرد الله به خيرا يفقه في الدين] .. فالبدء بكتاب الله حفظا وتفسيرا وكذلك الحديث النبوي الشريف تعلما وشرحا .. وهكذا ..
10. اتباع العلماء الذين قالوا كلمة الحق لا تأخذهم في الله لومة لائم أو تأثير وسائل إعلام أو كيد .. وتقدير مكانتهم بين العلماء .. والحذر من العلماء الذين تقلبت بهم السبل وضعفت مواقفهم ..
11. دعم المجاهدين ماليا من الزكاة أو من غير الزكاة .. والملاحظ أن هناك محاولات كبيرة جدا من الصليبيين لمنع تمويل المجاهدين أو حتى عائلات المجاهدين .. ولذا ينبغي الاهتمام بالتمويل للجهاد .
12. صناعة السلاح الذي يفتك بأعداء الأمة مع... ولو كانت الأفكار في بدايتها بدائية ... ولكن شيئا فشيئا حتى نصل ...مع الحذر من ترقبات المنافقين ... ولنا مثل وقدوة في إخواننا في فلسطين وكيف ابتكروا صواريخ القسام وغيرها والزجاجات الحارقة . ويكفي في ذلك قوله تعالى : [وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل]
وهذا الذي لا يريده أعداء الإسلام .. فهم يبذلون قصارى جهدهم في جعل الحكومات تحارب هذه الفكرة وبعدها تبقى الدول ضعيفة تنتظر السماح لها بشراء الأسلحة التي هم يريدون .
13. الدعوة إلى الله ... بكل الأساليب المتاحة ....(67/366)
14. هجر القنوات الفضائية : إن للقنوات الفضائية ومع ما تبثه من تضليل للحقائق والأكاذيب ولو صدقو في بعض المرات تأثيراً قوياً على الناس ..
فإذا نشرت القنوات صورا وأخبارا وأنباءً عن قوة العدو وتمكنه من بلاد المسلمين وانتهاء الحرب المقصودة بالاستيلاء على بعض المدن يقل الحماس الذي فينا من الدعاء والالتجاء لله عز وجل...
فلذلك اتركوا الأخبار من القنوات الفضائية أياً كانت مصداقيتها فهي تأتي بالأخبار الصحيحة تارة وتنقل من القنوات المأجورة والتابعة لتوجيهات الاستخبارات الغربية مرات كثيرة ..
اتركوا القنوات و اعتنوا بالدعاء خاصة وأخبار المواقع الموثوقة في الإنترنت.
15. مقاطعة المؤسسات المشبوهة وبيوت الربا والإعلام الفاسد كأشرطة الفيديو والبث المباشر والصحف المنحرفة وغير ذلك .
16. [للطلاب] الولوج في التخصصات العلمية المختلفة ووجود المتخصصين من الشباب في كل هذه الأمور فلن تكون الأمة بخير ما دامت الخبرة التي تحتاجها يملكها عدوها وليس في عقول المسلمين بحمد الله نقص من غيرهم بل هم روّاد الحضارة في فترة من فترات التاريخ فيجب أن ينبري أصحاب المواهب والخبرات والإمكانيات إلى التخصصات والدراسات العلمية الجادة ويسعوا إلى اكتشاف أسرار التقنية ونقلها إلى بلاد المسلمين ليتم الاستغناء عن الخبراء من اليهود والنصارى وغيرهم .
17. [لأهل المال] دعم المسلمين الذين يحاربون الصليبيين مثل ما نجد اليوم حرب المسلمين ضد النصارى في السودان أو حرب المسلمين ضد النصارى في الفلبين وفي العراق وغيرها من بلاد المسلمين ، فلابد من دعم قوي للمسلمين بكافة وسائل الدعم ، الدعم المالي والدعم الإغاثي والدعم الإنساني وأن هناك دعم آخر لابد أن يُتقن له ألا وهو دعمهم بدعوتهم إلى الله تعالى فلن ينتصروا بالبندقية وحدها بل بطاعة الله ورسوله .
18. [للتجار] العناية بالعمال المسلمين الموجودين هنا وفي كل بلد إسلامي في تعليمهم ورعايتهم....... ورفع الظلم الذي يقع عليهم من قبل مكفوليهم من تأخير الرواتب أو إسكانهم في أماكن غير لائقة . بل يجب أن نرفع الظلم إلى كل من هو موجود هنا إنها الفرصة التي يستغلها النصارى في مد يد العون إلى هؤلاء الضعفاء لتنصيرهم أو لإبعادهم عن الإسلام .
19. فضح المصطلحات التي يتكئ عليها الغرب الكافر وتبيينها للمسلم العادي [مثل مصطلح الديموقراطية ...وغيرها] والأمريكان ألد أعداءها إذا كان المستفيد هم المسلمون [كما حدث في الجزائر] ..
20. عدم الركون إلى الرؤى والمبشرات أوربط النصر بها ثم القعود عن العمل ... ولا شك أن الرؤى إنما هي مبشرات وليست تشريعا منزلا على الناس ... فمنها ما قد يصح ومنها ما قد يكذب .. ومن التأويل ما قد يصح ومنه ما قد يخطئ .. ويكفي دليلا تأويل أبي بكر الصديق رضي الله عنه عندما أصاب في واحدة وأخطأ في أخرى ...
و البعض يعتمد على تأويل أحد المعبرين اعتمادا كليا وكأن كلامه حق لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ...
والناظر إلى حياة الصحابة يجد أنهم كانوا يعملون ويجاهدون ... وكانت الرؤى عندهم مبشرات تحفزهم للعمل ولا تجعلهم يتكلون .
21. التدريب الرياضي والبدني ..فأكثرنا بدون لياقة أو سمين أو مريض بسبب القعود وضعف التدرب... ولنا في سباق الرسو صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها ومصارعته لبعض الصحابة ومن سير السلف صعود ابن تيمية الجبل ونزوله للتقوي .. وغير ذلك من المحفزات والاستدلالات التي تدفع بالمسلم إلى التدرب البدني والجهادي..
22. [للشباب ومحبي الرحلات] استكشاف أرض البلاد ومسالكها بالرحلات البرية الهادفة - فللأسف أرضنا يعرف عنها الغربيين المدسوسين العاملين في البلد أكثر منا - فما موقفنا زمن الجهاد والمدافعة !
23. [للمهندسين] اختراع وسائل قتال جديدة تكون بديلة للوسائل الحالية القائمة.
24. دراسة لغة العدو للاستفادة من خبراته وكشف خططه وأسراره على ألا تكون على حساب العلوم الشرعية عندنا ..
25. الصبر على المصائب هو من عزم الأمور ومواصلة العمل الجاد .
26. عدم التفاعل والمشاركة في القنوات الفضائية والإذاعية والصحفية إلا في إطار ضيق ومحدود ومدروس لأن هذه القنوات متعاقدة مع شركات اتصالات وإعلانات لتمويل برامجها .
27. العمل على إنشاء ودعم القنوات الفضائية والإذاعية والصحفية وكافة مؤسسات التي تخدم مقومات الدولة الإسلامية .
28. فضح الصليبيين والصهاينة وأعداء الله عند المسلمين والنصارى واليهود المشاركين في حرب المسلمين والبقية غير المناهضين للحرب .
29. مقاطعة كل ما يخالف الشرع من برامج محرمة وزنا ودور الموضة ومحلات بيع الخمور والبنوك الربوية و.....الخ .
30. زيادة وتقوية هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والمؤسسات الخيرية والدعوية .
[ تذكير: لا شك أن النصر قادم .. وأن بشائرها قد لاحت .. ولكن أكثر الناس لا يعلمون]
جمعها ( أبو أحمد-الفجر )
==================(67/367)
(67/368)
أمريكا: أنا ربكم الأعلى! (1)
أمريكا: أنا ربكم الأعلى!
هذا هو منطق الطغاة والفراعنة، في جميع العصور، منطق هؤلاء الطغاة الفراعنة، مبني على القوة المادية التي يملكونها، ولا يملكها غيرهم، مبني على الكبرياء والجبروت، منطقهم مبني على ظنهم أنهم مستقلون بالأمر من دون الله، فلهم أن يأمروا الناس وينهوهم، ويكرهوهم على الطاعة المطلقة لهم، لأنهم أرباب ومن عداهم عبيد.
هؤلاء الطغاة الفراعنة، يبتليهم الله بالمال والبساتين والأنهار والعيون، والسيطرة على البحار، ويبتليهم بكثرة الجنود، والمتخصصين في كل ما يحتاجون إليه: من أرباب اقتصاد، ورجال إعلام، ومهندسي إعمار، وزبانية تعذيب، وسيافي قتل، و مُدَرَّبي تنكيل بالمظلومين، بقسوة لا توجد في صم الصخور.
إنهم لا يخفون كبرياءهم، ولا يخجلون من الإعلان عن سحق المستضعفين وتدميرهم.
وقد أبدى القرآن الكريم وأعاد في وصف أنموذج للفراعنة والطغاة، وهو (فرعون مصر) الجبار، وجنده ووزراؤه.
فقد ادعى الألوهية والربوبية، وأنكر أن يكون لقومه إله سواه، كما قال الإله الحق تعالى عنه:)فكذب وعصى. ثم أدبر يسعى. فحشر فنادى. فقال أنا ربكم الأعلى( [النازعات: 21-24]
وقال عنه: )يا أيها الملأ ما علمت لكم من إله غيري( [القصص: 38]
وقال تعالى عن تبجح عاد قو م هود عليه السلام: )فأما عاد فاستكبروا في الأرض بغير الحق وقالوا من أشد منا قوة أولم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة وكانوا بآياتنا يجحدون( [فصلت: 15]
ولا يشترط في هذه الدعوى-أي ادعاء الربوبية والألوهية- أن يصرح الطاغية بـ(القال) فالحال -أحيانا-أقوى من (القال)
ولعل حال أمريكا الذي تمارسه مع العالم يوضح هذا المعنى أوضح بيان في هذا العصر.
أليس حال أمريكا وتصرفها- سياسيا، واقتصاديا، وإعلاميا، وعسكريا، في كل أقطار الأرض، برا وبحرا وجوا، ومحاولة إكراهها العالم على السمع والطاعة لها- أليس ذلك يدل على أنها وضعت نفسها موضع الإله الذي لاحق لغيره أن يأمر وينهى كل الناس بما يريد ولا حق لغيره من المخلوقين في ذلك؟
لا، بل إن الله ليأمر الناس بالإيمان به، وينهاهم عن الشرك به، ولا يأذن لأحد أن يكره أحدا على الإيمان به: )لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي( ولكن أمريكا تكره الدول في العالم على اتباع سياستها، ولم خرج عن ذلك، سلطت عليه المقاطعة السياسية والاقتصادية والعسكرية، فإذا لم تنجح في إخضاع الدولة بذلك، جيشت جيوشها لغزوها، وأنزلت بها أشد العذاب، ودمرت كل مرافقها.
أليست تقف وحدها مؤيدة لظلم الضعفاء فيما يسمى بـ(مجلس الأمن)؟
أليست تعمل ما تشاء، ولو وقفت دول العالم ضد عملها؟
ومن عادة الطغاة أن يتخذوا كل سبب يؤدي إلى تنازع الناس، ليتمكنوا من السيطرة عليهم، ويستفردوا بظلم من يريدون الاعتداء عليه، فلا يجد من ينصره، كما قال تعالى عن فرعون نفسه: ) إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعا يستضعف طائفة منهم يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم إنه كان من المفسدين( [القصص: 4]
وهاهي أمريكا اليوم (فرعون العصر) تفرق بين الشعوب وحكامها، وبين الأحزاب في كل بلد، وتفرق بين الدول المتجاورة والمتباعدة، من أجل أن تهيمن عليها جميعا، وتستضعف من تشاء منها، تحقيقا لهيمنتها وتثبيتا لظلمها.
وهاهي تجند أحزابا في الدول ضد أحزاب، وأحزابا ضد دول، ودولا ضد أحزاب، ولا هدف لها في ذلك كله إلا إيجاد الصراع الذي تضعف به خصومها، دولا كانت أم أحزابا.
ويكفي أن أذكر مثالا واحدا من أمثلة كثيرة تدل على تناقض أمريكا واتباع هواها في تصرفاتها: إنها تزعم أنها تحمي الأكراد في شمال العراق من عدوان النظام العراقي، ولكنها تتفرج على الجيوش التركية التي تدخل الأراضي العراقية لضرب خصومها من الأكراد، فتقتل وتعتقل وتدمر ما تشاء، دون أن تنكر ذلك ولو بالكلمة؟
ومن عادة الفراعنة الطغاة أن يقربوا منهم كبار القوم وأعيانهم، من ذوي المال والقوة، والاختصاصات التي تقوي ملكهم، ليسحقوا بهم الأعداء:
كالوزراء المنفذين: )فأوقد لي ياهامان على الطين فاجعل لي صرحا لعلي أطلع إلى إله موسى وإني لأظنه من الكاذبين([القصص: 38]
والجنود المطيعين: ) إن فرعون وهامان وجنودهما كانوا خاطئين( [القصص: 8]
والأغنياء المترفين الذين يغتر بهم الجاهلين: )إن قارون كان من قوم موسى فبغى عليهم وءاتيناه من الكنوز ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة إذ قال له قومه لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين( [القصص: 76] )وقارون وفرعون وهامان ولقد جاءهم موسى بالبينات فاستكبروا في الأرض وما كانوا سابقين( [العنكبوت: 39]
ومن عادة الفراعنة الطغاة، عندما يزهق الحق باطلهم، وتدحض الحجة أكاذيبهم: أن يحشدوا جماهير الناس، للاستعانة بمن يضلل عقولهم، ويقلب الحقائق عليهم، حتى يعينوهم على باطلهم ضد خصومهم.(67/369)
قال تعالى عن فرعون: )قال للملأ حوله إن هذا لساحر عليم. يريد أن يخرجكم من أرضكم فماذا تأمرون. قالوا أرجه وأخاه وابعث في المدائن حاشرين. يأتوك بكل سحار عليم. فجمع السحرة لميقات يوم معلوم. وقيل للناس هل أنتم مجتمعون لعلنا نتبع السحرة إن كانوا هم الغالبين. ...( [الشعراء: 34-40]
والذين يستعين بهم الفراعنة في هذا التضليل، قد يكونون سحرة كما حصل في عهد فرعون المعروف، وقد يكونون إعلاميين، وقد يكونون شعراء ومفكرين....
وفي تضليل الإعلام الأمريكي اليوم ما يفوق تضليل السحرة لجماهير فرعون.
ومن عادة الفراعنة الطغاة، أن يَعِدوا أعوانهم وأتباعهم بوافر المال، وعالي المناصب، ورفيع الحظوة بالقربى، تشجيعا لهم على الطاعة لهم والوقوف ضد أعدائهم، كما قال تعالى عن فرعون وسحرته:)فلما جاء السحرة قالوا لفرعون أئن لنا لأجرا إن كنا نحن الغالبين. قال نعم وإنكم إذن لمن المقربين.( [الشعراء: 41-42]
ويدخل في ذلك الأباطرة الذين يغترون بقوة إمبراطورياتهم، كما يحصل اليوم من الدولة الصليبية الصهيونية الجديدة (أمريكا) كما يدخل في المتعاونين معها رؤساء الحكومات الموالين لها الذين تَعِدهم الإمبراطورية بالمال أو إسقاط الديون عنها، أو جعلهم من المقربين إليها ودعم حكمهم واستمراره.
ونحن نعلم أن ذلك ليس بيد أمريكا، ولا قدرة لها على تحقيق وعدها، لا لأصدقائها، ولا لنفسها: )قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء، وتنزع الملك ممن تشاء، وتعز من تشاء، وتذل من تشاء، بيدك الخير، إنك على كل شيء قدير( [آل عمران: 26]
فرعون في الماضي كان فرعونا لبلد واحد، هو مصر، أما فرعون هذا العصر (أمريكا) فهي فرعون الأرض كلها، وهي التي تدعي ذلك قولا وفعلا، وتهدد أي دولة لا تطيع أوامرها بالويل والثبور.
هذه هي أمريكا (فرعون العصر) تحاول أن تضرب بسوط ظلمها العالم كله، ولسان حالها يقول، كما قال فرعون مصر:(أنا ربكم الأعلى)
وهاهو رئيسها قد صرح بأن حربه التي يعد لها العدة، لضرب أفغانستان هي حرب مقدسة (صليبية) كما أذاعت ذلك -نقلا عنه-الفضائيات والإذاعات، ومعنى ذلك أنها هجوم على العالم الإسلامي: للهيمنة عليه، كما هيمن الصليبيون القدامى على البلدان الإسلامية.
http://www.alfj صلى الله عليه وسلم com/showth r ead.php?s=&th r eadid=8132
ولا غرابة في حقد النصارى واليهود على المسلمين، وإعداد العدة للهجوم عليهم والسيطرة على بلدانهم، لأن الله تعالى قد سجل عليهم ذلك في كتابه، وتاريخهم في الماضي والحاضر شاهد على عداوتهم وعدوانهم على المسلمين، كما قال تعالى: )ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم( [البقرة: 120]
ولكن الطامة الكبرى على المسلمين، أن يسهل للصليبيين المعاصرين، السيطرة على بلدانهم، وغزوها، بعض زعماء المسلمين أنفسهم، بدباباتهم وأسلحتهم التي كان الأولى بها أن توجه إلى صدور اليهود الذين اغتصبوا قلب العالم الإسلامي، وقتلوا الفلسطينيين، ودنسوا بيت المقدس أرض الإسراء والمعراج، ودمروا منازلهم، وأفسدوا كل مرافقهم.
وحجة هؤلاء الزعماء، خوفهم من سطوة دولة كبرى لا طاقة لهم بها، اقتداء بمن قال الله تعالى عنهم: ) فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين [المائة: 52]
هذا هو فرعون العصر، وتلك هي صفتها، وألئك هم المتعاونون معها، وهي الآن تعد العدة لغزو بعض البلدان الإسلامية عسكريا، إخضاع بلدان أخرى لتنفيذ مخططاتها فيها وفي غيرها، ومن أهم ما تريد تحقيقه الصد عن سبيل الله، وملاحقة الدعاة إلى الله والجماعات الإسلامية، وبخاصة تلك التي تدافع عن أرضها وعرضها ومقدساتها، ألد أعداء الإسلام والمسلمين: (اليهود) فما واجب المسلمين نحو هذا الغزو الصليبي الجديد الذي يدار بعقول يهودية وأموال وخبرات يهودية، من أجل القضاء على كل ما يهدد بقاءهم واستقرارهم في الأرض التي اغتصبوها...وقد حققوا الكثير من ذلك في حربي الخليج الأولى والثانية، اللتين قضت فيها على القوة العراقية التي كانت تخيف الدولة اليهودية، وأدخلت المنطقة كلها تحت هيمنتها، ودمرت اقتصادها، وزادت دولها فرقة على فرقة وحقدا على حقد.
ومن أهم ما يريدون تحقيقه الآن: السيطرة الكاملة على جنوب شرق آسيا التي تجاور الصين وآسيا الوسطى، لتكون أمريكا مع الهند، في الشرق، ومع اليهود في الغرب طوقا في عنق البلدان الإسلامية.
وبذلك يمكنها أن تقضي على القوة الباكستانية، بضرب المؤسسة النووية التي يستصرخهم اليهود لحمايتهم منها، وكأنها لم تُعَدَّ إلا لضربهم، متناسين الدولة النووية العدوة المجاورة للباكستان.
فما واجب المسلمين حيال الغزو النصراني، الصليبي اليهودي الصهيوني لبلدان المسلمين، وتغيير خريطتها تغييرا يمكن الغازين من السيطرة عليها وإذلالها؟
في الحلقة القادمة الإجابة على السؤال، إن شاء الله.
كتبه
د . عبد الله قادري الأهدل
==============(67/370)
(67/371)
خداع الأعداء و مواقف الأذكياء!
قادة الصليبيين واليهود المعتدون على المسلمين في عقر دارهم، موغلون في الخداع والمكر والاحتيال، ومطبوعون على الكذب وخلف الوعد ونقض العهد، وما من شك أن غالب أتباع هؤلاء القادة يجرون وراءهم ويدعمونهم في تدابيرهم وأعمالهم بنفوسهم وأموالهم وما يملكون من قوة صناعية وتجارية وغيرها...
وعندما نصف هؤلاء المعتدين بهذه الصفات، نستحضر من كتاب الله ما يثبت ذلك وغيره عليهم، وبخاصة اليهود، فهم كذبوا على الله وحرفوا كتبه، وقتلوا أنبياءه ورسله، ونقضوا ما عاهدوا الله عليه:
?فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ (79) وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَعْدُودَةً قُلْ أَاتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْداً فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ (80)? [البقرة]
?أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لا تَهْوَى أَنفُسُكُمْ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ (87) وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمْ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلاً مَا يُؤْمِنُونَ? [البقرة(88)]
?أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْداً نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يُؤْمِنُونَ? [البقرة (100)]
?وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُوراً وَهُدًى لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيراً وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلا آبَاؤُكُمْ قُلْ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ? [الأنعام (91)]
وعلى الذين عندهم شك في ذلك أو تضيق صدورهم بالرجوع إلى كتاب الله، لمعرفة أعداء هذه الأمة وصفاتهم السيئة التي لازمتهم منذ فجر تاريخهم، وبها عاملوا ربهم وأنبياءهم، فليقرءوا ذلك في تاريخهم الغابر وواقعهم الحاضر، ومعاشرتهم لجميع الأمم في جميع العصور.
والذي يهمنا في ذلك هو معاشرة اليهود والصليبيين لأمتنا الإسلامية، من يوم بعث الله تعالى رسوله وأنزل كتابه رحمة للعالمين...
فقد نقضت قبائل اليهود واحدة تلو الأخرى، عهودها ومواثيقها التي عقدها معهم الرسو صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وهمَّ بعضهم باغتياله، ووضع له بعضهم السم في طعامه، وألبوا عليه المشركين في الجزيرة العربية، وسلطوا من والاهم من المنافقين على التجسس عليه وعلى أصحابه، وسعوا بكل ما أوتوا من جهد وحيلة، في إيجاد الفرقة والتصدع بين المسلمين في كل القرون.
ونحن إذ نبين ذلك لا ننسى التفريق الذي نزل به القرآن الكريم، بين حسن المعاشرة لمن لم يقاتلونا، ولم يخرجونا من ديارنا، ولم يظاهروا أعداءنا على عدوانهم علينا، ففي هذا الفريق قال تعالى:
?لا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ? [الممتحنة (8)]
وبين من تجب علينا عداوتهم، ودفع عدوانهم بالوسائل التي شرعها الله لنا وأمرنا بها لنردع كل المعتدين الظالمين، كما قال تعالى:
?إِنَّمَا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ (9)? [الممتحنة]
فهؤلاء أمرنا الله تعالى بإعداد عُدَّة الجهاد التي ترهبهم وتدفع عنا عدوانهم وظلمهم، ومباشرته عندما لا يكون منه بد، كما قال تعالى: ?وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمْ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ? [الأنفال (60)]
وقال تعالى: ?الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنْ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ? [البقرة (194)]
وقال: ?وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ? [التوبة (190)](67/372)
ومقصدنا من هذا المقال هنا، تذكير شعبنا العراقي المسلم، بخبث هؤلاء الأعداء وعدم الركون إليهم وإلى وعودهم وعهودهم، فهم يتخذون أي وسيلة تتاح لهم ليحققوا بها أهدافهم العدوانية، فالوسيلة عندهم تسوغ الغاية، وقد سبق اليهود بذلك "ميكيافلي" الذي تنسب إليه هذه القاعدة.
فقد حرم الله عليهم الصيد يوم السبت، فاحتالوا على ذلك التحريم بنفس القاعدة، فكانوا يضعون شباكا يمسك السمك يوم السبت، ويأخذونه يوم الأحد، فأنزل الله تعالى في شأنهم قوله تعالى:
?وَاسْأَلْهُمْ عَنْ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ? [الأعراف (163)]
والقصة مبسوطة في تفسير ابن كثير (1/107) وتفسير القرطبي (7/305) وغيرهما من كتب التفسير]
وحذر الرسو صلى الله عليه وسلم هذه الأمة، من أن تسلك مسلك اليهود بتعاطي هذه القاعدة، كما روى ذلك عنه جابر رضي الله عنه، أنه سمعه يقول عام الفتح وهو بمكة:
(إن الله ورسوله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام) فقيل يا رسول الله أرأيت شحوم الميتة، فإنها يطلى بها السفن، ويدهن بها الجلود، ويستصبح بها الناس؟ فقال: (لا هو حرام) ثم قال رسول ا صلى الله عليه وسلم عند ذلك: (قاتل الله اليهود! إن الله لما حرم شحومها، جملوه ثم باعوه فأكلوا ثمنه) [صحيح البخاري (2/779) وصحيح مسلم (3/1207)]
وعلى هذه القاعدة يسير المعتدون الأمريكيون اليوم، الذين يدعمون ظلم اليهود ويحققون لهم أهدافهم العدوانية على الشعوب الإسلامية وبخاصة العربية منها...
ويجب أن نعلم أن وراء العدوان الصليبي على الشعب العراقي، أعداء الأمة الإسلامية من اليهود الذين اغتصبوا أرضنا المقدسة "فلسطين" والذين يخططون للسيطرة التامة على الشعوب الإسلامية، بالاحتلال المباشر لبعضها، وبالاستعباد السياسي والاقتصادي والاجتماعي لبعضها الآخر، وأن كل ما يظهرونه هم وعملاؤهم من الوصول إلى حل سلمي، ما هو إلا نوع من خداعهم وتضليلهم لمن لم تعد تخفى عليه خدعهم وتضليلهم.
ولكنهم قد اهزموا هزيمة لم يعودوا عازمين على الخروج منها، ولهذا نجدهم يقبلون الخداع والتضليل يوما تلو الآخر، ويلدغون من جحر واحد مرات ومرات، دون إحساس بعزة ولا محاولة لاستعادة كرامة!...
ومما لا شك فيه أنه يوجد في الجيش الأمريكي في العراق قادة من اليهود، وإن حملوا هويات أمريكية، وقد كان قائد الجيش الأمريكي في حرب العراق سنة 1990 يهوديا، ولا يستبعد أن يكون كثير من الذين يتولون تلك المداهمات الظالمة للعراقيين، ويقصفون الشعب ويهدمون منازله ومساجده، هم من اليهود، ويعذبون معتقليهم ويهينونهم في السجون، هم من اليهود الحاقدين على هذه الأمة.
تشابه أساليب عدوان الأمريكان واليهود!
ونحن نرى اليوم أساليب المحاربين الأمريكيين المعتدين في العراق، هي هيَ نفسها الأساليب التي يقوم بها المعتدون اليهود في فلسطين:
1- هدم المنازل على أهلها.
2- ترويع المدنيين من نساء وأطفال وشيوخ ليلا ونهارا، باقتحام البيوت عليهم، وكسر الأبواب والهجوم المباشر مع توجيه فوهات السلاح إلى صدور السكان...
3- اعتقال العراقيين من جميع الفئات: نساء ومراهقين وشبابا وشيبا، بأساليب وحشية مهينة، لا تصدر من بني الإنسان المتحضرين...
4- إيذاء المعتقلين بالتعذيب والإهانات التي نشرت وسائل الإعلام في هذه الأيام... نماذج منها مع بعض الرجال، وما خفي قد يكون أعظم، وبخاصة مع النساء اللاتي لم تنقل وسائل الإعلام إلا أصواتهن في سجن أبي غريب، لأن الأعداء لم يأذنوا للإعلاميين بتصوير أحد ولا رؤية سجين، ولهذا قال أحد الإعلاميين: لم نر السجناء وإنما رأينا السجانين، وكان ذلك يوم 15/3/1425هـ ـ 4/5/2004م.
وقد نشرت وسائل الإعلام الغربية مقابلات مع بعض المساجين من الرجال الذين شكوا مع التعذيب الأمريكي الاعتداء الجنسي!
فكيف سيكون حال المراهقين والمراهقات، الذين تضمهم سجون هؤلاء الوحوش من أعداء المسلمين؟
والذي لا يتورع من زاول ما نشر، عما هو أسوأ منه وأشد منه.
وقد يكون كثير من المعتقلين قتلوا ودفنوا في مقابر جماعية، لا يدري عنهم أهلوهم ولا منظمات حقوق الإنسان، لأنهم حالوا بينهم وبين زيارتهم من وقت اعتقالهم...
لقد تذرع هؤلاء المعتدون لغزو العراق بوجود أسلحة الدمار الشامل التي اعترفوا أن تذرعهم ذلك كان كذبا وزورا، ثم زعموا أنهم جاءوا لتحرير الكويت من النظام العراقي الظالم الذي دمر الشعب العراقي، ونشروا في وسائل الإعلام المقابر الجماعية التي نسبوها لذلك النظام...
ولكنهم أثبتوا عمليا للعالم كله أنهم إنما جاءوا لقتل الشعب العراقي وتدميره، وإحداث مقابر جماعية سريعة، كما شاهدنا ذلك في وسائل الإعلام، حيث ضاقت مقابر مدينة الفلوجة المجاهدة الباسلة، بمن قتلوا من أهلها خلال ثلاثة أيام، فدفنوا في الملاعب الرياضية...(67/373)
وزعموا أنهم جاءوا لتحرير العراق من استعباد النظام السابق لهم، فكان استعبادهم لهذا الشعب أشد الاستعباد وأعظمه.
ومع أننا نحارب الاستعباد أيا كان صاحبه، فإن استعباد قرد من قرود العراق لأهل العراق، أخف شرا من استعباد الصليبيين واليهود المعتدين!
5- هدم المساجد وقصف مآذنها وإهانة المصاحف والكتب الإسلامية.
6- اغتيال علماء الإسلام واعتقالهم...
7- اختطاف الأطباء وأساتذة الجامعات وعلماء التخصصات الخطيرة، وإبعادهم عن بلدهم أو اغتيالهم، حتى يبقى الشعب العراقي فقيرا من كفاءاته التي هي أهم من النفط المسروق أو السلاح المدمر...
ولقد كان إخراج علماء العراق من بلدهم من أهم المطالب التي شدد المعتدون على النظام العراقي السابق في تحقيقها، عندما كان المفتشون عن السلاح المزعوم يقومون بتفتيشهم في القصور الرئاسية في بغداد وغيرها، ولم يكتفوا بمقابلة بعض أولئك العلماء في العراق، لأنهم يريدون التحقق من خلو العراق من رجاله الذين سيعيدون له مجده وعزته، ويرهبون العدو اليهودي بما عندهم من برامج يعدون بها العدة لردعه، بدلا من استقلال هذا العدو واستئثاره بإرهاب المسلمين بما عنده من سلاح يتفوق به عليهم جميعا.
أين ستكون نهاية علمائنا العراقيين المختطفين؟
هل سينقلون إلى تل أبيب ليجبرهم اليهود على كشف ما بقي من أسرار في أدمغتهم؟
وهل سيجبرونهم على تطوير سلاحهم النووي الذي لم تطله الهيئات الدولية، بسبب الدعم الأمريكي لليهود المعتدين؟
أو هل سيكونون في المعتقلات الأمريكية التي ستمارس ضغوطها عليهم لتتمكن من أخذ كل ما تريده أخذه منهم؟
ومتى سيصل الشبان العراقيون إلى تلك الخبرة التي ستفقدها بلادهم بفقدها علماؤهم؟
أيصبح العراق فقيرا من العلماء وذوي الخبرات والكفاءات التي كان غنيا بها؟ ومن المسئول عن فقد هذه الأدمغة والخبرات؟!
مواقف لها ما بعدها يا شعب العراق!
هؤلاء هم أعداء الشعب العراقي من اليهود والصليبيين، وستكون أساليب خداعهم وتضليلهم خبيثة متعددة، تحتاج إلى فقه وإدراك وتصور، يحبط بها هذا الشعب مكر عدوه وخداعه وتضليله:
ومن أهم أساليب مكرهم التي سيتخذونها ما يأتي:
1- سلطة وهمية ناقصة للعراق وسيادة مفقودة
2- دستور يسلب العراقيين تطبيق شريعتهم، ويفتح لعدوهم تثبيت مشروعية ما يريدون تثبيته، مما يخالف عقيدة الشعب العراقي وأخلاقه وعاداته، وما يمكن العدو من استغلال خيراته وربطه بالمصالح الأمريكية واليهودية...
3- جيش ضعيف لا يستطيع حماية بلدهم من العدوان عليه.
4- بث الفرقة والتصدع بين العراقيين، عن طريق الطوائف والمذاهب أو العشائر والأحزاب، وقد يتم تقسيم البلد إلى شمال وجنوب ووسط، تحت أي مسمى من المسميات الخادعة....
5- تمكين عملائهم من السلطة التي ينفذون بها أهدافهم.
6- الاعتراف الرسمي باليهود وتمكينهم من السيطرة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في الشعب العراقي...
7- إيجاد أسباب تنازع بين العراق والدول المجاورة
8- السيطرة على منابع النفط...
9- إقامة قواعد عسكرية قوية يهددون بها أي حكومة عراقية تحاول التحرر من سلطة المعتدين المحتلين، كما يهددون بها جميع الدول العربية المجاورة وغير المجاورة، بل يهدد بها الشعوب الإسلامية كلها...
10- تمرير الأهداف الأمريكية باسم هيئة الأمم المتحدة التي أصبحت شبيهة بإحدى المؤسسات الأمريكية طوعا أو كرها...
11- وإن من أخطر الأمور على الشعب العراقي، أن تخدعه الإدارة الأمريكية بحكومة تسمى ذات استقلال وسيادة، وهي تحكمه في واقع الأمر عمليا، باسم سفارتها التي أعلنت من الآن أنها ستكون أكبر سفارة لها في العالم، ومقرها القصور الرئاسية التي كانت مقرا للنظام السابق الذي زعمت هذه الإدارة أنها جاءت لتحرر العراقيين منه...
ونحن لا نشك في أن عقول أهل الحل والعقد في الشعب العراقي - ممن لم يدنسهم الولاء اليهودي الصليبي الذي نصبهم أو سينصبهم حكاما صورة وعملاء واقعا - نحن لا نشك في أهل الحل والعقد في هذا البلد لأنهم أذكى من عدوهم الأمريكي واليهودي، فلا يمكن أن يخدعهم بأساليبه الماكرة، وبخاصة أنهم قد ذاقوا مرارة احتلاله وحملاته الظالمة وأكاذيبه التي وعدهم بها قبل الاحتلال وبعده...
فليحرص العراقيون على توقي أي تشريع أو قانون، يمكن أن يخدعهم به العدو المحتل، سواء ما تعلق منه بالشئون السياسية أو الاجتماعية والأسرية، أو الاقتصادية أو العلاقات الدولية، أو غيرها، لأن العدو المحتل سيتخذ كل وسيلة يتمكن بها من مشروعية تحقيق مصالحه وأهدافه عن طريق تلك التشريعات والقوانين التي يصعب تغييرها بعد إقرارها...
وفي خداع الشعب الإندونيسي عبرة!
فقد كان غالب الشعب الإندونيسي المسلم يريد أن يكون نظام حكمه بعد الاستقلال الإسلام، ولكن الفئة المسيحية القليلة عارضت ذلك وهددت بالانفصال إذا تضمن الدستور مادة تنص على أن أساس الحكم هو الإسلام.(67/374)
واستجاب لهذه الفئة العلمانيون، واختال "سوكارنو" وهو أول رئيس لإندونيسيا بعد الاستقلال ونائبه "محمد حتى" على علماء المسلمين، بأن يوافقوا مؤقتا على أن يكون أساس الحكم هو الوطنية حتى يتم توحيد الجزر الإندونيسية كلها، ثم يتم الحوار بعد ذلك في البرلمانات القادمة، والأغلبية هم المسلمون وسوف لا يختارون إلا الإسلام، فخدعوا بذلك.
ثم فرض أساس الحكم بعد ذلك بالقوة على المسلمين، في المبادئ الخمسة التي عبروا عنها بـ(البانتشاسيلا) وفسروها تفسيرا يرضي جميع الفئات المحاربة لتطبيق الإسلام، وحاول العلماء المخلصون تثبيت ما كانوا يظنون أنهم يستطيعون تثبيته، فلم يتمكنوا من ذلك إلى اليوم، وقد مضى على خداعهم خمسون عاما، لأن وضع المادة كان سنة 1955م
فاعتبروا بذلك يا أهل الحل والعقد في الشعب العراقي، إنكم قادة شعبكم وولاة أمره، وإن الواجب على الراعي أن يحيط من يرعاه بالعطف والرحمة، ويحميه من الظلم والظالمين والعدوان والمعتدين، وحرصكم على حقوق شعبكم أولى من حرص راعي الغنم على حماية غنمه من الذئاب، وهل رأيتم راعي غنم يأمن الذئاب على حماية غنمه؟!
وقد لمستم بأنفسكم ورأيتم بأعينكم، ظلم المحتل الأمريكي ومن ورائه اليهود، وربكم يقول في كتابه الكريم:
?وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمْ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لا تُنصَرُونَ? [هود (113)]
ويقول:
?يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتْ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمْ الآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ? [آل عمران (118)]
وإن مواقفكم اليوم من تصرفات العدو المحتل وخداعه، لها ما بعدها في مستقبلكم ومستقبل أجيالكم، فاثبتوا واصبروا ، وسدوا كل باب يحاول العدو ولوجه للإضرار بهذا الشعب المسلم العريق، والله ناصركم على عدوكم، ولا تبالوا من قال الله تعالى فيهم ممن يوالون أعداء الأمة من المنتسبين إليها:
? فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِم يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنفُسِهِمْ نَادِمِينَ? [المائدة (52)]
كتبه
د . عبد الله قادري الأهدل
===============(67/375)
(67/376)
وفي التاريخ دروس وعبر
محمد حسن يوسف
جاء القرآن الكريم - من حيث المعنى - في ثلثه تقريبا تأريخا لقصص تحكي حال الكفار مع الأمم المسلمة، سواء الأمم التي سبقتنا، ونضال أنبيائها معها لإقرار عقيدة التوحيد بين أفرادها، أو أمة صلى الله عليه وسلم ونضالها مع طواغيت الكفر من المشركين. ولم يكن هدف القرآن من ذلك تسليتنا بإخبارنا بما حدث من قبلنا أو معنا، وإنما لفت نظرنا للاعتبار بما حدث وأخذ العبرة والعظة منه.
وليست دراستنا للتاريخ إلا لكي نستفيد منه. وإنما العجب كل العجب أن يستفيد أعداؤنا من دراسة تاريخنا، حيث درسوه جيدا واستطاعوا استخلاص العبر والنتائج منه. وأعجب العجب أنهم أصبحوا يحاربوننا الآن باستقرائهم لتاريخنا وبجهلنا نحن إياه!!!
وقد أمرنا تعالى بدراسة سير من قبلنا للوقوف على العبر واستخلاص الدروس التي ترشدنا في حياتنا. فقال عز وجل: ? قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي اْلأَرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ * هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ ? [ آل عمران: 137-138 ]. فمن عجب أن نترك دراستنا للتاريخ وفق هذا النهج، أي وفق نظام السنن الإلهية في الكون، وأن يكون نهجنا لقراءة التاريخ مسايرا للنهج الغربي، الذي يعتمد في تفسيره للتاريخ على أثر البيئة الخارجي من مناخ وجغرافيا واقتصاد، أو النهج الشيوعي الذي يعتمد على التفسير المادي للتاريخ، وأن نلتفت إلى توافه الشخصيات المعاصرة لكي نجعل منهم قدوتنا، بديلا عن مصابيح الهدى من أعلامنا السابقين.
إن دراستنا للتاريخ على هذا النحو - أي وفق نظام السنن الإلهية - تتيح لنا إدراك الأسباب الحقيقية للانتكاسة الضخمة التي وقعت فيها الأمة في عصرها الأخير، ونتعرف في الوقت ذاته على طريق الخلاص. إن التخلف المادي والعلمي والسياسي والحربي والاقتصادي ... الخ، الذي هو سمة المسلمين في واقعهم المعاصر، ليس هو السبب الأصيل في انتكاستهم المعاصرة، إنما هذه كلها أعراض للمرض الأصلي، الذي هو فراغ المسلمين من حقيقة الإسلام، وبعدهم عن الله، وبعدهم عن مقتضيات رسالتهم التي أخرجهم الله من أجلها.[1]
وإذا كان لكل علم ثمرة، أي غاية يجب أن يخرج بها الدارس من دراسته لهذا الفرع من العلوم، فإن دراسة التاريخ لها ثمار شتى، لعل من أهمها الوقوف على أخطاء المستشرقين وآرائهم في تحريف التاريخ الإسلامي، وتزوير حقائقه، وطمس معالمه، والتشكيك في رجاله وأعلامه، وذلك لخدمة أغراضهم الاستعمارية، ومحاولة تشكيل العقل المسلم وفق النسق الغربي الأوربي في المنهج والتصور.[2]
إن التاريخ الإسلامي هو تاريخ هذا الدين الواحد، وهو الإسلام: ? إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ ? [ آل عمران: 19 ]، وهو تاريخ تطبيق هذا الدين ... تاريخ تطبيق شريعة الله إلى أبناء آدم عليه السلام ... تاريخ الصراع بين الحق والباطل ... بين حزب الله وحزب الشيطان ... تاريخ انتصار الرسل والدعاة في دعوتهم إلى الله عز وجل، واندحار موجات الكفر وأهله ... تاريخ أمم عرفت أوامر الله ونواهيه ولم تلتزم بها فكان عاقبة أمرها خسرا ... تاريخ رجال لا يخشون في الله لومة لائم ... وعلماء جندوا علمهم لله، وآخرون عتوا عن أمر ربهم، وباعوا أنفسهم للشيطان، وجعلوا دين الله مطية لأهوائهم ورغباتهم، فطغوا وتجبروا وظنوا أنهم قادرون على كل شيء، فأخذهم الله أخذ عزيز مقتدر.
ومن هنا تأتي العلاقة بين التاريخ والدين، وهي علاقة وثيقة ... إن التاريخ الإسلامي يروي لنا تاريخ العقيدة الصحيحة ... وجزاء من يلتزم بها ويقاتل من أجلها، وجزاء من يعرض عنها، ويصرف الناس عنها.[3]
ولذلك فكل أمة من أمم الأرض تعتبر درس التاريخ من دروس التربية للأمة، فتصوغه بحيث يؤدي مهمة تربوية في حياتها ... أما كتاباتنا نحن في عصرنا الحديث هذا، فكثير منها كأنه غافل عن هذه المهمة الضخمة، لأنه مكتوب على يد قوم قلوبهم موجهة إلى خارج ذواتهم، بفعل التبعية، وفعل الغزو الفكري، أو موجهة إلى ذواتهم ولكن بميول منحرفة - هي ذاتها من فعل الغزو الفكري - كالوطنية والقومية والعلمانية والاشتراكية والمادية ... الخ ... الخ.[4]
وإذا كان أعداؤنا قد استفادوا من قراءتهم لتاريخنا استفادة عظيمة، فإن الأمثلة على ذلك كثيرة ولا تحصى. ومن ذلك:
o قرر القائد الفرنسي شارل مارتل إرجاء الدخول في معركة مع المسلمين في الأندلس، وخطب في قومه قائلا: " الرأي عندي ألا تعترضوهم في خرجتهم هذه، فإنهم كالسيل يحمل ما يصادفه وهم في إقبال أمرهم، ولهم نيات تغني عن كثرة العدد، وقلوب تغني عن حصانة الدروع. ولكن أمهلوهم حتى تمتلئ أيديهم من الغنائم، ويتخذوا المساكن، ويتنافسوا في الرئاسة، ويستعين بعضهم على بعض، فحينئذ تتمكنون منهم بأيسر منهم "!![5] فلما التقوا في معركة بلاط الشهداء بعد عدة سنوات كانت الغلبة للأعداء والهزيمة الساحقة للمسلمين.(67/377)
o قبل أن يدخل المستعمرون الصليبيون بلاد الأندلس الإسلامية في عصر الدولة الأموية، أرسلوا أحد أقطاب المستعمرين لينظر حال المسلمين في بلاد الأندلس، ليعلموا هل يمكن غزو المسلمين في هذه البلاد أم لا؟ ودخل الرجل الصليبي بلاد الأندلس، فرأى طفلا صغيرا يبكي، فجاء إلى الطفل الباكي وسأله: لماذا تبكي أيها الطفل؟ قال الطفل: أبكي لأن أخي يضرب بالسهام في الضربة ضربتين، وأنا اضرب في الضربة ضربة واحدة!! فرجع الرجل الصليبي إلى الصليبيين المستعمرين، وقال: لم يأن الأوان لغزو المسلمين. وما كان منهم إلا أن أرسلوا إلى المسلمين ما يبعدهم عن الله تعالى، كآلات الغناء والشطرنج والطاولة والحشيش والتدخين ... وبعد مدة من الزمان، رجع أحد أقطاب المستعمرين إلى بلاد الأندلس، فوجد شيخا كبيرا يبكي. فسأله: ما الذي يبكيك؟ قال: إن حبيبتي تركتني منذ ساعتين ولم تأتِ!![6] فعلموا أن الوقت قد حان لقطف الثمرة!!!
ومع دراسة الأعداء لتاريخنا وفهمهم له والتحرك من خلاله، فإنهم كذلك يأخذون ثاراتهم من هذا التاريخ أيضا. ومن ذلك:
o أصر المجتمع الدولي على إقامة مفاوضات التسوية النهائية بين فلسطين وإسرائيل بمدينة مدريد في أسبانيا في عام 1992، وهي ذكرى طرد أبي عبد الله محمد الصغير آخر ملوك المسلمين من أسبانيا منذ نحو 500 عام في الثاني من يناير عام 1592 من ميلاد المسيح عليه السلام الموافق للثاني من ربيع الأول عام 897 من هجرة المصطفى صلى الله عليه وسلم . والرسالة واضحة إلى الفلسطينيين: لا تظنوا أن تكون لكم دولة، بل سيكون مصيركم في فلسطين هو نفس مصير أسلافكم في الأندلس!!
o في عام 1917 دخل اللورد أللنبي في طرقات بيت المقدس قائلا: الآن انتهت الحروب الصليبية. أي إنهم يخططون مدة ثمانية قرون للثأر من هزائمهم التي أصيبوا بها آنذاك. ثم ظلوا يخططون للعودة إلى بيت المقدس طيلة هذه المدة إلى أن تسنى لهم ذلك في آخر الأمر.
o وفي عام 1920 دخل الجنرال الفرنسي جرو دمشق، وكان أول مكان يزوره ليس قصره ولا معسكرات جيشه ولا مكان ضيافته، وإنما إلى قبر صلاح الدين الأيوبي. فقال لجنوده: امضوا بي إلى قبر صلاح الدين الأيوبي، فقد اشتقت إلى المقابلة! ولما ذهب إلى هناك، وقف أمام قبره ليقول: ها قد عدنا يا صلاح الدين!! فهل من صلاح؟!
o قرر الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن أن معركة بلاده مع المسلمين في أفغانستان والعراق هي امتداد للحروب الصليبية!! ولما أخبره مستشاروه بخطورة هذه المقولة، خشية إيقاظ المسلمين من سباتهم، عاد واعتذر وقال إنها زلة لسان!!
تعلم الغرب أسباب انتصار المسلمين بسبب دراستهم الطويلة لتاريخهم الذي هجروه هم أنفسهم، فاستطاعوا معرفة الأسباب التي تمكنهم من تحقيق النصر، فحاولوا ما يستطيعون إبعاد المسلمين عنها، وسبروا نقاط الضعف، فدفعوا المسلمين للتحلي بها والتمسك بأهدابها، حتى يدفعوهم إلى الهزيمة ويغرقوهم فيها.
إن القاعدة التي يتحقق بها نصر المسلمين واحدة على مر العصور والتاريخ، يلخصها قوله تعالى: ? وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ? [ العنكبوت: 69 ]، وقوله عز وجل: ? وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي اْلأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي َلا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ? [ النور: 55 ].
فكلما غرق المسلمون في شهواتهم وملذاتهم وابتعدوا عن طريق الهداية والرشاد، تخلى الله عنهم، فانهزموا وضاعت عزتهم وأمجادهم. وكلما تمسكوا بحبل الله المتين، كلما كان النصر على الأعداء قويا مؤزرا بمشيئة الله. القضية تتلخص في مدى قرب المسلمين من الله وبعدهم عنه سبحانه.
إن التفسير الإسلامي للتاريخ منبثق من تصور الإسلام للكون والحياة والإنسان، فهو يقوم على الإيمان بالله تعالى وكتبه ورسله وباليوم الآخر وبالقدر خيره وشره، فهو لا يخرج عن دائرة المعتقدات الإسلامية، كما أنه مبني على دوافع السلوك في المجتمع الإسلامي الأول، مما يجعل حركة التاريخ الإسلامي ذات طابع متميز عن حركة التأريخ العالمي، لأثر الوحي الإلهي فيه.[7]
عبد الله بن رواحة يحسم القضية في معركة مؤتة، وهي معركة غير متكافئة بكل المقاييس: مجاهد واحد من المسلمين يقاتل أمام سبعين من المشركين!! ولكن عبد الله بن رواحة، الذي فهم السنّة الربانية جيدا يقول: " إن الذي تكرهون للذي خرجتم تطلبون: الشهادة! وما نقاتل الناس بعدد ولا قوة ولا كثرة، وما نقاتلهم إلا بهذا الدين الذي أكرمنا الله به. والله لقد رأيتنا يوم بدر ما معنا إلا فرسان، ويوم أحد فرس واحد. فانطلقوا بنا، فإنما هي إحدى الحسنيين: إما ظهور عليهم، فذلك الذي وعدنا نبينا صلى الله عليه وسلم، وليس لوعده خلف، وإما الشهادة فنلحق بالإخوان نرافقهم في الجنان "!![8](67/378)
لكن إذا كنا نتحدث الآن عن سنن الله في الكون، فمن سننه سبحانه وتعالى أن أمة الإسلام أمة لا تموت، فهي الأمة التي ستشهد على بقية الأمم يوم القيامة. إذا كان الحال هكذا، فلابد لهذه الأمة من قيام بعد السقوط الذي تهاوت فيه الآن. وهذا ما يدفعنا للتفاؤل والعمل من جديد بغية تحقيق الصعود الموعود!!
يجب أن يكون التوغل في التاريخ لاستخلاص العبرة واستحضار الفكرة. إن الدراسة المتأنية للتاريخ تكشف لنا جوانب عظمة كثيرة لأمة الإسلام، يحاول أعداؤنا طمسها وتشكيكنا فيها. إن القارئ لتاريخ المسلمين يجد رجال المسلمين حملوا أعباء إبلاغ دين الله عز وجل إلى العالمين بقوة ورجولة. وقد شاركهم في ذلك الأطفال، الذين قاموا بأدوار كبيرة وكثيرة في سبيل تحقيق ذلك الأمر. حتى ليصدق قول القائل فينا الآن:
أطفالنا بالأمس كانوا رجالا
فلماذا أصبح رجال اليوم أطفالا؟!
20 من المحرم عام 1426 ( الموافق في تقويم النصارى 19 من فبراير عام 2006 ).
-----------------------------------------------------
[1] كيف نكتب التاريخ الإسلامي، محمد قطب، دار الشروق، ص: 23-24.
[2] ذكر أستاذنا الدكتور طه عبد المقصود عبد الحميد أبو عبية في رسالته القيمة: مقدمة لدراسة التاريخ الإسلامي، من إصدار دار الهداية للطباعة والنشر والتوزيع أربع عشرة ثمرة يجنيها الدارس لعلم التاريخ، فأبدع وأجاد وأفاد. فأنظره غير مأمور.
[3] أخطاء يجب أن تصحح في التاريخ: منهج كتابة التاريخ الإسلامي، لماذا؟ وكيف؟، جمال عبد الهادي محمد مسعود ووفاء محمد رفعت جمعة، دار الوفاء للطباعة والنشر والتوزيع، ص: 17.
[4] كيف نكتب التاريخ الإسلامي، ص: 28.
[5] الموسوعة الميسرة في التاريخ الإسلامي، فريق البحوث والدراسات الإسلامية بمؤسسة اقرأ، المجلد الأول، ص: 222.
[6] أطفال الصحابة رضي الله عنهم، د/ مصطفى مراد، ص: 65.
[7] فاتح القسطنطينية السلطان محمد الفاتح، علي محمد الصلابي، مؤسسة أقرأ، ص: 11؛ نقلا عن: إعادة كتابة صدر التاريخ الإسلامي، د/ أكرم ضياء العمري، ص: 3.
[8] الموسوعة الميسرة في التاريخ الإسلامي، المجلد الأول، ص: 52.
================(67/379)
(67/380)
صدَّام ... عزيز قوم ذلَّ
( قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَ تَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَ تُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) [ آل عمران : 26 ]
الحمد لله و كفى ، و الصلاة و السلام على عباده الذين اصطفى ، و بعد
فقد أفل نحم صدَّام الطاغيةِ من ساحة الحكم ، و إن كان ذلك لا يتطلب لزاماً أن يأفل من تاريخ الإنسانية إلى الأبد ، لأن صفحات التاريخ بما فيها من خير و شر ، لا يمكن أن تطوى ، و ليس بمقدور أحد أن ينسف مرحلة تاريخية تعد بعشرات السنين بدعوى التخلص من تبعات الظلم و الطغيان التي شهدتها .
فالتاريخ لا يزال شاهداً على أحداث جسام وقعت في مختلف مراحله ، و حاول الكتاب و المؤرخون توجيهها بحسب آرائهم و قناعاتهم التي صبغت بها كتاباتهم ، من دون أن تلغي ما كتبه الآخرون ، و ظلت أسفار التاريخ خير وعاء لما قاله هؤلاء و أولئك ، مقرَّةً بذلك تعدد الرؤى و الآراء ، التي عجز عن الإقرار بها الساسة و الكتاب و القادة و المفكرون .
فكما أن الجنود الذين وقفوا جاثمين أمام نهب تراث الأمة في العراق ، و شواهد تاريخه العريق ، لم يكُن باستطاعتهم تغيير تاريخه الغابر ، فلن يستطيع من أسدلوا الستار على مرحلة من حكم صدام و حزبه ، أن ينسفوا مرحلة من مراحل تاريخه المعاصر ، أو تاريخ العالم الذي عاش فيه مؤثراً و متأثِّراً بقرار إقصاءٍ أو تجميدٍ ، أو اعتقالٍ أو تصفيةٍ .
و نحن إذ نقف أمام حدث جسيم لم يبدأ باعتقال صدام ، و لن ينهيه اعتقاله ، و إن كان أحد أبرز معالمه ، لن نردد - و لا ينبغي لنا أن نردد - ما لا نسمع له نقضاً و لا نقداً من قوة المحتل الجاثم على أرض العراق ، و المستأثر باقتصاده و سياسة أهله ، المتسلط على رقاب بنيه ، و ما ظهر من ثرواته و ما بطن ، و لا من أولئك الذين يسبحون بحمد المحتل ، و يتسابقون على ما يمجه بين أيديهم مما فضل عن حاجته ، أو قصُرَ عن سيطرته .
إننا لا نريد من هؤلاء و لا غيرهم أن يمجدوا صدام ، لأنه أهان نفسه قبل أن يهنه أعداؤه ، و أجرم في حق أمته قبل أن يجرم في حقه أعداؤها ، و أذنابهم و أجراؤهم من أبنائها .
و لا ندعوا لعودته إلى سدة التسلط و الجبروت التي قال بلسان حاله من فوقها ذات يوم : ( أنا ربكم الأعلى ) و ( ما علمت لكم من إله غيري ) ، فقد تحملت الأمة من عبء مظالمه ما تنوء بحمله الجبال ، شأنه في ذلك شأن سائر الطغاة ، و إن كان أسرع في السقوط منهم ، و أجلب على نفسه بخيله و رَجِلِه ، و أسلحة دماره الشامل و المشمول ، ما عُلِمَ منه و ما لم يُعلَم .
و لكننا - و الله غايتنا - نرمي إلى قول كلمة حق ندين الله تعالى بها ، و نؤديها بعد أن ظلت ديناً في أعناقنا ، فكما أفتينا من قبل بردة الرجل عن الإسلام ، و بيَّنا ما كان منه من كفر بواح ؛ إذ صرَّح باعتقادة بمبادئ الكفر ( الحزبية منها و الشخصية ) ، و أعلنها حرباً على الإسلام بلا هوادة ، و حادَّ الله و رسوله ، و لم يكن له من عذر يرفع عنه حكم الكفر ، فقد أقيمت عليه الحجة فقطع لسان من نطق بها ، و انتفت عنه شبهة الإكراه و التغرير لما عرِف في يده من قوة ينزجر أمامه من يلوح له بالإكره ، أو يسعى به إلى التغرير .
فقد قلنا بكفره يومها ، لأن الحق أمامنا أبلج لا لبس فيه ، و لم نقله تبريراً لاستعانة جيرانه بقوى الكفر في حربه ، و لا بسبب غزوه لجارته ( العربية ) ، و لا لأن حاكماً استنطقنا فنطقنا بما نعتقد أو يعتقد .
قلنا بكفره لفساد فكره الذي اتخذه ديناً و ديدناً ، و رأينا أن الحكم عليه بالكفر هو الأصل ، و أن ما سوى ذلك عارض لا يصار إليه إلى بدليل جلي واضح في ظهوره كالشمس في رابعة النهار نشهدُ به أو نَدَع .
و دارت الأيام دورتها فرأينا من الرجل في سنوات حكمه الأخيرة إقبالاً على الإسلام من جديد ، سواء كان ذلك في خاصة نفسه ، و سلوكه الفردي ، أو في توجيهه لأركان حكمه و عناصر حزبه الذين أ َطَرَهُم على الدورات الشرعية ، و حفظ القرآن الكريم أَطْراً ، و رأيناه يستبدل الرسالة الخالدة ( رسالة صعاليك العرب و دعاة القومية المعاصرين و الغابرين ) بما يشير إلى دين الأمة و مكمن عز أبنائها ، فيكتب بخط يده على راية بلاده لفظ ( الله أكبر ) ، و هذه تطورات منهجية لو كتب لها التطبيق لأحدثت انقلاباً فكرياً جذرياً في فكر البعث العراقي و عقيدة أعضائه عقب حرب الخليج الثانية التي قادتها دول التحالف الصليبي لإجلاء الجيش العراقي من الكويت ، و عُرِفت في وقتها بحرب تحرير الكويت .(67/381)
بدأت معالم التوجه الجديد للحزب الحاكم في العراق تتضح شيئاً فشيئاً بعد أن شُكلت لجنة حزبية ( تصحيحية ) مكلفة من قبل صدَّام بإعادة صياغة المناهج التي تشكل العقلية الدينية لحزب البعث ، فتقدَّمت اللجنة بتوصيات عُرضت للقيادة واضعةً نصب عينيها أملاً ضئيلاً في إجازتها ، و ذُهل الجميع أمام تبني القيادة لعدد من هذه التوصيات و اعتمادها ضمن ما سمي لاحقاً باسم الحملة الإيمانية ، رغم أن ذلك كان مستبعداً في نظر العارفين بتاريخ النظام الحاكم ، رئيساً و أعضاءً .
و مما أُخِذَ به و قُنِّنَ مِن بَعدُ اعتماد منهج شرعي يُدَرَّس لأعضاء الحِلَق الحزبية بمختلف مستوياتها ، و لهذا الغَرَض تم تأسيس معهد عالٍ تُدَرَّسُ فيه خلال عامين العلوم الشرعية لكوادر الحزب ، بصفةٍ إلزامية يعاقب المتخلف عنها ، و اختيرت للتدريس في المعهد كُتُب عُرِفت بسلاسة التأليف و سلامة المنهج ككتاب فقه السُنَّة ، للسيد سابق ، و منهاج المسلم ، لأبي بكر الجزائري ، إلى جانب مقررات حفظ القرآن الكريم التي بلَغت ثلاثة أجزاء في بعض المستويات .
فكيف إذا أضيف إلى ذلك إلزام كوادر الحزب بشهود الجُمَع و الجماعات في المساجد ، و غير ذلك من الأمور التي يعتبر مجرد تقريرها - و لو نَظَرياً - أمارةً على تحوُّل كبير في مسيرة الحزب الذي قاده صدَّام و رسم معالم مسيرته الرئيسة .
و لم يقف حد ( الإصلاحات ) على التوجه الحزبي و مسيرة ( الرفاق ) بل شمل أنظمةً و أعمالاً تستحق الإشادة و العرفان ، فقد وقفَ الثقات لصدام على أعمال جليلة في مجالات التعليم الشرعي و دعم الجهاد و أهله في بيت المقدس و أكناف بيت المقدس بتجهيز الاستشهاديين ، و خلافة أسرهم بخير ، و إغاثة اللهفان من ضحايا الاحتلال و الاستيطان ، و قمع الفساد و تعقب أهل الفواحش و البغاء المعاصي في أنحاء العراق ، و نحو ذلك مما يعتبر دليلاً على التوجه الجديد للرجل ، فشهد قومٌ بما علموا ، و قيد آخرون بالكتابة و المقال .
و من أعماله المشهودة داخلياً على سبيل الذكر لا الحصر توسعه في بناء المساجد ، و تشجيعه على ذلك بإسقاط الضرائب عمن يبني لله مسجداً . و لو كان مقياس الالتزام بالشريعة السمحة قائماً على توسعة المساجد ، لكان أكثر التزاماً في هذا الباب من أكثر الدول الإسلامية تغنياً و مفاخرة بالتوسعات .
و حينما تسابق حكام المسلمين على إرضاء الغرب بالتضييق على التعليم الشرعي في بلادهم ، و تضييق الخناق على ما يسمونه إرهاباً بتحريف المناهج الشرعية و التضييق على أروقة العلم و مناراته و معاهده و جامعاته ، عَمَدَ صدام إلى السعي في الاتجاه المعاكس لرغبات الغرب الصليبي في هذا المضمار فبنى عدداً من دور التعليم الشرعي و أغدّق عليها العطاء ، و منها : المعهد العالي للإمامة و الخطابة ذي الفروع المنتشرة في المحافظات ، و جامعة صدام للعلوم الإسلامية ، و كلية المعارف بالرمادي ، و كلية العلوم الإسلامية و فيها قسم لأصول الدين ، و آخَر للشريعة ، إلى غير ذلك مما بلغنا و ما لم يبلغنا خبره .
و لولا الإطالة لأسهبنا في ذكر أمارات التوبة التي ظهرت على صدام خلال السنوات العشر الأخيرة ، و من أراد التوسُّع و الإحاطة أحلناه على ما نُشِر في موقع مفكرة الإسلام الإخباري على شبكة المعلومات الدولية ( الانترنت ) ففيها إجادة و إفادة .
و ها نحن أولاء إذ بَلَغَنا عن صدَّام ما يدلُّ على توبته من الكفر ( الأكبر ) المخرج من الملّة قلنا ( و ما شهدنا إلا بما عَلِمنا ) : أفلَح إن صَدَق ، و توقعنا منه ، و رجونا له العَوْد الحميد إلى دين الله المجيد .
و لا شك أن الفتيا بإسلام المرء بعد كفره تقبل بالقرائن الدالة على ذلك ، و كلما تواترت القرائن كانت أقوى في الدلالة على الأمر ، و قد تواترت عن صدام مؤشرات التوبة من الكفر البواح الذي كان متلبساً ( و حزبه ) به لعشرات العقود .
و إنني اليوم إذ لا تنتابني غضاضة ، و لا أرى بأساً في الحكم بما بلغني من توبة الرجل من الكفر ، لا أزعم فيه عدالة و لا أهلية لسياسة و لا سيادة ، فهو و شعبه في شأنٍ عظيم من الجرائم و الطغيان و الظلم ، و لا بد لديوان المظالم أن يفتح في الدنيا أو الآخرة أو فيهما معاً فيحكم فيه بشرعة لا تعرف الإجحاف ، في محكمة لا يظلم فيها أحد .
و إني إذ أستبعد ، و أكاد أجزم باستبعاد أن يجد الرجل من يحاكمه بشريعة الإسلام ، أو مَن ينصفه من غير أهل الإسلام ، لعلى يقين بأن يد العدالة الربانية لا يفلت منها أحد في العاجل أو الآجل ، فالكل صائر إلى مصيره ، واقف بين يدي ربه القائل : ( لا ظلم اليوم ) .
و إن لم تُنصِف الرجلَ محكمةٌ ، فلا أقل من أن تنصفه كلمةُ حق .(67/382)
فقد قال الله عز وجل: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَ لَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَ الأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقِيراً فَاللهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَ إِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً ) [ النساء : 135 ] .
و في الصحيحين عن أَبِي بَكْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ : ( ألا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ ) ثَلاثًا . قَالُوا : بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ ! قَالَ : ( الإِشْرَاكُ بِاللَّهِ ، وَ عُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ ) ، وَ جَلَسَ وَ كَانَ مُتَّكِئًا ، فَقَالَ : ( ألا وَ قَوْلُ الزُّورِ ) قَالَ أبو بكرةَ : فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حَتَّى قُلْنَا لَيْتَهُ سَكَتَ .
فمن أمكنه الإفلات من قول الزور في الإعلام ، و العمل به عند الساسةِ و الحكَّام ، شهد بحقٍ أنَّ للرجل توبته إن صدق فيها - و نرجو أن يكون صادقاً - و لم يتألَّ على الله أن يقبلها إن صدرت منه بشَرْطِها ، و له على ذلك ما رواه الإمام مسلم في الصحيح بإسناده عَنْ جُنْدَب البَجَليّ : أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ حَدَّثَ : ( أَنَّ رَجُلاً قَالَ : وَ اللهِ لاَ يَغْفِرُ اللهُ لِفُلاَنٍ ، وَ إِنَّ اللهَ تَعَالَىَ قَالَ : مَنْ ذَا الْذِي يَتَأَلَّى عَلَيَّ أَنْ لاَ أَغْفِرَ لِفُلاَنٍ ، فَإِنَّي قَدْ غَفَرْتُ لِفُلاَنٍ ، وَأَحْبَطْتُ عَمَلَكَ ) .
و إن أبى قصار النظر شرعاً و عقلاً إلا أن يدينوا مخالفيهم بتهمة الدفاع عن صدام ، فليس لنا في رد الهوى سبيل ، سوى أن نؤكد على أن الحكم بتوبة المرء من الكفر لا يلزم منه تبرئته مما جنته يداه في حقوق العباد ، إذ لم تثبت توبته من ذلك ، لتخلف شرطها الرابع ؛ و هو رد المظالم إلى أهلها ، و استحلالهم قبل أن لا يكون درهم و لا دينار ، إلا الجنة أو النار ، و لم نعرف عن صدَّام شيئاً من هذا القبيل ، من طريق يمكن التثبت منه ، و يصلح للحكم بلازمه .
و حذار ! حذار ! من أن يتخذ هذا تبرئة لساحة الحاكم الظالم من إسرافٍ في جنب الله ، فنحن لا نمجد طاغوتاً ، و لا نثني على ظالم ، و لا نبايع أنصاف الرجال و أرباعهم أوصياء على خير أمة أخرجت للناس ، و لا نضرب بسيف تُضرَبُ به أعناق المسلمين ، مع كائنٍ من كان .
أما فيما يتعلق بما يجري في العراق من جهاد و إعداد و استعداد لدفع العدو الصائل على الأرض و الأهل و الحُرُمات ، فلم نسمع من عاقل ، و لم يبلُغنا عن ثقة أن صدام يقف وراءه ( فضلاً عن أن يقوده بنفسه ) أو يكون له فيه رأي سديد ، أو إمداد أو إعداد ، و هذا أمر توافق عليه العدو و الصديق ، و أجمع عليه كل من يتابع الأحداث في العراق و يتفحص ضربات المجاهدين التي تقصم ظهور المحتلين ، و تخلخل صفوف العملاء و المنافقين .
و إذا سُلِّمَ جدلاً أن لصدام يدٌ فيما يقوم به المجاهدون من قبيل الدعم المادي ، أو التخلية بينهم و بين عدوِّهم مع قدرته على منعهم ( على فَرَضِهَا ) فهذا أمرٌ يشرِّفه و لا يشرف الجهاد و لا أهله ، و ينبغي للعقلاء أن يكفوا عن نسبة المجاهدين للشرق تارة و للغرب تارة لمجرد التقائهم مع هؤلاء في التصدي لعدوٍّ مشترَك .
و مع ما نذهب إليه مما تقدم بيانه ، فقد وقفنا على كثير من الآراء المخالفة ، و التي تناقض ما قلناه بالكامل ، و تسعى لنقضه من أساسه ، و لا يمنعنا ذلك من استيعاب المخالف ، و قبول رأيه ما دام عن حجة و دليل ، لا يتخلله هوىً و لا تضليل ، فإن العاقل من وسع غيره ، و الموفق من كان سماعه أكثر من مقاله .
غير أن ما يسوؤنا و يسوء كل حرٍّ ، كريم النفس ، عزيز الطبع أن تنساق العامَّة وراء من يبرر باطلاً بباطل ، و منكراً بمنكر ، كما فعل أذناب الغرب بتسليم بلادهم للغزاة انتقاماً من الجناة ، و قبولهم للاحتلال حنقاً و غيظاً مما اقترفته أيدي الحكام من أعمال قتل و تنكيل و اعتقال ، و كأن بطش العدو البعيد بلسم ، و مثله من القريب علقَم .
و هذه موازنة يردها العقل و الفطرة و الشرع على سواء ، فما فتئ البشر ( كما في كوبا ، و صربيا ، و غيرهما ) يصبرون على ضيم القريب ، خوفاً من تسلط عدوٍّ غريب ، حتى شهدنا ما شهدناه في العراق من انقلاب الموازين ، حيث أصبح للباطل دولة ، و للخائن سلطان .
و أصبح يُنظر إلى صدام الطاغية على أنه ممثل أهل السنَّة ( و ربما بقيتهم ) في العراق ، و حُمِّلوا ( زوراً و بهتاناً ) جريرة جرائمه التي اقترفها حيناً من الدهر لم يكن له فيه دين و لا ذمَّةٌ و لا خلاق .(67/383)
و يبدوا أن هذه الدعوة ستتخذ ذريعة للقضاء على أهل السنة في العراق على أيدي خونة الكرد ، و منافقي الروافض الذين لم يعرف له عبر التاريخ موقف مشرف يتصدون فيه لمعتدٍ ، أو يدفعون فيه عدوَّاً ، و لذلك لم يفاجأ أحدٌ بوقفتهم الصلبة خلف ( و لا أقول إلى جانب ) غزاة الصليبيين المعاصرين ، و تسليمهم ديارهم و أموالهم و سلاحهم بلا مقابل سوى استئصال شأفة البقية الباقية من القلة المستضعفة ( على يد صدام و من قبله و من بعده ) من أهل السنَّة و الجماعة .
هذه رؤيتي للحدث ، و أنا أرى المحتلين و أذنابهم و حرَّاسهم لا يدعون نهجاً و لا وسيلة يذلون بها العرب و المسلمين إلا بالغوا فيها ، معتزين بباطل لو سمح لأهل الحق بمجابهته وجهاً لوجه لما صمد ساعةً من نهار .
و من مظاهر الإذلال الممعن للعرب و المسلمين على سواء ما واكب اعتقال الطاغية صدام من تصريحات و تقارير مصورة و غير مصورة ، ابتداءً بتصوير جحره ( مع أن الاختفاء فيه أشرف و أكرم بكثير من الارتماء في أحضان الأعداء ) و انتهاءً بتصريحهم بما يريدون به ، و مروراً بعرض صوره و هو يعرض على الطبيب كبقرة هولندية في إصطبل هارٍ .
و أعجب منهم أهل الشماتة و التشفي ، المستجيرون من الرمضاء بالنار ، إذ أنساهم ماضيهم المظلم ظلمات الحاضر و المستقبل تحت سلطة المحتل و سياطه .
و مع ما قد يبرر فرح القوم و ابتهاجهم بسقوط طاغية ظالم ، نقف عاجزين عن تبرير الارتماء القوم في أحضان الأعداء الذين كان لهم - من قبل - دور أساسيٌّ في إيصال صدام إلى السلطة ، و حمايته ، و تبرير جرائمه و مواقفه و كثيرٍ من حروبه ، و - ربَّما - التورُّط في استدراجه إلى بعضها ، قبل أن ينقلب السحر على الساحر ، و يسقيهم من الكأس التي أرادوها له .
و لهذه الأسباب و أسبابٍ أخَر - يسَّر الله بيانها أو تعدادها لاحقاً - ينبغي لنا أن نكف ألسنتنا عن التشفي و الشماتة بسقوط الظالم على النحو الذي بلغنا أو غيرِه ، و نسأل الله أن يختم لنا و له بالحسنى ، و أن يردنا إليه تائبين نادمين ، بما اقترفت أيدينا مقرين ، و على سوء أفعالنا نادمين ، قبل أن لا ينفع درهمٌ و لا دينار إلا من أتى الله بقلب سليم .
و إن كان ما رأيناه مصيرَ من عُرِف بتجبره و ظلمه ، فإننا نستعيذ بالله تعالى من أن يأتي علينا زمان نرى فيه أياً من رموز الأمة الصادقين ، و من كان من أبنائها من المجاهدين العاملين ، فريسة في أيدي أعداء الدين ، و نسأله أن يختم لأوليائه بإحدى الحسنيين ، و أن لا يشمت فيهم أحداً من العالمين ، إنه على ذلك قدير ، و بالإجابة جدير ، فنعم المولى و نعم النصير .
و يحسن بنا في مثل هذا المقام تمثل مقولة الفضيل بن عياض رحمه الله :
( ارحموا عزيز قومٍ ذلَّ ، و غنياً افتقر ، و عالماً بين جُهَّالٍ )
و الله المستعان ، و لا حول و لا قوة إلا بالله العليِّ العظيم .
وكتب
د . أحمد بن عبد الكريم نجيب
================(67/384)
(67/385)
خطأ أمريكا القاتل غزو العراق
هيثم بن جواد الحداد
الخطبة الأولى
الحمد لله معز الإسلام بنصره، ومذل الشرك بقهره، ومصرف الأمور بأمره، ومديم النعم بشكره، ومستدرج الكافرين بمكره، الذي قدر الأيام دولاً بعدله، وجعل العاقبة للمتقين بفضله، وأفاء على عباده من ظله، وأظهر دينه على الدين كله، القاهر فوق عباده فلا يمانع، والظاهر على خليقته فلا ينازع، والآمر بما يشاء فلا يراجع، والحاكم بما يريد فلا يدافع.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد.
وأشهد أن محمدا عبده الأمين، ورسوله المكين، حسن الله به اليقين وأرسله إلى الخلق أجمعين بلسان عربي مبين، بلغ الرسالة وأظهر المقالة، ونصح الأمة وكشف الغمة وجاهد في سبيل الله المشركين وعبد ربه حتى أتاه اليقين.
يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ {8} هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ {9} الصف
أمة الإسلام: نحن أيها المؤمنون نشاهد عدوانا جديدا على بلد من بلاد المسلمين، ها هي القوات الصليبية الحاقدة تغزو ديار المسلمين بجج واهية، وذرائع سخيفة
أيها المؤمنون هذه الخطبة عنوانها لا تحسبوه شرا لكم، بل هو خير
لا تحسبوا هذا العدوان الأمريكي على شعب العراق شرا بل هو خير، نعم والله نرجوا أن يكون خيرا.
يا قائدَ الظلم لا تغترّ إن لنا ركناً شديداً وقد وافاك إرشادُ
فالطائرات وما تحويهِ من عُدَدٍ والقاذفاتُ وأعدادٌ وإعدادُ
وقمةُ العلم في تطوير أسلحةٍ والراجماتُ وأبطالٌ وأجنادُ
تبقى أمام جنود الله خاضعةً فالله أكبرُ والتقوى هي الزادُ
يا قادةَ الظلم إن الحقَّ منتصرٌ وللمعامع فرسانٌ وقوّادُ
سلاحكم في الوغى درعٌ وقنبلةٌ والرعبُ فيكم بحول الله يزدادُ
ونحن أشواقنا لله أسلحةٌ عظمى ، ويحملها في الروع آسادُ
نشتاق للموت في عزٍّ وفي شرفٍ وفي السماءِ لنا جندٌ وإمدادُ
عباد الله: لقد عاش المسلمون بعد سقوط الخلافة العثمانية سنة 1917 حالة من التيه والضياع، لا سيما حينما جثم الاستعمار الغربي على بلاد المسلمين حقبا طويلة من الزمن، حيث بدأ في بعض بلاد المسلمين قبل سقوط الدولة العثمانية، ولم ينته إلا قبل مدة يسيرة من الزمن
وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية سنة 1945، وخروج أمريكا بانتصار ساحق في اليابان، ودعمها لعدة دول أوربية أمام الألمانية الهتلرية، ظهرت هذه الدولة الأمريكية كأحدى أقوى دولتين في العالم.
ظلت الولايات المتحدة الأمريكية في تصاعد مستمر، تصاعد في قوتها العسكرية، وتبع ذلك تصاعد في قوتها الاقتصادية، وبدأت في تصدير أنموذجها إلى العالم كله
وبدأت دول كثيرة من العالم تتلقى هذا النموذج الأمريكي بعين الرضا، وربما قامت على اقتباسه في كثير من جوانب الحياة، السياسية، والاقتصادية، والثقافية وهو أشدها خطرا، الأمر الذي جعل العالم كله ساحة للعب من قبل مصدروا الثقافة الأمريكية بكل أطيافها.
وهكذا أيها المؤمنون بدأ غزو لا بل اكتساح أمريكي شامل، ومدمر، وشديد على الأمة الإسلامية، وعاش المسلمون في تلك الفترة أحلك أوقاتهم على مر التاريخ، نعم كانت تلك أشد الأوقات سوادا على الأمة الإسلامية.
تلك الفترة التي كانت جموع المنتسبين إلى الإسلام يفتحون قلوبهم، وصدورهم، وعقولهم لتقمص القيم الأمريكية والثقافة الأمريكة، بل والحياة الأمريكية بكل أطيافها، حتى غدونا نتحدث عن نظام عالمي جديد، أو عولمة، بل إن الصحيح والواقع أن الذي يجري كان في حقيقته أمركة قذرة.
كان الدعاة يوصفون بضيق الأفق والانغلاقية ومحدودية التفكير، حينما يجأرون خوفا من استعمار جديد يجتاح عقيدة الأمة، تارة تحت غطاء الاقتصاد، وتارة تحت غطاء الديموقراطية، ومرات بدافع وتارة بدون غطاء ولا ستر.
كان الدعاة يواجهون بالسخرية والازدراء حينما يطالبون الأمة بتوحيد الصف، ونبذ الفرقة بشتى صنوفها.
كان الدعاة يلمزون بالإرهاب حينما يدعون الناس للعمل بما تمليه عليهم عقيدة الولاء والبراء، مثل التخلص من ولائهم للغرب النصراني.
كل هذا ولا مجيب ولا مستجيب ألا في دوائر ضيقة محدودة، وكأن الأمة دخلت في سبات عميق، الأمر الذي جعلنا نظن بأن طول العهد بالخنوع والجهل والانغماس في الشهوات يحتاج إلى نيران ملتهبة توقظ هذه الأمة، وتثير مشاعر الخوف من خطر الحريق الداهم لتتحرك نحو إنقاذ نفسها، بل إنقاذ البشرية كلها.
لقد حفظ الله هذا الدين، وجعل هذه الأمة خير الأمم، وجعل دينها ظاهرا على الدين كله (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا {28} الفتح
فشاء الله جل وعلا أن يبعث هذه الأمة من جديد، وأن يجدد فيها إيمانها، وأن يعيدها إلى سابق عزها.(67/386)
وهنا تأتي مشيئة الله التي قضت بأن النصر والعاقبة ستكون للإسلام وأهله، فيقدر الله عز وجل بقدره وحكمته أن تهب رياح عاتية لتأز جوانب هذه الأمة، فتولد نيران الحمية للدين، والغضب لانتهاك حرمات الله، والثأر لعزة هذه الأمة المسلوبة.
حدث الغزو الروسي لأفغانستان، وارتكب الروس فظائع خارجة عن التصور، وخرج من رحم هذا الأتون المحرق تجديد لمصطلح الجهاد، وعادت بعض أدبياته للظهور بعد أن كادت أن تكون مجرد تراث أدبي.
ثم جاءت الانتفاضة الفلسطينية الأولى، وأريقت الدماء على جوانب رحلة الصراع هذه، وأنجبت لنا هذه الملحمة فتى عنيدا، اسمه حب المقاومة ورفض الخنوع.
ثم تلا ذلك أزمة الخليج والحرب بين العراق من جهة وحلفائها من جهة أخرى، وخسرت الأمة أنواعا من المكاسب المادية، لكن الأزمة ساعدت في إحداث تصدع في نظرة المسلمين للغرب، وانبهارهم بعدالته ومثله المدعاة.
عباد الله: ثم يقد الله بحكمته التي لا تقاربها حكمه، وعلمه الذي أحاط كل شيء، ورحمته بهذه الأمة التي لا تدانيها رحمه، فيريد تهيأة المسلمين لمرحلة جديدة في تاريخهم الحديث، فتندلع الانتفاضة الفلسطينية الباسلة مرة ثانية، لتعلي صيحات الجهاد، ولتغرس معاني الولاء والبراء، ولتثبت حب المقاومة والاستعلاء على خور النفس، ولتزيد من التصدع في ولاء المسلمين بالغرب الصليبي.
الأمر الأول:
أحداث متوالية، كلها تساهم في تعميق الهوة بين الغرب والشرق، بين الشرق المسلم والغرب النصراني الصليبي، هذه الهوة التي من شأنها أن تكون العائق الذي يكبح جماح الاكتساح الثقافي الذي قامت به الثقافة الغربية أو الأمريكية على العالم الإسلامي.
كان المسلمون ينظرون إلى النموذج الأمريكي على أنه المثال الذي يجب أن يحتذى في كل أموره، في نظمة الاقتصادية، في نظمه في تسيير شؤون الدولة، في نظمه الإعلامية، بل في نظمه السياسية، ونظر المسلمون إلى الثقافة الأمريكية على أنها الثقافة الأفضل، وربما فضلها بعضهم على النظام الإسلامي
عباد الله: إن من حكمة الله جل وعلا أن يوقع الظالم في شر أعماله، كما أن من حكمته جل وعلا أن يحجب التوفيق والسداد عن كل نظام لا يتفق مع كلماته وشرعه.
(ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا، ونحشره يوم القيامة أعمى)
لو أن الولايات المتحدة الأمريكية ظلت في سياستها الهادئة الخبيثة مع العالم الإسلامي لنجحت إلى حد كبير جدا في اجتياح العالم الإسلامي وتحويله إلى مستعمرة أمريكية يلهوا فيها رعاة البقر الأمريكان كما يشاؤون، وهذا هو الذي كان يخشاه كثير من العلماء والدعاة
لكن الولايات المتحدة الأمريكية حرمت التوفيق كما حرمت الهداية، فسيطر عليها الغرور والكبر، وأخذتها الغطرسة، فظنت أنها استعبدت شعوب العالم الإسلامي، وأخذت في الظلم والبغي، والعدوان والتجبر، الأمر الذي حال بينها وبين المقدرة على الاستمرار في نهجها الاستعماري المبني على السياسة الهادئة وتصدير الثقافة.
إن الولايات المتحدة الأمريكية تعيش أسوء مراحل حياتها، بل إنها بعد أن وصلت إلى قمة الهرم بدأت في الانحدار السريع نحو الهاوية، ونسأل الله جل وعلا أن يعجل بسقوطها.
إن الولايات المتحدة الأمريكية باعتدائها الغاشم على العراق ودخولها إلى قلب العالم الإسلامي ستكرس الكراهية ضدها من قبل جموع المسلمين الذين يعيشون في البلاد الإسلامية، تلك الكراهية التي ستحول بين المسلمين وبين تقمص ثقافتها واستيراد نظمها ومن ثم السير ركابها
بغدادُ والكبشُ هذا اليومَ بغدادُ ا لأشلائنا في الأرض تِعدادُ
بغدادُ والذابح الباغي وفي يدهِ سوطٌ على أمةِ الإسلامِ جلادُ
بغدادُ والرومُ قد عادت جحافلُها لها مع البحر إرغاءٌ وإزبادُ
يقودها الحقدُ والعدوانُ غايتُها والكفرُ بالله في ذاكم لها زادُ
الأمر الثاني:
إن الاعتداء التي تقوم به الولايات المتحدة الأمريكية على بلد إسلامي سيجعل من الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها دولة مقاتلة مهاجمة، الأمر الذي سيسوغ لكثير من المسلمين الذين يعيشون في تلك البلاد، بل ربما المسلمين في كل أنحاء الدنيا مهاجمتها ومحاولة ضربها، وسيشعر كثير من المسلمين بناء على ذلك أن التجمعات الأمريكية في كل مكان أهدافا مشروعة لهم، وهكذا سيتعرض التواجد الأمريكي والبريطاني في أماكن متعددة من العالم إلى اعتداءات متنوعة مختلفة.
وإذا ما حدث هذا فستهتز هيبة تلك الإمبراطورية بشكل يغري خصومها بالإنقضاض عليها في أي فرصة تسنح لهم.
الأمر الثالث:
لقد وضعت الولايات المتحدة الأمريكية نفسها في عزلة شبه كاملة عن باقي دول العالم، فقد كثرت الدول المعارضة للحرب صراحة وعلى المستوى الرسمي وها هي ثلاث دول من الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن تعارض الحرب على العراق، ولم يتفق مع العراق في هذا العدوان الصارخ إلا دول معدودة، تحت ضغط ترغيب أو ترهيب
أيها المؤمنون: نحن لا نؤمل كثيرا على مواقف بعض الدول الغربية من الحرب، فهاهي ألمانيا وهي من أكثر الدول معارضة للحرب ضد العراق تصرح بأنها رغم معارضتها للحرب إلا أنها ستفي بالتزاماتها تجاه الولايات المتحدة الأمريكية.(67/387)
أما فرنسا وهي حليفة ألمانيا في معارضة الحرب الأمريكية على العراق، فهاهو رئيسها شيراك، يحبب عندما سؤال عن الدعم المادي الذي يمكن ان تقدمه فرنسا للولايات المتحدة وبريطانيا قائلا: «لا اعرف ما يمكن ان يطلبه البلدان من فرنسا لاحقاً. حتى الآن، لم تطلب الولايات المتحدة سوى امر واحد هو السماح لطائراتها بعبور الاجواء (الفرنسية). وهذا الطلب وافقت عليه لاننا اصدقاء وحلفاء حتى وان كنت لا اوافق ابداً على هذه الحرب اليوم». بل قد صرح وزير الخارجية دور فيلبان بما هو ابعد من ذلك حينما صرح ن باريس «ستكون الى جانب الولايات المتحدة الاميركية اذا واجهت وضعاً جديداً غير متوقع اليوم، او ازمة خاصة كيماوية او بيولوجية. فرنسا ستكون الى جانبها للتعبير عن تضامنها معها». وقد صرحت فرنسا كذلك بأنها تتمنى انتصار الولايات المتحدة الأمريكية في هذه الحرب.
صدق الله جل وعلا إذ يقول ({72} وَالَّذينَ كَفَرُواْ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُن فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ {73}
عباد الله: لكننا مع ذلك يجب أن لا نكون قصيري النظر ولا محدودي الفكر، فالدول الغربية وإن كانت كلها تدين بدين واحد، وأهداف متقاربة لا سيما إن كانوا يواجهون العالم الإسلامي، إلا أننا يجب أن لا نهمل أن تلك الدول تعيش فيما بينها صراعات حادة من أجل الزعامة.
لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ أَوْ مِن وَرَاء جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْقِلُونَ {14} الحشر
ولايفوتنا هنا أن نشير إلى تلك المعارضة المتنامية التي تشهدها الساحة البريطانية ضد الحرب، فلم يقتصر الأمر على المظاهرات الشعبية العارمة، بل جاوزه إلى أعضاء الحكومة نفسها، وقد سمعتم نبأ استقالة ثلاثة وزراء حتى الآن من الحكومة البريطانية، فضلا عما سمعناه من التصريحات القوية التي صرح بها جورج جالوي حيال الحرب الحالية.
لقد أفرزت هذه المواقف الحمقاء من الولايات المتحدة الأمريكية على أسقاط هيبتها السياسية أمام دول صغير بل وفقيرة، فبعض المواقف الشجاعة من دول مثل الكاميرون وانغولا وغينيا والمكسيك وتشيلي وهي دول فقيرة لا تستغني عن المعونة الأمريكية يعكس مدى سقوط الهيبة الأمريكية.
خلال فترة وجيزة يا عباد الله، بل وقياسية، بات العالم الآن ينظر الى اميركا، لا كقوة ديمقراطية عظمى، وإنما كوحش بدائي ينبغي ان يتضافر الجميع لردعه.
الأمر الرابع:
أيها المؤمنون: أما العزلة التي تعيشها الولايات المتحدة على المستوى الشعبي في دول العالم كلها فشيء فاق التوقعات، في مصر العربية الأبية، خرج بالأمس في اليونان مائة ألف معبرين عن احتاجهم عن الغزو الأمريكي، وفي بليجيكا خمسون ألفا، واعتصم آلاف أمام مبنى البرلمان البريطاني، بل جابت المظاهرات شوارع المدن الأمريكية ...
المواقف الشعبية قد تؤثر تأثير مباشرا في بعض الأحيان ففي تركيا مثلا التي كانت تستميت في إرضاء حلف الناتوا، هاهو برلمانها رغم كل الإغرائات الأمريكية يرفض بالأغلبية السماح للقوات الأمريكية بالانتشار على أرضه، وما ذلك إلا تجنبا للغضب الشعبي المتزايد ضد الوجود الأجنبي
عباد الله: صحيح أن الموقف الشعبي قد لا يؤثر تأثيرا مباشرا في جميع الحالات على المدى القصير لكنه فعال ومؤثر على المدى الطويل، بل قد قيل بأنّ الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن أصبحت ستا بدل الخمس، أما السادس فهو الرأي العام، إن الرأي العام يعمل على بث الجرءة في نفوس عموم الناس على التعبير عن رأيهم بدل أن يكونوا مجرد قطعان تساق إلى المجزرة وهي لا تدري، إنه يساهم على المدى البعيد في تصدع البنية التحتية للوحدة الغربية، ناهيك أنه يفتح آفاقا وآمالا للمسلمين، سواء باختراق صفوف الغرب، أو تكريس التدافع، أضف إلى ذلك أنه فرصة عظيمة للدعوة إلى الإسلام، وتبيين محاسنه.
الخطبة الثانية
عباد الله:
أما الأمر الخامس:
الأمم المتحدة: تلك المؤسسة التي انشأت لرعي لظلم، ولإذلال الضعيف والإمعان في إهانته بغطاء رسمي وتحت مظلة قانونية، كثيرا ما تحدث العلماء والدعاة الصادقون عن هذه المنظمة الجائرة وأن الدخول فيها والإنصياع لأنظمتها إنما هو موافقة صريحة على الظلم، واستمراء للهوان، ولكن أيا من هذه الدعوات وجدت من يلتفت لها، وها نحن نراها اليوم
ها نحن نرى ما كان تدعيه النخب المثقفة والسياسية من شرعيتها الدولية، وضرورة التحاكم لها، ها نحن نرى هذه الشرعية تتهاوى أمام أنظار العالم كله، فهاهي دول أعضاء فيها تنفرد بالحرب على بلد آخر دون الرجوع إليها، ويصرح السياسيون من دول شتى من العالم الإسلامي بأن تلك المنظمة الدولية باتت عاجزة عن القيام بمهمتها، وأن ذلك قد يؤدي إلى البحث عن بدائل تكون أكثر فعالية لا سيما في وقت الأزمات.
لا يرجع الحق السليب بهيئة دولية يلهوا بها الدولار
أو مجلس نسبوه للأمن الذي هو لعبة في شرعهم وقمار
الأمر السادس(67/388)
أمة الإسلام: إن أمريكا والغرب الصليبي لم يكن قادرا على الوصول إلى ما وصل إليه إلا من خلال مجموعة من الزعماء الذين سخرهم أداة لاستعباد شعوبهم وقهرها، حيث جعلهم أحذية يطؤها، ويطأ بها أشواك الشعوب المسلمة التي يمكن أن تنخز جسده فتأذيه، حتى إذا انتهت مهمة أحد هذه الأحذية، خلعها المستعمرون وألقوها في أقذر الأماكن، وأنتن المزابل، واستبدولها بحذاء آخر، ، وأظن أن الرئيس العراقي أحد تلك الأحذية.
لقد أراد الله بهذه الأمة الخير حينما توالت الاختبارات والمحن عليها، لتفضح أولئك الذين يقفون عقبة كؤود في وجه الشعوب، ويحولون بينها وبين بذلها كل ما تستطيع من نفس ومال في سبيل قضاياها العادلة، ابتداء من قضية فلسطين، والانتفاضة، وانتهاء بهذه الأزمة التي تمر بها الأمة.
لقد استكملت الولايات المتحدة الأمريكية وحليفتها بريطانيا في هذا الغزوة الغاشم على بلد مسلم ما كشفت عنه الأحداث الجسام التي مرت بالأمة بدءا من الانتفاضة الفلسطينية، ومرورا بالموقف من الاعتداء على أفغانستان من المواقف العربية الممعنة في الذلة والمهانة والولاء لأعداء دين الله، يصرح رئيس دولة عربية كبرى قبيل الاعتداء بعد أن غط في نوم عميق واختفى عن الساحة السياسية بأن ما يجري في المنطقة إنما جلبه الرئيس العراقي، وإنه يتحمل التعبات التي ستجري على شعبه وعلى بلده وعلى العالم كله، يتبجح بذلك دون أن يلقي ولو كلمة لوم واحدة على راعية الإرهاب الدولي.
يبقى مُهاباً من القرآنُ قائدُهُ وسوف يخسرُ من للغربِ ينقادُ
ويطمئن آخر بأن إمدادات الوقود التي ستستخدمها الطائرات الغازية التي تقذف الموت والدمار والهلاك لن تتوقف ولن تتأثر فليطمئن أطفال العراق الذين يموتون بالآلاف يوميا بأن دولا مجاورة قد سهلت سبل الهلاك لهم، في الوقت التي تقاطع الولايات المتحدة الأمريكية وبشدة المنتجات الفرنسية حتى لو كانت مجرد جبن ليس له تأثير يذكر.
دولة المكسيك علي بعد خطوات من الحدود الامريكية، وتشيلي في حاجة ماسة الي المساعدات الامريكية، اما غينيا فتعاني الفقر والفاقة، ومع ذلك رفض زعماء هذه الدول ان يصوتوا الي جانب القرار الثاني في مجلس الأمن، وهم ليسوا عربا ولا مسلمين، بينما الزعماء العرب و المسلمون فتحوا القواعد للعدوان، وحاولوا ارسال الوفود الي بغداد للضغط علي رئيسها من اجل الاستقالة، وتسليم بلاده للاحتلال الامريكي دون مقاومة.
هذه المواقف المبغوضة من الله، والملعونة من عباد الله، تجاه هذا العدوان الفاضح على هذا الشعب المقهور ستجبر الأمة على إعادة النظر في تسليم زمام أمورها لهذه القيادات، وستضعها أمام حقيقة كانت تتستر من قبل وراء غشاوت هافتة، وهي أن الأمة لا يمكن أن تعود إلى عزها وتتبوأ المكانة التي تصبوا إليها إلا بالعمل الدؤوب على التخلص من العملاء، واستبدال أولئك الذين لا يعملون إلا من أجل شهواتهم الرخيصة، ونفوسهم الدنيئة، استبدالهم بالمخلصين الذين يحملون همّ الأمة، ويعملون لمصالحها العليا.
قال الله جل وعلا : (مَّا كَانَ اللّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىَ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ) وقال جل من قائل (وَكَذَلِكَ نفَصِّلُ الآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ ) الأنعام آيه 55
اللهم يا منزل الكتاب ويا مجري السحاب ويا سريع الحساب ويا هازم الأحزاب أهزم النصارى واليهود المحاربين للإسلام والمسلمين
اللهم أهزمهم وزلزلهم , اللهم أقذف الرعب في قلوبهم , اللهم فرق جمعهم
اللهم شتت شملهم , اللهم خالف بين آرائهم , اللهم أجعل بأسهم بينهم
اللهم أرنا بهم عجائب قدرتك , يا قوي يا قادر
اللهم أذل الدول الكافرة المحاربة للإسلام والمسلمين ,
اللهم أشغلهم بأنفسهم عن المؤمنين
اللهم لا تجعل لهم على مؤمن يدا وعلى المؤمنين سبيلا
اللهم أسقط طائراتهم ، اللهم دمر مدمرا تهم ، وأجعل قوتهم عليهم دمارا
يا ذا الجلال والإكرام يا حي يا قيوم .
اللهم أن بالمسلمين من الجهد والضنك والضيق والظلم مالا نشكوه إلا إليك
لا اله إلا الله العظيم الحليم , لا اله إلا الله رب العرش الكريم
لا اله إلا الله رب السموات ورب الأرض ورب العرش العظيم
اللهم صلي على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم
===============(67/389)
(67/390)
(الآخر) يؤذينا..
عمر المديفر
بين كل فينة وأخرى يطل علينا العالم الغربي الصليبي الحاقد,بنفثة من نفثات حقده,وخبيثة من خبائث سره,حتى اعتدنا أن نغضب منه فترة ثم نهدأ وننسى ماحدث بعدها,وننام إلى أن يتطاول مرة أخرى ليوقظنا من سباتنا ويؤجج غضبنا,والذي لايلبث أن يتلاشى كالذي سبقه.
كشر العالم الغربي عن أنيابه أول مرة,بتصرف أرعن أهان فيه كتاب الإسلام الخالد المقدس فأشتعل العالم الإسلامي غضباً,وتتالت مظاهرات حرق الأعلام والتنديد بالأعمال,ومسيرات الغضب,ولم يلبث إلا يسيراً حتى خبت النار وصارت رماداً تهوي به الريح.
وكشف عن قبح وجهه ثانية,برسوم مشينة تطاول فيها على سيد البشر r ,تفاعل المسلمون مع ذلك الحدث بصورة تبشر بالخير,قاطعوا الدولة الجانية,ومضوا بخطوات عازمة على نشر سيرة نبيهم, وظهرت خلال تلك الفترة العديد من الأقلام المنافحة عن صلى الله عليه وسلم ,وازداد اهتمام الناس بسيرته,ولكنهم مالبثوا أن نسوا القضية برمتها -عدا أناس قلائل لا زالوا يعملون-,ولو واصلوا انتصارهم لتوقف الغرب عند حده,لكنهم فتروا وضعفوا,إلى أن انمسحت القضية من أذهانهم.
وجاءت الإهانة المرة الثالة من قائد من قاداتهم وزعيم من زعمائهم,رئيس أعتى دولهم وأشدها غطرسة,جاءت الإهانة هذه المرة على شكل اتهام موجه وتهديد صريح يمس الدين الإسلامي بشكل عام,ذلك حينما وصف بوش_لعنه الله-الإسلام بالفاشية,توعد بالقضاء على مايسميه بالإسلام الراديكالي,ضارباً بمشاعر مليار مسلم عرض الحائط ,ولأنه وكما قيل(كثر الإمساس يقلل الإحساس)فلم تلق الإهانة هذه المرة صدى واسعاً,ولم يتفاعل معها المسلمون تفاعلاً يذكر.
وتأتي الإهانة الرابعة من شخص له كلمته المسموعة لدى ثلث نصارى العالم تقريبا إن لم يكن كلهم,عندما أقدم بابا الفاتيكان والأب الروحي للنصارى,وفي صرح تعليمي على التطاول على الإسلام ونقل كلاماً لأحد علماء النصارى في القرون الوسطى,الذي يقول:" أرني ما الجديد الذي جاء به محمد؟ لن تجد إلا أشياء شريرة وغير إنسانية، مثل أمره بنشر الدين -الذي كان يبشر به- بحد السيف!",وسرعان ماعلم المسلمون بهذا الخبر وغضبوا,و طالبوا البابا بالاعتذار,في حين رفض هو الاعتذار معللاً ذلك بأنه قد أسيء فهمه.
والمسلمون في غمرة غضبهم يتلقون صفعة جديدة من الغرب الصليبي,وبالتحديد من دويلة الدنمارك,والتي سبق وأن كشقت عن سوءتها,إذ أقدم الحزب الحاكم فيها على عرض مسرحية تصور الرسو صلى الله عليه وسلم في أوضاع مهينة ومزرية.
ولايزال المسلمون في بدايات غضبهم من هاتين الصفعتين المتتاليتين,ولا يزال الغرب الحاقد يخبيء لنا المزيد من الصفعات.
* * *
ومن بني جلدتنا وبعض أبناء أمتنا الداخلين ضمن المليار,من كان انهزامياً حد الانبطاح,إذ كانوا يتزلفون إلى الغرب,وينادون بمراعاة مشاعرهم واحترامها,وذلك بألا ننعتهم بـ(الكافر) وأن نستبدل هذه اللفظة بلفظة(الآخر) حتى لا نجرح مشاعرهم ونعكر أمزجتهم زعموا.
كيف لنا أن نتغاضى عن إساءة محتملة من تسمية أطلقها القرآن عليهم,ولايتغاضون هم عن الإساة لنا كل فترة؟؟.
من المطالب باحترام المشاعر؟؟! نحن أم هم؟؟!
إن خلافنا معهم ليس خلاف دول وسياسات,ولا خلاف مصالح واقتصاديات,إن خلافنا معهم خلاف عقيدة وخلاف دين..وليس أدل على ذلك من تناصرهم إذا أهانتنا إحدى دولهم..
فالقضية ليس قضية دول..إنها قضية عقيدة ودين..
===============(67/391)
(67/392)
سجن أبو غريب . . الحدث والمواجهة !
أبوأحمد ( مهذب )
حسبنا الله ونعم الوكيل !!
اللهم منزل الكتاب . .
ومجري السحاب . .
وهازم الأحزاب . .
عزّ جاهك . .
وتقدّست اسماؤك . .
وأنت على كل شيء قدير . .
وبعد . .
طالعتنا - ولا تزال - وسائل الإعلام بشتى أنواعها جريمة التاريخ !!
واشتغل الكبير والصغير . .
والذكر والأنثى . .
والرئيس والمرؤوس . .
بتناقل الضجة - الأمريكية - التي تمثّلت في عرض صور تعذيب أسرى سجن أبو غريب !!
ولمّأ كان مثل هذاالحدث - عادياً - في :
- جوانتناموا !!
- المعتقلات الإسرائيلية ..!!
- معتقلات الظلمة والجبابرة
والتي روت جزءاً مما يحدث فيها الوالدة المجاهدة ( زينب الغزالي ) في : أيام من حياتي !!
وسجون القلعة وأبو زعبل تشهد على تلك الروايات - الحقيقية - التي تدمي الفؤاد فتسيل الدموع دماً !!
وكانت مثل هذه السجون والمعتقلات تحدثنا بهدوء عمّأ يجري في أروقتها . . .
فما بال معتقل ( أبو غريب ) يحدّثنا بهذاالضجيج ؟!!
إنه تساؤل يحتم على الحصيف أن يقف على عتبة هذاالمعتقل ليقرأ هذا الحدث قراءة متأنية!!
يقول حسين محمود :
أعلن وزير الدفاع الأمريكي في جلسة الإستجواب الإستعراضية التي عقدت له في واشنطن بأن عنده أكثر من ألف صورة غير الصور التي انتشرت في وسائل الإعلام ، ولو أننا عملنا عملية حسابية بسيطة ، فسنخرج بمعدل 2,7 % صورة في اليوم لمدة عام من التصوير ، ولو حذفنا يومي العطلة من كل أسبوع يصير معدّل التصوير 4 صور في اليوم ، ولو أخذنا بعين الإعتبار أن الصورة تستهلك وقتاً لإرغام المساجين على الوقوف في وضع معين لعلمنا أن هذه الصور أخذت على الأقل نصف ساعة في اليوم لتصويرها ، أي أن هذه الصور أخذت على الأقل 130 ساعة للتصوير !!
هل من المعقول أن يكون هذا الوقت وهذا الجهد الكبير : حالات فردية من أفراد استطاعوا استغفال المسؤولين في السجن والإنفراد بأسرى الحرب والمجاهدين ليصوروا هذه الصور ، وبهذه الدقة ، ثم يجعلوها على أقراص مدمجة ، أو يخزنوها في أجهزتهم !! . . .
والسؤال المهم :
هل نُشرت هذه الصور - كما يقول الأمريكان - بالرّغم عنهم !! أم أن للحكومة الأمريكية مصلحة في نشرها بين الناس ، وفي هذا الوقت بالذات !!
إنها ليست عقدة المؤامرة . . !!
لكنه التاريخ والواقع والسنن . . !!
وحتى نكون أقرب إلى فهم أبعاد الحدث دعونا نقف هذه الوقفات :
أولاً : توقيت الحدث !
في نقاط مهمة - دون الإيغال في التفاصيل - نستعرض أهم الأحداث التي تصف لنا أبعاد توقيت الحدث ؛ من ذلك :
- الحكومة الأمريكية تفشل في إسقاط الفلوجة والقضاء على المقاومة فيها .
- الحكومة الأمريكية بدأت تخسر تطبيل الرأي العام لها بأنها رمز الحرية والديمقراطية من جرّاء انتهاكها لمبادئ الديمقراطية في العراق الذي طبّلت له قبل الحرب !!
- القوات الإسرائيلية تنجح في تنفيذ اغتيالات مهمة - بالنسبة لها - !!
- الشارع العربي - الإسلامي - ثائر ضد الاغتيالات الإسرائيلية !!
- القوات الأمريكية تتكبد خسائر في الأرواح والمعدّأت والتخطيط في أفغانستان !!
- عجز القوات الأمريكية عن السيطرة العسكرية سواء في العراق أو أفغانستان !!
- الأمريكان - جنودا أو أفرادا - في الجزيرة العربية والعراق وأفغانستان يتعرضون للقتل والترصّد الأمر الذي يثير حفيظة الشعب الأمريكي وبخاصة الجندي الأمريكي من أن يستمر في حرب أو في دولة أو مكان يعرف أنه مقتول فيه لا محالة .
ونفسية الأمريكي هي تلك النفسية التي وصفها الله تعالى بقوله : " ولتجدنهم أحرص الناس على حياة " !!
- الهزيمة النفسية عند الجنود الأمريكان من جرّاء ما سبق .
- تحضير بوش - الابن - للانتخابات القادمة !!
هذه باختصار نقاط مهمة في وصف توقيت الحدث !!
وقراءة هذاالحدث - انتهاكات سجن أبو غريب - ضمن مجموعة هذه الأحداث بما فيها يوقفنا على التساؤل التالي :
ثانياً : لماذا إذن - أبو غريب - ؟!
تاريخ أمريكا الأسود والواقع يشهدان بأن أمريكا لم تكن يوماً من الأيام صاحبة الطهر والنقاء والسلام والوئام . .
التاريخ يشهد بالجرم الأمريكي الدموي الذي لا يرعى طفلا رضيعا ولا امرأة ضعيفة ولا شيخاً وقوراً . .
اسألوا إن شئتم الهنود الحمر ، وقلبوا صفحات التاريخ في فيتنام وفي هيروشيما وفي الصومال وقفوا مليّاً عند عتبات المسجد الأقصى
لتروي لكم دماء الشهداء الأبرياء حكايات الجبروت الأمريكي المتلبّس بلبوس ( السلام ) !!
