وفي مقال لهذا الكاتب بعنوان: ( العقل قبل ورود السمع ) الرياض: 13688، الذي هو أصل من أصول المعتزلة، يثني الكاتب على هذا الأصل، الذي يعلي من شأن الفلسفة والمنطق وعلم الكلام المذموم، ويصف موقف السلف من ذلك بالركام الظلامي الراكد على ثقافتنا منذ قرون... أمّا تراجع بعض كبار أساطين الفلاسفة عنها، وتسجيل اعترافاتهم في ذمّها، وأنّها لا تشفي عليلاً، ولا تروي غليلاً، فيعدّه الكاتب في مقال له ساخر بعنوان: ( التراجعات المذهبية ) الرياض: 13572، مجرّد دعوى لا حقيقة لها، وأنّ ما قالوه، معظمه منحول عليهم، ولا يخفى ما في قوله هذا من اتّهام للسلف بالكذب والافتراء على أولئك المتراجعين، ودفاع عن تلك الفلسفة البائسة العقيمة باعتراف أساطينها.
وفي هذا السياق يقول أحدهم في مقال له بعنوان: ( تعميق التعددية الفكرية... تأسيس لتطور المجتمعات ) الوطن: 2305، مثنياً على مذهب الاعتزال، ولامزاً مذهب السلف: " ويزخر تاريخنا القديم بمدارسَ فكرية متعددة شاركت في زمانها في حراكٍ فكري ثقافي في قضايا فلسفية متعددة كثيرة شغلت تلك المدارس بالتأليف والردود, وأفرز ذلك الحراك الفكري الثقافي مدرسةً فلسفيةً عقلية وهي فكر الاعتزال بيد أننا لم نستفد من تلك المدرسة العقلية التي كانت تُحاكي عقل الإنسان ولم نحاول أن نبرز الأدوات والوسائل التي كانت أساساً لتلك المدرسة, بل قد أُبرزت تلك المدرسة على أنها ضارة وغير نافعة وهذه إشكاليةُ فكرٍ تفردَ بمجتمعٍ فأصبح يملي عليه ما يجوز التفكير فيه وما لا يجوز وساهم في ترسيخ منظور ومنهج واحد تدرسُ من خلاله تلك المدارس الفكرية العقلية التي تزخرُ بالثقافة, فهل سوف تتغير طريقة طرحنا للمدارس الفكرية المتعددة كي نوظفها في خدمة الحراك الفكري الثقافي لكي يمارسه أفراد مجتمعنا ويتفاعلوا معه والذي هو مطلب أساسي للإصلاح والتطوير أم إننا سوف نبني سداً يحول بين عقولنا وآليات تفعيلها كي تبقى على القديم ؟ وكيف سوف نغير طريقة طرحنا؟ ومتى؟".
أنّها دعوة صريحة إلى تبنّي مذهب الاعتزال ، ونبذ منهج السلف الذي يصفه بأنّه ( فكر تفرّد بمجتمع )، فهو لا يفرّق بين الفكر والعقيدة التي لا مجال للمساومة عليها، بل إنّه يعدّ الأخذ بمذهب الاعتزال المنحرف مطلباً أساسياً للإصلاح والتطوير !!!!!..
5. الدعوة إلى نقد الثوابت(!) والتشكيك فيها، والتي يعبّرون عنها تارة بالمسلّمات، وتارة بالحتميات، وتارة بالمعرفة الأولى... الخ ..وهي دعوة خطيرة تكشف عن حقيقة ما يطرحونه من فكر..
يقول أحدهم ـ وهو كبيرهم وأشدّهم افتتاناً بالغرب ـ في مقال له بعنوان: (ظهور الفكر النقدي شرارة الانطلاق الحضاري ) الرياض: 14083: " إن إخفاق العرب والمسلمين في تحقيق الإفلات من قبضة التخلف وعجزهم عن إحراز النهوض وعدم القدرة على التفاهم وغياب تبادل الاحترام واستمرار التمركزات المتنافرة بين الأقطاب المختلفة داخل الأمة والاحتكام إلى القوة والعجز عن الاتفاق عند أي اختلاف ان هذه كلها وغيرها من المعضلات المزمنة تعود بشكل أساسي إلى حرمانهم من آليات النقد التي كانت المفتاح الذي اهتدت إليه بعض الأمم وأحسنت استخدامه فحقق لها الوئام المنتظم والتكامل المكتظ والنمو المطرد ومكنها من الازدهار المتجدد.. أجل إن النقد للأفكار والرؤى والأوضاع والأعراف والتقاليد والمواضعات والمسلّمات هو محرك الحضارة وهو صانع التقدم في كل مجالات الفكر والفعل وهو الشرارة التي فجرت طاقات الإنسان وصنعت له أمجاد الفكر والعلم ووفرت له أسباب الازدهار فالأمم التي اعتمدت هذه الآلية الرائعة حققت طموحاتها وأنجزت إثبات ذاتها ووقفت شامخة بين الشعوب في سباقات الفكر والفعل أما الأمم التي أخمدت هذا المحرك الأكبر أو تجهله أو لا تحسن استخدامه فقد بقيت عاجزة عن مبارحة خنادق التخلف بل بقيت رافضة بأن تتجاوز هذه الخنادق لأن حرمانها من النقد والمراجعة حرمها من اكتشاف نقائصها كما حرمها من التعرف على ما في الدنيا من آفاق وبدائل فبقيت تتوهم أنها الأفضل والأرقى وظلت رهينة هذا الوهم .."(66/327)
فهو قد ساوى بين الأفكار والرؤى والأوضاع والأعراف والتقاليد.. وبين المسلّمات التي هي الثوابت، ولم يستثن من ذلك شيئاً.. فكلّها يجب أن تكون خاضعة للنقد حسب رأيه، وهو يستشهد على ذلك بالحضارة اليونانية ووريثتها الحضارة الغربية حسب تعبيره، فيساوي بين دينهم وثوابتهم المحرّفة الباطلة، وثوابتنا وديننا الصحيح الذي لا يقبل النقد، بل يعدّ هذا التفريق بين الدينين وثوابتهما ضرباً لما أسماه بامتلاك الحقيقة المطلقة، بمعنى أنّك حين تعتقد أيها المسلم بأنّ دين الإسلام هو وحده الحقّ وما سواه باطل، فإنّك حينئذ تدّعي امتلاك الحقيقة المطلقة!!! هذا ما يفهم من إطلاقه حيث يقول: "ولكن لن ندرك عظمة هذا السبق المذهل الا إذا تذكرنا أن أصعب معضلة واجهت الإنسانية وسببت لها الفظائع والشرور وعرقلت مسيرتها الحضارية هي الانغلاق الثقافي الناتج عن توهم الكمال واعتقاد كل طرف من المختلفين أنه هو وحده الذي يملك الحقيقة النهائية المطلقة وأن كل الأطراف الأخرى غارقة في الأباطيل والحماقات والعمى والضلال وانحلال الأخلاق وأن كل المخالفين يستحقون الاقصاء والاستئصال لأنهم في نظره خطر على الحقيقة وعلى الوجود ولأن هذا الوهم يجري من الناس مجرى الدم ومحتجب عن الوعي خصوصاً في الثقافات المغلقة [ ويقصد بها ثقافتنا ] فإنه قد بقي ويبقى محصنا عن أضواء العقل وغير متأثر بفتوحات العلم ومحمياً من عمليات التحليل والفحص والمراجعة فتوهّم الانفراد بامتلاك الحقيقة يؤدي إلى الانغلاق الثقافي ومعاداة كل المغايرين وتوهّم الخطر من أي مخالف . إن ادعاءات كل طرف سواء بين الأمم المختلفة أو بين المذاهب والطوائف والاتجاهات داخل الأمة الواحدة بأنه وحده يملك الحقيقة المطلقة وأن الآخر ليس لديه سوى الضلال والعمى كانت وما زالت من أقوى أسباب البؤس الإنساني والفرقة والاقتتال والعداوات وحجب الحقائق وتزييف الوقائع وإفساد الأخلاق وملء النفوس بالأحقاد وتلويث العقول وإعاقة المعرفة وعرقلة الحضارة ومنع الانسجام الإنساني لذلك كان تأسيس الفكر النقدي وتقويض أوهام الانفراد بامتلاك الحقيقة النهائية المطلقة من أعظم الاختراقات الإنسانية.."
وهذا الكلام تضمن حقّاً وباطلاً، وخلطاً عجيباً يدلّ على غبش في التصور، أو ضلال في الفكر، وسيأتي قريباً إن شاء الله الحديث عما يسمّى بامتلاك الحقيقة المطلقة..
ويقول آخر ـ وهو أشدّهم تطرّفاً وبذاءة ـ في مقال له بعنوان: ( الإرادة الإنسانية.. المستقبل يصنعه الإنسان ) الرياض: 14073، هاجم فيه ما أسماه بالحتميات التي هي الثوابت، يقول: " لا أريد أن أتحيز إلى تهميش الحتميات؛ بقدر ما أريد التأكيد على قدرة الإرادة الإنسانية على تجاوزها، والتحرر منها؛ مع الإقرار بنسبية هذا التحرر. بل إن حضورها الطاغي أحيانا هو ما يبعث روح التحدي إزاءها، ويجعل من التحرر منها تحقيقا لتحرر الإرادة الإنسانية مما سوى الإنساني ".
فهو يرى في مقاله الطويل الذي يكتنفه الغموض أنّ الحتميات التي هي الثوابت ـ ويعني بها ثوابتنا نحن لكنّه لم يجرؤ على تسمية الأشياء بأسمائها ـ هي العائق عن تحقيق التقدّم والإرادة الإنسانية، في الوقت الذي يثني فيه على الإنسان الغربي الذي يمثل في نظره مقدمة الوعي الإنساني، ومثال الإرادة الحرة الواعية بذاتها. لأنّه الإنسان الأقل خضوعا للحتميات، والأشد تحررا من أسرها !!!!!. إنّها قمّة الانهزامية والتبعية والانحراف الفكري، أو بتعبير بعض الفضلاء: ( الأدمغة المفخخة ).
وفي مقال بعنوان: ( ثقافة معاقة )(!) الوطن: 2252 كتبت إحداهنّ داعية إلى الشك في الثوابت، والتشكيك فيها، تقول بكلّ جرأة: " يقال إن الفرد قد حقق هويته عندما تكون سلوكياته العملية في جميع جوانب حياته نتاجاً لمفاهيم وقناعات اختبرت صحتها بعقلية حرة مستقلة ولم تكن نتاج وراثة أو برمجة بطريقة الترديد الببغائي لما يقوله الوالدان والمدرسة ووسائل الإعلام كالمسجد والتلفزيون والكتيبات، وليصل الإنسان لهذا المستوى فلابد أن يمر بمرحلتين الأولى وفيها يتم وضع كل ما تم تلقينه إياه في فترة طفولة الفكر وهي مرحلة الطفولة وحتى نهاية المراهقة موضع الشك والاختبار دون النظر إلى ما يسميه مجتمعه أعرافاً أو ثوابت فيبدأ المراهق بالتساؤل حول مصداقية التعليمات التي جاءت من قبل الكبار وتشكيكه فيها بالبحث والقراءة والاستطلاع بهدف الغربلة والتصحيح فيدخل سن الشباب وقد كوّن فكره المستقل الذي يعكس ما يدل عليه ثم يظهر الالتزام بالمعرفة الجديدة وتطبيقها عملياً كمؤشر ملموس على تحقق الهوية ".(66/328)
فهي تدعو الشاب الغض بعد سنّ المراهقة أن يختبر قناعاته ـ حتى الثوابت(!) ـ بعقلية حرة مستقلة كما تقول(!!!) وهي لا تعلّم أنّ ثوابتنا لا سيما العقدية لا تخضع للعقل، ولا مدخل للعقل فيها، فهي تعتمد على الإيمان والتسليم المطلق { الذين يؤمنون بالغيب }[ البقرة: 2]، ولو كانت الكاتبة تتحدث عن مجتمع غير مجتمعنا، ثوابته من وضع البشر لكان لكلامها وجاهة، أمّا وهي تتحدّث عن مجتمعنا السلفي المسلم بمناهجه النقية التي تولّى إعدادها علماء أجلاء، فلا وجه لهذه النزعة التشكيكية المتلقّاة من الغرب الكافر الذي لا ثوابت له سوى ما وضعه البشر..
ثم كيف لشاب غضّ في مقتبل العمر أن يختبر تلك القناعات والثوابت التي وضعها له علماؤه ومشايخه، وهي مما اتفق عليه سلف الأمة منذ عهد الصحابة إلى يومنا هذا ؟!!
ثم تقول: " وقد يظن أي معاق الهوية أن الأخلاق والقيم والمبادئ غير قابلة للتطور ويجب أن تبقى ثابتة وأننا نعني بهذا المقال التأثير على شبابنا ودفعه للتخلي عن قيمنا وأخلاقنا العظيمة ونقول له بل هي قابلة للتطور والتحسن ويجب أن تعامل بمرونة أكثر وسأعطي مثالاً على نمو المبادئ وتطورها ففي ثقافتنا الإسلامية الجميلة كنا من رواد الدعوة لحقوق العبيد ولتضييق موارد الاستعباد ثم تطور هذا المفهوم الأخلاقي على يد الثقافة الغربية لمستوى أعلى فمنع استعباد الإنسان والاتجار به أساسا ومن هذا المنطلق يمكن حتى أن نطور مفاهيمنا حول حقوق المرأة والطفل ".
وهو كلام خطير يدلّ على جهل فاضح، وانهزامية بائسة، فديننا ولله الحمد قد أكمله الله وأتمّه { اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً }[ المائدة: 3] فلسنا بحاجة لنطور ثوابتنا وقيمنا عن طريق أمم لا قيم لها ولا أخلاق أصلاً إلا الأخلاق التجارية إن صحّ التعبير، والمثال الذي ضربته دليل صارخ على جهلها فإنّ إلغاء الرقّ الذي أقرّه الإسلام ليس تطويراً وإنّما هو مضادة لحكم الله وشرعه، فالرق باق ما توفّرت أسبابه، وقولها: ( ثم تطور هذا المفهوم الأخلاقي على يد الثقافة الغربية لمستوى أعلى فمنع استعباد الإنسان والاتجار به أساساً ) كلام خطير حيث جعلت هذا النقض لحكم الله مستوى أعلى مما شرعه الله وأقرّه.. فجعلت حكم الطاغوت أعلى من حكم الله، ولا أظنّها لجهلها تدرك ذلك، فإلى الله المشتكى من جهل هؤلاء وجرأتهم وتعالمهم..
ثم أي استعباد أعظم مما تفعله الدول الكبرى اليوم من استعباد الدول والشعوب وإذلالها والضغط عليها لتنفيذ أجنداتها، والسير في ركابها، والاستيلاء على ثرواتها ومقدّراتها ؟!! ومن يخالف ذلك فإنّ مصيره إلى الإقصاء والإبعاد والاتهام بالإرهاب، وتسليط المرتزقة عليه وغير ذلك من الأساليب الماكرة.
وتختم مقالها بما لا يقل خطورة عما سبق، فتقول: " وأخيرا تحت شعار حماية ثقافتنا خوفا من المتربصين وهذا الخوف الذي ينادي إلى التقهقر ومحاولة إحياء عصر ما قبل ألف سنة بحذافيره وهذا الفكر خلق مجتمعات بأكملها معاقة الهوية وجعل عقولنا راكدة متوقفة عن العطاء نعيش عالة ولا نساهم في أي إضافة للمجتمعات لا تقنيا ولا ثقافيا بالرغم من أننا نشكل خمس سكان العالم ".
فتأملوا قولها: ( إحياء عصر ما قبل ألف سنة ) وهو عصر النبيّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه والتابعين، أي القرون الأولى المفضّلة التي قال عنها النبيّ صلى الله عليه وسلم : (( خير القرون قرني، ثمّ الذين يلونهم، ثمّ الذين يلونهم.. )) وجعلت إحياء مثل هذا العصر المجيد سبباً من أسباب خلق مجتمعات بأكملها معاقة الهوية... ألا يعدّ هذا الكلام من الكفر الصريح، أم أنّ هذه الكاتبة تردّد ببغائية ما لا تدرك معناه ؟!
وفي ذات السياق يقول أحدهم في مقال له بعنوان: ( التفكير في المعرفة الأولى ) الوطن: 2259: "يعتبر كثير من الباحثين في الفكر العلمي، باشلار من أبرزهم، أن المعرفة الناتجة عن التجربة الأولى، أي الاتصال الأول بالموضوع، تعتبر عائقا معرفيا أمام الحصول على معرفة علمية موضوعية. وبالتالي فإن المعرفة العلمية الحقيقية تأتي لتواجه وتتجاوز هذه المعرفة الأولى ".
إلى أن يقول: " هذا المفهوم يمكن توسعته أيضا إلى معارفنا الأولى عن الكون والحياة والأفكار والثقافات وعن أنفسنا ومحيطنا الصغير والكبير. خصوصا أن أغلب معارفنا في هذا الإطار اكتسبناها ونحن صغار في فترات التعلم الأولى. تعلمنا في البيت وفي المدرسة ومن خلال التفاعل الاجتماعي أشياء كثيرة. تعتبر كلها معارف أولى تبقى متأثرة بثقتنا بمن علمنا إياها وبالهالة التي لهم عندنا...."
إلى أن يقول: " يمكن سحب هذا الفهم على المعرفة الأولى التي اكتسبناها في المدرسة من المعلم وتلك التي اكتسبناها من إمام المسجد وتستمر حتى إلى المعرفة الأولى التي تحصلنا عليها من الجامعة أو أي مصدر معرفي آخر ". وهذا هو مربط الفرس عندهم: المعلم، المسجد....(66/329)
وهكذا تستمر الدعوة إلى التشكيك في ثوابتنا ومسلّماتنا الشرعية بحجّة النقد والتمحيص، وهم يقيسون مجتمعنا المسلم على المجتمعات العلمانية الكافرة التي لا ثوابت لها إلا ما صنعه البشر كما سبق ضاربين بثوابتنا الشرعية عرض الحائط.
ويبدو أنّهم بدأوا في تطبيق ما يدعون إليه، فهذا أحدهم في مقال له بعنوان (الأمن الفكري والركض في الطريق الآخر!! ) الوطن: 2322، يطعن في مذهب أهل السنّة والجماعة، ويقرر الفكر الليبرالي المنحرف فهو يرى أنّ الأمن الفكري هو : " أن يفكر جملة الناس وأفرادهم تفكيرا لا يؤدي إلى إيقاع الخطر بالمجتمع ".
ثم يقرر " إن هناك رؤيتين مختلفتين في تحقيق هذا الهدف. الأولى تقول إن الفكر الآمن هو الفكر "السلمي". بمعنى الفكر الذي يطرح آراءه وأفكاره بطريقة سلمية دون أن يلزم أحد بها أو يفرضها بالقوّة " وهذه هي الرؤية الليبرالية التي يريد أن يقررها .
ويواصل: " الرؤية الثانية ترى أن الفكر الآمن هو الفكر الذي يسير في الطريق المحددة سلفاً. طريقة يرى أصحاب هذه الرؤية أنها هي السليمة قطعا وبالتالي فإن تحقيق الأمن للفكر يكون في السير على هذه الطريقة وكل ما يخرج عنها يعتبر فكرا خطرا ويهدد الأمن الفكري ". وهذه هي الرؤية السلفية الصحيحة، وهي التي يريد أن ينقضها، ولذا يقول: " شتّان بين الرؤيتين فكل منهما تنطلق من أساس فكري ورؤية للإنسان والحياة تختلف عن الأخرى. الرؤية الأولى التي ترى الأمان الفكري يكمن وينبع من التفكير السلمي بدون إضافة أي قيد آخر على هذا التفكير تنطلق من مبدأ حرية التفكير غير المحدودة إلا بكونها سلمية. حرية التفكير التي هي حق أولي للإنسان وشكل من أشكال تحقيق وجوده الحقيقي في الحياة. هذه الحرية هي منطلق وطريق كل الإنجاز البشري وأفكار التقدم والتحرر على مدار التاريخ. كل الفلاسفة والمصلحين على مدى التاريخ انطلقوا من هذا الحق حين كانوا يواجهون بمعارضة شديدة من مجتمعاتهم في البدايات. صحيح أن الكثير منهم انقلب على هذا المبدأ بعد أن استقر لأفكارهم الأمر إلى أن المبدأ الأول كما شملهم يفترض أن يشمل من بعدهم بالتأكيد . الرؤية الثانية تنطلق من أن فكرة أن الحق معروف سلفاً، في جملة آراء جماعة ما " يقصد أهل السنة والجماعة، ثم يواصل: "وبالتالي فإنه لا يسع أحد أن يخرج عن هذا الفكر وإلا اعتبر مباشرة خارجاً عن الحق".
ثم يقول ساخراً: " لا تهتم هذه الرؤية بحرية الفكر، ولا تعتد بها، بل تحاربها بقدر ما تستطيع، وتعتبرها سبباً من أسباب الدمار والبلاء. ولذا فعلى الناس استمرار الاتباع للحق، الذي هو حق محدد عندهم في جملة من الأقوال والآراء وفي ما وافقها فقط "..
وحرية الفكر عند هؤلاء تعني حرية الكفر، والسخرية بالدين وأهله، والتشكيك في الثوابت كما سبق..!! أما الحقّ المحدّد في جملة من الأقوال والآراء ـ حسب وصفه ـ فواضح أنّه يريد به مذهب السلف، وهل هناك حقّ غيره عندنا ؟.
وفي مقال بعنوان ( لا إجحاف ) الوطن: 2322، كتبت إحدى الكاتبات من أصحاب هذا الفكر ـ وهي التي سبق قريباً أنها طالبت بالشكّ في الثوابت ـ تنتقد وبصراحة وقحة بعض الثوابت المتعلّقة بالمرأة، والتي وردت فيها نصوص صحيحة وصريحة، وقد خلطتها مع بعض القضايا الأخرى التي هي محل اجتهاد، ومن هذه الثوابت التي انتقدتها وأنكرتها ـ وسأذكرها بالنصّ الذي ذكرته ـ:
" ممنوعة من السفر بدون إذن، ممنوعة من استئجار غرفة بفندق بدون إذن، ممنوعة من إلحاق أبنائها في المدرسة التي تحب بدون إذن، ممنوعة من استخراج جواز سفر بدون إذن، ممنوعة من الخروج من المنزل بدون إذن، ممنوعة من الخروج من الدوام (للمعلمات والطالبات) دون إذن، ممنوعة من الالتحاق بالعمل بدون إذن، ممنوعة من استئجار منزل وحدها بدون إذن، ممنوعة من الاستفادة من البعثات الخارجية بدون إذن، ممنوعة من تزويج نفسها بدون إذن، ممنوعة من التوقف عن الإنجاب بعملية بدون إذن، ممنوعة من الخروج من المستشفى إذا نومت فيه بدون ولي لاستلامها، ممنوعة من دخول الإدارات الحكومية ومقابلة المسؤولين بدون ولي، ممنوعة من الامتناع عن فراش الزوجية بدون عذر، ممنوعة من طلب الطلاق بدون عذر ودفع غرامة، ممنوعة من اللحاق بأطفالها إذا أخذهم طليقها خارج البلاد دون إذن وليها، ممنوعة من تزويج بناتها دون إذن، ممنوعة من الوقوف في محل بيع أو مقهى هي تملكه، ممنوعة من استلام مناصب تنفيذية عليا في القطاع الخاص والحكومي، ممنوعة من لقاء وفد لعقد صفقة عمل، محرم عليها الركوب مع سائق وحدها، محرم عليها العمل في المكان المختلط، محرم عليها إغضاب زوجها، وأخيراً صوتها عورة لا يجب أن يظهر للملأ لتبقى قضيتها طي الكتمان.. ".(66/330)
ويلاحظ أنّ أغلب ما ذكرته يدور حول أخذ الإذن من الزوج أو الولي في الخروج والسفر ونحوه، والاختلاط والخلوة المحرّمة، وقد وردت في ذلك نصوص شرعية صحيحة، فهذه الكاتبة ـ أصلحها الله ـ تريد من نسائنا أن يخرجن من بيوتهن، بل يسافرن حيث شئن ويتزوجن من شئن دون إذن من أوليائهنّ، ومعلوم شرعاً وعقلاً وذوقاً وأدباً في أي تجمّع، أو مؤسسة، أو إدارة حكومة أو أهلية، أنّ الموظّف لا يخرج من عمله إلا بإذن، وإلا لأصبح الأمر فوضى وتسيب، فكيف بمؤسسة الأسرة التي هي المحضن الأوّل للتربية والتعليم.. فهل تريد هذه الكاتبة من نسائنا أن يكن فوضويات متسيبات بلا رقيب ولا حسيب ؟! وإذا كانت هي ترى نفسها مثقفة وواعية، فهل كل النساء والفتيات كذلك؟!.
أما الاختلاط بين الجنسين ـ وأعني به الاختلاط المقصود ـ فهو أم البلايا ومقدمة الرزايا، فهو المقدمة للخلوة المحرمة المنتهية بالمآسي العظيمة، ولدي قصص مفجعة لضحايا الاختلاط من الجنسين، ولولا خشية الإطالة والخروج عن المقصود من هذه الدراسة، لذكرت شيئاً من ذلك، والعاقل اللبيب ينظر ويتأمل.
والعجيب أنّ بعض نساء الغرب العاقلات أكثر وعياً وإنصافاً للمرأة المسلمة، من هذه الكاتبة المنتسبة إلى الإسلام.. ففي مقابلة أجرتها مجلة الوطن العربي (العدد 314 ) مع امرأة فرنسية متخصصة في الفن الإسلامي قالت: " وجدتُ المرأة العربية ( المسلمة ) محترمة ومقدرة داخل بيتها أكثر من الأوروبية ، وأعتقد أن الزوجة والأم العربيتين تعيشان سعادة تفوق سعادتنا.."
ثم توجه نصحها للمرأة المسلمة قائلة: " لا تأخذي من العائلة الأوروبية مثالاً لك، لأنّ عائلاتنا هي أنموذج رديء لا يصلح مثالاً يحتذى ".
وفي مقابلة أجرتها مجلة صدى الأسبوع مع فتاة إنجليزية أعلنت إسلامها، كان من الأمور التي دفعتها أن تترك النصرانية وتدخل الإسلام: الأسرة المسلمة ومكانة المرأة، قالت: " المرأة المسلمة دائماً في حماية ورعاية، تجد من يعيلها أينما حلت، وهي جزء هام من المجتمع الإسلامي، جو عائلي تفتقده الكثير من الأسر الغربية.." .
والخلاصة أنّ ما تدعو إليه هذه الكاتبة حث نسائنا وبناتنا على التمرّد على أوليائهنّ، وأن يخرجن بلا حسيب ولا رقيب، وينزعن جلباب الحياء بلبس اللباس غير الساتر، ويرفعن أصواتهن في المجامع، ويختلطن بالرجال ليكن فريسة للذئاب البشرية، ولو غضب أولياؤهن، حيث إنّ الكاتبة أباحت لهن ذلك.. هذا ما يُفهم من مقالها، فما الذي بقي من الثوابت في قضايا المرأة ؟ وهل سيقف هؤلاء في نقدهم عند مثل هذه الثوابت الجزئية، أم سيتعدّى الأمر إلى الثوابت الأخرى ؟
السمة الثالثة:
الشكّ في دينهم، وكثرة الحديث عمّا يسمونه بـ ( امتلاك الحقيقة المطلقة )
وأنّ أحداً من الناس ـ كائناً من كان ـ لا يمتلك هذه الحقيقة، وهم لا يفرقون عن عمد بين أمور الاعتقاد ( الثوابت )، وبين غيرها من الأمور الخاضعة للنظر والاجتهاد، بل ظاهر كلامهم ينصرف إلى هذه الثوابت للتوصّل إلى مرادهم، وهو التشكيك في مذهب أهل السنّة والجماعة، أو ما يطلقون عليه: ( السلفية التقليدية )، فلا أحد عندهم يمتلك الحقيقة المطلقة حتى في أصول الدين وأمور الاعتقاد التي أجمع عليها سلف الأمّة منذ فجر الإسلام، وإلى وقتنا الحاضر، فالمسلم الموحد، واليهودي، والنصراني، والمبتدع، كلّهم سواء من ناحية الحقيقة، لا حقّ لأحد منهم ـ حسب زعم هؤلاء ـ في امتلاكها(!) وهذا هو حالهم على الحقيقة، فهم حائرون تائهون مرتابون، أمّا نحن ـ ولله الحمد والمنّة ـ فليس لدينا شك في ديننا وعقيدتنا، فنحن مطمئنون موقنون. إمامنا في ذلك رسولنا الكريم الذي قال الله له: { فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ مِّمَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُونَ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكَ لَقَدْ جَاءكَ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ }.
وفيما يلي بعض أقوالهم في هذه القضية التي أقلقتهم، وأقضّت مضاجعهم، وحالت بينهم وبين تحقيق مشروعهم التغريبي:
تقول إحدى الكاتبات في مقال لها بعنوان ( النزعة الإنسانية ) الجزيرة: 11966 " تتميز التوجهات الفكرية المحافظة والمغلقة على نفسها، بالجمود والتشدد وعدم الرغبة في أيّ نوع من أنواع الاتصال مع المغاير أو المختلف، يرافق هذا شعور متأصل بالرعب والتهديد من العالم الخارجي، على اعتبار أنّ هذا العالم هو غابة من الشرّ والفساد والعهر.. حتى تصبح حالة من التيبس داخل طهرانية وأوهام بامتلاك الحقيقة المطلقة دون العالمين.."، ولا أدري عن أي مجتمع محافظ تتحدث ـ وهي بالتأكيد تتحدث مجتمعنا السلفي المسلم المحافظ، لكنها لا تجرؤ على التصريح ـ، فهل يوجد اليوم مجتمع ليس لديه الرغبة في أيّ نوع من أنواع الاتصال مع المغاير والمختلف، يبدو أنّ الكاتبة تتحدث عن بعض مجتمعات مجاهل أفريقيا، أو الواق واق.. أمّا أوهام امتلاك الحقيقة المطلقة دون العالمين فهو الشاهد من هذا النقل التغريبي الواضح.(66/331)
ويقول آخر في مقال له بعنوان: ( النظام المعرفي والهوية الثقافية ) الرياض: 13551: "..العنف ومن ثم التطرف ينتج غالباً من اعتقاد المجتمع عموماً ( وهو ما يربى أفراده عليه بالطبع ) بأنّه مالك خطام الحقيقة المطلقة في نظرته للناس والكون والحياة، ومن ثم فلا يجد سبيلاً لأداء مهمته في الحياة سوى إجبار الناس المخالفين على عدم إهلاك أنفسهم، وردهم لحياض الحقيقة المطلقة "..
وهكذا ينبغي للناس ـ كما يريد الكاتب ـ ألا تكون لديهم عقيدة ثابتة راسخة يقينية، يربيهم عليها علماؤهم، ليظلوا في ريبهم يترددون.
ويوضّح هذا الكاتب ما أجمله في هذا المقال في مقال آخر له بعنوان: ( الخوف من النقد) الرياض: 13509، فيقول: " يعتضد ذلك السلوك المبني على تضعضع الحجّة [ ويقصد به الرعب عند الطعن في الأصول ونقدها ] بانعدام التربية ـ كجزء من الحالة الثقافية المعاشة ـ على مراعاة حقّ الآخر في الاختلاف من زاوية عدم احتكار الحقيقة من جانب واحد، أيّاً كان هذا الجانب، سواء أكان فرداً أو جماعة أو هيئة أو مذهباً أو خلافه.. "، فلا فرق ـ على رأي الكاتب ـ بين مذهب أهل السنة والجماعة، وغيره من المذاهب الأخرى المنحرفة، وكلّ ذلك توطئة وتميداً للتبشير بفكرهم الليبرالي الاعتزالي التغريبي.
ويقول آخر ـ وكان تكفيرياً فصار مرجئاً ـ في مقال له بعنوان: ( أيضاً في الطائفية ) الرياض: 13503، وهو يساوي بين أهل السنة وبين الرافضة: "وكانت تنشأ في الإسلام [ أي الفرقة والاختلاف ] جرّاء صراعات مريرة بين الطوائف والفرق المتصارعة على النصّ الديني، يغذّيها الوهم الزائف بامتلاك الحقيقة.."، وهكذا أصبح التمسك بمذهب أهل السنة والجماعة وهم زائف بامتلاك الحقيقة!!!.
وفي هذا السياق يقول أشدّهم تطرّفاً وبذاءة في مقال له بعنوان: ( التفكير.. وإشكالية الوصاية ) الرياض: 13065: " وإذا عرفنا أنّ ( التفرّد ) في الفكر وفي الممارسة المادية، هو المتعين السلوكي لمعنى الحريّة، وأنّ الحرية هي جوهر المعنى الإنساني، وأنّ كلّ إنسان يولد ـ على الفطرة ـ حرّاً؛ أدركنا حجم الجناية التي ترتكبها الثقافة التقليدية البائسة في سعيها الحثيث لقولبة الأفراد وقسرهم على رؤى متشابهة إلى حد التطابق بإلزامهم بأقوال ختمت ـ زوراً ـ بختم المطلق الإيماني والثابت اليقيني، كي يتنازلوا ـ طائعين ـ عن ( فرديتهم/ إنسانيتهم/ وجودهم ) في سبيل أوهام التقليدية الميتة، وأشباحها الآتية من عصور الظلام والانحطاط ".. والثقافة التقليدية البائسة وأوهامها الميتة وأشباحها الآتية من عصور الظلام والانحطاط يريد بها السلفية التي يسمها بالتقليدية كما صرّح بذلك في المقال نفسه، بل إنّه ضرب مثلاً على ذلك بحادثة قتل الجعد بن درهم الذي أعلن كفره وإلحاده وتكذيبه للقرآن فقتله الوالي آنذاك خالد القسري حداً لردته، فينبري هذا الكاتب مدافعاً عنه، فيقول" ولعلّه ليس من قبيل المصادفة أن يتغنى التقليدي في هذا الزمن الراهن بكل ما شهده ذلك الصراع التاريخي من قمع لمظاهر الاختلاف والمغايرة(!)، ويترحم على القاتل ويلعن المقتول، ويتمنى أمثالها قرابين ترضي مرضه السادي، ولا يزال التقليدي [ يعني السني السلفي ] يطرب كلما سمع أو تذكر قصّة الطاغية الذي ضحى يوم عيد الأضحى بـ ( إنسان ) بدل أضحيته في أوائل القرن الثاني الهجري ".. وهكذا يتحوّل من يقيم حدود الله إلى طاغية، ويتحوّل الطاغية المرتدّ المكذب للقرآن وللرسو صلى الله عليه وسلم إلى ( إنسان ) مسكين يستحق الشفقة، ويصبح إقامة الحد الشرعي جريمة، وقمع لمظاهر الاختلاف والمغايرة !!!!!! إنّ هذا لعمر الله قلب للحقائق، بل هي ردة يجب أن يستتاب منها هذا الكاتب.
وليته اكتفى بذلك، بل يواصل بذاءته ساخراً من الإمام الرباني ابن القيم رحمه الله وسائر علمائنا السلفيين بعده، وتلامذتهم، واصفاً إياهم جميعاً بالسفهاء(!!) فيقولً: " وأصبحت هذه الجريمة منقبة للقاتل يمتدح بها عبر القرون بحيث لا يخجل أحدهم ـ وكان على علم ـ أن يمتدحه في نونيته التي قالها بعد الجريمة بستة قرون فيقول: (لله درك من أخي قربان )، ويردده من خلفه السفهاء(!) وأشباه السفهاء(!) على مرور الأيام ".. فهل بعد هذا التطرّف من تطرّف، وهل بعد هذا الإرهاب الفكري من إرهاب ؟!!.
والعجيب أنّ أسياده الغربيين وعملاءهم من الباطنية فعلوا مثل ما فعل القسري حين أعدموا صدّام حسين شنقاً في يوم عيد الأضحى ـ مع الاختلاف الشاسع في أسباب الإعدام ودوافعه ـ ومع أنّ الغرب كان هو الداعم الرئيس لمعظم جرائم صدّام، والمبارك لها!! إلا أنّ هذا الكاتب البائس لم يساو بين الجلادَين في الحالتين، وكذلك لم يساو بين الضحيتين في حكمه البائس أيضاً، بل راح يكيل الشتائم لصدّام ويجرّده حتى من الخصال التي اتفق الناس عليها حتى جلادوه، أمّا الجلاد والقاتل الحقيقي فقد عمي عنه هذا الكاتب، ولم يشر إليه ولا مجرّد إشارة، مع الفارق الكبير ـ كما أسلفت ـ بين الحادثتين.. !
السمة الرابعة:
العزف على وتر الإنسانية(66/332)
وذلك في مقابل الأخوّة الإيمانية، وأخوّة العقيدة، وهذا بناء على ما قرّروه سابقاً من أنّ أحداً لا يمتلك الحقيقة المطلقة ! وقد كتب أحدهم مقالاً بعنوان: ( الإنسانية والطائفية: صراع الأضداد ) الرياض: 13754، يؤصّل فيه هذه النزعة الإنسانية شرعاً(!!) في جرأة متناهية حسب فهمه للنصوص ومقاصدها(!!) ـ وبئسما ما فهم ـ، فيذكر إن الإسلام "جاء أوّلاً لتفكيك العصبية القبلية التي كانت سائدة عند العرب في الجاهلية، وعندما خلخل الأساس المعرفي القيمي التي تقوم عليه العصبية الجاهلية؛ قام بتجذير أساس قيمي جديد قوامه { أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ } وهي نقلة نوعية متطورة ـ كما يقول ـ على طريق أنسنة(!) العلاقات في المجتمع العربي على أنقاض العصبية القبلية وما شاكلها من مقومات الطائفية(!)، ولأنّ القرآن كنص مؤسس لاجتماع جديد لا يستطيع وفقاً لقوانين الاجتماع البشري من جهة، ووفقاً لحركته ضمن جدلية التأثر بالواقع والتأثير فيه أن ينقل مجتمعاً غارقاً في قبليته كالمجتمع العربي القديم من أقصى قيمة سلبية ـ كما هي العصبية القبلية ـ إلى أقصى قيمة إيجابية ـ كما هي الإنسانية المطلقة فقد بدأ باستبدال الأخوة التي تقوم على العصبية القبلية بالأخوّة التي تقوم على الرابطة العقدية من جنس { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ }، ومن جنس: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ } ولكنها ليست تجسيداً نهائياً لأنموذج العلاقة التي يجب أن تحتذيها المجتمعات، بل إنّها لا تعدو أن تكون خطوة على طريق الأنسنة الشاملة ليس إلا، يؤيّد ذلك قوله تعالى { وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ } وأيضاً {يا أيها الناس إنا خلقناكم من نفس واحدة }(1) " انتهى كلامه بنصّه، وهو كلام في غاية الخطورة والجهل والجرأة على النصوص الشرعية، حيث جعل النصّ المكيّ المتقدّم ناسخاً للنصّ المدني المتأخّر، وهذا لا يصحّ شرعاً ولا عقلاً، بل هو دليل على غاية الجهل والعبث بالنصوص الشرعية، لتقرير النزعة الإنسانية في مقابل الأخوة الإيمانية والرابطة العقدية التي يصنفها هذا الجاهل بأنّها من ضروب الطائفية(!!!).
وفي هذا السياق يقول أحدهم ـ وهو أشدّهم تطرّفاً وحقداً على السلفية ـ موضحاً ولكن بعبارات تمويهية في مقال له بعنوان: ( ما بعد الكائن النمطي ) الرياض: 13499: " فقدان المشروعية الإنسانية يتم عندما يتقدّم سؤال الهويّة ـ أيّة هويّة ـ على سؤال الإنسان، أي على حساب الإنسان.. عندما يبدأ التنميط بإيديولوجيا الهوية ينتهي الإنسان الفرد المحقق للمعنى الإنساني، ومن ثم ينتهي الإنسان "، فهو يرى أنّ إثبات الهوية، ـ ويؤكد ذلك بقوله: (أية هوية) حتى تشمل الهوية الإسلامية والسلفية على وجه الخصوص كما نص على ذلك في بقية مقاله ـ يكون على حساب الإنسان!! وهذه ـ عنده ـ بداية ما يسميه بالتنميط بإيديولوجيا الهوية، أي أن يكون للمسلم هوية وعقيدة تميّزه عن غيره، فذلك عنده يعني نهاية الإنسان..
ويؤكّد ذلك بقوله: " المجتمعات المحافظة ـ والمنتجة للأصولية بالضرورة ـ مجتمعات نمطية يشكل التنميط جوهر حراكها المعلن وغير المعلن، من حيث كونها ترتكز على وحدة القيم الصادرة عن وحدة الرؤية والمرجعية.. ".. فمن هي يا ترى هذه المجتمعات المحافظة والمنتجة للأصولية بالضرورة؟! وماذا يقصد بالأصولية؟ لا شك أنّه يقصد مجتمعنا السعودي المحافظ، بعقيدته السلفية الأصيلة، ومرجعيته المعتبرة، وقد أوضح ذلك فيما بعد من مقاله هذا بمن وصفهم بـ " رموز التنميط الذين كانت تدور عليهم حراك الأيديولوجيا المحلية " وزعم أن هذه الرموز أصبحت ـ بعد الانفتاح الإعلامي الهائل ـ فضيحة إعلامية بعد أن وضعت على المحكّ في مواجهة رموز المعرفة الحداثية التي واجهها ـ وانتصر عليها في الماضي ـ بالأدلجة وبتجهيل الجماهير لا بالحوار المعرفي الجاد.. وهكذا تصبح رموز الحداثة المارقة رموزاً معرفية(!!)، أمّا الرموز الإسلامية بمرجعيتها الشرعية المعتبرة فهي تنميطية مؤدلِجة مجهلّة للجماهير !!!(66/333)
وفي مقال آخر له بعنوان: ( تأملات في الغضب الإسلامي ) الرياض: 13744، وذلك في أعقاب استهزاء الدنمارك بالرسول الكريم يقول: " يخيّل إليك ـ أحياناً ـ أنّ بعض أطياف الإسلامويّة(!) مبتهجة بالحدث لما تراه من تقاطع كثير من الأصوات الغاضبة مع شعاراتها، وإذا كنا لا بد أن نغضب ـ مهما استخدم غضبنا لغير ما نأمل ونريد؛ فإننا لا بد أن نكون حذرين غاية الحذر في لغة الإدانة التي نختارها، كيلا نسهم في الحشد والتجييش لفصائل ليست من خياراتنا الحضارية(!)، بل تقف ـ من خلال مجمل مضامينها ـ على الضد من المنحى الإنساني الذي تجتمع عليه قوى التقدّم والتحرّر الإنساني(!) ".. فهو لم ينس خصومه الذي ينعتهم استهزاء بالإسلامويين حتى في هذه النازلة الكارثية التي لم يسبق أن اجتمع المسلمون اليوم جميعا مثل اجتماعهم عليها ، كما لا ينسى أن يبشّر بمشروعهم التغريبي ذي المنحى الإنساني(!) الذي تجتمع عليه قوى التقدّم والتحرر الإنساني، في مقابل قوى التقليد والظلام والإرهاب والتأسلم والتخلف والتوحش والانغلاق والتطرف، وهي الأوصاف الذي أسبغها كما سبق على السلفية وكل ما تقاطع معها من الحركات الإسلامية ولو من بعيد. أمّا قوى التقدّم والتحرّر الإنساني عنده فهي القوى الحاملة للواء الحداثة ـ لا بوصفها منهجاً أدبياً فقط ـ كما يصفها في مقال له بعنوان: (المرأة والحداثة ) الرياض: 13457: فيقول: " نزل خطاب الحداثة إلى الواقع كخطاب نهضة واعدة، نهضة تتمركز حول الإنسان(!)، وتعنى بكل ما تقاطع مع البعد الإنساني، من مساواة(!) وتحرير، وديمقراطية.. الخ، وهذا الإنساني في خطاب الحداثة يعني ـ بالضرورة ـ أنه خطاب مهموم بالمسألة النسوية بوصفها إشكالاً يلازم المجتمعات التقليدية التي تسعى الحداثة لتقويضها(!!!) "، فهو يصرّح بأنّ الحداثة تسعى إلى تقويض المجتمعات التي يصفها بالتقليدية، ويريد بذلك ـ كما تدل عليه سائر مقالاته ـ المجتمعات المسلمة المحافظة، وخاصّة السلفية منها كمجتمعنا، لكن هؤلاء الكتّاب على عادتهم لا يجرؤن على التصريح وتسمية الأشياء بأسمائها الحقيقية.
وفي مقال له بعنوان: ( إشكالية العنف الفلسطيني الإسرائيلي ) الرياض: 13401، يكثر من العزف على هذا الوتر ـ وتر الإنسانية ـ فهو يقرّر أوّلاً أنّ الصراع بين الطرفين ليس صراعاً عقدياً، ويَسِمُ من يعتقد ذلك بأنّه متطرّف: يقول: " المتطرّفون من هنا (العرب والمسلمون ) ، ومن هناك ( الإسرائيليون ) يفترضون الصراع الدائر الآن صراعاً عقائدياً، لا مجرّد وقائع سياسية تقوم على دعاوى عقائدية ".. ولم يحدثنا الكاتب عن سبب اختيار اليهود لدولة فلسطين ( أرض الميعاد ) دون غيرها من بقاع الأرض، ولا عن هيكل سليمان ـ عليه السلام ـ الذي يراد بناؤه على أنقاض المسجد الأقصى، فكل ذلك في نظره ليس شأناً عقائدياً، والحقيقة أنّ اليهود أنفسهم هم الذين ألقوا في روع المسلمين أنّ هذا الصراع ليس عقائدياً ليأمنوا جيشان العقيدة في نفوس المسلمين، وليعزلوا الفلسطينيين المسلمين عن باقي المسلمين!
ثم يهزأ بالأحاديث الشريفة التي تُحدّث عن نهاية هذا الصراع، ومنها الحديث الذي أخرجه الشيخان عن أبي هريرة t أن رسول ا صلى الله عليه وسلم قال: ( لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا اليهود، حتى يقول الحجر وراءه اليهودي: يا مسلم، هذا يهودي ورائي فاقتله ) ولعلّ هذا الحديث لا تقبله عقولهم المريضة لأنّ فيه نطق الحجر، وهذا أمر مخالف للعقل عندهم، فيقول: " إنّهم يرونه صراعاً لا في لحظته الراهنة فحسب، وإنّما هو كذلك منذ البداية وحتى النهاية "..!!(66/334)
ثم يبدأ العزف على وتر الإنسانية ساخراً ببعض النصوص الأخرى التي تفصّل في هذا الصراع، فيقول: " النهاية عقائدية كما يراها مَن هنا ومَن هناك، وهي ذات ملامح تفصيلية في ضمير الغيب الآتي، ملامح تلتهم إمكانيات الرؤية الواقعية الآنية، وتحدد خيارات الحوار(!) والحراك. إنّها رؤية إيمانية قطعية عند كلا الطرفين ومن ثم يصعب الحلّ تحت هذا السقف أو ذاك، فلا خيار للإنسان.. يتم تصوّر ما هو كائن وما سيكون بواسطة تفكير غيبي يلغي الفاعلية الإنسانية أو يكاد، ويؤطّر ما بقي منها لينتهي في مضمار الإلغاء.."، وهكذا يساوي بين الرؤية الإيمانية القطعية عند الطرفين، فلا فرق عنده بين ما يعتقده المسلمون حسب نصوص الكتاب والسنة التي تكفّل الله بحفظها، وبين ما يعتقده اليهود حسب نصوص توراتهم المحرّفة، ثم هو لا يفرّق أيضاً بين الفلسطيني المسلم صاحب الحقّ والأرض المغتصبة، وبين اليهودي الكافر المحتلّ الذي يمارس أبشع أنواع الإرهاب ضدّ الفلسطيني المسلم الأعزل، بل يرى أن لا ثوابت في هذه القضية أصلاً في ميدان الفعل السياسي، فيقول: " إنّ لدى الفلسطيني ثوابت! كما أنّ لدى الإسرائيلي ثوابت. وثوابت هذا تتناقض ـ واقعياً ـ مع ثوابت ذاك، لكنها ثوابت في التصور لا في الواقع، لأن الواقع ـ وهو ميدان الفعل السياسي ـ لا ثوابت له، ومن هنا فأية جراحة فكرية إنسانية لبنية التصور، كفيلة بأن تمهد للحل السلمي ، ليس الواقع صلداً كما يتصوّره كثير منا، أو كما يريدونه أن يكون، بل هو مفتوح على كافة الاحتمالات، شرط أن تتفتح لها الأذهان!!! ".
وبعد أن ساوى بين الطرفين، أخذ يتباكى على ضحايا هذا الصراع، ولو كانوا من اليهود الغاصبين المحتلين، ويصفهم بالأبرياء عازفاً على وتر الإنسانية، مع أنّ الشعب اليهودي كلّه مجند ضد الفلسطيني المسلم صاحب الأرض، يقول: " للأسف نحن لم ننظر إلى العنف نظرة محايدة، بوصفه ظاهرة لا إنسانية، تطال الإنسان، أيّاً كان هذا الإنسان، سواء كان فلسطينياً أو إسرائيلياً. ضحايا العنف في معظم الأحيان من الأبرياء(!!!) وحتى ما سوى ذلك، فإنه يبقي خلفه مآسي تطال أبرياء لا محالة. يجب ألا يغيب عن الوعي أن لهؤلاء وهؤلاء أمهات وأبناء وأزواج وأحباب تكاد قلوبهم تتفطر حزناً وألماً بعد كل مشهد من مشاهد العنف، تلك المشاهد التي ليست مقصورة على طرف دون آخر. هل انغرس في وعينا أن الإنسان هو الإنسان على هذا الطرف من أطراف الصراع أو ذاك، مهما حاول أحدهما قصر الإنساني عليه ؟! ما لم يكن هناك إحساس عميق ومشترك بالمأساة التي تطال الإنسان من كلا الطرفين؛ فستبقى دائرة العنف اللا إنسانية تدور رحاها دون توقف ".
ولم يفته في هذا المقام أن يعرض بحركات المقاومة الإسلامية في فلسطين ـ على عادته في لمز كل ما هو إسلامي ـ، فيقول: " لا شك أن الأيديولوجيا حاضرة بقوة في هذا العنف المتبادل(!)، بدليل أن العنف في طرفي الصراع يصدر بالدرجة الأولى من المحاضن الأيديولوجية، وكلما تضخمت الأيديولوجيا زادت حدة العنف، زادت فعلاً وتهديداً "..
ثم ينكر على المثقفين على امتداد العالم العربي والإسلامي الوقوف مع المقاومة الفلسطينية وتأييدها فيقول: " تزداد المسألة قتامة حين نرى الطلائع الثقافية والفكرية على امتداد العالم العربي والإسلامي تبارك هذا العنف(!) بل وتهتف له، إلا فيما ندر مما يعدّ نشازاً في سياق العنف الذي تباركه جماعات اليقين(!) ، بل أصبح هذا الصوت النادر ـ المنطوي على تصورات إنسانية ـ موضع اتهام وتخوين ".. وصدق من قال: كاد المريب أن يقول خذوني!! أمّا جماعات اليقين التي يسخر منها فهي الواثقة بوعد الله بقتل اليهود ونطق الحجر والشجر لصالح المسلمين كما صحّت بذلك الأخبار، وليسمّ الكاتب ذلك ما يسميه، فإن وعد الله آت لا مرية فيه... هذا وإنّ مما يلاحظ في مقال هذا الكاتب ـ مع طوله ـ أنّه لم يصف المحتل بالوصف الشرعي الذي وصفه الله به وهو اليهودي، وإنّما يصفه بالإسرائيلي، ولذلك دلالته العقدية التي تدل على فكر هذا الكاتب، ونظرته العلمانية ( الإنسانية ) لهذا الصراع التي أفصح عن شيء منها في هذا المقال.
بل إنّ هذا الكاتب نفسه كتب مقالاً بعنوان: ( المستقبل لهذا الإنسان ) الرياض: 13779، وهو يريد بهذا العنوان ـ عن خبث وإلحاد ـ معارضة كتاب سيّد قطب ـ رحمه الله ـ ( المستقبل لهذا الدين )، فانظر كيف جعل الإنسان بدلاً من الدين، بناء على ما قرّروه من تقديم الأخوّة الإنسانيّة على الأخوّة الإيمانية الدينية، وقد انتهى في هذا المقال إلى أنّ الإيمان بالإنسان ـ لا بالدين والعقيدة ـ هو المنتصر دائمًا(!!!).(66/335)
وأخطر ممّا سبق وأشدّ وضوحاً ما سطّره أحدهم ـ وكان تكفيرياً ثم تحوّل بمقدار 180درجة إلى مرجيء غالٍ ـ في مقال له بعنوان: ( كثيراً من الإنسانية قليلاً من الرهبانية ) الرياض: 12928: يقول وهو يقرر مذهب الإرجاء: " إنّ الله يكفيه منّا أن نحمل الشعلة في قلوبنا، أن نكون دائماً على أهبّة الاستعداد للعكوف بمحرابه لنقدّم شيئاً ( لعياله ) لعباده، فهو غنيّ عن عبادتنا(!)".. فهو يزعم ـ مفترياً على الله ـ أنّ مجرّد حمل الإيمان في القلب كاف عند الله، دون الإتيان بالشعائر التعبدية المعروفة من صلاة وصيام وحج.. الخ
ويؤكّد ذلك فيقول: " الرسو صلى الله عليه وسلم يذكر أنّ رجلاً دخل الجنّة لم يعمل خيراً ولا حسنة في حياته، وارتكب الكثير من الذنوب، ومع ذلك دخل الجنّة، لأنّهم وجدوا له بطاقة يعلن فيها صادقاً مخلصاً عن حبّه له وإيمان به: ( لا إله إلا الله ) ".. هذه هو فهمه لكلمة ( لا إله إلا الله )، وتالله لقد كان أبو جهل ومشركو قريش أعلم منه بهذه الكلمة، فلو أنّ مجرّد الإيمان بها في القلب كاف في دخول الجنّة، لما وقفت قريش بخيلها ورجلها في وجه رسول ا صلى الله عليه وسلم ، ولقالتها وظلت على شركها وطقوسها، ثم كيف يكون المرء صادقاً مخلصاً وهو لم يعمل بمقتضى هذه الكلمة، إلا أن يكون قد منعه مانع، أو حال بينه وبين العمل حائل، كمن أسلم ثم مات قبل أن يعمل ونحو ذلك، وعلى هذا يحمل الحديث المذكور، أمّا أن يطلق هذا الحكم، فهو أمر في غاية الخطورة، إذ فيه ترغيب للناس على ترك فرائض الإسلام من صلاة وصيام والاكتفاء بمجرد ترديد هذه الكلمة دون عمل، وهذا هو مذهب الإرجاء..
ثم يختم حديثه ـ وهذا هو الشاهد ـ فيقول: " لتعلموا أنّ ديناً لا يسعى لسعادة الإنسان لحفظ مصالحه الحقيقية، ليس إلا وبالاً، وتذكروا قول النبيّ محمّد صلى الله عليه وسلم (إنّ هدم الكعبة أهون عند الله من سفك دم مؤمن) كلّ المؤمنين من كلّ الأديان: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً..}، الإيمان عندي هو كثير من الإنسانية، قليل من الرهبانية، ربما يكون لحياتنا طعم آخر ".. ولا شكّ أنّ الدين الذي لا يسعى لسعادة الإنسان فهو وبال، ولكن ما الحل إذا رفض الإنسان هذا الدين، وأصرّ على دين باطل منسوخ محرّف يسعى لشقائه؟ ويبدو أنّ عدوى التحريف قد انتقلت إلى الكاتب نفسه فحرّف الحديث الشريف، كما حرّف معنى الآية الكريمة.. فأمّا الحديث فلفظه الصحيح: ".. أهون عند الله من سفك دم مسلم "، والكاتب حرّفها إلى ( مؤمن ) لتشمل جميع المؤمنين بزعمه من الأديان الأخرى ممّن أدرك النبيّ الخاتم، ثمّ راح يؤكّد تحريفه مستشهداً بالآية الشريفة التي لم يفهم معناها الصحيح، فإنّ المقصود بها من آمن بالله من الطوائف المذكورة في زمن نبيّهم قبل بعثة نبينا صلى الله عليه وسلم،وليس بعد البعثة، وسبب نزول الآية يبيّن معناها، فقد نزلت في أصحاب سلمان الفارسي t، فإنّه لما قدم على رسول ا صلى الله عليه وسلم جعل يخبر عن عبادة أصحابه واجتهادهم وقال: يا رسول الله، كانوا يصلون ويصومون ويؤمنون بك ويشهدون أنّك تبعث نبياً، فلما فرغ سلمان من ثنائه عليهم قال رسول ا صلى الله عليه وسلم : " يا سلمان، هم من أهل النار "، فأنزل الله: {إنّ الذين آمنوا والذين هادوا..} وتلا إلى قوله: { ولا هم يحزنون }. (أسباب النزول للواحدي ص 13 )، فتبين من سبب النزول أنّ الآية نزلت في قوم من أهل الكتاب قبل مبعث النبيّ، كانوا يؤمنون بمبعثه، ويشهدون أنّه رسول من عند الله، لكنّهم لم يدركوه، فأين هؤلاء من قوم أدركوا بعثته، بل راحوا يسخرون من صلى الله عليه وسلم ، ويصورونه في رسوم ساخرة بأنّه إرهابي، أو امرأة، ويتواطئون على ذلك غير مبالين بمشاعر الملايين من أتباعه؟!!!
أمّا مرجعيّة هذه الإنسانية عندهم، فيبيّنها أحدهم ـ وهو مقيم في لندن(!) ـ في مقال له بعنوان تفوح منه رائحة العلمنة والسخرية وهو: ( الإسلام السياسي وتجديد الأحكام السلطانية ) الوطن: 1188، يقول: " إنّ الأخذ بالمفاهيم الإنسانيّة يجب أن يكون على أساس عقلي في المقام الأوّل، بعيداً عن كلّ الاعتبارات المتعلّقة بالنصوص(!) " وليس هذا التأصيل بغريب عليهم إذا كانوا يطمحون إلى إحلال الإنسانية محلّ الرابطة الدينية، وتحطيم عقيدة الولاء والبراء.
السمة الخامسة
ـ وهي لب مشروعهم الذي يبشرون به ـ:
الدعوة إلى علمنة الحياة
وإقصاء الدين بحيث لا يكون له أي سلطان على مناحي الحياة المختلفة، ومن هذا المنطلق فإنّهم يهزؤون من فكرة أسلمة العلوم ـ أي صبغها بالصبغة الإسلامية بعد تنقيتها من الشوائب الكفرية والإلحادية ـ، ويقللون جداً من شأن الإعجاز العلمي في الكتاب والسنّة، ويرفضون أن يكون ( الإسلام هو الحلّ )، ويحاربون كل من يرفع هذا الشعار، بل ويفسّرون التاريخ والأحداث بشكل عامّ تفسيراً سياسياً بمعزل عن الدين، وفيما يلي شواهد من أقوالهم على كلّ ما سبق:(66/336)
يقول أحدهم في مقال له تفوح منه رائحة العلمانية بعنوان: ( ممارسة السياسة شأن مدني خالص ) الرياض: 13756: " من نافلة القول أنّ مثل هذه الشمولية لا تختصّ بها قومية معينة، أو دين بعينه، ولكنّ العبرة تكمن في النهاية في قدرة المجتمع من خلال تجاوز مرحلة تزييف وعيه، ومن ثم عبور ذلك الوهم الأيديولوجي عبر الإيمان المطلق بنسبيّة السياسة ووضعيتها، ومن ثم تعرضها للتغير والتبدل وفقاً لقوانين الاجتماع البشري وليس ثباتها المتوهم وفقاً لما يعرف بمفهوم الحقّ الإلهي في الحكم.." فالكاتب هنا يشير أوّلاً إلى ضرورة إقصاء الدين عن السياسة، وأنّ هذا الإقصاء لا يختصّ بدين بعينه، فيشمل حتى الإسلام، فلا يحقّ لأحد كائناً من كان أن يزعم أنّ ديناً بعينه هو الحلّ(!)، أمّا مفهوم الحقّ الإلهي في الحكم، فيريد به قول الله تعالى: { إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ..} فيرى أنّه وهم لا بدّ من تجاوزه(!)، أو على حدّ تعبيره في المقال نفسه: " إنزالها [ إي السياسة ] من السماء إلى الأرض "..
ثم لا يفوته في آخر المقال أن يعرّج على بعض خصومه التقليديين من الإسلاميين، الذين يرفعون شعار ( الإسلام هو الحلّ ) فيسخر منهم بحجج واهية لا تخلو من مغالطات وجهالات، ثم يختم المقال بطامّة كبرى من طاماته فيقول: "ويبقى القول بأنّه لا خيار في مجال السياسة الإسلاميّة إلا استخدام المنطق الذي أعلنه الرسو صلى الله عليه وسلم في وجه مؤسلمي السياسة عندما أعلنها مدويّة بقوله ( أنتم أعلم بشؤون دنياكم ) وهو منطق مدني على أيّة حال.. " إنّه ـ لعمر الله ـ عبث بالنصوص، واعتداء على حرمة الدين، ومقام سيد المرسلين، فهل ترك النبيّ r السياسة لغيره واعتكف في مسجده، أم أنّه أقام دولة الإسلام، وجيّش الجيوش، وفتح الفتوح، وساس الأمة، أم أنّه ـ عليه الصلاة والسلام ـ كما صوّره الكاتب يقول خلاف ما يفعل ؟!!، وهل قول صلى الله عليه وسلم " أنتم أعلم بأمور دنياكم " مراد به أمور السياسة وشؤون الأمّة، أم المراد قضية عين في أمر دنيوي خالص لا علاقة له بالسياسة العامّة كما يدل على ذلك سبب الحديث؟.. إنّها مهزلة يجب إيقافها ومحاسبة أصحابها احتراماً لديننا وعقيدتنا..
أمّا المجتمع المدني الذي يدندنون حوله كثيراً، ويعدونه النموذج الأمثل للدولة الحديثة، فيصفه أحدهم ـ وهو متخصّص في الكتابة السياسية ـ في مقال له بعنوان: ( الخطاب الديني هل يستمرّ كعائق في الحرب على الإرهاب ) الوطن: 1160، بأنّه: " مجتمع مدني رحب، ليس هناك مساحة لأوصاف من قبيل: ( كافر )، أو ( مبتدع )، أو ( علماني )، أو غير ذلك(!).."، هذا هو المجتمع المدني الذي يريدونه، والذي لا يقوم إلا على أنقاض التوحيد، وعقيدة الولاء والبراء التي وصفها النبيّ r بأنّها أوثق عرى الإيمان، وكأنّهم لم يقرأوا قوله الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ }، ولكنّ هؤلاء القوم لا يعقلون، وإن كانوا يدّعون العقلانية.
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله عند تفسير هذه الآية 1/398: " قيل لعمر بن الخطاب t إن ههنا غلاماً من أهل الحيرة ( أي نصراني ) حافظ كاتب فلو اتخذته كاتباً، فقال: قد اتخذتُ إذاً بطانة من دون المؤمنين.." قال ابن كثير رحمه الله: " ففي هذا الأثر مع هذه الآية دليل على أن أهل الذمة لا يجوز استعمالهم في الكتابة التي فيها استطالة على المسلمين واطّلاع على دواخل أمورهم التي يخشى أن يفشوها إلى الأعداء من أهل الحرب ".. هذه في مجرد الكتابة، فكيف بغيرها من شؤون الدولة ؟!! وهو أيضاً في الذمي الذي يدفع الجزية وهو صاغر، فكيف بمن يرى أنّه مساو لك في جميع الحقوق والواجبات في ظل مجتمعهم المدني المزعوم.
وفي سياق العلمنة يقول الكاتب نفسه في مقال له بعنوان: ( الحالة الدينية في السعودية.. ) الوطن: 1139: وهو يتحدث عن التفجيرات الأخيرة " هل كان هذا بسبب ذنوبنا حسبما يخبرنا رجال الدين(!) نعم، ولكن الذنب هذه المرة هو التطرّف الديني والغلو المتضخم(!) في ثقافة المجتمع. الذنب هو في القبول بصبغ الحياة الاجتماعية كلّها بصبغة الأيديولوجيا الإسلامية، والإصرار على إقحام الدين في شؤون الدنيا لإعاقة الحداثة "، إنّ إقحام الدين ـ حسب تعبيره ـ في شؤون الدنيا لإعاقة الحداثة المارقة ذنب عند هذا الكاتب، وهكذا تصبح العلمنة وإقصاء الدين عن شؤون الحياة حسنة يُدعى إليها.(66/337)
ويقول آخر ـ وهو أشدّهم تطرّفاً وبذاءة ـ في مقال له بعنوان: ( الإرهاب من الفكر الخارجي إلى السلوك القرمطي ) الرياض: 13436: " ليس صحيحاً ما يروّج له الإسلامويّ(!) من أنّ الزجّ بالدين في كلّ صغيرة وكبيرة هو عنوان التدين الحقيقي، أو أنّ ممارسه والمتحمّس له من أفراد المجتمع هو الأكثر تديّناً من غيره ".. إلى أن يقول: " تحييد الديني في الوقائع المدنية(!) التي ليس فيها حكم شرعي صريح، أمر ضروري لئلا تمنح القداسة إلا للديني الخالص الذي نصّ عليه الشرع الحنيف..".. أنّها علمنة خفية، تتدثر بلباس العلمية، ولو أنّا أخذنا بقول هذا الكاتب، واقتصرنا على ما فيه نصّ صريح، لما بقي لنا من ديننا إلا القليل، وهذا ما يريده أهل العلمنة.. وإنّ من المعروف لدى صغار طلبة العلم، أنّ الشريعة جاءت بكليات تندرج تحتها جميع الجزئيات، فلم ينصّ الله تعالى على كل جزئية بعينها، إذ إنّ ذلك يطول ولا يكاد ينتهي، مع ما يستجدّ من الجزئيات التي لم تكن قد وجدت عند نزول النصّ، ومهمة العالم أن يرجع هذه الجزئيات إلى كلياتها، ليبين حكمها، وما من قضية ولا مسألة إلا وفي كتاب الله وسنة رسول صلى الله عليه وسلم بيان لها، إمّا بالنصّ الصريح، وإمّا بالتلميح من خلال الكليات المذكورة، قال تعالى : { ما فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ }، وقال تعالى { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً }.
ويقول الكاتب نفسه في مقال له بعنوان: ( ما بعد الأيديولوجيا.. العقد الاجتماعي ) الرياض: 13702 بعد أن شتم السلفيّة أو ما أسماه بالوعي السلفي(!): " لا بدّ من التأكيد على مدنية حراكنا الاجتماعي، وأنّ العقد الذي يجب الالتفاف حوله هو العقد الاجتماعي المدني الذي يضمن التساوي في الحقوق والواجبات، لا طائفية، ولا مذهبية ولا مناطقية ولا جنسوية... لا بدّ أن ينغرس في أعماق كل مواطن أن الجميع متساوون جميعاً دون تعنصر من أي نوع، ولكل بعد ذلك خصوصياته التي يراها ويختارها، دون فرضها على الآخرين، ودون الإخلال بمبدأ المساواة المقدّس ".. فالكاتب يريد مجتمعاً بلا هوية ولا دين، يريد دولة لا دين لها، ولا فرق فيها بين المسلم والكافر ـ كما صرح بذلك غيره من أصحاب هذا الفكر ـ، ولا فرق فيها بين الموحّد والمشرك، وصاحب السنة وصاحب البدعة، بل لا فرق فيها بين الرجل والمرأة كما صرّح بذلك بقوله: " وخاصة التمييز الجنسي ضد المرأة في أي صورة كان ". ويضيف إلى ذلك ( المناطقية ) ليعزف على وتر حسّاس يثير الطائفية التي يحذر منها..
ثم يقول بعد ذلك: " لأجل ذلك؛ يجب أن تكون الخصوصية ـ أيّاً كان نوعها ـ بعد ذلك المقدّس وليس قبله، وإلا بقينا رهن صراع لا ينتهي.. لا بد أن يدرك المؤدلج أنّ العقد الاجتماعي المدني لا يمنحه أكثر من حريّة إبداء الرأي ( المؤدّب ) في سلوك الآخر، وبعد ذلك فليس على أحد بمسيطر ".. فالمقدس لديه هو هذا العقد الاجتماعي العلماني المزعوم، أمّا الدين والتوحيد فليس ذلك بمقدّس عنده، وإنّما هو مجرّد خصوصية تخص كل فرد على حدة، وليته يخبرنا ما الذي جعل رسول الهدى r يعاني في مكة وأصحابه ثلاثة عشر عاماً، ويصبرون على البطش والأذى والتعذيب والتشريد، وقد عرضت قريش عليه كلّ ما يريد مقابل تخلّيه عن دينه وعقيدته ودعوته، والتعايش السلمي معهم، مع الكف عن عيب آلهتهم، فيأبى حتى يقيم دولة الإسلام والتوحيد في المدينة، ومن ثم يعلن الجهاد على المشركين لرفع راية التوحيد خفّاقة، وإزالة كل مظهر من مظاهر الشرك، ولم يكتف بذلك بل يجهّز قبل وفاته جيشاً ضخماً لمحاربة الروم في الشام، وإخضاعهم لدين الله الحقّ ؟!.. سيقول هذا الكاتب وأمثاله: إنّ الزمن تغيّر، ولم يعد دين الرسول الكريم صالحاً لهذا الزمن، وهذه هي الطامة الكبرى والفجيعة العظمى التي حلّت ببعض أبنائنا، ليعتنقوا هذا الفكر المنحرف..
أمّا قوله: ( حرية إبداء الرأي المؤدب(!))، فذلك واضح جداً في أدبه الجم مع خصومه السلفيين والسلفية خاصة، فهو لم يترك شتيمة إلا رماها بها كما سبق ( انظر ص 14 )، فإذا كان هذا هو الأدب الذي يدعو إليه، فعلى الأدب السلام..
وفي هذا السياق نراهم يدافعون عن العلمنة، ويغضبون من ذكرها على سبيل الاتهام، مع أنّهم لا يتورعون عن كيل التهم جزافاً لخصومهم التقليديين ( السلفيين خاصّة والإسلاميين بشكل عام )..(66/338)
يقول أحدهم في مقال له بعنوان: ( العلمانية تهمة جاهزة لكل من اختلف معهم ) الجزيرة: 12022: " لا أدافع عن العلمانية، لأنني أعتقد اعتقاداً جازماً بأنّ العلمانية على اعتبار أنّها ( فصل الدين عن السياسة ) مصطلح ( وافد ) إلينا من الخارج، وله دلالات فكرية وحمولات تاريخية تجعل من تطبيقه على غير المجتمعات ( المسيحية ) أمر لا بد من التوقف عنده، والتعامل معه بحذر.."، هكذا ينفي التهمة عن نفسه، وعن زملائه الذين يقررون كثيراً في كتاباتهم ـ كما سبق شيء من ذلك قريباً ـ ضرورة تحييد الديني عن المدني كما يقولون، وهو بهذا التعميم ينطبق عليه المثل القائل ( كاد المريب أن يقول خذوني).
ويقول آخر في مقال له بعنوان: ( الإسلاميون والمشاركة السياسية.. الحزب المسيحي الديمقراطي الألماني ) الوطن: : " أثناء وجودي في ألمانيا الشهر الماضي كان على مقربة من جامعة أيرلنجن حيث أتردد: مكتب حزبي للاتحاد المسيحي الديمقراطي الألماني. لقد ترددت بعض الشيء في دخول المقرّ سذاجة مني لتوهمي أنّه يشبه تلك التجمعات الإسلامويّة المتشددة الموجودة في بعض البلاد العربية، المليئة بالكتيبات والأشرطة الصوتية الصاخبة التي تتحدث عن الحكم بغير ما أنزل الله، وعفن العلمانية التي يتبارى نوابها في المطالبة بإيقاف الكاتب فلان، أو محاكمة السياسي علان، أو حتى في أوقات الاستراحة السياسية يتم التصعيد في البرلمان ضد راقصة أو مغنية بحجّة حماية الأخلاق ومراقبة الذوق العام.." ثم راح بعد ذلك يكيل الثناء لذلك الحزب النصراني الكافر، ويصفه بالحزب الناجح، ويدافع عن تسميته بالحزب المسيحي ( نسبة إلى المسيح u ) في دولة تدعي العلمانية ...!!!! إلى آخر ما ذكر.. ويلاحظ في ما نقلته من هذا المقال سخريته من إخوانه المسلمين المحتسبين الذين يتحدثون عن قضايا شرعية كالحكم بغير ما أنزل الله، وعفن العلمانية، والمطالبة بإيقاف الكتّاب المنحرفين ومحاكمتهم، ومحاربة العفن الفني من رقص وغناء ماجن.. كلّ ذلك يسخر منه الكاتب، ويعدّه تشدداً، فهذا هو مفهوم التشدد عندهم، في الوقت الذي يثني فيه على حزب نصراني زاره للمرّة الأولى، فراح يكيل له عبارات الثناء.. إنّها قلوب مريضة، غطتها ظلمات الشهوات والشبهات، فلم تعد ترى الأشياء على حقيقتها، نعوذ بالله من الخذلان.
أمّا تفسير الأحداث التاريخية والصراعات العقدية تفسيراً سياسياً ( علمانياً ) فهو ديدنهم للتقليل من شأن الدين والعقيدة، وقد كتب أحدهم مقالاً بعنوان: ( خدعوك فقالوا نجد والشرك !! ) الرياض: 1423، قرر فيه بصفاقة عجيبة أنّ دعوة الشيخ الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمه الله إنما كانت صراعاً مريراً حول السلطة والسياسة، وليست ضد الدين. حيث كانت الحالة الأمنية قبل قيام الدولة السعودية ـ كما يزعم ـ تعيش في تأزم وتناحر وتصارع وقد وحُدت بحمده تعالى تحت كيان واحد. بينما كانت الحالة الدينية على مذهب أهل السنة والجماعة ولم يدخل نجداً ما ذكر عنها ابن غنام وغيره من وجود الخرافات والشركيات المنتشرة في جنباتها..!!! هذا ملخّص ما ذكره.وهكذا بجرّة قلم يبطل هذا الأفّاك الأثيم كلّ جهود الشيخ في محاربة الشرك ومظاهره التي كانت منتشرة في نجد، ورسائل الشيخ تنضح بالكثير من هذه الجهود التي يراها الأعمى قبل البصير، لكن هؤلاء عميت بصائرهم، مع سلامة أبصارهم إلا إذا كان يتهم الشيخ بالكذب فتلك طامة آخرى أعظم وأطم.. ثم إنّ السياسة جزء لا يتجزأ من الدين كما سبق، فالفصل بينهما كالفصل بين الروح والجسد، لكنّ هؤلاء المتعلمنين لا يفقهون.
ولم يسلم من هذا التفسير العلماني السقيم حتى إئمّة السلف، فبمثل هذا التفسير فسّروا فتنة خلق القرآن التي تعرّض لها أئمّة السلف وعلى رأسهم الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله، حيث ذكروا أنّ الأمر لا يعدوا أن يكون صراعاً سياسياً محضاً بين أهل الحديث وأهل الاعتزال على السلطة، وليس للدين ولا للعقيدة شأن بهذا الصراع إلا من باب ذرّ الرماد في العيون كما يزعمون.. المهم عندهم ألا يكون للدين ولا للعقيدة سلطان على الحياة، لأنّ ذلك يزعجهم كثيراً، وهذا هو الذي يسعى إليه أعداء الإسلام من اليهود والنصارى لإخماد جذوة الإيمان والعقيدة في نفوس المسلمين، ومن ثم يسهل التغلّب عليهم واختراقهم، وما هذه الفئة المارقة إلا بمثابة الطابور الخامس لهؤلاء الأعداء كما سبق، كفانا الله شرّهم.
وأختم الحديث عن هذه السمة بطامة أخرى أتى بها أحدهم ـ وهو كاتب له روايات أفتى عدد من علمائنا بكفر ما في بعضها ـ، يقرر هذا الكاتب في مقال له بعنوان: ( من خطاب التدمير إلى خطاب التعمير ) الشرق الأوسط: 8952 ، أنّ: " منطق الدولة الحديثة متناقض مع منطق الدين " ثم يوضح ذلك قائلاً: " منطق الدولة محدود ومحدد، ومنطق الدين هو المطلق ذاته، وتأتي الكارثة للدولة والدين معاً حين محاولة الدمج بين منطقين لا يلتقيان، وهنا تكمن معضلة الإسلامويّة(!) المعاصرة وجوداً لا عقلاً .."..(66/339)
وعلى الرغم من العلمنة الواضحة فيما ذكر، مع الجهل الفاضح بدين الإسلام وحقيقته؛ إلا أنّه يحاول أن ينفي هذه التهمة عن نفسه على طريقة ( كاد المريب أن يقول خذوني ) فيقول: " قد يقول قائل هنا: إذن فهي دعوة للعلمانية!، والحقيقة أنّ القضية لا علاقة لها بعلمانية أو أصوليّة إذا كانت الغاية هي البحث عن جواب يخرجنا من المأزق أو المآزق التي نحن فيها .." وهكذا بكل بساطة ينفي التهمة الساطعة كالشمس عن نفسه إذ الغاية عنده تبرر الوسيلة، ولو كانت هذه الوسيلة هي الإساءة إلى ديننا وانتقاصه، والافتراء على نبينا صلى الله عليه وسلمليرضى عنّا أعداؤنا !!.
السمة السادسة:
الإعجاب بمن يسمّونه ( الآخر )
وحبّه، وكيل الثناء عليه بغير حساب، والدعوة إلى احتذائه حتى في ثقافته وأخلاقه، ويريدون بالآخر في الغالب: الغربي الكافر صاحب الحضارة الماديّة، والعقل الفلسفي، وهذا الإعجاب نتاج طبعي للهزيمة النفسيّة، والصدمة الحضارية التي أصابتهم، وعقدة النقص التي تلازم قلوبهم المظلمة الممتلئة بالشهوات والشبهات، ونحن لسنا ضدّ الاستفادة من علوم الآخرين فيما لا يتعارض مع ديننا وعقيدتنا، لكنّ هؤلاء فهموا الحضارة فهماً ناقصاً مغلوطاً، فاختزلوها في صناعة طائرة أو سيارة أو صاروخ، أو أيّ آله من الآلات الحديثة، أو في بناء ناطحات سحاب، أو تقدم طبي أو تقني، وكلّها أمور مادية يمكن لأيّ أمّة وأيّ شعب اللحاق بها والوصول إليها إذا تهيأت له الظروف المناسبة، وسلم من هيمنة هذا الآخر وجبروته وكيده..
إنّ الحضارة الحقيقية هي التي تجمع بين التقدّم المادي التقني، والسمو الروحي والأخلاقي، وهذا الأخير هو ما تفتقده الحضارة الغربية المعاصرة التي بلغت الحضيض في تردّي الأخلاق وموت الروح، فهي كما وصفها سيد قطب رحمه الله: كطائر ضخم، أحد جناحيه كبير يرفرف في السماء، والآخر مهيض كسير لا يكاد يقوى على الحركة، فماذا سيكون حاله سوى التخبط وإيذاء من حوله، وهذا هو حال الحضارة الغربية اليوم حيث إنّها ـ مع ما فيها من الجوانب الإيجابية المضيئة ـ نشرت الخراب والدمار، ونشرت معه أسوأ الأخلاق من تفسخ وعري وفساد أخلاقي.
وليس الغرب ملوماً في إقصاء الدين عن الحياة، فقد كان الدين الذي يدينون به محرّفاً، يحارب التقدّم المادي النافع، ويقتل المبدعين والنابغين في العلوم الطبيعية التي لا تتعارض مع ثوابت الدين الصحيح، ولذا فإنّه لا خلاص للبشرية اليوم، ولا سبيل لها إلى الوصول إلى الحضارة الحقّة المكتملة التي تجمع بين التقدّم المادي التقني، والسمو الأخلاقي والروحي إلا بأن تعتنق هذا الدين الحقّ ( الإسلام ) الذي تكفّل الله بحفظ مصادره، وجعله الدين الوحيد الذي لا يُقبل سواه، قال تعالى: {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ }[ آل عمران: 85].(66/340)
وفي هذا السياق يحاول أحدهم بجهل فاضح أن يؤصّل لهذه المسألة تأصيلاً شرعياً(!!)، فيزعم في مقال له بعنوان ( المقاومة الفكرية للإرهاب ) الرياض: 13561، أنّ الأصل في الولاء والبراء " موالاة ( الكافر ) المسالم الموادع مهما كانت ديانته"، وفي مقال آخر له بعنوان: ( فلسفة الولاء والبراء في الإسلام ) الرياض: 13546، أتى بما هو أطم، فيقول: " والرسول صلى الله عليه وسلم عندما أرسل صحابته الأول إبان الفترة المكية إلى الحبشة اتقاء لشر قريش قال لهم إنّ فيها ـ يعني الحبشة ـ ملكاً لا يظلم عنده أحد، ولم يبرر إرساله لصحابته بإسلام المجتمع الحبشي بدليل أن ذلك المجتمع ظل حتى وفاة النجاشي نصرانياً خالصاً مما يؤكد(!) أن الولاء حين ينصب على العلاقة مع الآخر فهو يدشن لموالاة المسالم والبراءة من المعتدي بغض النظر عما يدين الله به وهذه العلاقة السلمية ـ الأهلية منها والدولية ـ المبنية على الولاء للمسالم والبراء من المعتدي منظمة بشكل واضح لا لبس فيه في القرآن الكريم إذ يقول تعالى في الآية الثامنة من سورة الممتحنة: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ }[الممتحنة:8]، وهي إشارة إلى موالاة الآخر(!) المسالم الملتزم بشروط العلاقة السلمية ببرّه والقسط إليه.. " إلى أن يقول: " هذا هو المسار الصحيح(!) لمفهوم الولاء والبراء المتكيف مع أصول الإسلام وغاياته العظام(!) " إلى آخر ما ذكر، وأنا أتحدّى هذا الكاتب وغيره أن يأتي بنص واحد من كتاب الله أو سنة رسول صلى الله عليه وسلم يدعو إلى موالاة الكفار أياً كانوا، بل إن نصوص الكتاب والسنة تحذر من موالاة الكفار بإطلاق كما في قوله تعالى: {لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُوْنِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللّهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللّهِ الْمَصِيرُ }[آل عمران:28]، وقوله في سياق الحديث عن المنافقين: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَن تَجْعَلُواْ لِلّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً مُّبِيناً }[النساء:144]، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ }[المائدة:51]، بل في السورة نفسها التي استشهد الكاتب بآية منها قال الله تعالى: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَاء مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاء أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن شَيْءٍ رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ }[الممتحنة:4]، والآيات في هذا المعنى كثيرة جداً، وذلك أنّ مقتضى الموالاة: المحبة والنصرة، وذلك لا يصدر من مؤمن لكافر على الإطلاق، وإنّما الذي أذن الله فيه تجاه الكافر المسالم: البر والعدل كما قال تعالى: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ }[الممتحنة:8]، ويوضح معنى الآية سبب نزولها، فقد أخرج البخاري عن أسماء بنت أبي بكر y، قالت: أتتني أمي راغبة، فسألت النبيّ صلى الله عليه وسلم أأصلها؟ قال: " نعم " فأنزل الله فيها: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ }. فإذا كان للمسلم أب كافر أو قريب أو جار ونحو ذلك، ولم يكن محارباً، فلا حرج على المسلم أن يحسن إليه ويبره ولا يظلمه، لكن أن يحبه وينصره أو يفضله على إخوانه المسلمين مهما كانوا عاصين، فذلك خلل عقدي عظيم، وهذا هو حال هذه الفئة الضالة، كما سبق قريباً من تفضيل أحدهم الحزب المسيحي الديموقراطي الألماني على من أسماهم تهكماً بـ (الإسلامويين ) المتشددين الذين يتحدثون عن عفن العلمانية، ويطالبون بمحاكمة الكتّاب المنحرفين فكرياً !!!.
ثم هل الكافر الذي ( يوالونه ) الآن مسالم حقّاً، أم أنّّه يقتل المسلمين بالأسلحة المحرمة دولياً، ويسخر من نبي الإسلام في رسوم سخيفة ماجنة ؟؟؟؟؟، بل ويهين المصحف في معتقلات غير شرعية ولا قانونية.. فأين عقول هؤلاء؟!!!.(66/341)
وبمناسبة ذكر الآخر ( الكافر ) يلاحظ في مقال هذا الكاتب الذي امتد من أعلى الصفحة إلى أسفلها بما يزيد عن نصف المتر أنّه لم يذكر لفظ ( الكافر ) بتاتاً بناء على مذهبهم في ضرورة التخلي عن هذا المصطلح الشرعي الأصيل الذي امتلأ به القرآن والسنة، والعدول عنه إلى ألفاظ مثل: ( الآخر )، و ( غير المسلم )، وما شابه ذلك حتى لا يغضب هذا الآخر، بل بعضهم (يتوّرع ) عن اعتقاد كفر اليهود والنصارى، ويعدهم مؤمنين و(إخوة) لنا في الإنسانية(!)، كما مر سابقاً.
أمّا قضية النجاشي، والهجرة إلى الحبشة، فلا علاقة لها بموضوع الولاء والبراء. وذكرها في هذا المقام من الخلط العجيب، فإنّ المسلم إذا لم يتمكن من إظهار دينه في بلد فله أن يهاجر إلى بلد آخر يتمكن فيه من إظهار دينه، وهذا قبل أن تقوم للإسلام دولة تحكم بشرع الله، فإذا قامت الدولة فلا هجرة بعد الفتح، ولكن جهاد ونية، كما قال الصادق المصدوق r ، فما علاقة ذلك بالولاء والبراء ؟!!.
ويقول آخر ـ وهو من أصحاب التحولات الإنفراجية ـ في مقال له في غاية السذاجة بعنوان: ( نحن وأمريكا والديموقراطية ) الشرق الأوسط: 9212 مدافعاً عن الآخر الكافر: ".. الغرب حينما يدعم الديموقراطية، ويفكر في وضع هذا الجزء من العالم، فليس ذلك من قبيل التبشير أو الاهتداء بروح الأم تيريزا، قدر أنها مصلحة غربية جوهرية تكمن في إنقاذ الشرق الأوسط المتعثر(!!!) "، وعلى الرغم من أن الآخر النصراني ممثلاً في زعيمه صرّح بأنّ الحرب على العالم الإسلامي حرب صليبية، إلا أنّ هؤلاء ( العقلانيين ) لا يزالون أشدّ إخلاصاً للآخر من الآخر نفسه، حيث يعدونه في سذاجة واضحة (جبهة إنقاذ) للشرق المتعثر!!!!.
ولم يكتف هذا الكاتب بالثناء على ( الآخر ) وديمقراطيته المزعومة، بل راح ينتقص دينه الحق ( الإسلام ) ومبدأ الشورى المذكور في القرآن، يقول: " طُرحت فكرة الشورى كبديل أصيل عن الديموقراطية، ولكن اتّضح(!) أنها تختلف اختلافاً فلسفياً ومفارقاً للديموقراطية، فرفضت من الإسلاميين الأصلاء(!)، والليبراليين الخلصاء(!)، أمّا الأخيرون فبحجة أنّ الشورى أبعد ما تكون عن العقد الاجتماعي والمشاركة الشعبية الواسعة، فهي ليست إلا تدبير أهل الحلّ والعقد، وهم طبقة ضيقة من كبار القوم والملأ.." إلى آخر ما ذكر.
السمة السابعة
الجهل
فعلى الرغم من أنّهم أشدّ الناس تعالماً وادّعاءً لفهم النصوص ومقاصد الشريعة، ورميهم العلماء وطلاب العلم السلفيين بالضدّ من ذلك!!؛ إلا أنّهم أكثر الناس جهلاً بالنصوص وبالمقاصد وبالناسخ والمنسوخ والعام والخاصّ والمطلق والمقيّد من نصوص الشريعة، كما تشهد بذلك كتاباتهم، والسر في ذلك أنّ معظمهم ليسوا من أهل التخصّص الشرعي، فإذا انضاف إلى ذلك الهوى وتمكن الشبهات من قلوبهم؛ كانت الطامة أكبر، وفيما يلي بعض الأمثلة على جهلهم بالنصوص الشرعيّة:
1. في مقال لأحدهم بعنوان: ( الذين يجلدون المختلفين معهم في الرأي بإطلاق التهم) الرياض: 13698، يقول: " أُعطي الرسو صلى الله عليه وسلم جوامع الكلم، وهي ميزة خصّه الله تعالى بها من بين سائر الأنبياء والمرسلين u، فهو r يقول الكلمة أو اللفظة الواحدة لتكون جامعة لمعاني ومتطلبات موضوع بأكمله، ومن بين ما أخبر ب صلى الله عليه وسلم في ألفاظ قصيرة، لكنّها حملت معاني عظاماً، قول صلى الله عليه وسلم : ( الدين المعاملة ).. ".. ثمّ بنى مقاله على ما زعم أنّه حديث، وجزم بنسبته إلى رسول ا صلى الله عليه وسلم !! وهو ليس بحديث، وإن اشتهر على ألسنة العامّة، بل إنّ معناه في غاية البطلان لمن تأمّله بعقل منضبط بالشرع، لا بعقل منفلت كعقول هؤلاء الزاعمين بأنّهم عقلانيون، فإنّ مقتضى هذا الحديث المزعوم أنّ الكافر إذا كان حسن المعاملة فهو مسلم ومتدين، والمسلم إذا كان سيء المعاملة ليس بمسلم، لأنّ المقصود بالدين هنا هو الإسلام كما قال تعالى: { إن ّالدين عند الله الإسلام }، وقد ثبت في صحيح مسلم في كتاب الإيمان، عن عائشة t قالت: قلت: يا رسول الله، ابن جدعان؛ كان في الجاهلية يصل الرحم، ويطعم المسكين، فهل ذاك نافعه ؟ قال: " لا ينفعه. إنّه لم يقل يوماً: ربّ اغفر لي خطيئتي يوم الدين ". فلم ينفعه حسن خلقه، وإحسانه للناس مع كفره.(66/342)
2. وفي مقال آخر بعنوان فضائي: ( الحوار الوطني: سيرة وانفتحت ) الرياض: 13702، يقول الكاتب نفسه: " من غير المجدي وفقاً لمعطيات العمران البشري أن تقسر شخصاً على رؤية معينة، لمجرّد أنّك تعتقد بصوابها، فهذا الآخر الذي تودّ قسره على رؤيتك يملك من الأدلّة والطرائق الحكمية(!) ما يستطيع بها نفي صوابية ما تعتقده حتى وإن كنت لا تؤمن بمرجعيته الدلالية بنفس الوقت الذي لا يعترف فيه هو أيضاً بمرجعيتك في استنباط أدلة تصويبك لرؤيتك، وإذا كان الله تعالى يأمر نبيّه الكريم بأن يعتزل مقام مشركي قريش حين يخوضون في آيات الله تعالى حتى يصرفوا حديثهم إلى جانب آخر، ولم يأمره بحربهم أو قسرهم على رؤيته ممثلاً بقوله تعالى: { وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره... } أفلا نترك نحن غيرنا أحراراً ...".. فاستدلاله بهذه الآية في غاية البطلان، ودليل على جهله الفاضح ـ أو تجاهله ـ لنصوص الشريعة، والمراحل التي مرّت بها الدعوة، فماذا يصنع هذا الكاتب بمثل قوله تعالى في سورة التوبة: { فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كلّ مرصد.. }، وقوله في السورة نفسها: {قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ }، وقول صلى الله عليه وسلم :" أُمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله.. " الحديث، وقوله: " لا والذي نفسي بيده حتى تأطروهم على الحقّ أطراً " أي تقسروهم عليه قسراً، يعني العصاة، فضلاً عن المبتدعة.. وليس في دين الله تعارض، ولكنّ الواجب أن تنزل النصوص منازلها، فاعتزال المشركين كان في العهد المكي، وأما آيات القتال والأطر على الحقّ ففي العهد المدني، وبهذا يتبين جهل هؤلاء بمدلولات النصوص مجتمعة، فكيف يؤتمنون على توجيه الناس في صحف سيّارة !!!!!.
3. وفي مقال بعنوان: ( هل الحضارة الإسلامية حضارة شاملة ؟) الجزيرة: 11980، كتب أحدهم ـ وهو وللأسف الشديد من سلالة الشيخ المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمه الله !!! ـ مقللاً من شأن الحضارة الإسلامية يقول: " الثقافة الإسلامية ثقافة فقه ولغة، وليست ثقافة كشف واختراع وابتكار على مستوى المنجزات الدنيوية.." إلى أن يقول: " وهذا ما نلحظه بوضوح من خلال القراءة لكبار العلماء الدينيين المسلمين، فالإمام ابن تيمية رحمه الله ـ مثلاً ـ اتّخذ موقفاً مناهضاً بشدّة لعلم الكيمياء.." إلى آخر ما ذكر، وهو دليل على جهل فاضح، لأنّه ظن أنّ الكيمياء التي ذكرها ابن تيمية رحمه الله هي الكيمياء المعروفة اليوم، وليس الأمر كذلك، فالكيمياء التي ذكرها شيخ الإسلام نوع من الغشّ، وصناعة ذهب مغشوش يشبه الذهب الذي خلقه الله، وبيعه على الناس على أنّه ذهب خالص، ولذا قال الشيخ رحمه الله: " وأهل الكيمياء من أعظم الناس غشاً، ولهذا لا يُظهرون للناس إذا عاملوهم أنّ هذا من الكيمياء، ولو أظهروا للناس ذلك لم يشتروه منهم.. " إلى آخر ما ذكره رحمه الله.
4. وفي مقال بعنوان: ( فلا يلومنّ إلا نفسه.. فلسفة جديدة ) الوطن: 1173، كتب أحدهم ـ وهو طبيب يكثر من الحديث عن الدين والعبث بالآيات ـ كتب بعد أن ساق الحديث القدسي ( يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي) يقول: " وما يدفعني إلى سرد هذا الحديث فكرة التمعت في ذهني أن أفعل ما فعله النووي، فهذا الرجل جمع أربعين حديثاً اشتهرت باسمه، وهي رياض الصالحين..".. وهذا جهل فاضح، فهو يظن لجهله أنّ كتيب الأربعين النووية الصغير، هو نفسه كتاب رياض الصالحين المجلّد الضخم، وكلاهما للإمام النووي رحمه الله، وصغار طلاب العلم يعرفون الفرق بينهما.
5. وفي مقال بعنوان ( ذكريات غير صحوية وحديث عن الثبات والتحوّل ) الرياض: 12722، كتب أحدهم منظرّاً ـ وكان من هواة التكفير والتفجير ثم أصبح من غلاة المرجئة ـ يقول: " وقد نسمع أحياناً وصف الآخرين بالفسق أيضاً. وفي القرآن الكريم لم يأت وصف الفسق إلا في حقّ الكفّار والمشركين كما في سورة السجدة، غير أنها في فترة متأخّرة جرى التوسّع في استخدام لفظ الفاسق على المسلم الذي يأتي بعض المخالفات الشرعية..".. وهذا جهل فاضح، وجرأة على كلام الله تعالى، وقد يعجب هذا الكاتب إذا علم أنّ وصف الفسق جاء في القرآن الكريم في حقّ أحد أصحاب رسول ا صلى الله عليه وسلم وهو الوليد بن عقبة t، كما في قوله تعالى في سورة الحجرات: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ }، وذلك باتّفاق المفسّرين. ولكنّ الجهل داء لا دواء له.(66/343)
6. وفي نفس المقال يقول هذا الكاتب: " لبس جوارب اليدين أصبح اليوم دلالة على عفّة المرأة، وشدّة تديّنها، في وقت سابق لم تكن النساء تعرف ذلك.. " وهذا من جهله، فقد كان هذا معروفاً في زمن النبوّة، فقد صحّ عن صلى الله عليه وسلم أنّه قال: " لا تنتقب المحرمة، ولا تلبس القفازين "، ففيه دليل بيّن على أنّ الصحابيات كن يلبسن القفازين لكمال الستر، وإنّما نهين عن ذلك وقت الإحرام.
هذا غيض من فيض من جهلهم بالنصوص الشرعيّة، وكيفية تعاملهم معها، ومع كلام الأئمة، ولو ذهبت أستقصي جهلهم، من خلال كتاباتهم لطال بي الأمر..
والعجيب أنّهم على الرغم من جهلهم الواضح الذي سبق الكثير منه؛ إلا أنّهم يزعمون أنّهم أكثر فهماً للإسلام ممّن شابت لحاهم في تعلّم العلم الشرعي، ومزاحمة العلماء بالركب، بل أكثر فهماً للإسلام حتى من العلماء الكبار، مع أنّ جلّ أصحاب هذا الفكر قد عاشوا ردحاً من الزمن في بلاد الغرب لتعلّم تخصّصات غير شرعية قد تكون مفيدة في مجالها لكنها لا تؤهل صاحبها للحديث عن الأمور الشرعية الدقيقة.. وفي هذا السياق كتب أحدهم ـ وهو رئيس تحرير إحدى صحفهم ـ في مقال له بعنوان: ( الأسهم تقول إنّهم أقليّة محدودة ) الرياض: 13770 يقول: " نحن جميعاً مسلمون.. بل إنّ معظم الليبراليين هم أكثر فهماً للإسلام وسعياً لحلّ مشاكله وتقديمه بصورته الحضارية للعالم الأجنبي..!! " قال ذلك في أعقاب تصدي بعض العلماء له في محاضرة أقيمت في فعاليات معرض الكتاب الدولي بالرياض.. والليبراليون يعني بهم نفسه وزمرته.
بل إنّ أحدهم ـ وهو أشدّهم تطرّفاً ـ كتب مقالاً بعنوان: ( الجهل كخطاب: مقاربة أولية لنماذج وصور واقعية !! ) الرياض: 14136، رمى فيه جامعاتنا الإسلامية بأنّها معاقل لتفريخ الجهل وإنتاجه، يقول: " إن هذا يتم في نطاق المؤسسات العلمية، أو التي تدعي ذلك، حيث يتم استيراد آليات البحث العلمي، بل أحدثها، ووضعها في خدمة خطاب الجهل. وجراء ذلك، تعتمد الأطروحات، وتناقش في أجواء تشي بالعلمية، بينما هي تستخدم في تعزيز مستوى أعلى وأشد تعقيداً من الجهل الذي لا بد من تفكيكه من زوايا كثيرة، ليس أقلها كشف زيف ادعاء العلمية )!!! ".
وكان سبب هذا الهجوم وهذا التجهيل الجماعي لمؤسساتنا العلمية، أنّ بعض الأساتذة الغيورين حذّر من بعض الكتب المنحرفة فكرياً، وطالب بمنعها في معرض الكتاب وغيره، حيث يقول الكاتب: " لم نستطع أن نفهم كيف ينادي أستاذ جامعي، قضى عقوداً من عمره في القراءة، بضرورة منع هذا الكتاب أو ذاك. لن نستطيع أن نفهم؛ كيف يسمح له ضميره (العلمي!) بمصادرة حق الآخرين في الاختيار القرائي، ما لم نع أن بنيته الذهنية - رغم جامعيتها وقرائيتها - تكونت عبر خطاب الجهل. يحدث هذا، بينما رجل الشارع الذي ليس لديه أدنى اهتمام قرائي، يفتح فاه متعجبا، كيف يكون الكتاب محظوراً، وكيف تكون المعرفة محرمة!. وهذا دليل على أن رجل الشارع أقل جهلاً من ذلك المشتبك منذ عقود مع خطاب الجهل )!!! " وهكذا يجعل رجل الشارع مقياساً للحكم، ولا أدري كيف يصنع بحديث عمر الخطّاب ـ رضي الله عنه ـ لمّا رأى معه النبيّ صلى الله عليه وسلم كتاباً أصابه من بعض أهل الكتاب، قال له مغضباً: "أمتهوّكون فيها يا ابن الخطّاب ؟ والذي نفسي بيده لقد جئتكم بها بيضاء نقية.. "، أخرجه أحمد وغيره وهو حسن بشواهده، فإذا كان هذا مع عمر الفاروق الذي أجرى الله الحقّ على لسانه؛ فكيف بغيره من الشباب والمراهقين ومن ليس عنده حصانة شرعية كافية!! .
وسيأتي المزيد حول هذه المسألة في مبحث خاص بإذن الله تعالى.
السمة الثامنة:
تنزيل الآيات التي جاءت في حقّ الكفرة من المشركين وأهل الكتاب والمنافقين، على خصومهم المؤمنين من العلماء والدعاة وطلبة العلم:(66/344)
وقد سلك هذا المسلك أشدّهم تطرّفاً وحقداً على السلفية، ففي مقال له بعنوان: (التفكير وإشكالية الوصاية ) الرياض: 13065، شتم فيه السلفية عدة شتائم، يقول: " إنّ ما نراه في الخطاب التقليدي ـ السائد ثقافياً على المستوى الشعبوي(!) خاصّة ـ من محاولة التقليدية البلهاء ـ المتلبّسة بصيانة الأعراف والتقاليد و.. الخ ـ فرض الوصاية على أعين الناس، وعلى آذانهم، وألسنتهم وأقلامهم ليس بدعاً في سلوك المنظومة التقليدية أياً كانت طبيعتها، فهي ـ دائماً ـ تسعى لتعطيل هذه الحواس التي هي نوافذ العقل، ومنها يستمد العقل مادته وتجتهد في لتقنيتها في أتباعها بفرض الوصاية عليها ليصبح الناس ـ إذا تعطلت لديهم فاعلية هذه الحواس ومن ثم تعطل العقل ـ كالأنعام بل هم أضل وهذه الحال شعر الأيديولوجي التقليدي أو لم يشعر منتهى الأماني لديه ". فهو يرى أن تحصين الناس من الأفكار المضللة، وحمايتهم منها، ضرب من ضروب الوصاية، ويرى أن ترك الناس بلا تحصين كافٍ ليعتنقوا مثل أفكاره المنحرفة التي يدعو إليها، ويدافع عنها، لذا فهو يرى أنّ : " مفردات من نوع ( الإرشاد/ التوجيه/ الرعاية الفكرية/ الأمن الفكري/ التحصين ضد الأفكار الهدامة/ مروجي الشبهات/ التغريب/ البرامج الهابطة/ العهر الفضائي ) " مفردات تستخدمها الثقافة التقليدية ( السلفية ) في وقوفها ضد الفكر الحديث ( يعني فكره العفن ) وصدق والله، فهو تحصين ضد الأفكار الهدامة ومروجي الشبهات من أمثاله، وهذا هو سر عدائه للسلفية..
والشاهد هنا من مقاله تنزيل الآية التي وردت في الكفار وهي قوله تعالى: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ }[الأعراف:179]، وقد أنزلها في الناس السلفيين الذين يفرض عليهم السلفي ( التقليدي ) ـ كما يزعم هذا الكاتب ـ وصايته، وسيأتي المزيد من الحديث عن الوصاية لاحقاً بإذن الله تعالى..
وفي مقال له بعنوان: ( واحذرهم أن يفتنوك ) الرياض: 13128، وهو جزء من آية في سورة المائدة، نزلت في اليهود وأذنابهم من المنافقين، وقد أنزلها في خصومه السلفيين، في مقال شتم فيه السلفية على عادته، وقد سبق الحديث عن هذا المقال..
وفي مقال له بعنوان: ( من صور التطرف والاعتدال ) الرياض: 13282، سخر فيه من بعض مناصحيه من السلفيين، إضافة إلى شتم السلفية، والثناء على رموز التغريب؛ لم يكتف بآية واحدة، بل ثنّى بآيتين، إحداهما قوله تعالى: {اللّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ }[البقرة:15]، اقتصر على آخرها، وقد أنزلها في ما يراه ضحايا للمدرسة السلفية، وأطلق عليهم ( الأبرياء المذنبون ) حيث يجري توظيفهم من حيث لا يشعرون(!)، يقول: " في الغالب لا يكون التوظيف مباشراً ومقصوداً، بل تفعل المنظومة التي يجري الترويج لها فعلها بقوة الدفع الذاتي فيها، دون أن يشعر بنوها أنهم في طغيانهم يعمهون "(!).
ثم يختم مقاله باتهام الناصح له بالتكفير فضلاً عن بذيء السباب(!)، على الرغم من أنه في هذا المقال يصف الصحوة الإسلامية بالمتأسلمة أو ما أسماه بـ ( تيارات التأسلم ) و(تيار الجمود والارتياب )، وهي تهمة تعني عدم الإسلام الحقيقي.
أما السباب؛ فقد ضمّن مقاله هذا عدداً لا بأس به من الشتائم للسلفية، إضافة إلى تهم الإرهاب وغيره، فضلاً عما في سائر مقالاته من السباب البذيء ليس للأشخاص فحسب، بل للمذهب والمعتقد، وبعد أن اتهم ناصحه بالتكفير والإرهاب(!) راح ينزل عليه آية نزلت في المنافقين، يقول: " أَتَذَكّر كل هذا وأقول: صدق الله العظيم القائل: {لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغَارَاتٍ أَوْ مُدَّخَلاً لَّوَلَّوْاْ إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ }[التوبة:57 ] "، وهكذا يرمي كل من اختلف معه تارة بالآيات التي نزلت في الكفار، وتارة بالآيات التي نزلت في المنافقين، ثم يرميهم بتهم التكفير والإرهاب(!!!!)، فأي إرهاب فكري أعظم من هذا الإرهاب.
وفي مقال له بعنوان: ( ما بعد المعركة الخاسرة ) الرياض: 13303، شتم فيه السلفية على عادته، وتشفّى مما حدث في الفلّوجة من قتل ودمار، وسبب هذا التشفّي أنّ الفلّوجة تعدّ معقل السلفيّة في العراق، ثمّ أنزل عليهم آية نزلت في المنافقين بأسلوب تهكّمي ساخر، يقول: " انتهت معركة الفلّوجة، معركة خاسرة بلا ريب، انتهت معركة. ومعارك أخرى غيرها على صورتها ( صورة طبق الأصل ) في الانتظار ما دامت بيانات الحماس الديني والقومي تشعل أوارها، ومؤتمرات الأحزاب الحالمة تنفخ فيها بالكثير من غبائها التاريخي المجيد!. الإسلاموي(!) والقومي كلاهما نسي التاريخ خاصّة إذا ما كان تاريخ هزائم وعبر، مع أنّه تاريخ ليس بالبعيد، إنهم يفتنون في كلّ عام مرّة أو مرّتين ثمّ لا يتوبون ولا هم يذكّرون "(!!)، وهذه آية من سورة التوبة نزلت في المنافقين.(66/345)
وفي مقال له بعنوان: ( الاتصال والانفصال بين الديني والمدني ) الرياض: 13324، تفوح منه رائحة العلمنة، يذكر فيه إشكالية العلاقة بين الديني والمدني عنده هو، وعلى عادته في شتم خصومه وتنزيل الآيات التي في الكفار عليهم، يقول: " حلُّ الإشكال يتمّ من خلال الوعي بدرجة تعقيده، لا بتبسيطه أو تجاهله في سبيل الأدلجة الماكرة بأصحابها قبل أن تمكر بغيرهم، وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال " وهذه آية من سورة إبراهيم نزلت في المشركين !!!.
وفي مقال له بعنوان: ( المرأة من الأيديولوجيا إلى الإنسان ) الرياض: 13758، وعلى عادته قام بشتم السلفية، وعدّها ( الخصم الأيديولوجي الشرس ) للمرأة، ثمّ أنزل عليها آية نزلت في حقّ الكفار، يقول: " قبل استفحال الأيديولوجيا المتأسلمة ( ويعني بها الصحوة الإسلامية المباركة ) كانت المجتمعات على براءتها الأولى ( يعني الجهل والغفلة ) صحيح أنها كانت محكومة بأعراف وتقاليد تحدّ من حريّة الإنسان، وترسم له كثيراً من الخطوط التي قد لا يرضاها، لكنّها ـ على كلّ حال ـ كانت بريئة من الارتياب الذي يقود إلى التزمّت(!) وإلى خلق مسارات للمجتمع ما أنزل الله بها من سلطان [ ليته ذكر بعض هذه المسارات ] وليست إلا من اتباع الظنّ، والظنّ لا يغني عن الحقّ شيئاً "..
وهكذا يشبّه هذه الصحوة المباركة التي قامت برعاية علمائنا الكبار من أمثال الإمام عبد العزيز ابن باز والعلامة محمّد العثيمين وغيرهما من الأموات والأحياء؛ بحال المشركين الذين قال الله فيهم:{إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ الْمَلَائِكَةَ تَسْمِيَةَ الْأُنثَى * وَمَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً }[ النجم: 27، 28 ]، ألا يعدّ هذا ضرباً من ضروب التكفير، أو في أقل الأحوال: التضليل الذي ينهون عنه من أجل إقامة مجتمعهم المدني المزعوم؟!!!.
والعجيب أنّ أحدهم كتب مقالاً في الجريدة نفسها بعنوان: ( الشيخ السعدي وميتافيزقيا اللغة ) الرياض: 13058، اتهم فيه الشيخ العلامة المفسّر عبد الرحمن ابن ناصر السعديّ ـ رحمه الله ـ بإنزال الآيات الواردة في أذى المشركين والكفار للمؤمنين الصالحين، على قومه الذين ثاروا عليه وآذوه، وعدّ الكاتب ذلك معضلة، وأنّ الشيخ ـ رحمه الله ـ أخطأ طريق الإصلاح(!!!).. أمّا عنوان كتاب الشيخ السعديّ الذي انتقده هذا الكاتب النكرة فهو: ( الإيضاحات السلفية لبعض المنكرات والخرافات الوثنية المنتشرة في قضاء الظفير )، ويلاحظ من خلال هذا العنوان أنّ القوم الذين أنزل الشيخ السعدي عليهم الآيات ذوو خرافات وثنية، أي أنّهم أهل شرك وخرافة، ولو أنّ هذا الكاتب بدلاً من التنقيب في كتب الأئمّة الأعلام، واتّهامهم بما هم منه براء؛ نظر إلى كتابات زميله في الصحيفة الذي نقلتُ بعض مقالاته آنفاً، وهو يقوم في القرن الحادي والعشرين بتنزيل الآيات التي نزلت في الكفّار والمنافقين على المختلفين معه من أصحاب العقيدة السلفية؛ لو أنّه نظر إلى هذه الكتابات، لوجد فيها ضالّته التي أراد إنكارها، إن كان هذا هو مراده حقّاً، لكنّه عمي عن الجذع في عينه وعين زميله البذيء، وأبصر الذرة في عين غيره، بل أبصر الوهم، فيا لله العجب كيف يفكّر هؤلاء، وكيف يحكمون !!.
والأعجب من ذلك أنّ الكاتب الأوّل نفسه في مقال له بعنوان ( الوحدة الاستراتيجية في التحالف الإرهابي ) الرياض: 13856، اتّهم بعض علمائنا الأجلاء بأنّهم ينزلون الآيات التي نزلت في المنافقين على أناس يعترفون بأنّهم أبناء مجتمعنا(!!) ثمّ يقول: " نسمع ونقرأ مثل هذا، ثمّ نسأل من أين يأتي التكفير.."، وهو الذي ما فتىء في مقالات كثيرة ينزل الآيات التي نزلت في المشركين واليهود على هؤلاء العلماء الأجلاء وغيرهم من عامّة السلفيين، فالحمد لله الذي جعله يحكم على نفسه بأنّه تكفيريّ جلد، بل خارجيّ كما ذكر في مقال له بعنوان ( بيانات التطرّف وبيان الاعتدال ) الرياض: 13863، بأنّ هذه الصفة من صفات الخوارج المارقين، ولا شكّ بأنّ هذه الفئة الليبرالية الاعتزالية الضالّة، خارجة مارقة عن جماعة المسلمين في هذا البلد السلفي الأمين.
السمة التاسعة:
عدم قبول النصيحة، والسخرية من الناصحين، وبغضهم، والتشهير بهم
بل وصلت الوقاحة بأحدهم ـ وهو أشدّهم تطرّفاً ـ إلى التندّر بأشكالهم وخَلْقهم الذي هو خلق الله ـ عزّ وجلّ ـ!!(66/346)
ففي مقال له بعنوان: ( من صور التطرّف والاعتدال ) الرياض: 13282 ذكر فيه صورًا عدّة لمن ناصحوه، فسخر في إحداها من رجل فاضل حذّره من عميل الفكر الغربيّ طه حسين ( أعمى البصر والبصيرة ). وفي صورة أخرى سخر فيها من قريب له ناصحه(!) ـ وهو شيخ فاضل وأستاذ في العقيدة ـ بل أظهر الرحمة والشفقة عليه(!) لأنّه كما يقول: " ضحيّة ثلاثين عامًا من الاشتغال على الصراع العقديّ ". وهكذا يصبح المشتغل بتصحيح العقيدة، وكشف فرق الضلال ضحيّة، ولا أدري ضحيّة ماذا؟!! ثمّ واصل سخريته باتّهام شيخ العقيدة بالتكفير، وبذيء السباب، وهو الذي ما فتىء يسب ويشتم السلفية وأئمّة السلف في صحيفة سيّارة!!
ثمّ يواصل في الجزء الثاني من مقاله ( من صور التطرّف والاعتدال ) الرياض: 13289 السخرية من الناصحين فيذكر قصّته مع أستاذ العقيدة في جامعته الذي زاره في البيت لمناصحته، وأطال عنده الجلوس، وهو لم يقرأ كتاباته ـ الرواية من طرف واحد ـ، إلى أن قال: " ولولا رقّة في أخلاقه، وسماحة تندى بها ملامحه ( لم تكن سماحة، وإنّما كانت بلادة وبلهًا وخمولاً ) لطردته غير آبه.. "، بهذه البذاءة يصف علنًا من جاء يناصحه سرًا ويحذّره من كتاباته البذيئة، وأفكاره المنحرفة.
ولم يكتف بذلك، بل واصل سخريته واستهزاءه ذاكرًا أنّ اللقاء استمرّ ساعات طويلة، وصف ما تمّ فيها بأنّه " من الهراء الميّت الذي لا طعم ولا رائحة له، ولم يكن للكلام من دور فيها إلا تحسين العلاقات الثنائية بين الطرفين عاطفيّاً لا فكريًا..".
ثمّ يضيف ساخرًا ـ وما أقبحها من سخرية ـ: " وكنت في تلك الأثناء وأنا أنظر إليه، لا أستمع إليه، بقدر ما أتأمّل مقدار ما تحمله تلك العيون الخاملة، والأهداب الذابلة، والجفون المسترخية، من معاني الغباء والبلادة والخمول التي تكاد لكثافتها أن تمتدّ بعدواها إلى متأمّلها، بل والجماد حولها "!!!! فهل ثمّة بذاءة ووقاحة أعظم من هذه البذاءة والوقاحة، وفي صحيفة سيّارة؟ لا أظنّ.
ثمّ ختم هذه الصورة باتّهام هذا الأستاذ الناصح بالتكفير، وهي تهمة جاهزة لكلّ من أقدم على نصح هذا الكاتب، وتحذيره من مغبّة ما يكتب، ومن أمن العقوبة، أساء الأدب.
وفي مقال ساخر لأحدهم بعنوان ( حرّاس الله !! ) الوطن: 293، ـ والسخرية بادية من العنوان ـ سخر فيه من أحد مناصحيه، بعد أن نشر هذا الكاتب النصيحة على الملأ، ثمّ عقّب على هذه النصيحة قائلاً بسخرية سمجة سخيفة: " يا رب ليس لنا إلا أنت، نحتمي بك سبحانك من ( حرّاسك )..".
وعلى عادتهم في قلب الحقائق والتلبيس على الناس وإلقاء التهم جزافاً، فقد اتّهم مناصحه بالحكم على نواياه وما في قلبه قائلاً: " ولكنّ ( حرّاسك ) يؤذون قلوبنا حين يدّعون معرفة ما فيها، وكأنّهم أنت والعياذ بالله ممّا يصفون.. "، مع العلم بأنّ هذا الكاتب قد كتب عدّة مقالات تهجّم فيها على المحاكم الشرعيّة، وسخر فيها من الحجاب!! والناس ليس لهم إلا الظاهر، أمّا ما في القلوب فعلمه عند الله تعالى.
وفي مقال لأحدهم بعنوان: ( الفرق بين العادة والعبادة ) الرياض: 13883، سخر فيه من شابّ ناصحه، يقول هذا الكاتب: " بينما كنت أيمّم وجهي شطر باب المسجد هامًّا بالخروج منه بعد انقضاء إحدى الصلوات؛ اندفع إليّ شابّ حدث لا يكاد يتجاوز الثامنة عشرة من عمره، وبدأ في إبداء نصائحه لي تجاه ما يراه أخطاء وقعت بها أثناء قضاء ما فاتني من الصلاة، وهي في الحقيقة لم تكن أخطاء بقدر ما صوّرت له ذهنيته الآحاديّة أنّها كذلك..". وهكذا نجد أنّ التهم عند هؤلاء جاهزة لإلصاقها بالناصحين، فبدلاً من تقبّل النصيحة بصدر رحب، وشكر الناصحين عليها، نراهم يسخرون منهم علنًا في صحف سيّارة، ويرمونهم بالتهم الجائرة. وحتى لو كان هذا الناصح مخطئاً أو مستعجلاً، كان الواجب تشجيعه على هذه الروح الناصحة، المشفقة على الغير، وتعليمه الطريقة المثلى للنصح، بدلاً من السخرية به، وكيل التهم له، انتصارًا للنفس.
السمة العاشرة:
التناقض الصارخ فيما يأمرون به وينهون عنه
وهو نتاج طبعي للتخبط، واختلال المنهج، والبعد عن منهج الحقّ، فكلمّا كان المرء قريباً من منهج الحقّ؛ كان أقلّ تناقضاً في أقواله وأفعاله، والعكس صحيح: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً }[ النساء: 82].
ومن ذلك:(66/347)
1. أنّهم ينهون عن التضليل والتبديع والتفسيق، وهم يفعلون ذلك، فيبدّعون العلماء والدعاة وطلاب العلم الذين هم على منهج السلف، وقد كتب أحدهم مقالاً نشره في أحد مواقع الأنترنت المشبوهة، وتواطأت الصحف المحليّة على نشره، وكان عنوان المقال (الصحوية والصحويون!! ) الجزيرة: 12318، شكّك فيه بالصحوة الإسلامية المباركة، وضمّنه الكثير من المغالطات والافتراءات والتهم والنقولات المبتسرة، وفاحت منه رائحة العلمنة، خلص فيه إلى ما نصّه: " ممّا تقدّم يتّضح لنا بجلاء أنّ الصحوة هي التي فجّرت منابع الإرهاب، وأنّ أدلجة المذهب السنّي أدلجة سياسية محضة هي قلب الصحوة النابض، وأنّ فكرة التنظيم - الكهنوت هو الوسيلة، وهو أسّ البلاد، وأنّ استثمار قضايا المرأة السعوديّة هو استثمار سياسي بحت، وأنّ مذهب أهل السنّة والجماعة شيء، والصحوة في جوهرها وأهدافها شيء آخر ".
وهكذا بجرّة قلم يحكم الكاتب الصحفيّ(!) على قطاع كبير من مجتمعنا يمثّل الأغلبيّة من العلماء والدعاة والصالحين ومن يثق بهم من سائر أبناء مجتمعنا، وهم عامّة الناس، بل على مجموعات كبيرة في العالم أجمع تفتخر بانتمائها إلى هذه الصحوة ولله الحمد، يحكم عليهم بأنّهم ليسوا على مذهب أهل السنّة والجماعة، وإنّما هم شيء آخر، أي ضلاّل مبتدعة، ولعمر الله إنّ هذا لشيء عجيب، وقلب واضح للحقائق المبينة، فالذين ينافحون عن مذهب أهل السنّة والجماعة وسلف الأمّة أصبحوا اليوم ليسوا من أهل السنّة والجماعة، أمّا الذين يطعنون في مذهب أهل السّنّة والجماعة وسلف الأمّة كابن تيمية الذي قال عنه هذا الكاتب ـ كذباً وزوراً ـ إنّه يحرّم الكيمياء المعروفة اليوم(!) والذين يبالغون في الثناء على الغرب، فهم الهداة المهتدون، وهم أهل السنّة عند هذا الكاتب، فأيّ تناقض بعد هذا التناقض.
2.
البحث لما يكتمل.....
(1) صواب الآية: ( يا أيها الناس اتقوا ربّكم الذي خلقكم من نفس واحدة.. ) [ النساء: 1 ].
===============(66/348)
(66/349)
دافعْ عن رسول الله..!!
مشرف النافذة 14/5/1425
02/07/2004
التّنصير حركة سياسيّة استعماريّة بدأت بالظهور إثر فشل الحروب الصّليبيّة لنشر النّصرانيّة بين الأمم المختلفة في دول العالم الثالث بعامّة، وبين المسلمين بخاصة لإحكام السّيطرة على هذه الشعوب .
ويساعدهم في ذلك انتشار الفقر والجهل والمرض في معظم بلدان العالم الإسلاميّ، والنفوذ الغربيّ في كثير من بلدان المسلمين، وضعف بعض حكّام المسلمين الذين يسكتون عنهم أو ييسرون لهم السّبل رغبًا ورهبًا .
ويرى بابا الفاتيكان (بعد سقوط الشيوعيّة) أنّ من مصلحة الكنيسة ومصلحة رجال السياسة توجيهَ عموم الشعب المسيحيّ نحو خصم جديد تخيفه به وتجنّده ضده، والإسلام هو الذي يمكن أنْ يقوم بهذا الدور في المقام الأول.
ويقوم البابا بمغادرة مقره بمعدل أربع رِحلات دوليّة لكسب الصّراع مع الأيديولوجيّات العالميّة وعلى رأسها الإسلام ، وتوجد بلايين الدولارات تحت تصرّفه للإنفاق منها على إرسال المنصّرين، وإجراء البحوث، وعقد المؤتمرات، والتّخطيط لتنصير أبناء العالم الثالث،وتنظيم وتنفيذ ومتابعة النشاط التنصيريّ في كل أحاء العالم، وتقويم نتائجه أوّلا بأوّل .
والآن وبعد مرور قرون عديدة على بزوغ فجر الإسلام، تُنظّم حملة كبرى من الجمعيات التّنصيرية، حُشِد لها مليون منصّر بدعم من الفاتيكان للحدّ من انتشار الإسلام في العالم، وتشويه صورة الرّسول الكريم صلى الله عليه و وسلم، وللعودة بالبشريّة إلى المسيحيّة. ونشرت صحيفة (فليت إم زونتاج) الألمانيّة في 30 مايو الماضي تقريراً عن منظّمة رابطة الرّهبان لتنصير الشّعوب سلّطت فيه الضّوء على جهود المنظمة في نشر الدين المسيحيّ ومعتقداته حول العالم
ما موقفك من هذه الحركات التنصيريّة؟ وهل تعتقد بأنّ أحداث 11 سبتمبر هو ما جعل الفاتيكان يكشف عن وجهه في ذلك؟ أم أنّ أحداث العنف الحاصلة هي التي شجّعته على هذا العمل؟ وما هي - برأيك- الوسائل التي تقترحها للذبّ عن رسول الله، والدّفاع عنه، ونُصرته؟
==============(66/350)
(66/351)
الولاء والبراء بين العلم والحال في نازلة الزمان
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله - صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً - أما بعد:
فالمقصود من عنوان هذه المقالة: التفريق بين من يعلم حقيقة التوحيد ، ومقوماته ، وأنواعه ونواقضه مجرد علم نظري مع ضعف في تطبيقه والتحرك به ، وبين من يجمع مع العلم العمل والتطبيق ، وظهور آثار التوحيد في حاله وأعماله ومواقفه .
ويدخل هذا تحت ما سماه الإمام ابن القيم - رحمه الله تعالى - بالقوة العلمية والقوة العملية، حيث ذكر أن الناس مع هاتين القوتين أربعة أقسام :
01 فمن الناس من تكون له القوة العلمية الكاشفة عن الطريق ، ومنازلها، وأعلامها، وعوارضها ومعاثرها ، وتكون هذه القوة أغلب القوتين عليه ، ويكون ضعيفاً في القوة العملية ، يبصر الحقائق ، ولا يعمل بموجبها ، ويرى المتالف والمخاوف والمعاطب ولا يتوقاها ، فهو فقيه ما لم يحضر العمل ، فإذا حضر العمل شارك الجهال في التخلف ، وفارقهم في العلم ، وهذا هو الغالب على أكثر النفوس المشتغلة بالعلم ، والمعصوم من عصمه الله ولا قوة إلا بالله .
02 ومن الناس من تكون له القوة العملية الإرادية وتكون أغلب القوتين عليه ، وتقتضي هذه القوة السير ، والسلوك ، والزهد في الدنيا ، والرغبة في الآخرة ، والجِد ، والتشمير في العمل ، ويكون أعمى البصر عند ورود الشبهات في العقائد والانحرافات في الأعمال والأقوال والمقامات ، كما كان الأول ضعيف العقل عند ورود الشهوات ، فَداءُ هذا من جهله، وداء الأول من فساد إرادته وضعف عقله ، وهذا حال أكثر أرباب الفقر والتصوف السالكين على غير طريق العلم.
03ومن كانت له هاتان القوتان استقام له سيره إلى الله ، ورُجي له النفوذ ، وقوي على رد القواطع والموانع - بحول الله وقوته - ، فإن القواطع كثيرة شأنها شديد لا يخلص من حبائلها إلا الواحد بعد الواحد ، ولولا القواطع والآفات لكانت الطريق معمورة بالسالكين ، ولو شاء الله لأزالها وذهب بها ، ولكن الله يفعل ما يريد ، والوقت -كما قيل - سيف فإن قطعته وإلا قطعك .
04 فإذا كان السير ضعيفاً ، والهمة ضعيفة ، والعلم بالطريق ضعيفاً، والقواطع الخارجة والداخلة كثيرة شديدة ، فإنه جهد البلاء ، ودرك الشقاء ، وشماتة الأعداء ، إلا أن يتداركه الله برحمة منه من حيث لا يحتسب ، فيأخذ بيده ويخلصه من أيدي القواطع ، والله ولي التوفيق طريق الهجرتين ( 335، 336) طبعة الشؤون الدينية القطرية.
وقد زاد - رحمه الله تعالى - هذا المعنى وضوحاً عندما تحدث عن التوكل ، وحقيقته ، والفرق بين مجرد العلم به وبين التحرك به عملاً وحالاً ، حيث قال : " فكثير من الناس يعرف التوكُّل وحقيقته وتفاصيله ، فيظن أنه متوكل ، وليس من أهل التوكل ، فحال التوكل : أمر آخر من وراء العلم به ، وهذا كمعرفة المحبة والعلم بها وأسبابها ودواعيها ، وحال المحب العاشق وراء ذلك ، وكمعرفة علم الخوف ، وحال الخائف وراء ذلك ، وهو شبيه بمعرفة المريضِ ماهيةَ الصحة وحقيقَتها وحاله بخلافها .
فهذا الباب يكثر اشتباه الدعاوى فيه بالحقائق ، والعوارض بالمطالب ، والآفات القاطعة بالأسباب الموصلة ، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم " مدارج السالكين 2/125ا.هـ .
وحري بهذا الكلام أن تعقد عليه الخناصر، وتعض به النواجذ ، وأن يهتم به المربُّون مع أنفسهم ومن تحت أيديهم ، فلقد كان من مضى من العلماء الصالحين الربانيين يخافون على أنفسهم من الضعف العملي ، أو ضعف الحال مقابل ما عندهم من العلم الكثير ، وكانوا لا يركنون إلى شهرتهم العلمية ، بل كانوا يكرهون أن يتضخم علمهم ويشتهروا به بين الناس وليس في قلوبهم وأحوالهم ما يكافئ ذلك من الأعمال الصالحة ، والأحوال الشريفة ، والتي هي مقتضى الفهم والعلم .(66/352)
ولنا أن نتساءل ونفكر ، أيهما أسعد حالاً ومنزلة عند الله - عز وجل - رجل أوتي من العلم ما يتمكن به من حشد النصوص الدالة على فضل قيام الليل والأسباب المعينة على ذلك ثم هو لا يقوم الليل ، وآخر لا يعلم من ذلك إلا أن قيام الليل مستحب وأجره عظيم فاجتهدَ ليلة بين يدي ربه - تعالى - ساجداً وقائماً ، يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه ؟ فالمرء لا يكون قائماً الليل بمجرد علمه بفضل ذلك وأحكامه ، ولا يكون ورعاً بمجرد علمه بالورع، ولا يكون صابراً بمجرد علمه بالصبر وتعريفاته وأنواعه ، ولا يكون متوكلاً بمجرد علمه بالتوكل وأقسامه ، وفرق بين علم الحب وحال الحب ، فكثيراً ما يشتبه على العبد علم الشيء بحاله ووجوده ، وفرق بين المريض العارف بالصحة والاعتدال ، وهو مثخن مريض، وبين الصحيح السليم ، وإن لم يحسن وصف الصحة والعبارة عنها ، وكذلك فرق بين وصف الخوف والعلم به وبين حاله ووجوده ، وإياك أن تظن أن مجرد العلم بهذا الشأن قد صرت من أهله هيهات، مما أظهر الفرق بين العلم بوجوده الغني وهو فقير وبين الغني بالفعل انظر زاد المهاجر ص26 ، طريق الهجرتين ص 196 بتصرف .
وبعد هذه المقدمة التوضيحية لمصطلح العلم والحال أدخل في صلب الموضوع الذي بات يؤرق كل مسلم صادق ، ويشغل بال كل موحِّد لله - عز وجل - ، وذلك في هذه الأيام العصيبة التي نزلت فيها بأمة الإسلام ، نازلة عظيمة ، وداهية دهياء أجمعت فيها أمم الكفر وتحالفت فيما بينها تحالفاً لم يسبق له نظير في التاريخ ، فإن أقصى ما كنا نسمعه من تحالف على المسلمين فيما مضى من تاريخهم أن يتحالف النصارى مع بعضهم أو الوثنيون مع بعضهم، أما في نازلة اليوم فلقد تحالفت النصارى بشتى طوائفهم مع اليهود والعلمانيين والوثنيين والبوذيين والشيوعيين الملاحدة ، وكلهم يريد شفاء غيظه من الإسلام والمسلمين ، ووجهوا جيوشهم، وأساطيلهم، وطائراتهم، وأسلحتهم المتطورة إلى دولة أفغانستان المسلمة ، وكل ذنبها أنها تحكم بالإسلام وترفض التبعية لشرق أو لغرب، وتعلن ولاءها لله - عز وجل - ولدينه وللمسلمين ، كما تعلن براءتها من الكفر والكافرين ، وإن مما يقض المجتمع ويثير الأشجان أن يغيب كثير من دعاة المسلمين وعلمائهم عن هذا الحدث الذي تمتحن فيه العقيدة وبخاصة الأصل الأصيل لكلمة التوحيد ألا وهو " الولاء والبراء ، والذي هو واضح في هذا الصراع غاية الوضوح وجلي أشد الجلاء . وأن المسلم ليحتار ويتساءل : أين ما كنا نتعلمه من ديننا وعقيدتنا من كلمة التوحيد إنما تقوم على الولاء والبراء ، الولاء لله - عز وجل - وعبادته وحده ومحبة ما يحبه ومن يحبه والبراء من الشرك وأهله ومن كل ما يبغضه - سبحانه - ومن يبغضه ، وإعلان العداوة ، له وهذه هي وصية الله - تعالى - لهذه الأمة " قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برءاؤا منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبداً حتى تؤمنوا بالله وحده" [ الممتحنة : 4]. إي والله إنه لسؤال محير : أين دروس المساجد ؟ وأين محاضرات أهل العلم ، وأشرطتهم المسجلة، وبيانهم للناس فيها عقيدة التوحيد القائمة على الولاء والبراء ؟ أين الاعتزاز بدعوة المجدد الشيخ محمد بن عبد الوهاب وأئمة الدعوة من بعده ، والذين كان جل كلاهم ورسائلهم في شرح هذه العقيدة ولوازمها والتحذير مما يخالفها وينقضها ؟ أين نحن ، وأين علماؤنا من بيان هذا الحق الأصيل للناس ؟! أين هم عن ذلك والأمة تمر في ساعات عصيبة تحتاج مَنْ يبعث فيها عقيدة الولاء والبراء ، وبناء المواقف في ضوئها ؟(66/353)
وهنا أعود إلى عنوان هذه المقالة بعد أن تبين لنا معناها ، وأقول : إن هناك فرق بين تناول التوحيد كعلم مجرد وبين أخذه علماً وحالاً وسلوكاً ، إن المواقف المتخاذلة اليوم أمام أمريكا الكافرة وحلفائها ، وعدم الصدع والجهر بعداوتها والبراءة منها ومن يتولاها لهو أكبر دليل على أن التوحيد عند الكثير منا بقي في حدود العلم المجرد ، أما أخذه علماً وحالاً وعملاً فإنه - ويا للأسف - أصبح مغيباً عن الأمة ، ومغيباً عن المواقف والممارسات . إن هذا الدين يرفض اختزال المعارف الباردة في الأذهان المجردة . إن العلم في هذا الدين يقتضي العمل ، ويتحول في قلب المسلم إلى حركة وأحوال ومواقف ، إذ لا قيمة للمعرفة المجردة التي لا تتحول لتوِّها إلى حركة ومواقف . نعم ، لا قيمة للدراسات الإسلامية في شتى مناهجها ومعاهدها ، ولا قيمة لاكتظاظ الأدمغة بمضمونات هذه المعارف إن لم يصحبها عمل ومواقف . إن العلم المجرد حجة على صاحبه إذا لم يقتضِ عنده العمل . إن العلم بالدين لابد أن يزاول في الحياة ، ويطبق في المجتمع ، ويعيش في الواقع ، وإلا فما قيمة الدروس المكثفة عن الولاء والبراء وأنواعه ، وما يضاده من الشرك وما ينقضه من النواقض ، ثم لما جاءت المواقف التي نحتاج فيها إلى تطبيق ما تعلمناه من مشائخنا فإذا بالسكوت ، بل والتشنيع على من ترجم ما تعلمه إلى سلوك وحال مع أعداء الله - عز وجل - فأعلن براءته وصرَّح بما تعلمه من علمائه ومشائخه من أن تولي الكفار ومناصرتهم على المسلمين رِدَّة وناقض من نواقض الإسلام . إن شأن التوحيد شأن عظيم من أجله أرسلت الرسل وأنزلت الكتب ، وقام سوق الجهاد وسوق الجنة والنار ، ومن أجل الولاء والبراء - الذي هو أس التوحيد وركنه الركين - هاجر المسلمون السابقون الأولون من ديارهم ، وضحّوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله ، وفاصلوا آباءهم وأبناءهم وإخوانهم وعشائرهم الذين ليسوا على دينهم متمثلين في ذلك قوله تعالى : "يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا آباءكم وإخوانكم أولياء إن استحبوا الكفر على الإيمان ومن يتولهم منكم فأولئك هم الظالمون ، قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين" [ التوبة :23-24].
إذن ، فمسألة الولاء والبراء ليست مسألة ذهنية نظرية تدرس لمجرد الدراسة والثقافة ، ولكنها مسألة خطيرة متى ما استقرت في قلب المؤمن الصادق فإنها تجعل منه رجل عقيدة باطناً وظاهراً قلباً وقالباً يتحرك بعقيدته يوالي من يواليها ، ويعادي من يعاديها ، ويهاجر ويجاهد في سبيل الله من أجلها ؛ إنه لا قيمة للمعرفة التي لا تتحول إلى عمل وحركة ومواقف ، ولا قيمة للدراسات الإسلامية والبحوث العقدية ، واكتظاظ أرفف المكتبات والأدمغة بها إن لم تزاول هذه العلوم والدراسات في الحياة ، وتطبق في المجتمعات ، وتحدد في ضوئها العلاقات، وتتمثل في حركة و مواقف يواجه بها الباطل وأهله .
والمقصود : بيان أن شأن الولاء والبراء شأن عظيم ، وأنه ليس علماً مجرداً ، بل يجمع إلى ذلك المقصود عمل القلب وبراءته من الشرك وأهله ، وإعلان ذلك ، وإظهاره باللسان ، وترجمة ذلك إلى عمل وجهاد وسلوك . أما أن يبقى رهين الكتب والأدمغة فإن هذا مما لا يتفق مع طبيعة هذا الدين الذي هو جد كله ؛ لأنه قول القلب وعمله ، وقول اللسان وعمل الجوارح، ولما كانت عقيدة الولاء والبراء هي صلب كلمة التوحيد ، وأنها تستلزم أقوالاً وأعمالاً ومواقف وبذلاً وتضحيات اهتم بها السلف اهتماماً عظيماً ، وعلموها لأولادهم ، وتواصوا بها ، وهاجروا ، وجاهدوا من أجلها ، وعادوا، ووالوا على أساسها . يقول الإمام محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله تعالى- : "فاللهَ اللهَ إخواني : تمسّكوا بأصل دينكم أوله وآخره أسّهِ ورأسه، وهو شهادة أن لا إله إلا الله ، واعرفوا معناها وأَحِبّوا أهلها ، واجعلوهم إخوانكم ، ولو كانوا بعيدين ، واكفروا بالطواغيت ، عادوهم ، وأبغضوا من أحبهم أو جادل عنهم أو لم يكفرهم ، أو قال : ما عليّ منهم ، أو قال ما كلفني الله بهم ، فقد كذب على الله وافترى، بل كلفه الله بهم وفرض عليه الكفر بهم ، والبراءة منهم ولو كانوا إخوانه وأولاده ، فالله الله تمسكوا بأصل دينكم لعلكم تلقون ربكم لا تشركون به شيئاً" الدرر السنية 2/119.(66/354)
وقال في موطن آخر : "إن الواجب على الرجل أن يعلم عياله وأهل بيته الحب في الله والبغض في الله ، والموالاة في الله ، والمعادات فيه قبل تعليم الوضوء والصلاة ؛ لأنه لا صحة لإسلام المرء إلا بصحة صلاته ولا صحة لإسلامه - أيضاً - إلا بصحة الموالاة والمعادات في الله" الرسائل الشخصية ص 323. ولما تواجه المسلمون في تاريخهم الطويل مع أعدائهم الكافرين بشتى مللهم برز دور العلماء في وقتهم ، وهم يحرِّضون على نصرة المسلمين وإعانتهم على الكافرين ويحذرون من تولي الكافرين ، ومناصرتهم بأي نوع من أنواع النصرة ، ويفتون بأن من ظَاهَر الكافرين على المسلمين فهو مرتد خارج عن ملة الإسلام . فهذا الإمام أحمد - رحمه الله تعالى - قال عن بابك الخرّمي عندما خرج على المسلمين وحاربهم وهو بأرض المشركين : " خرج إلينا يحاربنا وهو مقيم بأرض الشرك ، أيّ شيء حكمه ؟ إن كان هكذا فحكمه حكم الارتداد" ( الفروع 6/163).
وعندما هجم التتار على أراضي الإسلام في بلاد الشام وغيرها أفتى شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى - برِدِّة من قفز إلى معسكر التتار من بعض المنتسبين إلى الإسلام ( الفتاوى 28/530) .
وعندما هجمت جيوش المشركين على أراضي نجد لقتال أهل التوحيد ، وأعانهم بعض المنتسبين إلى الإسلام ، وذلك بين عامي 1223 - 1226 أفتى علماء نجد بردة من أعانهم ، وألف الشيخ سليمان بن عبد الله آل الشيخ كتاب (الدلائل) في إثبات كفر هؤلاء .
وفي أوائل القرن الرابع عشر أعانت بعض قبائل الجزائر الفرنسيين ضد المسلمين ، فأفتى فقيه المغرب أبو الحسن التسولي بكفرهم. (أجوبة التسولي على مسائل الأمير عبد القادر الجزائري ص 210) .
وفي منتصف القرن الرابع عشر اعتدى الفرنسيون والبريطانيون على المسلمين في مصر وغيرها فأفتى الشيخ أحمد شاكر بكفر من أعان هؤلاء بأي إعانة (كلمة حق : ص 126 وما بعدها ) وعندما استولى اليهود على فلسطين في منتصف القرن الرابع عشر الهجري، وأعانهم بعض المنتسبين إلى الإسلام أفتت لجنة الفتوى بالأزهر برئاسة الشيخ عبد المجيد سليم عام 1366هـ بكفر من أعانهم ، وفي عصرنا الحاضر ، وعندما نزلت نازلة الزمان اليوم ، وتحالفت قوى الكفر على حرب دولة أفغانستان المسلمة بقيادة طاغوت العصر أمريكا ، ومن حالفها من النصارى والشيوعيين والوثنيين والمنتسبين إلى الإسلام من الزنادقة والمنافقين لم تعدم الأمة من قائل للحق وصادع به من علمائها الربانيين في بلاد الإسلام عرضاً وطولاً" حيث أفتوا جميعهم بأن من أعان أمريكا وحلفاءها من الكفرة والمنافقين على حرب أفغانستان المسلمة فإنه بذلك يخرج من دائرة الإسلام ويحكم بردته ، ودعموا فتاويهم بالأدلة من الكتاب والسنة وأقوال السلف في تفسير بعض الآيات التي تنهى عن تولي الكافرين كما في قوله تعالى "يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولَّهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين" [ المائدة : 51] ومن هؤلاء العلماء علماء المغرب ، ومفتي باكستان ( نظام الدين شامزي ) وعلماء اليمن وغيرهم من علماء البلدان الإسلامية، ومن بلاد الحرمين الشيخ حمود العقلا ، والشيخ عبد الرحمن بن ناصر البراك ، والشيخ عبد الله بن محمد الغنيمان، والشيخ سلمان العودة ، والشيخ سفر الحوالي ، وغيرهم من العلماء وطلبة العلم - حفظ الله الجميع ورعاهم - .
وفي الوقت الذي فرحنا فيه بهذه الفتاوى التي صدعت بالحق وقالته في وقته الذي يجب أن يقال فيه فإنه في الوقت نفسه قد أحزننا غياب بعض العلماء عن هذه النازلة التي تنتظر فيها الأمة قول علمائها والصدع بالحق فيها ، مع أن هذه النازلة من الوضوح بحيث لا يرد على العالم فيها لبس ولا شبهة حتى يقال : إن هناك تردد وتوقف يبرر به السكوت والإحجام ، ويزداد الحزن والألم حينما نسمع من بعض العلماء أو طلبة العلم ، من يتأول بعض النصوص وينزلها في غير مكانها من دون تخريج ، ولا تنقيح ، ولا تحقيق لمناطاتها ، حيث آل به الأمر إلى فتوى خطيرة مفادها: أن أمريكا الكافرة وحلفاءها ؛ إنما جاءوا لإقامة العدل ومحاربة الإرهاب والظلم فيجوز مساعدتها على ذلك .. !!! سبحانك هذا بهتان عظيم . ومتى عرفت أمريكا العدل وتاريخها كله ظلم وعدوان ، وهل جاءت لإقامة العدل أم لتعلنها حرباً صليبية على لسان شيطانها الأكبر ( بوش ) .
إننا ننصح علماءنا هؤلاء بأن يُتابعوا الأخبار ليطلعوا على الأطفال والنساء والشيوخ المسلمين الذين مزقت أجسادهم صواريخ كروز والقنابل الانشطارية ، ثم يقوموا لله ويسألوا أنفسهم هل هذا هو العدل الذي جاءت أمريكا لإقامته ، وهل هؤلاء الأبرياء هم الإرهابيون الذين زعمت أمريكا أنها تحاربهم ؟ يا علماءنا هؤلاء اتقوا الله في أنفسكم ، فلا تظلموها وتعرضوها لسخط الله - تعالى- فإن هذا الموقف منكم له ما بعده في الدنيا والآخرة وستكتب شهادتكم وتسألون . واتقوا الله في أمتكم ، فلا تكتموا عنها الحق ولا تلبسوا الحق بالباطل وأنتم تعلمون أولا تعلمون .(66/355)
ويا ليتكم سكتم إذ لم تقدروا على قول الحق فهو أخف أثماً من قول الباطل . وإننا نناشدكم ونقول : ارحموا شباب الصحوة ، وأشفِقوا عليهم من المواقف المخذلة والفتاوى المتسرعة ، فإن الشباب المسلم إن لم يجدوا فيكم من يلتفُّوا عليه ، ويسمعهم الحق ويصدع به فإنهم سيذهبون إلى بعضهم ويجتهدون لأنفسهم ؛ مما قد يكون فيه فتنة وفساد. وحينئذٍ ستلومونهم وتشنِّعون عليهم، مع أنكم من بين الأسباب التي قد تدفعهم إلى التسرع وعدم الانضباط؛ وذلك بعدم إسماعهم ما يجب عليكم قوله في هذه النازلة العظيمة ، أو إسماعكم لهم أقوالاً غريبة تجرح شعور كل مسلم يحب المؤمنين ، ويعادي الكافرين .
وأخيراً ، أقول لكل عالم لم يصدع بكلمة الحق في هذه النازلة ، ولكل مسلم متردد تحت تأثير ما يسمع من الشبهات ، أقول : إن ما يحصل على أرض أفغانستان المسلمة من الوضوح والجلاء ، بحيث لا يدع عذراً لعالم أن يسكت عن قول الحق ، فضلاً عن أن يخذل أو يعوق، ولا يدع مجالاً لمتردد أن يتردد .
إن ما يحصل هناك إنما هو حرب صليبية على الإسلام والمسلمين ، حرب تميز الناس فيها إلى فئتين متقابلتين : فئة مسلمة تحكم بالإسلام في أفغانستان ، ولا ترضى بغيره بديلاً ، وفئة أخرى كافرة تقودها أمريكا الكافرة الصليبية مع أحلافها من النصارى واليهود والشيوعيين والبوذيين والمنافقين ، فمع أي الفئتين يضع المسلم نفسه ، وفي أيِّ الخندقين يجب أن يكون ، أفي خندق الكفر الحاقد على الإسلام وأهله أم في خندق الإسلام وأهله ؟ أفي ذلك غموض واشتباه ؟ إنه والله لا غموض فيه ولا لبس . وإن الأمر جِدُّ خطير ، وامتحان للتوحيد في قلب المؤمن القائم على عبادة الله وحده والكفر بما سواه والموالاة والمعاداة فيه .
وأخيراً : أطرح سؤالاً صريحاً لكل مخذل أو متردد ألا وهو : ما تقولون في جهاد الأفغان ضد الروس في العقود الماضية ؟ وأجزم بأن الجواب عندهم : إنه جهاد إسلامي بين المجاهدين المسلمين ، وبين الروس الكفرة الملحدين ، ولا أظن عندهم جواباً غيره لأن علماء بلد الحرمين قد أفتوا بذلك وحرضوا على الجهاد بالمال والنفس آنذاك ومنهم الشيخ ابن باز - رحمه الله تعالى- وحينئذٍ نقول : فما الذي تغير في هذه الحرب الجديدة بين الأفغان وأمريكا الكافرة . إنه لم يتغير إلا وجه الكافر ، بل إن الكافر الروسي الذي حاربه المسلمون في الحرب الأولى هو الآن متحالف مع أمريكا وحلفائها في ضرب المسلمين في أفغانستان ، فلماذا تغيرت المواقف ؟ إن الواجب بالأمس هو الواجب اليوم ، هذا إن كنا ننطلق من عقيدة الولاء والبراء التي لا تتغير بتغير وجوه الكافرين . أما إن كنا ننطلق من الألاعيب السياسية وأهواء الحكام وتلبيس الإعلام فلنراجع إيماننا ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .
================(66/356)
(66/357)
رمضان وأحوال الأمة
الحمد لله ذي المن والعطاء المتفرد بالعزة والكبرياء ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له يحكم ما يريد ويفعل ما يشاء ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صفوة الخلق وسيد الأنبياء صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وعلى من اتبع الهدى ولبى هذا النداء يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغدٍ أما بعد :
لقاء يتجدد كل عام، تحفه الخيرات والمكارم والإنعام ، في كل مجتمع كان اللقاء بين الزائر والمزور 0
أما المزور فكل مسلم رضي بالله رباً وبالإسلام ديناً وبخير الأنام صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً ، وكل مؤمن يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً ، أما الزائر فضيف عزيز كريم يحل علينا كل عام يحمل معه المكارم والبشائر، ويفيض على الأمة من سحائب الجود الإلهي والكرم الرباني.
يحل علينا كل عام فتستقبله الأمة بالوجوه الباسمة والنفوس السامية والهمم العالية 0
لكنه في هذا العام قد زارنا ونعم الزائر هو فاستقبلته الوجوه البائسة والقلوب اليائسة والهمم الباردة .
خاطب الضيف العزيز مُضيفَه فتكلم وافد المسلمين قائلاً :
مرحباً أهلاً وسهلاً بالصيام يا حبيباً زارنا في كل عام
عذركم يا شهرنا عما ترى إن أرض المسلمين اليوم تضام
أيها الشهر المعظم : عذراً فنحن والله نعرف أفضالك وندرك جلالك ونستشعر نفحاتك ونستسقي من بركاتك 0
عذراً أيها الشهر المعظم : قد حللت علينا هذا العام ونحن نصارع طوفاناً من الفتن هائجاً وموجاً من الهموم عاتياً 0
تحل علينا هذا العام وأمة الإسلام قد رمتها أمم الكفر عن قوس واحدة ، وتكالب عليها الأعداء يهوديهم ونصرانيهم ، شيوعيهم وهندوسيهم ، بوذيهم ورافضيهم ، منافقهم وعلمانيهم ، وأمة الإسلام ما بين مظلوم تداس كرامته ويُهَجّرُ من بلده ويحال بينه وبين شريعة ربه ، وما بين متخاذل خذل إخوانه في موقفٍ أهينت فيه كرامتهم وانتقص فيه عرضهم ، وما بين ضعيف لا يملك حولاً ولا طولاً ولا قوة 0
يا شهر الله المعظم : نحن المسلمين قد أوذينا في ديننا وعقيدتنا ومادتنا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا 0
يا شهر الله المعظم : تحل علينا هذا العام وقد أطلّت الفتن بأعناقها وأصبح الحليم حيران ، تذبذب في الآراء والمواقف ، نكوص على الأعقاب ، انهزامية نفسية ، تناقض في الأحكام والفتاوى ، فأصبحت الأمة تعيش فراغاً تبحث فيه عن مرجعية موثوقة ولمّا تجد 0
يا أيها الشهر المعظم : عذراً على الجفاء وضعف الاحتفاء ، فأنت تحل علينا ضيفاً عزيزاً في زمنٍ ظهرت فيه خفافيش الظلام وهم المنافقون الذين يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف ، وبرز فيه أصحاب الشهوات الذين يريدون أن تميل الأمة ميلاً عظيماً ، ظهروا في زمنٍ انشغلت فيه الأمة بمصائبها ، وهكذا هم لا يظهرون إلا في الأزمات ، يظهرون ليبثوا سمومهم ، ولينشروا أفكارهم العفنة ودعواتهم المنحرفة والتي تهدف إلى إفساد أخلاق المجتمع ونبذ الأحكام الشرعية التي تكفل قيام مجتمع محافظ تسود فيه الفضيلة ، لقد استغلوا انشغال الأمة رعاة ورعية بالأحداث الجارية فبدأوا في بث سمومهم فسمعنا عن دعواتهم لإصدار بطاقات للمرأة تحمل صورتها بل قد فعلوا ، وقرأنا عن دعواتهم لتغيير المناهج لأنها بزعمهم الكاذب تخلق جيلاً يحمل مبادئ الإرهاب والتطرف ، وتغذي روح العدوانية ، ونسوا بل تناسوا أن المناهج الإسلامية التعليمية في بلدنا هي السبب بعد الله في ترابط المجتمع وتربية أفراده على الانتماء للدين والأمة ، وأنها هي التي تربي الناشئة على طاعة الله وطاعة رسوله والسمع والطاعة لمن ولاهم الله أمر الأمة ، وأنها هي التي تصنع جيلاً مسلماً معتزاً بدينه مفتخراً بانتمائه إلى بلد المقدسات ، جيلاً قادراً على الدفاع عن بلده وأمته إذا اشتدت الأزمات ، أما المناهج التي يريدها المنافقون فمناهج تغذي في الناشئة روح الولاء لأعداء الله ، وتُضَعِف جانب التميز والشعور بالعزة الإسلامية ، مناهج تربي الشباب على الميوعة في المبادئ والأفكار فينشأ جيلٌ ضعيف الانتماء لدينه ووطنه 0
يا أيها الشهر المعظم : معذرة على هذا الجفاء فنحن نستقبلك والأمة تعيش أحداثاً أبرزت الحقائق وأظهرت الخلل في عقيدة الولاء والبراء عند المسلمين ، فأصبحنا نسمع من يدعو لنصرة الكفار ، ونقرأ لكتاب يسخرون من حَمَلَةِ الإسلام والمنتسبين إليه ، وأصبحنا نسمع من يدعو الله أن يرفع عن الكفار الجمرة الخبيثة ، وآخر يفر من المساجد التي يقنت فيها للمسلمين ، وصدق الله (( مَّا كَانَ اللّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىَ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ )) (آل عمران :179) .
يا شهر الله المعظم : نحن نستقبلك وأمة الإسلام تعيش حرباً ظالمة يقتل فيها الأبرياء ، وتهدم البيوت ، وتسفك فيها دماء الضعفاء من الأطفال والشيوخ والعجائز والنساء ، حرب صليبية نحت غطاء محاربة الإرهاب ، وتحت هذا الغطاء يجر المسلمون إلى استعداء إخوانهم وزرع بذور الحقد والغل بين المسلمين.(66/358)
يا أيها الشهر الذي زارنا : تحل علينا هذا العام وقد حصحص الحق واتضحت الحقائق وانكشف المغطى ، وبرزت فيه نتائج الحرب الصليبية التي يسمونها الحرب ضد الإرهاب ، لقد تبين أخيراً أن الإرهاب الذي يُحَارب هو إعفاء اللحى وارتداء الحجاب والترفع عن الغناء والموسيقى ، وأن الإرهاب هو التوحيد الخالص وهدم المظاهر الشرعية 0
لقد نجحت الحملة الصليبية لمكافحة الإرهاب فحلق الناس لحاهم ، وتسابقت النساء لنزع الحجاب ، وفُتحت المزارات والأضرحة لزوارها ، وصدحت في وسائل الإعلام أصوات الموسيقى والغناء ، وصدق الله (( وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ)) ( البقرة : 217 ) .
آلا ليت الحالقين للحى ، ويا ليت المتبرجات من النساء ، ويا ليت السامعين للغناء ، يا ليت هؤلاء يدركون أنهم بأفعالهم تلك يحققون أهداف الحملة الصليبية على الإسلام من حيث لا يشعرون ، ويا أيها الرجال المتجملون باللحى ، ويا أيتها النساء المحتشمات ، ويا أهل الصلاح والاستقامة هنيئاً لكم وصف الإرهاب بمفهومه الغربي الكفري ، هنيئاً لكم عداوة الكفار لكم وعداوتكم للكفار .
أيها الشهر المعظم : حللت علينا واليهود والنصارى عبر وسائل إعلامهم الفاسدة المفسدة تشن حرباً إعلامية جائرة على بلادنا واصفة إياها بتبني الإرهاب والإفساد ، ولعمر الله إنها تعلم أن بلادنا لم تتعد على أحد ولا ترضى أن يعتدى على أحد ، لكنهم يعنون بالإرهاب أننا دولة تحكم بالإسلام وتقيم شعائره وتعلم مبادئه وتنشر تعاليمه في العالم عبر المراكز الإسلامية والجمعيات الخيرية ، وهذا يؤكد الحقيقة القرآنية ((وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ )) (البقرة:120) .
وإذا كان هذا إرهاباً فليشهد العالم أننا إرهابيون وأننا متطرفون وأننا مستعدون لتحمل تبعات هذا الإرهاب وتكاليفه 0
يا أيها الشهر الكريم : لقد استعدت لك الأمة وتهيأت لاستقبالك ، فالإعلانات التجارية والزحام في الأسواق ينبئك عن حال فئة من الناس لا ترى فيك إلا موسماً لملء البطون والتنافس في كثرة الصحون ، ووسائل الإعلام جعلت منك موسماً للهو والترفيه غير البريء عبر الفوازير والمسلسلات الساقطة مما طاش به عقل الحليم وما طاش إلا لما فيه من السفه والسقوط الوخيم 0
أما النساء فيرين فيك فرصةً للهروب إلى الأسواق والتجول فيها إلى قرب السحر حيث يوءد الحياء ، وتقتل المروءة والشهامة ، وحيث ينصب الشيطان رايته ، والشباب قد تهيؤا لك بتجهيز الاستراحات وتهيئة الملاعب 0
هؤلاء هم الناس الذين يستقبلونك فعذراً أيها الشهر المبارك 0
يا ضيفنا يا شهر الله المعظم : حينما تحل علينا يفد إلى المساجد أناس تعرف منهم وتنكر ما هم بجنٍ ولا ملائكة ، كل ما نعرفه عنهم أنهم مسلمون ، ويسمعون نداء الله يجلجل في بيوتهم طوال العام لكنهم لا يعرفون طريقاً إلى بيت الله إلا حينما تحل علينا ، وحتى حينما تحل علينا فهم يكثرون عند المغرب والفجر ، وينامون عن الصلاة في الظهر والعصر ، فبئس القوم لا يعرفون الله إلا في رمضان 0
يا شهرنا المعظم : هذه بعض حالنا ، وهذا خبر ما عندنا ، وهذا هو عذرنا حينما استقبلناك بالفتور وضعف العزيمة ، فيا ترى ما خبر ما عندكم ؟ 0
قال الضيف العزيز : أما خبر ما عندنا فسوف أنبئك به بعد أن تستريح وتُريح قليلاً ، وبعد أن تستغفروا ربكم كثيراً ، فأستغفر الله لي ولكم إنه هو الغفور الودود .
الخطبة الثانية
أما بعد :
فبعد أن قال وافد المسلمين قوله ووصف حالهم وحاله أجاب الزائر الكريم شهرُ رمضان المعظم بلسان الحال فقال : قد استمعت يا وافد المسلمين إلى مقالك وتألمت لحالك ، وآلمني أن تكونوا آيسين قنطين ، ولا يقنط من رحمة ربه إلا الضالون .
لِمَ اليأس ووعد الله لن يخلف ، وكلمته لا تتبدل ، وسنته في الأمم لا تتغير ((وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ)) (الروم:47) .
إن أوذيتم في دينكم وعقيدتكم فعسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون 0
وإن تسلط المنافقون فأظهروا كيدهم ومكرهم وتبين مسارعتُهم خلف العدو فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين .
ثم إنه لا تصيب الأمة مصيبة إلا بما كسبت أيديهم ، وكيد المنافقين لا يواجه بالتشاكي ولا بالتباكي ، وإنما الحل بأيديكم أنتم أيها المسلمون .
إن كيد المنافقين يُواجه باستنكاره، والرفع إلى من بيده أمر الأمة فإن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن .
كيد المنافقين يُواجه بزرع بذور الإيمان في الأسرة ، وتربية النساء والناشئة على رفض كل ما يخدش بالحياء أو يجرح الكرامة أو يخالف أمراً شرعياً ، وتربيتهم على الاعتزاز بالدين والحشمة والحياء .
كيد المنافقين يُواجه بتكثيف الدعوة والإصلاح في الناس ، وبث الخير، وإيصال كلمة الحق إلى كل بيتٍ وكل فردٍ في المجتمع 0(66/359)
أما أن ينشغل المصلحون فيما بينهم بنقاشات وردود ، وانتصار للنفس فذاك مما يفتح الثغرات للمنافقين ، ويُضعف أثر الصالحين ، وما نجح منافق إلا بقد ما قصر مصلح .
أما ما ذكرت من كيد الأعداء وحربهم على المسلمين وقلبهم للحقائق وتلاعبهم بالمصطلحات فذاك أمرٌ قد علمناه في كتاب ربنا وقد نبأكم الله من أخبارهم ((وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ عَضُّواْ عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ)) (آل عمران:119) .
أما ما تشكوه من حال فئة من الناس لا يرون فيّ إلا فرصة للمآكل والمشارب والملاهي والملاعب فتلكم حال أهل الهمم الضعيفة الذين لا يرون في الحياة إلا أنها لهوٌ ولعبٌ وزينة وتفاخر ، ونسوا أنه في الآخرة عذابٌ شديدٌ ومغفرةٌ من الله ورضوان .
لكنني أذكرك أنه في الأمة عباداً فطناً طلقوا الدنيا وخافوا الفتنا ، جربوا الدنيا فلما عرفوا أنها ليست لحيٍ سكناً ، جعلوها لجة واتخذوا صالح الأعمال فيها سفنا.
فكما أن في الناس من يريد الدنيا فمنهم من يريد الآخرة ، تراهم ركعاً سجداً يبتغون فضلاً من الله ورضواناً سيماهم في وجوههم من أثر السجود ، تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفاً وطمعاً ومما رزقهم الله ينفقون ، فهؤلاء وأولئك سيلقى كل منهم ما عمل ، فمن يعمل مثقال ذرةٍ خيراً يره ، ومن يعمل مثقال ذرةٍ شراً يره 0
يا وافد المسلمين : إن ما ذكرته بأنهم لا يعرفون بيت الله إلا في رمضان وكأنهم يستكثرون على الله زيارة بيته والنيل من فضله ، هؤلاء يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون .
بَلٍّغْ هؤلاء أن الله غنيٌ عن عبادتهم وأن دين الله وأحكامه لا تقبل التلاعب والمخادعة ، وأن الأمر بالعبادة لا يحد بزمانٍ أو مكانٍ ((وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ)) (الحجر:99) .
اتق الله حيثما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحها.
قل لأولئك : إن يتوبوا يَكُ خيراً لهم ، وإن لم يستجيبوا فاعلم أنما يتبعون أهواءهم ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدىً من الله .
يا وافد المسلمين : اسمع مني وبلغ من وراءك أني شهرٌ شرفه الله وعظمه ، فيّ تفتح أبواب الجنان، وتغلق أبواب النيران، وأني ميدان للتنافس والمسارعة إلى الخيرات، فتزودوا مني فإن إذا مضيت لا أعود.
يا وافد المسلمين : بلغ من وراءك أني أحل عليكم وأنتم تنعمون بأمنٍ في الوطن ، وصحةٍ في البدن ، ورغدٍ في العيش ، وسعة في الرزق ، وأنني أفد على آخرين وهم يقضون أيامي في حالة لا يعلمها إلا الله جل جلاله ، خوف وجوع ومسغبة وبرد قارس ، لا مأوى ولا سكن ، ولا أمنٍ في الوطن ، يقضون أيامي تحت أزيز الطائرات المهاجمة ، وزئير الدبابات ، وأصوات الطلقات . قد حيل بين الأب وأبنائه والزوجة وزوجها.
أقدم على قوم على الأسِرَةٍ البيضاء يتمنون أن يصوموا مع الصائمين ويقوموا مع القائمين .
بلغ من وراءك أنكم قد بلغتموني وأدركتموني بينما اخترم الموت أناساً كانوا مثلكم لهم من الآمال ما لكمن ، وعندهم من القوة والغنى ما عندكم ، لكنهم اليوم في بطون الألحاد صرعى يتمنون لله ركعة أو سجدة أو صيام يوم ، ولكن حيل بينهم وبين ما يشتهون .
يا وافد المسلمين : بلغ من وراءك أن الجنة حفت بالمكاره ، وأن سلعة الله الجنة غالية لا تنال بالتشهي ولا بالتمني ، وأن رحمة الله التي يعلق عليها البَطَّالُوْنَ آمالهم دون عمل لا يستحقها إلا أهلها ((وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ )) (الاعراف:156) .
ومغفرة الله لا ينالها إلا من تاب وآمن وعمل صالحاً ثم اهتدى 0
يا وافد المسلمين : بلغ من وراءك أني شهر المعارك الحاسمة والانتصارات الرائعة وأن من نصر رسوله على المشركين في بدر سينصرهم على الصليبيين اليوم ، وأنه من فتح مكة لرسوله سيفتح على المسلمين فتحاً مبيناً ، وأن من أذل التتار في عين جالوت سيذل أحزاب الكفر وتحالف النفاق ((كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي)) (المجادلة:21) .
فلٍم اليأس والقنوط ، إنكم قومٌ تستعجلون .
يا وافد المسلمين : أنا شهر قبول الدعوات وإغاثة اللهفات وكشف الكربات فبلغ من وراءك أن للصائم دعوة لا ترد وله عند السحر والفطر دعوة مستجابة فادعوا ربكم تضرعاً وخفيةً إنه لا يحب المعتدين
==============(66/360)
(66/361)
من ينتصر في تنصير العراق؟!
محمد جمال عرفة 15/6/1424
13/08/2003
بعض الجنود الأمريكان أسلموا وتزوجوا عراقيات مسلمات!.
قمة للمبشرين للرد وبحث كيفية توسيع مساحة تنصير العراقيين؟!.
بينما تدور في العلن معارك عسكرية يومية بين المقاومة العراقية وقوات الاحتلال الأمريكية - البريطانية؛ تجري سراً وقائع حرب أخري سرية وعلنية في آن واحد بين علماء المسلمين في العراق وفرق المنصّرين الأمريكيين والأوروبيين التي تدفقت علي العراق عقب الاحتلال سعياً وراء تحويل العراق إلى وكر جديد للتبشير، ينطلقون منه إلى قلب العالم الإسلامي علي اعتبار أن بغداد كانت يوماً ما عاصمة الخلافة الإسلامية.
ويبدو أن هذه الحرب الخفية لتنصير العراقيين (عبر استغلال المعونات الغذائية في الترويج لها)، فشلت حتى الآن؛ ليس فقط لأن انهيار النظام السابق ووجود الاحتلال بعث روح الصحوة والمقاومة الإسلامية في صفوف العراقيين من مرقدها بعد حملة قمع استمرت سنوات، ولكن -وهو الأمر الهام- أنه بدأت تتسرب معلومات أكدتها (هيئة علماء العراق السنة) تشير إلى تحول عدد من الجنود والضباط الأمريكيين من النصرانية إلى الإسلام عن قناعة عقب احتكاكهم اليومي بالعراقيين، علي غرار ما حدث لكثير من هؤلاء الجنود الأمريكيين من تحول للإسلام في السعودية والخليج عموماً عقب حرب 1991.
وأكبر دليل علي هذا الفشل -رغم تجييش المنصّرين للعديد من المنظمات التبشيرية الغربية والأموال- هو كشف صحيفة "حريت" التركية الصادرة يوم 5 أغسطس 2003 النقاب عن أن الولايات المتحدة التي بدأت تبذل جهوداً ومساع حثيثة (لفرض أمر واقع والسيطرة على العراق) وتبذل في الوقت نفسه وبشكل مواز (جهوداً كبيرة لزيادة عمليات تنصير العراقيين) ونشر ما سمي (الفعاليات التبشيرية) للديانة المسيحية في منطقة العراق!.
حيث أشارت الصحيفة إلى عقد قمة في مدينة أفيون التركية وسط الأناضول فى السابع والعشرين من شهر أكتوبر القادم لمدة ثلاثة أيام، يشارك فيها مئة وستون عضواً يمثلون هذه الفعاليات التبشيرية، مؤكدة أن المشاركين فى هذه القمة سوف يبحثون الفعاليات التبشيرية فى العراق أيضاً.
وأشارت إلى أن الفعاليات التبشيرية للمسيحية تتقدم وتتخذ خطوات أكبر بالتوازى مع المخطط الأمريكى فى العراق حيث يتم تقديم المساعدات الانسانية مع الإنجيل!!.
وتؤشر هذه القمة المزمع عقدها لزيادة فعاليات التنصير في العراق إلى أن الجهود السابقة لعشرات المنظمات التبشيرية في العراق قد فشلت حتي الآن، تماماً كما حدث في أفغانستان التي تدفقوا عليها ومنوا بفشل ذريع آخر، كما أنها تؤشر إلى الورطة التي وجدت هذه المنظمات نفسها فيها مع توالي أنباء عن تحول جنود أمريكان إلى الدين الإسلامي، وهم الذين كانت تفتخر الكنائس الأمريكية بأنهم كانوا يصلون من أجل بوش!.
تعرفوا علي الإسلام الحقيقي فأسلموا
فقد كشف علماء في هيئة علماء المسلمين بالعراق يوم 10 أغسطس 2003 عن أن عددًا من الجنود والضباط الأمريكيين في العراق قد أشهروا إسلامهم في العراق، بعدما تعرَّفوا عن قرب -عبر الاحتكاك اليومي بالعراقيين- على تعاليم الإسلام السمحة، وأن بعضهم تزوج من عراقيات مسلمات!.
وقال الشيخ "محمود الصميدي" -عضو هيئة علماء المسلمين في العراق-: إن احتكاك الأمريكيين بالعراقيين وتعرّفهم على الإسلام عن قرب فتح قلوب كثير منهم إلى الإسلام، بعدما وجدوا أن تعاليمه تختلف تمامًا عما يسمعونه من وسائل الإعلام الغربية التي تشوّه صورة الإسلام والمسلمين.
وأضاف الشيخ "الصميدي" أنه التقى بضابطٍ أشهر إسلامه، ورآه يبكي قائلاً: "ما ذنب أبي وأمي إنْ ماتا دون أن يعلما شيئًا عن الإسلام؟!".
وتزامن هذا مع تداول العراقيين قصصًا عن ضباط وجنود أمريكيين أشهروا إسلامهم في العراق وعن مجندات أمريكيات ارتبطْن بعراقيين مسلمين؛ حيث أشهر ضابط أمريكي إسلامه بالفعل في محكمة الأحوال الشخصية بضاحية الكرخ في بغداد؛ وذلك ليتمكن من الزواج من طبيبة عراقية تعرّف إليها، بينما كان يقوم بحراسة مستشفى مدينة الطبّ التي تعمل بها الطبيبة، وأكد الضابط أن إشهار إسلامه لم يأتِ إلاَّ عن قناعة كاملة، وليس فقط للارتباط بالطبيبة العراقية التي أَحبَّها.
ولا شك أن هذه الإنباء مثلت (الصدمة المرتدة) - بلغة حرب العراق- علي المنصّرين الأمريكان الذين حشدوا جهوداً جبارة للتنصير في العراق دون جدوي حتى الآن.
جذور المعركة الصليبية
والحقيقة أن المعركة الصليبية لتنصير العراقيين لم تبدأ عقب احتلال العراق في إبريل 2003، ولكن قبل حرب تحرير الكويت عام 1991..
فبمجرد إعلان الرئيس الأسبق جورج بوش الأب عن عملية درع الصحراء ونقل القوات الأمريكية للخليج عام 1991؛ ألقى القس بيلى جراهام -أحد كبار مسؤولي تيار المسيحية الصهيونية وصديق الرئيس الحالي بوش الابن - خطاباً في مقر إقامته فى ولاية مينيسوتا؛ قال فيه: إن هذه الحرب في الخليج ستكون لها "تأثيرات روحية" هائلة على كل أمة وإنسان على وجه الأرض!.(66/362)
ثم تبع ذلك بإلقاء عدة محاضرات عامة ركز فيها على القول بأن هناك "قوى روحية تعمل في الخليج" لتحميس الجنود الأمريكان المترددين بسبب خوفهم من تكرار تجربة فيتنام في العراق، ثم أفصح جراهام أكثر عما يقصد؛ فقال: " إن العراق له أهمية إنجيلية بالغة" ..فهناك كانت جنات عدن الموطن الأول لآدم وحواء كما قال .
وحتى يحمّس جراهام الجنود والشعب الأمريكي أكثر للحرب ويوفر لهم الدافع الإيماني قال: إنه لا يعرف إذا كانت هذه الإشارات -أي ما حدث على أرض العراق- هي تمهيد للقدوم الثانى للمسيح المنتظر أم لا!.
أيضاً قبل أن تبدأ حرب الخليج الفعلية لتحرير الكويت وضرب العراق عام 1991 أصدر بيلى جراهام بياناً جديداً تلاه على حشود من الأمريكيين فى نيويورك، وكان مما قال فيه إنه "إذا كانت هناك دولة يمكن أن نقول عنها أنها جزء من الأراضي المقدسة؛ فهي العراق!" وأضاف "يجب أن نضاعف صلواتنا، فالتاريخ أكمل دورته ونحن نعود مرة أخرى لهذه الأراضي"!.
ومقصود بدورة التاريخ هنا فكرة عودة المسيح وما يسمي بـ"العصر الألفي السعيد" القائم على حتمية عودة المسيح المنتظر والدورة الكاملة للتاريخ التي سيعود من خلالها اليهود للأراضي المقدسة في القدس.
ولأن منفى اليهود الذي عادوا منه للقدس كما يزعمون كانت بابل، فالبروتستانت الإنجيليين ممن يسمون بـ"الأمريكيين الأصوليين" - ومنهم بوش الأب والابن وجراهام وفالويل وما يسمي بـ"التحالف المسيحي" الذي يضم قرابة 20 مليون أمريكي- يؤمنون بأن العراق جزء من أراضي الكتاب المقدس؛ لأنها الموقع الجغرافي للبابليين السابقين وأن عودة اليهود للقدس والسيطرة على بابل (العراق) علامات على اكتمال دورة التاريخ (الأيام الأخيرة) أو (نهاية العالم) كما يقول بيلى جراهام!.
المنصّرون يعملون دون جدوي
وكانت الهجمة التنصيرية علي العراق قد بدأت حين أعلنت منظمتان مسيحيتان ناشطتان في المجال التنصيري - عقب احتلال العراق- أنهما تنتظران على الحدود العراقية إلى أن تستقر الأوضاع في العراق حتى يتمكن أفرادهما من الدخول إلى هناك، وفي صحبتهم كميات كبيرة من الغذاء والدواء، وقالتا: إن معهما مجموعة كبيرة من المنصرين الناشطين مدعومين بآلاف الكتب التنصيرية والأناجيل المترجمة إلى اللغة العربية.
وكان من الملفت أن زعماء هاتين المنظمتين: ساذيدن بايتست كونفنشين، وساماريتانز بيرس، هما أكثر من هاجم علناً ومرات عديدة في أجهزة الإعلام الأمريكية الدين الإسلامي، واتهمتاه بأنه دين إرهابي، كما تعرضتا بالهجوم أيضاً على الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم-.
ولأن هناك علاقة قوية بين الرئيس بوش وزعيمي المنظمتين التبشيريتين اللتين تدعمان حملته الانتخابية، فقد أطلقت لهما إدارة بوش العنان في العراق للعمل رغم أن صحيفة "نيويورك تايمز" قالت وقتها إن هذا الأمر أدى إلى وضع الحكومة الأمريكية وخاصة الرئيس بوش في مأزق؛ لأن الإدارة الأمريكية تتفادى إعطاء صبغة حرب صليبية على حربها ضد العراق.
وقد كشفت منظمة ساذيرن باتيست كونفنشين أنها حشدت 800 شخص للذهاب إلى العراق للعمل لصالحها. أما منظمة سامارتيا تزبيرس التي يرأسها القس فرانكلين جراهام الذي أصدر كتاباً معادياً للإسلام، وصرح أكثر من مرة لأجهزة الإعلام قائلاً إن "الإسلام دين شرير وعنيف"؛ فحشد بدوره عدداً كبيراً من المنصّرين للعراق ، زاعماً أن منظمته تلقت دعوة من الكنائس العراقية لمساعدة العراقيين المسيحيين، ولكنه ينوي أن تشمل "مساعدات" منظمته المسلمين أيضاً!.
ومن بين الجماعات التي انتقلت إلى العراق وتلعب دوراً كبيراً فيما يسمي جهود الإغاثة (المعمدانية الجنوبية) التي تعتبر من كبرى التجمعات المسيحية الأمريكية بعد الكاثوليكية، وفوق هذا تعتبر من كبرى الجماعات المؤيدة لبوش والحرب علي العراق والدفاع عن المصالح الإسرائيلية في أمريكا، وقد نقلت الصحف عن منسق المنظمة سام بورتر تأكيده علي الطابع الإغاثي والإنساني لجهود الإغاثة في العراق.
وقال بورتر: إن المنظمة لديها 25 ألف متطوع مدربين علي العمل في مناطق الكوارث. ولم يخف بورتر الطابع الديني للجهود الإغاثية قائلاً: لو سألنا أحدٌ: لماذا جئتم إلى العراق المنكوب بالحرب؟ فإننا سنقول: إن كلمات الحب التي غرسها فينا المسيح، كانت وراء قدومنا.
أدعية مسيحية لبوش
ورغم الطابع الواضح للتنصير لحد الطلب من الجنود الأمريكيين الذين يشاركون في القتال ضد العراق الدعاء من أجل رئيسهم جورج بوش، وتوزيع كتيبات على آلاف من رجال مشاة البحرية الأمريكية (المارينز) تحمل عنوان "واجب المسيحي" تحتوي على أدعية كما تحتوي على جزء يتم نزعه من الكتيب لإرساله بالبريد إلى البيت الأبيض ليثبت أن الجندي الذي أرسله كان يصلي من أجل بوش؛ فقد جاءت النتائج عكسية تماماً، وفشل التنصير وأسلم الجنود!.(66/363)
بل لقد ظهرت آثار أخري لهذه الحرب علي العلاقة بين الإسلام والمسيحية وحوار الأديان عموماً الذي تسعى له الفاتيكان، فعلي سبيل المثال أعدت شبكة (إيه بى سى) الأمريكية تقريراً في مايو الماضي حول تداعيات الحرب التى شنتها أمريكا وبريطانيا على العراق، وقالت: إن الحرب قد تؤدى لتنامي فكرة أن الغرب - وبصفة خاصة إدارة الرئيس- بوش ينتهج حرباً ضد الإسلام في العالم الإسلامي.
وقالت: إن نشر صور دامية بعد آثار القصف الجوى الأمريكي للعراق أدى إلى إعادة ذاكرة الكثيرين من الناس فى الشرق الأوسط للمذابح والعنف الذى حدث اثناء العصور الوسطى، عندما أرسل الروم حملات صليبية ضد الإسلام.
الوقائع تشير بالتالي إلى أنه وبعد أقل من أربعة أشهر فقط علي الاحتلال الأمريكي للعراق؛ أصيبت المنظمات التبشيرية بنكسة، وبدلاً من أن تنصر العراقيين المسلمين؛ حدث العكس واجتذبت تعاليم الإسلام السمحة البسيطة الجنود الأمريكان الذي رأوا تشبث العراقيين بدينهم وكبريائهم الناجم عن عقيدتهم، وشاهدوا كيف يحافظون علي عفة أهل بيتهم ويهاجمون الأمريكان لو تجرؤوا علي هتك حرمة منازلهم دون استئذان، وكيف يهتمون بالصلاة والنظافة رغم قطع المياه وغيره.
فهل تكون العراق بوابه جديدة للتأثير علي الجنود الأمريكان، وتحول بعضهم للإسلام علي غرار ما حدث لهم في السعودية والكويت عقب حرب 1991 ومعرفتهم عن قرب بتعاليم الإسلام؟
==============(66/364)
(66/365)
لن يصلوا إليه وفي الأمة عرق ينبض
من رحمة الله بهذه الأمة أنه جلت قدرته الذي يتولى الدفاع عنها ليس في ميادين القتال فحسب وإنما في جميع أحوالها المادية والمعنوية {إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ } الحج38' فعندما وقعت هجمات إحدى عشر سبتمبر الشهيرة كان المسلمون منقسمين إلى قسمين قسم مؤيد لهذه العملية التي يرى إنها حطمت كبرياء أمريكا قبل تحطيم أبراج نيويورك, واخترقت تحصيناتها المنيعة لتصل إلى رمز قوتها, الوكر الذي
تدير منه عملياتها الإستعمارية, مبنى وزارة العدوان الأمريكية, الذي قال عنه كبار قادتهم أنه لو مرت من فوقه ذبابه لاستطاعوا اسقاطها أما القسم الآخر فقد تأثر بما تبثه وسائل الإعلام الموجهة التي ما فتئت تنافح من أجل إخفاء وجه أمريكا القبيح عن أنظار المسلمين واستبداله بوجه طفولي برئ
لا يحمل للبشرية إلا الخير والحياة السعيدة, فهذا القسم يرى أن أمريكا لا تحارب المسلمين ولا تكن أي عداوة لدينهم وإنما تحارب فئة معينة من المسلمين قد غلت بدينها وخرجت على جميع القوانين الدولية, وربما وجد من المسلمين من يدعم الأمريكان بقوة في حربهم ضد هذه الفئة, وكانت أمريكا حينها أحوج ماتكون لدعم من تسميهم المعتدلين من المسلمين -{ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ } فيخرج بوش ويعلن على الملأ ما يكنه قلبه المريض من حقد على هذا الدين وأهله دون استثناء, قائلاً بما لا يدع مجالاً للشك والتأويل إنها حرب صليبية على الإسلام, وينقلب السحر على الساحر وينكشف وجه أمريكا القبيح, وتبرز أنيابها المفترسة وتتضح لكل ذي عقل نواياها المبيته وأهدافها الخبيثة, والفضل يعود بذلك لله وحده الذي أنطق بوش بما يخالف اهداف استراتيجيته الإستعمارية, ويسقط بيد حاملة الصليب وتنكشف أوراقها نتيجة لرعونة زعيمها الأحمق, فتلجأ إلى السياسة الإستعمارية القديمة, أي التستر خلف عملائها بالمنطقة لتحقيق أهدافها عن طريقهم, فلا تجد لهذه المهمة القذرة أنسب, من ملالي الفرس الذين وجدوا أنها فرصة لا يجب تفويتها لبسط نفوذهم على منطقة المشرق العربي وبلاد ما وراء النهرين ونشر مذهبهم الرافضي بين سكان هاتين المنطقتين, - وليس الأمر سريا فقد صرح بذلك مساعد الرئيس الإيراني السابق محمد علي أبطحي, الذي قال: لولا إيران ما كان لكابل وبغداد أن تسقطا في أيد الأمريكان - ولتحقيق هذا الهدف جعلوا من أنفسهم مطية للمحتل, يحكم بلاد المسلمين باسمهم, فبادروا إلى بث عملائهم بالقطر العراقي, واستبدلوا جلودهم الفارسية بجلود عربية, حتى يتمكنوا من حكم دولة العراق ذات الطابع العربي الأصيل, الأمر الذي جعلهم يتمسحون بالعروبة و يدّعون نبذ الطائفية فلا يوجد عندهم فرق بين سني وشيعي حسب زعمهم, فيمدون يد التسامح والإخاء لأهل السنة, ويغرسون سكين الغدر المسمومة في ظهورهم باليد الأخرى, فالتقية منهجهم والغدر ديدنهم, ويأبى الله إلاَّ أن يفضحهم ويكشف سترهم, وتبدو البغضاء من أفواههم دون أن يشعروا, فقد تناقلت وكالات الأنباء العالمية خبر المذكرة التي تقدم بها (43) ثلاثة وأربعون محاميا صفوياً لما يسمى محكمة العدل الدولية ضد فضيلة الشيخ العلامة الدكتور/ عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين --- حفظه الله, عطفا على دعوته لمساعدة أهل السنة بالعراق الذين يتعرضون للإبادة الجماعية على أيدي مليشيات الفرس المحمية من قوة الإحتلال الأمريكي, وما يعلم هؤلاء الحمقاء أنَّ هذه المذكرة قد بددت كل الجهود التي بذلها منظريهم لإخفاء نواياهم الشائنة خلف ستار التقية التي سنها أسلافهم من قبل, فغاب عن أذهانهم أنَّ العلامة ابن جبرين لا يمثل نفسه فقط أو جماعة من العلماء وإنما يمثل أهل السنة والجماعة دون استثناء, فالشيخ حفظه الله يتكلم بلسان الجميع ومحاكمته تعني محاكمة الكل, فهل يصمد أبناء إسماعيل الصفوي أمام هذا السيل الجارف المتمثل بأتباع سنةمحمد صلى الله عليه وسلم ؟ لا أظن ذلك ! فلم يثبت بالتاريخ أن انتصر الرافضة على أهل السنة إلا بالتآمر مع الغزاة, أما وقد انكشف الغطاء وسقطت ورقة التوت التي يتقي بها هؤلاء الصفيون, وأصبحت المواجهة معهم أمر حتمي, فلن تتحقق غايتهم المنشودة بإذن الله تعالى, فشيخنا حفظه الله علم في رأسه نار لن يصل إليه أقزام الفرس وفي أمة صلى الله عليه وسلم عرق ينبض بالحياة, فسر أبا عبد الرحمن يحفظك الله وأصدع بما أمرك الله به من الحق, فو الله الذي لا إله غيره أن كلامك عليهم أشد من نضح القنابل
==============(66/366)
(66/367)
تصريحات البابا:إعلان إفلاس وعجز المسيحية أمام حيوية الإسلام
في صفحة الرأي والافتتاحيات بصحيفة "الاندبندنت" البريطانية، كتب دومينيك لوسن مقالا بدأه بالقول إن هناك ديانتين كبيرتين فقط تحاولان تحويل العالم إليهما، وهما المسيحية والإسلام.
ورأى أن الإسلام فقط هو الذي يملك في هذه المرحلة الطاقة الحيوية لتكريس نفسه لهذه المهمة، بينما نجد المسيحية منشغلة تماما بمجرد الدفاع عن وجودها الروحي القائم. وأن هناك أمرا واحدا واضحا: وهو أن هناك خلافا عقديا أصيلا بين الديانتين وأن البابا بنديكتوس السادس عشر كان يفيد الحقيقة عندما أشار إلى هذه المسألة. وأشار المقال إلى أنه رغم الدور السابق للبابا الحالي كمنظر للفاتيكان، فإنه لم يكن راضيا عن مدى دخول البابا السابق يوحنا بولص الثاني في "حوار مع الإسلام".
ورأى الكاتب أن البابا الألماني بنديكتوس قد توصل إلى قناعة، مفادها أن "مطلقية الإسلام" جعلت من المستحيل إجراء أي نقاش لاهوتي حقيقي معه.
ولم يكن مصادفة أن تكون إحدى أولى خطوات البابا بنديكتوس إزاحة كبير الأساقفة مايكل فيتزجيرالد من رئاسة مجلس حوار الأديان التابع للفاتيكان، ومن ثم قيامه بتقليص دور المجلس، بحسب الكاتب لوسن.
ومن جانب آخر، نشرت صحيفة الديلي تلجراف تقريرا موسعا تناولت فيه جانبا مختلفا من أزمة تصريحات بابا الفاتيكان. وقالت الصحيفة إن البعض حمل "الطبيعة الشمولية" للنظام البابوي في الفاتيكان مسؤولية تصريحات البابا التي أثارت غضبا في العالم الإسلامي. وتابعت قائلة إنه بخلاف سلفه يوحنا بولص الثاني، الذي كان يعمل عن كثب مع مجموعة مختارة من مستشاريه عند كتابة خطاباته، يصر البابا بنديكتوس السادس عشر على كتابة خطاباته بنفسه.
وأضافت أنه رغم أن المسودات النهائية لكلمات البابا توزع على مساعديه، فإن كبار مستشاري الفاتيكان يعتقدون أنه لا يوجد أحد يملك الشجاعة الكافية ليقول للبابا إنه ربما ارتكب خطأ.
وفي صفحة الرأي في الصحيفة نفسها، كتبت كارين آرمسترونغ، مؤلفة كتاب "نبذة عن تاريخ الإسلام"، مقالا تقول فيه إن ثمة عداء قويا للإسلام في الثقافة المسيحية الغربية، ويتعين التخلص منه. واعتبرت الكاتبة أن "هذه العقلية التابعة للقرون الوسطى لا تزال حية ترزق....معاداة الإسلام لدينا تعود إلى زمن الحروب الصليبية..". كما رأت آرمسترونغ أن كلام البابا سيجعل المسلمين أكثر قناعة بأن الغرب معاد للإسلام ومصمم على المضي قدما في حرب صليبية جديدة.
بينما خلصت صحيفة الصنداي تايمز في عددها الأخير، إلى أن "أقوال البابا أوجدت انقسامات كبيرة وسط الكنيسة أيضا بين الكاثوليك التقليديين والتقدميين المعتدلين. وحتى أولئك الذين كانوا راضين عن البابا ،ويقولون إنه لن يدخل في مواجهة مع الجناح اللبرالي لكنيسته، غيروا نظرتهم الآن مستغربين للطريقة التي كشر فيها راتسنغر عن أسنانه العجوزة.
تلميذ ديدات: إسلام أكثر من عشرين قسا يقف خلف تصريحات البابا
الوطن - كشف باحث في مقارنات الأديان وشؤون التنصير عن مفاجأة ستعلن قريبا تتمثل في إسلام ما بين 20 إلى 30 من قساوسة الفاتيكان، وأن الفاتيكان يعقد منذ فترة محاكم تفتيش لهؤلاء في محاولة لاكتشاف من أسلم منهم وطرده من الكنيسة. وقال الباحث السعودي عصام مدير الذي كانت تربطه علاقة وطيدة بالداعية الإسلامي الراحل أحمد ديدات أحد أشهر من خاض المناظرات مع المسيحيين، وتتلمذ على يديه، إن إسلام هذه المجموعة الكبيرة من العاملين في الفاتيكان هو أحد أهم الأسباب التي تقف خلف تصريحاته الأخيرة. وقال مدير الذي أسس في ديسمبر 2005 عقب قضية الرسوم المسيئة في الدنمارك دار نشر سماها (دار البينة) وتخصصت في نشر كتب الشيخ ديدات وكتب التعريف بالإسلام بلغات أجنبية، بعد أن نالت حقوق نشرها كاملة عبر كتب وأقراص إلكترونية لـ"الوطن": إن تصريحات البابا ما هي إلا مقدمة لتعبئة الأوروبيين ضد الإسلام، وانتظار لردود أفعال طائشة من المسلمين تمهيدا لطردهم من أوروبا خاصة الجيل الثاني والجيل الثالث من المسلمين الذين نشأوا في أوروبا ويحملون جنسياتها ويتعرضون لمضايقات في السنوات الأخيرة عرضت كثيرا منهم للبطالة.(66/368)
وكشف مدير عن توزيع الدار 100 ألف نسخة من كتاب (محمد الأعظم) لأحمد ديدات في روما والفاتيكان بعد ترجمته خلال اليومين الماضيين إلى الإيطالية عن طريق إيطالي مسلم وتقديمه هدية لكل مواطن إيطالي، موضحا عن أن هذه هي أفضل طريقة مجدية في الوقت الحالي، مؤكدا على أن أي إساءة للإسلام والمسلمين تمثل فرصة هائلة للتعريف بالإسلام، وذلك من خلال تجربة شخصية خضناها أثناء قضية الرسومات الدنماركية، حيث قمت بتوزيع 25 ألف نسخة من كتيب يروي قصة إسلام منصرة أمريكية تحولت إلى داعية ومحاضرة معروفة تجوب العالم للتعريف بالدين الإسلامي وهي ميري مالفور، إضافة إلى نشر إعلانات في الصحف الإيطالية تشير إلى الكتاب وإلى أنه هدية لكل مواطن ردا على تصريحات بابا الفاتيكان، وذلك بالتنسيق مع الجمعيات والمؤسسات الإسلامية الموجودة في روما. وانتقد مدير الردود الانفعالية التي تقوم على الشجب والاستنكار، مشددا على أن مشكلة المسلمين أنهم لا يملكون رؤية لإدارة الأزمات، وبإمكانهم استغلال هذه الفرصة للتعريف بدينهم بدلا من المطالبة بالاعتذار أو غيرها من أفعال طائشة تراهن عليها القيادات المسيحية لتصعيد الحملة على المسلمين للتأكيد على أنهم مجتمعات عنف وإرهاب لصالح فكرة طرد المسلمين من أوروبا التي ذكرت تقارير ودراسات على تحولها للإسلام خلال الخمسين سنة القادمة، ومن هنا جاء تحرك الفاتيكان، تمهيدا لتصعيد حملة صليبية جديدة. وبين مدير أنه إبان قضية الرسومات تلقى رسائل من نرويجيين ودنماركيين اعترفوا فيها بأنهم كانوا يحتقرون المسلمين ويكرهون الإسلام، ولكنهم بعد وقوفهم من خلال الكتب التي وزعت عليهم على حقيقة الدين الإسلامي احترموه وعبروا عن أسفهم لما نشر في صحفهم. وتلقيت دعوة من الدنمارك عبر جهات رسمية، واشترطت لتلبيتها الالتقاء برؤساء تحرير الصحف التي نشرت الرسومات المسيئة والرسامين ومحاورتهم، ولكن رفض رؤساء التحرير جعلني أمتنع عن زيارة الدنمارك. وكشف مدير عن أن دار البينة أرسلت قبل أمس أربعة كتب مترجمة باللغة الألمانية إلى البابا وهي (ماذا يقول الكتاب المقدس عن محمد) و(المسيح في الإسلام) و(القرآن معجزة محمد) و(محمد الخليفة الطبيعي للمسيح) وكلها من تأليف الشيخ ديدات. وأضاف: يتعاون معنا مسلمون غربيون ألمان وطليان وأمريكان وفي مقدمتهم البريطاني يوسف إسلام والألمانيان أحمد فوندنفر، ومراد هوفمان، ولدينا خطط علمية وعملية حضارية لمواجهة الهجمة على الإسلام
=============(66/369)
(66/370)
حتى أنت يا (( الدانمارك )) !!
الدانمارك دولة نصرانية صليبية كبقية دول أوربا وأمريكا الشمالية تدين بعقيدة التثليث الباطلة الفاشلة ، الفاسدة الكاسدة !
