قلت له: وأنت ألا تعتقد أن رسول الله يتمتع بحياة برزخية متميزة؟ وهل سلام المصلّي عليه في الصلاة قائلاً: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، إلا دليل بدهي على أنه يتمتع بهذه الحياة المتميزة؟ وإذا كان موت صلى الله عليه وسلم يعني أنه لا يتمتع بشيء من هذه الحياة، إذن فليس خطابنا بالتسليم له في الصلاة إلا العبث بذاته.
* * *
ولما انتهت أسئلة الرجل واستوفز ليمضي، قلت له: ولكنك لم تسألني عن أخطر داء عضال يفتك في كيان هذه الأمة.
قال: فما هو؟
قلت: هو ذاك الذي ذكره ابن عطاء الله في واحدة من حكمه، إذ قال: ((تمكن حلاوة الهوى من القلب هو الداء العضال)).
إنه داء العصبية للمذهب وللذات، يقود صاحبه إلى امتطاء الدين سعياً إلى نصرة ذاته، ويحمل صاحبه في سبيل ذلك على استصغار واحتقار الخير العظيم الذي يرضي الله وينفع به الأمة، ويسخّر له من شاء من عباده، وعلى استعظام التوافه والهنات الاجتهادية التي قد يتعرض لها كل من كان دون مرتبة الرسل والأنبياء.
وإنما العاص من هذا الداء حصن الإخلاص لله وحده.. ومن تلمس مكمن الشهوات والأهواء في نفسه وتأمل في كيفية قيادتها لأعماله وتصرفاته، أيقن أن هذا هو الحق الذي لا مرية فيه.
محمد سعيد رمضان البوطي )))
****************
وقد قمت بالرد عليه مفصلا وأرسلت الرد للشام ، ولن أقوم بالرد على هذا المقال بكل تفاصيله ، ولكني سأذكر بعض الملاحظات الخطيرة التي انطوى عليها حتى يحذره الناس عامة ، وأهل الشام خاصة ، حيث إنه يلبس عليهم في كثير من القضايا
أولا في العنوان (( في ضرام تشهير لا يراد به وجه الله )) فكيف عرف أنه تشهير وأنه لا يراد به وجه الله تعالى ؟؟؟!!!
فهذا عين الكذب ومجانبة الصواب إلا إذا أوحي له بذلك أو اطلع على اللوح المحفوظ !!!!
إذن فكل من يناقش الصوفية والمخرفين ، فهو تشهير لا يراد بنقاشه وجه الله تعالى ؟؟ والسؤال كيف عرف الدكتور المحترم أنه لا يراد به وجه الله ؟؟؟!!!
أليس هذا من التقول على الله ؟؟
هل أطلعه الله على ذلك ؟؟؟!!!
أم أن هاتفا قال له : هذا تشهير لا يراد به وجه الله ؟؟!!!
وأما قوله (( قال لي، يستثيرني للتشهير برجل أحسب أنه من العلماء العاملين والصالحين الذين وضع الله لهم القبول في الأرض: ))
أقول :
فكيف عرف أنه للتشهير ؟؟؟!!!
وكيف عرف أن الله تعالى وضع القبول في الأرض (( للجفري )) ؟؟؟!!!
أليس هذا من الافتراء على الله ؟؟؟!!!
وهل كل من تسلط عليه أضواء الفضائيات العربية لكي يخدر الناس( ويتلاعب بعقولهم ) ممن كتب لهم القبول في الأرض ؟؟
وإذا كان السائل قد جاءك يستشيرك كما تقول ، أليس في نشرك هذا الكلام على الإنترنت هو عين التشهير بذلك الشيخ الذي لم ينشر كلامه في وسائل الإعلام ؟؟؟!!
ولكن يظهر أن الذي يعترض على بعض ترهاتكم يكون تشهيرا ، وقولكم هذا على الإنترنت ليس تشهيرا !!!!!!
لقد كان شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى محاربا من جلة علماء عصره ومات بالسجن فمن هو الذي كتب له القبول في الأرض ؟؟؟ !!!
علماء السلاطين أم المقلدون العميان ؟؟؟ أم المتعصبون ؟؟
لقد سقط الجميع ولا يسمع لهم بذكر ، وخلد شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله
والقبول في الأرض لا يعرف إلا بعد وفاة صاحبه فينكشف على حقيقته تماما ، ولعل الدكتور اطلع على الغيب وعلم من اللوح المحفوظ هذا الذي يقوله ويدعيه ؟؟؟
وأما قوله ((* ألا ترى؟ إنه يروي بعض الأحاديث الضعيفة والموضوعة.
قلت: في إحياء علوم الدين أحاديث موضوعة وضعيفة، فهل في ذلك ما يبعث الريبة في فضل الإمام الغزالي وعلوّ مكانته وجلالة قدره، والنفع العظيم الذي حققه لأجيال المسلمين بفضل كتابه هذا.. وهل في ذلك ما يدعو إلى تصنيفه لها في قائمة من قال رسول الله عنهم: ((من كذب عليّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار)) والتشهير به بين النار على هذا الأساس؟ ))
قلت :
في هذا الجواب مغالطة كبيرة وهي أن الإمام الغزالي ( رحمه الله ) قد اعترف أن بضاعته في الحديث مزجاة ، وقد كان عالما جليلا فيما سوى ذلك ، انتفعت به الأمة وأما الجفري فهل يشبه بالغزالي ؟؟؟!!
فما هي العلوم التي برع بها حضرته وسلَّم له بها أقرانُه ؟؟
لعلك تقول الوعظ والإرشاد والمنامات والكرامات والإلهامات !!
فأقول لك :
ليست هذه بعلوم على الحقيقة ويستطيع أجهل طالب علم أن يأتي بكتاب من كتب الصوفية التي تتحدث عن هذه الأمور، ويحفظ بعضها ثم يحدث الناس بها !!
والأمر الآخر أنه لا يجوز قياس الإمام الغزالي عليه ، لأننا اليوم في عصر دونت كل العلوم ومنها السنة النبوية وصارت مبذولة للعامة والخاصة ، فلماذا لا يتعلم حضرة الجفري هذا العلم ؟؟؟
وإذا كان عاجزا عن تعلمه لأي سبب كان ، وجب عليه أن يسال أهل العلم المختصين بذلك لقول الله تعالى :
{ 000 فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} (43) سورة النحل(64/4)
فهم الذين يستطيعون إرشاده إلى الكتب المعتبرة في هذا العلم الجليل ، حتى لا يتقوَّل على رسول ا صلى الله عليه وسلم ما لم يقل ، وإذا لم يسال أهل العلم فهو عاص ولا يحل لنا أن نأخذ ديننا من جاهل ، وقد قال صلى الله عليه وسلم« الْقُضَاةُ ثَلاَثَةٌ وَاحِدٌ فِى الْجَنَّةِ وَاثْنَانِ فِى النَّارِ فَأَمَّا الَّذِى فِى الْجَنَّةِ فَرَجُلٌ عَرَفَ الْحَقَّ فَقَضَى بِهِ وَرَجُلٌ عَرَفَ الْحَقَّ فَجَارَ فِى الْحُكْمِ فَهُوَ فِى النَّارِ وَرَجُلٌ قَضَى لِلنَّاسِ عَلَى جَهْلٍ فَهُوَ فِى النَّارِ ». أخرجه أبو داود وهو صحيح
كما أنه يتكلم بغير علم ، والله تعالى قد حرم علينا هذا قال تعالى :
{ وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً} (36) سورة الإسراء
وما زال العلماء ( في جميع العصور ) يحذرون من الأحاديث الواهية والموضوعة في كتاب إحياء علوم الدين وغيره ، قياما بواجب النصيحة ، فهل يعد عملهم هذا تشهيرا ؟؟؟!!
وقد استثنى العلماء من الغيبة المحرمة أشياء عديدة، كما يقول النووي في شرح مسلم :
ومنها : الرابع: تحذير المسلمين من الشر وذلك من وجوه:منها: جرح المجروحين من الرواة والشهود والمصنفين، وذلك جائز بالإجماع؛ بل واجب صوناً للشريعة.ومنها: الإخبار بعيبه عند المشاورة في مواصلته 000
كما أن الذي يروي ما هب ودب ونحذره( مراتد عيدة ) ومع هذا فلا يرتدع ولا ينزجر داخل قطعا تحت قوله - صلى الله عليه وسلم - « مَنْ كَذَبَ عَلَىَّ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ ». أخرجه البخاري
بل ثبت أن هذا الرجل يكذب في الحديث ويدلس على علماء الحديث ويتستطيع أي واحد أن يستمع لخطبه فيعرف هذه الحقيقة المرة
وفي قوله (( قال: وربما نسب الحديث إلى البخاري ومسلم، وهو ليس فيهما ولا في أحدهما؟ قلت: وهل أنت مبّرأ من هذا الوهم؟ دعك من هذا الشيخ الذي تسألني عنه. أنني تعرضت أكثر من مرة لهذا الوهم، نسبت الحديث إلى البخاري، ثم تبين أنه في ابن ماجة وأبي داود.. وقد وفقني الله من بعدُ، فصححت الخطأ الذي وقعت فيه. ولكني لم أكذب - بحمد الله تعالى - من جراء هذا الوهم على رسول الله قط... وهذا بالضبط هو ما قد تعرض له هذا الشيخ. ))
قلت :
وفي كلامه هذا مغالطة واضحة، وهي أن الذي يريد تدريس الناس يجب أن يحضر درسه جيدا ،ويرجع إلى المصادر المعتبرة ،لا أن يحدث الناس من حفظه (( البعيد عن المذاكرة والدرس))
وعندئذ فلا يصلح أن يكون طالب علم مبتدئ؛ لأنه يتكلم بلا علم ولا تثبت ، نعم قد يقع مع أحدنا عندما يسأل أحيانا عن حديث وهو بعيد عن مكتبته ومصادره ،فيقول هو حديث صحيح أظنه في البخاري مثلا فهذا معذور 0
أما من يريد أن يعطي درسا أو يلقي محاضرة أو خطبة جمعة ،ولا يرجع إلى أصولها ، ثم يعطيها من حفظه ، ثم يقول قال رسول ا صلى الله عليه وسلم فيخلط كلام صلى الله عليه وسلم بغيره ، فليس بمعذور بتاتا
بل يجب منعه من التدريس والخطابة أصلا 0
أما أن يقول على شاشات التلفاز التي يراها الملايين قال رسول الله عليه وسلم أو روى البخاري في صحيحه ليخدع الناس وهو لا يدري أهو في البخاري أم لا ؟ فهذا عين الكذب الحرام المفترى على رسول ا صلى الله عليه وسلم ، فكيف إذا علمنا أنه ليس في البخاري بل غير صحيح ، وسمعه الناس منه وبنوا عليه أحكاما شرعية كيف نقول لهؤلاء الناس: إن قول الشيخ الجفري هذا غير صحيح أو وهم أو سمه ما شئت ؟؟؟؟ !!!
وأما قول الدكتور (( قلت: وهل أنت مبّرأ من هذا الوهم؟ دعك من هذا الشيخ الذي تسألني عنه. أنني تعرضت أكثر من مرة لهذا الوهم، نسبت الحديث إلى البخاري، ثم تبين أنه في ابن ماجة وأبي داود.. وقد وفقني الله من بعدُ، فصححت الخطأ الذي وقعت فيه. ولكني لم أكذب - بحمد الله تعالى - من جراء هذا الوهم على رسول الله قط... وهذا بالضبط هو ما قد تعرض له هذا الشيخ. ))
فكلامه غير صحيح ، وهو غير صادق في دعواه ، لأن الذي نبش كتبه وبين الأحاديث الضعيفة والواهية و الموضوعة فيها ولا سميا فقه السيرة هو الشيخ ناصر الدين الألباني (( رحمه الله )) ، ونشر ذلك في مجلة التمدن الإسلامي منذ ثلاثين عاما ولولاها لبقيت تلك الطامات (( وما زال الكثير منها في كتبه )) موجودة إلى الآن أليس هذا من حسنات الشيخ ناصر الدين الألباني رحمه الله ؟؟؟!!!
وذكر الدكتور لتلك الأحاديث دليل على عدم دقته فيما ينقل، وفيما يكتب ، وهذا ما يقلل الثقة بكتبه بلا ريب 0
وأنا أعرف من تلك البلاوى الكثير الكثير ، ولكن كيف يصحح ذلك الشيخ الذي يدافع عنه أخطاءه إذا كان جميع المتصوفة عميان ، ولا يوجد فيهم محدث واحد في عصرنا ؟!!!
ومريدي الشيخ لا يعرفون إلا التقبيل والانحناء لجلالة الشيخ فكيف يعرف الشيخ (( الجفري )) أنه يقول على صلى الله عليه وسلم ما لم يقل ؟؟
وهذا قطعا يكذب جميع دعاوى الشيخ (( الجفري )) حول الكرامات والمنامات التي يبثها بين الناس ؟؟(64/5)
فإذا كان صادقا في دعواه أنه يرى صلى الله عليه وسلم يقظة لا مناما، حقيقة لا وهما ، فكان عليه أن يسأله عنها لكي لا يكذب على رسول ا صلى الله عليه وسلم ؟؟؟
وكيف يقبل بذلك من يدعي الوصول إلى حضرة الرسول صلى الله عليه وسلم؟؟؟!!!!
وهؤلاء المتصوفة لا يقبلون نقدا أصلا ؛ لأنهم فوق النقد وواصلون ، فكيف يقبل الواصل من المحجوب نصيحة أو نقدا ؟؟؟!!!!
ولذا يقولون لك بكل وقاحة :
(( لا تعترض فتنطرد ))
وأما قوله (( قال: وكثيراً ما يتحدث عن الهواتف التي يزعم أن في الصالحين من يتلقاها عن الله باسم الدين. قلت: الحديث التاريخي عن تلقي بعض الصالحين لهواتف طرقت أسماعهم، واقع وموجود في بطون كتب التاريخ وكتب المناقب والتراجم، على اختلافها، بوسعك أن تطلع على الكثير منها في كتاب ((حلية الأولياء)) و((صفة الصفوة)) و((الرسالة القشيرية)) وتاريخ ابن عساكر. ولاشك أن تجاهل ورودها في هذه الكتب وأمثالها مكابرة في إنكار واقع معروف. وإني لأذكر الآن بعضاً من هذه الأخبار التي رويت عن كثير من الصالحين المشهود لهم بالصلاح والتقوى. من ذلك ما رواه ابن عساكر في تاريخه، في ترجمة عبد الله بن المبارك. قال يروي عنه: ((كنت يوماً في بستان وأنا شاب مع جماعة من أترابي، فأكلنا وشربنا، وكنت مولعاً بالعزف على العود، فقمت في الليل واستهواني الحال، وأخذت العود لأعزف عليه. فسمعت هاتفاً ينبثق من العود قائلاً: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَما نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ} [الحديد: 57/16] فضربت العود بالعود وكسرته.. إ لخ. ))
أقول :
الشيخ السائل لا ينكر الكرامات أصلا ، ولكنه ينكر على الشيخ الحديث عن هذه الهواتف في عصرنا هذا ، لأنها فتنة وغير مناسبة ، وكثير منها مختلق كما هو معلوم وأما الكتب التي ذكرها فليس مجرد وجود رواية فيها تعني أنها صحيحة أبدا ولكن في كتاب الهواتف لابن الدنيا بعض الهواتف الصحيحة (( بمثابة كرامات حصلت مع بعض الصالحين عند الاضطرار ))
والرواية التي ساقها عن ابن المبارك لا تصح بحال فهذه هي من تاريخ ابن عساكر ((أخبرنا أبو القاسم زاهر بن طاهر أنا أبو بكر البيهقي قال وأنا أبو سعد الزاهد نا أبو الفضل احمد بن أبي عمران بمكة نا أبو يعقوب البزاز نا محمد بن حاتم السمرقندي نا أحمد بن زيد نا الحسين بن الحسن( بن حرب ) قال سئل ابن المبارك وأنا حاضر عن أول زهده فقال إني كنت يوما في بستان وأنا شاب مع جماعة من أترابي وذلك في وقت الفواكه فأكلنا وشربنا وكنت مولعا بضرب العود فقمت في بعض الليل وإذا غصن يتحرك عند رأسي فأخذت العود لأضرب به فإذا بالعود ينطق وهو يقول " ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله " ))
قلت : وفيها :
أحمد بن زيد المكي لا يكتب حديثه ميزان الاعتدال في نقد الرجال1 ج: 1 ص: 235 381 أحمد بن زيد الجمحي المكي 6 قال أبو الفتح الأزدي لا يكتب حديثه
فلا يجوز نسبتها لابن المبارك كما أنها لو صحت تبين أن ابن المبارك (( الإمام الذي كان يغزو عام ويحج عاما )) كان من الفساق والعصاة في مقتبل حياته وهذا غير صحيح
والحمد لله الذي كشف الدكتور بهذا المثال المنكر، الذي يبين أنهم لا يحسنون التمييز بين الصحيح والباطل وإنما يحسنون نقل ما هبَّ ودبَّ 0
وأما قوله : ((إذن فورود الأخبار عن هذه الهواتف حقيقة تاريخية لا وجه لإنكارها. ولا ضير في روايتها، فإن وافقت الشرع فبها ونعمت، وإن خالفته وجب استنكارها والتحذير من الاعتماد عليها والأخذ بها. ))
فيقال له اثبت أولا ثم ناقش ثانيا فليس وجودها بالكتب المذكورة دليل على صحتها ولكن لماذا نرويها ونحن اليوم في عصر الصاروخ والذرة ؟؟؟!!!
فلماذا لم نسمع بهاتف يقول لنا اليوم حي على الجهاد وقد انتهكت حرمات المسلمين في كل مكان ؟؟؟ !!!
يظهر أن أصحاب هذه الهواتف قوم مسالمون ليسوا فرسان ميدان بل فرسان حضرات وكرامات ؟؟؟!!!
وإذا كان الدكتور صادقا فيما يقول فأنا أتحداه وأتحدى جميع من يؤمن بتلك الترهات أن يرينا آية من هذه الآيات التي نحن اليوم بأمس الحاجة إليها ؟؟؟
مثل قتل شارون أكبر مجرم
وعندها سأكون أنا وكل طلاب العلم من أول المؤيدين لذلك ، وعندها لا يحق لنا (( معشر القشوريين ))أن نعترض على أسيادنا أهل الله ، لاحتمال أن يكون نظرنا أو سمعنا هو المخطئ لا هؤلاء الأقطاب والأوتاد !!!!!
وما مثل هؤلاء المغفلين والغافلين عما يجري في هذه الأرض وعن سنن الله تعالى في الخلق إلا مثل بعض المسلمين ( قديما ) عندما هجم الكفار عليهم لجئوا إلى بيت من بيوت الله تعالى يقرءون صحيح البخاري على نية طرد الأعداء ، والنصر عليهم فجاء الأعداء فدمروا المسجد بمن فيه ، وفات أولئك المغفلين أن صحيح البخاري لا قيمة له ما لم نفهمه فهما صحيحا ثم نعمل بموجبه 0
وأما قوله : (( ثم قلت له: فهل رأيت فيما يرويه الشيخ من أخبار الهواتف إقراراً منه على ما قد يخالف منها كتاب الله وسنة نبيه؟ ))
قلت :(64/6)
هذا دور ومغالطة كذلك فإذا كان الشيخ ( الجفري ) لا يميز كلام صلى الله عليه وسلم من كلام غيره ، فهل يستطيع التمييز بين الهواتف الموافقة للشرع والهواتف المخالفة له ؟؟؟!!!
وهل سيتحرر المسلمون من الظلم والاستعباد والجهل والمرض والخوف وغيره عن طريق الهواتف ؟؟؟
لماذا إذن القرآن والسنة ؟؟
يظهر أنه لا حاجة لهما عند أصحاب الهواتف
ألم يقل النبي - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « تَرَكْتُ فِيكُمْ أَمْرَيْنِ لَنْ تَضِلُّوا مَا تَمَسَّكْتُمْ بِهِمَا كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّةَ نَبِيِّهِ ». الموطأ 2/900 ؟؟؟!!!
فهل قال تركت فيكم المنامات والهواتف لن تضلوا ما تمسكتم بهما ؟؟؟!!!
أليس نشر مثل هذه الهواتف حتى لو كانت صحيحة إعراضا تاما عن الكتاب والسنة اللذان هما سفينة النجاة لهذه الأمة ؟؟؟ !!!
ألم يقل عَلِىٌّ ( رضي الله عنه ) حَدِّثُوا النَّاسَ بِمَا يَعْرِفُونَ أَتُحِبُّونَ أَنْ يُكَذَّبَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أخرجه البخاري ؟!!
وفي مقدمة صحيح مسلم عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ قَالَ مَا أَنْتَ بِمُحَدِّثٍ قَوْمًا حَدِيثًا لاَ تَبْلُغُهُ عُقُولُهُمْ إِلاَّ كَانَ لِبَعْضِهِمْ فِتْنَةً.
وهل هناك فتنة أعظم من هذه الفتنة للناس ؟؟؟!!!
فنخدرهم بهذه المنامات والهواتف حتى لا يحسوا بما يجري حولهم ؟؟؟!!!
و أما قوله ((ولما انتهت أسئلة الرجل واستوفز ليمضي، قلت له: ولكنك لم تسألني عن أخطر داء عضال يفتك في كيان هذه الأمة. قال: فما هو؟ قلت: هو ذاك الذي ذكره ابن عطاء الله في واحدة من حكمه، إذ قال: ((تمكن حلاوة الهوى من القلب هو الداء العضال)). إنه داء العصبية للمذهب وللذات، يقود صاحبه إلى امتطاء الدين سعياً إلى نصرة ذاته، ويحمل صاحبه في سبيل ذلك على استصغار واحتقار الخير العظيم الذي يرضي الله وينفع به الأمة، ويسخّر له من شاء من عباده، وعلى استعظام التوافه والهنات الاجتهادية التي قد يتعرض لها كل من كان دون مرتبة الرسل والأنبياء. وإنما العاصم من هذا الداء حصن الإخلاص لله وحده.. ومن تلمس مكمن الشهوات والأهواء في نفسه وتأمل في كيفية قيادتها لأعماله وتصرفاته، أيقن أن هذا هو الحق الذي لا مرية فيه. ))
قلت : فأنت يا حضرة الدكتور أولى الناس بهذه الوصية 0
وفي كلامك تحقير شديد للشيخ السائل فأي داء اتهم به الشيخ ( السائل )؟؟
(( إنه داء العصبية للمذهب وللذات، يقود صاحبه إلى امتطاء الدين سعياً إلى نصرة ذاته، ويحمل صاحبه في سبيل ذلك على استصغار واحتقار الخير العظيم الذي يرضي الله وينفع به الأمة، ويسخّر له من شاء من عباده، وعلى استعظام التوافه والهنات الاجتهادية التي قد يتعرض لها كل من كان دون مرتبة الرسل والأنبياء ))
قلت :
بل أنت يا حضرة الدكتور أولى بهذه التهمة من غيرك ، وأنت يعلمك الخاص والعام أنك لا تقبل نصحا ، ومتعصب أعمى للمذهب الشافعي ، وهذه كتبك تشهد بهذا ، فهل رأيت الشيخ ( السائل ) يدعو إلى مذهب جديد ؟؟
وهل خرج عن مذهب أهل السنة والجماعة حتى يقال له ذلك ؟؟!!
وأي ذات يريد الشيخ ( السائل ) أن ينتصر لها وأقرانه يعلمون أنه من أكثر الناس تواضعا ؟؟!!
وهل أصبح الشيخ ( السائل ) ممن يمتطي الدين سعياً إلى نصرة ذاته ؟؟؟!!!
سبحانك هذا بهتان عظيم
وهل هو يحتقر عمل غيره ويتصغره ؟؟!!
وهل رواية الموضوعات والمناكير من التوافه ؟؟؟!!
وهل الدعوة إلى الهواتف لتخدير الناس من التوافه ؟؟؟ّ!!!
فوا الله إن هذه التهم الكاذبة الفاجرة ، لتدل بشكل قاطع على حقيقة التصوف عند هؤلاء القوم وأنهم لا يعرفون منه إلا هذه الترهات ، وإلا فأين هي أخلاق الإسلام ؟؟؟
وهل التصوف الحقيقي إلا تهذيب للنفس وتطهير لها من أدرانها ؟؟!!
وهل يجوز أن أقول لمن ظن فيَّ الخير مستفسرا وناصحا، هذا الكلام ؟ ؟!!
وإذا كان العاصم من هذا الداء هو (( حصن الإخلاص لله وحده )) وهو أمر لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى ، فمعنى ذلك أن التحصن بالكتاب والسنة الصحيحة ليس هو الحصن الحصين والركن الركين ،الذي يخلصنا من هذه البلاوى والمصائب التي غرقنا في بحورها !!!
قال تعالى : { قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} (110) سورة الكهف
قال الفضيل بن عياض رحمه الله عن العمل المقبول عند الله : قال: أخلصه وأصوبه، فإنه إذا كان خالصاً و لم يكن صواباً لم يقبل، وإذا كان صواباً ولم يكن خالصاً لم يقبل حتى يكون خالصاً، والخالص إذا كان لله، والصواب إذا كان على السنة. وسمعته يقول: ترك العمل من أجل الناس هو الرياء، والعمل من أجل الناس هو الشرك.
وفي تسميته الدين بالمطية سخرية بالدين وبحامله ، ولكن لا عجب أن يصدر هذا من جهبذ العربية !!
أقول بعد هذا : ليس الحق على الدكتور البوطي لأن هذه عادته وهذا ديدنه مع مخالفيه في الرأي دون استثناء(64/7)
وإنما الحق كل الحق على الشيخ ( السائل ) لأن هؤلاء الناس لا ينفع معهم حوار ولا جدال لأنهم لم يتعودا عليه في حياتهم كلها 0
فإذا كان الدكتور البوطي يؤمن بكل الخرافات ويتألى على الله تعالى حتى في هذا المقال ، فعلى الدنيا العفاء ، وانظروا كتبه كلها ولا سيما هذا والدي لتروا العجب العجاب من كرامات أولي الألباب وهؤلاء ( المخرفون ) لولا أن هذه الدول تدعمهم وتمكن لهم لأغراضها الدنيئة ، ولتخدير الشعوب ما بقيت لهم قيمة ولا قدر لأنه لا يوجد في الشام من يستطيع الرد عليهم رسميا ، وبيان مصائبهم على الأمة لأنه سيكون عدو هذه الدول الأول ، وعدو الإسلام الثاني بنظر أولئك الذين يؤمنون بهذه المصائب والبلاوى 0
نسأل الله تعالى أن يجعلنا من أهل الحق قال تعالى على لسان النبي شعيب عليه السلام :
( قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقاً حَسَناً وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْأِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ) (هود:88)
وللحديث بقية 000000
أخوكم علي
3 جمادى الأولى 1425 هـ الموافق لليلة الاثنين 20/6 /2004 م
**************(64/8)
(64/9)
الرد على أغاليط الجفري
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين
أما بعد :
فقد جاءتني رسالة من أحد الإخوة فإذا فيها هذا البيان من موقع الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي وهذا نصها :
بيان من موقع الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي
19/06/2004
بيان
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.
وبعد:
فبناءً على الكلمة التي كتبها الشيخ كريم راجح شيخ القراء في دمشق على شبكة الأنترنيت والمتعلقة بالحبيب الجفري، فقد اتفق الشيخان بعد تداول الرأي على ما يلي:
1_ نؤمن بالله ورسوله والكتاب الذي نزل على رسول صلى الله عليه وسلم .
2_ نؤمن بالتوسل بسيدنا رسول ا صلى الله عليه وسلم .
3_ نؤمن بشد الرحال لزيارة مسجد سيدنا رسول ا صلى الله عليه وسلم ، ولزيارة قبره الشريف المنيف.
4_ ونؤمن أن حيات صلى الله عليه وسلم في قبره حياة برزخية متميزة عن حياة غيره في البرزخ لما خصت به من أحاديث.
5_ نؤمن باتباع المذاهب الأربعة رحمهم الله جميعاً.
6_ ننكر على كل من أنكر ذلك أو اشتط فيه زيادة أو نقصاً.
وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه أجمعين.
حرر في 17/ربيع الآخر/1325هـ الموافق 5/حزيران/2004م
شيخ القراء بدمشق الحبيب
محمد كريم راجح علي زين العابدين الجفري
وهذا رابطها :
http://www.bouti.com/bouti_bayan.htm
**********************
أقول :
أولا- هذا البيان ليس ناسخا لما قاله شيخ القراء الشيخ كريم راجح
لأن موضوعهما مختلف تماما فالأمور التي اطلع عليها ( الشيخ كريم راجح ) وهي مسجلة بصوت وصورة الجفري على الإنترنت لا علاقة لها بهذا البيان
فلم يتراجع الجفري عن كلمة واحدة مما قاله في خطبه وأحاديثه
*****************
ثانيا -هناك أقوال أخرى للشيخ كريم راجح قد نقلها بعض الإخوة في منتدى الحوار والأنصار تبين أنه لم يقل هذا الكلام بهذا الشكل
***************
ثالثا- في هذا البيان الجديد أغاليط متعددة ومنها :
قولهم (( نؤمن بالتوسل بسيدنا رسول ا صلى الله عليه وسلم . ))
هذا القول بهذا الشكل باطل عند جميع أهل العلم إذ لم يقل أحد من أهل العلم الذين تكلموا في هذا الموضوع بأن التوسل بسيدنا رسول ا صلى الله عليه وسلم هو عقيدة من عقائد المسلمين يكفر من ينكرها
فهذا قول باطل محدث لا أصل له
وموضوع التوسل بالرسو صلى الله عليه وسلم فيه خلاف بين العلماء سأذكر خلاصته لكن أحدا من المجوزين لذلك لم يقل بأن التوسل بالرسو صلى الله عليه وسلم عقيدة بل قالوا : يستحب التوسل ب صلى الله عليه وسلم
وهذه خلاصة أقوال أهل العلم من الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية الكويتية وقد قام بإعدادها خيرة علماء العالم الإسلامي
وهي تمثل جميع المذاهب الفقهية والفكرية الإسلامية
تَوَسُّلٌ التَّعْرِيفُ : 1(64/10)
- التَّوَسُّلُ لُغَةً : التَّقَرُّبُ . يُقَالُ : تَوَسَّلْت إلَى اللَّهِ بِالْعَمَلِ : أَيْ تَقَرَّبْت إلَيْهِ , وَتَوَسَّلَ إلَى فُلَانٍ بِكَذَا : تَقَرَّبَ إلَيْهِ بِحُرْمَةٍ آصِرَةٍ تَعْطِفُهُ عَلَيْهِ . وَالْوَسِيلَةُ هِيَ الَّتِي يُتَوَصَّلُ بِهَا إلَى تَحْصِيلِ الْمَقْصُودِ . قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إلَيْهِ الْوَسِيلَةَ } وَوَسَلَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى تَوْسِيلًا : عَمِلَ عَمَلًا تَقَرَّبَ بِهِ إلَيْهِ كَتَوَسَّلَ . وَالْوَاسِلُ : الرَّاغِبُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى . وَلَا يَخْرُجُ التَّوَسُّلُ فِي الِاصْطِلَاحِ عَنْ مَعْنَاهُ فِي اللُّغَةِ , فَيُطْلَقُ عَلَى مَا يُتَقَرَّبُ بِهِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْ فِعْلِ الطَّاعَاتِ وَتَرْكِ الْمَنْهِيَّاتِ , وَعَلَيْهِ حَمَلَ الْمُفَسِّرُونَ قوله تعالى : { وَابْتَغُوا إلَيْهِ الْوَسِيلَةَ } . وَيُطْلَقُ التَّوَسُّلُ أَيْضًا عَلَى التَّقَرُّبِ إلَى اللَّهِ بِطَلَبِ الدُّعَاءِ مِنْ الْغَيْرِ , وَعَلَى الدُّعَاءِ الْمُتَقَرَّبِ بِهِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِاسْمٍ مِنْ أَسْمَائِهِ , أَوْ صِفَةٍ مِنْ صِفَاتِهِ , أَوْ بِخَلْقِهِ كَنَبِيٍّ , أَوْ صَالِحٍ , أَوْ الْعَرْشِ , وَغَيْرِ ذَلِكَ . عَلَى خِلَافٍ وَتَفْصِيلٍ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ كَمَا سَيَتَّضِحُ . وَأُطْلِقَتْ الْوَسِيلَةُ فِي الْحَدِيثِ عَلَى مَنْزِلَةٍ فِي الْجَنَّةِ . قَالَ النَّبِيُّ عليه الصلاة والسلام : { سَلُوا اللَّهَ لِي الْوَسِيلَةَ فَإِنَّهَا مَنْزِلَةٌ فِي الْجَنَّةِ لَا تَنْبَغِي إلَّا لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا هُوَ } . ( الْأَلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ ) : أ - ( الِاسْتِعَانَةُ ) : 2 - الِاسْتِعَانَةُ لُغَةً طَلَبُ الْعَوْنِ , وَفِي الِاصْطِلَاحِ كَذَلِكَ . وَتَكُونُ الِاسْتِعَانَةُ بِاَللَّهِ وَبِغَيْرِهِ , أَمَّا الِاسْتِعَانَةُ بِاَللَّهِ فَهِيَ مَطْلُوبَةٌ فِي كُلِّ خَيْرٍ , وَأَمَّا الِاسْتِعَانَةُ بِغَيْرِ اللَّهِ فَفِيهَا تَفْصِيلٌ يُرْجَعُ إلَيْهِ فِي مُصْطَلَحِ ( اسْتِعَانَةٌ ) . وَالتَّوَسُّلُ وَالِاسْتِعَانَةُ لَفْظَانِ مُتَسَاوِيَانِ لُغَةً وَاصْطِلَاحًا . ب - ( الِاسْتِغَاثَةُ ) : 3 - الِاسْتِغَاثَةُ طَلَبُ الْغَوْثِ وَالنَّصْرِ , وَفِي الِاصْطِلَاحِ كَذَلِكَ . وَالِاسْتِغَاثَةُ غَيْرُ التَّوَسُّلِ ; لِأَنَّ الِاسْتِغَاثَةَ لَا تَكُونُ إلَّا فِي حَالِ الشِّدَّةِ , وَالتَّوَسُّلُ يَكُونُ فِي حَالِ الشِّدَّةِ وَحَالِ الرَّخَاءِ قَالَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ : وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ إنَّ التَّوَسُّلَ بِنَبِيٍّ هُوَ اسْتِغَاثَةٌ بِهِ , بَلْ الْعَامَّةُ الَّذِينَ يَتَوَسَّلُونَ فِي أَدْعِيَتِهِمْ بِأُمُورٍ , كَقَوْلِ أَحَدِهِمْ : أَتَوَسَّلُ إلَيْك بِحَقِّ الشَّيْخِ فُلَانٍ أَوْ بِحُرْمَتِهِ , أَوْ أَتَوَسَّلُ إلَيْك بِاللَّوْحِ وَالْقَلَمِ أَوْ بِالْكَعْبَةِ , أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَقُولُونَهُ فِي أَدْعِيَتِهِمْ يَعْلَمُونَ أَنَّهُمْ لَا يَسْتَغِيثُونَ بِهَذِهِ الْأُمُورِ , فَإِنَّ الْمُسْتَغِيثَ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم طَالِبٌ مِنْهُ وَسَائِلٌ لَهُ . وَالْمُتَوَسَّلُ بِهِ لَا يُدْعَى وَلَا يُطْلَبُ مِنْهُ وَلَا يُسْأَلُ , وَإِنَّمَا يُطْلَبُ بِهِ , وَكُلُّ أَحَدٍ يُفَرِّقُ بَيْنَ الْمَدْعُوِّ وَالْمَدْعُوِّ بِهِ . ( الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ لِلتَّوَسُّلِ ) : 4 - لَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ بِالتَّوَسُّلِ إلَيْهِ بِالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ مَعَ التَّقْوَى الْمُكَلَّلَةِ بِالْإِيمَانِ الصَّادِقِ فَقَالَ : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إلَيْهِ الْوَسِيلَةَ } . قَالَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ وَهَذَا التَّوَسُّلُ بِالْإِيمَانِ بِهِ وَطَاعَتِهِ فَرْضٌ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ فِي كُلِّ حَالٍ , بَاطِنًا وَظَاهِرًا , فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلموَبَعْدَ مَوْتِهِ , فِي مَشْهَدِهِ وَمَغِيبِهِ , لَا يَسْقُطُ التَّوَسُّلُ بِالْإِيمَانِ بِهِ وَبِطَاعَتِهِ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الْخَلْقِ فِي حَالٍ مِنْ الْأَحْوَالِ بَعْدَ قِيَامِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِ , وَلَا بِعُذْرٍ مِنْ الْأَعْذَارِ , وَلَا طَرِيقَ إلَى كَرَامَةِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ وَالنَّجَاةِ مِنْ عَذَابِهِ إلَّا التَّوَسُّلُ بِالْإِيمَانِ بِهِ وَبِطَاعَتِهِ . وَقَدْ مَدَحَ اللَّهُ الْمُتَوَسِّلِينَ إلَيْهِ بِمَا يُرْضِيهِ سُبْحَانَهُ بِقَوْلِهِ : { أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إلَى رَبِّهِمْ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إنَّ عَذَابَ رَبِّك كَانَ مَحْذُورًا } . وَهُنَاكَ صُوَرٌ أُخْرَى لِلتَّوَسُّلِ مِنْهَا : مَا هُوَ جَائِزٌ , وَمِنْهَا مَا هُوَ غَيْرُ(64/11)
جَائِزٍ , عَلَى خِلَافٍ وَتَفْصِيلٍ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ يَأْتِي بَيَانُهُ . أَوَّلًا : التَّوَسُّلُ بِأَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَصِفَاتِهِ : 5 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ التَّوَسُّلَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ مُسْتَحَبٌّ لِأَيِّ شَأْنٍ مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ . قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } . وَقَدْ وَرَدَ فِي السُّنَّةِ الْمُطَهَّرَةِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ يَتَوَسَّلُ فِيهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلمبِأَسْمَائِهِ تَعَالَى وَصِفَاتِهِ مِنْهَا : حَدِيثُ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : { كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلمإذَا كَرَبَهُ أَمْرٌ قَالَ : يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ بِرَحْمَتِك أَسْتَغِيثُ } وَمِنْهَا : قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم { أَسْأَلُك بِكُلِّ اسْمٍ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَك , أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِك , أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِك , أَوْ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي , وَنُورَ بَصَرِي , وَجَلَاءَ حُزْنِي , وَذَهَابَ هَمِّي } . وَمِنْهَا : حَدِيثُ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رضي الله عنه أَنَّهُ مَرَّ عَلَى قَاصٍّ يَقْرَأُ ثُمَّ يَسْأَلُ , فَاسْتَرْجَعَ عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ أَيْ قَالَ : { إنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ } ثُمَّ قَالَ : سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلميَقُولُ : { مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ فَلْيَسْأَلْ اللَّهَ بِهِ , فَإِنَّهُ سَيَجِيءُ أَقْوَامٌ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ يَسْأَلُونَ بِهِ النَّاسَ } .
كَرَاهَةُ أَنْ يَسْأَلَ بِوَجْهِ اللَّهِ غَيْرَ الْجَنَّةِ :
6 - لَمَّا كَانَتْ أَسْمَاؤُهُ تَعَالَى عَظِيمَةَ الْقَدْرِ وَصِفَاتُهُ جَلِيلَةً مُقَدَّسَةً نَاسَبَ أَنْ يَسْأَلَ بِهَا الشَّيْءَ الْعَظِيمَ كَالْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ وَالطَّاعَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ , لَكِنْ خُصَّ الْوَجْهُ بِسُؤَالِ الْجَنَّةِ بِهِ , وَلَا يُسْأَلُ بِهِ غَيْرُ ذَلِكَ ; لِأَنَّ الْجَنَّةَ أَعْظَمُ مَا يَسْأَلُ الْمُسْلِمُ مِنْ رَبِّهِ , إذْ هِيَ دَارُ رَحْمَتِهِ , وَمُسْتَقَرُّ رِضَاهُ وَأَمْنِهِ . عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم { لَا يُسْأَلُ بِوَجْهِ اللَّهِ إلَّا الْجَنَّةُ } .
ثَانِيًا : التَّوَسُّلُ بِالْإِيمَانِ وَالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ :(64/12)
7 - أَجْمَعَ الْفُقَهَاءُ عَلَى جَوَازِ التَّوَسُّلِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ الَّتِي يَعْمَلَهَا الْإِنْسَانُ مُتَقَرِّبًا بِهَا إلَى اللَّهِ تَعَالَى . وَقَدْ ذَهَبَ الْمُفَسِّرُونَ إلَى أَنَّ الْوَسِيلَةَ الْمَذْكُورَةَ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ فِي قوله تعالى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إلَيْهِ الْوَسِيلَةَ } وَفِي قوله تعالى { أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إلَى رَبِّهِمْ الْوَسِيلَةَ } تُطْلَقُ عَلَى الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ . وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ } فَقَدْ قَدَّمَ ذِكْرَ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ ثُمَّ تَلَا ذَلِكَ بِالدُّعَاءِ . وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ } , وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمْ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاَللَّهِ وَأَشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ . رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ } . وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ الْآيَاتِ الْكَرِيمَةِ . وَأَمَّا السُّنَّةُ فَمِنْهَا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلمسَمِعَ رَجُلًا يَقُولُ : اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك أَنِّي أَشْهَدُ أَنَّك أَنْتَ اللَّهُ لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ الْأَحَدُ الصَّمَدُ الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ , فَقَالَ : لَقَدْ سَأَلْت اللَّهَ بِالِاسْمِ الَّذِي إذَا سُئِلَ بِهِ أَعْطَى , وَإِذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ } . وَمِنْهَا حَدِيثُ الْغَارِ الْمَرْوِيُّ , عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنهما قَالَ : سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلميَقُولُ : { انْطَلَقَ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ حَتَّى آوَاهُمْ الْمَبِيتُ إلَى غَارٍ فَدَخَلُوهُ , فَانْحَدَرَتْ صَخْرَةٌ مِنْ الْجَبَلِ فَسَدَّتْ عَلَيْهِمْ الْغَارَ , فَقَالُوا : إنَّهُ لَا يُنَجِّيكُمْ مِنْ هَذِهِ الصَّخْرَةِ إلَّا أَنْ تَدْعُوا اللَّهَ بِصَالِحِ أَعْمَالِكُمْ . قَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ : اللَّهُمَّ كَانَ لِي أَبَوَانِ شَيْخَانِ كَبِيرَانِ وَكُنْت لَا أَغْبِقُ قَبْلَهُمَا أَهْلًا وَلَا مَالًا . فَنَأَى بِي طَلَبُ الشَّجَرِ يَوْمًا فَلَمْ أُرِحْ عَلَيْهِمَا حَتَّى نَامَا , فَحَلَبْت لَهُمَا غَبُوقَهُمَا , فَوَجَدْتهمَا نَائِمَيْنِ , فَكَرِهْت أَنْ أُوقِظَهُمَا , وَأَنْ أَغْبِقَ قَبْلَهُمَا أَهْلًا أَوْ مَالًا , فَلَبِثْت - وَالْقَدَحُ عَلَى يَدَيَّ - أَنْتَظِرُ اسْتِيقَاظَهُمَا حَتَّى بَرَقَ الْفَجْرُ وَالصِّبْيَةُ يَتَضَاغَوْنَ عِنْدَ قَدَمِي , فَاسْتَيْقَظَا فَشَرِبَا غَبُوقَهُمَا . اللَّهُمَّ إنْ كُنْت فَعَلْت ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِك فَفَرِّجْ عَنَّا مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ هَذِهِ الصَّخْرَةِ , فَانْفَرَجَتْ شَيْئًا لَا يَسْتَطِيعُونَ الْخُرُوجَ مِنْهُ قَالَ الْآخَرُ : اللَّهُمَّ إنَّهُ كَانَتْ لِي ابْنَةُ عَمٍّ كَانَتْ أَحَبَّ النَّاسِ إلَيَّ } , وَفِي رِوَايَةٍ : { كُنْتُ أُحِبُّهَا كَأَشَدِّ مَا يُحِبُّ الرِّجَالُ النِّسَاءَ فَأَرَدْتهَا عَلَى نَفْسِهَا فَامْتَنَعَتْ مِنِّي حَتَّى أَلَمَّتْ بِهَا سَنَةٌ مِنْ السِّنِينَ , فَجَاءَتْنِي , فَأَعْطَيْتهَا عِشْرِينَ وَمِائَةَ دِينَارٍ عَلَى أَنْ تُخِلِّي بَيْنِي وَبَيْنَ نَفْسِهَا فَفَعَلَتْ , حَتَّى إذَا قَدَرْت عَلَيْهَا } , وَفِي رِوَايَةٍ : { فَلَمَّا قَعَدْت بَيْنَ رِجْلَيْهَا قَالَتْ : اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تَفُضَّ الْخَاتَمَ إلَّا بِحَقِّهِ , فَانْصَرَفْتُ عَنْهَا وَهِيَ أَحَبُّ النَّاسِ إلَيَّ , وَتَرَكْت الذَّهَبَ الَّذِي أَعْطَيْتهَا اللَّهُمَّ إنْ كُنْت فَعَلْت ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِك فَافْرِجْ عَنَّا مَا نَحْنُ فِيهِ , فَانْفَرَجَتْ الصَّخْرَةُ غَيْرَ أَنَّهُمْ لَا يَسْتَطِيعُونَ الْخُرُوجَ مِنْهَا وَقَالَ الثَّالِثُ : اللَّهُمَّ اسْتَأْجَرْتُ أُجَرَاءَ وَأَعْطَيْتُهُمْ أَجْرَهُمْ غَيْرَ رَجُلٍ وَاحِدٍ تَرَكَ الَّذِي لَهُ وَذَهَبَ , فَثَمَّرْتُ أَجْرَهُ حَتَّى كَثُرَتْ مِنْهُ الْأَمْوَالُ , فَجَاءَنِي بَعْدَ حِينٍ , فَقَالَ : يَا عَبْدَ اللَّهِ أَدِّ إلَيَّ أَجْرِي , فَقُلْت : كُلُّ مَا تَرَى مِنْ أَجْرِك مِنْ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَالرَّقِيقِ . فَقَالَ : يَا عَبْدَ اللَّهِ لَا تَسْتَهْزِئْ بِي , فَقُلْت : لَا أَسْتَهْزِئُ بِك , فَأَخَذَهُ كُلَّهُ فَاسْتَاقَهُ فَلَمْ يَتْرُكْ مِنْهُ شَيْئًا .(64/13)
اللَّهُمَّ إنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِك فَافْرِجْ عَنَّا مَا نَحْنُ فِيهِ . فَانْفَرَجَتْ الصَّخْرَةُ فَخَرَجُوا يَمْشُونَ } . وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ : { كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلمإذَا قَامَ يَتَهَجَّدُ قَالَ : اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ أَنْتَ قَيِّمُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ , وَلَك الْحَمْدُ أَنْتَ الْحَقُّ وَوَعْدُك الْحَقُّ ; وَلِقَاؤُك حَقٌّ , وَقَوْلُك حَقٌّ , وَالْجَنَّةُ حَقٌّ , وَالنَّارُ حَقٌّ , وَالنَّبِيُّونَ حَقٌّ , وَمُحَمَّدٌ حَقٌّ , وَالسَّاعَةُ حَقٌّ , اللَّهُمَّ لَك أَسْلَمْتُ , وَبِك آمَنْتُ , وَعَلَيْك تَوَكَّلْتُ , وَإِلَيْك أَنَبْتُ , وَبِك خَاصَمْتُ , وَإِلَيْك حَاكَمْتُ , فَاغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ . } وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم{ مَا خَرَجَ رَجُلٌ مِنْ بَيْتِهِ إلَى الصَّلَاةِ فَقَالَ : اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك بِحَقِّ السَّائِلِينَ عَلَيْك وَبِحَقِّ مَمْشَايَ . . فَإِنِّي لَمْ أَخْرُجْ أَشِرًا وَلَا بَطَرًا } . . . " الْحَدِيثَ .
ثَالِثًا : التَّوَسُّلُ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم
لَا خِلَافَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فِي جَوَازِ التَّوَسُّلِ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الْأَحْوَالِ التَّالِيَةِ : أَوَّلًا - التَّوَسُّلُ بِالنَّبِيِّ بِمَعْنَى طَلَبِ الدُّعَاءِ مِنَّا فِي الدُّنْيَا وَالشَّفَاعَةِ فِي الْآخِرَةِ . أ - طَلَبُ الدُّعَاءِ مِنْ النَّبِيِّ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا : 8 - إنَّ التَّوَسُّلَ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِمَعْنَى طَلَبِ الدُّعَاءِ مِنْهُ فِي حَيَاتِهِ قَدْ ثَبَتَ بِالتَّوَاتُرِ , فَقَدْ كَانَ الصَّحَابَةُ الْكِرَامُ رضي الله عنهم يَسْأَلُونَ النَّبِيَّ الدُّعَاءَ فِي الْأُمُورِ الدُّنْيَوِيَّةِ وَالْأُخْرَوِيَّةِ . وَقَدْ أَرْشَدَهُمْ الْقُرْآنُ الْكَرِيمُ إلَى ذَلِكَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { وَلَوْ أَنَّهُمْ إذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوك فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا } . وَفِي كُتُبِ السُّنَّةِ مِنْ ذَلِكَ الشَّيْءُ الْكَثِيرُ , فَعَنْ عُثْمَانَ بْنِ حُنَيْفٍ { أَنَّ رَجُلًا ضَرِيرَ الْبَصَرِ أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ : اُدْعُ اللَّهَ أَنْ يُعَافِيَنِي . قَالَ : إنْ شِئْتَ دَعَوْتُ وَإِنْ شِئْت صَبَرْت فَهُوَ خَيْرٌ لَك , قَالَ : فَادْعُهُ . قَالَ : فَأَمَرَهُ أَنْ يَتَوَضَّأَ فَيُحْسِنَ وُضُوءَهُ وَيَدْعُوَ بِهَذَا الدُّعَاءِ : اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك وَأَتَوَجَّهُ إلَيْك بِنَبِيِّك مُحَمَّدٍ نَبِيِّ الرَّحْمَةِ . يَا مُحَمَّدُ إنِّي تَوَجَّهْت بِك إلَى رَبِّي فِي حَاجَتِي هَذِهِ لِتُقْضَى . . . إلَى قَوْلِهِ : اللَّهُمَّ فَشَفِّعْهُ فِي فَقَامَ وَقَدْ أَبْصَرَ } . وَزَادَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ { وَإِنْ كَانَتْ لَك حَاجَةٌ فَافْعَلْ مِثْلَ ذَلِكَ } وَمِنْهَا { أَنَّ رَجُلًا دَخَلَ الْمَسْجِدَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلمقَائِمٌ يَخْطُبُ , فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكَتْ الْأَمْوَالُ وَانْقَطَعَتْ السُّبُلُ فَادْعُ اللَّهُ يُغِيثُنَا . فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ يَدَيْهِ , ثُمَّ قَالَ : اللَّهُمَّ أَغِثْنَا . اللَّهُمَّ أَغِثْنَا . اللَّهُمَّ أَغِثْنَا . قَالَ أَنَسٌ : وَلَا وَاَللَّهِ مَا نَرَى فِي السَّمَاءِ مِنْ سَحَابٍ وَلَا قَزَعَةٍ , وَمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ سِلَعٍ مِنْ بَيْتٍ وَلَا دَارٍ , فَطَلَعَتْ مِنْ وَرَائِهِ سَحَابَةٌ مِثْلُ التُّرْسِ , فَلَمَّا تَوَسَّطَتْ السَّمَاءَ انْتَشَرَتْ ثُمَّ أَمْطَرَتْ , فَلَا وَاَللَّهِ مَا رَأَيْنَا الشَّمْسَ سَبْتًا , ثُمَّ دَخَلَ رَجُلٌ مِنْ ذَلِكَ الْبَابِ فِي الْجُمُعَةِ الْمُقْبِلَةِ , وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلمقَائِمٌ يَخْطُبُ فَاسْتَقْبَلَهُ قَائِمًا فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكَتْ الْأَمْوَالُ وَانْقَطَعَتْ السُّبُلُ فَادْعُ اللَّهَ يُمْسِكُهَا عَنَّا فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلميَدَيْهِ ثُمَّ قَالَ : اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلَا عَلَيْنَا . اللَّهُمَّ عَلَى الْآكَامِ وَالظِّرَابِ وَبُطُونِ الْأَوْدِيَةِ وَمَنَابِتِ الشَّجَرِ . فَأَقْلَعَتْ وَخَرَجْنَا نَمْشِي فِي الشَّمْسِ } .
ب - طَلَبُ الدُّعَاءِ مِنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ الْقِيَامَةِ :(64/14)
9 - اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ التَّوَسُّلَ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِسُؤَالِ الْخَلْقِ لَهُ أَنْ يَشْفَعَ لَهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ فِي الْمَحْشَرِ وَاقِعٌ لَا مَحَالَةَ خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ . وَالشَّفَاعَةُ الْعُظْمَى يَوْمَئِذٍ خُصُوصِيَّةٌ مَنَحَهَا اللَّهُ تَعَالَى لِحَبِيبِهِ فِي عَرَصَاتِ الْقِيَامَةِ تَكْرِيمًا وَتَشْرِيفًا لَهُ عليه الصلاة والسلام . عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَحُذَيْفَةَ رضي الله عنهما قَالَا : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم { يَجْمَعُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى النَّاسَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ , فَيَقُومُ الْمُؤْمِنُونَ حَتَّى تُزْلَفَ لَهُمْ الْجَنَّةُ . فَيَأْتُونَ آدَمَ فَيَقُولُونَ : يَا أَبَانَا اسْتَفْتِحْ لَنَا الْجَنَّةَ فَيَقُولُ : وَهَلْ أَخْرَجَكُمْ مِنْ الْجَنَّةِ إلَّا خَطِيئَةُ أَبِيكُمْ آدَمَ ؟ لَسْت بِصَاحِبِ ذَلِكَ اذْهَبُوا إلَى ابْنِي إبْرَاهِيمَ خَلِيلِ اللَّهِ . قَالَ : فَيَقُولُ إبْرَاهِيمُ عليه السلام : لَسْتُ بِصَاحِبِ ذَلِكَ إنَّمَا كُنْت خَلِيلًا مِنْ وَرَاءَ وَرَاءَ . اعْمِدُوا إلَى مُوسَى عليه السلام الَّذِي كَلَّمَهُ اللَّهُ تَكْلِيمًا , فَيَأْتُونَ مُوسَى فَيَقُولُ : لَسْت بِصَاحِبِ ذَلِكَ اذْهَبُوا إلَى عِيسَى كَلِمَةِ اللَّهِ وَرُوحِهِ , فَيَقُولُ عِيسَى عليه السلام : لَسْت بِصَاحِبِ ذَلِكَ , فَيَأْتُونَ مُحَمَّدًا r فَيَقُومُ فَيُؤْذَنُ لَهُ , وَتُرْسَلُ الْأَمَانَةُ وَالرَّحِمُ فَتَقُومَانِ جَنْبَتَيْ الصِّرَاطِ يَمِينًا وَشِمَالًا فَيَمُرُّ أَوَّلُكُمْ كَالْبَرْقِ } . . . الْحَدِيثَ " . وَفِي حَدِيثِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم { إذَا كَانَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَاجَ النَّاسُ بَعْضُهُمْ إلَى بَعْضٍ فَيَأْتُونَ آدَمَ فَيَقُولُونَ لَهُ : اشْفَعْ لِذُرِّيَّتِك فَيَقُولُ : لَسْت لَهَا . . فَيُؤْتَى عِيسَى فَيَقُولُ : لَسْت لَهَا وَلَكِنْ عَلَيْكُمْ بِمُحَمَّدٍ r فَأُوتِيَ , فَأَقُولُ : أَنَا لَهَا , فَأَنْطَلِقُ , فَأَسْتَأْذِنُ عَلَى رَبِّي , فَيُؤْذَنُ لِي , فَأَقُومُ بَيْنَ يَدَيْهِ , فَأَحْمَدُهُ بِمَحَامِدَ لَا أَقْدِرُ عَلَيْهِ الْآنَ يُلْهِمنِيهِ اللَّهُ ثُمَّ أَخِرُّ لَهُ سَاجِدًا , فَيُقَالُ لِي : يَا مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأْسَك وَقُلْ يُسْمَعُ لَك وَسَلْ تُعْطَهُ وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ , فَأَقُولُ : يَا رَبُّ أُمَّتِي أُمَّتِي } . . . الْحَدِيثَ " .
ج - التَّوَسُّلُ بِالنَّبِيِّ عَلَى مَعْنَى الْإِيمَانِ بِهِ وَمَحَبَّتِهِ :(64/15)
10 - لَا خِلَافَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فِي التَّوَسُّلِ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَلَى مَعْنَى الْإِيمَانِ بِهِ وَمَحَبَّتِهِ , وَذَلِكَ كَأَنْ يَقُولَ : أَسْأَلُك بِنَبِيِّك مُحَمَّدٍ وَيُرِيدُ : إنِّي أَسْأَلُك بِإِيمَانِي بِهِ وَبِمَحَبَّتِهِ , وَأَتَوَسَّلُ إلَيْك بِإِيمَانِي بِهِ وَمَحَبَّتِهِ , وَنَحْوِ ذَلِكَ , قَالَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ : مَنْ أَرَادَ هَذَا الْمَعْنَى فَهُوَ مُصِيبٌ فِي ذَلِكَ بِلَا نِزَاعٍ , وَإِذَا حُمِلَ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى كَلَامُ مَنْ تَوَسَّلَ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ مَمَاتِهِ مِنْ السَّلَفِ - كَمَا نُقِلَ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَعَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ - كَانَ هَذَا حَسَنًا . وَحِينَئِذٍ فَلَا يَكُونُ فِي الْمَسْأَلَةِ نِزَاعٌ , وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْ الْعَوَّام يُطْلِقُونَ هَذَا اللَّفْظَ وَلَا يُرِيدُونَ هَذَا الْمَعْنَى , فَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَنْكَرَ عَلَيْهِمْ مَنْ أَنْكَرَ . وَهَذَا كَمَا أَنَّ الصَّحَابَةَ كَانُوا يُرِيدُونَ بِالتَّوَسُّلِ بِهِ التَّوَسُّلَ بِدُعَائِهِ وَشَفَاعَتِهِ , وَهَذَا جَائِزٌ بِلَا نِزَاعٍ , ثُمَّ إنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ فِي زَمَانِنَا لَا يُرِيدُونَ هَذَا الْمَعْنَى بِهَذَا اللَّفْظِ . وَقَالَ الْأَلُوسِيُّ : أَنَا لَا أَرَى بَأْسًا فِي التَّوَسُّلِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِجَاهِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى حَيًّا وَمَيِّتًا , وَيُرَادُ مِنْ الْجَاهِ مَعْنًى يَرْجِعُ إلَى صِفَةٍ مِنْ صِفَاتِهِ تَعَالَى , مِثْلَ أَنْ يُرَادَ بِهِ الْمَحَبَّةُ التَّامَّةُ الْمُسْتَدْعِيَةُ عَدَمَ رَدِّهِ وَقَبُولَ شَفَاعَتِهِ , فَيَكُونُ مَعْنَى قَوْلِ الْقَائِلِ : إلَهِي أَتَوَسَّلُ بِجَاهِ نَبِيَّك صلى الله عليه وسلمأَنْ تَقْضِيَ لِي حَاجَتِي . إلَهِي اجْعَلْ مَحَبَّتَك لَهُ وَسِيلَةً فِي قَضَاءِ حَاجَتِي , وَلَا فَرْقَ بَيْنَ هَذَا وَقَوْلِك : إلَهِي أَتَوَسَّلُ بِرَحْمَتِك أَنْ تَفْعَلَ كَذَا , إذْ مَعْنَاهُ أَيْضًا إلَهِي اجْعَلْ رَحْمَتَك وَسِيلَةً فِي فِعْلِ كَذَا , وَالْكَلَامُ فِي الْحُرْمَةِ ( أَيْ الْمَنْزِلَةِ - وَالْمُرَادُ حُرْمَةُ النَّبِيِّ ) كَالْكَلَامِ فِي الْجَاهِ .
د - التَّوَسُّلُ بِالنَّبِيِّ بَعْدَ وَفَاتِهِ :
اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي مَشْرُوعِيَّةِ التَّوَسُّلِ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ وَفَاتِهِ كَقَوْلِ الْقَائِلِ : اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك بِنَبِيِّك أَوْ بِجَاهِ نَبِيَّك أَوْ بِحَقِّ نَبِيَّك , عَلَى أَقْوَالٍ :
الْقَوْلِ الْأَوَّلِ :(64/16)
11 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ ( الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَمُتَأَخِّرُو الْحَنَفِيَّةِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ ) إلَى جَوَازِ هَذَا النَّوْعِ مِنْ التَّوَسُّلِ سَوَاءٌ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَوْ بَعْدَ وَفَاتِهِ . قَالَ الْقَسْطَلَّانِيُّ : وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ مَالِكًا لَمَّا سَأَلَهُ أَبُو جَعْفَرٍ الْمَنْصُورُ الْعَبَّاسِيُّ - ثَانِي خُلَفَاء بَنِي الْعَبَّاسِ - يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ أَأَسْتَقْبِلُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلموَأَدْعُو أَمْ أَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ وَأَدْعُو ؟ فَقَالَ لَهُ مَالِكٌ : وَلِمَ تَصْرِفْ وَجْهَك عَنْهُ وَهُوَ وَسِيلَتُك وَوَسِيلَةُ أَبِيك آدَمَ عليه السلام إلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ؟ بَلْ اسْتَقْبِلْهُ وَاسْتَشْفِعْ بِهِ فَيُشَفِّعُهُ اللَّهُ . وَقَدْ رَوَى هَذِهِ الْقِصَّةَ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ فِهْرٍ فِي كِتَابِهِ " فَضَائِلِ مَالِكٍ " بِإِسْنَادٍ لَا بَأْسَ بِهِ وَأَخْرَجَهَا الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي الشِّفَاءِ مِنْ طَرِيقِهِ عَنْ شُيُوخٍ عِدَّةٍ مِنْ ثِقَاتِ مَشَايِخِهِ . وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي بَيَانِ آدَابِ زِيَارَةِ قَبْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ يَرْجِعُ الزَّائِرُ إلَى مَوْقِفٍ قُبَالَةَ وَجْهِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلمفَيَتَوَسَّلُ بِهِ وَيَسْتَشْفِعُ بِهِ إلَى رَبِّهِ , وَمِنْ أَحْسَنِ مَا يَقُولُ ( الزَّائِرُ ) مَا حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَسَائِرُ أَصْحَابِنَا عَنْ الْعُتْبِيِّ مُسْتَحْسِنِينَ لَهُ قَالَ : كُنْت جَالِسًا عِنْدَ قَبْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَجَاءَهُ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ : السَّلَامُ عَلَيْك يَا رَسُولَ اللَّهِ . سَمِعْت اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ : { وَلَوْ أَنَّهُمْ إذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوك فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا } وَقَدْ جِئْتُك مُسْتَغْفِرًا مِنْ ذَنْبِي مُسْتَشْفِعًا بِك إلَى رَبِّي . ثُمَّ أَنْشَأَ يَقُولُ : يَا خَيْرَ مَنْ دُفِنَتْ بِالْقَاعِ أَعْظُمُهُ وَطَابَ مِنْ طِيبِهِنَّ الْقَاعُ وَالْأَكَمُ نَفْسِي الْفِدَاءُ لِقَبْرٌ أَنْتَ سَاكِنُهُ فِيهِ الْعَفَافُ وَفِيهِ الْجُودُ وَالْكَرْمُ وَقَالَ الْعِزُّ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ : يَنْبَغِي كَوْنُ هَذَا مَقْصُورًا عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِأَنَّهُ سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ , وَأَنْ لَا يُقْسَمَ عَلَى اللَّهِ بِغَيْرِهِ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمَلَائِكَةِ الْأَوْلِيَاءِ ; لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا فِي دَرَجَتِهِ , وَأَنْ يَكُونَ مِمَّا خُصَّ بِهِ تَنْبِيهًا عَلَى عُلُوِّ رُتْبَتِهِ . وَقَالَ السُّبْكِيّ : وَيَحْسُنُ التَّوَسُّلُ وَالِاسْتِغَاثَةُ وَالتَّشَفُّعُ بِالنَّبِيِّ إلَى رَبِّهِ . وَفِي إعَانَةِ الطَّالِبِينَ : . . . وَقَدْ جِئْتُك مُسْتَغْفِرًا مِنْ ذَنْبِي مُسْتَشْفِعًا بِك إلَى رَبِّي . مَا تَقَدَّمَ أَقْوَالُ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ . وَأَمَّا الْحَنَابِلَةُ فَقَدْ قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ فِي الْمُغْنِي بَعْدَ أَنْ نَقَلَ قِصَّةَ الْعُتْبِيِّ مَعَ الْأَعْرَابِيِّ : وَيُسْتَحَبُّ لِمَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ أَنْ يُقَدِّمَ رِجْلَهُ الْيُمْنَى . . . إلَى أَنْ قَالَ : ثُمَّ تَأْتِيَ الْقَبْرَ فَتَقُولَ . . . وَقَدْ أَتَيْتُك مُسْتَغْفِرًا مِنْ ذُنُوبِي مُسْتَشْفِعًا بِك إلَى رَبِّي . . . " . وَمِثْلُهُ فِي الشَّرْحِ الْكَبِيرِ . وَأَمَّا الْحَنَفِيَّةُ فَقَدْ صَرَّحَ مُتَأَخِّرُوهُمْ أَيْضًا بِجَوَازِ التَّوَسُّلِ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ الْكَمَالُ بْنُ الْهُمَامِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ : ثُمَّ يَقُولُ فِي مَوْقِفِهِ : السَّلَامُ عَلَيْك يَا رَسُولَ اللَّهِ . . . وَيَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى حَاجَتَهُ مُتَوَسِّلًا إلَى اللَّهِ بِحَضْرَةِ نَبِيِّهِ عليه الصلاة والسلام . وَقَالَ صَاحِبُ الِاخْتِيَارِ فِيمَا يُقَالُ عِنْدَ زِيَارَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم . . جِئْنَاك مِنْ بِلَادٍ شَاسِعَةٍ . . . وَالِاسْتِشْفَاعُ بِك إلَى رَبِّنَا . . . ثُمَّ يَقُول : مُسْتَشْفِعِينَ بِنَبِيِّك إلَيْك . وَمِثْلُهُ فِي مَرَاقِي الْفَلَاحِ وَالطَّحَاوِيُّ عَلَى الدُّرِّ الْمُخْتَارِ وَالْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّةِ . وَنَصُّ هَؤُلَاءِ : عِنْدَ زِيَارَةِ قَبْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم اللَّهُمَّ . . . وَقَدْ جِئْنَاك سَامِعِينَ قَوْلَك طَائِعِينَ أَمْرَك مُسْتَشْفِعِينَ بِنَبِيِّك إلَيْك . وَقَالَ الشَّوْكَانِيُّ : وَيَتَوَسَّلُ إلَى اللَّهِ بِأَنْبِيَائِهِ وَالصَّالِحِينَ . وَقَدْ اسْتَدَلُّوا لِمَا ذَهَبُوا إلَيْهِ بِمَا يَأْتِي : أ - قوله تعالى : { وَابْتَغُوا إلَيْهِ الْوَسِيلَةَ } . ب -(64/17)
حَدِيثُ الْأَعْمَى الْمُتَقَدِّمِ وَفِيهِ : اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك وَأَتَوَجَّهُ إلَيْك بِنَبِيِّك مُحَمَّدٍ نَبِيِّ الرَّحْمَةِ . فَقَدْ تَوَجَّهَ الْأَعْمَى فِي دُعَائِهِ بِالنَّبِيِّ عليه الصلاة والسلام أَيْ بِذَاتِهِ . ج - { قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلمفِي الدُّعَاءِ لِفَاطِمَةَ بِنْتِ أَسَدٍ : اغْفِرْ لِأُمِّي فَاطِمَةَ بِنْتِ أَسَدٍ وَوَسِّعْ عَلَيْهَا مُدْخَلَهَا بِحَقِّ نَبِيِّك وَالْأَنْبِيَاءِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِي فَإِنَّك أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ } . د - تَوَسُّلُ آدَمَ بِنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ عليهما الصلاة والسلام : رَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي " دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ " وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم{ لَمَّا اقْتَرَفَ آدَم الْخَطِيئَةَ قَالَ : يَا رَبِّ أَسْأَلُك بِحَقِّ مُحَمَّدٍ لَمَا غَفَرْت لِي فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى : يَا آدَم كَيْفَ عَرَفْت مُحَمَّدًا وَلَمْ أَخْلُقْهُ ؟ قَالَ : يَا رَبِّ إنَّك لَمَّا خَلَقْتنِي رَفَعْت رَأْسِي فَرَأَيْت عَلَى قَوَائِمِ الْعَرْشِ مَكْتُوبًا لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ فَعَلِمْت أَنَّك لَمْ تُضِفْ إلَى اسْمِك إلَّا أَحَبَّ الْخَلْقِ إلَيْك , فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى : صَدَقْت يَا آدَم , إنَّهُ لَأَحَبُّ الْخَلْقِ إلَيَّ , وَإِذْ سَأَلْتنِي بِحَقِّهِ فَقَدْ غَفَرْت لَك , وَلَوْلَا مُحَمَّدٌ مَا خَلَقْتُك } (( قلت : هذا الحديث موضوع لا يحل الاحتجاج به كما بينه الإمام الذهبي وغيره )) . هـ - حَدِيثُ الرَّجُلِ الَّذِي كَانَتْ لَهُ حَاجَةٌ عِنْدَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رضي الله عنه : رَوَى الطَّبَرَانِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ أَنَّ رَجُلًا كَانَ يَخْتَلِفُ إلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رضي الله عنه فِي زَمَنِ خِلَافَتِهِ , فَكَانَ لَا يَلْتَفِتُ وَلَا يَنْظُرُ إلَيْهِ فِي حَاجَتِهِ , فَشَكَا ذَلِكَ لِعُثْمَانَ بْنِ حُنَيْفٍ , فَقَالَ لَهُ : ائْتِ الْمِيضَأَةَ فَتَوَضَّأَ , ثُمَّ ائْتِ الْمَسْجِدَ فَصَلِّ , ثُمَّ قُلْ : اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك وَأَتَوَجَّهُ إلَيْك بِنَبِيِّك مُحَمَّدٍ نَبِيِّ الرَّحْمَةِ يَا مُحَمَّدُ إنِّي أَتَوَجَّهُ بِك إلَى رَبِّك فَيَقْضِي لِي حَاجَتِي , وَتَذْكُرُ حَاجَتَك , فَانْطَلَقَ الرَّجُلُ فَصَنَعَ ذَلِكَ ثُمَّ أَتَى بَابَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رضي الله عنه , فَجَاءَ الْبَوَّابُ فَأَخَذَ بِيَدِهِ , فَأَدْخَلَهُ عَلَى عُثْمَانَ رضي الله عنه فَأَجْلَسَهُ مَعَهُ وَقَالَ لَهُ : اُذْكُرْ حَاجَتَك , فَذَكَرَ حَاجَتَهُ فَقَضَاهَا لَهُ , ثُمَّ قَالَ : مَا لَك مِنْ حَاجَةٍ فَاذْكُرْهَا ثُمَّ خَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ فَلَقِيَ ابْنَ حُنَيْفٍ فَقَالَ لَهُ : جَزَاك اللَّهُ خَيْرًا مَا كَانَ يَنْظُرُ لِحَاجَتِي حَتَّى كَلَّمْته لِي , فَقَالَ ابْنُ حُنَيْفٍ , وَاَللَّهِ مَا كَلَّمْته وَلَكِنْ { شَهِدْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلموَأَتَاهُ ضَرِيرٌ فَشَكَا إلَيْهِ ذَهَابَ بَصَرِهِ } . إلَى آخِرِ حَدِيثِ الْأَعْمَى الْمُتَقَدِّمِ . قَالَ المباركفوري : قَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْغَنِيِّ فِي إنْجَاحِ الْحَاجَةِ : ذَكَرَ شَيْخُنَا عَابِدٌ السِّنْدِيُّ فِي رِسَالَتِهِ وَالْحَدِيثُ - حَدِيثُ الْأَعْمَى - يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ التَّوَسُّلِ وَالِاسْتِشْفَاعِ بِذَاتِهِ الْمُكَرَّمِ فِي حَيَاتِهِ , وَأَمَّا بَعْدَ مَمَاتِهِ فَقَدْ رَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ حُنَيْفٍ أَنَّ رَجُلًا كَانَ يَخْتَلِفُ إلَى عُثْمَانَ . . إلَى آخِرِ الْحَدِيثِ . وَقَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي تُحْفَةِ الذَّاكِرِينَ : وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ التَّوَسُّلِ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلمإلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مَعَ اعْتِقَادِ أَنَّ الْفَاعِلَ هُوَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَأَنَّهُ الْمُعْطِي الْمَانِعُ مَا شَاءَ كَانَ وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ .
الْقَوْلِ الثَّانِي فِي التَّوَسُّلِ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ وَفَاتِهِ :(64/18)
12 - جَاءَ فِي التتارخانية مَعْزِيًّا لِلْمُنْتَقَى : رَوَى أَبُو يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ : لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَدْعُوَ اللَّهَ إلَّا بِهِ ( أَيْ بِأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ ) وَالدُّعَاءُ الْمَأْذُونُ فِيهِ الْمَأْمُورُ بِهِ مَا اُسْتُفِيدَ مِنْ قوله تعالى { : وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا } . وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ , وَبِهِ أَخَذَ أَبُو اللَّيْثِ لِلْأَثَرِ . وَفِي الدُّرِّ : وَالْأَحْوَطُ الِامْتِنَاعُ لِكَوْنِهِ خَبَرَ وَاحِدٍ فِيمَا يُخَالِفُ الْقَطْعِيَّ , إذْ الْمُتَشَابِهُ إنَّمَا يَثْبُتُ بِالْقَطْعِيِّ . أَمَّا التَّوَسُّلُ بِمِثْلِ قَوْلِ الْقَائِلِ : بِحَقِّ رُسُلِك وَأَنْبِيَائِك وَأَوْلِيَائِك , أَوْ بِحَقِّ الْبَيْتِ فَقَدْ ذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ إلَى كَرَاهَتِهِ . قَالَ الْحَصْكَفِيُّ : لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لِلْخَلْقِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَإِنَّمَا يَخُصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ غَيْرِ وُجُوبٍ عَلَيْهِ . قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ : قَدْ يُقَالُ : إنَّهُ لَا حَقَّ لَهُمْ وُجُوبًا عَلَى اللَّهِ تَعَالَى لَكِنْ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى جَعَلَ لَهُمْ حَقًّا مِنْ فَضْلِهِ , أَوْ يُرَادُ بِالْحَقِّ الْحُرْمَةُ وَالْعَظَمَةُ , فَيَكُونُ مِنْ بَابِ الْوَسِيلَةِ , وَقَدْ قَالَ تَعَالَى : { وَابْتَغُوا إلَيْهِ الْوَسِيلَةَ } وَقَدْ عُدَّ مِنْ آدَابِ الدُّعَاءِ التَّوَسُّلُ عَلَى مَا فِي " الْحِصْنِ , وَجَاءَ فِي رِوَايَةٍ { اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك بِحَقِّ السَّائِلِينَ عَلَيْك , وَبِحَقِّ مَمْشَايَ إلَيْك , فَإِنِّي لَمْ أَخْرُجْ أَشِرًا وَلَا بَطَرًا } الْحَدِيثَ . وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِحَقِّهِمْ عَلَيْنَا وُجُوبُ الْإِيمَانِ بِهِمْ وَتَعْظِيمِهِمْ . وَفِي " الْيَعْقُوبِيَّةِ " : يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْحَقُّ مَصْدَرًا لَا صِفَةً مُشَبَّهَةً , فَالْمَعْنَى بِحَقِّيَّةِ رُسُلِك , فَلْيُتَأَمَّلْ . ا هـ . أَيْ : الْمَعْنَى بِكَوْنِهِمْ حَقًّا لَا بِكَوْنِهِمْ مُسْتَحِقِّينَ . أَقُولُ ( أَيْ ابْنُ عَابِدِينَ ) : لَكِنْ هَذِهِ كُلُّهَا احْتِمَالَاتٌ مُخَالِفَةٌ لِظَاهِرِ الْمُتَبَادَرِ مِنْ هَذَا اللَّفْظِ , وَمُجَرَّدُ إيهَامِ اللَّفْظِ مَا لَا يَجُوزُ كَافٍ فِي الْمَنْعِ . . . فَلِذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَطْلَقَ أَئِمَّتُنَا الْمَنْعَ , عَلَى أَنَّ إرَادَةَ هَذِهِ الْمَعَانِي مَعَ هَذَا الْإِيهَامِ فِيهَا الْإِقْسَامُ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ مَانِعٌ آخَرُ , تَأَمَّلْ . هَذَا وَلَمْ نَعْثُرْ فِي كُتُبِ الْحَنَفِيَّةِ عَلَى رَأْيٍ لِأَبِي حَنِيفَةَ وَصَاحِبَيْهِ فِي التَّوَسُّلِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي غَيْرِ كَلِمَةِ " بِحَقِّ " وَذَلِكَ كَالتَّوَسُّلِ بِقَوْلِهِ : بِنَبِيِّك " , أَوْ " بِجَاهِ نَبِيِّك " أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ . إلَّا مَا وَرَدَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - فِي رِوَايَةِ أَبِي يُوسُفَ - قَوْلُهُ : لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَدْعُوَ اللَّهَ إلَّا بِهِ " .