أبعد شهادة التاريخ - وأنتم شهداء الله في أرضه - يمكن أن نتصور أن أمريكا ستكون يوماً من الأيام صاحبة حق وعدل في عرض قضايا المسلمين والتألّم لها ؟!!
من هنا نعرف ونعلم أن - سجن أبو غريب - ما هو إلا جزء من خطة عسكرية - إعلامية - لها أهدافها :
1 - التغطية على الهزيمة العسكرية في الفلوجة .
2 - تحسين صورة - الحرية الأمريكية - أمام الرأي العام بفبركة محاكمة معلنة لوزير الدفاع الأمريكي ( رامسفيلد ) !(67/393)
3 - صرف نظر الرأي العام العالمي عما سيكون من مجازر في الفلوجة (التي لم ينتهي الأمريكان منها بعد) وفي النجف وكربلاء وغيرها من المدن العراقية ..
4 - إذلال الشعب العراقي الأبي وكسر كبريائه ، وقلما يأتي ذليل في الحرب بخير ، وهذا من الحرب النفسية ..
ولئن كان الرجل العراقي الأبيّ يأبى أن تخلع قلنسوته أو يكشف رأسه ، فكيف حين ينزع عنه لبسه لتكشف عورته وسوءته .!
5 - محاولة إستفزاز المجاهدين وجعلهم في موقف إندفاع عاطفي يغيب عنه الوعي والفكر السليم ، والعاطفة والإندفاع الغير منضبطين من أعظم الأخطار على المحارب ..
6 - إذلال الأمة الإسلامية لنفس السبب السابق ، مع الأخذ في عين الإعتبار البعد الصليبي اليهودي الحاقد على الإسلام والمسلمين ..
7 - تخويف الشعب العراقي والمجاهدين من مغبّة الجهاد ببيان المآل ، وتخويف من خلفهم من المجاهدين الأنصار وثنيهم عن القدوم إلى العراق ..
8 - ونقطة في غاية الأهمية : تحضير العالم نفسيّاً لأمور قادمة ربما تكون أعظم من هذه الصور ، فهذه ما هي إلا بداية لما هو آت ، ونأخذ هذا من تصريحات وبيانات الإدارة الأمريكية في بداية الحرب المعلنة على الإسلام : فقد صرّحت بتصريحات خارجة عن كل ما هو مُعلن ومعروف عن الأمة الأمريكية لتهيء الرأي العام العالمي لما هو آت من الحروب والدمار ..
9 - صرف نظر الرأي العام العالمي (والأمريكي خاصة) عن الهزيمة الشنيعة التي مُنيت بها القوات الأمريكية في الفلوجة على أيدي مجموعة بسيطة من المجاهدين المسلحين تسليحاً خفيفاً ..
10 - إنقاذ ما يمكن إنقاذه من سمعة بوش المتردية في الأوساط الأمريكية ، ومن ظن أن هذه الصور تهبط من شعبية بوش فهو من أجهل الناس بطبيعة الشعب الأمريكي المنحرف ، فها هو كلنتون ارتفعت شعبيته بعد إقراره بالزنى أمام شاشات التلفاز ، وها هو الرئيس الأمريكي الهالك "كينيدي" ترتفع شعبيته بعد أن أعلن عن علاقته بالممثلة الساقطة (مارلين مونرو) ، فكل ما تسمعون من استياء للشعب الأمريكي لهذه الصور إنما هو للإستهلاك الخارجي فقط ، فأغلبية هذا الشعب المنحرف يفرح لمثل هذا ..
11 - الترفيه عن الجنود الأمريكان الذين وصلت معنوياتهم إلى درجة لا يمكن معهم الإستمرار في المعركة ، فكانت هذه الصور بمثابة دعم معنوي لهؤلاء الجنود المنحرفين ..
12 - امتصاص الغضب العالمي إثر اغتيال الإمامين : ( أحمد ياسين ) و ( عبد العزيز الرنتيسي ) وفي ذلك إإتاحة الفرصة للشارون اليهودي بالتمتع بهذا الانتصار من غير مضايقة الإدانة والغضب العالمي الذي ربما يعطّل في خطط الاغتيالات القادمة !!
لقد أدرك أعداء الإسلام والملّة أثر هذه الحملات الإعلامية في تغيير نتائج الحرب من الهزيمة إلى الإنتصار أو على أقل تقدير تحييد الهزيمة في الجانب الذي يخفف عنهم الهزيمة الحقيقية !!
لا زالت أمريكا حتى اليوم تنقل المعركة إلى حيث المكان الذي تريد مستخدمة في ذلك كل إمكاناتها ..
بالأمس كانت المعركة في أفغانستان ثم في الصومال ثم في الأقاليم الإسلامية الأوربية ثم العراق وغدا في سوريا فأيران فـ ...!!!
وهي خطة صليبية صهيونية ماكرة في اللعب بأوراق الحرب في ظل استغفال المسلمين وبعدهم وغفلتهم عن المواجهة التي تكون في مستوى الحدث . . .
ليست المواجهة التي يصفها بعض زعماء العرب على هامش القمة العربية بقوله : نحن لا نريد المواجهة والقتال . . إنما نريد أن نخرج بالإجماع على إدانات ..!!
* لكن .. . لماذا أسرى أبو غريب ؟!
لماذا اختير معتقل أبو غريب ليكون مسرحاً للحدث ، ولم تكن معتقلات - جوانتناموا - هي مسرحية الحدث ؟!
يبدو لي أن هذا الاختيار إنما وقع ضمن تهيئة نفسية سابقة للعالم . .
أسرى جوانتناموا في نظر العالم أنهم أسرى إرهاب وإفساد في الأرض !!
هكذا صوّرهم الإعلام الصليبي الصهيوني ! !
أمّأ أسرى سجن أبو غريب فهم خليط بين معتقلين لأسباب جنائية ، أمنية ، حربية . .
فعرض صورهم أشد تأثيراً في نفوس الشعوب - تعاطفا معهم - الأمر الذي يهيء للحكومة الأمريكية استعادة توازنها من خلال استغلال هذاالتعاطف - العالمي - بعمل مسرحيات محاكمات ونحوها بقصد تحسين سمعة البيت الأبيض الذي ساءت سمعته !!
- ثم إن العراقيين هم المقصودين بالدرجة الأولى بهذه الصور ، إذ الهدف هو الترويع والإضعاف والتخويف لهم من المقاومة والاستمرار فيها .
- تم عرض صور لأسرى - جوانتناموا - من ذي قبل تبين انتهاك حقوق الأسرى ، لكنها قوبلت ببرود إعلامي عالمي مقصود .
وللأهداف التي أشير إليها سابقاً ، كان اختيار سجن أبو غريب هو الأنسب في صناعته كحدث يغيّر في النتائج الحقيقية !!!
ثالثاً : الموقف والمواجهة .
وهذه الخطوة الأهم في قراءة هذاالحدث . .
كيف نتعامل مع هذه الصور ونحوها ؟
* واجب الأفراد .
1 - ينبغي أن لا ننشر هذه الصور وأن نحافظ على عورة إخواننا وأخواتنا وأن نستر عليهم ، وينبغي للمسؤولين عن المنتديات والمواقع أن لا يسمحوا بنشر هذه الصور وأن يبينوا للمسلمين حرمة نشرها "ومن ستر مسلماً ، ستره الله في الدنيا والآخرة" ..(67/394)
2 - بذل الدعاء لهم وتحيّن أوقات الإجابة .
3 - التهيئة النفسية ، وأن هذا من لوازم المواجهة والابتلاء .
4 - المشاركة في دعم الأسرى بـ :
- السعي في فكاكهم .
- مؤازرتهم .
- مواساتهم .
- التخفيف عنهم .
- تثبيتهم .
- ستر عوراتهم .
- القيام على أهاليهم وأبناءهم .
* واجب الأمة بمجموعها ( مؤسسات وحكومات ) .
1 - المواجهة الإعلامية .
بصناعة إعلام إسلامي متميّز يرقى إلى مستوى المواجهة وتحليل الحدث .
2 - عرض صور الانتصارات والانجازات على المستوى العالمي وعلى كافة الأصعدة :
- انجازات الدعوة .
- انجازات دور التحافيظ .
- الانجازات الاقتصادية الإسلامية .
- انجازات الانتصارات على الأعداء على مستوى فلسطين والشيشان وأفغانستان والعراق وفي كل مكان .
الأمر الذي يرفع من الروح المعنوية عند المرابطين على الثغور ، ويرفع من مستوى المؤازرة والنصرة بين المسلمين .
الأمر يحتاج إلى إعادة صياغة في سياسة الإعلام الإسلامي الذي هدفه :
الدعوة والتعليم والتحليل المنطلق من خلال السنن ووقائع التاريخ ويبني على إثر ذلك الرؤية المستقبلية .
3 - أن تسعى الحكومات إلى فك الأسارى بفدائهم من الأعداء ، والضغط على العدو بما يمكن الضغط عليهم فيه لفداء الأسرى وفكاكهم .
4 - المقاطعة الاقتصادية للعدو .
5 - استغلال الحدث بكسب الرأي العام للضغط على العدو .
6 - رعاية ذوي الأسارى والقيام عليهم بتخصيص أعطيات دورية لهم .
* واجب العلماء .
- الوقوف بصدق مع إخوانهم الأسارى .
- إشعارهم بشدة قربهم منهم كالدعاء لهم في العام .
- بذل الجاه في سبيل فكاكهم .
- احترام غيبتهم والذب عنهم وعن أهليهم .
- بيان واجب الناس نحوهم ونحو أهاليهم وابنائهم .
- تربية الأمة على التعبئة والمواجهة وتعريفهم بطبيعة هذه المواجهة من الابتلاء والصبر والمصابرة .
- النصح لهم باللين والحكمة .
- عدم نشر اخطائهم والتشنيع عليهم بشكل يوغر الصدر ويصرف قلوب الناس عنهم .
اللهم ربنا إنك آتيت اليهود والنصارى زينة وأموالاً وقوة في الحياة الدنيا . .
اللهم إنهم يصدون عن سبيلك ..
ويقتلون أهل دينك . .
ويقيمون شريعة الطاغوت في الأرض ..
اللهم ربنا اطمس على أموالهم
واشدد على قلوبهم . .
ولا تبق لهم قوة . .
بقوتك يا ذا الجبروت والملكوت والعظمة
اللهم كن لإخواننا الأسرى . .
اربط على قلوبهم ..
وأنزل عليهم الأمن والإيمان . .
وأعذهم يا الله من أن يفتنوا في دينهم . .
يا أكرم الأكرمين ..
اللهم آمين .
===============(67/395)
(67/396)
كيف تنصر نبيك ؟
للشيخ / ندا أبو أحمد
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله تعالى نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادى له واشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له واشهد أن محمداً عبده ورسوله.
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ }
{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا}
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ( 70 ) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا } أما بعد:
لما سبَّ الغرب رسول ا صلى الله عليه وسلم قامت الدنيا وما قعدت وهاج المسلمون وماجوا وعلت الأصوات وبُحت الحناجر وثار الغضب والآن هدأت الأنفاس وخمدت نيران الغضب وكأن شيئاً لم يكن وهذا ما قاله الغرب حيث قالوا : " إن هي إلا أيام وينسى المسلمون ويعودون إلى طبيعتهم "
فأحببت بهذه الكلمات أن أجدد محبة صلى الله عليه وسلم في قلوبنا وأبين كيف ندافع عنه في هذه الحرب البربرية عن خير البرية .
إن أعداء الإسلام يحاولون بكل ما أتوا من قوة ومال وعتاد القضاء على هذا الدين وسخروا لذلك الأموال الباهظة ووسائل سريعة متطورة وكلما أخفقت وسيلة ابتكروا أخرى ويرفعون لهذه المعركة أعلاماً شتَّى في خبث ومكر وتورية ...........
- فتارة يشككون الناس في ثوابت الدين .
- وتارة يطعنون في رواة الحديث كأبي هريرة وذلك لهدم السنة .
- وتارة يخرجون علينا بكتاب الفرقان ويحاولون استبداله بالقرآن .
- وتارة يطعنون في حبيبة الرسول الصديقة بنت الصديق ويتهمونها بالعهر والفجور .
- وتارة يلقون الشبهات على ضعاف العقول ليشككوهم في دينهم .
- وتارة يلقون بالشهوات على الناس وذلك عن طريق الإعلام الماجن الفاجر الذي يشيع الفواحش وينشر الرذيلة حتى ينجرف الشباب في تيار الإباحية والفجور فلا ينفعهم نصح الناصحين ووعظ الواعظين .
كما قال بعض أئمة الكفر : كأس وغانية يفعلان في أمة الشرق أكثر مما يفعله ألف مدفع .
- وتارة يشوهون صورة الملتزمين بهذا الدين وشرع أرحم الراحمين ويرمونهم بالرجعية والتطرف والتعصب والإرهاب ويحاولون القضاء عليهم تحت مسمى القضاء على الإرهاب ويحاولون القضاء على الإسلام .
* ولما تلقت هذه الأمة الإسلامية هذه الطعنات باستكانة باستسلام تام وبدون دفاع وذلك لما أصابهم من وهن وضعف نتيجة حب الدنيا وكراهية الموت وحب الشهوات وفساد في الأخلاق ولما أحسن أعداء الإسلام بهذا الضعف والوهن من المسلمين كانت الطعنة الأليمة النافذة طعنةٌ تصاعدت غيومُها في سماء الأمة تخيم بظلالها على مليار ونصف المليار من المسلمين ذلك الهجوم السافر والحرب البربرية على خير البرية والتطاول الوقح البذئ على حبيب الرحمن وسيد ولد آدم ووصفه بالقاتل والمُتعدي بل تطاولوا على كتاب الله وقاموا بحرقه في ميدان عام .
قال تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا } ( الأحزاب 57 )
وقال تعالى: { وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } ( التوبة 61 )
يا الله : صلى الله عليه وسلم يُوصف بالقاتل
قتل الخراصون الكاذبون .......... فلو قرءوا سيرة الرسول ما كانوا عليه يفترون فمن أسماؤه
( نبي الرحمة )
- فقد أخرج الإمام مسلم من حديث أبي موسى الأشعري t قال :
" كان رسول ا صلى الله عليه وسلم يُسمى لنا نفسه أسماء فقال : أنا محمد وأحمد والمُقفى والحاشر ونبي التوبة ونبي الرحمة "
- وقد سماه الله رؤوفاً رحيماً ، قال تعالى :
{ لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ } ( التوبة 128 )
- بل هو موصوف r في التوراة الصحيحة الغير محرفة بأنه يعفو ويصفح ، فقد أخرج البخاري عن عطاء بن يسار قال :
" لقيت عبد الله بن عمرو بن العاص ( رضى الله عنهما) فقلت : أخبرني عن صفة رسول ا صلى الله عليه وسلم في التوراة ، فقال : أجل والله إنه لموصوف في التوراة بصفته في القرآن : يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيرا وحرزاً للأميين (1) أنت عبدي ورسولي سميتك المتوكل ليس بفظ ولا غليظ ولا سخاب (2) في الأسواق ولا يدفع بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويُصلح ولن يقبضه الله حتى يقيم به الملة العوجاء (3) بأن يقولوا : لا إله إلا الله ويفتح به أعيناً عمياَ وآذاناً صماً وقلوباً غلفاَ "
وصدق ربنا حيث قال : { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ } ( الأنبياء 107 )(67/397)
والمُتتبع لسيرة صلى الله عليه وسلم يجد أثر هذه الرحمة والرأفة في كل موقف من مواقف صلى الله عليه وسلم الجليلة بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم
_________________________________________
(1) حرزاً للاميين : حافظاً لهم .
(2) سخاب : رفع الصوت بالخصام .
(3) ملة إبراهيم التي غيرتها العرب عن استقامتها .
1. ها هو الحبيب عندما يذهب إلى أهل الطائف
يدعوهم إلى عبادة العزيز الغفار ، يدعوهم إلى النجاة من النار يمشي إليهم مسافة 7 كيلوا في حر الظهيرة ومع هذا فلم يستجيب له أهل الطائف وسلطوا عليه صبيانهم وعبيدهم وسفهائهم يسبونه ويصيحون به واجتمع عليه الناس ورشقوه بالحجارة وأصيب الرسو صلى الله عليه وسلم في قدمه الشريفة واختضب نعله بالدماء الذكية حتى ألجئوه إلى حائط لعتبة وشيبة ابنا ربيعة ويأتيه جبريل u والحديث عند البخاري فيقول له :
" إن الله قد سمع قول قومك لك وما ردوا عليك ، وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم ، قال : فناداني ملكُ الجبال فسلم علىّ ثم قال : يا محمد إن الله قد سمع قول قومك لك وأنا ملكُ الجبال وقد بعثني ربك إليك لتأمرني بأمرك فما شئت ؟
إن شئن أن أطبق عليهم الأخشبين (1) ؟
فقال رسول ا صلى الله عليه وسلم : بل أرجو أن يُخرج اللهُ من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا ".
بل أنظر إلى هذه المرأة التي وضعت السم في كتف الشاة لقتل صلى الله عليه وسلم ثم هو يعفو عنها .....
- فقد أخرج البخاري ومسلم عن أنس بن مالك t قال :
" إن امرأة يهودية( 2) أتت رسول ا صلى الله عليه وسلم بشاة مسمومة فأكل منها فجئ بها إلى رسول ا صلى الله عليه وسلم فسألها عن ذلك ، قالت : أردت لأقتلك ، فقال : ما كان الله ليسلطك على ذلك أو علىّ
فقالوا : ألا فما زلت أعرفها في لهوات رسول ا صلى الله عليه وسلم ".
- بل أنظر إلى صلى الله عليه وسلم عندما دخل مكة منتصراً عزيز الجانب ، دخل على أهلها وهم الذين طردوه منها وحاولوا قتله مرات عديدة فنادى فيهم :
" يا معشر قريش ما ترون أني فاعلٌ بكم ؟ قالوا : خيراً أخٌ كريم وابن أخٍ كريم قال : فإني أقول لكم كما قال يوسف لإخوته ( لا تثريب عليكم اليوم ) ، اذهبوا فأنتم الطلقاء ".
وغير ذلك من النماذج الكثيرة ، ففي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة t :
" قيل يا رسول الله أدعو على المشركين ، قال : إني لم أبعث لعاناً وإنما بعثت رحمة ".
- وفي رواية : " أنا رحمة مُهداه "
________________________________________
(1) الأخشب من الجبال : الخشن الغليظ وهما جبلا مكة أبو قبيس والجبل الذي يقابله .
(2) المرأة اسمها زينب بنت الحارث ( امرأة سلام بن مشكم ) وقتلها قصاصاً بعد ذلك في بشر بن البراء بن معرور لأنه أكل من الشاة فأساغها فمات بها .
بل بلغت رحمته بالحيوان
- فقد أخرج أبو داود بسند حسن عن عبد الرحمن بن عبد الله قال :
" كنا مع رسول ا صلى الله عليه وسلم في سفر فرأينا حمرة (1) معها فرخان لها فأخذناهما فجاءت الحمرة تعرش (2) فلما جاء الرسو صلى الله عليه وسلم قال : من فجع هذه بولدها ردوا ولدها إليها ".
وبعد هذا كله يُوصف صلى الله عليه وسلم بالقاتل المُعتدي
ولكنها الحرب على المصطفى
والتي بدأت : منذ بزغت وأشرقت شمس الإسلام على جزيرة العرب ومنذ أعلن الرسول عن دعوته بدأ العداء على هذا الدين وعلى الرسول الأمين
- تارة بإيذائه والإساءة إليه فكما عند البخاري ومسلم من حديث ابن عباس :
" قال لما نزلت هذه الآية " وأنذر عشيرتك الأقربين " ورهطك منهم المخلصين خرج رسول ا صلى الله عليه وسلم حتى صعد الصفا فهتف يا صباحاه فقالوا من هذا الذي يهتف قالوا محمد فاجتمعوا إليه فقال يا بني فلان يا بني فلان يا بني فلان يا بني عبد مناف يا بني عبد المطلب فاجتمعوا إليه فقال : أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلا تخرج بسفح هذا الجبل أكنتم مصدقي قالوا : ما جربنا عليك كذبا قال فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد قال فقال أبو لهب تبا لك أما جمعتنا إلا لهذا ثم قام فنزلت هذه السورة " تبت يدا أبي لهب " وقد تب كذا قرأ الأعمش إلى آخر السورة " .
ومنذ هذه اللحظة التي أعلن فيها صلى الله عليه وسلم عن ميلاد فجر جديد للإنسانية انفجرت مكة بمشاعر الغضب حينما سمعت هذه الصيحة العالية المدوية وكأنها صاعقة قصفت السحاب فرعدت وبرقت وزلزلت الجو الهادئ .
وبدأت الحرب على الرسو صلى الله عليه وسلم بشتى أنواعها وأشكالها تارة بإيذائه والإساءة إليه وتارة بمحاولة قتله وتارة بحربه وتارة باتهامه في أهل بيته وتارة بوضع السم له في الطعام وتارة ... وتارة
_________________________________
(1) طائر مثل العصفور .
(2) تعرش : ترفرف .
- أخرج صلى الله عليه وسلم عن عبد الله بن مسعود t قال :(67/398)
" بينما رسول ا صلى الله عليه وسلم يصلي عند البيت وأبو جهل وأصحاب له جلوس وقد نحرت جزور بالأمس فقال أبو جهل أيكم يقوم إلى سلا(1) جزور بني فلان فيأخذه فيضل في كتفي محمد إذا سجد فانبعث أشقى القوم فأخذه فلما سجد صلى الله عليه وسلم وضعه بين كتفيه قال فاستضحكوا وجعل بعضهم يميل على بعض وأنا قائم أنظر لو كانت لي منعة طرحته عن ظهر رسول ا صلى الله عليه وسلم و صلى الله عليه وسلم ساجد ما يرفع رأسه حتى انطلق إنسان فأخبر فاطمة فجاءت وهي جويرية فطرحته عنه ثم أقبلت عليهم تشتمهم فلما قضى صلى الله عليه وسلم صلاته رفع صوته ثم دعا عليهم وكان إذا دعا دعا ثلاثا وإذا سأل سأل ثلاثا ثم قال اللهم عليك بقريش ثلاث مرات
فلما سمعوا صوته ذهب عنهم الضحك وخافوا دعوته ثم قال اللهم عليك بأبي جهل بن هشام وعتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة والوليد بن عقبة وأمية بن خلف وعقبة بن أبي معيط وذكر السابع ولم أحفظه فوالذي بعث محمدا r بالحق لقد رأيت الذين سمى صرعى يوم بدر ثم سحبوا إلى القليب قليب بدر ".
×وتارة بمحاولة قتله :
ولم تنتهي الحرب بل مازالت الحرب مستمرة على المصطفى ..
ويحاول عقبة بن أبي معيط خنق صلى الله عليه وسلم وقتله :
- فقد أخرج البخاري عن عروة بن الزبير قال : سألت ابن عمرو بن العاص :
" أخبرني بأشد شيء صنعه المشركون ب صلى الله عليه وسلم ، قال: بينا صلى الله عليه وسلم يصلي في حجر الكعبة ، إذ أقبل عقبة بن أبي معيط ، فوضع ثوبه في عنقه ، فخنقه خنقا شديدا ، فأقبل أبو بكر حتى أخذ بمنكبه، ودفعه عن صلى الله عليه وسلم قال: {أتقتلون رجلا يقول ربي الله} الآية ".
بل ظل الاعتداء ب صلى الله عليه وسلم حتى مات متأثراً بالسم الذي دسوه له في كتف الشاة ، فقد أخرج البخاري عن عائشة (رضي الله عنها) قالت :
" كان رسول ا صلى الله عليه وسلم يقول في مرضه الذي مات فيه : يا عائشة ما أزال أجد ألم الطعام الذي أكلت بخيبر ، فهذا أوان وجدت انقطاع أُبهري من ذلك السم ".
__________________________________________
(1) السلا : هي الجلدة التي يكون فيها الولد ، يُقال لها ذلك في البهائم أما الآدميات فتسمى المشيمة .
(2) مبتوراً : هالكاً أو مصروفاً عن الخير .
إلا تنصروه فقد نصره الله
?والله تعالى يُدافع عن نبيه وخليله
كانت الأنبياء قبل صلى الله عليه وسلم يقفون أمام عشيرتهم ويدافعون عن أنفسهم
- فلما قال قومُ نوح لنوح {إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } ( الأعراف 60 )
قال نوح دفاعاً عن نفسه : {قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلاَلَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ } ( الأعراف 61 )
- وقال قوم هود لهود : {إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وِإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ } ( الأعراف 66 )
فقال هود دفاعاً عن نفسه {يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ } ( الأعراف 67 )
- ولما قال فرعون لموسى {إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا مُوسَى مَسْحُورًا }
فقال موسى رداً عليه {وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَونُ مَثْبُورًا } ( الأسراء 102 )
وغير ذلك من النماذج والتي فيها تولى كلُ نبي الدفاع عن نفسه إلا صلى الله عليه وسلم فإن الله جلَّ وعلا تولى الدفاع بنفسه عن خليله وحبيبه !
- فلما قال أبو لهب تباً لك سائر اليوم ألهذا جمعتنا
فنزل قوله تعالى : {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ } ( المسد 1)
- وعندما قال قومه : إنه كاهن ، قال تعالى : {َلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ } ( الحاقة 42 )
- وعندما قالوا : إنه شاعر ، فقال تعالى : {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ } ( يس 69 )
وقال تعالى: {وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ } ( الحاقة 41 )
- وعندما قالوا : إنه ضال ، فقال تعالى : {مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى } ( النجم 2 )
- وعندما قالوا : أنه مجنون ، قال تعالى : {مَا أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ } ( القلم 2 )
- ولما اتهموه فيما جاء به من عند ربه عزَّ وجل
فقال الله عزَّ وجل دفاعاً عن صلى الله عليه وسلم : {وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ } ( التكوير 24 )
أي ليس هذا صلى الله عليه وسلم بمتهم فيما يخبر به عن الله عزَّ وجل .
- ولما مكث رسول ا صلى الله عليه وسلم أياماً لا ينزل عليه جبريل u :
" فقالت أم جميل امرأة أبي لهب ما أرى صاحبك إلا قد ودعك وقلاك ، فقال تعالى : :
{وَالضُّحَى (1) وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى (2) مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى }
- في رواية البخاري :
" اشتكى صلى الله عليه وسلم فلم يقم ليلتين أو ثلاثا، فجاءت امرأة فقالت: يا محمد، إني لأرجو أن يكون شيطانك قد تركك، لم أره قربك منذ ليلتين أو ثلاثا فأنزل الله عز وجل: "والضحى والليل إذا سجى ما ودعك ربك وما قلى"(1) ، (2)
- ولما مات عبد الله الابن الثاني لرسول ا صلى الله عليه وسلم :
استبشر أبو لهب وهرول إلى رفقائه يبشرهم بأن محمداً صار أبتر
فنزل قول الله عزَّ وجلَّ : {إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ }(2) ، (3) ( الكوثر 3 )
- ولما قالوا : {إِنَّمَا أَنتَ مُفْتَرٍ } فقال تعالى : {إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَأُوْلئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ }
( النحل 105 )(67/399)
وصدق ربنا حين قال : {إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ} وقال تعالى : {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ }
- ويستمر هذا الكلأ وهذه الرعاية الربانية لخير البرية من ملك الملوك إلى أحب خلقه إلي صلى الله عليه وسلم ويحفظه عن كيد الكائدين ومكر الماكرين ، كيف لا وهو القائل :{وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ }( المائدة 67)
- وترى هذه العصمة والرعاية للحبيب في مواقف عديدة لا نستطيع أن نحصرها في هذا المقام ومنها :
1. لما كاد المشركون للرسول الأمين واجتمعوا على قتله وعزموا على ذلك ليحلوا بينه وبين الوصول إلى أصحابه في المدينة إذ بجبريلu ينزل بوحي من الله عزَّ وجل " لا تبت في فراشك الليلة "
__________________________________
(1) ما ودعك : ما تركك يا محمد . (2) وما قلى : ما أبغضك .
(3) شانئك : مبغضك .
(4) الأبتر : المقطوع الأثر أو الخير .
2. ويخرج صلى الله عليه وسلم من بين أظهرهم ويذري التراب على رؤوسهم وهو يتلو قول الحق سبحانه :
{وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ } ( يس 9 )
فيخطف الله أبصارهم وما من رجل إلا ويضع رأسه على صورة ويغط غطيطاً ويخرج صلى الله عليه وسلم سالماً يكلؤه الله بحفظه ورعايته .
3. ولما وصل المشركون إلى الغار الذي فيه صلى الله عليه وسلم هو وأبي بكر فقال أبو بكر كما عند البخاري:
" نظرتُ إلى أقدام المشركين ونحن في الغار وهم على رؤوسنا ، فقلت : يا رسول الله لو أن أحدهم نظر تحت قدميه أبصرنا ، فقال صلى الله عليه وسلم : يا أبا بكر ما ظنك باثنين اللهُ ثالثهما "
4. وفي أثناء سيره إلى المدينة يلحق به سراقة بن مالك لينال منه رجاء الفوز بالمكافأة التي أعلنت عنها قريش وهي مئة ناقة لمن يأتي ب صلى الله عليه وسلم وصاحبه حيين أو ميتين .
ولكن بأمر من الله ساخت قائمتا فرس سراقة بن مالك في الرمال فخر عنها ثم زجرها حتى نهضت فلم تكد تخرج يديها حتى سطع لأثرهما غبار أرتفع في السماء مثل الدخان فعلم سراقة أن الرسو صلى الله عليه وسلم ممنوع .
5. وها هو رجل يحاول قتل صلى الله عليه وسلم ولكن الله يحول بين ذلك مصداقاً لقوله تعالى :
{وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ } والقصة ذكرها البخاري عن جابر بن عبد الله ( رضي الله عنهما) قال :
" غزونا مع رسول ا صلى الله عليه وسلم غزوة نجد، فلما أدركته القائلة ، وهو في واد كثير العضاه ، فنزل تحت شجرة واستظل بها وعلق سيفه ، فتفرق الناس في الشجر يستظلون ، وبينا نحن كذلك إذ دعانا رسول ا صلى الله عليه وسلم فجئنا ، فإذا أعرابي قاعد بين يديه
فقال: (إن هذا أتاني وأنا نائم، فاخترط سيفي، فاستيقظت وهو قائم على رأسي، مخترط صلتا
قال: من يمنعك مني؟ قلت: الله، فشامه ثم قعد، فهو هذا) "
الله أكبر الرجل يحاول قتل صلى الله عليه وسلم ومع هذا لم يعاقبه النبي صلى الله عليه وسلم
أين الغرب الذين يتهمون النبي بالإرهاب والاعتداء وسفك الدماء
6. والله يحفظ نبيه من التآمر على قتله ذكر ابن هشام -في سيرته عن ابن إسحاق
" أن عُمير بن وهب جلس مع صفوان بن أمية في الحجر بعد مصاب أهل بدر بيسير ، وكان ابن عمير وهو وهب بن عمير من أسارى بدر فذكرا أصحاب القليب ( البئر ) ومصابهم
فقال صفوان : والله ما في العيش بعدهم خير
قال له عمير : صدقت أما والله لولا دينٌ علىَّ ليس عندي قضاؤه وعيال أخشى عليهم الضيعة بعدي لركبت إلى محمد حتى أقتله فإن لي فيهم علة ( سبب) ابني أسير في أيديهم ، فاغتنمها صفوان بن أمية فقال : علىَّ دينك أنا أقضيه عنك وعيالك مع عيالي أواسيهم ما بقوا ( أقوم على أمرهم )
فقال له عمير : فاكتم علىّ شأني وشأنك ، قال صفوان : سأفعل
فانطلق عمير إلى المدينة وقد شحذ سيفه وسمَّه ، فلما أناخ راحلته على باب المسجد ورآه عمر حتى أخذ بحمالة سيفه ( ما يربط به السيف على الجسم ) في عنقه فلبَّبه بها ثم دخل به على رسول ا صلى الله عليه وسلم فلما رآه رسول ا صلى الله عليه وسلم قال : أرسله يا عمر ثم قال صلى الله عليه وسلم إذن يا عمير فدنا ثم قال له النبي فما جاء بك يا عمير
قال : جئت لهذا الأسير الذي في أيديكم فأحسنوا فيه
قال : فما بال السيف في عنقك ، قال : قبحها الله من سيوف وهل أغنت عنا شيئاً ؟
قال : أُصدقني ما الذي جئت له ؟
قال : ما جئتُ إلا لذلك
قال : بل قعدت أنت وصفوان بن أمية في الحجر فذكرتما أصحاب القليب من قريش : ثم قلت : لولا دَين علىَّ وعيال عندي لخرجت أقتل محمداً
فتحمل لك صفوان بن أمية بدينك وعيالك على أن تقتلني له ، والله حائل بينك وبين ذلك
قال عمير : أشهد أنك رسول الله ، فهذا الأمر لم يحضره إلا أنا وصفوان فوالله إني لأعلم ما أتاك به إلا الله .
فالحمد لله الذي هداني للإسلام وساقني هذا المساق ثم شهد شهادة الحق فقال الحبيب r فقهوا أخاكم في دينه وعلموه القرآن وأطلقوا له سيره ........ ففعلوا ".
فالله عزَّ وجل يكلأ حبيبه ومصطفاه من كيد الكائدين ومكر الماكرين بل ويحمل كل من استهزأ بحبيبه آية وعبرة لمن خلفه .
إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ
1. وها هو رجل يؤذي الرسول ويفتري عليه الكذب فيمته الله تعالى ويأمر اللهُ سبحانه الأرض أن تلفظه حتى تأكله السباع وكلاب الأرض .(67/400)
- أخرج البخاري من حديث أنس بن مالك t قال :
" كان رجل نصرانياً فأسلم وقرأ البقرة وآل عمران فكان يكتب للنبي r ، فعاد نصرانياً فكان يقول :
ما يدري محمد إلا ما كتبتُ له فأماته الله فدفنوه فأصبح وقد لفظته الأرض ( الأرض لا تريده غيرةٌ على رسول ا صلى الله عليه وسلم ) ، فقالوا : هذا فعل محمد وأصحابه لما هرب منهم نبشوا عن صاحبنا فألقوه فحفروا له فأعمقوا ، فأصبح وقد لفظته الأرض
فقالوا : هذا فعل محمد وأصحابه نبشوا عن صاحبنا لما هرب منهم فألقوه خارج القبر فحفروا له وأعمقوا له في الأرض ما استطاعوا ، فأصبح وقد لفظته الأرض فعلموا أنه ليس من الناس فألقوه
- وفي لفظ مسلم : " فتركوه منبوذاً "
وصدق ربنا حيث قال : {إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ } ( الحجر 95 )
* قال ابن تيمية في ( الصارم المسلول على شاتم الرسول ص116)
فهذا الملعون الذي افترى على صلى الله عليه وسلم أنه ما كان يدرى إلا ما كتب له قسمه الله وفضحه بأن أخرجه من القبر بعد أن دُفن مراراً وهذا أمرٌ خارج عن العادة يدل لكل أحد على أن هذا كان عقوبة بما قاله وأنه كان كاذباً إذ كان عامة الموتى لا يصيبهم مثل هذا وأن هذا الجرم أعظم من مجرد الارتداد إذ كان عامة المرتدين يموتون ولا يصيبهم مثل هذا وأن الله منتقم لرسوله ممن طعن عليه وسبه ولكذب الكاذب إذ لم يمكن الناس أن يقيموا عليه الحد .
2. والله يحفظ نبيه من أم جميل ( امرأة أبي لهب ) (1)
" فقد كانت تحمل الشوك وتضعه في طريق صلى الله عليه وسلم وعلى بابه ليلاً وكانت امرأة سليطة تبسط فيه لسانها وتطيل عليه الافتراء والدس وتؤجج نار الفتنة وتثير حرباً شعواء على صلى الله عليه وسلم ولذلك وصفها القرآن بحمالة الحطب .
- ولما سمعت ما نزل فيها وفي زوجها في القرآن أتت رسول ا صلى الله عليه وسلم وهو جالس عند الكعبة ومعه أبو بكر الصديق وفي يدها فهر ( أي بمقدار ملْ الكف ) من حجارة ، فلما وقفت عليهما أخذ الله ببصرها عن رسول الله ص فلا ترى إلا أبا بكر
فقالت : أين صاحبك ؟ قد بلغني أنه يهجوني والله لو وجدته لضربت بهذا الفِهر فاه ، أما والله إني لشاعرة ، ثم قالت : مذمماً عصينا (2) ، وأمره أبينا ، ودينه قلينا ثم انصرفت
فقال أبو بكر : يا رسول الله أما تراها رأتك ، فقال : ما رأتني لقد أخذ الله ببصرها عني " .
* فانظر كيف أنتقم الله منها عندما سبت رسوله وحبيبه
* قال مره الهَمْداني : كما في القرطبي ( 10 / 7330)
" كانت أم جميل تأتي كل يوم بإبالة(3) من الحسك(4) فتطرحها في طريق المسلمين فبينما هي حاملة ذات يوم حُزمة أعيت فقعدت على حجر لتستريح فجذبها الملَك من خلفها فأهلكها "
خنقها الله بحبلها
________________________________________
(1) وهي أروى بنت حرب بن أمية أخت أبي سفيان ، لا تقل عن زوجها عداوةً للنبي صلى الله عليه وسلم
(2) أخرج البخاري عن أبي هريرة قال : قال رسول ا صلى الله عليه وسلم :
" ألا تعجبون كيف يصرف الله عني شتم قريش ولعنهم ؟ ، يشتمون مذمماً ويلعنون مذمماً وأنا محمد ".
(3) بإبالة : الحزمة الكبيرة .
(4) الحسك : نبات له ثمرة ذات شوك وهو العدان .
3. وانظر كيف أنتقم الله لنبيه وحبيبه من أبي لهب وابنه عتبة فقد آذى صلى الله عليه وسلم كثيراً .
- أنظر إلي عتبة بن أبي لهب عندما سب الرسول كيف أنتقم الله منه روى ابن عساكر في ترجمة عتبة بن أبي لهب :
كان قد تجهز هو وأبوه أبو لهب إلى الشام فقال عتبة :
والله لأنطلقن إلى محمد ولأوذينه في ربه فانطلق حتى أتى صلى الله عليه وسلم فقال : يا محمد هو يكفر بالذي دنا فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى وتفل في وجه صلى الله عليه وسلم ( تفل في وجه حبيب الرحمن)
فقال صلى الله عليه وسلم : اللهم أبعث إليه كلباً من كلابك ثم أنصرف عنه فرجع إلى أبيه ، فقال : يا بني ما قلت له ؟
فذكر ما قال له ، قال : فما قال لك ؟ قال : قال اللهم سلط عليه كلباً من كلابك
قال : يا بني والله ما آمن عليك دعاءه فساروا حتى نزلوا إلى صومعة راهب ، فقال الراهب يا معشر العرب ما أنزلكم هذه البلاد فإنها تسرح الأسد فيها كما تسرح الغنم
فقال أبو لهب لأصحابه : إنكم قد عرفتم كبر سني وحقي وإن هذا الرجل ( يعني صلى الله عليه وسلم ) قد دعا على ابني دعوة والله ما آمنها عليه فأجمعوا متاعكم إلى هذه الصومعة وافرشوا لأبني عليها ثم افرشوا حولها ففعلوا ، فجاء الأسد ( وهو نائمون ) فشم وجوه القوم فلما يجد ما يريد تقبَّض فوثب فإذا هو فوق المتاع فشم وجهه ( أي وجه عتبة ) ثم هزمه هزمة ( ضربه ضربه ) ففضح رأسه ( شدخه )
يا الله لمّا تفل في وجه صلى الله عليه وسلم أكله الأسد من وجهه ولم يأكله من يديه أو رجليه .
4. وانظر كيف كان عاقبة ونهاية أبي لهب ( والذي آذى الحبيب كثيراً )
- يقول أبو رافع مولى رسول ا صلى الله عليه وسلم :
" رماه الله بالعدسة فقتله (1) فتركه بنوه وبقى ثلاثة أيام حتى قال لهم رجل من قريش : ويحكما ألا تستحيان إن أباكما قد أنتن في بيته لا تدفناه ؟
فحفروا له ثم دفعوه بعود في حفرته وقذفوه بالحجارة من بعيد حتى واروه ".
_____________________________________________
(1) وهي قرحة تتشائم منها العرب .
5. والله يحفظ نبيه من أبي جهل ويجعل نهايته على يد غلامين :(67/401)
- فقد أخرج الإمام مسلم عن أبي هريرة t قال :
" قال أبو جهل يعفر محمدٌ وجهه بين أظهركم ؟ ، فقيل : نعم
فقال : واللات والعزى لئن رأيته لأطأن على رقبته ولأعفرن وجهه فأتى رسول ا صلى الله عليه وسلم وهو يصلي زعم ليطأ رقبته فما فجأهم إلا وهو ينكص على عقبيه ويتقي بيديه فقالوا : مالك يا أبا الحكم ؟
قال : إن بيني وبينه لخندقاً من نار وهؤلاء أجنحه
فقال رسول ا صلى الله عليه وسلم : لو دنا مني لاختطفته الملائكة عضواً عضوا ".
فانتقم الله لنبيه ومصطفاه فسلط عليه غلامين هما : معاذ بن عمرو بن الجموح ومُعوذ بن عفراء .
- فقد أخرج البخاري عن عبد الرحمن بن عوف t قال :
" أني لفي الصف يوم بدر إذ التفت فإذا عن يميني وعن يساري فتيان حديثا السن فكأني لم آمن بمكانهما إذ قال لي أحدهما سراً من صاحبه يا عم أرني أبا جهل فقلتُ : يا ابن أخي ما تصنع به ؟
قال : أُخبرتُ أنه يسب رسول ا صلى الله عليه وسلم ثم قال : والذي نفسي بيده لئن رأيته لا يفارق سوادي سواده حتى يموت الأعجل منا فتعجبت لذلك ، قال : وغمزني الآخر (1) فقال مثلها
قال : فلم أنشب (2) إن نظرت إلى أبي جهل يجول في الناس فقلت : ألا تريان ؟ هذا صاحبكما الذي تسألان عنه
قال : فانطلقا كالصقرين فابتدراه بسيفهما فضرباه حتى قتلاه ".
يا الله إنها الغيرة على رسول الله
الله أكبر صدق ربنا ............ {إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ}
بل انظر لمن استهزأ بسنته كيف كانت عاقبته
_________________________________________________
(1) قرصني .
(2) ألبث .
ذكر ابن كثير في البداية والنهاية في ( ج 13 / 163 ) وذكره الإمام النووي أيضاً ( رحمه الله ) في
( بستان العارفين ص51)
حكى ابن خلكان قال : بلغنا أن رجلاً يدعى ( أبا سلامة) من ناحية بُصرة كان به مجون واستهزاء فذكر عنده السواك وما فيه من الفضيلة فقال والله لا أستاك إلا في المخرج ( دبره ) فأخذ سواكا فوضعه في مخرجه ثم أخرجه فمكث بعده تسعة أشهر وهو يشكو ألم البطن والمخرج فوضع ولداً على صفة الجرزان له أربعة قوائم ورأسه كرأس السمكة وله أربعة أنياب بارزة وذنبٌ طويل وأربعة أصابع وله دبر كدبر الأرنب ولما وضعه صاح ذلك الحيوان ثلاث صيحات فقامت ابنة ذلك الرجل فرضخت رأس الحيوان الغريب وعاش ذلك الرجل بعد وضعه له يومين ومات في الثالث وكان يقول هذا الحيوان قتلني وقطع أمعائي .
* قال ابن كثير :
وقد شاهد ذلك جماعة من أهل تلك الناحية وخطباء ذلك المكان ومنهم من رأى ذلك الحيوان حياً ومنهم من رآه بعد موته .
وصدق ربنا حيث قال : {إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ }
وهذا حال كل من استهزأ بسنة الرسول أو بشخصه العظيم r
والملائكة تدافع عن الرسول
فكما أن الله عزَّ وجل يكلأ نبي صلى الله عليه وسلم ويحفظه ويعصمه من استهزاء المستهزئين وينتقم منهم أشد انتقام فكذلك الملائكة تدافع عن صلى الله عليه وسلم وتنل ممن استهزأ بالرسول صلى الله عليه وسلم
1. وروى البزَّار والطبراني عن ابن عباس t قال : مرَّ صلى الله عليه وسلم على ناس بمكة فجعلوا يغمزون في قفاه ، ويقولون : هذا الذي يزعم أنه نبي ، ومعه جبريل فغمز جبريل فوقع مثل الظفر في أجسادهم فصارت قروحاً حتى نتنوا فلم يستطع أحد أن يدنو منهم فأنزل الله تعالى :
{إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ}
- وروى الطبراني عن مالك بن دينار قال : حدثني هند بن خديجة زوج صلى الله عليه وسلم قال :
" مرَّ صلى الله عليه وسلم بأبي الحكم فجعل يغمز ب صلى الله عليه وسلم { فنزلت} ".
- في بعض الروايات عند البزار :
" فماتوا على الفور ".
- وفي رواية أخرى له عن أنس :
" فغمزهم جبريل فوقع في أجسادهم كهيئة الطعنه فماتوا ".
والمستهزئون المذكورون هم ( الوليد بن المغيرة ، والعاص بن وائل ، والحارث بن قيس السهمي ، والأسود بن عبد يغوث ، والأسود بن المطلب )
قال تعالى : {وَلَقَدِ اسْتُهْزِىءَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُواْ مِنْهُم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِؤُونَ } ( الأنعام 10 )
وقال عزَّ وجل : {وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُواْ عَلَى مَا كُذِّبُواْ وَأُوذُواْ حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ وَلَقدْ جَاءكَ مِن نَّبَإِ الْمُرْسَلِينَ } ( الأنعام 34 )
وقال تبارك وتعالى : { إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ } ( الحجر 95 )
- وروى أبو نعيم والبيهقي وصححه الضِّياء في المختارة عن ابن عباس t قال :(67/402)
" المستهزئون هم الوليد بن المُغيرة والأسود بن عبد يغوث والأسود بن المُطلب ، والحارث بن عيْطلة السهمي ، فلما أكثروا برسول ا صلى الله عليه وسلم الاستهزاء أتاه جبريل فشكي إليه فأراه الوليد ، فأومأ جبريل إلى أكحله ، قال : ما صنعت ؟ قال : كفيته ثم أراه الأسود بن المطلب فأومأ إلى عينيه ، فقال : ما صنعت ؟ ، قال : كَفَيته ، ثم أراه الأسود بن عبد يغوث ، فأومأ إلى رأسه ، فقال : ما صنعت ؟ ، قال : كفيته : فأما الوليد فمرَّ به رجل من خُزاعة ، وهو يريش نبلاً له ، فأصاب أكحله ، فقطعها وأما الأسود بن المطلب فنزل تحت سمرة ، فجعل يقول : يا بني ألا تدفعون عني فجعلوا يقولون : ما نرى شيئاً ، وهو يقول : قد هلكت ها هو ذا أطعن بالشوك في عيني فلم يزل كذلك حتى عميت عيناه ، وأما الأسود بن عبد يغوث فخرج في رأسه قٌروح فمات منها وأما الحارث فأخذه الماء الأصفر في بطنه حتى خرج من فيه فمات منها ، أما العاص فركب إلى الطائف على حِمار فربض على شبرقة ، فدخل في أخمص قدمه شوكة فقتلته ".
- وروى أبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي عن عبد الرحمن بن أبي بكر قال :
" كان رجل يجلس إلى صلى الله عليه وسلم فإذا تكلم صلى الله عليه وسلم بشئ اختلج بوجهه ، فقال له صلى الله عليه وسلم :كن كذلك فلم يزل يختلج حتى مات ".
- وهكذا الملائكة تدافع عن الحبيب حبيب رب العالمين وقد مرَّ معنا أن ملك الجبال ينزل بأمر من رب العالمين ليأمره صلى الله عليه وسلم بما شاء وكذلك مرَّ معنا ما فعله الملك مع أم جميل .
?بل لا تتعجب إذا علمت أن الحيوانات تغار إذا سُب الرسول بل وتنتقم ممن يفعل ذلك:
* فقد ذكر صاحب الدرر الكامنة ( 3 / 202 )
أن جماعة من كبار النصارى ذهبوا لحفل أمير مغولي قد تنصر فأخذ أحد دعاه النصارى يسب صلى الله عليه وسلم وهناك كلب صيدٍ مربوط وزنجر الكلب بشدة ووثب على الصليبي فخلصوه منه بصعوبة
فقال رجل منهم هذا لكلامك في محمد فقال الصليبي : كلا بل هذا الكلب عزيز النفس رآني أشير وظن أني أريد أن أضربه ثم عاد وسب صلى الله عليه وسلم بوقاحة أشد مما كان عندها قطع الكلب رباطه ووثب على عنق الصليبي ومات من فوره فأسلم نحو من أربعين ألف من المغول .
الله أكبر ........ غارت الكلاب وغضب لسب الرسو صلى الله عليه وسلم
وهكذا ما علمنا أحد استهزأ بالرسول إلا أهلكه الله وقتله شر قتلة مصداقاً لقوله تعالى :
{ إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ } ، ولقوله تعالى : { أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ }
فها نحن ننتظر أن نسمع ونشاهد ما يقر الله به أعيننا في كل من آذى الرسول وحاول النيل منه والطعن فيه .
- أخرج البخاري أن صلى الله عليه وسلم قال : قال الله تعالى : " من عادى لي ولياً فقد بارزني بالمحاربة "
فمن آذى ولياً من أولياء الله فالذي يعلن الحرب عليه هو الله فكيف بمن آذى وعادى الأنبياء لا شك أن الله سيقطع دابره ويخفي عينة أثره ونسأل الله أن يعجل بذلك .
×وقفة
ما حكم سب الرسو صلى الله عليه وسلم ؟
لحفظ جناب الرسول إن من سبه يُقتل وإن تاب فإن كانت توبته صادقة تنفعه عند الله وإن كان كاذباً سيجازى على ذلك في الآخرة ولعله في ذلك أن يقتل وإن تاب لحفظ جناب الرسول حتى لا يخرج علينا من يسبه ثم يقول تبت ثم يُترك ثم يخرج علينا آخر فيسب الرسول ثم يقول تبت وهكذا .
- أخرج أبو داود والنسائي عن ابن عباس ( رضي الله عنهما) :
" أن أعمى كانت له أم ولد تشتم صلى الله عليه وسلم وتقع فيه فينهاها فلا تنتهي ويزجرها فلا تنزجر قال فلما كانت ذات ليلة جعلت تقع في صلى الله عليه وسلم وتشتمه فأخذ المغول فوضعه في بطنها واتكأ عليها فقتلها فوقع بين رجليها طفل فلطخت ما هناك بالدم فلما أصبح ذكر ذلك لرسول ا صلى الله عليه وسلم فجمع الناس فقال أنشد الله رجلا فعل ما فعل لي عليه حق إلا قام فقام الأعمى يتخطى الناس وهو يتزلزل حتى قعد بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم
فقال : يا رسول الله أنا صاحبها كانت تشتمك وتقع فيك فأنهاها فلا تنتهي وأزجرها فلا تنزجر ولي منها ابنان مثل اللؤلؤتين وكانت بي رفيقة فلما كانت البارحة جعلت تشتمك وتقع فيك فأخذت المغول فوضعته في بطنها واتكأت عليها حتى قتلتها فقال صلى الله عليه وسلم ألا اشهدوا أن دمها هدر ".(1)
* وكذلك الذمي
إذا سَب الرسول قُتل ، فقد أحتج الشافعي على أن الذمي إذا سبَّ الرسول قتل وبرئت منه الذمة واستدل بقصة كعب بن الأشرف اليهودي .
____________________________________
(1) والحديث في الصحيحة البخاري ( 7 / 336 رقم 4037 ) كتاب المغازي وفي صحيح مسلم (2 / 1425 رقم 1801 ) في الجهاد .
أيها المسلمون لا عذر لكم عند الله إن لم تدافعوا عن الرسولفالدفاع عن صلى الله عليه وسلم أمر حتمي
- أخرج الحاكم عن زيد بن ثابت t قال :
" بعثني رسول ا صلى الله عليه وسلم يوم أحد يطلب سعد بن الربيع t وقال لي إن رأيته فأقرئه مني السلام وقل له يقول لك رسول ا صلى الله عليه وسلم كيف تجدك ؟
قال : فجعلت أطوف بين القتلى فأصبته وهو في آخر رمق وبه سبعون ضربة ما بين طعنة برمح وضربة بسيف ورمية بسهم فقلت له : يا سعد إن رسول ا صلى الله عليه وسلم يقرأ عليك السلام ويقول لك خبرني كيف تجدك ؟
قال سعد : على رسول الله السلام وعليك السلام وقل لقومي الأنصار :(67/403)
لا عذر لكم عند الله أن يخلص إلي رسول ا صلى الله عليه وسلم وفيكم شُفر(1) يطرف ، قال : وفاضت نفسه ".
ففيم فكر هذا المحب الصادق في آخر لحظات حياته ؟
وماذا شغل باله ؟
وبماذا أوحى قومه وهو يودعهم مرتحلاً عن هذه الدنيا وما فيها من أهل وأولاد ومتاع ؟
أن الأمر الذي شغل باله هو سلامة حبيبه حبيب رب العالمين r والوصية التي أوصى بها قومه هي أن يبذل كل واحد منهم نفسه فداءً للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ، فلا عذر لهم أمام الله إذا وصل للرسول أذى .
ها أنا أردد مع سعد بن الربيع وأقول لكم لا عذر لكم أمام الله أن لم تنصروا رسوله وتدافعوا عنه في هذه المحنة
ولنعلم جمعياً أن دفعنا عن صلى الله عليه وسلم لا يزيد من قدرة شيئاً كما أن إساءة السفهاء له لا ينقص من قدره شيئاً ، لكن هذه محنة واختبار لمعرفة المحب الصادق للحبيب المختار .
قال تعالى : { وَلَوْ يَشَاء اللَّهُ لَانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ } ( محمد 4 )
_________________________________________
(1) شفر : بالضم وقد يفتح وهو طرف العين الذي ينبت عليه الشعر .
* يقول شيخ الإسلام ( رحمه الله) كما في الصارم المسلول على شاتم الرسول ص209
إن الله فرض علينا تعزيز رسوله وتوقيره ، وتعزيزه : نصرة ومنعه
وتوقيره : إجلاله وتعظيمه
وذلك يوجب صون عرضه بكل طريق فلا يجوز أن نصالح أهل الذمة وهم يسمعونا شتم نبينا وإظهار ذلك ، لأنا إذا تركناها على هذا تركنا الواجب علينا نحو رسول ا صلى الله عليه وسلم أ . ه
إذاً فلابد علينا من الدفاع والذب عن الرسو صلى الله عليه وسلم ونصرته مصدقاً لقوله تعالى :
{وَإِن يُرِيدُواْ خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُواْ اللّهَ مِن قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } ( الأنفال 71 )
فذكر الله تعالى أنه أيد رسوله بنصره وبنصر المؤمنين إياه ولو تخاذلنا عن نصرة الرسول فإن الله تعالى يقول :{إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ }
ولكن كيف ندافع عن الرسول الأمين وحبيب رب العالمين ؟
بداية : لابد أن تعرف أن : هناك علامة قبل أن نشرع عن كيفية الدفاع عن الرسول وهي :
أن يحترق قلبك ألماً وتنزف عينك دماً لسب الحبيب r
وأن نكون جميعاً كأبي هريرة عندما سمع سب الرسو صلى الله عليه وسلم فقد أخرج الإمام مسلم من حديث أبي هريرة t قال :
" كنت أدعوا أمي إلى الإسلام وهي مشركة فدعوتها يوماً فسمَّعتني في رسول ا صلى الله عليه وسلم ما أكره
فأتيت رسول ا صلى الله عليه وسلم وأنا أبكي فقلت يا رسول الله إني كنت أدعوا أمي إلى الإسلام فتأبى علىّ فدعوتها اليوم فأسمعتني فيك ما أكره ......."
فانظر إلى هذا المحب وكيف أنه بكي لما سمع سب الرسول فهل وجدت هذا من نفسك عندما سمعت أن الرسول يُسب .
فمن لم يجد هذا الألم في كبده والحرقة في قلبه والدمعة في عينه على سب الرسول فليعلم أن في إيمانه خلل ، ولو سُب أحد ذويه أو قرابته أو زوجته لصاح وعلا صوته وأرغد وأزبد وقلا النوم عينه وزهد عن الطعام ولن يهدأ حتى ينال من الساب ويصب عليه جسام غضبه فكيف يفعل هذا مع ذويه ولم يفعل مع نبيه وهو القائل كما عند البخاري ومسلم :
" لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين "
- فليس لنا إلا أن نقول كما قال حسان بن ثابت لأبي سفيان عند سب النبي صلى الله عليه وسلم
هجوت محمداً وأجبتُ عنه وعند الله في ذاك الجزاءُ
هجوت محمداً براً تقياً رسول الله شيمته الوفاءُ
فإن أبي ووالده وعرضي لعرض محمد منكم فداءُ
1. التبرء من أعداء الدين والمولاة للرسول الأمين وأتباعه الصالحين
قال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء }
فالتبرء منهم في المظهر والمخبر من أوثق عرى الإيمان
- فلا نحاكيهم في المظهر ، ونبغضهم ولا تتودد إليهم .
قال تعالى : {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ } ( المجادلة 22 )
وانظر إلى هذا المنافق عبد الله بن أُبي بن سلول عندما قال :
{ لَئِن رَّجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ}
فلما قفل الناس راجعين إلي المدينة وقف عبد الله بن عبد الله بن أُبي t على باب المدينة واستل سيفه ، فجعل الناس يمرون عليه فلما جاء أبوه عبد الله بن أُبي قال له ابنه وراءك ، فقال أبوه : مالك ويلك ؟
فقال : والله لا تجوز من هاهنا حتى يأذن لك رسول ا صلى الله عليه وسلم
وكان رسول الله يسير ساقه (1) فشكى إليه عبد الله بن أُبي ابنه فقال الابن والله يا رسول الله لا يدخلها حتى تأذن له فأذن له رسول ا صلى الله عليه وسلم
فقال : أما إذ أذن لك رسول ا صلى الله عليه وسلم فجز ".
2. مقاطعة منتجاتهم
وهي كرسالة موجهة إليهم ، يتبين من خلالها أننا أمة نغير على نبينا وعلى رسولنا r ونقوم بالمقاطعة حتى نعذر أمام الله ونقول يارب أمرٌ استطعنا أن نفعله ففعلناه
وبدأت بالفعل الخسائر تتوالى على الدنمارك لكن الاتحاد الأوروبي وعدهم بالمساندة وبهذا يتضح لنا أن هدف أعداء الدين واحد ووجهتهم متحدة وأن الكفر ملةٌ واحدة .
ملحوظة(67/404)
لو استمرت المقاطعة حتى الصيف القادم سيخسر اقتصادهم 39 مليار يورو .
_________________________________________
(1) يسير ساقه : من خفت صلى الله عليه وسلم إنه يسوق أصحابه أي يقدمهم يمشي خلفهم تواضعاً ولا يدع أحداً يمشي خلفه .
3. أن تتوجهوا بكليتكم إلى الآخرة وأن تتركوا الدنيا وراء ظهوركم
ما حدث لنا من انتكاس إلا لأن الدنيا أصبحت في قلوب الناس ، فمن أراد نصرة هذا الدين والرسولل الأمين فعليه أن يطلق الدنيا حتى يسود فوالله ما ساد الأولون العالم إلا لأنهم جعلوا الدنيا في أيديهم ولم يجعلوا في قلوبهم .
ولما جعلناها نحن في قلوبنا سلط الله علينا أعدائنا وهذا ما أخبر به نبينا صلى الله عليه وسلم:
- فقد أخرج الإمام أحمد من حديث ثوبان أن صلى الله عليه وسلم قال :
" يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها قالا : أمن قلة نحن يومئذٍ يا رسول الله ؟
قال : بل إنكم يومئذٍ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل ولينزعن الله من قلوب عدوكم المهابة منكم وليقذفن في قلوبكم الوهن
قيل وما الوهن ؟ ، قال : حب الدنيا وكراهية الموت ".
وهذا هو حالنا لا يخفى على أحد منا وكم سمعنا وقرأنا عن أناس يموتون ، لا من أجل التضحية للدين ولا من أجل سب الرسول الأمين لكن من أجل هدف ضاع
وها نحن نسمع ونرى صيحات وآهات وندم وبكاء لا على سب الحبيب ولكن من أجل فوز فريق وخسارة آخر .
أصبح شبابنا كشباب الغرب ( مغازلة للبنات ، وقوف في الطرقات ، ترك للصلوات ) وأصبحت بناتنا كبنات الغرب ( تبرج وسفور ورقص وغناء وزنا وفجور )
* يا أمة الإسلام
يا خير أمة أخرجت للناس عودوا إلى ربكم لتعود لكم الريادة والقيادة .
فحي على جنات عدن فإنها منازلك الأولى وفيها المخيم
ولكننا سبي العدو فهل ترى نعود إلى أوطاننا ونسلم
4. الدعاء على الأعداء
فلا سبيل للخروج من هذه المحنة إلا بالفرار إلى الله واللجوء إليه ورفع أكف الضراعة إليه والطلب منه فالدعاء سلاح المؤمن .
- لما أذى المشركون صلى الله عليه وسلم دعا عليهم بالموت وقد كان :
" فقال : اللهم عليك بأبي جهل ، وعليك بعتية بن ربيعة ، وشيبة بن ربيعة ، والوليد بن عتبة ، وأمية بن خلف ، وعقبة بن معيط ، وعد السابع فلم نحفظه
قال عبد الله بن مسعود : فوالذي نفسي بيده لقد رأيت الذين عد رسول ا صلى الله عليه وسلم صرعى في القليب قليب بدر ".
- ودعا صلى الله عليه وسلم على كسرى ملك فارس أن يمزق الله ملكه وقد كان :
" لما أرسل الرسو صلى الله عليه وسلم كتابه إلى كسرى فلما قرئه مزقه وقال في غطرسة وعبد حقير من رعيتي يكتب اسمه قبلي ولما بلغ ذلك الرسو صلى الله عليه وسلم قال : مزق اللهُ ملكه " وقد كان .
فها أنت أخي الحبيب :
نستطيع أن تدعوا الله أن ينصر الإسلام ويُعز المسلمين وأن تدعو على كل من تطاول على رسولنا أن يزلزل الأرض من نحن أقدامهم ويجمد الدماء في عروقهم وأن يُخرص ألسنتهم ويشل أركانهم
5. كلٌ في موقعه يدافع عن النبي صلى الله عليه وسلم
فالخطيب يدافع عن النبي من خلال منبره
والكاتب يدافع عن صلى الله عليه وسلم من خلال قلمه
والعالم يدافع عن صلى الله عليه وسلم من خلال دفع الشبهات حول ما يُثار
وصاحب المال يدافع عن صلى الله عليه وسلم من خلال طبع الكتب ونشر سنة الرسول وهكذا .
ولو دافع ونافح كلٌ في موقعه سينبهر العالم الغربي اللعين بمدى حب المسلمين للرسول الأمين ولعل هذا يكون دافعاً لهم للبحث عن سيرته العطرة ويكون سبباً لدخولهم في الإسلام .
6. أن تكون نعم السفير للإسلام
فكثير من الغرب لا يعرف شيئاً عن الإسلام بل يحاول أعداء الدين تشويه صورة الإسلام وإظهاره بخلاف ما هو عليه فتارة يصورون الطرق الصوفية وما يفعلونه من ذكر مبتدع من تمايل ورقص ونوم في الطرقات وما يفعلونه في الموالد والتوسل بأصحاب الأضرحة أو ينقلون ما يفعله الشيعة في يوم عاشوراء من ضرب الأجساد بالحديد وإسالة الدماء وغير ذلك من الأمور والتي هي بعيدة كل البعد عن تعاليم الإسلام ثم ينقلون هذه الصور في وسائل الإعلام الغربية ويزعمون أن هذا هو الإسلام حتى يصدوا الناس ويُنفروهم عن الإسلام وذلك لما يرونه من زحف هائل لهذا الدين فهو أكثر انتشاراً من النصرانية واليهودية ، لما لا وهو فطرة الله التي فطر الناس عليها .
فما عليك أخي الحبيب إلا أن تظهر لأهل الغرب المخدوعين صورة الإسلام الحقيقية وأن الإسلام يدعو إلى الحب والسلام والأمان وأنه يدعو إلى توقير الكبير والرحمة بالصغير والعطف على المسكين واليتيم والصدق في القول والعمل والوفاء بالوعد وحسن العهد وأن الإسلام برئ من سياسة الحرق والهدم والتفجير والقتل والإرهاب وترويع الآمنين ، فكل في موقعه يُظهر هذه الصورة فإن فعلنا سيدخل أهل الغرب في دين الله أفواجا .
×ملحوظة
وحتى لا تختلط الأوراق فلا ينبغي أن تسمي الدفاع عن الوطن ضد المُحتل إرهاب .
أو عندما ندافع عن رسولنا أو مقدساتنا أننا شعب همجي غير متحضر ، لا بل ينبغي أن نغلظ على من بارز الإسلام بالادعاء وأظهر ذلك كان محارباً له .
أما الذمي الذي آمنته أو آمنته الدولة على نفسه ولم يظهر العداء فلا ينبغي قتله أو ترويعه وهذا هو إسلامنا
- أخرج البخاري في التاريخ والنسائي في السنة عن عمرو بن الحنق الخذاعي t عن صلى الله عليه وسلم :(67/405)
" من أمن رجلاً على دمه فقتله فأنا برئ من القاتل وإن كان المقتول كافراً ".
7. الرجوع إلى الدين لإغاظة الكافرين
أيها الأحبة
1- إن هذه الأمة لا يمكن أن تكون عزيزة إلا بإتباع دينها وتعظيم أمر ربها وإتباع سنة نبيها وعدم مخالفة أمره فهذه هي الركائز التي يقوم عليها الدين ويكون فيها عز الإسلام والمسلمين ويكون الانتصار للدين كما قال تعالى :
{إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ } فأكثر ما يغيظ الكفار وأعداء الدين والمنافقين هو رجوع الناس إلى ربهم واستعلانهم بشعائر دينهم
- أخرج الإمام أحمد من حديث عائشة (رضي الله عنها) قالت : قال رسول ا صلى الله عليه وسلم :
" ما حسدتكم اليهود على شيء ما حسدتكم على السلام والتأمين ".
فكيف بما عدا التأمين من إعلان الأذان وتعمير المساجد وتراص المصلين راكعين ساجدين خاشعين
وكذلك يغيظهم ما يرونه من الحشود الغفيرة والملايين الكثيرة التي ذهبت إلى بيت الله الحرام لأداء فريضة الحج .
وكذلك إذا خرجت المرأة متحجبة تعلن في إباء
أنا الفتاة المسلمة مصونة مكرمة
عفيفة محتشمة بين العورى محترمة
فهذا كله يغيظ أعداء الدين ويجعلهم في هم دائم ومُغايظة الكفار غاية محبوبة للرب جل وعلا ووصف اللهُ صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضوان الله عليهم بأنهم كزرع :
{يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ } ( الفتح 29 )
فلا سبيل لنا في هذه المحنة إلا بالرجوع إلى الله عزَّ وجلَّ ، وانظر إلى قوله تعالى :
{إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ ( 95) الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللّهِ إِلهًا آخَرَ فَسَوْفَ يَعْمَلُونَ (96) وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ (97) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ } ( الحجر 95 : 98 )
* يقول السعدي ( رحمه الله) في تفسير هذه الآية
إنا كفيناك المُستهزئين بك وبما جئت به ، وهذا وعد من الله لرسوله أن لا يضره المستهزئون ، وأن يكفيه الله إياهم بما شاء من أنواع العقوبة وقد فعل تعالى ، فإنه ما تظاهر أحد بالاستهزاء برسول ا صلى الله عليه وسلم وبما جاء به إلا أهلكه الله وقتله شر قِتلة ثم ذكر وصفهم وأنهم كما يؤذونك يا رسول الله فإنهم أيضاً يؤذون الله :
{الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللّهِ إِلهًا آخَرَ } وهو ربهم وخالقهم {فَسَوْفَ يَعْمَلُونَ } أفعالهم إذا وردوا القيامة .
{وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ } لك من التكذيب والاستهزاء فنحن قادرون على استئصالهم بالعذاب والتعجيل لهم بما يستحقونه ولكن الله يمهلهم ولا يهملهم
{فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ } أي يا محمد أكثر من ذكر الله وتسبيحه وتحميده والصلاة فإن ذلك يوسع الصدر ويشرحه ويعينك على أمورك ........أ ه
وانظر كيف أن الله وصف لرسوله العلاج عندما استهزأ به المجرمون وهو اللجوء إلى الله والوقوف بين يديه وكثرة ذكره وتسبيحه .
- فمن خالف أمر صلى الله عليه وسلم فإنه يُقحم نفسه في النار ، ولا أحد مثلاً لمن خالف أمر صلى الله عليه وسلم إلا هذا المثال :
- ففي صحيح البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة قال : قال رسول ا صلى الله عليه وسلم :
" إنما مثلي ومثل أُمتي كمثل رجل استوقد ناراً فجعلت الدواب والفراش يقضي فيه ، فأنا آخذ بحجزكم(1) وأنتم تقحمون(2) فيه ".
- وفي صحيح مسلم عن جابر قال : قال رسول ا صلى الله عليه وسلم :
" مثلي ومثلكم كمثل رجل أوقد ناراً فجعل الجَنَادِبُ(3) والفراشُ يقعن فيها وهو يذبُّهُنَّ عناه وأنا آخذُ بحُجَزِكُم عن النار وأنتم تفلَّتون(4) من يدي ".
____________________________________
(1) الحُجز : هي معقد الإزار والسراويل
(2) تقحمون : التقحم هو الإقدام والوقوع في الأمور الشاقة من غير تثبت .
(3) الجنادب : الصرار الذي يشبة الجراد ، وقيل : له أربعة أجنحة كالجراد وأصغر منها يطير ويصرّ بالليل صِراً شديد .
(4) تفلَّتون : تهربون مني .
وكيف نرجع إلي الدين ؟
لا يكون ذلك إلا بطاعة الرسو صلى الله عليه وسلم فيما أمر وعدم مخالفته فيما عنه زجر وهما الركيزتان اللتان يقوم عليهما نصرة الرسول الأمين وخزي أعداء الدين .
×الركيزة الأولى : عدم مخالفة أمر النبي صلى الله عليه وسلم
فلنعلم جميعاً أن ما نحن فيه الآن من الذلة والصغار ما هو إلا بمخالفة أوامر النبي العدنان r
- وانظر إلى الرماة في غزوة أحد لما خالفوا أمراً واحداً من أوامر الرسو صلى الله عليه وسلم كانت الهزيمة والذلة والصغار حتى فاءوا إلي أمر الله .
وانظر عندما خالفنا أوامر الرسول الأمين وذهبنا وقلدنا الغرب اللعين سلطهم الله علينا وهذه سنة ربانية لا تتغير ولا تتبدل ولا تحابي أحد فالعزة كل العزة في إتباع هدي صلى الله عليه وسلم :
" وجعل الذلة والصغار على من خالف أمري ومن تشبه بقوم فهو منهم ".
- وقال الحسن البصري في شأن العصاة المخالفين لأمر الله ورسوله :
" لو طفطفت بهم البغال وهملجت بهم البرازين فإن ذل المعصية سيدركهم أبي الله إلا أن يذل من عصاه ".
1- وعصيان الرسول ومخالفة أمره مؤذنٌ بالعذاب الألبم قال تعالى :(67/406)
{فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } ( النور63 )
2- وعصيان الرسول ومخالفة أمره سبب الضلال المبين ، قال تعالى :
{وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا } ( الأحزاب 36 )
3- وعصيان الرسول ومخالفة أمره سبب وحول الجحيم عياذاً بالله منها ، قال تعالى :
{وَمَن يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ } ( النساء 14 )
فالعز كل العز في طاعة الرسول وهذه هي الركيزة الثابتة
×الركيزة الثانية : طاعة الرسول فيما أمر
ولنعلم أيها الأحبة أن من شأن أهل الإيمان إذا دُعوا إلى الله ورسوله أن يقولوا سمعنا وأطعنا
قال تعالى : {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } ( النور 51 )
وقال تعالى : {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ } ( الأحزاب 36 )
ثم فليعلم إن طاعة هذا النبي الكريم صلوات الله وسلامه عليه من طاعة الله عز وجل قال تعالي :
{َّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ وَمَن تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا } ( النساء 80 )
1- وطاعة صلى الله عليه وسلم سبب الهداية والفلاح ، قال تعالى :
{وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا } ( النور 54 )
2- وفي طاعته حياة للقلوب قال تعالى :
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ } ( الأنفال 24 )
3- وطاعته سبب للرحمة ، قال تعالى :
{وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } ( التوبة 71 )
4- وطاعة الرسول سبب للفوز العظيم ، قال تعالى :
{وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا } ( الأحزاب 71 )
5- وطاعة النبي وأتباعه فيها وفضل حيث نحظى بمحبة ربنا وتغفر لنا ذنوبنا ، قال تعالى :
{قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ } ( آل عمران 31 )
وهذه الآية حاكمةٌ على من أدعى محبة الله عز وجل ، فلا يتصور أن شخصاً يحب الله عز وجل ثم هو يعص نبي الله ويخالف أمره .
تعصي الإله وأنت تزعم حبه هذا لعمري في القياس بديع
لو كان حبك صادقاً لأطعته إن المحب لمن يحب مطيع
6- وطاعة الرسول لم يغفر بها الذنوب فقط بل تكون سبب لدخول الجنة ، فقال تعالى :
{وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } ( النساء 13 )
وفي صحيح البخاري أن صلى الله عليه وسلم قال :
" كلُّ أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى ، قالوا : يا رسول الله ومن يأبى ؟
قال : من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى "
وليست طاعته سبب في دخول الجنة فقط بل ستكون رفيقاً ل صلى الله عليه وسلم في الجنة
فقد ذكر القرطبي في تفسيره والبغوي بسنده :
" أن ثوبان مولى رسول الله كان شديد الحب له قليل الصبر عنه ، فأتاه ذات يوم وقد تغير لونه ونحل جسمه يعرف في وجه الحزن فقال له : يا ثوبان ما غير لونك ؟
فقال : يا رسول الله ما بي من ضرٍّ ولا وجع غير أني إذا لم أرك اشتقتُ إليك واستوحشت وحشة شديدة حتى ألقاك ، ثم ذكرت الآخرة وأخاف أن لا أراك لأني عرفتُ أنك ترفع مع النبيين وإني وإن دخلت الجنة كنت في منزلة هي أدنى من منزلتك وإن لم أدخلها فذاك حين لا أراك أبدا فأنزل الله تعالى :
{وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا }
فدعا فقرأها عليه
فاجعلوا طاعتكم للرسول إغاظة للكافرين وطاعة لرب العالمين وعز في الدنيا ونجاة يوم الدين
وإياكم ومخالفته فإن هذا يشرح صدور الكافرين ويورث ذل في الدنيا وعذاب يوم الدين .
وضرب لنا صلى الله عليه وسلم أمثلة تبين مصير كل من أطاعه ومصير من عصاه .
- فقد أخرج البخاري من حديث جابر بن عبد الله ( رضي الله عنهما) قال :(67/407)
" جاءت ملائكة إلى صلى الله عليه وسلم وهو نائم، فقال بعضهم: إنه نائم، وقال بعضهم: إن العين نائمة والقلب يقظان، فقالوا: إن لصاحبكم هذا مثلاً، فاضربوا له مثلاً، فقال بعضهم: إنه نائم، وقال بعضهم: إن العين نائمةً، والقلب يقظان، فقالوا: مَثَلُهُ كمثل رجل بنى داراً، وجعل فيها مأدبة وبعث داعياً، فمن أجاب الداعي دخل الدار وأكل من المأدبة، ومن لم يجب الداعي لم يدخل الدار ولم يأكل من المأدبة، فقالوا: أوِّلوها له يفقهها، فقال بعضهم: إنه نائم، وقال بعضهم: إن العين نائمة والقلب يقظان، فقالوا: فالدار الجنة، والداعيمحمد صلى الله عليه وسلم ، فمن أطاعمحمدا صلى الله عليه وسلم فقد أطاع الله، ومن عصىمحمدا صلى الله عليه وسلم فقد عصى الله، و صلى الله عليه وسلم فرَّق بين الناس ".
- وأخرج البخاري ومسلم من حديث أبي موسى قال : قال رسول ا صلى الله عليه وسلم :
" إن مثلي ومثل ما بعثني الله به كمثل رجل أتى قومه فقال يا قوم إني رأيت الجيش بعيني وإني أنا النذير العريان فالنجاء فأطاعه طائفة من قومه فأدلجوا(1) فانطلقوا على مهلتهم وكذبت طائفة منهم فأصبحوا مكانهم فصبحهم الجيش فأهلكهم واجتاحهم(2) فذلك مثل من أطاعني واتبع ما جئت به مثل من عصاني وكذب ما جئت به من الحق ". واللفظ لمسلم .
?وأخيراً أيها الأحبة :
يقول ربنا : {وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } ( آل عمران 139 )
إن هؤلاء الأقزام الذين آذوا رسول الله وسبوه لم أجد لهم مثالاً إلا هذا فعندما وقفت ذبابة على نخلة عملاقة فهمَّت بالرحيل فقالت الذبابة للنخلة استمسكي فإني راحلة عنكي فقالت النخلة في استعلاء لهذا الحشرة الحقيرة ارحلي فوالله ما شعرت بك حينما وقفت علىَّ فهل سأتأثر إذا رحلتي عني
أو كالذي ينظر إلى السماء ثم يبصق عليها فينزل البصاق عليه وما يضر هذا السماء في شيء .
- فسب الرسو صلى الله عليه وسلم محنة عظيمة عاشتها الأمة الإسلامية لكنني أجد أن من المحن تأتي المنح ومن الظلام يولد النهار ، قال تعالى : {لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ }
وهذا الخير نشاهده في هذه الصحوة التي اجتاحت العالم الإسلامي .
- فبدأ الخطباء على مستوى العالم الإسلامي يدافعون ويُنافحون .
- وبدأ العلماء ينقضون ويردون ، وسنة الرسول يُعلِمون .
- وبدأت وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة تتكلم عن الرسول الحبيب .
- وبدأ الناس تأخذهم الحمية غيرةً لقرآن ربهم ولرسولهم .
- فالرسول يُهان والقرآن يُداس بالأقدام ويُحرق في ميدان عام ، فهل بعد هذا الهوان من هوان .
فقام من الناس من غفلتهم وفاءوا إلى ربهم .
________________________________________
(1) أدلجوا : ساروا من أول الليل (2) اجتاحهم : أستأصلهم .
* يقول شيخ الإسلام بن تيمية ( مجموع الفتاوى 28 / 58 )
ومن سنة الله أنه إذا أراد إظهار دينه أقام من يعارضه فيُحق الحقَّ بكلماته ويقذفُ بالحقِّ على الباطل فيدفعه فإذا هو زاهق .
فهؤلاء الأقذام :{يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ } ( الصف 8 )
فلو اجتمعت الأفواه جميعاً ليطفئوا نور الشمس ما استطاعوا فكيف بنور الله .
إن الطحالب العائمة لا توقف السفن الماخرة
فالإسلام قادم وسيكون التنكين بإذن رب العالمين وحتى لا يتسرب اليأس في قلوب الناس وتخور العزائم لابد من ذكر مبشرات النصر فذكر المُبشرات في حالات الشدة والمحن سنة نبينا صلى الله عليه وسلم ....
- قال خباب بن الأرت كما عند البخاري :
" شكونا إلى رسول ا صلى الله عليه وسلم وهو متوسد بردةً له في ظل الكعبة ، قلنا له : ألا تستنصر لا ألا تدعو الله لنا ؟
فقال صلى الله عليه وسلم : كان الرجل فيمن قبلكم يحفر له في الأرض فيجعل فيه فيُجاء بالنشار فيوضع على رأسه فيُشق باثنتين وما يصده ذلك عن دينه ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه من عظم أو عصب، وما يصده ذلك عن دينه، والله ليتمن هذا الأمر، حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت، لا يخاف إلا الله، أو الذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون ".
فنقلهم النبي مي أسوأ حال لهم إلى أحسن ما يجدون هم من الأمن لتكون البشرى سبب في رفع الهمم بعد أن تدنت .
فعلى أولياء الله أن يعتزوا بدينهم وأن يستعلوا فوق وطأة الباطل فإنهم هم المنصورون ، وإذا كان أعداء الله يتباهون بقوتهم وكثرة عددهم وعدتهم فإن المؤمنين يفخرون بنصر الله وكريم معِيته وعونه لهم ، قال تعالى :
{إِنَّ اللّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ } ( النحل 128 )
وقال تعالى : {إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلآئِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرَّعْبَ }
والنصر والتمكين لعباد الله الموحدين وهذا موعود رب العالمين ، قال تعالى :
{هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ } ( التوبة 33 )(67/408)
وقال تعالى : {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ } ( النور 55 )
وقال تعالى :
{وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ (171) إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ (172) وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ}
( الصافات 171 : 173 )
- وأخرج الإمام أحمد بسند صحيح أيضاً أن صلى الله عليه وسلم قال :
" تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها ثم تكون خلافة على منهاج النبوة فتكون ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء الله أن يرفعها ثم تكون ملكا عاضا فيكون ما شاء الله أن يكون ث يرفعها إذا شاء أن يرفعها ثم تكون ملكا جبرية فتكون ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها ثم تكون خلافة على منهاج النبوة ".
فالكل قد كان وهانحن ننتظر الأخيرة .
- أخرج البخاري من حديث عبد الله بن محمد أن صلى الله عليه وسلم قال :
" لا تقوم الساعة حتى يُقاتل المسلمون اليهود وحتى يختبئ اليهودي من وراء الحجر والشجر فيقول الحجر والشجر : يا مسلم هذا يهودي خلفي تعالَ فاقتله إلا الغرقد فإنه من شجر اليهود ".
وصلى اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين وسلم
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد ألا إله إلا أنت
أستغفرك وأتوبُ إليك
==============(67/409)
(67/410)
ثلاتُ وثائقٍ برتغالية عن خطةٍ للاستيلاءِ على العالم العربي في مطلعِ القرنِ السادس عشر
ترجمة وتحقيق
عبد الرحمن عبد الله الشيخ
أستاذ مشارك للتاريخ الحديث سابقاً - جامعة الملك سعود - الرياض
مقدمة :
تضيفُ هذه الوثائقُ الثلاثُ التي ننشرها في هذا المقال جديداً لعلمِ التاريخِ ، بالإضافةِ إلى أنها رصيدٌ مهمٌ لعلمِ الوثائقِ ؛ لذا فقد حرصنا على عدمِ الاكتفاءِ بنشرها وإنما قدمنا لها بمقدمةٍ وشرحنا ظروفها التاريخية ، وعلقنا على بعض ما ورد بها - بغيرِ إطنابٍ - تاركين للباحثين في الدراساتِ التااريخيةِ مواصلة التحليل والتعليقِ ، وتصحيحِ بعض أفكارهم التاريخية بناءً عليها .
وتعودُ هذه الوثائقُ لمطلعِ القرن السادسِ عشر ، وبالتحديد سنة 1510 م لكن أفكار هذه الوثائقِ ظلت فاعلةً مؤثرةً حتى سنة 1516 م على الأقل . وهي أيضاً تُعطي ظلالاً على فتراتٍ بعد ذلك .
وتشيرُ هذه الوثائقُ في مجملها إلى خطةٍ - لم يكتب لها النجاحُ الكاملُ - حاك خيوطها الاستعماري العريق أفونسو دلبوكيرك ( ولد سنة 1453 م ومات في 16 ديسمبر 1515 م ) وهو ثاني نائب للملك البرتغالي في الهند ، والشاه إسماعيل الصفوي ، ومؤدى هذه الخطة هي أن يعمل الشاهُ على شغلِ السلطانِ المملوكي في مصر حتى يتمكن أفونسو دلبوكيرك من التوغلِ في البحر الأحمر والاستيلاءِ على جدة ، والوصول للسويس وبالفعل فقد هدد الشاه إسماعيل باجتياحِ حلب والشام بينما أفونسو دلبوكيرك موجود بأسطوله في البحر الأحمر سنة 1513 م مما أدى لارتباكِ السلطان المملوكي في مصر .
وبعد ذلك وضع الشاهُ إسماعيلُ خطةً للإيقاعِ بين المماليك والعثمانين وعمل على خروج السلطانِ الغوري من مصر لإصلاحِ ذاتِ البين بينه ( أي الشاه إسماعيل ) والعثمانيين ، فخرج السلطان الغوري من مصر فعلاً دون استعداداتٍ حقيقةٍ ، وتطورت الأمورُ بعد ذلك فكانتِ المواجهةُ العسكريةُ بين المماليك والعثمانيين وهزيمة المماليك في مرج دابق 1516 م كما هو معروف ...
صورُ الوثائق سأضعها تباعاً
وأتركُ لكم التعليقَ
الموقف الإيراني الخفي تجاه العدوان الأمريكي على العراق
نشرت سابقا منذ شهر شعبان 1423 بعض ما يدل على التعاون الأمريكي-الإيراني وقد تم شرح هذا في الفضائيات أيضا وننقل تلك المستندات ثم لنرى ما هي المستجدات ،
التعاون الإيراني - الأمريكي ضد العراق
انقلاب اسلامي رقم 552
إن رفسنجاني أقنع خامنئي-مرشد الثورة- بما يلي :
1 - إن الحرب على العراق قادمة لا محالة وعدم تعاوننا مع أمريكا يعني أن نعطيها كل الذرائع كي تشن حربا علينا بعد العراق ، لكن التعاون مع أمريكا ضد العراق يوصل أمريكا الى أهدافها بأقل خسارة وتكون مدينة لنا في نفس الوقت ، وبعد ذلك مباشرة ستكون هناك فرصة لتطبيع علاقاتنا معها
لكن بما أن الحرب الأمريكية على العراق ستغضب الرأي العام العربي فكما فعلنا بالنسبة لأفغانستان يجب أن يستمر القائد في خطاباته النقدية ، ولايجب أن يكون تعاونا علنيا ، وسنعقد اتفاقا مع تركيا والسعودية-بعد الصدام-بتمامية الأراضي العراقية وسنرضي به الدول العربية ، ولا شك أن التعاون مع أمريكا يكون من ضمنه استئصال الخاتمية والإصلاحيين بأسرهم ،
نشرت أسبوعية دبكانت Debkanet Weekly في 27 /9/2002 ما يلي :
إن وفدا امريكيا التقى بوفد إيراني برياسة عباس ملكي(مندوب خامنئي) وبعد أشهر من المفاوضات الصعبة بين إيران وأمريكا حصل الاتفاق التالي :
إن وفدا امريكيا التقى بوفد إيراني برياسة عباس ملكي(مندوب خامنئي) وبعد أشهر من المفاوضات الصعبة بين إيران وأمريكا حصل الاتفاق التالي :
إن التعاون ضد العراق سيكون قائما بين الطرفين الإيراني-الأمريكي كما كان تماما ضد طالبان والقاعدة، إن التفاوض حصل بين وفد من المجلس الوطني الأمريكي ومندوب مرشد الثورة عباس ملكي المعاون السابق للوزارة الخارجية، وكان مفاوضه الأمريكي شخص باسم مستعار توم سركيس واسمه الحقيقي جوناتان اسميت جي آر وعرف نفسه أنه من السلك الديبلوماسي الأمريكي في الكويت،
وتم توقيع اتفاقيات سرية ذات ثمانية بنود ثلاثة منها تتعلق بأمريكا :
1 - إن القوات الإيرانية غير النظامية ستقبل تواجدها الفعلي في القسم الشمالي للعراق الواقع تحت سيطرة أمريكا وتركيا وستشارك هذه القوات في العمليات ضد صدام حسين
2 - إن أمريكا وإيران ستتعاونان في الميدان السياسي لتشكيل دولة بديلة عن صدام حسين ، وان المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق سيشارك في تركيبة المعارضة والدولة القادمة، وويعقد المجلس الوطني الموقت جلسة في اربيل ويعلن عن المجلس الوطني العراقي، ثم هذا المجلس يعلن انحلال النظام العراقي وحزب البعث ، وسيستدعي هذا المجلس أمريكا وانكلترا لمساعدة الشعب العراقي ولينقذوه من استبداد صدام حسين
سوف تشكل أمريكا مظلة حماية للشيعة في الجنوب، وان الشيعة في الجنوب كما في الشمال سيشاركون في الحكومة الفيدرالية العراقية المقبلة(67/411)
3 - إن أمريكا ستقدم الحماية لإيران في حال تعرض أراضيها لأي هجمات من قبل العراق سواء بأسلحة تقليدية أو كيماوية أوبيولوجية
وأما ما تعهدت به إيران :
4 - إن القوات النظامية الإيرانية لن تدخل لا قبل الحرب ولابعدها الى الأراضي العراقية
5 - إن إيران لن تقوم بأي أضرار لمخازن البترول والمؤسسات البترولية
6 - إن القوى الإيرانية لن تستقر في مناطق الشيعة ولن تعلن مخالفتها لأمريكا في مناطق الشيعة لا في وقت الحرب ولابعدها، ولن تتدخل إيران بعد ذلك في الشأن الداخلي العراقي
7 - تستطيع القوات الأمريكية الخاصة دخول الأراضي الإيرانية بمشاركة الضباط الإيرانيين لتتمكن من تعقب عناصر القاعدة في الحدود الأفغانية
ولتنفيذ هذا الاتفاق دخل فريق من جيش بدر وعناصر من الحرس الثوري المتخصصة ضد الإرهاب إلى شمال العراق وذلك برفقة فريق من القوات الأمريكية الخاصة والقوات التركية عبر مدينة سليمانيةالى محا استقرارهم .
دور ابن العلقمي ونصير الدين الطوسي في سقوط الدولة العباسية
التحالف الشيعي المغولي و إسقاط الخلافة الإسلامية ببغداد
من المعروف أن من أهم أسباب انهيار الحضارة الإسلامية و انتقالها للغرب هو سقوط دار العلم بغداد بيد المنغول. هذا السقوط لم يكن ممكناً لولا مساعدة الشيعة للمنغول.
و لا يخفى على من له أدنى وعي تاريخي بالشيعة دور الوزير ابن العلقمي الخياني في سقوط بغداد عاصمة الخلافة الإسلامية آنذاك ، وما جره على المسلمين من القتل والخراب والذل والهوان بالاتصال بهولاكو وإغرائه بغزو العراق وهيأ له من الأمور ما يمكنه من السيطرة والاستيلاء .
وقد سلك ابن العلقمي في التخطيط لذلك الأمر بأن أشار على الخليقة المستعصم بتسريح أكبر عدد ممكن لتخفيف الأعباء المالية على الميزانية العامة فوافقه الخليفة على ذلك ولم يكن يعلم الخليفة بأن اقتراح الوزير ما هو إلى إضعاف جيش الخلافة في مواجهة الغزاة التتار حتى أن الجنود تدهورت حالتهم الاجتماعية والمالية مما اضطرهم إلى الاستخدام في حمل القاذورات.
ولكي نلم ببعض جوانب تلك الخيانة العلقمية نورد بعض أقوال المؤرخين في بيان حقيقة ابن العلقمي وما قام به من المساهمة في سقوط الخلافة الإسلامية:
يقول : جلال الدين السيوطي: إن ابن العلقمي كاتب التتر وأطمعهم في ملك بغداد
يقول : أبو شامة شهاب الدين بن عبد الرحمن بن إسماعيل: إن التتار استولوا على بغداد بمكيدة دبرت مع وزير الخليفة
يقول : قطب الدين اليونيني البعلبكي وكاتب الوزير ابن العلقمي التتر وأطمعهم في البلاد ، وأرسل إليهم غلامه وسهل عليهم ملك العراق ، وطلب منهم أن يكون نائبهم في البلاد ، فوعدوه بذلك ، وأخذوا في التجهيز لقصد العراق ، وكاتبوا بدر الدين لؤلؤ صاحب الموصل في أن يسير إليهم ما يطلبونه من آلات الحرب ، فسير إليهم ذلك ولما تحقق قصدهم علم أنهم إن ملكوا العراق لا يبقون عليه فكاتب الخليفة سراً في التحذير منهم ، وأنه يعد لحربهم فكان الوزير لا يوصل رسله إلى الخليفة ومن وصل إليه الخليفة منهم بغير علم الوزير اطلع الخليفة وزيره على أمره ..
ويتابع البعلبكي في وصف جيوش التتار الزاحفة عل ى بغداد وبعد أن تمكنوا هزيمة الحامية الهزيلة في صد الغزو فيقول ؛ فحينئذ أشار بن العلقمي الوزير على الخليفة بمصانعة ملك التتر ومصالحته وسأله أن يخرج إليه في تقرير زواج ابنته من ابنك الأمير أبي بكر ويبقيك في منصب الخلافة كما أبقى سلطان الروم في سلطنة الروم لا يؤثر إلا أن تكون الطاعة له كما كان أجدادك مع السلاطين السلجوقية، وينصرف بعساكره عنك فتجيبه إلى هذا فإنه فيه حقن دماء المسلمين ، ويمكن بعد ذلك أن يفعل ما تريد فحسن له الخروج إليه فخرج في جمع من أكابر أصحابه فأنزل في خيمة ثم دخل الوزير فاستدعى الفقهاء والأماثل ليحضروا عقد النكاح فيما أظهره فخرجوا فقتلوا وكذلك صار يخرج طائفة بعد طائفة
يقول : شمس الدين الذهبي وأما بغداد فضعف دست الخلافة وقطعوا أخبار الجند الذين استنجدهم المستنصر وانقطع ركب العراق، كل ذلك من عمل الوزير ابن العلقمي الرافضي جهد في أن يزيل دولة بني العباس ويقيم علويا وأخذ يكاتب التتار ويراسلونه والخليفة غافل لا يطلع على الأمور ولا له حرص على المصلين
يقول : ابن شاكر الكتبي وأخذ يكاتب التتار إلى أن جرأ هولاكو وجره على أخذ بغداد
يقول : عبد الوهاب ابن تقي الدين السبكي وكان شيعيا رافضياً في قلبه غل للإسلام وأهله وحبب إلى الخليفة جمع المال والتقليل من العساكر فصار الجند يطلبون من يستخدمهم في حمل القاذورات ومنهم من يكاري على فرسه ليصلوا إلى ما يتقوتون به
ثم يصف لنا السبكي مؤامرة ابن العلقمي في قتل الخليقة والعلماء والفقهاء واستباحة بغداد وإراقة الخمور في بيوت الله تعالى(67/412)
فيقول: وقصد هولاكو بغداد من جهة البر الشرقي ثم إنه ضرب سوار على عسكرة وأحاط ببغداد فأشار الوزير على الخليفة بمصانعتهم وقال؛ أخرج أنا إليهم في تقرير الصلح، فخرج وتوثق لنفسه من التتار ورجع إلى المعتصم وقال؛ إن السلطان يا مولانا أمير المؤمنين قد رغب في أن يزوج بنته بابنك الأمير أبي بكر ويبقيك في منصب الخلافة كما أبقى صاحب الروم في سلطنته ولا يؤثر إلا أن تكون الطاعة له كما كان أجدادك مع السلاطين السلجوقية ، ونصرف عنك بجيوشه فمولانا أمير المؤمنين يفعل هذا فان فيه حقن دماء المسلمين وبعد ذلك يمكننا أن نفعل ما نريد والرأي أن تخرج إليه . فخرج أمير المؤمنين بنفسه في طوائف من الأعيان إلى باب الطاغية هولاكو ولا حول ولا قوة إلى بالله العلي العظيم.
فأنزل الخليفة في خيمة ثم دخل الوزير فاستدعى الفقهاء والأماثل ليحضروا العقد فخرجوا من بغداد فضربت أعناقهم وصار كذلك يخرج طائفة بعد طائفة فتضرب أعناقهم ثم طلب حاشية الخليفة فضرب أعناق الجميع ثم طلب أولاده فضرب أعناقهم، و أما الخليفة فقيل أنه طلبه ليلا وسأله عن أشياء ثم أمر به ليقتل. فقيل لهولاكو: إن هذا إن أريق دمه تظلم الدنيا و يكون سبب خراب ديارك فإنه ابن عم رسول ا صلى الله عليه وسلم وخليفة الله في أرضه فقام الشيطان المبين الحكم نصير الدين الطوسي وقال يقتل ولا يراق دمه وكان النصير من أشد الناس على المسلمين، فقيل إن الخليفة غم في بساط و قيل رفسوه حتى مات.
و لما جاءوا ليقتلوه صاح صيحة عظيمة، و قتلوا أمرائه عن أخرهم، ثم مدوا الجسر وبذلوا السيف ببغداد و استمر القتل ببغداد بضعاً وثلاثين يوماً و لم ينجوا إلى من اختفى و قيل إن هولاكو أمر بعد ذلك بعدّ القتلى فكانوا ألف ألف وثمانمائة ألف النصف من ذلك تسعمائة ألف غير من لم يعد و من غرق ثم نودي بعد ذلك بالأمان فخرج من كان مختبئ وقد مات الكثير منهم تحت الأرض بأنواع من البلايا والذين خرجوا ذاقوا أنواع الهوان والذل ثم حفرت الدور وأخذت الدفائن والأموال التي لا تعد ولا تحصى وكانوا يدخلون الدار فيجدون الخبيئة فيها وصاحب الدار يحلف أن له السنين العديدة فيها ما علم أن بها خبيئة، ثم طلبت النصارى أن يقع الجهر بشرب الخمر و أكل لحم الخنزير و أن يفعل معهم السلمون ذلك في شهر رمضان، فألزم المسلمون بالفطر في رمضان و أكل الخنزير و شرب الخمر، و دخل هولاكو إلى دار الخليفة راكباً لعنه الله و استمر على فرسه إلى أن جاء سدة الخليفة و هي التي تتضاءل عندها الأسود و يتناوله سعد السعود كالمستهزئ بها و انتهك الحرم من بيت و غيره، و أعطى دار الخليفة لشخص من النصارى و أريقت الخمور في المساجد و الجوامع و منع المسلمون من الإعلان بالأذان فلا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم، هذه بغداد لم تكن دار كفر قط و جرى عليها هذا الذي لم يقع قط من منذ قامت الدنيا مثله، و قتل الخليفة و إن كان وقع في الدنيا أعظم منه إلا أنه أضيف له هوان الدين و البلاء الذي لم يختص بل عم سائر المسلمين.
يقول : حسن الديار بكري ؛ ابن العلقمي الرافضي كان قد كتب إلى هولاكو ملك التتار في الدست أنك تحضر إلى بغداد وأنا أسلمها لك . و كان قد داخل قلب اللعين الكفر، فكتب هولاكو : إن عساكر بغداد كثيرة فإن كنت صادقا فيما قلته ، و داخلا في طاعتنا ، فرّق عساكر بغداد ، و نحن نحضر ، فلما وصل كتابه إلى الوزير ، و دخل إلى المستعصم و قال ؛ إنك تعطي دستورا لخمسة عشر ألف من عسكرك وتوفر معلومهم. فأجاب المستعصم لذلك ، فخرج الوزير لوقته ومحا اسم من ذكر في الديوان ثم نفاهم من بغداد ومنعهم من الإقامة بها ثم بعد شهر فعل مثل فعلته الأولى ومحا اسم عشرين ألفا من الديوان ، ثم كتب إلى هولاكو بما فعل و كان قصد الوزير بمجيء هولاكو أشياء منها :
أنه كان رافضيا خبيثا وأراد أن ينقل الخلافة من بني العباس إلى العلويين فلم يتم له ذلك من عظم شوكت بني العباس وعساكرهم ففكر أن هولاكو قد يقتل المستعصم وأتباعه ثم يعود لحال سبيله وقد زالت شوكت بني العباس وقد بقي هو على ما كان عليه من العظمة والعساكر وتدبير المملكة فيقوم عند ذلك بدعوة العلويين الرافضة من غير ممانع لضعف العساكر و لقوته ثم يضع السيف في أهل السنة فهذا كان قصده لعنه الله.(67/413)
و لما بلغ هولاكو ما فعل الوزير ببغداد ركب وقصدها إلى أن نزل عليها وصار المستعصم يستدعي العساكر ويتجهز لحرب هولاكو وقد اجتمع أهل بغداد وتحالفوا على قتال هولاكو وخرجوا إلي ظاهر بغداد ومضي عليهم بعساكره فقاتلوا قتالا شديدا، وصبر كل من الطائفتين صبرا عظيما ، وكثرت الجراحات والقتلى في الفريقين إلى أن نصر الله تعالى عساكر بغداد وانكسر هولاكو أقبح كسرة وساق المسلمون خلقهم وأسروا منهم جماعة وعادوا بالأسرة ورؤوس القتلى إلى ظاهر بغداد ونزلوا بخيمهم مطمئنين بهروب العدو ، فأرسل الوزير ابن العلقمي في تلك الليلة جماعة من أصحابه فقطعوا شط دجلة فخرج مائها على عساكر بغداد وهم نائمون فغرقت مواشيهم وخيامهم وأموالهم وصار السعيد منهم من لقي فرسا يركبها، وكان الوزير قد أرسل إلى هولاكو يعرفه بما فعل ويأمره بالرجوع إلى بغداد فرجعت عساكره إلى بغداد وبذلوا فيها السيف.
ويقول الأستاذ حسن السوداني- معاصر: لقد اتفق ابن العلقمي والطوسي مع ملة الكفر ضد الخلافة الإسلامية بحجة الدفاع عن أنصار الإمام علي رضي الله عنه وشيعته . ومعرف أن الطوسي يسمى أستاذ البشر والعقل الحادي عشر ، و سلطان المحققين وأستاذ الحكماء والمتكلمين و أصله من طوس وهي من توابع مدينة قم ، و يعتبر الطوسي فخر الحكماء ومؤيد الفضلاء ونصير الملة ، ولا ندري هل كان هولاكو من هؤلاء الفضلاء الذين أيدهم الطوسي ؟ وهل كان المغول هي الملة التي نصرها الطوسي على المسلمين فهتكت الأعراض وخربت مركز الحضارة الإسلامية ؟ لقد كان الطوسي وابن العلقمي من حاشية هولاكو وهو يخرب ضريح الإمام موسى الكاظم فلم يبد منهما ما ينم عن اعتراض!
تجمع المصادر التي وصفت الساعات الأخيرة من حياة الخلافة العباسية الإسلامية على أن هولاكو قد استشار أحد المنجمين قبل أن يبدأ غزوته و كان المنجم الفلكي حسام الدين مسلما غيورا على المسلمين و حياتهم فقرأ له ما يلي: إن كل من تجاسر على التصدي للخلافة و الزحف بالجيش إلى بغداد لم يبق له العرش و لا الحياة ، و إذا أبى الملك أن يستمع إلى نصحه و تمسك برأيه فسينتج عنه ست مهالك: تموت الخيل ، و يمرض الجند ، لن تطلع الشمس و لم ينزل المطر ثم يموت الخان الأعظم.
لكن مستشاري هولاكو قالوا بغزو بغداد وعدم الاستماع لرأي المنجم ، فاستدعى هولاكو العلامة نصير الدين الطوسي الذي نفا ما قاله حسام الدين و طمأن هولاكو بأنه لا توجد موانع شرعية تحول دون إقدامه على الغزو و لم يقف الطوسي عند هذا الحد بل أصدر فتوى يؤيد فيها وجهة نظره بالأدلة العقلية و النقلية وأعطى أمثلة على أن كثيرا من أصحاب الرسول قتلوا ولم تقع الكارثة، و غزا هولاكو بغداد بفتوى الطوسي وبمعلومات ابن العلقمي وهما وزيراه الفارسيان ، و لم يستسلم المستعصم فقد أشار عليه البعض بأن ينزل بالسفينة إلى البصرة ويقيم في إحدى الجزر حتى تسنح الفرصة ويأتيه نصر الله لكن وزيره ابن العلقمي خدعه بأن الأمور ستسير على ما يرام لو التقى بهولاكو.
فخرج المستعصم ومعه 1200 شخصية من قضاة ووجهاء وعلماء فقتلهم هولاكو مرة واحدة، و وضع المستعصم في صرة من القماش و داسته سنابك الخيل وكان قتلى بغداد كما تقول المصادر المعتدلة 800 ألف مسلم ومسلمة كانوا هم ضحايا ابن العلقمي و الطوسي و الأخير كان قد أصدر فتوى بجواز قتل المستعصم حين تردد هولاكو عن قتله ،،،فافهمه الطوسي أن من هو خير منه قد قتل و لم تمطر الدنيا دماً، و قد استبيحت بغداد في اليوم العاشر من شباط عام 1258 و لم يكن ذلك اليوم آخر نكبة حلت بالأمة على يد الوزراء الفرس و لابسي العمامة الفارسية المجوسية.
-----------------------------------------
و الشيعه في جميع ادوار التاريخ يتملقون للحكام المسلمين اذا كانت الدوله قويه ، اما اذا ضعفت او هوجمت من عدو انحازوا الى صفوفه وانقلبوا عليها. كما حصل في أواخر الدولة الأموية ، حيث كانت ثوره العباسيين عليهم بتسويل الشيعه و تحريضهم و دسائسهم ، ثم كانوا في مثل هذا الموقف الاجرامي مع دولة بني العباس ايضاً عندما كانت مهدده باجتياح هولاكو والمغول الوثنيين لخلافة الاسلام و عاصمة عزه ومركز حضارته وعلومه ، فبعد ان كان النصير الطوسي حكيم الشيعه ينظم الشعر في التزلف للخليفه العباسي المعتصم ، مالبث ان انقلب عليه سنة 655 محرضا عليه ومتعجلا نكبة الاسلام في بغداد وجاء في طليعة موكب السفاح هولاكو واشرف معه على اباحة الذبح العام في رقاب المسلمين والمسلمات اطفالا وشيوخا ، ورضي بتغريق كتب العلم الاسلامي في دجله حيث ذهب نفائس التراث الاسلامي ، وقد اشترك معه في ارتكاب هذه الخيانة العظمى زميلان له احدها : وزير شيعي وهو محمد بن احمد العلقمي ، والاخر : مؤلف معتزلي اكثر تشيعاً من الشيعه وهو عبد الحميد بن ابي الحديد ، اليد اليمنى لابن العلقمي، وقد عاش عدوا لاصحاب رسول ا صلى الله عليه وسلم بما شحن به شرحه الخبيث لكتاب ( نهج البلاغه ) من الاكاذيب التي شوهت تاريخ الاسلام ولا يزال ينخدع بها من يجهلون حقائق ماضي الاسلام ودخائله.(67/414)
فالمصادر التي مرت عليك أخي القارئ أجمعت على أن ابن العلقمي كان الساعد الأيمن لهولاكو في غزو بغداد واستباحة الأموال والأنفس وقد ساعد هولاكو في قتل الخليفة عندما أحجم عن قتله نصير الدين الطوسي بإصدار فتوى بجواز ذلك.