ومن الطبيعي أن تظل كغيرها عدوة لكل ما يمت للإسلام بصلة وإن تسابق المسلمون إلى اقتناء منتجاتها من الأجبان والأبقار !
هذه (الدانمارك) ظلت منذ عدة أشهر تسخر عبر صحفها ووسائل إعلامها من رسولنا الكريم ، ونبينا العظيم صلى الله عليه وسلم
لا لشيء إلا لأن بعض أبناء شعبها بدأوا يفكرون جدياً بالتخلي عن نصرانيتهم واعتناق الإسلام كغيرهم من شعوب العالم الذين أبهرتهم أحداث الحادي عشر من سبتمبر وما تبعها من تداعيات لا تخفى على أحد !!
فهي تريد بخبث ثني شعبها عن اختيار الدين الحقّ عبر حركة تشويه متعمد لشخص الرسول الكريم ورمز الإسلام الخالد عليه الصلاة والسلام !!
إنّ ما تقوم به الدانمارك وتؤيدها عليه النرويج وتسكت عنه بقية دول العالم النصراني يؤكد أنّ الحرب القائمة بين الإسلام والنصرانية في أفغانستان ، والشيشان ، والعراق حرب دينية عقدية وإن تبرقعت بغطاء مكافحة الأرهاب, أو تلفعت بمرط محاربة الدكتاتوريات في العالم !
وأنه لا مُسالم أو منصف بين النصارى بل كلهم ذوو عداوات تاريخية مستحكمة ضاربة الجذور !!
ويخطئ من يظن أنّ في الأوروبيين النصارى من هو نزيه أو محايد فضلاً عن أن يكون صديقاً للمسلمين أو العرب !!
فما حقيقة الأمر إلا مصالح وسياسات تتغير بتغير الزمان والظروف وتتقلب بتقلب الأحوال الاجتماعية والدولية .
لقد روجَّ الإعلام العربي يوماً ما بأنّ فرنسا إبّان حكم (ديقول) وحتى نهاية عصر (ديستان) صديقةٌ حميمةٌ للعرب؛ فإذا بفرنسا ترفع راية التمييز العنصري ضد المسلمين وتطرد من أراضيها المغتربين العرب الذين بنوا بسواعدهم كثيراً من مرافق باريس الحيوية, حتى حرَّمت على بناتهم الحجاب الإسلامي, وطردت المحجبات من مدارسها وجامعاتها !!
إذاً فالملة النصرانية, والحكومات الصليبية, كلّها عدوانية التوجه, خبيثة النوايا تجاه كلّ ما هو إسلامي مهما أظهروا من حميمية في العلاقات أو لباقة في السياسات تجاه أمتنا المسلمة .
وعلى الجميع أن يدركوا أنّ زمن الوفاق بين العالم الإسلامي والعالم النصراني قد ولّى إلى غير رجعة, وأنّ شهور العسل قد انقضت منذ كشر الغرب عن أنيابه, وأعلن أنّ عدوه الرئيس هو الإسلام بعد سقوط الاتحاد السوفيتي وانهياره !
ومنذ صرَّح (( بوش)) بأنها حرب صليبية جديدة وأن (الربّ !!) قد أمره بغزو الطلبة في أفغانستان, واحتلال العراق واستباحة شعبه!
أنّها حرب مفروضة علينا شئنا أم أبينا ما دمنا مسلمين ((وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ )) (البقرة : 217) .
وعداوة ضرورية لا بد منها ما دمنا موحّدين ((وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ )) (البقرة : 120) .
أفهمتم الآن لم سخرت الدانمارك من نبينا العظيم بأبي هو وأمي r ؟
=============(66/371)
(66/372)
ألا هل بلغت: اللهم فاشهد
أ.د/ناصر بن سليمان العمر 22/8/1423
07/11/2001
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، ولا عدوان إلا على الظالمين .
أمابعد :
فنظراً لما تمر به الأمة الإسلامية من مرحلة حرجة في تاريخها ، إذ تكالب عليها الأعداء من كل جانب ، وتداعت عليها الأمم من كل حدب وصوب ، كما تداعى الأكلة إلى قصعتها ، وحيث نفذت أمريكا تهديدها وبدأت الحرب على المسلمين ؛ ابتداءً من أفغانستان ولا يعرف إلى أين تنتهي ؛ فقد صرح الرئيس الأمريكي في خطاب الحرب أن المعركة لن تقتصر على أفغانستان بل ستتعداها إلى غيرها ؛ فكثرت الأسئلة ، وتوالت الاستفسارات حول ما يجب على المسلم في مثل هذه الظروف ، حيث اختلط الحق بالباطل ، وكثر اللبس ، واهتزت الثوابت لدى كثير من المسلمين ، وأصبح المسلم في حيرة من أمره ، وبخاصة بعد أن تولت كثير من وسائل الإعلام المسموعة والمقروءة وزر هذا التخبط ،وتكلم في هذه المسائل أناس ليس لهم من العلم الشرعي نصيب ، فانطلقوا يرجفون في الأمة ، ويشككونها في دينها وعقيدتها ، ويظاهرون عليها أعداءها ، كما فعله أسلافهم من المنافقين من قبل" فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين " .
ونظراً لما أخذه الله على أهل العلم من وجوب البيان والنصح وحرمة الكتمان ؛ حيث قال تعالى : " إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون ".
وحرصاً على حماية الأمة والشباب ـ بصفة خاصة ـ من الانزلاق وراء هذه الفتن ، دون أن يدركوا أبعادها وآثارها ، وبياناً للحق وصدعاً به ؛ لذلك كله فإني ألخص الإجابة على ما وردني من أسئلة بما يلي ، فأقول :
أولاً :
يجب أن نعلم أن هذه الأحداث ابتلاء من الله وامتحان للأمة جماعات وأفراداً ؛ كما قال سبحانه : " ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون " ، وقال سبحانه : " الم ** أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون " .
والابتلاء والامتحان شامل لابتلاء القلوب والأجسام ،وهو ابتلاء حسي ومعنوي ، فليكن المسلم متيقظاً حذراً ، وأن ينتبه إلى مواقفه وأقواله واعتقاده ونياته فيما يتعلق بهذه الأحداث العظيمة ؛ حتى لا تزل قدم بعد ثبوتها فيخسر أولاه وأخره .
قال سبحانه : " ومن الناس من يعبد الله على حرف فإن أصابه خير اطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين " .
ثانياً:
يجب أن ندرك أن المعركة في حقيقتها معركة بين الحق والباطل ، بين الإسلام والكفر ، بين الخير والشر ؛ كما أعلنها زعيم التحالف الغربي نفسه فصرح بأن الحرب حرب صليبية ، فلم يدع لنا أي مجال لأن نحملها على غير ذلك ، وأيده على هذه الحقيقة عدد من مساعديه ، بل وحلفائه ؛ كرئيس الوزراء الإيطالي ، ورئيسة وزراء بريطانيا سابقاً ( تاتشر ) ، وما صدر منهم بعد ذلك من تفسير لا يغير من الحقيقة شيئاً ؛ حيث إن برامجهم ومواقفهم تؤكد صحة ما أعلنوه ، وبخاصة بعد إعلان الحرب وتصريح الرئيس الأمريكي أن المعركة لن تقتصر على بلد معين ؛ بل ستتعداه إلى غيره ، مما يدل على ما يضمره القوم من شر وسوء طوية ومعركة مبيتة سلفاً " وما تخفي صدورهم أكبر " .
ثالثاً :
وجوب البراءة من المشركين واليهود والنصارى ، وإعلان مفارقتهم ، وحرمة الولاء لهم أو توليهم التزاماً بقوله تعالى : "يا أيها الذين أمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم " .
وقوله سبحانه :" لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة ويحذركم الله نفسه " وقال سبحانه :" يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء" .
وثبت في حديث جر ير بن عبد الله البجلي ـ رضي الله عنه ـ أنه قال : " أتيت النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو يبايع ، فقلت : يا رسول الله ابسط يدك حتى أبايعك ، واشترطْ عليّ فأنت أعلم، قال :" أبايعك على أن تعبد الله ، وتقيم الصلاة ، وتؤتي الزكاة ، وتناصح المسلمين ، وتفارق المشركين " .
وقال ابن كثير ـ رحمه الله ـ في تفسير آية الممتحنة :" ينهى تبارك وتعالى عن موالاة الكافرين في آخر هذه السورة كما نهى عنها في أولها ، فكيف توالونهم وتتخذون منهم أصدقاء وأخلاء " .
وقال الشيخ حمد بن عتيق ـ رحمه الله ـ :" فأما معاداة الكفار والمشركين فاعلم أن الله سبحانه وتعالى قد أوجب ذلك ، وأكد إيجابه ، وحرم موالاتهم وشدد فيها ، حتى إنه ليس في كتاب الله تعالى حكم فيه من الأدلة أكثر ولا أبين من هذا الحكم ؛ بعد وجوب التوحيد ، وتحريم ضده " .(66/373)
والأدلة من الكتاب والسنة وأقوال السلف في هذا الباب أشهر من أن تحصر أو تذكر ، فليحذر المسلم أشد الحذر من موالاة أعداء الله ، أو أن يقع في قلبه محبة لهم فيضل عن سواء السبيل وينتفي عنه الإيمان" لا تجد قوما ًيؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله " .
رابعاً :
حرمة مظاهرة المشركين واليهود والنصارى ، وإعانتهم على المسلمين ، وأن من فعل ذلك عالماً بالحكم طائعاً مختاراً غير متأول فقد برأت منه ذمة الله ، حيث إن المظاهرة والمناصرة أعظم أنواع التولي والموالاة ، قال الإمام الطبري ـ رحمه الله ـ في قوله تعالى " لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين "
( معنى ذلك : لا تتخذوا ـ أيها المؤمنون ـ الكفار ظهوراً وأنصاراً ، توالونهم على دينهم ، وتظاهرونهم على المسلمين من دون المؤمنين ، وتدلونهم على عوراتهم ، فإنه من يفعل ذلك فليس من الله في شي ء ، يعني فقد برئ من الله ، وبرئ الله منه بارتداده عن دينه ودخوله في الكفر ) أ . هـ وقال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ : " وإذا كان السلف قد سموا مانعي الزكاة مرتدين ؛ مع كونهم يصلون ويصومون ولم يكونوا يقاتلون جماعة المسلمين ، فكيف بمن صار مع أعداء الله ورسوله قاتلاً للمسلمين " .
وقال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب ـ رحمه الله ـ " إن الأدلة على كفر المسلم إذا أشرك بالله ، أو صار مع المشركين على المسلمين ، ـ ولو لم يشرك ـ أكثر من أن تحصر من كلام الله وكلام رسوله وكلام أهل العلم المعتمدين " .
وقال في نواقض الإسلام العشرة : " الناقض الثامن : مظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين ، والدليل قوله تعالى :" ومن يتولهم منكم فإنه منهم " .
وقال أحد علماء نجد كما في الدرر 9 / 291 :" فمن أعان المشركين على المسلمين ، وأمد المشركين من ماله بما يستعينون به على حرب المسلمين اختياراً منه فقد كفر " .
وقال الشيخ عبد العزيز بن باز ـ رحمه الله ـ : " أما الكفار الحربيون فلا تجوز مساعدتهم بشي ء ، بل مساعدتهم على المسلمين من نواقض الإسلام لقوله عز وجل :" ومن يتولهم منكم فإنه منهم " .
وسئلت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء عن حدود الموالاة المكفرة فأجابت :" موالاة الكفار التي يكفر بها من والاهم هي محبتهم ونصرتهم على المسلمين ؛ لا مجرد التعامل معهم بالعدل " .
وقال الشيخ صالح الفوزان ـ وفقه الله ـ :" ومن مظاهر موالاة الكفار : إعانتهم ومناصرتهم على المسلمين ، ومدحهم والذب عنهم ،وهذا من نواقض الإسلام وأسباب الردة والعياذ بالله من ذلك " .
وقال الشيخ عبد الرحمن البراك ـ حفطه الله ـ : " فإنه مما لا شك فيه أن إعلان أمريكا الحرب على حكومة طالبان في أفغانستان ظلم وعدوان وحرب صليبية على الإسلام كما ذكر ذلك عن رئيس الولايات المتحدة الأمريكية ، وأنّ تخلي الدول في العالم عن نصرتهم في هذا الموقف الحرج مصيبة عظيمة ، فكيف بمناصرة الكفار عليهم ، فإن ذلك من تولي الكافرين ؛ قال تعالى : (( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين )) وعد العلماء مظاهرة الكفار على المسلمين من نواقض الإسلام لهذه الآية ، فالواجب على المسلمين نصرة إخوانهم المظلومين على الكافرين الظالمي
خامساً :
وجوب الوقوف مع المسلمين المستهدفين بهذه الحرب الصليبية ، في أي بقعة من الأرض كل حسب استطاعته ، وعدم جواز التخلي عن أي مسلم يستهدف ظلماً وعدواناً ، والحرب على أفغانستان وحكومة طالبان ظلم وعدوان صريح، حيث لم تستطع أمريكا أن تقدم دليلاً مقنعاً على دور المسلمين في ما حدث في أمريكا ، وقد صرح بهذه الحقيقة أمير قطر بعد بدء الحرب وكذلك صرح قبله عدد من المسئولين العرب على أن أمريكا ليس لديها دليل ثابت على اتهاماتها ، بل قال أحد كبار المحامين البريطانيين : إن أدلة أمريكا على من اتهمتهم بالأحداث لا يمكن أن يقبل بها أي قاض أمريكي فضلاً عن غيره . ولذلك لا بد من نصرة إخواننا هناك وفي كل مكان .
قال سبحانه : "والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض " .
وقا صلى الله عليه وسلم :" انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً " .
وقا صلى الله عليه وسلم :" المسلم أخو المسلم : لايظلمه ولا يخذله " كما في حديث أبي هريرة ، وفي حديث ابن عمر :" لا يظلمه ولا يسلمه " .
كما أن الوقوف مع هؤلاء المسلمين من أعظم ما يدفع الله به البلاء عن الأمة ، والمسلمون كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر ، كما بين المصطفى صلى الله عليه وسلم ، والتخلي عنهم من أعظم أسباب غضب الله وحلول عقابه ، ومن خذل مسلما في مقام يستطيع فيه نصرته خذله الله .
سادساً:(66/374)
الحذر من نقل المعركة إلى داخل بلاد المسلمين ، وإحداث الفوضى والاضطراب فيها ، فإن ذلك يسر الأعداء ، ويمكّنهم من تنفيذ مخططاتهم بضرب الأمة وتفريق صفوفها ، وإغراقها في مشكلات لا حصر لها ، وباب التأويل في هذا الأمر واسع ، فيجب إغلاقه وسدّ منافذ الشر ؛ لما يترتب على ذلك من مفاسد لا تحصى ، والضابط في ذلك هو مراعاة قاعدة تحقيق المصالح ودرء المفاسد ، فهي قاعدة عظيمة لا يجوز إغفالها ، وبخاصة في هذه الفتن التي تعصف بالأمة .
كما أنصح الشباب بالبعد عن الحماس غير المنضبط ، والاستعجال غير المدروس لما له من آثار في العاجل والآجل ، وأن تكون تصرفات المسلم محكومة بأدلة الكتاب والسنة وقواعد الشريعة، قال سبحانه :" فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسولل إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلاً " .
وقا صلى الله عليه وسلم : " تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبداً : كتاب الله وسنتي " .
سابعاً :
يحب أن نحسن الظن بالله ، وأن نعلم أنه مالك الملك ، لا يعجزه شيء ، وأنه لن يقع شيء إلا بقضائه وقدره ، وهو لا يقضي إلا الخير ، فلا بد من التفاؤل ؛ حيث كان صلى الله عليه وسلم أشد الناس تفاؤلاً عند الأزمات الكبرى كما في الأحزاب وغيرها مع الأخذ بالأسباب المشروعة ، والبعد عن الإرجاف والخوف وتضخيم دور الأعداء ، " الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيماناً وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل ** فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم ** إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين ** ولا يحزنك الذين يسارعون في الكفر إنهم لن يضروا الله شيئاً يريد الله ألاّ يجعل لهم حظاً في الآخرة ولهم عذاب عظيم " ، "وقد مكروا مكرهم وعند الله مكرهم وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال " ، وأن نتذكر قوله تعالى :" يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحاً وجنوداً لم تروها ، وقوله :" لا تحسبوه شراً لكم بل هو خير لكم " .
وقوله :" فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً " ، وقوله :" لا تحسبوه شراً لكم بل هو خير لكم " .
وقوله :" ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل ** ألم يجعل كيدهم في تضليل ** وأرسل عليهم طيراً أبابيل ** ترميهم بحجارة من سجيل ** فجعلهم كعصف مأكول " .
ولا بد من تقوية الإيمان ، وألا نخشى إلا الله ، وأن نتوكل عليه ، ونفوض أمرنا إليه ، " ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيء قدراً " .
ثامناً :
أن نعلم أن ما أصابنا بسبب ذنوبنا ومعاصينا ، قال سبحانه :" وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفوا عن كثير "، وقد نقل عن عليّ ـ رضي الله عنه ـ :" ما نزل بلاء إلا بذنب ولا رفع إلا بتوبة ".
فلا بد من التوبة والإنابة والرجوع إلى الله ، والتضرع إليه ، والخروج من المظالم ، والربا ، مع وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وتحكيم شريعة الله في كل صغيرة وكبيرة ؛ في أنفسنا وبيوتنا وما ولينا ؛ لعل الله أن يكشف ما بنا من سوء ، "وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون " .
ولا بد من الاستغفار القلبي والعملي "وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون " .
وينبغي التسلح بسلاح الدعاء ، فإن الله يجيب دعوة الداع إذا دعاه وبخاصة المضطر " وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون " .
" أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء " .
" ادعوا ربكم تضرعاً وخفية إنه لا يحب المعتدين " .
نسأل الله أن يحفظ بلادنا وبلاد المسلمين من كل سوء وأن يرفع البلاء عن المستضعفين ، وأن يرد كيد الأعداء في نحورهم ، إنه سميع مجيب .
"اللهم منزل الكتاب ، ومجري السحاب ، وهازم الأحزاب ، اهزم اليهود والنصارى ومن حالفهم، وانصر المسلمين عليهم " .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه
==============(66/375)
(66/376)
من ينتصر لرسول الله ؟
يا أمة الإسلام داهمني الأسى فعجزت عن نطقٍ وعن إعرابِ
كيف أُصور المأساة التي وقعت ..والفاجعة التي حدثت ..وجرت فصولها أياماً عديدة ..دون أن يكون لها صدى في إعلامنا ..ودون أن يغلي الدم في عروقنا..قتلوا الشيوخ فسكتنا..وذبحوا الأطفال فصمتنا.. وهتكوا الأعراض فأُلجمنا..ولم يبق إلا سب نبينا..فلا ..وألف لا ..ومِنْ مَنْ ؟!! من دولة حقيرة يقال لها الدنمارك..فيا لله..حتى الأراذل والأصاغر رفعوا رؤوسهم علينا..وتجرؤوا على نبينا صلى الله عليه وسلم!!
أبناءَ أمتنا الكرامُ إلى متى يقضي على عَزْمِ الأبي سُباَتُ؟
أبناءَ أمتنا الكرَامُ إلىَ مَتى تَمتَدُّ فيكم هذه السَّكَراتُ ؟!
الأمرُ أمرُ الكفر أعلن حربَه فمتى تَهُزُّ الغافلين عِظَاتُ؟!
كفرٌ وإسلامٌ وليلُ حضارةٍ غربيَّةٍ، تَشْقَى بها الظُّلُماتُ
أين الجيوشُ اليَعْرُبيَّة هل قَضَتْ نَحْباً فلا جندٌ ولا أَدَواتُ؟!
الأمر أكبرُ يا رجالُ وإِنَّما ذهبتْ بوعي الأُمَّةِ الصَّدَماتُ
لقد شاهدت وشاهد المسلمون في العالم ما تناقلته بعض وكالاتِ الأنباء من قيام إحدى الصحف الدنمركية [1] لتصوير رسول الله صلى الله عليه وسلم في أشكال مختلفة ، ففي أحد الرسوم يظهر مرتدياً عمامة تشبه قنبلة ملفوفة حول رأسه !!. وأخرى يظهر النبي محمد كإرهابي يلوح بسيفه ومعه سيدات يرتدين البرقع ، ولا تختلف الصور الثمان الأخرى كثيرا عن ذلك.
أمة الإسلام ..هكذا يفعل النصارى الحاقدون مع نبينا صلى الله عليه وسلم .وبعضنا ينادي بألا نقول للكافر ..يا كافر ..بل نقول له الآخر ..احتراماً لمشاعره ..ومراعاة لنفسيته !! فهل احترم هؤلاء نبينا ؟!! وهل قدروا مشاعر أمة المليار مسلم!! وهل راعوا نفسيات المسلمين !!
وهكذا يفعل النصارى الحاقدون مع رسولنا r.. وبعضنا ينادي ألا نبغضهم ..ولا نظهر العداوة لهم !! وربنا يقول لنا : (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءكُم مِّنَ الْحَقِّ)) (الممتحنة:1).
وهكذا يفعل عباد الصليب بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم .وبعضنا يطالب بحذف الولاء والبراء من مناهجنا الدراسية..وننزعه من قلوبنا..لأننا في عصر الصفح والتسامح بين الأديان !!
فيا دعاة التسامح .. لماذا لمَّا طالبت الجالية الإسلاميةُ هناك تلك الصحيفة بالاعتذار ..والاعتذار فقط !! رفضوا الاعتذار..حتى رئيس الوزراء رفض محاسبة رئيس التحرير في تلك الصحفية بحجة حرية الصحافة !!
وهكذا يصنع عباد الصليب..جهارا نهارا..بنبينا r.. دون أن تكون هناك مقاطعات دولية، احتجاجاً على تلك التصرفات الرعناء !!
إن هذه الأفعال التي حصلت من الدنمارك ..وتؤيدها جارتها النرويج، وتسكت عنها الدولة الغربية.. برهان ساطع..ودليل قاطع..على أنها حرب صليبية بين الإسلام والنصرانية !! يقول الله تعالى: (( وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ )) (البقرة:217).
فهل يفهم أولئك الذين يخطبون وُدَّ الغرب هذه القضية أم لا يزالون في غيهم يعمهون !!
أمة الإسلام ..إنْ تخاذل رجالنا عن نصرة محمد صلى الله عليه وسلم .فلقد سطر التاريخ صورا رائعة ..ومواقف باهرة ..لنساءٍ نافحن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .فهذه أم عمارة رضي الله عنها في غزوة أحد الشهيرة..كانت تقاتل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .يميناً وشمالا..و تذود عنه سيوف الأعداء ..ونبال الألداء ..حتى أصيبت بعدة جراح ..فأين رجال الأمة ..الذين هم أولى بالدفاع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .والقتال دونه ..والذب عن مكانته ..فيا لله ..نساء تقاتل عن رسول الله ..ورجال يتخاذلون عن نصرته ولو بخطاب يعبر عن غضبة عمرية ..نساء تُكْلم في سبيل نصرة رسول الله ..ورجال يمتنعون عن استيراد بضائع الأعداء خوفاً على تجارتهم !!!
ويا لله ..المعتصم يحرك جيشاً عرمرما من أجل مسلمة صُفعة على وجهها ..ورسول ا صلى الله عليه وسلم يسب جهاراً نهارا.. ولم تحرك من أجله جيوش!!
فعذراً يا رسول الله ..إنْ تخاذلنا عن الدفاع عنك .. فإن بعضنا مشغول بالأسهم المالية !!
عذراً يا رسول الله..فإن المال أحب إلى قلوب بعضنا منك !!
عذراً يا رسول الله..فإن الأجبان الدنمركية ..أحب إلى بعضنا من الذب عنك !!
عذراً يا رسول الله ..فإن مصالحنا الدنيوية مقدمة عند بعضنا عليك !!
عذراً يا رسول الله ..فإننا نغضب أشد الغضب إذا اغتصبت أموالنا ..ولا يغضب بعضنا لك وأنت يُساءُ إليك علناً بلا حياء ولا خوف ولا وجل .
أيها المسلمون : إنْ تخاذلنا عن نصرة نبينا صلى الله عليه وسلم .فإن الله ناصر نبيه..معلٍ ذكره..رافعٌ شأنه..معذب الذين يؤذنه في الدنيا والآخرة.. في الصحيح عن صلى الله عليه وسلم : قال : يقول الله تعالى : ((من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب)) .(66/377)
فكيف بمن عادى الأنبياء ؟ يقول الله جل الله : : ((وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ )) (التوبة : 61) .
وقال الله سبحانه: ((إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُّهِيناً)) (الأحزاب : 57) .
ويقول الله جل جلاله: (( فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ )) (الحجر : 94 , 95).
يقول ابن تيمية رحمه الله : إنَّ الله منتقمٌ لرسوله ممن طعن عليه وسَبَّه ، ومُظْهِرٌ لِدِينِهِ ولِكَذِبِ الكاذب إذا لم يمُكِّن الناس أن يقيموا عليه الحد ، ونظير هذا ما حَدَّثَنَا به أعدادٌ من المسلمين العُدُول ، أهل الفقه والخبرة، عمَّا جربوه مراتٍ متعددةٍ في حَصْارِ الحصون والمدائن التي بالسواحل الشامية، لمَّا حاصر المسلمون فيها بني الأصفر في زماننا، قالوا: كنا نحن نَحاصِرُ الحِصْنَ أو المدينة الشهر أو أكثر من الشهر وهو ممتنعٌ علينا حتى نكاد نيأس منه، حتى إذا تعرض أهلُهُ لِسَبِّ رسولِ الله والوقيعةِ في عرضِه تَعَجَّلنا فتحه وتيَسَّر، ولم يكد يتأخر إلا يوماً أو يومين أو نحو ذلك، ثم يفتح المكان عنوة، ويكون فيهم ملحمة عظيمة، قالوا : حتى إن كنا لَنَتَبَاشَرُ بتعجيل الفتح إذا سمعناهم يقعون فيه ، مع امتلاء القلوب غيظاً عليهم بما قالوا فيه " انتهى.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ..
الخطبة الثانية
أيها المسلمون : نشرت جريدة الرياض في تاريخ 24/3/1426هـ عدد رقم (13462) خبراً مفاده أن المملكة العربية السعودية سحبت سفيرها السعودي - فيصل هاشم - من المجر بسبب ما أدلى به رئيس الوزراء المجري - فيرينك جيوركسانى - وصف فيها منتخب السعودية بأنه مجموعة من الإرهابيين العرب بُعيد تعادلٍ سلبي ما بين منتخب بلاده والمنتخب السعودي.
وقد تلقت وزارة الخارجية المجرية مذكرة من قبل السفارة السعودية تفيد بأنه قد تم استدعاء السفير السعودي لدى المجر لإجراء بعض المشاورات . أ . هـ
ونحن واثقون بأنه لن يكون المنتخب السعودي لدى ولاة الأمر أهم عليهم من رسول ا صلى الله عليه وسلم ، والدفاع عنه، والذب عن عرضه، والغضب من أجله، وكلنا ثقة بأن ولاة الأمر سيتخذون الإجراءات الصارمة التي تكف هذه الصحيفة الدنمركية عن سب رسول ا صلى الله عليه وسلم وتشويه صورته .
وستكون هذه الدولة قدوة حسنة للدول العربية والإسلامية في اتخاذ موقف حاسم تجاه هذه القضية الكبرى .
ويا رجال الأعمال..ويا تجارنا الكرام ..أبو بكر نصر الإسلام في وقت الردة..والإمام أحمد نصر الإسلام في وقت المحنة..وأنتم جاء دوركم.. وحان وقتكم..في نصرة نبيكم صلى الله عليه وسلم .لابد أن تكون لكم مواقف حازمة ، ومآثر رائعة غيرة لنبيكم r.
يا رجال الأعمال..أوقفوا كل التعاملات التجارية مع الدنمارك، حتى يتم الاعتذار علنياً ورسمياً من تلك الصحيفة، وتذكروا أن المال زائل ، لكن المآثر باقية مشكورة في الدنيا والآخرة، وأعظمها حب رسول ا صلى الله عليه وسلم والانتصار له، ولكم أسوة في الصحابي الجليل عبد الله بن عبد الله بن أبي بن سلول، في موقفه الحازم من أبيه، عندما آذى رسول ا صلى الله عليه وسلم ، وكيف أنه أجبر أباه على الاعتذار من رسول ا صلى الله عليه وسلم ، وإلا منعه من دخول المدينة ، في الحادثة التي سجلها القرآن الكريم : (( يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ )) (المنافقون : 8) .
وثبت أنَّ المنافق عبد الله بن أُبيِّ بن سلول تكلم على رسول ا صلى الله عليه وسلم بكلام قبيح ، حيث قال : والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل ..فعلم ولده عبد الله بذلك فقال لوالده: والله لا تفلت حتى تقر أنك أنت الذليل ورسول ا صلى الله عليه وسلم العزيز!! الله أكبر ..هكذا يغضب الرجال لرسول الله !! وهكذا ينتصر الأبطال لنبي الله !!
لم يأذن لوالده بدخول المدينة حتى يقر بأنه هو الذليل ورسول الله هو العزيز وقد فعل ..
لم يجامل والده !!
لم يداهن من أجل قرابته !!!
لم يتنازل عن الدفاع عن رسول الله من أجل مصالحه، فهو والده ومن يصرف عليه !!
إنه الإيمان إذا خالطت بشاشته القلوب ..يصنع الأعاجيب .
فهل يستجيب رجال الأعمال ..لهذا الواجب في الغيرة لنبيهم صلى الله عليه وسلم ؟
وهل يكفُّون عن التعامل التجاري مع الدنمارك حتى يتم تقديم الاعتذار الرسمي ، واشتراط عدم تكرار هذه الجريمة .
وأنتم أيها المسلمون ..أتعجزون عن مقاطعة منتجاتهم ..غيرة لنبيكم صلى الله عليه وسلم؟! حتى يعلم أولئك الأوغاد أن لرسول ا صلى الله عليه وسلم أنصاراً؛ لا يرضون أن يدنس جنابه ..أو أن يمس بسوء عرضه..ودون ذلك حزُّ الرؤوس
فإن أبي ، ووالدتي ، وعرضي لعرض محمد منكم وقاء(66/378)
فيا أمة الإسلام .. من ينتصر لرسول الله ؟!! من ينتصر لرسول الله؟!! من ينتصر ل صلى الله عليه وسلم الذي ضحى بكل ما يملك من أجل أن يصلنا هذا الدين ؟!!فكم أوذي من أجلنا ؟ كم بُصق على وجهه الشريف من أجلنا ؟!! كم طرد من أرضه من أجلنا ؟!! أنعجز بعد هذا الجهد ..وذاك النصب ..أن نقاطع منتجات الدنمرك ؟!! أو نكتب إلى سفارتهم خطابا نعبر فيه عن غضبنا عما حصل من تلك الصحيفة !!
نعم أيها المسلمون ..آن لنا واللهِ أن نقفَ وقفةً جادةً ..ونفجرَ غضبَنا عليهم بالأفعالِ التي لا يمكنُ تجاهُلُها ..تعالوا لنطعنَهم في شريانِهم الرئيسي، وفي سِرِّ قوتهِم ..تعالوا نطعنُهم في اقتصادِهم ..دون أن نخسرَ شيئاً..ونكونُ بذلك قد حطمنا جزءاً من كبريائهم..ولا يقلْ قائلٌ كم سيكونُ حجمُ مقاطعتي ..فإن المطلوبَ منك أن تبرأَ ذمتَك أمام اللهِ تعالى ..يقولُ النبي صلى الله عليه وسلم ((جاهدوا المشركين بأموالكم وأيديكم وألسنتكم ))[2].
وشكرا لأولئك الشباب الذين تواصوا من خلال رسائل الجوال بمقاطعة بضائع الأعداء..ولأولئك الذين جمعوا المنتجات الدنمركية لمعرفتها ومقاطعتها..ولأولئك الذين وضعوا المواقع على شبكة الإنترنت للدفاع عن النبي صلى الله عليه وسلم .فمزيداً من التواصي على الحق والبر والتقوى .
اللهم عليك بالنصارى الحاقدين، واليهود المفسدين ..اللهم عليك بهم فإنهم لا يعجزونك، ..اكفناهم بما تشاء يا سميع الدعاء .
[1] - اسم الجريدة ( جيلاندز بوستن/Jyllands-Posten, ) فقد نشرت ( 12 ) رسماً ( كاريكاتيرياً ) أو ساخراً يوم الثلاثاء 26 شعبان 1426هـ / 30 سبتمبر 2005 .
[2] رواه أحمد وغيره .
===============(66/379)
(66/380)
هل سيدعو البابا إلى حرب صليبيّة؟
د/ الشريف حاتم العوني
المشرف العام على اللجنة العالمية لنصرة خاتم الأنبياء 23/8/1427
16/09/2006
هل ينوي بابا الفاتيكان أن يتراجع عن تصريحاته المشينة؟ هل ينوي مستشاروه أن ينصحوه بذلك؟
سؤالان لن ينتظر المسلمون الإجابة عليهما ؛ لأنه لا يهمهم الإجابة عليهما؛ إلا أنّ هذا أدْعَى إلى إحلال السِّلمْ العالمي وإلى إشاعة روح الحوار بين أصحاب الديانات المختلفة، ولذلك فقط طرحتُ هذين السؤالين.
أمّا تصريح البابا فلا يحتاج إلى ردّ؛لأن التطرّف الذي أخرج هذا التصريح لا يردّ عليه إلا تطرّفٌ من الطرف الآخر، وليس الإسلامُ ولا المسلمون من أهل التطرّف، إلا ما يصنعه الجهلةُ من جميع الديانات ومن جميع أمم الأرض من إشعالهم بجهلهم ناره، ليأتي تصريحُ البابا الآن مُذكِياً لها، فسيكون عليه جزءٌ كبيرٌ من وِزْر هذا التطرّف، وعليه أن يتحمَّل مسؤولية الإرهاب الذي سينتج عنه!!
لو لم يكن في الإسلام إلا قول الله تعالى { إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون}[ سورة النحل:90]، لكفى في الردّ على النقل الذي يحتجّ البابا به، والذي يُوْصَف فيه النبيّ r بأنه لم يأت إلا بما هو سيء وغير إنساني.
ألا يعلم البابا أن أحد أركان الإيمان عند المسلمين: الإيمانُ بجميع الأنبياء والرسل ( عليهم السلام): كعيسى وموسى وإبراهيم ( عليهم السلام)؟! هل هذا من السيّء الذي جاء به النبيّ صلى الله عليه وسلم ؟!! لن يكون هذا من السيء إلا عند من أعماه حقده عن هذه العالميّة التي لا تتحقّق إلا في الإسلام، من خلال الدعوة إلى الإيمان بالرسل جميعهم عليهم السلام وتعظيمهم وتوقيرهم.
ألا يعلم البابا أن الإسلام هو عقيدة التوحيد الحقّة على وجه الأرض؟!
وأن ثالوث النصرانيّة التي يدين بها البابا ( المسيحيّة) لم ولن تستطيع أن تقنع الناس بأنها عقيدةٌ توحيديّة؟! فإذا كان من السيء الذي جاء به صلى الله عليه وسلم قول الله تعالى { قل هو الله أحد- الله الصمد- لم يلد ولم يولد- ولم يكن له كفوًا أحد}[ سورة الإخلاص]؛ فما هو الحسن الذي يريده البابا؟!! وما هو الإقناع الذي استطاعته المسيحيّة، وعجز عنه الإسلام؟!!!
لو لم يكن في الإسلام إلا هذا ،لكفى ليدلّ البابا أن ذلك النقل الذي احتجّ به نقلٌ لا يتفوّه به إلا من بلغ ظُلْمُهُ للحقيقة إلى درجة أنه ظن نفسه قادراً على أن يَحْجُبَ ضوءّ الشمسِ عن الناس بأن يضع كفّيه على عينه، فظنها حُجبت عن الناس بذلك!!!
إن تطرّفًا يصل إلى هذا الحدّ عند البابا، يجعلنا منتظرين منه أن يعلنها- ولو بعد زمن- صريحةً، كما أعلنها من قَبْل أسلافه من بابوات الفاتيكان في العصور الوسطى: الدعوةّ إلى الحرب الصليبيّة!!!
فهل نحن على وشك أن نسمع البابا في تصريح تالٍ له يدعو إلى الحرب الصليبيّة؟!!!
فلماذا إذن ينادي بالسلام ؟!! أم هو ينادي إلى الاستسلام والاستعباد لكل من ليس على دينه؟!!!
( السلام ) يا بابا الفاتيكان لا يقوم على تطرّف تصريحك، ولا يقوم على تصريحك إلا الحرب الدينيّة التي أجّجها من قبلُ أسلافٌ لك، فما عادوا في النهاية إلا بخيبة الأمل! والتاريخ يعيد نفسه، وسيعيد نفسه!
أعود وأسأل البابا بندكت السادس عشر: لماذا لا تكون جريئاً بما فيه الكفاية، لتصرّح بأنك تدعو إلى حرب صليبيّة ضدّ المسلمين؟!! فإنك إن لم تعتذر عن تصريحك، فإننا سنبقى منتظرين منك هذه الدعوة الصريحة إلى سفك دماء المسلمين وإبادتهم واستباحة أعراضهم وثرواتهم وأراضيهم؛ لأن تطرّف تصريحك الذي أعلنته لا يُنبيُْ إلا بهذا ، ولن يستطيع عقلاء المسلمين وعلماؤهم إقناع بقية المسلمين بغير هذا المعنى الذي دلّ تصريحُك المتطرّف عليه.
فإمّا أن يتدارك العقلاء الموقف، وإلا سيقود العالم دعاةُ الحرب والدمار!!!
============(66/381)
(66/382)
القضية ليست صدام حضارات!
بقلم/ د. ناوكي كومورو ترجمة : ميسرة عبد الراضي عفيفي/ طوكيو 13/8/1426
17/09/2005
التعامل مع حركات الصحوة (الإسلامية) على أنها هوس ديني يعبر عن جهل أمريكا
الذي جعل الأصولية المسيحية تشتهر بشدة هي (المونكي ترايال) أو ما يمكن ترجمتها ب :محاكمات القرد.
وهي المحاكمات التي تتعلق بنظرية التطوّر.
أحد معلمي المدارس الثانوية في الولايات المتحدة الأمريكية درّس لطلابه في المدرسة دروساً تعلمهم نظرية النشوء والارتقاء مما جلب عليه غضب أولياء الأمور، وانتهى الأمر بفصله من وظيفته، فرفع هذا المدرس قضية مطالباً اعتبار هذا الفصل فصلاً تعسفياً، و طالب بإعادته إلى عمله.
هذه هي البداية.
في هذه المحاكمة القضية التي أصبحت محل النزاع بلا جدال هي: ماذا يقول الكتاب المقدس؟
الكتاب المقدس يقول: إن الله هو خالق الإنسان. ومع هذا يأتي من يقول كلاماً فارغاً مثل: إن القرد قد تطور فأصبح إنساناً. من هنا جاءت تسمية : محاكمات القرد.
أول هذه المحاكمات حدثت في ولاية أركانسو في العشرينيات من القرن الماضي، لكن اللافت للنظر هو تكرار هذا النوع من المحاكمات بعد ذلك أكثر من مرة.
مؤخراً في ثمانينيات القرن العشرين حدث جدال واسع في أمريكا حول: هل يجب تدريس نظرية التطور أم لا؟
كما وضحنا (الأصولية المسيحية) شيء وثيق الصلة بالنسبة للأمريكان. لذلك عندما رأوا الثورة الإيرانية لا شعورياً أصدروا حكمهم السريع والجاهز بأنها نوع من أنواع (الأصولية المسيحية).
ونستطيع أن نتخيل أنهم في أعماق قلوبهم يحملون تصوراً خاطئاً مفاده: إن"محاولة إعادة المجتمع الإسلامي الذي كان موجوداً قبل أكثر من ألف عام هو شيء لا يفكر فيه إلا المهووسون الدينيون الذين يرفضون العلوم الحديثة.
بالفعل عندما حدثت الثورة الإيرانية قال الرئيس الأمريكي جيمي كاتر وكرّر أقوالاً تستند إلى هذا التصور الخاطئ. كرر أكثر من مرة القول: إن من قاموا بهذه الثورة هم أناس مجانين لديهم هوس ديني. أيضاً وسائل الإعلام الأمريكي والأوروبي كررت بث المعلومات التي تكوّنت من نفس التصور.
في الأصل الفاندمنتاليست fondementalisme(الأصولي) في المسيحية هو من يضع المشكلة في الإيمان القلبي فقط. و (الأصولي) في المسيحية هو من يؤمن بكل ما هو مكتوب في الكتاب المقدس كما هو. أي أنه ليس (للأصوليين المسيحيين) أي قوانين خاصة بهم.
في المقابل، إذا نظرنا إلى الإسلام على أي وجه من الوجوه، لا سبيل فيه إلى ظهور (أصولي) يدعي أن من يؤمن فقط بالقرآن(دون عمل) سيفلح.
القرآن نفسه يدعو المؤمنين به إلى الفعل الخارجي، بمعنى أن القرآن يطالب بالمحافظة على أوامره ونواهيه.
وبذلك فظهور (أصولي) على الطريقة المسيحية هو شيء غير وارد على الإطلاق في الإسلام. لكن الغربيين -وخاصة الأمريكيين منهم- لا يعلمون بدائيات البدائيات في الإسلام هذه، ثم يتعاملون مع حركات الصحوة الإسلامية على أنها حركات لأناس متخلفين ومهووسين دينياً.
وبناء على هذا فإن عدم اعتراض العالم الإسلامي على هذه المعاملة يكون هو الشيء المستغرب.
إن المسلمين ليسوا مهاويس دينياً على الإطلاق. إنهم يعانون بجدية من وضعهم الراهن، ويحاولون عمل حركة تصحيحية تعود بهم إلى الأصول. وهو ما لا ينبغي تشبيهه بالأصولية المسيحية، بل يجب على العكس تشبيههم بجون كالفن ومارتن لوثر.
بالطبع فيهم بعض المتطرفين لكن التعامل مع حركات الصحوة الإسلامية جميعها على أنها كلها حركات تطرف، سيزيد حقد العالم الإسلامي على أمريكا، ولن يحدث أي تفاهم بينهما أبداً.
حرب الخليج زادت من عقدة الحروب الصليبية لدى المسلمين:
الحروب الصليبية لها دلالة خاصة لدى المسلمين
يعاني العالم الإسلامي حالياً بسبب التناقض بين دخول العصر الحديث وبين العودة إلى الأصول.
ماذا فعل العالم الغربي إزاء ذلك؟
هل تفهّم معاناة العالم الإسلامي هذه وحاول أن يقدم له يد المساعدة؟
هيهات.
هؤلاء المسيحيون ما فعلوه هو شيء شبيه بتكديس الملح في قلوب المسلمين الدامية.
حرب الخليج التي بدأت أحداثها عام 1990 كانت كذلك.
دراسة وتحليل هذا الحادث الضخم، عرضته في كتابي " انتقام العرب" لذلك سأختصر التفاصيل هنا، لكن التصرف الذي قامت به أمريكا هو بالفعل السبب في استعادة صورة الحروب الصليبية لدى المسلمين.
ألا وهو وطء الجيش الأمريكي الأراضي السعودية والبقاء فيها. بالنسبة للمسلم لا توجد إهانة أكبر من ذلك؛ لأن السعودية توجد بها الأماكن المقدسة للمسلمين مكة والمدينة.
هذه صدمة لهم أكبر من صدمة الحروب الصليبية.
في الماضي حتى الجيوش الصليبية لم تجرؤ على الاقتراب من مكة أو المدينة. حقاً القدس ثالثة المدن المقدسة، لكن حرمتها لا تقارن أبداً بهاتين المدينتين مكة والمدينة.
الويل لأمريكا.
لا داعي للقول: إن كل مسلم لديه قلب، انتشر داخله الحقد على أمريكا.
بعد ذلك أعلنت بعض المنظمات الإسلامية بدء الجهاد ضد أمريكا.
نظرية صدام الحضارات لن تفهمنا القضية في وضعها الصحيح:
توجد فجوة حقيقية بين الإسلام والغرب.
وهي فجوة عميقة وواسعة.(66/383)
العالم الإسلامي يعاني من تحديات الاختيار بين التحديث وبين العودة إلى الأصول .
في حين أن الغرب ليس لديه أي علم بمعاناة العالم الإسلامي، ولا يحاول حتى معرفة ذلك. طبعاً لا مجال للحديث عن التعاطف مع المسلمين.
يظهر ذلك جلياً في زلة اللسان المشهورة للرئيس جورج بوش (الابن) وقوله: إنها حرب صليبية (كورسيد).
إنه يصف إرسال الجنود إلى أفغانستان بإرسال الجيوش الصليبية في الماضي.
بالضبط كما يقولون: كمن ألقى زيتاً على النار، لا بل كمن ألقى خزانات ضخمة من الوقود على النار.
بالإضافة إلى أن والد الرئيس بوش الذي زل هذه الزلة الكبرى، هو الرجل الذي قرّر إرسال الجيش الأمريكي إلى المملكة العربية السعودية والخليج " لتحرير الكويت ".
السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية هدفها القضاء نهائياً على المسلمين، مثلما كان هذا هو هدف الحروب الصليبية. لا حيلة لأمريكا في الدفاع إذا ما اعتقد المسلمون ذلك. عقدة الحروب الصليبية زادت أكثر وأكثر.
بَيْد أن الحكومة الأمريكية المعنية بالأمر، لا تعرف أي شيء عمّا يحمله المسلمون في قلوبهم من مشاعر كهذه. وهذا ما يُعقّد القضية.
ويمكننا القول: إنه لا يوجد الشيء الذي يمنع هذه الدائرة المفرغة إلا أن يدخل الرئيس الأمريكي نفسه في الإسلام. كما دخل المغول سابقاً في الإسلام، يدخل الرئيس جورج بوش في الإسلام. إذا فعل ذلك فستزول عقدة الحروب الصليبية لدى المسلمين أو على الأقل ستقل إلى درجة كبيرة جداً.
لكن بالطبع الأمريكي الذي ليس لديه أي معرفة بالإسلام، لا يستطيع الوصول بتفكيره إلى مثل هذا الحل العبقري.
إذن.
كاتب هذه السطور يعلنها مدوية.
حتى لو تم القبض على بن لادن، حتى لو تم القضاء على القاعدة، وعلى كل التنظيمات المتطرفة، لن ينتهي الصراع بين الإسلام وأمريكا ومعها الغرب.
مهما استخدمتم من قنابل، لن تستطيعوا أن تزيلوا عقدة الحروب الصليبية التي توجد في داخل كل مسلم. وبالطبع لن تستطيعوا أيضاً أن تساعدوا العالم الإسلامي في حل المشاكل التي يعانيها.
صراع المجتمعات الغربية مع المجتمعات الإسلامية ليس مجرد "صدام حضارات".
إنه صراع تاريخي يتواصل لأكثر من ألف عام، وله جذور عميقة جداً.
وعلى فرض أن أمريكا انتصرت هذه المرة في "الحرب على الإرهاب"، فهو ليس إلا انتصار لحظي. ويجب على السادة القرّاء وضع هذه الكلمات في وعيهم وعدم نسيانها.
إسلام يعاني.
أمريكا تتغطرس.
متى يا ترى يأتي اليوم الذي يتفاهمان فيه ؟!
==============(66/384)
(66/385)
مكارثية أمريكية جديدة.. ضد الإسلام لا الشيوعية!
محمد جمال عرفة 1/7/1423
08/09/2002
في خمسينيات القرن العشرين الماضي شنت الولايات المتحدة حملة اضطهاد ضد كل من تشك أنه شيوعي، حتى طالت الحملة أبرياء تم التحقيق معهم وظلمهم فيما اشتهر باسم (المكارثية) نسبة إلى المحقق الأمريكي الذي كان يدير هذه الحملة .
وقد ظلت هذه المكارثية ( معناه أصبح مرادفًا للاضطهاد والظلم) تلاحق تصرفات الإدارة الأمريكية نفسها في تعاملها مع القضايا العربية والإسلامية ، حتى تحولت مع انهيار الاتحاد السوفييتي إلى مكارثية دينية ضد العالم الإسلامي، تصاعد معها الخطاب المعادي للإسلام كدين، ولم يعد الأمر يقتصر على عداء المسلمين فقط ،ولكن امتد لنقد الإسلام -كعقيدة- ونبي الإسلام، وتعاليم القرآن !.
ولقد تجلت هذه المكارثية في لغة دينية عميقة من قبل الإدارة الأمريكية ، وحديث بوش عن شن حرب صليبية (C r USADE) ، كما أصبح الرئيس يخطب بمصطلحات دينية في كل خطبه ، ويستحضر دائمًا كلمات الإنجيل في الصراع بين الخير ( أمريكا) والشر ( الإرهابيون المسلمون) ، وكيف أن المسيحية انتصرت من قبل على هؤلاء الأشرار .
بل إنه في خطابه الأخير للشعب الأمريكي بمناسبة مرور عام على أحداث 11 سبتمبر قال للأمريكيين : ( هيا بنا نصلي ونقرع الأجراس ونضيء الشموع لتقديم مرتكبي العمليات الإرهابية للعدالة ) فيما وصف بأنه تحضير علني لضرب العراق !
وهنا لا يجب أن ننسى أن حزب بوش الجمهوري محافظ، وله روابط بما يسمى (التحالف المسيحي) ، ويتبنى غالبية أفكاره الدينية .
أيضًا كان القس (اشكروفت) الذي يتولي منصب وزير العدل أكثر مكارثية من بوش وكان له قاموس يتكلم به مليء بالمصطلحات الكنسية ،حتى أن أحد الصحفيين الأمريكان كتب يقول إنه الوحيد من الزعماء الذين وصفوا سقوطهم السابق في الانتخابات بـ "الصلب" صلب المسيح ،ووصف حادثة الترقية والصعود بعد الخسارة بأنها كانت كـ "إنقاذ ورفع المسيح وعروجه للسماء" (إذاعة "ناشيونال ببلك راديو" يوم الخميس 11/4/2002 م ) .
واشكروفت هذا كان أول من هاجم القرآن علنًا ، وهاجم دين الإسلام واعتبره دين الموت حيث قال: (إله المسيحية يضحي بابنه من أجل الحياة ..أما إله المسلمين فيأمرهم دينهم بأن يرسلوا أولادهم للموت ).
وقد وصل الأمر بشخص يدعى (جيمس روبين) - المتحدث السابق باسم الخارجية الأمريكية، والنائب لوزيرة الخارجية السابقة (أولبرايت) في حكومة كلينتون- لكتابة مقال في جريدة (الجارديان) البريطانية شهر يوليه 2002 استقى فكرته من آراء رئيس الوزراء الصهيوني السابق (بنيامين نتنياهو) ينصح فيه العالم الغربي بأن يحافظ على المسلمين أذلاء وفقراء لأنهم (كلما تحرروا أو اغتنوا تمردوا ).
ومعروف أن نتنياهو سبق أن تحدث أمام الكونجرس في غمرة الانتفاضة، داعيًا لتجفيف ينابيع الإسلاميين حتى يتوقف (العنف) ضد الإسرائيليين والأمريكان ، وطرح فكرة السيطرة على الثروة في بلاد الخليج العربي وإفقار السكان فيها ، ومنع خروج المعونات عبر الجمعيات الخيرية ، بل إن الفكرة ينفذها شارون حاليًا ضد الفلسطينيين باعتبار أن الجائع - كما يتصورون- لن يحارب وسيظل ملهيا بالبحث عن كسرة خبز .
ما هو هدفهم ؟
ومع أن بعض الدوائر الأمريكية دعت لعدم مهاجمة الإسلام كدين، معتبرة أن بعض أتباعه فقط هم الذين أخطؤوا ، فقد استمرت الحملة وتوسعت، وبدأ الكثيرون من المكارثيين بالدعوة إلى السعي لتشوية الدين الإسلامي في عيون المسلمين كي ينفضوا عنه !.
بل إن دوائر ثقافية أمريكية مؤثرة اعتمدت - كما تقول مجلة "موثر جونز" عدد شهر يونيه 2002 م - اعتمدت فكرة إشاعة التشكيك في القرآن من جانب المثقفين الغربيين ، وانتقدوا عدم قيام العالم النصراني والإعلام الغربي عقب 11 سبتمبر بـ "التشكيك في صحة القرآن" كحل لإنهاء التعصب الإسلامي وإيجاد بدائل له !.
وقد نجحت هذه الحملة في دفع العديد من الصحف والمجلات الأمريكية والغربية وكذلك العديد من القساوسة للهجوم علي الدين الإسلامي، واعتباره منبع الشر الذي يغترف منه "الإرهابيون" ، وشاركهم مثقفون صهاينة بالتركيز على نموذج الاستشهادي الفلسطيني الذي يفجر نفسه، ويقتل نفسه بسبب تعاليم الإسلام .
ولذلك عادت القنوات التلفزيونية الأمريكية والمجلات والجرائد لنصب ما يمكن أن تسميه محاكمات للقرآن ،والهجوم عليه ، وظهر بعض القساوسة الشواذ ليهاجموا الإسلام والعرب بطريقة جنونية مثل القسيس "فالول" .
بل إن الأمريكان بدأوا التحرك لشراء ذمم مسلمين وعرب بالمال؛ كي يسيروا في ركابهم ويهاجموا هؤلاء الإرهابيين المسلمين، فيأتي النقد من البلاد الإسلامية ليكون السم أنقع .(66/386)
حيث أكدت صحيفة (واشنطن بوست) 31 أغسطس الماضي، أن الخارجية الأمريكية رصدت 25 مليون دولار لتمويل برنامج يرمي إلى استمالة صحفيين ونشطاء سياسيين، وقيادات نقابية عربية في محاولة لتعزيز سياستها في المنطقة، والهدف الرئيس لهذا البرنامج - كما قيل - هو (إيجاد صمامات أمان سياسية في المنطقة التي تتزايد فيها المشاعر المعادية للولايات المتحدة) !.
أما صحيفة (نيويورك تايمز) فسعت لتلميع شخصيات عربية وإسلامية لا أصل فكري لها بدعوى أن لها رؤية في إعادة صياغة الفكر الإسلامي، وبالطبع لن نذكر الأسماء حتى لا نلمعها !!.
وما يثار حول هذه المكارثية التي تضرر منها مسلمو أمريكا، حتى أصبح من المعتاد إنزال راكب من طائرة أو أتوبيس لأن اسمه عربي أو مسلم ، واضطهاد موظفة لأنها محجبة ، ما يثار هو دفع البعض في أمريكا لإصدار سلسلة مقالات بعنوان 0المكارثية الجديدة بعد 11 سبتمبر) ساقت قصص الأمريكان الذين تعرضوا لأذى من مؤسسات حكومية، والطلاب الذين طردوا من الجامعات والمدرسين الذين أبعدوا من الكليات .
وقد روى لي الدكتور (عبد الرحمن العمودي) أمين عام المجلس الإسلامي الأمريكي - في لقاء بالقاهرة - كيف أنه عندما قررت جامعة (نورث كارولينا) تعليم الإسلام لطلابها قامت عليها حملة لم تقعد بعد، وقال المذيع التلفزيوني (بيل أورايلي) إن تعليم القرآن اليوم هو مثل تعليم (كفاحي) أي كتاب هتلر في الحرب العالمية الثانية ، وكيف أن المسلمين يسعون لإبطال هذه الهرطقات الأمريكية .
والطريف أن المحافظين المسيحيين ( من جمعية مسيحية تدعى "مركز جمعية العائلة الأميركية للقانون والسياسة") الذين اعترضوا على تدريس هذا الكتاب في إطار مادة مقارنة الأديان، ورفعوا قضايا أمام المحاكم على الجامعة اعتبروا هذه الخطوة "استخفاف" بدستور الولايات المتحدة ، وأعربوا عن الخشية من انتشار أفكار يتم تلقيها حول الإسلام بين الطلاب بعد اعتداءات 11 سبتمبر !.
أما الكتاب (سبب المشكلة) واسمه "مقاربة القرآن " فيسعى لتوضيح أثر النبوءة على حياة المسلمين اليومية ، والأغرب أن بوش عزل قضاة محكمة أمريكية مؤخرًا لأنها اعتبرت ترديد نشيد مسيحي ديني غير دستوري ، واضطرت محكمة أخرى لاعتباره دستوريًا !؟ .
حملة ضد العلماء المسلمين
ولم يقتصر الأمر على محاربة عقيدة المسلمين ، ولكن امتدت الحملة - بالطريقة المكارثية القديمة نفسها- لتطال العلماء العرب والمسلمين في أمريكا ، حيث بدأت السلطات الأميركية حملة واسعة تهدف إلى طرد عدد من أساتذة الجامعات والعلماء العرب من أراضيها بزعم تعاطفهم مع التيارات الإسلامية .
وكان أول من دفع ثمن ذلك هو الأستاذ الجامعي الفلسطيني (مازن النجار) الذي تم طرده خارج البلاد وهو أستاذ بجامعة فلوريدا ،كما اتهمت جامعة فلوريدا الجنوبية أستاذين جامعيين سابقين يقيمان فى (تامبا) بفلوريدا ، بإقامة علاقات مع حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين المدرجة على القائمة الأميركية للمنظمات المتهمة بنشاطات إرهابية .
وتم طرد أحدهما بالفعل من الولايات المتحدة، حيث تلقى (مازن النجار) المدرس السابق للغة العربية في الجامعة نفسها أوراقًا من إدارة الهجرة ترغمه على مغادرة الولايات المتحدة الى دولة شرق أوسطية لم يكشف عن اسمها وتم طرده إليها .
أما الأستاذ الجامعي الثاني فهو (سامي العريان) الذي أوقف عن العمل منذ قرابة سنة ويخضع لتحقيق فيدرالي عما إذا كانت المؤسسة الدولية للدراسات الإسلامية التى أسسها فى جامعة فلوريدا الجنوبية قدمت أموالاً لحركة الجهاد الإسلامي أم لا ؟.
والأغرب أنه تم تشديد القيود على الدارسين المسلمين والعلماء خصوصًا في مجالات الطاقة النووية والبيولوجية ، ووضع ملفات لهؤلاء في تصرف أجهزة المخابرات الأمريكية ، ومنع تدريس هذه المواد المتقدمة للطلبة العرب والمسلمين ، وتحويل من بدأ في هذا المجال لمجالات أخرى أدبية أو غير علمية؛ بهدف منع المسلمين من الحصول على التكنولوجيا المتطورة .
وقد بلغ الصخب الذي جلبه المحافظون المسيحيون ضد تدريس الإسلام في الجامعات المريمية بكاتب يهودي مثل (توماس فريدمان) في صحيفة نيويورك تايمز 28/8/2002 أن ينتقد هذا التعسف الديني الأمريكي المسيحي ضد تدريس الاديان الأخرى، حيث قال (إن الجلبة التي يحدثها بعض المسيحيين المحافظين بشأن قرار جامعة نورث كارولاينا، بالاشتراط على طلابها الجدد قراءة كتاب عن القرآن هي من أكثر الأمور الباعثة على الحرج منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر؛ لأنها تعكس سوء فهم عميق لماهية أميركا وتقليدًا سمجا للأنظمة القمعية في الدول العربية والإسلامية ).
وقال لهؤلاء المتطرفين المسيحيين : (اسأل نفسك مثلا ماذا سيكون موقف أسامة بن لادن لو علم أن جامعة الرياض اشترطت على الطلبة الجدد قراءة الإنجيل والتوراة؟ بالطبع سيفعل ما يقوم به حاليا المناوئون للقانون الجديد في جامعة نورث كارولاينا ) .(66/387)
وبالطبع لم ينس هذا الخبيث اليهودي أن يرسل رسالة يقول فيها : ( إن المشكلة ليست في قيام الطلاب الأميركيين في قراءة القرآن ، بقدر ما هي عدم قيام الطلاب السعوديين ومسلمين آخرين بقراءة النصوص المقدسة في الحضارات الأخرى فضلاً عن أدب الديمقراطية الأميركي، مثل لوائح الحقوق والدستور ووثائق الاتحاد الأميركي ) .
تحذيرات
وقد دفعت هذه المكارثية البغيضة مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية (كير ) - مع دخول ذكري 11 سبتمبر - لتوجيه تحذير للرئيس بوش من تصاعد الخطاب المعادى للإسلام فى الولايات المتحدة ، وطالبته بإدانة هذا الخطاب العداء للإسلام والمطالبة بوقفه، واتخاذ الخطوات الأمنية اللازمة لحماية المسلمين ومؤسساتهم في فلوريدا وفى مختلف أنحاء الولايات المتحدة .
وقال المجلس في بيان أصدره مؤخرًا أن الشعب الأمريكي يتعرض بصفة يومية لسيل من الخطابات المعادية للإسلام من جانب اليمين الأمريكي واللوبي الموالى لإسرائيل، ولا يلقى هذا الخطاب في معظم الأحيان أي تحدٍ من القيادات السياسية .
وحذّر المجلس من أن هذا سيؤدي حتما لتحول خطاب الإساءة والعداء للإسلام بمرور الوقت على أيدي أقلية مليئة بالكراهية إلى أحداث عنف، مشيرًا إلى أن صورة الإسلام والمسلمين تعرضت خلال الشهور الأخيرة لسيل من الإساءات الخطيرة .
كذلك حذّر من أنَّ تصاعد خطاب العداء للإسلام والمسلمين من قبل اليمين المتشدد واللوبي الموالي لإسرائيل في الولايات المتحدة بات يمثل تهديدًا خطيرًا وحقيقيًا للعلاقات الإسلامية الأمريكية بصفة عامة ولسلامة وأمن المسلمين المقيمين في أمريكا بصفة خاصة وذلك بعد إعلان السلطات الأمريكية عن اعتقالها لطبيب يهودي أمريكي كان يخطط لتفجير عدد من المراكز والمؤسسات الإسلامية بولاية فلوريدا وبحوزته كمية كبيرة من الأسلحة والمتفجرات .
وكان استطلاع لآراء المسلمين في الولايات المتحدة أجراه مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية في أوائل شهر أغسطس الحالي، قد أشار إلى أن 57 % من مسلمي أمريكا تعرضوا للتمييز منذ أحداث 11 سبتمبر، وأن 87 في المائة من مسلمي أمريكا يعرفون مسلمًا واحدًا على الأقل تعرض للتمييز خلال الفترة نفسها .
في وقت سابق تم العثور مع الطبيب اليهودي الأمريكي المتهم بولاية فلوريدا (روبرت جولدشتاين ) على ترسانة أسلحة ومتفجرات تشتمل على أكثر من 30 جهاز تفجير وقائمة بأسماء حوالي 50 مركزًا إسلاميًا بولاية فلوريدا، وخطة مفصلة لتفجير أحد المراكز التعليمية الإسلامية بالولاية ، وتحتوي الخطة التي يشار فيها للمسلمين بعبارات مسيئة للغاية - على تعليمات مفصلة لكيفية تفجير مؤسسة إسلامية بشكل يلحق أكبر ضرر بها ويؤدي إلى سقوط المبنى ، ويحول دون وصول الشرطة إلى مكان الحادث بشكل سريع .
وقد وصل العداء والمكارثية حدًا أن الشرطة وأجهزة الأمن الأمريكية لم تبلغ حتى الضحية بالمؤامرة، خصوصًا أن شريك المتهم هارب حتى يتخذوا الاحتياطات وكأنهم يتمنون أن ينفذ تهديداته !
فهل حوّلها بوش حربًا صليبية بالفعل ؟ وهل يعي رد فعل المسلمين ، والأهم : هل استعد المسلمون ؟
==============(66/388)
(66/389)
الجامعة العربية سجل حافل بالفشل!
الإسلام اليوم - عبد الرحمن محمد 26/11/1423
29/01/2003
أكدت ندوة "فشل العمل العربي المشترك وتداعياته على الأمن القومي العربي " والتي عقدها مركز الخليج للدراسات الاستراتيجية بالقاهرة هذا الأسبوع أن الجامعة العربية - رغم فشلها في تحقيق الحد الأدنى من أهدافها، وأهمها التضامن العربي- إلا أن عدم تشجيعها والوقوف خلفها في ظل الأزمة المعقدة التي تمر بها الأمة العربية في ظل تصاعد الضغوط عليها والتهديدات الأمريكية بشن عدوان على العراق قد ينهي آمال العرب حول دور الجامعة نهائيا، وكان الدكتور عمر الحسن مدير مركز الخليج للدراسات الاستراتيجية افتتح الندوة بقوله إن الجامعة العربية وأمينها العام قد بذلا جهدا كبيرا لحشد الدعم العربي وتفعيل آليات العمل العربي المشترك، إلا أن هناك ملفات عديدة فشلت الجامعة أن تلعب دورا حيويا فيها، أو أن استراتيجية الجامعة فيها كانت فاشلة، وأهمها ما يطلق عليها ملف الحالة بين العراق والكويت، حيث لم تنجح في كسب ثقة البلدين في أي قضية، فلقد اتهمت بغداد الأمين العام السابق بالانحياز للكويت، بينما اتهمت الكويت عمرو موسى بأنه عراقي الهوى وكذلك كان أداء الجامعة في قضية الأسرى قاصرا، وفشلت في الوصول إلى حل يرضي الطرفين، وأرجع د. الحسن فشل الجامعة إلى العديد من الأسباب أهمها عدم قدرة الجامعة على فرض سلطة إلزامية على الأعضاء ووجود خلل إداري وانتشار المحسوبية، وعدم نجاح الجامعة في تنفيذ حركة الإصلاح وافتقاد الجامعة لثقة أعضائها لقيامها بدور لتفعيل العمل العربي المشترك، لدرجة أن "بنيامين نتانياهو" قال عندما كان رئيسا للوزراء إن أفضل مكان لقرارات الجامعة العربية وقممها المتتالية سلة مهملات، وكانت المداخلة الرئيسة خلال الندوة للدكتور عبد الله الاشعل مساعد وزير الخارجية المصري للتخطيط السياسي، حيث أشار إلى أن الفاعلية العربية وصلت إلى أدنى مستوى درجاتها منذ الحرب العالمية الثانية كون العالم العربي مفتقدا لإدارة الصمود وإصابته بحالة انسحاب وانكماش قطري وتفككت قدرته على الفعل.
العجز العربي
وحصر د. الأشعل خصائص الحالة العربية في النقاط التالية:
أولها: شيوع حالة عامة من العجز وخصوصا بعد أحداث 11 سبتمبر سواء في مواجهة إسرائيل أو الولايات المتحدة، وعدم القدرة على العثور على حلول عملية للمشاركة العربية بسبب انعدام الخيارات الحقيقية أمام صانع القرار العربي.
ثانيا: اتجاه القرارات العربية على مستويات القمة والمستويات الوزارية إلى المهادنة، وأكبر مثال على ذلك صدور قانون الكونجرس باعتبار القدس عاصمة إسرائيل من وجهة النظر الأمريكية، مما فتح الباب أمام افتتاح السفارة الأمريكية في القدس الشرقية،
ورغم أن هذا الموقف يعد أكبر تحدٍ للوضع القانوني للقدس منذ قيام إسرائيل، ثم تعزز هذا الموقف الخطير بمعارضة واشنطن في الجمعية العامة أوائل ديسمبر 2002 لمشروع القرار الفلسطيني التقليدي الذي يقدم منذ سنوات بشأن الموقف والمركز القانوني للقدس، ورغم خطورة الموقف الأمريكي والكلام مازال للسفير الأشعل إلا أن العالم العربي لم يعلق على الموقف ولم يندد به رغم خطورته، بل إن وزير الخارجية المصري أحمد ماهر أثنى على ما سماه"بتمسك بوش بأن حل قضية القدس يأتي بالمفاوضات".
ثالثها: إدراك العالم العربي للظلم الأمريكي والقهر وفرض الأمر الواقع، سواء في فلسطين حيث تتسامح واشنطن مع إسرائيل في إبادة الشعب الفلسطيني، وتقدم مبادرات لتضييع الوقت ريثما تفرغ إسرائيل من مهمتها دون أن تقدم دليلا جديا على عملها لتفعيل السلام، ومع ذلك يعلن العالم العربي تقديره للجهود الأمريكية ويحث واشنطن على المزيد، ولا يعترض رسميا على الانحياز الأمريكي لإسرائيل، ومما يزيد الأزمة تفاقم حملة الإرهاب المعنوي للطغيان الذي تمارسه واشنطن، والتي جعلت كل دولة عربية تدرك أنه من الحكمة النجاة بنفسها من هذه الفتنة، فتسابقت الدول العربية جميعًا إلى خطب ود واشنطن.
مأساة الشعب العراقي
ويصف السفير الأشعل المشهد العراقي بأنه مأساة لا تحتاج إلى تعليق ففي وقت أحكمت واشنطن فيه قبضتها العسكرية على كل دول ومياه الخليج وتركيا، وأحكمت تحالفها وتخطيطها مع إسرائيل وجعلت المواطن العربي يشعر بالقهر إزاء ما يعانيه من عوامل الإحباط والعجز مقابل الجبروت الأمريكي والإعلان اليومي عن خطط لغزو العراق، ومما يدلل على حجم الكارثة أن وزراء الخارجية العرب والأمين العام للجامعة العربية يلقون باللوم على العراق ويطالبونه بقبول جميع القرارات الدولية رغم أن القرار الأخير رقم 1441قد ألغى مظاهر السيادة واستباح كل شيء.
أما خامس محاور الخيبة العربية فهي المؤامرة على وحدة السودان في ظل اتفاق مشاكوس، وهزال الموقف العربي ورد فعل الجامعة العربية، حيث يفتقد كل العرب إلى أي رؤية بخصوص السودان والصومال والقرن الأفريقي عموما، وربما يغيب عنهم أن هناك مخططا أمريكيا إسرائيليا يستهدف أطرافه وقلبه، وأنه ينتشر في جسمه كالسرطان.(66/390)
وأشار الأشعل إلى أن الهزيمة الأولى للعمل العربي المشترك كانت في عام 1967م عقب الهزيمة العربية المريرة، أكملتها الكارثة الثانية بغزو العراق للكويت، وتراجع دور مصر الدولة القائدة وانفراط العقد العربي وانكماش العلاقات البينية العربية لصالح الجانب الأمريكي، الذي عمل جاهدا للقضاء على أية فرصة للعمل العربي المشترك للصالح العربي أوضح د. الأشعل أن الجامعة العربية كانت دائما ضحية ضعف النظام العربي اعتباره مرآة لذلك الضعف، فبعد الكوارث العربية 48، 67وتضاؤل الآثار السياسية لنصر 1973 الذي هيأ موقفا متماسكاً للجسد العربي، لكنه تفتت مرة أخرى بالاختلاف العربي حول السلام مع إسرائيل، مما أسفر عنه قطيعة تامة بين العرب في وقت رشح العراق نفسه لخلافة الدولة العربية القائدة بمواصفات أمريكية، وكان الاختيار الأمريكي متمثلا في الزج بالعراق في حرب مع إيران لثماني سنوات، ثم استدراجه إلى غزو الكويت وما تبعه من أحداث فانكشف النظام العربي الذي لم يكن يتعافى بعد التئام العلاقات المصرية - العربية لعدة أشهر.
خلط بين السلام والاستسلام
وشدد الأشعل إلى أن خروج الجامعة العربية من مصر كان أكبر كارثة على العمل العربي المشترك، وانفصل الرأس وهو مصدر عن الجسد العربي وعانى الطرفان مما أضعف قدرة الجامعة العربية والنظام.
أما غزو العراق للكويت فقد أجهز تماما على النظام والجامعة كليهما، وأسلم القضية الفلسطينية إلى مدريد التي انطلقت من قناعة عربية بالسلام بديلا عن الحرب "مقابل سلام إسرائيلي" يمثل أداة لتحقيق المشروع الصهيوني ويباعد بين موازين القوة ويعرض المنطقة خلال عملية السلام إلى خلط بين السلام وعملية جلبه، فافترضت إسرائيل أن مجرد الاتفاق على العملية أو الحديث عن السلام يعني أنه أوجب أن تجني إسرائيل ثماره من المنطقة ومن العالم بأسره، واستمر الثبات الإسرائيلي مقابل الاسترخاء العربي.
فالمتتبع لأحوال الجامعة يحس أنها أرهقت من تحولات وتقلبات النظام العربي، ولكنها أسلمت الروح بالفعل نتيجة للغزو العراقي للكويت وتداعياته، وليس أدل على ذلك من أن تستخدم الجامعة لتحقيق توافق عربي لتأديب دولة عربية أخرى هي العراق.
وتحدث الأشعل عن محاولة لبعث التماسك العربي والنهوض في منتصف تسعينات القرن الماضي، وهو الأمر الذي عكسته قمة القاهرة يونيو 1996 وتبلور محور القاهرة - دمشق - القاهرة ولكن تولي نتانياهو وإصراره على تجميد السلام والمواجهة مع الفلسطينيين، وبعده باراك بدا هذا الأمل وكذلك بدأ الضعف العربي جليا عندما قدم العالم العربي في بيروت مارس 2000مبادرته للسلام تحت أقدام إسرائيل، التي لم تسمح قامتها المديدة بالانحناء لمجرد التقاطها، لعلمها أنها مبادرة عاجزة تقدم بها طرف ضعيف وقد ردت إسرائيل على هذه المبادرة باحتلال أكبر مدن الضفة الغربية، وقتل واعتقال البقية الباقية من الشعب الفلسطيني، وصار على العالم العربي أن ينقذ الشعب الفلسطيني من براثن العدو الصهيوني، بمقابل إضافي إذا أراد لهذا الشعب أن يظل على قيد الحياة ناهيك عن أن يحقق أمانيه في الحرية والاستقلال.
نهاية الأمن القومي العربي
وقد انهت معاناة الشعب الفلسطيني والعراقي مفهوم الأمن القومي العربي وتساقطت كذلك فكرة الضمان العربي الجماعي ومعاهدة الدفاع المشترك، وعن تأثير التهديد الليبي بالانسحاب من الجامعة العربية على العمل العربي المشترك أوضح د.الأشعل أن أحداث 11 سبتمبر قد رآها البعض سببا لتفعيل عمل الجامعة العربية، ولكن هذه المحاولة اصطدمت بعقبات كبرى سواء بانعدام مصداقية قرارات القمة العربية وكذلك زيارة وزير خارجية موريتانيا، ثم عدم الترحيب من جهات كثيرة بمبادرة الأمين العام لتحريك الحالة بين العراق والكويت، وهي محاولة قد تجعل الكويت تنسحب من الجامعة العربية.
وأشار د. الأشعل أن ليبيا تشعر بضيق كبير من الحالة العربية المتردية، ولذلك قدمت طلبا قد يؤدي في حالة الإصرار عليه إلى فناء الجامعة، فرغم أن ليبيا قد تكون لديها الدواعي لتبرير هذا الأمر إلا أن التوقيت يعد غير مناسبا؛ لأننا نعتقد أن الجامعة تحتاج في هذا الوقت إلى دعم وإقبال أعضائها لتفعيلها، وليس الانسحاب منها ولكن د. الأشعل قلل من أهمية التهديد بالانسحاب الليبي، مؤكدًا أن العمل العربي المشترك ومؤسساته مصابة بنكسة كبيرة ولا يضره كثيرا الانسحاب الليبي لأنه مصاب بالشلل بوجود ليبيا أو انسحابها.
أخطاء استراتيجية(66/391)
وعلق الدكتور محمد سيد سليم - مدير مركز الدراسات الآسيوية على المداخلة السابقة بالقول إن هناك أسبابا عديدة للفشل العربي يتمثل في الأخطاء الاستراتيجية الكبرى خلال القرن الماضي، ولازلنا ندفع ثمنها حتى الآن أولها الثورة العربية الكبرى ضد الدولة العثمانية والتي كانت القشة التي قسمت ظهرها وأسهمت في توتر العلاقات العربية - التركية في الأوقات التي وصلت فيها أحزاب إسلامية للسلطة مثل الرفاة والعدالة والتنمية، وثانيها تحالف العرب مع أمريكا في حرب الاتحاد السوفييتي أثناء غزوه لأفغانستان والتي سقط خلالها واحد ونصف مليون مسلم لكي تصبح واشنطن زعيمة النظام العالمي أحادي القطب، وكذلك القيام بشن حرب صليبية ضد الاتحاد السوفييتي في أفريقيا، وهذا كله لم يكن في صالح العرب؛ لأن القضية الثنائية كانت وراء توازن القوي عالميا ولم يستفد من انهيار الاتحاد السوفييتي.
وثالثهما: الأخطاء الكبيرة في تقاعس العالم العربي عن اقتناء الرادع النووي، وهو أمر مؤثر جدا وأسهم في تراجع وزننا الإقليمي والدولي، وأوضح د. سليم أن فشل التحول الديمقراطي في العالم العربي كان سببا في الكارثة التي نعاني منها حاليا، وهذا الفشل يعود إلى أسباب تعود إلينا وأخرى لا دخل لنا فيها، ومنها أن بنية النظام العربي حديثة بالمقارنة مع الغرب الأوروبي الذي يعود إلى عشرات القرون، وسيادة نماذج النظم التسلطية وشيوع الديكتاتورية.
سيناريوهات عربية للخروج من الأزمة
وخلص د. سليم إلى أن العرب أمامهم عدة سيناريوهات للخروج من المأزق الذي يعانون منه أهمها:
قبول المشروع الأمريكي بتطبيق النموذجين الألماني والياباني الذي طبقته واشنطن على الدولتين بعد الحرب العالمية الثانية، وإن كنت أشك في جدية هذا المشروع كون الحرب الباردة بين واشنطن وموسكو قد سمحت للدولتين بالنمو والصعود، وهذا أمر مختلف مع العرب، كما أنه لا يوجد تناقض ثقافي كبير بين اليابان والألمان والأمريكان عكس العرب.
السيناريو الثاني: هو البديل الأوروبي والتوقيع على كل الاتفاقيات والشراكة الأوربية العربية وتفعيل المشروع الأوربي وهو يحتاج فقط إلى تدابير ثقة مع الأوروبيين، بعكس الأمريكان الذين يطالبون بمشروع ديمقراطي لا يتواكب مع العالم العربي، وإن كانت لأوروبا متطلبات ثقافية معينة تجعل تطبيق هذا السيناريو صعباً.
السيناريو الثالث: هو سيناريو المقاومة ومواجهة المخططات التي تحاك ضدنا، وتفعيل برنامج ديمقراطي وتنموي عربي والبداية إصلاح حقيقي، والسيناريو الرابع: هو استمرار الوضع الراهن والمراهنة على تغير الأوضاع الدولية، والإقليمية لصالح العرب، وهو النموذج المرشح للتطبيق لكونه واقعياً.
واختتم د. سليم تعليقه بالقول إن التحامل على الجامعة العربية أمر في غاية الخطورة؛ لأن الجامعة عرض من أعراض الفشل العربي وليست سبباً من أسبابه، فالأمين العام للجامعة العربية يتحرك في ظل قيود شديدة جداً، وأمور مفروضة عليه مرجعا التهديد الليبي بالانسحاب إلى أسباب أوروبية كون ليبيا تسعي إلى تفعيل علاقتها مع أوروبا، وتريد التأكيد لها أن تحركها على الخط الأوروبي ليست عليه أي قيود وليس بسبب ضعف آليات العمل العربي المشترك.
================(66/392)
(66/393)
بيت سيئ السمعة
سلمان بن فهد العودة 26/3/1425
15/05/2004
كنت أشعر بالقهر والغيظ يتغلغل في داخلي؛ كلما سمعت مسؤولاً في الإدارة الأمريكية يتحدث عن القيم والحرية والديمقراطية والحقوق!!
ولقد وصف كبير الأغبياء الحرب على العراق بأنها واحدة من أكثر الحملات العسكرية إنسانية في التاريخ.
أقول: لستم أهلاً لأن تعطوا الناس دروسًا في هذا المجال، وأنتم أول من يطيح بها!
ويشاء الله أن تتعرض هذه الإدارة لامتحان عسير في ما أسمته (حربًا على الإرهاب) وأن تتكتم لفترة على ممارساتها الوحشية في أفغانستان وغوانتاناموا ثم في العراق؛ لينكشف الأمر غير بعيد.
إن آلاف الصور التي نشرتها الصحف ومحطات التلفزة الأوربية والأمريكية؛ تفضح ممارسات في غاية البشاعة ضد الإنسانية والأخلاق، فتعرية الأجساد والإجبار على الممارسات الجنسية والإهانات النفسية والسحل والسحب والضغط الهائل والتضليل والقتل المتعمد هي مفردات في سجل أسود لهذه الإدارة وآلتها العمياء (البنتاجون).
والذي ظهر ليس سوى جزء من جبل الجليد!!
فهناك المزيد مما لم تصله الكاميرات، أو وصلته ولم يصل بعد إلى وسائل الإعلام.
ولقد يقول المرء: إن ممارسات البعث البائد أهون مما عملته هذه الإدارة خلال عام أو أقل!!
ولو أتيح لكل امرئ أن يتحدث ويظهر أمام وسائل الإعلام ليبوح بمعاناته؛ لكنا نسمع ونرى ما تشمئز منه النفوس وتنفطر القلوب وتدمع العيون مما ينسينا ما سمعناه من أمثالهم عن الحقبة السابقة.
ولعل هذا اليوم غير بعيد.
والإدارة ظلت متكتمة على هذا الإجراء الإجرامي لبضعة شهور حتى فضحتها الصور؛ فقال كبيرها ببلادة: إن الأمر لا يعجبه ..!!
ثم رفع اللهجة ليقول: إنها ممارسات شائنة!
لكن تظل الإشادة المفرطة بأداء العسكريين، ومحاولة حصر المسؤولية بعدد محدود من الجنود ليذهبوا ضحايا.
ومن الواضح أن الذي حدث هو جزء من عملية واسعة؛ للتحقير والإذلال وانتزاع الاعترافات وتدمير عوامل القوة والاعتزاز في نفوس العراقيين؛ بل وفي نفوس المسلمين، وأنها أمور مبيتة على أعلى المستويات.
ويأبى الله إلا أن تتحول الشواهد والصور ووسائل الإعلام إلى أدوات لتعرية وجه أمريكا القبيح وأعمالها الوحشية واستخفافها بالقيم الإنسانية؛ فلقد أصبحنا نعرف جيدًا ما تعني الحرية التي تعدنا بها أمريكا.. وماذا تعني حقوق الإنسان.. وماذا يعني الإصلاح والشرق الأوسط الكبير الذي يبشرون به..
وهاهم يعلنون الحرب على الحرية في القنوات العربية التي لم تندمج في برنامجهم ويمارسون الضغط السياسي الكبير، والإجراء الأمني والعسكري لعرقلتها أو تعويق أدائها كما فعلوا مع الجزيرة والعربية وغيرها !!
وها هي (الحرة) تغرد خارج السرب وتتجاهل معاناة الناس وهمومهم الحقيقية وتشاغلهم بقضايا خارج التاريخ، ولكن دون جدوى.
إن الأمر أكبر من الاعتذار! وهذه الصور وقود جديد لكراهية عارمة ضد أمريكا قد تتحول إلى طوفان جارف لا يميز ولا يفرق، وتصعب السيطرة عليه، أو التحكم في برامجه واتجاهاته وردود أفعاله، أو محاكمته بالمنطق.
وإذا كنا رأينا آلاف الاعتداءات العنصرية على مسلمين في أمريكا وأوربا بعد أحداث سبتمبر.. فكيف نتخيل ما سيقع نتيجة هذا القهر والعدوان الرسمي الموثق.. والمرتبط بعدوان أوسع على استقلال و إرادة الشعوب الإسلامية في العراق وفلسطين وغيرهما.
إنني أرى الأمر يتجه نحو مزيد من الوضوح والحسم، وإن شعوب الإسلام اليوم لم تعد تتحمل المزيد.
وهذا الإجرام الأمريكي والصمت الدولي والاستسلام العربي والإسلامي؛ سيصنع المزيد من الاضطرابات في الشعوب الإسلامية وسيحولها إلى برميل بارود قابل للانفجار.
ولعل أمريكا وإسرائيل تراهنان على زعزعة الاستقرار في بلاد المسلمين وحرمانهم من السلام الداخلي تمهيدًا لتغيير الأوضاع وفق ما يريدون!!
ولقد قال النبِي - صلى الله عليه وسلم -: "مَا حَسَدَتْكُمُ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ مَا حَسَدَتْكُمْ عَلَى السَّلاَمِ وَالتَّأْمِينِ"[ رواه ابن ماجة من حديث عائشة رضي الله عنها (856)].
وبيقين فاليهود لا يحسدوننا على مجرد تبادل التحية بيننا؛ لكنهم يحسدوننا على ما هو أبعد من مجرد اللفظ؛ يحسدوننا على السلام النفسي والهدوء الاجتماعي ومتانة العلاقة بين المسلمين ويسعون في الأرض فسادًا، والله لا يحب المفسدين.
نعم؛ إن اليهود ومتطرفي الإدارة الأمريكية الحالية يريدون خلخلة الأوضاع؛ باعتقاد أن خلط الأوراق يمهد لإعادة ترتيبها!
ولكنني أرى هذه حماقة رعناء جديدة؛ يرتكبها هؤلاء الطغاة دون أن يستفيدوا من دروس التاريخ، مما يكشف عن هشاشة القيم التي يتشدقون بها. وليس هذا ببدع في تاريخهم؛ فقد واجهت الجالية اليابانية داخل الولايات المتحدة اضطهادًا بشعًا أثناء الحرب العالمية الثانية.
وظلت أمريكا أكبر مصدّر للعنف في العالم كله، وأكبر متملص من الالتزامات الدولية في مجال العدل والحقوق إلا حينما تكون محتاجةً لها. ويكفي أن 45% من صادرات الأسلحة بالعالم أمريكية، ومنها الأسلحة التي يقتل بها الأبرياء في فلسطين.
يبقى السؤال الكبير منتصبًا أمامنا جميعًا:(66/394)
ماذا يتوجب علينا أن نصنع من أجل الإصرار على السلام في داخلنا ؟
كيف نتغلب على أسباب التوتر الذاتي الذي تحدثه لنا تلك الممارسات ؟
كيف نجمع بين رفض مؤثر وصوت مسموع ضد الاعتداءات المتكررة على كل ما هو مقدس لدينا .. وبين بعد النظر والرؤية المستقبلية التي تضمن لنا موقعًا سياسيًّا ومعلوماتيًّا وحضاريًّا أفضل بين أمم الأرض ؟
كيف نتلافى الروح الغضبية المفرطة التي هي من لوازم رؤية العار الذي يلحق بنا دون أن نحرك ساكنا ؟!
إن السلام النفسي والاجتماعي في خطر..
وعلى الذين يدركون أهمية المحافظة عليه أن يعلموا أن الصمت المطبق والسكوت المهين أمام غطرسة المتغطرسين هو أقوى عناصر هذا التفجير.
من حق كل مسلم أن يشعر بأن هذه الصور وما سيخرج بعدها يعنيه بصفة شخصية وكأنه يحدث له أو لعائلته، فهذا أقل مقتضيات الإيمان (بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ)، "كمثل الجسد الواحد"، "كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا ".
ومن حقه وواجبه أن يتدبر الوسيلة التي يعبر بها عن امتعاضه وانزعاجه لهذا الاحتقار اللعين لأبناء ملته ودينه.
وكيف لا وقد بدأت الخيوط ترشد إلى أن كبار المتطرفين الدينيين لهم أصابع في استخدام هذا النمط من الأذى النفسي والجسدي لتحطيم امتناع السجناء وتدمير رجولتهم وإنسانيتهم؟!
إن المطالب ليست هي رأس وزير الدفاع، ولكنها رأس السياسة الأمريكية العدوانية عديمة الحياء، والتي تعلن تأييد العنف الإسرائيلي، وتعلن العقوبات على سوريا، في الوقت ذاته الذي تستبطن المزيد من صور الممارسات البشعة التي يمهدون لظهورها وانتشارها.
ولو أن كل مسلم سجل شعوره الحي تجاه هذا البغي السافر في مقال، أو نشره في موقع، أو أعلنه في قناة فضائية، أو نادى به في مجلس لما كان لصوت مليار وربع مليار أن يذهب أدراج الرياح.
وربما كانت الأدلة تتزايد علينا يومًا بعد يوم لتقول لنا: إن كنتم صادقين في لجم هذه الحرب الصليبية فوحدوا المعركة ولا تضيعوا جهدكم القليل في صراعات صغيرة حقيرة لا تليق إلا بعقول التافهين.
لقد أسمعت لو ناديت حيا … …
ولكن لا حياة لمن تنادي
ولو نارًا نفخت بها أضاءت … …
ولكن أنت تنفخ في رمادِ
==============(66/395)
(66/396)
العودة يدعو إلى "غضبة إسلامية" ضد بابا الفاتيكان
…الإسلام اليوم/الرياض/عبد الله الرشيد
…23/8/1427 2:8
16/09/2006
دعا فضيلة الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة ـ المشرف العام على مؤسسة الإسلام اليوم ـ إلى "غضبة إسلامية" قوية ضد بابا الفاتيكان الذي أساء للإسلام في محاضرته التي ألقاها بجامعة رتيسبون الألمانية .
وكان من بين تصريحات البابا أن "الإسلام لا يدين العنف بالشدة المطلوبة ، وأن المشيئة فيه منقطعة عن العقل ، واستشهد بحوار بين إمبراطور بيزنطي مع مثقف فارسي حيث قال الإمبراطور للمثقف : أرني ما الجديد الذي جاء به محمد ، لن تجد فيه إلا أشياء شريرة وغير إنسانية ، مثل أمره بنشر الدين الذي يبشر به بحد السيف" .
ولم يستغرب الشيخ سلمان تصريحات البابا بنيديكت السادس عشر المسيئة للإسلام ، مشيرًا إلى أن الدراسات كثرت حول ماضي البابا المتشدد والمتطرف الذي بدأ حياته البابويه بتصريح يقول فيه : "إن اليهود أخوة أعزاء . بينما لم يشر للمسلمين لا من قريب ولا من بعيد" .
وأكد الشيخ سلمان على أن ما قاله البابا كان مرتبًا ومدروسًا ومخططًا له ، ولم يكن زلة لسان أبدًا ، "فهو يلقي خطابه في جامعة أكاديمية حول العقل والمنطق ، وكأنه لم يجد الجرأة في مهاجمة الإسلام ونبيه بشكل مباشر ، فاستعار هجومًا لإمبراطور بيزنطي في القرن الرابع العاشر في حوار مع أحد المثقفين الفارسيين وكان هذا الحوار يتم في مقربة من القسطنطينية حيث يفترض أن البابا سيزور تركيا قريبًا ، وكأنه يمهد لمثل هذه الزيارة" .
وقال الشيخ سلمان إن البابا أراد أن يعبر عما في نفسه من حقد على الإسلام باستشهاده بمثل هذه الأقوال القديمة التي لا معنى لها في السياق ، "فهو لم يستطع أن يسب الإسلام بنفسه صراحة فاستعار مسبة إمبراطور بيزنطي في القرن الرابع عشر وأعلنها وكررها أكثر من مرة" .
وانتقد الشيخ سلمان ما طرحه البابا من أن النبي عليه الصلاة والسلام يُكره الناس على الإسلام بالسيف ، مؤكدًا أن هذا الكلام بعيد عن العلمية والموضوعية وهو عار حين يصدر من أكبر شخصية دينية مسيحية ، بينما جميع المسلمين متفقين على أنه لا يُقبل دين من دخل الإسلام مكرهًا مرغمًا .
وقال الشيخ سلمان : "لماذا نواجه بسوء الظن حين ننتقد هؤلاء ، إن لم يكن كلامهم متعمدًا في الهجوم على الإسلام فعلى ماذا نفهمه !؟" .
وأضاف : "كيف يلمح بابا الفاتيكان إلى أن المسلمين هم صانعوا الإرهاب في العالم ، بينما أتباع المسيحية هم الذين اعتدوا على كل بلدان العالم الإسلامي ، فمن الذي غزا أفغانستان ؟ ومن الذي احتل العراق ؟ ومن الذي قال إنها حرب صليبية ؟! .. إن تصريحات البابا هي محاولة لوضع غطاء ديني للبغي والعدوان السياسي الذي تمارسه الإدارة الأمريكية على المسلمين" .
وأكد الشيخ العودة أن تصريحات البابا لا يمكن أن تمر مرور الكرام "فالمسلمين انتصروا لنبيهم محمد عليه السلام لما اعتدى عليه الرسامون الدانمارك ، فلابد من غضبة إسلامية سلمية عامة على كافة الأصعدة من الحكومات والجماعات والأفراد ضد لغة البابا العنصرية البغيضة" .
===============(66/397)
(66/398)
تزايد الضغوط على البابا للاعتذار وروما تشدد الأمن
…الإسلام اليوم / وكالات
…24/8/1427 11:19
17/09/2006
تصاعدت الضغوط على البابا بنديكت السادس عشر لتوجيه اعتذار شخصي عندما يظهر اليوم الأحد لأول مرة منذ فجرت تصريحاته المسيئة للإسلام موجة غضب بين المسلمين في مختلف أنحاء العالم ، وكان الفاتيكان أصدر بيانًا أمس السبت قال فيه إن البابا يشعر بالأسف لأن تصريحاته أسيء فهمها .
من جانبها قالت السلطات الإيطالية إنها ستشدد من إجراءاتها الأمنية حول المقر الصيفي للبابا بنديكت السادس عشر ، وذلك عقب تهديد تنظيم "جيش المجاهدين" المسلح في العراق في بيان نشر على الإنترنت باستهداف روما والفاتيكان ردًا على تصريحات البابا .
فيما واصلت الدول والجماعات والشخصيات الإسلامية الإعراب عن غضبها من تصريحات تشعر أنها صورت الإسلام كدين ملطخ بالعنف ، وقال رئيس الوزراء التركي طيب أردوغان إن تعليقات البابا قبيحة ومؤسفة وطالبه بالتراجع عنها . كما خرج آلاف الأتراك في محافظة قونية في مظاهرات للتنديد بتصريحات البابا وطالبوه بالاعتذار رسميًا قبل بدء زيارته المقررة إلى تركيا نهاية شهر نوفمبر المقبل . لكن مصادر في الخارجية التركية قالت إن تركيا لا تعتزم إلغاء أو تأجيل الزيارة . كما أدانت إيران على لسان المتحدث باسم وزارة خارجيتها محمد علي حسيني تصريحات البابا ، وطالبته بالتراجع عنها .
أما الرئيس اليمني علي عبد الله صالح فقد ندد بالبابا علنًا ، وطالبه بالاعتذار عن تصريحاته ، في حين احتجت كل من القاهرة والكويت لدى سفيري الفاتيكان في البلدين وأعربتا عن أسفهما البالغ حيال هذه التصريحات . كما سحب المغرب سفيره لدى الفاتيكان واصفًا تصريحات البابا بأنها مسيئة إلى الإسلام والمسلمين .
وتعرضت خمس كنائس منها كنيسة كاثوليكية واحدة لهجمات في الضفة الغربية دون وقوع إصابات ، وفي الرياض بعث وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل رسالة إلى وزير خارجية الفاتيكان تعرب فيها السعودية عن "استيائها وألمها لما تحدث به البابا" مطالبة بتوضيح لموقف الفاتيكان .
وبدوره تساءل فضيلة الشيخ سلمان بن فهد العودة المشرف العام على مؤسسة "الإسلام اليوم" "كيف يلمح بابا الفاتيكان إلى أن المسلمين هم صانعو الإرهاب في العالم ، بينما أتباع المسيحية هم الذين اعتدوا على كل بلدان العالم الإسلامي ، فمن الذي غزا أفغانستان ؟ ومن الذي احتل العراق ؟ ومن الذي قال إنها حرب صليبية !؟" .
من جهته وصف المفكر الإسلامي فهمي هويدي تصريحات البابا بأنها متطرفة ، وقال إن البابا يرى أن الإيمان الكاثوليكي هو الإيمان الصحيح وهذا نوع من أنواع التكفير .
وأكد الداعية الإسلامي عمرو خالد أن إساءة بابا الفاتيكان إلى الإسلام لا تليق بدوره كرمز مسيحي ، ويخالف دور القائد الديني الذي يجب أن يتحلى بصفات معينة تسعى للحوار وليس الصدام . وشدد خالد على ضرورة أن يقدم البابا اعتذارًا واضحًا للمسلمين وأن يعقب ذلك السعي لإعداد قادة دينيين يستطيعون مد جسور الحوار الصحيح بين الأديان السماوية .
أما الداعية الموريتاني الشيخ محمد الحسن بن الددو فقد اعتبر أن ما صدر عن البابا "دليل سافر على بسط الولايات المتحدة الأمريكية لسيطرتها على المؤسسات الدينية الغربية بعد احتلالها للمؤسسات الدولية واستغلالها في حربها على المسلمين" .
وفي واشنطن طالب مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية (كير) بابا الفاتيكان بالاعتذار عن تصريحاته ، كما طالب بعقد لقاء مع ممثل الفاتيكان بالعاصمة الأمريكية لمناقشة هذه التصريحات
===============(66/399)
(66/400)
النيران الصديقة تثير هلع جنود الغزو ..
وثلاث سيناريوهات لعراق ما بعد الحرب
الإسلام اليوم - أسامة أبو كيلة الإسلام اليوم ـ الرباط ـ إدريس الكنبوري 6/2/1424
08/04/2003
الصحف الفرنسية
الصحف البريطانية
الصحف الأمريكية
النيران الصديقة تشعل النار بين البريطانيين والمارينز.. ، ومصير الأسرى العراقيين... ، وهل يتم الزج بهم فى معتقل قاعدة جوانتانامو..،والاستخدام الغير المشروع للقنابل العنقودية فى الغزو الأنجلوـ أمريكي على العراق.. ، والقصف الهستيري بالأسلحة والصواريخ على العاصمة العراقية بغداد ، ومأساة المدنيين العراقيين ، والمقاومة العراقية العنيفة ، وحقيقة الحرب باعتبارها أحد محاور القضاء على المحور الإسلامي وفقا للمفهوم الغربي ، وسيناريوهات الحكم في العراق بعد الحرب ...
تلك القضايا كانت محور اهتمام الصحف الغربية : البريطانية ، والأمريكية ، والفرنسية ؛ خلال الأسبوع الحالي حيث تناولت تلك الصحف موضوع الساعة وهو بدء معركة بغداد ، والهجوم الأمريكي على مطار صدام ، وتحدى الرئيس صدام لقوات الغزو ؛ بتجوله في شوارع بغداد، وتصاعد المخاوف الغربية من استخدام صدام للأسلحة الكيماوية ، واستشهاد العديد من النساء والأطفال العراقيين في المعارك، كما اهتمت بالأخبار الاقتصادية عن العراق ؛ وخصوصا الحديث عن إيرادات البترول العراقي ؛ الغير كافية لإعادة أعماره !! .
الصحف الفرنسية
صحيفة"لوموند" الفرنسية كتبت يوم أول أبريل افتتاحية بعنوان"جورج بوش والملا عمر" قالت فيها : إنه في الوقت الذي تقصف فيه قوات التحالف بغداد فإن صورة صدام حسين تتحول إلى صورة لبطل، عكس ما تريده الولايات المتحدة الأمريكية في حربها على العراق . وقالت :إن الارتباك في الإدارة الأمريكية ووزارة الدفاع(البنتاغون) أصبح كبيراً بعد أسبوعين من القصف المتواصل ؛ الذي يستهدف حتى المدنيين، وهذا في رأي الصحيفة يعكس "حالة الهيجان في معسكر بوش بعد أسبوعين على مغامرة، رغم أنها قاتلة ومدمرة، فإنها لا يمكن بأي حال اعتبارها ناجحة، لكن الأخطر من ذلك أن الثمار المتفجرة للحرب الصليبية التي يشنها متملقو صِدام الحضارات قد بدأت في النضوج". وقالت : إن هؤلاء بشروا قبل الحرب بأن ضرب العراق سيكون عملية خاطفة، وقال (رامسفيلد) وزير الدفاع الأمريكي : إن النظام العراقي سيسقط عند الضربات الأولى"مثل قصر من ورق"، وإن الشعب العراقي سيستقبل الغزاة كمحررين، وتساءلت إن كان ذلك يدل على معرفة جيدة لرامسفيلد الذي"احتك بصدام حسين خلال الحرب مع إيران؟"، وأضافت الصحيفة أن"المسؤولين الأمريكيين بدؤوا يحصدون النتائج الأولى لأكاذيبهم، ولكن العالم كله مهدد بدفع التكلفة".
وقالت الصحيفة: إن التدخل العسكري في العراق ينذر بمواجهة ساخنة بعد العملية الاستشهادية التي أودت بحياة أربعة جنود أمريكيين، لأن (جورج بوش) في طريقه إلى تسليح عشرات الفدائيين وقتلة الظل، إنه يوقظ (الملا محمد عمر) من سكونه، حيث إن الدعوات إلى الجهاد معلقة في شوارع أفغانستان. وفي اليوم التالي للصلاة التي قررها البرلمانيون الأمريكيون رأينا في نهاية الأسبوع عودة صور (بن لادن) إلى الظهور خلال التظاهرات في بيشاور. فهل هذا هو الثمن الذي يستعد المحافظون الأمريكيون الجدد لسداده ؛ من أجل ضمان الهيمنة الأمريكية على العالم؟".
ثلاث سيناريوهات لما بعد الحرب
وكتبت نفس الصحيفة يوم 2/أبريل تحت عنوان"ثلاث سيناريوهات لإدارة العراق في مرحلة السلام" قائلة :إن جماعة من الخبراء المستقلين وضعوا دراسة حول السيناريوهات الممكنة لإدارة العراق بعد الحرب، تحت مظلة الأمم المتحدة، وبواسطة حكومة مدنية متعددة الجنسيات تحت هيمنة أمريكية، ولاحظ هؤلاء أن موضوع إدارة العراق"سابق لأوانه الآن ، وأكثر صعوبة". وجاء في دراسة وضعتها - يوم 25/ مارس الماضي- مجموعة التفكير" التابعة لـ"هيئة الأزمات العالمية" التي تنجز دراسات وتقارير حول الأزمات الدولية ، حول عراق ما بعد الحرب، أن هناك ثلاث سيناريوهات بعد توقف الحرب في العراق: السيناريو الأول يعطي سلطة مطلقة للولايات المتحدة الأمريكية في تسيير الشأن العراقي بعد الحرب، حيث تدير واشنطن وحدها العراق بشكل مباشر لمدة عامين، وقد أثار هذا السيناريو جدلا واسعا قبل أسبوع في الولايات المتحدة بين كتابة الدولة في الخارجية التي تعارضه ؛ ووزارة الدفاع التي تدافع عنه، ويرى البنتاغون أن هناك دورا كبيرا يوكل إلى الجنرال (تومي فرانكس) وفق هذا السيناريو فيما يتعلق بقضايا الأمن، و(غاي غارنر) فيما يتعلق بقضايا إعادة الإعمار. لكن المجموعة التي أعدت الدراسة قالت :إن هذا السيناريو " الذي يعطي السلطة الكاملة للولايات المتحدة في تسيير العراق ما بعد الحرب سوف يصطدم ليس فقط بالمنطقة ؛ بل بالمجموعة الدولية والمعارضة العراقية في المنفى أيضا ، وحتى عراقيي العراق في الداخل، وكذلك جزء من الإدارة الأمريكية التي ترى أن ذلك يعني توجها إمبرياليا للولايات المتحدة ، وإنذارا بالفوضى الشاملة في المنطقة وتراجع قدرتها على التأثير فيها".(66/401)
السيناريو الثاني يفترض سلطة وسيطة في العراق ، يتم تنصيبها بعد نهاية الحرب سواء بواسطة الولايات المتحدة، أو بواسطة الأمم المتحدة ؛ كما يحبذ البريطانيون. وستظل هذه السلطة في مهمتها حتى تتوفر شروط إجراء انتخابات. وحسب التقرير "فإن الولايات المتحدة تبقى متأرجحة بين هذا السيناريو والسيناريو السابق، مع افتراض إعداد خطة تجمع بينهما: سلطة عراقية ولكن مزدوجة من حيث تكوينها ، وتشارك فيها شخصيات أمريكية"، لكن هذا السيناريو يصطدم أيضا بالمعارضة العراقية في الخارج، رغم أن التقرير يشير إلى انقسام هذه المعارضة بسبب ما يسمى"بالتفاوت في فهم حقيقة الداخل العراقي" وافتقادها للشرعية بين العراقيين.
أما السيناريو الثالث فيفترض سلطة مدنية انتقالية مدارة مباشرة بواسطة الأمم المتحدة، غير أن التقرير يقول: "إنه حتى ولو اعترفت الولايات المتحدة بدور كهذا للأمم المتحدة، فإن هذه الأخيرة ليست مستعدة كبير استعداد للعب دور كبير مثله"، فالأمين العام (كوفي عنان) يبدو اليوم"أكثر تحفظا فيما يخص الطريقة التي تم بها الدخول في الحرب ، والتساؤلات حول كيفية التدخل في العراق: أي سلطة أجنبية يمكن أن تكون في نظر العراقيين والمنطقة شرعية؟ هذا علاوة على فقر الأمم المتحدة من ناحية الوسائل المادية" للقيام بهذا الدور.
ويرى التقرير أن عددا من الدول سوف يمارس الضغوط من أجل منح دور رئيسي للأمم المتحدة ؛ بهدف إعطائها المصداقية والحيلولة دون هيمنة أمريكية على العراق بعد الحرب، ويضيف التقرير"لا ينبغي السماح بكثير من الأحلام، فالجميع يعترف بأن المهمة هي الأكثر صعوبة في مرحلة ما بعد الحرب لأنها تتعلق بضمان الاستقرار في عراق يتفاعل فيه الكثير من الصراعات السياسية والاجتماعية،والقبلية،والدينية،ويحيط به الكثير من الأطماع الداخلية والخارجية، ويعتبر مسرحا لتصفية الحسابات".
السيناريو المعاكس لهدف واشنطن
أما"لوفيغارو" فقد كتبت يوم 2/أبريل تحت عنوان" أفكار حول سيناريو غير متوقع"، وقالت :إن المقاومة العراقية للتحالف الأمريكي ـ البريطاني تطرح أسئلة عدة" ، هل هناك أشياء (أكثر وضوحا) لم نرها بعد؟ أم هناك معطيات أخرى تفسر هذا السير للأمور؛ الذي لم يكن متوقعا؟"، وقالت :إن هدف هذه الحرب كان هو إسقاط نظام صدام حسين بسرعة"لكننا اليوم أصبحنا نرى سيناريو معاكسا، فالنظام ليس فقط باقيا في مكانه، بل يظهر قادرا على التحكم في قواته. لقد تطلب الأمر أكثر من أسبوع للقوة العسكرية الأولى في العالم للسيطرة على مدينة أم قصر، على مسافة قليلة من الحدود مع الكويت، وإذا تقدمت القوات الأمريكية والبريطانية حوالي مئة كيلومتر من العاصمة بغداد ؛ فإنها لن تسيطر إلا على الصحراء، فلا مدينة سقطت، والناصرية تقاوم منذ عشرة أيام، والقوات الأمريكية ـ البريطانية أوقفت زحفها، منتظرة إعادة رسم إستراتيجية الحرب". وتضيف الصحيفة:" إذا كان هناك شيء واحد (أكثر وضوحا)، فهو أن العراقيين لم يثوروا ضد النظام العراقي ، ولم يستقبلوا الجنود الأمريكيين والبريطانيين كمحررين، وهذه فرضية قدمها استراتيجيون أمريكيون. ليس سراً أن الشعب العراقي، في مجموعه، لا يثق مطلقا في الأمريكيين، لماذا يثور ضد النظام في 2003 بعد تجربة فبراير ـ مارس 1991؟ لقد سمحت واشنطن للنظام العراقي بتحويل تلك الانتفاضة إلى حمام دم".
وتقول"لوفيغارو": إن الحرب على العراق كشفت"المنطق اللاعقلاني للولايات المتحدة التي أرادت خوض حرب ؛ تحولت هي نفسها إلى عملية غير عقلانية. فالولايات المتحدة لم تدخل فقط في حرب ضد الشرعية الدولي والمجتمع الدولي، بل هي تريد اليوم تحقيق نصر وحدها ؛ بدون عون من الشعب العراقي ، وقد ترجم ذلك من خلال استبعاد المعارضة العراقية، والتلميح لها بعدم التحرك، وهذا صحيح أيضا بالنسبة للأكراد والشيعة". وتقول الصحيفة في مقالها: إن الولايات المتحدة لا تريد إشراك أحد في مرحلة ما بعد الحرب ؛ التي تريدها عبارة عن إدارة عسكرية مباشرة على منوال ما فعله البريطانيون بين 1917 و 1920.(66/402)
وكشفت الصحيفة عن أن الإدارة الأمريكية قامت بمفاوضات سرية مع رجال بارزين في النظام العراقي ؛ من أجل ضمان عدم ملاحقتهم في العدالة الدولية، وبذلك فإن واشنطن"قد أقنعت العراقيين بأنهم لا ينبغي أن ينتظروا الكثير من الأمريكيين الذين يبدون عازمين على جعل عراق ما بعد صدام حسين"مرحلة صِدام ما بعد صدام"، أي الإبقاء على جوهر النظام ، مع تعيين موظفين وقوات مسلحة. فالأمريكيون - الذين يدركون أنهم معزولون في المنطقة- قاموا بتسويق مستقبل العراق لحلفائهم بالمنطقة لدفعهم إلى تقديم تسهيلات للقوات الأمريكية، والأمر لا يتعلق فقط بوعود نفطية؛ بل بحق الحماية في مرحلة ما بعد صدام. وبالنسبة لتركيا سيتم إعطاؤها حقا في نفط كركوك لتعويضها عن خسائر الحرب، ولكن أيضا الحيلولة دون بروز حكم ذاتي للأكراد. وبالنسبة للعربية السعودية والدول العربية ؛ يتعلق الأمر بمنع جزء من الشيعة من الوصول إلى السلطة في بغداد، لكن هذا كله لا يمكن إلا أن يكون في غير صالح العراقيين".
خمسة أخطاء استراتيجية
وكتبت أسبوعية"لوبوان" عن الأخطاء الخمسة للإدارة الأمريكية في الحرب. وقالت :إن صقور الإدارة كانوا يعتقدون واهمين أن انتصارهم على النظام العراقي أمر سهل التحقق، من هؤلاء الجنرال (واين دونين) الذي سوف يكون الآن"يتعمد الاختفاء" بعدما آلت إليه نظريات الصقور.في عام 2002 قدم (واين) استقالته من مكتب (كوندوليزا رايس) مستشارة الأمن القومي ؛ احتجاجا على البنتاغون الذي أقصى خطته الحربية في العراق، وكان (واين) يعتقد، مثله مثل العديد من الصقور، أن الأمريكيين يمكنهم دخول العرق"كما لو أنهم يدخلون في كوم من الزبدة" وأن العراقيين سيستقبلونهم كمحررين، وأن 60000 من القوات تكفي لهذه المهمة، وأن الخطة ما دامت قد نجحت في أفغانستان؛ فلماذا لا تتكرر في العراق. وقد انتهت هذه الخطة إلى التعديل، وتقرر إرسال 250000 جنديا باعتبار أن ذلك سيكون كافيا.
وتقول الصحيفة :إن خطة (رامسفيلد) ،والجنرال (تومي فرانكس)،و (وكولين باول) ارتكبت خمسة أخطاء: أولها: عدم التبصر، وذلك يتضح ليس فقط في أن عدد القوات لم يكن كافيا؛ بل في أن مرحلة ما بعد الحرب لم يتم تهيئتها بعد الآن، وعدد القوات الموجودة في العراق ليس كافيا للقيام بهذه المهمة. وقالت الصحيفة: إن الأمريكيين قللوا من شأن القوات العراقية، لكن ظروف هذه الحرب مغايرة لظروف حرب 1991، لأن هذه الحرب بالنسبة للقوات العراقية لا تتعلق بالدفاع عن النظام ؛بل بالدفاع عن الأرض أيضا.
الخطأ الثاني :هو العجرفة،" فـ(جورج بوش) مثله مثل (دونالد رامسفيلد) وعصابتهما الإيديولوجية(ريتشارد بيرل، وباول ،وولفويتز على رأسها) أثبتوا كميات كبيرة منها، لقد لعبوا أمام صدام حسين لعبة القوة ، مثلهم في ذلك مثل ديكة المدينة"، لذلك وجدت القوة الأكبر في العالم نفسها" داخل مستنقع دولة صغيرة من العالم الثالث، هي التي كانت تعتقد أنها يمكنها الدخول في ثلاثة حروب في وقت واحد ؛ وجدت صعوبات في القيام بواحدة صغيرة، والتخلص من مقاتل قوي وصلب، كانت تعتقد أنه بامكانها ابتلاعه مثل لقمة صغيرة".
الخطأ الثالث: هو الوقاحة، حيث إن هذه الحرب لم يسبقها استعداد دبلوماسي جيد بالنسبة للقوة العظمى التي تريد فعل كل شيء بمفردها ، كشرطي العالم، "لقد اكتفت بخوض الحرب برفقة حليفتها بريطانيا ، لكن الذي يبدو أكثر استغرابا بصراحة هو أن القوة الأمريكية لم تحصل على ضمانات من حليف هام بالنسبة لخططها ، وهو تركيا .
الخطأ الرابع : هو عدم المعرفة الكافية بالأرض التي تحارب فوقها" لقد ظنت الولايات المتحدة أن بامكانها عدم الالتزام بقانون الحروب" وأنها يمكن أن تنتصر كما فعلت في يوغسلافيا ضد نظام (ميلوسيفيتش) من دون أن تنزل على الأرض، ومع طالبان عبر الجو من خلال القنابل. لقد كانت تخشى الحرارة، ولكن كانت هناك العواصف الرملية والرياح، وكانت تعتقد أن جنودها هم الأقوى لأنهم الأغنى، وها هم يتساقطون بسبب(نيران صديقة) أو في حوادث مرورية سخيفة؛ يسببها التعب والإرهاق،وكانت تضع إيمانا أعمى في تكنولوجيتها المتقدمة ولكن فلاحا بسيطا تمكن من إسقاط طائرة الهيليكوبتر( آ.إيتش-64 أباتشي) ببندقية قديمة تعود إلى عام 1871".
أما الخطأ الرابع فهو الدعاية الحربية السفيهة،" فبدل أن تعترف بأن هذه الحرب غير نافعة، فإن الإدارة الأمريكية أرهقت العقول بما سوف يبقى في التاريخ، كأغرب جملة دعائية يمكن تخيلها. لقد تغيرت الأزمنة، وقد استفاد العرب من دروس عام 1991 التي قدمتها لهم قناة (السي .إن. إن)، وأصبحوا يمتلكون قنوات تلفزيونية تجارية ومهنية"، وقد أثبتت هذه القنوات العربية - في رأي الصحيفة - قدرة على التأثير ؛ من خلال عرض صور القتلى والجرحى من القوات المتحالفة.
الصحف البريطانية(66/403)
كتبت صحيفة (التايمز البريطانية- 31/3 - تقول: إن "النيران الصديقة" بدأت تثير الغضب والخوف بين صفوف الجنود البريطانيين ، ونقلت الصحيفة عن الجنود الذين يتلقون العلاج بمستشفى (أرجوس) أن الجنود الأمريكيين يطلقون النار على طريقة رعاة البقر ، وصب العريف (ستيفن جيرارد جام)غضبه على الطيار الأمريكي ؛ الذي قاد طائرته غير عابئ بحياة المدنيين تحته ، وأوضح أنه هاجم مجموعة من المدنيين كانوا يلوحون برايات بيضاء ورفض القول بأن الطيار لم ينجح في تمييز قافلة المدرعات على أنها بريطانية ، وأكد أنه تعليل سخيف لأن الطائرة A10 مزودة بتكنولوجيا متقدمة . أما النقيب (أليكس ماكوين) فأوضح أنه تدرب على القتال وسط نيران العدو ، ولكنه لم يتدرب على حماية نفسه من نيران القوات الأمريكية ، مؤكداً أن أصدقاءه يمزحون حول ذلك ؛ قائلين إنه لا يجب عليهم أن يهتموا بالعراقيين وإنما عليهم مراقبة الأمريكيين .
أما صحيفة (الديلي ميرور) فاهتمت بإعلان المتحدثة باسم وزارة الدفاع الأمريكية أن أمريكا لا تنوي إرسال الأسرى العراقيين إلى قاعدة جوانتانامو، وأن الوقت لازال مبكراً لتحديد مستقبل الجنود العراقيين الذين وقعوا في الأسر ، وأنه تم إرسال الأسرى إلى الخطوط الخلفية ، وأنهم يخضعون لعمليات فرز ؛ للتحقق مما إذا كان بعضهم قد أرتكب جرائم حرب ، وفي هذه الحالة سينقلون إلى خارج العراق . وأكدت الصحيفة أن القوات الأمريكية أسرت أكثر من 300 عراقي بثياب مدنية يشتبه في ارتباطهم بجماعة (فدائيي صدام) ،وتعتزم نقل بعضهم إلى قاعدة جوانتانامو.
وفي نفس الجريدة تحت عنوان كبير يقول: "إن الصحفي بيتر أرنت فصل من وظيفته ؛ لأنه يقول الحقيقة" أعلنت الصحيفة أنها عينته ليواصل نقل الحقيقة، مشيدة بخبرته ، وشجاعته ، وضميره الحي .
وكتبت صحيفة (الجارديان) تقول : "إن منظمة العفو الدولية استنكرت استخدام القوات الأمريكية و البريطانية القنابل العنقودية في الهجوم على المناطق المدنية في العراق ، وأكدت عن قلقها العميق إزاء مصرع المدنيين العراقيين وأكدت أن الهجمات ترقى لمستوى انتهاك القانون الدولي".
وفي بيان رسمي لها أعلنت أن استخدام القنابل العنقودية في الهجوم على مدينة "الحلة" يعتبر هجوماً عشوائياً وخرقاً صارخاً للقانون الإنساني ، وقالت : إنه لو كانت الولايات المتحدة جادة فعلاً في حماية المدنيين العراقيين ؛ فإنها يجب أن تلتزم علناً- وبدون نفاق- بعدم استخدام هذه القنابل .
نفاذ صواريخ توماهوك
وكشفت صحيفة (الديلي تلجراف) النقاب عن طلب وزارة الدفاع الأمريكية من شركة "رايثيون كورب" المنتجة للصواريخ الإسراع في إنتاج جيل جديد من صواريخ (توماهوك) بعد أن تم استخدام ثلث مخزون الترسانة العسكرية الأمريكية من هذا الطراز في الأيام الأربعة عشر الأولى من الحرب على العراق .
ونقلت عن صحيفة (لوس أنجلوس تايمز) في تقرير لها نشر مؤخرًا : أن القوات البحرية أطلقت أكثر من 740 صاروخاً ، ولا يتبقى إلا 1150 صاروخا فقط في ترسانتها ، مما أثار المخاوف من أنه في حالة استمرار معدل الاستهلاك على هذا النحو ؛ فإنه لن يتبقى ما يكفي من صواريخ لأي حرب مقبلة . وكان من المقرر أن تستأنف الشركة إنتاج نسخة معدلة من الصواريخ المذكورة في وقت لاحق من العام الحالي ؛ تملك القدرة على التحليق فوق الهدف لعدة ساعات ، و يمكن برمجتها عن بعد لتوجيهها لأهداف مختلفة في أثناء تحليقها في الجو.
معاناة إنسانية
وحول الأزمة الإنسانية التي يعاني منها العراقيون ، نشرت صحيفة (الجارديان) البريطانية تحقيقا بعنوان "العراقيون يواجهون أزمة مياه داخل المناطق التي تدور فيها المعارك"،ويذكر التحقيق أن منظمات الإغاثة الدولية تنتقد الجيش البريطاني لبذله جهوداً بطيئة في عمليات توزيع المساعدات الإنسانية في جنوب العراق ، وبخاصة الفوضى التي تحيط بالإمدادات العاجلة للمياه. وأعربت منظمة (اليونيسيف) عن قلقها بسبب نقص المياه في بغداد مع بدء الحصار ، وانقطاع التيار الكهربائي ، والذي يعني توقف محطات ضخ المياه عن العمل.
ويشير التحقيق إلى أن مدينة البصرة تعتبر من أكثر المدن العراقية معاناة ؛ بسبب النقص في المياه حيث دمرت محطات الكهرباء في الأيام الأولى لبداية الحرب ، ويعاني 40% من سكان البصرة من نقص المياه. وفي نفس الوقت أعربت منظمة "إنقاذ الأطفال" عن قلقها ؛ بسبب نقص المياه الصالحة للشرب، والكهرباء في البصرة ، والذي قد يؤدي إلى انتشار مرضي الدوسنتاريا والكوليرا. وقدرت المنظمة عدد الأطفال المعرضين للخطر في مدينة البصرة بأكثر من مئة ألف طفل.وقال المتحدث الرسمي للمنظمة (نكليسون) : إنه قام بزيارة مستشفى أم قصر واكتشف عدم وجود مياه في المستشفى منذ ثلاث أيام ، وأضاف أن الناس يعبرون خطوط الجبهة بين أم قصر والبصرة في محاولة يائسة للحصول على المياه ، وغالبا ما يعودون بدونها"، ويذكر التقرير أن الجيش البريطاني وعد بالتحقيق العاجل في هذه الادعاءات.
حرب إمبريالية(66/404)
وحول إدارة بترول العراق نشرت (الديلي تلجراف) مقالا تحت عنوان" البيت الأبيض يسعى لتعين خبراء غربيين لتقديم استشارات لصناعة النفط في العراق" حيث يقول التقرير: "إن سعي البيت الأبيض لتعين مستشارين غربيين لإدارة قطاع النفط في العراق ؛ يعني أن الولايات المتحدة خلفت وعدها بأن يقوم العراقيون بإدارة قطاع النفط بأنفسهم. من جهة أخرى يذكر التقرير أن بريطانيا تفضل تعيين أحد الشخصيات المسلمة المعروفة لتولي هذه المهمة. ويشير المقال إلى صدور تقرير عن مجلس العلاقات الأمريكية، ومعهد جيمس بيكر للسياسة العامة ؛ يعترض على تدخل رجال البترول الأمريكيين في قطاع البترول العراقي بصورة معلنة.
ويضيف التقرير أن السيطرة الأمريكية على البترول سوف تقنع العراقيين وباقي دول العالم أن الحرب ضد العراق حربا إمبريالية ، ولم تكن لتجريد العراق من أسلحة الدمار الشامل .
الصحف الأمريكية
كشفت صحيفة (النيويورك تايمز) -الأمريكية 31/3 - أن هناك جهوداً من كبار القادة الجمهوريين في الحكومة لإقناع الرئيس بوش بأن تقديرات ديك تشيني ودونالد رامسيفيلد للحرب مع العراق كانت خاطئة بشكل يهدد المصالح الوطنية الأمريكية على المدى الطويل ، وأكدوا للرئيس أن خطة الحرب ضد العراق قامت على أساس خاطئ .
وهاجمت الصحيفة اهتمام القادة العسكريين بالحديث عن دقة القنابل ، مؤكدة أنه في كل مرة تفشل فيها هذه الأسلحة للوصول إلى أهدافها وتصيب المدنيين تثير الرأي العام الدولي ، وأن موظفي البيت الأبيض يتبعون سياسات إعلامية كالتي تتبع في الحملات الانتخابية ، وانتقدت تجاهل الإدارة الأمريكية العمل مع المعارضة العراقية ، وقالت الصحيفة : إن تردد الرئيس بوش في هذا المجال لم يساعد القوات الأمريكية .
وفي (الواشنطن بوست) -الأمريكية- بررت الصحيفة قتل الجنود الأمريكيين سبع سيدات وثلاثة أطفال في نقطة تفتيش ؛ بالقول إنه تم لإجبار سائقها على التوقف ، بعد أن تجاهل تحذيرهم له بالتوقف ، ووصف طبيب في الفرقة الأمريكية الثالثة الحادث بأنه أسوء مأساة يشاهدها في حياته ، و قال : "إنه رأى في السيارة سيدة مصابة تعانق جثتي ولديها رافضه الخروج منها". ووصف نائب رئيس الأركان الأمريكي (بيتر بيس) ما قام به الجنود الأمريكيون بأنه كان "عملاً صحيحاً" وأنه لا يقارن بجرائم النظام العراقي ضد المدنيين .
وكتبت مجلة (التايم) تقول: إن مكتب التحقيقات الفدرالي الأمريكي وجه تحذيراً إلى جميع أجهزة المخابرات والأمن في جميع أنحاء الولايات المتحدة ، وطالبهم بالتأهب خشية إنتاج الخلايا الإرهابية مواد سامة يدوية الصنع يمكن استخدامها في شن هجمات إرهابية داخل الولايات المتحدة ، وذلك بعد أن أعلنت القوات الأمريكية عن عثورها على مواد بيلوجية سامة في معسكر جماعة (أنصار الإسلام) في شمال العراق والذي دمرته واستولت عليه القوات الأمريكية .
حرب ترفيهية !!
واهتمت صحيفة (ديلي نيوز) بالتعليق على التغطية التلفزيونية على الحرب بأنها حولت ساحات القتال إلى عرض ترفيهي!، يخفي حقيقة ما يجري من قتل ووحشية ، وكذلك برفض مقدمي البرامج الكوميدية في الولايات المتحدة وأوربا وقف إطلاق النكات عن الحرب ، والسخرية من الرئيسين بوش وصدام، وذلك بعد الانتقادات التي وجهت لهما باستغلال الحرب كمادة للفكاهة.
وقالت الصحيفة إن مديري الشركات التلفزيونية دافعوا بقوة عن هذه البرامج التي زاد معدل مشاهدتها ،لأنها وسيلة لإراحة أعصاب المشاهدين من أخبار الحرب ، ومشاهدها المزعجة ، وأشارت إلى أن مقدمي البرامج الأمريكية أخرجوا ما لديهم من نكات للتعبير عن أرائهم فيما يجري لدرجة حولتها إلى مادة مفضلة لكل المشاهدين ، حتى على مستوى المسؤولين الكبار في العالم .
ونقلت صحيفة (النيويورك تايمز) عن الكولونيل (كريس هيوز) من الفرقة 101 : أنه تحدث مع مساعد لأية الله على السيستانى- أحد كبار قادة الطائفة الشيعية في النجف- حول كيفية إدارة المدينة بعد غياب القوات العراقية النظامية وغير النظامية ، وأعرب عن أمله في الحصول على رد منه خلال يوم او يومين على الأكثر ، وأوضحت الصحيفة أن السيستانى -الخاضع للإقامة الجبرية منذ قمع الانتفاضة الشيعية في 1991 - يرفض حتى الآن التحدث مباشرة مع القوات الأمريكيه ، وأن حراسه فروا وأصبح يتمتع بحرية التنقل .
ومن المعلوم أن السيستانى كان قد أصدر فتوى - في وقت سابق- طلب فيها من العراقيين عدم مساعدة الولايات المتحدة قائلاً "إن من يساعدهم سيلحق به العار في الدنيا والاخره".
حرب صليبية!!(66/405)
وفي (النيويورك ديلي نيوز) كتب الكاتب اليهودى "زائيف شافتيز" يقول : إن الأمر لن يزيد عن أسابيع محدودة حتى تنتهي معركة العراق ، وإن الحرب لن تنتهي عند هزيمة صدام ، ولكنها أوسع نطاقاً ضد المحور الإسلامي ، فقد بدأت الحرب ضد أفغانستان ، ثم انتقلت إلى العراق ، وأنها لن تنتهي فبغداد ليست برلين، وسقوط صدام لن يكون نهاية للفاشية العربية والإسلامية ، فعندما يذهب صدام ستكون القوات الأمريكية كالسندويتش بين عدوين : إيران من الشرق أحد أضلاع محور الشر؛ وسوريا من الغرب ، ويتعين هزيمة كل منهما قبل أن تنتهى هذه الحرب .
ونشرت صحيفة (لوس انجلوس تايمز) مقالا لـ(روبرت فيسك) يصف فيه العاصمة بغداد بعد سيطرة الجنود الأمريكيين على مطار صدام الدولي، ووصولهم إلى مشارف العاصمة بغداد ،ويصف فيسك الجرحى العراقيين الذين يتلقون العلاج في مستشفى اليرموك والمنصور ؛ بظهور أدلة جديدة على استخدام القوات المتحالفة للقنابل العنقودية داخل بغداد نفسها ، وزيادة أعداد الجرحى المدنيين الذين يأتون إلى المستشفيات وهم مصابون بعدد من الجروح المتشابهة ، الناجمة عن هذه القنابل.
ويروي فيسك قصة أحد ضحايا القنابل العنقودية كان يقود دراجته البخارية، عندما شاهد قنابل عنقودية صغيرة تحتوي على شفرات معدنية على هيئة نجمة "تشبه حجارة صغيرة" تسقط من السماء ، وبعدها وجد نفسه غارقا في الدماء.
===============(66/406)
(66/407)
الانعتاق من سلطة الغرب
د. لطف الله خوجه 15/11/1427
06/12/2006
- مقدمة (الغرب في سطور)
أثر الغرب
الانعتاق
كيف نقاوم؟
الصراع بين الغرب وأمة الإسلا م
- مقدمة (الغرب في سطور):
- جغرافيا هو: أوربا الغربية، والولايات المتحدة الأمريكية. وهذا ترتيب تاريخي لا تأثيري.
- دينيا: مسيحي نصراني باتجاهين كبيرين (كاثوليك وبروتستانت).
- ثقافيا: علماني؛ يقرر فصل الدين عن الحياة، ويحصره في الكنيسة. وليبرالي يؤمن بأقصى حدود الحرية، من: إلحاد، وإباحية، وشذوذ. ما لم يصل لانتهاك حريات الآخرين.
- اجتماعيا: يميل إلى الفردية؛ ولأجله فالأسر قليلة، ضعيفة الارتباط، وفي طريقها إلى الفناء.
- تقنيا وعلميا: متقدم جدا، وفي تطور مستمر، في كافة الأصعدة العلمية والصناعية.
- اقتصاديا: ينهج النهج الرأسمالي الفردي، والسوق الحرة، والعولمة، والعمل بقانون: إما أن تأكل أو تؤكل، وأدواته: البنوك، والبورصات، والصناعات.
- عسكريا: متقدم ومتطور، ولديه سباق تسلح لا ينتهي، ويمتلك أسلحة خطره على السلم العالمي، وعنده ما يكفي تدمير العالم مئات المرات، وقد مارس الاستعمار والاحتلال منذ مطلع القرن 19، ولا يزال يمارس.
- سياسيا: براغماتي، يتجه نحو النفعية الخاصة، لا يعترف بمبدأ سواه؛ ولذا تتقلب سياساته بين عشية وضحاها مائة وثمانون درجة، فعدو الأمس هو صديق مقرب إذا لزم الأمر، والعكس.
- موقعه من العالم: موقع المهيمن، المسيطر، المتسلط!!، يتحكم في ثروات قارتين من قارات العالم: أفريقيا، وأمريكا اللاتينية. والمحيطات والبحار تحت تصرفه. وله القدرة على الاتجاه بالدول الضعيفة ضمن خططه الاقتصادية، والسياسية، والثقافية: نحو المفاهيم الغربية. كما له القدرة على توريط تلك الدول في مشكلات: سياسية، واقتصادية، وحروب. لضمان طاعتها، وانصياعها الكامل لما رسم لها من سياسات لا تخدمها، وتخدم الراسم. وتستعمل لأجل تحقيق هذا الهدف أدوات باتت معروفة، هي: الأمم المتحدة. مجلس الأمن. البنك الدول. صندوق النقد الدولي. وهي في طريق ترسيخ الأداة الكبرى للهيمنة: العولمة.
- أثر الغرب.
وله أثر في الناحيتين: الإيجابية، والسلبية.
فالناحية الأولى ظاهرة في الحقل العلمي والتقني خصوصا. والذي سهل وخدم البشرية في وسائل: الراحة والترف، والاتصالات، والتنقل، والطب، والمباني والمنشآت، والحماية والأمن، والتوسع والتدقيق في مصادر العلوم والبحث العلمي.. وكل ما هو مجمع عليه: أنه من صالح البشرية. لا ينكر أحد ما للغرب من يد طولى فيه، بغض النظر عن أهدافه؛ إن كانت للمصلحة الذاتية، أو لنفع العموم.
كما أن من إيجابياته: نشره لمبادئ حقوق الإنسان، والحريات الدينية، والسياسية، وتأثر كثير من دول العالم بهذه المبادئ، وانعكاسها على شعوبها، حيث أمنت على نفسها من الاستبداد إلى حد ما.
والناحية الثانية: وهي واضحة في أمور متعددة، أبرزها إدخال العالم في معارك عالمية تاريخية، لم يجر مثيل لها في التاريخ. وقتل عشرات الملايين، وتدمير دول ومدن.
وفي السياق ذاته: سباق التسلح المحموم؛ باختراع الأسلحة، الفتاكة، والقذرة، والمحرمة؛ كالنووي، والذري، والدمار الشامل، والألغام، والحارق، والمنضب. وإنفاق مليارات الدولارات، وإغراء دول العالم الثالث بالتسلح، وإجبارها على ذلك، بإشعال الحروب بينها لبيع السلاح.
وله دور في منعها من التقدم!!..:
- إما بتوريطها بديون ربوية، فوائدها مركبة، لا تقف عند حد، بواسطة: البنك الدولي، وصندوق النقد الدولي.
- أو بتوريطها في نزاعات إما داخلية، أو نزاعات مع دول مجاورة، تستنزف مواردها.
- وإن لزم الأمر، فخلق واختراع المبررات الكاذبة للاحتلال، بدعوى التحرير والتخليص.
وفي ظل هذه الظروف كيف يمكن لهذه الدول من أن تتقدم ؟!.
ومن سلبياته في العالم: نشر ثقافة الانحلال الخلقي، والإباحية، إلى الشذوذ الجنسي؛ المثلي، والحيواني. فالعالم اليوم يمر بمرحلة تفسخ لا مثيل له في التاريخ، وكلها نتاج ثقافة غربية، تؤمن بالحرية المطلقة.
ومن سلبياته: حرمانه الشعوب من التدين، خصوصا المسلمين، بنشر الفكر العلماني، وفرضه في بعض الأحيان، ونقل التجربة الغربية في فصل الدين عن الحياة إلى العالم، مما تسبب انتشار موجة الإلحاد.
- الانعتاق.
فأثره في العالم واضح، بنسب متفاوتة، بحسب قوة البلدان واستقلالها بالقرار..
فالقوية منها أقدر على الاستفادة، واختيار ما يلائمها من التراث والإنتاج الغربي، دون أن يملى عليها ما تستفيده. وأما الضعيفة فهي تحت التأثير السلبي للحضارة الغربية، فما أخذت منها إلا الأثر الاجتماعي، والثقافي، لكنها حرمت من الأثر الإيجابي العلمي ونحوه؛ ولذا فهي في تراجع مستمر.(66/408)
ومعرفة الطريقة الصحيحة للاستفادة الإيجابية من التقدم الغربي، يرجع إلى استيعاب مفهوم الهيمنة لدى الغرب، فهذا المهيمن على العالم حريص على إبقاء الهيمنة في حدودها العليا، بل والتمادي، والارتقاء بما كان دون ذلك؛ لتستوي الهيمنة، وتتكامل وتعم. فالشعوب إذا لم تقاوم هذا المفهوم بالانعتاق والتحرر، فإنها ستبقى تحت هذا المفهوم إلى الأبد، ولن يحرره الغرب.
فبقاء هذه الهيمنة مرهون بأمرين: حرص الغرب على إبقائها، استسلام الدول لهذه الإرادة.
لا تتم الهيمنة إلا بهذين مجتمعين، فهي عملية تكاملية، ما يعني عدم فاعليتها إذا ذهب أحد العاملين.
فلو أن الغرب لحقته شفقة، واعتراه عدل، وتحرج من الإثم في منعه الدول من الارتقاء، فأراد لها العون، فقدم كل أنواع الدعم، فإن تقدمها أمر متوقع، واستسلامها لن يعوق؛ لغلبة حب التطور على النفوس.
ولو أن هذه الدول فكت قيودها، وتمنعت، وسعت في التطور، وخططت لذلك جادة، واجتمع أمرها، ولم يختلف، فتحررها أمر لازم، ولن تقف خطط الغرب عائقا أمامها.
فمن المهم فهم ارتباط هذين العاملين في التخطيط للتخلص من الهيمنة:
- إذ تعليق الانحطاط والتخلف بالغرب وحده، لن يفيد في قيام وتطور الدول الضعيفة؛ لأن نهضة الأمة سبب رئيس في: تحررها، وتقدمها، وتطورها.
- وتعليق الانحطاط بالأمة وحدها، وتبرئة الغرب لن يفيد في الانطلاقة الصحيحة المتوازنة؛ إذ الغفلة عن هذا العامل ينبؤ عن عدم معرفة بالواقع الجاري في العالم، وأسوأ من ذلك: أنه يدل على الرضى بكل ما يفعله الغرب في العالم، وربما تنبي أهدافه ومخططاته..!!.
وكل هذه الحالات مانعة من الانعتاق والتقدم، وللخروج من الحالتين السلبيتين، لا بد من الالتفات إلى العامل الغربي في تأخر الدول، وبها وبالالتفاتة إلى دور الشعوب في رفض القبول الاستسلام: يمكن الانعتاق والتخلص من التخلف، والتبعية، والضعف.. والهيمنة، والارتقاء إلى صفوف الدول المتقدمة.
- كيف نقاوم ؟.
لدينا وسيلتان، بهما تمكن المقاومة:
الأولى: الالتفات إلى القدرات الداخلية للأمة، وتوفر الكفاءات: البشرية، والمالية، والفكرية. للنهوض بالأمة والاستقلال والاكتفاء الذاتي قدر الممكن.
الأمة لديها طاقات بشرية هائلة، فهذا الغرب نفسه قد انتفع بها للغاية. في مجالات: الطب، والفلك، والصناعات.. إلخ، لديه ثلة من العلماء من بلاد عربية وإسلامية، أسهموا في التقدم والتطور، ولا يزالوان.. إنهم يجدون مكانا وتقديرا لإبداعهم هنالك، ولا يجدونه في بلادهم.. وتلك هي الداهية.؟!!
على الأمة بكل فئاتها: الحكومات، والعلماء، والمفكرين، والتجار، وأهل الصناعات، وأهل التربية والتعليم، وأهل الحرف، والزراع، والعموم: واجب أدبي، وأخلاقي، ووطني، وديني: أن يقدموا خدماتهم بصدق وإخلاص للنهوض بالأمة.
- لا يجوز أن يكون البقاء في السلطة هو الهم الأكبر للحاكم، ولو كان لا يقدم شيئا يذكر.
- ولا يكفي أن يكون غاية العالم نقل العلم وتلقينه، دون السعي إلى ترجمته واقعا في الحياة.
- ومن المؤسف أن يكون هم رجال الأعمال والمال: تنمية الأرصدة، وزيادة الأرباح، عاما بعد عام. واستعمال كل الوسائل الممكنة لذلك، المباحة وغير المباحة. فأين مشروعاتهم للنهوض بالأمة، وهم الذين يمتلكون الشق الثاني من الحل للنهوض: المال. والأول هو: الطاقات.
- ولا يصح أن يكون هدف التعليم إعادة إنتاج أجيال مكررة، تعيد الدورة العلمية نفسها، فتكون كالرحى يدور في فراغ، لا يطحن حبا، ولا يسقي زرعا.
المهمة كبرى، وثقيلة، ولا تحتملها جهة دون أخرى، كل له وعليه واجب على قدره، فواجب الحاكم أكبر من غيره، وهذا معروف. وواجب العالم كبير وحساس، وواجب التاجر أساس ومؤثر.. والكل راع، وهو مسؤول عن رعيته.. فمتى اليقظة، والاستفاقة من الغفلة ؟.
الثانية: إعمال ميزان الشريعة في معاملة الغرب، فمن هذه الموازين:
1- أن الحق ضالة المؤمن: أنى وجدها، فهو أولى بها.
فحيث وجد ما هو مفيد وحق، فمن الضروري الأخذ به0 وهذا الأمر صار من المسلمات عند جماهير المسلمين؛ الخواص، والعوام.
2- أن الغرب المخالف للمسلمين في الدين، منه المحارب، ومنه المسالم؛ دولا، وشعوبا.
فالمحارب يتبرء منه ويعادى، والمسالم يبر به ويقسط إليه؛ بمعنى أن تكون العلاقة معه أحسن وأفضل بالنظر إلى العلاقة مع المحارب، لا إلى المسلم.
إذن لا يصح التعامل مع الغرب على: أنه وحدة واحدة غير مجزئة، ولا متنوعة.
3- أن المصلحة من العلل الشرعية المرعية.
فقد تضيق المعاملة مع المحارب من طريق العقيدة، لكنها تتسع من جهة الشريعة، من طريق المصلحة الشرعية، بشرط عمومها للأمة، فتجوز المهادنة، والمعاهدة معه، كما فعل صلى الله عليه وسلم مع قريش، واليهود، والروم.
4- دعوة الغرب إلى الإسلام.
وتبليغهم وتعريفهم به، فالغرب كله - خصوصا المسالم، وهو الأكثر - محل الدعوة، كسائر البشر، بالحكمة، والموعظة الحسنة، والمجادلة بالتي هي أحسن، بكافة الوسائل: المرئية، والمقروءة، والمسموعة.(66/409)
فالتوازن في التعامل مع الغرب مطلوب ومهم، فلا يصح إغفال ما قدمه من خدمة للإنسانية والعالم، كذلك لا يصح إغفال ما تسبب فيه وتورط من الإضرار بالإنسانية، والبيئة، والحياة الفطرية.
والقبول به جملة وتفصيلا، والترحيب به، والترويج لمثله، وقيمه ونشاطاته كلها، يمكن أن يكون أكثر تطرفا من الرفض الكلي، وأشد تنطعا من الإعراض عن كل ما أنتج وأبدع. الذي لا يكاد يوجد اليوم.. فأين نجد اليوم الذي يرفض ولا يقبل بكل ما أنتجه الغرب، مما هو مفيد للبشرية ؟.
قد كان ذلك في فترة مضت عند فئة محدودة قليلة الحظ في العلم، أما اليوم فالإجماع منعقد على الاستفادة من حضارة الغرب، بما لا يخل بالدين، والعقل، والخلق.
أما التطرف الآخر؛ تطرف القبول والرضى بالكل، فهو الذي يعاني منه المسلمون اليوم، وهو من أخطر أسباب انحطاط؛ إذ صار الغرب ينخرها من الخارج، وهذا التطرف ينخرها من الداخل.
من الأمور التي يروج لها هذا الاتجاه المتطرف:
الادعاء بأن تقدم الغرب لم يكن ليحصل من دون جميع تلك السلبيات التي رافقته.
وعليه فالدول التي تبتغي التقدم عليها الأخذ بأنموذج الغربي، بسلبياته، وإيجابياته.
وهذا ادعاء غير مفهوم ؟!!.
فليس من المفهوم عقلا، امتناع التقدم والتطور إلا بالجمع بين السلبيات والإيجابيات،!!، فالسلبيات أمراض تفسد الإيجابيات، وكل العقلاء يقولون: إن الغرب كاد أن يكمل لولا هذه السلبيات.
وفي الغالب أن هذه الفئة عينها على السلبيات، خصوصا وأنها تتعلق بجانب اللذات والشهوات والحرية اللامحدودة، وهذه الفئة هي التي جلبت هذه السلبيات إلى البلاد والدول ورسختها، ولم تأت بشيء من الإيجابيات.!!.
- الصراع بين الغرب وأمة الإسلا م.
الصراع مع الغرب قائم، فالغرب يتهدد مصالح المسلمين، ويستحوذ على ثرواتهم، وعقولهم، وجهودهم، ويتجرد من كل رادع، يردعه عن ظلم المسلمين، حتى لو كان بالاحتلال وقتل الآلاف.
وهذه أوضاع صريحة وواضحة في العداء، لا يمكن استغفال المسلمين، والضحك عليهم بكلمات عن السلام والتعايش بين الغرب والمسلمين، فالكلام شيء، والأفعال شيء آخر.
بل إنا لنجد في كلامهم من التحريض ما هو واضح وصريح:
- مثل تصريحات الرئيس الأمريكي بوش: "إنها حرب صليبية".
- وتصريحات البابا ضد الإسلام؛ أنه دين القتل والإرهاب.
- وإهانة القرآن في سجن غوانتنامو، والسجون الإسرائيلية.
- والرسولم المسيئة للنبي r في الصحف الدنمركية.
ثم ترجمة هذه الكلمات بحرب سافرة ضد بلاد المسلمين، واحتلال، وإشاعة الفوضى فيها، وتدمير البلدان، وقتل مئات الآلاف، والأمثلة معروفة: فلسطين، العراق، أفغانستان. فهو قول وفعل.
فهل بعد هذا يمكن لعاقل حر أبي أن يستغفل بكلام يصدر عن هؤلاء المعتدين أنفسهم، يروجون فيه للسلام والتسامح ؟!!.
إنه تحايل الجزار على الضحية بشيء من العلف.. والنهاية معلومة.
إن هذا ليؤكد الخبر النبوي الكريم عن الحرب الذي بين المسلمين والروم - وهو الاسم القديم لأمة الغرب اليوم - أنها سجال. باقية على مر القرون، حتى خروج الدجال ونزول المسيح ابن مريم، وهذا ما يؤمن به أيضا المتدينون منهم، وهم بانتظار المعركة الفاصلة هرمجدو، بحسب ما يعتقدون.
- عن عوف بن مالك رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم (أعدد ستا بين يدي الساعة... ثم هدنة تكون بينكم وبين بني الأصفر، فيغدرون، فيأتونكم تحت ثمانين غاية، تحت كل غاية اثنا عشر ألفا). [رواه البخاري، وبنو الأصفر هم الروم]
فمنذ الحروب الصليبية وإلى اليوم والنزاع والحرب قائم بين الأمتين..
والغرب الذي ينقسم إلى شعوب وحكومات أمره بيده الثاني، أما الأول فليس له من الأمر، وإن بدا ذلك في الظاهر، فمهما كان مسالما، فهو لن يغير في حقيقة الوضع القائم.
وهذه الحالة يجب ألا تغيب على بال المتعاطي للسياسة.
وأما نحن المسلمون فإنا أهل التسامح وأهل السلم، لا نجري وراء حرب، ولا نسعى في العدوان، لكننا أشد الناس بأسا إذا ما نيل من مقدساتنا.
==============(66/410)
(66/411)
رداً على ما جاء في بيان المثقفين الأمريكان :
على أي أساس نُقتل ونُحارب؟!
سهيلة زين العابدين حمَّاد 7/3/1423
19/05/2002
لقد ركَّز معهد القيم بالولايات المتحدة الأمريكية في بيانه الذي وقَّع عليه ستون مثقفاً أمريكياً ،والذي أعطاها هذا العنوان " على أي أساس نُقَاتل؟" تبرير حرب الإدارة الأمريكية على ما أسمته إرهاباً أعقاب أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001م بأنَّها حرب أخلاقية تستهدف الحفاظ على المبادئ والقيم الخمسة التي يؤمن بها الموقعون على البيان ،طالبين من المسلمين رجالاً ونساءً أن ينضموا معهم في تأييد هذه الحرب وتبني القيم الأمريكية .
هذا ولمّا كان البيان قد كشف مدى تضليل الإعلام الغربي الذي تسيره الصهيونية العالمية للمثقفين الأمريكان ممن وقَّعوا على هذا البيان الذي حوى على كثير من المغالطات والمتناقضات رأيتُ من واجبي كمثقفة مسلمة وصاحبة فكر وحاملة أمانة القلم أن أفتح باب الحوار مع موقعي هذا البيان ،ومع أي مثقف أمريكي أو أوربي يريد أن يتحاور معي حول مبادئ الإسلام وقيمه وعلاقة الغرب به ،لأصحح له الرؤى ،وأوضح له معالم صورة الإسلام التي عكف الاستشراق الغربي على مدى ثمانية قرون ،والصحافة الصهيونية على مدى قرن من الزمان على تشويهها وتضييع معالمها .
وأتمنى أن يكون ردي على بيان مثقفي أمريكا بمثابة بيان مثقفي العرب والمسلمين في كل مكان ،فمن يجد في هذا الرد من مثقفي الأمة يمثل رأيه فإنَّني أدعوه أن يضم توقيعه إلى توقيعي .
والنقاط التي سوف نناقشها في هذا البيان هي :
أولاً :المرتكزات الأساسية التي تقوم عليها القيم التي نؤمن بها نحن المسلمين والمنبثقة من أسس العقيدة الإسلامية.
ثانياً : القيم الأمريكية والمبادئ الخمسة التي يدافعون عنها .
ثالثاً : أحداث سبتمبر ،وإعلان الغرب الحرب على كل ما هو إسلامي،والتي وصفها البيان الأمريكي بالحرب العادلة والحرب الأخلاقية،وأنَّها لصالحنا نحن المسلمين.
رابعاً : موقفنا من سياسة الإدارة الأمريكية تجاه إسرائيل ،وتجاه الدول الإسلامية بما فيها الدول العربية،وفي حربها على ما أسمته بالإرهاب.
خامساً : النظام الإسلامي في الحكم،ودعوة البيان إلى فصل الدين عن الدولة ،والحكم بالحكم العلماني الوضعي.
أولاً: المرتكزات الأساسية للقيم التي نؤمن بها والمنبثقة من العقيدة الإسلامية :
1- الإيمان بأنَّ الله هو الخالق الرازق المحيي والمميت ،وهو الحي الذي لا يموت،وهو الواحد (الأحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد ) (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ) فنحن هنا نختلف مع استناد مؤسسي الولايات المتحدة إلى دعوى دينية أساسية أنَّ جميع البشر خلقوا على صورة الله،فالإنسان خلق بنفحة من روح الله ،ولكنه لم يخلق على صورة الله.كما نؤمن بأنَّ الله هو القاهر فوق عباده ،وليس أية قوى بشرية ،فأية قوة بشرية مهما بلغت من قوة فلن تكون فوق قوة الله فتستبد معتقدة بأنَّها هي القوة الأوحد ( وهو القاهر فوق عباده ) ( فعَّال لما يُريد) فنحن نؤمن إيمانا كاملاً بأنَّ الحياة والموت والرزق ،وكل شئ بيد الله وحده ،ولا يستطيع أي كائن كان مهما بلغ من قوة وبطش أن ينزع الحياة والرزق منَّا بدون إرادة الله ،فالإسلام قد حرَّر الإنسان من عبودية الخلق الذي ظل عبداً لأسياده ألوف السنين ،ولم يذق طعم الحرية إلاَّ بالإسلام ،انظروا إلى أحوال شعوب الأرض قبل بزوغ فجر الإسلام كم عانت من اضطهاد وظلم واسترقاق البشر من حكام وإقطاعيين! فالعالم لم يعرف العدالة والحرية والمساواة إلاَّ من الإسلام، ولذا فنحن نحب خالقنا الذي حررنا من كل أنواع وصنوف العبودية للخلق، ولا نخشى ولا نخاف إلاَّ إيَّاه الذي جعل العزة للمؤمنين كما جعلها له ولرسوله ،إذ قال عزَّ وجل (( ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين)) (المنافقون :8)،فالمسلم الحق لا يرضى بالذل والخنوع والخضوع ،إنَّه يرفضُ الضيم،فعلاقة الإنسان في الإسلام بربه علاقة جد وثيقة قائمة على العبادة له طاعةً ومحبةً ومراقبته في كل قول وعمل خوفاً من عقابه ،وطمعاً في رحمته وثوابه،ورغبة برؤيته يوم القيامة والفوز بالجنة.(66/412)
2- الإنسان كائن مكلف وصاحب رسالة ،يقول تعالى : (( وإذْ قَال رَبُّكَ للمَلاَئِكِةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأْرْضِ خَلِيفَةً قَالُوُا أَتَجْعَلُ فيها مَنْ يُفْسِد فِيها وَيَسْفِكُ الدَّماءَ وَنَحْنُ نُسَبِّح بَحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَالاَ تَعْلَمُونَ )) ( البقرة 30)،ويقول تعالى : (( إنَّا عَرَضنَا الأَمانةَ عَلى السَّمَاوَاتِ والأْرْضِ والجِبَال فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشَفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَها الإِنْسانُ إِنَّه كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً)) ( الأحزاب :72). والإنسان لا يكون ظلوماً جهولاً إلاّ إذا كان ذا عقل ،فيعرف به أعباء هذه الأمانة ،ومع هذا يتعدى حدودها ؛إذ ظلم نفسه بتحمل أعباء يعرفها ويتعدى حدودها ،وجهول لأنَّه يتعدى تلك الحدود لجهله بها. وهنا يتضح لنا سبب اختيار الله للإنسان لمسؤولية الاستخلاف . فالعقل والتفكير مناط التكليف ؛ لذا اشترط التكليف بالعقل ،فإن انعدم العقل سقط التكليف ،لذا نجده سقط عن الصغير والمجنون والمعتوه ،فالإنسان مكلف بعمارة الأرض ،وبأمانة الاستخلاف لأنَّه ذو عقل ،ووجود عقل يعني وجود فكر ،ودور العقل في هذه القضية جد عظيم ،وهو موضع اعتبار الإسلام وتعظيمه ليكون في الدرجة الأولى من الأهمية والفعالية والعطاء ،ومن الوصول بالإنسان إلى مداخل الحق والخير ،وتمكينه من استيعاب الحقائق التي تملأ أرجاء هذا الكون المعمور ،وفي طليعتها حقيقة الإيمان بالله الذي يملأ وجوده الكون وما فيه لتكون له الهيمنة المطلقة التي تحيط بأرجاء الوجود من أطرافه ،ومن أقصاه إلى أقصاه ،وقد ورد ذكر العقل في القرآن الكريم ومشتقاته ثمان وأربعين مرة ؛إذ يدعو فيها أن يتفكر العقل في ملكوت الله ،وفي خلائقه المنتشرة ،وفي تركيبة هذا الكون الزاخر المعمور حتى يصل العقل إلى التصديق المطمئن بوجود الإله الخالق المهيمن الأعظم.
3- عبادة الله هي المهمة العليا لهذا الإنسان ،وقد بيَّن هذا قوله تعالى : (( ومَا خَلَقْتُ الجِنَّ والإِنْسَ إلاَّ ليَعْبُدُون)). فالإنسان خلق لعبادة الله ،ولتحقيق أمانة الاستخلاف وعمارة الأرض ،فهذه الآية والآيتان السابقتان عن أمانة الاستخلاف تدحض العبثية الوجودية التي تقول بعبثية الخلق ،وأنَّ الإنسان مادام سيموت فلا هدف من حياته ،ولا قيمة لأي عمل يعمله.(66/413)
4- أنَّه مسيّر ومخيَّر ،ومميز أي لديه القدرة على التمييز بين الخير والشر ،فالنفس البشرية كما تعرف الله بالفطرة ،فهي تعرف الخير والشر بالفطرة .. مصداقاً لقوله تعالى : ((وَنفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فألْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاها )) ( الشمس : 8) ،ويقول تعالى : (( وّهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْن))،وهنا يأتي الاختيار فمادام الإنسان قادراً على التمييز بين الخير والشر ،فهو حر الاختيار ؛إذ بيّن الله جلَّ شأنه له لخير والشر ،وطريق كل منهما ،وله أن يختار أيهما يسلك ثُمَّ يتحمَّل مسؤولية اختياره فيثاب ويجازى خيراً على الخير ،ويعاقب في الدنيا والآخرة إن سلك طريق الجريمة والشر ،وهنا يأتي دور المجتمع في معاقبة من أجرم في حق العباد وفي حق المجتمع.،فالإنسان في التصور الإسلامي مسيَّر ومخيَّر ،مُسيَّر في بعضِ جوانب حياته وفق طبيعته التي خلقه عليها ،فهو مسير بخضوعه لسنن الكون التي لا يستطيع الخروج عنها كقوانين الجاذبية ،والضغط الجوي ،وقوانين الجسم من الهضم والدورة الدموية ،وقوانين الحرارة ،وغيرها من السنن الكونية ،وهذا من رحمة الله بالإنسان ؛إذ لو لم يكن مسيراً في قوانين الجسم كيف يستطيع أن يُسيِّر أجهزة جسمه لتؤدي وظائفها وهو نائم؟،فالإنسان في بعض جوانب حياته مسيَّر ؛بخضوعه لسنن الكون ،ولكنه من جهة أخرى له قدرة وإرادة حرة تختار ما تريد من الأفعال والتصرفات ،ولكنها مسؤولة عن هذا الاختيار ،وهنا الفرق بين حرية الإرادة في التصور الإسلامي ،وحرية الإرادة في الوجودية الملحدة ،الفرق هو العقوبة على من يتجاوز حدود الاختيار فيظلم نفسه ،أو يظلم غيره ،وحدود الاختيار محددة في الحلال والحرام ،وعلى الإنسان أن يختار الحلال ،فإذا ارتكب محرماً عوقب على قدر جريمته فإن سرق أكثر من ثلاث مرات قطعت يده ، وإن شرب الخمر جلد ،وإن ارتكب فاحشة الزنا إن كان محصناً أي متزوجاً يُرجم حتى الموت ،وإن كان غير متزوج يجلد مائة جلدة ، ،ومن قتل يقتل ،بقول تعالى : (( يا أَيُّها الذين آمنوا كتبَ عليكمُ القِصَاصُ في القْتَلى)) ( البقرة : 178) .ومن ارتد عن الإسلام يستتاب ،فإن لم يُتب يقتل لقول صلى الله عليه وسلم (أيما رجل ارتد عن الإسلام فادعه ،فإن عاد ،وإلاَّ فاضربه عنقه ،صحيح أنَّه(( لا إكراه في الدين)) كما قال تعالى،فالإنسان حر في اختيار دينه وعقيدته ،ولكنه مادام قد اختار الإسلام ديناً وهو خاتمة الأديان السماوية نولا دين سماوي بعده فعليه الالتزام به ،ويتحمل مسؤولية هذا الاختيار ،وإلاَّ فإنَّ ارتكب معصية أو جريمة يحرمها الإسلام ؛يدَّعي هرباً من العقوبة أنّه ارتد عن الإسلام فراراً من العقوبة ،فيصبح المجتمع في فوضى بكثرة الجرائم إن لم تكن هناك عقوبة رادعة للمرتد،وتروْن أنه لا توجد عقوبة في اليهودية لمن تركها ،لأنَّه سيأتي دين سماوي بعدها هو المسيحية ،فمن ترك اليهودية واعتنق المسيحية فلا عقوبة عليه في الديانة اليهودية ،ولا توجد عقوبة في الديانة المسيحية لمن تركها لأنه سيأتي دين سماوي بعدها هو الإسلام،فمن ترك اليهودية أو المسيحية واعتنق الإسلام فلا عقوبة عليه،بل عليه الدخول في الدين الإسلامي لأنَّه خاتمة الأديان ،ولم يجبر الإسلام يهودياً ولا نصرانياً الدخول في الإسلام فالذين أسلموا منهم أسلم من تلقاء نفسه بعد اقتناع بأنه الدين السماوي الخاتم وأنَّه الدين الحق ،فالإسلام دخل في شرق ووسط وغرب أفريقيا ،وفي شرق وجنوب شرق آسيا عن طريق التجَّار ،إذ أسلم أهالي تلك البلاد عندما وجدوا في التجار المسلمين الصدق والأمانة وعدم الغش،والوفاء بالعهد،وغيرها من الأخلاق الحميدة ،وهي صفات أوجبها عليهم الإسلام ،فالإسلام دين الأخلاق ،فالرسو صلى الله عليه وسلم قال : ( إنَّما بُعثتُ لأتمم الأخلاق ) ،وقد وصفه الله عزَّ وجل في قوله تعالى ((وَإَنَّك لَعَلى خُلُقٍ عَظِيم))فالمستشرقون الذين زعموا أنَّ الإسلام انتشر بحد السيف زعمهم باطل ،يدحضه الوقائع والحقائق التاريخية .ويؤكد هذا قوله تعالى لنبيه الكريم : (( ادْعُ إلى سَبيلِ رَبَّكَ بالحكمةِ والموعظةِ الحسنةِ وَجَادِلهُمْ بالتي هي أحسنُ إنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالمُهْتَدِين)) (النحل: 125)،وقوله لرسوله الكريم أيضاً (( لو كُنْتَ فَظَّا غَلِيظَ القَلْبِ لا نفَضُّوا مِنً حَوْلِكَ))
فالإسلام هو خاتمة الأديان السماوية ،لذا كانت هناك عقوبة على المرتد عنه بعدما اختاره ديناً بلا إكراه، ألا تعلمون أنَّ الإدارة الأمريكية تتدخل في هذه الأمور الشرعية ،وتطالب بعض الدول الإسلامية بعدم تنفيذ عقوبة المرتد على المرتدين عن الإسلام تمهيداً لتنفيذ مخطط تنصير المسلمين ؟
كما حرَّم الإسلام الانتحار ،لأنَّ فيه اعتراضاً على قضاء الله وقدره ،وفيه قتل نفس التي حرَّم الله قتلها إلاَّ بالحق ،والإنسان مسؤول عن صيانة نفسه وحمايتها، يقول تعالى : (( ولاَ تَقْتُلُوا أَنْفَسَكُم إنَّ اللهَ كانَ بِكُمْ رَحِيما))(66/414)
هذه الجرائم الكبرى التي يعاقب عليها الإسلام حماية للأنفس والأعراض والأموال ،والمجتمعات الإباحية لا تعتبر الزنا جريمة لأنَّهم لا يؤمنون بالإنسانية المترفعة عن مستوى الحيوان.
ولقد ساوى الإسلام بين المرأة والرجل في الحدود والعقوبات ،كما ساوى بين جميع الناس في الحقوق المدنية ،وشؤون المسؤولية والجزاء والعقاب ،يقو صلى الله عليه وسلم ( لا تفلح أمة لا يؤخذ للضعيف فيها حقه من القوي ) ،وقال ( إنَّما أهلك الذين من قبلكم أنَّهم كانوا إذا سرق الشريف تركوه ،وإذا سرق الضعيف أقاموا عليه الحد ،وأيم والله لو فاطمة بنت محمد سرقت لقطعتُ يدها) ،ويقول أبو بكر الصديق رضي الله عنه في أول خطبة له بعد مبايعته بالخلافة : ( ألا إنَّ أقواكم عندي الضعيف حتى آخذ الحق له ،وأضعفكم عندي من القوي حتى آخذ الحق منه .) وحرص على تكرار هذا المعنى نفسه أمير المؤمنين عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه في أول خطبة له بعد توليه الخلافة : ( أيها الناس ! إنَّه والله ما فيكم أحد أقوى عندي من الضعيف حتى آخذ الحق له ،ولا أضعف عندي من القوي حتى آخذ الحق منه ) ،وجاء في رسالة عمر رضي الله عنه إلى أبي موسى الأشعري ،وهي الرسالة التي جمع فيها معظم أحكام الإسلام في القضاء : ( آس بين الناس في وجهك وعدلك ومجلسك ـ أي سو بين المتقاضين في جميع هذه الأمور ـ حتى لا يطمع شريف في حيفك ،ولا ييأس ضعيف من عدلك) . ويقول في وصيته للخليفة من بعده : ( اجعل النَّاس عندك سواء ،لا تبال على من وجب الحق ،ثُمَّ لا تأخذك في الله لومة لائم ،وإياك والمحاباة فيما ولاَّك الله ) .
5- إنَّ الإنسان مسؤول عن اختياره ليثاب إن أحسن ويعاقب ويجازى إن أخطأ،والرجل والمرأة متساويان في الجزاء والثواب ،كماهما متساويان في الإنسانية وفي تحمل أمانة الاستخلاف، وفي القصاص والحدود والعقوبات،يوضح هذا قوله تعالى : (( مَنْ عَمِلَ صَالِحَاً مِّنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ولَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُون) وهو هنا يرد القرآن الكريم على ما أثير من تساؤلات في أحد المجامع الكنسية بروما التي منها :
هل المرأة إنسان ذو روح خالدة ؟ وهل هي أهل لأن تتلقى الدين ،وهل تصح منها العبادة ؟ وهل يتاح لها أن تدخل الجنة في الآخرة ؟؟
ثُمّ قرَّر المجتمعون ( أنَّ المرأة مجرد حيوان نجس لا روح له ولا خلود ،ولكن يجبُ عليها العبادة والخدمة ،كما يجب تكميم فمها كالبعير وكالكلب العقور لمنعها من الضحك والكلام لأنَّها أحبولة الشيطان )
6- الإنسان في الإسلام مادة وروح معاً ،فهو قبضة من طين ونفخة من روح الله ،يقول تعالى : (( إذ قال ربك للملائكة إني خالق بشراً من طين فإذ سوَّيته ونفختُ فيه من روحي فقعوا له ساجدين)) (سورة ص :71-72)
وقد وازن الإسلام بين الروح والجسد فلم يبخس للجسد حقاً ليوفي حقوق الروح،فيحرم المباح ،ولم يبخس للروح حقاً ليوفي حقوق الجسد، فيبيح المحرمات ،ويتضح هذا التوازن في قوله تعالى : (( وابتغ فيما أتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا)) ( القصص : 77) ،هذا التوازن عجزت عن تحقيقه سائر الأديان والفلسفات ،وهنا تتجلى معجزة الإسلام فالإنسان في التصور الإسلامي موحد من حيث طبيعته بين النواحي المادية والروحية والحاجات النفسية.فالإسلام لا يؤمن بحيوانية الإنسان أي ماديته "كالداروينية"التي نشأت عنها المذاهب المادية كالماركسية والفرويدية القائمة على التفسير الجنسي الحيواني للسلوك الإنساني ،وغير ذلك من المذاهب القائمة على مادية الإنسان وحيوانيته ،والتي شملت كل اتجاهات الفكر الغربي،كما لا يؤمن برهبانية الإنسان كالبوذية والهندوكية التي تمخَّضت عنها الفلسفة المثالية كفلسفة أفلاطون في العصور القديمة وفلسفة هيجل في القرن التاسع عشر،وإنَّما يؤمن الإسلام بأنَّ الإنسان مادة وروح لا يمكن فصل هذين العنصرين عن بعضهما البعض.
والإنسان مخلوق مكرَّم ((ولقد كرَّمنا بني آدم )) (المائدة : 33) ،ومن مظاهر هذا التكريم:(66/415)
- العلم : (( وعلَّم آدم الأسماء كلها ثُمَّ عرضهم على الملائكة فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين)) (البقرة:31) ،وقال جلّ شأنه ((علَّم الإنسان مالم يعلم ))(العلق:5) ،كما علَّمه البيان (( الرحمن .علَّم القرآن .خلق الإنسان. علَّمه البيان)) (الرحمن :1-4)،وقد زوَّد الخالق جلَّ شأنه الإنسان بأهم أدوات التعلم وهي العقل والسمع والبصر والفؤاد ،وعلى الإنسان أن يُحسن استخدامها ،وإلاَّ فهو والأنعام سواء يقول تعالى : (( ولقدْ ذّرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيرَاً مِنَ الجِنِّ والإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاّ يَفْقَهُونَ بِها وَلَهُم أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُون بِها وَلَهُم أَذَانٌ لاَ يَسْمَعُونَ بِها أُولَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمُ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الغَافِلُون))بل حثه على استخدام المنهج العلمي باستخدام أدوات البحث العلمي في قوله تعالى ((ولا تقفُ ما ليس لك به علم إنَّ السمعَ والبصرَ والفؤاد كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عنْه مسؤولا)) ولقد تحدى القرآن الكريم العقائد الموروثة والأفكار الجاهلية بالمنهج العلمي فقال جلَّ شأنه (( قل هاتوا بُرهانكم إنْ كُنْتُم صادقين)) ( البقرة:170)وقوله تعالى : (( قُلْ هَلْ عِنْدَكُم مِنْ عِلِمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إنْ تَتبِعُونَ إلاَّ الظَّن وإنْ أَنْتُمْ إِلاَّ تخْرُصُون)) ( الأنعام : 148) فالمنهج العلمي أول ما جاء به الإسلام وطبَّقه الحسن بن الهيثم في بحوثه وكشوفه العلمية قبل فرنيسس بيكون الذي نُسب إليه المنهج العلمي . ولأهمية العلم فلقد جعله الإسلام فريضة على كل مسلم ومسلمة ،ألا تعلمون أنَّ أول كلمة في القرآن نزلت هي كلمة "إقرأ"التي جاء فيها قوله تعالى ((إقرأ باسم ربِّك الذي خلق .خَلَقَ الإنْسَان مِنْ عَلَقْ. أقرأ ورَبُّكَ الأَكْرَم. الَّذي عَلَّم بِالقَلَمِ.عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَم)) (العلق:1_5)،وألا تعلمون أنَّ الرسولمحمدا صلى الله عليه وسلم قد جعل فداء كل أسير من أسرى المشركين في غزوة بدر ،وهي أول معركة بين المسلمين ومشركي قريش هو تعليم عشرة من الصبيان في المدينة المنورة ؟ إنَّه دين حضاري وإنساني قائم على العلم واحترام أهل العلم وتكريمهم ،فقلد جعل العلماء ورثة الأنبياء ،وهم أكثر خشية لله لأنَّهم على علم بقدرته عارفون به ،يقول تعالى (( إنَّمَا يخشى اللهَ منْ عِبَادِه العُلَمَاءُ)) وبين أنَّ أهل العلم لا يتساوون مع الذين لا يعلمون ،يقول تعالى : (( قُلْ هَلْ يسْتَوِي الذينَ يَعْلَمُون وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُون)) ( الزمر : 9)،بل يرفع الله أهل العلم درجات ،يقول تعالى : (( يَرْفَعُ اللهُ الَّذينَ آمَنُوا مِنْكُم والَّذِينَ أُوتُوا العِلَم دَرَجَاتٍ))( المجادلة : 11) ،وقد حثَّ الإسلام على طلب العلم وجعله طريقاً إلى الجنة ،فلقد أخرج الإمام مسلم في صحيحه عن طريق أبي هريرة رضي الله عنه ،أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهَّل الله له طريقاً إلى الجنة)،فهذا فضل العلم والعلماء في الإسلام ،والذي ينكرونه عليه متهمينه بأنَّه ضد العلم ،وأنَّه يدعو إلى التخلف والرجعية ،فليتبصروا ويتأملوا في هذه الآيات القرآنية ،وفي واقع الأمة الإسلامية عندما تمّسكت والتزمت بالإسلام أية حضارة شيّدتها ،وأي علم وصلت وارتفعت إليه؟فموقف الإسلام من العلم وتشجيعه عليه ،ورفع مكانة العلماء ،ومساواة البشر جميعاً في طلبه فجَّر في المسلمين طاقات الإبداع ،وأضاف مفهوماً جديداً إلى مفهوم العلم لم يكن يلقى اهتماماً عند اليونانيين ،وهو استخدام العلم في كشف أسرار العالم الطبيعي ،وقهر الإنسان للمادة ،والسيطرة عليها ، واستخدم المسلمون الرياضيات في حل المشكلات الواقعية التي تواجه الإنسان ،وبرعوا في استخدام الأرقام ووضع علم الحساب ،واكتشاف الصفر في كتابة الأرقام ،واخترعوا علم الجبر ،وتفوقوا في الهندسة التحليلية ،وابتكروا حساب المثلثات ،وكانت هذه أول مرة تستخدم فيها الرياضيات للتعبير عن قوانين العالم الطبيعي ،وفي علم الطبيعة ابتكر ابن الهيثم علم الضوء ،كما اكتشف ابن سيناء الجاذبية الأرضية قبل إسحاق نيوتن بسبعة قرون ،وللأسف الغرب نسب هذا الاكتشاف إلى إسحاق نيوتن ،وفي مجال الطب فلقد اكتشف ابن النفيس الدورة الدموية الصغرى ،كما عرف العرب التغذية عن طريق شق العلوم بالحقن ،وهم أول من عرف الخدمة السريرية ،والتعقيم وانتقال العدوى في بعض الأمراض ،وعرفوا الجراثيم وطرق وقايتهم من الأمراض شبيهة بطرق الوقاية المعروفة اليوم .وفي علم الصيدلة فلقد اجمع مؤرخو العلوم أنّ علماء العرب والمسلمين هم الذين وضعوا قواعد علم الصيدلة وفصلوها عن الطب ؛إذ كان الطب والصيدلة مهنة واحدة.ورجع تفوق للعلماء المسلمين في علم الصيدلة إلى تفوقهم في الكيمياء وعلم النبات. هذا ويعتبر جابر بن حيَّان هو مؤسس علم الكيمياء ،وحتى أصبح في أوربا في العصور الوسطى يطلق على علم الكيمياء " علم جابر"،أو "بصنعة جابر" وكتابه "الخالص" كان يدرس في أوربا لعدة قرون ،وممّا لاشك فيه فإن إنجازات(66/416)
العلماء المسلمين في علم الكيمياء كان لها أثر كبير في صناعة الأدوية ،وفي كثير من الصناعات منها صناعة الأسلحة.أمَّا إنجازات المسلمين في علمي الفلك والجغرافيا فقلد ساعد على تطور علوم لأرض والفضاء.
إنَّ إنجازات المسلمين في كل العلوم لا تعد ولا تحصى ،وما ذكرناه على سبيل المثال لا الحصر لنبين لكم أنّ الإسلام هو الذي دفع بالمسلمين إلى كل هذه الاكتشافات العلمية لأنّ هؤلاء العلماء أول شيء يتعلمونه هو العلوم الدينية من حفظ القرآن الكريم ،ودراسة تفسيره ،ومن حفظ الأحاديث النبوية ،ودراسة الأحكام الفقهية الشرعية ،ثُمَّ ينطلقون في دراساتهم للعلوم التي يرغبون في دراستها ،ومعهم الذخيرة النفيسة من العلم التي ترشدهم وتلهمهم وتؤهلهم لطرق كل العلوم ،والنبوغ فيها فأسهموا في إنشاء حضارة فريدة تميّزت على كل الحضارات ،وأصبح المسلمون يمثلون أكبر قوة في العالم ،فمثلاً : ابن خلدون مؤسس علم الاجتماع وعلم العمران،وصاحب العديد من النظريات الاقتصادية التي سبق بها آدم سميث استقى نظرياته الاجتماعية والعمرانية والاقتصادية من القرآن الكريم ،ومن السنة الشريفة ،وقد كان عالماً فقيهاً ،وقاضياً تولى القضاء في مصر .فالعالم لم يعرف الحضارة العلمية إلاَّ عن طريق الإسلام الذي دفع بالمسلمين إلى ذلك ،فالعلوم الدينية تخرج العلماء والمفكرين والمخترعين لمن يدرسها حق دراستها ،ولا تُفرِّغ الإرهاب ،كما تزعم الحملة على الإرهاب التي وصفها بيانكم بأنَّها حرب أخلاقية!
والذي يُفرِّغ العنف والإرهاب أفلام العنف والإرهاب التي تنتجها سينما هوليود التي يسيطر عليها اليهود الصهاينة،فلمَ لا يوجه الانتقاد إلى تلك الأفلام التي تعرض في محطات التلفاز الأمريكية؟أيضاً لماذا لم يقدَّم الانتقاد للمناهج الدراسية الدينية في إسرائيل التي تدعو إلى إباحة أعراض ودماء وأموال غير اليهود من الأميين ،والتي تغرس في نفوس صغارها على التمايز على سائر الأمم ،وأنَّهم شعب الله المختار ، وأنَّ دولة إسرائيل الكبرى تمتد من النيل إلى الفرات ،بل حتى مناهج الحساب يُحرِّضون فيها على قتل الفلسطينيين ،فمن المسائل الحسابية التي تدرس للطلبة في إسرائيل مثلا : يوجد ثمانية فلسطينيون فكم فلسطينياً ينبغي أن تقتلهم ليبقى ثلاثة أحياء؟
- من مظاهر التكريم الإلهي للإنسان أنَّه خلقه سوي الخلقة ،يقول تعالى : (( لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم))
- من هذا التكريم أنَّه سخَّر له ما في الكون ،يقول تعالى : (( وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جمِيعاً مِّنه إَّن فِي ذلك لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكْرُون)) . فهذا التصور الذي يحمله الإسلام للإنسان من تسخير الكون له وليس العكس .فإنَّ الطبيعة هي المسخَّرة للإنسان ،وليس هو المسخَّر لها ،فالقول بأنَّ الإنسان سخر للوجود أدَّى إلى استعباد الإنسان ،فأصبح الكون بالنسبة للإنسان سيداً معبوداً . وإقرار هذه الحقيقة أنّ الكون مسخر للإنسان فيه تحرر الإنسان من عبودية الخلق.فالمبدأ الأساسي الذي تقوم عليه العقيدة لإسلامية هو أنّ الله وحده هو المعبود ،وليس أحد سواه ،فلا الشمس ولا القمر ،ولا الليل ولا النهَّار ،ولا البحار ،ولا المال ولا الحيوان ولا النار ،ولا القوم ،ولا العشيرة ،ولا الوطن ،ولا الإنسان المعبود ،فليس في الكون شيء معبود ،بل الكل ،كل الكائنات الموجودة في هذا الكون عابد له يدين له بالتعظيم ،ويقر له بالألوهية والوحدانية والعبودية ،يقول تعالى : (( وَهُوَ اللهُ لاَ إِلَه إِلاَّ هُوَ لَهُ الحَمْدُ فِي الأُولى والآخِرِة ولَه الحُكُمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُون)) ( القصص : 70). وهكذا كرَّم الله الإنسان ؛إذ حرَّره من عبودية الخلق ليكون عبداً للخالق جلَّ شأنه ،وهي عبودية تشريف وتكريم وإعزاز لأنَّه بهذه العبودية يرتفع ويسمو وتنبتُ في نفسه الطمأنينة ،ويتطهر جسده من أردان الرذائل والخبائث ،ويرتقي بآدميته إلى الفضائل والعفاف ،فلا يخشى إلاَّ الله ،ولا يذل نفسه إلاَّ لله ،ويجعل عمله خالصاً لله ،فيتحرر من الخديعة والكذب والنفاق والرياء ،ويراقب الله في أعماله وأقواله ،فلا يخون ،ولا يسرق ،ولا يزني ،ولا يقتل فيعيش سعيداً عزيزاً مكرماً مطمئن النفس قرير العين ،فيسلم من آفات وأمراض هذا الزمان ،وكل زمان ؛إذ يتخلص بإخلاص العبودية لله ممَّا تعاني منه البشرية أفراداً وجماعات من الويلات والنكبات التي تنصب على رأسها صباً كالقلق والخوف ،والهم ،والاكتئاب ، والانتحار ، والأنانية ،والجشع ، وسُعار الجنس ، والطلاق ، والاغتصاب ، والإرهاب ،وتفسخ الأسرة وتفككها ، وانحلال المجتمع ،كل هذه الأمراض والمفاسد تعاني منها البشرية الشاردة عن دين الله ،والتي تعلق العصيان على الله سبحانه وتعالى ،وذلك لتصورها المخبول القاصر أنَّها تستطيع أن تحظى بالسعادة والخير بانفرادها بالتشريع وانفصالها عن صراط الله في شرعه ودينه ،لهذا كانت الغاية العليا من خلق الإنسان عبادة الله جلَّ شأنه ، يقول تعالى : (( وما خلقتُ الجن والإنس إلاَّ ليعبدون))(66/417)
7- أنَّ الحياة الدنيا دار امتحان وابتلاء ،يمر بها الإنسان ليصل إلى الآخرة ،وأنَّ الحياة الآخرة هي الحياة الدائمة لا موت فيها ،ولقد وصف الحياة الدنيا : بأنّها حياة لهو ومملوءة بالزينة والزخرف والشهوات(( اعلموا أنَّما الحيَاةُ الدُّنَيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الأمْوَال والأَوْلادِ)) (0الحديد :20) ،وأنَّها متاع مؤقت ،ومكان عبور لا يجوز اتخاذها غاية ،يقول تعالى : (( إذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِنْ لَبِثْتُمْ إِلاَّ يَوْمَاً )) ( طه : 104)،وأنَّها دار تعب وكدح وجد ،يقول تعالى : (( يَا أُيُّهَا الإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحَاً فَمُلاَقِيه)) ( الانشقاق : 6)
8- الإيمان أنَّ الكون ميدان للنشاط الإنساني ؛إذ يستخدم فيه الإنسان طاقاته وإمكاناته ويسخره لمنفعته ،وأنَّ إرادة الله وراء ما يحدث في هذا الكون ،وأنّ الكون مسير ومدبر دائماً بقدرة الله ،يقول تعالى : (( ومِنْ آياتِهِ أنْ تَقُومَ السَّمَاءُ والأرْضُ بِأمْرِهِ)) ،وأنَّ الكون كله قانت لله : (( تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاواتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَنْ فِيهنَّ وَإِنْ مِّنْ شَيءٍ إلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ)) (الإسراء : 44)،وأنَّ كثيراً مما في هذا الكون سخر للإنسان ،يقول تعالى : (( هو الذي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الأَرْضِ جَمِيعَاً ثُمَّ اسْتَوى إِلى السَّمَاءِ)) ( البقرة: 29)
هذه أهم المرتكزات التي تمثل عقيدتنا الإسلامية ،والتي تنبثق منها قيمنا ومبادئنا ولعلكم تجدون فيها إجابة إلى كثير من التساؤلات منها البحث عن الحقيقة في مقصد الحياة ومصيرها .
ثانياً:القيم الأمريكية والمبادئ الخمسة التي تدافعون عنها:
في البداية فنحن نتفق معكم في أنَّ الاستهلاكية كطريقة حياة ،وتصور الحرية على أنَّها تعني عدم وجود قيود ،والتصور السائد أنَّ الفرد مستقل قائمٌ بذاته ،فليس له مسؤولية كبيرة نحو الآخرين والمجتمع ،وضعف العلاقة الزوجية والحياة الأسرية ،من القيم الأمريكية المضرة وغير الجميلة ،وأنَّ وسائل هائلة للتسلية والإعلام تعظِّم هذه القيم ،وتنشرها بدون توقف في جميع أنحاء العالم سواءً لقيت هذه القيم الترحيب أم لا ،ولكن الذي نضيفه بهذا الصدد ،وقد فاتكم الإشارة إليه ،أنّ هذه القيم الضارة ،وغيرها كالعلاقات غير الشرعية ،وما ينجم عنها من حمل غير شرعي تقوم بفرضه مؤتمرات المرأة العالمية التي تنظمها الأمم المتحدة ،وما يتمخض عنها من اتفاقات دولية كاتفاقية إزالة كافة أشكال التمييز بين الرجل والمرأة ،والتي يضغط على دول العالم الثالث ،الذي ندرج نحن ضمنه على التوقيع عليها وتنفيذها ،ومثل هذه الاتفاقية تلزم الدولة على جعل أنظمة العمل لديها تلزم المرأة العمل في المحاجر والمناجم ،وفي الأعمال الليلية ،ممَّا يعرض المرأة إلى الابتزاز الجنسي ،ويحرم أفراد أسرتها منها في وقت هي أمس الحاجة إليها ،وهذا يؤثر تأثيراً كبيراً على كيان الأسرة ،وقد يخلخله ويضعفه ،وقد يؤدي أيضاً إلى انهياره.
بل الأكثر من هذا فإنّ الممولين الأجانب للجمعيات الخيرية النسائية ذات التوجه العلماني ،وهم في أغلبهم يهود صهاينة يتسترون في جنسيات أمريكية وأوربية ،بل منهم من يتبع الحكومة الأمريكية مباشرة يدفعون بالقيادات النسائية في هذه الجمعيات المطالَبة بالخروج عن ثوابت الإسلام في العلاقات الأسرية كإلغاء قوامة الرجل ،وإلغاء العدة والاكتفاء بالكشف الطبي ،وإلغاء حد الزنا ،وعدم تطليق الزوج لزوجته عند اكتشافها غير بكر ،وغير ذلك من الأمور التي تشيع الفاحشة في المجتمعات ،وتدعو إلى الانفلات الجنسي.ومن هذه الهيئات الأمريكية الممولة : هيئة المعونة الأمريكية (A.I.D)،وأموال المعونة الأمريكية التي تأتي مرة باسم ( U.N.I )ومرة باسم (سيريا) ،ومرة باسم ((A.I.Dتتبع جميعها الحكومة الأمريكية مباشرة،وهناك مؤسسات أمريكية أخرى لا تندرج تحت اسم المعونة الأمريكية A.I.D))،ولكنها تتبع الحكومة الأمريكية مثل المنحة المحلية للديمقراطية في واشنطن التي تقول عنها مديرة قسم برامج الشرق الأوسط : " أنَّه تمَّ تكوينها بناءً على مبادرة من إحدى لجان الكونجرس ".(66/418)
وإن كان من مبادئكم الخمسة التي تدافعون عنها حرية الاعتقاد والحرية الدينية من الحقوق غير القابلة للانتقاص جميع البشر ،فمن باب أولى أن يعطى لهذا الإنسان الحرية في العمل الذي يمتهنه ويحترفه ،ولكن ما رأيكم في أنَّ منظمة العمل الدولية رفضت إقرار نظام العمل في مصر الذي رفضت فيه النساء العمل في المحاجر والمناجم ،وفي الأعمال الليلية مبينات أسباب رفضهن هذه الأعمال بأنَّها تعرضهن للتحرش الجنسي ،وأنَّ أسرهن في أمس الحاجة إليهن في تلك الأوقات،كما لو اطلعتم على وثيقة بكين تجدون فيها فرض القيم التي قلتم عنها أنَّها قيم ضارة ،بل الأكثر منها ضرراً تقرها هذه الوثيقة لتعمل بها دول العالم الثالث ،كما تجد منظمو مؤتمر السكان الذي عقد في القاهرة في التسعينيات من القرن الماضي حاولوا أن يوصوا بإقرار الإجهاض ،لولا أن تصدى لهذه التوصية علماء الدين في الأزهر ،وفي عالمنا الإسلامي.
لقد نظَّم الإسلام العلاقات الأسرية ،وجعل الزوجية تقوم على أركان ثلاث هي : السكن والمودة والرحمة ،يقول تعالى (( ومِنْ آيَاتِه أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُم أَزْوَاجَاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها وَجَعَل بَيْنَكُم مَوَدَةً وَرَحْمة إنَّ ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقوْمٍ يَتَفكَّرُون)) (الروم : 21)
وجعل للزوجة مثل ما للزوج من حقوق وما عليهما من واجبات تجاه الآخر ،يقول تعالى (( ولَهُنَّ مثل الذي عليهِنَّ بالمعروف))،وألزم الرجل بالنفقة على زوجه ولو كانت غنية ،ومقابل ذلك جعل له القوامة ،وهي تكليف عليه مسؤوليات وتبعات والتزامات ،ومن مسؤوليات القوامة تحقيق الأمن والأمان ،وتقديم النصح والإرشاد ،فهي لا تعني الاسترقاق والاستعباد ،كما فهمها البعض،وأثار بعض المستشرقين حولها الكثير من الشبهات ،فهي مبنية على والتفاهم على أمور البيت والأسرة،وليس منشؤها تفضيل عنصر الرجل على عنصر المرأة ،ثُمَّ أنَّ جميع الأديان والأعراف في جميع المجتمعات جعلت القوامة للرجل باستثناء مجتمع شاذ هو مجتمع التبت ،فلماذا كل هذا التحامل على القوامة في الإسلام ؟ ،يقول تعالى : (( الرِّجَال قَوَّامُون عَلى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهم )) (النساء : 34)
وأمر أن تكون العشرة الزوجية بالمعروف ،يقول تعالى : (( وَعَاشِرُوهُنَّ بِالمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيَئَاً وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْرَاً كَثِيرَاً))( النساء: 19)،فإن استحالت الحياة الزوجية بين الزوجين يكون الطلاق بمعروف ،يقول تعالى : (( الطَّلاُقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكُ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحَسَان)) (البقرة 229)،والطلاق هو أبغض الحلال عند الله ،وقد شرِّع الطلاق في الإسلام لئلا يعيش الزوجان معاً بالإكراه،فتتحول حياتهما إلى شجار وخناق ،وينعكس ذلك على الأولاد ،ولئلاّ يدفع ذلك الزوج إلى خيانة زوجه ،ويرتكب الفواحش ،وقد يدفع ذلك بالزوجة إلى فعل ما حرَّمه الله .وتتضح هذه الحكمة أمامنا في المجتمعات الغربية التي تحرم الطلاق ؛إذ كثرت فيها الخيانات الزوجية ،فالزوجة تخون زوجها ،والزوج كذلك ،والنتيجة اختلاط الأنساب ،ووجود أطفال غير شرعيين ،وإباحة جنسية ،وانهيار الأخلاق والقيم والفضائل.
وهناك أيضاً حملات من بعض المستشرقين على الطلاق في الإسلام !
والروابط لأسرية والعائلية قوية في الإسلام ،فالإسلام يحث على الترابط الأسري ،وينهى عن قطع الأرحام ،وأوصى بالبر إلى الوالدين ،وقرنه بعبادته ،بل نهى عن التأفف منهما ،يقول تعالى : ((وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوُا إِلاَّ إِيَاهُ وَبِالوَالِدَيْنِ إِحْسَانَاً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُلْ لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وّقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيمَاً .وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً )) ( الإسراء : 23-24)،فهل يوجد سمو ورقة في المشاعر الإنسانية مثل هذه المشاعر؟
فلقد ألزم الأولاد بالبر بالوالدين والإحسان إليها ورعايتهما والإنفاق عليهما إن احتاجا إلى ذلك ،كما ألزم الأب بالإنفاق على أولاده وبناته ،إلى أن يعمل الأولاد بعدما يتمُّون تحصيلهم العلمي ،وينفق على البنات إلى أن يتزوجن،ولا يحق للأب إكراه ابنته على الزواج ،ولا يصح عقد الزواج إلاَّ بموافقة ورضا المتزوج بها ،بل يعد عقد الزواج باطلاً إذا أكرهت الفتاة على الزواج .