الْقَوْلِ الثَّالِثِ فِي التَّوَسُّلِ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ وَفَاتِهِ :(64/19)
13 - ذَهَبَ تَقِيُّ الدِّينِ بْنُ تَيْمِيَّةَ وَبَعْضُ الْحَنَابِلَةِ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ إلَى أَنَّ التَّوَسُّلَ بِذَاتِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَا يَجُوزُ , وَأَمَّا التَّوَسُّلُ بِغَيْرِ الذَّاتِ فَقَدْ قَالَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ : وَلَفْظُ التَّوَسُّلِ قَدْ يُرَادُ بِهِ ثَلَاثَةُ أُمُورٍ . أَمْرَانِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ : أَحَدُهُمَا : هُوَ أَصْلُ الْإِيمَانِ وَالْإِسْلَامِ , وَهُوَ التَّوَسُّلُ بِالْإِيمَانِ بِهِ صلى الله عليه وسلموَبِطَاعَتِهِ . وَالثَّانِي : دُعَاؤُهُ وَشَفَاعَتُهُ صلى الله عليه وسلم ( أَيْ فِي حَالِ حَيَاتِهِ ) وَهَذَا أَيْضًا نَافِعٌ يَتَوَسَّلُ بِهِ مَنْ دَعَا لَهُ وَشَفَعَ فِيهِ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ . وَمَنْ أَنْكَرَ التَّوَسُّلَ بِهِ بِأَحَدِ هَذَيْنِ الْمَعْنَيَيْنِ فَهُوَ كَافِرٌ مُرْتَدٌّ يُسْتَتَابُ فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ مُرْتَدًّا . وَلَكِنْ التَّوَسُّلُ بِالْإِيمَانِ بِهِ وَبِطَاعَتِهِ هُوَ أَصْلُ الدِّينِ , وَهَذَا مَعْلُومٌ بِالِاضْطِرَارِ مِنْ دِينِ الْإِسْلَامِ لِلْخَاصَّةِ وَالْعَامَّةِ , فَمَنْ أَنْكَرَ هَذَا الْمَعْنَى فَكُفْرُهُ ظَاهِرٌ لِلْخَاصَّةِ وَالْعَامَّةِ . وَأَمَّا دُعَاؤُهُ وَشَفَاعَتُهُ وَانْتِفَاعُ الْمُسْلِمِينَ بِذَلِكَ فَمَنْ أَنْكَرَهُ فَهُوَ كَافِرٌ أَيْضًا , لَكِنْ هَذَا أَخْفَى مِنْ الْأَوَّلِ , فَمَنْ أَنْكَرَهُ عَنْ جَهْلٍ عَرَفَ ذَلِكَ , فَإِنْ أَصَرَّ عَلَى إنْكَارِهِ فَهُوَ مُرْتَدٌّ . أَمَّا دُعَاؤُهُ وَشَفَاعَتُهُ فِي الدُّنْيَا فَلَمْ يُنْكِرْهُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ , وَأَمَّا الشَّفَاعَةُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ وَهُمْ الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ وَسَائِرُ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ الْأَرْبَعَةِ وَغَيْرُهُمْ أَنَّ لَهُ شَفَاعَاتٍ خَاصَّةً وَعَامَّةً . وَأَمَّا التَّوَسُّلُ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَالتَّوَجُّهُ بِهِ فِي كَلَامِ الصَّحَابَةِ فَيُرِيدُونَ بِهِ التَّوَسُّلَ بِدُعَائِهِ وَشَفَاعَتِهِ . وَالتَّوَسُّلُ بِهِ فِي عُرْفِ كَثِيرٍ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ يُرَادُ بِهِ الْإِقْسَامُ بِهِ وَالسُّؤَالُ بِهِ , كَمَا يَقْسِمُونَ بِغَيْرِهِ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَمَنْ يَعْتَقِدُ فِيهِ الصَّلَاحَ . وَحِينَئِذٍ فَلَفْظُ التَّوَسُّلِ بِهِ يُرَادُ بِهِ مَعْنَيَانِ صَحِيحَانِ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ , وَيُرَادُ بِهِ مَعْنًى ثَالِثٌ لَمْ تَرِدْ بِهِ سُنَّةٌ . وَمِنْ الْمَعْنَى الْجَائِزِ قَوْلُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ : اللَّهُمَّ إنَّا كُنَّا إذَا أَجْدَبْنَا تَوَسَّلْنَا إلَيْك بِنَبِيِّنَا فَتَسْقِينَا وَإِنَّا نَتَوَسَّلُ إلَيْك بِعَمِّ نَبِيِّنَا فَاسْقِنَا " أَيْ : بِدُعَائِهِ وَشَفَاعَتِهِ . وقوله تعالى { : وَابْتَغُوا إلَيْهِ الْوَسِيلَةَ } أَيْ : الْقُرْبَةَ إلَيْهِ بِطَاعَتِهِ , وَطَاعَةُ رَسُولِهِ طَاعَتُهُ . قَالَ تَعَالَى : { مَنْ يُطِعْ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ } فَهَذَا التَّوَسُّلُ الْأَوَّلُ هُوَ أَصْلُ الدِّينِ , وَهَذَا لَا يُنْكِرُهُ أَحَدٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ . وَأَمَّا التَّوَسُّلُ بِدُعَائِهِ وَشَفَاعَتِهِ - كَمَا قَالَ عُمَرُ فَإِنَّهُ تَوَسُّلٌ بِدُعَائِهِ لَا بِذَاتِهِ ; وَلِهَذَا عَدَلُوا عَنْ التَّوَسُّلِ بِهِ ( أَيْ بَعْدَ وَفَاتِهِ ) إلَى التَّوَسُّلِ بِعَمِّهِ الْعَبَّاسِ , وَلَوْ كَانَ التَّوَسُّلُ هُوَ بِذَاتِهِ لَكَانَ هَذَا أَوْلَى مِنْ التَّوَسُّلِ بِالْعَبَّاسِ , فَلَمَّا عَدَلُوا عَنْ التَّوَسُّلِ بِهِ إلَى التَّوَسُّلِ بِالْعَبَّاسِ , عُلِمَ أَنَّ مَا يُفْعَلُ فِي حَيَاتِهِ قَدْ تَعَذَّرَ بِمَوْتِهِ . بِخِلَافِ التَّوَسُّلِ الَّذِي هُوَ الْإِيمَانُ بِهِ , وَالطَّاعَةُ لَهُ , فَإِنَّهُ مَشْرُوعٌ دَائِمًا . وَالْمَعْنَى الثَّالِثُ : التَّوَسُّلُ بِهِ بِمَعْنَى الْإِقْسَامِ عَلَى اللَّهِ بِذَاتِهِ , وَالسُّؤَالُ بِذَاتِهِ , فَهَذَا هُوَ الَّذِي لَمْ يَكُنْ الصَّحَابَةُ يَفْعَلُونَهُ فِي الِاسْتِسْقَاءِ وَنَحْوِهِ , لَا فِي حَيَاتِهِ وَلَا بَعْدَ مَمَاتِهِ , لَا عِنْدَ قَبْرِهِ وَلَا غَيْرِ قَبْرِهِ , وَلَا يُعْرَفُ هَذَا فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَدْعِيَةِ الْمَشْهُورَةِ بَيْنَهُمْ , وَإِنَّمَا يُنْقَلُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فِي أَحَادِيثَ ضَعِيفَةٍ مَرْفُوعَةٍ وَمَوْقُوفَةٍ , أَوْ عَمَّنْ لَيْسَ قَوْلُهُ حُجَّةً . ثُمَّ يَقُولُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ : وَالْحَلِفُ بِالْمَخْلُوقَاتِ حَرَامٌ عِنْدَ الْجُمْهُورِ , وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحَدُ الْقَوْلَيْنِ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ , وَقَدْ حُكِيَ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ عَلَى ذَلِكَ . وَقِيلَ : هُوَ مَكْرُوهٌ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ . وَالْأَوَّلُ(64/20)
أَصَحُّ . فَالْإِقْسَامُ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَلَى اللَّهِ - وَالسُّؤَالُ بِهِ بِمَعْنَى الْإِقْسَامِ - هُوَ مِنْ هَذَا الْجِنْسِ . وَيَذْهَبُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ إلَى أَنَّ التَّوَسُّلَ بِلَفْظِ " أَسْأَلُك بِنَبِيِّك مُحَمَّدٍ " يَجُوزُ إذَا كَانَ عَلَى تَقْدِيرِ مُضَافٍ , فَيَقُولُ فِي ذَلِكَ : فَإِنْ قِيلَ : إذَا كَانَ التَّوَسُّلُ بِالْإِيمَانِ بِهِ وَمَحَبَّتِهِ وَطَاعَتِهِ عَلَى وَجْهَيْنِ : تَارَةً يَتَوَسَّلُ بِذَلِكَ إلَى ثَوَابِ اللَّهِ وَجَنَّتِهِ ( وَهَذَا أَعْظَمُ الْوَسَائِلِ ) وَتَارَةً يَتَوَسَّلُ بِذَلِكَ فِي الدُّعَاءِ - كَمَا ذَكَرْتُمْ نَظَائِرَهُ - فَيُحْمَلُ قَوْلُ الْقَائِلِ : أَسْأَلُك بِنَبِيِّك مُحَمَّدٍ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ : إنِّي أَسْأَلُك بِإِيمَانِي بِهِ وَبِمَحَبَّتِهِ , وَأَتَوَسَّلُ إلَيْك بِإِيمَانِي بِهِ وَمَحَبَّتِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ , وَقَدْ ذَكَرْتُمْ أَنَّ هَذَا جَائِزٌ بِلَا نِزَاعٍ . قِيلَ : مَنْ أَرَادَ هَذَا الْمَعْنَى فَهُوَ مُصِيبٌ فِي ذَلِكَ بِلَا نِزَاعٍ , وَإِذَا حُمِلَ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى لِكَلَامِ مَنْ تَوَسَّلَ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ مَمَاتِهِ مِنْ السَّلَفِ , كَمَا نُقِلَ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ , وَعَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ , كَانَ هَذَا حَسَنًا , وَحِينَئِذٍ فَلَا يَكُونُ فِي الْمَسْأَلَةِ نِزَاعٌ , وَلَكِنْ كَثِيرٌ مِنْ الْعَوَّامِ يُطْلِقُونَ هَذَا اللَّفْظَ , وَلَا يُرِيدُونَ هَذَا الْمَعْنَى , فَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَنْكَرَ عَلَيْهِمْ مَنْ أَنْكَرَ , وَهَذَا كَمَا أَنَّ الصَّحَابَةَ كَانُوا يُرِيدُونَ بِالتَّوَسُّلِ بِهِ التَّوَسُّلَ بِدُعَائِهِ وَشَفَاعَتِهِ وَهَذَا جَائِزٌ بِلَا نِزَاعٍ . ثُمَّ يَقُولُ : وَاَلَّذِي قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَغَيْرُهُمْ مِنْ الْعُلَمَاءِ - مِنْ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَسْأَلَ اللَّهَ تَعَالَى بِمَخْلُوقٍ لَا بِحَقِّ الْأَنْبِيَاءِ وَلَا غَيْرِ ذَلِكَ - يَتَضَمَّنُ شَيْئَيْنِ كَمَا تَقَدَّمَ : أَحَدَهُمَا : الْإِقْسَامَ عَلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِهِ , وَهَذَا مَنْهِيٌّ عَنْهُ عِنْدَ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ كَمَا تَقَدَّمَ , كَمَا يُنْهَى أَنْ يُقْسَمَ عَلَى اللَّهِ بِالْكَعْبَةِ وَالْمَشَاعِرِ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ . وَالثَّانِيَ : السُّؤَالَ بِهِ فَهَذَا يُجَوِّزُهُ طَائِفَةٌ مِنْ النَّاسِ , وَنُقِلَ فِي ذَلِكَ آثَارٌ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ , وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي دُعَاءِ كَثِيرٍ مِنْ النَّاسِ , لَكِنْ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي ذَلِكَ كُلِّهِ ضَعِيفٌ بَلْ مَوْضُوعٌ , وَلَيْسَ عَنْهُ حَدِيثٌ ثَابِتٌ قَدْ يُظَنُّ أَنَّ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةً إلَّا حَدِيثَ الْأَعْمَى الَّذِي عَلَّمَهُ أَنْ يَقُولَ : { أَسْأَلُك وَأَتَوَجَّهُ إلَيْك بِنَبِيِّك مُحَمَّدٍ نَبِيِّ الرَّحْمَةِ } وَحَدِيثُ الْأَعْمَى لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ , فَإِنَّهُ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ إنَّمَا تَوَسَّلَ بِدُعَاءِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَشَفَاعَتِهِ , وَهُوَ طَلَبَ مِنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الدُّعَاءَ , وَقَدْ أَمَرَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلمأَنْ يَقُولَ : اللَّهُمَّ شَفِّعْهُ فِي " وَلِهَذَا رَدَّ اللَّهُ عَلَيْهِ بَصَرَهُ لَمَّا دَعَا لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلموَكَانَ ذَلِكَ يُعَدُّ مِنْ آيَاتِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَلَوْ تَوَسَّلَ غَيْرُهُ مِنْ الْعُمْيَانِ الَّذِينَ لَمْ يَدْعُ لَهُمْ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلمبِالسُّؤَالِ بِهِ لَمْ تَكُنْ حَالُهُمْ كَحَالِهِ . وَسَاغَ النِّزَاعُ فِي السُّؤَالِ بِالْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ دُونَ الْإِقْسَامِ بِهِمْ ; لِأَنَّ بَيْنَ السُّؤَالِ وَالْإِقْسَامِ فَرْقًا , فَإِنَّ السَّائِلَ مُتَضَرِّعٌ ذَلِيلٌ يَسْأَلُ بِسَبَبٍ يُنَاسِبُ الْإِجَابَةَ , وَالْمُقْسِمُ أَعْلَى مِنْ هَذَا , فَإِنَّهُ طَالِبٌ مُؤَكِّدٌ طَلَبَهُ بِالْقَسَمِ , وَالْمُقْسِمُ لَا يُقْسِمُ إلَّا عَلَى مَنْ يَرَى أَنَّهُ يَبَرُّ قَسَمَهُ , فَإِبْرَارُ الْقَسَمِ خَاصٌّ بِبَعْضِ الْعِبَادِ , وَأَمَّا إجَابَةُ السَّائِلِينَ فَعَامٌّ , فَإِنَّ اللَّهَ يُجِيبُ دَعْوَةَ الْمُضْطَرِّ وَدَعْوَةَ الْمَظْلُومِ , وَإِنْ كَانَ كَافِرًا , وَفِي الصَّحِيحِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ { : مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَدْعُو بِدَعْوَةٍ لَيْسَ فِيهَا إثْمٌ وَلَا قَطِيعَةُ رَحِمٍ إلَّا أَعْطَاهُ اللَّهُ بِهَا إحْدَى ثَلَاثٍ : إمَّا أَنْ تُعَجَّلَ لَهُ دَعْوَتُهُ , وَإِمَّا أَنْ يَدَّخِرَهَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِثْلَهَا , وَإِمَّا أَنْ يَصْرِفَ عَنْهُ مِنْ السُّوءِ مِثْلَهَا قَالُوا : إذًا نُكْثِرُ , قَالَ : اللَّهُ أَكْثَرُ } . وَهَذَا(64/21)
التَّوَسُّلُ بِالْأَنْبِيَاءِ بِمَعْنَى السُّؤَالِ بِهِمْ - وَهُوَ الَّذِي قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَغَيْرُهُمْ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ - لَيْسَ فِي الْمَعْرُوفِ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ مَا يُنَاقِضُ ذَلِكَ , فَمَنْ نَقَلَ عَنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ أَنَّهُ جَوَّزَ التَّوَسُّلَ بِهِ بِمَعْنَى الْإِقْسَامِ أَوْ السُّؤَالِ بِهِ فَلَيْسَ مَعَهُ فِي ذَلِكَ نَقْلٌ عَنْ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ . ثُمَّ يَقُولُ : وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ : إنَّهُ يَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى فِي ذَلِكَ لَا بِنَبِيٍّ وَلَا بِغَيْرِ نَبِيٍّ . وَكَذَلِكَ مَنْ نَقَلَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ جَوَّزَ سُؤَالَ الرَّسُولِ أَوْ غَيْرِهِ بَعْدَ مَوْتِهِمْ أَوْ نَقَلَ ذَلِكَ عَنْ إمَامٍ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ - غَيْرِ مَالِكٍ - كَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَغَيْرِهِمَا فَقَدْ كَذَبَ عَلَيْهِمْ . ثُمَّ يُقَرِّرُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ خِلَافِيَّةٌ وَأَنَّ التَّكْفِيرَ فِيهَا حَرَامٌ وَإِثْمٌ . وَيَقُولُ بَعْدَ ذِكْرِ الْخِلَافِ فِي الْمَسْأَلَةِ : وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ : إنَّ مَنْ قَالَ بِالْقَوْلِ الْأَوَّلِ فَقَدْ كَفَرَ , وَلَا وَجْهَ لِتَكْفِيرِهِ , فَإِنَّ هَذِهِ مَسْأَلَةٌ خَفِيَّةٌ لَيْسَتْ أَدِلَّتُهَا جَلِيَّةً ظَاهِرَةً , وَالْكُفْرُ إنَّمَا يَكُونُ بِإِنْكَارِ مَا عُلِمَ مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ , أَوْ بِإِنْكَارِ الْأَحْكَامِ الْمُتَوَاتِرَةِ وَالْمُجْمَعِ عَلَيْهَا وَنَحْوِ ذَلِكَ . بَلْ الْمُكَفَّرُ بِمِثْلِ هَذِهِ الْأُمُورِ يَسْتَحِقُّ مِنْ غَلِيظِ الْعُقُوبَةِ وَالتَّعْزِيرِ مَا يَسْتَحِقُّهُ أَمْثَالُهُ مِنْ الْمُفْتَرِينَ عَلَى الدِّينِ , لَا سِيَّمَا مَعَ قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم { أَيُّمَا رَجُلٍ قَالَ لِأَخِيهِ : يَا كَافِرُ فَقَدْ بَاءَ بِهِ أَحَدُهُمَا } . رَابِعًا : التَّوَسُّلُ بِالصَّالِحِينَ مِنْ غَيْرِ النَّبِيِّ : 14 - لَا يَخْرُجُ حُكْمُ التَّوَسُّلِ بِالصَّالِحِينَ مِنْ غَيْرِ النَّبِيِّ عَمَّا سَبَقَ مِنْ الْخِلَافِ فِي التَّوَسُّلِ بِهِ صلى الله عليه وسلم
***********
قارن أخي المسلم بين ما ورد في ذلك البيان وبين ما يقوله أهل العلم حتى تكون على بينة من أمر دينك
وحتى لا يضحك عليك أحد باسم الدين
*****************
قولهم ((نؤمن بشد الرحال لزيارة مسجد سيدنا رسول ا صلى الله عليه وسلم ، ولزيارة قبره الشريف المنيف ))
وكذلك هذه المسالة من المسائل الخلافية فليست من مسائل العقيدة لا في قليل ولا كثير
بل قولهم نؤمن كذب على الله ورسول صلى الله عليه وسلم ولا يقول به أحد من أهل العلم المعول عليهم
وهذه أقوال أهل العلم في هذه المسألة لترى تلبيس القوم على الناس
وفي الموسوعة الفقهية :
زِيَارَةٌ ) التَّعْرِيفُ :
1 - الزِّيَارَةُ فِي اللُّغَةِ : الْقَصْدُ , يُقَالُ : زَارَهُ يَزُورُهُ زَوْرًا وَزِيَارَةً : قَصَدَهُ وَعَادَهُ . وَفِي الْعُرْفِ هِيَ قَصْدُ الْمَزُورِ إكْرَامًا لَهُ وَاسْتِئْنَاسًا بِهِ . وَلَا يَخْرُجُ الْمَعْنَى الِاصْطِلَاحِيُّ عَنْ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ . ( الْأَلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ ) : الْعِيَادَةُ : 2 - هِيَ مِنْ عَادَ الْمَرِيضَ يَعُودُهُ عِيَادَةً : إذَا زَارَهُ فِي مَرَضِهِ . فَالْعِيَادَةُ عَلَى هَذَا أَخَصُّ مِنْ الزِّيَارَةِ .
( الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ ) :
3 - تَخْتَلِفُ أَحْكَامُ الزِّيَارَةِ بِاخْتِلَافِ أَسْبَابِهَا , وَالْمَزُورُ , وَالزَّائِرُ . زِيَارَةُ قَبْرِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم 4 - زِيَارَةُ قَبْرِهِ r مِنْ أَهَمِّ الْقُرُبَاتِ وَأَفْضَلِ الْمَنْدُوبَاتِ , وَقَدْ نَقَلَ صَاحِبُ فَتْحِ الْقَدِيرِ عَنْ مَنَاسِكِ الْفَارِسِيِّ وَشَرْحِ الْمُخْتَارِ : أَنَّ زِيَارَةَ قَبْرِهِ r قَرِيبَةٌ مِنْ الْوُجُوبِ . وَفِي حَدِيثٍ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم { مَنْ زَارَ قَبْرِي وَجَبَتْ لَهُ شَفَاعَتِي } , وَرُوِيَ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم { مَنْ جَاءَنِي زَائِرًا لَا يَعْلَمُ لَهُ حَاجَةً إلَّا زِيَارَتِي , كَانَ حَقًّا عَلَيَّ أَنْ أَكُونَ لَهُ شَفِيعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ } وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ : ( زِيَارَةِ قَبْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ) .
زِيَارَةُ الْقُبُورِ :
5 - تُسَنُّ زِيَارَةُ قُبُورِ الْمُسْلِمِينَ لِلرِّجَالِ بِدُونِ سَفَرٍ , لِخَبَرِ { كُنْت نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَزُورُوهَا } . وَيُكْرَهُ لِلنِّسَاءِ لِحَدِيثِ أُمِّ عَطِيَّةَ : { نُهِينَا عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ , وَلَمْ يُعْزَمْ عَلَيْنَا } . وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ : ( زِيَارَةِ الْقُبُورِ ) .
( زِيَارَةُ الْأَمَاكِنِ ) :(64/22)
6 - وَرَدَتْ نُصُوصٌ وَآثَارٌ تَدْعُو إلَى زِيَارَةِ أَمَاكِنَ بِعَيْنِهَا . وَمِنْهَا مَا وَرَدَ فِي مَسْجِدِ قُبَاءٍ وَهُوَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى : { لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ } " وَكَانَ صلى الله عليه وسلم يَزُورُهُ كُلَّ سَبْتٍ " . وَالْمَسَاجِدُ الثَّلَاثَةُ الَّتِي وَرَدَ الْحَدِيثُ بِشَدِّ الرِّحَالِ إلَيْهَا وَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم { لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إلَّا إلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ : مَسْجِدِي هَذَا , وَمَسْجِدِ الْحَرَامِ , وَمَسْجِدِ الْأَقْصَى } . وَمِنْهَا جَبَلُ أُحُدٍ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم { جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ } وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ الْأَمَاكِنِ الَّتِي وَرَدَ فِيهَا نَصٌّ بِذَلِكَ فَتُسْتَحَبُّ زِيَارَتُهَا .
. زِيَارَةُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم التَّعْرِيفُ :
1 - الزِّيَارَةُ : اسْمٌ مِنْ زَارَهُ يَزُورُهُ زُورًا وَزِيَارَةً , قَصَدَهُ مُكْرِمًا لَهُ . وَزِيَارَةُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ وَفَاتِهِ تَتَحَقَّقُ بِزِيَارَةِ قَبْرِهِ صلى الله عليه وسلم
( الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ ) :
2 - أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ الْإِسْلَامِيَّةُ سَلَفًا وَخَلَفًا عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ زِيَارَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَقَدْ ذَهَبَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مِنْ أَهْلِ الْفَتْوَى فِي الْمَذَاهِبِ إلَى أَنَّهَا سُنَّةٌ مُسْتَحَبَّةٌ , وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ الْمُحَقِّقِينَ : هِيَ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ , تَقْرُبُ مِنْ دَرَجَةِ الْوَاجِبَاتِ , وَهُوَ الْمُفْتَى بِهِ عِنْدَ طَائِفَةٍ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ . وَذَهَبَ الْفَقِيهُ الْمَالِكِيُّ أَبُو عِمْرَانَ مُوسَى بْنُ عِيسَى الْفَاسِيُّ إلَى أَنَّهَا وَاجِبَةٌ .
دَلِيلُ مَشْرُوعِيَّةِ الزِّيَارَةِ : 3 - مِنْ أَدِلَّةِ مَشْرُوعِيَّةِ زِيَارَتِهِ صلى الله عليه وسلم قوله تعالى : { وَلَوْ أَنَّهُمْ إذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوك فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا } فَإِنَّهُ r حَيٌّ فِي قَبْرِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ , كَمَا أَنَّ الشُّهَدَاءَ أَحْيَاءٌ بِنَصِّ الْقُرْآنِ , وَقَدْ صَحَّ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم { الْأَنْبِيَاءُ أَحْيَاءٌ فِي قُبُورِهِمْ } , وَإِنَّمَا قَالَ : هُمْ أَحْيَاءٌ أَيْ لِأَنَّهُمْ كَالشُّهَدَاءِ بَلْ أَفْضَلُ , وَالشُّهَدَاءُ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ , وَفَائِدَةُ التَّقْيِيدِ بِالْعِنْدِيَّةِ الْإِشَارَةُ إلَى أَنَّ حَيَاتَهُمْ لَيْسَتْ بِظَاهِرَةٍ عِنْدَنَا وَهِيَ كَحَيَاةِ الْمَلَائِكَةِ . وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ فِي حَدِيثِ الْإِسْرَاءِ { قَالَ صلى الله عليه وسلم مَرَرْت عَلَى مُوسَى لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي عِنْدَ الْكَثِيبِ الْأَحْمَرِ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي قَبْرِهِ } . وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم { فَزُورُوا الْقُبُورَ , فَإِنَّهَا تَذْكُرُ الْمَوْتَ } فَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ زِيَارَةِ الْقُبُورِ عَامَّةً , وَزِيَارَتُهُ صلى الله عليه وسلمأَوْلَى مَا يُمْتَثَلُ بِهِ هَذَا الْأَمْرُ , فَتَكُونُ زِيَارَتُهُ دَاخِلَةً فِي هَذَا الْأَمْرِ النَّبَوِيِّ الْكَرِيمِ . وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم { مَنْ زَارَنِي بَعْدَ مَوْتِي فَكَأَنَّمَا زَارَنِي فِي حَيَاتِي } . وَمِنْهَا قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلمفِي الْحَدِيثِ : { مَنْ زَارَ قَبْرِي وَجَبَتْ لَهُ شَفَاعَتِي } . فَاسْتَدَلَّ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ بِهَذِهِ الْأَدِلَّةِ عَلَى وُجُوبِ زِيَارَتِهِ r لِمَا فِي الْأَحَادِيثِ الْأُخْرَى مِنْ الْحَضِّ أَيْضًا . وَحَمَلَهَا الْجُمْهُورُ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ , وَلَعَلَّ مَلْحَظَهُمْ فِي ذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ الْأَدِلَّةَ تُرَغِّبُ بِتَحْصِيلِ ثَوَابٍ أَوْ مَغْفِرَةٍ أَوْ فَضِيلَةٍ , وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِوَسَائِلَ أُخَرَ , فَلَا تُفِيدُ هَذِهِ الْأَدِلَّةُ الْوُجُوبَ . قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي كِتَابِ الشِّفَاءِ : وَزِيَارَةُ قَبْرِهِ عليه الصلاة والسلام سُنَّةٌ مِنْ سُنَنِ الْمُسْلِمِينَ مُجْمَعٌ عَلَيْهَا , وَفَضِيلَةٌ مُرَغَّبٌ فِيهَا .
فَضْلُ زِيَارَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم(64/23)
4 - دَلَّتْ الدَّلَائِلُ السَّابِقَةُ عَلَى عَظَمَةِ فَضْلِ زِيَارَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَجَزِيلِ مَثُوبَتِهَا فَإِنَّهَا مِنْ أَهَمِّ الْمَطَالِبِ الْعَالِيَةِ وَالْقُرُبَاتِ النَّافِعَةِ الْمَقْبُولَةِ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى , فَبِهَا يَرْجُو الْمُؤْمِنُ مَغْفِرَةَ اللَّهِ تَعَالَى وَرَحْمَتَهُ وَتَوْبَتَهُ عَلَيْهِ مِنْ ذُنُوبِهِ , وَبِهَا يَحْصُلُ الزَّائِرُ عَلَى شَفَاعَةٍ خَاصَّةٍ مِنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ الْقِيَامَةِ , وَمَا أَعْظَمَهُ مِنْ فَوْزٍ . وَعَلَى ذَلِكَ انْعَقَدَ إجْمَاعُ الْمُسْلِمِينَ فِي كَافَّةِ الْعُصُورِ , كَمَا صَرَّحَ بِهِ عِيَاضٌ وَالنَّوَوِيُّ وَالسِّنْدِيُّ وَابْنُ الْهُمَامِ . قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ : إنَّهَا مِنْ أَفْضَلِ الْأَعْمَالِ وَأَجَلِّ الْقُرُبَاتِ الْمُوَصِّلَةِ إلَى ذِي الْجَلَالِ , وَإِنَّ مَشْرُوعِيَّتَهَا مَحَلُّ إجْمَاعٍ بِلَا نِزَاعٍ . وَكَذَلِكَ قَالَ الْقَسْطَلَّانِيُّ : اعْلَمْ أَنَّ زِيَارَةَ قَبْرِهِ الشَّرِيفِ مِنْ أَعْظَمِ الْقُرُبَاتِ وَأَرْجَى الطَّاعَاتِ , وَالسَّبِيلُ إلَى أَعْلَى الدَّرَجَاتِ .
آدَابُ زِيَارَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم
5 - أ - أَنْ يَنْوِيَ زِيَارَةَ الْمَسْجِدِ النَّبَوِيِّ أَيْضًا لِتَحْصِيلِ سُنَّةِ زِيَارَةِ الْمَسْجِدِ وَثَوَابِهَا لِمَا فِي الْحَدِيثِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلمقَالَ : { لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إلَّا إلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ : مَسْجِدِي هَذَا , وَمَسْجِدِ الْحَرَامِ , وَمَسْجِدِ الْأَقْصَى } . ب - الِاغْتِسَالُ لِدُخُولِ الْمَدِينَةِ الْمُنَوَّرَةِ , وَلُبْسِ أَنْظَفِ الثِّيَابِ , وَاسْتِشْعَارُ شَرَفِ الْمَدِينَةِ لِتَشَرُّفِهَا بِهِ صلى الله عليه وسلم ج - الْمُوَاظَبَةُ عَلَى صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ فِي الْمَسْجِدِ النَّبَوِيِّ مُدَّةَ الْإِقَامَةِ فِي الْمَدِينَةِ , عَمَلًا بِالْحَدِيثِ الثَّابِتِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : { صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ إلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ } . د - أَنْ يُتْبِعَ زِيَارَتَهُ صلى الله عليه وسلم بِزِيَارَةِ صَاحِبَيْهِ شَيْخَيْ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَعَنْهُمْ جَمِيعًا , أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ , وَقَبْرُهُ إلَى الْيَمِينِ قَدْرَ ذِرَاعٍ , وَعُمَرَ يَلِي قَبْرَ أَبِي بَكْرٍ إلَى الْيَمِينِ أَيْضًا .
مَا يُكْرَهُ فِي زِيَارَةِ قَبْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم(64/24)
6 - يَقَعُ لِكَثِيرٍ مِنْ النَّاسِ أُمُورٌ مَكْرُوهَةٌ فِي زِيَارَتِهِمْ لِقَبْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم نُشِيرُ إلَى أَهَمِّهَا : 1 - التَّزَاحُمُ عِنْدَ الزِّيَارَةِ , وَذَلِكَ أَمْرٌ لَا مُوجِبَ لَهُ , بَلْ هُوَ خِلَافُ الْأَدَبِ , لَا سِيَّمَا إذَا أَدَّى إلَى زِحَامِ النِّسَاءِ فَإِنَّ الْأَمْرَ شَدِيدٌ . 2 - رَفْعُ الْأَصْوَاتِ بِالصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَوْ بِالدُّعَاءِ عِنْدَ زِيَارَتِهِ صلى الله عليه وسلم 3 - التَّمَسُّحُ بِقَبْرِهِ الشَّرِيفِ r أَوْ بِشُبَّاكِ حُجْرَتِهِ . أَوْ إلْصَاقُ الظَّهْرِ أَوْ الْبَطْنِ بِجِدَارِ الْقَبْرِ . قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ : وَلَا يُسْتَحَبُّ التَّمَسُّحُ بِحَائِطِ قَبْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَلَا تَقْبِيلُهُ , قَالَ أَحْمَدُ : مَا أَعْرِفُ هَذَا . قَالَ الْأَثْرَمُ : رَأَيْت أَهْلَ الْعِلْمِ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ لَا يَمَسُّونَ قَبْرَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَقُومُونَ مِنْ نَاحِيَةٍ فَيُسَلِّمُونَ . قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ : وَهَكَذَا كَانَ ابْنُ عُمَرَ يَفْعَلُ . وَقَالَ النَّوَوِيُّ مُنَبِّهًا مُحَذِّرًا : وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُطَافَ بِقَبْرِهِ r , وَيُكْرَهُ إلْصَاقُ الظَّهْرِ وَالْبَطْنِ بِجِدَارِ الْقَبْرِ . قَالُوا : وَيُكْرَهُ مَسْحُهُ بِالْيَدِ وَتَقْبِيلُهُ , بَلْ الْأَدَبُ أَنْ يُبْعَدَ مِنْهُ , كَمَا يُبْعَدَ مِنْهُ لَوْ حَضَرَهُ فِي حَيَاتِهِ r هَذَا هُوَ الصَّوَابُ الَّذِي قَالَهُ الْعُلَمَاءُ وَأَطْبَقُوا عَلَيْهِ , وَلَا يُغْتَرُّ بِمُخَالَفَةِ كَثِيرِينَ مِنْ الْعَوَّامِ وَفِعْلِهِمْ ذَلِكَ , فَإِنَّ الِاقْتِدَاءَ وَالْعَمَلَ إنَّمَا يَكُونُ بِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَأَقْوَالِ الْعُلَمَاءِ , وَلَا يُلْتَفَتُ إلَى مُحْدَثَاتِ الْعَوَّام وَغَيْرِهِمْ وَجَهَالَاتِهِمْ . قَالَ صلى الله عليه وسلم { لَا تَجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قُبُورًا , وَلَا تَجْعَلُوا قَبْرِي عِيدًا , وَصَلُّوا عَلَيَّ فَإِنَّ صَلَاتَكُمْ تَبْلُغُنِي حَيْثُ كُنْتُمْ } . مَعْنَى الْحَدِيثِ لَا تُعَطِّلُوا الْبُيُوتَ مِنْ الصَّلَاةِ فِيهَا وَالدُّعَاءُ وَالْقِرَاءَةُ فَتَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْقُبُورِ , فَأَمَرَ بِتَحَرِّي الْعِبَادَةِ بِالْبُيُوتِ وَنَهَى عَنْ تَحَرِّيهَا عِنْدَ الْقُبُورِ , عَكْسَ مَا يَفْعَلُهُ الْمُشْرِكُونَ مِنْ النَّصَارَى وَمَنْ تَشَبَّهَ بِهِمْ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ . وَالْعِيدُ اسْمُ مَا يَعُودُ مِنْ الِاجْتِمَاعِ الْعَامِّ عَلَى وَجْهٍ مُعْتَادٍ عَائِدًا مَا يَعُودُ السَّنَةُ أَوْ يَعُودُ الْأُسْبُوعُ أَوْ الشَّهْرُ وَنَحْوُ ذَلِكَ . قَالَ فِي عَوْنِ الْمَعْبُودِ : قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ : الْعِيدُ مَا يُعْتَادُ مَجِيئُهُ وَقَصْدُهُ مِنْ زَمَنٍ وَمَكَانٍ مَأْخُوذٍ مِنْ الْمُعَاوَدَةِ وَالِاعْتِيَادِ , فَإِذَا كَانَ اسْمًا لِلْمَكَانِ فَهُوَ الْمَكَانُ الَّذِي يُقْصَدُ فِيهِ الِاجْتِمَاعُ وَالِانْتِيَابُ بِالْعِبَادَةِ وَبِغَيْرِهَا كَمَا أَنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ وَمِنًى وَمُزْدَلِفَةَ وَعَرَفَةَ وَالْمَشَاعِرَ جَعَلَهَا اللَّهُ تَعَالَى عِيدًا لِلْحُنَفَاءِ وَمَثَابَةً لِلنَّاسِ , كَمَا جَعَلَ أَيَّامَ الْعِيدِ مِنْهَا عِيدًا . وَكَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَعْيَادٌ زَمَانِيَّةٌ وَمَكَانِيَّةٌ فَلَمَّا جَاءَ اللَّهُ بِالْإِسْلَامِ أَبْطَلَهَا وَعَوَّضَ الْحُنَفَاءَ مِنْهَا عِيدَ الْفِطْرِ وَعِيدَ النَّحْرِ , كَمَا عَوَّضَهُمْ عَنْ أَعْيَادِ الْمُشْرِكِينَ الْمَكَانِيَّةِ بِكَعْبَةٍ وَمِنًى وَمُزْدَلِفَةَ وَسَائِرِ الْمَشَاعِرِ . قَالَ الْمُنَاوِيُّ فِي فَيْضِ الْقَدِيرِ : مَعْنَاهُ النَّهْيُ عَنْ الِاجْتِمَاعِ لِزِيَارَتِهِ اجْتِمَاعَهُمْ لِلْعِيدِ , إمَّا لِدَفْعِ الْمَشَقَّةِ أَوْ كَرَاهَةِ أَنْ يَتَجَاوَزُوا حَدَّ التَّعْظِيمِ . وَقِيلَ : الْعِيدُ مَا يُعَادُ إلَيْهِ أَيْ لَا تَجْعَلُوا قَبْرِي عِيدًا تَعُودُونَ إلَيْهِ مَتَى أَرَدْتُمْ أَنْ تُصَلُّوا عَلَيَّ , فَظَاهِرُهُ مَنْهِيٌّ عَنْ الْمُعَاوَدَةِ وَالْمُرَادُ الْمَنْعُ عَمَّا يُوجِبُهُ , وَهُوَ ظَنُّهُمْ بِأَنَّ دُعَاءَ الْغَائِبِ لَا يَصِلُ إلَيْهِ , وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ : { وَصَلُّوا عَلَيَّ فَإِنَّ صَلَاتَكُمْ تَبْلُغُنِي حَيْثُ كُنْتُمْ } أَيْ لَا تَتَكَلَّفُوا الْمُعَاوَدَةَ إلَيَّ فَقَدْ اسْتَغْنَيْتُمْ بِالصَّلَاةِ عَلَيَّ . قَالَ الْمُنَاوِيُّ : وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ اجْتِمَاعَ الْعَامَّةِ فِي بَعْضِ أَضْرِحَةِ الْأَوْلِيَاءِ فِي يَوْمٍ أَوْ شَهْرٍ مَخْصُوصٍ مِنْ السَّنَةِ وَيَقُولُونَ : هَذَا يَوْمُ مَوْلِدِ الشَّيْخِ , وَيَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ وَرُبَّمَا يَرْقُصُونَ فِيهِ مَنْهِيٌّ عَنْهُ شَرْعًا ,(64/25)
وَعَلَى وَلِيِّ الشَّرْعِ رَدْعُهُمْ عَلَى ذَلِكَ , وَإِنْكَارُهُ عَلَيْهِمْ وَإِبْطَالُهُ . وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ : الْحَدِيثُ يُشِيرُ إلَى أَنَّ مَا يَنَالُنِي مِنْكُمْ مِنْ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ يَحْصُلُ مَعَ قُرْبِكُمْ مِنْ قَبْرِي وَبُعْدِكُمْ عَنْهُ , فَلَا حَاجَةَ بِكُمْ إلَى اتِّخَاذِهِ عِيدًا .
صِفَةُ زِيَارَتِهِ صلى الله عليه وسلم
7 - إذَا أَرَادَ الزَّائِرُ زِيَارَتَهُ صلى الله عليه وسلم فَلْيَنْوِ زِيَارَةَ مَسْجِدِهِ الشَّرِيفِ أَيْضًا , لِتَحْصُلَ سُنَّةُ زِيَارَةِ الْمَسْجِدِ وَثَوَابِهَا . وَإِذَا عَايَنَ بَسَاتِينَ الْمَدِينَةِ صَلَّى عَلَيْهِ وسلم وَقَالَ : اللَّهُمَّ هَذَا حَرَمُ نَبِيِّك فَاجْعَلْهُ وِقَايَةً لِي مِنْ النَّارِ وَأَمَانًا مِنْ الْعَذَابِ وَسُوءِ الْحِسَابِ . وَإِذَا وَصَلَ بَابَ الْمَسْجِدِ النَّبَوِيِّ دَخَلَ وَهُوَ يَقُولُ الذِّكْرَ الْمَعْرُوفَ عِنْدَ دُخُولِ الْمَسَاجِدِ : " اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ , رَبِّ اغْفِرْ لِي ذُنُوبِي وَافْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِك " . وَعِنْدَ الْخُرُوجِ يَقُولُ ذَلِكَ , لَكِنْ بِلَفْظِ " وَافْتَحْ لِي أَبْوَابَ فَضْلِك " . وَيُصَلِّي رَكْعَتَيْ تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ , ثُمَّ يَقْصِدُ الْحُجْرَةَ الشَّرِيفَةَ الَّتِي فِيهَا قَبْرُهُ عليه الصلاة والسلام فَيَسْتَدْبِرُ الْقِبْلَةَ وَيَسْتَقْبِلُ الْقَبْرَ وَيَقِفُ أَمَامَ النَّافِذَةِ الدَّائِرِيَّةِ الْيُسْرَى مُبْتَعِدًا عَنْهَا قَدْرَ أَرْبَعَةِ أَذْرُعٍ إجْلَالًا وَتَأَدُّبًا مَعَ الْمُصْطَفَى r فَهُوَ أَمَامَ وَجْهِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلمفَيُسَلِّمُ عَلَيْهِ دُونَ أَنْ يَرْفَعَ صَوْتَهُ , بِأَيِّ صِيغَةٍ تَحْضُرُهُ مِنْ صِيَغِ التَّسْلِيمِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَيُرْدِفُ ذَلِكَ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ وسلم بِمَا يَحْضُرُهُ أَيْضًا . 8 - وَقَدْ أَوْرَدَ الْعُلَمَاءُ عِبَارَاتٍ كَثِيرَةً صَاغُوهَا لِتَعْلِيمِ النَّاسِ , ضَمَّنُوهَا ثَنَاءً عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَيَدْعُو الْإِنْسَانُ بِدُعَاءِ زِيَارَةِ الْقُبُورِ وَيُصَلِّي وَيُسَلِّمُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَيَدْعُو بِمَا يَفْتَحُ اللَّهُ عَلَيْهِ . 9 - وَإِنْ كَانَ أَحَدٌ قَدْ أَوْصَاهُ بِالسَّلَامِ عَلَيْهِ وسلم فَلْيَقُلْ : السَّلَامُ عَلَيْك يَا رَسُولَ اللَّهِ مِنْ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ , أَوْ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ يُسَلِّمُ عَلَيْك يَا رَسُولَ اللَّهِ , أَوْ مَا شَابَهُ ذَلِكَ . 10 - ثُمَّ يَتَأَخَّرُ إلَى صَوْبِ الْيَمِينِ قَدْرَ ذِرَاعِ الْيَدِ لِلسَّلَامِ عَلَى الصِّدِّيقِ الْأَكْبَرِ سَيِّدِنَا أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه , لِأَنَّ رَأْسَهُ عِنْدَ كَتِفِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلموَيُسَلِّمُ عَلَيْهِ بِمَا يَحْضُرُهُ مِنْ الْأَلْفَاظِ الَّتِي تَلِيقُ بِمَقَامِ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه . 11 - ثُمَّ يَتَنَحَّى صَوْبَ الْيَمِينِ قَدْرَ ذِرَاعٍ لِلسَّلَامِ عَلَى الْفَارُوقِ الَّذِي أَعَزَّ اللَّهُ بِهِ الْإِسْلَامَ سَيِّدِنَا عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه , وَيُسَلِّمُ عَلَيْهِ بِمَا يَحْضُرُهُ مِنْ الْأَلْفَاظِ الَّتِي تَلِيقُ بِمَقَامِهِ رضي الله عنه . 12 - ثُمَّ يَرْجِعُ لِيَقِفَ قُبَالَةَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلمكَالْأَوَّلِ , وَيَدْعُو مُتَشَفِّعًا بِهِ بِمَا شَاءَ مِنْ الْخَيْرَاتِ لَهُ وَلِمَنْ يُحِبُّ وَلِلْمُسْلِمِينَ . وَيُرَاعِي فِي كُلِّ ذَلِكَ أَحْوَالَ الزِّحَامِ بِحَيْثُ لَا يُؤْذِي مُسْلِمًا .
زِيَارَةُ الْقُبُورِ حُكْمُ زِيَارَةِ الْقُبُورِ :(64/26)
1 - لَا خِلَافَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّهُ تُنْدَبُ لِلرِّجَالِ زِيَارَةُ الْقُبُورِ , لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم { إنِّي كُنْت نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَزُورُوهَا , فَإِنَّهَا تُذَكِّرُ بِالْآخِرَةِ } , وَلِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم { كَانَ يَخْرُجُ إلَى الْبَقِيعِ لِزِيَارَةِ الْمَوْتَى وَيَقُولُ : السَّلَامُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ وَأَتَاكُمْ مَا تُوعَدُونَ غَدًا مُؤَجَّلُونَ , وَإِنَّا إنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ } . وَزَادَ فِي رِوَايَةٍ : { أَسْأَلُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ الْعَافِيَةَ } . أَمَّا النِّسَاءُ , فَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ تُكْرَهُ زِيَارَتُهُنَّ لِلْقُبُورِ , لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم { لَعَنَ اللَّهُ زَوَّارَاتِ الْقُبُورِ } . وَلِأَنَّ النِّسَاءَ فِيهِنَّ رِقَّةُ قَلْبٍ , وَكَثْرَةُ جَزَعٍ , وَقِلَّةُ احْتِمَالٍ لِلْمَصَائِبِ , وَهَذَا مَظِنَّةٌ لِطَلَبِ بُكَائِهِنَّ , وَرَفْعِ أَصْوَاتِهِنَّ . وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ - فِي الْأَصَحِّ - إلَى أَنَّهُ يُنْدَبُ لِلنِّسَاءِ زِيَارَةُ الْقُبُورِ كَمَا يُنْدَبُ لِلرِّجَالِ , لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم { إنِّي كُنْت نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ } الْحَدِيثُ . وَقَالَ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ : إنْ كَانَ ذَلِكَ لِتَجْدِيدِ الْحُزْنِ وَالْبُكَاءِ وَالنَّدْبِ وَمَا جَرَتْ بِهِ عَادَتُهُنَّ فَلَا تَجُوزُ , وَعَلَيْهِ حُمِلَ حَدِيثُ { لَعَنَ اللَّهُ زَوَّارَاتِ الْقُبُورِ } . وَإِنْ كَانَ لِلِاعْتِبَارِ وَالتَّرَحُّمِ مِنْ غَيْرِ بُكَاءٍ , وَالتَّبَرُّكِ بِزِيَارَةِ قُبُورِ الصَّالِحِينَ فَلَا بَأْسَ - إذَا كُنَّ عَجَائِزَ - وَيُكْرَهُ إذَا كُنَّ شَوَابَّ , كَحُضُورِ الْجَمَاعَةِ فِي الْمَسَاجِدِ . قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ : وَهُوَ تَوْفِيقٌ حَسَنٌ . وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ : تُكْرَهُ زِيَارَةُ الْقُبُورِ لِلنِّسَاءِ , لِحَدِيثِ أُمِّ عَطِيَّةَ رضي الله عنها { نُهِينَا عَنْ اتِّبَاعِ الْجَنَائِزِ وَلَمْ يُعْزَمْ عَلَيْنَا } فَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ يَقَعُ مِنْهُنَّ مُحَرَّمٌ , حَرُمَتْ زِيَارَتُهُنَّ الْقُبُورَ , وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم { لَعَنَ اللَّهُ زَوَّارَاتِ الْقُبُورِ } . قَالُوا : وَإِنْ اجْتَازَتْ امْرَأَةٌ بِقَبْرٍ فِي طَرِيقِهَا فَسَلَّمَتْ عَلَيْهِ وَدَعَتْ لَهُ فَحَسَنٌ ; لِأَنَّهَا لَمْ تَخْرُجْ لِذَلِكَ . وَيُسْتَثْنَى مِنْ الْكَرَاهَةِ زِيَارَةُ قَبْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم , فَإِنَّهُ يُنْدَبُ لَهُنَّ زِيَارَتُهُ , وَكَذَا قُبُورُ الْأَنْبِيَاءِ غَيْرَهُ عليهم الصلاة والسلام , لِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ فِي طَلَبِ زِيَارَتِهِ صلى الله عليه وسلم
زِيَارَةُ قَبْرِ الْكَافِرِ :
2 - ذَكَرَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ أَنَّ زِيَارَة قَبْرِ الْكَافِرِ جَائِزَةٌ . وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : تَحْرُمُ زِيَارَةُ قَبْرِ الْكَافِرِ . قَالَ الْحَنَابِلَةُ : وَلَا يُسَلِّمُ مَنْ زَارَ قَبْرَ كَافِرٍ عَلَيْهِ , وَلَا يَدْعُو لَهُ بِالْمَغْفِرَةِ .
شَدُّ الرِّحَالِ لِزِيَارَةِ الْقُبُورِ :
3 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ إلَى أَنَّهُ يَجُوزُ شَدُّ الرَّحْلِ لِزِيَارَةِ الْقُبُورِ , لِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ , وَخُصُوصًا قُبُورُ الْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ . وَمَنَعَ مِنْهُ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ , وَابْنُ تَيْمِيَّةَ - مِنْ الْحَنَابِلَةِ - لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم { لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إلَّا إلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ : مَسْجِدِي هَذَا , وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ , وَالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى } , وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ فِي الْمُسْنَدِ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ : لَقِيَ أَبُو بَصْرَةَ الْغِفَارِيُّ أَبَا هُرَيْرَةَ , وَهُوَ جَاءٍ مِنْ الطُّورِ فَقَالَ : مِنْ أَيْنَ أَقْبَلْت ؟ قَالَ : مِنْ الطُّورِ , صَلَّيْت فِيهِ . قَالَ : أَمَا لَوْ أَدْرَكْتُك قَبْلَ أَنْ تَرْحَلَ إلَيْهِ مَا رَحَلْت , إنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلميَقُولُ : { لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إلَّا إلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ : الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ , وَمَسْجِدِي هَذَا , وَالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى } . وَنَقَلَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ هَذَا الْمَذْهَبَ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ . وَحَمَلَ الْقَائِلُونَ بِالْجَوَازِ الْحَدِيثَ عَلَى أَنَّهُ خَاصٌّ بِالْمَسَاجِدِ , فَلَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إلَّا لِثَلَاثَةٍ مِنْهَا . بِدَلِيلِ جَوَازِ شَدِّ الرِّحَالِ لِطَلَبِ الْعِلْمِ وَلِلتِّجَارَةِ , وَفِي رِوَايَةٍ { لَا يَنْبَغِي لِلْمَطِيِّ أَنْ تُشَدَّ رِحَالُهُ إلَى مَسْجِدٍ يَنْبَغِي فِيهِ الصَّلَاةُ غَيْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى وَمَسْجِدِي هَذَا } .(64/27)
زِيَارَةُ قَبْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم
4 - لَا خِلَافَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فِي اسْتِحْبَابِ زِيَارَةِ قَبْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَفِي زِيَارَةِ قُبُورِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْأَوْلِيَاءِ تَفْصِيلٌ يُنْظَرُ فِي ( زِيَارَةِ قَبْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ) .
آدَابُ زِيَارَةِ الْقُبُورِ :
5 - قَالَ الْحَنَفِيَّةُ : السُّنَّةُ زِيَارَتُهَا قَائِمًا , وَالدُّعَاءُ عِنْدَهَا قَائِمًا , كَمَا كَانَ يَفْعَلُهُ r فِي الْخُرُوجِ إلَى الْبَقِيعِ , وَيَقُولُ : { السَّلَامُ عَلَيْكُمْ يَا أَهْلَ الْقُبُورِ , يَغْفِرُ اللَّهُ لَنَا وَلَكُمْ , أَنْتُمْ سَلَفُنَا وَنَحْنُ بِالْأَثَرِ } . - أَوْ يَقُولُ : { السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الدِّيَارِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ , وَإِنَّا إنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لَلَاحِقُونَ , نَسْأَلُ اللَّهَ لَنَا وَلَكُمْ الْعَافِيَةَ } ثُمَّ يَدْعُو قَائِمًا , طَوِيلًا . وَفِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ : يَدْعُو قَائِمًا مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ , وَقِيلَ : يَسْتَقْبِلُ وَجْهَ الْمَيِّتِ . وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ : يُنْدَبُ أَنْ يَقُولَ الزَّائِرُ : سَلَامٌ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ وَإِنَّا إنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ , اللَّهُمَّ لَا تَحْرِمْنَا أَجْرَهُمْ , وَلَا تَفْتِنَّا بَعْدَهُمْ , وَأَنْ يَقْرَأَ مَا تَيَسَّرَ مِنْ الْقُرْآنِ وَيَدْعُوَ لَهُمْ , وَأَنْ يُسَلِّمَ عَلَى الْمَزُورِ مِنْ قِبَلِ وَجْهِهِ , وَأَنْ يَتَوَجَّهَ فِي الدُّعَاءِ إلَى الْقِبْلَةِ , وَعَنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ إلَى وَجْهِهِ , وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ . وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ : سُنَّ وُقُوفُ زَائِرٍ أَمَامَهُ قَرِيبًا مِنْهُ , وَقَوْلُ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ , أَوْ أَهْلَ الدِّيَارِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ , وَإِنَّا إنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لَلَاحِقُونَ , وَيَرْحَمُ اللَّهُ الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ أْخِرين , نَسْأَلُ اللَّهَ لَنَا وَلَكُمْ الْعَافِيَةَ , اللَّهُمَّ لَا تَحْرِمْنَا أَجْرَهُمْ , وَلَا تَفْتِنَّا بَعْدَهُمْ , وَاغْفِرْ لَنَا وَلَهُمْ . وَفِي الْقُنْيَةِ مِنْ كُتُبِ الْحَنَفِيَّةِ : قَالَ أَبُو اللَّيْثِ : لَا نَعْرِفُ وَضْعَ الْيَدِ عَلَى الْقَبْرِ سُنَّةً وَلَا مُسْتَحَبًّا وَلَا نَرَى بَأْسًا , وَعَنْ جَارِ اللَّهِ الْعَلَّامَةِ : إنَّ مَشَايِخَ مَكَّةَ يُنْكِرُونَ ذَلِكَ , وَيَقُولُونَ : إنَّهُ عَادَةُ أَهْلِ الْكِتَابِ , وَفِي إحْيَاءِ عُلُومِ الدِّينِ : إنَّهُ مِنْ عَادَةِ النَّصَارَى . قَالَ شَارِحُ الْمُنْيَةِ : لَا شَكَّ أَنَّهُ بِدْعَةٌ , لَا سُنَّةَ فِيهِ وَلَا أَثَرَ عَنْ صَحَابِيٍّ وَلَا عَنْ إمَامٍ مِمَّنْ يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ فَيُكْرَهُ , وَلَمْ يُعْهَدْ الِاسْتِلَامُ فِي السُّنَّةِ إلَّا لِلْحَجَرِ الْأَسْوَدِ , وَالرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ خَاصَّةً . وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ : لَا بَأْسَ بِلَمْسِ قَبْرٍ بِيَدٍ لَا سِيَّمَا مَنْ تُرْجَى بَرَكَتُهُ , وَقَالَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ : اتَّفَقَ السَّلَفُ عَلَى أَنَّهُ لَا يُسْتَلَمُ وَلَا يُقَبَّلُ إلَّا الْحَجَرُ الْأَسْوَدُ , وَالرُّكْنُ الْيَمَانِيُّ يُسْتَلَمُ وَلَا يُقَبَّلُ . بِدَعُ زِيَارَةِ الْقُبُورِ : 6 - يَقَعُ لِكَثِيرٍ مِنْ النَّاسِ أُمُورٌ مَكْرُوهَةٌ فِي زِيَارَتِهِمْ لِلْقُبُورِ , ذَكَرَهَا الْعُلَمَاءُ فِي مَظَانِّهَا , وَفِي كُتُبِ الْآدَابِ . وَيُنْظَرُ مَا تَقَدَّمَ فِي زِيَارَةِ قَبْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حَوْلَ مَنْعِ اجْتِمَاعِ الْعَامَّةِ فِي بَعْضِ الْأَضْرِحَةِ .
***************
وإذا كانوا لا يميزون بين كلمة يجوز وبين كلمة نعتقد فهذا أمر في غاية الخطورة
********************
قولهم((ونؤمن أن حيات صلى الله عليه وسلم في قبره حياة برزخية متميزة عن حياة غيره في البرزخ لما خصت به من أحاديث. ))
وهذه أيضا ليست من مسائل الإيمان والكفر حتى يقال نؤمن
نعم قد وردت أحاديث صحيحة في هذا الأمر ولا خلاف في ذلك
ولكن ما دلالتها على ما نحن بصدده فهذا القدر غير مختلف فيه
وإنما الخلاف في فهم هذه الأحاديث الواردة في ذلك
يقول الحافظ ابن حجر رحمه الله في فتح الباري :(64/28)
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَكِّيُّ قَالَ سَمِعْتُ إِبْرَاهِيمَ بْنَ سَعْدٍ قَالَ حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ لَا وَاللَّهِ مَا قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلملِعِيسَى أَحْمَرُ وَلَكِنْ قَالَ بَيْنَمَا أَنَا نَائِمٌ أَطُوفُ بِالْكَعْبَةِ فَإِذَا رَجُلٌ آدَمُ سَبْطُ الشَّعَرِ يُهَادَى بَيْنَ رَجُلَيْنِ يَنْطِفُ رَأْسُهُ مَاءً أَوْ يُهَرَاقُ رَأْسُهُ مَاءً فَقُلْتُ مَنْ هَذَا قَالُوا ابْنُ مَرْيَمَ فَذَهَبْتُ أَلْتَفِتُ فَإِذَا رَجُلٌ أَحْمَرُ جَسِيمٌ جَعْدُ الرَّأْسِ أَعْوَرُ عَيْنِهِ الْيُمْنَى كَأَنَّ عَيْنَهُ عِنَبَةٌ طَافِيَةٌ قُلْتُ مَنْ هَذَا قَالُوا هَذَا الدَّجَّالُ وَأَقْرَبُ النَّاسِ بِهِ شَبَهًا ابْنُ قَطَنٍ قَالَ الزُّهْرِيُّ رَجُلٌ مِنْ خُزَاعَةَ هَلَكَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ
الشرح:
قوله: (حدثنا أحمد بن محمد المكي) هو الأزرقي واسم جده الوليد بن عقبة، ووهم من قال أنه القواس واسم جد القواس عون.
قوله: (عن سالم) هو ابن عبد الله بن عمر.
قوله: (لا والله ما قال رسول ا صلى الله عليه وسلم لعيسى أحمر) اللام في قوله " لعيسى " بمعنى عن وهي كقوله تعالى: (وقال الذين كفروا للذين آمنوا لو كان خيرا ما سبقونا إليه) وقد تقدم بيان الجمع بين ما أنكره ابن عمر وأثبته غيره، وفيه جواز اليمين على غلبة الظن لأن ابن عمر ظن أن الوصف اشتبه على الراوي وأن الموصوف بكونه أحمر إنما هو الدجال لا عيسى، وقرب ذلك أن كلا منهما يقال له المسيح وهي صفة مدح لعيسى وصفة ذم للدجال كما تقدم، وكأن ابن عمر قد سمع سماعا جزما في وصف عيسى أنه آدم فساغ له الحلف على ذلك لما غلب على ظنه أن من وصفه بأنه أحمر واهم.
قوله: (بينا أنا نائم أطوف بالكعبة) هذا يدل على أن رؤيته للأنبياء في هذه المرة غير المرة التي تقدمت في حديث أبي هريرة، فإن تلك كانت ليلة الإسراء وإن كان قد قيل في الإسراء إن جميعه منام، لكن الصحيح أنه كان في اليقظة، وقيل: كان مرتين أو مرارا كما سيأتي في مكانه، ومثله ما أخرجه أحمد من وجه آخر عن أبي هريرة رفعه " ليلة أسري بي وضعت قدمي حيث يضع الأنبياء أقدامهم من بيت المقدس، فعرض علي عيسى ابن مريم " الحديث، قال عياض: رؤيا صلى الله عليه وسلم للأنبياء على ما ذكر في هذه الأحاديث إن كان مناما فلا إشكال فيه، وإن كان في اليقظة ففيه إشكال.
وقد تقدم في الحج ويأتي في اللباس من رواية ابن عون عن مجاهد عن ابن عباس في حديث الباب من الزيادة " وأما موسى فرجل آدم جعد على جمل أحمر مخطوم بخلبة، كأني أنظر إليه إذا انحدر في الوادي " وهذا مما يزيد الإشكال.
وقد قيل عن ذلك أجوبة: أحدها أن الأنبياء أفضل من الشهداء والشهداء أحياء عند ربهم فكذلك الأنبياء فلا يبعد أن يصلوا ويحجوا ويتقربوا إلى الله بما استطاعوا ما دامت الدنيا وهي دار تكليف باقية.
ثانيها: أن صلى الله عليه وسلم أري حالهم التي كانوا في حياتهم عليها فمثلوا له كيف كانوا وكيف كان حجهم وتلبيتهم، ولهذا قال أيضا في رواية أبي العالية عن ابن عباس عند مسلم " كأني أنظر إلى موسى، وكأني أنظر إلى يونس".
ثالثها: أن يكون أخبر عما أوحي إلي صلى الله عليه وسلم من أمرهم وما كان منهم.
فلهذا أدخل حرف التشبيه في الرواية، وحيث أطلقها فهي محمولة على ذلك والله أعلم.
وقد جمع البيهقي كتابا لطيفا في حياة الأنبياء في قبورهم أورد فيه حديث أنس " الأنبياء أحياء في قبورهم يصلون " أخرجه من طريق يحيى بن أبي كثير وهو من رجال الصحيح عن المستلم بن سعيد، وقد وثقه أحمد وابن حبان عن الحجاج الأسود وهو ابن أبي زياد البصري وقد وثقه أحمد وابن معين عن ثابت عنه، وأخرجه أيضا أبو يعلى في مسنده من هذا الوجه وأخرجه البزار لكن وقع عنده عن حجاج الصواف وهو وهم والصواب الحجاج الأسود كما وقع التصريح به في رواية البيهقي وصححه البيهقي.
وأخرجه أيضا من طريق الحسن بن قتيبة عن المستلم، وكذلك أخرجه البزار وابن عدي، والحسن بن قتيبة ضعيف.
وأخرجه البيهقي أيضا من رواية محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى أحد فقهاء الكوفة عن ثابت بلفظ آخر قال: " إن الأنبياء لا يتركون في قبورهم بعد أربعين ليلة ولكنهم يصلون بين يدي الله حتى ينفخ في الصور " ومحمد سيئ الحفظ.(64/29)
وذكر الغزالي ثم الرافعي حديثا مرفوعا " أنا أكرم على ربي من أن يتركني في قبري بعد ثلاث ولا أصلي له " إلا إن أخذ من رواية ابن أبي ليلى هذه وليس الأخذ بجيد لأن رواية ابن أبي ليلى قابلة للتأويل، قال البيهقي: إن صح فالمراد أنهم لا يتركون يصلون إلا هذا المقدار ثم يكونون مصلين بين يدي الله، قال البيهقي: وشاهد الحديث الأول ما ثبت في صحيح مسلم من رواية حماد بن سلمة عن أنس رفعه " مررت بموسى ليلة أسري بي عند الكثيب الأحمر وهو قائم يصلي في قبره " وأخرجه أيضا من وجه آخر عن أنس، فإن قيل هذا خاص بموسى قلنا قد وجدنا له شاهدا من حديث أبي هريرة أخرجه مسلم أيضا من طريق عبد الله بن الفضل عن أبي سلمة عن أبي هريرة رفعه " لقد رأيتني في الحجر وقريش تسألني عن مسراي " الحديث وفيه " وقد رأيتني في جماعة من الأنبياء فإذا موسى قائم يصلي، فإذا رجل ضرب كأن صلى الله عليه وسلم وفيه: وإذا عيسى ابن مريم قائم يصلي أقرب الناس به شبها عروة بن مسعود، وإذا إبراهيم قائم يصلي أشبه الناس به صاحبكم، فحانت الصلاة فأممتهم " قال البيهقي: وفي حديث سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أنه لقيهم ببيت المقدس فحضرت الصلاة فأمهم نبينا صلى الله عليه وسلمثم اجتمعوا في بيت المقدس.
وفي حديث أبي ذر ومالك بن صعصعة في قصة الإسراء أنه لقيهم بالسموات، وطرق ذلك صحيحة، فيحمل على أنه رأى موسى قائما يصلي في قبره، ثم عرج به هو ومن ذكر من الأنبياء إلى السماوات فلقيهم النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم اجتمعوا في بيت المقدس فحضرت الصلاة فأمهم نبينا صلى الله عليه وسلم.
قال: وصلاتهم في أوقات مختلفة وفي أماكن مختلفة لا يرده العقل، وقد ثبت به النقل، فدل ذلك على حياتهم.
قلت: وإذا ثبت أنهم أحياء من حيث النقل فإنه يقويه من حيث النظر كون الشهداء أحياء بنص القرآن، والأنبياء أفضل من الشهداء.
ومن شواهد الحديث ما أخرجه أبو داود من حديث أبي هريرة رفعه وقال فيه: " وصلوا علي فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم " سنده صحيح، وأخرجه أبو الشيخ في " كتاب الثواب " بسند جيد بلفظ " من صلى علي عند قبري سمعته، ومن صلى علي نائيا بلغته " وعند أبي داود والنسائي وصححه ابن خزيمة وغيره عن أوس بن أوس رفعه في فضل يوم الجمعة " فأكثروا علي من الصلاة فيه فإن صلاتكم معروضة علي.
قالوا يا رسول الله وكيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت؟ قال: إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء " ومما يشكل على ما تقدم ما أخرجه أبو داود من وجه آخر عن أبي هريرة رفعه " ما من أحد يسلم علي إلا رد الله علي روحي حتى أرد عليه السلام " ورواته ثقات.
ووجه الإشكال فيه أن ظاهره أن عود الروح إلى الجسد يقتضي انفصالها عنه وهو الموت، وقد أجاب العلماء عن ذلك بأجوبة: أحدها: أن المراد بقوله: " رد الله علي روحي " أن رد روحه كانت سابقة عقب دفنه لا أنها تعاد ثم تنزع ثم تعاد.
الثاني: سلمنا، لكن ليس هو نزع موت بل لا مشقة فيه.
الثالث: أن المراد بالروح الملك الموكل بذلك.
الرابع: المراد بالروح النطق فتجوز فيه من جهة خطابنا بما نفهمه.
الخامس: أنه يستغرق في أمور الملأ الأعلى، فإذا سلم عليه رجع إليه فهمه ليجيب من سلم عليه.
وقد استشكل ذلك من جهة أخرى، وهو أنه يستلزم استغراق الزمان كله في ذلك لاتصال الصلاة والسلام عليه في أقطار الأرض ممن لا يحصى كثرة، وأجيب بأن أمور الآخرة لا تدرك بالعقل، وأحوال البرزخ أشبه بأحوال الآخرة والله أعلم.
وهناك فرق كبير بين القول بأن صلى الله عليه وسلم له حياة برزخية خاصة كالشهداء وبين الحياة الحقيقية التي نحياها
لأن الله تعالى قال له :
(إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ) (الزمر:30)
وهذا نص قاطع في هذه المسألة
وأما رؤيت صلى الله عليه وسلم يقظة لا مناما في الدنيا بعد موته فلا يجوز القول بها لأنها تفضي إلى نتائج عقدية خطيرة جدا تنسف الدين ولو قال بها بعض الناس !!!!!
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله في الفتح :
3*بَاب مَنْ رَأَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فِي الْمَنَامِ
الحديث:
حَدَّثَنَا عَبْدَانُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ عَنْ يُونُسَ عَنْ الزُّهْرِيِّ حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ مَنْ رَآنِي فِي الْمَنَامِ فَسَيَرَانِي فِي الْيَقَظَةِ وَلَا يَتَمَثَّلُ الشَّيْطَانُ بِي قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ قَالَ ابْنُ سِيرِينَ إِذَا رَآهُ فِي صُورَتِهِ
الشرح:
قوله (عبد الله) هو ابن المبارك ويونس هو ابن يزيد.
قوله (أن أبا هريرة قال) في رواية الإسماعيلي من طريق الزبيدي عن الزهري " أخبرني أبو سلمة سمعت أبا هريرة".
قوله (من رآني في المنام فسيراني في اليقظة) زاد مسلم من هذا الوجه " أو فكأنما رآني في اليقظة، هكذا بالشك ووقع عند الإسماعيلي في الطريق المذكورة " فقد رآني في اليقظة " بدل قوله " فسيراني " ومثله في حديث ابن مسعود عند ابن ماجه.(64/30)
وصححه الترمذي وأبو عوانة ووقع عند ابن ماجه من حديث أبي جحيفة " فكأنما رآني في اليقظة " فهذه ثلاثة ألفاظ: فسيراني في اليقظة، فكأنما رآني في اليقظة، فقد رآني في اليقظة وجل أحاديث الباب كالثالثة إلا قوله " في اليقظة".
قوله (قال أبو عبد الله قال ابن سيرين إذا رآه في صورته) سقط هذا التعليق للنسفي ولأبي ذر وثبت عند غيرهما، وقد رويناه موصولا من طريق إسماعيل بن إسحاق القاضي عن سليمان بن حرب وهو من شيوخ البخاري عن حماد بن زيد عن أيوب قال " كان محمد - يعني ابن سيرين - إذا قص عليه رجل أنه رأى صلى الله عليه وسلم قال: صف لي الذي رأيته، فإن وصف له صفة لا يعرفها قال: لم تره وسنده صحيح.
ووجدت له ما يؤيده: فأخرج الحاكم من طريق عاصم بن كليب " حدثني أبي قال: قلت لابن عباس رأيت صلى الله عليه وسلم في المنام قال: صفه لي، قال: ذكرت الحسن بن علي فشبهته به، قال: قد رأيته " وسنده جيد، ويعارضه ما أخرجه ابن أبي عاصم من وجه آخر عن أبي هريرة قال " قال رسول ا صلى الله عليه وسلم من رآني في المنام فقد رآني، فإني أرى في كل صورة " وفي سنده صالح مولى التوأمة وهو ضعيف لاختلاطه، وهو من رواية من سمع منه بعد الاختلاط، ويمكن الجمع بينهما بما قال القاضي أبو بكر ابن العربي: رؤية صلى الله عليه وسلم بصفته المعلومة إدراك على الحقيقة، ورؤيته على غير صفته إدراك للمثال، فإن الصواب أن الأنبياء لا تغيرهم الأرض، ويكون إدراك الذات الكريمة حقيقة وإدراك الصفات إدراك المثل، قال وشذ بعض القدرية فقال: الرؤيا لا حقيقة لها أصلا وشذ بعض الصالحين فزعم أنها تقع بعيني الرأس حقيقة.
وقال بعض المتكلمين: هي مدركة بعينين في القلب قال وقوله " فسيراني " معناه فسيرى تفسير ما رأى لأنه حق وغيب ألقي فيه، وقيل معناه فسيراني في القيامة، ولا فائدة في هذا التخصيص، وأما قوله " فكأنما رآني " فهو تشبيه ومعناه أنه لو رآه في اليقظة لطابق ما رآه في المنام فيكون الأول حقا وحقيقة والثاني حقا وتمثيلا، قال: وهذا كله إذا رآه على صورته المعروفة: فإن رآه على خلاف صفته فهي أمثال، فإن رآه مقبلا عليه مثلا فهو خير للرائي وفيه وعلى العكس فبالعكس.
وقال النووي قال عياض: يحتمل أن يكون المراد بقوله فقد رآني أو فقد رأى الحق أن من رآه على صورته في حياته كانت رؤياه حقا، ومن رآه على غير صورته كانت رؤيا تأويل.
وتعقبه فقال: هذا ضعيف بل الصحيح أنه يراه حقيقة سواء كانت على صفته المعروفة أو غيرها انتهى، ولم يظهر لي من كلام القاضي ما ينافي ذلك، بل ظاهر قوله أنه يراه حقيقة في الحالين.
لكن في الأولى تكون الرؤيا مما لا يحتاج إلى تعبير والثانية مما يحتاج إلى التعبير.