و مع ذلك يقول حاخام إيران الأكبر الخميني: و يشعر الناس بالخسارة بفقدان الخواجة نصير الدين الطوسي و أضرابه ممن قدموا خدمات جليلة للإسلام و نحن نسأل نائب الخرافة المنتظر ما هي الخدمات التي قدمها للإسلام و المسلمين غير القتل و الإرهاب؟ و أما إذا كان يقصد خدماته التي قدمها للطاغية التتري هولاكو و أنه يمثل الإسلام، فهذا يكون له وجه آخر عند من يكون همهم معاونة الكفار على أهل السنة.
و لا يزال الشيعه الى هذه العصور المتأخره تتلذذ بالشماته و تتمتع بالعداوه للاسلام بما حل به في نكبة هولاكو. و كتاب ( روضات الجنات ) للخونساري مليء بمدح السفاحين والخونه ، و الشماته بما وقع يومئذ للاسلام ، و التشفي من ضحايا تلك النكبة من خاصه و عامه و السرور بما جرى من الذبح العام للمسلمين.
دور الشيعة في انحسار المد الإسلامي في اوروبا
عندما توج اسماعيل الصفوي ملكاً أعلن أن المذهب الرافضي هو المذهب والمعتقد الرئيسي لإيران وذلك بعد دخوله تبريز وكل من يخالف ذلك ويرفضه فإن مصيره (( القتل )) .. حتى قيل أن عدد من قتلوا في مذبحة تبريز أكثر من عشرين ألف شخص .. وقد مورس ضد السكان السنة أبشع أنواع القتل والتنكيل . ولقد كانت الدوله الصفويه الرافضيه تحارب الدولة العثمانيه بل وتتحد مع النصارى ضد أهل السنة .. في حين كانت الدولة العثمانية رافعة راية الإسلام مدافعة عن الدول الإسلامية من الهجمات الصليبية . حيث كانت الدولة الصفوية ُتحيك المؤامرات ضدها وتدخل في اتفاقيات مع دول اوربا الصليبية لمحاولة القضاء على القوة العثمانية .
يقول : ( بوسيك سفير فرديناند ) في بلاط السلطان محمد الفاتح حين صرح قائلاً : إن ظهور الصفويين قد حال بيننا ( يقصد الأوربيين ) وبين التهلكة ( يقصد الهلاك على يد العثمانيين ) .
فقد تسببت الكثير من الحروب في أن يرجع القادة العثمانيون من فتوحاتهم في أوروبا ليوقفوا الزحف الصفوي على الأراضي الُسنية كما حدث مع السلطان سليم العثماني رحمه الله حينما عاد من فتوحاته في أوروبا ليواجه إسماعيل الصفوي .. وكما حدث مع السلطان سليمان رحمه الله حينما حاصر ( النمسا ) وكان يدك أسوارها لمدة ستة أشهر وكاد أن يفتحها .. ولكن طارت إليه أنباء من الشرق جعلته يُكر راجعاً إلى استانبول لقد كانت نذر الخطر الصفوي .
اتفاقيات ومؤامرات الصفويين مع النصارى ضد الدولة العثمانية
بعد الهزيمة النكراء التي لحقت بالصفويين في موقعة ( جالديران ) في عهد الشاه اسماعيل الصفوي أمام السلطان العثماني سليم رحمه الله تحرك الصفويون للتحالف مع البرتغاليين لتغطية الهزيمة التي لحقت بهم وكان من ابرز النقاط :
1- تصاحب قوة بحرية برتغالية حملة إيران على البحرين والقطيف .
2- تتعاون البرتغال مع إيران في إخماد حركات التمرد في بلوجستان ومكران .
3 - تتحد الدولتان في مواجهة الدولة العثمانية .
4- تصرف حكومة إيران النظر عن جزيرة هرمز ، وتوافق على أن يبقى حاكمها تابعاً للبرتغال ، وأن لاتتدخل في أمورها الداخلية .
كما أرسل شاه اسماعيل السفراء إلى بلاط فينسيا طالباً الهجوم على العثمانيين عن طريق البحر وأن يقوم هو بالهجوم من ناحية البر .. ومن الدول التي كانت إيران تسعى لإيجاد علاقات معها للتخلص من الدولة العثمانية إسبانيا والمجر حيث بعث الشاه اسماعيل اليهم برسالتين طلب فيها عقد معاهدة وصداقة وتعاون بغرض سحق العثمانيين .
وكانت للشاه عباس كذلك اتصالات ومؤامرات مع الجانب الصليبي , فقد قدم الشاه عروضا للاسبان عن طريق البنادقه لكي يتقاسما اراضي الدوله العثمانيه فتحصل الاولى على الجزء الاوروبي وتستأثر الثانيه بالاسيوي ,, ولم يكن هذا العرض سوى واحد من عروض كثيره حملها سفراء ايرانيون كانوا يقطعون المسافه بين اوروبا وايران جيئة وذهابا .
وكان هذا هو المنهج الذي نهجه الصفويون في تعاملهم مع دولة السنه ,, منهج كيد وتأمر . استفادت منه الدول الاوربيه اعظم استفاده .(67/415)
ويرى الرافضة ان تقاربهم مع الصليبين وأهل الكفر بمختلف نحلهم هو افضل من تقاربهم مع اهل السنة ... كما يذكر ذلك ويقرره المؤرخ الشيعي عباس اقبال في كتابه " تاريخ ايران بعد الاسلام " حيث يقول في صفحة 647 : " يعد الشاه اسماعيل بلا شبهه احد ارشد واكبر ملوك يران ومع انه تخطى جادة الانصاف والمروءه في تحميل مذهب التشيع على شعب ايران وكان اغلبهم حتى ذاك الوقت من السنة فسفك دماء كثيرة من الابرياء بقسوه الا ان سياسته في هذا السبيل أي ايجاد الوحده المذهبيه في ايران وجعل المذهب الشيعي مذهبا رسميا في ايران واختيار السيرة التي سار عليها خلفاؤه قد افضت الى نتيجة هامه جدا . هي حفظ المجتمع الايراني من شر هجمات السلاطين العثمانيين المتعصبين وقد حالت سياسة الملوك الصفويين بعداوتهم الدينيه للعثمانيين دون انخداع اهل ايران بدعوتهم وانخراطهم بفقد استقلالهم في المجتمع السني .ا.هـ.
تحالف الرافضة مع الصليبين و حربهم ضد صلاح الدين
في الوقت الذي كان السلاجقة المسلمون يتعرضون فيه للزحف الصليبي شمال بلاد الشام، استغل العبيديون الرافضة (المتسمين بالفاطميين) الفرصة فاحتلو صور 1097م أثناء حصار الصليبيين لأنطاكية، و استقل بطرابلس القاضي ابن عمار أحد أتباع العبيديين، بل أرسل العبيديون للصليبيين أثناء حصارهم لأنطاكية سفارة للتحالف معهم و عرضو عليهم قتال السلاجقة بحيث يكون القسم الشمالي (سوريا) للصليبيين و فلسطين للعبيديين، و أرسل الصليبيون وفداً إلى مصر ليدللو على حسن نياتهم! و هكذا... فأثناء انشغال السلاجقة بحرب الصليبيين كان العبيديون منشغلين بتوسيع نفوذهم في فلسطين على حساب السلاجقة حتى أن حدودهم امتدت حتى نهر الكلب شمالاً و نهر الأردن شرقاً !
على أن الصليبيين غدرو بحلفائهم العبيديين و دخلو مناطق فلسطين في ربيع عام 1099 م في قوة عدادها ألف فارس و خمسة آلاف من المشاة فقط! فمرو بعكا التي قام حاكمها بتمون الصليبيين! ثم قيسارية ثم أرسوف، ثم احتلو الرملة و الله و بيت لحم، ثم احتلو بيت المقدس و لبثو يقتلون المسلمين و قتلو بالمسجد الأقصى ما يزيد على سبعين ألفاً منهم جماعة كثيرة من أئمة المسلمين و علمائهم و عبادهم. أما الدولة العبييدية فواجهت الخبر ببرود !
و تواصل الجهاد ضد الإفرنج . لكن في عام 541 هـ استشهد عماد الدين زنكي ــ بعد أن حمل راية الجهاد أكثر من عشرين عاماً ــ غدراً على يد جماعة من الرافضة الإسماعيليون المدعوون بالحشاشين . ثم استلم ابنه نور الدين الحكم من بعده فأكمل مسيرة الجهاد ضد الرافضة و الصلييبيين . و كان حنفي المذهب شديد التقى ، لم يعرف المسلمون بعد الخلفاء الراشدين أحداً مثله في العدل . فدخلت جيوشه مصر ثم أمر قائده صلاح الدين الأيوبي بإنهاء الدولة العبيدية ( المدعوة بالفاطمية ) في عام 577 هـ . كما قًتًل في إحدى المعارك أمير أنطاكية ريموند ، و زعيم الباطنية المتعامل معهم ضد المسلمين علي بن وفا .
و عندما استلم صلاح الدين الحكم كان أول ما فعله أن استبدل أئمة المساجد و القضاة في مصر بالعلماء الشافعية بدلاً من الرافضة. و رأى منه أهل مصر من العدل ما لم يروه منذ قرون طويلة من حكم الرافضة، فتحولو كلهم في زمانه إلى الإسلام و كان ذلك نهاية مذهب الشيعة في قارة افريقيا. و حاول الرافضة الإسماعيليون المدعوون بالحشاشين اغتياله عدة مرات. و حاول احتلال عاصمتهم مصياف في جبال الساحل السوري لكنه لم يوفق في ذلك. و يذكر أنه لولا مساعدة الرافضة للصليبيين و قيامهم بفتح أسوار عكا لما نجح ريتشارد الصليبي من دخول المدينة .
و استمر التحالف الصليبي الرافضي بعد صلاح الدين، و توسع هذا التحالف ليشمل التتار أيضاً. على أن المماليك كانو أقل حزماً في قتال الرافضة، فبقي بعضهم مختبأً في جبال ساحل بلاد الشام حتى يومنا هذا. و هم الشيعة الإثني عشر في جنوب لبنان و الدروز في جبال لبنان ( ارتحل بعضهم إلى جبل العرب و الجليل في القرن الماضي ) .(67/416)
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه : الرافضة أعظم ذوي الأهواء جهلاً وظلماً يعادون خيار أولياء الله تعالى من بعد النبيين من السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار الذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم و رضوا عنه ، و يوالون الكفار و المنافقين من اليهود و النصارى و المشركين و الملحدين كالنصيرية و الإسماعيلية و غيرهم من الضالين . فتجدهم أو كثيرا منهم إذا اختصم خصمان في ربهم من المؤمنين و الكفار و اختلفت الناس فيما جاءت به الأنبياء فمنهم من آمن و منهم من كفر سواء كان الاختلاف بقول أو عمل كالحروب بين المسلمين و أهل الكتاب والمشركين ، تجدهم يعاونون المشركين و أهل الكتاب على المسلمين أهل القرآن ، كما قد جربه الناس منهم غير مرة في مثل إعانتهم للمشركين من الترك وغيرهم على أهل الإسلام بخرسان والعراق والجزيرة والشام وغير ذلك. وإعانتهم للنصارى على المسلمين بالشام ومصر وغير ذلك في وقائع متعددة من أعظم الحوادث التي كانت في الإسلام في المائة الرابعة والسابعة ، فإنه لما قدم كفار الترك إلى بلاد الإسلام وقتل من المسلمين مالا يحصي عدده إلى رب الأنام كانوا من أعظم الناس عداوة للمسلمين ومعاونة الكافرين هكذا معاونتهم لليهود أمر شهير حتى جعلهم الناس لهم كالحمير .
ويقول أيضاً : الشيعة ترى أن كفر أهل السنة أغلظ من أكفر اليهود والنصارى لأن أولئك عندهم كفار أصليون وهؤلاء كفار مرتدون وكفر الردة أغلظ بالإجماع من الكفر الأصلي ولهذا السبب يعاونون الكفار على الجمهور من المسلمين فيعانون التتار على الجمهور وهم كانوا من أعظم الأسباب في خروج جنكيز خان ملك الكفار إلى بلاد الإسلام وفي قدوم هولاكو إلى العراق وفي أخذ حلب ونهب الصالحية وغير ذلك بخبثهم ومكرهم ولهذا السبب نهبوا عساكر المسلمين ، لما مر عليهم وقت انصرافه إلى مصر في النوبة الأولى .
و لهذا السبب يقطعون الطرقات على المسلمين ، وظهر فيهم من معاونة التتار والإفرنج على المسلمين ، والكآبة الشديدة بانتصار الإسلام ما ظهر ، وكذلك فتح المسلمين لعكا وغيرها .وظهر فيهم من الانتصار للإفرنج والنصارى ، وتقديمهم على المسلمين ، ما قد سمعه الناس منهم ، وكل هذا الذي وصفت بعض أمورهم ، وإلا و الأمر أعظم من ذلك . وقد اتفق أهل العلم بالأحوال أن أعظم السيوف التي سلت على أهل القبلة ممن ينتسب إلى أهل القبلة إنما هو من الطوائف المنتسبة إليهم منهم أشد ضررا على الدين و أهله و أبعد من شرائع الإسلام من الخوارج الحرورية.
كتبه
عَبْد اللَّه بن محمد زُقَيْل
============(67/417)
(67/418)
يا أمة محمد
للشيخ خالد الراشد
يقول الله جل في علاه :{ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً ، وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُّنِيراً ، وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُم مِّنَ اللَّهِ فَضْلاً كَبِيراً ، وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً }..
نعم عباد الله ..
محمد بن عبد الله صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وصحبه ومن والاه ..
أرسله الله ..
شَاهِداً ..
ومُبَشِّراً ..
ونَذِيراً ..
والشاهد ..
لا يكون إلا عدلاً..
والمُبشر ..
لا يأتي إلا بخير ..
والنذير ..
لا يُنذر إلا من محبة ، وخوف على من ينذرهم ..
يقول الله لنا : { لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ }..
عباد الله ..
ما قامت هذه المنابر ..
ولا تشرفت ..
إلا يوم أن كان أول من اعتلاها هو ..
محمد بن عبد الله عليه من ربه أفضل الصلاة وأتم التسليم ..
ووالله ..
لا خير في هذه المنابر ..
ووالله ..
لا خير في هذه المنابر ..
إن لم تدافع اليوم ..
عن أغلى البشر..
كان إذا صعد المنبر هزَّ المنبر هزاً ، وعلا صوته ، واحمَّر وجهه ، كأنه منذر جيش حتى يقول الصحابة : أواقع المنبر برسول ا صلى الله عليه وسلم !..
صعد المنبر ..
وارتقى في سلم العبودية ..
حتى وصل إلى سدرة المنتهى ..
يوم أن أسرى به ربه ليلاً من المسجد الحرام ، إلى المسجد الأقصى ..
أسرى بك الله ليلاً إذ ملائكه والرسل
لما رأوك به التفوا بسيدهم
صلى وراءك منهم كل ذي خطر
جبت السماوات أو ما فوقهنَّ دجاً
ركوبة لك من عز ومن شرف
مشيئة الخالق الباري وصنعته
… …في المسجد الأقصى على قدم
كالشهب بالبدر ،أو كالجند بالعلم
ومن يفز بحبيب الله يأتمم
على منوَّرة درّية النجم
لا في الجياد ولا في الأينق الرُسم
وقدرة الله فوق الشك والتهم
ما أقسم الله بحياة أحد من البشر إلا بحياة محمد صلى الله عليه وسلم .
فقال الله : { لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ } ..
يقول ابن عباس : ما خلق الله ، وما ذرأ نفساً أكرم عليه من محمد صلى الله عليه وسلم .
وما سمعت الله أقسم بحياة أحد غيره ..
إنه ..
محمد بن عبد الله عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم ..
سيد ولد آدم ولا فخر ..
وأول من تنشق الأرض عنه ولا فخر ..
وأول شافع ، وأول مشفع ولا فخر ..
ولواء الحمد بيده يوم القيامه ولا فخر ..
اسمه محمد : مشتق من الحمد أي أحمد الناس لربه ..
وأبوه عبد الله : من العبودية لله ..
وكان يعجب صلى الله عليه وسلم أن يُقال : عبد الله ورسوله ..
وهو الذي أتى بدين العبودية الخالصة ..
وأمه آمنه : من الأمن ..
وقد أمنه الله على وحيه ودينه ، كما كانت شريعته أمناً وسلاماً ..
وحاضنته أم أيمن : من اليُمن ، والبركة ..
ومرضعته حليمه : وحليمة من الحلم ..
وكلها صفات قد اكتملت في شخصيته صلى الله عليه وسلم .
ولما كان خاتم النبيين ..
فوجب أن تكون شريعته أكمل الشرائع ..
وأن تتوفر فيه صفات جميع الأنبياء والمرسلين ..
نُسب إلى الشافعي رحمه الله قوله : ما أوتي نبي معجزة ولا فضيلة إلا ولنبينا r نظيرها وأعظم منها ..
يا خاتم الرسل المبارك ضوؤه صلى عليك مُنَّزل القرآن
سبحان من ..
زكَّى سمعك وبصرك واصطفاك ..
سبحان من جعل ..
أكمل صفات البشر في صفاتك ..
وأكمل أخلاق البشر في أخلاقك ..
أنت الذي قال لك ربك : { وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ}..
وأنت الذي قلت عن نفسك :
( أدبني ربي فأحسن تأديبي )..
يقول عنك حسان :
وأحسن منك لم ترى قط عيني
خُلقت مبرءاً من كل عيب
… …وأجمل منك لم تلد النساء
كأنك قد خلقت كما تشاء
اعترف بعظمتك القاصي والداني ..
حتى الذين أنكروا نبوتك لم ينكروا عظمتك ..
وأنت لست بحاجة إلى شهاداتهم أو تزكياتهم ..
ولسنا اليوم قد اجتمعنا لنذكر صفاتك ، ومحاسنك ، وكريم أخلاقك ..
فإنا لا نشك أبداً في أنك ..
سيد ولد آدم ..
وإنك أنت التقي ..
النقي ..
الطاهر العلم ..
عباد الله ..
آن الأوان ..
ليُعرف الصادق من الكاذب ..
آن الأوان ..
ليُعرف الصادق من الكاذب ..
آن الأوان ..
أن ننفض أثواب الذل والمهانة..
منذ عهود طوال ونحن نشرب كأس الذل والمهانه..
أنَّت فلسطين ، وصاح أقصانا ولا مجيب ..
وتوالت الصيحات والأنات ..
ولو كانت صخور لاستجابت لتلك الآهات والصيحات ..
ولازالت تتتابع علينا المصائب ، وتوجه لنا الشتائم والاحتقارات ..
وممن ؟!.
من أذل وأحقر شعوب الأرض ..
لكن لماذا ؟؟!!..
لأننا لو ..
احترمنا أوامر ربنا لاحترمونا ..
لأننا لو ..
عملنا لكتاب ربنا ما أهانونا..
لأننا لو ..
سرنا على هدي نبينا ما أخافونا ..
قا صلى الله عليه وسلم مشخصاً مرضنا :
( إذا تبايعتم بالعينة - أي بالربا - و أخذتم أذناب البقر ، ورضيتم بالزرع ، وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه حتى تعودوا إلى دينكم ) ..(67/419)
يوم أن كان المسلمون أعزة صرخت امرأة : وإسلاماه ..
فجيَّش لها المعتصم جيشاً ، وسيَّر لها جيوشاً لنصرتها ..
ويوم أن نقض نقفور - كلب الروم - العهد ..
أرسل له هارون رسالة فحواها : الخبر ما ترى لا ما تسمع يا كلب الروم ..
واليوم ..
يوم أن تشربنا الذل والهوان ..
ماتت أحاسيسنا ..
وماتت مشاعرنا ..
يسخر تجار البقر من رسولنا ..
يسخر تجار البقر من رسولنا صلى الله عليه وسلم .
ونحن ..
نتدارس جدوى المقاطعة ..
وأغلى أمانينا أن يقدموا لنا اعتذار!!!! ..
أغلى أمانينا أن يقدموا لنا اعتذار !!!!..
أي اعتذار !!!!..
حتى الاعتذار طلبناه على ذل لأننا استمرأنا الهوان ..
إنَّ اجتماعنا اليوم - في يوم جمعتنا - ليس لقضية مقاطعة ..
ليست لقضية مقاطعة لحليب أو لأجبان ..
القضية قضية ..
نكون أو لا نكون ..
القضية قضية ..
نكون أو لا نكون ..
أسألكم بالله ..
ماذا سيقول علينا التاريخ بعد عقود من الزمان ؟!..
خانوا الله ..
وخانوا الرسول ..
محاوري ثلاثة ..
هذا نبينا ..
وما الذي أغاظهم !..
ثم أخيراً ..
هذا فعل المحبين ..
قال الله : { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ } ..
نعم رحمه ..
فمن قبل هذه الرحمه..
وشكر هذه النعمه ..
سعد في الدنيا والآخره ..
ومن ردها وجحدها ..
خسر الدنيا والآخره ..
عند مسلم من حديث أبي هريره : قيل يا رسول الله : ادع على المشركين ..
قال :
( إني لم أُبعث لعَّانا ، وإنما بُعثت رحمه )..
( إني لم أُبعث لعَّانا ، وإنما بُعثت رحمه )..
وفي حديث آخر :
(أنا رحمة مهداة )..
ولم تكن رحمته قاصرة على البشر ..
بل حتى على الحيوانات ..
عند أبي داوود من حديث ابن مسعود رضي الله عنه قال :
كنا مع صلى الله عليه وسلم في سفر فمررنا بشجرة فيها فرخا حُمَر - طائر صغير كالعصفور - فأخذناهما ، فجاءت الحُمَرَة إلى صلى الله عليه وسلم وهي تفرش - تضرب بجناحيها في الأرض -
فقال :
من فجع هذه بفرخيها ؟..
قال قلنا : نحن يا رسول الله ..
قال :
( ردوهما رحمة بها ) ..
قال :
( ردوهما رحمة بها ولها )..
فرددناهما إلى مواضعهما ..
الله أكبر ..
اشتكت له أم الفراخ ..
اشتكت له ، ورفعت له شكوى الظلم والجور ..
لأنه حامل لواء العدل ..
وسماه الله :
{ رَؤُوفٌ رَّحِيم } ..
عجباً لهم ..
عجباً لهم ..
كيف عميت أبصارهم عن ..
تأمل هذه المشاهد ..
وقراءة هذه الأخبار ..
من حياة سيد الأبرار ..
يقول زيد بن أرقم : كنت مع صلى الله عليه وسلم في بعض سكك المدينه ، فمررنا بخباء لإعرابي فإذا ظبيه - غزاله - مشدوده إلى الخباء ، فقالت : يا رسول الله إن هذا الإعرابي اصطادني ولي خُشفان في البريه - يعني ولد الغزال - ولي خُشفان وقد تعقد اللبن في أخلافي فلا هو يذبحني فأستريح ، ولا يدعني فأرجع إلى خشفي في البرية ..
فقال لها رسول ا صلى الله عليه وسلم :
إن تركتك أترجعين ؟!.
قالت: نعم وإلا عذبني الله عذاب العشار ..
فأطلقها رسول ا صلى الله عليه وسلم فلم تلبث أن جاءت تلمَّظ ..
فشدَّها رسول ا صلى الله عليه وسلم إلى الخباء فجاء الإعرابي ومعه قربة ، فقال رسول ا صلى الله عليه وسلم :
أتبيعنيها ؟..
قال : هي لك يا رسول الله ..
فأطلقها صلى الله عليه وسلم .
يقول زيد بن أرقم : فأنا والله رأيتها تسيح في البريه وتقول :
لا إله إلا الله ، محمد رسول الله ..
وللخبر طرق أخرى عن أنس وأم سلمه وغيرهما ..
قاتلهم الله ..
صوروه ورسموه في أبشع المناظر والصور ..
قاتلهم الله ..
صوروه ورسموه في أبشع المناظر والصور ..
ما دروا أنه أحلى من القمر ..
اسمع أوصاف أغلى وأحلى البشر ..
عن جابر بن سمره رضي الله عنه قال : رأيت صلى الله عليه وسلم في ليلة إضْحِيان - ليلة مقمرة لا غيم فيها - وعليه حُلّة حمراء ، فجعلت أنظر إليه وإلى القمر ، فلهو كان في عيني أحلى من القمر ..
يقول كعب رضي الله عنه : كان رسول ا صلى الله عليه وسلم إذا سُرَّ استنار وجهه كأنه قطعة قمر..
وتقول الرُبيّع بنت معوذ لمحمد بن عمار بن ياسر ، تقول له لو رأيته - يعني لو رأيت صلى الله عليه وسلم - لقلت الشمس في أبراجها طالعه..
لو رأيته - يعني لو رأيت صلى الله عليه وسلم - لقلت الشمس طالعة في أبراجها ..
ويقول أنس رضي الله عنه واصفاً حبيب صلى الله عليه وسلم : كان ربعة من القوم ، متوسط الطول ، إلى الطول أقرب ، ليس بالطويل ولا بالقصير ، أزهر اللون أمهر - أي أبيض مشرَّب بحمرة - .
ويقول جابر رضي الله عنه : كنت إذا نظرت إلي صلى الله عليه وسلم قلت أكحل العينين ، وليس بأكحل ، مشَّرب العينين بحمرة ..
ويقول علي رضي الله عنه واصفاً إيا صلى الله عليه وسلم يقول : كان في الوجه تدوير ، أبيض مُشرَّب ، أدعج العينين ، أهدب الأشفار ..
ما أحلاه وما أجمله ..
يقول أهل العلم إن كان يوسف عليه السلام أُعطي نصف الجمال فإنَّ نبينا صلى الله عليه وسلمقد أُعطي الجمال كله ..(67/420)
عن الحسن بن علي عن خاله قال : كان رسول ا صلى الله عليه وسلم واسع الجبين ، أزجّ الجواجب - أي مُقوَّس الحواجب - سوابغ في غير قَرَن - أي حاجب تام طويل بلا اتصال بين الحاجبين ، وبين الحاجبين عِرْق يُدِرّه الغضب - أي يمتلأ ذلك العرق دماً إذا غضب - ..
وما كان يغضب لنفسه قط ..
وما كان يغضب لنفسه قط ..
إنما يغضب لحدود الله إذا انتهكت ..
يقول الحسن مواصلاً وصفه لجد صلى الله عليه وسلم : كان r أقنى العِرْنين - أي طويل الأنف - له نور يعلوه ، سهل الخدين ، ضليع الفم ، أشنب ..
ويقول ابن عباس رضي الله عنهما كان رسول ا صلى الله عليه وسلم : أفلج الثنيتين ، وكان إذا تكلم رُؤي كالنور بين ثناياه ..
وذكر علي رضي الله عنه أن صلى الله عليه وسلم كان ضخم الرأس واللحية ..
اسمع ..
يا من تحلق لحيتك ..
ولا تريد أن تتشبه بنبيك صلى الله عليه وسلم .
وهو الذي قال :
أطلقوا اللحى ..
أسدلوا اللحى..
أكرموا اللحى ..
أوفوا اللحى ..
لا تتشبهوا باليهود والنصارى ..
وكان شعر رأسه كما قال أنس رضي الله عنه : بين الشعرين لا سبط ولا جعد ، بين أذنيه وعاتقه يضرب منكبيه ، وليس في رأسه ولحيته عشرون شعرة بيضاء ..
يالله ..
تأمله الصحابة تأملاً ، وملأوا أعينهم منه وما كانوا يشبعون من رؤيته ..
دخ صلى الله عليه وسلم يوماً على أحد أصحابه فوجده مهموماً مغموماً فقال له : ماذا دهاك ، وما الذي أهمك ؟!..
فأخذ المحب يبث أشواقه ، فقال : يا رسول الله لقد أهمني أمر عظيم ، وهو أننا نكون معك ، ونشتاق لك ، ويزيد شوقنا لك ونحن بين يديك .. فكيف إذا مت أو متنا وفارقناك !!..
كيف إذا كنا من أهل الجنة وكنت أنت من أعلاها منزلة ، كيف نراك ؟!!..
بل كيف لو كنا من أهل النار وحُرمنا رؤياك ؟!!..
فبشره الحبيب r قائلاً :
( المرء مع من أحب ) ..
فهل نحبه حقاً ؟؟؟!!!...
هل نحبه حقاً ؟؟؟!!!...
كما قال لنا r عن حقيقة الإيمان :
( لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ..
نفسه ..
ووالديه ..
وولده ..
وماله ..
والناس أجمعين ) ..
تأملت ..
والله ما طلعت شمس ولا غربت
ولا جلست إلى قوم أحدثهم
… …إلا وحبك مقرون بأنفاسي
إلا وأنت حديثي بين جلّاسي
اسمع يا مشتاق ..
مزيد من الأوصاف للمختار ..
عند مسلم من حديث أنس رضي الله عنه قال :
كان r أزهر اللون ، كأنَّ عرقه اللؤلؤ ، إذا مشى تكفأ ، وما مسست حريراً ولا ديباجاً ألين من كفِّ رسول الله عليه وسلم ، ولا شممت مسكاً ولا عنبراً أطيب رائحه من رائحته صلى الله عليه وسلم .
ومع عرق صلى الله عليه وسلم لأم سُليم رضي الله عنها خبر من أجمل الأخبار ..
يقول أنس رضي الله عنه : دخل علينا صلى الله عليه وسلم فَقَال - أي نام لوقت القيلوله - فعرق وكان كثير العرق ، وجاءت أمي بقاروره ، فجعلت تُسلت العرق فاستيقظ صلى الله عليه وسلم فقال :
( يا أم سُليم ما هذا الذي تصنعين ؟!).
قالت : هذا عرق نجعله لطيبنا ، وهو أطيب الطيب ..
قالت : هذا عرق نجعله لطيبنا ، وهو أطيب الطيب ..
أي والله ..
لا يخرج من ذلك الجسد الطاهر إلا أطيب الطيب ..
في صحيح الأخبار أن صلى الله عليه وسلم في يوم بدر صفَّ الصفوف وكان بيده قِدْح - أي سهم - يُعدِّل به القوم فمرَّ بسوَّاد بن غزيه وهو متقدِّم في الصف ، فطعنه في بطنه بالقِدْح وقال :
استوِ يا سوَّاد ..
فقال سوَّاد : يا رسول الله أوجعتني وقد بعثك الله بالحق والعدل فأَقِدْني من نفسك - أي اجعلني أقتص منك -..
فقال ل صلى الله عليه وسلم :
لك ما أردت..اقتص لنفسك ..
وعرض نفسه له ، فقال له : يا رسول الله لكنَّ بطني كان مكشوفاً فلا بدَّ أن تكشف بطنك ..
فكشف له صلى الله عليه وسلم عن بطنه ، وقال :
اقتص لنفسك يا سوَّاد..
الله أكبر ..
القائد الأعلى وقائد القوات المسلحه يعرض نفسه للقصاص لجندي من جنوده وأمام مرأى ومسمع جميع الجنود ..
فكشف له صلى الله عليه وسلم عن بطنه وقال :
اقتص لنفسك يا سوَّاد ..
فما كان من الجندي إلا أن اعتنق بطن صلى الله عليه وسلم ، وأخذ يمرغ وجهه ولحيته في بطنه ، فقال ل صلى الله عليه وسلم :
ما حملك على هذا يا سوَّاد ؟!..
فقال : يا رسول الله حضر ما ترى - يعني حرب وقتال - ولا ندري نحيا أو نموت ، فأردت أن يكون آخر العهد بك أن يمس جلدي جلدك ..
فدعا ل صلى الله عليه وسلم بخير ..
عباد الله ..
استكمالاً لوصف صلى الله عليه وسلم لا بدَّ من ذكر خاتم النبوة الذي في ظهره ، فقد جاء عند مسلم من حديث جابر يقول فيه : و رأيت الخاتم عند كتفيه مثل بيضة الحمامه يشبه جسده ..
وفي وصف آخر عند أحمد من حديث عبد الله بن سرجس قال : ورأيت خاتم النبوة في نغض كتفيه الأيسر كأنه جُمع فيه خيلان سود كأنها الثآليل ..
وفي وصف آخر :شامة سوداء تضرب إلى الصفره حولها شعرات متراكبات كأنها عرق فرس ..
قالوا والحكمه في الخاتم أنه ..
آيه وعلامه ذكرها الله في كتب اليهود والنصارى ..(67/421)
وقالوا أيضاً أنه لما كان قلب صلى الله عليه وسلم مُلأ حكمة وإيماناً - كما في الصحيح - خُتم عليه كما يُختم على الوعاء المملوء مسكاً أو دُرَّاً..
إنه ..
معلم البشريه وهاديها ..
جمع ..
القوه ..
والعدل ..
والشدة في الله ..
وكان ..
ألين الناس ..
وأرق الناس ..
وأرحم الناس بالناس ..
إنه من أشد الناس حياء ً ..
بل أشد حياء من العذراء في خدرها ..
أفلا يستحون !!!..
أفلا يستحون !!!..
وهم يصورونه بتلك المناظر الخاليه من الحياء ..
{قَاتَلَهُمُ اللَّهُ } ..
{قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ }..
اجتمع في صلى الله عليه وسلم الكمال البشري الذي لم يجتمع لبشر سواه ..
واجه قومه بدعوة تتصدع من هول وقعها الجبال ..
ولقن قوى الشرك والظلم والطغيان دروساً لن تنساها مدى الزمان ..
يقول هرقل لأبي سفيان بعد أن سأله عنه ، وعن أخباره ، وعن وصفاته ، فلما استوثق منه ومن صدقه قال هرقل : لئن صدقت فيما قلت ليملكنَّ موضع قدميّ هاتين ، ولو كنت عنده لغسلت قدميه ..
كان r يعلم علم اليقين أنه جاء لهذه الحياة ليغيرها وليصحح مسارها ، وأنه ليس رسولاً لقريش ولا إلى العرب وحدهم ..
بل رسول الله إلى الناس كافة ..
من الطفوله إلى الأربعين :
طهر ..
ونقاء ..
ومن الأربعين إلى الممات :
جهاد ..
ومضاء ..
كتاب مكشوف كأنَّ الله يقول للناس :
هذا رسولي إليكم ..
كتاب مكشوف من المحيا حتى الممات كأنَّ الله يقول للناس :
هذا رسولي إليكم ..
ما كذب على الله أربعين سنه ..
ما كذب على الله أربعين سنه قبل النبوة ، أيُعقل أن يكذب على الله بعدها !!..
يوم أن تحمَّل الأمانه ، وكُلِّف بالرساله ، جاء إلى خديجه خائفاً يقول :
( زملوني .. زملوني )..
فقالت بكل ثقة لأنها تعرف طهره وعفافه :
والله ..
لا يخزيك الله ..
إنك لتصل الرحم ..
وتحمل الكَل ..
وتصدق الحديث ..
وتُعين على نوائب الحق ..
علمت رضي الله عنها أنَّ من يتصف بهذه الصفات لا يُخذل أبداً ..
فلما سمعت خديجة رضي الله عنها كلامه ، وطمأنته وهدَّأت من روعه انطلقت به إلى ابن عمها ورقه بن نوفل ، وكان قد تنَصَّر وعنده من العلم ما عنده ..
فلما سمع كلام خديجة رضي الله عنها قال رحمه الله وهو خائف وَجِل : قدوس قدوس .. والذي نفسي بيده لئن كنت صدقت ياخديجة إنه لنبي هذه الأمة ..
لئن كنت صدقت ياخديجة إنه لنبي هذه الأمة ..
ثم قال للنبي صلى الله عليه وسلم والذي نفسي بيده إنه ليأتيك الناموس الأكبر الذي كان يأتي لموسى عليه السلام ، وإنك نبي هذه الأمة ولتؤذينْ ، ولتُقاتلنْ ، ولتُنصرنْ بإذن الله ..
ثم قال ورقه ..
واسمعوا يا شباب ..
ثم قال ورقه ..
واسمعوا يا شباب ..
اسمعوا الشيخ الكبير الذي ذهب بصره ..
اسمع ماذا يتمنى !!..
يقول للنبي صلى الله عليه وسلم ليتني كنت فيها جذعاً - أي ليتني كنت فيها شاباً - والله لأنصرنّك نصراً مؤزراً ..
ليتني كنت فيها جذعاً ..والله لأنصرنّك نصراً مؤزراً ..
ثم أخذ برأس صلى الله عليه وسلم ، فقبله ، وقال : ليتني معك حين يخرجك قومك ..
فقا صلى الله عليه وسلم :
أوَ مخرجي هم ؟!.
فقال ورقه رحمه الله : ما جاء أحد بمثل ما جئت به إلا عودي ..
وما لبث ورقه بعدها إلا قليلاً ومات ..
فلما تنزَّل قول الله : { يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ ، قُمْ فَأَنذِرْ ، وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ ، وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ ، وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ ، وَلَا تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ ، وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ } ..
قا صلى الله عليه وسلم بعد نزول الآيات :
( ولّى زمان النوم يا خديجه )..
( ولّى زمان النوم يا خديجه )..
فجهر بدعوة الحق وهو الوحيد الأعزل ..
وقام بدين الله وبالدعوة إليه ما لم يقم به أحد ..
وأوذي في الله ما لم يؤذَ قبله أحد ..
وقاسى الاضطهاد والعذاب هو الأتباع ، يقول لهم :
( صبراً إن موعدكم الجنة )..
يقول للأتباع :
( صبراً إن موعدكم الجنة )..
كل هذا لتحرير البشريه من وثنية الشرك ، والضمير ، وضياع المصير ..
قاسى من أهل مكه ما قاسى ..
آذاه أهله وأقاربه ووصموه بالكذب ، والسحر ، والشعوذه ..
فما زاده ذلك إلا ..
ثباتاً ..
ويقيناً ..
ولما رأى أصحابه القلة القليله يُهانون ، ويُعذبون ، ويُضطهدون أمرهم بالهجرة إلى الحبشة ، وبقى في مكة وحيداً يواجه قوى الظلم والطغيان ..
فما وهن ..
ولا استكان..
فلما رأوا ثباته ساوموه وعرضوا عليه الملك ، والنساء ، والمال..فجاهدهم بالقرآن ..
عرضوا عليه الملك ، والنساء ، والمال ، والسلطان ..فجاهدهم بالقرآن..
كما قال الله وكما أمره ربه تبارك وتعالى { وَجَاهِدْهُم بِهِ جِهَاداً كَبِيراً } ..
ولما هددوه وتآمروا عليه قال :
( والله لو وضعوا الشمس في يميني ، والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك دونه ) ..
فلقد سرت مسرى النجوم همومه ومضت مضي الباكرات عزائمه
فلما ماتت خديجة المثبته له بعد الله ..
ومات عمه الذي كان يحميه ..
خرج للطائف يعرض عليهم عزَّ الدنيا ، وشرف الآخره ..(67/422)
فاستهزأوا به وآذوه ، فقال له أحدهم : أنا أسرق ثياب الكعبه إن كان الله بعثك بشيء قط ..
وقال الآخر :والله لا أكلمك بعد مجلسك هذا كلمة واحدة أبدً ..لئن كنت رسولا ً لأنت أعظم شرفاً وحقاً من أكلمك ..
وقال ثالثهم - قاتله الله - أعجز الله أن يرسل غيرك ..
فلما آيس منهم قال لهم : اكتموا أمري ..
فغدروا به وأغروا به صبيانهم وسفاءهم وقعدوا له صفين على طريقه فأخذوا يرمونه بالحجارة فجعل لا يرفع رجله ولا يضعها إلا رضخوها بالحجاره وهم يستهزئون ويسخرون ..
فخرج هائماً على وجهه لم يفق إلا في قرن المنازل ..
يقول - بأبي هو وأمي - :
فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلتني ، فنظرت فيها فإذا فيها جبريل فناداني ، فقال : إن الله قد سمع قول قومك لك وما ردوا عليك وقد بعث الله إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم ..
فناداه ملك الجبال وسلم عليه ثم قال له يا محمد : إن شئت أطبقت عليهم الأخشبين
فقال الرحمة المهداة :
( بل أرجو أن يُخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده ، ولا يشرك به شيئاً )..
يالله ..
أبعد أن آذوك ، وشتموك ، وأدموا قدميك ، ونالوا ما نالوا من السخرية ، والاستهزاء تحرص على هدايتهم وإنقاذهم بدلاً من تدميرهم وهلاكهم ..
سلوا مكة ورجالها ..
سلوا الطائف وجبالها ..
عن عظمة سيد البشر والرجال ..
والله ..
والله ..
مهما..
تكلمت الأفواه ..
أو سطرت الأقلام ..
فستظل كأنها لم تبرح مكانها ..
فمن ذا الذي يستطيع أن يصف ، أو ينصف عظمة سيد ولد آدم !!..
ومهما ..
خُطت له الصحائف ..
وأُلفت له المؤلفات ..
عن شخصيته وحياته ..
فإنها ستسكت على استحياء ..
لأنها لا تستطيع أن تستوعب بصفحاتها مهما كثرت جانباً واحداً من عظمته..
فلقد بلغ الدُجى بجماله
حسنت جميع خصاله
… …وبلغ العُلا بكماله
فصلوا عليه وآله
يقول الله له مواسياً بعد أن ناله ما ناله من الأذى والسخرية والاضطهاد : { وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُواْ عَلَى مَا كُذِّبُواْ وَأُوذُواْ حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ وَلَقدْ جَاءكَ مِن نَّبَإِ الْمُرْسَلِينَ }..
وقال سبحانه :{ وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُواْ مِنْهُم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ } ..
وها هم يسخرون ويستهزئون بك ميتاً ..
تحملت السخريه وأنت حي وصبرت عليها ..
وها هم يسخرون ويستهزئون منك ميتاً ..
والله ..
لن يضروك - بأبي أنت وأمي - ..
بل طبت وربي ..
حياً ..
وميتاً ..
والله ما ضروا إلا أنفسهم ..
فلقد آذنهم الله بالحرب ..
والله ما ضروا إلا أنفسهم ..
ولكنه امتحان ، وابتلاء لنا من الله ..
ليختبر ..
محبتنا لك ..
وصدقنا في اتباعك ..
وشجاعتنا في الدفاع عنك ..
ولكنه امتحان وابتلاء لنا ..
ليختبر الله ..
محبتنا لك ..
وصدقنا في اتباعك ..
وشجاعتنا في الدفاع عنك ..
وأنت الذي تحملت من أجلنا ما تحملت ..
فما الذي أغاظهم !!..
فما الذي أغاظهم وجعلهم يسخرون ويستهزئون !!..
هذا هو محورنا الثاني في الخطبة الثانيه بإذن الله ..
اللهم اجزي عنا محمداً خير ما جزيت نبياً عن أمته ..
نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم ..
ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم ..
أقول ما تسمعون وأستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم..
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين ..
والعاقبة للمتقين ..
ولا عدوان إلا على الظالمين ..
وصلى الله وسلم وبارك على
المبعوث رحمة للعالمين ..
وعلى آله ..
وأصحابه الغر الميامين..
وعلى أمهات المؤمنين ..
وعلى من استنَّ بسنته..
واهتدى بهديه إلى يوم الدين ..
أوصيكم ونفسي عباد الله بتقوى الله ..
أوصيكم ونفسي عباد الله بتقوى الله ..
فإن الله لا يتقبل إلا من المتقين ..
عباد الله..
بلد هناك في أوربا يسمى بالدانمارك ..
بيننا وبينهم سفارات وتجارة ومبادلات ..
وبيننا وبينهم عهود ومواثيق ..
لا آذيناهم ولا استعديناهم لا من قريب ولا من بعيد ..
لكن ملة الكفر واحدة ..
مُلئت قلوبهم حسداً وغلاً على المسلمين ..
وربنا أعلم بذلك وقد أخبرنا عنهم وكشف خباياهم وأسرارهم ..
قال الله : { وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ} ..
وقال الله عنهم : { وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَاء } ..
سمعوا هم كما سمع العالم كله عن الإهانات التي تقدم للمسلمين ..
ورأوا ردود الفعل لا تليق بمن عندهم عزة وكرامه ..
سمعوا ..
عن فلسطيننا وأقصانا ، وكيف خذلنا أطفال الحجارة ..
سمعوا ..
أننا خذلنا العفيفات في البوسنة ، والشيشان ..
سمعوا ..
عن تطاول الصليبين الأمريكان على ثرواتنا ، وأعراضنا في العراق ..
بل داسوا قرآننا ..
بل داسوا قرآننا وأهانوه وما سمعوا منا إلا شجب واستنكار كما هي عادتنا ..
سمعوا ..
اليهود يرددون ويقولون عنا : محمد مات وخلَّف بنات ..
سمعوا ..(67/423)
اليهود يرددون عنا ويقولون : محمد مات وخلَّف بنات ..
فأرداوا أن يأخذوا نصيبهم من القصعه التي تداعت عليها الأمم لما قُدف الوهن في قلوبنا فطعنونا طعنه أخرى في الصميم ..
وفي من !!
في سيد ولد آدم !!..
بالذي ..
لولا الله ثم لولاه ما اهتدينا ، ولا صمنا ، ولا صلينا ..
طعنونا ..
بالذي وجدنا ضلَّالاً فهدانا الله به ..
طعنونا ..
بالذي وجدنا عائلين فأغنانا الله به ..
طعنونا ..
بالذي وجدنا متناحرين فألَّف الله بين قلوبنا به ..
طعنونا ..
بالذي أحب إلينا من ..
أنفسنا ..
ووالدينا ..
وأهلينا ..
وأموالنا ..
والناس أجمعين ..
وليسوا هم بأول من فعل ذلك ..
فلقد سبقهم من سبقهم ولم يجدوا من يرد عليهم كرد مُعَوِّذ ومعاذ ابنا عفراء..
تطالوا لأنهم لم يجدوا من يرد عليهم ..
كرد مُعَوِّذ ومعاذ ابنا عفراء أبناء السادسة عشر الذين خرجا يوم بدر بحثاً عن أبي جهل ..
فما صفت الصفوف - يقول عبد الرحمن بن عوف - فإذا أنا بين صبية صغار فضاق صدري لأني أردت رجالاً يحمون ظهري ، فلما تكلما علمت أنهما من أرجل الرجال ..
قالا : يا عم أين أبي جهل ؟..
قال : وماذا تريدان منه ؟! ..
قالا : سمعنا أنه كان يسبُّ النبي صلى الله عليه وسلم .
قلت : فماذا تفعلان إن عرفتماه ؟!!
قالا بنبرة المحب الصادق الشجاع : والله إن رأيناه لا يفارق سوادنا سواده ..
والله إن رأيناه ..
الله لا يفارق سوادنا سواده ..
والله لا نجونا إن نجا ..
فلما ظهر له أنهما صادقين أخبرهما بمكانه فانطلقا إليه كالسهم ، وخرقوا الصفوف وابتدروه بأسيافهما حتى أردوه قتيلاً ، ورجعا للحبيب r يزفان البشرى كلٌ يقول :
أنا قتلت عدو الله ..
فمن لأعداء الله اليوم ؟؟؟!!!...
من لهم ؟؟؟!!!..
ما الذي أغاظهم !!..
ونحن الذين لم نتعرض لهم لا من بعيد ولا من قريب ..
يقولون :نحن والآخر ..
لا تستعدونهم ..
لا تطلبوا عدواتهم ..
فما الذي فعلناه !!..
أغاظهم ..
زيادة أتباع صلى الله عليه وسلم يوماً بعد يوم رغم كل الاتهامات الباطلة التي اتهموا فيها الإسلام والمسلمين ..
هم ..
ومنافقوا هذا الزمان ..
الذين يقيمون بيننا ..
ويكتبون للأسف في صحفنا وجرائدنا ..
ويخدمون مصالح الكفار ..
لا عجب ..
فلقد طُعن
في ..
ديننا ..
وفي ..
ربنا ..
وفي ..
ثوابتنا ..
في هذه الأوهان التي تصدر عندنا ..
واستهزأ أهل طاش ما طاش - أطاش الله عقولهم - استهزئوا من قبل بالدين وأهله ..
أغاظهم ..
أن امة صلى الله عليه وسلم لا زالت قادرة على رد اعتداءاتهم ، وإفساد مخططاتهم رغم مكر الليل والنهار من الداخل والخارج ..
رغم الخيانات ..
ورغم كثرة العملاء الذين يعملون من أجلهم ..
أغاظهم ..
المقاومة الجهادية الشرسه التي تفاجؤوا بها في عراقنا ..
تناسوا ..
أنمحمدا صلى الله عليه وسلم كان سيد المجاهدين ..
وأنَّ الشهادة في سبيل الله أغلى أمنية أتباع محمد صلى الله عليه وسلم .
تناسوا ..
أنمحمدا صلى الله عليه وسلم كان سيد المجاهدين ..
يقول علي : إذا حمي الوطيس لذنا بظهر صلى الله عليه وسلم يدفع عنا الرجال ..
علَّمنا أن الشهادة في سبيل الله أغلى أمنيات الصادقين ..
يقول - بأبي هو وأمي - :
( وددت أن أغزو في سبيل الله ثم أقتل ، ثم أغزو ، ثم أقتل )..
وذاك في ذات الإله وإن يشأ يبارك على أوصال شلو ممزع
ومحمد كان أمير الركب
إنَّ اسم محمدٍ الهادي
… …يقود الفوج لنصرتنا
روح الآمال لأمتنا
أغاظهم ..
رجوع آلاف الشباب في كل البقاع والبلاد وتمسكهم بهدي نبيهم ..
رغم سمومهم عبر شاشاتهم ، وقنواتهم التي أوجدوها لإفساد أخلاق الشباب ، وتدمير روح الفضيله في المجتمعات المسلمه ..
يا ويحهم ..
يا ويحهم ..
ما دروا أنَّ { الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ }..
أغاظهم ولله ..
أصحاب اللحى ..
والثياب القصيره ..
وأصحاب القلوب الطاهرة ..
والنفوس الزكيه الشمّ الأباه ..
الذين يسيرون على خطى سيد المرسلين ..
أغاظهم ..
أن كثيراً من الدانماركيين أعلنوا إسلامهم ، واتخذوامحمدا صلى الله عليه وسلم نبياً لهم ..
فباعتراف كل العالم ..
الإسلام أكثر الأديان انتشاراً في الأرض ..
الإسلام أكثر الأديان انتشاراً في الأرض ..
ولا عجب ..
فهو{ فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} ..
أغاظهم ..
أنه رغم حملتهم الشرسة على نساء المسلمين ، ونساء هذا البلد خاصة أنَّ نساءنا وفتياتنا يأبين الانحلال والفساد والضياع ..
أغاظهم ..
أن الحجاب لُبس حتى في بلادهم ..
فأعلنت فرنسا حربها ضد الحجاب ..
أما علم أولئك ..
أما علم أولئك ..
وعملائهم أنَّ نساءنا هنَّ حفيدات ..
خديجة ..
وعائشة ..
وسمية ..
وأم عماره ..
وأنَّ نساءنا ..
يفدينَّ رسولهنَّ بأرواحهنَّ قبل الرجال ..
يقول صلى الله عليه وسلم يوم أُحد يوم أن انقلبت الموازين وفرَّ من فر ثبتت كوكبة مع صلى الله عليه وسلم من بينهم امرأة ضعيفة..
ثبتت امرأة يا رجال !!..
يقول صلى الله عليه وسلم :(67/424)
ألتفتُ يمنه أم عماره تذود عني ..
ألتفتُ يسره أم عماره تذود عني ..
يقول لها صلى الله عليه وسلم :
يا أم عماره .. يا أم عماره .. من يطيق ما تطيقين يا أم عماره !! ..
سليني .. تمني يا أم عماره ..
قالت :
نتمنى رفقتك في الجنه يا رسول الله..
نتمنى رفقتك في الجنه يا رسول الله..
نتمنى رفقتك في الجنه يا رسول الله..
قال لها :
( أنتم رفقائي في الجنه )..
لئن عرف التاريخ أوساً وخزرجاً
وإن كنوز الغيب تخفي طلائعاً
… …فلله أوسٌ قادمون وخزرج
صابرة رغم المكائد تخرج
منذ أربعة أشهر ..
وجريدة دانماركية خبيثه حكوميه ..
تعرض صوراً كاريكاتيريه تصور فيها سيد ولد آدم بأبشع الصور فتارة تصوره وهو يضع على رأسه قبعة فيها قنبله ، وتاره تصوره وهو يحمل خنجراً بين النساء ، وتارة تصوره وهو يطارد النساء القُصَّر ، وفي أخرى يقول لأتباعه ليس عندنا من الحور مزيد ، وزادوا في وقاحتهم وصوروه على أنه ساجد وكلب على ظهره ،لم تسلم حتى أمعاؤه من سخريتهم واستهزائهم فصوروا بطنه مرسوماً وهو مفتوح ورسومات قبيحة في بطنه..
وتمادوا يوم أن احتج المسلمون هناك وطالبوا برد اعتبار واعتذار ..
فجعلوها مسابقه مفتوحه لأحسن رسمة كاريكاتيريه ..
هم يسخرون ويستهزئون ..
ثم ..
نتحدث نحن عن ..
سماحة الإسلام ..
هم يسخرون ويستهزئون ..
ونحن نتحدث ..
عن سماحة الإسلام ..
أما قال الله عن محمد ومن معه { أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ} ..
أما قال الله عن محمد ومن معه { أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ} ..
والله لا خير فينا ..
والله لا خير فينا إن مرت هذه القضيه بسلام ..
وأمه لا تستطيع أن تدافع عن قائدها ..
لا تستحق أن تنتصرعن أعدائها ..
ولنبكي على أنفسنا ..
وندعو الله أن ..
لا يجعل أجيالنا مثلنا ..
فقد رضعنا الذل والهوان ..
يوم أن رضعنا من حليبهم المغشوش..
وخير لنا أن نسير في الطرقات ونرتدي الخمار كالنساء ..
ولا أن يضحك علينا المخنثون من الغرب ..
ويقولون نحن نعبّر عن آرائنا بمطلق الحريه ..
ما سمعنا أنهم ..
استهزئوا ..
بيهود ..
أو هندوس ..
هل أصبح عبَّاد البقر أرجل منا ؟؟!!..
أين صدقنا ؟؟!!..
أين صدق محبتنا ؟؟!!..
أين مواقف الحكومات الإسلاميه ؟؟!!..
وأين مواقف أمة المليار ؟؟!!..
عباد الله ..
لقد أجمع المسلمون على وجوب ..
الانتصار للنبي صلى الله عليه وسلم .
وبذل ..
الأنفس ..
والأموال ..
فداءً له ..
وحفظه ..
وحمايته ..
من كل من يؤذيه ..
وهذا أدنى ما له من الحق علينا { لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ}..
بعضنا ..
جبّار في الجاهليه ..
خوَّار في الإسلام ..
لقد أعلنوا الحرب والعداوه علينا ..
بدءاً بكلبتهم الفاجره ملكتهم الخبيثه التي ألَّفت كتاباً عن مذكراتها وقالت فيها ..
أنه لا بدَّ من التصدي للإسلام ..
وأنَّ المسلمين في الدنمارك كالغده السرطانيه ..
ألا قبح الله وجهها ..
لم يبقَ إلا النساء الكافرات ..
أما رئيس وزرائهم أفجر الفجَّار فقال : إن لصحافتنا الحرية في التعبير عن أرائها وشعورها ولن نوقف أحداً عن ذلك ..
ما أدري ماذا سيكون شعوره لو كان اليهود هم المعنيون !!!..
أما رئيس قضاتهم فرفض القضيه المرفوعه من المسلمين ضدَّ تلك الصحيفه ..
فالقضيه ..
عباد الله ..
ليست قضية ..
جريده تسيء إلينا ..
لكن ..
بلد كامل ..
بصحفه ..
وملكته ..
ورئيس وزرائه ..
فماذا بعد هذا ؟؟!!..
وماذا ننتظر ؟؟!!..
غارت حكومات العرب على رؤسائها وزعمائها ..
ولم تغار على سيد البشر ..
ما رأيكم لو أنَّ الذي اُستهزئ به ..
ملك من ملوك العرب !!..
أو رئيس من رؤسائها !!..
سأترك لكم الجواب !!..
فالجواب معروف !!..
يا أمة محمد ..
يا أمة محمد ..
يا أمة سيد ولد آدم ..
نبيكم يُهان ..
فماذا أنتم فاعلون ؟؟!!!!!!..
ستقاطعون حليب نيدو وزبدة لورباك !!..
أهذا الذي استطعتم عليه !!..
اسمعوا ..
من خبر غيرة الصادقين ..
في يوم الحديبيه ..
أرسلت قريش عروه بن مسعود ليفاوض صلى الله عليه وسلم فكان مما قال للنبي صلى الله عليه وسلم إنَّ قريشاً قد لبسوا جلود النمور يعاهدون الله تعالى أن لا تدخل مكه عليهم عنوه ..
يقول للنبي صلى الله عليه وسلم وأيم الله لكأني بهؤلاء الذين معك قد انكشفوا عنك غداً وتركوك ..
وكان أبو بكر رضي الله عنه خلف صلى الله عليه وسلم فقال له : امصص بظر اللات ..
أنحن ننكشف عنه !!..
- قول وفعل -..
فقال : من هذا يا محمد ؟!..
فقال - بأبي هو وأمي - :
( هذا ابن قحافه ) ..- هذا الصديق -..
ثم أراد أن يتناول لحية صلى الله عليه وسلم والمغيره بن شعبه واقف على رأس صلى الله عليه وسلم قد لبس الحديد والمغفر ..
فلما مدَّ يده ..
قرع المغيره يده بنعل سيفه يده ، وقال له : أمسك يدك عن لحية رسول الله ..
أمسك يدك عن لحية رسول ا صلى الله عليه وسلم قبل والله أن لا ترجع إليك ..
قال عروه : ويحك ما أفظك وأغلظك ..
فابتسم النبي صلى الله عليه وسلم .
وقال عروه : من هذا يا محمد ؟!.
قال :
( هذا ابن أخي المغيره بن شعبه )..(67/425)
رجع عروه إلى قريش بعد أن رأى ما يصنع أصحاب صلى الله عليه وسلم مع نبيهم ..
كان لا يتوضأ وضوءاً إلا كادوا يقتتلون على وضوئه ..
وما تنخّم r نخامة إلا وقعت في كفِّ رجل منهم فدلك بها وجهه وجلده ..
- هنيئاً لهم والله -..
وإذا أمرهم ابتدروا أمره ..
وإذا تكلّم خفضوا أصواتهم عنده ..
وما يحدون النظر إليه تعظيماً ..
ولا يسقط من شعره شيء إلا أخذوه ..
فرجع يقول لقريش : إني جئت كسرى في ملكه ، وقيصر والنجاشي في ملكهما ..
والله ما رأيت مُلكاً قط مثل مُلكمحمدا صلى الله عليه وسلم في أصحابه ..
ولقد رأيت قوماً لا يُسلمونه لشيء أبداً ..فأنتم ورأيكم ؟؟!!..
هكذا كان تعظيمهم ..
هكذا كان تعظيمهم ..
فكيف هو تعظيمنا ؟؟!!..
أين نحن من ..
سنته ..
واتباع هديه ..
ونصرة دعوته ..
اسمع ..اسمع ..
حتى تعلم لماذا اختار الله أولئك الرجال لصحبة نبيه ..
اسمع ..اسمع ..
حتى تعلم لماذا اختار الله أولئك الرجال لصحبة نبيه ..
سمع صلى الله عليه وسلم عن رجل يقال له خالد الهذلي يجمع الناس في مكه ليقتل النبي صلى الله عليه وسلم .
فنادى صلى الله عليه وسلم جندياً من الصادقين وقال له :
( يؤذيني خالد الهذلي ، ويتطاول عليّ )..
فقال الجندي :
روحي لروحك فداء .. مرني بما تشاء..
روحي لروحك فداء .. مرني بما تشاء ..
فقا صلى الله عليه وسلم :
( اذهب إلى مكه ..وأتيني برأس خالد الهذلي ) ..
( اذهب إلى مكه ..وأتيني برأس خالد الهذلي ) ..
ما تردد الصادق ولا تلكأ ..
ما قال : اعذرني ..
ما قال : المهمه صعبه ..
ما قال : أرسل معي فلاناً أو فلان ..
لكن قال مستفسراً : يا رسول الله ما رأيت الرجل قط ولا أعرفه ..
فقا صلى الله عليه وسلم :
( علامة الرجل أنك إذا رأيته تهابه )..
كانت العرب تقول خالد الهذلي رجل بألف رجل من شدته وبأسه ..
لكن ..
أهل الإيمان ..
لا يهابون إلا الجبار ..
لكن ..
أهل الإيمان ..
لا يهابون إلا الجبار ..
يقول شيخ الإسلام : ولا يخاف من المخلوق إلا من في قلبه مرض ..
فانطلق ابن أُُنيس الشاب التقي النقي حتى وصل إلى مكه حيث أقام خالد الهذلي مخيماً له في منى يجمع الناس لمؤامرته الدنيئه ..
فجاءه عبد الله بن أُنيس عارضاً خدماته ومساعداته ..
- فالحرب خدعه -..
فقبله وأدناه ..
وكان ذو رأي ومشوره فقرَّبه منه ..
وبعدها يأيام يسير هو وخالد الهذلي خلف الخيام فاخترط عبد الله بن أُنيس سيفه واجتزَّ رقبة الرجل ..
هكذا أصحاب محمد ..
هكذا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم .
تعودوا على جزّ الرقاب ..
تعودوا على جز الرقاب تقرباً إلى الله ..
ونحن نخاف أن نجتزّ رقبة شاه أو دجاجه ..
فرجع عبد الله بن أُنيس قافلاً إلى المدينه ، بعد أن أتمَّ المهمه ، يحمل رأس الكلب بين يديه ..
فلما وصل كان الوحي قد سبقه إلى النبي صلى الله عليه وسلم .
وأخبره أنَّ الجندي قد أتم المهمه على أكمل وجه ..
فما إن رآه صلى الله عليه وسلم حتى قال :
( أفلح الوجه )..
ما إن رآه صلى الله عليه وسلم حتى قال :
( أفلح الوجه )..
( خذ عصاتي توكأ عليها أعرفك بها يوم القيامه..
وقليل هم المتوكئون )..
( خذ عصاتي توكأ عليها أعرفك بها يوم القيامه ..
وقليل هم المتوكئون )..
فلما مات عبد الله بن أُنيس أمر بتلك العصا أن تكفَّن معه في كفنه ..
شاهد وآيه وعلامه أنه ..
نصر الله ..
ونصر الرسول ..
هذه أخبارهم ..
فما هي أخبارنا !!..
هذه مواقفهم ..
فما هي مواقفنا !!..
قال الله :{ إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ }..
{ إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً } ..
صدقوا في حبهم ..
لله ولرسوله ..
فصدق الله معهم ..
منهم ..
من اهتزَّ عرش الرحمن عند وفاته ..
ومنهم ..
من كلمه الله كفاحاً ليس بينه وبينه ترجمان ..
فقال : تمنى يا عبدي ..
قال : أتمنى أن أرجع إلى الدنيا فأُقتل فيك ..
فقال له الله : إني كتبت عليهم أنهم إليها لا يرجعون ..
ولكن أحل عليك رضواني فلا أسخط عليك أبداً ..
منهم ..
من غسلته الملائكه بين السماء والأرض ..
ومنهم ..
من قال له صلى الله عليه وسلم :
( إنَّ الله أخبرني أنه يحبك )..
( إنَّ الله أخبرني أنه يحبك وأمرني بحبك )..
وقال جبريل للنبي r عن خديجه :
( أقرأها من ربها ومني السلام )..
( أقرأها من ربها ومني السلام ، وبشرها ببيت في الجنه من قصب .. لا صخب فيه ، ولا نصب )..
أليس هم الذين قال الله فيهم : { وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} ..
يقول قائلهم من الكفار ..
يقول : الإسلام دين لو كان له رجال..(67/426)
يقول : الإسلام دين لو كان له رجال..
أي والله ما كذب ..
اليوم يُسيؤون ..
لإسلامنا ..
وقرءاننا ..
ويشتمون نبينا ..
ثم يقولون :
لماذا أنتم إرهابيون ؟؟!!..
فماذا تريدوننا أن نكون !!..
إنبطاحيون !!..
مستسلمون !!..
حرام في قوانينهم السخريه بالأديان ..
إلا الإسلام ..
حرام في قوانينهم السخريه بالأديان ..
إلا الإسلام ..
ويقولون عن الإسلام أنه دين الساقطين أخلاقياً ..
يقصدون بذلك نبينا صلى الله عليه وسلم .
فمن أين لنا بأمثال ..
معاذ ومعوذ ؟؟!!..
أين لنا بأمثال ..
ابن أُنيس ؟؟!!..
وأولئك الرجال ؟؟!!..
اسمعوا هذا الخبر ..
ولنبكي سوياً على أنفسنا ..
ذكر صاحب الدرر الكامنه في المجلد الثالث ، الصفحه ( 202 ) للتأكيد ..
أنَّ جماعه من كبار النصارى ذهبوا لحفل أمير مغولي قد تنَّصر ..
فأخذ أحد دعاة النصارى يسبّ النبي صلى الله عليه وسلم .
وهناك كلب صيد مربوط ..
فزمجر الكلب بشده ..
ووثب على الصليبي ..
فخلصوه منه بصعوبه ..
فقال رجل منهم : هذا لكلامك في محمد ..
فقال الصليبي : كلا ..بل هذا الكلب عزيز النفس ..رآني أشير فظن أني أريد أن أضربه ..
ثم عاد لسب صلى الله عليه وسلم بوقاحه أشد مما كان ..
عندها قطع الكلب رباطه ..
ووثب على عنق الصليبي ..
وقلع زوره في الحال ..
وثب الكلب بعد أن فقطع رباطه ، ووثب على عنق الصليبي ، وقلع زوره في الحال ..
فمات من فوره ..
فأسلم نحو من أربعين ألفاً من المغول ..
غارت وغضبت الكلاب ..
فأين غضبتنا ؟؟!!..
اشتاقت لك ..
الجمادات ..
والأشجار ..
يا حبيب الله ..
فأين أشواقنا ؟؟!!..
كان الحسن البصري رحمه الله إذا سمع حديث بكاء جذع النخله على فراق صلى الله عليه وسلم يبكي ويقول :
يا معشر المسلمين الجماد والجذع يحنا إلى رسول الله ..
الجماد والجذع يحنوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم .
أفلا تحنون أنتم إلى ذكراه !!!..
كان r دائماً يقول لأصحابه :
( اشتقت لأخواني )..
( اشتقت لأخواني ) ..
فيقولون : ألسنا أخوانك ؟!..
قال :
( بل أنتم ..
أصحابي ..
أما أخواني ..
فهم الذين ..
آمنوا بي ..
وصدقوا بي ..
واتبعوني ..
ولم يروني )..
فماذا عسانا أن نقول له إذا ورد الناس حوضه وقال لنا :
استهزئوا بي ..
وشتموني ..
وآذوني ..
فماذا فعلتم دفاعاً ..
عني ..
وعن عرضي !!!..
يا ولاة الأمور ..
يا ولاة الأمور هذه فرصتم إن أردتم عز الدنيا وشرف الآخره ..
لا يكن أهل الكرة أكرم عليكم من رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ألستم حماة العقيده والدين فها هو باب الثرى فتح لكم على مصراعيه كما نصره الفيصل رحمه الله والشرفاء من قبله ..
أليس صلى الله عليه وسلم قد نشأ وترعرع وانطلق بدعوته من هذه الأرض المباركه ومات فيها وأنتم خدَّام مسجده فأين غضبتكم لله ورسوله ..
العالم كله ينتظر منكم موقفاً يعيد للأمه كرامتها التي داسوها تحت الأقدام ..
قسماً بالذي لا دين إلا دينه ..
وقسماً بالذي محمداً رسوله ..
لن يقر لنا قرار ..
و يهدأ لنا بال ..
حتى يُطرد سفيرهم من أرضنا ..
وسفير النرويج الكافر الآخر ..
لن نرضى إلا ..
بقطع العلاقات ..
وإيقاف المبادلات التجاريه ..
حتى يتأدب غيرهم ..
وهذا أقل واجب نقدمه للدفاع عن ..
ابن عبد الله صلوات ربي وسلامه عليه ..
لن نقبل ..
باعتذار من الصحيفة الفاجره ..
ولا باعتذار من كلبة الروم ..
ورئيس وزرائها ..
-ألا لعنة الله عليهم أجمعين -..
سببتم رسول الله أف لدينكم
فإني وإن عنفتموني لقائل
أطعناه لم نعدله فينا بغيره
… …وأمركم السيء الذي كان غاويا
فداً لرسول الله أهلي ومالي
شهاباً لنا في ظلمة الليل هاديا
الأيام بيننا ..
يا عبّاد الصليب ..
الأيام بيننا ..
يا عبّاد الصليب ..
وسنرى ..
من تكون له العاقبه ..
ومن الذي يضل سعيه في الدنيا والآخره ..
{إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُّهِيناً}.
وقال الله : { إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ }..
فكل من ..
شنأه ..
أو بغضه ..
أو عاداه ..
فإن الله ..
يقطع دابره ..
ويمحق عينه وأثره ..
أليس الله هو الذي قال { إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ} ..
و { اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ }..
لكن الله أراد أن ..
يبتلينا بصدق محبتنا لنبينا ..
فماذا نحن فاعلون ؟؟!!..
ولله ماذا نحن قائلون ؟؟!!..
لا نريد عواطف ..
لا نريد دموع ..
شبعنا من هذا ..
نريد ..
صدقاً في المحبه ..
نريد ..
صدقاً في الاتباع ..
لا عذر لأحد ..
لا عذر لأحد ..
والدين النصيحه ..
لله ..
ولرسوله ..
ولولاة أمر المسلمين ..
من كان يحب ..
الله ..
ورسوله ..
فلا يبتين الليله إلا هناك ..
مطلبنا ..
لا يبقى سفيرهم ..
وسفير النرويج ..
ساعه واحده ..
في أرض محمد صلى الله عليه وسلم .
من كان يحب ..
الله ..
ورسوله ..
فلا يبتين الليله إلا هناك ..
وأهل النيجر ..
الفقراء ..
الضعفاء ..
ليسوا بأشجع منا ..
فقد طردوا سفير الصهاينه ..
لا تعتذر ..
لا تعتذر ..
بمدرسه ..
أو اختبارات..
فالذود عن نبينا ..(67/427)
أغلى من كل شيء ..
هو ..
مستقبلنا ..
هو ..
حياتنا ..
لا تعتذر ..
بوظيفه ..
أو مهمات ..
فهو دنيانا ..
وهو آخرتنا ..
اليوم ..
نعرف ..
الصادق ..
من الكاذب ..
اليوم ..
نعرف ..
الصادق ..
من الكاذب ..
ما رأيناك يا حبيب القلوب ..
ما رأيناك يا حبيب القلوب ..
ويا طبيبها ..
ولكن ..
يعلم الله ..
كم تشتاق الأنفس للقياك ..
ووالله الذي لا إله إلا هو ..
لأنت ..
أحب إلينا من ..
أنفسنا ..
ووالدينا ..
وأهلينا ..
والناس أجمعين ..
فداً لك من يصبر عن فداك
أروح وقد ختمتُ على فؤادي
إذا اشتبكت دموع في خدود
… …فما شهم إذاً إلا فداك
بحبك أن يحل به سواك
تبيّن من بكى ممن تباكى
إنَّ أحب الأسماء المناداه لنا حين يُقال لنا :
يا أمة محمد ..
إنَّ أحب الأسماء المناداه لنا حين يُقال لنا :
يا أمة محمد ..
وحين نُنادى بها نقول :
لبيك لبيك ..
لبيك يا رسول الله ..
والخبر ..
ما سيرى أولئك القوم ..
لا ما يسمعون ..
فالشباب ..
والشيب ..
والنساء ..
والأطفال ..
متعطشون ..
للذب ..
عنك ..
وعن عرضك ..
وعن التراب الذي وطأته قدميك ..
وسيعلم أولئك ..
أنك تركت رجالاً ..
وسيعلم أولئك { أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ } ..
نحن ..
لا نحتاجهم ..
ولا نحتاج أبقارهم ..
ولا حليبهم ..
وزبدتهم ..
هم يحتاجوننا ..
قاطعوهم - قطعهم الله -..
ولا تكن المقاطعه ..
ليوم ..
أو لأيام ..
بل ..
أبداً ما حيننا ..
لسان حالنا ..
ما قال إبراهيم عليه السلام ومن معه لقومهم :
{ إِنَّا بُرَاء مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاء أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ } ..
يا ..
تجارنا ..
لا تخذلونا ..
يا ..
أهل الصحف والجرائد والمجلات ..
لا تخذلونا ..
يا ..
أهل الشاشات والقنوات ..
لا تخذلونا ..
يا ..
ولاة الأمور ..
يا ..
ولاة الأمور ..
يا خُدَّام الحرمين ..
لا تخذلوا أمة محمد ..
ولا تخونونها في الله وفي نبيها ..
فليكن ..
ولاؤنا ..
لله ..
ورسوله ..
والبراءه ..
من أعداء الله ..
وأعداء رسوله ..
عباد الله ..
إنَّ الله أمركم بأمر بدأ فيه بنفسه ..
وثنى بملائكته المُسبحه بقدسه فقال جل من قائل { إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً } ..
اللهم ..صلي ..وسلم ..وبارك على ..
حبك ..وصفيك ..وخليلك ..
محمد ..
وعلى آله ..وصحبه ..
اللهم اجز عنا محمداً خير ما جزيت نبي عن أمته ..
اللهم لا تحرمنا رؤيته ..
واتباع سنته ..
ونصرة دعوته ..
اللهم أوردنا حوضه ..
واسقنا من يده ..
ولا تفرق بيننا وبينه ..
حتى تُدخلنا مدخله ..
اللهم انصر دينك ، وكتابك ، وسنة نبيك ، وعبادك الموحدين ..
اللهم من تطاول على نبينا بقول أو برسم ..
فأخرس لسانه ..
وشلّ أركانه ..
واجعله عبرة للآخرين ..
اللهم وفق ولاة الأمور ..
لنصرة الإسلام ونصرة المسلمين ..
اللهم اجمع كلمتهم على الحق يا ربّ العالمين ..
آن الأوان..
آن الأوان أن لا تأخذنا في الله لومة لائم ..
آن الأوان أن لا تأخذنا في الله لومة لائم ..
اللهم انصر المجاهدين في سبيلك ..
اللهم انصر المجاهدين في سبيلك ..
اللهم انصر المجاهدين في سبيلك ..
الذين يقاتلون من أجل إعلاء كلمة دينك ..
اللهم انصرهم في العراق ، وفي فلسطين ، وفي الشيشان ، وفي كشمير ، وفي أفغانستان ، و السودان ، وفي أوغادين ، وفي كل مكان ..
اللهم كن لهم عوناً ونصيرا ، ومؤيداً وظهيرا..
اللهم فك أسرانا ، وفك المعتقلين ..
وفك أسرنا يا ربّ العالمين ..
عباد الله ..
{ إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بَالعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِيْ القُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالمُنْكَرِ وَالبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعْلَكُمْ تَذَكَّرُونَ } .
فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله ما تصنعون
==============(67/428)
(67/429)
سقوط ابن العلقمي على يد هولاكو
الأسباب - الدلالات - الآثار - الموقف
د. عوض بن محمد القرني
توطئة :
من هو ابن العلقمي ؟ ومن هو هولاكو ؟
إن التداعيات الذهنية لسقوط بغداد في أيدي البرابرة الأمريكيين استفزت الذاكرة لتستدعي من تلاففيها حدث سقوط بغداد سنة 656 هـ في قبضة البرابرة التتر الذين أبادوا أهلها ودمروا حضارتها وأحرقوا مكتباتها وكان ذلك الإجتياح بعد أن تسلط على حكومة بغداد في حينها مجرم يسمى (( ابن العلقمي )) كان وزيراً للخليفة الضعيف المستضعف الماجن (( المستعصم )) فسرح الجيش وظلم الناس وعزل الخليفة عن الرعية ونشر اللهو والإباحية والبدع .
ثم كاتب التتر وأطمعهم في بغداد وحسن لهم أخذها فلما قدموا وحاصروها خرج للتفاوض معهم واتفق معهم على مؤامرة تسليم بغداد واستباحتها وأخرج لهم الخليفة والعلماء بخدعة منه لهم فقبضوا عليهم وقتلوهم وفتح لهم أبواب بغداد ففعلوا فيها الأعاجيب .
أما هولاكو فهو قائد جيوش التتر سنة 656 هـ .
وما أشبه اليوم بالبارحة .
فها هو صدام حسين (( ابن العلقمي المعاصر )) .
وها هو جورج بوش الرئيس الأمريكي (( هولاكو المعاصر )) .
وها هي بغداد الجريحة المستباحة هي هي .
وها هم تتر العصر (( الجيش الأمريكي )) يستباح تحت ظلال حرابهم كل شيء في بغداد .
فهل يمكن في ظل هذا التداعي لمخزون الذاكرة ألا يربط بين الحدثين وهما شبه متطابقان تماماً .
إن هذا الحدث الجلل الذي أصيبت به الأمة سيكون له أبلغ الأثر في مستقبلها والحديث عنه متعدد الجوانب متشعب النواحي عميق الدلالات ، وسأقف مع هذا الحدث من خلال الجوانب الآتية :
أولاً : ما الذي أوصلنا إلى هذه الكارثة ؟
ثانياً : ما هي العبر والدلالات التي نخرج بها من هذا الحدث ؟
ثالثاً : ما هي الآثار المتوقعة والمترتبة على هذا الحدث سواء كانت إيجابية أو سلبية ؟
رابعاً : ما العمل حيال هذا الحدث أو ما الموقف ؟
إننا في أشد الحاجة إلى مصارحة أنفسنا لمعرفة أسباب هذه الكارثة والبحث عن مخرج منها قبل أن تتكرر بصورة أسوأ في بلد آخر والمفترض أن الأمة كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى .
أولاً : ما الذي أوصلنا لهذه الكارثة ؟
لقد جعل الله لكل شيء سبباً وإن الأحداث الجارية في واقعنا هي نتيجة لأمور سابقة لها على مقتضى سنن الله في الحياة وإن حدث الغزو والاحتلال الأمريكي الصليبي للعراق والتهديد لدول المنطقة كان نهاية ونتيجة للكثير من الأسباب التي أدت إليه ، وأقصد بالحدث جميع جوانبه من احتلال للعراق وانهيار لنظامه وخذلان الدول العربية له ومشاركة بعضها بصورة أو أخرى في عملية الغزو وسلبية الشعب العراقي حيال الحدث ومجيء بعض أبنائه تحت رايات أمريكا وما صاحب ذلك من تفاعلات شعبية وإعلامية على مستوى المنطقة .
ويجب أن نفرق بين الأسباب التي جعلت أمريكا تقوم بهذه الحرب الصليبية وبين الأسباب التي أدت إلى هذه النتيجة .
فالأولى : أسباب هي دوافع لأمريكا وقد سبق الحديث عنها في دراسة سابقة .
والثانية : هي أسباب أدت لحسم نتيجة المعركة بهذه الصورة ، وليس بأي صورة أخرى ، وهي ما سأتحدث عنه وعلى هذا فسيكون حديثي عن الأسباب التي من وجهة نظري أفرزت وشكلت الصورة النهائية للحرب ، وأهم هذه الأسباب هي :
1 - الهجمة الصليبية الاستعمارية في بداية هذا القرن التي مزقت جسم الأمة وأقامت بينها الحدود المصطنعة بإتفاقية سايكس بيكو الشهيرة ، وتحولت الأمة الواحدة إلى دويلات هزيلة متناحرة يدبر بعضها المؤامرات ضد البعض الآخر وتنفق من الأموال وتكدس من السلاح في الصراع بينها أضعاف ما تنفقه أو تستعد به لعدوها الخارجي ، وإن شئت أن تأخذ النظام البعثي نموذجاً فأمامك قائمة طويلة من الحروب مع شعبه وجيرانه ، وهكذا أصبح في أغلب الأقطار أنظمة وأحزاباً علمانية ما بين ليبرالية أو يسارية فاضطهدت الأمة وقتلت كرامتها وارتهنت لعدوها وحاربت دينها وتاريخها وقيمها حتى أصبحت الأمة أمماً يأكل بعضها بعضاً وذلت أمام عدوها وتوالت هزائمها في جميع الميادين فجاءت هزيمة نظام البعث في العراق في السياق ذاته ومحصلة نهائية للعوامل ذاتها التي تتكرر عبر هذا القرن في بلدان شتى وبصور مختلفة .(67/430)
2 - الغزو الإستيطاني اليهودي الذي غرسه الغزو الصليبي الإستعماري في فلسطين في قلب الأمة وأحاطه بأنظمة هشة ضعيفة تحميه أكثر مما تشكل عليه خطراً وقد قام هذا الغزو الصهيوني بتمزيق المنطقة من خلال عملائه ومؤامراته واستنزف إمكاناتها من خلال الحروب والانقلابات والصراعات التي كان يدبرها إما مباشرة من خلال عملائه أو يدبرها بالوكالة عنه الأمريكان ومن قبلهم البريطانيون والغرب عموماً ، وما نظام البعث في العراق ومغامراته وكوارثه على الأمة إلا إحدى تلك الصور القاتمة التي لطخت وجه أمتنا وكانت آخر إنجازات ذلك النظام تلك الهزيمة النكراء أمام الزحف البربري الأمريكي ، والحقائق التي ستكشف يوماً ما ستبين مدى صلة أصحاب البطولات الزائفة من بعثيي العراق وغيرهم بالصهيونية وإسرائيل كما تبين حال أشياعهم الأولين ولكن بعد رحيلهم .
3 - الأنظمة العلمانية المفروضة على الأمة والجاثمة على صدرها من بدايات القرن والتي استنزفت خيرات الأمة وطاقاتها في بناء السجون والمعتقلات وشن الحروب على الجيران وبناء القصور وتكديس الأموال في المصارف العالمية وإنفاقها على الشهوات والموبقات وبناء الأجهزة الأمنية الكثيرة .
هذه الأنظمة التي مزقت الجبهة الداخلية للشعوب بشنها حرب لا هوادة فيها على دين الأمة وتاريخها وهويتها ومحاولة زرع هوية مستوردة وغرسها في المجتمع بالحديد والنار مما أفقد الأمة أي شعور بالانتماء لأوطانها والحكومات التي تحكمها وجعلها تقول لا فرق بين بوش أو شارون أو صدام حسين أو ... الخ .
ولئن كانت هذه جريمة الأنظمة العلمانية فإن الأحزاب العلمانية التي لم تصل لسدة الحكم عبر الانقلابات العسكرية لم تقل عن الحكومات جرماً في تفتيت الجبهة الداخلية وشن الحرب القذرة على كل جميل في حضارتنا وتاريخنا والمحاولة الدؤوبة لجر أمتنا إلى واشنطن أو لندن وباريس بدلاً من مكة والمدينة ، وما ميشل عفلق مؤسس حزب البعث والذي ما زال يسبح بحمده كثير من مثقفينا إلا نموذجاً من حصاد الهشيم وركام الزيف الذي عانت منه أمتنا كثيراً والذي تتجرع الآن ثماره المرة من الزقوم والحنظل ، وهذه الأنظمة لم تتفق على شيء إلا على حرب شعوبها واضطهادها حيث أنه لم يفعّل بينها أي اتفاقيات إلا الاتفاقيات الأمنية ولم يلتئم شمل أي جهاز حكومي عربي على الحقيقة إلا وزارات الداخلية .
وإذا أردنا أن نفهم أسباب عجز النظام العربي القائم وعدم فاعليته ، فعلينا أن نتذكر أنه تصميم وتنفيذ فرنسي بريطاني ثم رعاية وتعهد أمريك سوفيتي وأن له وظيفة وقدرة وحدوداً لا يستيطع تجاوزها بناء على أصل تكوينه وحدود إمكاناته .
4 - تنحية شريعة الله عن الحكم ودينه عن التوجيه مما جعل الشعوب تعيش غربة قاتلة وفصاماً نكداً بين هويتها وقيمها وتاريخها وذاكرتها الحضارية وبين دساتيرها وقوانينها وإعلامها ورموزها السياسية والفكرية المفروضة عليها بالحديد والنار .
فتفككت المجتمعات بل وتناحرت فئات الأمة ونحي الشرفاء أو غيبو معنوياً أو مادياً وقاد الأمة في المواجهة من لا ترضى به ولا تطمئن له ولا يشعر هو نحوها بصلة ولا انتماء وبالتالي فقدت الصلة الروحية والوحدة المعنوية بين الشعب العراقي وحكومته ووقف يتفرج على الحرب وكأنها لا تعنيه ولم يقاتل إلا شراذم من ميليشيا صدام وأفراد من حزب البعث ليس لها رسالة ولا هدف ولا غاية تستحق القتال من أجلها (( ونحن قوم أعزنا الله بالإسلام فمهما ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله )) .
5 - الاستبداد السياسي والقمع الأمني والفساد الإداري والمالي الذي تعيشه الأمة العربية فأغلب الأمة مهمش وفئة قليلة يستأثرون بأمرها ويسومونها خسفاً ويتعاملون مع كل من يشتبه في تذمره أو عدم ولائه بأشد أنواع الاضطهاد والتعذيب والفساد الإداري يضرب أطنابه في أغلب جوانب الحياة أما النهب للأموال والثروات وإفقار النسبة العظمى من الأمة في مقابل الثراء الفاحش لفئة قليلة متسلطة أو منافقة قريبة منها فحدث ولا حرج كل ذلك جعل هذه الشعوب تبحث عن منقذ حتى لو كان الشيطان مع الأسف ومع طول السنين وتفاقم الاضطهاد والظلم والفقر والجهل يغيب الوعي وتختل الموازين وتصبح الشعوب تبحث عمن ينقذها من جزارها ولو كان جزاراً أشد وأنكى ولسان حالها يقول لم يعد هناك ما نخسره ولن يكون هناك أسوأ من هؤلاء .
ومع هذه الفجوة الهائلة بين النظام العراقي وشعبه فلم يستح طبالوا هذا النظام قبل الحرب بفترة وجيزة من أن ينظموا مسرحية هزيلة أسموها انتخابات رئاسية وزعموا أن الشعب انتخب صدام حسين بنسبة 100% وصدق المصطفى صلى الله عليه وسلم : (( إذا لم تستح فاصنع ما شئت )) .(67/431)
6 - السياسات الخاطئة الهوجاء التي انتهجها النظام العراقي البائد والتي أفقدته أي دعم أو تعاطف من أغلب شعبه ومن دول الجوار وكذلك تعاطيه المتغطرس مع أعدائه الذين كانوا ينفخون فيه الشعور الوهمي بالقوة والبطولة ويجرونه إلى كوارث إثر كوارث حتى آل به الأمر إلى هذا الفرار المخزي والهزيمة المذلة فلم يكن صدام حسين وزمرته لا بالأتقياء البررة ولا بالأقوياء الفجرة ، ومسكينة أمة يقودها هؤلاء الذي حين فاتهم أن يعيشوا أعزة لم يكن فيهم من الرجولة ما يجعلهم يموتوا كراماً ، لقد استولى الجيش الأمريكي على مئات الدبابات وآلاف المدافع والصواريخ وعشرات الطائرات لم تستعمل أبداً ، أفما كان يمكن أن يفعل بها شيء وبالذات أن الشمال العراقي كان صامداً والجنوب ما زال متماسكاً لكنه القانون الرباني { إِنَّ اللّهَ لاَ يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ } (يونس:81) .
7 - التواطؤ المشين والاستخذاء المخزي لدول الجوار العراقي والذي مكن الصليبيين من غزو بلاد الرافدين عبر تلك البلدان إما براً وإما جواً وإما بحراً ولولا ذلك التواطؤ لما أمكن الجيوش الصليبية أن تغزو العراق بهذه الصورة ، نعم صدام حسين لم يدع له صديقاً حتى من أقرب الناس إليه رفقاء دربه وأزواج بناته ، لكن صدام حسين عرض زائل وبلاد العراق وطن إسلامي عربي لا يجوز لأحد من العرب والمسلمين إعانة أمريكا عليه ولو ببعض كلمة لكنه الخذلان ولئن كان من سنن الله أن من أعان ظالماً على ظلمه سلطه الله عليه فإن الدول العربية بتوجيه أمريكي أعانت صدام على ظلم إيران فانتقم الله منهم على يد صدام في حرب الخليج الثانية وها هم يعينون أمريكا على ظلم العراق ، وإني لأخشى أن ينتقم الله منهم على يد أمريكا انتقاماً مريعاً قال تعالى : { وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } (الأنعام:129) .
ثانياً : العبر والدلالات التي نخرج بها من هذا الحدث :
إن ذوي العقول والبصائر هم الذي ينظرون في الأحداث على ضوء سنن الله في الحياة فيخرجون من تلك الأحداث بالعبر والدلالات التي ينطلقون منها لاستدراك فائت والاستعداد لقادم من خلال تعميق صواب وتقويم اعوجاج وتصحيح خطأ وإزالة باطل وإقرار حق ، قال تعالى : { قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانْظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذَّبِينَ } (آل عمران:137) ، وقال تعالى : { سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً } (الفتح:23) .
ومن العبر والدلالات والعظات التي ينبغي أن يقف عندها كل عاقل في هذا الحدث الأمور الآتية :
1 - أن الله سبحانه وتعالى قد جعل عاقبة الظلم والظالمين إلى البوار والهلاك والفساد ، وصدام حسين ونظام البعث قد مارسوا من الظلم وعاثوا في الأرض من الفساد ما تتقاصر دونه أخبار أعتى الظالمين وكبار المجرمين في التاريخ ولم يسلم من أذاهم حتى الشعوب المجاورة لهم وقد أمهلهم الله طويلاً حتى استكبروا وقالوا من أشد منا قوة ، ثم أخذهم أخذ عزيز مقتدر على أيدي طغاة آخرين سيأتيهم القدر الرباني بعد ذلك .
قال تعالى : { وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِن قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُواْ } (يونس:13) .
وقال تعالى : { وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِم مَّوْعِداً } (الكهف:59) .
وقال تعالى : { فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا } (النمل:52) .
وقال تعالى : { وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلاَّ وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ } (القصص:59) .
2 - أن استعباد الشعوب وإذلالها ونهب خيراتها وحكمها بغير دينها الذي ارتضاه الله لها يؤدي إلى بغض تلك الشعوب لظالميها وتخليها عنهم وإسلامهم لعدوهم أشد ما يكونون حاجة إلى من ينصرهم .
قال تعالى : { وَالظَّالِمُونَ مَا لَهُم مِّن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ } (الشورى:8) .
3 - أن استسلام الشعوب للظلم والطغيان وعدم قولها للظالم يا ظالم ، وعدم أخذها على يد السفيه يؤدي حتماً إلى أن يعمها الله بعقاب من عنده فتفتقر بعد الغنى وتتفكك بعد الوحدة وتضعف بعد القوة ويسلط الله عليها من يسومها خسفاً من سفهائها أو أعدائها ، قال تعالى : { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُواْ نِعْمَةَ اللّهِ كُفْراً وَأَحَلُّواْ قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ } (إبراهيم:28) .
4 - ضعف الأنظمة المستأسدة على شعوبها أمام العدو الخارجي وهشاشتها في مواجهته ، فها هي تنكشف في مواجهة أمريكا كما انكشف بعضها من قبل في مواجهة إسرائيل وكما قال الشاعر :
أسد علي وفي الحروب نعامة فتخاء تطير من صفير الصافر(67/432)
5 - خطورة عدم تعرف الأنظمة والحكومات على حقيقة مواقف الشعوب ووجوب أن تتحسس حاجاتها وإلا تنخدع بما يزينه تجار الكلام ومنافقوا المنابر وبطانة السوء المتاجرون بمصالح الشعوب وأقواتها فها هم يعلنون لصدام حسين أن الشعب انتخبه بنسبة 100% وعند الاختبار الحقيقي لهذه الادعاءات تكشفت الحقائق المرة حين عبر الشعب العراقي عن فرحه الغامر ونشوته الجارفة بزوال الظلم عنه .
6 - تخلي عازفي المواكب وطبالي المناسبات وتجار المباديء عن أولياء نعمتهم حين زوال دولهم وبيعهم لسيدهم حين يتأكد من قدرة جزاره على اصطياده وإلا فأين ذهبت فرق الجيش المسلح وفيالق الحرس الجمهوري ومناضلوا الحزب وفدائيو صدام الذين يزيد عددهم عن نصف مليون ، فهاهم تخلوا عنه جميعاً قبل أن يصل عدد قتلاهم ألف قتيل ، وقبل أن يقتلوا من عدوهم مائة قتيل ، وهاهم شعراء مربد صدام ومن دبجوا في مدحه المقالات وألقوا بحضرته المعلقات وألفوا في عبقريته الموسوعات من مناضلي الصحف ومقاتلي الفنادق والبارات هاهم أول من يتذوق مرق نظام البعث وصدام حين قامت بطهيه العبقرية الأمريكية فشمتوا به ورموه بكل نقيصة يعلمونها عنه بل ورموه بما ليس فيه ، نعم هاهم يتظاهرون بصحوة الضمير وعودة الوعي على إيقاع وعزف رصاص الحرية الأمريكية وإن المغرور والله من اغتر بمثل هؤلاء .
7 - انكشاف ملامح المشروع العلماني بشكل واضح وبروز خطره في الترويج للأمركة تحت رداء الإصلاح والوطنية والتحرر والمطالب الشعبية نعم إنهم الطابور الخامس في داخل أمتنا من الأفاعي المتسللة خفية في ظلام الاستبداد إلى مواقع التأثير والتوجيه وحين تقع كارثة الغزو الأمريكي إذا بهم يتحولون إلى أبواق دعاية لأمريكا يحسنون وجهها القبيح ويبشرون بالعصر الذهبي للإنسان في ظل زمنها .
إنهم يمثلون الصفحات السوداء في تاريخ أمتنا المعاصر وسيسجل عليهم التاريخ أنهم جاءوا أدلاء وخدماً للأمريكي المستعمر .
وإن من الاستخفاف بعقولنا زعمهم أن أمريكا بذلت كل هذه الجهود لتحرير شعب العراق ، إن كل من يروج للعصر الأمريكي هو إما من الممسوخين فكرياً أو من العملاء سياسياً واستخباراتياً والأمة في كل تاريخها لم تخدع بهؤلاء ولن تخدع بهم بإذن الله .
والبعض منهم عاد للعزف على ألحانهم القديمة فلم يجدو ما يتباكون عليه في العراق إلا سعدي يوسف أو البيّاتي الشيوعيان أو السيّاب المتنقل بين الشيوعية والقومية العلمانية ، قال تعالى : { كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ } (المطففين:14) .
8 - ظهور ضعف وهشاشة المنظومات القطرية والإقليمية في مواجهة الحدث فهاهي الدول العربية وهاهو مجلس التعاون الخليجي وها هي جامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي تبدو عاجزة عن اتخاذ أي موقف حتى قريب من مواقف بعض الدول الأوربية أو السماح لشعوبها بالتعبير عن مواقفها وعواطفها في مواجهة العدوان .
وهذا الضعف المريع ما لم تتداركه الحكومات فإن سنة الله ماضية في ذهاب ريحها إن كان بقي لها ريح .
من يهن يسهل الهوان عليه ما لجرح بميت إيلام
9 - افتضاح أكذوبة الشرعية الدولية وهيئة الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي التي أنشأتها أمريكا بعد الحرب العالمية الثانية والتي طالما تغنت بها ومارست جبروتها وطغيانها من خلالها لكنها حين تتعارض مع رؤاها تدوسها في زبالة التاريخ ولا تلقي لها بالاً مما يؤكد أن العالم هو عالم الوحوش وشريعة الغاب لكن ذلك يتم من خلال القتل بالقفزات الحريرية تحت مسمى الشرعية الدولية أو بالأسلحة الفتاكة تحت أي شعار آخر لا فرق .
10 - انهيار مزاعم أمريكا في الديموقراطية والعدالة والحرية وحقوق الإنسان وحق الشعوب في تقرير مصيرها فهاهي تحت دعوى كاذبة لم تستطع إثباتها (( نزع أسلحة الدمار الشامل )) تغزو شعباً وتحتل وطناً وتسقط حكومة وفي سبيل ذلك تقتل النساء والأطفال والشيوخ وتهدم المساكن والمساجد وتحرق الأخضر واليابس ، وتدمر جميع الخدمات وضرورات الحياة ثم تعين في النهاية ويا للمفارقة جنرالاً عسكرياً أمريكياً باسم حاكم مدني للعراق وكل ذلك تمت مسمى حرب تحرير العراق { كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذباً } .
11 - بروز الأثر البالغ للقنوات الإعلامية في تغطية أحداث الحرب أو التحليل لتلك الأحداث مما يؤكد أهمية هذه المنابر ودورها في توجيه الشعوب ومن ثم الإسهام في صناعة التوجهات والأحداث .
12 - ظهور شدة الحاجة إلى الإصلاح وضرورة العودة إلى الله قبل أن تحل بالأمة كوارث أعظم وفجائع أخطر ونوازل أفدح والعاقل من اتعظ بغيره والجاهل من كان موعظة لغيره قال تعالى : { إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لأُوْلِي الأَبْصَارِ } (آل عمران:13) .
وقال تعالى : { وَلاَ يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُواْ تُصِيبُهُم بِمَا صَنَعُواْ قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيباً مِّن دَارِهِمْ } (الرعد:31) .
ثالثاً : الآثار المحتملة لهذا الحدث :(67/433)
كأي حدث من الأحداث الجارية في الحياة وبالذات الأحداث الكبرى لا يمكن أن يحدد آثار الحدث عنصر واحد من العناصر والقوى ذات العلاقة بالحدث بل إن جملة القوى والعوامل وصراع الإرادات والقدرات هي التي تشكل في النهاية آثار الحدث وصورته النهائية فعلى الرغم من جبروت وطغيان أمريكا وحسمها المعركة العسكرية ضد النظام البعثي سريعاً إلا أن شعوب المنطقة وبالأخص الشعب العراقي قادرة بإذن الله على أن تجعل الصورة على خلاف ما يرجوه ويؤمله ويخطط له الأمريكان والصهاينة لكنني هنا سأتحدث عن أسوأ الاحتمالات وأفضلها مهما كان احتمال وقوعها ضئيلاً وسأبدأ بالحديث عن :
أ - المخاطر والآثار السلبية المحتملة :
1 ) إن ما تؤمله أمريكا ابتداء هو أن تنجح في استعمار العراق واستغلال ثرواته واستخدامه قاعدة عسكرية للتحكم في المنطقة وجعله نموذجاً غربياً أمريكياً يحتذى في المنطقة .
2 ) تهديد دول المنطقة وشعوبها وزيادة تمزيقها بإثارة النعرات القومية والطائفية فيما بينها واستغلال ثرواتها لصالح الرأسمالية المتوحشة وابتزازها لإعادة إعمار العراق ومسخ شخصيتها ، يقول وزير الدفاع البريطاني (( يجب أن يدفع فاتورة إعمار العراق الشعب العراقي الذي نال الحرية ودول المنطقة التي خلصناها من صدام حسين ، أما دافعوا الضرائب البريطانيون فإن ذلك ليس من مسئوليتهم )) .
وهكذا أمريكا وبريطانيا تدمر العراق ثم الشعب العراقي ودول المنطقة تدفع فاتورة الإعمار الذي سينفذه الشركات الأمريكية والبريطانية .
3 ) إعادة رسم وتشكيل خارطة المنطقة سياسياً بما يخدم المصالح الأمريكية ويزيد من ضعف دول المنطقة من خلال الضغط على بعض الحكومات والسعي لاستبدال البعض الآخر كما بدأت نذر ذلك بالنسبة لسوريا .
4 ) السعي لفرض الهيمنة الإسرائيلية على المنطقة وجعل إسرائيل الكبرى أمراً واقعاً وتصفية القضية الفلسطينية بفرض السلام الأمريكي الإسرائيلي والقضاء على حركات المقاومة الفلسطينية .
5 ) تغيير المناهج التعليمية ومسح أو مسخ أي أثر ديني فيها وها هي أمريكا تطالب بوضوح وعلى أعلى المستويات بإلغاء كل شيء في مناهجنا حتى لو كان من القرآن يؤدي إلى كراهية الأمريكان واليهود ويا للمفارقة ففي إسرائيل الابن المدلل لأمريكا يدرس في مناهجهم من العنصرية والاحتقار لجميع البشر ما لا يخطر على بال إنسان بل إن أصل قيام دولة إسرائيل وطردها لشعب من أرضه وسلبها لوطنه قائم على مقولة دينية توراتية .
أما المهزومون فكرياً ونفسياً من مثقفينا وإعلاميينا وسياسيينا فقد أصبحت كلمة الجهاد لديهم من المحرمات والبديل لها هو ثقافة السلام وثقافة التسامح السلام والتسامح الذي تسقى شجرته بدماء أطفال فلسطين والعراق وأفغانستان وتزين مشاهده بأشلاء النساء والشيوخ ويجمل ديكوره بحطام المآذن وبقايا المنازل .
6 ) الحيلولة دون قيام أي قوة عسكرية أو صناعة عسكرية تهدد إسرائيل وذلك من خلال تقليص عدد الجيش العراقي وتدمير أسلحته والسيطرة على علماء الصناعة العسكرية وأسرهم أو قتلهم عند الحاجة لذلك .
7 ) تغيير قيم المجتمعات العربية وطبيعة علاقاتها وتوجيهها توجيها تغريبياً وبالذات في موضوع المرأة التي يؤمل الأمريكان أن يغيروا وجه المنطقة اجتماعيا من خلالها وذلك بإفسادها وإخراجها من ضوابط الشرع والحشمة والعفاف تحت ستار تحريرها وإعطائها حقوقها .
8 ) تكثيف الضغط على الحكومات لتصفية ومحاصرة العمل الإسلامي ومناشطه وبالذات العمل الخيري لما له من دور جيد في دعم الدعوة الإسلامية على مستوى العالم .
9 ) التمكين للتيارات العلمانية ودعمها وإبراز قادتها وتهيئة الفرص لهم ليسهموا بشكل كبير في المشهد السياسي في المنطقة ليكونوا البديل للتيار الإسلامي المتجذر في المجتمع الإسلامي والذي ثبت أنه الرافض الإستراتيجي للوجود الصهيوني والهيمنة الأمريكية .
وفي الجملة فإن أمريكا كما صرح مساعد وزير الدفاع المستقيل (( ستسعى لتغيير هوية المنطقة ابتداء بالعراق وإعادة تشكيلها دينياً وتعليمياً وسياسياً واجتماعياً واقتصادياً بما يخدم المصالح الأمريكية ويتوافق مع متطلبات السلام الإسرائيلي )) .
ب - الآثار الإيجابية الممكنة لهذا الحدث :
مهما كانت الصورة قاتمة والأحداث مؤلمة إلا أن سنن الله اقتضت ألا يأتي في هذه الحياة شر محض ، فإذا استبصر العقلاء مواطن لطف الله في قدره على أنوار شرعه فسيرون الآثار الإيجابية في هذا الحدث واقعة حاصلة أو متوقعة ممكنة وحينئذ يبذلون جهدهم للحفاظ عليها وتنميتها وتكثيرها وتطويرها لتغطي على المشهد كله بإذن الله ، والعظماء من الرجال هم الذي يخرجون من ركام الهزيمة بتباشير النصر ومن تلافيف اليأس بآفاق التفاؤل ومن شدة الألم والمعاناة بفسيح الأمل والثقة بإذن الله سبحانه وتعالى .
وقد يستغرب البعض الحديث عن آثار إيجابية لاحتلال قوة صليبية لبلد عربي مسلم لكننا فيما سيأتي من حديث سنبين ذلك بجلاء بإذن الله .
وأهم هذه الآثار الإيجابية من وجهة نظري :(67/434)
1 / أن البغي والاستكبار والغرور والاستعلاء والظلم التي اتصفت بها أمريكا : مستكبرة بقوتها وكثرتها وعددها وعتادها ، متناسيةً قدرة الله عليها ، مقدمات الخذلان لها بل الدمار مثلما أخبر الله تعالى عن من قبلهم فقال سبحانه : { فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآياتِنَا يَجْحَدُونَ } (فصلت:15) ، وقال تعالى : { فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَالَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هَؤُلاءِ سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ } (الزمر:51) ، { إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } (الشورى:42) .
2 / ما في هذه الأحداث من كشف للمرتابين المنافقين ومرضى القلوب من المتأمركين الداعين للتغريب والمسوقين لأمريكا ممن صفقوا لها ورحبوا بها سواء كانوا أنظمة أو أحزاباً وشخصيات وكذلك عبدة الهوى والدنيا والوظيفة والجاه عند الخلق : وفي هذا الكشف خير عظيم ، كما حدث يوم أحد ويوم الأحزاب ، قال تعالى : { مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ } (آل عمران:179) ويبقى بعد ذلك معالجة السماعين لهم والمتأثرين بهم بالتعليم والوعظ والابتلاء والتزكية والتوعية .
3 / وضوح السبيل والمفاصلة العقدية : وذلك من خلال استمساك جملة كبيرة من العامة بمبدأ الولاء للمسلمين والبراء من الكافرين وإدراكهم لبعض مآرب الكفار وبعض مخططات العدو الماكر ، وهو ما كان مشوشاً في أزمات سابقة { لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ } (الأنفال:42) .
4 / انكشاف أمريكا وظهور زيف شعاراتها عن العدالة والحرية والإنسانية والحضارة وحق الشعوب في تقرير المصير وظهور صدق ما ينادي به دعاة الإسلام من عداوة الغرب الصليبي والصهاينة اليهود للأمة وكذلك انكشاف زيف مزاعم الغرب فيما يسمى بالشرعية الدولية ... الخ فكان الأمر كما قال الله تعالى : { قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآياتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ } (آل عمران:118) وعلى ضوء ذلك يمكن مخاطبة الحكومات وإشعارها - بحسب الوسائل المتاحة - بأن ما تريده أمريكا استبدال الواقع بجميع أبعاده بما في ذلك البعد السياسي بواقع آخر يكون أكثر انسجاماً مع المشاريع الصهيونية في المنطقة وأكثر أماناً لمستقبل إسرائيل .
5 / ما يتوقع من تخفيف ضغط العولمة - ولو إلى حين - بسبب انشغال أمريكا وصراعها مع دول غربية أخرى حول العراق وهذه فرصة للتأني والنظر البصير والاستعداد لمواجهتها بخطط متعقلة وبرامج محكمة ، وقد يؤدي ذلك إلى تركيز الاهتمام على التعامل بين البلدان الإسلامية فتكون خطوة ثم تعقبها خطوات بإذن الله .
6 / ظهور فتاوى شرعية مؤصلة - جماعية وفردية - في جملة من بلاد المسلمين ، في القضايا الراهنة واهتمام بعض الغربيين بهذه الفتاوى وإطلاع كثير من المسلمين عليها ، مما يقوّي مرجعية أهل العلم والإيمان في أمور الأمة فيسهم في إحياء أصالة الأمة ووحدتها .
7 / قد تنجلي الأحداث عن إعطاء قدر من الحرية للشعوب في التعبير عن تطلعاتها والمشاركة في شؤونها والسماح بقيام مؤسسات شعبية كالأحزاب والنقابات وهذا يقتضي الإعداد لهذه المرحلة بكافة احتمالاتها في البلدان المهيئة لذلك .