إنَّ النظام الأسري في الإسلام وضعه وشرَّعه الخالق ،ولا يرقى أي نظام إليه ،فلمَ يتدخل الآخر الغربي في نظامنا الأسري ؟ويريد أن يصدِّر إلينا قيمه الضارة وغير الجميلة كما وصفها بيانكم؟
في العقد الثاني من القرن العشرين أصدر " أسوالد اشبنغلر " كتاباً بعنوان " تدهور الحضارة الغربية" ،فإن كان حال الحضارة الغربية قبل ثمانين عاماً في طريها إلى الانهيار ،فما هي حالها الآن ؟(66/419)
ولماذا يحاول الغرب أن يفرض علينا انهيار حضارته،بكل ما فيها من قيم ضارة ،فنسير وفق ما يسير ،ونفكر مثل ما يفكر ،ونعتقد مثل ما يعتقد ،ونسلك ذات السلوك الذي يسلكه بفرض العولمة علينا ؟
نعود إلى ذات المبدأ ،وهو : "حرية الاعتقاد والحرية الدينية من الحقوق غبر القابلة للانتقاص لجميع البشر" هل تروْن أنّ هذا المبدأ ملتزمون به مع كل الأديان؟
نحن نرى أن هناك انتقاصاً من العالم الغربي لمعتقدي الديانة الإسلامية ، فدماؤنا تهدر ،وأعراضنا تنتهك ،وأراضينا تُغتصب، وأموالنا تصادر وتجمد ،وأسرانا لديكم يعاملون معاملة أدنى بكثير من الحيوانات ،ولا يحق لنا أن نقول "لا " لمغتصبينا ،بل لا يحق لنا أن ندافع عن أراضينا التي اغتصبت ،ولا عن أعراضنا التي انتهكت ،ولا عن دمائنا التي هدرت في مذابح دير ياسين وجنين والخليل ونابلس ،وبيت لحم ورام الله في فلسطين ، ومدرسة بحر البقر في مصر ،وفي مخيمات صبرا وشاتيلا ،وقانا في لبنان هذه المذابح التي قام بها اليهود الصهاينة،فلو قمنا بذلك أصبحنا إرهابيين ،لقد أصبح حق المقاومة المشروعة للدفاع عن الأرض المغتصبة في عرفكم إرهاباً في الوقت ذاته أعطيتم لأنفسكم حق إعلان الحرب على من أوهمتكم إدارتكم بأنهم هم الذين قاموا بتفجيرات الحادي عشر من سبتمبر ،ووصفتم هذه الحرب بأنَّها حربٌ أخلاقية عادلة ،ولكن مقاومة الفلسطينيين للصهاينة الذين احتلوا أراضيهم ،وهدَّموا بيوتهم على سكانها ،وجرَّفوا أراضيهم ،وضربوهم بالصواريخ والقنابل ،وبالدبابات ،وكلها أسلحة أمريكية،وقتلوا النساء والأطفال والشيوخ ،وحاصروهم في بيوتهم ،ومنعوهم من التجول إلا ساعات قلائل بعد عدة أيام ليشتروا حاجاتهم الضرورية من الطعام،وحالوا دون إنقاذ الجرحى وإسعافهم ،بل حالوا دون دفن الشهداء ،وحرقوا المساجد والكنائس ،وقتلوا الرهبان وقارع أجراس كنيسة المهد مهد المسيح عليه السلام ،وحاصروا كنيسة المهد أربعين يوماً ،ودمروا فيها ما دمَّروا ،وحرقوا فيها ما حرقوا ،ومع هذا يوصف قائدهم من قبل الرئيس "جورج بوش " بأنَّه رجل سلام ،ولم تطبق أية عقوبة على إسرائيل ،مع أنَّها نقضت الاتفاقيات التي وقعتها معها السلطة الفلسطينية ،ورغم عدم امتثالها لقرارات الأمم المتحدة ،ورفضها دخول لجنة تقصي الحقائق في جنين التي تكونت بقرار من الأمم المتحدة ،وما كان من الأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان إلاَّ أن يعلن حل اللجنة دون أن تطبق أية عقوبة على إسرائيل في حين أنَّ العراق فقد مليون طفل من جراء الحصار الاقتصادي الذي فرضته عليه الولايات المتحدة منذ أحد عشر عاماً بدعوى أنَّها تمتلك أسلحة الدمار الشامل ،وأنَّها لم تسمح للمفتشين الدوليين القيام بأعمالهم ،في حين نجد إسرائيل تملك سلاحاً نووياً ،وأسلحة الدمار الشامل ،وتضرب بالقوانين الدولية ،والاتفاقيات التي أبرمتها عرض الحائط،ولا تطبق عليها أية عقوبة ،بل يوصف شارون بأنّه رجل سلام ،ويوصف العراق بأنَّه محور شر !(66/420)
هل تروْن أنَّ المبدأ الأول الذي أعلنتموه في بيانكم ،وجميع القيم التي أعلنتموها تطبق على جميع الناس دون تمييز،أم أنَّ المسلمين بصورة خاصة مستثنون ،فهم محرومون منها ،بدليل أنَّ العقوبات الدولية مطبقة فقط على الدول العربية والإسلامية مثل العراق وليبيا والسودان ،والباكستان التي رفع عنها الحصار مقابل السماح للولايات المتحدة الأمريكية بجعل لها قواعد عسكرية في الباكستان ،وأن تتعاون الباكستان مع الولايات المتحدة في القضاء على طالبان ،في حين إسرائيل إلى الآن لم تطبق عليها أية عقوبة دولية ،وهي أكثر دول العالم انتهاكاً لحقوق الإنسان ،وأكبر دولة إرهابية ،وهي رأس الشر في العالم فهي محتلة أرضاً لاحق لها ولا في بوصة منها كما أعلن ذلك الحاخام " ديفيد وايس" الناطق الرسمي لحركة "ناطوري كارتا"،والذي صرَّح أنَّ قيام دولة إسرائيل غير شرعي لأنَّها ضد الله ،فالله حكم على اليهود بعدم إقامة دولة لهم عقاباً لهم على ما ارتكبوه من خطايا وذنوب ،وصرَّح أيضاً أنَّ أرض فلسطين بأكملها من حق الفلسطينيين ،وأنَّه لن يكون هناك سلام مع إسرائيل ،وأنَّ إسرائيل ينبغي أن تزول ليعم السلام في المنطقة ،وأنَّ اتفاقيات السلام لن تجدي مع إسرائيل لأنَّها دولة صهيونية ،والصهيونية قائمة على الدم ،وأنَّ ما تقوم به إسرائيل مع الفلسطينيين من قتل وتدمير وتخريب لأراضيهم وممتلكاتهم جرائم كبرى ،فهذه شهادة من حاخام يهودي ،وأدلتنا على وعروبة فلسطين والقدس ،وعدم شرعية قيام دولة إسرائيل ،وأنَّه لا حق لها ولا في شبر من الأراضي الفلسطينية أدلة كثيرة منها : أنَّ التوراة التي يزعمون أنَّ الله وعدهم فيها بفلسطين ،وأنَّها أرض الميعاد ،لقد حرَّفها اليهود ،فالتوراة المتداولة كتبها عزرا الوراق ،وكهنة اليهود على مدي 1100 عام ،وقد ثبت تحريفها بتناقضها عندما وضعها علماء الديان الغربيون تحت مجهر النقد التاريخي ،وأدلة تناقضها كثيرة لا حصر لها ،وقد بَّين الدكتور موريس بوكاي بعض هذه التناقضات عندما قارن بعض الأحداث في التوراة والإنجيل والقرآن ،ووجد أنَّ القرآن الكريم يخلو من المتناقضات فاعتنق الإسلام .
ولو فرضنا جدلاً أن هذا الوعد قد أُعطي لهم ،فقد كتب الله عليهم عدم إقامة دولة ،وهذا ورد في توراتهم ،وهو ما تستند عليه جماعة "ناطوري كارتا" بعدم شرعية قيام دولة إسرائيل ،وأنَّها دولة ضد الله ،ثُمَّ أين هم بنو إسرائيل ؟ فلقد أثبتت دراسات علم الإنسان
التي قام بها العالم الأنثربولوجي البريطاني "جيمس فنتون" عن يهود بني إسرائيل أنَّ95% من اليهود ليسوا من بني إسرائيل التوراة،وإنَّما هم أجانب أو مختلطون ،وقراءة منا في تأريخهم الأنثروبولوجي توضح لنا هذه الحقيقة ،،وتوضح لنا أنَّ ال 5% الباقية هي مختلطة بجنسيات أخرى بالتزاوج ! ثُمَّ أنَّ الحق التاريخي أسقطه القانون الدولي بالتقادم ،فلو فرضنا جدلاً أنَّ لليهود حقاً تاريخياً في فلسطين ،فلماذا لم يسقطه القانون الدولي ،وقد مضى على ما يدعونه من حق ألوف السنين ؟
ألا ترون أنَّ المجتمع الدولي يُبيح لليهود ما يُحرَّمه على غيرهم؟
هذا ونحن إذا قرأنا تأريخ اليهود نجد أنَّهم أمة بلا أرض ولا وطن ،ولذا سمُّوا بالعبرانيين ،وهم لم يؤسسوا ولا مدينة في فلسطين و في غيرها ،واسم أورشليم،وتعني مدينة السلام ،وشكيم"نابلس"،وسبسطية "السامرة ،وغزة "حبرون" وصهيون،اسم تل كنعاني بنيت عليه القدس ،وغيرها من الأسماء ليست أسماء عبرية ،وإنَّما هي أسماء كنعانية عربية ،وإن وردت في التوراة فلا يعني هذا أنَّها عبرية ،واللغة العبرية ذاتها مأخوذة من الآرامية ،وهي من اللغات العربية ،فحتى اللغة العبرية ليست في أصولها يهودية ،فتاريخ اليهود يقول إنَّهم أخذوا كل شئ حتى اللغة التي يتكلمون بها ،والحروف التي يكتبونها بها ،فهم لم يسهموا بشيء سوى السطو على ما ليس لهم ،ومنهم.
إنَّ الحق التاريخي الذي يدَّعونه باطل، ،ويؤيد بطلانه شهادة الحاخام " وايس "بأنَّ ليس من حق اليهود ولا في بوصة من أرض فلسطين ،وأنَّ أرض فلسطين بأكملها من حق الفلسطينيين.(66/421)
هذا ونؤكد لكم بأنَّه لو قامت السلطة الفلسطينية بمحاصرة كنيسة المهد ـ وهي لن تفعل ذلك لأنَّ ديننا يحترم الديانات السَّماوية ـ لقام العالم المسيحي بأسره بإعلان حرب صليبية ثانية على العالم الإسلامي ،ولكن اليهود متميزون ،ولو قاموا بهدم كنيسة المهد ،فلن يعمل العالم المسيحي أي شيء ،وأحداث كنيسة المهد تؤكد هذا القول ،لذا فأنا أدعوكم أن تراجعوا مع إدارتكم مبادئكم قبل أن تعلنوا أنَّها مطبقة على جميع الناس بلا تمييز،كما أود أن أذكركم بسكان أمريكا الأصليين " الهنود الحمر " هل حفظ مؤسسو الولايات المتحدة حقوقهم في الحرية والمساواة ،وفي العيش بأمان في بلادهم ،أم قضي عليهم وصِّوروا في أفلام "رعاة البقر" بأنَّهم متوحشون وقطَّاع طريق ،وقتلة ولصوص،تماماً كما يحاول الإعلام الصهيوني لديكم أن يُصوِّر الفلسطينيين بذلك ،وهاهم يصورون المجاهدين الفلسطينيين الذين لجأوا إلى كنيسة المهد ،وأُبعِدوا من بلادهم بناءً على طلب إسرائيل المدللة لدى الغرب بأسره يعاملون كإرهابيين ومجرمين شديدي الخطر ؟؟؟!
وهل مؤسسو الولايات المتحدة التزموا بمبدأ احترام حقوق جميع البشر في الحرية والمساواة عندما اختطفوا الرجال والنساء من الإخوة الأفارقة ،واستخدموهم كعبيد أرقاء وأذلوهم الإذلال كله حتى قامت في الجنوب ثورة الزنوج؟
فهنا نرجوكم للمرة الثانية أن تراجعوا هذه العبارة التي وردت في بيانكم " فمؤسسو الولايات المتحدة أكدوا أنَّ جميع الأفراد يستوون في الاحترام والحرمة ،وأنَّ هذا المعنى ثابت بعلم ضروري " .
لقد جاء من ضمن مبادئكم الخمسة قولكم "إنَّ القتل باسم الله مخالف للإيمان بالله ،وهو أعظم غدر لشمولية معنى الإيمان لدى البشر"
ونقول لكم: هناك فرق كبير بين قتل النفس بغير حق ،وبين قتال عدو يقاتلك وهو مغتصب لأرضك أو يريد اغتصابها منك ،وعليك أن تدافع عن نفسك ،فقتل النفس بغير حق محرم في كل الأديان ،وقد حرَّم الله قتل النفس بغير حق ،يقول تعالى : (( ولا تَقتلوا النفسَ التي حرَّم الله إلاَّ بالحق )) ( الأنعام :151)
وقتل المدنيين الأبرياء في أفغانستان والعراق والصومال والفلبين وفياتنام ،وأمريكا اللاتينية ،وشن حروب على تلك الدول بلا مبررات شرعية ،وإنَّما لفرض الهيمنة والسيطرة عليها،هو المخالف للإيمان بالله. ولكن في حالة الاعتداء على أراضي المسلمين وأوطانهم ومقدساتهم وجب على المسلمين الجهاد والقتال في سبيل الله دفاعاً عنها ،وباسم الله ،وعندئذ يكون القتال باسم الله مردداً "الله أكبر" من صميم الإيمان وليس مناهضاً للإيمان،يقول تعالى : (( وقاتلوا في سبيلِ اللهِ الذين يُقَاتِلونكم ولا تعتدوا إنَّ اللهَ لا يُحِبُّ المعْتَدِين)) (البقرة : 190)،وبيَّن الله عزَّ وجل أنَّ القتال فرض علينا وهو كره لنا ،ولكن لا بد من الدفاع عن ديننا وأنفسنا وممتلكاتنا وأعراضنا ،يقول تعالى : (( كُتبَ عليكمُ القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خيرٌ لكم )) ( البقرة :216)،كما نهانا عن عدم موالاة من قاتلنا وأخرجنا من ديارنا أو من يناصر على إخراجنا من ديارنا ،ووصف من يواليهم بالظالمين ،في حين جعل البر والإحسان إلى من لم يقاتلنا ويخرجنا من ديارنا أساس العلاقة بيننا وبينهم ،يقول تعالى : (( لا يَنْهَاكُمُ اللهُ عنِ الذين لمْ يُقَاتِلوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِّنْ دِيَارِكُمْ أنْ تَبرُّوهُم وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِم إِنَّ اللهَ يُحِبُّ المُقْسُطِين.إِنَّما يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الذِّينَ قَاتَلُوكُم فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلى إِخْرَاجِكُمَ أَنْ تَوَلَّوهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُون.)) 0الممتحنة :8)
وما يقوم به الفلسطينيون اليوم من مقاومة للاعتداء الصهيوني هو جهاد في سبيل الله دفاعاً عن المسجد الأقصى ،وعن أراضيهم ووطنهم المغتصب ،وليس إرهاباً كما تصفه الإدارة الأمريكية والدولة الصهيونية،وإنَّ كل فلسطيني يقتله اليهود كأنهم بقتله قتلوا الناس جميعاً فقد كتب الله هذا عليهم ـ إن كانوا من بني إسرائيل كما يدَّعون ـ يقول تعالى : ((كّتَبْنا على بني إسرائيل أنَّه من قَتَلَ نَفْسَاً بغير نفس أو فسادٍ في الأرضِ فَكَأنَّما قتل النَّاسَ جميعاً ومن أحياها فكَأَنَّما أحيا النَّاسَ جَمِيعاً))( المائدة : 32)
أمَّا الذين يجاهدون في سيبل الله ويقتلون ،فهم شهداء أحياء عند ربهم مثواهم الجنة خالدين فيها،يقول تعالى : (( وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتَاً بَلْ أَحَيَاءٌ عِنْدَ رَبَّهِمْ يُرْزَقُون .فَرِحِينَ بِمَا أَتَاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ )) ( آل عمران : 169_170) .(66/422)
إنَّ القتال في الإسلام يقوم على أسس أخلاقية عادلة ،فلا يأخذ العدو على غرة ،ونهى عن قتل النساء والأطفال والشيوخ والمدنيين ،فلقد روى رباح بن ربيعة أنَّه خرج مع رسول ا صلى الله عليه وسلم في غزوة غزاها ،فمر رسول ا صلى الله عليه وسلم وأصحابه بامرأة مقتولة فوقف أمامها ثمَّ قال : ( ما كانت هذه لتقاتل ! ثُمّ نظر في وجه أصحابه وقال لأحدهم (الحق بخالد بن الوليد فلا يقتلن ذرية ولا عسيفاً ـ أي أجيراً ـ ولا امرأة) رواه مسلم.
ولقد أوصى رسول ا صلى الله عليه وسلم جيشه في غزوة مؤتة،وهو يتأهب للرحيل : ( ألا تقتلنَّ امرأة ولا صغيراً ضرعاً ـ أي ضعيفاً ـ ولا كبيراً فانياً ،ولا تحرقنَّ نخلاً ولا تقلعنَّ شجراً ولا تهدموا بيتاً ) ،وعن ابن عبَّاس رضي الله عنه : أنَّ صلى الله عليه وسلم كان إذا بعث جيوشه قال : (لا تقتلوا أصحاب الصوامع)
وقد أوصى أبو بكر رضي الله عنه ـ أول خليفة للمسلمين ـ قائده أسامة بقوله : ( لا تخونوا ولا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا ،ولا تقتلوا طفلاً صغيراً ،ولا شيخاً كبيراً ،ولا امرأة ، ولا تقهروا نخلاً ولا تحرقوه ،ولا تقطعوا شجرة مثمرة ،ولا تذبحوا شاة ،ولا بقرة ،ولا بعيراً إلاَّ لمأكلة)
كما حرَّم الإسلام الإجهاز على الجرحى والتمثيل بجثث القتلى،وعدم إصابة المدنيين ،كما حثَّ على الإحسان في معاملة الأسرى ،وجعل الإحسان إليهم علامة الإيمان ،يقول تعالى : (( ويُطْعِمون الطَّعام على حبِّهِ مِسْكِينَا وَيَتِيمَاً وَأَسِيرَاً .إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لاَ نُرِيدُ مِنْكُم جَزاءاً وَلاَ شُكُوراً )) ( الإنسان: 8-9)،ولا يجوز قتلهم ،ولا جرحهم ،ولا تعذيبهم ،وحثَّ على إطلاقهم بالمن عليهم أو فدائهم بينما نجد لم تظهر اتفاقيات أو معاهدات دولية لتنظيم معاملة الأسرى إلاَّ في أواخر القرن الثامن عشر ،وبالتحديد في سنة 1875م،وقد استقي معظمها من الإسلام.
ويرتفع الإسلام بالمسلم إلى ذروة الإنسانية وأكرم آفاقها حين يأمره بأن يعمل على توفير الأمن للمشرك الخائف ،وحمايته ،وإيصاله إلى بلده ومأمنه ،وفي ذلك يقول جلَّ شأنه : ( وَإِنْ أَحَدٌ مِّنْ المُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُون ) ( التوبة : 6)
وقد أعطى الإسلام المرأة حق إجارة لمحارب مثلها مثل الرجل تماماً ، وقصة إجارة أم هانئ رضي الله عنها لاثنين من المحاربين يوم فتح مكة تبيِّن ذلك،فعندما أراد أخوها سيدنا علي كرَّم الله وجهه قتلهما ،ذهبت إلى رسول ا صلى الله عليه وسلم وشكت له ، فقال لها عليه الصلاة والسلام " ما كان له ذلك ،قد أجرنا من أجرت وأمنَّا من أمّنتِ"
هذه أحكام الإسلام في القتال، وهي أحكام ـ كما ترون ـ أخلاقية عادلة ،ولا توجد أية شريعة تضاهيها خلقاً وعدالة ،ومع هذا نجد هناك محاولات من الغرب إسقاط الجهاد وإلغاؤه ووصفه بالإرهاب ،وإلغاء حق المقاومة المشروع ليعم قانون الغاب ،فيعتدي القوي على الضعيف ،ولا يحق للضعيف الدفاع عن نفسه،لأنّه عندئذ سيصبح إرهابياً ،وبالتالي يعم العالم الظلم والغبن والقهر.
في حين يسكت العالم بأسره عن جرائم اليهود في فلسطين ،أتعلمون ما هي أخلاقيات الحرب لدى اليهود وفق التوراة الذي حرَّفوه وفق أهوائهم ،والتلمود الذي كتبه كهنتهم ،وقدسوه وعدَّوه جزءاً من التوراة؟
إنَّ فكرة الحروب عند اليهود فكرة أساسية تعبر عن علاقتهم بغيرهم من الأمم ،وهم يعتقدون أنَّهم أرقى الشعوب،وأنَّ هذه منحة ربَّانية ،أعطاهم الرب إيَّاها : ( أنتم أولاد الرب إلهكم ،لأنَّكم شعبٌ مقدس للرب إلهك،وقد اختارك الرب لكي تكون له شعباً خاصاً فوق جميع الشعوب على جميع الأرض ) "سفر التثنية :14"
ومن ثمَّ فإنَّ حروبهم تدميرية لم يحظرها دينهم الذي حرَّفوه عليهم ،بل أباحها ومجَّدها ،ولم يضع القيود عليها ،فإذا حاربوا استباحوا أعداءهم ،فقتلوا الرجال ،واستعبدوا النساء والأطفال وأحرقوا البيوت (فضرباً تضرب سكان تلك المدينة بحد السيف وتحُرِّمها،بكل ما فيها مع بهائمها بحد السيف .تجمع كل أمتعتها إلى وسط ساحتها ،وتُحرق بالنار المدينة ،وكل أمتعتها كاملة للرب إلهك فتكون تلاً إلى الأبد لا تبنى بعد )"التثنية :إصحاح13: 16-17"
وجاء في الإصحاح العشرين من نفس السفر : ( حين تقرب من مدينة لكي تحاربها استدعها إلى الصلح ،فإن أجابتك إلى الصلح ،وفّتحت لك ،فكل الشعب الموجود فيها يكون لك للتسخير ويُستعبد لك ، وإن لم تسالمك بل عملت معك حرباً ،فحاصرها ،وإذا دفعها الرب إلهك إلى يدك فاضرب جميع ذكورها بحد السيف ،وأمَّا النساء والأطفال والبهائم ،وكل ما في المدينة غنيمة تغنمها لنفسك ،وتأكل غنيمة أعدائك التي أعطاك الرب إلهك )(66/423)
هذه أخلاقيات الحرب عند اليهود،وشتَّان بين أخلاق القتال عند المسلمين وعند اليهود! ومع هذا لم توصف اليهودية قط بالإرهاب ، واليهود بالإرهابيين ،ولم يحارب التوراة والتلمود،كما يحارب القرآن الكريم والسنة النبوية ،ولم يحارب القتال عند اليهود ،بينما يحارب الجهاد في الإسلام ،ويعمل على إسقاطه ،وتغييبه حتى تدخل الغرب في توصيات أحد المؤتمرات الإسلامية وحذف كلمة جهاد منها.
فالحرب على الجهاد في الإسلام تستهدف قتل روح الجهاد لدى المسلمين ،ليستسلموا لمن يريد السيطرة عليهم ،وعلى ثرواتهم دون أدنى مقاومة ،وليحقق اليهود الصهاينة مخططهم في تكوين دولة إسرائيل الكبرى التي تمتد من النيل إلى الفرات ومن لبنان إلى الجزيرة العربية ،تمهيداً لتحقيق سيطرتها على العالم ،كما جاء في بروتكولاتهم ؛ إذ جاء في البروتوكول الرابع عشر "حينما نمكن لأنفسنا سنكون سادة الأرض لن نبيح قيام أي دين غير ديننا، أي الدين المعترف بوحدانية الله الذي ارتبط باختياره إيانا كما ارتبط به مصير العالم، ولهذا السبب يجب علينا أن نحطم كل عقائد الإيمان، وإذ تكون النتيجة المؤقتة لهذا هي إننا ملحدون، فلن يدخل هذا في موضوعنا: ولكنه سيضرب مثلاً للأجيال القادمة التي ستصغي إلى تعاليمنا على دين موسى الذي وكل إلينا بعقيدته الصارمة ـ واجب إخضاع كل الأمم تحت أقدامنا"
وليتسنى لهم تقويض الأديان يسعون للسيطرة على المقدسات الدينية للإسلام والمسيحية. كما تبين لنا أن بروتوكولات صهيون هي امتداد لتعاليم التلمود والتوراة المحرفة، وكما جاء في بروتوكولات صهيون أنهم ليحكموا العالم لابد أن يعملوا على تقويض الأديان ومن هنا كانت بداية لمخططها التلمودي الماسوني الصهيوني لهدم الأديان.
عداء اليهود للمسيح والمسيحية:
ولنتأمل نظرة التلمود إلى المسيح عليه السلام، مما جاء في التلمود عن المسيح عليه السلام الآتي:
1ـ إن يسوع الناصري موجود في لجات العسكري بندرا بمباشرة الزنا .
ومما جاء فيه أيضاً "يسوع المسيح أرتد عن الدين اليهودي وعبد الأوثان وكل مسيحي يتهود فهو وثني عدو الله لليهودي"
ومع هذا فبنو إسرائيل الذين أرسل الله إليهم عيسى لم يؤمنوا به كما لم يؤمنوا بنبي قبله، وكادوا لعيسى وحاربوه وطاردوه ووشوا به وجاء في التلمود "قتل المسيحي من الأمور الواجب تنفيذها وان العهد مع المسيحي لا يكون عهداً صميماً يلتزم به اليهودي… إن الواجب أن يلمس اليهودي ثلاث مرات رؤساء المذهب النصراني وجميع الملوك الذين يظهرون العداوة ضد بني إسرائيل" وجاء في التلمود عن الكنائس "إن الكنائس النصرانية بمقام قاذورات وأن الواعظين فيعها أشبه بالكلاب النابحة."
ولهذا نجدهم لم يحترموا الكنائس ،فحاصروا كنيسة المهد،حيث ولد المسيح عليه السلام ،وقتلوا الراهب ،وقارع الأجراس بها ،وخمسة عشر شهيداً ،فإسرائيل لا تحترم المقدسات الدينية ؛لذا فهي ليست أهلاً أن تستولي على القدس ،بينما المسلمون يحترمون كل الأديان ،وكما رأينا كيف أنَّ الله جل شأنه بيَّن لنا في القرآن الكريم أنَّ لمعابد اليهود وكنائس وصوامع المسيحيين حرمة المساجد ،فالمسلمون هم أقدر على صيانة وحماية كل المقدسات ،وتاريخهم عبر العصور يشهد بذلك . ويكفي أنْ أذكر كيف أنَّ عمر بن الخطاب رضي الله عنه أعطى أهل بيت المقدس أماناً على معابدهم وكنائسهم وعقائدهم وأموالهم ،وممَّا جاء نصه في هذا العهد الآتي : ( بسم الله الرحمن الرحيم .هذا ما أعطى عبد الله عمر أمير المؤمنين أهل إيلياء من الأمان . أعطاهم أماناً لأنفسهم وأموالهم وكنائسهم وصلبانهم وسقيمها وبريئها وسائر ملتها .إنَّه لا تسكن كنائسهم ولا تهدم ولا ينتقض منها ،ولا من خيرها ولا من صليبهم ولا من شيء من أموالهم، ولا يكرهون على دينهم، ولا يضار أحد منهم ،ولا يسكن بإلياء معهم من اليهود )
هذا بعض ما جاء في عهد الأمان الذي أعطاه خليفة المسلمين الراشد عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه لأهل القدس.
ثالثاً : أحداث سبتمبر ،وإعلان الحرب على كل ما هو إسلامي:
أحداث سبتمبر التي ورد ذكرها في بيانكم عشر مرات،وتبريركم بأن الحرب التي أعلنتها الولايات المتحدة الأمريكية على ما أسمته بحرب الإرهاب ؛ بأنَّها حرب لابد منها ،وأنها حرب عادلة وأخلاقية ، مما حدا بأحد المثقفين العرب أن يصف بيانكم بأنَّه " بيان حرب"،ونحن نتفق معه في تسميته بهذه التسمية .
لقد سلَّمتم بأنَّ هذه الأحداث قد دبَّرها وخطط لها ونفذها تنظيم القاعدة ،رغم أنَّه إلى الآن لم توجد أدلة أكيدة تدينهم ،وأشرطة الفديو التي عُرضت لقائد التنظيم وبعض أعضائه أشرطة مزورة ،كما جاء في البيان الذي أعلنه الخبير الفني فؤاد علاَّم في القاهرة الذي أخضع تلك الأشرطة للتحليل المخبري الفني .(66/424)
هذا وكما يبدو فقد استخدمت وسائل التقنية الحديثة ،كاستخدام بصمات الصوت في عمل هذه الأشرطة ،وقد ألصقت تهمة هذه الأحداث بهذا التنظيم في الساعات الأولى من حدوث الحادث من قبل القيام بأية تحقيقات ،نحن هنا لا ندافع عن تنظيم القاعدة ،ولكن الذي نقوله إنَّ هذه الأحداث تفوق إمكانية التنظيم المتواضعة،بدليل أنَّه عندما هوجم من قبل الطائرات الأمريكية لم يبد أية مقاومة ،فلقد كانت الطائرات الأمريكية تصول وتجول في الأجواء الأفغانية ،مما ينفي عن القاعدة امتلاكها لأسلحة نووية وبيولوجية وكيماوية كما ذكرتكم في بيانكم ،فإن كانت تلك الأسلحة بحوزتهم لمَ لم يستخدموها في معركة حاسمة بالنسبة لهم ،وهي معركة وجود؟
إنَّ الإدارة الأمريكية أعطت لهذا التنظيم حجماً أكبر من حجمه بكثير.
ونتيجة لهذا الحادث قد تعرض الملايين من المسلمين الذين يعيشون في أمريكا وأوربا أبَّان الأحداث إلى غضب العامة ومضايقتهم ،بل بعضهم تعرَّض للقتل ،والبعض إلى تخريب ممتلكاته ،فقد عاشوا في رعب وخوف وقلق ،وبات معظمهم ملازمين منازلهم ،ولا يخرجون منها إلاَّ للضرورة ،ولا يستطيعون استخدام وسائل المواصلات العامة،إضافة إلى تعرض أي عربي يسافر إلى بلد أوربي أو أمريكي ،أو حتى آسيوي إلى الاعتقال والاستجواب ،أي أصبح جميع العرب ولا سيما السعوديين عرضة إلى الاعتقال والاستجواب!
إنَّ أحداث الحادي عشر من سبتمبر متورطة فيها المخابرات الأمريكية مع الموساد ،وألصقوها بتنظيم القاعدة لينفذوا المخطط الذي وضع قبل أحداث سبتمبر ،وبالتحديد عام 1993م ، أي منذ إعلان بريماكوف وزير خارجية روسيا ؛إذ كشف أحد المحللين السياسيين العرب أبعاد المخطط الأمريكي للسيطرة على أفغانستان ،فقال: لقد أعلن "بريماكوف وزير خارجية روسيا أنَّه بعد سقوط الاتحاد السوفيتي لابد من إنشاء تحالف استراتيجي بين روسيا والصين والهند للقضاء على تغلغل الولايات المتحدة في آسيا،وكلها دول نووية ،فرأت الإدارة الأمريكية أنَّه لابد من السيطرة على أفغانستان قلب هذا المثلث هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فإنَّ الثروة النفطية التي ظهرت في بحر قزوين وآسيا الوسطى وأفغانستان،وقد صرَّح وزير الطاقة الأفغاني في حكومة طالبان السيد " أحمد جان" بأنَّه توجد في أفغانستان إمكانات نفطية وغاز طبيعي ،فدعته شركة النفط الأمريكية " يونوكال"،لزيارة الولايات المتحدة الأمريكية ،واهتمت به لإقناعه بإعطائها حق التنقيب ، ومد خط أنابيب البترول ،ولكن الملاَّ عمر رفض إعطاء هذا الحق لشركة أمريكية ،فرأت الإدارة الأمريكية إزالة حكم طالبان ،والإتيان بحكومة عميلة لها ،فتنقب الشركات الأمريكية عن البترول وتمد خط أنابيب البترول،والأمر الثالث فإن أأمن الطرق وأقصرها لخط أنابيب بترول بحر قزوين يمر بأفغانستان وينتهي بشواطئ باكستان .
لهذه الأسباب جميعها إضافة إلى محاربة الإسلام والقضاء عليه ،كانت أحداث سبتمبر ،وكان إعلان الإدارة لأمريكية الحرب ضد الإرهاب والبدء بأفغانستان ،وأيضاً لتكون لها قواعد عسكرية في المنطقة التي بها دولاً تملك سلاحاً نووياً وهي الصين والهند والباكستان ،وأيضاً لتكون قريبة من إيران وكوريا الشمالية اللتين اعتبرتهما الإدارة الأمريكية من قوى الشر الثلاثة في العالم،ولتقضي تماماً على البقية الباقية في العراق بضربها بالطائرات والصواريخ إلى أن تضمن عدم وجود مقاومة فتنزل بربع مليون جندي لينتشروا داخل العراق لتفتيته إلى دويلات صغيرة على أساس عرقي ومذهبي لتتناحر فيما بينها،وهذا ما ذكره السيد "جورج جلاوي" G.Gallaway عضو البرلمان البريطاني في حديث له لقناة الجزيرة ،ولتقوم أمريكا بحملتها على الإسلام والقضاء على حزب الله في لبنان بدعوى أنَّه إرهابي،والقضاء على الجمعيات الخيرية الإسلامية ،وتجفيف مصادرها بتجميد أموالها في البنوك معلنة حرباً شرسة على الإسلام تنفيذاً لمخطط وضع في الستينيات من القرن الماضي عندما أعلن بابا الفاتيكان في المجمع المسكوني الذي عقد عام 1965م باستقبال الألفية الثالثة بلا إسلام ،وقد أعلن نائب الرئيس الأمريكي في حفل الأكاديمية البحرية بولاية ماريلاند عام 1992أنهم أخيفوا في هذا القرن من ثلاث تيارات،وهي النازية والشيوعية والأصولية الإسلامية ،وتمكنوا من الخلاص من النازية والشيوعية ،ولم يبق أمامهم سوى الأصولية الإسلامية،فما أعلنه الرئيس الأمريكي أعقاب الأحداث قيام حرب صليبية على الإسلام لم تكن زلة لسان ،وإنَّما هي بالفعل حرباً صليبية ثانية على الإسلام ،وكل الشواهد والأحداث تثبتُ ذلك ،هذا من جهة أهداف الولايات المتحدة الأمريكية من افتعال تلك الأحداث .(66/425)
أمَّا من جهة الموساد والصهيونية العالمية ،فاليهود والصهاينة يخططون لتقويض الأديان ليسيطروا على العالم وفق ما جاء في بروتوكولاتهم ،وما تقوم به الولايات المتحدة الأمريكية من محاربة كل ما هو إسلامي ،حتى التدخل في المناهج الدينية في البلاد الإسلامية لإلغائها يحقق هذا الهدف الصهيوني ،وأيضاً ما حدث من اجتياح شارون لأراضي السلطة الفلسطينية في أواخر شهر مارس عقب قمة بيروت بحجة محاربة الإرهاب والقضاء عليه دليل كاف ،فما قام به أرائيل شارون في فلسطين من تنفيذ مخططه في تصفية جميع عناصر المقاومة في فلسطين بدعوى أنَّهم إرهابيون يجب القضاء عليهم ،ومحاصرة الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات،ولا يُفك حصار الرئيس عرفات إلاَّ بأمر من الرئيس الأمريكي يؤكد أنَّ هناك مخططاً مرسوماً شارك فيه الصهاينة مع المخابرات الأمريكية،ولعلّ ما أثير مؤخراً في الولايات المتحدة حول علم الرئيس بوش بتعرض الولايات المتحدة الأمريكية لعمليات إرهابية يؤكد أنَّ هذه العملية مدبرة ،وممّا يؤكد ذلك أيضاً الآتي :
1- عدم مساءلة وزير الدفاع الأمريكي ورئيس المخابرات الأمريكية ،ورئيس الولايات المتحدة نفسه ؛إذ كيف يضرب مبنى وزارة الدفاع،وبعد ثلث ساعة من ضرب البرجين ،ولم تتخذ وزارة الدفاع أية إجراءات دفاعية تجاه الطائرة المتجهة إلى مبناها ،مع أنَّها منطقة محظور الطيران فيها ،ولم تتنبه أجهزة الرادار ،ولم تعلم بالعملية المخابرات الأمريكية ،معنى هذا أنَّ الولايات المتحدة الأمريكية بكل ثقلها وهيمنتها وقوتها لا تملك القدرة على صد أي هجوم عليها ،فهي تقف على أرض هشة ! ألا يستدعي هذا مساءلة كل الأطراف المعنية ؟وإقالة وزير الدفاع الأمريكي ورئيس المخابرات الأمريكية ،بدلاً من أن يسند إلى الأخيرة التحقيق في هذه الأحداث ؟ هل فضيحة الرئيس الأمريكي جونسون في وتر جيت التي أدت إلى استقالته من الحكم أخطر على الأمن القومي للولايات المتحدة الأمريكية من أحداث سبتمبر؟ وهل فضيحة الرئيس كلنتون مع مساعدته في البيت الأبيض " مونيكا" أخطر على أمن الولايات المتحدة الأمريكية من أحداث الحادي عشر من سبتمبر حتى يقدم الرئيس كلنتون للمساءلة بشأنها ،في حين لم يُساءل الرئيس الأمريكي "جورج بوش" عن القصور الذي حدث نتيجة هذه الأحداث ؟
نحن في بلادنا عندما حدث حريق في أحد مدارس البنات المتوسطة بمكة المكرمة ،ومات على إثره ثلاثة عشر طالبة أحيل الرئيس العام لتعليم البنات إلى التقاعد ،وألغيت الرئاسة العامة لتعليم البنات ،ودمج تعليم البنات مع وزارة المعارف المسؤولة عن تعليم البنات !
وفي مصر عندما حدث حريق في بعض عربات قطار الصعيد وتوفي حوالي ثلاثمائة وخمسين راكباً ،أُقيل على إثره وزير المواصلات !بينما يتعرض أكبر برجين تجاريين في العالم مع مبنى وزارة دفاع أكبر قوة في العالم إلى مثل ذاك الهجوم ،ولا يقال وزير الدفاع الأمريكي من منصبه ،وكذلك رئيس المخابرات الأمريكية الذي لم يُحقق معه ،وإنَّما يسند إليه التحقيق في الحادث ؟؟
هذه تساؤلات ينبغي أن نتوقف عندها .
2- ما كشفه أحد المواقع الفرنسية في الإنترنت عن تورط 120 إسرائيلياً في عملية تجسس على الولايات المتحدة الأمريكية متخفين في هيئة رسَّامين تشكيليين ،وتبيَّن تورط بعضهم في أحداث سبتمبر ،ولم تتخذ السلطات الأمريكية حيالهم أية إجراءات قانونية ضدهم ،واكتفت بإخراجهم سراً من البلاد .
3- عدم حضور أكثر من أربعة آلاف يهودي يعملون في المركزين التجاريين يوم الحادث ،يؤكد أنَّ الحادث مدبراً من قبل الموساد.
4- ما أعلنه أحد المسؤولين الأمريكان في محاضرة حضرها ألف أمريكي أثبت فيها أنَّ الحادث مدبراً ،وأنَّ العرب والمسلمين لا دخل لهم فيما حدث.
5- السعوديون الذين نسب لهم المشاركة في عمليات التفجير ،وأنهم هم الذين قادوا تلك الطائرات ثبت ما أعلنته المخابرات الإيرانية من أن بيانات شركات الطيران بأسماء ركاب للطائرات المختطفة لم يكن بها أسماء لركاب سعوديين ،ثم أضيفت فيما بعد إلى قوائم الركاب أسماءٌ لسعوديين الذين وُجّهتُ لهم الاتهامات،وتبيَّن أنَّ من هؤلاء من توفاه الله قبل الحادث بسنوات ،ومنهم من يعيش في السعودية أثناء الحادث ،وأنَّ هؤلاء قد فقدوا جوازات سفرهم ،وهذا يؤكد أنَّ جوازات سفرهم سرقت منهم لإلصاق العملية بهم ،والهدف من جعل تسعة عشر سعودي يقومون بهذه العملية ،هو الادعاء أنَّهم ينتمون إلى تنظيم القاعدة الذي يديره ويرأسه "أسامة بن لادن" الذي كان يحمل الجنسية السعودية ليقضوا على هذا التنظيم هذا أولاً ، وليتمكنوا من أفغانستان هذا ثانياً ،وليبرروا هجومهم السافر على الإسلام هذا ثالثاً ،وليبرروا أيضاً الهجمة الشرسة التي شنتها الصحافة الأمريكية الصهيونية على المملكة العربية السعودية ،هذا رابعاً ،وليعطوا لأنفسهم الحق في التدخل في المناهج الدينية التي تدرس في المملكة بدعوى أنَّها تفرغ الإرهاب ،هذا خامساً.(66/426)
6- تبين من تقارير خبراء الطيران ،أنَّ الطيران في منطقة ناطحات السحاب بصورة خاصة تحتاج إلى مهارة خاصة في الطيران ،لكثرة التعريجات والمنحيات التي ينبغي على الطائرة تلافيها ،إضافة إلى ما أكَّده زعيم عربي ،وهو طيَّار حربي سابق ،أنَّ ضرب البنتاجون على هذا المستوى المنخفض يحتاج إلى طيَّار حربي ماهر وتدريب خاص على المنطقة ذاتها أو ما يشابهها ،والتقارير التي أعلنتها الإدارة الأمريكية عن السعوديين والعرب الذين اتهموا بتورطهم في الأحداث تبين أنهم لم يبلغوا العشرين ربيعاً ،كما تبين مدى تواضع التدريبات التي تلقوها على الطيران ،وكذلك تواضع نوعية الطائرات التي تدربوا عليها ،بل ذكرت في بعض التقارير أنَّ الواحد منهم كان يتلقى تدريبه ،ثمَّ يقوم هو بتدريب زملائه.
7- وجود في الطائرات المختطفة طيَّارين أمريكيين ممن شاركوا في الحرب الفياتنامية،فلم لم يوجه إلى هؤلاء تهمة التفجيرات ؟ ثُمَّ لماذا وجد هؤلاء الطيارون الأربع في الطائرات المختطفة ؟ هل كان وجودهم بمحض الصدفة ؟
8- اختفاء الصناديق السوداء للطائرات المختطفة ،أو القول بتلفها ـبعدما أعلن عن العثور عن بعض ما في تلك الصناديق ـ في حين لم تتلف جوازات سفر السعوديين الذين اتهموا بالتفجيرات ،وكذلك لم تتلف الأوراق المكتوب فيها بعض الأدعية .
9- لقد صدر مؤخراً كتاب في فرنسا جاء فيه أنَّ البرجين قد فجرا "بالرمونت كنترول ،وأنَّ المتفجرات كانت موجودة في أسفل البرجين لأنَّه لو تفجَّرت من أعلى لما تفجر الجزء السفلي،وهذه النظرية يؤيدها ما حدث للبرج الذي اخترقته الطائرة الإيطالية في نابولي ،فالمبنى لم يدمر فيه ولا طابق ،وكان الدَّمار الذي لحق به ،هو مجرد تحطيم واجهات جزء من المبنى ،وتحطيم زجاج ،نوافذ ذلك الجزء.
10- عجز الإدارة الأمريكية عن تقديم أدلة وبراهين تثبت أنّ من العرب والمسلمين متورطين في هذه الأحداث ،أمَّا عن الأشرطة المرئية التي نسبتها إلى بن لادن وتنظيمه، فهي أشرطة مزيفة كما قرر الخبراء المختصون،وقولها بوجود أدلة سرية قول مردود ،لا توجد أدلة سرية في أية قضية من القضايا ،وخاصة كقضية دولية مثل هذه القضية التي ترتب عليها إشعال فتيل الحرب على دول وشعوب مستضعفة لا حول لها ولا قوة ،ولا ذنب لها في كل ما تخططه الولايات المتحدة الأمريكية وربيبتها إسرائيل للقضاء على الإسلام والسيطرة على مدخرات الشعوب العربية والإسلامية ،ومساعدة اليهود في تحقيق مخطط دولتهم التي تمتد من النيل إلى يتبع>>>1- ينفي القرآن الكريم هذه الفرية: يقول تعالى (والتي أحصنت فرجها فنفخنا فيها من روحنا وجعلناها وابنها آية للعالمين )
الفرات ،ومن الأرز إلى النخيل.وأمَّا الذين يتساءلون كيف تدمر الولايات المتحدة الأمريكية أكبر مركزين تجاريين لديها ،وتقتل الآلاف ،وتضرب مبنى وزارة دفاعها؟ ،نقول هنا إنها ضحت بالقليل من أجل الكثير ،فهي تريد بترول الخليج وبحر قزوين ،ومناطق نفوذ في آسيا الوسطى ،وإيجاد حكومات عميلة لها ولإسرائيل في فلسطين والعراق ،وغيرهما من الدول العربية المخطط ضربها ،وفي سبيل القضاء على الإسلام ،ألم يقل الحاخام اليهودي رابي ديفيد وايس الناطق الرسمي لحركة ناطوري كارتا في برنامج "بلا حدود " في قناة الجزيرة أنّ الصهاينة يفجرون المعابد اليهودية بأنفسهم ،وينسبون ذلك إلى العرب والفلسطينيين ليقولوا لليهود وللعالم أنَّ العرب إرهابيون يكرهونهم وأنهم يدمرون معابدهم.
ولعلَّ تفجير المعبد اليهودي في تونس من تدبير الموساد،وإلصاق هذه العملية بالعرب ،وأنَّها عملية إرهابية لصرف الأنظار عن حصار وضرب شارون لكنيسة المهد وقتل الرهبان،ولتأليب الرأي العام العالمي ضد الفلسطينيين والعرب بعدما أبدى تعاطفه معهم؟فهذا دأبهم ،وهذا ديدنهم.
نحن هنا ندعوكم أن تتأملوا في هذه الأسباب ،وأن تفكروا فيها بجدية ،وأنَّكم قبل أن تعلنوا أنَّ الحرب المعلنة على الدول الإسلامية لمقاومة الإرهاب ـ وكأن العالم كله يخلو من الإرهاب ،ولا يوجد إرهاب إلاَّ في دول الإسلام ـ بأنَّها حرب أخلاقية عادلة ولابد منها أن تطالبوا بمساءلة هؤلاء المسؤولين ،فأين هم حتى تتعرض أكبر قوة في العالم إلى مثل هذا الهجوم ،وكأنَّها دولة نائمة ضعيفة لا تملك أية وسيلة لحماية نفسها من أي هجوم تتعرض له ،وهجوم من قبل أفراد وليس دول،وكأنِّي بها حكومة طالبان التي لم تقاوم الصواريخ والطائرات الأمريكية !!!
ونود هنا أن نصحح لكم معلومة ،وهي أن تنظيم القاعدة لم يؤسس منذ عشرات السنين كما ذكرتم في بيانكم،وإنَّما لم يمض علية عقدين من الزمان ،وكانت الولايات المتحدة وراء تكوين هذا التنظيم ودعمه لأنَّه كان يخدم أهدافها في القضاء على الاتحاد السوفيتي ،وبعدما نفذّ مهمته،وأصبح يشكل خطراً على مصالحها ،أصبح تنظيماً إرهابياً ،بل أصبح العدو الأول للولايات المتحدة الأمريكية.
كما ندعوكم مراجعة ما جاء في بيانكم عن وصف حرب الولايات المتحدة الأمريكية على الإرهاب أنها حرب عادلة .(66/427)
فأين العدل في هذه الحرب ،وقد أعلنت على الشعب الفلسطيني الأعزل ،وهل مقاومة الاحتلال ،والجهاد في سبيل التحرر يعد إرهاباً ؟إن كان كذلك فهذا يعني أنَّ كفاح الشعوب ضد الاستعمار والاحتلال إرهاب أي أنَّ كفاح الشعب الأمريكي للتحرر من الاستعماريْن البريطاني والفرنسي إرهاب ،وكفاح الشعب الفرنسي ضد الاحتلال النازي إرهاب أيضاً،وبهذا المنطق الأمريكي يكون الأمريكان أنفسهم والفرنسيون في مقدمة الإرهابيين وبالتالي يعني أيضاً إباحة الاحتلال والاستعمار !!
وأين العدل في محاربة الإرهاب ،وهناك جماعات إرهابية مسيحية ،ويهودية في داخل الولايات المتحدة ،وفي بريطانيا ،وفي اليابان ،وفي إيطاليا،وفي أسبانيا ،وفي كثير من الدول الأوربية ،فلماذا الدول الإسلامية هي المستهدفة ؟ أليس هذا يؤكد أنَّ أحداث سبتمبر مفتعلة؟
وأين العدل في ترويع الملايين من الأفغان،وخروجهم من بلادهم في البرد القارص ليعيشوا في خيام كلاجئين وتقفل أمامهم كل الحدود،وقتل الألوف من المدنيين الأفغان من شيوخ وأطفال ونساء ،وهم لا يعلمون من هو بن لادن ،ومن هي أمريكا ؟ إنَّ 70% من الشعب الأفغاني أميون لا يقرأون ولا يكتبون ،وكفاهم معاناة من حروب على مدى 25 عاما ،وجاءت الحرب الأمريكية التي وصفتموها بالأخلاقية والعادلة لتقضي على البقية الباقية من هذا الشعب الفقير الذي بات لا يجد اللقمة التي يأكلها.
إنّ الدين الإسلامي المتهم بالإرهاب من قبل الصحافة الغربية التي تسيرها الصهيونية العالمية ،ومن قبل أحد موقعي هذا البيان ، يُحرِّم في حالة الحرب قتل المدنيين من النساء والأطفال والشيوخ وهدم البيوت وقطع الأشجار ،ويحرَّم قتل أصحاب الصوامع ، كما سبق الإسلام القانون الدولي كثيراً في أحكام الحروب ،كعدم مباغتة العدو وأخذه على غرة فلقد ثبت أنَّ الرسو صلى الله عليه وسلم لم يقاتل قوماً قبل أن يدعوهم إلى الإسلام ،أو دفع الجزية ،فإن امتنعوا قاتلهم ،وكذلك عدم قتال المدنيين من النساء والشيوخ والأطفال من أهالي المحاربين لهم ،وعدم تدمير منازلهم وحرق نخيلهم ،وقد سبق الإشارة إلى ما أوصى به الرسو صلى الله عليه وسلم جيشه في غزوة مؤتة ،وكيف حرَّم الإسلام الإجهاز على الجرحى والتمثيل بجثث القتلى،وعدم إصابة المدنيين ،كما حثَّ على الإحسان في معاملة الأسرى ،وجعل الإحسان إليهم علامة الإيمان ،فكيف تكون الحال في السلم؟
لقد أمرنا أن تكون مناظراتنا مع أهل الكتاب بالتي هي أحسن ،يقول تعالى : (( ولا تجادلوا أهل الكتاب إلاَّ بالتي هي أحسن ))
ونهانا عن سب عقائد المخالفين لديننا ،يقول تعالى : ( ولاَ تَسُّبُّوا الَّذين يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ فَيَسُّبُّوا اللهَ عَدْوَاً بِغيْرِ عِلم )
وجعل لأماكن عبادات اليهود والمسيحيين حرمة كحرمة المساجد يجب حمايتها والدفاع عنها،وليس ضربها بالطائرات والصواريخ كما فعلت أمريكا بضربها المساجد في أفغانستان يقول تعالى : ( وَلَوْلاَ دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّهُدَّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيها اسْمُ اللهِ كثيراً)
وقد حفظ الإسلام لأهل الذمة حقوق المواطنة والجنسية ،والذميون أولئك الذين كانوا من سكان البلاد التي فتحها المسلمون ،وفضَّلوا البقاء فيها فدخلوا في ذمة المسلمين ،وقد حفظ الإسلام لهم حريتهم في ممارسة عباداتهم وعقائدهم ،ولهم أن يتمتعوا بكل الحقوق في العلم والعمل والتجارة والكسب والتنقل مثلهم مثل المسلمين تماماً.
وأوجب الإسلام حماية الذِّمي ،فدمه وماله مصونان ،وحريته وكرامته محترمتان ،وقد أكَّد الرسو صلى الله عليه وسلم على هذا في أحاديث منها : ( من آذى ذمياً فأنا خصمه يوم القيامة ،ومن خاصمته خصمته.)
كما أنَّ الخليفة عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه كان يسأل عمال أوَّل من يسألهم عن أحوال أهل الذمة ،وكيف أنَّه أمر بضرب ابن والي مصر عمرو بن العاص رضي الله عنه لأنَّه أساء إلى ذمي ،ثُمَّ قال قولته الخالدة ( متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً؟)
فهذه أخلاق الإسلام وقيمه في تعامله مع أهل الكتاب في السلم والحرب الذي يُتهم بالإرهاب والعنف .
فأين العدل في ضرب القوات الأمريكية المساجد في أفغانستان ،وانتهاك حرمات بيوت الله ،وقتل المصلين بها ؟(66/428)
أين العدل في معاملة الأسرى ،فالمتهم الأمريكي يحاكم محاكمة عادلة في الولايات المتحدة الأمريكية بذات التهمة المتهم فيها الأسرى المسلمون في جوانتنامو ،الذين يعاملون معاملة أدنى من معاملة الحيوانات،بل الحيوانات المفترسة مكرَّمة لديكم أكثر منهم ،ويجعلونهم منكسي الرؤوس إذلالاً لهم ،ولم تطبق قوانين معاملة الأسرى عليهم ،نحن لسنا مع تنظيم القاعدة ،ولكن هؤلاء الأسرى بشر ومسلمون ،ومنهم أولاد لأسر عربية ومسلمة ،فهم مسلمون في النهاية ،كما نحن بصدد عدالة الحروب وأخلاقياتها ،فالرسو صلى الله عليه وسلم الذي وصفه السيد صموئيل هنتنتجتون ـ وهو أحد موقعي بيانكم ـ بالقسوة والعنف لقد أحسن معاملة أسرى بدر ،وهم من كفار قريش الذين اضطهدوا الرسو صلى الله عليه وسلم والمسلمين ،وعذَّبوهم ،وحاصروا الرسول عليه الصلاة والسلام وبني هاشم رجالهم ونساءهم وأطفالهم ثلاثة سنوات، وأخرجوهم من ديارهم وأجبروهم على الهجرة إلى الحبشة ،وحرَّضوا القبائل على الرسول ثم هاجر الرسول والمسلمون من مكة إلى المدينة بعدما تآمروا على قتل الرسول عليه الصلاة والسلام تاركين أموالهم وممتلكاتهم،وجعل فداء الأسرى أن يقوم كل أسير ممن يعرف الكتابة تعليم عشرة من فتيان المدينة الكتابة ،فلم يعذبهم ،ولم يضطهدهم ،مع أنَّهم وثنيون لا يؤمنون بالله .
وأين العدل والأخلاق عندما قتلت القوات الأمريكية مع القوات البريطانية في5 نوفمبر م العام المنصرم في قلعة "جانجي " في مزار شريف في أفغانستان 450أسيراً مكبلين من خلف ظهورهم ،وهؤلاء قد سلَّموا أنفسهم للأمم المتحدة وليس للولايات المتحدة وقد نقلت صورهم القناة الثانية الفرنسية ،وشهد هذه المذبحة بعض مراسلي الصحف منهم مراسل"سندي تايميز الذي وصفها بأنها كانت على قدر كبير من الوحشية ،وقد اعتبر هذه المذبحة السيد رمزي كلارك وزير العدل الأسبق الأمريكي بأنّها جريمة حرب،وذكر أنَّه لم يحقق في هذه الجريمة لأنّ الكل يخشى أن يوصف بالإرهاب إن دافع عن حقوق هؤلاء الأسرى؟
وأين العدل والأخلاق عندما قتلت الإدارة لأمريكية في حربها لأفغانستان في الفترة من 7أكتوبر إلى3 ديسمبر عام 2001م (3767 )قتيلاً من الأطفال والنساء والشيوخ والعزل من المدنيين ،هذا ما ذكره البروفسور الأمريكي "مارك دبليو هيرالود من جامعة نيوهامسشير "،إضافة إلى تدمير آلاف القرى ،وهدم المنازل ،وخروج الملايين من بلادهم بحثاً عن الأمان؟
لقد قلتم في بيانكم إنَّ المبرر الأخلاقي للحرب هو صيانة الأبرياء من الضرر الأكيد،وهنا نسأل ما ذنب الملايين من الأبرياء الذين سيذهبون ضحية لهذه الحرب التي لا يعلم مداها إلاَّ الله ،والتي كما يبدو من بيانكم أنَّها ستشمل الدول الإسلامية التي يوجد بها تنظيم القاعدة ؟
إنَّ الولايات المتحدة في حروبها السابقة قد قتلت أكثر من سبعة ملايين من البشر ، منهم ثلاثة مليون ونصف في كوريا الشمالية ، ومليون في الفلبين،وبقال أنها حرب مع أسبانيا ،ولكنَّها كانت مع الفلبينيين ،ومليون في فيتنام ومليون ونصف في العراق أكثرهم من الأطفال في سن الخامسة،،وأنَّ الولايات المتحدة كان لها أكثر من75 تدخلاً عسكريا في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية منذ عام 1945إلى الآن ، هذا ما صرَّح به وزير العدل الأمريكي الأسبق السيد رمزي كلارك الذي أمضي 25 عاماً وهو يتنقل بين دول العالم التي كانت ضحية حروب أو حصار الولايات المتحدة الأمريكية ،وذلك في حديث له في قناة الجزيرة،وقال أيضاً :" لقد أعلنت الإدارة الأمريكية أنَّ القتلى في بنما أقل من مائة بينما كانوا 2500 ،كذلك القتلى في جراندا كان العدد أكبر مما ذكرتهم ،فما تقوم به الإدارة الأمريكية هو أعمال انتقامية ضد السكان ،وأصبح الآن لا يوجد بلد في العالم يشعر بالأمان، لأنّ الإدارة الأمريكية لا تحترم القوانين. "
فيا ترى كم من ملايين البشر سيكونون ضحية هذه الحرب من بني الإسلام ،وذلك في سبيل القضاء على عدو مبهم غير معروف؟وكم من المليارات من الدولارات التي سوف تخسرها الشعوب الإسلامية من الدمار الذي سوف تلحقه بها هذه الحروب ؟وكم من ملايين البشر الذين سوف يصابون بأمراض خطيرة كالسرطان من جراء ما ستحدثه هذه الحروب من تلوث بيئي نتيجة آلاف الأطنان من المتفجرات التي سوف تقذف في أراضيها ؟ وكم من ملايين البشر الذين سوف يصابون بأمراض نفسية من جراء ما ستخلفه هذه الحروب من مآسٍ ؟وكم من المليارات من الدولارات التي سيدفعها الشعب الأمريكي من قوت يومه في هذه الحرب، ولن تنجح في القضاء على هذا العدو المبهم ،فهي الآن لم تتمكن من زعيم التنظيم ،ومن رئيس طالبان ،كما سبق وأن فشلت في القضاء على صدام حسين ،وهي الآن تبرر ضربها للعراق لإسقاط نظام صدام ،مع أنَّ هذا الأمر يعد شأناً داخلياً ،ويخالف القوانين الدولية ،ولكن الإدارة الأمريكية هي وإسرائيل سواء يعتقدان أنَّهما فوق القانون.(66/429)
وبعد كل هذا هل تعتقدون أنَّ حرب الإرهاب التي أعلنتها الإدارة الأمريكية ،والتي تستهدف إعلان الحرب على الإسلام والدول الإسلامية هي حربٌ لصالحنا نحن المسلمين؟وأنَّها حرب عادلة ،وحرب أخلاقية ،وأنَّ مبرراتها ذات جدوى ومقنعة لذوي الفكر والرأي أمثالكم؟
ألا تعلمون أنَّ مائتين من أساتذة القانون الأمريكان من جامعة " ييل "قدَّموا مذكرة تعبر عن عدم رضاهم عما تقوم به الإدارة الأمريكية في حربها على الإرهاب ،مبينين أن في ذلك مخالفة للقوانين الدولية، في حين أنّكم تصفونها بأنها حرب أخلاقية عادلة؟
وهل تعتقدون أنَّ المثقفين المسلمين إلى هذه الدرجة من السذاجة والبلاهة والغباء حتى يقتنعوا من أنَّ الحرب الأمريكية على الإسلام والمسلمين لتحقيق مصالحها بدعوى محاربة الإرهاب لصالحنا،وكل هذه الحقائق مكشوفة أمامهم ؟؟
للأسف أنَّكم ضحية إعلام مضلل تسيره وتسيطر عليه الصهيونية العالمية ،لأنّ هذا يخدم مصالحها ،يقول السيد رمزي كلارك في حديثه لقناة الجزيرة حول هذا الموضوع : " إنَّ الشعب الأمريكي ضحية تلاعب وسائل الإعلام الأمريكية ،إنَّ المجتمع الأمريكي مجتمع مادي ،ويخشى كل واحد أن يفقد وظيفته ،فنخاف ونصدق ما تقوله الحكومة لنا من أنَّها ضد الشر والإرهاب ،والإعلام يدفع إلى الجنس والعنف ،والشعب الأمريكي لا يدرك ما هو حاصل ،وكثر هم الذين لا يريدوا أن يعرفوا لأنَّهم لو عرفوا فسوف يتألمون ،يقال إنَّنا دولة ديمقراطية ،ولكن الحقيقة ليست كذلك، فالفرد يشعر بالعجز والتحجيم بسبب تركز القوة الاقتصادية في يد فئة معينة".
رابعاً: موقفنا من سياسة الإدارة الأمريكية تجاه إسرائيل ،وتجاه الدول الإسلامية ما فيها الدول العربية ،وفي حربها على ما أسمته بالإرهاب:
" لقد جاء في بيانكم لا تشرع الحرب في مواجهة الخطر أو القليل المشكوك فيه ،ولا في مواجهة الخطر الذي يمكن إزالته بطريقة المفاوضة أو الدعوة إلى العقل أو الشفاعة أو غيرها من الطرق السلمية ،لكن عندما يكون الخطر على حياة الأبرياء خطراً حقيقياً يقينياً فحينئذ يكون اللجوء إلى استخدام القوة مبرراً أخلاقياً لا سيما عندما يكون الدافع للمعتدي هو العداوة المتصلبة حيث لا يستهدف الحوار ،ولا الامتثال لأمر ما ،وإنَّما يهدف الدمَّار"
وهذه حال الشعب الفلسطيني مع إسرائيل ففي اليوم التالي الذي أعلنت فيه قمة بيروت اعتماد المبادرة السعودية للسلام ،ردَّت إسرائيل باجتياح أراضي السلطة الفلسطينية ومحاصرة الشعب الفلسطيني ورئيسه ،وقتل الأبرياء من النساء والأطفال والشيوخ وهدم البيوت على سكانها ،ويعتبر الشعب الفلسطيني بأكمله من المدنيين ،فهو شعب أعزل لا يملك سلاحاً ،والذي يهرَّب له السلاح من إخوانهم العرب من الدول المجاورة يتعرضون للسجن ويحاكمون ،ويحكم عليهم بالسجن سنين طويلة ،ولكنكم للأسف الشديد في الوقت الذي تبيحون لدولتكم حربها ضد ما أسمته إرهاباً تُحرَّمون على الشعب الفلسطيني حق الدفاع عن نفسه ،وتصفون جهاده ومقاومته بالإرهاب ،وتمارس الإدارة الأمريكية ضغوطها على الحكومات العربية لتدين العمليات الاستشهادية في فلسطين ،وهي تكاد الوسيلة الوحيدة التي يمتلكها الشعب الفلسطيني في مقاومته ،فهو لا يمتلك ولا دبابة واحدة أمام مئات الدبابات التي يجتاح بها أراضيه عدوه المغتصب أرضه ،ولا يمتلك طائرة مروحية واحدة أمام ألوف المروحيات التي يمتلكها عدوه ،والتي يقذف منها مئات القذائف،وهو لا يملك السلاح الذي يصدها به ،ولا يملك صاروخاً واحداً ،وإسرائيل،تملك ألوف الصواريخ ،وهي تحارب الفلسطينيين بأسلحة أمريكية،فلم يجد أطفالهم وسيلة للمقاومة إلاّ الحجارة ،ولم يجد شبابهم من النساء والرجال سوى جعل أجسادهم قنابل بشرية تفجر نفسها في العدو ،وقد أجمع علماء الإسلام وفقهاؤه أنَّ هذه العمليات هي أعلى مراتب الاستشهاد.(66/430)
إنَّ اليهود في إسرائيل جميعهم مغتصبي أراضي وديار الفلسطينيين ،وقد جاءوا من شتى بقاع العالم وهم يعلمون بأنَّ لا أرض لهم ولا دار ،وأنهم سيأخذون الأراضي والديار من فلسطينين يقتلون أو يطردون ويبعدون من أراضيهم وبيوتهم،فاليهودي أتى إلى فلسطين وهو يعلم بأنَّه لص ،جاء إلى فلسطين ليسرق بيت وأرض الفلسطيني ، وأيضاً جاء وهو يعلم أنَّه سوف يجند في الجيش الإسرائيلي ،وأنَّه سيكون في أية لحظة جندياً في هذا الجيش ،فلا يوجد مدنيون يهود في فلسطين كلهم عسكريون نساءً ورجالاً في ملابس مدنية وفي أية لحظة سوف يدعون للقتال ،سيخلعون الملابس المدنية ويرتدون الملابس العسكرية ،أقربها العشرون ألف احتياطي الذين دعاهم شارون للقتال عند اجتياحه الأخير لأراضي السلطة الفلسطينية ، هؤلاء الجنود قبل الاستدعاء كانوا يرتدون الملابس المدنية ،وبعدها بساعات تحولوا إلى عسكريين بارتدائهم الملابس العسكرية ،فهم لصوص يجوز قتلهم ،إنَّ أي واحد منكم لو داهم بيته لصاً ليسرقه ،ويستولي على بيته هل يقاتل هذا اللص ،أم يستسلم له ،ويقول له خذ داري وأرضي فانعم بها ،أما أنا فأعيش مشرداً ذليلاً ،لأنَّني لا أستطيع قتالك، فقتلي لك يعد إرهاباً ،وهذه جريمة كبرى في نظر الإدارة الأمريكية يعاقبني المجتمع الدولي عليها بأمر من تلك الإدارة !!
هل هذا منطق ؟
إنَّه منطق الغاب ،وهو الذي تريد إدارتكم أن تفرضه على العالم باعتبارها القوة الأوحد،وفاتها أنَّ الله عزَّ وجل ،وهو الأقوى منها ،وقادر في أقل من طرفة عين أن يذهب بكل قوتها،كما فعل بكل الطغاة المتجبرين.
إنَّ الإدارة الأمريكية تُدعم بالأموال والسلاح حروب إسرائيل ضد الفلسطينيين وقتلهم من قيمة الضرائب التي يدفعها الشعب الأمريكي ليقدم له العلاج والتعليم ،وكل الخدمات التي يحتاجها والذي يوجد 35 مليون منه تحت خط الفقر،وتدفع أمواله لإسرائيل لتقتل بها الفلسطينيين الأبرياء!
إنَّ الإدارة الأمريكية في تدخلاتها العسكرية دائما تناصر الطغاة والديكتاتوريين على شعوبهم المستضعفة،وقد كشف عن هذه الحقائق السيد رمزي كلارك ،وزير العدل الأمريكي الأسبق في حديثة للجزيرة؛إذ قال "في عام 1953م أعدنا الشاه إلى الحكم ،وكانت مأساة عظيمة للشعب الإيراني ،،وفي الكونغو وجنوب وسط أفريقيا جعلنا موبوتو في الحكم الذي حرم الشعب من ثرواته 37 عاماً،،وفي شيلي أسهمنا في قتل سليفادور ،وأمسكنا الحكم للجنرال "بنشي" السلطة حكم البلاد بقبضة من حديد وأسميناه معجزة ،لأنَّه كان يخدم مصالحنا الاقتصادية،وفي الفلبين أعدنا ماركوس الدكتاتوري للحكم "
وهاهي الآن تناصر إسرائيل ،وتصف شارون الذي أحدث مذابح " صبرا وشاتيلا،في الثمانينات من القرن الماضي ،ومذابح نابلس والخليل وبيت لحم ورام الله وجنين في الأيام الماضية بأنَّه رجل سلام ؟؟
إنَّ انحياز الإدارة الأمريكية الدائم تجاه إسرائيل،هي والدول الأوربية واستخدامها حق الفيتو لصالح إسرائيل يعرقل عملية السلام في المنطقة ،ولن يجعل أمام الشعوب العربية في نهاية الأمر سوى استخدام القوة ،وحينئذ وفق ما جاء في بيانكم "سيكون استخدام القوة مبرراً أخلاقياً لاسيما عندما يكون الدافع للمعتدي هو العداوة المتصلبة حيث لا يستهدف الحوار ولا الامتثال لأمر ما ،وإنَّما يهدف إلى الدمار " وهاهي إسرائيل ترفض قيام دولة فلسطينية بعدما صفَّت المقاومة الفلسطينية وقتلت عناصرها النشطة ،ولم تستجب لاتفاقيات مدريد وأسلو التي وقعتها ،وكذلك لم تستجب لرغبة الإدارة الأمريكية في إقامة دولة فلسطينية !
فهل يا ترى ستوقع الولايات المتحدة عقوبة على إسرائيل لخرقها هذه الاتفاقيات ،ورفضها الإذعان لرغبة الإدارة الأمريكية ،كما تفعل مع أي دولة عربية أو إسلامية ؟
أشك في ذلك ،فالذي أراه أنَّ إسرائيل هي التي باتت القوة العظمى في العالم ،فلم تعمل للولايات المتحدة ،ولا للمنظمات الدولية ،و لا للاتحاد الأوربي أي حساب!!
ويرجع هذه في رأيي إلى الأسباب التالية :
1- سيطرة التراث اليهودي على العقلية المسيحية ،وعلى المسيحيين أن يتحرروا من سيطرة التراث اليهودي عليهم، هذه الحقيقة يدركها مفكرو الغرب وعلماؤه ومؤرخيه، وقد حلل المؤرخ البريطاني أرنولد توينبي الشخصية اليهودية ومدى سيطرة الفكر اليهودي على الإنسان المسيحي، ويوضح هذا في كتابه "مشكلة اليهودية العالمية" فيقول: "وهم يعتبرون غيرهم أقل منهم منزلة، وأنهم الشعب المختار، أما شعوب العالم فهي في مركز منحط يطلقون علي أفرادها كلمة "الأمميين" وهم بتعبير الشاعر البريطاني كبلينج Kippling سلالات دنيا لا شريعة لها" ثم يقول:(66/431)
"وتقبلت الكنيسة المسيحية دون مناقشة تفسير اليهود لتاريخهم كما ورد في التوراة، بما تضمه بين طياتها من المطاعن ضد الشعوب التي احتكوا بها كالفينيقيين، والفلسطينيين، والآرمويين ، والموابين، والمعموريين، والدمشقيين، وانفرد اليهود في هذا الميدان بإقدامهم على رفع سجل تاريخهم إلى منزلة التقديس، ونجاحهم نجاحاً لا يبارى في إيهام مئات الملايين من البشر على مدى الأحقاب، أو يناقشه مناقشة علمية عقاب الله في الدنيا والآخرة، ومن الناحية الأخرى لا يوجد لأعداء اليهود القدامى من ينهض للدفاع عن قضيتهم إلا أصوات العلماء والباحثين الخافتة، وتعتبر المذاهب المسيحية على اختلافها التاريخ اليهودي تاريخاً مقدساً للمسيح، ومهما يكن نصيب الفرد المسيحي من الاستفادة الفكرية، ومقدار تحرره الذهني، فيصعب عليه بمكان أن يتخلص من التراث اليهودي في المسيحية، لأنه كامن في شعوره الباطني، ويوجه مسار تفكيره، وبالتالي فإذا كانت الكشوف الأثرية تهدم ادعاءات اليهود، وتلقي أضواء صادقة على المجتمعات الأخرى، فما برحت جمهرة المسيحيين تأخذ التاريخ اليهودي كما ورد في التوراة قضية مسلماً بها"
2-سيطرة اللوبي الصهيوني على اقتصاد وإعلام الدول الغربية ،ولا سيما الولايات المتحدة الأمريكية وتغلغله في المنظمات والمؤسسات الحكومية والدولية،وبات المستقبل السياسي لأية شخصية أمريكية مرهوناً بمدى دعمها لإسرائيل ،بل بات من يريد أن يضحي بمستقبله السياسي ،بل وبعمره فليؤيد الفلسطينيين أو يبدي تعاطفاً معهم ،وإلاَّ ما تفسيركم لقتل الرئيس جون كنيدي في الستينيات ؟
وما تفسيركم أيضاً لإعلان السيد كوفي عنان الأمين العام للأمم المتحدة حل لجنة تقصي الحقائق في جنين المكونة بموجب قرار من الأمم المتحدة لأنَّ شارون رفض التعاون مع هذه اللجنة ،دون أن يتخذ أي قرار ضد إسرائيل ،وأنا أدعوكم أن تقرأوا كتاب " اليهودي العالمي " للمليونير الأمريكي " هنري فورد " لتروا بأنفسكم مدى تغلغل اللوبي الصهيوني في بلادكم،ومدى سيطرته على القرار السياسي فيها ،وتوجيه دفته حيث يريد،ولتروا بأنفسكم دناءة الوسائل التي يستخدمها الصهاينة في سبيل تحقيق أهدافهم ،من تلك الوسائل ،القتل والاغتيال لكل من يرونه يشكل خطراً عليهم حتى العلماء المسلمين الذين لديهم اكتشافات أو بحوث علمية تهدد مصالحهم ،ولا سيما إن كانت في الذرة . ولعلكم تذكرون حادث اغتيال الوزير اللبناني السابق بعدما أعلن أنَّ لديه أدلة تدين شارون في مذابح صبرا وشاتيلا ،وأنَّه سوف يقدِّم تلك الأدلة للمحكمة في بلجيكا حيث رفعت قضية لمحاكمته ،فالصهاينة هم أكبر كيان إرهابي في العالم ،وإن كنتم جادون حقاً في مكافحة الإرهاب فابدأوا بمكافحة الصهيونية ،ونحن عندئذ سنكون معكم .
3- الاعتقاد أنَّ إسرائيل تحمي مصالح الغرب الأمريكي والأوربي في منطقة الشرق الأوسط،وهذا اعتقاد خاطئ ،فإسرائيل هي التي تستخدم الولايات المتحدة ،والدول الأوربية لخدمة مصالحها هي،ومصالح الغرب الأمريكي والأوربي مع الشعوب العربية والمسلمة ،وليس مع اسرائيل.
إنَّ مبادئ الحرية والعدل والمساواة التي تنادون بها لن تكون على أرض الواقع مالم تتحرروا من سيطرة الصهيونية ،والتراث الفكري اليهودي ،والمطامع في خيرات الآخرين ،والعداء للإسلام ومحاربته تحت مسميات أخرى كالإرهاب.
خامساً:النظام الإسلامي في الحكم ،ودعوة البيان إلى فصل الدين عن الدولة ،والحكم بالحكم العلماني الوضعي :
قلتم في بيانكم أنَّكم دولة علمانية ،وأشرتم إلى مقولة "إبراهام لنكولن"الرئيس العاشر للولايات المتحدة الأمريكية في خطاب التنصيب الثاني عام 1865م " لله شؤونه الخاصة "ولعلكم تهدفون من هذه الإشارة إلى إبعاد الدين الإسلامي عن الحكم .
هذا وإن كان أحد مؤسسي الولايات المتحدة اختار النظام العلماني ليكون نظام الحكم في دولته ،فنحن لا نتدخل في اختياره ،وإن كنا ندرك أنَّ وجود النظام العلماني ،هو الذي أحدث هذا الخلل في ميزان العدل في العالم ،وهو الذي قلب الموازين،فينصر الظالم على المظلوم ،وجعل الغاصب المحتل مرتكب المذابح البشرية في صبرا وشاتيلا ،وفي نابلس وجنين رجل سلام ،ووصف الذين يدافعون عن أراضيهم المغتصبة ويقاومون المحتل بحجارة صغيرة ،وبتفجير أنفسهم في عدوهم لعدم امتلاكهم سلاحاً يقاتلون به بالإرهابيين،ويُعاملون كإرهابيين.(66/432)
وكلنا يدرك أنَّ النظام العلماني جاء في الغرب المسيحي كردة فعل لتسلط الكنيسة ورجالها ،وهذه مسألة خاصة بالديانة المسيحية لا تنطبق على الإسلام ،زيادة إلى أنَّ الديانة المسيحية ديانة عبادية ،تقتصر تشريعاتها على تنظيم علاقة الإنسان بربه ،وليست بشمولية الإسلام،باعتبار الإسلام هو خاتمة الأديان السماوية ،فجاء تشريعاته كاملة ومتكاملة شاملة جميع شؤون الحياتين الدنيوية والأخروية للأفراد والجماعات ،والشعوب والحكومات ،كما نظَّم علاقة الأفراد والجماعات بمن لا يدين بدينهم ،ولم يترك هذا التشريع صغيرة ولا كبيرة في حياة الأفراد والجماعات إلاَّ ونظَّمها ،فلقد نظَّم علاقة الفرد بوالديه وبزوجه وبأولاده ذكور وإناث ،وبأقاربه وبجيرانه ،وبخدمه ،وبحكَّامه ،وبمن من لا يدين بدينهم لذا جاء قوله تعالى في آخر آية نزلت في القرآن الكريم (( اليوم أكملتُ لكم دينكم وأتممتُ عليكم نعمتي ورضيتُ لكم الإسلام ديناً))
والمسلمون لا يستطيعون أن يتخلوا عن الإسلام كنظام حياة في جميع شؤونهم الدينية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والتربوية والعلمية والتعليمية والإعلامية والثقافية والفكرية ،إنَّ لسان الإنسان المسلم لا ينقطع عن ذكر الله منذ لحظة يقظته في الصباح إلى لحظة منامه ،في مأكله ومشربه ،في حله وترحاله ،بل حتى عندما يعطس يذكر الله ،فديننا علمنا ماذا نقول في كل خطوة نخطوها ،فكيف نستطيع أن نتخلى عن تنظيمه لمور حياتنا ،صحيح أنَّ الغرب قد صدَّر إلينا العلمانية والماركسية والاشتراكية والوجودية،وغيرها من المذاهب والفلسفات الفكرية القائمة على الإلحاد ،وإنكار وجود الله،كما صدَّر لنا الهامبرجر والجينز وأصبح من المسلمين من يؤمن بهذه المذاهب،ولكنه في النهاية كمسلم لا يخلو كلامه من ذكر الله .
ثُمَّ ما يضير الغرب تطبيق النظام الإسلامي في الحكم ؟
الغرب يوجه انتقاداً إلى الحكومات الإسلامية بأنها حكومات غير ديمقراطية ،ألا تعرفوا بأن الإسلام هو أول من نادي بالديمقراطية ،وطَّبقها في الحكم ؟
سأوضِّحُ لكم هذا من خلال توضيح الأسس التي يقوم عليها الحكم في الإسلام :
1- الحرية : ولقد حرَّر الإسلام الإنسانية من كل ألوان العبودية للخلق عندما أعلن أنَّ الله هو المعبود الوحيد ولا معبود سواه ،ولعل مقولة عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه لابن والي مصر عندما ضرب القبطي : (متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً) كانت بمثابة ميثاق لأسس الحرية الإنسانية وتخليصها من كل أصناف العبودية للخلق ،وقد احترم لإسلام الحرية الدينية ،وحرية الملكية ،وحرية اختيار الحاكم ،وحرية مراقبته وإبداء الرأي .
2-الشورى :وهي من الدعائم الأساسية التي يرتكز عليها نظام الحكم في الإسلام ،وقد أوجب الشورى على أولي الأمر ،وذلك في الوحي المكي والمدني ،ففي القرآن الكريم سورة سميت باسم "سورة الشورى" ،وهي سورة مكية يقول تعالى فيها : (( والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم وممَّا رزقناهم ينفقون )) ( آية 38) ففي هذه الآية قرن الله نظام الشورى بالصلاة ولصدقة ليدل على أنَّ الشورى بين ولاة الأمر من أسس الإسلام ،وأنَّ الاستبداد ليس من شأن المؤمنين.وفي الوحي المدني ركَّزَّ جلَّ شأنه على مبدأ الشورى وألزم رسوله الكريم بالالتزام به ،وفي هذا إشارة إلى أنَّه مهما بلغ قدر الحاكم وعلمه ومكانته فهو ملزم بالشورى مادام نبي الله قد ألزم بالشورى وهو يوحى إليه فيقول تعالى مخاطباً رسوله : (( فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر ))( آل عمران : 159)وقد ثبت أنَّ الرسو صلى الله عليه وسلم كان دائم التشاور مع أصحابه ،وكثيراً ما نزل عند رأيهم ،من ذلك : استشارته لهم في اختيار المكان الذي ينزل فيه المسلمون يوم بدر ،وأخذه برأي الحباب بن المنذر ،واستشارته لهم فيما يعمل بشأن الأسرى في الغزوة ذاتها ،فوافق على رأي أبي بكر رضي الله عنه الذي أشار عليه بالفداء ،ونزوله على رأي الشباب بالخروج في يوم أحد ،كما أخذ رأي زوجه أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها في موقف الصحابة رضوان الله عليهم من صلح الحديبية ،وفي هذا تأكيد على أنّ الشورى من حق المرأة كما هي من حق الرجل ،والخطاب القرآني في الآيتين الكريمتين جاء في صيغة العموم شاملاً الذكور والإناث معاً ،كما هو معتاد في مجمل الأحكام والتشريعات،وأكد عليه أخذ الخليفة الراشد الثاني عمر بن الخطّاب رضي الله عنه برأي المرأة عندما جمع المسلمين ليأخذ رأيهم في تحديد المهور ،فحاجته امرأة قرشية بالآية القرآنية رقم 20 في سورة النساء (( وإنْ أَردتمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَأَتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارَاً فَلاَ تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئَاً أَتَأخذُونَهُ بُهْتَانَاً وإِثْمَاً مُّبِينَا)) فاعتلى المنبر معلناً على الملأ قولته الشهيرة : ( أخطأ عمر وأصابت امرأة )(66/433)
3-البيعة:وهي من الأسس الأولية في نظام الحكم في الإسلام يقول تعالى : (( إنَّ الذين يُبَايعونك إنَّما يُبَايِعُون اللهَ يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهم فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ على نَفْسِهِ وَمنْ أَوْفى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهِ الله فَسَيُؤتِيهِ أَجْرَاً عَظِيمَاً)) ( الفتح : 10)،كما أعطى للمرأة حق البيعة وخصَّها بالبيعة تأكيداً على إعطائها هذا الحق الأساسي ، يقول تعالى : (( يَا أَيُّهَا الَّنَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ المؤُمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلى أَنْ لاَ يُشْرِكْنَ بِاللهِ شّيْئَاً وَلاَ يَسْرِقْنَ وَلاَ يَزْنِينَ وَلاَ يَقْتُلْنَ أَوْلاَدَهُنَّ وَلاَ يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِيِنَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلاَ يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسَتَغْفَرَ لَهُنَّ اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ )) ( الممتحنة: 12)،وهنا نرى أنَّ الإسلام أعطى للمرأة حقوقاً سياسية قبل جميع الأنظمة السياسية ،فلقد ساوى بين المرأة والرجل في هذا الحق السياسي الخطير الذي يعد من أهم ركائز نظامه السياسي ،وقد طبَّق هذا الرسو صلى الله عليه وسلم وقد بايعته الأنصاريات في العقبة ،كما بايعنه عندما قدم المدينة المنورة.
4- العدل: هو هدف وغاية الحكم الإسلامي ، يقول تعالى : (( إنَّ اللهَ يأمركم أنْ تُؤدَّوا الأَمَانَاتِ إلى أَهْلِها وإذا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَنَ تَحْكُمُوا بِالعَدْلِ إَنَّ اللهَ نِعمَاً يَعِظَكُم بِهِ إِنَّ اللهَ كَانَ سَمِيعَاً بَصِيراً )) ( النساء : 58)،ويقول تعالى : (( وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُم بِالقِسْطِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ المُقْسِطِين )) ( المائدة : 42)،وأمثلة تطبيق العدل في الإسلام كثيرة لا حصر لها منها: كان رسول ا صلى الله عليه وسلم في غزوة بدر يمشي بين الصفوف لتعديلها ،وفي يده قدح ،فمرّض برجل خارج عن الصف فطعنه بالقدح في بطنه ليعتدل فقال الرجل ،وهو سواد بن زمعة ،لقد أوجعتني يا رسول الله وقد بعثك الله بالحق والعدل فاستخلص لي حقي منك ،فقال له صلى الله عليه وسلم : هذا بطني فاقتص منه :فاعتنقه الرجل ،وقبَّل بطنه ،فقال له الرسو صلى الله عليه وسلم ما الذي دفعك إلى هذا يا سواد ؟ فقال : أحببت أن يكون آخر عهدي بالدنيا هو ملامسة جلدي لجلدك ،فدعا له رسول الله.والناس سواء في تطبيق العدل على اختلاف ألوانهم ودياناتهم من ذلك : حدث أنَّ ابن عمرو بن العاص رضي الله عنه فاتح مصر وواليها من قبل الخليفة عمر بن الخطّاب قد نازع شاباً من دهماء المصريين الأقباط المسيحيين في ميدان سباق ،فأقبلت فرس المصري فحسبها محمد بن عمرو فرسه وصاح : "فرسي ورب الكعبة" ،ثُمَّ اقتربت وعرفها صاحبها فغضب محمد بن عمرو ووثب على الرجل يضربه بالسوط ويقول له : خذها وأنا ابن الأكرمين ،وبلغ ذلك أباه فخشي أن يشكوه المصري فحبسه زمناً ..ومازال محبوساً حتى أفلت وقدم إلى الخليفة لإبلاغه شكواه...
قال أنس بن مالك راوي القصة : فوالله ما زاد عمر على أن قال له أجلس ...ومضت فترة إذا به في خلالها قد استقدم عمراً وابنه من مصر فقدما ومثلا في مجلس القصاص ،فنادى عمر رضي الله عنه :" أين المصري ؟ …دونك الدرة فاضرب بها ابن الأكرمين"
فضربه حتى أثخنه ،ونحن نشتهي أن يضربه .فلم ينزع حتى أحببنا أن ينزع من كثرة ما ضربه ،وعمر رضي الله عنه يقول : اضرب ابن الأكرمين ! ..ثُمَّ قال : " أجلها على صلعة عمرو ! فوالله ما ضربك ابنه إلاَّ بفضل سلطانه …قال عمرو رضي الله عنه فزعاً : يا أمير المؤمنين قد استوفيت واشتفيت ، وقال المصري معتذراً : يا أمير المؤمنين قد ضربت من ضربني ..فقال عمر رضي الله عنه :"أما والله لو ضربته ما حلنا بينك وبينه حتى يكون أنت الذي تدعه .والتفت إلى عمرو مغضباً قائلاً له تلك القولة الخالدة :" أيا عمرو ! متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً )
وهناك قصة سيدنا علي بن أبي طالب كرَّم الله وجهه مع اليهودي الذي وجد درعه عنده الذي فقده وهو متجهاً إلى صفين ،ولما انقضت الحرب ورجع إلى الكوفة وجده في يد يهودي ،فقال نصير إلى القاضي ،فتقدم علي رضي الله عنه فجلس إلى جنب القاضي شريح ،وقال : " لولا أنَّ خصمي يهودي لاستويت معه في المجلس ،ولكني سمعتُ رسول الله صلى عليه وسلم يقول : "أصغروهم من حيث أصغرهم الله "فقال شُريح قل يا أمير المؤمنين ،فقال :" نعم هذه الدرع التي في يد هذا اليهودي درعي لم أبع ولم أهب ،فقال شُريح : إيش تقول يا يهودي ؟ قال: "درعي وفي يدي ،فقال شريح: ألك بينة يا أمير المؤمنين ؟ قال : "نعم ،قنبر والحسن يشهدان أنَّ الدرع درعي ،فقال شُريح: شهادة الابن لا تجوز للأب ،فقال علي رضي الله عنه : " رجل من أهل الجنة لا تجوز شهادته؟ سمعتُ رسول ا صلى الله عليه وسلم يقول :"الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة ،فقال اليهودي : " أمير المؤمنين قدمني إلى قاضيه ،وقاضيه قضى عليه ،أشهد أنَّ هذا هو الحق ،وأشهد أن لا لإله إلاَّ الله وأشهد أنَّ محمداً رسول الله ،وأنَّ الدرع درعك)(66/434)
ومن أعظم فضائل الإسلام أنّه أوجب العدل مع الأعداء ،وقال تعالى : (( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِين للهِ شُهَداءَ بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمِنَّكُم شَنْآن قَوِمٍ على أَلاَّ تِعْدِلُوا اعدْلوا هُوَ أَقْرَبُ للتقْوى وّاتَّقُوُا اللهَ إنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُون)) ( المائدة : 8).
5-المساواة : كان التمايز بين الناس ولا يزال سائداً في بعض جهات العالم،فاليهود زعموا أنَّهم وحدهم شعب الله المختار ،وفرَّقوا في تشريعاتهم بين اليهود وغيرهم ،فحرَّموا الربا بشدة بينهم ،وأباحوه مع غيرهم ،كما أباحوا دماء وأعراض غير اليهود ،وبعض الأديان تقر نظام الطبقات كالديانة البراهمية التي تقسم الأمة إلى أربع طوائف ،وفي فرنسا قبل الثورة الفرنسية كان يوجد عدم مساواة في توزيع المناصب العمومية ،وعدم وجود رقابة عليها،والثورة الفرنسية إن نادت بمبدأ المساواة فهي أخذته من الإسلام وجميع حركات الإصلاح الديني التي شهدتها أوربا كانت من تأثرها بالإسلام الذي عرفته عن طريق الأندلس والحروب الصليبية وصقلية.ولكن النزعة العنصرية لا تزال موجودة في أوربا وأمريكا ،فألمانيا النازية قبل الحرب العالمية الثانية أسرفت في الدعوة إلى العنصرية فقسمت الجنس البشري إلى طبقات ،وجعلت الجنس الآري في مقدمتها ،وأمريكا التي تزعم أنها دولة قامت على الديمقراطية قد اضطهدت الهنود الحمر السكان الأصليين لأمريكا ،كما اضطهدت الزنوج الذين اختطفوا من بلادهم ليكونوا عبيداً وأرقاء للبيض حتى قامت ثورة الزنوج احتجاجاً على التمييز العنصري.
ونحن إذا نظرنا إلى ما شرَّعه الإسلام من مبدأ المساواة،رأينا أنَّه لم يصل أي تشريع سماوي أو وضعي في مبلغ الحرص على مبدأ المساواة إلى ما وصل إليه الإسلام ،فقد قرر الإسلام مساواة الناس أمام القانون ،ومساواتهم في الحقوق العامة المدنية والسياسية والاجتماعية ،فلا فضل لعربي على عجمي ،ولا أبيض على أسود ،ولا لغني على فقير ،ولا لوجيه على صعلوك ،وبذلك قضى الإسلام على نظام الطوائف ،وأساليب التفرقة بين الطبقات في الحقوق والواجبات ،ولذلك جعل الخالق جلّ شأنه " التقوى" أساس التفاضل: ((يا أيها النَّاس إنَّا خلَقْناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إنَّ أكرمكم عند الله أتقاكم )) ( الحجرات: 13)
وقد ساوى الإسلام بين المرأة والرجل في الإنسانية رداً على ما أثارته المجامع الكنسية من تساؤلات هل المرأة إنسان ،فقال تعالى : ((هو الذي خَلَقَكُم مِّنْ نفسٍ واحِدة وجعل منها زَوْجَها )) (الأعراف :189)،وجعلها شقيقة الرجل ،كما قال رسول ا صلى الله عليه وسلم ( إنَّما النساء شقائق الرجال )وكرَّمها كأم وزوجة ،وأخت وابنة ،وجعل الإحسان إلى بنتين أو ثلاث ،أو أختين أو ثلاث الجنة ،بل جعل من كانت له ابنة لم يهنها ولم يئدها ولم يؤثر ولده عليها دخل الجنَّة ،وألزم الرجل بالنفقة على المرأة ولو كانت غنية ،كما ساوى بينها وبين الرجل في والعبادات والحدود والعقوبات،وفي الجزاء والثواب ،وساوى بينها وبين الرجل في حق التعلم والعمل ،إذ لم يُحرِّم عليها العمل لأنَّها قد تحتاج إليه ،ولم يوجبه ،وفي نفس الوقت لم يستحسنه ويحبذه ،وذلك لأنَّه سيكون على حساب زوجيتها وأمومتها ،وتربية أولادها، واعترف بأهليتها الحقوقية المالية الكاملة مثلها مثل الرجل تماماً ،ولا يحق للزوج التدخل في تصرفاتها المالية،كما حافظ على شخصيتها ،فلا تفقد اسمها واسم عائلتها بالزواج ؛إذ تظل منتسبة لأبيها ،وأزال عنها تهمة الخطيئة الأزلية التي ألحقتها بها الأديان والتشريعات القديمة في قوله تعالى : (( وعصى آدم ربَّه فغوى))،كما ساوى بينها وبين الرجل في كثير من الحقوق السياسية كحق البيعة والشورى والولاية ،وإجارة المحارب ،والمشاركة في القتال أن دعت الحاجة ،والمشاركة أيضاً في الغنائم والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ،وعمارة الكون ،وإن كانت المرأة المسلمة لم تحصل على بعض حقوقها ،فهذا يرجع إلى تحكم العادات والأعراف والتقاليد ،وليس إلى الإسلام.
وقد أكَّد رسول الله صلى الله علي وسلم على مبدأ المساواة بأقواله وأفعاله الكثيرة فمن أقواله ( الناس سواسية كأسنان المشط)،وقال في حجة الوداع : ( أيها الناس : إنَّ ربكم واحد ،وأباكم واحد ،ألا لا فضل لعربي على عجمي ولا لعجمي على عربي ،ولا لأسود على أحمر ،ولا لأحمر على أسود إلاَّ بالتقوى)،فهنا ألغى التفاخر بالأنساب والتعاظم بالأباء والأجداد ،فأبوهم جميعاً واحد هو آدم عليه السلام ،وألغى التفرقة العنصرية والتمايز بالألوان ،فلم يفرق في الحقوق والمعاملات بين أبيض وأسود ،ولا بين حر ومولى ،فقد ولى بلالاً على المدينة،وفيها كبار الصحابة ،وبلال رضي الله عنه مملوك أسود سابق أشتراه أبو بكر رضي الله عنه وأعتقه ،كما أنّ صلى الله عليه وسلم ولى "باذان" الفارسي لى اليمن ،ولمَّا مات ولى ابنه مكانه .
ولقد سار على نهجه الخلفاء الراشدون من بعده ،وقد سبق وأن ذكرنا أمثلة لذلك.(66/435)
وهكذا نجد كيف وضع الإسلام حقوق الإنسان وطبَّقها واحترمها ،قبل أن ينادي بها فلاسفة الغرب الذين وضعوا ميثاق حقوق الإنسان بأربعة عشر قرناً ،والتي أصبحت هذه الحقوق تنهك من قبل القوى العظمى التي تَتخذها ذريعة للتدخل في شؤون الدول الصغرى والضعيفة لبسط السيطرة والنفوذ عليها ،وليس لحماية حقوق الإنسان.
6-الحرص على العمران وعدم الفساد: ولقد نهى الله المسلمين إذا تولوا الحكم عن الفساد في الأرض ،يقول تعالى : (( فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم .أولئك الذين لعنهم الله فأصَّمهم وأعمى أبْصارهم )) ( محمد : 22-23)هذا والمتتبع لغزوات الرسول صلى الله عيه وسلم ،ثُمَّ للفتوحات الإسلامية لم يجد فيها تدميراً أو تخريباً للبلاد المفتوحة ،كما رأينا من قبل في جيوش الأمم الأخرى كاجتياح الجماعات الجرمانية في أوربا ،والقوط في الأندلس ،والتتار في المشرق الإسلامي،ولعل هذا من أهم أسباب إسلام أهالي البلاد المفتوحة.فالإسلام دين بناء وحضارة ،وليس دين هدم وتخريب وتدمير خلاف ما نراه اليوم مما يحدثه اليهود الصهاينة في الأراضي الفلسطينية من قتل وتدمير وحرق وتخريب وتجريف الأراضي ،واقتلاع لأشجار الزيتون في الأراضي الفلسطينية وجنوب لبنان .
7-الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر : وهذا من الأسس والركائز الأساسية في الحكم ،يقول تعالى : (( ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون )) ( آل عمران : 104)والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حق للرجل والمرأة معاً ، يقول تعالى : (( والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهَوْن عن المنكر)) ولقد أوصى صلى الله عليه وسلم بذلك عدة وصايا منها قوله : ( الدين نصيحة ) فسأله الصحابة لمن : قال ( لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم)
وقد سار الخلفاء الراشدون على هذا المنهج من ذلك قول أبي بكر في أول خطبة ألقاها يوم توليه الخلافة ؛إذ قال : ( قد وليت ولستُ بخيركم ،فإن رأيتموني على حق فأعينوني ،وإن رأيتموني على باطل فسددوني ،أطيعوني ما أطعتُ الله فيكم ،فإن عصيته فلا طاعة لي عليكم )،ويقول عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه ( أيها الناس فمن رأى فيَّ اعوجاجاً فليقوِّمه )وتقدم إليه رجل وقال : ( لو رأينا فيك اعوجاجاً لقوَّمناه بسيوفنا )،فرد عليه عمر رضي الله عنه قائلاً ( الحمد لله أن كان في أمة عمر من يقوِّم اعوجاج عمر بالسيف)
هذه هي الديمقراطية في الإسلام ،وهذه الحرية في إبداء الرأي ،وفي مراقبة الحاكم ومحاسبته إن أخطأ.
وهذه هي الركائز الأساسية لنظام الحكم في الإسلام ،فهي قائمة على العدل والشورى والبيعة والمساواة والدعوة إلى احترام العمران والنهي عن الفساد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ،وهو كما يتضح من أسسه نظام واضح يجمع بين الدين وأمور الحياة الدنيا فالدين الإسلامي دين ودولة.
وكما تبيَّن لكم أنَّ الأقليات التي تعيش في كنف الإسلام ،وبين رعايا الدول الإسلامية لا يخشى على كافة حقوقها المدنية والقانونية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية ،وأكبر دليل عهد الأمان الذي أعطاه عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه لأهل بيت المقدس ،كذلك ولو ذهبنا إلى مصر نجد أنَّ العرب المسلمين أعطوا الحرية الدينية للقبط ،يؤيد ذلك ما فعله عمرو بن العاص رضي الله عنه بعد استيلائه على حصن بابلبيون ،إذ كتب بيده عهداً للقبط بحماية كنيستهم ،ولعن كل من يجرؤ من المسلمين على إخراجهم منها ،وكتب أماناً للبطريق بنيامين ،وردَّه إلى كرسيه بعد أن تغيب عنه زهاء ثلاث عشرة سنة ،وأمر عمرو رضي الله عنه باستقبال بنيامين عندما قدم الإسكندرية أحسن استقبال ،وألقى على مسامعه خطاباً بليغاً ضمنه الاقتراحات التي رآها ضرورية لحفظ كيان الكنيسة ،فتقبلها عمرو رضي الله عنه ، ومنحه السلطة التامة على القبط والسلطان المطلق لإدارة شؤون الكنيسة .
ولم يفرق العرب في مصر بين الملكانية واليعاقبة من المصريين ،الذين كانوا متساوين أمام القانون ،والذين أظلهم العرب بعدلهم وحموهم بحسن تدبيرهم ،وقد ترك العرب للمصرين ،وأخذوا على عاتقهم حمايتهم ،وأمنوهم على أنفسهم ونسائهم وعيالهم ،فشعروا براحة كبيرة لم يعهدوها منذ زمن طويل ،بل كانوا يعانون من ظلم البيزنطيين الذين كانوا يضطهدون الياعقبة لأنهم يختلفون معهم في المذهب ،يوضح هذا قول المستشرق البريطاني سير توماس أرنولد في كتابه " الدعوة إلى الإسلام " : ( يرجع النجاح السريع الذي أحرزه غزاة العرب قبل كل شيء إلى ما لقوه من ترحيب الأهالي المسيحيين الذين كرهوا الحكم البيزنطي ،لما عرف به من الإدارة الظالمة ،وما أضمروه من حقد مرير على علماء اللاهوت ،فإنَّ الياعقبة الذين كانوا يكونون السواد الأعظم من السكان المسيحيين عوملوا معاملة مجحفة من أتباع المذهب الأرثوذكسي التابعين للبلاط ،الذين ألقوا في قلوبهم بذور السخط والحنق الذيْن لم ينسهما أعقابهم حتى اليوم )(66/436)
كما أنَّ السلطان محمد الفاتح أعطى ـ حين دخل القسطنطينية فاتحاً ـ لبطريرك المدينة السلطان الداخلي على رعيته من النصارى ،بحيث لا تتدخل الدولة في عقائدهم ولا عباداتهم.
كما يروي لنا التاريخ أنَّ شيخ الإسلام ابن تيمية طلب إلى أمير التتار إطلاق سراح الأسرى ،فأجابه الأمير التتاري إلى إطلاق سراح أسرى المسلمين وحدهم دون المسيحيين واليهود فأبى شيخ الإسلام رحمه الله ذلك وقال : " لا بد من إطلاق سراح الذميين من أهل الكتاب ، فإنَّهم أهل ذمتنا ،لهم ذمة الله ورسوله ،فأطلق الأمير سراحهم جميعاً .
وأيضاً اعتراف الحاخام اليهودي " ديفيد وايس " الناطق الرسمي لحركة "ناطوري كارتا "إنَّ الدول الإسلامية أحسنت استضافة اليهود،وأود أن أشير هنا إلى أنَّ اليهود وصلوا إلى منصب الوزارة في الدولة المرينية في المغرب ،فاليهود في المغرب كان لهم دور كبير في الحياة السياسية في الدولة المرينية ،فكان خليفة بن ميمون ابن زمامة حاجباً للسلطان في عهد السلطان يوسف بن يعقوب بن عبد الحق ،وتولت أسرة بني وقَّاصة اليهودية قهرمة القصر السلطاني في عهد السلطان يوسف بن يعقوب بن عبد الحق ،وفي عهد آخر سلاطين بني مرين ،السلطان عبد الحق بن أبي سعيد المريني تولى منصب الوزارة اثنان من اليهود هما هارون وشاويل ،وقد أدى تحكم اليهود في الدولة عن طريق هذين الوزيرين إلى مقتل السلطان عبد الحق المريني وسقوط الدولة المرينية،وهذا يبن مدى غدر اليهود بمن يحسن إليهم .
وتصريح البابا "شنودة" أنَّه يفضل العيش في كنف الحكومة المسلمة في مصر على أن يكون تحت رعاية دولة مسيحية في مصر ،وذلك لأنَّ هناك مخطط لتجزئة مصر وتفتيتها إلى دولة نوبية في الجنوب ،ودولة مسيحية في صعيد مصر ،ودولة إسلامية في شمال الدلتا ،وهو مخطط كبير لتفتيت العالم الإسلامي ،وقد وضع هذا المخطط المستشرق اليهودي البريطاني الأمريكي " برنارد لويس "
فما الذي يضير من تطبيق الحكم الإسلامي الذي يحفظ حقوق كافة البشر؟
هذا النظام الذي وضعه الخالق ،وهو أعلم بما يصلح لهم ،فهو أدرى بشؤون خلقه،وبما يصلح لهم،يقول تعالى : (( إنَّا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيما)) (النساء : 105)
الخاتمة :
وكما تروْن فنحن أمة تدعو إلى الخير والبر والإحسان والتسامح ،وديننا دين سماوي حضاري يدعو إلى الحرية والعدل والمساواة ،وينبذ التمييز العنصري ،ويحترم الحرية الدينية للآخرين ،ونحن أمة تحترم الأديان السماوية وأنبياءها وكتبها ،ولم ينل مسلم من أي نبي من الأنبياء فأيماننا لا يكمل إلاَّ بالإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله باليوم الآخر وبالقدر خيره وشره ، في حين نجد كثيراً من المستشرقين يهود ومسيحيين قد نالوا من نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم ووصفوه بما لا يليق ،وقالوا عنه أنَّه كاهن وساحر،ومجنون ،وقاطع طريق ،وغير ذلك من الصفات ، بينما نحن ننزه أنبياء الله ورسله بمن فيهم النبي موسى عليه السلام ،والنبي عيسى عليه السلام مما وصفهم به اليهود في التوراة المحرفة بما لا يليق بهم .
ونحن أمة ليست لها مطامع في أراض الغير ،ولا في خيراتهم ،وتريد أن تعيش حرة كريمة وذات سيادة على أراضيها ،ولا سلطان للغير عليها ،وتريد أن تبني نفسها وتنمي مجتمعها وتسهم في بناء الحضارة الإنسانية على قيم سامية تسمو بالنفس الإنسانية ،وترتقي بها إلى مراتب عليا من السلوك الإنساني القائم على احترام آدمية الإنسان وإنسانيته وحريته وكافة حقوقه مع مراعاة الجانب الروحي في النفس الإنسانية ،وتحقيق أمانة الاستخلاف في عمارة الأرض ،والغاية العليا من خلق الله للإنسان وهو عبادته ،وتريد أن تقيم علاقاتها بالأمم الأخرى على الأسس القويمة التي وضعها الإسلام ،ولكن لازال هناك من تلك الأمم الأخرى من يطمع في أراضينا وما فيها من خيرات ،ويريد أن يبسط نفوذه علينا تارة بالقوة العسكرية ،وتارة أخرى بالتهديد ،وبالضغوط الدولية ،وتارة ثالثة بإثارة الخلافات فيما بيننا اتباعاً لسياسة فرِّق تسد ،ونحن هنا نستساءل :(66/437)
لماذا نُحارب ؟ لماذا نُقتل ؟ لماذا أصبح قانون الغاب هو السائد في العالم في القرن الحادي والعشرين ،وكأنَّنا في بدء الخليقة ؟ لماذا أصبح القوي يأكل الضعيف ويذله ويمتهنه ،ويفرض هيمنته عليه بالقوة العسكرية أو بالتهديد بها ؟ لماذا أصبح المجتمع الدولي ينصر الظالم على المظلوم ؟ ينصر الغاصب المحتل على المسلوب أرضه وكرامته ؟ لماذا أصبح الضعيف محروماً من حق الدفاع عن نفسه ،عن بلده عن أرضه ووطنه ،وإن فعل بات مجرماً إرهابياً يُقتل أو يُحاكم ويُسجن أو يُبعد ويُطرد من بلده ؟ لماذا كل هذه الحرب على الإسلام ،وهو دين سماوي منزل من رب الكون وخالقه ،وهو دين شامل وكامل يهدف خير البشرية ،وأنزل للناس كافة رحمة للعالمين،وفيه حل لكل ما تعانيه البشرية من تيه وشتات وخوف وقلق وطمع وجشع،وقتل وسفك دماء،واغتصاب للأعراض ،وانتهاك للحرمات،وتدمير للعمران،وتشريد للنساء والشيوخ والأطفال ،ومن سيطرة المادة على كل ألوان الحياة ،والمبدأ الميكافلي " الغاية تبرر الوسيلة"؟
لماذا أصبح الإنسان المسلم منا الملتزم بالإسلام خلقاً وعملاً يعد إرهابيا ؟ولكي ينفي عن نفسه تهمة الإرهاب يعلن أنه ليبرالي ،أو علماني أو شيوعي ..الخ،المهم ألاَّ يكون إسلامياً؟
لماذا باتت كل الأبواب في عالمنا الإسلامي تفتح للعلمانيين وتغلق أمام الإسلاميين؟
وأخيراً لمَ لا يدعنا الآخر نعيش في أمن وأمان واطمئنان نعبد الله الواحد الأحد ونحكم في بلادنا بما أنزل الله و نعمر هذا الكون ،ونبني ونشيد لنؤدي رسالتنا في هذه الحياة ؟
ليتكم تجيبون عن هذه التساؤلات
==============(66/438)
(66/439)
سارة .. والعدالة الأمريكيّة
د.خالد بن سعود الحليبي 13/7/1427
07/08/2006
"من المفترض أن تذهبي إلى الجحيم وليس إلى السجن"؛ هكذا أتبعت ممثلة العدالة الأمريكية النطق بالحكم الجائر على "سارة الخنيزان". وهو ما ينبغي أن تقوله فعلاً؛ لتعبر عن حقيقة الغطرسة الأمريكية، والجبروت الأمريكي، والعنجهية الأمريكية؛ التي عرفنا بقية فصولها الحمراء في سكاكين الحروف التي أطلقها الرئيس الأمريكي معلقاً على مجزرة قانا بأنها مسوّغة بالرعب الذي تتركه صواريخ المقاومة اللبنانية في نفوس جبناء اليهود في حيفا المغتصبة.
لا أدري ماذا تبقّى لمن لا يزال يبحث عن الرأي الآخر عند مصدرّي القنابل الذكية إلى جزارينا، والتي لا يظهر ذكاؤها إلا على رؤوس العرب والمسلمين.
لا أدري هل تبقَّى شيء مما يهذي به المخمورون بتحضر الإنسان الأمريكي، وديموقراطية أمريكا، وتنصيبها قدوة للبشر؟!
أريد أن أفهم: هل بقي من يتجاهل مبدأ الولاء والبراء الإسلامي الراسخ، والذي تعمل به أمريكا وإسرائيل بشكل دقيق؛ بينما يتضايق منه بعض كتبتنا ومفكرينا، ويطالبون بتنحيته عن مقرراتنا؛ حتى لا نبث الكراهية في نفوس أولادنا لليهود والصليبيين، ولو كانوا محاربين لنا على عدة جبهات، ولو سفكوا دماءنا البريئة بدم بارد؛ متبوعاً بألذ الضحكات، ولو نزعوا الأمان مع الألعاب من قلوب الأطفال وأيديهم، ولو زرعوا الرعب والخوف من سطوتهم في كل جبل وسفح،؟! هذا المبدأ الذي يكشف فيه الرب -عز وجل- حقيقة عظيمة نراها اليوم ماثلة في لبنان، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ). [سورة المائدة: 51].
حين تريد أمريكا أن تجري تعديلاً على الخريطة الدولية، فإنها لا تستشير أحداً أبداً، بل تعلن عن شرق أوسط جديد، ثم تقوم بعملية جراحية في كبد العالم الإسلامي؛ بضرب المقاومة في فلسطين ولبنان، وتطويل يد إسرائيل، وإطلاقها؛ لتذكّر مَن نسي أو تعلم مَن جهل بقدراتها العادية جداً، لتشير ـ بالطبع ـ إلى قدراتها النووية الرهيبة، والتي يسمح لها بالتطوير والتضخم في سرية تامة ، وبعيداً عن أي شكل من أشكال الرقابة الدولية ، بينما يحرم من ذلك كل العالم الإسلامي بعجمه وعربه.
قضية حميدان التركي ليست قضية خادمة إندونيسية، ولا قضية مخالفة لقوانين الهجرة، ولكنها قضية الشاب السعودي المبدع في أمريكا، وليس المبدع فقط، وإنما صاحب الرسالة؛ المؤمن بأن الإنسان في أي مكان هو في أمس الحاجة إلى هذا الدين.
من قبل المهندس سامي الحصين، والذي كشفت قضيته دسائس اليهود في تعقّب النجباء من أبناء بلادنا في أمريكا وبلاد الغرب بشكل عام، وبعد ذلك يعود شابان من معتقل العار في جوانتنامو بلا حناجر، ويُقال: إنهما انتحرا، أليس ذلك مؤشراً قوياً على "العدالة الأمريكية"، التي جعلت من أهدافها الكبرى رعاية شعوب الأرض، وإخراجهم من ظلمات الظلم والقهر والاستبداد!!
أيتها الدولة الكبرى .. إن الظلم الذي تمارسينه في أروقة مجلس الأمن وهيئة الأمم، وبين ردهات البيت الأبيض على شعوب المسلمين في الأرض .. بالاحتلال الباطش، وتجريب الأسلحة الفتاكة المحرمة دولياً، وهدم الممتلكات والبيوت على أهلها، وتعذيب السجناء والأسرى، واغتيال المخالفين، ودعم القتلة والمجرمين في فلسطين الدامية، والتدخل السافر في سياسات الدول والتفريق بينها وبين شعوبها .. كل ذلك ـ مهما سوّغ بمحاربة الإرهاب بمفهومك الخاص بالطبع ـ مغبته خطيرة، وأحب أن أقول: إن سنة الله الذي تؤمنين به لا تتخلف أبداً، وليس في الوجود أقوى من موجده عز وجل، ودولة الظلم لا تدوم أبداً، فقد جرت سنة الله بقوله: ?وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ?.
وربما هناك أمر لم تعرفيه من قبل .. هو عندنا في كتاب الجهاد في صحيح البخاري أصح كتبنا بعد كتاب ربنا، يقول فيه نبينا صلى الله عليه وسلم "حقَّ على الله أنْ لا يرتفع شيء من الدنيا إلا وضعه"، وقد ارتفعت حتى وصلت المريخ .. فترقّبي السقوط.
وما من يدٍ إلا يدُ اللهِ فوقَها … …
وما ظالمٌ إلا سيُبلى بأظلمِِ
=============(66/440)
(66/441)
التداعيات السياسية للحملة الصليبية الخامسة
أيمن خالد
a.kaled@gawab.com
لا ينبغي للأمة الإسلامية أن تكون ضعيفة، لأنها عندما تكون كذلك، فثمة متربص بها، ينتظر فرصته لينقض عليها مجدداً، تلك هي صورة مختصرة عن مجمل الحروب الصليبية، التي دارت رحاها على أرض المنطقة، وتلك هي مأساة الأمة التي ظلت تتكرر تباعاً، فبين الركون إلى الدنيا وترك حراسة الثغور الإسلامية، وبين شهوة الإمارة، التي تتقاتل الجيوش بغية الحصول عليها، كانت تلك أبرز عوامل ضعف الأمة، ما جعلها فريسة بين لحظة وأخرى بيد الغزاة من جديد، يعبثون بها وبمصير أبنائها، فيما هي الصحوة وحدها، واخذ الأمة دورها الريادي، هو ما يحميها ويمنع الطامعين ويكف أيديهم عنها. بين الفينة والأخرى، يتقاتل الإخوة وأبناء الأسرة الواحدة على تقاسم الممالك، ما يجعل الأمة تقع ضحية صراع داخلي يفتك بها، ناهيك عن إشكالية الوراثة، والتي تبرز باستمرار كمعضلة، من معضلات الأمة عبر التاريخ الإسلامي الطويل، فعملية تنظيم الإمارة كانت لا تتم عبر الشورى الإسلامية وفق النص القرآني، وإنما وفق أهواء دنيوية، ووفق معتقد قد يبدو صحيحاً، لكن النتائج لا تأتي كما يُظنُ على الدوام، من خلال فكرة (أن يحمي الإسلام رجل يكون قوياً) في حين أن الأصل في الأمر كله، هو أن الإسلام هو من يحمي الأمة عندما تحتمي به. بالتالي كانت مأساة الأمة أنها تحتمي بالرجال، فإذا أفضى صلاح الدين الأيوبي إلى ربه، جاء أولاد أخيه الذين تربوا في القصور، خلاف حياته التي أمضاها في خيمة الجهاد، وظن الناس بهم خيراً، حتى إذا تمكنوا من البلد، كانوا على الأمة وبالاً شديداً.
فهم دون شك ممن لا يليق بهم أن يحملوا شأن الأمة، نظراً لانشغالهم ببعض عن الأمة وشانها، وبذلك، كان يطمع الأعداء بالعودة مجدداً، للانقضاض على الأمة ونقض العهود، في معادلة ظلت متكررة، وبقيت مفاتيحها بيد الأمة، فانشغال الأمة بنفسها، كان مدعاة لتدخل قوى خارجية فيها، أو انقضاضهم على ثغور الإسلام، التي كانت تقل منعة أمام كل معضلة داخلية جديدة.
لم تتقاتل الشعوب يوماً، ولكن الذين تقاتلوا هم الأمراء، فالشام ومصر كانتا إمارتين مقسمتين بين أخوين من الأسرة الأيوبية، وسيصل النزاع بينهما إلى حد السيف، وهو الوقت المناسب لدخول الصليبيين على خط النزاع، فتأتي الحملة الخامسة وتتوجه الجيوش من اوروبا، فتجتمع في عكا، ثم تنطلق من عكا باتجاه مصر، بعد أن فشل الأخوة وأولاد الإخوة في حل خلافاتهم، أو حتى بالاتفاق ولو مؤقتاً ريثما يتراجع الصليبيون عن أهدافهم باجتياح ديار الإسلام. فالصليبيون الذين انطلقوا من عكا إلى مصر، كانت بيت المقدس أكثر قرباً من دمياط، لكنهم يتوجهون إلى دمياط خشية أن تضغط الشعوب على حكامها، خصوصاً وان زمن صلاح الدين الأيوبي كان قريب عهد، وبوصولهم إلى دمياط، تبدأ صفقة سياسية على غاية من الخطورة، لا تزال تتردد صداها إلى يومنا هذا، خصوصاً مع ولادة المشروع الصهيوني واحتلال فلسطين. الصفقة أفضت بأن يرجع الصليبيون عن مصر، مقابل تسليمهم بيت المقدس من جديد بعد أن حرره صلاح الدين، إضافة على أجزاء أخرى من فلسطين، وبذلك عادت من جديد إمارة بيت المقدس اللاتينية، وعادت القدس إلى السر مجدداً، وكل ذلك في سبيل حل نزاع أسري على الحكم بين السلطان المسمى بالكامل، وبين أولاد عمه. ألماضي الذي يعود في عودة إلى الماضي قليلا، حينما كانت الدولة الفاطمية تلفظ أنفاسها، حدث ثمة نزاع بين أميرين متخاصمين، هما شاور وضرغام، يومها استغل الصليبيون الصراع بينهما، وتدخلوا لصالح ضرغام، الذي فتح لهم أبواب مصر لولا تدخل نور الدين محمود زنكي الذي حال دون ذلك بفضل قواته التي بعثها إلى مصر لنجدتها، وكان على رأسها أسد الدين شيركوه وابن أخيه صلاح الدين الأيوبي، حيث انتصرا للإسلام وانتهى حكم ضرغام، ليأتي فجر جديد على مصر من خلال صلاح الدين الأيوبي، الذي منحته مصر حكمها، لما أبداه من حرص على الأمة وسلامتها من الغزاة.(66/442)
بالتالي، صورة التدخل في الشؤون الإسلامية، والانتصار لطرف على حساب آخر، ظلت ماثلة في أذهان الصليبيين، فما أن سمع الإمبراطور الألماني بالسيف الذي وقع بين الشقاء، حتى جمع جيوشه وتوجه على مصر، وهناك حدثت المساومة الكبيرة، فقد باع السلطان فلسطين، ورضي بأن تقوم إمارة صليبية جديدة في القدس، يصبح وجودها مانعاً بينه وبين إمارة دمشق. وهذا يعيدنا أيضا مرة أخرى إلى الوراء إلى ما ذكره ابن الأثير في كتابه الكامل، من قوله إن الصليبيين قبل أن يخرجوا من كليرمون وصلتهم سفارة الدولة الفاطمية وعرضت عليهم أن يدخلوا فيقاتلون السلاجقة ويتقاسموا هم وإياهم الغنيمة، وحدث فعلا أن السلاجقة المسلمين بينما كانوا يخوضون صراعا مريراً ضد الصليبيين في إنطاكية، إذ قامت الدولة الفاطمية وطعنتهم في الظهر فاحتلت بيت المقدس، وهدمت جزءا مهما من أسواره، ما جعل سقوط بيت المقدس فيما بعد يسيرا على الصليبيين. فالمتتبع لطبيعة الأحداث الثلاثة التي أتينا على ذكرها، مع اختلاف الأشخاص، سيصل إلى نتيجة مفادها، أن الخيانة لا مذهب لها، وأن شهوة الحكم قد تؤدي إلى إفناء جيوش بأكملها وضياع أوطان وبيعها بمقابل استمرار العائلة في وراثة الحكم وتوريثه لأبنائها. فأخطر ما في الأمر، أن مسألة الحفاظ على الملك، لم تكن تأتي في بعض الأحيان بفعل قوى من الداخل، بل كان يحدث العكس، فيلجأ بعض الأمراء إلى عدو الأمة اللدود، ويستعينون به من أجل بقائهم في الحكم أطول فترة ممكنة. القدس دلالة دينية التقليل من قيمة القدس الدينية هو الذي كان يصل بالأمة إلى الهاوية، وتوجيه الأنظار إليها كان يساهم في نهضة الأمة وتقدمها، واستمرارها عزيزة النفس أبية في مواجهة أعدائها. لهذا إن خط سير المسلمين الأول في الفتح الإسلامي كان باتجاه القدس، وبعدها توجه المسلمون إلى شتى بقاع الأرض، ولم تأت أهميتها في القرآن الكريم من خلال المسجد الأقصى فحسب، وإنما كانت الأهمية للمكان ذاته، بدليل قول الآية الكريمة« سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ » وقوله« وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ». بالتالي نجد أن قيمة الأرض، وبركتها حاضرة، وهنا يطل علينا الاتفاق الشهير بين السلطان المسمى بالكامل، وبين الصليبيين، حيث أفضى الأمر إلى تسلمهم إمارة القدس، مع السماح للمسلمين بالصلاة في المسجد الأقصى.
وهو أمر منافي للعقيدة الإسلامية، ومنافي لرؤية القرآن الكريم، لكن الذين لا يردون سوى الحكم لن يكترثوا لذلك. عندما يشير القرآن الكريم إلى المكان الذي هو الأرض في فلسطين، وعندما يتحدث عن الأقصى ثم يعمم الحديث بالبركة عن محيطه، لذلك كله دلالات هامة، وإذا حاولنا التأمل في الآية الثانية، التي تتحدث عن البركة للعالمين في هذا المكان، ندرك أهمية أن تكون القدس بيد المسلمين لا غير، وندرك خطر وقوعها في أيدي غير المسلمين، ليس على المسلمين فحسب، بل والعالم اجمع، وهو أمر ظل يتكرر مراراً عبر التاريخ، فعندما تكون القدس بيد المسلمين، فثمة سكينة ورحمة في الكون، وعندما كانت تقع بيد الغزاة، كان العالم ينفلت نحو الجنون والحروب باستمرار. عندما دخل الصليبيون للقدس للمرة الأولى، لم تكن تلك نهاية مرحلة من الحروب، بل بداية دموية استمرت مئة عام حول القدس، مات فيها آلاف الناس، وعندما عادت القدس للمسلمين، خرج إشعاعها الثقافي وأصاب الغرب كله، فمهد ذلك لزوال حكم الرهبان المستبد، وعندما دخل الإنجليز القدس كان العالم يغرق في ويلات الحرب العالمية الأولى، وعندما دخلها الصهاينة، دخل العالم في مشكلة جديدة، فليست هناك من نهاية، إلاّ بعودة القدس للديار الإسلامية، لما تعطيه العقيدة الإسلامية من أهمية للقدس، بوصفها مكان الإسراء، وبوابة السماء وأول قبلة للصلاة. وما يجري اليوم من انقسام في العالم، وما سيجري لاحقاً، سيثبت هذه الحقيقة، أن بقاء القدس إسلامية المعالم هو مفتاح بركة الكون. القدس اليوم التقليل من قيمة القدس الدينية هو أمر بات يعود من جديد، وتحويل قضية القدس إلى قضية تخص الفلسطينيين وحدهم هو ما باتت تسعى عليه طبقة الحكام الجدد، الذين ينتمون من حيث المنهج والتفكير إلى مدرسة الدولة الفاطمية، ومنهج السلطان الناقص المسمى بالكامل. فالأنظمة اليوم تسعى إلى اختراع بدائل سياسية تجد من خلالها جهات إسلامية تعيد القبول بالمبدأ الذي أطلقه سلاطين ذلك العصر، من تحويل القدس إلى مكان للعبادة لا غير، وبالتالي إعطاء المسلمين حرية دينية معينة مقابل تنازلهم عنها لليهود، وهو أمر يجري الإعداد له منذ زمن، وذلك بغية امتصاص الصحوة الإسلامية، وإدراك الشعوب الإسلامية أن السلام هو من يمثلها وهو من يحميها وليس السلاطين، بالتأكيد، إن عصر السلاطين ذاهب نحو الزوال، وعصر الإسلام قادم، وهو ما يخيف الغرب والعالم المعادي لهذا الدين.
http://www.islamselect.com المصدر:
===============(66/443)
(66/444)
جلاوي: أمريكا ليست أعظم من الله..
حوار/ باسل النيرب 6/12/1425
17/01/2005
كشف النائب (جورج جالاوي) المؤيّد للحقوق العربية والمناصر لها في مجلس العموم البريطاني عن الحملة التي تعرّض لها من صحيفة (الديلي تلغراف) البريطانية وغيرها من الصحف، وعن دوافع هذه الحملة، كما تناول حَمَلات الضغط التي تتعرض لها الصحف البريطانية والأمريكية، والمؤثرات الخارجية على وسائل الإعلام. ويؤكد أن الولايات المتحدة سوف تندحر من العراق؛ فهي لن تستطيع الصمود أمام المقاومة، وهي ذاتها ليست أقوى من الله. كما تناول الحوار قضايا كثيرة.
فإلى نصّ الحوار...
الخداع الإعلامي الأمريكي والبريطاني
لماذا لم تحذُ صحيفة (الديلي تلجراف) حذو صحيفة (كريستيان ساينس مونيتور) التي اعتذرت بعد أن اكتشفت أنها تعرضت لعملية تزوير؟
أولاً: علينا أن نُعَرّف بصحيفة (الديلي تلغراف)؛ فهي هذه ليست صحيفة عادية، فقد كانت هذه الصحيفة مملوكة للورد (كونراد بلاك) - والذي سوف نتكلم عنه بعد قليل - وزوجته هي (باربرة أميل) التي كانت تعمل كاتبة لدى الجنرال (إيريل شارون)، وإحدى أعزّ أصدقائه، وكان من ضمن أعضاء مجلس إدارة الصحيفة كل من (هنري كيسنجر ورتشارد باويل ومارغريت ثاتشر)، وعليه إذا كان المرء يُقيّم من قبل أعدائه فأكون محظوظاً أن يكون لي مثل هذا النوع من الأعداء، كما عُرِفَتْ (الديلي تلغراف) تحت قيادة (اللورد بلاك) و(أميل) باسم (ديلي تل أبيب) لأنهما استخدما الصحيفة بإمعان لصالح الصهيونية والامبريالية.
أماصحفية (كريستيان سينس مونيتور)، فالقضية معها قضية بسيطة كصحيفة تعرضت للاستغفال من قبل شخص ما، وهذا المخطّط للنيل من الأشخاص هو للهجوم على كل من وقفوا ضد مخطط الصهيونية والامبريالية في المنطقة والعالم ككل.
هل تتعرض الصحف البريطانية والأمريكية إلى حملة خداع إعلامي منظم؟
نعم .. قبل أيام قليلة كتبت (النيويورك تايمز) مقالاً عن خلافات تجري بين أعضاء القيادة الأمريكية العليا عن المدى والأولوية للخداع والتزوير المتعمد والشِّراك التي يمكن أن تكون جزءاً من السياسة الأمريكية، كما أن الصحف كانت تشكو من ضعف الأدلّة في خريطة الحرب على العراق، كمثل التزوير النيجيري حيث ذُكر عن وجود تزوير مستندات تقحم العراق في عملية شراء يورانيوم من النيجر ثم تبيّن أنها مزوّرة.
وانسحب الأمر كذلك على كلمة كولن باول في الأمم المتحدة، وتسجيلات التنصّت بالهاتف وصور من الأقمار الصناعية، وجميع الأشياء التي تمّت وتبيّن فيما بعد أنها مزوّرة كلياً، وهناك أنموذج واضح بوقوع خداع متعمد وشركات دعائية استخدمتها الدول الامبريالية لزيادة الدعم الإعلامي لحملتها.
ما هي المؤثرات الخارجية على وسائل الإعلام الأمريكية والبريطانية؟
الإعلام الأمريكي والبريطاني مملوك لرجال أعمال أصحاب بلايين، وأهدافهم مترابطة إلى حد بعيد مع مصلحة أمريكا وبريطانيا. في بريطانيا لدينا وضع شاذ بصورة فريدة، وهو أن معظم وسائل الإعلام مملوكة من قبل الأجانب من ذوي البلايين الذين يكون ولاؤهم النهائي للنظام الذي يؤيدونه، ولأمريكا بصفتها قوة عظمى.
وبلا شك فإن مصلحة هذه الدول القوية ومصلحة أصحاب البلايين المالكين للإعلام متشابه إلى حد بعيد، وفي بعض الأحيان متوافقة تماماً، وهناك -طبعاً- أشخاص يتجمعون تحت راية خط معين أو تحليل معين يتمّ الأخذ به، وفي بعض الأحيان تكون هذه التجمعات اللوبية فعالة جداً، لكن عوضاً عن التذمر من هذه التجمّعات، فإنني أميل إلى عمل تجمّعي (لوبيّ) خاصّ بنا، ويجب أن يكون أفضل من التجمع الذي عندهم، وإلى اليوم وصلت إلى سن خمسين، ولم أتمكن من تكوين لوبي خاص كما ذكرت.
العراق إلى أين
كيف تقرؤون الأحداث اليوم في العراق وخاصة بعد كشف زيف الادعاءات الأمريكية والبريطانية من امتلاك العراق لأسلحة دمار شامل والتعاون مع تنظيم القاعدة؟
أنا أرى أن أمريكا وبريطانيا في ورطة عميقة في العراق، وهو مشروع بدأ ليكون وسيلة لإرهاب وتخويف العالم بقوة أمريكا المهيمنة. لكن ما نتج عن هذا المشروع عكس ذلك تماماً؛ فالآن الناس الذين يخافون من أمريكا هم أقل ممن كانوا يخافونها من قبل. والشيء الوحيد الذي يظهر كل يوم في العراق هو فقدان السيطرة الأمريكية على ذلك البلد. الولايات المتحدة تستطيع أن تسيطر على سماء العراق ولكن بشرط ألاّ يطيروا على ارتفاع منخفض يجعلهم بمرمى الإصابة بمدفع (آر بيه جيه). لكنهم لا يستطيعون السيطرة على شارع منفرد في أي مدينة عراقية. وهذا ما سيحصل واقعياً لو أصرّوا على غزو سوريا أو إيران.
الناس -الآن- يلاحظون، كما نقول في حركة العمال الاسكتلندية: إن القوي يظهر قوياً فقط طالما كان سائر الناس جاثين على ركبهم. فإذا قام سائر الناس فإن القوي سوف لا يبدو قوياً. الولايات المتحدة قوية .. هذا صحيح .. لكنها ليست أعظم من الله.
كيف تفسر عدم انسحاب القوات البريطانية من العراق إلى اليوم؟(66/445)
رئيس الوزراء البريطاني باع بلده لقوة أجنبية، فهو واقع في علاقة لا يمكن الانفكاك عنها، فهو مربوط بما يشبه الحبل السري للجنين مع جورج دبليو بوش، وأعتقد أنه في شهر مايو موعد الانتخابات العامة سيدفع ثمن ذلك. لقد سبق له وأن دفع ثمناً باهظاً في التاريخ وما يخص سمعته في البلد، وهذا سيتبين أكثر وضوحاً في الانتخابات العامة المقبلة.
ما رأيك في حمّى الترشيح للانتخابات الفلسطينية، وهل ستفرز الانتخابات من هو قادر على انتزاع الحقوق من إسرائيل؟
أولا: أنا قضيت جميع حياتي السياسية منذ كنت في العشرين وحتى هذا العام من المعجبين بالرئيس ياسر عرفات، وهو صديق لي بمعنى أنني "عرفاتي"، وهذا شيء يجب أن تعرفه.
الانتخابات الفلسطينية هي -بالطبع- موضوع يخص الفلسطينيين تحديداً. لكنني أرى أنني كشخص قضى معظم وقته معهم وقدم دمه السياسي لهذا الغرض، فإن ذلك يعطيني الحق في التعليق في هذا الشأن.
أعتقد أن الاختيار للمتقدمين الرئاسيين ليس جيداً. نوعيات المتقدمين ليس فيها تضمين لقوى سياسية جادّة بصورة كافية. فعلى سبيل المثال الأحزاب الإسلامية ليس لها مرشح، والانتفاضة ليس لها مرشح، والاختيار المتبقي أمام الحزب العام فتح كان في تجديد أنفسهم، ليبحثوا عن جيل جديد بأن يجدوا قيادة جديدة من جيل جديد من جيل الانتفاضة التي لها رصيد عال من المؤازرة محلياً.
ولهذا كنت مهتماً بترشيح مروان البرغوثي نفسه، وأنا آسف جداً - مهما كان السبب- ولكننا جميعاً نستطيع التنبؤ بما قد يكون السبب أو الوسائل التي مورست على مروان - بأن يترشح ثم ينسحب ثم يترشح ثم ينسحب. لكنني أراه شيئاً مؤسفاً جداً، على كل حال أرى أن تركة الرئيس عرفات الباقية هي ترْكُه لخطوط حمراء ذات حوافّ حادة جداً.
وليس عندي شك أن الأمريكان والإسرائيليين يؤيدون "أبو مازن"؛ لأنهم يرون أنه قد يكون مستعداً للتنازل عن تلك الخطوط الحمراء. ولا أرى أنهم على صواب في اعتقادهم. ولكن حتى وإن كانوا على صواب في ذلك، لكنني لا أرى أن أي تنازل سيكون مسموحاً به أمام الفلسطينيين أنفسهم.
كنت مؤخراً في لبنان، وكمثال في كثير من المخيمات هناك - في الرشيدية وعين الحلوة وصبرا وشاتيلا - وكان الشعور هناك: انتظر وترقب، وإذا كانت هناك محاولات عديدة للتنازل عن حقوق اللاجئين، وإذا كان هناك أي محاولة لبيع الخط الأحمر للقدس، أو أي محاولة للاتفاق على أشياء لم يوافق عليها الرئيس عرفات، فأنا أرى أنه سيكون هناك مشكلة حقيقية أمام القيادة الفلسطينية الجديدة، وأتمنى أن لا يسلكوا هذا الطريق.
أجندة (بوش وبلير) للسنوات القادمة
ماذا بعد احتلال العراق اليوم على أجندة (بوش - بلير) للسنوات الأربع القادمة؟
أعتقد أن احتلال العراق سوف ينتهي قبل مرور أربع سنوات بكثير، وأعتقد أن الاحتلال الأمريكي البريطاني للعراق سوف ينتهي هذه السنة؛ لأن المقاومة أصبحت بكل بساطة غير قابلة للتوقف، ومحاولة غزو واحتلال بلد عربي مسلم في حرب صليبية جديدة فشل.
القادة السياسيون يعلمون أنه فشل، والقادة العسكريون يعلمون أنه فشل. وإذا مضينا أكثر في هذا المستنقع فسوف نغرق ولا يبقى لنا أثر، وأشعر بأنه مهما كان في تفكير (بوش وبلير) أن يفعلاه في أجندتهما بخصوص التدخل في سوريا وإيران أو التدخل في بلاد عربية أخرى مثل السودان أو السعودية، فقد أصبح هذا الآن أمراً غير قابل للتحقيق، وفي هذا السياق فإن المقاومة العراقية لا تدافع عن العراق فحسب بل تدافع عنا جميعاً، وعن جميع البلاد العربية، وعن جميع المسلمين.
أين وصل مشروع مطالبة رحيل (توني بلير) عن الحكومة البريطانية؟
لقد تم قبوله الآن على أرضية البرلمان وبهذا يكون قد اجتاز العقبة الأولى؛ لكن ليس هناك دعم له إلا من عدد قليل من أعضاء البرلمان. فَـ(توني بلير) كان ذكياً جداً؛ فهو لم يذهب ببريطانيا إلى غزو العراق وحيداً. لقد سمح لمجلس العموم (البرلمان) أن يصوت. وقد صوتوا بأعداد كبيرة لصالح هذه الجريمة، فليس (توني بلير) وحده الذي يُلام، يجب أن يُحاسب كل عضو في البرلمان ممن اتبعه إلى هذه المذبحة، وهذا ما ننوي القيام به في الانتخابات القادمة في شهر مايو.
ما رأيك في ادعاءات اختلاس في برنامج النفط مقابل الغذاء؟ كيف تفسر تصاعد حِدّتها في هذا الوقت؟
هذا تضليل إعلامي أمريكي ضد الأمم المتحدة، كانوا يأملون إبعاد السكرتير العام للأمم المتحدة كنتيجة لهذه الحملة، وهذه الحملة يتولاها اليمين المتطرف في الكونجرس الأمريكي والبنتاغون، وأعتقد أنها لن تفلح. هذه ادعاءات بسيطة أو بيانات أو أسماء أو أسماء أشخاص مكتوبة على أوراق.
أنا لم أر أي دليل يثبت تورّط أي من كبار الموظفين في مزاعم سوء التصرف، كل ما رأيته ظهر كادّعاءات رخيصة، وفي مثل وضعي الشخصي فنحن نعلم الآن أنه كان هناك اتجاه قوي لتلطيخ سمعتي في جريدة (الكرستيان سينس مونيتور) و(الديلي تلغراف) وفي صحف أخرى. وقد تبين أنها زائفة.(66/446)
ومن ثم فإن المشكلة ليست ضد الأمم المتحدة بل هي ضد الحكومتين الأمريكية والبريطانية اللتين قامتا بالالتفاف على الأمم المتحدة بالقيام بمغامرة عسكرية تبين فيما بعد أنها علاوة على كونها غير أخلاقيّة جاءت بنتائج عكسيّة مأساويّة
==============(66/447)
(66/448)
فقه الولاء والبراء في ضوء الحرب الصليبية
أ. محمد عمر دولة
الحمد لله الكبير المتعال القائل في كتابه العزيز: ((ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين * إنهم لهم المنصورون * وإنّ جندنا لهم الغالبون))[سورة الصافات: 171-173]، والقائل - جل جلاله -: ((وكان حقاً علينا نصر المؤمنين))[سورة الروم: 47]، والصلاة والسلام على إمام المجاهدين، وسيّد المرسلين، القائل: (لا تزال طائفة من أمتي قائمة على الحق لا يضرُّهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون على الناس)[رواه أحمد والشيخان]، وبعد:
فهذه أيامٌ مِن أيامِ الله، أيامٌ نلمس فيها فتناً وحروباً ودماءً، ولكننا نلمح فيها بشائر عزٍّ للإسلام، وضياءٍ للحقِّ، وتوكّلٍ على الله، ونستشرف يقظةً للأمة وجهاداً وبلاءً، فهي أيامٌ فاصلة، كما كانت بدر فارقةً بين استضعاف الكُفَّار للمسلمين، وانتصار أهل الإسلام على من ظلمهم وعاداهم من الكافرين((يوم الفرقان يوم التقى الجمعان))[سورة الأنفال: 41]، وهذا وعد الله الذي لا يتخلّف، وسنته التي لا تتبدّل ((يا أيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقاناً ويكفِّر عنكم سيئاتكم ويغفر لكم والله ذو الفضل العظيم))[سورة الأنفال: 29].
أولاً: واقع الأمة الإسلامية:
إنّ لهذه الأيام وشيجةً تصلها بسنن الله الماضية في الأمم السالفة، ولها - بإذن الله - بشائر في نهضة هذه الأمة القاهرة للملل الكافرة، فقد تحوّلت هموم الشباب المسلم إلى العلم والدعوة والجهاد، فتحلّقوا حول علماء الأمة، الذين حاول الأعداء طمسَ دورهم في تربية المسلمين وتزكيتهم ((والله غالب على أمره ولكنّ أكثر الناس لا يعلمون))[سور يوسف: 21].
فقد فشلت خطط الظالمين في تجفيف ينابيع التدّين الموجَّهة إلى مناهج التعليم ووسائل الإعلام لإفساد شباب الأمة، وإشغالهم بسفاسف الأمور، والتحم علماء الأمة الأبرار - والرائد لا يكذب أهله - بشبابها الأخيار
شبابٌ لم تحطِّمه الليالي*** ولم يُسْلم إلى الخصمِ العرينا
على الرغم من الحملات الضارية من الغزو الثقافي، والترسانة الضاربة مِن التدخُّل الاستعماري عند سقوط الخلافة الإسلامية، فقد كان أعداء الأمة يطمعون أن لا تقوم للإسلام قائمة بعد ما قضوا على الخلافة الجامعة للمسلمين، واستعاضوا عنها بسياسة تابعةٍ لهم، نابعةٍ من المنظومة الفكرية الاستعمارية (والمغلوب مُولع بتقليد الغالب) كما قال ابن خلدون، وقد تمثّل ذلك في الدساتير العلمانية للدول الإسلامية، والأحكام الوضعية المناقضة لهوية الأمة وشريعتها الربّانية.
ولا شكَّ أنّ نجاح الأعداء ـ على مدى عقود من القرن الماضي - في إفراغ العالم الإسلامي من كلّ نَبْض إسلامي حقيقي راجعٌ إلى إبعاد الإسلام - كنظام سياسي واقتصادي واجتماعي - من حياة المسلمين؛ ليصبح الدين مجرّد شعائر قاصرة في ظل الشريعة الغائبة، فإنّ أمة الإسلام لا تحيا إلا بشرائعها وشعائرها معاً (وكذلك الإيمان حين تخالط بشاشته القلوب)[رواه البخاري]؛ فإنه يقود الحياة كلَّها بقيم الإسلام ومبادئه وأخلاقه في السياسة والاقتصاد والاجتماع والتربية والإعلام، ((قل إنّ صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له))[سورة الأنعام: 162]، ((قل أغير الله أبغي رباً وهو ربُّ كل شيء))[سورة الأنعام: 164] ((ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير))[سورة الملك: 14]، وقد كان طبيعياً - بعد غياب الإسلام بأنظمته الشرعية وهويّته الحضارية - أن تضعف مكانة الأمة، وتضمحلّ شعاراتها، وتتساقط راياتها، فتستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير!! بالرايات العميّة والقوانين الوضعية، والأنظمة الجاهلية قومية كانت أو علمانية أو إلحادية!!(66/449)
ولا شكّ أنّ الأعداء قد أوشكوا أن يصيبوا الأمة في مقتل يوم أن أوهنوا في قلوب المسلمين عقيدة الولاء والبراء، حتى كاد المسلم والكافر أن يكونا في رأيهم سواءً، بل ملأ الرويبضات عقيدة الأمة الإسلامية - في التعليم والإعلام وغير ذلك - بالضآلة النفسية تجاه القوة المادية الغربية، وأشعروهم بالضّحالة الفكرية للمسلين في مقاومة نظريات الكافرين والعلمانيين، فأولئك هم المسؤولون عن هزائم المسلمين في حروبهم الخاسرة؛ لأنّ فيهم (قابلية الاستعمار) بتعبير مالك بن نبي، وروح الهزيمة والصّغار، فهم عوامل النكسة العربية، ومعاول الهدم في صرح الحضارة الإسلامية؛ لأنهم يعيشون اغتراباً عن الأمة، وانحيازاً إلى أعداء الملة فهم بتعبير بعض المؤلِّفين بمثابة (جُزُر في أوطانهم)، وما ظنّك بعامة العلمانيين؟ إذا كان عميد الأدب العربي [كما سمّاه المستغربون، وإلاّ ففي أترابه من هو خيرٌ منه فكراً وأسلوباً، منهم أديب الإسلام مصطفى صادق الرافعي - رحمه الله - والأمر كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : (إن بين يدي الساعة سنين خدّاعة، يُتّهم فيها الأمين، ويُؤتمن الخائن، ويُصدّق فيها الكاذب، ويُكذّب فيها الصادق ) رواه الطبراني، والحاكم في الكُنى، وابن عساكر، كما في كنز العمّال: 38511.] طه حسين - رمز الثقافة المنبتّة عن الأمة - ينادي بأعلى صوته: "لو أننا هممنا الآن أن نعود أدراجنا، وأن نحيي النظم العتيقة لما وجدنا إلى ذلك سبيلاً، ولوجدنا أمامنا عِقاباً لا تُجاز ولا تذلّل، عقاباً نُقيمها نحن، وعِقاباً تُقيمها أوروبا؛ لأننا عاهدناها أن نسايرها ونجاريها في طريق الحضارة)![مستقبل الثقافة في مصر الجزء الأول: 36-37] فقد حاز سبع هزائم:
الأولى: أنه لا يقدر أن يحيي نُظُم الإسلام ((ومن يُهِنِ الله فما له من مكرم))!![سورة الحج: 18].
الثانية: أنه يراها عتيقةً ما عادت صالحة للذين يُبدّلون ويغيّرون ويلبسون لكل مناسبة لَبوساً!!
الثالثة: أنه لا يقدر أن يَهِمَّ بذلك مجرّد الهمِّ، وكفى بذلك همّاً وغمّاً!!
الرابعة: أنه يعترف بتبعيّته، ولا يستنكف من عبوديته للغرب!!
الخامسة: أنه يَرعى عهده مع أوربا ولا يراعي عهده مع الله في إحياء النظم العتيقة!!
السادسة: أنه يخشى أوربا؛ لأنها وضعت أمامه عِقاباً لا تُجاز ولا تُذلّل!!
السابعة: - وهي عار الدهر! - أنه ذلّل نفسه لخدمة أوربا، وأذلّها لعز الكافرين! وذلك ظاهر في قوله "عِقاباً نُقيمها نحن" فاستعماره عميق في داخله، واستلابه عتيق يملأ عليه أرجاء فؤاده!
فالحقيقة ـ التي لا يُمارِي فيها عاقلٌ منصف ـ أنّ الذين ضيّعوا الحضارة الإسلامية وعطّلوا نهضة الأمة هم العلمانيّون الذين أحسن وصفهم العلامة أحمد شاكر، فالواحد منهم قد " استولى المبشرون على عقله وقلبه، فلا يرى إلا بأعينهم، ولا يسمع إلا بآذانهم، ولا يهتدي إلا بهديهم، ولا ينظر إلا على ضوء نارهم يحسبها نوراً، ثم هو قد سمّاه أبواه باسم إسلامي، وقد عُدّ من المسلمين - أو عليهم - في دفاتر المواليد، وفي سجلات الإحصاء، فيأبى إلا أن يدافع عن هذا الإسلام الذي أُلبِسَه جنسيةً، ولم يعتقده ديناً، فتراه يتأوّل القرآنَ ليُخضعه لما تعلّم من أُستاذيه، ولا يرضى من الأحاديث حديثاً يخالف آراءهم وقواعدهم، يخشى أن تكون حجتهم على الإسلام قائمة!!"[حراسة الفضيلة للشيخ بكر أبو زيد: 160]، وما أصدق ما وصفهم به الأديب الكبير كامل كيلاني بـ (المجدِّدينات)، مبيّناً أنّ هذا (جمع مخنث سالم!)[المرجع السابق]، وصدق الله العظيم القائل:((ولا تكونوا من المشركين * من الذين فرّقوا دينهم وكانوا شيعاً كل حزب بما لديهم فرحون))[سورة الروم: 31-32].
فوالله ما ضيّع فلسطينَ - بعد أن فتحها عمر - رضي الله عنه - وحرّرها صلاح الدين - إلا هؤلاء العلمانيون، وما أسَرَ اليهود فلسطين الغراء من أيدينا إلا بسبب ضعف الولاء والبراء في قلوبنا - نسأل الله أن يردّنا إلى رشدنا -.
ثانياً: مكانة الولاء والبراء في القرآن الكريم:
إنّ دارس الكتاب العزيز يرى أنّ الآيات الشريفة المتعلّقة بهذا الموضوع كثيرة جداً، بحيث يتبيّن لكل عاقل عظمة هذه القاعدة في دين الله، فليس الولاء والبراء قضيةً فرعية، أو من باب الآداب أو فضائل الأعمال، أو المسائل الخلافية التي يعذر فيها بعضنا بعضاً، ولكنه ركنٌ من أركان العقيدة، وأساسٌ من أُسُس الإيمان، وقاعدةٌ من قواعد الإسلام، من تركها فقد ترك الدين، ومن أخذ بها فقد هُدي إلى صراطٍ مستقيم.(66/450)
[1] فقد فرض الله على المسلمين أن يتولى بعضهم بعضاً، وأن ينصر بعضهم بعضاً ((إنما المؤمنون إخوة)) [سورة الحجرات: 10]، ((إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون * ومن يتولّ الله ورسوله والذين آمنوا فإنّ حزب الله هم الغالبون)) [سورة المائدة: 55]، قال الحافظ ابن كثير: "هذه الآيات كلها نزلت في عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - حين تبرأ من حلف اليهود، ورضي بولاية الله ورسوله والمؤمنين؛ ولهذا قال - تعالى -:((كتب الله لأغلبنّ أنا ورسلي إنّ الله قوي عزيز * لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادّون من حادّ الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيّدهم بروح منه ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضي الله عنهم ورضوا عنه أولئك حزب الله ألا إنّ حزب الله هم المفلحون))[سورة المجادلة: 21-22]، فكل من رضي بولاية الله ورسوله والمؤمنين فهو مفلحٌ في الدنيا والآخرة، ومنصورٌ في الدنيا والآخرة؛ ولهذا قال - تعالى - في الآية الكريمة: ((ومن يتولّ الله ورسوله والذين آمنوا فإنّ حزب الله هم الغالبون))"[تفسير القرآن العظيم: 2/105].
وقال - سبحانه وتعالى -: ((إنّ الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك بعضهم أولياء بعض))[سورة الأنفال: 72]، قال ابن كثير - رحمه الله -:"أي كل منهم أحقُّ بالآخر من كل أحد؛ ولهذا آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار، كلُّ اثنين أخَوَانِ"[تفسير القرآن العظيم: 2/433].
[2] حسم القرآن مسألة انتساب اليهود والنصارى إلى موسى وعيسى - عليهما السلام -؛ لئلا يغترَّ المسلمون بكون أولئك من (أهل الكتاب)؛ فبيّن - عز وجل - كفر اليهود والنصارى وتحريفهم الكتب السماوية، وبراءة أنبياء الله منهم ((لقد كفر الذين قالوا إنّ الله ثالث ثلاثة))[سورة المائدة: 73]، ((وقالت اليهود عزيرٌ ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله ذلك قولهم بأفواههم يضاهئون قول الذين كفروا من قبل قاتلهم الله أنّى يؤفكون))[سورة التوبة: 31]، وأظهر الله - تعالى - كذبهم في دعوى النسبة الإبراهيمية، فقال جل جلاله: ((ما كان إبراهيم يهودياً ولا نصرانياً ولكن كان حنيفاً مسلماً وما كان من المشركين))[سورة آل عمران: 67]، ((وقالوا كونوا هوداً أو نصارى تهتدوا قل بل ملة إبراهيم حنيفاً وما كان من المشركين))[سورة البقرة: 135]، كما صرَّح - عز وجل - بأن الإسلام ناسخٌ لما قبله من الأديان؛ فلا يقبل الله ديناً سواه ((إنّ الدين عند الله الإسلام))[سورة آل عمران: 19]، ((ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين))[سورة آل عمران: 85]، وهذا - لعمري - ركنٌ عظيم من قاعدة الولاء والبراء؛ لأنه تحريرٌ للمفاهيم الشرعية من تلبيس العلمانيين، ودفعٌ لشبهات المنافقين الذين يريدون نقض عُرى الإسلام، وإرضاءَ الكافرين بالدعوة إلى الإبراهيمية ووحدة الأديان ((إنّ أولى الناس بإبراهيم لَلَّذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين))[آل عمران: 68].
[3] نهى القرآن عن اتخاذ الكافرين أولياء؛ لأنهم أعداء الله ورسوله والمؤمنين، فقال - عز وجل -: ((لا يتخذِ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء))[سورة آل عمران: 28]، قال ابن جرير:"قد برئ من الله وبرئ الله منه؛ لارتداده عن دينه ودخوله في الكفر"، وقال ابن كثير:"نهى - تبارك وتعالى- عباده المؤمنين أن يوالوا الكافرين، وأن يتّخذوهم أولياء يُسِرّون إليهم بالمودة من دون المؤمنين، ثم توعّد على ذلك فقال - تعالى -: ((ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيءٍ)) أي: ومن يرتكب نهي الله في هذا فقد برئ من الله كما قال - تعالى-: ((يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوّي وعدوّكم أولياء تُلقون إليهم بالمودة)) إلى أن قال: ((ومن يفعله منكم فقد ضلَّ سواء السبيل))[سورة الممتحنة: 1] وقال - تعالى -: ((يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين أتريدون أن تجعلوا لله عليكم سلطاناً مبيناً))"[تفسير القرآن العظيم: 1/466]، وليت شعري ما عذر المسلمين عند الله في موالاة الكافرين الذين وصفهم رب العالمين بأنهم: ((لا يرقُبون في مؤمنٍ إلاًّ ولا ذمّةً وأولئك هم المعتدون))؟![سورة التوبة: 10].(66/451)
[4] حَكَم الله - جل جلاله - بالكفر على من والى الكافرين وظاهرهم على المسلمين، فقال - تبارك وتعالى-: ((يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إنّ الله لا يهدي القوم الظالمين))[سورة المائدة: 51]، قال ابن جرير:"ومن تولاّهم ونصرهم على المؤمنين فهو من أهل دينهم وملّتهم؛ فإنه لا يتولى متولٍ أحداً إلا وهو به - وبدينه وما هو عليه - راضٍ، وإذا رضيه ورضيَ دينه فقد عادى ما خالفه وسَخَطَه وصار حكمُه حكمَه"، قال - عز وجل -: ((ترى كثيراً منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدمت لهم أنفسهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون * ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أُنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ولكنّ كثيراً منهم فاسقون))[سورة المائدة: 80-81]، وقال - تبارك وتعالى -: ((بشّر المنافقين بأنّ لهم عذاباً أليماً * الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين أيبتغون عندهم العزة فإنّ العزة لله جميعاً ))[سورة النساء: 138-139]، وقال - عز وجل -: ((يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقاً من أهل الكتاب يرُدّوكم بعد إيمانكم كافرين))[سورة آل عمران: 100]، وهذا من صميم الولاء والبراء يشهد لذلك قوله - تعالى -: ((يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا الذين كفروا يردّوكم على أعقابكم فتنقلبوا خاسرين * بل الله مولاكم وهو خير الناصرين))[سورة آل عمران: 149-150].
[5] أبان الله - تعالى - مقدار العداوة التي يُكنّها الكفّار للمسلمين، والتي لا يمكن أن تخالطها محبّة؛ لأنها عداوة في الدين، كما قال الشاعر:
كلُّ العداوات قد تُرجى مودتها*** إلا عداوةَ من عاداك في الدينِ
وأوضح - تبارك وتعالى - لعباده المسلمين أنّ الكفار لن يرضوا عنهم حتى يفارقوا دينهم الحق، ويكونوا أتباعاً للدين الباطل فقال - سبحانه -: ((ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتّبع ملتهم))[سورة البقرة: 120]، وقال - عزّ وجلّ -: ((ودّوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواءً))[سورة النساء: 89]، وقال جلّ جلاله: ((ودّ كثير من أهل الكتاب لو يرُدّونكم من بعد إيمانكم كفّاراً حسداً من عند أنفسهم من بعد ما تبيَّن لهم الحقّ))[سورة البقرة: 109]، ومن ثَمّ جاءت الآيات تفضح الذين يُلقون إليهم بالمودة، والذين يسارعون فيهم، والذين يخشونهم، والذين يبتغون عندهم العزّة؛ لتنزع هذه الآيات من قلوب المسلمين تلكم العواطف الكاذبة، والصداقات الباطلة ((يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانةً من دونكم لا يألونكم خبالاً ودّوا ما عنتُّم قد بدت البغضاء من أفواههم وما تُخفي صدورهم أكبر قد بيّنا لكم الآيات إن كنتم تعقلون * ها أنتم أولاء تحبونهم ولا يحبونكم وتؤمنون بالكتاب كلِّه وإذا لقوكم قالوا آمنّا وإذا خلوا عضّوا عليكم الأنامل من الغيظ قل موتوا بغيظكم إنّ الله عليم بذات الصدور))[سورة آل عمران: 118- 119].
فيتبين مما سبق أنّ هذا الأمر عظيمٌ وجليل، أمر إيمانٍ وكفر، كما قال ابن كثير في تفسير قول الله - تعالى-: ((إلاّ تفعلوه تكن فتنةٌ في الأرض وفسادٌ كبير))[سورة الأنفال: 73]، "أي: إن لم تجانبوا المشركين وتوالوا المؤمنين، وإلاّ وقعت فتنةٌ في الناس وهو التباس الأمر واختلاط المؤمنين بالكافرين؛ فيقع بين الناس فسادٌ منتشرٌ عريضٌ طويل"[تفسير القرآن العظيم: 2/435].
فينبغي على المسلم أن يحتاط لدينه، وأن يراجع أمره، وأن يُخلص الولاء للمسلمين والبراء من المشركين، وصدق الله العظيم: ((قد كانت لكم أسوةٌ حسنةٌ في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنّا برآء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبداً حتى تؤمنوا بالله وحده))[سورة الممتحنة].
ثالثاً: مكانة الولاء والبراء في السنة النبوية:
لقد جاءت نصوص السنة واضحةً جليَّةً في عقيدة الولاء والبراء، ويمكن بيان الهدْي النبويِّ في المعالم التالية:
[1] حدّد النبي صلى الله عليه وسلم الأُخوّة في الدّين رابطاً بين المسلمين كما جاء في صحيح مسلم: (المسلم أخو المسلم)، وجاء في الصحيحين: (كونوا عباد الله إخواناً).
[2] رتّب النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك وجوب المحبّة والنصرة والتأييد بحيث (لا يُسلمه ولا يظلمه) (ولا يخذله) كما في حديث الصحيحين، وجاء في أحمد والترمذي: (والذي نفسي بيده لا تؤمنوا حتّى تحابّوا)، وفي الصحيحين: (لا يؤمن أحدكم حتى يحبُّ لأخيه ما يحبُّ لنفسه)، وورد في أبي داود: (المسلمون تتكافأ دماؤهم، ويسعى بذمّتهم أدناهم، ويُجير عليهم أقصاهم، وهم يدٌ على مَن سواهم)، و(المؤمن أخو المؤمن يكفّ عنه ضيعته، ويحوطه من ورائه)، وفي مسلم: (المسلمون كرجل واحد إذا اشتكى رأسه اشتكى كلّه، وإذا اشتكى عينه اشتكى كلّه)، وفي الصحيحين:(المؤمن للمؤمن كالبنيان يشدُّ بعضه بعضاً)، قال الحافظ ابن رجب: "إنّ الأخ من شأنه أن يوصل لأخيه النفع، ويكفّ عنه الضر، ومن أعظم الضرر الذي يجب كفّه عن الأخ المسلم: الظلم"[جامع العلوم والحكم: 441]، وقال يحيى بن معاذ الرازي: "ليكن حظّ المؤمن منك ثلاثة:(66/452)
إن لم تنفعه فلا تضرّه، وإن لم تُفرحه فلا تَغُمّه، وإن لم تمدحه فلا تذمّه"[المرجع السابق: 446].
[3] قرّر النبي صلى الله عليه وسلم أن الولاء والبراء من العقائد التي لا يصح إسلام العبد إلا بها، ومن أعظم الشواهد على صدق الإيمان كما قال صلى الله عليه وسلم : (أوثق عُرى الإيمان: الموالاة في الله، والمعاداة في الله، والحب في الله، والبغض في الله)[رواه أحمد].
وكفى بذلك دليلاً على خطورة هذا الأمر وضرورة أن يعالج المسلم ما يعتريه في ذلك من خللٍ، ويهتدي بهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ((لقد كان لكم في رسول الله أسوةٌ حسنةٌ لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً))[سورة الأحزاب: 21].
رابعاً: مظاهر الولاء للكفار في زماننا:[أفاد ذلك الشيخ: عبد الحي يوسف في دروس تفسير آيات الأحكام في رمضان 1421هـ، وذلك بتصرف يسير].
[1] الرضا بكفر الكافرين، وعدم تكفيرهم [وقد أفتى علماء الإسلام في لجنة الفتوى والبحوث بجامعة القرآن الكريم بكفر من قال بإيمان اليهود والنصارى]، أو الشك في كفرهم، أو تصحيح أي مذهب من مذاهبهم الباطلة، أو السماح لهم بترويج كفرهم والدعوة إليه ونشره بين المسلمين، ويدخل في ذلك ما يسمّى بمؤتمرات حوار الأديان التي تهدف إلى إزالة الفوارق بين الإسلام والديانات المحرّفة، وتجاوز الخلاف العقدي بين المسلمين وغيرهم.
[2] التولِّي العام، واتخاذهم أعواناً وأنصاراً، ومداهنتهم على حساب الدين قال - تعالى -: ((ودّوا لو تُدهن فيُدهنون))[سورة القلم: 9]، ومن ذلك مشاركتهم في أعيادهم أو تهنئتهم بها، قال - تعالى -: ((والذين لا يشهدون الزور))[سورة الفرقان: 72] أي أعياد المشركين، ومنه أيضاً زيارة الكنائس والمعابد الشركيَّة التي يُسبُّ فيها الله - تعالى - ويُكفَر به.
[3] طاعتهم فيما يشيرون به وتوليتهم أمور المسلمين مع أنّ التولية شقيقة الولاية، لذلك كانت توليتهم المناصب نوعاً من توليهم، وقد حكم الله أنَّ من تولاهم فإنه منهم قال الإمام ابن حزم: "صحّ أنّ قول الله - تعالى -: ((ومن يتولّهم منكم فإنه منهم)) إنما هو على ظاهره فإنه كافرٌ من جملة الكفار، وهذا حقٌّ لا يختلف فيه اثنان من جملة المسلمين"، أخرج الإمام أحمد عن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - قال:"قلت لعمر - رضي الله عنه -: لي كاتب نصراني! قال: مالك قاتلك الله! أما سمعت قول الله - تعالى -: ((يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء))[سورة المائدة: 51]، ألا اتخذت حنيفاً - مسلماً -. قلت: يا أمير المؤمنين! لي كتابته وله دينه، قال: لا أُكرمهم إذ أهانهم الله، ولا أُعزّهم إذ أذلّهم الله، ولا أُدنيهم وقد أقصاهم الله"، وأقرب مثال على عاقبة ذلك ما حدث بنيجيريا ((فاعتبروا يا أولي الأبصار))[سورة الحشر: 2].
[4] تعظيمهم وإطلاق الألقاب عليهم، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يُقال للمنافق: يا سيّد [رواه أبو داود بإسناد صحيح، كما في رياض الصالحين بتخريج الألباني]، والكافر من باب أولى، ونهى أيضاً عن ابتداء الكافرين بالسلام، قال صلى الله عليه وسلم : (لا تبدؤوا اليهود ولا النصارى بالسلام)[رواه مسلم].
[5] التآمر معهم، وتنفيذ مخططاتهم، والدخول في أحلافهم وأحزابهم وتنظيماتهم، والتجسس من أجلهم، ونقل عورات المسلمين وأسرارهم إليهم، والقتال في صفهم.
خامساً: شواهد تاريخية على خطورة الغفلة عن الولاء والبراء:
لقد أقام الله الحجة على المسلمين بتنبيههم إلى ضرورة أخذ الاحتياط من الكفّار المعتدين، فقد أمر المسلمين أن لا يركنوا إلى الظالمين فإنهم لا أيْمان لهم ولا إيمان، ومنع مجالسة الخائضين في دين الله بالاستهزاء، وذلك دأْب الكافرين والمنافقين، وأبان - سبحانه - حقيقةً في منتهى الأهمية وغاية الخطورة وهي أن الكفر شرٌّ مستطير، وشأن الباطل الاعتداء كما قال رب العالمين: ((والكافرون هم الظالمون))[سورة البقرة: 254]، وشرع - تعالى - من الأحكام ما يذكّرهم بذلك كما في صلاة الخوف، وأوجب أخذ الحذر والاحتياط من مهاجمة الكفّار لهم ((هم العدوّ فاحذرهم))[سورة المنافقون: 4]، ((يا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم))[سورة النساء: 71]، ((ودّ الذين كفروا لو تغفلون عن أسلحتكم وأمتعتكم فيميلون عليكم ميلةً واحدة))[سورة النساء: 102].
وهذا كلّه يقوّي في نفس المسلمين البراء من المشركين، ويجعلهم مستعدّين لمقارعتهم في كلّ حين، أما الغفلة عن ذلك فمن أكبر المصائب، إذ تؤدي إلى أن تحلّ بأهل الإسلام أعظم النوائب.
ولنضرب على ذلك مثلين:
[1] الغفلة عن الخطر المغولي المهدد للأمة:(66/453)
فقد قصّر المسلمون في القرن السابع الهجري في الإعداد للجهاد في سبيل الله، والتأهُّب لحماية الأمّة من خطر التتار الدّاهم، لاسيما بعدما رأوْا جرائم المغول ضدّ كلّ الملل، حتى لُقِّب هولاكو بـ (مبيد الأمم)، ولكن كلّما ضَعُفت في المسلمين روح الولاء والبراء، وشغلتهم الدنيا، وفرّقتهم الأهواء؛ تسلّط عليهم الأعداء، وما شأن الأندلس ببعيد فقد ضيّعها ملوك الطوائف الغارقون في الشهوات حين غفلوا عن عداوة النصارى لهم؛ فما شعروا إلاّ بسنابك الخيل تدكُّ عروشهم، كما قال ابن رشيق:
مما يقبّح عندي ذكر أندلسٍ*** أسماء (مقتدرٍ) فيها و(معتضدِ)
أسماء مملكة في غير موضعها*** كالهِرّ يُبدى انتفاخاً صولة الأسدِ
وهكذا حدث في بغداد فقد حكى الذهبي هذه الهجمة بقوله: "قصد الطاغية هُولاكو بغداد بجيوشه، ودخل التتار بغداد واقتسموها، وبقي السيف يعمل أربعة وثلاثين يوماً، وقَلَّ من سَلِم، فبلغت القتلى ألفَ ألفٍ وثمانمائة ألف وزيادة، وإنّا لله وإنّا إليه راجعون"[دول الإسلام للذهبي: 2/159-160]، وقال أيضاً: "حتى اشتد الوباء بالشام - ولا سيما بدمشق وحلب - لفساد الهواء"[العبر في أخبار من عبر للذهبي: 3/171].
فهذه الغفلة عن عداوة الكفّار للمسلمين قد نكبت الأمّة بأعظم مصابٍ حلَّ بها حتى فُجع أفذاذ المؤرخين منذ مطلع القرن السابع، وشقَّ على بعضهم أن يصوّر ما أَلَمّ بأمّة الإسلام، فقد كتب ابن الأثير صفحاتٍ مبكيةً حكى فيها نكبة المسلمين ونكستهم في تلك الأيام، حتى تمنّى أن لم يكن حاضراً تلك النائبة العظيمة*، فقال رحمه الله: " لقد بقيتُ - عدّة سنين - مُعْرِضاً عن ذكر هذه الحادثة استعظاماً لها، كارهاً لذكرها، فأنا أقدّم رِجلاً وأؤخر أخرى، فمن الذي يسهل عليه أن يكتب نعي الإسلام والمسلمين؟ ومن الذي يهون عليه ذكر ذلك؟ فيا ليت أمّي لم تلدني! ويا ليتني مِتُّ قبل حدوثها وكنت نسياً منسياً!"[الكامل في التاريخ: 12/358].
[2] خيانة الشيعة الروافض للأمة الإسلامية، وتحالفهم مع التتار والصليبيين لحرب المسلمين:
وقد كان ذلك دلالةٌ بيّنةٌ على كفرهم وخلوِّ قلوبهم من ولاء المسلمين ومعاداة الكافرين، بل كانوا برآء من المسلمين أولياء للكافرين، وكذلك المسلمون - بحمد الله - برآء منهم، وما الذي يُرجى ممّن يكفّر الصحابة الكرام، ويُظهر العداوة لأهل السنّة؟ فقد استَعْدَوا المغول على المسلمين، واستَدْعَوْهم إلى حاضرة الإسلام ومدينة السلام بغداد؛ فما خرجوا منها حتى جعلوها خراباً، فقد خان الروافض أمة محمد صلى الله عليه وسلم بثمنٍ بخسٍ، وكانوا فيها من الزاهدين، قال الذهبي: "ثارت فتنةٌ مهولةٌ ببغداد بين أهل السنة والرافضة؛ أدّت إلى نهبٍ عظيمٍ وخراب، وقتل عِدة من الرافضة؛ فغضب لها وتنمّر ابن العلقمي الوزير، وجسّر التتار على العراق ليشتفي من السنة"، وبيّن أنّ هذا الوزير الرافضي: "قرّر مع هولاكو أموراً فانعكست عليه، وعضّ يده ندماً، فمات غبناً وغمّاً لا رحمه الله"[دول الإسلام: 2/159، والعبر: 3/277]، "فقد خدع السلطان وأوهمه بأنّ هولاكو سيصالحه "فأخرجه وأكابر الوقت؛ فضُربت رقاب الجميع"[المرجعان السابقان]، وذلك شأن الروافض دائماً فإنّ أصول اليهود حيّة فيهم، لا تنقضي عنهم صفات المكر والخديعة والكيد والخيانة للمسلمين، وعدم النظر في العواقب، فقد حكى ابن الأثير أنّ الإسماعيلية - وهم من غلاة الرافضة الباطنية - استدعوا المغول لقتال جلال الدين الخوارزمي، وكشفوا لهم عن نواحي ضعفه [الكامل في التاريخ: 9/283]، وجاء في [النجوم الزاهرة] لابن تغري بردي أنه لما قُتل جلال الدين الخوارزمي "دخل جماعة على الأشرف موسى" وكان حاكم أهل السنة فهنئوه بموته، فقال: تهنئوني به وتفرحون! سوف ترون غِبَّه! والله لتكوننّ هذه الكسرة سبباً لدخول التتار إلى بلاد الإسلام، ما كان الخوارزمي إلا مثل السُدِّ الذي بيننا وبين يأجوج ومأجوج" قال ابن تغري بردي: "فكان كما قال الأشرف"[النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة: 6/277].(66/454)
ورحم الله العلامة محمد كرد علي فقد قال في [خطط الشام]: "الغريب أن شيعة جبل عاملة كانوا من حزب الصليبيين على المسلمين إلاّ قليلاً، كما كان هوى الموارنة مع الصليبيين ويعملون عندهم أدلاّء وتراجمة"[خطط الشام: 2/14، نقلاً عن أيعيد التاريخ نفسه؟ لمحمد العبدة: 40]، قال الذهبي: "وضاع أمر الإسلام بدولة بني بويه وبني عبيد الرافضة، وتركوا الجهاد، وهاجت نصارى الروم وأخذوا المدائن"[سير أعلام النبلاء 16/232، نقلاً عن أيعيد التاريخ نفسه؟: 67]، وقد فضح هؤلاء الباطنية على أيدي علماء الإسلام من أمثال ثابت بن سنان في [تاريخ أخبار القرامطة]، وعلي بن نصر في: [الرد على الباطنية]، وقد خصّهم أبو شامة بكتاب سمّاه: [كشف ما كان عليه بنو عبيد من الكفر والكذب والمكر والكيد]، وقال الحافظ ابن كثير: "جلس أميرهم أبو طاهر - لعنه الله - على باب الكعبة وهو يقول: "أنا الله، أنا أخلق الخلق وأفنيهم"، قال ابن كثير: "ولم يعجّل الله - سبحانه وتعالى - بعقوبةٍ على هؤلاء الملحدين كما عجّلها على أصحاب الفيل وهم نصارى، وهؤلاء شرٌّ من اليهود والنصارى والمجوس"[البداية والنهاية: 11/160].
ومن اطلع على تاريخ الحروب الصليبية - لا سيما [كتاب الروضتين في أخبار الدولتين النورية والصلاحية] - عرف دور الروافض والباطنية في حرب الإسلام؛ ولذلك عقد الحافظ أبو شامة فصولاً عدةً في بيان كيدهم ومكرهم وعداوتهم للمسلمين، فهم الذين حاولوا قتل صلاح الدين مرتين [مختصر كتاب الروضتين: 188-191]، وكشف - رحمه الله - كذبهم وزورهم فقال: "كثرت الرافضة واستحكم أمرهم، وأفسدت عقائد طوائف من أهل الجبال الساكنين بثغور الشام كالنصيرية والدرزية والحشيشية - نوع منهم - وتمكن دعاتهم منهم لضعف عقولهم وجهلهم ما لم يتمكنوا من غيرهم، وأخذت الفرنج أكثر البلاد بالشام والجزيرة إلى أن منّ الله على المسلمين بظهور البيت الأتابكي، وتقديمه مثل صلاح الدين، فاستردوا البلاد وأزالوا هذه الدولة عن رقاب العباد، يدّعون الشرف ونسبتُهم إلى مجوسي أو يهودي حتى اشتهر لهم ذلك بين العوام فصاروا يقولون الدولة الفاطمية، والدولة العلوية، وإنما هي الدولة المجوسية، أو اليهودية الباطنية الملحدة"[مختصر كتاب الروضتين: 157].
ولك أن تقارن موقف المخلصين من أهل السنة بمواقف الرافضة الباطنية فقد حكى أبو شامة عن زنكي - والد نور الدين - أنه استعان بالسلطان محمد السلجوقي لمّا هاجم النصارى مدينة حلب فقيل له في ذلك فقال: "إن هذا العدو قد طمع فيّ، وإن أخذ حلب لم يبق بالشام إسلام، وعلى كل حالٍ فالمسلمون أولى بها من الكفار"[كتاب الروضتين: 1/35، نقلاً عن أيعيد التاريخ نفسه: 104. فأين هذا الموقف المشرف من المواقف المخزية التي صدرت عن الدول المنتسبة إلى الإسلام في هذه الحملة الصليبية الجديدة على العالم الإسلامي بدءاً بأفغانستان، حفاظاً على عروشهم وخيانةً لأمة الإسلام]، وأمّا شاور الذي كان حاكماً على مصر في دولة الرافضة فقد استنجد بالنصارى حتى لا يجعل لنور الدين على مصر سبيلاً! [وما أشبه الليلة بالبارحة! فها هي دولة الرافضة تعلن عداوتها ومنابذتها لإمارة أفغانستان الإسلامية، وتدعم بالمال والسلاح والرجال الأحزاب الشيعية المتحالفة مع الجيوش الصليبية، وتفتح أجواءها لهم بعد أن ظلت زمناً طويلاً تخدع عوام المسلمين بشعارات: الموت لأمريكا، الشيطان الأكبر ((ليميز الله الخبيث من الطيب ويجعل الخبيث بعضه على بعضٍ فيركمه جميعاً فيجعله في جهنم أولئك هم الخاسرون))].
وخلاصة القول في أمر النكبات ـ التي تصيب الأمة عند غفلتها عن الولاء والبراء - أنّ ذلك مرتبط بما يسبقه من الإعداد لجهاد الأعداء، وهو راجع بدوره إلى قلة الفقه بالولاء والبراء ((إنّ الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم))، ورحم الله أبا الوفاء بن عقيل حيث قال: "إذا أردتَ أن تعلم محل الإسلام من أهل الزمان، فلا تنظر إلى زحامهم في أبواب الجوامع، ولا ضجيجهم في الموقف بلبيك! وإنما انظر إلى مواطأتهم أعداء الشريعة" [الآداب الشرعية لابن مفلح: 1/255].
سادساً: بين الأمس واليوم:
ها هم كفار اليوم يجلبون على هذه الأمة التي كتب الله لها الغلبة والسعادة والفوز في الدّارين؛ يريدون أن يردّوها عن دينها، ويحاربوا طليعتها المجاهدة؛ لأنها قائمة على الحق ممسكة بـ (ذروة سنام الإسلام)، يحبون أن يحولوا بين رايتهم الظافرة وبين الأمة التي أقضَّت مضجعها المعارك الخاسرة، وطال عهدها بأيام العزة والحماسة حين كانت تترنّم بأناشيد الجهاد، وكان شعارها:
أقسمت يا نفسي لتنزلنه*** لتنزلنه أو لتكرهنه
ما لي أراك تكرهين الجنة*** إن أجلب الناس وشدّوا الرنّة(66/455)
فعدوّ اليوم هو عدوّ الأمس، ونفاق اليوم هو نفاق الأمس يتمثّل في تلك القلوب المريضة ((فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم))[سورة المائدة: 52]، وتلك العزائم الخائرة ((فإذا جاء الخوف رأيتهم ينظرون إليك تدور أعينهم كالذي يُغشى عليه من الموت فإذا ذهب الخوف سلقوكم بألسنة حِدادٍ أشحةً على الخير أولئك لم يؤمنوا فأحبط الله أعمالهم))[سورة الأحزاب: 19]، وتلك النفوس الحائرة المترددة ((مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء))[سورة النساء: 143]، ((الذين يتربصون بكم فإن كان لكم فتح من الله قالوا ألم نكن معكم وإن كان للكافرين نصيب قالوا ألم نسْتحوذْ عليكم ونمنعكم من المؤمنين))[سورة النساء: 141].
والروافض هم الروافض في التآمر والتخاذل والتحالف مع الكافرين! والمجاهدون هم المجاهدون (لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم)، فالحزم هو الحزم ((الذين قال لهم الناس إنّ الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل))[سورة آل عمران: 173]، والعزم هو العزم ((ولما رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله وما زادهم إلا إيماناً وتسليماً))[سورة الأحزاب: 22].
نسأل الله - تعالى - أن يقوّي فينا عقيدة الولاء والبراء؛ فننحاز إلى صفوف المجاهدين الصالحين استجابة لأمر الله - تعالى -: ((يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين))[سورة التوبة: 119]، ونبرأ من الكافرين، ونحيي في نفوسنا معاني العزة بالله والجهاد في سبيله كما قال مَن قبلنا:
إذا الفتى لم يركب الأهوالا
فأعطه المِرآة والمِكْحالا!
واسْعَ له! وعُدَّه عِيالا!
فإنه لا إيمان ولا عزة ولا جهاد إلا بالولاء والبراء؛ فحينما تحقق الأمة ذلك تنشد بين الورى:
السيف أصدق أنباء من الكتبِ*** في حَدِّه الحَدُّ بين الجِدِّ واللعبِ
فبين أيامك اللائي نُصرت بها*** وبين أيام بدرٍ أقربُ النّسبِ
أبقت بني الأصفر الِممْراضِ كاسِمِهِمِ*** صُفرَ الوجوه وجلَّت أوجه العربِ
_________________
* ولم يكن حاضراً فيها ولم يعاصرها ( المختار الإسلامي).
http://www.meshkat.net المصدر:
================(66/456)
(66/457)
حاكم المطيري: مشكلتناهي قابلية الاحتلال
حوار: د. ساجد العبدلي 26/4/1424
26/06/2003
وقعت الكويت بمفردها في أزمة خانقة أثناء الغزو الأمريكي على العراق، من خلال موقفها الواضح للإعلام الأمريكي علاوة على السياسة الأمريكية في معالجة الأزمة العراقية، إلا أن أصواتاً لا تُسمع داخل الكويت كانت ترفض هذا الاحتلال ومنها الحركة السلفية في الكويت، الذي كان لنا هذا اللقاء مع أمينها العام الدكتور حاكم المطيري، الذي يخص موقع (الإسلام اليوم) بهذا الحوار الشامل حول العراق والغزو الأمريكي، وانعكاسات ذلك على السياسة الأمريكية وإعادة النظر في أوضاع منطقة الخليج، ومن ثم حديثه عن التجربة الديمقراطية للحركة الإسلامية في الكويت..
- المشكلة الأكثر تعقيدا هي قابلية شعوب المنطقة وحكوماتها للاحتلال واستعدادها النفسي والذهني للخضوع له بدعوى تحقيق الأمن على حساب استقلال دول المنطقة وسيادتها.
- كل ما حدث بعد الحادي عشر من سبتمبر كان يجب أن يحدث حتى لو لم يقع حادث نيويورك فالحرب على أفغانستان تم التخطيط والإعداد لها قبل ذلك بمدة طويلة.
الآن وبعد أن هدأت ضوضاء الحرب على العراق، كيف تقيمون النتائج المترتبة على الاحتلال الأمريكي للعراق وسقوط نظام صدام حسين؟
لعل أشد نتائج هذه الحرب خطورة سقوط منطقة الخليج العربي كلها سياسياً وعسكرياً، ووقوعها تحت الاحتلال العسكري الأمريكي المباشر بعد أن كانت منذ سنة 1990 تحت سيطرته غير المباشرة، ولاشك بأن أبرز مظاهر هذا الاحتلال هي القواعد العسكرية للجيش الأمريكي في كل دول المنطقة، واعتراف الحكومات نفسها بعدم قدرتها على منع أمريكا من استخدام هذه القواعد في الهجوم على أي بلد؛ ليصبح الخليج العربي قاعدة انطلاق الحملة الصليبية الجديدة على العالم العربي والإسلامي كما في حرب أفغانستان وحرب العراق. وعلى كل حال نجاح المشروع الاحتلالي الأمريكي للمنطقة مرتبط بقدرة أمريكا على السيطرة على العراق، وهو ما نشك فيه، فالشعب العراقي لن يمرر هذا المشروع، ولن يرضخ للاحتلال، ولديه من الحس الإسلامي والقومي والوطني ما يحول دون ذلك، فأمريكا تريد ملء الفراغ السياسي والعسكري الذي حدث بعد انحسار النفوذ الاحتلالي البريطاني عن المنطقة وزواله نهائياً سنة1970 .
ذلك الاحتلال الذي بدأ سيطرته بمصر وفتحها سلماً بمعاهدة الحماية في أواخر القرن التاسع عشر، ثم سيطر بعدها على الخليج العربي سلماً من خلال المعاهدات مع إمارات المنطقة في أوائل القرن العشرين، ثم استطاع بعد ذلك الوصول إلى القلب وهو (العراق) والسيطرة عليه عن طريق الاحتلال العسكري سنة 1916، وقد دخل الاحتلال البريطاني العراق من جهة الخليج العربي عن طريق البصرة!، وأمريكا اليوم تسير وفق ذلك المخطط؛ فقد نجحت في تحييد مصر وإخضاعها سلماً بمعاهدة (كامب ديفيد) سنة 1977 ثم نجحت في إخضاع الخليج العربي والسيطرة عليه سلماً بالاتفاقيات الأمنية سنة 1990، لتتمكن بعد ذلك من الوصول إلى العراق واحتلاله بالقوة العسكرية سنة 2003، وهي تقريبا نفس المدة التي احتاجها الاحتلال البريطاني ليكمل سيطرته على المنطقة، ابتداءً من مصر ومروراً بالخليج العربي والجزيرة وانتهاء بالعراق!.
مواقف الحركة
للحركة السلفية بالكويت مواقف واضحة وجريئة من حرب الولايات المتحدة على العراق، هل كنتم تسبحون عكس التيار، أم أنكم كنتم تمثلون رأي الأغلبية الصامتة؟ أم غير ذلك؟(66/458)
نحن في الحركة السلفية رفضنا الحرب على العراق قبل حدوثها بنحو ستة أشهر منذ الإعلان عن نوايا أمريكا بهذا الخصوص، وقد طلبت السفارة البريطانية ثم الأمريكية ثم الأسبانية عقد لقاء معناً لمناقشة موقف الحركة السلفية الرافض للحرب، وقد أخبرنا وفود هذه السفارات بأسباب موقفنا، وأننا نؤمن بأنها حرب صليبية استعمارية جديدة على العالَمين العربي والإسلامي، تنفيذاً للمخطط المسيحي الصهيوني كما جاء في كتب الرئيس الأمريكي الأسبق (ريتشار نكسون) "الفرصة السانحة" و"ما بعد السلام" وكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي (شمعون بيريز) "الشرق الأوسط" الجديد" و"معركة السلام" وقد قلنا لهم: إننا ضد أي نظام استبدادي في المنطقة، ومع حق الشعوب في تغيير مثل هذه الأنظمة الاستبدادية، إلا أننا في نفس الوقت أشد رفضاً لعودة الاحتلال تحت ذريعة تحرير الشعوب من حكوماتها، ولا يمكن مقارنة خطورة الاستبداد الذي يصادر حرية الأفراد بالاحتلال الذي يصادر حرية الأوطان والشعوب واستقلالها وسيادتها. وعلى كل حال لم نتخذ موقفنا هذا بناء على توجه الشارع الشعبي الكويتي؛ بل بناء على الحكم الشرعي الذي يحرم تحريماً قاطعاً إعانة غير المسلمين في عدوانهم على أي بلد إسلامي، بقطع النظر عن طبيعة حكومته، إذ العدوان والضرر والفساد لا يقتصر على النظام القائم؛ بل يعم الشعب والأرض، بل ويتعدى إلى جميع دول المنطقة التي باتت اليوم تحت سيطرة الاحتلال الجديد بشكل مباشر، وهو ما كنا نتوقعه ونحذر منه، ولم يتحقق ما ظنه العلقميون الجدد الذين بشروا بقيام الديمقراطية والحرية في المنطقة، إذ أصبح العراق اليوم تحت الاحتلال الأمريكي البريطاني بشكل رسمي، وبقرار أممي صادر من مجلس الأمن، وأسقط في أيدي المعارضة العراقية التي باعت سيادة العراق واستقلاله مقابل حصولها على السلطة تحت ظل الاحتلال الأجنبي ليستبدلوا الاستعمار بالاستبداد!.
من الواضح أن إسرائيل كانت تخطط للعراق منذ عقود من السنوات، وربما بشيء من الألم نستطيع القول بأنها استطاعت أن تنجح - ولو بشكل مؤقت - عن طريق حليفتها أمريكا في كسب المعركة، ما سرّ نجاح إسرائيل في ذلك؟
المخطط كما ذكرت آنفا مخطط مسيحي صهيوني له أهداف كبرى تخدم بالدرجة الأولى المصالح الأمريكية، أما اليهود فهم أعجز من أن يقوموا بأمر عظيم وحدهم كما وصفهم القرآن (ضربت عليهم الذلة أينما ثقفوا إلا بحبل من الله وحبل من الناس)، وإنما هم يُجيدون فن إشعال الحروب، وإثارة الفتن، كما قال تعالى: (كلما أوقدوا ناراً للحرب أطفأها الله ويسعون في الأرض فسادا)، فالحرب قامت بها أمريكا بمساعدة من إسرائيل ودول عربية كثيرة.
الأولوية تجاه العراق
ما هي بنظركم أولويات الحكومات والشعوب الإسلامية والعربية تجاه الشعب العراقي في هذه المرحلة؟
المشكلة ليست خاصة بالشعب العراقي؛ بل منطقة الخليج العربي كلها أصبحت اليوم تحت الاحتلال الأجنبي، والفرق هو أن العراق تم السيطرة عليه حرباً، ويعيش العراقيون تداعيات هذه الحرب، أما باقي دول المنطقة فتم إخضاعها سلماً، فالواجب على الجميع -الحكومات والشعوب- العمل جميعاً للخروج من هذه الكارثة، غير أن المشكلة الأكثر تعقيداً هي: قابلية شعوب المنطقة وحكوماتها للاحتلال واستعدادها النفسي والذهني للخضوع له بدعوى تحقيق الأمن على حساب استقلال دول المنطقة وسيادتها.
وعلى كلٍ يجب مقاومة الاحتلال في العراق؛ بدعم الشعب العراقي في حربه ضد العدوان ليستعيد حريته واستقلاله وسيادته، كما يجب على شعوب الخليج الأخرى مقاومة الاحتلال الجديد بالضغط السياسي على حكوماتها لتتحمل مسؤوليتها في حل هذه المشكلة التي ما كانت لتحدث لولا تفريط هذه الحكومات في واجبها نحو حماية أمن شعوبها، دون توكيل القوى الدولية بهذه المهمة ليعود الاحتلال من جديد، وقد أوضحت في مقال "عودة الاحتلال وكيفية مواجهة الحملة الصليبية الجديدة" المنشور في (بوابة العرب) أسباب قابلية شعوب المنطقة للاحتلال وطرق مواجهته بشكل مفصل، فيمكن الرجوع إليه لمن أراد.
التجربة الديمقراطية
كيف تقرؤون تجربة الديمقراطية في العالم الإسلامي من خلال التجربة الكويتية؟(66/459)
لا يوجد ديمقراطية في الكويت، إذ الديمقراطية بمعناها الاصطلاحي ومفهومها التاريخي تعني حكم الشعب للشعب، وبمفهومها الحديث تطلق على الأنظمة السياسية التي تقوم على التعددية السياسية والتداول السلمي للسلطة وسيادة القانون واستقلال القضاء واحترام حقوق الإنسان، فالأساس الأول والركن الأصيل في النظم الديمقراطية وهو حكم الشعب للشعب غير موجود في التجربة الكويتية، بل ولا الأركان الأخرى التي تميز النظم الديمقراطية عن غيرها من النظم السياسية، وإنما هناك في التجربة البرلمانية الكويتية مشاركة شعبية في اختيار السلطة التشريعية فقط دون المشاركة في اختيار الحكومة نفسها، وهناك هامش من الحرية الصحفية، ولا يخفى أن ما تضمنه الدستور الكويتي من حقوق وحريات أقل مما كفلته الشريعة الإسلامية التي يقوم النظام السياسي فيها على مبدأ حق الأمة في اختيار السلطة كما قال تعالى: (وأمرهم شورى بينهم)، وقد قال عمر -رضي الله عنه-:"الإمارة شورى بين المسلمين" وقال كما في صحيح البخاري :"إني قائم فمحذر الناس هؤلاء الذين يريدون أن يغصبوهم أمرهم، من بايع رجلاً دون شورى المسلمين؛ فلا يتابع هو ولا الذي بايعه" وفي رواية صحيحة "فلا يحل لكم إلا أن تقتلوه"، وقال علي -رضي الله عنه- "أيها الناس إنما الأمير من أمرتموه والخليفة من اخترتموه"، وقد أجمع الصحابة -رضي الله عنهم- على هذا الأصل العظيم، وعلى هذا الحق المشروع للأمة بالنص القرآني الذي تم سلبه منذ قرون.
فأسس الديمقراطية كنظام سياسي تتفق مع مبادئ النظام السياسي الإسلامي، غير أن العالم الإسلامي اليوم يعاني من مشكلة الاستبداد السياسي، وأخطر أنواعه الذي يتم تحت شعار الديمقراطية، وهو ما تريد أمريكا تسويقه في العالم الإسلامي، كديمقراطية المؤسسات العسكرية الخاضعة للهيمنة الغربية كما في الجزائر وتونس وتركيا وباكستان.
ما هو المشروع الذي تطرحه الحركة السلفية في انتخاباتها البرلمانية؟
الحركة السلفية هي أول حركة في الكويت دعت إلى التعددية السياسية وإشهار الأحزاب والتداول السلمي للسلطة وتطوير الممارسات والعمل السياسي، وذلك بناء على الأدلة الشرعية، وكان ذلك قبل ثلاث سنوات، وقد قمت منذ سنتين بإعداد دراسة علمية بعنوان "الحرية أو الطوفان"، وهي دراسة عن الخطاب السياسي الشرعي ومراحله التاريخية، وعسى أن ييسر الله طباعته قريباً، وفيه معالجة للمشكلات التي يعاني منها الخطاب السياسي الإسلامي المعاصر، وقد كانت دعوتنا إلى الحرية السياسية قبل أحداث سبتمبر وحرب العراق، وقد اعترض عليها بعض الإسلاميين، غير أن كثيراً منهم أدرك اليوم خطورة الاستبداد السياسي وخطورة تهميش دور الأمة، وأن ذلك من أسباب عودة الاحتلال من جديد، ولك أن تتصور مدى التناقض الذي وقع فيه من كان يحرم على الشعوب حقها في تغيير حكوماتها الاستبدادية مهما بلغ انحرافها تحريماً مطلقاً وقاطعاً بدعوى أن ذلك من الخروج المحرم، ثم يفتي بجواز الاستعانة بالكفار على تغيير هذه الحكومات!.
وعلى كل فالحركة السلفية ستطرح قريباً رؤية إصلاحية لكافة المشاكل السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي يعاني منها المجتمع الكويتي، وذلك قبل الانتخابات القادمة.
أمريكا بعد أحداث سبتمبر
من الواضح تنامي العداء تجاه أمريكا في مختلف أنحاء العالم وليس العالم الإسلامي فقط، ويعزو بعض المحللين إلى تحميل الإدارة الأمريكية مسؤولية تغييب الحقائق عن الشعب الأمريكي، هل ثمة فرص للتواصل مع الشعب الأمريكي لتوضيح حقيقة ما تمارسه إدارتهم في العالم؟
التواصل مع الشعب الأمريكي وشعوب العالم الغربي أمر ضروري غير أن ذلك لن يغير من سياسة إدارته التي تبني مواقفها على أساس من الدراسات الاستراتيجية، التي تهدف إلى تحقيق مصالح أمريكا كدولة كبرى، ولو عن طريق الحروب، فالبرغماتية هي الأساس الفلسفي لسياسة حكومة الولايات المتحدة، والشعب الأمريكي هو الذي يختار حكومته فهي لا تصل إلا بعد ثقة أكثر الشعب بها، ولذا قلما يتغير موقفه من سياساتها إلى حد كبير؛ بل تظل نسبة كبيرة تثق في قياداتها التي اختارتها عن رضى، بالإضافة إلى أن الشعب الأمريكي شعب يؤمن بالبروتستانتية، وهو من أكثر شعوب العالم الغربي تديناً، ويشكل العهدان: القديم (التوراة)، والجديد (الإنجيل) حجرَ الأساس في ثقافته، وقد أصبحت المسيحية وقيمها وتاريخها ثقافة قومية، حتى لدى العلمانيين منهم، كاليهودية لدى العلمانيين في إسرائيل، ومن ثم من الخطأ أن نراهن على الشعب الأمريكي، بل الواجب أن نراهن على شعوبنا وقدرتها على تغيير هذا الواقع، وعندها سيجد الشعب الأمريكي أنه ليس من صالحه أن تقوم حكومته بالاعتداء على شعوب العالم العربي والإسلامي، وأن مصالحه تتضرر بسبب ذلك، وعندها فقط سيتغير موقف الشعب الأمريكي.
كيف تم توظيف ما حدث في 11 سبتمبر من قبل أمريكا وتشكيل فكرها الاستراتيجي في إعادة خلق صياغة أمريكية جديدة لإدارة العالم من منطلق مفهوم الأمن الأمريكي؟(66/460)
كل ما حدث بعد الحادي عشر من سبتمبر كان يجب أن يحدث حتى لو لم يقع حادث نيويورك؛ فالحرب على أفغانستان تم التخطيط والإعداد لها قبل ذلك بمدة طويلة كما اعترف بذلك رئيس الاستخبارات الباكستانية السابق، فبعد أن رفضت حكومة (نواز شريف) المشاركة في هذا المخطط، تم إسقاطها بانقلاب عسكري علماني لم يتردد في المشاركة في الحرب على أفغانستان، لا لأنه لا يستطيع رفض ما تريده أمريكا كما أوهم العالم؛ بل لأنه كان يتطلع إلى ذلك لأسباب أيديولوجية. وكذلك الحرب على العراق لم تكن بسبب أحداث سبتمبر؛ بل سبق التخطيط لها والإعداد منذ سنوات، وما تجهيز القواعد العسكرية في الخليج منذ سنوات إلا من أجل تحقيق هذا الهدف، وقد دعا (ريتشار نيكسون) قبل سنوات إلى ضرورة اتخاذ قواعد عسكرية دائمة في الخليج، وإلى ضرورة تدمير العراق والسيطرة عليه، وإسقاط النظام الإيراني، وهو ما دعا إليه (بيريز) أيضا في كتابه "الشرق الأوسط الجديد"، وما ذكره (صموائيل هنتنغتون) في كتابه "صراع الحضارات" كان مبنيا على دراسة لتوجهات السياسة الأمريكية بقيادة الجناح المسيحي المتطرف، ولم يكن من نسج الخيال، وقد حدد منذ أكثر من عشر سنوات بؤر الصراع، وأين ستقوم الحروب القادمة، وقد تحقق كل ما ذكره على أرض الواقع، والمقصود أنه لا فرق بين ما قبل أحداث سبتمبر وما بعدها، اللهم إلا ما كان يقوم الاحتلال به في الخفاء ومن وراء الكواليس بالأمس صار يقوم به اليوم علانية، فالحرب التي يشنها على الإسلام بدعوى تجفيف منابع الإرهاب والتطرف ليست جديدة، بل هي قائمة على قدم وساق منذ مؤتمر مدريد، والتدخل من أجل تغيير المناهج في دول المنطقة كان منذ ذلك التاريخ، وفرض الحصار على أفغانستان كان قبل الحرب بخمس سنوات، وكذا حصار العراق منذ سنة 1990، بغية تمهيد غزو هذه الدول، وأمريكا في حال حرب مع العالم العربي منذ حلت محل بريطانيا في المنطقة، وتحملت مسؤولية ربيبتها إسرائيل، فقد دخلت حرب 67 وحرب73 للدفاع عنها؛ بل وإعانتها على تحقيق أطماعها في المنطقة، وقد كانت تحارب العالم العربي من قبل من وراء الستار الإسرائيلي، أما اليوم فهي تحاربه وجهاً لوجه.