قال القرطبي: اختلف في معنى الحديث فقال قوم هو على ظاهره فمن رآه في النوم رأى حقيقته كمن رآه في اليقظة سواء، قال وهذا قول يدرك فساده بأوائل العقول، ويلزم عليه أن لا يراه أحد إلا على صورته التي مات عليها وأن لا يراه رائيان في آن واحد في مكانين وأن يحيا الآن ويخرج من قبره ويمشي في الأسواق ويخاطب الناس ويخاطبوه ويلزم من ذلك أن يخلو قبره من جسده فلا يبقى من قبره فيه شيء فيزار مجرد القبر ويسلم على غائب لأنه جائز أن يرى في الليل والنهار مع اتصال الأوقات على حقيقته في غير قبره، وهذه جهالات لا يلتزم بها من له أدنى مسكة من عقل وقالت طائفة: معناه أن من رآه رآه على صورته التي كان عليها، ويلزم منه أن من رآه على غير صفته أن تكون رؤياه من الأضغاث، ومن المعلوم أنه يرى في النوم على حالة تخالف حالته في الدنيا من الأحوال اللائقة به وتقع تلك الرؤيا حقا كما لو رئي ملأ دارا بجسمه مثلا فإنه يدل على امتلاء تلك الدار بالخير، ولو تمكن الشيطان من التمثيل بشيء مما كان عليه أو ينسب إليه لعارض عموم قوله " فإن الشيطان لا يتمثل بي " فالأولى أن تنزه رؤياه وكذا رؤيا شيء منه أو مما ينسب إليه عن ذلك، فهو أبلغ في الحرمة وأليق بالعصمة كما عصم من الشيطان في يقظته، قال: والصحيح في تأويل هذا الحديث أن مقصوده أن رؤيته في كل حالة ليست باطلة ولا أضغاثا بل هي حق في نفسها ولو رئي على غير صورته فتصور تلك الصورة ليس من الشيطان بل هو من قبل الله وقال وهذا قول القاضي أبي بكر بن الطيب وغيره، ويؤيده قوله " فقد رأى الحق " أي رأى الحق الذي قصد إعلام الرائي به فإن كانت على ظاهرها وإلا سعى في تأويلها ولا يهمل أمرها لأنها إما بشرى بخير أو إنذار من شر إما ليخيف الرائي وإما لينزجر عنه وإما لينبه على حكم يقع له في دينه أو دنياه.
وقال ابن بطال قوله " فسيراني في اليقظة " يريد تصديق تلك الرؤيا في اليقظة وصحتها وخروجها على الحق، وليس المراد أنه يراه في الآخرة لأنه سيراه يوم القيامة في اليقظة فتراه جميع أمته من رآه في النوم ومن لم يره منهم.
وقال ابن التين: المراد من آمن به في حياته ولم يره لكونه حينئذ غائبا عنه فيكون بهذا مبشرا لكل من آمن به ولم يره أنه لا بد أن يراه في اليقظة قبل موته قاله القزاز.(64/31)
وقال المازري: إن كان المحفوظ " فكأنما رآني في اليقظة " فمعناه ظاهر وإن كان المحفوظ " فسيراني في اليقظة " احتمل أن يكون أراد أهل عصره ممن يهاجر إليه فإنه إذا رآه في المنام جعل علامة على أنه يراه بعد ذلك في اليقظة وأوحى الله بذلك إلي صلى الله عليه وسلم .
وقال القاضي: وقيل معناه سيرى تأويل تلك الرؤيا في اليقظة وصحتها، وقيل معنى الرؤيا في اليقظة أنه سيراه في الآخرة وتعقب بأنه في الآخرة يراه جميع أمته من رآه في المنام ومن لم يره يعني فلا يبقى لخصوص رؤيته في المنام مزية، وأجاب القاضي عياض باحتمال أن تكون رؤياه له في النوم على الصفة التي عرف بها ووصف عليها موجبة لتكرمته في الآخرة وأن يراه رؤية خاصة من القرب منه والشفاعة له بعلو الدرجة ونحو ذلك من الخصوصيات، قال: ولا يبعد أن يعاقب الله بعض المذنبين في القيامة بمنع رؤية نبي صلى الله عليه وسلم مدة.
وحمله ابن أبي جمرة على محمل آخر فذكر عن ابن عباس أو غيره أنه رأى صلى الله عليه وسلم في النوم فبقي بعد أن استيقظ متفكرا في هذا الحديث فدخل على بعض أمهات المؤمنين ولعلها خالته ميمونة فأخرجت له المرآة التي كانت للنبي r فنظر فيها فرأى صورة صلى الله عليه وسلم ولم ير صورة نفسه، ونقل عن جماعة من الصالحين أنهم رأوا صلى الله عليه وسلم في المنام ثم رأوه بعد ذلك في اليقظة وسألوه عن أشياء كانوا منها متخوفين فأرشدهم إلى طريق تفريجها فجاء الأمر كذلك.
قلت: وهذا مشكل جدا ولو حمل على ظاهره لكان هؤلاء صحابة ولأمكن بقاء الصحبة إلى يوم القيامة، ويعكر عليه أن جمعا جما رأوه في المنام ثم لم يذكر واحد منهم أنه رآه في اليقظة وخبر الصادق لا يتخلف، وقد اشتد إنكار القرطبي على من قال من رآه في المنام فقد رأى حقيقته ثم يراها كذلك في اليقظة كما تقدم قريبا، وقد تفطن ابن أبي جمرة لهذا فأحال بما قال على كرامات الأولياء فإن يكن كذلك تعين العدول عن العموم في كل راء، ثم ذكر أنه عام في أهل التوفيق وأما غيرهم فعلى الاحتمال، فإن خرق العادة قد يقع للزنديق بطريق الإملاء والإغواء كما يقع للصديق بطريق الكرامة والإكرام، وإنما تحصل التفرقة بينهما باتباع الكتاب والسنة انتهى.
والحاصل من الأجوبة ستة: أحدها أنه على التشبيه والتمثيل، ودل عليه قوله في الرواية الأخرى " فكأنما رآني في اليقظة".
ثانيها أن معناها سيرى في اليقظة تأويلها بطريق الحقيقة أو التعبير، ثالثها أنه خاص بأهل عصره ممن آمن به قبل أن يراه رابعها أنه يراه في المرآة التي كانت له إن أمكنه ذلك، وهذا من أبعد المحامل.
خامسها أنه يراه يوم القيامة بمزيد خصوصية لا مطلق من يراه حينئذ ممن لم يره في المنام.
سادسها أنه يراه في الدنيا حقيقة ويخاطبه، وفيه ما تقدم من الإشكال.
وقال القرطبي: قد تقرر أن الذي يرى في المنام أمثلة للمرئيات لا أنفسها، غير أن تلك الأمثلة تارة تقع مطابقة وتارة يقع معناها، فمن الأول رؤيا صلى الله عليه وسلم عائشة وفيه " فإذا هي أنت " فأخبر أنه رأى في اليقظة ما رآه في نومه بعينه ومن الثاني رؤيا البقر التي تنحر والمقصود بالثاني التنبيه على معاني تلك الأمور ومن فوائد رؤيت صلى الله عليه وسلم تسكين شوق الرائي لكونه صادقا في محبته ليعمل على مشاهدته، وإلى ذلك الإشارة بقوله " فسيراني في اليقظة " أي من رآني رؤية معظم لحرمتي ومشتاق إلى مشاهدتي وصل إلى رؤية محبوبه وظفر بكل مطلوبه، قال: ويجوز أن يكون مقصود تلك الرؤيا معنى صورته وهو دينه وشريعته، فيعبر بحسب ما يراه الرائي من زيادة ونقصان أو إساءة وإحسان.
قلت: وهذا جواب سابغ والذي قبله لم يظهر لي فإن ظهر فهو ثامن.
***********************
قولهم((نؤمن باتباع المذاهب الأربعة رحمهم الله جميعاً ))
وهذا القول باطل كذلك فليس اتباع المذاهب الأربعة ولا غيرها من أركان الإيمان
بل الذي من أركان الإيمان اتباع الله ورسول صلى الله عليه وسلم ليس إلا
قال تعالى : ( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً) (الأحزاب:36)
فلا يجوز هذا القول لأنه افتراء على دين الله تعالى وعلى الأئمة الأربعة رحمهم الله تعالى
وإنما يقال لمن عجز عن الاجتهاد ساغ له اتباع أحد المذاهب الأربعة ليس إلا
والله تعالى ما أمرنا باتباع قول أحد كائنا من كان غير قول الله تعالى ورسول صلى الله عليه وسلم
وأمر برد المتنازع فيه من الأقوال إلى الله ورسول صلى الله عليه وسلم
أي إلى الكتاب والسنة المحكمة الصحيحة
قال تعالى :
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً) (النساء:59)(64/32)
كما أن التقليد مذموم في شرع الله تعالى ولم تأت آية واحدة ولا حديث واحد بمدحه لأنه قبول قول الغير بلا دليل ولا برهان
قال تعالى : (بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ) (الزخرف:22)
(وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ) (الزخرف:23)
وقال تعالى في سورة الأحزاب :
إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا (64) خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَّا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (65) يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا (66) وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا (67) رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا (68)
بل الذي أمر الله تعالى به هو الإتباع وهو قبول قول الغير بعد الإطلاع على دليله وحجته
قال تعالى :
( قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (يوسف:108)
وقال تعالى :
( وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (التوبة:100)
وقد أمر الله تعالى بالاجتهاد في الدين قال تعالى :
( وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلاً) (النساء:83)
وقال تعالى :
(وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) (التوبة:122)
والقول بإغلاق باب الاجتهاد قول باطل لا يعول عليه
وكذلك فقد كان الناس خلال القرون الأربعة الأولى غير متمذهبين بل كانوا يسألون من تيسر لهم من أهل العلم دون اتباع لمذهب معين
والقول بوجوب اتباع المذاهب الأربعة فقط دون غيرها قول باطل وبدعة منكرة ما أنزل الله بها من سلطان
والصواب من القول جواز تقليد غير الأئمة الأربعة لأن الصواب لا ينحسر في المذاهب الأربعة فقط
وأما ما سواها من مذاهب الصحابة والتابعين وتابعيهم بإحسان فإنها حق كذلك ويجوز تقليدهم والصواب أن يقال اتباعهم لا تقليدهم
والعبرة بكل ذلك بما كان أقرب للكتاب والسنة ودلالات الشرع
ولا يجوز حصر فهم الدين بأربعة فهذا قول باطل وليس من الدين في شيء
بل هناك مجتهدون في كل العصور الإسلامية داخل المذاهب الأربعة وخارجها
قديما وحديثا
وكذلك فإنه لا يجوز خلو الزمان من مجتهد لأن الاجتهاد فرض كفاية إذا تركه جميع المسلمين أثموا جميعا وفرطوا في دين الله تعالى
وكذلك من كان عاجزا عن الاجتهاد والاتباع فيجوز له تقليد أحد الأئمة الأربعة
ولكن يجوز له الخروج عليه جزئيا أو كليا على الصحيح من أقوال أهل العلم
وكذلك لا يجوز أن يعتقد أنه دين بل يحب الأئمة جميعا ويواليهم ويظن بهم خيرا
ويقول كما قال الأئمة قولي صواب يحتمل الخطأ وقول غيري خطأ يحتمل الصواب
وكذلك إذا عرف دليلا صحيحا بغير مذهبه من كتاب أو سنة صحيحة أو قياس جلي فليترك مذهب إمامه وليأخذ بالدليل
والراجح من أقوال أهل العلم أن العامي لا مذهب له ولو تمذهب وإنما مذهبه مذهب مفتيه
كما أنه من قلد مذهبا من المذاهب الأربعة لا يحل له شرعا الطعن بغيره بل الأئمة كلهم على خير والتعصب لهم أو عليهم ليس فيه خير بل كله شر
************
وأما كتاب اللامذهبية أخطر بدعة تهدد الشريعة الإسلامية لأستاذنا البوطي
فقول باطل عري عن الدليل ومخالف لإجماع القرون الأربعة الأولى الفاضلة وكذلك مخالف لأقوال الأئمة الأربعة ولأتباعهم
بل التمذهب بمذهب واحد وعدم الخروج عليه واعتباره دينا وعقيدة كما تزعمون هو البدعة المنكرة والضلال المبين
وقد رددت عليه منذ أكثر من ربع قرن ولكن هذا الرد لم يصل إلى أيدي الناس لأن هذه الحكومات الطاغوتية تمنع كل فكر وإبداع يخالف ما هي عليه من باطل ولا صوت فيها لقلم حر نزيه بل للأقلام الهابطة التي تسبح بحمدهم ليل نهار
**********
يقول الإمام العز بن عبد السلام رحمه الله في كتابه النفيس قواعد الأحكام :
قَاعِدَةٌ فِيمَنْ تَجِبُ طَاعَتُهُ وَمَنْ تَجُوزُ طَاعَتُهُ وَمَنْ لَا تَجُوزُ طَاعَتُهُ(64/33)
لَا طَاعَةَ لِأَحَدِ الْمَخْلُوقَيْنِ إلَّا لِمَنْ أَذِنَ اللَّهُ فِي طَاعَتِهِ كَالرُّسُلِ وَالْعُلَمَاءِ وَالْأَئِمَّةِ وَالْقُضَاةِ وَالْوُلَاةِ وَالْآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ وَالسَّادَاتِ وَالْأَزْوَاجِ وَالْمُسْتَأْجَرِينَ فِي الْإِجَارَاتِ عَلَى الْأَعْمَالِ وَالصِّنَاعَاتِ , وَلَا طَاعَةَ لِأَحَدٍ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَفْسَدَةِ الْمُوبِقَةِ فِي الدَّارَيْنِ أَوْ فِي أَحَدِهِمَا , فَمَنْ أَمَرَ بِمَعْصِيَةٍ فَلَا سَمْعَ وَلَا طَاعَةَ لَهُ , إلَّا أَنْ يُكْرِهَ إنْسَانًا عَلَى أَمْرٍ يُبِيحُهُ الْإِكْرَاهُ فَلَا إثْمَ عَلَى مُطِيعِهِ , وَقَدْ تَجِبُ طَاعَتُهُ لَا لِكَوْنِهِ آمِرًا بَلْ لِدَفْعِ مَفْسَدَةِ مَا يُهَدِّدُهُ بِهِ مِنْ قَتْلٍ أَوْ قَطْعٍ أَوْ جِنَايَةٍ عَلَى بُضْعٍ , وَلَوْ أَمَرَ الْإِمَامُ أَوْ الْحَاكِمُ إنْسَانًا بِمَا يَعْتَقِدُ الْآمِرُ حِلَّهُ وَالْمَأْمُورُ تَحْرِيمَهُ فَهَلْ لَهُ فِعْلُهُ نَظَرًا إلَى رَأْيِ الْآمِرِ أَوْ يَمْتَنِعُ نَظَرًا إلَى رَأْيِ الْمَأْمُورِ , فِيهِ خِلَافٌ , وَهَذَا مُخْتَصٌّ فِيمَا لَا يَنْقَضِ حُكْمُ الْآمِرِ بِهِ , فَإِنْ كَانَ مِمَّا يَنْقَضِ حُكْمُهُ بِهِ فَلَا سَمْعَ وَلَا طَاعَةَ , وَكَذَلِكَ لَا طَاعَةَ لِجَهَلَةِ الْمُلُوكِ وَالْأُمَرَاءِ إلَّا فِيمَا يَعْلَمُ الْمَأْمُورُ أَنَّهُ مَأْذُونٌ فِي الشَّرْعِ . وَتَفَرَّدَ الْإِلَهُ بِالطَّاعَةِ لِاخْتِصَاصِهِ بِنِعَمِ الْإِنْشَاءِ وَالْإِبْقَاءِ وَالتَّغْذِيَةِ وَالْإِصْلَاحِ الدِّينِيِّ وَالدُّنْيَوِيِّ , فَمَا مِنْ خَيْرٍ إلَّا هُوَ جَالِبُهُ , وَمَا مِنْ ضَيْرٍ إلَّا هُوَ سَالِبُهُ , وَلَيْسَ بَعْضُ الْعِبَادِ بِأَنْ يَكُونَ مُطَاعًا بِأَوْلَى مِنْ الْبَعْضِ , إذْ لَيْسَ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ إنْعَامٌ بِشَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْته فِي حَقِّ الْإِلَهِ , وَكَذَلِكَ لَا حُكْمَ إلَّا لَهُ فَأَحْكَامُهُ مُسْتَفَادَةٌ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ وَالْأَقْيِسَةِ الصَّحِيحَةِ وَالِاسْتِدْلَالَات الْمُعْتَبَرَةِ , فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَسْتَحْسِنَ وَلَا أَنْ يَسْتَعْمِلَ مَصْلَحَةً مُرْسَلَةً , وَلَا أَنْ يُقَلِّدَ أَحَدًا لَمْ يُؤْمَرْ بِتَقْلِيدِهِ : كَالْمُجْتَهِدِ فِي تَقْلِيدِ الْمُجْتَهِدِ أَوْ فِي تَقْلِيدِ الصَّحَابَةِ وَفِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ اخْتِلَافٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ , وَيَرُدُّ عَلَى مَنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ : { إنْ الْحُكْمُ إلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إلَّا إيَّاهُ } .
وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ الْعَامَّةُ فَإِنَّ وَظِيفَتَهُمْ التَّقْلِيدُ لِعَجْزِهِمْ عَنْ التَّوَصُّلِ إلَى مَعْرِفَةِ الْأَحْكَامِ بِالِاجْتِهَادِ , بِخِلَافِ الْمُجْتَهِدِ فَإِنَّهُ قَادِرٌ عَلَى النَّظَرِ الْمُؤَدِّي إلَى الْحُكْمِ , وَمَنْ قَلَّدَ إمَامًا مِنْ الْأَئِمَّةِ ثُمَّ أَرَادَ تَقْلِيدَ غَيْرِهِ فَهَلْ لَهُ ذَلِكَ ؟
فِيهِ خِلَافٌ , وَالْمُخْتَارُ التَّفْصِيلُ , فَإِنْ كَانَ الْمَذْهَبُ الَّذِي أَرَادَ الِانْتِقَالَ إلَيْهِ مِمَّا يُنْقَضُ فِيهِ الْحُكْمُ ; فَلَيْسَ لَهُ الِانْتِقَالُ إلَى حُكْمٍ يَجِبُ نَقْضُهُ فَإِنَّهُ لَمْ يَجِبْ نَقْضُهُ إلَّا لِبُطْلَانِهِ , فَإِنْ كَانَ الْمَأْخَذَانِ مُتَقَارِبَيْنِ جَازَ التَّقْلِيدُ وَالِانْتِقَالُ لِأَنَّ النَّاسَ لَمْ يَزَالُوا مِنْ زَمَنِ الصَّحَابَةِ إلَى أَنْ ظَهَرَتْ الْمَذَاهِبُ الْأَرْبَعَةُ يُقَلِّدُونَ مَنْ اتَّفَقَ مِنْ الْعُلَمَاءِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ مِنْ أَحَدٍ يُعْتَبَرُ إنْكَارُهُ , وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ بَاطِلًا لَأَنْكَرُوهُ وَكَذَلِكَ لَا يَجِبُ تَقْلِيدُ الْأَفْضَلِ وَإِنْ كَانَ هُوَ الْأَوْلَى , لِأَنَّهُ لَوْ وَجَبَ تَقْلِيدُهُ لَمَا قَلَّدَ النَّاسُ الْفَاضِلَ وَالْمَفْضُولَ فِي زَمَنِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ , بَلْ كَانُوا مُسْتَرْسِلِينَ فِي تَقْلِيدِ الْفَاضِلِ وَالْأَفْضَلِ وَلَمْ يَكُنْ الْأَفْضَلُ يَدْعُو الْكُلَّ إلَى تَقْلِيدِ نَفْسِهِ , وَلَا الْمَفْضُولُ يَمْنَعُ مَنْ سَأَلَهُ عَنْ وُجُودِ الْفَاضِلِ وَهَذَا مِمَّا لَا يَرْتَابُ فِيهِ عَاقِلٌ .(64/34)
وَمِنْ الْعَجَبِ الْعَجِيبِ أَنَّ الْفُقَهَاءَ الْمُقَلِّدِينَ يَقِفُ أَحَدُهُمْ عَلَى ضَعْفِ مَأْخَذِ إمَامِهِ بِحَيْثُ لَا يَجِدُ لِضَعْفِهِ مَدْفَعًا وَمَعَ هَذَا يُقَلِّدُهُ فِيهِ , وَيَتْرُكُ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْأَقْيِسَةِ الصَّحِيحَةِ لِمَذْهَبِهِ جُمُودًا عَلَى تَقْلِيدِ إمَامِهِ , بَلْ يَتَحَلَّلُ لِدَفْعِ ظَوَاهِرِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ , وَيَتَأَوَّلُهُمَا بِالتَّأْوِيلَاتِ الْبَعِيدَةِ الْبَاطِلَةِ نِضَالًا عَنْ مُقَلِّدِهِ , وَقَدْ رَأَيْنَاهُمْ يَجْتَمِعُونَ فِي الْمَجَالِسِ فَإِذَا ذُكِرَ لِأَحَدِهِمْ فِي خِلَافٍ مَا وَظَنَّ نَفْسَهُ عَلَيْهِ تَعَجَّبَ غَايَةَ التَّعَجُّبِ مِنْ اسْتِرْوَاحٍ إلَى دَلِيلٍ بَلْ لِمَا أَلِفَه مِنْ تَقْلِيدِ إمَامِهِ حَتَّى ظَنَّ أَنَّ الْحَقَّ مُنْحَصِرٌ فِي مَذْهَبِ إمَامِهِ أَوْلَى مِنْ تَعَجُّبِهِ مِنْ مَذْهَبِ غَيْرِهِ , فَالْبَحْثُ مَعَ هَؤُلَاءِ ضَائِعٌ مُفْضٍ إلَى التَّقَاطُعِ وَالتَّدَابُرِ مِنْ غَيْرِ فَائِدَةٍ يُجْدِيهَا , وَمَا رَأَيْت أَحَدًا رَجَعَ عَنْ مَذْهَبِ إمَامِهِ إذَا ظَهَرَ لَهُ الْحَقُّ فِي غَيْرِهِ بَلْ يَصِيرُ عَلَيْهِ مَعَ عِلْمِهِ بِضَعْفِهِ وَبُعْدِهِ , فَالْأَوْلَى تَرْكُ الْبَحْثِ مَعَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ إذَا عَجَزَ أَحَدُهُمْ عَنْ تَمْشِيَةِ مَذْهَبِ إمَامِهِ قَالَ لَعَلَّ إمَامِي وَقَفَ عَلَى دَلِيلٍ لَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ وَلَمْ أَهْتَدِ إلَيْهِ , وَلَمْ يَعْلَمْ الْمِسْكِينُ أَنَّ هَذَا مُقَابَلٌ بِمِثْلِهِ وَيَفْضُلُ لِخَصْمِهِ مَا ذَكَرَهُ مِنْ الدَّلِيلِ الْوَاضِحِ وَالْبُرْهَانِ اللَّائِحِ , فَسُبْحَانَ اللَّهِ مَا أَكْثَرَ مَنْ أَعْمَى التَّقْلِيدُ بَصَرَهُ حَتَّى حَمَلَهُ عَلَى مِثْلِ مَا ذُكِرَ ,
وَفَّقَنَا اللَّهُ لِاتِّبَاعِ الْحَقِّ أَيْنَ مَا كَانَ وَعَلَى لِسَانِ مَنْ ظَهَرَ , وَأَيْنَ هَذَا مِنْ مُنَاظَرَةِ السَّلَفِ وَمُشَاوَرَتِهِمْ فِي الْأَحْكَامِ وَمُسَارَعَتِهِمْ إلَى اتِّبَاعِ الْحَقِّ إذَا ظَهَرَ عَلَى لِسَانِ الْخَصْمِ , وَقَدْ نُقِلَ عَنْ الشَّافِعِيِّ رحمه الله أَنَّهُ قَالَ : مَا نَاظَرْت أَحَدًا إلَّا قُلْت اللَّهُمَّ أَجْرِ الْحَقَّ عَلَى قَلْبِهِ وَلِسَانِهِ , فَإِنْ كَانَ الْحَقُّ مَعِي اتَّبَعَنِي وَإِنْ كَانَ الْحَقُّ مَعَهُ اتَّبَعْته .
( فَائِدَةٌ ) اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي تَقْلِيدِ الْحَاكِمِ الْمُجْتَهِدِ لِمُجْتَهِدٍ آخَرَ فَأَجَازَهُ بَعْضُهُمْ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ أَنَّهُمْ أَصَابُوا الْحَقَّ , فَلَا فَرْقَ بَيْنَ مُجْتَهِدٍ وَمُجْتَهِدٍ فَإِذَا جَازَ لِلْمُجْتَهِدِ أَنْ يَعْتَمِدَ عَلَى ظَنِّهِ الْمُسْتَفَادِ مِنْ الشَّرْعِ فَلِمَ لَا يَجُوزُ لَهُ الِاعْتِمَادُ عَلَى ظَنِّ الْمُجْتَهِدِ الْمُعْتَمِدِ عَلَى أَدِلَّةِ الشَّرْعِ , وَلَا سِيَّمَا إذَا كَانَ الْمُقَلِّدُ أَنْبَلَ وَأَفْضَلَ فِي مَعْرِفَةِ الْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ , وَمَنَعَهُ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ , وَقَالُوا ثِقَةٌ بِمَا يَجِدُهُ مِنْ نَفْسِهِ مِنْ الظَّنِّ الْمُسْتَفَادِ وَمِنْ أَدِلَّةِ الشَّرْعِ أَقْوَى مِمَّا يَسْتَفِيدُهُ مِنْ غَيْرِهِ وَلَا سِيَّمَا إنْ كَانَ هُوَ أَفْضَلُ الْجَمَاعَةِ , وَخَيَّرَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي تَقْلِيدِ مَنْ شَاءَ مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَلَى حَقٍّ وَصَوَابٍ , وَهَذَا ظَاهِرٌ مُتَّجَهٌ إذَا قُلْنَا كُلُّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ .
*************
وفي الموسوعة الفقهية :
تَقْلِيدٌ التَّعْرِيفُ :(64/35)
1 - التَّقْلِيدُ لُغَةً : مَصْدَرُ قَلَّدَ , أَيْ جَعَلَ الشَّيْءَ فِي عُنُقِ غَيْرِهِ مَعَ الْإِحَاطَةِ بِهِ . وَتَقُولُ : قَلَّدْت الْجَارِيَةَ : إذَا جَعَلْتَ فِي عُنُقِهَا الْقِلَادَةَ , فَتَقَلَّدَتْهَا هِيَ , وَقَلَّدْت الرَّجُلَ السَّيْفَ فَتَقَلَّدَهُ : إذَا جَعَلَ حَمَائِلَهُ فِي عُنُقِهِ . وَأَصْلُ الْقَلْدِ , كَمَا فِي لِسَانِ الْعَرَبِ , لَيُّ الشَّيْءِ عَلَى الشَّيْءِ , نَحْوُ لَيُّ الْحَدِيدَةِ الدَّقِيقَةِ عَلَى مِثْلِهَا , وَمِنْهُ : سِوَارٌ مَقْلُودٌ . وَفِي التَّهْذِيبِ : تَقْلِيدُ الْبَدَنَةِ أَنْ يُجْعَلَ فِي عُنُقِهَا عُرْوَةُ مَزَادَةٍ , أَوْ حِلَقُ نَعْلٍ , فَيُعْلَمُ أَنَّهَا هَدْيٌ . وَقَلَّدَ فُلَانًا الْأَمْرَ إيَّاهُ . وَمِنْهُ تَقْلِيدُ الْوُلَاةِ الْأَعْمَالَ . وَيُسْتَعْمَلُ التَّقْلِيدُ فِي الْعُصُورِ الْمُتَأَخِّرَةِ بِمَعْنَى الْمُحَاكَاةِ فِي الْفِعْلِ , وَبِمَعْنَى التَّزْيِيفِ , أَيْ صِنَاعَةِ شَيْءٍ طِبْقًا لِلْأَصْلِ الْمُقَلَّدِ . وَكِلَا الْمَعْنَيَيْنِ مَأْخُوذٌ مِنْ التَّقْلِيدِ لِلْمُجْتَهِدِينَ , لِأَنَّ الْمُقَلِّدَ يَفْعَلُ مِثْلَ فِعْلِ الْمُقَلَّدِ دُونَ أَنْ يَدْرِيَ وَجْهَهُ . وَالْأَمْرُ التَّقْلِيدِيُّ مَا يُفْعَلُ اتِّبَاعًا لِمَا كَانَ قَبْلُ , لَا بِنَاءً عَلَى فِكْرِ الْفَاعِلِ نَفْسِهِ , وَخِلَافُهُ الْأَمْرُ الْمُبْتَدَعُ . وَيَرِدُ التَّقْلِيدُ فِي الِاصْطِلَاحِ الشَّرْعِيِّ بِأَرْبَعَةِ مَعَانٍ : أَوَّلُهَا : تَقْلِيدُ الْوَالِي أَوْ الْقَاضِي وَنَحْوِهِمَا , أَيْ تَوْلِيَتُهُمَا الْعَمَلَ , وَيُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ : ( تَوْلِيَةٌ ) . ثَانِيهَا : تَقْلِيدُ الْهَدْيِ بِجَعْلِ شَيْءٍ فِي رَقَبَتِهِ لِيُعْلَمَ أَنَّهُ هَدْيٌ . ثَالِثُهَا : تَقْلِيدُ التَّمَائِمِ وَنَحْوِهَا . رَابِعُهَا : التَّقْلِيدُ فِي الدِّينِ وَهُوَ الْأَخْذُ فِيهِ بِقَوْلِ الْغَيْرِ مَعَ عَدَمِ مَعْرِفَةِ دَلِيلِهِ . أَوْ هُوَ الْعَمَلُ بِقَوْلِ الْغَيْرِ مِنْ غَيْرِ حُجَّةٍ . ( الْأَلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ ) : الْإِشْعَارُ : 2 - الْإِشْعَارُ حَزُّ سَنَامِ الْبَدَنَةِ حَتَّى يَسِيلَ مِنْهَا الدَّمُ لِيُعْلَمَ أَنَّهَا هَدْيٌ لِلْكَعْبَةِ فَلَا يَتَعَرَّضُ لَهَا أَحَدٌ .
ثَالِثًا : تَقْلِيدُ الْمُجْتَهِدِ : 10 - التَّقْلِيدُ قَبُولُ قَوْلِ الْغَيْرِ مِنْ غَيْرِ حُجَّةٍ , كَأَخْذِ الْعَامِّيِّ مِنْ الْمُجْتَهِدِ فَالرُّجُوعُ إلَى قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَيْسَ تَقْلِيدًا , وَالرُّجُوعُ إلَى الْإِجْمَاعِ لَيْسَ تَقْلِيدًا كَذَلِكَ , لِأَنَّ ذَلِكَ رُجُوعٌ إلَى مَا هُوَ الْحُجَّةُ فِي نَفْسِهِ .
حُكْمُ التَّقْلِيدِ :
11 - أَهْلُ التَّقْلِيدِ لَيْسُوا طَبَقَةً مِنْ طَبَقَاتِ الْفُقَهَاءِ , فَالْمُقَلِّدُ لَيْسَ فَقِيهًا , فَإِنَّ الْفِقْهَ مَمْدُوحٌ فِي كَلَامِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَالتَّقْلِيدُ مَذْمُومٌ , وَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ نَوْعٌ مِنْ التَّقْصِيرِ .(64/36)
أ - حُكْمُ التَّقْلِيدِ فِي الْعَقَائِدِ : 12 - التَّقْلِيدُ لَا يَجُوزُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْأُصُولِيِّينَ فِي الْعَقَائِدِ , كَوُجُودِ اللَّهِ تَعَالَى وَوَحْدَانِيِّتِهِ وَوُجُوبِ إفْرَادِهِ بِالْعِبَادَةِ , وَمَعْرِفَةِ صِدْقِ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم فَلَا بُدَّ فِي ذَلِكَ عِنْدَهُمْ مِنْ النَّظَرِ الصَّحِيحِ وَالتَّفَكُّرِ وَالتَّدَبُّرِ الْمُؤَدِّي إلَى الْعِلْمِ وَإِلَى طُمَأْنِينَةِ الْقَلْبِ , وَمَعْرِفَةِ أَدِلَّةِ ذَلِكَ . وَمِمَّا يُحْتَجُّ بِهِ لِذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذَمَّ التَّقْلِيدَ فِي الْعَقِيدَةِ بِمِثْلِ قوله تعالى : { بَلْ قَالُوا إنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ } , وَلَمَّا نَزَلَ قوله تعالى : { إنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ } قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: { لَقَدْ نَزَلَتْ عَلَيَّ اللَّيْلَةَ آيَةٌ . وَيْلٌ لِمَنْ قَرَأَهَا وَلَمْ يَتَفَكَّرْ فِيهَا } . وَلِأَنَّ الْمُقَلِّدَ فِي ذَلِكَ يَجُوزُ الْخَطَأُ عَلَى مُقَلَّدِهِ , وَيَجُوزُ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ كَاذِبًا فِي إخْبَارِهِ , وَلَا يَكْفِي التَّعْوِيلُ فِي ذَلِكَ عَلَى سُكُونِ النَّفْسِ إلَى صِدْقِ الْمُقَلَّدِ , إذْ مَا الْفَرْقُ بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ سُكُونِ أَنْفُسِ النَّصَارَى وَالْيَهُودِ وَالْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ قَلَّدُوا أَسْلَافَهُمْ وَسَكَنَتْ قُلُوبُهُمْ إلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ آبَاؤُهُمْ مِنْ قَبْلُ , فَعَابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ . وَذَهَبَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ إلَى جَوَازِ الِاكْتِفَاءِ بِالتَّقْلِيدِ فِي الْعَقَائِدِ , وَنُسِبَ ذَلِكَ إلَى الظَّاهِرِيَّةِ . ثُمَّ عِنْدَ الْجُمْهُورِ يُلْحَقُ بِالْعَقَائِدِ فِي هَذَا الْأَمْرِ كُلُّ مَا عُلِمَ مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ , فَلَا تَقْلِيدَ فِيهِ , لِأَنَّ الْعِلْمَ بِهِ يَحْصُلُ بِالتَّوَاتُرِ وَالْإِجْمَاعِ , وَمِنْ ذَلِكَ الْأَخْذُ بِأَرْكَانِ الْإِسْلَامِ الْخَمْسَةِ .
ب - حُكْمُ التَّقْلِيدِ فِي الْفُرُوعِ :(64/37)
13 - اُخْتُلِفَ فِي التَّقْلِيدِ فِي الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ الْعَمَلِيَّةِ غَيْرَ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ عَلَى رَأْيَيْنِ : الْأَوَّلُ : جَوَازُ التَّقْلِيدِ فِيهَا وَهُوَ رَأْيُ جُمْهُورِ الْأُصُولِيِّينَ , قَالُوا : لِأَنَّ الْمُجْتَهِدَ فِيهَا إمَّا مُصِيبٌ وَإِمَّا مُخْطِئٌ مُثَابٌ غَيْرُ آثِمٍ , فَجَازَ التَّقْلِيدُ فِيهَا , بَلْ وَجَبَ عَلَى الْعَامِّيِّ ذَلِكَ , لِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ بِالْعَمَلِ بِأَحْكَامِ الشَّرِيعَةِ , وَقَدْ يَكُونُ فِي الْأَدِلَّةِ عَلَيْهَا خَفَاءٌ يُحْوِجُ إلَى النَّظَرِ وَالِاجْتِهَادِ , وَتَكْلِيفُ الْعَوَّامِ رُتْبَةَ الِاجْتِهَادِ يُؤَدِّي إلَى انْقِطَاعِ الْحَرْثِ وَالنَّسْلِ , وَتَعْطِيلِ الْحِرَفِ وَالصَّنَائِعِ , فَيُؤَدِّي إلَى الْخَرَابِ , وَلِأَنَّ الصَّحَابَةَ رضي الله عنهم كَانَ يُفْتِي بَعْضُهُمْ بَعْضًا , وَيُفْتُونَ غَيْرَهُمْ , وَلَا يَأْمُرُونَهُمْ بِنَيْلِ دَرَجَةِ الِاجْتِهَادِ . وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِسُؤَالِ الْعُلَمَاءِ فِي قوله تعالى : { فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ } . الثَّانِي : إنَّ التَّقْلِيدَ مُحَرَّمٌ لَا يَجُوزُ . قَالَ بِذَلِكَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ , وَابْنُ الْقَيِّمِ , وَالشَّوْكَانِيُّ , وَغَيْرُهُمْ . وَاحْتَجُّوا بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذَمَّ التَّقْلِيدَ بِقَوْلِهِ : { اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ } وَقَوْلِهِ { وَقَالُوا رَبَّنَا إنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا } وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ الْآيَاتِ , وَإِنَّ الْأَئِمَّةَ قَدْ نَهَوْا عَنْ تَقْلِيدِهِمْ , قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ : لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ بِقَوْلِنَا حَتَّى يَعْلَمَ مِنْ أَيْنَ قُلْنَاهُ . وَقَالَ الْمُزَنِيّ فِي أَوَّلِ مُخْتَصَرِهِ : اخْتَصَرْت هَذَا مِنْ عِلْمِ الشَّافِعِيِّ , وَمِنْ مَعْنَى قَوْلِهِ مَعَ إعْلَامِهِ نَهْيَهُ عَنْ تَقْلِيدِهِ وَتَقْلِيدِ غَيْرِهِ لِيُنْظَرَ فِيهِ لِدِينِهِ وَيَحْتَاطَ لِنَفْسِهِ وَقَالَ أَحْمَدُ : لَا تُقَلِّدْنِي , وَلَا تُقَلِّدْ مَالِكًا وَلَا الثَّوْرِيَّ , وَلَا الْأَوْزَاعِيَّ , وَخُذْ مِنْ حَيْثُ أَخَذُوا . وَفِي بَعْضِ كَلَامِ ابْنِ الْقَيِّمِ أَنَّ التَّقْلِيدَ الَّذِي يَرَى امْتِنَاعَهُ هُوَ ( اتِّخَاذُ أَقْوَالِ رَجُلٍ بِعَيْنِهِ بِمَنْزِلَةِ نُصُوصِ الشَّارِعِ لَا يُلْتَفَتُ إلَى قَوْلٍ سِوَاهُ , بَلْ لَا إلَى نُصُوصِ الشَّارِعِ , إلَّا إذَا وَافَقَتْ نُصُوصَ قَوْلِهِ . قَالَ فَهَذَا هُوَ التَّقْلِيدُ الَّذِي أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّهُ مُحَرَّمٌ فِي دِينِ اللَّهِ , وَلَمْ يَظْهَرْ فِي الْأُمَّةِ إلَّا بَعْدَ انْقِرَاضِ الْقُرُونِ الْفَاضِلَةِ ) . وَأَثْبَتَ ابْنُ الْقَيِّمِ وَالشَّوْكَانِيُّ فَوْقَ التَّقْلِيدِ مَرْتَبَةً أَقَلَّ مِنْ الِاجْتِهَادِ , هِيَ مَرْتَبَةُ الِاتِّبَاعِ , وَحَقِيقَتُهَا الْأَخْذُ بِقَوْلِ الْغَيْرِ مَعَ مَعْرِفَةِ دَلِيلِهِ , عَلَى حَدِّ مَا وَرَدَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ ( لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ مَقَالَتَنَا حَتَّى يَعْلَمَ مِنْ أَيْنَ قُلْنَا ) . غَيْرَ أَنَّ التَّقْلِيدَ يَجُوزُ عِنْدَ الضَّرُورَةِ . وَمِنْ ذَلِكَ إذَا لَمْ يَظْفَرْ الْعَالِمُ بِنَصٍّ مِنْ الْكِتَابِ أَوْ السُّنَّةِ , وَلَمْ يَجِدْ إلَّا قَوْلَ مَنْ هُوَ أَعْلَمُ مِنْهُ , فَيُقَلِّدُهُ . أَمَّا التَّقْلِيدُ الْمُحَرَّمُ فَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْعَالِمُ مُتَمَكِّنًا مِنْ مَعْرِفَةِ الْحَقِّ بِدَلِيلِهِ , ثُمَّ مَعَ ذَلِكَ يَعْدِلُ إلَى التَّقْلِيدِ , فَهُوَ كَمَنْ يَعْدِلُ إلَى الْمَيْتَةِ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى الْمُذَكَّى . وَالتَّقْلِيدُ إنَّمَا هُوَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ قَادِرًا عَلَى الِاجْتِهَادِ , أَوْ كَانَ قَادِرًا عَلَيْهِ لَكِنْ لَمْ يَجِدْ الْوَقْتَ لِذَلِكَ , فَهِيَ حَالُ ضَرُورَةٍ كَمَا قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ . وَقَدْ أَفْتَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ بِقَوْلِ الشَّافِعِيِّ , وَقَالَ : إذَا سُئِلْت عَنْ مَسْأَلَةٍ لَمْ أَعْرِفْ فِيهَا خَبَرًا أَفْتَيْت فِيهَا بِقَوْلِ الشَّافِعِيِّ , لِأَنَّهُ إمَامٌ عَالِمٌ مِنْ قُرَيْشٍ , وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: { لَا تَسُبُّوا قُرَيْشًا , فَإِنَّ عَالِمَهَا يَمْلَأُ طِبَاقَ الْأَرْضِ عِلْمًا } .
شُرُوطُ مَنْ يَجُوزُ تَقْلِيدُهُ :(64/38)
14 - لَا يَجُوزُ لِلْعَامِّيِّ أَنْ يَسْتَفْتِيَ إلَّا مَنْ يَعْرِفُهُ بِالْعِلْمِ وَالْعَدَالَةِ , أَمَّا مَنْ عَرَفَهُ بِالْجَهْلِ فَلَا يَسْأَلُهُ اتِّفَاقًا , وَكَذَا لَا يَسْأَلُ مَنْ عَرَفَهُ بِالْفِسْقِ . وَيَجُوزُ أَنْ يَسْتَفْتِيَ مَنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ , لِمَا يَرَاهُ مِنْ انْتِصَابِهِ لِلْفُتْيَا وَأَخْذِ النَّاسِ عَنْهُ بِمَشْهَدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ , وَمَا يَلْمَحُهُ فِيهِ مِنْ سِمَاتِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالدِّينِ وَالسَّتْرِ , أَوْ يُخْبِرُهُ بِذَلِكَ ثِقَةٌ . قَالَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ : لَا يَجُوزُ أَنْ يُسْتَفْتَى إلَّا مَنْ يُفْتِي بِعِلْمٍ وَعَدْلٍ . أَمَّا مَجْهُولُ الْحَالِ فِي الْعِلْمِ فَلَا يَجُوزُ تَقْلِيدُهُ إذْ قَدْ يَكُونُ أَجْهَلَ مِنْ السَّائِلِ . وَأَمَّا مَجْهُولُ الْحَالِ فِي الْعَدَالَةِ فَقَدْ قِيلَ : لَا بُدَّ مِنْ السُّؤَالِ عَنْهُ مِنْ عَدْلٍ أَوْ عَدْلَيْنِ لِأَنَّهُ لَا يَأْمَنُ كَذِبَهُ وَتَدْلِيسَهُ , وَقِيلَ : لَا يَلْزَمُ السُّؤَالُ عَنْ الْعَدَالَةِ ; لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْعُلَمَاءِ الْعَدَالَةُ . وَلَا يُقَلِّدُ مُتَسَاهِلًا فِي الْفُتْيَا , وَلَا مَنْ يَبْتَغِي الْحِيَلَ الْمُحَرَّمَةَ , وَلَا مَنْ يَذْهَبُ إلَى الْأَقْوَالِ الشَّاذَّةِ الَّتِي يُنْكِرُهَا الْجُمْهُورُ مِنْ الْعُلَمَاءِ .
مَنْ يَجُوزُ لَهُ التَّقْلِيدُ :
15 - تَقَدَّمَ أَنَّ الَّذِي يَجُوزُ لَهُ التَّقْلِيدُ هُوَ الْعَامِّيُّ وَمَنْ عَلَى شَاكِلَتِهِ مِنْ غَيْرِ الْقَادِرِينَ عَلَى الِاجْتِهَادِ . وَكَذَلِكَ مَنْ لَهُ أَهْلِيَّةُ الِاجْتِهَادِ إذَا اسْتَشْعَرَ الْفَوَاتَ لَوْ اشْتَغَلَ بِالِاجْتِهَادِ فِي الْأَحْكَامِ , فَلَهُ أَنْ يُقَلِّدَ مُجْتَهِدًا . فَأَمَّا الْمُجْتَهِدُ لَوْ أَرَادَ التَّقْلِيدَ مَعَ سَعَةِ الْوَقْتِ وَإِمْكَانِ الِاجْتِهَادِ فَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ : لَيْسَ لَهُ أَنْ يُقَلِّدَ بَلْ عَلَيْهِ أَنْ يَجْتَهِدَ . وَقِيلَ : يَجُوزُ لَهُ التَّقْلِيدُ . وَدَلِيلُ الْقَوْلِ بِأَنَّ الِاجْتِهَادَ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنَّ اجْتِهَادَهُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ يُضَاهِي النَّصَّ , فَلَا يَعْدِلُ عَنْ الِاجْتِهَادِ عِنْدَ إمْكَانِهِ , كَمَا لَا يَعْدِلُ عَنْ النَّصِّ إلَى الْقِيَاسِ . أَمَّا إنْ اجْتَهَدَ مَنْ هُوَ أَهْلٌ لِلِاجْتِهَادِ , فَأَدَّاهُ اجْتِهَادُهُ إلَى مَعْرِفَةِ الْحُكْمِ , فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتْرُكَهُ وَيَصِيرَ إلَى الْعَمَلِ أَوْ الْإِفْتَاءِ بِقَوْلِ غَيْرِهِ تَقْلِيدًا لِمَنْ خَالَفَهُ فِي ذَلِكَ , قَالَ صَاحِبُ مُسَلَّمِ الثُّبُوتِ : " إجْمَاعًا " أَيْ بِإِجْمَاعِ أَئِمَّةِ الْحَنَفِيَّةِ , لِأَنَّ مَا عَلِمَهُ هُوَ حُكْمُ اللَّهِ فِي حَقِّهِ فَلَا يَتْرُكُهُ لِقَوْلِ أَحَدٍ . وَلَكِنْ لَوْ أَنَّ الْقَاضِيَ الْمُجْتَهِدَ حَكَمَ بِالتَّقْلِيدِ نَفَذَ حُكْمُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى رِوَايَةٍ , وَلَمْ يَنْفُذْ عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى , وَلَا عَلَى قَوْلِ الصَّاحِبَيْنِ وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا , وَهِيَ الرِّوَايَةُ الْأُخْرَى عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ . وَاَلَّذِينَ قَالُوا بِتَجَزُّؤِ الِاجْتِهَادِ يَجِبُ عِنْدَهُمْ عَلَى الْمُجْتَهِدِ الْمُطْلَقِ أَنْ يُقَلِّدَ فِيمَا لَمْ يَظْهَرْ لَهُ حُكْمُ الشَّرْعِ فِيهِ , فَيَكُونُ مُجْتَهِدًا فِي الْبَعْضِ مُقَلِّدًا فِي الْبَعْضِ الْآخَرِ , وَلَكِنْ قِيلَ : إنَّهُ مَا دَامَ عَالِمًا فَلَا يُقَلِّدُ إلَّا بِشَرْطِ أَنْ يَتَبَيَّنَ لَهُ وَجْهُ الصِّحَّةِ , بِأَنْ يُظْهِرَهُ لَهُ الْمُجْتَهِدُ الْآخَرُ . وَأَيْضًا قَدْ يُقَلِّدُ الْعَالِمَ فِي الثُّبُوتِ , كَمَنْ قَلَّدَ الْبُخَارِيَّ فِي تَصْحِيحِ الْحَدِيثِ , ثُمَّ يَجْتَهِدُ فِي الدَّلَالَةِ أَوْ الْقِيَاسِ أَوْ دَفْعِ التَّعَارُضِ بِنَاءً عَلَى مَا ثَبَتَ عِنْدَ غَيْرِهِ .
تَعَدُّدُ الْمُفْتِينَ وَاخْتِلَافُهُمْ عَلَى الْمُقَلِّدِ :
تَقْلِيدُ الْمَذَاهِبِ :(64/39)
17 - قَالَ الشَّوْكَانِيُّ : اخْتَلَفَ الْمُجَوِّزُونَ لِلتَّقْلِيدِ هَلْ يَجِبُ عَلَى الْعَامِّيِّ الْتِزَامُ مَذْهَبٍ مُعَيَّنٍ , فَقَالَ جَمَاعَةٌ : يَلْزَمُهُ , وَاخْتَارَهُ إلْكِيَا الْهِرَّاسِيُّ . وَقَالَ آخَرُونَ : لَا يَلْزَمُهُ , وَرَجَّحَهُ ابْنُ بُرْهَانٍ وَالنَّوَوِيُّ , وَهُوَ مَذْهَبُ الْحَنَابِلَةِ . وَاسْتَدَلُّوا بِأَنَّ الصَّحَابَةَ رضي الله عنهم لَمْ يُنْكِرُوا عَلَى الْعَامَّةِ تَقْلِيدَ بَعْضِهِمْ فِي بَعْضِ الْمَسَائِلِ وَبَعْضِهِمْ فِي الْبَعْضِ الْآخَرِ . وَقَدْ كَانَ السَّلَفُ يُقَلِّدُونَ مَنْ شَاءُوا قَبْلَ ظُهُورِ الْمَذَاهِبِ . وَفِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافٌ وَتَفْصِيلٌ يُرْجَعُ إلَيْهِ فِي الْمُلْحَقِ الْأُصُولِيِّ . وَاَلَّذِينَ قَالُوا بِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْعَامِّيِّ الْتِزَامُ مَذْهَبٍ مُعَيَّنٍ فَإِنَّهُ يَأْخُذُ بِعَزَائِمِهِ وَرُخَصِهِ , إلَّا أَنْ يَتَبَيَّنَ لَهُ أَنَّ غَيْرَهُ أَوْلَى بِالِالْتِزَامِ مِنْهُ . قَالَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ : وَإِذَا تَبَيَّنَ لَهُ حُكْمُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ فِي أَمْرٍ فَلَا يَعْدِلُ عَنْهُ , وَلَا يَتْبَعُ أَحَدًا فِي مُخَالَفَةِ حُكْمِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ , وَيَجُوزُ لَهُ أَيْضًا الْخُرُوجُ عَنْهُ بِتَقْلِيدٍ سَائِغٍ , أَيْ بِتَقْلِيدِ عَالِمٍ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ أَفْتَاهُ . 16 - إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْبَلَدِ إلَّا مُفْتٍ وَاحِدٌ وَجَبَ عَلَى الْمُقَلِّدِ مُرَاجَعَتُهُ وَالْعَمَلُ بِمَا أَفْتَاهُ بِهِ مِمَّا لَا يَعْلَمُهُ . وَإِنْ تَعَدَّدَ الْمُفْتُونَ وَكُلُّهُمْ أَهْلٌ , فَلِلْمُقَلِّدِ أَنْ يَسْأَلَ مَنْ شَاءَ مِنْهُمْ , وَلَا يَلْزَمُهُ مُرَاجَعَةُ الْأَعْلَمِ , وَذَلِكَ لِمَا عُلِمَ أَنَّ الْعَوَامَّ فِي زَمَانِ الصَّحَابَةِ كَانُوا يَسْأَلُونَ الْفَاضِلَ وَالْمَفْضُولَ , وَلَمْ يُحْجَرْ عَلَى أَحَدٍ فِي سُؤَالِ غَيْرِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ . فَلَا يَلْزَمُ إلَّا مُرَاعَاةُ الْعِلْمِ وَالْعَدَالَةِ . لَكِنْ إذَا تَنَاقَضَ قَوْلُ عَالِمَيْنِ , فَأَفْتَاهُ أَحَدُهُمَا بِغَيْرِ مَا أَفْتَاهُ بِهِ الْآخَرُ , فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الْأَخْذُ بِقَوْلِ مَنْ يَرَى فِي نَفْسِهِ أَنَّهُ الْأَفْضَلُ مِنْهُمَا فِي عِلْمِهِ وَدِينِهِ . فَوَاجِبُهُ التَّرْجِيحُ بَيْنَ الْمُقَلَّدِينَ بِالْعِلْمِ وَالدِّينِ . قَالَ صَاحِبُ مَطَالِبِ أُولِي النُّهَى : يَحْرُمُ الْحُكْمُ وَالْفُتْيَا بِقَوْلٍ أَوْ وَجْهٍ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ فِي التَّرْجِيحِ إجْمَاعًا . وَهَذَا لِأَنَّ الْغَلَطَ عَلَى الْأَعْلَمِ أَبْعَدُ وَمِنْ الْأَقَلِّ عِلْمًا أَقْرَبُ . وَلَيْسَ لِلْمُقَلِّدِ أَنْ يَجْعَلَ نَفْسَهُ بِالْخِيَارِ يَأْخُذُ مَا شَاءَ وَيَتْرُكُ مَا شَاءَ , وَخَاصَّةً إذَا تَتَبَّعَ الرُّخَصَ لِيَأْخُذَ بِمَا يَهْوَاهُ بِمُجَرَّدِ التَّشَهِّي . وَذَلِكَ كَمَا أَنَّ الْمُجْتَهِدَ وَاجِبُهُ التَّرْجِيحُ بَيْنَ الْأَدِلَّةِ وَلَيْسَ لَهُ التَّخَيُّرُ مِنْهَا اتِّفَاقًا . وَاَلَّذِينَ أَجَازُوا التَّخَيُّرَ - وَهُمْ قِلَّةٌ - إنَّمَا أَجَازُوهُ عِنْدَ عَدَمِ إمْكَانِ التَّرْجِيحِ . وَيُنْظَرُ الْخِلَافُ فِي ذَلِكَ وَالتَّفْصِيلُ فِيهِ فِي مَوْضِعِهِ مِنْ الْمُلْحَقِ الْأُصُولِيِّ , إذْ فِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافٌ .
أَثَرُ الْعَمَلِ بِالتَّقْلِيدِ الصَّحِيحِ :(64/40)
18 - مَنْ عَمِلَ بِتَقْلِيدٍ صَحِيحٍ فَلَا إنْكَارَ عَلَيْهِ , لِأَنَّهُ لَا إنْكَارَ فِي الْمَسَائِلِ الِاجْتِهَادِيَّةِ . وَدَعْوَى الْحِسْبَةِ أَيْضًا لَا تَدْخُلُ فِيهَا , وَلِذَلِكَ فَلَا يَمْنَعُهُ الْحَاكِمُ مَا فَعَلَ . وَهَذَا وَاضِحٌ فِيمَا ضَرَرُهُ قَاصِرٌ عَلَى الْمُقَلِّدِ نَفْسِهِ , كَمَنْ مَسَّ فَرْجَهُ ثُمَّ صَلَّى دُونَ أَنْ يَتَوَضَّأَ . لَكِنْ لَوْ كَانَ فِي فِعْلِهِ ضَرَرٌ يَتَعَدَّى إلَى غَيْرِهِ , فَقَدْ قِيلَ : إنَّ الْحَاكِمَ أَوْ الْمُحْتَسِبَ إنْ كَانَ يَرَى حُرْمَةَ ذَلِكَ يَجِبُ عَلَيْهِ الِاعْتِرَاضُ عَلَيْهِ . وَلَيْسَ مَعْنَى عَدَمِ الْإِنْكَارِ عَلَى مَنْ عَمِلَ بِتَقْلِيدٍ صَحِيحٍ تَرْكَ الْبَيَانِ لَهُ مِنْ عَالِمٍ يَرَى مَرْجُوحِيَّةَ فِعْلِهِ , وَكَانَ الْبَيَانُ دَأْبَ أَهْلِ الْعِلْمِ وَلَا يَزَالُ , فَضْلًا عَنْ الْأَخْذِ وَالرَّدِّ بَيْنَهُمْ فِيمَا يَخْتَلِفُونَ فِيهِ . وَقَدْ يُخَطِّئُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا , وَخَاصَّةً مَنْ خَالَفَ نَصًّا صَحِيحًا سَالِمًا مِنْ الْمُعَارَضَةِ . وَهَذَا وَاضِحٌ عَلَى قَوْلِ أَكْثَرِ الْأُصُولِيِّينَ , وَهُمْ الْقَائِلُونَ بِجَوَازِ تَخْطِئَةِ الْمُجْتَهِدِ فِي الْمَسَائِلِ الِاجْتِهَادِيَّةِ . إلَّا أَنَّ هَذَا الْبَيَانَ يَكُونُ مَعَ تَمْهِيدِ الْعُذْرِ لِلْمُخَالِفِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ , وَحِفْظِ رُتْبَتِهِ وَإِقَامَةِ هَيْبَتِهِ . وَاَللَّهُ أَعْلَمُ . وَأَيْضًا لَا تَمْنَعُ هَذِهِ الْقَاعِدَةُ الْحَاكِمَ أَنْ يَحْكُمَ عَلَى مُقَلِّدٍ رُفِعَ إلَيْهِ أَمْرُهُ بِمَا يَرَاهُ طِبْقًا لِاجْتِهَادِهِ , إذْ لَيْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يَقْضِيَ بِخِلَافِ مُعْتَقَدِهِ
إفْتَاءُ الْمُقَلِّدِ :
19 - يُشْتَرَطُ فِي الْمُفْتِي عِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ أَنْ يَكُونَ مُجْتَهِدًا , وَلَيْسَ هَذَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ شَرْطَ صِحَّةٍ وَلَكِنَّهُ شَرْطُ أَوْلَوِيَّةٍ , تَسْهِيلًا عَلَى النَّاسِ . وَصَحَّحَ ابْنُ الْقَيِّمِ أَنَّ إفْتَاءَ الْمُقَلِّدِ جَائِزٌ عِنْدَ الْحَاجَةِ وَعَدَمِ وُجُودِ الْعَالِمِ الْمُجْتَهِدِ , وَقَيَّدَهُ ابْنُ حَمْدَانَ - مِنْ الْحَنَابِلَةِ - بِالضَّرُورَةِ . وَنَقَلَ الشَّوْكَانِيُّ اشْتِرَاطَ بَعْضِ الْأُصُولِيِّينَ أَنْ يَكُونَ الْمُفْتِي أَهْلًا لِلنَّظَرِ مُطَّلِعًا عَلَى مَأْخَذِ مَا يُفْتِي بِهِ وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ . وَقَالَ ابْنُ قُدَامَةَ : الْمُفْتِي يَجُوزُ أَنْ يُخْبِرَ بِمَا سَمِعَ إلَّا أَنَّهُ لَا يَكُونُ مُفْتِيًا فِي تِلْكَ الْحَالِ وَإِنَّمَا هُوَ مُخْبِرٌ , فَيَحْتَاجُ أَنْ يُخْبِرَ عَنْ رَجُلٍ بِعَيْنِهِ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ فَيَكُونُ مَعْمُولًا بِخَبَرِهِ لَا بِفُتْيَاهُ . وَصَحَّحَ الشَّوْكَانِيُّ أَنَّ مَا يُلْقِيهِ الْمُقَلِّدُ عَنْ مُقَلَّدِهِ إلَى الْمُسْتَفْتِي لَيْسَ مِنْ الْفُتْيَا فِي شَيْءٍ , وَإِنَّمَا هُوَ مُجَرَّدُ نَقْلِ قَوْلٍ . قَالَ : الَّذِي أَعْتَقِدُهُ أَنَّ الْمُفْتِيَ الْمُقَلِّدَ لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُفْتِيَ مَنْ يَسْأَلُهُ عَنْ حُكْمِ اللَّهِ وَحُكْمِ رَسُولِهِ , أَوْ عَنْ الْحَقِّ , أَوْ عَمَّا يَحِلُّ لَهُ وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ , لِأَنَّ الْمُقَلِّدَ لَا يَدْرِي بِوَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ , بَلْ لَا يَعْرِفُهَا إلَّا الْمُجْتَهِدُ . وَهَذَا إنْ سَأَلَهُ السَّائِلُ سُؤَالًا مُطْلَقًا . وَأَمَّا إنْ سَأَلَهُ سَائِلٌ عَنْ قَوْلِ فُلَانٍ وَرَأْيِ فُلَانٍ فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَنْقُلَ إلَيْهِ ذَلِكَ وَيَرْوِيهِ لَهُ إنْ كَانَ عَارِفًا بِمَذْهَبِهِ . وَنَقَلَ ابْنُ الصَّلَاحِ عَنْ الْحَلِيمِيِّ وَالرُّويَانِيِّ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْمُفْتِي أَنْ يُفْتِيَ بِمَا هُوَ مُقَلِّدٌ فِيهِ , ثُمَّ قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ : مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُذَكِّرَهُ فِي صُورَةِ مَا يَقُولُهُ مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ , بَلْ يُضَيِّفُهُ وَيَحْكِيهِ عَنْ إمَامِهِ الَّذِي قَلَّدَهُ . قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ : فَعَلَى هَذَا مَنْ عَدَدْنَاهُ مِنْ أَصْنَافِ الْمُفْتِينَ مِنْ الْمُقَلِّدِينَ لَيْسُوا عَلَى الْحَقِيقَةِ مِنْ الْمُفْتِينَ , وَلَكِنَّهُمْ قَامُوا مَقَامَهُمْ وَأَدَّوْا عَنْهُمْ .
هَلْ الْمُقَلِّدُ مِنْ أَهْلِ الْإِجْمَاعِ ؟(64/41)
20 - يَرَى جُمْهُورُ الْأُصُولِيِّينَ أَنَّ الْمُقَلِّدَ لَا يُعْتَبَرُ فَقِيهًا , وَلِذَا قَالُوا : إنَّ رَأْيَهُ لَا يُعْتَدُّ بِهِ فِي الْإِجْمَاعِ وَإِنْ كَانَ عَارِفًا بِالْمَسَائِلِ الْفِقْهِيَّةِ , إذْ الْجَامِعُ بَيْنَ أَهْلِ الْإِجْمَاعِ هُوَ الرَّأْيُ , وَلَيْسَ لِلْمُقَلِّدِ رَأْيٌ إذْ رَأْيُهُ هُوَ عَنْ رَأْيِ إمَامِهِ . وَهَذَا إنْ لَمْ يَكُنْ مُجْتَهِدًا فِي بَعْضِ الْمَسَائِلِ , فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ فَعَلَى أَسَاسِ قَاعِدَةِ جَوَازِ تَجَزُّؤِ الِاجْتِهَادِ , يُعْتَدُّ بِالْمُقَلِّدِ فِي الْإِجْمَاعِ فِي الْمَسَائِلِ الَّتِي يَجْتَهِدُ فِيهَا .
قَضَاءُ الْمُقَلِّدِ :
21 - يَشْتَرِطُ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ , وَهُوَ قَوْلٌ عِنْدَ كُلٍّ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ , فِي الْقَاضِي أَنْ يَكُونَ مُجْتَهِدًا . وَادَّعَى ابْنُ حَزْمٍ الْإِجْمَاعَ عَلَى ذَلِكَ , وَلِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : { وَأَنْ اُحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ } وقوله تعالى { فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ } وَفَاقِدُ الِاجْتِهَادِ إنَّمَا يَحْكُمُ بِالتَّقْلِيدِ وَلَا يَعْرِفُ الرَّدَّ إلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ . قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ : لَا يَجُوزُ لِلْقَاضِي أَنْ يُقَلِّدَ غَيْرَهُ وَيَحْكُمَ بِقَوْلِ سِوَاهُ , سَوَاءٌ ظَهَرَ لَهُ الْحَقُّ فَخَالَفَهُ غَيْرُهُ فِيهِ أَمْ لَمْ يَظْهَرْ لَهُ شَيْءٌ , وَسَوَاءٌ ضَاقَ الْوَقْتُ أَمْ لَمْ يَضِقْ . وَقَالَ سَائِرُ الْحَنَفِيَّةِ , وَهُوَ قَوْلٌ عِنْدَ مُتَأَخِّرِي الْحَنَابِلَةِ : يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْقَاضِي مُقَلِّدًا , لِئَلَّا تَتَعَطَّلَ أَحْكَامُ النَّاسِ , وَعَلَّلَ الْحَنَفِيَّةُ بِأَنَّ غَرَضَ الْقَضَاءِ فَصْلُ الْخُصُومَاتِ فَإِذَا تَحَقَّقَ بِالتَّقْلِيدِ جَازَ . وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ إنْ تَعَذَّرَ الْقَاضِي الْمُجْتَهِدُ جَازَ تَوْلِيَةُ الْمُقَلِّدِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ وَتَتَحَقَّقُ الضَّرُورَةُ بِأَمْرَيْنِ : الْأَوَّلُ : أَنْ يُوَلِّيَهُ سُلْطَانٌ ذُو شَوْكَةٍ , بِخِلَافِ نَائِبِ السُّلْطَانِ , كَالْقَاضِي الْأَكْبَرِ , فَلَا تُعْتَبَرُ تَوْلِيَتُهُ لِقَاضٍ مُقَلِّدٍ ضَرُورَةً . وَيَحْرُمُ عَلَى السُّلْطَانِ تَوْلِيَةُ غَيْرِ الْمُجْتَهِدِ عِنْدَ وُجُودِ الْمُجْتَهِدِ . ثُمَّ لَوْ زَالَتْ الشَّوْكَةُ انْعَزَلَ الْقَاضِي بِزَوَالِهَا . الثَّانِي : أَنْ لَا يُوجَدَ مُجْتَهِدٌ يَصْلُحُ لِلْقَضَاءِ , فَإِنْ وُجِدَ مُجْتَهِدٌ صَالِحٌ لِلْقَضَاءِ لَمْ يَجُزْ تَوْلِيَةُ الْمُقَلِّدِ , وَلَمْ تَنْفُذْ تَوْلِيَتُهُ . وَعَلَى قَاضِي الضَّرُورَةِ أَنْ يُرَاجِعَ الْعُلَمَاءَ , وَهَذَا مَوْضِعُ اتِّفَاقٍ , وَعَلَيْهِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنْ يَذْكُرَ مُسْتَنَدَهُ فِي أَحْكَامِهِ .
مَا يَفْعَلُهُ الْمُقَلِّدُ إذَا تَغَيَّرَ الِاجْتِهَادُ :
22 - إذَا تَغَيَّرَ اجْتِهَادُ الْمُجْتَهِدِ بَعْدَ أَنْ فَعَلَ الْمُقَلِّدُ طِبْقًا لِمَا أَفْتَاهُ بِهِ , لَمْ يَلْزَمْ الْمُقَلِّدَ مُتَابَعَةُ الْمُقَلَّدِ فِي اجْتِهَادِهِ الثَّانِي بِالنِّسْبَةِ لِتَصَرُّفٍ أَمْضَاهُ , كَمَا لَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً بِلَا وَلِيٍّ - مَثَلًا - مُقَلِّدًا لِمُجْتَهِدٍ يَرَى صِحَّةَ النِّكَاحِ بِلَا وَلِيٍّ , ثُمَّ تَغَيَّرَ اجْتِهَادُ الْمُجْتَهِدِ إلَى الْبُطْلَانِ , وَهَذَا كَمَا لَوْ حَكَمَ لَهُ حَاكِمٌ بِذَلِكَ , إذْ لَا يُنْقَضُ الِاجْتِهَادُ بِمِثْلِهِ . وَلَا يَلْزَمُ الْمُجْتَهِدَ إذَا تَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ أَنْ يُعْلِمَ مَنْ قَلَّدَهُ بِذَلِكَ . وَهَذَا إنْ كَانَ الِاجْتِهَادُ مُعْتَبَرًا , بِخِلَافِ مَا لَوْ تَبَيَّنَ خَطَؤُهُ يَقِينًا , بِأَنْ كَانَ مُخَالِفًا لِنَصٍّ صَحِيحٍ سَالِمٍ مِنْ الْمُعَارَضَةِ , أَوْ مُخَالِفًا لِلْإِجْمَاعِ , أَوْ لِقِيَاسٍ جَلِيٍّ , فَيُنْقَضُ . وَقِيلَ بِالتَّفْرِيقِ فِي ذَلِكَ بَيْنَ النِّكَاحِ وَغَيْرِهِ , فَفِي النِّكَاحِ يُنْقَضُ وَفِي غَيْرِهِ لَا يُنْقَضُ . أَمَّا قَبْلَ أَنْ يَتَصَرَّفَ الْمُقَلِّدُ بِنَاءً عَلَى الْفُتْيَا , فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُقْدِمَ عَلَى ذَلِكَ التَّصَرُّفِ بَعْدَ تَغَيُّرِ الِاجْتِهَادِ إنْ كَانَتْ تِلْكَ الْفُتْيَا مُسْتَنَدَهُ الْوَحِيدَ .
قَوْلُ الصَّحَابِيِّ التَّعْرِيفُ :(64/42)
1 - الْقَوْلُ فِي اللُّغَةِ : كُلُّ لَفْظٍ نَطَقَ بِهِ اللِّسَانُ , تَامًّا كَانَ أَوْ نَاقِصًا . وَيُطْلَقُ عَلَى الْآرَاءِ وَالِاعْتِقَادَاتِ , يُقَالُ : هَذَا قَوْلُ فُلَانٍ فِي الْمَسْأَلَةِ أَيْ رَأْيُهُ فِيهَا , وَسَبَبُ تَسْمِيَةِ الْآرَاءِ أَقْوَالًا : أَنَّ الْآرَاءَ تَخْفَى فَلَا تُعْرَفُ إلَّا بِالْقَوْلِ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ مِنْ شَاهِدِ الْحَالِ , فَلَمَّا كَانَتْ لَا تَظْهَرُ إلَّا بِالْقَوْلِ سُمِّيَتْ قَوْلًا . وَالْقَوْلُ اصْطِلَاحًا لَا يَخْرُجُ عَنْ مَعْنَاهُ اللُّغَوِيِّ . وَالصَّحَابِيُّ فِي اللُّغَةِ مُشْتَقٌّ مِنْ الصُّحْبَةِ وَهِيَ الرُّؤْيَةُ وَالْمُجَالَسَةُ وَالْمُعَاشَرَةُ . وَالصَّحَابِيُّ اصْطِلَاحًا : مَنْ لَقِيَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم مُؤْمِنًا بِهِ وَمَاتَ عَلَى الْإِسْلَامِ . وَيُؤْخَذُ مِمَّا سَبَقَ أَنَّ قَوْلَ الصَّحَابِيِّ : هُوَ مَا نُقِلَ عَمَّنْ صَحِبَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم مِنْ قَوْلٍ لَمْ يَرْفَعْهُ إلَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ حُكْمُ الرَّفْعِ . الْأَحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِقَوْلِ الصَّحَابِيِّ : 2 - لَا خِلَافَ بَيْنَ الْأُصُولِيِّينَ فِي أَنَّ قَوْلَ الصَّحَابِيِّ فِي مَسَائِلِ الِاجْتِهَادِ لَيْسَ بِحُجَّةٍ عَلَى صَحَابِيٍّ آخَرَ , مُجْتَهِدًا كَانَ أَوْ إمَامًا , أَوْ حَاكِمًا أَوْ مُفْتِيًا , وَإِنَّمَا الْخِلَافُ الْمَشْهُورُ فِي حُجِّيَّتِهِ عَلَى التَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ , وَفِيهِ أَقْوَالٌ : . الْأَوَّلُ : أَنَّهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ مُطْلَقًا كَغَيْرِهِ مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ , وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي الْجَدِيدِ , وَإِلَيْهِ ذَهَبَ جُمْهُورُ الْأُصُولِيِّينَ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ وَيُومِئُ إلَيْهِ أَحْمَدُ , وَاخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ مِنْ أَصْحَابِهِ , وَقَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ : إنَّهُ الصَّحِيحُ الَّذِي يَقْتَضِيهِ مَذْهَبُ مَالِكٍ ; لِأَنَّهُ نَصَّ عَلَى وُجُوبِ الِاجْتِهَادِ وَاتِّبَاعِ مَا يُؤَدِّيهِ إلَيْهِ صَحِيحُ النَّظَرِ , فَقَالَ : لَيْسَ فِي اخْتِلَافِ الصَّحَابَةِ سَعَةٌ , إنَّمَا هُوَ : خَطَأٌ أَوْ صَوَابٌ . الثَّانِي : أَنَّهُ حُجَّةٌ شَرْعِيَّةٌ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْقِيَاسِ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَكْثَرُ الْحَنَفِيَّةِ , وَنُقِلَ عَنْ مَالِكٍ وَهُوَ الْقَوْلُ الْقَدِيمُ لِلشَّافِعِيِّ , وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْبَرْدَعِيُّ : تَقْلِيدُ الصَّحَابِيِّ وَاجِبٌ , يُتْرَكُ بِهِ الْقِيَاسُ , وَأَدْرَكْنَا مَشَايِخَنَا عَلَيْهِ , وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ : لَيْسَ عَنْ أَصْحَابِنَا الْمُتَقَدِّمِينَ مَذْهَبٌ ثَابِتٌ , وَالْمَرْوِيُّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ : إذَا اجْتَمَعَتْ الصَّحَابَةُ سَلَّمْنَا لَهُمْ , وَإِذَا جَاءَ التَّابِعُونَ زَاحَمْنَاهُمْ - ; لِأَنَّهُ كَانَ مِنْهُمْ - فَلَا يَثْبُتُ لَهُمْ بِدُونِ إجْمَاعٍ . الثَّالِثُ : أَنَّهُ حُجَّةٌ إذَا انْضَمَّ إلَيْهِ الْقِيَاسُ , فَيُقَدَّمُ حِينَئِذٍ عَلَى قِيَاسٍ لَيْسَ مَعَهُ قَوْلُ صَحَابِيٍّ , وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ الْجَدِيدِ , وَنَصَّ عَلَى ذَلِكَ فِي الرِّسَالَةِ . وَقَالَ : وَأَقْوَالُ أَصْحَابِ النَّبِيِّ عليه السلام إذَا تَفَرَّقُوا نَصِيرُ مِنْهَا إلَى مَا وَافَقَ الْكِتَابَ , أَوْ السُّنَّةَ أَوْ الْإِجْمَاعَ , أَوْ كَانَ أَصَحَّ فِي الْقِيَاسِ . وَإِذَا قَالَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ الْقَوْلَ لَا يُحْفَظُ عَنْ غَيْرِهِ مِنْهُمْ لَهُ مُوَافَقَةً وَلَا خِلَافًا صِرْت إلَى اتِّبَاعِ قَوْلِ وَاحِدِهِمْ . إذَا لَمْ أَجِدْ كِتَابًا , وَلَا سُنَّةً وَلَا إجْمَاعًا وَلَا شَيْئًا يُحْكَمُ بِحُكْمِهِ أَوْ وُجِدَ مَعَهُ قِيَاسٌ . الرَّابِعُ : أَنَّهُ حُجَّةٌ إذَا خَالَفَ الْقِيَاسَ ; لِأَنَّهُ لَا مَحْمَلَ لِمُخَالَفَتِهِ إلَّا بِالتَّوْقِيفِ , فَيُعْلَمُ أَنَّهُ مَا قَالَهُ إلَّا تَوْقِيفًا , وَقَالَ ابْنُ بُرْهَانٍ فِي الْوَجِيزِ : وَهَذَا هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ , قَالَ : وَمَسَائِلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ تَدُلُّ عَلَيْهِ . وَالتَّفْصِيلُ فِي الْمُلْحَقِ الْأُصُولِيِّ .