8 / القيام بإحياء جملة طيبة من القضايا الشرعية المنسية مثل قضية الجهاد والولاء والبراء ، وفقه السياسة الشرعية كأحكام " دار الكفر " و " دار الإسلام " والراية ، والملاحم مع أهل الكتاب والإقامة في بلاد الكفر ، والهدنة والعهد ، وأحكام عصمة النفس والمال ، وكذلك الأحكام المتعلقة بالتحالف أو الاستعانة بالمسلمين على المشركين ، والحديث برؤية شرعية للعديد من المستجدات مثل : التعددية وتداول السلطة والرقابة على الولاة ، وما أشبه ذلك مما سيكون مادة خصبة للاجتهاد والتفقّه ووزن الأمور بميزان الشرع الحكيم .
رابعاً : ما العمل حيال هذا الحدث :(67/435)
إن الأحداث الجارية أصابت كثيراً من الناس باليأس والقنوط والهلع والجزع وقد كان مما علمناه من كتاب الله أن من سنن الله تعالى في خلقه بقاء الصراع بين الحق والباطل والخير والشر ليميز الله الخبيث من الطيب ، وليعلي بالتمحيص درجات أهل الإيمان ، وليرفع بالابتلاء درجات بعضهم فوق بعض ولتتم مقتضيات حكمته تعالى في إيقاظ الهمم بالنوازل ، وتحريك العزائم بالمحن وإحياء الحمية الإيمانية بالمحن .
وقد ضرب الله لنا أمثالا بالأمم والأنبياء قبلنا ، ومن أكثر القصص في القرآن قصص بني إسرائيل ، وذلك لوجود بعض أوجه الشبه بينهم وبين هذه الأمة ، وقد عاشوا سنين عديدة تحت الذل والهوان والتسلط الفرعوني بعد أن نسوا ما ذكروا به ، وتعلقوا بالدنيا وأنسوا بها وركنوا إلى الشهوات وحب الحياة ، ثم اشتد عليهم العسف والأذى قبيل ميلاد موسى عليه السلام ، ولما بلغ أشده وأكرم بالنبوة زاد عليهم الأذى والظلم ، حتى قالوا { أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ } (الأعراف:129) .
ومكثوا على هذا الحال من الاضطهاد سنين عديدة وفيهم أهل الإيمان بالله : موسى وهارون ومن استجاب لهما ، ونبي الله يعدهم بالنصر والاستخلاف في الأرض وهلاك العدو ، وبعد هذه السنين الطوال أمروا بالخروج وركوب البحر ، فخرجوا من الذلة والهوان { وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرائيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ } (الأعراف:137) .
وفي هذا دليل على أن نصر الله تعالى آت وزمانه مقبل ولكنه لا يحسب بحساب أعمارنا القصيرة ولا يقاس وفق قياسات زمنية قريبة { خُلِقَ الإنسان مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلا تَسْتَعْجِلُونِ } (الأنبياء:37) .
وإنني أرى أن هذه الأحداث توجب علينا الكثير من الأمور على مستوى الشعوب والأفراد ، ومن هذه الواجبات :
1 - إن الواجب في هذه الأحوال الاستمساك بالعروة الوثقى والاسترشاد بالهدى المبين من كتاب الله وسنة رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم ، والوثوق بوعد الله واليقين بنصر الله وأن الله سبحانه لن يسلط على هذه الأمة من يستبيح بيضتها ، وأنها أمة مرحومة منصورة ، كما أخبر الصادق المصدوق نبينا صلى الله عليه وسلم ، ولذا ينبغي أن تكون هذه الأحداث مهما كانت مؤلمة موئل تفاؤل ورجاء لا مصدر يأس وخوف إن العمل على إشاعة روح التفاؤل والثقة بنصر الله،والتأكيد على أن المستقبل لدين الإسلام في مثل هذه الظروف من أوجب الواجبات ، قال الله تعالى { إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ } (غافر:51) .
2 - الحرص على تقوية الربط بين الأحداث وبين القضية الكبرى للمسلمين : قضية فلسطين والحد الأدنى الذي لا يجوز التنازل عنه بحال من الأحوال هو دعم المجاهدين في فلسطين بالقليل من المال والقليل من السلاح والقليل من الغذاء والدواء والإقلاع عن أوهام السلام الذي لن تغفر الأمة لدعاتها اقترافهم هذه الجريمة في الوقت الذي تسيل فيه الدماء في فلسطين أنهاراً وفي الوقت الذي يبدو فيه اقتناع كثير من الناس داخل أمريكا - فضلاً عن خارجها - بضرورة التعامل العادل معها ، مما يعضد الانتفاضة المباركة ويسند جهاد المسلمين لليهود ، ويزيد قضية فلسطين رسوخا ويزيل كثيرا من الغبش العلماني والشهواني عن مساراتها إن من أهم محددات نتيجة المواجهة بين أمريكا والصهاينة من جهة والمسلمين من جهة أخرى هو ما يجري في ساحة فلسطين ولذا فإن الواجب على الحكومات والشعوب والجماعات أن تدعم الجهاد في فلسطين بكل ما تستطيع وألا تسمح بسقوطه لأن النتائج لذلك السقوط لا قدر الله ستكون مؤلمة وكارثة .
3 - يمكن للعاملين للإسلام القيام بترسيخ مبادئ الدعوة إلى الإصلاح الشامل لحال الأمة ليطابق كتاب الله وسنة رسول صلى الله عليه وسلم ويسترشد بهدي الخلفاء الراشدين وعصور العزة والتمكين ، وذلك بواسطة برامج ودراسات تُنشر للأمة ويخاطب بها الحكام والعلماء والقادة والعامة وستفتح الأحداث بابا واسعا لتطوير وسائل الدعوة لمواكبة المواجهة العالمية الشاملة بين الكفر والإيمان ، فبالإضافة إلى الشريط أو النشرة أو الكتيب مثلاً يضاف القنوات الفضائية المتعددة اللغات والصحافة المتطورة ، ومراكز الدراسات المتخصصة ... والمؤسسات التعليمية والخيرية المُحْكمة التخطيط مع التركيز على المشاركات الإعلامية وشبكة المعلومات والإسهام فيها بقوة،لأن مساحة الحرية فيها أوسع وجمهورها أكثر .(67/436)
4 - يجب على العاملين للإسلام حكوماتٍ وجماعات وأفراد أن يدركوا قيمة هذه الفرصة العظيمة ( من خلال ما ذكر سابقا وغيره ) وأن يجعلوا هذه الأحداث منطلقاً للمرحلة الإصلاحية التالية على مستوى الشعوب ( دعوة وجهادا وتربية وتزكية ) : وهي مرحلة الجهاد الكبير بالقرآن كما قال تعالى : { وَجَاهِدْهُم بِهِ جِهَادَاً كَبَيرَاً } (الفرقان:52) إن المرحلة وأحداثها تقتضي منا العمل الدؤوب على التعبئة النفسية والتربوية في موجهة الأمريكان واليهود وتهيئة النفوس إيمانيا وعمليا وإعلاميا لمواجهة التغيرات والنوازل،وإزالة الإحباط واليأس وانكسار الإرادة، قال تعالى { وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } (آل عمران:139) والتركيز على فهم سنن الله تعالى في الأنفس والمجتمعات وإيضاح ذلك للناس،وربط النصر والعزة بالإيمان والعمل الصالح والتقوىوالصبر0كما قال الله تعالى : { وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ } (آل عمران:120) وقال سبحانه : { وَإِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ } (آل عمران:186) .
5 - هذه فرصة كبيرة يجب أن يوظفها ذوو الرأي لتحريك الأمة كلها لمواجهة أعدائها المتكالبين عليها من كل مكان وترك الاستهانة بأي قوة في هذه الأمة لفرد أو جماعة وبأي جهد من أي مسلم ، ونبذ فكرة حصر الاهتمام بالدين على فئة معينة يسمون بـ " الملتزمين " فالأمة كلها مطالبة بنصرة الدين والدفاع عن المقدسات والأرض والعرض والمصالح العامة ، وكل مسلم لا يخلو من خير ، والإيمان شُعَب منها الظاهر ومنها الباطن ، ورب ذي مظهر إيماني وقلبه خاوٍِ أو غافل ، ورب ذي مظهر لا يدل على ما في قلبه من خير وما في عقله من حكمة ورشد ، وهذا لا يعني إهمال تربية الأمة على استكمال شُعَب الدين ظاهراً وباطناً ، بل المراد إن إجادة تحريك الأمة وتجييش طاقاتها لنصرة الدين وتحريك الإيمان في قلوب المسلمين هو من أسباب النصر والقوة ومن دواعي تزكية الصالح و توبة العاصي ويقظة الغافل ، وهذا جيش صلى الله عليه وسلم خير الجيوش لم يكن كله من السابقين الأولين بل كان فيه الأعراب الذين أسلموا ولما يدخل الإيمان في قلوبهم ، وفيه مَن خَلَط عملاً صالحاً وآخر سيئاً ، وفيه المُرجَون لأمر الله إما يعذبهم وإما يتوب عليهم ، وفيه من قاتل حمية عن أحساب قومه ، فضلاً عن المنافقين المعلومين وغير المعلومين ، وإنما العبرة بالمنهج والراية والنفوذ التي لم تكن إلا بيد النبي صلى الله عليه وسلم ثم بيد أهل السابقة والثقة والاستقامة من بعده .
ولو لم نبدأ إلا بتحريك الإيمان والغيرة في قلوب مرتادي المساجد ، وكذلك الجيران والأقرباء والعشيرة وزملاء المهنة وإن تلبسوا بشيء من المعاصي الظاهرة،لكان لذلك أعظم الآثار،وأينع الثمار بإذن الله .
والمراد أن يعلم أن حالة المواجهة الشاملة بين الأمة وأعدائها تقتضي اعتبار مصلحة الدين والمصالح العامة قبل كل شيء ، فالمجاهد الفاسق - بأي نوع من أنواع الجهاد والنصرة - خير من الصالح القاعد في هذه الحالة مع التأكيد على أن المواجهة مع الأعداء متعددة الميادين طويلة المدى،كما قال تعالى : { فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ } (هود:من الآية49) ، وقال سبحانه : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } (آل عمران:200) .
6 - تتيح هذه الأحداث الفرصة الجيدة للعلماء والمثقفين وذوي الرأي لتوعية الأمة بمفهوم نصرة الدين وتولي المؤمنين ، التي هي فرض عين على كل مسلم ، وأن ذلك يشمل ما لا يدخل تحت الحصر من الوسائل ، ولا يقتصر على القتال وحده ، فالجهاد بالمال نصرة ، وكذلك الإعلام وبالرأي والمشورة وبنشر العلم ، وبالعمل الخيري ، وبنشر حقائق الإيمان ولاسيما عقيدة الولاء والبراء ، وبالقنوت والدعاء ، وبالسعي الجاد لجعل المجتمعات الأقرب إلى التمسك والمحافظة قلاعاً ونماذج يمكن أن يفيء إليها بقية الناس ، وبجعل منارات العلم والشرع مرجعيات للاستشارة والفتوى ، وتفويت الفرصة على العلمانيين والشهوانيين في تشويه صورة الإسلام ودعاته وتاريخه والإستحواذ على مراكز التوجيه وكذلك القيام بإظهار مخاطر العدو على الجميع مع التوازن في الطرح بما لا يؤدي إلى مواجهة غير محسوبة النتائج أو فقدان المكتسبات الدعوية القائمة .(67/437)
7 - الفرصة الآن متاحة بشكل جيد لتحويل وحدة الرأي والتعاطف إلى توحّد عملي ومنهجي لكل العاملين للإسلام في كل مكان ، يقوم على الثوابت والقطعيات في الاعتقاد والعمل ، ويدرس الفروع والاجتهادات بأسلوب الحوار البناء ، فاجتماع كلمة الأمة أصل عظيم لا يجوز التفريط فيه بسبب تنوع الاجتهاد واختلاف الوسائل ، وما يجمع المسلمين أكثر وأقوى مما يفرقهم ، والشرط الوحيد لهذا هو أن يكون المصدر كتاب الله وسنة رسول صلى الله عليه وسلم وسيرته ، وما كان عليه الأئمة المتبوعون في عصور عز الإسلام فمن أعظم أسباب ما أصابنا من بلاء التفرق والاختلاف فالعمل على توحيد جهود العاملين للإسلام للأخذ بأسباب النهضة والقوة في التمكين للأمة، وتحقيق ما به تفويت الفرصة على الأعداء،و الوقوف في وجه الطروحات التي تؤدي للفرقة وضعف الأمة من الواجبات الشرعية ، كما قال تعالى : { وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإثم وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ } (المائدة: من الآية2) ، وقال سبحانه : { وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ } (الأنفال:46) .
8 - أصبحت إمكانية مطالبة الحكومات بفتح باب الحوار مع الشعوب والقيام بالإصلاح الشامل في جميع الميادين السياسية والإقتصادية والإدارية والإجتماعية حفاظاً على الجبهة الداخلية وتدعيماً للوحدة الوطنية في كل قطر عربي وإسلامي وكذلك تفهم هموم الشباب ومشكلاته واستيعاب حماسته فيما يخدم الدين والأمة والوطن حقيقة أكثر من ذي قبل لشعور الجميع بالخطر مع التأكيد على أن هؤلاء الشباب في الأصل طاقة ذات حدين إن لم تستصلح وتهذب أصبحت وبالاً وبلاءً ، وهم إذا رأوا الصدق من أحد وثقوا فيه وقبلوا توجيهه ، وإذا ارتابوا في أحد أعرضوا عنه وحذّروا منه ، فلابد في التعامل معهم من حكمة وأناة وصبر ، ولابد من الكف عن الأعمال والإعلام والمواقف المسيئة للدين ، وترك ما يستفزهم من المنكرات ، وأن تلغي الحكومات من تعاملها الحل الأمني الذي ثبت أنه لا يؤدي إلا إلى ردّات فعل أعنف والدخول في نفق مظلم لا نهاية له .
9 - الحذر من التأويلات الخاطئة لأخبار وأحاديث الفتن والملاحم ، والتعبيرات الباطلة للرؤى والأحلام ، والتحذير من تعليق القلوب والأذهان بتفسيرات وهمية وتأويلات فاسدة وتحديدات وتعيينات لم ينزل الله بها من سلطان مما يؤدي إلى أعمال تهورية خاطئة يعقبها يأس وقنوط وانتكس والعياذ بالله .
10 - التركيز على المقاطعة الاقتصادية لجميع المنتجات الأمريكية وبالأخص المواد الإعلامية والفنية وهذه المقاطعة لا يعذر مسلم بالتقصير فيها إذ يستطيع كل فرد في الأمة حتى الأطفال أن يسهم في ذلك والواجب على العلماء والمؤسسات إصدار الفتاوى والدراسات وتوفير المعلومات التي تخدم هذه القضية .
11 - إعادة تأهيل المؤسسة الدينية في المجتمعات الإسلامية للقيام بدورها في حشد طاقات الأمة لمواجهة عدوها وتحريرها من كونها مبررة للحاكم كل شيء وتابعة لسياسته في كل أمرلأن ذلك سيفقد الناس الثقة بها وأول المتضررين من ذلك الحاكم نفسه .
12 - وجوب الضغط الشعبي والمطالبة المستمرة الهادئة العاقلة للحكومات لتتوحد فيما بينها اقتصادياً ودفاعياً وسياسياً وتنهي خلافاتها في سبيل الدفاع عن مصالح الأمة الكبرى وترفع الظلم عن شعوبها وتبني جيوشاً قوية مؤمنة قادرة على مواجهة مخاطر العدوان الذي لن يستثني أحداً وإلا فسيغرق الطوفان الجميع ويكون الانتحار الجماعي ، إن المتغيرات التاريخية في زمن العولمة والجغرافية في زمن التكتلات والمعلوماتية في زمن الإتصالات والاقتصادية في زمن الشركات الكبرى والفكرية في زمن الصحوة الإسلامية العارمة تستدعي من هذه الأنظمة أن تستشعر آلام أمتنا وتستجيب لطموحاتها مستوعبة لمتغيرات ومدركة لحجم التحديات وإلا فهو نهاية الطريق { سنت الله الاية.
13 - على المؤسسات الإسلامية الدعوية والحركات الإسلامية بل والحكومات أن تدعم الدعوة في أمريكا بخطط مدروسة وبرامج قوية لأن المستقبل الواعد لها بإذن الله سيقلب الموازين في أمريكا نفسها { وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ } (يوسف:21) .
وأخيراً يا أمة الإسلام أذكركم بقول الحق سبحانه وتعالى : { إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ } (غافر:51) ، وبقوله تعالى : { وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } (آل عمران:139) ، وبقوله تعالى : { الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ } (المنافقون:8) ، فنحن على وعد من الله بالعزة والنصر والتمكين ومن أصدق من الله قيلاً .
د. عوض بن محمد القرني
25/2/1424هـ
================(67/438)
(67/439)
مائة فكرة في مواجهة الحروب الصليبية
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
فلله الحمد والمنة .. وهذا هو الهدف الكبير الذي نريد الوصول إليه وهو الوصول إلى الهدف الكبير (100 فكرة) .. والتي نأمل بمشيئة الله عز وجل أن ننطلق منها إلى الهدف النهائي وهو جميع ما يتيسر من الأفكار والحلول العملية الفردية والجماعية ..
وسنقوم لاحقا بترتيب الأفكار حسب المستفيدين .. حتى يستطيع كل مستفيد أن يقوم بما عليهم من نصرة دينهم .. ولو بالجانب المعنوي.
[وللتنبيه فإن هذه الأفكار من أعضاء منتديات : التحرير - الفوائد - أنا المسلم]
مائة فكرة في مواجهة الحروب الصليبية
1. الدعاء والإلحاح على الله عز وجل أن ينصر المسلمين ويجعل العاقبة لهم .. والمطلوب الاستمرار بالدعاء وعدم اليأس والتوقف .. وهذه الفكرة لجميع أفراد المجتمع المسلم ، كبيرهم وصغيرهم .. عالمهم وجاهلهم .. ذكرهم وأنثاهم .. وهي طريقة سهلة الوصول عظيمة الأثر ..
ولن يرد الله من دعاه .. إما أن يقبلها وإما أن يحفظها له إلى يوم القيامة ..
2. [للشباب] التدرب القتالي في المناطق التي يسمح فيها بالتدرب القتالي للمسلمين .. أو لا يوجد سلبيات وردود فعل أكبر ذات التدريب .. مع الحرص على الكتمان والخصوصية ..
3. [وهذه للمستهلكين] الاستمرار في المقاطعة الاقتصادية للبضائع الأمريكية والبريطانية .. والاهتمام بذلك أشد الاهتمام ..
ومن المهم أن يكون لدينا بعض التنازل [بل كل التنازلات] عن رغبات النفس في البضائع التي ليس لها ضرورة ماسة لنا .. فكثير من المشتروات هي في الحقيقة كماليات وغير ضرورية للفرد .. ويمكن تعويضها بغيرها ..
فالله الله في عدم دعم الاقتصاد الغربي عموما .. والأمريكي والبريطاني خصوصا .. فكل مال ندفعه لهم فهو في الحقيقة قنابل ورصاصات في صدور إخواننا ..
4. [لعموم الأفراد] التنبيه على أهمية الدور الفردي في العمل .. فالأعمال الجماعية تتكون من أعمال فردية صغيرة منظمة بإطار واحد .. فلا يستحقرن أحد عملا ولو كان صغيرا.. ولا يستحقرن أحد منا عملا بالمقاطعة ..ولو ترك كل شخص منا عمله اتكالا على الآخرين لما قام بالعمل أحد ..
5. ترك النعومة والترف وخاصة في هذه الأزمنة للرجال والنساء والأطفال .والتعود على المشي و عدم الإكثار من الأكل ، والتعايش في الظرف القاسية [اخشوشنوا فإن النعم لا تدوم] .
6. [وهي للجميع] التوبة و الاستغفار .. وذلك بترك المعاصي والتوبة ... وفعل الطاعات والأوبة ... فما نزل بلاء إلا بذنب ولا رفع إلا بتوبة .. ومن المهم أن يقوم المجتمع بمكافحة الذنوب الظاهرة في المجتمع .. فالذنوب العامة أشد وأقرب لنزول العقوبات والبلاء من الذنوب الفردية الخفية ..
فوالله إن تركنا للذنب ومحافظتنا على الطاعة هو أول طريق النصر ومحاربة والآيات الدالة على ذلك كثيرة ... ومنها قوله تعالى : [ أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم]
وقال تعالى : [ إن تنصروا الله ينصركم ]
7. تفعيل الجهاد ضد الغزاة والدعوة إليه عموما .. وخصوصا في الأراضي المستعرة والتي تقوم الحرب فيها بين المسلمين وبين رايات الكفر المحاربة للإسلام .. وذلك مثل مناطق الأفغان والشيشان وفلسطين والأكراد والعراق والفلبين وكشمير وبعض دول أفريقيا وغيرها ..
8. [لناقلي الأخبار في الإنترنت]التحليل للأخبار بدلا من النقل فقط .. فكل خبر له عدد من التحليلات قد تصح أو تخطيء ولكن نشر هذه التحليلات يعطي تصورا أبعد للحدث .. فإذا تم نقل الأخبار التالية بعدها يمكن ربط الأخبار والتعرف على التحليلات الصائبة وما يمكن التوقع التالي ..
9. [للمربين من الآباء أو الدعاة] ترسيخ العقيدة الإسلامية الصحيحة في نفوس الخلف أو الذرية وتحبيبهم إلى دينهم الإسلامي الحنيف فان الاستعمار أول ما عمل به في الدول الإسلامية هو ضرب الإسلام من النفوس
10. [للمربين] الاهتمام باللغة العربية فهي مصدر الترابط بين المسلمين وهي مصدر فهم الدين .. والانتباه إلى محاولات الأعداء إلى تضعيف اللغة العربية وجعلها لغة ثانوية في كل بلد ليس إسلامي ولكن عربي . لان الاستعمار الصليبي يعلم انه حتى يفهم المسلم دينه عليه أن يتمكن من اللغة العربية الصحيحة .
11. [للمربين] الاهتمام بتحفيظ القرآن الكريم للناشئة لأنه المصدر الأساس في فهم الإسلام ... ومنه منطلق العقيدة والدين ..
12. [للدعاة والمعلمين والقادرين على حماية المجتمع] الحذر من محاولات الأعداء من التحكم والتلاعب بمناهج المسلمين الدراسية بما في ذلك محاولات نزع المناهج الدينية وزرع الفكر العلماني فيها .
13. [للدعاة وطلبة العلم وأصحاب العقول السوية] الحذر من طرق الأعداء في نشر الفساد في المجتمع المسلم .. حتى أن احد الإخوة الفلسطينيين قال لي أن اليهود في فلسطين عمدوا إلى توزيع الصور الفاجرة على العمال الفلسطينيين بغرض إضاعة دينهم ومن بعدها نفوسهم .
14. [للنساء والدعاة وطلبة العلم وأصحاب العقول السوية] الحذر من طرق الأعداء وأذنابهم في دعوة المرأة إلى نزع الحجاب بحجة تحرر المرأة .(67/440)
15. [لمن كان في مناطق الحرب] الحذر من المنظمات التنصيرية القادمة على أشلاء المسلمين ومن أحابيلها وأهدافها الخفية .. ومراقبة أنشطتها على المدى البعيد وتنبيه الشعوب من تحركاتها المشبوهة .
16. [للشباب] الاستعداد والتجهيز للاستمرار في حروب الاستنزاف طويلة المدى ..
17. [للمجاهدين] نقل بعض العمليات في قلب الدول الكافرة (المحاربة) .. وهذا حق مشروع وقد اتفقت دول الكفر على أن هذا الأمر غير مباح للمسلمين فقط ولو كانوا محاربين في ديارهم .. فالمسلمون في نظر الغربيين ينبغي ألا يكونوا سببا حتى في اتساخ سكينة الجزار بدمائهم ..
18. [للمجاهدين] تفعيل العمليات الاستشهادية ، وإيلام العدو الغازي بلاد المسلمين بأكبر الخسائر البشرية .
19. وجوب طلب العلم الشرعي وخاصة في مثل زمننا .. وذلك لما في طلب العلم من أثر في تغيير المفاهيم والسلوك في الشعوب ومنعها من التساقط في مغريات وشبهات الغزاة .. قال رسول ا صلى الله عليه وسلم : [من يرد الله به خيرا يفقه في الدين] ..
فالبدء بكتاب الله حفظا وتفسيرا وكذلك الحديث النبوي الشريف تعلما وشرحا .. وهكذا ..
20. [للمقتدرين ماليا] دعم المجاهدين ماليا من الزكاة أو من غير الزكاة .. والملاحظ أن هناك محاولات كبيرة جدا من الصليبيين لمنع تمويل المجاهدين أو حتى عائلات المجاهدين .. ولذا ينبغي الاهتمام بالتمويل للجهاد .
21. لابد أن نحرص كل الحرص على الوسائل الإعلامية القوية التي تؤثر في العدو أكثر من السلاح أحيانا .. و كلنا يعلم مدى قوة الغرب في الحرب الإعلامية وتأثيره على أعدائهم وحتى على شعوبهم ...
والشاهد على ذلك من سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم .. الصحابي الجليل حسان بن ثابت الذي كان يرسل أبياته وشعره كالصواعق تدك قلوب المشركين ... وكان رسول ا صلى الله عليه وسلم يحثه ويدعو له ..
نعم نهتم بهذا السلاح الذي أغفلته أمتنا في هذه الظروف ويكون ذلك ... عن طريق الانترنت - القنوات الفضائية - الراديو ..... الخ
22. نشر صور الخوف و الرعب لدى الجندي الغربي .. و قتلى و جرحى القوات الغازية , و ذلك لتحطيم صورة النصر و القوة التي تحاول أمريكا رسمها و من ثم تريد إثارة الرعب بين بقية الدول . فلا بد من إقناع العالم و لاسيما الإسلامي بضعف جيش الغزاة لرفع المعنويات المسلمين .
http://g r oups.yahoo.com/g r oup/abubanan
23. نشر صور الجرائم التي ارتكبت من قبل الغزاة في حق المدنيين و المنشئات المدنية , و ذلك لإعطاء المجاهدين شحنة من القوة في أسباب القتال , و تعرية الغزاة من ثوب التحرير الذي يحاولون إقناع أنفسهم و القلة من المغفلين .
http://g r oups.yahoo.com/g r oup/abubanan
24. ذكر بعض جوانب النصر في القضية العراقية وذلك لعلاج بعض حالات الإحباط عند بعض السطحيين من المسلمين و حالة الشعور بعدم الثقة , فنقوم بإقناعهم أن الجهود التي قام بها المسلمون من الدعاء و التفاعل مع هذه القضية كان بحد ذاته نصرا , و أن في توحد صفوف المسلمين على اختلاف الأماكن دليل قوة هي بداية النصر إذا ما التزمنا بالمنهج القويم للإسلام .
http://g r oups.yahoo.com/g r oup/abubanan
25. [للعلماء والمفكرين] التحريض للاستعداد والإعداد لجهاد الصليبيين الحاقدين ..
26. صناعة السلاح الذي يفتك بأعداء الأمة مع... ولو كانت الأفكار في بدايتها بدائية ... ولكن شيئا فشيئا حتى نصل ...مع الحذر من ترقبات المنافقين ... ولنا مثل وقدوة في إخواننا في فلسطين وكيف ابتكروا صواريخ القسام وغيرها والزجاجات الحارقة . ويكفي في ذلك قوله تعالى : [وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل]
وهذا الذي لا يريده أعداء الإسلام .. فهم يبذلون قصارى جهدهم في جعل الحكومات تحارب هذه الفكرة وبعدها تبقى الدول ضعيفة تنتظر السماح لها بشراء الأسلحة التي هم يريدون .
27. الدعوة إلى الله ... بكل الأساليب المتاحة ....
28. [للمجاهدين في العراق وفي دول الجوار] العمل على البدء في حرب العصابات .. وأمريكا لن تخرج - في غالب الظن - بسبب الأزمات التي تكاد تعصف بها .. و للمجاهدين اليد الطولى في هذه الحروب والفتك بجند أمريكا أشد الفتك .. ولسهولة الوصول إلى أرض العراق من خلال الحدود الطويلة المحاذية لدول الجوار فينبغي الاهتمام بالجهاد هناك وتمويل المجاهدين بالمال والسلاح ..
والمهم أن تكون تحت راية المجاهدين لا تحت راية البعث الكافر .
29. [للدعاة] استغلال تكالب الأعداء على الأمة وحربهم الجلية على الإسلام وتعاطف جميع طوائف المجتمع مع التوجه الإسلامي وذلك لانكشاف العداء الغربي ، فيستغل ذلك في الاجتهاد في دعوة الشباب ومن حولنا وغرس مفهوم" أن البلاء ينزل بذنوب العباد ويرفع بتوبتهم" حيث أن الأيمان يدخل القلوب بسرعة في مواطن الضعف.
30. [لدعاة الجاليات] استغلال هجوم اليهود والأمريكان على الأمم الكافرة الأخرى وعنصريتهم الدموية في الاجتهاد في دعوة الجاليات الغير مسلمة وتوضيح مفاهيم الإسلام السليمة... فننطلق من نقاط مشتركة.(67/441)
31. [مصممي المواقع والمفكرين] الحاجة لإنشاء مواقع إسلامية أكثر باللغة الإنكليزية[ باستغلال المواقع الشخصية المجانية أو غيرها] لتوضيح مفاهيم الإسلام النبيلة وخطط الصهاينة الخبيثة في العولمة... توضيحها للأمريكان وغيرهم
32. [للعلماء وللقادة الإسلاميين] بناء الأمة لقادة المستقبل... في توحيد الصف الإسلامي ولو كان متعدد المناهج !!... وإقامة حوارات مصارحة بين المشايخ المختلفين للوصول إلى نقاط التقاء لا من باب نبش الخلاف .. والانطلاق في الحوار من أسس مشتركة عملا بالآية [وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ] ..
أقول هذا حتى لا نجد أنفسنا في المستقبل بلا قيادة متفقة ..
33. [لمستخدمي الإنترنت والدعاة وعموم المسلمين] نشر فتاوى العلماء .. وأن الراضي بالاحتلال الأمريكي للعراق يكون كافرا مرتدا .. وأنه لا شبهة بعد سقوط حزب البعث الذي يراه البعض -والله أعلم بالنيات- سببا في عدم تكفير من أعان الصليبيين على المسلمين .. وننقل مثالا في ذلك رأي الشيخ حامد العلي من الكويت :
موضوع : يا من أيدت الغزو الشيخ العلي من الكويت يقول : من رضي باحتلال أمريكا للعراق كافر مرتد
http://d r r r r.com/vb/showth r ead.php?s=&th r eadid=31073
34. [الدعاة والعاملون]الاهتمام بالعمل الجماعي أو المؤسسي .. والبعد عن الفردية المفرطة لأن في الأعمال الفردية مجال لتكرار الأعمال أو ضعفها أو تصادمها أو توقفها بتوقف أصحابها..
35. نشر مفهوم [تعلق النتائج بالأسباب] بين المسلمين لما في المسلمين من تهاون وقعود انتظارا للقدر .. والقدر لا يصرف إلا بالعمل بالقدر .. فترك العمل مدعاة لنتائج ضعيفة أو معدومة .. فمن كان له عمل كانت له نتيجة ومن ترك العمل كانت له نتائج تاركي العمل .
وكثير من الناس يخلط بين القعود وانتظار نصرة الله وبين العمل بكامل الجهد ولو كان قليلا وقد لا يكفي العمل به ومن ثم انتظار نصرة الله عز وجل ..
36. [كتاب الإنترنت وأعضاء المنتديات] التنبيه على تناقضات الغزو الصليبي فهم كانوا يتحدثون عن التحرير من حزب البعث ثم ظهر خداعهم عندما قالوا : [مادام تحت العلم الأمريكي فلا مشكلة في البعث.. وزير الدفاع البريطاني : أعضاء حزب البعث سيشاركون في الحكومة] والحقيقة أن المستعمر محتاج الآن إلى الرافضة وحزب البعث لأنهم أفضل من يتعاون مع الصليبيين ..
http://www.h-alali.net/news/show.php?id=551
وهذا رابط يدل على إرهاصات بأنهم لا مانع عندهم من عودة صدام حسين للسلطة ليقوم بدوره الجديد.
http://fo r um.fwaed.net/showth r ead.php?s=&th r eadid=22902
37. [المسئولين ووجهاء المجتمع] الحسم الصارم والقضاء العاجل على كل بادرة تنصيرية صليبية ، بل يجب أن نشرّد بكل من نكتشف أنه منهم في بلاد الإسلام ونشرّد بهم من خلفهم ونجعلهم عبرة لغيرهم ليكفوا عن نشاطاتهم الصليبية المعادية للإسلام.
38. الحذر والتحذير من التيارات العلمانية والتيارات الحداثية التي هي في حقيقتها الوجه الفكري والأدبي للصليبيين أو على أقل التقدير هي إحدى الحلفاء التاريخيين لهم . وإذا كان النصارى يتحالفون مع الجميع فإن أفضل حليف لهم هم العلمانيون الذين فقدوا الغيرة الدينية والنخوة الإسلامية وكذلك الحداثيون الذين يدعون إلى التغيير الدائم المستمر.فالنصارى والعلمانيون والحداثيون يجتمعون في مواجهة الخطر المشترك ألا وهو الإسلام.
39. [لمسؤولي التعليم والمعلمين] إصلاح مناهج التعليم بما يضمن إخراج الطالب الصالح المرتبط بإسلامه وعقيدته ومجتمعه المؤمن بعقيدة الولاء والبراء المحب للمؤمنين المبغض لليهود والنصارى والمشركين حتى يعرف مَن هو صديقه من عدوه . فهم يقومون بتغيير المناهج بما يخدم مصالحهم التنصيرية ونحن ينبغي لنا أن نبذل الجهد بما يخدم مصالحنا الدينية .
40. العناية بمؤسسات رعاية الشباب ومؤسساتها المختلفة ونواديها ومخيماتها ونشاطاتها وحمايتها من البلاء الذي يهددها وإبعاد اللاعبين والمدربين الأجانب عن النوادي الرياضية والحرص على تصحيح الأوضاع التي تتعلق بتربية الشباب وإعدادهم وإصلاحهم .
41. [للمشاركين في المنتدى] تحويل الأفكار إلى تطبيق عملي : فمع الاهتمام بالمزيد من الأفكار فإننا نحتاج إلى تطبيق هذه الأفكار وتحويلها إلى واقع عملي .. وهو الأهم .. وهو سبب النجاح .. وونعوذ بالله أن نكون ممن صفات مشابهة لليهود أو النصارى ..
فمن صفات اليهود التي ذكرت بالقرآن [ المغضوب عليهم] وقال العلماء ليسو اليهود وحدهم المقصودون بهذا القول ولو أن الخطاب كان عنهم ولكن قالو : هم كل من علم ولم يعمل .. وكذلك النصارى [الضآلين] وأيضاً الخطاب عنهم خاصة ولكن يشمل كل من عمل ولم يعلم [عمل العمل بدون علم وتعلم].. وأما الطائفة المحمودة جعلني الله وإياكم وجميع المسلمين منهم هم الذين يعلمون ويتعلمون ..(67/442)
وما أريد الوصول إليه هو علينا بالعمل بكل ما نعلم أنه في إرضاء ربنا وترك ما نعلم أنه يغضبه - وليس العلم لزيادة المعلومات لدى الشخص هي المقصود - بل العمل العمل العمل
42. رفع الظلم عن الناس بعضهم على بعض.. سواء الفردي أو الجماعي..
فإن الظلم الأكبر الذي يغزونا من الصليبيين.. لا يجذب إلا بالظلم الأصغر الذي بيننا.. كأكل أموال الناس بالباطل .. والاعتداء والافتراء والغيب .. الخ...[وما ظلمناهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون] يعني يتظالمون بينهم.. ويقعون في المعاصي...
43. [إلى عموم المسلمين المتابعين للأخبار من القنوات الفضائية الغربية] هجر القنوات الفضائية : إن للقنوات الفضائية ومع ما تبثه من تضليل للحقائق والأكاذيب ولو صدقو في بعض المرات تأثيراً قوياً على الناس ..
فإذا نشرت القنوات صورا وأخبارا وأنباءً عن قوة العدو وتمكنه من بلاد المسلمين وانتهاء الحرب المقصودة بالاستيلاء على بعض المدن يقل الحماس الذي فينا من الدعاء والالتجاء لله عز وجل...
فلذلك اتركوا الأخبار من القنوات الفضائية أياً كانت مصداقيتها فهي تأتي بالأخبار الصحيحة تارة وتنقل من القنوات المأجورة والتابعة لتوجيهات الاستخبارات الغربية مرات كثيرة ..
اتركوا القنوات و اعتنوا بالدعاء خاصة وأخبار المواقع الموثوقة في الإنترنت.
44. [للعاملين في رعاية الشباب] حماية الشباب من السفر إلى الخارج للرياضة واللعب أو حضور المخيمات التي تقام هناك لما في ذلك من أثر سلبي عليهم.
45. [للمسئولين] حماية الشباب من الاختلاط بغير المسلمين قدر المستطاع أو الاتصال بهم .
46. [للعاملين بالإعلام] منع الإعلام وخاصة الصحافة من نشر الأخبار الدعائية بهذه الأسفار كما يجب منع الخطوط الجوية من الدعاية للسياحة في الخارج وإعلان أسماء وعناوين الفنادق وأماكن اللهو والقمار في جميع أنحاء العالم ومطالبتها بالإعلان عن الجمعيات والمؤسسات الخيرية وأماكن الإصلاح .
47. [للدعاة] وفي مقابل ذلك تشجيع السفر من قبل الموثوقين والمخلصين للدعوة لله تعالى والتعليم وغير ذلك من المصالح العلمية والعملية التي تحتاجها الأمة في بلد من بلادها .
48. [لقيادات المجتمع وأولياء الأمور] الحذر من المدارس الأجنبية وبذل الجهد في تحجيمها [أو إيقافها] ...
49. [لعموم المجتمع] مقاطعة المؤسسات المشبوهة وبيوت الربا والإعلام الفاسد كأشرطة الفيديو والبث المباشر والصحف المنحرفة وغير ذلك .
50. [للطلاب] الولوج في التخصصات العلمية المختلفة ووجود المتخصصين من الشباب في كل هذه الأمور فلن تكون الأمة بخير ما دامت الخبرة التي تحتاجها يملكها عدوها وليس في عقول المسلمين بحمد الله نقص من غيرهم بل هم روّاد الحضارة في فترة من فترات التاريخ فيجب أن ينبري أصحاب المواهب والخبرات والإمكانيات إلى التخصصات والدراسات العلمية الجادة ويسعوا إلى اكتشاف أسرار التقنية ونقلها إلى بلاد المسلمين ليتم الاستغناء عن الخبراء من اليهود والنصارى وغيرهم .
51. [للعلماء والدعاة] تخريج فريق بل فِرقٌ من الدعاة المتخصصين في دراسة النصرانية والتعامل مع المنتسبين إليها ودراسة وثائقها ويمكن أن يتولى هذا العمل الجليل معهد للتبشير الإسلامي يقوم عليه بعض الدعاة ويكون هذا المعهد عبارة عن أقسام :
* قسم لإعداد وإخراج الدعاة من الرجال .
* قسم لإعداد الداعيات من النساء .
* قسم لدراسة التنصير وإعداد الخطط والإحصائيات المتعلقة به .
إلى غير ذلك من الأقسام التي يُحتاج إليها .
52. [لأهل المال] دعم المسلمين الذين يحاربون الصليبيين مثل ما نجد اليوم حرب المسلمين ضد النصارى في السودان أو حرب المسلمين ضد النصارى في الفلبين وفي العراق وغيرها من بلاد المسلمين ، فلابد من دعم قوي للمسلمين بكافة وسائل الدعم ، الدعم المالي والدعم الإغاثي والدعم الإنساني وأن هناك دعم آخر لابد أن يُتقن له ألا وهو دعمهم بدعوتهم إلى الله تعالى فلن ينتصروا بالبندقية وحدها بل بطاعة الله ورسوله .
53. [للدعاة] أسلوب المناظرة خاصة من الراسخين في العلم مع عباد الصليب وينبغي أن يكون هذا الأسلوب مضبوط بضوابط ينبغي الاستفادة منه وتجنب سلبياته .
54. [للتجار والدعاة] العناية بالعمال المسلمين الموجودين هنا وفي كل بلد إسلامي في تعليمهم ورعايتهم....... ورفع الظلم الذي يقع عليهم من قبل مكفوليهم من تأخير الرواتب أو إسكانهم في أماكن غير لائقة . بل يجب أن نرفع الظلم إلى كل من هو موجود هنا إنها الفرصة التي يستغلها النصارى في مد يد العون إلى هؤلاء الضعفاء لتنصيرهم أو لإبعادهم عن الإسلام .
55. - يجب إخراج جميع النصارى واليهود وغير المسلمين من البلاد المقدسة فلا يكون هناك في العمل ولا في الصحة ولا في التعليم إلا المسلمين وفي المسلمين غُنية وكفاية والله تعالى يقول : { يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا } .(67/443)
56. التنبيه والحذر من الدور الذي تقوم به السفارات الأجنبية ومدارسها في الاتصال بالمواطنين أو مراسلتهم أو مشاركتهم في نشاطاتها وينبغي أن يكون هناك رقابة عليها وتحديد لمجالات عملها ومنعها بالاتصال بالمواطنين .. أو الحذر من المترددين على هذه السفارات .
57. [للتسجيلات والدعاة] إعداد أشرطة سمعية لدعوة غير المسلمين إلى الإسلام ويكون إعدادها بطريقة جذّابة بالعربية أولاً ثم يُترجم إلى اللغات الأخرى مع مراعاة حسن الصوت واستخدام المؤثرات الصوتية المقبولة والسعي إلى توزيع هذه الأشرطة بكميات كبيرة لدى غير المسلمين وفي جميع البلاد .
58. [للدعاة المتحدثين باللغة الإنجليزية] على من يجيدون اللغة الإنجليزية مسئولية كبيرة خاصة في إبراز الجوانب المهمة التي يجب أن يُعرّف بها غير المسلمين وإدارة النقاشات والحوارات بكل مناسبة معهم ومجادلتهم بالتي هي أحسن كما قال عز وجل : { ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم } .
59. محاربة العادات الصليبية كالأعياد والمناسبات والشعارات واللباس وغيرها .
60. التذكير بالدعاء في آخر ساعة من ساعات الجمعة .. وتحديد الأهداف التي ندعو الناس للدعوة لهم أو عليهم .. وهذا مثال جيد للتذكير :
http://fo r um.fwaed.net/showth r ead.php?s=&th r eadid=22106
61. فضح زعماء الغرب والتعريف بأهدافهم وتاريخهم لترسيخ كرههم ..
62. نشر تاريخ أمريكا الأسود وذكر الأحداث الدموية التي تمت على أيديهم وتحت سياساتهم .. وفضح هذه السياسات المغلفة بأغلفة خدَّاعة .
63. ذكر وتوثيق تناقضات الغرب في تعامله مع قضايا المسلمين وقضايا غيرهم [مثل مغازلة كوريا وضرب العراق] و [دعم جون قرنق مع أنهم أقلية نصرانية 15% واتهام الكشميريين بالإرهاب] وغيرها كثير .
64. ذكر حقائق وأرقام تنبئ بسقوط امريكا .
65. تذكير التجار المسلمين أن معونتهم للأمريكان كفر وردة في حربهم على أي بلد مسلم حتى لا يتكرر ما شاهدناه في حرب العراق الأخيرة .
66. فضح المصطلحات التي يتكئ عليها الغرب الكافر وتبيينها للمسلم العادي [مثل مصطلح الديموقراطية ...وغيرها] والأمريكان ألد أعداءها إذا كان المستفيد هم المسلمون [كما حدث في الجزائر] ..
67. عدم الركون إلى الرؤى والمبشرات أوربط النصر بها ثم القعود عن العمل ... ولا شك أن الرؤى إنما هي مبشرات وليست تشريعا منزلا على الناس ... فمنها ما قد يصح ومنها ما قد يكذب .. ومن التأويل ما قد يصح ومنه ما قد يخطئ .. ويكفي دليلا تأويل أبي بكر الصديق رضي الله عنه عندما أصاب في واحدة وأخطأ في أخرى ...
و البعض يعتمد على تأويل أحد المعبرين اعتمادا كليا وكأن كلامه حق لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ...
والناظر إلى حياة الصحابة يجد أنهم كانوا يعملون ويجاهدون ... وكانت الرؤى عندهم مبشرات تحفزهم للعمل ولا تجعلهم يتكلون .
68. التدريب الرياضي والبدني ..فأكثرنا بدون لياقة أو سمين أو مريض بسبب القعود وضعف التدرب... ولنا في سباق الرسو صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها ومصارعته لبعض الصحابة ومن سير السلف صعود ابن تيمية الجبل ونزوله للتقوي .. وغير ذلك من المحفزات والاستدلالات التي تدفع بالمسلم إلى التدرب البدني والجهادي..
69. [لمستخدمي الإنترنت] نشر المقالات في الإنترنت أو روابط المقالات والتي تعلم المطلوب من اللياقة البدنية وكيفية تطوير الفرد بدنيا ..
وهذا مثال عن الموضوع المذكور ..
http://www.muslm.net/vbnu/showth r ea...&th r eadid=79581
70. [للشباب ومحبي الرحلات] استكشاف أرض البلاد ومسالكها بالرحلات البرية الهادفة - فللأسف أرضنا يعرف عنها الغربيين المدسوسين العاملين في البلد أكثر منا - فما موقفنا زمن الجهاد والمدافعة !
71. [للحكام] مشروع تصنيع السلاح والذخيرة محليا ...
فلن تنتصر أمة بسلاح يصنعه عدوها !! بل هو فرض ديني على الدولة القيام به قبل مرحلة الجهاد ..بل على الدوام لإرهاب الأعداء [وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم]
72. [ للدعاة والمربين] الاهتمام بالمنهج النبوي في تعليم الشباب والأشبال لمهارات القتال كما نُقِل [علموا أولادكم الرماية والسباحة و ركوب الخيل]
73. [للمهندسين] اختراع وسائل قتال جديدة تكون بديلة للوسائل الحالية القائمة.
74. عدم انتظار القائد المخلص الجاهز .. والعمل على صناعة هؤلاء القادة .. يجب أن يكون لنا دورا في صناعة القائد .. فكثير من الناس يبحث عن المخلِّص ولو كان خارج دائرة الإسلام أو على رأس نظام طاغوتي ويبحث عن الأسباب التي يمكن أن تدل على إسلاميته ثم يبدأ وضع تصورات الخلاص على يديه .. فمن فرح بجمهورية الخميني التي حاربت وما تزال تحارب السنة .. ومن نسج الخيالات على الطاغية صدام حسين والحديث في صناعة الخيالات تجاه مثل هؤلاء يطول فيه الكلام ..
والهدف أننا ينبغي علينا البحث عن الوسائل المناسبة في صناعة القادة ..(67/444)
75. فضح أساليب حرب التعليم الديني .. كما حدث بالباكستان وأفغانستان والسعودية وفي غيرها .. وسيكون بشكل أكبر في العراق ..
راجع مقال : كير : تغيير الأمريكان نظم التعليم العراقية خلال 5 أشهر بدعوى مكافحة التطرف لا يخدم العملية التربوية
http://www.h-alali.net/news/show.php?id=549
76. أهمية تعلم ودراسة طرق تفكير العدو و أهم عاداتهم وتقاليدهم إن أمكن .. حتى يمكننا التعرف على الطرق الكفيلة في النجاح في مقاومته ومواجهته.
77. دراسة لغة العدو للاستفادة من خبراته وكشف خططه وأسراره على ألا تكون على حساب العلوم الشرعية عندنا ..
78. [للمجاهدين] الثبات .. الثبات ... وخاصة عند ملاقاة العدو .. يقول عز وجل [يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون]
79. عمل لجنة مطالبات مالية على كل الدول المعتدية على أراضي المسلمين ... وكذا يكون فيمن تعاون معهم كالدول المقاتلة أو الدول التي تحضر جيوشها للأمن باسم الأمم المتحدة وتقاتل المسلمين ولا تقاتل المعتدين المحتلين ... فكما أنهم يقاتلون المسلمين ويثبتون الحكم للمعتدين فعليهم ما على المعتدين من الإصلاح ..
ويكون على كل دولة جانب مالي تعويضي .. يعطي في نفوسهم أننا لن ننسى جرائمهم التي يجاهرون فيها صباح مساء ..
80. عمل قائمة بأسماء مجرمي الحرب الذين قاموا بمحاربة المسلمين أو طاعة رؤساؤهم في ذلك .. ويكون ذلك من قادتهم ورؤسائهم .. فهم يقومون بعمل القوائم على المسلمين ويستهدفون زعماءهم وقاداتهم الإسلامية .. فمن حق المسلمين أن يكون لهم قوائم ينشرونها تحتوي زعماء العصابات النصرانية والتي تلعب في بلاد المسلمين كما تشاء من غير حسيب ولا رقيب.
وهذه القائمة سيكون لها الدور إن شاء الله تعالى في تضعيف أو توهين الطاعة عندهم .. ولذا ينبغي أن تكون القائمة دقيقة وتستهدف الأشخاص القياديين ومن أطاعهم من كبراءهم من القادة الكبار.
81. الصبر على المصائب هو من عزم الأمور ومواصلة العمل الجاد .
82. عدم التفاعل والمشاركة في القنوات الفضائية والإذاعية والصحفية إلا في إطار ضيق ومحدود ومدروس لأن هذه القنوات متعاقدة مع شركات اتصالات وإعلانات لتمويل برامجها .
83. العمل على إنشاء ودعم القنوات الفضائية والإذاعية والصحفية وكافة مؤسسات التي تخدم مقومات الدولة الإسلامية .
84. عمل توقيت زمني ومرحلي لخطوات العمل حتى تبنى الخطط القادمة على أسس وقواعد شرعية سليمة ومنظمة .
85. تحويل أسماء المدارس والمستشفيات وكافة الطرق والمؤسسات إلى أسماء إسلامية .
86. نشر مفهوم : لا فضل لعربي على أعجمي ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى إن أكرمكم عند الله أنقاكم .
87. بيان كيفية عمل التدريب الجهادي الفردي ريثما تتاح الفرصة لعمل التدريب الجهادي الجماعي المنظم .
88. فضح الصليبيين والصهاينة وأعداء الله عند المسلمين والنصارى واليهود المشاركين في حرب المسلمين والبقية غير المناهضين للحرب .
89. منع كل ما يخالف الشرع من برامج محرمة وزنا ودور الموضة ومحلات بيع الخمور والبنوك الربوية و.....الخ .
90. زيادة وتقوية هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والمؤسسات الخيرية والدعوية .
91. إبراز كيفية المحافظة على الأسرة المسلمة وبناءها ودورها .
92. بيان دور الوحدة الإسلامية ونزع بذور القومية والجاهلية والشركية والبدع وارتبط ذلك برضا الله عز وجل وأثره في بناء الدولة الإسلامية .
93. إعادة مفهوم تطبيق الحدود والتعزير والأحكام الإسلامية وفوائدها إلى أذهان المسلمين .
94. الاستفادة من القنوات الفضائية والإذاعية والصحفية الغربية الحرة في أمور مدروسة نحتاجها .
95. بيان دور الأمراض الاجتماعية الفتاكة وخصوصآ الآتية من عند أعداء الله في هدم المجتمع وأخلاقه وقيمه وحضارته .
96. التعريف بالسلف الصالح والعلماء والدعاة والقادة السابقين والمعاصرين والمواقف البطولية لهم وثباتهم ودورهم الجهادي والإصلاحي في إصلاح الفرد والمجتمع .
97. العمل ضمن إطار شرعي ومنظم كالعمل دون وجود اختلاط لما في ذلك من آثار على شخصية الرجل والمرأة وكيان المجتمع الذي سيقوم بدوره في إنتاج المجتمع المسلم .
98. مواصلة العمل في المراحل المخطط لها بنظام وصبر وثبات ودون توقف حتى لو تعطلت أو تأخرت في أماكن ومراحل أخرى .
99. توخي الحذر وإشهار ممن يشك بأنه من العملاء أو الطابور الخامس .
100. إعادة تنظيم الدوائر والمؤسسات الحكومية إسلاميآ ولو بشكل تخطيطي حاليآ حتى يمكن توجيه المؤسسات إلى شكلها الإسلامي إلى حين اليوم الذي يكون تطبيقه سهلا بإذن الله أو أمرآ متاحآ .
101. تأكيد أهمية أن الحرب خدعة وعدم نشر الأسرار كما في قصة حاطب بن أبي بلتعة.
102. [للمجاهدين] عمل الخنادق والأهداف الزائفة والأساليب التكتيكية في الحرب .
[تذكير: تظهر الدلالات بأن الأمور تنقلب في صالح المسلمين إن هم تمسكوا بالإسلام وصبروا على ذلك]
أبو أحمد
==============(67/445)
(67/446)
( مع الواقع المرير)
عبدالله نياوني الملقب:سانوغو
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهدي الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لاإله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ،
(ياأيها الذين ءامنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتنّ إلاّ وأنتم مسلمون)
(ياأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبثّ منهما رجالا كثيرا ونساءا واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إنّ الله كان عليكم رقيبا)
(يا أيها الذين ءامنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاعظيما)
أما بعد فإن أصدق الحديث كتاب الله وأحسن الهدي هدي محمد صلىالله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها
وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.فنعوذ بالله من البدعة والضلالة والنار
أيها المؤمنون عباد الله:
إن فحوى خطبتنا اليوم معكم ، مع واقعنا المرير،و مع الحادثة الشنيعة التي وقعت هذه الأيام القليلة الماضية،
إنها حادثة تقشعر من ذكرها الجلود، وتمتلئ منها قلوب المؤمنين غيظا، كيف لا وهي تتعلق بكتاب رب البريات، بأكبر معجزة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم بدستور هذه الأمة المحمدية (القرآن الكريم).
أيها المؤمنون عباد الله:
في السنوات الماضية، في إسرائيل، قامت اليهود(أبناء القردة والخنازير) بالإهانة لأبناء الإسلام وذلك بالوقوع في عرض صلى الله عليه وسلم حيث رسمو صلى الله عليه وسلم على هيئة خنزير(قاتلهم الله ولعنهم)
كما ألّف هذا الملعون، الذي على دربهم(سلمان رشدي) أخزاه الله ولعنه، ألف كتابه (الآيات الشيطانية) وأهان كتاب الله تعالى واستفز بالمسلمين (قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر).
واليوم أيها المؤمنون عباد الله: يواصل هؤلاء الصليبيون على دربهم ولا عجب فالكفر ملة واحدة، يواصلون في استفزازهم وإهانتهم بالمسلمين بتدنيس كتاب الله تعالى، وهذا وقع في قلعتهم التعذيبية(غوانتانامو) في (كوبا).
القرآن الكريم يُدنس ويُلقى في المرحاض هذا في كوبا، أما في بلاد الرافدين (العراق) دخل هؤلاء الصليبيون مساجد الله
بأقدامهم القذرة وانتهكوا حرماتها في مدينة(القائم) وبعثروا فيها المصاحف ومزقوها بل وفوق كل ذلك رسموا الصليب عليها، نعم رسموا الصليب على كتاب الله تعالى قاتلهم الله أنى ينتهكون حرمات الله تعالى.
وكل هذه الجرائم تحت الشعار:(الحرب على الإرهاب)
أيها المؤمنون عباد الله:
اعلموا أن كلمة الإرهاب كلما انطلقت من أفواههم فإنهم لا يقصدون بها إلا المسلم المستقيم على دينه، المتمسك بكتاب الله تعالى وسنة نبي صلى الله عليه وسلم
هل سمعتموهم يوما يسمون المتمردين في(كولومبيا) مثلاً بالإرهابيين؟
وهل سمعتموهم يسمون الصهاينة المعتدين بالإرهابيين؟
لا أبدا..........بل كلما دخل هؤلاء الصحاينة المجرمون بدبّاباتهم ومدفعياتهم أرض فلسطين وقتلوا الأبرياء والنساء والأولاد وهدموا البيوت والأشجار،قالوا بملئ أفواههم(نعم إن شارون، له الحق أن يدافع عن نفسه من الإرهابيين)
فالإرهابيون عندهم،هم أولئك الذين قالوا (قرءاننا درع لنا يقينا وإن تمسّكنا به هدينا) وهم أولئك المستضعفون الذين لا يملكون إلا أحجارا يدافعون بها عن أنفسهم ودينهم.
والإرهابيون عندهم هم أولئك الذين وقفوا أمامهم بشجاعة وقالوا نرتضي بالموت ونرفض الإحتلال الصليبي
هؤلاء هم الإرهابيون عندهم قال الله تعالى:(ولن ترضى عنك اليهود والنصارى حتى تتبع ملتهم)
ولكن تعالوا أحبتي الكرام لنتعرف على كلمة الإرهاب.
هذه الكلمة التي صارت كما يقولون(قميص عثمان) يرديه القاصي والداني،و العالم والجاهل،فاختلط الحابل بالنابل،
فالإرهاب كلمة عربية فصيحة من:أرهب يرهب إرهابا أي خوّف يخوّف تخويفا فهذه الكلمة ليست كلمة حديثة عند المسلمين،فإنها مذكورة في كتابنا وقرآننا قال تعالى في سورة الأنفال:( وأعدوا لهم ماستطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدوّ الله وعدوّكم....)
ترهبون أي تخوفون وترعبون فالقرآن الكريم أمرنا بالإرهاب، ولكن من نرهب؟ ومن نخوف ونرعب؟(ترهبون به عدو الله وعدوكم) أمرنا بترهيبهم دفاعا عن أنفسنا وعن ديننا وقرءاننا.
فعلى هذا، فلا يجوز ترهيب من ليس عدوًا للإسلام والمسلمين فمن أرهب مسلما فقد خالف الكتاب والسنة عياذًا بالله،
ولكن أية عداوة للإسلام والمسلمين بعد رسم المصطفى صلى الله عليه وسلم بصورة خنزير؟
وأية عداوة للإسلام والمسلمين بعد تدنيس كتاب الله وإلقائه في المرحاض؟
وأية عداوة للإسلام والمسلمين بعد انتهاك حرمة المساجد ورسم الصليب على المصاحف؟
هل بعد هذه كلها من عداوة للإسلام والمسلمين؟(ولن ترضى عنك اليهود والنصارى حتى تتّبع ملتهم)
أيها المؤمنون عباد الله:
لقد كنا نقرأ عن بني إسرائيل في القرآن( لتفسدن في الأرض مرتين ولتعلن علوا كبيرا) ونحن الآن نعيشهم ولكن في(67/447)
صورة إسرائيل ( تل أبيب) أي فساد وعلو وغطرسة بعد كل ما فعلوا ويفعلون بإخواننا الفلسطينيين؟
ولكن أبشروا أيها المسلمون، فإن الله تعالى قد يجعل في طيات المحن منحا(أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلو من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين ءامنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب)
و أبشروا فإن هذه المحن والإبتلاءات لهي إن شاء الله مخاض لميلاد فجر جديد للإسلام، ولهي مخاض لميلاد صحوة إسلامية جديدة بإذن الله تعالى ( ولا تهنوا ولاتحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين).
روى البخاري في صحيحه من حديث خبّاب بن الأرث رضي الله عنه قال:
(شكونا إلى رسول ا صلى الله عليه وسلم وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة،فقلنا: ألا تستنصرلنا؟ ألا تدعولنا؟ فقال:
قد كان من قبلكم يؤخذ الرجل فيحفر له في الأرض فيجعل فيها، ثم يؤتى بالمنشار فيوضع على رأسه فيجعل نصفين،
ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه وعظمه ما يصدّه ذلك عن دينه،والله ليتمنّ الله هذا الأمر حتّى يسير الراكب من صنعاء
إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون).
اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الكفر والمشركين ودمر أعداء الدين وانصرإخواننا المجاهدين في سبيلك في كل مكان
برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم إنا نسألك عيشة السعداء وميتة الشهداء ومرافقة الأنبياء في الجنة برحمتك يا أرحم الراحمين. وصلي اللهم على نبينا محمد وءاله وصحبه أجمعين.
خطبة جمعة في:12 ربيع الثاني 1426 هـ
الموافق:20 مايو 2005 م بانكوك (تايلاند)
ألقاها:أبوعبدالرحمن عبدالله نياوني الملقب:سانوغو
niaoune@islamway.net
=================(67/448)
(67/449)
أثر الدعاء في نصرة المجاهدين
بقلم الأستاذ/ خباب بن مروان الحمد
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله، صلَّى اللَّه عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلَّم تسليماً كثيراً، وبعد:
منذ أن انبثق فجر التاريخ الإسلامي ، بدأت دواعي النفوس الشريرة ، والتي أكلها الحسد، وقتلتها الغيرة، بتصويب أسلحتهم وسهامهم إلى صدور الموحدين، راجين أن يمحقوا دين الإسلام ، وحركته الحضارية، ونمو الإيمان المتجذر في النفوس الصادقة... لكن يأبى الله إلا أن يتم نوره ، ويفلق هامات الخواجة أولي الكفر والفجور، ويعز دينه وأولياءه ولو كره المجرمون.
واليوم ونحن على درجة كبيرة من درجات التحدي العالمي لقوى الصهيونية العالمية، والإمبريالية الأمريكية الطاغية، والتي حاكت الشر للمسلمين، ودفعت بجنودها إلى اقتحام بلاد الإسلام، ونهب خيراتها، وسلب أموال أصحابها، وتركيعهم ـ زعموا ـ لقوى التحالف النصرانية!!
وقد شاهد المسلمون فصولاً من ذلك التآمر المتواطئ من بني الكفر والنفاق ضد أبناء الإسلام وهوياتهم ومقدساتهم، ففي فلسطين الصامدة روايات وحكايات ، وفي العراق مآسي ومذكرات، وفي أفغانستان حكايات وتضحيات، وفي الشيشان تاريخ وملمات، وفي غيرها من بلاد الإسلام أنَّات وزفرات، وهكذا... تمضي رايات الكفر والنفاق لتصطفَّ تجاه رايات الإيمان في كل فرصة سانحة بوثبة جامحة كاشحة.
وفي قلب تلك الأحداث التي تكرر نفسها، وتعيد دورتها ، يحسن بجنود الرحمن ومن يرفع رايات الجهاد الصادقة؛ أن يزداد فرارهم إلى الله ، وتنعطف أفئدتهم إلى الرحمن ، ويتعلقوا بحبال العرفان للرب المنان ، ويطالعوا سير أسلافهم المجاهدين وتعلقهم بالله رب العالمين ، حين تأتي قوافل الكفر الغاشمة لتدك بلاد الإسلام، فيتطاير فرسان الجهاد، وأبطال الملاحم لمنازلة النوازل، ومقارعة الخطوب، ومكافحة الإرهاب الكافر حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله.
وسأعرض في هذه المقالة شيئاً من سير المجاهدين السابقين، لنرى أنهم ما كانوا يقدموا على أرض المعركة،إلا ويتوجهوا للحي القيوم بالدعاء، والرجاء، والاستغاثة والتضرع إليه بأن ينصرهم،ويخذل عدوهم،وأن يهيئ لهم من أمرهم رشداً، لتعلم النفس المؤمنة، بأنَّ النصر لا يكون بالأسباب المادية فقط، بل إنَّ ركيزته الكبرى، وقاعدته الأسمى،التعلق بالله رب العالمين وانطراح العبد على عتبات الربوبية بالدعاء للمسلمين.
وثمَّة أمر أحببت أن ألوِّح به، وهو: أنَّ من دواعي انقداح الكتابة في هذا الموضوع ، ما نجده في قلوب بعض المسلمين ـ ويا للأسف ـ من تقليل الاهتمام والاعتناء بهذا الأمر، وكأنَّ الدعاء صار لا يجدي ولا ينفع خصوصاً مع كثرة النوازل والمصائب التي تصيب المسلمين، وقد ينظر البعض لمن يتحدث بهذا الأمر، ويصيح به في آذان الناس، نظرة المتشائم، والذي يظنُّ أنَّ الدعاء سبب بسيط ولا تأثير له كبير في أرض الواقع، ومن هنا أحببت أنْ أسطِّر بعض المواقف العملية الجهادية،والتي دعا فيها المسلمون ربهم بإخلاص ومثابرة،فأكرمهم الله بالنصر المبين، والظهور على أعداء الدين.
ولعلَّه بعد ذلك وحين تقرأ النفوس وكأنها تشاهد أثر الدعاء في نصرة المسلمين والمجاهدين؛ فترفع أكفَّ الضراعة إلى الحي الذي لا يموت، بأن ينصر الله دينه ويخذل أعدائه، ويكون من بين تلك النفوس رجل صادق لو أقسم على الله لأبرَّه، يستحي الله حين يراه قد شرع في الدعاء، ومدَّ كفيَّ الرجاء،أن يرد الله يديه صفراً خائبتين.
إلاّ أنّه من الأهمية أن يُعْلَمَ أنَّ أولئك السابقين ما كانوا يدعون الله فقط بأن ينصرهم على عدوهم،وهم لم يهيئوا أسباب النصرة المادية، من الجهاد بالنفس والمال والكلمة الصادقة، وما تحتاجه تلك المعركة الدائرة بين الإسلام والكفر من تحفيز ونصرة.
لقد كانوا _رضوان الله عليهم_ يدعون الله وهم متوجهون للقتال، أويتضرعوا إلى الله ولهم مشاريع قد أعدت لنصرة دين الله، والتي منها الدعاء، ولهذا أنبه قبل عرض سيرهم بأنَّ من أسباب النصر العظمى الدعاء، والذي يعقبه الكفاح والعمل والبناء،أمَّا أن يدعو الإنسان ربه وليس لديه برامج عملية لنصرة هذا الدين، فإنَّ هذا كطالب مخفق أخرق في دراسته، ثمَّ يسأل الله النجاح ولم يعد لذلك النجاح،فهل ينال حينئذٍ النجاح...هيهات! فليعلم أنَّ هذا الدين يحتاج لرجال أكفاء يقومون بنصرته في جميع ميادين النصر، وصدق من قال:
إسلامنا لا يستقيم عموده *** بدعاء شيخ في زوايا المسجد
إسلامنا نور يضيء طريقنا *** إسلامنا نار على من يقتدي
فليس النصر الدعاء، وليس هوالقوة المادية فحسب، وليس كذلك بالكثرة العددية، إنَّ النصر مجتمع في ذلك كلِّه لا ينفصل جزء من شمول، ولا ينبتر بعض من كل.(67/450)
ولعلِّي أبدأ هذه الأكتوبة، وأطرِّز المسيرة وأُتَوِّجَ السيرة، برسول الأمة المختارة، محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم فإنَّ: تاريخنا من رسول الله مبدؤه وما عداه فلا ذكر ولا شان، فقد نام صحابته الأكارم ـ رضي الله عنهم وأرضاهم ـ ليلة بدر، إلا هو ـ عليه الصلاة والسلام ـ فقد بات تلك الليلة يصلي إلى جذع شجرة ، ويكثر في سجوده أن يقول:"يا حيُّ يا قيوم" يكرر ذلك صلى الله عليه وسلم ويسأل الله النصر(البداية والنهاية5/82)، وحين رأى رسول الله جند قريش قال:" اللهم هذه قريش قد أقبلت بخيلائها وفخرها، تحادك وتكذب رسولك، اللهم أحنهم الغداة" (السيرة النبوية لابن هشام3/168).
وقد روى عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ قال: لمَّا كان يوم بدر نظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه وهم ثلاثمائة ونيف، ونظر إلى المشركين، فإذا هم ألف وزيادة، فاستقبل النبي صلى الله عليه وسلم القبلة، وعليه رداؤه وإزاره ، ثمَّ قال: "اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام فلا تعبد في الأرض أبداً" قال عمر بن الخطاب: فما زال يستغيث ربَّه ويدعوه، حتَّى سقط رداؤه عن منكبيه، فأتاه أبو بكر فأخذ رداءه فردَّاه، ثمَّ التزمه من ورائه ثمَّ قال: يا نبي الله ، كفاك مناشدتك ربك، فإنَّه منجز لك ما وعدك" أخرجه أحمد(1/30ـ31) برقم(208)، وقال الشيخ/أحمد شاكر:سنده صحيح، ورواه مسلم (1763)، وأصله في البخاري، وانظر جامع الأصول(8/183).
ولهذا فإن الله _سبحانه_ وصف حال رسوله العظيم وصحابته الكرام في غزوة بدر بأنهم كثيري الاستغاثة به، ومكثري رجائه ودعاءه فقال:"إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين"(الأنفال: 9) فأين نحن من الاقتداء برسول الله وصحابته بالدعاء للمجاهدين بالنصر، وخذلان عدوهم!
وعليه فإنَّ مما نستفيده من ذلك أنَّه في حالة نشوب الحرب، وقيام المعركة، واضطرام القتال،أن نرفع أكف الضراعة والاستغاثة بالله ، فلعله ـ سبحانه ـ أن يستجيب لنا فيقهر عدونا ، ويخذل محاربنا، ويمدنا بمددٍ من عنده كما أمد رسول الله وصحابته بجند من عنده من الملائكة المرسلين حين دعوه في غزوة بدر، فانخلعت قلوب الكافرين، وفروا خاسرين ، وتم بفضله ـ تعالى ـ النصر المبين.
لهذا كان الدعاء في الغزو مرتبط ارتباطاً وثيقاً مع المجاهدين في أرض المعركة،وقد بوَّب الإمام الترمذي في جامعه(باب في الدعاء إذا غزا) وأورد تحته ما رواه أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا غزا قال:اللهم أنت عضدي وأنت نصيري وبك أقاتل" أخرجه الترمذي في كتاب الدعوات برقم(3584) وقال: حسن غريب، وحسَّنه الألباني في صحيح الترمذي برقم(2836).
وهنا وقفة لابد منها قبل أن نأتي على سير المجاهدين وتعلقهم بربهم بالدعاء قبيل المعركة وفي أثنائها، وهي أن من مآسي واقعنا المعاصر، وحين تدك بلاد الإسلام بالراجمات ، وتقذف بالقنابل، يهرع الكثير من المسلمين إلى شاشات التلفاز، ليروا أثر المعركة، ويستمعوا الأخبار، حتى يعلموا ماذا حلَّ في تلك البلاد.
وفي نظري أنَّ هذا الأمر وإن كان هامَّاً؛ لأنَّ فيه الاهتمام بأخبار المسلمين، إلاّ أن المداومة على ذلك ، لا يفيد إلاّ كثرة الهم والغم والحزن، والذي لا ينفع ولا يصنع شيئاً، والرأي الوجيه لمن قعد عن الجهاد للظروف المحيطة به، أن يوظِّف المسلم ذلك الحدث توظيفاً إيجابياً ، ومن أولى الأمور لتفعيل تلك القضية بين المؤمنين، اللجوء إلى محراب العبودية، والانكسار بين يدي ربِّ البرية ، والتضرع والبكاء ، والرجاء والدعاء لرب الأرباب ، ومسبب الأسباب، بأن يكف الله شرَّ الكافرين، وأن ينصر عباده المجاهدين، وأن يخذل المنافقين وعملاء الصليبيين.
تلك والله سمة المؤمن ، وشيمة الموحد ، وهو أكبر دليل على صدق ما في قلبه من الحب لإخوانه المؤمنين وحمل همِّهم، وخاصَّة أنَّ الدعاء يستجاب وقت اشتداد المعركة،وشدَّة التحارب بين المؤمنين والكافرين، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم :" ثنتان لا تردان أو قلَّما تردَّان:الدعاء عند النداء، وعند البأس حين يُلْحِمُ بعضهم بعضاً" أي: حين تشتبك الحرب بينهم، أخرجه أبو داود، وقال الحافظ في النتائج(1/378):حديث حسن صحيح،وصححه النووي في (الأذكار/ صـ57ـ267) ، وقال الألباني في (الكلم الطيب): حسن صحيح(صـ76).(67/451)
ولقد عاب الله أقواماً نزلت بهم المصائب والبأساء ، فأعرضوا عن ربهم،ولم يدعوه لكشف ضرهم ، فلم يرفع عنهم تلك النازلة ، قال _تعالى_: "وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ" (الأنعام:42، 43) وقال في آية أخرى: "وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ" (المؤمنون:76) فصار المصير إلى أن نعلم علم اليقين، أنَّ من أوجب الواجبات في زمن الكوارث والملمات، رفع اليدين بالدعاء لله رب العالمين، فلعل ذلك الدعاء من أكف بيضاء نقية، وقلوب صادقة وفيَّة، وأعين باكية تقيَّة تخفف من تلك المآسي التي أقلقت المسلمين وأقضَّت مضاجعهم، وقد علَّمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنَّه"لا يردَّ القضاء إلاّ الدعاء" أخرجه الترمذي(139)، وقال: حسن غريب، وحسَّنه الألباني في صحيح الجامع برقم(7687)، وأخبرنا بأنَّه"لا يغني حذر من قدر، والدعاء ينفع مما قد نزل ومما لم ينزل، وإنَّ البلاء ينزل فيتلقاه الدعاء، فيتعالجان إلى يوم القيامة" أخرجه الترمذي وحسَّنه الألباني في صحيح الترمذي(2813) زاد الحاكم بسندٍ لا بأس به، فعليكم عباد الله بالدعاء، ولهذا كان الدعاء من أسباب النصر على الأعداء، وخاصَّة إذا كان ذلك من عباد الله الضعفاء، وقد دلَّ على ذلك حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم "إنما ينصر الله هذه الأمَّة بضعيفها بدعوتهم وصلاتهم وإخلاصهم) أخرجه النسائي وصححه الألباني في صحيح النسائي(2978).
فأين نحن يا أخا الإسلام عن ذلك السلاح العظيم والمنجي لنا من بطش الأعداء؟! وأين الإلحاح على الله بأن يكشف الضر عن المسلمين؟! وأين الانطراح بين يديه؟! وأين الانكباب عليه؟! وأين التوجه إليه؟!
أين ذلك كلَّه ونحن نستمع صرخات المكلومين، وأنات الجرحى والمظلومين، وصراخ المضطهدين في سجون الكفرة الملاعين في كوبا وأبي غريب وسجون إسرائيل؟ وصدق من قال:
وإنِّي لأدعو الله والأمر ضيِّق *** عليَّ فما ينفك أن يتفرجا
وربَّ فتى ضاقت عليه همومه *** أصاب له في دعوة الله مخرجا
يا للأسف حين يظن الكثير بأنَّ المهم أن يستمعوا الأخبار عمَّا حصل في الفلوجة،أو الرمادي، أوبغداد،أو الموصل،أو نابلس،أو جباليا،أو جنين،أو غزة،أو رفح،أو كابل،أو مزار شريف،أوجروزني،أو....ثمَّ لا يفعل شيئاً ينصر به دينه ولو بالدعاء وهو أقل ما يستطيع!!
يا للمأساة حين يظن البعض أنًّه إذا تحدث مع زميل له عن مآسي المسلمين وهو يشرب الشاي! ثمَّ تكلَّم عن ظلم الاحتلال الصليبي أنَّه أدَّى دوره، وانقضت مهمته!!
عجباً ـ وربي ـ من تلك القلوب المعمورة بحب الدعة والراحة، والكسل والنقاهة _نسأل الله العفو والمغفرة_.
ودعني الآن ـ أخي ـ أقلب لك شيئاً من صفحات التاريخ ، وطوايا الأحداث لترى العجب من قوم جاهدوا في سبيل الله، ولم يثنهم فعلهم ذاك من الفرار إلى الله ، واللجوء إلى كنفه؛ بالدعاء، والابتهالات الشرعية، والاستغاثات الربانية، سائلينه _تعالى_ أن ينصرهم وأن يكف بأس أعدائهم عنهم؛ وذلك لأنَّ الغازي في سبيل الله يستجيب الله له الدعاء ، كما قال صلى الله عليه وسلم : "الغازي في سبيل الله ، والحاج والمعتمر؛ وفد الله دعاهم فأجابوه، وسألوه فأعطاهم"أخرجه ابن ماجة برقم(2893) في كتاب المناسك، وصححه الألباني في صحيح الجامع، برقم(4171).
فمتِّع ناظريك،وتشبه بسلفك، وبهداهم اقتده، لتعلم أنَّ الدعاء ركيزة كبرى من ركائز النصر، وقاعدة عظمى من قواعد معركة الإسلام مع الكفر، وإياي وإياك أن يكون ما قرأناه وكتبناه حجة علينا لا لنا ـ نسأله تعالى ألطافاً من عنده، ومغفرة من لدنه ـ
1- فهاهو طالوت وجنده قبل بداية المعركة يقول _تعالى_ عنهم: "ولمَّا برزوا لجالوت وجنوده قالوا ربنا أفرغ علينا صبراً وثبِّت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين" (البقرة: 250) وبعد هذا الدعاء، كان الجواب من الله"فهزموهم بإذن الله وقتل داود جالوت" وكان النصر حليفهم حين دعوا الله وتوكلوا عليه.(67/452)
2- وهاهو الغلام المؤمن صاحب الملك الكافر حين اكتشف أمره، وعلم أنه موحد،أراد أن يفتنه عن دينه ، ويخيفه بجنده ولكن هيهات فإنَّ مع الغلام سلاحاً لا ينفد، وكنزاً لن يفقد؛ إنَّه الدعاء فحين أراد جنود هذا الطاغية،أن يلقوه من فوق الجبل إلى هاويته، نطق الغلام بكل مسكنة وافتقار للملك القهار"اللهم اكفنيهم بما شئت"، فسقط الجنود من فوق الجبل وكانوا في الهاوية، بل في القاع ، ويمضي ذلك الغلام شامخاً ًبإيمانه إلى الملك الكافر، ليعلمه دروساً في التوحيد من التوكل على الله، والاستعانة به، وعدم الخوف إلا منه إلى غير ذلك، لكن الطغاة متكبرون، ولا يسمعون داعي الإيمان' فما كان من ذلك الملك إلاّ أن أمر جنده بأن يذهبوا بذلك الغلام في إحدى السفن فإذا توسطت السفينة في البحر، ألقى الجنود ذلك الغلام ليتخلصوا منه ، وحين أرادوا أن يفعلوا ذلك بعد أن توسطت بهم السفينة في البحر،إلاّ ويطلق الغلام سلاحه على أعدائه"اللهم اكفنيهم بما شئت"، واستجاب الله الدعاء، وقلب السفينة بمن فيها من جند الطاغوت ونجا ذلك الغلام المؤمن من مكر الكافرين، والقصَّة معروفة، ومن أراد المزيد فليقرأ تفاسير العلماء لسورة البروج.
3- وهذا المثنَّى بن حارثة الشيباني في وقعة البويب في السنة الثالثة عشرة من الهجرة يدعون له المسلمون، والجند المقاتلون، بأن ينصره الله على أعدائه، ويكفيه شرهم، وكان النصر له في آخر المطاف.(انظر:معارك المسلمين في رمضان للدكتور:عبدالعزيز العبيدي/صـ34ـ38).
4- وتأمل قصة النعمان بن مقرن في سنة إحدى وعشرين، فبعد أن تحصن الفرس بخنادقهم ، وطال حصار المسلمين لهم،استشار النعمان قادته، فأشاروا عليه باستدراج الفرس والتظاهر بالهروب حتَّى إذا ابتعد الجند عن حصونهم وخنادقهم نشبت المعركة، ووافق النعمان على الخطة، وقال لهم: إني مكبر ثلاثاً فإذا كان الثالثة فابدؤوا بالقتال، وهنا لم ينس النعمان الاتصال الروحي مع الله ، فقد ذهب النعمان إلى أحد الأمكنة ودعا الله قائلاً: "اللهم اعزز دينك، وانصرعبادك،اللهم إني أسألك أن تقر عيني بفتح يكون فيه عز الإسلام، واقبضني شهيداً"، وبكى الناس مع النعمان وابتهلوا إلى الله وتضرعوا، واستجاب الله دعاءهم فنصرهم على عدوهم نصراً عظيماً، واستجاب الله دعاء النعمان بن مقرن، فكان أول قتيل من المسلمين على أرض المعركة ـ رضي الله عنه ـ(البداية والنهاية7/89) (إتمام الوفاء بسيرة الخلفاء للخضري/صـ95ـ96)، ورضي عن جميع صحابة رسول الله ، الذي رباهم بروضته الشريفة ، وبمسيرته المباركة فكان نتاجه عظيماً، وتربيته قديرة، فصلى الله على محمد صلاة دائمة تتعاقب بتعاقب الليل والنهار:
خلَّفت جيلاً من الأصحاب سيرتهم *** تصوغ بين الورى روحاً وريحاناً
كانت فتوحاتهم براً ومرحمة *** كانت سياستهم عدلاً وإحساناً
لم يعرفوا الدين أوراداً ومسبحة *** بل أشبعوا الدين محراباً وميداناً
5- واقرأ ما فعله حبيب بن مسلمة ـ رضي الله عنه ـ حين أمِّر على جيش،فلمَّا أتى العدو قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا يجتمع قوم فيدعو بعضهم ويؤمِّن بعضهم إلا أجابهم الله _تعالى_" ثمَّ إنَّه حمد الله وأثنى عليه، وقال:"اللهم احقن دماءنا، واجعل أجورنا أجور الشهداء" فبينما هم كذلك إذ نزل أمير العدو، فدخل على حبيب بن مسلمة سُرَادقَه، وسلَّم إليه بدون حرب" أخرجه البيهقي والطبراني، وللمزيد انظر)التحفة المستطابة لرشيد الراشد/ صـ 77ـ78).
6- وأنعم النظر في قصَّة قتيبة بن مسلم مع محمد بن واسع ، فقد ذكر ابن الجوزي في (صفة الصفوة 2/136) أنَّه كان مع قتيبة بن مسلم في معركته الإمام محمد بن واسع، وقد كان قتيبة بن مسلم صاحب خراسان وكانت الترك قد خرجت إليهم فبعث قتيبة إلى المسجد لينظر من فيه، فقيل له: ليس فيه إلا محمد بن واسع رافعاً إصبعه، فقال قتيبة: إصبعه تلك أحبُّ إلي من ثلاثين ألف شاب طرير". وفي (سير أعلام النبلاء 6/121) قال قتيبة بن مسلم: تلك الإصبع أحب إلي من مئة ألف سيف شهير وشاب طرير" فتأمل دعاء الإمام محمد بن واسع وقت المعركة، وحب القائد قتيبة بن مسلم لدعائه ذاك، بل تفضيله لدعائه على وجود ألف شاب مقاتل!
إليك وإلاّ لا تشد الركائب *** ومنك وإلا فالمؤمل غائب
وفيك وإلا فالرجاء مضيع *** وعنك وإلا فالمحدث كاذب
7- ومما يدلًّ على أنَّ النصر يستنزل بالدعاء ما قاله أسد بن عبدالله القسري أمير خراسان في قتاله للفرس:"إنَّه بلغني أنَّ العبد أقرب ما يكون إلى الله إذا وضع جبهته لله، وإنِّي نازل وواضع جبهتي، فادعوا الله، واسجدوا لربكم، وأخلصوا له الدعاء، ففعلوا، ثمَّ رفعوا رؤوسهم، وهم لا يشكُّون في الفتح" (تاريخ الطبري 7/119).
8- وهكذا كان عقبة بن نافع فقد كان مستجاب الدعوة، وكان يتوجه إلى الله بالدعاء عند الشروع في معاركه، ويصادم العدو في شجاعة مذهلة، كما ذكره عنه أهل السير، ثمَّ يكتب الله له النصر المبين(أبطال ومواقف/صـ187).(67/453)
9- وهكذا يمضي جنود الإسلام ، وتسير قوافل المجاهدين إلى الله رب العالمين، فهذا الإمام الفقيه أبو نصر محمد بن عبدالملك الحنفي يقول لألب أرسلان في موقعة(ملاذكرد) بعد أن رأى كثرة جيش الروم والتي قُدِّرت بمئتي ألف مقاتل: إنَّك تقاتل عن دين الله وقد وعد الله بنصره، وأرجو أن يكون الله قد كتبه لك بجيشك القليل شرف النصر، فسر إلى العدو الكافر يوم الجمعة، بعد الزوال، والأئمة على منازلهم يدعون لجيشك بالنصر والله غالب على أمره، وتمَّ ذلك عند ظهيرة يوم الجمعة من صيف أربعمئة وثلاث وستين للهجرة، فقد صلَّى وبكى فبكى الناس لبكائه ، ودعا الله فدعا الناس بدعائه، وعفَّر وجهه بالتراب ثمَّ ركب وقال للناس: ليس عليكم الآن أمير وكلكم أمير نفسه ، من شاء أن ينصرف فليعد إلى أهله، ولبس البياض وتحنَّط ، وحمل بجيشه حملة صادقة، فوقعوا في وسط العدو يقتلون ما يشاؤون، وثبت العسكر، ونزل النصر،وولت الروم، واستحر بهم القتل،وقتل طاغيتهم أرمانوس،بعد أن أسره مملوك وسار به ذليلاً ليقتل رغم أنفه" انظر السير (18/414ـ416) والبداية والنهاية(12/91) أليس ذلك من بركات الدعاء يا عبدالله؟!
10- وانظرـ أخي الموفق ـ في حال نور الدين محمود في فتح حارم سنة559هـ وقد انفرد تحت تل حينما التقى الجمعان وسجد لربه ـ عزَّ وجل ـ ومرَّغ وجهه وتضرع، وقال: "هؤلاء يا رب عبيدك وهم أولياؤك ، وهؤلاء عبيدك وهم أعدائك ، فانصر أوليائك على أعدائك"(ما فضول محمود في الوسط) ـ يشير إلى أنَّك يا رب إن نصرت المسلمين فدينك نصرت ، فلا تمنعهم النصر بسبب محمود يعني نفسه إن كان غير متحقق النصر) ثمَّ بعد ذلك فتح الله على يديه فتحاً عظيماً )(معارك المسلمين في رمضان للدكتور:عبدالعزيز العبيدي صـ65).
11- ومتِّع عينيك بقصَّة البطل العظيم صلاح الدين محرر القدس من الصليبيين" فقد جمع صلاح الدين الجموع ، ونظَّم الجيوش ثمَّ عقد مجلس شوراه للتشاور في منازلة العدو، وتوقيت المعركة فاتفقوا على الخروج في 17/ ربيع الآخر عام 583هـ بعد صلاة الجمعة، وبين تكبير المسلمين وابتهالهم وتضرعهم بالدعاء". (صلاح الدين الأيوبي للدكتور:عبدالله ناصح علوان صـ67).
ويقول القاضي ابن شدَّاد: " وكان صلاح الدين إذا سمع أنَّ العدو قد داهم المسلمين خرَّ إلى الأرض ساجداً لله، داعياً بهذا الدعاء:اللهم قد انقطعت أسبابي الأرضية في نصرة دينك،ولم يبق إلا الإخلاد إليك ، والاعتصام بحبلك،والاعتماد على فضلك، أنت حسبي ونعم الوكيل" ويقول: " ورأيته ساجداً ودموعه تتقاطر على شيبته ثمَّ على سجَّادته ، ولا أسمع ما يقول ، ولم ينقض ذلك اليوم إلاّ ويأتيه أخبار النصر على الأعداء، وكان أبداً يقصد بوقفاته الجمع ، سيما أوقات صلاة الجمعة تبركاً بدعاء الخطباء على المنابر، فربما كانت أقرب إلى الاستجابة" (سيرة صلاح الدين الأيوبي للقاضي ابن شدَّاد _رحمهما الله_ صـ8 وما بعده).
12- وانظر ماذا كان يفعل المظفر قطز في معركة عين جالوت سنة(658)هـ وهو يحمِّس المجاهدين ويصيح واإسلاماه ، واإسلاماه، ويسجد ويعفِّر وجهه في التراب ويقول: يا الله انصر عبدك قطز(معارك المسلمين في رمضان للعبيدي/صـ71). وقال ابن كثير في البداية والنهاية(13/188) عن قطز: " ولمَّا رأى عصائب التتار، قال للأمراء والجيوش: لا تقاتلوهم حتَّى تزول الشمس وتفيء الظلال وتهب الرياح، ويدعو لنا الخطباء في صلاتهم". واستجاب الله دعاءه وهزم المغول ووقعوا بين يديه ما بين قتيل وجريح وأسير، بل وقع بين يديه قائد المغول فقتله تنكيلاً به، وجزاء إجرامه في قتل المسلمين.
13- أمَّا محمد الفاتح فقد دخل المسجد في صباح يوم التاسع والعشرين من مايو عام 1453م فوجد شيخه ومعلمه ومربيه آق شمس الدين منطرحاً بين يدي ربه مستغرقاً بالدعاء فاستبشر خيراً بالنصر، وحين كان المجاهدون يهيئون للمعركة عدتها كان هتافهم: ياالله ، يالله، ولمَّا فتحت القسطنطينية رآه الناس وهو يمرِّغ وجهه في التراب تواضعاً لله والمؤمنون يهنئونه بالنصر وهو لا يزيد على أن يقول النصر من عند الله، النصر من عند الله. (أبطال ومواقف/ صـ450ـ451) هكذا يا ـ أخا العقيدة ـ عرف هؤلاء البواسل دربهم ، فساروا إلى ساح الجهاد، وفتحوا الفتوحات، وغيروا مجرى التأريخ لصالح أمة الإسلام الخالدة، وأكثروا الدعاء لربهم، والاستغاثة بمعبودهم، حتى خطَّ الله لهم طريق النصر المبين، والعز والتمكين.
فأين نحن عن هذا الأمر العظيم ، بل أين نداءاتنا لله، ودعاءنا له؟وأين قنوتنا في المساجد على الصليبيين والصهاينة؟هل حققنا شيئاً من ذلك أم نبقى على فتورنا الآثم؟ أم ذلك استهانة بحق الدعاء، و تكاسلاً عن تأدية تلك العبادة!!
أتهزأ بالدعاء وتزدريه *** وما تدري بما صنع الدعاء
سهام الليل لا تخطي ولكن *** لها أمد وللأمد انقضاء(67/454)
إنَّ العجب كل العجب حين تجد أناساً يستثقلون بالدعاء لإخوانهم المجاهدين، وحاملي رايات المقاومة الإسلامية، والأغرب من ذلك أن يقول البعض: لقد دعونا الله ولم يستجب، أو أن يقول البعض: إنَّ ما يكتبه الله سيقدره سواء دعوناه أو لم ندعه فكل مقدر ومكتوب!!!
وإلى هؤلاء أخاطبهم راحماً حالهم، ومشفقا عليهم، فأقول:
يا من قلتم: إننا دعونا الله ولم يستجب لنا ، هل ابتعدتم عن جميع الموبقات والفواحش والظلم وموانع إجابة الدعاء؟ وهل دعوتم الله بقلب صادق، وضمير حيٍّ حاضر؟
إن من أهم ما يجب عليكم معرفته أنَّ الله لا يستجيب الدعاء من قلب غافل، فقد روى أبو هريرة أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة واعلموا أن الله لا يستجيب دعاءً من قلب غافل لاه" أخرجه الترمذي(3479) وحسَّنه الألباني في صحيح الترمذي(2766).
ثمَّ ألا تعلموا أن رسولكم قد نهاكم عن استعجال إجابة الدعاء، فقد روى أبو هريرة ـ رضي الله عنه ـ أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" يستجاب لأحدكم ما لم يعجل،يقول: دعوت فلم يستجب لي" متفق عليه ، وفي جزء من رواية مسلم قيل : يا رسول الله! ما الاستعجال؟ قال: "يقول قد دعوت ، وقد دعوت فلم يستجب لي، فيستحسر عند ذلك،ويدع الدعاء".
ثمَّ ما أدراكم أيها الفاترون عن الدعاء أن يكون الله قد خفف عنَّا وعن إخواننا المسلمين كثيراً من البلاء الذي كتب أن يحل بنا، وما أدراكم أن يكون من فوائد هذا الدعاء أن يكون دعاؤنا واستغاثاتنا بالله سبباً من أسباب صد المكروه عن بلادنا وعن كثير من بلاد المسلمين، والتي يتمنى عدو الله أن يحتلها ويجدها لقمة سائغة؟! وما أدراكم أن يكون دعاؤنا لإخواننا في ثغور الجهاد، ومواطن الكفاح، حفظاً لهم من أعدائهم، وردءاً لهم من تربصات المحتلين بهم، أو تخفيفاً لما يلاقيه إخواننا في أراضي الجهاد،أو سجون التحالف الكفري"وقد ذكر بعض الأسرى أنَّ العذاب ربما كان يهدأ أحياناً داخل السجن بلا سبب ظاهر، ولا وضع مألوف ، فلا يجدوا له تفسيراً إلا دعوات إخوانهم"(من مقال لأخينا/ عبدالحكيم محمد بلال بعنوان: واجبنا تجاه الأسرى في فلسطين، في مجلة البيان عدد205/ صـ71) ووالله لو لم يكن من ذلك الدعاء ورفع الكفين لرب السماء إلا لذة مناجاة الله ، وجمعية القلب عليه لكفى!
قال الإمام ابن القيم ـ رحمه الله ـ: "والدعاء من أنفع الأدوية،وهو عدو البلاء يدافعه، ويعالجه، ويمنع نزوله، ويرقعه، أو يخففه إذا نزل ، وهو سلاح المؤمن، وله مع الدعاء ثلاث مقامات:
1ـ أحدها: أن يكون أقوى من البلاء فيدفعه.
2ـ أن يكون أخفَّ من البلاء فيقوى عليه البلاء، فيصاب به العبد ولكن يخففه ، وإن كان ضعيفاً.
3ـ أن يتقاوما ويمنع كل واحد منهما صاحبه (الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي لابن القيم صـ13).
وأما الجواب على ما ذكره البعض بأنَّنا لو دعونا الله فأجاب الدعاء، فإنَّ ذلك من باب تحصيل الحاصل، ولو دعوناه ولم يقدِّر لنا ما نريد ، فإنَّ دعاءنا لم ينفع، ولم نجنِ منه فائدة!
فيجاب عن ذلك بأنَّ هذه الشبهة خطيرة جداً بل إنَّ أول من قالها الجهم بن صفوان، والذي رماه العلماء المحققين بالكفر والمروق عن الدين لعدة أقوال كفرية صدرت عنه،فليخشَ العبد على نفسه من أن ينطق بعبارات أهل البدع والضلال لئلا ينزلق في مهاوي الردى، ومجانح الضَّلال.
وممن أجاب على تلك الشبهة الإمام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ حيث قال:(الدعاء والتوكل والعمل الصالح، سبب في حصول المدعو به من خير الدنيا والآخرة والمعاصي سبب، والحكم المعلق بالسبب قد يحتاج إلى وجود الشرط وانتفاء الموانع، فإذا حصل ذلك حصل المسبب بلا ريب" ـ ثمَّ قال بعد مناقشة عقدية لتلك الشبهةـ(وقد أجيب بجواب آخر وهو أنَّ الله _تعالى_ إذا قدَّر أمراً فإنَّه،يقدر أسبابه ، والدعاء من جملة أسبابه، كما أنَّه لمَّا قدَّر النصر يوم بدر وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم قبل وقوعه أصحابه بالنصر وبمصارع القوم كان من أسباب ذلك استغاثة النبي صلى الله عليه وسلم ودعاؤه، وكذلك ما وعده به ربُّه من الوسيلة، وقد قضى بها له ، وقد أمر أمَّته بطلبها له ، وهو _سبحانه_ قدَّرها بأسباب منها ما سيكون من الدعاء)(مجموع الفتاوى14/143ـ148).
وبعد أما بعد:
فهل نريد ـ أخي ـ أن نكون ممن تنكب طريق الدعاء، وأقبل على الأحاديث السمرية مع الخلَّان والأصدقاء، ثمَّ نطلب نصراً من الملك العلام، ونحن مفرطين بحقوقه، مضيعين لدعائه؟ فحينها لا بأس أن نقول كما قال عمر بن الخطَّاب ـ رضي الله عنه ـ: "عجباً من جلد الفاجر وعجز المؤمن"!!!(67/455)
وإذا كان الكفار يتعرفون على ربهم وقت الحروب والمعارك، ويطلب منهم رؤسائهم بالدعاء لأجل أن ينصروا على المسلمين، فألا يليق بنا أن يكون ذلك منَّا أشدُّ ، والحقيقة المخجلة أنََّ كثيراً من المسلمين نائمون، وقد نشرت مفكرة الإسلام في موقعها بتاريخ27/1/1424هـ، بأنَّ الرئيس جورج بوش طلب من جنوده الدعاء له بأن ينتصر على المسلمين ، ووزعت على الآلاف من رجال مشاة البحرية الأمريكية كتيبات بعنوان(الواجب المسيحي)، وتحتوي تلك الكتيبات على أدعية ، وعلى جزء يتمُّ نزعه من الكتيب لإرساله بالبريد إلى البيت الأبيض ، ليثبت أنَّ الجندي الذي أرسله كان يصلي من أجل بوش!!
وهكذا هو الصراع الدائم بين قوى الإسلام العظيم، وقوى التحالف الصليبي اليهودي، وكل يسير لمبتغاه، ويعمل لتحقيق هدفه، ولكن...هيهات هيهات فإنَّ العزة والغلبة للمؤمنين ولو طال الطريق، وامتدت الحروب، فإنَّ دين الإسلام هو الدين الحق، وهو دين الله ، وقد تكفَّل الله بحفظه، وأن يكون له العلو المطلق على سائر الأديان، وحينئذٍ فلا يأس، ولا قنوط، ولا تأخر، ولا تراجع، فإنَّ الغلبة لله ورسوله وجنده المؤمنين، وقد قال _تعالى_: "إنَّا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد*يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم ولهم اللعنة ولهم سوء الدار" (غافر:51) وصدق الله، وكذب الصليبيون.
لكنه النصر القريب
بإذن علَّام الغيوب
مهما تواترت الخطوب
والنصر آت فوق أشلاء الكماة المخلصين
النصر آت خلف إمداد الكرام الباذلين
والنصر آت بالدعاء وبالبيان
آت بإذن الله رغم غواية الغاوي وهذرمة الجبان
لكنَّ دورك يا أخي أن تقوم بنصرة دين الله ما استطعت، وبما تقدر، وبكامل وسعك الذي فطرك الله عليه،وكن مع ذلك داعياً، لدينك بأن ينصره الله، ويخذل الكفر وأوليائه، وسبح ربك كثيراً، وكفى بربك هادياً ونصيراً.
وأختم هامساً في أذن كلِّ رجلٍ من رجال الثغور المقدسة بكل حب، وإكبار:
ارفع أكفك يا مجاهد سائلاً *** ما خاب من يرجو الكريم ويطلب
ما خاب من يرجو الإله *** وعوده فالله حقٌ وعده لا يكذب
اسأله ذلَّا للذين تجبروا *** فالله يقصم من يشاء ويعطب
اسأله نصراً كي يعزَّ مجاهد *** واسأله بالتثبيت فهو المطلب
ارفع أكفك يا مجاهد إننا *** بهوى الصبابة في الملاهي نلعب
لا يستوي عند الإله دعاؤنا *** ودعاء من للكرب دوماً يطلب
وسبحانك اللهم وبحمدك، أشهد ألا إله إلا أنت ،أستغفرك وأتوب إليك، وصلَّى الله وسلَّم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم أجمعين ، والحمد لله رب العالمين،،،
المصدر / موقع المسلم
==============(67/456)
(67/457)
احسموا أمركم قبل فوات الأوان يا سنة العرق!
إخواننا أهل السنة في العراق: أحاط بكم الأعداء من الصليبيين واليهود والطوائف التي نصبها العدو على كراسي الحكم في بلادكم، ومن يسندها من دول الجوار، وكلها تُحضِّر مناشيرها لتقطيع أوصالكم.
وخذلكم كثير ممن سيكون مستقبلهم مثل مستقبلكم إذا استمروا في خذلانكم، فالمخطط اليهودي الصليبي الطائفي الحزبي شامل في عدوانه ومحاولة سيطرته على المنطقة كلها لا يخص العراق وحده، ولم يعد ذلك خافيا على من عنده ذرة من عقل وهذا يحزننا كثيرا.
ولكنا نريد إيصال رسالة خاصة بكم، لأنكم أنتم الذين تذوقون الفتنة وتحترقون في أتونها، وغيركم ليس بعيدا عنها، ولكنه لا زال يغط في سباته الذي لايسمع معه جرس الإنذار ولا يرى دخان النار التي يشبها العدو المشترك للقضاء على ضرورات حياته من دين ونفس ونسل وعقل ومال وعرض.
أما أنتم فقد اصطليتم بتلك النار المشبوبة على ضرورات حياتكم، والذي يصطلي بالنار أقرب إلى الاعتبار ممن لم يلامسها بعد.
لذا أوجه لكم هذه الرسالة، لأني غير قادر على سواها:
أولا: وحدتكم واعتصامكم بحبل الله هما سفينة نجاتكم من أعدائكم، فاتحدوا فيما بينكم واعتصموا بحبل الله.
ثانيا: اختلافكم في هذه الظروف القاسية عليكم يجر حتما إلى ضعفكم ويؤدي إلى فشلكم، وأنتم وحدكم الذين تتسببون في استمرار المصائب التي تنزل بكم والفتن التي تحيط بكم، ما دمتم متفرقين فيما بينكم.
ثالثا: الإغراءات التي قد تجعل بعضكم يفارق بعضا باسم المصلحة ما هي إلا طُعما من أعدائكم ليأكل كل سمكة منكم حتى رأسها على حدة، ويفترس ثور بأي لون كان منفردا، ويجعلكم تصيحون كما صاح الثور الأسود: "أكلت يوم أكل الثور الأبيض"!
رابعا: تعلمون أن العدو المشترك الأجنبي وأولياءه يشنون عليكم الغارة بأسلحتهم الفتاكة برا وجوا عندما في كل لحظة من ليل ونهار، وبخاصة عندما اجتماع كلمتكم ويخافون من نجاحكم في الانتخابات أو إقرار الدستور، ولا نريد تذكيركم بذلك في الفلوجة عند الانتخابات الماضية، والقائم وغيره من محافظاتكم عند الاستفتاء على الدستور.
خامسا: دنا وقت الانتخابات الثانية التي سيترتب عليها مصيركم ومصير بلادكم، تشريعا وتنفيذا، واختلاف وجهات النظر التي تفرق كلمتكم قد تقضي على ما بقي من آمالكم وتذهب ريحكم.
فاحرصوا على وحدتكم واحسموا أمركم، واتخذوا الأسباب التي تجعل أهل السنة كلهم صفا واحدا، فإنهم كلهم هدف للعدو القريب والبعيد، لا يفرق بين حزب وهيئة ولا عالم وجاهل ولا قبيلة وعشيرة.
ولا إسلامي وليبرالي. ولا إخواني وتحريري، ولا سلفي وصوفي:
فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم:
((يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسولل، فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم، وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين)) [الأنفال: 1].
واعتصموا بحبل ربكم، واذكروا نعمته عليكم:
((وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنْ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ )) [آل عمران (103)]
((وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ)) [الأنفال (46)]
وحافظوا على سفينتكم، وانبذوا من يريد خرقها بالفرقة والشذوذ:
(مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم فقالوا لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقا ولم نؤذ من فوقنا فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعا وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعا)
[صحيح البخاري (2/882)]
كتبه
د . عبد الله قادري الأهدل
==============(67/458)
(67/459)
أيهما أخطر؟!
كان العراق يرزح تحت نظام حكم استبدادي "دكتاتوري" يتربع على قمته شخص واحد، يأمر وينهى ويسجن ويعتقل ويقتل، ويتصرف في شئون الشعب الداخلية والخارجية السلمية والحربية، لم تنج من عدوانه طائفة دون أخرى، بل لم ينج منه أعوانه وبعض أقاربه وأسرته.
هذا الاستبداد وهذه الدكتاتورية كانت دكتاتورية فرد واحد في كل أنحاء العراق وفي خارجه، لم يكن يجرؤ على الوقوف أمام جبروته أحد من أعوانه سواء كانوا مدنيين أو عسكريين، ومعلوم ما ترتب على استبداده من آثار خطيرة على شعبه وعلى الشعوب المجاورة، ولكن استبداده "دكتاتوريته" كانت سهل الفهم سهلة الإزالة للقادرين عليها.
وكانت الإدارة الأمريكية في حرب الخليج الثانية قادرة على تلك الإزالة بعد انتصارها على القوات العراقية في حرب الخليج الثانية، لأن المستبد مني بخسائر فادحة وهزيمة منكرة، وكانت القوات التي سميت بـ(قوات التحالف) لا زالت مسيطرة على المنطقة وكانت قادرة على دخول العاصمة بغداد والقضاء على المستبد "الدكتاتور"ولكنها لم تفعل ذلك، بل تركته في مكانه يتصرف كما يشاء في شعبه ويهدد بتصريحاته جيرانه.
وبدلا من القضاء عليه في حينه، خططت لإضعاف الشعب المظلوم وحرمانه من أقل ما يجب له من حقوق الإنسان، من الغذاء والدواء والتعليم والأمن بصفة عامة، لمدة عشر سنوات.
وهي في تلك الفترة تحيك المؤامرة ـ ليس على الشعب العراقي وحده ـ وإنما على شعوب المنطقة كلها، واضعة تحقيق أهدافها في هذه الشعوب، العراق أنموذجا ومثالا يحتذى بعد نجاح خطتها فيه لما تريد تطبيقه في بقية الشعوب العربية.
واتخذت لشرعية عملها في العراق وسائل ودعاوى كاذبة، وأعظمها دعوى أن نظام العراق يملك أسلحة دمار شامل يهدد بها جيرانه ـ ومعلوم أن المراد بجيرانه هنا عام قصد به الخاص وهي الدولة اليهودية التي كانت ترتعد فرائصها من الجيش العراقي الذي يعد أقوى جيش في المنطقة ـ
واستبدت القيادة الصليبية الأمريكية بالأمر، وداست على تقرير "لجنة تقصي الحقائق" التي صرحت بأنها لم تجد في العراق أسلحة دمار شامل، كما داست على قرارات هيئة الأمم المتحدة ـ وبخاصة معارضة بعض الدول الكبرى في مجلس الأمن للغزو الأمريكي للعراق ـ
وأخذت تجمع عملاءها من العراقيين الذين تربى كثير منهم في مقر المخابرات الأمريكية "C.I.A " وبعض قادة الطوائف الحاقدة على غيرها في العراق وفي المنطقة العربية المجاورة، مع ما يغلب على ظننا أنها تواطأت معها بعض الدول المجاورة للعراق الطامعة في تحويله إلى دولة طائفية تتفق مع مبادئ تلك الدولة وأهدافها.
وهدف القيادة الأمريكية من ذلك كله، إيجاد حكم مستبد "دكتاتوري" جماعي معقد يدمر العراق ويجزئه تجزئة يصعب معها توحيده كما تصعب إزالة الاستبداد الجماعي المعقد.
إن هذا الاستبداد الجماعي المعقد في العراق يتكون من عناصر من المخططين اليهود والقادة الصليبيين من الأمريكان، ومن بعض الدول المجاورة وطوائفها ذات المراجع المحركة لها في داخل العراق وخارجه، ومن بعض الأحزاب العراقية ـ في الشمال ـ المتعاونة مع الجميع لمآرب خططت ولا زالت تخطط لتحقيقها.
وهذا الاستبداد الجماعي المعقد ينصب على طائفة معينة هي أهل السنة الذين وجدت أمريكا منهم الصمود والمقاومة الجهادية التي أقضت مضجعها في أفغانستان وفي فلسطين ضد الحليف المدلل "اليهود" وفي العراق الذي ظنوا أنهم بعد دخوله بسهولة وإسقاط صنم المستبد "الدكتاتور" السابق قد حققوا هدفهم وهو احتلال العراق والعبث به كما يريدون.