والمقصود أنه لو لم تقع أحداث سبتمبر؛ لأوجدت أمريكا ذريعة أخرى لغزو العالم العربي والإسلامي، وإلا فما دخل العراق بتلك الأحداث؟! وقد حاولت المخابرات الأمريكية الربط بين العراق وتنظيم القاعدة حتى وصل الأمر بها أن عرضت على المواطن الكويتي (خالد الدوسري) -الذي تعرض ظلماً للتعذيب في إحدى الدول العربية تحت إشراف المخابرات الأمريكية- شيكاً مفتوحاً مقابل ظهوره على شاشات القنوات الفضائية، واعترافه أنه الوسيط بين القاعدة والعراق وحماس، غير أنه رفض ذلك العرض رفضاً قاطعاً وأضرب عن الطعام مدة أسبوعين حتى أشرف على الموت، فلما فشلت ادعت أن لدى العراق أسلحة دمار شامل، فلما فشلت لجان التفتيش في العثور على شيء رفعت شعار تحرير العراق من الدكتاتورية؟!
ألم يحن الوقت لتتبلور جميع الحركات الإسلامية اليوم في تجمع واحد وتترفع عن خلافاتها في سبيل خلق مواجهة موحدة ضد العدو الأكبر والمتمثل في عودة الاحتلال اليوم والتوغل الصهيوني في المنطقة بإيدٍ أمريكية؟
بلى، وليس بالضرورة أن تندمج في بعضها؛ فهذا شبه مستحيل، بل ليتها تشكل اتحاداً عالمياً أو رابطة عالمية تضم جميع الحركات، كالمؤتمر الدولي للأحزاب الاشتراكية والشيوعية، تتدارس فيه شؤونها فيما بينها، وتعمل على توحيد جهودها وتحديد أهدافها، وقد طرحت هذه الفكرة في مقال "السنن الإلهية الاجتماعية"، ولعل الحملة العالمية لمقاومة العدوان تكون نواة لمثل هذا العمل العظيم.
ما الذي يمكن أن تقدمه الحركة السلفية من أطروحات سياسية في إطار الوضع المفروض على المنطقة العربية بعد حرب العراق؟
هناك مقال لي في (بوابة العرب) بعنوان "عودة الاستعمار"، وفيه تفصيل لأسباب عودة الاحتلال وأسباب قابلية شعوب المنطقة له، وطرحت رؤية لمواجهة هذا الواقع الجديد يمكن الرجوع إليها لمن أراد، ونحن لا نفتقد للأطروحات بقدر فقدنا للعزيمة والإرادة، ونحن في الخليج قادرون على تغيير هذا الواقع بالعمل السياسي السلمي إذا تضافرت جهود الجميع، فليست المشكلة في الاحتلال، إذ ما من بلد ودولة وشعب في العالم إلا وتعرض للغزو والاحتلال واستطاع التخلص منه، بل المشكلة في القابلية للاحتلال والرضا به ورفض مقاومتة حتى بالوسائل السلمية، بل وتوظيف الدين ونصوصه في إضفاء الشرعية على وجوده!.
==============(66/461)
(66/462)
الوعي عندما يكون كارثياً!
محمد أبو رمان 25/2/1428
15/03/2007
تشكل الثقافة السياسية مفصلاً مهماً في تفسير الواقع الراهن وتحديد آفاق المستقبل والاحتمالات المتعددة. فإمّا أن تكون هذه الثقافة رافعة للتغيير والإصلاح والتطور، أو تكون كابحاً ومعيقاً، بل وعنواناً للأزمة ورصيداً لها.
وليس من المبالغة القول إنّك لا تعثر على مجلس شعبي عربي عام، حتى في مناسبات اجتماعية، إلاّ وتجد أنّ الحديث السياسي يستأثر بنصيب الأسد من نقاش الحضور، وليس غريباً أن يستدل بعض الكتاب والباحثين والسياسيين بهذه الظاهرة على المنسوب المرتفع في الوعي السياسي لدى الشارع العربي مقارنة بالشعوب الأخرى.
إلاّ أنّ المفارقة اللافتة تبدو في أنّ الأوضاع السياسية في العالم العربي، على المستويات كافة، تسير بخطا متسارعة إلى الوراء على الرغم من هذا "الوعي السياسي" المزعوم للشارع العربي. وهذه المفارقة تُفسّر بأحد أمرين؛ فإمّا أنّ هذا الوعي لم يشق طريقه نحو الفعل، ولم ينعكس على أرض الواقع بسبب الممانعة الأمنية ودور القوى المضادة - وهذا يعني أنّ هنالك ضعفاً في الوعي يتمثل بالجانب الواقعي والعملي منه- وإمّا أنّ الوعي العربي يعاني من أزمات كبيرة، وأنّه ليس وعياً إيجابياً، بالضرورة، وربما يكون سلبياً وسبباً في إدامة الأزمة، وبخاصة إذا كان إدراكه لها يقوم على قراءات ومداخل خاطئة.
وفي هذا السياق، إذا كان تعميم الحكم على الوعي العربي بأسره غير علمي ولا موضوعي، فإنّ هنالك مؤشرات واستطلاعات وبيانات تشير إلى الأزمات والمشكلات التي يعاني منها الوعي، توازي العوائق الأمنية والسياسية التي تضعها الحكومات العربية ضد الإصلاح والتغيير، وتتجلّى هنا حالة من التعانق والاشتباك بين المشكلة السياسية والمشكلة الثقافية في الواقع العربي الراهن.
إحدى المعضلات الخطيرة في الوعي الجماهيري تتمثل في الوزن المبالغ به في تحميل مشكلاتنا وأزماتنا إلى الخارج، وهو ما يتجلّى بوضوح فيما يُسمّى بـ"نظرية المؤامرة"، التي يُغرم بها العقل العربي، وتنتشر ليس فقط لدى قطاع واسع من الجماهير، بل حتى النخب العربية المعارضة، التي تساهم - دون أن تدرك- في زيادة حالة السلبية والتقاعس وفشل محاولات الإصلاح والتغيير.
ما سبق لا يعني - بحال من الأحوال- إنكار وجود مخططات خارجية ودور للقوى الكبرى في تأزيم الوضع العربي وإيجاد المشكلات والكوارث، فالشواهد على ذلك بادية للعيان، إنما المشكلة - في نظرية المؤامرة- تكمن في ثلاث قضايا حيوية:
القضية الأولى: في تبرئة الذات واعتبار أنّ العلة الحقيقية في الخارج، وهي في الحقيقة علة داخلية قبل أن تكون خارجية، ولولا "القابلية للاستعمار" لما كان هنالك استعمار، ولولا وجود "مؤامرة" في الداخل لما فتح الطريق لـ"مؤامرة" الخارج. والناظر في واقع العالم العربي يجد أنّ أكثر المصائب تنبع من شرخ داخلي، فالحصار على حكومة حماس - على سبيل المثال- والعمل على إسقاطها، كان في الاًصل محلياً فلسطينياً وعربياً، قبل أن يكون أمريكياً وإسرائيلياً، ومن يقتلون بعضهم بعضاً في العراق هم العرب والمسلمون من السنة والشيعة.
القضية الثانية: أنّ اختزال السياسة ودهاليزها ومشكلاتها في صيغة "المؤامرة" والتواطؤ الدولي ضد الإسلام والمسلمين هو توصيف مختل. صحيح أنّ هنالك جانباً دينياً وثقافياً في الصراع مع الولايات المتحدة بخاصة، والغرب بعامة، لكن هذا أحد جوانب اللعبة الدولية والإقليمية، وثمة جوانب أخطر وأهم ترتبط بلعبة المصالح السياسية والاقتصادية، فالسياسة أبعد من عملية تأطيرها في تفسير ثنائي للعلاقة مع الغرب (خير وشر). ولعل المثال البارز على ذلك حالياً هو السياسة الخارجية الإيرانية التي تتحالف مع "الشيطان الأكبر" في بعض الدول وتصارعه في دول أخرى.
القضية الثالثة: أنّ هذه النظرية تنقل مجال العمل والنشاط من سياقه الصحيح وأولوياته المطلوبة إلى المجالات الأخرى الثانوية، وهي - أي نظرية المؤامرة- أفضل استثمار للنظم العربية لتزوير وعي الجماهير، بجعل الخارج "قميص عثمان"، وتوجيه الغضب والإحباط إليه، في حين أنّ هذه النظم هي سبب البلاء والداء، والعمل على إصلاحها هو الأولوية الحقيقية التي يجب أن تسعى إليها الشعوب العربية لتغيير أوضاعها. فانظر كم مظاهرة تخرج في العواصم العربية، ويُسمح بها رسمياً، ضد إسرائيل وأمريكا، بحيث تقوم المعارضة العتيدة بحشد الشارع وتجنيده وتعبئته، وقارن ذلك بعدد المظاهرات والمسيرات التي تخرج احتجاجاً على الأوضاع المتردية داخلياً سياسياً واقتصادياً، ضد الفساد والقمع وانتهاكات حقوق الإنسان والحريات العامة! واقرأ المقالات اليومية في الصحافة العربية مقارناً بين تلك التي تنتقد الفساد والاستبداد والانتهاكات الداخلية المريعة وبين المقالات التي تتحدث عن الامبريالية الأمريكية والاحتلال الصهيوني!(66/463)
قرّاء كثيرون سيجدون في هذا المقال حديثاً في البدهيات والأبجديات، وقد كنت أعتقد ذلك، إلاّ أنّ النقاش مع الناس، وقراءة بعض التعليقات واستطلاعات الرأي تدفع إلى قناعة أخرى بأنّ نظرية المؤامرة حاضرة بقوة في الوعي السياسي الشعبي العربي. أحد الأمثلة على ذلك حلقة مسجلة لفضائية عربية شاركت فيها مع عدد من الكتاب والمثقفين العرب حول نظرية المؤامرة، وقد كانت صدمتي كبيرة في رأي الجمهور في الحلقة، وهم قرابة مائة وخمسين شخصاً أكثرهم من طلاب الجامعات، فقد صوّت الجمهور بنسبة 89% على أنّ أكثر مشكلاتنا وأزماتنا من الغرب، وفقاً لنظرية المؤامرة، وما هو أدهى وأمرّ من ذلك أنّ أكثرية مطلقة أيضاً صوّتت أنّ الأحداث الكبرى التي يُتّهم فيها العرب والمسلمون (كأحداث 11 سبتمبر، والعمليات الإرهابية) يقوم بها الغرب ويلصقها بالمسلمين!
وقد أخبرني الصديق د. أحمد جميل عزم أنّ الجمهور صوّت في حلقة سابقة بنسبة 99% على أنّ الغرب يسعى إلى اقتلاع الإسلام والمسلمين، على الرغم من أنّ نسبة المظاهرات التي خرجت في أوروبا والولايات المتحدة احتجاجاً على الحرب العراقية أكثر بكثير من الدول العربية والإسلامية، كما أنّ هنالك مؤيدين ومناصرين لقضايا العرب والمسلمين في الغرب مخلصين أكثر من قيادات في المعارضات العربية تحشد الشارع ضد أمريكا، ثم نتبين أنّ مصالح شخصية كانت وراء مواقف تلك القيادات!
مرّة أخرى؛ ليس الهدف نفي دور العامل الخارجي في كوارثنا، لكن المطلوب أن تتجه بوصلة العمل والتغيير إلى الإصلاح الداخلي وإدراك أنّ جوهر السوس والبلاء فينا
==============(66/464)
(66/465)
مفارقات بين صنميْن: "صدّام" و "أتاتورك"
نايف ذوابه 18/5/1425
06/07/2004
"الصّنم" اسم كتاب قرأته قبل حوالي ثلاثة عقود ألفه جنرال تركي عن الزعيم التركي مصطفى كمال أتاتورك الضابط المُتحدّر من سلانيك موطن يهود الدونما الذين هربوا من جحيم محاكم التّفتيش الإسبانيّة في الأندلس مستجيرين بالخليفة العثمانيّّ الذي منحهم الأمان . وأتاتورك من ضباط جماعة "الاتحاد والترقي" التي هيمنت على الجيش وعلى الحكم في الدولة العثمانية( الرجل المريض ) التي كانت أوروبا تتربّص بها لاقتسام تركتها؛ حتى لفظت أنفاسها الأخيرة في نهاية الحرب العالمية الأولى، وقد ائتمر بها الحلفاء
وخانها الإخوة الأقرباء، وسدّد لها الضربة القاضية ابنها العاقّ " مصطفى كمال أتاتورك" الذي أخذ على نفسه عهدًا بقطع كل صلة لتركيا بتاريخها العريق بالإسلام الذي ارتبط بالسّلاجقة وحربهم للصّليبيين ثم الأتابكة: عماد الدين زنكي ، ونور الدين زنكي الذي ترّبى في رعايته صلاح الدين الأيوبي بطل حِطّين ، ومحمد الفاتح الذي فتح الله على يديه القسطنطينيّة عاصمة الإمبراطوريّة الرومانيّة الشرقيّة فتحقق على يديه وعد الله للمؤمنين بفتح إحدى المدينتين : ألقسطنطينيّّّّة وروما وقد جاء ذلك في حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم
وبزوال الدولة العثمانيّة لم يعد للمسلمين ممثل في الموقف الدّولي ، ولم يعد لهم أثر في العلاقات الدوليّة ، ولم يعد يحسب لهم حساب ؛ فأصبحوا كالأيتام على مآدب اللئام ، وأصبحوا مضرب المثل في الهوان بين الأمم حتى استنسر عليهم بُغاث الطّير ، وعلت في أوطانهم لليهود راية !!
و قبل أيّام بثت "قناة العربية" برنامجا بعنوان " الصّّنم " عن " صدّام حسين " يبدو أنّ معدّ البرنامج قد أخذه من عنوان الكتاب ؛ لقوّة وإيحائيّة اللقب في الدِلالة على المعنى الذي ذهب إليه معدّ البرنامج فتذكّرت أبيات عمر أبي ريشة :
أمتي ، كم صنمٍ مجّدته … …
لم يكُ يحمل طُُُهر الصّنم!!
لا يُلام الذئب في عدوانهِ … …
إنْ يكُ الرّاعي عدوّ الغنمِ
ثم بيته المدوّي :
أوَََََ ما كنتِ إذا البغي اعتدى … …
موجةًً مِنْ لهبٍ أو من دمِ ؟!
لقد خاب ظنّ عمر أبي ريشة في أمّته التي اعتلى صهوتها رجال لا صلة لهم بالفروسية أو بأخلاق الفرسان، ناهيك عن أخلاق الإسلام .
ومما تحمله الذاكرة قبل خمس عشر سنة أو يزيد مقابلة أجرتها صحافيّة إيطاليّة مع الصّنم" صدام حسين" فسألت الصحفيّة " صدّام ": من هو صدّام ؟ فقال : إنّ " صدّام " موجود في كوب الحليب الذي يشربه العراقيّ ، في المِعطف الذي يرتديه ، في رغيف الخبز الذي يأكله ، صدّام موجود في حياة كل عراقيّ !!
وقد عرضت "العربيّة" مشهدًا لكاتب عراقيّ يقول بأسًًى بالغ :
" على الأقل صمتنا كان له عبادة" وفي مشهد آخر قال له أحد المنافقين الصّنميّين : "خطؤك خيرٌ من صوابك"!! وهكذا أصبح "صدّام" إلهًا ، لا تفاوت في أفعاله، فكلها سواء!!
ومن المشاهد التي عرضها البرنامج مشهد لصدّام وهو يهدّد ويتوعّّد بأنّه يستطيع أن يقتل عشرة آلاف ولا تهتزّّ له شعرة في جسمه !!
أما ثالثة الأثافي فهي المشهد الذي عرضه البرنامج وكان يتحدث فيه أحد المسؤولين عن ضرورة منح " البعثيّ " حصانة، فانعقدت الدهشة على وجه " صدّام " وتأهّب لتأنيب المتحدّث على كلامه، وقال بعد أنْ تمخَّض : "إيش البعثي يحتاج حصانة"!!
" كلّ بعثي في حصانة عمر بن الخطاب "!!
وهكذا استوت عند أعمى البصيرة :الأنوار والظلم ، العمالقة والأقزام ، المكارم والمخازي ، والرّجال و أشباه الرّجال، أجلّلكم الله .
وأنا أؤكد أنّ " صدّام " جاهل يهرف بما لا يعرف؛ فصدّام خبرته ليست بالثقافة ولا بالسياسة فقد أثبتت الأيام ذلك ولسان الحال أفصح من مقال ؛ وإنّما خبرته بالغدر والخيانة والوقيعة والتي ساق فيها جيوشًا من البعثيين الذين ناوؤوه أو فكّروا ، فقادهم إلى المذبح كالخرفان(أعضاء لجنة القيادة في حزب البعث كانوا عام 1968م 25عضوا لم يبق منهم عام 1998م إلا صدّام وحده !!
وقد أكدّت السيدة " رغد صدام حسين " أنّ عائلتها تقتلها العداوات الخانقة ، ولا تحسن غير الجهل والجهالة وفن الكراهية والحسد ؛ لذلك فهم يحقدون على كل ذي علم أو شرف أو كفاءة من باب عُُُقدة الجهل، وسوء المحتِد، ووضاعة التاريخ الذي خرج منه هؤلاء !
وفي لقاء مبكر لطارق عزيز مع "حازم جواد" مهندس أول انقلاب بعثيّّ قال
طارق عزيز لحازم : يا حازم ، أنا أعمل مع عِصابة !! هذا ما قاله طارق عزيز في مرحلة مبكرة بعد ما لا يزيد عن أربع أو خمس سنين من حكم البعث تموز 1968 فماذا كان يمكن أن يقول طارق عزيز بعد ثلاثين سنة من الخبرة في العمل مع العِِِصابة بعد أن تغوّل صدّام، وضرب الشرّّّ بجِِرانه في عراق الرشيد ، وبعد أن نُصِب لصدّام في كل حيّ صنم !!
آخر الأخبار أنّ صدّام ذكر في الرّسالة التي أرسلها لابنته "رغد" عن طريق الصّليب الأحمر " أنّ معنوياته مرتفعة " وإنْْ سألتموني لماذا؟ فأنا لا أعرف ؛ فصدّام (الذي يرتع في بحبوحة الذلّ) هو الذي يعرف .(66/466)
نستعين بالله ونعتصم بحبله ونقول ( ومَن يُهِن اللهُ فما له من مُكْرم)[ الحج:18] ، (ولله العزّة ولرسوله وللمؤمنين ولكنّ المنافقين لا يعلمون) [ المنافقون:8 ]
==============(66/467)
(66/468)
أوروبا تستأنف الحرب وقدوم الحملة الصليبية الخامسة
أيمن خالد
a.kaled@gawab.com
أوروبا تستأنف الحرب وقدوم الحملة الصليبية الخامسة أيمن خالد تستمر أوروبا في مراقبة العالم الإسلامي طوال الوقت، وعندما تكون الفرصة مواتية للانقضاض عليه مجدداً، لن تتوانى عن ذلك، فالانتصار على الغرب في معركة كبرى مثل حطين، وفتح بيت المقدس، ثم إنهاك الصليبيين وشرذمتهم أثناء الحملة الصليبية الثالثة التي قادها ملوك أوربا، كل ذلك لا يبدو مقنعا للبابوات، للكف عن مهاجمة العالم الإسلامي، فتستمر أعينهم بمراقبته، حتى إذا وجدوا الفرصة قد حانت، انقضوا عليه مجدداً. بالتالي تبقى المعادلة الأولى هي مدى قوة المسلمين وتماسكهم، فعندما تتوحد إرادة المسلمين، فان العدو ينكفئ وعندما تتمزق إرادتهم فسيكون ذلك مدعاة لاستثارة أطماع الغزاة من جديد، في تكرار لتجربة ظلت تعيشها الأمة طوال مئتي عام من عمر الحروب الصليبية. فعندما نتحدث عن أي من الحملات الصليبية، فإننا سنتوقف بالضرورة عند الحالة السياسية العربية، والتي بدورها، تعكس سلباً أو إيجاباً طبيعة النتائج العسكرية على الأرض، فالوحدة السياسية التي تحققت في زمن صلاح الدين الأيوبي، وفعل لأجلها الكثير، سرعان ما ستتمزق بعد موته، ويختلف الأبناء على وراثة الحكم، من بعده، وسيساوم سلطان مصر آنذاك المعروف بالكامل الصليبيين ويمنحهم بيت المقدس سلماً لكي يكونوا حاجزا بينه وبين أبناء أخيه في دمشق، وذلك في أثناء الحملة الصليبية الخامسة والتي كان خط سيرها دمياط. أوروبا والحرب الكنيسة بدورها تحتاج إلى الحرب بين الفينة والأخرى مع العالم الإسلامي، فأوروبا كانت - ولا تزال - تخشى مجاورة العالم الإسلامي مجاورة طبيعية، نظراً لارتهانها إلى زمرة من البابوات كانوا يجدون أن الدين الإسلامي يشكل خطراً عليهم وتهديداً لمصالحهم، نظراً لقدرة الإسلام الذاتية على التمدد السريع ولقابليته للانتشار من خلال رغبة الناس فيه عند الإطلاع عليه، فانتشار الإسلام شرقاً وشمالاً وغرباً في إفريقيا، ظل يقلق الرهبان، فكان لا بد من الاستمرار في رفع الأسوار بين العالم الإسلامي وبين الغرب، بغية بقاء الإسلام بعيداً عن القارة الأوروبية. لا نستطيع أبداً أن نتصور أوروبا في تلك المرحلة بذلك المكر الكبير بحيث أنها ضربت مصر بغاية الضغط عليها وإخراجها من دائرة المواجهة لانتزاع بيت المقدس، وان كانت الأمور جاءت كذلك فيما بعد. فالأوروبيون أدركوا بعد الحملة الثالثة أن التوجه نحو القدس مباشرة هو مكلف للغاية، وذلك بعد أن توحدت إرادة المسلمين في دولة قوية، وبالتالي إن استثارة مشاعر المسلمين ستجعلهم يلتفون حول مشروع جهاد جديد، هو مكلف بكل أبعاده على الغرب. ثم هناك مسألة غاية في الأهمية، فالرهبان في أوروبا لا يستطيعون صناعة جيش جديد وتوجيهه نحو القدس، بحيث يكون قوياً ويحمل أعباء معارك كبيرة طاحنة، ومصيرية في آن، فالقدس هي معركة المسلمين المصيرية، ومسألة الاقتراب منها ليست بالأمر الهين. فهناك حالة من اليأس في الغرب بشأن القدس، حصلت حينما فتح صلاح الدين الأيوبي القدس بعد حصارها الشهير، حينما أخذها سلماً باتفاق وقعه مع الرهبان فيها، وهو ما أدى إلى موت البابا لدى سماعه الخبر، ونص الاتفاق على أن يأخذ الرهبان أموالهم - وهي كثيرة - مقابل تنازلهم عن القدس وللأبد، وهو ما أفقدهم دلالة القدس الدينية في أعين مواطنيهم في القارة الأوروبية، هذه القارة التي دفعت بمئات الألوف إلى الموت بحجة استرداد القبر المقدس المزعوم، لينتهي الأمر في النهاية، بإقرار الصليبيين أن لا حق لهم في القدس، وأنها منذ الآن بيد المسلمين، وأن الكنائس التي فيها هي للمسيحيين الشرقيين، وهو ما جعل عودتهم مجدداً على حمل لواء الدين للمقاتلة من أجل القدس غير ممكن. صحيح أن القدس كانت حاضرة في أذهان الأوروبيين في تلك الحقبة، كما كانت حاضرة في أذهان جميع الإمبراطوريات البائدة، لكنها في تلك الفترة هي مسألة طلب المستحيل وغير الممكن الحصول عليه أبداً. فالحملة الثالثة فشلت فشلاً ذريعاً في احتلالها، وكانت تضم آنذاك ملوك فرنسا وألمانيا وإنجلترا، ثم جاءت الحملة الرابعة لتنهي الإمبراطورية الرومانية وتنصب جسراً برياً مع الشرق الإسلامي، تستطيع دفع جيوشها نحوه، ثم تأتي الحملة الخامسة، وفي برنامجها نقرأ مسألة واحدة، هي الحرب على المسلمين، والاستمرار في رفع الأسوار بين العالمين الإسلامي والأوروبي. أهمية فلسطين السياسية الوعي السياسي في الغرب في تلك الفترة لم يكن ناضجاً بما فيه الكفاية لنقول إن الرهبان اكتشفوا أهمية فلسطين السياسية في المنطقة، فقد برزت أهمية فلسطين من قبل داخل الغرب لأسباب هي خاصة بالغرب ذاته، من الرغبة في دفع الأمراء الجشعين للاقتتال خارج القارة الأوروبية بغية تخفيف أعباء الكوارث التي جلبوها على القارة، ناهيك عن رغبة الرهبان في الهيمنة السياسية على مجريات الأمور داخل القارة، فاخترعوا قصة القبر المقدس وغير ذلك، وأما أن تكون القدس قد برزت لقيمتها الحقيقية في أعين الغرب(66/469)
آنذاك، فهذا أمر غير ممكن، لأن ذلك يتطلب استقراراً سياسياً داخل أوروبا بالأصل،
ومن ثم نوعاً من الوحدة الأوروبية، ومن ثم البحث عن دور سياسي خارجي، وهذه أشياء لم تكن متاحة في أوروبا، المحكومة بعقول الرهبان والأمراء الجشعين، ما يجعلنا نصنف الحملات الصليبية على اختلافها، أن أوروبا لم تكن تبحث من خلالها عن دور سياسي خارجي، بمقدار ما كان يبحث الرهبان عن أسباب تدفعهم لشن الحروب على الإسلام لذاته، خوفا من الإسلام (ذاته) أن يطرق العتبات الأوروبية. إن منظر الرهبان الذين التفوا ذات يوم حول إمبراطور الرومان هرقل، وزمجروا بأصواتهم معترضين عليه، حينما أراد أن ينصف الرسالة الإسلامية بقولة حق، إن هذا المنظر هو الحاضر الدائم في عقول الرهبان، فهم لا يريدون الإسلام فحسب، ولا يفكرون إلاّ من خلال هذه المعادلة. المسألة الثانية أن سكان القارة الأوروبية في تلك الفترة، كانوا يعدون أضعاف سكان المنطقة العربية، فلم تكن الحروب متكافئة من حيث التعداد البشري، فهي قارة تعج بملايين البشر الذين تبحث أوروبا عن وسيلة تلفظهم بها إلى عالم جديد، فالحرب كانت هي صورة الحياة، والمحارب هو الذي يستطيع أن ينتزع أموال الآخرين ويستأثر بها لنفسه، وإذا كانت أوروبا قد أوجدت صيغة للتفاهم بين أمرائها الجشعين، فإن هذه الصيغة تعني في أهم دلالاتها، استهداف الأضعف نسبياً وهم المسلمون، فالحرب على الشرق، فيها دلالات كثيرة، وفيها مغانم حينما يكون المسلمون ضعفاء، وفوق هذا وذاك، ثمة ما يغري المقاتل إذا ذهب إلى الشرق، فالمسلمون لا يقطعونه إرباً ولا يشوونه حياً إذا وقع في الأسر. الشرق الساحر أيضاً في جغرافيته، والساحر بموارده وبالطعام والغنى المتوفر فيه، يجعله فرصة مهمة للأمراء، فقد كانت أوروبا آنذاك تعج بحار المتوسط بسفنها، وكانت هذه السفن ليست لها إلا لغة القراصنة، فكلما وجدوا الفرصة سانحة لهم للانقضاض على أي هدف إسلامي، فلم يكونوا يتأخرون. الصهيونية الدور المختلف بالنسبة للصهيونية كان دور فلسطين واضحاً للعيان لها وللغرب، وذلك بعد أن تغيرت خريطة الكون السياسية مرات عديدة خلال القرون الماضية، وظهرت أهمية فلسطين وتزايدت بعد الاكتشافات الجغرافية الحديثة، لما تمثله من حلقة وصل بين الشرق والغرب، وبين الشمال والجنوب، والأهم من ذلك كله، موقعها بالنسبة للعالم العربي والإسلامي، حيث تتوسط درع القوة فيه، وانتزاعها يعني إعادة تشكيل المنطقة على قاعدة التقسيم التي ستحول دون أن تقوم للأمة قائمة. لذلك، عندما باتت أهمية فلسطين واضحة بهذا الشكل، بات الغرب يريدها لذاتها، ولا مانع لديه من أن يساهم في خلق الأساطير والمزاعم الدينية بغية إبراز قيمتها وأهميتها لليهود لجلبهم إلى فلسطين، ومن هنا فالغرب، كان يدرك طبيعة اللعبة السياسية، وأراد أن ينتزع فلسطين، لمنع قيام وحدة إسلامية، ولمنع قيام خلافة إسلامية مجددا يكون محورها العرب، وهو أمر صريح جاء على لسان الجنرال النبي حينما قال لحظة دخول القدس بعد انكفاء الخلافة العثمانية«الآن انتهت الحروب الصليبية» فالحروب الصليبية بدأت بغاية إزاحة المسلمين عن هذه البقعة بالذات، فحينما تعود أوربا من جديد، لتزيح المسلمين عنها، فهي تعنها حرباً صليبية جديدة على الإسلام والمسلمين، لكن مشكلتنا تمثلت في أبرز جوانبها، في النخب الثقافية التي كانت سائدة تلك المرحلة، والتي انبهرت بالثقافة الغربية، ولم تستطع أن تدرك أن الغرب الجديد، هو استعماري بكل ما فيه، وأن الثقافة الغربية هي أمر يخص الغرب، وأما نحن، فهي المادة التي يرغب بتشكيلها كيف يشاء ولسنا في نظره أكثر من ذلك. لقد وجد الصليبيون أنفسهم أثناء الحملة الخامسة، في مواجهة سياسية جديدة، لم يحسبوا لها حساباً، فقد عرض عليهم سلطان مصر أن يعطيهم فلسطين إن هم ذهبوا عن مصر وتركوه، في تلك اللحظة بالذات، كان الغرب يدرك أن فلسطين، لا يمكن انتزاعها إلا بموافقة طرف عربي على ذلك، وهو ما يعاد اليوم صناعته من جديد، ويبقى في مواجهة ذلك كله، أحفاد خالد بن الوليد، وصلاح الدين الأيوبي وغيرهم.
4/6/2006
http://www.islamselect.com المصدر:
=============(66/470)
(66/471)
الإسلام أم العقل المسلم؟
د. جاسم سلطان 28/4/1428
15/05/2007
بعد أن غرست الصحوة الإسلامية جذور شجرتها في تربة مجتمعاتنا، فأثمرت قطاعات واسعة من المؤمنين بأهمية العمل من أجل بناء حضارة كبرى، نرى أهمية عمل مراجعات للأطروحات التي ترددت في مرحلة الصحوة، على أساس أننا في عصر جديد يتطلب لغة جديدة، ومراجعات جادة لما طرح من أفكار في الفترة السابقة، لاستبقاء الصالح منها وتطوير بعضها، وهجر الفاسد منها ونبذه دون حرج، وإبداع الجديد الخلاّق النافع لمجتمعاتنا.
ومن أهم الأطروحات التي طُرحت في مرحلة الصحوة وكان لها صداها مقولة تتردد بأن في الإسلام أجوبة على كل مشاكلنا، وهي مقولة تحتاج تفصيلاً وتوضيحاً. فهل المقصدود منها أن هناك وصفة جاهزة (Manual) بمجرد تطبيقها في السياسة والاقتصاد والاجتماع ستتحصل المجتمعات على النتائج التي تصبو إليها؟ أم أن المقصود أن المبادئ العامة للإسلام تصلح أن تقوم عليها حياة سعيدة في الدنيا والآخرة، أما تفصيلاتها فهي محل اجتهاد يقوم به البشر، وهم في ذلك عرضة للصواب والخطأ مثل غيرهم؟ وما هي المجالات التي يقدم فيها الإسلام (الكتاب والسنة) حلاً مباشراً، فيُسأل فيها عن الجواب، وما الجوانب التي تقدم حلولها الخبرة الإنسانية المتراكمة - والتي تبلورت في علوم إدارية واقتصادية وسياسية..الخ؟
وهنا يجب التمييز بين الأجوبة... الأجوبة التفصيلية والأجوبة العامة، فالإسلام في بعض القضايا قدم أجوبة تفصيلية مثل العبادات وكيفية أدائها بشكل صحيح، وبعض قوانين الأحوال الشخصية كالمواريث.
وهناك قضايا - وهي الأكثر- لم يورد الإسلام فيها أجوبة تفصيلية، بل ترك للعقل البشري الحرية في إبداع الأجوبة عنها، وهي بصفة عامة تشمل أمور الحياة اليومية، وليس حادث تأبير النخل ومقولة الرسول - r- "أنتم أعلم بشؤون دنياكم" عنا ببعيد.
وحتى المبادئ العامة التي جاء بها الإسلام كالعدل والشورى لا تأخذ لونها في الحياة إلاّ بجهد عقل بشري، فالنصوص أجملت - على سبيل المثال- قضية الشورى (وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ)، أما آليات وأدوات تحقيق هذه الشورى، فلم يفصل الإسلام القول فيها، على أساس أنها ستتغير بتغير الزمان والمكان واحتياجات البشر وتعقّد ظروف حياتهم.
إن الانتقال من الصحوة إلى اليقظة يتطلب تقديم أجوبة حقيقية على أسئلة الواقع، وإذا كانت هذه الأجوبة منطلقة بالأساس من عقل بشري، فلم يتم نسبتها إلى الإسلام على أساس أن هذه هي إجابة الإسلام على سؤال الواقع!! بل هي إجابة المسلمين على أسئلة الواقع، والفارق كبير كما لا يخفى. فإذا كان لدينا خبيران ينطلقان من المبادئ الإسلامية، وطُرحت عليهما مشكلة ما تتطلب حلاً، فليس من المستغرب أن يأتي أحدهما بحل أفضل من الآخر؛ لأننا هنا لا نحاكم إسلامهما، بل نحاكم عقولهما التي تبدع الحلول، فليس بالضرورة أن كل عقل ينطلق من المبادئ الكبرى للإسلام قادر على تقديم أجوبة فعّالة على أسئلة الواقع، وها نحن نشهد أشكالاً مختلفة ومتباينة من الحلول، بداية من الحل الطالباني ومروراً بالحل السوداني وانتهاء بالحل التركي.
من حق الآخرين أن يسألوا.. إن كان الإسلام جواباً.. فأين إجابته عن أسئلة المؤسسات التي أنشأها "إسلاميون" وأخفقت، وإذا كان الإسلام جواباً.. فلم نر أحياناً جهوداً كبيرة تعجز عن حل معضلات الواقع الصعب الذي تعيشه، ألم يقدم الإسلام لها جواباً في ذلك؟ أم أن التحدي كان في إبداع العقل البشري آليات التطوير المناسبة.
وإذا كان في الإسلام جواباً.. فلِمَ لمْ تفلح الكثير من الجهود في إيجاد معادلة التعامل مع مجتمعاتها ومحيطها، والوصول إلى حلول للمأزق القائم في كثير من البلاد الإسلامية... أليس الإسلام يمتلك جواباً؟ فما هو هذا الجواب؟ ولِم لا يعمل في الواقع؟ أم أن الحل الإسلامي لا يعمل إلاّ بعد التمكين، ويزهد في تقديم حل عملي لمشكلة التدافع قبله... وهل يُعزى هذا العجز للإسلام أم للعقل البشري وعدم ابتكاره الحل؟ كيف يمكن إقناع الجمهور العريض أن الإسلام سيحل مشاكل دولتهم مع الأمم الكبرى، بينما الذي يظهر أن المسلمين أحياناً لم يتمكنوا من "تخليق" البدائل في ضوئه للتغلب على واقعهم الداخلي.
إن كل هذ الأسئلة بالتأكيد يأتي قصورها من العقل البشري، والإسلام بريء منها، وهو غير مسؤول كدين عن طريقة عمل عقليات معتنقيه بعد أن أمرهم بالتفكر والنظر.
إن على شباب اليقظة أن يعي أن الإسلام (كدين) يجب ألاّ يُقحم قسراً في معركة ليست معركته، بل تسيء له إساءة بالغة.
فهل نعيد ترتيب مقولاتنا، وننقحها حتى لا تنشأ أجيال تسلم عقلها لفكرة وجود الوصفة الجاهزة (MANUAL)؟
=============(66/472)
(66/473)
وثائق تاريخية عن فظائع الحروب الصليبية
34 لاَ تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لأُرْسِيَ سَلاماً عَلَى الأَرْضِ. مَا جِئْتُ لأُرْسِيَ سَلاَماً، بَلْ سَيْفاً. 35 فَإِنِّي جِئْتُ لأَجْعَلَ الإِنْسَانَ عَلَى خِلاَفٍ مَعَ أَبِيهِ، وَالْبِنْتَ مَعَ أُمِّهَا، وَالْكَنَّةَ مَعَ حَمَاتِهَا. 36 وَ هَكَذَا يَصِيرُ أَعْدَاءَ الإِنْسَانِ أَهْلُ بَيْتِهِ! (إنجيل متى: 10)
يتغنى النصارى بمقولة المسيح: (من ضربك على خدك الأيمن فأدر له خدك الأيسر) ليدللوا على أن دينهم دين سلام ورحمة، وفي المقابل نجدهم ينعقون ليلاً ونهارا بأن الإسلام دين السيف والإرهاب... فهل التاريخ والواقع يصدق ذلك؟؟
روى ابن الأثير في تاريخه 8/189-190 عن دخول الصليبين للقدس في الحروب الصليبية فقال: (مَلَك الفرنج القدس نهار يوم الجمعة، لسبع بقين من شعبان، وركب الناس السيف، ولبث الفرنج في البلدة أسبوعا يقتلون فيه المسلمين، واحتمى جماعة من المسلمين بمحراب داود، فاعتصموا به، وقاتلوا فيه ثلاثة أيام، و قتل الفرنج بالمسجد الأقصى ما يزيد على سبعين ألفا، منهم جماعة كبيرة من أئمة المسلمين وعلمائهم وعبادهم وزهادهم ممن فارق الأوطان و جاور بذلك الموضع الشريف)
كما وصف ستيفن رنسيمان في كتابه " تاريخ الحروب الصليبية " ما حدث في القدس يوم دخلها الصليبيون فقال: (و في الصباح الباكر من اليوم التالي اقتحم باب المسجد ثلة من الصليبيين، فأجهزت على جميع اللاجئين اليه، وحينما توجه قائد القوة ريموند أجيل في الضحى لزيارة ساحة المعبد أخذ يتلمس طريقه بين الجثث والدماء التي بلغت ركبتيه، وتركت مذبحة بيت المقدس أثرا عميقا في جميع العالم، وليس معروفا بالضبط عدد ضحاياها، غير أنها أدت إلى خلو المدينة من سكانها المسلمين واليهود؛ بل إن كثيراً من المسيحيين اشتد جزعهم لما حدث) (1/404/406).
وقد وصف كثير من المؤرخين أحداث المذبحة التي حدثت في القدس يوم دخول الصليبيين إليها، و كيف أنهم كانوا يزهون بأنفسهم ؛ لأن ركب خيولهم كانت تخوض في دماء المسلمين التي سالت في الشوارع، و قد كان من وسائل الترفيه لدى الصليبيين أن يشووا أطفال المسلمين كما تشوى النعاج.
ويذكر الكثيرون ماذا فعل ريتشارد قلب الأسد في الحملة الصليبية الثالثة - عند احتلاله لعكا - بأسرى المسلمين، فقد ذبح 2700 أسير من أسرى المسلمين الذين كانوا في حامية عكا، و قد لقيت زوجات وأطفال الأسرى مصرعهم إلى جوارهم.
فأي سلام يحمله هؤلاء؟؟؟
وصف للمجازر الصليبية التي حدثت في القدس حين دخول الصليبيين إليها
ذكر " غوستاف لوبون " في كتابه " الحضارة العربية ن" - نقلا عن روايات رهبان ومؤرخين رافقوا الحملة الصليبية الحاقدة على القدس - ما حدث حين دخول الصليبيين للمدينة المقدسة من مجازر دموية لا تدل إلا على حقد أسود متأصل في نفوس ووجدان الصليبيين. قال الراهب " روبرت " أحد الصليبيين - المتعصبين وهو شاهد عيان لما حدث في بيت المقدس - واصفا سلوك قومه ص325: (كان قومنا يجوبون الشوارع والميادين وسطوح البيوت ليرووا غليلهم من التقتيل، وذلك كاللبؤات التي خطفت صغارها! كانوا يذبحون الأولاد والشباب، ويقطعونهم إربا إربا، وكانوا يشنقون أناسا كثيرين بحبل واحد بغية السرعة، وكان قومنا يقبضون كل شيء يجدونه فيبقرون بطون الموتى ليخرجوا منها قطعا ذهبية!!!
فيا للشره وحب الذهب، وكانت الدماء تسيل كالأنهار في طرق المدينة المغطاة بالجثث).
وقال كاهن أبوس (ريموند داجميل) شامتاً ص326-327:
(حدث ما هو عجيب بين العرب عندما استولى قومنا على أسوار القدس وبروجها، فقد قطعت رؤوس بعضهم، فكان هذا أقل ما يمكن أن يصيبهم، وبقرت بطون بعضهم؛ فكانوا يضطرون إلى القذف بأنفسهم من أعلى الأسوار، وحرق بعضهم في النار؛ فكان ذلك بعد عذاب طويل، وكان لا يرى في شوارع القدس وميادينها سوى أكداس من رؤوس العرب وأيديهم وأرجلهم، فلا يمر المرء إلا على جثث قتلاهم، ولكن كل هذا لم يكن سوى بعض ما نالوا).
وقال واصفا مذبحة مسجد عمر: لقد أفرط قومنا في سفك الدماء في هيكل سليمان، وكانت جثث القتلى تعوم في الساحة هنا وهناك، وكانت الأيدي المبتورة تسبح كأنها تريد أن تتصل بجثث غريبة عنها. ولم يكتف الفرسان الصليبيون الأتقياء (!) بذلك فعقدوا مؤتمرا أجمعوا فيه على إبادة جميع سكان القدس من المسلمين واليهود و خوارج النصارى - الذين كان عددهم ستين ألفا - فأفنوهم عن بكرة أبيهم في ثمانية أيام، و لم يستبقوا منهم امرأة و لا ولدا و لا شيخا)
وفي ص396 يقول: (و عمل الصليبيون مثل ذلك في مدن المسلمين التي اجتاحوها: ففي المعرة قتلوا جميع من كان فيها من المسلمين اللاجئين في الجوامع و المختبئين في السراديب، فأهلكوا صبراً ما يزيد على مائة ألف إنسان - في أكثر الروايات - و كانت المعرة من أعظم مدن الشام بعدد السكان بعد أن فر إليها الناس بعد سقوط أنطا كية و غيرها بيد الصليبيين).
فأي إنسانية يتغنى بمثلها هؤلاء؟ هل فعلا يديرون الخد الأيسر لمن يصفعهم على خدهم الأيمن؟
تاريخهم يجيب عن ذلك!
تعامل صلاح الدين مع الصليبيين(66/474)
ومع ما فعله الصليبيون في القدس فإننا نرى رحمة الإسلام ومسا محته حتى مع هؤلاء الكلاب، فقد وصف المؤرخون ما حدث في اليوم الذي دخل فيه صلاح الدين الأيوبي - رضي الله عنه - إلى القدس فاتحا: لم ينتقم أو يقتل أو يذبح بل اشتهر المسلمون الظافرون في الواقع بالاستقامة والإنسانية. فبينما كان الصليبيون منذ ثمان وثمانين سنة يخوضون في دماء ضحاياهم المسلمين، لم تتعرض أي دار من دور بيت المقدس للنهب، ولم يحل بأحد من الأشخاص مكروه؛ إذ صار رجال الشرطة يطوفون بالشوارع والأبواب - تنفيذا لأمر صلاح الدين - لمنع كل اعتداء يحتمل وقوعه على المسيحيين: وقد تأثر الملك العادل لمنظر بؤس الأسرى فطلب من أخيه صلاح الدين إطلاق سراح ألف أسير، فوهبهم له، فأطلق العادل سراحهم على الفور، وأعلن صلاح الدين أنه سوف يطلق سراح كل شيخ وكل امرأة عجوز.
وأقبل نساء الصليبيين وقد امتلأت عيونهن بالدموع فسألن صلاح الدين أين يكون مصيرهن بعد أن لقي أزواجهن أو آباؤهن مصرعهم، أو وقعوا في الأسر، فأجاب صلاح الدين بأن وعد بإطلاق سراح كل من في الأسر من أزواجهن، وبذل للأرامل واليتامى من خزانته العطايا - كل بحسب حالته - فكانت رحمته وعطفه نقيض أفعال الصليبيين الغزاة.
أما بالنسبة لرجال الكنيسة أنفسهم - وعلى رأسهم بطريرك بيت المقدس - فإنهم لم يهتموا إلا بأنفسهم، وقد ذهل المسلمون حينما رأوا البطريرك هرقل وهو يؤدي عشرة دنانير (مقدار الفدية المطلوبة منه) ويغادر المدينة، وقد انحنت قامته لثقل ما يحمله من الذهب، وقد تبعته عربات تحمل ما بحوزته من الأموال والجواهر والأواني النفيسة.
ولو نظرنا إلى عصرنا الحاضر لما احتجنا كثيرا لقراءة التاريخ؛ فالتاريخ أسود، والواقع أشد سواداً فما يزالون يحملون أحقادهم ضد المسلمين في كل مكان، وضد الإنسانية التي يتغنون بها، وجنوب السودان، وصبرا وشاتيلا، والبوسنة، والفلبين، و الشيشان، وكوسوفا، وأبخازيا، وأذربيجان تشهد على دمويتهم وحقدهم؛ فقد خرجوا من جحورهم، واستأسدوا عندما غابت الليوث لكن سيأتي يوم الحساب قريبا..ومهما طال ليل الباطل فلا بد له أن يندحر وتشرق شمس الحق من جديد.
http://www.baladynet.net المصدر:
===========(66/475)
(66/476)
من سجلات الاحتلال تحرير مدينة دمياط الحملة الصليبية الخامسة
الزمان/ الأربعاء 19 رجب - 618هـ
المكان/ ثغر دمياط ـ الديار المصرية
الموضوع/ المسلمون بقيادة الملك الكامل الأيوبي يطردون الصليبيين من دمياط
الأحداث/ راج عند كثير من الناس أن الدافع وراء الحملات الصليبية المتتالية على بلاد المسلمين قرابة القرنين من الزمان هو سلب ونهب خيرات تلك البلاد، وهذا رغم أن شعار هذه الحملات كان الصليب، ذلك لأن أعداء الإسلام من أذناب الغرب استغلوا جهل كثير من المسلمين بتاريخ أمتهم، وروجوا عليهم هذه الأباطيل والأكاذيب، ويكفي أن نعرف أن الذي أشعل فتيل الحملة الصليبية الأولى سنة 491هـ على بلاد المسلمين هو بابا الفاتيكان 'أوربان الثاني'، وكل الحملات التالية كان الذي يأمر بتحريكها هو باب الفاتيكان، وكان بمثابة القائد الأعلى للقوات المسلحة الصليبية في أوروبا؛ فكان يعزل من يشاء ويعين من يشاء، بل كان يعاقب من يتوانى ويتكاسل في حرب المسلمين؛ بل كان هم الباباوات الأكبر في تلك الحقبة من الزمان هو مواصلة الحملات الصليبية على بلاد المسلمين، وكل بابا يوصي من بعده بمواصلة الجهاد المقدس ضد المسلمين! حتى كانت حملتنا التي سوف نتكلم عنها.
أمر الباب 'أوسنت الثالث' بشن الحملة الصليبية الخامسة على ديار الإسلام في فترة تعد عصيبة على المسلمين؛ حيث دب بينهم الخلاف، فأرسل البابا إلى ملوك أوروبا الصليبيين فجاءوا جميعًا لنيل هذا الشرف، وتحركوا بجيوش جرارة عبر البحر المتوسط حتى وصلوا إلى عكا التي كانت ما زالت تحت حوزتهم، فلما وصلت الأخبار إلى الملك العادل الأيوبي ـ وكان ملكًا على مصر والشام ـ وقد حمل الراية بعد أخيه صلاح الدين، توجه هو وابنه عيسى الملقب بـ 'المعظم' لمنع الصليبيين من التقدم في بلاد الشام، فنزل في منطقة بيسان من الأردن، فوجد العادل أن جيوش الصليبيين ضخمة جدًا، وجيشه صغير، فآثر أن يتراجع إلى دمشق حتى ينظم قواته، وتنضم إليه الجيوش المصرية، ولم يتسرع في الاصطدام مع الصليبيين.
دخل الملك العادل دمشق وحصنها، وأرسل إلى باقي ملوك المسلمين للنصرة، وأرسل ولده المعظم عيسى لحفظ بيت المقدس من هجوم الصليبيين عليه؛ لأنه الأهم عندهم وعند المسلمين، ثم تقدم الصليبيون وحاصروا قلعة الطور، فدافع عنها أبطال المسلمين دفاعًا هائلاً حتى اضطر الصليبيون للرجوع عنها والتوجه للديار المصرية عن طريق البحر، وجعلوا جهتهم إلى مدينة 'دمياط' فوصلوا إليها في شهر صفر سنة 615هـ، وضربوا عليها حصارًا شديدًا طيلة أربعة شهور متواصلة قتالاً ليل نهار، وكان على النيل برج كبير منيع، اسمه 'برج السلسلة' لأنه كان فيه سلاسل حديدة ضخمة بين طرفي النيل، وهي بمثابة القفل للديار المصرية، ولولا هذا القفل لكانت مراكب العدو لا يقدر على منعها أحد من أقاصي ديار مصر وأدانيها، وكان الملك الكامل محمد بن العادل هو الذي يتولى حفظ دمياط ويباشر قتال الصليبيين بنفسه، وبعد أربعة أشهر من القتال المتواصل ملك الصليبيين برج السلسلة، وقطعوا السلاسل لتدخل مراكبهم، فنصب الكامل جسرًا عظيمًا لتمنع مرورهم، فقاتلوا عليه حتى قطعوه، فأخذ الملك الكامل عدة سفن كبار وخرقها وغرقها في النيل ليسد به مجرى النيل، فلما رأى الصليبيون ذلك قصدوا خليجًا هناك يعرف بالأزرق، كان النيل يجري عليه قديمًا، فحفروا ذلك الخليج وأجروا الماء فيه، ثم سارت فيه سفنهم، كل ذلك والكامل يواصل معهم القتال والطعن والضرب، ولما وصلت أخبار استيلاء الصليبيين على برج السلسلة للملك العادل وكان في مرج الصفر، تأوه لذلك تأوهًا شديدًا، ودق بيده على صدره أسفًا وحزنًا على المسلمين وبلادهم، ومرض من ساعته مرض الموت لأمر يريده الله - عز وجل -، فلما كان يوم الجمعة 7 جمادى الآخر توفي - رحمه الله -، وكانت هذه الوفاة سببًا في ضعف المسلمين كما سنعلم.
لما مات الملك العادل - رحمه الله - اضطربت الأمور جدًا في بلاد المسلمين، وكان من المفترض أن يتولى ابنه الأكبر الملك الكامل محمد، الذي كان يتولى قتال الصليبيين في دمياط، وهنا ظهر أمير يقال له 'أحمد بن المشطوب' اتفق هذا الأمير على خلع الكامل وتولية أخيه الفائز مكانه ليصير الحكم إليهم عليه وعلى البلاد، فبلغت هذه الأخبار للكامل في دمياط، ففارق موقعه ليلاً وتوجه سريعًا إلى القاهرة ليضبط الأمور قبل استفحال الفتنة، وأصبح العسكر فلم يجدوا قائدهم معهم، فركب كل إنسان هواه، ولم يقف الأخ على أخيه، وفروا جميعًا وتركوا معسكرهم بما فيه من سلاح ومؤن، ولما أصبح الصليبيون لم يجدوا أحدًا من جنود المسلمين أمامهم في المعسكر، فاسترابوا في الأمر، فلما علموا الخبر عبروا النيل ودخلوا دمياط آمنين بلا منازع ولا ممانع، وغنموا ما في معسكر المسلمين، وكل ذلك بسبب فعلة ابن المشطوب.(66/477)
عندما استولى الصليبيون على معسكر المسلمين أحاطوا بمدينة دمياط وقاتلوا أهلها برًا وبحرًا، وعملوا عليهم خندقًا يمنعهم من إمدادات المسلمين، واستمات أهل دمياط في الدفاع عنها، ولكن المصيبة جاءت من طرف الأعراب، عليهم غضب الله ومقته، حيث اجتمعت قبائل الأعراب عندما سمعوا بحصار الصليبيين على أهل دمياط ووقع أهل دمياط بين نارين؛ نار الصليبيين ونار الأعراب فاضطروا في النهاية للاستسلام، فغدر بهم الصليبيون وأمعنوا فيهم القتل والأسر، وفر الباقي ولا حول ولا قوة إلا بالله.
أما الملك الكامل فلما دخل القاهرة ضبط الأمور، وهرب ابن المشطوب وفشلت خطته، ولم يلبث إلا يسيرًا حتى أهلكه الله - عز وجل - جزاءً وفاقًا لما تسبب فيه للمسلمين، ثم أرسل الملك الكامل رسالة عاجلة لإخوانه ملوك الإسلام، قائلاً فيها: 'الوحا الوحا! العَجَل العَجَل! أدركوا المسلمين قبل أن يملك الصليبيون جميع أرض مصر' فأقبلت الجيوش الإسلامية من كل بلاد الشام لنصرة المسلمين.
أما الصليبيون فلما تملكوا دمياط أقاموا بها وبثوا سراياهم في كل ما جاورهم من البلاد ينهبون ويقتلون، وشرعوا في عمارتها وتحصينها، وبالغوا في ذلك، ولما سمع الصليبيون في أوروبا ذلك أقبلوا يهرعون من كل فج عميق، وأصبحت دمياط دار هجرتهم، وقد حولوا جامع المدينة الكبير إلى كنيسة، ولم يكن هذا هو البلاء الوحيد الواقع على المسلمين وقتها، بل إن بلاد الإسلام كلها كانت تحت هجمة شرسة؛ فالتتار من ناحية المشرق قد وصلوا إلى نواحي العراق وأذربيجان، ومن ناحية المغرب استولى الصليبيون على في الأندلس على معظم بلاد المسلمين، ولم يبق للمسلمين سوى غرناطة فقط، وأشرف المسلمون وبلادهم على خطة خسف وهلاك في شرق الأرض ومغربها ووسطها.
ظل أمر المسلمين في اضطراب واختلاف أكثر من ثلاث سنوات، والعدو مستحكم في دمياط، وكثرت أعداءهم بشدة، وأصبحت دار هجرة للصليبيين حتى أذن الله - عز وجل - بلطف على المسلمين، واتحدت كلمة الأخوة الثلاثة الكامل والأشرف والمعظم أبناء الملك العادل - رحمه الله -، وفي الوقت المناسب لأن الصليبيين قد عزموا على محاربة الكامل وأخذ باقي الديار المصرية، وقد خرجوا بجميع جيوشهم من دمياط، ووصل الملك الأشرف واتحدت جيوشه مع جيوش أخيه الكامل في مقابلة الصليبيين عند نقطة من النيل اسمها 'بحر أشمون'، وحدث قتال بين الفريقين، واستطاع المسلمون كسب الجولة الأولى من القتال، فقويت نفوسهم وحميت عزائمهم على عدوهم الذي بدأ يغير وجهة نظره، وبدأ في التصالح مع المسلمين، خاصة وأن الكامل ـ غفر الله له هذه الزلة ـ قد عرض عليهم إعطائهم بيت المقدس وعسقلان وطبرية، وكل السواحل التي فتحها صلاح الدين بسيفه وبدمه ودماء المسلمين مقابل أن يرحلوا عن دمياط، ولكن الصليبيين طلبوا ثلاثمائة ألف دينار إضافة لما سبق، فرفض المسلمون العرض، وواصلوا القتال، وكان الفرنج لثقتهم الزائدة في النصر لم يأخذوا معهم المؤمن الكافية لمواصلة القتال، فعبرت مجموعة فدائية من أبطال المسلمين إلى معسكر الصليبيين وفجروا سدود النيل، ففاض الماء على المعسكر الصليبي ولم يبق للفرنجة جهة يسلكونها إلا من جهة واحدة كان يسدها عليهم الكامل والأشرف بجيوش المسلمين، ولم يبق لهم خلاص، وحاول الصليبيون في أوروبا إرسال معونات لإخوانهم الصليبيين المحاصرين في دمياط، وذلك من خلال سفينة ضخمة محملة بالسلاح والمؤمن، ولكن أسطول المسلمين استطاع أسر هذه السفينة وغنم ما عليها، وعندها أيقن الصليبيون الهلاك والعطب، وكشرت سيوف المسلمين عن أنياب المنايا، وذلت نفوس الصليبيين، وتنكس صليبيهم وخذلها شيطانهم، فأرسلوا للصلح مع الملك الكامل على أن يخرجوا من دمياط بلا عوض، ولكن يأمنهم على حياتهم، وبالفعل تم الصلح، دخل المسلمون دمياط في 19 رجب سنة 618 هـ، وعاد الصليبيون إلى بلادهم خائبين خاسرين لم ينالوا شيئًا.
من المواقف الرائعة حقًا في هذه الحملة الصليبية الخامسة أنه أثناء حصار المسلمين للصليبيين كان يخرج كل يوم من معسكر الصليبيين كلب صليبي حاقد يشتم ويسب رسول الله صلى الله عليه وسلم بأفظع السباب، وجعل هذا ديدنه كل يوم، وبعد أن تم الصلح وخرج الصليبيون من دمياط دارت الأيام وتم أسر هذا الكلب الصليبي الحاقد في الشام، وعرفه الملك الكامل عندما رآه، فأمر به فحمل إلى المدينة النبوية ليذبح أمام الحجرة النبوية الشريفة، وفي يوم الجمعة على مشهد ومسمع من الجميع؛ جزاءً وفاقًا لهذا الصليبي الحاقد، والحمد لله رب العالمين.
http://www.baladynet.net المصدر:
=============(66/478)
(66/479)
جيوش الكنائس الصهيونية الصليبية الأمريكية تحط رحالها في العراق
أبو إسلام أحمد عبدالله
Abuislama@hotmail.com
في خبر صحفي تناقلته وكالات الأنباء عن صحيفة (لوموند) الفرنسية، وبثته شبكة (islamonline) يوم 28/3/2003م، ونشرته مجلة الأهرام العربي بالقاهرة، في عددها الصادر يوم السبت 12/4/2003م، عن هجوم تنصيري مرتقب وصل بالفعل إلى الحدود العراقية ـ الأردنية؛ استعداداً لحمل العون المادي (والروحي) لسكان العراق، عندما يتحررون من نظام الرئيس صدام حسين.
وأوضح الخبر الصحفي أن (المؤتمر المعمداني للجنوب)، وهو أكبر تجمع بروتستانتي يضم الكنائس القليلة في الولايات المتحدة التي أيدت الحرب على العراق، وهيئة أخرى يديرها القس (فرانكلين جراهام) ابن الواعظ العالمي الشهير (بيلي جراهام)، وهي من أكبر التنظيمات الإنجيلية في العالم؛ قد دفعا بمجموعات من المبشرين إلى الحدود الأردنية العراقية تمهيداً لدخول العراق وإقامة مراكز في الجنوب؛ بينها بعثة تنصيرية معمدانية.
وأشارت صحيفة (لوموند) إلى أن مهمة المنصِّرين المعمدانيين والإنجيليين الذين يستعدون لدخول العراق؛ تثير انتقادات غاضبة في الأوساط التي ترى فيها تأكيداً للمخاوف من حملة صليبية ضد الإسلام، خاصة أن القس (فرانكلين جراهام) لا يكف منذ أحداث 11 سبتمبر عن التهجم البذيء على الإسلام والمسلمين في العالم.
وقالت مجلة (الأهرام العربي) نقلاً عن (اللوموند) أن كنائس هاتين الحركتين لها نشاط تنصيري في دول عربية عديدة وخاصة الإفريقية منها، تحت شعار تقديم المعونات الغذائية والطبية، ويتركز نشاطها في السودان والصومال، وتستعد حالياً للوصول إلى العراق. وهذه الكنائس تعمل بمعزل تام عن الكنائس الشرقية التي تحاربها وترفض الأنشطة التي تقوم بها، وتحاول تنبيه الحكومات العربية إليها، وخاصة أن عمليات التنصير التي تقوم بها للدعوة إلى مذهبها لا تستهدف المسلمين فقط، ولكن النصارى الشرقيين أيضاً.
ومن ناحية أخرى فقد أعلنت المنظمتان في تصريح لشبكتي (believe net) و (new house) الألكترونيتين؛ أن أعضاءهما موجدون حالياً (28/3/2003م) على الحدود العراقية الأردنية؛ في انتظار استقرار الأوضاع الأمنية للدخول إلى الأراضي العراقية.
* المهام البروتستانتية والإنجيلية في العراق:
وقالت (islamonline) على لسان ما أسمته (مترجم حر): إن مع المنظمتين فريقاً من المترجمين، للقيام بترجمة كتب ومنشورات المنظمتين، من اللغة الإنجليزية إلى العربية. وإنه (المترجم) اطلع على مقتطفات من هذه المنشورات، ولاحظ أنها ذات طبيعة تنصيرية، وأنها تستهدف ثلاث دول عربية: هي العراق، والكويت، والسعودية.
ومن طرفهما أعلنت المنظمتان أن من أوليات عملهما تقديم الطعام للعراقيين المتضررين من الحرب، ونشر الديانة النصرانية بين العراقيين الذين تبلغ نسبة المسلمين بينهم 98%.
وكان (فرانكلين جراهام) ـ الذي تحمل إحدى المنظمتين اسمه ـ قد أدلى بتصريح خاص لموقع (believe net) يوم الثلاثاء 25/3/2003م، قال فيه إن أعضاء منظمته توجهوا إلى العراق لتولي مهمة التنصير، وإنه يفعل ذلك باسم المسيح، بالتنسيق الكامل مع وكالات الإدارة الأمريكية في العاصمة الأردنية عمان، لكنه لا يعمل لحساب هذه الإدارات.
ويذكر أن (فرانكلين جراهام)، كان قد صرح ـ في وقت سابق ـ لشبكة (NBC) التلفازية الأمريكية عقب أحداث سبتمبر 2001م بشهرين تقريباً؛ قائلاً: «إن الإسلام والقرآن يُعلِّمان العنف ولا يَعرفان السلام».
ومن ناحيته أعلن (سام بورتر) مدير إغاثة الكوارث في منظمة المؤتمر العام المعمداني بمدينة أوكلاهوما الأمريكية؛ أن المنظمة تستعد أيضاً للقيام بما أطلق عليه: نشر (محبة الرب) ـ على حد وصفه ـ.
وعن أسلوب التنصير الذي سوف تتبعه المنظمات؛ قال (مارك كيلي) المتحدث باسم مجلس البعثات الدولي التابع للمؤتمر المعمداني: «إن الحديث حول الاحتياجات الروحية سينتج عن أسئلة المواطنين العراقيين عن ديننا».
* صليبية بوش تابعة لصليبية جراهام:
وجدير بالذكر أن الرئيس الأمريكي (جورج بوش) على علاقة روحية حميمة بمنظمة (المؤتمر المعمداني الجنوبي) التي تعد أكبر مؤسسة دينية موالية لبوش، كما أنه على علاقة قوية بالقس الإنجيلي (فرانكلين جراهام) الذي أدى صلاة خاصة في حفل تنصيب بوش؛ ممثلاً للكنائس اليمينية التي برزت بقوة في الولايات المتحدة منذ مطلع الثمانينيات، لتقود حركة أصولية صليبية ينتمي إليها حوالي40 مليون أمريكي؛ منهم شخصيات عديدة تتولى مراكز قيادية دبلوماسية وسياسية وعسكرية؛ منهم الرئيس الأمريكي جورج بوش وأعضاء إدارته.
وتؤمن هذه الحركة بأن العودة الثانية للسيد المسيح تسبقها عدة نبوءات، تحقق منها حتى الآن ـ بحسب زعمهم ـ: قيام دولة إسرائيل، واحتلال القدس من المسلمين، وبقيت النبوءة الثالثة المنتظرة وهي بناء هيكل سليمان. فطبقاً لنبوءات هذه الحركة؛ فإن العالم كله سوف يتمركز حول الشرق العربي الإسلامي، وكل أمم الأرض سوف تضطرب وسوف تتورط في ما يجري في هذا الشرق.
* طنطاوي وشنودة لا يرونها صليبية:(66/480)
وفي تصريح خاص قال (إبراهيم هوبر) المتحدث باسم مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية (CAI r ): إن (جراهام) يعتقد بوضوح أن الحرب على العراق هي حرب على الإسلام وأهله وأرضه، يباركها الرب.
وأوضح (إبراهيم هوبر) أن (CAI r ) رفضت مشاركة فرانكلين في الجهود الإنسانية العاملة في العراق؛ مشيراً إلى تصريحات متكررة لجراهام قال فيها: «إن الإسلام دين شرير،...وإنني أريد التوجه بنفسي إلى العراق لإعادتها إلى حظيرة النصرانية».
وفي رد من (إبراهيم هوبر) على جدوى مساعدات هذه المنظمات لأبناء العراق قال: «لن يأتي خير أبداً للمسلمين من (جراهام) وأمثاله».
بينما رفضت متحدثة باسم الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية؛ التعليق على الموضوع كله.
وفي تعليق لشبكة (islamonline) قالت: ويعتقد مراقبون أن حرب أمريكا على العراق زادت قناعة قطاع كبير من الرأي العام في العالمين العربي والإسلامي؛ بأنها حرب صليبية، على الرغم من رفض مثقفين آخرين بارزين ـ بينهم شيخ الأزهر محمد سيد طنطاوي، والأنبا شنودة ـ اعتبارها كذلك.
* الخطة والانتشار:
وعلى ما يبدو أنه نوع من أنواع الصراع الكنسي على العراق، والتنافس على الكعكة كما يقولون، أصدر مركز (Global Mission unit) التنصيري العالمي تقريراً أول أبريل الماضي بعد نشر تصريحات (فرانكلين جراهام) حول بعثته التنصيرية إلى العراق، جاء فيه: (إن فريقاً تابعاً له يقيم في العراق منذ عدة سنوات، يضم خمسة قسس وعائلاتهم وبعض معاونيهم، وهم: بوب، بلن، بل كوبس، روث تيسدال، تيريزا شلينجر، تيري بوس.
وقد نجح هذا الفريق على مدى سنوات أن يفتتح له عدة مراكز لنشر الدعوة النصرانية، وأنشأ ثلاث مكتبات ضخمة ـ واحدة في مدينة دهوك، وأخرى في مدينة أربيل، والثالثة في كردستان ـ، لتوزيع الكتب المجانية، والنشرات، وكتاب الإنجيل، وشرائط الكاسيت، والفيديو. وقد حققوا قبولاً واسعاً هناك).
وأفاد التقرير ـ الذي بثه أيضاً الباحث نواف العباسي، في رسالة إلكترونية ـ أن عمل هذا المركز يأخذ صبغة شبه رسمية، وينشط في مجالات الخدمات الاجتماعية والإنسانية، وفق اتفاقية مع عدة منظمات أخرى:
- منظمات تابعة لهيئة الأمم المتحدة.
- منظمات تابعة لبعض الحكومات الغربية.
- منظمات تنصيرية من مختلف الطرائف الكبرى.
وتخضع كلها إلى هيئة تنسيقية عليا، باسم (مكتب تنسيق إغاثة العراق) (I r CO).
وعن الأنشطة التي حققها مركز (Global) قال التقرير:
1 - توزيع مئات من كتاب الإنجيل باللغة الكردية التي يتحدث بها أبناء (أربيل، ودهوك) وبطبعات أنيقة للغاية.
2 - طبع وتوزيع كتاب ـ باللغتين الكردية والإنجليزية ـ بعنوان (الأكراد في الكتب المقدسة).
3 - التنسيق مع منظمة الكنائس العالمية في استقبال الأكراد الذين يرغبون في السفر إلى أوروبا، بعد تحولهم إلى النصرانية، وتهيئة الظروف الملائمة للاستفادة من إمكاناتهم العلمية والمهنية.
4 - تنظيم سلسلة دائمة من المحاضرات التنصيرية للمهتمين والمتميزين من شباب الأكراد.
5 - إقامة مركز كبير للدراسات الحرة لتعليم اللغة الإنجليزية والكمبيوتر والتمثيل والغناء والموسيقى والرقص.
6 - تشجيع استعمال الحروف الإنجليزية في كتابة اللغة الكردية؛ بدلاً من الحروف العربية.
7 - دعم المنظمات والجمعيات الخيرية والنسائية، بمعونات شهرية، لتغطية نفقات أنشطتها.
* الأمم المتحدة تشرف على تنصير العراقيين بأموال العراق:
وفى تقرير (Globle) أضافت المعلومات أن الكنائس العاملة في العراق، خاصة مناطق الشمال، كان لها النصيب الأوفر من مساعدات هيئة الأمم المتحدة، والتي أسند للكنائس العالمية الكبرى أمر توزيعها والإشراف عليها وتحديد المستفيدين منها.
وأشار التقرير إلى عدة منظمات كنسية أخرى، أضاف إليها الباحث نواف العباسي كثيراً من التفاصيل الدقيقة والمهمة للغاية، من هذه المنظمات:
1 ـ جمعية الكتاب المقدس: ولها مكتب في مدينة أربيل (ص. ب 940)، وتطبع كل نشراتها بمطبعة الثقافة التابعة لوزارة الثقافة العراقية في أربيل.
2 ـ منظمة (تطوير خدمات الشرق الأوسط التنصيرية البريطانية: ومركزها الرئيس في القاهرة، ولها ثلاثة مكاتب رئيسة بالعراق؛ في أربيل ودهوك والسليمانية، وتقوم على أنشطتها مجموعة كاملة موفدة من المكتب الرئيس للمنظمة في مصر، تحت رئاسة (د. إلكسندر رسل) البريطاني الأصل، والذي يعمل أستاذاً لتدريس اللغة الإنجليزية بكلية الآداب ـ جامعة صلاح الدين في أربيل، ويساعده كل من (د. كريستين) زوجة إلكسندر وزميلته بنفس الكلية، وتدير مركز المصباح (Lamp) لمحو الأمية، وخالد (اسم مستعار) النمساوي الأصل، وطارق (اسم مستعار) الإنجليزي الأصل، ومسعد المصري الأصل، وناجي المصري الأصل، والذي كان يعمل سابقاً في مكتب وزارة الخارجية المصرية بمدينة الرياض السعودية. وجميعهم يتحدث الإنجليزية والعربية بطلاقة، إضافة إلى اللغة الكردية.(66/481)
3 ـ منظمة (ينبوع الحياة) الأمريكية: ومركزها في مدينة (شقلاوة) القريبة من أربيل؛ بدعم مباشر من مكتب مساعدة الكوارث الخارجية (O.F.D.A) التابع لوزارة الخارجية الأمريكية، تحت ستار حفر الآبار وتوفير مياه الشرب النقية.
4 ـ منظمة القوافل الطبية الدولية (Inte r national Medical Teams): ومركزها الرئيس مدينة (بورتلاند) الأمريكية، جاءت إلى العراق برفقة الجيش الأمريكي في حرب الخليج الثانية، وتعمل بدعم مباشر من مكتب (O.F.D.A) وتحت إشراف مكتب التنسيق العسكري الأمريكي (M.c.c)، ولها أربعة مكاتب في (السليمانية، أربيل، وزاخو، ودهوك)، يديرها فريق منظمة (Global)، وجميع مقار هذه المكاتب كان منحة إجبارية من الحكومة العراقية استجابة لشروط دعم الأمم المتحدة من خلال مشروعها (النفط مقابل الحياة).
5 ـ الكنيسة الكلدانية الأمريكية: وهي واحدة من أعرق الكنائس في العراق، والتي تنتسب إلى الكنيسة في قرونها الأولى، وتنتسب إليها جميع الكنائس الكلدانية في العالم.
وتلقى هذه الكنيسة رعاية خاصة من النظام العراقي، خاصة في عهد صدام حسين، والتي أفصح عن جزء منها الخوري العراقي (يعقوب يسَّو) الذي يشرف على كنيسة القلب المقدس الكلدانية التي أسسها في مدينة ديترويت الأمريكية عام 1970م، حيث يقطن أكثر من (100) ألف كلداني عراقي، بحسب تصريح الخوري يعقوب إلى صحيفة الشرق الأوسط، والذي أدلى به هاتفياً قبل احتلال القوات الأمريكية للعاصمة بغداد بأيام قليلة.
قال الخوري إنه تلقى مساعدات ضخمة من الرئيس العراقي صدام حسين، يذكر منها (250) ألف دولار لكنيسته، ثم مثلها إلى كل واحدة من خمس كنائس كلدانية أخرى، كما تبرع بنفس هذه القيمة في مناسبة أخرى إلى إدارة الشؤون الثقافية التابعة لبلدية مدينة ديترويت الأمريكية؛ مما حدا برئيس البلدية أن يمنح الرئيس العراقي المفتاح الذهبي للمدينة.
وأضاف الخوري يعقوب؛ أن دفعات أخرى تلقتها الكنيسة الكلدانية من الرئيس صدام حسين، كان آخرها (200) ألف دولار لكنيسته، وضعفه موزعاً على كنيستين في شيكاغو، ثم مليون دولار في دفعة خاصة لبناء مدرسة خاصة لأطفال العراق في ديترويت.
6 ـ منظمة (المصادر) بريطانية الجنسية: وتعمل في مجال تدريس الكمبيوتر واللغة الإنجليزية، ولها عدة مكاتب فرعية، ومكتب رئيس في مدينة شقلاوة وضواحيها.
وفي ضوء هذه الجهود المستمرة للكنيستين الكاثوليكية والبروتستانتية في العراق؛ فإن الكنيسة الأرثوذكسية قد استطاعت أن تؤدي دوراً كبيراً في تمهيد سبل النشاط والحركة، وجمع المعلومات الجغرافية والبيئية حول مناطق الشمال خاصة، وتقديمها إلى الكنائس التي أطلق عليها التقرير وصف (المغتربة).
7 ـ منظمة كاريتاس: وعلى محور مستقل، أعلنت نشرة (النيابة الرسولية الكاثوليكية) التي تصدر بالقاهرة، في عددها رقم 46، الصادر في نهاية مارس الماضي؛ أن منظمة (كاريتاس) الكاثوليكية العالمية، بالتعاون مع مكاتبها داخل العراق ـ والتي لم تحدد مواقعها ـ وبتنسيق مع فروعها في تركيا وسوريا ولبنان والقدس، قد أعدت كمية ضخمة من المساعدات الإنسانية تسد احتياجات ما يقرب من نصف مليون عراقي.
وقال مصدر مسؤول بالنشرة البابوية إن (كاريتاس) تلقت للغرض نفسه (600) ألف يورو من فرعها في ألمانيا للخدمات الروحية (التنصيرية).
وفي تصريح خاص لمسؤول مكتب كريتاس للتنصير ـ الذي يقع أول شارع عبد الحميد حسن بوسط القاهرة ـ رفض ذكر اسمه: أن كريتاس تعمل في العراق منذ أكثر من عشرين عاماً، لكنها ضاعفت من نشاطها بعد حرب الخليج الثانية، خاصة في منطقة شمال العراق التي تعدُّ أرضاً خصبة لأنشطة المنظمات الكنسية بمختلف طوائفها.
وقد اتفقت هذه الكنائس مجتمعة على دعم انتشار اللغة الكردية القومية كبديل للغة العربية، وصناعة مجموعات سياسية وفكرية وثقافية تتبنى دعوة الاستقلال التام عن الأمة العربية، وإنشاء وطن مستقل للأكراد في شمال العراق، ويضم أكراد العراق وسوريا وتركيا وإيران وروسيا.
وبرغم معرفة هذه الكنائس أن هذا (الوطن الحلم) غير قابل للإنشاء؛ بسبب الاختلافات العرقية والثقافية والعنصرية والدينية التي استطاعوا أن يجعلوها عقائد لأبناء العراق في المناطق الخمسة، وأنها لا تزيد عن كونها مناطق (بؤر) لإثارة القلاقل وعدم الاستقرار عندما يحتاج الأمر إلى ذلك.
8 ـ الكنيسة الآشورية: أما آخر طابور العقائد، فكانت لكنيسة تدعى (الآشورية)، بدأت نشاطها مؤخراً بعد موات دام أكثر من (90) عاماً، ويقول أصحابها إنهم أصل النصرانية في العراق، والذين استقبلوا دعوتها منذ القرن الأول الميلادي، وكانوا يعرفون باسم (النصارى السريان)، نسبة إلى الكلمة اليونانية (Assy r ion) المحرفة لكلمة (آشورى).(66/482)
وتتفق كل الدراسات لتاريخ النصرانية في العراق على أن هذه الكنيسة لاقت بطشاً مستمراً من الكنائس الغربية طوال تاريخها، وأنه بسبب خيانات بعض النصارى العراقيين لدولة الخلافة الإسلامية وموالاتهم للجيوش الغربية؛ كان يعطى المسوِّغ دائماً لدولة الخلافة أن تمنح حق الرعاية على غير المسلمين للحكومات الغربية المشابهة لهم دينياً؛ مما ساعد على استبداد الكنائس الغربية كثيراً بالكنائس الوطنية والضعيفة.
وتقول الباحثة النصرانية (نينب أمرايا) في دراسة لها غير منشورة: «إن الدولة العثمانية بهذا القرار؛ مهدت السبيل أمام الإرساليات التنصرية الغربية ليجعلوا من نصارى العراق السريان غنيمة تنهب منها كل كنيسة غربية على قدر ما تستطيع عن طريق شراء الذمم، مستغلة الحصانات الدبلوماسية، وممارسة الاضطهادات، والحصار الاقتصادي لنصارى العراق الأصليين، لإجبارهم على الاحتماء بهذه الإرساليات حفاظاً لحياتهم؛ لقاء اتباع مذهب الكنيسة التي ستتولى الحماية، فكان الثمن المدفوع خلال القرن التاسع عشر وحده، دماء أكثر من ثلاثة ملايين سرياني في مجازر صليبية غربية عنيفة، تحت عين وبصر دولة الخلافة، كان أشدها عنفاً ما حدث عام 1914 ـ 1915م؛ مما أجبر عشرات الألوف على الهجرة إلى روسيا وسوريا والأردن وتركيا وأمريكا وأوروبا وأستراليا».
وتقول الباحثة نينب أمرايا: وهكذا استطاعت تلك الإرساليات الصليبية الغربية أن تمزق أبناء شعبنا إلى مذاهب دينية جديدة هي:
1 - سريان كاثوليك.
2 - سريان أرثوذكس.
3 - سريان إنجيليين.
أما الذين حاولوا الحفاظ على هويتهم العراقية باسم (الكنيسة السريانية الشرقية القديمة)؛ فقد استطاعت الفتنة شقهم إلى ثلاث طوائف:
1 - الكلدان الكاثوليك.
2 - الكلدان الإنجيليين.
3 - أتباع الكنيسة الكلدانية الشرقية القديمة الذين ظلوا على عقيدتهم الأولى.
وتضيف دراسة (نينب أمرايا) التي بثتها الكنيسة الآشورية على شبكة الإنترنت مع أول يوم للاحتلال الأمريكي؛ قائلة: «مع كل هذه الأجواء المشحونة والملتهبة؛ تأتي مجموعة كبيرة من رواد النهضة القومية، متخذين من الصحافة والعلم والسلام نهجاً ثابتاً لنشر رسالة أمتهم القومية، مؤكدين (وحدة الشعب الآشوري) بكل مذاهبه الكنسية الطائفية، وحق أمتهم في الوجود، وممارسة حقوقه المشروعة في أرض آبائه وأجداده».
وتجاوز البيان الآشوري في أحلامه؛ مشيراً إلى تاريخ الكفاح من أجل عودة العراق كله إلى الكنيسة الآشورية القديمة، جاء فيه: (لقد وقف ممثلو الشعب الآشوري عام 1919م في مؤتمر الصلح في باريس مدافعين عن حق الوجود القومي الآشوري، ومن ثم معاهدة «سيفر» التي أبرمت في فرنسا عام 1920م، ومعاهدة «لوزان» بسويسرا عام 1924م، والتي نصت صراحة على الحق القومي للشعب الآشوري في أرض وطنه بالتعاون مع الحكومات الوطنية، ثم تلتها اللجنة الهنجارية البلجيكية عام 1925م التي اقترحت ضم الموصل في الجنوب إلى العراق، وضم (هكاري) في الشمال إلى تركيا، مع المحافظة على الحقوق التاريخية القديمة التي كان يملكها الآشوريون، وحق المهاجرين منهم في العودة إلى ديارهم في (هكاري)، إلا أن شيئاً من ذلك لم يحدث، بل تفاقمت الأمور إلى حد ارتكاب واحدة من أبشع المذابح في العام 1933 في منطقة (سميل)، التي أودت بحياة أربعة آلاف آشوري من مختلف الأعمار التي حيكت مؤامرتها من قبل الكنيسة الإنجليزية وحكومتها، بالتعاون مع الحكومة الملكية العراقية الموالية لها حينذاك).
ولأننا لا نملك حق المشاركة في القرار، وقد سفكت صواريخ وقنابل أمريكا دماء آلاف ممن كان لهم حق المشاركة في الرأي، وأحكمت بعتادها العسكري السيطرة على مقدرات البقية الباقية، كما أن سجون الحكومات العربية أصبحت مسكناً لمن حاولوا أو يحاولون ممارسة حق الفكر أو الفهم بشأن العراق والمسلمين؛ فإن السكوت أصبح هو خير ملاذات العصر، ويكفينا سعادة وحبوراً أننا لم نحرم من المشاركة في المشاهدة، وتطبيع المشاعر مع صورة الدماء الفضائية النازفة من أجساد المسلمين في كل أرض، في انتظار نتائج هجمة التنصير الجديدة على العراق المسلم.
http://www.baladynet.net المصدر:
==============(66/483)
(66/484)
المسيحية والسيف وثائق تاريخية عن فظائع الحروب الصليبية
" لاَ تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لأُرْسِيَ سَلاماً عَلَى الأَرْضِ. مَا جِئْتُ لأُرْسِيَ سَلاَماً، بَلْ سَيْفاً. 35 فَإِنِّي جِئْتُ لأَجْعَلَ الإِنْسَانَ عَلَى خِلاَفٍ مَعَ أَبِيهِ، وَالْبِنْتَ مَعَ أُمِّهَا، وَالْكَنَّةَ مَعَ حَمَاتِهَا. 36 وَ هَكَذَا يَصِيرُ أَعْدَاءَ الإِنْسَانِ أَهْلُ بَيْتِهِ! (إنجيل متى: 10)
يتغنى النصارى بمقولة المسيح: (من ضربك على خدك الأيمن فأدر له خدك الأيسر) ليدللوا على أن دينهم دين سلام ورحمة، وفي المقابل نجدهم ينعقون ليلاً ونهارا بأن الإسلام دين السيف والإرهاب...فهل التاريخ والواقع يصدق ذلك؟
روى ابن الأثير في تاريخه 8/189-190 عن دخول الصليبين للقدس في الحروب الصليبية فقال: (مَلَك الفرنج القدس نهار يوم الجمعة، لسبع بقين من شعبان، وركب الناس السيف، ولبث الفرنج في البلدة أسبوعا يقتلون فيه المسلمين، واحتمى جماعة من المسلمين بمحراب داود، فاعتصموا به، وقاتلوا فيه ثلاثة أيام، و قتل الفرنج بالمسجد الأقصى ما يزيد على سبعين ألفا، منهم جماعة كبيرة من أئمة المسلمين وعلمائهم وعبادهم وزهادهم ممن فارق الأوطان و جاور بذلك الموضع الشريف)
كما وصف ستيفن رنسيمان في كتابه " تاريخ الحروب الصليبية " ما حدث في القدس يوم دخلها الصليبيون فقال: (و في الصباح الباكر من اليوم التالي اقتحم باب المسجد ثلة من الصليبيين، فأجهزت على جميع اللاجئين اليه، وحينما توجه قائد القوة ريموند أجيل في الضحى لزيارة ساحة المعبد أخذ يتلمس طريقه بين الجثث والدماء التي بلغت ركبتيه، وتركت مذبحة بيت المقدس أثرا عميقا في جميع العالم، وليس معروفا بالضبط عدد ضحاياها، غير أنها أدت إلى خلو المدينة من سكانها المسلمين واليهود؛ بل إن كثيراً من المسيحيين اشتد جزعهم لما حدث) (1/404/406).
وقد وصف كثير من المؤرخين أحداث المذبحة التي حدثت في القدس يوم دخول الصليبيين إليها، و كيف أنهم كانوا يزهون بأنفسهم؛ لأن ركب خيولهم كانت تخوض في دماء المسلمين التي سالت في الشوارع، و قد كان من وسائل الترفيه لدى الصليبيين أن يشووا أطفال المسلمين كما تشوى النعاج.
ويذكر الكثيرون ماذا فعل ريتشارد قلب الأسد في الحملة الصليبية الثالثة - عند احتلاله لعكا - بأسرى المسلمين، فقد ذبح 2700 أسير من أسرى المسلمين الذين كانوا في حامية عكا، و قد لقيت زوجات وأطفال الأسرى مصرعهم إلى جوارهم.
فأي سلام يحمله هؤلاء؟
مجازر الصليبيين عند دخول القدس
ذكر " غوستاف لوبون " في كتابه " الحضارة العربية " - نقلا عن روايات رهبان ومؤرخين رافقوا الحملة الصليبية الحاقدة على القدس - ما حدث حين دخول الصليبيين للمدينة المقدسة من مجازر دموية لا تدل إلا على حقد أسود متأصل في نفوس ووجدان الصليبيين. قال الراهب " روبرت " أحد الصليبيين - المتعصبين وهو شاهد عيان لما حدث في بيت المقدس - واصفا سلوك قومه ص325: (كان قومنا يجوبون الشوارع والميادين وسطوح البيوت ليرووا غليلهم من التقتيل، وذلك كاللبؤات التي خطفت صغارها! كانوا يذبحون الأولاد والشباب، ويقطعونهم إربا إربا، وكانوا يشنقون أناسا كثيرين بحبل واحد بغية السرعة، وكان قومنا يقبضون كل شيء يجدونه فيبقرون بطون الموتى ليخرجوا منها قطعا ذهبية!!! فيا للشره وحب الذهب، وكانت الدماء تسيل كالأنهار في طرق المدينة المغطاة بالجثث).
وقال كاهن أبوس (ريموند داجميل) شامتاً ص326-327:
(حدث ما هو عجيب بين العرب عندما استولى قومنا على أسوار القدس وبروجها، فقد قطعت رؤوس بعضهم، فكان هذا أقل ما يمكن أن يصيبهم، وبقرت بطون بعضهم؛ فكانوا يضطرون إلى القذف بأنفسهم من أعلى الأسوار، وحرق بعضهم في النار؛ فكان ذلك بعد عذاب طويل، وكان لا يرى في شوارع القدس وميادينها سوى أكداس من رؤوس العرب وأيديهم وأرجلهم، فلا يمر المرء إلا على جثث قتلاهم، ولكن كل هذا لم يكن سوى بعض ما نالوا).
وقال واصفا مذبحة مسجد عمر: لقد أفرط قومنا في سفك الدماء في هيكل سليمان، وكانت جثث القتلى تعوم في الساحة هنا وهناك، وكانت الأيدي المبتورة تسبح كأنها تريد أن تتصل بجثث غريبة عنها. ولم يكتف الفرسان الصليبيون الأتقياء (!) بذلك فعقدوا مؤتمرا أجمعوا فيه على إبادة جميع سكان القدس من المسلمين واليهود و خوارج النصارى - الذين كان عددهم ستين ألفا - فأفنوهم عن بكرة أبيهم في ثمانية أيام، و لم يستبقوا منهم امرأة و لا ولدا و لا شيخا)
وفي ص396 يقول: (و عمل الصليبيون مثل ذلك في مدن المسلمين التي اجتاحوها: ففي المعرة قتلوا جميع من كان فيها من المسلمين اللاجئين في الجوامع و المختبئين في السراديب، فأهلكوا صبراً ما يزيد على مائة ألف إنسان - في أكثر الروايات - و كانت المعرة من أعظم مدن الشام بعدد السكان بعد أن فر إليها الناس بعد سقوط أنطاكية و غيرها بيد الصليبيين).
فأي إنسانية يتغنى بمثلها هؤلاء؟ هل فعلا يديرون الخد الأيسر لمن يصفعهم على خدهم الأيمن؟
تاريخهم يجيب عن ذلك!
تعامل صلاح الدين مع الصليبيين:(66/485)
ومع ما فعله الصليبيون في القدس فإننا نرى رحمة الإسلام ومسا محته حتى مع هؤلاء الكلاب، فقد وصف المؤرخون ما حدث في اليوم الذي دخل فيه صلاح الدين الأيوبي - رضي الله عنه - إلى القدس فاتحا: لم ينتقم أو يقتل أو يذبح بل اشتهر المسلمون الظافرون في الواقع بالاستقامة والإنسانية. فبينما كان الصليبيون منذ ثمان وثمانين سنة يخوضون في دماء ضحاياهم المسلمين، لم تتعرض أي دار من دور بيت المقدس للنهب، ولم يحل بأحد من الأشخاص مكروه؛ إذ صار رجال الشرطة يطوفون بالشوارع والأبواب - تنفيذا لأمر صلاح الدين - لمنع كل اعتداء يحتمل وقوعه على المسيحيين: وقد تأثر الملك العادل لمنظر بؤس الأسرى فطلب من أخيه صلاح الدين إطلاق سراح ألف أسير، فوهبهم له، فأطلق العادل سراحهم على الفور، وأعلن صلاح الدين أنه سوف يطلق سراح كل شيخ وكل امرأة عجوز.
وأقبل نساء الصليبيين وقد امتلأت عيونهن بالدموع فسألن صلاح الدين أين يكون مصيرهن بعد أن لقي أزواجهن أو آباؤهن مصرعهم، أو وقعوا في الأسر، فأجاب صلاح الدين بأن وعد بإطلاق سراح كل من في الأسر من أزواجهن، وبذل للأرامل واليتامى من خزانته العطايا - كل بحسب حالته - فكانت رحمته وعطفه نقيض أفعال الصليبيين الغزاة.
أما بالنسبة لرجال الكنيسة أنفسهم - وعلى رأسهم بطريرك بيت المقدس - فإنهم لم يهتموا إلا بأنفسهم، وقد ذهل المسلمون حينما رأوا البطريرك هرقل وهو يؤدي عشرة دنانير (مقدار الفدية المطلوبة منه) ويغادر المدينة، وقد انحنت قامته لثقل ما يحمله من الذهب، وقد تبعته عربات تحمل ما بحوزته من الأموال والجواهر والأواني النفيسة.
ولو نظرنا إلى عصرنا الحاضر لما احتجنا كثيرا لقراءة التاريخ؛ فالتاريخ أسود، والواقع أشد سواداً فما يزالون يحملون أحقادهم ضد المسلمين في كل مكان، وضد الإنسانية التي يتغنون بها، وجنوب السودان، وصبرا وشاتيلا، والبوسنة، والفلبين، و الشيشان، وكوسوفا، وأبخازيا، وأذربيجان تشهد على دمويتهم وحقدهم؛ فقد خرجوا من جحورهم، واستأسدوا عندما غابت الليوث لكن سيأتي يوم الحساب قريبا.. ومهما طال ليل الباطل فلا بد له أن يندحر وتشرق شمس الحق من جديد.
10/11/2002
http://www.islamweb.net.qa المصدر:
==============(66/486)
(66/487)
البابا المنتظر يشن حرباً صليبية
" يجب ألا تكون هناك تأشيرات دخول للمسلمين "
إنه صراع على روح أوروبا، التي إما ستكتشف جذورها المسيحية أو تتحول إلى الإسلام ".
" إنه سيتوجب على الإيطاليين التعود على صلاة الجمعة وتعدد الزوجات واضطهاد المسلمين للمرأة، وكذلك الأصولية الإسلامية "
بهذه التصريحات النارية انطلق الكاردينال " جياكومو بيفي " رئيس أساقفة بولونيا " وأبرز المرشحين لخلافة البابا الحالي " يحذر " أوروبا المسيحية " من الخطر الداهم الذي يهددها ألا وهو " الغزو الإسلامي " على حد قوله!!!
وقد دعا البابا المنتظر " بيفي " في خطابه الذي ألقاه أمام ثلاثمائة من القساوسة المجتمعين، قرب بولونيا ـ الحكومة الإيطالية والحكومات الصليبية للحدِّ من هجرة المسلمين إليها؛ لأن في ذلك خطرًا على النصارى والنصرانية.
وقد أعادت تصريحات بيفي إلى الأذهان صورة الحروب الصليبية، وقد قال بالحرف الواحد: " يجب ألا تكون هناك تأشيرات دخول للمسلمين " وأضاف أنه ناقش ذلك مع وزير في الحكومة الإيطالية وقال له: " إذا أردت أن تفعل شيئًا جيدًا لإيطاليا فأنقذها من المعاناة، يجب أن توقف دخول كل هؤلاء المهاجرين، ولكن يجب أن تراعي المهاجرين الكاثوليك ".
وقال البابا المنتظر: " ممكن للدول أن تختار من تريد دخولهم، وليس هناك شيء يشبه حق الغزو "،
" لا يمكن أن يكون المعيار الوحيد لقبول المهاجرين هو الظروف الإقتصادية والنظرة الخيرية، يجب أن نكون مهتمين بإنقاذ هوية الأمة ".
وقال " بيفي ": " إن بعض المهاجرين قدموا من " ثقافات أجنبية " ولا يفضلون التعايش أو الاندماج في المجتمع، المسلمون لا يتكاملون في المجتمع الإيطالي ".
الحروب الصليبية:
وفي سؤال عما إذا كان يشن حربًا صليبية جديدة؟ قال مبتسمًا: " أنا شخصيًا ليس لي عندي أي مانع ضد عبارة حرب صليبية ".
وقال: " إنه صراع على روح أوروبا التي إما ستكتشف جزورها المسيحية أو تتحول إلى الإسلام " ومضى يقول: " إن الحكومة قد فشلت في إيقاف تدفق المهاجرين وإنه سيتوجب على الإيطاليين التعود على صلاة الجمعة وتعدد الزوجات واضطهاد المسلمين للمرأة، وكذلك الأصولية الإسلامية ". على حد زعمه.
ويقول رجال الفكر في إيطاليا:
إن الأوروبيين يخافون الإسلام الذي كان معاصرًا للحروب الصليبية الأولى التي آثارها البابا " يوربان الثاني " في عام 1095 لهزيمة الأتراك السلجوفيين " العثمانيين " واستعادة القدس إلى المسيحية.
ورغم أن الموجة الثانية والثالثة في القرن الثاني عشر انتهت بهزائم، وكذلك الموجة الأخيرة في القرن الخامس عشر، إلا أن البابوات كانوا يحاولون تأمين تعاون أوروبي لاحتواء توسع الإمبراطورية العثمانية.
المحرر:
هذا الكلام نسوقه للمسلمين حكامًا ومحكومين ليتعرفوا على الواقع النصراني ونظرته حيال العالم الإسلامي وماذا يخبئون له.
وينبغي أن ننبه إلى أن " الكاردينال جياكومو بيفي " صاحب هذه التصريحات " رئيس أساقفة بولونيا " هو أبرز المرشحين لخلافة كرسي البابوية، وينظر إليه النصارى على أنه حامل الحق الكاثوليكي في العالم.
ورغم هذه التصريحات النارية قالت صحيفة " لا ريبليكا ": إن بيفي أكثر محافظة من البابا الحالي جون بول الثاني "
وصدق الله: " ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا ".
01/01/2002
http://www.islamweb.net المصدر:
===============(66/488)
(66/489)
عندما يكشف بابا الفاتيكان عن عقليته الصليبية!
طريف السيد عيسى
14- 9- 2006م
طالعتنا وسائل الإعلام مؤخراً حول ما نطق به بابا الفاتكان بينيديكت السادس عشر خلال محاضرة له في ألمانيا، حيث نقل كلاماً لأحد الكتاب النصارى والذي جاء فيه: محمد لم يأت إلا بما هو سيء وغير إنساني.
ونحن نعلم أهداف البابا لنقله هذا الكلام، ولكن نطرح على البابا أسئلة ملحة طرحت في الماضي، ونطرحها اليوم: لماذا يزكي روح الفتنة بابا الفاتكان؟ ما هي أهداف البابا من نقله لهذا الكلام؟ أين مصداقية البابا في دعوته للحوار بين الأديان؟ هل البابا يؤكد من جديد حنينه للعقلية الصليبية؟
أسئلة كثيرة تحتاج إلى جواب صريح وواضح، لأنه لم يعد مقبولاً دعوة علماء ومفكري المسلمين إلى حوار الأديان، بينما نجد علية القوم من النصارى كل يوم يردون علينا بالاستفزاز والنيل من عقيدتنا، واستباحة أراضينا، وتدميرها والاعتداء على أعراضنا، ثم يذهب كبيرهم الذي علمهم السحر إلى أحد مساجد المسلمين ظناً منه أن ذلك كاف لتبرير سلوكه وتصريحاته الخطيرة.
لسنا ضد الحوار، ولكن لا يعني الحوار أن يتمادى بعض النصارى في غيهم وغطرستهم واستفزازهم لنا, وهم يعلمون أن هذا الاستفزاز ليس في مصلحتهم ولا في مصلحة المسلمين، مطلوب اليوم من علماء الأمة وقفة واضحة وشجاعة لتوضيح الأمور، وفضح السياسات الصليبية القديمة والحديثة ودونما مواربة, وإلا فإن صمت العلماء يعتبر مريباً وغير مبرر وغير مفهوم.
إن هذه التصريحات وغيرها تؤكد أن كل مؤتمرات الحوار ذهبت أدراج الرياح, وعلى دعاة الحوار أن يعيدوا حساباتهم مرة أخرى، ويمعنوا النظر في تلك التصريحات التي تصدر عن بابا الفاتكان, مطلوب من علماء الأمة البيان والتوضيح وأن يؤدوا الأمانة والرسالة المنوطة بهم فيحذروا الأمة من العقلية الصليبية الجديدة.
لا يعني كلامنا هذا أننا ندعو لقتال النصارى، وشن الحرب عليهم, ولا يعني أيضاً أننا نضع النصارى كلهم في سلة واحدة أبداً فنحن نفرق بين المسالم الذي يحترم عقائد الآخرين، وبين الاستفزازي الذي يعمل على إذكاء نار الحرب والفتنة، فهؤلاء لا بد من الوقوف بوجههم، ونرد عليهم بنفس الأسلوب الذي يستخدمونه، فإن كان استفزازهم بالقلم فنرد عليهم بالقلم, وإن كان استفزازهم باللسان فنرد عليهم باللسان, وإذا كان استفزازهم بالسلاح والقتل فنرد عليهم بنفس الأسلوب أيضاً، لأننا عندها نستخدم حقنا الطبيعي في الرد على هؤلاء.
ونحن المسلمين لدينا دستور واضح للتعامل مع الآخر النصراني، وهذا الدستور ذكره الله - تعالى- في القرآن الكريم, حيث قال الله - تعالى-: ((لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم أن الله يحب المقسطين. إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون)) سورة الممتحنة آية 8 - 9.
فالتعامل معهم قائم على البر والقسط والإحسان، إلا إذا أعلنوا الحرب والعداء فهنا أصبح لنا الحق الكامل بالمبادرة لقتال كل من أعلن الحرب علينا.
إنني في هذا الموضوع لن أتطرق إلى ما أمرتنا به الشريعة الإسلامية من حسن التعامل مع أهل الكتاب فهذا متروك لمقام آخر, ولكنني بصدد الرد على كل هذه التصريحات الاستفزازية لنبين التاريخ الأسود والمخزي للصليبية التي استباحت بلادنا وعقيدتنا، لنفقأ عيون أولئك الذين يتهجمون على عقيدتنا، ونكشف للبشرية ماذا فعلوا بنا في الماضي، وماذا يفعلون بنا في الحاضر.
وسوف أستشهد بمؤرخيهم وكتابهم ودساتيرهم التي لا يستطيعون نكرانها، وكي تكون شاهداً على إجرامهم وعقليتهم السوداوية عبر التاريخ.
1- منذ فترة صدرت دراسة لباحث نصراني مصري وهو الدكتور نبيل لوقا بباوي تحت عنوان "انتشار الإسلام بحد السيف بين الحقيقة والافتراء" ومما جاء في الدراسة:
- يعتبر الإسلام دين سماوي, وأخطاء بعض أفراده لا تمت إلى تعاليم الإسلام بصلة.
- في المسيحية تناقض رهيب بين تعاليمها الداعية إلى المحبة والتسامح والسلام وبين ما فعله بعض المسيحيين من قتل وسفك للدماء، والاضطهاد والتعذيب بحق مسيحيين آخرين.
- هل ينسى المسيحيون ما قام به الكاثوليك في عهد الإمبراطور دقلديانوس الذي تولى الحكم عام 248م, ففي عهده تم تعذيب الأرثوذكس في مصر، حيث ألقوا في النار وهم أحياء، كما تم رمي جثثهم للغربان لتأكلها, وإن عدد الذين قتلوا في عهده يقدر بحوالي مليون مسيحي, كما تم فرض الضرائب الباهظة عليهم, مما جعل الكنيسة القبطية في مصر تعتبر ذلك العهد عهد الشهداء، وبه أرخوا التقويم القبطي تذكيراً بالتطرف المسيحي، في حين وجدنا من المسلمين التسامح وحرية العقيدة، وحرية التحاكم لدستورنا المسيحي, مما يؤكد أن الإسلام لم ينتشر بالسيف كما يزعم البعض.
- ويتساءل لماذا يقوم بعض المسيحيين بتضخيم بعض الأخطاء التي ارتكبت بحق بعض المسيحيين من قبل بعض الأفراد المسلمين, بينما هؤلاء المسيحيون يغمضون أعينهم عن المذابح والجرائم والمجازر التي حدثت من جانب المسيحية.(66/490)
- إنني أؤكد وبناء على دراستي للتاريخ أننا لم نجد أرحم من المسلمين وهذه هي الحقيقة.
2- يقول المؤرخ المسيحي فيدهام: أين المسيحيون من مذبحة باريس بتاريخ 24- 8- 1572م والتي قام بها الكاثوليك ضد البروتستانت، وذهب ضحيتها عشرات الألوف، حتى امتلأت شوارع باريس بالدماء، هل ينسى المسيحيون أن محكمة الكنيسة عام 1052م هددت بطرد المسلمين من أشبيلية إذا لم يقبلوا بالديانة المسيحية، ومن خالف ذلك يقتل.
إن الحروب بين المسيحيين ملئت بالفظائع لأن رجال اللاهوت كانوا يصبون الزيت على النار.
ارتكبت خلال القرن الثاني عشر والثالث عشر أفظع المجازر ضد الكثاريين والوالدنس، وهذه المجازر حصدت مئات الألوف من الرجال والنساء والأطفال.
وينقل عن المؤرخ وليم جايس أن العالم لم يعرف الاضطهاد الديني قبل ظهور الأديان الموحدة, لقد كانت المسيحية في الواقع أول مذهب ديني في العالم يدعو للتعصب، وإفناء الخصوم.
هل ننسى محاكم التفتيش التي أنشأت عام 1481م، وخلال أعوام قتل أكثر من 340 ألف، وهناك ألوف تم حرقهم وهم أحياء.
وينقل عن بريفولت أن المؤرخين يقدرون عدد الذين قتلهم المسيحيون في أوروبا خلال فترة قصيرة أكثر من 15 مليون إنسان.
3- يذكر حنا النقيوس في كتابه تاريخ مصر:
- في عهد الإمبراطور الروماني قسطنطين للفترة من 274م - 337م تم تدمير المعابد النصرانية، وأحرق المكتبات، وسحل الفلاسفة، وقتلهم وأحرقهم.
- قاد بطريرك الكنيسة المصرية تيو فيلوس 385م - 412م حملة اضطهاد ضد الوثنيين فقضى على مدرسة الإسكندرية، ودمر مكتبتها ومكتبات المعابد، كما تم قتل وسحل وحرق الفيلسوف وعالم الفلك والرياضيات اناتية, كما تم تحطيم كل محتويات المعابد.
4- وإلى الذين يتبجحون بأن الإسلام أنتشر بالسيف فننقل لهم ما ذكره المؤرخ النصراني فيليب فارج والمؤرخ يوسف كرباج في كتاب "المسيحيون في التاريخ الإسلامي العربي والتركي" صفحة 25،46،47: كان عدد سكان النصارى واليهود في مصر إبان خلافة معاوية حوالي 2500000 نسمة, وبعد نصف قرن أسلم نصف هذا العدد في عهد هارون الرشيد بسبب عدالة وسماحة الإسلام.
5- أقوال المؤرخين والمستشرقين ومنهم من رافق الحملات الصليبية:
- يقول المستشرق والمؤرخ السير توماس أرنولد في كتابه الدعوة إلى الإسلام: إنه من الحق أن نقول إن غير المسلمين قد نعموا بوجه الإجمال في ظل الحكم الإسلامي بدرجة من التسامح لا نجد لها معادلاً في أوروبا.
- يقول العالم النصراني كيتانين: إن انتشار الإسلام بين نصارى الشرق كان نتيجة الاستياء من السفسطة المذهبية الهيلينية, فتم تحويل تعاليم المسيح - عليه السلام - إلى عقيدة محفوفة بالشكوك والشبهات، مما أثار الشعور باليأس، وزعزع أصول العقيدة حتى أصبحت خليطاً من الغش والزيف، وسادها الانقسام, فجاء الإسلام ببساطة ثقافته وعقيدته فأزال كل الشكوك، وقدم مبادئه بكل بساطة، فترك قسم كبير النصرانية، واعتنقوا الإسلام.
- يقول المؤرخ اللبناني الدكتور جورج قرم في كتابه تعدد الأديان ونظم الحكم: إن فترات التوتر والاضطهاد لغير المسلمين في الحضارة الإسلامية كانت قصيرة جداً وسببها عدة عوامل, وبالدقة كان الاضطهاد في عهد المتوكل الذي كان ميالاً للتعصب، وعلى عهد الحاكم بأمر الله, ولكن للإنصاف نقول إن الاضطهاد لم يخص النصارى بل شمل حتى المسلمين, وهناك عامل آخر وهو الظلم الذي مارسه بعض النصارى الذين وصلوا إلى مناصب مهمة في الدولة الإسلامية, وعامل ثالث يرتبط بفترة التدخل الأجنبي في البلدان الإسلامية؛ حيث قام الأجنبي بإغراء الأقليات غير المسلمة، واستدراجها للتعاون معه ضد الأغلبية المسلمة، وتجلى ذلك من قبل القبط في مصر ونصارى سورية, ويؤكد كلام الدكتور جورج ما قاله كل من جب وبولياك.
- يذكر الجبرتي في عجائب الآثار في التراجم والأخبار: لقد استقوى نصارى الشام بالقائد التتري كتبغا، وانحازوا للغزاة ضد المسلمين، وتحولوا إلى أداة إذلال واضطهاد للمسلمين, وأحضروا فرماناً من هولاكو، ورشوا الخمر على المسلمين، وصبوه في المساجد، وخربوا المساجد والمآذن, ولم يتوقف الأمر أيام التتر، بل تجدد أيضاً أيام حملة نابليون بونابرت، حيث أغوى النصارى فوقع في حبل الخيانة بعض أقباط مصر، فقام المعلم يعقوب حنا بتشكيل فيلق قبطي بزي الجيش الفرنسي من أجل محاربة مسلمي مصر، وحصلوا على موافقة من نابليون لإبادة المسلمين في مصر.
- وجاء في القوانين المجرية والتي ذكرها لستيغا نودي فريس في كتاب القانون الدستوري الصفحات 135،148،157: مادة 46 كل من رأى مسلماً يصوم أو يأكل على غير الطريقة المسيحية، أو تمنع عن أكل لحم الخنزير، أو يغتسل قبل الصلاة، أو يؤدي شعائر دينية؛ وأبلغ السلطات بذلك، يعطى له جزء من أملاك هذا المسلم مكافأة له.(66/491)
مادة 47 على كل قرية مسلمة أن تشيد كنيسة، وأن تؤدي لها الضرائب المقررة، وبعد الانتهاء من تشييد الكنيسة يجب أن يرحل نصف مسلمي القرية، وبذلك يعيش النصف الآخر معنا كشركاء في العقيدة, على أن يؤدوا الصلاة في كنيسة يسوع المسيح الرب بطريقة لا تترك شبهة في اعتقادهم.
مادة 48 لا يسمح للمسلم أن يزوج ابنته رجلاً من عشيرته، وإنما يتحتم أن يزوجها رجلاً من الجماعة المسيحية.
مادة 49 إذا زار شخص ما مسلماً، أو إذا دعا مسلم شخصاً لزيارته فيجب أن يأكل الضيف والمضيف معاً لحم خنزير، يذكر كل من ستيفن رنسيمان, غوستاف لوبون, الراهب روبرت, والكاهن أبوس في كتبهم ما يلي:
في أحد الأيام اقتحم قومنا بيت المقدس الذي لجأ إليه المسلمون، فقاموا بقتلهم جميعاً حتى كنا نخوض بالجثث والدماء إلى الركب, وإن ريتشارد قلب الأسد ذبح 27000 من أسرى المسلمين في عكا، ولم يكتف وجنوده بذلك بل قاموا بقتل زوجات وأطفال الأسرى, إن قومنا كانوا يجوبون الشوارع والبيوت ليرووا غليلهم بقتل المسلمين، فكانوا يذبحون الرجال والشباب والأطفال والنساء، بل إنهم كانوا يبقرون البطون, إننا كنا لا نرى في الشوارع سوى أكداساً من جثث المسلمين, إن هذا لم يحصل في القدس فقط بل في كل بلد وصلناها, ففي معرة النعمان قتل جنودنا حوالي مئة ألف مسلم.
6- نقلت صحيفة الأهرام المصرية بتاريخ 6- 3- 1985 كلاماً للبابا شنودة الثالث بطريرك الكنيسة الأرثوذكسية جاء فيه: إن الأقباط في ظل حكم الشريعة الإسلامية يكونون أسعد حالاً وأكثر أمناً, ولقد كانوا في الماضي كذلك حينما كان حكم الشريعة هو السائد, فنحن نتوق إلى أن نعيش في ظل "لهم ما لنا وعليهم ما علينا"، فمصر تجلب القوانين من الخارج وتطبقها علينا فكيف نرضى بالقوانين المجلوبة ولا نرضى بقوانين الإسلام.
7- عندما تهيأ جيش الغزو الإيطالي الصليبي لغزو ليبيا كان شعاره الصليب، وكان بابا الفاتكان بلباسه الكهنوتي يقف بإجلال أمام الجيش، ثم يقبل الصليب ويبدأ الجنود بالإنشاد قائلين: أماه لا تحزني.... أماه لا تقلقي.... أنا ذاهب إلى طرابلس.... فرحاً مسروراً.... لأبذل دمي في سبيل سحق الأمة الملعونة....ولأحارب الديانة الإسلامية.... سأقاتل بكل قوتي لمحو القرآن.
- هل ينسى بابا الفاتكان تصريح بوش في أحد مؤتمراته الصحفية عندما قال: إنها حملة صليبية.
- هل ينسى بابا الفاتكان تصريحات رئيس وزراء ايطاليا عندما قال: إن الإسلام يدعو للعنصرية، وهو دين الإرهاب.
- وكتب الصحفي ديفيد سيلبورن مقالاً تحت عنوان: "هذه الحرب ليست ضد الإرهاب، إنها ضد الإسلام".
- كتبت مجلة ناشونال ريفيو مقالاً تحت عنوان: "إنها الحرب فلنغزهم في بلادهم, ومما جاء في المقالة: علينا غزوهم في بلادهم، وقتل قادتهم، وإجبارهم على التحول إلى المسيحية.
- وجاء في المقالة الأسبوعية لنيويورك تايمز بتاريخ 7- 1- 2001: إنها حرب دينية.
- ذكرت منظمات حقوق الإنسان الدولية والإقليمية حرب الإبادة التي تعرض لها المسلمون في البوسنة والهرسك وكوسوفو، حيث ذكرت تلك التقارير: اغتصاب أكثر من 50 ألف مسلمة، تم زرع نطف الكلاب في أرحام المسلمات، تدمير 614 مسجداً بالكامل، تدمير 534 مسجد تدميراً جزئياً، تدمير مئات المدارس الإسلامية، ولا يمكن نسيان المجازر الجماعية مثل سربنيتشا وغيرها والتي تمت تحت مرأى ومسمع هيئة الأمم المتحدة وقواتها ومنظمات حقوق الإنسان.
- هل يريد بابا الفاتكان أن ينسينا حضارة أوروبا وأمريكا في العراق، حيث عبروا عن رقيهم وإنسانيتهم عندما اعتدوا على النساء والرجال في سجن أبوغريب.
- عرضت القناة الأولى الألمانية تقريراً في برنامجها الأسبوعي بانوراما بتاريخ 24- 6- 2004، والذي أعده جون جوتس وفولكر شتاينيهوف عن دور بعض الطوائف التنصيرية في العراق، جاء فيه: سيكون العراق مركز الانطلاق للحرب المقدسة.
- جاء في نيويورك تايمز بتاريخ 14- 4- 2004: إن عزم بوش للبقاء في العراق هو حماس المبشر الديني.
- نقلت وكالة الأسو شيتد برس يوم 12- 4- 2004 من خطبة لقسيس في الجيش الأمريكي ألقاها في يوم الفصح في مدينة الفلوجة العراقية: نحن لسنا في مهمة سهلة، لقد أخبرنا الرب بأنه معنا على طول الطريق, ولسنا خائفين من الموت لأن السيد المسيح سيعطينا حياة أبدية.
- يقول الرئيس الأمريكي الأسبق ريتشارد نيكسون في كتابه الفرصة السانحة وفي كتابه نصر بلا حدود: لقد انتصرنا على العدو الشيوعي، ولم يبق لنا عدو إلا الإسلام.
- نقلت صحيفة الحياة بتاريخ 8- 2- 2004 تصريحاً لنائب بريطانيين من حزب العمال قال فيه: إن الحرب على العراق كانت حملة صليبية.
- نقل شهود عيان من مدينة البصرة العراقية أنه أثناء زيارة رئيس الوزراء البريطاني توني بلير أقام قداساً مع الجنود وأنشدوا جميعاً: جند النصارى الزاحفين إلى الحرب، يتقدمكم صليب المسيح، وبظهور آية النصر هربت كتائب الشيطان، إخوة نمشي على خطى سار عليها القديسون، وحدة الأمل والعقيدة.
- قال مارك راسيكوت رئيس الحملة الجمهورية بتاريخ 19-4- 2004: إن بوش يقود حملة صليبية عالمية ضد الإسلام.(66/492)
وبعد كل ذلك يخرج علينا بابا الفاتكان ليتهجم على خاتم الأنبياء والرسل صلى الله عليه وسلم , متجاهلاً تاريخ قومه الأسود الذي تفوح منه رائحة الدم والقتل والمجازر، فإذا كان وصفه لنبينا بهذه الأوصاف فليعلم أن المهج والأرواح تفتدي هذا النبي صلى الله عليه وسلم ، ونسترخص النفس للدفاع عن نبينا, وإذا كان بيت بابا الفاتكان من زجاج فلا يرمي بيوت الآخرين بالحجر لأن الأمر سيرتد عليه وعلى قومه، فهم من بدأ وعليهم تحمل النتائج.
إن الذي ينال من الأديان ورموزها هو شخص معتوه فاقد للقيم الأخلاقية، إن حملاتكم الاستفزازية لن تزيد المسلمين إلا استمساكاً بالحق واعتصاماً به.
إن هؤلاء لا يقدرون أمانة العقل الذي وهبهم إياه الخالق - عز وجل -، ولم يقدروا أمانة الكلمة ولا يقدرون عاقبة كلامهم, فليتعظوا من التصرفات الحمقاء التي سبقهم إليها أجدادهم، ثم ماذا كانت النتيجة، فلقد عادوا من حيث أتوا يجرون أذيال الهزيمة والخيبة.
http://www.alas صلى الله عليه وسلم ws:المصدر
-============(66/493)
(66/494)
مطالب تغيير المناهج .. دلالات التوقيت والهدف
مشرف النافذة 16/11/1424
08/01/2004
خلال السنتين الماضيتين ومنذ هجمات 11 سبتمبر تزايدت المطالب الغربية بضرورة تغيير المناهج الدينية في العالم الإسلامي بدعوى أن هذه المناهج كانت المسبب الأساس فيما وصلت إليه الحالة الدولية القلقة من الهجمات والضربات التي يتلقاها القطب الإمبريالي في مصالحه الاقتصادية والسياسية في دول العالم المختلفة وفي عقر داره.
واخذ علماء العالم الإسلامي في دق ناقوس الخطر إزاء هذه المطالب خوفا من الاستجابة (العمياء) لها رسميا أو شعبيا واكدوا في بيانات وتصريحات تعاقبوا على إخراجها أن المناهج المطالب بتغييرها أسهمت بشكل فاعل خلال العقود الماضية في إخراج أجيال ذات تكوين عقائدي سليم وذو فهم صحيح للإسلام ولم تكن أبدا داعية للعنف أو التطرف, كما أن هذه المناهج ذاتها تخرج على يديها العديد من أقطاب التيارات الفكرية والسياسية التي توافقت مطالبها مع مطالب الإدارة الأمريكية.
ففي رأيك هل تعتقد أن مناهج التعليم الديني في العالم الإسلامي أسهمت حقاً في صوغ عقليات أحادية التوجه ترفض الآخر؟ ولا تعترف بمنهج التسامح والاختلاف كأساس في تعاملها الحياتي؟
وهل من الصحيح أن بتغيير هذه المناهج ستتقلص أعمال التطرف والإرهاب في العالم.؟
وكيف يفهم انتشار الصراعات والأعمال الدموية في دول نظام التعليم فيها مدني كمصر والجزائر وتركيا؟
وهل في رأيك انه في حالة الاستجابة الرسمية لتلك المطالب المنادية بتغير المناهج, ستكتفي الإدارة الأمريكية بهذه الاستجابة أم أنها ستصعد من مطالبها وتتخطاها إلى مطالب أخرى؟
=============(66/495)
(66/496)
الفلوجة .. صمود مدينة
المحرر السياسي 18/2/1425
08/04/2004
ربما بدت مدينة الفلوجة المدينة الأكثر حضورًا في وسائل الأعلام وشاشات التلفزة في عراق ما بعد صدام منذ تصديها لقوات الاحتلال العام الماضي وتمثيلها للمقاومة العراقية الصلدة الرافضة لأي تدخل أجنبي في أراضيها.
وإذا كانت الفلوجة تشتهر بالمزارع والحقول التي تخرج ثمرات مختلف ألوانها للعراقيين فإنها باتت تشتهر أيضا بأنها محاضن ومفرخ للمجاهدين وتحولت أراضيها المخضرة مسرحًا لعمليات المقاومة ضد الاحتلال.
منذ أوائل الأسبوع الجاري يتابع العالم تجدد المقاومة العراقية -سنة وشيعة- لقوات التحالف بصورة أكثر عنفًا وتراجيدية حيث ارتكبت القوات الأمريكية اليومين الماضيين مجازر دموية ضد المدنيين في مدينة الفلوجة التي تعرضت لقصف عنيف شمل المنازل وأحد المساجد ما أدى لسقوط مئات الشهداء و الجرحى. وشهدت مناطق الأعظمية والشعلة وأم الطبول اشتباكات عنيفة بين المقاومة والأمريكيين، في محاولة لتخفيف الضغط عن الفلوجة، وتأييدًا لانتفاضة أتباع مقتدي الصدر، ودعت المساجد في بغداد للجهاد دفاعًا عن الفلوجة التي تعرضت لهجوم أمريكي غير مسبوق منذ نهاية الحرب العام الماضي, وسط استبسال من أهالي المدينة وإصرار على المقاومة.
فهل تكون المقاومة الشرسة في الفلوجة مقدمة لأن تعيد قوات التحالف حساباتها حول جدوى وجودها في المنطقة، وتستجيب لمطالب العراقيين بالخروج، أم سترفع عدد القوات المشاركة في الحرب ضد العراقيين؟ وهل نتوقع أن نشهد تقاربًا أكثر فاعلية بين السنة والشيعة في العراق يتجاوز الاختلافات، خاصة بعد تزايد المقاومة الشيعية المتمثلة في أنصار الصدر؟ وماذا يمثل تدمير مسجد من أكبر مساجد الفلوجة (بدعوى وجود متحصنين) بالنسبة للمسلمين؟
=============(66/497)
(66/498)
سفارة بلا دولة!
تقرير:محمد جمال عرفة 17/10/1423
01/01/2002
في منطقة وسط القاهرة وتحديداً في شارع هدى شعراوي سفارة فريدة غريبة، تثير الدهشة، بل والذهول، فهي لا ترفع علمًا كبقية السفارات ولا يحرسها رجال الأمن المسلحون كما هو معهود… اسمها "سفارة فرسان مالطة" هكذا كتب بالعربية على لوحة نحاسية في مدخل السفارة، وفي نفس اللوحة كتب بالفرنسية:"Ambassade De L'o r d r e souve r aine ET Militai r e De Malte"أو بالإنجليزية: SOVE r EIGN MILITA r Y O r DE r OF MALTA
وترجمتها الحرفية "سفارة النظام العسكري ذو السيادة المستقلة لمالطة"! هل هي سفارة دولة مالطة في القاهرة؟ أجابت موظفة الاستعلامات : لا ، هي سفارة فرسان مالطة، هل هناك دولة بهذا الاسم؟ أين تقع؟ ما حكاية هذه السفارة؟ وهذا الاسم المثير؟ وماذا تعمل في مصر؟ ومنذ متى ؟… عبثًا حاولت الحصول على إجابة من موظفة السفارة . وفي وزارة الخارجية المصرية - فقط - عرفت أن السفارة بدأت في القاهرة عام 1980 وأن هذه الدولة هي من بقايا الحروب الصليبية البائدة ومقرها داخل الفاتيكان ،وأنها امتداد لما كان يسمى (فرسان الهوسبتاليين) الصليبيين ، وأن نشاطها - الآن- أصبح يقتصر علي الأعمال الخيرية والتبرعات وأن هناك أربع دول عربية تعترف بها وليس مصر وحدها .
ولكن الإجابة الشافية عن تاريخ هذه الدولة (أو الدويلة) لم أحصل عليها إلا من بطون الكتب، ودوائر المعارف العالمية، وسؤال أهل العلم، فكانت رحلة شاقة، وعميقة في متاهات تاريخ العصور الوسطى ، والحروب الصليبية !!
الجذور في مدينة القدس!
بدأ ظهور فرسان مالطة عام 1070م، كهيئة خيرية، أسسها بعض التجار الإيطاليين، لرعاية مرضى الحجاج المسيحيين، في مستشفى (قديس القدس يوحنا) قرب كنيسة القيامة ببيت المقدس ، وظل هؤلاء يمارسون عملهم في ظل سيطرة الدولة الإسلامية ، وقد أطلق عليهم اسم "فرسان المستشفى" Hospitalle r s تمييزاً لهم عن هيئات الفرسان التي كانت موجودة في القدس آنذاك مثل "فرسان المعبد" و"الفرسان التيوتون"…الخ ، إلا أنهم ساعدوا الغزو الصليبي فيما بعد .
وكان التزايد الكبير في أعداد الحجاج المسيحيين إلى مدينة القدس قد تزايد في بداية القرن الحادي عشر لاتجاه بعض التجار الإيطاليين للحصول على حق إدارة الكنيسة اللاتينية من حكام المدينة المسلمين، وكان يلحق بهذه الكنيسة مستشفى للمرضى والحجاج يسمى مستشفى "قديس القدس يوحنا" كذلك استطاع تجار مدينة "أما لفي" 1070م تأسيس جمعية خيرية في بيمارستان قرب كنيسة القيامة في بيت المقدس للعناية بفقراء الحجاج، ومن اسم المستشفى أطلق عليهم اسم فرسان المستشفى أو (Hospitalle r s) التي حرفت إلى (الاسبتارية) في اللغة العربية، ولم يلبث أولئك الاسبتارية أن دخلوا تحت لواء النظام الديري البندكتي المعروف في غرب أوروبا، وصاروا يتبعون بابا روما مباشرة بعد أن اعترف البابا (باسكال الثاني) بتنظيمهم رسميًا في 15 فبراير 1113 م، وهكذا أصبح نظامهم يلقى مساندة من جهتين: تجار (أمالفي) وحكام (البروفانس) في فرنسا.
وعندما قامت الحروب الصليبية الأولى 1097 م وتم الاستيلاء على القدس أنشأ رئيس المستشفى (جيرارد دي مارتيز) تنظيماً منفصلاً أسماه "رهبان مستشفي قديس القدس يوحنا" وهؤلاء بحكم درايتهم بأحوال البلاد قدموا مساعدات قيمة للصليبيين وخاصة بعد أن تحولوا إلى نظام فرسان عسكريين بفضل ريموند دو بوي (خليفة مارتينز) الذي أعاد تشكيل التنظيم على أساس عسكري مسلح باركه البابا (أنوست الثاني) 1130، حتى قيل : إن الفضل في بقاء مدينة القدس في يد الصليبيين واستمرار الحيوية في الجيوش الصليبية يعود بالأساس إلى فرسان الاستبارية أو الهوسبتاليين بجانب فرسان المعبد (Templa r s).
وقد كان تشكيل تنظيم الهوسبتاليين ينقسم إلى ثلاث فئات:
(فرسان العدل) الذين هم من أصل نبيل (نبلاء) وأصبحوا فرساناً.
(القساوسة) الذين يقومون على تلبية الاحتياجات الروحية للتنظيم.
(إخوان الخدمة) وهم الذين ينفذون الأوامر الصادرة إليهم.
وهذا فضلا عن الأعضاء الشرفيين ويسمون الجوادين (Danats)) الذين يساهمون بتقديم الأموال والأملاك للتنظيم وبفضل عوائد هذه الأملاك وكذلك الهبات والإعانات (عُشر دخل كنائس بيت المقدس كان مخصصًا لمساعدة فرسان القديس يوحنا) أخذ نفوذ الفرسان ينمو ويتطور حتى أصبحوا أشبه بكنيسة داخل الكنيسة.
الفرسان بلا مأوى!
بعد هزيمة الصليبيين في موقعة حطين عام 1187 م على يد صلاح الدين الأيوبي هرب الفرسان الصليبيون إلى البلاد الأوروبية.(66/499)
وبسقوط عكا 1291 م وطرد الصليبيين نهائيًا من الشام اتجهت هيئات الفرسان إلى نقل نشاطها إلى ميادين أخرى ؛ فاتجه الفرسان (التيوتون) نحو شمال أوروبا حيث ركزوا نشاطهم الديني والسياسي قرب شواطئ البحر البلطيكي، ونزح (الداوية) أو فرسان المعبد إلى بلدان جنوب أوروبا وخاصة فرنسا حيث قضى عليهم فيليب الرابع فيما بعد (1307: 1314 م) أما فرسان الهوسبتالية (الذين ظل وجودهم حتى اليوم ) فقد اتجهوا في البداية إلى مدينة صور ثم إلى (Mo r gat) أو المرج ( في ليبيا حاليًا) ومنها إلى عكا ثم (ليماسول) في قبرص 1291م.
ومن قبرص استمروا في مناوشة المسلمين عن طريق الرحلات البحرية ومارسوا أعمال القرصنة ضد سفن المسلمين ، إلا أن المقام لم يطب لهم هناك فعمد رئيسهم (وليم دي فاليت) للتخطيط لاحتلال (رودس) وأخذها من العرب المسلمين وهو ما قام به أخوه وخليفته (توك دي فاليت) في حرب صليبية خاصة (1308 - 1310) ليصبح اسم نظام الفرسان الجديد يسمى (النظام السيادي لرودس) أو (النظام السامي لفرسان رودس).
وفي (رودس) أنشأ تنظيم الهوسبتاليين مراكزه الرئيسة وازدادت قوته ونفوذه خاصة بعد أن تم حل تنظيم فرسان المعبد وآلت بعض ثرواته للهوسبتاليين.
ولأن أرض (رودس) كانت بمثابة نقطة استراتيجية هامة، فقد عمد الأتراك المسلمون بدورهم للاستيلاء عليها خصوصا مع تزايد قرصنة الصليبيين لسفنهم وذلك بعد حصار وضغط متواصلين (أهم حصارين 1310، 1480) مما أجبر رئيسهم (فيليب ري ليل آدام) على الاستسلام في 1522 والهجرة عن الجزيرة في أول يناير 1523 بين عدة مدن منها: (سيفليل إسبانيا) و(كاندي سيلان) و(روما إيطاليا) ، الي أن منح الملك (شارك كنت) للهوسبتاليين السيادة على جزيرة مالطا في 24 مارس 1530.
وبجانب سيادتهم على مالطا ـ بوثيقة (شارك كنت) ـ كانت لهم السيادة كذلك على عدة جزر مثل (دي جوزوا- (De Jozo و(كومين - (Comino بجانب مدينة طرابلس (التي كانت تتبع عرش صقلية). وقد صدق البابا (كليمنت السادس) على ذلك في 25 إبريل 1530 ومن ثم أصبح النظام يمتلك مقرًا وأقاليم جديدة أدت إلى تغيير اسمه في 26 أكتوبر 1530 م إلى "النظام السيادي "لفرسان مالطا" ومنذ ذلك الوقت أصبحت مالطا بمثابة وطنهم الثالث، ومنها استمدوا أسمهم "فرسان مالطا" واستطاع رئيسهم (جان دي لافاليت) أن يقوي دفاعاتهم ضد الأتراك العثمانيين مصدر خوفهم وأن يبني مدينة (فاليتا - عاصمة مالطا حاليا) التي أطلق عليها اسمه وكان مما ساعد على ترسيخ وجودهم في مالطا وقوع معركة (ليبانتوا) البحرية 1571م، بين الروم والأتراك مما أبعد خطر الأتراك ووفر لنظام الفرسان جواً من الهدوء.
وقد تميز هذا النظام منذ إقامته في مالطا بعدائه المستمر للمسلمين وقرصنته لسفنهم حتى كون منها ثروة (ينفقون منها حاليا على الأعمال الخيرية !) ولاسيما في الحصار التاريخي 1565 الذي انتهى بمذبحة كبيرة للأتراك ، كما توسع النظام كثيرًا حتى إن الملك (لويس الرابع عشر) تنازل له في 1652 عن مجموعة من الجزر في( الأنتيل- (Antilles منها:-
سان كيرستوف ـ سان بارتليلي ـ سان كوزوا، وصدق على ذلك في 1653 إلا أن صعوبة المواصلات مع هذه الجزر اضطر النظام للتنازل عنها لشركة فرنسية 1655 وظل النظام في مالطا تحت حماية إمبراطور الدولة الرومانية والكرسي الرسولي وفرنسا وإسبانيا وانتشر سفراؤه في بعض الدول وهو ما كان يعني اعترافًا بالسيادة الشخصية للسيد الكبير "للنظام أو رئيس الفرسان".
بداية رحلة الشتات للفرسان الصليبيين
وبقيام الثورة الفرنسية 1789 وغزوها إيطاليا فقد الفرسان الصليبيون ممتلكاتهم وامتيازاتهم في فرنسا وإيطاليا وانتهى بهم الأمر بفقد مقرهم في جزيرة مالطا نفسها وطردهم منها على يد نابليون أثناء حملته على مصر عام 1798م، فأقاموا بصفة مؤقتة في (ترسيتا) في إيطاليا تحت ضغط من بلاط فينيا، وعندما استولى الأميرال (نلسون) على مالطا من الفرنسيين أقرت اتفاقية الأمنيس (Amiens) عودة الجزيرة للفرسان 1802، إلا أن كونجرس (فاليتا) عاصمة مالطا أسند إدارة الجزيرة للإمبراطورية البريطانية وبالتالي انقطع اتصال الفرسان نهائيًا بمالطا (دولة مالطا الحالية ليست هي فرسان مالطا)، وانقسموا بين البلاد حيث اتجه العديد منهم إلى سان بطرسبرج (وبالتالي أصبح نظامهم الكاثوليكي الروماني الذي يحظى برعاية البابا يخضع لقانون الإمبراطورية الروسية الأرثوذكسية!!) واتجه جزء آخر إلى "كاتانيا" و"فيرارًا" و"روما"، وفي هذه الأثناء اختبر توماكسي 1802 ليكون آخر الرؤساء الكبار للتنظيم.
وبحلول 1805 أصبح الفرسان بلا رئيس حاكم ، ومنذ 1834 ونظام الفرسان يمارس شؤونه من روما بصفة رسمية باسم "العمل الخيري" وفي نطاق المستشفيات (عملهم الأول وقت إنشائهم) حتى أصبح نظامهم أشبه بهيئة خيرية ما تزال تسيطر عليها الروح الصليبية، وأخذت في التوسع حتى فتحت جمعية لها في الولايات المتحدة الأمريكية 1926م.(66/500)
أما في فرنسا فقد استمرت محاولات إحياء النظام ، وإن كان إنشاء التنظيم لم يكن له اتصال عضوي بالتنظيم القديم والذي استقر نهائيًا في الفاتيكان، كما انتقل بعض أفراد هذا النظام إلى الولايات المتحدة الأمريكية وعاشوا فترات الحروب الأهلية وقد أصبح رمز نظام (القديس يوحنا) هو صليب أبيض معلق بحبل أسود ولذلك أصبح فرسان الهوسبتالية يعرفون بفرسان الصليب الأبيض.
فرسان مالطا الآن
يقع المقر الرئيسي للمنظمة حاليا في العاصمة الإيطالية روما، ويحمل اسم "مقر مالطا" ، ويرأس الدولة (البرنس أندرو برتي) الذي أُنتخب عام 1988ويعاونه أربعة من كبار المسئولين وقرابة عشرين من المسؤولين الآخرين .
الفرسان والكو ـ كلوكس ـ كلان!
كان بعض الفرسان الذين تفرقوا عقب طردهم من مالطة على يد نابليون قد اتجهوا إلى الولايات المتحدة الأمريكية وصادف وصولهم فترة الحروب الأهلية هناك وشهدت هذه الفترة ظهور منظمة الكو ـ كلوكس ـ كلان، (Ku- Klux _ Klan) الإرهابية العنصرية، التي كانت تطالب في ذلك الحين بالدفاع عن المذهب الكاثوليكي وعن سيادة الرجل الأبيض ومنع مساواة المواطنين السود مع البيض في الحقوق، وتوثقت العلاقات بين فرسان مالطة الفارين إلى أمريكا، وبين (الكوكلوكس كلان) خصوصا أن الطرفان يتفقان في المذهب الكاثوليكي .
وقد جسد هذه العلاقات وعبر عنها تنظيم فرسان الكاميليا (Knights of Camilia) وهو تنظيم سري نشأ داخل (الكوكلوكس كلان)، تبنى نفس مبادئها، وكان تنظيمه (الهيراركي) يشبه تنظيم فرسان مالطة، فهناك المارد الأعظم (G r and Giant) على غرار السيد الأعظم لدى الفرسان ويعاونه أربعة من فرسان الصقر "Hawks" كما أن طقوس احتفالات فرسان الكاميليا و(الكوكلوكس كلان) تشبه تمامًا احتفالات فرسان مالطة إذ يلبسون ملابس بيضاء عليها صليب أحمر، ويضعون على رؤوسهم أقنعة لا يظهر منها سوى العينين والأنف والفم، ويشعلون المشاعل النارية، ويزيد أعضاء (الكوكلوكس) أنهم يحملون الجماجم التي تنبعث منها نيران حمراء بشكل مرعب!
ومن المهم أن نشير إلى أن كلا الحركتين (الفرسان ، وكوكلوكس) كانتا تركزان على العودة لأصول الدين المسيحي الكاثوليكي حتى إنه ليبدو أن مطاردتهم للسود وكذلك الآسيويين من غير العنصر الأبيض في الداخل كان اضطهادًا (دينيًا) قبل أن يكون (عنصريًا) على اعتبار أن أصل هؤلاء السود والآسيويين (الذين تم جلبهم إلى أمريكا عن طريق تجارة الرقيق) يعود إلى أفريقيا وآسيا حيث غالبية السكان يدينون بالدين الإسلامي (قبل حملات التبشير فيما بعد) هذا فضلا عن أن هؤلاء السود والآسيويين جاؤوا من المناطق التي سبق أن طُرد منها هؤلاء المهووسون دينيًا وعنصريًا ، وهو سبب كافٍ لاضطهادهم وتفريغ شحنات الغضب فيهم..!!
الفرسان الصليبيون يُعيدون تنظيم أنفسهم !
ومع أن تنظيم الفرسان اختفت أخباره منذ العصور الاستعمارية الغربية تقريبا لدول العالم ولم يعد أحد يسمع عنه بعدما استقروا في روما والبعض الآخر في أمريكا ، عادوا بقوة في أوائل التسعينيات ( الفترة التي شهدت تزايد العداء للإسلام كدين والحديث عن استهدافه كعدو جديد بدل الشيوعية التي اندثرت !! ) وعقدت منظمات الفرسان الصليبية اجتماعًا في جزيرة مالطا في أوائل ديسمبر 1990، هو الأول من نوعه، منذ أخرجهم نابليون بونابرت منها، قبل حوالي قرنين من الزمان ، وكان الاجتماع مثيراً للغاية - كما قال (روجر جيورجو) أحد أولئك الفرسان الذين اجتمعوا بالجزيرة- وبلغ عدد الحاضرين حوالي خمسمائة ـ معظمهم من القساوسة ـ ينتمون إلى اثنين وعشرين دولة .
ولوحظ أن الفرسان الصليبيين المجتمعين اعتبروا هذا اللقاء خطوة باتجاه إحياء وإنعاش تلك المنظمة الكاثوليكية ذات الجذور الصليبية، حتى إنهم قرروا - بعد جولة واسعة في القلاع والقصور والتحصينات التي أقامها أسلافهم لتصفية الحسابات مع المسلمين في الماضي - التفاوض مع الحكومة المالطية لاستئجار واحدة من تلك القواعد في ميناء "فالتا" ـ العاصمة ـ ليتخذوا منها مركزًا لنشاطهم.
وقد روت صحيفة "هيرالد تبيون" الأمريكية تفاصيل هذا الاجتماع في حينه قائلة : إن "الفرسان" توافدوا على الاجتماع، وقد ارتدى كل واحد منهم ملابس كهنوتية سوداء، يزينها صليب أبيض مزدوج الأطراف، ورأس الجلسات "الأستاذ الأعظم" الذي يقود المنظمة، وهو اسكتلندي سبق أن عمل في حقل التدريس، اسمه اندروبيرتي (60 سنة) وهو أول بريطاني يرأس المنظمة منذ عام 1277، كما أنه الرئيس رقم الثامن والسبعون للمنظمة منذ تأسيسها، ويحمل رتبة "كاردينال" ، ويرأس مجلسًا يتألف من ستة وعشرين "فارسًا" يساعدونه على تسيير شؤون المنظمة وتدعمه أمريكا بقوة !!
علاقات دبلوماسية مع خمسين دولة !!
والغريب أنه اصبح لهذا التنظيم أو منظمة "الفرسان" علاقات دبلوماسية مع خمسين دولة منها دول عربية ومسلمة كمصر والمغرب وتشاد ، كما أن مقرهم الرئيسي (قصر مالطا في روما) له بعض الامتيازات كدولة الفاتيكان، إذ إن لهم محاكمهم الخاصة وجوازات سفرهم الخاصة، بل ويصدرون طوابع بريد خاصة أيضًا.(67/1)
ويقدر عدد أعضاء منظمة فرسان مالطا بحوالي عشرة آلاف فارس وسيدة كما تقول المواقع المخصصة لهم على الانترنيت (http://www.kwtelecom.com/he r ald r y/stjohn/sovo r d.html) ، بينما يقدر عدد المتطوعين الذين يعملون معهم بحوالي نصف مليون شخص، منهم زهاء مائة ألف في فرنسا وحدها، ومثلهم في ألمانيا الغربية والولايات المتحدة الأمريكية، وغير المتطوعين في الولايات المتحدة وحدها ألف وخمسمائة فارس، وقد انضم إلى عضويتها عدد من أصحاب الملايين خصوصا أن نشاطهم الحالي خيري ويختص بالمستشفيات مما يغري بالتبرع لهم .
وهم مهتمون بإقامة علاقات دبلوماسية مع مختلف الدول حتى إن رئيسهم (بيرتي) يقول : "إن الدبلوماسية بحد ذاتها ليست من أهدافنا ولكن إقامة علاقات مع الدول تساعد في تسهيل أعمالنا والحصول على الأدوية والمواد التموينية ونقلها إلى المناطق المنكوبة ، ولا ينفي تاريخهم الصليبي إذ يقول : "نحن لا نخفي شيئا، فنحن منظمة دينية قديمة، ولنا تقاليدنا وشعائرنا، لذلك فالجانب البروتوكولي والدبلوماسي في غاية الأهمية بالنسبة لنا، ونحن نبذل جهدنا لتقديم العون للمحتاجين، والقسم الأكبر منا رجال دين وقساوسة".
والملفت أن دولة الفرسان الجديدة تعتمد في دخلها على تلقى التبرعات بحجة إنشاء المستشفيات وعلى بيع طوابع بريدية خاصة بها ، وتستفيد أيضا من الشهرة التي تجنيها من خلال توزيعها تبرعات كبيرة على المستشفيات وسيارات الإسعاف والأدوية على الدول المختلفة المحتاجة .
ومع أننا لا نستبعد أن يكون هذا الموقف الجديد للصليبيين الجدد ( أي التركيز على العمل الخيري فقط ) هو وليد الظروف الدولية المعاصرة وقيام غيرهم من الغربيين بحمل السلاح لإبادة المسلمين نيابة عنهم ، فالمؤكد أنهم - باعترافهم - لا يتنكرون لتاريخهم الصليبي القديم الذي لا يزالون يفخرون به حينما حاربوا المسلمين ونهبوا قوافلهم في البحار .
وبالتالي فخطر الفرسان الحالي ليس أقل خطرا من الماضي ويكفي أن نعرف أن منظمات الإغاثة الصليبية التبشيرية في مناطق ملتهبة مثل جنوب السودان كانت ولا تزال تشكل عنصر الدعم للمتمردين على الحكومات العربية ، وهم الذين فصلوا (تيمور) عن أندونيسيا الإسلامية ، والأخطر أن دورهم التبشيري لا ينفصل عن الدور الخيري ، والاموال لا تُدفع بغير مقابل تبشيري !!
كيف وصل الفرسان الصليبيون إلى العواصم العربية!!
لقد ظهر فرسان مالطة في مصر عندما أصبح لهم سفارة في القاهرة عام 1980 ويذكر دليل البعثات الدبلوماسية الخاصة بوزارة الخارجية المصرية أن بعثة فرسان مالطة بالقاهرة مكونة من شخصين السفير ومستشار للسفارة ، ولا يذكر الدليل شيئا عن وجود بعثة دبلوماسية مصرية لدى الفرسان ، ولم يعرف كيف استطاع فرسان مالطة الحصول على حق التمثيل الدبلوماسي في دول عربية مثل مصر والمغرب وحتى تشاد الإفريقية ، وعلى مستوى السفارة، وإن كان الأمر مفهوما في ظل وجود دول أخرى صغيرة لا تذكر مثل الفاتيكان وميكرونيزيا التي تؤيد إسرائيل على طول الخط رغم أنها جزيرة صغيرة عدد سكانها بضعة آلاف .
والواضح أن نشاطهم الخيري ، ومزاولة عملهم من دول عظمى مثل أمريكا أعطى لهم جواز المرور للدول الأخرى باعتبار أنهم صاروا -الآن- هيئة خيرية .
وفي لقاء خاص مع الأستاذ الدكتور/ عز الدين فودة، أستاذ كرسي الدبلوماسية والمنظمات الدولية بجامعة القاهرة حول كيفية حصول مثل هذه الدول التي لا تتعدى مساحتها مساحة أحد الأبنية أو القصور التاريخية القديمة على حق التمثيل الدبلوماسي قال: " من المعروف أن التمثيل الدبلوماسي حق ـ من حيث الأصل ـ لأشخاص القانون الدولي ـ سواء كانوا دولا أو منظمات دولية، بالإضافة إلى الفاتيكان (الكرسي الرسولي) الذي يتمتع بوضع خاص في مسألة التمثيل الدبلوماسي بخاصة في الدول الكاثوليكية".
وبخصوص نظام فرسان مالطة -يضيف د. فودة "نجد أنه نظام تاريخي ظل يحتفظ بالصفة السيادية، حتى بعد انهيار النظام ذاته وخروج الفرسان من مالطة وفقدانهم لأي قاعدة إقليمية، وتحولهم إلى مجرد هيئة خيرية، ومع هذا الوضع احتفظ الفرسان بحق إرسال بعثات دبلوماسية من جانبهم، وعلى مستوى السفراء، وهم بذلك يمثلون استثناء فريدًا في مجال العلاقات الدبلوماسية والقواعد والأعراف المنظمة لها.
ويبدو أن الفضل في استمرار هذا الوضع يرجع إلى بعض الدول الأوروبية بالإضافة إلى الفاتيكان ـ حيث مقر الفرسان الآن ـ فقد أحاطوا الفرسان بالحماية بعد طردهم من مالطة، ومنحوهم بعض الامتيازات، ومنها حق التمثيل الدبلوماسي وذلك حفاظًا على "الرمز التاريخي" الذي يمثلونه، ودورهم البارز في العلاقات بين الشرق والغرب في العصور الماضية -أيضًا- فالدور الإنساني الذي يقومون به في رعاية المرضى والإسهام في بناء المستشفيات دور له أهميته.
بالإضافة إلى ذلك اسهموا في إرساء بعض قواعد القانون الدولي الخاص بالملاحة البحرية ـ بحكم طبيعة حياتهم في جزر البحر المتوسط ـ مثل قاعدة "حق اللجوء ضد الأخطار في البحر".(67/2)
وبشكل عام فإن استمرار وضع فرسان مالطة على النحو السابق، هو استمرار رمزي ـ تاريخي.
ليست سفارة الصهاينة بالقاهرة هي النشاز الوحيد، فهناك "فرسان مالطة" القادمون من قلب العصور الوسطى إلى قلب القاهرة ربيبة صلاح الدين الذي أذل فرسانهم ، وقهر ملوكهم وأسرهم في يوم حطين الأغر !
==============(67/3)
(67/4)
الخيارات العسكرية: الحالة الفلبينية
الإسلام اليوم- القاهرة- خاص … … … … …9/11/1423
… … … … …21/02/2002
يسر "الإسلام اليوم" أن ينشر هذا التقرير الهام الذي اعده خصيصا للموقع "المركز المصري الدولي للدراسات والأبحاث" و ذلك لاستقراء الاحتمالات العسكرية الأمريكية تجاه المنطقة الإسلامية، و لطول التقرير فسوف ينشر على خمس حلقات . الأولى عن الفلبين و الثانية عن الصومال و الثالثة عن العراق و الرابعة عن إيران و أما الأخيرة فهي عن باكستان و سيرفق بها جميع الهوامش التوثيقية. و هاهنا الحلقة الأولى:
مدخل:
جاء الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن إلى سدة الإدارة الأمريكية الحاكمة للعالم , وهو مُحمل بآمال وطموحات المجتمع العسكري الصناعي الأمريكي , الذي علق على جورج بوش آمالاً كبيرة في إعادة تقييم الاستراتيجية الأمريكية العسكرية للتعامل مع مصادر التهديد الحقيقية , وحملته الانتخابية الشرسة الموجهة ضد العراق بالإضافة إلى فكرته عن تطوير شبكة الدفاع الصاروخية التي تحمي الولايات المتحدة والقوات الأمريكية وحلفاء الولايات المتحدة من تهديدات الصواريخ المختلفة .
وكان أداء الرئيس الأمريكي مهتزًا حتى جاءت لحظة وقوع أحداث 11 سبتمبر/ أيلول 2001 لتحيل حديثه إلى لهجة صارمة , تتحول من الحديث الفضفاض غير المحدد إلى جدول عملي لترتيب الأعداء وأولويات مواجهتهم .
وفي هذا الإطار تم رصد عدة وقائع مثل تصريح الرئيس الأمريكي بأنها حرب صليبية جديدة ( أي حربه ضد الإرهاب ) ثم مسارعته لاتهام تنظيم القاعدة وحركة طالبان من دون تحقيق , ثم حشده لقوة عسكرية ضخمة ضربت أفغانستان , ثم توالت خطب الرئيس الأمريكي حول " مكافحة الإرهاب " الذي لم يكن المفهوم الوحيد الذي صكته إدارته للتعامل مع الأوضاع العالمية حيث تبعه الحديث عن " محور الشر " الذي يضم كوريا الشمالية إلى جنب العراق وإيران , وذلك على الرغم من كل المؤشرات التي بدت خلال أوائل فترة حكمه من اتجاهه للتقارب مع إيران , مما تمثل في تصريحات الرئيس نفسها , ثم في مقابلات وزيري خارجية إيران والولايات المتحدة في إطار الأمم المتحدة , والتي حرص فيها باول على مصافحة خيرازي بحرارة أمام وسائل الإعلام .
كل هذه الاعتبارات دعت إلى النظر إلى الخيارات العسكرية الأمريكية حيال دول العالم الإسلامي لمعرفة النوايا الأمريكية وحقيقتها , وفي إطار الاتجاه نحو إنهاء الحرب في أفغانستان بدا الحديث عن بدائل متعددة لترتيب نظرة الولايات المتحدة للعدو التالي , وأشارت أصابع الخبراء إلى العراق , ثم الصومال , ثم مفهوم محور الشر الذي يعنينا هنا منه العلاقة المستقبلة مع كل من العراق وإيران , ثم هناك الحديث الذي أثير حول اتجاه الإدارة الأمريكية لتفكيك ترسانة باكستان النووية , استنادًا لكونها دولة إسلامية أولاً , وأنها ممر للمتطوعين المسلمين للحرب ضد قوات التحالف التي تضرب أفغانستان ثانيًا , ولكون هذه الترسانة ذات مصدر صيني ثالثًا .
كل هذه الاعتبارات جعلتنا نحاول رصد مجموعة من الحالات التي احتلت رتبة الصدارة في قائمة الأعداء لدى الولايات المتحدة وقد اعتمدنا في فحص هذه الحالات على مجموعة من الدراسات المتخصصة أولاً , والمقالات المنشورة في مجلات محسوبة على دوائر صنع القرار ثانيًا , وتم إرفاق هذه المصادر بهذه الدراسات مع وجود إحالات مرجعية وتعريف بالجهات صاحبة الدراسة , مع وجود قدر لا بأس به من الدراسات التي قام بها مركز معلومات الكونجرس الأمريكي نفسه , على ما لها من أهمية لكونها محدد البيئة النفسية الأولية التي يتأثر بها أعضاء الكونجرس .
أولاًُ حالة إعادة الانتشار في الفلبين :
في تقرير أعده مركز معلومات الدفاع بواشنطن والمقرب من دوائر صنع القرار , وبخاصة وزارة الدفاع الأمريكية C D I, أكد المركز أن إعادة انتشار القوات الأمريكية في الفلبين لاستئناف الحرب ضد " الإرهاب " لا يعد خطوة جديدة غير متوقعة , لكنه يمثل مرحلة جديدة من مراحل العلاقة بين واشنطن ومانيلا , وأشارت الورقة المعبرة عن رئاسة المركز إلى أن المعضلة الأساسية في هذا الانتشار وتتمثل في ضرورة مواجهة الرئيسة الفلبينية " جلوريا أرويو " لمناخ الانتقادات الحادة التي أثيرت حيال سماحها بهذا الوضع , فهذه الانتقادات لم تطل فقط الشعب الفلبيني , بل مثلت محورًا لانقسام الحكومة , حيث عارض أوريو أحد أبرز رجال الحكومة , وهو نائب الرئيس , ووزير الخارجية " يتوفيستو جينجونا " . (1)
والمشكلة التي يوضحها هذا التقرير تتمثل في تقديمه سابقة انتشار القوات الأمريكية في دولة ذات سيادة من أجل محاربة جماعة خارجة ذات ارتباطات " محتملة " بشبكات الإرهاب العالمية .
وتنطوي هذه السابقة على ظرف خطير , يتمثل في أن قبول انتشار القوات الأمريكية هذا أتى في إطار ظرف داخلي من عدم توافر اتفاق سياسي , فضلا عن الإجماع على حدوث مثل هذا التدخل .(67/5)
وقياسًا على هذه السابقة يمكن ترويج قبول دول من نفس الإقليم مثل طاجيكستان وأوزبكستان , فضلاً عن نموذج أفغانستان الساطع , لإعادة نشر القوات الأمريكية على أراضيها في حالة وجود تمرد " إرهابي ـ داخلي " مماثل لحالة جماعة أبو سياف في الفلبين , بل إن نموذج الفلبين يمثل حالة صارخة لمثل هذا التدخل الذي تم في إطار أحادية القرار , على الرغم من إقرار هذا التقرير بأن الخلاف بالغ العمق بين الفلبينيين .
ويشير التقرير إلى أن الخلاف في وجهات النظر حول الانتشار الأمريكي كان هشًا للغاية , فالفريق الذي يمثله نائب الرئيس الفلبيني " جينجونا " تشكك في نوايا الأمريكان استنادًا إلى " المنظور الاستعماري " لتفسير استخدام الولايات المتحدة لقواتها العسكرية , بينما الرئيسة " أوريو " اعتمدت منظور المصلحة القومية في قبول هذا الانتشار , وقد سردت الورقة المكافأة التي حصلت عليها أرويو لتواجه بها شعبها متمثلة فيما يلي : (2)
أ ـ حصلت أوريو على مساعدات عسكرية في إطار صراعها مع جماعة أبو سياف تقدر بمائة مليون دولار .
ب ـ تضمنت هذه الأموال لشحنة من طائرات c-130 المستخدمة في النقل العسكري .
جـ ـ كما تضمنت ثماني طائرات مروحية .
د ـ بالإضافة إلى 30 ألف قطعة سلاح ( بندقية هجومية ) من طراز 16 - M .
هـ ـ بالإضافة إلى " عدة " زوارق دوريات ساحلية .
و ـ كما أنها حصلت من الولايات المتحدة على رخصة بحصة إضافية في الأسواق الأمريكية للبضائع الفلبينية .
ز ـ هذا .. وناهيك عن مشاركة وحدات أمريكية عالية التدريب في مجال مكافحة الإرهاب وحرب العصابات ستساعد في مكافحة جماعة أبو سياف .
وهذا العرض المفصل السابق يجد تبريره في قضية توفير السابقة , فتحدي رأس السلطة للخلاف العميق على قبول مثل هذا التدخل الأمريكي ( المساعدة الأمريكية ) ارتبط بتوضيح المكافأة التي حصلت علها الحاكمة , أو الحاكم ليتمكن بها من مواجهة الانتقادات المجتمعية السياسية الحادة التي قد تتدافق مع مثل هذا التدخل .
وأما عن الجريمة الخاصة بجماعة أبو سياف الآن فنجد أنه قد تم ربطها بتهديد واسع النطاق كذلك للذي يُتهم به تنظيم القاعدة , والذي يتمثل في تهديد محدود لمواطنين أمريكيين , حيث كانت جماعة أبو سياف قد احتجزت رهينتين أمريكيتين هما مارتن ومراتشيا بيرنهام من مدينة ويتشيتا بولاية كانساس الأمريكية , بالإضافة إلى الممرضة الفلبينية ديبوراياب , فمن خلال تحقيقات تعلقت بحوادث اختطاف مشابهة في باكستان , كان منها أقرباء المختطفين في الفلبين , بالإضافة إلى مقتل أحد أعضاء جماعة أبو سياف الذي يعد صهر " محمد جمال خليفة " أحد أعضاء تنظيم القاعدة , واكتشاف تدريب جماعة أبو سياف على يد " رمزي يوسف " المتهم بالهجوم على مركز التجارة العالمي في عام 1993 , والذي يشتبه في علاقته الوثيقة بابن لادن , ومن خلال تجميع هذه القطع الصغيرة تم اكتشاف تدريب أعضاء جماعة أبو سياف في أفغانستان جنبًا إلى جنب مع أعضاء تنظيم القاعدة , وهكذا تم توفير الغطاء الإعلامي لتبرير الهجمة على جماعة أبو سياف . (3)
ويبدو أن توفير مثل هذه الحجج بتلك الطريقة غير المفهومة لم تكن مقنعة لكاتب ورقة مركز C D I , حيث صرح هذا الأخير في تقريره بأنه " بصرف النظر عن صحة ما قاله وزير الدفاع الأمريكي رونالد رامسفيلد بشأن ارتباط جماعة أبو سياف بتنظيم القاعدة من عدمه , فإن الرسالة التي أرادت الولايات المتحدة توصيلها قد وصلت لأهدافها من أولئك الذين يشتبه في توفر علاقات تربطهم بتنظيم القاعدة .
وعلى الرغم من أن هذا تشكيك واضح في صدقية طرح معلومات رامسفيلد , إلا أن مدير مركز معلومات الدفاع يشير إلى أن " التهديدات الجوفاء غير المقترنة بأفعال لا تخدع أحدًا , ولا تخيف أمثال هؤلاء المنخرطين في هذه التنظيمات , ومن هنا كان توجه الولايات المتحدة للانتشار بالفلبين , والقضاء على جماعة أبو سياف بمثابة إنذار وتهديد موجة إلى بقية الجماعات التي أعجبها هجوم الحادي عشر من سبتمبر " .
وتحليل هذه الجملة الأخيرة يشي بوجود مضمونين رئيسيين :
الأول : أن جماعة أبو سياف لا صلة لها بتنظيم القاعدة بصورة مؤكدة , لكنه رسالة لكل من ألهمه تفجير 11/9/2001 .
الثاني : أن هدف حملة الفلبين ليس فقط توفير سابقة للتدخل العسكري الرضائي ( رضا رئيس الدولة ) ( عدم وجود إجماع داخل هذه الدولة على هذا التدخل ) في دولة ذات سيادة لملاحقة " إرهابيين " , بل يشمل أيضًا توفير بيئة نفسية رادعة لكل من تسول له نفسه التلاعب بأمن الولايات المتحدة أو بأمن مواطنيها .(67/6)
وقد اختتم التقرير المشار إليه عرضه لتجربة التدخل في الفلبين بصورة يؤكد فيها على المضامين السابقة التي تم استنقاذها من خلال تحليل مضمون هذا التقرير , حيث يشير التقرير إلى أن إرسال الولايات المتحدة قواتها إلى الفلبين يعد تطويرًا نوعيًا للاستراتيجية العسكرية الأمريكية يسمح للولايات المتحدة بحيازة القدرة على المبادرة والمُبادءة العسكرية في مواجهة أعدائها في الوقت الذي تستهلك فيه البدائل الأخرى ( يرجح أنها البدائل العسكرية ) الوقت بلا عائد حقيقي , بالرغم من أن الباب مع ذلك يظل مفتوحًا لها . (4)
بقى أمر لا بد من الإشارة إليه ومناقشته في ختام تقرير حملة الفلبين , فالدستور الفلبيني يحظر على أي قوات أجنبية صديقة موجودة على أرض الفلبين أن تشارك في أية عمليات عسكرية أمنية على أرض الفلبين , إلا أن هذا الحظر لم يتم إطلاقه على عنانه , فقد تم الاستدراك عليه باضطرار هذه القوة الدفاع عن نفسها .
وفي هذا الإطار يمكن حصر مهام القوات الأمريكية الموجودة في الفلبين في أحد أمرين :
أ ـ القيام بتدريبات مشتركة على تكتيكات في مواجهة العصابات , وهي تلك التكتيكات التي تتخصص فيها القوة الأمريكية المؤلفة من 660 جندي متخصص في هذا النمط من أنماط الحروب , والتي منها 160 جندي مجهزون تجهيزات خاصة على صعيد التدريب أو التسليح . (5)
ب ـ تقديم المعونة الفنية الاستشارية للقوات الفلبينية مع تصاعد الأحداث على الجبهة الجنوبية التي تشهد , أو من المقرر أن تشهد مسرح العمليات التي تستهدف تصفية جماعة أبو سياف بالمنطقة .
لكن من الجدير بالذكر في هذا الإطار أن مثل هذه القيود القانونية لم تمنع من اشتراك هذه القوات الأمريكية في مسرح العمليات المرتقبة , وفي هذا الإطار لدينا إطارين لهذا التدخل :
1 ـ فعلى صعيد القيد القانوني يمكن لحكومة السيدة جلوريا أرويا أن تتلاعب بها من خلال أحد أمرين :
أولهما : ديمقراطي يتمثل في نجاح إدارتها في إقناع المجلس النيابي الفلبيني بالجدوى لوجود القوات الأمريكية على أرض جنوب الفلبين , مشفوعة في ذلك بالمقابل السخي الذي حصلت عليه الفلبين والذي تجاوز حصة المائة مليون دولار المقدمة في صورة معونات عسكرية .. إلى ضمان حصة أكبر في السوق الأمريكي لحساب المنتجات الفلبينية التي تشهد منافسة آسيوية ضارية من تايوان والصين وإندونيسيا وماليزيا وتايلاند .
ثانيها : قانون يتمثل فيما يمكن أن تتعرض له تلك النصوص الدستورية من عمليات تفسير وإعادة تأويل يمكن بناؤها على حجة أن القوات الأجنبية المقصودة بالدستور هي القوات التي تشترك مع القوات الفلبينية في مهام فنية ( كالتدريب والمناورات ) , وليس في مهام أمنية .
2 ـ أما على الصعيد العملي فيمكن التلاعب بالنص من خلال افتعال حادث تفجير وهمي يرتبط بتمركز القوات الأمريكية في منطقة قريبة من مركز إدارة العمليات الفعلي , مما يعد غطاءً لحادث التفجير الوهمي هذا , في الوقت الذي يمثل فيه هذا الحادث الوهمي ذريعة لتدخل القوات الأمريكية تحت غطاء قانوني دستوري كامل , ألا وهو غطاء الدفاع عن النفس , والذي يمكن فيه اعتبار أي هجوم أمريكي بمثابة " إجراء وقائي " .
وعلى صعيد تقييم القوات الأمريكية نفسها يمكن القول بأن معيار التدخل وارد في حساباتها , ويدل على ذلك توفر قوة ضاربة متميزة بهذه القوات تشكل نسبة 2 : 7 , أي 24 % من هذه القوات , هذا بالإضافة إلى احتمالات توفر دعم لوجستي ( إمداد وتموين ) من القوات الأمريكية البحرية المرابطة في المحيط الهندي .
الإحالات المرجعية :
(1) تقرير صادر عن مركز المعلومات الدفاعية C D I وهو مركز مقرب من وزارة الدفاع الأمريكية , وقد صدر هذا التقرير في إطار " برنامج الإرهاب " في المركز ..
U S Deployment to The Philippines, A Sensible And timely Quid p r o Quoi Feb, 2002, C D I . P : 1 .
(2) المرجع السابق صـ 2 .
(3) المرجع السابق صـ 2 .
(4) المرجع السابق صـ 3 .
(5) المرجع السابق صـ 2 .
ثانيًا حالة الصومال :
خلال الشهرين الأولين من عام 2002 بدا أن الصومال هي المحطة التالية للولايات المتحدة بعد فراغها من نظام حكومة طالبان في أفغانستان , وقد نشر برنامج أفريقيا ـ الذي موله مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية الأمريكي المقرب من دوائر صنع القرار بالولايات المتحدة في يناير 2002 ـ دراسة للباحث كين مينكوس يعتبر فيها الصومال الخطوة التالية في حرب الولايات المتحدة ضد ما أسماه بالإرهاب .
وقد حدد كيمن مينكوس سيناريوهات أربعة لتعامل الولايات المتحدة مع الصومال , وهي على النحو التالي :
السيناريو الأول : القيام بحملة تفجير تضرب معسكرات الإرهاب (6).
ويشير مينكوس إلى أن هذا السيناريو يقوم على تمثل نفس نموذج الحرب التي دارت رحاها في أفغانستان عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر , ويشير مينكوس إلى أن هذا النموذج يتأسس على مدى توفر معلومات استخباراتية حول وجود قواعد ومراكز تدريب للكوادر الإرهابية على أرض الصومال .(67/7)
ويشير مينكوس إلى أن محددات استخدام هذا السيناريو تقوم على غياب أهداف محددة وبارزة في الصومال يمكن استهدافها بالضرب بما في ذلك معسكرات إرهابية محددة , حتى بالنسبة لقواعد ضرب الاتحاد الإسلامي التي تم هجرها , ولم تعد تستخدم الآن .
لكن يشير مينكوس إلى أن هذا البديل مطروح لدى بعض القادة العسكريين بالاستناد إلى مبررات مختلفة وأولى الأطروحات التي تتداعى في إطار الدعوة لهذا البديل تتمثل في الإشاعات التي تمثل أحد أبعاد عملية الردع , في إطار الترويج لفكرة عزم إدارة الولايات المتحدة استخدام جبروتها العسكري لضرب شبكات الإرهاب المنتشرة عالميًا .
إلا أن فريق من المحللين يؤكد أن مثل هذا الطرح يستند لاعتبارات سياسية لا اعتبارات تكتيكية تتعلق بالردع , فضرب دول مثل العراق أو السودان يؤدي إلى خلق عدة أزمات دبلوماسية بالنسبة للولايات المتحدة , على الرغم من أنها أكثر أهمية بالنسبة للولايات المتحدة في مجال مكافحة الإرهاب , والصومال ليس لديه كثرة من الأصدقاء , وهذا يعني أن الصومال هي الهدف التالي ليس بسبب خطورتها , ولكن لأنها الأكثر سهولة في المواجهة .
السيناريو الثاني : مجموعة عمليات محدودة لاقتناص أفراد إرهابيين (7):
ويعتبر مينكوس أن هذا البديل أكثر واقعية واحتمالاً من البديل الأول , ويرتبط مباشرة بهدف الولايات المتحدة في مكافحة الإرهاب , ويتعلق هذا البديل بمجموعتين من الأهداف الفرعية :
الهدف الأول : يتمثل في اصطياد أفراد غير صوماليين , متورطين في شبكات إرهاب متفاوتة , ويتخذون من الصومال أرضًا آمنة للإقامة .
الهدف الثاني : يتمثل في تعقب أفراد صوماليين هذه المرة , مع وجود دلائل تشير إلى ارتباط هؤلاء الصوماليين بتنظيم القاعدة .
ويدعم هذا البديل أن الدراسات تشير إلى أن الصومال أرضًا لا تتمتع بوجود حكومة وطنية قوية قادرة على القيام بوظائفها الضبطية على النحو الأكمل مع وجود وحدات حكم محلية متواضعة القدرات .
ويشير مينكوس إلى أن هناك مجموعة من الاعتبارات تجعل هذا البديل الأقل طرحًا إن لم يكن غير ملائم للسياسة الأمريكية :
أولاً : ليس الصومال المكان الذي يستطيع فيه الأغراب أن يختبئوا .
ثانيًا : الحكومات والقوى السياسية المحلية تجد أن أحد أبرز المعايير التي تساندها في سعيها للبقاء على مسرح السياسة هو استعدادها وحرصها على إبداء ولائها للولايات المتحدة , بالإضافة إلى أن دراسات المناطق أثبتت أن الصوماليين جلهم لا يمكن نسبتهم إلى الحركة المعادية للأمركة , بالإضافة لتراجع نفوذ وشعبية الإسلاميين فيها بسبب أحداث ما قبل التدخل الأمريكي في الصومال في منتصف التسعينات .
ثالثًا : من المعروف أن نشاط إسلاميّ الصومال خلال السنوات الخمس الأخيرة أصبح ذا طابع محلي صرف , وأن حزب الاتحاد لا يكاد يولي الوضع العالمي أي اهتمام , وحادثي سفارتي الولايات المتحدة في كينيا وتنزانيا حادثان لا يمكن بأي حال ربطهما بالإسلاميين في الصومال .
رابعًا : أن المزاعم بوجود أفراد ذوي رباط مع تنظيم القاعدة يتبدد عندما نعلم أن هؤلاء المشتبه فيهم لا يزيدون عن اثني عشر شخصًا , وهم غير مقطوع بانتمائهم بتنظيم القاعدة , وكلا العاملين يعززان وضع الصومال كدولة ضد الإرهاب وصالحة للانضمام للحملة ضد الإرهاب .
السيناريو الثالث : حرب بالوكالة للقضاء على الحكومة الوطنية الانتقالية في مقديشيو (8).
ينظر للحكومة الوطنية الانتقالية بمقديشيو T r ansitional National Gove r nment T N G in Mogadishu على أنها واجهة للحركة الإسلامية الراديكالية للصومال , وأنها نسخة صومالية من نظام حكم حركة طالبان , وهو ما يعزز من احتمال القيام بحرب ضد هذه الحكومة .
وتحاول إثيوبيا أن تضخم من الهالة الإعلامية حول سيطرة حزب الاتحاد الإسلامي على هذه الحكومة في إطار سعيها لإثبات أنها تدير حربًا لصالح الولايات المتحدة , غير أن الجميع يرى أن ادعاءات إثيوبيا في صالح المنافسة الثنائية بين الدولتين ضد نظام يستخدمه العرب ومصر بخاصة للضغط على إثيوبيا بالوكالة .
وعلى الرغم من أن ضرب T N G في الصومال غير مستحب لدى صانع القرار الأمريكي , إلا أنه ليس خيارًا مستبعدًا , ومما يدعم هذه الصورة أن قيام إثيوبيا باصطفاء مجموعة من الأفراد المسلحين من عملائها الصوماليين في المجلس الصومالي للإحياء والتسوية Somalia r est ovation and r econciliation Council وتدريبهم على العمل العسكري في مدينة بيداو المتاخمة , مع زيارة ضباط أمريكيين ذوي رتب عالية للمناطق التي يسيطر عليها هذا المجلس تعد مؤشرًا في أن احتمال ضرب T N G وارد , أسوة بتأسيس التحالف الشمالي في أفغانستان , وكأن تأسيس هذا التحالف الشمالي الصومالي تكرار لنفس السيناريو .
لكن مما يعضد من رفض هذا البديل أنه سيؤدي إلى خلق حالة من الفوضى الإنسانية والمذابح , وعودة هيمنة لوردات الحرب على الإقليم , وخلق نوع من أنواع السخط على الولايات المتحدة في بيئة ليس ثمة عداء فيها حيال الولايات المتحدة الآن .(67/8)
وهناك ثانيًا إثيوبيا التي من المؤكد أنها لن تلتزم بالضوابط التي تضعها الولايات المتحدة لتأمين صيرورة هذه الحرب ومستقبلها , حيث ترى إثيوبيا أنها الدولة الزعيمة في القرن الأفريقي , أنها لا بد لها من إرساء نظرتها لأمنها الخاص على حساب الدول المجاورة , وما حدث في إريتريا كان طليعة لهذا التصور , بصرف النظر عن الاعتراض الأمريكي على طموحاتها الأمنية تلك , وهذا ما سيجعل الصوماليون يرون الولايات المتحدة مسؤولة عن هذه الحرب ولن ينظروا إليها باعتبار أنها قدمت فقط مساعدات تكتيكية .
وأخيرًا , فإن إعلان الولايات المتحدة رعايتها لمثل هذه الحرب بالوكالة قد يؤدي إلى تقويض وجود T N G كليًا أو جزئيًا , وإجراء مفاوضات تؤدي إلى توصيل حلفاء إثيوبيا لسدة الحكم , وهو ما يوافق المثال الأمريكي , لكن فشل هذه المفاوضات سيؤدي إلى حالة انهيار الدولة التي عانت منها الصومال طويلاً , وهذا في حالة افتراض سقوط T N G , وفي حالة فقدانها القدرة على تمويل وتقوية ميليشياتها العسكرية , وتخلي الأثرياء العرب , ورجال الأعمال الصوماليون عنه .
السيناريو الرابع : الإشراف والمراقبة والتدخل السريع (9):
يرى مينكوس أن الإشراف والمراقبة الدقيقة وتوفير قوة للتدخل السريع والوقائي سياسية واضحة وضرورية ولا يمكن وجود خلاف حولها , وهي سياسة بدأت الولايات المتحدة وحلفاؤها تنفيذها فعليًا , فالطائرات الأمريكية تقوم بطلعات استكشافية فوق الصومال , كما تقوم المخابرات بمتابعة الأعمال الاقتصادية للصوماليين , وللجماعات السياسية الصومالية , وكذا صوماليّ الشتات أكثر من ذي قبل , فضلاً عن أن البحرية الأمريكية تذرع سواحل الصومال جيئة وذهابًا على أهبة الاستعداد للتدخل لحرمان الإرهابيين من فرض النشاط وتحصيل موارد القوة .
وهذا الأمر متوقع استمراره لفترة طويلة نسبيًا سواء لمتابعة أنشطة المشتبه فيهم داخل الحدود الصومالية , أو لمنع اتخاذ الصومال ملاذًا جديدًا للفارين من تنظيم القاعدة , أو استخدام الأراضي الصومالية قاعدة لمزيد من عمليات تنظيم القاعدة .
ويشير مينكوس إلى أنه يمكن للولايات المتحدة إضفاء الشرعية على هذا السيناريو من خلال إقامة علاقة تعاون تنطوي على جعل هذه الأدوات العسكرية وسيلة لتأمين السلطات الصومالية ومعينًا لها في ضبط كثير من الأمور الأمنية مثل مكافحة التهريب والصيد غير المشروع , ويرى مينكوس أن هذا البديل هو أفضل وأقوى ما يمكن للولايات المتحدة أن تفعله حيال الصومال .
السيناريو الخامس : الارتباط البنَّاء مع السلطات الصومالية (10):
أحد أبرز السمات التي تجعل من الصومال مصدر إشكال متعلق باحتمالات نشوء أنشطة إرهابية يتعلق بضعف الحكومة الصومالية , وعدم قدرتها على ممارسة مهام التغلغل والضبط على إقليمها , وهذا الوضع يحرم الولايات المتحدة وحلفائها من سلطة قوية قادرة على تعقب المشتبه فيهم والتحقيق معهم , واعتقالهم حين الضرورة , وهذا ما دفع كثير من المراقبين إلى اعتبار أن أهم ما على الولايات المتحدة عمله حيال الصومال هو الدخول مع سلطة T N Gفي علاقة شراكة أمنية تتيح لها التحرك المشترك في مجال مكافحة الإرهاب , بل لقد سارع T N Gبالإشارة إلى أنه يمكن الاعتماد عليه كشريك في الحرب ضد الإرهاب في حالة ما إذا تولت دولة قوية مساعدته في هذا المجال .
وفي هذا الإطار يميز مينكوس بين سيناريوهين لإدارة علاقة الشراكة تلك :
وأول هذين السيناريوهين يتمثل في إقامة علاقة مباشرة مع T N Gنفسها , لكن مينكوس رفضه لثلاثة اعتبارات :
أ ـ هذا السيناريو سوف يؤدي لإغضاب إثيوبيا .
ب ـ هناك أقوال حول الخلفية والارتباطات الإسلامية القوية لهذه الحكومة .
جـ ـ ليس هناك بادرة تدل على أن T N Gلديها استعداد لتطوير قدرة الدولة على التغلغل والضبط , ومن أمارات ذلك الحدث أن كل المساعدات الغربية المقدمة خلال الـ 18 شهرًا الماضية لم تستخدم لتطوير إمكانات الدولة , بل دخلت جيوب أعضاء حكومة T N G .
وثاني هذين السيناريوهين يتمثل في إقامة علاقة شراكة مع السلطات المحلية المختلفة داخل الأقاليم الصومالية , وبخاصة مع سلطة ولاية صوماليلاند التي يتزعمها حاكم انفصالي قوي ذو علاقات جيدة نزاعة للسلام مع إثيوبيا , فضلا عن تعامله بحزم مع الإسلاميين المتطرفين في أرض إقليمه , والتعاون مع هذا الحاكم لن يكون لأغراض داخل صوماليلاند , فهو يتكفل بها , لكن يمكن اتخاذ الوجود الأمريكي في هذه المنطقة لتحركات أمريكية أمنية فاعلة في المستقبل .
وفي هذا الإطار يوفر نموذج التعامل الأمريكي مع الفلبين سابقة يمكن استيعاب احتمال تكرارها بالنسبة لتجربة التفاعل مع النموذج الصومالي , فالقوات الأمريكية الموجودة في الفلبين ليس هدفها هزيمة قوات نظامية , بل هزيمة قوات تنتهج منهج حرب العصابات رغمًا عن الدولة , وفي هذا الإطار يمكن تفسير التشابه بين دوريّ القوات الأمريكية الحالي في الفلبين والمحتمل في الصومال .. ويزيد من الجمع بين المثالين والقدرة على الربط بينهما أزمة التغلغل التي تصف الدولتين على إقليمهما .(67/9)
إلا أن هذا ليس وحده ما يمكن اعتباره الرابط الذي يربط الحالتين الفلبينية والصومالية ببعضهما , فالقوات الأمريكية في الفلبين ليس في مقدورها ـ بحسب دستور الفلبين ـ أن تشترك في عمليات قتالية على أرض الفلبين من دون موافقة بأغلبية كبيرة , ومن ثم فإن الدور الموكول إلى هذه القوات يتمثل في النشاط الاستخباراتي , والتدريبات المشتركة مع الجنود الفلبينيين , بالإضافة إلى الدور الاستشاري , إلا أن الدستور الفلبيني يسمح للقوات الأجنبية بالاشتراك في القتال مع القوات الوطنية في حالة الدفاع عن النفس .
وهذه الحالة يمكن اعتبارها حالة مشتركة مع الصومال , فإيكال الولايات المتحدة إثيوبيا بالقيام بتدريب مجموعات صومالية مسلحة رافضة لسيطرة الحكومة الانتقالية الوطنية بمقديشيو , مع تواجد ضباط أمريكيين ذوي رتب عالية في صوماليلاند كفيل بجعل الصومال نموذجًا آخر لتكرار تجربة الفلبين , وفي هذا الإطار يمكن استثمار ضعف قدرات الدولة الصومالية في القيام بعمليات محدودة كالاختطاف والاغتيال لأشخاص يتم تحديدهم مخابراتيًا , فمثل هذا النوع من العمليات المحدودة كفيل بتجنيب الولايات المتحدة ما تخشاه من أن يؤدي التدخل الأمريكي المباشر في الصومال , وانهيار الدولة الصومالية الوليدة إلى تفشي ظاهرة العداء للولايات المتحدة , أو ما يسمى Anti Ame r icanism .
والحقيقة أنه يمكن الدمج بين هذا السيناريو الأخير وجزء من السيناريو الثاني الخاص بالاقتناص , في ظل ممارسة القوات المرابطة على سواحل الصومال لأنشطتها الاستخباراتية حول مداخل الصومال ومخارجها البحرية , مع إمكان تقديم هذه القوات لنوع من الدعم اللوجستي ( الإمدادي ) للضباط الأمريكيين في حالة تطلب الأمر لذلك
الإحالات المرجعية :
(6) اعتمد في الحديث عن الصومال أساسًا على تقرير صادر عن مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية , وهو مركز مقره واشنطن , وقريب من دوائر صنع القرار , وبخاصة وزارة الخارجية الأمريكية , ويعتمد المركز سيمنارات دورية مع مسؤولين أمريكيين لمتابعة المستجدات على صعيد السياسة الخارجية , والتقرير صادر عن " برنامج أفريقيا " ومرفق بالدراسة .Somalia : Next Step up in the wo r n te r ro r isms; Ken Khans, Csis Af r ica Notes, Janua r y 2002, P . 1, 2 .
(7) المرجع السابق صـ 2 ـ 5 .
(8) المرجع السابق صـ 5 ـ 6 .
(9) المرجع السابق صـ6 ـ 7 .
(10) المرجع السابق صـ 7 ـ 9 .
ثالثًا حالة العراق(11):
هناك دراستان بالغتا الأهمية صدرتا عن مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية بواشنطن عن العراق , كانت إحداهما في منتصف عام 2001 (12) , بعنوان " الخليج والتحول .. سياسة الولايات المتحدة في الخليج في أعقاب حرب عاصفة الصحراء .. تحدٍ اسمه العراق " .
وثانيتهما صدرت في 2/12/2001 بعنوان : " القدرات العسكرية للعراق .. الحرب ضد ثعبان مجروح , لكنه خطير وسام " , وقد أعد الدراستين كلٍ من أنتوني كوردسمان , أريج بيرك , وهما أستاذا كرسي الاستراتيجية بمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية (13)
والدراستان خطيرتان بسبب صدورهما عن هذا المركز شديد القرب من دوائر صنع القرار الأمريكي من ناحية , وبسبب لهجتهما المتحاملة على العراق من ناحية ثانية .
وإذا كانت الدراسة تعني باستشراف النوايا العسكرية الأمريكية حيال دول العالم الإسلامي , فإن ذلك رتب علينا اللجوء لبديل السيناريوهات لفحص نطاق التحرك الأمريكي , وقد لوحظ أن توصيات هذا المركز تنزع إلى التعامل مع العراق وفق مجموعة شاملة من الإجراءات تمثل سيناريو أوحد قوامه تأمين الخليج من خطر العراق .
وقد تناولت هاتان الدراستان وضع قوة العراق بصورة مقارنة قبل حرب الخليج الثانية , وأثناءها وما تلاها , وأخيرًا وضع القوة العسكرية الآن , والتي تراها الدراستان لا تزال سامة للغاية بالنسبة للمصالح الأمريكية , ولعل هذا ما دفع الأستاذان مؤلفا هاتين الدراستين إلى اتباع النهج الشامل في رسم ملامح سيناريو التعامل مع قوة العراق السامة .
وقد عجت الدراستان المذكورتان بتفاصيل كثيرة جدًا في إطار حجمهما الذي بلغ لدى الدراسة الأولى مائة صفحة من القطع A 4 , والدراسة الثانية التي بلغت 20 ورقة من نفس القطة , ولذا سنركز على الهدف من هذه الدراسة , وهذا يثير إشكالية صغيرة تتعلق بشمول هذا السيناريو لأهداف ومسالك ليست عسكرية رأينا عرضها بمنتهى الإيجاز , ثم التركيز فيما بعد على المسالك العسكرية :
أ ـ الأبعاد غير العسكرية لسيناريو الحل الشامل بصدد العراق (14):
1 ـ ضرورة محاصرة استجابة المجتمع الدولي للمعلومات التي يريد بها الرئيس العراقي استعطاف المجتمع الدولي تجاه حالة الإنسان العراقي المتردية بالنسبة لما يفعله بالأكراد والشيعة .
2 ـ ضرورة تبني حملة إعلامية واسعة النطاق لمخاطر النظام العراقي على شعبه وعلى جيرانه , وسوء استخدامه لاتفاق النفط مقابل الغذاء , وفي هذا الإطار على الولايات المتحدة الآتي :
ـ إعادة توجيه حصيلة اتفاق النفط مقابل الغذاء لصالح الشعب العراقي لا لصالح النظام .(67/10)
ـ يجب البحث عن نمط بديل للعقوبات وليس إنهاء العقوبات .
ـ توجيه الأنشطة الاقتصادية , بما في ذلك الاستثمارات الأجنبية المتاحة للعراق في غير الأغراض العسكرية , على أن تكون الاستثمارات الأجنبية تحت إشراف الأمم المتحدة .
ـ استعادة حرية الحركة في المواني والمطارات العراقية .
ـ السماح بمعونات أجنبية طالما تمت السيطرة عليها .
ـ السماح للعراق بتنفيذ مشروعات نفطية وغازية مع إشراف الأمم المتحدة على إنفاق عوائدها .
3 ـ أما عن التعامل مع نظام الرئيس صدام حسين فيجب أن يتم في ضوء الآتي :
ـ إعلان الولايات المتحدة نواياها بصدد الإطاحة بالرئيس العراقي , وتغيير نظام حكمه لصالح نظام يعترف بسيادة الكويت , ويتعايش بسلام مع جيرانه , وينفذ قرارات الأمم المتحدة بخصوص وقف إطلاق النار وتفكيك أسلحة الدمار الشامل , ويحترم حقوق المواطن العراقي .
ـ العمل على إسقاط نظام حكم صدام حسين بصورة جادة , ومنح السيادة الكاملة لأي نظام عراقي جديد .
ـ التأكيد على منح النظام الجديد فرص الازدهار عبر تشجيعه اقتصاديًا عن طريق إسقاط الديون وتقديم المساعدات .
ـ تدعيم صلة المعارضة العراقية ببعضها , وربطها بالعراقيين في الداخل لتسهيل عملية تعبئة العراقيين خلف عملية تغيير النظام والتأهل لنظام جديد .
ـ تنمية القوة العسكرية لكل فصائل المعارضة العراقية , لا لفصيل دون آخر .
ـ التأكيد على أن احترام وحدة أراضي العراق الجديد رهن باحترام حقوق الأكراد والشيعة .
ب ـ الأبعاد العسكرية لسيناريو الحل الشامل بصدد العراق (15)
كان اهتمامنا بعرض الأبعاد السياسية لسيناريو الحل الشامل لأنه يعطي فرصة أفضل لتفهم أهداف الأبعاد العسكرية لسيناريو الحل الشامل بصدد العراق , فمن دون قصور الأهداف التي يسوقها موجهو صنع القرار الأمريكي لا يمكن الوقوف على أهداف العمليات العسكرية .
والعمليات العسكرية في هذا الإطار تنقسم إلى مجموعة من الاتجاهات :
أ ـ تسليح المعارضة العراقية :
يشير المؤلفان إلى إدراك الولايات المتحدة بأن ثمة نوايا جادة متوفرة لدى الفصائل العراقية المعارضة للعمل من أجل إسقاط نظام صدام , لكنها تعلم انقسام هذه المعارضة إلى فصائل محدودة وضعيفة ومنقسمة دينيًا وعرقيًا , بالرغم من توفر قادة لديهم الطموح لتوحيد العراق في مواجهة الدعاوى الانقسامية .
وهناك في هذه الفصائل فصيلين هما المجلس القومي العراقي , والاتحاد القومي العراقي , ذوي القدرات العسكرية الحقيقية , وهما فصيلان شيعيان من المعارضة العراقية تولت إيران إعدادهما وتدريبهما منذ الحرب العراقية ـ الإيرانية , ويدعيان أن لديهما قوة من 4000 رجل مجهز , وقد سحقت القوات الحكومية العراقية هذين الفصيلين في غضون ساعات قلائل عندما حاولا القيام بمناورة دفاعية في الأيام الأخيرة للحرب العراقية الإيرانية , وقد أعلن هذان الفصيلان ارتباطهما العقيدي بإيران ورفضا القيام بمساعدة الولايات المتحدة .
وهناك قدر كبير من التشرذم وغياب الوحدة , فالأكراد لديهم أكثر من 25 ألف مقاتل , لكنهم منقسمون بين الحزبين الكرديين الكبريين ( الحزب الديمقراطي , والاتحاد الوطني الكردستاني ) , ولكن من بين الخمسة والعشرين ألفًا هناك قلة من المقاتلين مجهزين بأسلحة خفيفة , وفي هذا الإطار على الولايات المتحدة أن تعتبر الآتي :
ـ تغيير الموقف بحاجة إلى صبر لا إلى مغامرة .
ـ ضرورة التعامل بحرص مع الانقسامات القومية العراقية .
ـ البحث عن إسقاط صدام عبر بناء معارضة عراقية موحدة , لا تسليح فصائل دون أخرى .
ـ تجنب ظهور الولايات المتحدة بمظهر المستفيد من دعم المعارضة وإسقاط صدام حسين , لتجنب تصوير المعارضة العراقية على أنها مجموعة من الخونة .
ـ خلق قنوات اتصال بين المعارضة العراقية في الداخل والخارج .
ب ـ اتجاه تطوير سياسة احتواء السلوك الإرهابي للعراق (16):
ـ يرى الكاتبان ضرورة قيام الولايات المتحدة بوضع معايير قياسية بضمان استمرار عملية احتواء العراق , وهزيمتها إذا لزم الأمر , وكذا لمواجهة احتمال انهيار العقوبات وإفادة النظام من الرواج في تطوير قدراته العسكرية .
ـ يرى الكاتبان أن مراقبة منطقة الحظر الجوي فوق العراق مضيعة للموارد وتؤدي بالولايات المتحدة وبريطانيا إلى مكاسب محدودة جدًا , وبدلاً من ذلك يشير الخبيران إلى ضرورة تحرك القوات الجوية المشتركة لأمريكا وبريطانيا بجدية لضرب مراكز القيادة العسكرية العراقية والمواقع العسكرية , فالسنوات العشر الماضية شهدت انتهاكات غطتها قرابة 16 ألف طلعة جوية , واستخدم فيها قرابة 1000 سلاح , دون حصاد , مع كسب إعلامي عراقي عبر الإعلان عن عدد الضحايا , والخلاصة أن النتائج الجانبية للطلعات الجوية سلبية , وتطال مدنيين .
ـ ضرورة تفادي النتائج السلبية لاستخدام الأسلحة فوق مناطق الحظر الجوي عبر تقليص عدد الطلعات , وتجنبها إلا للضرورة القصوى لأنها مكلفة سياسيًا وماليًا , فضلاً عن تعريض قوات التحالف الأمريكي ـ البريطاني لفقد طائرات أو ملاحين .(67/11)
ـ على الولايات المتحدة أن تعمل مع كل من الكويت والسعودية على خلق نظام دفاعي محلي فعال ضد العراق , ويمكن في هذا الإطار توفير دعم دبلوماسي مصري وأردني , وهذا النظام الدفاعي ينبغي أن يقوم من خلال تكوين منظومة رباعية كويتية ـ سعودية ـ أمريكية ـ بريطانية للدفاع المشترك , ويمكن في هذا الإطار بحث إمكان الاستفادة من فكرة وجود قوات مصرية في هذا التشكيل , وربما قوة أردنية أيضًا .
ـ مع الاتجاه نحو جعل المناخ في العراق أكثر انفتاحًا , فإن هذا قد يحدو بالنظام العراقي إلى القيام بعمليات إرهابية أو دعم تحركات إرهابية بالمنطقة , ولذا فعلى الولايات المتحدة توفير منظومة لمراقبة سلوك النظام العراقي لاحتواء أي احتمال لقيامه بمثل هذه الأنشطة .
جـ ـ اتجاه تطوير سياسة نزع سلاح العراق :
ـ على الولايات المتحدة أن تستمر في جهودها لمنع أو وقف عمليات تحويل تقنيات التكنولوجيا في العراق إلى المجال التسليحي .
ـ تحتاج الولايات المتحدة إلى بذل كل الجهود الاستخباراتية والدولية الآن لمنع تدفق الأسلحة الروسية والصينية والأوربية , وسائر عمليات نقل الأسلحة إلى العراق ليس هذا فحسب , بل على الولايات المتحدة أن تقوم بتطوير آليات لمنع تدفق الأدوات ذات التكنولوجيا القابلة للتحول للاستخدام العسكري أيضًا , إن هذا الإجراء أكثر فاعلية اليوم من مجرد إرسال لجان تفتيش , وهي تلك اللجان التي أصبحت قدراتها محدودة حتى بعد التطور من نظام Unscom إلى نظام UNMOVJC .
ـ على الولايات المتحدة أن تجد وسيلة فعالة لتدويل جهودها لنزع سلاح العراق , ومنع تسلحيه , والقيام بحملة واسعة النطاق حول سياسات النظام العراقي العدوانية لضمان التأييد الدولي لجهود محاصرة إمداده بالأسلحة .
ـ تبني سياسة عسكرية صارمة لعدم التسامح مع استخدام أسلحة الدمار الشامل , أو تزويد العراق بها , وجعل هذه السياسة علنية .
ـ بحث سبل تطوير نظم المراقبة والإشراف على تفكيك أسلحة الدمار لشامل العراقية كبديل لنظام Unscom أو UNMOVJC , مع الإعلان عن عدم انتوائها التسامح مع أية جهود لإعادة تسليح العراق , أو إعادة العراق تسليح نفسه .
والجدير بالذكر في هذا الإطار أن السلوك الذي تسلكه الصحف الأمريكية مناقض تمامًا في حدة لهجته لمثل هذا الطرح الهادئ , لكن طرح الصحف يقف عاجزًا عن إيجاد حلول عملية بديلة لمثل هذا الطرح . (17)
الإحالات المرجعية :
(11) تم الاعتماد في تناول العراق على عدة مراجع , أبرزها دراسات متخصصة قام بها متخصصون في الاستراتيجية الأمريكية حيال آسيا , ومنهم أستاذ كرسي الاستراتيجية بمركز Csis بالإضافة إلى تقرير مركز المعلومات للكونجرس الأمريكي , علاوة على بعض الصحف القريبة من دوائر صنع القرار الأمريكي .