**********
والرد المفصل على موضوع الاجتهاد والتقليد
تجده في كتابي المطول وعنوانه الاجتهاد والتقليد وتقليد غير الأئمة الأربعة
وتجده على هذا الرابط
http://www.almeshkat.net/vb/showth r ead.php?s=&th r eadid=29182
************************
قولهم((ننكر على كل من أنكر ذلك أو اشتط فيه زيادة أو نقصاً. ))
بل أنتم يجب الإنكار عليكم بكل وسائل الإنكار لأنكم خالفتم الكتاب والسنة وإجماع من يعتد بقوله من هذه الأمة
بل ونحن من باب النصيحة نقول لكم :
يجب عليكم التبرؤ من هذه الأقوال الباطلة التي تعتبرونها عقيدة لأنها ليست من العقيدة في شيء
والرجوع إلى حق خير من التمادي في الباطل(64/43)
وإننا والله نخشى عليكم من هذا الابتداع في الدين
يقول الله تعالى في سورة الأعراف :
واَسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لاَ يَسْبِتُونَ لاَ تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُم بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (163) وَإِذَ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُواْ مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (164) فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ (165) فَلَمَّا عَتَوْاْ عَن مَّا نُهُواْ عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ (166)
يقول الشهيد سيد قطب رحمه الله :
فأما كيف وقع لهم هذا , وكيف جعلت الأسماك تحاورهم هذه المحاورة , وتداورهم هذه المداورة . . فهي الخارقة التي تقع بإذن الله عندما يشاء الله . . والذين لا يعلمون ينكرون أن تجري مشيئة الله بغير ما يسمونه هم "قوانين الطبيعة " ! والأمر في التصور الإسلامي - وفي الواقع - ليس على هذا النحو . . إن الله سبحانه هو الذي خلق هذا الكون , وأودعه القوانين التي يسير عليها بمشيئته الطليقة . ولكن هذه المشيئة لم تعد حبيسة هذه القوانين لا تملك أن تجري إلا بها . . لقد ظلت طليقة بعد هذه القوانين كما كانت طليقة . . وهذا ما يغفل عنه الذين لا يعلمون . . وإذا كانت حكمة الله ورحمته بعباده المخاليق قد اقتضت ثبات هذه القوانين ; فإنه لم يكن معنى هذا تقيد هذه المشيئة وانحباسها داخل هذه القوانين . . فحيثما اقتضت الحكمة جريان أمر من الأمور مخالفاً لهذه القوانين الثابتة جرت المشيئة طليقة بهذا الأمر . .
ثم إن جريان هذه القوانين الثابتة في كل مرة تجريفيها إنما يقع بقدر من الله خاص بهذه المرة . فهي لا تجري جرياناً آلياً لا تدخل لقدر الله فيه . .
وهذا مع ثباتها في طريقها ما لم يشأ الله أن تجري بغير ذلك . . وعلى أساس أن كل ما يقع - سواء من جريان القوانين الثابتة أو جريان غيرها - إنما يقع بقدر من الله خاص , فإنه تستوي الخارقة والقانون الثابت في جريانه بهذا القدر . . ولا آلية في نظام الكون في مرة واحدة - كما يظن الذين لا يعلمون ! - ولقد بدأوا يدركون هذا في ربع القرن الأخير !
على أية حال , لقد وقع ذلك لأهل القرية التي كانت حاضرة البحر من بني إسرائيل . .
فإذا جماعة منهم تهيج مطامعهم أمام هذا الإغراء , فتتهاوى عزائمهم , وينسون عهدهم مع ربهم وميثاقهم , فيحتالون الحيل - على طريقة اليهود - للصيد في يوم السبت ! وما أكثر الحيل عندما يلتوي القلب , وتقل التقوى , ويصبح التعامل مع مجرد النصوص , ويراد التفلت من ظاهر النصوص ! . . إن القانون لا تحرسه نصوصه , ولا يحميه حراسه . إنما تحرسه القلوب التقية التي تستقر تقوى الله فيها وخشيته , فتحرس هي القانون وتحميه . وما من قانون تمكن حمايته أن يحتال الناس عليه ! ما من قانون تحرسه القوة المادية والحراسة الظاهرية ! ولن تستطيع الدولة - كائناً ما كان الإرهاب فيها - أن تضع على رأس كل فرد حارساً يلاحقه لتنفيذ القانون وصيانته ; ما لم تكن خشية الله في قلوب الناس , ومراقبتهم له في السر والعلن . .
من أجل ذلك تفشل الأنظمة والأوضاع التي لا تقوم على حراسة القلوب التقية . وتفشل النظريات والمذاهب التي يضعها البشر للبشر ولا سلطان فيها من الله . . ومن أجل ذلك تعجز الأجهزة البشرية التي تقيمها الدول لحراسة القوانين وتنفيذها . وتعجز الملاحقة والمراقبة التي تتابع الأمور من سطوحها !
وهكذا راح فريق من سكان القرية التي كانت حاضرة البحر يحتالون على السبت , الذي حرم عليهم الصيد فيه . . وروي أنهم كانوا يقيمون الحواجيز على السمك ويحوّطون عليه في يوم السبت ; حتى إذا جاء الأحد سارعوا إليه فجمعوه ; وقالوا:إنهم لم يصطادوه في السبت , فقد كان في الماء - وراء الحواجيز - غير مصيد !
وراح فريق منهم آخر يرى ما يفعلون من الاحتيال على الله ! فيحذر الفريق العاصي مغبة احتياله ! وينكر عليه ما يزاوله من الاحتيال !
بينما مضى فريق ثالث يقول للآمرين بالمعروف الناهين عن المنكر:ما فائدة ما تزاولونه مع هؤلاء العصاة , وهم لا يرجعون عما هم آخذون فيه ? وقد كتب الله عليهم الهلاك والعذاب ?
(وإذ قالت أمة منهم:لم تعظون قوماً الله مهلكهم أو معذبهم عذاباً شديداً ?) .
فلم تعد هناك جدوى من الوعظ لهم , ولم تعد هناك جدوى لتحذيرهم . بعدما كتب الله عليهم الهلاك أو العذاب الشديد ; بما اقترفوه من انتهاك لحرمات الله .
(قالوا:معذرة إلى ربكم , ولعلهم يتقون) . .(64/44)
فهو واجب لله نؤديه:واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر , والتخويف من انتهاك الحرمات , لنبلغإلى الله عذرنا , ويعلم أن قد أدينا واجبنا . ثم لعل النصح يؤثر في تلك القلوب العاصية فيثير فيها وجدان التقوى .
وهكذا انقسم سكان الحاضرة إلى ثلاث فرق . . أو ثلاث أمم . . فالأمة في التعريف الإسلامي هي مجموعة الناس التي تدين بعقيدة واحدة وتصور واحد وتدين لقيادة واحدة , وليست كما هي في المفهوم الجاهلي القديم أو الحديث , مجموعة الناس التي تسكن في إقليم واحد من الأرض وتحكمها دولة واحدة ! فهذا مفهوم لا يعرفه الإسلام , إنما هي من مصطلحات الجاهلية القديمة أو الحديثة !
وقد انقسم سكان القرية الواحدة إلى ثلاث أمم:أمة عاصية محتالة . وأمة تقف في وجه المعصية والاحتيال وقفة إيجابية بالإنكار والتوجيه والنصيحة . وأمة تدع المنكر وأهله , وتقف موقف الإنكار السلبي ولا تدفعه بعمل إيجابي . . وهي طرائق متعددة من التصور والحركة , تجعل الفرق الثلاث أمماً ثلاثاً !
فلما لم يجد النصح , ولم تنفع العظة , وسدر السادرون في غيهم , حقت كلمة الله , وتحققت نذره . فإذا الذين كانوا ينهون عن السوء في نجوة من السوء . وإذا الأمة العاصية يحل بها العذاب الشديد الذي سيأتي بيانه . فأما الفرقة الثالثة - أوالأمة الثالثة - فقد سكت النص عنها . . ربما تهوينا لشأنها - وإن كانت لم تؤخذ بالعذاب - إذ أنها قعدت عن الإنكار الإيجابي , ووقفت عند حدود الإنكار السلبي . فاستحقت الإهمال وإن لم تستحق العذاب:
فلما نسوا ما ذكروا به أنجينا الذين ينهون عن السوء , وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون . فلما عتوا عما نهوا عنه قلنا لهم:كونوا قردة خاسئين . .
لقد كان العذاب البئيس - أي الشديد - الذي حل بالعصاة المحتالين , جزاء إمعانهم في المعصية - التي يعتبرها النص هي الكفر , الذي يعبر عنه بالظلم مرة وبالفسق مرة كما هو الغالب في التعبير القرآني عن الكفر والشرك بالظلم والفسق ; وهو تعبير يختلف عن المصطلح الفقهي المتأخر عن هذه الألفاظ إذ أن مدلولها القرآني ليس هو المدلول الذي جعل يشيع في التعبير الفقهي المتأخر - كان ذلك العذاب البئيس هو المسخ عن الصورة الآدمية إلى الصورة القردية ! لقد تنازلوا هم عن آدميتهم , حين تنازلوا عن أخص خصائصها - وهو الإرادة التي تسيطر على الرغبة - وانتكسوا إلى عالم "الحيوان" حين تخلوا عن خصائص "الإنسان" . فقيل لهم أن يكونوا حيث أرادوا لأنفسهم من الانتكاس والهوان !
**************
التحذر من الإبتداع في الدين
ففي سنن الدارمي عَنْ أَبِى عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ : اتَّبِعُوا وَلاَ تَبْتَدِعُوا فَقَدْ كُفِيتُمْ.
وفي الأم للشافعي :
الْمُسْتَأْمَنُ يُسْلِمُ وَيَخْرُجُ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ وَقَدْ اسْتَوْدَعَ مَالَهُ(64/45)
قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله تعالى : لَوْ كَانَ أَخَذَ مِنْ مَالِهِ شَيْئًا فَاسْتَوْدَعَهُ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ كَانَ فَيْئًا أَيْضًا وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ لَا وَاحْتَجَّ فِي ذَلِكَ بِصُنْعِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلميَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ وَقَالَ أَحَقُّ مَنْ اُقْتُدِيَ بِهِ وَتُمُسِّكَ بِسُنَّتِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلموَقَالَ شُرَيْحٌ إنَّ السُّنَّةَ سَبَقَتْ قِيَاسَكُمْ هَذَا فَاتَّبِعُوا وَلَا تَبْتَدِعُوا فَإِنَّكُمْ لَنْ تَضِلُّوا مَا أَخَذْتُمْ بِالْأَثَرِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَيْسَ يُشْبِهُ النَّاسُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلموَلَا يُشْبِهُ الْحُكْمُ فِي الْأَعَاجِمِ وَأَهْلِ الْكِتَابِ الْحُكْمَ فِي الْعَرَبِ أَلَا تَرَى أَنَّ مُشْرِكِي الْعَرَبِ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْكِتَابِ لَا يَنْبَغِي أَنْ تُؤْخَذَ مِنْهُمْ جِزْيَةٌ وَلَا يُقْبَلُ مِنْهُمْ إلَّا الْإِسْلَامُ أَوْ الْقَتْلُ وَأَنَّ الْجِزْيَةَ تُقْبَلُ مِنْ مُشْرِكِي الْأَعَاجِمِ وَأَنَّ إمَامًا لَوْ ظَهَرَ عَلَى مَدِينَةٍ مِنْ مَدَائِنِ الرُّومِ أَوْ غَيْرِهَا مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ حَتَّى تَصِيرَ فَيْئًا أَوْ غَنِيمَةً فِي يَدِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَفْتِكَ مِنْهَا شَيْئًا وَلَا يَصْرِفَهَا عَنْ الَّذِينَ افْتَتَحُوهَا يُخَمِّسُهَا وَيُقَسِّمُهَا بَيْنَهُمْ وَأَنَّ السُّنَّةَ هَكَذَا كَانَ الْإِسْلَامُ عَلَى وَلَيْسَ هَكَذَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم{ وَقَالَ فِي مَكَّةَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلمإنَّ اللَّهَ حَرَّمَهَا فَلَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ قَبْلِي وَلَا تَحِلُّ لِأَحَدٍ بَعْدِي } وَقَدْ سَبَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلمسَبْيَ هَوَازِنَ وَسَبَى يَوْمَ بَنِي الْمُصْطَلِقِ وَيَوْمَ خَيْبَرَ فِي غَزَوَاتٍ مِنْ غَزَوَاتِهِ ظَهَرَ عَلَى أَهْلِهَا وَسَبَى وَلَمْ يَصْنَعْ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ مَا صَنَعَ فِي مَكَّةَ لَوْ كَانَ الْأَمْرُ عَلَى مَا صَنَعَ فِي مَكَّةَ مَا جَازَ لِأَحَدٍ مِنْ النَّاسِ أَنْ يَسْبِيَ أَحَدًا أَبَدًا وَلَا كَانَتْ غَنِيمَةٌ وَلَا فَيْءٌ وَلَكِنَّ الْأَمْرَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلمفِي مَكَّةَ عَلَى غَيْرِ مَا عَلَيْهِ الْمَقَاسِمُ وَالْمَغَانِمُ فَتَفَهَّمْ حَدِيثَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلملَمْ يَغْنَمْ مِنْ مَكَّةَ غَنِيمَةً مِنْ كَافِرٍ وَلَا مُسْلِمٍ وَلَا سَبَى مِنْهَا لَا مِنْ عِيَالِ مُسْلِمٍ وَلَا مِنْ عِيَالِ كَافِرٍ وَعَفَا عَنْهُمْ جَمِيعًا وَقَدْ جَاءَتْهُ هَوَازِنُ فَكَانَتْ سُنَّتُهُ مَا أَخْبَرْتُ بِهِ وَفَدَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلممَنْ تَمَسَّكَ بِحَقِّهِ مِنْ السَّبْيِ كُلُّ رَأْسٍ بِسِتَّةِ فَرَائِضَ فَكَانَ الْقَوْلُ فِي هَذَا غَيْرَ الْقَوْلِ فِي أَهْلِ مَكَّةَ وَمَا صَنَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلمفَهُوَ حَقٌّ كَمَا صَنَعَ لَيْسَ لِأَحَدٍ بَعْدَهُ فِي مِثْلِ هَذَا مَا لَهُ . ( قَالَ الشَّافِعِيُّ ) رحمه الله تعالى : قَدْ كَثُرَ التَّرَدُّدُ فِي مَكَّةَ وَالْأَمْرُ فِيهَا عَلَى خِلَافِ مَا قَالَا مَعًا وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا وَلَمْ تَخْتَلِفْ سُنَنُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلمقَطُّ وَلَا يُسْتَنَّ إلَّا بِمَا عُلِمَ مِنْ بَعْدِهِ أَنْ يُسْتَنَّ إلَّا مَا بَيَّنَ اللَّهُ لَهُ أَنَّهُ جَعَلَهُ لَهُ خَالِصًا دُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَبَيَّنَهُ هُوَ عليه السلام وَلَمْ يَخْتَلِفْ فِيهِ مَنْ بَعْدَهُ وَأَمَّا قَوْلُهُ الْحُكْمُ فِي الْعَرَبِ غَيْرُ الْحُكْمِ فِي الْعَجَمِ فَقَدْ ادَّعَى أَنَّ مَكَّةَ دَارُ حَرْبٍ وَهِيَ دَارُ مَحْرَمٍ فَزَعَمَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم حَكَمَ فِيهَا خِلَافَ حُكْمِهِ فِي الْعَرَبِ وَهَوَازِنَ وَبَنِي الْمُصْطَلِقِ وَلَمْ يَحْكُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلمفِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَلَا غَيْرِهِ بِشَيْءٍ اخْتَلَفَ وَلَكِنَّهُ سَبَى مَنْ ظَفِرَ بِهِ عَنْوَةً وَغَنِمَهُ مِنْ عَرَبِيٍّ وَعَجَمِيٍّ وَلَمْ يَسْبِ عَرَبِيًّا وَلَا عَجَمِيًّا تَقَدَّمَ إسْلَامُهُ الظَّفَرَ بِهِ وَلَا قَبْلَ أَمَانِهِ وَتَرَكَ قِتَالِهِ وَأَهْلُ مَكَّةَ أَسْلَمُوا وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ الْأَمَانُ وَلَا شَيْءَ لَهُمْ بِهَا فَيُؤْخَذُ إنَّمَا هُمْ قَوْمٌ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهَا لَجَئُوا إلَيْهَا وَأَمَّا قَوْلُهُ لَا تُؤْخَذُ الْجِزْيَةُ مِنْ الْعَرَبِ فَنَحْنُ كُنَّا عَلَى هَذَا أَحْرَصَ لَوْلَا أَنَّ الْحَقَّ فِي غَيْرِ مَا قَالَ فَلَمْ يَكُنْ لَنَا أَنْ نَقُولَ إلَّا الْحَقَّ { وَقَدْ أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلمالْجِزْيَةَ مِنْ أُكَيْدِرٍ الْغَسَّانِيِّ } وَيَرْوُونَ أَنَّهُ صَالَحَ رِجَالًا مِنْ الْعَرَبِ عَلَى الْجِزْيَةِ فَأَمَّا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله تعالى عنه(64/46)
وَمِنْ بَعْدِهِ الْخُلَفَاءُ إلَى الْيَوْمِ فَقَدْ أَخَذُوا الْجِزْيَةَ مِنْ بَنِي تَغْلِبَ وَتَنُوخِ وَهَرَاةَ وَخَلِيطٍ مِنْ خَلِيطِ الْعَرَبِ وَهُمْ إلَى السَّاعَةِ مُقِيمُونَ عَلَى النَّصْرَانِيَّةِ فَضَعَّفَ عَلَيْهِمْ الصَّدَقَةَ وَذَلِكَ جِزْيَةٌ وَإِنَّمَا الْجِزْيَةُ عَلَى الْأَدْيَانِ لَا عَلَى الْإِنْسَانِ وَلَوْلَا أَنْ نَأْثَمَ بِتَمَنِّي الْبَاطِلِ وَدِدْنَا أَنَّ الَّذِي قَالَ أَبُو يُوسُفَ كَمَا قَالَ وَأَنْ لَا يَجْرِيَ صَغَارٌ عَلَى عَرَبِيٍّ وَلَكِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَجَلُّ فِي أَعْيُنِنَا مِنْ أَنْ نُحِبَّ غَيْرَ مَا قَضَى بِهِ , وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وفي أنوار البروق في أنواع الفروق :
( الْفَرْقُ الثَّانِي وَالْخَمْسُونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَحْرُمُ مِنْ الْبِدَعِ وَيُنْهَى عَنْهُ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يُنْهَى عَنْهُ مِنْهَا )(64/47)
اعْلَمْ أَنَّ الْأَصْحَابَ - فِيمَا رَأَيْت - مُتَّفِقُونَ عَلَى إنْكَارِ الْبِدَعِ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ وَغَيْرُهُ وَالْحَقُّ التَّفْصِيلُ , وَأَنَّهَا خَمْسَةُ أَقْسَامٍ ( قِسْمٌ ) وَاجِبٌ , وَهُوَ مَا تَتَنَاوَلُهُ قَوَاعِدُ الْوُجُوبِ وَأَدِلَّتُهُ مِنْ الشَّرْعِ كَتَدْوِينِ الْقُرْآنِ وَالشَّرَائِعِ إذَا خِيفَ عَلَيْهَا الضَّيَاعُ فَإِنَّ التَّبْلِيغَ لِمَنْ بَعْدَنَا مِنْ الْقُرُونِ وَاجِبٌ إجْمَاعًا , وَإِهْمَالُ ذَلِكَ حَرَامٌ إجْمَاعًا فَمِثْلُ هَذَا النَّوْعِ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُخْتَلَفَ فِي وُجُوبِهِ ( الْقِسْمُ الثَّانِي ) : مُحَرَّمٌ , وَهُوَ بِدْعَةٌ تَنَاوَلَتْهَا قَوَاعِدُ التَّحْرِيمِ وَأَدِلَّتُهُ مِنْ الشَّرِيعَةِ كَالْمُكُوسِ وَالْمُحْدَثَاتِ مِنْ الْمَظَالِمِ الْمُنَافِيَةِ لِقَوَاعِدِ الشَّرِيعَةِ كَتَقْدِيمِ الْجُهَّالِ عَلَى الْعُلَمَاءِ وَتَوْلِيَةِ الْمَنَاصِبِ الشَّرْعِيَّةِ مَنْ لَا يَصْلُحُ لَهَا بِطَرِيقِ التَّوَارُثِ وَجَعْلِ الْمُسْتَنَدِ لِذَلِكَ كَوْنُ الْمَنْصِبِ كَانَ لِأَبِيهِ , وَهُوَ فِي نَفْسِهِ لَيْسَ بِأَهْلٍ ( الْقِسْمُ الثَّالِثُ ) مِنْ الْبِدَعِ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ , وَهُوَ مَا تَنَاوَلَتْهُ قَوَاعِدُ النَّدْبِ وَأَدِلَّتُهُ مِنْ الشَّرِيعَةِ كَصَلَاةِ التَّرَاوِيحِ وَإِقَامَةِ صُوَرِ الْأَئِمَّةِ وَالْقُضَاةِ وَوُلَاةِ الْأُمُورِ عَلَى خِلَافِ مَا كَانَ عَلَيْهِ أَمْرُ الصَّحَابَةِ بِسَبَبِ أَنَّ الْمَصَالِحَ وَالْمَقَاصِدَ الشَّرْعِيَّةَ لَا تَحْصُلُ إلَّا بِعَظَمَةِ الْوُلَاةِ فِي نُفُوسِ النَّاسِ , وَكَانَ النَّاسُ فِي زَمَنِ الصَّحَابَةِ مُعْظَمُ تَعْظِيمِهِمْ إنَّمَا هُوَ بِالدِّينِ وَسَابِقِ الْهِجْرَةِ ثُمَّ اخْتَلَّ النِّظَامُ وَذَهَبَ ذَلِكَ الْقَرْنُ وَحَدَثَ قَرْنٌ آخَرُ لَا يُعَظِّمُونَ إلَّا بِالصُّوَرِ فَيَتَعَيَّنُ تَفْخِيمُ الصُّوَرِ حَتَّى تَحْصُلَ الْمَصَالِحُ , وَقَدْ كَانَ عُمَرُ يَأْكُلُ خُبْزَ الشَّعِيرِ وَالْمِلْحَ وَيَفْرِضُ لِعَامِلِهِ نِصْفَ شَاةٍ كُلَّ يَوْمٍ لِعِلْمِهِ بِأَنَّ الْحَالَةَ الَّتِي هُوَ عَلَيْهَا لَوْ عَمِلَهَا غَيْرُهُ لَهَانَ فِي نُفُوسِ النَّاسِ , وَلَمْ يَحْتَرِمُوهُ وَتَجَاسَرُوا عَلَيْهِ بِالْمُخَالَفَةِ فَاحْتَاجَ إلَى أَنْ يَضَعَ غَيْرَهُ فِي صُورَةٍ أُخْرَى لِحِفْظِ النِّظَامِ ; وَلِذَلِكَ لَمَّا قَدِمَ الشَّامَ وَوَجَدَ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ قَدْ اتَّخَذَ الْحُجَّابَ وَأَرْخَى الْحِجَابَ , وَاِتَّخَذَ الْمَرَاكِبَ النَّفِيسَةَ وَالثِّيَابَ الْهَائِلَةَ الْعَلِيَّةَ , وَسَلَكَ مَا يَسْلُكُهُ الْمُلُوكُ , فَسَأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ : إنَّا بِأَرْضٍ نَحْنُ فِيهَا مُحْتَاجُونَ لِهَذَا فَقَالَ لَهُ لَا آمُرُك , وَلَا أَنْهَاك وَمَعْنَاهُ أَنْتَ أَعْلَمُ بِحَالِك هَلْ أَنْتَ مُحْتَاجٌ إلَى هَذَا فَيَكُونُ حَسَنًا أَوْ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ فَدَلَّ ذَلِكَ مِنْ عُمَرَ وَغَيْرِهِ عَلَى أَنَّ أَحْوَالَ الْأَئِمَّةِ وَوُلَاةِ الْأُمُورِ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَعْصَارِ وَالْأَمْصَارِ وَالْقُرُونِ وَالْأَحْوَالِ فَلِذَلِكَ يَحْتَاجُونَ إلَى تَجْدِيدِ زَخَارِفَ وَسِيَاسَاتٍ لَمْ تَكُنْ قَدِيمًا وَرُبَّمَا وَجَبَتْ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ ( الْقِسْمُ الرَّابِعُ ) بِدَعٌ مَكْرُوهَةٌ , وَهِيَ مَا تَنَاوَلَتْهُ أَدِلَّةُ الْكَرَاهَةِ مِنْ الشَّرِيعَةِ وَقَوَاعِدُهَا كَتَخْصِيصِ الْأَيَّامِ الْفَاضِلَةِ أَوْ غَيْرِهَا بِنَوْعٍ مِنْ الْعِبَادَاتِ وَمِنْ ذَلِكَ فِي الصَّحِيحِ مَا خَرَّجَهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم{ نَهَى عَنْ تَخْصِيصِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ بِصِيَامٍ أَوْ لَيْلَتِهِ } بِقِيَامٍ , وَمِنْ هَذَا الْبَابِ الزِّيَادَةُ فِي الْمَنْدُوبَاتِ الْمَحْدُودَاتِ كَمَا وَرَدَ فِي التَّسْبِيحِ عَقِيبَ الصَّلَوَاتِ ثَلَاثَةً وَثَلَاثِينَ فَيُفْعَلُ مِائَةٌ وَوَرَدَ صَاعٌ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ فَيُجْعَلُ عَشَرَةُ آصُعٍ بِسَبَبِ أَنَّ الزِّيَادَةَ فِيهَا إظْهَارُ الِاسْتِظْهَارِ عَلَى الشَّارِعِ , وَقِلَّةُ أَدَبٍ مَعَهُ بَلْ شَأْنُ الْعُظَمَاءِ إذَا حَدَّدُوا شَيْئًا وُقِفَ عِنْدَهُ , وَالْخُرُوجُ عَنْهُ قِلَّةُ أَدَبٍ وَالزِّيَادَةُ فِي الْوَاجِبِ أَوْ عَلَيْهِ أَشَدُّ فِي الْمَنْعِ ; لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى أَنْ يُعْتَقَدَ أَنَّ الْوَاجِبَ هُوَ الْأَصْلُ , وَالْمَزِيدُ عَلَيْهِ ; وَلِذَلِكَ نَهَى مَالِكٌ عَنْ إيصَالِ سِتٍّ مِنْ شَوَّالٍ لِئَلَّا يُعْتَقَدَ أَنَّهَا مِنْ رَمَضَانَ وَخَرَّجَ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ { أَنَّ رَجُلًا دَخَلَ إلَى مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ فَصَلَّى الْفَرْضَ وَقَامَ لِيُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ , فَقَالَ لَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ : اجْلِسْ حَتَّى(64/48)
تَفْصِلَ بَيْنَ فَرْضِك وَنَفْلِك فَبِهَذَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَنَا فَقَالَ لَهُ عليه السلام : أَصَابَ اللَّهُ بِك يَا ابْنَ الْخَطَّابِ } يُرِيدُ عُمَرُ أَنَّ مَنْ قَبْلَنَا وَصَلُوا النَّوَافِلَ بِالْفَرَائِضِ فَاعْتَقَدُوا الْجَمِيعَ وَاجِبًا , وَذَلِكَ تَغْيِيرٌ لِلشَّرَائِعِ , وَهُوَ حَرَامٌ إجْمَاعًا ( الْقِسْمُ الْخَامِسُ ) الْبِدَعُ الْمُبَاحَةُ , وَهِيَ مَا تَنَاوَلْته أَدِلَّةُ الْإِبَاحَةِ وَقَوَاعِدُهَا مِنْ الشَّرِيعَةِ كَاِتِّخَاذِ الْمَنَاخِلِ لِلدَّقِيقِ فَفِي الْآثَارِ أَوَّلُ شَيْءٍ أَحْدَثَهُ النَّاسُ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلماتِّخَاذُ الْمَنَاخِلِ لِلدَّقِيقِ ; لِأَنَّ تَلْيِينَ الْعَيْشِ وَإِصْلَاحَهُ مِنْ الْمُبَاحَاتِ فَوَسَائِلُهُ مُبَاحَةُ فَالْبِدْعَةُ إذَا عَرَضَتْ تُعْرَضُ عَلَى قَوَاعِدِ الشَّرِيعَةِ وَأَدِلَّتِهَا فَأَيُّ شَيْءٍ تَنَاوَلَهَا مِنْ الْأَدِلَّةِ وَالْقَوَاعِدِ أُلْحِقَتْ بِهِ مِنْ إيجَابٍ أَوْ تَحْرِيمٍ أَوْ غَيْرِهِمَا , وَإِنْ نَظَرَ إلَيْهَا مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ بِالنَّظَرِ إلَى كَوْنِهَا بِدْعَةً مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَمَّا يَتَقَاضَاهَا كُرِهَتْ فَإِنَّ الْخَيْرَ كُلَّهُ فِي الِاتِّبَاعِ , وَالشَّرَّ كُلَّهُ فِي الِابْتِدَاعِ وَلِبَعْضِ السَّلَفِ الصَّالِحِ يُسَمَّى أَبَا الْعَبَّاسِ الْأَبْيَانِيَّ مِنْ أَهْلِ الْأَنْدَلُسِ ثَلَاثٌ لَوْ كُتِبْنَ فِي ظُفْرٍ لَوَسِعَهُنَّ , وَفِيهِنَّ خَيْرُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ اتَّبِعْ , وَلَا تَبْتَدِعْ اتَّضِعْ , وَلَا تَرْتَفِعْ مَنْ تَوَرَّعَ لَا يَتَّسِعُ
( الْفَرْقُ الرَّابِعُ وَالْخَمْسُونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَحْرُمُ مِنْ الْبِدَعِ وَيُنْهَى عَنْهُ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يُنْهَى عَنْهُ مِنْهَا )(64/49)
وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَحَدِ الطَّرِيقَتَيْنِ فِي الْبِدَعِ اللَّتَيْنِ فِي قَوْلِ الْأَصْلِ : الْأَصْحَابُ - فِيمَا رَأَيْت - مُتَّفِقُونَ عَلَى إنْكَارِ الْبِدَعِ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ وَغَيْرُهُ , وَالْحَقُّ التَّفْصِيلُ , وَأَنَّهَا خَمْسَةُ أَقْسَامٍ ( الْأَوَّلُ ) : وَاجِبٌ , وَهُوَ مَا تَنَاوَلَتْهُ قَوَاعِدُ الْوُجُوبِ وَأَدِلَّتُهُ مِنْ الشَّرْعِ كَتَدْوِينِ الْقُرْآنِ وَالشَّرَائِعِ إذَا خِيفَ عَلَيْهَا الضَّيَاعُ فَإِنَّ التَّبْلِيغَ لِمَنْ بَعْدَنَا مِنْ الْقُرُونِ وَاجِبٌ إجْمَاعًا . وَإِهْمَالُهُ حَرَامٌ إجْمَاعًا ( الثَّانِي ) : مُحَرَّمٌ , وَهُوَ مَا تَنَاوَلَتْهَا قَوَاعِدُ التَّحْرِيمِ , وَأَدِلَّتُهُ مِنْ الشَّرْعِ كَالْمُكُوسِ وَالْمُحْدَثَاتِ مِنْ الْمَظَالِمِ الْمُنَافِيَةِ لِقَوَاعِد الشَّرِيعَةِ كَتَقْدِيمِ الْجُهَّالِ عَلَى الْعُلَمَاءِ وَتَوْلِيَةِ الْمَنَاصِبِ الشَّرْعِيَّةِ مَنْ لَا يَصْلُحُ لَهَا بِطَرِيقِ التَّوَارُثِ نَظَرًا لِكَوْنِ الْمَنْصِبِ كَانَ لِأَبِيهِ , وَهُوَ فِي نَفْسِهِ لَيْسَ بِأَهْلٍ ( الثَّالِثُ ) مَنْدُوبٌ , وَهُوَ مَا تَنَاوَلَتْهُ قَوَاعِدُ النَّدْبِ وَأَدِلَّتُهُ مِنْ الشَّرْعِ كَصَلَاةِ التَّرَاوِيحِ أَيْ الَّذِي عَمِلَ بِهَا عُمَرُ رضي الله عنه فَجَمَعَ النَّاسَ فِي الْمَسْجِدِ عَلَى قَارِئٍ وَاحِدٍ فِي رَمَضَانَ , وَقَالَ حِينَ دَخَلَ الْمَسْجِدَ , وَهُمْ يُصَلُّونَ : نِعْمَتْ الْبِدْعَةُ هَذِهِ وَاَلَّتِي يَنَامُونَ عَنْهَا أَفْضَلُ , فَإِنَّهُ إنَّمَا سَمَّاهَا بِدْعَةً بِاعْتِبَارٍ مَا وَإِلَّا فَقِيَامُ الْإِمَامِ بِالنَّاسِ فِي الْمَسْجِدِ فِي رَمَضَانَ سُنَّةٌ عَمِلَ بِهَا صَاحِبُ السُّنَّةِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلموَإِنَّمَا تَرَكَهَا خَوْفًا مِنْ الِافْتِرَاضِ فَلَمَّا انْقَضَى زَمَنُ الْوَحْيِ زَالَتْ الْعِلَّةُ فَعَادَ الْعَمَلُ بِهَا إلَى نِصَابِهِ إلَّا أَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَتَأَتَّ لِأَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه زَمَانَ خِلَافَتِهِ لِمُعَارَضَةِ مَا هُوَ أَوْلَى بِالنَّظَرِ فِيهِ , وَكَذَلِكَ صَدْرُ خِلَافَةِ عُمَرَ رضي الله عنه حَتَّى تَأَنَّى النَّظَرَ فَوَقَعَ مِنْهُ لَكِنَّهُ صَارَ فِي ظَاهِرِ الْأَمْرِ كَأَنَّهُ أَمْرٌ لَمْ يَجْرِ بِهِ عَمَلُ مَنْ تَقَدَّمَهُ دَائِمًا فَسَمَّاهُ بِذَلِكَ الِاسْمِ ; لِأَنَّهُ أَمْرٌ عَلَى خِلَافِ مَا ثَبَتَ مِنْ السُّنَّةِ كَمَا فِي الِاعْتِصَامِ لِأَبِي إسْحَاقَ الشَّاطِبِيِّ قُلْت : وَقَدْ جَرَى عَلَى مَا عَمِلَ عُمَرُ رضي الله تعالى عنه مِنْ صَلَاةِ التَّرَاوِيحِ بِإِمَامٍ وَاحِدٍ فِي الْمَسْجِدِ عَمَلُ الْأَعْصَارِ إلَى عَصْرِنَا فِي جَمِيعِ الْأَمْصَارِ مَا عَدَا مَكَّةَ وَالْمَدِينَةَ فَإِنَّهُمَا قَدْ اُبْتُدِعَ فِيهِمَا شَرَّفَهُمَا اللَّهُ - تَعَالَى - تَعَدُّدُ الْجَمَاعَاتِ فِي صَلَاةِ التَّرَاوِيحِ أَسْأَلُ اللَّهَ - تَعَالَى - أَنْ يُوَفِّقَ أَهْلَهَا لِلْعَمَلِ فِيهَا بِالسُّنَّةِ كَسَائِرِ الْأَمْصَارِ قَالَ الْأَصْلُ : وَكَإِقَامَةِ صُورِ الْأَئِمَّةِ وَالْقُضَاةِ وَوُلَاةِ الْأُمُورِ عَلَى خِلَافِ مَا كَانَ عَلَيْهِ أَمْرُ الصَّحَابَةِ بِسَبَبِ أَنَّ الْمَصَالِحَ وَالْمَقَاصِدَ الشَّرْعِيَّةَ لَا تَحْصُلُ إلَّا بِعَظَمَةِ الْوُلَاةِ فِي نُفُوسِ النَّاسِ وَكَانَ النَّاسُ فِي زَمَنِ الصَّحَابَةِ مُعْظَمُ تَعْظِيمِهِمْ إنَّمَا هُوَ بِالدِّينِ وَسَابِقِ الْهِجْرَةِ ثُمَّ اخْتَلَّ النِّظَامُ وَذَهَبَ ذَلِكَ الْقَرْنُ وَحَدَثَ قَرْنٌ آخَرُ لَا يُعَظِّمُونَ إلَّا بِالصُّوَرِ فَتَعَيَّنَ تَفْخِيمُ الصُّوَرِ حَتَّى تَحْصُلَ الْمَصَالِحُ , وَقَدْ كَانَ عُمَرُ يَأْكُلُ خُبْزَ الشَّعِيرِ وَالْمِلْحِ وَيَفْرِضُ لِعَامِلِهِ نِصْفَ شَاةٍ كُلَّ يَوْمٍ لِعِلْمِهِ بِأَنَّ الْحَالَةَ الَّتِي هُوَ عَلَيْهَا لَوْ عَمِلَهَا غَيْرُهُ لَهَانَ فِي نُفُوسِ النَّاسِ , وَلَمْ يَحْتَرِمُوهُ وَتَجَاسَرُوا عَلَيْهِ بِالْمُخَالَفَةِ فَاحْتَاجَ إلَى أَنْ يَضَعَ غَيْرَهُ فِي صُورَةٍ أُخْرَى لِحِفْظِ النِّظَامِ وَلِذَلِكَ لَمَّا قَدِمَ الشَّامَ وَوَجَدَ مُعَاوِيَةُ قَدْ اتَّخَذَ الْحُجَّابَ وَأَرْخَى الْحِجَابَ وَاِتَّخَذَ الْمَرَاكِبَ النَّفِيسَةَ وَالثِّيَابَ الْهَائِلَةَ الْعَلِيَّةَ , وَسَلَكَ مَا يَسْلُكُهُ الْمُلُوكُ فَسَأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ : إنَّا بِأَرْضٍ نَحْنُ فِيهَا مُحْتَاجُونَ لِهَذَا فَقَالَ لَهُ لَا آمُرُك , وَلَا أَنْهَاك وَمَعْنَاهُ أَنْتَ أَعْلَمُ بِحَالِك هَلْ أَنْتَ مُحْتَاجٌ إلَى هَذَا فَيَكُونُ حَسَنًا أَوْ غَيْرَ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ فَدَلَّ ذَلِكَ مِنْ عُمَرَ وَغَيْرِهِ عَلَى أَنَّ أَحْوَالَ الْأَئِمَّةِ وَوُلَاةِ الْأُمُورِ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَعْصَارِ وَالْأَمْصَارِ وَالْقُرُونِ وَالْأَحْوَالِ ;(64/50)
فَلِذَلِكَ يَحْتَاجُونَ إلَى تَجْدِيدِ زَخَارِفَ وَسِيَاسَاتٍ لَمْ تَكُنْ قَدِيمًا , وَرُبَّمَا وَجَبَتْ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ ( الرَّابِعُ ) مَكْرُوهٌ , وَهُوَ مَا تَنَاوَلَتْهُ قَوَاعِدُ الْكَرَاهَةِ , وَأَدِلَّتُهَا مِنْ الشَّرْعِ كَتَخْصِيصِ الْأَيَّامِ الْفَاضِلَةِ وَغَيْرِهَا بِنَوْعٍ مِنْ الْعِبَادَاتِ { لِنَهْيِهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ تَخْصِيصِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ بِصِيَامٍ أَوْ لَيْلَتِهِ بِقِيَامٍ } كَمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ وَكَالزِّيَادَةِ فِي الْمَنْدُوبَاتِ الْمَحْدُودَاتِ بِأَنْ يُجْعَلَ التَّسْبِيحُ عَقِيبَ الصَّلَوَاتِ مِائَةً , وَالْوَارِدُ فِيهِ ثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ وَالصَّاعُ الْوَاحِدُ الْوَارِدُ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ عَشَرَةُ آصُعٍ بِسَبَبِ أَنَّ الزِّيَادَةَ فِيهَا إظْهَارُ الِاسْتِظْهَارِ عَلَى الشَّارِعِ , وَهُوَ قِلَّةُ أَدَبٍ مَعَهُ ; لِأَنَّ شَأْنَ الْعُظَمَاءِ إذَا حَدَّدُوا شَيْئًا وَقَفَ عِنْدَهُ , وَعُدَّ الْخُرُوجُ عَنْهُ قِلَّةَ أَدَبٍ , وَأَمَّا الزِّيَادَةُ فِي الْوَاجِبِ أَوْ عَلَيْهِ فَهُوَ حَرَامٌ لَا مَكْرُوهٌ ; لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى أَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّ الْوَاجِبَ هُوَ الْأَصْلُ وَالْمَزِيدُ عَلَيْهِ وَذَلِكَ تَغْيِيرٌ لِلشَّرَائِعِ , وَهُوَ حَرَامٌ إجْمَاعًا ; وَلِذَلِكَ نَهَى مَالِكٌ عَنْ إيصَالِ سِتٍّ مِنْ شَوَّالٍ لِئَلَّا يُعْتَقَدَ أَنَّهَا مِنْ رَمَضَانَ وَخَرَّجَ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ { أَنَّ رَجُلًا دَخَلَ إلَى مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلمفَصَلَّى الْفَرْضَ وَقَامَ لِيُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ اجْلِسْ حَتَّى تَفْصِلَ بَيْنَ فَرْضِك وَنَفْلِك فَبِهَذَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَنَا فَقَالَ لَهُ عليه السلام أَصَابَ اللَّهُ بِك يَا ابْنَ الْخَطَّابِ } يُرِيدُ عُمَرُ أَنَّ مَنْ قَبْلَنَا وَصَلُوا النَّوَافِلَ بِالْفَرَائِضِ فَاعْتَقَدُوا الْجَمِيعَ وَاجِبًا فَهَلَكُوا بِتَغْيِيرِهِمْ لِلشَّرَائِعِ ( الْخَامِسُ ) : مُبَاحٌ , وَهُوَ مَا تَنَاوَلَتْهُ قَوَاعِدُ الْمُبَاحِ وَأَدِلَّتُهُ مِنْ الشَّرْعِ كَاِتِّخَاذِ الْمَنَاخِلِ لِلدَّقِيقِ ; لِأَنَّهُ أَوَّلُ شَيْءٍ أَحْدَثُهُ النَّاسُ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلمكَمَا فِي الْآثَارِ وَتَلْيِينُ الْعَيْشِ وَإِصْلَاحُهُ مِنْ الْمُبَاحَاتِ فَوَسَائِلِهِ كَذَلِكَ , وَبِالْجُمْلَةِ فَالْبِدْعَةُ إنَّمَا تَنْقَسِمُ لِهَذِهِ الْأَقْسَامِ إذَا نُظِرَ إلَيْهَا بِاعْتِبَارِ مَا يَتَقَاضَاهَا وَيَتَنَاوَلُهَا مِنْ الْقَوَاعِدِ وَالْأَدِلَّةِ فَأُلْحِقَتْ بِمَا تَنَاوَلَهَا مِنْ قَوَاعِدِ وَأَدِلَّةِ الْوُجُوبِ أَوْ التَّحْرِيمِ أَوْ النَّدْبِ أَوْ الْكَرَاهَةِ أَوْ الْإِبَاحَةِ , وَأَمَّا إنْ قُطِعَ النَّظَرُ عَنْ ذَلِكَ وَنُظِرَ إلَى كَوْنِهَا بِدْعَةً مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ لَمْ تَكُنْ إلَّا مَكْرُوهَةً أَيْ إمَّا تَنْزِيهًا , وَإِمَّا تَحْرِيمًا فَإِنَّ الْخَيْرَ كُلَّهُ فِي الِاتِّبَاعِ , وَالشَّرُّ كُلُّهُ فِي الِابْتِدَاعِ وَلِبَعْضِ السَّلَفِ الصَّالِحِ وَيُسَمَّى أَبَا الْعَبَّاسِ الْأَبْيَانِيَّ مِنْ أَهْلِ الْأَنْدَلُسِ ثَلَاثٌ لَوْ كُتِبْنَ فِي ظُفْرٍ لَوَسِعَهُنَّ , وَفِيهِنَّ خَيْرُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ اتَّبِعْ وَلَا تَبْتَدِعْ اتَّضِعْ وَلَا تَرْتَفِعْ مَنْ تَوَرَّعَ لَا يَتَّسِعُ . ا هـ . كَلَامُ الْأَصْلِ بِتَهْذِيبٍ وَزِيَادَةٍ فَقَوْلُهُ : وَالْحَقُّ التَّفْصِيلُ إلَخْ هِيَ الطَّرِيقَةُ الَّتِي بَنَى عَلَيْهَا الْفَرْقَ بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ , وَصَحَّحَهُ ابْنُ الشَّاطِّ , وَإِلَيْهَا ذَهَبَ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ غَيْرُ وَاحِدٍ كَالْإِمَامِ مُحَمَّدٍ الزَّرْقَانِيِّ فَقَالَ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْمُوَطَّإِ : وَتَنْقَسِمُ الْبِدْعَةُ إلَى الْأَحْكَامِ الْخَمْسَةِ وَحَدِيثُ كُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ عَامٌّ مَخْصُوصٌ قَالَ : وَالْبِدْعَةُ لُغَةً مَا أُحْدِثَ عَلَى غَيْرِ مِثَالٍ سَبَقَ وَتُطْلَقُ شَرْعًا عَلَى مُقَابِلِ السُّنَّةِ , وَهِيَ مَا لَمْ تَكُنْ فِي عَهْدِهِ صلى الله عليه وسلم ا هـ وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ مِنْهُمْ الْإِمَامُ النَّوَوِيُّ وَالْعِزُّ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ شَيْخُ الْأَصْلِ فَفِي الْعَزِيزِيِّ عَلَى الْجَامِعِ الصَّغِيرِ عَنْ الْعَلْقَمِيِّ قَالَ النَّوَوِيُّ : الْبِدْعَةُ بِكَسْرِ الْبَاءِ فِي الشَّرْعِ هِيَ إحْدَاثُ مَا لَمْ يَكُنْ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم, وَهِيَ مُنْقَسِمَةٌ إلَى حَسَنَةٍ وَقَبِيحَةٍ , وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي آخِرِ الْقَوَاعِدِ الْبِدْعَةُ مُنْقَسِمَةٌ إلَى وَاجِبَةٍ وَمُحَرَّمَةٍ وَمَنْدُوبَةٍ وَمَكْرُوهَةٍ وَمُبَاحَةٍ قَالَ : وَالطَّرِيقُ فِي ذَلِكَ أَنْ(64/51)
تُعْرَضَ الْبِدْعَةُ عَلَى قَوَاعِدِ الشَّرِيعَةِ , فَإِنْ دَخَلَتْ فِي قَوَاعِدِ الْإِيجَابِ فَهِيَ وَاجِبَةٌ , أَوْ فِي قَوَاعِدِ التَّحْرِيمِ فَهِيَ مُحَرَّمَةٌ , أَوْ النَّدْبِ فَمَنْدُوبَةٌ , أَوْ الْمَكْرُوهِ فَمَكْرُوهَةٌ , أَوْ الْمُبَاحِ فَمُبَاحَةٌ وَلِلْوَاجِبَةِ أَمْثِلَةٌ مِنْهَا الِاشْتِغَالُ بِعِلْمِ النَّحْوِ الَّذِي يُفْهِمُ كَلَامَ اللَّهِ - تَعَالَى - وَكَلَامَ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم وَمِنْهَا حِفْظُ غَرِيبِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مِنْ اللُّغَةِ , وَمِنْهَا تَدْرِيسُ أُصُولِ الْفِقْهِ , وَمِنْهَا الْكَلَامُ فِي الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ وَتَمْيِيزِ الصَّحِيحِ مِنْ السَّقِيمِ , وَمِنْهَا الرَّدُّ عَلَى مَذَاهِبِ نَحْوِ الْقَدَرِيَّةِ وَالْجَبْرِيَّةِ وَالْمُرْجِئَةِ وَالْمُجَسِّمَةِ ; إذْ لَا يَتَأَتَّى حِفْظُ الشَّرِيعَةِ إلَّا بِمَا ذَكَرْنَاهُ , وَقَدْ دَلَّتْ قَوَاعِدُ الشَّرِيعَةِ عَلَى أَنَّ حِفْظَ الشَّرِيعَةِ فَرْضُ كِفَايَةٍ فِيمَا زَادَ عَلَى الْمُتَعَيِّنِ , وَلِلْمُحَرَّمَةِ أَمْثِلَةٌ مِنْهَا مَذَاهِبُ الْقَدَرِيَّةِ وَالْجَبْرِيَّةِ وَالْمُرْجِئَةِ وَالْمُجَسِّمَةِ , وَلِلْمَنْدُوبَةِ أَمْثِلَةٌ مِنْهَا التَّرَاوِيحُ , وَالْكَلَامُ فِي دَقَائِقِ التَّصَوُّفِ , وَفِي الْجَدَلِ . وَمِنْهَا جَمْعُ الْمَحَافِلِ فِي الِاسْتِدْلَالِ عَلَى الْمَسَائِلِ إنْ يُقْصَدْ بِذَلِكَ وَجْهُ اللَّهِ , وَالْمَكْرُوهَةُ أَمْثِلَةٌ مِنْهَا زَخْرَفَةُ الْمَسَاجِدِ وَتَزْوِيقُ الْمَصَاحِفِ , وَلِلْمُبَاحَةِ أَمْثِلَةٌ مِنْهَا الْمُصَافَحَةُ عَقِبَ الصُّبْحِ وَالْعَصْرِ وَمِنْهَا التَّوَسُّعُ فِي اللَّذِيذِ مِنْ الْمَأْكَلِ وَالْمَشْرَبِ وَالْمَلَابِسِ وَالْمَسَاكِنِ وَلُبْسِ الطَّيَالِسَةِ وَتَوْسِيعِ الْأَكْمَامِ , وَقَدْ نَخْتَلِفُ فِي بَعْضِ ذَلِكَ فَيَجْعَلُهُ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ مِنْ الْبِدَعِ الْمَكْرُوهَةِ وَيَجْعَلُهُ آخَرُونَ مِنْ السُّنَنِ الْمَفْعُولَةِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلمفَمَا بَعْدَهُ وَذَلِكَ كَالِاسْتِعَاذَةِ وَالْبَسْمَلَةِ فِي الصَّلَاةِ . ا هـ . بِتَصَرُّفٍ فَمَشْهُورُ مَذْهَبِ مَالِكٍ كَرَاهَتُهُمَا فِي الْفَرِيضَةِ دُونَ النَّافِلَةِ إذَا اعْتَقَدَ أَنَّ الصَّلَاةَ لَا تَصِحُّ بِتَرْكِهِمَا , وَلَمْ يَقْصِدْ الْخُرُوجَ مِنْ خِلَافِ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ , وَمَذْهَبُ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ سُنِّيَّتُهُمَا فِي الصَّلَاةِ مُطْلَقًا , وَمِثْلُهُمَا فِي كَوْنِهِ بِدْعَةً مَكْرُوهَةً , أَوْ سُنَّةً سُجُودُ الشُّكْرِ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ إلَى أَنَّهُ سُنَّةٌ مَفْعُولَةٌ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم, وَذَهَبَ مَالِكٌ إلَى كَرَاهَتِهِ , وَأَنَّهُ لَيْسَ بِمَشْرُوعٍ فَفِي الْعُتْبِيَّةِ : وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الرَّجُلِ يَأْتِيهِ الْأَمْرُ يُحِبُّهُ فَيَسْجُدُ لِلَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - شُكْرًا فَقَالَ : لَا يَفْعَلُ هَذَا مِمَّا مَضَى مِنْ أَمْرِ النَّاسِ , قِيلَ لَهُ : إنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ رضي الله عنه فِيمَا يَذْكُرُونَ سَجَدَ يَوْمَ الْيَمَامَةِ شُكْرًا لِلَّهِ أَفَسَمِعْت ذَلِكَ قَالَ مَا سَمِعْت ذَلِكَ , وَأَنَا أَرَى أَنْ قَدْ كَذَبُوا عَلَى أَبِي بَكْرٍ , وَهَذَا مِنْ الضَّلَالِ أَنْ يَسْمَعَ الْمَرْءُ الشَّيْءَ فَيَقُولَ : هَذَا لَمْ تَسْمَعْهُ مِنِّي قَدْ فَتَحَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلموَعَلَى الْمُسْلِمِينَ بَعْدَهُ أَفَسَمِعْت أَنَّ أَحَدًا مِنْهُمْ فَعَلَ مِثْلَ هَذَا إذْ مَا قَدْ كَانَ فِي النَّاسِ وَجَرَى عَلَى أَيْدِيهِمْ سُمِعَ عَنْهُمْ فِيهِ شَيْءٌ فَعَلَيْك بِذَلِكَ فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ لَذُكِرَ ; لِأَنَّهُ مِنْ أَمْرِ النَّاسِ الَّذِي قَدْ كَانَ فِيهِمْ فَهَلْ سَمِعْت أَنَّ أَحَدًا مِنْهُمْ سَجَدَ فَهَذَا إجْمَاعٌ . وَإِذَا جَاءَك أَمْرٌ لَا تَعْرِفْهُ فَدَعْهُ . ا هـ . قَالَ ابْنُ رُشْدٍ : الْوَجْهُ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ مِمَّا شُرِعَ فِي الدِّينِ يَعْنِي سُجُودَ الشُّكْرِ فَرْضًا , وَلَا نَفْلًا إذْ لَمْ يَأْمُرْ بِذَلِكَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم, وَلَا فَعَلَهُ , وَلَا أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى اخْتِيَارِ فِعْلِهِ , وَالشَّرَائِعُ لَا تَثْبُتُ إلَّا مِنْ أَحَدِ هَذِهِ الْأُمُورِ قَالَ : وَاسْتِدْلَالُهُ عَلَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلملَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ , وَلَا الْمُسْلِمُونَ بَعْدَهُ بِأَنَّ فِي ذَلِكَ لَوْ كَانَ النَّقْلُ صَحِيحًا ; إذْ لَا يَصِحُّ أَنْ تَتَوَفَّرَ الدَّوَاعِي عَلَى تَرْكِ نَقْلِ شَرِيعَةٍ مِنْ شَرَائِعِ الدِّينِ , وَقَدْ أُمِرُوا بِالتَّبْلِيغِ قَالَ : وَهَذَا أَصْلٌ مِنْ الْأُصُولِ , وَعَلَيْهِ يَأْتِي إسْقَاطُ الزَّكَاةِ مِنْ الْخُضَرِ وَالْبُقُولِ مَعَ وُجُودِ(64/52)
الزَّكَاةِ فِيهَا لِعُمُومِ قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم { فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ وَالْعُيُونُ وَالْبَعْلُ الْعُشْرُ , وَفِيمَا سُقِيَ بِالنَّضْحِ نِصْفُ الْعُشْرِ } ; لِأَنَّا نَزَّلْنَا تَرْكَ نَقْلِ أَخْذِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الزَّكَاةَ مِنْهَا كَالسُّنَّةِ الْقَائِمَةِ فِي أَنْ لَا زَكَاةَ فِيهَا فَكَذَلِكَ نَزَلَ تَرْكُ نَقْلِ السُّجُودِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الشُّكْرِ كَالسُّنَّةِ الْقَائِمَةِ فِي أَنْ لَا سُجُودَ فِيهَا ثُمَّ حُكِيَ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ , وَالْكَلَامُ عَلَيْهِ , وَالْمَقْصُودُ مِنْ الْمَسْأَلَةِ تَوْجِيهُ مَالِكٍ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا بِدْعَةٌ لَا تَوْجِيهُ أَنَّهَا بِدْعَةٌ عَلَى الْإِطْلَاقِ أَفَادَهُ الشَّاطِبِيُّ فِي الِاعْتِصَامِ وَحَاصِلُ هَذِهِ الطَّرِيقَةِ هُوَ مَا أَشَارَ إلَيْهِ الْعَلَّامَةُ الْحِفْنِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مِنْ أَنَّ الْبِدْعَةَ بِمَعْنَى مَا لَمْ يَكُنْ فِي عَهْدِهِ صلى الله عليه وسلم نَوْعَانِ حَقِيقِيَّةٌ وَمُشْتَبِهَاتٌ فَالْحَقِيقِيَّةُ هِيَ الْمُقَابِلَةُ لِلسُّنَّةِ فَالسُّنَّةُ مَا فُعِلَ فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ , وَشَهِدَ لَهُ أَصْلٌ مِنْ أُصُولِ الشَّرْعِ , وَالْبِدْعَةُ الْحَقِيقِيَّةُ مَا أُحْدِثَ بَعْدَ الصَّدْرِ الْأَوَّلِ , وَلَمْ يَشْهَدْ لَهُ أَصْلٌ مِنْ أُصُولِ الشَّرْعِ , قَالَ : زَادَ الشَّارِحُ فِي الْكَبِيرِ وَغَلَبَتْ عَلَى مَا خَالَفَ أُصُولَ أَهْلِ السُّنَّةِ فِي الْعَقَائِدِ . وَهِيَ الْبِدْعَةُ الْمُحَرَّمَةُ سَوَاءٌ كَفَرَ بِهَا كَإِنْكَارِ عِلْمِهِ - تَعَالَى بِالْجُزْئِيَّاتِ أَوْ لَا كَالْمُجَسِّمَةِ وَالْجَهْمِيَّةِ عَلَى الرَّاجِحِ إنْ لَمْ تَقُلْ الْأُولَى كَالْأَجْسَامِ , وَهِيَ الْمُرَادُ بِالْبِدْعَةِ مَتَى أُطْلِقَتْ , وَإِنْ كَانَتْ فِي الْأَصْلِ تُطْلَقُ عَلَى الْمُحَرَّمَةِ وَغَيْرِهَا , فَهِيَ الْمُرَادُ بِالْحَدِيثِ الَّذِي خَرَّجَهُ ابْنُ مَاجَهْ وَابْنُ أَبِي عَاصِمٍ فِي السُّنَّةِ وَالدَّيْلَمِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَبَى اللَّهُ أَنْ يَقْبَلَ عَمَلَ صَاحِبِ بِدْعَةٍ حَتَّى يَدَعَ بِدْعَتَهُ لِإِيرَادِهِ فِي حَيِّزِ التَّحْذِيرِ مِنْهَا وَالذَّمِّ لَهَا وَالتَّوْبِيخِ عَلَيْهَا , فَنَفْيُ قَبُولِ الْعَمَلِ بِمَعْنَى إبْطَالِهِ وَرَدِّهِ إنْ كَانَتْ الْبِدْعَةُ مُكَفِّرَةً لَهُ , وَبِمَعْنَى نَفْيِ الثَّوَابِ إنْ كَانَتْ لَا تُكَفِّرُهُ مِثْلَ مَا وَرَدَ أَنَّ الشَّخْصَ إذَا لَبِسَ ثَوْبًا بِدَرَاهِمَ مِنْهَا دِرْهَمٌ حَرَامٌ , وَصَلَّى فِيهِ لَمْ تُقْبَلْ صَلَاتُهُ أَيْ لَمْ يُثَبْ عَلَيْهَا , وَالْمُشْتَبِهَاتُ تُعْرَضُ عَلَى أُصُولِ الشَّرْعِ فَإِنْ وَافَقَتْ الْوَاجِبَ كَانَتْ وَاجِبَةً أَوْ الْمَنْدُوبَ كَانَتْ مَنْدُوبَةً أَوْ الْمَكْرُوهَ كَانَتْ مَكْرُوهَةً أَوْ الْمُبَاحَ كَانَتْ مُبَاحَةً , وَبِالْجُمْلَةِ فَتَقْسِيمُ الْبِدْعَةِ مَعَ السُّنَّةِ عَلَى نَحْوِ تَقْسِيمِ النَّحْوِيِّينَ حَرْفَ الْجَرِّ الْأَصْلِيِّ مَعَ الزَّائِدِ إلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ : أَصْلِيٌّ , وَهُوَ مَا دَلَّ عَلَى مَعْنًى خَاصٍّ وَاحْتَاجَ لِمُتَعَلَّقٍ يَتَعَلَّقُ بِهِ وَزَائِدٌ , وَهُوَ مَا لَا يَدُلُّ عَلَى مَعْنًى خَاصٍّ , وَلَا يَحْتَاجُ لِمُتَعَلَّقٍ وَشَبِيهٌ بِهِمَا , وَهُوَ مَا دَلَّ عَلَى مَعْنًى خَاصٍّ , وَلَمْ يَحْتَجْ لِمُتَعَلَّقٍ فَكَمَا انْقَسَمَ حَرْفُ الْجَرِّ إلَى هَذِهِ الثَّلَاثَةِ كَذَلِكَ الْبِدْعَةُ مَعَ السُّنَّةِ تَنْقَسِمُ عَلَى هَذِهِ الطَّرِيقَةِ إلَى ثَلَاثَةٍ : سُنَّةٌ , وَهِيَ مَا فُعِلَ فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ , وَشَهِدَ لَهُ أَصْلٌ مِنْ أُصُولِ الشَّرْعِ , وَبِدْعَةٌ , وَهُوَ مَا لَمْ يُفْعَلْ فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ , وَلَمْ يَشْهَدْ لَهُ الْأَصْلُ . وَمُشْتَبِهَاتٌ , وَهُوَ مَا لَمْ يُفْعَلْ فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ وَشَهِدَ لَهُ الْأَصْلُ وَتَوْضِيحُ الْفَرْقِ بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ عَلَى هَذِهِ الطَّرِيقَةِ أَنَّ مَا يَحْرُمُ وَيُنْهَى عَنْهُ مِنْ الْبِدَعِ هُوَ الْمُرَادُ بِالْبِدْعَةِ الْقَبِيحَةِ فِي كَلَامِ النَّوَوِيِّ الصَّادِقَةِ عَلَى الْمُحَرَّمَةِ وَعَلَى الْمَكْرُوهَةِ وَأَنَّ مَا لَا يُنْهَى عَنْهُ مِنْهَا هُوَ الْمُرَادُ بِالْبِدْعَةِ الْحَسَنَةِ الصَّادِقَةِ عَلَى الْوَاجِبَةِ وَالْمَنْدُوبَةِ وَالْمُبَاحَةِ وَقَوْلُ الْأَصْلِ : وَالْأَصْحَابُ - فِيمَا رَأَيْت - مُتَّفِقُونَ عَلَى إنْكَارِ الْبِدَعِ إلَخْ هُوَ طَرِيقَةُ نَفْيِ التَّفْصِيلِ فِي الْبِدَعِ , وَأَنَّهَا لَا تَكُونُ وَاجِبَةً , وَلَا مَنْدُوبَةً , وَلَا مُبَاحَةً بَلْ إنَّمَا تَكُونُ قَبِيحَةً مَنْهِيًّا عَنْهَا فَالْكَلَامُ عَلَيْهَا مِنْ جِهَتَيْنِ ( الْجِهَةُ الْأُولَى(64/53)
) أَنَّ أَمْثِلَةَ الْبِدَعِ الْوَاجِبَةِ وَالْمَنْدُوبَةِ وَالْمُبَاحَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا الْقَرَافِيُّ وَشَيْخُهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ لَا تَخْرُجُ عَنْ كَوْنِهَا مِمَّا لَهُ أَصْلٌ فِي الدِّينِ , وَمِنْ الْمَصَالِحِ الْمُرْسَلَةِ , وَعَنْ كَوْنِهَا مِنْ الْعَادِيَّاتِ , وَمَا كَانَ مِمَّا لَهُ أَصْلٌ فِي الدِّينِ , وَمِنْ الْمَصَالِحِ الْمُرْسَلَةِ لَا يُعَدُّ مِنْ الْبِدَعِ ; لِأَنَّ خَاصَّةَ الْبِدْعَةِ أَنَّهَا خَارِجَةٌ عَمَّا رَسَمَهُ الشَّارِعُ ; إذْ هِيَ طَرِيقَةٌ فِي الدِّينِ اُبْتُدِعَتْ عَلَى غَيْرِ مِثَالٍ تَقَدَّمَهَا تُضَاهِي الشَّرِيعَةَ يُقْصَدُ بِالسُّلُوكِ عَلَيْهَا الْمُبَالَغَةُ فِي التَّعَبُّدِ فَانْفَصَلَتْ بِهَذَا الْقَيْدِ عَنْ كُلِّ مَا ظَهَرَ لِبَادِئِ الرَّأْيِ أَنَّهُ مُخْتَرِعٌ مِمَّا هُوَ مُتَعَلِّقٌ بِالدِّينِ كَعِلْمِ النَّحْوِ وَالتَّصْرِيفِ وَمُفْرَدَاتِ اللُّغَةِ وَأُصُولِ الْفِقْهِ وَسَائِرِ الْعُلُومِ الْخَادِمَةِ لِلشَّرِيعَةِ فَإِنَّهَا . وَإِنْ لَمْ تُوجَدْ فِي الزَّمَانِ الْأَوَّلِ فَأُصُولُهَا مَوْجُودَةٌ فِي الشَّرْعِ ; إذْ الْأَمْرُ بِإِعْرَابِ الْقُرْآنِ مَنْقُولٌ , وَعُلُومُ اللِّسَانِ هَادِيَةٌ لِلصَّوَابِ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فَحَقِيقَتُهَا إذًا أَنَّهَا فِقْهُ التَّعَبُّدِ بِالْأَلْفَاظِ الشَّرْعِيَّةِ الدَّالَّةِ عَلَى مَعَانِيهَا كَيْفَ تُؤْخَذُ وَتُؤَدَّى , وَأُصُولُ الْفِقْهِ إنَّمَا مَعْنَاهَا اسْتِقْرَاءُ كُلِّيَّاتِ الْأَدِلَّةِ حَتَّى تَكُونَ عِنْدَ الْمُجْتَهِدِ نَصْبَ عَيْنٍ , وَعِنْدَ الطَّالِبِ سَهْلَةَ الْمُلْتَمَسِ , وَكَذَلِكَ أُصُولُ الدِّينِ , وَهُوَ عِلْمُ الْكَلَامِ إنَّمَا حَاصِلُهُ تَقْرِيرٌ لِأَدِلَّةِ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ أَوْ مَا يَنْشَأُ عَنْهَا فِي التَّوْحِيدِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ كَمَا كَانَ الْفِقْهُ تَقْرِيرَ الْأَدِلَّةِ فِي الْفُرُوعِ الْعَبَّادِيَّةِ , وَتَصْنِيفُهَا عَلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ , وَإِنْ كَانَ مُخْتَرَعًا إلَّا أَنَّ لَهُ أَصْلًا فِي الشَّرْعِ فَفِي الْحَدِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ وَلَوْ سُلِّمَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى الْخُصُوصِ فَالشَّرْعُ بِجُمْلَتِهِ يَدُلُّ عَلَى اعْتِبَارِهِ , وَهُوَ مُسْتَمَدٌّ مِنْ قَاعِدَةِ الْمَصَالِحِ الْمُرْسَلَةِ . وَقَدْ تَقَدَّمَ بَسْطُهَا فَعَلَى الْقَوْلِ بِإِثْبَاتِهَا أَصْلًا شَرْعِيًّا لَا إشْكَالَ فِي أَنَّ كُلَّ عِلْمٍ خَادِمٌ لِلشَّرِيعَةِ دَاخِلٌ تَحْتَ أَدِلَّتِهَا الَّتِي لَيْسَتْ بِمَأْخُوذَةٍ مِنْ جُزْءٍ وَاحِدٍ فَلَيْسَتْ بِبِدْعَةٍ أَلْبَتَّةَ وَعَلَى الْقَوْلِ بِنَفْيِهَا لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ تِلْكَ الْعُلُومُ مُبْتَدَعَاتٍ , وَإِذَا دَخَلَتْ فِي عِلْمِ الْبِدَعِ كَانَتْ قَبِيحَةً ; لِأَنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ مِنْ غَيْرِ إشْكَالٍ كَمَا يَأْتِي بَيَانُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى , وَيَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ كَتْبُ الْمُصْحَفِ , وَجَمْعُ الْقُرْآنِ قَبِيحًا , وَهُوَ بَاطِلٌ بِالْإِجْمَاعِ , فَلَيْسَ إذًا بِبِدْعَةٍ وَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ لَهُ دَلِيلٌ شَرْعِيٌّ وَلَيْسَ إلَّا هَذَا النَّوْعُ مِنْ الِاسْتِدْلَالِ , وَهُوَ الْمَأْخُوذُ مِنْ جُمْلَةِ الشَّرِيعَةِ , وَإِذَا ثَبَتَ جُزْءٌ فِي الْمَصَالِحِ الْمُرْسَلَةِ ثَبَتَ مُطْلَقُ الْمَصَالِحِ الْمُرْسَلَةِ فَعَلَى هَذَا لَا يَنْبَغِي أَنْ يُسَمَّى عِلْمُ النَّحْوِ أَوْ غَيْرُهُ مِنْ عُلُومِ اللِّسَانِ , أَوْ عِلْمُ الْأُصُولِ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ الْعُلُومِ الْخَادِمَةِ لِلشَّرِيعَةِ بِدْعَةً أَصْلًا وَمَنْ سَمَّاهُ بِدْعَةً فَإِمَّا عَلَى الْمَجَازِ كَمَا سَمَّى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه قِيَامَ النَّاسِ فِي لَيَالِي رَمَضَانَ بِدْعَةً , وَإِمَّا جَهْلًا بِمَوَاقِعِ السُّنَّةِ وَالْبِدْعَةِ فَلَا يَكُونُ قَوْلُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ مُعْتَدًّا بِهِ , وَلَا مُعْتَمَدًا عَلَيْهِ , وَأَمَّا مَا كَانَ مِنْ الْعَادِيَّاتِ كَإِقَامَةِ صُوَرِ الْأَئِمَّةِ وَوُلَاةِ الْأُمُورِ وَالْقُضَاةِ وَاِتِّخَاذِ الْمَنَاخِلِ وَغَسْلِ الْيَدَيْنِ بِالْأُشْنَانِ وَلُبْسِ الطَّيَالِسِ وَتَوْسِيعِ الْأَكْمَامِ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ مِنْ الْأُمُورِ الْعَادِيَّةِ الَّتِي لَمْ تَكُنْ فِي الزَّمَنِ الْفَاضِلِ وَالسَّلَفِ الصَّالِحِ فَالتَّمْثِيلُ بِهَا لِمَنْدُوبَاتِ الْبِدَعِ وَمُبَاحَاتِهَا , وَكَذَا بِالْمُكُوسِ وَالْمُحْدَثَاتِ مِنْ الْمَظَالِمِ . وَتَقْدِيمُ الْجُهَّالِ عَلَى الْعُلَمَاءِ فِي الْوِلَايَاتِ الْعِلْمِيَّةِ , وَتَوْلِيَةُ الْمَنَاصِبِ الشَّرِيفَةِ مَنْ لَيْسَ لَهَا بِأَهْلٍ بِطَرِيقِ الْوِرَاثَةِ لِمُحَرَّمَاتِ الْبِدَعِ مَبْنِيٌّ عَلَى إحْدَى الطَّرِيقَتَيْنِ فِي الْعَادِيَّاتِ , وَهِيَ الَّتِي مَال(64/54)
إلَيْهَا الْقَرَافِيُّ وَشَيْخُهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَذَهَبَ إلَيْهَا بَعْضُ السَّلَفِ كَمُحَمَّدِ بْنِ أَسْلَمَ مِنْ أَنَّ الْمُخْتَرَعَاتِ مِنْهَا تَلْحَقُ بِالْبِدَعِ , وَتَصِيرُ كَالْعِبَادَاتِ الْمُخْتَرَعَةِ الْجَارِيَةِ فِي الْأُمَّةِ لِوُجُوهٍ ثَلَاثَةٍ ( الْوَجْهُ الْأَوَّلُ ) : أَنَّهَا أُمُورٌ جَرَتْ فِي النَّاسِ وَكَثُرَ الْعَمَلُ بِهَا وَشَاعَتْ وَذَاعَتْ ( وَالْوَجْهُ الثَّانِي ) : أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعِبَادَاتِ ; إذْ الْأُمُورُ الْمَشْرُوعَةُ تَارَةً تَكُونُ عِبَادِيَّةً , وَتَارَةً تَكُونُ عَادِيَّةً فَكِلَاهُمَا مَشْرُوعٌ مِنْ قِبَلِ الشَّارِعِ فَكَمَا تَقَعُ الْمُخَالَفَةُ بِالِابْتِدَاعِ فِي أَحَدِهِمَا تَقَعُ فِي الْآخَرِ ( الْوَجْهُ الثَّالِثُ ) : أَنَّ الشَّرْعَ جَاءَ بِالْوَعْدِ بِأَشْيَاءَ تَكُونُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ هِيَ خَارِجَةٌ عَنْ سُنَّتِهِ فَتَدْخُلُ فِيمَا تَقَدَّمَ تَمْثِيلُهُ ; لِأَنَّهَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ فَفِي الصَّحِيحِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم{ إنَّكُمْ سَتَرَوْنَ بَعْدِي أَثَرَةً وَأُمُورًا تُنْكِرُونَهَا قَالَ فَمَا تَأْمُرُنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ أَدُّوا إلَيْهِمْ حَقَّهُمْ وَسَلُوا حَقَّكُمْ } وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ { مَنْ كَرِهَ مِنْ أَمْرِهِ شَيْئًا فَلْيَصْبِرْ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ مَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ شِبْرًا فَمَاتَ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً } وَفِي الصَّحِيحِ أَيْضًا { إذَا أُسْنِدَ الْأَمْرُ إلَى غَيْرِ أَهْلِهِ فَانْتَظِرُوا السَّاعَةَ } وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ { يَتَقَارَبُ الزَّمَانُ وَيُقْبَضُ الْعِلْمُ وَيُلْقَى وَيَظْهَرُ الْجَهْلُ وَتَظْهَرُ الْفِتَنُ وَيَكْثُرُ الْهَرْجُ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّمَا هُوَ قَالَ الْقَتْلُ الْقَتْلُ } وَعَنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم{ إنَّ بَيْنَ يَدَيَّ لَأَيَّامًا يَنْزِلُ فِيهَا الْجَهْلُ وَيَرْتَفِعُ فِيهَا الْعِلْمُ وَيَكْثُرُ فِيهَا الْهَرْجُ } وَالْهَرَجُ الْقَتْلُ وَعَنْ حُذَيْفَةَ رضي الله عنه قَالَ : { حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلمحَدِيثَيْنِ رَأَيْت أَحَدَهُمَا وَأَنَا أَنْتَظِرُ الْآخَرَ حَدَّثَنَا أَنَّ الْأَمَانَةَ نَزَلَتْ فِي جَذْرِ قُلُوبِ الرِّجَالِ ثُمَّ عَلِمُوا مِنْ الْقُرْآنِ ثُمَّ عَلِمُوا مِنْ السُّنَّةِ , وَحَدَّثَنَا عَنْ رَفْعِهَا ثُمَّ قَالَ يَنَامُ النَّوْمَةَ فَتُقْبَضُ الْأَمَانَةُ مِنْ قَلْبِهِ فَيَظَلُّ أَثَرُهَا مِثْلَ الْوَكْتِ ثُمَّ يَنَامُ النَّوْمَةَ فَتُقْبَضُ فَيَبْقَى أَثَرُهَا مِثْلَ أَثَرِ الْمَجْلِ كَجَمْرٍ دَحْرَجْتَهُ عَلَى رِجْلِك فَنَفِطَ فَتَرَاهُ مُنْتَبِرًا , وَلَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ , وَيُصْبِحُ النَّاسُ يَتَبَايَعُونَ . وَلَا يَكَادُ أَحَدٌ يُؤَدِّي الْأَمَانَةَ , فَيُقَالُ : إنَّ فِي بَنِي فُلَانٍ رَجُلًا أَمِينًا , وَيُقَالُ لِلرَّجُلِ مَا أَعْقَلَهُ وَمَا أَظْرَفَهُ وَمَا أَجْلَدَهُ , وَمَا فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ مِنْ إيمَانٍ } الْحَدِيثَ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلمقَالَ { لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَقْتَتِلَ فِئَتَانِ عَظِيمَتَانِ يَكُونُ بَيْنَهُمَا مَقْتَلَةٌ عَظِيمَةٌ دَعْوَاهُمَا وَاحِدَةٌ , وَحَتَّى يُبْعَثَ دَجَّالُونَ كَذَّابُونَ قَرِيبٌ مِنْ ثَلَاثِينَ كُلُّهُمْ زَعَمَ أَنَّهُ رَسُولٌ وَحَتَّى يُقْبَضَ الْعِلْمُ ثُمَّ قَالَ وَحَتَّى يَتَطَاوَلَ النَّاسُ فِي الْبُنْيَانِ } إلَى آخِرِ الْحَدِيثِ , وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم{ تَخْرُجُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ أَحْدَاثُ الْأَسْنَانِ سُفَهَاءُ الْأَحْلَامِ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ يَقُولُونَ مِنْ قَوْلِ خَيْرِ الْبَرِيَّةِ يَمْرُقُونَ مِنْ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنْ الرَّمِيَّةِ } , وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّهُ عليه السلام قَالَ { بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا فَيَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضِ الدُّنْيَا } وَفَسَّرَ ذَلِكَ الْحَسَنُ قَالَ يُصْبِحُ مُحَرِّمًا لِدَمِ أَخِيهِ وَعِرْضِهِ وَمَالِهِ وَيُمْسِي مُسْتَحِلًّا لَهُ كَأَنَّهُ تَأَوَّلَهُ عَلَى الْحَدِيثِ الْآخَرِ { لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ } وَاَللَّهُ أَعْلَمُ . وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ(64/55)
اللَّهِ صلى الله عليه وسلم{ إنَّ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ يُرْفَعَ الْعِلْمُ وَيَظْهَرَ الْجَهْلُ وَيَفْشُوَ الزِّنَا وَيُشْرَبَ الْخَمْرُ وَيَكْثُرَ النِّسَاءُ وَيَقِلَّ الرِّجَالُ حَتَّى يَكُونَ لِخَمْسِينَ امْرَأَةً قَيِّمٌ وَاحِدٌ } . وَمِنْ غَرِيبِ حَدِيثِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم{ : إذَا فَعَلَتْ أُمَّتِي خَمْسَ عَشْرَةَ خَصْلَةً حَلَّ بِهَا الْبَلَاءُ قِيلَ : وَمَا هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ إذَا صَارَ الْمَغْنَمُ دُوَلًا , وَالْأَمَانَةُ مَغْنَمًا وَالزَّكَاةُ مَغْرَمًا , وَأَطَاعَ الرَّجُلُ زَوْجَهُ , وَعَقَّ أُمَّهُ , وَبَرَّ صَدِيقَهُ وَجَفَا أَبَاهُ وَارْتَفَعَتْ الْأَصْوَاتُ فِي الْمَسَاجِدِ , وَكَانَ زَعِيمُ الْقَوْمِ أَرْذَلَهُمْ وَأُكْرِمَ الرَّجُلُ مَخَافَةَ شَرِّهِ , وَشُرِبَتْ الْخُمُورُ وَلُبِسَ الْحَرِيرُ وَاُتُّخِذَتْ الْقِيَانُ وَالْمَعَازِفُ , وَلَعَنَ آخِرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَوَّلَهَا فَلْيَرْتَقِبُوا عِنْدَ ذَلِكَ رِيحًا حَمْرَاءَ وَزَلْزَلَةً وَخَسْفًا أَوْ مَسْخًا وَقَذْفًا } . وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَرِيبُ هَذَا وَفِيهِ { سَادَ الْقَبِيلَةَ فَاسِقُهُمْ , وَكَانَ زَعِيمُ الْقَوْمِ أَرْذَلَهُمْ وَفِيهِ وَظَهَرَتْ الْقِيَانُ وَالْمَعَازِفُ , وَفِي آخِرِهِ فَلْيَرْتَقِبُوا عِنْدَ ذَلِكَ رِيحًا حَمْرَاءَ وَزَلْزَلَةً وَخَسْفًا وَآيَاتٍ تَتَابَعُ كَنِظَامٍ بَالٍ قُطِعَ سِلْكُهُ فَتَتَابَعَ } . فَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ وَأَمْثَالُهَا مِمَّا أَخْبَرَ بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلمأَنَّهُ يَكُونُ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ بَعْدَهُ إنَّمَا هُوَ فِي الْحَقِيقَةِ تَبْدِيلُ الْأَعْمَالِ الَّتِي كَانُوا أَحَقَّ بِالْعَمَلِ بِهَا فَلَمَّا عَوَّضُوا مِنْهَا غَيْرَهَا وَفَشَا فِيهَا كَأَنَّهُ مِنْ الْمَعْمُولِ بِهِ تَشْرِيعًا كَانَ مِنْ جُمْلَةِ الْحَوَادِثِ الطَّارِئَةِ عَلَى نَحْوِ مَا بَيَّنَ فِي الْعِبَادَاتِ .