ومن أهم مظاهر هذا الاستبداد الجماعي المعقد اصطفاف القوات الأمريكية وألوية ما سمي بالجيش العراقي في جحافل موحدة لقتل أهل السنة في محافظاتهم ومدنهم وقراهم ومنازلهم، وبخاصة في المناسبات التي يرغب الفريقان المعتديان تحقيقها في غياب أهل السنة وتحييدهم عن أي مشاركة إيجابية في الشأن السياسي العراقي، كما حصل في الانتخابات السابقة التي جرت في وقت تحترق فيه الفلوجة وغيرها من مناطق أهل السنة، وكما هو الحال الآن في الاستفتاء على الدستور تحت أزيز الطائرات وصواريخ الدبابات على الرمادي وغيرها.
إنهما استبدادان: أحدهما فردي سهل الفهم وسهل الإزالة وهو النظام العراق السابق، واستبداد جماعي معقد هو الاستبداد اليهودي الصليبي الطائفي الحزبي في العراق، فأي الاستبدادين أخطر عند أولي الألباب؟!
كتبه
د . عبد الله قادري الأهدل
=============(67/460)
(67/461)
شَهِدتُ مصرع خُبيب
احمد الراوي
بسم الله الرحمن الرحيم
( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) (لأنفال:72)
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور انفسنا ومن سيئات اعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هاد له ونشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له ونشهد ان محمدا عبده ورسوله صَلى الله عليه وعلى اله وصحبه ومن سار على هديه الى يوم الدين
اما بعد فأن خير الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار، اما بعد
( انهم رجال اشتروا الاخرة بالدنيا واثروا الله ورسوله على سواهما )
انهم الصحابة رضوان الله تعالى عليهم اؤلئك الجبال التي التفت حول رسول ا صلى الله عليه وسلم ، كم عانوا ، وكم عُذبوا ، كم تحملوا في سبيل الله ، اريقت دمائهم الزكية في سبيل الله وعلى اجسادهم وصل الينا هذا الدين العظيم .
فهذه قريش تجتمع على صحابي من صحابة رسول ا صلى الله عليه وسلم وهو خبيب بن عدي رضي الله عنه ، اجتمعوا عليه ليثأروا لقتلاهم يو بدر وينتقموا من رسول ا صلى الله عليه وسلم ، ولما وصلت هذه الجموع بأسيرها خبيب ، قُدّم الى خشبة الصلب ، وبينما الحشود تتصايح من حوله قال وبصوته الهادئ الثابت :( ان شئتم ان تتركوني اركع ركعتين قبل مصرعي فافعلوا .....)
وبينما نظرات الثائرين تتجه صوبه استقبل رضي الله عنه القبلة وصلى ركعتينن فسبحان من ثبته ن ثم اقبل خبيبا رضي الله عنه الى زعماء قريش وقال : ( والله لولا ان تظنوا اني اطلت الصلاة جزعا من الموت ، لاستكثرت من الصلاة ...!!
ثم بدأ القوم يمثلون به وهو حي ، فيقطعون من جسده القطعة تلو القطعة وهم يقولون له : ( اتحب ان يكون محمدا مكانك وانت ناج ؟ فيقول رضي الله عنه - والدماء تنزف منه - : ( والله ما احب ان اكون امنا وادعا في اهلي وولدي ، وان محمدا يوخز بشوكة ... ) فيتعالى صياح القوم : ان اقتلوه ... اقتلوه ..!!!
فرفع خبيبا رضي الله عنه بصره الى السماء من فوق خشبة الصلب وقال : ( اللهم احصهم عددا واقتلهم بددا ولا تغادر منهم احدا ، ) ثم لفظ رضي الله عنه انفاسه الاخيرة وبه مالا يحصى من ضربات السيوف وطعنات الرماح !!
وممن شهد مصرع خبيبا رضي الله عنه : الصحابي سعيد بن عامر الجمحي رضي الله عنه ووقتها كان على الشرك ولم يدخل في الاسلام ، وبعد ان دخل سعيدا رضي الله عنه الاسلام كانت تأتيه غشية فيغيب عمن حوله ، فسأله عمر رضي الله عنه عن ذلك ، فقال سعيد رضي الله عنه : ( شهدت مصرع خبيب بن عدي وانا مشرك ، ورايت قريشا تقطع من جسده وهي تقول له : اتحب ان يكون محمدا مكانك وانت ناج ؟ فيقول :( والله ما احب ان اكون امنا وادعا في اهلي وولدي ، وان محمدا يوخز بشوكة) ، واني والله ما ذكرت ذلك اليوم وكيف اني تركت نصرته الا ضننت ان الله لن يغفر لي .. واصابتني تلك الغشية !!!! .
نعم لقد كان يراه في حلمه اذا نام ، ويذكره حين صلى ركعتين مطمئنتين اما خشبة الصلب ، ويسمع رنين صوته في اذنيه وهو يدعو على قريش .....
نعم يا مسلمون ( اني تركت نصرته فضننت ان الله لن يغفر لي ..) ! كلمات عظيمة تحتاج الى وقفة وتدبر ، يخاف ان لا يغفر الله له لانه لم ينصر خبيبا مع انه لم يكن وقتها مسلما !! انها المسؤلية ايها الاخوة ، انها الرابطة التي جمعته بخبيب انها الاخوة الاسلامية ،،
كم عندنا من الجراح اليوم ، جرح في العراق وجرح في فلسطين وجرح في الشيشان واخر في افغانستان .... ومنا من يقول ( وما شأننا بهم ) !! الاف الشهداء في العراق وفلسطين والشيشان و.... ومنا من يجادل في نصرتهم وحتى في الدعاء لهم !!!
لقد شهدنا مصرع ذلك الشيخ ، كما شهد سعيدا مصرع خبيب ، ذلك الشيخ المثخن الجراح في احد مساجد الفلوجة الصامدة والجندي الصليبي يجهز عليه , لقد شاهدنا التمثيل بجثث المسلمين في شوارع الفلوجة من قبل الصليبيين ثأرا لقتلاهم ، كما مثلوا بجثة خبيب ثأرا لبدر ، لقد شهدنا المصرع ونحن مسلمون وتركنا النصرة ، لقد سمعنا استغاثات المسلمات في سجون الكفار ( وامعتصماه...) ، فتركنا النصرة ، نخشى ان لايغفر الله لنا ،
لقد شاهد سعيدا رضي الله عنه قبل ان يسلم مصرع خبيبا فخشي ان لا يغفر الله له ، ونحن شهدنا مصرع اخوانا لنا ونحن مسلمون فأسأل الله ان يغفر لنا .
لقد عَلّم خبيبا رضي الله عنه سعيدا رضي الله عنه ما لم يكن يعلم من قبل !
علمه ان الحياة الحقه عقيدة وجهاد في سبيل العقيدة حتى الموت ، فهل تعلمنا ذلك نحن !؟(67/462)
علمه ان الايمان الراسخ يفعل الاعاجيب ويصنع المعجزات ، فهل تعلمنا ذلك نحن !؟
علمه ان الرجل الذي يحبه اصحابه كل هذا الحب انما هو نبي مؤيد من السماء ، فهل تعلمنا ذلك نحن !؟
علمه ان الله يبتلي عباده المؤمنون ، فهل تعلمنا ذلك نحن !؟
علمه ان هذه الدنيا حقيرة زائلة لا يأخذ المسلم منها الا العمل الصالح ، فهل تعلمنا ذلك نحن !؟
علمه ان التضحية بالنفس في سبيل الله هي اعلى مراتب الشرف في الاخرة ، فهل تعلمنا ذلك نحن !؟
يا مسلمون :
لقد شاهدنا مصرع اخوة لنا في بلاد الرافدين وفلسطين وافغانستان و.. باعوا انفسهم في سبيل الله ، اخوة لنا رفعوا راية الجهاد حتى لا يدنس الكفار دينهم وعقيدتهم ، اخوة لنا هدمت دورهم وشردت عوائلهم ويتم اطفالهم ورملت نسائهم كل ذلك في سبيل عزة دين الله ، فهل تعلمنا منهم ما تعلمه سعيدا من خبيب !!!
يا مسلمون :
انصروا اخوانكم بكل ما تستطيعون ، انصروهم بدعائكم بأموالكم بأقلامكم بألسنتكم ، وتذكروا قول سعيد ابن عامر رضي الله عنه (واني والله ما ذكرت ذلك اليوم وكيف اني تركت نصرته الا ضننت ان الله لن يغفر لي .. واصابتني تلك الغشية !!!! . )
رنا اغفر ذنوبنا وثبت اقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين
اللهم انصر عبادك المجاهدين واخذل اليهود والصليبيين
اللهم عليك بامريكا ومن ناصرها ، اللهم احصهم عددا واقتلهم بددا ولا تغادر منهم احدا
اللهم صلي على نبينا محمد وعلى اله وصحبه وسلم
وكتبه
ابوعبدالله احمد الراوي
العراق/ ذو القعدة 1425 هـ
===============(67/463)
(67/464)
أهمية دعوة الجاليات غير المسلمة
1 - أداء الواجب :
فإن هذه الأمة مطالبة بتبليغ دعوة الله إلى أهل الأرض قاطبة ، والواجب عليها إرسال الرسل إلى كل بلد لدعوتهم إلى دين الله، وإيضاح الدين الإسلامي لهم ، فكيف وقد وجد غير المسلمين في ديارنا؟ لاشك أن أهل هذه البلاد -علماءً و ولاةً وعامة كل بحسبه واستطاعته- لايعذرون أمام الله إن هم فرطوا في دعوة أولئك الناس فأعظم شيء يدل على أهمية دعوة الجاليات غير المسلمة أنها من الدعوة إلى الله الواجبة على هذه الأمة وقد تقدم بيان ذلك.
2 - إنقاذهم من النار :
إن أعظم هدف لدعوة غير المسلمين هو إدخالهم في الإسلام، وإنقاذهم من الخلود في نار جهنم ، وقد بين الله أن هدف الدعوة يتلخص في أمرين : -
أ - أداء الواجب والإعذار إلى الله عز وجل .
ب - الطمع في هداية المدعو .
{وإذ قالت أمة منهم لم تعظون قوماً الله مهلكهم أو معذبهم عذاباً شديداً قالوا معذرةً إلى ربكم ولعلهم يتقون} (1).
("ومعذرة إلى ربكم " أي فيما أخذ علينا من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر " ولعلهم يتقون " .. ولعل لهذا الإنكار يتقون ما هم فيه ويتركونه، ويرجعون إلى الله تائبين..) (2).
ولهذا بين رسول ا صلى الله عليه وسلم فضل من يسلم على يديه رجل فقال لعلي رضي الله عنه: "والله لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم" (3).
3 - إقامة الحجة عليهم :
فبدعوتهم تقام الحجة عليهم ويبلغون رسالة الله عز وجل.
4 - إزالة الشُّبَه الموجودة في أذهانهم عن الإسلام والمسلمين :
فإن أعداء الله وأعداء هذا الدين مازالوا منذ ظهوره يحاولون تشويه صورته بكل وسيلة يتمكنون منها، وبكل حيلة يهتدون إليها: {لتبلون في أموالكم وأنفسكم ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيراً} (4) وفي العصر الحديث تنوعت وسائل المكر والتشويه والخداع والسباب تنوعاً كبيراً، وتركزت كلها في الصد عن سبيل الله وفي محاولة تشويه الإسلام في أذهان الناس جميعاً، ويتزعم هذه الحملات الغرب الصليبي الحاقد .
وننقل هنا عن بعض الذين هداهم الله إلى الإسلام ما كان يدور في خلدهم قبل الإسلام:
يقول الإنجليزي (جون ويستر) الذي اهتدى إلى الإسلام : " يظهر أن الغرب المسيحي قد تآمر منذ الحروب الصليبية على التزام الصمت تجاه محاسن الإسلام وحاول تشويه مبادئه بطريقة متعمدة كلما تحدث عنها" (5) .
ويقول الإنجليزي السير عبد الله ارشبيلد هاملتون - وهو ممن اهتدى أيضاً إلى الإسلام: "لا يوجد دين أسيء فهمه ، وكثر الهجوم عليه من الجهلة والمتعصبين ، مثلما أسيء فهم الإسلام وهوجم، وبينما نجد الإسلام يرشد الإنسانية إلى الحق والصواب في حياتها اليومية، نجد المسيحية الأوربية المعاصرة ( أي النصرانية ) تعلم متبعيها بطريق غير مباشر من الناحية النظرية ، وبطريق مباشر من الناحية العملية : أن يصلوا لله يوم الأحد وأن يفترسوا عباد الله في بقية أيام الأسبوع ..." (6) .
ويقول مسلم ألماني يكنى أبا الحسن : "الأمور التي كان يعرفها عن الإسلام كانت سيئة جداً تشوه الإسلام ، مثل أنه دين عنيف ، وليس دين سماحة ، وأنه يدوس كرامة الإنسان ، وأنه دين رجعي .." (7) .
ويقول مسلم إيطالي : " مما كنت سمعته أن المسلمين ينظرون إلى الشمس تعبداً مما أدى إلى فقد كثير منهم أبصارهم .." (8) وهكذا تسمع كثيراً من الترهات والكذب التي ألصقت بالإسلام والمسلمين ظلماً وعدواناً .
وإذا دعيت هذه الجاليات إلى الإسلام وبينت لها حقيقته ، فإما أن يدخل أفرادها في دين الله، وإما أن تتضح في أذهانهم الصورة الحقة للإسلام فربما اهتدى أحدهم ولو بعد حين، وربما أصبح -في الأقل- محايداً لا يحارب الإسلام ولايناصره .
5 - درء خطرهم :
ومن أهمية دعوة الجاليات أن فيها دفعاً لخطرهم العقدي والسلوكي والأمني، وأشدها خطراً العقدي ، فإنهم إذا لم يدعوا إلى الإسلام ربما يدعون المسلمين إلى أديانهم، وقد وجد من الخادمات من تعلم الأطفال بعض الطقوس النصرانية .
وكذا خطرهم السلوكي ، فإن معظمهم يمارسون كثيراً من الفواحش ، دون أي تردد وربما استهووا بعض أبناء المسلمين إلى ذلك - خاصةً إذا سهل لهم ممارسة هذه السلوكيات المشينة - .
والأمر ذاته ينطبق على خطرهم الأمني فبعضهم قد يحدث جرائم لم تعهدها هذه البلاد من قبل، وبعضهم ربما يكون ممن ينتمي إلى أحزاب أو تنظيمات سرية هدامة.
وإن من أسلموا منهم يساعدون السلطات وهيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فى القبض على كثير من المجرمين (9) .(67/465)
وبالجملة فإن وجود الكفار في هذه البلاد فيه خطر عظيم ، وربما أحدثوا يوماً من الأيام فتقاً لا يمكن رتقه وربما أحدثوا خطباً جسيماً لا يعلم منتهاه إلا رب العالمين ، وقد فعلوا من قبل شيئاً عظيماً ، فإن أول باب فتنة فتح على الأمة الإسلامية كان عن طريق العمالة الكافرة. عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال : كنا عند عمر فقال : أيكم سمع رسول ا صلى الله عليه وسلم يذكر الفتن فقال قوم : نحن سمعناه. فقال: لعلكم تعنون فتنة الرجل في أهله وجاره وقال: أجل قال تلك تكفرها الصلاة والصيام والصدقة، ولكن أيكم سمع صلى الله عليه وسلم يذكر الفتن التي تموج موج البحر ؟ قال حذيفة: ..وحدثته أن بينك وبينها باباً مغلقاً يوشك أن يُكسر قال عمر: أكسراً لا أبالك؟ فلو أنه فتح لعله كان يعاد. قلت: لابل يكسر، وحدثته أن ذلك الباب رجل يقتل أو يموت حديثاً ليس بالأغاليط.
وفي رواية في البخاري: قلنا علم الباب؟ قال: نعم، كما أن دون غد الليلة ، إني حدثته حديثاً ليس بالأغاليط، فهبنا أن نسأله، وأمرنا مسروقاً فسأله فقال : من الباب؟ قال: عمر(10).
فهذا الباب الذي كان دون الفتن التي تموج موج البحر، إنما كسر على أيدي العمالة غير المسلمة، ولذا بعد أن حُمل عمر رضي الله عنه قال لابن عباس رضي الله عنهما يا ابن عباس انظر من قتلني، فجال ساعة ثم جاء فقال: غلام المغيرة. قال: الصنع؟ قال: نعم، قال: قاتله الله، لقد أمرت به معروفاً، الحمد لله الذي لم يجعل ميتتي بيد رجل يدعي الإسلام، قد كنت أنت وأبوك تحبان أن تكثر العلوج بالمدينة، وكان العباس أكثرهم رقيقاً (11).
6- خطوة إلى نشر الإسلام في العالم :
فدخول كثير من العمالة في الإسلام ، يكون سبباً في نشر الإسلام في العالم ، فإنهم يرجعون إلى بلادهم يحملون هذا الدين، وقد حدثنا أحد الاخوة (12) أنه ذهب إلى الفلبين فلم يدخل منطقة من مناطق الفلبين إلا ووجد فيها مسلمين وأكثرهم ممن أسلموا في هذه البلاد .
7 - مناصرة الأقليات المسلمة :
وذلك لأن هؤلاء إذا دخلوا في الإسلام ، فإنهم يصبحون إخوةً لأبناء الأقليات المسلمة في بلدانهم الأصلية، يناصرونهم ويؤازرونهم. وإذا لم يدخلوا في الإسلام فإنهم قد يلتزمون الحياد أو يكفوا أذاهم عن المسلمين هناك.
8 - نشر العقيدة الصحيحة بين المسلمين الجدد ، فقد يتولى دعوتهم إلى الإسلام مسلمون عندهم بعض الانحرافات العقدية فتنتقل تلك الانحرافات إلى المسلمين الجدد .
9 - أن الجاليات غير المسلمة قد تصبح وسيلة لنشر المزيد من التشويه للإسلام بعد مغادرة المملكة، حيث يلمسون تطبيق الحدود الشرعية ولايفهمون الحكمة منها ما لم تتم دعوتهم إلى الإسلام وتبين لهم محاسنه.
10 - أن دعوة الجاليات خير وسيلة عملية لمكافحة التنصير.
11 - أن رقعة الحياد الدولي -المزعومة- بدأت تقل في العالم ، وأصبحت كثير من الشعوب الكافرة، تظهر ما كانت تستره من عداوتها للمسلمين عداوةً دينية ولاشك أن دعوة قطاع من الشعوب المختلفة التي تصل إلى بلادنا قد تكون سبباً في تقليل بعض هذه العداوات.
12 - صعوبة إطلاع الشعوب المختلفة على الدين الإسلامي في بلادهم ، فهي فرصة سانحة أن وجدوا بين ظهرانينا .
13 - أن بعض هذه العمالة قد تكون منتمية إلى خلايا حزبية منظمة، ومعادية للإسلام والمسلمين، وإسلام بعضهم يخلخل تلك التنظيمات المعادية ويقلل أيضاً من حجم الدعم المادي الذي قد تلتزم به هذه العمالة تجاه تنظيماتها .
14 - ومن أهمية دعوة الجاليات في المملكة أنها أصبحت سنة حسنة تسعى إلى التأسي بها البلدان الإسلامية الأخرى، وبخاصة البلدان التي تكثر فيها العمالة غيرالمسلمة.
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال : قال رسول ا صلى الله عليه وسلم : "من سن في الإسلام سنة حسنة فعُمل بها بعده ، كتب له مثل أجر من عمل بها ، ولاينقص من أجورهم شيء ...."(13).
-----------------------
الهوامش :
(1) سورة : الأعراف، الآية: 164. (2) تفسير القرآن العظيم 2/268.
(3) تقدم تخريجه : ص21 حاشية (6). (4) سورة آل عمران الآية: 186.
(5) في الدعوة إلى الإسلام بين غير المسلمي - ص3 (6) نفس المرجع - ص4.
(7) حوارات مع مسلمين أوربيين - ص53. (8) المرجع السابق - ص239.
(9) وقد أخبرنا مدير المكتب التعاوني بالبديعة بشيء من هذا.
(10) البخاري - المناقب - باب علامات النبوة ح: 3586 جـ6/603
مسلم - الايمان - باب رفع الأمانة والإيمان عن بعض القلوب وعرض الفتن على القلوب ح: 231 جـ2/329.
(11) البخاري - فضائل الصحابة - باب البيعة والاتفاق على عثمان وفيه مقتل عمر بن الخطاب ح:3700 - جـ7/60.
(12) الشيخ: حمود اللاحم - مدير المكتب التعاوني بالبطحاء.
(13) مسلم - كتاب العلم - باب رفع العلم وظهور الفتن في آخر الزمان - ح: 1017 - جـ16/171.
المصدر موقع الدعوة الإسلامية
================(67/466)
(67/467)
الذبّ على خير خلق الله
سالم مبارك الفلق
شن الإسلام حرباً شعواء على الشائعات وافتراء الأكاذيب لما لها من أثر سيء في تشويه الحقائق و جرح المستورين و هتك الأعراض , وعدها من أقبح المنكرات والآثام . روت عائشة أن رسول ا صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه : (( أتدرون أربى الربا عند الله ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم . قال : فإن أربى الربا عند الله استحلال عرض امرئ مسلم , ثم قرأ رسول ا صلى الله عليه وسلم " والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتاناً وإثماً مبينا " ))[1] ؛ لأن التلهي بسرد الفضائح و كشف الستور والافتراء على الأبرياء وإبداء العورات متنفس حقد مكظوم وصدر فقير الى الرحمة والصفاء , عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول ا صلى الله عليه وسلم قال : (( أتدرون ما الغيبة ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم . قال : ذكرك أخاك بما يكره . قيل : أفرأيت إن كان في أخي ما أقول ؟ قال : إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته . وان لم يكن فيه ما تقول فقد بهتّه ))[2] هذا على مستوى الأفراد فكيف بشخص الرسو صلى الله عليه وسلم وهو الرحمة المهداة وأفضل خلق الله , قال تعالى : (( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين )) . ولعل من المسلمين فئام ممن انخدعوا بحضارة الغرب يحبون الاصطياد في المياه العكرة , ويستعذبون الخوض في مستنقعات الإفك , ويحلو لهم أكل لحوم الآخرين توعدهم الله بالعذاب في الدنيا والآخرة , قال تعالى : ((إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا ))[3] وقال تعالى : (( إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ ))[4] .
لم يواجه دين من الأديان ولا عقيدة من العقائد مثل ما واجه الإسلام من تحديات منذ فجر تاريخه فقد تصدى لتهم المشركين في مكة وخزعبلات اليهود في المدينة , كما واجه وثنيات الفرس وانحرافات الروم وفلسفات الهند والصين , وثبت أمام هذه التحديات وانتصر عليها ؛ لأن المجتمع الإسلامي آنذاك كان يعي أخطار الأفكار التي يطرحها الفلاسفة والزنادقة وعيا كاملاً فأخذ يكشف زيفها ويبين ما انطوت عليه قلوبهم من كيد لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم
والحق أن حضارة العرب تعرضت للتشويه حتى قبل ظهور الإسلام يقول المستشرق الفرنسي بيير روسي في كتابه " مدينة ايزيس التاريخ الحقيقي للعرب" : "إننا باختصار في جهل مطبق، جهل علمي متفق عليه، وإن الأمر سيكون بسيطاً جداً فيما لو أننا تكلمنا بدلا من الساميين الأبطال المختلقين من أصل خيالي، لو أننا تكلمنا عن العرب ذلك الشعب الحقيقي، والذي يمتلك وجوداً اجتماعياً مستمراً وجوداً ثقافياً ولغوياً يعطي حياة وتوازناً لهذا البحر المتوسط منذ عدة آلاف من السنين".
لقد فشلت الحروب الصليبية من الناحية الحربية , ولكن بقي الغزو الفكري ينفث السموم , ويثير الشكوك , وبقيت النزعة الصليبية تتوارى خلف ستار من الدبلوماسية والرياء السياسي .. واستمات الغرب الصليبي في بث الشائعات ذات اليمين وذات الشمال , وافتراء الأكاذيب وطمس الحقائق وتدبير المكائد , ثم يزعمون أنهم أرباب الديمقراطية وسادة الإنسانية . و الدراسة الموضوعية والمتأنية للكتابات الاستشراقية في العصر الحديث منذ القرن التاسع عشر حتى الآن لتؤكد غلبة موقفهم المهاجم والمعادي من الرسو صلى الله عليه وسلم ومن القرآن الكريم . حيث نقلوا صورة العالم الإسلامي من وجهة نظرهم إلى العالم الغربي ؛ لأن الاستشراق بدأ بأهداف ودوافع دينية بحته، ناتجة من خوف الكنيسة الغربية من الانتشار السريع للدين الإسلامي في كافة أرجاء العالم القديم فقام المستشرقون خلال هذه الفترة الطويلة زمنياً بترجمة الكثير من تراث المسلمين في كل مجالات سواء كانت الدينية أو الثقافية أو التاريخية أو الفلسفية أو الاجتماعية أو العلوم التقنية العملية كالكيمياء والفيزياء والطب والرياضيات وغيرها تلك الدراسات كانت تحذيراً للغربيين من خطر مخيف بالنسبة لهم وهو خطر الإسلام، هكذا كانت الصورة تعرض فجاءت دراساتهم بعيدة عن الدقة و الموضوعية مشحونة بالتشويه المتعمد بهدف نشر الإيديولوجية الاستعمارية وأخذت موقف الإنكار للرسالة والتكذيب للرسو صلى الله عليه وسلم وإثارة الشبهات حول الإسلام بوجه عام، وحول القرآن والرسول صلى الله عليه وسلم بوجه خاص.
إن هذا الحقد , والمقت , والكره كان سبباً قوياً في الإغارة على الإسلام وعصوره بشتى الأساليب والألوان والإشكال , وما زالت أمواجه تعلو وتشتد ثقافياً وفكرياً وإعلامياً لتخريب قواعد الإسلام , وتشويه صورة الرسو صلى الله عليه وسلم , وزعزعة ثقة المسلمين في الصحابة والقضاء على آخر معاقل المسلمين في الأخلاق والأسرة .(67/468)
وان البشرية لم تشهد في مرحلة من مراحل حياتها وضعاً جند فيه الخبراء والفلاسفة والأجهزة والمؤسسات للنيل من هذا الدين ما شهده عصرنا الحاضر الذي اتخذ فيه العداء شكل الفلسفة والنظرية والمبدأ الذي يعتنقه الأتباع ويدافعون عنه . وقد سمعنا ورأينا ما كتبته هذه الصحيفة الدانماركية المنحطة ( jylandes posten ) يوم الثلاثاء 26 / 8 / 1426هـ الموافق 30/ 9 / 2005 م بنشرها رسوماً كاريكاتيرية تسخر فيها من رسول ا صلى الله عليه وسلم ومن أتباعه الذين يقارب عددهم أكثر من مليار ونصف المليار ؛ لا لشيء إلا لأن بعض الدنمركيين بدأوا يفكرون بالتخلي عن نصرانيتهم واعتناق الإسلام فهي تريد تشويه صورة هذا الدين الذي يزيد عدد أفراده في الدانمرك عن 170 ألف مسلم لتثني شعبها عن اختياره عبر حركة تشويه متعمدة لشخص الرسو صلى الله عليه وسلم , فقد ظهر بعض ما تخفي صدورهم من الكراهية وهذا ما يؤكد أن الحرب بين الإسلام والغرب حرب دينية عقدية قال تعالى : ((وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ ))[5] , وقال تعالى : (( وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ ))[6] . وإن الدائرة ستدور بنكباتها على المستهزئ ومن رضي بذلك قال تعالى : ((وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ )) [7] وقال تعالى :(( إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ )) [8] . ومن يظن أن في النصارى من هو نزيه أو محايد ــــ عندما يتعلق الأمر بالإسلام و المسلمين ــــ فهو واهم فالجميع ذوو عداوات مستحكمة متجذرة لها أبعادها العقدية والفكرية والحضارية التي تغذيها ؛ يدلنا على ذلك موقف الدول الأوربية موقف المتضامن تجاه ما فعلته الدنمرك متذرعين بشعارات جوفاء كحرية التعبير , والديمقراطية ... دون وضع أي اعتبار لمراعاة مشاعر الآخرين فضلاً عن المسلمين .
في قلب هذه الأزمات تذكرت كلام القائد الشيوعي الملحد [ لينين] حين قال: عقود تمر على الأمة لا يحصل فيها شيء ثمَّ تمر سنين تحصل فيها عقود، وصدق وهو كذوب فقد صرنا نعاصر سنوات حصلت فيها حوادث أكثر من عشرات السنين، وكان للمسلمين فيها الحظ الأوفر من المآسي الفظيعة ، والأوضاع المؤلمة فقد تكتل الغرب للإسلام ورموه عن قوس واحدة , فمنذ حوادث الحادي عشر من سبتمبر و أنى تلفت مشرقاً أو مغرباً تجد الإسلام كالطير مقصوصاً جناحاه , وان مسلسل التدخل السافر والمباشر في شئون الآخرين ـــ الذي يرفضه الغرب ـــ لا يفتأ مستمراً مروراً بباكستان وأفغانستان فالعراق والسودان ولبنان وسوريا ... قال الشيخ ابن تيمية- رحمه الله [فإذا ترك الناس الجهاد في سبيل الله فقد يبتليهم بأن يوقع بينهم العداوة حتى تقع بينهم الفتنة كما هو الواقع؛ فإنَّ الناس إذا اشتغلوا بالجهاد في سبيل الله جمع الله قلوبهم وألَّف بينهم ، وجعل بأسهم على عدو الله وعدوهم ، وإذا لم ينفروا في سبيل الله عذَّبهم الله بأن يلبسهم شيعاً، ويذيق بعضهم بأس بعض] [9] , فهو الحل الذي نراه للخروج من الأزمة ؛ اذ لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها .
--------------------------------------------------------------------------------
[1] رواه أبو يعلى .
[2] رواه مسلم .
[3] الأحزاب / 57 .
[4] الكوثر / 3 .
[5] البقرة / 120 .
[6] البقرة / 217.
[7] الشعراء / 227 .
[8] الكوثر / 3 .
[9] مجموع الفتاوى[15/44ـ45]
==================(67/469)
(67/470)
حتى لا نسقط في الفتنة
(رؤية شرعية في الأخوة الإنسانية)
خباب بن مروان الحمد
يرى المفكرون أن من أصيب بالانهيار الداخلي ، والهزيمة النفسية تجاه من يعاديه فإنه سيحاول جاهداً بقدرالمستطاع أن يثبت بأنه محب له ومسالم ، فلا بأس أن يهدي له كلمات المحبة والود والإخاء ، ولو كان ذلك على حساب عقيدته التي ينتمي إليها ويستظل بظلها .
واليوم ونحن نشاهد أعداء الإسلام وقد كشروا عن أنيابهم ، وأبدوا ما كان مخبئاً في صدورهم ومكنون قلوبهم ، من عداوتهم للمسلمين ، وإرادة الشر والمكر بهم ، فلا عجب أن نجد كثيراً من الكبراء أو المنتسبين للعلم والفكر حين يتنازلوا عن أصول الدين ، وثوابته العظام ، خشية أن يصمهم عدوهم بأنهم (متشددين ) أو( أصوليين).
و لا يزال هؤلاء وأمثالهم إلا انبطاحاً للكفار، ويتزايد سقوطهم الفكري شيئاً فشيئاً، لإرضاء شرذمة الكفر، وعصابة الإجرام - وقد لا يشعرون - ويكون حالهم كما قال الشاعر:
ألقى الصحيفة كي يخفف رحله *** والزاد حتى نعله ألقاها
ومع تتابع الحملات الصليبية على الإسلام والمسلمين بعد أعقاب الحدث التاريخي السبتمبري ، وتأكيدهم على أهمية حرب ما يسمى (بالإرهاب) ، فإنهم أكدوا أن هذه الحملة لن تقتصر على القوة العسكرية فحسب ، بل هي حملة واسعة النطاق ، عريضة الجبهة ، ومن أهدافها محاربة عقيدة الإسلام ، وقيمه العظام ، ومبادئه السامية .
وإن من المبادئ التي يسعى ( التحالف الصليبي ) لبثها في الأوساط الإسلامية، وخاصة بين النخب العلمية والمثقفة، والذين لهم تأثيرهم على أتباعهم ومريديهم، مبدأ( الإخاء الإنساني) أو ( الإنسانية ) ومن ثم إلى (الإخاء الديني ) و(التلاحم الفكري ) محاولين أن يصنعوا لها ألواناً براقة [1] ، تخلب الألباب ، وتثير المشاعر ، فيتلقفها المسلمون ، وتسري في عروقهم تلك المبادئ حتى النخاع ، وعندئذٍ يتحقق للصليبين ما أرادوا نشره ، وتنجح لعبتهم الماكرة لكسب المسلمين بجانب صفهم ، وصدق الله حين وصفهم بقوله : ( وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال ) [2]
و الغريب أن هذه المبادئ قد نالت حظاً واسعاً بالانتشار في عقول كثير من المسلمين، وبعض المنتسبين للفكر والعلم ! وعقدت الكثير من اللقاءات والندوات الفكرية والحوارية باسمها، لأجل التنظير لها ، والمنافحة عنها ، حتى ظنت طائفة من المسلمين بأنها مصطلحات ( خير وبر ) وما دروا أن السم دس في العسل ، وصدق من قال :
كم حديث يظنه المرء نفعاً *** وبه لو درى يكون البلاء
* فلنكشف الأوراق ولنظهر الحقائق :
المُرَاجِعُ لتلك المبادئ وحين يردها إلى أصلها وجذورها التاريخية ، سيجد أن من أوائل من بدأ بالتركيز على إبرازها هي : ( الحركة الماسونية ) وأذنابها من المستعمرين[3] الحاقدين ، أو ممن تلبس بلباس الإسلام من المنهزمين وكان متأثراً ببعض نظم تلك الحركة .. و لست مبالغاً فإن هذه المنظمة العالمية قد بنت ركائز فكرها، ودعائم منهجها على ثلاث مبادئ:(الحرية - الإخاء الإنساني - المساواة ) وهم يسعون لنشرها بكل ما أوتوا من قوة مادية أو معنوية ، حتى يتلقفها الجهلة ، ويكونوا بوقاَ لنشرها والتعريف بها .
وقد ذكر الأستاذ : عبد الله التل في كتابه ( جذور البلاء )[4] مترجماً لكلام اليهود في بروتوكولاتهم ما نصه :( كنا أول من اخترع كلمات الحرية والإخاء والمساواة التي أخذ العلماء يرددونها في كل مكان دون تفكير أو وعي، وهي كلمات جوفاء لم تلحظ الشعوب الجاهلة مدى الاختلاف بل التناقص الذي يشيع في مدلولها، إن شعار الحرية والمساواة والإخاء الذي أطلقناه، قد جلب لنا أعواناً من جميع أنحاء الدنيا) ا.هـ
وبغض النظر عن صحة البروتوكولات ونسبتها للماسونية اليهودية أو عدمها ، فإنهم قطعوا على أنفسهم عهداً بنشرها ليغزوا بها عقول المسلمين .
ولهذا فقد أصدر المجمع الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي فتوى قيمة ، بعد أن اطلعوا على أفكار تلك الحركة الخبيثة ، وما يهدفون إليه من نشر الثقافات الكافرة ، والكتابات الماكرة ، وكان في تلك الفتوى ما نصه : ( أنها - أي الحركة الماسونية - تبني صلة أعضائها بعضهم ببعض في جميع بقاع الأرض على أساس ظاهري للتمويه على المغفلين وهو الإخاء الإنساني المزعوم بين جميع الداخلين في تنظيمها دون تمييز بين مختلف العقائد والنحل والمذاهب )[5]ا.هـ
* الشريعة الإسلامية ومصطلح ( الإخاء) :
قد بينت الشريعة الإسلامية حقيقة وكيفية(الإخاء) كما في الوحيين:(الكتاب والسنة) وهي :
1ـ أُخوة الدين.
فمن كان كافراً فهو أخ للكافر، ومن كان مسلماً فهو أخ للمسلم، ومنه قوله تعالى: ( إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم )[6]، وإنما أداة حصر فقد حصر الله الأخوة بين المؤمنين فقط ، ومنه قوله تعالى : ( فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين )[7] ، أي في دين الإسلام[8]، ومنه قوله - r - (المسلم أخو المسلم )[9]، ولذا فإنه لما خاف الخليل إبراهيم - عليه السلام- من بطش الطواغيت بزوجته سارة قال عنها ( إنه أختي ) أي أخته في الدين الحنيف الذي يجمع بينهما وهو الإسلام.(67/471)
ولذا فقد بين - عز وجل - أن المنافقين ليسوا بمسلمين وأنهم إخوان للكافرين فنزع أخوتهم من المسلمين وقرنهم بالأخوة التي تربط بينهم وبين أسيادهم الكافرين فقال:(ألم تر إلى الذين نافقوا يقولون لإخوانهم الذين كفروا من أهل الكتاب لئن أخرجتم لنخرجن معكم ولا نطيع فيكم أحداً أبداً وإن قوتلتم لننصرنكم والله يشهد إنهم لكاذبون)[10] قال ابن الجوزي عند قوله تعالى :(يقولون لإخوانهم: أي في الدين لأنهم كفار مثلهم وهم اليهود )[11].
2. أخوة القرابة والنسب:
ومنه قوله تعالى : ( كذبت قوم نوح المرسلين * إذ قال لهم أخوهم نوح ألا تتقون )[12] وقد نص جمع من المفسرين بأن المقصود بهذه الأخوة في هذا الموضع بأنها أخوة النسب ، ومنهم الشوكاني حيث يقول : ( أي أخوهم من أبيهم لا أخوهم في الدين)[13]، ومن هذا قوله تعالى لموسى : ( اذهب أنت وأخوك بآياتي )[14]، والمقصود به هارون -عليهما السلام- والذي كان أخاً لموسى من أب وأم .
* زوبعة عصرية، وإثارة قضية:
أثار بعض المفكرين العصريين والمناصرين لمبدأ ( الإخاء الإنساني )بأن هذا المصطلح قد ذكره بعض المفسرين في كتبهم، وأن له دليل من القرآن، مثل قوله تعالى: ( وإلى عادٍ أخاهم هوداً)[15] ، قائلين إن القرآن أثبت هذا الإخاء فهو - عليه الصلاة والسلام - لم يكن أخاً لقومه في الدين لكنَّه أخاهم في البشرية والإنسانية ، ولهذا لا مانع بأن نطلق على النصارى واليهود بأنهم إخواننا في الإنسانية .
وجواب ذلك: بأنه لاشك أننا جميعاً مسلمين وكفار خلقنا الله - عز و جل - من أبينا آدم وأمِّنا حواء- عليهما الصلاة والسلام - فنحن جميعاً نشترك في البنوة لهما وهو - سبحانه - ينادينا جميعاً قائلاً : ( يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباساً يواري سوءاتكم وريشاً )[16]، وعليه - راجياً أن يُفْهَمَ ما أعنيه - فلو أطلق البعض هذا المصطلح لأجل تلك البنوة من آدم وحواء - وليس له إلا هذا المراد فقط - لهان الخطب ، وأصبح الأمر قابلاً لوجهات النظر ، من حيث أصل هذا المصطلح ، ولكن .....
* هل يريد هؤلاء العصرانيون أن يثبتوا هذا المبدأ بهذا التفصيل ، أم أن وراء الأكمة ما ورائها، وأن المراد غير ما يظهر ، وأن الجوهر بخلاف المظهر ؟
- قيل في المثل العربي ( الحقيقة بنت البحث ) ولا شكَّ أنَّ الغوص في معاني الأمور، ومحاولة إدراك حقائقها ، من الأهمية بمكان ، والحق الذي لا أشك فيه ، أن هذا المبدأ لا يقصد جل من يقوله - نسأل الله لنا ولهم الهداية - إلا خلاف الحق ، وتفريغ الإسلام من محتواه الاعتقادي ، وإبعاد المسلمين عن منهج الله القويم ، وصراطه المستقيم[17]، إلى أن ينتقلوا بمن يتأثر بأطروحاتهم تلك إلى إثبات مبدأ (الإخاء الديني) وقد كان ... فتختلط الأمور، ويصبح الأمر في حيص بيص ، ويطمع الطامعون في إسقاط المسلمين بمزالق عقدية خطيرة تحت مظلة ( التقارب الديني ) أو(التعايش مع الآخر) أو( نبذ الشك والارتياب بالآخرين ) ويصبح من تأثر من المسلمين بتلك الأُطر ، كما قيل :
فتراخى الأمر حتى أصبحت *** هملاً يطمع فيها من يراها
و لهذا فهل يليق بنا السكوت والتعامي عن مراد هؤلاء المنحرفين بحجة أن هذا المبدأ في جملته صحيح؟!
* أهداف المدرسة العصرانية ومقاصدها في التلويح بهذا المبدأ :
1) تمييع عقيدة البراء من الكفار وبغضهم وعدواتهم ، واستبدال ذلك بالدعوة إلى محبَّتهم ومودتهم ومصاحبتهم! إلى غير ذلك من العبارات التي يحاولوا أن يسترضوا بها الكفار، لتربط بينهم وبين المسلمين بوشيحة الإخاء ، وحين يقتنع المسلم بهذه الدعوات المنهزمة فإنه سيقل إحساسه بخطر الكفار ، وأهمية البراءة منهم ، بل سيحصل بينه وبينهم نوع من الانسجام الفكري ، والتنازل العقدي ، بغية الاجتماع على قواسم مشتركة .
وممَّا يجدرالتنبُّه له ، ووجدته واضحاً من خلال البحث والاستقراء لكتابات أصحاب المدرسة العصرانية ، حيث رأيتهم متوافقون في مقاصدهم تجاه(الإخاء الإنساني) وأنَّهم يريدون من وراءه القول بمودة الكفار ومحبتهم والتعايش معهم، ولهم كتابات منتشرة في ذلك لو قلَّبها المتابع لوجدها صريحة بنشرهذا المقصد ، فتجد أنَّ بعضهم يقول :(إنَّ الأخوة الإنسانية العامة التي أوجب الإسلام بها التعارف عندما يختلف الناس أجناساً وقبائل يجب وصلها بالمودة ، والعمل على الإصلاح ومنع الفساد ولو اختلف الناس ديناً وأرضاً وجنساً) بل إنَّ بعضهم يقول:(... ومع ذلك التاريخ السابق فإننا نحب أن أيدينا وأن نفتح آذاننا وقلوبنا إلى كل دعوة تؤاخي بين الأديان وتقرب بينها ، وتنزع من قلوب أتباعها أسباب الشقاق).
والحقيقة أنَّ من تعلَّم العقيدة الربَّانيَّة حتَّى تجذَّرت في أعماق نفسه البشرية ، يعلم أنَّ هذا الكلام مغاير لنصوص الكتاب والسنَّة ، فأين يوجد في كتاب الله أو في سنَّة رسول الله القول بجواز مودَّة الكافر، وأين يوجد ذلك فيما سطَّره علماؤنا في كتبهم ، أو ما طرَّزوه في مسائلهم.(67/472)
فاللَّه ـ عزَّ وجلَّ ـ يقول في محكم التنزيل:( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق )[18]وهنا نهي صريح عن إلقاء المودة للكافرين ، ويقول تعالى كذلك:(لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم )[19] قال شيخ الإسلام ابن تيمية معلقاً على هذه الآية:(أخبر الله أنك لا تجد مؤمناً يواد المحادين لله ورسوله ، فإن نفس الإيمان ينافي مودته كما ينفي أحد الضدين الآخر ، فإذا وجد الإيمان انتفى ضده ، وهو موالاة أعداء الله )[20] ا.هـ .
ولذلك فإن هذه الآية لم تخص الذين حاربونا فقط من دونهم بل خصت الكفار أجمعين' وفي هذا يقول الإمام ابن حجر العسقلاني عن هذه الآية : (البرُّ والصلة والإحسان لا يستلزم التوادد والتحابب المنهي عنه في قوله تعالى(لا تجد قوماً...) فإنها عامة في حق من قاتل ومن لم يقاتل )[21]
وقد يقول قائل إنَّ المرحلة تقتضي كهذه العبارات ، لتخفيف وطأة الكفَّار على المسلمين؟
ولكنَّنا نقول متسائلين كذلك : هل ورد مثل هذا الكلام من رسول الله - r - وصحابته الكرام حين كانوا مستضعفين في مكة ، وحين كان الكفار يسومونهم سوء العذاب ، رغم توفرالأسباب الداعية لذلك ، ومحبة كفار قريش لتلاقي دينهم مع دين رسول الله - r - وأن يداهنهم رسول الله - r - ليداهنوه ؟
إنَّ ذلك لم يكن ألبتة ، مع أنَّ الكفار كانوا يودون أن يداهنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ليداهنوه ، فقد قال تعالى عنهم:( ودوا لو تدهنوا فيدهنون )[22] قال أبو المظفر السمعاني - رحمه الله- ( وقوله( ودوا لو تدهن فيدهنون ) أي : تضعف في أمرك فيضعفون ، أو تلين لهم فيلينون )[23] ، وذكر القرطبي - رحمه الله - على هذه الآية عدداً من الأقوال ثم قال : ( قلت : كلها إن شاء الله صحيحة على مقتضى اللغة والمعنى ، فإن الدهان : اللين والمصانعة ، وقيل: مجاملة العدو وممايلته ، وقيل : المقاربة في الكلام والتليين في القول )[24]
ومع هذا كله فقد أبى رسول الله - r - أن يستمع لكلامهم بل قال بصريح العبارة : ( لكم دينكم ولي دين )[25]، وكان- بأبي هو وأمي - مقتفياً لقوله تعالى : ( ولا تتبع أهوائهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك .. )[26]
وأمَّا ما زعمه بعضهم بجوازأن يقول المسلم للنصراني (أخي) واستدلَّ على ذلك بقوله تعالى:(إنَّما المؤمنون إخوة) ثمَّ ذكر أنَّ النصراني مؤمن من وجه ، والمسلم مؤمن بوجه آخر، فلا شكَّ أنَّ هذا خطأ ، لأنَّه سبحانه وتعالى جلَّى هذه القضية بكل وضوح فقال عن الكفار:(وماهم بمؤمنين) وقال كذلك عنهم:(فإن تابوا وأقاموا الصلاة فإخوانكم في الدين )[27] والذي يفهم من هذه الآية أنَّه لا أخوة سابقة بين دين الكفَّار ودين المسلمين إلا إذا دخلوا في الإسلام فهم إخواننا لهم مالنا وعليهم ما علينا ، ومن جميل ما قاله الشيخ/ محمد رشيد رضا - رحمه الله - حول هذه الآية:( وبهذه الأخوة يهدم كل ما كان بينكم وبينهم من عداوة ، وهو نص في أن أخوَّة الدين تثبت بهذين الركنين ، ولا تثبت بغيرهما من دونهما )[28]
بل إنَّه مخالف لقوله تعالى:( قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برؤاء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبداً حتى تؤمنوا بالله وحده )[29]، قال الإمام ابن تيمية:( فمن كان مؤمناً وجبت موالاته من أي صنف كان ، ومن كان كافراً وجبت معاداته من أي صنف كان )[30].
ولله درُّ الشيخ الداعية/عبدالرحمن الدوسري ـ رحمه الله ـ حين حذر من هذه الدعاوى المنحرفة ، قائلا:ً(فانظر إلى إبراهيم إمام المسلمين ومن معه من الأنبياء كيف صرَّحوا بعداوة قومهم وبغضهم لأنَّ الله لا يبيح لهم موالاتهم أو مؤاخاتهم باسم القومية لأي هدف كان حتى يتحقق فيهم الإيمان بالله قولاً وعملاً واعتقاداً.
وأوجب الله علينا التأسي بهم ، ذلك أنَّ مؤاخاة الكفار بأي شكل من الأشكال ، ولأي غرض من الأغراض لا يكون أبداً إلا على حساب العقيدة والأخلاق بل لا يكون إلا بخفض كلمة الله واطِّراح حكمه ونبذ حدوده ورفض وحيه ، ومهما ادَّعوا من الأخوة الإنسانية والعمل لصالح الوطن ومقاومة أعدائه ونحو ذلك من التسهيلات المفرضة ، فإنَّ المصير المحتوم للمسلمين هو ما ذكرناه من تجميد رسالة الله وإقامة حكم مناقض لإعلاء كلمته والجهاد الصحيح في سبيله وتحكيم شريعته.
وما قيمة الإسلام إذا لم يكن هو الحاكم ظاهراً والمهيمن باطناً)[31](67/473)
والعجب أنَّه مع هذا التنازل من بعض المنتسبين للعلم ـ هداني الله وإياهم ـ وإطلاقهم لهذه الألفاظ على الكفَّار؛ لم تلق أذناً صاغية منهم ، ولا يزال هؤلاء العصريون يميعون قضايا الدين ، لإرضاء شرذمة الكفر، ويبقى الكفار يزدادون قتلاً وسفكاً واتهاماً للمسلمين بالتشدد تارة ، والتنطع تارة أخرى ، والإرهاب تارة أخرى ، وصدق الله :(ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم )[32]ومن المهم حينها أن نعلم بأنَّ الكفارلا يريدون من المسلمين إلا الانسلاخ عن الدين ، والكفر برب العالمين ، ولن يكسب المسلمون من هذا كله دنيا هنية ، ولا ديناً قوياً وأخشى أن نكون كما قيل :
نرقع دنيانا بتمزيق ديننا *** فلا ديننا يبقى ولا ما نرقع.
2) ومما يهدف إليه العصريون من هذا المبدأ : مسخ تميز المسلم عن الكافر بعباداته وعاداته ، وظاهره وباطنه ، و(إزالة استعلاءه بإيمانه ، الناشئ من إحساسه بالتميز عن الجاهلية المحيطة به في كل الأرض .. لكي تنبهم شخصيته وتتميع )[33].
ولا شك أن هذا مفرح للكفار،لأنهم يسعون إلى تذويب المسلم ظاهراً وباطناً في مجتمعاتهم الآسنة، بل حتى لو كان في بلاده فلا يشعر بفوارق بينه وبين غيره من الكفار.
يقول المستشرق النمساوي المعاصر( فون جرونيباوم- Von G r unebaum) في كتاب له يسمى:( الإسلام الحديث - Mode r n Islam) : ( إن الحاجز الذي يحجز المسلم عن ( التغريب - Weste r nization) هو استعلاؤه بإيمانه ، وإنه لا بد من تحطيم ذلك الحاجز لكي تتم عملية التغريب )[34].
وجاء في المادة السادسة من الميثاق الإذاعي للدول العربية ما نصه:(الانفتاح على الحضارة الإنسانية أخذاً وعطاءً وتعميق روح الأخوة الإنسانية والتأكيد على أن الأمة العربية تمد يدها لكل شعوب الأرض دون ما نظر إلى اختلاف الدين أو العقيدة أو أسلوب الحياة للتعاون على توفير أسباب الحرية والتقدم والسلام القائم على العدل وذلك انطلاقاً من جوهر القيم العربية واستهداءً بميثاق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان )[35].
ويبين من هذا أن هذه الكلمة خطة ماسونية غربية تلقفها العصريون ونشروها بين المسلمين بدلاً عنهم ، ولا ريب أن هذا متابعة لهم في ما يهوونه ، وهو ما نهى الله عنه وحذر منه فقال لمحمد - r - ( ولا تتبع أهوائهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك )[36] ، وقال سبحانه :(ولئن اتبعت أهوائهم بعد الذي جاءك من العلم مالك من الله من ولي ولا نصير)[37] .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - قدس الله روحه - ( ولهذا يفرح الكافرون بموافقة المسلمين في بعض أمورهم ، ويُسرون به ، ويودون أن لو بذلوا عظيماً ليحصل ذلكـ ثمَّ قال ـ ومن المعلوم أن متابعتهم في بعض ما هم عليه من الدين، نوع متابعة لهم في بعض ما يهوونه، أو مظنة لمتابعتهم فيما يهوونه )[38].
3) ومما يهدفون إليه عدم التفكير بجهاد الكفار ، وإماتة الروح الجهادية في قلوب المسلمين ، بحجة أنهم إخوان لنا في الإنسانية فلا بد أن تحترم كرامتهم وإنسانيتهم وأن نكون متسامحين معهم وهذا في جهاد الطلب ، بل أنكر آخرون جهاد الدفع ولو قتل المسلم على أيدي الكفار، وذك لـ(يكون المسلم شهيد السلام والتآخي والتسامح أو أنه(شهيد الفكرة المتراحمة) وهذا الكلام لم ألقه جزافاً وممن نص عليه الطبيب الدكتور: خالص جلبي ، في كتابه:(سيكلوجية العنف واستراتيجية الحل السلمي)[39] مقرراً لهذا القول العجيب، بهذه القزمة الفكرية ، التي لم تكن حتى عند الجاهليين العرب ، وحقاً هو التضليل الفكري ، والصوت النشاز في العالم الإسلامي ـ نسأل الله العافية والسلامة ـ وعش رجباً ترى عجباً:
الله أخر موتتي فتأخرت *** حتى رأيت من الزمان عجائباً.
إنها ثقافة الانهزام التي تسري في عروق هؤلاء العصريين باسم ثقافة الإخاء والسلام.(67/474)
4) ومما يهدف إليه العصريون بهذا المصطلح (إلغاء المناداة بالرابطة الإسلامية أو تحييدها واستبدالها بالرابطة الأخوية الإنسانية ، إلى الوحدة الأخوية الدينية )[40]، ولذا فهم يدندنون كثيراً على هذه المصطلحات، ولا ريب أن هذا باطل وزور من القول ، فنحن وإن كنا أبناء لآدم وحواء ، فإن هذا لا ينفعنا عند الله ، والذي ينفعنا هو الدخول في دين الإسلام وعقد الأخوة المسلمين ، وقد امتن الله علينا بهذه الأخوة فقال : ( واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداءً فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً )[41]، وبعدئذ يتوحد الحب لدى المسلم فلا يحب إلا أخيه المسلم ولا يرتبط إلا به ، ولا يصاحب إلاَّ إياه ، وما أروع ما قاله الأستاذ : سيد قطب - رحمه الله - ( إن البشرية لا تنقسم في تقدير المسلم إلى أجناس وألوان وأوطان ، إنما تنقسم إلى أهل الحق وأهل الباطل ، وهو مع أهل الحق ضد أهل الباطل .. في كل زمان وفي كل مكان .. وهكذا يتوحد الميزان في يد المسلم على مدار التاريخ كله ، وترتفع القيم في شعوره عن عصبية الجنس واللون واللغة والوطن ، و القرابات الحاضرة أو الموغلة في بطن التاريخ ، ترتفع فتصبح قيمة واحدة .. هي قيمة الإيمان يحاسب بها الجميع، ويقوم بها الجميع)[42]، ولو دقق في نداء نوح لربه ـ عز وجل- قائلاً:( رب إن ابني من أهلي وإن وعدك الحق وأنت أحكم الحاكمين)[43]، فقد رد الله - عز وجل - عليه قاطعاً ما بينه وبين ابنه من أواصر القرابة ، قائلاً:( يا نوح إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح )[44]، وذلك أن نوحاً كان ابنه كافراً ، ففصم الله العلاقة بينه وبين أبيه، حتى يتميز حزب الرحمن من حزب الشيطان ، ويعلم أن آصرة التجمع هي على عقيدة الإسلام ،وأن رابطة الولاء لا تكون ولا تنبغي أن تكون إلا لمن اتبع هذا الدين ، وقام به خير قيام.
نعم إن الإنسان مخلوق كريم، كما قال تعالى: ( لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم)[45]، وقال ( ولقد كرمنا بني آدم )[46]، لكنه لما حاد عن منهج الله ، قال تعالى عنه : ( ثم رددناه أسفل سافلين )[47]، ولم يستثن إلا من ثبت على شريعة الإسلام ، فقال: ( إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات )[48]' فمن اتبع غير شريعة الله فليس ذا كرامة ،كما قال تعالى : ( ومن يهن الله فما له من مكرم )[49]، بل سمى الله المشرك نجساً ، فقال: ( إنما المشركون نجس )[50].
فمن جعل من المسلمين شعار( الإخاء الإنساني) هو الشعار المرفرف ، موالياً من والاه ، ومعادياً من عاداه ، فإنه قد ارتكب جرماً كبيراً في حق ربه ـ عزوجل ـ ، وتنكر لأمته وهويته، و جزى الله الشيخ : جاد الحق علي جاد الحق خيراً- شيخ الأزهر سابقاً - رحمه الله - حين قال : ( إن البحث عن هوية أخرى للأمة الإسلامية خيانة كبرى ، وجناية عظمى ، وقد لعن رسول الله - r - (من غير منار الأرض)[51]، فكيف بمن يغير هوية أمة ، ويضلها عن طريق النجاة ؟ )[52]ا.هـ. فمن فعل ذلك فإنه قد شابه الجاهلية ، والتي تحب أن تنتسب للروابط القومية أو الإقليمية، لذا فقد أزال رسول الله صلى الله عليه وسلم- تلك الرؤى الجاهلية والتي كانت عند الصحابة الكرام - رضي الله عنهم أجمعين - فقال يخاطبهم ( إن الله قد أذهب عنكم عُبِّيَة الجاهلية ، وفخرها بالآباء ، إنما هو مؤمن تقي ، وفاجر شقي ، الناس كلهم بنو آدم وآدم خلق من تراب ليدعن رجال فخرهم بأقوام إنما هم فحم من فحم جهنم ، أو ليكونن أهون على الله من الجعلان التي تدفع بأنفها النتن )[53]، قال شيخ الإسلام بن تيمية - رحمه الله- معلقاً على هذا الحديث : ( فأضاف العُبية والفخر إلى الجاهلية ، يذمها بذلك ، وذلك يقتضي ذمها بكونها مضافة إلى الجاهلية ، وذلك يقتضي ذم الأمور المضافة إلى الجاهلية )[54]، وقال في موضع آخر : ( وذلك أن الانتساب إلى الاسم الشرعي ، أحسن من الانتساب إلى غيره ، ألا ترى إلى ما رواه أبو داود من حديث .. أبي عقبة - وكان مولى من أهل فارس - قال: ( شهدت مع رسول الله - r - أحداً، فضربت رجلاً من المشركين ' فقلت: خذها وأنا الغلام الفارسي، فالتفت إلي فقال: ( هلا قلت : خذها مني وأنا الغلام الأنصاري ؟ )[55] .
قال العلامة القاري - رحمه الله - : ( وكانت فارس في ذلك الزمان كفاراً ، فكره - r - الانتساب إليهم وأمره بالانتساب إلى الأنصار ليكون منتسباً إلى أهل الإسلام)[56].
وقال العلامة الشنقيطي - رحمه الله - : ( ولا يخفى أن أسلافنا معاشر المسلمين إنما فتحوا البلاد ومصروا الأمصار بالرابطة الإسلامية ، لا بروابط عصبية ، ولا بأواصر نسبية)[57] .
* تساؤل.... وجوابه.....
إذا اتفق على مراد هؤلاء العصريون في مبدأهم ( الإخاء الإنساني) فقد يتساءل البعض:لِم يستخدم هؤلاء هذه الفكرة محاولين أن يقنعوا الناس بها ؟(67/475)
والجواب: يحسن التنبيه بأنَّه قد تكون منهم فئة وقعت شبهة في عقولهم ، أو لم يدركوا أبعاد هذه الفكرة فأطلقوها بحسن ظن ونية منهم - فربنا يغفر لهم - إلا أن الغالب على أكثرهم أنهم يلبسون الحق بالباطل ، ويتاجروا بهذه الكلمة ليروجوا باطلهم على أذهان الناس باعتبار أنها في أصلها صحيح ، ولبس الحق بالباطل ( قاسم مشترك ) بين أهل الأهواء والبدع ليروجوا باطلهم باسم الحق.
قال ابن القيم - رحمه الله - وقد كان يتحدث عن أصحاب الحيل الباطلة ( وأخرج أرباب البدع جميعهم بدعهم في قوالب متنوعة ، بحسب تلك البدع .. فكل صاحب باطل لا يتمكن من ترويج باطله إلا بإخراجه في قالب حق )[58].
وكذلك فإن مصطلح ( الإخاء الإنساني) مصطلح مجمل يحتمل حقاً ويحتمل باطلاً ، والعصرانيون يشتركون مع أهل البدع بأخذهم بالألفاظ المجملة والعمومية التي تسبب كثيراً من الإشكالات ، ليخلقوا الغبش والضبابية حول مفاهيمهم ، فهم لا يحبون التفصيل بل من طبعهم الإجمال في العبارات والنصوص لتبدوا رجراجة غامضة ، ولذا يوصي ابن القيم في نونيته بالابتعاد عن مثل هذا النسق، والذي مشى عليه كثير من أهل البدع ، قائلاً :
فعليك بالتفصيل والتبيين فا *** لإطلاق والإجمال دون بيان
قد أفسدا هذا الوجود وخبَّطا *** الأذهان والآراء كل زمان
و لينظر إلى الخوارج كيف أنهم تمسكوا بظاهر آية مجملة وهي في قوله تعالى: ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون )[59]، فكفروا طائفة من صحابة رسول الله - r - منهم من شهد له بالجنة كعلي بن أبي طالب - رضي الله عنه وأرضاه - بسبب أنهم أخذوا هذه الآية بمجملها و بنوا عليها باطلهم .
ولهذا فإن أفضل حل مع هذه الطوائف أن يستفصل عن مرادهم بهذه الألفاظ المجملة كلفظ (الحرية ) و(التجديد) وغيرها من الألفاظ والتي منها ( الأخوة الإنسانية ) فإن أطلقت هذه المصطلحات فليسأل صاحبها ماذا تريد بهذا المصطلح؟
قال ابن تيمية ( وأما الألفاظ المجملة فالكلام فيها بالنفي والإثبات دون الاستفصال يوقع في الجهل والضلال والفتن والخبال ، والقيل والقال ، وقد قيل ( أكثر اختلاف العقلاء من جهة اشتراك الأسماء)[60].
هذا مع أن الأفضل في اعتقادي - والله أعلم - في مصطلح(الأخوة الإنسانية) تجنبه مطلقاً ، وعدم النطق به، ولو لم يكن من ذلك إلا عدم الوقوع في مشابهة الكفارمن الأنظمة الماسونية وغيرها لكفى ، وهذا من أعظم مقاصد القرآن فإنه يحث على تجنب مشابهة الكفار حتى في ألفاظهم والنهي عن النطق بها ، ولو كان ظاهرها صواباً ، لأن أهل الكفر والفساد يقصدون منها معان باطلة ، وتأويلات مغايرة لحقائق الوحيين ، فلفظة ( راعنا) عند اليهود كانوا يقولونها استهزاء برسول الله - r - ويريدون منها معنىً قبيحاً ، فنهى الله المؤمنين عن قولها والتلفظ بها لئلا يتشبه المسلمون بالكفار ، فقال : ( يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا واسمعوا )[61]، قال قتادة وغيره ( كانت اليهود تقوله استهزاءً ، فكره الله للمؤمنين أن يقولوا مثل قولهم )[62] ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله معلقاً - ( فهذا كله يبين أن هذه الكلمة نهي المسلمون عن قولها ، لأن اليهود كانوا يقولونها - وإن كانت من اليهود قبيحة ومن المسلمين لم تكن قبيحة - لما كان في مشابهتهم فيها من مشابهة الكفار ، وتطريقهم إلى بلوغ غرضهم )[63] .
* وفي ختام المقال :
فإني أوصي من كان على هذا المنهج العصراني أن يتقوا الله في أنفسهم وأن يستشعروا ( أمانة الكلمة ) وأن العبد ( ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد )[64] وليت هؤلاء العصريون وكما أنهم يحاولون استرضاء الكفار بالربط بينهم وبين المسلمين بحلقة التآخي؛ ليتهم يوجهوا أنظارهم إلى إخوانهم المسلمين ، ويحلوا مشكلات التفرق والخصومة بينهم بمنهج السلف الصالح ، ويوثقوا بينهم وشيجة الإخاء ، وآصرة الولاء ، ورابطة التجمع على:(لا إله إلا الله محمد رسول الله).
إلاَّ أن العكس هو الواقع فالمتابع لحركة أصحاب المدرسة العصرية في التأليف والندوات التي يقيمونها يلحظ أن أكثر سهامهم موجهة تجاه المنهج السلفي ، ولمزه تارة بـ(التنطع ) و( التشدد) أو أن أصحابه(جامدون - نصوصيون - حرفيون - كهفيون..)[65] إلى غير ذلك من الألفاظ ، وبالمقابل يسعون لإرضاء الكفار ومداهنتهم والتقارب معهم ، مع أن الكفار لم يأبهوا بكلامهم ولا رضوا عن فعالهم ، ويصدق فيهم قول الشاعر :
باء بالسخطتين فلا عشيرته رضيت *** عنه ولا أرضى عنه العدا
فمن يقارن حال هؤلاء العصريين مع الكفار ومع من تمسك بالسنة الغراء، فسيجد ازدواجية المعايير وسياسة الكيل بمكيالين.
وقد أحسن الدكتور: عدنان النحوي ، حين صوَّر حال هؤلاء قائلاً:( وأصبح من المسلمين من يأنس للتحالف مع أعداء الله ، ويأنف من التعاون مع المسلم ، ودوى شعار( تقارب الأديان) وغاب شعار ( المسلم أخو المسلم )[66].(67/476)
ولا يعني ذلك أن لا يدعو المسلم الكفار لدين الله - عز وجل - وتحبيبهم إليه ، وتبليغهم رسالة الله ، ومحبة الخير لهم ، والعدل معهم ، وعدم ظلمهم ، وهذا مع الكفار المحاربين ، فما البال بغير المحارب منهم فإن الله أمرنا بالبر معهم والإقساط إليهم ، وإعطائهم حقوقهم ، وعدم الغدر بهم، بقوله تعالى:(لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين )[67] .
ذلك هو منهج الإسلام في معاملة الكفار ، فلا إفراط ولا تفريط، ولا غلو ولا إرخاء ، فهو دين وسط ، كما أننا أمة الوسط ، ونعامل جميع الخلق - مسلمهم وكافرهم - بهذه الوسطية الحقة التي أمرنا الله - عز وجل - بها قائلاً : ( وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً )[68] .
وإنَّ أعظم ما يمزق الصف الإسلامي من داخله ، ويشرخ في وحدته ، حين يتكلم من رأى أمة الإسلام في ركب المتخلفين ، وذيل الأمم ، فأصبح يلفق بين الإسلام وبين ما يسمى بـ(الحضارة الغربية ) ويقدم للعالم أجمع إسلاماً(مقصَّصَاً) قد تخلى بنزعة غربية ، ولهجة استرضائية للغرب الكافر، بسبب ضغط الواقع ، معبرين عنه بالإسلام المستنير!!
تلك ثقافة الضرار، ومنهجية التلبيس التي صيرت عالمنا الإسلامي المتزلف الأول للكفار، والتي أرى أن يجند دعاة الإسلام وعلمائه للرد عليها ، وكشف شبهها ، علَّ الله أن يهدي أصحابها ومن تأثر بفكرهم ويردهم إلى سواء السبيل .
ورحم الله علماءنا حين قالوا:( رحم الله امرءاً عرف زمانه فاستقامت طريقته ).
فهل من مستمسك بالإسلام والسنة في القرن الخامس عشر، مفارقاً كل شر وبدعة؟!!
أسأله تعالى أن نكون منهم .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
ملاحظة: هذه الدراسة نشرت في موقع المسلم.
--------------------------------------------------------
1) وقد وصف العلامة الراحل - محمود شاكر - رحمه الله هذه المصطلحات بأنها ( ألفاظ لها رنين وفتنة ، ولكنها مليئة بكل وهم وإيهام ، وزهو فارغ مميت فاتك ، توغل بنا في طريق المهالك ، وتستنزل العقل حتى يرتطم في ردغة الخبال ) انظر كتابه (رسالة في الطريق إلى ثقافتنا )، صفحة ( 82 )
2) سورة إبراهيم آية ( 52) .
3 ) بل هم المستخربين ، فلم يدخلوا بلدة أو قطراً مسلماً إلا وخربوه دينياً وحضارياً فحاشاهم الاستعمار.
4) جذور البلاء، للأستاذ عبد الله التل، صفحة ( 265- 274 )، المكتب الإسلامي.
5 ) الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب المعاصرة - إصدار الندوة العالمية للشباب الإسلامي ( 1 / 518 ) .
6) سورة الحجرات آية(10)
7) سورة التوبة (11)
8) فتح القدير للشوكاني(2/222)
9) رواه البخاري، في كتاب المظالم (4) باب (3)، ومسلم في كتاب البر والصلة والآداب (45) باب تحريم الظلم حديث رقم ( 2580 ) كلاهما من حديث ابن عمر -رضي الله عنهما.
10) سورة الحشر، آية (11).
11) زاد المسير ، لابن الجوزي ( 8/ 217 ) .
12) سورة الشعراء، آية ( 105 - 106 ).
13) فتح القدير ( 3/ 270 ).
14) سورة طه ، آية ( 42 ) .
15) سورة الأعراف، آية (65).
16) سورة الأعراف، آية ( 26).
17) قال ابن رجب ( ومن أعظم خصال النفاق العملي أن يعمل الإنسان عملاً ويظهر أنه قصد به الخير ، وإنما عمله ليتوصل به إلى غرض سيء ، فيتم له ذلك ، ويتوصل بهذه الخديعة إلى غرضه ، ويفرح بمكره وخداعه ) وصدق رحمه الله - جامع العلوم والحكم/صـ378 .
18) سورة الممتحنة (1)
19) سورة المجادلة (22)
20) مجموع الفتاوى لابن تيمية (7/17)
21) فتح الباري لابن حجر العسقلاني (5/233)
22) سورة القلم ، آية (9) .
23) تفسير السمعاني (6/20 ) .
24) تفسير القرطبي (18 / 230 ) .
25) سورة الكافرون، آية (6).
26) سورة المائدة ، آية (49) .
27) سورة التوبة ، آية (12).
28) تفسير المنار ، لرشيد رضا (10/187).
29) سورة الممتحنة، آية (1).
30) مجموع الفتاوى (28/228) .
31) مقطع من خاتمة للشيخ الدوسري على كتاب مفيد المستفيد في كفر تارك التوحيد للإمام : محمد بن عبدالوهاب ـ رحمه الله ـ ضمن كتاب عقيدة الموحدين والرد على الضلال والمبتدعين للشيخ / عبدالله العبدلي الغامدي ـ رحمه الله ـ صـ101)
32) سورة البقرة ، آية (120).
33) مقطع من كلام الأستاذ و المفكر الإسلامي : محمد قطب - حفظه الله - من كتابه ( مذاهب فكرية معاصرة ) صفحة (593).
34) مذاهب فكرية معاصرة، صفحة ( 593).
35) المنظمات العربية المتخصصة في نطاق جامعة الدول العربية لغسان يوسف ، صفحة 0 430 - 431 ) ، بواسطة كتاب الشيخ : علي العلياني - حفظه الله- ( أهمية الجهاد في نشر الدعوة الإسلامية) ، صفحة ( 430 - 431)
36) سورة المائدة، آية (49).
37) سورة البقرة، آية ( 120).
38) اقتضاء الصراط المستقيم (1/98-99).
39) سيكلوجية العنف ، صفحة(52).
40 ) أنشد بعض المنتسبين إلى الإسلام في إحدى المؤتمرات :
الشيخ والقسيس قسيسان *** وإن تشأ فقل هما شيخان !!
41 ) سورة آل عمران، آية (103).
42 ) في ظلال القرآن (5/2607).
43 ) سورة هود ، آية(47).(67/477)
44 ) سورة هود ، آية (48).
45 ) سورة التين ، آية ( 4).
46 ) سورة الإسراء ، آية( 70).
47 ) سورة التين ، آية ( 5).
48 ) سورة التين ، آية ( 6).
49 ) سورة الحج ، آية (18).
50 ) سورة التوبة ، آية (28).
51 ) رواه مسلم في كتاب الأضاحي، حديث رقم (1978).
52) من كتاب: هويتنا أو الهاوية ، للشيخ : محمد المقدم - حفظه الله - صفحة ( 51).
53) رواه أبو داود في سننه ، كتاب الأدب ، باب التفاخر بالأنساب (5/339- 340) برقم(5116)، ورواه الترمذي برقم (3955) وقال حسن غريب ، وصححه ابن تيمية في اقتضاء الصراط المستقيم (1/247).
54 ) اقتضاء الصراط المستقيم (1/247)، والجعل والجعلان : هي الخنافس التي تأكل الغائط وتخزنه .
55) رواه أبو داود في سننه ، كتاب الأدب ، باب في العصبية (5/343) برقم (5123).
56) عون المعبود : لشمس الحق آبادي ن مجلد (7) جزء(14) صفحة(21).
57 ) أضواء البيان ، للشنقيطي : (2/29).
58 ) إغاثة اللهفان ، لابن القيم (1/110).
59 ) سورة المائدة ، آية (44).
60 ) منهاج السنة النبوية ، لابن تيمية ( 2/217).
61 ) سورة البقرة ، آية(104).
62 ) تفسير الطبري ( 1/374).
63 ) اقتضاء الصراط المستقيم، لابن تيمية (1/175).
64 ) سورة ق ، آية (18).
65 ) من سمات أصحاب التوجُّهات العصرانية : احتقار المتَّبعين للمنهج السلفي(منهج أهل السنَّة والجماعة) ، والنظر إليهم نظرة دونية ، ولمزهم بالسطحية والجمود والتطرف ، وأمَّا هم ـ العصريين ـ فهم أهل حضارة وفكر راقي ، ومنفتحون ومستنيرون إلى غيرها من الألفاظ البرَّاقة التي يخدعون بها النَّاس ، ومن خير ما قرأته ووجدته منطبقاً عليهم مقاساً بمقاس ، ما ذكره الشيخ المحدِّث / أحمد شاكر ـ تغمده الله برحمته ـ عن هؤلاء الذين يدَّعون الموضوعيَّة في الكلام والنظرة المنصفة لآثار الكفَّار وتقاليدهم ، حيث قال:(أو من رجلٍ ممَّن ابتليت بهم الأمَّة المصرية في هذا العصر ممن يسميهم أخونا النابغة الأديب الكبير(كامل كيلاني) المجدِّدينات هكذا ـ واللَّه ـ سمَّاهم هذا الاسم العجيب ، وحين سأله سائل عن معنى هذه التسمية أجاب بجواب أعجب وأبدع:(هذا جمع مخنث سالم) فأقسم له سائله أنَّ اللغة العربية في أشدِّ الحاجة إلى هذا الجمع في هذا الزمن!!) انظر/ جامع الترمذي(1/71ـ72)بتحقيق: الشيخ أحمد شاكر.
66 ) الانحراف ، للدكتور : عدنان النحوي ، صـ (51).
67 ) سورة الممتحنة ، آية ( 8).
68 ) سورة البقرة ، آية ( 143).
================(67/478)
(67/479)
واصلوا جهادكم يا مسلمي الصومال!
نعم واصلوا جهادكم، ولا تفتروا وموتوا في سبيل الله ولا تستسلموا، وكونوا أذكى من مارد العصر وطاغوته، لا يخدعنكم المعتدي الصليبي الذي أشعل الأرض كلها فتنة على المسلمين، لا يخلو بلد من بلدانهم من عدوانه إما بالسلاح مباشرة، كما هو الحال في العراق وأفغانستان، وإما بالوكالة كما هو الحال في الأرض المباركة فلسطين، وفي أرضكم التي خطط لغرس عملائه فيها ليجتثوا شجرة "لا إله إلا الله محمد رسول الله" r منها.
أرسل جيوشه العدوانية وأسلحته المدمرة، وسلط عملاءه الذين رباهم في بلاده وحملهم على دباباته وطائراته، ومكنهم من اعتلاء كراسي الحكم في بلادهم ليقتل بهم أبناء وطنهم ويشردهم ويقضي على الأخضر واليابس فيها باسمهم، وحاول أن يخدع من لا ألباب لهم بإجراء انتخابات تمثيلية في العراق وأفغانستان كاذبة، تحت أزيز الطائرات المقاتلة وإطلاق الصواريخ التي دمرت المحافظات والمدن والقرى العامرة.
وقد انفق - ولا يزال ينفق مليارات الدولارات - في كل أنحاء الأرض ليحسن وجهه القبيح عن طريق عملائه الصغار والكبار، وعن طريق وسائل الإعلام التي يوجهها عبيده المنافقون
http://www.al صلى الله عليه وسلمawdah.net/ صلى الله عليه وسلم php?sub0=allbooks&sub1=a5_hadath&p=68
وإننا لنرجو من الله تعالى أن يوفق رجال الإسلام في كل بلدان المسلمين، أن يعدوا أنفسهم للدفاع عن أوطانهم ودينهم وأمتهم، ويتوكلوا على ربهم ضد هذا الطاغوت المتجبر في الأرض الذي استعمل نعم الله التي ابتلاه بها في معاصيه وفي الاعتداء على خلقه، ليفشلوا عدوانه ويقضوا على مآربه فيخسر أمواله ويهزم الله جيوشه وبقتلهم شر قتلة ويخرجهم من ديار المسلمين ذليلين حقيرين لا يلوون على شيء، وما ذلك على الله بعزيز:
{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ} [الأنفال (36)]
واليوم وقد رأى المعتدي هزيمة عملائه وانتصاركم في الصومال، بدأ يغازلكم ليخدعكم، ظنا منه أنكم من رجال الدراويش الذين التفت حولكم جماهير الشعب التي ذاقت الأمرين من الحروب الطاحنة في بلادكم.
إنهم سيخدعونكم بالتعامل معكم طامعين في إجراء تمثيلية جديدة من الانتخابات التي أجروها في العراق وأفغانستان، إنهم سيجيشون عملاءهم في الداخل والخارج ويغدقون عليهم الأموال ليوزعوها على من يظنون أنهم سيثقلون كفتهم في الانتخابات الديمقراطية الأمريكية! وينصبوا على حكم البلاد عملاء قد أعدوهم مثل ما أعدوا عملاءهم في العراق وأفغانستان، فاحذروا لعبتهم القذرة ولا تصدقوهم، فالشك في صدق الكاذب مرة واحدة هو الأصل، فكيف بمن لو وزن كذبه لأثقلت كفته كفة الجبال!
فواصلوا جهادكم وموتوا شهداء دفاعا عن وطنكم ودينكم وأمتكم، واحسموا أمركم مع عملاء المعتدين، فإما أن يعودوا إلى رشدهم و يلقوا سلاح الصليبيين ويضعوا أيديهم في أيديكم وأيدي شعبهم فتكونوا معهم كما قال الله تعالى:
{لا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [الممتحنة (8)]
وإما أن يلجوا في طغيانهم و ينفذوا أوامر أسيادهم، فبينكم وبينهم قول الباري جل وعلا: {إِنَّمَا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ} [الممتحنة (9)]
وقوله تعالى: {فَمَنْ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ} [البقرة (194)}
فكل من اعتدى عليكم أو أعان على العدوان عليكم وظاهر عدوكم عليكم في بلادكم فهو معتد كافئوه بمثل عدوانه.
{وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمْ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (139) إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (140) وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ (141) أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمْ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ} (142) [آل عمران]
كتبه
د . عبد الله قادري الأهدل
===============(67/480)
(67/481)
رسالة إلى شعب العراق
سليمان بن ناصر العلوان
بكل أسى وحرقة ، نسمع ونبصر جرائم أمريكا وحلفائها في أرض العراق ، من قتل لأنفس بريئة ، وإراقة لدماء معصومة ، وتدمير لمساكن حصينة ، وتشريد للنساء والولدان ، وتجويع لأطفال رضع ، وبث روح الأحزان والأسى على الثكلى والأرامل والمستضعفين ، وجلب الخوف والقلق على الآمنين ، ونهب لأموال محرمة ، وغصب لثروات ممتلكة ، وبذل كل الجهود والطاقات في فرض القوة على شعبكم ، وبقية الشعوب العربية والإسلامية ، وتعبيد العالمين كلهم لبني الأصفر ، وعباد الصليب ووضعهم تحت سيطرتها ، وهيمنتها ، وسيادتها .
يا شعب العراق : مرت عليكم بضعة عشرة سنة ، عجاف على بلادكم - عاصمة المسلمين في الدولة العباسية - ، قُتِّل فيها الرجال ، وشردت فيها النساء ، ويتم فيها الأطفال ، وتوالت عليكم الجراح ، وسالت الدماء ، وانعدم الدواء ، وذقتم فيها أمر المُر وفسد فيها الحرث والزرع ، وكانت حياتكم في هذه الحقبة ضرباً من النكد والعناء فلكم الله يا شعب العراق
يا شعب العراق : إننا ننظر إليكم بعين الرحمة ، والإنسانية ، ونشارككم في أحزانكم وأتراحكم ، يسؤنا ما يسؤكم ، ويسرنا ما يسركم ، على ما توجبه القيم العالية والعدالة الحنيفية ، والعقيدة الإسلامية ، يحزننا أن ننظر إلى المأساة التي تطل على وجوهكم بصورة يهتز من شدتها القلب ، وتنفطر منها النفس ، ويندى لها الجبين ، كم نالكم من القتل والتهجير والتدمير والجوع والخوف أكثر مما كان من ذي قبل ، فقدتم ممتلكاتكم وحوصرتم من قراكم ومدنكم وحرمتم من أبسط مقومات الحياة ، وتمطر عليكم في هذه الأيام العصيبة حمم القذائف والنار ، من الطائرات والصواريخ والدبابات والمدافع في أبشع صور الوحشية والطغيان واللإنسانية من قبل رأس الكفر العالمي ، وراعية الشر والوحشية ومحترفة القتل والعنف فأعمل فيكم القتل الرهيب ، رجالاً ونساءً وأطفالاً ، ولم يستثن من ذلك العجزة والمسنين وما تفرق من عجائب الإجرام ، والأعمال العدوانية عبر القرون تجمع فيهم ، وتوالت عليكم الصور المأسوية ، وحرم الفرد من آدميته ، وزرع الخوف والفزع والجوع في صدور وعيون أطفالكم ونسائكم ، وشرد الملايين ، والقذائف تدك ما بقي من أجسادكم ، تحولت جلدة الشباب إلى ضعف وهزل ، وهذا في الشباب أولي القوة ، فما بالكم بالشيوخ والعجزة ، الذين أسقطهم الجوع فلا تسمع إلا دوي نحيبهم ، والثكالى اللاتي أنهكهن الأسى فلا ترى إلا دموعهن ، واليتامى الذين فقدوا آباءهم فلا تسمع إلا صراخهم يعيشون الآم والأحزان ، ويعلوهم صراخ الأنين والزفرات وحياتهم قائمة على القلق والهلع ، يحملون على أكتافهم جراحات وآلاماً تنهد لها الجبال إذ أنهم يعيشون بصورة محزنة ، يتفصد من شدتها الجبين عرقاً
ونحن في خضم هذه الحرب الصليبية الشرسة ، وعلى صعيد هذا التقتيل والتشريد وما حل بكم من بلايا ومحن ، نتواصل معكم في محنتكم هذه بتذكيركم بأهم شيء لديكم والذي به قوامكم ، ومجدكم ، وعزكم ، والذي خلقتم لأجله ، وتبعثون لأجله ، والذي هو من أكبر العوامل الأساسية لا الثانوية في نصركم على عدوكم الظالم الغاشم الصليبي والذي إن حققتموه فسيحق لكم - يقيناً - الانتصار عاجلاً على هذا العدو الأحمق وكسر شوكته ، وتوهين زحفه ، ألا وهو توحيد الله تعالى ، وإخلاص الدين له والتحاكم إلى شرعه ، والاهتداء بوحيه ، ونبذ كل ما يخل به ، ويخدش بكماله ، أو يتنافى معه ، من شعارات قومية ، ولغات ضالة ، ومذاهب فاسدة ، فكم جرت هذه على أمة الإسلام من الشرور والويلات ، وكم أشعلت من حروب وملاحم وكوارث ، والتوحيد هو الذي جعل الأمة تتحمل الرسالة ، وتشعر بالمسؤولية ، وتحول العربي إلى إنسان لا تأسره الأوهام والتقاليد ، ولا الإقليمية والقومية . إن الدعوة إلى القومية وما يحمله هذا الفكر من علمانية ، واشتراكية ، ونحو ذلك من الأفكار التي تعيد للأذهان واقع الناس قبل الإسلام ، غيبوبة عن الحق ، وبذرة للفتنة وعودة بالأمة إلى الفوضى ، والاستبداد ، وحلول الظلم مكان العدل ، والشر مكان الخير والتشتت مكان الوحدة الشرعية . قال الله تعالى (إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ) وإن رسول البشرية r بعث في قوم تحكمه العصبية وتسودهم الوثنية ، فكان السلاح الذي رفعه رسول ا صلى الله عليه وسلم في وجوه أولئك ، هو شهادة أن لا إله إلا الله ، محمداً رسول الله ، فكان من ذلك جمعهم بعد تفرقهم ، وغناهم بعد فقرهم ، وعزهم بعد ذلهم ، فلا إله إلا الله تذيب كل الفوارق والعناصر والطبقات ، وتحت مظلة الإسلام عقدت أعظم مؤاخاة في التاريخ ، جمعت بين العربي والرومي ، والفارسي ، والحبشي ، والخزرجي ، والأوسي، ولم يكن هناك أدنى اعتبار لميزان الجنس واللون والعنصر بل جعل الله الميزان ( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ)(67/482)
وإن العرب حين ينسون معقد عزهم ، وعروة مجدهم ، ويظنون أنهم يكونون شيئاً بغير الإسلام ، لا نحسبهم إلا في ضيعة ، ونكسة ، فالعرب - بعيدين عن الإسلام - لن يكونوا إلا صيداً سهلاً للحملة الصليبية ، هذا في الدنيا ، وأما في الآخرة فحطب جهنم والذين يقولون نؤمن بالقومية ، ونؤمن بالعلمانية ، ونؤمن بالاشتراكية ونؤمن بالإسلام ونأخذ من ذاك كذا ، ومن الإسلام كذا ، ومن العلمانية كذا ، ونظل مسلمين يخطئون في فهم الإسلام
ونرجو من الله أن تكون هذه الرسالة مذكرة بالحق موصلة إليه - حتى لا تكون النهاية مؤلمة - ومؤازرة في هذه الحرب ، ورد الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيراً
ونحن نبارك ونقدر وقوفكم وصمودكم في هذه الحرب ، ونبحث معكم عن المزيد من الوقوف في وجه العدوان الصليبي ، ودفعه بكل قوة ممكنة ، ووسيلة مقدورة من عمليات فدائية ، وضربات بطولية ، فأهل الإسلام - حيثما كانوا - يبغضون الظالمين ويرفضون التواجد الأمريكي والغربي في أرض المسلمين ، فإلى المزيد من نسف جماجم أعدائكم ؛ بل وأعداء الإنسانية أجمع ، وامضوا قدماً في التنكيل بهم ، وتسخير قوتكم في حربهم فمفارقة الحياة أحب من الذل المهين ، وقد كان من شعار العرب الأول (مت كريماً ولا تعش ذليلاً)
وكان شاعرهم يقول
حكم سيوفك في رقاب العذل *** وإذا نزلت بدار ذل فارحل
وإذا بليت بظالم كن ظالماً *** وإذا لقيت ذوي الجهالة فاجهل
واختر لنفسك منزلاً تعلو به *** أو مت كريماً تحت ظل القسطل
لا تسقنى ماء الحياة بذلة *** بل فاسقني بالعز كأس الحنظل
وحرية النفس ، والإقامة على الضيم ، لا يجتمعان أبداً ، أينما حل هذا أدبر ذاك
والإسلام بسمو تعاليمه يطارد الضيم ، والمذلة ، ويشعل نار المقاومة ، ويربط ذلك بالإخلاص ، وابتغاء مرضاة الله ، ونصر دينه ، وإذلال أعدائه ، وما هي إلا نفس واحدة فلا تذهب إلا في سبيل الله ، وطاعته ، ومرضاته . قال تعالى ( فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآخِرَةِ وَمَنْ يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً . وَمَا لَكُمْ لا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيراً . الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً )
وثبت عن صلى الله عليه وسلم أنه قال ( من قتل في سبيل الله فهو شهيد ومن مات في سبيل الله فهو شهيد ) رواه مسلم
وصح عن صلى الله عليه وسلم أنه قال ( من قتل دون ماله فهو شهيد ) متفق عليه
كتبه
سليمان بن ناصر العلوان
القصيم - بريدة
27/1/1424هـ
=============(67/483)
(67/484)
البطل المسلم عيسى العوام
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ، ثم أما بعد :-
كثيراً ما تمر بنا قصص وأخبار لشخصيات تاريخية مشهورة أثناء المطالعة في كتب التواريخ و التراجم ، أو أثناء الاستماع إلى المحاضرات والدروس ، أو في غيرها من المواضع .. ولعل معظم الناس إن لم يكن أغلبهم يستقي معلوماته ويبني ثقافته ويكونها معتمداً على وسائل الإعلام المختلفة .. ويأتي في مقدمة هذه الوسائل التلفاز وما يعرض على شاشاته من برامج وأفلام ومسلسلات وقصص وأخبار وغيرها من الأمور .. وأنا هنا لست بصدد الحديث عن مضار بعض ما يعرضه التلفاز من أفكار تهدم الدين و تخرم المروؤة و تشيع الفاحشة و تزين الرذيلة ، فهذا موضوع له من يقوم به من المختصين من طلبة العلم ممن آتاهم الله ملكة في النقد و مناقشة القضايا الإعلامية .. وقد كان الأولى أن يقوم بهذا العمل أيضاً المدعو : حسن بن فرحان المالكي هذا الزيدي الحاقد ، فبدلاً من أن ينتقد ويتهجم على علماء أهل السنة ، كان الأجدر به أن يتفرغ لمثل هؤلاء فهو من خريجي كلية الإعلام ، لكنه سل سيفه وقلمه في التنقص والتهجم على علماء أهل السنة .. نعوذ بالله من الهوى ..
و الذي أود الحديث عنه اليوم هو : الدفاع عن شخصية تاريخية كان لها دور بارز في مواجهة الصليبيين بطريقته الخاصة .. والذي دفعني للحديث عن هذا الرجل وهذه الشخصية ، هو ذلك الطرح السينمائي الخبيث الذي قدم منذ عقدين اثنين أو أكثر تحت عنوان ( الناصر صلاح الدين ) .. وكان هذا العمل من إخراج الصليبي الحاقد (( جوزيف ( يوسف ) شاهين )) .. وما أظن أن أحداً لم يسمع عن هذا القزم النكرة .. فهو صاحب فيلم ( المهاجر ) الذي يحكي قصة نبي الله يوسف عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام ..
فهذا القزم وأمثاله ممن دأبوا على تزوير التاريخ ، فصوروا صاحبنا على أنه نصراني .. وصاحبنا هو البطل المسلم ( عيسى العوّام ) .. والفيلم طرح سيء يشوه الحقيقة ويروج للرذيلة ويظهر مدى سذاجة البطل صلاح الدين والمسلمين ولو فصّلت لما انتهيت .. ولكن يكفي أن نقف وقفة واحدة مع قصة صاحبنا البطل المسلم عيسى العوام ..
* القصة كما صورها يوسف شاهين في فيلمه الناصر صلاح الدين ..
ظهر هذا البطل على أنه نصراني يقع في حب فتاة صليبية ، وهذه الفتاة رئيسة لمجموعة من الجنود الهوسبيتاليين ممن كانوا يرافقون الحملة الصليبية على بيت المقدس .. يكلف هذا البطل على توصيل رسالة إلى أحد الأشخاص في مدينة عكا أثناء حصارها من قبل الصليبيين ، فيكتشف أمره أثناء عودته فيجرح ويقع في البحر ثم يتم انتشاله من قبل الصليبين بعد ذلك وكان هذا البطل يضع الصليب على صدره فعرفوا أنه صليبي عربي فحملوه إلى إحدى الخيم وهناك تلتقي به فتاته التي وقع في حبها فتسهر على راحته كما يقولون حتى يتماثل للشفاء .. إلى آخر القصة المزيفة ..
والقصة الحقيقية لهذا البطل يرويها لنا القاضي بهاء الدين بن شداد في كتابه القيم ( النوادر السلطانية والمحاسن اليوسفية ) أيام محنة عكا ، وأوردها أيضاً صاحب كتاب : تذكير النفس بحديث القدس ( 1/378 - 379 ) فيقول : ومن نوادر هذه الوقعة ومحاسنها أن عواماً (( مسلماً )) كان يقال له عيسى ، وكان يدخل إلى البلد - يعني عكا أثناء حصار الفرنج لها - بالكتب والنفقات على وسطه - أي يربطه على وسطه - ليلاً على غرة من العدو ، وكان يعوم ويخرج من الجانب الآخر من مراكب العدو ، وكان ذات ليلة شد على وسطه ثلاثة أكياس ، فيها ألف دينار وكتب للعسكر ، وعام في البحر فجرى عليه من أهلكه ، وأبطأ خبره عنا ، وكانت عادته أنه إذا دخل البلد طار طير عرّفنا بوصوله ، فأبطأ الطير ، فاستشعر الناس هلاكه ، ولما كان بعد أيام بينما الناس على طرف البحر في البلد ، وإذا البحر قد قذف إليهم ميتاً غريقاً ، فافتقدوه - أي تفقدوه - فوجدوه عيسى العوام ، ووجدوا على وسطه الذهب وشمع الكتب ، وكان الذهب نفقة للمجاهدين ، فما رُئي من أدّى الأمانة في حال حياته وقد أدّاها بعد وفاته ، إلا هذا الرجل ..
فهل أدّى من زوروا التاريخ أمانة الكلمة للأجيال أم ضيعوها ؟!!
وليس لي هنا أدنى تعليق سوى قول الله تعالى : { وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباءً منثوراً} [الفرقان/23] .
أخوكم : أبو عبد الله الذهبي ..
===============(67/485)
(67/486)
طاغوت العصر
الحمد لله وأشهد أن لاإله إلاالله وحده لاشريك له وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا وبعد .هاهو رمضان قد أظلّنا من جديد واستنشق المؤمنون الموحّدون عبير أنفاس هذا الشهر العظيم ،ولكن هذا العبير قد جاء وياللأسف مشوبا برائحة الدماء والبارود ، لقد كان رمضان يشرق على الأمة الإسلامية وهي عزيزة الجناب لم تقف على الأبواب ولم تستعطف الأعداء ولم تخضع للكافرين واليوم كيف يشرق علينا رمضان؟يشرق على جرح فلسطين الذبيحة وعلى آلام أفغانستان الجريحة وعلىأصوات الثكالى واليتامى في العراق وقوات الصليبيين تطوّق كعبتنا من كل الجهات بقواتها وقواعدها مهدّدة عقيدتنا وحضارتنا وأرضنا وشعوبنا وتاريخنا ومستقبلنا ،تحاصرنا الفتن وتجتاحنا الأحزان والألام وتنحرنا المصائب ويقتلنا القهر والإستبداد فتعزّ الكلمات ويتأبّى البيان ويحتار اللسان وفي الصحيح أنّ رسول ا صلى الله عليه وسلم قال ((والذي نفسي بيده، لا تذهب الدنيا حتى يمر الرجل على القبر فيتمرغ عليه، ويقول: يا ليتني كنت مكان صاحب هذا القبر، وليس به الدِّين إلا البلاء)) رواه مسلم.(67/487)
صدقت ياحبيبنا يارسول الله هذا هو حال الأمة اليوم إلاأهل الغفلة والضياع،آه لو أنّ الحرف سيف! آه لوأنّ الكلمة بندقيّة والجملة قنبلة والفقرة صاروخ لنردّ به عن أنفسنا وإخوتنا ذلاّ لم يسمع بمثله أحد،الناس يذلّون عن قلّة ولسنا قلّة بل نحن مليار من البشر والناس يذلّون عن فقر ولسنا فقراء بل نحن أغنى شعوب الأرض والناس يذلّون عن ضعف ولسنا ضعفاء ويشهد لنا بذلك مخازن أسلحتنا وأننا نحن العرب أكبر مستورد للسلاح في العالم وإن بعض التقارير تقدّر ثمن السلاح الذي استوردته دول الخليج فقط منذ بداية الصراع العربي الإسرائيلي بألف مليار دولار بينما لا يتجاوز ما استوردته إسرائيل خلال المدّة ذاتها ثلاثين مليارا فقط فنحن لسنا فقراء ولسنا ضعفاء ولسنا قلّة ومع ذلك فنحن مهزومون نحن مقهورون ،لقد وضعتنا أمريكا في المكان الذي أرادت أن تضعنا فيه شعوبا بالملايين مختبئة وراء البراميل نتوسّل إليها أن لاتطلق علينا النار ونقول لها مات الولد مات الوطن مات العرب ولكنّها لاتبالي وتطلق علينا النار وينتهي الأمر بنا كماانتهى الأمر بمحمد الدرة وغيره من آلاف الشهداء ،مع الفارق الكبير فهو قد نال الشهادة ونحن مازلنا نتجرّع غصص الهوان والتخاذل والإضطراب .. مشكلتنا نحن المسلمين ليست أننّا إرهابيّين! مشكلتنا أنّنا لم نمارس الإرهاب بالقدر الكافي تجاه أعداء الله ،تجاه أمريكا طاغوت العصر وفرعون العصر التي يقول حالها أنا ربكم الأعلى و هذا هو منطق الطغاة والفراعنة، في جميع العصور، منطق الفراعنة، مبني على القوة المادية التي يملكونها، ولا يملكها غيرهم، مبني على الكبرياء والجبروت، لكن مصيرهم كما قال الله تبارك وتعالى (فلمّا نسوا ماذكّروا به فتحنا عليهم أبواب كلّ شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون) ومصيرهم كما قال الهادي r ((إنّ الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته)) (وكذلك أخذ ربّك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إنّ أخذه أليم شديد) وقد وصف القرآن الكريم لنا نموذجا للفراعنة والطغاة، وهو فرعون مصر الجبار، وجنده ووزراؤه فقد ادعى الألوهية والربوبية، وأنكر أن يكون لقومه إله سواه، كما قال الله تعالى عنه (فكذب وعصى. ثم أدبر يسعى. فحشر فنادى. فقال أنا ربكم الأعلى) وقال عنه: (يا أيها الملأ ما علمت لكم من إله غيري) ولعل حال أمريكا الذي تمارسه مع العالم يوضح هذا المعنى أوضح بيان في هذا العصر لا، بل إن الله يأمر الناس بالإيمان به، وينهاهم عن الشرك به، ولكن لا يأذن لأحد أن يكره أحدا على الإيمان به: (لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي) ولكن أمريكا تكره الدول في العالم على اتباع سياستها، ومن خرج عن ذلك، أنزلت به أشد العذاب، ومن عادة الطغاة أن يتخذوا كل سبب يؤدي إلى تنازع الناس، ليتمكنوا من السيطرة عليهم، ويستفردوا بظلم من يريدون الاعتداء عليه، فلا يجد من ينصره، كما قال تعالى عن فرعون ( إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعا يستضعف طائفة منهم يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم إنه كان من المفسدين) وهاهي أمريكا اليوم تفرق بين الشعوب وحكامها وتفرق بين الدول المتجاورة والمتباعدة، من أجل أن تهيمن عليها جميعا، وتستضعف من تشاء منها، تحقيقا لهيمنتها وتثبيتا لظلمها. ففرعون في الماضي كان فرعونا لبلد واحد، هو مصر، أما فرعون هذا العصر أمريكا فهي فرعون الأرض كلها و هي (فرعون العصر) تحاول أن تضرب بسوط ظلمها العالم كله، ولسان حالها يقول، كما قال فرعون مصر: ( أنا ربكم الأعلى(ولا غرابة في حقد اليهود وأهل الكتاب على المسلمين، وإعداد العدة للهجوم عليهم والسيطرة على بلدانهم، لأن الله تعالى قد سجل عليهم ذلك في كتابه، وتاريخهم في الماضي والحاضر شاهد على عداوتهم وعدوانهم على المسلمين، كما قال تعالى (ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم) ولكن الطامة الكبرى هو مافعله المسلمون أنفسهم حين أعانوا القاتل السفاح على قتلهم .حين امسكوا له بالضحية ليذبحها المجرم بدم بارد بينما ينتظر الآخرون الدورو الخوف من سطوة دولة كبرى لا طاقة لهم بها يمل قلوبهم اقتداء بمن قال الله تعالى عنهم ( فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين) هذا هو الحال فما واجب المسلمين نحو هذا الغزو الصليبي الذي بدأ ولانعلم متى سينتهي؟ أهم الواجبات أن يحقق المسلمون بينهم أصلين لا يفترقان، وهما:الإيمان والأخوة، كما قال تعالى(إنما المؤمنون إخوة) ويجب عليهم البراءة من أعداء الله الكافرين وقد دلت الآيات القرآنية الكثيرة على وجوب موالاة المؤمنين، ومعاداة أعدائهم الذين يعتدون عليهم، وأن من تولاهم فهو منهم في ظلمهم، كما قال تعالى (ياأيها الذين ءامنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين) ونهى سبحانه المؤمنين أن يوالوا أقرب المقربين إليهم نسبا، عندما يفضلون الكفر بالله على الإيمان به،(67/488)
وأن من تولى أقاربه بالمناصرة لهم أو إظهار محبته لدينهم، فهو منهم، فقال تعالى (ياأيها الذين ءامنوا لا تتخذوا ءاباءكم وإخوانكم أولياء إن استحبوا الكفر على الإيمان ومن يتولهم منكم فأولئك هم الظالمون) وعلى المسلمين اليوم أن يحدّدوا عدوهم ثم ينطلقوا لقتاله مستعينين بالله عزوجل كما قال تعالى: (ياأيها الذين ءامنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل) وقد أشار القرآن الكريم إلى نوعين من أنواع الجهاد في سبيل الله وهما جهاد المجموعات وجهاد الجماعات قال تعالى(ياأيها الذين آمنوا خذوا حذركم فانفروا ثبات أو انفروا جميعا) إذن هما حالتان الأولى وهي جهاد المجموعات وهي المذكورة بقوله تعالى (فانفروا ثبات) والثانية جهاد الجماعات وهي المذكورة في قوله تعالى ( أو انفروا جميعا) وهذه الحالة الثانية لاتحتاج إلى بيان لأنها معروفة وهي سير الرسو صلى الله عليه وسلم إلى الجهاد ومعه آلاف من الصحابة كما في غزوة بدر وتبوك والخندق وغير ذلك أما جهاد المجموعات أو الثبات كما ورد في القرآن جمع ثبة أي المجموعة من الرجال فمعناها أن يؤلّف المؤمنون جماعة من أنفسهم ثم يشرعوا بقتال العدو على شكل كراديس وخلايا ومجموعات صغيرة لأن هذه قد تكون أنكى في العدو وأكثر تحركا من الجيوش الكبيرة فإذا عجزت الأمة والجماعات عن القتال والجهاد فإنّ الواجب لايسقط عنهم ولكنّه يتحول إلى النوع الثاني من الجهاد وهو جهاد المجموعات أو الثبات وهذا النوع من الجهاد معروف في تاريخ الإسلام فمجموعة محمد بن مسلمة اغتالت كعب بن الأشرف زعيم اليهود ومجموعة عبد الله بن عتيك قتلت سلاّم بن أبي الحقيق زعيم خيبر وعبد الله بن أنيس قتل سفيان بن خالد الهذلي الذي كان يعدّ الجيوش لغزو المدينة ومجموعة محمد بن مسلمة أسرت ثمامة بن أثال سيد بني حنيفة فعندما ردّ صلى الله عليه وسلم أبابصير الذي جاءه مسلما من عند المشركين بموجب ميثاق الحديبية هرب أبو بصير من المشركين بعد أن قتل واحدا منهم فعاد إلى رسول ا صلى الله عليه وسلم و قال يارسول الله أما أنت فقد وفّت ذمّتك وأنا خلّصت نفسي وامتنعت بديني فقال الرسو صلى الله عليه وسلم ((ويل أمّه مسعّر حرب لو كان معه رجال )) وفهم أبو بصير من هذه الإشارة أنه يريد منه أن يشكّل مجموعة تقوم بعمليات جهادية ضد المشركين وكوّن جماعة له واختبؤا في شعاب الجبال يهاجمون قريشا ورجالها وقوافلها حتى اضطّروهم إلى مفاوضة رسول ا صلى الله عليه وسلم وإلغاء البند الذي ينصّ على أنّ من جاء من المشركين مسلما ردّه رسول ا صلى الله عليه وسلم إليهم وعلينا أن نعلم أنّ الابتلاء سنة ماضيةمن سنن الله تعالى يبتلينا ويمحصنا ليتخذ منا شهداء، كما قال تعالى (أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين ءامنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب) وعلينا الثقة بنصر الله للمجاهدين في سبيله، إذا توكلوا على الله، وأعدوا ما يقدرون عليه، واستعانوا بالصبر والمصابرة، ونصروا دينه، وإن كان عدوهم أشد قوة مادية منهم قال تعالى(قال الذين يظنون أنهم ملاقو الله كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين) ونذكر من يقف في صف اليهود والصليبيين خوفا منهم ونسيانا لله تعالى بأنهم سيندمون، عندما يفتح الله على المجاهدين في سبيله بالنصر المبين (فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين) وأذكرعلماء الإسلام في أنحاء الأرض أن يبينوا للمسلمين الحق في مناصرة المسلمين للكافرين على إخوانهم المسلمين، فقد كلفهم الله البيان، وأوعد من كتم هذا البيان، أو لبّس الحق بالباطل، بالطرد من رحمته، وبأليم عقابه (إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا فأولئك أتوب عليهم وأنا التواب الرحيم) ونقول للجميع وبأعلى صوتنا إنّ الإرهاب الذي تدعو أمريكا حلفاءها للتحالف معها ضدّه إنّما هو الإسلام عينه الإسلام السويّ المعتدل لا الإسلام الأصولي المتطرّف وإنّ الحرب لن تنتهي في العراق و لاتستهدف العراق وسلاحه ونفطه وشعبه فقط بل إنّها عملية تطويق للكعبة وتركيع لأمة الإسلام واستهداف لديننا وعقيدتنا وإيماننا ولذلك فإننا نحذّر جميع الأطراف من أن ينخرطوا في هذا العمل الظالم ونصرخ بأعلى مانطيق ونقول لهم إن أيّ تعاون مع أمريكا في هذا الصدد إنما هو قبول بالحرب على الإسلام وهذا مانسمّيه في شريعتنا الكفر والإرتداد. وإن أي ثغرة تفتح لتوجّه منها السهام إلى الأمة أو أيّ قاعدة تسخّر لصالح الأمريكان في ضرب أي بلد مسلم تعتبر خيانة عظمى لهذه الأمة وخروجا سافرا على مبادئها وارتدادا عن دينها وتعويقا لجهود المخلصين من أبنائها(67/489)
فشعوب المسلمين ودينهم ومقدّساتهم وأرضهم ليست مطيّة لأمريكا ولا لحكام الأرض ،
بلي الجديد ، ومسنا القرح *** فمتى تفيق أخي .. متى تصحو؟
وَ لوعتاه ..كم انقضت حقب *** وامتد ليل ما له صبح !!