(12)Anthony Co r desman, A r leigh Bu r ke : I r aq's Milita r y Capabilities : fighting wounded, But Dange r ous, Poisonous Snake, CSIS, Decembe r 3,2001 .
(13)Anthony Co r desman, A r leigh Bu r ke : The Guy and T r ansition : Us Policy Ten yea r s Afte r Gulf Wa r , The challenge of I r aq, 30-10-2000 .
(14) المرجع السابق , صـ 74 ـ 83 .
(15) المرجع السابق صـ 80 ـ 87 .
(16) المرجع السابق صـ 87 ـ 95 .
(17) راجع افتتاحية صحيفة الواشنطن بوست :
Yes, They A r e evil, Washington Post, Feb r ua r y 2-2002
رابعًا حالة إيران :
هي من وجهة نظر الرئيس الأمريكي تمثل إحدى مراكز ما أسماه " محور الشر " The Axis Of Evil في خطابه الذي ألقاه في يوم الثلاثاء 29/1/2002 , وقبل ذلك بأيام نشرت صحيفة الجمهوري الجديد على الشبكة The New r epublic On Line
(18) الناطقة باسم أحد أجنحة الحزب الجمهوري , في 24/1/2002 مقالاً لرئيس تحريرها , يبدو كمقدمة لخطاب الرئيس الأمريكي , الذي حاول فيه الكاتب أن يقدم سجلاً أسود مقدمًا لإيران , مبررًا انضمامها بعد ذلك إلى ما أسماه الرئيس الأمريكي " محور الشر " .
وموجز هذا الملف الأسود المعاصر , لا القديم , يتمثل فيما يلي :
1 ـ في 3/1/2002 أوقفت البحرية الإسرائيلية سفينة محملة بالأسلحة كانت متوجهة للسلطة الفلسطينية , وبلغت هذه الحمولة 50 ( خمسون طنًا ) متنوعة الحمولة بين ألغام , وصواريخ , وأسلحة شخصية , وكل هذه الأسلحة مصنوعة في إيران .
2 ـ وهناك الأفعال الإيرانية في أفغانستان , حيث يشير تقرير نيويورك تايمز إلى أن قيادات إيرانية أصدرت أوامرها بإيواء زعماء الحرب Wa r Lo r ds الأفغان في غربي مدينة هيرات في إطار رغبتها في توفير معارضة تتمكن بها من الضغط على حكومة حامد قرضاي .
3 ـ استند المحرر الكاتب أيضًا إلى تقرير كانت قد نشرته نيويورك تايمز يشي بأن إيران وفرت ملاذًا آمنًا لبعض الأعضاء الهاربين من تنظيم القاعدة .(67/12)
4 ـ وهناك بالطبع ـ أخيرًا ـ استمرار الحكومة الإيرانية في سعيها الدؤوب لتطوير وامتلاك الأسلحة النووية , وقد شنع التقرير المشار إليه بالإشارة إلى خطبة أشار فيها الرئيس الإيراني السابق " هاشمي رافسنجاني " إلى أنه " إذا أتي اليوم الذي يتسلح فيه العالم الإسلامي بأسلحة كتلك التي تتسلح بها إسرائيل فإن هذه الأوضاع المغلوطة لن تبقى على حالها عقب إلقاء قنبلة ذرية فوق إسرائيل " .
5 ـ ولا يمكن في هذا الإطار تجاوز حالة حقوق الإنسان , والمواجهة بين الإصلاحيين والدينيين ( الحرس القديم ) , والتي يذهب ضحيتها الصحافيون والمفكرون والطلبة (19).
وبعد هذا المقال بعدة أيام أتى خطاب بوش الذي توعد فيه إيران ضمنًا من خلال حديثه عن محور الشر , وقد تحدث بوش في هذا الإطار من منطلقين :
أولهما المنطلق الإنساني الذي فيه تحكم إيران بقلة قليلة غير منتخبة تقمع الشعب الإيراني المطالب بالحرية والراغب في عدم معاداة الولايات المتحدة .
والثاني عن إيران مصدر التهديد التي لا تزال ترعى الإرهاب , وتسعى جاهدة لحيازة الأسلحة النووية والكيماوية والبيولوجية , في الوقت الذي تكن فيه عداءً واضحًا للولايات المتحدة , ولقيم الديمقراطية والحرية , وأشار الصاحفيون بتحول بوش عن المواقف المهتزة إلى سياسة أكثر رسوخًا (20).
وفي اليوم التالي لإصدار خطابه قام مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية بإصدار تقرير مجمع عن الدول الثلاث التي اعتبرها بوش " محور الشر " , وفيه توضيح تفصيلي للأسلحة التي تحوزها إيران من كيماوية إلى بيولوجية إلى تكنولوجيا نووية , مع شرح لتطور الصواريخ القادرة على حمل هذه الرؤوس ذات التدمير الشامل .
فأما عن نظم التوصيل فتم رصد الآتي بالنسبة لإيران :
1 ـ نظام تحميل قائم على عنصرين : (21)
أ ـ مقاتلات سوخوي 24 بعيدة المدى ذات قدرة مماثلة للطائرة 111 - F الأمريكية .
ب ـ طائرات 4 - F قاذفة قنابل قادرة على حمل قذائف يصل مداها إلى 450 ميل .
جـ ـ قدرة هذه المقاتلات على حمل صواريخ من طراز 2 - H Y أو صواريخ 2 - S A أرض جو القادرة على حمل رؤوس تدمير شامل .
2 ـ امتلاك صواريخ مثل شاهين 2 , وأوجاب , S S m صواريخ قصيرة المدى بالإضافة لوجود صواريخ أرض أرض طراز N - C S S .
3 ـ صورايخ سكود بي ذات المدى المتوسط والموجهة ذات الإنتاج الصيني , وسكود كوري بمدى 500 ك .
4 ـ وجود مشروعات إنتاج صواريخ تابيو دونج الكورية الشمالية ذات المدى 2000 ك في المتوسط , مرتبطة بتكنولوجيا الصاروخ شهاب الذي وصل مداه حتى الآن 810 ميل , ويستطيع حمل رأس تدمير شامل بوزن 700 كيلو جرام .
5 ـ اكتشاف وجود مشروعات وبرامج لتطوير صواريخ يصل مداها إلى 10 آلاف كيلو متر , أيضًا في إطار تقنية تابيو دونج .
وأما عن الأسلحة الكيماوية فقد أورد التقرير استنادًا لتقارير دورية من المخابرات المركزية الأمريكية , وتقرير وزارة الدفاع إلى امتلاك إيران لكميات هائلة من مواد بليستر ( سلفور موستار ) والسيانيد وغازات C S غير القاتلة Now Lethal Cs Gas , بالإضافة إلى امتلاكها برامج تطوير مواد مماثلة شديدة التأثير أضحت بموجبها تمتلك قرابة 17 طن من مواد مثل سلفيد الصوديوم القاتلة , و400 طن من عاز الأعصاب , و40 ألف برميل من مادة هيبوكريت الكالسيوم , وللأسف فإن التقرير لم يحدد الكميات النهائية ( المحصلة ) من المواد التي تمتلكها على وجه الحصر (22).
وأما عن الأسلحة البيولوجية فعلى الرغم من أن التقرير لم يشر إلى كميات تمتلكها إيران , إلا أنه حدد أن لديها قرابة 18 برنامج لإنتاج الأسلحة البيولوجية (23).
وأما عن الأسلحة النووية فيشير التقرير إلى امتلاك إيران ما يلي منذ السبعينات (24):
1 ـ مفاعل أبحاث يعمل بالماء الخفيف بقدرة 5 ميجا وات في طهران .
2 ـ مفاعل تشغيل بقدرة 27 كيلو ووات يعمل بالتفاعل النيوتروني في أصفهان .
3 ـ بدأت إيران مفاعل بطاقة 1300 ميجا وات .
4 ـ انتوى الشاه السابق شراء معدات ضبط من الولايات المتحدة .
ومن خلال متابعة هذه المشروعات مقارنة بمشتروات إيران من المواد الخادمة للبرامج النووية يؤكد الخبراء أن إيران لديها برنامج نووي نشط ينتظر شراء البلوتونيوم المخصب الذي تسد الولايات المتحدة منافذ بيعه .
من خلال ما سبق يلاحظ أن القدرات النووية الإيرانية محكوم عليها بأنها لا تمتلك بعد سلاحًا نوويًا , أما على صعيد الأسلحة البيولوجية فمعلومات المخابرات المركزية الأمريكية تشير إلى امتلاك برامج يُحتمل معها أن تكون إيران لديها مخزون استراتيجي من السلاح البيولوجي عبر المساعدة التقنية الروسية , أما على الصعيد الكيميائي فمن المؤكد أن إيران لديها كمية هائلة من هذه الأسلحة , وأما عن القدرة على توصيل الطرود الكيماوية فإن إيران لديها صواريخ قصيرة ومتوسطة المدى , وتعمل على إنتاج برامج صواريخ بعيدة المدى .(67/13)
من خلال استقراء الدراسات العسكرية المنشورة لا نكاد نجد دراسة معلنة تعلن عن وجود سيناريو لضرب إيران , وحتى أولئك الكتاب الذين تناولوا خطاب الرئيس بوش في نهاية يناير 2001 لم يتحدثوا عن وجود خطط معدة للتعامل مع إيران عسكريًا , بل واجهنا السؤال : ماذا بعد هذه الهجمة الصارمة المتزنة من الرئيس الأمريكي حيال إيران ؟ !
والمحك الأساسي لتحديد طبيعة هجوم محتمل تتعرض له إيران يتمثل في احتمالات حدوث ردود أفعال متصورة أو نتائج غير متصورة تؤدي لحدوث كوارث بيئية شديدة الخطورة حين الإقدام على تدمير برامج الأسلحة الكيماوية أو البيولوجية .
فإيران ليست أفغانستان التي صرح قادتها بأننا ليس لدينا مؤسسات أو مرافق استراتيجية تساوي ثمن الصواريخ التي ستلقى على بلادنا , فإيران لديها برامج دفاع وهجوم قوية , بالإضافة إلى امتلاكها برامج قد يؤدي تدميرها في هذه الآونة إلى تأثر دول لها وزنها بالآثار البيئية للهجوم على مخازن الأسلحة الكيماوية والبيولوجية , خاصة وأن قسط بالغ الخطورة من هذه الأسلحة إما غازي الطابع , أو يتأثر باتجاهات الرياح في هذه المنطقة .
والإقدام على مثل هذه الخطوة من شأنه أن يؤدي إلى تهديد كل من الصين وروسيا ودول الخليج العربية بتوابع مثل هذا الهجوم .
ويمكن القول بأن الخيار العسكري للتعامل مع هذا الوضع سيكون من الخطورة بمكان بحيث يمكن اعتباره خيارًا صفريًا ( لا يتم اللجوء إليه ) , حيث يقوم هذا الخيار على احتلال مباشر , وعزل للمناطق التي يتم تخزين هذه الأسلحة فيها , وتصفية هذه الأسلحة بنقلها أو بإعدامها , ولا شك في أن مثل هذا الإجراء ينطوي على تكلفة مالية , سواء على صعيد المعدات أو الأفراد , فليس من المرجح أن تكون إيران سلبية حيال استخدام مثل هذا الخيار .
وعلى هذا فإن الراجح هو استعمال بديل شامل يقوم على الاعتبارات الآتية (25):
أ ـ بديل عسكري يتمثل في محاصرة الموارد المحتملة للمواد والتقنيات اللازمة لتطوير برامج إنتاج الأسلحة الإيرانية ذات خصائص الدمار الشامل , بما في ذلك الموارد التكنولوجية ذات الاستخدام الذي يحتمل توجيهه لأغراض غير مدنية , ويشمل هذا البديل أيضًا وسائل التوصيل Delive r y , المتمثلة في الصواريخ القادرة على حمل رؤوس تدمير شامل , ويشمل هذا الإطار أيضًا برامج التوجيه والضبط الإلكتروني التي لا غنى عنها لتطوير هذه البرامج .
ب ـ البعد المخابراتي : وهو البعد الخاص باحتواء قدرات السلاح غير التقليدي الإيراني ( أي أسلحة الدمار الشامل ) ويتضمن هذا البعد عمليات استخباراتية الهدف منها :
1 ـ التخلص من العبوة .. وذلك من خلال محاولة إفساد هذه الأسلحة بتغيير تركيبتها الكيماوية في حالة الأسلحة الكيماوية , أو محاولة تدميرها في أضيق نطاق محتمل من الخسائر أو من خلال التلاعب ببيئة حفظها كما في حالة الأسلحة البيولوجية .
2 ـ تجريد إيران من العقول القادرة على الاستمرار في تطوير البرامج , إما عن طريق شرائها , أو عن طريق التخلص منها .
جـ ـ البعد الاقتصادي : ويتمثل في استمرار سياسية الاحتواء التي تمارسها الولايات المتحدة ضد إيران , وذلك لتوجيهها موارد إيران نحو الخطط التنموية البديلة .
د ـ البعد السياسي : ويتمثل في تطوير آلية للتواصل مع الشعب الإيراني لتشجيعه على اختيار البديل الإصلاحي الرافض للسياسة المعادية للقيم الأمريكية .
تكرار نموذج العراق :
كان ما سبق محاولة لوضع سيناريو تعامل في نفس إطار التوجه الذي وجدناه يسيطر على مراكز البحوث القريبة من دوائر صنع القرار , والآن يأتي الدور للإجابة على تساؤل يطرح نفسه بقوة , ألا وهو : لماذا لا يتم تكرار نفس نموذج العراق ؟
إن نموذج حرب الخليج الثانية الذي يمكن اللجوء إليه في الحالة الإيرانية يتمثل فيما يلي :
أ ـ بناء تحالف دولي ضخم لا يمكن لإيران قهره يتولى توجيه الضربة المنشودة لإيران .
ب ـ تهميش الأمم المتحدة والشرعية الدولية في التعامل مع إيران .
جـ ـ توجيه ضربة مكثفة لمراكز الدفاع الجوي الإيرانية القوية .
د ـ اتباع سياسة تحمل الشعب مسؤولية تصرف حكومته .
هـ ـ توجيه ضربات قوية للبنية الأساسية الإيرانية , ومنشآت النفط , والمصانع الإيرانية , مع ممارسة سياسية حصار صارمة تمنع وصول الأدوية والغذاء لإيران .
و ـ استمرار القصف والحصار معًا لمدة كافية لانهيار احتياطات إيران من الغذاء والدواء .
ز ـ الضغط على إيران لتفكيك منظومة تسليحها المتعلقة بأسلحة الدمار الشامل , وتشكيل فرق بحث للعثور على هذه الأسلحة وتفكيكها .
ك ـ استبعاد إسرائيل من هذا المشروع .
ومثل هذا النموذج له مجموعة من العناصر التي تجعله ممكنًا من حيث اللجوء إليه , ومن هذه العوامل ما يلي :
أ ـ انفراد الولايات المتحدة بزعامة العالم .
ب ـ اتباع مبدأ " من ليس معي فهو ضدي " الذي استخدمه الرئيس الأمريكي بوش في التعاطي مع أزمة 11 سبتمبر .
جـ ـ سيجد هذا البديل صدى بالقبول لدى جماعات البيئة وجماعات السلام بالرغم من طابعه الذي تسيطر عليه الآلة العسكرية .(67/14)
د ـ يمكن استثمار دعوى مكافحة الأصولية ومحاربة الإرهاب في تعبئة شطر ليس بالهين من المجتمع الدولي خلف الولايات المتحدة وحليفتها التقليدية بريطانيا في هذا المشروع , ويمكن استثمار خصوصية الطابع الشيعي لإيران في التعبئة .
هـ يمكن استثمار البيئة الإقليمية المعادية لإيران في هذا المشروع , وبخاصة لدى كل من الصين وروسيا وتركيا فضلاً عن الجمهوريات الإسلامية الحليفة للولايات المتحدة .
ويمكن استثمار بعض أوجه الخلاف العربية ـ الإيرانية لحشد بعض الدول العربية في هذه الحملة , وبخاصة الإمارات العربية المتحدة .
ز ـ يمكن تقديم مكافآت لبعض الدول العربية الأخرى للاشتراك في هذه الحملة .
غير أن توفر الإمكانات المادية لا يعني أن ثمة معوقات في وجه مثل هذا البديل , ومن هذه المعوقات :
أ ـ صعوبة توفير حشد دولي مناسب خلف هذه الحملة في إطار سعي الدول الأوربية بصفة خاصة لتسحين علاقتها بالعالم العربي , والاستفادة من إمكانات سوقه وإمكاناته الاقتصادية فيما يتعلق بموارد الخامات .
ب ـ الشخصية القومية الإيرانية المتسمة بالعناد , والتي قد تؤدي إلى دفع إيران ـ كدولة ـ للتصدي بجدية وصلابة لهذه الحملة مما يرفع من تكلفتها المالية , فضلاً عن خسائر المعدات والأرواح .
جـ ـ من الصعب إقناع الشعوب العربية والإسلامية بقبول مثل هذه الحملة في إطار توالي الأدوار بدءًا بالعراق ثم الصومال ثم أفغانستان , ثم جبهة تحرير مورو بالفلبين , مما يعطي الانطباع بوجود حرب ذات طابع ديني لا سياسي , إلا أن هذا المعوق يمكن التغلب عليه لو سبق الدور على إيران الدور على الدولة الثالثة في محور الشر .. كوريا الشمالية .
د ـ هذه الحملة قد تعطي مصداقية عالية للدعاوى المضادة للأمركة والقيم الأمريكية , وتسهل رواج مثل هذه الدعاوى في أوساط الشعوب العربية والإسلامية بالرغم من الطابع الشيعي للجمهورية .
هـ ـ لا يمكن استبعاد حدوث حوادث انتقامية ضد أو أهداف ومصالح وأشخاص أمريكيين في كل دول العالم , بما في ذلك الولايات المتحدة نفسها , على يد شباب إيرانيين غاضبين .
و ـ يمكن لخصوم الولايات المتحدة , وعلى رأسهم العراق استثمار مثل هذا الحدث لتعبئة الرأي العام العربي والإسلامي ضد الولايات المتحدة , إلا أن هذا المعوق يمكن تجاوزه في حالة إسقاط نظام الرئيس العراقي صدام حسين , وإغلاق ملف العراق .
ز ـ احتمال رفض جماعات حقوق الإنسان لمثل هذه الحملة قياسًا على آثارها في دولة العراق .
وبالرغم من كل تلك المعوقات يمكن القول بأنها كلها يمكن التغلب عليها من قبل الولايات المتحدة وحلفاؤها .
فالغضب الشعبي العربي والإسلامي يمكن التغلب عليه بالاعتماد على الزعامات المحلية الباطشة , ويمكن الضغط على منظمات حقوق الإنسان من خلال مداخل التمويل , كما يمكن تجاهل وجودها ودعاواها أساسًا , ويمكن التغلب على احتمالات حدوث أعمال انتقامية بإعلان حالات الاستنفار والطوارئ الأمنية باستخدام القوانين الجديدة المعروفة باسم قوانين الإرهاب , وأما ضعف الحشد فيمكن التغلب عليه بافتعال حادث إرهابي مدبر بإحكام .
إلا أن العنصر الذي لا يمكن تجاهله هو عنصر تكلفة المواجهة , والخسائر التي يمكن أن تترتب عليه بالنسبة للقوات المشاركة في الحملة , وبخاصة القوات الأمريكية , وبخاصة في حالة حدوث تهور إيراني استنادًا لخصائص الشخصية الإيرانية والذي يمكن أن يتمثل في ما يلي :
أ ـ أعمال انتقامية ضد قوات هذا التحالف .
ب ـ أعمال انتقامية ضد دول عربية مجاورة .
لكن هذا البديل تم طرحه لأنه لم يكن محل نقاش في الأوساط البحثية القريبة من دوائر صنع القرار الأمريكية , وربما يعني هذا أن مثل هذا البديل غير مطروح , وربما يعني أنه بديل مكلف مما يحتم استبعاده , وربما يعني أن هذه الأوساط البحثية تعيش حالة مزاجية ترفض تقبل هذا السيناريو , وهو ما حدث عند مناقشتنا لحالة العراق .
الإحالات المرجعية :
(18)The New r epublic on line, Easte r n Alliance, 1-24-2002 .
وهذه الصحيفة الإلكترونية ناطقة باسم الحزب الجمهوري الأمريكي على الإنترنت , والمقال لهيئة التحرير .
(19) نفس المرجع السابق .
(20)The Times Magazine, Bush Doct r ine : A clea r Asse r tion of Ame r ican Io r eign Policy lZectives, Jan 31-2002 .
(21)Anthony Co r desman, P r olife r ation in The "Axis Evil " No r th Ko r ea, g r am, I r aq . Jan 30-2002 p : 11-22 .
(22) المرجع السابق صـ 22 ـ 26 .
(23) المرجع السابق صـ 26 ـ 27 .
(24) المرجع السابق صـ 27 ـ 36 .
(25) لم تتحدث أي دراسة عن منهج شامل للتعامل مع الحالة الإيرانية , لكن يمكن قياس هذه الحالة على حالة التعامل مع العراق للتشابه في المعطيات , راجع :
Anthony Co r desman, I r aq Milita r y Capabilities .
خامسًا حالة باكستان :(67/15)
يعد البت في أمر باكستان من الأمور الحيوية , وبخاصة بعد أن أشيع إبان بدء حرب " العدالة المطلقة " ضد أفغانستان أن باكستان سوف تكون الهدف التالي للتحالف الأمريكي البريطاني , وأن محور هذا الهدف سوف يتمثل في تفكيك الترسانة النووية الباكستانية , وذلك في أعقاب السخط الأمريكي على النظام الباكستاني مؤخرًا والذي يرجع إلى عاملين :
أ ـ مساندة نظام باكستان للنظام الذي أسسته حركة طالبان في أفغانستان منذ عام 1996 .
ب ـ التفجيرات النووية الباكستانية الستة التي أجرتها باكستان ردًا على تفجيرات الهند النووية في عام 1998 . (26)
ومن أهم الأوراق التي ظهرت على صعيد الدوائر القريبة من مراكز صنع القرار في الولايات المتحدة ذلك التقرير الشامل الذي أعده مركز خدمات المعلومات بالكونجرس الأمريكي , والذي تم تحديثه في أول نوفمبر عام 2001 , أي بعد حوالي شهر ونصف الشهر , وذلك في إطار عملية تقييم علاقة الولايات المتحدة بهذه الدولة التي كانت حتى أكتوبر 2001 لا تزال تعترف بنظام حكومة طالبان , وكانت آخر الدول التي سحبت اعترافها بهذا النظام . (27)
أجواء التقرير , ولهجته (28):
من المهم في إطار حديثنا عن مثل هذا التقرير الإشارة إلى كونه أحد أهم المداخل لتكوين الصورة الذهنية لأعضاء الكونجرس الأمريكي عن الدول التي يصدر بشأنها , ويكون هذا التقرير مسؤولاً إلى حد كبير عن المدخل النفسي لتعامل عضو الكونجرس مع هذه الدولة أو تلك .
وبصفة عامة يمكن القول بأن لهجة هذا التقرير كانت لهجة هادئة جدًا , وتتعامل مع الوضع في باكستان من منطلق لا يحمل أية نبرة حادة , وذلك في إطار مقارنة مثل هذا التقرير بنظيره الذي صدر عند الحديث عن العراق أو كوريا الشمالية أو إيران .
لكنه على اعتدال لهجته تلك لم يخل من الإشارة لبعض العناصر السلبية التي يرى بها قدرًا غير يسير من احتمالات الضرر , وبخاصة في إطار حديثه عن السباق الباكستاني ـ الهندي حول التسلح غير التقليدي , والمنافسة على إقليم كشمير الأمر الذي يقود إلى حالة من حالات عدم الاستقرار في جنوب آسيا , بالإضافة إلى تناوله قضايا مثل السجل المختلط في الموقف من الإرهاب , وزراعة المخدرات والإتجار بها .. إلخ , وهو ما استدعى وقفة أمام محورين هامين في هذا التقرير , وهما محور الإرهاب , ومحور السلاح النووي .
محور الإرهاب (29):
فيما يتعلق بالإرهاب ذكر التقرير شهادة لمنسق الولايات المتحدة لجهود مواجهة الإرهاب ميشيل شيان بأن لدى باكستان سجلاً مختلطًا في مجال الإرهاب والعلاقة به , فمع أن باكستان تعاونت بقوة مع الولايات المتحدة في مجال اعتقال الإرهابيين وتسليمهم , إلا أنها هي نفسها تجعل من إقليمها مسرح حياة عدد من الإرهابيين يعيشون ويتجولون فيها بحرية , وأشارت إلى قوله أن باكستان على الرغم من أنها كانت ضحية للإرهاب إلا أنها تتحمل قدرًا من المسؤولية عن تنامي الإرهاب في جنوب آسيا , لكن تكملة هذا الحديث لم تنطو على الإشارة إلى ضرورة معاقبة باكستان , أو القيام بعمل ضدها , ولكن نتيجة هذا القول تمثلت في تأكيد شيان على ضرورة العمل الجاد لتخليص المنطقة من بقايا الإرهاب .
ويشير التقرير في هذا الإطار وفي أعقاب شهادة ميشيل شيان إلى أن جهاز F. B. I. الأمريكي ( البوليس الفيدرالي الأمريكي ) بدأ في منح ضباط الشرطة الباكستانيين دورات تدريبية في مجال مكافحة الإرهاب .
وفي توصيف مباشر لماهية الإرهاب الموجود في باكستان أشار التقرير إلى أنه وفقًا لتقرير الإدارة الأمريكية عن الإرهاب في عام 2000 فإن ثمة استمرارية لأنشطة الإرهاب في باكستان التي تجد مصدرها في الصراعات الطائفية والسياسية الباكستانية , وأبرزها صراعات إقليم البنجاب بين السنة والشيعة , وأن بعض هذه الحوادث الإرهابية طالت مهندسي بترول أمريكيين في بعض الأقاليم الأخرى في كراتشي .
ولم يغفل التقرير عن ذكر دعم باكستان لمتمردي إقليم كشمير , وأن بعض هذه الجماعات يحصل على تمويل باكستاني ـ لم يتم تحديد كونه حكومي أو غير حكومي , ويجند أعضاء باكستانيين في صفوفه , وأشار التقرير إلى أن الحكومة الأمريكية أدرجت حزب المجاهدين ( H U M ) على قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية , وذلك في إشارة لوقوع ضحايا أمريكيين بسبب هذه الحركة .
ويعتبر التقرير أن باكستان تستقبل المتطوعين الذين يأتون إليها للسفر إلى أفغانستان للمشاركة في حرب أفغانستان ضد قوات التحالف , وأن المدارس الدينية بها , والتي تمولها إيران والمملكة السعودية تعد واجهات لأنشطة تدريب الإرهابيين , وأن نظام باكستان يمول حركة طالبان , ويمدها بالطعام والاحتياجات المختلفة , والمساعدات الفنية .(67/16)
لكن مع هذا تحدث التقرير عن أن التعاون الباكستاني الأمريكي الذي كان قد بدأ منذ عهود الحرب الباردة , وخبا خلال عقد التسعينات قد عاود النماء مرة أخرى في إطار حملة الولايات المتحدة لمكافحة الإرهاب , بالإضافة لحديث التقرير عن مشاركة باكستان بخمسة آلاف جندي في جهود قوات الوقاية بقيادة الولايات المتحدة عام 1990 في حرب الخليج , بالإضافة إلى مشاركتها في القوات التي تزعمتها الولايات المتحدة في الصومال في الفترة من 1992 ـ 1994 , وكذا مشاركتها في قوات حفظ السلام العاملة في تيمور الشرقية , وكوسوفو , والبوسنة , والكونغو , وسيراليون .. إلخ .
محور انتشار الأسلحة النووية والصواريخ الحاملة لها (30)
على الرغم من أن المحللين باعتراف التقرير الصادر عن الكونجرس يعتبر السباق الهندي الباكستاني للتسلح من أكبر عوامل الاستقرار في جنوب آسيا , وأنه المصدر المحتمل للحرب النووية القادمة , إلا أن التقرير تحدث عن جلوس مسؤولين رفيعي المستوى من البلدين لتحسين أمن المنشآت النووية الباكستانية , ووضع نظام جديد لحراستها .
وقد ذكر التقرير أن مصدر التخوف في هذا الإطار يتمثل في احتمالات تعرض باكستان لعدم الاستقرار نتيجة الحرب ضد الإرهاب في أفغانستان , وهو ما دعا الولايات المتحدة مجددًا للاهتمام بقضية انتشار السلاح النووي في جنوب آسيا بصفة عامة , وهنا نجد اعتبارين يحكمان الحديث عن رُهاب السلاح النووي الباكستاني :
أ ـ الإدارة الأمريكية لا تتخوف من السلاح النووي الباكستاني إلا في حدود عدم استقرار باكستان .
ب ـ الحديث عن نزع هذا السلاح يتم في إطار جهود ضبط التسلح الآسيوي بأكمله , وضمنه الهند وكوريا الشمالية .
وهذا يعني أن علاج هذه القضية لن يأتي في ضوء الحديث عن تصفية عسكرية , بل في ضوء الحديث عن ضغوط تنتج آلية تفاوضية لنزع السلاح المتبادل ـ على الأقل بين باكستان والهند .
الموقف من الإرهاب الباكستاني :
من خلال هذا المنهج غير الصراعي يبدو أن ثمة اتجاه عقلاني بعيدًا عن انفعالات الإدراك الخاص بمفهوم الإرهاب يتم في إطارها النظر إلى باكستان , منها :
أ ـ عدم قدرة باكستان على علاج الوضع القائم بين يوم وليلة , بل يحتاج الأمر إلى أمد طويل , خاصة وأن النظام الحالي لا يحمل ثقافة معادية للقيم الأمريكية .
ب ـ يمكن تفسير انتشار نمط التدين الإسلامي الآسيوي في باكستان بالعودة إلى ظروف باكستان الاقتصادية , وهو ما يعني ضرورة توفير مساعدة لباكستان لتغيير الوضع الثقافي بها , ولعل هذا ما دفع التقرير إلى الإشارة إلى أن الرئيس بوش وقع قانونًا مهلة عامين لرفع العقوبات عن المساعدات الأجنبية لباكستان والتي أعقبت انقلاب 1999 , في إشارة إلى أن مثل هذه المساعدات ستسهل التحول الديمقراطي بباكستان , كما أنها مهمة ـ وفق رؤية جورج بوش الابن ـ لجهود الولايات المتحدة لمكافحة الإرهاب .
كما أشار التقرير على حصول باكستان على مساعدات أمريكية قدرها بليون دولار , بالإضافة على عدة بلايين من مؤسسات التمويل الدولية للإسهام في تقوية باكستان باعتبارها أحد أعضاء الفريق الأمريكي لمواجهة الإرهاب .
كما أقر برنامج المساعدات المباشرة برنامجًا لمساعدة باكستان على مكافحة المخدرات , وتقوية الأمن والتمكين للقانون , والتعليم , والغذاء , ومكافحة عمالة الأطفال , والتطوير الديمقراطي .
في هذا الإطار يمكن القول بأن باكستان مستبعدة في الأمرين المنظور والمتوسط من أية نوايا أمريكية عسكرية للتعامل معها , أو لتفكيك ترسانتها النووية , غير أن هذا الأمر رهن استمرار باكستان في لعب دور الحليف الإقليمي التقليدي للولايات المتحدة , وهو دور يمكن لباكستان الاستمرار في أدائه طالما أن الصين ملتزمة باتفاقها مع الولايات المتحدة , بمنع تصدير تكنولوجيا الصواريخ الباليستية المحظور الإتجار بها .
الإحالات المرجعية :
(26) راجع في هذا تقرير مجلة Global Defense r eview العدد 99 , نسخة الإنترنت , بالمرجع المرفق .
India And Pakistan, take the nuclea r road .
(27) راجع تقرير مركز معلومات الكونجرس الأمريكي , يحمل الكود رقم : 94041 i B .
Pakistan-us . r elations, Novembe r , 2001, P .
(28) المرجع السابق صـ 1ـ 16 .
(29) المرجع السابق صـ 13 ـ 14 .
(30) المرجع السابق صـ 7 ـ 11 .
===============(67/17)
(67/18)
صعود الإخوان في الانتخابات .. والذعر العلماني !
د. محمد مورو / القاهرة 2/11/1426
04/12/2005
الصعود الواضح الذي حقّقه الإخوان المسلمون في الانتخابات البرلمانية المصرية ـ في حقيقة الأمر ـ ليس مفاجأة لأي خبير أو متابع للشؤون المصرية، وتوجهات السياسة لدى الشارع المصري؛ فالحقيقة -التي لا مراء فيها والتي يراها من زمن متوسط على الأقل البصير ونصف البصير- أن لجماعة الإخوان المسلمين وجوداً قوياً في الشارع المصري، أكبر من أي حزب سياسي أو حركة سياسية علنية أو سرية، مقبولة قانوناً أو محجوبة عن الشرعية، ومن الطبيعي أن تفرز أي انتخابات نزيهة أو فيها أي قدر من النزاهة هذه الحقيقة.
الأمر الثاني الذي يعرفه الجميع أيضاً أن للشعب المصري وجداناً إسلامياً عالياً جداً، ومن البدهيّ أن يُعبّر عن هذا الوجدان في الانتخابات، كما يُعبّر عنه في غير الانتخابات.
الأمر الثالث... الذي يعرفه الجميع أيضاً، أن كل الانتخابات التي أُجريت بعد إعلان الولايات المتحدة الأمريكية ما يُسمى بالحرب على الإرهاب جاءت بالإسلاميين... حدث ذلك في تركيا وإيران والبحرين ...الخ... فلماذا تكون مصر استثناء؟
الأمر الرابع هو أن مستوى الفساد والرشوة والمحسوبية داخل الإدارة المصرية سيجعل الناس تحاول معاقبة الحكومة وحزبها ورموزها بكل الطرق الممكنة.
لماذا إذن حالة الذعر، كما لو أن زلزالاً حدث بفوز الإخوان المسلمين بنسبة لن تتعدى 25 % بأي حال من الأحوال مع كون ذلك أمراً متوقعاً أولاً ؟ وهو أيضاً لن يغير في إمكانية انفراد الحكومة والحزب الوطني باستصدار أي قرار من مجلس الشعب، بما أن الحزب الوطني فاز بأغلبية تزيد على الثلثين!!
وأنه وفقاً للمنظور والمعلن فإن جماعة الإخوان لا تستهدف الوصول إلى السلطة ومن ثم الانفراد بها قريباً.
وبصرف النظر عن موضوع مشاركة الإسلاميين في السلطة في ظل العولمة، وبصرف النظر عن الرأي في الإخوان المسلمين جماعة، أو أفكاراً، أو برنامجاً سياسياً معلناً أو مضمراً، وفي قياداتهم وكوادرهم، وفي سلوكهم ومنهجهم ...الخ؛ فإن الإنسان لا يستطيع أن يتعامى عن حقيقة واضحة للعيان، وهي أن ذلك الذعر الهائل الذي ظهر من غير المسلمين، ومن مسلمين علمانيين "خاصة اليساريين"- أمر غير منطقي أولاً؛ فالإخوان مواطنون مصريون من حقهم النجاح في الانتخابات بأي نسبة، ونحن بحاجة هنا إلى البحث في أعماق هذا الأمر لعلنا نكتشف السبب الحقيقي وراء هذا الذعر.
لنرَ -أولاً- ردود أفعال المذعورين، ومن ثم نحللها؛ فالبابا شنودة مثلاً ـ بطريرك الكنيسة المصرية ـ أعرب عن قلقه من صعود الإخوان، وقال إنه أبلغ القيادة السياسية بذلك. وبداية من المفروض أن البابا شنودة رئيس ديني، ووفقاً لتقاليد الكنيسة المصرية وعقائدها فإن عليه أن يقتصر على الأمور الروحية، ولا يشارك في المسائل الزمنية، ومع ذلك فإذا شارك فهل من حقه مثلاً أن يمارس وصاية على الشعب المصري الذي يبلغ تعداد المسلمين فيه أكثر من 94 %؟ ولماذا يقلق البابا أصلاً، ولم تسجل حالات اعتداء إخوانية على المسيحيين مثلاً؛ بل ويحرص قادة الإخوان على فعل وقول كل شيء لطمأنة الأقباط!!
ويصل الأمر إلى حد أن يقول سياسي مسيحي، وهو مفكر وعضو مجلس شعب سابق ـ الدكتور ميلاد حنا ـ وأستاذ جامعة، بل ومعروف بحضوره لحفلات الإخوان المسلمين، وإشادته بهم من قبل، يصل الأمر إلى حد أن الرجل يصرح للصحف المصرية بأن أغنياء الأقباط سوف يهاجرون من مصر بسبب صعود الإخوان!! أما فقراؤهم فسيتحولون إلى الإسلام أو يعانون من الاضطهاد!! وبدهيّ أنه لا الإسلام ولا مفهوم الإخوان للإسلام يسير باتجاه اضطهاد الأقباط، ونكرر أن ذلك على فرض وصولهم إلى السلطة، وهو ما زال أمراً بعيداً حتى الآن لاعتبارات كثيرة!!
على جانب آخر، نجد أن المثقفين العلمانيين يبدون ذعراً بلا حدود؛ فهم يخوفون الناس من الإخوان، ويقولون: إنهم سوف ينشرون الخراب، وإن المثقفين لن يعيشوا بعد الآن في أمان...الخ.
ما دام الإخوان حصلوا على هذه النتيجة في الانتخابات، ثم يبحثون عن طريقة لمنع ذلك ـ وكأنه ليس من حق الإسلاميين عموماً والإخوان خصوصاً المشاركة في السلطة أو الوصول إليها؛ فهل هؤلاء أوصياء على الناس مثلاً؟ ثم يصل بهم اليأس إلى حد اتهام الناس بالجهل، واتهام النظام الانتخابي بالفساد، بدلاً من أن يعترفوا أمام أنفسهم، أنهم معزولون في برج عاجي، وأن هذا التعالي الزائف عن الجماهير، واستخدام خطاب ومفاهيم ومصطلحات لا يفهمها الناس أو يرفضونها، ومن ثم فإن عليهم إما احترام وجدان الناس أو القبول على الأقل بما يختاره هؤلاء الناس، أو الاعتراف بأنهم لا يريدون صندوق الانتخاب كطريق إلى السلطة، وفي هذه الحالة فإنهم هم الذين يوصفون بِ"الإقصائية والتكفير السياسي"، وليس الإخوان الذين قبلوا بقواعد اللعبة السياسية، ومارسوها تحت ظروف صعبة، فهم جماعة محظورة، تمارس ضدهم البلطجة والنفوذ الحكومي .(67/19)
وهكذا فإن إقالة الشعب من العملية السياسية أقرب إليهم من الاعتراف بحق هذا الشعب في اختيار ممثليه ما دام ينتخب الإخوان المسلمين.
لنبحث إذن عن السبب الكامن حول هذا الذعر.... إن السبب في رأيي هو اكتشاف هؤلاء جميعاً أنهم بذلوا الوقت والمال والجهد؛ بل ومارسوا الكذب والخداع وعمليات غسيل المخ، وكذا قامت نظم ديكتاتورية بقمع الناس إلى آخر مدى، بهدف صرف الناس عن الإسلام، فإذا محصلة ذلك كله هي أن الشعب المصري تمسك أكثر بإسلامه، واختار من يرفع شعار الإسلام، حتى ولو كان له على هؤلاء الرافعين للشعار تحفظات كبيرة أو صغيرة..بل السبب الرئيس هو الحقد على هذا الدين الذي لا يوجد حل هناك لاستئصاله من النفوس
===============(67/20)
(67/21)
مسرحية السقوط ..
محمد علي البدوي 17/2/1424
19/04/2003
مسرحية من فصل واحد
الزمان : 656هـ
المكان :دار الخلافة في بغداد.
المنظر :قصر الخليفة المستعصم حيث تظهر سدة الخليفة وخلفها يقف حارسان صارمان ، تتوزع النمارق المصفوفة والستائر المذهبة في مدخل الإيوان.
المشهد:ابن العلقمي - الوزير- في ردائه الأسود وعمامته السوداء يذرع الإيوان وكأنه يفكر في شيء ما ، فجأة يدخل عليه أحدهم مسرعاً ، تبدو عليه آثار الفزع.
الرجل: ابن العلقمي.. يا بن العلقمي .. أنجدنا .. أغثنا.
العلقمي : ماذا وراءك يا رجل ؟
الرجل: لقد وقعت الفتنة بين أهل السنة والشيعة .. ياسيدي.
العلقمي: ( يهرش ذقنه ) : ماذا !! هل وقعت أخيراً.
الرجل : وقعت ! لقد تجالدوا حتى بالسيوف .
العلقمي: وعلى من كانت الدائرة ؟
الرجل : علينا يا سيدي.
العلقمي: (ممسكاً بالرجل ) : ويحك ! ماذا تقول ؟
الرجل :إنها الحقيقة .. لقد قُتل خلق كثير من الشيعة ، ونُهبوا .
العلقمي: قتلوا !! ونهبوا !!
الرجل : (متلعثماً) : و..و..
العلقمي : وماذا بعد ؟ أنطق .. ويلك.
الرجل : وبعضهم من أقاربك .. وخاصتك .. يا سيدي.
العلقمي: ( مغضباً) : الويل لهم .. الويل.
الرجل : والرأي يا سيدي .. ماذا سنفعل الآن ؟
العلقمي : حسناً .. عليكم بالصبر .. وأنا أعفيكم أهل السنة .. هيا بنا ( يخرجان).
( يدخل الخليفة ويعتلي عرشه )..
المستعصم ( محدثاً نفسه ) : أين ذهب هذا الوزير .. أين ؟!
(يدخل ابن العلقمي ) ..
العلقمي: السلام على مولانا الخليفة .. ورحمة الله وبركاته.
المسعتصم : وعليكم السلام . أين كنت يا رجل ؟
العلقمي: كنت أتفقد أحوال رعيتكم يا مولاي.
المستعصم : هه .. وكيف أحوال رعايانا ؟
العلقمي: على ما تحب .. يأكلون ويشربون .. ولكم يشكرون يا مولاي .
المستعصم:إذن دعنا نأكل ونشرب ونطرب نحن أيضاً .. عليّ بالقيان والجواري الحسان .
العلقمي: حضّيتكم (عرفة) .. في طريقها إليكم الآن يا مولاي.
المستعصم: آه يا عرفة .. يا له من صوت ناعم وقدُّ سالم...
العلقمي : ها ..ها.. ( يضحك ) .. و..و..لكن هناك أمر يحول بينك وبينها يا مولاي.
المستعصم: بيني وبينها !! ماذا تقصد؟!
العلقمي: أقصد قلة المال . قلة المال تمنعنا من جلب المزيد من الجواري .. يا مولاي .
المستعصم : ويلك .. وبيت المال أين ذهب ؟!!
العلقمي : لقد فني المال .. أو كاد .. والسبب جيشكم يا مولاي .
المستعصم: جيشنا !!
العلقمي : أقصد أعداد العساكر كبيرة وكثيرة جداً .
المستعصم : كبيرة !! .
العلقمي: فلو قللنا من هذا العدد لاستطعنا أن نوفر المال .. وأن نستقدم الجواري لمولاي .
المستعصم : أووه.. إنك تزعجني ، بهذا الكلام .. ( يستعد للخروج ) .. افعل ما تراه مناسباً .. وأرسل إليّ الجواري في مخدعي.. ( يخرج ) .
العلقمي : أمر مولاي .. ها .. ها .. أمر مولاي .. ( يصفق بيديه فيظهر أحد أعوانه من الخلف ) .
العلقمي: اذهب بهذه الرسالة إلى هولاكو .. وأخبره أن الطريق سالكة ( يناوله الرسالة).
الرجل : أمرك سيدي .
العلقمي ( في خبث ) ها .. ها.. لقد دنت ساعتكم .. وحانت نهايتكم يا بين العباس ( يخرج).
( ضوضاء ، أصوات مختلطة ، صراخ ، عويل ، وقع خيول قادمة .. يدخل الخليفة فزعاً )
المستعصم : ابن العلقمي .. أين أنت يا ابن العلقمي ؟ . ( للحارس) عليّ به فوراً.
(يدخل الحارس مسرعاً)
العلقمي: نعم .. نعم يا مولاي .. ماذا حدث ؟
المستعصم : التتار .. التتار قادمون .. إنهم يزحفون على المدينة كالمرض الأسود.
العلقمي: وهل وصلوا ؟!
المستعصم: إنهم يرشقوننا بالنبال .. لقد قتلوا مولاتي ( عرفة ) بين يديّ .. قتلوها..
العلقمي: ( للحارس ) : شددوا الحراسة حول القصر وزيدوا في الاحتراز.
المستعصم : ألم تذهب إليهم .. ألم تتفاوض معهم ؟!
العلقمي: بلى لقد فعلت.. يا مولاي .
المستعصم : وبماذا أجابوك ؟ ! أجب .. انطق .
العلقمي: لقد رضوا بالمصالحة.
المستعصم: نصالحهم . إنهم كالأفعى السامة .. كيف نضع أيدينا في جحر الأفعى .. كيف ؟!
العلقمي : مولاي .. ليس لدينا خيار آخر .. نصالحهم الآن ثم نتقوى ونعيد الكرة عليهم . . والحرب سجال .. يوم لك .. ويوم عليك..
المستعصم : وما هي شروطهم ؟!
العلقمي: نصف خراج بغداد .. و..
المستعصم: وماذا هناك بعد..
العلقمي: وأن تخرج إليهم بحاشيتك ورجال دولتك.
المستعصم : حاشيتي ورجال دولتي !!
العلقمي: والعلماء والقضاة .. نعم..
المستعصم: ولماذا كل هؤلاء؟
العلقمي: ليحضروا عقد الصلح يا مولاي .. الرجل يريد الضمان...
المستعصم: القضاة .. والفقهاء .. إن في الأمر لمكر.. لا .. لن أخرج إليهم.
العلقمي: مولاي .. إن لم تخرج إليهم ..جاءوا إليك .. (يشير إلى رقبته).
المستعصم: (مذعوراً) : حـ ..حـ.. حسناً سأخرج .. سأخرج .. اذهب واجمع رجال الدولة .. وسآتي حالاً.
العلقمي: حالاً .. يا مولاي.
(المستعصم وقد بدأ مذهولاً يحدث نفسه)
المستعصم :آه .. أخرج إليهم .. إن نفسي تحدثني أن شيئاً سيقع .. رباه .. رباه...
صوت:
بغداد ماذا أرى في حالك الظلم … …
نجماً يلوح لنا أم لفحة الحمم؟(67/22)
بغداد أين زمان العز في بلد … …
كان السلام به أسمى من العلم؟
بغداد أين سحاب المُزن إذ حكمت … …
يد الرشيد بعدل الله في الأمم؟
أين الجحافل يا بغداد عن زمن … …
تخاذل العرب عن أفعال معتصم؟
المستعصم :(باحثاً عن مصدر الصوت) : مَنْ .. مَنْ هناك ؟ .. أين أنت ؟ .. أين أنت ؟
(يظهر شيخ أبيض كسا البياض شعره وثيابه ، وعلى ثوبه تبدو بقع سوداء)
التاريخ : أنا التاريخ .. أنا تاريخكم المجيد .. أنا من سيحفظ لكم هذه المأساة وسيرويها للأجيال من بعدكم ..
المستعصم: مأساة !! وأي مأساة؟
التاريخ : انظر إلى هذه البقع السوداء .. إنها مآسي الإسلام والمسلمين .. وهنا .. ستكون مأساتكم ..( يشير إلى ثوبه).
المستعصم : مأساتنا ؟ ..
التاريخ مأساة بغداد القادمة .. التي سيبتلعها الطوفان .. الطوفان القادم أيها الخليفة..
المستعصم : (صارخاً) ، لا .. بغداد .. دار السلام .. حاضرة الرشيد .. أرض الجمال .. ودار الجلال .. سليلة المجد .. وقرة العين .. أغنية الزمان .. وحديث الركبان .. سيبتلعها الطوفان .. لا أكاد أصدق .. لا .. ( يجثو على ركبتيه).
التاريخ : ابك مثل النساء ملكاً مضاعاً .. لم تحافظ عليه مثل الرجال .
المستعصم: وماذا أصنع أيها التاريخ وليس لدي من خيار .. لقد خذلني العرب والمسلمون .. سمحوا للعدو أن يستخدم أرضهم لضربي .. حتى صاحب الموصل فعل ذلك خوفاً على نفسه..
(يدخل ابن العلقمي مسرعاً )
العلقمي: مولاي .. الموكب في انتظارك ..يا مولاي..
المستعصم: حسناً .. هيا بنا .. (يخرجان)
( ترتفع أصوات الصراخ والاستغاثات ، وصليل السيوف والقهقهات الشيطانية)
التاريخ ( قبالة الجمهور ) : لقد بدأت المأساة .. سجل يا تاريخ واشهد يا زمن .. سجل مأساة إخواننا في بغداد .. وأشهد على صمتنا وخذلاننا لهم ..سجل يا تاريخ .. واشهد يا زمن .. ( يخرج )
صوت:
حان الوداع أيا بغداد قد نحرت … …
رجولة القوم في ميدان منتقم
حان الوداع وعذر القوم أنهم … …
لا يقدرون على الأرماح والحمم
هذا الوداع فموتي خير عاصمة … …
مذبوحة .. ربما ماتت بلا ألم
(ستارة)
===============(67/23)
(67/24)
هل يقود بابا الفاتيكان الحرب الصليبية الجديدة ؟
عصام زيدان
التصريحات التي أدلى بها بابا الفاتيكان جوزف راتسينجر المسمى 'بينيدكت السادس عشر' في محاضرته التي ألقاها بجامعة رتيسبون الألمانية التي كان يعمل بها منذ عام 1969، وأساء فيها إلى الديانة الإسلامية والنبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ، في حقيقتها ليست مفاجئة أو مدهشة لا من حيث الشخصية التي صدرت عنها، ولا توقيتها، ولا حتى في السياق التاريخي الذي جاءت فيه.
فمن الناحية الأولى نجد أن بابا الفاتيكان له تاريخ معهود مشهود من التشدد والتعصب ضد الإسلام والمسلمين، فقد سخر قبل توليه منصب البابوية من فكرة انضمام تركيا لأوروبا المسيحية، وقال'عبر التاريخ كانت تركيا دائما تمثل قارة مختلفة دائمة التباين مع أوروبا المسيحية، ومن الخطأ محاولة جعلهما متطابقتين'.
وفي نوفمبر 2004 انتقد بينيدكت المسلمين لتسييسهم الإسلام، وشدد على أن على المسلمين تعلم الكثير من المسيحية بقوله 'يجب على المسلمين أن يتعلموا من الثقافة المسيحية أهمية الحرية الدنية والفصل بين الكنيسة والدولة'.
وعلى جانب آخر، نجده شديد القرب من اليهود حتى أنه لم يتم تنصيب خامات يهود في ألمانيا منذ الحرب العالمية الثانية حتى تولى هو منصب البابوية، كما حرص بعد توليه منصبه البابوي على زيارة معسكر النازي لأداء الصلاة على 'الضحايا'.
وتوقيتها أيضا لم يكن مفاجئا بالمرة، فهي جاءت في أوج الحملة التي تشنها الولايات المتحدة والغرب عامة على تنظيم القاعدة في الذكرى الخامسة لهجمات الحادي عشر من سبتمبر، وهي المناسبة التي وجد فيها زعماء الغرب فرصة مواتية لوصم المسلمين بالإرهاب والعنف، ليأتي بابا الفاتيكان ليكمل الحلقة المرسومة بوصم الإسلام والنبي محمد صلى الله عليه وسلك بتلك البذاءات التي خرجت من فيه.
أما عن السياق التاريخي فهو مشاهد ومعروف لمن كان له قلب يعي به مجريات الأمور، حتى من غير كبير جهد وإمعان نظر وتفكير، فقد تحالفت قوى الغرب المسيحي على العالم الإسلامي، بل وعلى مسلميها أيضا وراحت تدمغ الجميع بالإرهاب والعنف وعدم الحداثة وما إلى غير ذلك من الأوصاف التي يحويها قاموس الظلامية الذي صكه الغرب مرادفا بما بين دفتيه للإسلام والمسلمين..
نمو النزعة المسيحية التصادمية
تصريحات بينيدكت إذن ليست بدعة من الغرب محدثة تحتاج إلي فغر الفاه دهشة وزيغ البصر تعجبا، فالغرب نضحت ألسنتهم بما تضمره قلوبهم تجاه الإسلام والمسلمين على اختلاف ألوانهم وأجناسهم، وراحوا يبحثون مجددا عن هويتهم المسيحية المتعصبة التي ما وجدوا من سبيل للرجوع إليها والوصول لها إلا التعرض للإسلام وأتباعه.
ونمو النزعة المسيحية المتعصبة، هذه ليست وليدة اليوم في حقيقة الحال، ولم تقتصر على رجال الكنيسة بل تعدت إلى رجال السياسية والحكم في الغرض عامة.
فعلى مستوى رجالات الكنيسة، سبق وطرحه البابا الراحل يوحنا بولس الثاني عندما صرح في إحدى مواعظه بأن 'أوروبا بدأت تعي وحدتها الروحية وتستند إلى القيم المسيحية'. وظهر ذاك الطرح مرة أخرى مع تولى بينيدكت منصب البابوية، حيث يولي موضوع 'الجذور المسيحية لأوروبا' اهتماما خاصا في أجندته.
ففي محاضرة ألقاها في 27 فبراير 2006، أثناء لقائه في الفاتيكان بمجموعة من الكهنة الأرثوذكس اليونان صرح بقوله: 'علينا أن نواجه التحديات التي تهدد الإيمان، وننشر السماد الروحاني الذي غذى لقرون أوروبا، بإعادة التأكيد على القيم المسيحية، ودعم السلام والتلاقي حتى في الظروف الأكثر صعوبة، وتعميق العناصر المستمدة من الإيمان والحياة الكنسية التي من شأنها أن تؤدي إلى غاية الاتحاد الكامل في الحقيقة والمحبة'.
وشدد على 'الجذور المسيحية' لأوروبا خلال 'صلاة التبشير' التي أقيمت في فالي دوستا شمال ايطاليا، وقال 'يبدو من الطبيعي التوقف عند ما قدمته المسيحية وما زالت تقدمه من مساهمات لبناء أوروبا'.
وصدر ذلك الطرح سياسيا أيضا من قبل قيادة حزب الإتحاد الديمقراطي المسيحي المحافظ في ألمانيا حيث أكدت، قبيل تولي أنجيلا ميركيل منصب المستشارية، على أن أولوية سياسته الخارجية ستركز على 'العلاقة الخاصة' مع الولايات المتحدة الأمريكية وتنشيط آليات التعاون مع الحليف الأطلسي الأكبر، بالإضافة إلى تحديد هوية وماهية الإتحاد الأوروبي التي تقوم على الجذور والإرث المسيحي لأوروبا.
كما كرر برنامج الحزب المسيحي المحافظ رفضه القاطع لانضمام تركيا للإتحاد الأوروبي وتقديمه عرضاً بديلا للحكومة التركية أطلق عليه اسم 'الشراكة المميزة'، حيث ترفض ميركيل عضويتها الكاملة رفضا قاطعا، مشيرة إلا أن انضمامها إلى الإتحاد الأوروبي سيغير من 'هوية أوروبا القائمة على الإرث المسيحي'.
ومنذ وقت قريب انتهز الرئيس الأمريكي جورج بوش فرصة التعليق على ما أعلنته السلطات البريطانية، بشأن إحباط 'مؤامرة إرهابية' تستهدف تفجير طائرات ركاب في الجو، فذكر سامعيه بأن الولايات المتحدة في حالة حرب مستمرة مع 'فاشيين إسلاميين'.(67/25)
ومن قبل كانت بالطبع 'زلاته' المعتادة عن 'الحرب الصليبية الجديدة' التي بشر بها من قبل الرئيس الأمريكي أيضا رونالد ريجان، وجورج بوش الأب.
وفي إيطاليا، حيث معقل الكاثوليكية ومقر البابوية، أطلق رئيس مجلس الشيوخ 'مارتشيللو بيرا' منذ أشهر قطارا أطلق عليه 'قطار الغرب السريع' تحت ذريعة الحفاظ على الهوية الغربية المسيحية التي يعتبرها مهددة من طرف الإسلام.
وحمل القطار الذي انطلق من العاصمة روما قافلة ضمت أكثر من 500 سياسي، فيما كُتب على بعض عربات القطار عبارة 'أصول مسيحية'.
وقال مارتشيللو عقب وصول القطار إلى بولونيا 'إن الإسلام يصبح خطرا على ثقافتنا في حال افتقادنا لهويتنا، [...]، لمواجهة هذا الخطر على الغرب وأوروبا عدم الخضوع لفكرة مجتمع متعدد الجنسيات'.
واختتم حديثه أمام أكثر من 3 آلاف متظاهر، قائلاً: 'سننطلق بقطارنا إلى باريس، مدريد، إسطنبول، وسنتعدى بقافلتنا حتى نصل إلى المحيط الأطلسي.
الحرب الصليبية الجديدة
تلك التصريحات التي أدلى بها البابا أدلجت بصورة تكاد تكون نهائية الصراع ما بين الغرب المسيحي والعالم الإسلامي.. ونصبت من بابا الفاتيكان قائدا منظرا ومشرعا للحروب الصليبية التي تشنها الولايات المتحدة و' وتحالف الراغبين الدائمين'.
فصدورها من أعلى سلطة كنسية كاثوليكية واستشهاده بمقولات وحوارات تاريخية لا يدع مجالا لتأويلات خادعة من طبيعة تلك المخادعات التي روجت لتبرير تصريحات بوش، من كونها زلة لسان سياسي.. أو تلك المتعلقة بالإساءة التي صدرت من عدة صحف أوروبية قبل أشهر وانتهكت حرمة النبي الكريممحمد صلى الله عليه وسلم ، وهو ما عرف في حينه بقضية الرسوم المسيئة، بدعوي حرية الرأي والتعبير.
الأخطر في تلك التصريحات إذن ليس مضمونها الفارغ، وكشفها لحقد دفين وجهل فاضح عند القيادات الكنسية، ولكن في كونها أعطت مبررا كنسيا لتلك الحروب التي يشنها الغرب ضد العالم الإسلامي، إذ أن القضاء على 'الشر' الذي جاء به نبي الإسلام ـ كما تفوه بينيدكت ـ سيكون حتميا كي يعيش الغرب المسيحي في أمن وسلام من هذا الدين الذي امتطى سطوة السيف ليروض به الناس ويرغمهم على اعتناقه!!
الحادث إذن أننا أمام راع بقر أمريكي مصاب بلوثة الصهيومسيحية، دفعته دفعا لشن حروبه تحت مزاعم ومبررات شتى ضد العالم الإسلامي، ويقف من أمامه متعصب لا يرى في الإسلام إلا عنفا وشرا يقدم له المبررات الكنسية التي تسعر من لهيب الحرب وتشعل اتونها دوما وبلا انقطاع.
ماذا بعد تصريحات بابا الفاتيكان؟
في رأينا أن تلك التصريحات المقيتة الصادرة من بابا الفاتيكان يمكن أن تخلف ثلاثة آثار، ستلقى بظلال أكثر ضبابية على العلاقة بين الغرب المسيحي والعالم الإسلامي:
أولا: انتهاء ما يسمى بالحوار بين الأديان والحضارات
فحتى وقت قريب كان لأصحاب نظرية الحوار بين الحضارات وإمكانية التلاقي ما بين الأديان راية مرفوعة وحديث مسموع في بعض المجالس والمنتديات، لكن غالب الظن أن تصريحات بينيدكت ستقطع على هؤلاء الطريق وستقضى على تلك الدعاوى بالضربة القاضية لكونها صادرة من أعلى سلطة كنسية، وهي غير مبررة ولا يمكن ليّ مضمونها وما جاء فيها أو الاعتذار عنها بشيء من قبيل ما يعتذر به للسياسيين من قلة وعي واطلاع، أو الحرص على إرضاء شريحة يستميل أصواتها لعملية انتخابية، أو ما إلي ذلك.
وقد بدأت بالفعل إرهاصات هذه القطيعة، حيث طالب د. نصر فريد واصل، مفتي مصر الأسبق، 'أن تكون معاملتهم [الغرب] لنا بالمثل من حيث الحوار والتفاهم السلمي، فإن لم يفعلوا وأخذوا في إصدار التصريحات المستفزة ضد ديننا ورسولنا فيجب أن نتخذ مواقف حازمة، خاصة أن التصريحات هنا صادرة عن رأس الديانة المسيحية الكاثوليكية في العالم ما يعد تمهيدا لحرب صليبية جديدة يشارك فيه رجال الدين وليس القادة السياسيون فقط مثل الرئيس بوش الذي أعلن أكثر من مرة بأنه يقود حربا صليبية ضدنا ونحن لا نصدق أنها زلة لسان وإنما هي تعبير عما في قلبه'.
كما دعا د. محمد المسير، أستاذ العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر، إلى إلغاء لجان حوار الأديان بين الأزهر والفاتيكان، مؤكدا أن هذا لا يعني مقاطعة البشرية وإنما 'علينا أن نحترم ونتحاور مع من يحترمنا ويريد الحوار الجاد المتكافئ معنا وليس المتاجرة بحوار الأديان وطعننا في ديننا وإهانة مقدساتنا ورسولنا'.
ثانيا: تزايد الهوة والقطيعة مع الجاليات المسلمة
فالجاليات المسلمة في الغرب لا يمكن أن تنبت عن دينها، وتقف مكتوفة الأيدي وهي ترى ذلك التعصب وهذا الحقد على دينها ومعتقداتها الراسخة، ومن ثم فإن قطيعة بل صراعات عنيفة قد تأخذ مداها في الدول الغربية على نحو ما رأينا في فرنسا منذ أشهر عدة إذا لم تجد تلك الجاليات من يحفظ لها هيبة دينها واحترام مقدساتها.
وما يمكن أن يغذي هذا المنحى من القطيعة والنفور أن الدول الغربية على اختلافها تشكل لها الجالية المسلمة هاجسا ديموغرافيا مقلقا القي بظلاله على عمليات عنف عنصرية طالت الجالية المسلمة في أكثر من دولة.(67/26)
فقد ظلت أوروبا تعول طيلة عقود من الزمن على قوة جاذبيتها وقدرتها على صهر الوافدين الجدد في بوتقتها البراقة الخادعة، ولكن تجلت خيبة آمالها، حينما اكتشفت أن جهودها وتصوراتها ذهبت هباء منثورا، بعد ما اتضح لها أن المحرك الأساس لهؤلاء الوافدين هو هويتهم الدينية وثقافتهم المرجعية وليست الثقافة الوافدة التي حاولت أن تصبغهم وتطليهم بها.
وقد أشار 'أوليفيي روي' في كتابه 'الإسلام المعولم' إلي تلك الظاهرة بقوله: 'من بين 379 مليون نسمة يعيشون في أوروبا، هناك اثني عشر مليونا قادمون من دول ذات ثقافة إسلامية[... ]، ولقد ظنت الدول الأوروبية طيلة عقود أن نماذج كل واحدة منها سوف تسمح لهذه الجاليات الجديدة أن تجد داخلها مكانا مراهِنة في ذلك على القوة الإدماجية لبعض الأقطار التي تنعم بالرفاهية وبنظام حياة جاذب؛ وذلك عن طريق السوق والمبادرة الفردية، أما اليوم فإن أغلب الدول الأوروبية أصبحت تعيد النظر في هذه النظرة التفاؤلية'.
وفي معرض تفسيره لتلك الظاهرة قال: 'إن الفجوة بين المجتمعات المعلمنة والجاليات التي يبقى الديني بالنسبة لها دليل سلطة وقوة أصبحت مصدر إشكال، فالمتدينون الملتزمون يعتبرون القرآن مصدر تشريع يتجاوز الهويات الوطنية'.
ثالثا: إعطاء المبرر والغطاء لعمليات عنف في الغرب
كثيرا ما يعول تنظيم القاعدة الذي يقوده أسامة بن لادن على البعد الديني الذي يدفع الغرب إلى احتلال ديار الإسلام وهتك عرض المسلمين ونهب ثرواتهم، وهم ما جعله مبررا لشن عمليات مماثلة حتى يرعوي الغرب ويقف عن طغيانه وجبروته المسلط على رقاب المسلمين.
والذي لاشك فيه أن تلك التصريحات المشينة الصادرة من رأس النصارى الكاثوليك سيعزز من مصداقية التنظيم، ويسهل له عملية تجنيد خلايا ملئها الغضب من إهانة دينها ومعتقداتها في الغرب لتتمكن فيما بعد من تنفيذ عمليتها.
ففي تسجيله الأخير خاطب الرجل الثاني في التنظيم د. أيمن الظواهري الغربيين بقوله: 'إن قادتكم يخفون عنكم حقيقة الكارثة، وإن الأيام حبلى وستلد أحداثًا جديدة بمشيئة الله وهدايته، [... ]، وإن أية هجمات تشن على غربيين ويهود في أي مكان هي هجمات عادلة، لأن 'السياسة الدولية تقوم على قمع المسلمين'.
إن المتأمل لمجريات الأحداث، يخرج بانطباع ملزم بأن الإسلام أصبح عدوا مشتركا، وصداعا مزمنا في قلب العالم الغربي الذي اختار الصراع طريقا، والحرب نهجا في تعامله مع الإسلام، مدفوعا بروح التعصب المسيحي..والمسيح منه براء.
EssamZedan30@islammemo.cc
http://www.islammemo.cc المصدر:
============(67/27)
(67/28)
العوني هل هي دعوة لحرب صليبية يا بابا الفاتيكان!
حمّل الدكتور الشريف حاتم العوني ـ المشرف العام على اللجنة العالمية لنصرة خاتم الأنبياء صلى الله عليه وسلم ـ بابا الفاتيكان السادس عشر مسئولية أي تطرف أو إرهاب سوف يحدث ضده؛ "لأن التطرّف الذي أخرج هذا التصريح لا يردّ عليه إلا تطرّفٌ من الطرف الآخر، وليس الإسلامُ ولا المسلمون من أهل التطرّف، إلا ما يصنعه الجهلةُ من جميع الديانات ومن جميع أمم الأرض من إشعالهم بجهلهم ناره، ليأتي تصريحُ البابا الآن مُذكِياً لها، فسيكون عليه جزءٌ كبيرٌ من وِزْر هذا التطرّف، وعليه أن يتحمَّل مسؤولية الإرهاب الذي سينتج عنه!! "
وأضاف العوني: "لو لم يكن في الإسلام إلا قول الله - تعالى -{إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون}[سورة النحل: 90]، لكفى في الردّ على النقل الذي يحتجّ البابا به، والذي يُوْصَف فيه النبيّ صلى الله عليه وسلم بأنه لم يأت إلا بما هو سيء وغير إنساني. "
وقال العوني: إن تطرّفًا يصل إلى هذا الحدّ عند البابا، يجعلنا منتظرين منه أن يعلنها- ولو بعد زمن- صريحةً، كما أعلنها من قَبْل أسلافه من بابوات الفاتيكان في العصور الوسطى: الدعوةّ إلى الحرب الصليبيّة! فهل نحن على وشك أن نسمع البابا في تصريح تالٍ له يدعو إلى الحرب الصليبيّة؟! فلماذا إذن ينادي بالسلام؟! أم هو ينادي إلى الاستسلام والاستعباد لكل من ليس على دينه؟!
وأكد العوني أن تطرف تصريح البابا هو الغطاء الذي تقوم عليه أي حرب دينيّة موجهاً سؤاله لبابا الفاتيكان: لماذا لا تكون جريئاً بما فيه الكفاية، لتصرّح بأنك تدعو إلى حرب صليبيّة ضدّ المسلمين؟! فإنك إن لم تعتذر في تصريحك، فإننا سنبقى منتظرين منك هذه الدعوة الصريحة إلى سفك دماء المسلمين وإبادتهم واستباحة أعراضهم وثرواتهم وأراضيهم؛ لأن تطرّف تصريحك الذي أعلنته لا يُنبيُْ إلا بهذا، ولن يستطيع عقلاء المسلمين وعلماؤهم إقناع بقية المسلمين بغير هذا المعنى الذي دلّ تصريحُك المتطرّف عليه.
فإمّا أن يتدارك العقلاء الموقف، وإلا سيقود العالم دعاةُ الحرب والدمار!
22-8-1427
15-9-2006
http://www.islamtoday.net المصدر:
==============(67/29)
(67/30)
هل سيدعو البابا إلى حرب صليبية ؟
د/ الشريف حاتم العوني
هل ينوي بابا الفاتيكان أن يتراجع عن تصريحاته المشينة؟ هل ينوي مستشاروه أن ينصحوه بذلك؟
سؤالان لن ينتظر المسلمون الإجابة عليهما؛ لأنه لا يهمهم الإجابة عليهما؛ إلا أنّ هذا أدْعَى إلى إحلال السِّلمْ العالمي وإلى إشاعة روح الحوار بين أصحاب الديانات المختلفة، ولذلك فقط طرحتُ هذين السؤالين.
أمّا تصريح البابا فلا يحتاج إلى ردّ؛لأن التطرّف الذي أخرج هذا التصريح لا يردّ عليه إلا تطرّفٌ من الطرف الآخر، وليس الإسلامُ ولا المسلمون من أهل التطرّف، إلا ما يصنعه الجهلةُ من جميع الديانات ومن جميع أمم الأرض من إشعالهم بجهلهم ناره، ليأتي تصريحُ البابا الآن مُذكِياً لها، فسيكون عليه جزءٌ كبيرٌ من وِزْر هذا التطرّف، وعليه أن يتحمَّل مسؤولية الإرهاب الذي سينتج عنه!!
لو لم يكن في الإسلام إلا قول الله - تعالى -: {إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون}[سورة النحل: 90]، لكفى في الردّ على النقل الذي يحتجّ البابا به، والذي يُوْصَف فيه النبيّ صلى الله عليه وسلم بأنه لم يأت إلا بما هو سيء وغير إنساني.
ألا يعلم البابا أن أحد أركان الإيمان عند المسلمين: الإيمانُ بجميع الأنبياء والرسل - عليهم السلام -: كعيسى وموسى وإبراهيم - عليهم السلام - ؟! هل هذا من السيّء الذي جاء به النبيّ محمد - صلى الله عليه وسلم -؟!! لن يكون هذا من السيء إلا عند من أعماه حقده عن هذه العالميّة التي لا تتحقّق إلا في الإسلام، من خلال الدعوة إلى الإيمان بالرسل جميعهم - عليهم السلام - وتعظيمهم وتوقيرهم.
ألا يعلم البابا أن الإسلام هو عقيدة التوحيد الحقّة على وجه الأرض؟!
وأن ثالوث النصرانيّة التي يدين بها البابا (المسيحيّة) لم ولن تستطيع أن تقنع الناس بأنها عقيدةٌ توحيديّة؟! فإذا كان من السيء الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم قول الله - تعالى -: {قل هو الله أحد- الله الصمد- لم يلد ولم يولد- ولم يكن له كفوًا أحد}[سورة الإخلاص]؛ فما هو الحسن الذي يريده البابا؟!! وما هو الإقناع الذي استطاعته المسيحيّة، وعجز عنه الإسلام؟!!!
لو لم يكن في الإسلام إلا هذا، لكفى ليدلّ البابا أن ذلك النقل الذي احتجّ به نقلٌ لا يتفوّه به إلا من بلغ ظُلْمُهُ للحقيقة إلى درجة أنه ظن نفسه قادراً على أن يَحْجُبَ ضوءّ الشمسِ عن الناس بأن يضع كفّيه على عينه، فظنها حُجبت عن الناس بذلك!!!
إن تطرّفًا يصل إلى هذا الحدّ عند البابا، يجعلنا منتظرين منه أن يعلنها- ولو بعد زمن- صريحةً، كما أعلنها من قَبْل أسلافه من بابوات الفاتيكان في العصور الوسطى: الدعوةّ إلى الحرب الصليبيّة!!!
فهل نحن على وشك أن نسمع البابا في تصريح تالٍ له يدعو إلى الحرب الصليبيّة؟!!!
فلماذا إذن ينادي بالسلام؟!! أم هو ينادي إلى الاستسلام والاستعباد لكل من ليس على دينه؟!!!
(السلام) يا بابا الفاتيكان لا يقوم على تطرّف تصريحك، ولا يقوم على تصريحك إلا الحرب الدينيّة التي أجّجها من قبلُ أسلافٌ لك، فما عادوا في النهاية إلا بخيبة الأمل! والتاريخ يعيد نفسه، وسيعيد نفسه!
أعود وأسأل البابا بندكت السادس عشر: لماذا لا تكون جريئاً بما فيه الكفاية، لتصرّح بأنك تدعو إلى حرب صليبيّة ضدّ المسلمين؟!! فإنك إن لم تعتذر عن تصريحك، فإننا سنبقى منتظرين منك هذه الدعوة الصريحة إلى سفك دماء المسلمين وإبادتهم واستباحة أعراضهم وثرواتهم وأراضيهم؛ لأن تطرّف تصريحك الذي أعلنته لا يُنبيُْ إلا بهذا، ولن يستطيع عقلاء المسلمين وعلماؤهم إقناع بقية المسلمين بغير هذا المعنى الذي دلّ تصريحُك المتطرّف عليه.
فإمّا أن يتدارك العقلاء الموقف، وإلا سيقود العالم دعاةُ الحرب والدمار!!!
23/8/1427
16/09/2006
http://www.islamtoday.net المصدر:
=============(67/31)
(67/32)
عندما يكشف بابا الفاتكان عن عقليته الصليبية
طريف السيد عيسى
وبعد كل ذلك يخرج علينا بابا الفاتكان ليتهجم على خاتم الأنبياء والرسل صلى الله عليه وسلم ، متجاهلا تاريخ قومه الأسود الذي تفوح منه رائحة الدم والقتل والمجازر.. وإن الذي ينال من الأديان ورموزها هو شخص معتوه فاقد للقيم الأخلاقية.إن حملاتكم الاستفزازية لن تزيد المسلمين إلا استمساكا بالحق واعتصاما به.
طالعتنا وسائل الإعلام مؤخرا حول ما نطق به بابا الفاتكان بينيد يكت السادس عشر خلال محاضرة له في ألمانيا، حيث نقل كلاما لأحد الكتاب النصارى، والذي جاء فيه: محمد لم يأت إلا بما هو سيء وغير إنساني.
ونحن نعلم أهداف البابا لنقله هذا الكلام، ولكن نطرح على البابا أسئلة ملحة، طرحت في الماضي ونطرحها اليوم: لماذا يزكي روح الفتنة بابا الفاتكان؟ ما هي أهداف البابا من نقله لهذا الكلام؟ أين مصداقية البابا في دعوته للحوار بين الأديان؟ هل البابا يؤكد من جديد حنينه للعقلية الصليبية؟
أسئلة كثيرة تحتاج إلى جواب صريح وواضح، لأنه لم يعد مقبولا دعوة علماء ومفكري المسلمين إلى حوار الأديان، بينما نجد علية القوم من النصارى كل يوم يردون علينا بالاستفزاز والنيل من عقيدتنا واستباحة أراضينا وتدميرها والاعتداء على أعراضنا، ثم يذهب كبيرهم الذي علمهم السحر إلى أحد مساجد المسلمين، ظنا منه أن ذلك كاف لتبرير سلوكه وتصريحاته الخطيرة.
لسنا ضد الحوار، ولكن لا يعني الحوار أن يتمادى بعض النصارى في غيهم وغطرستهم واستفزازهم لنا، وهم يعلمون أن هذا الاستفزاز ليس في مصلحتهم ولا في مصلحة المسلمين. مطلوب اليوم من علماء الأمة وقفة واضحة وشجاعة لتوضيح الأمور وفضح السياسات الصليبية القديمة والحديثة ودونما مواربة، وإلا فإن صمت العلماء يعتبر مريبا وغير مبرر وغير مفهوم.
إن هذه التصريحات وغيرها تؤكد أن كل مؤتمرات الحوار ذهبت أدراج الرياح، وعلى دعاة الحوار أن يعيدوا حساباتهم مرة أخرى، ويمعنوا النظر في تلك التصريحات التي تصدر عن بابا الفاتكان، مطلوب من علماء الأمة البيان والتوضيح وأن يؤدوا الأمانة والرسالة المنوطة بهم، فيحذروا الأمة من العقلية الصليبية الجديدة.
لا يعني كلامنا هذا أننا ندعو لقتال النصارى وشن الحرب عليهم، ولا يعني أيضا أننا نضع النصارى كلهم في سلة واحدة أبدا، فنحن نفرق بين المسالم الذي يحترم عقائد الآخرين وبين الاستفزازي الذي يعمل على إذكاء نار الحرب والفتنة، فهؤلاء لابد من الوقوف بوجههم، ونرد عليهم بنفس الأسلوب الذي يستخدمونه، فإن كان استفزازهم بالقلم فنرد عليهم بالقلم، وإن كان استفزازهم باللسان فنرد عليهم باللسان، وإذا كان استفزازهم بالسلاح والقتل فنرد عليهم بنفس الأسلوب أيضا، لأننا عندها نستخدم حقنا الطبيعي في الرد على هؤلاء.
ونحن المسلمين لدينا دستور واضح للتعامل مع الآخر النصراني وهذا الدستور ذكره الله - تعالى - في القرآن الكريم، حيث قال الله - تعالى -: "لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم أن الله يحب المقسطين. إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم. ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون"، سورة الممتحنة آية 8-9.
فالتعامل معهم، قائم على البر والقسط والإحسان، إلا إذا أعلنوا الحرب والعداء، فهنا أصبح لنا الحق الكامل بالمبادرة لقتال كل من أعلن الحرب علينا.
إنني في هذا الموضوع لن أتطرق إلى ما أمرتنا به الشريعة الإسلامية من حسن التعامل مع أهل الكتاب، فهذا متروك لمقام آخر، ولكنني بصدد الرد على كل هذه التصريحات الاستفزازية لنبين التاريخ الأسود والمخزي للصليبية التي استباحت بلادنا وعقيدتنا، لنفقأ عيون أولئك الذين يتهجمون على عقيدتنا، ونكشف للبشرية ماذا فعلوا بنا في الماضي، وماذا يفعلون بنا في الحاضر.
وسوف أستشهد بمؤرخيهم وكتابهم ودساتيرهم، التي لا يستطيعون نكرانها، وكي تكون شاهدا على إجرامهم وعقليتهم السوداوية عبر التاريخ.
1ـ منذ فترة صدرت دراسة لباحث نصراني مصري، وهو الدكتور نبيل لوقا بباوي تحت عنوان "انتشار الإسلام بحد السيف بين الحقيقة والافتراء"، ومما جاء في الدراسة:
ـ يعتبر الإسلام دين سماوي، وخطأ بعض أفراده لا تمت إلى تعاليم الإسلام بصلة.
ـ في المسيحية تناقض رهيب بين تعاليمها الداعية إلى المحبة والتسامح والسلام وبين ما فعله بعض المسيحيين من قتل وسفك للدماء والاضطهاد والتعذيب بحق مسيحيين آخرين.
ـ هل ينسى المسيحيون ما قام به الكاثوليك في عهد الإمبراطور دقلديانوس، الذي تولى الحكم عام 248م، ففي عهده تم تعذيب الأرثوذكس في مصر، حيث ألقوا في النار وهم أحياء، كما تم رمي جثثهم للغربان لتأكلها، وإن عدد الذين قتلوا في عهده يقدر بحوالي مليون مسيحي، كما تم فرض الضرائب الباهظة عليهم، مما جعل الكنيسة القبطية في مصر تعتبر ذلك العهد عهد الشهداء وبه أرخوا التقويم القبطي تذكيرا بالتطرف المسيحي.(67/33)
ـ في حين وجدنا من المسلمين التسامح وحرية العقيدة وحرية التحاكم لدستورنا المسيحي، مما يؤكد أن الإسلام لم ينتشر بالسيف كما يزعم البعض.
ـ ويتساءل لماذا يقوم بعض المسيحيين بتضخيم بعض الأخطاء التي ارتكبت بحق بعض المسيحيين من قبل بعض الأفراد المسلمين، بينما هؤلاء المسيحيون يغمضون أعينهم عن المذابح والجرائم والمجازر التي حدثت من جانب المسيحية.
ـ إنني أؤكد وبناء على دراستي للتاريخ، أننا لم نجد أرحم من المسلمين وهذه هي الحقيقة.
2ـ يقول المؤرخ المسيحي فيدهام: أين المسيحيون من مذبحة باريس بتاريخ 24-8-1572م، والتي قام بها الكاثوليك ضد البروتستانت، وذهب ضحيتها عشرات الألوف حتى امتلأت شوارع باريس بالدماء. هل ينسى المسيحيون أن محكمة الكنيسة عام 1052م هددت بطرد المسلمين من أشبيلية إذا لم يقبلوا بالديانة المسيحية، ومن خالف ذلك يقتل.
إن الحروب بين المسيحيين ملئت بالفظائع، لأن رجال اللاهوت كانوا يصبون الزيت على النار.
ارتكبت خلال القرن الثاني عشر والثالث عشر أفظع المجازر ضد الكثاريين والوالدنس، وهذه المجازر حصدت مئات الألوف من الرجال والنساء والأطفال.
وينقل عن المؤرخ وليم جايس أن العالم لم يعرف الاضطهاد الديني قبل ظهور الأديان الموحدة، لقد كانت المسيحية في الواقع أول مذهب ديني في العالم يدعو للتعصب وإفناء الخصوم.
هل ننسى محاكم التفتيش التي أنشأت عام 1481م، وخلال أعوام قتل أكثر من 340 ألف، وهناك ألوف تم حرقهم وهم أحياء.
وينقل عن بريفولت أن المؤرخين يقدرون عدد الذين قتلهم المسيحيون في أوربا خلال فترة قصيرة أكثر من 15 مليون إنسان.
3ـ يذكر حنا النقيوس في كتابه تاريخ مصر:
ـ في عهد الإمبراطور الروماني قسطنطين للفترة من 274م- 337م، تم تدمير المعابد النصرانية وأحرق المكتبات وسحل الفلاسفة وقتلهم وأحرقهم.
ـ قاد بطريرك الكنيسة المصرية تيو فيلوس 385م- 412م حملة اضطهاد ضد الوثنيين، فقضى على مدرسة الإسكندرية ودمر مكتبتها ومكتبات المعابد، كما تم قتل وسحل وحرق الفيلسوف وعالم الفلك والرياضيات اناتية، كما تم تحطيم كل محتويات المعابد.
4- وإلى الذين يتبجحون بأن الإسلام انتشر بالسيف، فننقل لهم ما ذكره المؤرخ النصراني فيليب فارج والمؤرخ يوسف كرباج في كتاب "المسيحيون في التاريخ الإسلامي العربي والتركي" صفحة 25، 46، 47: كان عدد سكان النصارى واليهود في مصر إبان خلافة معاوية حوالي 2500000 نسمة، وبعد نصف قرن أسلم نصف هذا العدد في عهد هارون الرشيد بسبب عدالة وسماحة الإسلام.
5- أقوال المؤرخين والمستشرقين، ومنهم من رافق الحملات الصليبية:
- يقول المستشرق والمؤرخ السير توماس أرنولد في كتابه الدعوة إلى الإسلام: إنه من الحق أن نقول إن غير المسلمين قد نعموا بوجه الإجمال في ظل الحكم الإسلامي بدرجة من التسامح لا نجد لها معادلا في أوربا.
- يقول العالم النصراني كيتانين:إن انتشار الإسلام بين نصارى الشرق كان نتيجة الاستياء من السفسطة المذهبية الهيلينية، فتم تحويل تعاليم المسيح - عليه السلام - إلى عقيدة محفوفة بالشكوك والشبهات، مما أثار الشعور باليأس وزعزع أصول العقيدة حتى أصبحت خليطا من الغش والزيف وسادها الانقسام، فجاء الإسلام ببساطة ثقافته وعقيدته، فأزال كل الشكوك، وقدم مبادئه بكل بساطة، فترك قسم كبير النصرانية واعتنقوا الإسلام.
- يقول المؤرخ اللبناني الدكتور جورج قرم في كتابه تعدد الأديان ونظم الحكم: إن فترات التوتر والاضطهاد لغير المسلمين في الحضارة الإسلامية كانت قصيرة جدا وسببها عدة عوامل، وبالدقة كان الاضطهاد في عهد المتوكل الذي كان ميالا للتعصب وعلى عهد الحاكم بأمر الله، ولكن للإنصاف نقول: إن الاضطهاد لم يخص النصارى بل شمل حتى المسلمين، وهناك عامل آخر، وهو الظلم الذي مارسه بعض النصارى الذين وصلوا إلى مناصب مهمة في الدولة الإسلامية، وعامل ثالث يرتبط بفترة التدخل الأجنبي في البلدان الإسلامية ـ حيث قام الأجنبي بإغراء الأقليات غير المسلمة، واستدراجها للتعاون معه ضد الأغلبية المسلمة، وتجلى ذلك من قبل القبط في مصر ونصارى سورية، ويؤكد كلام الدكتور جورج ما قاله كل من جب و بولياك.
- يذكر الجبرتي في عجائب الآثار في التراجم والأخبار: لقد استقوى نصارى الشام بالقائد التتري كتبغا، وانحازوا للغزاة ضد المسلمين وتحولوا إلى أداة إذلال واضطهاد للمسلمين، وأحضروا فرمانا من هولاكو ورشوا الخمر على المسلمين وصبوه في المساجد وخربوا المساجد والمآذن، ولم يتوقف الأمر أيام التتر، بل تجدد أيضا أيام حملة نابليون بونابرت، حيث أغوى النصارى فوقع في حبل الخيانة بعض أقباط مصر، فقام المعلم يعقوب حنا بتشكيل فيلق قبطي بزي الجيش الفرنسي من أجل محاربة مسلمي مصر، وحصلوا على موافقة من نابليون لإبادة المسلمين في مصر.
ـ وجاء في القوانين المجرية، والتي ذكرها لستيغا نودي فريس في كتاب القانون الدستوري الصفحات 135، 148، 157:(67/34)
مادة 46، كل من رأى مسلما يصوم أو يأكل على غير الطريقة المسيحية أو تمنع عن أكل لحم الخنزير أو يغتسل قبل الصلاة أو يؤدي شعائر دينية، وأبلغ السلطات بذلك، يعطى له جزء من أملاك هذا المسلم مكافأة له.
مادة 47، على كل قرية مسلمة أن تشيد كنيسة وأن تؤدي لها الضرائب المقررة، وبعد الانتهاء من تشييد الكنيسة يجب أن يرحل نصف مسلمي القرية، وبذلك يعيش النصف الآخر معنا كشركاء في العقيدة، على أن يؤدوا الصلاة في كنيسة يسوع المسيح الرب بطريقة لا تترك شبهة في اعتقادهم.
مادة 48، لا يسمح للمسلم أن يزوج ابنته رجلا من عشيرته، وإنما يتحتم أن يزوجها رجلا من الجماعة المسيحية.
مادة 49، إذا زار شخص ما مسلما، أو إذا دعا مسلم شخصا لزيارته فيجب أن يأكل الضيف والمضيف معا لحم خنزير.
يذكر كل من ستيفن رنسيمان، غوستاف لوبون، الراهب روبرت، والكاهن أبوس في كتبهم ما يلي:
في أحد الأيام، اقتحم قومنا بيت المقدس الذي لجأ إليه المسلمون، فقاموا بقتلهم جميعا حتى كنا نخوض بالجثث والدماء إلى الركب، وإن ريتشارد قلب الأسد ذبح 2700 من أسرى المسلمين في عكا، ولم يكتف وجنوده بذلك، بل قاموا بقتل زوجات وأطفال الأسرى، إن قومنا كانوا يجوبون الشوارع والبيوت ليرووا غليلهم بقتل المسلمين، فكانوا يذبحون الرجال والشباب والأطفال والنساء، بل إنهم كانوا يبقرون البطون، إننا كنا لا نرى في الشوارع سوى أكداسا من جثث المسلمين، إن هذا لم يحصل في القدس فقط بل في كل بلد وصلناها، ففي معرة النعمان قتل جنودنا حوالي مائة ألف مسلم.
6ـ نقلت صحيفة الأهرام المصرية بتاريخ 6-3-1985 كلاما للبابا شنودة الثالث بطريرك الكنيسة الأرثوذكسية، جاء فيه: إن الأقباط في ظل حكم الشريعة الإسلامية يكونون أسعد حالا وأكثر أمنا، ولقد كانوا في الماضي كذلك حينما كان حكم الشريعة هو السائد، فنحن نتوق إلى أن نعيش في ظل "لهم مالنا وعليهم ما علينا"، فمصر تجلب القوانين من الخارج وتطبقها علينا، فكيف نرضى بالقوانين المجلوبة ولا نرضى بقوانين الإسلام.
7- عندما تهيأ جيش الغزو الإيطالي الصليبي لغزو ليبيا، كان شعاره الصليب، وكان بابا الفاتكان بلباسه الكهنوتي يقف بإجلال أمام الجيش، ثم يقبل الصليب ويبدأ الجنود بالإنشاد، قائلين: أماه لا تحزني.... أماه لا تقلقي.... أنا ذاهب إلى طرابلس.... فرحا مسرورا.... لأبذل دمي في سبيل سحق الأمة الملعونة.... ولأحارب الديانة الإسلامية.... سأقاتل بكل قوتي لمحو القرآن.
- هل ينسى بابا الفاتكان تصريح بوش في أحد مؤتمراته الصحفية عندما قال: إنها حملة صليبية.
- هل ينسى بابا الفاتكان تصريحات رئيس وزراء إيطاليا عندما قال: إن الإسلام يدعو للعنصرية، وهو دين الإرهاب.
- وكتب الصحفي ديفيد سيلبورن مقالا تحت عنوان: "هذه الحرب ليست ضد الإرهاب، إنها ضد الإسلام".
- كتبت مجلة ناشونال ريفيو مقالا تحت عنوان: "إنها الحرب، فلنغزهم في بلادهم، ومما جاء في المقالة، علينا غزوهم في بلادهم وقتل قادتهم وإجبارهم على التحول إلى المسيحية.
- وجاء في المقالة الأسبوعية لنيويورك تايمز بتاريخ 7-1-2001: إنها حرب دينية.
- ذكرت منظمات حقوق الإنسان الدولية والإقليمية حرب الإبادة التي تعرض لها المسلمون في البوسنة والهرسك وكوسوفو، حيث ذكرت تلك التقارير: اغتصاب أكثر من 50 ألف مسلمة، تم زرع نطف الكلاب في أرحام المسلمات. تدمير 614 مسجدا بالكامل. تدمير 534 مسجد تدميرا جزئيا. تدمير مئات المدارس الإسلامية. ولا يمكن نسيان المجازر الجماعية مثل سربنيتشا وغيرها، والتي تمت تحت مرأى ومسمع هيئة الأمم المتحدة وقواتها ومنظمات حقوق الإنسان.
- هل يريد بابا الفاتكان أن ينسينا حضارة أوربا وأمريكا في العراق، حيث عبروا عن رقيهم وإنسانيتهم، عندما اعتدوا على النساء والرجال في سجن أبو غريب.
- عرضت القناة الأولى الألمانية تقريرا في برنامجها الأسبوعي بانوراما بتاريخ 24-6-2004، والذي أعده جون جوتس وفولكر شتاينيهوف، عن دور بعض الطوائف التنصيرية في العراق، جاء فيه: سيكون العراق مركز الانطلاق للحرب المقدسة.
- جاء في نيويورك تايمز بتاريخ 14-4-2004: إن عزم بوش للبقاء في العراق هو حماس المبشر الديني.
- نقلت وكالة الأسو شيتد برس يوم 12-4-2004 من خطبة لقسيس في الجيش الأمريكي، ألقاها في يوم الفصح في مدينة الفلوجة العراقية: نحن لسنا في مهمة سهلة، لقد أخبرنا الرب بأنه معنا على طول الطريق، ولسنا خائفين من الموت، لأن السيد المسيح سيعطينا حياة أبدية.
- يقول الرئيس الأمريكي الأسبق ريتشارد نيكسون في كتابه الفرصة السانحة، وفي كتابه نصر بلا حدود: لقد انتصرنا على العدو الشيوعي، ولم يبق لنا عدو إلا الإسلام.
- نقلت صحيفة الحياة بتاريخ 8-2-2004 تصريحا لنواب بريطانيين من حزب العمال، قال فيه: إن الحرب على العراق كانت حملة صليبية.(67/35)
- نقل شهود عيان من مدينة البصرة العراقية، أنه أثناء زيارة رئيس الوزراء البريطاني توني بلير، أقام قداسا مع الجنود وأنشدوا جميعا: جند النصارى الزاحفين إلى الحرب، يتقدمكم صليب المسيح، وبظهور آية النصر هربت كتائب الشيطان، إخوة نمشي على خطى سار عليها القديسون، وحدة الأمل والعقيدة.
- قال مارك راسيكوت رئيس الحملة الجمهورية بتاريخ 19-4-2004: إن بوش يقود حملة صليبية عالمية ضد الإسلام.
وبعد كل ذلك يخرج علينا بابا الفاتكان ليتهجم على خاتم الأنبياء والرسل صلى الله عليه وسلم ، متجاهلا تاريخ قومه الأسود الذي تفوح منه رائحة الدم والقتل والمجازر، فإذا كان وصفه لنبينا بهذه الأوصاف، فليعلم أن المهج والأرواح تفتدي هذا النبي، ونسترخص النفس للدفاع عن نبينا، وإذا كان بيت بابا الفاتكان من زجاج فلا يرمي بيوت الآخرين بالحجر، لأن الأمر سيرتد عليه وعلى قومه، فهم من بدأ وعليهم تحمل النتائج.
إن الذي ينال من الأديان ورموزها هو شخص معتوه فاقد للقيم الأخلاقية. إن حملاتكم الاستفزازية لن تزيد المسلمين إلا استمساكا بالحق واعتصاما به.
إن هؤلاء لا يقدرون أمانة العقل الذي وهبهم إياه الخالق - عز وجل -، ولم يقدروا أمانة الكلمة ولا يقدرون عاقبة كلامهم، فليتعظوا من التصرفات الحمقاء التي سبقهم إليها أجدادهم، ثم ماذا كانت النتيجة، فلقد عادوا من حيث أتوا يجرون أذيال الهزيمة والخيبة.
14-9-2006
http://www.alas صلى الله عليه وسلم ws:المصدر
================(67/36)
(67/37)
الحملة الصليبية الأولى
25 جمادى الآخرة 491 هـ
24 جمادى الآخرة 1427هـ الموافق له 20 يوليو 2006م
25 جمادى الآخرة 491 هـ - 3 يونيو 1098م
يحدث خلط كبير عند الحديث عن العدو الصليبي الذي حارب أمة الإسلام منذ بداية الدعوة وذلك بسبب صليبية كلا الفريقين وهما:
1ـ الدولة البيزنطية أو الرومية, وهي التي اصطدمت مع المسلمين منذ عهد النبي صلى الله عليه وسلم , وكان إمبراطور الدولة يلقب بهرقل، وهذه الدولة كانت تشمل بلاد البلقان «شرق أوروبا» وتركيا الآن، وهي التي كانت تحتل مصر والشمال الإفريقي، وبلاد الشام، وعاصمة هذه الدولة القسطنطينية، ومذهبها النصراني هو الأرثوذكسية، وهذه الدولة زالت بالكلية على يد السلطان العثماني محمد الفاتح، وذلك بعد أن استولى المسلمون على معظم بلادها شيئاً فشيئاً.
2ـ أما العدو الثاني فهو لا ينضوي تحت مسمى دولة واحدة، بل مجموعة من الدول والولايات والمقاطعات الأوروبية الغربية، جمعتهم راية الصليب، وهدف معلن هو إنقاذ بيت المقدس من قبضة المسلمين، وكانت بدايتهم في الأندلس، وقد خرجوا من غرب أوروبا تجمعهم عقيدة للصليب، ومذهب الكاثوليك استجابة لنداء البابا «أوربان الثاني»، وتحت تأثير خطب «بطرس الناسك» الطنانة التي هيجت المشاعر الصليبية عند الأوروبيين، وهذا العدو هو الذي شن الحملات الصليبية الشهيرة على بلاد الشام ومصر طيلة قرنين من الزمان.
كانت الجموع البربرية الغوغائية التي سارت خلف «بطرس الناسك» وقام بإفنائها سلاجقة الروم ضحية العشوائية والاندفاع بلا نظام ولا ترتيب، لذلك لا يعدها معظم المؤرخين من ضمن سلسلة الحملات الصليبية، وإن كان البعض يصنفها ضمن الحملات ،ويعنونها باسم حملة الرعاع، وتمثل استجابة أمراء فرنسا الشرارة الأولى المنظمة لنداءات أوربان الثاني بشن حرب مقدسة على بلاد الإسلام، ولعل تسمية هؤلاء بالفرنجة تميزاً لهم عن الروم, والفرنجة كلمة أصلهاLes F r ancs لأن معظم من استجاب لنداء أوربان هم أمراء فرنسا, ولقد قاد الحملة الصليبية الرسمية الأولى عدة ملوك وأمراء منهم «ريمون الرابع» كونت تولوز، وأخوه «بولدوين» دوق اللورين، و«روبرت الثاني» دوق نورماندي وغيرهم.
انطلقت الحملة الصليبية الأولى سنة 490هـ - 1097م، ووصلت إلى القسطنطينية، واجتمع قادة الحملة مع إمبراطور بيزنطة الذي اشترط عليهم فتح أنطاكية أولاً ويسلموها له، وهو يهدف من ذلك استغلال قوة الحملة الكبيرة في تحطيم قوة سلاجقة الروم المجاورين له على حدود دولته, وبالفعل انتصرت الحملة الصليبية على سلاجقة الروم عند مدينة «قونية», واتجهت الحملة بعدها إلى أنطاكية، وفي الطريق انفصل «بولدوين» عن الحملة، واتجه إلى «الرُها»، واستولى عليها بسهولة لأن معظم سكانها نصارى ساعدوه على احتلال المدينة، وواصلت باقي الحملة سيرها إلى أنطاكية.
وصلت الحملة إلى أنطاكية، وضربت عليها حصاراً شديداً، وكان حاكم المدينة اسمه «باغي سيان» من السلاجقة فدافع عنها دفاع الأبطال الشجعان، وصمدت المدينة أمام الحصار 9 أشهر كاملة, وعندما شعر الصليبيون بضراوة المقاومة لجأوا إلى سلاح الخيانة والرشوة، فأرسلوا بهدية كبيرة من المال لأحد مستحفظي الأبراج واسمه «زراد» وكان نصرانياً، وهذا من غفلة المسلمين إذ كيف يوضع رجل نصراني في هذا المكان الخطير، وفي هذا الظرف الخطير أمام عدو صليبي مثله، فقام «زراد» بفتح أبواب المدينة ليلاً ودخلها الصليبيون في 25 جمادى الآخرة 491هـ - 3 يونيو 1098، ليكون أول دخول للحملات الصليبية في أرض الشام والإسلام وأول قدم لهم بها، وتوالى بعدها السقوط حتى قيض الله - عز وجل - للأمة من يدفع عنها من آل زنكي وأيوب.
http://www.islammemo.cc:المصدر
==============(67/38)
(67/39)
أوروبا تستأنف الحرب وقدوم الحملة الصليبية الخامسة
أيمن خالد
تستمر أوروبا في مراقبة العالم الإسلامي طوال الوقت، وعندما تكون الفرصة مواتية للانقضاض عليه مجدداً لن تتوانى عن ذلك، فالانتصار على الغرب في معركة كبرى مثل حطين، وفتح بيت المقدس، ثم إنهاك الصليبيين وشرذمتهم أثناء الحملة الصليبية الثالثة التي قادها ملوك أوروبا كل ذلك لا يبدو مقنعاً للبابوات للكف عن مهاجمة العالم الإسلامي، فتستمر أعينهم بمراقبته، حتى إذا وجدوا الفرصة قد حانت انقضوا عليه مجدداً.
بالتالي تبقى المعادلة الأولى هي مدى قوة المسلمين وتماسكهم، فعندما تتوحد إرادة المسلمين فإن العدو ينكفئ، وعندما تتمزق إرادتهم فسيكون ذلك مدعاة لاستثارة أطماع الغزاة من جديد، في تكرار لتجربة ظلت تعيشها الأمة طوال مئتي عام من عمر الحروب الصليبية، فعندما نتحدث عن أي من الحملات الصليبية فإننا سنتوقف بالضرورة عند الحالة السياسية العربية، والتي بدورها تعكس سلباً أو إيجاباً طبيعة النتائج العسكرية على الأرض، فالوحدة السياسية التي تحققت في زمن صلاح الدين الأيوبي، وفعل لأجلها الكثير؛ سرعان ما ستتمزق بعد موته، ويختلف الأبناء على وراثة الحكم من بعده، وسيساوم سلطان مصر آنذاك المعروف بالكامل الصليبيين، ويمنحهم بيت المقدس سلماً لكي يكونوا حاجزاً بينه وبين أبناء أخيه في دمشق وذلك في أثناء الحملة الصليبية الخامسة، والتي كان خط سيرها دمياط.
أوروبا والحرب:
الكنيسة بدورها تحتاج إلى الحرب بين الفينة والأخرى مع العالم الإسلامي، فأوروبا كانت - ولا تزال - تخشى مجاورة العالم الإسلامي مجاورة طبيعية، نظراً لارتهانها إلى زمرة من البابوات كانوا يجدون أن الدين الإسلامي يشكل خطراً عليهم، وتهديداً لمصالحهم نظراً لقدرة الإسلام الذاتية على التمدد السريع، ولقابليته للانتشار من خلال رغبة الناس فيه عند الإطلاع عليه، فانتشار الإسلام شرقاً وشمالاً وغرباً في إفريقيا ظل يقلق الرهبان، فكان لا بد من الاستمرار في رفع الأسوار بين العالم الإسلامي وبين الغرب، بغية بقاء الإسلام بعيداً عن القارة الأوروبية، لا نستطيع أبداً أن نتصور أوروبا في تلك المرحلة بذلك المكر الكبير بحيث أنها ضربت مصر بغاية الضغط عليها وإخراجها من دائرة المواجهة لانتزاع بيت المقدس، وإن كانت الأمور جاءت كذلك فيما بعد، فالأوروبيون أدركوا بعد الحملة الثالثة أن التوجه نحو القدس مباشرة هو مكلف للغاية، وذلك بعد أن توحدت إرادة المسلمين في دولة قوية، وبالتالي إن استثارة مشاعر المسلمين ستجعلهم يلتفون حول مشروع جهاد جديد هو مكلف بكل أبعاده على الغرب، ثم هناك مسألة غاية في الأهمية، فالرهبان في أوروبا لا يستطيعون صناعة جيش جديد، وتوجيهه نحو القدس، بحيث يكون قوياً، ويحمل أعباء معارك كبيرة طاحنة ومصيرية في آن، فالقدس هي معركة المسلمين المصيرية، ومسألة الاقتراب منها ليست بالأمر الهين، فهناك حالة من اليأس في الغرب بشأن القدس حصلت حينما فتح صلاح الدين الأيوبي القدس بعد حصارها الشهير حينما أخذها سلماً باتفاق وقعه مع الرهبان فيها، وهو ما أدى إلى موت البابا لدى سماعه الخبر، ونص الاتفاق على أن يأخذ الرهبان أموالهم - وهي كثيرة - مقابل تنازلهم عن القدس وللأبد، وهو ما أفقدهم دلالة القدس الدينية في أعين مواطنيهم في القارة الأوروبية، هذه القارة التي دفعت بمئات الألوف إلى الموت بحجة استرداد القبر المقدس المزعوم لينتهي الأمر في النهاية بإقرار الصليبيين أن لا حق لهم في القدس، وأنها منذ الآن بيد المسلمين، وأن الكنائس التي فيها هي للمسيحيين الشرقيين، وهو ما جعل عودتهم مجدداً على حمل لواء الدين للمقاتلة من أجل القدس غير ممكن، صحيح أن القدس كانت حاضرة في أذهان الأوروبيين في تلك الحقبة - كما كانت حاضرة في أذهان جميع الإمبراطوريات البائدة - لكنها في تلك الفترة هي مسألة طلب المستحيل، وغير الممكن الحصول عليه أبداً، فالحملة الثالثة فشلت فشلاً ذريعاً في احتلالها، وكانت تضم آنذاك ملوك فرنسا وألمانيا وإنجلترا، ثم جاءت الحملة الرابعة لتنهي الإمبراطورية الرومانية، وتنصب جسراً برياً مع الشرق الإسلامي، تستطيع دفع جيوشها نحوه، ثم تأتي الحملة الخامسة وفي برنامجها نقرأ مسألة واحدة هي الحرب على المسلمين، والاستمرار في رفع الأسوار بين العالمين الإسلامي والأوروبي.
أهمية فلسطين السياسية:(67/40)
الوعي السياسي في الغرب في تلك الفترة لم يكن ناضجاً بما فيه الكفاية لنقول: إن الرهبان اكتشفوا أهمية فلسطين السياسية في المنطقة، فقد برزت أهمية فلسطين من قبل داخل الغرب لأسباب هي خاصة بالغرب ذاته، من الرغبة في دفع الأمراء الجشعين للاقتتال خارج القارة الأوروبية بغية تخفيف أعباء الكوارث التي جلبوها على القارة، ناهيك عن رغبة الرهبان في الهيمنة السياسية على مجريات الأمور داخل القارة، فاخترعوا قصة القبر المقدس وغير ذلك، وأما أن تكون القدس قد برزت لقيمتها الحقيقية في أعين الغرب آنذاك فهذا أمر غير ممكن، لأن ذلك يتطلب استقراراً سياسياً داخل أوروبا بالأصل، ومن ثم نوعاً من الوحدة الأوروبية، ومن ثم البحث عن دور سياسي خارجي، وهذه أشياء لم تكن متاحة في أوروبا المحكومة بعقول الرهبان والأمراء الجشعين، ما يجعلنا نصنف الحملات الصليبية على اختلافها أن أوروبا لم تكن تبحث من خلالها عن دور سياسي خارجي بمقدار ما كان يبحث الرهبان عن أسباب تدفعهم لشن الحروب على الإسلام لذاته خوفاً من الإسلام (ذاته) أن يطرق العتبات الأوروبية.
إن منظر الرهبان الذين التفوا ذات يوم حول إمبراطور الرومان هرقل، وزمجروا بأصواتهم معترضين عليه حينما أراد أن ينصف الرسالة الإسلامية بقولة حق، إن هذا المنظر هو الحاضر الدائم في عقول الرهبان، فهم لا يريدون الإسلام فحسب، ولا يفكرون إلاّ من خلال هذه المعادلة.
المسألة الثانية: أن سكان القارة الأوروبية في تلك الفترة كانوا يعدون أضعاف سكان المنطقة العربية، فلم تكن الحروب متكافئة من حيث التعداد البشري، فهي قارة تعج بملايين البشر الذين تبحث أوروبا عن وسيلة تلفظهم بها إلى عالم جديد، فالحرب كانت هي صورة الحياة، والمحارب هو الذي يستطيع أن ينتزع أموال الآخرين، ويستأثر بها لنفسه، وإذا كانت أوروبا قد أوجدت صيغة للتفاهم بين أمرائها الجشعين؛ فإن هذه الصيغة تعني في أهم دلالاتها استهداف الأضعف نسبياً وهم المسلمون، فالحرب على الشرق فيها دلالات كثيرة، وفيها مغانم حينما يكون المسلمون ضعفاء، وفوق هذا وذاك ثمة ما يغري المقاتل إذا ذهب إلى الشرق، فالمسلمون لا يقطعونه إرباً، ولا يشوونه حياً إذا وقع في الأسر.
الشرق الساحر أيضاً في جغرافيته، والساحر بموارده وبالطعام والغنى المتوفر فيه؛ يجعله فرصة مهمة للأمراء، فقد كانت أوروبا آنذاك تعج بحار المتوسط بسفنها، وكانت هذه السفن ليست لها إلا لغة القراصنة، فكلما وجدوا الفرصة سانحة لهم للانقضاض على أي هدف إسلامي لم يكونوا يتأخرون.
الصهيونية الدور المختلف:
بالنسبة للصهيونية كان دور فلسطين واضحاً للعيان لها وللغرب، وذلك بعد أن تغيرت خريطة الكون السياسية مرات عديدة خلال القرون الماضية، وظهرت أهمية فلسطين، وتزايدت بعد الاكتشافات الجغرافية الحديثة؛ لما تمثله من حلقة وصل بين الشرق والغرب، وبين الشمال والجنوب، والأهم من ذلك كله موقعها بالنسبة للعالم العربي والإسلامي، حيث تتوسط درع القوة فيه، وانتزاعها يعني إعادة تشكيل المنطقة على قاعدة التقسيم التي ستحول دون أن تقوم للأمة قائمة، لذلك عندما باتت أهمية فلسطين واضحة بهذا الشكل بات الغرب يريدها لذاتها، ولا مانع لديه من أن يساهم في خلق الأساطير والمزاعم الدينية بغية إبراز قيمتها وأهميتها لليهود لجلبهم إلى فلسطين، ومن هنا فالغرب كان يدرك طبيعة اللعبة السياسية، وأراد أن ينتزع فلسطين لمنع قيام وحدة إسلامية، ولمنع قيام خلافة إسلامية مجدداً يكون محورها العرب، وهو أمر صريح جاء على لسان الجنرال اللنبي حينما قال لحظة دخول القدس بعد انكفاء الخلافة العثمانية: «الآن انتهت الحروب الصليبية»، فالحروب الصليبية بدأت بغاية إزاحة المسلمين عن هذه البقعة بالذات، فحينما تعود أوربا من جديد لتزيح المسلمين عنها فهي تعنيها حرباً صليبية جديدة على الإسلام والمسلمين، لكن مشكلتنا تمثلت في أبرز جوانبها في النخب الثقافية التي كانت سائدة تلك المرحلة، والتي انبهرت بالثقافة الغربية، ولم تستطع أن تدرك أن الغرب الجديد هو استعماري بكل ما فيه، وأن الثقافة الغربية هي أمر يخص الغرب، وأما نحن فهي المادة التي يرغب بتشكيلها كيف يشاء، ولسنا في نظره أكثر من ذلك,
لقد وجد الصليبيون أنفسهم أثناء الحملة الخامسة في مواجهة سياسية جديدة لم يحسبوا لها حساباً، فقد عرض عليهم سلطان مصر أن يعطيهم فلسطين إن هم ذهبوا عن مصر وتركوه، في تلك اللحظة بالذات كان الغرب يدرك أن فلسطين لا يمكن انتزاعها إلا بموافقة طرف عربي على ذلك، وهو ما يعاد اليوم صناعته من جديد ويبقى في مواجهة ذلك كله أحفاد خالد بن الوليد، وصلاح الدين الأيوبي وغيرهم.
http://www.islamselect.com:المصدر
==============(67/41)
(67/42)
أمريكا بين الماسونية المصدرة والصليبية المتبعة
14 ربيع الثاني 1426هـ الموافق له 22 مايو2005م
لأن الغرب قد أدرك جيداً فشل سلاح القوة العسكرية في القضاء على الإسلام، ومن ثم فإنه يبدو أن سلاح المخادعة هو السلاح الرئيسي الذي يلتجئ إليه الآن في مواجهة الإسلام، ففي الوقت الذي تتعاظم فيه سيطرة العقيدة الصليبية الهرمجدونية على الإدارة الأمريكية ممثلة في الرئيس بوش ومساعديه؛ فإن توجهات السياسة الأمريكية الخارجية تهدف إلى نشر المفاهيم الماسونية بين الشعوب الإسلامية على وجه الخصوص، وإذا كنا قد شرحنا في مقال سابق ما هي العقيدة الصليبية الهرمجدونية حيث يمكن الرجوع إليها في نفس هذا الباب، فإننا نشرح هنا ما هي تلك الماسونية التي يدعون إليها في عالمنا الإسلامي تحت شعارات ملتوية مثل: الحرية والتسامح والمساواة.
الماسونية جمعية سرية شديدة الغموض، استطاعت اختراق معظم النظم السياسية في العالم، وضم عدد كبير من الملوك ورؤساء الجمهوريات إليها على امتداد القرون الثلاثة الماضية، وتنتشر بوجه خاص في أمريكا وانجلترا.
وتتخذ الماسونية في الظاهر صورة أندية اجتماعية تعمل على اختيار أعضائها، ولا تسمح للآخرين بالانضمام إليها تبعاً لإراداتهم الشخصية، ويمر العضو بهذه الجمعيات بعدة مراحل يلتزم فيها بممارسة عدة طقوس شديدة الغرابة مثل: سجود العضو على إحدى ركبتيه وهو معصوب العينين، ثم يتعهد بعدم إفشاء أسرار الجماعة وإلا فانه يستحق عقوبة قطع رقبته وقطع لسانه من جذوره، وسرعان ما يعلم العضو الجديد أن الماسونية نظام أخلاقي غريب يعتمد على المجاز، وتوضحه الرموز، وتستمد هذه الرموز بصفة رئيسية من حرفة بناء الحجارة الفعلية، وتلعب دوراً حيوياً في الطقوس والتعاليم الماسونية، ويشرح زعيم المحفل حين يقدم للعضو الجدد بطريقة طقسية معدات البناء، ويقول: نحن نستخدم هذه المعدات لتشكيل أخلاقنا، وحين ينتهي العضو من هذه المراسم يقال: إن العضو الجديد قد اجتاز المرتبة الأولى ويمكن أن يصل إلى المرتبتين الأخريين خلال عدة أشهر، ويتوقف الكثيرون من الماسونيين عند هذه النقطة، إلا انه توجد مراسم أخرى تسمى القوس الملكي تسمح للمتحمسين بتنويعة كبيرة من المراتب العليا، ويرى الباحثون أنها مستمدة من مصادر عديدة فرعونية ويهودية وأشورية، وإذا كانت الماسونية قد عملت على تطويع الحكومات لصالحها فإن بعض الدول الكبرى تعمل أيضاً على فعل العكس وهو استخدام هذه الماسونية لتحقيق مصالحها.
وهناك عدة تفسيرات لنشأة الماسونية منها:
- أنها تعود إلى بناة هيكل سليمان.
- أنها تعود إلى بناة الأحجار المتجولين في العصور الوسطى.
- أنها تعود إلى المفكرين الربوبيين في القرن السابع عشر.
ويلتزم الماسون دائماً بالدعوة إلى المساواة والحرية والتسامح دون أية ضوابط، الأمر الذي يعني عملياً تحطيم كل الأديان والمذاهب لصالح الأهداف الماسونية الغامضة، وعلى ما سبق فإن الماسونية ترتبط لدى الكثير من المحللين بالصهيونية العالمية، وقد عضد هذا الاتجاه ذكر الماسونية بشكل رئيسي في برتوكولات حكماء صهيون التي ينسبها كثير من المحللين لليهود، حيث ذكرت البروتوكولات الدور العالمي للماسونية في تحقيق الغايات الصهيونية التي جاء فيها ' وإلى أن يأتي الوقت الذي نصل فيه إلى السلطة سنحاول أن ننشئ ونضاعف خلايا الماسونيين الأحرار في جميع أنحاء العالم، وسنجذب إليها كل من يصير أو يكون معروفاً بأنه ذو وجاهة وقيمة عالية، وهذه الخلايا ستكون الأماكن الرئيسية التي سنحصل منها على ما نريد من أخبار، كما أنها ستكون أفضل مراكز للدعاية، والخلاصة أنه يمكن الاعتماد على الأفكار الماسونية المخادعة الآن في العمل على تمييع المفاهيم الإسلامية الأصيلة باسم التطور.
http://www.islammemo.cc:المصدر
==============(67/43)
(67/44)
إشكالية الحملة الصليبية الرابعة
أيمن خالد
الحملة الصليبية الرابعة أثارت تساؤلات كثيرة حولها وحول دوافعها، قلما أثيرت في غيرها من الحملات الصليبية التي انطلقت بغاية إزاحة الإسلام عن المنطقة، وفشلت في تحقيق ذلك.
وتغدو الإشكالية في كون هذه الحملة ضربت رأس الكنيسة الشرقية، وبدت في ظاهرها صراعاً مسيحياً بين الكنيستين الكاثوليكية والأرثوذوكسية، بمعنى أن الحملة لم تستهدف الإسلام والمسلمين حسب الظاهر، إلاّ أن الصورة الحقيقية غير ذلك؛ فالحملة كان خط سيرها باتجاه الأراضي الإسلامية وبالذات بيت المقدس، وهي الصورة التي توضحت فيما بعد من خلال الحملة الخامسة، والتي توجهت إلى مصر ولكنها أرادت بيت المقدس على اعتبار أن مركز القوة الإسلامية آنذاك كان في مصر التي بنى جيشها صلاح الدين الأيوبي.
الحملة الصليبية الرابعة بدأ الإعداد لها في الغرب من قِبل البابا (إنوسنت الثالث 1202 - 1204)، الذي تمكن بفعل سطوة البابوية أن يقوم بالإعداد للحملة، وكانت فكرة إعداد الحملة قد تولدت في أعقاب الفشل الذي لاقته الحملة الصليبية الثالثة، والتي كانت غايتها التوجه لاحتلال القدس مجدداً بعد أن حررها صلاح الدين، ولكن الحملة اصطدمت بضراوة المقاومة الإسلامية، وانتهت باتفاق الصلح الشهير بين ريتشارد المسمى «قلب الأسد» وصلاح الدين الأيوبي، والذي بموجبه رجع الأوروبيون يجرون أذيال الخيبة، بل وأكثر من ذلك فقد انتقلت المعركة إلى أوروبا ذاتها، فها هو «ريتشارد» في طريق عودته إلى إنجلترا يتعرض للاعتقال على يد خصمه السابق «ليوبولد» دوق النمسا، وهو ما بات ينذر بدخول القارة الأوروبية في صراع داخلي جديد، مما يقلل من شأن سلطة البابوية، ويعيد أوروبا إلى دائرة الاقتتال الداخلي، وهو ما عملت الكنيسة على تجاوزه من خلال هدنة الرب المعروفة في عام 1095 من أجل ادخار القوى بغاية محاربة الإسلام.
فالكنيسة الكاثوليكية وجدت في هذا الاتفاق إذلالاً لها في الشرق، وتصغيراً لشأنها أمام الأوروبيين، ويعكس بشكل أو بآخر فشلها وهزيمتها أمام المسلمين، وانهيار مشروعها الديني الذي كانت قد أعدته وعاشت عليه منذ مئة عام.
فالمسيح لم ينزل لمساعدة الملوك الأوروبيين، والقيامة لم تقم، والصوم والصلوات من أجل النصر الذي ألزمت به الكنيسة رعاياها كله لم يفلح في هزيمة المسلمين الذين أخذت قوتهم تزداد، وتمكنوا من تحرير غالبية الساحل الشرقي لحوض المتوسط وإمارة الرها وغيرها.
وبالتالي باتت البابوية تخشى على موقعها داخل القارة الأوروبية، واهتزاز صورتها بسبب هذا الفشل، مما سيجعل سلطانها يتراجع، وهو ما لم تكن الكنيسة جاهزة له بعد، إذ كانت لا تزال تجد في العديد من الأمراء الجشعين أدوات صالحة وفعالة للاستمرار في الحرب، ناهيك عن أن نفوذها الديني كان في أوجه، خصوصاً وأن أوروبا في ذلك الوقت كانت لا تزال القارة التي لديها طاقات بشرية هائلة، كان ترغب البابوية في استثمار هذه الطاقات في السيطرة على شرقي المتوسط، حالمة بأن تستعيد دور الإمبراطورية الرومانية البائدة والتي كانت تلفظ أنفاسها أمام اندفاع المسلمين الذين كانوا بحاجة ماسة لضم القسطنطينية إلى ديارهم الإسلامية - ومنذ عهد الخلافة - بوصف القسطنطينية بوابة الخطر من الشمال، إذ عبرت منها جيوش الروم في معركة اليرموك الشهيرة.
تماماً كانت البابوية تنتظر ومنذ انقسام الكنيسة في عام 1054 الفرصة المؤاتية للانقضاض على القسطنطينية، بما يشكله ذلك من أطماع في احتواء العالم المسيحي؛ وخصوصاً الأرثوذكس الذين كانت تجد في وجودهم خارج سلطانها أمراً مؤرقاً لها.
الحملة الصليبية الرابعة هي كالحملة الأولى من حيث تكوينها، فهي فرنسية بامتياز، فقد كان حجر الزاوية فيها الأمراء الفرنسيون الذين شارك فيها العديد منهم، ناهيك عن كون فرنسا آنذاك - كما اليوم - تجد نفسها قلب العالم المسيحي، ولا تتوانى عن شن الحروب والدخول في معارك مختلفة هنا وهناك بذريعة حماية العالم المسيحي من الخطر القادم من الإسلام الذي أشاعه قادة الغرب وبالغوا في ذلك.
الحملة نحو بيزنطة:
فالإشكالية التي مرَّ ذكرها تتجلى في أمرين:
الأول خضوع النص التاريخي لإملاءات الكاتب الغربي، وتكوينه التاريخي الذي ينطلق من جذور ثقافية معينة.
وثانيهما: إسقاط المناهج والرؤى السياسية المعاصر،ة والتي تقدم المصلحة الأوروبية على الحقائق التاريخية، وتحميل التاريخ ما لا يحتمل أصلاً، وهذه النظرة تحاول تبرير وقولبة الوقائع التاريخية أكثر من سردها كما هي، فتخضع معالجة النص لهوى الباحث، وهي إشكالية سببها المنهج المتبع في الغرب في تحليل ودراسة التاريخ، ومن ثم تأثر الكاتب العربي بما يصل إليه من كتب مترجمة، مما أدى إلى تكرار آراء الكتاب الغربيين أنفسهم وتصوراتهم حول تلك المرحلة.(67/45)
عموماً الحقبة الصليبية لم تخضع في الغرب لتحليل موضوعي إلا لدى القليل من الباحثين الغربيين، والذين أصواتهم لا تصل أمام سيل الكتابات التي تجد جهات متعددة تعمل على نشرها، وهي إشكالية دوائر الاستشراق، وطبيعة الثقافة المهيمنة في الغرب، والتي لا تحاكم المراحل التاريخية الماضية بتجرد كاف، فلا تعمل على إخضاعها للعقل العام المحايد بعيداً عن دور المؤثرات المحيطة وخاصة فكرة مركزية أوروبا في التاريخ والعقل، ومناهج وأدوات التحليل المنفعلة بالتجربة التاريخية الأوروبية.
ولو كان ذلك يحدث لكانت هناك أصوات كثيرة مسموعة في الغرب تحول دون جنون الإمبراطوريات العائد من جديد، والفوضى الثقافية التي باتت تعم الغرب لتضعه في مواجهة مع الإسلام دون أن تكون لهذه المواجهة وهذه الحروب أية دواعٍ أو مبررات، فرؤية الماضي تخضع (لموقع الأنا) في الغرب شأنها شأن رؤية المستقبل، وبما أن مساحة (الأنا) في الغرب لا تحكمها معايير موضوعية فمن الطبيعي أن تكون رؤية الأحداث التاريخية مرتبطة بشكل أو بآخر بالمصلحة التي تحكم ظهور تلك الدراسات.
لقد أعيد تحليل الحملة الصليبية الرابعة مرات عديدة من قبل الكتاب الغربيين، لكن هذه الدراسات بقيت تراوح مكانها، ولم تعمل على جلاء الحقيقة كما يجب، فالذين انطلقوا من اعتبار أن الحملات الصليبية نشأت لأسباب اقتصادية بحتة؛ أسهبوا في الحديث عن الحملة الرابعة باعتبارها تجلت فيها المطامع الاقتصادية بسبب الخلافات بين البندقية والإمبراطورية الرومانية، ووجود عامل المنافسة بين ميناءي البندقية وميناء زارا المجري؛ في محاولة لاستبعاد العامل الديني من الصراع، وهو بدوره محاولة خفية لتبرئة البابا وتبرئة الكنيسة الكاثوليكية من تأجيج الصراع الديني الذي صنعته منذ كليرمون 1095م، كما ظهرت العديد من الدراسات في الغرب حاولت تقديم البابا بصورة الرافض لتلك الحملة مع أنه في واقع الحال كان الملهم لها، والمستفيد الأول منها.
أطماع.. وأطماع:
الصورة التاريخية التي جاءت عليها الحملة أن البابا «إنوسنت الثالث» في عام 1202 دعا إليها، وطلب توجيه الحملة إلى مصر، ومن ثم شن الحملة من هناك باتجاه القدس بغاية استردادها من المسلمين، إذ أدرك الصليبون أن القدس كانت قد غدت عنوان الأمة بأكملها، وبالتالي إن الضغط على مصر بحكم قوتها وقيادتها للأمة آنذاك سيخرجها من صف الأمة، وهو ما سيعمل على إضعاف الأمة الإسلامية بأكملها في حال وافقت مصر بترك دورها المدافع عن القدس، وهو ما تجلى فيما بعد في الحملة الخامسة.
وفي التفاصيل الداخلية للحملة أن ثمة مساومة حصلت بين الصليبيين وبين البندقية أفضت إلى تحويل سير الحملة نحو رأس الكنيسة الشرقية، لكن هذه التفاصيل التي أرادت تصوير الأمر وكأنه مغامرة تجارية - في محاولة لإسقاط العامل الديني من الحملة - إنما هي بعيدة عن الواقع، فالأوروبيون كانوا يتقاتلون طوال الفترة الماضية، وخاضوا العديد من الصراعات الدموية أثناء توجههم إلى بلاد المسلمين، فالتناقض بين ميناءين متنافسين هي مسألة طبيعية، ولكن من غير الطبيعي أن تكون الحملة بأكملها خرجت عن سير الكنيسة صاحبة السلطان القوي في تلك المرحلة، والتي لم يكن أحد من الملوك أو الأمراء يستطيع مخالفتها لأنها القادرة على معاقبة من يعارضها فيما يسمى الحرمان الكنسي الذي يعني حرق المخالف للكنيسة حياً، أو إلغاءه معنوياً.
ناهيك عن أن الحملة كانت قد خرجت للتو من جوار ما يسمى الكرسي الرسولي، فالمسافة الفاصلة بين البندقية ومكان إقامة البابا ليست ببعيدة، وهو ما حاول التضليل عليه بعض الباحثين اليوم، الذين يريدون التخفيف من وطأة تلك الحوادث بغاية استقطاب الأرثوذكس من خلال القول: أن البابا لم يكن راضياً عن سير الحملة تلك، وهو رأي لا يتوافق مطلقاً مع طبيعة البابوية وسطوتها، وقوة نفوذها في تلك الآونة.
البحث عن بوابة للمنطقة:
كان خط سير الحملة باتجاه القسطنطينية من الناحية العسكرية والسياسية بالنسبة للبابوية صحيحاً، ولم يكن هناك ثمة لبس في خط سير الجنود، فالبابوية كانت بحالة عداء مع الكنيسة الشرقية منذ انقسامها بشكل نهائي في عام« 1054 م»، وكان يرضي غرور البابا احتلال القسطنطينية لأنه سيعمل على إلغاء الكنيسة الأرثوذكسية لصالح الكنيسة الكاثوليكية، وسيمنح البابا الفرصة ليصبح رجل المسيحية الأوحد، وكان البابا يجد مبرراً دينياً لخوض هذه الحرب، لأن الكنيسة الشرقية وفق نظرة البابا كانت هرطقة، وزوالها أو إضعافها هو جزء من فكرة الحرب العادلة التي أطلقتها الكنيسة منذ عهد أوغسطين.(67/46)
البابوية التي هزمها المسلمون في القدس تريد موطئ قدم على المياه الدافئة التي يتم تجميع المحاربين قربها، بعد تنامي قوة المسلمين البحرية، واستعادة دورهم في خوض الحروب البحرية، وبعد غرق الآلاف من الجنود ومعهم إمبراطورهم الألماني في الحملة السابقة، وتبقى مشكلة البر غير المتصل بين أوروبا والديار الإسلامية، وضرورة وصله، وهو ما استدعى ضم القسطنطينية إلى الغرب كجغرافيا تربط أوروبا بالشرق، فقد اكتشفت الكنيسة الغربية ومنذ الحملة الأولى أن القسطنطينية هي بوابة العبور الوحيدة البرية للمنطقة، وكان إمبراطور القسطنطينية رغم تحالفه مع الصليبيين حذراً للغاية، وخائفاً منهم؛ فقد قيدهم بالمواثيق والعهود، ولكنه على الرغم من ذلك سمح بدخول الأمراء إلى القسطنطينية دون الجنود لأنه كان يخشى أن ينقلبوا عليه في أية لحظة.
ومع سقوط القسطنطينية بيد اللاتين انتهت أسطورة الإمبراطورية الرومانية، ودخل العالم مسرحاً جديداً من الحروب والسجال بين الغرب والشرق، فعندما رأت الكنيسة دفء الشرق شعرت بالراحة والطمأنينة، وإن كان البحر لا يزال مهماً في الحملات الصليبية القادمة، إلا أن أمراً مهماً قد حدث؛ فقد اكتشفت البابوية أنها أولاً وأخيراً عزلت الشعوب الغربية عن الإسلام، وأنها طوقت العالم الإسلامي من الشمال، وبات إرسال حملة بحرية إلى مصر سيشكل إرباكاً كبيراً بالنسبة للمسلمين لأن جيوشهم ستنقسم إلى قسمين: قسم سيذهب إلى الشمال خشية دخول الصليبيين من البر، وقسم سيبقى في مصر من أجل حماية ديار المسلمين من البحر، وعندما تكون الدولة الإسلامية ممزقة فمن السهل التلاعب بالمسلمين، وهو ما سهّل عودة الصليبيين لاحتلال القدس فيما بعد، وكان انقسام المسلمين، وتوزيع جيشهم بين الأمراء من أهم الأسباب التي أدت إلى ذلك.
فسقوط القسطنطينية أحدث معركة جديدة في أوروبا، فهدأت الحرب بين المسلمين والصليبيين لسنوات ريثما ينهي البابا «إنوسنت الثالث» معاركه داخل أوروبا، وبعد سقوط القسطنطينية بيد البابوية؛ شغل البابا نفسه في الصراع الإنجليزي الفرنسي، والصراع بين الإقطاعيين في ألمانيا ومنطقة البلطيق، أضف إلى ذلك الحرب جنوبي فرنسا ضد الالبيجية الذين كانت تراهم الكنيسة مهرطقين ما بين أعوام 1209 - 1212م، وهو ما رأى فيه العديد من الباحثين الغربيين دليلاً على ظهور المصالح الدنيوية، وبدء أفول الجانب الروحي، لكن الحقيقة أن المصالح الدنيوية هي في صميم البابوية التي نصبت نفسها ناطقة باسم المسيحية، وجيرت حركة الغرب بمجمله لتحقيق المصالح الدنيوية لها تحت المظلة الدينية.
وهكذا هدأ الغرب قليلاً بانتظار معركة جديدة، وحملة جديدة يتم توجيهها صوب الديار الإسلامية ريثما يعيد البابا ترتيب البيت الأوروبي من جديد.
الصهيونية على ذات الخطى:
البابوية أرادت أن تكون ناطقة باسم العالم المسيحي وقائدة له، والصهيونية التي جاءت من بعدها أرادت أيضاً أن تكون ناطقة باسم اليهود في العالم، وقد سارت في العديد من خطواتها على ذات الطريق، فقد تحالفت الصهيونية مع هتلر، وساهمت في ترويع اليهود الشرقيين بغاية دفعهم للهجرة إلى الغرب؛ حتى يتم سوقهم إلى فلسطين، ومن ثم اخترعت أسطورة المحرقة، وأخذت تبكي عليهم، وهي أشياء لم تحدث بتلك الشاكلة في التاريخ مطلقاً.
والصهيونية اليوم كما بالأمس تنصّب نفسها ناطقة باسم اليهود في العالم، وتبذل قصارى جهدها بغاية جمعهم في فلسطين من أجل استمرار رفد مشروعها الاستعماري، وهي إنما تعبر بشكل واضح عن الوجه اليهودي، وعما هو موجود في التوراة المتاحة بين أيدينا، والتي تعرضت مراراً وتكراراً للتغيير.
ويبقى الصراع في فلسطين اليوم يحمل طابعاً دينياً محدِّداً لكافة العوامل الأخرى المتباينة الأهمية والمفاعيل، رغم كل الصور التي حاول البعض تصوير الكيان الصهيوني فيها من خلال القول بوجود علمانيين أهدافهم اقتصادية لا غير، وهذا الأمر كان قد قيل في الحملة الصليبية الرابعة؛ دون إدراك كاف لطبيعتها بكونها حملة شاملة، حركتها أيدي الجميع بتفاوت رغبات دينية جارفة، وأسهمت فيها مطامع دنيوية مؤثرة بأن السلطة الزمنية أي الأمراء وقادة الجيش هي التي كانت صاحبة المصلحة في الحملة، وهو ما يقال اليوم بصورة معاكسة من أن الحاخامات هم أصحاب المشروع التوراتي العدواني التوسعي، وبالتالي إن مد اليد للعلمانيين الصهاينة، ومحاورتهم؛ سيضعف قوة الكيان وعدوانيته على اعتبار أن القوى العلمانية المفترضة تحمل آفاقاً مختلفة عما يطرحه المتدينون الصهاينة من الرغبة بإزاحة الإسلام كلياً عن المنطقة، وفي هذه الرؤية تجاهل تام لطبيعة النسيج المعقد الذي يحكم تكوينات اليهود في التاريخ والعالم، وفيه تجاهل للدور المركزي المقرر للعلمانية اليهودية بكافة أطيافها - وخاصة اليسارية - في إقامة الكيان الصهيوني على أرض فلسطين، والأدوار المتباينة التي تتخذها مركبات المشروع الصهيوني.(67/47)
والصهيونية تسعى اليوم كما سعت البابوية سابقاً إلى تطويق العالم الإسلامي بسبل شتى من خلال عقد التحالفات مع الدول التي تشكل طوقاً حول الأمة الإسلامية؛ مثلما تسعى إلى ضرب وحدة العالم الإسلامي من الداخل، وهي بالتالي تستخدم أدوات مختلفة، ولكن مشروعها الديني المتلبس بنظرة معينة لموقع الذات في الوجود، وارتباطه بغير وجه حق في تهويماتهم بالقدس هو الحاضر الحقيقي في الصراع، رغم الظواهر العديدة المثيرة للجدل، ومن الطبيعي أن نشاهد محاولات التضليل بشأن سير المعركة القائمة والتي عنوانها القدس، فالصليبون ضربوا القسطنطينية وعنوانهم القدس، والصهاينة حتى ولو كانت أعينهم متجهة صوب القطب الجنوبي فإن وجهتهم هي القدس.
مجلة المجاهد العدد396/ ومواقع: نداء القدس والقدس نيوز وقدس نت.
http://www.islamselect.com:المصدر
==============(67/48)
(67/49)
الاستغلال الديني للقدس بين الصليبية والصهيونية
أيمن خالد
القدس عنوان معاصر للمرحلة مثلما كانت عنواناً للمراحل التاريخية الهامة المتعاقبة عليها، وكما أن إخضاعها كلياً يعتبر مطلباً يهودياً فإن ذلك كان مطلب الإمبراطوريات التي مرت عليها عبر التاريخ، إذ كانت تعني القدس ولا تزال بوابة الهيمنة على الرقعة الجغرافية الأهم في الكون، هذه الجغرافيا التي تصل الشرق بالغرب، والشمال بالجنوب، بل وأكثر من ذلك فإنها تصل الماضي بالمستقبل بالحاضر المنبثق عن الأماني والتخيلات، فهي حاضرة منذ ما قبل التاريخ في أحلام الطغاة، ومستمرة بهذا القدر من الأهمية استمرار الحياة ذاتها، فالعالم ظل يتقبل زوال أي مدينة عن خريطة الكون، ويتقبل إجراء التحولات السياسية على مدنه المختلفة، لكن العالم لا يكون أفضل إلا عندما تكون القدس في أيدٍ أمينة، فهي بذلك تشكل ضمير الكون الحي، والمساس بها يتحول إلى شرور تطال ويلاتها كافة الأمم.
البابا أوربان الثاني أراد صناعة قيمة دينية للقدس في عقل مسيحيي اللاتين في الغرب، وأراد من خلال ذلك توجيه أوروبا الغارقة في الاقتتال الداخلي نحو الخارج لكي تخوض معاركها بأيدي فرسانها المختلفين والمتحاربين باستمرار، ولكن متفقون هذه المرة على عدو جديد صنعته الكنيسة في الأفق، حيث بالإمكان صب الأحقاد على المسلمين من جانب، وخلق حالة من الاستقرار والهدوء في أوروبا من جانب آخر.
فخروج الفرسان وأمراء الحروب من أوروبا سيتيح للكنيسة الفرصة التاريخية في إعادة سلطانها، وفرض هيبتها وسطوتها على شعوب القارة، وبعبارة أخرى لقد استخدم الرهبان اسم القدس ليس في تهدئة الحروب في داخل القارة ونقلها إلى عدو جديد استعدته الكنيسة، وإنما استخدم هذا العنوان أيضاً لتثبيت سلطة الكنيسة على القارة الأوروبية بأكملها، وليؤدي الرهبان فيما بعد دور الأباطرة في صناعة الحروب وقيادة الجيوش.
وهي قيمة لم تكن متاحة من قبل بما يرضي جشع وغرور الرهبان، خصوصاً وأن الفرسان كانوا قد سرقوا الكنائس أثناء اقتتالهم فيما مضى، وأصبحت خزائن الكنيسة بما فيها من كنوز يتناولها الفرسان في طريقهم أثناء تصفية الحسابات مع بعضهم البعض، وهو ما جعل الكنيسة تخشى على مستقبلها ومستقبل سطوتها في أوروبا، فأرادت إحياءً دينياً عاماً يعمل على إحاطة الكنيسة بهالة من القداسة من جديد، ويكسبها سلطاناً لا يستطيع الأمراء منافستها عليه، وهو الأمر الذي جعل أوروبا تتوحد وراء رجل الكنيسة الماكر أوربان الثاني الذي فتح حرباً استمرت لقرون عديدة قضى فيها مئات الآلاف من مسلمين وإفرنج، ولا تزال تداعيات تلك الحرب مستمرة حتى عصرنا الحالي.
الغرب وراء الأسوار:
تميزت تلك الحقبة الهامة من التاريخ برفع الأسوار ليس تلك التي كانت تحيط المدن والمشكلة من الحجارة فحسب، وإنما أسوار من نوع مختلف تميزت برفع جدار ثقافي هائل أرادت الكنيسة من خلاله منع التواصل الثقافي بين أوروبا والمسلمين، وهو أمر كانت بالأصل تمارسه الكنيسة، إنما سيكسب بعد اليوم بعداً جديداً بإضافة بحر من الدماء وظيفته عزل الغرب المسيحي ومنعه من التواصل مع الشرق الإسلامي، حتى لا ينال الوجه الغربي نصيبه من البشارة الإسلامية كما كان يحدث في أفريقيا والهند وغيرها آنذاك، حينما أخذ الإسلام يتحول إلى مكون ثقافي أساسي لتلك الشعوب التي بدأت بالتوجه نحو الإسلام، فاكسبها صبغة إسلامية، وأخرجها من ظلمات الجهل، وعصور الخرافة.
تلك الخرافة التي كان يجب أن تستمر لتبقى جزءاً من المكونات النفسية للإنسان الأوروبي حتى تسهل عملية قيادته واستمراره طيعاً للكنيسة، والتي كانت حتى نصوصها الدينية محظور على العامة تداولها أو قراءتها أو حتى معرفتها، حيث الكاهن يقرر ما يشاء، ويغفر لمن يشاء، ويعاقب من يشاء.
وكان أن عمل أوربان الثاني منذ مجيئه بالسير على خطوات سلفه فيما كان يعرف من إرسال أفواج الحجيج إلى بيت المقدس وهو حجيج غير موجود في صميم المسيحية، وتمت صناعته مؤخراً لأسباب عديدة كان الرومان يهدفون منه إلى إرسال الأعين، والاستمرار في مراقبة جيوش المسلمين التي كان همها على الدوام انتزاع القسطنطينية، والتي كانت بوابة الحرب على المنطقة العربية منذ نشأة الإمبراطورية الرومانية إلى أن فتحت أبوابها للمسلمين فيما بعد فحمتهم من الاندفاع الأوروبي عبر البر.
وأما اللاتين فكان الحج عندهم لغايات مختلفة حيث بعد المسافة، واضطرار قوافل الحج للعبور في أماكن وعرة يكثر فيها قطاع الطرق - سمة أوروبا تلك الأزمنة - والأمطار والثلوج، ريثما يصلون إلى القسطنطينية، حيث يصبح العبور إلى العالم الإسلامي متاحاً بيسر، فغاية الحج عند اللاتين كانت الخلاص من المجرمين والقتلة حيث كانت تفرض عليهم الكنيسة الذهاب في هذا المسير الشاق بحجة غفران ذنوبهم لافتقار الكنيسة للتشريع والقوانين الواضحة في صياغة المعاملات، وبالتالي قلما كانوا ينجون من القبائل التي تمارس الغزو والسلب، وهي قبائل كانت تحدث تأثيراً حتى لدى بعض الدول الأوروبية فكيف بسطوتها على قوافل صغيرة ممن يسمون بالحجاج.(67/50)
كان من غير الممكن لدى الكنيسة أن تعمل على تجيش الجيوش، وشن الحرب على الإسلام لشعارات دنيوية فحسب، بينما واقع الأمر يقول أن الفرسان والأمراء كانوا في راحة تامة في حروبهم وسلبهم داخل أوروبا إذا ما قيس بحجم المخاطرة في الشرق، حيث مات عشرات الألوف قبل أن يرو شمس الشرق، ولولا المحفزات الدينية من ترهيب وترغيب لما أمكن دفع تلك الجيوش، خصوصاً أن حجم العقاب كان كبيراً على الذين رفضوا الخروج، فهم كانوا تحت وطأة ما تسميه الكنيسة بالحرمان الكنسي، بمعنى أن الكنيسة لا تغفر له مطلقاً، ولا يغفر الله لهم في السماوات، وهو وفق مسيحية بولس - يعني الهرطقة - مما يستوجب صاحبها في الأرض الموت حرقاً.
الصهيونية على ذات الخطى:
لهذا فإن التصعيد الديني كان الهدف منه هو سوق الناس باتجاه القدس، وإذا كانت الكنيسة قد وحدت الأطراف المتناقضة في أوروبا من خلال رفع شعار استرداد القدس؛ فإن الصهيونية وجدت في استخدام اسم القدس الوسيلة الأهم، ومحفزاً على جمع شتات اليهود لما تشكله القدس من حضور في التاريخ الإنساني العام، وفي التاريخ اليهودي المدعى، وما تحمله من أهمية ودلالات.
فأسقطت الصهيونية أسطورة أرض الميعاد وغير ذلك على المدينة وهو أمر لم يكن بجديد، ففكرة أرض إسرائيل وأرض الميعاد قديمة، وعندما غزا الأوروبيون أمريكا - وبالذات البروتستانت - بعد أن استدل كولومبس عليها اعتقدوا أنهم وجدوا أرض الميعاد التي وعد بها الرب بحسب التوراة الحالية، وكانت أمريكا بالنسبة لهم هي أرض إسرائيل، ولم تكن في حينها قد طرحت مشكلة اليهود في أوروبا، وكيفية الخلاص منهم.
وعندما جاء الاحتلال الصهيوني إلى فلسطين برزت أهمية القدس بالنسبة لليهود، وبدأ الترويج الصهيوني لأهميتها، بل إن المتتبع لسير الاستيطان الصهيوني يشاهد أولى المستوطنات قد أنشئت على مقربة من جدران مدينة القدس، وعندما دخل الاستعمار البريطاني إلى فلسطين كان أول ما أقدم عليه الصهاينة بالتعاون مع الإنجليز عام 1918 هو بناء الجامعة العبرية في القدس بغاية جذب الطلبة اليهود إلى هذه المدينة، ناهيك عن أن هذا الصرح الذي يفترض أنه صرح علمي قد عمل منذ إنشائه على تزوير الحقائق الجغرافية والتاريخية للمنطقة، فأعادت النخبة الصهيونية المثقفة تكريس أطماع الحاخامات في القدس، والعمل على الإعلاء من شأنها بالنسبة لليهود بغاية حشدهم في فلسطين، فوجدت الحركة الصهيونية في جمع اليهود تحت المظلة الدينية يعطي دفعاً قوياً لعملية الاستيطان، والتي كانت جوهر المسألة، وغاية الأمر بالنسبة للصهيونية.
القدس بين مرحلتين:
الظروف السياسية التي دخل بها الصهاينة لمدينة القدس مشابهة تماماً للظروف التي دخل بها الصليبيون، بل إن الصهاينة وجدوا في دخولهم إلى فلسطين سهولة ويسراً لم يتح من قبل للصليبيين الذين قطعوا مسافات شاسعة، وفقدوا عشرات الآلاف في الطريق قبل وصولهم إليها، فقد جاءت للصهاينة على طبق من ذهب، ولم يشعروا بعناء يذكر في احتلالهم لها.
الحالة السياسية التي سبقت مجيء الصليبيين تميزت بوجود تمزق كبير في صفوف الأمة الإسلامية وانقسامها، وبرز أوج هذا الانقسام حول القدس ذاتها، حيث أخذ الفاطميون بإشعال نار الفتنة، وقاموا باحتلال القدس من السلاجقة المسلمين الذين كانوا يرفعون علم الدولة العباسية، وحدث ذلك أثناء حرب السلاجقة المسلمين ضد الغزو الصليبي في أقاصي الشمال في إنطاكية، إذ اعتقد الفاطميون أن امتلاك القدس سيمنحهم الفرصة على المساومة وهي ما تمت فيما بعد ولكنها مساومة بشروط الغزاة، حيث تركت حامية الفاطميين المدينة مقابل سلامتها، وذبح الصليبيون أهل القدس دون رحمة ليكون ذلك نتاج أول مساومة على القدس منذ ارتدائها ثوبها الإسلامي.
الصهاينة اليوم يدركون قيمة القدس ودلالتها بالنسبة للمسلمين، ويدركون أن مشروعهم الاستعماري إنما يطول أمده إن تمكنوا من إخضاع القدس كلياً لما يعنيه ذلك من استمرار تفتت المسلمين، وضعف قواهم وبالذات الدينية، حيث يستوجب الإسلام أن لا تبقى القدس لحظة واحدة بيد اليهود، ولما يساوم العرب والمسلمون ويقبلون ببقائها تحت الاحتلال فإنما يعني ذلك بحد ذاته هزيمة لهم أمام تنامي المشروع الصهيوني والذي يرى في السيطرة على القدس اكتمالاً له، وهزيمة للأمة الإسلامية.
عنوان المواجهة المقبلة:(67/51)
يعتقد الصهاينة أن انحسار القيمة الدينية للقدس في العصور الصليبية هو ما أدى إلى نهاية المشروع الصليبي في فلسطين، وهم اليوم يثيرون هذا الأمر في كافة أطيافهم السياسية، فالأحزاب الصهيونية المتطرفة، وتلك التي تدّعي العلمانية، وصولاً للأحزاب اليسارية، وحتى تلك التي تدّعي السلام؛ كلها أحزاب وضعت عنوانها في الاستمرار في تهويد القدس، وانتزاعها من أيدي المسلمين، وبهذا فإن القدس هي عنوان المواجهة الحالية والمستقبلية، وإذا كان اليهود قد أدركوا قيمة القدس فبدؤوا بجمع شتاتهم من خلالها، فإنه من باب أولى أن يدرك المسلمون اليوم قيمة القدس وأهميتها بالنسبة للعرب والمسلمين، إذ بوجودها حرة من رجس الصهاينة فإن الأمة بخير، وما دون ذلك فإن الأمة تزداد ضعفاً وتمزقاً.
إن خشية اليهود من انحسار دور القدس يجعلهم يستمرون في تصعيد صراعهم من خلال الهجمة عليها، لأن ذلك يعني استمرار انتعاش المشروع الصهيوني، واستمرار بقاء الأطياف الصهيونية موحدة حول هدف واحد، يرى الصهاينة فيه سفينة الخلاص والنجاة.
سبق نشر النص في مجلة المجاهد، وموقع نداء القدس، والقدس نيوز.
http://www.islamselect.comالمصدر:
=============(67/52)
(67/53)
فلسطين بين المشروع الصليبي والمشروع الصهيوني
النبوءة في الحقبة الصليبية
أيمن خالد
الإمبراطور الروماني هرقل والذي يعتبر من أبرز العارفين بالمسيحية، وأحد أهم الأباطرة الذين حكموا الدولة الرومانية - التي أدخلت المسيحية إلى أوروبا - كان أول من رسم الحدود السياسية للعالم المسيحي خارج نطاق الجغرافيا العربية والإسلامية، ولم تنكر عليه الكنيسة أو أحد من الرهبان الذين عايشوا حقبته ذلك الفعل، حدث هذا في أثناء الوداع الأخير الذي تحمله سجلات التاريخ وكتبه عندما وقف في إنطاكية ليعلن من هناك قولته الشهيرة: «عليك السلام يا سورية سلام مودع لا يرجو أن يرجع إليك أبداً»، وكانت سورية تعني بلاد الشام.
وتبدو أهمية ذلك الوداع والذي رسم فيه هذا الإمبراطور الروماني تلك الحدود لكونه هو الذي يعتبر ناصر المسيحية، ومسترد صليب المسيح حسب اعتقاد رهبان المسيحية عندئذ من الفرس، وهو الذي حارب المسلمين الذين كان ظهورهم عملياً في حقبته، خاصة وأنه كان على دراية تامة بالديانة المسيحية آنذاك، وهو الذي تنبأ بانهيار دولته، ووصول الإسلام إلى الشام حيث كانت تطأ قدماه ترابها، وذلك في حواره الشهير مع الرهبان لحظة وصول رسول النبي صلى الله عليه وسلم برسالته الشهيرة إليه.
عموماً هذا الوداع لم ينكره عليه أحد لمعرفة رجال الكنيسة آنذاك أن وجود الرومان في الأرض العربية هو طارئ، وليست هناك أية أبعاد دينية له، بمعنى أن المكان الذي ولد فيه المسيح - عليه السلام - لا يحمل دلالة أو مبرراً لأن يكون تحت سيطرة الكنيسة، ولا يعني أن يكون جزءاً من الجغرافيا السياسية التي تنازعها الدول وفق أساس ومعتقد ديني، وهو الذي اخترعته الصليبية فيما بعد حيث أرادت رسم الجغرافيا المسيحية لتكون فوق الأرض الإسلامية، وذلك بعد أحد عشر قرناً من عمر المسيحية، متجاهلة حقيقة دينية وتاريخية أن المسلمين هم أولى الناس بالمسيح - عليه السلام -، وأن القرآن الكريم كتاب الله - عز وجل - ووحيه الأخير، والذي يؤمن به المسلمون؛ هو أول من أعطاه وأمه مريم مكانة طاهرة لم يحصل عليها هو ولا أمه داخل المسيحية المتاحة الآن، إذ رفعته المسيحية إلى درجة التأليه، والمعلوم في دين الله أن أرفع الدرجات أن يكون الإنسان عبداً لربه، وهذا هو تكريمه في الدنيا.
بنتيجة الأمر فإن تلك حقبة مضت، ومع مجيء «أوربان» تم إعادة رسم الخريطة الدينية للمسيحية من جديد، فوضعت الكنيسة خطط السير إلى القدس ليكون ذلك في مواجهة الإسلام بغية إزاحته عن خريطة الكون، وهذه الفلسفة وجدت لها أرضية لدى الرهبان، والذين كانوا يشيعون منذ بولس أن الكون إنما سينتهي عند انتصار المسيحية على جميع من فيه، متوجة بنبوءة الخلاص التي تفترض أن المسيح سينزل عند حدوث ذلك، وكان القديس أوغسطين قد اخترع فيما بعد فكرة الحرب العادلة لكي يبرر حاجة الفرسان والأمراء لتلك الرؤية للاقتتال بغاية النهب، ثم أصبح ذلك تشريعاً ملزماً في الكنيسة، وعندما جاء «أوربان» استفاد كثيراً من هذا التشريع، وكان عليه أن يقدم العديد من الإضافات، ووجد الطريق خالية لكي يكرس خاصية جديدة، وأسلوباً يناسب الحالة الراهنة آنذاك في أوروبا، بما يساهم في سوق الناس نحو الحروب.
وهكذا جاء تكريس ما سمي بالنبوءات لتحقيق هذه الغاية، فأصبحت فكرة الخلاص ونزول المسيح مقترنة بشكل أو بآخر بالحرب على المسلمين، وأصبح الغفران ونزول المسيح الثاني بانتظار هذا الجيش الجرار الذي سيغادر أوروبا نحو القدس، ولما لم تكن هناك نصوص تاريخية ثابتة وواضحة تحث على قتال المسلمين، خصوصاً وأن الإسلام إنما ظهر في القرن السابع الميلادي؛ فكان لا بد من اختراع ما يناسب ارتكاب الجريمة بحق الإسلام، وبذات الوقت يناسب العقل الأوروبي المغلق في تلك الحقبة، فظهرت فكرة النبوءات المنامية، والتي كان الرهبان يرونها في أثناء النوم، وهكذا تصبح هذه الرؤية المنامية نوعاً من التشريع، وهي بدورها ملزمة لجمهور المسيحية، حيث كان عليهم تصديقها والسير وراءها، وبدأ التحضير مجدداً لغزو أرض فلسطين، والتي مرت عليها كل إمبراطوريات العالم القديم مروراً، ولكنها لم تفتح أحضانها إلا للمسلمين الذين لم يسكبوا دماً إلاّ لمنع نزيف الدم ذاته، وكانت للقدس دلالة مهمة في شرعهم منذ البدء، وكان لها احترام ومكانة خاصة بوصفها مسرى الرسول صلى الله عليه وسلم ومعراجه.
التحريض للاغتصاب:(67/54)
كان البابا يعمل على إحاطة فكرة اغتصاب فلسطين ومقاتلة المسلمين بهالة من القداسة، حيث كان الرهبان لا يفتؤون يكذبون ويخترعون القصص التي شاهدوها أثناء النوم، والتي تؤكد لهم أن السير في الحملة هي إرادة ربانية وليست إرادة بشرية، ووصل الأمر إلى الادعاء بظهور المسيح - عليه السلام - ومريم والقديسين، وغير ذلك من الدلالات السماوية التي تنبئ بمعركة الصليبيين المقبلة ضد المسلمين، وبمتابعة ما كتبه المؤرخ الألماني «إيكهارد» وهو راهب وصاحب كنيسة، حيث كتب في مطلع القرن الثاني عشر في معرض حديثه عن المعجزات في عام 1096، فادعى من بينها مشاهدة فارسين يتقاتلان في السماء أحدهما يحمل الصليب وهو الذي ينتصر، وأما أغرب ما كان في ذلك فهو الادعاء بسقوط شهادات من السماء مكتوبة بخط الرب، ويعلن فيها الرب عن عزمه في حماية الفرسان المتجهين نحو القدس، وكان «إيكهارد» بدوره قد ادعى أنه أمسك إحدى هذه الأوراق بيديه، ثم ظهر بطرس الناسك والذي أخذ يعرض إحدى الرسائل المكتوبة ويدعي أنه تلقاها من الرب، وطالبه فيها بتحرير القدس، وكان يدعي أيضاً أن الرب الخالق ظهر له بذاته في المنام، وأمره بهذا الفعل.
وأما أوربان فكان قد سبقهم في ذلك عندما تحدث في «كليرمون» قائلاً: ".. هكذا أمر يسوع المسيح"، ثم هتف الرهبان من ورائه إنها إرادة الرب.
نبوءات مستمرة:
ما ميز تلك الحقبة من التحضير للحرب هو ظهور عدد كبير من أصحاب الرؤى والمتنبئين من بين الرهبان، والذين عملوا على تغيير وعي الناس وصرفهم نحو أمور هم يريدونها، ما جعل الحملة تأخذ في مختلف مراحلها تصعيداً دينياً خطيراً، واستعداءً كبيراً للمسلمين، والذين ذُبحوا في مختلف أماكن الغزو بشكل بشع، فالمسلمون سبق وأن خاضوا معارك كثيرة مع الرومان وغيرهم ممن حملوا المعتقدات المسيحية، وذلك خلال أربعمائة سنة مضت لاعتبارات عديدة، إلاّ أن الوحشية التي جاء بها أوربان وبطرس الناسك لم يعرف لها التاريخ مثيلاً، إذ استباح الرهبان أكل لحوم الأطفال المسلمين، وحرقهم أحياء، واستباحة كل ما هو لهم، وعندما كانت تصل الأخبار إلى البابا كان يمنح الغفران على مرتكبي تلك الجرائم، مما جعل ذلك الشذوذ عن الفطرة الإنسانية أمراً يجد قبولاً على الدوام.
وحيث كانت الحرب تسير كانت النبوءات، ففي معركة إنطاكية وعندما بدأت عمليات الفرار نتيجة ضغط المسلمين الشديد على المدينة؛ كان على الصليبيين إعادة اكتشاف قصة النبوءات من أجل درء الخيبة، ومحاولة استجماع قوى العسكر من جديد، بعدما دخل اليأس إلى نفوسهم، فظهرت قصة الحربة المقدسة، وهي أكذوبة نسجها الأمراء مع أحد الصليبيين الذي دفن قطعة حديدية قديمة، وادعى أن رسولاً جاء إليه في المنام يبلغه بأنها ذات الحربة التي «قُتل» فيها المسيح - عليه السلام -، وأن العثور على هذه الحربة هو مبشر بالنصر، وأدى ذلك إلى حالة الهيجان والاندفاع الجنوني في مواجهة المسلمين، واستمرت الخزعبلات التي يرويها الرهبان المعتوهين، حيث وجدوا من خلالها وسيلة مناسبة للاستمرار في سوق جماهير العامة، ولكن عندما وصل الصليبيون إلى القدس لم ينزل المسيح المنتظر، ونسي الرهبان قصة نزوله لتصبح هذه الرؤية وهذه القصة متاحة في أوقات أخرى، يبدأ فيه الاستحضار لهذه المشاهد الدينية يجد من يستمع إليه.
المسيح من جديد:
عندما أطلت البروتستانتية في أوروبا، ووجد زعيمهاً دعماً من العقل اليهودي متعدد الأوجه، اكتشف بدوره عودة جديدة للمسيح في أرض فلسطين، وصولاً إلى إعلان البروتستانت لفكرة «العودة المزعومة لليهود إلى أرض فلسطين»، وهذا الأمر لم يكن من اختراع البروتستانتية لوحدها من خلال تفسيراته الخاصة للإنجيل، إضافة إلى التوراة، والتي أدخلها البروتستانت إلى العقل الأوروبي، وإنما أصل الفكرة تسللت من العقل اليهودي الخبيث، والذي وجد الفرصة مناسبة في ألمانيا، حيث كانت الصراعات على أشدها، وكان الكثير من الملوك والأمراء قد ملّوا سطوة البابا وجشعه، فجاء احتضان البروتستانتية كعامل مساعد في مواجهة البابا، وهنا دخل العبث اليهودي، وأدى إلى اللعب بالعقل الأوروبي، فتحول اليهود من قتلة للمسيح وفق معتقد الكنائس طوال القرون الماضية إلى«شعب الله المختار» الذي تجب مساعدته في العودة إلى فلسطين.
إن نظرة على واقع الحال تلك تكشف أن العقل البروتستانتي عندما كرس تلك المقولات إنما كان يعمل بدسائس من اليهود، والذين لم يكونوا ينتظرون هجرة نحو فلسطين كما هو بادٍ لاستحالة تمكنهم من إحداث كيان لهم بين المسلمين، بل إن الفكرة كلها لم تكن تصل إلى إقامة دولة يهودية، ولكن كره اليهود وحقدهم على الإسلام هو ما كان وراء ذلك، فبعد أن فشلت الكنيسة الكاثوليكية في حربها على الإسلام، وبعد أن توجه الأوروبيون نحو الاكتشافات بعيداً عن الجغرافيا العربية، كانت فكرة اليهود إعادة إحياء مقاتلة الإسلام، وبالتالي برزت البروتستانتية لتعلن نفسها وصية على اليهود في تحقيق ذلك.
المسيح الذي لم ينزل:(67/55)
وهكذا فقد تم تدمير الخلافة الإسلامية، وتصفية رمزها، وتم احتلال معظم أرجاء العرب وخاصة فلسطين، وإخضاع المسلمين في العالم على يد الإنجليز البروتستانت، ووقف الجنرال «اللنبي» في فلسطين ليعلن نهاية الحروب الصليبية، ولكن المسيح أيضاً لم ينزل، وصولاً إلى ما بتنا اليوم نستمع إليه من أن المسيح سينزل عندما يتم هدم المسجد الأقصى بالكامل، وبناء هيكل اليهود المزعوم على أنقاضه.
إن المسألة برمتها لا يقبلها عقل بالمطلق، فماذا ينتظر المسيح حتى ينزل على الأرض وفقاً لتلك المعتقدات، فالمطلوب هو غير ذلك تماماً، والمسيح بريء من كل هذا، المطلوب هو أولاً وأخيراً تدمير الإسلام، وإذلال المسلمين من خلال استباحة أماكنهم الدينية ومساجدهم، وبالذات قبلتهم الأولى المتمثلة في المسجد الأقصى، لكن أغرب ما في الأمر أن المسيح - عليه السلام - ووفقاً للمعتقدات الكنسية ذاتها جاء إلى الأرض حاملاً رسالة السلام، ولكن الرهبان جعلوه يمتشق سيفاً كبيراً، ويأخذ على عاتقه قتل أولى الناس به الذين آمنوا بنبوته وبما جاء به من وحي، وطهروه وأمه وجعلوهما فوق كل شبهة، واليوم يقدس الرهبان هؤلاء اليهود الذين يصفون المسيح - عليه السلام - بأقذر الأوصاف التي لا تليق بنبي ولا حتى بشر، فأية نبوءة تصل إلى هذا القدر من الإساءة للمسيح - عليه السلام -.
ملاحظة: النص نشر في مجلة المجاهد، وأيضاً على موقع نداء القدس على الانترنت.
http://www.islamselect.comالمصدر :
=============(67/56)
(67/57)
الصليبية العالمية وتاريخ الجهل والضلال
مجدي إبراهيم محرم
الحرب على أشدها يا سادتي الكرام هم على أبوابنا يجلسون وفي بيوتنا يسكنون ومن نفطنا وأرزاقنا يغرفون ويسرقون وبين أولادنا يخططون ويدمرون وفي أحلامنا يعششون ويوسوسون الحرب على أشدها وأنتم على وسائدكم نائمون وفي غياهب الظلام تحلمون وتبطنون أيها السادة:
إنهم يقذفوننا بالحجارة وبيوتهم من زجاج ويهاجموننا ومنازلهم من ورق يرددون علينا بأنهم أبناء العهد القديم والعهد الجديد ونحن يا سادة أبناء العهد والوعد الأخير والأكيد تعالوا معي يا قراء لتتأملوا الصليبية العالمية وتاريخ الجهل والضلال!!!!
و لننظر بعضا من التاريخ الأسود للكنيسة مع النصارى أنفسهم …
إنهم يحدثوننا ويهاجموننا بأننا الظلاميون والرجعيون والمتخلفون بالرغم أننا علمناهم الحوار والمنطق واستخدام العقل ونقلوا عنا كتاباتنا
وإنني أسأل الصليبيين الجدد وأتباعهم
في القرن الرابع الميلادي عارض آريوس القول بإلوهية المسيح ….
ماذا كان رد الفعل؟؟؟!!!!
وماذا فعلوا معه وهم الذين أعدموا جاليليو وقاتلوا ابن رشد وسفهوا من علم المسلمين وعلمائهم
لقد أدانوا أريوس و احراق كتاباته وقاموا بتحريم اقتنائها و إعدام كل من أخفى هذه الكتابات!!!!
فما قولك أيها الصليبي الذي اتخذ من أسم أحد الصحابة الكرام - رضي الله عنهم - وأرضاهم حتى تكتب عن علماء المسلمين كالقرضاوي ولشعراوي والغزالي لتمجد كاهنك الذي اشترك في مجلس الصلبان الأعلى ليقر ما حدث من مذابح للمسلمين في البوسنة
وليقر الاعتداء على المسلمات بالاعتداء عليهم جنسيا في سراييفو وكل ذنبهم أنهن مسلمات فهل هذه حقوق الإنسان وهل يقر بما فعلوا المسيح العظيم
إن المسيح الذي يعبدونه من دون الله بريء منهم وبريء من شاؤوليتكم
ثم في عهد تيودوسيوس ظهرت محاكم التفتيش التي تم تنظيمها فيما بعد في القرن الثاني عشر و كان أعضاؤها من الرهبان …
ماذا كانت وظيفتهم؟؟؟!!!
إنها اكتشاف المخالفين في العقيدة … و ما أدراكم بما يحدث لمن يتم اكتشافه …. !!!
وعلى يد أولئك الرهبان قتل وحرق وعذب الآلاف لأنهم في نظر الكنيسة هراطقة!!!
و من أشهر ضحايا هذه الأساليب (( بنيامين كبير أساقفة مصر ))
الذي قاموا بتسليط الشموع على جسده و خلعوا أسنانه ثم رموا بجسده الملتهب بعد أن صهروا دهون جسده في المياه المالحة.
وقد أحيق به هذا فقط لرفضه الخضوع لقرارات ((مجمع خلقدونية)) الذي قال بأن للمسيح طبيعتين …. فما بالكم لو كان مسلماً؟!!
وما رأيكم في حرية الفكر والعقيدة عند الصليبيين يا من تعترضون على إقامة الحدود في الإسلام وقد نزلت بها النصوص أم أن هذه المرحلة هي ما بعد القرآن وكفى!!
ثم من أشهر المذابح بين النصارى و فرقهم المختلفة التي تكفر كل منهم الأخرى:
قتل الكاثوليك ما يزيد عن 000 230 بروتستانتي حرقا بالنار في ممالك أوروبا.. و في فرنسا قتل في يوم واحد 30000 بروتستانتي
و في كالابريا الايطالية قتل مئات الألوف عام 1560 م و قتل كارلوس الخامس 000 500 بروتستانتى بأمر البابا
ثم قتل ابنه فيلبس 000 36 مسيحي بروتستانتي
ثم انتقم منهم البروتستانت فأصدروا هذه القوانين:
* لا يرث كاثوليكي تركة أبواه
* الكاثوليكي يدفع ضعف الخراج
* لا يعمل الكاثوليك بالتعليم
* من يرسل ابنه منهم للتعليم خارج بريطانيا يقتل هو وولده
* لا يعطى لهم منصب في الدولة
هذا بعض من مجموعة كبيرة من القوانين التي صدرت ضد الكاثوليك في بريطانيا …
فكان البروتستانت يقتلون علماء الكاثوليك و يحرقون كنائسهم.
فهذا بعض من كل هذا التاريخ الدموي القذر والجهل المتقع ثم ينسبونها لله …!!!
أما عن أسباب التفرقة العنصرية فأسبابه ترجع إلى:
**** كان بنو نوح الذين خرجوا من الفلك ساما وحاما ويافث.
وحام هو أبو كنعان.
**** هؤلاء الثلاثة هم بنو نوح. ومن هؤلاء تشعبت كل الأرض
**** وابتدأ نوح يكون فلاحا وغرس كرما.
**** وشرب من الخمر فسكر وتعرّى داخل خبائه.
**** فأبصر حام أبو كنعان عورة أبيه وأخبر أخويه خارجا.
**** فأخذ سام ويافث الرداء ووضعاه على أكتافهما ومشيا إلى الوراء وسترا عورة أبيهما ووجهاهما إلى الوراء. فلم يبصرا عورة أبيهما.
**** فلما استيقظ نوح من خمره علم ما فعل به ابنه الصغير.
**** فقال ملعون كنعان.
عبد العبيد يكون لإخوته!!
* وقال مبارك الرب اله سام.
وليكن كنعان عبدا لهم !!
((تأملوا الجهل؟؟))
* ليفتح الله ليافث فيسكن في مساكن سام.
وليكن كنعان عبدا لهم
فكتاب الصليبيين لا يكتفي بوصف نبي الله نوح بشرب الخمر و التعري فقط!!!
بل كان له أن يسير على نفس النهج من التعصب والتطرف وأيضاً التفرقة العنصرية ضد السود... !!!!!!!!!
(هل فهمنا الآن سر العداوة العنصرية التي شنها البيض الأوربيون ضد السود الأفارقة؟؟!!)
إنه الكتاب الذي يسمونه مقدسا!!!!
هل تعلمون أن هذا النص المنحرف والمحرف كان ضمن دستور حكومة جنوب إفريقيا العنصرية؟!!!!!(67/58)
وهذه البشاعة غير الآدمية تجدها أيضاً قد تمثلت في الإبادة السوفيتية لشعبي التركستان الغربية والشرقية حيث تناقص عددهم من 44 مليوناً من المسلمين إلى 26 مليوناً فقط. !!!!!
يوضح أحد من نجا من هذه المذابح الأستاذ (عيسى يوسف آلب تكين) في كتابه (المسلمون وراء الستار الحديدي)عن صور من التعذيب والقتل... منها:
1- دق مسامير طويلة في الرأس حتى تصل إلى المخ.
2- إحراق المسجون بعد صب البترول عليه وإشعال النار فيه.
3- جعل المسجون هدفاً لرصاص الجنود يتمرنون عليه.
4- حبس المسجونين في سجون لا ينفذ إليها هواء ولا نور، وتجويعهم إلى أن يموتوا.
5- وضع خوذات معدنية على الرأس وإمرار التيار الكهربائي فيها.
6- ربط الرأس في طرف آلة ميكانيكية وباقي الجسم في ماكينة أخرى، ثم تُدار كل من الماكينتين في اتجاهات متضادة، فتعمل كل واحدة مقتربة من أختها حيناً ومبتعدة حيناً آخر حتى يتمدد الجزء من الجسم الذي بين الآلتين، فإما أن يُقر المعذب أو أن يموت.
7- كىُّ كل عضو من أعضاء الجسم بقطعة من الحديد مسخنة إلى درجة الإحمرار.
8- صبُّ زيت مغلي على جسم المعذَّب.
9- دق مسمار حديدي أو إبر الجراموفون في الجسم.
10- تسمير الأظافر بمسمار حديدي يخرج من الجانب الآخر.
11- ربط المسجون على سرير ربطاً محكماً ثم تركه لأيام عديدة.
12- إجبار المسجون على أن ينام عارياً فوق قطعة من الثلج أيام الشتاء.
13- نتف كتل من شعر الرأس بعنف، مما يسبب اقتلاع جزء من جلد الرأس.
14- تمشيط جسم المسجون بأمشاط حديدية حادة.
15- صب المواد الحارقة والكاوية في فم المسجونين وأنوفهم وعيونهم بعد ربطهم ربطاً محكماً.
16- وضع صخرة على ظهر المسجون بعد أن توثق يداه إلى ظهره.
17- ربط يدي المسجون وتعليقه بهما إلى السقف وتركه ليلة كاملة أو أكثر.
18- ضرب أجزاء الجسم بعصا فيها مسامير حادة.
19- ضرب الجسم بالكرباج حتى يُدميه، ثم يقطع الجسم إلى قطع بالسيف أو بالسكين.
20- إحداث ثقب في الجسم وإدخال حبل ذي عقد واستعماله بعد يومين كمنشار لتقطيع قطع من أطراف الجرح المتآكل.
21- ولكي يضمنوا أن يظل المسجون واقفاً على قدميه طويلاً، يلجأون إلى تسمير أذنيه في الجدار.
22- خياطة أصابع اليدين والرجلين وشبك بعضهما إلى بعض.
23- وضع المسجون في برميل مملوء بالماء في فصل الشتاء.
24- أما بالنسبة لما كانوا يحدثونه بالنساء فحدِّث ولا حرج.
ولعل ما حدث ويحدث في سجون العراق وفلسطين وأفغانستان وجوانتنامو وأبو غريب لأكبر دليل على سفالة وحقارة الصليبيون الجدد
إنهم يجب أن يعلموا أنه مهما إرتفع صوت الظلم فإنه سيأتي اليوم الذي ينتصر الحق
http://al-shaab.o r g المصدر:
==============(67/59)
(67/60)
حرب صليبية على الجبهة الثقافية
قررت هيئة الإذاعة البريطانية بي. بي. سي إطلاق قناة فضائية عربية موجهة إلى العالم العربي، ولتوفير النفقات قررت الإذاعة إغلاق عشر إذاعات دولية كانت موجهة لدول أوروبا الشرقية!!
التعليق
أن تعلن المملكة المتحدة نيتها في إطلاق قناة فضائية باللغة العربية موجهة إلى الجماهير العربية فهذا يعني أن تفكيرًا عميقًا كان وراء هذا القرار، وأن هناك أسبابًا كثيرة تقف خلفه، فالمملكة المتحدة 'بريطانيا' ليست لديها أموال فائضة حتى تفعل هذا الأمر لو لم يكن مهمًا وجوهريًا وحيويًا.
على كل حال فإن إطلاق هذه القناة قد دخل بالفعل حيز التنفيذ، فالأموال والميزانيات رصدت، والبحث عن كوادر إعلامية قادرة على تقديم بث متميز قد بدأ، بل إنه تم إغلاق عشر إذاعات كانت تبثها هيئة الإذاعة البريطانية بي. بي. سي إلى دول أوروبا الشرقية لتحويل نفقات هذه الإذاعات إلى ميزانية القناة الفضائية العربية التي من المتوقع أن تبدأ بثها بعد حوالي عام واحد. ولعل الخبر نفسه يحمل دلالاته الموضوعية، فإغلاق إذاعات موجهة إلى أوروبا الشرقية والدول الشيوعية، والاتجاه نحو مخاطبة الشعوب العربية يعني أن الحرب الثقافية قد انتهت على جبهة الصراع مع الفكرة الشيوعية وبدأت على جبهة الصراع مع الثقافة الإسلامية، ومن المعروف أن الحرب الإعلامية أو الحرب على الجبهة الإعلامية هي نصف الانتصار كما يقول خبراء الصراع الاستراتيجي، وكانت الولايات المتحدة قد خصصت ميزانيات وأطلقت إذاعات وقنوات فضائية لهذا الغرض، مثل إذاعة 'سوا' وقناة 'الحرة' ولكن أثرها كان ضعيفًا في تمرير السياسات الأمريكية والثقافة الغربية، بل نكاد نقول: إن الفضائيات العربية لا تزال متقدمة عليها في هذا الصدد، ومن هنا تم اللجوء إلى الخبرة الإنجليزية العريقة.
والحقيقي أن إذاعة بي. بي. سي الناطقة بالعربية ناجحة إلى حد كبير، وهذا يجعلنا ندرك أنه من الممكن أن يكون لتلك القناة الفضائية التي أطلقتها هيئة الإذاعة البريطانية باللغة العربية أثر كبير، وهذا خطير بالفعل، ولكن مهما كانت حِرفية وأداء مثل تلك الأدوات الإعلامية، فإن الحقائق على الأرض، والممارسات الصهيونية والأمريكية والإنجليزية سوف تنسف منطق هذا الإعلام نسفًا، المهم في الموضوع أن تلك القناة لن تكون موجهة فقط للعرب المقيمين في أوروبا وأمريكا مثلاً، بل إلى الشعوب العربية في المنطقة، أي إنها جزء من الحرب الثقافية بين الإسلام والغرب، وهي حرب تأخذ أشكالاً كثيرة منها احتلال فلسطين وأفغانستان والعراق، ومنها الضغط بما يسمى بحقوق الأقليات، ومنها الضغط لتجديد الفكر الديني وتقليص مساحة التعليم الديني...وغيرها من الأمور، وبالطبع منها الحرب الإعلامية وإنشاء الإذاعات والقنوات الفضائية.
3 شوال 1426هـ 5 نوفمبر 2005م
http://www.islammemo.cc المصدر:
===============(67/61)
(67/62)
حرب صليبية جديدة
هل ما يجري في فرنسا هذه الأيام هو محاربة للحجاب الإسلامي فقط؟ أم هو محاكمة للإسلام نفسه وحرب صليبية جديدة؟ إن قضية الطالبة التي رفضوا تسجيلها في المدرسة بسبب الحجاب، والطالبات اللاتي أبعدن من المدرسة بسبب الحجاب، لازالت هذه القضية مثار جدل واسع في أوساط المجتمع الفرنسي والصحافة الفرنسية، وعلى مستوى الدولة كذلك.
قالت صحيفة (لوبوان): » إذا أرادت فرنسا أن تحافظ على علمانية المدرسة وعلمانية الدولة فإنها لا تستطيع أن تؤخر طويلاً حل الإشكالات الدينية التي يثيرها حضور الإسلام في الغرب «.
وعلى مستوى الدولة شهد البرلمان الفرنسي جلسة صاخبة ناقش فيها النواب موضوع الحجاب الإسلامي وانقسموا ما بين معارض وبين من يعتبره تصرفاً تابعاً للحرية الشخصية ولا مانع منه، كما انقسم الوزراء؛ فوزير التربية يرى أن إبعاد الطالبات ليس من أهداف المدرسة، بينما وزير الدفاع يرى منع الطالبات من ارتداء الحجاب، وقال المفكرون رأيهم؛ فالفيلسوف (أندري فروسار) يرى أن وضع الحجاب على الرأس قضية لا تمس إطلاقاً العلمانية، بينما يقول (آلان فانكليل) أن قرار منع ارتداء الحجاب متوافق مع مفهوم العلمانية، وأعلنت زوجة الرئيس ميتران: » إذا ما ألزم دين ما أتباعه بالامتثال لتعاليم معينة فيجب علينا أن نترك لهم حرية الامتثال «.
وإذا كان وزير التربية قد حسم الموقف وأعلن عن استعداد المدرسة الفرنسية لاستقبال الحجاب الإسلامي، وقال: » إن ارتداء الحجاب أو إبراز أي مظهر يوحي إلى انتماء ديني لا يمكنه أن يشكل دافعاً فعلياً لطرد التلاميذ من المدرسة «.
وكذلك كانت كلمة مجلس الدولة الذي هو أعلى هيئة قضائية إدارية، لكن قضية محاربة الإسلام نفسه لم تحسم، فموجة العداء للإسلام بدأت تنتعش في فرنسا (وفي أوروبا بشكل عام) وخاصة من الأحزاب التي يسمونها يمينية متطرفة، وقد اتخذوا من الحجاب بداية للهجوم على الإسلام والمسلمين في فرنسا، ويعللون هذا الهجوم بأن هؤلاء المغتربين لم يندمجوا في المجتمع الفرنسي، وهذه كلمة مهذبة، وقصدهم (لم يذوبوا) في المجتمع الفرنسي أو الغربي.
وخاضت بعض الأحزاب أو الشخصيات الانتخابات على أساس محاربة الحجاب أو الإسلام، وأصيب هؤلاء الفرنسيون بالسعار ضد المغتربين المسلمين، وتحول الأمر إلى عنصرية مكشوفة وهي أن الجنس الآري يجب أن يبقى نقياً ولذلك لابد من طرد هؤلاء المهاجرين.
وليس عجيباً أن لا يتكلم هؤلاء المتعصبون عن تميز الطلاب اليهود، وعن مدارس اليهود المستقلة لأن حقيقة هذا السكوت وهذا الولاء ذكرها القران الكريم: (بعضهم أولياء بعض) [المائدة: 51].
وقد يقول بعض الناس: أنتم تحاكمون دولة غربية نصرانية في موضوع الحجاب، مع أن هناك دولاً تحكم شعوباً إسلامية وتحارب الحجاب، ونقول: هذا صحيح، ونحن هنا نحاكم هؤلاء إلى شعاراتهم المرفوعة عن الحرية والديمقراطية وعدم التدخل في شؤون الآخرين الدينية والشخصية، أما الدول التي تحارب الحجاب في ديار الإسلام فهي تحكم بالشريعة التي سماها بعض العلماء بـ (الملك الطبيعي) وهو حمل الناس على مقتضى الغرض والشهوة فقط، وسمى ما عليه أهل الغرب الآن بـ (الملك السياسي) وهو حمل الناس على مقتضى النظر العقلي، وعلى هذا فهذه الدول لاهي تحكم بالإسلام، ولا تحكم بالعقل والسياسة والنظام كفعل الغربيين.
إن صمود الجالية الإسلامية في فرنسا لهو شيء مشرف، ولا شك أن هذه الجاليات الكبيرة في أوربا تستحق الاهتمام والرعاية سواء من بلادهم الأصلية أو من المسلمين بشكل عام، والتشجيع لإثبات الهوية الإسلامية حتى لا تبتلعهم حضارة أوربا.
ملف التعليم:
عندما فتحنا ملف التعليم في الأعداد السابقة كنا نشعر بخطورة الموضوع وأهميته البالغة، فالطاقات والأجيال يجب أن لا تذهب هدراً بسبب الطرق التقليدية المتبعة مع الصغار والكبار على حد سواء، وقد شارك بعض الأخوة في هذا المجال، وكانت مشاركة الدكتور عبد العزيز القارئ حفظه الله ناقداً لبعض مناهج تعليم وتربية أجيال المتفقهين، كانت محل استحسان ورضى من الجميع، ولا يزال الموضوع بحاجة إلى إثراء، ولا يزال موضوع التعليم بشكل عام بحاجة للأقلام المخلصة من أهل الاختصاص والخبرة والغيرة على أجيالنا ليوضحوا وجهة نظرهم في الطرق المتبعة الآن وخاصة في المراحل الأولى من التعليم، وإنها والله لأمانة في أعناق كل مسؤول عن تربية الأجيال، ماذا تعلم وكيف تربى؟ وما هي الوسائل الناجحة، وحرام أن تذهب سنوات العمر الأولى دون فائدة علمية أو عملية.
وأخيراً نذكّر بقول الدكتور محمد إقبال في أثر التعليم إذا كان موجهاً وجهة غير إسلامية " » إن التعليم هو (الحامض) الذي يذيب شخصية الكائن الحي ثم يكونها كيف يشاء، إن هذا (الحامض) هو أشد قوة وتأثيراً من أي مادة كيمائية، هو الذي يستطيع أن يحول جبلاً شامخاً إلى كومة تراب «.
وحتى لا تتحول الأجيال إلى كومة تراب لابد من إعادة النظر في مناهج التعليم.
http://www.albayanmagazine.com المصدر:
===============(67/63)
(67/64)
أمريكا بين الماسونية المصدرة والصليبية المتبعة
لأن الغرب قد أدرك جيدا فشل سلاح القوة العسكرية في القضاء على الإسلام ومن ثم فإنه يبدو أن سلاح المخادعة هو السلاح الرئيسي الذي يلتجئ إليه الآن في مواجهة الإسلام ففي الوقت الذي تتعاظم فيه سيطرة العقيدة الصليبية الهرمجدونية على الإدارة الأمريكية ممثلة في الرئيس بوش ومساعديه فان توجهات السياسة الأمريكية الخارجية تهدف إلى نشر المفاهيم الماسونية بين الشعوب الإسلامية على وجه الخصوص وإذا كنا قد شرحنا في مقال سابق ما هي العقيدة الصليبية الهرمجدونية حيث يمكن الرجوع إليها في نفس هذا الباب فإننا نشرح هنا ما هي تلك الماسونية التي يدعون إليها في عالمنا الإسلامي تحت شعارات ملتوية مثل الحرية والتسامح والمساواة.
الماسونية جمعية سرية شديدة الغموض استطاعت اختراق معظم النظم السياسية في العالم وضم عدد كبير من الملوك ورؤساء الجمهوريات إليها على امتداد القرون الثلاثة الماضية وتنتشر بوجه خاص في أمريكا وانجلترا.
وتتخذ الماسونية في الظاهر صورة أندية اجتماعية تعمل على اختيار أعضائها ولا تسمح للآخرين بالانضمام إليها تبعا لإراداتهم الشخصية ويمر العضو بهذه الجمعيات بعدة مراحل يلتزم فيها بممارسة عدة طقوس شديدة الغرابة مثل سجود العضو على إحدى ركبتيه وهو معصوب العينين ثم يتعهد بعدم إفشاء أسرار الجماعة وإلا فانه يستحق عقوبة قطع رقبته وقطع لسانه من جذوره وسرعان ما يعلم العضو الجديد أن الماسونية نظام أخلاقي غريب يعتمد على المجاز وتوضحه الرموز وتستمد هذه الرموز بصفة رئيسية من حرفة بناء الحجارة الفعلية وتلعب دورا حيويا في الطقوس والتعاليم الماسونية ويشرح زعيم المحفل حين يقدم للعضو الجدد بطريقة طقسية معدات البناء ويقول نحن نستخدم هذه المعدات لتشكيل أخلاقنا وحين ينتهي العضو من هذه المراسم يقال إن العضو الجديد قد اجتاز المرتبة الأولى ويمكن أن يصل إلى المرتبتين الأخريين خلال عدة أشهر ويتوقف الكثيرون من الماسونيين عند هذه النقطة إلا انه توجد مراسم أخرى تسمى القوس الملكي تسمح للمتحمسين بتنويعة كبيرة من المراتب العليا ويرى الباحثون أنها مستمدة من مصادر عديدة فرعونية ويهودية وأشورية وإذا كانت الماسونية قد عملت على تطويع الحكومات لصالحها فان بعض الدول الكبرى تعمل أيضا على فعل العكس وهو استخدام هذه الماسونية لتحقيق مصالحها.
وهناك عدة تفسيرات لنشأة الماسونية منها:
أنها تعود إلى بناة هيكل سليمان.
أنها تعود إلى بناة الأحجار المتجولين في العصور الوسطى.
أنها تعود إلى المفكرين الربوبيين في القرن السابع عشر ويلتزم الماسون دائما بالدعوة إلى المساواة والحرية والتسامح دون أية ضوابط الأمر الذي يعني عمليا تحطيم كل الأديان والمذاهب لصالح الأهداف الماسونية الغامضة وعلى ما سبق فإن الماسونية ترتبط لدى الكثير من المحللين بالصهيونية العالمية وقد عضد هذا الاتجاه ذكر الماسونية بشكل رئيسي في برتوكولات حكماء صهيون التي ينسبها كثير من المحللين لليهود حيث ذكرت البروتوكولات الدور العالمي للماسونية في تحقيق الغايات الصهيونية التي جاء فيها ' وإلى أن يأتي الوقت الذي نصل فيه إلى السلطة سنحاول أن ننشئ ونضاعف خلايا الماسونيين الأحرار في جميع أنحاء العالم وسنجذب إليها كل من يصير أو يكون معروفا بأنه ذو وجاهة وقيمة عالية وهذه الخلايا ستكون الأماكن الرئيسية التي سنحصل منها على ما نريد من أخبار كما أنها ستكون أفضل مراكز للدعاية والخلاصة انه يمكن الاعتماد على الأفكار الماسونية المخادعة الآن في العمل على تمييع المفاهيم الإسلامية الأصيلة باسم التطور.
14 ربيع الثاني 1426هـ
- 22 مايو2005م
http://www.islammemo.cc المصدر:
===============(67/65)
(67/66)
رسالة الصيام الانتصار على الحملة الصهيوصليبية العالمية
حامد بن عبدالله العلي
من أهم حكم الصوم في شهر رمضان، تحقيق وحدة الأمّة العقدية، وتميزها عن غيرها، وانتصارها الروحي.
فصيام شهر رمضان يميّز الأمّة عن غيرها بشعيرة زمانية، توحد الأمة في كل بقاع الأرض في عبادة واحدة تذكرها بانتماءها الإيماني إلى نظام واحد قائم على الإيمان، وبوحدتها العقدية، كما يميّزها الحج بشعيرة مكانيّة تفصلهم عن غيرهم، فينحازون جميعا بأجسادهم وأرواحهم عن أهل الجاهلية، ليعبدوا الله - تعالى -وحده، يوالي بعضهم بعضا، وليكفروا بما سواه، وليزايلوا الكافرين بربهم، فهم براء منهم.
وفي كلا المناسبتين تجتمع الأمة على عبادة الله - تعالى -، ثم تفرح بعيدها، فهي لا تفرح بعيد إلا بعد عبادة ربها في وحدة روحية عميقة الأثر فيها، فرحا بأعظم نعم الله - تعالى -عليها، في إشارة إلى أن الأمة إن تركت الدين ناظما أوحدا يجمعها ويميزها عن غيرها، فلن تفرح بعزة قط، كما هو حالها اليوم، نسأل الله أن يردها إلى دينها ردا جميلا.
ولهذا ـ والله أعلم ـ قال النبي صلى الله عليه وسلم : " لاتزال أمتي بخير ما عجلوا الفطر " لأنهم إن عجلوه أفطروا جميعا في لحظة واحدة، فتجمعهم وحدة روحية في كل صعق من الأصقاع، على أمر دينهم.
أما تحقيق الإنتصار الروحي، فهو قطب رحى الإسلام، ولهذا كانت أهم أسباب انتصارات المسلمين في رمضان مثل انتصار معركة بدر، وفتح مكة، وعين جالوت،..إلخ، أن روح الأمّة تكون في هذا الشهر أقرب إلى الله - تعالى -، وأرواح الشياطين مع عدوها الطاغوت الأكبر الشيطان الذي تقاتل الأمة أولياءه مسلسلة.
ولهذا لخص الله - تعالى - حقيقة الجهاد بأنه (الذين آمنوا يقاتلون في سبيل الله، والذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت، فاقتلوا أولياء الشيطان إن كيد الشيطان كان ضعيفا)، وإنما يكون ضعيفا، في مقابلة من يقاتل في سبيل الله، لأن من يقاتل في سبيل الله منتصر قبل المعركة.
ومعلوم أن معركة الإسلام مع أعداءه تدور بين الأرواح أولا، وإنما الأجساد آلات الحرب، ولهذا لما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم سبب انهزام الأمة في زمان تداعي الأمم على أمتنا قال (ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن الله في قلوبكم الوهن. فقال قائل: يا رسول الله! وما الوهن؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت) رواه أبو داود من حديث ثوبان - رضي الله عنه -.
وقد قال - تعالى -(ولاتهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين)، وفي ذلك دلالة واضحة على أن الوهن، والإستعداد الروحي للهزيمة، هو الخسران الحقيقي.
كما بيّن الحديث السابق أن الروح حين تكون مهزومة، قد أصابها الوهن، بسبب تعلقها بالدنيا، لن تنتصر حتى لو كانت الأجساد كثيرة العدد، وكثيرة جدا، فهي غثاء لا معنى له.
ولهذا لما كانت روح الأمة عزيزة بإيمانها، كانت تنتصر دائما بعدد أقل من عدوها، لأنها كانت منتصرة أصلا قبل خوض المعركة، ولهذا فحتى لو سقط الجسد صريعا في هذه المعركة فإن سقوطه ليس سوى إعلان الانتصار، حتى نهانا الله - تعالى -أن نصف الشهيد بالميت، (ولاتقولوا لمن يقتل في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون) لان روح الشهيد قد حققت الإنتصار الأعظم، فارتقت من سفول الدنيا إلى أعلى مقام، فهي في قناديل معلقة بالعرش، وأي انتصار أعظم من هذا الانتصار لو كانوا يعلمون.
ولهذا أيضا فإن الروح إن حققت الإنتصار الأعظم على الشيطان والتعلق بالدنيا، فهي منتصرة على الطاغوت، وإن تلفت الأجساد في هذه المعركة، فهي ليست سوى آلات تحقق بها النصر، كما في قصة أصحاب الأخدود، فإنهم كانوا (يتعادون ويتدافعون في النار) كما في صحيح مسلم من حديث جابر - رضي الله عنه -، متلفين أجسادهم في انتصارهم الروحي الأعظم على الطاغوت.
ولما كان الصوم تدور معانيه على التخلص من شهوات الدنيا، كما في الحديث (يدع طعامه وشرابه وشهوته من اجلي)، حتى إن خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، مما يعكس قوة الصلة بين الصائم وربه، فيجعل العبد في اتصال وثيق متفاعل بين جسده على الأرض، وبين ربه في علوه على العرش، ليحقق بذلك سر التقوى.
لما كان الأمر كذلك، كانت أعظم حكمة الصوم هو تحقيق انتصار الروح، في معركتها الكبرى مع الشيطان، وهي أول وأهم خطوة في الإنتصار، في معركة الإسلام مع أعداءه.
ولهذا فإن أهم ما يجب أن يهتم به العلماء، والخطباء، والوعاظ، في هذا الشهر العظيم ـ وهو أهم من بيان مبطلات الصوم، وآداب الفطور، والسحور.. إلخ وكل ذلك مهم أيضا ـ أمران: ـ
أحدهما: التذكير بمعاني ومفاهيم وحدة الأمة، وتميّزها بولاءها لبعضها، عن غيرها من الأمم، ووجوب إلغاء كل السدود والحدود التي وضعها عدوها ليفرقها، وربط المسلمين جميعا، بمعاناة الأمة، فبلادها محتلة في فلسطين، و أفغانستان، والعراق، ومهيمن عليها في كل بلاد الإسلام الأخرى، ممزقة، مُتَحكّم بإقتصادها، مسلوبة الإرادة السياسية.