وفي المدخل لابن الحاج :
وَقَدْ نَقَلَ الْإِمَامُ أَبُو حَامِدٍ الْغَزَالِيُّ رحمه الله تعالى فِي كِتَابِ الْجَامِّ فِي ذَمِّ الْعَوَّام لَهُ :(64/56)
اتَّفَقَتْ الْأُمَّةُ قَاطِبَةً عَلَى ذَمِّ الْبِدْعَةِ وَزَجْرِ الْمُبْتَدِعِ وَتَعْتِيبِ مَنْ يُعْرَفُ بِالْبِدْعَةِ , فَهَذَا مَفْهُومٌ عَلَى الضَّرُورَةِ بِالشَّرْعِ , وَهُوَ غَيْرُ وَاقِعٍ فِي مَحِلِّ الظَّنِّ وَذَمَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلمالْبِدْعَةَ وَعُلِمَ بِتَوَاتُرٍ مَجْمُوعُ أَخْبَارٍ تُفِيدُ الْعِلْمَ الْقَطْعِيَّ جُمْلَتُهَا فَمِنْ ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْهُ r أَنَّهُ قَالَ : عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ مِنْ بَعْدِي عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ وَكُلُّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ . وَقَالَ : صلى الله عليه وسلم اتَّبِعُوا وَلَا تَبْتَدِعُوا فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِمَا ابْتَدَعُوا فِي دِينِهِمْ وَتَرَكُوا سُنَنَ أَنْبِيَائِهِمْ وَقَالُوا بِآرَائِهِمْ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا وَقَالَ : صلى الله عليه وسلم إذَا مَاتَ صَاحِبُ بِدْعَةٍ فَقَدْ فُتِحَ عَلَى الْإِسْلَامِ فَتْحٌ . وَقَالَ : صلى الله عليه وسلم مَنْ مَشَى إلَى صَاحِبِ بِدْعَةٍ لِيُوَقِّرَهُ فَقَدْ أَعَانَ عَلَى هَدْمِ الْإِسْلَامِ , وَقَالَ : صلى الله عليه وسلم مَنْ أَعْرَضَ عَنْ صَاحِبِ بِدْعَةٍ بُغْضًا لَهُ فِي اللَّهِ مَلَأَ اللَّهُ قَلْبَهُ أَمْنًا وَإِيمَانًا وَمَنْ انْتَهَرَ صَاحِبَ بِدْعَةٍ رَفَعَ اللَّهُ لَهُ مِائَةَ دَرَجَةٍ وَمَنْ سَلَّمَ عَلَى صَاحِبِ بِدْعَةٍ أَوْ لَقِيَهُ بِالْبِشْرِ أَوْ اسْتَقْبَلَهُ بِمَا يَسُرُّهُ فَقَدْ اسْتَخَفَّ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم وَقَالَ : صلى الله عليه وسلم إنَّ اللَّهَ لَا يَقْبَلُ لِصَاحِبِ بِدْعَةٍ صَوْمًا وَلَا صَلَاةً وَلَا زَكَاةً وَلَا حَجًّا وَلَا عُمْرَةً وَلَا جِهَادًا وَلَا صَرْفًا وَلَا عَدْلًا وَيَخْرُجُ مِنْ الْإِسْلَامِ كَمَا يَخْرُجُ السَّهْمُ مِنْ الرَّمِيَّةِ أَوْ كَمَا يَخْرُجُ الشَّعْرُ مِنْ الْعَجِينِ انْتَهَى مَا نَقَلَهُ بِلَفْظِهِ وَالْأَحَادِيثُ فِي هَذَا الْمَعْنَى كَثِيرَةٌ وَأَقْوَالُ السَّلَفِ وَأَحْوَالُهُمْ مُتَعَدِّدَةٌ لَا يُمْكِنُ حَصْرُهَا وَلَا عَدُّهَا وَالْكِتَابُ يَضِيقُ عَنْ الْإِكْثَارِ مِنْهَا وَفِيمَا ذَكَرْنَاهُ كِفَايَةٌ فَانْظُرْ رَحِمَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكَ كَيْفَ كَانَتْ أَحْوَالُهُمْ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ الَّتِي هِيَ عِنْدَنَا مِمَّا نَتَقَرَّبُ بِهَا إلَى رَبِّنَا ؟ وَكَيْفَ كَانَ إسْرَاعُهُمْ إلَى تَغْيِيرِهَا وَانْزِعَاجُهُمْ عِنْدَ سَمَاعِهَا وَشِدَّتُهُمْ فِي أَمْرِهَا ؟ فَانْظُرْ بِنَظَرِك فِي هَذَا الْأَمْرِ الْعَجِيبِ مَا بَيْنَ حَالِنَا وَحَالِهِمْ إذْ مَا نَتَقَرَّبُ بِهِ الْيَوْمَ كَانَ يَحْصُلُ لَهُمْ مِنْهُ مِنْ الِانْزِعَاجِ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فَمَا بَالُك بِغَيْرِهِ . وَلِأَجْلِ هَذَا الْمَعْنَى اقْتَصَرْت فِي التَّمْثِيلِ مِنْ أَحْوَالِهِمْ عَلَى مَا هُوَ مُتَعَلِّقٌ بِأَصْلِ الدِّينِ وَعُمْدَتِهِ الَّذِي مَنْ يَفْعَلُهُ الْيَوْمَ عِنْدَنَا هُوَ الرَّجُلُ الْأَعْظَمُ الَّذِي تَغْتَنِمُ خَيْرَهُ وَبَرَكَتَهُ فَمَا بَالُك بِفِعْلِ غَيْرِهِ وَعِبَادَتِهِ وَتَصَرُّفِهِ , وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَأَصْلُ الدِّينِ وَعُمْدَتُهُ وَقِوَامُهُ لَيْسَ بِكَثْرَةِ الْعِبَادَةِ وَالتِّلَاوَةِ وَالْمُجَاهَدَةِ بِالْجُوعِ وَغَيْرِهِ , وَإِنَّمَا هُوَ بِالنَّظَرِ إلَى إحْرَازِ هَذَا الْأَصْلِ الْعَظِيمِ مِنْ الْعَاهَاتِ وَالْآفَاتِ الَّتِي تَأْتِي عَلَيْهِ مِنْ الْبِدَعِ وَالْمُنْكَرَاتِ وَغَيْرِهَا وَالْقِيَامِ بِوَظِيفَةِ مَا الْإِنْسَانُ مُخَاطَبٌ بِهِ فِي تَغْيِيرِهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ إذَا ظَهَرَ فِي هَذَا الْأَصْلِ الشَّرِيفِ فَيَبْدَأُ أَوَّلًا بِالتَّغْيِيرِ عَلَى نَفْسِهِ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى غَيْرِهِ كُلٌّ عَلَى حَسَبِ حَالِهِ وَيَنْظُرُ إلَى مَا حَدَثَ فِي زَمَانِ مَنْ شُهِدَ فِيهِمْ بِالْخَيْرِ فَيُقْبِلُ عَلَيْهِ وَيَتَدَيَّنُ بِهِ وَمَا حَدَثَ بَعْدَ هَذِهِ الْقُرُونِ فَالتَّرْكُ لِذَلِكَ أَوْلَى مَا يَتَقَرَّبُ بِهِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى , وَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ الصِّيَامِ وَالْقِيَامِ وَمُوَاصَلَةِ اللَّيَالِي وَالْأَيَّامِ , وَالتَّدَيُّنُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِبَعْضِ ذَلِكَ وَالْأَخْذُ عَلَى يَدِ فَاعِلِهِ إنْ كَانَ لِلْإِنْسَانِ شَوْكَةٌ عَلَى ذَلِكَ فَهُوَ أَفْضَلُ الْعُلُومِ وَأَفْضَلُ الْعِبَادَاتِ . قَالَ تَعَالَى فِي مُحْكَمِ التَّنْزِيلِ : قُلْ إنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ . وَقَالَ تَعَالَى : وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَالْعَالِمُ لَهُ الشَّوْكَةُ بِالضَّرُورَةِ(64/57)
الْقَطْعِيَّةِ وَهِيَ الْعِلْمُ الَّذِي عِنْدَهُ كَمَا قِيلَ : مَنْ دَرَسَ وَالنَّاسُ نِيَامٌ تَكَلَّمَ وَالنَّاسُ قِيَامٌ وَمَا عَلَيْهِ هُوَ أَنْ يُغَيِّرَ مَا أُمِرَ بِتَغْيِيرِهِ , وَإِنَّمَا عَلَيْهِ أَنْ يَتَكَلَّمَ فِي ذَلِكَ بِالْقَوْلِ فَيَذْكُرُ الْحُكْمَ فِيهِ , فَإِنْ سُمِعَ مِنْهُ وَرُجِعَ إلَيْهِ حَصَلَ الْمُرَادُ وَإِنْ تُرِكَ قَوْلُهُ كَانَ قَدْ أَقَامَ عِنْدَ اللَّهِ عُذْرَهُ وَقَامَ بِمَا وَجَبَ عَلَيْهِ وَيَسْلَمُ أَيْضًا مِنْ الْآفَةِ الْعَظِيمَةِ الَّتِي عَلَيْهِ فِي عَدَمِ الْكَلَامِ فَإِنَّهُ قَدْ وَرَدَ أَنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَتَعَلَّقُ الرَّجُلُ بِالرَّجُلِ لَا يَعْرِفُهُ فَيَقُولُ لَهُ : مَا لَك مَا رَأَيْتُك قَطُّ فَيَقُولُ : بَلَى رَأَيْتنِي يَوْمًا عَلَى مُنْكَرٍ فَلَمْ تُغَيِّرْهُ عَلَيَّ . أَوْ كَمَا قَالَ , وَهَذَا أَمْرٌ خَطَرٌ قَلَّ أَنْ تَقَعَ السَّلَامَةُ مِنْهُ وَبِالْكَلَامِ يَنْجُو مِنْ هَذَا الْخَطَرِ , وَالْكَلَامُ لَيْسَ فِيهِ مَشَقَّةٌ وَلَا تَعَبٌ , وَأَكْثَرُ الْمَنَاكِرِ وَالْبِدَعِ فِي زَمَانِنَا هَذَا لَيْسَ عَلَى الْعَالِمِ مَشَقَّةٌ وَلَا خَوْفٌ فِي الْكَلَامِ فِيهَا وَلَا فِي الْحَضِّ عَلَى تَرْكِهَا , وَإِنَّمَا يَتْرُكُهَا مَعَ رُؤْيَتِهَا وَلَا يَحُضُّ عَلَيْهَا فِي مَجْلِسِهِ فِي الْغَالِبِ لِاسْتِئْنَاسِ النُّفُوسِ بِالْعَوَائِدِ الرَّدِيئَةِ , وَذَلِكَ هُوَ الَّذِي أَهْلَكَ مَنْ مَضَى مِنْ الْأُمَمِ حَكَى اللَّهُ سُبْحَانَهُ عَنْهُمْ ذَلِكَ فِي كِتَابِهِ فَقَالَ تَعَالَى : بَلْ قَالُوا إنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِك فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ , وَقَدْ وَرَدَ أَنَّ مُوسَى عليه السلام مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ , وَقَدْ أَهْلَكَهَا اللَّهُ فَقَالَ : يَا رَبِّ كَيْفَ أَهْلَكْتَهُمْ وَكُنْت أَعْرِفُ فِيهَا رَجُلًا صَالِحًا ؟ فَأَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إلَيْهِ يَا مُوسَى إنَّهُ لَمْ يُغَيِّرْ لِي مُنْكَرًا فَأَفَادَ هَذَا الْخَبَرُ أَنَّهُ لَوْ غَيَّرَ عَلَيْهِمْ أَيْ : مَنَعَهُمْ مِنْ فِعْلِ الْمُنْكَرِ مَا هَلَكَ وَلَا هَلَكُوا , وَالْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ هِيَ أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالتَّغْيِيرِ عَلَيْهِمْ كَمَا أَنَّهُمْ مَأْمُورُونَ بِتَرْكِ مَا أَحْدَثُوا مِنْ الْمُخَالَفَاتِ فَلَمَّا أَنْ وَقَعُوا فِي الْمُخَالَفَاتِ وَسَكَتَ هُوَ كَانَ ذَلِكَ وُقُوعًا مِنْهُ ; لِأَنَّهُ ارْتَكَبَ مَا نُهِيَ عَنْهُ مِنْ السُّكُوتِ عِنْدَ رُؤْيَتِهِ الْمُخَالَفَاتِ فَاسْتَوَى مَعَهُمْ فِي ارْتِكَابِ الْمَنْهِيَّاتِ فَلَمْ يَكُنْ فِي الْقَرْيَةِ إذْ ذَاكَ مَنْ يَدْفَعُ الْبَلَاءَ عَنْهُمْ إذْ نَزَلَ بِهِمْ ; لِأَنَّ الْعَذَابَ إنَّمَا يَرْفَعُهُ الِامْتِثَالُ فَلَمْ يَكُنْ ثَمَّ إذْ ذَاكَ مُمْتَثِلٌ فَحَصَلَ مَا حَصَلَ وَهَا هُوَ الْيَوْمَ لَا شَكَّ فِيهِ وَلَا خَفَاءَ فِي وُقُوعِ هَذَا الْأَمْرِ عِنْدَنَا لِوُقُوعِ مَا يَقَعُ وَسُكُوتِ عُلَمَائِنَا فِي الْجَمِيعِ فَلَا يَتَكَلَّمُونَ عِنْدَ رُؤْيَتِهِ وَلَا يَحُضُّونَ فِي مَجَالِسِ عِلْمِهِمْ عَلَى تَرْكِهِ فَلَا شَكَّ أَنَّ مُوجِبَاتِ نُزُولِ الْعَذَابِ كُلِّهَا مُتَوَفِّرَةٌ عِنْدَنَا فِي الْغَالِبِ إلَّا مَنْ عَصَمَهُ اللَّهُ . لَا جَرَمَ أَنَّهُ قَدْ وَقَعَ الْخَسْفُ بِسَبَبِ ذَلِكَ وَعَمَّ الْآفَاقَ وَمِنْ الْأَحْيَاءِ قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ : الْعُلَمَاءُ يُحْشَرُونَ فِي زُمْرَةِ الْأَنْبِيَاءِ , وَالْقُضَاةُ يُحْشَرُونَ فِي زُمْرَةِ السَّلَاطِين وَفِي مَعْنَى الْقُضَاةِ كُلُّ فَقِيهٍ قَصَدَ طَلَبَ الدُّنْيَا بِعِلْمِهِ . قَالَ : وَأَشَدُّ مِنْ هَذَا مَا رُوِيَ أَنَّ رَجُلًا كَانَ يَخْدُمُ مُوسَى r فَجَعَلَ يَقُولُ : حَدَّثَنِي مُوسَى صَفِيُّ اللَّهِ حَدَّثَنِي مُوسَى نَجِيُّ اللَّهِ حَدَّثَنِي مُوسَى كَلِيمُ اللَّهِ حَتَّى أَثْرَى وَكَثُرَ مَالُهُ فَفَقَدَهُ مُوسَى فَجَعَلَ يَسْأَلُ عَنْهُ فَلَا يَحُسُّ لَهُ أَثَرًا حَتَّى جَاءَهُ ذَاتَ يَوْمٍ رَجُلٌ وَفِي يَدِهِ خِنْزِيرٌ وَفِي عُنُقِهِ حَبْلٌ أَسْوَدُ فَقَالَ لَهُ مُوسَى صلى الله عليه وسلم أَتَعْرِفُ فُلَانًا ؟ قَالَ : نَعَمْ هُوَ هَذَا الْخِنْزِيرُ فَقَالَ مُوسَى عليه السلام : يَا رَبِّ أَسْأَلُك أَنْ تَرُدَّهُ إلَى حَالِهِ حَتَّى أَسْأَلَهُ بِمَ أَصَابَهُ هَذَا ؟ فَأَوْحَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إلَيْهِ يَا مُوسَى لَوْ دَعَوْتنِي بِاَلَّذِي دَعَانِي بِهِ آدَم , فَمَنْ دُونَهُ مَا أَجَبْتُك فِيهِ وَلَكِنْ أُخْبِرُك لِمَ صَنَعْت هَذَا بِهِ ؟ لِأَنَّهُ كَانَ يَطْلُبُ الدُّنْيَا بِالدِّينِ . وَقَدْ كَانَ(64/58)
سَيِّدِي أَبُو مُحَمَّدٍ الْمَرْجَانِيِّ رحمه الله يَقُولُ : كَانَ الْخَسْفُ لِمَنْ قَبْلِنَا بِالْإِعْدَامِ وَلِكَرَامَةِ هَذِهِ الْأُمَّةِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَشَفَاعَةِ نَبِيِّنَا: مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم فِينَا رُفِعَ عَنَّا خَسْفُ الظَّاهِرِ ; لِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام طَلَبَ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ لَا يَخْسِفَ بِأُمَّتِهِ كَمَا فَعَلَ بِمَنْ مَضَى مِنْ الْأُمَمِ فَشَفَّعَهُ اللَّهُ فِيمَا طَلَبَ فِي الظَّاهِرِ لِيَقَعَ بِذَلِكَ السَّتْرُ . . أَمَّا خَسْفُ الْبَاطِنِ فَلَمْ يَرْفَعْهُ عَلَى مَا وَرَدَ , وَذَلِكَ مَوْجُودٌ ظَاهِرٌ بَيِّنٌ لَا يَرْتَابُ أَحَدٌ فِيهِ وَلَا يَشُكُّ أَلَا تَرَى إلَى الْخِنْزِيرِ وَحَالَتِهِ وَمَا هُوَ فِيهِ مِنْ التَّنْجِيسِ وَالتَّقْذِيرِ فَانْظُرْ إلَى شَارِبِ الْخَمْرِ هَلْ تَجِدُ بَيْنَهُمَا فَرْقًا ؟ إلَّا فِي الصُّورَةِ الظَّاهِرَةِ وَالْمَعَانِي قَدْ جَمَعَتْ بَيْنَهُمَا . وَكَذَلِكَ أَيْضًا إذَا نَظَرْت إلَى الثُّعْبَانِ تَجِدُهُ نَاعِمًا أَمْلَسَ مَلِيحَ الْمَنْظَرِ فَإِذَا قَرُبْته قَتَلَك بِسُمِّهِ وَأَنْتَ تَرَى كَثِيرًا مِنْ أَهْلِ الْوَقْتِ كَذَلِكَ فَتَنْظُرُ فِي أَحَدِهِمْ تَرَى الْعِبَارَةَ الْعَذْبَةَ وَالْكَلَامَ الطَّيِّبَ , وَكَأَنَّهُ أَعْظَمُ النَّاسِ لَك فِي الْمَحَبَّةِ فَإِذَا اطْمَأْنَنْت إلَيْهِ أَوْ رَكَنْت إلَى جَانِبِهِ أَوْ غِبْت عَنْهُ أَهْلَكَك بِحَسَبِ حَالِهِ وَحَالِك , إمَّا فِي مَالِك أَوْ عِرْضِك أَوْ دِينِك , وَذَلِكَ سُمُّهُ فَأَيُّ فَرْقٍ بَيْنَهُمَا إلَّا فِي الصُّورَةِ الظَّاهِرَةِ وَالْمَعَانِي جَامِعَةٌ بَيْنَهُمَا . أَلَا تَرَى إلَى السَّبُعِ وَحَالَتِهِ وَإِيذَائِهِ وَرُعْبِهِ لِلنَّاسِ وَخَوْفِهِمْ مِنْهُ إذَا سَمِعُوا بِحِسِّهِ فَضْلًا عَنْ رُؤْيَتِهِ , بَلْ مِنْ النَّاسِ مَنْ لَا يَسْتَطِيعُ رُؤْيَتَهُ فَمَا رَآهُ إلَّا وَيَهْلَكُ , وَهُوَ مَطْبُوعٌ عَلَى الضَّرَرِ الْكُلِّيِّ أَلَا تَرَى إلَى حَالِهِ إذْ قَدْ يَكُونُ شَبْعَانًا رَيَّانًا وَمَعَ ذَلِكَ إذَا رَأَى آدَمِيًّا أَوْ مَاشِيَةً لَمْ يَتَمَالَكْ نَفْسَهُ إلَّا أَنْ يَنْقَضَّ عَلَيْهِ يَعْبَثَ بِهِ وَيَقْتُلَهُ ثُمَّ يَمْضِيَ وَيَتْرُكَهُ عَلَى ذَلِكَ الْحَالِ لَا حَاجَةَ لَهُ بِهِ لِشِبَعِهِ فَانْظُرْ إلَى هَؤُلَاءِ الظَّلَمَةِ وَمَا وَسَّعَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ فِي دُنْيَاهُمْ حَتَّى لَمْ يُبْقِ لَهُمْ أُمْنِيَّةً إلَّا وَهِيَ حَاصِلَةٌ فَضْلًا عَنْ الضَّرُورَاتِ ثُمَّ فَضَلَتْ الْأَمْوَالُ عِنْدَهُمْ لَيْسَ لَهُمْ بِهَا حَاجَةٌ يُدْبِرُونَ عَلَى بَعْضِهَا بِالدَّفْنِ , وَعَلَى بَعْضِهَا بِالْحُرُمَاتِ وَفِي الْبُنْيَانِ وَالْإِسْرَافِ ثُمَّ مَعَ مَا مُدَّ لَهُمْ مِنْ كَثْرَةِ الْأَمْوَالِ لَا يَقْدِرُ أَحَدٌ مِنْهُمْ فِي الْغَالِبِ أَنْ يَتْرُكَ لِلضَّعِيفِ الْمِسْكِينِ دِرْهَمًا يَكْتَسِبُ بِهِ لِنَفْسِهِ وَعَائِلَتِهِ . بَلْ يَضْرِبُونَ النَّاسَ الْفُقَرَاءَ عَلَى الشَّيْءِ الْيَسِيرِ الضَّرْبَ الْمُؤْلِمَ وَيَسُوءُونَ عَلَى ذَلِكَ بِالْحَبْسِ وَالْغَرَامَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدَهُمْ مِنْ أَنْوَاعِ الْعَذَابِ وَالرُّعْبِ لِلْمَسَاكِينِ , وَكَثِيرٌ مِنْ الضُّعَفَاءِ وَالْمَسَاكِينِ لَا يَسْتَطِيعُونَ رُؤْيَتَهُمْ لِشِدَّةِ سَطْوَتِهِمْ فَأَيُّ فَرْقٍ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ السَّبُعِ ؟ إلَّا فِي الصُّورَةِ الظَّاهِرَةِ وَالْمَعَانِي جَامِعَةٌ بَيْنَهُمَا . أَلَا تَرَى إلَى الْكِلَابِ وَحَالَتِهَا وَإِيذَائِهَا وَتَسْلِيطِهَا عَلَى رُعْبِ النَّاسِ مَرَّةً بِرُؤْيَتِهَا وَمَرَّةً بِصَوْتِهَا وَمَرَّةً بِتَقْطِيعِهَا الثِّيَابَ وَإِيذَائِهَا فِي الْبَدَنِ , وَقَدْ يُؤَوَّلُ أَمْرُهَا أَنَّ كُلَّ مَنْ قَامَتْ عَلَيْهِ مِنْ الْآدَمِيِّينَ سَوَاءٌ كَانَ صَبِيًّا صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا ضَعِيفًا إلَى الْإِعْدَامِ أَلْبَتَّةَ , وَقَدْ يَكُونُ فِيهَا مَنْ هُوَ كَلْبٌ فَيَهْلَكُ مَنْ قَرُبَ مِنْهُ مَرَّةً وَاحِدَةً , وَقَدْ وَقَعَ هَذَا كَثِيرًا , وَهُوَ كَثِيرٌ مُتَعَارَفٌ . فَانْظُرْ إلَى هَؤُلَاءِ الْحَرَسِ الْمُجْتَزِئَةِ الْجَنَادِرَةِ فِي إرْعَابِهِمْ الْمُسْلِمِينَ وَتَسْلِيطِهِمْ عَلَيْهِمْ بِالْأَذِيَّةِ الْعَظِيمَةِ فِي الدِّينِ وَالْبَدَنِ وَالْمَالِ وَالرُّوحِ وَالرُّعْبِ الْحَاصِلِ عِنْدَ رُؤْيَتِهِمْ لِلصِّبْيَانِ الصِّغَارِ وَالْكِبَارِ الضُّعَفَاءِ الْمَسَاكِينِ فَأَيُّ فَرْقٍ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْكِلَابِ ؟ إلَّا فِي الصُّورَةِ الظَّاهِرَةِ وَالْمَعَانِي . أَلَا تَرَى إلَى الْعَقْرَبِ وَحَالَتِهَا وَإِيذَائِهَا وَكَثْرَةِ تَعْقِيدِهَا وَسُمِّهَا , وَأَنَّهَا لَيْسَ لَهَا صَدْرٌ فَانْظُرْ إلَى بَعْضِهِمْ تَجِدْهُ كَذَلِكَ ضَيِّقَ الصَّدْرِ وَمَعْقُودَ الْوَجْهِ لَا تَسْتَطِيعُ(64/59)
رُؤْيَتَهُ لِتَعَقُّدِ وَجْهِهِ وَضِيقِ صَدْرِهِ , فَإِنْ قَرُبْته وَأَنْتَ لَا تَتَحَفَّظُ عَلَى نَفْسِك مِنْهُ حَصَلَ لَك مِنْهُ الْأَذِيَّةُ الْعُظْمَى إمَّا فِي مَالِك أَوْ بَدَنِك أَوْ عِرْضِك , وَذَلِكَ سُمُّهُ فَأَيُّ فَرْقٍ بَيْنَهُمَا إلَّا فِي الصُّورَةِ الظَّاهِرَةِ ؟ وَالْمَعَانِي جَامِعَةٌ بَيْنَهُمَا انْتَهَى بِالْمَعْنَى . وَهَذَا كَثِيرٌ لَا يُمْكِنُ حَصْرُهُ وَلَا عَدُّهُ , وَإِنَّمَا ذَكَرَ هَذَا رحمه الله تَمْثِيلًا لِمَنْ لَهُ لُبٌّ فَيَنْظُرُ إلَى كَيْفِيَّةِ الْخَسْفِ الْوَاقِعِ لِكُلِّ إنْسَانٍ بِحَسَبِ حَالِهِ وَحَالِ دِينِهِ فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ عَلَى خَسْفِ الْقُلُوبِ وَعَدَمِ الِاسْتِحْيَاءِ مِنْ ارْتِكَابِ الذُّنُوبِ كُلُّ هَذَا سَبَبُهُ الْمُوَاطَأَةُ مِنْ الْبَعْضِ عَلَى ارْتِكَابِ الْمُخَالَفَاتِ وَمِنْ الْبَعْضِ عَلَى السُّكُوتِ عِنْدَ رُؤْيَةِ ذَلِكَ أَوْ سَمَاعِهِ , وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ تَغْيِيرَ ذَلِكَ مُتَعَيِّنٌ عَلَى الْعُلَمَاءِ بِالْيَدِ مَرَّةً وَبِاللِّسَانِ مَرَّةً وَالشَّاذُّ لُزُومُ ذَلِكَ بِالْقَلْبِ , وَهُوَ التَّأْثِيرُ وَالْبُغْضُ الَّذِي يَجِدُهُ فِي قَلْبِهِ لِذَلِكَ الْفِعْلِ , وَقَدْ تَقَدَّمَ أَيْضًا أَنَّ مِنْ الْآدَابِ فِي ذَلِكَ وَالْكَمَالِ أَنْ يُغَيِّرَ عَلَى نَفْسِهِ أَوَّلًا قَبْلَ غَيْرِهِ بِالْيَدِ أَوْ بِاللِّسَانِ فَإِذَا اسْتَقَامَتْ النَّفْسُ عَلَى مَا يَنْبَغِي مِنْ الِامْتِثَالِ حِينَئِذٍ يَرْجِعُ إلَى غَيْرِهِ يُغَيِّرُ عَلَيْهِ بِالْيَدِ أَوْ بِاللِّسَانِ بِحَسَبِ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ فِي وَقْتِهِ .
وفي إعلام الموقعين :
فَصْلٌ : [ مِنْ وُجُوهِ فَضْلِ الصَّحَابَةِ ](64/60)
هَذَا فِيمَا انْفَرَدُوا بِهِ عَنَّا , أَمَّا الْمَدَارِكُ الَّتِي شَارَكْنَاهُمْ فِيهَا مِنْ دَلَالَاتِ الْأَلْفَاظِ وَالْأَقْيِسَةِ فَلَا رَيْبَ أَنَّهُمْ كَانُوا أَبَرَّ قُلُوبًا , وَأَعْمَقَ عِلْمًا , وَأَقَلَّ تَكَلُّفًا , وَأَقْرَبَ إلَى أَنْ يُوَفَّقُوا فِيهَا لِمَا لَمْ نُوَفَّقْ لَهُ نَحْنُ ; لِمَا خَصَّهُمْ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ مِنْ تَوَقُّدِ الْأَذْهَانِ , وَفَصَاحَةِ اللِّسَانِ , وَسَعَةِ الْعِلْمِ , وَسُهُولَةِ الْأَخْذِ , وَحُسْنِ الْإِدْرَاكِ وَسُرْعَتِهِ , وَقِلَّةِ الْمُعَارِضِ أَوْ عَدَمِهِ , وَحُسْنِ الْقَصْدِ , وَتَقْوَى الرَّبِّ تَعَالَى ; فَالْعَرَبِيَّةُ طَبِيعَتُهُمْ وَسَلِيقَتُهُمْ , وَالْمَعَانِي الصَّحِيحَةُ مَرْكُوزَةٌ فِي فِطَرِهِمْ وَعُقُولِهِمْ , وَلَا حَاجَةَ بِهِمْ إلَى النَّظَرِ فِي الْإِسْنَادِ وَأَحْوَالِ الرُّوَاةِ وَعِلَلِ الْحَدِيثِ وَالْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ , وَلَا إلَى النَّظَرِ فِي قَوَاعِدِ الْأُصُولِ وَأَوْضَاعِ الْأُصُولِيِّينَ , بَلْ قَدْ غُنُوا عَنْ ذَلِكَ كُلِّهِ , فَلَيْسَ فِي حَقِّهِمْ إلَّا أَمْرَانِ : أَحَدُهُمَا : قَالَ اللَّهُ تَعَالَى كَذَا , وَقَالَ رَسُولُهُ كَذَا , وَالثَّانِي : مَعْنَاهُ كَذَا وَكَذَا , وَهُمْ أَسْعَدُ النَّاسِ بِهَاتَيْنِ الْمُقَدِّمَتَيْنِ , وَأَحْظَى الْأُمَّةِ بِهِمَا , فَقُوَاهُمْ مُتَوَفِّرَةٌ مُجْتَمِعَةٌ عَلَيْهِمَا , وَأَمَّا الْمُتَأَخِّرُونَ فَقُوَاهُمْ مُتَفَرِّقَةٌ , وَهِمَمُهُمْ مُتَشَعِّبَةٌ , فَالْعَرَبِيَّةُ وَتَوَابِعُهَا قَدْ أَخَذَتْ مِنْ قُوَى أَذْهَانِهِمْ شُعْبَةً , وَالْأُصُولُ وَقَوَاعِدُهَا قَدْ أَخَذَتْ مِنْهَا شُعْبَةً , وَعِلْمُ الْإِسْنَادِ وَأَحْوَالِ الرُّوَاةِ قَدْ أَخَذَ مِنْهَا شُعْبَةً , وَفِكْرُهُمْ فِي كَلَامِ مُصَنِّفِيهِمْ وَشُيُوخِهِمْ عَلَى اخْتِلَافِهِمْ , وَمَا أَرَادُوا بِهِ قَدْ أَخَذَ مِنْهَا شُعْبَةً , إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأُمُورِ , فَإِذَا وَصَلُوا إلَى النُّصُوصِ النَّبَوِيَّةِ إنْ كَانَ لَهُمْ هِمَمٌ تُسَافِرُ إلَيْهَا وَصَلُوا إلَيْهَا بِقُلُوبٍ وَأَذْهَانٍ قَدْ كَلَّتْ مِنْ السَّيْرِ فِي غَيْرِهَا . وَأَوْهَنَ قُوَاهُمْ مُوَاصَلَةُ السُّرَى فِي سِوَاهَا , فَأَدْرَكُوا مِنْ النُّصُوصِ وَمَعَانِيهَا بِحَسَبِ تِلْكَ الْقُوَّةِ , وَهَذَا أَمْرٌ يَحُسُّ بِهِ النَّاظِرُ فِي مَسْأَلَةٍ إذَا اسْتَعْمَلَ قُوَى ذِهْنِهِ فِي غَيْرِهَا , ثُمَّ صَارَ إلَيْهَا وَافَاهَا بِذِهْنٍ كَالٍّ وَقُوَّةٍ ضَعِيفَةٍ , وَهَذَا شَأْنُ مَنْ اسْتَفْرَغَ قُوَاهُ فِي الْأَعْمَالِ غَيْرِ الْمَشْرُوعَةِ تُضْعِفُ قُوَّتَهُ عِنْدَ الْعَمَلِ الْمَشْرُوعِ , كَمَنْ اسْتَفْرَغَ قُوَّتَهُ فِي السَّمَاعِ الشَّيْطَانِيِّ فَإِذَا جَاءَ قِيَامُ اللَّيْلِ قَامَ إلَى وِرْدِهِ بِقُوَّةٍ كَالَّةٍ وَعَزِيمَةٍ بَارِدَةٍ , وَكَذَلِكَ مَنْ صَرَفَ قُوَى حُبِّهِ , وَإِرَادَتِهِ إلَى الصُّوَرِ أَوْ الْمَالِ أَوْ الْجَاهِ , فَإِذَا طَالَبَ قَلْبَهُ بِمَحَبَّةِ اللَّهِ فَإِنْ انْجَذَبَ مَعَهُ انْجَذَبَ بِقُوَّةٍ ضَعِيفَةٍ قَدْ اسْتَفْرَغَهَا فِي مَحَبَّةِ غَيْرِهِ , فَمَنْ اسْتَفْرَغَ قُوَى فِكْرِهِ فِي كَلَامِ النَّاسِ , فَإِذَا جَاءَ إلَى كَلَامِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ جَاءَ بِفِكْرَةٍ كَالَّةٍ فَأَعْطَى بِحَسَبِ ذَلِكَ . وَالْمَقْصُودُ أَنَّ الصَّحَابَةَ أَغْنَاهُمْ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ ذَلِكَ كُلِّهِ , فَاجْتَمَعَتْ قُوَاهُمْ عَلَى تَيْنِك الْمُقَدِّمَتَيْنِ فَقَطْ , هَذَا إلَى مَا خُصُّوا بِهِ مِنْ قُوَى الْأَذْهَانِ وَصَفَائِهَا , وَصِحَّتِهَا وَقُوَّةِ إدْرَاكِهَا , وَكَمَالِهِ , وَكَثْرَةِ الْمُعَاوِنِ , وَقِلَّةِ الصَّارِفِ , وَقُرْبِ الْعَهْدِ بِنُورِ النُّبُوَّةِ , وَالتَّلَقِّي مِنْ تِلْكَ الْمِشْكَاةِ النَّبَوِيَّةِ , فَإِذَا كَانَ هَذَا حَالَنَا وَحَالَهُمْ فِيمَا تَمَيَّزُوا بِهِ عَلَيْنَا , وَمَا شَارَكْنَاهُمْ فِيهِ فَكَيْفَ نَكُونُ نَحْنُ أَوْ شُيُوخُنَا أَوْ شُيُوخُهُمْ أَوْ مَنْ قَلَّدْنَاهُ أَسْعَدَ بِالصَّوَابِ مِنْهُمْ فِي مَسْأَلَةٍ مِنْ الْمَسَائِلِ ؟ وَمَنْ حَدَّثَ نَفْسَهُ بِهَذَا فَلْيَعْزِلْهَا مِنْ الدِّينِ وَالْعَمَلِ , وَاَللَّهُ الْمُسْتَعَانُ . الْوَجْهُ الرَّابِعُ وَالْأَرْبَعُونَ : أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ { لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ } وَقَالَ عَلِيٌّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ وَرَضِيَ عَنْهُ : لَنْ تَخْلُوَ الْأَرْضُ مِنْ قَائِمٍ لِلَّهِ بِحُجَّةٍ لِكَيْ لَا تَبْطُلَ حُجَجُ اللَّهِ وَبَيِّنَاتُهُ , فَلَوْ جَازَ أَنْ يُخْطِئَ الصَّحَابِيُّ فِي حُكْمٍ , وَلَا يَكُونُ فِي ذَلِكَ الْعَصْرِ نَاطِقٌ بِالصَّوَابِ فِي ذَلِكَ الْحُكْمِ لَمْ يَكُنْ فِي الْأُمَّةِ قَائِمٌ بِالْحَقِّ فِي ذَلِكَ(64/61)
الْحُكْمِ ; لِأَنَّهُمْ بَيْنَ سَاكِتٍ وَمُخْطِئٍ , وَلَمْ يَكُنْ فِي الْأَرْضِ قَائِمٌ لِلَّهِ بِحُجَّةٍ فِي ذَلِكَ الْأَمْرِ , وَلَا مَنْ يَأْمُرُ فِيهِ بِمَعْرُوفٍ أَوْ يَنْهَى فِيهِ عَنْ مُنْكَرٍ , حَتَّى نَبَغَتْ نَابِغَةٌ فَقَامَتْ بِالْحُجَّةِ وَأَمَرَتْ بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَتْ عَنْ الْمُنْكَرِ , وَهَذَا خِلَافُ مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ . الْوَجْهُ الْخَامِسُ وَالْأَرْبَعُونَ : إنَّهُمْ إذَا قَالُوا قَوْلًا أَوْ بَعْضُهُمْ ثُمَّ خَالَفَهُمْ مُخَالِفٌ مِنْ غَيْرِهِمْ كَانَ مُبْتَدِئًا لِذَلِكَ الْقَوْلِ وَمُبْتَدِعًا لَهُ , وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ : صلى الله عليه وسلم { عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ مِنْ بَعْدِي , تَمَسَّكُوا بِهَا , وَعُضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ , وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ , فَإِنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ } وَقَوْلُ مَنْ جَاءَ بَعْدَهُمْ يُخَالِفُهُمْ مِنْ مُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ فَلَا يَجُوزُ اتِّبَاعُهُمْ . وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ : اتَّبِعُوا وَلَا تَبْتَدِعُوا , فَقَدْ كُفِيتُمْ , فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ , وَقَالَ أَيْضًا : إنَّا نَقْتَدِي وَلَا نَبْتَدِي , وَنَتَّبِعُ وَلَا نَبْتَدِعُ , وَلَنْ نَضِلَّ مَا تَمَسَّكْنَا بِالْأَثَرِ . وَقَالَ أَيْضًا : إيَّاكُمْ وَالتَّبَدُّعَ , وَإِيَّاكُمْ وَالتَّنَطُّعَ , وَإِيَّاكُمْ وَالتَّعَمُّقَ , وَعَلَيْكُمْ بِالدِّينِ الْعَتِيقِ وَقَالَ أَيْضًا : أَنَا لِغَيْرِ الدَّجَّالِ أَخْوَفُ عَلَيْكُمْ مِنْ الدَّجَّالِ , أُمُورٌ تَكُونُ مِنْ كُبَرَائِكُمْ , فَأَيُّمَا مِرْيَةَ أَوْ رُجَيْلٍ أَدْرَكَ ذَلِكَ الزَّمَانَ فَالسَّمْتَ الْأَوَّلَ , فَالسَّمْتَ الْأَوَّلَ , فَأَنَا الْيَوْمَ عَلَى السُّنَّةِ . وَقَالَ أَيْضًا : وَإِيَّاكُمْ وَالْمُحْدَثَاتِ ; فَإِنَّ شَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا , وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ , وَقَالَ أَيْضًا : اتَّبِعْ وَلَا تَبْتَدِعْ , فَإِنَّك لَنْ تَضِلَّ مَا أَخَذْت بِالْأَثَرِ , وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : كَانَ يُقَالُ عَلَيْكُمْ بِالِاسْتِقَامَةِ وَالْأَثَرِ , وَإِيَّاكُمْ وَالتَّبَدُّعَ , وَقَالَ شُرَيْحٌ : إنَّمَا أَقْتَفِي الْأَثَرَ , فَمَا وَجَدْت قَدْ سَبَقَنَا إلَيْهِ غَيْرُكُمْ حَدَّثْتُكُمْ بِهِ . وَقَالَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ : لَوْ بَلَغَنِي عَنْهُمْ يَعْنِي الصَّحَابَةَ أَنَّهُمْ لَمْ يُجَاوِزُوا بِالْوُضُوءِ ظُفُرًا مَا جَاوَزْته بِهِ , وَكَفَى عَلَى قَوْمٍ وِزْرًا أَنْ تُخَالِفَ أَعْمَالُهُمْ أَعْمَالَ أَصْحَابِ نَبِيِّهِمْ صلى الله عليه وسلم وَقَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ : إنَّهُ لَمْ يَبْتَدِعْ النَّاسُ بِدْعَةً إلَّا وَقَدْ مَضَى فِيهَا مَا هُوَ دَلِيلٌ وَعِبْرَةٌ مِنْهَا , وَالسُّنَّةُ مَا اسْتَنَّهَا إلَّا مَنْ عَلِمَ مَا فِي خِلَافِهَا مِنْ الْخَطَأِ وَالزَّلَلِ وَالْحُمْقِ وَالتَّعَمُّقِ , فَارْضَ لِنَفْسِك مَا رَضِيَ الْقَوْمُ . وَقَالَ أَيْضًا : قِفْ حَيْثُ وَقَفَ الْقَوْمُ , وَقُلْ كَمَا قَالُوا , وَاسْكُتْ كَمَا سَكَتُوا ; فَإِنَّهُمْ عَنْ عِلْمٍ وَقَفُوا , وَبِبَصَرٍ نَاقِدٍ كَفُّوا , وَهُمْ عَلَى كَشْفِهَا كَانُوا أَقْوَى , وَبِالْفَضْلِ لَوْ كَانَ فِيهَا أَحْرَى . أَيْ فَلَئِنْ كَانَ الْهُدَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ فَلَقَدْ سَبَقْتُمُوهُمْ إلَيْهِ , وَلَئِنْ قُلْتُمْ حَدَثَ بَعْدَهُمْ فَمَا أَحْدَثَهُ إلَّا مَنْ سَلَكَ غَيْرَ سَبِّ يَلِهِمْ وَرَغِبَ بِنَفْسِهِ عَنْهُمْ , وَإِنَّهُمْ لَهُمْ السَّابِقُونَ , وَلَقَدْ تَكَلَّمُوا مِنْهُ بِمَا يَكْفِي , وَوَصَفُوا مِنْهُ مَا يَشْفِي , فَمَا دُونَهُمْ مُقَصِّرٌ , وَلَا فَوْقَهُمْ مُجَسِّرٌ , وَلَقَدْ قَصَّرَ عَنْهُمْ قَوْمٌ فَجَفَوْا , وَطَمَحَ آخَرُونَ عَنْهُمْ فَغَلَوْا , وَإِنَّهُمْ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ لَعَلَى هُدًى مُسْتَقِيمٍ . وَقَالَ أَيْضًا كَلَامًا كَانَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَئِمَّةِ يَسْتَحْسِنُونَهُ وَيُحَدِّثُونَ بِهِ دَائِمًا , قَالَ : سَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلملِوُلَاةِ الْأَمْرِ بَعْدَهُ سُنَنًا الْأَخْذُ بِهَا تَصْدِيقٌ لِكِتَابِ اللَّهِ وَاسْتِكْمَالٌ لِطَاعَتِهِ وَقُوَّةٌ عَلَى دِينِهِ , لَيْسَ لِأَحَدٍ تَغْيِيرُهَا وَلَا تَبْدِيلُهَا وَلَا النَّظَرُ فِي رَأْيِ مَنْ خَالَفَهَا , فَمَنْ اقْتَدَى بِمَا سَنُّوا فَقَدْ اهْتَدَى , وَمَنْ اسْتَنْصَرَ بِهَا مَنْصُورٌ , وَمَنْ خَالَفَهَا وَاتَّبَعَ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ وَلَّاهُ اللَّهُ مَا تَوَلَّى وَأَصْلَاهُ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ; وَمِنْ هُنَا أَخَذَ الشَّافِعِيُّ الِاحْتِجَاجَ بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى أَنَّ(64/62)
الْإِجْمَاعَ حُجَّةٌ . وَقَالَ الشَّعْبِيُّ : عَلَيْك بِآثَارِ مَنْ سَلَفَ وَإِنْ رَفَضَك النَّاسُ , وَإِيَّاكَ وَآرَاءَ الرِّجَالِ وَإِنْ زَخْرَفُوهَا لَك بِالْقَوْلِ , وَقَالَ أَيْضًا : مَا حَدَّثُوك بِهِ عَنْ أَصْحَابِ: مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم فَخُذْهُ وَمَا حَدَّثُوك بِهِ عَنْ رَأْيِهِمْ فَانْبِذْهُ فِي الْحُشِّ . قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ : اصْبِرْ نَفْسَك عَلَى السُّنَّةِ , وَقِفْ حَيْثُ وَقَفَ الْقَوْمُ , وَاسْلُكْ سَبِيلَ سَلَفِك الصَّالِحِ , فَإِنَّهُ يَسَعُك مَا وَسِعَهُمْ , وَقُلْ بِمَا قَالُوا , وَكُفَّ عَمَّا كَفُّوا , وَلَوْ كَانَ هَذَا خَيْرًا مَا خُصِصْتُمْ بِهِ دُونَ أَسْلَافِكُمْ ; فَإِنَّهُمْ لَمْ يُدَّخَرْ عَنْهُمْ خَيْرٌ خُبِّئَ لَكُمْ دُونَهُمْ لِفَضْلٍ عِنْدَكُمْ , وَهُمْ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلمالَّذِينَ اخْتَارَهُمْ لَهُ وَبَعَثَهُ فِيهِمْ وَوَصَفَهُمْ قَالَ : { مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَاَلَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ } الْآيَةَ . الْوَجْهُ السَّادِسُ وَالْأَرْبَعُونَ : أَنَّهُ لَمْ يَزَلْ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي كُلِّ عَصْرٍ وَمِصْرٍ يَحْتَجُّونَ بِمَا هَذَا سَبِيلُهُ مِنْ فَتَاوَى الصَّحَابَةِ وَأَقْوَالِهِمْ , وَلَا يُنْكِرُهُ مُنْكِرٌ مِنْهُمْ , وَتَصَانِيفُ الْعُلَمَاءِ شَاهِدَةٌ بِذَلِكَ , وَمُنَاظَرَاتُهُمْ نَاطِقَةٌ بِهِ . قَالَ بَعْضُ عُلَمَاءِ الْمَالِكِيَّةِ : أَهْلُ الْأَعْصَارِ مُجْمِعُونَ عَلَى الِاحْتِجَاجِ بِمَا هَذَا سَبِيلُهُ , وَذَلِكَ مَشْهُورٌ فِي رِوَايَاتِهِمْ وَكُتُبِهِمْ وَمُنَاظَرَاتِهِمْ وَاسْتِدْلَالَاته م , وَيَمْتَنِعُ وَالْحَالَةُ هَذِهِ إطْبَاقُ هَؤُلَاءِ كُلِّهِمْ عَلَى الِاحْتِجَاجِ بِمَا لَمْ يَشْرَعْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ الِاحْتِجَاجَ بِهِ وَلَا نَصْبَهُ دَلِيلًا لَلْأُمَّةِ , فَأَيُّ كِتَابٍ شِئْت مِنْ كُتُبِ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ الْمُتَضَمِّنَةِ لِلْحُكْمِ وَالدَّلِيلِ وَجَدْت فِيهِ الِاسْتِدْلَالَ بِأَقْوَالِ الصَّحَابَةِ , وَوَجَدْت ذَلِكَ طِرَازَهَا وَزِينَتَهَا , وَلَمْ تَجِدْ فِيهَا قَطُّ لَيْسَ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ حُجَّةً , وَلَا يَحْتَجُّ بِأَقْوَالِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلموَفَتَاوِيهِمْ , وَلَا مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ , وَكَيْفَ يَطِيبُ قَلْبُ عَالِمٍ يُقَدِّمُ عَلَى أَقْوَالِ مَنْ وَافَقَ رَبَّهُ تَعَالَى فِي غَيْرِ حُكْمٍ فَقَالَ وَأَفْتَى بِحَضْرَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلموَنَزَلَ الْقُرْآنُ بِمُوَافَقَةِ مَا قَالَ لَفْظًا وَمَعْنًى قَوْلَ مُتَأَخِّرٍ بَعْدَهُ لَيْسَ لَهُ هَذِهِ الرُّتْبَةُ وَلَا يُدَانِيهَا ؟ وَكَيْفَ يَظُنُّ أَحَدٌ أَنَّ الظَّنَّ الْمُسْتَفَادَ مِنْ آرَاءِ الْمُتَأَخِّرِينَ أَرْجَحُ مِنْ الظَّنِّ الْمُسْتَفَادِ مِنْ فَتَاوَى السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ الَّذِينَ شَاهَدُوا الْوَحْيَ وَالتَّنْزِيلَ وَعَرَفُوا التَّأْوِيلَ وَكَانَ الْوَحْيُ يَنْزِلُ خِلَالَ بُيُوتِهِمْ وَيَنْزِلُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلموَهُوَ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ ؟ . قَالَ جَابِرٌ : وَالْقُرْآنُ يَنْزِلُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلموَهُوَ يَعْرِفُ تَأْوِيلَهُ , فَمَا عَمِلَ بِهِ مِنْ شَيْءٍ عَمِلْنَا بِهِ , فِي حَدِيثِ حَجَّةِ الْوَدَاعِ , فَمُسْتَنَدُهُمْ فِي مَعْرِفَةِ مُرَادِ الرَّبِّ تَعَالَى مِنْ كَلَامِهِ مَا يُشَاهِدُونَهُ مِنْ فِعْلِ رَسُولِهِ وَهَدْيِهِ الَّذِي هُوَ يُفَصِّلُ الْقُرْآنَ وَيُفَسِّرُهُ , فَكَيْفَ يَكُونُ أَحَدٌ مِنْ الْأُمَّةِ بَعْدَهُمْ أَوْلَى بِالصَّوَابِ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَشْيَاءِ ؟ هَذَا عَيْنُ الْمُحَالِ .