وبغى وحوش ليس يردعهم *** خلق ، ولا دين ، ولا نصح
هناك حقيقة أيها الإخوة ينبغي أن يزداد وعي المسلمين بها وهي أن هذه الدنيا ليست بدار قرار كل الناس تبني آمالها فتعمل وتفكّر من خلال الدنيا و((الدنيا لاتعدل عند الله جناح بعوضة)) كما يقول الحبيب الأعظم r وكلّكم ترون الأموات وهم يمشون ولا أحد يبقى فيها الدنيا زائفة برّاقة خدّاعة ((الدنيا سجن)) كما ورد في الحديث الصحيح ولذلك ماينبغي لحب الدنيا أن يقف حجر عثرة في طريق الأمة وفي طريق قول كلمة الحق للأسف أصبح همّ الكثيرين إذا جمع الناس لهم وحشدوا الحشود ضدّهم هو الإنبطاح الكامل أمام العدو ولو كان ذلك على حساب دينهم وعقائدهم ومبادئهم وأوطانهم ...! أيّ تفكير هذا أيّ كرامة وأيّ مبدأ وأيّ انحراف عن سبيل المؤمنين الذي خطّه الله تبارك وتعالى في كتابه . ما هو سبيل المؤمنين عندما يجمع لهم الناس الجموع؟ (الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل *فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم*إنّما ذلكم الشيطان يخوّف أولياءه فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين )
أيّها القراء: إن النصر للإسلام وإن الرفعة لهذه الأمة وإن التمكين لهذا الدين وهذه الحرب التي تقرع أمريكا اليوم طبولها ستنقلب عليها بإذن الله وستصحو الشعوب من سباتها وستجاهد في سبيل الله مجموعات وجماعات وستشتعل الأرض تحت أقدام الطغاة وستكون هذه الحرب كحركات السائل الناري في باطن الأرض ثم تكون الرجفة ثم تكون الزلزلة ثم يتفجّر البركان ويقذف حممه ثم تتفتّح أبواب جهنّم الدنيا فلا يبقى فيها طاغية إلا ودخلها وصدق تعالى إذ يقول (أما الزبد فيذهب جفاء وأما ماينفع الناس فيمكث في الأرض )
الشيخ محمود نبيه الدالاتي
==============(67/490)
(67/491)
تأملات في ظاهرة كتابة الأسماء المستعارة باللغة الإنجليزية
الحمد لله وكفى ، والصلاة والسلام على النبي المصطفى ، وعلى آله وصحبه الشرفاء .
وبعد :
فمما لا ريب فيه أن لله تعالى آيات كثيرة لا تحصى ، وكيف تحصى وقد أحاطت بنا بين السماء والأرض وقد قال ربنا : (وفي الأرض آيات للموقنين وفي أنفسكم أفلا تبصرون).
وهنا نتوقف عند قوله سبحانه: (وفي أنفسكم) فمن آيات الأنفس ما أشار الله إليها بقوله : (ومن آياته خلق السموات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم) فاختلاف الألسن وهي اللغات (كالعربية والإنجليزية والفرنسية والصينية والفارسية ...الخ) آية من آيات الله تعالى في خلقه جديرة بالتأمل والتفكر، قال السعدي ـ رحمه الله ـ : (على كثرتكم وتباينكم مع أن الأصل واحد ومخارج الحروف واحدة ومع ذلك لا تجد صوتين متفقين من كل وجه ولا لونين متشابهين من كل وجه، إلا وتجد من الفرق بين ذلك ما به يحصل التمييز).
فهذا المعنى لا يختلف عليه المسلمون .
ولكن ما قصدت بالمشاركة هو ما لاحظته من كتابة بعض أحبتنا الأعضاء أسماءهم المستعارة بحروف لاتينية (إنجليزية) ونحن هنا لسنا بصدد التحدث عن النوايا لأن ذلك علمه عند الله تعالى ولا نظن بأحبابنا الأعضاء إلا الخير فلهم منا التحية والتقدير والشكر على جهدهم الملحوظ في المنتدى.
ولكن دعونا نناقش هذه الظاهرة من الجهة الشرعية :
هل هي حرام ؟!
أم هي مكروهة ؟!
أم هي جائزة ؟!
أم هي مستحبة ؟!
يمكن للجميع أن يشارك بما وقف عليه من علم في هذا الباب حتى يظهر الحق للجميع .
فأقول وبالله تعالى التوفيق :
هذه المسألة (أعني حكم التكلم والكتابة باللغة الأجنبية) لمن هو قادر على الكلام والكتابة باللغة العربية تكلم فيها أهل العلم قديما وحديثا وقد فصلوا فيها القول خير تفصيل، ولكن مع تفاعل الأحداث الأخيرة في أفغانستان ، واشتعال الحرب الصليبية والصهيونية ضد المسلمين في كل مكان نجد ضرورة عودة هذه المسألة إلى السطح لإعادة النظر في نمط تفكيرنا الذي سيطر على جزء كبير منه الغزو الثقافي والحضاري من قبل الصليبية الغربية.
إذا البحث في هذه المسألة ليس مجرد أسماء مستعارة بل الأمر أكبر من ذلك وهو قد يكون مدخلا لظاهرة غزو اللغات الغربية إلى بلاد مسلمين هذه الظاهرة التي كادت تفقدنا أصالتنا وهويتنا.
ويحضرني في ذلك أن بعض الأسر لا شغل لها ولا شاغل إلا حرصهم الشديد على تعليم أبناءهم اللغة الإنجليزية أو الفرنسية ولو على حساب تعلم القرآن والعقيدة والفقه، وتجدهم في بعض الدول العربية يتفاخرون بين جيرانهم وأقاربهم بأن أولادهم ينهلون العلم من المدارس الأجنبية والتي هي في حقيقة الأمر إرساليات تنصيرية كمدارس (نوتردام ديسيون) المنتشرة في عدد من البلاد الإسلامية وهي مدارس تنصيرية تابعة لكنيسة (نوتردام ديسون) الكاثوليكية الفرنسية، ومدارس (سان مارك) الألمانية...الخ وتجد مديرة المدرسة راهبة تلقب بـ (مامير) وحولها راهبات معلمات يلقبن بـ (السيرهات) وأنا أعرف شخصيا بعض أولاد المسلمين التحقوا بمثل هذه المدارس التنصيرية في صغرهم وكم كان أثرها على نفوس البعض حتى استهوى لبس الصليب والعياذ بالله.
وتجد بعض الشباب يتعلم عدة كلمات إنجليزية فيزهو بهن بين أقرانه فتجده يتكلم كلمة عربية وكلمة إنجليزية لا لشيء إلا افتخارا بلغة الحضارة كما يظن، وإذا سألته عن نواقض الوضوء تجده لا يعرف منها إلا ما خرج من السبيلين!!
حقيقة المسألة جديرة بالتأمل والتفكر لأن لهذا الفكر خطره الشديد على إيمان الإنسان.
ولكون شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ من أحب الشخصيات للصحوة الإسلامية وتطيب نفوس الأكثرية بأقواله وتحقيقاته رأيت أن أنقل ما ذكره في هذا الخصوص:
فقال رحمه الله (اقتضاء الصراط المستقيم) ص203: (وأما الخطاب بها ـ أي باللغة الأجنبية ـ من غير حاجة في أسماء الناس والشهور كالتواريخ ونحو ذلك فهو منهي عنه مع الجهل بالمعنى بلا ريب . وأما مع العلم به: فكلام أحمد بيّن في كراهته أيضا. فإنه كره "آذرماه" ونحوه ومعناه "ليس محرما".
فأنت كما ترى أن كراه التلفظ بلغة العجم (كالإنجليزية والفرنسية والألمانية...الخ) من غير ضرورة، والضرورة هنا تقدر بقدرها كمن يخاطب أجنبي لا يحسن العربية فهو يخاطبه بلغته لإفهامه، أو كمن يعلم اللغة للآخرين، أو من يتعلم هو نفسه هذه اللغة.
أما مجرد إقحامها هكذا بلا ضرورة فهذا مكروه .
وقد بين شيخ الإسلام ابن تيمية وجه كراهة إقحام بعض الألفاظ الأجنبية بين الكلام فقال : (كراهة أن يتعود الرجل النطق بغير العربية . فإن اللسان العربي شعار الإسلام وأهله، واللغات من أعظم شعائر الأمم التي بها يتميزون).
وقد روى ابن أبي شيبة في مصنفه عن عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ قوله: (ما تعلم الرجل الفارسية إلا خبّ ولا خب رجل إلا نقصت مروءته) وخب أي خدع وغش.
وقال عطاء : (لا تعلموا رطانة الأعاجم... فإن السخط ينزل عليهم) .(67/492)
ومحمد بن سعد بن أبي وقاص سمع قوما يتكلمون بالفارسية فقال: (ما بال المجوسية بعد الحنفية) وحق لنا أن نقول نحن أيضا: ما بال الانجليزية بعد الحنفية؟!!!
أما ما نقل عن السلف في تلفظهم ببعض الكلمات الأجنبية فقد أجاب عنه شيخ الإسلام بقوله: (وأكثر ما كانوا يفعلون ذلك إما لكون المخاطب أعجميا أو قد اعتاد العجمية يريدون تقريب الأفهام عليه ، كما قال صلى الله عليه وسلم لأم خالد بنت خالد بن سعيد بن العاص ـ وكانت صغيرة قد ولدت بأرض الحبشة لما هاجر أبوها ـ فكساها النبي صلى الله عليه وسلم قميصا وقال : (يا أم خالد هذا سنه) والسنه بلغة الحبشة :الحسن) رواه البخاري.
وقال شيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ: (وأما اعتياد الخطاب بغير العربية التي هي شعار الإسلام ولغة القرآن، حتى يصير ذلك عادة للمصر وأهله ولأهل الدار ، وللرجل مع صاحبه، ولأهل السوق ... فلا ريب أن هذا مكروه فإنه من التشبه بالأعاجم وهو مكروه كما تقدم...
إذا مسألة التمسك الشديد باللغة العربية والإعراض عن الأسماء الإنجليزية والتكلم بها تعد ضرورة ملحة لأمور:
1 ـ إبراز شعار الإسلام وأهله كما تقدم .
2 ـ التأسي بسيرة سلفنا الصالح في هذا الخصوص .
3 ـ ترويد النفس على التمسك بالهوية والأصالة مما يورث سجية في النفس تكون حرزا منيعا من الغزو الثقافي الصليبي .
4 ـ إحياء معنى الولاء والبراء الذي هو من شروط الإيمان .
5 ـ مكافحة آفة التشبه بالكفار التي استشرت بين أبناء المسلمين .
6 ـ الحفاظ على العقل والخلق والدين .
قال شيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ : (واعلم أن اعتياد اللغة يؤثر في العقل والخلق والدين تأثيرا قويا بينا . ويؤثر أيضا في مشابهة صدر هذه الأمة من الصحابة والتابعين . ومشابهتهم تزيد العقل والدين والخلق.
وأيضا فإن نفس اللغة العربية من الدين، ومعرفتها فرض واجب . فإن فهم الكتاب والسنة فرض . ولا يفهم إلا بفهم اللغة العربية وما لايتم الواجب إلا به فهو واجب).
هذه نصيحتي أضعها بين أيدي أحبتي راجيا من الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العليا أن تلقى القبول لدى إخواني .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
أخوكم في الله
محتسب ـ أبو مصعب 29 / 11 / 22هـ .
شبكة الفجر
===============(67/493)
(67/494)
لكم الله أيها المجاهدون!(4)
الحلقة الثالثة
ومعلوم أن اليهود لم يفوا بشيء مما اتفقوا عليه مع السلطة، وإنما كانوا يضغطون عليها ضغطا مباشرا، أو عن طريق وسطاء من الأمريكان والأوربيين وبعض زعماء العرب، حتى تتنازل السلطة عن كثير من مطالبها، وكلما تنازل ياسر عرفات عن شيء من حقوق الشعب الفلسطيني، وافقه على ذلك زعماء العرب، بحجة أن الشعب الفلسطيني هو صاحب الحق، فإذا رأت السلطة موقفا فيه مصلحة -وهمية-فهم لها فيه تبع.
وكلما اشتد ضغط اليهود والأمريكان على السلطة، اشتد ضغطها على المجاهدين، فلم يمر وقت من الأوقات دون إنذار وتهديد أو اعتقال وسجن.
ولولا أن المجاهدين وطنوا أنفسهم على تحمل أذى السلطة وملاحقتها لهم، وجعلوا تحملهم ذلك نوعا من جهادهم، لحققوا لليهود هدفهم، وهو التناحر والاقتتال بينهم وبين السلطة الفلسطينية، وهو الذي سيريح اليهود من هجمات المجاهدين، ويشغل الشعب الفلسطيني بأكمله عن مخططات اليهود الاستيطانية، وطمس الهوية الفلسطينية في جميع الأراضي المغتصبة بما فيها القدس والمسجد الأقصى.
ولقد كنا نتوقع أن ما ناله المجاهدون من أذى الطرفين: اليهود والسلطة، ستناله السلطة من اليهود، لارجما منا بالغيب، وإنما لما نعلمه يقينا من مكر اليهود وكيدهم قديما وحديثا، وما نعلمه من سنن الله أن الظالم ينال جزاء ظلمه في الدنيا والآخرة...
وقد أرسلت رسالة لكثير من المواقع العربية موضوع عنوانه: "ألا إني أكلت بوم أكل الثور الأبيض" مرات... ووجهت للقراء سؤالا: من المقصود بذلك؟ فأجاب أحد القراء: أظن أن المقصود به ياسر عرفات. فعقبت عليه بقولي: "فقط"؟
واليوم وقد أكل اليهود السلطة الفلسطينية-بل الشعب الفلسطيني عامة- في وسط محيط مليار ونصف المليار من المسلمين، وفي وسط 300 مليون من العرب، نتوقع أن تأكل الدولة اليهودية الصهيونية، والدولة الصليبية الأمريكية... ثيرانا أخرى، إن لم يتدارك المسلمون والعرب وضعنا السيئ الذي نعيشه. ويبدو أن الثور القادم هو العراق... ثم (....؟)
ومع هذا كله فإن القرائن تدل على تواطؤ ماكر خبيث بين الأمريكان واليهود، وبعض الزعماء العرب، والسلطة الفلسطينية على ضرب الحركة الجهادية في فلسطين.
ولست أدري في المرحلة القادمة هل يستطيع المجاهدون الصبر على ظلم السلطة الفلسطينية وتواطؤها مع اليهود وبعض زعماء العرب عليهم، أو أن هدف اليهود والأمريكان -وهو تفاني الفلسطينيين فيما بينهم-سيتحقق، لأن للصبر حدودا، وصبر المظلوم على استمرار ظلمه- وهو صاحب حق- من أصعب الأمور على نفسه.
إن القرائن اليوم تدل على أن السلطة الفلسطينية ستنفذ شروطا قاسية يفرضها عليهم اليهود والأمريكان والدول الأوربية، وكثير من زعماء العرب، وأهم تلك الشروط القضاء على الحركة الجهادية في الأرض المباركة...
وسيكون وضع هذه الحركة وضعا صعبا جدا، لأن التعاون عليهم سيكون قطريا وإقليميا ودوليا، بحجة محاربة الإرهاب التي تتزعمها الدولة الصليبية أمريكا، بتشجيع قديم ومتواصل من الدولة اليهودية.
وإننا لننذر السلطة الفلسطينية من عواقب وخيمة ستجلبها على الشعب الفلسطيني، إذا هي نفذت مطالب اليهود والأمريكان ضد رجال الجهاد، وإذا كان الشعب الفلسطيني قد وقف وقفة رجل واحد ضد الهجمة اليهودية على المدن الفلسطينية وحصار زعيمهم، فإن الفتنة القادمة قد تكون شديدة قاسية، لأن مجازر اليهود بزعامة شارون قد نالت كل بيت، بل كل أسرة، وسوف لا ينسى الشعب هذه المجازر البشعة، ولا يغفرها لمن يتنازل لليهود عن حقوقه.
كما أنا كذلك ننصح وننذر زعماء الشعوب الإسلامية، وبخاصة الزعماء العرب، من الاستسلام الذليل لليهود، فإن ذلك سيجر على المنطقة كلها دمارا لا يعلم آثاره إلا الله لأن العدو اليهودي لا يشبع من التنازلات العربية، بل كلما قدم له تنازل طمع في غيره...
ومعلومة هي جغرافية دولته التي يريد الوصول إليها، من النيل إلى الفرات... وهو جاد وليس بهازل... وإظهار اليهود الرغبة في السلم، ما هو إلا وسيلة من وسائلهم الماكرة، ولا يثق في عهود اليهود ومواثيقهم إلا مغفل جاهل بطبيعتهم وتاريخهم، أو عميل خائن يريد أن يحقق لهم أهدافهم...
وإن من أهم واجبات علماء المسلمين ومفكريهم وكتابهم وأدبائهم، وساستهم وإعلامييهم، وأعيانهم وأهل الحل والعقد في كل البلدان الإسلامية، أن يقفوا وقفة رجل واحد، كل في موقعه، ضد العدوان الأمريكي الصليبي اليهودي الصهيوني، وضد كل من يقف في صفهم - من زعماء العرب والمسلمين- ضد الحركة الجهادية في فلسطين، للأمور الآتية:
الأمر الأول: ا، اليهود احتلوا الأرض الإسلامية المباركة، وأخرجوا أهلها من ديارهم أنزلوا بهم من الظلم ما لا يخفى على أحد بدون حق، ويجب على الجميع محاربتهم حتى يجلوا عن أرض الإسلام، وببقائهم فيها وعدم إخراجهم منه يأثم الجميع.(67/495)
الأمر الثاني: أن الخطر اليهودي يهدد المنطقة العربية والإسلامية كلها، وقد غرس الصليبيون الجد الدولة اليهودية في قلب الأمة الإسلامية، من أجل السيطرة على أهم مناطق المسلمين في الكرة الأرضية، من حيث القداسة، والجغرافيا الأرضية والجوية والبحرية والاقتصادية، والعسكرية...
الأمر الثالث: أن من أهم أهداف أمريكا وحلفائها الغربيين، والدولة اليهودية، تغيير جغرافية المنطقة السياسية، تغييرا جذريا، بالمزيد من انقسام دولها، وبالمزيد من إيجاد النزاع والشقاق بين حكامها وشعوبها، لما في ذلك من ضعفها، وتقوية أعدائها من اليهود وأعوانهم.
فقوة العدو اليهودي والصليبي وغيرهما من عباد الأوثان، وتفوقهم على المسلمين - ومنهم العرب - إنما هي في ذلك النزاع والتصدع اللذين أصبحا سمة بارزة من سمات هذه الأمة، التي تملك من عوامل الوحدة وجمع الكلمة، ما لا تملكها أمم الأرض كلها.
الأمر الرابع: أنه لا يوجد بديل للجهاد في سبيل الله يمكن أن يقي المسلمين من استعباد أعدائهم لهم، والعدوان على ضرورات حياتهم، فالقوة الشاملة: الإيمانية، والعبادية، والتشريعية، والأخلاقية، والاجتماعية، والتعليمية، والإعلامية، والاتصالية، والاقتصادية، والتجارية، والزراعية، والعسكرية، هي التي تحفظ للمسلمين هيبتهم، وتجعلهم قادة في الأرض، ومتبوعين لا تابعين، وتلك هي معاني الجهاد في سبيل الله.
ولقد جرب المسلمون هذا السبيل في قرونهم المفضلة هذا السبيل، فوجدوا أنفسهم أعز أهل الأرض، وأغناهم، وأشدهم بأسا، وأنفعهم للعالم، من المسلمين وغيرهم.
وجربنا نحن في عصورنا المنحطة، كل مبدأ وكل تشريع، وكل وسيلة وكل سبب غير مبدأ شرع الله، وكل وسيلة غير وسيلة الجهاد -بمعناه الشامل - وسببه، فلم نزدد إلا انحطاطا وعبودية لغير الله الخالق.
الأمر الخامس: أن الواجب على المسلمين، أن يتناصروا فيما بينهم، وأن يتعاونوا على البر والتقوى، ولا يتعاونوا على الإثم والعدوان، ولا يجوز لهم خذلان بعضهم بعضا، وإسلام بعضهم بعضا لعدوهم، وهل يوجد على ظهر الأرض من هو أحق بالمناصرة، من المجاهدين في سبيل الله، الذين يبذلون أنفسهم وأموالهم، ويؤثرون الموت على الحياة، و التعب على الراحة، من أجل نصرة الإسلام والذب عن حوزة المسلمين، والدفع عن أرضهم وعرضهم.
وهل يوجد بر يجب التعاون عليه، أعظم من التعاون على الجهاد في سبيل الله الذي أصبح اليوم فرض عين على جميع المسلمين، حتى يطردوا عدوهم من أرضهم؟
وهل يوجد إثم وعدوان يحرم على المسلمين التعاون عليهما، أعظم من التعاون على حرب الجهاد والمجاهدين في سبيل الله؟
لكم الله أيها المجاهدون!
أيها المجاهدون في سبيل الله، لقد اخترتم أصعب الطرق لنصر دين الله، وطلب العزة للمسلمين، والدفع عن ضرورات حياتهم، والوقوف ضد العدو الذي احتل أرضهم وديارهم، لدحره عن عدوانه، ورد كيده في نحره، ألا وهو طريق الجهاد في سبيل الله، ولكنه الطريق الوحيد الذي لا يوجد في الأرض سواه لتحرير الأرض، ونصر المظلوم، ورفع راية الإسلام، وشرع الله وسجلات التاريخ، وتجارب الأزمنة كلها براهين على ما أقول، وإن زعم الرعاديد والجبناء غير ذلك.
وإن ما نعانيه اليوم من جراء ترك هذا السبيل، من ذل وهوان واستعباد لأعظم من أي دليل وبرهان يزهق دعوى الذين فقدوا عزة الإسلام وكرامة المجاهدين، فاستسلموا للعدو بحجة طلب السلم الذي جنحوا له، ورفضه العدو، والأصل ألا يجنح المسلم لسلم الهوان الذي يكون فيه العدو عاليا على المسلمين، وإنما يجنح المسلمون للسلم الذي يجنح له العدو ويستسلم صاغرا غير عال ولا مستكبر في الأرض، والمسلمون أقوياء منتصرون، لا ضعاف مهزومون. فخالفوا شرع الله ونهيه اللذين سطرهما في كتابه: فقال:
" وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وءاخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم وما تنفقوا من شيء في سبيل الله يوف إليكم وأنتم لا تظلمون(60) وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله إنه هو السميع العليم(61) وإن يريدوا أن يخدعوك فإن حسبك الله هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين(62)" الأنفال.
" وقال: " فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم وأنتم الأعلون والله معكم ولن يتركم أعمالكم" سورة محمد (35)
وإن الخسائر التي تلحق المجاهدين، من جراحات وعذابات، وسفك دماء وفقد أرواح، وهدم بيوت، وجوع وعطش، وخوف وبرد وحر ومرض، بسبب جهادهم في سبيل الله، لهي أهون وأيسر من الخسائر التي تلحق المسلمين بترك الجهاد في سبيل الله.
فاستمروا أيها المجاهدون في جهادكم، واصبروا وصابروا، فأنتم حماة الأمة وحافظو دينها، وأنتم رفيق الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقا.(67/496)
جاهدوا والله معكم، وإن خذلكم أهل الأرض جميعا، جاهدوا أعداء الله من اليهود والصليبيين، وأبشروا بإحدى الحسنيين: النصر المؤزر، أو الشهادة المبتغاة، ولينتظر عدوكم إحدى الطامتين: إنزال الله عقابه وعذابه بنصركم عليه وإذلاله، أو عقابه المباشر في الدنيا والآخرة: ((قل هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين ونحن نتربص بكم أن يصيبكم الله بعذاب من عنده أو بأيدينا فتربصوا إنا معكم متربصون)) [التوبة: 52]
وإن إخوانكم المسلمين الذين لا يخافون إلا الله مثلكم في كل أنحاء الأرض، ليتحرقون شوقا إلى الوقوف في صفكم، مناصرة لكم، ورفعا لراية الإسلام دينهم ودينكم، ولكن الأنظمة التي تخاف غير الله أشد من خوف الله هي التي تحول بينهم وبين ما يشتهون...
ولعل يوم النصر والفرقان الذي يجمعهم بكم، ويجعل الذين يصدونهم عن نصرتكم ويخذلونكم، يطلبون منهم ومنكم النجدة على العدو المتربص بهم وبكم، لعل هذا اليوم آت قريب... فليس من أمل بعد الله في قهر العدو ودحره، ونصر الإسلام والمسلمين، وغسل العار عنهم إلا أنتم أيها المجاهدون... ومهما علا العدو وتجبر وبلغ من القوة المادية ذروتها، فإن نهايته الهزيمة والمحق، فما ارتفع شيء من هذه الدنيا إلا وضعه الله، كما قال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم .
كتبه
د . عبد الله قادري الأهدل
==============(67/497)
(67/498)
حكم من أعان الأمريكان على حرب العراق المسلم
أولا: يجب أن نعلم أن كثيرا من حكام العرب والمسلمين، هم حكام مستبدون بالأمر، -وإن تفاوتوا في الاستبداد- يتصرفون في شعوبهم تصرف ظالما، بعيدا عن شرع الله وعن الرعاية الشرعية التي كلفها الله من تولى أمور المسلمين.
ولا نبرئ النظام العراقي من هذا السبيل... إضافة إلى ما قام به من عدوان على الكويت، وما ترتب على ذلك - وعلى غيره من التصرفات-من آثار جلبت للأمة الإسلامية ما تعانيه الآن في مشارق الأرض ومغاربها من الحملة الأمريكية الصليبية الصهيونية الظالمة.
ثانيا: كان الواجب على المسلمين، وبخاصة علماء هم و مفكريهم، وأهل الحل والعقد في الشعوب الإسلامية، وحكومات هذه الشعوب، وبخاصة الحكام العرب، الذين نزل ببلدانهم من مآسي الحربين الخليجيتين ما حطمها اقتصادا، وزاد صفها تصدعا ومزقها شر ممزق، كان الواجب عليهم جميعا، أن ينفذوا أمر الله تعالى بإصلاح ذات البين بالعدل، بين الفئتين المتقاتلتين، فإن أصرت إحداهما على البغي، وجب قتالها حتى ترجع إلى أمر الله تعالى، كما قال تعالى في كتابه المبين: ((وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين)) الحجرات: (9)
ولما لم يقوموا بهذا الواجب الشرعي، سلط الله تعالى عليهم وعلى شعوبهم عدوا من غيرهم، فأنزل بهم ما حل بها من ذل وإهانة، ومكن لجيوش الكفر أن تخيم في البلدان الإسلامية، مهددة لجميع الدول العربية التي لم تنفذ أوامرها الظالمة، وهذا جزاء التهاون في تنفيذ أمر الله بالصلح العادل، أو قتال الفئة الباغية...
وقد وقف غالب علماء الإسلام مع الشعب الكويتي عندما اعتدى النظام العراقي عليه، ولا زالوا يصرون على أمن الكويت رد العدوان عنه، ويجب على النظام العراقي أن يعلنها صراحة بأنه ملتزم بأمن الشعب الكويتي وعدم الاعتداء عليه...
ثالثا: كان الواجب على حكومات الشعوب الإسلامية، وبخاصة العربية منها، أن تتخذ الأسباب المؤدية إلى اجتماع كلمتها، وإلى نبذ الفرقة والتنازع اللذين أديا إلى فشلها الذريع، فمحاولة اجتماع كلمة هذه الدول وتصالحها، واجب شرعي، وهو أولى من السعي الحثيث لجعل السلام - بل الاستسلام- مع اليهود محورا أساسيا (استرتيجيا)!
وأن تعلم أن أهداف الإدارة الأمريكية في حملتها الظالمة هي:
1-السيطرة على منابع البترول.
2- ترتيب المنطقة ترتيبا يضعف دولها، بحيث تقسم بعض دولها إلى دويلات متناحرة، لتقوي بذلك الدولة اليهودية.
3- التدخل في كل مقومات الأمة الإسلامية وعاداتها... ومن ذلك مناهج التعليم، وموضوع المرأة... ومحاربة تطبيق ما بقي من شريعة الله.
4- القبض على علماء صناعة السلاح العراقيين، وسوف لا يكتفون بتدمير السلاح، ولو لم يبق منه مسدس واحد.
ألا يدعو ذلك الدول العربية إلى تعاونهم على تحقيق مصالحهم، وحمايتها باجتماع كلمتهم، ومصالحة بعضهم بعضا؟!
إنه لأمر يدعو إلى السخرية أن يهرول جميع حكام الدول العربية، معلنين أن السلام "الاستسلام" مع اليهود هدف مركزي(استراتيجي) واليهود يسخرون منهم ويستمرون في إذلالهم، وفي إبادة الشعب الفلسطيني المسلم، ولا يتخذ هؤلاء الحكام أي سبب جدي للمصالحة فيما بينهم، بل يستمرون في عداء بعضهم لبعض، وعدم ثقة بعضهم في بعض، مع كثرة البيانات التي يصدرونها بين حين وآخر، يحاولون أن يخدروا بها شعوبهم، التي لم تعد تثق في أي بيان أو تصريح يصدر عنهم على أي مستوى من المستويات، لأن هذه الشعوب ألفت أن ترى بعد كل بيان يصدر من قادتها، ما يناقض تلك البيانات في واقع الحال.
وإن كل ما أنزل الله بهذه الدول من عقابه العاجل، إنما هو لمخالفتها أمره لها بالاعتصام بحبله المتين، كما قال تعالى: ((واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون)) آل عمران (103) ولمخالفتها نهيه لها عن التنازع والاختلاف: ((وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين)) الأنفال (46)
وطلبها العزة من غير صاحبها، طلبتها من أمريكا، فعاقبها بحرمانها: ((الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين أيبتغون عندهم العزة فإن العزة لله جميعا)) النساء (139) ((من كان يريد العزة فلله العزة جميعا)) فاطر (10)
لقد هانت هذه الدول عند الله لمخالفتها أمره ونهيه، فأهانها الله لأذل خلقه من اليهود-وكذلك أعوانهم من الصليبيين الجدد- الذين لم يعودوا ينظرون إلى هذا الدول إلا نظرة احتقار وازدراء، ولا يريدون منها إلا أن تسمع وتطيع، فتنفذ أوامرهم بدون تردد ولا تلكؤ، ولو ترتب على تلك الأوامر فقدها سيادتها واستقلالها، وأوقع أفدح الأضرار على شعوبها، فاعتدى أعداؤها على ضرورات حياتها، من دين وعقل، ونفس، ونسل، ومال...(67/499)
ومع تكرر مآسي هذه الأمة بسبب ذلك الخنوع لأعداء الله والاستجابة لأوامرهم، لازال غالب الحكام يتعاونون مع المعتدين على الشعوب الإسلامية، وبخاصة العربية.
وهاهو الشعب العراقي المسلم يهدد بالتدمير من جديد، وتعد الإدارة الأمريكية عدتها للإغارة عليه، وتستجيب للتحالف معها بعض الدول المجاورة، بحجة القضاء على ما سموه بـ"الإرهاب" وامتلاك "أسلحة الدمار الشامل"...
ثم زاد الأمر سوءاً شَحَّاذُو كراسي الحكم من أبناء الشعب العراقي، الذين توافدوا إلى أبواب البيت الأبيض، طامعين في نقلهم على دبابات أمريكية إلى قصور الحكم في بغداد، تأسيا بإخوانهم العملاء في أفغانستان، بعد أن تحرق أمريكا الأخضر واليايس في شعب العراق العظيم الذي لم تشن عليه هذه الحملات الظالمة إلا لتحطيم عظمته التي ترتعد منها فرائص أبناء القردة والخنازير من اليهود.
ومن غرائب الأمور أن يجتمع في واشنطن ولندن، للتعاون مع الإدارة الأمريكية، على غزو العراق، ذوو العقائد والأفكار المتصارعة: أهل العمائم السود والبيض، الذين كانوا ينتظرون أن يفرج الله على مهديهم المنتظر الذي قضى في سردابه 14 قرنا من الزمان، ويبدو أن ثقتهم في مجيئه قد تحطمت مع طول الوقت، ويئسوا من طول الانتظار، فاستبدلوا به أمريكا، لتحل محله في الوصول إلى ما يشتهون، وكذلك أشراف أهل البيت الذين قضى الاستعمار بهم وطره في محاربة الجامعة الإسلامية، التي دعا إليها المصلحون عند سقوط آخر رمز للخلافة، الإسلامية، في فترة من الفترات، والبيت الأبيض يمنيهم الآن بالعودة إلى العرش الهاشمي في العراق كما منتهم بريطانيا من قبل، وما أشبه الليلة بالبارحة... وكذلك العلمانيون الذين يسخرون من أولئك وهؤلاء...
وبعض رجال الجيش ورجال المخابرات العراقيين، الذين يعدون أنفسهم لخلافة النظام العراقي، ليستبدوا بالأمر كما استبد به زعيمهم وحرمهم من تحقيق مطامعهم في عهده.... وهؤلاء الأخيرون عندهم من الخبرة الإجرامية التي أذاقوا بها الشعب العراقي، ما يمكنهم من السيطرة على زمام الأمور، إذا تسنى لهم الوصول إلى كراسي الحكم، كما أن سوقهم هي السوق النافقة اليوم، لأن السياسة الأمريكية الصهيونية تتجه إلى تثبيت رجال الأمن في دول العالم، الذين يتلقون أوامرها عن طريق ذراعها الطويلة الأثيمة (C.I.A)
وخير مثال قريب ما تسعى المخابرات الأمريكية المذكورة لتحقيقه في الأرض المباركة "فلسطين" التي تترأس هذه الذراع مع الموساد اليهودية، مخابرات دول عربية وأجهزة ما يسمى بالأمن الفلسطيني، باسم التدريب لتلك الأجهزة، من أجل القضاء على الحركة الجهادية في فلسطين.
ولا حجة لهم جميعا في دعواهم محاربة النظام القائم في بغداد، لأن الإدارة الأمريكية تريد تحطيم هذا الشعب، وتحطيم عزته وكرامته، والقضاء على قوته التي تخيف اليهود المحتلين للأرض المباركة، والمجيء بدُمًى تخضع خضوعا كاملا للأوامر الأمريكية، التي يكون مصدرها في الغالب الدولة الصهيونية...
وإذا كان لهؤلاء المرتمين في أحضان الولايات المتحدة الأمريكية، قدم صدق في العراق، وأنصار من الشعب والجيش والمخابرات العراقية، ويريدون كما يزعمون إسقاط النظام العراقي المستبد، ليحققوا للشعب الأمن والاستقرار والحرية والديمقراطية، فليجتهدوا في حشد أعوانهم من داخل الشعب، وليعدوا العدة حتى يصلوا إلى مرادهم، بجهدهم وجهد أنصارهم في الداخل، أما أن تزفهم الولايات المتحدة على دبابتها وبقوة عتادها، فذلك دليل على أن جذورهم في الشعب غير ممتدة، وسيقطع الشعب عروق شجرتهم التي يغرسها فيه الأمريكان، فلا يقر لهم قرار، وبخاصة أنهم فئات متناحرة، لا يجمعهم هدف صادق يوحدهم، وإنما يجمعهم تقاسم التركة، إذا غاب المورث الحالي.
ولا توجد فئة من هذه الفئات إلا وبين أعضائها من النزاع والشقاق، ما هو جدير بإحداث الصراع على تلك التركة، فكيف سيكون حال بعض الفئات مع بعض؟
ولا يبعد أن تكون الإدارة الأمريكية واليهود الصهاينة، قد خططوا لإيجاد تنازع وصراع عنيف بين هذه الفئات، ليقطعوا العراق أوصالا، ليكون دويلات صغيرة، تذهب معها ريح البلد العظيم الذي يزعجهم بقاؤه موحدا، يستعصي على أوامرهم المجحفة، وهم عازمون على ترتيب جديد للعالم، وبخاصة البلدان العربية... لتكون الدولة القوية المهيمنة، هي الدولة الأجنبية التي حلت في قلب الأمة الإسلامية، كما يحل ابن الزنا في أسرة لا صلة له بها...
ويجب أن يعلم الفريقان: الدول العربية وغير العربية، التي تتعاون مع الإدراة الأمريكية، لضرب الشعب العراقي، وشحاذو النصر الأمريكي من أبناء العراق بطوائفهم المتنوعة، أنهم جميعا يرتكبون أبشع أنواع الولاء لأعداء الله، ويسلكون أسوأ سبيل إلى خيانة هذا الشعب العربي المسلم، وأنهم سيجلبون على أنفسهم من العار مالا تنساه لهم الشعوب الإسلامية، وبخاصة العربية، وأن التاريخ سيسجل عليهم لعنة لا تفارقهم إلى يوم الدين.... لأنهم بتعاونهم مع أعداء المسلمين يخونون الله والرسولل وعباد الله المؤمنين، وبخاصة الشعب العراقي المظلوم.(67/500)
وقد سجل القرآن الكريم هذه اللعنة على من يوالي أعداءه على أوليائه، منذ أكثر من أربعمائة عام عندما قال: ((ياأيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين)) المائدة (51)
وليعلموا كذلك أن نتيجة التعاون مع أعداء الله على الشعب العراقي وغيره من الشعوب الإسلامية، ستعود على المتعاونين بالخيبة والخسران، وسيذوقون من أعداء الله وأعداء الشعوب الإسلامية من الإهانات والأضرار مالا يدور بالبال، قال تعالى: ((ياأيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالا ودوا ما عنتم قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر قد بينا لكم الآيات إن كنتم تعقلون)) آل عمران (118)
رابعا: أن الواجب على جميع المسلمين -وبخاصة العرب منهم- أن يقفوا ضد الغزو الصليبي الصهيوني للشعب العراقي، وأن ينصروا هذا الشعب المظلوم - الذي دمرته المعارك، وسحقته المقاطعة الظالمة- على من يعتدي عليه من أعداء الله وأعداء دينه، فذلك هو واجبهم شرعا، قال تعالى: ((وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها واجعل لنا من لدنك وليا واجعل لنا من لدنك نصيرا)) النساء (75)
وفي حديث أبي موسى قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا) صحيح البخاري (1/182) وصحيح مسلم (4/1999)
وفي حدبث النعمان بن بشير قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم، مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى) صحيح البخاري (5/2238) وصحيح مسلم(4/1999)
وفي حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول ا صلى الله عليه وسلم قال: (المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يسلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة، ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة) صحيح البخاري (2/862) وصحيح مسلم (4/1996)
ومعنى "لا يُسلمه" ما قاله الحافظ ابن حجر في شرح الحديث: "أسلم فلان فلانا إذا ألقاه إلى الهلكة ولم يحمه من عدوه" وقال بعد ذلك: "ولا يسلمه أي لا يتركه مع من يؤذيه ولا فيما يؤذيه بل ينصره ويدفع عنه" فتح الباري (5/97)
فإذا ورد النهي عن إسلام المسلم أخاه المسلم، لظالمه، فكيف به إذا ظلمه؟ وكم من الزمن مر على شعب العراق وهو يعاني من الظلم، وبعضنا يؤيد ظالمه عليه، وبعضنا يتركه يُظلم، فلا ينصره؟
وعلى المسلم الذي يعلم من نفسه -بينه وبين ربه- أنه لا يستطيع نصر هذا الشعب على من يعتدي عليه، أن يبتعد عن إعانة المعتدين عليه، وأن يعلم أنه إذا أعان المعتدي على إخوانه المسلمين، فإن الدائرة ستعود عليه، وسيذوق يوماً مَّا، ما أذاق غيره وكما تدين تدان: ((فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره)) والعدو الذي تعينه على أخيك المسلم، سيتعين عليك به أو بغيره، لأنه لا ولاء له إلا مصالحه المادية.
وعلى الإدارة الأمريكية التي تنشد الأمن لشعبها، أن تكف عن العدوان على الشعوب الأخرى، وعلى الشعب الأمريكي أن يلجم إدارته عن العدوان على الآخرين، لأن لكل شعب الحق أن يعيش عيشة الكرامة والعزة والحرية، وإذا اعتدى بعض الحكام على شعوبهم، فعلى تلك الشعوب أن تطالب بحقها، وتتخذ الوسائل المشروعة للحصول على تلك الحقوق، دون أن تدخل الشرطة العالمية في شئونهم.
والله أكبر والعزة لله ولرسوله وللمؤمنين
كتبه
د . عبد الله قادري الأهدل
=============(68/1)
(68/2)
أحداث الاعتداء على مقام سيد البشرية صلى الله عليه وسلم رؤية وتحليل
زاهر الشهري
الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لاشك أن الأحداث الخطيرة التي حصلت في الفترة الماضية قد ألقت بظلال قاتمة على العلاقة بين الشرق الإسلامي والغرب النصراني ووضحت حقيقة كانت تُطرح باستمرار وهي أن أوروبا بدأت ترجع للنصرانية بقوة بعد عشرات من السنين العلمانية والملحدة.
وفيما يلي تحليل شخصي لهذه الأحداث وما ترتب عليها تظل نظرة اجتهادية تزداد تألقاً بالحوار والنقاش وتلاقح الأفكار للوصول لرؤية أكثر نضجاً لواقع الحالة التي بين أيدينا وملء أسماعنا و أبصارنا.
كيف لا وهي تتعلق بحبيب قلوبنا ومن نفتديه بأرواحنا وأموالنا وأولادنا وآبائنا وأمهاتنا r.
فإن أبي ووالدتي وعرضي ---- لعرض محمد منكم فداء
فأقول مستعينا بالله :
1- تبادل الأدوار:
إن من يلاحظ ما تتعرض له أمتنا الإسلامية من اعتداء إنما يعبر عن أن هناك تبادل للأدوار، فأمريكا وإسرائيل تقتل وتسفك الدماء، فرنسا وهولندا يحاربون الحجاب، الدنمارك و النرويج يهاجمان الإسلام ورسول الإسلام r.
فهي حملة منظمة ومرتبة القصد منها هو تشتيت الانتباه عن قضايا طارئة بأخرى ساخنة.
• هناك عدوان سافر على المسجد الأقصى يشتكي أهله منه. والصهاينة واقعون في مآزق متعددة فصنم التعسف و العدوان يقبع في المستشفى - وهو أقرب إلى الموت منه إلى الحياة هذا إلم يكن قد مات منذ زمن-.
ومشكلة الضغط الداخلي بسبب الانسحاب من غزة لا زال يخيم بظلاله عليهم. الهجرة العكسية لليهود خارج فلسطين المحتلة وخاصة العقول الأكاديمية.
المأزق الاقتصادي بسبب الكلفة الأمنية والمقاومة الإسلامية التي لاتهدأ.
المأزق السياسي المتصاعد بسبب جدار الفصل العنصري.
انتشار إدمان المخدرات بين الشباب والهروب من الخدمة العسكرية... وغيرها من المآزق.
• المأزق الأمريكي في كل بقعة متوترة من العالم فمأزقهم في أفغانستان مع وجود مؤشرات قوية بعودة طالبان إلى مسرح الأحداث وقلب الطاولة بدا محرجاً للبيت الأبيض الأمريكي.
و الوحل العراقي الذي بدأ يبتلع القوات الأمريكية وأصبح التذمر الواسع الحاصل في أمريكا بسبب ذلك ينمو بتزايد.
المناورات المتعددة بين الأمريكان و الإيرانيين وبين الأمريكان والسوريين وبين الأمريكان والكوريين.
المأزق الاقتصادي الذي تقع فيه أمريكا الآن بسبب التكلفة العسكرية الهائلة في العراق حيث نجحت المقاومة العراقية في قلب الطاولة على كل مخططاتهم الوردية والبترولية.
المأزق السياسي الذي تمر به أيضا بسبب وعودها بالديموقراطية في العراق مع وجود مؤشرات الفوضى العارمة.
فرنسا وموقفها من لبنان وسوريا وموقفها من المسلمين الفرنسيين أو المهاجرين ، وموقفها المتعنت من الحجاب.
كل هذه تعتبر نقاط متوترة كان ظهور هذا العدوان السافر على نبي الإسلام عليه أفضل الصلاة والسلام فرصة لاختفائها من واجهة الإعلام الساخنة ولو لفترة بسيطة.
فهل نستطيع القول أن هذه عبارة عن تبادل أدوار؟ ربما.
2- مناورات متعددة:
لايفتأ الغرب بين فترة وأخرى من القيام بمحاولة لاستفزاز مشاعر المسلمين ليرى مدى تفاعلهم معها. فقد سبق القسيس الخسيس بات روبرتسون بإطلاق كلمات مسيئة في حق نبي الإسلام عليه الصلاة والسلام حينما وصفه بأن رسول القتل و التدمير وأنه زير نساء - قاتله الله -.
ثم تبعه العربيد بيرلسكوني رئيس إيطاليا باتهام الإسلام علانية بأنه دين عنف.
و العجوز الشمطاء ملكة الدنمارك وصفت الإسلام بأنه دين دموي وينبغي أن يوقف في وجهه.
أحداث فرنسا الأخيرة والعنصرية البغيضة التي أطلقها وزير داخلية فرنسا لدرجة أنها أججت العنف أكثر بين أبناء الجيل الثاني من المهاجرين المسلمين أدت لإعلان حالة الطوارئ في ضواحي باريس.
كل هذه المناورات المتعددة إنما هي صرخات تحذير داخلية و مناورات جس نبض خارجية تتفق في أنها تحمل الروح الصليبية المتعطشة للدماء.
3- الخوف من الإسلام و الاستعصاء على الاندماج:
هناك قلق جدي من الإسلام وزحفه (السلمي) إلى داخل مملكة الصليب المقدسة (أوروبا) حيث ازداد عدد المسلمين المهاجرين إلى بلاد أوروبا بحيث أصبحوا قوة سياسية لها ثقلها في بعض البلاد في حين يتناقص عدد الأوربيين بشكل مقلق لهم.
وفي نفس الوقت فإن استعصاء المسلمين المهاجرين والمقيمين في الغرب على الاندماج في المجتمع الغربي وتكوين تكتلات ثقافية مقاومة للاندماج يشكل تحدياً لهم على رغم المحاولات المتعددة لاختراق هذه المقاومة. مما أخرج ضغائن الصليبية الدموية من نفس الحاقدة مارغريت ملكة الدنمارك و العربيد بيرلسكوني.(68/3)
في معرض حديثه عن زيادة عدد المسلمين في الغرب نسبة إلى الغربيين وتحت عنوان (المسلمون لا يندمجون) كتب المفكر الإسلامي الكبير د.محمد الأحمري في كتابه الاستشرافي الرائع ((ملامح المستقبل)): " في تصفحي الأول لكتاب (نهاية التاريخ) لمحت موقف الكاتب من المسلمين فقد اشتكى أنهم يستعصون على الحضارة الغربية ، وأنهم يرون أن لهم حضارتهم وموقفهم الذي يخالفها، ومن قبله تحدث توينبي عن موقف الحضارة الإسلامية، وأنها من الحضارات الباقية، أو التي سيكون لها دور، ثم مؤرخ آخر مهم وهو كاتب دورات التاريخ الأمريكي، تشالسينجر أشار إلى مشكلة الذوبان في المجتمع الأمريكي، مشيراً لأقليات تستعصي على الاندماج، ومرت بضع سنين بعد هذا ليتحدث هنتجتون مطولاً عن المسلمين الذين ينمو عددهم ويزيد تعليمهم و لايندمجون ، وأن دينهم سيصادم العالم أو "حضارتهم" وقد كان يروغ حول وصف "صراع الديانات" ومواجهاتها القادمة، كما كانت تلوح بين عينيه، ليسمي ذلك بـ: "صدام الحضارات"، فالغرب صنع منذ زمن طويل عبارات يلف نفسه داخلها هارباً من تاريخه المرير مع نفسه ومع الناس. كتابه يحذر من الحرب الدينية ولكنه يفلسف لها". (ملامح المستقبل - فصل إنما العزة للكاثر - صفحة 194)
فهذه الصرخات إنما هي نتيجة العجز الذي يواجهه الغرب من عدم القدرة على دمج المسلمين المهاجرين في مجتمعاتهم الغربية وفي نفس الوقت لا يستطيعون القيام بما قامت به محاكم التفتيش في الأندلس لأنها تصادم قوانينها.
فهم بين مطرقة العجز وسنديان المواجهة.
4- ردود الأفعال:
الحقيقة أنه وصلتني في غضون الأيام القليلة الماضية أكثر من سبعين رسالة تدور حول موضوع المساس بجناب حبيبنا وخليل الله صلى الله عليه وسلم أكثرها يشع حباً وبعضها تافه حد الاستفراغ أكرمكم الله. كانت هناك رسائل إيجابية أعطت حلولاً للمقاومة و الردع حيث دعت للمقاطعة ومراسلة السفارة على رقم الفاكس. وبعضها كان يحشد الحشود للمقاطعة بنشر المنتجات الدنماركية.
وبعضها دعوة لزيارة فعاليات نصرة الحبيب على غرفة البالتوك وإحداها كانت قصيدة لأنها أعجبتني سأضعها كما هي:
أنا الذي سرق المأفون بسمته --- ثم اشتكت صرختي للتل و الجبل
لظنها أنها تشكو لمعتصم --- ما حل في دنمرك التيه و الخطل
فلنجتمع يا شباب الدين قاطبة --- لنصرة النور في جد من العمل
وأيسر الأمر أن نلقي بضاعتهم --- رُدّت إليهم جزاء المارق الثمل
واستنهضوا علية الحكام كلهم --- لنقطع الوصل في عز بلا وجل
أحفاد طه أشيعوا أن مشرقنا --- لن يرتضي أن تكون الشمس في الطفل
ملايين الرسائل انتشرت حول هذا الموضوع شهد البلد حالة غليان دفاعاً عن جناب صلى الله عليه وسلم الطاهر ... أرسل لي أقاربي يسألوني عن المنتجات الدنماركية ليقاطعوها.
خطباء المساجد التهبت منابرهم بالحديث عن هذا الموضوع. لقد كان التفاعل فوق التوقعات من "المعنيين" و "المراقبين".
5- إيجابيات وأبعاد لاشك أن إيجابيات هذا الموضوع الساخن كبيرة ومؤثرة:
1) النجاح الكبير في تجييش كل المجتمع للذب عن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم
2) كان هذا الهجوم على أقدس الشخصيات في حياة المسلم داعياً لإحياء المحبة الحقيقية في نفوس الناس للرسول صلى الله عليه وسلم أو لنقل بمعنى آخر ترجمة هذا الحب لواقع حقيقي يوطّد معنى الولاء لله ورسول صلى الله عليه وسلم والبراء من أعداءه الكارهين لملته ودينه.
3) أوضحت هذه الهجمة الحقيرة على جناب صلى الله عليه وسلم للناس مدى الحقد الصليبي على المسلمين مهما أظهروا لنا من اتيكيت المعاملة ودبلوماسية المشاعر. إلا أن الله قد وعد بأنه سيخرج أضغانهم وأن ما تخفي صدورهم أكبر.
4) أذهل الغرب وسيذهلهم أن آلاتهم التغريبية ووسائلهم الإغرائية لإلهاب مشاعر المسلمين الجنسية و تغييب مبادئهم الفكرية قد باءت بالفشل الذريع و لم تنجح في وأد جذوة الإيمان في قلوب الناس أو إبعادهم عن مصدر الحياة الروحية الأزلي (الوحي السماوي و حامل صلى الله عليه وسلم ) وأن هذه الأمة تمرض ولاتموت تغفو ولاتنام. أمة شابة، متدفقة، حيوية، مشرقة، مؤمنة مرتبطة بحب ربها ونبيها r.
أما أبعاد هذا الموضوع:
1) اتضح لنا مدى القدرة الهائلة للمقاطعة الشعبية وأن دورها ناجح مهما كان موقع الإرادة الرسمية.(68/4)
يقول المفكر الإسلامي د. محمد الأحمري حول تنامي "ثقافة المقاطعة": [ في وقت الحرب الأمريكية الأخيرة 1424 هـ 23 م كُتب مقال بعنوان:"وداعاً كوكا كولا مرحباً مكة كولا" أشار فيها لعدد من القضايا المتعلقة بالمقاطعة وأثرها؛ فبمقدار ما تربح أمريكا حروباً سريعة في الميدان العسكري أو هكذا يبدو فإنها تخسر وبسرعة في مجال التبادل التجاري، فهي تخسر في الأسواق الإسلامية، وهناك هجرلشركاتها ولأسمائها التجارية المعروفة.] بل وصل الأمر إلى أن [شركات الدعاية التي تروج للمنتجات الأمريكية طلبت من الشركات الأمريكية أن تخفف من ذكر أو عرض بلد المصدر، بل وتطلب أحيانا تغطيتها ... وفي الدول العربية أصبحت الشركات الأمريكية تخفي اسم البلد الأصلي لمنتجها وتذكر الوكيل المحلي]. (ملامح المستقبل - فصل من كوكا كولا إلى مكة كولا - صفحة 216 - 217)
2) إمكانية نجاح أي عمل شعبي مصدره ووقوده دين الله وسنة رسول صلى الله عليه وسلم ومبادئ وقيم الدين.
3) استغلال هذا الحدث لتنمية الوعي الحقيقي بحب الرسو صلى الله عليه وسلم وأن الحب الحقيقي يكمن في الإتباع التام لما جاء عن محمد رسول ا صلى الله عليه وسلم وليس فقط شعارات وترديدات.
أخيراً فإن كل مسلم يؤمن بالله عز وجل رباً وب صلى الله عليه وسلم نبياً وبالإسلام ديناً وشرعةً ومنهاجاً ينبغي أن يعلم أنه محارب في دينه وأن أمته السليبة يراد لها أن تموت وأن تذوي.
أخوتي الشباب إن الحرب أصبحت أكثر سفوراً والمؤمن القوي خير و أحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير.
إن قوة المؤمن الروحية ينبغي تعزيزها بروح "اعمار الأرض" وأنها طريق ومزرعة للآخرة.
فمن المؤسف أن سياراتنا وملبوساتنا وأدواتنا الطبية بل وحتى أحذيتنا تُصنع لنا.
فمتى نتجاوز هذه المرحلة.
إن القرار بأيديكم فأنتم من يصنع المجد متى ما كانت لديكم الإرادة.
من كل قلبي أبعث هذا الدعاء: اللهم إني أحتسب عندك دفاعي عن نبيك رغبة في مرافقته في الجنة وشفاعته وأن أشرب من يده الشريفة كاساً هنيئاً لا أظما بعدها أبداً، اللهم فارحم تقصيري وضعفي و لاتحرمني أجر ما فعلته دفاعاً عن نبيك. وآخر دعوانا أن الحمدلله رب العالمين محب محمد الراغب في شفاعته يوم الدين
أبو عمر زاهر الشهري
===============(68/5)
(68/6)
الارهاب بضاعة الغرب
حمدى شفيق
من أكثر المصطلحات شيوعاً الآن فى كل وسائل الإعلام العالمية (الإرهاب)، ورغم هذا لا يوجد اتفاق على تحديد تعريف دقيق للإرهاب . وتشتق كلمة (إرهاب) من الفعل المزيد (أرهب)؛ فيقال أرهب فلاناً : أى خوَّفه وفزَّعه، وهو نفس المعنى الذى يدل عليه الفعل المضعف (رَهّبَ) . أما الفعل المجرد من نفس المادة وهو (رَهِبَ)، يَرْهبُ رَهْبَة ورَهْبًا فيعنى خاف، فيقال: رَهِبَ الشىء رهبًا ورهبة أى خافه(1) . أما الفعل المزيد بالتاء وهو (تَرَهَّبَ) فيعنى انقطع للعبادة فى صومعته، ويشتق منه الراهب والراهبة والرهينة والرهبانية ...إلخ، وكذلك يستعمل الفعل ترهب بمعنى توعد إذا كان متعديًا فيقال: ترهب فلانًا : أى توعده. وكذلك تستعمل اللغة العربية صيغة استفعل من نفس المادة فتقول : (استرهب) فلانًا أى رَهَّبَه .(2)
ويلاحظ أن القرآن الكريم لم يستعمل مصطلح (الإرهاب) بالمعنى الشائع فى الغرب وهو استخدام القوة لأهداف سياسية ، وإنما اقتصر على استعمال صيغ مختلفة الاشتقاق من نفس المادة اللغوية، بعضها يدل على الخوف والفزع، والبعض الآخر يدل على الرهبنة والتعبد، حيث وردت مشتقات المادة (رهب) سبع مرات فى مواضع مختلفة فى الذكر الحكيم(3) لتدل على معنى الخوف والفزع كالتالى :
- (يَرْهَبُون) : (وفى نسختها هدى ورحمة للذين هم لربهم يرهبون) الأعراف:154 .
- (فارْهبُون) : (وأوفوا بعهدى أوف بعهدكم وإياى فارهبون) البقرة:40. (إنما هو إله واحد فإياى فارهبون) النحل:51 .
- (تُرْهِبُونَ) : (ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم) الأنفال:60.
- (اسَتْرهَبُوهُم) : (واسترهبوهم وجاءوا بسحر عظيم) الأعراف:116 .
- (رَهَبًا) : (ويدعوننا رغبًا ورهبًا وكانوا لنا خاشعين) الأنبياء:90 .
بينما وردت مشتقات من نفس المادة (رهب) أربع مرات فى مواضع مختلفة لتدل على الرهبنة والتعبد كالتالى :
ورد لفظ (الرهبان) فى سورة (التوبة:34)، كما ورد لفظ (رهبانًا) فى (المائدة:82)، ولفظ (رهبانهم) فى (التوبة:31) وأخيرًا (رهبانية) فى (الحديد:27) .
بينما لم ترد مشتقات مادة (رهب) كثيرًا فى الحديث النبوى ولعل أشهر ما ورد هو لفظ (رهبة) فى حديث الدعاء : (رغبة ورهبة إليك) . ويلاحظ أيضًا أن القرآن والحديث قد اشتملا على بعض الكلمات التى تعنى استخدام القوة أو التهديد لتحقيق أهداف معينة، ومن هذه المفاهيم : العقاب والقتل والبغى والعدوان والجهاد ... إلخ .
وعن مفهوم الإرهاب فى الثقافة الغربية يقول الدكتور يحيى عبد المبدى بجامعة القاهرة :
تتكون كلمة (إرهاب) فى اللغة الإنجليزية بإضافة اللاحقة ism إلى الاسم Te r ro r بمعنى فزع ورعب وهول ، كما يستعمل منها الفعل Te r ro r ize بمعنى يرهب ويفزع(4) .
• ويرجع استخدام مصطلح Te r ro r ism في الثقافة الغربية تاريخيًا للدلالة على نوع الحكم الذى لجأت إليه الثورة الفرنسية إبان الجمهورية الجاكوبية ضد تحالف الملكيين والبرجوازيين المناهضين للثورة . وقد نتج عن إرهاب هذه المرحلة التى يطلق عليها r eign of Te r ro r اعتقال ما يزيد عن 300 ألف مشتبه وإعدام حوالى 17 ألفًا، بالإضافة إلى موت الآلاف في السجون بلا محاكمة .
وإن كان هناك من يرجع بالمصطلح والمفهوم إلى أقدم من هذا التاريخ كثيرًا، حيث يفترض أن الإرهاب حدث ويحدث على مدار التاريخ الإنسانى وفى جميع أنحاء العالم. وقد كتب المؤرخ الإغريقى (زينوفون Xenophon 430-349 ق.م) - فى سياق الثقافة الغربية - عن المؤثرات النفسية للحرب والإرهاب على الشعوب(5) .
• وقد استخدم حكام رومان من أمثال Tibe r ius (14-37م) ، Caligula (37-41م) العنف ومصادرة الممتلكات والإعدام كوسائل لإخضاع المعارضين لحكمهما .
وقد تبنت بعض الدول الإرهاب كجزء من الخطة السياسية للدولة مثل دولة هتلر النازية فى ألمانيا ، وحكم ستالين فى الاتحاد السوفيتى آنذاك ، حيث تمت ممارسة إرهاب الدولة تحت غطاء أيديولوجى لتحقيق مآرب سياسية واقتصادية وثقافية .
• وهناك مئات من المنظمات الإرهابية فى العالم من أشهرها جماعة (بادر ماينهوف) الألمانية ، ومنظمة (الألوية الحمراء) الإيطالية ، والجيش الأحمر اليابانى , والجيش الجمهورى الأيرلندى , والدرب المضىء البيروية ، ومنظمة (إيتا) الباسكية، اعتبرت من أشهر المنظمات الإرهابية فى تاريخ القرن العشرين من منظور غربى. كما أن الولايات المتحدة الأمريكية هى معقل مئات من أخطر العصابات الإرهابية فى العالم مثل جماعة كوكوكس كلان التى تخصصت فى قتل السود وغيرها .. وإذا كان اليهود هم أول من أسس منظمة إرهابية فى التاريخ فقد كونوا بعد ذلك عددًا من أشهر المنظمات الإرهابية فى العالم مثل عصابات الهاجاناه وأرجون وشتيرن ،بل إن إسرائيل هى أخطر كيان إرهابى عرفه التاريخ منذ بدء الخليقة إلى يومنا هذا. وتكفى نظرة سريعة على جرائمها البشعة طوال تاريخها حتى الآن لإدراك هذه الحقيقة بوضوح .(68/7)
• وهناك استبيان هام أجراه ألكس شميد Schmid في كتابه عن الإرهاب السياسى (1983) على مائة من الدارسين والخبراء في هذا المجال لتحديد مفهوم الإرهاب . توصلت نتائج الاستبيان إلى وجود عناصر مشتركة في تعريفات عينة المدروسين المائة ، وهى :
- الإرهاب هو مفهوم مجرد بلا كنه محدد .
- التعريف المفرد لا يمكن أن يحصى الاستخدامات الممكنة للمصطلح .
- يشترك العديد من مختلف التعريفات في عناصر مشتركة . وينحصر الإرهاب بين هدف وضحية .
وقد عرَّف المجمع الفقهى الإسلامى التابع لرابطة العالم الإسلامى الإرهاب بأنه : (هو العدوان الذى يمارسه أفراد أو جماعات أو دول بغيًا على الإنسان - دينه ودمه وعقله وماله وعرضه - ويشمل صنوف التخويف والأذى والتهديد والقتل بغير حق وكل صور الحرابة والإفساد في الأرض) .
وهناك عشرات التعريفات لمفكرين ومؤسسات غربية للإرهاب تدور حول مفهوم : استخدام غير مشروع للقوة أو التهديد بها لتحقيق أهداف سياسية . ويؤكد جوناثان وايت (1991) فى مدخله عن الإرهاب على ضرورة عدم اكتفاء فهمنا من خلال مداخل سياسية ، بل إن علم الاجتماع فى غاية الأهمية فى هذا السياق . ويؤكد على عدم وجود تعريف واحد لمفهوم الإرهاب ؛ ولذلك فقد اقترح أن يعرف الإرهاب من خلال أنماط مختلفة للتعريف :
- نمط التعريف البسيط والعادى للإرهاب ، ويعنى عنفًا أو تهديدًا يهدف إلى خلق خوف أو تغيير سلوكى .
- النمط القانونى لتعريف الإرهاب ، ويعنى عنفًا إجراميًا ينتهك القانون ويستلزم عقاب الدولة .
- التعريف التحليلى للإرهاب ، ويعنى عوامل سياسة واجتماعية معينة تقف وراء كل سلوك إرهابى .
- تعريف رعاية الدولة للإرهاب ، ويعنى الإرهاب عن طريق جماعات تُستخدم بواسطة دول للهجوم على دول أخرى .
- نمط إرهاب الدولة ، ويعنى استخدام سلطة الدولة لإرهاب مواطنيها (والمثال الصارخ له إسرائيل) .
وبعيدًا عن الأسباب التى تساعد على انتشار الإرهاب الدولى فقد طرأت فى الحقبة الأخيرة مستجدات عديدة زادت كثيرًا من أخطاره ومضاعفاته الدولية ، منها على سبيل المثال : ضلوع العديد من الدول والحكومات مع منظمات الإرهاب الدولى , والتكاثر السرطانى لخلايا وشبكات الإرهاب الدولى ، والتقدم التكنولوجى الكبير الذى استفادت منه هذه المنظمات فى نطاق الاتصالات وجمع المعلومات والتزود بمعدات فنية متطورة . وكلها منظمات إرهابية غربية التكوين ومعظم أعضائها من غير المسلمين .
الإرهاب والمقاومة المشروعة
ربما كان الخلط بين الإرهاب والمقاومة المشروعة للاحتلال هو السبب الرئيسى لعدم وجود اتفاق يذكر حول مفهوم وتعريف الإرهاب، فقد دأب الخطاب الغربى (الأمريكى أساسًا) على وصم حركات المقاومة للاحتلال الإسرائيلى فى فلسطين وجنوب لبنان وكذلك المقاومة العراقية للاحتلال الأمريكى البريطانى بصفة الإرهاب . ولاتزال منظمات مثل حزب الله وحماس والجهاد والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وغيرها مصنفة فى تقارير وزارة الخارجية الأمريكية بوصفها منظمات إرهابية . وبطبيعة الحال لا يُشار إلى الجرائم الإسرائيلية والأمريكية عند ذكر الإرهاب والإرهابيين على طريقة العم سام (!!!) .
نماذج من إرهاب الآخرين
وهكذا يتضح لنا أن (الإرهاب) مصطلح غريب عن بيئتنا العربية والإسلامية، فهو غربى المنشأ والتطبيق أيضًا .. كذلك نشير إلى عدد من أبرز الجرائم الإرهابية فى التاريخ وسوف يلاحظ القارىء فورًا أنها كلها من صنع غير المسلمين :
1- إحراق روما على يد الطاغية نيرون .
2- ضرب بغداد وأفغانستان وفيتنام باليورانيوم الناضب ، وقصف المستشفيات والمدارس ومراكز توزيع الخبز والمياه وغيرها من أماكن تجمع المدنيين بالعراق وأفغانستان مما نتج عنه استشهاد مئات الألوف من المدنيين .
3- الإبادة الجماعية لعشرين مليون مسلم على يد جوزيف ستالين .
4- إبادة عشرات الملايين من الأفارقة أثناء اختطافهم وتهجيرهم الإجبارى من أفريقيا إلى أمريكا لاستصلاح الأراضى هناك والعمل فى مزارع السادة البيض .. وكان جزاء من يتمرد على الرق والتعذيب وإهدار الآدمية هو الإعدام فورًا بلا تحقيق أو محاكمة من أى نوع !!
5- الحربان العالميتان الأولى والثانية نجم عنهما مصرع ما يتراوح بين 60 إلى 100 مليون أوروبى . والمذابح المروعة المتبادلة بين الكاثوليك والبروتستانت فى أوروبا كذلك .
6- ضرب مدينتى هيروشيما ونجازاكى اليابانتين بالقنبلة النووية بواسطة طائرات أمريكية ومصرع ربع مليون شخص وإصابة ملايين آخرين بالسرطان بسبب الإشعاع .
7- مذابح دير ياسين وصابرا وشاتيلا ومدرسة بحر البقر وملجأ قانا وإعدام عشرت الألوف من الأسرى المصريين عامى 1956 و 1967 على أيدى عصابات بنى صهيون .
8- قتل 250 ألف مسلم بوسنى على أيدى الصرب والكروات ، وعشرات الآلاف من الشيشان على أيدى الروس .
9- إبادة 70 ألف مسلم بالقدس عندما اجتاحتها الجحافل الصليبية بعد أن وعدهم القائد الصليبى بالعفو إن استسلموا ثم غدر بهم !! فى المقابل عفا صلاح الدين الأيوبى عن الصليبيين عندما فتح القدس .(68/8)
10- إعدام أكثر من مليون مسيحى مصرى على أيدى الاحتلال الرومانى لمصر قبل الفتح الإسلامى .
محاكم التفتيش
ولعل أبشع نماذج الإرهاب الغربى هو ما كان يعرف باسم : محاكم التفتيش التى نشأت أولاً فى أسبانيا ، وفى عام 1492م فور دخول الإسبان إلى غرناطة إذ نقضوا المعاهدة التى أبرموها مع حكامها المسلمين . وكان أول عمل قام به الكاردينال مندوسيه، عند دخول الحمراء هو نصب الصليب فوق على أبراجها وترتيل صلاة (الحمد) الكاثوليكية ، وبعد أيام عدة أرسل أسقف غرناطة رسالة عاجلة للملك الإسبانى يعلمه فيها أنه قد أخذ على عاتقه حمل المسلمين فى غرناطة وغيرها من مدن إسبانيا على أن يصبحوا كاثوليكًا، وذلك تنفيذاً لرغبة السيد المسيح الذى زعم أنه ظهر له وأمره بذلك . فأقره الملك على أن يفعل ما يشاء لتنفيذ رغبة السيد المسيح، عندها بادر الأسقف إلى احتلال المساجد ومصادرة أوقافها، وأمر بتحويل المسجد الجامع فى غرناطة إلى كنيسة، فثار المسلمون هناك دفاعًا عن مساجدهم، لكن ثورتهم قمعت بوحشية مطلقة، وتم إعدام مئتين من رجال الدين المسلمين حرقًا فى الساحة الرئيسية بتهمة مقاومة المسيحية(6) .
وظهرت محاكم التفتيش تبحث عن كل مسلم لتحاكمه على عدم تنصره، فهام المسلمون على وجوههم فى الجبال، وأصدرت محاكم التفتيش الإسبانية تعليماتها للكاردينال (سيسزوس) بتصفية بقية المسلمين فى إسبانيا، والعمل السريع على إجبارهم على أن يكونوا نصارى ، وأحرقت المصاحف وكتب التفسير والحديث والفقه والعقيدة ، وكانت محاكم التفتيش تصدر أحكامًا بحرق المسلمين على أعواد الحطب وهم أحياء، وتم تحويل مئات المساجد إلى كنائس أو اصطبلات للخيل أو مخازن ، وصدر مرسوم بإحراق جميع الكتب الإسلامية والعربية ، فأحرقت آلاف الكتب فى ساحة الرملة بغرناطة، ثم تتابع حرق الكتب فى جميع المدن والقرى، ثم جاءت الخطوة التالية، عندما بدأ الأسقف يقدم الإغراءات الكثيرة للأسر المسلمة الغنية حتى يعتنقوا الكاثوليكية ، ومن تلك الإغراءات تسليم أفرادها مناصب عالية فى السلطة، وقد استجاب له عدد محدود جدًا من الأسر الغنية المسلمة ، وهو ما أثار غضب العامة من المسلمين، ثم أعلن الكاردينال (خيمينيث) أن المعاهدة التى تم توقيعها مع حكام غرناطة لم تعد صالحة أو موجودة . وأعطى أوامره بتعميد جميع المسلمين فى غرناطة دون الاعتداد برأيهم، أو حتى تتاح لهم فرصة التعرف إلى الدين الجديد الذى يساقون إليه ، ومن يرفض منهم عليه أن يختار بين أحد أمرين : إما أن يغادر غرناطة إلى أفريقيا من دون أن يحمل معه أى شىء من أمواله، ومن دون راحلة يركبها هو أو أحد أفراد أسرته من النساء والأطفال، وبعد أن يشهد مصادرة أمواله، وإما أن يُعدم علناً فى ساحات غرناطة باعتباره رافضًا للمسيحية .
كان من الطبيعى أن يختار عدد كبير من أهالى غرناطة الهجرة بدينهم وعقائدهم، فخرج قسم منهم تاركين أموالهم سيرًا على الأقدام غير عابئين بمشاق الطرقات ومجاهل وأخطار السفر إلى أفريقيا من دون مال أو راحلة، وللأسف بعد خروجهم من غرناطة كانت تنتظرهم عصابات الرعاع الإسبانية والجنود الإسبان فأعدموا الكثيرين منهم وأسروا آخرين ونهبوا كل ما معهم .
وعلى المنوال نفسه ، سارت حملات كاثوليكية فى بقية المدن الإسبانية، وقد عُرف المسلمون المتنصرون باسم (المسيحيون الجدد) تمييزًا لهم عن المسيحيين القُدامى، وعرفوا أيضًا باسم (الموريسكوس) أى المسلمين الصغار، وعوملوا باحتقار من قبل المسيحيين القدامى، وتوالت قرارات وقوانين جديدة بحق (الموريسكيين)، فعلى سبيل المثال صدر فى العام 1507 أمر بمنع استعمال اللغة العربية ومصادرة أسلحة الأندلسيين، ويعاقب المخالف للمرة الأولى بالحبس والمصادرة، ويعاقب المخالف للمرة الثانية بالإعدام، وفى العام 1508م جددت لائحة ملكية بمنع اللباس الإسلامى، وفى سنة 1510م طُبقت على (الموريسكيين) ضرائب اسمها (الفارضة)، وفى سنة 1511م جددت الحكومة قرارات بمنع اللباس وحرق المتبقى من الكتب الإسلامية ومنع ذبح الحيوانات بالطريقة الإسلامية .
فى حمأة تلك الحملة الظالمة على المسلمين، كما رأينا، تم تشكيل محاكم التفتيش التى مهمتها التأكد من (كثلكة) المسلمين، وقد تبين للمحاكم أن كل أعمال (الكثلكة) لم تؤت نفعًا، فقد تكثلك المسلمون ظاهرًا، ولكنهم فعليًا يمارسون الشعائر الإسلامية فيما بينهم سرًا، ويتزوجون على الطريقة الإسلامية، ويرفضون شرب الخمر وأكل لحم الخنزير، ويتلون القرآن فى مجالسهم الخاصة ويقومون بنسخه وتداوله فيما بينهم، بل إنهم فى منطقة بلنسية أدخلوا عددًا من الكاثوليك الإسبان فى الإسلام وعلموهم اللغة العربية والشعائر الإسلامية .(68/9)
لقد جاءت تقارير محاكم التفتيش صاعقة على رأس الكاردينال والملك الإسبانى والبابا، فى أحد التقارير التى رفعها أسقف غرناطة الموكل بتنصير مسلمى غرناطة للكاردينال، ورد أن (الموريسكوس) لم يتراجعوا خطوة واحدة عن الإسلام، وأنه لم يتم إيجاد طرق فاعلة لوقفهم، وإذا لم توجد تلك الوسائل فإنهم سيدخلون مسيحيى غرناطة وبلنسية ومدن أخرى فى الإسلام بشكل جماعى .
وبناء على هذه التقارير تقرر إخضاع جميع (الموريسكوس) فى إسبانيا إلى محاكم التفتيش من دون استثناء، وكذلك جميع المسيحيين الذين يُشك بأنهم قد دخلوا الإسلام أو تأثروا به بشكل يخالف معتقدات الكنيسة الكاثوليكية، ولتبدأ أكثر الفصول وحشية ودموية فى التاريخ الكنسى الغربى، إذ بدأت هذه المحاكم تبحث بشكل مهووس عن كل مسلم لتحاكمه .
ومحاكم التفتيش فى الواقع نمط عجيب غريب من المحاكم، فقد مُنحت سلطات غير محدودة، ومارست طرقًا فى التعذيب لم يعرفها أو يمارسها أكثر الطغاة وحشية عبر التاريخ . وقد بدأت تلك المحاكم أعمالها بهدم الحمامات العربية، ومنع الاغتسال على الطريقة الإسلامية، ومنع ارتداء الملابس العربية أو التحدث باللغة العربية أو الاستماع إلى الغناء العربى، ومنع الزواج على الطريقة العربية أو الشريعة الإسلامية, ووضعت عقوبات صارمة جدًا بحق كل من يثبت أنه يرفض شرب الخمر أو تناول لحم الخنزير، وكل مخالفة لهذه الممنوعات والأوامر تعد خروجًا على الكاثوليكية ويحال صاحبها إلى محاكم التفتيش .
كان المتهم الذى يمثل أماما المحكمة يخضع لاختبار أولى ، وهو أن يشرب كؤوسًا من الخمر يحددها المحاكمون له، ثم يُعرض عليه لحم الخنزير ويطلب منه أن يأكله، وبذلك يتم التأكد من أنه غير متمسك بالدين الإسلامى وأوامره، ولكن هذا الامتحان لا يكون عادة إلا خطوة أولى يسيرة جدًا إزاء ما ينتظر المتهم من رحلة طويلة جدًا من التعذيب إذ يعاد بعد تناوله الخمر وأكل لحم الخنزير إلى الزنزانة فى سجن سرى، ودون أن يعرف التهمة الموجهة إليه، وهو مكان من أسوأ الأمكنة, مظلم، ترتع فيه الأفاعى والجرذان والحشرات، وتنتشر فيه الأوبئة، وفى هذا المكان على المتهم أن يبقى شهورًا طويلة دون أن يرى ضوء الشمس أو أى ضوء آخر، فإن مات، فهذا ما تعتبره محاكم التفتيش رحمة من الله وعقوبة مناسبة له، وإن عاش، فهو مازال معرضًا للمحاكمة, وما عليه إلا أن يقاوم الموت لمدة لا يعرف أحد متى تنتهى وقد يُستدعى خلالها للمحكمة لسؤاله وللتعذيب(7) .
وعادة كان يسأله المحقق فى المرة الأولى إن كان يعرف لماذا أُلقى القبض عليه وأُلقى فى السجن، وما التهم التى يمكن أن توجه إليه، ثم يطلب منه أن يعود إلى نفسه وأن يتأمل واقعه، وأن يعترف بجميع الخطايا التى يمليها عليه ضميره، ويسأله عن أسرته وأصدقائه ومعارفه وجميع الأماكن التى عاش فيها أو كان يتردد عليها ، وخلال إجابة المتهم لا يُقاطع، ويُترك ليتحدث كما يشاء ويسجل عليه الكاتب كل ما يقول، ويُطلب منه أن يؤدى بعض الصلوات المسيحية ليعرف المحققون إن كان بالفعل أصبح مسيحيًا أو مازال مسلمًا، ودرجة إيمانه بالمسيحية .
وبعد هذه المقابلات البطيئة الروتينية، يقرأ أخيرًا المدِّعى العام على المتهم قائمة الاتهامات الموجهة إليه، وهى اتهامات تم وضعها بناء على ما استنتجته هيئة المحكمة من استنطاق المتهم، ولا تستند إلى أدلة من نوع ما، ولا يهم دفاع المتهم عن نفسه، إذ أن قانون المحكمة الأساسى أن الاعتراف سيد الأدلة، وما على المتهم إلا أن يعترف بالتهم الموجهة إليه، ولا تهم الأساليب التى يؤخذ بها الاعتراف، فإن اعترف المتهم تهربًا من التعذيب الذى سينتظره، أضاف المدعى العام إليه تهمًا أخرى، وفى النهاية يرى المحقق أن المتهم يجب أن يخضع للتعذيب لأنه إنما يعترف تهربًا من قول الحقيقة، أى أن التعذيب لابد منه، سواء أعترف المتهم أم لم يعترف(8) .
ويشتمل التعذيب على كل ما يخطر على البال من أساليب وما لا يخطر منها، وتبدأ بمنع الطعام والشراب عن المتهم حتى يصبح نحيلاً غير قادر على الحركة، ثم تأتى عمليات الجلد ونزع الأظفار، والكى بالحديد المحمى ونزع الشعر، ومواجهة الحيوانات الضارية، والإخصاء، ووضع الملح على الجروح، والتعليق من الأصابع.. وخلال كل عمليات التعذيب يسجل الكاتب كل ما يقوله المتهم من صراخ وكلمات وبكاء، ولا يستثنى من هذا التعذيب شيخ أو امرأة أو طفل.. وبعد كل حفلة تعذيب، يترك المتهم يومًا واحدًا ثم يُعرض عليه ما قاله فى أثناء التعذيب من تفسيرات القضاة، فإذا كان قد بكى وصرخ: يا الله، يفسر القاضى أن الله التى لفظها يقصد بها رب المسلمين، وعلى المتهم أن ينفى هذا الاتهام أو يؤكده، وفى كلٍ يجب أن يتعرض لتعذيب من جديد، وهكذا يستمر فى سلسلة لا تنتهى من التعذيب .
أخيرًا، وقبل أربع وعشرين ساعة من تنفيذ الحكم يتم إخطار المتهم بالحكم الصادر بحقه، وكانت الأحكام تتمثل فى ثلاثة أنواع :(68/10)
البراءة : وهو حكم نادرًا ما حكمت به محاكم التفتيش، وعندها يخرج المتهم بريئاً، لكنه يعيش بقية حياته معاقاً مهدوداً بسبب التعذيب الذى تعرض له، وعندما يخرج يجد أن أمواله قد صودرت، ويعيش منبوذاً لأن الآخرين يخافون التعامل أو التحدث إليه خوفاً من أن يكون مراقباً من محاكم التفتيش، فتلصق بهم نفس التهم التى أُلصقت به عينها .
الجلد : وقد كان المتهم يساق إلى مكان عام عارياً تماماً وينفذ به الجلد ، وغالباً ما كان يموت تحت وطأة الجلد، فإن أفلت وكُتبت له الحياة يعيش كوضع المحكوم بالبراءة من حيث الإعاقة ونبذ المجتمع له .
الإعدام : وهو الحكم الأكثر صدوراً عن محاكم التفتيش ، ويتم الإعدام حرقاً وسط ساحة المدينة .
وفى بعض المراحل صارت المحاكم تصدر أحكاماً بالسجن، وبسبب ازدحام السجون صارت تطلق سراح بعضهم وتعدم آخرين من دون أى محاكمات، وفى بعض الحالات تصدر أحكاماً بارتداء المتهم لباساً معيناً طوال حياته، مع إلزام الناس بسبه كلما سار فى الشارع أو خرج من بيته، وفى هذه الأحكام كما قلنا لا يُستثنى أحد بسبب العمر، فهناك وثائق تشير إلى جلد طفلة عمرها أحد عشر عاماً مائتى جلدة، وجلد شيخ فى التسعين من عمره ثلاثمائة جلدة، وحتى الموتى كانوا يخضعون للمحاكمة ويتم نبش قبورهم لإحراق جثثهم والتمثيل بها!!
وفى 5/1611م صدر قرار إجرامى للقضاء على المتخلفين من المسلمين فى بلنسية، يقضى بإعطاء جائزة لكل من يأتى بمسلم حى، وله الحق فى استعباده، وثلاثين ليرة لمن يأتى برأس مسلم قُتل . وقد بلغ عدد من طُرد من إسبانيا فى الحقبة بين سنتى 1609-1614 نحو 327.000 شخص مات منهم 65.000 غرقوا بالبحر، أو قتلوا فى الطرقات، أو ضحية المرض، والجوع، والفاقة، وقد استطاع 32.000 شخص من المطرودين العودة إلى ديارهم فى الأندلس، بينما بقى بعضهم متستراً فى بلاده بعد الطرد العام لهم، وقد استمر الوجود الإسلامى بشكل سرى ومحدود فى الأندلس فى القرنين السابع عشر والثامن عشر.
وهكذا حكمت محاكم التفتيش فى غرناطة سنة 1726م على ما لا يقل عن 1800 شخص (360) عائلة بتهمة اتباع الدين الإسلامى، ونقل كاتب إسبانى أخبار محاكمة وقعت فى غرناطة سنة 1727م، وفى 9/5/1728م، احتفلت غرناطة بـ (أوتودافى) ضخم، حيث حكمت محاكم التفتيش على 46 غرناطيًا بتهمة الإنتماء للاسلام، وفى 10/10/1728،حكمت محكمة غرناطة مرة أخرى على ثمانية وعشرين شخصاً بتهمة الانتماء للإسلام، وتابعت محاكم غرناطة القبض على المتهمين بالإسلام إلى أن طلبت بلدية المدينة من الملك سنة 1729م طرد كل (الموريسكيين) حتى تبقى المملكة نقية من الدم الفاسد.
وفى سنة 1769م تلقى ديوان التفتيش معلومات عن وجود مسجد سرى فى مدينة (قرطاجنة) (مقاطعة مرسية) فتم إلقاء القبض على أكثر من مائة (مورسكى) حوكموا وأعدمهم معظم علناً .
المسيحيون أيضًا
مهما أسهبنا فى استعراض محاكم التفتيش فإننا لن نلم إلا بجزء يسير جداً من صفحاتها السوداء الوحشية، ولن نستطيع استعراض إلا جزء يسير جداً من جرائمها . وقد بلغ الرعب الذى سببته المحاكم حداً لا يوصف بين سكان إسبانيا . فقد كان جر أى إنسان إلى محاكم التفتيش عملية سهلة، وقد يقوم الاتهام لمجرد إشاعة أو يذهب الإنسان بنفسه ليعترف رعباً، أو دليلاً على حسن نيته، بلفظ تفوه به عرضاً ودون أن يعنى له شيئاً ويخشى أن يكون قد سمعه أحد، وفتح الباب على مصراعيه أمام الضغائن الشخصية، الذى يطمع بزوجة جاره، والمالك الذى يريد أن يهرب من أجر عامله، والتاجر الذى يخشى من منافسة زميل له، حتى الأطفال فى أثناء لعبهم مع بعضهم بعضاً كانوا معرضين للاتهام، كأن يذهب طفل ويشى بطفل آخر متهماً إيّاه أنه قال كذا وكذا فى أثناء اللعب، فيلقى القبض على الطفل المتهم ويحاكم، وغالباً يموت لأنه لا يتحمل أهوال التحقيق والتعذيب والسجن.. وهكذا صار الطريق واسعاً وعريضاً لكل من يريد أن يتخلص من أى إنسان، وأى تهمة صالحة لأن تدفع بمسلم سابق إلى أعماق السجون سواء كان هذا المسلم السابق رجلاً أو طفلاً أو شيخاً مسناً .
ومن الإنصاف أن نذكر أن ضحايا التفتيش لم يكونوا فقط من المسلمين السابقين، بل كانوا من المسيحيين أيضاً، فقد انتهجت الكنيسة السلوك الإرهابى عينه تجاه المسيحيين عن طريق (محاكم التفتيش) التى أوكلت إليها مهمة فرض آرائها على الناس باسم الدين والبطش بجميع من يتجرأ على المعارضة والانتقاد، فنصبت المزيد من المشانق وأعدمت الكثيرين من المسيحيين عن طريق حرقهم بالنار، حيث يقدر عدد الضحايا المسيحيين ممن جرت عملية إعدامهم من قبل محاكم التفتيش (300.000) أُحرق منهم (32.000) أحياء، وقد كان من بينهم العالم الطبيعى المعروف (برونو) الذى نقمت عليه الكنيسة نتيجة آرائه المتشددة التى منها قوله بتعدد العوالم ، وكذلك الأمر فيما يتعلق بالعالم الطبيعى الشهير (غاليليو) الذى نفذ فيه القتل لأنه كان يعتقد بدوران الأرض حول الشمس(9) .(68/11)
إن الصهاينة بسبب ما زعموه من محارق (الهولوكوست) وما ادَّعوه من حرق النازية لآلاف اليهود فى المحارق مازالوا يضعون الغرب بشكل خاص والعالم بشكل عام أمام تلك المحارق التى كانت أحد تبريراتها لاحتلال فلسطين، بينما مازال العالم يجهل الكثير عن محاكم التفتيش التى ذهب ضحيتها مئات الألوف بل ملايين من المسلمين . وإذا كانت محارق النازية قد استمرت أعوامًا، فقتل وإحراق وتعذيب المسلمين عبر محاكم التفتيش استمر مئات من الأعوام، وفى الوقت الذى تفتح فيه دول الغرب النصرانى أرشيفها، ووثائقها للصهيونية لتؤلف منه ما تدَّعى أنه وثائق عن محارق اليهود فى عهد النازية ، مازال الفاتيكان والكنائس ترفض فتح أرشيفها وكشفه أمام المسلمين وغير المسلمين كى لا تظهر وثائق جديدة عن فظائع محاكم التفتيش!! .
إن المسلمين بحاجة الآن لدراسة متمعنة لتاريخ محاكم التفتيش وفظائعها وضحاياها من المسلمين، وأن تُعتمد وثائق أرشيف الفاتيكان والكنائس الكاثوليكية فى إسبانيا وغيرها من الدول النصرانية لوضع تاريخ حقيقى لتلك المحاكم ، وإبراز هذا التاريخ للعالم مع مقارنة موضوعية بين التعسف الكنسى والجرائم التى ارتكبت ضد المسلمين باسم المسيحية، وبين التسامح الإسلامى وكيف عاش المسيحيون بأمان وسلام فى الدولة الإسلامية بحماية الإسلام الحنيف، مع ملاحظة أن معظم ما كُتب عن محاكم التفتيش حتى الآن يعتمد على رؤية نصرانية من قِبَل مستشرقين ومؤرخين غير مسلمين،وبما تسمح به السلطات النصرانية(10) .
إبادة الهنود الحمر
وهذا نموذج للإرهاب الأمريكى نقدمه للسادة الذين يتطاولون على الإسلام ويصفونه بالإرهاب ويسموننا إرهابيين ، ليعلموا من هو الإرهابى حقاً .
فى دراسة فريدة بعنوان (أمريكا والكنانيون الحمر) فى مجلة أخبار الأدب 9/6/2002م كتب منير الحمش عن الفظائع التى ارتكبها الأمريكيون إبان قيامهم بالمواجهة الدامية مع سكان الأرض الأصليين حيث تمت إبادة ما مجموعه 112مليون آدمى كانت ترتسم على وجوههم ضحكة الحياة وذلك ببساطة من أجل قيام العالم الجديد !! وتم تسجيل 93 حرباً جرثومية شاملة شنها الأمريكيون بغرض إبادة ذلك الشعب البرىء . أما تلك القلة الضئيلة المشاغبة من الهنود فقد حفروا قبورهم بأيديهم فى حرب متكافئة شريفة شفافة (مبررة) وفق المنطق الاستعلائى الأمريكى، وأن الهنود (الآثمين) كانوا هم المسئولين عن إضرام الحرب وكل أضرارها، أو أنهم ماتوا قضاءً وقدراً بالأمراض التى حملها الأوروبيون معهم دون قصد (!!!) . لاحظ حجم المغالطات والأكاذيب .
إن دراسات محايدة غير قليلة تشير إلى أن الهنود كانوا ينتشرون فى مساحة تزيد على مساحة أوربا بنصف مليون هكتار ، ولكن المؤرخ الأمريكى قام باختزال العدد عن سابق إصرار وتصميم من عدد يزيد عن مائة مليون إلى مليون أو مليونين فقط عند وصول الغزاة الأوروبيين وهو رقم تم حسمه فى إحصاء 1900 بأنهم يبلغون مليوناً فقط (!!!) .
وتمضى الكتب المدرسية الأمريكية فتصف هذا الموت القدرى بأنه مأساة مشئومة (يؤسف لها)، غير مقصودة، ولم يكن تجنبها ممكناً تماماً كما جرى فى (هيروشيما وناجازاكى) ، حيث اضطر نسور الجو الأمريكى (البواسل) إلى إفراغ قنابلهم النووية فوق رؤوس الأبرياء بدافع (شريف) يهدف إلى إيقاف الحرب العالمية، وأن ما جرى من مقتل مئات الألوف من الأطفال والنساء فى ساعة واحدة وخراب الأرض والحرث والنسل ، هو فى الواقع مجرد أضرار (هامشية) تواكب انتشار الحضارة وطريقة انتشارها ، وليس لك هنا بالتالى أن تلوم إذا أردت أن تلوم إلا القضاء والقدر، وبانتفاء النية والقصد والمسئولية عن فناء هؤلاء (الأشرار) من وجهة النظر الأمريكية طبعًا !!! .
ويعتبر الحديث عن (الهولوكست) الأمريكى متحاملاً، متهوراً، سلبياً، غير مسئول، وينبع من روح الكراهية للحضارة الأمريكية!!!
ويشير على عزت بيجوفتش إلى القانون الأمريكى الذى ظل ساريًا إلى عام 1865م والذى ينص على حق الأمريكى فى الحصول على مكافأة مجزية إذا هو قدم لأى مخفر شرطة أمريكى فروة رأس هندى أحمر !! على أساس أن جريمته تلك أيضاً هى إنجاز حضارى يساهم فى تنظيف البيئة من الأمم المتخلفة حضارياً وفكرياً ، وأنه تنظيف للأرض من (الريش) الذى تتورط فى نشره تلك القبائل غير المتحضرة !!!. وهكذا تأسست الولايات المتحدة الأمريكية بلد الحريات المزعومة على جماجم وأشلاء الهنود الحمر المساكين!!.(68/12)
وفى عام 1846م احتلت جيوش الولايات المتحدة كاليفورنيا ، وتقول الإحصائيات إن عدد هنود كاليفورنيا فى تلك السنة كانوا أضعاف ما كانوا عليه فى عام 1769م ومع ذلك فخلال العشرين سنة الأولى من احتلال هذه الولاية أبيد 80 بالمائة منهم وتلاشى الباقون بسبب نظام السخرة . إن ثروة الأمم التى أعطت السلطة السياسية لأصحاب مناجم الذهب والمزارع الأسطورية سرعان ما تم استغلالها فى استعباد الهنود كسلاح غير مباشر، لإبادتهم كما تم قبل ذلك فى كولورادو وغيرها من ولايات الذهب . ولأنه لابد من يد عاملة رخيصة لاستثمار هذه الولاية الغنية، فقد نشطت تجارة خطف أطفال الهنود . ولطالما كتبت صحف تلك الفترة عن الشاحنات المليئة بأطفال الهنود، وهى تهوى فى الطرقات الريفية الخلفية إلى أسواق العبيد فى سكرامنتو وسان فرانسيسكو. ومع نهاية القتال فى سنوات الاحتلال الأولى فقد زاد الإقبال على خطف الفتيات اللواتى يقدمن خدمة مضاعفة : العمل والمتعة. وهذا حول الساخطين من آباء هؤلاء المخطوفين إلى (عناصر شغب) تستأهل العقاب، وأدى إلى هرب معظم الأسر الهندية من منعزلاتها وأماكنها التقليدية. أما شركات الخطف فقد تحولت إلى مليشيات خيرية، إذ صار الخاطفون يقتلون الآباء ويشاركون الدولة فى قتل عناصر الشغب، وهكذا فقد اعتبر قتل الهنود أو بيعهم مهمة نبيلة وعملاً أخلاقياً يتباهى به الأمريكان!!!
وفى أوائل 1850م، وفى أول جلسة تشريعية لكاليفورنيا سنت الولاية قانون حماية الهنود الذى أضفى الشرعية على خطف الهنود الحمر واستعبادهم، واقتضت حماية الهنود بموجب الملحقات التى أضيفت إلى القانون عام 1860م إجبار أكثر من عشرة ملايين منهم على القيام بأعمال السخرة، ولأن معظم الذين هربوا بأرواحهم وفراخهم إلى الغابات والجبال الواعرة صاروا يعيشون فيما أصبح اسمه الولايات المتحدة، فقد تحولوا بموجب قوانين الذين سرقوا بلادهم إلى لصوص معتدين على أملاك الغير!! ولم تمض سنوات على صدور قانون حماية الهنود حتى ضاق حاكم الولاية بيتر بيرنت ذرعاً بحمايتهم وعبر عن الحاجة إلى إبادة هذا العنصر الهندى الأحمر، ووجه رسالة إلى المجلس التشريعى قال فيها : إن الرجل الأبيض الذى يعتبر الوقت ذهباً، والذى يعمل طول نهاره لا يستطيع أن يسهر طول الليل لمراقبة أملاكه.. ولم يعد أمامه من خيار سوى أن يعتمد على حرب إبادة. إن حرباً قد بدأت فعلاً، ويجب الاستمرار فيها حتى ينقرض الجنس الهندى تماماً (هذا هو الوجه الأمريكى الحقيقى) ..
إن إبادة حضارة المايا والأزيتا والبوهاتن وغيرها ليست تهمة ينفيها الأمريكيون، إنها جزء من كفاحهم المقدس فى سبيل إقامة أمريكا قوية وعادلة و(جاهزة) لمحاسبة الآخرين على أساس المثل الأخلاقية إياها(1) .
تعليق من المؤلف
بعد هذه الأمثلة والنماذج الصارخة للإرهاب الأمريكى والصهيونى والأوروبى نتساءل أين هو الإرهاب حقًا ؟ ومن هو الإرهابى فعلاً ؟ ونذكر أخيرًا بأن أخطر الإرهابيين عبر العصور لم يكونوا من المسلمين، بدءًا من كاليجولا ونيرون ، مرورًا بهتلر وستالين وموسولينى ، إلى شارون وبوش الأب والابن وتيموثى ما كفى منفذ مذبحة أوكلاهوماسيتى ، وكارلوس وبيريا وغيرهم.. والتاريخ خير شاهد لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد ..
----------------------------
المراجع
(1) لسان العرب لابن منظور - الجزء الثالث - مادة (رهب) .
(2) المعجم الوسيط - الجزء الأول - مادة (رهب) .
(3) المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم - دار الشعب - القاهرة .
(4) الموسوعة البريطانية B r itannica Encyclopedia .
(5) د. يحيى عبد المبدى - معهد الدراسات الأفريقية - جامعة القاهرة - دراسة بعنوان : مفهوم الإرهاب بين الأصل والتطبيق .
(6) وائل على حسين - محاكم التفتيش والمسؤولية الغربية - مجلة الراية - العدد 186 - بيروت 1982م .
(7) عبد الرحمن حمادى - نحو منهج جديد لإعادة كتابة التاريخ العربى - ندوة إعادة كتابة التاريخ العربى - الرباط - 1991م - مجلة الوحدة - عدد خاص عن الندوة - الرباط 1991م .
(8) د. طاهر مكى - مسلم إسبانى أمام محاكم التفتيش - مجلة الدوحة - قطر 1981م.
(9) وول سميث - تاريخ أوروبا فى العصور الوسطى - دار الحقائق - بيروت 1980م. ويلاحظ أن تركيز المؤرخين النصارى على عدد المسيحيين الذين كانوا ضحية لمحاكم التفتيش يأتى من باب تقليل أعداد الضحايا من المسلمين ، والإيحاء بأن المسيحيين كانوا هم الضحايا الأكثر.
(10) مجلة الوعى الإسلامى - العدد 455 - رجب 1424هـ - مقال لعبد الرحمن شيخ حمادى - محاكم التفتيش .
=================(68/13)
(68/14)
هل يعيد التاريخ نفسه؟!
«ما أشبه الليلة بالبارحة!»
رأفت صلاح
التاريخ ليس سرداً للأحداث ولا تسجيلاً للوقائع، ولكنه عرض لذلك كله مع التفسير والتحليل، واستخراج للعبر والدروس من هذه الأحداث، هكذا ينبغي علينا أن نفهم التاريخ كما فهمه أسلافنا؛ فملكوا الدنيا وخضعت لهم العرب والعجم.
يُعرّف ابن خلدون التاريخ فيقول: «.. فإن التاريخ من الفنون التي تتداولها الأمم والأجيال، وتشد إليها الركائب والرحال. وهو في ظاهره لا يزيد عن أخبار عن الأيام والدول والسوابق من القرون الأولى، وفي باطنه نظر وتحقيق وتعليل للكائنات دقيق، وعلم بكيفيات الوقائع وأسبابها عميق؛ فهو لذلك أصيل في الحكمة عريق»(1).
بين أيدينا الآن قصة وقعت أحداثها في بدايات القرن العاشر من الهجرة؛ ولها صلة وثيقة بما يحدث من أحداث في واقعنا المعاصر، هذه القصة ذكرها الأستاذ «محمود شاكر» صاحب «موسوعة التاريخ الإسلامي» في كتابه «المغالطات»، طبعة المكتب الإسلامي، وسوف نقف معها ونذكرها مثالاً لأحداث التاريخ الإسلامي، وكيف تُستخرج منها الدروس والعبر؟
يقول الأستاذ محمود شاكر - باختصار -:
«عندما احتل البرتغاليون (عدن) عام 919 هـ رفض أهل هذا البلد الاحتلال، وقاوموه بما يملكون، ولكن استطاع البرتغاليون أن يقهروا السكان بما يحوزون من أسلحة نارية حديثة، واضطر القسم الأكبر من العدنيين إلى ترك موطنهم واللجوء إلى الأراضي المجاورة؛ حيث عُرفوا هناك باسم «اللاجئون»، وأُجبر القسم الأكبر من العدنيين على الخنوع والبقاء في ديارهم تحت عصا الذل وسيف الإرهاب، وحرصت الدول المجاورة، كمصر التي يحكمها المماليك، أن تقاتل البرتغاليين ولكنها هُزمت.
- نجحت البرتغال في أن تمد قنوات بينها وبين حكام الدول المجاورة عن طريق المال والمصالح والسلاح، وكان التعاون بينهم في سرية بعيداً عن أعين السكان؛ حيث كانت الشعوب ترفض هذا التعاون رفضاً تاماً، فأظهر الحكام أنهم يعادون البرتغال وهم يلتقونهم سراً ويجتمعون معهم.
- البرتغاليون أنفسهم - من باب المغالطة - يهاجمون هذه الدول علناً؛ حتى يلبسوا على الناس أمرها.
- لم يجرؤ أحد على الدعوة إلى الرضا بالأمر الواقع أو الدعوة إلى السلام.
- كان المخطط الصليبي يقضي بأن يتقدم كل حاكم خطوة، ولكن طالت المدة وزادت على خمسة عشر عاماً.
- فهنا برزت فكرة جديدة؛ وهي أن يتولى حل المشكلة أحد أبناء عدن، ولا سيما من الذين يعيشون خارج مدينة عدن؛ ليكون بعيداً عن البرتغاليين، ولتكون له الحرية، فوقع الاختيار على شاب لم يتجاوز الثلاثين من عمره يُدعى «عبد الرؤوف أفندي»، فعرض عليه أحد السلاطين العملاء أن يختار معه شباباً يثق بهم؛ ليقوموا بتأسيس منظمة تعمل على طرد البرتغاليين المغتصبين، وتقوم السلطات بدعم هذه المنظمة ومدّها بما تحتاج إليه.
وتعهد السلاطين بحمايتها ومد يد العون لها، ودعوة أعوانهم للانضمام إليها؛ (فتبني أهل البلد مهمة العمل أفضل، وخاصة أمام المحافل الدولية)، ومُنح «عبد الرؤوف» وعد بأنه سيكون له شأن كبير وإمكانات مادية عالية، هذا بجانب السلطة العسكرية وإصدار الأوامر.
- وافق «عبد الرؤوف»، وحَلَّتْ منظمته محل حركة مفتي عدن، واشترطوا عليه ألا يخرج عن رأي السلاطين.. وهكذا كان.
- بدأ «عبد الرؤوف» اللعبة وأصبح اسمه «ياسين»، وادعى النسب الحسيني، وأسس منظمته، وأنشأ فصائل للقتال، وانخرط في صفوفها كثير من العدنيين المشردين، وبدأت تخوض المعارك، وتدخل إلى الأرض المحتلة وتقوم ببعض العمليات الناجحة، فارتفعت أسهمه، وأصبح في مصاف القادة ورواد الأمل في العودة لدى المشردين.
- نادى «ياسين» بحمل السلاح بوصفه الحل الوحيد لإنهاء المشكلة، واللغة الوحيدة التي يفهمها العدو، وصار لا يقبل المهادنة ولا المساومة، وبالمقابل شن عليه الأعداء حملة شعواء واتهموه ومنظمته بالتخريب و...، وتدفقت عليه أموال التبرعات والمعونات، وأصبح على مستوى السلاطين.
- شن البرتغاليون غارات على مخيمات اللاجئين، وقاموا بعدد من المذابح الرهيبة؛ وذلك لتبدأ مرحلة جديدة من الصراع.
- ضغطت الدول الأوروبية على السلاطين لإنهاء المشكلة، فعقدوا اجتماعاً وقرروا الاعتراف بالوضع البرتغالي في عدن؛ على أن يتولى إعلان ذلك الزعيم العدني «ياسين».
- وانتفض العدنيون المقيمون في موطنهم؛ مما دعا الأوروبيين إلى عقد مؤتمر عالمي لإحلال السلام في المنطقة وإنهاء المشكلة.
- أنيطت القضية بالزعيم «ياسين» الذي أعلن أنه مستعد لحضور المؤتمر العالمي، وأنه يتحدى البرتغال أن تحضر! - وهي التي تتمناه -، فتمنعت تمنع الراغب لإتمام اللعبة وإخفائها عن الشعب، وتقوية موقف «ياسين» وإبرازه على أنه هو الذي يدعو وهي التي ترفض؛ أي أن الممتنع هو الموافق، والراضي هو الرافض!
- أعلن أحد السلاطين أنه تخلى عن عدن، وأن أهلها أحرار يحلون أمورهم بأنفسهم! - وهو الذي كان يعدُّ عدن جزءاً من أرضه -، فأصبحت عدن وحدها أمام البرتغاليين.(68/15)
- أعلن «ياسين» أن لأهل عدن حكومة خاصة، وأنه على استعداد للاعتراف بالكيان البرتغالي، وبذلك أصبحت هناك حكومتان؛ إحداهما لأهل عدن المشردين، والأخرى للبرتغاليين ولهم الجزء الأكبر من عدن!!
- استمر هذا الوضع حتى جاء العثمانيون عام 945 هـ وطردوا البرتغاليين من المنطقة.
- وقف أهل عدن يفكرون بالدور الذي مارسه «ياسين» عليهم؛ منهم من قال بقي «ياسين» يغالط علينا حتى وصل بنا إلى ما كنا نخشاه، ووافق على كل هذه الحلول التي كنا نرفضها، أعطيناه القيادة ليبيع قضيتنا، ليبيع أرضنا، ليبيعنا. بعدها بدؤوا يبحثون عن أصله ولكن.. فات الأوان.
- أما أعوانه فيقولون: إن الطرق كلها مسدودة، والحلول التي طُرحت قد أجهضت أو أخفقت، وليس أمامنا سوى ما تم.
ما أشبه الليلة بالبارحة!!»(2).
بعد عرض أحداث هذه القصة نورد هذه التعليقات المهمة:
1- تشبه هذه القصة بأحداثها ما يحدث في واقعنا المعاصر؛ مما يدل على تشابه مخططات أعداء الإسلام عبر التاريخ في محاربة هذه الأمة، وصناعة العملاء الذين يكون لهم الدور الأهم في هذا العداء.
كما تبين القصة استمرارية هذا الصراع، وأنه لا يهدأ أبداً وإن اختلفت صوره؛ فإنهم كما قال - تعالى -: {وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إنِ اسْتَطَاعُوا} [البقرة: 217].
2- بيان حال المسلمين عند بعدهم عن دينهم الذي هو مصدر عزتهم؛ إذ يصيبهم الضعف والوهن، ويتمكن أعداؤهم منهم؛ مما يؤدي إلى تشتتهم في البلاد لاجئين، أو وقوعهم تحت عصا الذل وسيف الإرهاب في بلادهم على يد أعدائهم، هذا كله بسبب تنكبهم لطريق الهداية في كل زمان.
3- بيان حال حكام المسلمين الذين هم إما صنيعة الأعداء أو عملاء مخلصون لأسيادهم؛ بسبب عبوديتهم للمال والسلطة والمصلحة، فهم لا يهمهم مصلحة أوطانهم، ولا حماية ديار المسلمين، ولا الذود عن الإسلام؛ المهم عندهم هو كراسيهم وعروشهم حتى لو تعاونوا مع أعدائهم. وهذه صورة لما يحدث في كل زمان على يد بعض هؤلاء الحكام العملاء.
4- مدى السذاجة التي تتصف بها بعض الشعوب المسلمة؛ سواء مع حكامهم أو مع أعدائهم؛ حيث يكونون مغيبين لا وعي عندهم ولا دور لهم في الأحداث، هذا سببه في المقام الأول هو البعد عن مصدر العزة الأساسي ألا وهو الإسلام، فالمسلمون عند تمسكهم بدينهم يكون لديهم استعداد للجهر بالحق، ولا يكون للكافرين عليهم سبيلاً، أما عند بعدهم عن دينهم فهم أذل الخلق وأهونهم؛ لا يهمهم إلا إتيان الشهوات، يتلاعب بهم أعداؤهم وهم لا وعي عندهم بما يجري من أحداث.