وأن أهم رسالة صوم رمضان، وجوب السعي في جهاد متواصل لتغيير هذا الواقع الأليم.(67/67)
الثاني: التذكير بمعاني الإنتصار الروحي، والعزة الإيمانية في مفارقة الجاهلية، والبراءة من أهلها، لاسيما هذه الحملة الصهيوصليبية على أمتنا، فيجب على المسلمين أن يعلنوا انتصارهم الروحي عليها، بإعلان الجهاد عليها في كل أصقاع الإسلام، والسعي لكسرها بكل سبيل.
ومن ذلك الدعاء في الصلوات، ودعاء القنوت، فهذه الحملة الصهيوصليبة هي أكبر وأعظم خطر ماحق يحيط بأمتنا العظيمة، وقد حولت هذه الحملة حتى الدول إلى مراكز، وأدوات لتحقيق أهدافها، فهي قائمة بذلك على أتم وجه.
ولاريب أن صرف الأنظار عن هذا الخطر العظيم، إلى مشكلات مصطنعة، مثل ما يطلقون عليه: " الإرهاب " و " التطرف "، وإشغال وسائل الإعلام بهذا الزيف، ليس سوى جزء من مكر تلك الحملة الخبيثة نفسه.
فالواجب أن نبطل هذا التلبيس في الخطاب العام في كل منابرنا، ونعيد الأمور إلى نصابها، ونظهر عدو الأمة الحقيقي، ونعرّي كيده كله، ونحضّ أمّتنا على جهاده، فهذا الشهر العظيم، شهر الإنتصار على حب الدنيا، وهوى النفوس، وشياطين الإنس و الجن، وعلى رأس شياطين الإنس قادة الصهيونية والصليبية العالمية، وأولياءهم.
نسأل الله - تعالى -أن يعيد لأمتنا روحها المنتصرة، وعزتها المنتظرة آمين
http://www.h-alali.net المصدر :
==============(67/68)
(67/69)
من الحروب الصليبية إلى التنصير
مصطفى بن سعيد إيتيم
الخطبة الأولى:
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
لقد بعث الله - سبحانه وتعالى - نبيه محمدًا إلى الناس كافة: عربهم وعجمهم، باديهم وحاضرهم، إنسهم وجنهم، قال - تعالى -: "وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرًا ونذيرًا ولكن أكثر الناس لا يعلمون" [سبأ: 28]، وأمره - سبحانه - أن يقول: "يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعًا" [الأعراف: 158].
بعثه الله - سبحانه - وأهل الأرض صنفان: أهل كتاب، وزنادقة لا كتاب لهم، وكان أهل الكتاب وهم اليهود والنصارى أشرف الصنفين لما عندهم من النصيب من الكتاب الذي أوتوه على نسيانهم حظًا منه، وتحريفهم لما حرّفوا.
أشرقت شمس الرسالة على أهل الأرض فكانت لهم سراجًا منيرًا، فأنعم الله بها عليهم نعمة لا يستطيعون لها شكورًا، وأهل الكتاب وقتئذ مترقبون ينتظرون، فلما أشرقت من مكة ببعثة محمد بن عبد الله الهاشمي كفروا بها وجحدوها إلا قليلاً منهم، وكانوا هم أولى باتباع النبي لما يجدونه مكتوبًا عندهم في كتبهم، ولأنهم كانوا أعرف به منهم بأبنائهم، قال - تعالى -: "الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبًا عندهم في التوراة والإنجيل" [الأعراف: 157]، وقال - تعالى -: "الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم وإن فريقًا منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون" [البقرة: 146].
أرسل الله نبيه بالهدى ودين الحق، وأنزل معه الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط، ولم يقبل - سبحانه - بعد الإسلام دينًا سواه، قال - تعالى -: "أفغير دين الله يبغون وله أسلم من في السموات والأرض طوعًا وكرهًا وإليه يرجعون" [آل عمران: 83].
وخص الله - سبحانه - أهل الكتاب بدعوة خاصة فقال - تعالى -: "يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيرًا مما كنتم تخفون من الكتاب ويعفو عن كثير قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم" [المائدة: 15، 16].
فناداهم بـ(يا أهل الكتاب) تشريفًا وتكريمًا، وليكون ذلك أدعى لقبول ما جاء به محمد لأنه من جنس ما جاءت به الرسل قبله، فالإيمان بالكتب إيمان بالوحي، وهو جنس واحد لا يتجزأ ولا يفترق.
فكان منهم من أسلم فسلم، وآمن فأمن، وكتب له الأجر مرتين، قال: ((من أسلم من أهل الكتابين فله أجره مرتين، وله ما لنا، وعليه ما علينا))[1].
وكان منهم من أخذه الكبر والحسد، فكفر وجحد، ومع ذلك أقرهم الإسلام على دينهم، وأذن للمسلمين في الإحسان إليهم، وعصم دماءهم وأموالهم، وحفظ لهم حقوقهم، وأبقاهم بين المسلمين رجاء الخير لهم بإسلامهم وإيمانهم.
فكان الإسلام عليهم نعمة، والمسلمون لهم رحمة، ما ظنكم ـ أيها المسلمون ـ بدين يفتي علماؤه ويقررون بأن من كان معه ماء لوضوئه ووجد مضطرًا من أهل الكتاب أو من دوابهم المعصومة وجب عليه أن يعدل إلى التيمم وأن يسقي ذلك المضطر أو تلك الدابة[2] إنه مصداق قوله - تعالى -: "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين" [الأنبياء: 107].
أيها المسلمون، إن أهل الكتاب ما نعموا بعدل ولا سعدوا بأمن إلا تحت حكم المسلمين، وشواهد التاريخ على ذلك كثيرة:
لما انسحب أبو عبيدة بن الجراح - رضي الله عنه - من حمص ـ بعد أن فرض عليها الجزية ـ بكى النصارى في حمص وقالوا: "يا معشر المسلمين، أنتم أحب إلينا من الروم، وإن كانوا على ديننا، أنتم أوفى لنا وأرأف بنا، وأكف عن ظلمنا، وأحسن ولاية علينا، ولكنهم ـ أي الروم ـ غلبونا على أمرنا وعلى منازلنا"[3].
ولما قتل صالح بن علي بن عبد الله بن العباس مقاتِلةَ لبنان وأجلى بعضهم، كتب إليه الإمام الأوزاعي - رحمه الله -: "وقد كان من إجلاء أهل الذمة من جبل لبنان ممن لم يكن ممالئًا لمن خرج على خروجه ممن قتلتَ بعضهم ورددت باقيهم إلى قراهم ما قد علمت، فكيف تؤخذ عامةٌ بذنوب خاصةٍ حتى يُخرَجوا من ديارهم وأموالهم، وحُكمُ الله - تعالى -أن لا تزر وازرة وزر أخرى، وهو أحق ما وقف عنده واقتدي به، وأحق الوصايا أن تحفظ وترعى وصية رسول الله فإنه قال - r -: ((من ظلم معاهدًا وكلفه فوق طاقته فأنا حجيجه))" [4].(67/70)
وإليكم أيها المسلمون شاهدًا آخر لكنه هذه المرة من أهلهم، يقول جوستاف لوبون: "ما كانت انتصارات العرب لتعمي أبصارهم لأول أمرهم، وتحملهم على الإفراط المألوف عند الفاتحين في العادة، ولا اشتدوا في إرهاق المغلوبين على أمرهم، ولا فرضوا عليهم بالقوة دينهم الجديد الذي كانوا يريدون بثه في أقطار العالم، ولو عملوا ذلك لأهاجوا عليهم جميع الشعوب التي لم تخضع لهم، فاتقَوا حق التقاة هذه التهلكة التي لم ينج منها الصليبيون الذين دخلوا الشام في القرون اللاحقة، بل رأيناهم ـ أي المسلمين ـ حيث دخلوا في الشام ومصر وإسبانيا يعاملون الشعوب بمنتهى الرفق، تاركين لهم أنظمتهم وأوضاعهم ومعتقداتهم، غير ضاربين عليهم في مقابل السلام الذي ضمنوه لهم إلا جزية ضئيلة، كانت على الأغلب أقل من الضرائب التي كان عليهم أداؤها من قبل. وما عرفت الشعوب فاتحًا بلغ هذا القدر من المسامحة، ولا دينًا حوى في مطاويه هذه الرقة واللطف"[5].
هكذا كان الإسلام لهم، وهكذا أمر الله ورسوله المسلمين أن يكونوا لهم.
وفي مقابل هذا البر والإحسان والرحمة والإنعام، كيف كان أهل الكتاب للمسلمين؟
إنهم كانوا يكيدون لهم كيدًا، ليردوهم عن دين الله فردًا فردًا، سلكوا في ذلك جميع السبل والوسائل، ونفذوا من أجله مخططات الأواخر والأوائل، فمَّرة مكر وخديعة في ثوب الناصح الأمين، ومرّة غصب واستعمار تحت ستار الإعانة والتأمين، وها هو التبشير والتنصير قد أنشب أظفاره وكشر أنيابه، وهو نتيجة من نتائج التعصب الصليبي المسلح، ومولود من مواليد القوة الطاغية التي تسمي كل ما ترضى عنه من الأعمال المنكرة حرية دين، أو حرية فكر، أو حرية رأي، وتسمي كل ما لا ترضى عنه من المطالبة بالحقوق المغصوبة وغير ذلك تسميه إرهابًا وعنفًا وأصولية وتشددًا.
فالتبشير والتنصير في حقيقة أمره مسار الاستعمار ودرب الغصب، أمدته القوة الطاغية بالمعونة والتأييد، فمد سلطانه حتى أصبحت جميع الأوطان أوطانه، فمن رام فضح أمره قالت له القوة الطاغية: اسكت، التبشير حر وأنا حامية الحرية، وهو عمل إنساني وأنا منقذة الإنسانية[6].
أيها المسلمون:
إنه لا عجب في أن يكذِّب اليهود والنصارى بالقرآن الكريم، ولكن العجب كل العجب فيمن يقول من الغافلين والخائنين من المسلمين: إن اليهود والنصارى إخوان لنا، راضون عنا!! وهو يسمع قول الله - عز وجل -: "ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم" [البقرة: 120].
العجب كل العجب فيمن يزعم أنه يؤمن بالقرآن الكريم ثم هو يقول: إن اليهود والنصارى يحبوننا ولا يكنّون لنا العداوة والبغضاء!! والله - تعالى -يقول: "ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا" [البقرة: 217].
العجب كل العجب فيمن يقول من المتخاذلين والمخذولين من المسلمين: إن اليهود والنصارى يحترمون ديننا ويعظمونه ويقرّوننا عليه!! والله - تعالى - يقول: "ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارًا حسدًا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق" [البقرة: 109].
عداوة أهل الكتاب للمسلمين قضية مقررة محسومة، وعقيدة راسخة معلومة، بينها الله في القرآن الكريم، وشهد بها التاريخ والواقع الأليم، فمن لم يقنع ببينة القرآن ولم يكفه شاهد العيان فلا حيلة إليه.
أيها المسلمون:
اذكروا الجرائم الشنيعة والعظائم الفظيعة التي ارتكبها النصارى في حق مسلمي الأندلس، أجبروهم على التنصر، وحوّلوا مساجدهم إلى كنائس، وأتلفوا كتبهم ومصاحفهم، واعتبروا أطفالهم نصارى، فعمّدوهم بالقوة، ومحوا شعائرهم وشعاراتهم، ومنعوا تقاليدهم وعاداتهم، ونكثوا العهود والمواثيق التي أخذت منهم أن لا يتعرضوا للمسلمين، فقتلوا وعذبوا، ونكَّلوا وشرَّدوا.
واذكروا الحروب الصليبية الكبرى التي شنها النصارى على الشرق الإسلامي طيلة قرنين من الزمان، ويسمونها (الحرب من أجل تحرير القبر المقدس)، كم ارتكبوا فيها من مذابح بقيت شامة عار في جباههم، ففي الحملة الأولى فقط أبادوا أهل أنطاكية وذبحوا في القدس أكثر من سبعين ألفًا من المسلمين، وخربوا حمص وبعلبك وحماة وعسقلان وقِنّسرين وطبرية وغيرها من البلاد، وهجَّروا أهلها منها، وفعلوا الأفاعيل العظيمة التي استحى حكماؤهم ومؤرخوهم منها.
واذكروا ما فعل الاستعمار الصليبي في بلاد المسلمين في القرن المنصرم من قتل وتشريد، وفساد وإفساد، وتخريب ودمار، ونهب للأموال والممتلكات، وحرم المسلمين من أدنى الحقوق التي لا تحرم منها الدواب والبهائم، وليست مذابح البوسنة والهرسك ومجازر كوسوفا منكم ببعيد.
وها هم اليوم يتغنون كذبًا وزورًا بالأمن والسلام، والوحدة والوئام؛ فهذا مجلس الأمن، وذاك مبعوث السلام، وهذه خطة أمن، وتلك صلاة سلام، فبالله عليكم متى علمتم الوحوش الضارية استأنست، ثم هل تلد الوحوش غير الوحوش؟!(67/71)
بالأمس القريب كانت صلاتهم اليومية التي يقولها الصغير والكبير والذكر والأنثى منهم: (يا قلب يسوع الإلهي، أتقدم إليك بقلب مريم الدامي، بصلواتي وأعمالي وآلامي في هذا النهار، وأقدم إليك صلواتي من أجل الغاية التي أنت ساع في سبيلها كل يوم على المذبح، وأقدم إليك صلواتي بصفة أخص، من أجل اتحاد كل الكاثوليك، ومن أجل محاربة الإسلام)[7]، هذه صلاتهم وهذه عقيدتهم التي كانوا عليها بالأمس ولا يزالون عليها اليوم، يقول الفيلسوف الكبير الدكتور جوستاف لوبون ـ متأسفًا ـ: "إن العقيدة الكاثوليكية المتوارثة فينا تجعلنا من ألد الأعداء للمسلمين"[8].
ومثال آخر مشهور وهو الأنشودة الإيطالية التي تسمى بـ(الوطنية)، يحفظها الصغير والكبير، ويتغنى بها الوجيه والحقير، يغذون بها أرواحهم بالحقد والشحناء، والعداوة والبغضاء، وهي مؤلفة من أربعة أدوار، واسمعوا إلى الدور الثاني منها لتعلموا ما يكنه النصارى لكم: (ليمت الشعب الإسلامي التعس. وليحارَب هذا الدين الإسلامي. الذي يضع المخدَّرات من النساء تحت تصرف السلطان. إني سأحارب بكل شجاعة لمحو القرآن. وبذلك أموت طليانيًا شريفًا)[9].
فاعرفوا أيها المسلمون أعداءكم، وإياكم ثم إياكم من زخارف القول.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
----------------------------------------
[1] أخرجه أحمد (5/259)، والطبراني في الكبير (8/190-191) من حديث أبي أمامة - رضي الله عنه -، وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة [304].
[2] انظر: مجموع الفتاوى (21/80).
[3] فتوح البلدان للبلاذري (137) والخراج لأبي يوسف.
[4] فتوح البلدان للبلاذري.
[5] الإسلام والحضارة العربية (1/144).
[6] انظر مقدمة سجل مؤتمر جمعية العلماء الجزائريين لمحمد البشير الإبراهيمي (ص 65).
[7] انظر: آثار عبد الحميد بن باديس (5/464).
[8] انظر المصدر السابق (5/49).
[9] انظر المصدر السابق (5/50).
الخطبة الثانية:
الحمد لله، والله المستعان على ما نسمع ونرى ونشاهد، ولا حول ولا قوة إلا بالله، عظم المطلوب وقل المساعد، وإنا لله وإنا إليه راجعون، خير هذه الحياة ناقص وشرها زائد.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ولا ضد ولا ند ولا ولد، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، وسيد كل عابد وزاهد، وأكرم كل معلم وأصبر كل مجاهد.
اللهم فصل وسلم على نبينا محمد الراكع الساجد، ومنقذ كل معاند وجاحد، من درن الذنوب وخبث العقائد، وعلى آله وصحبه الأماجد، وعلى التابعين لهم بإحسان في الوسائل والمقاصد.
أما بعد:
أيها المسلمون:
لقد علمتم وسمعتم بما حدث في هذا الأسبوع من زيارة كبير النصارى الكاثوليكيين البابا يوحنا بولص الثاني لبلاد سوريا مدينة دمشق، والسماح له بدخول المسجد الأموي، وبإقامة قداس كبير، وإلقاء المواعظ والخطب، وأداء صلاة السلام، وغير ذلك من الأمور الخطيرة التي تتم من وراء حجاب أو مستورة بجلباب.
ولقد لقي هذا الضيف الثقيل ترحابًا كبيرًا، وحفاوة عظيمة، حيث فرشت له السبل، وزينت له الطرق، وخرجت إليه الجماهير تصفق وتزمر، وأكرم غاية الإكرام، وعظم منتهى التعظيم، وإن في هذا الحدث الخطير لتنبيهاً لنا معاشر المسلمين وإيقاظًا لنا من غفلتنا:
• فهذا الحدث الخطير دليل على ضعف المسلمين وخضوعهم لطلبات أعدائهم من اليهود والنصارى وغيرهم.
• وهو دليل على قوة نفوذ النصارى في بعض بلاد المسلمين، وتغلغلهم في مراكزها الحساسة بما يمكنهم من اتخاذ القرارات وإصدار الأوامر والتوجيهات، فكم من بلد إسلامي منع فيه بيان بطلان دين النصارى سواء بالقلم أو اللسان، وإنا لله وإنا إليه راجعون.
• هذا الحدث الخطير أيها المسلمون علامة صحيحة على سير مخططات التنصير السير الحثيث، ودليل واضح فاضح على نجاح تلك الخطط، أفيقوا أيها المسلمون فإن التنصير يغزو العالم الإسلامي، التنصير يداهم بيوتكم، ليخرج المسلمين من الإسلام ويشككهم في دينهم وفي نبيهم محمد، وليحول دون انتشار الإسلام، وتمهيدًا لإخضاع العالم الإسلامي سياسيًا واقتصاديًا وثقافيًا وعسكريا تحت سيطرة النفوذ الغربي.
• هذه الزيارة المشؤومة ليست هي الأولى، ولن تكون هي الأخيرة ما دام المسلمون في غفلتهم، بل هي زيارة من بين الزيارات الكثيرة المقررة في الخطة التنصيرية، فلقد قام البابا يوحنا بولص الثاني في الفترة ما بين 5/2/1980م و20/9/1995م بست وأربعين زيارة لأربعين دولة إفريقية كما زار لبنان سنة 1997م، وهذه الزيارات مجال واسع رحب للتنصير، وتفتح أبوابا للمنصرين لترويج دعاياتهم المضللة والمزيفة، كما تضفي على العملية التنصيرية الصبغة الرسمية بسبب ما يصحبها من مشاركة بل رعاية حكومية.(67/72)
• وأخيرًا أيها المسلمون إن هذا الحدث الخطير ليقطع القلوب ويفطر الأكباد، أين تعظيم العلماء العاملين، وأين تكريم الدعاة الصادقين، وأين احترام الصالحين المصلحين في تلك البلاد التي عُظم فيها هذا الضيف الثقيل وغيرها من بلاد المسلمين، يُعظَّم من دينه عبادة الصلبان، ودعاء الصور المنقوشة في الحيطان، يُعظَّم من أصل عقيدته أن الله ثالث ثلاثة، وأن مريم صاحبته، وأن المسيح ابنه، وأنه نزل عن كرسي عظمته، والتحم ببطن الصاحبة وجرى به ما جرى إلى أن قتل ومات ودفن، يقولون في دعائهم: "يا والدة الإله ارزقينا، واغفري لنا وارحمينا"، يُعظَّم من دينه شرب الخمور وأكل الخنزير وترك الختان، والتعبد بالنجاسات واستباحة كل خبيث، والحلال ما حلله القس، والحرام ما حرمه، والدين ما شرعه، وهو الذي يغفر لهم الذنوب وينجيهم من عذاب السعير، وفي مقابل هذا التعظيم وتلك الحفاوة يشرَّد الدعاة المصلحون وينكَّلُ بهم، وتسلب حقوقهم الإنسانية، فضلاً عن حقوقهم كمسلمين، ولا يسمح لهم بالدعوة إلى دين الحق، وتكسر أقلامهم، وتعقد ألسنتهم، ويتهمون بالتهم العقيمة لتبرير هذه الشناعات العظيمة، فهذا أصولي متطرف ورجعي متشدد، وذاك يخيط له ثوبه، وهذا إرهابي خطير ومشاغب كبير، وذاك يخصف له نعله، فكم أخرج من بلاد الشام من عالم مصلح، أخرج من داره وماله، واكتوى بلأواء الاغتراب، والويل له ثم الويل لو رجع إلى أهله ووطنه، ولا زال حاضرًا في أذهاننا معاشر المسلمين ما عاناه أحد كبار الدعاة المصلحين، وأحد المجددين في هذا القرن، ألا وهو الشيخ محمد ناصر الدين الألباني ـ - رحمه الله - رحمة واسعة ـ وغيره من أمثاله كثير.
فلا حول ولا قوة إلا بالله وإنا لله وإنا إليه راجعون.
أسأل الله - عز وجل - أن يعيد للمسلمين عزهم وكرامتهم، وأن يولي عليهم خيارهم، وأن يحفظ دينه ويعلي كلمته وينصر عباده المؤمنين.
http://www.alminba صلى الله عليه وسلم net المصدر:
===============(67/73)
(67/74)
صور من الحروب الصليبية
ناصر محمد الأحمد
الخطبة الأولى:
أما بعد: يعود تاريخ الصراع بين الإسلام والنصرانية إلى بداية الجهاد ضد الروم في غزوة مؤتة، واستمر هذا الصراع مع حَمَلَةِ الصليب عبر الأندلس وصقلية وفلسطين وسواحل بلاد الشام، ناهيك عن الاستعمار الحديث في القرن التاسع عشر، فالحرب بين الإسلام والنصرانية لم تتوقف أبداً منذ مطلع الدعوة الإسلامية وحتى عصرنا الحاضر. وما تزال هجماتهم بادية للعيان هنا وهناك، لتكون شوكة دامية في قلب العالم الإسلامي. إليكم نماذج تاريخية من هذا الصراع المرير مع الصليبيين:
فغزوة مؤتة كانت مثالاً للصراع المبكر بين المسلمين والبيزنطيين، عندما زحفت جيوش الروم مع حلفائهم من عرب غسان في السنة الثامنة للهجرة نحو الجزيرة العربية وكان الصليب شعار الروم آنذاك. واصطدم بهم المسلمون، وسقط عدد من الشهداء على أرض المعركة في مؤتة. واستمر الصراع بعدها لإعلاء كلمة الإسلام فكانت المعارك قوية متعددة، ومن أشهرها معركة اليرموك بقيادة كبار الصحابة - رضي الله عنهم - ورفعت رايات الإسلام على بلاد الشام خفاقة مشرقة كما أن الإسلام دخل مصر أرض الكنانة، وانتهى الأمر باسترجاع تلك البلاد من أيدي الروم الغزاة.
ثم جاءت معركة ملاذكرد والتي تعتبر من المعارك الفاصلة في تاريخ الصراع الصليبي مع المسلمين السلاجقة. انهزم فيها الروم ـ والحمد لله ـ هزيمة ساحقة حتى امتلأت الأرض في آسيا الصغرى بجثث القتلى، وأُسر الإمبراطور نفسه على يد القائد المسلم "ألب أرسلان" وكان الإمبراطور قد رفض مهادنة المسلمين، وسار بجيوش جرارة يعاونه كثير من النصارى الأوربيين، الذين وفدوا على بيزنطة ليساعدها في غزوها للمسلمين.
وتذكر المراجع التاريخية أنهم كانوا يحملون الصليب رمزاً لحربهم المقدس.
ومنذ أن وقعت الكارثة على النصارى في معركة ملاذكرد صاروا لا ينقطعون عن طلب النجدة العاجلة من البابوية ضد السلاجقة المسلمين، وكانت هذه الصيحات من جملة أسباب توجه النصارى الصليبيين إلى بلدان المسلمين، والتي عرفت فيما بعد بالحروب الصليبية الشهيرة. هذه الحروب التي استمرت مائتي سنة وكانت الحملات فيها تتوالى من الغرب الصليبي كالأمواج المتلاطمة واشترك فيها ملوك وأمراء أوربا وكان الصليب فيها شعارهم، واشتركت أقطار أوربا كلها القريب منها والبعيد، فكانت تمد الغزاة بالمقاتلين والسلاح والإمدادات طوال قرنين كاملين. فكانت عدواناً صارخاً حاقداً ليس له نظير في تاريخ الحروب العالمية إذ خلفت الخراب والدمار وكانت سِمتها المجازر الوحشية، مما يعتبر وصمة عار في تاريخ العالم النصراني.
جاءت بعدها حرب الإبادة في الأندلس ضمن سلسلة الصراع بين المسلمين والنصارى، هذه الأندلس درة الحضارة الإسلامية في أوربا خلال 800 سنة تعبث فيها أيدي الحاقدين من النصارى وتقضي على معالمها الزاهرة وأبنائها المسلمين، فتصبح أثراً بعد عين.
الأندلس التي كانت تتعالى فيها تراتيل المؤذنين أمست نواقيس الكنائس فيها تصم الآذان، حتى لا تسمع للتوحيد صوتاً في تلك الأرض التي أشرقت بنور الإسلام ثمانية قرون، وفي سنوات معدودة لم يبق للإسلام فيها أثر، وأصبحت خبراً يذكر، وليس الخبر كالمعاينة.
سقطت الأندلس بعد قرون من البناء والتقدم والازدهار وإشاعة العدل والتسامح مع جميع السكان من ذوي الأديان المختلفة كانت إبادة المسلمين في الأندلس وصمة عار أخرى على النصارى الصليبيين رغم السماحة التي عومل فيها النصارى من أهل أسبانيا طوال قرون خلت، إذ سمح المسلمون لهم أن يحتفظوا بشرائعهم وقضاتهم، وعُيّن لهم حكام للأقاليم من أنفسهم، فتأمل في هذه المعاملة وبين ما فعله النصارى بمسلمي الأندلس حيث وصف الحال الشاعر أبو البقاء الرندي هذه المأساة في قصيدته المشهورة حيث يقول فيها:
تبكي الحنيفية البيضاء من أسف *** كما بكى لفراق الإلف هيمان
حيث المساجد قد صارت كنائس ما *** فيهن إلا نواقيس وصلبان
حتى المحاريب تبكي وهي جامدة *** حتى المنابر ترثي وهي عيدان
لمثل هذا يذوب القلب من كمد *** إن كان في القلب إسلام وإيمان
أيها المسلمون، أوقع العثمانيون أيضاً هزائم عديدة لنصارى أوربا، كان من أهمها هزيمتهم في كوسوفو عام 1389م، حيث أحرز العثمانيون نصراً مؤزراً على جيوش النصارى التي بلغت أكثر من مائة ألف، فقتل منهم الكثير، وأسروا وغرق آلاف منهم في نهر الدانوب، وكان البابا هو الذي أمر بهذه الحملة ضد المسلمين. بعدها سقطت القسطنطينية على يد السلطان محمد الفاتح - رحمه الله -، ومنذ ذلك التاريخ وحتى القرن العشرين وقادة أوربا يضعون الخطط للإجهاز على الدولة العثمانية واقتسام تركتها.
تبين للسلطان عبد الحميد حقيقة هذا التآمر الخبيث وقال بمرارة: "للصليب أن يتحد في كل وقت، لكن الهلال يبقى دائماً بمفرده".(67/75)
وكانت عصبة الأمم وهيئة الأمم كالعروض بحراً بلا ماء، وما وجدت إلا لتُلبس الأعداء حلة قانونية ولتُسوغ الغزو العسكري الاستعماري بتغيير الأسماء، ولا يطيعها إلا عاجز ضعيف. وهذا هو واقع المنظمة الدولية حالياً، فهي ما وجدت أصلاً إلا لتبارك عدوان المعتدين.
واستمر القوم يتآمرون ويتعاونون ضمن خطة صليبية مع جمعيات الماسون السرية التي كانت تضم المجرمين من اليهود والصرب واليونان، وهم عماد الثورة التي عزلت السلطان عبد الحميد، وأسقطت الخلافة ليتحكم فيها جماعة الاتحاد والترقي، ومعظم قادتها وأعضائها من يهود الدونمة. ثم تمكن الاستعمار الخبيث من القضاء نهائياً على الخلافة واصطناع الحدود بين أقطارها عن طريق اتفاقية سايكس بيكو الشهيرة عام 1915م، وكان من أبرز شروطها انسحاب الحلفاء من تركيا لصالح صنيعتهم أتاتورك.
جاء بعدها الغزو الصليبي الجديد على بلدان المسلمين في صورة الاستعمار الأوربي. هاجم المستعمرون بلدان المسلمين وهم يحملون أحقاداً صليبية، وإن تسترت بشعارات الانتداب والوصاية وما شابه ذلك. فاستغلوا خيرات بلاد المسلمين من المغرب العربي إلى مصر وبلاد الشام، فلم تسلم دولة إسلامية حتى الباكستان وأندنوسيا من شرورهم، بينما لم تمتد يد المستعمر لأية دولة نصرانية.
فعلى سبيل المثال: استعمرت فرنسا الجزائر وحصل من اضطهاد أهلها ما تقشعر له الأبدان. يقول مؤرخ فرنسي وهو يتحدث عن غنائم الجيش الفرنسي من الجزائر: "وبيعت الغنائم وكان من بينها أساور نساء وهي لا تزال في أيديهن المقطوعة، وأقراط نساء لا تزال تلتصق بها قطع من آذانهن". بمثل هذه الروح الحاقدة استعمر الصليبيون الجدد بلاد المسلمين، وما خرجوا منها حتى تركوا فيها بصماتهم وخلّفوا عملاءهم الذين أكملوا المسيرة الشريرة. فتركوا البلاد مقطعة الأوصال، وقد اصطنعوا بينها الحدود التي ما تزال مشكلاتها قائمة حتى اليوم. وأطلقوا يد المنصّرين وسخروا المستشرقين لبث البلبلة الفكرية والعقدية في ديار المسلمين. ورسموا المناهج لتعليم أبناء المسلمين على الطريقة العلمانية، لإبعادهم عن معطيات دينهم وتراثهم الناصع.
أيها المسلمون، وضمن سلسلة الحروب الصليبية، تعاون النصارى مع المغول القدامى ضد المسلمين: فلم يكتف الصليبيون بمهاجمة ديار المسلمين، وإنما تآمروا مع قوى الشر العالمية لاستئصالهم، فتحالفوا مع المغول الوثنيين. ففي القرن الثالث عشر للميلاد ظهرت قوة التتار طاغية مدمرة، فتحالف معهم النصارى ضد المسلمين، وقد هدم المغول مساجد المسلمين وقتلوهم، وحرَصوا على حماية أرواح النصارى وممتلكاتهم وحافظوا على كنائسهم. وأحدثوا مذبحة في بغداد فقتلوا الفقهاء والعلماء كما أعدموا الخليفة، ولم ينج من تلك المجزرة سوى أهل الذمة من اليهود والنصارى.
أيها المسلمون، ومن صور الحروب الصليبية تعاون أوربا النصرانية مع الصهيونية، وهذا أمر لا يحتاج إلى دليل، فقد التقت مصلحة الصليبيين مع مصلحة الصهاينة من أجل تمزيق وحدة العالم الإسلامي بغرس النبتة الغريبة المسمى بإسرائيل في فلسطين، لتفصل مصر وشمالي أفريقيا عن بلاد العرب في آسيا، وحتى لا يفكر المسلمون بالعودة إلى مجاهدة الغزاة المستعمرين وطردهم من بلادهم.
لقد احتضنت بريطانيا الحركة الصهيونية منذ بداية القرن العشرين، ووافقت على تسليم فلسطين صافية إلى اليهود، لقد التقت المصالح القومية لبريطانيا مع الخلفية التوراتية لكثير من سكانها النصارى ذوي المنطلقات الأصولية التوراتية في تبني الكيان الصهيوني في فلسطين.
وفعلاً سلمتها بريطانيا لليهود عام 48م بعد أن اطمأنت إلى قوتهم، ومن ثم أسرعت كل من أمريكا وروسيا واعترفتا بدولة إسرائيل، وأخرجوا المسلمين من ديارهم وألقوا بهم لاجئين خارج وطنهم ليعيشوا في الخيام. إنها حرب صليبية.
ومما يدعم الحرب الصليبية دور الولايات المتحدة في حماية إسرائيل: فها هي تستلم حماية إسرائيل وتمدها بالمال والسلاح، وتسخر هيئة الأمم لمصلحة الصهاينة المعتدين.
والاتجاه القومي في الولايات المتحدة في العصر الحديث يتلخص في اعتقاد النصارى الإنجيليين التوراتيين بأن أرض فلسطين هي أرض الميعاد، وسوف تكون عليها المعركة الكبرى الفاصلة، وأنها ستكون معركة نووية تكون نهايتها دمار العالم وانهيار حضارته، ويعتقد هؤلاء أن نهاية المعركة ستكون انتصاراً للنصارى وتدميراً كاملاً للمسلمين.
يؤمن بهذا الوعد المحرّف سبعة من رؤساء الولايات المتحدة الذين جاءوا قبل بوش الأب. ويعتقدون أن أرض فلسطين هي الأرض الموعودة لليهود، وأن الواجب الديني يقتضي تحقيق هذا الوعد، وهو وعد محرف عندنا، ولا شك لأنهم سيكونون من جنود المسيح الدجال، وسوف يقتلهم المسلمون بقيادة عيسى - عليه السلام - تحقيقاً لا تعليقاً.
أيها المسلمون، ولا تزال الحرب الصليبية مستمرة بلهجة شرسة ليس لها نظير، إلا في مسلسل القوم الإجرامي منذ تخريب بيت المقدس وإراقة الدماء فيه بوحشية. فما أشبه الليلة بالبارحة.
ولا أظن أن أحداً نسي ما حصل من مذابح في تل الزعتر وصبرا وشاتيلا وجنين وباقي المخيمات الفلسطينية.(67/76)
أما مذبحة المسجد الإبراهيمي فقد حصد المجرمون عشرات المصلين وهم ركع سجود في شهر رمضان المبارك من عام 1414هـ، كل ذلك يتم تحت مظلة النظام العالمي الجديد الذي يغض الطرف عن هذه المجازر وعن مثيلاتها في كشمير والفلبين والصومال وأرتيريا وأفغانستان والشيشان وغيرها.
وأما ما حصل من حرب صليبية في البوسنة فأمر كشف أشياء وأشياء، عن أحقاد القوم، وبانت سوءة الغرب في تلك الحرب التي فاقت وحشية المغول والتتار، فقد عذبوا أئمة المساجد وطالبوهم بالكفر بالإسلام، والإيمان بالنصرانية، وأجبروا كثيراً من المسلمين في مخيمات الأَسْر على أكل لحم الخنزير، وكان الإعدام الجماعي من سمات وحشيتهم، شمل ذلك الرجال والأطفال والنساء، بل كانوا يستنزفون دماء المسلمين لإمداد الصرب الجرحى بالدم المسلم. وكانت جائزة كل صربي يقتل مسلماً ما يعادل 300 جنيه إسترليني. وأما اغتصاب المسلمات العفيفات فأمر يندى له الجبين. وبلغ عدد اللاجئين الهاربين من هذه الوحشية أكثر من مليونين ونصف تلقفتهم الأيدي بين قابل ورافض. ولم يعرف العالم الأوربي لذلك مثيلاً منذ الحرب العالمية الثانية.
إن مسلسل الإجرام الصليبي واحد لا يتغير مع توالي القرون، ومنذ عهد مجازر الحملات الصليبية الأولى، مروراً بمحاكم التفتيش ومجازر البوسنة وانتهاءً بآخر الحروب الصليبية هذه الأيام التي ما زالت في علم الغيب، نسأل الله - تعالى -أن يكفي بلاد المسلمين شرها.
في بداية حرب البوسنة صرح وزير الإعلام الصربي قائلاً: "نحن طلائع الحروب الصليبية الجديدة"، وهذه المقولة شبيهة بمقولة سمعها العالم قبل عدة أشهر نطق بها كبيرهم الذي علمهم السحر، فما أشبه الليلة بالبارحة.
قال الرئيس الفرنسي والذي يؤمل منه شيئاً في الحرب الصليبية الحالية عند زيارته لمطار سرايفو: "لن أسمح بقيام دولة أصولية إسلامية في أوربا".
وأما موقف بريطانيا فكما هو واضح الآن فقد كان واضحاً أيضاً في الحرب الصليبية البوسنية فقد قال رئيس وزرائهم: "إن الهدف النهائي لنا هو تقسيم البوسنة ومنع قيام الدولة الإسلامية في أوربا، وهو الأمر الذي لا يمكن أن نسمح به أبداً".
أيها المسلمون، ومع كل هذا الكيد، إلا أن الأمل بالله جل وتعالى كبير في أن تنهار هذه الحملة الصليبية الجديدة كما انهارت الحملات الصليبية السابقة، وما ذلك على الله بعزيز، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.
بارك الله...
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه..
أما بعد: إن الشبه كبير بين واقع المسلمين المعاصر وما كان يسود بلاد المسلمين خلال فترة الحروب الصليبية، من حيث الغزو الجماعي الصليبي الشرس والاستيطان الظالم المدمر، وتفرق المسلمين وضعفهم وغياب الأسس العقدية الأساسية. ولن تتخطى الأمة محنتها تجاه الصليبيون الجدد إلا بما يلي:
أولاً: رجوع الأمة إلى هويتها الأصيلة وثقافتها المنبثقة عن عقيدتها، وأول هذه الشروط أن يشمل التغيير بنيتنا الفكرية على أن نلتزم بالتربية العقدية، فالمجتمع المفكك الفاقد لثقافته وهويته لا يمكن أن ينتج قوة عسكرية قادرة متماسكة.
ثانياً: نشر الثوابت العقدية بين الأمة، والتي لا مساومة عليها، من بغض الكفار وكفر اليهود والنصارى وتأصيل عداوتهم ومحاربتهم لنا، والحب في الله والبغض في الله، ينشر هذا عن طريق الشريط والكتيب والمطوية وكلمات المساجد وخطب الجمعة.
ثالثاً: نشر العلم الشرعي: عن طريق المدارس والمساجد والبيوت لأن هذا العلم هو الذي يحفظ للأمة أجيالها، فلا بد من وضع المناهج الكفيلة بتحقيق هذه الغاية والبعد عن كل ما يشوش على الناشئة تصورهم، وإحباط المناهج العلمانية التي سادت معظم ديار المسلمين والتي ورثناها عن المستعمرين ومخططاتهم الخبيثة.
رابعاً: إقامة الوحدة الإسلامية: وهذا مطلب شرعي وهدف عظيم حققه الإسلام منذ فجر الدعوة وصرنا أمة واحدة قوية متآلفة، هذا المكسب يجب المحافظة عليه وتجديده بكل وسيلة. وفي العصر الحديث قامت عدة محاولات للوحدة بين بعض الأقطار على غير رابطة الدين والعقيدة، فباءت بالخسران والفشل لأنها قامت على روابط قومية علمانية أو يسارية شيوعية، وكل تلك الروابط لا تجسد إرادة الأمة المسلمة ولا تمثل عقيدتها.(67/77)
خامساً: التربية الجهادية: الجهاد ذروة سنام الإسلام وعموده، به يعز الله المسلمين ويذل الكافرين، فما تَرك الجهاد قوم إلا أذلهم الله وعمهم البلاء. بالجهاد انتشرت الدعوة الإسلامية في مشارق الأرض ومغاربها بعد إزالة الطواغيت وتصفيتهم. بالجهاد دب الرعب في قلوب المشركين منذ فجر الإسلام، وزُلزل اليهود والنصارى، فهَرعوا لمحاربة الروح الجهادية في نفوس أبناء هذه الأمة بالمكر والكيد عن طريق المبشرين والمستشرقين وأذنابهم من العلمانيين. قال أحد المستشرقين: "إن أوربا لا تستطيع أن تنسى ذلك الفزع الذي ظلت تحس به عدة قرون والإسلام يجتاح الإمبراطورية الرومانية من الشرق والغرب والجنوب". وقال آخر محذراً قومه من عودة الجهاد إلى نفوس المسلمين: "إن الشعلة التي أوقدها محمد ـ ونحن نقول: صلى الله عليه وسلم ـ في قلوب أتباعه لهي شعلة غير قابلة للانطفاء". من أجل ذلك جنّد العدو أشياعه من العلمانيين ودعاة التغريب لطمس روح الجهاد الذي لا يمكن لهم طمسه مهما أوتوا من حيلة والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
11/1/1424
http://www.alminba صلى الله عليه وسلم net المصدر:
==============(67/78)
(67/79)
الصليبية 'البوشينية' الجديدة في أوروبا: ألمانيا نموذجاً
محمود سلطان
30/11/2004
فولفجانج هوبر ليس شخصية عادية في ألمانيا الديمقراطية التي تنتمي إلى العالم الحر والمتحضر، وإنما قيادة دينية مسيحية كبيرة، فهو يرأس "مجلس الكنيسة البروستانتية" في ألمانيا، وهذا المجلس يتمتع بمكانة اعتبارية مؤثرة، إذ إنه يمثل 26 مليون مسيحي ألماني، أي أن ما يقوله لا يمثل رأيه الشخصي وإنما يمثل تياراً واتجاهاً عاماً داخل المجتمع الألماني.
وصف هوبر في حوار له نشر في عدد الأسبوع الماضي من مجلة "فوكوس" مسلمي ألمانيا بـ"الضيوف المخيفون"، وانتقى الصحفي المحاور له كل ما من شأنه إخراج ضغينة الزعيم المسيحي البروستانتي تجاه الإسلام والمسلمين مثل رأيه في الآية الرابعة والثلاثين من سورة النساء والتي تتضمن "ضرب الزوجة الناشز"، ولأن المحاور جاهل بالإسلام، ولا يبتغي من سؤاله غير الإثارة والتهييج، ولأن هوبر لا يقل جهلاً عن محاوره، بل ويزيد على جهله حقده وكراهيته للإسلام؛ فإنه تكلم باستعلاء وعنجهية وعنصرية بالغة الاستفزاز، بل إنه لم يراع الأدب واللياقة وهو يتحدث عن الإله الذي يعبده أكثر من مليار مسلم على وجه الأرض، ولا على قدسية كتابه العزيز، بل دعا إلى ضرورة تغييره، معتقداً أن القرآن شأنه شأن إنجيل زعيمه الروحي "مارتن لوثر" الذي ألف إنجيلاً خاصاً بالبروستانتية اعتبره المؤرخون القدامى والجدد إٍحياء لليهودية داخل العالم المسيحي.
فرداً على سؤال للمجلة عن الآية المشار إليها من سورة النساء قال هوبر: "إنها لضرورة ملحة أن تحدث عملية تغيير في الإسلام تتعلق بأصوله، ولكن عندي انطباع أن الرأي السائد لا يسمح بتوجيه انتقادات موضوعية لأقوال القرآن".
وأعرب الزعيم المسيحي البروتستانتي الذي يمثل 26 مليون مسيحي ألماني عن رفضه لأن تتحول الكنائس غير المستخدمة والمعروضة للبيع إلى مساجد، "لأن ذلك سيعطي انطباعاً بأن الفرق بين الإسلام والمسيحية ضئيل، وأن المسيحيين والمسلمين يصلون لنفس الإله، ولكننا نحن المسيحيون لا نجد مبرراً لنقول إننا نعبد نفس إله المسلمين".
وإذا كان هذا الكلام قد يعتبره البعض طبيعياً لرجل دين ينحاز بطبيعته إلى فكرة "التميز الديني"، فما بالنا بكلام مشابه لقيادة علمانية ألمانية شغلت من قبل أعلى منصب سياسي في برلين وهو المستشار الألماني السابق "هيلمون شميدت"، والذي ينتمي إلى الحزب الديمقراطي الاشتراكي الحاكم، إذ قال في تصريحات أدلى بها لصحيفة "هامبورجرآبند بلات" المسائية: إن بلاده ارتكبت خطأ عندما استقدمت في ستينات القرن الماضي أيد عاملة من دول إسلامية، "لأن الديمقراطية لا تنسجم مع المجتمع متعدد الثقافات"، وهي تصريحات لاقت من قبل بعض المنصفين الألمان - و"قليل ما هم" - ردود فعل عنيفة، حتى داخل أعضاء من داخل حزبه الاشتراكي الديمقراطي، لأنها تنكر فضل هؤلاء العمال على "المعجزة الاقتصادية الألمانية" كما صرح سياسيون واقتصاديون ألمان.
وهي تصريحات أهديها لدعاة الحداثة والتنوير العربية من الذين يقدمون التحيات، ويقيمون الصلوات "طرفي النهار وزلفاً من الليل" للنموذج الديمقراطي الغربي للتعايش بين الثقافات المتعددة، باعتباره النموذج الأكثر تسامحاً لهذا التنوع والتعدد.
أئمة المساجد التابعة للدولة التركية في ألمانيا استشعرت الخطورة، وقدمت مبادرة طيبة للبرلمان المحلي لولاية "شمال الراين واستفاليا" عندما كان يناقش الأخير قضايا حول الإسلام؛ تقترح فيها صيغة للتعايش مستوحاة من الوحي القرآني و"ثقافة البر والقسط" مع المخالفين دينياً سميت "إسلام ألماني"، وهو مصطلح يختزل الكثير من التفاصيل، ولعله يوحي بالرغبة في الانتظام السلمي والطوعي داخل النسيج الاجتماعي الألماني، وعدم الصدام معه، غير أن مفوض حكومة الولاية لشؤون الأجانب "كلاوس ليفرنجهاوزن" رفض المبادرة، واستخدم لغة ومفردات غبية واصفاً إياها بأنه "طلب نازي"!!
المستشار الألماني الحالي أصيب بالذعر من "العنصرية الدينية" الألمانية التي بلغت حد الهوس، وبات يشعر بخطورة تحريك المشاعر الصليبية التي أججها الرئيس الأمريكي جورج بوش، وتحدث الرجل وبصراحة شديدة أمام البرلمان "بوندستاج" عن مخاوفه مما سماه "إعلان حرب صليبية في الداخل والخارج"، في إشارة منه إلى محاولات المعارضة المسيحية الديمقراطية الربط بين رفضها لانضمام تركيا إلى الإتحاد الأوربي وانتماء الأولى للإسلام.
ويبدو أن بعض العقلاء كان شديد الوعي بخطورة هذا الحشد السياسي والإعلامي والنخبوي تحت راية "الصليبية البوشية" الجديدة في ألمانيا، إذ انضم إلى المستشار الألماني الحالي "جيرهارد شرويدر" رئيسة الكتلة البرلمانية لحزب الخضر الشريك الصغير في حكومة شرويدر "كريستا زاجر" عندما انتقدت بشدة لجوء بعض السياسيين لاستخدام "أسلوب غير مناسب" على الإطلاق في الحديث عن المسلمين في ألمانيا، رافضة "أن ينزلق أحد أرجلنا للمشاركة في هستيريا من حرب دينية عالمية".(67/80)
وبالمناسبة فإن بوش الذي أيقظ هذا الهوس الديني العنصري في العالم الغربي كان جاداً في "صليبيته"، ولم يدافع الرجل عن نفسه ضد هذه "السبة"، فإذا كان قالها عقب تفجيرات سبتمبر، واعتبرت في حينها "زلة لسان" خرجت منه تحت تأثير الصدمة والغضب والانفعال، فإنه عاد وكررها في فبراير من العام التالي للأحداث، والمثير للغثيان أن الليبراليين العرب تصدوا بحماس للدفاع عن بوش "مجاناً" أو "استئجاراً" رغم أنه تحلى بالبلادة و"قلة الذوق" في هذا الأمر تحديداً.
وفي هذا الإطار نشرت الحياة اللندنية في 28/11/2004 ، لـ جورج طرابيشي عرضاً لكتاب صدر حديثاً في باريس لمؤلفه "ماكسيم ليفيبفر" بعنوان "السياسة الخارجية الأمريكية" نقل طرابيشي من الكتاب هذا النص: " .. وكما كان لاحظ هنري كسينجر، فإن قدر الولايات المتحدة هو الاضطلاع بعبء دورين: دور "المنارة" عندما ترجح كفة الانعزالية، ودور "الصليبية" عندما ترجح كفة المسيحانية، وبهذا المعنى تحدث الرئيس بوش - ولم تكن فلتة لسان - عن "حرب صليبية" ضد "محور الشر" والإرهاب، مؤسساً بذلك ما أسماه بعض الباحثين "دبلوماسية الحق الإلهي".
مؤلف الكتاب فرنسي نصراني، وعارضه بالحياة نصراني عربي، ما يعني أنه جاء من قبيل ".. وشهد شاهد من أهلها".
المصدر : http://www.alas صلى الله عليه وسلم ws/index.cfm?fuseaction=content&contentID=5888&catego r yID=16
===============(67/81)
(67/82)
أوروبا علمانية وأمريكا صليبية!؟
محمد جمال عرفة
20/5/1425
من مفارقات السياسة الأوروبية والأمريكية الجديدة في عالم اليوم أن الأمريكان يتجهون أكثر - عبر حكومتهم - نحو مزيد من العنصرية والصليبية في سياستهم الداخلية والخارجية، وبالمقابل يتبني الأوروبيون - في دستورهم الموحد الجديد - سياسة علمانية، ويرفضون حتى مجرد الإشارة إلى جذور أوروبا المسيحية في دستور أوروبا الموحد المفترض توقيعه في نوفمبر 2004.
وفي الوقت الذي تعلن فيه إدارة الرئيس بوش خطوات صليبية للتعامل مع العالم العربي، وتتخذ خطوات أخرى داخلية لزيادة تمويل التعليم الديني المسيحي في المدارس الأمريكية؛ تتبع البلدان الأوروبية سياسة أكثر علمانية في تعاملتها الخارجية، وتحارب التعليم الديني الإسلامي والحجاب في مدارسها باعتباره مخالف لهذه العلمانية.
فالرئيس بوش وصل به الأمر لحد محاربة القضاء الأمريكي، والتهديد بعدم تعيين القضاة الذي يعارضونه (محكمة الاستئناف في سان فرانسيسكو)؛ لأنهم يرفضون اعتماد قَسَمٍ للولاء في المدارس يتضمن كلمة (الله)، ولكنه - بالمقابل - طالب مصر، وباكستان، والسعودية بتغيير مناهج المدارس، ومحاربة الدينية منها بدعوى أنها تحض على الإرهاب!؟
وبوش أيضاً يشجع إقامة المدارس الدينية المسيحية، ويقدم لها الدعم، بل ويقود حملات قوية عبر حزبه الجمهوري المتحالف مع اليمين المسيحي المتطرف لإقامة مدارس غير مختلطة لكل من الإناث والذكور على حده، ولكنه بالمقابل يرفض تماماً دعم الحكومات العربية والإسلامية للمدارس الدينية الإسلامية التي تُخرج الدعاة وحفظة القرآن بدعوى أنها تخرج متطرفين وإرهابيين ومتعصبين.
وبالمقابل تسعي أوروبا الموحدة لرفض أي ربط بين الدين والدولة في دستورها الجديد الموحد، وتحارب حتى المدارس الدينية الإسلامية في أوروبا ولبس الحجاب، الأمر الذي قد تكون له انعكاسات مستقبلية علي السياسة الخارجية الأوروبية الموحدة عموماً، ورفض للتعليم الديني في أوروبا أو أي بلد عربي أو إسلامي آخر.
أيضاً سيترتب على عدم النص في الدستور إلى "مسيحية " أوربا وجذورها السماح لدول أخرى إسلامية مثل: تركيا للانضمام للاتحاد، بل وربما السماح لدولة يهودية مثل الدولة العبرية الإسرائيلية بالانضمام للاتحاد الأوروبي فعلياً.
ولهذا انتقد البابا يوحنا بولس الثاني بابا الفاتيكان الدستور الأوربي الجديد الذي توصلت إليه الدول الأعضاء بالاتحاد الأوربي في 18 يونيو 2004م في بروكسل لعدم تضمينه إشارة واضحة إلى الجذور المسيحية لأوربا، معتبراً أنه "لا يمكن قطع الجذور التي نشأنا منها"، واعتبر يوحنا بولس الثاني أن "تاريخ قيام الدول الأوربية مرتبط بالتبشير بالإنجيل"، وأن هوية أوربا "ستكون غير مفهومة بدون المسيحية، كما عبر الفاتيكان رسمياً 19- 6- 2004م عن خيبة أمله لإغفال ذكر الجذور المسيحية لأوربا في الدستور الأوربي الذي تم إقراره خلال قمة الاتحاد الأوربي، مؤكداً أن ذلك يشكل "رفضاً للبرهان التاريخي والهوية المسيحية للشعوب الأوربية"، وشاركت الكنيستان الكاثوليكية والبروتستانتية في ألمانيا في الإعراب عن خيبة أملهما لعدم إشارة الدستور الأوربي للمسيحية.
إغفال "المسيحية" يقضي علي نفوذ الكنيسة:
وكانت بولندا وإيطاليا قد حاولتا حتى اللحظة الأخيرة الحصول على ذكر للمسيحية في مشروع الدستور الأوربي، إلا أن معارضة عدد كبير من الدول بينها فرنسا كانت قوية جداً، فغاب ذكر المسيحية بنص الدستور، وتوصلت الدول الأعضاء في الاتحاد الأوربي إلى اتفاق حول أول دستور للاتحاد لم يتضمن إشارة للمسيحية.
حيث سعي رئيس الوزراء البولندي ليجيك ميللر للمطالبة بذكر "الطابع المسيحي للاتحاد الأوروبي" صراحة في الدستور المقبل، وسعت دول أخرى تلعب فيها الكنيسة المسيحية دوراً كبيراً مثل: اليونان وأسبانيا والبرتغال لتأييد هذا الطلب، ولكن الدول الأخري التي تعادي أي دور للكنيسة خصوصاً فرنسا نجحت في حسم الأمر لصالح عدم النص على إشارة لجذور أوروبا المسيحية خشية أن يسمح هذا بدور مستقبلي للكنيسة في الحياة السياسية.
وتشير المقدمة التي اقترحتها المعاهدة حول مستقبل أوروبا فقط إلى "الميراث الثقافي والديني لأوروبا التي ما زالت قيمها موجودة في تراثها"، ولكن هذا لم يكف هذه الدول، وقال رئيس وزراء بولندا موطن بابا الفاتيكان: "إن المقدمة تتحدث عن التقاليد الأوروبية، ويجب أن يكون ضمن هذه التقاليد دون أدنى شك المسيحية".
أيضاً قدمت البرتغال من جانبها طلباً بهذا المعنى، وقال رئيس الوزراء البرتغالي جوزيه مانويل دوراو باروسو: إن الديانة المسيحية شكلت مساهمة أساسية لدول الاتحاد الأوروبي، ودعا رئيس الوزراء الهولندي يان بيتر بالكينيند إلى الإشارة إلى "الجذور المسيحية - اليهودية " في الدستور الجديد، كما طالبت بالأمر نفسه وزيرة الخارجية الاسبانية آنا بلاثيو ونفت الاتهامات بأنها تحاول تحويل أوروبا إلى "ناد مسيحي"، مشيرة إلى أن الهدف هو فقط "إبراز " الميراث المسيحي دون استثناء "الديانتين اليهودية والمسلمة".(67/83)
ويقول مؤيدو النص على مسيحية أوروبا: إن هذا أمر طبعي، ولا بد من الاعتراف بالميراث المسيحي خاصة أن مقدمة الدستور تعترف بمفهوم "الميراث الديني"، وهذا أمر لم يقم به ميثاق الحقوق الأساسية لمواطني الاتحاد الأوروبي، ولكن المعارضين - خاصة الأحزاب اليسارية - يقولون: إنه يكفي أن عدة دساتير أوروبية - منها: البولندية والألمانية - تشير إلى الله أو القيم المسيحية، حتى أن مقدمة الدستور الألماني تبدأ بعبارة: إن "الشعب الألماني إذ يعي بمسؤولياته أمام الله والإنسان وضع هذا القانون الأساسي بموجب السلطة التأسيسية ".
ويبدو أن جانباً من الرفض الأوروبي للنص علي الجذور المسيحية للقارة نابع من إرث تاريخي سلبي فيما يخص العلاقة بين الحكومات والكنيسة من جهة، وارتباط الممالك الأوروبية القديمة بإرث غير مريح من الغزوات والحروب الصليبية.
وقد حاولت شبكة (ايه بى سى) الأمريكية في تقرير حول تداعيات الحرب التي شنتها أمريكا وبريطانيا على العراق أن تذكر بأن " تلك الحرب قد تؤدى لتنامي فكرة أن الغرب وبصفة خاصة إدارة الرئيس بوش ينتهجون حرباً ضد الإسلام في العالم الإسلامي، وأعادت ذاكرة الكثيرين من الناس في الشرق الأوسط للمذابح والعنف التي حدثت أثناء العصور الوسطى عندما أرسل الأوروبيون حملات صليبية ضد الإسلام.
وربما لهذا لم يعر الأوروبيون مطالب البابا يوحنا بولس الثاني بابا الفاتيكان للاتحاد الأوروبي بتضمين الدستور الأوروبي الجديد إقراراً بالتراث المسيحي لقارة أوروبا، وتجاهلوا قوله: " إن على صانعي القرارات السياسية في الاتحاد الأوروبي أن يعيدوا اكتشاف جذورهم المسيحية "، ما يعني أن الكنيسة الكاثوليكية خسرت معركة إضفاء اعتراف خاص على المسيحية في الدستور الأوروبي الجديد، إلا أنها لا تريد أن تستسلم، وتسعي - حتى تاريخ إقرار هذا الدستور في نوفمبر المقبل 2004 م - للضغط ومعها الكنيسة الأرثوذكسية اليونانية وأحزاب وسط اليمين في أسبانيا وإيطاليا والبرتغال وبولندا.
تركيا تستفيد:
ولا شك أن تركيا هي المستفيد الأول من علمانية أوروبا، حيث سيفتح هذا الدستور الموحد الباب أمامها للانضمام رغم أنها دول إسلامية بعد أن كان قادة أوروبيون يقولون في السابق: إن مسيحية أوروبا، وطبيعة الاتحاد "المسيحية عقبة أمام دخول دولة إسلامية مثل: تركيا للاتحاد.
ولهذا عد (رئيس الوزراء التركي) رجب طيب أردوغان أن القرار الذي سيتخذه الاتحاد الأوربي في نهاية 2004م بشأن ترشيح تركيا للانضمام إليه سيحدد ما إذا كان الاتحاد "تحالفَ قيم" أو "نادياً مسيحياً"، وأعرب أردوغان عن قناعته بأن "الاتحاد الأوربي اتحاد للسلام والحوار بين الحضارات، وليس للصدام أو تجمع مسيحي".
كما قالت صحيفة "يني آسيا" التركية: إن "ضم تركيا للاتحاد الأوربي يعني تصالح الغرب مع الإسلام".
المصدر : http://www.almoslim.net/figh_wagi3/show_ r epo r t_main.cfm?id=433
==============(67/84)
(67/85)
الجنوب مدخل الصليبية إلى السودان
مصعب الطيب بابكر (*)
قد يبدو غريباً أن نعلم أن جنوب السودان الذي يمثل الآن قاعدة صليبية حيوية لفرض النصرانية وصد انتشار الإسلام إلى أعماق إفريقيا هو نفسه جنوب السودان الذي دخله الإسلام قبل النصرانية بعدة قرون(1)؛ بل إن مملكة الفونج الإسلامية «السلطة الزرقاء» (1500 ـ 1821م) كانت من أصول جنوبية(2)، كما أن قبائل الجنوب كانت أكثر تجاوباً مع حركة المهدي الإسلامية (1885 ـ 1898م)؛ إذ أخذت بعض القبائل بتقليد لباسها وأعلامها وصيحاتها في الحرب بصورة عفوية، وهاجرت إليه قبائل أخرى لمبايعته طوعاً(3)؛ في حين أن تلك القبائل قابلت الإرساليات التنصيرية الأولى بتوجس ونفور شديدين؛ إذ لم تفلح تلك الإرساليات منذ مقدمها عام 1846م ولمدة خمسة عشر عاماً في تنصير فرد واحد مع أنها فقدت في سبيل ذلك أكثر من أربعين مُنصِّراً، وقد كتب القس (رفيجو أنطوني ماريا) عام 1901م قائلاً: «حينما بدأ مع الأب تابي العمل وسط الشلك لم يكونوا يريدوننا وسطهم، كانوا يكرهوننا، وحاولوا مرتين أن يقتلونا»(4).
غير أن هذه الغرابة ستتبدد تماماً حين ندرك مقدار المؤامرة والمكر الكبير الذي أعاد تشكيل ذلك الإقليم، وأعده للعب دور فعال ومؤثر في صياغة هوية كل السودان، وفي تكوين حائط ضد التوجهات العربية الإسلامية.
الجنوب: الجغرافيا والسكان:
تقدر مساحة المديريات الجنوبية بربع مساحة السودان تقريباً؛ كما يقدر سكانها بربع مجموع السكان الكلي، ومجموع سكان السودان هو (24. 99. 000 حسب تعداد 1993م)، وتعيش في الجنوب أكثر من ستين قبيلة لكل قبيلة لهجتها وتقاليدها الخاصة وعقيدتها التي تدين بها؛ إلا أن ثلثي سكان الجنوب ينتمون إلى «القبائل النيلية» وهي (الدينكا، والنوير، والشلك)، بينما يتشكل الثلث الباقي من القبائل الأخرى كـ (الأنواك، والأشولي، والزاندي، واللاتوك) وغيرها. إن معظم أفراد تلك القبائل يدينون بما يعرف بـ «المعتقدات الإفريقية» التي تتضمن الإيمان بالأرواح والسحر والشعوذة والحراب المقدسة والأوثان. أما البقية الأخرى فلا تدين بأي عقيدة أو مبدأ سوى تلك الحياة البدائية البسيطة.
البداية:
لم تحظ مجاهل السودان الجنوبية البعيدة باهتمام معتبر من قِبَل الممالك النصرانية القديمة (كممالك النوبة ونبتة وكوش)، ولا من الممالك الإسلامية (كمملكة الفور والفونج) فيما قبل القرن التاسع عشر، كما انشغلت حركة المهدي بالتوسع واستقرار الدولة في الشمال عن الزحف باتجاه الجنوب الذي كان يعيش في حالة أقرب إلى الفوضى وانعدام السلطان، وباستنثاء التوافد التجاري لبعض الأوروبيين فإن إرساليات التنصير لم تبدأ بصورة جدية إلا بعد إنشاء دائرة إفريقيا الوسطى بأمر من البابا جريجوري السادس عشر عام 1846م، في محاولة لاستباق البروتستانت والتجار المسلمين إلى المنطقة، ثم توالت بعد ذلك الإرساليات الكاثوليكية والبروتستانتية والأنجليكانية والأمريكية وغيرها في سباق شره ومحموم للاستحواذ على تلك الأقاليم(1).
إن نشاط الهيئات التنصيرية في جنوب السودان طوال تاريخه وبمختلف طوائفه وانتماءاته يهدف إلى عدة أمور يمكن من خلالها أن نفهم سر ذلك الحماس المسعور الذي يقف خلف تلك الجهود، ومن أمثلة تلك الأهداف أو المسوغات:
1 - نظرة الحق الديني: تميزت مناطق الجنوب ببيئة جغرافية ومناخية قاسية تسببت في هلاك عشرات القساوسة والمنصرين مما ألهب حمية الآخرين، وأكسب القضية بعداً جديداً لتحفيز العمل الصليبي وليس تثبيطه. لقد أخذ المنصِّر الإيطالي الشهير «دانيال كمبوني» العهد على نفسه وهو يشهد احتضار أحد القساوسة بأن ينذر حياته لتنصير إفريقيا أو الموت على درب من سبقوه، وبدأ القس «ليوللن قوبي» تأسيسه للكنيسة الأسقفية الأنجليكانية بشعار (إعادة نصب راية المسيح التي سقطت) ويقول: «إن على الكنيسة ألا تخلد إلى الراحة حتى تستعيد ما كان لها مرة أخرى»(1)، إن دوائر التنصير تتحدث عن إقليم الجنوب السوداني كما لو أنه ملك لهم وحدهم لا يسع أحداً أن يزاحمهم فيه رغم أن تلك الكنائس لم تقدم لأهل الجنوب طوال قرن ونصف ما يصلح أن تنبني عليه حضارة. إن تلك المقاطعات الآن هي أكثر مناطق السودان جهلاً وتخلفاً وبدائية مع أن تلك الكنائس كانت تستأثر بالسلطة والدعم الحكومي والإمداد الأجنبي لفترات طويلة كانت كافية لإحداث تغيير كبير إن أريد له ذلك!(67/86)
2 - محاربة الإسلام: إن الضغينة والحنق على الإسلام والرغبة العنيفة لإقصائه هي أهم أهداف تلك الحملة الصليبية على المنطقة، إنها تدرك أنه لو نفذ الإسلام إلى هناك فإن ذلك مدعاة لانتشاره في كامل القرن الإفريقي ومنابع النيل ومنطقة البحيرات، وهي مناطق استراتيجية مهمة ومفصل حركة القارة، وهذه ميادين لا مساومة فيها؛ ومن ثم سعت الكنيسة إلى نفي كل أثر يتعلق به من الجنوب، لقد كتب اللورد كتشنر عام 1982م قائلاً: «ليس من شك في أن الدين الإسلامي يلقى ترحيباً حاراً من أهالي هذه البلاد فإذا لم تقبض القوى النصرانية على ناصية الأمر في إفريقيا فأعتقد أن العرب سيخطون هذه الخطوة، وسيصبح لهم مركز في وسط القارة يستطيعون منه طرد كافة التأثيرات الحضارية إلى الساحل، وستقع البلاد في هذه العبودية»(2). ويشرح القس «أرشيد كون شو» الأمر فيقول عام 1909م: «إن لم يتم تغيير هذه القبائل السوداء في السنوات القليلة القادمة فإنهم سيصيرون محمديين؛ إذْ هذه المنطقة منطقة استراتيجية لأغراض التبشير، إنها تمتد في منطقة شرق إفريقيا في منتصف الطريق بين القاهرة والكاب». ثم يقول: «إن كانت الكنيسة في حاجة إلى مكان لإيوائها فهو هنا لصد انتشار الإسلام، والقضاء على تعاليم النبي الزائف». ونحن نقول: وهو تماماً ما تمت التوصية به في المؤتمر الإرسالي العالمي بأدنبرة عام 1910م: «إن أول ما يتطلب العمل إذا كانت إفريقيا ستكسب لمصلحة المسيح أن نقذف بقوة تنصيرية قوية في قلب إفريقيا لمنع تقدّم الإسلام»(3).
3 - فصل الجنوب: إن مجمل السياسات الجنوبية المصيرية في عهد الحكم الثنائي (الإنجليزي ـ المصري) كانت تصنع في الكنيسة؛ إذ إنها تملك الحضور الفاعل في الميدان، وتملك المعلومات الاستخباراتية من شبكات كنائسها المنتشرة في كل النواحي، وتملك أدوات التأثير والضغط على الإدارة الحكومية، وتملك كذلك التمويل اللازم لتنفيذ سياساتها؛ ولذا كانت توجهات الإدارة الاستعمارية تسير باتجاه فصل الجنوب(4)؛ يتحدث عن ذلك السكرتير الإداري (ماكمايكل) فيقول: «إنه من المعلوم أن تلجأ البعوث النصرانية خوفاً من التغلغل الإسلامي المتزايد إلى استخدام نفوذها في اتجاه فصل الجنوب»، وعلى إثر ذلك أصدرت سياسة الجنوب والمناطق المقفولة، كما كانت المؤسسات الإدارية الشمالية تقام بمعزل عن رصيفاتها الجنوبية، وعملت الكنائس على إيجاد أبعاد أخرى لمسوغات الانفصال بعد تحويل ديانة الجنوب إلى النصرانية كتعميق العنصرية، وإثارة الضغائن ضد المسلمين من أهل الشمال، وتقوية اللهجات المحلية مع جعل الإنجليزية هي لغة التواصل والثقافة. غير أن الإدارة الاستعمارية لأمر ما قد عدلت ـ آخر أمرها ـ عن فصل الجنوب، فأصدر السكرتير الإداري (جيمس روبرتسون) في ديسمبر عام 1946م أمراً بإلغاء سياسة الجنوب، وأقام مؤتمر جوبا عام 1947م، ليرفع بعده توصياته للحاكم العام بأن الجنوبيين يفضلون الوحدة مع الشمال، ولم تكن مطالب الحركات الجنوبية أيام الاستقلال تتعدى الحكم الذاتي، وبعض المشاركة في الحكومة المركزية.
ومهما يكن من أمر فإن قضية انفصال الجنوب قضية معقدة لا يخلو أي خيار فيها من خسائر؛ لكن اليقين الوحيد هو أن القوى الصليبية لا تدعم وحدة راية إسلامية ولا وحدة تمكن الإسلام من التغلغل في الجنوب. أما حين يكون الانفصال فإن تلك القوى ستضغط باتجاه كسب حدود أوسع كثيراً بصورة تكفي لتحويل ميزان الموارد الاستراتيجية كـ «النفظ والثروة الحيوانية والمراعي» لصالح الجنوب، ثم تقوم هي بباقي مهام بناء إمبراطورية صليبية هناك(5).(67/87)
4 - الدستور والشريعة: من خلال الأرضية المتينة التي توفرها الهيئات الكنسية والصليبية للحركات الجنوبية تمكنت ـ عبرها ـ من عرقلة أي محاولة لإقامة دستور إسلامي أو تطبيق الشريعة الإسلامية، ورغم أن كل الأحزاب السودانية الكبيرة لا تستصحب أي نية جادة في تطبيق حقيقي للشريعة الإسلامية، كما أنها تلتزم باستثناء المديريات الجنوبية منها. إلا أن مجرد إدراج عبارات فضفاضة بإسلامية الدستور أو الشريعة يعد سبباً كافياً لإثارة حملة شعواء ضدها وضد كل من يتبناها؛ فقد اعترضت المجموعات الجنوبية على النص بأن الإسلام دين الدولة والعربية لغتها في محاولة عام 1957م لكتابة الدستور، وحينما تكونت اللجنة القومية للدستور في إبريل عام 1967م كتبت الأحزاب الجنوبية مذكرة حذرت فيها اللجنة من خطورة أي توجه نحو تضمين مواد إسلامية في الدستور، ومن داخل الجمعية التأسيسية في يناير 1968م اعترض الجنوبيون على المواد المتعلقة بالإسلام، وقال عنها العضو (وليم دينج): «إنها الجزء المتعفن الذي يجب إزالته حتى لا تتعفن به البقية». لقد كانت حركة التمرد (الحركة الشعبية) تتمسك بصلابة في كافة مفاوضاتها مع أحزاب الحكومات الانتقالية والمنتخبة بإلغاء قوانين الشريعة التي أعلن عن تطبيقها العقيد جعفر محمد نميري في سبتمبر 1983م. والعجيب أن حركات التمرد الجنوبية ومن ورائها المنظمات التنصيرية تريد أن تفرض رؤيتها الدينية على الشمال والجنوب في الوقت الذي ترفض بشدة أن يطبق الشمال رؤيته حتى في داخل حدوده الشمالية وحدها إن كان خياره الإسلام!!
5 - تشكيل الهوية السودانية: لقد كانت الحركة التنصيرية تستهدف تنصير كل السودان ابتداءً من الوثنيين والذين لا عقيدة لهم من أهل الجنوب والنوبة وحتى تنصير المسلمين في شتى أنحاء السودان. جاء في خطط أعمال مؤتمر كولورادو عام 1978م: «لقد أوقفنا انتشار الإسلام في جنوب ووسط إفريقيا، وما نحتاج إليه هو العمل لإيجاد منافذ إلى داخل الإسلام»(1)، لقد عملت الكنائس بجد على إيجاد مراكز لها في الشمال رغم أن القوانين الحكومية كانت تمنع أي إرساليات تنصيرية شمال خط عرض 10، وحتى الحكومة الإنجليزية نفسها لا تسمح لتلك الإرساليات بالعمل في الشمال(2) إلا من خلال المدارس والمعاهد التعليمية؛ إلا أن الكنيسة أفلحت في تكسير تلك الحواجز ومد سلطانها إلى أبعد ما تبلغه ركابها. إن من المدهش أن نعلم أن نتاج هذا الجهد هو فقط 5% من مجموع ثلاثين مليون نسمة؛ بينما المسلمون 70%، وأصحاب المعتقدات المحلية 25% كما قدرته منشورة (CIA The wo r ld Fact back) وسوى مثل هذه التخمينات؛ فليس ثمة أي إحصائيات موثوقة لظروف الحرب والنزوح. أما الذي حققته الكنيسة في هذا المضمار فهو إيجاد صفوة جنوبية ذات ثقافة غربية حانقة على الإسلام بدرجة أكبر من حنق الكنيسة ذاتها. يقول الكاتب الإنجليزي (ساندرسون): «تحاول الكنيسة السودانية أن تستند إلى مقاومة الإسلام مقاومة إيجابية؛ أما المقاومة السلبية فهي عند الصفوة الجنوبية من خريجي مدارس الإرساليات تمثل واجباً دينياً مسيحياً(3). هذه الصفوة هي التي يراد لها أن تقود جموع الجنوبيين وتسيِّر حركتهم الاجتماعية والسياسية إلى حيث تريدهم القوى الصليبية؛ ففي بوادر حركة الإرساليات النصرانية صرح القس «دانيال كمبوني» بهذه الاستراتيجية قائلاً: «سيتم توفير التعليم العالي للعناصر الأكثر كفاءة، والمأمول أن يتسلموا مقاليد القيادة في بلادهم»(4)، وهذا عين ما يحدث الآن. لقد استطاعت الكنيسة أيضاً أن تحدث شرخاً غائراً في وجدان الإنسان الجنوبي تجاه الإسلام والعروبة، وكل من يتبناها بشكل يمكن استغلاله دائماً في إثارة القلاقل وصناعة حركات تمرد جديدة. إن الكنيسة تعمل بجهد لكسب ولاء الجنوبيين لصالحها، وتنصِّب نفسها حارساً لمصالحهم، ومدافعاً مخلصاً عن حقوقهم ضد ما تسميه باضطهاد الدولة والهوس الإسلامي والاستعمار الشمالي.
إن المحصلة النهائية التي تسعى لها الصليبية في السودان هي طمس كل معالم الإسلام والعربية على مستوى التشريع والدولة، ومستوى الهيئات والمؤسسات الاجتماعية، ومستوى قطاعات الشعب والأفراد، إنها تطمح فعلاً (لسودان جديد)، جاء في ورقة عمل قدمها مجلس الكنائس السوداني ضمن اجتماع مجلس عموم كنائس إفريقيا في لومي عام 1987م بعنوان (إنقاذ السودان): «المناداة بضرورة إيجاد السودان الجديد الخالي من السيطرة العربية»، ثم طالبت الورقة بدعم مجلس الكنائس الإفريقي والعالمي لإيجاده. هذا السودان الجديد هو مطلب الحركة الشعبية لتحرير السودان الذي تردده دائماً في بياناتها الرسمية، وهو أيضاً مطلب الحزب الشيوعي الذي من أجل تكوينه تحالف مع حركة التمرد، ولو أصبح بأيديهم سلطة فلن يتأخروا أبداً في فرضه وتحقيق أمل (جون قرنق) في طرد العرب المسلمين من السودان كما طُردوا قديماً من الأندلس؛ إنه مصداق قوله ـ - تعالى - ـ: { كَيْفَ وَإِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لاَ يَرْقُبُواْ فِيكُمْ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً } [التوبة: 8].(67/88)
لقد سلكت المؤسسات الصليبية كل السبل التي تحقق أطماعها بلا حدود أو حقوق أو تسامح، وتصرفت وكأنها تأخذ ثأراً قديماً لها مع الإسلام، وهذه الأساليب نوجز منها ما يلي:
1 - سياسة الجنوب:
بدأ التنفيذ الصارم لما يعرف بسياسة الجنوب في يناير 1930م(1)، إلا أن البدايات العملية لها استؤنفت قبل ذلك التاريخ بكثير؛ ففي عام 1917م استُبدل كل الجنود الشماليين بجنوبيين، وفي 1918م اعتُمدت الإنجليزية لغة رسمية وجعل الأحد عطلة أسبوعية، وفي 1922م وما بعدها أصدر قانون المناطق المقفولة الذي مُنِع بموجبه الشماليون المسلمون من دخول المناطق الجنوبية، وبموجب تلك السياسة فإن الإدارة الاستعمارية عملت على:
1 - محاربة اللغة العربية والأسماء الإسلامية وقصر التعامل على الإنجليزية.
2 - محاربة الشعائر والعادات الإسلامية وكل ما يتعلق بها من زي أو هندام.
3 - طرد الشماليين تجاراً وإداريين.
4 - إعادة العمل بالأحكام القبلية وإحياء اللهجات المحلية.
لقد كانت الحكومة تعاقب بشدة كل من يضبط وهو ينطق العربية أو يؤدي شعائر إسلامية؛ كما كانت تفضل أن يظل الجنوبيون عرايا على أن يلبسوا أزياءً إسلامية أو شمالية، وكانت تستعمل أرقاماً معينة لمناداة كل من يرفض تغيير اسمه إلى اسم غربي أو قبلي(2)، لقد أخليت تلك المناطق تماماً إلا من النفوذ الكنسي الذي أسندت إليه شؤون الإدارة والتشريع والتعليم والتوجيه، والانفراد الكامل لربع قرن بتشكيل ثقافة ذلك المجتمع وتوجهاته. «إن الحكمة وراء سياسات المناطق المقفولة تكمن في نشر الجهد التمديني التنصيري على كل ميادين جنوب السودان الممتد» كما يقول «روبت هاو» حاكم السودان العام في تلك الفترة(3). إذن فهو غزو صليبي تقوده الحكومة الإنجليزية، وليست القضية تراتيب إدارية أو أطماعاً اقتصادية أو أي شيء آخر، ولا يمكن لعاقل أن يدّعي بأن هذا الاضطهاد والتطهير العرقي، هو نوع من الديمقراطية والتسامح الذي يجب على الإسلام ـ وحده ـ أن يتحلى بهما.
2 - إثارة الحقد والبغضاء ضد الإسلام:
لقد دُجّن الطلاب الجنوبيون باعتبارهم مسيحيين في المدارس الإرسالية التي كان وحدها في الساحة، وكانت المسيحية تُمَثَّل بأنها ديانة متفوقة، ولم يكن من الصعب بناء أحقاد جنوبية ضد الشمال في مدارس الجنوب التي كانت يدرس في تاريخها دوْر العرب في شراء وبيع الأفارقة كرقيق(4)؛ وهذه شهادة الوزير السابق وأحد قادة التمرد السياسيين (بونا ملوال)، وهو نفس ما أكدته لجان التحقيق في اضطرابات أغسطس 1955م(5) التي كانت بداية التمرد المسلح.
لقد عملت الكنيسة ـ بخبث ـ على ربط الإسلام بتجارة الرق؛ في حين أن التجار الغربيين هم أصحاب هذه التجارة(6)، وعملت على إذكاء نار التفريق العنصري وإلصاقه بالإسلام؛ بينما لا تتحدث مطلقاً عما في كتابهم ـ المحرف ـ (الكتاب المقدس ـ الإصحاح التاسع): عن حام جد الأفارقة: «فلما استيقظ نوح من خمرة علم به ابنه الصغير فقال: عبد العبيد يكون لإخوته، وقال: مبارك إله سام وليكن كنعان عبداً لهم». لقد صورت الكنيسة الدعوة إلى الإسلام على أنها حرب عنصرية ضد الجنوبيين، وأنه لا مناص من الانضمام إلى صف الكنيسة من أجل بقائهم، وأن كل جنوبي هو بالضرورة مضطهد من المستعمرين الشماليين الذين تعمل الكنيسة على محاربتهم من أجله(1). وهكذا استطاعت الكنيسة أن تضمن تشبث تلك المجموعات بها بنفس القدر الذي تضمن به شحنها ضد أي نشاط دعوي يمكن أن يبذله المسلمون.
3 - رسل الحرب والسلام:(67/89)
تمارس الكنيسة والمنظمات التنصيرية لعبة الحرب والسلام، كلاعب محترف لا يفرط أو يتهاون في مكاسبه أو مبادئه، ولكنه أيضاً لا يضيّع فرص تكريسها وتأمينها؛ فمنذ عام 1910م، أسس الجنرال «ونجت» الحاكم العام «الفرقة الاستوائية» على أساس ديني وعنصري(2)؛ بحيث تكونت فقط من الجنوبيين المتنصرين من أبناء الإرساليات لتكون أساساً لجيش يمكن استعماله ضد أي انبعاث يحمل توجيهات الإسلام الجهادية في الشمال، كما يقول الكاتب الإنجليزي «روبرت كولنس»، وهي نفس الفرقة التي تمردت في أغسطس 1955م بعد أن اجتمع بهم القس «بلم تري» وبارك مساعيهم لذبح الشماليين(3). ثم استمرت الكنيسة ـ من بعد ـ في احتضان كل حركات التمرد الجنوبية من رابطة السودان المسيحية (SCA) إلى الاتحاد الوطني للمناطق المقفولة بالسودان الإفريقي (SACDNU) إلى الاتحاد الإفريقي «سانو» (SANU) ومنظمة الأنانيا ثم أخيراً الحركة الشعبية لتحرير السودان (SPLM) والفصائل المنشقة عنها. توفر الكنائس لهذه الحركات الدعم المباشر والدعم الحكومي عبر جماعات الضغط التي تمثلها، كما توفر لها الخبراء العسكريين والتغطية الإعلامية، وهناك أكثر من 160 منظمة وهيئة إغاثية تعمل بهذا الاتجاه الذي يشمل أيضاً التسليح والإمداد التقني المساعد. نشرت مجلة (نيوزويك) في 10/4/2001م تقريراً عن جنوب السودان بعنوان «جنود المسيح» قالت فيه: إن الحرب في جنوب السودان أصبحت حرباً صليبية، وذكرت أن منظمة واحدة فقط هي «الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية»: «قد وفرت ـ بلا علم الحكومة السودانية طبعاً ـ مبلغ 17 مليون دولار للجهات التي تعمل في السودان، ثم ذكرت أن أكثر تلك المنظمات حظوة هي «برنامج المساعد الشعبي النرويجي» الذي وصفه تقرير طلبته الحكومة النرويجية بأنه «يتجاوز حدود ما يعتبر أعمالاً إنسانية»!! إذن ما تقوم به هذه الإغاثات الموجهة ليس إلا خط إمداد حربي وإدارة تجسس استخباراتية تلعب دورها في الحرب، كما تلعب دورها في السلام. أما السلام فلم يكن يعني أكثر من محاولة الحصول على المزيد من الفرص لتمكين المشروع الصليبي في السودان. إن المجالس الكنسية تكاد لا تغيب عن أي من المفاوضات مع حركات التمرد كراعٍ لها أو مراقب فيها. وحينما أبرمت اتفاقية (أديس أبابا) في فبراير 1972م برعاية الإمبراطور النصراني هيلاسي لاسي كانت قد خرجت تلك المجموعات التي مهدت لهذه الاتفاقية بضمانات كافية بعدم نشر الثقافة العربية والإسلامية في الجنوب(4)، وعلى إثر هذه الاتفاقية أقام السودان ـ لأول مرة ـ علاقات دبلوماسية مع الفاتيكان في أغسطس عام 1972م، وقد بدا حينها أن الاتفاقية لا تعدو أن تكون (صفقة) تتنازل الحكومة بموجبها عن الجنوب للكنائس؛ ومن ثم تتم إعادة إنتاج نسخة أخرى من (سياسة الجنوب) التي نفذت إبان الحكم الثنائي.
الحركة الشعبية المتمردة والأحزاب السودانية:
ظهرت «الحركة الشعبية لتحرير السودان» في يونيو 1983م بتمرد الكتيبة «105» في بور والبيبور، وانضم إليها فيما بعد العقيد «جون قرنق» الذي انفرد بزعاماتها، وقد هدفت الحركة من حين إنشائها إلى توحيد كل القطر تحت كيان «السودان الجديد»، وعرفت الحركة يومئذٍ بتوجههم الشيوعي(5)؛ فقد كانت تعتمد على دعم نظام «منجستو هايلا مريم» الماركسي، كما كانت تدرّب مقاتليها في كوبا، وكان لها عدة مواقف عدائية ضد الإرساليات في تلك الفترة، إلا أن الحركة أخذت في اتباع نهج نفعي «براجماتي» متلون بلون ظروف الخطاب وميزان القوى؛ ومن هنا خرج التحالف المقدس «بينها وبين الكنائس والمنظمات الصليبية العالمية والذي كان لا بد له أن يحدث حتى تحقق أطراف المؤامرة مراميها وأهدافها التي تتوازى ـ إن لم تتطابق ـ باتجاه القضاء على الإسلام، وهو ما صرح به العقيد المتمرد «جون قرنق» أكثر من مرة أحدها في مقابلة له في «نيويورك تايمز» بتاريخ 3/3/1996م مجيباً عن سؤال مراسلها عن سبب طول أمد الحرب؟ قال: «إن الأجندة العربية والإسلامية تأتي في مقدمة الأسباب». وعداء الحركة الشديد لهذه الأجندة هو سمت أصيل في نهج الحركة لا يغيب أبداً عن خطاباتها التعبوية لمقاتليها، ولا عن نمط الأدبيات التي تنشرها، ولا عن جولات التفاوض التي تخوضها.(67/90)
أما الأحزاب السودانية فلها شأن آخر تماماً، شأن يشبه التنافس والتفنن في التملق للحركة ومن يقف وراءها؛ إذ إنها تبدي شجاعة نادرة في عقد الاتفاقيات والمبادرات ومذكرات التفاهم مع حركة التمرد لمجرد كسب مناورة سياسية أو تكتيك ظرفي أو مكايدة حزبية كأنما ليس لتلك الأحزاب أي مبادئ أو ثوابت يمكن أن تخسرها؛ فهي على استعداد دائم للمساومة على أي شيء مهما بلغت درجته؛ فبعد سقوط نظام (مايو) توصل (التجمع الوطني لإنقاذ الوطن) لاتفاق مع حركة التمرد في مارس 1986م سمي بـ «إعلان كوكادام» نص على ضرورة إلغاء قوانين الشريعة التي أعلن عنها النميري، وفي نوفمبر 1988م أبرم الحزب الاتحادي الديمقراطي ما عرف بـ «مبادرة السلام السودانية» واتفق فيها على تجميد العمل بأحكام الشريعة الإسلامية أيضاً، ومن المفارقات المدهشة أن الحزب الاتحادي حينما كان يمجد (المبادرة) ويتغنى بمحاسنها كان طرفها الآخر يقيم ندوة في «مركز بروكنز» بواشنطن بتاريخ 9/6/1989م تحت عنوان: «الحرب الأهلية في السودان وآفاق الثورة» قال فيها العقيد المتمرد «قرنق»: «إن هدف الحرب في الجنوب هو القضاء على الأقلية العربية المزيفة»، وقال عن اتفاقيتي كوكادام والميرغني: «إنها تكتيكات مكملة للثورة». وعندما سأله أحد الصحفيين: لكن هذه الزعامات الشمالية وقعت معكم على اتفاق السلام؛ فلماذا الحرب إذن؟ أجاب قرنق: «لا خيار لهم سوى ذلك؛ هذه حركة التاريخ: إما أن يذعنوا لها، أو سوف يسحقون! ».
أما حزب الأمة فقد وقع أيضاً مع الحركة «اتفاق شوكدوم» عام 1994م، وكان فصل الدين عن الدولة أحد بنوده، ثم خرج بعد ذلك «إعلان أسمرا» في يونيو 1995م بين فصائل «التجمع الوطني» والتمرد تضمن هو الآخر فصل الدين عن الدولة ومنع قيام أي حزب على أساس ديني، وفي أكتوبر 1996م تولى «قرنق» رئاسة قوات التجمع الوطني الديمقراطي، ولكن الأمر أخذ بعداً جديداً بعد توقيع «مذكرة تفاهم» بين التمرد والمؤتمر الشعبي الذي يقوده الدكتور حسن الترابي في 19/2/2001م، والذي صرح في مؤتمر صحفي عقب إعلانه لهذا الاتفاق: «إن الخلاف بين المؤتمر والحركة الشعبية في قضية فصل الدين عن الدولة ليس خلافاً استراتيجياً»، وقال: «إن جون قرنق ليس بذلك العلماني المتطرف»، وهذا الموقف هو نتاج طبيعي لأزمة حادة في البناء الفكري والأداء السياسي، وفي فقه الوسائل والغايات عند كثير من الحركات التي ترفع شعارات إسلامية. «أزمة حقيقية» أن تعيش تلك الحركات للحظتها وظرفها فقط مبتورة عن الماضي الذي تهتدي به والمستقبل الذي تبني له، «مصيبة» أن تحسم القضايا الكبيرة بعقلية الثأر الشخصي والكيد للآخرين، وبغير علم ولا هدى ولا كتاب منير.
وجملة القول أن الرابح الوحيد من هذه الاتفاقيات هو حركة التمرد بينما تتسابق الأحزاب في تكميل برنامج الحركة الثوري، والإذعان التام لمطالبها، وإصدار شهادات الإشادة لها حيناً بعد حين، وحسبنا الله ونعم الوكيل.
الدور اليهودي:
من الناحية التاريخية كان السودان من بين الدول المرشحة لتوطين اليهود قبل فلسطين؛ فقد كتب اليهودي «واربورت» الخبير بشؤون الفلاشا عام 1900م اقتراحاً إلى اللورد «كرومر» في القاهرة بذلك، وقدّم يهودي آخر هو «أبراهام جلانت» نفس الاقتراح عام 1907م إلى رئيس (المنظمة الإقليمية اليهودية J. T. O) (1). إذن فقد كان السودان محط اهتمام يهود منذ الشتات ولكن كان من المؤكد أن الاهتمام اليهودي بالسودان سينهمر على الجنوب، على صنيعة القوى الصليبية هناك؛ حيث ستجد الأرضية المهيأة لتحقيق أطماعها في السيطرة على منابع النيل وإيفاء وعد إسرائيل الكبرى، وقد أدركت الحركة الشعبية لتحرير السودان ذلك جيداً، فتفانت في نسج خيوط التقارب والتعاون معها، وبدأت زيارات زعمائها تتكرر إلى إسرائيل، واستطاعت إسرائيل أن تدرب حوالي عشرين ألف مقاتل متمرد على حدود أوغندا الشمالية، وأن تقيم جسراً جوياً إلى مناطق التمرد في مارس 1994م، كما أنها توفد باستمرار خبراءها العسكريين لمساعدة المتمردين. إن أواصر هذا التعاون تظهر بصورة أكبر حين نعلم أن من بين قادة التمرد (ديفيد بسيوني) اليهودي الأصل(2)، والذي كان مرشحاً لرئاسة حكومة «الجنوب» التي أعلن عن تكوينها التمرد في أبريل من هذا العام 2001م، وفي أواخر العام الماضي أعلن متحف محرقة ضحايا النازية «الهولوكوست» في نيويورك تضامنه مع الجنوبيين المسيحيين وقال: إنهم يتعرضون للإبادة الجماعية والتطهير العرقي. وكون لجنة تعرف بـ «لجنة الضمير» يرأسها اليهودي «جيري فاولر» لهذا الغرض، وأقامت اللجنة معرضاً ملحقاً بالمتحف عن «مآسي حرب الجنوب» كما يبذل اللوبي اليهودي مع اليمين الديني ضغطاً منظماً على الإدارة الأمريكية ومجلس الشيوخ لتبني مشروع حركة التمرد.(67/91)
بقي أن نشير هنا إلى طرفة سياسية ـ إن صح التعبير ـ تسوِّغ أو تدعم هذا التحالف مع اليهود وهي عبارة عن دراسات ومقالات منها ما كتبه جنوبي اسمه «بول فاك» بعنوان: «نظرة تاريخية لثقافات الدينكا وتراثهم» تتحدث عن أن القبائل النيلية ترجع إلى أصل «جيل Jiel» الذي ربما ينحدر من نسل يعقوب - عليه السلام -؛ ومن ثم فهي قبائل سامية ذات أصل إسرائيلي!! (1)؛ وبغضِّ النظر عن ثبوت هذه الدراسات فإن حركة التمرد تعمل بجد على الفوز بوضع يماثل وضع إسرائيل على خريطة الدعم والمساندة الأمريكية وإن لم يتم قبلوهم بوصفهم ضمن شعب الله المختار!
الدور الأمريكي المنتظر:
يبتدئ دور أمريكا البارز مع حركة التمرد عندما انهار الاتحاد السوفييتي وسقط «نظام منجستو» وتخلت الحركة عن مشروعها الشيوعي عام 1991م(2)، وهو يتمثل على صعيدين:
أولاً: من خلال المؤسسات والمنظمات الطوعية وأيدي العمل الخفية، والدعم السري للحركة، وهو عطاء سخي لم ينقطع، ويجري برضى الإدارة الأمريكية وتحت بصرها.
ثانياً: عبر الدبلوماسية الرسمية والسياسات العلنية للحكومة؛ وهذه تقع تحت تأثير اللوبي الصهيوني واليمين الديني المتشدد الذي يرعى سيادة الصليب على العالم، ويحمي الحقوق النصرانية بآلة الدمار الأمريكية. لقد أعلن بوش الابن في 22 مارس من هذا العام قائلاً: «سنتصدى لحفظ كرامة الإنسان وضمان الحريات الدينية في كل مكان في العالم من كوبا إلى الصين إلى جنوب السودان». وقال أيضاً في 3 /5/2001م: «إن الحريات الدينية هي أكثر ما يتعرض للانتهاك في السودان». ومن غير المعقول ولا المعهود أن يقصد بـ «الحريات الدينية» أي دين آخر غير النصرانية، وهي لهجة صليبية متعصبة ربما لو صدرت عن أحد الحكام أو القيادات المسلمة لأثارت زوبعة انتقادات عنيفة، وعدت خروجاً سافراً عن مهام الدولة وأدب الدبلوماسية.
إن ما هو منتظر من أمريكا لن يخرج عن صميم دينها وثقافتها التي تحرص بكامل عتادها على نشرها والتمكين له، وإن لبست مسوح الزهاد وتظاهرت بالحياد. إنها لا تجرؤ على تخطي مؤسسات الضغط الصليبية والصهيونية والخط العريض من النصارى الملتزمين، وهي لا تملك أن تتخلى عن المسؤولية التاريخية في نصرة أتباع ملتها الذين يمثلون الامتداد الطبيعي لمصالحها ومشاريعها في أنحاء الأرض، ولن تكون أمريكا أبداً أقل تعصباً لدينها أو حمية لنصرانيتها من مورثتها بريطانيا التي عقدت مشكلة الجنوب وحرفتها إلى حرب صليبية ضد الإسلام يوم كانت تملك كل أوراق الحل؛ فكيف بأمريكا اليوم وهي لا تملك إلا بعضها؟
ومما لا ريب فيه أن القوى الصليبية التي تبدو كأنها تدق أجراس حرب جديدة لن تكتفي أبداً باستثناء أقاليم الجنوب من تطبيق الشريعة ولو كان تطبيقها أصلاً على نحو متساهل، ولن تكتفي باستضافة زعماء الكنائس العالمية كما حدث للبابا في 10/2/1993م الذي أقام في السودان لمدة تسع ساعات، واجتمع بالنصارى في ساحة المناسبات الرسمية بوسط العاصمة، وأدوا طقوسهم بكامل الحرية، ولن تكتفي تلك القوى بإلغاء قانون الهيئات التبشيرية في 4/ 10/1994م، وهو قانون أصدره الرئيس السابق إبراهيم عبود للحد من النشاط الكنسي ونفوذ الإرساليات، ولن ترضى أيضاً بإقامة مؤتمر حوار الأديان في 7/10/1994م وما تمخض عنه من جمعيات ودراسات تدعو «للمذهب الإبراهيمي»، ولن يرضيها إدخال القسس والنصارى في قيادة الحزب الحاكم والدولة. لن ترضى عن كل ذلك وأكثر من ذلك لسبب بسيط هو أن ذلك سيغدو «خطوات استعراضية» ليس إلا، ووزير الخارجية الأمريكية كولن باول «يريد خطوات عملية جادة وليست خطوات استعراضية» كما صرح في أواخر أبريل من هذا العام الفائت، ولم يبق للوزير الأمريكي إلا أن يقرأ علينا قوله - تعالى -: { وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ } [البقرة: 120]، وحينها فقط يمكن أن نضع النقاط على الحروف، ونبحث عن أطراف المؤامرة. وحسبنا الله ونعم الوكيل.
------------
(*) الخرطوم ـ السودان.
(1) مشروع تنصير السودان في الماضي والحاضر، د. حسن مكي، إصدار المركز الإسلامي الإفريقي، عام 1411هـ ـ 1991م، ص 44.
(2) التنوع العرقي والسياسة الخارجية، د. محجوب الباشا، مركز الدراسات الاستراتيجية، 1418هـ، ص 86، والإسلام والعروبة، د. عون الشريف قاسم، دار الجيل 1409هـ، ص 12.
(3) البعد الديني لقضية جنوب السودان، دكتور عبد اللطيف البوني، مركز الدراسات الاستراتيجية، 1996م، ص 11، وهو ما أخرجه السياسي الجنوبي فرانسيس دينق في كتابه: «صراع الرؤى: نزاع الهويات في السودان»، مركز الدراسات السودانية، 1999م، ص 52، 244.
(4) مشروع تنصير السودان، ص 21، ص 46.
(1) مشكلة جنوب السودان: خلفية النزاع، دار الجيل، 1983م، الدكتور محمد عمر بشير، ص 47.
(1) مشروع تنصير السودان، ص 35، 46.
(2) السودان في عهد الحكم الثنائي، لبيب رزق، ص 209، نقلاً عن «البعد الديني لقضية جنوب السودان»، ص 12.
(3) مشروع تنصير السودان، ص 54، 65.(67/92)
(4) انظر فيما يتعلق بقضية فصل الجنوب وأطوارها وما يتعلق بها «مشكلة جنوب السودان طبيعتها وتطورها» الدكتور مدثر عبد الرحيم، الدار السودانية، 1970م، ص 40 ـ 66 ـ 69 ـ 71، ومشكلة جنوب السودان وخلفية النزاع، ص 139، والديمقراطية في الميزان، للوزير محمد أحمد المحجوب، جامعة الخرطوم، ص 211.
(5) عن هذا الفصل راجع: البعد الديني لقضية جنوب السودان، ص 25، 42 ـ 48، ومجلة دراسات استراتيجية، عدد (7) نوفمبر 1996م.
(1) مجلة دراسات إفريقية، يناير 1999م.
(2) يقول اللورد كرومر بعد نقله لضغط الكنائس عليه: «لا أمانع في السماح للمبشرين بمزاولة نشاطهم بين الوثنيين من سكان الأقاليم الاستوائية. أما أن يطلق لهم العنان في الوقت الحاضر بين مسلمي الشمال المتمسكين بدينهم فتصرف أحمق يوشك أن يكون جنوناً»، مشكلة جنوب السودان، الدكتور مدثر عبد الرحيم، ص 36.
(3) مشروع تنصير السودان، ص 79. (4) المرجع السابق، ص 23.
(1) دور الحرب والسلام في جنوب السودان، عبد الوهاب محمد بكري، نشر دار البلد، 1997م، ص 5، ومشكلة جنوب السودان: خلفية النزاع، ص 94 ـ 98، فيما يتعلق بسياسة الجنوب والمناطق المقفولة.
(2) انظر تفاصيل تلك السياسات في مشكلة جنوب السودان طبيعتها وتطورها، ص 49.
(3) مشروع تنصير السودان، ص 67. (4) المرجع السابق، ص 72.
(5) مما جاء في التقرير خطاب أرسله أحد رجال الإرساليات الكاثوليكية لأحد الطلبة الجنوبيين: «إن قصة تجار الرقيق تؤكد المقت التام لتلك الديانة الشريرة التي ليس لها رادع خلقي والتي تشمل بين معتنقيها تجار الرقيق تقرير لجنة التحقيق الإداري في حوادث الجنوب، 1995م، إصدار مركز الدراسات السودانية، ص 10.
(6) انظر: مشكلة جنوب السودان خلفية النزاع، ص 42 ـ 45، وهو ما نقله فرانسيس دينق عن «مابريال واربرج» في كتابه (صراع الرؤى)، ص 77، وقد نقل سير ونجت الحاكم عن غوردون إباحته للرق ورغبته في ضمهم لصفوفه في مذكراته عشر سنوات في معسكر المهدي، ص 31.
(1) من الشواهد على هذا المنهج ما كتبه «دينق» في صراع الرؤى نزاع الهويات في السودان، ص 194 ـ 198، ومواضع أخرى من الكتاب وفرانسيس دينق مثقف جنوبي يعمل باحثاً في معهد بروكنز الذي له علاقة وطيدة مع CIA، ويعمل مساعداً للأمين العام للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وهو من المتعاطفين جداً مع الحركة وأحد منظريها.
(2) مشكلة جنوب السودان، خلفية النزاع، ص 91. (3) البعد الديني، ص 21.
(4) البعد الديني، ص 57.
(5) هذا التوجه هو الذي نص عليه «المنافستو» الذي أصدرته الحركة لخطة إنشائها، وما زالت الحركة الشعبية تحتفظ بتحالفها مع بقايا الشيوعيين حتى الآن.
(1) مجلة دراسات استراتيجية، العدد (6) يوليو، 1996م.
(2) ديفيد بسيوني هو أحد أبرز منسقي علاقات الحركة مع إسرائيل والبيت الأبيض، وهو ابن يهودي سوداني تزوج من إقليم أعالي النيل الجنوبي، وعمل وزيراً في حكومة الجنوب في عهد مايو، ثم هاجر إلى إسرائيل بعد إعلان تطبيق الشريعة.
(1) صحيفة «الرأي العام»، 1 مايو 2001م.
(2) جنوب السودان، آفاق تحديات، جون قاي تون يوه، ص 183، ص 232.
المحرم 1423 هـ - مارس - أبريل 2002 م
http://albayan-magazine.com المصدر:
==============(67/93)
(67/94)
هذه المرة .. من الفاتيكان !
مشرف النافذة 23/8/1427
16/09/2006
لم تهدأ أزمة الرسوم من الخصوم ... حتى جاء الهجوم هذه المرة من أكبر شخصية دينية مسيحية .. البابا بينديكيت السادس عشر. اختار البابا أن تكون مقدمة محاضرته التي ألقاها في جمعٍ من العلماء الألمان في جامعة ريجينسبرج يوم 12 من سبتمبر 2006م عبارة عن هجومٍ صريح على نبي الإسلام - نقلها عن غيره - قائلاً: "أَرِني ماذا قدم محمد من جديد، وسوف لن تجد إلا أموراً شيطانية وغير إنسانية، مثل أوامره التي دعا إليها بنشر الإيمان عن طريق السيف".
اختار البابا أن يقدم لمحاضرته باقتباسٍ طويل من أحد الكتب التاريخية، عن أهمية استخدام المنطق في التعرف على وجود الإله، ولم يكن الاقتباس إلا هجوماً غير مبرر عن النبي وعلى الإسلام.
فهل كان اختيار الهجوم على النبي مصادفة، أم خطأً غير مقصود من الرمز الغربي الأعلى للمسيحية المعاصرة؟
وما هي أهمية أو جدوى هذا الاقتباس الطويل من كتاب يؤرخ لنقاشٍ مرَّ عليه أكثر من ستمائة عام؟ ألا يوجد ما يوضح موقف الإسلام المعاصر من الجهاد إلا هذا الإمبراطور البيزنطي؟
وهل نحن على وشك أن نسمع البابا في تصريح تالٍ له يدعو إلى الحرب الصليبيّة؟
أم هل يمكن أن تكون تصريحات الفاتيكان دليل على عدم نضج الوعي الإسلامي في إيصال حقيقة الإسلام بتجرّد إلى الغرب؟ أم أن الأمر لا يخرج عن الصّراع التاريخي بين الحق والباطل، والذي يمتد من صراع المسلمين مع الإمبراطورية الرومانية الشرقية البيزنطية وعاصمتها القسطنطينية، مروراً بالحروب الصليبية في المشرق والمغرب الإسلاميين وذكرياتها المؤلمة المرتبطة بمحاكم التفتيش في الأندلس وقتل المستأمنين في القدس، ثم مرحلة الاستعمار في القرن العشرين وصرخة القائد البريطاني ألنبي بعد احتلاله القدس: الآن انتهت الحروب الصليبة!! وأخيراً احتلال أفغانستان والعراق التي ادّعى بوش بأنه قام به بأمر الرب= وحتى قيام الساعة، وأن هذا الصراع سيظل دامياً حينا،ً و مقنعاً أحياناً أخرى مهما كان هناك من جهود ملموسة في مجال توضيح صورة الإسلام لدى الغرب؟
وهل يريد البابا أن يقدم الغطاء الديني من أعلى قداسة مسيحية على العدوان الغاشم الذي تقوده الإدارة الأمريكية على العالم الإسلامي؟
وهل أصبح البابا مجرد أداة في يد السياسة الأمريكية التي تحشر كل من يختلف معها في قائمة الإرهاب؟
وهل تعتقد بأن علماء الإسلام ودعاته خرجوا جميعاً من الهجمة السابقة بموقف مشرِّف وبنّاء، وتجربة عملية إيجابية في مواجهة استفزازات الغرب؟
وهل ترى بأن تصريحات الفاتيكان الأخيرة كشفت عن عدم تأثر الغرب بالمظاهرات الصاخبة للجماهير الإسلامية في مسألة الرسوم المسيئة للرسول - صلى الله عليه وسلم - في الدانمارك، وعدم حسابه للمسلمين أي حساب أو حتى وجود؟
وهل المطالبة بالاعتذار تعدّ مطلباً كافياً يزيل ما تتركه تلك التصريحات من ردود فعل غاضبة في نفوس المسلمين؟
أسئلة تشير بأصابع الاتهام إلى البابا الذي يبدو أنه قد اختار أن يوجه الكنيسة الكاثوليكية في نفس اتجاه الكنيسة البروتستانتية، وهو الهجوم على الإسلام وعلى خير خلق الله محمد صلوات الله وسلامه عليه. كان التوقيت غريباً، والمكان كان غير مناسب، وأسلوب الخطاب كان عدائياً دون مبرر.
==============(67/95)
(67/96)
حطاط حضارة..أم سلوك فردي؟!
د. محمد مورو 8/4/1425
27/05/2004
يجب ألا تنسينا بشاعة التعذيب في السجون العراقية عمومًا، وسجن أبي غريب خصوصًا.. أن الجريمة الأصلية هي جريمة الاحتلال الأمريكي للعراق، وأنه من الواجب مقاومة هذا الاحتلال بكل الطرق؛ سواء وقع هذا التعذيب أو لم يقع، وسواء تمت محاكمة الذين قاموا به وعقابهم أم لم يتم؛ فجريمة الاحتلال هي أم الجرائم؛ بل إن نشر صور التعذيب، وربما محاكمة مرتكبيه هي طريقة أو وسيلة لإلهائنا عن جريمة الاحتلال، ومن ثم التركيز على النتيجة وترك السبب، وفي الحقيقة فإن الاحتلال يقود بالضرورة إلى إهدار الكرامة والقمع والنهب والتعذيب؛ لأن هذا جزءٌ من غريزة الاحتلال، والطبع يغلب على التطبع، وكذا فإن القمع والعنف والتعذيب والسادية هي سمات أساسية من سمات الحضارة الغربية، ولا يجب أن ننسى هنا أن الحضارة الغربية بكل إفرازاتها هي التي أفرزت الفاشية والنازية والرأسمالية والشيوعية والديكتاتورية والعنصرية، وجرائم الحضارة الغربية عموما والأمريكية منها خصوصا أكثر من أن تحصى، وتحتاج إلى مجلداتٍ لرصدها، وهي تشكل المجرى الرئيسي للحضارة الغربية، ولا يعني هذا أنه لا يوجد أفراد وجماعات وقوى تتمتع بالضمير داخل الغرب، ولكنها جماعات وقوى وأفراد هامشية، ولا تشكل عنصرًا هامًا في اتخاذ القرار الغربي والأمريكي، وبديهي أن الرأسمالية الغربية والأمريكية والمجتمع العسكري الصناعي الحاكم هناك يريد تحويل العالم كله إلى عبيد لصالح مجموعة الرأسماليين والعسكريين الحاكمين، وهو يريد أيضًا تحويل الجمهور الأمريكي والأوروبي نفسه إلى عبيد؛ وبالتالي فهامش التحالف واسع بيننا وبين كل المتضررين من صعود المجمع الصناعي العسكري في الغرب وأمريكا من أبناء أوروبا وأمريكا أنفسهم، ولكن مع الأخذ في الاعتبار أن المسألة بالنسبة لنا مركبة؛ فهي جزء من الاسترقاق والنهب والقمع الرأسمالي، وهي أيضًا تعبر عن وجدان صليبي وعنصري تجاهنا، وقد نجح المجمع الصناعي العسكري الغربي في خلق وجدان معادٍ للعرب والمسلمين عن طريق آلته الإعلامية الجبارة، وأسلوب التعليم والتثقيف في الغرب.. الذي يحمل بصماتٍ عنصريةً وصليبية واضحة.
مذابح وجرائم
جريمة التعذيب في العراق ليست إلا تعبيرًا عن حضارة منحطة.. هذه الحضارة الغربية وصورتها الأمريكية هي التي ارتكبت جريمة إبادة الهنود الحمر "حوالي 100-200 مليون هنديّ"، واسترقاق السود "حوالي 90 مليونَ زنجيٍّ ماتوا في الصيد أو النقل أو العمل الشاق".. هذه المئات من الملايين تمت إبادتها واسترقاقها في وقتٍ كان عدد سكان إنكلترا مثلاً "3 ملايين" أي: مائة ضعفِ عدد سكان إنكلترا، ولك أن تتصور فداحة الرقم.
الحضارة الغربية والوجدان العنصريّ والصليبي فيها هي التي نظمت المذابح في آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية، وهي التي أنشأت إسرائيل فارتكبت بذلك جريمةَ تشريد شعبٍ واحتلال أرضه، وهذه الجريمة اتفق عليها اليسار واليمين.. الجمهوريون والديمقراطيون والرأسماليون من مختلف أنواع الطيف السياسي والفكري في الغرب وأمريكا، وممارسات إسرائيل العنصرية والقمعية من مذابح، إلى اغتيالات، إلى ضرب مدنيين، إلى اقتحام قرىً ومدنٍ ومخيمات، إلى اعتقال الآلاف، وتدمير الطرق والمزارع، وسرقة المياه، وتلويث الماء و الهواء، وقطع الأشجار والمرافق، وغيرها.. تتم علنًا، وتحت سمع وبصر العالم كله؛ بما فيه أمريكا وأوروبا، بما يعني أن الديمقراطية الغربية المزعومة ديمقراطية عنصرية تتلاشى تمامًا مع العرب والمسلمين، وبما يعني أنه جزء من القيم الحضارية الغربية المنحطة والعنصرية أنها جرائم حضارة منحطة.. لا تفهم إلا هذه الصفة، وتنقلها وتزرعها في أبنائها الجهلة، والأمر بالطبع مرشح للمزيد؛ لأنها غريزة استعمارية وغريزة حضارية منحطة وعنصرية، وقد لاحظنا مثلاً أن حكوماتٍ فرنسية أبادت وقمعت وذبحت الجزائريين بلا هوادة، ووصلت أرقام الضحايا إلى 50 ألف قتيل جزائري عام 1945 مثلاً، وتم اختراع وابتكار أشكال من التعذيب لم تعرفها البشرية قط على يد المستعمرين الفرنسيين، واستخدموها مع الجزائريين وكذا ما حدث في قلعة "جانجي" بأفغانستان، وما يحدث في معسكر "غوانتنامو" الأمريكي الموجود في كوبا!!
أسرى جانجي وجوانتانامو(67/97)
وتعترف التقارير الأمريكية بأنّها أعطت أوامر بتجهيز المعتقلين للاستجواب عن طريق الضغط عليهم بالإهانة الجنسية، والتعرية، والكهرباء، والحرمان من النوم، والقيود في الأيدي والأقدام، والضرب، وغيرها.. "اعترفت التقارير بـ20 طريقة للضغط"؛ بل من المثير أن وزير الدفاع الأمريكي (دونالد رامسفيلد) أعلن جهارًا نهارًا أنه أعطى الأوامر للقوات الأمريكية في أفغانستان بقتل من يحاول الاستسلام من طالبان والقاعدة، وأنه أمر بقتل الأسرى العزل في قلعة "جانجي" بعد احتجازهم!! وهكذا فالسلوك ليس سلوكًا فرديًّا؛ بل أوامر دولة وسلطة، وكذا فالسلوك ليس سلوك إدارةٍ يمينية صنعت من "المسيح" جنرال خمسة نجوم؛ بل وصنعت منه جلادًا، وهو - عليه السلام - بريء من أفعالهم طبعًا.. بل سلوك حضارة منحطة.
ما حدث في سجن أبي غريب وغيره من السجون العراقية، وما حدث من قبل في فلسطين المحتلة وما زال، وما حدث في أفغانستان و"غوانتنامو"- لا يمكن تفسيره إلا بأنها حضارة منحطة، ويعترف النائب البريطاني النزيه (روبرت نيك) بذلك قائلاً:"إن كراهيتنا للعرب والمسلمين ميراثٌ قديم.. لماذا نندهش من العنصرية والوحشية والقسوة تجاه العرب والمسلمين؟! لقد جاء الجنود البريطانيون والأمريكيون من مدنٍ اتخذت من الكراهية موطنًا لها.. فيها المسلمون والعرب إرهابيون وأشرار، وكل الصفات الكريهة تلصق بهم"، ويضيف (روبرت نيك) "هؤلاء الجنود مدمنون لهذه الأفلام والمسلسلات التي تنتجها هوليوود، وتتسم بالعنصرية والكراهية تجاه العرب والمسلمين، وتلصق بهم كل التهم من عنف وفسق وقذارة وكذب، وهكذا لم يكن من الصعب أن يتبول بعض البريطانيين على وجه سجين عراقي مغطى الرأس، وأن يأمر بعض الأمريكيين الساديين رجلاً معصوب الرأس بالوقوف على صندوق مقيد اليدين بأسلاك كهربية، وأن تبلغ السادية مداها في تلك الصور التي تظهر جنديةً أمريكية، وهي تصوب سلاحها صوب الأعضاء التناسلية لأحد سجناء سجن أبي غريب،.. في محاولةٍ مجنونة للتأكيد على أكاذيبنا التي روجناها بأن هذا وحده هو الأسلوب الأمثل للتعامل مع العرب والمسلمين" ويضيف (روبرت نيك) "حتى اليوم لا نزال نعرض الفيلم المقزز (أشانتي) عبر محطاتنا التلفزيونية الذي تدور أحداثه حول خطف زوجة طبيب إنكليزي من قبل "تاجر رقيق" عربي، وهو من نوعية الأفلام التي تصور العرب دائمًا بأنهم مغتصبون وقتلة وكذابون ولصوص، وفي الحقيقة - والكلام ما زال لـ(روبرت نيك) - فإننا نصور العرب الآن في أفلامنا مثلما صور النازيون من قبل اليهود، ونتعامل معهم على أنهم إرهابيون، ولا بد أن يذلوا ويضربوا ويعذبوا؛ فالإسرائيليون يلجأون اليوم لاستخدام نفس أساليب التعذيب (التي كان يستخدمها الروس) في تعذيب الفلسطينيين؛ مثلما نتبع نحن نفس الأساليب في تعذيب العراقيين".
الخطأ لا يبرر الخطأ
وتعترف صحيفة (الواشنطن بوسط) بأن الجنود الأمريكيين أجبروا المعتقلين على اللواط لتصويرهم على أنهم همج !!(67/98)
يحاول البعض بالطبع غسيل الممارسات الأمريكية بطرق مختلفة، وهو أمرٌ مستحيل قطعًا، والمحاولة ذات أبعاد متعددة؛ منها - مثلاً - أن يقول البعض أن ما حدث ليس جديدًا على العراقيين، وأنه كان يحدث في سجون صدام حسين، وكذلك فإن التعذيب موجود بكثرة في السجون العربية، وبديهي أن الخطأ لا يبرر الخطأ، وكل الممارسات ضد الإنسان مرفوضة؛ حتى لو مارسها حكام وسلطات عربية، ولكن أليست هذه السلطات والحكومات هي صنيعة أمريكا ذاتها!! وأن القهر والتعذيب وانتهاك حقوق الإنسان جاء مع التغريب والتبعية اللذين ابتلينا بهما في بلادنا العربية والإسلامية، ومن المحاولات أيضًا أن التعذيب الذي تم في العراق هو مجرد سلوك فردي، وهذه الحجة انهارت بسرعة حيث اعترف المجندون والمسئولون عن تلك السجون بأنها كانت أوامر من القادة، وعلى سبيل المثال لا الحصر فإن المجندة (سابرينا هارمان) قالت إنها كانت تتلقى الأوامر من ضباط المخابرات العسكرية، ومن بعض المدنيين الذين كانوا يجرون التحقيقات، وأنها كانت مكلفة بإهانة المعتقلين!! وأن أوامر القادة كانت تدور حول حرمان المعتقلين من النوم، وإجبارهم على الوقوف عرايا، وتحويل حياتهم إلى جحيم، وتجريدهم من ملابسهم، وتكويمهم عرايا بعضهم فوق بعض، وفي شهادة للـ(سير جانت جفال دينيز) قال إن المخابرات العسكرية، ومن رتب كبيرة بها قاموا بتعذيب المعتقلين بأنفسهم، وعندما سألناهم عن مدى أخلاقية ذلك كانت إجاباتهم.. إن لهم قواعد خاصة، وأنه سمع شخصيًّا رجال المخابرات العسكرية يأمرون الجنود الأمريكيين بالاعتداء الجنسي على المعتقلين، وأنه عندما كان يتم الاعتداء الجنسي على المعتقلين كان رجال المخابرات العسكرية يقولون للجنود الذين قاموا بذلك لقد قمتم بعمل عظيم، وهناك عشرات الشهادات الأخرى التي تضمنها تقرير رسمي أمريكي.. هو تقرير (أنطونيو تاغوبا)، وكلهم اعترفوا بأن التعذيب كان يتم بأوامر عليا من القادة، وأنه كان تعذيبًا بلا مبرر، ولا علاقة له حتى بالحصول على معلوماتٍ، وهكذا فإن الحوادث لا يمكنها تفسيرها بالسلوك الفردي يعني بالطبع أن يقول البعض أنه سلوك إدارة يمينية لا تمثل أمريكا، وأنها من أفعال (رامسفيلد) الأحمق، ويعبر عن هؤلاء الكاتب الأمريكي توماس فريدمان بقوله "نحن مهددون بهزيمة بخسارة تتعدى الهزيمة في العراق.. نحن مهددون بخسارة أمريكا كأداة للمرجعية الأخلاقية، وكمصدر للإلهام في العالم.. إن إدارة بوش تقودنا نحو الكارثة".
جريمة اغتصاب النساء
وفي الحقيقة فإن ما حدث انحطاط حضارة، وانحطاط إدارة، وانحطاط قادة عسكريين، وانحطاط جنودٍ لا يلغي انحطاط إحداها الأخرى، وإذا حاولنا أن نفحص ونتأمل الممارسات والانتهاكات التي تمت، وأصبحت معروفة بشهادة الشهود، أو الصور.. نجد أنها دارت على نطاق واسع طالت حوالي مائة ألف معتقل على حد تقدير منظمات حقوق الإنسان، وأنها لم تكن قاصرة على سجن أبي غريب وحده، وأن من قام بها ليس الأمريكان فقط بل البريطانيون أيضًا، وأن التعذيب والقهر طال من هم خارج السجن؛ فهناك عمليات اغتصاب نساء بعد خطفهن سواء عن طريق دهم البيوت وقتل الأزواج، أو تفتيش السيارات ثم قتل الأزواج والأولاد واختطاف الزوجات (حالة سعدية نور الدين) وهناك اغتصاب سجينات عراقيات داخل السجون، وقد أصدرت السجينات المفرج عنهن بيانًا يؤكد تعرض المعتقلات في سجن أبي غريب للاغتصاب، وأن بعضهن فقدن عذريتهن، والبعض الآخر يحملن أجنة من حرام في أحشائهن، وقال البيان بالحرف الواحد: "إن المعتقلات تعرضن لاعتداءات جنسية من قبل جنود الكفرة وأعداء الله وأنهن تستصرخن الرجولة والنخوة باسم الدين والعرض".
من أساليب التعذيب أيضًا إدخال نساء عارياتٍ على علماء دين ، وهذا بالطبع نوع قاس من الإذلال والإهانة، ، سكب الماء البارد على المعتقلين وهم عراة، ضربهم بأيادي المقشات والكراسي، وضعهم في سائل كيميائي، واستخدام الكلاب لترويعهم، اغتصاب المعتقلين جنسيًّا، وإجبارهم على اتخاذ أوضاع مشينة، وضع أطواق الكلاب حول رقاب المعتقلين، وجرهم بالسلاسل على الأرض، استخدام الكلاب المدربة لتخويف السجناء، ولا مانع أن تنهش لحومهم، التقاط صور الضحايا الأحياء بجوار جثث القتلى والموتى، التخويف بإطلاق الرصاص والتهديد بالإعدام، لف الرؤوس بأكياس، الضرب في أجزاء حساسة من الجسم، وضع عصا المكنسة في المؤخرة، الوقوف بالأحذية على الأجسام العارية، تصوير السجناء والسجينات عرايا تمامًا، وإجبار الرجال على الاشتراك في أوضاع جنسية شاذة، وتصوير ذلك، الإصرار على ارتداء الشباب ملابس النساء وتصويرهم، التعذيب بالكهرباء.(67/99)
وبتحليل تلك الممارسات نجد أن الهدف منها ليس الحصول على اعترافات؛ بل مجرد الإهانة للإهانة، وهو ما يكشف عن عنصرية واضحة، وسادية، وشذوذ؛ فعندما يتبوّل جندي على معتقل عراقي، ويشعر بالسعادة والابتسام كما جاء في إحدى الصور؛ فإن ذلك يدخل مباشرة في باب التحقير، والعنصرية، وعندما تقوم مجندة أمريكية بسحب عراقي بسلسلة كلاب وهي تبتسم فإن الأمر يرتبط بالإذلال والمهانة والتلذذ بتحويل آدميٍّ إلى حيوان، وعندما يتم تصوير ذلك، وإرسال الصور إلى الأصدقاء في أمريكا وبريطانيا فإن الأمر لا يعبر في الحقيقة إلا عن انحطاط حضارة، وشذوذها، وساديتها، وإجرامها، وليس هناك تفسير يصلح لشرح تلك الظواهر غير هذا التفسير.. أما المحاولات الغبية لتفسير الظاهرة بشكل جزئي فهو جزء من المؤامرة على عقولنا ووجداننا، وإبعادنا عن الاستنتاج الصحيح، وهو أنه لا طريق هناك سوى المقاومة ضد أمريكا وإسرائيل، والتحالف الشرير في كل مكان وزمان.
==============(67/100)
(67/101)
قرارات مجلس الأمن .. والعبث الأمريكي
مشرف النافذة 1/4/1425
20/05/2004
مازالت أمريكا مستمرة في عبثها بالعالم الإسلامي، من خلال العديد من المواقف التي أثبتت ذلك، والتي كان آخرها امتناعها عن التصويت لصالح القرار الذي تبناه مجلس الأمن ضد ما قامت به الآلة الصهيونية من مجازر في (رفح)، وتدليلاً لأمريكاً ورفقاً بإسرائيل فقد حرص مجلس الأمن على تخفيف حدة لهجة نص المشروع بحسب ما أفاد دبلوماسيون.. ومع ذلك فقد دعمت أمريكا - كعشرات أو مئات المرات - الدولة العبرية..
هذا العبث المتواصل، والسيطرة الواضحة، والتحكم الفردي بمؤسسة دولية كمجلس الأمن الدولي من قبل دولة واحدة تسوق قراراته كيفما شاءت أمر يبعث على القلق، فهذا المجلس الذي أصبحت خيوطه ومفاتيحه بيد الولايات المتحدة أصبح هو القناة الشرعية لجميع ما تقوم به أمريكا، أو ما ترضى عنه أمريكا..
وفي الشأن الفلسطيني وفي مرات متكررة ومتقاربة استخدمت أمريكا (حق النقض) في جلسات مصيرية تناقش أوضاع المنطقة وما تقوم به إسرائيل من قصف واغتيالات طالت قادات ورموز إسلامية، وبمسحة هزيلة ساذجة تستهين بعقل المشاهد العربي والمسلم، يقوم رئيس إدارتها في كل مرة يستخدم فيه حق النقض بتوزيع بعض عبارات الحزن والأسى على الضحايا الفلسطينيين ولا ينسى أن يشير إلى أن إسرائيل من حقها أن تدافع عن نفسها أمام ما تتعرض له..
ما الذي يدفع أمريكا إلى استخدام (حق النقض) في كل قضية يثيرها الرأي الدولي العام ويكون محسوم أمرها لصالح العرب، كما حصل عند اغتيال الشيخ أحمد ياسين أو ما حصل مؤخراً في رفح؟ ألا تعتقد بأن أمريكا قد بدأت فعلاً في الانحدار السريع نحو الهبوط بممارساتها وعشوائيتها في التدخل في شؤون الدول الأخرى؟ ألا تعتقد أن (حق النقض) سيكون سحراً ينقلب على صاحبه إذا ما أفرطت أمريكا في استخدامه؟
===============(67/102)
(67/103)
كيف ندعم الفلوجة؟.. شارك برأيك
مشرف النافذة 3/10/1425
16/11/2004
ما بين إعلان وزير الصحة العراقي أن مدينة الفلوجة لا تواجه كارثة إنسانية، وبين ما تناثر من أنباء متواترة في الأخبار من أن المدينة تواجه خطر الأمراض الوبائية من جراء انتشار الجثث في الطرقات والمنازل المهدمة على أصحابها، فقد قال شاهد عيان في لجنة عراقية للإغاثة لوسائل الإعلام: إنه رأى جثثاً مدفونة تحت الأنقاض في أحد الشوارع بحي الجولان، وأشار إلى أن "بعض الجثث التي عثر عليها نهشتها الكلاب والقطط الضالة"، وكذا تعدد وشيوع الدعاية الأمريكية أن من أن المقاتلين في الفلوجة في الرمق الأخير من المقاومة.
ومن جانب آخر قالت بيانات مشاه البحرية الأمريكية: إن أكثر من ألف مقاتل وقعوا في أسر القوات الأمريكية وقوات الحكومة العراقية التي تسيطر على المدينة العراقية بأكملها، وفي ظل هذا الوضع قد تتمكن بعض قوافل الإغاثة من الدخول إلى المدينة حاملة المساعدات الطبية والغذائية وسط اعتقادات أن 150 عائلة فقط ما زالت في الفلوجة ولم تغادرها.
الفلوجة إحدى مدن المثلث السني العراقي التي تواجه خطر الدمار الفعلي بحجج شتى، ولكن في النهاية الهدف واحد؛ وهو القضاء على أي بقعة جغرافية تتواجد فيه المقاومة العراقية، ومن ثم تسليم المدن العراقية الواحدة تلو الأخرى إلى الحكومة العراقية خالية من أي معارضة قبل انطلاق الانتخابات العراقية.
ومع تعدد البيانات من مؤكد للدمار الذي لحق بالفلوجة والمتحصنين فيها، ومن نافٍ أن تكون الفلوجة قد سقطت في أيدي القوات الأمريكية يُثار السؤال الذي يوجب علينا جميعاً كمسلمين الرد عليه: ماذا قدمنا للفلوجة؟ وما هي أو جه الدعم التي تستحقه تلك المدينة الصابرة الصامدة منا؟ وأين أموالنا وإمكانيتنا الإعلامية والإغاثية والدعوية عما يدور في الفلوجة؟!
الفلوجة تستحق منا كل الدعم فما هي أوجه الدعم الممكنة في ظل الوضع الراهن سياسياً أو إعلامياً أو دعوياً أو إغاثياً أو صحيًّا؟!
شارك برأيك .. فلعلَّ رأيًا منك يخطه قلمك يضعه الله بين يدي عاملٍ به فتشتركا معًا في أجره..
إن التناحر الذي نجده واقعا في جميع مصائبنا هو مقوض للنصرة ومورث للضعف والفشل وهو ديدن الجهلة الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون سواء من حيث يعلمون أو من حيث لا يعلمون وأتمنى أن تكون هذه الورقة بحق بعيدا عن النيل من بعضنا البعض ومناقشة ما هو موضوعي ومقنع للسير في رفع محنة إخواننا ولا نحتقر من المعروف شيئا ولا يثرب بعضنا على بعض في اجتهادات عملية لحل الأزمة فقد تكون من قبيل اختلاف التنوع لا اختلاف التضاد وليعذر كل منا الآخر فهو سبيل لتحثيق النصر قال تعالى ( ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين ) ولنكن أمة واعية بمصالحها لا انطوائية في تفكيرها متخذة من أسلوب الحوار الصادق الناصح البناء جسرا لتقديم الرؤية الناضجة التي قد يستفيد من هو بالمشرق أو بالمغرب ولنكن معاول بناء وتفاؤل لا هدم وتشاؤم فالله يحب الفأل ويكره التشاؤم وليكن ما نحققه من تصور جميل منطقي واقعي أول انجازاتنا لرفع المحنة والأزمة عن إخواننا في الفلوجة أو في أي مكان آخر ولا ندع مجالا للشيطان للوقيعة بيننا فهو لا يفتأ أن يقوض أعمال المخلصين ويغوي عباد الله ولا سبيل له إلى ذلك ما تمسكنابحبل الله فلنبدأبسم الله
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله اما بعد
برأي الشخصي ان اهم دعم للمقاومة المجيدة في عرين الاسلام العراق الحبيب هي الاعلام حيث يجب ان تبعث كل هذه الاخبار والتعليقات مترجمتا الى كل الهيئات الدولية عما يجري في الفلوجة وكذلن الى المواقع الالكترونية الامريكية ليعلم الشعب الامريكي ان ابناءه يقتلون بالمئات في الفلوجه كذلك تاسيس حركة نسميها(حركة نصرة الفلوجة)وتكون حركة سلمية واعلامية لنوصل للعالم ظلم الامريكان وانا اول المتطوعين ولدي الكثير من الافكار.وانا بانتظار ردكم واعلاه بريدي الالكتروني والله الموفق.
اللهم انصر جنود المسلمين واعز عسكرالموحدين واخذل اعداء الدين انهم لايعجزونك
وصلي اللهم على رسول الله وعلى اله وصحبه وسلم
أظن والله تعالى أعلم أننا نحتاج إلى توبة صادقة إلى الله عز وجل وكل منا يراجع نفسه ليعالج التقصير الذي عنده و لا ينشغل بالآخرين و ينسى نفسه ، غيبة و نميمة وتجريح بالآخرين و غرور و استعلاء،ثم ندعي الصلاح و الاستقامة و لنتأمل قوله تعالى : "إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا" ثم إذا حسنت توبتنا فعلينا بالدعاء فالله عز و جل يقول : " وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان" و علينا بدعاء الله و نحن موقنون بالإجابة.
اولا الهدف الاساسي هو تدمير ونسف كل من يقول لا اله الا الله
من امة محمد وليس كل من ادعى انه من امة محمدهو من امة محمد
الا ترى معي ان معظم هذه الامة قد ماتت مرات ومرات... وما مشاهد القتل والهدم والفتك الا للاجهاز على هذه البقية الباقيه
لن اقول لك اني فعلت كذا وكذا(67/104)
فانا لست اكثر من قزم وكل ما استطيع ان افعله هوالتصفيق والتصفيق والتصفيق ..الا ترى بانه هو السلاح الفتاك الذي سوف يزلزل عروش امريكا واذنابها
بسم الله الرحمن الرحيم
ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين"
إن الله كتب علينا الجهاد "كتب عليكم القتال وهو كره لكم""
وإننا في فلسطين إرتكبت ضدنا أبشع مذابح التاريخ في القديم في الحرب الصليبية حيث قتل في بيت المقدس 70 ألف واستمر الرباط والحهاد بأمر الله ثم عزم المجاهدين حتى حررها صلاح الدين الأيوبي والآن ترتكب ضدنا أبشع المذابح كما ترون يومياً ولكننا صامدون على الجهاد برغم الحرب والمؤمرات منذ مائة عام وإننا نرى النصر والتحرير قريب وإنني أبشركم بأن عزمهم وآهن وليسوا محاربين إنما سفاحون وإن الله أخبرنا أن كيد الشيطان كان ضعيفا فلا خوف من هالانذال استمروا على بركة الله مهما كانت التضحيات واستخدموا الكر والفر لإطالة أمد المعركة واستخدام النفس الطويل في الحرب وابشركم أن النصر حليفكم وسيخرجوا وعملاؤهم من بلادكم صاغرين ويبقى بعدها مواجهة المتآمرين وفقكم الله وصوب رميكم ورأيكم وثبت أقدامكم يامن تجاهدون في سبيل الله لاعلاء رايته ولن يتركم الله أعمالكم يأهل الحق وغفر ذنوبكم ويتقبل الله شهداءكم ويشفي جرحاكم ويفك أسر أسراكم إنه على كل شيء قدير
الفلوجة ... الفلوجة، أيها المسلمون
أرسل بوش الطاغية أوامره لجنوده المحتلين للعراق أن يُعدّوا العدة لعدوان وحشي كبير على الفلوجة، البلد البسيط في سكانه القوي في إيمانه. فأعدوا جيشاً وطائراتٍ وصواريخ وأسلحةً تقليديةً وغير تقليدية، وطلبوا العون من شريكتهم في الجريمة بريطانيا. وهكذا بدت الفلوجة أمامهم دولةً كبرى ذات جيش لجب {سنلقي في قلوب الذين كفروا الرعب بما أشركوا بالله ما لَم ينزل به سلطاناً}.
وأثناء ذلك طلب الطاغية من تابعه مجرم بغداد إياد علاوي أن يهيئ له الأجواء داخلياً وإقليمياً ليمر العدوان بغطاء داخلي وكذلك من الجوار، العربي والأعجمي. فقام ذلك التابع الذليل بإعلان حالة الطوارئ، ثم أتبعه إعلاناً، هذا اليوم بإغلاق الحدود مع الأردن وسوريا، وإغلاق مطار بغداد ليومين كاملين، ومنع التجول في الفلوجة والرمادي، مهيئاً بذلك مسرح المعركة داخلياً. ثم أرسل أشياعه إلى أمثاله من الحكام في دول الجوار لتبليغهم ما ينوي القيام به وللتنسيق معهم. ثم جال وزير دفاعه على جند الجيش الجديد في العراق يحرضهم على القتال تحت راية أمريكا ضد أهلهم في الفلوجة المرعبة للكفار والمنافقين، الشامخة بعنفوان أهلها المؤمنين.
أيها المسلمون:
إن الفلوجة هي الجدار الذي يجب أن تتحطم عليه رؤوس الطواغيت، رغم ما صنعوه من كيد ودهاء وما أعدوه من قوة وعملاء. لقد جمع الكفار وعملاؤهم أوباشَهم وجندهم وزبانيتهم محاولين أن يعوضوا هزيمتهم السابقة أثناء محاولتهم اختراق الفلوجة في العام المنصرم، ومحاولين أن ينتقموا كذلك لغطرستهم وكبريائهم اللتين تمرغتا بالوحل لطول وقوفهم على أبواب قلعة الفلوجة التي منعتهم من دخولها نحو سنتين رغم اجتماعهم عليها بِقَضِّهِم وقضيضهم، ورغم ما يبذله مجرم بغداد من جهد في التجسس لحساب أمريكا على المؤمنين في الفلوجة، ومع ذلك فقد بقيت عصيةً على أمريكا وجندها وعملائها.
أيها المسلمون:
يا جند العراق:
إن إشهاركم السلاح على إخوانكم المسلمين جريمة كبرى في الإسلام، حتى إن إخافة المسلم دون قتله هي كبيرة عند الله فكيف بمن يقتل مسلماً متعمداً؟ يقول تعالى: {ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذاباً عظيماً}. ويقول صلوات الله وسلامه عليه: «لزوال الدنيا أهون عند الله من قتل رجلٍ مسلم».
فسجلوا مواقف ناصعةً بيضاء تذكر لكم في سجل الخالدين عند الله ورسوله والمؤمنين بتوجيهكم أسلحتكم ضد أمريكا وعملائها، ونصرةً لأهلكم في الفلوجة والعراق فتنالوا إحدى الحسنيين {قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين}.
أيها المسلمون:
يا جند المسلمين في كل مكان:
أروا الله من أنفسكم ما يحبه سبحانه من جهاد في سبيله ونصرة لعباده، فانطلقوا لنصرة إخوانكم في فلوجة العراق واسحقوا حكامكم إن وقفوا في وجهكم، فروحة أو غدوة في سبيل الله خير من الدنيا وما فيها.
أيها المسلمون:
يا أهل القوة:
ألَم تهزكم بعدُ جرائم أمريكا في العراق؟ ألَم تحرككم أعمالها الوحشية ضد الفلوجة وغيرها في العراق؟ كيف لا تثيركم خيانات مجرم بغداد جهاراً نهاراً؟ كيف تسكتون على منع حكامكم لكم من نصرة أهلكم في العراق وأنتم تشاهدون وتسمعون أعمال بوش الطاغية وتابعه علاوي من جرائم تنأى وحوش الغاب عن فعلها.(67/105)
إنكم أمة حية لا تموت ولن تموت بإذن الله حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً، وإن أعداءكم وإن عظمت قواهم المادية فقلوبهم واهنة واهية في النزال والقتال، ودلائل ذلك واضحة في أفغانستان والعراق وحيث حلوا. إنهم لَم ينتصروا في مكان دخلوه لولا جواسيسهم وعملاؤهم ممن تسمَّوْا بأسماء المسلمين وتزيَّوْا بأزيائهم وهم ليسوا منهم، ورغم ذلك لَم يستقر الأعداء إلا قليلاً ومادت بهم الأرض واندحروا خائبين.
أيها المسلمون:
يا أهل القوة:
لقد آن لكم أن تعيدوا مجد الإسلام والمسلمين وأن لا تمكنوا أمريكا وبريطانيا وأحلافهما وعملاءهما من موطئ قدم في بلاد المسلمين.
وإن حزب التحرير يدعو الأمة، وبخاصة أهل القوة فيها، أن تجد وتكد وتبذل المال والنفس لإقامة حكم الله في الأرض، الخلافة الراشدة، فتعود العزة للإسلام والمسلمين، وتُرِي الأمةُ الأعداءَ عزة الإسلام وعظمته، وهوان الكفر وأهله وعملائه، فلا يجرؤ كافر على العدوان على بلاد المسلمين بل لن يحدث نفسه بذلك لانشغاله بالاختباء في مسقط رأسه من جيش المسلمين الزاحف لفتح بلاده ونشر الخير في ربوع العالم.
إن حزب التحرير يدعوكم أيها المسلمون لما يحييكم فهل أنتم مستجيبون؟
{يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم}.
25 رمضان 1425هـ
08/11/2004م
حزب التحرير
دعم إخواننا في العراق أولا بالمال ولكن لاتوجد جهة تدعو إلى ذلك وندعم إخوننا بالنفس ولكن لايوجد طريق إلى ذلك (وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر) قد سقط القناع عن الأمريكان في حربهم ضد العراق يوم كانوا يقولون للعراقيين جئناكم بالحرية وهاهم اليوم يجهزون على مابقي من رمق الحرية التي استهدفت قبلا من قبل النظام البعثي البائد ، سقط القناع ليبدي البغض والكراهه للمسلمين يوم أن هدموا المساجد في الفلوجه وقتلوا الجرحى العزل في المساجد وانتهكوا حرمات المسلمين، أقول إن دعم إخواننا في العراق يبدأ أولا برفضنا الفتاوى التي تدعوا إلى ترك الجهاد في العراق والاستسلام للمحتل الكافر والإنقياد للحكومة العراقية التي أتت على ظهر الدببات الأمريكية ، فإذا رفنضنا هذه الفتاوى استطعنا أن نكون إيجابيين تجاه إخواننا في العراق هذا رأيي وأذكر بحديث المصطفى (الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامه ) قال الإمام أحمد فقه هذا الحديث أن الجهاد ماض إلى قيام الساعة..... انتهى كلامه وراية الجهاد لاتسقط في مكان إلى ويتلقفها أخرون في مكان آخر.... هذا ماتعلمناه من الشيخ: سلمان العوده حفظه الله
كيف نساعد اهل العراق وليس فقط الفلوجه:
1_ نمتنع عن امداد الجيش الامريكي بكل مايحتاجه من غذاء وماء وكل المتطلبات ونصدر حكم بالاعدام لاصحاب الشركات المتعاونه مع الجيش الامريكي اذا لم يمتنعوا
2_ احتلال الكويت لكي تكون قاعده لتحرير العراق ونمنع بذلك امدادات التي تأتي من الكويت
3 - احتلال قطر وبذلك نستولي على قاعدة الانطلاق الامريكيه
4_ فتح باب الجهاد للمسلمين الراغبين بالقتال وتزويدهم بالسلاح
5_ اعلان الحرب لتحرير العراق
6_ لانه مايؤخذ بالقوه لازم يرد بالقوه اما الدعاء فنتركه للعجائز يدعون لابنائهم وهم يقاتلون الكفار
السلام عليكم
استوقفني سؤالكم كيف ندعم الفلوجة , وبجانبها خبر تجدد القصف على الفلوجة , وفي ثنايا الخبر ذكرتم المسرحية الأمريكية عن قتل جريح عراقي تقبله الله في الشهداء وأكرمه سبحانه بمنزلةٍ عند النبيين والصالحين , وكنت أتمنى عليكم أن لا تنساقوا كما انساقت وسائل الإعلام المبرمجة , والتي اليوم نعجز عن أن نجد لأي قناة كانت مصداقية وأمانة نقل الأخبار , فكلهم وبالنسبة لي لا أستثني , أبواق تدفعها المصالح وتمنعها من أداء واجبها المكتسبات .
ما يهمني وبالنسبة لدعم أهلنا في الفلوجة أن نعمل سويا ونتكاتف وأن لا نخشى في الله لومة لائم بإبراز حقيقة ما يجري من قتل وتدمير وجرائم بشعة ترتكب في حق أهلنا , وما تستخدمه هذه القوات من أسلحة تدمير محرمة عند من لهم خلق وبقية من انسانية , والتي هي معدومة عند الأمريكان وزبانيتهم من المجرمين القتلة , الذين دفعتهم شهوة المنصب والمال لقتال بني قومهم , وأن لا ننساق إلى ما تروجه وسائل الإعلام الأمريكية مثل NBC وغيرها فهو فيلم انتج وصور في وزارة الحرب الأمريكية ليعرض بالصورة التي عرض فيها , ومن ثم تداعت ما تسمى بمنظمات حقوق الإنسان - لا أدري أي انسان !!- لتستنكر هذا الفعل .(67/106)
ولكن أين هذه المنظمات من الجرائم اليومية من هدم المستشفى العام في الفلوجة , من قتل الأطباء الذي بذلوا أرواحهم ليجتازوا الفرات لنجدة إخوانهم فقتل منهم من قتل بقذائف الجيش الأمريكي المجرم ورصاصه , من سحل الجرحى في شوارع الفلوجة , من جعلهم طوابير في الشوارع ومن ثم الصعود عليهم وفرمهم كما يفرم اللحم بجنازير الدبابات الأمريكية , أين هذه المنظمات من قصف العوائل في بيوتها ليقتل جميع أفرادها من أطفال ونساء وشيوخ ورجال , يفعل بهم كما يفعل بأهلنا في فلسطين الحبيبة , وماذا فعلت منظمات حقوق الإنسان للشعبين يذبحان , أين هذه المنظمات لتتداعى لقصف الفلوجة بالكيماوي والحراري والعنقودي والإنشطاري والنووي المنضب كما يدعون .
من هنا اخوتي في البشير هداكم الله , دعم الفلوجة وفلسطين والعراق كله , وأظنه أكبر دعم هو بعدم الإنجرار وراء الإعلام الموجه وإبراز الحقيقة الكاملة كما هي وبدون أي زيادة , لأن الجريمة أكبر من أن يزاد عليها , ولا نستطيع كمسلمين يتقون الله أن نزيد على جريمة ورائها شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض فيعجز كل سوي عن حتى مجرد فهم عقلية أمثال هؤلاء القتلة المجرمون .
إن ما نشرته NBC هو سرقة إعلامية مدروسة ممنهجة للتغطية على كل الجرائم التي ارتكبت وما زالت ترتكب في الفلوجة وغيرها , وذلك بالإظهار للعالم أن فعلة هذا المجرم من قواتهم , سيحاسب عليها وأن ما يدّعى من أن هناك جرائم حرب ارتكبت وترتكب في الفلوجة ما هو إلا محض افتراء على هذا الجيش المحرر!!!!!!!!!! للعراق من عبث الإرهابيين !! وأننا عندما علمنا أن أحد جنودنا ارتكب هذه الجريمة أخذناه وحاسبناه , كما حاسبنا مجرمي سجن أبي غريب !! وبهذا التداعي الإعلامي على مثل هذا الغثاء يسترون الجريمة الكبرى التي يرتكبونها يوميا وفي كل لحظة .
إن الدعم الأكبر لأهلنا المضطهدين في مشارق الأرض ومغاربها في الفلوجة وما سواها هو أن نتحد سويا وجميعا لنؤلف جبهة عالمية نستقطب إليها كل حر أبي منتمٍ للإنسانية باحث عن العدالة , مؤثر للقيم والأخلاق على المناصب والمكاسب , لنبين للناس الحقيقة الحقيقية , لا ما يريده الإعلام الفاجر من تسويق لبضاعة رخيصة كلها كذب وخداع وغش ومكر . ما تريده أمريكا يعلن ويكرر وبشكل ممل يصل حد الإمتعاض , وما لا تريده لا يذكر ولا يجترئ أي أحد , أو حتى أي وسيلة إعلام على الإقتراب منه .
إن متابعة جرائم الحرب المرتكبة بإسم الحرية والديموقراطية وحقوق الإنسان , وتلك الصورة المقيتة التي عبدها عباد الهوى والمسماة بأمريكا , والتي أسقمونا بما صموا به أذاننا من أنها دولة الحريات والتي هي زعيمة العالم الحر كما يدعون ( لعنة الله على مثل هذه الحرية ومثل هذا العالم الحر ) !!! هو الهدف الأسمى لينكشف زيف دولة اللقطاء هذه التي امتصت دماء دول العالم وأمواله لمصلحة فئة قليلة باغية , ومن ثم حرمت وبخيانة كبرى ممن يسمون قادة العالم الثالث تلك الدول من طاقاتها المبدعة من أبنائها العلماء ليضيق عليهم في بلادهم ويحاربوا في أرزاقهم وأنفسهم ليفروا إلى هذه الدولة التي سخرتهم لإستكمال مشروعها في العلم والمدنية فكانت مدنية قائمة على النهب المادي والإنساني لكل شعوب الأرض المغلوب على أمره .
إن هذا الزيف والبهتان آن له أن يوضح ويبين بجهود فردية كانت أو جماعية , لتعلم الحقيقة , ومن ثم الوقوف سدا منيعا أمام موجها العاتي الجارف , وأن يخرج هذا الإله المجرم المسمى أمريكا والتي عبدت من دون الله من نفوس البشر , وأنها هي دولة الإرهاب والقتل والمجازر من هيروشيما إلى نكازاكي إلى جواتيمالا ومن ثم فيتنام وكوريا والصومال وأفغانستان والعراق وفلسطين و.... و سيل لا يعد ولا يحصى من جرائم هذه الدولة منذ الهنود الحمر إلى يومنا هذا .
إن هذا هو السبيل الأقصر لدعم إخواننا في الفلوجة وغيرها لأن الفلوجة ليست واحدة بل هو سيل من المدن المخطط للفعل بها كما فعل بالفلوجة , فالعالم الإسلامي كله فلوجة وجنين ورفح , وكله إرهابيون كما يدعون ولا بد من القضاء عليهم , ومن هنا فلا بد من إظهار هذا الوجه القبيح لما يسمونه حرية وديمقراطية وحقوق إنسان , ومن ثم يحاربون دين الله وعباد الله بتلك الدعوى وبحجة تغذية العداء للعالم الغربي , وما نحن لهم بأعداء بل هم العدو وهم الذين جاءوا بكل ما تفتقت به عقلية الإرهاب عندهم من أسلحة مدمرة للفتك بهذه الأمة , ولم نكن نحن الذين ذهبنا إليهم ولا نحن الذين حرضنا العالم ولا جمعنا الدول لقتالهم , وما دعوى 11/9 إلا من صنيعهم ليظهروا ما في قلوبهم من حقد على هذه الأمة .(67/107)
ليتوحد الأحرار في العالم كله لمواجهة هذا الكم الهائل من الكذب والخداع والجريمة . لننقذ الأهل في الفلوجة والعراق كله وكل بقعة في عالمنا الإسلامي الحبيب , فلقد ملئت الأرض ظلما وجورا ولا بد لها من أن تملأ عدلا وقسطا , فهل نحن متوحدون تحت لواء نجمع تحته كل من في قلبه مثقال ذرة من خير لمواجهة كل هذا الشر , نسأل الله منكم أيها المشرفون على هذا الموقع الذي اسمه مقرون بالبشرى أن تعقدوا هذا اللواء ونحن معكم إن شاء الله , هذه الفكرة والله الموفق لحسن العمل .
قبل أن نفكر بتقديم العون لأهلنا في الفلوجة يجب علينا كملسمين أن نحدد لأنفسنا موقفا من هذه الحرب المعلنة علينا من قبل الكفار الصليبين واليهود الحاقدين علينا الى النهاية وكل واحد من المسلمين عليه أن يسأل نفسه هذا السؤال أين أنا موقعي من هذه الحرب هل أنا مستهدف من قبل الكفار أم أنا على الحياد أم أنا مع الكفار
وعليه يجب قبل ألن تجيب السؤال أن شارون عندما يقتل المسلمين بفلسطين وبوش الذي يقتل المسلمين بالعراق فهما لا يفرقان بين محارب ومحايد ومهادن فالكل مستهدف من قبل هؤلاء المجرمين حتى المدنيين النساء والأطفال ألم تسمعوا كيف قام العدو بالتمترس بالنساء والأطفال ووضعوهم على الدبابات حتى لا يستهدفهم المجاهدون بصواريخهم
الفلوجة تدمر على رؤوس ساكنيها ويقتل الأطفال والنساء والجرحى وتدمر المساجد ورأس الكفر أمريكا التي تدعو للحرية لسكان دارفور نجدها تفعل أفعال تندى لها جبين الإنسانية واليوم تريد أن تصدر قانون معاداة السامية حتى يصبح كل المسلمون مستهدفون فهل نكون نحن المسلمين على مستوى التحدي ونقبل التحدي فأمريكيا يمكن هزيمتها والفلوجة خير دليل والجميع أن لا يتأخر عن نصرة الحق والوقوف مع المقاومة
رحم الله الشيخ الشهيدعبدالله عزام- نحسبه كذلك-احد ائمة هذا العصر حينما كتب بمجلة الجهاد عنوان بخط احمر ثخين -لايام الشدائد -وضرب مثلا لذلك فقال يحكى في القصص الشعبي ان رجلا كان دائما ينظف سلاحه باهتمام فتسأله زوجته باهتمام لمن تشحذ هذا السلاح يا ابا فلان فيقول لها لايام الشدائد وفي احد الايام دخل لصا المنزل فايقضته من النوم وقالت له يا با فلان اللص في المنزل عليك بالسلاح فقال لها السلاح لايام الشدائد تكرر الامر معه فقال لها لايام الشدائد وفي النهاية كان يسير في طريق مع زوجته فلقيه قطاع الطريق فأخذوا منه ما يملك ثم اخذوا زوجته الحبيبة على قلبه وهي تصحيح به يا ابا فلان انا زوجتك استخدم سلاحك فيقول لها لايام الشدائد وها نحن نبقي انفسنا واولادنا واهل القوة والجلد واهل المنعة والشوكة لايام الشدائد وننتظر فاستفت قلبك ولو افتاك الناس وافتوك نسأل الله من البلاء وددت لو اني داخل الفلوجة تصيبني قذيفة اقتل بها ولا اسمع ما يجرى فيا الله اجعل المجاهدون وضعهم افضل ما يتمنى المتمنون فهم اولياؤك وهم احباؤك وارحم اهل العراق من نوى منهم نصرة دينك واخذل من اهل العراق وغيرهم من خذل دينك يا جبار ويامنتعم
===============(67/108)
(67/109)
صورة الإعدام: مدخل لكشف العيوب الثقافية
علي أحمد الحمدان 3/1/1428
22/01/2007
لم يكن يوم عيد الأضحى هذه المرة يوماً عادياً، بل أصبح "علامة ثقافية" بارزة و عالمية. فهو اليوم الذي أفاق فيه الناس على أخبار أشاعت أن حكم الإعدام على الرئيس العراقي السابق صدام حسين قد تم تنفيذه، و بدأ جدل كبير حول صحة هذا الخبر من عدمه، لكنها لم تمض مدة بسيطة حتى بثت القناة العراقية مقاطع من مشهد الإعدام، فجاءت "الصورة" بالخبر اليقين الذي قطع كل خيوط الشك.
لم تمض "الصورة" التلفازية هذه المرة مروراً عابراً كما حدث مع كثير من أخواتها، فقد حظيت باهتمام كبير و موجة واسعة من ردود الأفعال العميقة، اشترك فيها "الكل" من سياسيين و مثقفين و رجال دين. و فوق هولاء، أدخلت "الصورة" بإمكانياتها الجديدة و بتحالف مع شقيقتها "الشبكة العنكبوتية" أطرافاً جديدة تم إقصاؤها تاريخياً عن كل ما يتعلق بمثل هذا النوع من التفاعل العام، فأصحبت "الصورة" بسبب ذلك حدثا جماهيرياً، و مجال قول عام و مطلق، و "نصاً ثقافياً" كونياً أصبح مرجعاً مقدساً لكل القضايا الثقافية الحساسة.
كانت صورة القناة العراقية صورة صامتة، يمكن أن تستوعب مجموعة ضخمة من التأويلات المتنوعة المنطقية و غير المنطقية، لكن مقطعاً آخر تم تسريبه أعطى للصورة أبعاداً دقيقة مزجت بين العناصر الأيدلوجية و الدينية و السياسية و العرقية. و على الرغم من أن آلات التصوير كانت بدائية نسبياً من ناحية القدارات، إلاّ أنها امتلكت -عن طريق قدرتها على المزج العميق و السريع بين هذه العناصر في هذا المشهد- "مؤثرات" بصرية و عقلية لم تتوفر في أي صورة أخرى تحمل كل إمكانيات الإخراج السينمائي الحديثة، و كان من انعكاسات هذا أن فرضت علينا الاحتكاك المباشر مع مجموعة من الأسئلة الثقافية الحساسة.
الكل يعرف أن الحديث حول بعض القضايا و المصطلحات مثل "التطرف الديني"، و "الطائفية"، و "الدكتاتورية"، و "السياسات الدولية"، و "الأيديولوجيا"، و "التميزات العرقية"......الخ، ليس جديداً على الساحة الثقافية. فقد تنوعت الدراسات و المقالات التي بحثت كل هذه الأمور من أكثر من زاوية و على مدى سنوات طويلة، و كانت إفرازاتها تعتمد -عموماً- على نظام ذهني محدد يعتمد على بعض القوانين المنطقية التي تستحضر بعض السياقات الثقافية و الحضارية كأساس لتحليل و كشف المصطلحات و تفسير الأحداث و استخلاص النتائج، و لكل قاعدة شواذ!
لكننا لم نكن هذه المرة أمام جدل اعتيادي، فقد جاءت "صورة" الإعدام و معها عاصفة عاتية هزت معها أركان المشهد الثقافي و السياسي، لتخلف بعدها كل المحاور المطروحة بلا معالم قد تدلنا على سياقها التاريخي و الثقافي. فـ "الصورة" قد أصبحت "ناسخاً" "معطلاً" لكل ما سواها من منجزات ثقافية تقليدية. و بلغت قوتها النسخية أن أصبحت المصدر التأويلي لكل ما بعدها، فكان في هذا توجيهاً نوعياً للحراك الثقافي، و هذا يتمثل جيداً في بعض المواقف المذهلة و المفاجئة و التغيرات الحادة التي كشفت عن أنساق مضمرة و عيوب متجذرة في الخطاب الثقافي بكل أبعاده. فقد وجدت أن ردود الأفعال عموماً كانت متعارضة مع مسار "المنتجات الثقافية"، و ما أعلنته حول كثير من القضايا قبل هبوب هذه "العاصفة البصرية"!
لقد كانت أعيننا في مواجهة مع "صورة" تترجم كـ"نص" ثقافي كل عناصر "الهيمنة" أو "الدكتاتورية" الثقافية، فهي تحتكر بين دفتيها كل ما يغري لتحليل و معالجة المصطلحات و القضايا الكبرى لدرجة أنها قامت بتزهيد الناس -جماهير و نخباً على حد سواء- بغيرها مهما كانت قوته و أصالته الثقافية.
عندما بدأت أقلب صفحات الجرائد، و أتصفح الشبكة العنكبوتية لأتعرف على ردود الأفعال، وجدت أن "الصورة" كانت كالحلقة المفقودة التي ينتظرها الجميع ليحسموا كل شيء على المشهد الثقافي العام. فأغلب المقالات و التصاريح حفلت بمجموعة من النتائج المحددة و القطعية. و هنا عادت الذاكرة بضع سنوات إلى الوراء لتستقر على الحادي عشر من سبتمبر عام 2001، و حينها التقت بمشهد الرئيس بوش و هو يتحدث لأول مرة بعد تفجير البرجين، و العالم كله في ترقب شديد، لتكون كلمته نقلة ثقافية حادة حصرت الحديث عن "الإرهاب" في هذه الصورة، فأمات حينها آلاف التقارير و الأبحاث المعنية بتفسير مصطلح عميق مثل مصطلح "الإرهاب". و لم تكن كل المحاولات و المؤتمرات التي عُقدت لبحث هذا المصطلح فيما بعد تنتهي إلى نتائج عملية أو معرفية. و السبب في ذلك أنها مؤتمرات بلا "صورة" كتلك التي كانت عند الرئيس بوش وحده، و عندها ظهرت مصطلحات الفكر و نتائج البحث العلمي تقليدية و بالية.(67/110)
الناقد الدكتور عبدالله الغذامي يصف لنا معالم هذا التغير فيقول: " هذا تغير عالمي كوني يحدث للثقافة البشرية حيث تتولى الصورة رسم المعاني و تغيير المصطلحات. و سوف نرى كيف صار معنى الإرهاب معنى معجمياً مركزياً في ثقافة الصورة، و كيف صار يقود الفكر البشري بوصفه المعنى المركزي الأقوى و الأهم، ليس سياسياً فحسب بل ثقافياً و اجتماعياً و نفسياً، و في كل مناحي الحياة البشرية التي تسيطر عليها ثقافة الصورة و تحتوي كل وسائل التواصل فيه." (الثقافة التلفزيونية ص 168). و نحن نجد اليوم أن التاريخ يعيد نفسه، و لعبة "الصورة" تتكرر بنفس الطريقة تماماً، فتفرض نفسها كنص ثقافي يحتكر "كل شيء".
طبعا لا يمكن أن نعتبر هذا التحول الثقافي تحولاً محموداً بأي حال من الأحوال، بل هو أمر خطير للغاية، فقد أصبحت الأمور أقرب إلى البدائية من ناحية التحليل؛ إذ كيف يمكن أن نجعل حدثا عابراً سريعاً هو المدخل الأساس الوحيد لتفسير و حسم "كل شيء"، بل و على إعادة قراءة كل التاريخ في "لحظات"؟! و نحن إن كنا أحيانا غير قادرين على تحديد دور العقائد و الأيدلوجيات في صناعة بعض الأحداث، فإن بعض مفكرينا نبه كثيراً عن دور الأحداث في صياغة العقائد و تحريف المفاهيم. و هذا الأمر بلغ أوجه مع الأحداث المتصاحبة مع "صورة" بهذه الإمكانيات و الشروط. و هذا الاضطراب في المشهد الثقافي الذي تسببه مثل هذه "الصور" هو ما دفع مفكرين كبار مثل نعوم تشومسكي و إدوارد سعيد و غيرهم إلى التنبيه على خطورة هذا الأمر، و قامت بعض دراساتهم على نقد الخطاب الإعلامي السياسي و البحث في استخدامه كوسيلة تخدم خطاباً ثقافياً واعياً "مضاداً".
القريبون من الوسط الأكاديمي المعني بالنقد الثقافي، يعرفون أن الدراسات النقدية لـ"ثقافة الصورة" حظيت بعناية فائقة و أصبحت محركاً أساسياً لكثير من القضايا السياسية و الثقافية و الاقتصادية. و حين نتأمل في واقع "صورة" الإعدام, و ما تحمله من ثقل في العناصر الثقافية، يصعب علينا أن نصدق أن البث أو التسريب كان "عفوياً". فقد وجدنا بعض مفكرينا و علمائنا الأفاضل يصفها بذلك، و بعضهم أصر أن ما حدث هو دليل على سياسة ساذجة غبية. و لا يمكن التسليم أبداً لهذه اليقينية، فأي نظرة فاحصة على ما أحدثته من اضطراب على المشهد الثقافي و السياسي يدل على عكس هذا التصور الشائع تماماً.
مظاهر الاضطراب التي حدثت على السطح، أوهمت البعض أن الأمر عبثي بحت، لكن الحقيقة تقول إن "الصورة" -بكل ما تحمله من عبقرية- جاءت لتحرك الجميع في مسارات محددة و بطريقة منظمة للغاية. فالحكومة العراقية تلقت الكثير من البيانات السياسية من دول كبرى -بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية- التي تستنكر ما جرى، و جاء الإجماع على اعتباره تصرفاً بشعاً غير قانوني. و هذا يعني أن الحكومة العراقية قد وضعت حبل الإدانة حول عنقها، و ستكون "الصورة" دليلاً قانونياً يحرك أي معارضة -رسمية أو غير رسمية- متى ما حادت عن المسارات المرسومة لها. و هذه مجرد نسخة طبق الأصل في حقيقتها لمسلسل سقوط صدام حسين. و أعمق بوادر تأسيس هذه الإدانة ظهر من الوسط الثقافي الأمريكي نفسه، و بقلم توماس فريدمان المحلل السياسي المشهور حينما سجل بدهاء كعادته ما يلي:" وإذا كان من قدر السجناء في عهد صدام حسين، أن يتعرضوا للسخرية والهزء وسوء المعاملة حتى لحظات موتهم الأخيرة، فإن أكثر ما يثير التبرم والضيق من صور الفيديو التي بُثّت عن إعدام صدام، عقاباً له على هذا النوع من الجرائم بالذات، هي أنها تعيد إلى الأذهان ذكريات ذات السلوك الذي جرت محاكمته"!، و لنضع ألف خط تحت عبارتي "هذا النوع من الجرائم بالذات" و "السلوك الذي جرت محاكمته".
هناك من يستغرب بعض المتناقضات الموجودة على الشرق الأوسط، فهو يجد في "مشهد" الإعدام تدخلاً إيرانياً في الشؤون الرسمية العراقية. و هذا يتناقض مع دعوى أخرى تقول إن أمر الإدارة كله بيد الأمريكان، فيفسر كل ما يحدث بأنه مجرد مؤامرة مشتركة ضد العرب. لكن هذا الموقف فيه من التبسيط الشيء الكثير؛ فالحروب و وجود مثل هذه التوترات بين إيران و إدارة المحافظين الجدد بقيادة بوش لا يمكن أن يقطع الكثير من الحوارات الدبلوماسية التي لا نراها، و التي لا تشترك فيها إلاّ الأطراف القوية المؤهلة. و لا نحتاج الكثير من الذكاء لنكتشف المصالح التي قد يحققها أي طرف استطاع استغلال "الصورة" لمصلحته، مهما كانت هناك بوادر تنازل أو انهزامية على السطح. و هناك مجموعة يبقى دورها محصور في طريقة استجابتها, فهي ليست عناصر محركة للحدث، و يمكن أن نقول إن كل أطراف المشهد الثقافي العربي -الليبرالية قبل الإسلامية- مؤدلجة لحد "العماء" و يمكن توظيفها ضد أي طرف بسهولة شديدة، و هذا ما حصل!!(67/111)
و لذلك فهذه القضية ستكون من أهم أهدافها هو ضبط المسارات، فنحن لا نعتقد أن حكاية "صورة" صدام قد انتهت خصوصاً بعد أن تم تسريب المقطع الثاني. فقد كان الرجل مادة دسمة للتصوير استمرت شهوراً طويلة لا يمكن أن يغفل عنها من يدرك طاقتها الاستيعابية و التغييرية و الإلغائية. و لذلك يجب أن نتوقع أن هناك جهات معينة -قد تكون مختلفة- تحتفظ بمثل هذه المقاطع، على أن تقوم بعرض بعضها و التعتيم على البعض الآخر بناء على ما تؤول إليه الأمور. و لعل هناك أسماء كبيرة لها ثقلها على الساحة -دينية أو غير دينية- قد تم تصويرها بطريقة ما مستغلة عاطفتها و نزعتها في الثأر بلا عقلانية لتتحكم فيها و تحدد مساراتها فيما بعد. و على كل حال، فالاحتمالات كثيرة، و سيظل الحديث حول هذا الأمر في إطار الظني. و لا أعتقد أن إطالة الجدل حول مثل هذه التنبؤات سيقود لكثير من الحسميات.
لكن - و من وجهة نظري الخاصة- أخطر تعبات هذا الحدث، و الذي هو في إطار القطعي، يتعلق بذلك "النفق" الذي حدد مساراً وحيداً ضيقاً لقطار المشهد الثقافي. فـ"الصورة" ستكون هي المعتمد الأول و الأساسي في تشكيل كل ما يتعلق بمفاهيم ثقافية حساسة مثل "الطائفية" و "التطرف" و "الشهادة" و "الشجاعة".....الخ، فتاريخ الثقافة و منتجاتها كلها سيتم تشريحها عن طريق هذا المقطع, ليتم استبعاد كل شيء خارج "منطق" "صورة" لا تتعدى دقيقتين!! و كأننا فعلاً قررنا أن نركب قطاراً يمكن أن يزودنا بمسار محدد في هذا "النفق" المظلم. و هذا الظلام يعكس حالة الاستبعاد التي تعيشها منتجاتنا الثقافية التقليدية، و التي كانت كمصابيح يمكن أن تساعدنا للسير و اختيار المسارات نحو المخرج الصحيح.
فهل معنى هذا أن نستسلم للأمر الواقع و نخضع لاستعباد الصورة؟
لا أؤمن أن هناك أزمة محددة لا يوجد فيها أبواب مفتوحة. و الاستغراق في تصوير الجوانب الظلامية و السلبية أحدث اضطهاداً لمفهوم عميق، عانى من إساءتنا الشيء الكثير، و هو "الوعي بالواقع". فالوعي بالواقع هو في حقيقته تحديد المسارات الإيجابية و مناطق التحرك و البحث في كيفية توسيعها و استثمارها مهما كانت الأزمة كبيرة. و لا يوجد أبداً أي سبب أو ظرف يمنع من تفعيل طرق البناء و الإيجابية مهما كانت محدودة، و ما أعظم ما قاله الرسول عليه الصلاة و السلام: "إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة، فإن استطاع أن لا تقوم حتى يغرسها فليغرسها"(صححه الألباني).
و أكبر جوانب نقص الوعي بالواقع و التي ضل الناس فيها، و انقسموا على مذاهب شتى، هو "الوعي" بالسياق الثقافي و التاريخي و الحضاري لهذه الأمة. و هذا الوعي يقتضي أن تعترف الأمة أنه لا عزة لها إلاّ بدينها, و أنه يجب أن يقود الواقع بكل بتفاصيله و كلياته. و هذا يحتاج إلى حركات إصلاحية تعيد النظر في الخطاب الديني ليستعيد -منطلقاً من أصالته- شيئا من الفعالية التي خسرها خلال القرون الماضية كما هو بتعبير مالك بن نبي رحمه الله تعالى. و تجديد الخطاب الديني يجب أن يكون شمولياً، فيهتم بما يتعلق بشؤون الحياة العامة، و لا يغفل عن تصحيح العقائد و التي تعيش حالة مضطربة جداً للأسف. و قد وصل الكثير من المفكرين الغربيين غير المسلمين إلى ضرورة التعامل مع محيط الشرق الأوسط كمنطقة لها سياق حضاري إسلامي بحت، فكل محاولة لتعميق الفجوة بين هذه الأمة و سياقها الثقافي و الحضاري فلن يحقق مكاسب طويلة المدى بأي حال.
و من "الوعي بالواقع" أن تكون قراءتنا في "ثقافة الصورة" قراءة كاملة من كل الجوانب حتى نحدد الإطارات الإيجابية للحركة؛ فـ"ثقافة الصورة" تبقى في النهاية محايدة، لكنها لا تخدم إلاّ مريديها فقط. و أبرز الجوانب الإيجابية للـ"صورة" أنها مادة كاشفة عن الأنساق الثقافية و حركة هذه الأنساق و طرائق تعبيرها عن نفسها. و هذا يعني أن لدينا الآن وسيلة جديدة مهمة للغاية للتعرف عن الذات المثقفة و الشخصية الثقافية و التعرف على عيوبها الخطابية و النسقية. فالصورة أصبحت محور كثير من الدراسات الثقافية، و الناقد الثقافي يظل يترقب مثل هذه الأحداث و هذه الصور العمومية ليستفيد من ردود الأفعال في قراءة المجتمع بطريقة صحيحة.
و هذه نقلة مهمة في مسيرة النقد الثقافي، فالاهتمام أصبح متزايداً في نقد "المستهلك الثقافي" -كالصورة مثلاً- وردود الأفعال أثناء عملية الاستهلاك و الاستقبال الجماهيري على حساب الاهتمام في نقد الثقافة أو دراستها. و هذا تحول مهم يكشف لنا مقدار التباين بين الفعل الواعي الذي يفترض أنه يمثلنا في الحقيقة و بين ما تصنعه المضمرات النسقية.(67/112)
و هذا يجعلنا أمام أمرين، فإما أن نخضع لهذه الصورة و ما ستفرضه علينا ثقافياً من تأويلات محددة، فيكون التحرر من تبعات هذه التأويلات في المستقبل شبه مستحيل. و إما أن نسلط النقد على ردود أفعالنا و نبحث عن عيوب الخطاب الثقافي عموماً، فتكون حينها "الصورة" مدخلاً تاريخياً و فرصة نادرة في إعادة تصحيح الأمور بطريقة علمية سليمة ستضمن لنا قاعدة متميزة يمكن أن تؤهلنا لخوض المراحل القادمة من مسيرة الانطلاق الحضاري بكل قوة و نجاح. و هذا أمر يفرض على علمائنا و مفكرينا الجدية الكاملة في تلقي مثل هذا الأمر، خصوصاً أن الجماهير أصبحت لها سلطة عميقة على الخطاب الثقافي و تتأثر كثيراً بالمخرجات المبسطة لهذه الصورة. و سنستخدم الصورة، لنقف الآن على مجموعة من العيوب الموجودة في المشهد الثقافي.
(1) كانت فترة حكم الرئيس صدام حسين قد جرت العراق للكثير من المهالك، و بلغت الأدلة درجة التواتر فيما يدل على ذلك الواقع السيئ، و قد كان في داخل كل عراقي رغبة شديدة في تحرير العراق من هيمنته و ظلمه حتى يتغير الحال نحو الأفضل.
و بغض النظر عن الطريقة التي تم فيها إسقاط النظام العراقي السابق، فإن لغة الأرقام تدل على أن النتائج لم ترق لطموح الشعب, فالتغيير قد جره لمهالك جديدة. و هذا الذي حدث مجرد انعكاس لـ"نسقية المعارضة" كما يسميها الدكتور الغذامي. فالجانب النسقي من المعارضة في التاريخ تعني أن المعارضة هي صورة أخرى من المهيمن و الجميع يشتركون في السمات و السلوكيات و لن تكون "ثقافة المعارضة" إلا من خلال إزاحة نظام و إحلال نظام لا يختلف عن السالف من حيث الفعل و المسلك.
و الذي حدث الآن ليس خروجاً عن السياق التاريخي، فالعباسيون -مثلاً- قاموا بشن معارضة سياسية ضد الأمويين بدعوى ظلم بين أمية و تجاوزهم، غير أن العباسيين و هم يقومون بمعارضة ينتهون إلى نهاية نسقية، و يقدمون أمثلة كالسفاح الذي اكتسب اسمه من كثرة سفكه للدماء لدرجة وصلت إلى قتل قائد جيشه أبي مسلم الخرساني. و هذه "النسقية" في المعارضة ليست محصورة في الجانب السياسي فقط، فهي تشمل أيضاً "المعارضة الثقافية"، و قد نقل المسعودي في مروج الذهب أن المأمون بلغ به الحال أن أعلن البراءة من كل من يذكر اسم معاوية -رضي الله عنه- بخير، كما أننا نعرف قضية المأمون مع الاعتزال. ثم نجد على جانب آخر أن كل المعارضات التي واجهت بني العباس كانت دموية سياسية و إلغائية ثقافية، و هو ما يعكس صورة هذا العيب النسقي.
و عندما نقترب قليلاً، وننظر إلى حركات الثورات العربية الأخيرة، نجد أن الأمرنفسه يتكرر، و المشهد هو المشهد، فعندما تنتصر المعارضة تسقط الدعاوى و تكون صورة في هيمنتها و سلطويتها من النظام السابق مع بعض الإختلافات الشكلية. و ما كان صدام حسين مع عبدالكريم قاسم إلاّ مثالاً آخر مما يفعله المعارض مع المهيمن، حتى إذا أخذ المعارض السلطة ورث كل عيوب سلفه، و قد يكون أكثر كرماً فيضيف شيئاً من إبداعه.
و لذلك كان لا بد أن نتيقن أن صدام كان سيواجه نفس النهاية التي تواجه كل مهيمن في ثقافتنا، و قد سئل الدكتور الغذامي في مقابلة صحفية قديمة عن "المسافة التي تفصل بين القاتل و المقتول"، فأجاب بأن هذه المسافه هي "صدام حسين"، و لم يكن الغذامي يقرأ الكف حينها، لكنه كان يدرك تماما ثقافة المعارضة و نسقيتها التي لن تنفذ إعداما على صورة محاكمة قانونية، و لكنه حتما سيكون على صورة اغتيال سياسي مقاربة لتلك التي كان يشتهر بها صدام وقت حكمه. و لعل البعض مازال يتساءل عن بقية التفاصيل التي لم تبث في مشهد الإعدام، و عندها سنقول له -من خلال قراءتنا للعيب النسقي في المعارضة- إنها ستكون بنفس الطريقة التي كنا نسمعها عن اغتيالات صدام السابقة بدون حاجة لآلات تصويرية و مقاطع إضافية. فالجموع لا بد و أنها كانت تشاهد في لذة و تمارس كل أنواع التعذيب الجسدي و النفسي، لتكرر نفس المشاهد الصدامية دون أن يتغير شيء.
و لو استطردنا لنبحث في مجموعة أخرى من الأمثلة و النماذج للمعارضة السياسية أو الثقافية، فسنجد أننا سنصل إلى حقيقة واحدة، و هي أن المعارضة تقع في نفس الأشياء - و لو بعد حين- التي تنتقد بها كل مهيمن، مما يدل على عيوب نسقية ما زلنا نتوارثها -بلا وعي غالباً- فتعطل كل محاولة إصلاحية جادة في تحقيق مرادها.
(2) جاءت أمريكا إلى العراق و هي تحمل معها وعوداً بتحرير سريع و بناء دولة ديموقراطية تكون نموذجاً فريداً لبقية الدول في المنطقة. و كان و لا يزال الرئيس بوش يتكلم عن هذا الأمر من حين لآخر، و يستعين ببعض المثقفين و الخبراء السياسيين -من المحافظين الجدد خصوصاً- الذين كانوا يبشروننا بالنعيم الذي ينتظرنا، فالجيوش معها قيم و مبادئ هي كالمفاتيح السحرية لأبواب الجنة في هذه الدنيا.(67/113)
و هذا التبشير ليس وليد اليوم. فمن ناحية العلاقة التاريخية، لا شك أن الخطاب الأمريكي الليبرالي كان مغريا، فقد أخذ زمناً طويلاً في ترسيخه عند بعض مثقفينا قبل حدوث مثل هذا النوع من المواجهات التي تكشف عن الأنساق المضمرة التي قد تزعزع الثقة به، والتي قد تتعارض مع ما هو معلن في اللحظات الحاسمة. و إذا عرفنا حالة القهر و التخلف التي تجتاح العالم العربي، نجد مبررات عديدة لحالة "العمى الثقافي" التي فرضت على بعضنا الاستعانة بأية مبادئ تعلن أنها قد تضعنا على مشارف انطلاقة حضارية شاملة. لكن "صورة" إعدام الرئيس صدام و أخواتها كانت فرصة نادرة لكشف الكثير من الأنساق المضمرة و عيوب الخطاب الثقافي الغربي عموماً و الأمريكي على وجه التحديد.
دعونا نعد سنوات قليلة للوراء، و نتذكر كيف هزت "الصورة" التي أظهرت تفجير بعض الإرهابيين لبرجي نيويورك أركان المشهد الثقافي بنفس الطريقة التي تكشف المضمر. فنجد أن الرئيس بوش في أول تصريح له يتحدث عن "حرب صليبية" و عن مصطلحات مثل "قوى الشر" و "الشيطان"، مما يدل أن الخطاب الثقافي الغربي لم يتحرر في مضمره من هذه الأنساق التي كان و مازال يتوارثها و كأنها جينات متنحية، لا تظهر إلاّ في اللحظات الحاسمة بشكل يجعلها تقصي كل ما سواها.
و حين ننتقل إلى "صورة" صدام حسين لنقرأ في ردود أفعال بعض المثقفين الغرب، يأتي توماس فريدمان ليكشف ما هو مضمر في مقاله الذي هو بعنوان: "إعدام صدام والبحث عن مخرج للمأزق العراقي"، و يعلنها صريحة و كأنه يرثي كل من اغتر بالنموذج الليبرالي الغربي الذي كان يبشر به دائماً، و ذلك حين ينقل عن مايكل ماندلباوم "أن الديموقراطية لا تنجح إلاّ حين يكون هناك اتفاق رئيس على المبادئ و الأصول، و في وسع الآخرين الذين يفتقدون إلى هذه المبادئ و القيم، أن يستوردوها منا إن شاؤوا، إلاّ أنه ليس في وسعنا تصديرها لهم بأي حال، ذلك أنه ليس بإمكاننا توفير السياق العام الذي يمكن للآخرين الاستيراد منه".
و بالطبع فإن فريدمان حينما يقول إن نجاح الديموقراطية يعتمد على الاتفاق الأساسي على المبادئ و الأصول، نجد أنه يجسد قناعته هذه في قبوله بالكثير من النماذج الديموقراطية التي تخالف النموذج الأمريكي كما هو الحال مع فرنسا و بريطانيا و إسرائيل. لكن سؤالنا الذي ننتظر إجابته من فريدمان: هل يمكن أن ينطلق من هذا الكلام ليبحث لنا عن نموذج النظام السياسي الوحيد الذي يتلاءم مع سياق أمتنا الثقافي و الحضاري العام؟ لا أعتقد أنه سيملك الشجاعة ليخبرنا عن النتيجة؛ فهو ضحية نسق ثقافي غربي متجذر يعتقد أن ثقافته بكل تفاصيلها قد بلغت النموذج الصالح لنهاية التاريخ لتكون ملائمة لكل الحضارات.
لقد ظهر لي أنه من المهم قراءة مقالات فريدمان -بالذات- التي تكون كردود أفعال مع مثل هذه الصور، و في كل مرة سيجد القارئ فيها شيئاً جديداً يكشف الكثير مما هو مضمر. فعندما تسربت صور تعذيب سجن أبو غريب، بادرنا بمقال قال فيه: "يجب على كل من أراد العمل في العراق أن يُجرى له امتحان، ويتألف هذا الامتحان من سؤال واحد: هل تعتقد أن أقصر مسافة بين نقطتين خط مستقيم؟ فإن أجاب بـ"نعم"، فلا ينبغي أن يعمل هناك، يستطيع أن يعمل في كوريا أو اليابان أو ألمانيا لكن ليس في العراق، فقط، أولئك الذين يفهمون أنه في الشرق الأوسط أقصر مسافة بين نقطتين، ليست أبدا خطا مستقيما ينبغي أن يعملوا هناك". و هي دعوة من فريدمان أو "صديق الليبرالين العرب" كما يسمونه -و لا شماتة-، تحث على تجريد السياسة الأمريكية في العراق من أية أخلاقيات أو إلتزامات كي تحقق ثماراتها.
و رحم الله المفكر مالك بن نبي حين قال لنا قبل عشرات السنين: "إن المستعمر لا يحمل فضائله خارج أرضه" (وجهة العالم الإسلامي)، بل نجد أن مثل صورة أبو غريب تجعل علمانياً -عرف بتسويغه المبالغ للسياسيات الأمريكية- مثل فؤاد زكريا ليقول: "عليهم أن يعلموا أن الفضائل المتناثرة بين كاليفورنيا وفلوريدا، فضائل "لازمة" وغير "متعدية" للآخر!..أملتها ظروف تاريخية معينة واقتضتها "أخلاق الزبونية" التي تنتج الفضائل هناك. و ردة فعل زكريا تدين ثقافته من حيث لا يدري بأكثر من طريقة، و يا ليت قومي "يفهمون"!!
و على الرغم من كل هذا، فمقالات توماس فريدمان كانت -و مازالت- تحظى باستقبال كبير من بعض صحفنا، و قد وجدت أن هذا الاستقبال لا يطفئ أضواءه و يغلق أبوابه إلاّ حين يرى مثل وجهي دون أن أفهم السبب! و على العموم, لا أملك شيئاً من تدبير الأمر معه، و لا القدرة على محاورته أو أخذ مقعده. لكن على أقل تقدير فأنا أمير نفسي، و يمكنني أن أرجع إلى غرفتي مساء اليوم لألقي كتابه الذي كلفني الكثير من الدولارات في مكانه المناسب!(67/114)
(3) صعد الشيخ يوسف القرضاوي منبره في جامع عمر بن الخطاب في قطر، ليتحدث عن قضية العراق و الفتنة الطائفية, متناولاً بعض ما ارتبط بمشهد إعدام صدام. و بعد أن استنكر كل ما جرى، طالب بلهجة حادة و بلغة صارمة المراجع الشيعية في العراق و إيران أن تحدد موقفها من هذه الجرائم، فـ "صمتها" سيكون دليل إدانة صريح ضدها. و في مشهد آخر كرر الشيخ القرضاوي مطالباته رجال الأديان الأخرى أن يوحّدوا كلمتهم ضد أي عدوان أو تطرف عالمي، لكنه دائماً ما يعاتب تخاذل الكثير منهم في بعض المواقف الحيوية.
و الشيخ القرضاوي كانت له مساعٍ كبيرة من أجل تحقيق مثل هذه الأهداف، و هو ينطلق من أساسيات صحيحة، فالرسول صلى الله عليه و سلم قال:" لقد شهدت في دار عبد الله بن جدعان حلفاً، لو دُعيت به في الإسلام لأجبت، تحالفوا أن يردوا الفضول على أهلها، وأن لا يعد ظالم مظلوما". و لا نستطيع أن نقول إن هذا الحدث قد نُسخ بسبب العدوان, و أنه لا يمكن أن يُقام تحالف على مثل هذا في غير ذلك الزمان. و نحن نعلم أنه بالرغم من بعض الأحداث التاريخية التي حفلت بمواجهات دموية مع الشيعة أو مع غيرهم، إلاّ أن حالات السلم و التعايش كانت أكثر، كما أن أغلب ما يحفل به تراث الملل و النحل عموماً هو الوقوف ضد هذه الممارسات العدوانية. فإذا كان الحال على هذا النحو، فما هي الحلقة المفقودة في كل هذه القضية و التي تفسر "الصمت" الشائع؟
المسألة لها علاقة بالوظيفة الثقافية للكلام، و ما يرتبط بها من بعد سياسي و اجتماعي. و نشوء مثل هذه الرابطة يعني أنها ستخضع لجملة "قوانين نسقية" رسختها الأيام في كل نظام اجتماعي دون نقد كاف. فكل جماعة تعين من يكون صوتاً لها و يتولى وظيفة الكلام باسم هذه الجماعة -أي جماعة- بناء على مؤهلات أو ظروف معينة، و الذي لا تفوضه الجماعة للحديث و الخطابة يجب عليه أن "يصمت". يقول الدكتور الغذامي عن رابطة الشاعر و القبيلة: "فالشاعر بما أنه قد صار صوت القبيلة فإنه لا بد أن يكون صوتا قويا يجري اختياره من بين الأصوات الأخرى، و تحتفل القبيلة بهذا المخترع الثقافي الذي سيكون آلة حربية تحمي القبيلة و تحقق لها الهيبة في نفوس الآخرين، و هذه سمات لا تتحقق إلا بشخص له صوت يعلو على الأنداد و الخصوم معًا"(النقد الثقافي ص 205). و إذا خسرت القبيلة "صوتها" فإنها ستعيد تشكيل نفسها لتعلن عن ولادة "صوت" آخر، و هكذا.
و هذا كما قلنا هو "قانون نسقي" عند كل جماعة، فالكنيسة عندما خسرت حكمها السياسي، و توصلت إلى قناعة تامة بعدم قدرتها على إدارة الأمور و مواجهة التحديات السياسية و الثقافية، كان يجب حينها أن توكل غيرها ليكون حاكماً يغطي العجز و يقود المواجهات تجاه الخصوم. و هذه نقلة تاريخية جعلت الكنيسة خاضعة تماماً لكل ما هو سياسي في إطار "جماعتها"، و بهذا تكرر ما يحدث تاريخياً مع كل جماعة، ففي مثل هذا الخضوع، هناك جماعة "تتكلم" و جماعة يجب عليها تباعاً أن "تصمت". و الكنيسة لا تعتقد أن دورها السياسي انتهى، فعندها من الوعود الدينية التي تبشرها أنه مهما طال "الصمت"، سيأتي اليوم الذي ستكون مؤهلة فيه لـ"لكلام".
و الذي حدث بالنسبة للشيعة مؤخراً، هو قريب جداً مما حدث للنصارى، و قد كان البعض يستغرب كيف صار الحال في العراق على هذا النحو الذي وصلت إليه الأمور، خصوصاً بعد فترة طويلة من التجاور و التعايش مع السنة. لكن بعد أن نجحت الثورة الإيرانية، خضعت المراجع الدينية الشيعية تحت "عمى ثقافي" كبير لسلطة الطبقة السياسية تماماً بشكلها الديني الجديد بعد أن تم تفعيل "ولاية الفقيه"، و حينها اكتملت الشروط الضرورية لعمل "القانون النسقي" نفسه، فطبقة يجب أن "تصمت" و طبقة لها الحق أن "تتكلم". و كل من لا يلتزم بهذا القانون سيواجه كل أنواع الاضطهاد, و استمر المبدأ حتى يومنا الحالي بنفس الطريقة التي تضمن تفاعل القانون النسقي. و لعل هذا فيه شيء من الإجابة عن السؤال -و إن كان في سياق مختلف- الذي طرحه الأستاذ فهمي هويدي في مقاله "رسائل الإعدام المهين": " لو أنها كانت إيران الشاهنشاهية، هل كان الأمر يختلف عما عبرت به إيران الإسلامية؟"(67/115)
و لا ندعي أن أهل السنة مجردين من هذا "العيب النسقي"، بل قد ظل يكرر نفسه تاريخياً دون أن يواجه بشيء من النقد. و قد يستغرب البعض صمت كثير من العلماء الذين نشهد لهم بالصلاح و الفضل عن كثير من الأحداث السياسية، لكن خضوع المؤسسات الدينية الرسمية و أتباعها تحت سلطة الطبقة السياسية شكل الوحدة الاجتماعية الضرورية لتفعيل وظيفة القانون النسقي نفسه، و لذلك كان عليهم أن يوكلوا لهم كل الحق بالكلام و إدارة الأمور، و يلتزم الآخرون بالطرف الأيسر من معادلة التفاعل النسقية، و هو "الصمت". و الذين يقرؤون في السياسة الشرعية عند أهل السنة، سيجدون الكثير عن صلاحيات "أهل الحل و العقد"، لكنها بقيت في إطارها النظري-إلا ما ندر- في كل فترات تاريخنا السياسي. و هذه السلطة الكبيرة الموجودة عند أهل الحل و العقد عند السنة، موجودة نظريا عند الشيعة و عند النصارى، لكنها آخيرا قد تعطلت بعد كثير من الأحداث.
و لذلك كانت من أهم المطالبات الإصلاحية التي يطالبها بعض علماء السنة قبل الوقوع الكامل في نفس الخطأ، هو استقلالية المؤسسة الدينية عن السلطة السياسية. قال هذا الشيخ سلمان العودة في أكثر من محفل إعلامي, كما أن الشيخ القرضاوي أكد على ضرورة أن يسترد الأزهر أوقافه، و أن يكون مستقلا في حركته لا يخضع للقرار السياسي.
و لذلك يجب علينا أن نسلط الكثير من النقد على هذا "العيب النسقي"، ففعالية المطالبات الذي ذكرها الشيخ القرضاوي و غيره متوقفة على وعي الأطراف الأخرى في تصحيح خطاباتها الثقافية التي تضررت كثيرا من هذا. و لا أعتقد أن المسألة مستحيلة، بعد أن رأينا أن الشيعة و غيرهم قد فرضت عليهم بعض الأحداث استجابات أكثر عمقاً، مما يدل على أن باب التغيير مفتوح، لكن الأمر في حقيقته متعلق بخطابنا الثقافي و كفاءة أجندته في بناء الوعي عند الغير بهذه النقطة بالذات.
(4) على الرغم من تلك الجهود المبذولة لتوحيد الصف أثناء مواجهة القضايا الكبرى، و قيام الكثير من الاتحادات و المنظمات و الهيئات التي تهدف لتكثير السواد في مواجهة أية أزمة، و التي غايتها أن يكون الخطاب أكثر قوة و فعالية، إلاّ أننا بدأنا نلحظ تراجعاً كبيراً في الجهود المبذولة لتأسيس خطابات جماعية من جهة، و في زيادة فعالية ما هو موجود من جهة أخرى. و هذا العيب قد كشفته "صورة" الإعدام التي كانت انعطافاً حساساً في تاريخ الأمة. و على الرغم من هذا كانت كل البيانات -إلاّ ما ندر- فردية أو شبه فردية.
و إن كانت كل الأطراف المعنية بقضية الإصلاح و التغيير و التجديد تشتكي تسلط الذهنية التقليدية و أحادية الرأي، إلاّ أنها -و من خلال تأثير هذه الصورة- سترسخ هذا العيب فيها، و ستتجه النخبة - بلا وعي و تحت عمى ثقافي- إلى الانقسام إن مر مثل هذا الموقف دون مراجعة ناقدة.
ووصول الأمر إلى هذا المدى، يكشف عن عيب جذري يصاحب كل الحركات الإصلاحية الإسلامية أو الحداثية على حد سواء، و السبب أن هذه الحركات لم تتمكن من تأسيس خط كلي و بوعي جمعي عميق، بل ظلت في حقيقتها حركات فردية و ثقافتها ثقافة أفراد و رموز، و إذا ظل الرمز بوحدانيته تحول فكره إلى فكر شمولي، و ظل متعالياًً على النقد مهما ظل يصرح بأنه من دعاة النقد و الحوار، و هذا مشهد واقعي لا يكاد يستثني أحد الرموز على المشهد الثقافي، و لا يختلف في هذا الإسلامي عن العلماني شيئاً، و لذلك لا توجد لدينا أي حركة إصلاحية تؤسس معها جهازاً نقدياً حقيقياً ضمن خطابها، و هذا ما يجعلها مضطرة للانقسام على نفسها -مع كل حدث- حتى تظل محافظة في مضمونها على ثقافة الرجل الواحد، مهما بدا الظاهر غير هذا. و هذا الواقع المتأزم طبيعي, فالحقيقة أنه لا يمكن تشكيل جهاز نقدي حقيقي خارج إطار التيارات ذات التكوين الجمعي العميق.
و كما قلنا، إن مر مثل هذا الحدث الذي فجرته "الصورة" -و الذي غدا من أهم الانعطافات التاريخية الأخيرة- دون مراجعة نقدية، عندها ستقيد "الصورة" جهود النخبة في تأسيس أي خط جمعي في المستقبل، فالقانون المنطقي سيفرض نفسه ليقول: "ما دام أن هذا الحدث الذي ستثبت حساسيته الأيام قد مر دون تأسيس موقف جمعي حقيقي، فكل ما دونه لن تواجهه إلاّ الخطابات و المواقف الفردية في المستقبل".