وفي الفواكه اللدواني :
( وَالتَّوْبَةُ فَرِيضَةٌ ) عَلَى الْفَوْرِ إجْمَاعًا . ( مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ )(64/63)
مِنْ الْكَبَائِرِ اتِّفَاقًا وَمِنْ الصَّغَائِرِ أَيْضًا عَلَى أَحَدِ قَوْلَيْنِ , وَسَوَاءٌ كَانَ الذَّنْبُ مَعْلُومًا أَوْ مَجْهُولًا , لَكِنَّ الْمَعْلُومَ تَجِبُ التَّوْبَةُ مِنْهُ تَفْصِيلًا وَالْمَجْهُولُ إجْمَالًا , وَقِيلَ : إنَّ الصَّغَائِرَ لَا تَحْتَاجُ إلَى تَوْبَةٍ , وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ صَاحِبُ الْجَوْهَرَةِ حَيْثُ قَالَ : ثُمَّ الذُّنُوبُ عِنْدَنَا قِسْمَانِ صَغِيرَةٌ كَبِيرَةٌ فَالثَّانِي مِنْهُ الْمَتَابُ وَاجِبٌ فِي الْحَالِ وَلَا انْتِقَاضَ إنْ يَعُدْ لِلْحَالِ وَأَمَّا الصَّغَائِرُ فَلَهَا مُكَفِّرَاتٌ كَثِيرَةٌ , مِنْهَا : اجْتِنَابُ الْكَبَائِرِ كَمَا قَالَ اللَّهُ وَقَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ أَيْضًا , وَبِالصَّلَوَاتِ وَالْحَسَنَاتِ وَبِالْأَمْرَاضِ وَالْمَصَائِبِ . وَتَوْبَةُ الْكَافِرِ إسْلَامُهُ وَهِيَ مَقْبُولَةٌ قَطْعًا بِنَصِّ الْقُرْآنِ { إنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ } إلَّا أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا أَوْ يُغَرْغِرَ , وَتَوْبَةُ الْمُؤْمِنِ الْعَاصِي رُجُوعُهُ عَنْ مَعْصِيَتِهِ إلَى أَفْعَالٍ حَسَنَةٍ وَهِيَ مَقْبُولَةٌ قِيلَ قَطْعًا وَقِيلَ ظَنًّا , وَتُقْبَلُ مِنْهُ وَلَوْ بَعْدَ الْغَرْغَرَةِ وَلَوْ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا , بِخِلَافِ الْكَافِرِ فِيهِمَا إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعْذُورًا لِصِبَاهُ أَوْ جُنُونِهِ فَيُقْبَلُ مِنْهُ إسْلَامُهُ عَلَى مَا ارْتَضَاهُ الْأُجْهُورِيُّ فِي شَرْحِهِ عَلَى خَلِيلٍ , وَوُجُوبُ التَّوْبَةِ مِنْ الْكَبَائِرِ لَا يُنَافِي جَوَازَ غُفْرَانِهَا بِمَحْضِ الْعَفْوِ , وَقَدْ تَكُونُ التَّوْبَةُ مُسْتَحَبَّةً وَهِيَ التَّوْبَةُ مِنْ ارْتِكَابِ الْمَكْرُوهَاتِ وَأَكْلِ الْمُتَشَابِهَاتِ وَهِيَ تَوْبَةُ الزُّهَّادِ , وَإِنَّمَا قُلْنَا عَلَى الْفَوْرِ لِأَجْلِ قَوْلِهِ : ( مِنْ غَيْرِ إصْرَارٍ ) وَفَسَّرَهُ بِقَوْلِهِ : ( وَالْإِصْرَارُ الْمُقَامُ ) بِضَمِّ الْمِيمِ بِمَعْنَى الْإِقَامَةِ ( عَلَى الذَّنْبِ وَاعْتِقَادُ ) أَيْ نِيَّةُ ( الْعُودِ إلَيْهِ ) لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مُنَافٍ لِحَقِيقَةِ التَّوْبَةِ إذْ هِيَ النَّدَمُ عَلَى مَا فَعَلَ وَالْعَزْمُ عَلَى عَدَمِ الْعُودِ وَالْإِقْلَاعُ فِي الْحَالِ . ( فَائِدَةٌ ) يُقَالُ : الْعَجَلَةُ فِي الْأُمُورِ مِنْ الشَّيْطَانِ إلَّا فِي مَسَائِلَ مِنْهَا : التَّوْبَةُ وَالصَّلَاةُ إذَا دَخَلَ وَقْتُهَا , وَدَفْنُ الْمَيِّتِ عِنْدَ مَوْتِهِ , وَإِنْكَاحُ الْبِكْرِ إذَا بَلَغَتْ , وَتَقْدِيمُ الطَّعَامِ لِلضَّيْفِ إذَا قَدِمَ , وَقَضَاءُ الدَّيْنِ إذَا حَلَّ , فَهَذِهِ سِتَّةٌ يُطْلَبُ فِيهَا الْعَجَلَةُ . ( وَمِنْ ) وَاجِبَاتِ ( التَّوْبَةِ رَدُّ الْمَظَالِمِ ) إلَى أَهْلِهَا بِأَنْ يَدْفَعَهَا إلَيْهِمْ إنْ كَانَتْ أَمْوَالًا وَلَوْ أَتَى ذَلِكَ عَلَى جَمِيعِ مَا عِنْدَهُ أَوْ يَرُدَّهَا إلَى الْوَارِثِ , فَإِنْ لَمْ يَجِدْ لَهُ وَارِثًا تَصَدَّقَ بِهِ عَلَى الْمَظْلُومِ , وَإِنْ كَانَتْ أَعْرَاضًا كَقَذْفٍ أَوْ غِيبَةٍ اسْتَحْلَلَ الْمَقْذُوفَ أَوْ الْمُغْتَابَ إنْ كَانَ حَيًّا , وَإِنْ وَجَدَهُ مَاتَ فَيُكْثِرُ مِنْ فِعْلِ الْحَسَنَاتِ لِيُعْطَى مِنْهَا الْمَظْلُومُ . ( وَ ) مِنْ وَاجِبَاتِ التَّوْبَةِ أَيْضًا ( اجْتِنَابُ الْمُحَرَّمَاتِ ) وَهُوَ الْمُرَادُ بِالْإِقْلَاعِ فِي الْحَالِ عَنْهَا . ( وَ ) مِنْ وَاجِبَاتِهَا أَيْضًا ( النِّيَّةُ ) أَيْ الْعَزْمُ عَلَى ( أَنْ لَا تَعُودَ ) إلَيْهِ فَتَلَخَّصَ أَنَّ التَّوْبَةَ لَا بُدَّ فِي صِحَّتِهَا مِنْ أَرْكَانٍ وَهِيَ : النَّدَمُ عَلَى مَا فَعَلَ , وَالْإِقْلَاعُ فِي الْحَالِ , وَالْعَزْمُ عَلَى عَدَمِ الْعُودِ , وَرَدُّ الْمَظَالِمِ عَلَى مَا فِيهِ , وَقَدْ قَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَى تِلْكَ الْأَرْكَانِ فِي صَدْرِ الْكِتَابِ مَبْسُوطًا فَلَا حَاجَةَ إلَى إعَادَتِهِ , وَأَشَارَ هُنَا إلَى شُرُوطِ التَّوْبَةِ الْكَمَالِيَّةِ بِقَوْلِهِ : ( وَلْيَسْتَغْفِرْ ) التَّائِبُ عَلَى جِهَةِ النَّدْبِ ( رَبَّهُ ) أَيْ يَطْلُبْ مِنْهُ أَنْ يَسْتُرَ مَا سَلَف مِنْهُ , وَإِنَّمَا طُلِبَ مِنْ التَّائِبِ الِاسْتِغْفَارُ لِمَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ مِنْ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم { إنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ إلَيْهِ فِي الْيَوْمِ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِينَ مَرَّةً } وَوَرَدَ أَيْضًا عَنْهُ عليه الصلاة والسلام أَنَّهُ قَالَ : { مَنْ لَزِمَ الِاسْتِغْفَارَ جَعَلَ اللَّهُ لَهُ مِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجًا وَمِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجًا وَرَزَقَهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ } . وَالْمَطْلُوبُ مِنْ الِاسْتِغْفَارِ هُوَ مَا يَحُلُّ عُقْدَةَ الْإِصْرَارِ , وَيَثْبُتُ مَعْنَاهُ فِي الْجِنَانِ بِأَنْ يُوَافِقَ مَا فِي قَلْبِهِ مَا نَطَقَ بِهِ لِسَانُهُ لَا(64/64)
مُجَرَّدَ التَّلَفُّظِ بِاللِّسَانِ , فَإِنَّ ذَلِكَ مُحْوِجٌ لِلِاسْتِغْفَارِ وَصَغِيرَةٌ لَاحِقَةٌ بِالْكَبَائِرِ . ( وَ ) يُطْلَبُ مِنْ التَّائِبِ أَيْضًا عَلَى جِهَةِ النَّدْبِ أَنْ ( يَرْجُوَ رَحْمَتَهُ ) بِأَنْ يَطْمَعَ فِي حُصُولِهَا مَعَ أَخْذِهِ فِي أَسْبَابِ الْحُصُولِ بِالْمُوَاظَبَةِ عَلَى الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ . ( وَ ) يُطْلَبُ مِنْهُ أَنْ ( يَخَافَ عَذَابَهُ ) لِأَنَّهُ وَإِنْ تَابَ تَوْبَةً نَصُوحًا فِي الظَّاهِرِ لَا يُقْطَعُ بِالْإِتْيَانِ بِهَا عَلَى الْوَجْهِ الْمَطْلُوبِ شَرْعًا , فَالْمَطْلُوبُ مِنْهُ الْخَوْفُ وَلِذَا قَالَ تَعَالَى : { يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ } وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ الْمَطْلُوبَ مِنْ الشَّخْصِ قَبْلَ الْإِشْرَافِ عَلَى الْمَوْتِ غَلَبَةُ الْخَوْفِ , لِأَنَّ الْخَوْفَ مُطْفِئٌ لِنَارِ الشَّهْوَةِ وَقَامِعٌ لِمَحَبَّةِ الدُّنْيَا مِنْ الْقَلْبِ , وَأَمَّا عِنْدَ الْمَوْتِ فَالْأَفْضَلُ الرَّجَاءُ وَحُسْنُ الظَّنِّ , لِأَنَّ الْخَوْفَ جَارٍ مَجْرَى السَّوْطِ الْبَاعِثِ عَلَى الْعَمَلِ وَقَدْ انْقَضَى وَقْتُ الْعَمَلِ , فَالْمُشْرِفُ عَلَى الْمَوْتِ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْعَمَلِ فَالْمَطْلُوبُ عَنْهُ إذْ ذَاكَ الرَّجَاءُ وَزِيَادَةُ حُسْنِ الظَّنِّ فِي رَبِّهِ لِخَبَرِ : { لَا يَمُوتَنَّ أَحَدُكُمْ إلَّا وَهُوَ يُحْسِنُ الظَّنَّ بِرَبِّهِ } وَلِذَا لَمَّا حَضَرَتْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيَّ الْوَفَاةُ قَالَ لِابْنِهِ : يَا بُنَيَّ حَدِّثْنِي بِالرُّخَصِ وَاذْكُرْ لِي الرَّجَاءَ حَتَّى أَلْقَى اللَّهَ عَلَى حُسْنِ الظَّنِّ بِهِ , وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ عِنْدَ الْمَوْتِ لِابْنِهِ : اُذْكُرْ لِي الْأَخْبَارَ الَّتِي فِيهَا الرَّجَاءُ وَحُسْنُ الظَّنِّ . ( وَ ) يُطْلَبُ مِنْ التَّائِبِ أَيْضًا عَلَى جِهَةِ النَّدْبِ أَنْ ( يَتَذَكَّرَ نِعْمَتَهُ ) تَعَالَى ( لَدَيْهِ ) وَهِيَ تَوْفِيقُهُ لِلتَّوْبَةِ وَإِقْدَارُهُ عَلَى فِعْلِ الطَّاعَاتِ , قَالَ تَعَالَى : { اُذْكُرُوا نِعْمَتِي الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ } لِأَنَّ ذِكْرَ النِّعْمَةِ يَكُون سَبَبًا لِتَرْكِ الْمَعْصِيَةِ . ( وَ ) يُطْلَبُ مِنْهُ أَيْضًا أَنْ ( يَشْكُرَ فَضْلَهُ ) تَعَالَى ( عَلَيْهِ ) بِأَنْ يَأْتِيَ ( بِالْأَعْمَالِ بِفَرَائِضِهِ ) الَّتِي افْتَرَضَهَا عَلَيْهِ , قَالَ تَعَالَى : { اعْمَلُوا آلَ دَاوُد شُكْرًا } ( وَ ) بِالِامْتِثَالِ لِ ( تَرْكِ مَا يُكْرَهُ ) أَوْ يُحَرِّمُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ( فِعْلَهُ ) أَوْ قَوْلَهُ فَمَكْرُوهُ الْفِعْلِ كَالصَّلَوَاتِ فِي أَوْقَاتِ الْكَرَاهَةِ , وَمَكْرُوهُ الْقَوْلِ كَالتَّكَلُّمِ مِمَّا لَا يَعْنِي , وَالْمُحَرَّمُ فِعْلُهُ كَالزِّنَا , وَالْمُحَرَّمُ الْقَوْلُ كَالْغِيبَةِ وَالنَّمِيمَةِ , وَتَقَدَّمَ شَرْحُ الْحَمْدِ وَالشُّكْرِ . ( وَ ) يُطْلَبُ مِنْ التَّائِبِ أَيْضًا أَنْ ( يَتَقَرَّبَ إلَيْهِ ) سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ( بِمَا تَيَسَّرَ لَهُ مِنْ نَوَافِلِ الْخَيْرِ ) كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَغَيْرِهِمَا لِخَبَرِ : { لَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ , فَإِذَا أَحْبَبْته كُنْت سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ , وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ , وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا , وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا , وَإِنْ سَأَلَنِي أَعْطَيْته , وَإِنْ اسْتَعَاذَ بِي لَأُعِيذَنَّهُ } . ( وَكُلُّ مَا ضَيَّعَ ) أَيْ التَّائِبُ عَمْدًا أَوْ سَهْوًا ( مِنْ فَرَائِضَ ) قَبْلَ تَوْبَتِهِ ( فَلْيَفْعَلْهُ الْآنَ ) وُجُوبًا عَلَى الْفَوْرِيَّةِ وَلَوْ فِي أَوْقَاتِ النَّهْيِ حَيْثُ تَحَقَّقَ تَرْكُهَا وَإِلَّا تَوَقَّى أَوْقَاتَ النَّهْيِ , وَلَا يُوَسَّعُ لَهُ فِي التَّأْخِيرِ إلَّا زَمَنَ اشْتِغَالِهِ فِي نَوْمِهِ أَوْ ضَرُورِيَّاتِهِ أَوْ حُضُورِ عِلْمِ مُتَعَيِّنٍ , وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ النَّوَافِلُ قَبْلَ قَضَاءِ الْفَرْضِ سِوَى الْمُؤَكَّدِ كَالْوِتْرِ وَالْعِيدِ وَالْفَجْرِ , وَإِذَا لَمْ يَدْرِ مَا فِي ذِمَّتِهِ مِنْهَا احْتَاطَ . ( وَلْيَرْغَبْ ) التَّائِبُ أَنْ يَتَضَرَّعَ وَيَتَذَلَّلَ ( إلَى اللَّهِ فِي تَقَبُّلِهِ ) لِمَا يَأْتِي بِهِ مِنْ الْفَرَائِضِ بَعْدَ تَضْيِيعِهَا . ( وَ ) يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ ( يَتُوبَ عَلَيْهِ مِنْ ) أَجْلِ ( تَضْيِيعِهِ ) لِلْفَرَائِضِ لِمَا نَصُّوا عَلَيْهِ مِنْ أَنَّ تَأْخِيرَ الْفَرَائِضِ عَنْ أَوْقَاتِهَا عَمْدًا مِنْ الْكَبَائِرِ . ( وَلْيَلْجَأْ ) أَيْ يَتَضَرَّعْ ( إلَى اللَّهِ ) وَيَفْزَعْ إلَيْهِ ( فِيمَا عَسُرَ ) أَيْ صَعُبَ ( عَلَيْهِ مِنْ قِيَادَةِ نَفْسِهِ ) إلَى الطَّاعَةِ لِرَغْبَتِهَا عَنْهَا وَعَدَمِ مَيْلِهَا لِفِعْلِهَا , فَيَطْلُبُ مِنْ اللَّهِ أَنْ يُوَفِّقَهُ إلَى فِعْلِهَا ,(64/65)
فَمَعْنَى قِيَادَةِ نَفْسِهِ امْتِثَالُهَا وَمَيْلُهَا إلَى الطَّاعَةِ , فَيَلْجَأُ إلَى اللَّهِ أَنْ يُذَلِّلَهَا , وَيَجْعَلَ الطَّاعَةَ سَهْلَةً عَلَيْهَا لِأَنَّهُ الْمُسَهِّلُ وَالْمُوَفِّقُ , وَلِذَلِكَ يَنْبَغِي الْمُوَاظَبَةُ عَلَى الدُّعَاءِ بِقَوْلِهِ : اللَّهُمَّ مَكِّنَّا أَنْفُسَنَا وَلَا تُسَلِّطْهَا عَلَيْنَا . ( وَ ) كَمَا يَلْجَأُ وَيَتَضَرَّعُ إلَى اللَّهِ فِيمَا عَسُرَ مِنْ قِيَادِ نَفْسِهِ يَلْجَأُ إلَيْهِ فِي ( مُحَاوَلَةِ أَمْرِهِ ) الْمُشْكِلِ عَلَيْهِ فِي كَوْنِ فِعْلِهِ أَحْسَنَ لَهُ أَوْ تَرْكِهِ , فَيَتَضَرَّعُ إلَيْهِ فِي إلْهَامِهِ لِمَا فِيهِ خَيْرٌ لَهُ فِي دِينِهِ وَدُنْيَاهُ حَالَةَ كَوْنِهِ ( مُوقِنًا ) أَيْ مُصَدِّقًا ( أَنَّهُ الْمَالِكُ لِصَلَاحِ شَأْنِهِ ) أَيْ أَمْرِهِ كُلِّهِ ( وَ ) أَنَّهُ الْمَالِكُ لِ ( تَوْفِيقِهِ وَتَسْدِيدِهِ ) تَفْسِيرٌ لِمَا قَبْلَهُ إذْ هُوَ الِاسْتِقَامَةُ عَلَى الطَّاعَةِ وَيُطْلَبُ مِنْهُ أَنْ ( لَا يُفَارِقَ ذَلِكَ ) الْمَذْكُورَ مِنْ اللَّجَأِ وَالْيَقِينِ بَلْ يَلْزَمُهَا ( عَلَى مَا فِيهِ ) أَيْ عَلَى كُلِّ حَالٍ هُوَ فِيهِ ( مِنْ حُسْنٍ ) أَيْ طَاعَةٍ ( أَوْ قُبْحٍ ) أَيْ مَعْصِيَةٍ , وَحَاصِلُ الْمَعْنَى : أَنَّ الْمَطْلُوبَ مِنْ الْعَاقِلِ مُلَازِمًا اللُّجُوءَ إلَى خَالِقِهِ إصْلَاحُ شَأْنِهِ وَتَوْفِيقُهُ إلَى فِعْلِ مَا يُرْضِيه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى , لِأَنَّ الْكُلَّ مِنْهُ وَإِلَيْهِ سَوَاءٌ كَانَ مُتَلَبِّسًا بِطَاعَةٍ أَوْ مَعْصِيَةٍ , فَلَا تَمْنَعُهُ الْمَعْصِيَةُ مِنْ اللُّجُوءِ إلَى خَالِقِهِ بَلْ يَلْجَأُ إلَيْهِ . ( وَلَا يَيْأَسُ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ ) إذَا صَدَرَتْ مِنْهُ مَعْصِيَةٌ لِأَنَّ اللَّهَ يُحِبُّ تَوْبَةَ عَبْدِهِ كُلَّمَا يُذْنِبُ , وَلِأَنَّ الْيَأْسَ وَالْقُنُوطَ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ مِنْ الْكَبَائِرِ فَفِي الْحَدِيثِ : { اعْمَلْ مَا شِئْت فَقَدْ غَفَرْت لَك } فَإِنَّ مَعْنَاهُ : مَا دُمْت تُذْنِبُ ثُمَّ تَتُوبُ غَفَرْت لَك , قَالَهُ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ , وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَوْ تَكَرَّرَ الذَّنْبُ مِرَارًا وَتَابَ كُلَّ مَرَّةٍ قُبِلَتْ تَوْبَتُهُ وَسَقَطَتْ ذُنُوبُهُ . ( تَنْبِيهٌ ) اُعْتُرِضَ عَلَى الْمُصَنِّفِ فِي حَذْفِ عَائِدِ مَا الْمَوْصُولَةِ مِنْ قَوْلِهِ : عَلَى مَا فِيهِ , فَكَانَ الْوَاجِبُ أَنْ يَقُولَ : عَلَى مَا هُوَ فِيهِ لِأَنَّ الْعَائِدَ مُطْلَقًا لَا يُحْذَفُ إذَا كَانَ الْبَاقِي صَالِحًا لِلْوَصْلِ , وَالظَّرْفُ هُنَا فِيهِ بِمَعْنَى الْفِعْلِ فَهُوَ صَالِحٌ , وَأَشَارَ إلَى ذَلِكَ فِي الْخُلَاصَةِ بِقَوْلِهِ : وَأَبَوَا أَنْ يَخْتَزِلَ إنْ صَلُحَ الْبَاقِي لِوَصْلٍ مُكْمِلٍ وَلَمَّا كَانَ يُطْلَبُ مِنْ الْإِنْسَانِ النَّظَرُ وَالتَّأَمُّلُ فِي مَخْلُوقَاتِ اللَّهِ لِيَعْلَمَ بِذَلِكَ عَجْزَ نَفْسِهِ فَيُفَوِّضَ أَمْرَهُ إلَى خَالِقِهِ فِي جَمِيعِ أُمُورِهِ قَالَ : ( وَالْفِكْرَةُ ) أَيْ التَّفَكُّرُ وَالتَّأَمُّلُ ( فِي أَمْرِ اللَّهِ ) أَيْ فِي مَصْنُوعَاتِهِ وَخَبَرُ الْفِكْرَةِ ( مِفْتَاحُ الْعِبَادَةِ ) لِأَنَّ الْمُكَلَّفَ إذَا تَفَكَّرَ وَنَظَرَ فِي مَصْنُوعَات خَالِقِهِ عَلِمَ وُجُوبَ وُجُودِهِ وَكَمَالَ قُدْرَتِهِ وَحَقِّيَّةَ رُبُوبِيَّتِهِ وَوَحْدَانِيِّتِهِ فَيَجِدُّ فِي عِبَادَتِهِ { قَالَ تَعَالَى : { إنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لِآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ } وَلِذَا قَالَ عليه الصلاة والسلام : وَيْلٌ لِمَنْ قَرَأَهَا وَلَمْ يَتَفَكَّرْ فِيهَا } وَكَانَ الرَّجُلُ مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ إذَا عَبَدَ اللَّهَ ثَلَاثِينَ سَنَةً تُظِلُّهُ سَحَابَةٌ , فَعَبَدَ اللَّهَ فَتًى مِنْهُمْ فَلَمْ تُظِلُّهُ فَقَالَتْ لَهُ أُمُّهُ : لَعَلَّ وَقَعَ مِنْك فُرُطَةً , فَقَالَ : لَمْ يَقَعْ مِنِّي شَيْءٌ , قَالَتْ : لَعَلَّك نَظَرْت مَرَّةً إلَى السَّمَاءِ فَلَمْ تَعْتَبِرْ , قَالَ : لَعَلَّ ذَلِكَ , قَالَتْ : فَمَا أُتِيتَ إلَّا مِنْ ذَلِكَ . وَيُفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِ : وَالْفِكْرَةُ فِي أَمْرِ إلَخْ أَنَّهُ لَا يَتَفَكَّرُ فِي ذَاتِهِ تَعَالَى لِعَدَمِ قُدْرَةِ الْعَبْدِ عَلَى إدْرَاكِهَا , وَلِذَا قَالَ r لِقَوْمٍ اشْتَغَلُوا بِالتَّفَكُّرِ فِي اللَّهِ : { تَفَكَّرُوا فِي خَلْقِ اللَّهِ وَلَا تَفَكَّرُوا فِي اللَّهِ } فَالْأَدَبُ النَّظَرُ فِي عَجَائِبِ مَصْنُوعَاتِهِ , وَيَدْخُلُ فِي الْمَخْلُوقَاتِ نَفْسُ الشَّخْصِ قَالَ تَعَالَى : { وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ } لِأَنَّهُ يُسْتَدَلُّ بِالنَّظَرِ فِي نَفْسِهِ عَلَى وُجُوبِ وُجُودِ صَانِعِهِ لِاسْتِحَالَةِ إيجَادِ الشَّخْصِ نَفْسَهُ , وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ : { أَتَانِي(64/66)
النَّبِيُّ r فِي لَيْلَتِي حَتَّى مَسَّ جِلْدُهُ جِلْدِي ثُمَّ قَالَ : ذَرِينِي أَتَعَبَّدُ لِرَبِّي عَزَّ وَجَلَّ , فَقَامَ إلَى الْقِرْبَةِ فَتَوَضَّأَ مِنْهَا ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى فَبَكَى حَتَّى بَلَّ لِحْيَتَهُ , ثُمَّ سَجَدَ حَتَّى بَلَّ الْأَرْضَ , مَا اضْطَجَعَ عَلَى جَنْبِهِ حَتَّى أَتَى بِلَالٌ يُؤْذِنُهُ بِصَلَاةِ الصُّبْحِ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا يُبْكِيك وَقَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَك مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِك وَمَا تَأَخَّرَ ؟ فَقَالَ : وَيْحَكَ يَا بِلَالُ وَمَا يَمْنَعُنِي أَنْ أَبْكِيَ قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ : { إنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ } الْآيَةَ ثُمَّ قَالَ : وَيْلٌ لِمَنْ قَرَأَهَا وَلَمْ يَتَفَكَّرْ فِيهَا } . وَقَالَ ابْنُ الْعَبَّاسِ : رَكْعَتَانِ مَعَ تَفَكُّرٍ خَيْرٌ مِنْ قِيَامِ لَيْلَةٍ بِلَا قَلْبٍ . وَقَالَ أَيْضًا : التَّفَكُّرُ فِي الْخَيْرِ يَدْعُو إلَى الْعَمَلِ بِهِ , وَالنَّدَمُ عَلَى الشَّرِّ يَدْعُو إلَى تَرْكِهِ . وَقَالَ الْحَسَنُ : تَفَكَّرَ سَاعَةً خَيْرٌ مِنْ قِيَامِ لَيْلَةٍ . وَبَيْنَا ابْنُ سُرَيْجٍ يَمْشِي إذْ جَلَسَ فَتَقَنَّعَ بِكِسَائِهِ وَجَعَلَ يَبْكِي , فَقُلْنَا : مَا يَبْكِيك ؟ قَالَ : تَفَكَّرْت فِي ذَهَابِ عُمْرِي وَقِلَّةِ عَمَلِي وَاقْتِرَابِ أَجَلِي . وَإِنَّمَا أَطَلْنَا فِي ذَلِكَ لِدَاعِي الْحَالِ , فَإِنَّ النَّفْسَ شَمَخَتْ فِي هَذَا الزَّمَانِ عَنْ الْعِبَادَةِ وَتَعَلَّقَتْ بِمَحَبَّةِ الدُّنْيَا , فَإِذَا حَصَلَ التَّفَكُّرُ انْقَمَعَتْ وَرَجَعَتْ إلَى الْعِبَادَةِ . وَإِذَا عَلِمْتَ مَشْمَخَةَ النَّفْسِ عَنْ الْعِبَادَةِ وَاشْتَدَّ تَعَلُّقُهَا بِمَحَبَّةِ الدُّنْيَا حَتَّى صَدَّتْهَا عَنْ الْآخِرَةِ ( فَاسْتَعِنْ بِذَكَرِ الْمَوْتِ ) عَلَى نَفْسِك لِأَنَّهُ هَاذِمُ اللَّذَّاتِ , وَلِأَنَّ الْإِنْسَانَ إذَا تَفَكَّرَ فِي الْمَوْتِ قَصُرَ أَمَلُهُ وَكَثُرَ عَمَلُهُ وَاسْتَعَدَّ وَتَهَيَّأَ لِلْمَوْتِ , فَيَحْمِلُهُ ذَلِكَ عَلَى كَثْرَةِ الْعِبَادَةِ , وَلِذَلِكَ يُطْلَبُ تَقْصِيرُ الْأَمَلِ إلَّا لِلْعَالِمِ , وَلِذَا قَالَ صلى الله عليه وسلم { أَكْثِرُوا مِنْ ذِكْرِ هَاذِمِ اللَّذَّاتِ } . ( وَ ) اسْتَعِنْ عَلَى نَفْسِك أَيْضًا بِذِكْرِ ( الْفِكْرَةِ فِيمَا بَعْدَهُ ) أَيْ فِيمَا يَحْصُلُ لَك بَعْدَ الْمَوْتِ مِنْ سُؤَالِ الْمَلَكَيْنِ , وَالْعَذَابِ الَّذِي مِنْهُ ضَغْطَةُ الْقَبْرِ الَّتِي لَمْ يَنْجُ مِنْهَا إلَّا الْأَنْبِيَاءُ , وَالْمُكْثِ فِي الْقَبْرِ مُدَّةَ الْبَرْزَخِ مَعَ كَوْنِهِ وَحِيدًا , وَالْحَشْرِ وَالنَّشْرِ وَالْحِسَابِ وَالْمُرُورِ عَلَى الصِّرَاطِ الَّذِي لَا بُدَّ لِكُلِّ أَحَدٍ مِنْ الْمُرُورِ عَلَيْهِ حَتَّى الْأَنْبِيَاءِ مَعَ كَوْنِهِ دَقِيقًا وَمَمْدُودًا عَلَى ظَهْرِ جَهَنَّمَ , فَإِنَّ التَّفَكُّرَ فِي هَذِهِ الْعَظَائِمِ مُنَغِّصٌ وَمُزَهِّدٌ فِي الدُّنْيَا وَمُرَغِّبٌ فِي الِاشْتِغَالِ بِأَمْرِ الْآخِرَةِ , وَفَّقَنَا اللَّهُ وَمِنْ نُحِبُّ لِلْعَمَلِ لَهَا . ( وَ ) اسْتَعِنْ أَيْضًا أَيُّهَا الْمُنْهَمِكُ عَلَى تَبْلِيغِ نَفْسِك مُشْتَهَاهَا بِالْفِكْرَةِ ( فِي ) إسْبَاغِ ( نِعْمَةِ رَبِّك عَلَيْك ) فَإِنَّك إذَا تَفَكَّرْت فِي ذَلِكَ تَسْتَحِي أَنْ تَعْصِيَهُ , لِأَنَّ الْإِحْسَانَ يَسْتَرِقُّ مَنْ يَصِلُ إلَيْهِ وَيَحْمِلُهُ عَلَى خِدْمَةِ سَيِّدِهِ . ( وَ ) إذَا لَمْ يَقْمَعْهَا التَّفَكُّرُ فِي النِّعْمَةِ اسْتَعِنْ عَلَيْهَا بِالْفِكْرَةِ فِي ( إمْهَالِهِ لَك ) أَيْ تَأْخِيرِهِ لَك تَارِكًا عُقُوبَتَك عَلَى عِصْيَانِهِ . ( وَأَخْذِهِ لِغَيْرِك ) سَرِيعًا ( بِذَنْبِهِ ) مِثْلَ قَوْمِ نُوحٍ وَقَوْمِ صَالِحٍ مِمَّنْ كَانَ يُؤْخَذُ بِذَنْبِهِ سَرِيعًا , وَقَالَ أَبُو حَازِمٍ : إذَا رَأَيْت رَبَّك يُوَالِي عَلَيْك نِعَمَهُ فَاحْذَرْهُ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَكُونُ لِزِيَادَةِ الْعُقُوبَةِ , وَيَشْهَدُ لِذَلِكَ قوله تعالى : { إنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إثْمًا } . ( وَ ) إذَا لَمْ تَنْقَمِعْ نَفْسَك بِالتَّفَكُّرِ فِيمَا سَبَقَ اسْتَعِنْ عَلَيْهَا بِالتَّفَكُّرِ ( فِي سَالِفِ ذَنْبِك ) أَيْ فِي الذَّنْبِ الَّذِي سَلَفَ وَوَقَعَ مِنْك فِيمَا مَضَى مِنْ الزَّمَانِ وَاخْشَ الْمُعَاقَبَةَ بِهِ سَرِيعًا , فَإِنَّ ذَلِكَ يَحْمِلُ عَلَى الِاجْتِهَادِ فِي الْعَمَلِ الْمُكَفِّرِ لِلذُّنُوبِ . ( وَ ) إنْ لَمْ تَنْزَجِرْ وَتُنْقِذْ نَفْسَك اسْتَعِنْ بِالتَّفَكُّرِ فِي ( عَاقِبَةِ أَمْرِك ) لِأَنَّك لَا تَدْرِي مَا الْخَاتِمَةُ وَلِذَلِكَ قَالَ بَعْضُ الصُّوفِيَّةِ : يَنْبَغِي لَك يَا أَخِي أَنْ لَا تُخَيِّرَ نَفْسَك عَلَى أَحَدٍ لِأَنَّك لَا تَدْرِي مَا الْخَاتِمَةُ , فَيَحْمِلُك ذَلِكَ عَلَى(64/67)
هَضْمِ النَّفْسِ وَتَرْكِ الْعُجْبِ وَالْكِبْرِ وَمَحَبَّةِ الْخَيْرِ لِلْغَيْرِ , وَعَلَى عَدَمِ الْعَظَمَةِ عَلَى الْإِخْوَانِ , لِأَنَّ رُؤْيَةَ الشَّخْصِ نَفْسَهُ رَفِيعًا عَنْ إخْوَانِهِ مِنْ أَعْظَمِ الْآفَاتِ أَعَاذَنَا اللَّهُ وَمِنْ نُحِبُّ مِنْ ذَلِكَ , بَلْ الْمَطْلُوبُ مِنْ الشَّخْصِ أَنْ يَجْعَلَ نَفْسَهُ دَائِمًا فِي حَضِيضِ النُّقْصَانِ فِي سَائِرِ أُمُورِهِ حَتَّى عِبَادَتِهِ , لِأَنَّ التَّوَاضُعَ ذَرِيعَةٌ إلَى الرِّفْعَةِ كَمَا قَدْ جَاءَ فِي الْأَخْبَارِ . وَفِي كَلَامِ بَعْضِ الْفُضَلَاءِ : اتَّضِعْ وَلَا تَرْتَفِعْ , وَاتَّبِعْ وَلَا تَبْتَدِعْ مِنْ وَرَعٍ وَلَا يَتَّسِعُ . ( وَ ) إذَا لَمْ يُكْسِبْك التَّفَكُّرُ فِيمَا مَضَى مَا يَقْمَعُ نَفْسَك عَنْ غَيِّهَا اسْتَعِنْ عَلَيْهَا بِالتَّفَكُّرِ فِي ( مُبَادَرَةِ مَا عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدْ اقْتَرَبَ مِنْ أَجَلِك ) وَالْمَعْنَى : خَوِّفْ نَفْسَك بِانْقِضَاءِ الْأَجَلِ سَرِيعًا , لِأَنَّك لَا تَدْرِي هَلْ بَقِيَ مِنْ عُمُرِك قَلِيلٌ أَوْ كَثِيرٌ ؟ وَلِذَا قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ : يَنْبَغِي لَك يَا أَخِي إذَا خَرَجَ مِنْك نَفَسٌ أَنْ تُخَوِّفَ نَفْسَك بِقَوْلِك لَهَا : لَا أَدْرِي هَلْ يَخْرُجُ بَعْدَهُ نَفَسٌ أَوْ هُوَ آخِرُ الْأَنْفَاسِ . وَالتَّفَكُّرُ فِي قُرْبِ الْأَجَلِ يُقَلِّلُ الْأَمَلَ وَيُعِينُ عَلَى الِاجْتِهَادِ فِي الْعَمَلِ , وَطُولُ الْأَمَلِ يُقْسِي الْقَلْبَ وَيُضْعِفُ الْعَمَلَ , وَلَا يَنْبَغِي لِلْعَاقِلِ أَنْ يَغْتَرَّ بِمَا هُوَ فِيهِ مِنْ أَوْ صَلَاحٍ أَوْ قُوَّةٍ , لِأَنَّ الَّذِي أَعْطَى مَا ذُكِرَ قَادِرٌ عَلَى سَلْبِهِ وَإِنْزَالِ ضِدِّهِ , فَالْمَطْلُوبُ مِنْ الْعَاقِلِ الِاسْتِعْدَادُ لِلْمَوْتِ وَمُلَابَسَةُ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ رَجَاءَ أَنْ يَمُوتَ عَلَى السَّعَادَةِ وَهِيَ الْمَوْتُ عَلَى الْإِيمَانِ , وَمَنْ لَا فِكْرَةَ عِنْدَهُ قَدْ يَأْتِيه الْمَوْتُ سُرْعَةً وَهُوَ مُطِيعٌ لِهَوَاهُ فَيَنْدَمُ حَيْثُ لَا يَنْفَعُهُ النَّدَمُ . وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ هَذِهِ الْآدَابَ فِي هَذَا الْبَابِ حَثًّا لِلطَّالِبِ عَلَى التَّخَلُّقِ بِهَا , لِأَنَّ مَنْ تَخَلَّقَ بِهَا صَارَ مِنْ أَكَابِرِ الصُّوفِيَّةِ الَّذِينَ جَرَّدُوا قُلُوبَهُمْ لِلَّهِ تَعَالَى وَاسْتَحْقَرُوا جَمِيعَ مَا سِوَاهُ , وَفَّقَنَا اللَّهُ وَمَنْ نُحِبُّ لِلْعَمَلِ بِمَا فِي كِتَابِهِ , لِأَنَّ الْعَامِلَ بِمَا فِيهِ يَكُونُ مُتَّبِعًا لِسُنَّةِ الْمُصْطَفَى r , فَرَحِمَهُ اللَّهُ لَمْ يَدْعُ شَيْئًا مِمَّا يُطْلَبُ مِنْ الْمُكَلَّفِ فِعْلُهُ إلَّا نَبَّهَ عَلَيْهِ . وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ الْكَلَامِ عَلَى بَيَانِ مَا يَتَعَلَّقُ بِظَاهِرِ الْمُكَلَّفِ وَبَاطِنِهِ , شَرَعَ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِتَحْسِينِ ظَاهِرِهِ وَهُوَ تَرْتِيبٌ حَسَنٌ لِأَنَّ تَحْسِينَ الْبَاطِنِ أَوْكَدُ مِنْ تَحْسِينِ الظَّاهِرِ فَقَالَ :
وفي شرح النيل :
( وَهَلَكَ مُسْتَعْمِلُهُ فِي غَيْرِ حِلٍّ )(64/68)
بِأَنْ يَعْمَلَ بِمُقْتَضَاهُ أَوْ يَتَصَوَّرَ بِصُورَةِ الْغَضْبَانِ مِثْلُ أَنْ يُغْلِظَ صَوْتَهُ وَيُعَنِّفَ بِهِ وَيَتَكَلَّفَ انْقِبَاضَ وَجْهِهِ ( كَغَضَبٍ عَلَى آمِرٍ بِمَعْرُوفٍ وَنَاهٍ عَنْ مُنْكَرٍ ) وَفَاعِلِ حَلَالٍ أَوْ عِبَادَةِ فَرِيضَةٍ أَوْ سُنَّةٍ أَوْ مُسْتَحَبَّةٍ أَوْ مُبَاحٍ لَمْ تُوجِبْ الْحِكْمَةُ الْغَضَبَ عَلَيْهِ وَرُبَّمَا جَازَ الْغَضَبُ فِي الْمُبَاحِ تَأْدِيبًا وَجَازَ فِي الْمَكْرُوهِ ( وَجَازَ ) وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ لِجَوَازِ التَّوَصُّلِ إلَى الْحَقِّ بِغَيْرِ غَضَبٍ ( عَلَى ذِي مُنْكَرٍ ) أَوْ مَعْصِيَةٍ ( وَآمِرٍ بِهِ ) أَوْ بِمَعْصِيَةٍ ( وَنَاهٍ عَنْ مَعْرُوفٍ ) أَوْ مُبَاحٍ لَا يُوجِبُ النَّهْيَ وَمَعْنَى قَوْلِ الشَّيْخِ أَحْمَدَ : وَكَذَلِكَ مَنْ غَضِبَ عَلَى مَنْ لَا يَسْتَحِقُّ الْغَضَبَ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَغْضَبَ عَلَى مَنْ غَضِبَ عَلَى مَنْ لَا يَسْتَحِقُّ الْغَضَبَ ( وَعَلَى مُبْتَدِعٍ ) يُغْنِي عَنْهُ قَوْلُهُ عَلَى ذِي مُنْكَرٍ لَكِنْ عَطَفَهُ عَطْفَ خَاصٍّ عَلَى عَامٍّ لِمَزِيدِ تَأْكِيدِ هَذَا الْخَاصِّ . وَالْبِدْعَةُ إمَّا مُحَرَّمَةٌ كَالْمُسْكِرِ وَالِاشْتِغَالِ بِمَذَاهِبِ أَهْلِ الْبِدَعِ الْمُخَالِفَةِ لِلسُّنَّةِ وَإِمَّا فَرْضٌ كَالِاشْتِغَالِ بِعُلُومِ الْعَرَبِيَّةِ الْمُتَوَقَّفِ عَلَيْهَا فَهْمُ كِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم لَكِنْ عَلَى الْكِفَايَةِ وَإِمَّا مَكْرُوهٌ وَإِمَّا مَنْدُوبٌ إلَيْهَا كَصَلَاةِ التَّرَاوِيحِ جَمَاعَةً وَإِمَّا مُبَاحَةٌ كَالْمَنَاخِلِ وَهِيَ أَوَّلُ مَا حَدَثَ بَعْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَمِنْ الْمُبَاحَةِ الْمَلَاعِيقُ وَعَنْ بَعْضٍ ثَلَاثَةٌ لَوْ كُتِبْنَ عَلَى الظُّفْرِ لَوَسِعَهُنَّ وَفِيهِنَّ خَيْرُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ اتَّبِعْ وَلَا تَبْتَدِعْ وَاتَّضِعْ وَلَا تَرْتَفِعْ وَمَنْ تَوَرَّعَ فَلَا يَتَّسِعُ . وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ عَمَلٌ قَلِيلٌ فِي سُنَّةٍ خَيْرٌ مِنْ عَمَلٍ كَثِيرٍ فِي بِدْعَةٍ وَعَنْ حُذَيْفَةَ عَنْهُ r { لَا يَقْبَلُ اللَّهُ لِصَاحِبِ بِدْعَةٍ صَلَاةً وَلَا صَوْمًا وَلَا صَدَقَةً وَلَا حَجًّا وَلَا عُمْرَةً وَلَا جِهَادًا وَلَا صَرْفًا وَلَا عَدْلًا وَيَخْرُجُ مِنْ الدُّنْيَا كَمَا تَخْرُجُ الشَّعْرَةُ مِنْ الْعَجِينِ } وَيُقَالُ إمَاتَةُ بِدْعَةٍ خَيْرٌ مِنْ إحْيَاءِ سُنَّةٍ لِأَنَّ الْبِدْعَةَ إذَا اسْتَمَرَّتْ صَارَتْ سُنَّةً . قَالَ الشَّاعِرُ وَخَيْرُ أُمُورِ الدِّينِ مَا كَانَ سُنَّةً وَشَرُّ الْأُمُورِ الْمُحْدَثَاتُ الْبَدَائِعُ وَالْبِدْعَةُ الْمُحَرَّمَةُ مَا خَالَفَ كِتَابَ اللَّهِ وَسَنَةَ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم وَقِيلَ لِمَالِكٍ يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ هُنَا قَوْمٌ يَأْكُلُونَ كَثِيرًا وَيَشْرَبُونَ كَثِيرًا وَيَرْقُصُونَ كَثِيرًا فَقَالَ إنْكَارًا عَلَيْهِمْ أَصِبْيَانٌ هُمْ أَمْ مَجَانِينُ لَا يَفْعَلُ هَذَا أَهْلُ الْعَقْلِ وَالْمُرُوءَةِ وَتَلَا قوله تعالى { اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا } . قَالَ الْقَشْتَالِيُّ مِنْ فُقَهَاءِ الْمَغْرِبِ الْأَقْصَى وَنَسَبَهُ لِابْنِ عَبَّاسٍ سَيَأْتِي قَوْمٌ يُبْدِعُونَ الْبَدَائِعَ وَيُسَمُّونَ أَنْفُسَهُمْ مُرَابِطِينَ يَلْبَسُونَ الدَّفَافِيسَ ( ؟ ) وَيَجْعَلُونَ فِي أَعْنَاقِهِمْ الْقَنَادِيسَ فَإِذَا رَأَيْتَهُمْ عَلَى ذَلِكَ الْحَالِ فَلَا تُخَالِطْهُمْ لقوله تعالى { الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمْ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا } . وَالْقَنَادِيسُ السُّبَحُ
قَالَ الْقُرْطُبِيُّ سُئِلَ الطُّرْطُوشِيُّ عَنْ قَوْمٍ يَجْتَمِعُونَ وَيَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ وَيُنْشِدُونَ الشِّعْرَ وَيَرْقُصُونَ وَيَضْرِبُونَ بِالدُّفِّ أَيَجُوزُ حُضُورُهُمْ ؟(64/69)
قَالَ مَذْهَبُ هَؤُلَاءِ الصُّوفِيَّةِ بَطَالَةٌ وَجَهَالَةٌ وَضَلَالَةٌ وَمَا الْإِسْلَامُ إلَّا كِتَابُ اللَّهِ وَسُنَّةُ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم وَأَمَّا الرَّقْصُ وَالتَّوَاجُدُ فَأَوَّلُ مَنْ أَحْدَثَهُ أَصْحَابُ السَّامِرِيِّ حِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ فَعَلُوا ذَلِكَ عِنْدَهُ . وَإِنَّمَا كَانَ يَجْلِسُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلممَعَ أَصْحَابِهِ كَأَنَّمَا عَلَى رُءُوسِهِمْ الطَّيْرُ مِنْ الْوَقَارِ فَيَنْبَغِي لِلسُّلْطَانِ وَنُوَّابِهِ أَنْ يَمْنَعَهُمْ مِنْ الْحُضُورِ فِي الْمَسَاجِدِ وَغَيْرِهَا وَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَحْضُرَ مَعَهُمْ وَلَا يُعِينَهُمْ عَلَى بَاطِلِهِمْ هَذَا مَذْهَبُ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ . وَأَنْشَدُوا وَالرَّقْصُ نَقْصٌ وَالْغِنَاءُ سَفَاهَةٌ إنَّ التَّوَاجُدَ خِفَّةٌ فِي الرَّأْسِ وَاَللَّهِ مَا رَقَصُوا لِطَاعَةِ رَبِّهِمْ لَكِنْ لِمَا هَشَّمُوهُ فِي الْأَضْرَاسِ وَذَكَرَ ابْنُ غَازِي سَقَطَتْ شَهَادَةُ مَنْ يَحْضُرُ اللَّهْوَ أَوْ مَجَالِسَ الْمُبْتَدَعَةِ وَالزَّنَادِقَةِ الَّذِينَ يَقْفِزُونَ وَيَتَشَطَّحُونَ وَيَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ مُرَابِطُونَ وَصَالِحُونَ { أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمْ اللَّهُ } الْآيَةَ { عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ } الْآيَةَ وَمَنْ حَضَرَ ذَلِكَ بَطَلَتْ شَهَادَتُهُ . ( وَعَلَى مَطْلُوبٍ ) وَمُمْتَنِعٍ ( بِحَقٍّ لَازِمٍ ) لَهُ فِي نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ كَعَبْدِهِ أَوْ مَنْ وَلِيَ أَمْرَهُ كَمَا قَالَ ( وَإِنْ بِوِلَايَةٍ ) عَلَى غَيْرِهِ كَيَتِيمٍ وَمَجْنُونٍ وَغَائِبٍ يُطَالَبُ بِأَنْ يَكُونَ وَلِيًّا عَلَيْهِمْ إذْ هُوَ أَنْسَبُ أَوْ يُطَالَبُ بِإِزَالَةِ مَضَرَّةِ مَا لَهُمْ عَلَى غَيْرِهِمْ وَبِكَفِّ يَتِيمِهِ وَمَجْنُونِهِ عَنْ الضُّرِّ وَبِإِتْيَانِهِ بِهِمَا لِلتَّأْدِيبِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَأَرَادَ بِالْجَوَازِ عَدَمَ الْحُرْمَةِ وَعَدَمُهَا يَشْمَلُ الْوُجُوبَ وَالِاسْتِحْبَابَ فَقَدْ يَقْتَضِي الْحَالُ الْغَضَبَ عَلَى هَؤُلَاءِ إذَا يَرْتَدِعُونَ بِهِ فَقَطْ فَيَجِبُ وَإِنْ كَانُوا لَا يَرْتَدِعُونَ بِهِ اُسْتُحِبَّ وَإِنْ كَانُوا يَرْتَدِعُونَ بِدُونِهِ فَلَا يَغْضَبُ عَلَيْهِمْ إلَّا بِاعْتِبَارِ الْإِبْلَاغِ وَالتَّوْكِيدِ عَلَيْهِمْ لِئَلَّا يَعُودُوا لِمِثْلِهِ وَلِيَرْتَدِعَ غَيْرُهُمْ أَيْضًا فَيُسْتَحَبُّ أَيْضًا ( وَلَا يُكَلَّمُ ) ذَلِكَ الْمَطْلُوبَ إلَّا بِمَا لَا بُدَّ مِنْهُ . ( وَلَا يُتَبَسَّمُ بِوَجْهِهِ وَلَا يُلَانُ لَهُ ) فِي كَلَامٍ إنْ تُكُلِّمَ لَهُ بِمَا لَا بُدَّ مِنْهُ وَلَا بِنَظَرٍ وَلَا بِطَلَاقَةِ وَجْهٍ وَلَا بِإِعْطَاءٍ أَوْ إعَانَةٍ فِي حَقٍّ أَوْ بِدَفْعٍ عَنْهُ أَوْ جَلْبٍ لَهُ ( إلَّا إنْ رُئِيَ إخْرَاجُ الْحَقِّ مِنْهُ ) أَوْ مِمَّنْ يَلِيهِ فِي بَدَنٍ أَوْ مَالٍ ( بِذَلِكَ ) الْمَذْكُورِ مِنْ التَّكَلُّمِ وَالتَّبَسُّمِ وَالْإِلَانَةِ ( أَوْ دَفْعِ ضُرٍّ بِهِ ) أَوْ جَلْبِ نَفْعٍ مِنْهُ اُحْتِيجَ إلَيْهِ لَا بُدَّ .
*****************
وأخيرا نقول كما كان يدعو رسول الله صل الله عليه وسلم
ففي صحيح مسلم قَالَ أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ : سَأَلْتُ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ بِأَىِّ شَىْءٍ كَانَ نَبِىُّ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَفْتَتِحُ صَلاَتَهُ إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ قَالَتْ كَانَ إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ افْتَتَحَ صَلاَتَهُ « اللَّهُمَّ رَبَّ جِبْرَائِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَإِسْرَافِيلَ فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ اهْدِنِى لِمَا اخْتُلِفَ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِكَ إِنَّكَ تَهْدِى مَنْ تَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ».
وقال تعالى في سورة الصافات :
سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ (180) وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ (181) وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (181)
10 جمادى الأولى 1425 هـ
الموافق 29/6/2004 م
======================(64/70)
(64/71)
الحبيب الجفري.. صوفية بنكهة العصر!!
أنور قاسم الخضري*
23/04/2005 م
"الحبيب".. هكذا يطلقون عليه، أو يحب أن يطلق عليه الآخرون، ينتسب لـ"آل البيت" ولد وعاش صباه في "المملكة العربية السعودية" لكنه يحمل الجنسية "اليمنية"!! أخذ شهرته من أضواء "القنوات الفضائية" التي فتحت له أبوابها باعتباره من دعاة الوسطية والاعتدال!!
زار العديد من الدول الإسلامية وغير الإسلامية حيث يلقي العديد من المحاضرات والدروس، ويشارك في الندوات والمؤتمرات!! ورغم أنه اشتهر في مصر؛ لكن حكومتها "اعتبرته شخصاً غير مرغوب فيه" على أراضيها!! وطلبت منه المغادرة، الأمر الذي نال اهتمامات الصحف والمجلات، وشغل الحوارات واللقاءات الصحفية والمتلفزة!!
يتهمه خصومه بأنه قبوري متستر، وصوفي لبق، وأنه يمارس "التقية" في إظهار انحرافاته الصوفية أمام الجمهور العام!! وهو بدوره ينتقد "السلوكيات الخاطئة" للصوفية كما يقول!!
فمن هو "الحبيب" علي الجفري؟! ولماذا كل هذه الضجة الإعلامية حوله؟! وما حقيقة ما يدعو إليه؟! ومن يحاول صناعة شهرته؟! ومن الكاسب من ورائها؟!
في هذا التقرير نجيب عن جانب من هذه الأسئلة، بعيداً عن الاتهام والتشويه والتشهير!! وباذلين الوسع في إبراز شخصية مثيرة للرأي العام دون الخوض في التفاصيل الدقيقة أو المواضيع الجانبية.
* من هو علي الجفري؟
والده هو عبد الرحمن بن علي بن محمد الجفري رئيس حزب رابطة أبناء اليمن (رأي)، ساند الحزب الاشتراكي اليمني في محاولة الانفصال التي أشعلت حرب 1994م، وعين نائباً لرئيس حكومة الانفصال علي سالم البيض، فرَّ مع أسرته خارج البلاد، وكان من المطلوبين (قائمة الـ16) للحكومة اليمنية، ومحكوم عليه في القضية الجنائية الجسيمة رقم 5 لسنة 1997م مع بقية أعضاء القائمة، وكانت الأحكام تشمل الإعدام والسجن لفترات ما بين (2 - 10) سنوات.
ولد "الحبيب" علي الجفري في جدة بالمملكة العربية السعودية في عام 1391هـ -1971م، ونشأ في الحجاز حيث كانت تقيم أسرته الفارة من بطش الحزب الاشتراكي اليمني.
تتلمذ الجفري - حسب ما ذكر - على يد عدد من دعاة الصوفية في أرض الحجاز، منهم: عبد القادر أحمد السقاف، وأحمد المشهور بن طه الحداد - الذي يدعي الجفري أنه أسلم على يديه 300 ألف نسمة(!!) - وأبو بكر العطاس بن عبد الله الحبشي(!!)، وكرامة سهيل، وهم جميعاً من أبناء حضرموت النازحين إلى أرض الحجاز نتيجة البطش الذي مارسه الحزب الاشتراكي ضد العلماء والدعاة والأئمة عموماً في جنوب اليمن - سابقاً -.
كما تتلمذ على يد أبي بكر المشهور، ومحمد علوي مالكي، واتصل بمحمد بن عبد الله الهدار (مفتي البيضاء)، وبإبراهيم بن عقيل بين يحيى (مفتي تعز) وعمر بن محمد سالم بن حفيظ (عميد دار المصطفى بتريم).
ويدرس "الحبيب" الجفري - حالياً - بدار المصطفى بتريم، وهي من الأربطة الصوفية التي يتلقى فيها "المريدون" علم التصوف، ويفد إليها مئات الطلاب من داخل اليمن وخارجه كل عام، ورغم عدم خضوع هذه الدار لمناهج التربية والتعليم إلا أنها تحظى برعاية واهتمام رسمي، ولا تزال تعمل رغم إغلاق عشرات المعاهد العلمية لحركة "الإخوان المسلمون" والمعترف بها رسمياً في السابق!!
"الحبيب" الجفري متزوج وأب لاثنين من الأبناء وثلاثة بنات، وله أخ وأخت من أبويه، وبحسب قوله ينتمي الجفري لأسرة لها اعتناؤها بالدين والاستقامة، وكان بعض أقاربه من أهل العلم والدعوة، لكنها - كما يقول -: "اشتغلت مؤخراً بالسياسة"، وهو ما ينفيه عن نفسه حيث يقول: "لا أنتمي إلى حزب سياسي، وإن شاء الله لن أنتمي إلى حزب سياسي" لكنه - كما يرى - لا يحرم الدخول في هذه الأحزاب!!.
ويصف "الحبيب" الجفري مذهبه فيقول بأنه: "سني، وعلى المعتقد (الأشعري)، والمذهب (الشافعي)، محب للتصوف في مسلكي"!!، وأما كونه "الحبيب" فهو - على حد زعمه - لفظ اصطلح عليه في حضرموت ينادي به المشتغلون بالعلم والدعوة من "آل البيت".
* الجفري والنموذج العصري لدعاة الصوفية!
تستضيف القنوات الفضائية الحبيب علي الجفري في أكثر من برنامج، تارة محاضراً، وتارة أخرى محاوراً، وكانت بداياته في الظهور على قناة "المحور" المصرية، ومن خلال دروسه التي كان يلقيها في جوامع القاهرة تميز الجفري (الداعية الشاب) بوسامة شكله، وحسن هندامه الذي لا يتكلف فيه، ولين قوله، والتبسم الذي لا يفارق وجهه، وهو يحاول الظهور بصفته داعية إسلامياً عصرياً، ووسطياً ومعتدلاً!! من خلال لغة خطابه، وأرائه التي يطرحها، ونقده للمذاهب والتيارات التي يصفها بالتطرف والتشدد!!.
ومن خلال متابعة حواراته الصحفية والفضائية تستشف حرص الجفري على عدم اتخاذ مواقف واضحة إزاء العديد من القضايا، وبعده عن مواطن النقد لدول أو أحزاب أو شخصيات، إما بإجاباته الدبلوماسية، أو اعتذاره عن الإجابة أصلاً!! وهو ما حدا بمخالفيه إلى اتهامه بممارسة "التقية" الشيعية في أقواله، والتضليل في إجاباته.(64/72)
إن كلامه الرقيق، ومواعظه الصوفية، وهدوئه في الإلقاء - إضافة إلى صفاته التي أسلفنا -، وبعده عن تناول القضايا الشائكة جعل منه شخصية محبوبة في الأوساط الاجتماعية، ولدى المثقفين، وكما هو ديدن الصوفية فإن انتماء الجفري إلى "آل البيت"، وجمعه بين الصوفية والعصرنة؛ وضع عليه هالة من "التضخيم" و"التعظيم"، وتحركاته بين القارات الأربع: آسيا وأفريقيا، وأوربا وأمريكا؛ محاولة في صنع هذه الهالة وتوظيفها لصالح "التصوف" الذي يحظى برعاية الأنظمة العربية والولايات المتحدة الأمريكية، ودول الاتحاد الأوروبي بعد أحداث 11سبتمبر.
وزيارة الجفري لدول منغلقة (أمنياً) على الدعاة، وتحركه بعد أحداث 11سبتمبر بحرية دليل على مدى قابلية الأنظمة والمجتمع الدولي لخطاب هذا التيار.
وإذا كان الجفري قد زار خلال فترة ظهوره القصيرة بلداناً كبريطانيا وألمانيا، وفرنسا وإيرلندا، وهولندا وبلجيكا، والولايات المتحدة الأمريكية، وآسيوياً: إندونيسيا وعمان، والإمارات وقطر، والبحرين والأردن، وسوريا ولبنان، وسريلانكا، وإفريقيا: كينيا وتنزانيا، وجزر القمر.
واستضيف في عدد من القنوات الرسمية وغير الرسمية كان آخرها قناة "العربية"، وله موقع خاص به على شبكة الإنترنت العالمية (www.alhabibali.o r g) فهي مؤشرات على مدى نشاط الحركة الصوفية ودعاتها الذين يمثلون وجهها العصراني في عالمنا العربي!!
* "الحبيب" الجفري والصنعة الإعلامية:
الصنعة الإعلامية صنعة تجري وراء الإثارة والأحداث لأنها "مقبلات" بضاعتها التي تروجها للناس، وقد وجدت الصحف والمجلات والفضائيات في حادثة إخراج الداعية علي الجفري من مصر منذ ثلاث سنوات (تقريباً) جانباً من الإثارة!! لأنها أعقبت أحداث الحادي عشر من سبتمبر، والقصة تدور حول طلب تقدمت به السلطات الأمنية المصرية إلى الجفري يدعوه إلى مغادرة مصر (عام 2001م)، وقد ترددت الشائعات في حينها حول ضغوط أمريكية على مصر لإخراج الدعاة الجدد الذين أثروا على الأوساط النخبوية في مصر: أمثال عمرو خالد، وعلي الجفري!! وذهب آخرون إلى أن السبب وراء إخراج الجفري هو تأثير هؤلاء الدعاة على عدد من الفنانات اللاتي ارتدين الحجاب (والمقصود به تغطية الجسد والشعر، مع كشف الوجه واليدين، وبقاء الزينة في اللبس إلى حد ما!!) وهو ما أزعج بدوره الأوساط الفنية ومؤسسات الإنتاج والمستثمرين في هذا المجال، وبدورهم دفعوا باتجاه إخراج هؤلاء الدعاة، ويذهب البعض إلى القول بأن وراء إخراج الجفري عدد من دعاة الأزهر وعلماء مصر (السنة) الذين يعارضون المذهب الصوفي الذي يروج له، وهو قول بعيد!!.
وأياً كان السبب وراء إخراجه فقد كانت الحادثة عاملاً في إبراز "الحبيب" الجفري على الساحة، وتسليط الأضواء عليه وعلى أفكاره، وشخصيته وتحركاته، ويربط المراقبون بين ظهور علي الجفري وبين الإسلام الذي ترغب الأنظمة العربية والإسلامية تقديمه وتبنيه عقب أحداث 11سبتمبر، التي جعلت التوجه السلفي الجهادي هو التعريف المصاحب لمصطلح "الإرهاب"، ومدللين على تفسيرهم هذا بالتقريب الذي تحظى به الصوفية (بعد أحداث 11سبتمبر) لدى الحكومات العربية عبر وزارات الأوقاف والشؤون الإسلامية، أو التربية والتعليم، أو الإعلام!!.
"الصوفية" هي الأخرى ونتيجة لهذا التقارب بينها وبين الأنظمة؛ بل والغرب أحياناً، حظيت باهتمام برامج الفضائيات، وكان بعض هذه البرامج ناقداً وفاضحاً لواقع هذه الحركات الهدامة!!، وبدأ التناول من برنامج "قبل أن تحاسبوا" على قناة "اقرأ" الفضائية، ثم تجرأت قناة "الجزيرة" لتطرح الموضوع عبر برنامج "سري للغاية"، وتبعتها قناة "العربية" مؤخراً وإن كانت أقلهن نقداً!.
وسرعان ما كفَّرت قناة "اقرأ" كما يبدو عن خطئها باستضافة "محمد علوي مالكي" في دروس ثابته على القناة، و"علي الجفري" من خلال حلقات حوارية!! وكذلك فعلت "الجزيرة" باستضافته في إحدى حلقات برنامج "الشريعة والحياة" في 29ديسمبر 2002م، أما "العربية" وهي المنافس والبديل المرغوب عربياً عن "الجزيرة" فقد استضافت "الحبيب" الجفري في برنامج "إضاءات" في 1ديسمبر 2004م.
"الإنترنت" والوجه الآخر للجفري:(64/73)
أشرنا إلى أن للحبيب علي الجفري موقع على شبكة الإنترنت، وهو يحتوي على عدة روابط تضم الدروس والحوارات والزيارات والمحاضرات التي يقوم بها الجفري، غير أن الأمر لا يقتصر على موقعه، فهناك موقع مماثل متخصص في تتبع ما يصفه القائمون على الموقع بأخطاء ومخالفات الداعية علي الجفري وهو باسم "المجهر" (www.almijha صلى الله عليه وسلم net )، يضم موقع "المجهر" عدة روابط تتحدث عن أخطاء الجفري العقائدية والحديثية والفقهية، وهي تشتمل على مقاطع صوتية أو مرئية تثبت حقيقة هذه الأخطاء والمخالفات على الجفري، وهي كما يقول القائمون على الموقع توضح الوجه الخفي لصوفية"الحبيب" الجفري، وضعفه وتدليسه في نقل الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن الصحابة وعلماء الأمة، وقد امتلأت صفحات المنتديات بالكثير من الردود والانتقادات الموجهة إلى "الحبيب" الجفري، وكذلك الصور والمقاطع التي تظهر الجفري في حالة "الدروشة" التي ينكرها في العلن ويمارسها في السر.
وعلى رغم مطالبة منتقديه - الذين لا تفسح لهم الصحف والمجلات والفضائيات المجال!!- بمناظرته عبر غرف الدردشة والبالتوك حول أرائه التي يطرحها حول القبور والأولياء، والاستغاثة بالأموات وكرامات المشيخات الصوفية؛ إلا أن الجفري يتهرب منها محاولاً عدم الدخول في نقاش مع العلماء وطلبة العلم الذين يصفهم بالمتشددين!!
ورفضه هذا اضطر المنتقدين له بإصدار (C.D) خاص عن ما يعتبرونه طعناً في الجفري كداعية يحدث الناس بأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم وأقوال السلف، ومذاهب العلماء، وهو مزود بالصوتيات والصور والمراجع، وقد حاول تركي الدخيل عرض مقاطع منه في برنامج "إضاءات" على قناة "العربية" لولا حالة الذعر التي أصابت "الحبيب" الجفري عند استئذانه في عرضها!!
* الجفري صوفياً:
يفتخر "الحبيب" الجفري بأنه صوفي، وهو يكرر ذلك في لقاءاته وحواراته: "لا أجد حرجاً بأن أقول أن المدرسة التي تعلمت فيها هي مدرسة تصوف"!! لكنه لا يدعي بأنه قد أصبح "صوفياً" لأنها وبحسب تعبيره "مرتبة كبيرة" لم يصل إليها بزعمه!!
وتتجلى صوفية "الحبيب" في قائمة أساتذته الذين تلقى على أيديهم "التصوف" كما يقول، ومن هذه القائمة ننتقي شخصية محمد علوي مالكي الذي ولد في مكة المكرمة عام 1367هـ (توفي في رمضان الماضي 1425هـ)، وهو من أصل مغربي درس ونشأ في الحجاز، ونال الماجستير والدكتوراه من كلية أصول الدين بالأزهر، وكان يُدرِّس في الحرم المكي قبل أن يعلن أفكاره وعقائده القبورية!!
ألف محمد علوي مالكي عدة كتب دعا فيها إلى تعظيم القبور، والتوسل بالأموات، والاستغاثة بالأولياء (كما هي عادة القبوريين من الصوفية!!) منها كتاب "الذخائر" و"شفاء الفؤاد" و"مفاهيم يجب أن تصحح" وغيرها، ورد عليه عدد كبير من علماء الحجاز ونجد في مقدمتهم الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز - رحمه الله -، والشيخ عبد الله بن منيع، والشيخ حمود التويجري، والشيخ أبو بكر الجزائري - رحمه الله -، والدكتور علي العلياني، والدكتور سفر الحوالي.
وقد اعتبر عدد من هؤلاء العلماء محمد علوي مالكي من دعاة الكفر والشرك، والضلالة والبدع، مبينين ذلك من خلال مؤلفاته التي نشرها وتداولها مريدوه داخل وخارج أرض الحرمين، ومن بين تلك الكتب التي ردت على أفكاره ومعتقداته القبورية (جلاء البصائر في الرد على كتابي شفاء الفؤاد والذخائر) لسمير بن خليل المالكي، و(هذه مفاهيمنا) لصالح بن عبد العزيز آل الشيخ، و(جاءوا يركضون) للشيخ أبو بكر الجزائري.
والجفري مع تتلمذه على علماء التصوف ينتمي للاتجاه الصوفي في اليمن والذي تمثل دار المصطفى بتريم منبعاً له، وليس ببعيد عنهم قبر النبي هود (المزعوم)، وما يجري عنده من الطقوس القبورية سنوياً!!
ويرى الجفري أن "التصوف بمعناه الشامل الذي يعني الحركة والفكر، والذوق والهمة، والمقصد أساس حل مشاكل الأمة"، ويشرح التصوف قائلاً: "هو علم من علوم الشريعة الإسلامية، له تأصيله، وألفت كتب باسمه من القرن الثاني الهجري"!!، وبحسب زعمه فإن التصوف "العلم الذي يُعنى بصلاح القلوب"، أما ما يسميه "البعض تصوفاً من تصرفات وأوضاع خاطئة من بعض الجهلة" على حسب قوله - دون أن يوضح ماهية هذه التصرفات والأوضاع الخاطئة - فهو يبرأ إلى الله منها!!.
لكن من غير المعلوم إذا كان الجفري صادقاً في تبرئه منها، وهو الذي يحرص على حضور الموالد المقامة في أكثر من بلد إسلامي، "ويزور قبر السيدة زينب، والسيدة نفيسة، والإمام الحسين - رضي الله عنهم -" بمصر كما جاء عنه في مجلة الأهرام العربي المصرية!!.(64/74)
وينتقد "الحبيب" في حوار مع صحيفة (26 سبتمبر) اليمنية موقف الحكومة المصرية من طرده، مؤكداً بأنه: "ستظهر لهم حاجة العالم الإسلامي - اليوم -، وحاجة الأنظمة الإسلامية؛ إلى أن تتعامل مع التوجه المعتدل"!! ويقصد به التوجه الصوفي الذي بفضله استطاع زيارة الولايات المتحدة الأمريكية بعد أحداث 11سبتمبر ليحاضر في تسع ولايات أمريكية، ملقياً محاضرات مختلفة (بعضها عن الجهاد!!) في عدد من الجامعات الأمريكية!! (حسب حواره مع صحيفة الثورة اليمنية).
* ختاماً:
هذه بعض ملامح شخصية الداعية الصوفي علي الجفري بحسب ما ورد في لقاءاته الصحفية والمتلفزة (والمتوفرة على موقعه الخاص)، وبحسب حديث خصومه عنه، لعلها تكون كافية في إلقاء الضوء على الجفري (الإبن)!!.
__________________
* مدير مركز الجزيرة العربية للدراسات والبحوث، ورئيس تحرير جريدة الرشد اليمنية.
المصدر : http://esc35.midphase.com/~bahashwa/index.php?option=com_content&task=view&id=1267&Itemid=25
================(64/75)
(64/76)
الفوزان يرد على الجفري ويكشف كذبه
الشيخ الدكتور صالح بن فوزان الفوزان *
النبي صلى الله عليه وسلم دفن في حجرة عائشة ولم يدفن في المسجد:
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد ومن اتبع هداه وبعد: فقد أطلعت على حديث منسوب لحبيب علي الجفري تحت عنوان: (نحن أمة أكبر من أن تختلف على زيارة نبيها في مسجده).
وذلك في جريدة المدينة عدد الجمعة 21 شوال 1425هـ، والحديث يدور حول زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم والسفر من أجل ذلك وقد جاء في هذا الحديث مغالطات لا بد من كشفها والرد عليها منها: قوله: نحن أمة أكبر من أن تختلف على زيارة قبر نبيها.
ونقول له:
1 - لم يخالف أحد - ولله الحمد - في مشروعية زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم لمن زار المسجد النبوي للصلاة فيه لأن الصلاة فيه تعدل ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام وزيارة القبر تدخل تبعاً لزيارة المسجد.
2 - قوله زيارة نبيها في مسجده فيه خلط بين زيارة المسجد وزيارة القبر يوهم أن السفر لأجل زيارة القبر لا لأجل المسجد، وهذا قد نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد)، فالسفر إنما هو للصلاة في المسجد النبوي، وتدخل زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم تبعاً كما نصَّ على ذلك أهل العلم فلا يسافر لأجل زيارة القبر لأنه لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد).
3 - يقول الجفري إن المساجد كثيرة ومتعددة في العالم لكن لم يكن لمسجد هذه الميزة والفضيلة مثل ما لهذا المسجد الذي ضم النبي صلى الله عليه وسلم وهذا معناه أنه يرى أن النبي صلى الله عليه وسلم مدفون في المسجد وهذا تلبيس وتضليل لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما دفن في حجرة عائشة رضي الله عنها ولم يدفن في المسجد وكيف يدفن في المسجد وهو صلى الله عليه وسلم في سياق الموت يحذِّر من بناء المساجد على القبور ويلعن من فعل ذلك سداً لوسيلة الشرك ومخالفة لليهود والنصارى في بنائهم المساجد على قبور أنبيائهم وصالحيهم، وكانت الحجرة التي فيها قبر النبي صلى الله عليه وسلم خارج المسجد في عهد الخلفاء الراشدين وعهد معاوية وعهد عبد الملك بن مروان حتى جاء الوليد بن عبد الملك وأراد توسعة المسجد فأدخل فيه الحجرة التي فيها القبر من غير مشورة أهل العلم وإنما هو رأي رآه ونفذه بقوة السلطة ولم يوافقه عليه أهل البلد.
4 - استدل الجفري بمقولة الشيخ الشعراوي والشيخ زايد في أنهما لا يزوران المسجد النبوي إلا من أجل القبر، يقولان (المساجد في الأرض كثيرة فلا نقصدها وإنما نقصد القبر وسبحان الله هل يلغى حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي قال فيه: (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد) يعني لا يجوز السفر لزيارة مكان للعبادة فيه إلا في هذه المساجد الثلاثة: المسجد الحرام، والمسجد النبوي، والمسجد الأقصى) هل تلغى فضيلة المسجد النبوي وتجعل الفضيلة لزيارة القبر هل هذا إلا محادة للرسول صلى الله عليه وسلم وقولهم في تعليل رأيهم إن المساجد في الأرض كثيرة هل معنى ذلك أنه لا ميزة للمسجد النبوي على غيره من مساجد الأرض، نعوذ بالله من الجهل والهوى ومخالفة الحق والهدى.
5 - قول الجفري: الفرق بيننا وبين من يخالفنا أنه لما تمكن استعلى وليس هذا ديدننا ولا هدفنا في الحياة نقول الفرق بينكم أن من خالفكم اتبع الدليل الصحيح في النهي عن الغلو في القبور وأما أنتم فتجاهلتم ذلك أو لم تعلموه والواجب اتباع الحق من غير مكابرة وفَّق الله الجميع للعلم النافع والعمل الصالح، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.
عضو هيئة گبار العلماء عضو اللجنة الدائمة للإفتاء
(مجلة الدعوة العدد 1971)
http://saaid.net المصدر:
=============(64/77)
(64/78)
أبوي الرسول بين الجفري وعلماء الشافعية
أبو أمامة
المقدمة
ذكر اللازم لبيان فساد القول جادة مطروقة
من المقرر عند أهل العلم أن ذكر اللازم لبيان فساد القول وما يفضي إليه من المنكرات ، جادة مطروقة ، وعليها العمل ، وردود أهل العلم منذ القدم تقوم على هذا الأمر ، فيذكرون في ردودهم على من قال كلاماً باطلاً ما ينبني على هذا القول وما يؤدي إليه من اللوازم الفاسدة ؛ لأنه إذا فسد اللازم فسد الملزوم ، وقد يكون ذكر اللازم وفساده أوضح من إفساد الملزوم بمجرده . وأنا في موضوعي هذا سأذكر لازم قلة أدب الجفري وسوء ظنه مع المخالفين له في مسألة أبوي الرسو صلى الله عليه وسلم ، وأن الطعن واللمز واللغمز في المخالفين هو في حقيقته طعن ولمز وغمز لمن قال به من العلماء من قبل ، ولو أن الجفري التزم بنصرة رأيه وعقيدته بالأدلة دون الطعن والإتهام في الدين لكان أولى .
فصلٌ
في ذكر بعض أقوال علماء الشافعية في المسألة
1/ الإمام النووي رحمه الله تعالى :
وقد بوب في شرحه لصحيح مسلم عند حديث " أبي وأباك في النار " بقوله " باب : بيان أن من مات على الكفر فهو في النار ، ولا تناله شفاعته ، ولا تنفعه قرابة المقربين " .
وقال في شرحه " وفيه أن من مات في الفترة على ما كانت عليه العرب من عبادة الأوثان فهو في النار ، وليس هذا مؤاخذة قبل بلوغ الدعوة ؛ فإن الدعوة كانت قد بلغتهم دعوة إبراهيم وغيره من الأنبياء صلوات الله تعالى وسلامه عليهم " انتهى .
وقال رحمه الله عند شرحه لحديث " استأذنت ربي أن أستنغفر لأمي فلم يأذن لي ، واستأذنته أن أزور قبرها فأذن لي " .
قال " فيه جواز زيارة المشركين في الحياة وقبورهم بعد الوفاة ؛ لأنه إذا جازت زيارتهم بعد الوفاة ففي الحياة أولى ، وقد قال الله تعالى ( وصاحبهما في الدنيا معلروفا ) ، وفيه النهي عن الاستغفار للكفار ، قال القاضي عياض رحمه الله : سبب زيارته قبرها أنه قصد قوة الموعضة والذكرى بمشاهدة قبرها ؛ ويؤيده قول صلى الله عليه وسلم في آخر الحديث : فزوروا القبور ؛ فإنها تذكركم باتلآخرة " انتهى .
وقال أيضاً رحمه الله " قوله : فبكى وأبكى من حوله ، قال القاضي : بكاؤ صلى الله عليه وسلم على ما فاتها من إدراك أيامه والإيمان به " انتهى .
2/ البيهقي :
قال في كتابه دلائل النبوة (1/192، 193) بعد تخريجه لحديث " أبي وأباك في النار " : (وكيف لا يكون أبواه وجدُّه بهذه الصفة في الآخرة ، وكانوا يعبدون الوثن حتى ماتوا ، ولم يدينوا دين عيسى ابن مريم عليه السلام " انتهى .
وقال أيضا في سننه(7: 190): " وأبواه كانا مشركين, بدليل ما أخبرنا.." ثم ساق حديث أنس " أبي وأباك في النار " .
وقال في الدلائل (1/192, 193) : " وكفرُهم لا يقدح في نسب رسول ا صلى الله عليه وسلم ؛ لأن أنكحة الكفار صحيحة ، ألا تراهم يسلمون مع زوجاتهم ، فلا يلزمهم تجديد العقد ، ولا مفارقتهن ؛ إذ كان مثله يجوز في الإسلام وبالله التوفيق " انتهى .
3/ ابن كثير :
قال في (سيرة الرسول وذكر أيامه.. ) : " وإخبار صلى الله عليه وسلم عن أبويه وجده عبد المطلب بأنهم من أهل النار لا ينافي الحديث الوارد من طرق متعددة أن أهل الفترة والأطفال والمجانين والصم يمتحنون في العرصات يوم القيامة. لأنه سيكون منهم من يجيب، ومنهم من لا يجيب، فيكون هؤلاء-أي الذين أخبر عنهم النبي- من جملة من لا يجيب، فلا منافاة، ولله الحمد والمنة " انتهى .
وقدر رد على حديث أن الله أحياهم ثم آمنوا بأنه " حديث منكر "
وللزيادة أنظر تفسيره وكتابه البداية والنهاية .
فصلٌ
في ذكر بعض أقوال العلماء المجتهدين وغيرهم من أصحاب المذاهب.
1- الإمام مسلم:
حيث رواه في صحيحه وعنون عليه: باب بيان أن من مات على الكفر فهو في النار ولا تناله شفاعة ولا تنفعه قرابة المقربين.
2- أبو داود صاحب السنن:
حيث روى حديث أنس مع أحاديث أخرى وعنون عليها: باب في ذراري- أي أبناء- المشركين.
3- النسائي, :
حيث روى حديث الاستئذان(2032) - وهو:عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: زار صلى الله عليه وسلم قبر أمه فبكى وأبكى من حوله ، فقال: ((استأذنت ربي في أن أستغفر لها فلم يؤذن لي ، واستأذنته في أن أزور قبرها فأذن لي ، فزوروا القبور فإنها تذكر الموت)) - وهو كما ترى بمعنى حديث أنس في أنه قد ثبت أن من أهل الجاهلية من هم ليسوا من أهل الفترة, وعنون عليه: باب زيارة قبر المشرك.
4- ابن ماجة:
حيث روى هو أيضا حديث الاستئذان(1572), وعنون عليه: باب ما جاء في زيارة قبور المشركين.
5- ابن الجوزي :
إذ قال في الموضوعات(1: 284) بعد أن ذكر حديثا باطلا موضوعا فيه أن الله أحيا أبوي النبي(ص) ليؤمنا به, قال: [هذا حديث موضوع لا يشك فيه, والذي وضعه قليل الفهم, عديم العلم, إذ لو كان له علم لعلم أن من مات كافرا لا ينفعه أن يؤمن بعد الرجعة, لا بل لو آمن بعد المعاينة, ويكفي في رد هذا الحديث قوله تعالى" فيمت وهو كافر", وقوله(ص).. وذكر ابن الجوزي حديث الاستئذان..].
6- القرافي :(64/79)
قال في شرح تنقيح الفصول (ص297): «حكاية الخلاف في أنه عليه الصلاة والسلام كان متعبدا قبل نبوته بشرع من قبله يجب أن يكون مخصوصا بالفروع دون الأصول، فإن قواعد العقائد كان الناس في الجاهلية مكلفين بها إجماعا. ولذلك انعقد الإجماع على أن موتاهم في النار يعذبون على كفرهم ، ولولا التكليف لما عذبوا ، فهو عليه الصلاة والسلام متعبد بشرع من قبله -بفتح الباء -بمعنى مكلف لامرية فيه،إنما الخلاف في الفروع خاصة ، فعموم إطلاق العلماء مخصوص بالإجماع».
7- وقد بسط الكلام في عدم نجاة الوالدين العلامة إبراهيم الحلبي في رسالة مستقلة، وكذلك العلامة الحنفي الملاّ علي بن سلطان القارئ :
في "شرح الفقه الأكبر"، وفي رسالة مستقلة أسماها: "أدلة معتقد أبي حنيفة الأعظم في أبوي الرسول عليه الصلاة والسلام". وقد أثبت بذلك الكتاب تواتر الأدلة والأحاديث على صِحّة معنى هذا الحديث وعدم نجاة والدي الرسول -عليه أتمّ الصلاة والتسليم-. وقد نقل الإجماع على تلك القضية فقال في ص84: «وأما الإجماع فقد اتفق السلف والخلف من الصحابة والتابعين والأئمة الأربعة وسائر المجتهدين على ذلك، من غير إظهار خلافٍ لما هُنالك. والخلاف من اللاحق لا يقدح في الإجماع السابق، سواء يكون من جنس المخالف أو صنف الموافق».
الخاتمة
وأخيرا لا بد أن يعلم أن المقصود من الموضوع هو لفت النظر للازم الطعن والاتهام في الدين وأن قول الجفري _ فيمن يقول بموت أبوي الرسول على الكفر _ " أن القوم بينهم وبين رسول الله شيء " و " أنهم يريدون نزع محبة محمد من قلوب العامة " ما هو إلا تدليس وتلبيس على العامة ، وأنه في الحقيقة متوجه لمن ذكرنا لو التزم به الجفري .
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين .
===============(64/80)
(64/81)
الكشف الجلي عن شركيات الجفري علي!
إعداد: أبي معاذ السلفي
قبل البدء في الموضوع أقول : لكي تتمكن من سماع المقاطع الصوتية قم بحفظها إلى جهازك عن طريق وضع مؤشر الفارة على اسم المقطع ثم حفظ باسم.
ــــــــــــ
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على رسوله الأمين ، ولا عدوان إلا على الظالمين: أما بعد: (الحبيب زين العابدين علي الجفري) من الأسماء التي بدأت تظهر بشكل كبير في الساحة الدعوية في هذا الوقت،وذلك من خلال الظهور عبر القنوات الفضائية والصحف والمجلات، فبعض القنوات الفضائية كما بلغني أصبحت تستضيفه على شاشاتها من خلال البرامج والمقابلات، وكذلك بعض الصحف والمجلات قامت بإجراء مقابلات معه، وله موقع على شبكة الانترنيت تحت الإنشاء، هذا فضلاً عن أشرطته السمعية التي ينشرها اتباعه في عدة أماكن.
وقد سأل عنه الكثير من الإخوة خصوصاً بعد لقاءه مع قناة الجزيرة الذي بث قبل عدة أيام. وأنا بحمد لله أملك شريط صرح فيه (علي الجفري) ببعض معتقداته التي لا أظنه يستطيع أن يتجرأ وينشرها علانية عبر الوسائل السابق ذكرها على الأقل حالياً !، لهذا رأيت من واجبي أن أقوم بنشر بعض المقاطع من ذلك الشريط، علماً أن الشريط سجل في مجلس خاص وليس عام !! ولم ينتشر إلا في الحدود الضيقة جداً عن طريق بعض اتباعه رغم أنه طلب من صاحب المجلس ألا ينشر الشريط !!
والغرض من نشر هذه المقاطع هو تحذير المسلمين من شر هذا الرجل، فقد اغتر به الكثير من الناس بسبب أسلوبه في الحديث والله المستعان، وبعض الإخوة كنت اخبرهم بمعتقدات الرجل فلم يكن يصدق هذا الأمر، بل أن بعضهم يدافع عنه ويكذبني في ذلك ولكن عندما اسمعه الشريط يتعجب من هذا الأمور التي لم يكن يتصور صدورها من شخص في هذا العصر! الذي انتشر فيه العلم والدين والحمد لله.
وقد كنت قبل فترة طويلة عازماً على أن أقوم بنشر تلك المقاطع مع الرد عليها، ولكن شغلت ببعض الأمور الأخرى، ولكن عندما بلغني أنه ظهر في قناة الجزيرة - وأنا لم أشاهد اللقاء وفي انتظار نشره عبر موقع القناة على الشبكة - قررت نشر المقال بأسرع ما يمكن، لهذا أرجو أن يعذرني الاخوة على ما يجدوه من قصور في المقال، علماً أن هناك مقاطع أخرى أصرح في العبارة من بعض المقاطع التي سوف تسمعونها - بإذن الله - ولكن نشرها يحتاج إلى كتابة رد عليها، ولكن الوقت ضيق حالياً، وأسأل الله أن ييسر ذلك لي ولغيري من المشايخ وطلبة العلم في القريب العاجل.
وفي الختام أسأل الله أن يجعل عملي هذا خالصاً لوجهه الكريم.
وأطلب من الاخوة بارك الله فيهم أن يقوموا بنشر هذا المقال في المنتديات الحوارية حتى يحذر منه الناس، كما أطلب منهم - بارك الله فيهم - التعليق على كلامه بما يرونه مناسب إن شاء الله.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أخوكم/ أبو معاذ السلفي .
1- استمع إليه وهو يقول أن القاعدة أن الرسو صلى الله عليه وسلم يغيث بروحه من يستغيث به، ويمكن أن يغيث أيضاً بجسده، كما أن بإمكان الرسو صلى الله عليه وسلم أن يغيث بروحه مليون شخص في نفس اللحظة !!
http://www.geocities.com/abdullah_moslm/g1. r a
http://www.geocities.com/abdullah_moslm/g2. r a
2- استمع له وهو يقول أنه لا يستغرب خروج روح الولي الميت لكي تنفع بإذن الله من يستغيث بها.
http://www.geocities.com/abdullah_moslm/g3. r a
3- استمع له وهو يقول أن الأساس أن الأولياء الأموات يغيثون بارواحهم من يستغيث بهم، ولا يمنع في اعتقاده أن يخرج جسد من قبره !
http://www.geocities.com/abdullah_moslm/g4. r a
4- استمع له وهو يصرح بأن هناك من الأولياء من فوضهم الله في إدارة أمور الكون!! وأن عندهم إذن مسبق في التصرف في الكون!! وأنه بإمكانهم بإذن الله الرزق والإحياء والإماتة !!
http://www.geocities.com/abdullah_moslm/g5. r a
5- استمع له وهو يصرح بأنه يمكن للولي الميت أن يدعو للحي ، وأن كرامات الأولياء لا حد لها إلا في مسألتين، وهما: أن ينزل عليه كتاب من الله.
أن يوجد - أي يخلق - الولي طفل من غير أب.
وأن مسألة خلق الطفل من غير أب مسألة خلافية بين العلماء - أي الصوفية - .
وأن الولي يمكن أن تخرج روحه من الروضة التي يتنعم فيها ليغيث من استغاث به.
http://www.geocities.com/abdullah_moslm/g6. r a
6- استمع له وهو يصرح أن العلماء عنده اختلفوا في مسألة إمكانية أن يخلق الولي لطفل من غير أب، وأن السبب الذي جعل من يقول بإمتناع ذلك هو التحرز على الأنساب !! حتى لا تأتي امرأة حامل من الزنى فتدعي أن أحد الأولياء خلق هذا الطفل في بطنها، وإلا في الأصل هم متفقون على ذلك - أي على إمكانية أن يخلق الولي طفل من غير أب - !!
http://www.geocities.com/abdullah_moslm/g7. r a
7- استمع له وهو يصرح بإمكانية رؤية الرسو صلى الله عليه وسلم ولكن بعين البصيرة وأن هناك من الأولياء من يجتمع بالرسو صلى الله عليه وسلم يقظة !
http://www.geocities.com/abdullah_moslm/g9. r a(64/82)
8- استمع له وهو يكذب على الشيخ عبد الرحمن دمشقية حفظه الله مؤلف كتاب "الرفاعية" حيث يزعم أن أحد مشايخه ناقش الشيخ دمشقية حول أحمد الرفاعي وذكر له أن الإمام الذهبي أثنى عليه، وأن الشيخ دمشقية كان يجهل هذا الأمر، ولهذا ذمه في كتاب الرفاعية ، مع أن الشيخ عبد الرحمن دمشقية قد ذكر ترجمة أحمد الرفاعي رحمه الله من "سير أعلام النبلاء" للإمام الذهبي رحمه الله وبراءه مما يعتقده فيه أتباعه!
http://www.geocities.com/abdullah_moslm/g10. r a
وبعد عرض هذه المقاطع الصوتية لعلي الجفري أذكر بعض الأدلة التي فيها رد على معتقداته، فأقول وبالله التوفيق:
أولاً: ذكر بعض الأدلة التي فيها رد على من اثبت أن الأنبياء والأولياء يتصرفون في الكون: (إن في سيرة وحياة الرسو صلى الله عليه وسلم ما يصدع بالحق ويهتك رداء الشك في هذا الأمر:فلما اشتدت إذية المشركين للمسلمين بمكة واستفحل شرهم وتطاولهم حتى على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رفع صوته ثم دعا عليهم:" اللهم عليك بقريش ... اللهم عليك بأبي جهل بن هشام، وعقبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، والوليد بن عقبة، وأمية بن خلف، وعقبة ابن أبي معيط " رواه البخاري ومسلم.
فترى أنه بعد أن ضاقت السبل، واستغلقت الأبواب، وانقطع الرجاء في هداية هؤلاء القوم لم يبق إلا التفكير في استئصال شأفتهم، ولما لم يكن هناك سبل إلى ذلك إلا سبيل الابتهال إلى المولى عز وجل فقد توجه عليه الصلاة والسلام بهذا الدعاء الذي لم تتحقق استجابته إلا بعد حين وتحديداً يوم بدر، إذ يقول ابن مسعود راوي الحديث: (فوالذي بعث محمداً صلى الله عليه وآله وسلم بالحق لقد رأيت الذين سمى صرعى يوم بدر).
ولا يخفى على عاقل أنه صلى الله عليه وآله وسلم لو كان يتصرف في الكون لاكتفى بقوله لهم:موتوا فيموتون. وفي يوم بدر ذاته عندما واجه المسلمين خطب مدلهم وخطر جسيم عندما قابلهم جيش قريش ورأوا تفوقه عدداً وعُدداً لم يكن منه صلى الله عليه وآله وسلم إلا أن استقبل القبلة ثم مد يديه فجعل يهتف بربه:" اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم آت ما وعدتني، اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض " . فما زال يهتف بربه ماداً يديه، مستقبل القبلة حتى سقط رداؤه عن منكبيه. فأتاه أبو بكر فأخذ رداءه فألقاه على منكبيه ثم التزمه من ورائه. وقال:يا نبي الله كفاك مناشدتك ربك فإنه سينجز لك ما وعدك. فأنزل الله عز وجل: (إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين) (الأنفال:9). رواه مسلم.
هذا نص آخر صريح في أنه عليه الصلاة والسلام كان أمره غاية في العبودية والخضوع والتذلل لربه عز وجل، ولم يكن من شأنه أن يخرج عن ذلك بحال من الأحوال.
بل ثبت بالدليل أن الله سبحانه لم يكن يحقق كل ما يدعوه به عليه الصلاة والسلام.
عن سعد بن أبي وقاص قال:قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:" سألت ربي ثلاثاً فأعطاني ثنتين ومنعني واحدة. سألت ربي أن لا يهلك أمتي بالسنة فأعطانيها، وسألته أن لا يهلك أمتي بالغرق فأعطانيها، وسألته أن لا يجعل بأسهم بينهم فمنعنيها " رواه مسلم) انتهى نقلاً من "تقديس الأشخاص في الفكر الصوفي" للشيخ محمد أحمد لوح حفظه الله (1/137-139).
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يا معشر قريش - أو كلمة نحوها - اشتروا أنفسكم ... لا أغني عنكم من الله شيئاً، يا بني عبد مناف! لا أغني عنكم من الله شيئاً. يا عباس بن عبد المطلب! لا أغني عنك من الله شيئاً، ويا فاطمة بنت محمد سليني ما شئت من مالي، لا أغني عنك من الله شيئاً ". رواه البخاري ومسلم.
قال الشيخ عبد الرحمن دمشقية حفظه الله في "موسوعة أهل السنة" (1/38): (فهذا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصرح بأنه لا يغني عن أحد من الله شيئاً، ولا حتى لابنته فاطمة رضي الله عنها. وإذا كان لا يملك شيئاً لفلذة كبه فاطمة رضي الله عنها وهو حي، أفيملكه لغيرها وهو ميت؟!) انتهى باختصار.
وهناك أدلة أخرى كثيرة تدل على هذا الأمر منها: قوله تعالى: (قل لا أملك لكم ضراً ولا رشداً) (الجن:21). وقوله: (وقالوا لن نؤمن بك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعاً * أو تكون لك جنة من نخيل وعنب فتفجر الأنهار خلالها تفجيراً * أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفاً أو تأتي بالله والملائكة قبيلا * أو يكون لك بيت من زخرف أو ترقى في السماء ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل عليناً كتاباً نقرؤه قل سبحان ربي هل كنت إلا بشراً رسولاً) (الإسراء:90-93).
وقال تعالى عن نوح عليه السلام: (ولا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب) (هود:31).
رد بعض الشبه حول هذا الموضوع:
قد يستدل البعض على هذه العقيدة بمعجزات المسيح عليه السلام.
وقد رد الشيخ محمد أحمد لوح حفظه الله على هذه الشبهة في كتابه"تقديس الأشخاص في الفكر الصوفي" (1/157) حيث قال:(64/83)
(هذا الاستدلال باطل لأن إحياء الموتى - بإذن الله - من خصوصيات المسيح، وليس لغيره من البشر لا من الأنبياء ولا غيرهم، ومما يؤيد هذه الخصوصية دعاء إبراهيم عليه السلام: (رب أرني كيف تحيي الموتى) (البقرة:260).
فإنه عليه السلام لو كان من شأنه إحياء الموتى لما دعا بمثل هذا الدعاء، وإذا انتفى كون إحياء الموتى من معجزات نبي آخر غير المسيح قوي انتفاؤه عمن دون الأنبياء من الأولياء والصالحين) اهـ.
وقد يستدل البعض أيضاً بقول الله تعالى: (فتبارك الله أحسن الخالقين) (المؤمنون:14) والجواب:
(أننا نثبت للمخلوق خلقاً، لكنه ليس كخلق الله تعالى. فخلق الله جل وعلا إيجاد من العدم. وخلق المخلوق لا يكون إلا بالتغيير والتحويل والتصرف في شيء خلقه الله تعالى . ومن ذلك ما جاء في "الصحيحين" أنه يقال للمصورين يوم القيامة:"أحيوا ما خلقتم". ومعلوم أن المصور لم يوجد شيئاً من العدم إنما حول الطين، أو الحجر إلى صورة إنسان أو طير - بدون روح -، وحول بالتلوين الرقعة البيضاء إلى ملونة، والطين والحجر والمواد والورق كلهم من خلق الله تعالى) انتهى نقلاً من موقع الشبكة الإسلامية على شبكة المعلومات العالمية.