5- لا يستطيع الزعماء والحكام والسلاطين العملاء أن يتحكموا في رقاب الناس إلا بخداعهم وغشهم، وتغييب وعي الناس عن طريق وسائل إعلامهم في كل عصر، فمن مَدْحٍ للزعيم وتضخيم لدوره، إلى شتم للأعداء أحياناً، إلى دعوة للسلام.. هذا كله لتغييب الشعوب وخداعها.
6- صناعة الزعماء: وهذا أهم هذه التعليقات، فهذه القصة توضح بجلاء كيفية صناعة الزعماء، وهذا ديدن أعداء الإسلام في كل زمان، فهم يختارون شخصية نفعية لا تحب إلا مصلحتها وتعشق السلطة والمال، ثم يحاولون صناعته عن طريق إبراز دوره وتضخيم أعماله، فيحدث التلميع لهذه الشخصيات حتى تصير زعماء، وهذا هو الدور الخطير الذي تمارسه وسائل الإعلام، وهكذا تم صناعة ياسين وغيره قديماً.
وحديثاً: عندما رحل الاحتلال عن بلاد المسلمين ترك خلفه صنائع هي من صنع يديه، وحتى يُمَكِّن لها قام بتلميعها وتضخيم دورها حتى تكون هي الزعامة.. وفقط، فهذا «الزعيم الملهم»، وذلك «القائد»، وذلك «الغازي»، وذلك «الرئيس المؤمن».. هكذا صنعوا أتاتورك، وسعد زغلول، وجمال عبد الناصر، وياسر عرفات.. وغيرهم ممن تحكموا ويتحكمون في رقاب المسلمين، هكذا استطاع أعداء الإسلام إنتاج صنائع لهم وعملاء ووكلاء يؤدون ما يُطلب منهم؛ في جميع المجالات وليس في السياسة فقط. وهذه القصة صورة مصغرة لطريقة تكوين الزعماء والأبطال والفاتحين المزورين؛ فكم من مرة حولوا الجهاد لصالحهم، وسرقوا الثورات والانتصارات؟! وكم من مرة تاجروا بقضايا المسلمين؟!
إن ما يحدث الآن في القضية الفلسطينية والدور الذي يقوم به الآن «ياسر» هو الدور نفسه الذي كان يقوم به «ياسين»، فكم من «ياسين» صنعوه، وكم من نصر سرقوه؟!
حقاً.. ما أشبه الليلة بالبارحة!
----------------------------
(1) عن كتاب: أيعيد التاريخ نفسه؟! محمد العبدة، المنتدى الإسلامي، الغلاف.
(2) المغالطات، باختصار، ص 79 - 86.
==================(68/16)
(68/17)
القدس والمسجد الأقصى
الدكتور عصام بن هاشم الجفري
الحمد لله فالق الحب والنوى،ومحيِّ العظام بعد الموت والبِلى،ومُنْزِلِ القطرِ والندى،أحمده سبحانه وأشكره على نعمه التترى آلاءه العظمى،وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى،وأشهد أن محمداً عبده ورسوله خير من وطئ الثرى،إمام التقى وعنوان الهدى فصلى الله عليه وعلى آله وصحبه الأطهار الحنفاء،ما تحقق لأمة الإسلام نصر أو بدا،وما تمسك عبد لله بدين الله ولنبيه اقتفى . أما بعد:
فأوصيكم عباد الله ونفسي القاصرة المذنبة أولاً بتقوى الله في السر والعلن فهي سبب المدد من الواحد الأحد بأسباب النصر على الأعداء يقول الباري جلت قدرته :{بلى إن تَصْبِروا وتتقوا ويَأْتُوكُمْ من فَوْرِهِمْ هذا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ الآفٍ من الملائِكةِ مُسَوِّمِينَ}ويقول سبحانه:{..وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ}(1) ،
يَعيثُ بأَرضِنا قِردٌ حَقيرٌ *** وخِنْزِيرٌ تَذَأَّبَ مُسْتَهِينا
يَدُوسُ القدسَ وا أسفا جهاراً *** وَحَوْلَ رُبُوعها قومي عِزِينا؟
وَثَمَّ المسجدُ الأقصى يُنادي *** وَيَصْرُخُ في جموعِ المسلمينَا
ولكن لا ترى إلا نَؤُوماً *** تغافلَ عن نداءِ الصَّارخينا
ولا تلقى سو لاهٍ ضحُوكٍ *** كأنَّ القومَ مِنْ شكْرٍ عَمُونا(68/18)
أمة العزة والإباء إن للأجيال أمانة في أعناقنا ألا تُنسى القدس والمسجد الأقصى ومكانتهما في هذه الأمة،فالمسجد الأقصى ليس شأناً فلسطينيا خاصاً وإنما هو شأن الأمة الإسلامية جمعاء،فتاريخ المسجد الأقصى هو تاريخ الأنبياء من لدن أدم عليه لسلام إلى نبينا صلى الله عليه وسلم الذي عرج به إلى السماء من ذلك المكان المبارك،وفي كل صلاة نذكره لأن الصلوات إنما فرضت في تلك الرحلة المباركة، فالمسجد الأقصى يمثل تاريخ التوحيد الذي كان الإسلام آخر حلقاته؛وإن كانت كثرة الأسماء تدل على شرف المسمى فإن لبيت المقدس عدة أسماء تقرب من العشرين ذكرها ابن حجر في الفتح،و إن أول من سكن القدس قبائل الكنعانيين من العرب وسموها بأول اسم لها وهو (أور-سالم) أي مدينة السلام،وأخذ اليهود هذا الاسم وحرفوه كعادتهم ووضعوه في التوراة باسم أورشليم ،ومن أسماء القدس إيلياء وهو اسم جد عائلة الإمبراطور الروماني (هدريان)، وجاء هذا الاسم في العهد الذي كتبه عمر بن الخطاب رضي الله عنه لأهل القدس،وذكرها r في حديث الإسراء والمعراج باسم بيت المقدس ،وهي أرض مباركة نص القرآن على بركتها في أكثر من موضع منها:قوله تعالى:{سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ..}(2)وقوله: {وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ}وقوله:{وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا} وقد وردت عدة أحاديث نبوية في فضل المسجد الأقصى منها:ما أخرجه الأمام أحمد أَنَّ مَيْمُونَةَ مَوْلَاةَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَتْ يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَفْتِنَا فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَقَالَ: ((أَرْضُ الْمَنْشَرِ وَالْمَحْشَرِ ائْتُوهُ فَصَلُّوا فِيهِ فَإِنَّ صَلَاةً فِيهِ كَأَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ قَالَتْ أَرَأَيْتَ مَنْ لَمْ يُطِقْ أَنْ يَتَحَمَّلَ إِلَيْهِ أَوْ يَأْتِيَهُ قَالَ فَلْيُهْدِ إِلَيْهِ زَيْتًا يُسْرَجُ فِيهِ فَإِنَّ مَنْ أَهْدَى لَهُ كَانَ كَمَنْ صَلَّى فِيهِ)) ، وأخرج أيضاً في مسنده عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه قال سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلميَقُولُ: ((إِنَّ سُلَيْمَانَ بْنَ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَام سَأَلَ اللَّهَ ثَلَاثًا أَعْطَاهُ اثْنَتَيْنِ وَنَحْنُ نَرْجُو أَنْ تَكُونَ لَهُ الثَّالِثَةُ فَسَأَلَهُ حُكْمًا يُصَادِفُ حُكْمَهُ فَأَعْطَاهُ اللَّهُ إِيَّاهُ وَسَأَلَهُ مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ فَأَعْطَاهُ إِيَّاهُ وَسَأَلَهُ أَيُّمَا رَجُلٍ خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ لَا يُرِيدُ إِلَّا الصَّلَاةَ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ خَرَجَ مِنْ خَطِيئَتِهِ مِثْلَ يَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ فَنَحْنُ نَرْجُو أَنْ يَكُونَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ أَعْطَاهُ إِيَّاهُ)) ، وفي رواية أبي داود: ((مَنْ أَهَلَّ بِحَجَّةٍ أَوْ عُمْرَةٍ مِنْ الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى إِلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ أَوْ وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ شَكَّ عَبْدُ اللَّهِ أَيَّتُهُمَا قَالَ))، وأخرج عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلملَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ لَعَدُوِّهِمْ قَاهِرِينَ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ إِلَّا مَا أَصَابَهُمْ مِنْ لَأْوَاءَ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَذَلِكَ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَأَيْنَ هُمْ قَالَ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ وَأَكْنَافِ بَيْتِ الْمَقْدِس))،بل هو أحد المساجد الثلاث التي تشد إليها الرحال،أخرج البخاري والإمام أحمد عن صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((وَلَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَسْجِدِ الْمَدِينَةِ وَالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى))،وهو مسجد تضاعف فيه الصلوات،ولاتضاعف إلا في مسجد ذي فضل، أخرج البزار والطبراني من حديث أبي الدرداء رفعه ((الصلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة،والصلاة في مسجدي بألف صلاة،والصلاة في بيت المقدس بخمسمائة صلاة)) قال البزار إسناده حسن.كان أول عهد القدس بالفتح الإسلامي في عهد الفاروق رضي الله عنه ورفض أهلها إلا أن يسلموا مفتاح المدينة لعمر بن الخطاب شخصياً فلما جاءه الخبر ركب إليهم ولم يبدل من مظهره ولا من مركبه لأن عزة الإسلام كانت تملأ قلبه فتنعكس على محياه هيبة وإجلالاً،فَقَدِمَ عليهم بثوبه المرقع أخذاً بلجام دابته التي يركب عليها مولاه،وهو يخوض في الطين رضي الله عنه فتسلم المفتاح وكتب لأهلها العهد المشهور ودخل دخول الفاتحين،ولما دخل بيت المقدس وجد على الصخرة زبالة عظيمة لأن النصارى كانوا يقصدون إهانتها،مقابلة لليهود الذين يصلون إليها،فأمر بإزالة النجاسة(68/19)
عنها،وكانت الصخرة مكشوفة حتى عهد الوليد بن عبد الملك الذي بنى القبة عليها،وكان أول سقوط للقدس في أيدي الصليبين في عام 492هـ حيث سلم القائد الفاطمي افتخار الدولة أخزاه الله القدس ودفع أيضاً مبلغاً من المال للقائد الصليبي ريموند مقابل الإبقاء على حياته وحرسه الخاص،وترك الصليبيين يذبحون أهل القدس حيث قتلوا بالمسجد وحده مايزيد على سبعين ألفاً حتى دخل قائدهم وهو يتلمس الطرق بين الجثث والدماء التي بلغت ركبته،وغير المجرمون من معالم المسجد فجعلوا جزء منه كنيسة وجزء سكناً لفرسانهم وبنوا بجواره مستودعا لأسلحتهم،أما مسجد الصخرة فحولوه إلى كنيسة ونصبوا فوق القبة صليباً كبيراً وانظروا إلى الفرق بين اليوم الذي تمكن فيه المسلمون حيث كان يوم أمن وأمان ويوم أن تمكن الصليبيون كيف جعلوه يوم موت ودماء ثم قيض الله للمسجد الأقصى المبارك القائد المؤمن صلاح الدين الأيوبي وكانت عودة المسجد الأقصى إلى مكانها الطبيعي في حيازة المسلمين يوم الجمعة السابع والعشرين من رجب عام خمسمائة وثلاث وثمانون للهجرة،واستمر في عز المسلمين حتى كانت المؤامرة الدولية على الأرض المباركة وتسليمها لليهود،وقد فطن أهل فلسطين للمؤامرات من بدايتها وكانت هناك تضحيات وقصص عجيبة وكانت حرب 67م التي احتلت فيها دولة اليهود الجزء الشرقي من مدينة القدس ودأب الشبان الإسرائيليون على اقتحام المسجد الأقصى والرقص والغناء وإقامة الحفلات الخلاعية والاعتداء على المصلين فيه،ثم كان إحراق المسجد الأقصى في 21/8/1969م،واستبسل أهل القدس في إطفاء الحريق رغم محاولات اليهود تعطيلهم،واستمرت الحفريات لغرض هدم المسجد الأقصى،وهاهم إخواننا هناك مازالوا يعانون من بطش اليهود وظلمهم ولكن الله غالب على أمره.أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمْ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ}
الخطبة الثانية
الحمد لله الذي جعل بعد الضيق مخرجاً وبعد الهم فرجاً وبعد العسر يسراً،أحمده سبحانه وأشكره على عظيم حكمته وتدبيره وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له جعل مع العسر يسراً،وأشهد أن محمداً عبده ورسوله دل أمته على طريق النصر والعز والتمكين .أما بعد:
فيا أمة العزة والإباء إن تربية الأولاد من بنين وبنات على أن يعيشوا هموم أمتهم وأن يشعروا بأن المسلمين جسد واحد فيه عز هذه الأمة،فلاشك أن هناك فرق كما بين السماء والأرض بين من نشأ لا يهتم إلا بشهواته ورغباته،وبين من نشأ وقلبه يعتصر ألما على أحوال أمته فيسعى للصلاح،فلنجعل قضية القدس حاضرة في قلوب أبنائنا ولنربي في كل واحد منهم أنه صلاح الدين المنتظر،وذكروهم بوعد الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم(( لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تُقَاتِلُوا الْيَهُودَ حَتَّى يَقُولَ الْحَجَرُ وَرَاءَهُ الْيَهُودِيُّ يَا مُسْلِمُ هَذَا يَهُودِيٌّ وَرَائِي فَاقْتُلْهُ)) أعلموهم أنه لن يتحقق ذلك فيهم بالتمني وإنما بطاعة الله والاستقامة على دينه،ولعل في النماذج التي يقدمها إخواننا في فلسطين وغيرها خير مثال على ذلك فهذا طفل من الأردن اسمه البراء حمدان عمره لا يتجاوز الثانية عشر عبء حقيبته المدرسية بالحجارة وحمل معه المصحف وزجاجة ماء وعدة سكاكين وانطلق صوب فلسطين يبغي الشهادة صعد خمس جبال وهبط منها وعند هبوطه من الخامس زلت قدمه فسقط مغشياً عليه فوجده أحد البدو من سكان المنطقة وأعاده إلى أهله وسط مشاعر الندم التي تملكت ذلك الطفل أنه لم ينل الشهادة ،وهذا الطفل محمد يوسف من خان يونس لا يتجاوز عمر اثني عشر عاماً خرج يطلب الشهادة ثلاث مرار فلم يرزقها في مواجهاته مع العدو وفي المرة الرابعة اغتسل وصلى الفجر واستأذن أمه ثلاث مرار أن تأذن له بالخروج والمشاركة في مواجهة العدو ولكنها ترفض خوفاً عليه لكنه استحلفها في الرابعة وقال لها : (يا أماه أريد أن أموت شهيداً ) وخرج مع شروق الشمس لمواجهة العدو بالحجارة فأكرمه الله بالشهادة(2)،وإنَّ لنقول لليهود إن الأرحام التي ولدت صلاح الدين لم تعقم بعد عن إنجاب مثله وهذه النماذج هي مقدمات ذلك،وحتى ذلك الحين فلا أقل من الدعاء لإخواننا بالنصر والتمكين،فتعاهد ابنك ولا تدع يمر عليه يوم دون أن يدعو لهم،لاسيما إن كان صغيراً لم يجر عليه القلم بعد بالذنوب اغرسوا في وجدانهم القاعدة الربانية التي وضعها العليم الخبير بقوله:{وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنْ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنْ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنْ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ}.
أيُّ سلمٍ وعلى الأقصى يدٌ *** تَعْصِرُ الحقدَ وتُسقي الشرفاء ؟
حجرُ (القدسِ) صحا منتفضاً *** ثم نادى مشرئباً في إباء!(68/20)
واصلوا السير،وشقوا دربكم *** فإلى الفوز وإلا للفناء ؟
حقُنا القدس وإنَّ أهلها *** وعلى الغاصبِ تنفيذُ الجلاء !
وطنُ الإسلام لن نرخصه *** ولنا النصرُ إذا ما الله شاء !!
------------------
(1) آل عمران:120. (2) القصتان من مجلة المجتمع العدد(1422)وتاريخ19_25 رجب1421هـ السنة 31.ص34-35.
================(68/21)
(68/22)
معالم على طريق النهضة
خباب بن مروان الحمد
الحمد لله ربِّ العالمين ، وصلَّى الله وسلَّم على المبعوث رحمة للعالمين ، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، وسلَّم تسليماً كثيراً أمَّا بعد :
من يتابع وسائل الإعلام وما تعرضه من أخبار سيجدها في الأغلب تتحدث عن مشاكل المسلمين وقضاياهم المتأزمة ؛ فالمسلمون يعيشون في زمن تكالبت عليهم فيه الأحداث ، وتتابعت عليهم المخاطر، وأصبحوا كل يوم يترقبون حدثاً جديداً ، أو نازلة خطيرة . والعالم الإسلامي ـ بالذات ـ يعيش بعد ضربات الحادي عشر من سبتمبر في دوامة أخبار، وتلاحق أحداث بشكل مذهل.
في قلب هذه الأزمات تذكرت كلام القائد الشيوعي الملحد [ لينين] حين قال: عقود تمر على الأمة لا يحصل فيها شيء ، ثمَّ تمر سنون تحصل فيها عقود، وصدق وهو كذوب ! فقد صرنا نعاصر سنوات حصلت فيها حوادث أكثر من عشرات السنين، وكان للمسلمين فيها الحظ الأوفر من المآسي الفظيعة ، والأوضاع المؤلمة.
وهكذا تمضي العقود بأيامها ، وتدور الأيام دورتها وتبقى المصائب تتوالى على المسلمين ، ويكون حال أكثر المسلمين حيال تلك الأحداث : المظاهرات والاحتجاجات التي تشجب الصلف الصليبي ـ الصهيوني ، والهتافات الجماهيرية المستنكرة لحمَّامات الدماء التي تجري هنا وهناك في أقاليم المسلمين.
وبعد أن فُرِّغَت تلك الشحنات المكبوتة ، وأحرق المتظاهرون الأعلام الأمريكية والصهيونيَّة ، ومع مرور أيام قليلة تنطفئ القضية التي ثِيْرَ لأجلها عقول الكثير من المسلمين ، وتتلاشى جذوة الحماس التي اشتعلت قليلاً في ضميرهم ، وتُتَنَاسى تلك الفواجع ، إلا إذا كانت حديث مجالس يُتَذَكَّرُ بها ظلم قوم بغوا على آخرين، ويظن الكثير منهم أنّه بذلك ينتهي دورهم ، وتنقضي المسؤولية المناطة بهم.
ودعنا ـ ياصاح ـ نتصارح ؛ فبعد أن نرى تلك الأخبار ، ومجازر المسلمين، والذلَّة والمهانة التي أصابتنا... بعد هذا كله :
هل حرَّك ذلك في قلوبنا شيئاً؟ هل نصرناهم بشيء من أنواع النصرة؟ هل سألنا أنفسنا جادين : كيف نخرج من تلك الأزمات والتيه الذي نعيشه من عشرات السنين؟
إنَّ هذه الأسئلة لم يستشعرها إلا القليل ؛ فقد كان موقف الأغلبية ممن يتابعون الأخبار هو الصمت العجيب وعدم العمل لنصرة أولئك المستضعفين. وقد نجد الفرد منهم يشاهد ذلك لأجل أن يتكلم في المجالس، ويناقش ويحلل ويختلف مع إخوانه وخلاَّنه ، وكأنَّه في اتجاه معاكس ؛فيرفع صوته ، ويرغي ويزبد، لم يتقن إلا فن الصراخ . أو يكون موقف كثير ممن يتابع الأخبار إلقاءهم باللائمة على الآخرين دون أن يراجعوا أنفسهم مراجعة صادقة ، ويروا ماذا فعلوا من التقصير في حق الله من الذنوب والمعاصي ، وما فعلوه في حق إخوانهم من التقصير في حقوقهم ، وعدم بذل الجهود المستطاعة لنصرتهم ، أو أن يكون موقف بعضنا البكاء والتأوهات ودعاوى العجز، وكأنَّ لسان حال الكثير منا : السيل الهادر لا تسده عباءتك.
إنها لمأساة حين نصاب بتبلد إحساس عجيب ، وشعور تجاه أوضاع إخواننا غريب، وقد نرى تلك المجازر ثمَّ إذا أطفأنا التلفاز، وارتحنا دقائق ، تابع بعضنا بعد ذلك الأفلام الخليعة ، والمسلسلات الهابطة، وكأنَّ شيئاً لم يكن!
وكان من الواجب أن يكون المتابعون للأخبار أكثر الناس عملاً واستشعاراً للمسؤولية ، وأن تغرس في نفوسهم بواعث عمل، ووقود همة، وعزمة إرادة لتغيير الواقع المرير.
تُرَى ... ألا تستدعي تلك [المواقف الضعيفة] من المسلمين تجاه أعدائهم، وقفة مراجعة ، وبحثاً عن الإشكاليات التي يقع فيها المسلمون، ووصف الدواء العاجل لدفع العدو الصائل الذي أفسد الدين والدنيا معاً؟!
* مواقف سلبيَّة بعد سماع الأخبار :
إنَّ من تلك الأزمات والإشكاليات التي يقع فيها المسلمون بعد سماعهم الأخبار، ونقاط الضعف التي حلَّت في سويداء قلوبهم ، غير مستشعرين خطأ المسيرة ، واعوجاج طرق التفكير، ما يلي :
[1] تغليب جانب العاطفة والارتجالية في الأعمال ، والعفوية في مواجهة الأحداث وليتها أعمال بطولية تثخن في الأعداء بضوابطها الشرعية ! وإنما هي هتافات وشعارات غلبت على العقل والتفكير المثمر العملي ، يعقبه السكون والخمود والخمول غافلين عن أسباب تلك المصائب التي عصفت بنا ، ومتناسين للحلول العملية التي نقاوم بها تلك المخاطر ، بناءً على الأوامر الشرعية ، والاهتداء بسنة خير البرية صلى الله عليه وسلم .
وممن شخَّص هذا المرض من علماء المسلمين الشيخ الراحل مصطفى السباعي ـ يرحمه الله ـ ؛ حيث ذكر أنَّ المسلمين ينتفضون انتفاضة وقتية لمصيبة حلَّت بهم ثم يخمدون وكأنَّ الأمر لم يكن، حيث كتب: ((لو هدمت الكعبة لما ضجَّ المسلمون اليوم أكثر من ثلاثة أيام)) هكذا علمتني الحياة [صـ91] وصدق رحمه الله ، فما أشبه الليلة بالبارحة!(68/23)
[2] طيبة القلب الزائدة ، وإحسان الظن بالعدو ولو قليلاً، وتصديق بعض شعاراتهم ، وهذا شيء لا أبالغ فيه ، فكثير من المسلمين كان يظنُّ أنَّ أمريكا أعقل من أن تفعل بهم تلك الجرائمَ الوحشيَّة ، والإهانات النفسية ؛ باعتبارها راعية لمجلس الأمن ، وقوات حفظ السلام ، وأنها ترفع شعارات العدالة والحرية والديموقراطية [الزائفة]!
ولذا ظنَّ الكثير منا أنَّ قاتله سيرحمه ولو قليلاً، ويعطيه فرصة شرب الماء قبل الإجهاز عليه ، وهذا ما حدث بالضبط بعد أن قُتل الشيخ أحمد ياسين ـ رحمه الله ـ ؛ فقد ظنَّ الكثير من المسلمين أنَّ اليهود قد يصمتون قليلاً ويرفقون بالمساكين الفلسطينيين ليلملموا جراحهم ، ولتجف مآقيهم من البكاء ؛ ومع ذلك فإن اليهود كانوا أمكر وأخبث ؛ فقد عاجلوا المجاهدين في فلسطين بضربة نوعية أخرى، فقتلوا الدكتور المجاهد عبد العزيز الرنتيسي ـ تقبله الله في الشهداء ـ غيلة ومكراً، ثمَّ أعقبوها بمجازر القصف والتنكيل بإخواننا في غزة وجباليا وغيرها من المدن الفلسطينية الأبية.
وهكذا أعداء الدين ؛ فهل بقي لنا مجال أن نحسن الظنَّ بالآخر ؟[ الكافر] أو أن نرفع له لافتات السلام ، ليقابلنا بالود والوئام ؟!
إنهم المفسدون في الأرض ولن يُتوقع منهم إلا كل خبث وسوء وإجرام.
هل لَمَحْتُم طيبةً من حية * أو لمستم رقة من عقرب؟!
وصدق الله [ لا يرقبون في مؤمنٍ إلَّاً ولا ذمة وأولئك هم المعتدون ] التوبة[10].
[3] غلبة الكلام والحديث وقلة العمل ، فنحن نتحدث عما لا نريد ولا نتحدث عما نريد ، فكلامنا كثير في سب المحتل الأمريكي ـ الأوروبي ـ الصهيوني ، وحلفائهم من المنافقين ، ولكنَّ القليل منا من يتحدث عن واجبنا تجاه الأحداث، وهو ـ و للأسف ـ أمر نادر في برمجة تفكيرنا ، ولو طُلِبَ من هؤلاء القوم الذين يغلِّبون الكلام على العمل ، لو طلب منهم القليل لنصرة هذا الدين لوجدت التلكؤ، والتراجع والتقهقر، والحوقلة والاسترجاع، والتفنن في التهرب من المسؤولية والعمل.
فما أشبههم بقصة الأعرابي ؛ الذي كان معه بعض الإبل ، فجاءه اللصوص وسرقوها منه فلم يقاومهم بشيء، فلما ذهبوا وساروا بإبله ، شتم اللصوص ، ولعنهم. فسأله أهله عندما رجع إليهم بدون الإبل : ماذا فعلت؟ فقال: "أوسعتهم شتماً وساروا بالإبل" !!
فإذا كان كثير من المسلمين أهل كلام وشجب واستنكار، وقومٌ ينفعلون ولا يفعلون ، ويشجبون ولا يخطِّطُون أو يعملون، فلا غرابة أن يُنشِد اليهود والنصارى ساخرين من المسلمين كما قال حافظ إبراهيم على ألسنتهم مستخفِّين بالمسلمين:
قد ملأنا البر من أشلائهم * فدعوهم يملؤوا الدنيا كلاما
لا شكَّ أنَّ هذه المأساة التي يعيشها أبناء الأمَّة الإسلامية المريضة ، ينبغي أن تستدعي أهل العزائم لإحياء قلوب هذا الجيل المسلم ، وإمداده بالشريان الحيوي ، الذي يستقي منه معالم العزة ، وأنوار الرسالة ، حتَّى يتخطى تلك الأعمال العفوية التي لا ترعب كافراً ولا تنصر ديناً .
إننا بحاجة ـ وخاصة دعاة الإصلاح ، وعلماء الأمة وقادتها الربانيين ـ بعد أن نُشَخِّص تلك الأدواء التي تجثم علينا ؛ أن نصف لها الدواء ، فأمَّتنا بحاجة إلى ذلك الطبيب النطاسي ومبضع الجراح الأمين ، الذي يبحث في جذور المرض وتشعباته ، ويرفع أوهاق الخطر عن جسد هذه الأمة الجريحة بكل ثقة وإتقان ، وقد قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ "ما أنزل الله من داء إلا وأنزل له شفاء" أخرجه البخاري في صحيحه .
ولهذا يتوجب على من يريد الرفعة لهذه الأمة ، أن يبحث في الوسائل المعينة على عزِّها ، والحلول المثمرة لنهضتها ، وأن يفكر التفكير الجاد لتوظيف مشاكل الأمة بما يخدم مصلحتها ، وقد قيل: رحلة العظيم تبدأ بفكرة.
وصدق الإمام حَمْد الخَطَّابي ـ رحمه الله ـ حين قال: "من صدقت حاجته إلى شيء كثرت مسألته عنه، ودام طلبه له ؛ حتى يدركه ويحكمه" معالم السنن للخطَّابي[4/832]
ومن هذا المنطلق فإنني سأركز في هذه الأسطر على جواب سؤال أرى أنه من الأهمية بمكان وهو:
إنَّ المسلمين منذ سبعين سنة وهم يعيشون في انحدار تلو انحدار ، ونكسات يتلوها نكبات ، مع أنَّ بعضهم قدَّم الدماء والأموال وكل ما يستطيع لنصرة هذه الأمة ، والوضع لم يزدد إلاَّ سوءاً ؛ فالتغول العسكري الغربي يمضي داخل بلاد الإسلام، والنموذج الغربي تلقَّاه الكثير من أبناء جلدتنا بالتبعيَّة المقيتة ، والتقليد الأبله ؛ فكيف السبيل الأمثل لاستعادة القوة، وانفكاك الأزمة ، واسترداد المجد؟؟
وجواباً على ذلك فإنَّ هناك أموراً أسأل الله ـ عزَّ وجلَّ ـ أن تكون معينة على تحقيق ذلك ، و لا أدَّعي فيها الكمال، ولكن لعلَّها تكون مقاربة للصحَّة ، ويبقى النقص لازماً فيها .
معالم على طريق النصر، وإضاءات للسائرين في قافلة العز
[1] ففروا إلى الله:
هذا نداء قرآني جليل ، ينبغي تأمله بعمق وشمولية ، فإنَّ من أولى الأولويات في ذلك:(68/24)
أـ إفراد الله بالعبودية الكاملة ، وعدم الاستعانة والاستغاثة إلا به ، فتقوية ركائز الإيمان في قلوبنا سبب معين لنصرتنا على أعدائنا، وقد اشترط الله على من يريد أن ينصره ؛ أن ينصر اللهَ ـ عز وجل ـ[ ولينصرنَّ الله من ينصره] الحج[40].
والمتأمل في حال الكثير من المسلمين يجد العجب العجاب في التفريط بهذا الشأن ؛ فكم هم القوم الذين لا يفردون الله بالعبادة والتوحيد وينزلقون في براثن الشرك ؟
وكم هم القوم الذين يشركون حاكمية الله بحاكمية غيره من الطواغيت والأنداد والقوانين الوضعية والمحاكم القانونية الكافرة ؛ التي لا تحكم بما أنزل الله ؟
وكم هم القوم الذين يتعبدون الله بالبدع والضلالات ، ويلزمون الناس باتباعهم في تلك الخرافات؟
وكم هم القوم الذين يوالون أعداء الله ويعادون أولياء الله بأساليب الأذى والتبكيت؟
وكم هم القوم الذين يتشبَّهون بأعداء المسلمين ؟
إنَّ تقصير الكثير من المنتسبين إلى الإسلام بتلك القضايا المصيرية أمر واضح ، فمتى يترك هؤلاء ذلك الخطل والخلل؟!
ولهذا فإنَّ الإمام ابن تيمية لمَّا رأى تكالب الجيش التتري المغولي على بلاد الإسلام وتقتيله المسلمين وكثرة الهزائم المتتابعة عليهم ، نظر بعين البصر والبصيرة أسباب تلك الهزائم فوجد أنَّ من أهمها إصلاح عقائد من تلوث ممن ينتسب للإسلام بدرن الشرك ، وقد حدَّث ـ رحمه الله ـ كيف أنَّه لما هاجم التتارُ بلادَ الشام ؛ خرج أهل الشام يستغيثون بالموتى عند القبور التي يرجون عندها كشف ضُرِّهم ، وقال بعض شعرائهم:
ياخائفين من التتر * لوذوا بقبر أبي عمر
لوذوا بقبر أبي عمر* ينجيكموا من الخطر
قال ـ رحمه الله :"فلما أصلح الناس أمورهم وصدقوا في الاستغاثة بربهم نصرهم على عدوهم نصراً عزيزاً" الاستغاثة [2/276ـ277]
ب ـ الاعتصام بكتاب الله ـ تعالى ـ وسنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم ؛ فإنَّهما الركن إن خانتك أركان، وتقديم أوامرهما ونواهيهما على أي شيء عارضهما أو صرف النظر عنهما.
ج ـ تغيير ما بالنفس من معاصٍ وآثام، وحب للفواحش والمنكرات، فإذا أردنا أن ينصرنا الله فلنغير من أنفسنا ؛ وهذه قاعدة ربانية ذكرها الله في كتابه بقوله: [ إنَّ الله لا يغير ما بقوم حتَّى يغيروا ما بأنفسهم] الرعد[11]، وعن عبد الله بن عمرـ رضي الله عنهما ـ قال: كنت عاشر عشرة من المهاجرين عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقبل علينا بوجهه، وقال: "يا معشر المهاجرين: خمس خصال إذا ابتليتم بهنَّ ـ وأعوذ بالله أن تدركوهنَّ ـ : لم تظهر الفاحشة في قوم حتَّى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا، ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا ابتلاهم الله بالسنين وشدَّة المؤنة وجور السلطان، ولا منع قوم الزكاة إلا مُنِعُوا القطر من السماء ؛ ولولا البهائم لم يمطروا، ولا خفر قوم العهد إلا سلِّط عليهم العدو فأخذ بعض ما في أيديهم، وما لم تعمل أئمتهم بما أنزل الله في كتابه إلا جعل بأسهم بينهم] أخرجه الحاكم و البيهقي بسندٍ صحيح، ورواه ابن ماجه في سننه وقال محققه في الزوائد : هذا حديث صالح للعمل به . انظر سنن ابن ماجه [2/1333]، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة برقم[106].
تلك حقيقة ثابتة ، فإذا نحن عصينا الله ، وخالفنا أمره سلَّط علينا الأعداء والوباء والضرَّاء [فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم] النور[63].
وما يصيبنا الآن من المصائب والمدلهمات جزء لا يتجزأ من عقوبة الله لنا لتقصيرنا في حقِّه، وليس بيننا وبين الله حسب ولا نسب [ وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم] الشورى[30]. فلا يحقُّ لنا بعد ذلك أن نتساءل : لم لا ينزل الله النصر علينا؟ ونحن مفرطون بأوامره ونواهيه ، وإذا كان ـ سبحانه ـ لم ينزل نصره على العصبة المؤمنة من الصحابة لخطأ ارتكبه بعضهم فلم ينالوا جميعاً ذلك النصر، وحين تساءلوا عن سبب ذلك، عزاه الله ـ عزَّ وجلَّ ـ لأنفسهم قائلاً : [أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنَّى هذا قل هو من عند أنفسكم]آل عمران[165].
وقد أُثر عن العباس بن عبد المطلب ـ رضي الله عنهما ـ : "ما نزل بلاء إلا بذنب ، وما رُفع إلا بتوبة " ، ورحم الله أبا الدرداء ـ رضي الله عنه ـ حيث كان يقول للغزاة: "أيُّها الناس ! عمل صالح قبل الغزو ، فإنَّما تقاتلون بأعمالكم "أخرجه ابن المبارك في كتاب الجهاد صـ61 رقم[5] وبوَّب له البخاري في كتاب الجهاد من صحيحه فقال: [باب: عمل صالح قبل القتال ] [6/24] . ولله درُّ الفضيل بن عياض حين قال للمجاهدين عندما أرادوا الخروج لقتال عدوهم : "عليكم بالتوبة ! فإنها ترد عنكم ما ترده السيوف".
د ـ صدق اللجوء والتضرع إلى الله ، ودعاء الله بقلب وَجِلٍ ؛ فنحن عبيد لله ، وهو ـ سبحانه ـ يحب أن يسمع دعاء عبيده في كشف الضر عنهم وهم منطرحون بين يديه ، أمَّا إذا رأى عبيده قد استغنوا عنه ونسوه فإنه سينساهم مقابلة لهم بعملهم السيئ[نسوا الله فنسيهم] التوبة[67].(68/25)
وقد أخبر ـ سبحانه ـ عن قوم لما أنزل عليهم بأسه استغنوا عن دعائه والافتقار بين يديه فلم ينقذهم من تلك النازلة ؛ بسبب كبرهم وقسوة قلوبهم، قال ـ تعالى ـ : [فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا ولكن قست قلوبهم وزيَّن لهم الشيطان ما كانوا يعملون] الأنعام[43] وقال ـ تعالى ـ: [ولو رحمناهم وكشفنا ما بهم من ضر للجُّوا في طغيانهم يعمهون * ولقد أخذناهم بالعذاب فما استكانوا لربهم وما يتضرعون] المؤمنون[75] .
ومن ذلك كثرة الاستغفار ؛ فإنَّه من أعظم أسباب القوة . قال ـ تعالى ـ على لسان نبي الله هود ـ عليه السلام:[و يا قوم استغفروا ربكم ثمَّ توبوا إليه يرسل السماء عليكم مدراراً ويزدكم قوَّة إلى قوتكم ] هود[52] وقال ـ تعالى ـ: [ وأن استغفروا ربكم ثمَّ توبوا إليه يمتعكم متاعاً حسناً إلى أجل مسمى ويؤت كلَّ ذي فضل فضله]هود[3].
وبهذا الفرار الصادق إلى الله يتميز المسلم الحق عن غيره من أصحاب الرايات الجاهلية ؛ بقوة العقيدة، والتمسك بها ، والذود عن حياضها ؛ فلا رفعة لأهل الإسلام إلاَّ بمفاصلتهم للكافرين.
ومن أجل ذلك فهم أعرف الناس بسبل المجرمين ، والذين يريدون أن يحرِّفوا جهادهم وكفاحهم لأجل العرى القومية ، أو الوطنية ، وعندئذٍ فأي فرق بين من يدعي الإسلام ومن يقاتلهم لأجل تلك الرايات العمياء الشوهاء ؟
والمؤمن كيِّس فطن ؛ فليحذر من الملاينة أو المسايرة لذوي التوجهات الخاوية ، فلن تكسب ديناً ولا دنيا ، وليقتدِ برسول الهدى محمد صلى الله عليه وسلم " فلقد كان كبار المشركين يعرضون على رسول الله صلى الله عليه وسلم المال والحكم والمتاع في مقابل شيء واحد ، أن يدع معركة العقيدة وأن يدهن في هذا الأمر ! ولو أجابهم ـ حاشاه ـ إلى شيء مما أرادوا ما بقيت بينهم وبينه معركة على الإطلاق! إنها قضية عقيدة ومعركة عقيدة ، وهذا ما يجب أن يستيقنه المؤمنون حيثما واجهوا عدواً لهم ، فإنه لا يعاديهم لشيء إلا لهذه العقيدة [ إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد] البروج[8] ويخلصوا له وحده الطاعة والخضوع . وقد يحاول أعداء المؤمنين أن يرفعوا للمعركة راية غير راية العقيدة، راية اقتصادية أو سياسية أو عنصرية ؛ كي يموهوا على المؤمنين حقيقة المعركة، ويطفئوا في أرواحهم شعلة العقيدة؛ فمن واجب المؤمنين ألاَّ يخدعوا ، ومن واجبهم أن يدركوا أنَّ هذا تمويه لغرض مُبَيَّت ، وأن الذي يغير راية المعركة إنما يريد أن يخدعهم عن سلاح النصر الحقيقي فيها "مقطع من كلام الأستاذ سيد قطب،في كتابه ( معالم على الطريق) صـ201 ـ 202
والعيب كلُّ العيب أن يكون الكفار أشد تمسكاً بدينهم وعقيدتهم من المسلمين ، وتُسَيَّر حروبهم ومعاركهم نصرة لعقيدتهم وقيمهم ، مع أنَّ الله ـ سبحانه ـ أمر المسلمين بالاستمساك بهذا الدين والعضِّ عليه بالنواجذ ، ومن ذلك قوله ـ تعالى ـ : [فاستمسك بالذي أوحي إليك إنَّه لعلى هدى مستقيم * وإنَّه لذكر لك ولقومك وسوف تسألون] الزخرف[43 ـ 44]
ولعلِّي أُدَعِّم حجتي هذه بشاهد قوي يوضح هذه الحقيقة التي غابت عن أذهان المسلمين ردحاً من الزمن ، وفترة من الدهر ، مختاراً إمبراطورية الشر والفساد [أمريكا] فقد صدرـ بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر ـ كتاب بعنوان[الدين في القرار الأمريكي] من تأليف : محمد السماك، يوضح فيه الأيديولوجية العقدية التي ينطلق منها الأمريكيون في قتالهم المسلمين ، وأنَّ مبنى قراراتهم على النبوءات التوراتية عبر تولي رؤسائهم مناصب الحكم وتقاليده مروراً بـ ( ليندون جونسون ـ وجيمي كارتر ـ ورونالد ريجان ـ وجورج بوش الابن) فمثلاً:
ـ الرئيس ليندون جونسون قال في عام 1968م، في خطاب ألقاه في العاشر من أيلول ـ سبتمبر ، أمام منظمة يهودية أمريكية :" إنَّ لأكثركم ، إن لم يكن لجميعكم، روابط عميقة مع أرض ومع شعب إسرائيل ، كما هو الأمر بالنسبة إليَّ ؛ ذلك لأنَّ إيماني المسيحي انطلق من إيمانكم . إنَّ القصص التوراتية محبوكة مع ذكريات طفولتي ، كما أنَّ الكفاح الشجاع الذي قام به اليهود المعاصرون من أجل التحرر من الإبادة منغمس في نفوسنا"صـ41.
ـ الرئيس ريجان حيث يقول في مقابلة صحفية نُشرت له في جريدة الواشنطن بوست: " إنني أعود إلى النبوءات القديمة المذكورة في العهد القديم، وإلى المؤشرات حول هرمجدون ؛ فأتساءل بيني وبين نفسي ، ما إذا كنَّا الجيل الذي سيرى تحقق ذلك. لا أعرف إذا كنت لاحظت معي أيَّاً من هذه النبوءات مؤخراً، ولكن صدِّقني إنَّها ـ أي النبوءات ـ تصف بالتأكيد ما نمرُّ به الآن"صـ43.
ـ الرئيس رونالد ريجان وافق عام1986م على قصف ليبيا باعتبارها عدواً لله ! صـ43.(68/26)
ـ الرئيس جورج بوش الابن تربى تربية ملتزمة مع عقيدة الحركة الصهيونية المسيحية ، ففي مناسبة أداء صلاة الفصح يوم الجمعة 18/نيسان ـ أبريل 2003م، والتي ترأسها القس فرانكلين جراهام، قال بوش في معرض إشادته بالقس جراهام: " لقد غرس في قلبي بذور الإيمان ، فتوقفت عن تعاطي المسكرات واعتنقت المسيح "ومن المعلوم أنَّ هذا القس الخبيث قال في المناسبة نفسها:" إنَّ الفرق بين الإسلام والمسيحية هو كالفرق بين الظلام والنور" صـ59 . وقال كذلك عن الإسلام:" إنه دين شيطاني وشرير " صـ61. وكذلك فإنَّ بوش يجتمع صباح كل يوم ، قبل بدء عمله في البيت الأبيض مع كبار موظفيه ومستشاريه للاستماع إلى موعظة دينية يقدِّمها أحد القساوسة ، تعقبها صلاة ودعاء .. ثمَّ يتوجه الجميع إلى مكاتبهم . صـ61.
ولهذا يقول إيكشتاين: "إنَّ سياسة الرئيس بوش تنطلق من إيمانه العميق بمسيحيته ، ومن تمييزه بين الشرِّ والخير ، وتصميمه على وجوب الوقوف في وجه الشَّر ومحاربته...ومن ثمَّ فإنَّ مواقفه تعبِّر عن قناعات شخصية وليست مناورة سياسية ".
مما سبق يتبين أنَّ قرارات هذه الإدارة مبنية على قيمها العقدية، ونظمها الفكرية ، فجدير بأبناء المسلمين أن يكونوا أشدَّ قناعة بدينهم وعقيدتهم من هذه الطغمة الكافرة ، وأن يشتد فرارهم إلى الله وإقبالهم عليه أكثر مما مضى، فنصر الله لا يتنزَّل إلا على أهل الإيمان:[إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم] محمد[7] . وإنزاله البركات لا يكون إلاَّ لأهل الإيمان والتقى[ولو أنَّ أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذَّبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون] الأعراف[96].
[2] [ وأعدُّوا لهم ما استطعتم من قوة] :
يعجبني كلام ذكره الأستاذ سيد قطب ـ رحمه الله ـ حيث قال: [ إنَّ البعض ينتظر من هذا الدين، مادام منزَّلاً من عند الله ، أن يعمل في حياة البشر بطريقة سحرية خارقة غامضة الأسباب ودون أي اعتبار لطبيعة البشر ولطاقاتهم الفطرية] (هذا الدين ، 3).
وصدق ـ رحمه الله ـ فإنَّ كثيراً من المسلمين يظنون أنَّ الله ناصرهم لأنهم مسلمون فحسب ، ولا يخطر ببالهم أنَّ عليهم صناعة أسباب العزة، والأخذ بعوامل القوة ، والتي تمكِّن المسلمين من الانتصار على أعدائهم ، أمَّا إذا تقوقع المسلمون على أنفسهم ولم يستفيدوا من خبرة أعدائهم في تقوية أنفسهم؛ فإنَّهم لن يستطيعوا أن يرعبوا أعداءهم لأنهم علموا منهم الضعف في المواجهة.
ولهذا حثَّ الرسول محمد صلى الله عليه وسلم على إعداد القوة فعن عقبة بن عامر ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قرأ قول الله تعالى : [ وأعدُّوا لهم ما استطعتم من قوَّة ومن رباط الخيل] قال ـ عليه السلام ـ : [ ألا إنَّ القوة الرمي ، ألا إن القوة الرمي ، ألا إن القوة الرمي] أخرجه مسلم، برقم[1917] في كتاب الإمارة ـ باب فضل الرمي والحث عليه ـ [3/1522] وبيَّن النَّبي- صلى الله عليه وسلم - أنَّ " المؤمن القوي خير وأحبُّ إلى الله من المؤمن الضعيف" أخرجه الإمام مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ.
وطيَّب الله ثرى الشيخ أبي الحسن الندوي حين قال :"وبالاستعداد الروحي ، والاستعداد الصناعي الحربي، والاستقلال التعليمي ينهض العالم الإسلامي، ويؤدي رسالته وينقذ العالم من الانهيار الذي يهدده. فليست القيادة بالهزل ، إنما هي جد الجد، فتحتاج إلى جد واجتهاد، وكفاح وجهاد، واستعداد أي استعداد : كل امرئ يجري إلى يوم الهياج بما استعدا " (ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين؟ ص206) .
وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله- أن الجهاد لو سقط للعجز، فإنَّ المسلم لا يعذر بعدم الاستعداد له، ومالا يتمُّ الواجب إلاَّ به فهو واجب . (فتاوى ابن تيمية 28/259).
والمطالع لأحوال المسلمين اليوم يجد أنهم في ذيل الأمم في هذا الأمر، حتى وصل الحال ببعض ضيقي الأفق ، إلى صد شباب الإسلام عن تعلم العلوم التقنية ، والدخول في الجامعات لدراستها ، وكأنَّ الشاب المستقيم ليس له إلاَّ كلية الشريعة ، أو اللغة العربية ! والحقيقة أنَّ هذا فصام نكد بين العلوم الشرعية والعلوم التقنية الطبيعية ، فإنَّ دين الإسلام دعا إلى الأخذ بأسباب القوة التي ترعب الكفار وترهبهم ، ولا إرهاب مشروعاً للمسلمين تجاه عدوهم في عصرنا الحاضر بعد قوَّة الإيمان إلا بالتعُّلم على الأسلحة المواكبة لعصرنا والمثخنة لأعدائنا، فمتى يتنبَّه دعاة الإسلام لحث طلائع البعث الإسلامي على الانتباه لهذا الأمر وأخذه بعين الرعاية ؟(68/27)
ولنستفد من تجربة اليابان ؛ فحين رأوا أنهم قد هُزموا هزيمة نكراء على يد الأمريكان ، علموا أنَّ من أسباب ذلك: عدم قدرتهم على مواجهة الأمريكان بالسلاح ؛ لأنهم متخلفون في هذا الميدان ، وقد سبقهم الأمريكان في ذلك بعدة أشواط ، فما كان من اليابانيين إلا أن أرسلوا البعثات للتعلم في بلاد الغرب والنهل من علومهم الطبيعية ، حتى يرجعوا إلى اليابان وينقلوا على أرضها تلك التجارب الغربية الطبيعية فتنهض دولتهم . وحين بعثت أول بعثة يابانية إلى دول الغرب رجعوا إلى بلادهم متحللين من مبادئهم، ذائبين في الشخصية الغربية ؛ فما كان من اليابانيين إلا أن أحرقوهم جميعاً على مرأى من الناس ليروا عاقبة من تنكر لأمته ووطنه ولم يرعَ المسؤولية التي أنيطت به ! وبعد ذلك أرسل اليابانيون بعثة أخرى وأرسلوا معها مراقباً، يتابعهم أولاً بأوَّل من ناحية ثباتهم على عقيدتهم ومُثُلِهم الوثنية ، وانهماكهم في استقطاب الأفكار والمعلومات الغربية التقنيَّة وتطبيقها على أرض الواقع حتى يرجعوا لليابان ويفيدوا دولتهم الناشئة . وتمضي الأيام وتكون اليابان بعد سبعين سنة من أكبر منافسي أمريكا وأوروبا في مجال التصنيع التقني والذي منه تصنيع الأسلحة الثقيلة ، فهلاَّ يستفيد المسلمون من تجارب غيرهم ! عسى أن يكون ذلك قريباً !
ومن المعلوم قطعاً أنَّ الكفار ضيعوا أسباب نصرة الله المعنوية ، وهي الإيمان بالله والإيمان برسوله محمد صلى الله عليه وسلم ؛ ولكنهم أبدعوا وبرعوا في صناعة الصواريخ والمتفجرات وأسباب النصرة المادية . ونعلم ـ كما قدَّمتُ قبل قليل ـ أن المسلمين فرَّطوا بالأخذ بأسباب القوَّة الإيمانيَّة وكذا الأخذ بأسباب القوَّة الماديَّة ، وعليه فإنَّ المنطق العقلي السليم يحكم بالانتصار لمن كانت عنده القوة والأسباب المادية . ولو كان مضيعاً للأسباب المعنوية على الذي ضيَّع الأسباب المادية والمعنوية التي تحقق النصر والتمكين. ولذلك انتصر الكفار على المسلمين الذين ضيعوا أوامر الله فنسيهم ـ سبحانه ـ وضيَّعهم ، لذا قال عمر بن الخطَّاب ـ رضي الله عنه ـ لقائده :" إنَّما ننتصر بمعصية عدونا لله وطاعتنا له فإذا استوينا في المعصية كان لهم الفضل علينا في القوة" فمتى يستقيم الظل والعود أعوج؟!.
وقد يتساءل بعضنا : كيف يتمُّ لنا الاستعداد وعندهم الآن صواريخ عابرة القارات ، والأسلحة الذكية، والقنابل النووية والكيماوية والجرثومية والذريَّة ؟!
والجواب: إنَّ الله ـ عزَّ وجلَّ ـ لم يطلب من عباده المؤمنين بالتكافؤ مع أعدائهم الكافرين بالعتاد والسلاح ؛ بل طلب منهم إعداد القوة ؛ بشرط أن تكون هذه القوة مرهبة للكفار ومثخنة لهم، ومع الإيمان والصدق والصبر ومعيَّة الله لعباده المجاهدين يتنزل النصر عليهم بالمدد الإلهي من حيث لا يعلمون.
وما حوادث المجاهدين الأفغان وإسقاطهم للدب الروسي الأحمر ، وقد كان أقوى قوة أرضية تحكم العالم ، ما كان ذلك إلا دليلاً على أنه لا يشترط في قتال الكفار التكافؤ بالعدة والعتاد ، ولا ننسى قصة أبطال الفلُّوجة الذين قاوموا العتاد الأمريكي وأرغموهم على الانسحاب من هذه المدينة مع أنَّ المجاهدين هناك لم تبلغ قوَّتهم المادِّية عشْر معشار قوة جيش التحالف الصليبي ، وهذا أمر معلوم.
إنَّ العدة والعتاد ، ولو كان قليلاً ، إذا اصطحب مع الإيمان الحق ، والإرادة الصادقة فإنَّه لا تقف أمامه أيُّ قوَّة ، وقد قال الله : [إن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين بإذن الله والله مع الصابرين] الأنفال[66]. وحين يتجذر هذا في قلوب الصادقين ، فإنَّهم خلال مناوراتهم الحربية ، وتطلعاتهم المستقبلية لتحرير الأراضي المنكوبة ، سيحاولون أنْ يفجروا من الحجر ناراً، ولو كان ذلك بأساليب بدائية ، فإنَّه كما قيل: الحاجة أم الاختراع ، ومع مرور الزمن تتطور تلك التقنيات البدائية ، وتنمو الأفكار التصنيعية للأسلحة والصواريخ ، وما مقاومة إخواننا في فلسطين الأبيَّة عنَّا ببعيدة ؛ فقد بدؤوا بقتالهم لليهود بالحجر والسكين ، ثمَّ بالمقلاع وقنابل المولوتوف، إلى العمليات الاستشهادية ، إلى حوادث تلغيم الأراضي التي يمر عليها اليهود بسيَّاراتهم ودبَّاباتهم،إلى صواريخهم المباركة المسمَّاة بصواريخ قسَّام[1] وقسَّام[2]، وصاروخ البتار ؛ والذي صنِّع ليكون مضاداً للدبابات ، زادهم الله قوة ومدداً.
وصدق المولى ـ عزَّ وجل ـ إذ قال: [والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإنَّ الله لمع المحسنين]العنكبوت[69] وفي قراءة سبعيَّة:[والذين قاتلوا في سبيل الله فلن يضلَّ أعمالهم * سيهديهم ويصلح بالهم * ويدخلهم الجنَّة عرَّفها لهم] محمد[4ـ5ـ6] إلاَّ أنَّ المأساة الحقيقية في أنفسنا ؛ فكثير منّاَ لم تتعمق لديه تلك المبادئ ، أو تجده يعلم ذلك ولكنَّه يتضاءل عن تلك المعاني الرفيعة، ولا يحاول أن يستعلي بنفسه عن دونية الأرض ويحلق في سماء العزِّ والعزم.(68/28)
قال ابن جوريون في عام 1949م : " كل ما يحيء به العلم الحديث لا يكفي وحده لكسب الحرب. ولن تكون الكلمة الأخيرة للدبَّابة ولا للمدفع ولا للطائرة المقاتلة ؛ إنَّما تكون للإنسان الذي يُسخِّر هذه الوسائل لإرادته" (درس النَّكبة الثَّانية... لماذا انهزمنا... وكيف ننتصر ، للدكتور يوسف القرضاوي صـ68 ).
وصدق عباس العقاد بقوله: [ كثيراً ما يكون الباطل أهلاً للهزيمة ؛ ولكنه لا يجد من هو أهلٌ للانتصار عليه] الفصول صـ239.
أخيراً : لا يريد الكفار إلا غفلتنا عن هذه الأسباب المادِّيَّة ليحكموا الطوق علينا بقوة ، ويستولوا على كامل أقطارنا الإسلامية ، وقد بيَّن الله ـ سبحانه ـ ذلك بأحسن بيان فقال: [ ودَّ الذين كفروا لو تغفلون عن أسلحتكم وأمتعتكم فيميلون عليكم ميلة واحدة] النساء[102] ؛ فمتى يستفيق عقلاء القوم؟!
[3][ ولتسألنّ َعمَّا كنتم تعملون] :
إنَّ مما ينبغي على المتطلع لنصرة هذا الدين أن يستشعر المسؤولية الفردية التي كلَّفه الله بها ، فإنَّه محاسب على كل تقصير اقترفه في حق نفسه وأمته.
والمصيبة التي حلَّت بالمسلمين أنَّ كلاًّ منهم يلقي باللاَّئمة على الآخر ، ويحاول الكثير منهم أن يختفي من واقع العمل إذا طولب بشيء منه ويظنُّ أنه لم يره أحد ، ولم ينتبه له المسلمون، كالنعامة تغطي وجهها تظنُّ أنَّها إن لم ترَ أحداً فإنَّ أحداً لا يراها . والغريب أننا نطالب غيرنا من كبيرنا إلى من هو أدنى منه بأمور عظام ونحن المطالبون بذلك تجدنا من أوائل القاعدين!
فلماذا لا نستشعر بعد ذلك روح المسؤولية ونعلم أننا جميعاً محاسبون لدى الله ـ سبحانه ـ؟ فالمسؤولية لا تخصُّ أناساً بعينهم ؛ وإن كان يشتد وجوبها على آخرين ويعظم في حقِّهم جرم التهاون بها،إلا أنَّها تعمُّ جميع أطياف المجتمع وأشكاله ؛ فالله ـ عز وجل ـ يقول: [ فوربك لنسألنهم أجمعين] الحجر[92] ويقول [ولتسألنَّ عما كنتم تعملون ] النحل [93] ، ويقول: [ يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها] النحل [111] . ولهذا أمر ـ سبحانه ـ محمداً صلى الله عليه وسلم بالقتال ، مبيناً له أنَّ المسلم مكلف بذلك ؛ ولو ترك معظم المسلمين هذه الفريضة قائلاً : [فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلاَّ نفسك وحرض المؤمنين]النِّساء[84].
تلك هي صفة الطموح، والذي يحمل همَّ الإسلام بصدق وجد، ويعيش ذلك الهم بين قلبه وأضلاعه، ويستشعر روح المسؤولية ، ويقلل من الكلام والتلاوم ، ويسعى للعمل ؛ فالرجل وإن كان صامتاً فإن عقله يفكر في الأسباب المعينة على نصرة الإسلام ، وطرائق الرقي بهذه الأمة إلى القمة السامقة، والريادة الكبرى ، ومن ثمَّ صُنع ذلك في أرض الواقع ، وإشعال لهيب المعركة.
لهذا كان من اللازم أن توظف جميع طاقات المسلمين متحركة داخل دائرة العمل الإسلامي ، وألاَّ يستثنى منها أحد ، فكل يعمل بأقصى جهده وقدر استطاعته ، فهذا خير لنا من أن نبقى متفرجين على مآسينا بلا عمل ولا ترتيب ؛ وهو ما يفرح أعداء الدين.
وقد عبَّر عن هذا أحد مشاهير الفلاسفة [إيدموند بورك/1729ـ 1797] بقوله: "إنَّ كل ما تحتاج إليه قوى الشر لكي تنتصر هو أن يظل أنصار الخير مكتوفي الأيدي ، دون القيام بعمل ما " اليهود وراء كل جريمة صـ7 .
وإذا كنا بهذا الضعف والانكماش ، فسيتفرد أهل العلمنة والنفاق بصناعة القرار، ويعيث أهل الفساد في ديارنا بالشر والزندقة !
وجدير إذا الليوث توارت * أن يلي ساحها جموعُ الثعالب
لكن إذا استشعرنا جميعاً المسؤولية وانخرطنا في عمل جاد يقاوم تحركات الكفار، وبذلنا جهدنا في ذلك ، وركبنا الصعب والذلول ، وعلم الله منا صدق النية وصلاحها، ونَصَرْنَا الله ـ عز وجل ـ ولم ننصر أهواءنا وما تمليه علينا رغباتنا ، فإنه ـ سبحانه ـ سيمنُّ علينا بالنصر العظيم والفتح المبين.
وإذا كانت هناك بقية باقية استعصت علينا ؛ لأن قدراتنا لا تسمح بمقاومتها؛ فإنه ـ سبحانه ـ سيتولى ذلك ، لأنه علم منا جميعاً أننا بذلنا الجهد في اقتلاع أطناب الفساد ، وقد أخبر عن نفسه المقدسة حين رأى جنده في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم في عدَّة غزوات وقد بذلوا الغالي والنفيس لقتال أعداء الله ، وبقيت هناك بعض الأمور التي استعصت عليهم ، ولم يكن بمقدورهم التمكن منها، فإنه ـ سبحانه ـ تولى ذلك وأنزل الفتح المبين. قال ـ تعالى ـ:[ وأخرى لم تقدروا عليها قد أحاط الله بها وكان الله على كلِّ شيء قديراً] الفتح[21]. ومن تأمل قصة أصحاب الغار وكيف أنهم لما انطبقت عليهم الصخرة ، وكانوا من أعظم الناس إيماناً وحاولوا إزاحتها عن الباب ؛ ليخرجوا ، فلم يقدروا . ثمَّ دعا كل منهم ربَّه وانطرح بين يديه صادقاً ورفعوا أكفَّ الضراعة إلى الملك الرحيم العليم القادر وتوسل كل منهم إلى الله بأحسن عمل صالح فعله في حياته كلها، وبعد أن استنفدوا جهدهم وطاقتهم في طلب إزاحة هذه الصخرة ، ولم يركن أحد منهم ويطلب من الآخر أن يعمل وهو ينظر ؛ بل تحركوا جميعاً للعمل والدعاء ، وحين رأى الله ـ سبحانه ـ تلك العزائم الصادقة ؛ أمر تلك الصخرة أن تنزاح ليُخرج عباده المؤمنين إلى أرضه الفسيحة.(68/29)
وما لم يفكر أبناء الأمة الإسلامية باستعادة مجدهم وتاريخهم العريق فلن يفكر بذلك أحد غيرهم ؛ بل سيخطط أعداء هذه الأمة لتحطيم الإسلام وإبادة أهله ، وقد فعلوا فالتأوه والحزن لا يصنع شيئاً، ولا يغير واقعاً ، ولله درُّ إبراهيم طوقان حين قال:
أفنيتَ يا مسكين عمرك بالتأوه والحزن
وقعدت مكتوف اليدين تقول:حاربني الزمن
ما لم تقم بالعبء أنت ؛ فمن يقوم به إذن؟
كم قلتَ : أمراض البلاد ، وأنت من أمراضها
والشؤم علتها ؛ فهل فتشت عن أعراضها؟
والغريب أننا مع كثرتنا وافتخارنا بأننا أمة المليار وربع المليار ، لم نستطع وإلى الآن أن نردع العدو، وأن نكسر شوكته، وأن ننطلق في الآفاق لنشر دعوة الله في أرجاء العالم!
إنها الغثائيَّة التي أخبر عنها الرسول صلى الله عليه وسلم وكشف لأمته عن الأسباب العميقة لضعفها حين تضعف ، حيث قال : "يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها. قالوا: أمن قلة نحن يومئذ يا رسول الله؟ قال: بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعنّ الله من صدور عدوكم المهابة منكم ، وليقذفنّ في قلوبكم الوهن. قالوا وما الوهن؟ - أي ما سببه وما سره فإن معنى الوهن معروف وهو الضعف- قال : حبُّ الدنيا ، وكراهية الموت) أخرجه أبو داود في سننه (2/10 2) بسند جيد .
ولهذا فحين رضينا بالدون وأحببنا الدنيا ، وصرنا نرضى بالحياة أي حياة ـ وللأسف ـ ، ولو كانت حياة هزيمة ووهن ، وأصبحت كثرتنا لا تصنع شيئاً ؛ فصرنا كما قال الشاعر:
يثقلون الأرض من كثرتهم * ثم لا يُغنون في أمر جلل
وقد عبَّر عن ذلك الدكتور عبد الودود شلبي حيث قال: "لقد سقط (المجدار) ، ومشت سكة الأجنبي في حقل الإسلام، وتداعت الأمم على المسلمين، كما تنبأ النبي صلى الله عليه وسلم قبل ذلك بأكثر من ألف وأربعمائة عام" (أفيقوا قبل أن تدفعوا الجزية للأستاذ عبدالودود شلبي ، صـ 29).
إنها معادلة صائبة حين نقول: غثائية جماعية = تداعي الأمم.
[4] [ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثاً]:
إنَّ من أخطر ما أصيب به المسلمون في كثير من أعمالهم أن معظمها صار[ ردود أفعال] فما إن تشتعل في قلوبنا حتَّى تنقطع من جديد ؛ لأننا ـ غالباً ـ نتحرك بلا هدف ولا تخطيط ؛ فالأحداث تُسَيِّرُنا وتفرض نفسها علينا ، وكثير منَّا لا يُكَيِّفُهَا حسب خطة عمل ، أو يوظفها لصالحنا،
لذا أضحت أفعالنا وقتية ، وتحركاتنا آنية . ولا شكَّ أنَّ هذا خلاف العمل المتكامل ، وكثير من علماء الإدارة يوصون بكلمة قصيرة لكن معناها عميق وهي [ابدأ والنهاية في ذهنك].
إن النجاح الحقيقي أن يعرف الإنسان هدفه في الحياة ، وهدفه من العمل الذي يريد تحقيقه ، ثم يسعى لذلك مرتباً لكل مرحلة منهجيةً يسير عليها، ومعالم يستنير بها ، فلا يكون حاله كحال كثير منَّا يعمل متحمساً في البداية ثم ينقطع في آخر الشوط ، فلم يفلح ولم يصلح . وقد نهى الله عن ذلك بقوله:[ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا] النحل[92] .
إنَّ من أهمِّ الأمور التي وصَّانا بها علماؤنا أن يكون للإنسان في ما يريد فعله عزمة بداية ، وعزمة نهاية ؛ فتكون شرارة توقد البداية ، وعزمة تستمر للنهاية .
قال الإمام ابن رجب ـ رحمه الله ـ " العزم نوعان: أحدهما: عزم المريد على الدخول في الطريق، وهو من البدايات. والثاني: العزم على الاستمرار على الطاعات بعد الدخول فيها ، وعلى الانتقال من حال كامل ، إلى حال أكمل منه ، وهو من النهايات... وعون الله على قدر قوة عزيمته وضعفها ، فمن صمَّم على إرادة الخير أعانه الله وثبَّته، كما قيل:
على قدر أهل العزم تأتي العزائم *وتأتي على قدر الكرام المكارم)
(مجموع رسائل الحافظ ابن رجب الحنبلي ، تحقيق طلعت الحُلواني، 1/344)
ومن هنا فإنَّ على مريد التمكين لهذا الدين أن يواصل سيره فلا يكلَّ ولا يملَّ ، وينكب لمشروعه النُّصروي لهذه الأمَّة انكباباً ينحني له الظهر ولو كانت بدايته مضنية، ولا ضير ؛ فقد نقل الإمام الشوكاني- رحمه الله- في (أدب الطلب) عن أفلاطون كلمة رائعة حيث قال : "وما أحسن ما حكاه بعض أهل العلم عن أفلاطون فإنه قال : الفضائل مُرَّة الأوائل حلوة العواقب ، والرذائل حلوة الأوائل مرَّة العواقب] (أدب الطلب ومنتهى الأرب/ 186) .
فلنأخذها قاعدة أنَّ العمل الإصلاحي سيكون شاقاً في بدايته إلاَّ أنَّ ثمرته ستكون يانعة مورقة ؛ ولا بدَّ لذلك من نفس تضيء ، وهمَّة تتوقد ، وليكن لسان الحال كما قيل:
إنَّ عليَّ أن أسعى * وليس عليَّ إدراك النجاح
[5] [يا أيُّها الذين آمنوا لِمَ تقولون ما لا تفعلون] :(68/30)
كثير من المسلمين ـ في تقديري ـ لا ينقصهم الوعي ـ وإن كان لا بدَّ من زيادته ـ بقدر ما ينقصهم امتلاك الإرادة والعزيمة والإصرار على تحويل المكتوب في القرطاس إلى واقع حي ، ومن هذا المنطلق فإننا نحتاج إلى أن نفعل ما نقول وما نكتب ؛ فما احترق لسان بقوله : (نار) ، وما اغتنى إنسان بقوله : (ألف دينار)، والحلول التي كتبها كثير منا في الإصلاح ومواجهة الأعداء صحيحة ، لكنَّها عملياً ليست ملموسة على أرض الواقع ؛ ولأضرب مثلاً:
أ ـ كثير من الكُتَّاب والعلماء والمثقفين ذكروا أن من أسباب هزائمنا المتوالية : انعدام الهدف ، وعدم وجود خطة استراتيجية لمقاومة الطغاة المعتدين ، فهل بدئ بترتيب شيء من هذا الكلام؟
ب ـ وكثير من العلماء والمفكرين يذكر أن من أسباب هزائمنا عدم الاعتصام بالكتاب والسنة ، ثم نجد بعضاً منهم مفرطاً بهذا الأمر، فينشغل بالبدع والخرافات ، وتقديم العقليات ، والمصالح الموهومة على النصوص الشرعية.
ج ـ وكثير ممن يحترق لأمته من أهل الدين والصلاح يقول: إنَّ من أعظم أسباب انتصارنا[وحدة الصف، وجمع الكلمة ، ورأب الصدع ، واتفاق المسلمين] ومع ذلك تجده في مواطن عدة يكون مفتاحاً للتفرق المذموم، ومضياعاً لسنة الاجتماع، ومفرطاً بأدنى الحقوق مثل حقوق المسلم على أخيه المسلم، مشهراً بعيوب من قام بنصرة دين الله ، وتعليم الناس دين الحق.
إنَّ هذه نماذج توضح أننا نمتلك رصيداً طيباً من الوعي ، إلا أنه يغاير ذلك تطبيق ما وعيناه على أرض الواقع.
إنَّ داء الكلام بلا عمل وتطبيق أمر قدْ حذَّر الله منه ومقت فاعليه قائلاً في محكم التنزيل [ يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون * كبر مقتاً عند الله أن تقولوا مالا تفعلون]الصف[2] ولهذا فلا يستغرب أن تجد من يكثر الكلام أو النقد الآثم والجدل المذموم أن لا يحسن إلا ذلك، فلا يكون إلا ثرثاراً مهذاراً وليس لديه تجاه تلك النوازل إلا توسيع دوائر الفرقة ، والقدح في أولياء الله المؤمنين والمدافعين عن حياض الأمة وكرامتها فهو كما قيل : جعجعة لا نرى لها طحناً إلا إثارة الفتن.
وصدق معروف الكرخي حين قال: ( إذا أراد الله بعبد خيراً فتح له باب العمل ، وأغلق عنه باب الجدل، وإذا أراد الله بعبد شراً أغلق عنه باب العمل وفتح له باب الجدل ) رواه أبو نُعَيْم في حلية الأولياء[8/361] ، وقال الحسن :( إنَّ هؤلاء مَلُّوا العبادة ووجدوا الكلام أسهل عليهم وقلَّ ورعهم فتحدثوا] وقال الأوزاعي: [ إنَّ المؤمن يقول قليلاً ويعمل كثيراً ، وإنَّ المنافق يتكلم كثيراً ويعمل قليلاً) .
وما أحسن ما قاله عثمان بن عفَّان- رضي الله عنه- موصياً قوماً لقيهم : ( أنتم إلى إمام فعَّال؛أحوج منكم إلى إمام قوَّال) ( تثبيت أفئدة المؤمنين بذكر مبشِّرات النصر والتمكين/ لسيِّد عفَّاني صـ515 ).
إنَّ من يتقن فنَّ الكلام فحسب مع الجدل الذي لا فائدة فيه ، فإنَّه ينبغي عليه أن يعلم بأنَّ ذلك ليس من شيمة أهل الإصلاح وَرُوَّاد التغيير، وإنما هو شيمة أهل الكسل والثرثرة :(رضوا بأن يكونوا مع الخوالف وطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون) التوبة[87] وذلك لضعف الإرادة ، وحبُّ الذات والأنانية الَّتي سيطرت على توجهاتنا ، فصار كلٌّ يدَّعي أنَّ منهجه هو الصواب ، وما عداه يضرب به عرض الحائط ولا يبالي. وقد صوَّر حالتنا هذه الشاعر بقوله:
كلٌّ يقول : أنا الَّذي
فإذا الَّذي ليس الَّذي
يا ويح من لم يفعل !
لقد نامت عدَّة مشاريع على الرفوف ولم تنشر في أرض الواقع بسبب الأنانيَّة وحبِّ التصدر والحديث ، وعشق الرياسة ! فمتى ينتبه دعاة الإسلام لهذا الخلل، ويحاولون إصلاحه؟
[6] [أفمن يمشي مكباً على وجهه أهدى أمَّن يمشي سوياً على صراط مستقيم]:
من أكبر أسباب هزائمنا انعدام المنهج التخطيطي لدى الكثير من الكوادر القيادية المسلمة ، ومن يقارن حالنا بحال أعدائنا يجد الفرق الهائل والبون الشاسع بيننا وبينهم من ناحية الخطة والتنظيم الحركي والعسكري ، ولذا انتصر كثير منهم علينا ؛ لأننا في الحقيقة واجهناهم بلا خطة ولا تنظيم، وصدق من قال:
درجنا على فوضى أضاعت جهودنا *وغالوا بترتيب الجهود وأقدموا
وقد يرجع الحقُّ المشوَّش خائباً * وينتصر البطلان وهو منظَّم
فمن اللازم علينا في فترتنا الراهنة أن نعدَّ خطة استراتيجية لمقاومة الاحتلال الصهيو/صليبي ، ولا يتمُّ ذلك إلا بالتأني والدراسة العميقة وقوة التخطيط، وذكاء الترتيب ، وهندسة الأفكار، وبعد النظرة ، وشمول الفكرة ، وألاَّ نهتم بالسرعة في العمل بقدر ما يهمنا قوة إيماننا وفكرتنا والتخطيط لأعمالنا ومحاولة تقسيمها على دوائر العمل والتحضير ، فكثير منا ـ نحن الإسلاميين ـ ، لا ينقصه الزكاء ـ إن شاء الله ـ مع أهمية تعاهده ، بقدر ما ينقصنا الذكاء في العمل، والبراعة في التخطيط ؛ حتى ننجح في عملية المقاومة.(68/31)
لكن ذلك يحتاج منَّا إلى سرعة تفعيله ، ومبادرة حكيمة في رسمه ، فالأوقات تمضي ، وها هو ابن الجوزي يوصينا قائلاً : ( واعلم أنَّك في ميدان سباق، والأوقات تنتهب ، ولا تخلد إلى كسل ، فما فات ما فات إلا بالكسل، ولا نال من نال إلا بالجد والعزم، وإنَّ الهمَّة لتغلي في القلوب غليان ما في القدور)( صيد الخاطر/صـ286).
وأختم هذه الفقرة بكلام بديع ذكره الأستاذ المفكر وحيد الدين خان في خواطره قائلاً: [إنَّه من الممكن أن تبني مستقبلاً خيالياً للأمَّة بفيضانات الشعارات والخطب والقصائد الحماسية ، ولكن لا يمكن تعمير مستقبل حقيقي للأمَّة وبدون جهد حقيقي للأمَّة وجهد مخطط طويل الأجل.
إنّ َتعمير الأمَّة كزرع البلوط ؛ حيث يجب عليك أن تنتظر قرناً كاملاً بعد زرع بذرة البلوط حتَّى تصبح شجرة مكتملة عملاقة. وإذا كنَّا نريد أن تصبح أمتنا قوية راسخة فلا بد أن نخلق في أنفسنا عزيمة الجهد المخطط الطويل الأمد. أمَّا الذين يريدون أن يصلوا إلى الهدف النهائي بمجرد بدء الهدف، فيجب أن يعرفوا أنَّ جهدهم هذا ليس سوى وثبة نهايتها الموت والفناء، ولا شيء غير ذلك) خواطر وعبر/ صـ7 .
[7] [وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحقَّ عليها القول فدمَّرناها تدميرا]:
إنَّ من أهمِّ لوازم الجماعة المسلمة التي تريد أن تحقق النصر لأمتها وتكون خير أمَّة أخرجت للناس أن تبتعد كل البعد عن دواعي الترف، والحياة المخملية ، والركون إلى الرفاهية ، وقدْ وصَّى بذلك الخليفة الراشد عمر بن الخطاب-رضي الله عنه- بعض عمَّاله العرب وهم في بلاد العجم:( إياكم والتنعم وزي العجم، وعليكم بالشمس ؛ فإنها حمَّام العرب، وتمعددوا [1] ، واخشوشنوا ، واخشوشبوا، واخلولقوا) انظر: اقتضاء الصراط المستقيم ـ لابن تيمية ـ رحمه الله ـ .
ولهذا لمَّا تربى الرعيل الأول وجيل الصحابة على حياة الخشونة ، والانقشاع من حياة الأثرة والأُبَّهَة ؛ فتحوا البلدان ومصَّروا الأمصار ؛ لأنهم لم يتعلقوا بزخرف الدنيا الفاني، ولا نعيمها الزائل ، فلله درُّهم.
قال أبو أمامة- رضي الله عنه- :( لقد فتح الفتوح قوم ما كانت حلية سيوفهم الذهب ولا الفضة إنَّما كانت حليتهم القلابي والآنك والحديد) أخرجه البخاري برقم [ 2909].
ليس المروءة أن تعيش منَعَّماً * وتظل معتكفاً على الأقداح
ما للرجال وللتنعم إنما * خلقوا ليوم كريهة وكفاح
قال الشيخ المجاهد عبدالله عزَّام ـ رحمه الله ـ : (لقد رأيت أنَّ أخطر داء يودي بحياة الأمم هو داء الترف الذي يقتل النخوة ، ويقضي على الرجولة ، ويخمد الغيرة ، ويكبت المروءة) ( عبدالله عزَّام لمحمد العامر/ ص119.
ويكفي علماً أن بطر العيش من أسباب هلاك الأمم ، قال ـ تعالى ـ : [ وكم أهلكنا من قرية بطرت معيشتها فتلك مساكنهم لم تسكن من بعدهم إلا قليلاً ] القصص[58] . فمن الأهمية بمكان أن يعي جيل النصر المنشود هذا الأمر كامل الوعي ، وأن يحذر منه ؛ فكم حذَّر منه أهل العلم والجهاد ، وعلموا أنَّه من أكبر العوائق عن المطالب العلى ، وأنَّه مفتِّر للهمَّة ، مثقل للعزيمة ، فكيف يكون من بُلِيَ به ناصراً لدينه ؟! وهل تسترد الأمجاد والدول بخِرِّيْجِي القصور والفنادق، أم بخرِّيجي المساجد والمعارك والخنادق؟! ولذلك نصر الله رسوله ، وأنجز وعده حين ذاق مرارة الجوع ، وقد أخبر صلى الله عليه وسلم عن نفسه بشيء من تلك المعيشة فقال: (لقد أُخفتُ في الله وما يُخَافُ أحد ، ولقد أوذيت في الَّله وما أوذي أحد ، ولقد أتت عليَّ ثلاثون ـ من بين يوم وليلة ـ وما لي طعام يأكله ذو كبد إلاَّ شيء يواريه إبط بلال) أخرجه أحمد 3/120 بسندٍ صحيح.
[8] [ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم] :
لا أظنُّ أنَّ مسلماً يختلف في أهمية أن يكون المسلمون صفَّاً واحداً قبالة أعدائهم ، غير مختلفي القلوب والمنهج ؛ فوحدة الصف وجمع الكلمة من أهمِّ الأمور المعينة على نصر الله ، وقد جاء في صفة الزمرة الأولى التي تدخل الجنَّة أنهم [لا اختلاف بينهم ولا تباغض ، قلوبهم قلب واحد ] أخرجه البخاري[4/143]
فالمنهج الإلهي و القوانين البشرية أوضحا أنَّ الأمة المختلفة والمتناحرة والضعيفة من الداخل لا تستطيع أن تتغلب على الخطر الذي يداهمها من الخارج ، فإنَّ ذلك أمر مستحيل و: (في المنطق الرياضي تنابز القوى الإيجابية تكون المحصِّلة فيها صفراً فكذلك في المنطق الإسلامي تكون المحصِّلة فيها صفراً [ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم] الأنفال[46] ) مابين القوسين مقطع من كلام الدكتور منير الغضبان في مجلَّة البيان عدد[201] صـ55 .
ومما يحزن له المسلم في هذا العصر حين يرى ذلك التفرق والاختلاف المذموم بين كثير من فئات الحركات الإسلامية ، وتشكيك كلِّ حركة بالأخرى، وفرض كلِّ حركة على أتباعها نوعاً من الوصاية الفكرية ، فلا تجدهم يقرؤون إلا لمنظري الحركة وعلمائها ، ولو علموا أن أحداً من أتباعهم يقرأ أو يحضر لغيرهم لشنُّوا عليهم حملة عارمة لا هوادة فيها !(68/32)
وصدق أحد الشعراء حين قال مشخِّصاً اختلاف كثير من أتباع الجماعات الإسلامية ، وتفرقهم وتعصبهم:
وما شكواي أو شكواك إلا * لفوضى في المجامع وانقسام
ترى كلاً له أمل وسعي * وما لاثنين حولك من وئام
لكل جماعة فينا إمام * ولكنَّ الجميع بلا إمام
وحين رأى الكفار هذا التفرق الذي يدبُّ في أمتنا ، ويفرق بين صفوفها استولوا على كثير من أقطارها لانعدام الوحدة الإسلامية . وهذا ديدنهم في كل حين ، حين يرون أهل الإسلام قد اختلفوا وتشرذموا فرقاً وأحزاباً كل حزب بما لديهم فرحون ، فإنهم سيلتهمون بلاد الإسلام ، وقد نبَّه إلى هذا الملمح الإمام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ بقوله: ( وبلاد الشرق من أسباب تسليط الله التتر عليها كثرة التفرق والفتن بينهم في المذاهب وغيرها، حتَّى تجد المنتسب إلى الشافعي يتعصَّب لمذهبه على مذهب أبي حنيفة حتى يخرج عن الدين ، والمنتسب إلى أحمد يتعصَّب لمذهبه على مذهب هذا أو هذا، وكلُّ هذا من التفرق والاختلاف الذي نهى الله ورسوله عنه) مجموع الفتاوى[22/254].
فمن الفطنة أن نردم الشقاقات بيننا وأن نتلاقى لقاءً إيمانياً أخوياً ، ولِنُفَوِّتَ على أعدائنا فرصة الفرحة بوقوع الخلافات بين الإسلاميين أو تثميرها واستغلالها لصالحهم.
لكن ذلك لا يمنع الاختلاف في وجهات النظر ، ولا يمنع إذا وقع أحد من أهل العلم بخطأ أن يُبَيَّنَ خطؤه ، ففرق بين تبيين الخطأ للناس مع وجود الرابطة الأخوية التي تجمع بين الراد والمردود عليه ، وبين ما إذا أخطأ أحد العلماء أو المجاهدين أو الدعاة أن يكون ذلك بداية للانشطار والتطاحن الفكري، والذي يكون أكثره ليس لله ـ وللأسف ـ بل لحظوظ النفس ورغباتها، أو للحزبية المقيتة.
ومن جميل كلام شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ في هذا المقام: (وقد كان العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم إذا تنازعوا في الأمر اتَّبعوا أمر الله ـ تعالى ـ في قوله: [فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسولل إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا] النساء[59] ، وكانوا يتناظرون في المسألة مناظرة مشاورة ومناصحة ، وربما اختلف قولهم في المسألة العلمية والعملية ، مع بقاء الألفة والعصمة ، وأخوة الدين .
نعم ! من خالف الكتاب المستبين ، والسنَّة المستفيضة ، أو ما أجمع عليه سلف الأمَّة خلافاً لا يعذر فيه ، فهذا يعامل بما يعامل به أهل البدع] مجموع الفتاوى لابن تيمية[24/172] .
ومن أكبر ما يجمع الناس، ويوحد صفوفهم، بعد الإيمان بالله ـ تعالى ـ وإخلاص العبودية له ؛ الجهاد في سبيل الله ؛ فإنه المصدر الرئيس للرابطة الإيمانية والوحدة الإسلامية ، وتركه والتخلف عنه ينسحب أثره على القاعدين بالسلبية القاتلة ؛ فيكثر جدلهم وتفرقهم ، وتكثر الكتل الحزبية والتجمعات المتفرقة، بسبب القعود عن تلك الفريضة العظيمة.
قال العلاَّمة الشيخ ابن تيمية ـ طيَّب الله ثراه ـ :( فإذا ترك الناس الجهاد في سبيل الله فقد يبتليهم بأن يوقع بينهم العداوة حتى تقع بينهم الفتنة كما هو الواقع؛ فإنَّ الناس إذا اشتغلوا بالجهاد في سبيل الله جمع الله قلوبهم وألَّف بينهم ، وجعل بأسهم على عدو الله وعدوهم ، وإذا لم ينفروا في سبيل الله عذَّبهم الله بأن يلبسهم شيعاً، ويذيق بعضهم بأس بعض] مجموع الفتاوى[15/44ـ45]. وصدق ـ رحمه الله ـ فالواقع خير شاهد على ذلك .
[9] [فاصبر إنَّ العاقبة للمتقين]:
المتطلب لعزَّة هذه الأمَّة الخيِّرة ينبغي عليه أن يعلم أنَّه إذا عمل لإعلاء كلمة الله ونصرة دينه أنَّ طريق النصر والتمكين مملوء بالأشواك، ومتشعب الأودية ، ويحتاج لصبر جميل وطويل، فعلى الساعي لذلك أن لا يفرَق من كلام المنهزمين و المخذِّلين والمرجفين؛ فإنَّ هؤلاء قد قطعوا على أنفسهم عهداً للتصدي لأهل الإيمان ، ونذروا أنفسهم لمثل هذه الهمم الدنية ، فعلى من نذر نفسه للهمم العالية ألاَّ يستمع لمقالات هؤلاء المتحذلقين المتفيهقين، وليأخذ بقول الله :[ ولا يلتفت منكم أحد وامضوا حيث تؤمرون] الحجر[65] ، وما أجمل قول القائل:
لا بد للسؤدد من أرماح
ومن عديد يتَّقي بالراح
ومن سفيه دائم النباح
فالفطن هو من يعرض عن هؤلاء ، لأنَّهم يتمنون أن يلقي بطرفه إليهم ، ويساجلهم ويعارضهم ؛ حتَّى يلهوه عن المقصد الأساس من دعوته ، وقد نبَّه الله نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم فقال له: [ فذرهم وما يفترون] الأنعام[112] .
ولا يخش المرء على نفسه منهم ؛ فمن كان مؤمناً بالله فإنَّه مؤمن بقوله ـ تعالى ـ: [إنَّ الله يدافع عن الذين آمنوا] الحج[38]. فالله ـ عزَّ وجلَّ ـ هو الذي بيده الأمر والحكم، وهو الناصر لعباده ، ومبطل كيد الكفرة والمجرمين ومن أروع ما كتب في ذلك ؛ ما رقمه الإمام الشوكاني ـ رحمه الله ـ بقوله : ( ومن رام أن ينصر باطلاً أو يدفع حقَّاً فهو مركوس ، من غير فرق بين رئيس ومرؤوس [وإذا جاء نهر الله بطل نهر معقل] وعند عزائم الشيطان يندفع كيد الرحمن ) أدب الطلب ومنتهى الأرب/ صـ250.(68/33)
ولَعَمْرُ الله ! لن يجد العبد طعم النصر إلا إذا أصابته مطارق الابتلاء ، وتجرع مرارة الأذى فصبر وصابر؛ فإنَّ دين الله لا يقوم إلا على أكتاف أولي الصبر والعزمات ، وحتماً فإنَّ العاقبة للمتقين.
قال الإمام ابن تيمية: ( وكثير من الناس إذا رأى المنكر أو تغير كثير من أحوال الإسلام جزع وكلَّ وناح كما ينوح أهل المصائب، وهو منهي عن هذا ، بل هو مأمور بالصبر والتوكل والثبات على دين الإسلام ، وأن يؤمن بالله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون ، وأن العاقبة للتقوى ، وأن ما يصيبه فهو بذنوبه ، فليصبر، إن وعد الله حق، وليستغفر بحمد ربه بالعشي والإبكار) مجموع الفتاوى[18/295]
فعلى أبناء الجيل المسلم أن يتواصوا بالصبر والمصابرة والمرابطة ، وأن لا يزحزحهم عن هدفهم بُهرج المفارق، ولا قلة المرافق، وأن يحذروا كل الحذر من التعجل في طلب النصر ، والتسرع في قطف الثمرة ؛ فليس بشرط أن نرى النصر بأعيننا ولكن لنغرس في نفوسنا العمل لنيله وطلبه ، وقد قال الله لرسوله-عليه الصلاة والسلام- :[ وإما نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك] الرعد[40]؛ فالنصر لا يأتي مباشرة إلا إذا سبقته عدة مراحل كانت معينة على تحصيله ، وبمجموع هذه المراحل تتكون عندنا محصلة النصر.
لكن علينا أن نربي أبناءنا وأحفادنا لهذا الأمر، ليواصلوا المسير بعدنا ؛ فما نحن إلا معالم يهدي أولها لآخرها:
قد هدانا السبيل من سبقونا * وعلينا هداية الآتينا
فالمتوجب ألاَّ نستبق الخطى والمراحل، وأن نفقه لكل مرحلة فقهها الواقعي وخطتها المنهجية ، وأن نعي واجب الوقت المخصص لها ، وقد قال الله ـ تعالى ـ: [ وأئتوا البيوت من أبوابها]البقرة[189] فإذا كان ـ سبحانه ـ قد أمرنا إذا دخلنا البيوت أن نأتيها من أبوابها المعروفة فلا نتسلقها ولا نتسورها...فهكذا أمور الحياة جميعاً، وخاصة الوسائل المعينة للارتقاء بهذه الأمة وسيادتها، فإنها لا تأتي خبط عشواء، وإنما بقوة إيمان، وحسن تدبير ، وقوة سياسة.
فليس يزيح الكفر رمْيٌ مسدد * إذا هو لم يؤنس برأي مسدد
إنها أمور لا تحتمل التأخير ، فكفانا والله تأخراً وتسويفاً عن فعل الصالحات ! والمهم أن نعمل لخدمة هذا الدين ونصرته ، ولا ضير أن يكون عملنا في بدايته بطيئاً ؛ فنحن نريد بطئاً ولكن أكيد المفعول!.
[10] [ولا تيأسوا من روح الله إنَّه لا ييأس من روح الله إلا القوم الخاسرون]:
علينا ألا نقنط ولا نيأس ؛ فإنَّ اليأس من صفة المستعجلين في طلب النصر، وأعظم من ذلك أنه من صفات الكفار كما قال ـ جلَّ جلاله ـ: [إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون]يوسف[87].
و نصر الله لا بد أن يأتي ، وليس صعباً على الله ـ جلَ جلاله ـ أن ينزل الظفر والفوز على المسلمين ، ولكن لله حِكَم من تأخير النصر ؛ ومن أعظمها أن يبتلي عباده ليرى قوة إيمانهم ، وشدة ثباتهم على ذلك ؛ فإذا حصل هذا فإنَّ نصر الله آتٍ [ ولويشاء الله لانتصر منهم ولكن ليبلو بعضكم ببعض] محمد[4].ويرحم الله ابن القيم حين قال:
والله ناصر دينه وكتابه *ورسوله في سائر الأزمان
لكن بمحنة دينه من دينه *ذا حكمه مذ كانت الفئتان
والمهم أن لا نيأس ، فاليأس لا يصنع شيئاً ، وهو من صفات العاجزين البائسين ، وكيف نريد من نفس يائسة قانطة أن تنصر دين الله وهي منهزمة في داخلها، ومتحطمة بإرادتها، فلن يكون النصر حينئذ ، فلنرمِ بأغلال اليأس من فوق قلوبنا ولنقرأ :[فإنَّ مع العسر يسراً* إنَّ مع العسر يسراً] الشرح[5]
والليل إن تشتد ظلمته فإنَّ الفجر لاح
إن كان ليلك أسوداً فالليل في عيني صباح
لو كان فجرك غائباً فالفجر في الآفاق لاح
وقبل الختام :
فتلك عشرة كاملة أرى إن تحققت في واقع المسلمين بصدق وعزم، فإنَّهم سيجنون بعدها العزَّ والفلاح والسؤدد في دينهم ودنياهم ـ بعون الله ـ .
وأما من كان ضعيف الهمة ، ساقط العزيمة ، ولم يهتم إلا بدنياه فإنَّ همته لا تدله إلا على أراذل الأمور، وضعيف التجارب ، ويعجبني كلام ذكره الأستاذ سيد قطب- رحمه الله- حين قال: :( إنَّ الذي يعيش لنفسه قد يعيش مستريحا، ولكنه يعيش صغيراً ويموت صغيراً، فأما الكبير الذي يحمل هذا العبء الكبير...فماله والنوم؟ وماله والراحة؟ وماله والفراش الدافئ والعيش الهادئ والمنام المريح؟! ولقد عرف رسول الله صلى الله عليه وسلم حقيقة الأمر وقدَّره ؛ فقال لخديجة ـ رضي الله عنها ـ وهي تدعوه أن يطمئن وينام: مضى عهد النوم يا خديجة أجل مضى عهد النوم ، وما عاد منذ اليوم إلا السهر والتعب والجهاد الطويل الشاق!] في ظلال القرآن[6/3744].
وما أجمل أن ينطق كلُّ رجل مسلم : لقد مضى عهد النوم وبدأ عهد العمل الشاق لنصرة هذا الدين.(68/34)
وقد أحسن الإمام ابن القيم حين قال: [ لمَّا كثر المدعون للمحبة طولبوا بإقامة البينة على صحَّة الدعوى ، فلو يعطى الناس بدعواهم لادَّعى الخليُّ حرقة الشجي ، فتنوع المدَّعون في الشهود ، فقيل: لا تقبل هذه الدعوى إلا ببينة [ قل إن كنتم تحبُّون الله فاتبعوني يحببكم الله ] آل عمران[31] فتأخر الخلق كلُّهم ، وثبت أتباع الحبيب في أفعاله وأخلاقه، فطولبوا بعدالة البيِّنة بتزكية [ يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم] المائدة[54]] ا.هـ مدارج السالكين[3/9] ط/ الفقي .
وإذا تولينا عن نصرة ركائب الإيمان وفرسان التجديد وعلماء الشريعة الربَّانيين، فإنَّ الله سيستبدل بنا أمة غيرنا تكون هي المهيأة لذلك النصر ، وتذوق طعم العزة ومجد الفتوحات [وإن تتولوا يستبدل قوماً غيركم ثمَّ لا يكونوا أمثالكم] محمد [38]
إنَّه ـ سبحانه ـ يوضحها ـ حقيقة ناصعة حيث يقول :[يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم] ثمَّ ذكر أوصافهم : [ يحبهم ويحبونه ] [أذلة على المؤمنين] [أعزة على الكافرين][يجاهدون في سبيل الله ] [ ولا يخافون لومة لائم ] ثمَّ بين ـ عزَّ وجل ـ أن :[ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم]المائدة[54].
لئن لم يكن في الأرض أوس وخزرج * فلله أوس قادمون وخزرج !
بيد أنَّ علينا ألاَّ نمنِّي أنفسنا بالنصر والتغني بأمجاده قبل أن يأتينا ، وأن ننطلق في هذا الوجود بكل همَّة عليَّة ، وعزمة عمرية ؛ لنشر دين الله والتصدي للمردة المحتلين ، وليكون عملنا أكثر من كلامنا وشكوانا ، فإنَّنا في هذه الأيام نتوق إلى ألسن بكم وأيد وضاح ، ونحن في وقت معامع وصولات ، وقعقعات وجولات ، ولسنا في وقت الآهات والحسرات ، فلنخرج من عزلتنا وانكفائنا على أنفسنا إلى مواطن العز والإباء ، ومصانع الرجال، وميادين العمل ؛ فالعزلة في وقتنا هذا ما هي إلا عمل البطالين أو الجبناء ، وقد قيل : إيقاد شمعة خير من لعن الظلام.
وقد روى التابعي الفقيه (عامر بن شراحيل الشعبي) أن رجالاً خرجوا من الكوفة ونزلوا قريباً يتعبدون ، فبلغ ذلك الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ ، فأتاهم ففرحوا بمجيئه إليهم ، فقال لهم : ( ما حملكم على ما صنعتم ؟ قالوا: أحببنا أن نخرج من غمار الناس نتعبد ، فقال عبد الله ـ رضي الله عنه ـ : لو أنَّ الناس فعلوا مثل ما فعلتم فمن كان سيقاتل العدو؟ وما أنا ببارح حتى ترجعوا) الزهد لابن المبارك/ صـ390.
فرضي الله عن الصحابي الجليل ابن مسعود ، ما أدقَّ فكره !
ولهذا أقول : لو أنَّ الناس انكفؤوا على عزلتهم أو مشاريعهم الخاصة من زواج ووظيفة وعبادة، فمن سيدعو لدين ربِّ العالمين ، وينشر العلم بين الخافقين؟ ومن يقاتل العدو وينازل الطغاة المعتدين ؟ وخاصة أنَّ عندهم الشيء الكبير من المخططات الخبيثة؛ للاستيلاء على أكبر قدر ممكن على المنطقة الإسلامية ؛ فإن علموا منَّا ضعفاً وتقوقعاً على أنفسنا فإَّن العدو لن يرحمنا ! بل سيلتهمنا لقمة سائغة، ولات حين مندم !
فمزيداً من التفكير الجاد العملي العميق، وإجالة النظر في كتب التاريخ ، والاستفادة من تجارب الماضين واللاحقين، وقد قيل: رحلة العظيم تبدأ بفكرة . ونحن في وقت صعب ومنحنى خطير ، وأمة الإسلام تلتهب حريقاً، وتضطرم ناراً ؛ فإن كنا من أبنائها الصادقين فلنبذل لها الكثير، ولنجاهد بأيدينا وأموالنا وألسنتنا وتفكيرنا ، وبكل شيء نقدر عليه ، فإنَّ:
ذروة الدين جهاد في الصميم * فلنجاهد أو لتلفظنا الحياه
ورحم الله ابن القيم حين كتب: ( وجزى الله من أعان على الإسلام ولو بشطر كلمة خيراً) أعلام الموقعين[4/216ـ217] .
فأدرك يا بن الإسلام أمتك ، وأسرج حصانك ، وشد السير، وصح في الآفاق صيحة ذلك الداعية العراقي : (إنَّ العالم الإسلامي يحترق ؛ فمن استطاع أن يطفئ الحريق ولو بدَلوٍ من الماء ؛ فليفعل] فيا أهل الإسلام: لبُّوا لبيك اللهم لبيك !
وأخيراً :
[ يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيراً لعلكم تفلحون* وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إنَّ الله مع الصابرين] الأنفال[46].
وصلى الله وسلم على نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين
والحمد لله رب العالمين.
-------------------------------------
[1] تمعدد فلان : انتسب إلى معدٍّ ، وتمعدد القوم : تصلَّبوا وتشبَّهوا بمعدٍّ وكانوا أهل قشف وغلظ في المعاش . المعجم الوسيط : 877 : مادة : مَعَدَ.
=================(68/35)
(68/36)
مجازر النصارى ضد المسلمين
الدكتور رياض بن محمد المسيميري
إنَّ الحمدَ لِله نحمدهُ ونستعينهُ, ونستغفرهُ, ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسنا, ومن سيِّئاتِ أعمالِنا, منْ يَهدهِ اللهُ فلا مُضلَ لهُ, ومنْ يُضلل فلا هاديَ له . وأشهدُ أنَّ لا إله إلا الله وحدهُ لا شريكَ له, وأشهدُ أنَّ محمداً عبدهُ ورسوله . ] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [ ]آل عمران:102[. ] يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ( ]النساء:1[ .] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً [ ]الأحزاب:70-71[ .
أما بعدُ : فإن أصدقَ الحديثِ كتابُ الله, وخيرَ الهدي هديُ محمدٍ r وشرَّ الأمورِ مُحدثاتُها, وكلَّ محدثةٍ بدعة, وكلَّ بدعةٍ ضلالة, وكلَّ ضلالةٍ في النار
أما بعد ، أيها المسلمون : فلسنا ندري إن كان المسلمون قد وصلوا إلى قناعة كافية, يدرجون من خلالها النصارى الصليبيين ضمن أعدائهم الأبديين, أ لا زالوا يشكون في هذه الحقيقة التاريخية الخالدة, الباقية على مر الأزمان و الدهور, لسنا ندري إن كانت مجازر النصارى على أرض البوسنة المسلمة, بدعم و تأييد نصارى الشرق و الغرب, لسنا ندري إن كانت هذه المجازر كافية لتقويم التوجهات, و تصحيح الولاءات, أو لازلنا بحاجة إلى مجازر أشد ضراوةً, و أعظم نكايةً, و أكثر بأساً, هل عرف المسلمون الآن, مقدار الحقد الصليبي النصراني المتراكم عبر السنين, و أدركوا مساحة البغض و الكراهية المتجذرة, في قلوب أولئك الوحوش الغزاة, و التي لا يمكن اقتلاعها, أو إماتتها مهما انقضت الأيام, و تقادمت الدهور, هل أدرك المسلمون أن نصارى العالم كلهم يداً واحدة, و كتلة مجتمعة, و بأسٍ شديد ضد كل ما يمت إلى الإسلام بصلة ؟ هل أدرك المسلمون أن الحرب القائمة اليوم هناك لا يشنها الصرب وحدهم, و إنما يشنها نصارى العالم كلهم, شر قيهم وغربيهم ؟ وان كل ما نسمعه من الجعجعة و الضجيج, لا يعدو كونه زوبعة في فنجان, و رماداً في العيون, و ضحكاً على الذقون ؟و هل يمكن لعاقلٍ موحدٍ يؤمن بالله و اليوم الآخر, يقرأ القرآن و يفقه السنة. هل يمكن أن يصدق ما يثيره الغرب النصراني الحاقد من الوعيد الفارغ, و التهديد الأجوف بضرب بني ملتهم, و إخوان جلدتهم الصرب؟ من أجل سواد عيون المسلمين ؟ هل يمكن لعاقلٍ موحدٍ أن يصدق شيئا من ذلك, و قد علم يقيناً كيف يحرم أولئك النصارى الحاقدون يحرمون المسلمين من حق الدفاع عن أنفسهم, و يمنعون عنهم السلاح الضروري, لصد المعتدي الحاقد, بينما تشرع الأبواب, و تفتح المخازن, أمام تدفق أشرس العتاد الحربي للصرب النصارى, ثم أي سذاجة بعد ذلك, أن يتباكى أقوام أمام ما يسمى بمجلس الأمن, و هيئة الأمم الكافرة, طلباً للنصرة و استجداءً للرحمة ؟ و هل سقطت قلاع المسلمين؟و هل استبيحت مقدسا تهم؟ و هل أريقت دماؤهم, إلا بمباركة مجلس الأمن و هيئة الأمم ؟ و هل حدثت النكسة الأخيرة, و سقط ما يسمى بالجيوب الآمنة, إلا بتواطؤ مكشوف من هيئة الأمم و مجرميها ؟ و قد اعترفت الصحافة الغربية النصرانية ذاتها بكل ذلك, بالأدلة و البراهين الواضحة, ألا إن الذي ينتظر من مجلس الأمن أو هيئة الأمم, أو حلف الأطلسي, أو غيرها من الهيئات و الأحلاف نصرة المسلمين, أو التعاطف مع قضاياهم, ألا إنه جاهل غبي لم يقرأ القرآن, و لم يفقه السنة, يعاني أمية ناضجة في معلوماته التاريخية, و يشكو ثقافة ضحلة, في إدراك طبيعة الصراع بين الإسلام و النصرانية, و كيف ينتظر أقوام, و يتوسل آخرون بهيئة الأمم كي تضرب النصارى الصرب, و قد علموا أن الذي أنشأ هيئة الأمم هم النصارى أنفسهم, و أن الذي يديرها هم النصارى, و أن الذي يصدر قراراتها هم النصارى, فكيف يمكن لهيئة نصرانية أن تضري طائفة نصرانية, لعمرك إن هذا لهو الضلال المبين.أيها المسلمون: إن الذي يظن أن الحرب الدائرة اليوم بين المسلمين و الصرب النصارى, هي من أجل مساحة من الأرض, أو كتلة من التراب, أو حيزاً من الفضاء, إنما يعيش في وهمٍ كبير, و يدور في أفق ضيق, فالحرب الدائرة هناك و عن تظاهر النصارى بغير ذلك, إنما هي حرب عقيدة, حرب بين الإسلام و النصرانية, حرب بين التوحيد و التثليث, حرب بين المسجد و الكنيسة, حرب بين الإيمان و الكفر, و الحق و الباطل, و نصارى العالم لا يعانون من ضيقاً في أراضيهم, و لا يشكون نقصاً في سعة أقاليمهم, و لكن الحرب حرب عقيدة, شئنا أم أبينا, فهل نعي ذلك, أم نظل في غفلة إلى يوم يبعثون .(68/37)
أيها المسلمون : من الخطأ البين, و الظلم الكبير, أن يظن أقوام أن المجازر الأخيرة, هي الجريمةُ الوحيدةُ التي ارتكبها النصارى ضد المسلمين, و أن الجرح النازف على أيديهم هناك, هو الذنب الوحيد الذي اقترفوه بحقنا نحن المسلمين, أو يظن أن تاريخ العداء, و مسلسل البغضاء يبدأ من قبل ثلاث سنين, هي عمر الحرب الدائرة هناك, أو يظن أن حجم المؤامرات النصرانية الصليبية, يمكن حصره في دعمهم لإخوانهم الصرب حمية و عصبية, و لو أنصف أولئك الواهمون, لعلموا أن جرائم و مجازر النصارى الأخيرة لا تعد شيئاً في تاريخهم الأسود الملطخ بالدماء, و أن كيدهم و مؤامراتهم ضد المسلمين خاصة, ضاربة في أعماق الزمن, لا تزيدها الأيام إلا شدة و اضطراماً, أليس النصارى هم الذين شنوا الحملات الصليبية ضد بلاد المسلمين طيلة مائتي عام؟ و جندوا ملايين الوحوش من الجنود الهمج, و في بالهم تدمير الكيان الإسلامي بأسره, و سحق المسلمين تقتلاً و تشريداً, حتى قال قائلهم بكل صلافة وتبجح, أعتقد أن من الواجب إبادة خمس المسلمين, و الحكم على الباقي بالأشغال الشاقة, و تدمير الكعبة, ووضع قبر محمد و جثته في متحف اللوفر, أليس من كيد النصارى و عدائهم المستميت للأمة المسلمة, حيث فشلت حملاتهم العسكرية, أليس من كيدهم و مكرهم مخططاتهم المسوقة في غزو المسلمين فكرياً, و ثقافياً, و تجنيد الآلاف من المبشرين, و جيوش المنصرين, و فلول المستشرقين لتدمير العقائد و إفساد الأخلاق, و القضاء على الإسلام في نفوس أبنائه, ودون إشهار السلاح و لو مؤقتاً على الأقل, أليس من كيد النصارى و أحقادهم المتتابعة, احتلالهم للبلاد الإسلامية, عبر ما يسمونه بالاستعمار, و استيلائهم من خلاله على ثروات المسلمين و خيرا تهم, حتى إذا خرجوا بعد ذلك, إذا بهم يخرجون و قد تركوا البلاد أطلالاً, ينعق بها البوم, و يستجدي أهلها الفُتات, ألم يكن من أولى مهام النصارى إبان احتلالهم لبلاد المسلمين, تنحية الشريعة عن الحكم, و عبثهم بمناهج التعليم, و إفسادهم للإعلام, و توجيهه وجهة العلمنة و الزندقة, ثم ترى من الذي وعد بإنشاء وطن قومي لليهود, على أرض الإسلام ثم سلم مفاتيح الأرض المباركة, على طبق من ذهب لأولئك الأوباش اليهود, أليس هم النصارى ؟ ترى من الذي يبارك جرائم اليهود طيلة خمس و أربعين سنة, و يرعى مذابحهم في دير يأسين و صبرا و شاتيلا, و المسجد الأقصى, أليسوا هم النصارى ؟ترى من الذي يشعل الفتن بين البلدان الإسلامية المتجاورة, ليقف في الظل شامتاً متندراً, أليسوا هم النصارى ؟ ترى من يدعم الأقليات النصرانية, في بلاد المسلمين, و يمدها بالسلاح و الخبراء لإنشاء قوميات مستقلة, و يثير الفتن من أجل ذلك القلاقل, أليسوا هم النصارى على حساب الأكثرية المسلمة ؟ أليسوا هم النصارى ترى من الذي يغض الطرف عن جرائم الهندوس, و البوذيين و غيرهم في كشمير و بورما, و القلبين, و هم الذين يملئون الدنيا ضجيجاً, منددين بالإرهاب, و محذرين من الإرهاب, و ذارفين دموع التماسيح من وحشية الإرهاب, أليسوا هم النصارى ؟ ترى من الذي يملأ الدنيا ضجيجاً حين يأسر, أو يقتل أحد كلابهم هنا أو هناك, بينما هو يفجر أو يسكر, و يعربد و يضحك, ملأ شدقيه حين تكون الضحية مسلماً موحداً, أليسوا هم النصارى ؟ ترى من الذي بلغت به الوقاحة, و الخسة و النذالة, أن جعل من أرض الصومال المسلمة مقبرة لمخلفات مصانعه النووية, و الذرية, لتكون أرض الصومال مرتعاً للأوبئة القاتلة, و مقراً للتلوث المدمر , أليسوا النصارى ؟(68/38)
أيها المسلمون: و لو ظللنا الدهر كله نكتب, و نتحدث عن جرائم و أحقاد النصارى تجاهنا, لنفذ المداد, و جف القلم, و كل البيان, و لم نأتي على بعض شنائعهم, و مع ذلك أيها المسلمون: فإن كل ذلك الكيد, و كل تلك الأحقاد, سيبطلها الله جل جلاله, و يجعلها في نحورهم, لو تأملنا و عملنا بموجب آيةٍ واحدة من كتاب الله تعالى يقول الله فيها : ]وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئا [ (آل عمران: من الآية120) ألا إن النصر و التقوى, لا يكون بالشجب و الاستنكار, و استدعاء نخوة المجتمع الدولي, لتحمل مسؤولياته الأدبية, كلا عن الصبر و التقوى, يكون حين نعيد لكتاب الله هيبته و مكانته, و ننقله من الأدراج و الرفوف, إلى مجالس الحكم, و ساحات القضاء, فلا دساتير وضعية, ولا قوانين مستوردة, من الصبر و التقوى أن تتبوأ سنة النبي صلى الله عليه و سلم مكانها الطبيعي, في التشريع الإسلامي, فلا كتاب أخضر و لا أصفر, و لكن قال و أخبرنا و حدثنا الرسول صلى الله عليه و سلم , أن من الصبر و التقوى, أن تقوم عقيدة الولاء و البراء في النفوس, فنوالي أولياء الله, و نحبهم و نجلهم, و ندافع عنهم, و نعرف حقهم, و نبرأ من أعداء الله, و على رأسهم اليهود و النصارى, فلا نناصرهم ولا نناظرهم, و لا ندعمهم ولا نأتمنهم على عورات المسلمين, ولا نطلعهم على أسرارهم و لا نجلهم, و لا نحبهم و لا نبش في وجوههم, و لا تنشبه بهم, بل نظهر لهم الكراهية و البغضاء, و نصرخ في وجوههم, إنا براء منكم و مما تعبدون من دون الله, كفرنا بكم, و بدا بيننا و بينكم العداوة و البغضاء أبداً, حتى تؤمنوا بالله وحده.