و هذا ما جعل بعض مفكرينا يناشد الجامعة العربية بعقد اجتماعاً طارئاً فعالاً لتأسيس موقف جمعي مؤثر حول قضية العراق و قضية الاقتتالات الطائفية، و هذه مطالبة واعية، فالحقيقة إن مرت هذه الحادثة المهمة دون موقف حيوي جمعي، فهذا يعني أن الجامعة العربية قد كتبت نهايتها، و لن تحظى أي قضية دونها -حسب القانون المنطقي- بأي اجتماع بعد أن لازمت مثل هذه الحادثة بيانات رسمية فردية. و الوعي بهذه النقطة يذكرنا بما جعل الحكومة السعودية تستنكر قيام بعض الدول في مجلس التعاون بعقد علاقات دولية حساسة بصورة فردية لا تشاورية، و هذا يدل على وعي منها بأثر هذا على مستقبل النقاش الجماعي في القضايا المشتركة الأقل حيوية.(67/116)
إننا أمام مرحلة حساسة جداً في تاريخنا الثقافي، و هي مرحلة "سقوط النخبة"، و هذا السقوط نعني به تلاشي رمزيتها التقليدية التي كانت تحتكر القيادة في المجالات السياسية و الاجتماعية و الفكرية....الخ. و كان يجب أن تسقط في ظل وجود بديل مؤثر جديد له طاقة استيعابية جمعية في استقبال المشاركات الجماهيرية. لقد جاءت "الصورة الفضائية"، و جاءت "الإنترنت"، و تشكلت "المنتديات الحوارية"، لتقود حركة التغيير الاجتماعية و بشكل جماعي دون وضوح أسماء رمزية محددة.
لكن يجب أن نفهم نقطة معينة في علاقة هذه الحركات التغييرية الجديدة مع النخبة، فهي لا تتحرك بدون الاستعانة بهم، لكنها في نفس الوقت تفرض سلطتها عليهم حتى و إن اضطر الحال إلى مهاجمتهم بأسماء غير رسمية أحياناً عندما يحيدون عن خط الحركة. و هذا يظهر دائماًً في ردود الأفعال الأخيرة, فالقانون في التيارات الجمعية على الإنترنت أن الحركة هي التي تدير النخبة و ليس العكس. و هذا انكشف بشكل واضح مع هذه "الصورة", فنجد في بيان رسمي لأحد كبار كتاب المنتديات و طلبة العلم مستنكراً على الشيخ البراك خروجه عن الخط فيقول: "ما أغنى شيخنا الفاضل عن الدخول في مثل هذا المعترك الحرج خصوصًا في هذه الحقبة الزمنية المقيتة، ومن لم يكن في أول أمور السياسة من ساستها فليدع آخرها يسوسها غيره ...".
المشهد الحداثي العربي أمام هذا التغير في القوى -على وجه التحديد- مثير للشفقة أكثر من غيره، و يواجه أكبر أزمة في تاريخه الثقافي القصير نسبياً، فـ "صورة صدام" كشفت عن "النسق المضمر"، و هو "البعد الديكتاتوري" المتجذر في "الليبرالية" عموماً. فبعض الصحف قد امتلأت بكل المحاولات القمعية لكبح ثورة الجماهير. و هذا الأمر تكرر تماماً مع "صورة" الحجاب في فرنسا حينما ظل أدونيس و غيره يدافعون عن القرار الفرنسي أكثر من فرنسا نفسها، مما يدل على هشاشة الطرح الحداثي و خضوعه تحت سلطة الأنساق الديكتاتورية المضمرة عند أي مواجهة مع أي "صورة" لحدث ما. و في كل مرة تعلن الدوائر الانتخابية فوز الإسلاميين، نجد الجملة الكاشفة تقول: "إنه لم يحن وقت الديموقراطية في الشرق الأوسط."!!
و ما أروع ما قاله (روزينو) :"إن شكوك ما بعد الحداثيين حول المشروع الحداثي قد أفضت إلى مأزق فكري و عملي، و لم يعد هؤلاء على قناعة بأن الذي تم إنجازه حداثيا هو بالضرورة صحيح و حقيقي و جميل و أخلاقي. ضاعت القناعة لأن المنجز أقل من المأمول و المتوخّى. و هذا ما جعل بعض المفكرين يقول إن هناك أسباباّ لعدم الثقة بالحداثة و ادعاءاتها الأخلاقية و مؤسساتها المعرفية و تأويلاتها العميقة. حتى لقد ذهب (تورين) إلى القول إن الحداثة لم تعد قوة للتحرير و لكنها صارت مصدراً للاستعباد و للاضطهاد و القمع".
و لا شك أن هذه ملاحظات صارمة يتم توجيهها للحداثة، خصوصاً حينما أعطت قيمة مطلقة لمفهوم (الليبرالية) و (العقلانية) حتى بلغ بها الحال أن ازدرت كل النظريات الأخرى، و اعتبرت أنها رجعية بدائية. و هذا الحل المطلق تحطم على يد البطالة و التفكك الاجتماعي، و غيرها من المعضلات التي ضربت المجتمعات الحديثة.
(5) جاءت حادثة الشنق لتصعد من حدة المواجهات الطائفية بين جماعة من أهل السنة و الشيعة. و على الرغم من أن أهل السنة قد ظلوا لسنوات طويلة يسجلون مواقف تعارض حزب البعث حتى وصفته بالكفر، إلاّ أن حصر الجرائم التي تدين صدام بطريقة متطرفة لصالح الطائفة الشيعية, فجّر الأزمة. و جاءت الصورة بطريقة ألغت كل السياق التاريخي بين أهل السنة و صدام لتكشف ردود الأفعال عن بعض المواقف التي تحتاج للكثير من المراجعة.
بعض الكُتّاب ذكر أن صدام قد تاب و ظهرت علامات توبته جلية، و هذا ما يعني بطلان حكم الإعدام بعد أن ثبت رجوعه لدينه. و عندما قيل له أن حكم الإعدام لم يكن ذا ارتباط بكفره من إيمانه، و أن القضية لها علاقة ببعض الجرائم، ذكر أن الله أعلم بباطن الأمر و لعله كان متأوّلاً، و في الأمر أكثر من مخرج!
هذا يظهر الخلل في فهم فلسفة التشريع، فالذي لا يشك فيه أحد أن صدام سيأخذ حكماً بالإعدام حتى لو كانت محاكمته كاملة الشرعية. فالتوبة لا تنقض الأحكام الشرعية، و لن تكون توبة صدام أظهر من توبة الغامدية التي زنت و التي جاء الوحي مصدقاً توبتها. و على الرغم من هذا أقام الرسول عليه الصلاة و السلام عليها الحد حتى يحفظ لنا المبادئ و الأخلاق. فالشريعة بكل أحكامها و حدودها من غايتها تنظيم شؤون الخلق. فكل المبادئ لا يمكن أن تُصان بفهم بشري قاصر، و هذا ما أظهرته التجارب البشرية الحديثة. لكن عندما نميع المنهج بسبب ردود الأفعال، فهذا يعني أننا نسلك الطريق الخاطئ. و لا يمكن أبداً معالجة العيوب النسقية بعد نقدها، إلاّ بقوة الوحي الذي يخضع الجميع لسيطرته.(67/117)
لقد وصف البعض بأن ما حدث كان اغتيالاً سياسياً، و انتقاماً طائفياً عطل صورة العدالة التي تحفظ للجميع حقها في الاقتصاص من صدام دون تمييز، في دولة كان يُفترض أن تكون مدنية. و هو انتقام لأكثر من حادثة تاريخية و بنفس الطريقة، و هذا الانتقام هو مشهد يصور "نسقية المعارضة", يقول الشيخ عبدالرحمن البراك:" "اختيار يوم العيد لقتله يظهر أنه مضاهاة لقتل أميرٍ من أمراء دولة بني أمية وهو خالد القسري للجعد بن درهم -إمام المعطلة- إذ قتله يوم عيد الأضحى وقال: ضحّوا تقبل الله ضحاياكم، فإني مضحٍٍّ بالجعد بن درهم فإنه يزعم أن الله لم يتخذ إبراهيم خليلاً ولم يكلم موسى تكليماً، فنزل من المنبر فذبحه.. والرافضة تُوالي الجهمية المعطلة، ولهذا اعتنقوا مذهب المعتزلة".
لكن موقف بعض أهل السنة كشف تماماً عن "نسقية المعارضة" التي أدنّا بها الشيعة، فهذه الفئة كانت تستنكر على كل من دعم الشيعي نصر الله في حربه الأخيرة على إسرائيل. و اعتبروا ذلك موقفاً متخاذلاً مع المنهج، فأولئك الذين دعموه رأوا أن هجومه على إسرائيل يستحق الدعم و التأييد و الثناء، لكن هذه الطائفة من أهل السنة اعتبرت أن موقف نصر الله لا يحمل أي دلالة على أي خير، و أنه من باب ضرب الظالمين بالظالمين. لكن هل أثبت هذا المنهج اطّراده؟
الحقيقة أن هذا المنهج لم يطّرد، فعندما تغير الحدث و انقلبت الأدوار نجد أن ما يتهم به المعارض الآخر هو نفس "العيب النسقي" المتجذر فيه قبل غيره، و هذه هي "نسقية المعارضة". فقد جاء على لسان أحد المشائخ ما معناه: "و صدام على الرغم من ظلمه، إلاّ أن حسناته كثيرة، يكفي أنه وقف أمام المد الصفوي و الغزو الصليبي!!". و هذا العيب النسقي اعترض عليه شيخ الإسلام رحمه الله حين حذر من هذا الأسلوب في المواجهة, فانتقد الذي استفزتهم الخصومة مع الشيعة "فقابلوا باطلاً بباطل، و ردود بدعة ببدعة" (مجموع الفتاوى 4\513). و ليست هذه المرة التي يظهر فيها هذا التعارض، فهم لا يحسبون لجمال عبدالناصر حربه على إسرائيل، و الذي نقل مؤرخه محمد حسنين هيكل أنه كان متديناً، لكنهم يناقضون أنفسهم هنا ليعتبروا صدام بطلاً وقف لسنوات طويلة أمام المد الصفوي!! و هذا ما يدل على عيب نسقي متجذر.
و هذا يُقال أيضاً عن كل المحاولات التبريرية التي تحاول حجب الشمس بغربال، بل كان بعضهم يتحدث عن سنوات صدام الأخيرة حتى شككت أنهم يتحدثون عن الحسن البصري -رحمه الله تعالى- و بدأت النزعة التسويغية، و هذه نزعة نسقية تظهر دائماً في مثل هذه المواقف و بأشكال متعددة للأسف. و قد وجدت أن أحدهم قام بمعاتبة الشيخ البراك مذكراً إياه -بطريقة انتقائية- انتصار بعض أهل السنة للحجاج بن يوسف الثقفي، لكنه جهل أن الشيخ البراك معروف بانتصاره لمنهج شيخ الإسلام بن تيمية الذي قال: "نحن إذا ذُكر الظالمون كالحجاج بن يوسف و أمثاله نقول كما قال القرآن: (ألا لعنة الله على الظالمين)، و لا نحب أن نلعن أحداً بعينه. و قد لعنه -يعني الحجاج- قوم من العلماء، و هذا مذهب يسوغ فيه الاجتهاد. لكن ذلك المذهب أحب إلينا و أحسن. و أما من قتل الحسين و أعان على قتله أو رضي بذلك فعليه لعنة الله و الملائكة و الناس أجمعين، لا يقبل الله منه صرفاً و لا عدلاً" (مجموع الفتاوى 4\487).
يقول الأستاذ محمد المختار الشنقيطي: "و ما كان شيخ الإسلام بالذي يدافع عن رجل مثل الحجاج ارتكب من المظالم و الفظائع ما لا يعلمه إلاّ الله، بل ورد عنه ما يفيد استحلالها و العياذ بالله: "عن عاصم قال: سمعت الحجاج و هو على المنبر يقول: ...و الله لو أمرت الناس أن يخرجوا من باب من أبواب المسجد فخرجوا من باب آخر لحلت لي دماؤهم و أموالهم. و الله لو أخذت ربيعة بمضر لكان لي ذلك من الله حلالاً..."( الألباني صحيح سنن أبي داوود 3\878)"
و التناغم مع المنهج و الحفاظ عليه ظهر جلياً في موقف الشيخ البراك حينما قال: ""صدام أحد قادة حزب البعث العربي، والمعروف أن حزب البعث يقوم على مبادئ جاهلية وإلحادية، ولم يُعلم أن صداماً أعلن براءته من حزب البعث بعد احتلال الأمريكان للعراق، ولا قبل ذلك. وعلى هذا فنفوض أمر صدام إلى الله ولا نحكم عليه فيما بينه وبين الله". وأضاف الشيخ البراك: إن "أهل السنة غير آسفين على قتل صدام حسين". و قال: "لا نترحم عليه؛ ولا نصلي عليه لو قُدم للصلاة عليه؛ لأن كل ما أظهره لا يدل على انتقاله من زعامته لحزب البعث والإيمان بمبادئه".(67/118)
و لعل الله قد منّ على الشيخ البراك حين أفقده "حبيبتيه" فوقاه شر سحر "الصورة" التي هزتنا. فالشيخ قد ترك لنا المشاهدة و التعاطف، و اكتفى بسماع عبارة صدام التي تقول: "العراق بدون صدام و لا شيء"، ليتأمل فيها الشيخ مستعيداً ماضي الرجل، فيجد أن العبارة هي العبارة، و معجم صدام لم يتغير، فعلاقة الرجل مع من سواه تقوم دائماً على ترقية الذات من فوق الآخرين بالضرورة، فصدام لم يكن عراقياً بمقدار ما كان العراق صدامياً، فالجيش هم جنود صدام، و حربه هي قادسية صدام كما وصف بها حرب الخليج الأولى مع إيران, كما أنه ليس بعثياً بمقدار ما إن الحزب صدامي. و أعتقد أن الشيخ رأى أن هذه الجملة كافية بذاتها لدحر كل أشباه الأدلة التي تناقض رؤيته.
إن وقفتنا هذه جاءت من واقع معرفتنا بعبقرية "الصورة" على الأسر و الهيمنة؛ فمشهد الإعدام بكل ما يحتويه من تفاصيل إن مر بدون دراسات ناقدة للعيوب التي انكشف بعضها، فإنه سيرسخها بطريقة لا يمكن التخلص من تعباتها فيما بعد. و سيبلغ تأثيرها أن تكون "الشجاعة" و "الإيمان" و بقية القيم مجسدة في صدام قبل أن تكون في غيره, و هذا لأن "الصورة ناسخة لكل ما سواها" كما قلنا في السابق. على الرغم من أن الحقيقة أن أهل السنة لا يحتاجون للدفاع عنه، و لا عن رمزيته، و لا يمثل لهم شيئاً، و لن يكسبوا من وراء هذا الموقف إلاّ ترسيخ الاضطراب في المنهج على نحو لا يمكن الاستدراك لمعالجته بعد مدة.
فحسبنا الله و نعم الوكيل.
-==============(67/119)
(67/120)
ما بعد العراق 1/3
سلمان بن فهد العودة 10/2/1424
12/04/2003
قوات غازية تجتاح عدة ولايات أمريكية -بما فيها واشنطن- وتقتحم البيت الأبيض، واختفاء الرئيس الأمريكي ونوابه ومساعديه وسط حالة من الفزع والذهول !.
الثوار الغاضبون المحتجون على السياسة الأمريكية يحتلون الشوارع، ويهتفون ضد الإدارة، ويتهمونها بممارسة جرائم حرب وإبادة، وبتضليل الشعب، وبانتهاك وخرق القوانين ومصادرة الحقوق.
مجموعة من السجناء تقتحم السجن، وتنضم إلى الثوار .
مدمنو مخدرات يرفعون لافتات تقول:"كفى ترويعاً للشعب كفى ترويعاً للآمنين" .
محتجون يدمرون تمثال الحرية، ويضعون عليه خرقة مكتوب عليها : انتهى وقت الخداع، اكشفوا الأقنعة عن وجهوكم البشعة يا تجار النفط، الشعب يرفضكم ولن يختاركم بعد اليوم .
أيدٍ خفية تحرص على الفوضى والدمار؛ نكاية بالإدارة وإظهاراً للشماتة بها .
خمسون ألفاً من اللصوص في سان فرانسيسكو يتجولون في الشوارع .
هل أنت في حلم لذيذ ؟!
هذا الحلم اللذيذ المنبعث من عمق الخيال هو انعكاس لما يجري في عاصمة الرشيد اليوم، ولعله صورة من صور المستقبل.
لقد هجم عليّ البارحة موجة عارمة من الحزن والكآبة، لا أظن أحداً من المسلمين بقي بمعزل عنها وهو يرى ويسمع سقوط مدينة الخلافة بأيدي علوج الروم.
يا دجلة الخير ما يُغليك من حنق … …
يغلي فؤادي وما يشجيك يشجيني
ما إن تناهت سياط البغي ناصعة … …
في مائك الطهر بين الحين والحين
ووالغات خيول البغي مصبحة … …
على القرى آمنات و الدهاقين
أدري بأنك في حزن وفي لغب … …
والناس حولك عدوا بالملايين
يرون سود الرزايا في حقيقتها … …
ويفزعون إلى حدس وتخمين !
الوداع يا بغداد، يا بلد المنصور والرشيد والنعمان وأحمد والكرخي والجنيد وإسحاق ومطيع وحماد، يا منزل القادة والخلفاء والمحدثين والفقهاء والزهاد والأتقياء والشعراء والظرفاء، يا مثابة العلم والتقى، وموئل المجد والغنى، يا دنيا فيها من كل شيء شيء .
الوداع يا دار السلام، ويا موئل العربية، ويا قبة الإسلام، ويا منارة التاريخ، ويا منبر الحضارة.
منذ أوائل الألف الخامس (قبل الميلاد) تاريخ موغل في القِدم، شهد سهل الرافدين قفزة مهمة في التاريخ، بالانتقال من القرى الزراعية إلى حياة المدن، ومر على هذا السهل زمن كانت فيه شبكات القنوات معجزة من معجزات الري في العالم .
مرت عليه قرون وأجيال وأمم لا يحصيها إلا الله تبارك وتعالى، السامريون وهم من أقدم بناة الحضارة في التاريخ كله، ومن العراق انطلقت أكبر إمبراطورية معروفة في التاريخ، ثم جاء البابليون والآشوريون والكلدانيون، وكان الفتح الإسلامي درة العقد في هذا البلد الطيب، فحفظ للإسلام وده ووفاءه وبقاءه، وظلت العراق عاصمة للخلافة مئات السنين.
بنيت بغداد في عصر أبي جعفر المنصور؛ لتكون عاصمة الخلافة، وبلغت أوجها في عهد الرشيد، ولذلك كانت تسمى (عاصمة الرشيد)، كما تسمى دار السلام والمدورة والزوراء وبغداد.
التاريخ يعيد نفسه، ففي عام 656هـ انطفأت تلك الشعلة الوهاجة، وذلك عندما أقبل التتار -بقيادة هولاكو حفيد جنكيز خان- واستباحوا بغداد، واصطبغت دجلة بلون الدم؛ لكثرة ما ألقي فيها من الجثث، كما اصطبغت بلون الحبر؛ لكثرة ما ألقي فيها من الكتب، فكانت نهاية لمجد وحضارة، واشتعلت الحرائق حتى اعتكر دخانها غيماً أسود عظيماً في سماء بغداد، واغتيلت حضارة من أغنى الحضارات الإنسانية، إنها حضارة الإسلام.
توجيهات قرآنية
أولاً : يقول الله عز وجل: "وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ"[الأعراف:34] قد يكون هذا الأجل الذي ضربه الله للأمم -كما يضرب للأفراد آجالاً- انقراضاً وزوالا بالكلية، وقد يكون انتكاساً وضعفاً وتراجعاً يحيط بأمة من الأمم أو شعب من الشعوب، والله تعالى- كما يقول نبيه عليه الصلاة والسلام-: ( وكل شيء عنده بأجل مسمى ) رواه مسلم، فللأمم آجال كما للأفراد، ولها نهوض وهبوط، ولها شباب وهرم، ولكن هذه الأمة المحمدية تتميز عن الأمم الأخرى بأن أجلها لا ينتهي إلا بقيام الساعة، فإنها أمة تمرض، ولكنها لا تموت.
ثانياً: "إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ "[آل عمران:140-141] أيام الدنيا دول لا يدوم فيها حزن ولا سرور، ولا ذل ولا عز، ولا غنى ولا فقر، وإنما الدهر بالإنسان دوار، كما يقول بعض الشعراء من أبناء الخلفاء:
ملكنا أقاليم البلاد فأذعنت … …
لنا رغبة أو رهبة عظماؤها
فلما انتهت أيامنا علقت بنا … …
شدائد أيام قليل رخاؤها
وكان إلينا في السرور ابتسامها … …
فصار علينا في الهموم بكاؤها
وصرنا نلاقي النائبات بأوجه … …
رقاق الحواشي كاد يقطر ماؤها
إذا ما هممنا أن نبوح بما جنت … …(67/121)
علينا الليالي لم يدعنا حياؤها
يقول الأمريكيون: إن هذه نهاية التاريخ، كما سطر (فوكوياما) في كتابه المشهور، ونظريته الذائعة. ولعلنا نقول : بل هو تاريخ النهاية، والله سبحانه وتعالى يقول في محكم تنزيله عن الظالمين المجرمين : "أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ"[إبراهيم:44] كنت أقرأ هذه الآية، ثم أتعجب وأقول: سبحان الله منزل القرآن، كل البشر يعرفون أن لهم نهاية، وأن لهم أجلاً يموتون فيه، فمن هؤلاء الذين أقسموا ما لهم من زوال؟! ثم رأينا بأعيننا هؤلاء القوم الذين غرتهم قوتهم وغطرستهم وغرهم من ربهم الغرور، فصاروا يتكلمون بأن حضارتهم هي نهاية التاريخ، وأن بقاءهم سوف يكون أبدياً سرمدياً، فأقسموا ما لهم من زوال، وسكنوا في مساكن الذين ظلموا أنفسهم.
هذه الوثبة العالية للقوة الأمريكية هي من المداولة المذكورة في كتاب الله عز وجل "وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ" وهي نتيجة للاستفادة من السنن الربانية، فهؤلاء تذرعوا بالسنن، فاكتشفوا واخترعوا وتعلموا وجربوا واتحدوا وتعاونوا، حتى وصلوا إلى هذا المستوى من القوة الاقتصادية والتقنية والعسكرية التي بها استطاعوا أن يستفردوا هذه الفترة بحكم العالم تقريباً، فصار العالم أحادي القطب تديره أمريكا وفق مزاجها ونظرها.
إن انتصارهم ليس انتصاراً عسكرياً فحسب، وعندما نرى ذلك الجندي المتغطرس يظهر قوته، ويرفع علَمه على أرضنا، نشعر بالغيظ والمقت، لكننا ندري أن هذا النصر الذي يقتطفه الآن إنما هو نتاج مجموعة من التفوقات التي حصلت عليها إدارته في غيبة وغفلة من الأطراف الأخرى.
فهم استفادوا من هذه السنن الربانية، حتى وصولوا إلى ما وصلوا إليه، فانتصارهم ليس انتصاراً عسكرياً فحسب، بل هو انتصار حياتي علمي تقني اقتصادي إداري سياسي وهو جزء من سنة الابتلاء التي تقابل بالصبر وتقابل بالمدافعة، ولهذا فإن في قول الله عز وجل: " وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ"[البقرة:251] دليلاً على ذلك،ودليلاً على أن ما يصنعه الله في أرضه وعباده من القضاء والقدر لا يمكن أن يكون شراً محضاً ولابد أن يكون فيه جوانب من الخير والحكمة، وإن كانت هذه الجوانب قد تخفى على بعض العباد خصوصاً في وقت الأزمات، حينما يستحر الحزن والقلق والكآبة والتوتر في قلوب الناس، ولكن المؤمن يظل راضياً، مدركاً أن وراء الأمر -من حكمة الله تعالى وحسن تدبيره- ما يحمد الناس له العواقب.
رابعاً: "أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ"[آل عمران:165] نريد أن نلوم أمريكا، وكم يسرنا ونطرب حين نسمع من المحللين والكتبة والإعلاميين والخطباء وغيرهم من يتكلم في هذه الدولة الظالمة، وأعتقد أن كل ما يقال عنها هو جزء قليل مما تستحق، ولكن علينا ألا نغفل أن هذه الإدارة المتغطرسة الظالمة التي لا يمكن أن يخفى قبحها، لم تكن لتبلغ فينا ما بلغت لولا أننا أوتينا من قبل أنفسنا، وهاهو ربنا سبحانه وتعالى يقول للمبشرين بالجنة : " قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ" فينبغي علينا أن نقول هذا لأنفسنا الآن والجراح ساخنة والدماء نازفة والآلام حية، هو من عند أنفسنا، علينا أن نعتبر هذه فرصة لنصحح فيها أوضاعنا، ونصلح فيها أحوالنا، ونستدرك ونعود إلى الله سبحانه وتعالى بتوبة صادقة على مستوى الفرد والجماعة والأسرة والمجتمع والدولة والأم
ثالثاً : ما بعد الحرب
لقد ذهبت الحرب بالكثير الكثير، لقد ذهبت بالشعارات الجوفاء التي طالما تحدث عنها هؤلاء الناس، والتي تتكلم عن الحريات وعن القوانين الدولية وعن حقوق الإنسان وعن العدالة والقيم الأخلاقية، فإذا بهذه الحرب تكشف عن الوجه الأسود الذي لا يمكن أن يستر أو يخفى !
أين الشعارات أين المالئون بها الد … …
دنيا ؟ لكم زوروا التاريخ والكتبا
فلا خيول بني حمدان راكضة … …
زهواً ولا المتنبي مالئ حلبا
وقبر خالد في حمص تلامسه … …
فيرجف القبر من زواره غضبا
يا ابن الوليد ألا سيف تؤجره … …
فإن أسيافنا قد أصبحت خشبا
لقد انكشف الزور وبانت هذه الشعارات التي طالما ضللت كثيراً من شباب الأمة
والعالم، فظنوا أن هذه الحضارة استثناء، وأنها لون ونمط من الحرية للبشر كلهم، وأنها تجردت عن كل المعاني الرديئة، فإذا بها تبين في أكلح وأقبح صورها :
عدوان على الآمنين .
استهداف للأبرياء .
تحدٍ للقوانين .
محاولة لمصادرة الحقيقة والقضاء عليها .
ولهذا انكشف أن الحرية الإعلامية المدعاة أو الحرية السياسية ليست إلا نوعاً من التسلط، وربما تكون أحياناً بقفازات ناعمة، ومظاهر جميلة، وعبارات معسولة تخفي وراءها ما تخفي.(67/122)
الكل يعاني نوعاً من التسلط ، ربما في كثير من دول العالم الإسلامي تواجه الشعوب نوعاً من التسلط الواضح المكشوف، سواءً من تسلط الإعلام أو مصادرة الرأي والحرية ، لكن شعب الولايات المتحدة الأمريكية ربما يعاني نوعاً آخر من التسلط؛ بمحاولة غسيل عقول الناس وحجب الحقيقة عنهم والتأثير على إرادتهم بحيث يتقبلون هذه الأشياء بقناعة، فأنت تعمل ما تريد ما دمت تعمل ما نريد.
ذهبت هذه الحرب بالقوانين الدولية والمنظمات التي كان الحديث يتم حولها، وتبين أن ما يتحدثون عنه من استقلال الدول ما هو إلا هراء، فهذه دول مستقلة يتم العدوان عليها وغزوها لأغراض مختلفة، ويعتبر الذين يدافعون أو يقاومون خارجين عن القانون الدولي مخالفين للأنظمة، يتم اعتقالهم وأسرهم وقتلهم ومحاكمتهم وضربهم وتعذيبهم.
وقوانين الحرب التي تقتضي عدم العدوان على الأبرياء وعلى المؤسسات الإعلامية ذهبت في دوامة هذه الحرب العمياء الظالمة.
أدعياء الحرية في الولايات المتحدة الأمريكية يهاجمون الإسلام ونبيه -عليه الصلاة والسلام- ويتهمونه بالدموية والعنف والإرهاب، بينما نحن نتحدى أن يكون عدد القتلى في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - من المسلمين وغيرهم، يقاوم عدد القتلى في اليوم الواحد في هذه الحرب الظالمة، فضلاً عن ما قبلها من الحروب وما قد يكون بعدها.
ذهبت هذه الحرب بالحياد والاستقلال السياسي والثقافي والعسكري ، فالولايات المتحدة الأمريكية تحاول أن تفرض نفسها كسلطة عالمية بلا منازع ولا مقاوم ، ومن حقها الإجهاز على كل محاولات الاستقلال والتميز وتحصيل القوة .
ذهبت هذه الحرب بالنظام العربي الذي تبين من خلاله أنه نظام مكشوف عاجز غير قادر على المقاومة ولا الاستقلال بالقرار.
ذهبت هذه الحرب ربما بالإدارة الأمريكية التي انغمست في رمال متحركة لا تعرف إلى أين تودي بها ؟
ولعل الانتخابات القادمة تصدق هذا الظن أو تكذبه ، خصوصاً إذا لم تفتعل الإدارة مواجهة جديدة وتشغل الشارع بها!.
فهل جاءت هذه الحرب لهم بشيء ؟ نعم جاءت بمناطق نفوذ، ونفط وقوة كبيرة وهيبة في أماكن شتى من العالم، ففيما يتعلق بالنفط مثلاً فإن الشركات الأمريكية سوف تظفر بحصة الأسد بعلاقتها مع أي إدارة عراقية، وبدورها الأساس في الحرب، وسيكون لذلك فائدة إضافية وهي تدمير ما يسمى بمنظمة (أوبك)، أو تحجيمها عن أن تقوم بأي موقف فيه إضرار بالمصالح الأمريكية ، يقول المستشار الاقتصادي للرئيس الأمريكي : إن نجاح الحملة العسكرية على العراق سوف يصب في صالح الأعمال والشركات الأمريكية .
إن معنى تغيير النظام في العراق هو ضخ ما بين ثلاثة إلى خمسة ملايين برميل نفط يومياً بشكل إضافي إلى سوق النفط ، وربما بعد خمس سنوات يضخ عشرة ملايين برميل يومياً من النفط العراقي إلى أسواق العالم ، وسوف تكون حصة الأسد من ذلك للشركات الأجنبية.
ماذا ستفعل الحرب بوحدة العراق ؟
قد يتخوف الكثيرون أن تتحول العراق إلى دول، فدولة للأكراد ودولة للشيعة ودولة للسنة، وهذا لا يبعد أن يكون، ولو لم يكن بالاحتمال القوي ، إن العراق كدولة موحدة لا يتعلق وجوده بالرئيس ولا بالحزب الحاكم ، فالرئيس العراقي ليس هو( تيتو يوغسلافيا) الذي جمع رقعا متفرقة حتى تثور المخاوف من بعده حول وجود العراق من عدمها ، وحيال عدد من الحالات السابقة لم تظهر نزعات انفصالية جدية إلا عند الأكراد، الذين يشكلون حوالي 15 إلى 20% من الشعب العراقي ، ومع ذلك فإن الأكراد يفضلون نوعاً من العلاقة مع حكومة مركزية، نعم قد تعم الفوضى في المرحلة الانتقالية - كما يسمونها - خصوصاً مع مصالح الدول المجاورة التي لكل واحدة منها أجنده خاصة فيما يتعلق بالعراق أو بالجزء المتاخم لها، ويتضح هذا جلياً في إيران وتركيا وغيرها.
هل ستأتي الحرب بالديمقراطية ؟
تستطيع أمريكا أن تلون غزوها كما تشاء ، لكن هذا التلوين لا يعدو أن يكون ورقة التوت ليس أكثر، فالديمقراطية المزعومة هي ضرب من الخيال، ليس لأن العراقيين ألفوا الاستبداد مثلاً فهم غير قادرين على تجاوز هذا ، لكن لما قد يحدث من الفوضى أولاً ، وهذا متوقع ، بل نحن نراه اليوم في بغداد والبصرة والموصل وتكريت وفي غيرها من مدن العراق ؛ ولأن أمريكا جاءت لتبقى، وليس المهم عندها شكل الحكام، أو نوع الحكم، بقدر ما المهم هو ضمان ولاء المقيمين في بغداد لها ولمصالحها.
العراقيون وإن كانوا غير متعاطفين مع النظام السابق، إلا أنهم يكنون كرهاً أكبر لأمريكا، خصوصاً منذ أن فرضت عليهم الحصار على مدى أكثر من ثلاث عشرة سنة، وقتلت من أطفالهم ما يزيد عن مليوني طفل، بسبب الأمراض التي لا تجد لها شفاء .
إضافة إلى شعورهم الوطني المعروف ، فهم من أول من ثار على الاستعمار البريطاني .
تفيد التقارير الأمريكية أنه سوف يكون على أمريكا نشر ما يزيد على أكثر من خمسة وسبعين ألف جندي؛ للحفاظ على الاستقرار في العراق على مدى سنة كاملة على أقل تقدير، إضافة إلى الحاجة الماسة إلى وجود خمسة آلاف جندي على مدى خمس سنوات في العراق ، دعك من اتفاقيات الدفاع المشترك أو الحماية !.(67/123)
إذاً الديمقراطية نموذج هش يمكن أن يوجد منها في العراق ما هو مفصل على وفق المصالح الأمريكية، مما يحقق للناس بعض الحرية الشخصية، وما يحقق لهم المتعة العابرة وقدراً من المشاركة يضمن استقرار البلد ليس أكثر .
الأهداف المعلنة للحملة الأمريكية على العراق كانت تدمير الأسلحة والذخائر الكيماوية والبيولوجية وإسقاط نظام البعث القائم الذي يرونه تهديداً لإسرائيل ولمصالحهم الحيوية ، وبالتالي قد يطرحون ما يسمى بالتحول الديمقراطي في العراق على النمط الغربي العلماني كمثل يحتذى لدول الجوار وفي تقديري فإن أهم أهداف استراتيجية الأمن القومي الأمريكي في المدى القريب والمتوسط ما بين 15 إلى 20 سنة هو إعادة رسم خريطة الشرق الأوسط السياسية الغني بثرواته والذي ينفرد بأفضل وأخطر مركز بين الأقاليم في العالم والذي تمثل بعض دوله في نظر واشنطن بيئة مناسبة لنمو التطرف الديني والإرهاب.
والهدف الثاني هو تغيير نظم الحكم في عدد من الدول العربية المحورية لإقامة حكومات حليفة للغرب، وفي نفس الوقت تتمتع بنوع من القوة والنفوذ وقدر مناسب من التأييد الشعبي بما يتيح لهم في بضع سنوات مقبلة محاولة تجاوز الأشكال الديمقراطية بدرجة أو بأخرى، ومع ذلك فإن الولايات المتحدة تعتزم الانفراد بحكم عسكري أو مدني مباشر في العراق لفترة معينة بما يحمي المصالح الحيوية والأمنية للولايات المتحدة في المنطقة العربية بأسرها وبما يحقق اتخاذ العراق قاعدة انطلاق لعمليات عسكرية مرجحة في المستقبل المنظور ضد سوريا أو إيران أو الدول المجاورة بما يخدم أمن إسرائيل، والتخطيط الأمريكي لمزيد من السيطرة على الثروات الطبيعية في الخليج وفي بحر قزوين وفي أسيا الوسطى.
إضافة إلى تعزيز الوجود العسكري الأمريكي في أراضي العراق وفي بحارها وأجواءها وحرمان القوى الكبرى المنافسة من بناء وتنمية مصالحها في الشرق الأوسط.
إن الإدارة الأمريكية ترى أنه يمكن الوصول إلى السعودية أو مصر أو سوريا أو لبنان أو إيران عبر العراق بسهولة أكثر وكلفة أقل ويبدوا أن هذا من الأهداف الأساسية للحرب، فالهجوم على العراق واحتلاله يجعله مركزاً لتخويف إيران وسوريا ويمكن من خلاله التحرك باتجاه السعودية ودول الخليج لإحداث تغييرات تتوافق مع السياسة الأمريكية كما أنه يمكن من خلاله التحرك باتجاه سوريا ولبنان للسيطرة على كل فلسطين والقيام بعملية تهجير واسعة ضد الفلسطينيين وخصوصاً أن قادة اليهود باتوا مقتنعين أن تغييرات جذرية قد حصلت بعد انتفاضة الأقصى وأدت إلى إسقاط اتفاقية أوسلو ومن ثم فإنهم يعتقدون أن الظروف بعد الحادي عشر من سبتمبر قد تغيرت وأن اتفاقية أوسلو وملحقاتها لم تعد مقبولة.
وبطلب من الإدارة الأمريكية أعد الدكتور ماكس زنجر المختص في تحليل السياسات - وهو مؤسس معهد هدسون للدراسات الاستراتيجية- وثيقة رسم فيها وجهات محتملة للعالم خلال العقدين المقبلين وأهمها هو:
أولاً : أن الولايات المتحدة الأمريكية سوف تقوم بهجمات عدة ضد دول، وربما يؤدي ذلك إلى سقوط حكومات إسلامية، وستمتلك مصر وإيران والسعودية أسلحة نووية وأن دولاً أخرى ستمتلك أسلحة بيولوجية تستخدمها في النزاعات فيما بينها وأن إسرائيل ستظل موجودة إلى ما بعد عشرات السنين إلا أنها سوف تواجه خطراً كبيراً على وجودها وقد تتعرض للإبادة بواسطة سلاح إسلامي غير تقليدي يتوافر بكثرة في الشرق الأوسط.
ثانياً: كما تحدث التقرير بتفصيل عن هذا السيناريو وقسم الدول الإسلامية إلى حكمين، الدول المؤيدة لما سماه بالإسلام الكفاحي أو الإسلام المقاوم والدول المعارضة له، أما الإسلام الكفاحي الجهادي المقاوم فسوف يسيطر على الدول العربية والجاليات الإسلامية في أوروبا وأفريقيا، وأما تركيا فإنها سوف ترفض هذا اللون من الإسلام.
تتضمن الوثيقة خطة لمكافحة الإسلام يقسمها لعشر مراحل منها حل الصراع العربي الصهيوني، وذلك بحل مشكلة اللاجئين من خلال إعادة توطينهم، أما أين ؟ فالله أعلم، وحضر استخدام الإرهاب، وهنا نطرح سؤالاً: ما هو الإرهاب ؟ وسيكون الجواب عندهم وحسب مقاسهم.
ومن ضمن المراحل دولة فلسطينية ملتزمة بأمن إسرائيل ضمن خارطة الطريق أو غيرها، ويفترض أنه من الممكن العمل على إخضاع الفلسطينيين حتى يخنعوا للحل الذي تريده إسرائيل، ومن هنا فإن المنطقة متجهة إلى مرحلة شديدة السواد وفق هذه السيناريوهات التي ترسمها الإدارة الأمريكية، وتحاول فرضها ليس على العالم الإسلامي فحسب بل على العالم كله ، لكن تبقى إرادة الممانعة والرفض والإصرار على التغيير وفرض الوجود تبقى قادرة على إفشال هذه المخططات وعلى البقاء على ساحة الحياة "إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا*وَأَكِيدُ كَيْدًا*فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا"[الطارق:15-17].(67/124)
هناك تقرير استراتيجي أمريكي كل بضع سنوات ، وهذا هو التقرير الأخير الذي صدر بعد أحداث أيلول بسنة تقريباً بعنوان استراتيجية الأمن القومي للولايات المتحدة الأمريكية وخرج في 20 أيلول سبتمبر 2002 وهو يرسم السياسة الأمريكية ومفاصلها الرئيسة .
أولاً: السياسية الأمريكية بشكل عام تستهدف تحقيق الحلم الأمريكي بإقامة دولة لها الريادة في المجتمع العالمي وفي نفس الوقت يتمتع أفرادها بمستوى عالٍ من الأمن والمعيشة ولذلك يقول ريجان أحد الرؤساء الأمريكيين في تجديد انتخابه: أيها الأمريكيون تعالوا لنقيم الجنة على هذه الأرض.
فهذا الحلم الذي يسعون إليه رفاهية في الداخل وأمن قومي مستتب إضافة إلى السيطرة على العالم، وقد تطورت الأسس التي قامت عليها عبر الأوضاع المحلية والمتغيرات الدولية ففي البداية كانت استراتيجيتهم تقوم على العزلة التي عبر عنها الرئيس مونرو حينما رسم خريطة الولايات المتحدة الأمريكية ووضع حولها أسلاكاً شائكة ووضع أمامها شعاراً يقول:نحن نرحب بالزائر إذا لم يكن معه بندقية.
معنى ذلك أنهم منعزلون على أنفسهم، ولكنهم يرحبون بالزائر ومن هنا كانت أمريكا مكاناً لاستقبال المهاجرين من أنحاء العالم.
المرحلة الثانية هي المشاركة في صياغة النظام الدولي منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وملء الفراغ الذي نجم عن تراجع الدور الأوروبي في العالم الإسلامي وغيره.
ثم جاءت المرحلة الثالثة وهي الحرب الباردة واستراتيجية الأحلاف العسكرية حتى سقوط الاتحاد السوفيتي.
ونستطيع أن نقول إن المرحلة الرابعة التي نعيشها هي هذه المرحلة التي يتكلم عنها هذا التقرير الذي أعدته لجان عمل وأوصلته إلى البيت الأبيض ووزع في 23 صفحة .
ويؤكد هذا التقرير أن الرؤية الجديدة للإدارة الأمريكية لا تقوم على رد الاعتداء وإنما تأخذ زمام المبادرة بالهجوم على أي طرف يحتمل أن يكون عدواً في المستقبل، حتى ولو من دون دليل أو من دون أسباب تؤكد نية الاعتداء، وهذا ما يسميه التقرير بالضربات الاستباقية إذاً هم يقولون: إنه لا ينبغي لنا أن ننتظر حتى تأتي الضربة أو العدوان وإنما أقرب وسيلة للدفاع هي الهجوم فعلينا أن نقوم بضربات استراتيجية ذات أسبقية لكسب الموقف، ولعل مما يؤكد مصداقية هذا التقرير بدايتهم من العراق.
وهم يقولون في التقرير نفسه إننا نسعى إلى أعمالنا ومشاريعنا ضمن إطار عالمي من التحالف، ولكننا مستعدون أن نمضي قدماً بمفردنا إذا كانت المصلحة تقتضي ذلك، وهكذا فعلوا هنا فهم قد تجاوزوا المنظمات الدولية وتجاوزوا حلفاء الأمس الذين اجتمعوا معهم فيما يسمى الحرب على الإرهاب وانطلقوا بمفردهم مع حلفائهم البريطانيين في حرب منعزلة استباقية.
إذاً تقوم أمريكا على أساس نظرة استراتيجية تمارس ضربات استباقية لكل ما يمكن أن يشكل خطراً مستقبلياً، وبناء على ذلك فهم سوف يقومون بحرمان كل دول العالم التي تنضوي ضمن سياستهم وأهدافهم من الحق في التقدم والتصنيع والتسليح؛ لأنهم ربما يشكلون خطراً عليهم، وهذه يسمونها عادة بـ "الدول المارقة " كما يتحدثون عن كوريا الشمالية أو عن سوريا أو عن إيران أو غيرها.
تقدم أمريكا نفسها على أنها شرطي العالم تراقب وتحاسب وتكافئ وتعاقب وتمنع من الحصول على التقنية، وتنشر ثقافتها ورؤيتها الخاصة المتعلقة بالحرية أو الحرب والسلام أو الحقوق والتعليم أو الإرهاب أو تمويل الجمعيات الخيرية وغيرها وتفرضها على الحكومات والشعوب.
يقول هذا التقرير في هذه الاستراتيجية : سنحول المحنة إلى فرصة سانحة .
يعني أنهم سيحولون الأزمة التي مرت بهم بعد 11 سبتمبر إلى فرصة ليقوموا باستدراك كثير من الخلل والنقص والعيب الذي يعتري سياستهم، و من لا ينطوي تحت لوائهم فهو مارق أو خارج عن القانون إذ هم الذين يكتبون القانون وهم الذين ينفذونه!
(فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون) .
ودعوى القوي كدعوى السباع … …
من الناب والظفر برهانها
يتحدث التقرير بشكل متعاظم عن أهمية الشكل الاقتصادي وكأنه يقول : إن العالم عبارة عن شركة اقتصادية وإن الولايات المتحدة الأمريكية هي رئيس هذه الشركة، فالاتحاد السوفيتي مع أنه كان دولة تملك قوة عسكرية ضاربة إلا أن الذي هزمه هو الاقتصاد، ولذلك تسعى الولايات المتحدة الأمريكية إلى أن تكوّن ضمن تحالفات دولية قوة اقتصادية وشراكات اقتصادية تضمن لها تفوقاً دائماً، ثم يخلص التقرير إلى أهمية وجود قوات أمريكية في مناطق مختلفة من العالم ومنها منطقة الخليج لحماية حلفائها وأصدقائها من أي خطر محتمل.
إن آلية العلاقة بين العالم الإسلامي والولايات المتحدة قد اختلفت اليوم اختلافاً كبيراً في ظل هذا التحول الاستراتيجي الجديد، وهذا يفرض على دول العالم الإسلامي جميعاً وهي طرفٌ أساس في هذه العلاقة أن يراجع مفاهيمه، وهو بين خيارين لا ثالث لهما:
إما أن يرسم لنفسه رؤية خاصة صادقة تقوم على قيمه ومبادئه أولا،ً وتقوم على مصالحه ثانياً، وتتكيف مع هذا الواقع المتغير.(67/125)
فإن لم يفعل فسيظل مكتفياً بالمراقبة والانتظار، ومن الواجب على أي دولة من دول العالم أن يكون لها رؤيتها الخاصة المعبرة عن تطلعاتها ورغبات شعوبها وعن قيمها ومبادئها ومصالحها وحاضرها ومستقبلها.
ففيما يخص العالم الإسلامي هناك حماية إسرائيل والتأكيد على تفوقها وعلى التحالف الاستراتيجي الأمريكي معها، إن أمريكا ملتزمة بالتحالف مع إسرائيل وملتزمة أيضاً بضمان التفوق العسكري وغير العسكري لهذه الدولة المسخ، ليس فقط في مواجهة دولة إسلامية، بل في مواجهة العالم الإسلامي كله مجتمعاً.
والتقرير المشار إليه يوجه لهجةً رادعةً صارمةً إلى الدول الإسلامية التي تعارض السياسة الأمريكية بشكل جزء أو كلي كإيران وسوريا والسعودية وغيرها ويتهم هذه الدول بدعمها للإرهاب، وأن هذا الدعم إذا لم يتراجع سوف يعرضها لضربات موجعة.
إن دعم الشعب الفلسطيني يعتبر دعماً للإرهاب ، ودعم الجمعيات الخيرية هو دعم للإرهاب، بل لست أبالغ إذا قلت إن إقامة المدارس والمؤسسات والمساجد والأربطة وجوانب النشاط الإنساني والخيري هو دعم للإرهاب، والدوائر الأمريكية تقوم بمتابعته ومراقبته ومحاسبة القائمين عليه حساباً دقيقاً.
يتحدث التقرير عن محاربة الإرهاب دون أن يحدد المقصود بالإرهاب! إنهم يمارسون نوعاً سيئاً من الإرهاب البشري البشع بآلياتهم العسكرية الضخمة في حق المدنيين وغير المدنيين في العراق وفي أفغانستان وفي فلسطين، لكن كل هذا له غطاء مزور من الدفاع عن النفس والمحافظة على الحياة وعلى الحقوق وعلى الحريات، أما ما يقوم به المسلمون فهو الإرهاب بعينه.
لقد قبضوا على يهودي في الولايات المتحدة الأمريكية يسعى لتفجير مؤسسات ومراكز إسلامية فلم يقيدوا هذه الجريمة على أنها نوع من الإرهاب ولكن اعتبروها نوعاً من الاعتداء على الممتلكات الخاصة فهم إذاً يتحكمون في مصطلح الإرهاب ويضعونه على من يشاءون ويرفعونه عمن يشاءون.
النقطة الأخيرة هي التدخل في الشئون الداخلية للدول وهذا أمر واضح فربما لفترة قادمة الله أعلم بأمدها ستواجه كثير من الدول الإسلامية ألواناً من التدخل المؤذي في شئونها الخاصة، في إعلامها، في مناهج تعليمها، في المناهج الدينية والكليات الشرعية، في قضايا المرأة، في قضايا الأقليات كما يسمونها، في الحريات الدينية إلى غير ذلك من العبارات التي كثيراً ما تتردد في التقارير التي تصدر سواء عن وزارة الخارجية أو عن منظمات الحقوق أو عن وزارة الدفاع وغيرها.
و لا شك أن الدول الإسلامية كلما أبدت نوعاً من طأطأة الرأس والاستسلام والقبول أغرتهم بمزيد من التدخل، وكلما استطاعت أن تراهن على شعوبها وتوحد صفها وتقاوم وتفرض سيادتها فإنهم يعيدون حساباتهم ويؤخرون مخططاتهم .
هناك ما يسمى بمبادرة الشراكة الأمريكية الشرق أوسطية والتي أعلنتها وزارة الخارجية الأمريكية قبل بضعة أشهر ورصدت لها 29 مليون دولار ربما هذه فقط نفقات الدعاية للمشروع، وأما المشروع نفسه فلا شك أنه سوف يستغرق مبالغ ضخمة ، لكن السؤال من سيدفع فاتورة هذه المبالغ ؟
الهدف الأساسي لما يسمى بالشراكة الأمريكية الشرق أوسطية هو إلحاق النظم العربية كلها بالمنظومة الأمريكية بواسطة إدارة مفروضة بقوة السلاح وقوة التهديد وقاعدتهم تقول: تكلم بلطف واحمل عصا غليظة، وذلك في ظل اختلال واضح للقوى بين العالم الإسلامي والعالم الغربي، بل بين العالم الإسلامي ودولة إسرائيل بمفردها.
إن الإدارة الأمريكية بتوجهها الصهيوني المسيحي المتطرف مصرة على التدخل في خصوصيات المسلمين وعلى ممارسة لون من التغيير في داخل المجتمع الإسلامي على المستوى الثقافي والعلمي والتعليمي والسياسي وغيره.
وهاهنا السؤال: هل يمكن بروز محور عالمي جديد يواجه هذه القوة المستفردة المتغطرسة؟
هذا السؤال يطرحه الكثيرون ، وفي تقديري أن هذا هو المتفق مع السنن الإلهية فإن الله سبحانه وتعالى يقول: "وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ"[البقرة:251] فسنة المدافعة قائمة في الغالب والآن هناك استفراد أمريكي، وإن كنا ندرك أن ثمة قوى لا توافق الإدارة الأمريكية على منطلقاتها، لكنها لم تصل بعد إلى أن تبلور نفسها وموقفها بحيث تستطيع أن تواجهه أمريكا وعدوانها.
لماذا لم يبرز حتى الآن محور جديد سواء في أوروبا أو في الصين أو في آسيا أو في غيرها ؟
كثير من هذه الدول قد تطرح هذا المحور المشاكس؛ لأجل الضغط على الولايات المتحدة الأمريكية فحسب، لكن ليس بشكل جدي وعملي لعدة أسباب أولاً: الشراكة الاستراتيجية مع الولايات المتحدة الأمريكية؛ فإن معظم دول العالم بما فيها الصين وأوروبا مرتبطة مع الولايات المتحدة الأمريكية بشراكة استراتيجية اقتصادية وسياسية يصعب عليها التخلي عنها.
ثانياً: التفوق الأمريكي الساحق في مجال القوة العسكرية، فيكفي أن تعرف مثلاً أن ميزانية الدفاع الأمريكية عام 2001/ 2002م لسنة واحدة تعادل 370 مليار دولار بما يعادل الميزانية العسكرية للدول الست الكبرى مجتمعة.(67/126)
هذا التفوق الهائل في مجال القوة العسكرية، فضلاً عن تفوقها في مجال التقنية والتصنيع يجعل كثيراً من الدول تحجم عن مثل هذا الموقف.
إن دول أوروبا تشعر أن الهوة بدأت تتسع مع أمريكا وأن حلف الأطلسي بدأ يتحجم دوره، بل بدأ يفقد دوره وفي مؤتمر السياسة الأمنية الذي عقد في ميونخ في ألمانيا بدأت بوادر الخلاف بين أمريكا وبين دول أوروبا مع أن هذا المؤتمر يمثل أحد المؤسسات التي ترسم السياسة العالمية تقريباً، ومع ذلك برز فيه نوع من الخلاف، لكن السؤال متى يتحول هذا الخلاف إلى نوع من المواجهة مع الاستفراد والغطرسة الأمريكية ؟
نحن أمام مرحلة جديدة صعبة وطويلة والمهم ألا ننسى بعد هدوء الأحداث أننا فعلاً دخلنا إلى مرحلة جديدة وأن لهذه المرحلة تبعاتها ومقتضياتها الواجبة علينا أفراداً ومجموعات وشعوباً وحكومات.
من الخطأ أن نفترض أن جميع الخيوط هي بأيدي هؤلاء القوم أو أولئك ؛ فإن الضعف يبدأ من القوة، والقوة تبدأ من الضعف والإشارة القرآنية معبرة "خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً "[الروم:54] وقد رأينا كيف أن الشعب الفلسطيني بضعفه وقلة إمكانياته استطاع من خلال الحجر ـ الذي يرمي به عدوه ـ أن يقلب كثيراً من القوى والموازيين.
علينا أن ندرك أن في أيدينا خيوطاً كثيرة وأعظم خيط في أيدينا أن نستمسك بحبل الله عز وجل فإنه الركن إن خانتك أركان، والله جل وعلا يقول: "وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا"[آل عمران:103] فإن الاستمساك بحبل الله والصدق مع الله تبارك وتعالى وإرادة التغيير في نفوسنا جديرة بإذن الله عز وجل أن تصنع لنا شيئاً كثيراً في هذه المرحلة الحرجة والخطيرة من تاريخنا.
علينا أن نحذر من التشاؤم واليأس من الإصلاح في ظل الظروف التي نعيشها الآن لنعطي أنفسنا فرصة في أن نفرح بفضل الله تعالى وبرحمته وبمستقبل منشود وبألوان من الخير وإن أصابنا غم وكآبة من جراء ما نرى ونشهد من التفوق العدواني والتسلط على البلاد الإسلامية.
إن الإنسانية في الإصلاح قائمة الآن وهي موجودة في أيدينا ووفق رؤيتنا وإذا كنت قبل قليل ذكرت لكم أن التقرير الأمريكي يقول: سنحول المحنة إلى فرصة سانحة لنا للتغير واستدراك ألوان من الخلل الموجود لدينا، فعلينا نحن أن نطلق الشعار ذاته، إنه شعار قرآني "فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا*إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا"[الشرح:5-6] يسر من عند الله عز وجل لا شأن للبشر فيه ، لكن ثمة يسر آخر يصنعه الناس يستخدم فيه الناس قدراتهم وإمكانياتهم وطاقتهم وما أعطاهم الله عز وجل لتحويل هذا العسر إلى يسر وكما يقول سبحانه : "فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ*وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ"[الشرح:7-8] ارغب في العبادة و الاستعانة بقدرته جل وعلا وقوته واستخدام ما أقدرك الله عليه .
العالم الإسلامي اليوم يملك قوات لا يستهان بها في العديد البشري والموقع الجغرافي و الثروات الهائلة و إمكانيات كبيرة وكثيرة يمكن أن نراهن عليها فيما لو وجدت إرادة التغيير في العالم الإسلامي، إذاً بإمكاننا أن نصنع الإصلاح وفق رؤيتنا الإسلامية الخاصة متى ما وجدت الإرادة لدينا.
من المهم وجود المؤسسات والتجمعات والمبادرات العامة والخاصة في المجتمعات الإسلامية.
إن البناء هو خير تعبير عن الدفاع، نحن الآن في موقع حرب و أزمة و نازلة، بل في هزيمة، إن البناء هو خير تعبير عن هذا الدفاع والحدث أحياناً يصنع لدينا عقلية الدفاع أكثر مما يصنع لدينا عقلية البناء والواجب أن نسعى وننهمك في مشاريع إصلاحية بنائية في الدعوة والتعليم والاقتصاد و العلم و العمل وفي كل مجالات الحياة التي نحتاجها، إن الهزيمة التي منينا بها ليست هزيمة عسكرية فحسب، وهكذا الإصلاح يجب أن يكون إصلاحاً شمولياً في نواحي الحياة كلها.
إن من المهم إحياء روح الأممية في العالم الإسلامي، ما زلت أتذكر عام 1981 حينما ضربت إسرائيل المفاعل النووي العراقي وأن كثيراً من الناس من الإسلاميين وغيرهم ربما شعروا بنوع من البهجة والاغتباط لأنهم اعتبروا أن تلك القوة هي ملك لحزب البعث فحسب، وهانحن نشهد اليوم أن تلك الضربة ربما كانت تمهيداً لما نراه الآن من القضاء على أصل النظام في العراق ولا أعني بالنظام النظام الحاكم، ولكن أعني النظام الذي يضبط حياة الناس ويمنعهم من الفوضى ويحفظ لهم حقوقهم ومصالحهم.
إن ذلك الاغتباط الذي عاشه بعضنا يوماً ما بضرب المفاعل النووي العراقي أو الذي عاشه آخرون بهزيمة الجيوش العربية أمام "إسرائيل"؛ لأنهم يقولون: هذه جيوش لو انتصرت لظلت على ما هي عليه، إنما يعبر هذا عن قدر من عدم الشعور بالأخوة الإيمانية بين أفراد العالم الإسلامي، وعدم حزن المسلم لكل ما يصيب أخاه المسلم حتى لو كان على خلاف معه أو كان له أجنده خاصة أو نظام خاص فإن روح الإسلام ينبغي أن تكون أقوى من الفواصل بين المسلمين ما دام الإسلام هو المرجع الأساسي لها.(67/127)
وإذا كان لدينا إمكانية القوة في العالم الإسلامي والله تبارك وتعالى يقول لنا: " وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ"[الأنفال:60] فإن الواجب على العالم الإسلامي اليوم هو السعي الصادق الجاد في الإعداد بكل صوره وألوانه وأشكاله.
" مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ " كل القوة مطلوب أن نعدها نعم يقول صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم: ( ألا إن القوة الرمي ألا إن القوة الرمي ألا إن القوة الرمي ) هذا لون من القوة العسكرية يتعلق بالرمي ولا شك أننا نرى اليوم أن رمي الصواريخ ورمي القنابل ورمي المدافع يحدث أثراً كبيراً في المعركة يتحكم غالباً في نتائجها كما رأيناه في أفغانستان والعراق ويوغسلافيا وغيرها.
فالرمي هو أساس القوة العسكرية، لكن علينا أن ندرك أن القوة العسكرية هي الحماية والإطار الذي يحفظ العالم الإسلامي ويحفظ مكاسب المسلمين وإنجازاتهم، ولكننا نحتاج معها وقبلها وبعدها إلى قوة علمية، قوة في الإدارة، قوة في الاقتصاد، قوة في التصنيع، قوة في الوحدة وترك التفرق.
إن الاتحاد قوة والاختلاف فرقة وعذاب ، ونحن نجد أن عدونا اليوم يتترس بأكثر من 285 مليون إنسان يشكلون ما يسمى بالولايات المتحدة الأمريكية، ومن خلال قدرته على توظيف كل القوى والطاقات والأحزاب بمختلف الاتجاهات لدعم وخدمة هذا الكيان المتسلط على العالم اليوم، ولذلك صار لها هذه القوة، بينما قَتَلَ المسلمين جميعاً أفراداً وجماعات وشعوباً ومدناً ودولاً داء التفرق والاختلاف فيما بينهم، وأصبحت ترى العدو يسهل عليه أن يوظف هذه التناقضات الإثنية و المذهبية والحزبية والطائفية في تدمير بعض المسلمين بعضاً، والقضاء على قوتهم وإنسانيتهم وتوفير قدراته الذاتية.
وأخيراً لابد من استشعار المسئولية الفردية "إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ إِلا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا*لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا*وَكُلُّهُمْ آتِيه يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا"[مريم:93-95] إن علينا مسئولية فردية وشخصية كبيرة تجاه بناء الفرد ذاته، نجاحك في مدرستك أو تعليمك أو وظيفتك أو بيتك نجاحك في تفكيرك وعقلك نجاحك في تعاملك مع الحدث نجاح الأسرة نجاح المؤسسة التجارية نجاح المؤسسة الدعوية نجاح المؤسسة الإعلامية كل هذه الأشياء ذات أثر كبير كلها تصب في نجاح الأمة.
ينبغي علينا في مثل هذه الظروف أن نحيي روحاً من روح الاجتماع في مسئوليتنا الفردية، أن نعقد اجتماعات ومجالس في الحي وفي المدرسة و على مستوى الأسرة وعلى مستوى البلد وعلى مستوى الجامعة أو المؤسسة وأن نتدارس قضايانا والمخاطر المحيطة بنا، وأن نستمع ونقرا ونتناقش ونتدرب على روح الحوار والاستماع إلى الآخرين وتقديم الرأي وتصحيح الرأي .
إننا بحاجة إلى أن نصحح أوضاعنا على الصعيد الفردي والجماعي قبل أن تنزل بنا النازلة أو تحل علينا الكارثة والله المستعان.
=================(67/128)
(67/129)
علاقة المسلمين بالغرب،على مفترق طرق
د. أحمد بن عمير العمير 22/4/1424
22/06/2003
أتت نازلة " الحادي عشر من سبتمبر " وجلبت معها العديد من التداعيات والمتغيرات ، مما سيشكل باتفاق العديد من مراقبي الجانبين مرحلة جديدة من العلاقة بين المسلمين والغرب.
وأعجب ما فيها أنها وخلال أيام أو ساعات أعادت العالم إلى مربعات سابقة جداً في تاريخ هذه العلاقة، في وقت ظن الغرب - مع نشوة عولمة المصالح والقيم الغربية - أنه لن يعود إليها أبداً .
فتبارك المدبّر لعباده كيف يشاء ، والقائل في كتابه العزيز " والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون " .
ورغم أنها تأتي في ظل أوضاع وأحوال للعالم الإسلامي لم يسبق له أن مر بها من قبل - والله أعلم - مما يزيد من صعوبة هذه النازلة واختلاط الأمر فيها ، لكننا مع ذلك نأمل أن تكون عاقبتها خيراً للإسلام والمسلمين .
ومع كثرة الطروحات والآراء الواردة في هذه النازلة ، إلا أنني أود المشاركة بالنقاط التالية :
مسوغات الحدث بين النفي والإثبات
اختزل الغرب بمراكزه ودهاقنته الحدث على ضخامته ، في قضية واحدة مجردة هي افتقاده -كما يرون- لأي مسوغ واقعي أو قانوني وأنه يناقض كل الأعراف والأديان ، بل والقيم الإنسانية المشتركة بين الشعوب ، وعلى هذا فهو عمل إرهابي بكل المقاييس وتجب محاربته . ولو سلمنا جدلاً بذلك فلماذا يحشد العالم كله في تحالف عالمي لمعاقبة هذا العمل " الإرهابي " وهو موجه ضد دولة محددة بعينها وعلى أرضها، وبهذا الاعتبار ليس هو الأول ولن يكون الأخير ولم يسبق أن حشد لأمثاله مثل هذا التحالف ولا بعضاً منه، وحجمه الكبير ووقوعه في دولة عظمى لا يبرر هذا الحشد في " الأعراف الدولية " لولا أن وراء الأكمة ما وراءها .
ثم ناقض الغرب نفسه وانساق العالم وراءه دون تفكير ، إذ أعلن الرئيس الأمريكي أن الحدث يمثل عملاً حربياً وإعلان حرب ، ونحن ندرك أن هذا التصريح يخدم قضيتهم المحلية والعالمية ، إلا أنه ببساطة ينفي مباشرة الإرهاب عن هذا الفعل ، ففرق بين الإرهاب والحرب فهو لا بد أن يكون أحدهما ، ولا يعقل أن يكون كلاهما في الوقت نفسه ، لكن الحيلة انطلت.
ولو كان إعلان حرب فلماذا هذه الهجمة الشرسة على الإسلام والمسلمين ، ومنذ متى في قوانينهم التي يحرصون على نشرها يحمل الدين الذي ينتمي إليه أحد أطراف الحروب المعاصرة دوراً ومسؤولية في الحرب ، إلا إن كانوا يعيشون إسقاطات وأجواء معينة - كما سيأتي - إضطرتهم للعودة إلى القوانين والمربعات السابقة ( كما ذكرنا) ، وسربوا ذلك قصداً أو عفواً في تصريحاتهم .
ثم ناقضوا أنفسهم أكثر وأكثر حين قالوا أنه إعلان حرب على القيم الغربية وطريقتهم في الحياة، بل وأحيوا قوانين الدفاع المشترك في الحلف الأطلسي وتناسوا الخلافات مع روسيا وجمهورياتها في أوروبا الشرقية التي تشاركهم إلى حد ما في ذات القيم ، لكنهم بعد ذلك مارسوا ضغطاً دولياً ضخماً لإقحام العالم الإسلامي في هذه الحرب ضد المجموعة المحدودة "والمعزولة" التي تجرأت وأعلنت الحرب على القيم الغربية بالهجوم على رائدة هذه القيم وزعيمتها ، والتناقض والعجب يكمن في مطالبة العالم الإسلامي بالتحالف مع حرب للدفاع عن قيم غربية تخالف قيمه جملة وتفصيلاً ، والأمرُّ أن تكون الجهة المعلن ضدها الحرب ترى أنها تدافع عن قضايا المسلمين، مما يعرض العالم الإسلامي لحرج كبير ويهدده باهتزازت أمنية ومزيد من الانقسامات، ويكفينا التأمل في وضع باكستان المتأزم الذي لا تحسد عليه ولا يعلم إلا الله احتمالات التطورات فيه.
لكن العالم الإسلامي وفي حالة الضعف والانقسام التي يعيشها ، وبتعقيد العلاقات الدولية القائمة اليوم ، سار وبكثير من التلقائية إلى هذا الشرك الذي نصب له ، ربما للانبهار الذي أصاب الجميع من هول الحدث .
من جانب آخر - ومما زاد القضية تعقيداً - تجد أنه في الوقت الذي ينفي فيه الغرب وعلى رأسه أمريكا وبريطانيا أي مسوغ مقبول لهذا الفعل ، ظهرت شخصيات رئيسية في التنظيم المتهم بتدبير هذا الحدث والتخطيط له والتمويل ، بعد بداية الحرب على أفغانستان ليعلنوا أنهم أصحاب قضية وأن لهم عداوة مع أمريكا وغيرها من الدول الغربية ومع اليهود وأنهم بالفعل يعلنون الحرب عليهم وأنهم يباركون " الكوكبة " التي نفذت ذلك "الهجوم الانتحاري " دون أن يعترفوا بالمسؤولية عنه مباشرة، ليثبتوا بذلك - في ظنهم - المسوغات لهذا الفعل ويربطوها بتاريخ العلاقة المرير بين المسلمين والغرب وأنهم إنما ينتقموا بذلك من مظالم هذه الدولة تحديداً عليهم وعلى إخوانهم المسلمين في كل مكان .
وبعيداً عن مصداقية هذا الطرف أو ذاك ، أرى من الأهمية التركيز على النقاط التالية :(67/130)
01 الارتباك والتخبط الذي أصاب الإدارة الأمريكية جراء هول الحدث وضخامته ومفاجأته لهم رغم الدراسات والتوقعات من مراكزهم الاستخباراتيه والأمنية التي صنفت "الإرهاب الإسلامي" كأحد أهم الأعداء المواجهين لهم ، ثم يستطيع هؤلاء الأفراد المحدودين أن يوقعوا ضربتهم - إن صح اتهامهم لهم - من داخلهم وملء سمعهم وبصرهم وبهذه الدقة والإتقان ونسبة النجاح العالية ، ليمثل - في تقديري - تحولاً من أعظم التحولات التي سيوجدها هذا الحدث ، بل هو آية من آيات الله - عز وجل - ويذكرنا بانتقام الله من فرعون على يد موسى - عليه الصلاة والسلام - من جانب حذر فرعون منه ومن قومه وتقصده لقتل بني إسرائيل وتعبيدهم ، ثم يتربى في قصره وينشأ بين حاشيته وجنده فتكون نهايته على يديه .
وهذه الجماعات تمرست على السلاح وكسرت كل الحواجز المعيقة لمواجهة أعدائها إبان الجهاد الأفغاني واستفادت من الدعم الأمريكي - الذي عمل على توظيف هذا الجهاد لصالحه- لحاجتها له في تلك المرحلة دون أن يملي عليها ذلك أي تغير في موقفها المبدئي من الطرف الأمريكي، لكن العقلية الأمريكية لم تتفهم اختلاف المسلمين عن غيرهم واستحالة توظيفهم واستغلالهم في نفس الوقت الذي تتحدى فيه هويتهم وتعاديهم في مواقع أخرى، مما حدا بهذه المجموعات إلى استهداف الأمريكان بعد الروس، وبلغت قناعتهم بذلك مبلغا جعل من نفذوا العملية - إن صدقت الاتهامات- يبادرون إليها رغم مخالطتهم الأمريكي في بلده ومعايشته ثم يضربوه هذه الضربة ويهدد غيرهم بالمزيد .
والمقصود بالمقارنة بموسى ومن معه هنا الاعتبار بمآل الطغيان الأمريكي لمشابهته الطغيان الفرعوني المستحق لانتقام الجبار لا تزكية عمل هذه الجماعات، فهذا شيء مربوط بإخلاص النوايا وذلك أمره إلى الله وصواب العمل وهذا مرده إلى العلماء الراسخين ولا يقبل أن يستقل به نفر محدودين حتى ولو كان لهم سابقة الجهاد، وخصوصاً إذا كان العمل بهذا الحجم من الآثار والنتائج .
02 التربص والادعاءات المفتعلة التي وقعت فيها الإدارة الأمريكية ممثلة في أجهزة أمنها ووزارة " عدلها " لتلبيس التهمة على تنظيم القاعدة في أفغانستان ، وعدم اكتراثها بالعنف والإساءة للكثيرين الذي صاحب التحقيقات يؤكد حقيقة المباغتة التي مثلها هذا الحدث لهم ، في الوقت الذي انتهوا فيه من رسم استراتيجية جديدة لمواجهة هذا الخطر المحتمل ، كما أشار لذلك الكاتب المصري محمد حسنين هيكل في تحليل أخير له حول الأحداث وأشار فيه إلى توجيه رئاسي بالخطط المرسومة لمواجهة تهديد ما أسموه " بالحرب غير المتوازية " .
ولو صحت نقولات هيكل فإنهم ينفذونها الآن وبدقة ، وهذا - في تقديري - هو مصدر ثقتهم بهذا الإتهام ، وتسرعهم في التنفيذ دون اكتراث بمن لا يشاركهم في هذه المعلومات أو الخطط المرسومة .
لكن عنصري المباغته والضخامة ساعدا على توتر القوة الأمريكية وعلى سرعتها في تنفيذ كل الخطط المرسومة وتهيئة الشعب الأمريكي ودول العالم لهذا التحول الجديد وهذا هو ما يحرصون كثيراً على تكراره وإعادته ولن يكون بعيداً أن يبدؤا في مرحلة " القانون المجنون " الذي ورد ذكره في هذه الخطط لمواجهة " الإرهاب المجنون " الذي يستخدم أسلحة غير تقليدية وأساليب ووسائل غير متوقعة ويحتاج مواجهة بقوانين مرنه وغير تقليدية وتتحد فيها الآراء والقرارات .
وبدون مراء فإن هذا التحول الخطير نابع من السعار والهوس الذي تعيشه أمريكا الآن واقعاً وعاشت إرهاصاته منذ حرب الخليج الثانية ، ومرده جنون العظمة والقوة الذي لا يقبل التنازل عن هذه المرتبة وخصوصاً حين يكون الذي يتحداه في ذلك مثل هذه الجماعات التي يصفها بالهمجية وغير المتحضرة ، وبصفة اكثر أنها تبقى ممثلة لأفراد وتنظيمات وليست دولة فضلاً عن أن تكون في مستوى مواجهة القوة الأمريكية من الناحية المادية ، وهذا النوع من التحدي هو الذي يعصف بعقول القوم وكانت بداية التفكير به تعود إلى الهجمات الانتحارية في الانتفاضة الأولى والثانية فهم يواجهون سلاح بالغ الخطورة وبالغ المرونة والتخفي ولا تنفع معه كل وسائل الردع والأنظمة الصاروخية !!!
وسيحتاج العالم الإسلامي لمدة لا يعلم إلا الله طولها وتفاصيلها ، حتى يدرك حقيقة هذا التحول الخطير في العقلية الغربية الرسمية وربما حتى الشعبية ، والذي مقتضاه محاصرة العالم الإسلامي واحتوائه حتى يضمنوا استئصال هذه " الأسلحة الحية " وعدم تكرارها ، مهما تضمن ذلك من الاستفزاز والتحدي والعداء " للهوية الإسلامية ".
حينها ستكون الأزمة مع الغرب غير محصورة في فلسطين بل سينشأ غيرها كثير ، وسنستمر في الدوران في ذات الحلقة المفرغة حتى يأذن الله تعالى بنصره للإسلام والمسلمين وتقوم الجهات الأعلم بأحكام الإسلام والأقدر على تمثيله وإدارة دفة صراعه مع أعدائه، بأداء دورها المنوط بها والمنتظر منها وتترك ترددها عن ذلك، حتى لو كان هذا التردد يعود لأسباب عديدة يطول شرحها ويتحمل مسؤوليتها معها غيرها.(67/131)
03 التلميحات التي كان يرددها أسامة بن لادن قبل هذه الحادثة ، وعاد وأكدها في الشريط المتلفز الذي تم بثه من قناة الجزيرة غداة الضربات الجوية على أفغانستان حين أشار إلى أنهم كوكبة من الشباب المسلم ثم كرر نفس المعنى الناطق باسم القاعدة في الشريط الثاني من ذات القناة ، تشير إلى اقتناع المجموعة أن منفذي هذه العملية من المسلمين ، لكنه كما أشارت العديد من المصادر الموضوعية لا يمثل اعترافاً صريحاً بالمسؤولية عنها . غير أنه لا يغير من جوهر القضية في شيء فالمقصود أن مجموعات مسلمة قامت بالعملية وليس مهماً أن يكون أسامه أو غيره وإن كان الأمريكان يحرصون على توظيف شخصيته كرأس لهذه الجماعات الإسلامية المسلحة .
وهنا يجدر التنبيه على خطورة التسرع بتحليل الأحداث وأطرافها ، حتى وإن كان دافعها محاولة تبرئة المسلمين من هذه الأعمال ، فنحن يجب أن نتعامل مع الواقع كما هو ونواجهه بتفاصيله . وخطورة تضخيم دور العنصر الخارجي وخصوصاً اليهود الذين يحرصون على بث الروايات التي تؤكد علمهم بكل المتغيرات ووقوفهم وراءها ، تحقيقاً لمصالح لهم لا تخفى وامتداداً لطبيعة شخصيتهم اليهودية المعروفة .
الحدث والحرب بين الإدانة والإشادة
بوش الابن ، أعلنها صريحة مجلجلة كأحد محاور المواجهة في " الحرب غير المتوازية " [ في الحرب مع الإرهاب إما معنا أو مع الإرهاب] فيما بدا كامتداد لتجربة والده في الحرب مع العراق وكان فحواها إما تكونوا معنا أو مع العراق ، لكن فات الابن أن القضية هذه المرة أكثر تعقيداً واختلافاً، لأنها نشأت أصلاً كرد فعل على المظالم الغربية المتزايدة في حق المسلمين وليس لأطماع شخصية فيما يبدو، ولذلك تحظى بقبول متزايد رغم التحفظ على طريقة تنفيذها وحجمها عند الأكثرية.
مما حدا برئيس الوزراء البريطاني : توني بلير أن يقوم بدور الرمز الإعلامي والمنظَّر لهذه الحرب الجديدة قبل بدايتها في خطابه الشهير أمام رجال حزبه ، وبعد بدايتها في لقاءات مع القنوات العربية ومقالات في الصحف العربية .
وكان مما قال بلير: ( هل الغرب معادٍ للإسلام فعلاً كما يدعي بن لادن !؟). وهنا أقول أن أزمة بلير وبوش ومن وراءهما ، استمرارهم في التعامل مع المسلمين بعقلية لا تختلف عن عقلية أسلافهم الذين قاموا باستعمار العالم الإسلامي لسنوات طويلة ، والمتمثلة في التضليل والاستخفاف . فأما التضليل فجهود الصحوة الإسلامية بعامة قد تكفلت بفضحه وأعادت تذكير المسلمين بآيات الكتاب العظيم عن حقيقة العداوة وتأصلها لدى اليهود والنصارى.
وأما الاستخفاف الذي دفعهم إلى استباحة حرمة وسيادة الأراضي الإسلامية وشعوبها ثم تمزيقها دويلات، وزرع نبتة الفساد : إسرائيل في أحد أعز بقاعها ، فلا يمكن أن تنضب ذكراه في عقول المسلمين ونفوسهم . لكن العجيب أن هذا الاستخفاف المتكبر هو الذي يعميهم ويدفعهم لتجديد هذه الذكرى في نفوس المسلمين بين حقبة وأخرى .
ولذلك فبالرغم من جهودهم المتواصلة في دمج العالم الإسلامي دولاً وشعوباً في العلاقات والمصالح الدولية ، وإطلاق الآلة السياسية والأمنية والإعلامية لتحقيق تفاعله واندماجه وتأثره بالأنماط الغربية والمصالح الغربية ، فانهم يجهلون أو يتجاهلون أن المسلمين يختلفون عن غيرهم وأن تميزهم عن وبراءتهم من "الكافر" حتى ولو كان متمدناً ومتحضراً ومتفوقاً دنيوياً متأصلة ومتجذرة ، ويكفي لإحياء جذوتها تحديات من هذا الغرب ، فما بالك إذا كانت متكررة واستخفافية .
لذلك نشأت العمليات العنيفة داخل المجتمعات المسلمة أولاً حين ربط الغرب المستعمر مصالح الأنظمة الحاكمة في البلاد الإسلامية عموماً - مع الاختلاف بين بلد وآخر - بمتغيرات وتحولات لا تتوافق في مجملها مع الأحكام الإسلامية . وللأسف وقع العالم الإسلامي في الخطأ الجوهري حين عاش نوعاً من الصراع الفكري والاجتماعي والسياسي لم يحسمه بعرض "التحديث" و "التطوير" لمجتمعاته على أصوله الدينية والاجتماعية بل اعتسف الأمور اعتسافاً مما ولد صدامات عنيفة في هذا البلد وذاك .
العجيب أن الغرب الذي يريد أن يشن حرباً عالمية الآن، كان يدعي ويتبجح برعايته لحقوق الإنسان وانتقاده للحكومات العربية في وصفاتها الأمنية وبرامجها التجفيفية أو الإستئصالية للحركات الإسلامية، وكان يؤوي عدداً من المعارضين الإسلاميين ، وهذا من التحولات الفاضحة الناتجة عن هذا الحدث .(67/132)
أتت أزمة الخليج الثانية ، والمنطقة الخليجية - المحافظة بطبعها- بعيدة عن هذه الصدامات المسلحة في مجتمعاتها ( هذا إذا استثنينا حادثة الحرم لارتباطها برؤى وأحلام لمرتكبيها أكثر منها قناعات). فصدمت تداعيات هذه الأزمة العالم الإسلامي عموماً والخليجي خصوصاً ، من ناحية حصول الأذى من الجار القريب والعون اللصيق من الغرب البعيد، فظن الغرب الذي كان له دور كبير في وقوع هذه الأزمة وعدم انتهائها إلى الآن ، أنه قد حقق فيها خططه وأهدافه وبدأ بجني الأرباح ، لكنه يجهل أو يتجاهل أنه يتعامل مع المنطقة الإسلامية التي لا تقبل الترويض كما هو الحال في اليابان أو فيتنام أو غيرها من الدول التي تلظت بمظالم الغرب وانتهاكاته .
و في الوقت الذي استوعبت فيه حركات الصحوة الإسلامية الخليجية ورموزها هذا الواقع الجديد وبدأت في معايشته وتفادي مخاطره دون أن تخسر أمن مجتمعاتها ووحدة بلدانها وتحملت في سبيل ذلك بعض الأذى الشخصي والمعنوي وفضلت ألا تنزلق إلى ما انزلق فيه غيرها وهذا للإنصاف مما يحمد لهذه الدعوة ويميزها عن غيرها . في هذا الوقت بالذات كان العنصر الغربي - مرة أخرى- العامل المهم في إذكاء عودة عمليات العنف، لكن هذه المرة - كما رددوا في اتهاماتهم - على يد المجموعات الجهادية التي قاتلت الروس في أفغانستان وشملت شباباً من غالب الدول الإسلامية بمن فيهم الخليجيون الذين عاشوا تلك الظروف واحتكوا بتأثيراتها . وكان الأسلوب العربي والغربي في التعامل مع هذه المجموعات سبباً رئيساً في توليد هذه القناعات الهجومية لديهم ، وتوظيف خبراتهم العسكرية واستعداداتهم النفسية لتنفيذ اجتهادات هنا أوهناك .
والجهات الرسمية البحثية تعترف الآن أن الخطأ الآخر تمثل في استعداء هذه المجموعات وعدم " احتوائها " ، والذي يهمنا ذكره هنا هو التذكير بعواقب حرمانها من التواصل العلمي مع الرموز العلمية التي تثق بها هذه المجموعات وقد تقتنع ببعض استدلالاتها وحججها .
التغيير النوعي الذي عاشته هذه المجموعات أنها تراجعت عن عملياتها العنيفة ضد مجتمعاتها وحكوماتها ووجهتها إلى المنشئات الأمريكية خارج أمريكا فيما يظهر أنه تحميل للمسؤولية عن مآسي العالم الإسلامي ، واليوم نحن نشهد التحول النوعي الأكبر وهو أنها تنقل عملياتها إلى عمق العالم الغربي وفي أمريكا وبمثل هذا الحجم - إن كانوا هم المسؤولين عنه - .
وبعد هذه الخلفية المهمة في بحث الإدانة أو الإشادة ، أخلص إلى التذكير بالملاحظات التالية:
01 الحكم على هذه الهجمات الانتحارية تصويباً أو تخطئة ليس هدفاً لهذا المقال التحليلي - ولست أهلاً لذلك - بل هو متروك لعلماء المسلمين ليتحملوا مسئوليتهم في ذلك .
لكنني من ناحية الواقع أرى إغفالاً لنقطة جديرة بالبحث ، وهي أن التحفظ ليس - فقط- في وقوع " الأبرياء " ضحايا في خضم استهداف مواقع العدو ، وها هي " الحضارة الغربية " في حملتها على أفغانستان المسلمة تعترف بوقوع الضحايا الأبرياء كآثار ممتدة لضرب الهدف وإن كانت غير مقصودة بذاتها ، لكن التحفظ الأهم - في تقديري - هو في تحويل ركاب الطائرات المدنية إلى سلاح وكتلة لهب لضرب الأهداف . وفرق بين أن تضرب بالمنجنيق وأن تضع مدنياً من العدو في المنجنيق وتضرب به ، لكنني لا أجزم أن هذه الملاحظة حاسمة في البحث العلمي للموضوع بل يرجع في اعتبارها من عدمه للعلماء الراسخين.
02 مما يؤخذ على المسلمين في هذا الوقت كثرة اختلافهم - ولا حول ولا قوة إلا بالله -، ومرد ذلك أن كل جانب يبدأ في نقاش الموضوع من قناعة مستقرة وسابقة دون أن ينفتح على الاحتمالات الأخرى ويتأمل في بقية المواقف حتى يصل للصواب بطريقة علمية موضوعية بلا تشكيك في هذا القائل أو ذاك.
والمطلوب هو ألا نجعل الأوضاع أو الرغبات هي التي تحدد لنا ما نشجبه أو ما نشيد به أو تحدد لنا ما نعلنه من آراء ومواقف، فإما أن نعطى حقنا ودورنا في هذا وذاك دون أن يحدد لنا الآخرون هذه المساحة ويوظفنا هذا أو ذاك لمصلحته هو أو لإسقاط مخالفه ، وإن لم يكن ذلك ممكناً -لأسباب لا تخفى- فيجب أن يترك لمعلن هذا الرأي أو ذاك تقدير مصلحة التصريح في الأوقات التي يتاح له فيها ذلك وعلى الآخرين أن يحترموا له هذا الحق .
03 يعمد البعض إلى المحاولة المتكررة لتحديد موقفه من كل فعل أو اجتهاد يصدر من المسلمين العاملين في الساحة بخريطتهم الواسعة، بل قد يطالبه غيره بذلك ، متعذراً هو أوهم بأهمية التقويم للاجتهادات أولاً لتبرئة الإسلام منها وثانياً حتى لا ينخدع بها الناس ، ولا أزعم العلم لتفنيد ذلك لكن من جانب الرأي أقول إن الإسلام لا يؤخذ من اجتهادات أهله وأفراده بعد استقراره بقبض نبي صلى الله عليه وسلم ، الإسلام دين الله المحفوظ في الكتاب والسنة والمؤتمن عليه علماء الأمة ليجددوه للناس ويبينونه ، أما اجتهادات الخلق فهي أولاً تمثلهم وحدهم حسب فهمهم لتطبيق هذا الدين وثانياً هم لم يقولوا أن اجتهاداتهم من الدين وأنهم الممثلين له ولا يقبل منهم لو قالوا ذلك.(67/133)
ولقد ورد في السيرة ما يشير لهذا المعنى كما في قصة سرية عبدالله بن جحش - رضي الله عنه وأرضاه - التي بعثها النبي صلى الله عليه وسلم قبل غزوة بدر لتقصي أخبار القوم ، فكان منها ما كان من القتل والسبي في آخر أيام الشهر الحرام ، فاغتمّ المصطفى صلى الله عليه وسلم لذلك الفعل كثيراً إذ استغلته قريش ويهود للتشنيع على المسلمين وقال قولته المشهورة ( ما أمرتكم بقتال في الشهر الحرام )، فأنزل الله - تبارك وتعالى- قرآناً يتلى إلى يوم القيامة لتحدد الميزان الذي يرضاه - عز وجل - ، فإن كنا نقر بحرمة القتال في الشهر الحرام فيجب ألا ننسى الحرمات المتعددة التي وقع فيها الكفار من قبل ودفعت لمثل هذا التجاوز الاجتهادي من أحد المسلمين : ( يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه، قل قتال فيه كبير، وصد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند الله، والفتنة أكبر من القتل ) وكذلك يفعل الطغيان الأمريكي والأوروبي.
04 نخطئ كثيراً ونقع في الفخ إذا أضعنا أوقاتنا في بحث أمر قد وقع وانقضى ، وقد فعله من فعله ولم يشاور أحداً ولم يستفت أحداً وهو المتحمل لتبعته ، وليس عدلاً ولا صواباً أن يلاحقني المتضرر للاعتذار أو التنديد أو البراءة ، لمجرد أن المتهم ابن عم لي أو قريب ، ويجب أن تتوجه الهمّة إلى نتائج هذا الفعل لمدافعة أخطاره الواقعة وجلب منافعه المحتملة. إن عدم إقرار الفعل بطريقته وحجمه ونتائجه غير المقصودة أعلنه البعض وسكت عنه البعض، لكن ليس من المعقول امتحان العباد والبلاد في التصريح بذلك، فإن كان ولا بد فأجد من الأهمية بمكان ربط ذلك بدور المعتدى عليه في هذا الحدث وأنه قد وقع منه من المظالم ما هو أشد وأنكى فسلط الله عليه هذه المصيبة.
وللعلم فإن العقلية الغربية تتفنن في محاصرة المسلمين حكاماً وشعوباً بمثل هذه الإلزامات العجيبة ، رغم أنها عين التعدي والظلم ، والله تعالى يقول : ( لا تزر وازرة وزر أخرى ) .
05 من أكبر المآسي التي يعيشها العالم الإسلامي اليوم غياب أو تغييب القيادة العلمية الربانية الراسخة التي يصدر عنها عموم المسلمين لعلمها وتقواها، ولتجاوزها الحواجز الحدودية المصطنعة بين المسلمين بعدلها واستقلالها . وتبعة هذا الغياب تقع على علماء المسلمين أولاً ثم على حكامهم ثم على شعوبهم .
وأخص الجهات المسؤولة في عموم البلاد الإسلامية بالذكر في جانب آخر يتمثل في إصرارها على ربط العالم الشرعي بالمؤسسات الرسمية ، رغم أنهم أول من يتضرر من ذلك خصوصاً في مثل هذه المواقف التي يحتاج فيها إلى العالِم الذي تستمع له الجماهير وتصدر عنه ، ثم لدوره الكبير إذا كان مستقلاً ومقبولاً في توجيه وضبط المجموعات التي قد يصدر عنها مثل هذه الأعمال . وتكرر هذه الاجتهادات المماثلة للحدث الأخير بضخامتها ونتائجها لا ينشأ إلا حين يمتنع العلماء أو يمنعوا عن أداء دورهم وملء الساحة بالموقف الصحيح وبما يقلل من التعدي والطغيان الغربي ويضبط من ثمّ الاجتهادات الفردية.
ما وراء " الحرب غير المتوازية "
الخطورة كل الخطورة أن ينجح الغرب الكافر في تنفيذ برامجه المرسومة سلفاً في التعامل مع العالم الإسلامي الذي تخرج منه " الأسلحة الحية " كما أسميناها من قبل ، وكما وصفها روبرت فيسك الصحفي المرموق بالمتطلعة للموت في الوقت الذي يتطلعون فيه هم للحياة .
وهذه البرامج تقتضي باختصار ترتيبات وقوانين ليس بالضرورة أن يكون من ضمنها وجود لقواتهم أو احتلال لدول إسلامية ، إنما اتفاقيات عالمية ملزمة بملاحقة ومعاقبة كل من يحاول التحرر من الربقة الغربية . ومحاصرة الأموال والأفكار والدعوات حتى لا تولد مثل هذه النتائج مرة أخرى فيما يحسبون. كما يحققون من خلالها أهدافاً أخرى كانت أحلاماً بالنسبة لهم كوضع موطأ قدم في باكستان واستبدال طالبان بحكومة تقبل التنسيق معهم وتقفل تماماً استخدام أفغانستان كبوابة مفتوحة للجماعات المسلحة والاقتراب من المياه الدافئة ومخزوناتها في بحر قزوين ووضع إيران بين فكي كماشة.
وهم كما وصفوا هذه القوانين بالمجنونة في تقاريرهم في إشارة لاختلافها عما سبقها ، فهم الآن يقومون بدور رجال الأمن والمحققين والدفاع والإدعاء والقضاة ثم ينفذون الحكم دون أن يكون لأحد رأي أو للمتهم مرافعة ويقصفون بلداً بأكملها ويصرحون بهدف إسقاط حكومتها - في الوقت الذي ترددوا عن مثل هذا الإعلان في حالة العراق - لمجرد أن التنظيم المتهم يقيم فيها ، وحتى لو صدقت التهمة فأين تكمن الأدلة على تورط البلد الذي يقيم فيه " الجاني " ، ولو عملوا بهذه القوانين لكانت الدول الأوروبية أولى بالضرب وهي التي آوت مجاهدي خلق ولا تزال ، كما آوت عبد الله أوجلان ولسنوات ( مع اختلافنا مع الدول التي تعارضها ) لكنها كما قالوا القوانين المجنونة في حربهم الجديدة.(67/134)
وحركة طالبان الحاكمة الآن في أفغانستان - كما يشير العديد من المطّلعين على تاريخها وتوجهاتها - لا تلتقي فكرياً مع الجماعات الإسلامية المسلحة ولا تنظيمياً، لكن طبيعتها المبدأية والأخلاقية تمنعها أن تتنكر لمن شاركوها جهادها ودعموها، وخصوصاً إذا كان الطرف المقابل لهؤلاء أمريكا "الصليبية الكافرة" .
ثم يظهر أنه قد غلب على ظن طالبان أن تصفية الحسابات معها والتخلص منها كان هدفاً سابقاً ومحسوماً من قبل الأمريكان وتحالفهم الغربي فأتت هذه الحملة فعجلت القضية فقط، ولذلك قرروا مواجهتهم حتى لا يخسروا دينهم ومكانتهم عند شعبهم وعند المسلمين إذا خذلوا هذه المجموعات المقيمة لديهم ويخسروا بلدهم في نفس الوقت. فقرروا المواجهة رغم أنهم فيما يبدو لا يقروا اجتهادات هذه المجموعات ويروا أنهم لم يرعوا التزاماتهم لهم التي اتفقوا عليها وأقحموهم في تحديات لم يريدوها ولم يخططوا لها، وهذا يظهر على أقل تقدير في استعدادهم لتسليم هذه المجموعة إذا ثبت تورطها بالأدلة الموثوقة وفي طلب العلماء من هذه المجموعة المتهمة مغادرة البلاد وتجنيبها هذه الأزمة برضاهم إذا كانوا يريدون الخير لأفغانستان، وهذا كله مما سيسجله التاريخ لهذه الحركة إن كانت صادقة مخلصة فيه.
ثم تخيلوا حجم الاختلال في توازن القوى المادية بين التحالف الدولي بزعامة القوة العظمى وبين الدولة الأضعف والأفقر مادياً . فكيف ترضى لنفسها هذه القوة وهذا التحالف بهذه المقارنة ، لولا أن التحدي بالنسبة لها حقيقي ومتنامي .
و بعد كل ذلك يظهر بوش الابن في مؤتمر صحفي غير عادي ويعبر فيه عن اندهاشه من جو العداء الذي يملأ العالم الإسلامي وتظهره المظاهرات الصاخبة هنا وهناك ، في حين أنه يؤكد وغيره أن الحرب مع " الإرهاب " و " الأشرار " وليست مع الإسلام .
لكن الذي يفوت بوش كما فات غيره، أن الإسلام الذي يبحث عنه يثير ريبة العديد من المسلمين ولا يرون أنه يمثل دينهم الذي يعرفون، وهؤلاء الذين يصمهم بالإرهاب يتحدثون باسم الإسلام ولا بد أن يعترف أنهم يحظون بتعاطف وتأييد شرائح متزايدة في العالم الإسلامي فقط لأنهم تجرأوا وحطموا الغطرسة والعدوان.
ولعل حرق الأفغاني المتمسك بدينه وعزته للمعونات الغذائية التي تسقط عليه مع القنابل والصواريخ، رغم تضوره جوعاً وفاقةً وشدة احتياجه لهذا الغذاء، يمثل أكبر ردٍ مفحمٍ لهؤلاء المتغطرسين وأكبر عامل قوة يتفوق بها الأفغان المسلمون رغم ضعفهم وقلتهم على أعدائهم، وهو ببساطة السر الذي يجعل هذا الشعب الأعزل يواجه كل هذا الحشد الظالم وهو على يقين أنه سينتصر عليه، وهذا السر لوحده "عامل القوة الإيمانية" سيكون له دور كبير في قلب موازين هذه المواجهة ونتائجها - بإذن الله - إذا صدق الأفغان والمسلمون من ورائهم بعامة ربهم في أيامهم القادمة.
و بوادر هزيمة التحالف العالمي في حربهم الجديدة تتزايد، وأول ملامح الهزيمة قبولهم الدخول في مواجهة مع بلد معزول وشعب أعزل، فإذا استمرار هذا البلد في الصمود لأسابيع إلى أن يطل عليهم رمضان و استمرار القصف في ليالي الشهر الفضيل ، فسيدخل التحالف في مرحلة الهزيمة الحقيقية ولن يقبل العالم الإسلامي دعواهم في حرب " الإرهاب " .
نسأل الله سبحانه وتعالى أن ينصر الإسلام والمسلمين ويذل الشرك والمشركين ، وأن يقيم علم الجهاد ويقمع أهل الزيغ والفساد وينشر رحمته على العباد ، وينصر عباده المجاهدين الصادقين في كل مكان .
خاتمة مقال علاقة المسلمين بالغرب
تلاحقت الأحداث في أفغانستان متسارعة، وأربكت المتابعين لها وأشغلت أذهان العديد منهم في محاولة لفهم خفاياها وسط هذا الزخم اللاهث من التغطيات الإعلامية الموجّهة لمصلحة هذا الطرف أو ذاك.
وكنت - كغيري- من المنشغلين بذلك ، مما دفعني لتأخير هذا الرد على تعقيبات الأخوة الأفاضل وتصويباتهم وملاحظاتهم على المقال ، فأعتذر لهم ولإدارة تحرير الموقع الموقر عن التأخير ولهم مني جزيل الشكر والامتنان.
وأجمل ما لدي في النقاط التالية:
1. أشكر الأخ أنور العسيري على كلماته المركزة، وأقول له : إن المقالة تعبر عن وجهة نظر كاتبها بالدرجة الأولى، لكن مع هذا فالحديث عن المسلمين في هذه القضية يشمل كل أطرافهم بلا استثناء. وإن كانوا لا يتعاملون مع الآخر كنسيج واحد -للأسف الشديد- بل كأطراف متعددة ومتناقضة في بعض الجوانب، مما سيجعل مفترق طرق هذه العلاقة يشرق ويغرب بهذه الأطراف.(67/135)
فالحكومات العربية والإسلامية -مثلاً- تجدها تبدأ مرحلة جديدة من علاقتها مع الغرب، بعدما دفع "الحدث" الغرب لمراجعة موقفه من هذه الحكومات وشعوبها ، وأغلب ما يصدر عن هذه الحكومات الآن يشير إلى الحرص والاستماتة لتعديل الصورة المهزوزة في أعين الغرب وإعادة الثقة والمحافضة على المصالح المتبادلة ، وفي نفس الوقت تحريض الشعوب إن لم أقل إرغامهم على التحول إلى التعايش والإنسجام مع الغرب بدل الكراهية، رغم عداوات هذا الغرب المتكررة ورغم ما سيقتضيه هذا التحول من تغيير في مناهج تعليم وخطاب ديني وتناول فكري أو إعلامي بل وموقف شعوري ، كما يطالب بعض غلاة هذه الأنظمة عبر رموزهم الإعلامية.
أما الشعوب العربية فأحسب أن تداعيات الحدث وليس الحدث ذاته ستدفعها إلى مزيد من علاقة الكراهية والاختلاف مع الغرب رغم الجهود الحثيثة للآلة الإعلامية الضخمة لوكلاء الغرب في المنطقة الحريصين على الترويج للنموذج الغربي ووجهة النظر الغربية. ومرد ذلك بكل بساطة يعود إلى هوس الغرب في تعامله الجديد مع العالم الإسلامي لاستئصال كل الأطرف والآراء والمشاعر المنادية للتعامل باستقلالية مع الغرب فضلا عن المنادية بالعداوة .
وأما الحركات الإسلامية المستقلة فمع التباين في رؤيتها للتعامل مع الغرب قبل الحدث ، إلا أن وقوع الحدث وما تلاه من مواقف وتداعيات وتغيرات أوجد اتساعاً ظاهراً في هذا التباين والأيام في تقديري منذرة بمزيد ولعل تفصيل هذه القضية يتم في مقال قادم.
هذه الأطراف الثلاثة -لو اقتصرنا عليها- تحمل في التباين القائم بينها أحد جوانب الأزمة، وعلى هذا فتحقيق علاقة متوازنة مع الآخر -كما عبرتم- تصطدم بهذه العقبة الكؤود التي لا يمكن تخطيها إلا بحل هذه العقبة حلاً توافقيا مقبولاً للجميع، لا أن يفرض أحد هذه الأطراف رؤيته هو ويتجاوز الآخرين مهما أوتي من عناصر قوة ؛ لأن العلاقة مع الآخر لن تكون في حالة توازن أبداً إذا استبد أحد الأطراف برأيه.
ولا أود الخوض في مصطلحات "الإخفاق" أو "الانتصار" لأنها -في نظري- تبقى مختزلة ومحدودة ولا يمكن استخدامها في مثل هذه الأحداث المعقدة إلا بشيء من التفصيل المحرج والذي لا يجرؤ أمثالي على الخوض فيه.
2- أتفق تماماً مع أخي الفاضل عبدالله الدريس أن هذه المحنة قشعت الضبابية وعرت الجميع، لكن أقسى أنواع التعرية هو ما أصاب بعض القيادات العلمية الشرعية الذين سمحوا للظروف الواقعية المحيطة بهم أن يكون لها تأثير على تحديد مواقفهم قل هذا التأثير أو كثر، ومباشراً كان أو غير مباشر.
كما أتفق معك جملة وتفصيلا في حديثك عن طالبان والموقف المفاجئ منها الآن بعد أن نسيها الناس طويلاً، وتطورات الأحداث الأخيرة زادت من نبرة هذا الموقف أيضاً ، رغم أن الأحداث لم تنته بعد وقد تكون الأيام حبلى بجديد لم يكن في حسبان هؤلاء المتحدثين وحينها سيسقط في أيديهم .
3- أشكر الإخوة خالد البهلال وأحمد الصبيحي وأبو سهيل العامري والأخت أم البنين النجدية على تأكيدهم على أهمية دور الجهاد في تاريخ الأمة ومستقبلها.
وفي نفس الوقت أصارح الأخوين عبدالرحمن النصيان ويوسف الحجيلان أنني لا أجد من علاقة الغرب بالعالم الإسلامي وتعامله معه في العصر الحديث إلا ما يأزم هذه العلاقة بإصراره على نوع معين وفهم معين للإسلام ليضمن لنفسه التفرد بالزعامة، وينبغي ألا نستمع وألا ننخدع بأراجيف الصحفيين التي تنتشر هذه الأيام لتحرف آيات الكتاب عن مواضعها أو تخرج بها عن سياقها التاريخي والواقعي في نفس الوقت.
4- الأخ الفاضل الدكتور صلاح عبدالرحمن توقفت طويلاً عند مداخلتك على قصرها، لكنني لا أزال عند رأيي أن من أسوأ ما كشفت عنه هذه القضية هو تفرق المسلمين وانقسامهم، والعدو الغربي كان ولا يزال المستفيد الأكبر من هذا التمزق. ولو تأملت معي حجم النضال الذي مارسه (بوش) و(بلير) ، لتثبيت فكرة عزل هذا العمل ومن قام به عن المسلمين ونبذه ومحاصرته بلسان المسلمين أنفسهم لأدركت ما أقصده بأننا بذلك نقع في الفخ، حكومات وشعوباً .
ولكننا جميعاً ننسى أن فعل النكاية بهذا العدو المشترك قد يحقق مصلحة لنا جميعاً، وأيّا كان الذي قام بهذا العمل فهو لا يلزم غيره بشيىء لاستقلاله بالقرار والتنفيذ ، وتخطئة الحدث بحجمه وكيفيته التي إتفق عليها الكثير، ما كان ينبغي أن تشغل العالم الإسلامي بخلافات واتهامات متبادلة، بقدر ما كان يجب أن يشغلهم تحميل الغرب بالمسئولية الكبرى عن ذلك ثم تحميله مسئولية معالجتها دون أن يقحمنا في تحالف معه ويزيد لذلك من انقسامنا واضطرابنا، ويكفي الإشارة لما آلت إليه أوضاع باكستان التي يصدق عليها وصف الخاسر الأكبر في هذا التحالف "المتصدع" ولعل تفاصيل الأخبار الحالية والقادمة كافية للتدليل على الرهان الخاسر الذي وقعت فيه الحكومات حين تحالفت دون شروط مع القيادة الأمريكية وأذعنت لها.
ولك أن تقرأ البيان العميق والمميز للشيخ سفر الحوالي حول الأحداث لمزيد تجلية لهذه القضية.(67/136)
5- وأختتم بشكر خاص للأخ الفاضل أبو عمر الصاوي على إيضاحاته وتفصيلاته التي أثْرت الموضوع واستفدت منها كثيراً ، فجزاه الله عني كل خير ، وللأخ راشد البداح على تنبيهاته واستدراكاته، وأعلنها صريحة جلية أنني أستغفر الله وأتوب إليه أن يكون قصدي بالعبارات التي أشار إليها تردد في موالاتي ومناصرتي لإخواني المسلمين ، فما بالك بالمجاهدين منهم والمواجهين لظلم وبغي أعداء الله ورسوله، وما كان للقاعدين من أمثالي أن يخذلوا إخوانهم ويتخلوا عنهم في هذه الظروف حتى ولو كنا نخطئهم كما تفضلت.
لكن الذي دفعني لذلك هو حذر وحيطة في مثل هذه النوازل العظيمة التي يجب ان يتحرى المتحدث فيها الصواب ولا يتأثر بالعاطفة.
وختاماً أسال الله أن يثبتنا وإياكم على الحق وأن يجعل عاقبة أمورنا جميعا إلى خير.
…الإسم:ابو دحيم
البلد:
التوقيت: 02:41 AM
التاريخ: 24/09/2003 …
أخي الزائر ، لتكون صديقاً للموقع
فضلاً اضغط هنا
طرح متميز من كاتب مبدع
بارك الله في كاتبنا الفاضل د. أحمد وجزاه خير الجزاء.
حقيقة فإن طرحكم من أعمق ما قرأت في جميع المنتديات والصحف ولا أبالغ، فهذا حق لكم يذكر ويشكر. كان بودي أن نتطرق حقيقة إلى بعض النقاط التي تقف غصة في مجاري تفكيرنا ومنها مثلاً :
1- الإندفاع السريع والسقوط غير المتوازن في الفخ سواءً على الصعيد السياسي أو العملي (الحركي من الجماعات الإسلامية أو الأفراد المستقلين). وهذا برأيي أننا نفتقد كمسلمين لبعد النظر واستقراء المستقبل على أحداث الماضي والحاضر، وأننا جميعاً بارعون في النقد والتحليل لما حدث، بل قد نزيده من التلميع بعبقرية الطرف الآخر ما يحبط به حماسنا ويخذله !!
2- تأخر أصحاب الفكر وأهل الرأي وبعد النظر عن طرح مثل هذه القضايا (قضايا إستعداء الطرف الأقوى وتحديه) ولو بالتلميح قبل وقوع الكارثة. لأنني أرى أن خلو الساحة من الطروحات وخاصة ممن لهم القبول لدى الطرف الممثل أو المحسوب على الأمة الإسلامية والذين قد يفسرون هذا السكوت أو التراخي بالقبول أو عدم الإدراك لما يجري منهم أو عليهم!!.
3- إغفال دور الحكومات الإسلامية السلبي حقيقة في إستغلال كل الآليات المتاحة من لقاءات فردية أو إقليمية أو مجالس أو مؤتمرات رسمية في طرح ومناقشة هموم الشارع الإسلامي مع أنهم حقيقة غير معذورين بسبب بسيط وهو وجود من سبقهم من القيادات العالمية على بحث همومهم ومحاولة وبحث الحلول والإعتراف بما يتضح من الحلول أنه خاطئ أو متسرع...الخ.
4- إن كل من عاش في الغرب بشكل عام يعرف مقدار الفسحة المتاحة للعمل الإسلامي والدعوي بالذات. ومع هذا لم نجد أصحاب الهمم العالية من تجار أو علماء أو مسؤلين في الحكومات الإسلامية يتبنى المؤسسات والمشاريع الدعوية السلمية.
5- أريد ممن يعرف أو لديه بعد نظر مثلاً أن يبصرنا بما هو متوقع منا جميعا شعوباً وحكومات لكي ننهض من هذا المطب ؟ وهل تقاعس الحكومات (وهذا متوقع) سواءً بسبب فسادها أو بسبب الضغوط الأجنبية قد يزيد في العتمة ويطيل المكث والتخبط وتزيد الجراح؟
أخيراً أشكر كاتبنا وقراءنا على هذا الجو الأخوي والعلمي والذي أسأل الله أن يجمعنا فيه على محبته وأن ينفعنا بما علمنا وأن يقينا وأهلنا وبلاد المسلمين شرور الأشرار وأن يبرم لهذه الأمة أمراً رشيدا، والسلام عليكم ورحمة الله.
…الإسم:تحرير الانسان
البلد:
التوقيت: 02:39 AM
التاريخ: 24/09/2003 …
أخي الزائر ، لتكون صديقاً للموقع
فضلاً اضغط هنا
بسم الله والصلاة والسلام على رسول ا صلى الله عليه وسلم
فضيلة الشيخ الكريم ..
إني أحبك في الله والله يعلم أني أحبك ، وأحب أن يمزقني الاذى في سبيله ، ولا يصاب فضيلتكم بأدنى مكروه بارك الله لكم وبكم وبعلمكم . من الرائجة والمتداولة بشكل كبير في الأيام الأخيرة حول الحملة الصليبية الحالية على الإسلام ( على الإرهاب ) أن لا تقتصر الحملة على الجانب العسكري فقط ؟؟؟؟؟!!!! .
وفضيلتكم لا يحتاج للإسهاب على مدلول هذا التوجه ، ولكن أعزكم الله والمسلمين أجمعين ، وأذل أهل الكفر والمشركين ، أحب أن أشير هنا إلى نقطتين :
1- أن الغزو الاقتصادي والفكري والتعليمي والإعلامي و .. و .. و .. ضد الإسلام قبل 11/ 9 لم يكن سوى ( رغم ضراوته ) فيض من غيض الغزو القادم !!
2- أن أعداء الإسلام لم يقفوا ويكتفوا بالحرب والقتال العسكري وضرب أي صحوة إسلامية ونسف أهلها إرضاء لدينهم وأهواءهم وأحبابهم من رهبانهم ، بل سعوا في كل اتجاه سعياً لرضى المحبوب ، والذين آمنوا أشدوا حُباً لله .(67/137)
نعلم حفظكم الله وأرشدكم إلى الطريق المنير ، الذي لا إسراف فيه ولا تقتير ، الجزء اليسير من ما عندكم من تداعيات هذه الفتنة العظيمة ، ونعلم ما يحيط بنا وبالمسلمين من قيود وحدود محرم المساس بها ، ونعلم أن مصير الأمم لا يقوّم بيوم وليلة ، وإن شاء الله أن عموم المسلمين يعلمون أو تعلموا مبادئ عظيمة في عقيدة المسلم كالاعتصام على المنهج ولزوم الجماعة وطاعة ولي الأمر وأبواب في التوازن والاعتدال في التكفير والتفسيق والعزلة ، ودروس في التفاؤل والصبر وعدم الاستعجال ، وكذا سماحة الدين والتوسط والتعقل والوفاء بالعهود والمواثيق ، وتعلموا في المقابل ذم التشاؤم وإثارة الفتن وعدم استثارة الكافرين بالدعوة إلى الإسلام أو الكلام عنه ، وأَثَر الكثير ذكر إيجابيات الواقع وبشائر المستقبل وإن يلزم المسلم في هذه الفترة نفسه وبيته ، وإن الأمة جُرت لحرب عوجاء غير متكافئة لا يعلم مداها إلا الله ولكن .. هل جرت لحرب متكافئة أو غير متكافئة ، وهل نصر الله يحتاج إلى تكافؤ قوي المسلمين والكفر وهل سبق أن نصر المسلمين بسبب تفوُق في إمكانياتهم المادية ، وهل على المسلم نصرة دينه في وقت الرخاء والعزة فقط ، وما هي الأعمال التي سنقدمها حين يُعرض الناس على رب العالمين ، وأن لم نكن أهلاً لنصرة الدين والذود عنه فنحن أهلٌ لماذا ؟؟ أم أن الوقت ما زال ليس مناسب للعمل الآن ! لا يوجد أدنى خوف على الإسلام إنما الخوف علينا نحن المسلمين ، لماذا نترك عظيم ثواب نصرة وإعلاء كلمة التوحيد والعمل بمقتضاها والجهاد في سبيلها لأخواننا المسلمون القادمون بعدنا ، لما لا نغتنمها نحن ونمهد لهم عبادة الرحمن وذكره بطمأنينة وخشوع التي هي الغاية من خلق الناس وألا فإن الله غني عن العالمين .
وقبل ذلك كله ، هل كانت الأمة في سلم وجرت لحرب ، وهل ملايين العلمانين والمنهزمين وعباد الهوى من مال وشهوات وقنوات ومخدرات وانحرافات و.. و .. و .. ، كانوا في سلم وإسلام ولو ماتوا على ذلك لكان خيراً لهم ولنا في ديننا ودنيانا ، هل تغيرت واجبات المسلم وما يلزمه أم ماذا ؟
قضيلة الشيخ العزيز على قلوبنا إن ( تحقق الأسباب يستوجب تواجد النتائج ) بمعنى ، مثال : إذا تحققت في شخص الأسباب الشرعية والعملية للفقر ، فلا يستغرب إذا أصبح الرجل فقيراً بعد فترة طالت أم قصرت ما لم يستغفر ذنبه ويُقوّم عمله ، وحين توافرت أسباب السقوط والذل للمسلمين في الأندلس دون أدنى عمل لمنعها ، تحققت النتائج المحزنة المبكية المؤلمة ، وسقطت الأندلس وسقط معها الكثير نسأل الله السلامة ، ووقف من ربح دينه بدنياه كموسى ابن أبي غسان وابن عبد البر وابن حزم وغيرهم ولكن المأساة أنه لم يستمع لهم ، فتعثر الكثير من الخلق وسار الدين بحفظ الباري ، فدين الله باقي شاؤو أم أبو ، وسيرى الله عملكم وعمل الخلق أجمعين ، فلنقف ونري الله من أنفسنا خيراً الآن وفي كل آن ، أنتم أعلم بحاجة الأمة في هذا الوقت ، أنتم ومن هم على شاكلتكم من جميع العلماء والدعاة في كل مكان ، فلتعتصموا جميعاً وتتقاربوا وتتناصحوا وتتوحدوا وتوحدوا الأمة على الإمساك عن كل شيء إلا عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فمن قصر في ذلك منكم فشدوا عليه وأيدوه ، ومن عجز بعد ذلك فهذا فضل الله يأتيه من يشاء ، فلو إجتمع كل من يُنكر بقلبه من المسلمين لما خذلنا ، أما الفرض الذي لا يسع أحد منكم او عامة المسلمين أنه لا يُعين ظالم بيده أو بلسانه وأن لا يزين له فعله ، ويصوب شرُّه ، فإن أخطاء مجتهد فهو أمانة في أعناق سراج الأمة .
العلماء هم السياج الواقي .. هم الحصانة .. هم العلاج إذا قاموا بواجبهم ، فإذا تخلوا عنه فلا نلوم إلا أنفسنا ... فيا سراج الأمة أرشدوا أمتكم إلى ما هو واجبها تجاه خالقها ، ما هو واجبكم أنتم علماء الأمة وما هي الأعمال التي يجب عليكم القيام بها بأنفسكم دون العامة من الناس ، ما هو واجبكم تجاه بعضكم وما هو واجبكم تجاه الناس والمسلمين وما هو واجب المسلمين و ما هي الأعمال المطلوبة من المسلم ليقدمها في دنياه ليفوز وتفوز و أفوز وجميع المسلمين بجنات الخلد أجمعين ، أعلم بما تجدون ولكن أنتم تعلمون ما يجب القيام به فأدوه ، والله ليتم الله هذا الأمر والله على كل شيء قدير .
والصلاة والسلام على أفضل المرسلين .
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ..
أولاً : أتوجه بالشكر الجزيل لشيخنا أبي معاذ ( حفظه الله ونصر به الإسلام والمسلمين ) وإلى جميع الأخوة والزملاء العاملين في الموقع وإلى كل مسلم جرّد قلمه وفكره ووقته وبيانه في خدمة هذا الدين .
ثانياً : أود التنبيه إلى بعض النقاط التي أرى أنها مهمة والتي كانت ثمرة لقراءتي لمقال الدكتور .. وربما في بعضها استدراك على فضيلة الدكتور وفي بعضها إضافة وتبيان .. والشكر والثناء موصول للدكتور أحمد ( حفظه الله ) على ابداعه وسابقته في مشاركته هذه ..(67/138)
1- لا بد أن يفهم الجميع أن الغرب فيما هو ظاهر وواضح لم يحدد حتى الآن ما هية الإرهاب الذي يجب محاربته .. هل هو قتل الأبرياء أم استعمار الشعوب أم استنزاف الطاقات واختلاس الأموال أم التجسس الدولي أم الدفاع على الأرض والنفس والعرض .. أم ماذا ؟ ! وهذا ظاهر لأن الغرب وأمريكا بالتحديد ينظرون إلى أن المهم هو المصلحة الخاصة فقط حتى وإن كان يترتب عليها قتل وتدمير وحتى وإن كان يترتب عليها خلل اقتصادي أو سياسي .. بل وحتى وإن كان يترتب عليها هدم لثقافات الشعوب ولذلك فهم لا يعدون مثلاً أفلام هوليود الإجرامية ( إرهابية ) ! وليست وسيلة لتعلم الإرهاب والإجرام الظاهر كما في شخصية ( جميس بوند ) و( سلفستر ستالوني ) و ( رعاة البقر ) . مع أن الكثير من محلليهم ومثقفيهم يشيدون بأن ضرر هذا أعظم بكثير من نفعه !! لكن المهم عندهم هو الوصول إلى المطلوب فالغاية تبرر الوسيلة . ولا شك أن اللوبي الصهيوني له دور كبير في صياغة العقلية الأمريكية إعلامية كانت أو سياسية أو غير ذلك . بل و ربما في صياغة كثير من مفاهيم ساسة الشعوب والدول .. وهذا حتى يتسنى لليهود تحقيق أحلامهم ومآربهم .. وإلا فبماذا نفسر تلك المساعدات الضخمة لليهود وإعطاءهم حرية التعرف وكامل الحقوق وإشعال الضوء الأخضر ليتسنى لهم فعل ما يريدون حتى إن كان هذا على حساب شعب بأكمله كالشعب الفلسطيني المسلم مثلاً . !! وحتى وإن ترتب على ذلك قتل وتشريد وتضييع .. وفي المقابل كذلك بماذا نفسر ما حدث في فيتنام عندما قتل أكثر من مليون فيتنامي ( بغض النظر عن قضية الديانة ) لأن حديثنا هنا عن مسألة المصلحة الشخصية .. ومثله ما حدث لشعب الصومال المسلم وكذلك ما حدث لشعب العراق المسلم وكذلك ما حدث لشعب ليبيا المسلم وإن كانت الوسيلة تختلف في التعامل من دولة لأخرى فمرة بشن الحروب والقصف الصاروخي والمروحي . ومرة بالحصار الاقتصادي والتجويع والتضييق .. وهكذا .. فالخلاصة إذن أن حقيقة ( الإرهاب ) ليست معلومة عند هؤلاء . فما كان لمصلحة الغرب فليس بإرهاب ، وما كان عقبة أمام مصلحته فهو تطرف وإرهاب حتى وإن اختلفت النتائج وها هم بعد طول عناء يوقفون ( سلو بودان ميلوفيتش ) معززاً مكرماً ليحاكم في المجازر الجماعية التي ارتكبها بحق المدنين والأطفال والشيوخ والنساء في البوسنة والنتيجة ؟ ! لا نعلم لعل المسلمين ينسون قضيته فينساه العالم ! ومتى يقف مثل هذا الموقف ( آريل شارون ) الجزار اليهودي مثل ذلك ، أيضاً لا نعلم ؟ ! إذن هذه أمثلة سريعة .. وهي نقطة مهمة ينبغي للقراء والكتاب والنقاد ومن يودون المشاركة السليمة في صناعة قرار الأمة التأمل والتفكر فيها .
2- كذلك مما لا ينبغي إغفاله ( وللأسف نحن نجيد كثيراً _ ينبغي _ يجب _ لا بد _ علينا ... لكن أين التطبيق ؟ ! ) أن الغرب وإن تظاهر ببحثه عن السلام والوئام العالمي إلا أنه أيضاً يحوي مجموعات ( إرهابية ومتطرفة ) كبيرة وهذه المجموعات هدفها في كثير من الأحيان هو سحق الشعوب الأخرى وإبادتها وبالأخص الشعوب العربية و الإسلامية أو على الأقل أن تكون هذه الشعوب تابعة لهم . تماماً مثلما يزعمون أن لدى المسلمين جماعات إرهابية ومتطرفة لا تبحث إلا عن القتل والتدمير .. فمثلها أيضاً لدى الغرب ولسنا بصدد الوقوف لنُبين هذه الجماعات ونذكر أسماءها وأعمالها لكن المهم أن يعرف المسلمون ذلك وإذا كان كذلك فينبغي أن نعلم أن الغرب وإن بدأ يعود لمربعات سابقة كما ذكر الدكتور أحمد إلا أنهم متفاوتون في الوقوف أمام هذه المربعات وكيفية التعرف معها .. ولعل هذه المربعات هي ربط العلاقة بالدين وأن المسألة إذا ولاء و براء أو إخاء أو عداء والله جل وعلا يقول "ومن يتولهم منكم فإنه منهم " فليس هناك مجال لمجيء عنصر محايد ولا يمكن بحال أن يكون بين الإسلام وبقية الديانات الأخرى وئام واتفاق وسلام إلا عندما تكون الغلبة لأهل الإسلام مع ضرورة التحفظ على عبارة ( اتفاق أوسلام ) في مثل هذه الحالة بل ربما تكون مثلاً معاهدة أو شيئاً شبيهاً بها .. وها نحن نرى البغضاء بدأت تظهر على ألسنة الكثير منهم في التعبير عن الحرب القادمة بالحرب الصليبية .. حتى وإن اعذروا بعد ذلك لكن المسألة أصبحت واضحة .
3- الغرب يهمه بالدرجة الأولى مصلحته فقط لكنه أيضاً يحرص كثيراً على أن لا يخطو خطوة ولا ينفذ شيئاً إلا وقد أوجد المبرر المناسب له وهذا ظاهر مثلاً من خلال الضغوطات التي تمارسها أمريكا وغيرها على دول العالم أجمع والعربية والإسلامية على وجه الخصوص من أجل أن تقف معها في حربها ضد الإرهاب . وهذا يقودنا إلى نقطة أخرى وهي :(67/139)
4- صحيح أن تأييد الشعوب العربية .. وأتحفظ قليلاً فأقول ( الزعامات العربية ) قد يوقع المسلمين بل حتماً يوقعهم في مشاكل وفتن وقلاقل وخلافات أمنية لا يعلم بها إلا الله كما ذكر الدكتور أحمد ( حفظه الله ) لكن أقول أن هذا ربما كان تقديراً إلهياً بل هو كذلك حتى تبدأ الأمة بالنهضة والصحوة فترى أين يكمن الخلل وتحاول الأمة في وقتها هذا إيجاد الحلول الصحيحة والقوية حتى لا تقع في كوراث قادمة .. والمسؤولية ها هنا منوطة بجميع طبقات المجتمع المسلم حكاماً وساسة وشعوباً وجماعات وأفراداً وعلماء ودعاة .. ولعل الدكتور أشار لهذا كما قلت وذكر أن العالم العربي ربما انساق وراء الغرب للانبهار بالحدث .. وأقول أيضاً هذا جزء والجزء الأهم هو عدم وجود القوة والحصانة الإيمانية لدى المجتمعات العربية والإسلامية وأيضاً وجود الضغوط الخارجية . وعامل آخر مهم وهو عدم وجود الارتباط القوي بين القيادة السياسية والقيادة العلمية الشرعية في أكثر الشعوب الإسلامية .. هذا إذا سلمنا جدلاً أن هناك قيادة شرعية علمية تحكم جميع المسلمين .. والله المستعان على كل حال .
5- من المهم أيضاً ( وهذه نقطة أستأذن فضيلة الدكتور في مخالفته فيها ) هي الإكثار من الحديث حول هذا الموضوع وأعني بالحديث ( النافع المثمر ) وذلك حتى يبدأ العلماء والدعاة بالعمل واستغلال المواقف كما يستغلها أعداؤنا وخاصة إذا كانت مثل هذه القضايا ( قضايا مصيرية ) للأمة . وعلى فرض نسبة ما حدث لجماعة إسلامية ( ما ) .. فهل ما حدث دليل واضح على عدم الترابط بين العلماء والشعوب ؟ ! بغض النظر عن كونها اجتهادات فردية لها ما يؤيدها من الشرع أولا .. وبغض النظر أيضاً عما ترتب عليها من كسر للجبروت الأمريكي وزوال ذلك الشبح من أذهان الكثيرين .
قطعاً فالمسألة ليست اجماعية من قبل علماء الإسلام وعليه فالمهم بل الضروري جداً تواصل العلماء مع الشعوب والترابط فيما بينهم .. ولا شك أن غياب القيادة العلمية الشرعية نذير خطر وهذا ظاهر في حديث رسول ا صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين عن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال سمعت رسول ا صلى الله عليه وسلم يقول ( إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتذعه من الناس وإنما يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يُبق عالماً اتخذ الناس رؤساء جهالاً فسألوهم فأفتوهم بغير علم فضلوا وأضلوا وهذا يقودنا إلى نقطة أخرى :
6- وهي نقطة تفعيل دور الُعلماء والدعاة في الأمة وربط الأفراد بفتواهم الصحيحة والخطاب ها هنا موجه للحكام والساسة ومن له كلمة الشأن في المجتمعات الإسلامية .. وإلا فسينتج الكثير من مثل هذه الاجتهادات الفردية ( إن سلمنا أن الفاعل لمثل هذا الحدث مسلم ) خاصة بعد رحيل نخبة من العلماء المسلمين الذين كان لهم ثقل كبير جداً كالشيخ العلامة عبد العزيز بن باز ( رحمه الله ) والشيخ العلامة محمد ناصر الدين الألباني ( رحمه الله ) والشيخ العلامة محمد الصالح العثيمين ( رحمه الله ) .. وقد نبه الدكتور أحمد بإيجاز على هذا ولكني أحببت التنبيه عليه كنقطة منفردة حتى تبرز أهميتها . وشباب الإسلام في هذه الحقبة الزمنية وفي خضم هذه الأحداث بحاجة ماسة إلى أن يدركوا قيمة العلم الشرعي وحقيقة نفعه وفائدته وإلى أن يربطوا تأريخهم بواقعهم فهم دائماً يرون أن النصر في السابق يكون حليف القيادة السياسية التي لا تنفك عن القيادة الشرعية العلمية .. وأرجو أن لا يفهم من كلامي أنه تبريد لعواطف المسلمين الثائرة ضد الأعداء .. بل هي بالعكس دليل كبير على صحوة طبقات كثيرة من الشعوب الإسلامية لكن هذه العواطف مهم أيضاً أن ترتبط بضوابط الشرع وإلا فستفتح باب الفتن والقلاقل .. والله يحفظ المسلمين من كل سوء .(67/140)
7- من الضروري أيضاً أن يعلم المسلمون أن فعل الواحد منهم يؤثر عليهم جميعاً خاصة إذا كنا نتعامل مع أناس كالغرب المعادي لنا نحن نعلم أنهم لا يضعون للعدل ولا للمساواة وزناً ولا قيمة فهم يحاسبون الإسلام كله بفعل أفراد منه ! وعلى الضد تجد أنهم يتعاملون مع غير المسلمين كل فرد على حسب فعله فهم مثلاً لم يعاقبوا الحزب الذي ينتمي إليه قاتل ( إسحاق رابين ) رئيس الوزراء الإسرائيلي سابقاً . كما أنهم لم يعاقبوا الحزب الذي ينتمي إليه منفذ عملية ( أوكلاهوما ) وكلا الرجلين ينتمي لحزب متطرف !! فإذا فهمنا كيف يتعامل معنا عدونا عرفنا بالضرورة كيف نتعامل نحن معه ولذلك فأنا أقول للدكتور ( أحمد ) ( حفظه الله ) وللجميع : صحيح أن الإنسان لا يؤاخذ بجريرة غيره ومن الظلم تدمير شعب كامل من أجل ذنب ارتكبه أفراد منه ولكن بالضرورة فإن فعل الفرد يؤثر على من ينتمي إليهم ولذلك برئ الرسو صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي ذكره الدكتور في مقاله من الذين قتلوا في الأشهر الحُرم مع أنهم اجتهدوا . خشية أن يعاقبه الله سبحانه لكن الله لطف بعباده وبين صحة اجتهادهم .. فإذا كان هذا فليس من الحكمة أن يُقدم أفرادنا بمخالفة كلمة المسلمين وجماعتهم وإن كان اجتهاداً في مسألة تؤثر على واقع الأمة فهي ليست مسألة فقهية أو حديثية ؟ ! وبعيداً عن الحدث فالكلام عام في كل جوانب حياة المسلمين فعلى الفرد أن يراعي إخوانه في كل مكان وأن يعلم أن قوله وفعله محسوب عليه وعلى جميع المسلمين وهذه حقيقة إخوتنا الإسلامية .. فإذا ما فهم الجميع هذا قفزنا قفزة قوية في طريق وحدة الكلمة .
8- الغرب يقع في كثير من التناقضات فهو يحاول تعبيد الشعوب الإسلامية والعربية له في الوقت الذي يريد فيه من المسلمين أن لا يغضبوا مع أنه هو الذي استشارهم . ولذلك فكلما ذكر الدكتور ( حفظه الله ) أن ساسة الغرب يتعجبون ويتساءلون ( لماذا كل هذا الغضب من الجماهير الإسلامية مع أننا لا تحاربهم وإنما نحارب الإرهاب ) وهذا إما لكونهم لم يفهموا عقلية المسلمين وحقيقة دينهم التي تميزهم عن غير هم كما ذكر الدكتور . وأضيف : أو لأنهم يحالون تبريد العواطف وتجميدها لصالح مصالحهم ، وكأنهم أغبياء يجهلون تاريخ المسلمين وصراعاتهم معهم ، أو لأنهم لم يكونوا يتوقعون بعد حملاتهم الإعلامية وا لثقافية ( التي جعلت الكثير من المسلمين ينسلخ من دينه وعقيدته دون أن يشعر ) أن يجدوا شباباً وغضباً بهذه الصورة التي عجزوا عن تفسيرها . ولذا فإنك تجد الغرب مضطرباً حيراناً يحاول دراسة كل الحلول والسبل المتاحة أمامه من الورقة والقلم إلى الرصاصة والصاروخ من أجل تعبيد هذه الشعوب .
9- الغرب يخطط من القديم لكسر شوكة الإسلام التي يراها تقوى يوماً بعد يوم أياً كانت صورتها أفراداً أو جماعات أو دولاً أو شعوباً . ولذا فربما من الممكن أن يُقال إنه فقط ينتظر الفرصة السانحة لخلو جو عسكري شرق أو سطي ولمحاولة القرب من الفريسة وتنفيذ المطلوب قريباً من ساحة الصراع .. وربما كانت هذه الحادثة فيروساً أصابهم بالجنون والسُعار الذي دفعهم لأن يتصرفوا بعشوائية منقطعة النظير فصاروا يشكون في كل ورقة ويفسرون أي كلمة أو خطاب أو حركة لمن له شأن في الأحداث كأسامة بن لادن ويحللون الحركات والاشارة ويشكون في كونها شيفرة لبدء عملية إرهابية جديدة في مكان ( ما ) !! وحيئنذ وأمام هذا الجنون فليس أمام المسلمين إلا الصدق في الالتجاء إلى الله ثم بذل الوسع المأمور به في قوله "وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة " .
10 - ضرورة تيقظ حكام المسلمين وساستهم لما يحدق بالأمة ويحيط بها حتى لا يقعوا فيما ينصبه الأعداء لهم وهذا يعني أن عليهم الصدق مع الله والعودة إلى تطبيق شريعته كما أمر وأن يربطوا الشعوب بدينهم أولاً ثم بأخوتهم الدينية التي جعلها الله رابطا ًوثيقاً بينهم . وأن لا يتخذ هؤلاء القادة خطوة إلا وتكون قد درست دراسة شرعية قُدر فيها جانب المصالح والمفاسد ويرجعون كل التفاصيل إلى ميزان الشرع فإن وافقت وإلا فلا إلا أن أجاز العلماء الشرعيين الإقدام على هذه الخطوة مراعين جانب المصلحة ودرء المفسدة .
وقد ذكر الدكتور ( حفظه الله ) أن من المهم عدم ربط الفتوى الشرعية للعلماء بموقف القيادة السياسية . لكن لعله ذكر هذا إبقاء على نزاهة هذا العلم والعلماء ومكانتهم وهذا مهم بلا شك . لكن لماذا لا يجعل هؤلاء الساسة تحركاتهم وفق ما يُفتي به العلماء لا أن تكون فتوى العلماء تبعاً للتحركات وذلك حتى لا نفصل بين القيادة الشرعية والقيادة السياسية ولا نقع في تعريض فتاوى العلماء لطعن كل سفيه ومُغرض .(67/141)
11- نقطة أخيرة وهي ضرورة إحياء مبدأ الولاء والبراء والوقوف مع المسلمين في كل شيء بغض النظر عن التوجهات إلا إن كانت تلك التوجهات تخالف شريعة النبي صلى الله عليه وسلم وعليه فليس من حقنا أن نقول لطوائف أو جماعة ما دام أنكم أخطأتم في اجتهادكم فتحملوا ما يحدث لكم ولن نقف معكم ! كما أن ليس من حقنا أن ننقب و نبحث ونحن نرى قتل الصغار قبل الكبار عن هدف هؤلاء المسلمين هل هو ديني أو سياسي أو اقتصادي .. إذ إن لُحمة الإسلام أعظم من هذا بكثير .. وها نحن نرى الشعوب الإسلا مية في كثير من أصقاع العالم تعاني ما تعاني بسبب ضعف هذه اللحمة الدينية . فأنت ترى الدولة أو الشعب أو الفرد المسلم لا يُهدي لجاره نصيحة إلا إذا كان يستفيد من ورائها مصلحة ( ما ) حتى وإن كان يرى أن جاره يُباد بجواره !! فإذا رفع المسلمون أخوتهم شعاراً يستميتون في سبيل إبقائه .. تحقق لهم ما يريدون من نصرة وعز ورفعة وتمكين .
يبقى بعد هذا ضرورة الانتماء إلى الله والتوبة من جميع الذنوب والآثام وأن يعلم المسلمون أن ما أصابهم بسبب أنفسهم فلننطرح بباب الله ولنرفع أكف الضراعة لربنا سبحانه فهو المخرج من كل ضائقة تُلّمُ بنا ..
هذا مع ثقتنا بأن الإسلام منصور ودين الله له من يحميه والعاقبة لعباد الله المتقين كما هو متقرر في نفس كل مسلم وكما دل عليه كتاب ربنا وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم . فيا ليت المسلمين يعون ذلك .
قال سبحانه : " أذن للذين يقاتلوا بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير " .
الفجر الباسم قادم **** من قلب الليل الجاثم
وربيع الأمة آت .. **** من بعد شتاء قاتم
وصلى الله وسلم على نبينا محمد ،،،
أبو عمر الصاوي
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الدكتور احمد العمير حفظه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسهولة المتمكن حملنا حرفك عبر رحلة شيقة لامست بعمق جغرافية العلاقة بين الغرب والإسلام على مسرح هذه الأرض الفسيحة .... ولعلي أن ارسم بحرف نقطة مكملة لما أشار إليه الاخوة المشاركون إذ أن الغرب الساعي في تسلطه وجبروته لتثبيت سيطرته على العالم يمارس حقه الذي فرضه بقوته وفق منطق القوة وبناءً على رؤيته لشكل للعالم الذي يحقق مصالحه، هذا الغرب بكل تضاريسه وتنوعه قوي لا يعرف إلا نفسه . فهو ليس دولة خلافة مسلمة راشدة سيطرت على العالم فوهبت العدل والحرية فرص الحياة .... هو نموذج دولة لاتعرف من القيم إلا ما يحقق مصلحتها ولاتؤمن بالعدل إلا متى ذاقت نار هجره.... كائنات متضخمة ترسم استراتيجيتها في العالم لضمان بسط نفوذها عبر الاستفادة القصوى من الشعوب الأخرى الأضعف فهذه بالنسبة لهم محددات أي علاقة مع أي آخر!
لكن السؤال الذي شب في هذه الأيام قوة... هو أين نحن من صياغة معادلة فهمنا للآخر؟ ومن بيده رسم هذه المعادلة ؟
إن العلاقة مع الغرب بكل ما تحمله من إشكاليات ليست وليدة لحظة بل هي وليدة تراكمات قديمة وهي بهذا العمق تتطلب عمق آخر مضاد يسهل لنابحق أن نحدد ماهية تطلعاتنا لهذه العلاقة وماهي أدوات تحقيقها وفق معطيات الوضع الحالي لهذه العلاقة الإشكالية مع الغرب..
وبرأيي أن علينا البدء الحقيقي بإثارة جهدنا نحو بناء استراتيجية للتعامل مع الغرب الذي سكن بيننا بفكره وعشاقه وتفاصيل حياته ....... فعلى الأمة بأجمعها أن تعرف كيف تنجز عملاً واحداً تحقق بهذا العمل ذاتها مرة أخرى.
ولعل اهم منعطف تمر به هذه العلاقة هي هذه الحرب الدائرة في ارض الأفغان الحرة و من شأنه نتائجها أن تدير مرحلة حيوية وحاسمة في تاريخ هذه العلاقة ......من يدفع الآخر باتجاه ابعد ومن يصمد ؟
أن الحوار الناري الدائر ألان في أفغانستان هو جزء من هذه العلاقة المعركة .....و ما سيحققه الله على ارض افغانستان من المهم علينا أن نتعرف على ملامحه بدقة ونبني عليه رؤية إسلامية طموحة تتجاوز مكاتبنا لفضاء ارحب .... فالإخفاق الأمريكي سيتيح فرصة لفرض قواعد لتغيير حركة هذه العلاقة باتجاه اكثر عدالة من قضايانا سيساهم في ذلك حالة وعي مالي فكري إسلامي يخترق المجال الذهني لعقلية هذا الأمريكي عبر نصب مضادات الجهل والوهن الثقافي بإنشاء محطة تليفزيونية تدفع بنا إلى ذهنية هذا الإنسان الغربي البسيط . ... أما الانتصار الأمريكي الساحق فهو يتطلب منا التزام بضبط النفس وتهيئة أسلحة تعامل ذكية لا يكون الأعلام إلا أحد أسلحتها ... وبلاشك فأن عاصفة هذا النجاح ستكون مدوية في أوساط العالم الإسلامي ومؤسساته على اختلاف مشاربها وتتطلب في كل الأحوال نمط مختلف من التفكير .... لكن وهذا الذي يجب أيضا أن ننظر إليه هو معرفة الاجابة للسؤال الناضج ..وماذا بعد ؟(67/142)
الأحداث بكل تفاصيلها والمها تظل مرحلة في تاريخ أمة مسلمة تؤمن وهذا جزء من عقيدتها أنها منتصرة لكنها تشكو دائما من أناس يتعجلون الوصول وماهده العدو في الف عام لايمكن أن ننجزه في عمر إنسان واحد..... بكثير من العمل المقرون بالأمل والصبر يتحقق التوازن الذي ننشد فأي دعوات تعتقد بإمكانية بناء علاقة متوازنة مع الغرب هذه الأيام تظل محض خيال فالمنطق يقول إن توازن القوى هو المحدد لفرص نجاح أي علاقة ونحن على هذا الحال لانطلب عدلا ويجب أن لانتوهم بإمكانية تحقيقه وانصباب تركيزنا علينا اولاً ثم باتجاه دفع الآخر لإعطائنا بعض حقوقنا حتى نستطيع أن نصل لمرحلة نتمكن فيها من فرض رؤيتنا ...علينا أن نركز على محاولة استغلال الخصم والتأثير فيه وتوجيهه من خلال شعبه وادواته التي يستخدمها بالإمكان الاستفادة منها لنصيغ بقوتنا مفهوم عادل لعلاقة متوازنة مع الآخر ...
هذا بعض ما أرى والله تعالى اعلم
تعليق على ورقة د0العمير في ملتقى الإسلام اليوم
بسم الله الرحمن الرحيم
بدءاً أشكر الله عز وجل على أن وفق الدكتور : أحمد بن عمير العمير على هذه المشاركة التي تنم عن فكر نير ، ورؤية متأنية عميقة ، وبعد نظر ، وأحمده سبحانه أن أوجد لهذه الأمة نصحة يهدون ضلالها ، ويبصرونهم الطريق السوي ، وهنا بعض من الإلماحات السريعة التي أرجو الله أن تكون نافعة :
1ـ إن مقدمة هذا الموضوع الحساس جيدة وجلية ، والإشارة إلى حالة الحرب ، وقضية الإرهاب ، وانطلاء الحيلة على الآخرين إلماح دقيق ورؤية فاحصة .
2ـ إن مما يلاحظ ويلفت النظر وبقوة كثرة التناقضات في كثير من التصاريح ، فأحدهم يفتل وآخر ينقض ، وهكذا دواليك في تسارع عجيب في التصاريح ، والظهور والتناقض .
3ـ إن هول الصدمة بضخامة الحدث أحدث ذهولاً وانبهاراً مما دفع كثيراً من الدول إلى السقوط المريع في الشرك المنصوب .
4ـ إن المتهم الحقيقي لم يتحدد بعد في قناعات الأمريكيين أنفسهم ، لذا لازالت التحقيقات جارية على قدم ، وساق ، والسجون الأمريكية تنوء بالمئات من المتهمين .
5ـ إن الحفاظ على القمة أصعب من الوصول إليها .
6ـ إن تصويب أو تخطئة هذا الحدث ولوم الفاعلين لا يجدي شيئاً ، ولا يقدم ولا يؤخر فيما قضاه الله وقدره .
وإن جاء أمر لاتطيقان دفعه **** فلا تجزعا مما قضى الله واصبرا
ألم تريا أن الملامة نفعها **** قليل إذا ما الشيء ولى وأدبرا
تهيج البكاءَ والندامة ثم لا **** تغير شيئاً غير ما كان قدرا
إن مما يلزمنا في مثل هذه الأحداث أن لانوقف أمرنا على التلاوم بل لابد من أخذ الحيطة ، ودفع الأذى عن الأمة ، بأي وسيلة نفعها جلي .
7ـ لا يلزم أي فرد من أفراد الأمة أن يسجل موقفاً من كل حدث يلم بل لابد أن ينطلق من قناعاته التي يدين الله بها ، لاالمصالح الدنيوية البحتة ، ومن لم يستطع النطق بالحق فلا ينطق بالباطل ففي الصمت مندوحة .
8ـ إن الثبات على المبدأ بحد ذاته انتصار ساحق ، والإصرار على الوقوف في وجه الأحزاب المتحالفة ، والصبر على بأسهم بطولة .
9ـ إن المقاييس المادية ليست هي التي تحسم النتائج دائماً ، وتحدد المنتصر من المهزوم ، بل إن هناك ما هو أبعد من ذلك ( إن تنصروا الله ينصركم ) .
10ـ إن العالم الإسلامي يغلي ، ويفور على كل الأصعدة ، بسبب الظلم المرير الذي يعانيه من قبل الأعداء ، وتطفيف الموازين ، والكيل بمكيالين والتعامل مع أفراده على أنهم من جنس العجماوات التي لا تفهم ، ولا تعي ، وليس لها أدنى كرامة ، أو أدنى حق بالحياة الهنيئة .
11ـ إن الأحداث المتسارعة بدءاً بأحداث الأقصى المقدس ، ومن ثم الهجوم على بلاد الأفغان ، ومع ذلك الجرح النازف في كشمير والشيشان ، وغيرها مما يصنع الأمة ويشعرها بأهمية اتحادها واعتصامها بحبل الله والرجوع إليه ، وإصلاح العلاقة معه سبحانه ، والندم على التفريط فيما مضى ، وتدارك ما بقي ، فلابد من موقظات تهز الأمة لتستيقظ من سباتها ، وتصحو من غفوتها ، وينهض هذا الجسد الضخم على قدميه ، ويستعيد قواه ، ويأخذ دوره الذي يليق به .
12ـ إن الأمة بحاجة ماسة إلى أن تصدق ربها ليصدقها الله جل الله ، وإلى أن تنسى خلافاتها التي بينها كما نسي النصارى عدواتهم وثاراتهم القديمة وتوحدوا أمام الخصم الذي يسمونه الإرهاب ، فهل يعي المسلمون أن القضية ليست قضية أفراد ، بل قضية أمة بكاملها ، وأنه ليس لأي فرد أن يتاجر أو يضحي بالأمة من أجل مصالحه الشخصية ، أو قناعاته الفردية .
13ـ إن من يتهم الأمة بالضعف ينبغي أن يعي أنها قادرة على تحمل الضغوط والوقوف في وجه النكبات ومواجهة الصعاب ، وأنها وإن لم تكن مستعدةً لمثل هذه الأحداث الضخام إلا أنها تستطيع أن تتماسك وتقاوم وبل وتنتصر بإذن الله على من ظلمها قروناً متطاولة وقرر اجتثاثها من جذورها ، فالأمة تمرض لكنها لاتموت ، والفجر يولد من رحم الظلام ، وليس الذي يصفه ربنا أنه ( أحرص الناس على حياة ) كالذي ينشد الموت مظانه ، فالتفاؤل سلاح فعال في مقاومة الأزمات وتنفيس الاختناقات النفسية الخطيرة .(67/143)
14ـ إن النصارى عاشوا سنين متطاولة يعانون الظلم الكنسي ، وطغيان القسس وتحكمهم ، وظلم من يسمون بالنبلاء ، والطبقيات الجائرة والعنصريات المقيتة ، فدفعوا ضرائب ضخمة من أجل التحرر من هذا الاستعباد الكنسي ، والطغيان الطبقي ، فلنا بهم عبرة وعظة وهي أن المسلمين لابد أن يصبروا على البلاء ويحتسبوا ذلك عند الله وأن ما أصابهم لم يكن ليخطئهم ، وما أخطأهم لم يكن ليصيبهم ، وأن هذا من عند أنفسهم ، وأن النصر مع الصبر .
15ـ لابد لهذا الجسد الإسلامي المترامي الأطراف الذي يئن من الجراح أن يشعر بالآلام التي أثخنت جسده فيتداعى لها بالالتئام والاعتصام بحبل الله ، والأخذ بأسباب النجاة ، فإن لم فالعواقب وخيمة .
نسأل الله أن يوحد شمل المسلمين ، ويحفظ دمائهم وأعراضهم وبلادهم وأموالهم إنه على كل شيء قدير .
ونسأله أن يمزق تحالف الصليبيين ، وأن يجعل بأسهم بينهم شديدا ، وأن يكفي المسلمين شرهم ، وأن يرد كيدهم في نحورهم ، إنه قوي متين ، ينصر المستضعفين ويكبت الظالمين .
وصلى الله على محمد وعلى آله أجمعين .
كتبه / خالد بن فهد البهلال
بسم الله الرحمن الرحيم
في ختام قراءتي لهذا الطرح الجيد والمتميز الذي قدمه الدكتور أحمد حول الحدث الأهم على وجه الكرة الأرضية وفي هذه الفترة العصيبة التي تمر بها الأمة الإسلامية في مرحلة حرجة من مراحل تاريخها والتي من المفترض أن تكون مرحلة نهوض ونمو وإفاقة بعد غياب أو تغييب ومن باب المشاركة المتواضعة لهذا العرض الرائع للموضوع وفي زاوية الملتقى والتي يحرص القائمون عليها على اختيار الموضوعات الهامة والجادة والمقدمة من قبل علماء أو مفكرين تلجأ إليهم الأمة في مثل هذه الملمات لمعرفة الرأي السديد حول قضايا الأمة المتجددة ولا شك أن هذا الجهد القيم في هذا الموقع المبارك بإذن الله هو أحد أهم الأسباب لجمع شتات الأمة في مثل هذه المواقف العصيبة التي تتعدد فيها الآراء وتضطرب فيها العقول ويصبح الحليم فيها حيراناً لقد تعددت الآراء والأطروحات والتحليلات حول هذا الحدث وبلغت المئات بل الآلاف من مختلف الاتجاهات والانتماءات ولعل ما يهمنا منها ما كتب بأيد إسلامية يهمها حال هذه الأمة وما ستؤول إليه بعد انتهاء فصول هذا الحدث والتي يمكن أن نقسمها إلى قسمين :
1- ما كان ذا نظرة تشاؤمية : يرى صاحبه ( كاتبه ) أن هذا الحدث أدى وسيؤدي إلى تخلف المسلمين وتوقف الدعوة الإسلامية بل تأخرها في مناطق كثيرة من العالم الإسلامي , وأنه سيؤدي إلى القضاء على العديد من الجماعات الإسلامية والجمعيات الخيرية وإلى إزهاق أرواح إسلامية لا ذنب لها فيما حصل وأن هذا الحدث بداية لفترة عصيبة ستمر بها الأمة الإسلامية وعلى نطاق واسع ، ولا شك أن هذه النظرة لها ما يبررها إذا نظرنا إلى تفاعلات الحدث ابتداءً مما حدث في أوروبا وأمريكا للمقيمين هناك ومروراً بفلسطين وبزيادة الهجمات الإسرائيلية على المسلمين هناك ووصولاً إلى أفغانستان المكان الرئيسي للانتقام مما حدث .
ولا ننسى الضغوط القوية التي تمارس ضد الحكومات العربية والإسلامية للتضييق والقضاء على الإرهاب ( الإسلام الحقيقي ) إضافة إلى ما تقدمه بعض حكومات العالم الثالث من قرابين لأصحاب السيادة في العالم بمناسبة الحدث والمتمثلة بزيادة الضغوط والقيود على منابع الحياة ( العودة إلى الإسلام ) .
2- ما كان ذا نظرة تفاؤلية : يرى كاتبه أن هذا الحدث بداية انفراج للأزمات التي تعاني منها الأمة الإسلامية وأنها بداية النهاية للهيمنة الغربية على العالم ويعضد أصحاب هذا الرأي قولهم بعدد من الأحاديث التي تتضمن بشارات لما سيكون في آخر الزمان من نصر وعز للإسلام والمسلمين.وآخرون لا يقرون بصحة هذه الأحاديث ولكنهم يرون أن المسلم مأمور بالتفاؤل وعدم التشاؤم وأن هذا الحدث قد يكون فيه من الخير للإسلام والمسلمين ما لا يعلمه إلا الله , وأن الله لا يمكن أن يخذل عباده وأولياءه , وأن من ظن غير ذلك قد أساء الظن بالله .
ويؤيد أصحاب هذا الرأي ما ذهبوا إليه ببعض النتائج التي بدأت بالظهور والتي منها : حرص كثير من غير المسلمين على التعرف على الإسلام أكثر بل دخول أعداد منهم في الإسلام بعد اطلاعهم على تعاليمه ومبادئه وأنه الأحق والأولى بالإتباع .
كما أن هذا الحدث سبب في توحد المسلمين واجتماعهم وخاصة على المستوى الشعبي كما أنه سبب إلى عودة روح الجهاد وتقويته والذي يعتبر في نظر الكثيرين هو السبب الوحيد لعودة الإسلام إلى ما كان عليه من عز وقوة وأن الطريق لإعادة الخلافة لا بد أن يكون مليئاً بالدماء والتضحيات كما يستشهد أصحاب هذا الرأي بما حدث للرسو صلى الله عليه وسلم وأصحابه من نصر وغلبة في مواطن كثيرة على أعدائهم رغم قلة العدة والعتاد وأن الله لا يمكن أن يخذل أولياءه وقد وعدهم بالنصر إذا أخذوا بأسبابه .(67/144)
ولعل الترجيح بين هاتين النظرتين كلما كان متأخراً - أي بعد عام من الحدث تقريباً - كلما كان أقرب للصواب ولكننا نرى أن التفاؤل هو الأقرب للمؤمن للأخذ به لأنه من حسن الظن بالله ولأنه أدعى للوقوف مع من امتحنوا من إخواننا في الدين في هذا الحدث بدلاً من أن نقف موقف الخائف المتفرج .
وفي الختام نشكر الدكتور أحمد العمير الذي استطاع أن يصور لنا العلاقة بين المسلمين والغرب في حلقة من أهم حلقاته والمتمثلة في هذا الحدث وإن كان الموضوع يحتاج إلى تأصيل وتقعيد يرجع إليه المسلمون في مثل هذه الحوادث ولعل ذلك يكون في إحدى أطروحات هذا الملتقى المبارك .
"إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم"
===============(67/145)
(67/146)
أهزوجة الفلوجة.. والأميركان !
سلمان بن فهد العودة 20/2/1425
10/04/2004
ليست الفلوجة مدينة مقدسة.. ولكن كل روح شريفة تأبى الذل والضيم، في الفلوجة وفي العراق، وفي كل بلاد الله هي روح مقدسة.. مكتوب لها إما حياة السعداء أو موت الشهداء.
في الفلوجة نضجت الثورة ضد الاستعمار عندما انتفضت عشائرها بقيادة الشيخ ضاري ضد البريطانيين، وتعرضت -كما يحدث اليوم- لقصف الطائرات البريطانية، وسقط الكثير من الشهداء وكان موت الشيخ ضاري -رحمه الله- وتشييعه بداية النهاية للاحتلال البغيض.
الأمريكان صنعوا المقاومة في الفلوجة بحمقهم واستخفافهم بالإنسانية؛ فلقد اندفعت قواتهم الغازية لتفرض سيطرتها على المدن بأسلوب استفزازي، يفتقد الخبرة والذكاء.
ولقد واجهوا المظاهرات السلمية المطالبة برحيل الغزاة بقصف حي قتل فيه عدد من المتظاهرين وجرح آخرون.
وأكذوبة الدفاع عن النفس هي العذر الجاهز لتسويغ قتل العشرات المحتجين على ممارسات جنود التحالف، أو المطالبين برحيلهم، وهي العذر نفسه في شأن الطائرات التي تحلق وتمطر الأبرياء بالقنابل المحرمة، وتشرح -بالتفصيل- المتن الذي أطلقته وزارة الدفاع الأمريكية من أن مهمة التحالف هي تحرير ثلاثين مليوناً، هم الشعب العراقي..
فمن ذا الذي يحاربكم إذاًَ ويقف في وجوهكم في كل مرصد ؟!
لقد كسبت الإدارة الأمريكية الحرب على البعث المستبد الغاشم في العراق؛ ولكنها لم ولن تكسب الحرب ضد الإسلام والمسلمين تحت أي ستار موهوم.
إن أسطورة الجندي الأمريكي قد انتهت وتمرغت في الأوحال، ورفض الطغيان الخارجي الجديد شعورٌ متنامٍ بدأ يعم المدن العراقية منطلقاً من الفلوجة، فهي بقعة حمراء في منطقة رمادية!
هذه المدينة التي يحتضنها الفرات لا تنام..
هي ساهرة تدفع من فلذات أكبادها، وأبنائها الشرفاء، ودمها الزاكي، وقلبها المكلوم ثمن الصمت العربي والإسلامي والتجاهل الدولي.
إن أكثر من سبعمائة ألف إنسان في هذه المدينة الصابرة يعانون قسوة الحصار والقصف الأعمى، والمساجد والشرفات صارت مأوى للقناصة من جنود التحالف.
والصور الآنية تغذي الغضب والكراهية، والكفر بديمقراطية القنابل العنقودية، والأسلحة الذكية، والجنون الأعمى.
إنني أرى ما يفعله هؤلاء المعتدون انتحاراً وإصراراً على الخطأ وتمادياً في الغي، والله لهم بالمرصاد، ولتعلمن نبأه بعد حين.
إن العالم بدون هذه الإدارة المتطرفة سيكون أفضل بكثير، وهم يتكلمون بلغة الحب والحرية والسلام، ويتعاملون بلغة الحرب والغطرسة والتدمير.
إنه إجهاز على أي معنى من معاني التواصل أو الثقة التي يبحثون عنها في الشارع العربي والإسلامي.. فكيف أصدقك وهذا أثر فأسك؟!
والمسلمون يتساءلون عن دور الرافضين للحرب من الشعب الأمريكي أفراداً وجماعات وتيارات .. وينتظرون أن يقول الناخبون كلمتهم في حق هذا الطغيان الفاجر باسم العدالة والأمن وحفظ الحقوق، وأن يصوتوا ضد رجالات الإدارة المسؤولين عن غزو العراق وتبعاته.
كما ينتظرون انفضاض جمع التحالف الهش، وأن يسحب المشاركون أيديهم عن المسؤولية المترتبة على هذه الجرائم البشعة بحق الإنسانية.
وينتظرون من حكوماتهم وهيئاتهم الرسمية والشعبية وعلمائهم وخطبائهم وأصحاب الصوت المسموع في إعلامهم أن ينصروا إخوانهم، ولو بالكلمة الصادقة والحق الناصع.
لا خيل عندك تهديها ولا مال … …
فليسعد النطق إن لم تسعد الحال
إن الفلوجة تعني الأرض الصالحة للزراعة.. وهاهنا سوف تزرع البطولات التي تصنع المجد والتاريخ والاستقلال، ولا يضيع حق وراءه مطالب.
ولكنها تعني أيضاً الفلج والغلبة والانتصار؛ فهو فأل حسن في تغلب العزل الذين يدافعون عن الحق والفضيلة، والاستقلال على القوى المستكبرة المدججة بالسلاح.
على أولياء الله - وكل مسلم فله ولاية - أن يستغيثوا بربهم في هدآت الأسحار، وخشعات السجود، ويتحروا أوان رقة القلب وقرب الدمعة ويرفعوا شكايتهم لربهم متوسلين إليه بأسمائه الحسنى واسمه الأعظم.
وعلينا الثقة بوعد الله والصبر والإيمان والمحافظة على رباطتنا وسكينة قلوبنا، وألا ننفذ هذا الغضب والقهر المحتدم على إخواننا المسلمين مهما كان الأمر.
أما شعب العراق فهو الأبي الصابر الذي عودنا أن يتحامل على جراحه ويطوي معاناته، ويتضامن ويحافظ على وحدته، ويتجنب الصراع الداخلي بين فئاته.
الدعاء الدعاء يا أمة الإسلام.. كم ينصر الأسود الدعاء
أهد (فلوجة الفدا) منك سهماً صادق القوس قد براه الصفاء
طوقتها الجيوش قد ضج فيها .. القصف..آه.. فأين منك الإباء؟
اللهم إنا نسألك بأنك الله الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد، المنان، بديع السماوات والأرض، ذو الجلال والإكرام، الحي القيوم، الأول فليس قبلك شيء، والآخر فليس بعدك شيء، والظاهر فليس فوقك شيء، والباطن فليس دونك شيء أن تحفظ المسلمين في العراق وتخذل عدوهم.
اللهم مجري السحاب منزل الكتاب، هازم الأحزاب اهزم جنود التحالف وزلزلهم، وانصر المجاهدين عليهم، والحمد لله رب العالمين.
=============(67/147)
(67/148)
التايمز : بوش أهان المسلمين وتجاهل الفلسطينيين
…الإسلام اليوم / صحف
…13/11/1427 3:46 م
04/12/2006
ذكرت مجلة التايمز الأمريكية أن الرئيس جورج بوش ارتكب 4 أخطاء فادحة في الشرق الأوسط هي إهانة المسلمين وتجاهل الفلسطينيين ، وغزو العراق بعد هجمات 11 سبتمبر ، ورفضه قبول غصن الزيتون الذي عرضته إيران على الرئيس كلينتون . وقالت التايمز أن سياسات بوش وإدارته دفعت منطقة الشرق الأوسط نحو كارثة .
أوضح الصحفي الأمريكي سكوت ماكيلود في تحليل له بمجلة التايمز الأمريكية أن رحلة الرئيس إلى الأردن الأسبوع الماضي جاءت في خضم إجماع أصدقاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط بأن الوضع الآن في المنطقة أسوأ مما كان عليه عندما تقلد الرئيس الأمريكي منصبه منذ ست سنوات . وأضاف إن إدارة بوش ارتكبت الأخطاء الأربعة القاتلة في المنطقة والتي ساهمت في الأزمة الخانقة التي تجد الإدارة نفسها في خضمها ، وهي :
1 ـ تجاهل بوش الفلسطينيين وحقوقهم المشروعة .
كان المفاوضون الفلسطينيون والإسرائيليون يحاولون التوصل إلى اتفاق لإنهاء الصراع بينهم وذلك حتى الأسبوع الذي ترك فيه الرئيس بيل كلينتون البيت الأبيض في يناير عام 2001 ، وعندما أصبح بوش رئيسًا وضع حدًا للوساطة الأمريكية المهمة ، وتخلى عن الرئيس ياسر عرفات وأيد ارييل شارون تأييدًا مطلقًا ، وواصل شارون توسيع المستوطنات في الضفة الغربية ولم تحاول الإدارة تصحيح هذا الخطأ عن طريق جعل النزاع العربي ـ الإسرائيلي من أولوياتها القصوى .
2 ـ غزو بوش العراق :
بعد هجمات 11 سبتمبر أصبح الرئيس الأمريكي مقتنعًا بأن صدام حسين كان يسعى لامتلاك الأسلحة النووية ، وأن الإطاحة بنظام صدام سيحول العراق إلى بلد ديمقراطي قد يصبح نموذجًا لبقية العالم العربي ، ولكن الرئيس بوش كان مخطئًا في كلا التقديرين ، بل تورط في مستنقع يصعب الخروج منه .
3 ـ أخطاء بوش في حكمه على إيران :
لم يكتف بوش في رفض غصن الزيتون الذي قدمته إدارة كلينتون للرئيس الإيراني المعتدل محمد خاتمي بإجراء حوار الحضارات ، بل اعتبر إيران جزءًا من دول «محور الشر» وترك خاتمي الرئاسة تحت الانتقادات لفشل سياسته المصالحة التي انتهجها تجاه واشنطن ، وخلفه الرئيس محمود أحمدي نجاد الذي عمل لتحقيق طموحات إيران النووية وتحدى المجتمع الدولي في هذا الصدد .
4 ـ إهانة بوش المسلمين :
بدأت المشكلة مع المسلمين عندما وعد بوش بشن «حرب صليبية» ضد القاعدة بعد هجمات 11 سبتمبر ، مساويًا حربه على الإرهاب بالغزو المسيحي للمنطقة في القرن الحادي عشر ، ومنذ ذلك الوعد فإن عددًا كبيرًا من المسلمين يحملون الإدارة الأمريكية مسؤولية تردي الأوضاع في العراق وممارسات إسرائيل التعسفية ضد الفلسطينيين والأزمة السياسية الحالية في لبنان .
================(67/149)
(67/150)
الحروب الصليبية ومناهج الاستشراق
حسن الباش
شغلت الحروب الصليبية حيزاً واسعاً من التأليف والتدوين والتأريخ، فكتب فيها من عايشها من المؤرخين العرب والمسلمين كابن شداد، وأسامة بن منقذ، واستند على تدوينهم معظم المؤرخين العرب القدامى كابن الأثير، والطبري، ومن عايشهم في عصور انحدار الدولة العربية.
ولما لم تكن هذه الحروب محلية أو محصورة، فإنها في وقتها وما بعده من سنين فتح الباب على مصراعيه ليكتب عنها المستشرقون الغربيون على شتى مناهجهم وتوجهاتهم، وتصل إلى أيدينا مادة ضخمة حول هذه الحروب وآثارها على كافة المستويات الاجتماعية والسياسية والثقافية.
وبطبيعة الحال فإن الإنصاف والحيادية لم يكونا بعيدين كثيراً عن التحيز والتعصب، وخاصة أن المستشرقين الذين يدعون تلك الحيادية والموضوعية ظلت تشدهم جذورهم الدينية والتاريخية ليقعوا في مطب الهوى، وتصوير الأحداث تصويراً مخالفاً للحقيقة.
ومع ذلك كله فقد جاء القرن الماضي أي القرن العشرين ليفرز نوعين من المستشرقين في العالم الغربي، وبرز المؤرخون السوفيات كطرف، والمؤرخون الأوروبيون الغربيون كطرف آخر، والحقيقة أن الحروب الصليبية بشكلها العام كانت ذات توجه أوروبي غربي تقوده الكنيسة البابوية، ويجمع تحت ظلها غالبية أبناء أوروبا الغربية كالفرنسيين والطليان والإنجليز والهولنديين وغيرهم.
ومن الطبيعي أيضاً أن المؤرخين السوفيات الذين ينتمون تاريخياً إلى الكنيسة الأرثوذكسية رأوا أن الكنيسة البابوية الكاثوليكية كانت تنظر نحو الأرثوذكس نظرة دونية، ويعتبرون الكنيسة الأرثوذكسية خارجة عن المسيحية، ولهذا السبب اكتوى المنتمون لهذا المذهب بنار المذهبية، وقدموا ضحايا كثيرين بسبب التعصب الصليبي الكاثوليكي، بل إن الحملات الصليبية الغربية هاجمت مئات القرى والمدن في أوروبا الشرقية، وقتلت المئات من أبنائها، صحيح أن ذلك حدد الرؤية التاريخية للمستشرقين السوفيات، ولكن علم التاريخ الذي خاض فيه المستشرقون فتح آفاقاً كبرى لمن يريد الكشف عن حقائق الحروب الصليبية وأهدافها، ولعل في التناقض الصارخ بين منهجين استشراقيين غربيين ما يفتح الأبواب على دراسة طبيعة الاستشراق، وغاياته، وأهدافه من ناحية، ويحقق للقارئ الكشف عن دقائق الأمور في الصراع بين الشرق والغرب في القرن العاشر وما بعده.
ومن المعروف لدى المهتمين بالحروب الصليبية ووقائعها أن المستشرق الفرنسي رينيه كروسيه يعتبر من أهم الباحثين الفرنسيين المتخصصين في تأريخ الحروب الصليبية، وهو بالمحصلة يمثل تياراً غربياً استشراقياً عمل في تدوين وقائع تلك الحروب في ثلاثة مجلدات تعتبر أهم مراجع البحث في الموسوعات الفرنسية التاريخية، ومرجعاً لكل طالب يدرس التاريخ في الجامعات الفرنسية، ولما كان كثير من الطلاب العرب الذين يدرسون التخصص ليحصلوا على شهادات الدراسات العليا مضطرين للعودة إلى المراجع الأولى في الجامعات الفرنسية فإنهم يقعون فريسة الأفكار التاريخية التي وصفها كروسيه وغيره من المستشرقين، والأخطر من ذلك أنهم يعودون إلى بلدانهم العربية يحملون هذه الأفكار، وينقلونها إلى طلبة الجامعات، مما يؤدي بالتالي إلى تغيير حقائق الحروب الصليبية، وحرفها عن واقعيتها، وإيقاع قارئيها في مطب التشوّش التاريخي، وعدم الثقة بالمؤرخين العرب الذين عايشوا تلك الحروب وكتبوا عنها.
ومنذ البداية تظهر كتابة كروسيه عن الحروب الصليبية على اعتبارها حروبه هو وحروب الغربيين ضد الشرق الإسلامي، دون النظر إلى طبيعة تحرك هذه الحروب على اعتبارها غزواً واستعماراً لهذا الشرق.
يقول كروسيه: ينبغي لنا نحن الأوروبيون الاعتراف بحق لهؤلاء الأباطرة الأشداء الذين حكموا في تلك الظروف الصعبة بفضلهم في إنقاذ معقل الحضارة الأوروبية، فإن أيام القسطنطينية المشهودة في عام 717 ـ 718م التي صد فيها ليون الإيسوري زحف الهجوم الإسلامي في الشرق لا تقل أهميتها بشيء عن معركة بواتيه (بلاط الشهداء) عام 732م الذي أوقف فيه قائدنا الفرنسي شال مارتل هجوماً آخر مشابهاً في الغرب.
ويرى كروسيه أن الحروب الصليبية بدأت فعلياً منذ عصر بني أمية، واشتدت زمن بني العباس، حتى إنه يعتبر معركة عمورية التي قادها المعتصم من أشهر الحروب الصليبية باعتبارها حرباً دفاعية ضد المسلمين الذين غزوا بلاد الإمبراطورية البيزنطية.(67/151)
ونلاحظ أن كثيراً من الحقائق يغيبها كروسيه حيث يتحدث مثلاً عن وقعة عمورية، ويبدي حزنه الشديد لأنه حسب ما يكتب يرى في أبعاد المعركة انتهاكاً لحقوق الصليبيين الدينية، يقول: في عام 1838م اقتحم المسلمون مدينة آموريوم الواقعة في قلب فيريجيا، وانتهبوها، وأما قادة حاميتها البيزنطية فقد أبقوا في الأسر مدة طويلة، ثم صدر الأمر بإعدامهم لرفضهم اعتناق الديانة الإسلامية عام 845م، وقد اشتهر هؤلاء باسم شهداء أموريوم الاثنين والأربعين، وتوضح هذه الحادثة بجلاء كيف أن تلك الحروب القديمة بين المسلمين والبيزنطيين يمكن اعتبارها بشكل أو بآخر بمثابة حروب صليبية باكرة، وهنا يبدو التعصب التاريخي المنحاز للغرب، فالحقائق تُخفى وتجرد الحوادث التاريخية من أسبابها.
فمدينة أموريوم ( عمورية ) التي عرفت رداً إسلامياً قاسياً من قبل المسلمين على انتهاك حرماتهم وأراضيهم، فالرومان هاجموا مدينة زبطرة العربية واستباحوها، ووقعت في أسرهم النساء، ومنهن امرأة هاشمية صرخت وامعتصماه، ولما وصل الخبر الخليفة العباسي رد على الرومان بأن غزا عمورية بجيش قوامه ستون ألفاً.
أما قصة إعدام الحامية البيزنطية وعدد أفرادها اثنان وأربعون عنصراً لأنهم لم يعتنقوا الدين الإسلامي فهي قصة تفتقد إلى دقة الخبر وصحته، فهذه الحامية كما تذكر كتب التاريخ لم تكن سوى ضباط وجنود رومان ظلوا سبع سنوات وهم معتقلون، وجرت مفاوضات لتبادلهم مع بعض الأسرى المسلمين الذين ظلوا في السجون البيزنطية سنوات، وقد حاول الرومان التأثير عليهم لتنصيرهم حتى لو كان عن طريق القوة، ولما لم يستجيبوا نفذ حكم الإعدام ببعضهم، ولما علم المسلمون بذلك نفذوا حكم الإعدام ببعض أفراد تلك الحامية الرومانية.
وجرياً على عادة تغيير الحقائق فقد قال كروسيه عن أحداث 1009 ـ 1010م إن كنيسة القبر المقدس (أي القيامة) بالقدس هُدمت وسويت بالأرض بأكملها تقريباً وذلك من قبل الخليفة الفاطمي، وتغافل كروسيه أن كنيسة القيامة كانت تخص المسيحيين العرب وليس المتنصرين الغربيين، وهذه الحادثة لم تحدث قط، ولكن كروسيه الذي يمهد للحروب الصليبية يضع منذ البداية حكايات غير واقعية مبرراً من خلالها ما قام به الصليبيون عندما اقتحموا مدينة القدس، وفتكوا بأهلها.
وحين يغوص في التبريرات يرى أن الحملات الصليبية المتتالية ليست إلا رداً على اقتحام المسلمين بعض السواحل الإيطالية، والجزر الغربية القريبة منها، فيقول مثلاً "وقامت إحدى فرق المسلمين بعملية اتصفت بجرأة واجتراء خارقين، تمكنوا فيها من الإغارة على كنيسة مار بطرس الكبرى في قلب روما عام 846م".
وبمعنى آخر لم تكن الحروب الصليبية سوى رد دفاعي على المسلمين خاصة المسلمين الذين انطلقوا من تونس والجزائر لغزو السواحل الجنوبية الإيطالية، وجزيرة صقلية، وسردينيا وغيرها حسب قول المؤرخ المستشرق كروسيه، فإذا كانت الحروب الصليبية رداً دفاعياً فلماذا ظل الصليبيون قابعين حوالي مائتي عام في بعض المدن والمناطق العربية؟ كطرابلس، والرها، وأنطاكية، ولماذا ظلوا في القدس محتلين أكثر من تسعين عاماً؟ لماذا أقاموا ممالك وإمارات في المناطق التي احتلوها، وأبادوا سكانها؟ فالحروب الصليبية لم تكن حروباً دفاعية، إنما هي حروب هجومية احتلالية، همجية دموية.
وحينما ننظر إلى منهج آخر من مناهج المستشرقين نرى ميخائيل زابوروف يتصدر المستشرقين السوفيات في تناوله للحروب الصليبية.
رينيه كروسيه يصور الصليبيين بالأبطال كونهم تصدوا في البدايات للجيوش الإسلامية، وأوقفوا زحفها كما يقول، أما زابوروف فيصورهم على حقيقتهم منطلقاً من موقف إنساني موضوعي واقعي صحيح، فيقول مثلاً عند تقدم جيوش الصليبيين حول أسوار القدس:
"إن حمامات الدم، وعمليات النهب الشاملة المقترفة في القدس قد حجبت المآثم والوحشيات المقترفة في أنطاكية".
ويصف المشهد قائلاً: "والمجازر وعمليات النهب والسلب تخللتها الصلوات المحمومة أمام قبر السيد المسيح، ومن الصلوات كان الفرسان ينتقلون في الحال إلى الأعمال الدموية، كانوا يقتلون الجميع من رجال ونساء، وأطفال وشيوخ، وأصحّاء ومقعدين، وفي المسجد الأقصى ذبح الصليبيون ما لا يقل عن عشرة آلاف شخص، وهذا العدد يذكره على كل حال شهود العيان اللاتين"، "ولم يكن ثمة مكان كان بوسع المسلمين أن يتحاشوا فيه القتلة، وكانوا يسحقون رؤوس الرضع على الحجارة".
أما منطق رينيه كروسيه فهو منطق الغرب الذي خبرناه على مدى الزمن الاستعماري الذي حلّ في بلادنا العربية.
فيقول كروسيه في وصفه لاحتلال القدس: "وهكذا تم سقوط القدس بأيدي الصليبيين إثر اقتحام مروّع بذل فيه كودمزواري بديون كل قواه، وعرض نفسه للموت بجسارة، ولكن أعقب ذلك - مع الأسف - مذبحة بشعة لسكان المدينة من المسلمين، وكانت آثار هذه المذبحة لا إنسانية وفاسدة سياسياً، فإن مسلمي القدس كانوا من النوع الذي يشكل عقبة كأداء أمام الفاطميين لاحتلال باقي مدن الساحل الفلسطيني".(67/152)
فرينيه كروسيه يمجد بطولة قائد الحملة، ويصف عمله بالجسارة، ثم يحلل المذبحة واحتلال القدس فيقول: إن المعركة خاسرة لأن أهل القدس كانوا معارضين للفاطميين في مصر، ولم يتحدث عن المجزرة المروعة إلا بهذا الاقتضاب العابر.
ويرى زابوروف أن مؤرخي هذه الأحداث من الغربيين يصفون هذا الحدث بقدر متفاوت من الإسهاب والتفصيل، ويتحدثون بتفاصيل طبيعية عن أعمال جنود الرب التي تبدو لهم جديرة بالمديح والثناء.
ويوضح زابوروف غاية من غايات الحروب الصليبية حيث يقول: "فبعد فتح الرملة التي صارت أسقفية أخذت ترتفع بينهم أصوات تطالب بالتوجه إلى مصر وبابل، وينقل مدونو الأخبار هذه المشاريع الخيالية التي تزاحمت في رؤوس أشد جند المسيح جشعاً وغروراً، وكأنهم نسوا مساعدة الإخوان المسيحيين، ولم يكونوا يفكرون إلا بإمكان فتح كثير من الممالك".
وحين يتحدث المستشرقون عن موقعة حطين، وتحرير بيت المقدس على يد صلاح الدين والجيش الإسلامي تبرز بعض الموافقات والتطابقات في الرواية، إلا أن الاختلاف يقع في النظرة الاستراتيجية للحدث برمته.
فرينيه كروسيه اعتبر معركة حطين كارثة، وأن تحرك صلاح الدين كان عبارة عن اقتناص للمدن الفرنجية على حد قوله.
أما لغة زايوروف فإنها تجاري الحق والواقع حيث قال: "كان انتصار صلاح الدين في حطين مقدمة للنجاحات التي أحرزها المسلمون فيما بعد".
وفي الحديث عن صلاح الدين ومعاملته للناس عندما فتح مدينة القدس واستعادها من أيدي الصليبيين فتتقارب الآراء كثيراً، ويبدو أن معاملة صلاح الدين التي شهدها الأعداء قبل الأصدقاء لم يكن بمقدور أحد أن يخفيها.
فرينيه كروسيه يقول: "ولقد سمح صلاح الدين بأريحية كريمة تنم عن روح الفروسية العالية لسكان القدس من المسيحيين بمغادرة المدينة المقدسة، والجلاء عنها بحرية وسلام، كما أنه رفض رفضاً قاطعاً تهديم كنيسة القبر المقدس".
أما زابورف فيقول: "برهن صلاح الدين أنه رجل دولة حكيم، فعامل القدس وسكانها معاملة أرق وأخف بكثير مما عاملهم الغزاة الصليبيون حين انتزعوا المدينة من حكم مصر قبل ذلك بنحو مئة عام، فلم تقع قساوات لا معنى لها، ولم تحدث تدميرات".
في هذا الإطار يمكن لنا أن نتعرف على منهجين استشراقيين تناولا الحروب الصليبية، ولكلٍ منهما وجهة نظر مختلفة، وهذا الاختلاف يتجلى في الموقف من هذه الحروب، ومن أهدافها، وعليه فإن اختلافاً يقع في التسميات والمصطلحات، وكذلك في وصف الأمور من خلال الهوى النفسي أحياناً، ومن خلال الخلفية الفكرية والتاريخية لكل منهج.
http://www.qudsway.to المصدر:
===============(67/153)
(67/154)
الحرب الصليبية الثالثة أمريكية
د.عبد العزيز القارئ
أمريكا تهاجم الإسلام؛ لقد أعلنتها حرباً صليبية؛ هكذا بكل وضوح ووقاحة، إذن هاهي الحرب الصليبية الثالثة قد بدأت.
كان الهجوم الصليبي الأول على يد الأوربيين، وسقط ( بيت المقدس ) في أيديهم سنة 402هـ، وقسَّموا الشام إلى إمارات صليبية استمرت قرابة مائتي عام وحرر صلاح الدين ( بيت المقدس ) وطرد الصليبيين من معظم الشام عام (583)هـ.
كان الهجوم الصليبي الثاني على يد الأوروبيين أيضاً، بعد الحرب العالمية الأولى التي انتهت سنة (1337)هـ، تقاسموا العالم الإسلامي في حملة سميت بـ "الاستعمار" وسقطت الشام وشمال أفريقيا بيد " الفرنسيين " وليبيا بيد " البريطانيين " والعراق ومصر وشرق الجزيرة العربية وجنوبها بيد " الإنجليز " وكذلك الهند وإيران، واحتل الهولنديون أندونيسيا، وهكذا تكالبوا على العرب وعلى العالم الإسلامي تَكَالُبَ الأَكَلَةِ على قَصْعَتها.
والآن ها هو التاريخ يعيد نفسه، وها هو الرئيس الأمريكي المتعجرف يعلن الحرب الصليبية الثالثة على الإسلام، وبعد احتلال أفغانستان، يريدون الآن احتلال العراق، وبقية المنطقة، وربما الوصول إلى قلب العالم الإسلامي واحتلاله، وأما التمكين لليهود في فلسطين وفي المنطقة فهو الهدف الأكبر، ولذا فالحرب الصليبية هذه المرة أمريكية يهودية ؛ وفيها أمور هامة نلفت إليها انتباه المسلمين:
( أولاً ):يجب أن نوقن بأن عاقبة هذه الحرب الصليبية اليهودية الجديدة ستكون للإسلام، لقد جرب الأوربيون مرتين وفشلوا في القضاء على الإسلام، ولم يستطيعوا الاستمرار طويلاً في احتلال العالم الإسلامي، كان في كل مرة ينتفض ولو بعد حين ويقذف بهم بعيداً، وأنا موقن أن هجومهم هذه المرة سينتهي بعد سلسلة من الحروب والكوارث بالقضاء على اليهود وسقوط دولتهم والقضاء على أمريكا والصليبيين جميعاً..
لقد علَّمَنَا القرآن وبينت لنا السنة النبوية أن الصراع الأبدي المستمر حتى نهاية العالم هو بين الإسلام من جهة وبين اليهودية والنصرانية من الجهة الأخرى، وأنه مستمر دُولةً حتى تسقط في النهاية إحدى الجبهتين، وقد أخبرنا نبينا صلى الله عليه وسلمأن نهاية هذا الصراع ستكون بانتصار المسلمين وظهور الإسلام على الدين كله، والقضاء على اليهود، وكسر الصليب..
والمؤمن إذا قرأ نصوص السنة الواردة في هذا الموضوع يفهم كل ما يجري الآن، ولا ينبغي أن يقول مثل ضعفاء الإيمان: نلجأ إلى الغيبيات لنبرر عجزنا ونهرب من واقعنا. بل المسلم صحيح الإيمان يؤمن بالغيب، وبما أخبر الصادق الأمين نبينا صلى الله عليه وسلم ؛ وهو قد أخبر بكل ما هو كائن بين يدي الساعة من الأمور الهامة، حفظه من حفظه ونسيه من نسيه (1).
ونحن نلجأ إلى القرآن وإلى ما أخبرت به السنة النبوية لنُقَوِّيَ إيماننا، ونُثَبِّتَ ضُعَفَاءَنا، ونَفْهَمَ واقعنا..
السنة النبوية أخبرت بكل الوقائع الكبرى في حياة الأمة الإسلامية إلى قيام الساعة ؛ حتى هجوم المغول الذي عصف بالخلافة العباسية، ودمر الأخضر واليابس أخبرت به السنة (2)..
ولو كان المسلمون يقرؤون ويفقهون كلام ربهم وسنة نبيهم لتسلَّحوا بأول سلاح للمقاومة وهو الوعي، والفهم الصحيح لما يجري، ولتسلحوا بأقوى سلاح وهو الإيمان الثابت القوي واليقين الصادق بأن هذا الدين ظاهر على الدين كله، وأن الله غالب على أمره.
ثم لا ننسى أننا نعيش في عصر يُعَدُّ الربع الأخير من الزمان، وهذا الربع الأخير بدأ ببعثة نبينا صلى الله عليه وسلم وينتهي بقيام الساعة؛ ولذلك قال صلى الله عليه وسلم ( بُعِثت أنا والساعة كهاتين - يعني أصبعيه )(3) يشير r إلى شدة قربها، وعند التأمل تجد أننا اليوم في الربع الأخير من الربع الأخير، لأن أشراط الساعة الصغرى قد تحققت سائرها ؛ ولم يبق إلا أشراطها الكبرى، حيث تقع الملاحم الكبرى التي تنتهي بالقضاء على اليهود والنصارى، وبظهور الإسلام على أعدائه.
( ثانياً ):ينبغي ألا نغترّ بهذه البشائر الواردة في السنة، وألا نتَّكِل عليها ونتواكل بسببها؛ فقد لا نكون نحن هذا الجيل المقصودين بها، وينبغي ألا نزكي أنفسنا فقد نُبتلَى بتسليط العدو علينا، حسب ذنوبنا، وحالنا وحال قلوبنا، وحال قياداتنا وحكامنا؛ وقد نكون نحن وقودَ المعركة، والذي سيجني ثمار النصر غيرنا، مسلمون آخرون يُوَفُّون بشروط النصر، وقد نشهد نحن بشائر النصر وبوادره بعد ابتلاء شديد وحوادث جِسَام..
نقول هذا لننبه المسلمين إلى سنن الله التي لا تتبدل، منها أنه لابد من التطهير قبل النصر، وأن النصر لا ينزل على الكسالى والغافلين..
ومن سنن الله العجيبة أنه يحمي بنفسه قلبَ العالم الإسلامي وهو الحرمان المقدسان مكة والمدينة، فلا يقتحمهما الأعداء، وفي الملاحم الأخيرة يحاول المسيخُ الدجال اقتحامهما وهو يهودي فلا يستطيع، وأخبر صلى الله عليه وسلم أن المدينة النبوية تحميها منه الملائكة يجدهم على أنقابها شاهري السيوف وأنقابُها يعني مداخلها(4).(67/155)
لكن الأعجب من هذا أنه لا حصانة لهاتين المدينتين المقدستين من الظّلمة والمنافقين من حكام المسلمين؛ فلقد ابتُلِيتا بشرورهم في مراحل التاريخ السابقة، ووقائع الحرة بالمدينة النبوية، وهدم الحجاج للكعبة بالمنجنيق، ثم غزو القرامطة لمكة، أشهرُ من أن تُذكر..
لكن تَأمَّل: لم يقتحم مكة يوماً من الأيام عدو كافرٌ يهوديٌ أو نصرانيٌ أو مجوسيٌ، أو غير ذلك؛ ولما حاول " أبرهة " الحبشيُّ النصرانيُّ حَمَى الله بيته منه بأضعف خلقه ( الأبابيل ) طيور صغار جاءت من جهة البحر ؛ ولكن تَقَحَّمَ مكة ( القرمطي ) الرافضي المنافق وقتل الحجاج في المسجد الحرام، هذا نوعٌ من البلاء لم تُمنع منه المدينتان؛ إذْ أن أهلها مثل باقي المسلمين، إذا كثُرت ذنوبهم وأساءوا الأدب مع هذا الجوار المقدس فإنهم يُعاقبون ويطهَّرون بأنواع من البلايا والفتن، ليس منها ظهور العدو الكافر من اليهود والنصارى وغيرهم ؛ لأن في هذا ذهاب الإسلام، واستئصال هذه الأمة، وهذا ممنوع.
ثالثاً ):التاريخ يعيد نفسه، ويكرر عظاته ودروسه الجِسَام، ولكنّ أكثر الناس لا يفقهون، بل لا يقرؤون، لو كنا نقرأ التاريخ ونستفيد من تجاربه ودروسه إذن لكان حالنا أحسن مما هو عليه الآن، الحوادث الكبرى تتكرر، والعلل والآفات تتكرر، وأسباب الدمار والانهيار هي نفسها..
في القرون الثلاثة الخامس والسادس والسابع هبَّت على الأمة عواصفُ هائلة كادت تقتلعها من جذورها: بدأت بهجوم الصليبيين على جناحها الغربي الذي انتهى باحتلالهم لـ( بيت المقدس)، ثم هجوم المغول على جناحها الشرقي الذي انتهى بتدمير بغداد وإسقاط الخلافة العباسية، أعظم خلافة بعد (الراشدين ).
والعجيب المؤلم أنه في كلا هذين الهجومين الخطيرين كان ( الروافض ) من داخل الأمة يمثِّلون (الطابور الخامس)، فكانوا يراسلون الصليبيين يحرّضونهم على مهاجمة الشام، وكان ( ابن العلقمي ) الوزير الرافضي لآخر خليفة عباسي يراسل المغول، يدلهم على عورات المسلمين، ويحرّضهم على مهاجمة بغداد، واليوم والجيوش الصليبية الأمريكية واليهودية الصهيونية تُطوِّق الأمة من الشرق والغرب والشمال والجنوب فإن المسلمين ينبغي ألا يأمنوا غدرَ الروافض وغوائلهم.
عند هجوم الصليبيين، وكذلك عند هجوم المغول كانت الحالة السياسية في غاية من التردي، الحكام من أمراء وسلاطين متفرقون متناحرون وعاجزون أمام العدو الغازي، حتى بلغ الخبث بالخليفة الفاطمي في مصر - وهو رافضي - أن راسل الصليبيين يحرضهم على غزو الشام نكاية بالسلاجقة الذين كانوا يحكمونها وهم سنيون..
والآن تفرج على حال حكامنا : متفرقون متناحرون، متفقون على ألا يتفقوا ويكيد بعضهم لبعض، ويتسابقون للغدر بأشقائهم وشعوبهم؛ ولتقديم خدماتهم للعدو الذي يتربص بهم جميعاً.
ولكن الأمل أن يهدي الله أحدهم أو بعضهم فيقذف الله في قلبه الإيمان وإرادة المقاومة والجهاد ؛ حينئذ تبدأ نهاية العدو..
فإن تولوا جميعاً وتمادوا في الاستسلام للعدو، فالأمل أن يبعث الله للأمة قيادة جديدة إيمانية، قيادة إنقاذ وجهاد وعزة..
كما حدث دائماً في المرات السابقة من تاريخ هذه الأمة..
رغم الكوارث والأزمات الكبرى التي كانت تحل بهذه الأمة، إلا أن هناك ومضات مشرقة كانت تتخلل هذه الدياجير، تتمثل في سلاطين وملوك صالحين مجاهدين يغيث الله بهم الأمة كلما اشتدت أزماتها، تختلف هذه الومضات من حيث المدة وعظم الأثر، فالذين وقفوا في وجه المد الرافضي من بويهيين وفاطميين هم ملوك ( السلاجقة ) السنيون، وكان من أشهرهم السلطان المجاهد ( ألب أرسلان ) الذي أوقف زحف الصليبيين من الشمال في معركة (ملاذكرد ) وهذه المعركة فتحت بوابة آسيا الصغرى ( تركيا الآن ) أمام العثمانيين بعد ذلك، وكان من بركات (السلاجقة) السلطان عماد الدين زنكي، وابنه نور الدين زنكي الشهيد، اللذان مهدا الطريق للملك الصالح والسلطان المجاهد صلاح الدين الأيوبي الذي طرد الصليبيين بعد ذلك وحرر ( بيت المقدس )، وعندما هبت عاصفة المغول وأحرقت الأخضر واليابس، وتملَّك الفزع سائر الأمراء والسلاطين، قيض الله ذلك الملك الصالح المجاهد ( سيف الدين قطز ) المملوكي فأوقف زحف المغول وكسر شوكتهم وهزمهم ومرّغ أنوفهم الفَطْسَاء في تراب ( عين جالوت ) سنة 658
ومن يقرأ سيرة هؤلاء الملوك الصالحين والسلاطين المجاهدين يجد منهجاً واضحاً للنهوض بالأمة، ولإنقاذها عند الأزمات الكبرى، ويرى بركة الجهاد وأثره العظيم في إنقاذ هذه الأمة، ويعلم أنه ببركة هذه الومضات حفظ الله هذه الأمة من الفناء.. وأهم منها - كما أشرنا في موضع آخر - حفظ الله هذه الأمة ببركة العلم والعلماء..
( رابعاً ) : الصراع المتوقع مع الغزو الصليبي الأمريكي سيكون شاملاً، لأن العدو أعلن أنه يستهدف كل شيء، حتى المدارس والجامعات، وطريقة حياة الناس، ودينهم ومعتقداتهم..
من أجل هذا سنشهد في الفترة المقبلة ( إسلاماً أمريكياً ) بدأ يروج له البعض منذ الآن..(67/156)
وسنشهد محاولات للترويج للطريقة الأمريكية في الحياة، وهي لمن كان جاهلاً بها تمثلها نماذج معلنة واضحة : سياسيون بارزون، وشركات كبرى في اللصوصية والكذب، وآخرون بارزون في التحلل الأخلاقي..
سيعمل بعض المنافقين عندنا على إلغاء شريعة الجهاد، وستحل محلها أحاديث السلام، وأحلام التنمية والحياة الرغيدة، وسيعمل البعض على إلغاء عقيدة ( الولاء والبراء ) وسيحل محلها مصطلحات جديدة: احترام الرأي الآخر، التعددية الفكرية والثقافية، تكامل الحضارات، الحوار بين الحضارات، التسامح والمحبة بين بني البشر..
حتى الأسماء الجغرافية ستتغير، فبدلاً من العالم الإسلامي أو العرب ستُسمّى المنطقةُ ( الشرق الأوسط )، وستبدأ المشاريع الشرق الأوسطية بمشاركة اليهود الصهاينة، بل قل تحت هيمنتهم.
وستنشط مشاريع السياحة؛ حتى تتقاطر وفود الصهاينة وجواسيس ( الموساد ) و ( السي آي إيه) ليكملوا المهمة فيفسدوا ما لم تتمكن الجيوش من إفساده ؛ والعجيب أنهم عندنا يتحدثون منذ الآن عن السياحة الدينية لليهود والنصارى، كأنه لا تكفينا أعظم سياحةٍ دينية وهي ( الحج والعمرة ) إنهما أعظم استثمار ديني واقتصادي، وليتنا نستطيع إدارتهما على المستوى المطلوب، والعجيب أنهم منذ الآن يرممون الآثار المتعلقة باليهود والنصارى بينما يهدمون الآثار الإسلامية بما فيها المساجد النبوية في مكة والمدينة(5) في تناقض لا يفهمه عاقل ولا يقبله مسلم..
ستشهد المنطقة حُمّى من المشاريع الاقتصادية والاستثمار الأجنبي حتى تكتمل الحلقة بالسيطرة الاقتصادية..
يتحدثون عن الاستثمار الأجنبي بينما الأموال السعودية الهاربة المستثمرة في أمريكا وحدها تقارب (الترليون )، وهو رقم لا أعرف كيف أعده..
وستبلغ الوقاحة بالأمريكان والمتأمركين أن ينشروا في ربوعنا الجامعات ( الأمريكية )، وها هو أحد المنافقين المتأمركين من أبناء جلدتنا يعلن عن نواياه في مشروع إنشاء ( جامعة أمريكية ) في جدة (6).
أي أن المعركة ستكون شاملة، أهونها الجانب العسكري.. لذلك فإن الأمل بعد لطف الله في العلماء الربانيين، علماء الصحوة، فهم فقط الذين يستطيعون مقاومة غزو شامل بهذا المستوى إذا وَحَّدوا جهودهم..
ونكاد نجزم أن الأمريكان بشراستهم وعجرفتهم وغرورهم سيكفوننا مؤونة إيقاظ العرب والمسلمين لمواجهتهم، وتنبيههم لخطرهم، وسوف يتسببون بسياساتهم المتهورة الحمقاء في إذكاء روح العداوة ضدهم في نفوس المسلمين، بل في إشعال نار المقاومة المسلحة..
(خامساً) : الهجوم العسكري الأمريكي الصهيوني على العراق يوشك أن يبدأ، وربما يكون قد بدأ فعلا عند نشر هذه المقالة، وحينئذ فالسؤال الذي يعتلج في فؤاد كل مؤمن، وربما نطق به لسانه:
ما العمل ؟ ما هو واجبي ؟ هل أبقى متفرجا ؟؟
أول واجب على الجميع أن يلتفوا حول العلماء، أعني العلماء الربانيين الذين يقولون الحق لا يخافون لومة لائم، علماء الصحوة الذين هم محل الثقة في صدقهم، وفي قدرتهم على القول والعمل، فقد يكون هناك علماء فيهم صدق وخير، ولكن لا قدرة لهم على قول الحق، ولا قدرة لهم على الحركة بسبب الخوف، أو لأسباب أخرى...