**
ذكر بعض الأدلة التي تثبت بقاء الأجساد في القبور:
عن ابن عمر رضي الله عنهما عن صلى الله عليه وسلم قال:"إذا مات أحدكم عرض عليه مقعده بالغداة والعشي، إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة، وإن كان من أهل النار فمن أهل النار، فيقال:هذا مقعدك حتى يبعثك الله يوم القيامة" رواه البخاري ومسلم.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن من أفضل ايامكم يوم الجمعة، فيه خلق آدم، وفيه قبض، وفيه النفخة، وفيه الصعقة، فأكثروا على الصلاة فيه، فإن صلاتكم معروضة علي" قالوا:يا رسول الله ! وكيف تعرض صلاتنا عليك، وقد أرمتً، قال:" إن الله حرم على الأرض أجساد الأنبياء" رواه أبو داود والنسائي وغيرهما وصححه الألباني في "التوسل" (ص64). فهذا الحديث يدل بأن أجساد الأنبياء - عليهم السلام - لا تفارق قبورهم.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم "أنا أول من تنشق الأرض عنه يوم القيامة ولا فخر. وأنا أول شافع وأول مشفع ولا فخر".
(ومن الأدلة على ذلك أيضاً ما ثبت في الحديث عن صلى الله عليه وسلم "أن موسى عليه السلام نقل عظام يوسف عليه السلام لما خرج من مصر". رواه الحاكم وصححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" رقم الحديث 313 .
وقد أشار الألباني رحمه الله أن معنى قوله في الحديث "عظام يوسف" لا يعارض حديث :"إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء" لأنه قد ثبت في حديث بسند جيد على شرط مسلم:أن صلى الله عليه وسلم لما بدن، قال له تميم الداري رضي الله عنه ألا أتخذ لك منبراً يا رسول الله، يجمع أو يحمل عظامك؟ قال:"بلى" فاتخذ له منبراً مرقاتين. رواه أبو داود . فدل هذا أنهم كانوا يطلقون العظام، ويريدون به البدن كله) انتهى نقلاً من "مصادر التلقي عند الصوفية" (419-420) بتصرف.
* *
ذكر بعض الأدلة التي تثبت أن أرواح الشهداء والصالحين تتنعم في الجنة وتتمنى الرجوع إلى الدنيا لفعل الخيرات ولكن تمنع من ذلك:
(عن طلحة بن خراش قال:سمعت جابراً يقول:لقيني رسول ا صلى الله عليه وسلم فقال لي:"يا جابر مالي أراك منكسراً"؟ فقلت:يا رسول الله استشهد أبي قتل يوم أحد، وترك عيالاً وديناً. فقال:"أفلا أبشرك بما لقي الله به أباك؟" قال:قلت:بلى يا رسول الله. قال:"ما كلم الله أحداً قط إلا من وراء حجاب، وأحيا أباك وكلمه كفاحاً، فقال:يا عبدي تمن علي أعطك. قال:يا رب تحييني فأقتل فيك ثانية. قال الرب عز وجل:إنه سبق مني (أنهم إليها لا يرجعون) " رواه الترمذي وحسنه، وابن ماجه، وابن أبي عاصم، والحاكم وقال:صحيح الإسناد ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي . وحسنه أيضاً الألباني في "ظلال الجنة".
وهو حديث صريح في منع القول بوقوع الرجعة فضلاً عن أن تكون عقيدة إسلامية يجب اعتقادها) نقلاً من "تقديس الأشخاص في الفكر الصوفي" (2/38-39).
وعن ابن مسعود رضي الله عنه أن أصحاب صلى الله عليه وسلم سألوه عن هذه الآية: (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون) (آل عمران:169). فقال صلى الله عليه وسلم " أرواحهم في جوف طير خضر لها قناديل معلقة بالعرش تسرح من الجنة حيث شاءت ثم تأوي إلى تلك القناديل، فاطلع إليهم ربهم إطلاعة فقال:هل تشتهون شيئاً؟ قالوا:أي شيء نشتهي ونحن نسرح من الجنة حيث شئنا؟ ففعل ذلك بهم ثلاث مرات، فلما رأوا أنهم لن يتركوا من أن يسألوا قالوا:يا رب نريد أن ترد أرواحنا في أجسادنا حتى نقتل في سبيلك مرة أخرى، فلما رأى أن ليس لهم حاجة تركوا " أخرجه مسلم.
قال الشيخ سمير المالكي في " كشف شبهات المخالفين/ القسم الثاني من الرد على كتابي "شفاء الفؤاد" و"الذخائر" " (94-95) بتصرف:
(يستفاد من هذا الحديث:
1 - أن قول الرسول صلى الله عليه وسلم " أرواحهم في جوف طير " يدل على أنها ليست في الأجساد المدفونة في الأرض.(64/84)
2 - أنهم سألوا ربهم أن ترد أرواحهم في أجسادهم، وهذا صريح في أنها قد فارقتها بالموت.
3 - أنهم تمنوا الرجوع إلى الدنيا ليقاتلوا في سبيل الله لما رأوا من عظيم ثواب الشهادة، فمنعوا من ذلك، فقد انقطع التكليف وانقطع العمل وما بقي إلا الجزاء، فإذا لم يملكوا هم لأنفسهم نفعاً ولا حياة ولا تصرفاً، مع كرامتهم عند ربهم ووجاهتهم عنده، فكيف يملكون لغيرهم من الخلق جلب منفعة أو دفع مضرة؟!) اهـ.
عن كعب بن مالك عن صلى الله عليه وسلم قال:" نسمة المؤمن طائر يعلق في شجر الجنة حتى يرجعه الله إلى جسده يوم يبعثه " رواه مالك وأحمد والنسائي.
والنسمة هنا أي الروح، يدل عليه قوله:" حتى يرجعه الله إلى جسده ". فهذا يدل على أن الروح تعاد إلى الجسد يوم القيامة، فكيف يقال أن الأنبياء والصالحين يخرجون من قبورهم بأجسادهم لإنقاذ من يستغيث بهم؟!
* *
ذكر بعض الأدلة التي تثبت عدم شعور الأحياء بحياة الشهداء البرزخية:
قال تعالى: (ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء ولكن لا تشعرون) (البقرة:154). فهذا يدل على أننا لا نشعر بحياة الشهداء البرزخية.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن صلى الله عليه وسلم قال:" لما أصيب إخوانكم بأحد جعل الله أرواحهم في أجواف طير خضر ترد أنهار الجنة وتآكل من ثمارها وتأوي إلى قناديل من ذهب معلقة في ظل العرش، فلما وجدوا طيب مأكلهم ومشربهم ومقيلهم قالوا:من يبلغ عنا إخواننا أنا أحياء في الجنة نرزق لئلا ينكلوا عن الحرب ولا يزهدوا في الجهاد؟ قال:فقال الله عز وجل:أنا أبلغهم عنكم، فأنزل الله تعالى: (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عن ربهم يرزقون) " رواه أحمد وأبو داود. فهذا يدل على أن الصحابة لم يكونوا يشعروا بحياة الشهداء وأن الشهداء تمنوا من يبلغ إخوانهم ما هم فيه من نعيم.
(عن طلحة بن خراش قال:سمعت جابراً يقول:لقيني رسول ا صلى الله عليه وسلم فقال لي:" يا جابر مالي أراك منكسراً "؟ فقلت:يا رسول الله استشهد أبي قتل يوم أحد، وترك عيالاً وديناً. فقال:" أفلا أبشرك بما لقي الله به أباك؟ " قال:قلت:بلى يا رسول الله. قال:"ما كلم الله أحداً قط إلا من وراء حجاب، وأحيا أباك وكله كفاحاً، فقال:يا عبدي تمن علي أعطك. قال:يا رب تحييني فأقتل فيك ثانية. قال الرب عز وجل:إنه سبق مني (أنهم إليها لا يرجعون) " رواه الترمذي وحسنه، وابن ماجه، وابن أبي عاصم، والحاكم وقال:صحيح الإسناد ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي . وحسنه أيضاً الألباني في "ظلال الجنة".
وهو حديث صريح في منع القول بوقوع الرجعة فضلاً عن أن تكون عقيدة إسلامية يجب اعتقادها) انتهى نقلاً من "تقديس الأشخاص في الفكر الصوفي" (2/38-39).
ويستفاد منه أيضاً أن جابر رضي الله عنه لم يكن يعلم عن النعيم الذي كان يتنعم به والده رضي الله عنه.
* *
ذكر بعض الأدلة التي تثبت عدم إمكانية رؤية صلى الله عليه وسلم يقظة:
(من الأدلة على ذلك أن أموراً عظيمة وقعت لأصحاب رسول ا صلى الله عليه وسلم وهم أفضل الأمة بعد نبيها كانوا في حاجة ماسة إلى وجوده بين أظهرهم ولم يظهر لهم، نذكر منها:
- انه وقع خلاف بين الصحابة بعد وفاة صلى الله عليه وسلم بسبب الخلافة، فكيف لم يظهر لأصحابه ويفصل النزاع بينهم.
- اختلاف أبي بكر الصديق مع فاطمة رضي الله عنهما على ميراث أبيها فاحتجت فاطمة عليه بأنه إذا مات هو إنما يرثه أبناؤه فلماذا يمنعها من ميراث أبيها؟ فأجابها أبو بكر بأن صلى الله عليه وسلم قال:"نحن معاشر الأنبياء لا نورث وما تركنا صدقة" رواه البخاري وغيره.
- الخلاف الشديد الذي وقع بين طلحة والزبير وعائشة من جهة وعلي بن أبي طالب وأصحابه رضي الله عنهم اجمعين من جهة أخرى، والذي أدى إلى وقوع معركة الجمل، فقتل فيها خلق كثير من الصحابة والتابعين، فلماذا لم يظهر لهم صلى الله عليه وسلم حتى يحقن هذه الدماء؟
- الخلاف الذي وقع بين علي بن أبي طالب رضي الله عنه مع الخوارج، وقد سفكت فيه دماء كثيرة، ولو ظهر لرئيس الخوارج وأمره بطاعة إمامه لحقن تلك الدماء.
- النزاع الذي وقع بين علي ومعاوية رضي الله عنهما والذي أدى إلى وقوع حرب صفين حيث قتل خلق كثير جداً منهم عمار بن ياسر. فلماذا لم يظهر صلى الله عليه وسلم حتى تجتمع كلمة المسلمين وتحقن دمائهم .
- أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه على جلالة قدره وعظمة شأنه كان يظهر الحزن على عدم معرفته ببعض المسائل الفقهية فيقول: (ثلاث وددت أن رسول ا صلى الله عليه وسلم لم يفارقنا حتى يعهد إلينا فيهن عهداً ننتهي إليه:الجد، والكلالة، وأبواب من أبواب الربا) متفق عليه.
فلو كان يظهر لأحد بعد موته لظهر لعمر الفاروق وقال له:لا تحزن حكمها كذا وكذا). انتهى نقلاً من "تقديس الأشخاص في الفكر الصوفي" (2/47-49) باختصار.(64/85)
أما بالنسبة لاستدل الصوفية بالحديث الذي رواه البخاري رحمه الله في صحيحه عن صلى الله عليه وسلم أنه قال:"من رآني في المنام فسيراني في اليقظة" على إمكانية رؤية النبي صلى الله عليه وسم يقظة، فقد أجاب عنه الشيخ محمد أحمد لوح حفظه الله في "تقديس الأشخاص في الفكر الصوفي" (2/39 -52) فقال:
(أما رواية:" من رآني في المنام فسيراني في اليقظة " لابد من إلقاء ضوء كاشف على الحديث رواية ودراية حتى نعرف قدر هذا اللفظ الذي استدل به أولئك على إمكانية رؤية صلى الله عليه وسلم في اليقظة:
1- أما الحديث فقد رواه اثنا عشر من أصحاب رسول ا صلى الله عليه وسلم أو يزيد، مما يدل على شيوعه واستفاضته.
2- أن ثمانية من أئمة الحديث المصنفين اهتموا بهذا الحديث فأخرجوه في كتبهم مما يؤكد اهتمامهم به وفهمهم لمدلوله. ومع ذلك لم يبوب له أحد منهم بقوله مثلاً:باب في إمكان رؤية صلى الله عليه وسلم في اليقظة، ولو فهموا منه ذلك لبوبوا به أو بعضهم على الأقل؛ لأنه أعظم من كل ما ترجموا به تلك الأبواب.
3- أن المواضع التي أخرجوا فيها هذا الحديث بلغ (44) موضعاً، ومع كثرة هذه المواضع لم يرد في أي موضع لفظ " فسيراني في اليقظة " بالجزم إلا في إحدى روايات البخاري عن أبي هريرة.
أما بقية الروايات فألفاظها:"فقد رآني" أو "فقد رأى الحق" أو "فكأنما رآني في اليقظة" أو "فسيراني في اليقظة أو فكأنما رآني في اليقظة" بالشك.
وبالنظر في ألفاظ الحديث ورواياته نجد ملاحظات على لفظ "فسيراني في اليقظة" لا ريب أنها تقلل من قيمة الاستدلال بها وهذه الملاحظات هي:
أولاً: أن البخاري أخرج الحديث في ستة مواضع من صحيحه:ثلاثة منها من حديث أبي هريرة، وليس فيها لفظ:"فسيراني في اليقظة" إلا في موضع واحد.
ثانياً: أن كلا من مسلم (حديث رقم 2266)، وأبي داود (حديث رقم 5023)، و أحمد (5/306)، أخرجوا الحديث بإسناد البخاري الذي فيه اللفظ المذكور بلفظ "فسيراني في اليقظة. أو لكأنما رآني في اليقظة" وهذا الشك من الراوي يدل على أن المحفوظ إنما هو لفظ "فكأنما رآني" أو "فقد رآني" لأن كلا منهما ورد في روايات كثيرة بالجزم وليس فيها شيء شك فيه الراوي.
وعند الترجيح ينبغي تقديم رواية الجزم على رواية الشك.
ثالثاً: إذا علمنا أنه لم يرد عند مسلم ولا عند أبي داود غير رواية الشك أدركنا مدى تدليس السيوطي حين قال في "تنوير الحلك": (وتمسكت بالحديث الصحيح الوارد في ذلك:أخرج البخاري ومسلم وأبو داود عن أبي هريرة قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من رآني في المنام فسيراني في اليقظة ولا يتمثل الشيطان بي") فأوهم أن مسلماً وأبا داود أخرجا الحديث برواية الجزم، وأغفل جميع روايات البخاري الأخرى التي خلت من هذا اللفظ. رابعاً:ذكر الحافظ ابن حجر في "الفتح" (12/400) أنه وقع عند الإسماعيلي في الطريق المذكورة "فقد رآني في اليقظة" بدل قوله:"فسيراني".
وهذه الأمور مجتمعة تفيد شذوذ هذا اللفظ، ولعل الحافظ ابن حجر أشار إلى ذلك ضمناً حين قال: (وشذ بعض الصالحين فزعم أنها تقع - يعني الرؤية - بعيني الرأس حقيقة).
ونقل عن المازري قوله: (إن كان المحفوظ "فكأنما رآني في اليقظة" فمعناه ظاهر).
هذا ما يتعلق بالحديث رواية، وإن تعجب فعجب استدلال هؤلاء بهذا اللفظ الشاذ على تقرير إمكان رؤية صلى الله عليه وسلم في اليقظة ووقوعها مع اتفاقهم على:أن حديث الآحاد لا يحتج به في العقيدة.
أما ما يتعلق به دراية فنقول:لو فرضنا أن هذا اللفظ " فسيراني" هو المحفوظ فإن العلماء المحققين لم يحملوه على المعنى الذي حمله عليه الصوفية.
قال النووي في شرحه (15/26): (فيه أقوال:أحدها:أن يراد به أهل عصره، ومعناه:أن من رآه في النوم ولم يكن هاجر يوفقه الله للهجرة ورؤيت صلى الله عليه وسلم في اليقظة عياناً.
وثانيها: أنه يرى تصديق تلك الرؤيا في اليقظة في الدار الآخرة ؛ لأنه يراه في الآخرة جميع أمته.
وثالثها:أنه يراه في الآخرة رؤية خاصة في القرب منه وحصول شفاعته ونحو ذلك).
ونقل الحافظ ابن حجر هذه الأقوال بعدما ذكر القول بحمله على الرؤية بالعين المجردة وحكم على القائلين به بالشذوذ) انتهى كلام الشيخ محمد أحمد لوح باختصار.
وإليك أقوال بعض أهل العلم في هذا الموضوع نقلاً من كتاب "القول الفصل في حكم الاحتفال بمولد خير الرسل" للشيخ إسماعيل الأنصاري رحمه الله:
1- القاضي أبو بكر بن العربي قال: (شذ بعض الصالحين فزعم أنها - أي رؤية صلى الله عليه وسلم بعد موته - تقع بعيني الرأس حقيقة) نقل ذلك عنه الحافظ ابن حجر العسقلاني في "فتح الباري"(12/384).(64/86)
2- الإمام أبو العباس احمد بن عمر القرطبي في "المفهم لشرح صحيح مسلم" ذكر هذا القول وتعقبه بقوله: (وهذا يدرك فساده بأوائل العقول ويلزم عليه أن لا يراه أحد إلا على صورته التي مات عليها وأن يراه رائيان في آن واحد في مكانين وأن يحيا الآن ويخرج من قبره ويمشي في الأسواق ويخاطب الناس ويخاطبوه ويلزم من ذلك أن يخلو قبره من جسده ولا يبقى من قبره فيه شيء فيزار مجرد القبر ويسلم على غائب لأنه جائز أن يرى في الليل والنهار مع اتصال الأوقات على حقيقته في غير قبره.
وهذه جهالات لا يلتزم بها من له أدنى مسكة من عقل) وإلى كلام القرطبي هذا أشار الحافظ ابن حجر في "الفتح" بذكره اشتداد إنكار القرطبي على من قال: (من رآه في المنام فقد رأى حقيقته ثم يراها كذلك في اليقظة) .
3 - ذكر الحافظ ابن حجر العسقلاني في "فتح الباري" (12/385) أن ابن أبى جمرة نقل عن جماعة من المتصوفة أنهم رأوا صلى الله عليه وسلم في المنام ثم رأوه بعد ذلك في اليقظة وسألوه عن أشياء كانوا منها متخوفين فأرشدهم إلى طريق تفريجها فجاء الأمر كذلك ثم تعقب الحافظ ذلك بقوله: (وهذا مشكل جداً ولو حمل على ظاهره لكان هؤلاء صحابة ولأمكن بقاء الصحبة إلى يوم القيامة ويعكر عليه أن جمعاً جماً رأوه في المنام ثم لم يذكر واحد منهم أنه رآه في اليقظة وخبر الصادق لا يتخلف).
4- قال السخاوي في رؤية صلى الله عليه وسلم في اليقظة بعد موته: (لم يصل إلينا ذلك - أي ادعاء وقوعها - عن أحد من الصحابة ولا عمن بعدهم وقد اشتد حزن فاطمة علي صلى الله عليه وسلم حتى ماتت كمداً بعده بستة أشهر على الصحيح وبيتها مجاور لضريحه الشريف ولم تنقل عنها رؤيته في المدة التي تأخرتها عنه).
5- وقال ملا علي قاري في "جمع الوسائل شرح الشمائل للترمذي" (2/238): (إنه أي ما دعاه المتصوفة من رؤية صلى الله عليه وسلم في اليقظة بعد موته لو كان له حقيقة لكان يجب العمل بما سمعوه من صلى الله عليه وسلم من أمر ونهي وإثبات ونفي ومن المعلوم أنه لا يجوز ذلك إجماعاً كما لا يجوز بما يقع حال المنام ولو كان الرائي من أكابر الأنام وقد صرح المازري وغيره بأن من رآه يأمر بقتل من يحرم قتله كان هذا من الصفات المتخيلة لا المرئية) انتهى كلام الملا علي قاري وفيه فائدة أخرى هي حكايته الإجماع على عدم جواز العمل بما يدعى من يزعم أنه رأى صلى الله عليه وسلم في اليقظة أنه سمع منه أمر أو نهي أو إثبات أو نفي، وفي حكايته الإجماع على ذلك الرد على قول الزرقاني في "شرح المواهب اللدنية" (7/29) ما نصه: (لو رآه يقظة - أي بعد موت صلى الله عليه وسلم - وأمره بشيء وجب عليه العمل به لنفسه ولا يعد صحابياً وينبغي أن يجب على من صدقه العمل به قاله شيخنا).
6- قال الشيخ عبد الحي بن محمد اللكنوي رحمه الله في "الآثار المرفوعة في الأخبار الموضوعة" (ص46): (ومنها - أي من القصص المختلقة الموضوعة - ما يذكرونه من أن صلى الله عليه وسلم يحضر بنفسه في مجالس وعظ مولده عند ذكر مولده وبنوا عليه القيام عند ذكر المولد تعظيماً وإكراماً.
وهذا أيضا من الأباطيل لم يثبت ذلك بدليل، ومجرد الاحتمال والإمكان خارج عن حد البيان).
وقد تكلم عن هذه المسألة بكلام جيد الشيخ صادق بن محمد بن إبراهيم حفظه الله في كتابه "خصائص المصطفى صلى الله عليه وسلم بين الغلو والجفاء" (207-218) وهناك رسالة خاصة في هذا الموضوع بعنوان " رؤيا الرسو صلى الله عليه وسلم يقظة ومناماً ضوابطها وشروطها" للشيخ الأمين الحاج محمد أحمد.
وقد وفقني الله عز وجل وله الحمد والمنة بكتابة موضوع عن هذا المسألة ونشرته عبر شبكة الإنترنت بعنوان " الفوائد الملتقطة في الرد على من زعم رؤية الله يقظة" وتجده في الرابط التالي:
http://saaid.net/book/open.php?cat=88&book=1244
* *
واكتفي حالياً بهذه الردود المختصرة على بعض ما جاء في كلام الجفري، أما ما يتعلق بمسألة الاستغاثة فأحيل القارئ الكريم إلى كتاب "قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة" لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله بتحقيق الشيخ ربيع بن هادي المدخلي حفظه الله،وتجده في الرابط التالي:
http://saaid.net/book/open.php?cat=1&book=733
وكذلك أحيل القارىء إلى رسالة "التوسل أنواعه وأحكامه" للإمام محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله، وقد وفقني الله وله الحمد والمنة بنسخها ونشرها على الشبكة وتجدوها على الرابط التالي:
http://saaid.net/book/open.php?cat=1&book=143
وأحيل أيضا إلى بعض الكتب الأخرى التي سيأتي ذكرها فيما بعد إن شاء الله.
ثم إن قول الجفري بجواز الاستغاثة بالرسول صلى الله عليه وآله وسلم وبالأولياء الموتى يدل على أنه يعتقد بأن الأموات يسمعون ! والراجح في هذه المسألة هو أن الأصل في الأموات أنهم لا يسمعون إلا ما ورد الدليل بخصوصه مثل سماعهم لقرع النعال بعد وضع الميت في قبره، وكذلك سماع قتلى بدر من المشركين قول الرسو صلى الله عليه وسلم حيث أن الله أسمعهم صوت نبيه عليه الصلاة والسلام.(64/87)
ومن أوضح الأدلة على عدم سماع الرسو صلى الله عليه وسلم وغيره من الأموات كلام الأحياء قول الرسول صلى الله عليه وسلم "إن لله ملائكة سياحِين في الأرض يبلغوني عن أمتي السلام".
قال الشيخ الألباني رحمه الله في مقدمته لكتاب "الآيات البينات في عدم سماع الأموات" للعلامة الألوسي رحمه الله: (ووجه الاستدلال به أنه صريح في أن صلى الله عليه وسلم لا يسمع سلام المسلمين عليه، اذ لو كان يسمعه بنفسه، لما كان بحاجة إلى من يبلغه إليه، كما هو ظاهر إن شاء الله. وإذا كان الأمر كذلك، فبالأولى أن صلى الله عليه وسلم لا يسمع غير السلام من الكلام، وإذا كان كذلك فلأن لا يسمع السلام غيره من الموتى أولى وأحرى) .
ومن أراد التفصيل في هذه المسألة فليرجع إلى كتاب الألوسي رحمه الله المشار إليه سابقاً.
وقد وفقني الله لنشره عبر الشبكة بعد أن قمت بنسخه من برنامج مكتبة الألباني وأعدت تنسيقه، وتجده في الرابط التالي:
http://saaid.net/book/open.php?cat=1&book=1258
* *
وفي الختام أقول قد يتعجب البعض من كلام الجفري السابق ولكن لو علم من هم مشايخ الجفري الذين تتلمذ عليهم لزال عنه العجب!
فالجفري قد صرح في بعض اللقاءات الصحفية معه أنه تتلمذ على يد عبد القادر السقاف وهو رجل من كبار الصوفية في هذا العصر، وهو يعيش في جدة !
وكي تعلم مدى ضلال هذا الرجل فاستمع له وهو يستغيث ببعض الأموات الذين قام بزيارتهم في اليمن قبل عدة سنوات:
http://www.geocities.com/abdullah_moslm/g12. r a
ومن مشايخ الجفري الذين صرح بالأخذ عنهم داعية الشرك والخرافة محمد بن علوي المالكي. والمالكي لا يخفى حاله على الكثير من الاخوة إن شاء الله فقد صرح في كتابه "مفاهيم يجب أن تصحح" بأن النبي صلى الله عليه وسلم (حي الدارين، دائم العناية بأمته، متصرف بإذن الله في شؤونها، خبيرٌ بأحوالها...). وقال أيضاً في نفس الكتاب: (ولا شك أن الأرواح لها من الانطلاق والحرية ما يمكنها من أن تجيب من يناديها، وتغيث من يستغيث بها، كالأحياء سواء بسواء، بل أشد وأعظم) اهـ.
وقد رد عليه فضيلة الشيخ صالح آل الشيخ حفظه الله في كتابه "هذه مفاهيمنا" والذي نشر بعض الإخوة قسم منه على شبكة المعلومات قبل فترة وقد وفقني الله وله الحمد والمنة بإكمال نسخ بقية الكتاب وتنسيقه وتجدونه على الرابط التالي:
http://saaid.net/book/open.php?cat=1&book=144
كما رد عليه الشيخ سمير المالكي وهو أحد أقاربه في كتابه "جلاء البصائر في الرد على كتابي "شفاء الفؤاد" و"الذخائر"" وقد وفقني الله وله الحمد والمنة بنشره قبل فترة على شبكة المعلومات وتجده على الرابط التالي على هيئة ملف وورد:
http://saaid.net/book/open.php?cat=88&book=222
كما وفقني الله وله الحمد والمنة بكتابة موضوع عنه ونشرته عبر شبكة الإنترنت وهو بعنوان " الجواب الكافي لمن سأل عن محمد بن علوي المالكي" وتجده في الرابط التالي:
الرابط : http://saaid.net/fe r aq/sufyah/sh/1.htm
وسبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
-==============(64/88)
(64/89)
وقفة مع حديث الشيخ علي الجفري
نحن أمة لا نعبد الله تعالى إلا بما شرع رسول صلى الله عليه وسلم
بدر بن علي بن طامي العتيبي
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ، وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد :
فقد قرأت في ملحق الرسالة من جريدة المدينة يوم الجمعة 21 شوال 1425هـ ، اللقاء المختصر مع الشيخ علي الجفري تحت عنوان : ( نحن أمة أكبر من أن تختلف على زيارة نبيها في مسجده ) .
وقد رأيت في كلامه ما يوجب الوقفة اليسيرة التي آمل أن يتسع صدره وصدر كل قارئ لها ، وهو أن الخلاف مما لا شك فيه شر و وبال ، ودفعه مما لا يستطيع أحد القيام به مهما كلّف الأمر ، وإنما الواجب عليه ذم الفرقة وهي نتيجة سلبية للخلاف المستساغ ، أما الخلاف الشرعي مع من خالف أمر الله تعالى ، وحاد عن شرعه ، فهو أصل من أصول دين الإسلام لا يستطيع أحد دفعه ولا إنكاره ، وآيات القرآن الكريم مليئة بتحقيق أصل الولاء والبراء تحقيقاً لتوحيد الله تعالى ، واتباع أمره ، وسرد النصوص الشرعية في ذلك لا يحتملها هذا التعليق المختصر ، وعلى هذا ، وقد عهد الله إلينا أن لا نعبده إلاّ بما شرع لنا في كتابه وعلى لسان رسول صلى الله عليه وسلم ، وهذا أصل يجب أن يستحضر عند الكلام على كل عبادة اختلف في مشروعيتها من عدمها ، كما قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً) (النساء:59) ، وقا صلى الله عليه وسلم : ( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد ) ، إذا تقرر هذا كله ، فإن في كلام الشيخ الجفري عدة مواطن خالف فيها الصواب مما وجب تنبيهه عليها علّه أن يتفطن لها فيما بعد :
أما الموطن الأول : فهو قوله : ( أن المسجد النبوي اكتسب أهميته من وجود صلى الله عليه وسلم فيه .. ) .
فيقال : وهذا كلام غير صحيح ! ، بل أهمية هذا المسجد اكتسبت من أمر النبي صلى الله عليه سلم بتعظيمه ، وحثه على الصلاة فيه ، وتفضيله على سائر مساجد الأرض عدا المسجد الحرام كما قال عليه الصلاة وأفضل التسليم : ( صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلاّ المسجد الحرام ) .
وليست الفضيلة لمجرد وجود ذاته فيه حياً أو ميتاً ، أما حياً فإن صلى الله عليه وسلم قد نزل بقاعاً عدة ، وحل في أكثر من محل ، ومع ذلك لم يكن لها فضيلة على غيرها من سائر البقاع ، ولم يشرع فيها عبادة .
أما بعد موته ، فإن صلى الله عليه وسلم لم يدفن في مسجده حتى يعظم من أجل جسده الطاهر الشريف ، وإنما دفن في بيت عائشة بإجماع المسلمين ، وهو فيه إلى اليوم ، ولا يشمله حكم المسجد مطلقاً .
فبأي دليل بعد ذلك يكون مجرد وجود صلى الله عليه وسلم في المسجد سبباً لتفضيله على غيره من البقاع .
وبهذا يتبين الخطأ في قوله بعد ذلك بأن : ( المساجد متعددة في العالم لكن لم يكن لمسجدٍ هذه الميزة والفضيلة ما لهذا المسجد الذي ضمّ النبي صلى الله عليه وسلم . ) .
ومن العجيب أن الجفري لم يستدل على هذه الفضيلة بآية ولا بحديث وإنما استدل بصنيع من لا عصمة له ، من فعل الشيخ الشعراوي ، والشيخ زايد آل نهيان ، ومثل هذا لا يعد دليلا ، ولا يشرع عبادة ، مع أن ما قاله الشيخ الشعراوي خطأ بلا شك ، حيث قال : ( لو كان - قصدي - المسجد فلماذا أترك المسجد الحرام والصلاة فيه بألف صلاة إنما أقصد إنما أقصد زيارة صلى الله عليه وسلم ) .
هذا ما نقله عن الشعراوي ! ، وهذا عجيب للغاية ، بل مفاده أن زيارة قبر صلى الله عليه وسلم أفضل مكانة ، وأعظم أجراً من الصلاة في المسجد الحرام !! ، وهذا ما لم يأتِ به دليل لا من قرآن ولا من سنة ! ، بل لم يرد عن صلى الله عليه وسلم حديث صحيح يخص زيارة قبره بالفضيلة دون غيره من القبور ، وإن قلنا بفضيلته على سائر المقبورين في الزيارة على الوجه المشروع .
بل زيارة قبر صلى الله عليه وسلم لم يرد أنها تفضل على زيارة مسجده ! ، كيف والمسجد يصلى فيه ويذكر الله تعالى وفضيلة الصلاة فيه ليست كغيره عدا المسجد الحرام ؟! .(64/90)
وقد توفي صلى الله عليه وسلم ، ومضى على وفاته السنوات العديدة ، والصحابة رضي الله عنهم يرحلون ويرتحلون إلى مسجده ، ولم يرد على لسان أحدهم من بعيد ولا من قريب قال : أقصد زيارة صلى الله عليه وسلم ! ، وإنما كانوا يزورون قبره لمكانت صلى الله عليه وسلم إذا صلّوا في مسجده ، ولهذا استجب العلماء زيارة قبره لمن قدم إلى المدينة للصلاة في مسجده ، مع منعهم المواظبة على ذلك ، وقد صح عن صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( لا تجعلوا قبري عيداً ) وثبت عن الإمام مالك بن أنس أنه أنكر ذلك جداً ، فلا يختلط على أحد منع أهل العلم للسفر إلى زيارة القبر مع إقرارهم زيارة القبر لمن قدم المدينة ، وذلك لأن صلى الله عليه وسلم نهي أن تشد الرحال إلاّ إلى ثلاثة مساجد وهي المسجد الحرام والمسجد الأقصى والمسجد النبوي الشريف .
وأنقل كلاماً حسناً للحافظ ابن عبدالهادي في كتابه ( الصارم المنكي : 82 ) حيث يقول : ( فالذي يقصد مجرد القبر ولا يقصد المسجد مخالف للحديث فإنه ثبت عنه في الصحيح أن السفر إلى مسجده مستحب وأن الصلاة فيه بألف صلاة ، واتفق المسلمون على ذلك ، وعلى أن مسجده أفضل المساجد بعد المسجد الحرام ، ومسجده يستحب السفر إليه ، والصلاة فيه مفضّلة لخصوص كونه مسجد الرسو صلى الله عليه وسلم بناه هو وأصحابه ، وكان يصلي فيه هو وأصحابه ، فهذه الفضيلة ثابتة للمسجد في حياة الرسو صلى الله عليه وسلم قبل أن يدفن في حجرة عائشة ، كذلك هي ثابتة بعد موته ، ليست فضيلة المسجد لأجل مجاورة القبر ، كما أن المسجد الحرام مفضل لا لأجل قبر ، وكذلك المسجد الأقصى مفضّل لا لأجل قبر ، فمن ظن أن فضيلته لأجل القبر ، وأنه مستحب السفر إليه لأجل القبر فهو جاهل مفرط في الجهل مخالف لإجماع المسلمين .. ) إلى آخر كلامه رحمه الله تعالى .
والغلو في القبور أوصل البعض إلى الإشراك بالله تعالى ، وصرف شيئاً من أنواع العبادة لها من تقديم القرابين ، والذبح ، والنذر لها ، والاستغاثة بأصحابها ، وطلب قضاء الحوائج منهم ، والاستشفاع بهم ، وهذا كله من الشرك بالله تعالى والعياذ بالله .
والموطن الثاني : قوله : ( والفرق بيننا وبين من يخالفنا أنه لما تمكن استعلى !! ) إلى أن أنشد : ( فلما ملكنا كان العفو منا سجية *** ولما ملكتم سالت بالدماء الأباطح !! ) .
فيقال : وهذا كلام مخالف للواقع ، فإن القائمين على شؤون الحرمين ، علماء أفاضل ، وأهل فقه وديانة ، ولم يحصل منهم علو ولا استعلاء ، بل يرشدون الناس بالرفق واللين ، ويحذرونهم من البدع والخرافات ، ومن التصرفات المحرمة عند قبر صلى الله عليه وسلم ، وهذا من سياسة هذه الدولة المباركة منذ عهد الملك عبدالعزيز رحمه الله تعالى ، فقد كان الناس قبل مقدمه ، وتوليه زمام الحكم يعيشون في بدع وخرافات ، وتعلّق بالقبور ، مع الفرقة والخلاف حتى في فروع الدين ، بل مع الصد عن حج بيت الله الحرام ! ، وسفك دماء الموحدين ، فلما تولى الحكم ، جمع الناس على إمام واحد ، وأنكر كل مظاهر الشرك والبدعة ، وسد ذرائع الشرك ، وأسباب الخلاف ، ودعي الناس للحج كافة ، فما قصد البيت آمن من قبل كمثل الناس بعد حكم آل سعود حفظهم الله تعالى .
فأين الاستعلاء الذي يقصده الشيخ الجفري ؟! .
الموطن الثالث : قوله : ( أن مكة ما ذكرت بالشرف إلاّ لأن صلى الله عليه وسلم كان حالاً فيها وقرؤوا القرآن الكريم )لا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ * وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ) (البلد:1-2) فكيف بالمدينة التي عاش فيها ... ) .
فيقال : وهذا الكلام غير صحيح قطعاً ، فإن فضيلة مكة كانت من قبل أن يخلق صلى الله عليه وسلم بنصّ كلام الله تعالى وبنصّ كلامه عليه الصلاة والسلام ، قال الله تعالى عن إبراهيم عليه السلام : ( وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) (البقرة:126) .
وقال تعالى : ( وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلّىً وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ) (البقرة:125) ، فهو مثابة للناس وأمناً قبل أن يطأها رسولنا صلى الله عليه وسلم
وقال تعالى : ( رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ) (ابراهيم:37) ، فهو بيت محرم قبل أن تطأه قدم صلى الله عليه وسلم وقبل أن يخلق .(64/91)
وقا صلى الله عليه وسلم : ( إن الله حرّم مكة يوم خلق السموات والأرض فهي حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة .. ) رواه البخاري .
فهذا الكلام من الجفري أصل غير صحيح .
والموطن الرابع : قوله : ( أن حبنا للنبي r عبادة من قول لا إله إلاّ الله : أي أنفي كل ما لا يريده الله ، وآتي كل ما يريده الله ... ) .
فيقال : أما كون حب صلى الله عليه وسلم عبادة ، فهو صحيح ، بل هو من أجل العبادات ، بل محبته ركن من أركان الدين لا يصح الدين إلاّ بها قا صلى الله عليه وسلم : ( لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده و والده والناس أجمعين ) .
أما تفسيره لكلمة التوحيد بأنها تعني : ( نفي كل ما لا يريده الله والإتيان بكل ما يريده الله ! ) ، فهو تفسير لم يقل به أحد من أهل العلم ، بل تفسير لا إله إلاّ الله هو أنه : لا معبود بحق إلاّ الله تعالى ، على ذلك نص جمع من أهل العلم كالزمخشري والقرطبي والبقاعي وغيرهم ، والله تعالى يقول : ( ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ) (الحج:62) .
وقد فسرها الله تعالى في قوله : ( وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ * إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ * وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) (الزخرف:26-28) فمعناها البراءة من كل ما يعبد من دون الله تعالى وإفراد الله تعالى بالعبادة ، وهي الكلمة التي جعلها باقية في عقبه من بعده وهي كلمة التوحيد : لا إله إلاّ الله .
ومع ذلك فإن تفسيره للشهادة بهذا المعنى يلزم منه أن لا يشد الرحل إلى قبر صلى الله عليه وسلم ، ولا يقول في شرع الله تعالى ما لم يأذن الله تعالى به لأن الله تعالى أمرنا بأن لا نتكلم إلاّ بعلم قال تعالى : ( وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً) (الإسراء:36) ، و صلى الله عليه وسلم قال : ( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ) ، هذا والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
-================(64/92)
(64/93)
وقفةٌ مع الحبيبِ الجفري
د . إبراهيم الريس
جاءني أحدُ طلابي بالكليةِ وهو يبدي أن لديه أمراً لكنهُ مترددٌ في ذكرهِ ... باسطتهُ العبارة ، وآنستهُ الحديث ، فاندفع ليطرح هذا التساؤل الصريح ، قال : سمعتُ ورأيتُ لقاءً مع الحبيب علي الجفري في إحدى القنوات . شدني أسلوبهُ وشياكتهُ وبهرني حديثهُ وابتسامتهُ ... وأسرتني عباراتهُ ثم لما أفقتُ قلتُ لنفسي : ما أجمل حديثه ... لكنه غيرُ صحيحٍ . ثم رجعتُ لنفسي : كيف سحرني بيانهُ ولم أتدبر معاني مقاله ... كان يتحدثُ عن مسألةٍ عقديةٍ هي التوسلُ .
ابتسمت في وجهِ أخي الطالبِ وقلتُ لهُ : كم أنت نبه وحاذقٌ فليس عيباً أن تسمع ... ولكن الخطأ أن يُغْفِلَ المرءٌ منا السؤالَ عما يشكلُ عليه ... وطلبتُ منه أن يوافيني بتسجيلٍ لما ذكره ، فجاءني به في لقاءٍ آخر .
وانتهى موقفي وإياهُ على صفاءٍ ووضوحٍ ... وعلى تجليةِ الأمرِ وإزالةِ الشبهةِ - وللهِ الحمدُ من قبلُ ومن بعدُ - .
من مثلِ هذا الموقفِ كانت مؤثراتٌ كثيرةٌ تتابعُ على عقولِ وأفهامِ كثيرٍ من أسرنا ، من شبابنا وفتياتنا أفكارٌ وطروحاتٌ مبهرةٌ ، ولكنها في كثير من الأحيانِ جوفاء ، خاليةٌ من التأصيلِ الشرعي والصفاء الروحي ...
تلكم ضريبةُ التقنية ، وذلك ثمرةُ الخواءِ الفكري لدى أبناءِ الأمةِ ... وهو أيضاً من إفرازاتِ التربيةِ الهزيلةِ في النفوسِ .
نظرتُ فإذا الموضوعُ واسعٌ ، ما بين طروحاتٍ فكريةٍ صُبغت بالصبغةِ الإسلاميةِ والإسلامُ منها براءٌ ، وما بين جرأة على الإفتاءِ والقولِ في دين اللهِ تعالى بلا علمٍ ، وما بين تعدٍّ على الأصولِ والمسلماتِ باسم الدينِ والسماحةِ والتيسيرِ ، وما بين تمييعٍ لقضايا الإسلام لتتواءم مع ما يريدهُ الغربُ الكافرُ والشرقُ المنحلُ .
صاحبُ الوسامةِ والطرحِ المبهرِ - كما وصف طالبي علي الجفري - شابٌ في مقتبلِ العمرِ ، ما كان لي أن أعرض لتقييمهِ ، ولكن أردتُ التنبيهَ على نماذج من هناتهِ ينبغي أن تُحذرَ وأن ينتبه لها :
على الشبكةِ العنكبوتيةِ موقعٌ خاصٌ به ... وسمٌ ناقعٌ في عسل حديثهُ وعذوبة عبارته ... ليس الخطأ في أن يتقنَ الحديثَ ويجيدَ إيصالَ المعرفةِ للمتلقي ، ولكن الأسى من أنّ هذا الطرح السلس يخالفُ نصوصاً صريحةً في ديننا ، ويناقضُ أسساً متينةً في معتقدنا .
{ إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ }. أولئك هم أولياءُ اللهِ . ما نرفهم فوق رتبةِ النبوةِ بل ولا ما يوازيها ، ولا نصفهم بما يخالفُ بشريتهم ، ولكن حين تنمق العبارةُ ، ويصاغُ الحديثُ ليقال بأن الولي قد أذن اللهُ لهُ وفوضه في إدارةِ أمورِ الكونِ ، وأن بإمكانهِ الرزق والإحياء والإماتة ، وأن خلقَ طفلٍ من غيرِ أبٍ أمرٌ ممكنٌ على تحرزٍ في القول بهِ ، مع الاتفاقِ على إمكانيتهِ .
حين يقالُ بأن الأولياءَ منهم من يجتمعُ برسولِ اللهِ r يقظةً ، حين يقالُ مثلُ ذلك ، يقفُ المرءُ فلا ينبهر بحسنِ العبارةِ ، ولكنه ينتصرُ لدينِ اللهِ عز وجل ، فيقولُ : وأنى لك يا علي أن تقولَ ذلك ، وقد رفعت رتبةَ الولي إلى ما يختصُ به الخالقُ جل جلالهُ .
ليس المقامُ للمناقشةِ والتفصيلِ في ذلك ، ولكن المقام هو : { قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } ...
إن أفضلَ الخلقِ نبينا محمدٌ r ، ومع ذلك يقفُ موقفَ الضراعةِ في مكةَ حين آذتهُ قريشٌ ، وفي بدرٍ حين رأى تكالبَ المشركين لحربهِ ، وفي الأحزابِ يسألُ اللهَ جل وعلا أن ينصرَ دينهُ ، وأن يدفعَ الفتنةَ عن أتباعهِ ، ويناجي خالقهُ سبحانهُ فيقولُ : " اللَّهُمَّ إِنَّك إِنْ تُهْلِك هَذِهِ الْعِصَابَةَ فلن تُعْبَد فِي الْأَرْض " .
أليس r أعلى من الأولياء ؟ قلماذا لم يكن له التصرفُ في أمورِ الكونِ ؟ ولماذا لم يقل لأعدائهِ : موتوا ... ارجعوا ؟
لِم ضحى بأصحابهِ في معارك وقتال وحروب وغزوات ؟ إن كان له ما لهؤلاءِ الأولياء ؟ ولن يكون الأولياءُ أفضلَ عند اللهِ من أنبيائهِ ورسلهِ .
أيضاً قولهُ : " الولي يمكنهُ أن يخلقَ طفلاً ؟!! هذا من صفاتِ اللهِ جل وعلا ، فاللهُ هو الخالقُ وحدهُ لا شريك لهُ .
واللهُ هو الذي " يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا " .
حقيقةً ... ما أردتُ التفصيلَ في الردِ ، ولكني أقولُ : إن الإسلامَ دينٌ له أصولهُ وقواعدهُ ، دينٌ له أسسٌ واضحةٌ وصريحةٌ ، لا تقبلُ التنازلَ لأهواءٍ ولا المسايرة لقوةٍ ، ولا الاستسلام لوسامةٍ أو جمالِ حديثٍ .(64/94)
ولهذا فإن أهمَ ما ينبغي أن يؤكدَ عليه في مثلِ هذهِ المسألةِ ، أن يدركَ المسلمُ أنه يقصدُ من وراء السماعِ والتلقي لأمورِ دينهِ عن الناسِ أن يقصدَ الحقَ ومرضاةَ اللهِ تعالى ، ولا يكون القصدُ هو البحث عن الرخصةِ والتنازلِ عن مسلماتٍ من أمرِ دينهِ لأنه سمع من فلانٍ من الناسِ القولَ بذلك ، بل مطلبُ المسلمِ الحقُ حيثُ كان ، حتى يتعبدَ الله َ على صوابٍ ، وحتى لا يكون حاله كحالِ من " ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا " .
المسلمُ يعبدُ الله َ تعالى من واقعِ أصولِ الإسلامِ ، لا من واقعِ من يدَّعي الحديثَ باسمِ الإسلامِ .
إن هنالك وقفات مهمة ينبغي النظرُ فيها والتنبيهُ عليها ، وقفاتٌ نعرف من خلالها دورنا ، والمهام المناطة بنا :
• دورُ الإنسانِ في هذه الحياةِ عبادةُ اللهِ تعالى والمسلمُ يحرصُ على تحقيقِ ذلك وفق شرعِ اللهِ ، ومن أعظمِ الأسسِ التي يقومُ عليها بناءُ هذا الدور النصيحة فالدينُ النصيحةُ ، كذا أجمله صلى الله عليه وسلم ، النصيحةُ ببيانِ الحقِ للناسِ ، وتحذيرهم من طرقِ الضلالِ والغوايةِ .
• دورُ الأمةِ ممثلة في هيئاتها العلميةِ الشرعيةِ أن تضعَ ضوابط وقيود ، تحمي بها حوزةَ الدينِ ولا تكون مستباحةً لكلِ أحدٍ .
• على الجهاتِ الحكوميةِ أن تتبنى مثل ذلك لتوحيدِ صفِ الأمةِ ، ولتحقيقِ العبوديةِ الحقةِ للناسِ ، فيتحققُ من خلال ذلك أن ينصرَ اللهُ الأمةَ ويمكّنَ لها ...
• على وسائلِ الإعلامِ - بفئاتها المختلفةِ - أن تتقي اللهَ فيما تعرضُ ، وأن تحذرَ من أن تسعى لاجتذاب المشاهدين والمتابعين من خلال من يدَّعون العلمَ الشرعي ، فيفتون للناسِ بلا علمٍ ، ويزينون للناسِ أعمالهم وتقصيرهم ، ويجعلون الدينَ مطيةً للمكاسبِ الماديةِ والمغانمِ الدنيويةِ .
أخصُ وسائلَ الإعلامِ ؛ لأنها منبعُ تلك الأصواتِ ، وموردُ تلك الإنحرافاتِ ، ومع الأسف فإنها تبحثُ عمن يلبي احتياجات الناس من التيسيرِ ، دون أن يلبي نداءَ الخالقِ العظيمِ في لزومِ عبادةِ اللهِ تعالى على هدى وعلى صراطٍ مستقيمٍ ، دون اتباعٍ لهوى ولا استجابة لشهوةٍ ، لا مسايرة لواقعٍ ولا انهزامية أمام قوةٍ ضالةٍ ، لا استحياء من بيان وجهِ الحقِ والصوابِ .
• ثم علينا جميعاً أن نسعى لإصلاحِ الأمرِ وإبلاغ النصيحةِ ، وإيضاحِ الحقِ للناسِ .
المصدر : مجلة الأسرة - العدد 126 - رمضان 1424 هـ .
=============(64/95)
(64/96)
كشف النقاب عن أباطيل الجفري .. !!
إعداد: أبي معاذ السلفي
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين، ولا عدوان إلا على الظالمين؛ أما بعد: لقد قمت قبل عدة أشهر بكتابة موضوع حول داعية الضلالة علي الجفري وأسميته بـ "الكشف الجلي عن شركيات الجفري علي ".
وقد نشرته في عدة مواقع على شبكة الإنترنت وتجده في الرابط التالي:
http://www.d-sunnah.net/fo r um/showth r ead.php?p=270840(64/97)
وقد قام بعض الاخوة بنشره في عدة مواقع عبر الشبكة ، كما قام الأخ عبدالله زقيل باختصاره بعنوان "داعية ضلالة في قناة فضائية"ونشره في الساحة العربية،كما نشر في موقع "صيد الفوائد":
http://www.saaid.net/Doat/Zugail/180.htm
فجزى الله الإخوة خير الجزاء.
وقد أطلعت قبل عدة أسابيع على موضوع يحتوي على رابط صوتي ومرئي لعلي الجفري سئل فيه من خلال برنامج أذيع عبر قناة الإمارات الفضائية عن هذا الموضوع فأجاب بإجابة تحتوي على الكذب! وعلى بعض الشبهة، وتجد كلامه في الرابط التالي:
www.gisgcc.com/mu7eb/answe r _s. r m
فعزمت على كتابة رد على ما جاء في ذلك الجواب، سائلاً الله أن ينفع به، كما أسأله أن يجعل أعمالي خالصة لوجهه الكريم موافقة لهدي نبينا عليه الصلاة والسلام. والآن مع الرد، وأسأل الله التوفيق والسداد:
1- بالنسبة لاعترافه بأن المقاطع له، أقول: الحمد لله أن الجفري أعترف بذلك، وأنا أسأل كل من شكك في تلك الروابط من أتباعه ما هو قولكم الآن ؟! ومن المضحكات أنه بعد أن أعترف الجفري بأن المقاطع له كتبت امرأة صوفية من أتباع الجفري مقالاً في الساحة العربية بعنوان "رد الشيخ الجفري المحقق في موضوع الشريط الملفق"!! فكيف يكون الشريط ملفق والجفري يقول أن المقاطع له؟!!
2- بالنسبة لزعمه بأن هذه المسائل لا علاقة لها بالشرك.
فالجواب:
أنقل فيما يلي بعض كلام من يجلهم الجفري في إثبات أن بعض من يعظمون الأولياء قد يصلون إلى حد الوقوع في الشرك الأكبر بسبب غلوهم في تعظيم الأولياء!- قال الرازي في "تفسيره"(17/59-60) نقلاً من كتاب "هذه مفاهيمنا "للشيخ صالح آل الشيخ:
(اختلفوا في أنهم كيف قالوا في الأصنام إنهم شفعاؤنا عن الله!..) فذكر صوراً منها قوله: (ورابعها: أنهم وضعوا هذه الأصنام والأوثان على صور أنبيائهم وأكابرهم، وزعموا أنهم متى اشتغلوا بعبادة هذه التماثيل فإن أولئك الأكابر تكون شفعاء لهم عند الله تعالى. ونظيره في هذا الزمان: اشتغال كثير من الخلق بتعظيم قبور الأكابر، على اعتقادهم أنهم إذا عظموا قبورهم فإنهم يكونون لهم شفعاء عند الله) اهـ. فالرازي جعل اشتغال كثير من الخلق بتعظيم قبور الأكابر على اعتقاد أنهم إذا عظموا قبورهم فإنهم يكونون لهم شفعاء عند الله نظير ما كان يفعله المشركون مع أصنامهم!!
- وقال الشيخ شمس الدين السلفي الأفغاني رحمه الله في "جهود علماء الحنفية في إبطال عقائد القبورية "(1/479) : (لقد أعترف الشيخ أحمد بن محمد الصديق الغماري أحد مشاهير القبورية بوجود الشرك الأكبر والكفر الصراح في القبورية مبيناً حالة القبورية المغربية، فقال في "إحياء المقبور من أدلة استحباب بناء المساجد والقباب على القبور "(21 - 22) : (إن كثيراً من العوام بالمغرب ينطقون بما هو كفر في حق الشيخ عبد القادر الجيلاني (561 هـ)، وكذلك نرى بعضهم يفعل ذلك مع من يعتقده من الأحياء، فيسجد له، ويقبل الأرض بين يديه في حال سجوده، ويطلب منه في تلك الحال الشفاء والغنى والذرية ونحو ذلك مما لا يطلب إلا من الله تعالى. وإن عندنا بالمغرب من يقول في ابن مشيش (662 هـ): أنه الذي خلق الابن والدنيا. ومنهم من قال - والمطر نازل بشدة - يا مولانا عبد السلام! الطف بعبادك. فهذا كفر)!! انتهى كلام الغماري.
- وأنقل فيما يلي مقطع صوتي لحسن السقاف حول من يستغيث بالأولياء أو يعتقد في بعض الأولياء أنهم يتصرفون في الكون حيث وصف هذه العقيدة بأنها عقيدة مضادة لعقيدة الإسلام غير صحيحة!!! علما انني لا أوافقه في كلامه حول الاستغاثة ب صلى الله عليه وسلم والتي اجازها!!
http://www.geocities.com/abdullah_moslm/g13. r m
- وأخيراً أضع الرابط التالي والذي يحتوي على قصيدة سجلت في أحد مجالس الصوفية وهي قصيدة كفرية وأريد أن أعرف رأي علي الجفري وأتباعه فيها بكل وضوح وهل معتقد ما في هذه القصيدة يعتبر مسلماً أو مشركاً ؟!
http://muslm.o r g/showth r ead.php?s=&th r eadid=77312
وقد وقفني الله عز وجل لكتاب مقال عن هذه القصدية ونشرته عبر الشبكة بعنوان " استمع لأحد الصوفية وهو يدعي الربوبية" وتجده على الرابط التالي:
http://www.d-sunnah.net/fo r um/showth r ead.php?t=32469
أما بالنسبة لزعمه بأن الجلسة سجلت دون علمه! أقول أن هذا كذب واتهام بالباطل!! وإليك بعض المقاطع من نفس الشريط يظهر من خلالها أن علي الجفري كان على علم بالتسجيل:
1- http://www.geocities.com/abdullah_moslm/g15. r m
2- http://www.geocities.com/abdullah_moslm/g16. r m
3 - http://www.geocities.com/abdullah_moslm/g17. r m
وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: "البينة على المدعي واليمين على من أنكر "فهذه أدلتي على كذب الجفري في هذا الأمر فهل يستطيع أن ينكر وأن يقسم على ذلك ؟!
وقد يقول قائل لعل الجفري نسي هذا الأمر فلماذا لا تحسن الظن بدلا من أن تتهمه بالكذب!
والجواب: لماذا لم يحسن الجفري الظن فيمن سجل الشريط ويتهم نفسه بأنه لعله نسي بدلاً من أن يتهمه بأنه سجل الشريط دون علمه ؟!
ثم هذه ليست أول كذبة يكذبها الجفري!!(64/98)
فقد ذكرت كذبة من كذبات الجفري في مقالي "الكشف الجلي "حيث قلت:
(8- استمع له وهو يكذب على الشيخ عبد الرحمن دمشقية حفظه الله مؤلف كتاب "الرفاعية"حيث يزعم أن أحد مشايخه ناقش الشيخ دمشقية حول أحمد الرفاعي وذكر له أن الإمام الذهبي أثنى عليه، وأن الشيخ دمشقية كان يجهل هذا الأمر، ولهذا ذمه في كتاب الرفاعية، مع أن الشيخ عبد الرحمن دمشقية قد ذكر ترجمة أحمد الرفاعي رحمه الله من "سير أعلام النبلاء"للإمام الذهبي رحمه الله وبراءه مما يعتقده فيه أتباعه!
http://www.geocities.com/abdullah_moslm/g10. r a ) .
كما أنه كذب على الصحابة رضي الله عنهم وعلى الإمام مسلم رحمه الله!
فقد سئل كما في مجلة الاهرام العربي- السبت 25/4/1423 هـ- 6/يونيو/2002 م - العدد 276 السؤال التي:
البعض يرفض الصلاة في المساجد التي بها أضرحة .. ما رأيك؟
فأجاب الجفري بما يلي:
(هذا من الخطأ , الحبيب r لما توفي اختلف الصحابة كما جاء في صحيح مسلم أندفنه في البقيع أم عند منبره ؟
حتى قال لهم من سمعهم إن رسول ا صلى الله عليه وسلم , قال : إن الأنبياء يدفنون حيث يقبضون فدفن في بيته , فهل الصحابة كانوا جاهلين أم أن عقيدتهم كانت مهزوزة ؟ ففي صحيح مسلم أن عددا من الصحابcة رأوا أن يدفن عند منبره في مسجده..الخ) .
وتجد كلامه في الرابط التالي:
http://a r abi.ah r am.o r g.eg/Sc r ipts/A...Ntilde;?
وقد رد عليه في هذه الكذبة الأخ أبو عمر الأزدي في مقال مستقل بعنوان "كشف تلبيس الجفري كما في مجلة الأهرام العربي"جاء فيه:
(ما ذكره الجفري من أن هذا الحديث في صحيح مسلم افتراء.
بل هو حديث منكر رواه ابن ماجة رقم الحديث: 1628. و الإمام أحمد و أبو يعلى و غيرهم من طريق حسين بن عبدالله بن عبيدالله بن العباس وهو متروك عن عكرمة عن ابن عباس.
ثم كرر الجفري افتراءه فقال: في صحيح مسلم أن عددا من الصحابة رأوا أن يدفن عند منبره في مسجده . وهذا غير صحيح فانظر كيف ينسب مثل هذه الروايات إلى صحيح مسلم حتى يضلل الناس و يهون عليهم التحذير من دفن الموتى في المساجد.
و قد جاء في صحيح مسلم حديث رقم: 532 عن جندب رضي الله عنه قال: سمعت صلى الله عليه وسلم قبل أن يموت بخمس وهو يقول: ((إني أبرأ إلى الله أن يكون لي منكم خليل فإن الله تعالى قد اتخذني خليلا كما اتخذ إبراهيم خليلا و لو كنت متخذا من أمتي خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا ألا و إن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم و صالحيهم مساجد ألا فلا تتخذوا القبور مساجد إني أنهاكم عن ذلك)) . فهذا نص من صلى الله عليه وسلم في النهي من اتخاذ القبور مساجد.
وجاء في صحيح مسلم ج: 2 ص: 668 972 و حدثني علي بن حجر السعدي حدثنا الوليد بن مسلم عن بن جابر عن بسر بن عبيد الله عن واثلة عن أبي مرثد الغنوي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها)) .
وص 972 حدثنا حسن بن الربيع البجلي حدثنا بن المبارك عن عبد الرحمن بن يزيد عن بسر بن عبيد الله عن أبي إدريس الخولاني عن واثلة بن الأسقع عن أبي مرثد الغنوي رضي الله عنه قال: سمعت رسول ا صلى الله عليه وسلم يقول: ((لا تصلوا إلى القبور ولا تجلسوا عليها)) .
فهذا نهي صريح عن الصلاة إلى القبور أو عليها فانظر إلى افتراء الجفري على صلى الله عليه وسلم فحسيبه الله) .
وتجد الرد على الرابط التالي:
http://www.d-sunnah.net/fo r um/showth r ead.php?t=35048
فهذه ثلاث كذبات لعلي الجفري فما هو جوابه ؟!
أما بالنسبة لاستنكاره طريقة أن يقوم شخص بإنزال مقاطع معينة من شريط والرد عليه وقوله أن هذه الطريقة ليست أسلوبنا ويشير في كلامه أن هذه الطريقة هي طريقة اليهود الذين يظهرون بعض الكتاب ويخفون بعض!!
فالجواب:
ما هو المستنكر في هذه الطريقة ؟!
وما هو الفرق بين أخذ مقاطع من شريط ما والرد على ما تحتويه تلك المقاطع وبين نقل كلام لأحد الأشخاص من أحد كتبه والرد عليه ؟!
وما هو موقف الجفري من الشريط الذي سجله أحد الصوفية في مدينة البيضاء اليمنية والذي رد فيه على شريط أحمد القطان حول المولد ؟
وكذلك ما هو موقفه من الشريط الذي قام أحد أتباع محمد بن علوي المالكي بتسجيله في الرد على شريط سفر الحوالي الذي كان بعنوان "الرد على شركيات المالكي "ونقل بعض كلام سفر الحوالي ورد عليه. وهل كانا على طريقة اليهود أيضا ؟!
وهل يلزم من أراد أن يرد على بعض أخطاء كتاب معين أن ينشر الكتاب كاملاً ثم يكتب رده عليه ؟! إن قال: نعم، فنسأله ما هو موقفه من كتب الردود التي كتبها أهل العلم منذ القديم إلى وقتنا هذا ؟!! وإن قال: لا، سألناه: ما هو الفرق بين الرد على الخطأ الموجود في الكتاب أو في الشريط ؟!
أما بالنسبة لمطالبته بأن ينشر الشريط كاملاً حتى يزول الإشكال!
فالجواب:
ماذا يقصد الجفري بقوله (حتى يزول الإشكال) ؟!
هل نسبت إليه شيء لم يقله ؟!
أو هل يفهم من مقالي شيء حول الجفري لا يقول به ؟(64/99)
أنا وضعت بعض المقاطع التي تبين عقيدة الرجل وهو قد أعترف بهذه العقيدة في جوابه على السؤال الذي طرح عليه عبر قناة الإمارات حول الموضوع.
فما هو الإشكال الذي يريده الجفري أن يزول ؟!
بالنسبة لكلامه حول تصرف الأولياء في الكون واستدلاله على إمكانية ذلك بأن الله قد أعطى الدجال التصرف في بعض الأمور وهو كافر فكيف بالولي الصالح ؟!
الجواب:
أولاً: الجفري لا يثبت العقيدة إلا بنص قطعي الثبوت قطعي الدلالة ولهذا لا يحتج بحديث الآحاد في العقيدة وإن جاء في صحيح البخاري أو صحيح مسلم!
ومسألة إذن الله للأنبياء وللأولياء بالتصرف في الكون من مسائل الغيب فهي من مسائل العقيدة فما هو الدليل القطعي الثبوت والقطعي الدلالة عند الجفري على هذه المسألة ؟!
لقد استدل الجفري بالقياس!!
فكيف يرفض الاحتجاج في مسائل العقيدة بحديث الآحاد وإن جاء في صحيح البخاري أو صحيح مسلم ثم يقيس هنا ؟!
والقياس مرتبه تأتي بعد مرتبة الاستدلال بالقرآن والسنة والإجماع في الاحتجاج!
ثم إن المسلم مهما كان فاجراً ظالماً أو كان صاحب بدع يعتبر خير من الدجال لأن الدجال كافر فهل يقول الجفري بأن الفاجر الظالم أو المبتدع ممكن أن يتصرف في الكون أيضاً ؟!
ثانياً: لقد ذكرت في مقالي "الكشف الجلي "بعض الأدلة التي فيها رد على من يقول بأن هناك أنبياء أو أولياء يتصرفون في الكون وأعيد ذكرها هنا من باب الفائدة:
(إن في سيرة وحياة الرسو صلى الله عليه وسلم ما يصدع بالحق ويهتك رداء الشك في هذا الأمر: فلما اشتدت إذية المشركين للمسلمين بمكة واستفحل شرهم وتطاولهم حتى على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رفع صوته ثم دعا عليهم: "اللهم عليك بقريش... اللهم عليك بأبي جهل بن هشام، وعقبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، والوليد بن عقبة، وأمية بن خلف، وعقبة ابن أبي معيط "رواه البخاري ومسلم. فترى أنه بعد أن ضاقت السبل، واستغلقت الأبواب، وانقطع الرجاء في هداية هؤلاء القوم لم يبق إلا التفكير في استئصال شأفتهم، ولما لم يكن هناك سبيل إلى ذلك إلا سبيل الابتهال إلى المولى عز وجل فقد توجه عليه الصلاة والسلام بهذا الدعاء الذي لم تتحقق استجابته إلا بعد حين وتحديداً يوم بدر، إذ يقول ابن مسعود راوي الحديث: (فوالذي بعث محمداً صلى الله عليه وآله وسلم بالحق لقد رأيت الذين سمى صرعى يوم بدر) .
ولا يخفى على عاقل أنه صلى الله عليه وآله وسلم لو كان يتصرف في الكون لاكتفى بقوله لهم: موتوا فيموتون.
وفي يوم بدر ذاته عندما واجه المسلمين خطب مدلهم وخطر جسيم عندما قابلهم جيش قريش ورأوا تفوقه عدداً وعُدداً لم يكن منه صلى الله عليه وآله وسلم إلا أن استقبل القبلة ثم مد يديه فجعل يهتف بربه: "اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم آت ما وعدتني، اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض ". فما زال يهتف بربه ماداً يديه، مستقبل القبلة حتى سقط رداؤه عن منكبيه. فأتاه أبو بكر فأخذ رداءه فألقاه على منكبيه ثم التزمه من ورائه. وقال: يا نبي الله كفاك مناشدتك ربك فإنه سينجز لك ما وعدك. فأنزل الله عز وجل: (إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين) (الأنفال: 9) . رواه مسلم.
هذا نص آخر صريح في أنه عليه الصلاة والسلام كان أمره غاية في العبودية والخضوع والتذلل لربه عز وجل، ولم يكن من شأنه أن يخرج عن ذلك بحال من الأحوال. بل ثبت بالدليل أن الله سبحانه لم يكن يحقق كل ما يدعوه به عليه الصلاة والسلام.
عن سعد بن أبي وقاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "سألت ربي ثلاثاً فأعطاني ثنتين ومنعني واحدة. سألت ربي أن لا يهلك أمتي بالسنة فأعطانيها، وسألته أن لا يهلك أمتي بالغرق فأعطانيها، وسألته أن لا يجعل بأسهم بينهم فمنعنيها "رواه مسلم) انتهى نقلاً من "تقديس الأشخاص في الفكر الصوفي "للشيخ محمد أحمد لوح حفظه الله (1/137-139) .
وهناك أدلة أخرى كثيرة تدل على هذا الأمر منها:
قوله تعالى: (وقالوا لن نؤمن بك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعاً * أو تكون لك جنة من نخيل وعنب فتفجر الأنهار خلالها تفجيراً * أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفاً أو تأتي بالله والملائكة قبيلا * أو يكون لك بيت من زخرف أو ترقى في السماء ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل عليناً كتاباً نقرؤه قل سبحان ربي هل كنت إلا بشراً رسولاً)(الإسراء:90- 93) .
وقال تعالى عن نوح عليه السلام: (ولا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب) (هود:31) .(64/100)
وعن طلحة بن خراش قال: سمعت جابراً يقول: لقيني رسول ا صلى الله عليه وسلم فقال لي: "يا جابر مالي أراك منكسراً "؟ فقلت: يا رسول الله استشهد أبي قتل يوم أحد، وترك عيالاً وديناً. فقال: "أفلا أبشرك بما لقي الله به أباك ؟ "قال: قلت: بلى يا رسول الله. قال: "ما كلم الله أحداً قط إلا من وراء حجاب، وأحيا أباك وكلمه كفاحاً، فقال: يا عبدي تمن علي أعطك. قال: يا رب تحييني فأقتل فيك ثانية. قال الرب عز وجل: إنه سبق مني (أنهم إليها لا يرجعون) "رواه الترمذي وحسنه، وابن ماجه، وابن أبي عاصم، والحاكم وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي. وحسنه أيضاً الألباني في "ظلال الجنة ". فهذا صحابي جليل رضي الله عنه تمن على الله أن يحييه فيقاتل في سبيله فيقتل فيه ثانية فقال له الرب عز وجل: إنه سبق مني (أنهم إليها لا يرجعون) فهذا يدل على أن هذا الصحابي الجليل لم يكن يتصرف في الكون لا بروحه وجسده ولا بروحه دون جسده، لأنه لو كان الله صرفه في الكون لم يتمنى هذا الأمر ولكان عنده الإذن مسبقاً في التصرف في الكون!! فهل يقول الجفري بأن هذا الصحابي كان ممن يتصرف في الكون ؟!
وكذلك الأمر بالنسبة للشهداء فعن ابن مسعود رضي الله عنه أن أصحاب صلى الله عليه وسلم سألوه عن هذه الآية: (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون) (آل عمران: 169) . فقال صلى الله عليه وسلم "أرواحهم في جوف طير خضر لها قناديل معلقة بالعرش تسرح من الجنة حيث شاءت ثم تأوي إلى تلك القناديل، فاطلع إليهم ربهم إطلاعة فقال: هل تشتهون شيئاً؟ قالوا: أي شيء نشتهي ونحن نسرح من الجنة حيث شئنا ؟ ففعل ذلك بهم ثلاث مرات، فلما رأوا أنهم لن يتركوا من أن يسألوا قالوا: يا رب نريد أن ترد أرواحنا في أجسادنا حتى نقتل في سبيلك مرة أخرى، فلما رأى أن ليس لهم حاجة تركوا "أخرجه مسلم.
والاستدلال بهذا الحديث كالاستدلال بالحديث الذي قبله.
رد بعض الشبه حول هذا الموضوع:
قد يستدل البعض على هذه العقيدة بمعجزات المسيح عليه السلام.
وقد رد الشيخ محمد أحمد لوح حفظه الله على هذه الشبهة في كتابه "تقديس الأشخاص في الفكر الصوفي"(1/157) حيث قال: (هذا الاستدلال باطل لأن إحياء الموتى - بإذن الله - من خصوصيات المسيح، وليس لغيره من البشر لا من الأنبياء ولا غيرهم، ومما يؤيد هذه الخصوصية دعاء إبراهيم عليه السلام: (رب أرني كيف تحيي الموتى) (البقرة:260) .
فإنه عليه السلام لو كان من شأنه إحياء الموتى لما دعا بمثل هذا الدعاء، وإذا انتفى كون إحياء الموتى من معجزات نبي آخر غير المسيح قوي انتفاؤه عمن دون الأنبياء من الأولياء والصالحين) اهـ.
وقد يستدل البعض أيضاً بقول الله تعالى: (فتبارك الله أحسن الخالقين) (المؤمنون: 14) .
والجواب: (أننا نثبت للمخلوق خلقاً، لكنه ليس كخلق الله تعالى. فخلق الله جل وعلا إيجاد من العدم. وخلق المخلوق لا يكون إلا بالتغيير والتحويل والتصرف في شيء خلقه الله تعالى.
ومن ذلك ما جاء في "الصحيحين "أنه يقال للمصورين يوم القيامة: "أحيوا ما خلقتم ". ومعلوم أن المصور لم يوجد شيئاً من العدم إنما حول الطين، أو الحجر إلى صورة إنسان أو طير - بدون روح -، وحول بالتلوين الرقعة البيضاء إلى ملونة، والطين والحجر والمواد والورق كلهم من خلق الله تعالى) انتهى نقلاً من موقع الشبكة الإسلامية على شبكة المعلومات العالمية.
ثالثاً: أما بالنسبة لمن احتج على إمكانية أن يغيث صلى الله عليه وسلم أو غيره من يستغيث بهم أو يتصرفون في الكون بالقدرة الإلهية، فأقول له ليس الخلاف حول شمولية القدرة الإلهية ولا حول إمكانية ذلك للقدرة الشاملة، بل النزاع حول وقوعها.
فهل ثبت هذا لمن تدعونهم ؟!
بالنسبة لكلامه حول مسألة الاستقلالية واعتقاد الصوفية في أولياءهم بأنهم يتصرفون في الكون بإذن الله: الجواب:
لقد رد الشيخ عبد الرزاق بن عبد المحسن العباد حفظه الله في كتابه "القول السديد في الرد على من أنكر تقسيم التوحيد "على هذه الشبهة حيث قال:
(يالله العجب لا يكون صرف العبادة لغير الله شركاً حتى يعتقد العابد فيمن عبده أن له شيئاً من صفات الربوبية، وأما من دعا غير الله أو استغاث بغير الله أو استعان بغير الله أو رجا غير الله أو خاف غير الله من قبر أو شجر أو حجر فإن ذلك لا يكون شركاً مالم يعتقد العابد فيها أن لها شيئاً من صفات الربوبية، وعلى هذا فقول النبي صلى الله عليه وسلم "من مات وهو يدعو من دون الله نداً دخل النار "ينقصه هذا القيد وهو أن يعتقد في المدعو شيئاً من صفات الربوبية!!
إن نصوص القرآن الكريم المشتملة على الدعوة إلى إخلاص الدين لله وإفراده وحده بجميع أنواع العبادة وهي كثيرة جداً فيها أبلغ رد على الكاتب (يقصد حسن السقاف) .
فالعبادة بأنواعها حق خالص لله لا يجوز صرفها لغيره سواء اعتقد العابد في معبوده أنه رب أو لم يعتقد، وهذا من الأمور المعلومة من الدين بالضرورة.(64/101)
وأما القيد الذي وضعه الكاتب فلا أصل له ولا أساس. فإن المشركين زمن صلى الله عليه وسلم لم يكونوا يعتقدون في آلهتهم أنها تخلق أو ترزق أو تحيي أو تميت أو تدبر الأمر، بل كانوا يعتقدون أن ذلك من خصائص الله كما قال تعالى: (قل لمن الأرض ومن فيها إن كنتم تعلمون سيقولون لله، قل أفلا تذكرون، قل من رب السموات السبع ورب العرش العظيم، سيقولون لله قل أفلا تتقون، قل من بيده ملكوت كل شيء وهو يجير ولا يجار عليه إن كنتم تعلمون سيقولون لله قل فأنى تسحرون) (المؤمنون:84 -89)، وإنما كان شركهم في دعوتها وعبادتها من دون الله بحجة أنها تقربهم إلى الله زلفى.
قال تعالى حاكياً عن المشركين: (ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى) وقد قال ابن كثير رحمه الله في تفسيرها: "فعبدوا تلك الصور تنزيلاً لذلك منزلة عبادتهم الملائكة ليشفعوا لهم عند الله في نصرهم ورزقهم وما ينوبهم من أمر الدنيا)) انتهى كلامه بتصرف.
وقد جاء في صحيح مسلم أن المشركين كانوا يطوفون حول الكعبة ويقولون في تلبيتهم: (لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك إلا شريكا هو لك تملكه وما ملك) فالمسألة ليست مقصورة على اعتقاد الاستقلالية فقط.
بالنسبة لاستدلاله على أن الأنبياء والأولياء يتصرفون في الكون بحديث: "ولئن سألني لأعطينه ". هذا الحديث كما هو واضح يتحدث عن فضل الأولياء في حياتهم الدنيوية ولا يتحدث عن فضائلهم في البرزخ!!
ولم يقل أحد بعدم جواز طلب الدعاء من الولي الحي الحاضر القادر على الدعاء. والكلام في طلب الدعاء من الولي الميت أو الاستغاثة بالولي الميت وهناك فرق بين الأمرين.