أيها المسلمون: إن من الصبر و التقوى, أن يراجع المسلمون كافة أوضاعهم السياسية, و الاجتماعية و التربوية, و الاقتصادية, و يعيد صياغتها وفق منهج القرآن و السنة, و يعترفوا بذلك الركام, و الكم الهائل من الأخطاء و المخالفات الشرعية, ثم تتخذ الخطوات الجادة نحو تصحيح المسار, و إعادة الأمور إلى نصابها, كما أن من الصبر و التقوى إعداد العدة, و تربية الأمة شيباً و شباباً, رجالاً و نساءً, على الشجاعة و البطولة, و إعلان الجهاد كحل لا مفر منه, لمواجهة صلف النصارى ووحشيتهم, و تجريح كبريائهم بالتراب, حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون, و ليس ذلك على الله بعزيز, متى صدقت النوايا و صلحت القلوب, و ما هزيمة الروس في أفغانستان عنا ببعيد.
بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم ونفعني وأيا كم بالذكر الحكيم .واستغفر الله لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم
الخطبة الثانية :
الحمد لله يعطي ويمنع, ويخفض ويرفع, ويضر وينفع, ألا إلى الله تصيرُ الأمور. وأصلي وأسلم على الرحمةِ المهداة, والنعمة المسداة, وعلى آله وأصحابه والتابعين,
أما بعدُ:
أيها المسلمون: فلسنا بحاجة أن تعلن الدول الإسلامية عن تعاطفها مع قضية البوسنة, و أنها مستعدة لبعث جنودها للقتال هناك, ولسنا بحاجة إلى التغطية الإعلامية المجردة, ساعة بساعة و لكننا بحاجة إلى قول و عمل, و استعداد و تنفيذ, فالذين أعلنوا عن استعدادهم لبعث جنودهم, مطالبون بسرعة التنفيذ إن كانوا صادقين, و إلا كفى ضحكاً و امتصاصاً للحماس, و تلاعباً بالأعصاب, و الطريق إلى نصرة المستضعفين هناك ميسور, و ممكن لو صدقت العزائم, و هاهم الرافضة قد وصلوا المنال منذ أمد بعيد, و مازالوا يعيثون في العقائد و الأرض فساداً, لأن عقيدتهم الملوثة تحثهم على التنفيذ, و تدعهم إلى العمل دعاً, فمتى يستيقظ النيام, و يتوب اللئام, أما أنت أخي المسلم الذي تتلوع أسىً و حرقةً لما ترى و تسمع, فلست بمعذور حين تكتفي بالحوقلة و الترجيع, و إبداء العواطف الجياشة, دون عمل وفق المستطاع, فاعلم رعاك الله, و إلى أن يهيئ الله للأمة من يقودها إلى الجهاد, اعلم أنك مطالبٌ بالجهاد بالمال, و المال عصب القتال, و شريانه الحي, و قد قدمه الله تعالى على جهاد النفس في القرآن الكريم مراراً, و ليس هذا بخافيك, و لكن الذكرى تنفع المؤمنين, فأخرج من مالك يارعاك الله طيبة به نفسك, و ضعه في يد مؤسسات الخير الأمينة, التي تعرف الطريق جيداً إلى مستحقيه, فوق أرض المعركة, ليكون بعون الله رصاصات قاتلة, في نحور النصارى و أشياعهم, ثم تذكر وفقك الله, أن الدعاء بظهر الغيب لإخوانك مستجاب, كيف و قد صدق الدعاء من مظلوم لصالح مظلوم مثله, فاستحضر القلب و استدع الخشوع, و أظهر الافتقار حال الدعاء, و قدم بين يدي دعائك صدقة, و عملاً صالحاً, فدعاء مثل هذا حري به ألا يرد, و قبل ذلك و أثناءه و بعده وطِّن نفسك - حماك الله- على بغض النصارى, و البراءة منهم, وربي أبناءك و آل بيتك على بغضهم, و كراهيتهم, فإن الحب و البغض في الله أوثق عرى الإيمان.
اللهم إنَّا نسألُك إيماناً يُباشرُ قلوبنا، ويقيناً صادقاً، وتوبةً قبلَ الموتِ، وراحةً بعد الموتِ، ونسألُكَ لذةَ النظرِ إلى وجهكَ الكريمِ, والشوقُ إلى لقائِكَ في غيِر ضراءَ مُضرة، ولا فتنةً مضلة،(68/39)
اللهم زينا بزينةِ الإيمانِ واجعلنا هداةً مهتدين, لا ضاليَن ولا مُضلين, بالمعروف آمرين, وعن المنكر ناهين يا ربَّ العالمين,
================(68/40)
(68/41)
هل ستكسب أمريكا هذه الحرب
د. سفر بن عبدالرحمن الحوالي
والجواب بدون تردد: لا. لن تكسبها ولو جعلت العشر السنين عشرين بل قرنين. إن أمريكا يمكن أن تكسب حرباً عسكرية خاطفة أو طويلة. أما أن تكسب حرباً شاملة فلا. ومن هنا من ثغرة الشمول ينتقض بناؤها على أم رأسها. والسبب توضحه جلياً التجارب الكثيرة من الأمة الإسلامية في كل صراع تلوح فيه شعارات الدين، فلا شيء يستفز المسلمين أكثر من مس العدو جانب الدين أو المقدسات، وقد نمى الوعي الإسلامي بحيث أصبح استخدام الأجواء مساساً بالمقدسات فكيف والإدارة الأمريكية تستفز المسلمين بشعار كشعار "الحرب الصليبية" أو "تجفيف المنابع" وتظن أنها تمتص المشاعر الجياشة بأعمال من قبيل زيارة مركز أو إلقاء غذاء مع الصواريخ المتساقطة!!
إن شعوب العالم الإسلامي خاصة - وشعوب العالم عامة - تستريب من كل خطوة أمريكية وإن جاءت في الاتجاه الصحيح، فكيف وهي تسبح عكس التيار؟ فحين لوّحت بالاعتراف بدولة فلسطينية لم يأبه لها أحد، وحين ألمحت إلى تغييرات في الأنظمة العربية لصالح الديمقراطية وحرية الشعوب لم يصغِ لها أحد. أما حين تتحدث عن الحركات الجهادية في العالم باعتبارها إرهابية فإن المسلمين يتوقعون منها كل شر.
إن المواجهة بين أمريكا والعالم الإسلامي ستكون عنيفة للغاية ومدمرة، وسوف تحدث شروخاً هائلة في الوضع القائم ما لم تتراجع أمريكا عن خطتها الغاشمة وعدوانها المستمر، وهو ما لا يظن بها - على الأقل في المرحلة الراهنة - ومن هنا نرجو أن يكون هذا استدراجاً لها من الله مع كونه ابتلاءً وامتحاناً للمسلمين.
إن الله تعالى قد عَلِمَ حاجة هذه الأمة إلى اليقين والإيمان فجاء بهذا الحادث ليكون آية من عنده على ((أن القوة لله جميعاً)) وأنه تعالى قادر على أن يفعل بكل عدو للإسلام ما فعل ببني النضير الذين ظنوا أنهم مانعتهم حصونهم من الله {فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا وقذف في قلوبهم الرعب}
إن هذا الحادث أكبر من كونه هجوماً مباغتاً على قوة عظمى زلزلَ أركانها وأفقدها صوابها، إنه قلبٌ لكل المعادلات ونسفٌ لكل الحسابات التي بنى عليها الغرب الصليبي حضارته وسيطرته وأسباب قوته منذ 500 سنة واكثر أي منذ أن أخرج المسلمين من الأندلس وشرع في كشوفاته الاستعمارية الأولى.
فكل تلك المعادلات والحسابات والأسباب تقوم على التفوق العسكري والحضاري على الخصم في كل ميدان، وهو التفوق الذي بلغ ذروته في المرحلة الأخيرة، حيث لم يعد في إمكان العالم الإسلامي التفكير في مقاومة هذا العدو، الذي تأهل بالتقنية المتطورة ليصنع أشد الأسلحة فتكاً ودماراً، وتوحّد ليصبح معسكراً واحداً من حدود روسيا مع اليابان شرقاً إلى أقصى الجزر التابعة لأمريكا غرباً، وقد استنفد آلاف البلايين ليملك قوى جهنمية ومواقع استراتيجية وثروات طبيعية لا يقبل أن ينافسه أحد في شيء منها.
هذا والعالم الإسلامي يعيش عقدة النقص والتخلف فأنىَّ له بجيوش كهذه الجيوش وقوى وموارد كتلك القوى والموارد وهو فقير متخلف في أهم أسباب القوة المادية وهو "التقنية" وأنى له أن ينافس في شيء ما من الميادين والعدو متربص به يحصي أنفاسه ويمتص دمه.
إنها حال مؤلمة لا تبعث إلا على الإحباط واليأس وربما أنتجت شكاً في وعد الله وسوء ظن به بل تكذيباً لما جاء في كتابه - عياذاً بالله - ولكن هذا الحادث جاء ليقول للمسلمين والعالم بوضوح:-
إن القلعة الحصينة التي بناها الغرب في قرون يمكن اختراقها بالحمام الزاجل! وإن الجيوش الغفيرة يمكن هزيمتها بمئات من طالبي الجنة! وأن التقنية مهما تطورت لا يمكن أن تقاوم الروح المعنوية للمؤمنين.
جاء وأمريكا تعمل على قدم وساق لبناء منظومة صواريخ للردع الاستراتيجي، وأقمارها الصناعية ترصد ما فوق الأرض بل ما تحتها من الكنوز، ولكن روحها خاوية من الإيمان بالله مشبعة بالكبر والغطرسة فاستطاعت ثلة قليلة العدد من أبناء العالم المتخلّف أن تدوس أنفها في التراب على مرأى ومسمع من العالم المذهول المصعوق.
سبحان الله! أيّ آية في هذا وأيّ عبرة للمؤمنين؟
لو عقلت أمريكا هذه الآية لسارعت بطلب المغفرة من المسلمين وبادرت بالتكفير عن جرائمها الكبرى ومواقفها المشينة معهم، ولكنَّها - لحكمة عظيمة قدرها الله - ركبت رأسها وشرعت في عدوان من شأنه أن يجعل الملايين في العالم الإسلامي تتحول من حياة المتعة الرخيصة إلى طلب الشهادة على نحو ما فعلت تلك الثلة أو أكثر وربما بوسائل أخطر.
لقد انقلبت كل الخطط والمعايير والمعادلات والحسابات!!
وأصبحت الترسانة الهائلة من الأسلحة - التقليدي منها والنووي و... و... مما لا نعلم - أشبه بأكوام السيارات القديمة أو "الخردة". لقد تم تحييدها في هذا النوع الجديد من الحرب الذي لا يعدو أن يكون مبارزة بين قوى خارقة غير مرئية يملك المسلمون منها ما لانهاية له وبين القوى المادية التي يكتظ بها الغرب ولكنها هامدة خاوية لا روح فيها، فهي كالعملاق الضخم الذي يمكن لفيروسات قاتلة أن تنخركبده وهو يستعرض قوته في مصارعة إنسان أنهكه المرض وأجهده الجوع!(68/42)
(1) أما نحن فلا أطيل بذكر قلة إفادتنا من الأحداث فهي لا تحتاج لدليل، وسبقت الإشارات إلى ذلك هنا ولكن التذكير بسنة الله واجب، والتدارك ممكن، والمؤمن مأمور بأن يدفع القدر بالقدر لا أن يعجز ويتواكل، والفرصة أمامنا كبيرة جداً لاستثمار الحديث في تقويم المسيرة واستكمال عدة النصر والتمكين.
فليسأل كل منا نفسه ماذا عملت؟ وليحرض إخوانه على العمل فهذا خير من الجدل والتلاوم، وها هي ذي إشارات نرجو أن تفيد في هذا الشأن:-
أولاً: يجب أن يكون هذا العدوان مصدر تفاؤل ورجاء لا يأس وخوف. وأسباب ذلك كثيرة سبقت الإشارة إلى بعضها، ومنها:-
أ - عدالة القضية: فالثبات على الموقف العادل نصر بذاته. والجندي المسلم يقاتل عن دينه وأهله من هاجم بلاده ظلماً وعدواناً، والعالم كله يشهد أن أمريكا تسرعت في الاتهام، وبادرت إلى العدوان قبل تقديم الأدلة. وقد صرح بذلك كثير من حلفائها. بل من عقلائها المنصفين. وهذا يبشر بانتقام الله من الظالم ولو بعد حين {وتلك القرى أهلكناهم لما ظلموا وجعلنا لمهلكهم موعداً}.
ب - البغي والغرور اللذان اتصف بها العدو: مستكبراً بقوته، متناسياً قدرة الله عليه، مثلما أخبر الله تعالى عن عاد الأولى: {فأما عاد فاستكبروا في الأرض بغير الحق وقالوا من أشد منا قوة؟ أولم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة}.
د - كشف المنافقين ومرضى القلوب وعبدة الدرهم والدينار والوظيفة والجاه عند الخلق: وهذا خير عظيم، كما حدث يوم أحد ويوم الأحزاب. وما بقي إلا معالجة السماعين لهم من العوام، قال تعالى: {ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب}.
هـ - اتعاظ كثير من الدول المجاورة بما جرى في الأزمات السابقة، ورفضها أو تحفظها في المشاركة هذه المرة: وهذه خطوة جيدة في الطريق الصحيح، ودليل على أن إنكار المنكر يثمر ولو بعد حين، وأن الشعوب بيدها الشيء الكثير.
و - وضوح السبيل ونمو الوعي: وذلك من خلال إجماع العامة على الولاء للمسلمين والبراء من الكافرين وإدراكهم لمخططات العدو الماكر، وهو ما كان مشوشاً في أزمات سابقة {ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حيّ عن بينة} وقد أدرك العدو ذلك فأخذ زعماؤه يعتذرون وهم كارهون عن فلتات ألسنتهم بما يضمرون.
ز - افتضاح العدو وظهور زيف شعاراته عن الحرية والإنسانية والحضارة وحق الشعوب في تقرير المصير... الخ حتى في تعامله مع مواطنيه من المسلمين. فالآن {قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر}.
ح - إيقاف زحف العولمة - ولو إلى حين - وهذه فرصة لالتقاط النفَس والاستعداد لمواجهتها بخطط مدروسة وبرامج محكمة. وقد يؤدي ذلك إلى تركيز الاهتمام على التعامل بين الدول الإسلامية فتكون خطوة ثم تعقبها خطوات بإذن الله.
ط - تجفيف منابع الفساد ومن أهمها السياحة في الدول الغربية، فالمعاملة غير الإنسانية للمسافرين والمقيمين وإن أصابت بعض الصالحين سينفع الله بها كثيراً من الطالحين الذين ينفقون سنوياً عشرات البلايين في أوكار الفساد ومباءات الفجور هناك. فالسعوديون وحدهم أنفقوا سنة 1420 هـ ما بلغ مائة وعشرين ألف مليون ريال!!
ي - إحياء بعض المعالم الشرعية المندرسة مثل فقه "دار الكفر" و "دار الإسلام" والراية والملاحم مع أهل الكتاب والإقامة في بلاد الكفر، والهدنة والعهد، وأحكام عصمة النفس والمال، وكذلك الأحكام المتعلقة بالتحالف أو الاستعانة بالمسلمين على المشركين، وما أشبه ذلك مما سيكون مادة خصبة للاجتهاد والتفقّه ووزن الأمور بميزان الشرع المطهر. ك - ظهور فتاوى محررة - جماعية وفردية - في أكثر بلاد المسلمين واهتمام الغرب بهذه الفتاوى وإقبال الناس عليها، مما يؤصل مرجعية أهل العلم في أمور الأمة.
ل - الإقبال غير المتوقع على الإسلام في أمريكا، وقد سمعنا وقرأنا الكثير من الشواهد على ذلك حتى أصبح في حكم المتواتر، وهذا في ذاته نصر عظيم وآية بينة على صدق رسالةمحمد صلى الله عليه وسلم ، وغيظ للمنافقين المخذولين الذين شمتوا بالمسلمين العاملين في حقل الدعوة هناك بل اسْتَعْدَوا عليهم الكفار.
م - نجاح فكرة الربط بين الحادث وبين القضية الكبرى للمسلمين: قضية فلسطين، واقتناع كثير من الناس داخل أمريكا - فضلاً عن خارجها - بضرورة التعامل العادل معها، مما يعضد الانتفاضة المباركة ويسند جهاد المسلمين لليهود.
ثانياً: يجب على العاملين للإسلام أن يدركوا قيمة هذه الفرصة العظيمة وأن يجعلوا هذه الأحداث منطلقاً للمرحلة الدعوية التالية: وهي مرحلة الجهاد الكبير بالقرآن كما قال تعالى {وجاهدهم به جهاداً كبيراً} ومن أسباب ذلك:-
أ - الدعوة الصريحة القوية إلى الإصلاح الشامل لحال الأمة ليطابق كتاب الله وسنة رسول صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين وعصور العزة والتمكين، وذلك بواسطة برامج ودراسات محكمة تُنشر للأمة ويخاطب بها الحكام والعلماء والقادة والعامة.(68/43)
ب - تجييش الأمة كلها لمواجهة أعدائها المتكالبين من كل مكان مع تنوع وسائلهم وطوائفهم.وترك الاستهانة بأي قوة في هذه الأمة لفرد أو جماعة وبأي جهد من أي مسلم، ونبذ التقسيمات التي حصر بها بعض طلبة العلم الاهتمام بالدين على فئة معينة سموها "الملتزمين" فالأمة كلها مطالبة بنصرة الدين. وكل مسلم لا يخلو من خير. والإيمان شُعَب منها الظاهر ومنها الباطن، ورب ذي مظهر إيماني وقلبه خاوٍِ أو غافل، ورب ذي مظهر لا يدل على ما في قلبه من خير وما في عقله من حكمة ورشد. وهذا لا يعني إهمال تربية الأمة على استكمال شُعَب الدين ظاهراً وباطناً، بل إن استنفار الأمة كلها لنصرة الدين وتحريك الإيمان في قلوبها هو من أسباب توبة العاصي ويقظة الغافل، وتزكية الصالح.
وهذا جيش صلى الله عليه وسلم خير الجيوش لم يكن من السابقين الأولين محضاً بل كان فيه الأعراب الذين أسلموا ولما يدخل الإيمان في قلوبهم، وفيه مَن خَلَط عملاً صالحاً وآخر سيئاً، وفيه المُرجَون لأمر الله إما يعذبهم وإما يتوب عليهم، وفيه من قاتل حمية عن أحساب قومه فضلاً عن المنافقين المعلومين وغير المعلومين، وإنما العبرة بالمنهج والراية والنفوذ التي لم تكن إلا بيد صلى الله عليه وسلم ثم بيد أهل السابقة والثقة والاستقامة من بعده.
ولو لم نبدأ إلا باستنفار مرتادي المساجد لرأينا الثمار الكبيرة، وكذلك الأقرباء والعشيرة وزملاء المهنة وإن تلبسوا بشيء من المعاصي الظاهرة.
والمقصود أن نعلم أن حالة المواجهة الشاملة تقتضي اعتبار مصلحة الدين قبل كل شيء، فالمجاهد الفاسق - بأي نوع من أنواع الجهاد والنصرة - خير من الصالح القاعد في هذه الحالة.
ج - توعية الأمة بمفهوم نصرة الدين وتولي المؤمنين، التي هي فرض عين على كل مسلم، وأن ذلك يشمل ما لا يدخل تحت الحصر من الوسائل، ولا يقتصر على القتال وحده، فالجهاد بالمال نصرة، وكذلك الإعلام وبالرأي والمشورة وبنشر العلم، وبالعمل الخيري، وبنشر حقائق الإيمان ولاسيما عقيدة الولاء والبراء، وبالقنوت والدعاء، وبالسعي الجاد لجعل المجتمعات الأقرب إلى التمسك كمجتمعات دول جزيرة العرب قلاعاً تفيء إليها بقية الأمة، ومنارات للعلم وملاذات للأمن، فكل دعوة أو جهاد أو إغاثة تحتاج إلى من تفيء إليه، وتتحيز لجواره، والأخذ من علمه والإفادة من رأيه ومعونته، ولو استنفدنا طاقة هذه المجتمعات في حدثٍ ما لحلّت الخسارة بالجميع.
ولو تفهم كثير من المتحمسين هذه الحقائق لما حصرت نفوسهم بين المشاركة في الجهاد في جبهاته المعروفة أو اعتبار أنفسهم عاطلين قاعدين.
وأنت تعجب حين ترى كثيرين يسألون الشيوخ عن الجهاد: فإن قيل فرض عين سافروا إلى مواقعه. وإن قيل غير ذلك بقوا عاطلين بين اليأس والكسل، لا تَفَقّه في الدين، ولا تعليم، ولا دعوة، ولا جمع مال، ولا أمر بالمعروف، ولا نهي عن المنكر، وهذه مأساة في واقعنا التربوي.
د - تطوير وسائل الدعوة لمواكبة المواجهة العالمية الشاملة بين الكفر والإيمان،فلم يعد الوقت وقت الشريط أو النشرة أو الكتيب. بل القنوات الفضائية المتعددة اللغات والصحافة المتطورة، ومراكز الدراسات المتخصصة... والمؤسسات التعليمية والخيرية المُحْكمة التخطيط.
هـ - تحويل وحدة الرأي والتعاطف إلى توحّد عملي ومنهجي لكل العاملين للإسلام في كل مكان، يقوم على الثوابت والقطعيات في الاعتقاد والعمل، ويدرس الفروع والاجتهادات بأسلوب الحوار البناء. فاجتماع كلمة الأمة أصل عظيم لا يجوز التفريط فيه بسبب تنوع الاجتهاد واختلاف الوسائل. وما يجمع المسلمين أكثر وأقوى مما يفرقهم. والشرط الوحيد لهذا هو أن يكون المصدر كتاب الله وسنة رسول صلى الله عليه وسلم وسيرته، وما كان عليه الأئمة المتبوعون في عصور عز الإسلام. أما المتَأخرون فتُحاكم آراؤهم ومواقفهم إلى ذلك دون بخس لحقهم أو إهمال لاجتهادهم.
و - التيقظ الكامل لخطط العدو الماكرة وأهدافه المريبة، ومنها ما بدا من أفواه المسؤولين الأمريكان عن ضرورة تجفيف المنابع، وهي سياسة معمول بها من قبل، انتهجها أتاتورك وعبد الناصر ولا يزال ينتهجها معظم الأنظمة، والنظام التونسي مثالها العربي الواضح. والمقصود بها محو البقية الباقية من معالم الدين وشعائره على النحو الذي يطالب به المنافقون: مثل بعض الكتاب المارقين في صحف سعودية دولية. وأهم ما يرون تجفيفه من المنابع: مناهج التعليم، وخطب الجمعة، ووسائل الإعلام، ومدارس القرآن، وأول ما طالبوا بمحوه عقيدة الولاء والبراء، والأحكام التي تميز بين الكافر والمؤمن، والآيات والأحاديث المتعلقة بذم اليهود والنصارى، وكذلك أحكام الجهاد والترغيب فيه، وأحكام التشبه بالمشركين والسفر إلى بلادهم.(68/44)
ز - مخاطبة الحكومات في البلاد الإسلامية وإشعارها - كل بلد بحسب أحواله ووسائل الاحتجاج المتاحة فيه - بأن ما تريده أمريكا من مراصد استخباراتية ومراكز للمعلومات عن الصحوة الإسلامية ورقابة على خطب الجمعة وغيرها - بل وللاغتيالات كما صرح أكثر من مسؤول أمريكي - مرفوض جملة وهو من القضايا التي تمس مباشرة عقيدة الولاء والبراء وحق السيادة للدولة، وكل دولة توافق عليه ولاسيما تلك المجاورة للعدو الصهيوني فهي خائنة لله وللرسول ولقضايا الأمة، وموالية للكفار على المسلمين ويجب على بقية الدول فضحها، وعدم إمدادها بأي شيء أو التعاون معها بهذا الشأن، وينبغي التنبيه إلى أن وجود مثل هذه المراصد أو المراكز هو مما يدفع شباب الجهاد لمهاجمة السفارات والمصالح الأمريكية، أما لو حدث اغتيال أحد المجاهدين من طريقها فسوف يؤدي إلى انتقام لا تحصر أبعاده.
ح - مطالبة الحكومات الإسلامية - كل بلد بحسب أحواله أيضاً - بفتح باب الحوار وتفهم هموم الشباب ومشكلاته واستيعاب حماسته فيما يخدم الإسلام حقيقة. فهولاء الشباب في الأصل طاقة ذات حدين إن لم تستصلح وتهذب أصبحت وبالاً وبلاءً، وهم إذا رأوا الصدق من أحد وثقوا فيه وقبلوا توجيهه، وإذا ارتابوا في أحد أعرضوا عنه وحذّروا منه، فلابد في التعامل معهم من حكمة وأناة وصبر. ولابد للحكومات من الكف عن الدعاية المسيئة للدين ولهم، وترك ما يستفزهم من المنكرات، وغض النظر عما يبدر منهم من مخالفات توقياً لما هو أكبر منها، وأن تلغي من تعاملها الحل الأمني الذي ثبت أنه لا يؤدي إلا إلى ردّات فعل أعنف والدخول في نفق مظلم لا نهاية له.
وعليها أن توضح لأمريكا وغيرها أن الصحوة شبّت عن الطوق وتجاوزت حدود السيطرة حيث وصلت إلى المطربين ولاعبي الكرة والممثلين ومروجي المخدرات وغيرهم، وأن الإسلام - ممثلاً في الطائفة المنصورة التي أخبر عنها صلى الله عليه وسلم - قادم لا محالة وهو كما قال بعض المعلقين الغربيين على الحادث (( إن العفريت قد خرج من القمقم )) والحقيقة أن القمقم لم يعد له وجود وأن العفريت يمكن أن يكون ملاكاً في رقته ورحمته إذا لم يستفزه أحد.
وإجمالاً إن لم تغير الحكومات من سياساتها تجاه شباب الصحوة - بنفس القدر الذي تطالب به أمريكا بتغيير سياستها تجاه الانتفاضة - وإن لم تعتبر بهذه الأحداث وتداعياتها المتلاحقة فسوف تدفع ثمناً غالياً قد تضطرها أمريكا نفسها لدفعه.
ط - ضرورة فتح باب الحوار بين المسلمين والغرب، ولا نعني به الحوار الرسمي السياسي ولا المؤتمرات المشبوهة مع البابا وأمثاله، بل الحوار العقدي والفكري والحضاري بين المؤمنين بأن رسالة الإسلام هي وحدها الحق، ودين الله الذي لا يقبل غيره، وأن خير ما يقدمه المسلمون للشعوب والحضارات هو هدايتهم للإيمان، ودعوتهم إلى الله، وبين الباحثين الجادين عن الحق والحقيقة في الغرب - وهم كثير - ولا مانع أن يشمل حوار المسلمين الجهات السياسية أو المؤثرة في صنع القرار هناك إقامة للحجة ولعلهم يتذكرون أو يخشون، ويجب اتخاذ الوسائل المحكمة لهذا مثل مراكز الدراسات المتخصصة والإصدارات العلمية الموثّقة والندوات التي يمثل المسلمين فيها أهلُ الرأي والعلم والخبرة بأحوال الغرب.
ي - إن أمة تعيش حالة الحرب الشاملة يجب أن تكون أبعد الناس عن اللهو والترف. وأن تصرف جهودها وطاقتها للتقرب إلى الله ورجاء ما عنده، وأن تحرص على التأسي بالأنبياء الكرام والسلف الصالح في الزهد في الدنيا والرغبة فيما عند الله، فهي في رباط دائم وثغور متوالية، ولا قوة لها إلا بالله، ويجب أن يصحب أعمالها كلها إخلاص لله تعالى وصدق في التوجه إليه وتوكل عليه ويقين في نصره، وعلى أهل العلم والدعوة أن يكونوا قدوة للناس في هذا كله وأن يضعوه في أولويات برامجهم الدعوية، فإن الله سبحانه وتعالى لم يعلق وعده بالنصر والنجاة والإعلاء والعزة لمن اتصف بالإسلام بل خص به أهل الإيمان كما في قوله تعالى:
{إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد}.
وقوله: {وكان حقاً علينا نصر المؤمنين}.
وقوله: {ونجينا الذي آمنوا وكانوا يتقون}.
وقوله: {ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين}.
وقوله: {ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين}.
وختاماً أسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن ينفعني وإخواني المسلمين بما نسمع وما نقول وأن يقر أعيننا بنصرة دينه وإعلاء كلمته وأن يجعلنا هداة مهتدين والحمد لله رب العالمين.
وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
د. سفر بن عبد الرحمن الحوالي
==============(68/45)
(68/46)
أسباب سقوط الدولة العثمانية
لماذا اختيار هذا الموضوع ؟ أهمية البحث في مثل هذه المواضيع ؟
لقد دعا القرآن الكريم إلى دراسة شؤون الأمم الغابرة وبين كيف أنها سقطت وتلاشت حينما ظلمت { ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون }
{ و إذا أردناأن نهلك قريةأمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا } فالشرط في تصاعد الخط البياني هو عدم الانحراف عن منهج الله وقد أشار ابن خلدون على الرغم من آرائه الأخرى حول موضوع الدولة إلى ضرورة حمل الكافة - أي كافة الناس - على شريعة الله إذا ما أردنا تجنب مساوئ الملك الطبيعي والسياسي . وكان الانحراف عن منهج الله يزداد والخط البياني ينزل هابطاً ولكن كانت هناك طفرات في التاريخ الإسلامي يرتفع بها ذلك الخط قليلاً فهناك المجددون .
وهى كما ذكر ابن خلدون عندما جعل للدولة أعمارًا طبيعة كالأشخاص، فهو لم ينس أن يربط عمر الدولة هذه بطبيعة الملك ،إذ يقول : إذا استحكمت طبيعة الملك من الانفراد بالمجد وحصول الترف والدعة أقبلت الدولة على الهرم…
وفي عهود العثمانيين الأوائل ارتفع الخط ولكنه عاد للهبوط بعد انقضاء عهد السلاطين العشرة الذين أرسوا كيان الدولة وعزروا قوتها ومدوا فتوحاتها وكان دائماً الالتزام بمنهج الله هو الأساس ـ وسيمر معنا مواقف خالدة لبعض هؤلاء السلاطين تبين بوضوح هذه النقطة
و بدأ الانحراف عن منهج الله صغيراً ثم ازداد الانفراج واتسع تدريجيا ثم تحول إلى ملك عضوض بالقوة أو بالإكراه حتى أصبحت الهرقلية أمراً متعارفاً عليه
الدولة العثمانية : 699 ـ 1343 هـ ( لمحة موجزة)
العثمانيون من شعب الغز التركي ، وأصلهم من بلاد التركستان ، نزحوا أمام اكتساح جنكيز خان لدولة خوارزم الإسلامية ، بزعامة سليمان الذي غرق أثناء عبوره نهر الفرات سنة 628 هـ فتزعم القبيلة ابنه أرطغرل الذي ساعد علاء الدين السلجوقي في حرب البيزنطيين فأقطعه وقبيلته بقعة من الأرض في محاذاة بلاد الروم غربي دولة سلاجقة الروم. وهذه الحادثة حادثة جليلة تدل على ما في أخلاقهم من الشهامة والبطولة.
ويعتبر عثمان بن أرطغرل هو المؤسس الأول للدولة العثمانية،وبه سميت ،عندما استقل بإمارته سنة 699 هـ وأخذت هذه الإمارة على عاتقها حماية العالم الإسلامي،وتولت قيادة الجهاد،وأصبحت المتنفس الوحيد للجهاد ،فجاءها كل راغب فيه…
وفي عام 923 هـ انتقلت الخلافة الشرعية لسليم الأول بعد تنازل المتوكل على الله أخر خليفة عباسي في القاهرة…
وبهذه العاطفة الإسلامية المتأججة في نفوسهم ممتزجة بالروح العسكرية المتأصلة في كيانهم ، حملوا راية الإسلام ، وأقاموا أكبر دولة إسلامية عرفها التاريخ في قرونه المتأخرة… وبقيت الحارس الأمين للعالم الإسلامي أربعة قرون،وأطلقت على دولتهم اسم (بلاد الإسلام) وعلى حاكمها اسم (سلطان) وكان أعز ألقابه إليه (الغازي) أي:المجاهد..واللفظان العثماني والتركي فهما من المصطلحات الحديثة…وحكمت بالعدل بالعمل بالشرع الإسلامي في القرون الثلاثة الأولى لتكوين هذه الدولة…
نعم : إن العثمانيين الذين تبوأوا منصباً في عهد سلاطينهم الفاتحين ووسعوا رقعة بلاد الإسلام شرقاً وغرباً واندحرت الأطماع الصليبية أمامهم وحقق الله على أيديهم هزيمة قادة الكفر والتآمر على بلاد المسلمين وارتجفت أوروبا خوفاً وفزعاً من بعض قادتهم أولئك كانت الروح الإسلامية عندهم عالية . . وكانت روح الانضباط التي يتحلى بها الجندي عاملاً من عوامل انتصاراتهم وهي التي شجعت محمد الثاني على القيام بفتوحاته .
وكانت غيرتهم على الإسلام شديدة وكثر حماسهم له لقد بدأوا حياتهم الإسلامية بروح طيبة وساعدتهم الحيوية التي لا تنضب إذ أنهم شعب شاب جديد لم تفتنه مباهج الحياة المادية والثراء ولم ينغمس في مفاسد الحضارات المضمحلة التي كانت سائدة في البلاد التي فتحوها ولكنهم استفادوا منها فأخذوا ما أفادهم وكانت عندهم القدرة على التحكم والفتح والانتصار وقد أتقنوا نظام الحكم وخاصة في عصر الفاتح ، إذ كان هناك نظام وضع لاختيار المرشحين لتولى أمور الدولة بالانتقاء والاختيار والتدريب والثقافة كما كانوا يشدد ون في اختيار من تؤهله صفاته العقلية والحسية ومواهبه الأخرى المناسبة لشغل الوظائف وكان السلطان رأس الحكم ومركزه وقوته الدافعة وأداة توحيده وتسييره وهو الذي يصدر الأوامر المهمة والتي لها صبغة دينية وكان يحرص على كسب رضاء الله وعلى احترام الشرع الإسلامي المطهر فكان العثمانيون يحبون سلاطينهم مخلصين لهم متعلقين بهم فلم يفكروا لمدة سبعة قرون في تحويل السلطة من آل عثمان إلى غيرهم .ولكن الأمور لم تستمر على المنهج نفسه والأسلوب الذي اتبعوه منذ بزوغ نجمهم في صفحات التاريخ المضيء فقد بدأ الوهن والضعف يزحف إلى كيانهم .
وبعد ذكر أسباب السقوط والانحطاط …لا بد أن نذكر شيئاً عن إيجابيات الدولة العثمانية(68/47)
لا شك أن الدولة العثمانية لم تسلم من أخطاء بل أخطاء فادحة،كانت سببًا في زوال الدولة: وإن من يدرس ، بإنعام نظر ، كل سبب من هذه الأسباب التي سوف تذكر.. لا يعجب من انهيار هذه الدولة العظيمة تحت سياط هذه الضربات بل يعجب كيف استطاعت أن تعيش ستمائة سنة وهي تتحمل هذه الضربات القاسية ….
وترجع هذه الأسباب في نظري إلى :
1/ مخالفة منهج الله .فالدولة العثمانية منذ أن قامت كانت العاطفة الإسلامية جياشة قوية ، فلما تبعها التربية الإسلامية والتدريب السليم للنظام العسكري الجديد كانت القوة وكان الفتح وكان التوسع ، فلما ضعفت التربية الإسلامية زادات أعمال السلب والنهب والفسق والفجور واستمر الانحراف وظهرت حركات العصيان وفقدت الدولة هيبتها بسبب انصراف السلاطين إلى ملاذاتهم
2/ تشجيع الصوفية:
3/ عدم اتخاذ الإسلام مصدرًا أساسيًا للتشريعات والقوانين والأنظمة التي تسير عليها الدولة،فكثرت إصدار التشريعات والقوانين الوضعية فيما سمي بالتجديدات وذلك بسبب الضغوط الأوروبية…
4/الحروب الصليبية التي شنت على الدولة والتي لم تنقطع منذ ظهورها إلى يوم انهيارها والكلام هنا يطول ويكفي التلميح إلى الحملة الفرنسية على مصر والحملة الفرنسية على الجزائر والتوسع الروسي في بلاد قفقاسيا وتهجير سكانها من داغستان وشاشان وشراكس عام 1282 هـ . والحملة الإنكليزية على مصر وعدن واستيلاء الطليان على طرابلس الغرب .
أما المناوشات والغزوات العسكرية والحركات الانفصالية التي أشعلتها الصليبية العالمية في ممتلكات العثمانيين في أوروبا فهي من الأهمية بمكان إذ لم يخل عهد سلطان منها
5/ توسع رقعة الدولة :
شغلت الدولة في أوج قوتها وتوسعها مساحة من الأرض تزيد عن أربعة عشر مليونا من الكيلومترات والأمر يختلف عما هو علية في وقتنا الحاضر إذ أن سياسة دفة الحكم في عهد كانت مواصلاته وسائلها الدواب والعربات وبريدها يستغرق الشهور الطويلة والسنين ، وقد تحصنت بالحواجز الطبيعية من أنهار وبحار وجبال وغيرها . والظن أن إعلان الحركات المتمردة والعصابات المتكررة فيها ربما يكون في غاية السهولة كما أن إخمادها أيضاً في غاية الصعوبة . ولم تحتفظ الدولة بتماسكها على الرغم مما أصابها من زلازل ونكبات طيلة ستة قرون إلا بفضل عامل الدين ورابطة العقيدة على الرغم من ظهور من استهان بها ورفع رأسة هنا وهنالك ولكن لم يتجرأ على إعلان بترها أو إلغائها إذ أن رابطة العقيدة أهم عامل حاسم في كيان الأمم وقد استطاعت تلك الرابطة أن تجمع بين الترك والعرب والكرد والشركس والشاشان والداغستان وغيرهم لقرون طويلة حتى قام أعداء هذا الدين وفرقوا شتات الأمة الواحدة بإثارة العصبية الإقليمية التي وصفها الرسول صلى الله عليه وسلم بأنها منتنة .
يقول العلامة ( عبد الرحمن بن خلدون ) والمتوفى في عام 808 هـ . في مقدمته العظيمة التي أسماها ( كتاب العبر وديوان المبتدأ والخبر ) : أن الدول القديمة المستقرة يفنيها شيئان : أولهما أن تنشأ مطالبة من الأطراف ، وهذه الولايات التي تطالب بالاستقلال لا تبدأ بمطالبها إلا إذا تقلص ظل الدولة عنهم وانحسر تيارها ، واما السبب الثاني لانقضاء الدولة المستقرة فيأتي من دعاة وخوارج في داخل هذه الدولة المستقرة ، فيبدوان بالمطالبة ( أولا ) بمطالب صغيرة وليست ذات بال ، ويكون لهؤلاء الدعاة السلاح النفسي الوهمي والمطاولة في طلب الحقوق التي تبدأ صغيرة ثم تنتهي إلى مقصد هيبة الدولة ونظامها ، ولعل أكثر ما يساعد هؤلاء الخارجين على نظام الدولة هو ما يحصل من فتور في همم اتباع هذه الدولة المستقرة ، وفي لحظة من اللحظات وعندما تتضح هرم الدولة المستقرة وتضمحل عقائد التسليم لها من قبل قومها مع انبعاث همم المطالبين بأشياء وأشياء في داخلها ، عندئذ تكتب سنة الله في العباد سطرها الأخير في كتاب العلم الإلهي ، وهذا السطر يفيد بزوال الدولة المستقرة وفناء عمرها ، لأن خللا وافر أقد غزا جميع جهاتها ، ويتضح ذلك للمطالبين من الأطراف ، أو في داخل هذا الخلل الذي اسمه الدولة ، عندها ينكشف ما خفي من هرمها واقتراب تلاشيها ، وفي تلك الاوقات من حياة الأمة المعنية ، يبدأ المرحلة الأخيرة من المناحرة والتي نتيجتها تكون مؤكدة : نشوء دول جديدة مستحدثة وأنظمة على أنقاض الدولة الفانية التي ( كانت ) مستقرة . وكلام العلامة ( أبن خلدون ) هذا ينطبق اكثر ما ينطبق على الدولة العثمانية ، ففي اتساعها وضم أقاليم عديدة تحت لوائها وحكمها ، كان المقتل وكان الخلل من حيث كان يعتقد أن في هذا منتهى القوة والمنعة ،خاصة أن نحن علمنا أن هذه الأقاليم والأمصار تضم قوميات عديدة
6/التخلف العلمي :(68/48)
وهو الذي لا يزال قائماً حتى اليوم وعلى الرغم من مرور أكثر من نصف قرن على الحركة العلمانية الكمالية التي عزته إلى التمسك بالدين . عن العثمانيين قد جاءوا إلى بلاد الأناضول بدواً ولم يتحضروا بل شغلتهم الحروب ولم ينصرفوا إلى العلم بسبب الانشغال بالفتوحات والحروب المستمرة في كل الجبهات ، ولم يسمح لهم الأوروبيون بالاتفات إلى العلم ولا إلى التخطيط لذا استمروا في طبيعة البداوة فأبدوا انتصارات وقدموا خدمات ، والفرق بينهم وبين الاستعمار أن الاستعمار يحرص على تقدم بلاده على حين يبذل جهده في بقاء سكان المناطق التي يحتلها على حالة من الجهل والتخلف أما هم فكانوا وغيرهم من هذه الناحية على حد سواء . وحينما انهزمت الدولة عام 1188 هـ . الموافق 1774 م انتبهت قليلاً وبدأ سليم الثالث بالإصلاح وإنشاء المدارس الجديدة وكان هو نفسه يعلّم في مدرسة الهندسة وألف جيشاً حديثاً حتى ثار عليه الجيش القديم وأغتاله . وقد مكن ذلك التخلف الغرب من التفوق المادي فاخترع الأسلحة الحديثة ووسائل الصناعة وبدأ عصر الآلة والبخار والكهرباء وانطبق قول الله عز وجل : ] كيف وإن يظهروا عليكم لا يرقبوا فيكم إلاًّ ولا ذمة [ . فظهروا على المسلمين بعد أن كانت لهم الغلبة ولم يتورعوا في استخدام ما توصلوا إليه من أسلحه الدمار والخراب ضدهم وحاولوا التشكيك في عقيدتهم وتاريخهم ، ولو أن صلابة الروح بقيت كما كانت سابقاً لما تمكن أعداء هذا الدين من أهله كما يتمكنون منهم اليوم فقد كانت حروبهم الصليبية تباعاً ولم تتوقف أبدا ولكنهم تصطدم بصخرته المنيعة الصلبة فتتحطم حملاتهم وتتبعثر جيوشهم وتذهب مكائدهم أدراج الرياح . وقد عبأ الإسلام هذه الأمة مادياً ومعنوياً فقال تعالى : ] وأعدّوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل .. [ . وقد حذّرنا القرآن منهم فقال جلّ وعلا : ] ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردّوكم عن دينكم إن استطاعوا [ . ولكن الصليبيين تمكنوا من بث أفكارهم بدل العلوم والصناعة …
7 / كان العثمانيون يكتفون من البلاد المفتوحة بالخراج ، ويتركون السكان على وضعهم القائم من العقيدة واللغة والعبادات ، إذ يهملون الدعوة والعمل على نشر الإسلام وإظهار مزايا الإسلام من المساواة والعدل والأمن وانسجامه مع الفطرة البشرية
8/ ضعف الدولة العثمانية في أواخر عهدها جعل الدول الأوروبية تتآمر عليها فأثاروا ضدها الحركات الانفصالية السياسية والدينية ، كما استغل دعاة القومية والصهيونية هذا الضعف مما جعلهم يقومون بحركات لتقويض هذه الدولة .
9/ الحركات الانفصالية والتمردات المحلية :
نتيجة للتفوق الصليبي قام أوروبا بحبك المؤامرات ضد المسلمين ودفعوا الدمى المصطنعة من طلاب الزعامة وغذوا أوكار الحاقدين والجهلة وشجعوا على العصيان .
أصبح سفراء الدول الغربية يتدخلون في الشؤون الداخلية والسياسية الخارجية للدولة…حتى وصل الأمر بهم أن هددوا الدولة العثمانية بقطع العلاقات لدولهم إذا قامت الدولة بأي إجراء انتقامي ..خاصة لدول البلقان..
أما في جهات الشرق فكان خصوم العثمانيين التقليديين يشعلون الثورات بين الحين والآخر ، ولعل أهم الحركات الانفصالية التي أضعفت الدولة كانت حركة محمد علي باشا في مصر .
وأخيراً تأتي دعوة الإمام محمد بن عبدالوهاب ـ أو كما يطلق عليها أغلب كتاب التاريخ الحديث الحركة الوهابية ـ التي قامت في الجزيرة العربية ! ويضعها بعض الكتاب ضمن أسباب ضعف الدول العثمانية…وهي كذلك ولكن ليس من الوجه التي يقصدونها..وإنما بسبب قضائهم على الدولة السعودية الأولى التي قامت على التوحيد..وكانوا سببًا في القضاء عليها..فقد يكون عقابًا من الله تعالى وانتقامًا لها بسقوط هذه الدولة العثمانية
10/ الامتيازات التي كانت تمنح للأجانب اعتباطاً بسخاء وكرم لا مبرر لهما بل كانت تمثل التفريط بحق الوطن في اقبح صورة ، فقد منحت الدولة العثمانية ، وهي في أوج عظمتها وسلطانها ، امتيازات لدول أجنبية جعلتها شبة شريكة معها في حكم البلاد . ولا أرى سبباً لهذا الاستهتار ألا الجهل وعدم تقدير الأمور قدرها الحقيقي وتقدير قوة ودهاء الدول التي منحت هذه الامتيازات والعاقل لا يستهين بعدوه مهما كان صغيراً وضعيفاً .(68/49)
وهي من التساهلات التي يمكن أن تعد أخطاء نظراً لنتائجها التي ظهرت بعد حين وقد منحت تلك الحقوق للأجانب أولاً ثم لبعض السكان المحليين فيما بعد وقد أراد السلطان سليمان القانوني أن يعيد الطريق التجاري إلى البحر المتوسط بعد أن تحولت إلى رأس الرجاء الصالح وذلك بإعطاء امتيازات وعقد معاهدات مع الإيطاليين ثم الفرنسيين والإنكليز ليشجعهم على الإبحار عن هذه الطريق ولكن أولئك النصارى جميعاً كانوا يبدون للسلطان رغبتهم في التحول ويعملون على الكيد له في الخفاء . هذه الاتفاقيات ظنها السلطان سليمان لا قيمة لها ما دامت القوة بيده حيث يلغيها متى شاء ويمنحها متى أراد والواقع أن الضعف الذي أصاب الدولة قد جعل من هذه الاتفاقيات قوة لهؤلاء الأجانب أولاً ولرعاياهم النصارى من سكان ومواطني الدولة العثمانية ثانياً . وكانت الامتيازات في البدء بسيطة ولكن نجم عنها تعقيدات كثيرة فيما بعد .
( منظمة التجارة العالمية الآن بقوانييها التي سوف تحكم العالم تجعل من حق الشركات أن تقيم مصانعها في أية بقعة من العالم،وأن تأتي بالعمالة الرخيصة من أيه بقعة من العالم،وأن تخرج عوائدها إلى البلد الذي تريد ومن البلد الذي تريد…
وقد حولت الامتيازات إلى اتفاقات ثنائية فأصبح بإمكان السفن الفرنسية دخول الموانئ العثمانية تحت حماية العلم الفرنسي ومنح الزوار حرية زيارة الأماكن المقدسة والإشراف عليها وحرية ممارسة الطقوس الدينية هناك . ثم أصبح مع مرور الزمن وكأنها حقوق مكتسبة ثم توسعت وشملت بعض السكان المحليين كالإعفاء من الضرائب والاستثناء من سلطة المحاكم الشرعية العثمانية والتقاضي في محاكم خاصة سموها المحاكم المختلطة وقد لعبت دورا كبيرا فيما بعد . وأصبح لروسيا مثلاً بموجب معاهدة كينارجي حق بناء كنيسة باستانبول وحق حماية النصارى التابعين لمذهبها الأرثوذكسي من رعايا الدولة ، وفي عهد السلطان عبد المجيد تقرر منح أهالي لبنان حكومة مستقلة تحت سيادة الدولة العثمانية يكون حاكمها نصراني ويكون للباب العالي حماية مؤلفة من 300 جندي فقط ترابط على الطريق الموصل بين دمشق وبيروت ، وبذلك تشجعت أقليات أخرى ، وطالب النصارى في البوسنة بتحريض أجنبي الحصول على امتيازات فقاومتهم الدولة ولكنهم لم يركنوا للهدوء وازدادوا من عصيانهم بدعم أوروبا لهم . لقد ساعدت الامتيازات على إشعال بؤر الفتن وأربكت الدولة وشغلتها عهوداً طويلة واتخذت ذريعة لتدخل الدول بحجة حماية الرعايا وبالتالي الاحتلال والعدوان .
11/ الغرور الذي أصاب سلاطين بني عثمان الذين فتحت لهم الأرض أبوابها على مصراعيها يلجونها كما يشاءون . وإن من يقرأ كتاب الملك سليمان القانوني إلى ملك فرنساء لايجد فيه ما يشبه كتاب ملك إلى ملك أو إمبراطور عظيم إلى ملك صغير او حتى إلى أمير ، بل يجده وكأنة كتاب سيد الى مسود ومن يطالع صيغ المعاهدات ، في أوج عظمة الدولة ، وما كان يضفى فيها على سلاطين بني عثمان من ألقاب يكادون يشاركون بها الله تعالى في صفاته بينما تكون ألقاب الأباطرة والملوك عادية ، أقول إن من يطالع صيغ هذه المعاهدات يدرك إلى أي حد بلغ بهؤلاء السلاطين الجهل والغرور
12/الجيش الإنكشاري :
هو الجيش الذي أنشأه السلطان أو رخان باختيار أفراد ه من أبناء البلاد الأوروبية المفتوحة وتلقينهم مبادئ الدين الإسلامي ووضعهم في ثكنات عسكرية خاصة وتدريبهم على فنون الحرب والقتال . ولقد أبلى ذلك الجيش بلاء حسنا في كافة المعارك التي خاضها العثمانيون إبان قوتهم فكانوا يندفعون كالأسود في ساحات القتال وكان لهم الفضل في ترجيح كفة النصر في المعركة الحاسمة يوم فتح القسطنطينية وغيرها من المعارك الشهيرة . ثم مع مرور الزمن بدأ الوهن يتسرب إلى صفوفهم عندما عاشوا بين المدنيين وكثرت تعدياتهم بصفتهم العسكر المختص بهم السلطان.
فما اختلط الجند بأهل المدن إلا وقد فسدت طبيعتهم وتغيرت أخلاقهم وتبدلت مهمتهم وأصبح البلاء في وجه الحكم منهم والعداء للسكان من أعمالهم وصاروا يتدخلون في شؤون الدولة وتعلقت أفئدتهم بشهوة السلطة وانغمسوا في الملذات والمحرمات وشق عليهم أن ينفروا في أوقات البرد الشديد ونظروا إلى العطايا السلطانية ومالوا إلى النهب والسلب حين غزو البلاد . فأثاروا الاضطرابات يريدون الحروب ولو كان جحيمها يصب فوق رؤوسهم ليواصلوا نهب البلاد المفتوحة، وأصبحوا ينقضون العهود ويخرقون الهدنة للذين تمت معهم عن طريق السلطان..
وبذلك نسوا الغاية التي وجدوا من أجلها . لقد كانت فاتحة أعمال السلطان مراد الثالث عام 982هـ . هي إصدار أمر بمنع شرب الخمور فهاجوا وماجوا حتى اضطروه لإباحته ضمن شروط لخوفه من نقمتهم .
وهكذا فإن الجيوش لا تهزم إلا حينما تترك عقيدتها ولا تلتزم بمبادئها .(68/50)
إن وثوب الانكشارية إلى مركز القيادة في الدولة العثمانية جعلها في حالة خطيرة من الفوضى فصاروا هم الأمرون والناهون والسلطان ألعوبة بأيديهم فظهر الفساد وضاعت البلاد . ثاروا في استانبول والقاهرة وبودا ،يطالبون بإشعال الحروب حينما اقتضت المصلحة ألا تكون هناك حروباً . وقد أشار سنان باشا عام 997 هـ . إلى إشعالها بمحاربة المجرمين تحت إلحاح شديد من قبلهم وكانت النتيجة انهزام والي بودا العثماني ومقتل حسن باشا والي الهرسك وسقوط عدة قلاع عثمانية بأيدي النمسا . وفي عام 1027 هـ . حاول السلطان عثمان إبادتهم بإعداد العدة لحشد جيوش جديدة في ولايات آسيا الصغرى وتدريبها وتنظيمها ولما حاول ذلك خلعوه وقتلوه وأعادوا مصطفى الأول الذي خلعوه عام 1032 هـ .
أيضاً وهذه هي نهاية كثير من المصلحين حينما يتاح للجيوش الفاسدة أن تكتب أقدار الأمم .
واستمر الانكشارية في عهد السلطان مراد الرابع سنوات عشر سائرين في طريق الضلال سادرين في غيهم وطغيانهم فهم الذين نصبوه فالأمر والنهى يجب أن يكون لهم ما دام رأس الدولة بأيديهم . وهم الذين قاموا بقتل السلطان إبراهيم الأول خنقاً حينما حاول التخلص منهم ، وهم الذين اربكوا الدولة إذ وضعوها في حالة من الفوضى بقتلهم السلاطين وتولية أولادهم الصغار السن من بعدهم كالسلطان محمد الرابع ، فقام الإفرنج باحتلال أجزاء من البلاد فاضطر الصدر الأعظم والعلماء إلى عزله . ثم ثار الانكشارية في عهد السلطان سليمان الثاني ودخلت جيوش الأعداء بعضاً من أراضي الدولة واحتلتها . وخلع الانكشارية السلاطين مصطفى الثاني ، أحمد الثالث ، مصطفى الرابع ، إلى أن قيض الله للسلطان محمود الثاني عام 1241 هـ . التخلص منهم فقد هيأ لذلك وسلط عليهم المدفعية فدمرتهم وانتهى أمرهم .
13/ كما ان السلاطين العثمانيين تعوّد أغلبهم بعد عهود المجد والقوة أن لا يقودوا الجيوش بأنفسهم وتركوا الأمر لقواد قد يكون بعضهم غير كفء فانهزموا في مواقع كثيرة وتضاءل الحماس والحمية الدينية لغياب السلطان عن مركز قيادة الجيش كما كان يحدث سابقاً .
14/ احتجاب السلاطين وعدم ممارستهم السلطة بأنفسهم والاتكال على وزراء جهال . فقد كان سلاطين آل عثمان حتى السلطان سليم الأول يتولون قيادة الجيش بأنفسهم ، فيبعثون الحماسة والحمية في صدور الجنود ، ثم صار السلاطين يعهدون بالقيادة إلى ضباط فصار الجنود يتقاعسون ويتهاونون تبعاً للمثل القائل '' الناس على دين ملوكهم ''
15/ وتسليم أمور الدولة إلى غير الأكفاء من الناس إذ كان طباخ القصر وبستانية وحاطبة والخصي والخادم يصلون إلى رتبة رئاسة الوزارة أو القيادة العامة للجيش . فماذا ينتظر من جاهل أن يفعل ؟
16/ زواج السلاطين بالأجنبيات وتسلط هؤلاء الأجنبيات على عواطف أزواجهن وتصريفهم في سياسة بلادهن الأصلية وتحكمهن بمقدرات الدولة . فكم من الملوك قتلوا أولادهم أو إخوانهم بدسائس زوجاتهم وارتكبوا أعمالاً تضر بمصلحتهم إرضاءً لزوجاتهم .هذا علاوة على زواج بعض السلاطين من الأوروبيات فيه إساءة للأمة.
17/ تعدد الزوجات والمحظيات اللواتي كان الأجانب والحكام يقدمونهن هدية للسلطان كأنهن السلع أو التحف واللواتي كان السلاطين إذا رأوا كثرتهن في قصورهم يهدونهن أحيانا إلى قادتهم أو خواصهم على سبيل التكريم . وكان من البديهي أن يحصل بين أولاد الأمهات وأمهات الأولاد ، سواءً أكانت الأمهات زوجات أو محظيات ، تحاسد وتباغض يؤديان إلى قتل السلاطين أولادهم وإخوانهم والى أمور غير معقولة ومقبولة عقلاً وشرعاً .(وسوف نوضح ذلك أكثر في النقطة التالية)
18/ تفكك روابط الأسرة السلطانية بسبب كثرة النساء حتى أصبحت عادة قتل السلطان إخوانه أو أولاده ، يوم يتولى العرش ، أمراً معروفاً ومألوفاً . وكأنه يضحي بخراف احتفاء بهذا اليوم من غير أن يشعر بوخز ضمير أو لسعة ألم .
قانون (قتل الأخوة)
أما العادة السيئة الأليمة وهي عادة قتل السلاطين لابنائهم وإخوانهم وهي المنافية للإنسانية وإن وجدت لها مبررات واهنة فقد أودت بأرواح الأطفال والأبرياء بلا ذنب ، سوى خوف المنازعة في الملك فيما بعد وحرمت الأمة من رجال قد يكون منهم أفذاذا وعباقرة ، فحل محلهم رجال احتلوا مناصب رفيعة في الدولة وفي قيادة الجيوش من بلاد أوروبا العثمانية تظاهر بعضهم الإسلام و أبطن الكفر وعاد بالدمار والهزيمة إلى البلاد
تمثل هذا الإجراء العرفي الذي اختطفه بايزيد الأول،وتحول على يد محمد الفاتح إلى قانون ثابت،ومفاد هذا القانون الإجازة للسلطان المتولي للعرش أن يقدم على تصفية الأمراء المنافسين وذلك بالاتفاق مع هيئة العلماء… وهذه سياسة قوامها تغليب المصلحة السياسية العليا للدولة المتمثلة بحفظ وحدة كيانها السياسي في مواجهة ما يترتب على اعتماد مبدأ وراثة الملك من إختلالات تكوينية توفر المناخ المناسب لا تجاه تفكيك كيان الدولة عند انتقال السلطة من الأب إلى الأبناء.(68/51)
وبعد قرن من الزمان جرى استبداله بقانون آخر قضى بالتخلي عن سياسة التصفية الجسدية والاكتفاء بسياسة سجن جميع الأمراء ـ عداء أبناء السلطان الحاكم ـ في مقاصير خاصة ومنعهم من كل اتصال بالعالم الخارجي.
ثن تعرض هذا القانون لتعديل..حيث أوجب قانون جديد:إلزامية انتقال العرش حين خلوه إلى أكبر الأحياء من الذكور من الأسرة العثمانية. لقد ترتب على تنفيذ هذا القانون وخلال قرن ونيف إلى اعتلاء الأخوة والأعمام وأولاد العم منصب السلطان وهم غالبتهم من سجناء الأقفاص،وبالتالي فقد تبوأ مركز السلطان أفراد يفتقدون أبسسط شروط هذا المركز…
ولذا فقد كان أفراد الأسرة السلطانية يعيشون في خوف مستمر ويتربص بعضهم بالبعض الآخر الدوائر ولا يبالون بأن يشقوا عصا الطاعة في وجه السلطان سواءً أكان أخاً أم أباً أم ابناً وذلك ليس حباً بالسيطرة فقط بل لإنقاذ أعناقهم أحياناً من الغدر .
السلطان سليمان أثرت فيه زوجته (روكسلانا)
= تدخل نساء القصر بالسياسة وشفاعتهن لدى أزواجهن السلاطين برفع الخدم إلى منصب الوزراء أو إيصال المتزلفين إلى مراتب الحل والعقد ، كرئاسة الوزارة وقيادة الجيش . وفي كثير من الأحيان لا يكون لهؤلاء الرجال من ميزة يمتازون ألا تجسسهم لحسابهن .
يمكن أن نعد ما مر معنا أهم العوامل التي آلت بالدولة العثمانية إلى الزوجات الأجنبية التي تزوج بها بعض السلاطين كالسلطان سليمان وغيره إذ قامت تلك بحبك المؤامرات في الخفاء بغية تنفيذ أغراضها . والانغماس في الترف والشهوات . وفي عهد السلطان أحمد الثالث عام 1115 هـ. عندما حاصرت الجيوش العثمانية قيصر روسيا بطرس الأكبر وخليلته كاترينا من قبل بلطه جي محمد باشا حدث ان قامت كاترينا بإغراء القائد العثماني بالجواهر واستمالته إليها فرفع الحصار عنهما فأضاع فرصة ثمينة للقضاء على رأس الدولة التي كادت للعثمانيين ولعبت دورا كبيراً جداً في إضعاف وزوال دولتهم .
19/ بقاء أولياء العهد مسجونين في دور الحريم فلا يرون من الدنيا شيئاً ولا يعلمون شيئاً ، وكثيراً ما كانوا لا يتعلمون شيئاً أيضا لأنهم لم يكونوا يدرون إلى ما سيصيرون فإما أنهم سيذهبون ضحية مؤامرة قبل أن يصلوا إلى العرش وإما أنهم يصلون لى العرش لكي يجدوا فئة من الناس تسيطر عليهم وتتحكم بهم أو يسحبون عن العرش ويقتلون أو تسيرهم نساء القصر أو يسيرهم جهلهم .
= الاختلاط بالجواري والغلمان لم تكن تربية عسكرية .
= سياسة القفص لا شك أنها مدمرة …
20/ خيانة الوزراء ، إذ أن كثيرًا من الأجانب المسيحيين كانوا يتظاهرون بالإسلام ويدخلون في خدمة السلطان ويرتقون بالدسائس والتجسس حتى يصلون إلى أعلى المراتب ، وقد أبدى السلطان عبد الحميد استغرابه من وفرة الأجانب الذين تقدموا إلى القصر يطلبون عملاً فيه حتى ولو بصفة خصيان وقال : لقد وصلني في أسبوع واحد ثلاث رسائل بلغة رقيقة يطلب أصحابها عملاً في القصر حتى ولو حراساً للحريم ، وكانت الأولى من موسيقى فرنسي والثانية من كيميائي ألماني والثالثة من تاجر سكسوني . وعلق السلطان على ذلك بقولة : من العجب أن يتخلى هؤلاء عن دينهم وعن رجولتهم في سبيل خدمة الحريم . فهؤلاء وأمثالهم كانوا يصلون إلى رئاسة الوزراة ، ولذا فقد قال خالد بك مبعوث أنقرة في المجلس العثماني بهذا الصدد : لو رجعنا إلى البحث عن أصول الذين تولوا الحكم في الدولة العثمانية وارتكبوا السيئات والمظالم بأسم الشعب التركي لوجدنا تسعين في المائة منهم ليسوا اتراكاً .
21/ وكذلك وصل هذا الحال إلى المؤسسات الدينية: فبعد انخراط شيخ الإسلام داخل منطق السلطة غدا باستطاعته أن يستثمر ما تتيحه السلطة من إمكانيات ووسائل فعالة بغية حيازة الثروات،وتوريث المناصب…لقد أدّت هذه الوضعية إلى ضمور شرعية هذا المركز سواء في نظر مراكز القوى الأخرى أو في نظر قوى المجتمع المختلفة.ففي مطلع القرن الثامن عشر 1703 م حصلت انتفاضة شعبية في استانبول ضد شيخ الإسلام لاحتكاره الوظائئف العليا لعائلته وقد أدّت الانتفاضة إلى عزل شيخ الإسلام ومن ثم إعدامه…
فتسرب الفساد إلى طبقة العلماء،حيث كانوا يأتون في الرتبة الثانية في الدولة بعد السلطان. …وكان القضاء لا يسير إلا بالرشوة.
ما حصل من تفكك وتفسخ للهئيات الإسلامية أصبح موضوعًا ينبغي إصلاحه والتصدي لسلبياته المختلفة،فقد جاء في الرسالة الإصلاحية لقوجي بيك الموجهة إلى السلطان مراد الرابع عام 1630 م جملة من التنبيهات الكاشفة لوضعية هذه المؤسسة وما يخترقها من نقاط اختلال متعددة الأوجه. فقد جاء في هذه الرسالة:(68/52)
… حسب القوانين القديمة في زمن السلاطين الأسلاف،كان الشخص الذي يحتل منصب المفتي أولاً ومنصب قاضي عسكر الرومللي أو الأناضول يتم اختياره من بين الأشخاص الأكثر علمًا والأشد إيمانًا بالله. وطالما كان المفتي يقوم بواجباته لم يكن ليخلع من منصبه أبدًا ؛ لأن هذه الدرجة هي الأعلى في العلوم،والاحترام الواجب تجاهها مختلف عن سواه.وقديمًا كان المفتون ،عداء عن كونهم مصدر العلم،لا يخفون الحقيقة أبدًا عن السلاطين…ولكن العلم انطفأ حاليًا.والقوانين قلبت… ومؤخرًا فإن منصب المفتي قد أعطي لأناس ليست لهم الكفاءة بالتضاد مع القوانين والأعراف التي كانت متبعة سسابقًا،وكذلك الأمر بالنسبة لقضاة العسكر.وبيع المناصب انتقلت عدواة إلى الملازمين الذين ليسوا إلا كتاب بسطاء وإلى غيرهم من الأشخاص الذين يصيرون بواسطة المال مدرسين وقضاة …
22/ تبذير الملوك حتى بلغت نفقات القصور الملكية في بعض الأحيان ثلث واردات الدولة
( ويرى بعض الكتاب أن قصور العثمانين رغم فخامتها إلا أنها كانت أقل من قصور أمراء أوروبا…)
23/ مشكلة الديون :التي أقرضتها الدول الأوروبية للدولة العثمانية بسبب كثرة الانفاقات على الإصلاحيات.وفائدتها التي أصبحت أضخم من قيمة القروض.
وفخ الديون منهج أنتهجه الأوروبيون لنصبه ضد الدول الإسلامية منذ القرن التاسع عشرم .
وفخ الاقتراض من الدول الأوروبية (اقتراض ربوي طبعًا) وما يسببه الربا من دمار لهذه الدول الإسلامية.
هذه الأسباب هي التي قضت على الدولة العثمانية أنزلتها من شامخ عزها إلى حضيض المذلة والهوان . وإن من يدرس ، بإنعام نظر ، كل سبب من هذه الأسباب المذكورة آنفاً ويرى مدى تأثيره الواسع في المحيط الدولي لا يعجب من انهيار هذه الدولة العظيمة تحت سياط هذه الضربات بل يعجب كيف استطاعت أن تعيش ستمائة سنة وهي تتحمل هذه الضربات القاسية …. ، ولكنها عاشت بفضل اختلاف أعدائها على تقسيمها فيما بينهم وبفضل إيمان أهلها وتمسكهم …………
سقوط الخلافة وبداية العلمانيين
يعد عام 1908 م / 1326 هـ عامًا حزينًا في ضمير كل مسلم غيور ؛لأنه عام تهدمت فيه حقيقة الخلافة الإسلامية المتمثلة بالخلافة العثمانية،نحن لا ننكر أن ثمة جهلاً وبدعًا وأخطاء وغباء في أواخر عهد هذه الخلافة ـ كما مرّ معنا في النقاط السابقة ـ التي أصبحوا يسمونها بالرجل المريض،ولكن هذا شيء وتغيير النظام الإسلامي وجلب النظام الغربي الوضعي شيء آخر،وقد كانت الصهيونية وراء هذا الهدم وذلك لأن السلطان (عبدالحميد)رفض أن يحقق أطماعها في فلسطين وقد وصل يهود الدونمة إلى مناصب عالية في دولة الخلافة،وكان هؤلاء يظهرون الإسلام ويبطنون اليهودية ومنهم (مدحت باشا)الصدر الأعظم وهو ابن حاخام مجري !! كما كان منهم جمهرة الصحفيين الذين كانوا يغطون تطور الأحداث بقلم مزيف الوقائع،ويظهر للناس أن عبدالحميد مستبد ظالم زيرنساء،وقد تابعهم للأسف كثير من المؤرخين المسلمين.
مقدمات إلغاء الخلافة: فصل الدين عن الدولة:
= / الجمعيات والأحزاب السّرية : (وتعد من أسباب سقوط الدولة العثمانية)
ونذكر منها على سبيل المثال جماعة يهود الدونمة الذين التجئوا للبلاد العثمانية بعد الاضطهاد في الأندلس ونظموا أنفسهم محتفظين بعقائدهم متكيفين مع الوضع الجديد بإعلانهم الإسلام ظاهرياً ، فكانوا عوناً للصليبية على المسلمين وأداة تدمير في الأخلاق والدين وكانوا وراء حركات التمرد والثورات المسلحة ضد الدولة حتى انتهى بهم المطاف إلى قلب نظام الحكم في عهد السلطان عبد الحميد الثاني وفرض أحكام الكفر والابتعاد بالدولة شيئاً عن جادة الإسلام الصحيح .
قامت بعض الجمعيات بحركات ضد السلطان عبدالحميد،تحت أسماء مختلفة أهمها حركة تركيا الفتاة،وحركت حزب الاتحاد والترقي… فقد تكونت جمعية سرية في كلية الطب العسكري في استابول،وعرفت باسم جمعية الاتحاد والترقي…واكتسبت هذه الجمعية السرية كثيرًا من الأنصار،وانضم إليها أعضاء جمعية تركيا الفتاة،واتخذوا من جنيف مركزًا لقيادة الجمعية،وأنشأوا في باريس جريدة تمثل أراء الجمعية أسموها الميزان.
وهذا الحزب : حزب الاتحاد والترقي الذي شمل بعض اليهود في عضويته فقد ورط البلاد في حروب ونزاعات وأرغم قادته المسيطرون عليه الدولة على الانخراط في الحرب العالمية الأولى بعد أن قضوا على حكم عبد الحميد الذي أراد تقويم الانحراف ، وتبنوا الأفكار التي فرقت بين أبناء الدولة المسلمين وكانت الماسونية بالطبع من وراء تلك الجمعيات السّرية تحيك الدسائس والمؤامرات وتقيل عثراتها وتدعم قادتها .
.كما لا يخفى أخيراً الأزمة الاقتصادية الأوروبية ودورها في القرنين العاشر والحادي عشر والتي نجمت عن تزايد السكان الكبير الحاصل آنذاك .
ومع بداية القرن العشرين انتشرت جمعيات سرية كثيرة،وخاصة في سالونيك،باسم الوطن والحرية، تتعاون مع جمعية الاتحاد والترقي، لمعارضة الحكومة العثمانية، وتمكنت هذه الجمعيات أخيرًا من الثورة سنة 1326 هـ وإسقاط السلطان عبدالحميد 1327 هـ(68/53)
( وكانت البداية لهذا الاقتراح من مصطفى كمال، فقد بدأ بتهديد ووعيد…
وبهدم الخلافة انفصلت الدولة وتنظيماتها وأشكالها ومسارها عن الدين لأول مرة في تاريخ الإسلام… فوقف أتاتورك يقول وهو يفتتح جلسة البرلمان التركي عام 1923 م:نحن الآن في القرن العشرين لا نستطيع أن نسير وراء كتاب تشريع يبحث عن التين والزيتون)
ـ وما أشبه الليلة بالبارحة، وما أكثر ذيول أتاتورك في بني جلدتنا.وسرت في العالم الإسلامي الكبير فكرة مشوشة باهتة عن صلة الإسلام بالحياة وأصبحنا نلتقي ونسمع يوميًا بكثير من المثقفين المسلمين يُقرِّون هذا الفعل أو يشككون في بعض معطيات الإسلام،أو يعتقدون أن بعضها لا يناسب مدينة القرن العشرين ـ
كما كان للماسونية دور كبير في الترتيب لهدم الخلافة،تقول دائرة المعارف الماسونية(إن الانقلاب التركي الذي قام به الأخ العظيم مصطفى كمال أتاتورك أفاد الأمة فقد أبطل السلطنة وألغى الخلافة وأبطل المحاكم الشرعية وألغى دين الدولة الإسلام.أليس هذا الإصلاح هو ما تبتغيه الماسونية في كل أمة ناهضة فمن يماثل أتاتورك من رجالات الماسون سابقا ولا حقا؟
بداية العلمانيين ونهاية الخلافة
فقد قام الاتحاديون بتوجيه الدولة وجهة قومية لادينية ، ولما احتل الإنجليز استانبول ( الآستانة ) وأصبح المندوب السامي البريطاني والجنرال هارنجتون ( القائد العام لقوات الحلفاء في استانبول ) هما أصحاب السيادة الفعلية ظهر مصطفى كمال باشا بمظهر المنقذ لشرف الدولة . ولد عام 1299هـ كان والدة كما يقول ( مصطفى كمال ) : رجلا ضائع الفكر يقاوم علماء الدين ويؤيد الأفكار التي تتسرب من الغرب وتشبث بها . فنشأ انبه على ذلك وتأثر بأفكار نامق كمال ذو الآراء الملتزمة ، وطالع العديد من الكتب عن الثورة الفرنسية وازداد إعجابه بنابليون قام بتأليف جمعية سرية . الوطن في دمشق . ففشلت .فانضم إلى جماعة الاتحاد والترقي في سالونيك . اكتسب الكثير من طبائع الغرب وبهرت أنظاره وافتتن بحضارة ومعاييرها الفنية والاجتماعية . واهتم بحرية الجنس والعلاقات بين الرجل والمرأة . وفي عام 1377هـ /عين قائداً لأحد الجيوش في فلسطين حيث قام بإنهاء القتال مع الإنجليز فوراً وبصورة تامة وسمح للعدو بالتقدم شمالاً دون مقاومة وسحب قواته شمالاً بعد حلب حسب مخطط متفق عليه .
لقد قام مصطفى كمال باستثارة روح الجهاد في الأتراك ، ورفع القرآن ، ورد اليونانيين على أعقابهم ، في موقعة سقاريا عام 1921م ، وتراجعت أمامه قوات الحلفاء بدون أن يستعمل أسلحته ، وأخلت أمامه المواقع ولعلها كانت بداية الطعم لإظهار شخصية مصطفى كمال ، وجعلها تطفو على السطح تدريجياً فقد ابتهج العالم الإسلامي وأطلق عليه لقب الغازي الذي كان ينفرد به سلاطين آل عثمان الأول ، ومدحه الشعراء وأشاد به الخطباء . فأحمد شوقي قرنه بخالد بن الوليد في أول بيت من قصيدة مشهورة :
الله أكبر كم في الفتح من عجب يا خالد الترك جدد خالد العرب
فكان الناس إذا قارنوا كفاح مصطفى كمال المظفر ، باستسلام الخليفة القابع في الآستانة ، مستكينا لما يجري عليه من ذل ، كبر في نظرهم الأول ، بمقدار ما يهون الثاني . وزاد سخطهم على الخليفة ما تناقلته الصحف بإهدار ه دم مصطفى كمال واعتباره عاصياً متمرداً . ولم يكن مصطفى كمال في نظرهم إلا بطلا مكافحا يغامر بنفسه لا ستعادة مجد الخلافة ، الذي خيل إليهم أن الخليفة يمرغه في التراب تحت أقدام الجيوش المحتلة. ولكنه لم يلبث غير قليل حتى ظهر على حقيقته ، صنيعه لأعداء الإسلام من اليهود والنصارى وخاصة إنجلترا ، التي رأت أن إلغاء الخلافة ليس بالأمر الهين ، وإن ذلك لايمكن أن يتم دون اصطناع بطل .
وفي عام 1341هـ / 1923م أعلنت الجمعية الوطنية التركية قيام الجمهورية في تركيا ، وانتخبت مصطفى كمال أول رئيس لها وفصل بذلك بين السلطة والخلافة ، وتظاهر بالاحتفاظ مؤقتا بالخلافة . فاختير عبد المجيد بن السلطان عبد العزيز خليفة ، بدلا من محمد السادس الذي غادر البلاد على بارجة بريطانية إلى مالطة ، ولم يمارس السلطان عبد المجيد أي سلطات للحكم . وفي عام 1342هـ / 1924م قدم مصطفى كمال أعظم هدية للغرب ، وهي إلغاء الخلافة ، التي كانت في اعتبار المسلمين جميعا عقدة الصلة والرابطة الوثيقة ، بحسبانها قوة خاصة لهم في مواجهة الغزو الغربي ، والصهيوني ثم الشيوعي . وأخراج السلطان عبد المجيد من البلاد ، وأعلن دستور ا جديدا لتركيا ، وبدأ حكم كمال أتاتورك كرئيس للجمهورية التركية رسميا . فأثار بذلك موجة من الاستياء الشديد عمت العالم الإسلامي . فشوقي الذي مدحه سابقا بكى الخلافة ، وهاجم مصطفى كمال في عنف ، لا يعدله إلا تحمسه له بالأمس ، فيقول :
بكت الصلاة وتلك فتنة عابث بالشرع عربيد القضاء وقاح
أفتى خز عبلة وقال ضلالة وأتى بكفر في البلاد بواح(68/54)
وبسقوط الخلافة بدأت تركيا تنقل بقوة على يد أتاتورك إلى الأنسلاخ من العالم الاسلامي بإعلان علمانية الدولة ،وتغير كل الرموز الاسلامية ،مثل إلغاء الشريعة الاسلامية وإحلال القنون السويسري محلها ،وإعلان سفور المرأة بدلاًعن الحجاب ،وإلغاءالأوقاف الاسلامية،وكتابة اللغة التركية بالحروف اللاتنية بدلاًمن الحروف العربية ،وبالتالي فقد تم مسخ الروح الإسلامية في تركيا ،ويسعى أتاتورك إلي الحاق بذيل الحضارة الغربية.
ولقد أثر سقوط الخلاقة الإسلامية في مارس1924م،ومنقبلة فصل الخلافة عن السلطة العام 1922م جدلاًواسعاً في الأوساط الفكرية،مابين مؤدي لسقوط الخلافة ،ومعارض لها،فالتوجه العلماني يرى ان سبيل التقدم يتحقق في سقوط الخلافة ،في حين ان التيارالأصلاحي يرى النهضة الامة الأسلامية لايمكن أن يتحقق في سقوط الخلافة
وبعد أن ذُكرت أسباب السقوط والسلبيات ،فلا بد من ذكر الايجابيات
إيجابيات الدولة العثمانية وصور مشرقة
1. توسيع رقعة الأرض الإسلامية ، إذ فتح العثمانيون القسطنطينية وتقدموا في أوروبا مما عجز المسلمون من قبلهم منذ أيام معاوية t وساروا فيها شوطاً بعيداً حتى وقفوا على أبواب فيينا وحاصروها أكثر من مرة دون جدوى .
2. الوقوف في وجه الصليبيين على مختلف الجبهات فقد تقدموا في شرقي أوروبا ليخففوا الضغط عن المسلمين في الأندلس كما انطلقوا إلى شمال البحر الأسود ودعموا التتار ضد الصليبيين من الروس هذا فضلاً عن التصدي للإسبان في البحر المتوسط والبرتقاليين في شرق إفريقيا والخليج ، ولم يوفقوا في حملاتهم وذلك يرجع لعدم تكاتف المسلمين والتفافهم حولهم .
3. عمل العثمانيون على نشر الإسلام ، وشجعوا على الدخول به ، وقدموا الكثير في سبيل ذلك وعملوا على نشر في أوروبا وعملوا على التأثير في المجتمعات التي يعيشون بينها .
4. إن دخول العثمانيين إلى بعض الأقطار الإسلامية قد حماها من بلاء الاستعمار الذي ابتلت به غيرها في حين أن المناطق التي لم يدخلوها قد وقعت فريسة للاستعمار باستثناء دولة المغرب .
5. كانت الدولة العثمانية تمثل الأقطار الإسلامية ، فهي مركز الخلافة ، لذا كان المسلمون في كل مكان ينظرون إلى الخلافة وإلى الخليفة نظرة احترام وتقدير ، ويعدون أنفسهم من أتباعه ورعاياه ، وبالتالي كانت نظرتهم إلى مركز الخلافة ومقرها المحبة والعطف وكلما وجد المسلمون أنفسهم في ضائقة طلبوا الدعم من مركز الخلافة كما كان الخلفاء .
6. وكانت الخلافة العثمانية تضم أكثر من أجزاء البلاد الإسلامية فهي تشمل البلاد العربية كلها باستثناء المغرب إضافة إلى شرقي إفريقيا وتشاد وتركيا وبلاد القفقاس وبلاد التتار وقبرص وأوروبا بحيث وصلت مساحتها حوالي 20 مليون كيلومتر مربع .
7. كانت أوروبا تقابل العثمانيين على أنهم مسلمون لا بصفتهم أتراكاً ، وتقف في وجههم بحقد صليبي وترى فيهم أنهم قد أحيوا الروح الإسلامية القتالية من جديد ، أو أنهم أثاروا الجهاد بعد أن خمد في النفوس مدة من الزمن ، وترى فيهم مداً إسلامياً جديداً بعد أن ضعف المسلمون ضعفاً جدياً وتنتظر أوروبا قليلاً لتدمرهم ، والأتراك العثمانيون حالوا بينهم وبين المد الصليبي في الشرق والغرب الإسلامي ، الأمر الذي جعل أوروبا تحقد على العثمانيين وتكرههم .
8. كانت للعثمانيين بعض الأعمال الجيدة تدل على صدق عاطفتهم وإخلاصهم
مثل عدم قبول النصارى مع الجيش وإعفاء طلبه العلم الشرعي من الجندية الإلزامية ، وكذلك إصدار المجلة الشرعية التي تضم فتاوى العلماء في القضايا كافة وكذلك احترام العلماء وانقياد الخلفاء للشرع الشريف والجهاد به وإكرام أهل القرآن وخدمة الحرمين الشريفين والمسجد الأقصى .
9. وكان للعثمانيين دورهم في أوروبا إذ قضوا على نظام الإقطاع ، وأنهوا مرحلة العبودية التي كانت تعيشها في أوروبا حيث يولد الفلاح عبداً وينشأ كذلك ويقضي حياته في عبودية لسيده مالك الأرض وأهتم السلاطين بتقديم الصدقات والعطايا للموطنين .
10. أن العثمانيين هم الذين أزالوا من خريطة العالم أعتى أمبراطورية صليبية . هى الأمبراطورية البيزنطية،وفتحوا عاصمتها سنة 857 هـ.
11. موقف رائعة مشرقة:
أ / أول صلاة في جامع (بايزيد)
عندما أكتمل بناء جامع بايزيد وتم فرشه،جاء يوم افتتاحه بالصلاة فيه، ولكن من سبقوم بإمامة المصلين في هذه الصلاة؟أيؤم الناس الإمام المعين لهذا الجامع؟أم شيخ الإسلام؟أم أحد العلماء المعروفين؟لم يكن أحد يعلم ذلك،وكان الجميع في انتظار من يتقدم إلى الإمامة. فوقف إمام الجامع وتوجه إلى المصلين قائلاً لهم:ليتقدم للإمامة من لم يضطر طوال حياته لقضاء صلاة فرض.(أي: من صلّى صلوات الفرض في أوقاتها طوال حياته.وبعد انتظار بسيط شاهد المصلون السلطان (بايزيد الثاني) وهو يتقدم للإمامة بكل هدوء،ثم يكبر لصلاة الجماعة… أجل: كان السلطان هو الشخص الوحيد من بين الحاضرين الذي لم تفته صلاة من صلوات الفرض…(68/55)
ب/ أمر السلطان محمد الفاتح ببناء أحد الجوامع وكلف أحد المعمارين الرومين ، وكان بارعًا،وكان من بين أوامر السلطان :أن تكون أعمدة هذا الجامع من المرمر وأن تكون مرتفعة…وحدد هذا الارتفاع..ولكن هذا المعماري لسبب من الأسباب أمر بقص هذه الأعمدة وتققصير طولها دون أن يخبر السلطان،وعندما سمع السلطان بذلك استشاط غضبًا،فأمر بقطع يد هذا المعماري…
لم يسكت هذا المعماري عن الظلم الذي لحقه برغم ندم السلطان ! فراجع قاضي اسطنبول ـ الذي كان صيت عدالته انتشر وذاع…وشكى إليه ما لحقه من ظلم…لم يتردد القاضي في قبول هذه الشكوى،فاسستدعى السلطان..وأوقفه أمام خصمه في المحكمة،الذي شرح مظلمته للقاضي،وأيد السلطان ما قاله. فقال القاضي حكمه وهو: حسب الأوامر الشرعية،يجب قطع يدك أيها السلطان قصاصًا لك!!
ذُهل (الرومي) مما سمع ولم يكن يدر بخلده ولا بخياله..فكان أقصى ما يتوقع التعويض المالي..وبعبارات متعثرة قال الرومي للقاضي:أن ما يرجوه منه هو الحكم له بتعويض مالي فقط؛لأن قطع يد السلطان لن يفيده شيئًا،فحكم له القاضي بعشر قطع نقدية لكل يوم طوال حياته،تعويضًا له عن الضرر البالغ الذي لحق به. وقرر السلطان أن يعطيه عشرين قطعة نقدية ..تعبيرًا عن ندمه كذلك.
ج/ السلطان عبدالحميد من المطامع الصهيونية في فلسطين ، حيث رفض رفضًا قاطعًا السماح لليهود بالهجرة إلى فلسطين.
الصياد
شبكة الفجر
================(68/56)
(68/57)
تحالف ظالم، وتخاذل آثم! (2)
سبق في الحلقة الأولى أن تحالف المسلمين، مع الحكومة الأمريكية لمحاربة الشعب الأفغاني المسلم، يعتبر من موالاة الكافرين التي نهى الله المؤمنين عنها، وأن من والاهم يكون منهم: ((ومن يتولهم منكم فإنه منهم))
ونبين في هذه الحلقة أن المؤمنين بعضهم أولياء بعض، وأن الله تعالى هو وليهم، وأن الكافرين من اليهود والنصارى وغيرهم، بعضهم أولياء بعض، وأن المنافقين والمنافقات بعضهم أولياء بعض، وأن هؤلاء هم الذين يوالون الكافرين ويتخذونهم بطانة من دون المؤمنين.
وأن من كان وليا لله ولرسوله وللمؤمنين، هو من حزب الله، وأن حزب الله هو الغالب لأن الله هو وليه وناصره، وإن ابتلي وأوذي في سبيل الله، من قبل أعداء الله.
وآيات الله في كتابه واضحة كل الوضوح في هذه الأمور كلها.
فقد ربط سبحانه بين عباده المؤمنين بالموالاة الدائمة، والسير في صراطه المستقيم، ملازمين طاعته، مجتنبين معصيته، قائمين بأمره في عباده أمرا ونهيا، مستحقين منه رحمته في الدنيا والآخرة، كما قال تعالى: ((والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم)) [التوبة: 71]
وقال تعالى: ((إن الذين ءامنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله والذين ءاووا ونصروا أولئك بعضهم أولياء بعض والذين ءامنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق والله بما تعملون بصير(72)والذين كفروا بعضهم أولياء بعض إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير(73)) [الأنفال]
ونحن نرى اليوم معنى هاتين الآيتين ماثلا أمام أعيننا، فقد امتلأت الأرض بالفتن والفساد، بسبب فقد غالب المسلمين الموالاة التي شرعها الله لهم، وموالاة كثير منهم أعداء الله الكافرين.
فالمؤمنون عندما يحققون الموالاة بينهم ينصرون دين الله، ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، ويهدون الضال، ويقيمون العدل، وينصرون المظلوم، فينالون بذلك رحمة الله، ويقودون الأمم إلى سعادتها في الدنيا والآخرة.
وحينما يفقدون الموالاة بينهم، ويوالون أعداء الله الكافرين، يتعاضدون معهم على تمكين الكفر و تثبيت المنكر، ومحاربة المعروف، وينصرون الظالم، ويخذلون المظلوم، وهاهي الأرض قد امتلأت بشتى أنواع الفساد والمنكر في كل أمور الحياة: العقدية، والعبادية، والأخلاقية، والاجتماعية، والسياسية، والاقتصادية، والإعلامية، والعسكرية... وفي الأحداث الظالمة المعاصرة براهين وعبر، وفي فلسطين والشيشان وأفغانستان أمثلة مشهودة.
وقال تعالى: ((المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف ويقبضون أيديهم نسوا الله فنسيهم إن المنافقين هم الفاسقون)) [التوبة: 67]
وقال تعال: ((ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون(18) إنهم لن يغنوا عنك من الله شيئا وإن الظالمين بعضهم أولياء بعض والله ولي المتقين(19) الجاثية
لهذا نهى الله تعالى المؤمنين عن موالاة الكافرين، وبين أنه لا يواليهم إلا من فقد الإيمان الصادق، من مرضى القلوب بالنفاق، وجعل مَن والى الكفار منهم وإن ادعى الإيمان، وأنه سيندم على موالاتهم التي ظن أنه سيتقي بها الشرور والمصائب، عندما ينصر الله عباده المؤمنين على أعدائهم، كما قال تعالى:
((ياأيها الذين ءامنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين(51) فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين)) (52)
وبين سبحانه وتعالى أنه غني عمن يوالي أعداءه، ويستبدل بهم غيرهم من أوليائه وأولياء رسوله وعباده المؤمنين، ممن يحبون الله ويحبهم، ويرفعون راية الجهاد في سبيله، لا يخافون إلا الله، وأن هؤلاء هم حزبه المستحقون لنصره، كما قال تعالى:
((ياأيها الذين ءامنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم(54) إنما وليكم الله ورسوله والذين ءامنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون(55) ومن يتول الله ورسوله والذين ءامنوا فإن حزب الله هم الغالبون)) (56) [المائدة]
قال القرطبي رحمه الله في تفسيره: "فيه مسألتان:
الأولى .......هذا يدل على قطع الموالاة شرعا وقد مضى في آل عمران بيان ذلك.
ثم قيل المراد به المنافقون، المعنى يا أيها الذين آمنوا بظاهرهم، وكانوا يوالون المشركين ويخبرونهم بأسرار المسلمين.
وقيل نزلت في أبي لبابة عن عكرمة قال السدي: نزلت في قصة يوم أحد حين خاف المسلمون حتى هَمَّ قوم منهم أن يوالوا اليهود والنصارى.(68/58)
وقيل نزلت في عبادة بن الصامت وعبد الله بن أبي بن سلول، فتبرأ عبادة رضي الله عنه من موالاة اليهود، وتمسك بها ابن أبي وقال إني أخاف أن تدور الدوائر.
الثانية قوله تعالى ((ومن يتولهم منكم)) أي يعضدهم على المسلمين ((فإنه منهم)) بين تعالى أن حكمه كحكمهم، وهو يمنع إثبات الميراث للمسلم من المرتد، وكان الذي تولاهم ابن أبي. ثم هذا الحكم باق إلى يوم القيامة في قطع المولاة.
وقد قال تعالى: ((ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار)) وقال تعالى في آل عمران: ((لا تتخذوا بطانة من دونكم)) وقد مضى القول فيه.
وقيل إن معنى ((بعضهم أولياء بعض)) أي في النصرة ومن يتولهم منكم فإنه منهم شرط وجوابه، أي لأنه قد خالف الله تعالى ورسوله كما خالفوا، ووجبت معاداته كما وجبت معاداتهم ووجبت له النار كما وجبت لهم، فصار منهم أي من أصحابهم" [الجامع لأحكام القرآن: (6/216-217)]
وقد نهى الله تعالى المؤمنين أن يتخذوا "بطانة" من غيرهم، لأن غير المؤمنين يجتهدون في حصول ما يفسد حياتهم، فقال تعالى: ((ياأيها الذين ءامنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالا ودوا ما عنتم قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر قد بينا لكم الآيات إن كنتم تعقلون)) [آل عمران: 118]
قال ابن كثير رحمه الله:
"يقول تبارك وتعالى ناهيا عباده المؤمنين عن اتخاذ المنافقين بطانة، أي يطلعونهم على سرائرهم وما يضمرونه لأعدائهم، والمنافقون بجهدهم وطاقتهم لا يألون المؤمنين خبالا، أي يسعون في مخالفتهم وما يضرهم بكل ممكن وبما يستطيعون من المكر والخديعة، ويودون ما يعنت المؤمنين ويحرجهم ويشق عليهم.
وقوله تعالى: ((لا تتخذوا بطانة من دونكم)) أي من غيركم من أهل الأديان. وبطانة الرجل هم خاصة أهله الذين يَطَّلعون على داخلة أمره.
وقد روى البخاري 6611 والنسائي 7158 وغيرهما عن أبي سلمة عن أبي سعيد أن رسول ا صلى الله عليه وسلم قال: (ما بعث الله من نبي ولا استخلف من خليفة، إلا كانت له بطانتان: بطانة تأمره بالخير وتحضه عليه، وبطانة تأمره بالسوء وتحضه عليه والمعصوم من عصم الله" [تفسير القرآن العظيم: (1/399)]
وإذا كان الله تعالى قد نهى المسلمين عن اتخاذ بطانة من دونهم، والرسول صلى الله عليه وسلم قد بين هذا البيان، وهو أن الأنبياء و الرسل تكتنفهم طائفتان "بطانتان" إحداهما تأمرهم بالخير، والثانية تأمرهم بالشر، ولا سلامة لأحد من بطانة الشر إلا عصمة الله، فما الشأن بغير الرسل عليهم الصلاة والسلام؟ ألا يكون من واجبهم الحذر الشديد من بطانة السوء؟ وهل يوجد أسوأ من بطانتي الكفر الصليبي واليهودي والوثني؟
إن أولى الناس بولاء المؤمنين هم إخوانه المؤمنون، الذين يتحقق بولائهم الولاء لله ولرسوله، كما قال تعالى: ((إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون))
ويترتب على هذا لولاء نصرة المؤمنين لإخوانهم المؤمنين على عدو الله وعدوهم، وهو من التعاون على البر والتقوى الذي أمر الله به، كما قال تعالى: ((وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب)) [المائدة: 2]
وقد حض الرسو صلى الله عليه وسلم ، كما حض القرآن على مناصرة المسلم، لأخيه المسلم، ونهى عن خذلانه وإسلامه لعدوه، ونذكر من ذلك الأحاديث الآتية:
منها: حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، أن رسول ا صلى الله عليه وسلم قال: (المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يسلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة، ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة) [البخاري: 2310]
ومنها حديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا تحاسدوا، ولا تناجشوا ولا تباغضوا، ولا تدابروا، ولا يبع بعضكم على بيع بعض، وكونوا عباد الله إخوانا، المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يخذله، ولا يحقره التقوى ههنا، ويشير إلى صدره ثلاث مرات، بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام، دمه وماله وعرضه) [مسلم: 2564]
ومنها حديث أنس رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (انصر أخاك ظالما أو مظلوما) فقال رجل: يا رسول الله أنصره إذا كان مظلوما، فرأيت إذا كان ظالما كيف أنصره؟ قال (تحجزه أو تمنعه من الظلم فإن ذلك نصره) [مسلم: 6552]
وكذلك حديثه عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه) [البخاري: 13]
والخلاصة أن الواجب على المسلمين، أن ينصروا إخوانهم المظلومين المعتدى عليهم في الشعب الأفغاني المسلم، وذلك من الولاء لله ولرسوله وللمؤمنين.
وأنه يحرم عليهم التحالف مع الحملة الصليبية اليهودية على هذا الشعب، وأن ذلك من الولاء للظالمين المعتدين.
ويجب على المسلمين أن يعتمدوا على الله ويتوكلوا عليه، ولا يركنوا إلى الذين ظلموا، وليعلموا أن قوة أعداء الله المادية لا تغني عنهم من الله شيئا:(68/59)
((ياأيها الذين ءامنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين(51) فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين)) (52) [المائدة]
وقال تعال: ((ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون(18) إنهم لن يغنوا عنك من الله شيئا وإن الظالمين بعضهم أولياء بعض والله ولي المتقين(19) الجاثية
كتبه
د . عبد الله قادري الأهدل
==============(68/60)
(68/61)
هلموا إلى قصعتنا الشهية!(2)
واجب المسلمين في الحملة اليهودية الصهيونية والغربية الصليبية
الواجب الأول: على قادة الأفغان وشعبهم:
إن من أهم الواجبات على قادة الأفغان وشعبهم، أن يجمعوا كلمتهم ويوحدوا صفهم، ويتخذوا الأسباب المؤدية إلى وحدتهم ليكونوا يدا واحدة ضد عدوهم، ويتخذوا الأسباب التي تحول بينهم وبين التنازع الذي سبب لهم الفشل الذريع بعد انتصارهم على ثاني أعظم دولة مادية في الأرض، وهي الاتحاد السوفييتي، الذي أخرجوه من بلادهم يجر أذيال الهزيمة بعد عشر سنوات عجاف أكلت الأخضر واليابس في بلادهم.
لقد انتصروا على العدو الخارجي وقوته المادية، ولكنهم هزموا أمام نفوسهم الأمارة بالسوء، وشهواتهم -وبخاصة شهوة كراسي الحكم الطاغية- وأهوائهم، وشيطانهم، وعصبياتهم القبلية، ورغبات الدول الإقليمية والدولية في تمزيق صفهم وبقائهم متناحرين فيما بينهم، فوجهت كل طائفة منهم سلاحها إلى صدور طائفة أخرى من إخوانهم، فأزهقوا الأرواح ودمروا البلاد وشردوا الملايين من أبناء هذا الشعب، فكانوا بذلك أشد وبالا وضررا على هذا الشعب من الأعداء الأجانب.
وعلى علمائهم وقادتهم وأتباعهم جميعا، أن يتذكروا ما أمر الله به عباده المؤمنين الذين مَنَّ عليهم بالأخوة الإيمانية، التي أثمرت بينهم المودة والرحمة، وجمعت كلمتهم على الحق، بعد أن تمكنت أحقاد بعضهم على بعض من قلوبهم، وسفك بعضهم دماء بعض...كما قال عز وجل: ((ياأيها الذين ءامنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون(102)واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم ءاياته لعلكم تهتدون)) (103) [آل عمران]
ونهاهم سبحانه عن التفرق والاختلاف الذي وقعت فيه الأمم السابقة، بعد أن بين الله لهم عواقبه، فتعرضوا لعذاب الله العظيم، كما قال تعالى: ((ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم)) [آل عمران: 105]
وعلى القادة الذين حملوا لقب المجاهدين، والتزموا أمام أتباعهم، وأمام العالم الإسلامي الذي أيدهم، بتطبيق شريعة الله في بلادهم، عليهم أن يعلموا أن الحملة الصليبية اليهودية، ستسعى لقطع الطريق عليهم للوصول إلى هذا الهدف النبيل، وستنصب في البلاد دولة علمانية تطبق ما يرضي اليهود والنصارى، وسيضيقون على من يدعو إلى إقامة شرع الله، فيصبح قادة الجهاد المتنازعين، مسجلين في قائمة الإرهابيين المطاردين في بلادهم وخارجها، وبذلك يخسرون جهادهم وهدفهم وحريتهم، ووصولهم إلى الحكم الذي كان من أهم أسباب اقتتالهم فيما بينهم، لأن العلمانيين، سيتقربون إلى من نصبهم حكاما في البلاد، ليرضوهم، وهم لا يرضون إلا باتباع ملتهم، وهي عدم تطبيق شريعة الله: ((ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم قل إن هدى الله هو الهدى ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم ما لك من الله من ولي ولا نصير)) [البقرة: 120]
ومن أهم الواجبات على قادة الأفغان وشعبهم-بعد اجتماعهم ووحدتهم-أن يثقوا بنصر الله لهم إذا توكلوا عليه بصدق، وإن ابتلاهم ليمحصهم ويتخذ منهم شهداء، فإن الله قد وعد من نصر دينه بنصره، والله لا يخلف وعده: ((إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم)) [محمد: 7] شرط "إن تنصروا" وجزاء "ينصركم" فإذا تخلف النصر، فسببه تخلف الشرط، لا تخلف الجزاء.
((إن ينصركم الله فلا غالب لكم وإن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده وعلى الله فليتوكل المؤمنون)) [آل عمران: 160]
وإذا خذلكم غالب المسلمين الذين أوجب الله عليهم نصركم، كما خذلوا غيركم من قبلكم مجاهدي الأرض المباركة، أرض القدس والأقصى وغيرهم في أنحاء المعمورة، فإن لله معكم: ((إن ينصركم الله فلا غالب لكم)) فتوكلوا عليه، وأنتم أهل حق معتدىً عليكم في دياركم، والله تعالى -وإن أمهل الظالم-لا يهمله: ((وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد)) [هود: 102]
والواجب عليكم أن تصبروا على أذى عدوكم وتصابروه، حتى ينفد صبره ويبقى صبركم، فإذا نفد صبره ولاكم دبره، ولعل الله تعالى يريد أن يذل هذا العدو الصليبي اليهودي الصهيوني المتكبر على أيديكم، كما أذل الإمبراطوريات السابقة على أيديكم: ((ياأيها الذين ءامنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون)) [آل عمران: 200]
واعتبروا أيها المظلومون المعتدى عليكم، بالمظلومين المعتدى عليهم قبلكم، اذكروا معركة بدر "معركة الفرقان" و"غزوة الأحزاب" التي هزم الله فيها أعداءه بما لم يحتسبوا: ((ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة فاتقوا الله لعلكم تشكرون)) [آل عمران: 123](68/62)
عامة الناس - وبخاصة وسائل الإعلام- يتعجبون من صمودكم أمام قوة عدوكم الجبارة، وأمام الحلفاء الذين حشدهم لحربكم، وأنتم فقراء معدمون، ليس لديكم ما يكافئ أقل القليل من قوة عدوكم. هؤلاء يا إخوة الإيمان ويا رجال الجهاد، لا يعرفون قدرة الخالق، ولا يعودون إلى القرآن، ولا يعتبرون بحوادث التاريخ: ((وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا)) [الأحزاب: 12]
((يحسبون الأحزاب لم يذهبوا وإن يأت الأحزاب يودوا لو أنهم بادون في الأعراب يسألون عن أنبائكم ولو كانوا فيكم ما قاتلوا إلا قليلا)) [الأحزاب: 20]
لا ترهبوا تهديدهم ووعيدهم، ولا تخافوا من حصارهم ومقاطعتهم، وقد بذلتم جهدكم في الدعوة إلى التفاوض معهم للوصول إلى ما يقيكم ويقي شعبكم من شرهم ومكرهم، فقد هددوا إخوانكم من الصحابة، وبين ظهرانيهم رسولهم r، كما يهددونكم اليوم، فنزل كلام الله بإجابة المهددين، وطمأنة عباده المؤمنين: ((هم الذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا ولله خزائن السموات والأرض ولكن المنافقين لا يفقهون. يقولون لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون)) [المنافقون: 7-8
((إذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض غر هؤلاء دينهم ومن يتوكل على الله فإن الله عزيز حكيم)) [الأنفال: 49]
لكنكم أنتم يا رجال الجهاد، أنتم يا رجال القرآن، أنتم يا رجال التهجد بكتاب الله، تفقهون ما جهله غيركم، ولكم في إخوانكم الذين تعرضوا للأذى والمحن من أعداء الله، أسوة حسنة: ((ياأيها الذين ءامنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها وكان الله بما تعملون بصيرا(9)إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا(10)هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا(11) [الأحزاب]
((ولما رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله وما زادهم إلا إيمانا وتسليما)) [الأحزاب: 22]
عليكم بالدعاء والتضرع والإلحاح فيهما على ربكم، فإنه هو الذي خلقكم وخلق عدوكم وخلق الأحزاب التي حشدها لحربكم، وهو القادر على تدبير خلقه نصرا وهزيمة، وأكثروا من ذكره تعالى بألسنتكم وقلوبكم، ليكون معكم في كل لحظة من لحظات حياتكم وجهادكم:
((قال الذين يظنون أنهم ملاقو الله كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين(249) ولما برزوا لجالوت وجنوده قالوا ربنا أفرغ علينا صبرا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين(250) [البقرة]
((ياأيها الذين ءامنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون)) [الأنفال: 45]
((وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثير فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين(146)وما كان قولهم إلا أن قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين(147) فآتاهم الله ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة والله يحب المحسنين))(148) [آل عمران]
نسأل الله لكم النصر على عدوكم وأحزابه. وهو وحده المستعان. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
للحديث صلة في حلقة ثالثة، بإذن الله.
كتبه
د . عبد الله قادري الأهدل
=============(68/63)