هذا الواجب الذي هو الالتفاف حول العلماء الربانيين، والرجوع إليهم، ورد الأمر إليهم هو مدلول قوله تعالى:
(وَإذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الأَمْرِ مَنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ) [83/النساء[
تنبه إلى أن الآية تتحدث عن أمور الأمن، وأمور الخوف، ونحن الآن في خوف، في أزمة من أزمات الحرب، حرب شرسة على الإسلام والمسلمين، فلا ملجأ بعد الله إلا العلماء الذين هم ولاةُ أَمْرِ هذه الأمة، وأهْلُ حَلِّهَا وَعَقْدِهَا، حتى الأمراء والحكام يجب أن يرجعوا إليهم (7)..
ومما يدل على أن العلماء هم في الحقيقة ولاة الأمر، قوله في الآية (لَعَلِمَهُ) والعلم شأن العلماء، والذين يستنبطون الحكم من العلماء هم الراسخون في العلم، هؤلاء هم أهل الاستنباط، فإن الاستنباط هو استخراج المعاني الخفية بجهد ومشقة، من قولهم : نبط الماء من البئر. أي استخرجه بمشقةٍ..
فالمقصود أن الرجوعَ إلى العلماء، وردَّ الأمر إليهم، وتَلَقِّي التوجيه والحكم منهم، والالتفافَ حولهم، هذا هو أول واجب على الجميع بنص الآية.. وبنص الحديث، وهو قول صلى الله عليه وسلم : (العلماء ورثة الأنبياء) فالأنبياء الذين هم القادة، استخلفوا على هذه القيادة من أتباعهم العلماء.. فلا يجوز لمن يريد أن يستبرئ لدينه أن يتلقَّى من غيرهم العلمَ والحكمَ، والقولَ والعملَ.(67/157)
والواجب الثاني على كل مسلم: ألاَّ يُعِينَ العدوَّ في حربه على المسلمين بأيّ شيء، ولا حتى بشطر كلمة، لا يَسْلَمُ له دينُهُ بغير ذلك، ولو أُمِرَ بإعانةِ العدوِّ على المسلمين فلا يجوز له أن يفعل، وليتذكر قولَ النبي صلى الله عليه وسلم (لا طاعةَ لمخلوقٍ في معصيةِ الخالق)، حتى لو كان يخاف على نفسه إن عَصَى الأوامر فإنه لا يجوز له أن ينفِّذ مثلَ هذه الأوامر، هذا باتفاق الفقهاء أَنَّ الْمُكْرَهَ إذا أُكْرِهَ على قَتْلِ غيره من المسلمين لم يَحِلَّ له ذلك. وما سوى هذين الواجبين، فإن عليه أن ينتظر ما يتفق عليه العلماء الربانيّون، فإذا لم يتفقوا على شيءٍ، فليكن حِلْسَ بيته وليكفَّ سيفَه، والله المستعان، عليه توكلنا، وإليه أنبنا وإليه المصير.
(1) متفق عليه / وانظر مختصر أبي داود للمنذري [ 6/130 [.
(2) البخاري في الجهاد / انظر الفتح [ 6/104، 604-610 ].
(3) رواه البخاري في الرقائق [ 8/131، 132 / الحلبي [.
(4)متفق عليه : [ البخاري / 3/53، ومسلم 2/1005 ].
(5) هدمت حتى الآن من المساجد النبوية بالمدينة : المساجد السبعة، ومسجد الفضيخ، وقبله هدم مسجد ثنية الوداع.. في بادرة لا نظن أن المقصود بها حماية العقيدة لسببين : أحدهما أن المساجد لا تمثل تهديداً للعقيدة، والآخر أن هذه المساجد لها مئات السنين وبعضها منذ عهد الصحابة كالمساجد السبعة، ولم تهدد العقيدة ولم يطلب أحد من العلماء هدمها.
هناك فرق بين الآثار المخالفة للعقيدة كالبناء على القبور - بناء المساجد على القبور وأشد منها بناء الأضرحة والقباب - وبين الآثار التي لا مخالفة فيها كالتي ذكرنا، ولنا بحث في ذلك قد ينشر قريباً.
(6) في جريدة المدينة بتاريخ 27/11/1423هـ.
(7)سبق أن أشرنا إلى هذا المعنى.
المصدر http://www.islamtoday.net
==============(67/158)
(67/159)
الحرب الصليبية على العراق
في مشهد قديم يتكرر هذه الأيام، نرى الجيوش الغازية تجتاح ديار المسلمين وتعيث في الأرض فساداً وقتلاً وتدميراً. قديماً رأينا جيوش التتار تجتاح بغداد عاصمة الخلافة العباسية، وتمعن بالقتل والذبح حتى تجاوز أعداد الشهداء المئات من الآلاف، وتحولت مياه نهري دجلة والفرات حمراء قانية من كثرة الدماء. واليوم نرى جيوش التتار الجديدة قد أعدت نفسها وجمعت قواها عازمة على تكررا المأساة القديمة، ولكن بأساليب أكثر وحشية وتدميراً، كما كشف قادة عسكرهم عن إمكانية استعمال الأسلحة النووية التكتيكية لتدمير مراكز القيادة العسكرية العراقية. قديماً رأينا أن الرافضة قد تعاملوا مع أعداء الله لإسقاط خلافة المسلمين، ونراهم اليوم يعقدون المؤتمرات ليقدموا صك الطاعة لأعداء الإسلام، وليكرروا ما قام به أجدادهم ويعلنوا عن استعدادهم للقيام بدورهم في ''تحرير'' العراق كما هي حالهم في تاريخهم الأسود.
وقديما أيضا رأينا كيف تحولت انتصارات التتار إلى هزائم متتالية، وكيف تحول هؤلاء السفاحين إلى مجاهدين يقاتلون لإعلاء كلمة الله ونصرة دينه. وسوف نرى بإذن الله - عز وجل -، كيف ستتحول تلك الانتصارات الهولودية إلى هزائم شنيعة تكون بداية نهاية إمبراطورية الشر الأمريكية.
السؤال الذي يطرحه المراقبون، كيف يمكن أن يتحقق ذلك، والفرق كبير بين خلافة إسلامية راشدة، ونظام بعثي كافر؛ بين قائد إسلامي وحَّد الأمة وبين صدام السفاح المعروف بإجرامه وعبث. كيف يمكن لهذا الشعب العراقي المقهور المحاصر منذ 21 عاماً على أيدي الصليبية العالمية أن يحدث هذا التغيير في العراق؟
الحقيقة أن الجواب يكمن أن الأمر هو بيد الله من قبل ومن بعد، والمؤمن يفهم ويحلل الأحداث استناداً إلى نواميس الكون الذي يسبح بحمد الله - تعالى -. يفهم أن الأمر يتعلق بإدراك المسلمين بأن الأمر يستهدف دينهم وعقيدتهم وثرواتهم ومستقبلهم. وأنه لا بد من عودتهم إلى خالقهم لعبادته كما ينبغي، ويحققوا العبودية الحقيقية في حياتهم. وعليهم أن يتخلصوا من الأوهام بإمكانية تحقيق العزة والنصر والتمكين بدون حركات الإسلام المجاهدة، وأن يعملوا بكل جهدهم وطاقاتهم على نصرة دينهم والعاملين له، والذين يتعرضون لأكبر هجمة صليبية تستهدف دفن الأمل بإمكانية تحقيق التمكين لهذا الدين. وعليهم أن يدركوا أن النصر تحقق قديماً بجيوش مسلمة موحدة قائمة راكعة ساجدة لله - عز وجل -، وسيتحقق النصر مرة أخرى بتلك الجيوش وبتلك الجيوش فقط. فهلا عملنا لنصرة ديننا وعقيدتنا؟ إن الأمر جد خطير ولكن الأمل يبقى بالنصر الذي وعدنا به خالقنا، فهلا حقّقنا شروطه..لكي نرى النور الذي طال انتظاره، ويعود للحياة معناها، وتتناغم مع الكون المسبح بحمد الله - تعالى -.
http://www.islam.o r g. au المصدر:
================(67/160)
(67/161)
صفحات مجهولة من تاريخ الحروب الصليبية
مجاهدون على الطريق
د. عماد الدين خليل
منذ الأيام الأولى لوصول طلائع القوات الصليبية إلى مشارف الجزيرة الفراتية والشام، بدا أن ولاة الموصل السلاجقة سيلعبون دوراً حاسماً إزاء الخطر الجديد، نظراً لطبيعة موقعهم الحصين بعيداً عن الأخطار المباشرة للهجوم الصليبي، ولكونهم يمثلون حلقة الوصل المباشر بين القواعد السلجوقية التي يتلقون أوامر عنها، وبين الإمارات الإسلامية المنتشرة في الجزيرة والشام، والتي وقع على عاتقها عبء التصدي للهجوم الجديد. وكان من أبرز هؤلاء الولاة: آق سنقر البرسقي الذي حكم الموصل في الفترة بين 515 هـ (1121م) و 520 هـ (1126م)
شيء عن الرجل:
في عام 515 هـ أصدر السلطان السجلوقي محمود أمره بتولية قائده الشهير آق سنقر البرسقي على الموصل وأعمالها، وكان الرجل قد عمل إلى جانب السلطان في معظم حروبه، وكان مخلصاً له، وقد لعب دوراً كبيراً في المعركة الفاصلة التي وقعت بين السلطان وأخيه مسعود، وقام بدور الوساطة بينهما بعد انتهاء المعركة.
وقد اتبع السلطان محمود التقليد المعروف لدى إعلان تولية أمير على الموصل، إذ أمره بجهاد الصليبيين واسترداد البلاد منهم، كما أوصى سائر الأمراء بطاعته، فسار البرسقي إلى الموصل على رأس جيش كبير، وأقام فيها بعض الوقت ريثما يدبر أمورها ويصلح أحوالها.
امتاز الرجل أكثر من غيره- بالنشاط الدائب والحركة السريعة، فهو تارة في الشام يجاهد الغزاة، وتارة أخرى في بغداد وجنوبي العراق يقاتل الخارجين عن طاعة السلطان والخليفة العباسي، وتارة ثالثة على مشارف حلب مستجيباً لنداء أهلها بإنقاذهم من الأوضاع الاقتصادية والسياسية السيئة التي تردّوا فيها خلال تعرضهم للهجمات الصليبية، وقد استطاع البرسقي أن يكسب ودَّ الأمراء المحليين وعلى رأسهم طغتكين حاكم دمشق، كما اكتسب عطف الخليفة العباسي باشتراكه إلى جانبه في حروبه ضد الخارجين عليه، فضلاً عن أنه اكتسب محبة الأهالي سواء في الموصل حيث مقر ولايته، أم في المنطقة بصورة عامة - حيث اشتهر كأحد قادة الجهاد ضد الغزاة.
كان البرسقي - كما يصفه المؤرخون- عادلاً، حميد الأخلاق، شديد التدين، محباً للخير وأهله، مكرماً للفقهاء والصالحين، وكان شجاعاً نال احترام وتقدير الخلفاء والملوك، ليِّناً، حسن المعاشرة، كثير الصلاة، عالي الهمة؛ وبذا أجمع معظم المؤرخين على أنه كان من خيار الولاة.
الصليبيون.. وإهانة كتاب الله:
والحق أن أهم ما أنجزه البرسقي خلال فترة ولايته على الموصل هو استلامه شؤون الحكم في حلب وحله لمشاكلها وضمها إلى الموصل، الأمر الذي أتاح قيام وحدة بين البلدين كان لها أبعد الأثر في الصراع الإسلامي الصليبي.
كان الصليبيون قد شددوا هجماتهم على حلب والمناطق الزراعية المحيطة بها، وأنزلوا بها خسائر فادحة، وتولى الهجوم أميرُ أنطاكية والرها، ثم ما لبثوا أن فرضوا الحصار عليها من شتى جهاتها »ووطنوا أنفسهم كما يقول ابن الأثير- على المقام الطويل، وأنهم لا يغادرونها حتى يملكوها، وبنوا البيوت لأجل البرد والحر«.
وتعدى الأمر ذلك إلى نبش قبور المسلمين وتخريب مشاهدهم.. ويحدثنا المؤرخ الحلبي ابن العديم أنهم أخرجوا جثث الموتى، وعمدوا إلى من لم تتقطع أوصاله منهم فربطوا الحبال بأرجلهم وسحبوهم أمام أنظار المسلمين المحاصرين في حلب، وراحوا يقولون: هذا نبيكم محمد! وأخذوا مصحفاً من أحد مشاهد حلب المجاورة ونادوا: يا مسلمون أبصروا كتابكم، ثم ثقبه أحد الفرنجة بيده وشدّه بخيطين وربطه بأسفل برذونه، فراح هذا يروّث عليه، وكلما أبصر الفرنجي الروث على المصحف صفق بيديه وضحك عجباً وزهواً!
لم يكتفِ الصليبيون بهذا بل راحوا يمثلون بكل من يقع بأيديهم من المسلمين، فاضطروا هؤلاء إلى مجاراتهم بالمثل، وأخذت جماعات من مقاتلي حلب تخرج سراً لتغير على معسكرات الأعداء، وترددت الرسل بين الطرفين للتوصل إلى اتفاق ولكن دون جدوى حتى ضاق الأمر بالحلبيين حيث قلّت الأقوات وانتشر المرض، واتبع أمراؤهم المتسلطون عليهم أشد الأساليب ظلماً وعسفاً، وحينذاك قرروا تشكيل وفدٍ يغادر حلب سراً إلى الموصل للاستنجاد بالبرسقي.
النجدة:
كان البرسقي حينذاك (518 هـ) مريضاً، وكان الضعف قد بلغ منه مبلغاً عظيماً، فمنع الناس من الدخول عليه، وعندما استؤذن للوفد الحلبي بالدخول، أذن لهم، فدخلوا عليه واستغاثوا به وشرحوا له الأخطار التي تحيق بحلب ومدى الصعوبات التي يعانيها أهل المدينة، فأجابهم البرسقي: »إنكم ترون ما أنا الآن فيه من المرض، ولكني قد جعلت لله علي نذراً لئن عافاني من مرضي هذا لأبذلن جهدي في أمركم والذب عن بلدكم وقتال أعدائكم«.(67/162)
ولم تمضِ ثلاثة أيام على مقابلته للوفد حتى فارقته الحمى وتماثل للشفاء، وسرعان ما ضرب خيمته بظاهر الموصل ونادى قواته أن تتأهب لقتال الصليبيين واستنقاذ حلب، وفي غضون أيام معدودات غدا جيشه على أهبة الاستعداد، فغادر الموصل متجهاً إلى الرحبة، وأرسل من هناك إلى طغتكين أمير دمشق وخير خان أمير حمص يطلب منهما مساعدته في إنجاز مهمته، فلبى هذان الأميران دعوته، وبعثا بعساكرهما للانضمام إلى جيش البرسقي الذي كان قد تحرك آنذاك صوب بالسس القريبة من حلب..
ومن بالسس أرسل البرسقي إلى مسؤولي حلب، وشرط عليهم مسبقاً - تسليم قلعة حلب لنوابه كي يحتمي بها في حالة انهزامه أمام الصليبيين، فأجابوه إلى طلبه، وما أن استتب الأمر لنواب البرسقي، واطمأن الرجل إلى وجود حماية أمينة في حالة تراجعه، حتى بدأ زحفه صوب قوات الصليبيين التي تطوق حلب.
وصلت طلائع قوات البرسقي حلب يوم الخميس الثاني والعشرين من ذي الحجة سنة 518 هـ، وما أن اقترب البرسقي بقواته المنظمة حتى أسرع الصليبيون في التحول إلى منطقة أفضل من الناحية الدفاعية، فعسكروا في جبل جوش على الطريق إلى أنطاكية، وهكذا غدوا مدافعين بعد أن كانوا مهاجمين، وخرج الحلبيون إلى خيامهم فنالوا منها ما أرادوا، بينما اتجه قسم آخر منهم لاستقبال البرسقي لدى وصوله.
إصلاحات داخلية:
وقد أدرك البرسقي ما يرمي إليه الصليبيون بانسحابهم واتخاذهم موقفاً دفاعياً، فلم يتسرع بمهاجمتهم قبل أن يعيد تنظيم قواته من جديد خوفاً من نزول هزيمة فادحة بعسكره قد تعرّض حلب للسقوط، وأرسل طلائعه الكشفية لرد الجيوش المتقدمة إلى معسكراتها في حلب، وقال موضحاً خطته هذه: »ما يؤمننا أن يرجعوا علينا ويهلك المسلمون؟ ولكن قد كفى الله شرهم، فلندخل إلى البلد ونقويه وننظر إلى مصالحه، ونجمع لهم إن شاء الله، ثم نخرج بعد ذلك إليهم«. ومن ثَم دخل البرسقي حلب وبدأ بحل مشاكلها ورفع مستواها الاقتصادي والاجتماعي، فنشر العدل وأصدر مرسوماً برفع المكوس والمظالم المالية وإلغاء المصادرات، وعمت عدالته الحلبيين جميعاً بعدما منوا به من الظلم والمصادرات وتحكم المتسلطين طيلة فترة الحصار الصليبي.
ولم يكتف البرسقي بذلك بل قام بنشاط واسع لجلب المؤن والغلال إلى المدينة كي يخفف من حدة الغلاء، ويقضي على الضائقة التي يعانيها الحلبيون. وما لبث النشاط الزراعي في منطقة حلب أن عاد إلى حالته الطبيعية، حيث استأنف المزارعون العمل في أراضيهم التي شردوا عنها، وساعدتهم الظروف المناخية، حيث هطلت مقادير كبيرة من الأمطار فأخصبت الأرض، كما عاد النشاط التجاري إلى عهده السابق اعتماداً على ما تمتعت به المنطقة من أمن واستقرار.
قيمة الإنجاز:
وهكذا استطاع البرسقي أن يحطم الطوق الذي أحاط به الصليبيون حلب، وأن يخلص هذا الموقع الهام من أخطر محنة جابهته طيلة الحروب الصليبية، ويوحده مع الموصل لأول مرة منذ بدء هذه الحروب، الأمر الذي أتاح لهذا القائد، ولعماد الدين زنكي من بعده، أن يفيد من هذه الوحدة لتحقيق انتصارات عديدة ضد الغزاة، ذلك أن حلب هي القاعدة الثانية في الشمال بعد الموصل، وهي الحصن الأخير الذي وقف بوجه الزحف الصليبي في المنطقة باتجاه الشرق، إذ كانت تتمتع بمركز استراتيجي حيوي من النواحي البشرية والعسكرية والاقتصادية وخطوط المواصلات، وبالرغم من وقوعها بين إمارتين صليبيتين هما الرها وأنطاكية، إلا أنه كان بإمكانها الاتصال بالقوى الإسلامية المنتشرة في الجزيرة والفرات والأناضول وشمالي الشام، مما يعد أساساً حيوياً لاستمرار حركة الجهاد وتحقيق أهداف حاسمة ضد العدو، هذا فضلاً عن عمق وتوثق الصلات الاقتصادية والجغرافية بين حلب والموصل منذ أيام الحمدانيين، ومن ثم تعتبر المدينتان مكملتين إحداهما للأخرى.
وكان مما يزيد في قيمة الاستيلاء على حلب، أنها بفضل موقعها على ثغر المسلمين ومعقلهم تجاه الغزاة، أضْفَتْ على أمير الموصل صفة المدافع عن الإيمان ضد الكفار، كما أن قوة الشعور الإسلامي يجعل من العسير على السلطان السلجوقي أن يتخذ ضد أميراها إجراءً صارماً، يضاف إلى ذلك أن البرسقي، باعتباره ممثلاً للسلطان السلجوقي، صار له السلطة الشرعية الوحيدة بين الإمارات التي شكلها البرسقي والممتدة من نهر قويق إلى نهر دجلة نواة لما قام بعدئذ بالشام من دولة إسلامية متحدة زمن الزنكيين والأيوبيين والمماليك، ولم يكن الغزاة الذين وحّد بينهم نظام الملكية في بيت المقدس، يواجهون قبل ذلك سوى بلاد تنازعتها في الشام قوى عديدة وإقطاعات متفرقة زادت من ضعفها. وما حدث إذاً- من توحيد حلب مع الموصل يعتبر بدء توحيد الجبهة الإسلامية التي قدر لها أن تقضي في يوم من الأيام على قوة الصليبيين في الشام.
بدء العمليات:(67/163)
لم يكن بوسع الميك بلدوين بعد أن رأي ما حدث - سوى العودة إلى أنطاكية ومنها إلى بيت المقدس الذي غاب عنه مدة سنتين، إلا أنه لم يمكث هناك زمناً طويلاً، فقد كان البرسقي في نظره شديد الخطورة، إذ كان بوسعه أن يوحد المسلمين بشمال الشام تحت سلطانه، كما خضع لقيادته أميرا دمشق وحلب، وكان البرسقي بعد أن أقرَّ الأوضاع في حلب - قد غادرها في مطلع عام 519 هـ صوبَ تل السلطان ومنها إلى حصن شيزر، وإذ حرص أميرها سلطان بن منقذ على أن يكون صديقاً لكل رجل عظيم الأهمية فقد سلمه رهائن الصليبيين الذي كانوا قد أودعوا لدى بني منقذ ريثما يتم تنفيذ بنود المعاهدة التي كانت قد عقدت بين الغزاة وأمراء ديار بكر، وقد أقام البرسقي في أرض حماة أياماً لحين وصول طغتكين على رأس قواته، وحين ذلك رحل البرسقي على رأس جيش مؤلف من القوات الإسلامية المتحالفة وهاجم حصن كفر طاب الذي كان بحوزة الغزاة وتمكن من الاستيلاء عليه في مطلع ربيع الآخر حيث وهبه لحليفه أمير حمص الذي كان قد التحق به، ثم حاصر »زردنا« فعجل الملك بلدوين في المسير نحو الشمال وقاد جيوش طرابلس وأنطاكية والرها لإنقاذها، فتحول المسلمون إلى عزاز التابعة لجوسلين وشددوا هجومهم عليها، وتمكنوا من إحداث ثغرات في قلعتها، إلا أن قوات بلدوين ما لبثت أن أدركتهم هناك حيث دارت في السادس من ربيع الآخر معركة عنيفة، وإذا استند المسلمون إلى تفوقهم العددي حاولوا الاشتباك مع خصومهم وجهاً لوجه، غير أنه كان لهؤلاء من التفوق في السلاح والقوة الضاربة ما لم يطق المسلمون مقاومته فحلّت بهم الهزيمة، وقتل منهم عدد كبير. واستطاع بلدوين أن يجمع من الغنائم الوفيرة التي حصل عليها مبلغ ثمانين ألف دينار الذي كان يدين به لافتداء الرهائن، فاستلمه البرسقي، وأعاد الرهائن، كي يتقوى به على عدوِّه ويعيد حشد قواته من جديد، وما لبثت الهدنة أن عقدت بين البرسقي والصليبيين، وقفل عائداً إلى الموصل بعد أن أبقى في حلب حامية عسكرية.
استئناف الصراع:
لم يكن الاتفاق بين البرسقي وخصومه نهائياً، نظراً لأن الغزاة لم يحترموا ما اتفقوا عليه من قبل من الشروط، ويذكر المؤرخ الحلبي ابن العديم أن الصليبيين أخذوا يمنعون فلاحي المسلمين من جني ثمارهم ومحاصيلهم وفق ما نصّت عليه شروط الهدنة.
وفي مطلع ربيع عام 520 هـ (1126م) قام بونز أمير طرابلس بمهاجمة حص رفينة الذي كان هدفاً للصليبيين منذ أن استرده منهم أمير دمشق عام 499 هـ، والذي كان يتحكم في المنفذ المؤدي إلى البقيعة من جهة وادي نهر العاصي، ونهض بلدوين ملك بيت المقدس لمساندته، وخرج صاحبه »شمس الخواص« طالباً البرسقي مستصرخاً به، لكن ولده ما لبث أن قام بتسليم الحصن للغزاة بعد حصار دام ثمانية عشر يوماً، وكان الاستيلاء على هذا الحصن ذا أهمية بالغة عند الصليبيين لا لأنه كفل الأمان والسلامة لطرابلس فحسب، بل لأنه أمّن أيضاً طرق الاتصال بين بيت المقدس وأنطاكية، ومن ثم توجه الغزاة إلى حمص وهاجموا المناطق المحيطة بها وخربوا مزارعها، ولم يغادروا المنطقة إلا بعد أن أدركتهم القوة التي بعث بها البرسقي بقيادة ابنه مسعود لنجدة صاحب حمص، وخلال ذلك أعاد المصريون بناء أسطولهم الذي أقلع سنة 520 هـ من الإسكندرية وأغار على الساحل الشامي، ولما سمع البرسقي بذلك أعد خطته على أن يقوم أثناء إغارة الأسطول المصري بهجوم من الشمال، فحشد جيشاً كبيراً وتوجه إلى أنطاكية بقصد نجدة صاحب »رفينة« والواقع أن المصريين أدركوا بعد أن حاولوا القيام بغارة على أرباض بيروت، كلَّفتهم خسائر جسيمة، أن المدن الساحلية مشحونة بحاميات قوية، فلم يسعهم إلا العودة، أما البرسقي فقد سلك طريق »منبج« التي كانت مزارعها وقراها قد تعرضت دوماً لغارات جوسلين أمير الرها، فدارت المفاوضات بين البرسقي وجوسلين لعقد هدنة أخرى على أن تكون الضياع ما بين عزاز وحلب مناصفة بين الطرفين وأن يكون القتال بينهما على غير ذلك.
اتجه البرسقي بعد أن أمن جانب جوسلين- صوب »الأثارب« وحاصرها في جمادى الآخرة 520 هـ وأرسل فرقة من قواته إلى حصن الدير فأذعن لها، وقامت جيوشه بجمع غلال العديد من مزارع العدو وإرسالها إلى حلب، وعلى الرغم من أن قوات البرسقي استولت على السورين الخارجيين للأثارب، إلا أنها لم يتيسر لها الاستيلاء على المدينة لمبادرة ملك بيت المقدس لإنجادها حيث انحاز إليه الأمير جوسلين، ورغبة منهما في تجنّب الاشتباك مع البرسقي أرسلا إليه قائلين: »ترحل عن هذا الموضع ونتفق على ما كنا عليه في العام الخالي ونعيد (رفينة) عليك«.(67/164)
ولم يشأ البرسقي من جهته- أن يمضي في الحرب كيلا يتعرض المسلمون لما تعرضوا له من قبل في عزاز، فقرر عقد الصلح مع الصليبيين، غير أن بلدوين لم يلبث بعد أن جلا البرسقي بقواته عن الأثارب- أن أنكر ما سبق أن عرضه على البرسقي من شروط الصلح وأهمها إعادة (رفينة) إلى المسلمين، بل إنه طالب ببلاد جديدة فلم يقبل البرسقي ذلك وأقام فترة في حلب ترددت الرسل أثناءها بين الطرفين دون أن تسفر عن نتيجة، كما أن الغارات التي نشبت بينهما عقب ذلك لم تأت بطائل، فرجع بلدوين إلى القدس في رجب، وتوجه البرسقي إلى حلب يصحبه طغتكين حاكم دمشق الذي كان قد التحق به قبيل ذلك عند قنسرين، إلا أنه ما لبث أن مرض وأوصى إلى البرسقي قبل أن يغادر حلب متوجهاً إلى دمشق، الأمر الذي يشير إلى مدى ثقته وتقديره للبرسقي الذي لم يأل جهداً في مقاومة الغزاة، وبعد أن أناب البرسقي ابنه عز الدين مسعود في حلب، قفل راجعاً إلى الموصل.
تعبيد الطرق:
ما من شك في أن هزيمة البرسقي غير المتوقعة في عزاز، هي التي قلبت ميزان القوى في المنطقة ووضعت جداراً صلباً أمام مطامح البرسقي الذي كان يأمل بعد ضم حلب إلى إمارته - أن يحقق للمسلمين انتصارات حاسمة ضد أعدائهم، وأن يسعى لتهديد إماراتهم في الشمال بعد أن يوجه ضربات قوية لجيوشهم هناك، وهكذا جاءت كارثة عزاز لتنحرف بحركة البرسقي عن هدفها المرسوم، إلا أن قادة الصليبيين لم ينسوا رغم ذلك- أن البرسقي سيظل يشكل خطراً على وجودهم، إذ أدركوا ما تمنحه إياه سيطرته على حلب وقيادته لقوى المسلمين في الشام، من إمكانية متجددة لإعادة الكرة عليهم، ومن ثم اقتنع كل من الطرفين بمنطق التهادن والمحالفات والسعي لتجنب أي اشتباك قد يجر وراءه صراعاً طويلاً لم تكن للطرفين رغبة جادة في خوضه نظراً لاعتقادهما بعدم جدواه، ولئن كان البرسقي قد أضاع الفرصة إثر هزيمة عزاز، فإنه فتح الطريق ولا ريب بضمه حلب إلى الموصل- أمام عماد الدين زنكي الذي جاء بعد سنتين لكي يصفي الحساب مع الغزاة.
نهاية الرجل:
لم يلبث البرسقي، بعد أيام قلائل من دخوله الموصل، أن اغتيل على أيدي الباطنية الذي كانوا قد تولوا حملة اغتيالات واسعة النطاق لكبار الشخصيات الإسلامية، بسبب الخلافات المذهبية، وقد بلغت هذه الحملة أوجها في القرن السادس الهجري، وكانت الباطنية تشكل إذاً- مصدر الخطر الوحيد ضد البرسقي، وقد عرف هو ذلك منذ البداية، فكان على غاية من التيقظ لهم والتحفظ منهم، وكان يحيط بنفسه بعدد كبير من الحرس المسلمين الذين كانوا دائماً على أهبة الاستعداد، كما كان يلبس درعاً من حديد، وقد جهد في الحد من خطر الباطنية عن طريق التصدي لهم واستئصال شأفتهم وتتبعهم في كل مكان، وقد تمكن من قتل عدد منهم.
ورغم كل هذه الاحتياطيات والإجراءات تمكن الباطنية الذين تمرسوا على الاغتيالات من بغيتهم. ففي التاسع من ذي القعدة سنة 520 هـ توجه البرسقي إلى الجامع العتيق في الموصل لأداء صلاة الجمعة، وقصد المنبر، فلما دنا منه وثب عليه ثمانية أشخاص متزيين بزي الزهاد وأثخنوه ضرباً وطعناً، بعد أن تمكن وحراسه من قتل بعضهم، ثم حمل جريحاً ومات في نفس اليوم، وتم قتل جميع من اشترك في الاغتيال فيما عدا واحداً منهم تمكن من الهرب إلى الشام.
وكان البرسقي قد رأى في منامه في الليلة الفائتة- بأن مجموعة من الكلاب السوداء هاجمته، وقصّ رؤياه على أصحابه فأشاروا عليه بعدم الخروج من داره أياماً، ولكنه رفض اقتراحهم وقال: لا أترك صلاة الجمعة لشيء أبداً.. وكان من عادته أن يحضر صلاة الجمعة مع سائر الناس.
ويُلقي العماد الأصفهاني ضوءاً على الدوافع المباشرة لاغتيال البرسقي، إذ يشير إلى العداء المستحكم بينه وبين (الدركزيني) الباطني وزير السلطان السلجوقي محمد، الذي عمل جاهداً ليقنع السلطان بعزل خصمه فلم ينجح في مسعاه، فاتفق مع الباطنية على اغتياله. وموقف الدركزيني يقودنا إلى موقف الباطنية العام من زعماء المقاومة الإسلامية، هذا الموقف الذي تميّز بالعداء الجارف والرغبة في الانتقام، الأمر الذي كان له أسوأ الأثر على مجرى الصراع بين المسلمين والغزاة. [1]
ومن عجب يقول المؤرخ ابن الأثير-: أن أمير أنطاكية الصليبي أرسل إلى عز الدين مسعود يخبره بقتل والده قبل أن يصل الخبر إليه شخصياً! وكان قد سمعه الفرنج قبله لشدة عنايته أي أمير أنطاكية- بمعرفة الأحوال الإسلامية!
لكن ألا يلقي هذا النبأ ظلاً من شك حول إمكانية حدوث اتفاق مسبق بين الباطنية والصليبيين لاغتيال المجاهد المسلم، لا سيما وأن قتلته ربما كانوا كما يذكر المؤرخ الحلبي ابن العديم- قوماً من أهل حماة القريبة من معاقل الصليبيين؟ كيفما كان الأمر، فإن مقتل البرسقي أصاب المسلمين عامة والموصل خاصة بخسارة فادحة حيث فقدوا باغتياله والياً من نوع ممتاز، فلا غرو أن يحزنوا عليه ويأسفوا لفقده ويستدعوا ابنه عز الدين مسعود ليحل محله.(67/165)
وأغلب الظن أن البرسقي كان الوالي الوحيد للموصل، منذ بدء عهد الولاة عام 489 هـ وحتى تولي عماد الدين زنكي عام 521 هـ، الذي لم يطمح إلى مخالفة السلطان السلجوقي والاستقلال عن سلطته بحكم حبه له وإخلاصه لوحدة الدولة السلجوقية إزاء التفتّت والانقسام.
مجلة الأمة العدد 16- ربيع الآخر 1402 هـ
----------------------------------------
[1] انظر »لمحة تاريخية عن الدولة العبيدية« في هذا الموقع لتتعرف عن فرقة الحشاشين الباطنية.
http://www.fustat.com المصدر:
===============(67/166)
(67/167)
الفلبين والحملات الصليبية
إن الحرب الصليبية الجديدة قد بدأت في الحقيقة منذ عدة قرون حين سقطت آخر دويلة إسلامية في الأندلس عام 1492م. وبعد أن عملت محاكم التفتيش بكل فظائعها لإبادة المسلمين والقضاء على الكامل على الإسلام في تلك البقاع ثم أمر الباب بمتابعة المسلمين خارج الأندلس وفرض النصرانية عليهم بالسيف أن لم يستجيبوا لدعوة التنصير، وكانت الرحلات التي قام بها فاسكو داجاما وماجلان وغيرهما رحلات استكشافية لكشف نقاط الضعف التي يمكن عن طريقها اختراق العالم الإسلامي توطئة لغزوة والاستيلاء عليه وقد اضطرت كلها أن تسير في اتجاه مغاير للحملات الصليبية الأولى بسبب توغل الدولة العثمانية الكاسح في شرق أوروبا ووجودها القوي في العالم الإسلامي للدرجة التي مكنتها من عدم السماح لسفن الغرب الصليبي أن تعبر مضيق باب المندب من اليمن إلى خليج السويس لأنها ستمر قرب بحر جدة وهو طريق قريب جدا من الحرم فكان البحر الأحمر كله عندهم حرام لا يدخله إلا مسلم وكانت سفن العثمانين تتسلم بضائع التجار الفرنجة عند اليمن وتنقلها لهم إلى خليج السويس وتسلمهم إياها في المتوسط فكان على الحملة الجديدة أن تدور حول أفريقيا وتحاول غزو الأطراف البعيدة أولاً قبل أن تتجه إلى قلب العالم الإسلامي.
شهد القرنان الثاني عشر والثالث عشر الهجريان (الثامن عشر والتاسع عشر الميلاديان) تركيزا شديدا في الحملة الصليبية انتهي بالاستيلاء على معظم العالم الإسلامي بعد معارك عنيفة بين المسلمين والصليبين انتهت كلها بهزيمة المسلمين أمام الغزو الكاسح وخضوع العالم الإسلامي للغزو النصراني.
ومع ذلك ظل الغرب يوحي إلينا أن غزوه الأخير للعالم الإسلامي لم يكن ذا صلة على الإطلاق بالروح الصليبية التي دعت إلى الحملات الصليبية القديمة إنما هو منبعث من أسباب اقتصادية بحته فمرة سببه البحث عن التوابل ومرة سببه البحث عن الخامات الرخيصة ومره سببه البحث عن أسواق لتصريف فائض المنتجات التي يصنعها الغرب مع أن فاسكون داجاما الرائد الأول للغزو الصليبي الحديث قال بعبارة صريحة حيث وصل إلى جزر الهند الشرقية (اندونيسيا وماليزيا والفلبين وسنغافورة) بمعاونة الخرائط الإسلامية ومعانة المسلم ابن ماجد قال: الآن طوقنا رقبة الإسلام ولم يبق إلا جذب الحبل فيخنق ويموت!!.
لقد كان للغرب مصلحة ظاهرة في إخفاء الوجه الصليبي للحملة الجديدة اتقاء لإثارة الروح الدينية عند المسلمين التي تبعث على الجهاد المقدس وهو اخطر ما يخشاه الغزاة سواء كانوا صليبيين بأعمال تكشف الوجه الصليبي الحقيقي لحملتهم على عذراء ماليزيا والتي تتمثل فيما يلي:
1- عذراء ماليزيا وأمان الله كان اسم الفلبين قبل أن يغزوها النصارى الصليبيون (عذراء ماليزيا) وهو أم أطلقه العرب عليها لجمالها وقربها من دولة ماليزيا الإسلامية كما أن عاصمها كانت مدينة (أمان الله) إلا أن الحقد الصليبي الذي ملأ قلوب النصارى البرتغاليين أبى أن يبقي شيئا يربط تلك الشعوب بماضيها الإسلامي فاختاروا لها اسما صليبيا هو (الفلبين) نسبة إلى ملك أسبانيا (فليب الثاني)، كما استبدلوا مسمى عاصمتها من (أمان الله) إلى (مانيلا).
2- مرورس: عندما نزل الأسبان الصليبيون على أرض الفلبين كانوا يظنون أن أهلها على الوثنية ولكن ما أن توغلوا حتى فوجئوا بالمسلمين فقالوا بصوت واحد تملأه الحسرة الشديدة (موروس) وهو الاسم الذي أطلقه الأسبان على المسلمين الأوائل الذين فتحوا الأندلس ومعناها السمر نسبة إلى العرب والبربر فاتحي الأندلس قديما ومن يومها أطلق على مسلمي الفلبين اسم شعب (مورو) علما بان النصارى لا يزالون يسمون دولة المغرب به وكذلك بلاد شنقيط موريتانيا).
ماجلان: رائد بحري وصليبي برتغالي كان منصراً شرسا حاقداً قبل أن يكون مكتشفا: ألح على البابا أن يأذن له بقيادة حملة صليبية بهدف محدد هو ضم أراضي الفلبين تحت راية الصليب ولما أذن له البابا: قام بتجهيز حمله صليبية تحت إعلام كلتا الدولتين البرتغال وأسبانيا وفي طريقة للفلبين عبر المضيق الذي سمي باسمة (مضيق ماجلان) تخليدا لذكراه. في جنوب أمريكا وما أن وصل للفلبين حتى كشر عن أنيابه الصليبية برفعه الصليب على إحدى الجزر فواجهه المسلمون هناك وقتلوه وقضوا على حملته ولا يزال الحاكم المسلم الذي قتل ماجلان بطلاً قومياً في الفلبين ….. والمضحك المبكي أننا ندرس أبناءنا أن هذه الحملة كانت رحلة استكشافية علمية لإثبات كروية الأرض دون التطرق للهدف الصليبي الحقيقي، ونقول لأبنائنا إن (الجهلة) لم يقدروا الروح العلمية التي دفعت ماجلان للقيام برحلته فقتلوه!.
http://www.alsyf.ws المصدر:
==============(67/168)
(67/169)
المرأة وملامح الحرب الصليبية الجديدة على عالم الإسلام
كمال السعيد حبيب
يمثل القرن الجديد قرناً فاصلاً في التاريخ الإنساني، وفي التاريخ العربي والإسلامي خاصة، فهو أشبه بمذراة كبيرة هائلة قلبت الأمور رأساً على عقب، وأثارت زوابع وعواصف وضباباً محيراً، وكيف يكون هذا القرن فاصلاً، والعالم العربي والإسلامي يواجه وحده دون بقية حضارات العالم وأممه هجمة لا ترحم هي في الحقيقة التي لا مراء فيها هجمة صليبية عاتية وعنيفة يوجهها ما يمكن أن نصنفهم بأعلى طبقات الأصوليين الإنجيليين (الصليبيون الجدد المتحالفون مع اليهود) الأمريكيين والبريطانيين؛ متسلحين بقوة عسكرية وتقدم تقني لا مثيل له في التاريخ.
في الحملات الصليبية على العالم الإسلامي، والتي قادتها بشكل أساسي الكنيسة الكاثوليكية فيما عُرف باسم «حملات الاسترداد»، والمقصود بها استرداد العالم العربي والإسلامي إلى حظيرة الصليبية، هذه الحملات استمرت مئتي عام كاملة في موجات لم تهمد أو تهدأ إلا على يد صمود إسلامي، عبّرت عنه الأمة بكامل قوتها وطاقتها شعوباً وقادة.
وبالمناسبة فهذه الحملات الصليبية كانت موضع دراسة وافرة من قِبَل اليهود لمعرفة الأسباب التي أدت إلى إخفاقها رغم نجاحها في بعض الأحيان في إقامة مواطئ أقدام لها على سواحل البحر المتوسط في فلسطين مركز الصراع بين عالمنا العربي والإسلامي منذ الحملات الصليبية. وانتهى اليهود إلى فهم أسباب إخفاق الحملات الصليبية في أن تكوّن وجوداً استعمارياً استيطانياً ثابتاً لا يتزعزع في هذه المنطقة المقدسة، وإبّان الموجات اليهودية الاستعمارية الجديدة للسيطرة على فلسطين كان المشروع الصهيوني يحاول استكمال المشروع الصليبي؛ أي أن التكامل بين المشروع الصليبي القديم والمشروع الصليبي الجديد هو في جوهره تعبير عن موقف الحضارة الغربية في مواجهة الحضارة الإسلامية، فالمشروع الصهيوني هو بالأساس مشروع غربي في مواجهة العالم الإسلامي، يحاول استكمال المشروع الصليبي القديم (1).
واليوم تأتي الحملة الأمريكية الجديدة على العالم الإسلامي تمثل إعادة التكامل والتلاحم بين المشروع الصليبي واليهودي معاً في مواجهة العالم الإسلامي المعاصر(1)، وهنا نجد المحافظين الجدد المتربعين على سدة الحكم في البيت الأبيض يمارسون الدور القديم نفسه لرجال الكنيسة الكاثوليكية الذين قادوا الحملات الصليبية على العالم الإسلامي، وروجوا لها ولكن بثياب مدنية؛ أي أن الروح الصليبية القديمة لا تزال في حكام العالم الغربي وإن اختلفت الثياب والبزات والموضات والأشكال، إنها الروح القديمة في ثياب جديدة(2).
ومع انتهاء الحروب الصليبية على عالمنا العربي والإسلامي بالإخفاق الذريع، وقدرة الأمة المسلمة على أن تستعيد زمام المبادرة، وتصمد للتحدي الصليبي؛ بدأنا نسمع عما يمكن أن نطلق عليه بذور الحرب الجديدة على العالم الإسلامي، هذه البذور هي ما أطلق عليه في الأدبيات الإسلامية «الغزو الفكري»، و «الغزو الثقافي»، و «الغزو الحضاري»، بدأ الغرب يكوّن طبقات جديدة، هذه الطبقات لم تنتجها الكنيسة ولا روح التعصب الديني الغربي في العصور الوسطى، أنتج هذه الطبقات عصر التنوير الأوروبي، وعصر النهضة والتقدم والعقل والإنسانية؛ ذلك لأن مرجعية العقل والتنوير والتحديث والتقدم والتطور وكل ما آثاره الفكر الغربي؛ لم ينفصل عن روح الحضارة الغربية التي ورثتها عن اليونان الوثنية، وعن روما الصليبية، وعن أفكار الفترة الكنيسية نفسها، الروح العنصرية البراجماتية التي تنظر للآخر باعتباره موضوعاً وليس ذاتاً. ومن هنا قادت هذه الأفكار الإنسانية إلى الاستعمار وإلى ابتلاء العالم العربي والإسلامي بل والعالم القديم كله ببلاء الحضارة الغربية(3)، هذه الطبقة الجديدة المستلهمة للأفكار العلمانية؛ أسست قواعد جديدة لإدارة العالم واستعماره، كان على رأسها «تحقيق ما نريد بوسائل جديدة»، هذه الوسائل هي فهم خصائص العالم الإسلامي، واختراقه عبر الجواسيس والسفراء والدراويش والدراسات الاستشراقية، ومن هنا كان فهم روح الشرق أداة لاستلابه واستعماره، وسمعنا عن التبشير والاستشراق ثم الاستعمار(4).(67/170)
اليوم تمثل الحملة الأمريكية البريطانية على العالم الإسلامي «أعلى» مراحل الموجات الاستعمارية ضد أمة من الأمم، وهي «أعلى» موجات المد الغربي في مواجهة العالم الإسلامي، نقول «أعلى» بمعنى أنها تمتلك خبرة الغزو الفكري الحضاري الثقافي والغزو العسكري الاستعماري الاستئصالي معاً؛ أي أن بذور الغزو الفكري المتخلف القديم بلغت ذروتها اليوم، فالمؤسسات التي تدير معركة الأفكار والعقول والثقافة والحضارة اليوم؛ لا تقارن بالأساليب المتخلفة القديمة ذات الطابع الفردي، لكن القضايا هي نفسها، والاستراتيجية هي نفسها، استراتيجية عدم الاقتصار على الغزو العسكري كأداة للتطويع والامتلاك والسيطرة والهيمنة، وإنما يسبق ويرافق الغزو العسكري غزو ثقافي وحضاري وعسكري. بل إن الغزو الحضاري الثقافي هو الأسبق والأهم، وإذا قامت المعارك العسكرية لن تستمر، فإن معركة الأفكار يجب أن لا تهدأ ولا تنام(5).
السؤال الأساسي في معركة الحضارة الممتدة بيننا وبين الغرب هو: كيف استطاع العالم الإسلامي الصمود في مواجهة الحملات الصليبية القديمة والجديدة دون أن تموت روح المقاومة فيه؟ ما الذي يجعل الناس في هذا العالم وحده يقفون مناوئين للأفكار القديمة التبشيرية الأمريكية؟
إننا بإزاء أمة لا تموت وحضارة كتب لها البقاء، لماذا؟ إن الإسلام هو الدين الحق، وكلمة الله الخاتمة للبشر، ولذا لا بد من الهجمة عليه، وإعادة تعريفه من جديد بحيث يتسق مع النصرانية، وبحيث لا يكون عاملاً مميزاً للأمة الإسلامية في مواجهة الاكتساح الغربي، لا بد من تفكيك عناصر التمسك في العالم الإسلامي وعلى رأسها الإسلام نفسه، بحيث حين يعرّف المسلم نفسه كمسلم لا يجد فرقاً بينه وبين النصراني أو البوذي أو الهندوسي... لم نسمع مثلاً عن حملة صليبية على اليهود لإعادة هندسة أفكارهم وعقائدهم لتتكيف مع الصليبية الجديدة؛ على الرغم من أن الأفكار اليهودية كلها قائمة على أسس أسطورية عنصرية، وهي ضاربة في أطناب التخلف والرجعية والوثنية.
دعك من الحديث المزيف لبوش أو غيره من العصابة التي تحكم البيت الأبيض عن الإسلام واحترامه، وانظر إلى حقيقة ما يحدث على الأرض... إن السياسة العملية هي تعبير كامل عن فكر طبقة الاستراتيجيين الجدد في دوائر البيت الأبيض، مثل «هنتنجتون، فوكوياما، نيكسون، وولفويتز، كارل روف، كوندوليزا.. وغيرهم كثيرون»، وهذا الفكر في جوهره يقوم على صِدَام ماحق مع الحضارة الإسلامية للإجهاز عليها. والمراقب للعلاقة بين الحضارة الغربية وعالم الإسلام حتى قبل أحداث سبتمبر؛ سوف يلاحظ نمو موجة عدوان وتصعيد على العالم الإسلامي لإخضاعه وتركيعه، وسوف يلاحظ المراقب أيضاً أن الغرب في علاقته بمناطق الدنيا قاطبة يرتب استراتيجية وفق مصالحه ورؤى أهل هذه المناطق؛ فيما عدا عالمنا العربي والإسلامي، حيث يرتب أوراقه من منظور صهيوني صليبي، يأخذ العمق الحضاري في الصراع مع العالم الإسلامي في اعتباره. وفلسطين وكشمير والشيشان والهجرة والأقليات المسلمة والعلاقة بين الجنوب والشمال؛ كلها شاهدة على أنها حرب صليبية حقيقية.
وتمثل المنظومة العقيدية للإسلام موضوعاً للحرب الصليبية الجديدة على العالم الإسلامي، فهي منظومة من وجهة النظر الغربية تولد العداء للآخر غير المسلم خاصة، وهم يقصدون بذلك إلغاء صفة الكافر عن غير المسلم، وهم يقصدون إلغاء كل ما يتصل بمفهوم الولاء الإسلامي الذي يجعل من الأمة بنياناً مرصوصاً، وهم يريدون إلغاء كل ما يتصل بمفهومات الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والبراءة من الكفر وأهله؛ أي أن مفهوم الكوكبة والعولمة (globalization) هو بالأساس مفهوم ثقافي يريد أن يفرض على العالم المفهوم الديني الغربي الأمريكي فقط. وليس شرطاً أن يفرض عليك مفهومات صليبية كما يفعل المنصرون، وإنما يفكك (Dissolution) ما تتمسك أنت به، وهذه معركته الكبرى وأرض المواجهة الحقيقية والمدافعة بين الحق والباطل. وفي متابعة لعلاقة الدين بالدولة في أمريكا وجدت تعبيراً أعتقد أنه صحيح، وهو ما يسمونه الدين المدني الأمريكي؛ أي أن أمريكا ليس لديها دين حقيقي منزل فيه شرائع ونظم كما هو في الإسلام، وإنما هو إطار تملؤه الأفكار والعادات والتقاليد التي لها طابع مدني ثابت.
ومن ثم فالأفكار الأمريكية عن الإصلاح الديمقراطي، وعن حرية المرأة، وعن تغيير مناهج التعليم، وعن الخطاب الديني الجديد، وعن الحجاب والاختلاط ونظم الأسرة والأحوال الشخصية؛ جميعها ذات طابع مدني تحمل روح الأفكار الأمريكية إلى العالم، أو رسالة أمريكا إلى العالم، وبناءً على ذلك؛ فإن أمريكا تريد تفكيك ما لديك لتتبع أنت ما عندها.
والسؤال هو: وما الذي يفيد أمريكا في أن تبقى المرأة محجبة أو أن تمارس تقدمها وتطورها وهي غير مختلطة بالرجال؟ وما الذي يجعل أمريكا تصر على إعادة بناء قوانين الأحوال الشخصية في العالم الإسلامي؟ لماذا تتدخل السياسة الأمريكية في العلاقة الزوجية بين الرجل والمرأة لدى المسلمين فقط؟ لماذا تمثل المرأة المسلمة محوراً للاهتمام الأمريكي؟(67/171)
كل هذه الأسئلة تكشف عن حقيقة يتبناها الفكر الغربي، وهي أنه لكي تغير أمة أو شعباً فإن مفتاح تغييره هو المرأة(1)، من هنا لاحظنا مؤتمراً عالمياً عن المرأة في المغرب، وقانوناً جديداً للأسرة هناك، وفي مصر مجلس قومي للمرأة، وفي السعودية وهي المنطقة الأساسية الآن، المقصودة بالحملة الغربية على المستوى الفكري والحضاري يراد للمرأة أن تخرج وتختلط وتتبرج كما فعلت في منتدى جدة الاقتصادي الأخير(2)، ونحن بالطبع لسنا ضد المرأة، فهي أم وأخت وزوجة وبنت، ولكن أن تكون أداة العدو لتحطيم ثوابتنا وهز مجتمعاتنا، وهزيمة قيمنا وثوابتنا؛ فهذا ما نرفضه بقوة. لماذا يفرح الأمريكيون حين تعمل امرأة أفغانية مصففة للشعر، ولماذا يفرحون حين تشارك في فريق كرة القدم؛ هل المرأة العراقية أو الأفغانية تحررت بمجيء الاحتلال الأمريكي لبلادها؟
ولماذا يؤرخ العلمانيون لتحرير المرأة بنزع حجابها في مصر؟ هنا بعد رمزي، فحيث تتخلى المرأة المسلمة عما يربطها بدينها وإسلامها؛ فهذا معناه من المنظور الغربي الدخول إلى عالمي الحداثة والتحديث الغربيين. ألا يمكن للمرأة المسلمة أن تجمع بين الحداثة وبين الإسلام؟ أن تكون مسلمة وقادرة على التعامل مع أدوات العصر وتقنياته؟
لم تعد الحداثة عنواناً لنبذ الدين، وإنما الحداثة في مفهومها التقدمي الغربي هي التي تجمع بين أصول الدين وبين حقائق العصر، ولمن لا يصدق؛ عليه أن يراجع كتاب المفكر الفرنسي الكبير «آلان تورين» (نقد الحداثة)(1).
إننا في عالمنا العربي والإسلامي نشاهد عن كثب نكسة الغرب وحيرته بسبب فصامه الفكري مع دينه، وهو يريد أن يحقق عندنا هذا الفصام، فليحذر العقلاء وأولو الأمر، خاصة في السعودية، من وسوسة الغرب ونفثه ونفخه الماكر لفرض صيغة حداثية علينا ثبت إخفاقها عنده.
ثم تأتي معركة الحجاب في فرنسا وألمانيا وبلجيكا، وهي معركة تكشف عن البعد الحضاري الصليبي العميق في العلمانية الفرنسية، فالعلمانية وفق التعريف العلمي لها هي فصل السياسة عن الدين بحيث لا يكون للدولة أي دور في الموقف الديني أو العقيدي لأفرادها، فالدولة العلمانية هي دولة محايدة تجاه الدين لا يهمها أن يكون لمواطنيها دين معين، كما لا يهمها أن يكونوا بلا دين أصلاً، كما لا يهمها أن يكونوا متدينين، فحرية العقيدة هي من الحريات المكفولة في كل الدساتير الغربية، وهي مأخوذة من أفكار الحق الطبيعي للبشر وهي أفكار ذات طابع مسيحي، وترفع فرنسا شعار الحرية والإخاء والمساواة، وترى أنها مدينة النور والعقل والحرية، لكن ما الذي حدث لها اليوم حتى تضيق بالنساء المسلمات المحجبات في المدارس والمؤسسات العامة وفي الشوارع؟ ما الذي جعل فرنسا التي اتسعت شوارعها وآفاقها لكل شارد مطرود ومتسكع ومتحرر وملحد وهيبز أن تضيق على الحجاب الإسلامي؟
إن المتابع لخطاب شيراك الذي أعلن فيه تأييده لمشروع القانون الذي يقضي بمنع الحجاب الإسلامي في المدارس والمؤسسات العامة بدعوى حماية العلمانية؛ يكتشف الوجه الاستبدادي للعلمانية، إن العلمانية هي أيديولوجية الدولة القومية التي تعطي الحرية للبروتستانت لكنها لا تمنحها للمسلمين، فالعلمانية هي التي أعطت البروتستانت الحق في التعبير عن عقائدهم في مواجهة الشمولية الكاثوليكية.
والعلمانية هي التي أعطت اليهود الحق في التعبير عن عقائدهم وأفكارهم ووجودهم، لكنها اليوم تنتفض لمنع المسلمين حقهم في إقامة فرائض دينهم؛ ذلك لأن العلمانية تستبطن التقاليد الكاثوليكية في فرض صيغة كلية ذات طابع شمولي على مواطنيها؛ هي أيديولوجية الدولة القومية الفرنسية. لكن هذه الدولة الفرنسية العلمانية ذات طابع كاثوليكي، فهي تحتفل بأعياد الميلاد وتمول المدارس الكنيسية وتدعم الكنيسة وتستخدمها كأداة أيضاً في السياسة الدولية.
إن بعض المحللين الفرنسيين تحدث عن أن العلمانية لم تكن سوى قلب للكاثوليكية لكنها استلهمت روحها، فهي استبدلت الحرية والإخاء والمساواة ب الأب والابن والروح القدس. واستبدلت الطابع الشمولي للكنيسة بالطابع الشمولي للدولة القومية التي يعبر بعضهم عنها بالدولة الإله - ، واستبدلت طابع الإيمان بالله بالإيمان بالعقل والإنسان، وبقيت الروح العنصرية التي ترفض التسامح كامنة في جذورها، لكن التساؤل هو: لماذا ظلت العلمانية عاملاً محايداً حتى إذا بلغ المسلمون في فرنسا ستة ملايين نسمة، فإذا بها تنصب لتفرض عليهم سلوكاً يتنافى مع حريتهم العقيدية؟ العلمانية الفرنسية اليوم هي تقليد لما يطلق عليه العلمانية النضالية Militant secula r ism(2)، وهي في ذلك مثل العلمانية الكمالية في تركيا وعلمانية بورقيية في تونس؛ أي هي علمانية استبعادية في مواجهة الإسلام، وعلمانية متحررة مع المذاهب الأخرى.(67/172)
وأخيراً فإن ملامح الحرب الصليبية الجديدة على العالم الإسلامي تهدف بشكل وافر إلى تفكيك المحاضن الاجتماعية والعقيدية والحضارية التي حمت الإسلام منذ ظهوره، فلم يعد الأمر متصلاً بما تسميه السياسة «احتلال الدول»، وإنما تغيير التركيبة الحضارية الشاملة لأمة الإسلام بدءاً من الإسلام نفسه وحتى اللحى(3) وأنماط اللبس والأكل.
ومجيء أمريكا إلى المنطقة هو بقصد الإشراف على تنفيذ ما يطلقون عليه «حرب الأفكار ومعارك العقول والعقائد»، وهم في ذلك يريدون البدء بالدول التي تعتبر معاقل للإسلام، وبالمناطق التي حافظت على التقاليد الإسلامية الاجتماعية خاصة الحجاب.
وهذا واضح في منطقة الخليج والسعودية تحديداً، فرغم اقتحام الحداثة الغربية فقد ظلت التقاليد الإسلامية حية فيما يتصل بنمط الملبس سواء بالنسبة للرجل والمرأة، والعلاقات الاجتماعية، وعدم الاختلاط، وهنا فإن أحد أهداف هذه الحرب تفكيك التواصل الاجتماعي مع نمط الحياة الإسلامية في هذه المجتمعات، وعلينا أن نأخذ العبرة من الدولة العثمانية التي أذعنت للضغوط الغربية في فرض أنماط جديدة للعلاقات داخلها وفق النمط الغربي، وهو ما أدى إلى تفكيك الدولة العثمانية فيما بعد، وأيضاً «البروسترويكا» و «الجلاسنوست» اللتان أطلقهما جورباتشوف قبل تفكك الاتحاد السوفييتي؛ هما اللتان أدتا إلى انهياره، ونحن فقط نأخذ العبرة، نحافظ على خصوصياتنا وننفتح للغة العصر وقواعده، دون إهدار لهذه الخصوصية إزاء خصائص العصر، في وسطية عاقلة ورزينة.
المعركة اليوم حول إعادة رسم وبناء أسس الحضارة الإسلامية وفق الرؤية الغربية التي لا تمتلك في الواقع رؤية، لكنها فقط تريد التفكيك لما نملكه نحن؛ لذا فالحرب شرسة وتحتاج إلى يقظة ووعي، الإصلاح والتجديد مطلوبان لكن وفق قواعدنا وليس وفق إملاءات الخارج وشروطه.. بالطبع الحرب لها رجال وأموال، وهذا ما تفعله أمريكا، فهي تنشئ شبكة من المثقفين الموالين لأفكارها، وهو ما يعرف باسم حزب أمريكا في العالم العربي والإسلامي، «وهي تنفق المال لإعادة تغيير المناهج ونظم التعليم وحرية الصحافة والنقابات والمرأة. وبعض هذه القضايا قد يكون مطلوباً وحقيقياً، ولكن بأيدينا نحن ووفق مقتضيات ومطالب مجتمعاتنا لا وفق إرادة الغرب، {وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إنِ اسْتَطَاعُوا} [البقرة: 217]، {وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} [البقرة: 120]، والملة هنا معنى أوسع من مجرد الدين، فهي تعني نمط حياتهم، ورضا الأمريكان والغرب هو بداية الانهيار والسقوط، من هنا كان قولنا بأن العالم الإسلامي يمر بمرحلة مفصلية في تاريخه؛ فإما أن يصمد وإما أن يستبدله الله استبدالاً: {وَإن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} [محمد: 38].
إن بعض الناس يتحدث عن القتال هل هو فرض عين أو كفاية في حال دهم العدو ليلاً لبلاد المسلمين؟ لكن الدهم الثقافي لعقولنا ولأفكارنا ولضمائرنا ولإسلامنا هو الذي عناه الحديث: «وليس وراء ذلك أدنى حبة خردل من إيمان»؛ أي أنه فرض لا يجوز الترخص فيه أو المهادنة أو السكوت؛ لأنه يقصد الإسلام نفسه، ويقصد الأمة نفسها، ويقصد الذكر نفسه.
وعلينا نحن المسلمين أن نتمسك بحبل الله ونستعين به، ونرابط على الأمانة التي كلفنا الله بها، {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا} [آل عمران: 103]، والدفع والدفاع والمرابطة هو سبيل هذه الأمة للبقاء.
{وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ} [البقرة: 251].
- - - - - - - - - - - - -
(1) توافرت النخب اليهودية على دراسة الحضارة الإسلامية بشكل معمق، واستلهمت أدواتها في تسويغ الأسطورة الصهيونية للاستيلاء على فلسطين، كما توافرت هذه النخب على دراسة خبرة الحروب الصليبية، ووظفت هذه الخبرة لصالح المشروع الصهيوني = في فلسطين؛ بحيث تجنب أسباب إخفاق الصليبيين في إقامة وجود دائم بفلسطين، وعلى سبيل المثال؛ فإن الهجرات اليهودية المتتالية على فلسطين منذ بداية القرن العشرين؛ كان القصد منها أن تكون نواة إقامة المشروع الصهيوني حين يحين وقت الإعلان عنه سياسياً.
(1) منذ بدايات عصور التنوير في أوروبا وظهور المذهب البروتستانتي؛ فإن الوجود اليهودي داخل المؤسسات الدينية المسيحية قد تعاظم بشكل مرعب، واستطاع هذا الوجود أن يحول في بنية الأسس الفكرية والدينية للمذاهب المسيحية؛ بحيث لم تعد هذه المذاهب سوى رؤى يهودية عبر مذاهبها هذه، والمدهش أن اختراق المؤسسة الدينية الإسلامية لا يزال هدفاً يهودياً.(67/173)
(2) لم تتغير الروح الغربية التي استلهمت التقاليد اليونانية والرومانية والكنيسية من حيث علاقتها بالآخر، فهي تتكلم عن الحرية والمساواة والحقوق الإنسانية والمدنية لأهل حضارتهم، كما كان يفعل الرومان أي مواطنو الحضارة الغربية. أما الآخرون الذين لا ينتمون إلى هذه الحضارة فهم ال Hostes؛ أي الأعداء الذين يجب الحمل عليهم وإخضاعهم للدخول في السياق الحضاري الغربي، وأمريكا تستلهم ما كانت روما تسميه «السلام الروماني» لتفرض على العالم «السلام الأمريكيي»؛ أي القيم الأمريكية المنتصرة التي لا يجوز لأحد أن يقف خارج مربعها Ame r ican - box.
(3) نعم أطلق عليه «بلاء الحضارة الغربية» فالعالم الإسلامي بدون ابتلائه بهذه الحضارة كان أمره سيكون أفضل، لكن التدافع بين حضارتنا والحضارة الغربية هو الذي جلب علينا كل المشكلات التي نعيشها؛ بدءاً بالتخلف ونهب الثورة، وحتى وجود المشروع الصهيوني في فلسطين، وفرض التجزئة والقطرية، وبالطبع نحن لا نعفي أنفسنا نحن المسلمين من «قابليتنا للغزو وللاستعمار» كما عبر مالك بن نبي، لكن هذه سنة الله في خلقه، وهي ما أطلق عليه «ابتلاء الأمم». فكل مفكري الحضارة الغربية سوَّغوا الاستعمار بمسؤولية الرجل الأبيض تجاه هذه الشعوب لإدخالها في عالم الحداثة الغربية، ولا يمكن فهم نظرية عبء الرجل الأبيض التي سوَّغت الاستعمار إلا من منظور صليبي، أي فرض رؤية كونية واحدة على العالم بحيث يكون الرجل الأبيض هو مركزها، والمسيحية هي عصبها، والغرب قلبها.
(4) هناك كتب كثيرة عن هذه الموضوعات مثل «التبشير والاستعمار» لفروخ والخالدي، لكن أفضل ما كتب في هذا الموضوع على الإطلاق في تقديري رسالة «في الطريق إلى ثقافتنا» لمحمود شاكر.
(5) معركة الأفكار وتغيير المفهومات والعادات والنظم أي المعركة الحضارية الدينية الثقافية هي الأخطر، وكان العلمانيون الوطنيون في بلدان العالم الإسلامي ركزوا على تفسير الاستعمار كظاهرة سياسية دون تقدير الآثار كظاهرة حضارية، لكن الإسلاميين كانوا هم أول من انتبه إلى خطر المعركة الثقافية والحضارية والدينية، والمعركة الثقافية والدينية هي الأخطر والأهم، والصمود فيها معناه إما أن نكون مسلمين أو لا نكون.
(1) يعرف المخططون الغربيون أن المرأة هي مفتاح التغيير في أي مجتمع من المجتمعات، ولذا فإنها تمثل قاعدة إعادة هيكلة المجتمعات التي يراد لها أن تتغير. لذا ففي خطابات وتصريحات المراجع السياسية الأمريكية والغربية تجد موضوع المرأة وما يتصل بها هو الموضوع الأول على أجندة أي إصلاح يتم طرحه من المنظور الغربي والأمريكي. ويشق على الغربيين أن تظل المرأة المسلمة في الخليج، خاصة السعودية، محتفظة بلباسها الإسلامي وبقواعد الاجتماع الإسلامي.
(2) المقصود هو تحويل المرأة في السعودية إلى نمط المرأة الغربية؛ بحيث لا تتميز المرأة المسلمة بشيء عن المرأة الغربية.
(1) آلان تورين «نقد الحداثة»، ترجمة أنور مغيب، المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية 1997م القاهرة.
(2) إن العلمانية الاستئصالية هي العلمانية الأيديولوجية التي تتشابه مع الفاشية والنازية، وحين تتماهي العلمانية مع الروح القومية؛ فإنها تصبح وجهاً لأيديولوجية ذات طابع قمعي استبعادي، وتوصف علمانية كمال أتاتورك في تركيا بأنها علمانية استئصالية؛ أيMihtant seclo r ism، وراجع خطاب شيراك بشأن تأييده لمشروع منع الحجاب، وبيان الخارجية الفرنسية لتجد الوجه الاستئصالي القمعي للعلمانية.
(3) إبان متابعتي لمعركة الحجاب في فرنسا ناقشت الدوائر الرئيسية الفرنسية إمكان منع اللحى إذا كانت تعبيراً عن رمز ديني، والمقصود هنا اللحى الإسلامية، فالشاهد أن أي رمز للتعبير عن الوجود الإسلامي في مركز الكاثوليكية يجب أن يتم استئصاله وقمعه.
http://www. albayan - magazine. comالمصدر:
===============(67/174)
(67/175)
حملة صليبية وليست غزوة حضارية
السيد أبو داود
إذا كان الرئيس الأمريكي بوش قد خانه التعبير وقال في رده على ما حدث في واشنطن ونيويورك في 11 سبتمبر 2001م "إن هذه الحرب ستكون مختلفة عن كل الحروب.. إنها حرب صليبية على الإرهاب، فالإرهاب موجه ضد المسيحية واليهودية".
هذا الكلام فضح المسألة برمتها، وهو يفسر تمامًا تفكير وفعل الإدارة الأمريكية - مسنودة في الغالب بكثير من الدعم الأوروبي - في عملياتها ضد العالم الإسلامي في أفغانستان والعراق وباكستان وإيران وليبيا وفي تهديدها لمصر والسعودية والسودان واليمن.. إلخ.
والمشكلة في العقل الأوروبي ليست وليدة اليوم؛ بل هي ترجع إلى فترة الإمبراطورية الرومانية، فهذه الإمبراطورية تمثل مرجعية أساسية للتفكير الغربي.. ومعروف أنها كانت تسعى لفرض قيمها على العالم بالقوة والحرب، حيث كانت مؤمنة بأن العالم يجب أن يتبع قانونها الإمبراطوري.. والمؤرخون يؤكدون أن الإمبراطورية الرومانية حينما اعتنقت النصرانية طوعت الدين لخدمة أغراضها الإمبراطورية الإمبريالية التوسعية ولم تسع هي إلى ضبط تصرفاتها بالدين.. وأصبح هذا موروثًا في الفكر والممارسة الأوروبية والأمريكية على مر التاريخ.
وأصبح الغرب يدبرون الحروب التي يخوضونها ضد العالم لفرض هيمنتهم عليه بأنها "حرب عادلة".. والحرب العادلة هي التي تحقق أغراض وأهداف وخطط الغرب الصليبي.
وهكذا ظلت ازدواجية القيم أمراً ثابتاً في علاقة الغرب بالعالم فباسم الصليب شنت أوروبا النصرانية على العالم الإسلامي حروباً دامت مئتي سنة احتلت بلاده ومقدساته وذبحت أهله.
الاستعمار الحديث جزء من الحرب الصليبية:
كثير من المؤرخين والمثقفين العرب والمسلمين يرون أن الحروب الصليبية انتهت بتحرير بيت المقدس على يد صلاح الدين الأيوبي وهذا فهم خاطئ بكل تأكيد.. لأن الحروب الصليبية اتخذت في الفكر الغربي مفهوماً جديداً بعد فك أسر لويس التاسع عشر من مصر وعودته إلى بلاده مرة أخرى.. حيث كتب أن التعامل مع العالم الإسلامي يجب أن يتغير ولا يأخذ شكل الحرب المباشرة ورفع الصليب.
ولذلك يعتبر كثير من المثقفين أن احتلال البلاد العربية والإسلامية سواء أكانت ليبيا 1811م أو الجزائر 1830م أو مصر 1881م أو تقسيم الدول العربية بين دول الإمبريالية الغربية في أعقاب الحرب العالمية الأولى والاستحواذ على خيراتها ومص ثرواتها وتعطيل تطورها وذرع الكيان الصهيوني على أرضها.. كل ذلك كانت حرباً صليبية أو مرحلة من مراحل الحرب الصليبية التي حافظت على تخلف العرب والمسلمين وأبقت الفجوة كبيرة وواسعة بين الطرفين تمنع النهضة الإسلامية التي تخيف الغرب الإمبريالي الاستعماري الصليبي وعلى رأسه أمريكا وبريطانيا.
بل إننا نقول إن حركة الكشوف الجغرافية التي أصابت الغرب في فترة من تاريخه لم تكن هدفاً بريئاً لاستكشاف العالم الجديد؛ بل كانت مرحلة من مراحل الحرب الصليبية للالتفاف حول العالم الإسلامي وتقطيع أطرافه واحتلال قلبه.
وفي أعقاب موجة الكشوف الجغرافية ظهر مفهوم غربي كاذب وهو مسؤولية الرجل الأبيض نحو تحضير العالم - كما يدعي الأمريكان اليوم الذين يقولون إن مسؤوليتنا تحضير الشعوب المتخلفة (ولو بالقوة) - وتغيير نظمها السياسية ومناهجها التعليمية.
وطبعاً الغرب يريد شماعة دائماً كي يعلق عليها أهدافه، ويخفي وراءها أغراضه الخبيثة، فوجدوا هذه الشماعة فيما يسمى "الإرهاب".. وهي كلمة معادلة في قاموسهم ل "الإسلام" تماماً..وجاء تصريح بوش بها كاشفاً لكثير من الخبايا والسياسات.
أفغانستان والعراق.. حملة صليبية جديدة:
ما حدث في أفغانستان واستباحة أمريكا - مؤيدة بالغرب - لكل المواثيق الدولية لضرب بلد آمن لم يفعل لها شيء.. كل ذلك كان في إطار سياسة الاستعلاء الإمبريالي الغربي الصليبي بزعامة بوش؛ فأمريكا بدون تحقيق ولا إدانة دولية توجه أصابع الاتهام إلى حكومة طالبان لإيوائها تنظيم القاعدة، فتحرق الأخضر واليابس وتقتل عشرات الآلاف من الأبرياء من النساء والأطفال والشيوخ والمدنيين وتهدم المساجد والمستشفيات والمدارس، بل وتضرب مواكب العرس والأفراح.
وكأن الغرض الأساسي هو محاربة المد الإسلامي في هذا البلد الفقير وإخافة كل المجتمعات الإسلامية بأن من يسلك سلوك أفغانستان وطالبان فسوف يكون مصيره الدمار والهلاك كما حدث في أفغانستان.
العجيب أن حجة "تحضير ومدنية " الدول المتخلفة التي تتحدث عنها أمريكا قد اختفت بعد أن تحققت الأهداف العدوانية، فالمرافق الأساسية تم تدميرها وإلى الآن لم يحصد الأفغان من الأمريكان إلا الخراب.. بل وزادت المخدرات بنسبة 19 ضعفاً عما كانت عليه أيام طالبان.
وما حدث في العراق كان أكبر وأبشع.. فهذه الدولة التي حققت في يوم من الأيام أعلى معدلات التنمية، أغرى الغرب رئيسها صدام حسين بغزو الكويت ودفعوه دفعاً إلى الخطأ، ثم حاصروه من 1991م وحتى 2003م حصاراً مات بسببه الولدان والشيوخ.. وضربوه باليورانيوم.. ولأنها حرب صليبية فقد غزوا العراق - بلا أي مبرر اللهم إلا النزعة الصليبية الإمبريالية.(67/176)
لماذا هذه الحملة الصليبية الجديدة؟
بعد أن انهار الاتحاد السوفيتي وانهارت معه الشيوعية ظهرت فكرة العولمة.. وتم تأصيلها فكريًّا وثقافيًّا عن طريق بعض الأعمال الثقافية مثل كتاب نهاية العالم لفوكوياما، وكتاب صدام الحضارات لصمويل هنتنجتون.. يقولان إن النظام الغربي وعلى رأسه النظام الأمريكي هو النظام الأفضل والأنجح ولابد أن يسود العالم بعد خوض صراع مع عدة قوى وعلى رأسها العالم الإسلامي.
وبدأ الغرب يروج لهذه المقولات وتركز الحديث عن الصراع الحتمي مع الإسلام أقصد مع "الإرهاب".. وكأنه لم يبق في العالم أية منظومة ثقافية أو حضارية أخرى غير الإسلام.. ونسي القوم أو تناسوا الثقافة الصينية والهندية والإفريقية واللاتينية.
ولأن مفكري الغرب يعلمون أن هوية الإسلام مستقلة لها سماتها وخصائصها في الجانب الفكري والثقافي والعقائدي؛ فقد ركزوا على ضرورة الاصطدام معه، وفرض الأفكار الغربية عليه، حتى ولو بالقوة.
وهكذا فإن الذين لا يقتنعون بمشروع العولمة الغربي الذي هو امتداد للإمبريالية والحملات الصليبية ليسوا سوى إرهابيين أصوليين.
إن رد الفعل الأمريكي على ما حدث في 11 سبتمبر 2001م ليس مجرد رد اعتبار أو انتقام، إنما هو نتيجة مخزون نفسي وفكري وثقافي قديم تبلورت في فترات زمنية بعيدة المدى.
مشكلة التواجد الإسلامي في الغرب:
يعتقد الغربيون أنه إذا أتيح للإسلام الريادة من جديد، فسوف يقوم أتباعه بنشر الإسلام في كل أنحاء أوروبا وأمريكا، ومن هنا يشعر الغرب بخطر الإسلام داخل بلدانهم.. ولذلك فهم يعملون دون كلل على محاصرة هذا المد الإسلامي قبل أن يقوى.. ولهذا أيضًا اتخذت حربهم ضد الإسلام - بخلاف الحملات الصليبية والتدخل المباشر - أشكالاً متنوعة من التنصير والماسونية والغزو الفكري.
ويظهر في الكتابات الغربية الآن من يقول بضرورة إعادة استعمار الشرق العربي ونشر المسيحية فيه خاصة وأن الغرب - وعلى رأسه الساسة والمفكرون - يزعجه ما يمثله العالم الإسلامي من استقلالية في الفكر والعقيدة والثقافة والانتماء والنهج السياسي والاقتصادي.
لكن ما يزعج في هذا المجال هو أن رجال الإعلام والسياسة في بلادنا قد صدقوا ما تروجه وسائل الإعلام الغربية من أن الغرب ليس في حالة عداء مع الإسلام أو الشعوب الإسلامية.. وإنما هو ضد التطرف والأصولية والحركات الإسلامية لأنها حركات "إرهابية".. وحينما يصدق القوم هذه الادعاءات يتنادون لضرب الحركات الإسلامية ويقعون في الفخ.
وتحاول أمريكا أن توهم المسلمين بأنها تخوض حربًا حضارية وليست حربًا دينية.. ونحن هنا نقول: إن كوبا وكوريا الشمالية من الخارجين على أمريكا.. فلماذا لا تظهر لهم السلاح وتحرك لهم الجيوش؟
لسبب واحد هو أن الحرب صليبية والجيوش لا تتحرك إلا لضرب واحتلال البلاد العربية والإسلامية.
http: //www.islamtoday.net المصدر:
-===============(67/177)
(67/178)
الغارة الصليبية على تشاد
محمد البشير أحمد موسى
الموقع الجغرافي:
تقع تشاد في قلب القارة الأفريقيّة في المنطقة الفاصلة بين أفريقيا الشمالية وأفريقيا جنوب الصحراء. تحُدّها شمالاً ليبيا، وشرقاً السودان، وغرباً كلّ من النيجر ونيجريا والكاميرون، وجنوباً أفريقيا الوسطى.
تبلغ مساحتها ( 1.284000كلم2 ) وتأتي في المرتبة الخامسة بين دول القارة من حيث المساحة.
والأراضي التشادية من الأراضي الغنية بالثروات الطبيعية، ولكن مع ذلك تُعْتبر تشاد من الدول الفقيرة في العالم، وذلك بسبب الحروب التي دامت مدّة طويلة لم تستطع تشاد خلالها استغلال هذه الثروات.
يبلغ عدد سكان تشاد (7) ملايين نسمة، حسب إحصائية عام (1422هـ 2001م) وتقدّر عدد القبائل بحوالي (150) قبيلة، تتحدّث بعضها لغات محليّة وتربطهم اللغة العربية. وتُعتبر كلٌّ من الفرنسية والعربية لغتين رسميتين للدولة، وتُعتبر اللغة العربية لغة التعامل والتخاطب بين كافّة شرائح المجتمع التشادي، وهي الدولة الوحيدة الناطقة بالعربية خارجة عن إطار ما يُسمّى بجامعة الدول العربية.
دخول الإسلام:
وصل الإسلام إلى تشاد في القرن الأول الهجري عام (46هـ666م) وقامت فيها ثلاث ممالك إسلامية حكمت البلاد (900) سنة. ولوقوع تشاد في وسط القارة أصبحت نقطة انتشار للإسلام في نيجريا والنيجر والكاميرون وأفريقيا الوسطى وذلك بعد فضل الله - عز وجل - بفضل قيام هذه الممالك بدور كبير بنشر الإسلام في هذه المناطق وهي:
مملكة كانم الإسلامية (800 - 1900م):
مملكة كانم أو المملكة السيفية نسبة إلى سيف بن يزن جدّ حكّام هذه المملكة، اشتهرت في التاريخ الإسلامي الحديث بكثرة ما خلّفتها للمكتبة العربية من مصنفات في شتّى فنون العلوم الإسلامية. وقد ملأت شهرتها جميع المساحات الشاسعة بين النيل والنيجر، وتّقدّر هذه المساحات بنحو مساحة القارة الأوربية. بل إن هذه الشهرة قد تعدّت حدود القارة الأفريقية إلى العالم الإسلامي، حيث ارتبطت علاقاتها بكلّ من مصر وشمالي أفريقيا.
وقد وصلت شهرتها وعظمتها إلى أوربّا منذ العصور الوسطى فظهرت في الخرائط الأولى التي صدرت بأوربّا خلال تلك العصور عن مدرسة ميورقة لرسم الخرائط، ظهرت في خريطة دلكرت Dulke r t عام ( 739هـ 1339م) وفي الخريطة القطالونية عام (776هـ 1375م).
ولتلك الصّلات القويّة بالعالم الإسلامي أَسّس حكّام هذه المملكة مدرسة ابن رشيق لتعليم الطلاب الوافدين إلى مصر.
وتُعتبر اللغة العربية لغة التعليم ولغة المملكة الرسمية فضلاً عن كونها لغة المعاملات التجارية.
مملكة باقرمي الإسلامية ( 1512-1892م):
تقع هذه المملكة في الجنوب الشرقي من مملكة كانم الإسلامية، وكانت تتبع مملكة كانم إلا أن ضعف مملكة كانم نتيجة للصّراعات الداخلية والخارجية جعلهم يستغلّون الفرصة للاستقلال عنها فتمّ ذلك في (917هـ 1512م).
وكان سلاطين هذه المملكة يعطون عناية خاصّة للعلم والعلماء فظهرت مجموعة كبيرة من العلماء البارزين الذين ساهموا في نشر الإسلام.
مملكة ودّاي الإسلامية ( 1615-1900م):
تقع هذه المملكة جنوب جبال تبستي إلى الشرق من مملكة باقرمي، وتُعتبر هذه المملكة مركزاً إسلامياً هاماً في وسط القارة الأفريقية لما لها من دور في نشر الإسلام والعلم الشرعي في وسط القارة الأفريقية.
الاحتلال الفرنسي:
وصلت الطلائع الأولى للقوات الفرنسية إلى تشاد عام ( 1309هـ 1892م)، إلا أنّها لم تتمكّن من السيطرة الكاملة على البلاد إلا عام (1336هـ 1918م).
استمرّت السيطرة الفرنسية على البلاد لمدّة ستين سنة، وطوال هذه الفترة مارست فرنسا كلّ أنواع الترهيب والترغيب مع المسلمين ليستجيبوا لها، لكنّها لم تنجح، ووفقاً للقاعدة الذهبية لدى الغازي " فرّق تسد "، قامت فرنسا بترسيخ هذه القاعدة وذلك بتقسيم تشاد إلى قسمين " شمال وجنوب " كما فعلت قرينتها بريطانيا! بل ذهبت أكثر من ذلك بإلغاء العمل بالشريعة الإسلامية ورسمية اللغة العربية، وإحلال الثقافة الفرنسية مكانها، وعندما استعصى المسلمون عليها قامت بإزالة آثار الممالك الإسلامية، فقامت بحرق المساجد والخلاوي والمدارس القرآنية، وقتل العلماء والفقهاء في مجازر جماعية لعلّ أسوأ تلك المجازر كانت مجزرة " كُبْكُبْ ".
وبعد مواجهات ومظاهرات من قبل المسلمين ضدّ فرنسا، مُنحت تشاد حكماً ذاتياً محدوداً ضمن مجموعة الرابطة الفرنسية عام ( 1378هـ 1959م)، ومن ثمّ نالت استقلالها في (18/2/1380هـ 11/8/1960م).
وقبل رحيلها سلّمت الحكم إلى أحد أتباعها واحتفظت ببعض قوّاتها بحجّة الدفاع المشترك بين البلدين، وتمّ تشكيل أوّل حكومة ووضع الدستور الذي احتوى على أحكام في غاية الخطورة كعلمانية الدولة ورسمية اللغة الفرنسية، وربط الاقتصاد التشادي بالفرنسي، حيث ألغت العمل بالعملة الإسلامية "الريال التشادي" وأبدلتها بالعملة الفرنسية " الفرنك الأفريقي " وبقي للعملة القديمة الاسم فقط.(67/179)
وقد قام العميل الفرنسي ( فرانسوا تمبلباي ) أول رئيس لتشاد بحملات اعتقال وقمع للمسلمين ممّا حدا بالمسلمين لإعلان ثورة إسلامية عرفت بجبهة " فرولينا " جابهت النظام.
وكانت في بداية تكوينها ثورة إسلامية. ولكن تغلغل في وسطها العلمانيون والاشتراكيون فغيّروا مسارها وخطّها إلى الخط العلماني، فضعفت وانقسمت إلى فصائل ومجموعات، ومع ذلك وصلت إلى الحكم بأفكار علمانية اشتراكية وأطاحت بالحكم النصراني الجنوبي.
وبعد حروب داخلية استمرّت لمدّة طويلة استطاع الرئيس السابق حسين هبري حكم تشاد لمدة ثمانية أعوام (1982م-1990م) وبعدها تمّ الإطاحة به إثر ثورة قادها الرئيس الحالي " إدريس ديبي " ومازال " إدريس ديبي يُمْسك بمقاليد الحكم في تشاد.
الثروات التشادية والغارة الصليبيّة:
دخلت تشاد الآن عصر البترول والذهب، وهي الآن أمام طفرة اقتصادية كبيرة، وهذه الطفرة تُشكّل تحدّياً أمام المسلمين، لأنّ القوى التنصيرية تُراهن على استغلالها لدفع عجلة التنصير إلى الأمام، ولذلك عندما رفع كبير النصارى "البابا" الحالي شعار "تنصير أفريقيا في عام 2000" (في عام 1413هـ 1993م). كانت الميزانية الأولية المخصّصة للانطلاقة (3.5) مليار دولار، وكان نصيب تشاد منها ثلاثة مليار دولار نظراً للأهمية الاستراتيجية والاقتصادية لها، وفي هذا الصّدد يقول القس "الأب أشو غيري " ـ وزير خارجية الفاتيكان ـ: " إنّ ما ننفقه في تشاد الآن لكونها من أفقر دول العالم، نستردّه بكلّ يسر خلال السنوات الأربع القادمة، لأنَ أراضي تشاد من أغنى الأراضي في أفريقيا و الموظفين التشاديين كلّهم أو 90% منهم من مدارسنا …".
وحسب الاستراتيجية الجديدة لتنصير أفريقيا عام (2010 أو 2015) هناك خطّط جديدة لتنصير المسلمين في تشاد لكونهم أهل شوكة في هذه المنطقة. فعندما أجمع الكرادلة في روما لوضع خطّة شاملة لتنصير أفريقيا كلّها، أشاروا إلى تنصير الجزء المسلم من تشاد بتاريخ (28/10/1413هـ 20/4/1993م) فقالوا: " إنّ تشاد منطقة هامة وإنّ أيّة فكرة تظهر فيها تلقى سرعة انتشار كبيرة لوقوعها في مفترق الطرق في قلب أفريقيا، وهي مقبلة على مرحلة جديدة من الحياة الاقتصادية، وربّما تُصبح في عام ( 1427هـ 2006م) ثالث أهمّ منطقة اقتصادية في إفريقيا حسب الدوائر الاقتصادية الأمريكية وإن كانت الجمهورية الفرنسية غير مشجّعة لهذا الاتجاه.
فعليه أيها الآباء أمامكم مهمّة صعبة، خصوصاً عندما تصلون إلى المناطق المسلمة، وغالبية سكان هذه المناطق من أصول بدوية، وفيهم الجفوة والغلظة، وهي قبائل مقاتلة شريرة متعطّشة للدماء، كما تعرفون مما سبق من المعارك التي دارت بينهم وبين القوات الفرنسية. ومنفذنا أو سبيلنا إلى هذه المناطق الفقر والحاجة والجهل والأمّية، والرسولل بولس كان رسول الأمّيين ولكم فيه القدوة الحسنة. وأرجو من الحكومة الأمريكية أن لا تستعجل في استخراج البترول التشادي. وأمّا اليورانيوم فعندنا ضمانات كافية، ووسائلنا العمليّة معروفة لديكم. وأمّا الميزانية فقد تفضّل قداسة البابا بتخصيص ملياري دولار أمريكي للبدء في هذا المشروع الضخم، وهو جزء من الميزانية الأولية التي تمّ تحديدها في جلسة (19/2/1993م).
ولكن إذا استعجلت الحكومة الأمريكية في مشروعها ونجحت فيه فإننا نحصل على ما أنفقنا في المنطقة من عائدات البترول وأكثر، والبروتستانت متفاهمون معنا في هذا الصدد، وقد ننجز أهدافنا قبل استخراج البترول، وعندئذ تكون ثروة البلاد كلّها في خدمة ربّنا المسيح "[1].
وختموا الجلسة بقراءة الفاتحة عندهم وهي: " الحمد لله في العلا وبالأرض السلام وبالناس المسرّة " وإذا قُرِئَتْ الفاتحة عندهم بغير القدّاس يعني أنّ الموقف جدّ خطير[2].
وعدد المنظمات الكنسية في تشاد عام 1422هـ ( 2160) منظمة كنسية من أهمّها:
أوكسفام (OXFAM).
الإغاثة الكاثوليكية (SECOU r CATHOLIQUE).
ورد فيزيون ( WO r LD VISION). وهذه ميزانيتها في عام 1422هـ كانت (40) مليون دولار أمريكي.
وتقابل هذه المنظمات التنصيرية ثماني منظمات دولية إسلامية.
أما عدد المنصّرين فقد بلغ عام 1422هـ (6534) منصّر و(260) منهم يتقنون اللغات المحليّة، و (15) منهم يتقنون اللغة العربية الفصحى، و(7) منهم حفظة للقرآن الكريم، و (3) علماء في علم الحديث وأصول الفقه، و(30) منهم من أبناء المسلمين الذين تعلّموا في مدارسهم وتنصّروا.
وأقلّ راتب تَفرُّغ لكلّ واحد من هؤلاء (1000) دولار، وللدُّعاة العاديين دون هذه الدرجة من (400-600) دولار، ومزودين بوسائل المواصلات الحديثة من طائرات خفيفة وطائرات شحن، وسيارات وقوارب ودراجات نارية عادية أو صحراوية[3].
يُضاف إلى هذه الغارة الصليبية الهائلة، الصراع الفرنسي الأمريكي للهيمنة على ثروات تشاد، وسعي أمريكا الحثيث لنشر الثقافة الأمريكية والعلمانية وسط المسلمين، لتشكّل تحدّياً آخر أمام حركة الإسلام والمسلمين في تشاد، ومحاولة وضعها قوانين ولوائح تضمن لها البقاء في تشاد وفرض هيمنتها الصليبية البروتستنتية.(67/180)
ومن تلك المحاولات الداعية إلى العلمانية محاولتها طرح قانون تنظيم الأسرة
( الأحوال الشخصية للمسلمين )، ومن أخطر بنود هذا القانون الحريّة الجنسية التي يدّعونها ويسمّونها بغير اسمها وهي تحرير المرأة!
وقد وقف الشارع التشادي كلّه متصدّياً لهذا القانون، ولكن هل ستتنازل أمريكا عن هذا المشروع؟! الأيام والسِّنون القادمة حبلى بالكثير!
ولتأكيد فرض هيمنتها فإن 97% من مشروع بترول تشاد والذي تكلفته تُقدّر بنحو ( 5.24) مليار دولار، ممولة من مجموعة الشركات الأمريكية (أكسون موبيل 40% وبتروناس 35% وشفرون 25% ).
ومن المتوقع - بمشيئة الله - أنه سيتمّ استخراج وتصدير البترول في غضون الأشهر الثلاثة القادمة.
أمّا الثروات الأخرى كالذهب فإن هناك شركات كورية تعمل لحساب أمريكا بدأت عملها في مناطق شاسعة من البلاد.
وفي تصريح واضح يَكشف النوايا الأمريكية لغزو هذه القارة، أعلن وزير الدفاع الأمريكي دونالد رامسفيلد عن فصل جديد من فصول الاستراتيجية الأمريكية بأنها ستتوجّه إلى أفريقيا مضيفاً أن الوجود الأمريكي فيها هامشيّ، وبرّر هذا التوجّه بأنّ المنطقة مقبلة على عدم استقرار وضرورة تأمين الشاطئ الجنوبي للبحر الأبيض المتوسط، دون التطرّق إلى الجهة التي سيؤمَّنْ ذلك الشاطئ منها؟!
وهكذا تبقى الخيارات مفتوحة أمام الطرف الأمريكي في كيفية الدخول إلى أفريقيا.. هل سيكون بشكل كبير عسكري مباشر كما تمّ في أفغانستان والعراق، أم عبر معاهدات جديدة كما في دول الخليج، أم بطرق أخرى ؟![4]
ومع ضخامة هذه الغارة وإمكانياتها الكبيرة يبقى أمام التشاديين كما أمام المسلمين جميعاً أن يعدّوا العدّة لمواجهة هذه الغارة، وليكن ما حدث لنا في فلسطين وإندونيسيا وكشمير وأفغانستان والعراق وغيرها من بلاد المسلمين، وما حدث في الثورة الإسلامية الأولى في تشاد دروس وعبر ووقفة مراجعة لتصحيح المسيرة وإعداد الخطّة والنهج.
فإذا التقى فريقان: فريق له نهجه وخُطّته، فعرف بذلك دربه ومراحله وأهدافه، فنهض وصدق عزمه لها، وفريق لا نهج له ولا خطّة إِلا الشّعارات يُدوّي بها، فإنّ الفريق الأول بنهجه وتخطيطه يستطيع أن يحوّل جهود الفريق الثاني لصالحه، فيجني النصر، ويجني الآخر الهزيمة والخسران والحسرة[5]. وقد قال الله - سبحانه وتعالى -: ((وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وءآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم وما تنفقوا من شيء في سبيل الله يوف إليكم وأنتم لا تظلمون)).[ الأنفال: 60]...
---------------------------------------------
[1] - PLE r INS No. 604 DU 23-30 MA r S 1994
[2] - د. حقار محمد أحمد: التنصير في تشاد، ص:6 .
[3] - د. حقار محمد أحمد - مصدر -.
[4] - موقع الجزيرة نت 28/2/1424 هـ.
[5] - د. عدنان علي النحوي، المسلمون بين الواقع والأمل، ص: 12.
http://www.alsunnah.o r g المصدر :
===============(67/181)
(67/182)
بيان من علماء الصومال حول الغزو الصليبي الأثيوبي
14- 4- 2007
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم، وبعد:
فإن الله قد أوجب على العلماء بيان الحق للناس فيما التبس عليهم من أمور دينهم ودنياهم قال - تعالى-: ((إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون)).
ولا يخفى على أحد ما تعرض له الصومال من الاحتلال الحبشي المدعوم أمريكياً، وما ترتب عليه من الخسائر في الأرواح والأموال والعمران وغير ذلك مما لا يدخل تحت حصر، وهذا جزء من الحرب الصليبية التي تقودها الولايات المتحدة الأمريكية ضد الأمة الإسلامية تحت ذريعة مكافحة الإرهاب.
وعليه فإننا نصدر هذا البيان في ظرف يتعرض فيه سكان العاصمة مقديشو إلى حرب إبادة، تستهدف أول ما تستهدف المدنيين العزل من الأطفال والنساء وغيرهم، وتركز الحبشة في هجماتها على الأحياء السكنية، وذلك على مرأى ومسمع من العالم كله دون أن يحرك أحد ساكناً.
نص البيان:
1- ندعو شعبنا الأبيّ إلى مقاومة الاحتلال الصليبي بكل ما أوتي من قوة حتى يندحر الغزاة، ويتحرر البلد، ويحرم على كل فرد من أفراد الشعب الصومالي معاونة الكفار على المسلمين في تحقيق أهدافهم في احتلال البلاد، ويعتبر كل من يقف مع العدو هدفاً مشروعاً للمقاومة، ويشارك المحتلين في جميع أحكامهم، ونحذرهم من مغبة الاستمرار في خدمة أعداء الأمة.
2- يجري في الوقت الحالي التحضير لهجوم كاسح جديد القصد منه إبادة سكان العاصمة، وتدمير ممتلكاتهم، وعليه فإننا ندعو جميع أبناء الشعب الصومالي إلى أن يهبوا؛ لصد ذلك الهجوم المرتقب بكل إمكانياته، كما ندعو العالم إلى الحيلولة دون وقوع تلك الكارثة.
3- إن ما يجري الآن في مقديشو حرب بين الحبشة ومن ورائها أمريكا يتقدمهم في ذلك عملاء صوماليون من كل القبائل، وبين الشعب الصومالي الذي يدافع عن دينه وبلده، وعليه فإننا نحذر من الوقوع في الفخ الذي نصبه الأعداء؛ لتحويل المقاومة الشرعية الشريفة إلى حرب أهلية تدور رحاها بين قبيلتين صوماليتين، وهذا ما يريده العدو.
4- ندعو جميع الصوماليين الذين يشاركون الحبشة في حربها على الشعب الصومالي إلى التوبة، والكف عن الجرائم التي يرتكبونها ضد أبناء بلدهم.
5- ندعو الشعب الصومالي بمختلف فئاته وقبائله إلى المصالحة الجادة، وأن يحلوا مشاكلهم بأنفسهم دون تدخل خارجي.
6- وأخيراً نعزي شعبنا - وخاصة من لحقت بهم المصائب في حرب الإبادة التي يمارسها الأعداء ضد شعبنا - نعزيهم جميعاً من مصائبهم، ونوصيهم بالصبر والاحتساب، ونذكرهم بأن لهم رباً قوياً ينصرهم، ونحثهم على أن يثقوا بربهم، وأن يكونوا مستحقين لنصرته، وأن يجأروا إليه بالدعاء.
وفي الختام نسأل الله العلي القدير أن يرفع المحن والشدائد عن أمتنا إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه.
مقديشو 26 من شهر ربيع الأول سنة 1428هـ الموافق 14 من شهر إبريل سنة 2007م
الموقعون:
1. الشيخ الشريف عبد النور شريف حسن.
2. الشيخ محمد نور قوي.
3. الشيخ علي ورسمه حسن.
4. الشيخ عمر إيمان أبو بكر.
5. الشيخ عبد الله علي حاشي.
6. الشيخ محمود عيسى محمود.
7. الشيخ نور بارود جرحن.
8. الشيخ نور معلم عبد الرحمن.
9. الشيخ جامع عبد السلام ورسمه.
1. الشيخ عبد الرزاق أدم معلم.
11. الشيخ حسن حسين أحمد.
12. الشيخ علمي طحلو جعل.
13. الشيخ محمود معلم نور.
14. الشيخ عبد الله محمود عيسى.
15. الشيخ عبد الله طاهر جامع.
16. الشيخ موسى معلم طاهر أويس.
17. الشيخ حسن محمود تكر.
18. الشيخ يوسف عبد عوض.
19. الشيخ عثمان إبراهيم فارح.
20. الشيخ بشير عدو علسو.
21. الشيخ محمد شكري حسن.
22. الشيخ عبد الله علي أفرح.
23. الشيخ جامع عثمان أحمد.
24. الشيخ عبد الله شيخ نور.
25. الشيخ أحمد بله حسن.
26. الشيخ محمد برو محمود.
27. الشيخ بشير أحمد صلاة.
28. الشيخ يوسف علي عينتي
29. الشيخ محمد بشار عبد الكريم.
30. الشيخ نور علي جامع.
31. الشيخ محمود عبد إبراهيم.
32. الشيخ حسن أحمد محمود (شيخ حسن طيرى).
33. الشيخ عبد الرحمن أحمد علمي (أبيض).
34. الشيخ يوسف تورحمي جمعالي.
35. الشيخ محمد إبراهيم حيلي.
36. الشيخ محمد عبد الله (عسووي).
37. الشيخ أحمد عبد طعسو.
38. الشيخ عبد الله أحمد علي.
39. الشيخ جبريل إبراهيم علي.
40. الشيخ محمود إبراهيم سولي.
41. الشيخ عبد الغني قرني محمد.
42. الشيخ أحمد محمد سليمان.
43. الشيخ أحمد عبد الله عرب.
44. الشيخ حسن محمد إبراهيم.
45. الشيخ عبد القادر شيخ محمود شيخ نور.
46. الشيخ فارح علي حسين.
47. الشيخ محمد آدم برالي.
48. الشيخ محمد موسى عبدله.
49. الشيخ عبد العزيز حسن فارح.
50. الشيخ حسين بولي أحمد.
51. الشيخ أحمد عبده آدم.
52. الشيخ علي محمد عمر (سولي).
53. الشيخ عمر محمود عبده.
54. الشيخ علي نور أحمد محمد.
55. د. علي صالح.
56. الشيخ عبد الرحمن محمود فارح.
57. الشيخ أحمد عبد الصمد.
58. الشيخ محمود شيخ أحمد حسن.(67/183)
59. الشيخ عمر طاهر.
60. الشيخ محمد تهليل ورسمه.
61. الشيخ عبد القادر حسن ورسمه.
62. الشيخ عبد الصمد عبد الله.
63. الشيخ حسين عبد الله بري.
64. الشيخ عبد الفتاح حسن أحمد.
65. الشيخ فيصل جامع.
66. الشيخ موسى عبد عرالي.
67. الشيخ حسين شيخ علي فيدو.
68. الشيخ حسن شيخ محمود.
69. الشيخ كمال حسن عول.
70. الشيخ عبد النور حرسي.
http://www.alas صلى الله عليه وسلم ws:المصدر
==============(67/184)
(67/185)
مسلمات بيد الصليبيين.. الاغتصاب الممنهج
معمر الخليل
1/1/1427هـ
لم تعد صيحات النساء والفتيات المسلمات بالاستغاثة والنصرة تلقى أثراً عند أحد ولا حتى عند المعتصم، فقد طواه الثرى، فيما طوت المصلحة والضعف والانشغال؛ الدول العربية والإسلامية حكومات وشعوب، فبتن نساء المسلمين بأيدي المحتلين الصليبيين دون رادع ولا وازع.
ورغم أن الوسائل الإعلامية اليوم سرّعت من وصول أخبار اغتصاب وأسر المسلمات؛ إلى الجميع، من الكهل حتى الرضيع، إلا أنها لم تسبق جملة "وامعتصماه"، ولم تلق آذاناً صاغية، ولا حمية واجبة، ولا نصرة ناصر، فضاعت أدراج الرياح، وباتت أخبار الاغتصاب تمرّ مرّ السحاب سريعة كأي خبر سرعان ما يصبح باهتاً إذا مرّ عليه بعض الوقت.
ففي الأمس كانت وسائل الإعلام تتحدث عن اغتصاب المسلمات في أفغانستان، وقبلها في الشيشان، ثم بات الحديث أقرب فأصبحت نساء العراق المسلمات طرائد الأمريكيين قبل أن تنتقل العدوى إلى دول أخرى كالسودان والصومال، وربما في غد أو بعد غد يصبح الحدث أقرب فأقرب، وتصبح حرائر بلادنا حديث وسائل الإعلام الأخرى.
الصوماليات في قبضة الأثيوبيين:
هللت الكثير من وسائل الإعلام العربية والإسلامية عندما تمكّنت قوات المحاكم الإسلامية من بسط سيطرتها على الصومال منهية بذلك حقبة كبيرة من الاقتتال والاضطرابات الأمنية، وعمليات القتل والسرقة، وكل ما قامت به تلك المحاكم أنها طبقت الشريعة الإسلامية فحرّمت الزنا والمسكرات، وشددت العقوبات على السرقة والاعتداء، وأغلقت دور السينما، ومنعت تداول القات وغيرها، فقررت الولايات المتحدة أن الصومال باتت تشكّل "خطراً على السلام العالمي" معتبرة أنها على علاقة بالقاعدة ذات التهمة التي قيلت ضد الرئيس العراقي السابق صدام حسين قبيل احتلال العراق.
وخلال فترة وجيزة كانت القوات في دولة إثيوبية (النصرانية) قد اجتاحت الصومال بدعم من الولايات المتحدة، ما أجبر المحاكم ومن والاهم؛ للنزوح نحو كسمايو، ثم التضييق عليهم وخنقهم في الجزء الجنوبي الذي يحده المحيط الهندي من الشرق، وكينيا من الغرب.
ولزيادة الحصار نشرت القوات الأمريكية بارجاتها وزوارقها الحربية على طول الحدود البحرية للصومال، فيما أوعزت لكينيا بنشر قوات عسكرية، ومنع أي عمليات نزوح إلى أراضيها، وقد نقلت وكالة الأسوشيتدبرس في خبر لها بعد العمليات العسكرية الأخيرة في الصومال عن مصدر أمني كيني قوله: "انتشر الجنود على الحدود مع تعليمات صارمة بعدم السماح لأي صومالي بالعبور إلى هنا".
وإن كان المقاتلون التابعون للمحاكم الإسلامية قد قرروا الاستمرار في الجهاد ضد الاحتلال الجديد؛ فإن مئات النساء والأطفال باتوا بأيدي القوات الإثيوبية والأمريكية الداعمة لها.
كل تلك الأخبار تم إغفالها وتجاهلها عربياً وإسلامياً ربما لا لشيء، إلا لأن المصائب لم تترك لغيرها مكاناً لترى النور، فالأزمات والاختناقات بسطت سيطرتها على العالم العربي والإسلامي لدرجة حجبت الرؤية لدى كثير من الناس عن مشاهدة فضائع جديدة.
وكالة رويترز نقلت عن مفوض شؤون اللاجئين في الأمم المتحدة بالصومال قوله: "إن حوالي 400 صومالياً معظمهم من النساء والأطفال يخيمون قرب الحدود مع كينيا بعد عدم السماح لهم بالمرور"، وأولى الأخبار التي بدت تكشف ما يحدث هناك - وخاصة عمليات اغتصاب وتطويق مسلمات صوماليات على يد الإثيوبيين - هو ما نقله موقع "العربية نت" عن زعيم قبلي في جنوب الصومال بقوله: "إن القوات الإثيوبية ترتكب اعتداءات جنسية بحق فتيات صوماليات"، وأضاف الشيخ عبدالوهاب خليفة (زعيم إحدى فروع قبائل الأوغادين): أنه "يستطيع أن يؤكد إحدى هذه الاعتداءات في بلدة "دوبلي" جنوب الصومال"، وهذا الخبر على محدودية انتشاره إلا أنه سيكون نواة لأخبار لاحقة تتحدث عن حقيقة ما يجري هناك، وكل ذلك مرهون بالوقت، الوقت الذي ستقضيه القوات الإثيوبية لبسط سطرتها على الصومال.
أزمة أخلاقية في جنوب السودان:
قبل أيام قليلة على أنباء عمليات الاغتصاب في الصومال كشفت مصادر إعلامية غربية وجود عمليات اغتصاب من قبل موظفي الأمم المتحدة ومن يطلق عليهم اسم "قوات حفظ السلام" بحق فتيات قاصرات في جنوب السودان، والتي أجبرت الولايات المتحدة الحكومة السودانية على قبول نشر قوات فيها بحجة مراقبة عملية السلام بين الحكومة والجنوب.
التقرير الذي نشرته صحيفة "الديلي تلغراف" البريطانية مطلع العام الميلادي الجديد نقلاً عن تقرير داخلي لمنظمة اليونيسيف التابعة للأمم المتحدة الخاصة بالطفولة والأمومة أكد تورّط جنود حفظ السلام في جنوب السودان باغتصاب القاصرات، وقالت الصحيفة: "إن أكثر من عشرين فتاة صغيرة في بلدة جوبا أجبرهن عاملون مدنيون وعناصر من قوة الأمم المتحدة لحفظ السلام على ممارسة الجنس معهم"، مؤكدة أن أكبر هؤلاء القاصرات يبلغ عمرها 12 عاماً فقط، وأفادت الصحيفة بأن الحكومة السودانية جمعت أدلة بينها لقطات فيديو لعاملين للأمم المتحدة يمارسون الجنس مع فتيات صغيرات.(67/186)
هذا ما حدث، وما خفي أعظم، رغم أن السودان كانت قد وقعت مع بعثة الأمم المتحدة في شهر ديسمبر بالخرطوم على اتفاق "سوفا"، والذي ينص في المادة الرابعة علي ضرورة التزام البعثة بالشفافية التامة خلال عملها بالسودان مع الاحترام الكامل لمبادئ وقواعد الاتفاقات الدولية التي تطبق علي قواعد السلوك الخاص بالموظفين العسكريين.
ورغم دعوات الحكومة السودانية لمحاكمة المتهمين من بعثة الأمم المتحدة إلا أن ذلك لم ولن يحدث، وستذهب هذه الأخبار أدراج الرياح قريباً كما ذهبت أحداث اغتصاب القوات الإفريقية لقاصرات سودانيات في دارفور العام الفائت أدراج الرياح، وباتت نسياً منسياً.
وفي العراق جراح:
للحديث عن الاغتصاب وسفك أعراض المسلمات في العراق شكل آخر، فهناك كل شيء يحدث على الملأ، لا أحد يمكن أن يحرّك ساكناً، ولا يوقف غاصباً، وتصبح عملية حماية النساء المسلمات من اغتصاب الأمريكيين تهمة كاملة الإدانة بالإرهاب، ومقاومة الاحتلال، ينتهي الأمر بمعظمهم بالقتل، وهم على فظاعة ما يعانونه سيكونون أكثر حظاً من أولئك الذين حرقوا أو عذّبوا حتى الموت.
حدثني أحد العراقيين القادمين من العراق بقصة عرفها عن كثب، وعرف بطلاتها اللواتي انتهى بهنّ المطاف إلى الحدود السورية قال لي: "في مدينتي عاث الأمريكيون الفساد، وهم تستهويهم على الدوام اغتصاب الفتيات اللواتي بعمر الزهور، وقد وقفت بنفسي على حادثة لأحد أقربائنا في إحدى المدن القريبة من الحدود العراقية السورية، حيث قام الجنود الأمريكيون بتفتيش منزل قريبي الذي لديه 3 فتيات في العشرينيات من عمرهن، وخلال التفتيش كان الجنود الأمريكيون يتحدثون فيما بينهم عن الفتيات قبل أن يكلموا المرافق العراقي لهم، والذي بدت عليه علامات الحيرة والارتباك، ثم خرجوا".
ويتابع أبو خالد بالقول: "وفي أول الليل جاء المرافق العراقي إلى المنزل متخفياً، وأخبر قريبي أن عليه إخراج بناته من المنزل بأسرع وقت ممكن، حيث إن جنود الاحتلال طلبوا أن يأخذوا الفتيات معهم، إلا أن المرافق أخبرهم أن ذلك سيجعل أهل القرية يهاجمونهم وقد يقتلون أحد الأمريكيين، واقترح عليهم أن يقوموا بمداهمة المنزل ليلاً ويأخذوا الفتيات معهن"، ويؤكد أبو خالد أن منظر الوداع كان مؤلماً للغاية وهو يرى العائلة تودع بعضها البعض في جنح الليل، والراحلون يأخذون معهم زادهم من الطعام والمال ويمضون بعيداً عن المدينة هرباً من الأمريكيين.
ورغم أن المأساة لم تنته خاصة مع قدوم الأمريكيين، وترويع أهل المنزل ضرباً وتعذيباً؛ إلا أن الفتيات اللواتي وصلن مع أخوهن إلى الحدود السورية العراقية كنّ أوفر حظاً من مئات وآلاف العراقيات اللواتي انتهى بهن المطاف فريسة للأمريكيين، من بينهم فتاة المحمودية الشهيرة التي قتلها الجنود الأمريكيون وأحرقوا جثتها بعد أن اغتصبوها ومثلوا بها، وقتلوا عائلتها معها.
لا تزال بعض المنتديات عبر الإنترنت تحتفظ بذاكرة إعلامية تحدثت قبل عامين عن حادثة الاغتصاب الجماعية التي تمّ تصوريها لجنود أمريكيين وهم يقومون باغتصاب فتاة عراقية، وصور بعض عمليات الاغتصاب التي عرضها بعض الجنود الأمريكيون الذين عادوا من العراق إلى وطنهم من باب "التفاخر"، وغيرها من القصص والأحداث المأساوية التي هزّت المسلمين قبل أن تنطفئ جذوة الحدث، ويصبح الكلام عنها مجرد تذكير وكلمة "آه" أو مجرد نقطة عبور لمواضيع أخرى.
المأساة التي تتزايد في العراق يوماً بعد يوم هو ما يحصل للمسلمات من أهل السنة على يد عصابات شيعية مدعومة من قبل الاحتلال، ومدعومة من الحكومة الموالية لها، وهو ما فجّر ينابيع الغضب، وأشعل النيران في موقد مشتعل أصلاً، فظلم ذوي القربى أشد مرارة من وقع الحسام المهند، فكيف وما يحصل في العراق من الشيعة بحق المسلمين السنة يجمع الظلم والمهند؟
إذ لم تكد أخبار قيام ميليشيات شيعية باقتحام إحدى دوائر التعليم العالي في بغداد، واختطاف الرجال والنساء فيها تخبو قليلاً؛ حتى انتشر خبر عملية خطف واغتصاب وقتل طالبات جامعيات في الجامعة المستنصرية في بغداد بين العراقيين انتشار النار في الهشيم, وسرعان ما تبادل العراقيون رسائل الجوال وهم يعزون بعضهم بعضاً على هذه الأحداث المؤسفة.
ويؤكد العراقيون هناك أن الجامعة المستنصرية ستكون هدفاً قادماً لضربات المقاومة العراقية انتقاماً لحادثة اغتصاب الطالبات، مشيرين إلى أن الجامعة المستنصرية لم تعد مكاناً للعلم بل أصبحت مكتباً من مكاتب زعيم ميليشياوي شيعي يعيث أتباعه فيها الفساد، ويقترفون فيها جرائم القتل والاغتصاب في حق المسلمات الطاهرات.
وبعد هذه الحادثة بأيام قليلة عثرت الشرطة العراقية على جثث ثلاث طالبات تم اختطافهن من الجامعة ذاتها, وقد تم اغتصابهن وقتلهن، والتمثيل بجثثهن من قبل الميليشيات، ترى متى يتوقف هذا النهر من الظلم والفتنة والطغيان؟، ومتى ينتهي مسلسل القهر الذي يعانيه المسلمون وهم يرون نساءهم وبناتهم عرضة للنهب والاغتصاب؟ ومتى يبعث الله لنا معتصماً جديداً يضع دماء آلاف المسلمين رهناً لنصرة امرأة مظلومة؟
http://www.almoslim.net:المصدر
==============(67/187)
(67/188)
(67/189)
من سجلات خيانة الصليبيين
الزمان/ 21 رجب - 1356هـ
المكان/ الناصرة - فلسطين
الموضوع/ المجاهدون الفلسطينيون يغتالون أندروز الحاكم العسكري لمنطقة الخليل.
يخطئ كثير من المسلمين عندما يظنون أن الانتفاضة الفلسطينية بدأت في سنة 1987م 1408هـ فالانتفاضة بدأت قبل ذلك بكثير منذ أن بانت نية إنجلترا الخبيثة لتهويد فلسطين ولقد اشتعلت من سنة 1929 1349هـ وسقط كثير من الشهداء المسلمين حيث أن إنجلترا استخدمت أشد الوسائل في قمع الانتقاضة وتم اعتقال المئات من الفلسطينيين وصدر أمر بإعدام ثلاثة منهم فوراً ولم يمنع ذلك الفلسطينيون من مواصلة الجهاد المقدس وترتفع حرارة الانتفاضة لتلهب اليهود والإنجليز خاصة بعد انضمام كل فصائل الشعب الفلسطيني في جهاد اليهود مما حدى ببريطانيا لأن تستنجد بملوك وحكام العرب المخلصين! لوقف الانتفاضة، والفلسطينيون يدركون المكيدة ويواصلون الجهاد ضاربين بنداءات الحكام المخلصين عرض الحائط.
بريطانيا تلجأ للخديعة والمكر لإيقاف حرارة الانتفاضة وذلك بمحاولة تهدئة الأمور بعقد لجان للتحقيق في الأمر وحاولوا إدخال الفلسطينيين دائرة المفاوضات الجهنمية فلجنة تقود لأخرى حتى تفتر الهمم وتخور العزائم وتخبو جذوة الانتفاضة وخلال هذه المخطط الشيطاني استغل الإنجليز واليهود فرصة توقف الجهاد في أرض فلسطين بسبب عقد اللجان لتنفيذ هدفهم ألا وهو إجهاض قوة المجاهدين وذلك عن طريق ما يلي: -
1- تنفيذ حكم الإعدام في شباب المجاهدين.
2- تطبيق قانون الطوارئ على المجاهدين والشعب الفلسطيني بأسره للضغط عليهم في معايشهم مثال فرض ضرائب باهظة وغرامات وأموال كثيرة أرهقت القوى الفلسطينية وتجديد اعتقال جماعة القائد عز الدين القسام عاماً جديداً بعد انتهاء مدة الحكم القضائي الأصلي.
3- تسلط الضباط الإنجليز من حكام الألوية على الشعب العربي يسومونهم سوء العذاب [سجن نفي تعذيب] على رأس هؤلاء المجرمين كان لواء منطقة الجليل 'أندروز' صاحب هذه الصفحة من صفحات التاريخ وكان هذا الخبيث صليبياً يهودياً في نفس الوقت حيث أن مذهب الصليبي يتبع الكنيسة الإنجليكية وهذه الكنيسة يعتقد أتباعها أن اليهود هم الشعب المختار وأنهم سادة العالم وهم أشد الناس حباً ومساعدة لليهود [معظم حكام أمريكا يتبعون هذه الكنيسة مثل ريجان ونيسكون] كان هذا اللعين شديد العداوة لكل ما هو مسلم وشجع اليهود على تملك الأراضي وسلبها من العرب.
أمام كل هذه المحاولات الشيطانية لإجهاض الانتفاضة لم يسكت المجاهدون على وحشية الإنجليز واليهود مع المسلمين، فيرسل المجاهدون إنذاراً للحاكم 'أندروز' بالتخلي عن سياسته الوحشية مع المسلمين وأنذروا معه آخرين ممن سار على طريقة في الاضطهاد وهما 'حليم بسطا' الصليبي العربي و'موفات' حاكم منطقة جنين فإزدادوا في غيهم وعنادهم فانظر كيف كانت عاقبة الظالمين وكيف كانت مصارعهم.
* مقتل أندروز: في 21 رجب 1356هـ [26/9/1937م] وعند خروج أندروز الخبيث من الكنيسة الإنجليكية في الناصرة ذاق حمام الردى على يد المجاهدين الفلسطينيين الذين أطلقوا عليه الرصاص فأردوه قتيلاً إلى النار إن شاء الله.
* مقتل حليم بسطا: وكان بسطا قد دخل مع الإنجليز في حملتهم الأولى بقيادة اللنبي ثم أخلص في خدمتهم حتى أصبح مساعداً لقائد الشرطة وكثيراً ما أنذره المجاهدون دون جدوى طالبين إليه أن يكف عن إيذائهم وعن شدته مع العرب ومع ذلك لم يرعوى فكان حتفه على يد المجاهدين الذين أطلقوا عليه النار داخل مكتبه.
http://www.baladynet.net المصدر:
==============(67/190)
(67/191)
من سجل الحقد الصليبي - يوم أحرق نصارى مصر القاهرة
الزمان / الأربعاء 6 جمادى الأولى 721هـ
المكان / القاهرة - مصر
الموضوع / النصارى يشعلون حريقاً ضخماً في القاهرة
الأحداث /
أحداث التاريخ تكشف لنا دائماً بعض الحقائق والثوابت التي تخالف ما يروج له أعداء الإسلام داخلياً وخارجياً، هذه الأحداث تبطل وتكشف عوار كثير من الدعاوى الباطلة التي فرضوها على المسلمين فرضاً حتى أصبحت حقائق ومسلمات لا تحتمل العكس ولا النقاش من أشهر تلك الدعاوى التي روج لها المبطلون وأبطلها المؤرخون بأقلامهم هي دعوى الإخوة الوطنية بين المسلمين والنصارى، ففضلاً عن كونها باطلة شرعاً لكثير من الأدلة في القرآن والسنة فهي أيضا باطلة تاريخياً لكثير من الوقائع الدالة على ذلك وحادثتنا من هذا النوع.
في سنة 721هـ أصدر السلطان تنكز سلطان الديار المصرية قراراً بهدم كنيسة كانت مخالفة تم بناءها بعد الإسلام فلما هدمت تسلط العوام وغيرهم من الحرافيش على الكنائس في مصر يهدمون ما قدروا عليه فانزعج السلطان من أجل ذلك وسأل القضاة عن حكم ذلك؟ فقالوا له يعزر، فأخرج جماعة من السجن ممن وجب عليهم قتل وقطع وصلب فأقام عليهم الحد وصلبهم موهماً أنه عاقب من قام بتخريب الكنائس فسكن الناس عندها وأمن النصارى وكانوا قد اختفوا في ديارهم خلال تلك الأحداث.
وفجأة وبدون سابق إنذار اشتعل حريق ضخم في القاهرة خاصة في المساجد والدور الحسنة والأماكن العظيمة المرتفعة وحصل للناس مشقة عظيمة من ذلك وقنتوا في الصلوات، فما لبث أن كشف الحقيقة فإذا هو من قبل النصارى الذين حامى عن حقوقهم السلطان وذلك انتقاماً مما حدث لكنائسهم على يد العوام فأخذهم السلطان وصلب بعضهم وقتل البعض وألزمهم لبس الملابس الزرقاء على رؤوسهم وثيابهم كلها وأن يحملوا الأجراس في الحمامات وألا يستخدم أحد منهم في شيء من جهات الدولة فسكن الأمر وبطل الحريق.
http://www.baladynet.net المصدر:
==============(67/192)
(67/193)
من سجل التاريخ عندما احتل الصليبيون عكا ملحمة الثلاث سنوات
الزمان/ الجمعة 17 جمادى الآخرة 587هـ
المكان/ عكا - الشام
الموضوع / الصليبيون يحتلون عكا بعد حصار وقتال دام ثلاث سنوات.
الأحداث/
الثابت تاريخياً أن الحملات الصليبية على بلاد الشام استمرت قرابة القرنين من الزمان وأشرس وأشهر هذه الحملات هي الحملة الصليبية الثالثة التي جاءت عقب تحرير المسجد الأقصى وانتصار حطين العظيم بعد أن شعر الصليبيون في أوروبا بخطورة الأمر تقاطروا من كل مكان بأعداد هائلة من أجل استعادة ما فقدوه في الشام خاصة بيت المقدس، وسبب شهرة هذه الحملة هو ما كان من أمر مدينة عكا الساحلية وملحمة الصمود والمصابرة التي قام بها المسلمون أمام جحافل الصليبيين طوال ثلاث سنوات متصلة حتى سقطت هذه المدينة الباسلة في النهاية، ومدينة عكا كانت مسرح لعدة معارك بين المسلمين والصليبيين وتبادل المسلمون والصليبيون التناوب عليها حتى سارت في النهاية للمسلمين وكانت هذه المدينة آخر موطئ قدم للصليبيين في بلاد المسلمين.
تبدأ أحداث هذه الملحمة الخالدة سنة 585هـ في شهر رجب عندما كثر جمع الصليبيين في مدينة صور ذلك لأن الناصر صلاح الدين كان كلما فتح بلداً أو قلعة أعطي أهلها الأمان وسيرهم بأموالهم وعيالهم إلى مدينة صور بعد أن يأخذ العهود والمواثيق عليهم، ولما رأى 'المركيس' أمير صور الصليبي ذلك أثار الفتنة وكاتب ملوك أوروبا الصليبيين ليأتوا إلى الشام لإنقاذ المقدسات! ثم قام هذا المركيس اللعين بتحريض الرهبان والقسس وغيرهم على الترحال في بلاد الفرنج لتحريض الصليبيين في كل مكان على المجئ لانقاذ شرف المسيحية! فقام هؤلاء الرهبان والقسس بالسفر والتجول بين البلاد للتحريض وإثارة الهمم والعزائم على إنقاذ بيت المقدس وقاموا بتصوير المسيح - عليه السلام - وتصوير عربي معه والعربي يقوم بضربه وتعذيبه وقد جعلوا الدماء على المسيح فإذا سأل الناس ما هذا؟ قال هذا المسيح وهذا عربي يقوم بضربه وتعذيبه وقد مات من الضرب، مما أثار حمية الناس في أوروبا وبكوا وحزنوا وعزموا على الخروج لجهاد المسلمين وتحرير بيت المقدس، حتى خرج الكبير والصغير والرجال والنساء وخرجت مجموعة من النساء بنية القتال وراحة الغرباء 'أي زانيات' مما جعل كثير من فساق المسلمين ينحازون للصليبيين في القتال من أجل هذه النسوة، وبلغ تأثير هذه الحملة الدعائية الصليبية على خروج أعداد هائلة من شتى البلدان حتى أن بعض هؤلاء الأسرى حكى أن له والدة ليس لها ولد سواه ولا يملكون من الدنيا غير بيت وأن أمه قد باعت البيت وكل ما تملك وجهزته بالمال كله وسيرته لإنقاذ بيت المقدس، ولما ضافقت مدينة صور بما فيها من أهلها والقادمين من أوروبا قرروا التوجه لمدينة صيدا لاحتلالها ومنها إلى بيت المقدس ولكنهم عدلوا عن خطتهم وقرروا مهاجمة مدينة عكا الساحلية فنزلوا عليها في 8 رجب سنة 585هـ وضربوا عليها الحصار.
الخبر يصل للناصر صلاح الدين فيجمع الأمراء ويستشيرهم في الأمر هل يبادرهم بالهجوم الشامل عند عكا أم نسايرهم أثناء الحصار لكثرة جنودهم؟ وكان رأى السلطان الهجوم عليهم قبل أن يعسكروا عند عكا ولكن أمراؤه خالفوه وكان رأى صلاح الدين أصوب ولكن الله - عز وجل - إذا أراد شيئاً هيأ أسبابه ثم كاتب صلاح الدين ملوك المسلمين فأتوا من كل مكان، واستطاع صلاح الدين أن يفتح ممراً للمسلمين من وسط الحصار يدخل فيه من يشاء ويخرج من وإلى المدينة وأدخل صلاح الدين ما شاء من الرجال والسلاح والأموال والمؤن ولو واصل المسلمون قتالهم في يوم أن فتحوا الممر لاستطاعوا أن يزيلوا الصليبيين من أماكنهم لأن القتال في أوله روعة قوية ولكن المسلمين آثاروا الراحة ثم القتال من غد.
في 21 شعبان سنة 585هـ اشتبك المسلمون مع الصليبيين حول عكا في معركة شرسة جداً كانت الدائرة في أول النهار على المسلمين واستشهد عدد من كبار الأمراء حتى كاد الصليبيين أن يأخذوا خيمة صلاح الدين نفسه ولكن الله - عز وجل - نصر المسلمين آخر النهار وقتل ألوف من الصليبيين وأسر مثلهم فأمر صلاح الدين برمي جثث القتلى في البحر الذي يشرب منه الصليبيون، ولما قتل هؤلاء الكفرة جافت الأرض من نتن ريحهم وفسد الهواء وانتشر الوباء، فتحول الناصر صلاح الدين من موقعه هذا إلى موضع بعيد حتى لا يصاب الناس بالأمراض وكان ذلك من أكبر مصالح العدو الصليبي فإنهم قد اغتنموا الفرصة فحفروا حول مخيمهم خندقاً من البحر وبنوا ستاراً ترابياً شاهقاً وجعلوا له أبواباً وتمكنوا في منزلهم ذلك وتفارط الحال على المسلمين داخل عكا.(67/194)
في أثناء حصار الصليبيين لعكا صنعوا ثلاثة أبراج من الخشب عالية جداً طول كل برج منها خمس طبقات بحيث أصبحت هذه الأبراج أعلى من سور المدينة وكل طبقة مملوءة بالجنود ووضعوا على الأبراج الجلود والخل والطين والأدوية التي تمنع النار من إحراقها، وانتدب المسلمون لحرقها فلم يفلحوا، ولكن ظهر شاب مسلم اسمه' علي بن عريف النحاسين' والتزم بحرقها فأخذ النفط الأبيض وخلطه بأدوية يعرفها وغلى ذلك في ثلاثة قدور من نحاس حتى صار ناراً تأجج ورمي كل برج منها بقدر من القدور فاحترقت الأبراج الثلاثة واحترق الجنود معها وكبر المسلمون تكبيرة هائلة، ثم أمر صلاح الدين بأموال كثيرة للشاب المسلم فقال وقد ضرب صورة مشرفة للمسلم المخلص 'إنما عملت ذلك ابتغاء وجه الله ورجاء ما عنده - سبحانه - فلا أريد منكم جزاء ولا شكوراً' وأبى أن يأخذ درهماً واحداً وواكب ذلك وصول الأسطول المصري بقيادة حسام الدين لؤلؤ واستطاع الأسطول المسلم أن يأخذ شحنة مؤن وسلاح عظيمة كانت متوجهة للصليبيين فأخذها المسلمون وأدخلوها المدينة وتقوى بها أهل المدينة جداً أثناء حصارهم، وعندها أرسل الصليبيون لطلب النجدة من ملوك أوروبا.
عندها بدأ ملوك أوروبا في التوافد على بلاد المسلمين فكان أول من خرج ملك الألمان'فريدريك بربروس' وقد خرج في جحافل هائلة يقدر تعدادها ثلاثمائة ألف مقاتل وفي نيته خراب البلد وقتل أهلها من المسلمين والانتصار لبيت المقدس وأن يحوز البلاد كلها فانظر كيف كانت عاقبة الظالمين!
سار هذا اللعين عبر بلاد القسطنطينية فأرسل ملك الروم لصلاح الدين يخبره بالأمر وأنه أي ملك الروم مغلوب على أمره لا يستطيع أن يرده لكثرة جيوشه، ثم دخل بلاد المسلمين فبرز لهم التركمان وقاتلوهم وخطفوا من رجالهم وسرقوا أموالهم وكان الجو شديد البرودة فأهلكهم الجوع والبرد حتى قلت أعدادهم جداً حتى اجتاز هذا اللعين نهرا ًشديد الجريان فدعته نفسه أن يسبح فيه فلما نزل فيه حمله الماء السريع حتى صدمه بشجرة فلقت رأسه فغرق مكانه في منطقة لا يبلغ الماء وسط الرجل، وهكذا نهاية كل طاغية جبار ثم عينوا ولده من بعده ومازال عددهم وسلاحهم ومالهم يقل حتى وصلوا إلى أنطاكية وقد أصبح عددهم أربعين ألفاً فضجر منهم صاحب أنطاكية وحسن لهم السير إلى عكا فوقع فيهم البلاء والوباء فما وصلوا إلى عكا إلا في أقل من ألف رجل كأنهم قد نبشوا من القبور وكان هذ1 اللعين قد استصحب معه آلات حربية خطيرة لم يسمع بها من قبل فأذهب الله - عز وجل - كيده وشره وكفره.
وعندما وصل ابن ملك الألمان لعكا أراد أن يحقق بعض المجد الزائف والهدف المنشود فقاد الصليبيين واصطدم مع المسلمين وذلك في 20 جمادى الآخرة سنة 586 هـ ولكن الله - عز وجل - نصر المسلمين وأوقعوا آلاف القتلى في الصليبيين حتى أنه قد قتل من الظهر إلى العصر عشرة آلاف صليبي حتى كسوا وجه الأرض منهم حللاً أزهى من الرياض الباسمة وأحب إلى النفوس من الخدود الناعمة، في حين قتل من جيش المسلمين عشرة فقط! حتى كاد الفرنج أن يستسلموا بالكلية.
في هذا الأثناء جاءت إمدادات كبيرة للصليبيين من ملوك أوروبا بقيادة الأمير 'هاري' فقويت نفوس الصليبيين وبشرهم 'هاري' بقدوم ملوك أوروبا ومعهم الأموال والسلاح والعتاد ووصل كتاب من 'بابا روما' وهو كبير الصليبيين يأمرهم بملازمة الحصار والقتال وأنه قد أرسل لهم المزيد من الأموال والسلاح، فشددوا الحصار جداً على أهل عكا و كان والي عكا من جهة صلاح الدين هو الأمير بهاء الدين قراقوش فأرسل في 10 شعبان 586 هـ يخبر صلاح الدين بقرب نفاذ المؤن في المدينة، فأرسل صلاح الدين للأسطول المصري بإرسال ثلاث سفن مؤن لعكا فلما حاولت السفن الدخول تصدى لها الأسطول الصليبي ولكن الله - عز وجل - سلم ونجت السفن من العدو ودخلت المدينة وتقوى بها أهل المدينة، وكان صلاح الدين قد لجأ لحيلة ذكية لدخول سفينة كبيرة مملوءة بالمؤن لعكا حيث أمر بحارة السفينة أن يبلسوا ملابس التجار الفرنج ويحلقوا لحاهم وشدوا الزنانير وأخذوا معهم في السفينة بعض الخنازير ودخلوا المدينة من وسط الأسطول الصليبي وهم يظنون أنهم نصارى مثلهم فلم يتعرضوا لتلك السفينة حتى دخلت المدينة وتقوى بها المسلمون، ومن الأمور العجيبة والمؤثرة أنه أثناء الحصار كان صلاح الدين يرسل برسائله والأموال مع أحد المسلمين العوامين واسمه 'عيسى العوام' وكان مسلماً وكان عيسى يسبح عبر بحر عكا وهو حاملاً للمال والرسائل وفي ذات يوم رآه أحد الصليبيين فرماه بسهم فقتله وتغيب العوام على أهل عكا فشكوا فيه أنه قد طمع في الأموال وفي الليلة التالية وفي نفس المكان المتفق عليه وجدوا جثة العوام في مكانه ومعه الرسائل والأموال مربوطة حول وسطه لم يفقد منها شئ فمثل هذا الذي حفظ الله له ميعاده حياً وميتاً.(67/195)
من الأمور العجيبة والتي ساعدت على تفاقم الأمر حتى سقطت عكا في النهاية أنه في ظل هذه الملحمة الهائلة لصمود المسلمين في الشام ومصر، كان باقي المسلمين في واد آخر وقام ملوك المسلمين بالإغارة بعضهم على بعض والاقتتال فيما بينهم، فتقاتل غياث الدين الغوري مع سلطان شاه وذلك على بلاد خراسان، وتقاتلت جنود الخليفة مع أهل مدينة حديث عانة، وتقاتل عز الدين مسعود صاحب الموصل مع سنجر شاه على بلاد الجزيرة وهكذا صار المسلمون بأسهم بينهم شديد بدلاً من أن يوحدوا رايتهم أمام عدوهم، حتى أن الناصر صلاح الدين كتب إلى أمير الموحدين في الأندلس والمغرب 'يعقوب بن يوسف' يطلب منه معونة المسلمين بأسطوله القوى ولكن يعقوب رفض ولماذا؟ لأن صلاح الدين لم يخاطبه بلقب أمير المؤمنين إنما قال له أمير المسلمين! وهي قصة تتكرر في كل زمان ومكان والله - عز وجل - العاصم من الزلل وسوء العمل.
مرت باقي سنة 586 هـ وقد وقع في آخرها أوبئة وأمراض وغلاء وقلة ثمار مما جعل الأمر عسيراً على الفريقين، وفي مطلع سنة 587 هـ قدم ملك انجلترا 'ريتشارد قلب الأسد' وملك فرنسا 'فليب أوغسطس' في إمدادات عظيمة للفرنج وفي 1 ربيع الأول سنة 587 هـ خرج المسلمون من عكا واصطدموا مع الصليبيين وخرج في نفس الوقت بعض فيالق الجيش المسلم مع التركمان وحقق المسلمون إنتصاراً عظيماً ولكن وصول ملك إنجلترا وفرنسا أدار دفة القتال لصالح الصليبيين، وبدأوا في تشديد الحصار على المسلمين جداً وأحكم الأسطول الإنجليزي حصاره على الميناء فمنع دخول أي شئ والعجيب أثناء الحصار أصيب ملك فرنسا واشتد الجوع عليهم حتى أرسل ملك انجلترا وهو مريض لصلاح الدين يقول له أنه عنده جوارح قد جاء بها من البحر بنية إرسالها إليه ولكنها ضعفت وهو يطلب دجاجاً وفاكهة لتتقوى بها الجوارح، فعلم صلاح الدين أنه يطلب الطعام والفاكهة لنفسه فأرسل صلاح الدين له الكثير من الطعام والفاكهة والثلج فلما شبع اللعين وملأ بطنه ازداد طغياناً وعاد شراً مما كان...فياعجباً من طيبة المسلمين!
حاول الناصر صلاح الدين إمداد أهل عكا ببعض الإمدادات فجهز سفينة كبيرة وشحنها بالأبطال والعتاد ووجهها إلى عكا ولكن الأسطول الإنجليزي يحاصر تلك السفينة وتشتبك هذه السفينة بمفردها مع الأسطول الصليبي كله ولما آيس قائد السفينة من الخروج من القتال نزل إلى بطن السفينة وخرقها لتغرق حتى لا ينال الصليبيون ما فيها من العتاد والذخائر فغرقت بمن فيها وعظمت المصيبة على المسلمين، واشتد الحصار على أهل عكا وهدم الفرنج من السور ودخلوا المدينة لكن أهلها صدوا هذا الهجوم بصدورهم ونحورهم وقتلوا من رؤوسهم ستة أنفس فاشتد ضيق الصليبيين على المسلمين جداً بسبب ذلك وحاول أمير عكا 'أحمد بن المشطوب' طلب الصلح من ملك فرنسا، ولكن ملك فرنسا رفض وأغلظ له ابن المشطوب القول ثم عاد للمدينة وأبلغ صلاح الدين صورة ما وقع فأرسل إليهم الناصر يطلب منهم سرعة الخروج من المدينة وحدد له موعداً لذلك في نفس الليلة فتشاغل الناس بجمع الأمتعة والأسلحة وتأخروا عن الخروج تلك الليلة فلما أصبحوا وجدوا الصليبيين قد شددوا الحصار على الميناء وبالغوا في ذلك والسر وراء ذلك أن مملوكين حقيرين كانا عند أهل عكا أسيرين سمعا بما قاله الناصر فذهبا مسرعين لقومهما من الصليبيين وأخبروهم بذلك، وعندها حاول الناصر كبس العدو في تلك الليلة ولكن الجيوش كانت متعبة من كثرة القتال والحصار ونفاذ المؤن.
عندما وجد صلاح الدين إشتداد الحصار وضعف الجيوش أرسل إلى الصليبيين يطلب منهم الأمان لأهل البلد ويبذل لهم عدتهم من الأسارى ويزيدهم صليب الصلبوت فرفضوا حتى يطلق جميع الأسارى وجميع البلاد الساحلية وبيت المقدس فرفض صلاح الدين وترددت المراسلات في ذلك والحصار يتزايد كل يوم على أهل عكا وصبروا صبراً عظيماً ثم كتبوا للناصر قائلين: 'يا مولانا لا تخضع لهؤلاء الملاعين الذين قد أبوا عليك الإجابة إلى ما دعوتهم فينا فإنا قد بايعنا الله على الجهاد حتى نقتل عن آخرنا وبالله المستعان'.
وفي يوم الجمعة 17 جمادى الآخرة سنة 587 هـ على حين غرة رفعت الأعلام الصليبية على أبراج المدينة وصلبانهم وصاح الصليبيون صيحة واحدة ودخلوا المدينة وانحصر كلام الناس في 'إنا لله وإنا لله راجعون' وارتكب الصليبيون مجزرة هائلة وسبيت النساء والأطفال ثم قاموا بجمع ثلاث آلاف أسير وقيدوهم بالحبال فأوقفوهم بعد العصر وحملوا عليهم حملة رجل واحد فقتلوهم جميعاً عن آخرهم في صعيد واحد فرحمهم الله جميعاً.
ولقد كان مدة إقامة صلاح الدين على عكا صابراً مصابراً مرابطاً مدة سبعة وثلاثين شهراً وجملة من قتل من الفرنج خمسين ألفاً، وكانت فصول هذه الملحمة كثيرة اختصرناها خشية الملل والانقطاع وإلا فكتب التاريخ أفاضت في وصف تلك الملحمة الخالدة.
http://www.baladynet.net المصدر:
==============(67/196)
(67/197)
استيلاء التتار والنصارى على دمشق ( الحقد الصليبي )
الزمان / 14 جمادى الأولى 658هـ
المكان / دمشق - الشام
الموضوع / جيوش التتار بقيادة هولاكو تحتل دمشق ثم تخرج منها سريعاً.
تبدأ الأحداث من عند الفاجعة العظمى التي ابتليت بها أمة الإسلام عندما اجتاح التتر المتوحشون بلاد الإسلام وأسقطوا حاضرة الخلافة العباسية بغداد وقتل الخليفة وأولاده ومعهم قرابة المليونين مسلم وذلك سنة 656هـ فلما كانت سنة 658هـ كان العالم الإسلامي يتحكم فيه أربعة ملوك باستثناء الشمال الإفريقي.
1- شمال آسيا ويشمل بلاد ما وراء النهر ومعهم العراق ويحكمه هولاكو التتري.
2- البلاد الشامية ويحكمها الناصر بن العزيز بن العادل الأيوبي.
3- بلاد الكرك ويحكمها المغيث بن العادل.
4- بلاد مصر ويحكمها السلطان قطز المملوكي.
والعجب كل العجب لملوك يتحاربون من أجل الملك ويذهلون عن أعدائهم فلما اتفق الناصر مع المغيث على قتال قطز لأخذ الديار المصرية منه عنوة وإعادة حكم الأيوبيين عليها وفي هذه الأثناء عبر هولاكو بجيوشه الجرارة نهر الفرات ثم اتجه إلى حلب فحاصرها سبعة أيام ثم استسلم أهلها فغدر بهم وأعمل فيهم القتل والسبي فانخلع قلب ملك حماة فأرسل إليه مفاتيح البلد ثم اتجه هولاكو بعدها مباشرة وجعل قائد جيوشه كتبغانوين ولم يجد كتبغا أي مقاومة تذكر في المدينة فدخلوها سريعاً بل تلقاهم كبار المدينة بالرحب والسعة وكتب هولاكو أماناً لأهل البلد ولكن قلعة المدينة لم تستسلم فأحكم عليها التتار الحصار ونصبوا عليها المجانيق وفيهم منجنيق عملاق وظلوا يضربون القلعة ليل نهار حتى تداعت أحجارها وسقطت في 14جمادى الأول فقتلوا متولي القلعة بدر الدين بن قراجا ونقيبها جمال الدين بن الصيرفي ثم سلموا البلد لأمير منهم يقال له إبل سيان ومن هنا تبدأ فصول معاناة جديدة.
كان هذا الرجل لعنه الله معظماً لدين النصارى فاجتمع به أساقفة النصارى في دمشق فعظمهم جداً وزار كنائسهم فصارت لهم دولة وصولة بسبب ذلك حيث ذهب طائفة من النصارى إلى هولاكو وأخذوا معهم هدايا وتحفاً فأعطاهم أماناً وفرماناً من جهته فدخلوا من باب ثوما ومعهم صليب منصوب يحملونه على رؤوس الناس وهم ينادون بشعارهم ويقولون 'ظهر الدين الصحيح دين المسيح' ويذمون دين الإسلام وأهله ومعهم أواني فيها خمر لا يمرون على باب مسجد إلا رشوا عنده خمراً ويرشون على وجوه الناس وثيابهم ويأمرون كل من يجتازون به الأزقة والأسواق أن يقوم لصليبهم ودخلوا من درب الحجر الصغير والكبير ووقفوا عند رباط الشيخ أبي البيان ورشوا عنده خمراً فتكاثر عليهم المسلمون حتى ردوهم إلى سوق كنيسة مريم فوقف خطيبهم إلى دكة دكان في عطفة السوق فمدح دين النصارى وذم دين الإسلام ثم حاولوا دخول الجامع الكبير بخمر وكان في نيتهم إن طالت مدة التتار أن يخربوا المساجد.
عندها اجتمع قضاة المسلمين والشهود والفقهاء فدخلوا القلعة يشكون هذا الحال إلى الأمير 'إبل سيان' وظهرت حقيقة الحقد الصليبي عند نصارى الشام وظهر ما كان دفيناً منذ الحروب الصليبية وفي نفس الوقت كان سلطان الشام الناصر بن العزير معه جيوش كثيرة لمحاربة التتار ولكنهم غير مؤتلفين فتفرقوا شذر مذر ولا يدرون ما يخبأه القدر لهم بعدها.
لم يكد يمر على المسلمين في دمشق وسائر بلاد الشام سوى أربعة شهور من المعاناة من التتار الهمج والصليبيين الحاقدين حتى جاءت البشارات بانتصار المسلمين على التتار في عين جالوت وأن جيوش الإسلام تتبع التتار حتى دمشق فعندما طارت الأخبار بذلك فرح المسلمون بذلك فرحاً شديداً وانطلقوا يردون الصاع اثنين للنصارى الحاقدين فاتجه المسلمون إلى كنيسة النصارى التي خرج منها الصليب فأحرقوها وأحرقوا دور النصارى حولها وقتل العوام وسط الجامع شيخاً رافضياً كان مصانعاً للتتار على أموال الناس يقال له الفخر الكنجي كان خبيث الطوية ممالئاً لهم على أموال المسلمين وقتلوا جماعة مثله من المنافقين وقطع دابر الذين ظلموا وأذل الله - عز وجل - النصارى الحاقدين وانطلق المسلمون يقتلون التتار ويفكون الأسارى من أيديهم وكان دخولهم وخروجهم إلى دمشق كسحابة صيف سرعان ما انقشعت ولكنها كشفت حقيقة نصارى الشام ومدى حقدهم.
http://www.baladynet.net المصدر:
==============(67/198)
(67/199)
استيلاء التتار والنصارى على دمشق ( الحقد الصليبي )
الزمان / 14 جمادى الأولى 658هـ
المكان / دمشق - الشام
الموضوع / جيوش التتار بقيادة هولاكو تحتل دمشق ثم تخرج منها سريعاً.
تبدأ الأحداث من عند الفاجعة العظمى التي ابتليت بها أمة الإسلام عندما اجتاح التتر المتوحشون بلاد الإسلام وأسقطوا حاضرة الخلافة العباسية بغداد وقتل الخليفة وأولاده ومعهم قرابة المليونين مسلم وذلك سنة 656هـ فلما كانت سنة 658هـ كان العالم الإسلامي يتحكم فيه أربعة ملوك باستثناء الشمال الإفريقي.
1- شمال آسيا ويشمل بلاد ما وراء النهر ومعهم العراق ويحكمه هولاكو التتري.
2- البلاد الشامية ويحكمها الناصر بن العزيز بن العادل الأيوبي.
3- بلاد الكرك ويحكمها المغيث بن العادل.
4- بلاد مصر ويحكمها السلطان قطز المملوكي.
والعجب كل العجب لملوك يتحاربون من أجل الملك ويذهلون عن أعدائهم فلما اتفق الناصر مع المغيث على قتال قطز لأخذ الديار المصرية منه عنوة وإعادة حكم الأيوبيين عليها وفي هذه الأثناء عبر هولاكو بجيوشه الجرارة نهر الفرات ثم اتجه إلى حلب فحاصرها سبعة أيام ثم استسلم أهلها فغدر بهم وأعمل فيهم القتل والسبي فانخلع قلب ملك حماة فأرسل إليه مفاتيح البلد ثم اتجه هولاكو بعدها مباشرة وجعل قائد جيوشه كتبغانوين ولم يجد كتبغا أي مقاومة تذكر في المدينة فدخلوها سريعاً بل تلقاهم كبار المدينة بالرحب والسعة وكتب هولاكو أماناً لأهل البلد ولكن قلعة المدينة لم تستسلم فأحكم عليها التتار الحصار ونصبوا عليها المجانيق وفيهم منجنيق عملاق وظلوا يضربون القلعة ليل نهار حتى تداعت أحجارها وسقطت في 14جمادى الأول فقتلوا متولي القلعة بدر الدين بن قراجا ونقيبها جمال الدين بن الصيرفي ثم سلموا البلد لأمير منهم يقال له إبل سيان ومن هنا تبدأ فصول معاناة جديدة.
كان هذا الرجل لعنه الله معظماً لدين النصارى فاجتمع به أساقفة النصارى في دمشق فعظمهم جداً وزار كنائسهم فصارت لهم دولة وصولة بسبب ذلك حيث ذهب طائفة من النصارى إلى هولاكو وأخذوا معهم هدايا وتحفاً فأعطاهم أماناً وفرماناً من جهته فدخلوا من باب ثوما ومعهم صليب منصوب يحملونه على رؤوس الناس وهم ينادون بشعارهم ويقولون 'ظهر الدين الصحيح دين المسيح' ويذمون دين الإسلام وأهله ومعهم أواني فيها خمر لا يمرون على باب مسجد إلا رشوا عنده خمراً ويرشون على وجوه الناس وثيابهم ويأمرون كل من يجتازون به الأزقة والأسواق أن يقوم لصليبهم ودخلوا من درب الحجر الصغير والكبير ووقفوا عند رباط الشيخ أبي البيان ورشوا عنده خمراً فتكاثر عليهم المسلمون حتى ردوهم إلى سوق كنيسة مريم فوقف خطيبهم إلى دكة دكان في عطفة السوق فمدح دين النصارى وذم دين الإسلام ثم حاولوا دخول الجامع الكبير بخمر وكان في نيتهم إن طالت مدة التتار أن يخربوا المساجد.
عندها اجتمع قضاة المسلمين والشهود والفقهاء فدخلوا القلعة يشكون هذا الحال إلى الأمير 'إبل سيان' وظهرت حقيقة الحقد الصليبي عند نصارى الشام وظهر ما كان دفيناً منذ الحروب الصليبية وفي نفس الوقت كان سلطان الشام الناصر بن العزير معه جيوش كثيرة لمحاربة التتار ولكنهم غير مؤتلفين فتفرقوا شذر مذر ولا يدرون ما يخبأه القدر لهم بعدها.
لم يكد يمر على المسلمين في دمشق وسائر بلاد الشام سوى أربعة شهور من المعاناة من التتار الهمج والصليبيين الحاقدين حتى جاءت البشارات بانتصار المسلمين على التتار في عين جالوت وأن جيوش الإسلام تتبع التتار حتى دمشق فعندما طارت الأخبار بذلك فرح المسلمون بذلك فرحاً شديداً وانطلقوا يردون الصاع اثنين للنصارى الحاقدين فاتجه المسلمون إلى كنيسة النصارى التي خرج منها الصليب فأحرقوها وأحرقوا دور النصارى حولها وقتل العوام وسط الجامع شيخاً رافضياً كان مصانعاً للتتار على أموال الناس يقال له الفخر الكنجي كان خبيث الطوية ممالئاً لهم على أموال المسلمين وقتلوا جماعة مثله من المنافقين وقطع دابر الذين ظلموا وأذل الله - عز وجل - النصارى الحاقدين وانطلق المسلمون يقتلون التتار ويفكون الأسارى من أيديهم وكان دخولهم وخروجهم إلى دمشق كسحابة صيف سرعان ما انقشعت ولكنها كشفت حقيقة نصارى الشام ومدى حقدهم.
http://www.baladynet.net المصدر:
==============(67/200)
(67/201)
حقد الصليب
عبد الله بن عبد الرحمن العيادة
عودة إلى الوراء:
سبحان الله، إنها الملفات القديمة تُفتح من جديد، والستار يُعاد فتحه مرة أخرى، لتُعاد صياغة تلك المسرحية، لتُعرض من جديد على مسرح الحياة، والشيطان يعود مرة أخرى بنص جديد، وبوجوه جديدة هذه المرة، ولكنها نفس الفكرة القديمة والمنتنة، فقط، تغير الزمان والمكان والهويات، مع فارق التوقيت، والقاسم المشترك فيما بينه، هو الاتفاق على المنهج.
والمسرحية الهزيلة القذرة، والحقيرة، التي عُرضت، فكرتها ليست جديدة، بل قديمة جداً، وموغلة في القدم، ولكن فقط تغير الأسلوب، والمنفذ.
هذه المسرحية، هي تلك الزوبعة الحاقدة، التي أثارتها بعض الصحف الدنمركية، والتي سخرت من أشرف من سار فوق الأرض من البشر جميعاً، والذي حاز الفضائل كلها، فقد زكّاه، من خلق السماوات والأرض، (وإنك لعلى خلق عظيم) إنه محمد بن عبد الله، رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد عرف كل الناس، هذا الفعل الذي يوضح مدى الحقد الدفين، الموغل في القدم، والذي يتوارثه القوم جيلاً بعد جيل، وهي العداوة والبغضاء للإسلام ونبي الإسلام، فثارت ردود فعل رائعة جداً، من قبل أطياف المجتمع المسلم بشرائحه كافة الرسمية والشعبية، وهذا هو المؤمل، وهي ردة فعل طبيعية لمثل هذا العمل، الخالي من كل القيم. والذي يفصح عن حقد دفين تجاه الأمة الإسلامية ونبيها، - عليه الصلاة والسلام -. من بعض عباد الصليب وأهله.
وإذا تأملنا هذه المنحنى الخطير الذي بدأ يسلكه القوم، تجاه الإسلام ونبيه، صلى الله عليه وسلم ، نجد أنه ليس غريباً عليهم، فهاهو معلمهم الأول، عندما طُلب منه الإذعان لخالق السماوات والأرض، والسجود لأبي البشر، رفض الانصياع بكل صلف وغرور وتكبر، وقال قولته المشهورة: (أنا خير منه) فقد زكّى نفسه بنفسه، فلما حل به ما حل من العقاب والطرد، صب جامّ غضبه على ذريته، بزعم أنه كان السبب في حرمانه وطرده وخسارته، فأراد أن ينتقم منهم، وعلى رأس هذه الذرية تلك الثلة من أبنائه، الذين اصطفاهم الخالق - سبحانه وتعالى - لمهمة عظيمة وشاقة، وهي تبليغ رسالته - سبحانه وتعالى - إلى ذريته، وهي الدعوة إلى ألوهية الخالق وتفرّده - سبحانه - بكل شيء (ألا له الخلق والأمر).
فلما جاء الأمر الإلهي ببداية المسيرة الدعوية، على يد نوح - عليه الصلاة والسلام -، بدأ الحرب والكيد، ثم بدأت فصول الرواية تتكرر في كل عصر، ومع كل نبي، إلى أن وصل الوقت إلى عصر آخرهم، وأزكاهم وأشرفهم وأخيرهم وخاتمهم، الذي جمع كل الأديان في دين واحد، وهو دين الإسلام. إنه محمد صلى الله عليه وسلم .
فتعالوا نسلط الضوء على بعض فصول هذه القصة، لنعرف ما هو دور الشيطان فيها، وما هي طرق الكيد التي حاكها، لنعرف أن هؤلاء القوم الذين نالوا من شخصية المصطفى، صلى الله عليه وسلم ، لم يأتوا بجديد، وإنما هو السيناريو يُعاد عرضه مرة أخرى، ولكن بألوان ومساحيق جديدة، وبأشخاص جدد، وأماكن جديدة.
فهاهو المشهد الأول يُعرض في عهد نبي الله نوح، - عليه الصلاة والسلام -، فقد أخرجت الشرذمة الكافرة، وبرسم شيطاني حقير، من أجل خداع الدهماء من الناس لتنطلي عليهم الحيلة فينصرفوا عن هذا النور، فقد سجل القرآن هذا المشهد بوصف رائع ومبهر يأخذ بالعقل، تأمل:
(وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ) (هود: 25) (... أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ)(الأحقاف: من الآية21). تأمل بداية الطعن والاستهزاء، والمكابرة ولكن بطريقتهم.. (فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَراً مِثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ) (هود: 27). ألاحظت الظن هنا، هم يعرفون أنه يقين وحق، مع العلم أنهم يزيفون الواقع على الدهماء أنه ظن وكذب؟(67/202)
ثم تُعاد نفس المسرحية مرة أخرى، ولكن مع نبي آخر ـ وفي زمن آخر فهذا فرعون، ماذا قال عن موسى، - عليه الصلاة والسلام -.. ؟ وما هي الدعاية المضللة التي بثتها وسائل إعلامه.. ؟ الخوف والشفقة على الشعب من موسى، أن يبدل قيمهم، ويفسد أحوالهم، تأمل ماذا قال: وكل ذلك بترتيب من المعلم الأول له عدو البشر جميعاً ـ الشيطان ـ قال: (... إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ)(غافر: من الآية26)؟! وقد انطلت هذه الحيلة على كثير من الدهماء، والدليل تلك الجحافل الجرارة التي خرجت مع فرعون في أثر موسى لتصفيته جسدياً والقضاء عليه وعلى دعوته، فتضيق الأرض بما رحبت على أصحاب موسى، - عليه الصلاة والسلام -، حتى كاد اليأس أن يفتك بهم، فقالوا تلك المقولة التي غيرت مجرى الأحداث بعد ذلك، لما رأوا فرعون وجنده، فقالوا: (... إِنَّا لَمُدْرَكُونَ)(الشعراء: من الآية61) فكأنما هذه الكلمة لسعت فؤاد موسى، - عليه الصلاة والسلام -، فيرد بثقة قائلاً: (قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ) (الشعراء: 62). فتأتي المعجزة بلمح البصر(فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ... )(الشعراء: من الآية63) فكانت النهاية التي أذهلت العالم أجمع إلى يومنا هذا، كيف نجا موسى ومن معه على قلتهم، مع العلم أن البحر أمامهم وفرعون من خلفهم بجيشه الجرار، فكان مصيرهم أن ابتلعهم البحر، ولم يبق منهم إلا الخبر اليقين، بهلاكهم، وأسدل الستار على هذا الحدث، مرة أخرى. لتبقى منه العبرة، لمن أراد أن يعتبر من الجبارين الذين يسعون في الأرض الفساد، إن جبار السماوات والأرض لهم بالمرصاد.
وهاهو المشهد يعود من جديد، في عهد نبي آخر، وهو خاتم الأنبياء وسيد المرسلين، الذي جمع الله له الأديان كلها في دين واحد، وهو الإسلام، ماذا قالت عنه نفس الزمرة، وبنفس الفكرة، ولكن مع تغير الأشخاص، ولكن بنفس الأسلوب القذر، وحسبما تقتضيه عملية التأثير على الرأي العام، فأطلقوا عليه دعاية أنه ساحر، ولم تنطل هذه الفكرة؛ لأن المجتمع لم يجرب على هذا النبي الكريم أنه تعاطى السحر أبداً، فاستبدلوها بصيغة أخرى، فقالوا: هو كذاب، وليس عندهم دليل أيضاً على هذا؛ لأن الناس قد لقبوه بالصادق الأمين، فكيف يتخلّون عن هذه الفكرة؟ فقالوا: لا هو كاذب، فلما لم تنطل فكرتهم، ولم يجدوا جمهوراً يطبل لها، قالوا: أصلاً هو مجنون، وهم يعرفون أنه أعقل شخص على وجه الأرض، ولكن الخداع والزيف، وقلب الحقائق. فلما أعيتهم الحيلة، قرروا تصفيته جسدياً، فدبروا تلك الحيلة التي تطفح بالغدر والخيانة والخسة والنذالة، وهو أن يدخل عليه وهو نائم في بيته مجموعة من السفلة، ويغتالوه بشكل جماعي، ولكن القادر على كل شيء، الذي إذا أرد شيئاً، قال له: كن فيكون، لهم بالمرصاد، فتأتي المعجزة منه - سبحانه وتعالى -، الذي يكون مع أوليائه في السراء والضراء فيبطل الله مكرهم، وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال، (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) (لأنفال: 30) (وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) (آل عمران: 54) فينجي الله عبده ورسوله، محمد صلى الله عليه وسلم ، بلمح البصر، ويخرج من بين أظهرهم سليماً معافى (... وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ... )(المائدة: من الآية67)(67/203)
ثم تتوالى الأحداث بعد ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، في العهد المدني فماذا عمل اليهود له من مكائد ودسائس، وقد حاولوا اغتياله، حينما قدم إلى حصونهم، فدبروا حيلة خبيثة، بمعاونة الشيطان، وموافقته، حيث أرادوا إلقاء حجر عليه وهو غافل (والقصة أوردها الأمام الذهبي، في تاريخ الإسلام ص 151). ولكن الله نجاه من غدرهم، ووضعوا لهم السم في طعامه، ثم بعد ذلك أجلبوا عليه بخيلهم ورجلهم، فعقدوا اتفاقات عسكرية مع أعدائه لغزوه في المدينة، ولكن الله أبطل كيدهم، ثم بعد ذلك، هاهو النفاق يطل برأسه، وسط جراثيم الحقد و الغل، على هذا النبي الكريم ودعوته، صلى الله عليه وسلم ، إلى أن وصل بهم الحقد أن يتهموه في عرضه الطاهر؛ إذ لفقوا تلك الفرية القذرة، عندما أشاعوا أن زوجته الطاهرة، الصديقة بنت الصديق، قارفت الزنا، فبرأها الله منه، وألبسها ثوب العز والفخار، قرآنا يُتلى إلى يوم القيامة، وهذا تشريف له - عليه الصلاة والسلام -، فماذا عمل صلى الله عليه وسلم ، مع رأس هذه الفتنة، لعنه الله.. ؟ تركه حفاظاً على جناب الدعوة الفتية، وإكراماً لابن هذه المنافق، الذي لم يكن مثل أبيه، بل ملأ الإيمان قلبه، فهل يوجد على وجه الأرض خلق ونبل وكرم مثل هذا، فصدق الله العظيم، الذي زكاه (وإنك لعلى خلق عظيم)، وهاهو القرآن الكريم يسجل فصول هذه الرواية في مواضع كثيرة من القرآن (إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْأِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْأِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ) (النور: 11). ثم قال مطمئناً نبيه، محمد صلى الله عليه وسلم : (إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئينَ) (الحجر: 95). وقال - سبحانه - حاثاً نبيه على مواصلة الكفاح من أجل إيصال الخير للناس عامة: (... وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ... )(المائدة: من الآية67).
إذاً لا نستغرب إذا تصرف هؤلاء هذا التصرف، فقد قالوا وفعلوا أشنع من ذلك؛ إذ تطاولوا على من هو خير من رسول الله، صلى الله عليه وسلم ، وهو مالك الملك إله الأولين والآخرين الملك العظيم، جبار السماوات والأرض، الذي بيده القدرة المطلقة، (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) (يّس: 82). تأملوا ماذا قالوا.. ؟ وقد سجل القرآن قولتهم، في آيات بديعة رائعة صادقة الوقوع، وتأمل الخسة والحقارة والجراءة في مقولتهم:
(وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ... )(المائدة: من الآية64) ثم تأمل أيضاً إلى ما هو أدهى وأمر (لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ... )(آل عمران: من الآية181) ثم تأمل ماذا قالت النصارى أيضاً، وملة الكفر واحده: (... وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ... )(التوبة: من الآية30) وماذا قال فرعون بكل سخف وجنون، بعدما استخف قومه فأطاعوه: (... يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي... )(القصص: من الآية38).
أبعد هذا قول يُقال.. ؟
إذاً الأنبياء عليهم وعلى نبينا محمد أزكى الصلاة وأتم التسليم، من باب أولى أن ينالهم مثل هذا الأذى.
ثم إن القوم لم يأتوا بجديد، فإذا عرفنا هذا، هل نسكت ونمرر الحدث.. ؟ لا وألف لا، بل يجب أن تستفيد منه، ونستثمره لصالح الإسلام والدعوة إليه، منطلقين بذلك من قول ربنا - سبحانه وتعالى -، عندما قال لنا في مثل هذه الأزمات والمصائب: (... وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ... )(البقرة: من الآية216).
إذاً كل أمر ينزل بنا من قبل أعدائنا هو خير لنا إذا أحسنا التعامل معه، واستفدنا منه، وأخذنا منه الدروس والعبر.
ولا شك أن ما فعله القوم فيه فوائد جمة، وفي ظني لو علم القوم ما هي الفوائد التي سنجنيها من فعلتهم ما فعلوها، فهذه بعض الوقفات مع بعض الفوائد من هذا الحدث الجسيم...
فوائد الحدث...
1) ـ استشعار عظمة هذا الدين ونبيه صلى الله عليه وسلم ، عند المسلمين، وذلك من خلال ردة الفعل العنيفة، التي حدثت بعد هذا الحدث الخطير، نجد كثيراً من المسلمين قد ابتعدوا عن مصدر عزتهم وقوتهم، بتجاهل كثير من سنن المصطفى، صلى الله عليه وسلم ، بسبب ما أصاب المجتمعات الإسلامية من ركون إلى الدنيا ورغد العيش، والغوص في الملذات التي أبعدتنا كثيراً عن مشكاة النبوة، وهذه الفعلة القذرة أعادت إلى الأذهان توهج مشعل النبوة، ونور الهداية، وجعلته حاضراً في نفوس أبناء الأمة على مختلف مستوياتهم وتوجهاتهم، مما سيكون له الأثر البالغ في عودة الأمة إلى سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم دراسة وتعلماً، وهو الذي كان السبب في إخراج هذه الأمة من ظلمات الجهل إلى ساحة نور الإيمان والعزة والكرامة والقوة والمنعة.(67/204)
2)ـ معرفة مكانة المصطفى - عليه الصلاة والسلام - في نفوس المسلمين عامة بغض النظر عن هوياتهم، ودرجة تدينهم، والدليل موجة الاستنكارات التي توالت من شتى الأقطار الإسلامية، انطلاقاً من أرض الحرمين المباركة، والتي هي محضن هذا الدين، ومنه نبع الإسلام، وعلى أرضه وُلد هذا النبي العربي الكريم، صلى الله عليه وسلم .
3)ـ نفض الغبار عن كواهل كثير من الشعوب المسلمة، والتحرك بالاتجاه الصحيح لتطبيق تعاليم الإسلام في واقع حياتهم، وتعظيمه في نفوسهم، والتي نُسي كثير من تعاليمه بسبب الابتعاد عن دراسته زمناً طويلاً.
4)ـ إيضاح كثير من سنته، صلى الله عليه وسلم ، التي خفيت على كثير من الشعوب المسلمة، وذلك من خلال ما طرحه العلماء والدعاة عبر منابر المساجد ووسائل الإعلام والكتب والأشرطة التي بُثت خلال الحدث، عن سيرته العطرة، صلى الله عليه وسلم ، فعرف الناس كثيراً من جوانب شخصيته - عليه الصلاة والسلام -، وسوف ينعكس ذلك إيجاباً، بإذن الله، على حياة الناس، ولو لم يأت مثل هذا الحدث، لما خصصت هذه الوسائل تلك المساحة الهائلة للحديث عن هذا الحدث بهذه الصورة.
5)ـ تعرف كثير من غير المسلمين على كثير من جوانب شخصية المصطفى، صلى الله عليه وسلم ، وحياته، وتعامله مع الناس، وكيفية تبليغه للدعوة، من خلال منهج رائع متكامل الصورة توضح مدى تكامل شخصية هذا النبي، - عليه الصلاة والسلام -. وذلك من خلال ما طُرح عبر الفضائيات التي يصل أثيرها إلى أماكن متفرقة من العالم، ومن يدري فقد يكون ذلك سبباً في إيجاد أرضية لكثير من الناس الذين يبحثون عن بعض المعلومات عن الإسلام، بعدما أنهكهم التيه والتشرد في أودية سحيقة، وهم يبحثون عن مخرج يدلهم على الطريق الصحيح، ومن يدري فقد يعتنقون الإسلام في يوم من الأيام.
6)ـ اتفاق المسلمين عامة على استنكار هذا الفعل القذر، بجميع دولهم، على الرغم من تفرق هذه الأمة زمناً، وهذا فيه دلالة قوية على إمكانية توحدها وقوتها ـ وتأمل الناحية الاقتصادية، عندما تحرك الناس لمقاطعة المنتجات الدنمركية، ماذا كان التأثير؟ وكيف اتفقوا على هذه المقاطعة، وكيف كان التأثير بعد ذلك قوياً؟
7)الآخر... هذه المفردة التي خرجت علينا، وطبل لها الكثيرون، وأنه يجب علينا أن نحاورهم، هذه لغة الحوار التي يريدها (الآخر)، والذي عرفناه من خلال هذا الحدث، حيث سخّر بعض وسائل إعلامه ليسخر من نبينا، صلى الله عليه وسلم ، ويُراد منا أن نحاوره ونحاوره، لكن صدق ربنا - سبحانه وتعالى -: عندما أخبرنا عنهم، حيث قال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ... )(آل عمران: من الآية118) وقال - سبحانه - عنهم: (وَدَّتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ) (آل: عمران: 69). وتأمل ثقافة القوم، عن هذا الأمر، بأنه حرية وتقدم، دون التفريق بين الشخصيات المنتقدة، فهم لا يفرقون بين شخصية مهرج، أو نبي كريم. فالكل عندهم تحت منشار التجريح والنقد.
واليك الدليل:
قالت صحيفة (الديلي جراف): إن "حرية جرح المشاعر في إطار القانون تمثل ركناً أساسياً من أركان حرية التعبير، والمسلمون الذين اختاروا أن يعيشوا في الغرب يجب أن يتقبلوا أن لدينا الحق في التعبير عن قيمنا".
وتضيف: "المسلمون يجب أن يقبلوا الأعراف السائدة في الثقافة التي تبنوها ومعظمهم يفعل ذلك، أما المسلمون الذين لا يمكنهم أن يتسامحوا مع النقاش المفتوح والمحموم في الغرب، فإنهم ربما لم يحسنوا اختيار الثقافة التي يعيشون فيها".
** بعد هذا، ما هو دورنا.. ؟
أولاً: يجب أن نستثمر هذا الحدث لصالحنا، وألاّ نجعل الحدث يمر هكذا، حالة غضب، تمر سريعاً، ثم تذوب كما يذوب الثلج تحت أشعة الشمس، وتكون أفعالنا ردات فعل فقط، سريعاً ما تنطفئ جذوتها، هذه فرصتنا لنطرق أبواب القوم، وأن نلج إلى ديارهم، ونعيد لهم الصورة الحقيقية لهذا الدين العظيم، الذي هم مكلفون باعتناقه، مثلهم مثل غيرهم؛ إذ إنهم داخلون ضمن هذه الآية (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) (الذاريات: 56). فكيف يكون ذلك؟
1) ـ توجيه الدعوة الإسلامية إلى الدنمركيين والنرويجيين، بالطريقة الشرعية (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ... )(النحل: من الآية125). وبالطريقة التي يفهمها القوم، نقدم لهم رسالة الإسلام، ونعرفهم به، وما هي أهدافه في الحياة، وماذا يقدم للفرد إذا اعتنقه، أثناء حياته، وبعد مماته. ويذكر نماذج قصصية لأشخاص اعتنقوا الإسلام، وكيف تبدلت حياتهم من البؤس والشقاء إلى السعادة والطمأنينة.(67/205)
2) ـ توضيح سيرة رسول الإسلام، محمد صلى الله عليه وسلم ، الذي سخر منه بعضهم، واختيار نماذج قصصية عملية، توضح هذه السيرةـ ونبتعد عن الكلام الإنشائي ـ نوضح لهم كيف كان تعامله مع الكفار والمشركين وأهل الكتاب، وأن تعامله كان راقياً، يليق بشخصيته العظيمة، صلى الله عليه وسلم . وكيف أثر هذا التعامل على كثير منهم، مما كان له الأثر في اعتناق كثير منهم الإسلام، ثم تُكتب هذه النماذج القصصية بطريقة رائعة وجذابة وبلغة القوم، ثم تُوزع بالمجان على الناس عامة هناك، مع بثها عبر وسائل إعلامهم إن أمكن ذلك، ليعرف هؤلاء القوم شخصية نبينا - عليه الصلاة والسلام - بكل وضوح. مثل قصة إسلام الصحابي، عبد الله بن سلام، - رضي الله عنه -، والذي كان يهودياً، كذلك قصة زيارته، صلى الله عليه وسلم ، لليهودي الذي مرض ابنه.
3) ـ إيضاح ما يكنه نبينا محمد، صلى الله عليه وسلم ، لأخيه عيسى بن مريم وأمه، العذراء، وكذلك لأخيه موسى، عليهم الصلاة والسلام، من التقدير والاحترام والتعظيم، ومدى محبته لهم جميعاً، مستمداً ذلك من القرآن الكريم. كذلك إيضاح ما قاله القرآن عن حقيقة عيسى بن مريم وأمه، عليهما الصلاة والسلام، وما قاله اليهود من بهتان وفجور، ليعرف هؤلاء السفهاء مدى الجهل الذي يتخبطون به دون وعي أو إنصاف، قال - سبحانه وتعالى -: (وَإِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ) (آل عمران: 42). وتأمل البشارة بعيسى - عليه الصلاة والسلام -: (إِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهاً فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ) (آل عمران: 45) ثم تأمل حقيقته - عليه الصلاة والسلام -: (إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) (آل عمران: 59). وتأمل هذه البشارة من عيسى - عليه الصلاة والسلام -، عندما بشّر قومه ببعثة محمد صلى الله عليه وسلم : (وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرائيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ) (الصف: 6). كل ذلك بلغ به نبينا محمد، صلى الله عليه وسلم ، وأخبر به في القرآن الكريم، ولكنه البهتان والخداع، فلوا كان القوم يريدون الإنصاف والحقيقة والحوار لما كذبوا رسولهم الذي أرسل إليهم وهو عيسى عليه وعلى بنينا الصلاة والسلام.
4) ـ الاستفادة من هذا الحدث بإرسال رسائل إلى زعماء دول العالم وشعوبها أجمع لتوضيح الصورة الحقيقية لشخصية رسولنا صلى الله عليه وسلم ، من خلال ذكر نماذج من سيرته العطرة، ودعوتهم إلى الإسلام، وإن الفرصة متاحة لهم، بأن يستفيدوا من خصائص الإسلام، حيث هو الدين الحق الجامع لكل الأديان، (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْأِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) (آل عمران: 85). وليعرف الناس عامة ما هي أخلاق المصطفى - عليه الصلاة والسلام -، الذي تطاول عليه هؤلاء ظلماً وحقداً، وتخطوا بذلك كل القيم والأخلاق، والتي كانوا ينادون بها.
5) ـ توضيح منهجه - عليه الصلاة والسلام - في الحكم السياسي والتعاملي، في كل شؤون حياته، خاصة مع من يُقال له (الآخر)، ليعرف هذا الآخر ما هي أخلاقه صلى الله عليه وسلم ، عدله، تعامله، إيثاره، صدقه، لا ينتقم لنفسه، يسامح ويعفو، ـ يذكر نماذج أيضاً ـ.
ليت بعض هؤلاء يفيقون، ويعرفون حجم هذا (الآخر)، و ما يخفيه في صدره للإسلام والمسلمين من حقد، لا يمكن أن تزيله صداقات عابرة، بل هو إرث قديم، يتوارثه القوم جيلاً بعد جيل، وقد أثبت الواقع صدق ما نقول، والأيام حبالى، وإن طال بقاؤنا، سنرى ما هو أشد من هذا، تجاه هذا الدين العظيم ونبيه الكريم، وصدق الله العظيم الذي أخبرنا عنهم، حيث قال - سبحانه -: (... وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ)(آل عمران: من الآية118).
6) الصحافة المحلية والعربية والإسلامية، عليها واجب عظيم، حيث تملك مساحة انتشار واسعة جداً، ويطلع عليها ملايين الناس يومياً، عليها تخصيص صفحات يومية على شكل ملاحق، تُخصص لعرض كامل سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم ، ويُستكتب لها طائفة من أهل العلم والمتخصصون في علوم التاريخ، وتخرج هذه الملاحق بشكل جذاب، أسوة بالملاحق الفنية والرياضية، وذلك من أجل بث الوعي لدى عامة المسلمين الذين يجهلون كثيراً من سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم .(67/206)
7) العلماء و حملة الأقلام وأصحاب الفكر، عليهم مسؤولية تاريخية وعظيمة، والذين أُتيح لهم الكتابة والتحدث في وسائل الإعلام، عليهم أن يخصصوا جزءاً من كتاباتهم وبرامجهم، لإيضاح دعوة المصطفى، صلى الله عليه وسلم ، بشكل سهل وواضح، وكيف انتشرت بين أمم الأرض قاطبة، مع إيضاح وصاياه، - عليه الصلاة والسلام - للجند إذا أرادوا الخروج لغزوة من الغزوات، ليعرف الآخر هذا التعامل الراقي لهذا النبي الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.
8) محاولة إنشاء قناة فضائية متخصصة في بث سيرة المصطفى، صلى الله عليه وسلم ، مع علوم الشريعة، وليت الأحبة في قناة المجد، يسبقون إلى ذلك، وتكون بلغات متعددة، بجانب اللغة العربية. وهذا بالتأكيد سيكون له الأثر الكبير في بث الوعي العام لدى شعوب العالم، عن نبي الإسلام، محمد صلى الله عليه وسلم .
9) على الآباء والأمهات، التعريف بسيرة نبينا، - عليه الصلاة والسلام -، بين الأبناء الصغار؛ فالتحدي اليوم كبير، لذلك علينا أن نرضع أبناءنا محبة رسول الله، صلى الله عليه وسلم ، ونقتدي به في كل أفعالنا وأقوالنا.
10) علينا جميعاً أن نفعّل سنته بيننا، وأن تقتدي به في حياتنا اليومية، ليرى العالم أننا نقتدي به، لعل كثيراً من المظاهر المخالفة لهديه، صلى الله عليه وسلم ، التي تعج بها المجتمعات الإسلامية، بعد هذا الحدث تختفي وتزول.
** تحذير مزدوج..
1) من عدم التهور والتصرف تصرفاً تكون نتائجه خطيرة جداً، على الأمد البعيد والقريب، على الأمة جميعها، ويكون فيه إضاعة الحق الذي لنا، وذلك بمحاولة الانتقام من خلال العنف، أو إلحاق الضرر بشخص، أو جماعة ليس لهما علاقة بهذه الفعلة، وليكن قدوتنا في هذا نبينا، صلى الله عليه وسلم ، مع مخالفيه، والذين ألحقوا به الأذى، فقد قال لهم، في محاجة هادئة: (... قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ)(البقرة: من الآية111) وقوله لقريش بعدما فتح مكة: "اذهبوا فأنتم الطلقاء"، والأمة تملك من الحق ووسائل إيصاله، ما يجعلها تدافع به عن نبيها، بأسلوب حضاري، يقلب هذا الحدث الذي هز مشاعر الأمة إلى نصر مبين. بإذن الله، دون أن نلجأ إلى أساليب العنف، الذي لا يولد إلا العنف. كما حصل من إحراق العلم الدنمركي، مما جعل بعض المغرضين يهددون بإحراق نسخ من القرآن الكريم علناً، رداً على هذا التصرف، ثم ما هي المكاسب التي سوف نجنيها من إحراق العلم، بقدر ما نجلب لنا عداوات جديدة؟ ولنتأمل قول ربنا - سبحانه - في هذه القاعدة المهمة في التعامل مع الكفار: (وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (الأنعام: 108). وقد يُتخذ هذا ذريعة من أجل إلصاق التهم الجاهزة عنا، بأنا قوم لا نملك إلا العنف، وسيلة للتعبير، ولنتأمل سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بحيث لم يلجأ إلى العنف، مع من اعتدى عليه أو رماه بمنقصة بل أحسن إليهم، فأثر هذا الإحسان على كثير منهم، مثل حادثة ذلك الرجل الذي أخذ سيف رسول الله، صلى الله عليه وسلم ، وهو نائم، فقال: من يمنعك مني يا محمد.. ؟ فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم : الله، فسقط السيف من يد الرجل، فأخذه رسول الله، صلى الله عليه وسلم ، وقال: من يمنعك مني الآن.. ؟ فقال الرجل: لا أحد، فعفا عنه، - عليه الصلاة والسلام -، وقال له: هل تسلم.. ؟ فقال الرجل: لا.. ولكن لن أقاتلك أبداً.. أو كما قال.. إذاً نحن أولى أن نقتدي بهذا الفعل النبوي المثمر، ونوضح حجتنا بالدليل والبرهان القاطع، الذي يجعل الآخرين الذين يترقبون هذه الغضبة، يعذروننا فيها، ويرون أننا على حق، وأن ديننا دين تكامل ورحمة وعفو، من غير خور أو خوف ومهانة..
2) رسالة أوجهها لأولئك القوم الذين يسافرون إلى بلاد الغرب، بأن عليهم مسؤولية عظيمة تجاه دينهم، ونبيهم، وأوطانهم، وذلك من خلال الممارسات اليومية، ومن خلال ارتيادهم للاماكن العامة، بأن يلتزموا بتعاليم دينهم، ويظهروها ويفتخروا بها، مثل تأدية الصلوات، وحسن التعامل مع الآخرين، والتقيد بتعليمات كل بلد، والالتزام بالحجاب الشرعي للنساء؛ لأنه سيحكم على مدى تمسكنا بتعاليم نبينا الذي غضبنا له، من خلال الممارسات اليومية والتي يراها القوم، بل ويركزون عليها، وأن نكون على حذر، فقد تكون عدسات جرائدهم ومجلاتهم، ووسائل إعلامهم لهم بالمرصاد، لتسجل هذه الأفعال والممارسات، ومن يدري فقد تكون مادة إعلامية شهية بالنسبة لهم، ليردوا بها علينا، بعد هذه الغضبة المباركة.
والمحايدون يحكمون على الشعوب من خلال ممارساتها، واعتزازها بقيمها ودينها، والله سائل كل فرد عما تقترف يداه ورجلاه وسمعه وبصره (... إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً)(الإسراء: من الآية36.
**وضوح الرؤية:(67/207)
كما أسلفنا القول إن فوائد هذه الحملة كثيرة، فقد اتضح من هذه الحملة زيف كل الشعارات والتنظيمات التي يرفعها الغرب للدفاع عن حقوق الإنسان ومعتقداته، ويظهر جلياً في هذا الفعل القذر، ونلاحظ أن الفعل إذا كان يخص المسلمين فإن الأمر يختلف تماماً، ويُعدّ حرية رأي، وحرية تعبير، أما إذا كان الأمر يخص السامية، أو كما يُقال: العم سام، فلا وألف لا، وذك أمر يعاقب عليه القانون الدولي، والدولة التي ترتكب مثل هذا العمل تُعدّ خارجة عن القانون الدولي، ويجب أن تُعاقب، من خلال تشريعات الأمم المتحدة.
وتأمل ما قالته منظمة صحافيون بلا حدود، عن هذه الفعلة القذرة الحقيرة، والتي تنم عن الحقد الدفين لعباد الصليب لهذا الذين، ونبيه، صلى الله عليه وسلم ، كما نُشر ذلك، عبر شبكات الإنترنت، قالت: و قد اعتبرت ردود الفعل في العالم العربي تجاه الحدث، أنها تكشف عن عدم فهم لحرية التعبير كإنجاز ديموقراطي أساسي.
وإن كانت هذه المنظمة صادقة فلتتعرض للسامية، أو محرقة اليهود.. !!
وقالت صحفية (دي فيلت) الألمانية والتي نشرت على صدر صفحتها الأولى إحدى الصور المسيئة للرسول صلى الله عليه وسلم : إن العادة قد جرت في الغرب، على التهكم على المقدسات الدينية.
** نداء ورجاء..:
من هذا المنبر أوجه رسالة ورجاء، لكل قادة العالم الإسلامي، وصانعي القرار فيه وعلى رأسهم خادم الحرمين الشريفين، بإنشاء جامعات في كل البلاد الإسلامية، تحمل اسم ـ جامعة المصطفى صلى الله عليه وسلم ، يدرس فيها سيرة المصطفى، - عليه الصلاة والسلام -، مع علوم الشريعة الإسلامية، من أجل تحصين أبناء الأمة، وإذكاء انتمائهم لدينهم وعقيدتهم الصحيحة، بالإضافة إلى العلوم الأخرى.
وكم أتمنى أن يُطلق اسم المصطفى، صلى الله عليه وسلم ، على الجامعة الإسلامية الواقعة في مدينة رسول الله، صلى الله عليه وسلم ـ طيبة الطيبة ـ خاصة أنها تدرس العلوم الإسلامية لمعظم أبناء المسلمين من شتى البلاد الإسلامية، والتي أثمر ينعها ولله الحمد.
0
لكل من ساهم في تلك الحملة للتصدي و الدفاع، عن عرض المصطفى، صلى الله عليه وسلم ، سواء بقلمه أو لسانه، و خاصة تلك المقاطعة الاقتصادية، لجميع المنتجات الغذائية، وغيرها، مما كان له الأثر الفعال والمؤثر على التجار لهذه الدولة، التي تطاولت على نبينا، محمد، صلى الله عليه وسلم ، فلا نملك لهم إلا الدعاء الصادق بأن يوسع الله في رزقهم، وينسأ لهم في آجالهم، ويُصلح ذريّاتهم ويلبسهم ثوب الصحة والعافية، ويجعل ذلك في ميزان حسناتهم، وأن يعتقهم من النار. إنه سميع مجيب.
أخيراً...
واجب على كل مسلم أن يذب ويدافع عن المصطفى، صلى الله عليه وسلم ، كل حسب قدرته واستطاعته، والله - سبحانه - لا يكلف نفساً إلا وسعها (... وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ... )(البقرة: من الآية216)) وقال - سبحانه -: (... لا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ... )(النور: من الآية11).
اللهم دافع عن نبيك يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام.. وأرنا في الذين كفروا وظلموا عجائب قدرتك، يا من هو أشد بأساً وأشد تنكيلاً، وصلى الله على من بعثه الله رحمة للعالمين فأخرجهم من الظلمات إلى النور، وعلى آله وصحبه أجمعين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته...
13/1/1427
12/02/2006
http://www.islamtoday.net المصدر:
=============(67/208)
(67/209)
بغداد على الصليب
سعود الأسدي
saudalasadi@yahoo.com
بغدادُ يا مُهْجتي يا نَبْضَ شرياني ** غَنّيتُ فيكِ مواويلي بألحاني
غنّيتُ " تمّوزَ " لمّا ثارَ ثائرُهُ ** صيفاً فصارَ ربيعاً مثلَ نيسانِ
هاتي " الأبوذيَّةَ "السمراءَ أعزفُها ** عَزْفاً يفوقُ عزيفَ الإنسِ والجانِ
وَرَدِّدي من "عتابا" جاسمٍ فأنا ** مُتَيّمٌ بعتابا فيكِ تلقاني
هاتي القصيدَ رُؤَىً من بابلٍ صَرَفَتْ ** عنّي شديدَ عذاباتي وأحزاني
من عهدِ "جلجامشٍ" والشعرُ ملحمةٌ ** عشقًا أباحَ شَذَى وَرْدي ورَيْحاني
و" جالغي بغدادَ " يا بغدادُ أعشقُهُ ** فاقَتْ ملاحمَ يونانٍ ورومانِ
بالدفِّ والجُنْكِ والسَّنْتورِ مُصْطَفِقاً ** إيقاعَ حُبِّكِ في ترتيلِ كُهَّانِ
من عَهْدِ" أنليلَ " فيه الروحُ ساريةٌ ** كالنهرِ بينَ روابي الرّنْدِ والبانِ
أختُ الرشيدِ وإني فيكِ أذكرُها ** وهي التي أقسمتْ بي ليس تنساني
وكيفَ تنسَى الذى أهدَى حُشاشَتَهُ ** شقائقَ النعمةِ الكُبرَى لنعمانِ
من كلِّ فينانةٍ تهفو برونقِها ** في روضةِ الحُبِّ والذكرى لفينانِ
بغدادُ والصمتُ تعبيرٌ على مَضَضٍ ** فإنْ صَمَتُّ فقلبي مثلُ بُركانِ
عَلّقْتُ عودي ببستانِ الفُراتِ على ** قوسٍ لنخلةِ جُوْدٍ قُطْفُها داني
وَخُضْتُ في دجلةٍ والشوقُ يغمرُني ** بقُبْلةِ الشِّعْرِ من عطفٍ وتحنانِ
كانتْ من المتنبّي نِعْمَ ما تَرَكَتْ ** على جبينِ لقائي حينَ حَيّاني
عفواً أباالطيِّبِ الكِنْدِيِّ أنتَ لَظَىً ** عَمَرْتُ من وَهْجِكَ الحرّاقِ وجداني
ديوانُ شِعْرِكَ قد سطّرْتُهُ شَغَفاً ** حَرْفاً بحرفٍ وما سَطَّرْتُ ديواني
ورحتُ أحفظُ من آياتِهِ عَجَباً ** بما تَضَمَّنَ من سِحْرٍ وتبيانِ
أدهشْتُ كلَّ الأُلى عَلَّمْتُهمْ وبه ** لم ألْقَ طالبَ شِعْرٍ غيرَ دَهْشانِ
به عَدَوْتُُ بميدانِ القصيدِ على ** مُهْرٍ أصيلٍ وما قصّرتُ ميداني
وَرُحْتُ أهمي بوادي الرافدينِ لَدَى ** حُلْمٍ أثيرٍ بهِ كَحَّلْتُ أجفاني
نَهْرانِ كمْ رَدَّدا للمجدِ أُغنيةً ** كانتْ نشيداً لقحطانٍ وعدنانِ
سُقِيْتُ عذباً فُراتاً من عيونِهما ** كدمعةِ الزِّقِّ أُسقاها بفنجانِ
وقد شكرتُ ولا مَنٌّ لفضلِهما ** والفضلُ وافٍ ولا يُوفيهِ شُكراني
لكنَّ من جَحَدوا بغدادَ أعرفُهم ** بهم شقيتُ بنو عمّي وإخواني
قد أنكروا العيشَ والملحَ الذي أكلُوا ** جَْورًا كأنّهُمُ ليسوا بجيرانِ
تَقَمّصُوا الغَدْرَ واسْتَعْدَوْا أعاديَهم ** على شقيقٍ جزَى شرّاً بإحسانِ
يا نَحْسَ ما جلبُوا يا تَعْسَ ما ارتكُبوا ** بما تمخَّضَ من حِقْدٍ وشَنْئانِ
سَحْقاً لقَادتِهِمْ مَحْقاً لسَادتِهِمْ ** وإنّهُمْ وُلِدُوا بالفُجْرِ من زانِ
هُمْ يخضعونَ، عبيدٌ للألى طَمِعُوا ** في النفطِ نهباً وفي خيراتِ أوطاني
فمَنْ أُعَدِّدُ من أشرارِهِمْ وَهُمُ ** كُثْرٌ وقد أُسقِطُوا من كلِّ حُسبانِ؟!
إنْ خانَ" يُوْضاسُ" عيسى حينَ أسلمَهُ ** بفضّةٍ وانثَنى في زِيِّ نَدْمانِ
فقد غَرِقْتُ أيا بغدادُ في عَجَبي ** إذْ فيكِ مليونُ يوضاسٍ وخََوّان
لكنَّهمْ يا لَهَوْلِ الخَطْبِ مانَدِموا ** فَلْيُلْعَنُوا عَلَناً من كلّ لَعّانِ
وفيكِ مليونُ جاسوسٍ لمن وَلَغُوا ** في دَمِّ من جابَهوا مليونَ سَجّانِ
بَثُّوا شياطينَهم في كلِّ زاويةٍ ** فأينَما سِرْتَ تُبْصِرْ وَجْهَ شيطانِ
بغدادُ شُدّي بحبلِ الصبرِ وانتظري ** هم يعمهون بتضليلٍ وطُغيانِ
لا تيأسي فالمسيحُ السَّمْحُ قد خُضِبَتْ ** أضلاعُهُ بالنجيعِ الأحمرِ القاني
حتى إذا شمسُه أضحت أطلّ بها ** فوق الصليبِ فألقى سيفَهُ الجاني
فإن صُلِبْتِ فإنّ الصَلْبَ آخرُهُ دَحْرٌ لمن قد أتى جهراً بعدوان
**
طوبى إليك وفيكِ الشعبُ ذو سَهَرٍ ** يقظانُ أيقظُ من "حيِّ بنِ يقظانِ"
قد ثارَ في وَجْهِ من جاءُوا بِحُجَّتهم ** كِذْباً وتدجيلُهم تدجيلُ عُوْران
ومن تألَّهَ منهم باتَ في عَتَهٍ ** وغِرَّةٍ فهو و"النّمْرودُ " سِيّانِ
وَرُبّ بَرْغَشَةٍ آذتْ مسامعَه ** فصارَ في حالِ مصروعٍ ويأسانِ
فالسِّحْرُ صارَ على السَّحّارِ مُنقلباً ** والشّرُّ عادَ عليهِ وهو شرّانِ
فاستبشري النّصرَ والأيّامُ قادمةٌ ** بهِ إليكِ، وعندي ألفُ بُرهانِ
فتلكِ " فِتْنامُ "ماهانتْ وما وَهَنَتْ ** وفَرَّ أعداؤُها منها كجِرذانِ
بغدادُ والشعرُ بي قد قال كِلْمَتَهُ ** وإنّ حبَّكِ دربَ الشّوكِ مشّاني
رضيتُ بالشّوكِ كي أحظى بجنةِ من ** صانُوا العهودَ لحامي البيتِ والباني
أنتِ المنارةُ يا بغدادُ من قِدَمٍ ** غنّيتُ مجدَك في ترتيلِ قرآنِ
فأن سألتِ أيا بغدادُ عن صفتي ** فإنما بكِ قد أعلنتُ إيماني
والمَرْجِعِيَّةُ عندي بالرّجوعِ إلى ** حُبِّ العراقِ ومنْ بالحُبِّ سَوّاني
إني الإمام ُلمن يهوى العراقَ أنا ** من العراقِ وعِْرقي منه عِرْقان
عِْرقُ الثقافةِ تغذوني بنعمتِها ** وعِرْقُ أصْلي، وعِرْقي منه جَيْلاني
أني لعينيكِ يا بغدادُ فامتحني ** صدقي لديكِ وإنّ الصدقَ نجّاني
تُيِّمْتُ فيك وإن الحبَّ أسكرني ** حتى رقصتُ وإن الرّقصَ أعياني(67/210)