فالولي الحي يستطيع أن يدعوا وكذلك يستطيع تقديم المساعدة فيما يقدر عليه في حياته. كما أن هناك فرق بين أن يسأل الولي الله عز وجل ويجيب دعوته وبين الزعم بأن الله قد فوض الولي بالتصرف في الكون؛ بل أعطاه الإذن المسبق في ذلك كما يزعم الجفري.
راجع المقطع التالي والذي فيه زعم الجفري بأن الولي قد يُعطى الإذن مسبقاً في التصرف في الكون فلا يحتاج إلى أن يسأل الله في كل مرة:
http://www.geocities.com/abdullah_moslm/g5. r a
بالنسبة لاستدلاله بآية: (لهم ما يشاءون) .
الجواب:
لقد رد الشيخ جيلان بن خضر العروسي في كتابه "الدعاء ومنزلته من العقيدة الإسلامية" (2/715-717) على من يستدل بهذا الآية على جواز الاستغاثة بالأموات، جاء فيه:
(أولاً: إن الآية ليست في الأولياء فقط بل تشمل جميع المؤمنين كما يدل عليه أول الآية في سورة الشورى: (والذين آمنوا وعملوا الصالحات في روضات الجنات لهم ما يشاءون عند ربهم) الآية، وفي سورة الزمر أيضاً في جميع المؤمنين كما رجحه ابن جرير الطبري مستدلاً مقابلة هذه الآية بالآية التي قبلها (فمن أظلم ممن كذب على الله وكذب بالصدق)، وبقوله: (أولئك المتقون) .
فإذا ثبت أن قوله تعالى: (لهم ما يشاءون عند ربهم) في الموضعين عام لكل المؤمنين يلزم على قولهم أن كل المؤمنين لهم المشيئة في القبور ويتصرفون في الإجابة فيجوز دعاءهم لقضاء الحاجات وتفريج الكربات. والصوفية يخصون الدعاء بالأولياء فقط ولا يقولون بذلك في عامة المؤمنين.
ثانياً: سياق الآية يدل على أنها جزاء في الجنة وليس في القبور، ويدل على ذلك قوله تعالى: (في روضات الجنات) في آية الشورى، كما يدل على ذلك مقابلة هؤلاء الصنف المصدقين بالمكذبين الذين قال الله فيهم: (أليس في جهنم مثوى للكافرين) فكما أن هذا يقع في الآخرة فكذلك الآخر.
ثالثاً: إن التفسير الصحيح للآية هو ما تدل عليه آيات أخر مثل هذه الآية تماماً وهي واضحة أن هذه المشيئة هي في الجنة وأنهم ما يشاءون ويشتهون شيئاً إلا حصل لهم، ومن تلك الآيات قوله تعالى: (وأزلفت الجنة للمتقين غير بعيد * هذا ما توعدون لكل أواب حفيظ * من خشي الرحمن بالغيب وجاء بقلب منيب * ادخلوها بسلام ذلك يوم الخلود * لهم ما يشاءون فيها ولدينا مزيد) (ق: 31 - 35) وقوله تعالى: (قل أذلك خير أم جنة الخلد التي وعد المتقون كانت لهم جزاء ومصيراً لهم فيها ما يشاءون خالدين كان على ربك وعداً مسئول) (15، 16) .
فهاتان الآيتان في الجنة بدون شك ولا ريب، فكذا الآية التي احتجوا بها، فكل هذه الآيات في الجنة لا في البرزخ، ومثل هذه الآيات قوله تعالى: (وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين) (الزخرف: 71) . فتبين مما سبق أن المراد من الآية ليس مشيئة مطلقة وإنما هي مشيئة خاصة بما يشتهونه في الجنة، ودل على هذه الآيات الأخرى والسياق وأقوال المفسرين.
فقد فسر ابن جرير وابن كثير والقرطبي وغيرهم الآية بالطلب في الجنة بعد قيام الساعة، ولم نطلع على أحد فسرها بما يدل على الطلب أيام البرزخ في القبر، فيكون تفسيرها بذلك من التفسير بالرأي المذموم الذي نهينا عنه كما يكون أيضاً مخالفاً لسياق الآية) انتهى كلامه باختصار.
ثم على فرض أن هذه الآية تشمل الحياة البرزخية أيضاً فهذا لا يدل على أنه يجوز أن يستغاث بهم!!
بالنسبة لاستدلاله بحديث الشفاعة.
الجواب:(64/102)
(64/103)
قال الشيخ جيلان بن خضر العروسي في كتابه "الدعاء ومنزلته من العقيدة الإسلامية (2/848) : (إن أحاديث الشفاعة يوم القيامة فيها سؤال الحي ما يقدر عليه، فيوم القيامة يجمعهم الموقف بعد أن أحياهم الله فليس هو من سؤال الغائب ولا الميت) انتهى باختصار.
ولقد رد الشيخ سمير المالكي في كتابه "كشف شبهات المخالفين/القسم الثاني من كتاب "جلاء البصائر في الرد على كتابي شفاء الفؤاد والذخائر ""(308 - 339) على هذه الشبهة حيث قال:
(إن الله سبحانه هو الذي يأذن في الشفاعة يوم القيامة لمن يشاء من عباده، كما وردت بذلك الأحاديث. منها حديث أنس رضي الله عنه عن صلى الله عليه وسلم قال: "إذا كان يوم القيامة ماج الناس بعضهم في بعض فيأتون آدم فيقولون: اشفع لنا إلى ربك.. "ثم ساق حديث الشفاعة وفيه قال: "فيأتوني فأقول: أنا لها، فأستأذن على ربي فيؤذن لي ويلهمني محامد أحمده بها لا تحضرني الآن فأحمده بتلك المحامد وأخر له ساجداً فيقال: يا محمد ارفع رأسك وقل يسمع لك وسل تعط واشفع تشفع. فأقول: يا رب أمتي أمتي، فيقال انطلق فأخرج من كان في قلبه مثقال شعيرة من إيمان، فأنطلق فأفعل ثم أعود فأحمده بتلك المحامد ثم أخر له ساجداً فيقال: يا محمد ارفع رأسك وقل يسمع لك وسل تعط واشفع تشفع. فأقول: يا رب أمتي أمتي فيقال: انطلق فأخرج منها من كان في قلبه مثقال ذرة أو خردلة من إيمان، فأنطلق فأفعل، ثم أعود فأحمده بتلك المحامد ثم أخر له ساجداً، فيقال: يا محمد ارفع رأسك وقل يسمع لك وسل تعط واشفع تشفع، فأقول: يا رب أمتي أمتي، فيقال: انطلق فأخرج من كان في قلبه أدنى أدنى مثقال حبة خردل من إيمان فأخرجه من النار. فأنطلق فأفعل. ثم أعود الرابعة فأحمده بتلك المحامد ثم أخر له ساجداً فيقال: يا محمد ارفع رأسك وقل يسمع لك وسل تعطه واشفع تشفع فأقول: يا رب ائذن لي فيمن قال لا إله إلا الله. فيقول: وعزتي وجلالي وكبريائي وعظمتي لأخرجن منها من قال لا إله إلا الله "متفق عليه.
قلت - القائل سمير المالكي - فأخبر صلى الله عليه وسلم أنه لا يبدأ بالشفاعة حتى يلهمه الله عز وجل محامد يحمده بها ثم يخر له ساجداً ثم يأذن الله له بالشفاعة فيقول: سل تعطه واشفع تشفع، ويعين له من يشفع فيه، فيبدأ بالأفضل والأكمل ممن في قلبه مثقال شعيرة من الإيمان ثم من في قلبه مثقال خردلة وهكذا...
فرجع الأمر إلى الله وحده، فهو المتفضل على الخلق كلهم، على الشافعين والمشفوعين. وفي لفظ من حديث أنس قال: "فأستأذن على ربي فيؤذن لي، فإذا أنا رأيته وقعت ساجداً فيدعني ما شاء الله... "إلى أن قال: "فيحد لي حداً فأخرجهم من النار وأدخلهم الجنة ثم أعود فأقع ساجداً... "الحديث. فقوله: "فيدعني ما شاء الله "وقوله: "فيحد لي حداً "ظاهر في أن الأمر كله راجع إلى الله وإلى مشيئته وأمره.
ومن رحمته سبحانه بعباده المؤمنين إذنه لأكثر من شفيع في الشفاعة يوم القيامة، فيأذن للملائكة والنبيين والصالحين.
فإن قيل: أوليس قد اعطي r الشفاعة ؟ فنحن نسأله مما أعطاه الله. فالجواب: بلى قد أعطي الشفاعة، كما ورد في حديث جابر عن صلى الله عليه وسلم قال: "أعطيت خمساً لم يعطهن أحد قبلي... "الحديث، وفيه قال: "وأعطيت الشفاعة "رواه البخاري ومسلم. قال ابن دقيق العيد "الأقرب أن اللام فيها للعهد، والمراد الشفاعة العظمى في إراحة الناس من هول الموقف "(أنظر "فتح الباري "(1/438)) .
لكنها مشروطة بإذن الله تعالى ورضاه، كما تقدم ذكره في حديث الشفاعة الطويل حيث جاء فيه قوله صلى الله عليه وسلم "فأستأذن على ربي فيؤذن لي ويلهمني محامد أحمده بها لا تحضرني الآن... "وقوله: "فإذا أنا رأيته وقعت ساجداً فيدعني ما شاء الله... "وقوله: "فيحد لي حداً ".
كل ذلك يدل على أن الشفاعة أمرها إلى الله وحده لا إلى الرسو صلى الله عليه وسلم ولا إلى غيره من الخلق.
وتأمل قول صلى الله عليه وسلم في آخر الحديث: "ائذن لي فيمن قال لا إله إلا الله. فيقول: وعزتي وكبريائي وعظمتي لأخرجن منها من قال لا إله إلا الله ".
قال النووي في "شرح مسلم "(3/65) : (معناه لأتفضلن عليهم بإخراجهم من غير شفاعة) . ويؤكد ذلك أن الله منع عبده ورسولهمحمدا صلى الله عليه وسلم من الشفاعة في أقرب الناس إليه. ففي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن صلى الله عليه وسلم زار قبر أمه فبكى وأبكى من حوله ثم قال: "أستأذنت ربي في أن استغفر لها فلم يؤذن لي وأستأذنته في أن أزور قبرها فأذن لي، فزوروا القبور فإنها تذكر الموت ".
ورد الله دعوة دعاها النبي صلى الله عليه وسلم ، كما صح عنه أنه قال: "سألت ربي ثلاثاً فأعطاني ثنتين ومنعني واحدة، سألت ربي أن لا يهلك أمتي بالسنة فأعطانيها، وسألته أن لا يهلك أمتي بالغرق فأعطانيها وسألته أن لا يجعل بأسهم بينهم فمنعنيها "رواه مسلم.(64/104)
وقد صح من حديث جمع من الصحابة رضي الله عنهم عن صلى الله عليه وسلم قال: "أنا فرطكم على الحوض وليرفعن رجال منكم ثم ليختلجن دوني، فأقول: يا رب أصحابي فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك "وفي لفظ: "فأقول: يا رب مني ومن أمتي "متفق عليه.
وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قام فينا صلى الله عليه وسلم فذكر الغلول فعظمه وعظم أمره، قال: "لا ألفين أحدكم يوم القيامة على رقبته فرس له حمحمة يقول: يا رسول الله أغثني، فأقول: لا أملك لك شيئاً قد أبلغتك. وعلى رقبته بعير له رغاء يقول: يا رسول الله أغثني، فأقول: لا أملك لك شيئاً قد أبلغتك. وعلى رقبته صامت فيقول: يا رسول الله أغثني، فأقول: لا أملك لك شيئاً قد أبلغتك. أو على رقبته رقاع تخفق فيقول: يا رسول الله أغثني، فأقول: لا أملك لك شيئاً قد أبلغتك ". قال الحافظ في "الفتح "(6/186) : (قوله: "لا أملك لك شيئاً "أي: من المغفرة، لأن الشفاعة أمرها إلى الله) اهـ.
ففي هذه النصوص أكبر دليل على أن الشفاعة ملك لله وحده يأذن فيها لمن يشاء ويمنع من يشاء، وأنه لا يملك أحد لأحد نفعاً ولا ضراً، لا شفاعة ولا هداية ولا غيرها، إلا بإذن الله، ولو كان الشفعاء مقربين ووجهاء، ولو كان المشفوع فيهم أقرباء.
فقول النبي صلى الله عليه وسلم "أعطيت الشفاعة" ليس معناه استقلاله بها بحيث يشفع لمن يشاء، أو أن شفاعته مقبولة دائماً، بل هي شفاعة أعطيها يوم القيامة لا تحصل قبل ذلك، ولا تكون إلا بعد إذن الله له بالشفاعة وتعيينه لمن يشفع فيهم كما دلت على ذلك النصوص الأخرى، وكذلك الشأن في سائر الشفاعات الأخرى التي ثبتت ل صلى الله عليه وسلم ولغيره من الشفعاء.
وقد يظن ظان أو يتوهم متوهم أن في ذلك تنقصاً من قدر صلى الله عليه وسلم وتقليلاً من شأنه، أن يقال إن صلى الله عليه وسلم لا يشفع إلا من بعد إذن الله وأمره، ولم تزل تلك سُبَّة الغلاة المخالفين يقذفون بها أهل الحق وشُنعةً يشنعون بها عليهم في كل زمان، إذا ما نصحوا لله ولرسول صلى الله عليه وسلم ، وجردوا التوحيد واعطوا كل ذي حق حقه، وقالوا بموجب ما قررته نصوص الوحي المنزل من رب العالمين، وآمنوا بالكتاب كله ولم يكفروا ببعضه ولم يحرفوا الكلم عن مواضعه.
وهذا هو التعظيم الحق للرسو صلى الله عليه وسلم ، لا تعظيم أولئك المعاندين له المحرفين لكلامه المخالفين عن أمره المجتهدين في رد حكمه وقضائه.
فالذي قال:"أعطيت الشفاعة" هو الذي قال: فأستأذن على ربي فيؤذن لي فإذا أنا رأيته وقعت ساجداً فيدعني ما شاء الله"، وقال: "فيحد لي حداً"، وقال:"يا رب ائذن لي فيمن قال لا إله إلا الله، قال:ليس ذلك لك".
فتبين إذاً أن قول النبي صلى الله عليه وسلم "أعطيت الشفاعة" ليس معناه استقلاله بها وتصرفه فيها كما يشاء، بل هي شفاعة مقيدة بزمن مخصوص، وهو يوم القيامة، وبإذن الله ومشيئته. وكل حديث أطلق فيه لفظ الشفاعة فيحمل على هذا المعنى الحق الذي دلت عليه النصوص المحكمة المقيدة) انتهى كلام الشيخ سمير المالكي باختصار.
وهنا مسألة يجب التنبه لها وهي أن الأصل في الأموات أنهم لا يسمعون إلا ما ورد الدليل بشأنه، فما هو الدليل على أن الميت يسمع طلب من يستغيث به ؟!
راجع لهذا المسألة المهمة كتاب "الآيات البينات في عدم سماع الأموات "للعلامة الألوسي وتحقيق العلامة الألباني رحمهما الله.
وهنا رد على شبهة كثير ما يرددها الجفري وغيرها وهي زعمهم أن هذه الأمة لا يوجد فيها شرك وأن الشرك لا يقع إلا في آخر الزمان ويستدلون على ذلك ببعض الشبه منها:
قول الرسو صلى الله عليه وسلم "إن الشيطان قد أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب ولكن في التحريش بينهم "رواه مسلم.
وقوله عليه الصلاة والسلام: "إني والله ما أخاف عليكم أن تشركوا بعدي ولكن أخاف عليكم أن تتنافسوا فيها "أخرجه البخاري ومسلم.
ويقولون أن قول الرسول صلى الله عليه وسلم "لا تقوم الساعة حتى تضطرب أليات نساء دوس حول ذي الخلصة" وقوله عليه الصلاة والسلام:"لا تقوم الساعة حتى تلحق قبائل من أمتي بالمشركين، وحتى تعبد قبائل من أمتي الأوثان "المقصود به آخر الزمان بدليل ما جاء في صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا يذهب الليل والنهار حتى تعبد اللات والعزى" فقالت عائشة: يا رسول الله! إن كنت لأظن حين أنزل الله: (هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون) أن ذلك تاماً، قال:"إنه سيكون من ذلك ماشاء الله، ثم يبعث الله ريحاً طيبة، فتوفي كل من في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان، فيبقى من لا خير فيه، فيرجعون إلى دين آبائهم".
والجواب عن هذه الشبهة بما يلي:(64/105)
بالنسبة للحديث الأول فقد أجاب الشيخ صالح آل الشيخ عنه في كتابه "هذه مفاهيمنا" بما يلي: (والجواب:أن يقال:إن الشيطان أيس بنفسه - ولم يُأَيَّس - لما رأى عز الإسلام في حياة النبي صلى الله عليه وسلم ، وإقبال القبائل على الدخول في هذا الدين الذي أكرمهم الله به، فلما رأى ذلك يئس من أن يرجعوا إلى دين الشيطان، وأن يعبدوا الشيطان أي: يتخذوه مطاعاً.
وهذا كما أخبر الله عن الذين كفروا في قوله: (الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ) (المائدة: 3) فهم يئسوا أن يراجع المسلمون ما عليه المشركون من الدين الباطل القائم على اتخاذ الأنداد مع الله، وصرف العبودية إلى أشياء مع الله أو من دونه.
فلما رأى المشركون تمسك المسلمين بدينهم يئسوا من مراجعتهم، وكذا الشيطان يئس لما رأى عز المسلمين ودخولهم في الدين في أكثر نواحي جزيرة العرب.
والشيطان - لعنه الله - لا يعلم الغيب، ولا يعلم أنه ستحين له فرص يصد الناس بها عن الإسلام والتوحيد، وكانت أول أموره في صرف الناس لعبادته بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم ، حيث أطاعه أقوام وقبائل، فارتدت عن الإسلام إما بمنع الزكاة، أو باتباع مدعي النبوة.
فنشط وكانت له جولة وصولة ثم كبته الله، والمقصود أن الشيطان ييئس إذا رأى التمسك بالتوحيد والإقرار به والتزامه، واتباع الرسو صلى الله عليه وسلم ، وهو حريص على أن يصد الناس عن هذا. ولذا تمكن من هذا في فتراتٍ مختلفة، فعبده القرامطة عبادة طاعة وهم في الجزيرة وأفسدوا ما أفسدوا، وعبده من بعدهم مما يعرفه أولو البصيرة. (أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ) (يّس:60-61) ... الخ) .
وأما بالنسبة لقوله عليه الصلاة والسلام:"إني والله ما أخاف عليكم أن تشركوا بعدي ولكن أخاف عليكم أن تتنافسوا فيها" فقد أجاب عنه الشيخ جيلان بن خضر العروسي في كتابه "الدعاء ومنزلته من الدعاء"(2/904) بقوله:
(إن الحديث خاص بالصحابة رضي الله عنهم الذين خاطبهم الرسو صلى الله عليه وسلم كما هو ظاهر الخطاب الموجه إليهم وليس المقصود من الحديث الأمة المحمدية بأجمعها.
وهذا يقتضيه الجمع بين هذا الحديث والأحاديث الدالة على وقوع الشرك) .
أما بالنسبة لقوله عليه الصلاة والسلام:"لا يذهب الليل والنهار حتى تعبد اللات والعزى" واستدلالهم به على أن الشرك لا يقع إلا في آخر الزمان فقد أجاب عليه الشيخ صالح آل الشيخ حفظه الله في كتابه"هذه مفاهيمنا" (ص209) بقوله: (إن قول الرسول صلى الله عليه وسلم "لا تقوم الساعة حتى تلحق قبائل من أمتي بالمشركين، وحتى تعبد قبائل من أمتي الأوثان" دليل واضح على وقوع الشرك في قبائل، وفي لفظ:"فئام" أي: جماعات كثيرة، وهناك قبائل من أمته على الحق ثابتون، فدل على أن هذا عند غربة الدين واشتداد ذلك، وهذا من علامات القيامة الصغرى التي تكون قبل قيام الساعة بأزمان مديدة، شأنها شأن سائر العلامات الصغرى التي تكون كما أخبر نبي ا صلى الله عليه وسلم من بعد موته إلى قرب قيام الساعة.
وهذه العلامات كثيرة في أحاديث مشهورة، ولحوق قبائل من أمته بالمشركين، وعبادة قبائل الأوثان من جنسها مما يكون شيئاً فشيئاً إلى قيام الساعة.
وحديث عبادة اللات والعزى وذي الخلصة تكون العبادة - وهو الظاهر - لها بأعيانها، وقد يكون أراد أجناسها مما يعبد من دون الله، والأول أليق لتعين حمل النص على ظاهره) اهـ.
وقد حذر الرسو صلى الله عليه وسلم في آخر حياته من اتخاذ قبور الأنبياء والصالحين مساجد، فقد قال في مرضه الذي لم يقم منه:"لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد". قالت عائشة رضي الله عنها: (فلولا ذاك أبرز قبره غير أنه خُشي أن يتخذ مسجداً) رواه البخاري ومسلم.
وعن عائشة وابن عباس أن رسول ا صلى الله عليه وسلم لما حضرته الوفاة جعل يلقي على وجهه طرف خميصة له، فإذا اغتم كشفها عن وجهه وهو يقول:"لعنة الله على اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد. تقول عائشة يحذر مثل الذي صنعوا"رواه البخاري ومسلم.
وقال عليه الصلاة والسلام "إن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد إني أنهاكم عن ذلك"رواه مسلم.
فهذه الأحاديث قالها الرسو صلى الله عليه وسلم في آخر حياته وفيها التحذير من الوقوع فيما وقع فيه اليهود والنصارى من البناء على قبور الأنبياء والصالحين ومعلوم أن بناء المساجد على القبور هو وسيلة للوقوع في الشرك كما هو واضح.
كما جاءت أحاديث كثيرة فيها التحذير من بعض الأمور والتي يصف الرسو صلى الله عليه وسلم من فعلها أنه وقع في الشرك، وقد ثبت في صحيح البخاري ومسلم أن الرسو صلى الله عليه وسلم قال:"من لقي الله لا يشرك به شيئاً دخل الجنة، ومن لقيه يشرك به شيئاً دخل النار" فهل هذه الأحاديث قد نسخت ؟!!(64/106)
كما أن الواقع التاريخي يؤيد وقوع الشرك في الأمة ولا يمكن إنكار الأمر الواقع، ومن ذلك: أن كثير ممن كانوا في جزيرة العرب ارتدوا بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ، فكثير منهم رجعوا إلى الكفر وعبادة الأوثان وكثير صدقوا من ادعى النبوة كمسيلمة وغيره.
وكذلك هناك الكثير من المسلمين ارتد وتنصروا والنصرانية قائمة على الشرك كما لا يخفى. فهذا يدل على وقوع الشرك في هذه الأمة وأن أحاديث عبادة اللات والعزى بأعيانها إنما تكون في آخر الزمان.
هذا آخر ما وفقني الله لكتابته في الرد على بعض ضلالات الجفري أسأل الله أن يهديه أو أن يريح المسلمين من شره.
تنبيه/كتب أحد أتباع الجفري موضوع بعنوان "اسنى الهديات لقاذف الحبيب الجفري بالدعوة إلى الشركيات "وردي هذا يعتبر رد على مقالته أيضاً!
كما تجد في الكتب التالية ردود على الشبهات التي أثارها صاحب الموضوع:
1- كتاب "قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة "لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
http://www.sahab.o r g/books/book.php?id=76&que r y=التوسل
2- كتاب "التوسل أنواعه وأحكامه"للإمام محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله:
http://saaid.net/book/open.php?cat=1&book=143
3- كتاب "التوصل الى حقيقة التوسل" للشيخ محمد نسيب الرفاعي رحمه الله وهو منشور في شبكة الانترنيت أيضاً والحمد لله.
4- كتاب "هذه مفاهيمنا رد على كتاب "مفاهيم يجب أن تصحح" لمحمد بن علوي المالكي" للشيخ صالح آل الشيخ حفظه الله:
http://saaid.net/book/open.php?cat=1&book=144
وصلى الله على نبينا وقدوتنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
أخوكم/أبو معاذ السلفي
==============(64/107)
(64/108)
دَاعِيَةُ ضَلَالَةٍ فَي قَنَاةٍ فَضَائِيَةٍ
الحمد لله وبعد ؛
قال تعالى : " وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا " [ البقرة : 204] .
قال القرطبي : وَقَالَ قَتَادَة وَمُجَاهِد وَجَمَاعَة مِنْ الْعُلَمَاء : نَزَلَتْ فِي كُلّ مُبْطِن كُفْرًا أَوْ نِفَاقًا أَوْ كَذِبًا أَوْ إِضْرَارًا , وَهُوَ يُظْهِر بِلِسَانِهِ خِلَاف ذَلِكَ , فَهِيَ عَامَّة .ا.هـ.
و عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ قَالَ سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ : جَاءَ رَجُلَانِ مِنْ الْمَشْرِقِ فَخَطَبَ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: إِنَّ مِنْ الْبَيَانِ لَسِحْرًا . رواه البخاري (5146) ، ومسلم (869) .
قال الشيخ عبد الرحمن بن حسن في : فتح المجيد " ( ص 406) : هذا من التشبيه البليغ ، لكون ذلك يعمل عمل السحر ، فيجعل الحق في قالب الباطل ، والبطل في قالب الحق . فيستميل به قلوب الجهال ، حتى يقبلوا البطل وينكروا الحق ، ونسأل الله الثبات والاستقامة على الهدى .ا.هـ.
قال الشاعر :
تقول : هذا مُجاج النحل ، تمدحه **** وإن تشأ قلت : ذا قيء الزنابير
مدحا وذما وما جاوزت وصفهما **** والحق قد يعتريه سوء تعبير
بعد هذه المقدمة ، كنت في حوار مع زميل في العمل ، وهو رجل عامي ، وقد سألني عن رجل يدعى على الجفري ، يظهر في إحدى القنوات الفضائية ذكر لي اسمها ونسيتُ ، وأنا ولله الحمد والمنة لا يوجد في بيتي تلفزيون ، وهذا من باب التحدث بنعمة الله علي ، ثم بدأ يصف لي هذا الضال بأوصاف عجيبة ، وأن أسلوبه جميل ومقنع ومؤثر ، وقال أنه من شدة إعجابه به ذهب إلى التسجيلات الإسلامية يسأل عن أشرطته فلم يجد له أي أشرطة ... ولكم التعليق .
وبما أن هذا الضال بدأ يؤثر في عقول الناس بهذه الطريقة ، وجب علينا أهل السنة والجماعة التحذير منه ، وبيان ما عند الرجل من عقيدة فاسدة من الغلو في النبي صلى الله عليه وسلم
فماذا فعلنا لبيان خطره ؟
وبما أن الرجل يُلبسُ على العامة من متابعي القنوات الفضائية ، ويزين الباطل ويجعله حقا ، كان لا بد من بيان ما لدى الرجل من غلو في صلى الله عليه وسلم وذلك من خلال تسجيل صوتي له لكي تكون الأمة على حذر منه .
وداعية الضلالة علي الجفري له موقع في الإنترنت ينشر من خلاله أفكاره الضالة ، وانحرافاته المشينة في حق الرسو صلى الله عليه وسلم ، ولولا خشية عمل الداعية لموقعه لوضعت الرابط .
فمن عنده علم بضلالات الرجل فليطرح ما عنده هنا وجزاه الله خيرا ، ولنحذر الأمة من خطر دعاةٍ على أبواب جهنم ، نسأل الله السلامة والعافية .
المقاطع الصوتية والكلام الذي معها منقولة بتصرف من كلام أبي معاذ السلفي sasb@ayna.com
1 - استمع إليه وهو يقول أن القاعدة أن الرسو صلى الله عليه وسلم يغيث بروحه من يستغيث به، ويمكن أن يغيث أيضاً بجسده، كما أن بإمكان الرسو صلى الله عليه وسلم أن يغيث بروحه مليون شخص في نفس اللحظة !!
http://www.geocities.com/abdullah_moslm/g1. r a
http://www.geocities.com/abdullah_moslm/g2. r a
2 - استمع له وهو يقول أنه لا يستغرب خروج روح الولي الميت لكي تنفع بإذن الله من يستغيث بها.
http://www.geocities.com/abdullah_moslm/g3. r a
3 - استمع له وهو يقول أن الأساس أن الأولياء الأموات يغيثون بارواحهم من يستغيث بهم، ولا يمنع في اعتقاده أن يخرج جسد من قبره !
http://www.geocities.com/abdullah_moslm/g4. r a
4 - استمع له وهو يصرح بأن هناك من الأولياء من فوضهم الله في إدارة أمور الكون!! وأن عندهم إذن مسبق في التصرف في الكون!! وأنه بإمكانهم بإذن الله الرزق والإحياء والإماتة !!
http://www.geocities.com/abdullah_moslm/g5. r a
5 - استمع له وهو يصرح بأنه يمكن للولي الميت أن يدعو للحي ، وأن كرامات الأولياء لا حد لها إلا في مسألتين، وهما: أن ينزل عليه كتاب من الله. أن يوجد - أي يخلق - الولي طفل من غير أب . وأن مسألة خلق الطفل من غير أب مسألة خلافية بين العلماء - أي الصوفية - . وأن الولي يمكن أن تخرج روحه من الروضة التي يتنعم فيها ليغيث من استغاث به.
http://www.geocities.com/abdullah_moslm/g6. r a
6 - استمع له وهو يصرح أن العلماء عنده اختلفوا في مسألة إمكانية أن يخلق الولي لطفل من غير أب ، وأن السبب الذي جعل من يقول بإمتناع ذلك هو التحرز على الأنساب !! حتى لا تأتي امرأة حامل من الزنى فتدعي أن أحد الأولياء خلق هذا الطفل في بطنها ، وإلا في الأصل هم متفقون على ذلك - أي على إمكانية أن يخلق الولي طفل من غير أب - !!
http://www.geocities.com/abdullah_moslm/g7. r a
7 - استمع له وهو يصرح بإمكانية رؤية الرسو صلى الله عليه وسلم ولكن بعين البصيرة وأن هناك من الأولياء من يجتمع بالرسو صلى الله عليه وسلم يقظة !
http://www.geocities.com/abdullah_moslm/g9. r a(64/109)
8 - استمع له وهو يكذب على الشيخ عبد الرحمن دمشقية حفظه الله مؤلف كتاب "الرفاعية" حيث يزعم أن أحد مشايخه ناقش الشيخ دمشقية حول أحمد الرفاعي وذكر له أن الإمام الذهبي أثنى عليه، وأن الشيخ دمشقية كان يجهل هذا الأمر، ولهذا ذمه في كتاب الرفاعية ، مع أن الشيخ عبد الرحمن دمشقية قد ذكر ترجمة أحمد الرفاعي رحمه الله من "سير أعلام النبلاء" للإمام الذهبي رحمه الله وبراءه مما يعتقده فيه أتباعه !
http://www.geocities.com/abdullah_moslm/g10. r a
وفي الختام أقول قد يتعجب البعض من كلام الجفري السابق ولكن لو علم من هم مشايخ الجفري الذين تتلمذ عليهم لزال عنه العجب!
فالجفري قد صرح في بعض اللقاءات الصحفية معه أنه تتلمذ على يد عبد القادر السقاف وهو رجل من كبار الصوفية في هذا العصر، وهو يعيش في جدة ! وكي تعلم مدى ضلال هذا الرجل فاستمع له وهو يستغيث ببعض الأموات الذين قام بزيارتهم في اليمن قبل عدة سنوات :
http://www.geocities.com/abdullah_moslm/g12. r a
ومن مشايخ الجفري الذين صرح بالأخذ عنهم داعية الشرك والخرافة محمد بن علوي المالكي .
وفي الختام لا تنسونا من دعوة صالحة في ظهر الغيب .
للفائدة : http://www.saaid.net/mkta r at/Maoled/29.htm
كتبه
عَبْد اللَّه بن محمد زُقَيْل
=================(64/110)
(64/111)
الصوفية... والجفري الراقص!!
داود العسعوسي
اذا كان الامام الشافعي رحمه الله تعالى قد رغب في الاسفار والضرب في الاراضي والامصار لنيل فوائد خمس: تفريج الهموم، واكتساب المعيشة، وطلب العلم، والآداب، وصحبة الاماجد، فانني في سفرتي الاخيرة الى دولة الامارات قد تحققت لي بعض هذه الفوائد ولله الحمد.
لقد تعرفت على شاب مقيم هناك حديث التخرج من الجامعة، اهداني نسخة CD، اطلعت عليها مع رفاق السفر الاخوين الفاضلين المهندس ابراهيم الخزي والمهندس ابراهيم العنزي فرأينا فيها ما تشيب منه الرؤوس وتشمئز منه النفوس... رأينا: بلايا ومنكرات، وشعوذة ورقصات، وهزا وتمايلات، واذكارا مبتدعات، واغرب ما رأيناه في هذا الشريط قيام احدهم بتناول ( عذرة ) شيخة تبركا به، اجلكم الله تعالى!! وكل هذا الهراء يغلف باسم الدين وينقل للناس بانه الاسلام الذي يحمله السواد الاعظم من المسلمين.
بطل هذا الفيلم هو القطب ( السالب ) والغوث ( الراسب ) الحبيب علي الجفري الذي رأيناه بثوبه الطويل واقفا جنبا الى جنب مع (شلة من المعممين ويترنح معهم يمينا وشمالا... ( حي... حي ) ... ( هو... هو )... (أ ح... أح ) وسمعنا تمتمات لا يفقهها الا الشيطان وجنوده من الانس، ثم نراه بعد ( الذكر والهز والدس ) جالسا على طاولة طويلة ( للاكل والهرس ) يتناول ما لذ وطاب من اصناف الطعام والمريدون واقفون على رأسه دون حراك ولا همس.
هذا الرجل الراقص بدأ يظهر في الآونة الاخيرة عبر القنوات الفضائية ليؤصل وينظر لهذا الفكر الصوفي العفن ويطعن في مقابل ذلك بثوابت الامة واصول عقيدتها، ولا يفوته في كل محاضرة له الاستهزاء بالدعوة السلفية واهل الحديث والضرب في علماء الامة، ومع ذلك فان عامة المسلمين من المشاهدين يألفون سماع محاضراته ويحرصون على متابعة لقاءاته ويأخذون كلامه من باب المسلمات، وهو في حقيقة الامر يهرف بما لا يعرف، وله طريقته الخفية واسلوبه الماكر الذي يستطيع من خلاله وبكل سهولة ان يدس السم في العسل ويذرف امام المشاهد المسكين دموع التماسيح وحاله كحال ذلك المخادع اللعوب الذي يخطط نهارا مع الذئاب ويتباكى ليلا مع الرعاة!!
لا ادرى كيف يصف بعض الدعاة الجفري هذا بانه الداعية المتفتح الذي اكتسح باسلوبه الجذاب شاشات الفضائيات زاعما انه يمثل العصر الاسلامي القادم الذي سيربط عقيدة المسلمين بمتغيرات العصر لتنحل عنهم ـ زعموا ـ عقدة الانتساب الى مدارس الحرس القديم!!
ومن باب ( من فمه ندينه ) ادعوك للاستماع الى شريط كاسيت وزع مؤخرا عنوانه ( حوار هادىء مع الجفري ) (1) فيه ظلمات بعضها فوق بعض حيث ستستمع فيه الى الشرك الصراح والكذب على نبي الامة والقصص الخرافي والتعلق بالموتى، والطعن في ثوابت الامة، والوقيعة في اهل الاثر، والاستهزاء بحملة السنة، والكلام السوقي الساقط الذي يدل على تدني ثقافة هذا الرجل وفساد منهجه وخطورته على الامة و( تزببه قبل تحصرمه )!! (2)
وفي موقعه الالكتروني يقول ـ عامله الله بما يستحق ـ : ( انه بعد البحث والتدقيق تبين لي ان الولي يستطيع ان يخلق طفلا با أب، ولكننا لا نستطيع ان نقول هذا الكلام امام العامة حتى لا تدعي الزانية ان ما في بطنها من خلق الولي!! ) نعوذ بالله من هذا الكفر... فماذا بقي لله رب العالمين الذي تفرد بالخلق والامر؟!
في العام الماضي زار الجفري الكويت بدعوة رسمية من بعض الجهات، وحصل خلالها على تزكيات ومباركات من قبل بعض المسؤولين، وفتح له الباب على مصراعيه ليصول ويجول في عقول الشباب والفتيات صناع الحضارة كما يزعمون ، وحدثني من اثق به ان الناس كانوا يتدافعون لتقبيل يديه ورأسه، والأدهى من ذلك سماح وزارة الاوقاف له بالقاء خطبة الجمعة الرسمية على الفضائية الكويتية، واذا كانت كتب السلف طافحة باثبات اصل ( هجر المبتدع ) وما يلحق به من اذلاله واقصائه والحجر عليه حيث تواترت فيها النقول عن الاثبات العدول انهم قالوا ( من وقر صاحب بدعة فقد اعان على هدم الاسلام )، فهل يعقل بعد هذا كله ان يسمح له بزيارة اخرى ليفسد عقائد اهل الكويت ويصول ويجول في خرافاته دون تحذير من عالم او وازع من سلطان فنكون قد جنينا على انفسنا بمشاركتنا بحمل اول معول هدم لحضارة الاسلام.
اذا كان هذا وأمثاله سيصنعون حضارة الامة ويوجهون قادتها وشبابها ويبنون لها مجدها، فسيكون ـ حتما ـ التراث الاسود الذي خلفه شيوخه كابن عربي ( النكرة ) والحلاج وابن الفارض وابي يزيد البسطامي هو لبنة هذا البناء ومادة حضارته، وتلك والله قاصمة الظهر.
¾ وقفة:(64/112)
فرح الجميع باستضافة قطاع المساجد الشهر الماضي لمعالي الشيخ عبد الله بن عبد العزيز العقيل من المملكة العربية السعودية ودعوة الجمهور الكريم للالتقاء معه وسماع توجيهاته، ونحن بدورنا نشكر القطاع على استقطاب امثال هؤلاء العلماء الربانيين وندعوهم للاستمرار في هذا المجال حفاظا على عقائد الامة اولا وعلى سياسة ( الوسطية ) ثانيا ولعلي بهذه المناسبة اهديهم نسخة من (CD وشريط الكاسيت المذكورين ليعرفوا حقيقة دعاة الضلالة وحملة الخبث فـ « يحرموا » استضافتهم ويريحوا منهم العباد والبلاد، وقديما قالوا (والباب الذي يأتيك منه الشر والريح اقفله واستريح ).
رابط المقال في جريدة الوطن الكويتية
http://www.alwatan.com.kw/
__________________________________________
(1) ( رابط الشريط الذي اشار له الكاتب ) http://www.muslemoon.net/audio/jaf r i/jaf r i.htm
(2) حيث أن الجفري لم يتخرج من جامعة معترف بها ، إنما درس في معهد صوفي ، ولم يدرس على أحد من العلماء ، وهذا مذكور في ترجمته
=============(64/113)
(64/114)
شبهات وردود عن حكم المولد النبوي
الشيخ عادل بن علي بن أحمد الفريدان
الأدلة الزكية
في بيان أقوال الجفري الشركية
تأليف
أبي عبد الرحمن: يحيى بن علي الحجوري
حفظه الله تعالى
إعادة تنسيق الكتاب
أبو عمر الدوسري
المقدمة
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهديه الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد:
?يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً?[النساء:1].
?يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً?[الأحزاب: 70-71].
أما بعد:
فيقول الله عز وجل في كتابه الكريم: ? ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللهُ لانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ ?[محمد:4].
ويقول سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: ?وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ?[محمد:31]، ويقول سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: ?أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ?[آل عمران:142]، ويقول الله في كتابه الكريم: ?وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللهِ مَا لا يَرْجُونَ?[النساء:104]. ويقول الله عز وجل: ?هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُؤُوسِهِمُ الْحَمِيمُ * يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ * وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ?[الحج: 19-21].
فمن هذه الأدلة يُعلم، أنه لا بد أن يكون بين الحق والباطل صراع، وأنه لا يخلو زمن من الأزمان، ولا حقبة من الحقب، ولا فترة من الفترات من وجود من يعبد الله، ومن يعبد غير الله، ومن يدعو الله، ومن يدعو غير الله، ومن يوحد الله، ومن يشرك بالله إلى قيام الساعة، كما يقول الله سبحانه: ? وَاللهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ?[البقرة:220].
وقال صلى الله عليه وسلم في الحديث القدسي: »أنت الجنة رحمتي، أرحم بك من أشاء، وأنت النار عذابي أعذب بك من أشاء ولكليكما عليّ ملؤها«.
والنار وقودها الناس والحجارة، ? وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ?[البقرة:24]، وبعد هذا فإننا نلاحظ ونسمع، شركاً صريحاً وغلواً قبيحاً، وفتنة واضحة، ودعوة إلى الوثنية، من أوباش الصوفية، في هذه الأزمنة، وهم من حيث الجملة، الصوفية أموات بمعاصيهم، وأموات بشركياتهم، وأموات ببدعهم وخرافاتهم، وإن كانوا يعيشون يأكلون ويشربون، لكن كما قيل:
ليس من مات فاستراح بميت ** إنما الميت ميت الأحياء
إنما الميت من يعيش كئيباً ** كاسف باله قليل الرجاء
وهذا لا شك أنه يعيش في نكد المعاصي، ?وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ?[يونس:27]، وقد استجرى بهم الشيطان، وركب كواهلهم إلى الغلو الشديد، فيما يسمونهم بالأولياء، والإطراء الشديد في حق من يعتقدون فيهم الولاية، فأشركوهم ونددوهم بالله سبحانه وتعالى، وقد علمتهم أن هذه الخصلة من الرافضة والصوفية تعتبر نظير فعل اليهود والنصارى.
فالغلو هو شأن اليهود والنصارى كما هو مذكور في كتاب الله عز وجل، وفي سنة رسول الله صلى الله علي وسلم، يقول الله سبحانه وتعالى: ?يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ إِنَّمَا اللهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ ?[النساء:171]، فذم الله أهل الكتاب، الذين ذكرهم الله في هذه الآية بغلوهم، وقال سبحانه: ?قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيراً وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ?[المائدة:77].(64/115)
وأبان الله سبحانه غلوهم فقال: ?لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرائيلَ اعْبُدُوا اللهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ * لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ * مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآياتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ * قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ مَا لا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلا نَفْعاً وَاللهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ?[المائدة: 72-76].
فأبان الله عز وجل، أن هذه تعتبر من أهل الكتاب عبادة لغير الله سبحانه، هذا الغلو الذي غلوه في عيسى عليه الصلاة والسلام، يعتبر عبادة من دون الله، قال الله تعالى: ?اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهاً وَاحِداً لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ * يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ?[التوبة: 31-33].
فأبان الله سبحانه في هذه الآيات، أن اتخاذهم الأحبار والرهبان أربابًا من دون الله، وأن غلوهم في أولئك الأشخاص، من الأنبياء عليهم صلوات الله وسلامه، أو من غيرهم، أن هذا يعتبر شركاً منهم بالله سبحانه وتعالى، فحملهم غلوهم هذا على الشرك والتنديد، والضلال البعيد، ولهذا ترى رسول ا صلى الله عليه وسلم يحذر من الغلو، قال: »لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم، فإنما أنا عبد الله رسوله، فقولوا: عبد الله رسوله«، والحديث في الصحيح، وهكذا قال رجل: يا سيدنا، وابن سيدنا، ويا خيرنا وابن خيرنا، قال عليه الصلاة والسلام: »أيها الناس، قولوا بقولكم الأول ولا يستجرينكم الشيطان، إنما أنا عبد الله ورسوله، فقولوا: عبد الله ورسوله«.
وكفى شرفاً بمقام العبودية لله عز وجل، فقد وصف الله سبحانه وتعالى، أنبياءه بالعبودية في أشرف المقامات، قال سبحانه: ?سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى?[الإسراء:1]، ففي مقام الإسراء، وهو يصفه بالعبودية لله سبحانه وتعالى، وأنه عبد الله، ?وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً?[الجن:19].
وفي مقام الدعاء قال: ?وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ * إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ * وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ?[صّ:45-47].
وقال تعالى: ?إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً * لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدّاً * وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً?[مريم: 93-95].
فما من إنسان في هذه الحياة الدنيا من جن أو إنس، إلا وإن الله سبحانه وتعالى خلقه لعبادته، قال الله سبحانه: ?وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ?[الذاريات: 56-58].
وقال سبحانه: ?وَاعْبُدُوا اللهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً?[النساء:36].
وقال: ?يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ?[البقرة: 21-22].(64/116)
وقال تعالى: ?قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً?[الأنعام:151] إلى آخر الآيات.
وفي سورة الفاتحة: ?الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ * إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ * اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ?[الفاتحة: 2-7]، ?إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ?[الفاتحة:5].
وما أرسل الله رسله، ولا أنزل كتبه إلا لتوحيده، وللدعوة إلى توحيده، وبيان توحيده سبحانه وتعالى، والتحذير من الشرك به.
يقول الله: ?وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ?[الانبياء:25].
ويقول الله سبحانه وتعالى: ?وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقَافِ وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ?[الاحقاف:21].
ويقول الله سبحانه وتعالى: ?وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ?[النحل:36]، فخلقنا الله سبحانه وتعالى لعبادته، لا عبادة البشر، ولا للشرك به والتنديد به، ولكن هؤلاء القوم غلوهم أدى بهم إلى مكان سحيق من الضلال، حتى اعتقدوا أن الولي يتصرف في الكون، كما سيمر بنا في بعض هذه الفقرات، التي يقولها علي الجفري، والذي له رواج نخشى صولته الضالة، وفتنه العمياء على عوام الناس ودهمائهم، وهذا والله من المنكر الذي لا يجوز السكوت عليه، لا من المسئولين، ولا من العلماء، ولا من أي غيور على دين الله الحق، فإن هذا هو شرك قريش الذين كانوا يدعون إليه نفس الفكر، بل إن المشركين الذين كانوا على شرك بالله سبحانه وتعالى: كانوا يجأرون في الشدائد إلى غير الله، إلى الحبيب فلان، والولي فلان، والله المستعان، قال تعالى: ? ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ?[النحل:53].
وهذه عدة نقاط موثقة، من روابطها من شبكات الانترنت، وقد سمعت صوته بأذني وهو يقول هذه الفقرات، اكتفينا بالعزو إلى الروابط المذكورة من الشبكة (الانترنت) التي نشرت كلام هذا الفاجر الأثيم، وهو علي الجفري، وأيضاً نظير أقواله، أقوال عمر بن حفيظ، له كلام يبيح فيه دعاء غير الله سبحانه وتعالى، وعندي شريط في ذلك من أقواله، وله كلام في رسالة صغيرة تسمى بالتوحيد، وهو عن التوحيد بعيد، يقول فيها: إن القرآن لا يوصف بأنه عربي، والله عز وجل يقول: ?بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ?[الشعراء:195]، ويقول: ?إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ?[يوسف:2]، ويقول: ?وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ?[إبراهيم:4]، ورسول ا صلى الله عليه وسلم عربي، وإلى بيان هذه الفقرات، الظالم أهلها:
السؤال الأول
السائل: يقول في موقع:
(http://www.geocities.com/abdullah_moslm/g3. r a)،
الجفري يقول: أنه لا يستغرب خروج روح الميت لكي تنفع من يستغيث بها بإذن الله؟
الجواب: هذا الكلام فيه ثلاث ضلالات
الأولى: يقول: لا يستغرب خروج روح الميت بعد موته، لكي تنفع بإذن الله من يستغيث به، وهذا فيه دعوة إلى الاستغاثة بالأموات.
والاستغاثة بالأموات: هي دعاء غير الله سبحانه وتعالى، مع تلهف أيضاً، قال الله عز وجل: ?إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ?[الأنفال:9]، فالاستغاثة لا تكون إلا بالله سبحانه وتعالى، لا تكون بالأموات؛ فإن الأموات لا يستطيعون أن يغيثوا في شيء من الأشياء بعد موتهم، لقول الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: ?فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلا إِلَى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ?[يّس:50].(64/117)
ولقول الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: ?قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرّاً إِلَّا مَا شَاءَ اللهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ?[الأعراف:188]، ولقول الله سبحانه وتعالى: ?فَإِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ?[الروم:52] ولقوله سبحانه: ?وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ?[فاطر:22] ولقول الله سبحانه: ?وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ?[يونس:107].
الضلالة الثانية: أن هذا قول بالرجعة وربنا سبحانه وتعالى يقول: ?حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ * فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ?[المؤمنون: 99-103].
ويقول الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: ?وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ * فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقاً لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ?[الملك: 10-11]، ففي هذه الآية أنهم ليس لهم رجوع، وليس لهم إلا السحق، ويقول: ?أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ * أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ * أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ * أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ * بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ * وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْمُتَكَبِّرِينَ?[الزمر: 56-60].
فهذه الآيات تدل على أنه ليس بعد الموت كرة رجوع، وقال تعالى عن أهل النار: ?قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ? [غافر:11]، وقال عن أهل النار: ?وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ? [الزخرف:77]، وقال تعال: ?فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلا إِلَى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ? [يّس:50].
وقال الصديق رضي الله عنه لرسول ا صلى الله عليه وسلم لما مات: بأبي أنت وأمي، أما الموتة الأولى فقد ذقتها، ولن تذوق بعدها موتة أخرى.
لا رجوع بعد الموت، وبعد مفارقة الروح للجسد، صلى الله عليه وسلم يقول: »ما أحد يموت فيدخل الجنة، يتمنى أن يعود إلى الدنيا وله مثل الدنيا عشر مرات، إلا الشهيد، فإنه يتنمى أن يعود إلى الدنيا فيقتل عشر مرات لما يرى من الكرامة«. يتمنى أن يعود فلا يعود إلى الدنيا، فاعتقاد الرجعة، اتفق فيها الصوفية والروافض؛ ولذلك صار من ضلال الرافضة أن بعض آل البيت يرجعون إلى الحياة ثم يقتلون من ولي الخلافة، من غير آل البيت، فهذا اعتقاد الرجعة، والصوفية هم أحفاد الرافضة، وأحفاد الرهابين في هذه الأفكار، جمعوا بين ضلال النصارى، فإن ديدن الصوفية، نفس ديدن النصارى والرهابين في البدع والخرافات.
قال الله عن النصارى: ?وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ ? [الحديد:27]، يذكر أهل العلم أنهم أخذوا دينهم عن الرافضة؛ في كثير من البدع والخرافات، والشركيات، يتفقون فيها.
الضلالة الثالثة: أن الأموات من المسلمين بحاجة إلى الدعاء، صلى الله عليه وسلم كان إذا مر بالمقابر قال: »السلام عليكم دار قوم مؤمنون، وإن شاء الله بكم لاحقون، ونسأل الله لنا ولكم العافية«، أما القول أن الميت هو الذي يرجع، أو روحه ترجع، ويغيث الأحياء، فهذه دعوة إلى الشرك والوثنية، وإلى دعاء غير الله سبحانه وتعالى يقول الله في كتابه الكريم: ?وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللهِ إِلَهاً آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ?[المؤمنون:117]، ويقول: ?وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ * وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ? [الاحقاف:5-6].(64/118)
السؤال الثاني
السؤال: وهناك في موقع:
http://www.geocities.com/abdullah_moslm/g4. r a))،
الجفري يقول: أن الأموات يغيثون بأرواحهم، من يستغيث بهم، ولا يمنع في اعتقاده أن يخرج جسد من قبره؟
الجواب: هذا باطل، وهذا كذب، وهذا معاندة للقرآن والسنة، مما قد تلونا ومن قول النبي صلى الله عليه وسلم »إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك«، ومن قول النبي صلى الله عليه وسلم »ما من ميت إلا ويعرض عليه مكانه، من الجنة أو النار، فيقال: هذا مكانك من النار، أو هذا مكانك في الجنة إلى يوم القيامة«، الحديث أخرجه الشيخان عن ابن عمر، وثبت من حديث أوس بن أوس، أن صلى الله عليه وسلم قال: »أكثروا عليّ يوم الجمعة من الصلاة، فإن صلاتكم معروضة عليّ« قالوا: يا رسول الله، كيف نصلي عليك وقد أرمت، أي بليت، قال: »فإن الأرض لا تأكل أجساد الأنبياء«.
والشاهد من هذا أنها حياة برزخية تختلف عن الحياة الدنيا، وأيضاً الشاهد من هذا »أرمت« أي: بليت، وسائر الأموات بعد موته بأيام ينفطر وتتقطع أوصاله، وتتمزق أشلاؤه، ولا يبقى إلا عجب الذنب منه يركب الإنسان إذا نفخ في الصور، كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وكما قال الله عز وجل: ?وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ?[الزمر:68].
أما أن يعتقد أنهم ينفعون أو يضرون، أو أنهم كذلك يجيبون الأحياء، وينفعونهم، فهذا باطل لا دليل عليه، وهو من عقيدة أهل الضلال من الصوفية وأضرابهم، وحسبنا الله ونعم الوكيل.
السؤال الثالث
السؤال: وهناك في الموقع:
(http://www.geocities.com/abdullah_moslm/g5. r a)
الجفري يصرح بأن هناك من الأولياء من فوضهم الله في إدارة أمور الكون، وأن عندهم أذن مسبق في التصرف، وأنه بإمكانهم الرزق والإحياء والإماتة؟
الجواب: قوله: (يتصرفون في الكون)، وقوله: (بإمكانهم الرزق، وبإمكانهم الإحياء والإماتة)، هذه ثلاث مسائل كلها شرك في الربوبية.
المسألة الأولى: يعتقد أنه يمكن أن الولي يتصرف في الكون، والله سبحانه يقول: ?قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى اللهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ * أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَعَ اللهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ * أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَاراً وَجَعَلَ خِلالَهَا أَنْهَاراً وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزاً أَإِلَهٌ مَعَ اللهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ * أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللهِ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ * أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلَهٌ مَعَ اللهِ تَعَالَى اللهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ * أَمَّنْ يَبْدأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ * بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ?[النمل: 59-66].
ويقول سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: ?فَسُبْحَانَ اللهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ * وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيّاً وَحِينَ تُظْهِرُونَ * يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ * وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنتَشِرُونَ * وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ * وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ * وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ * وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمْ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنَزِّلُ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَيُحْيِ بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ?[الروم: 17-24].(64/119)
ويقول سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: ?حم * تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنْ اللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ * مَا خَلَقْنَا السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلاَّ بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ * قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنْ الأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَوَاتِ اِئْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ * وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ?[الأحقاف: 1-6]، الآيات.
ويقول الله سبحانه وتعالى: ?قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ أَرَادَنِي اللهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِي اللهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ?[الزمر:38].
ويقول الله سبحانه وتعالى: ?قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَاءَكُمْ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنْ الأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَوَاتِ أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَاباً فَهُمْ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْهُ بَلْ إِنْ يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً إِلاَّ غُرُوراً * إِنَّ اللهَ يُمْسِكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً?[فاطر: 40-41].
فمن الذي يستطيع أن يتصرف في الكون غير الله سبحانه وتعالى: ?بسم الله الرحمن الرحيم * الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ * إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ?[الفاتحة: 1-5]، ? لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ?[الروم:4]، ? لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ?[غافر:16]، ?حم * تَنزِيلٌ مِنْ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ * بَشِيراً وَنَذِيراً فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ * وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ * قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ?[فصلت: 1-6]، رسول ا صلى الله عليه وسلم لا يتصرف في الكون ولا غيره من المرسلين: قال الله تعالى: ?قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ?[فصلت:6].
ويقول الله سبحانه وتعالى: ?وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ * تَدْعُونَنِي لأَكْفُرَ بِاللهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ * لا جَرَمَ أَنَّمَا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيَا وَلا فِي الآخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى اللهِ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ * فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللهِ إِنَّ اللهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ?[غافر: 41-44].
ويقول سبحانه وتعالى: ? وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ * إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ?[فاطر: 13-14]، هذا القطمير؛ اللفافة القشرة التي على التمرة لا يملكونها فضلاً عن أن يتصرفوا في الكون، ويقول سبحانه وتعالى: ?يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوْ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمْ الذُّبَابُ شَيْئاً لا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ * مَا قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ?[الحج: 73-74].
والله هؤلاء المشركون من أمثال الجفري، ما قدروا الله حق قدره، ويقول سبحانه: ?لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلاَّ كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلالٍ?[الرعد:14].(64/120)
مثل ذلك، كإنسان في غاية من العطش، على بئر يمد يده يقول: اصعد يا ماء أريد أن أشرب، لا يصعد الماء، ويبقى في غاية العطش، ويقول الله سبحانه وتعالى: ?يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمْ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللهِ وَاللهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ * إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ * وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللهِ بِعَزِيزٍ?[فاطر: 15-17].
ويقول الله في كتابه الكريم: ?فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّونَهُ شَيْئاً?[هود:57]، ويقول سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: ? وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ?[محمد:38].
وفي »صحيح مسلم« من حديث أبي ذر رضي الله عنه، عن صلى الله عليه وسلم كما يروي عن ربه عز وجل أنه قال: »يا عبادي إني حرمت الظلم... « -إلى أن قال-: »يا عبادي إنكم لم تبلغوا ضري فتضروني، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني، يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أفيكم أياها، فمن وجد خيراً فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه«.
المرسلون عليهم الصلاة والسلام، ما أحد يتصرف في الكون، ولا الملائكة، ?قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ?[النمل:65]، ?عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً?[الجن:26]، ?وَمَا كَانَ اللهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ?[آل عمران:179].
وقال سبحانه في كتابه الكريم: ?ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللهِ شَيْئاً وَقِيلَ ادْخُلا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ?[التحريم:10]. وقال الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم، لما قال نوح: ?رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ?[هود:45]، قال الله له: ? يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ?[هود:46].
ولما دعا رسول ا صلى الله عليه وسلم على أناس من المشركين قال الله عز وجل: ?لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ?[آل عمران:128]، ولما سأل ربه عز وجل في ثلاثة، قال: »سألت ربي ثلاثاً فأعطاني اثنتين ومنعني واحدة«، فلم يستجب سبحانه كل دعاءه ذلك، قال الله تعالى: ?لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ?[الروم:4]، وقال تعالى: ?الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ * هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُسَمّىً عِنْدَهُ ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ * وَهُوَ اللهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ?[الأنعام: 1-3].
ويقول سبحانه وتعالى: ?قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ أَإِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللهِ آلِهَةً أُخْرَى قُلْ لا أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ?[الأنعام:19].
نحن نبرأ إلى الله من الجفري، ومن أقوال الجفري، ومن أفعال الجفري وابن حفيظ، نبرأ إلى الله منهم، ونشهد الله على ضلالهم، ونقول كما قال الله سبحانه: ?بَرَاءَةٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللهِ وَأَنَّ اللهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ * وَأَذَانٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ?[التوبة: 1-3]، وهكذا يقول الله سبحانه وتعالى، عن نبيه إبراهيم عليه الصلاة والسلام: قل إن ?قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ *?[الأنعام: 162-163].(64/121)
ويقول: ?فَلَمَّا رَأى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ * إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفاً وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ?[الأنعام: 78-79]،
فهذه براءة من الله سبحانه وتعالى، ويجب أن يتبرأ كل مسلم من هذه الأقوال والأفعال، وأن يحذروا ضلال هؤلاء الزائغين، دعاة الشرك والوثنية في هذه الأزمنة، وهم يقولون: (ما في شرك)، هذا عين الشرك الأكبر الذي أنتم فيه.
أنتم تنددون، أنتم تشركون، ثبت من حديث قتيلة رضي الله عنها: أن صلى الله عليه وسلم قال: حين سمعهم قالوا: والكعبة، وقالوا: ما شاء الله وشئت، قال: »إنكم تشركون، إنكم تنددون، تقولون: والكعبة، وتقولون: محمد«،
الجفري، وابن حفيظ، ومرعي صاحب الحديدة، وأمثالهم مشركون شركًا أكبر، ويغطون على شركهم؛ بأنه ما هناك شرك، هذا ما أنتم فيه عين شرك المشركين، ووثنية الوثنيين، وزندقة الزنادقة، وفلسفة الفلاسفة، وضلال الضالين، وبُعد البعداء، وزيغ الزائغين، وهلوسة المهلوسين، ودجل الدجاجلة، فما بالكم تموّهون عما أنتم تعلمون.
السؤال الرابع
السائل: وفي موقع:
(http://www.geocities.com/abdullah_moslm/g6. r a)،
الجفري يقول: يمكن للولي الميت أن يدعو للحي، وأن كرامات الأولياء لا حد لها إلا في مسألتين، وهما: أن ينزل عليه كتاب من الله.
الجواب: قوله: (كرامات الأولياء لا حد لها):
أولاً: أن كرامات الصوفية مدّعاة، الصوفية دجاجلة، واقرأوا تلبيس إبليس فيما يصنع الصوفية من ادعاء الكرامات، فقد ذكر ابن الجوزي رحمة الله عليه من تلبيس الشيطان على هؤلاء الدجاجلة، أن بعضهم يكون تارك صلاة ما يصلي، وبعد ذلك يقول لهم: أنا أخطو إلى مكة، وأصلي وأرجع وأنتم ما قد صليتم، وذكر أن بعضهم: أنه أصبح في مزبلة، يعبث به الشيطان.
وهكذا الحلاج الذي يقول: (أنا الله بلا شك، فسبحانك سبحاني، وتوحيدك توحيدي، وعصيانك عصياني)، يدعي أنه عنده كرامة، ويتمالأ مع مريديه، أي: مع طلابه، والصحيح (أنهم المردة)، يتمالأ مع المردة، ويذهبون إلى أماكن يخبئون الحلوى واللحم والماء البارد، وإذا أصبح قالوا: نريد رحلة إلى بلد كذا، أنأخذ ماء، أنأخذ طعاماً يا حبيب؟ قال: لا هذا يخرم التوكل.
أخزاكم الله يا أيها الصوفية، العمل بالسبب يخرم التوكل، وأنبياء الله كانوا يعملون بالسبب، أأنتم أفضل أم أنبياء الله، أليس نبي ا صلى الله عليه وسلم لبس المغفر، أليس الله قد أخبر أن ما نبي إلا وقد جعل له أزواجاً وذرية، وهذا من العمل بالسبب من إنجاب الأولاد، أليس الله يقول لمريم: ?وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّاً?[مريم:25].
وهذا عمل بالسبب، امرأة ما عساها تعمل في النخلة، أليس الله يقول: ? اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ?[الشعراء:63]، ما عسى العصا تفعل بالبحر، ولكنه سبب من الأسباب، أليس صلى الله عليه وسلم يقول: »لو توكلتم على الله حق توكله؛ لرزقكم كما يرزق الطير، تغدوا خماصاً وتروح بطاناً«.
هذا من العمل بالأسباب، ويقول سبحانه وتعالى: ? فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ?[الملك:15]، إلى آخره، وهؤلاء يقولون: هذا يخرم التوكل، ثم ذهبوا وقالوا: جعنا يا حبيب، عطشنا يا حبيب، قال: مكانكم، ويذهب يحفرها ويطلع اللحم، ويطلع الماء الذي قد خبأه من الأمس، ويقول لهم: اشربوا، كرامة!! كرامة!! دجل.
ذكر ابن الجوزي وغيره في ترجمة الحلاج على أن هذا الرجل، كان عنده بركة داخل بيته قد ملأها بالأسماك، وملأها بالطين الحمأة، أي الطين الأسود يعيش فيه الأسماك، وربى له أسماك في البركة، وجاء رجل وقال له: نحن اشتقنا للحم السمك، قال: مكانك، أنا آتيك بالسمك الآن، وذهب وكأنه نزل في بحر من البحور، وأتى به من بحر كذا، وأخرج السمكة من البركة حقه، وأتى بها وما زالت ترتعش، وقال له: من أين أتيت بها؟ قال: هذه من الكرامة، كُل؟ ثم ذهب وكأنه يريد أن يقضي الحاجة، ثم رأى البركة، قال: فنزل وأتى بسمكة أكبر من تلك، فجاء بها، ثم قال له الحلاج: من أين أتيت بها؟ قال: من البحر التي أتيت بالسمكة الأولى منه.
الصوفية عبثوا بنساء المسلمين، وبعقول المسلمين، بأفكار المسلمين، بأموال المسلمين، وقد أثبت عليهم من عايشهم وعرفهم: أنهم كانوا يبتكرون بنساء بعض البلداء، يعتبرونه يباركها بركة، إذا لم تمر بالولي، وتبيت عنده ليلة أو ليلتين تعتبر ما فيها بركة، هذا كرامة.
ويذكرون أن واحداً كان عنده كبش، يريد أن يضحي به، فقال له: أين تريد بهذا الكبش، أعطني وإلا جعلته كلباً؟ قال صاحب الكبش: لا تجعله كلباً، وإنما أجعله كبشين، واحد لي وواحد لك.(64/122)
ومما يذكرون أن أحدهم يعمل الفاحشة بالأتان -أنثى الحمار- فيقولون: ما لك يا حبيب، كيف تفعل هذا؟! يقول: أنا على حقيقة لا تعلمونها، ما هذه الحقيقة؟ قال: لو نزعت لغرقت سفينة في بحر كذا وكذا، وأنا أسد الخرق من هنا، متى يعقل المجتمع زندقة الصوفية، غلاة الصوفية كفرة، لا يمتري في ذلك اثنان ولا تنتطح في ذلك عنزان، واسمع إلى ما يقول الشعراني:
مريدي تمسك بي وكن بي واثقاً ** أحميك في الدنيا ويوم القيامة
فقالوا: أيا هذا تركت صلاتك ** وما علموا أني أصلي بمكة
والله سبحانه وتعالى يقول: ?وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ?[الحجر:99]، يتأولون الآية: يقولون: اليقين أن ينحب فإذا إغمي عليه ارتفع عنه القلم، لا تحسب عليه سيئات، والحقيقة أن هذا اليقين، يقع في يقين الكفر، في ترك الصلاة، وفي ترك التكليف، حتى قال بعضهم: هم معشر حلوا النظام، واخترقوا الاسياج، فلا فرض لديهم ولا نفل.
مجانين غير أن جنونهم ** عزيزاً عند يسجد العقل
هذا يا أخي، قليل من كثير من ضلال هؤلاء الناس، ومن أقوالهم: أنه يمكن للولد أن يخرج من ظهر أبيه صبيًا من غير زواج ولا حمل!.
وقوله: إن كرامات الأولياء لا حد لها إلا في مسألتين.
الجواب: أعظم كرامة: دوام الاستقامة، وأنتم تتكلفون الكذب، وتتكلفون الدجل، فليس لكم كرامة، إن الكريم هو المؤمن المتقي لله سبحانه وتعالى، ?يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ?[الحجرات:13].
قال: أتقاكم، ولم يقل: أكرمكم عند الله مشرككم، ولم يقل: ضلالكم، فمن أين لكم التقوى وأنتم تشركون، وأنتم تنددون، وأنتم تفجرون، وأنتم تضلون وتضلون، ما لكم كرامة، بل أنتم مهانون، أهانكم الله بالبدع، يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: ?وَمَنْ يُهِنِ اللهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ?[الحج:18].
ويقول سبحانه: ?الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ?[الأنعام:82]، وأنتم أظلم الظلم عندكم؛ لأن الشرك أظلم الظلم، قال الله سبحانه مخبراً عن لقمان: ? يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ?[لقمان:13].
أنتم واقعون في ظلم عظيم، وفي أفرى الفرى على سبحانه وتعالى، فمن أين لكم كرامة، والله سبحانه يقول: ?إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَبذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ?[الأعراف:152].
فمن أين لكم كرامة بعد ذلك كله، دعوكم من التلبيس، لقد لبس زنادقة كثير، مثل الحلاج، ومثل ابن عربي، الذي كان يعتقد أنه الله، يقول: ما في الجبة إلا الله.
وابن سبعين الذي يسمع الشاة تيعر، أو الكلب ينبح، ويقول: سبحانك يا أرحم الراحمين، يعتقد أن الأشياء الموجودة كلها الله سبحانه، والبسطامي كان يقول: سبحاني سبحاني، ما أعظم شاني، الجنة لعبة صبياني.
والذي يقول: أن الكون يتصرف فيه بعض الأولياء، هذا الكلام زندقة، ومثل هؤلاء الزنادقة، أرى أن عندهم نفحة من الحلول.
ذكر الغزالي في «إحياء علوم الدين»، الذي ما أجدره بالتحريق: كما أفتى بذلك غير واحد من أهل العلم، أن هذا الكتاب جدير بالتحريق؛ فإن في ذلك الكتاب الكفر الصريح، يقول بعضهم البارحة رأيت الله، قال: يا مسكين أنا رأيت ابن سبعين، والنظر إلى ابن سبعين أفضل من النظر إلى الله سبعين مرة، هذا موجود في »إحياء علوم الدين«، فالناس في غفلة عن ضلال الصوفية، والله ما ضلالهم عن ضلال المكارمة ببعيد، ولا عن ضلال الرافضة ببعيد، كلهم فلاسفة، يختلفون في بعض المسائل، وإلا فالمؤدى واحد، فهل من مدكر، وهل من منكر، وهل من غيور على دين الله عز وجل، هؤلاء ناس يعبثون بعقول المسلمين.
يا حكام المسلمين، الله يقول في كتابه الكريم: ?يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ?[التحريم:6]، ويقول في كتابه الكريم: ?وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ?[آل عمران:104]، فلا فلاح لنا ولكم ولا لسائر الأمة: إلا بإنكار البدع، وهذه المنكرات الفاشية الضارة بالشعوب، كل شر بسبب الذنوب، وما أعظم الذنوب والشرك والبدع، قال تعالى: ?وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ?[الشورى:30]، وقال: ?ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ?[الروم:41].(64/123)
فواجبكم إنكار البدع والمنكرات، يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: ?الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ?[الحج:41]، أنا والله اعتقد أن ذلك جناية على الإسلام والمسلمين، أن يمكن هؤلاء من بث فتنهم وشركياتهم، وبدعهم، وخرفاتهم، في تشويش عقول المساكين، وغشهم وإبعادهم عن الصراط المستقيم، وفي تشويه رونق وجمال الإسلام الحنيف، قال صلى الله عليه وسلم : »بعثت بالحنيفية السمحة«.
والله سبحانه وتعالى يقول في كتابه الكريم: ?وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ?[البينة:5]، وهؤلاء يريدون أن يردوا المجتمعات إلى الشرك، والوثنية، وإن كانوا يصلون، فالصلاة وسائر الأعمال لا تقبل ولا تنفع مع الشرك، قال الله تعالى: ?وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ? [الأنعام:88]، وقال: ?وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ? [الزمر:65]، وقال: ?وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً? [الفرقان:23].
الإسلام له نواقض، ولا إله إلا الله لها نواقض، والتوحيد له نواقض إذا حصل شرك انتقض، يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: ? وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ?[البقرة:217]، والردة إنكار وجودها ردة، ارتد أناس من مشركي العرب بعد أن أسلموا، و صلى الله عليه وسلم قال: »من بدل دينه فاقتلوه«، وقال عليه الصلاة والسلام: »لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة«، فقد يترك الإنسان دينه بكلمة.
قال الله عز وجل: ? وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا?[التوبة:74]، الذي يقول: ما في ردة! وما في شرك! هذا كذاب أشر، الذي يقول: ما في ردة، ما في شرك في هذه الأزمان، و صلى الله عليه وسلم يقول: »لا تقوم الساعة حتى تضطرب أليات نساء دوس على ذي الخلصة«، متفق عليه من حديث أبي هريرة، ويقول صلى الله عليه وسلم : »لا تقوم الساعة إلا على شرار الخلق«، ويقول صلى الله عليه وسلم : »لا تذهب الدنيا حتى يمر الرجل بقبر الرجل فيقول: يا ليتني مكانه، وما به إلا الفتن«، ومن أعظم الفتن الشرك بالله، قال الله تعالى: ?وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ?[لأنفال:39]، ويقول صلى الله عليه وسلم : »لا يأتي عام إلا والذي بعده شر منه، حتى تلقوا ربكم«، أخرجه البخاري من حديث أنس، وهؤلاء الخراصون يلبسون على الناس أنه ما في شرك.
والحزبي يقول: ما في حزبية، المشرك يقول: ما في شرك، والزنديق يقول: ما في زندقة، وكثير من المرتدين يقولون: ما في ردة، وكل صاحب باطل يحاول أن يبعد الناس عن إنكار ما هو عليه، وكما يقال:
شكونا إليهم خراب العراق ** فعابوا علينا لحوم البقر
فصرنا كما قيل فيما مضى ** أريها السهى وتريني القمر
هذا حالهم تقول: أنت مشرك، قال: لا، لا يوجد مشرك، الناس الآن يصلون، ويصومون، ويحجون، المنافقون الاعتقاديون كانوا يصومون ويصلون، ويحجون ?إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرا * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً?[النساء: 145-146].
?إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاؤُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللهَ إِلَّا قَلِيلاً * مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لا إِلَى هَؤُلاءِ وَلا إِلَى هَؤُلاءِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً?[النساء: 142-143] هذا شأنهم.
وقوله: (إن كرامات الأولياء لا حد لها إلا في مسألتين وهما: أن ينزل عليه كتاب من الله).
أولاً: إن كرامات الأولياء لا تتكلف، وتكلفها من شأن الصوفية، ومعنى ذلك أن الله قد يكرم المسلم بالاستقامة، فإذا هداك الله، فاعلم أنه قد هداك الله، على ما دلت عليه الآية: ?أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ?[يونس: 62-63].
فوالله لستم بمكرمين، والله لستم بأولياء، بل أنتم أردياء، وإن كنتم أولياء فليس لله، بل للشيطان.(64/124)
قال الله سبحانه وتعالى: ? وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ?[البقرة:257]، فسائر الكافرين، والمشركين، أولياؤهم الطاغوت، كل من دعى مع الله إله آخراً، فليعلم أن هذا منه كفر؛ قال الله تعالى: ?وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللهِ إِلَهاً آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ?[المؤمنون:117]، ولاحظ قوله: ?إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ? .
باطل! باطل! أن يسكت على شركيات الرافضة والصوفية، حتى لا يقول الجهال: أنت تكفر الناس، الذي يقول: إن واحداً يتصرف في الكون دون الله سبحانه وتعالى هو كافر، مشرك، زنديق، قال الله تعالى: ?قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ * اللهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ?[الإخلاص: 1-4].
السؤال الخامس
السؤال: الجفري يقول: إن مسألة خلق الطفل، من غير أب خلافية بين العلماء، (أي الصوفية)، وأن الولي يمكن أن تخرج روحه من الروضة يتنعم فيها ليغيث من استغاث به؟
الجواب: أما مسألة الاستغاثة فقد سبق بيانها، ولكن نقول: هنيئاً لكنّ أيها البغايا هذه الفتوى، تلفلف لها من الشارع وتقول: هذا خلقه الولي بغير أب، وما أحسن ما قاله ذلك الشاعر:
وقد سمعت بابن قطرة السماء ** خرافة تجلب للقلب العمى
يقال: أن واحداً يقال له ابن قطرة السماء، وكان هناك دجال من الدجاجلة الذين يدعون أنه يمكن أن يخلق طفلاً من غير سبب من الأسباب: (زواج، أو من غير جماع)، أتته امرأة بلبن، فقالت: إن اللبن وقعت فيه قطرة من السماء، قال: اشربيه فإن فيه بركتك، فشربته وحملت بذلك الولي الذي يقال له: ابن قطرة السماء، والله لعل تلك الجارية حملت منه، ثم أدعى بعد ذلك أنها قطرة من السماء، نزلت فحملت تلك المرأة من قطرة.
انظروا يا إخوان على تلاعب بعقول الناس:
وقد سمعت بابن قطرة السماء ** خرافة تجلب للقلب العمى
يا أخي، هؤلاء يعبثون بعقول الناس، الله عز وجل هو الذي: ?يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ?[الشورى: 49-50]، وقال سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: ?وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ?[المؤمنون: 12-14]، وقال: ?ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ?[المؤمنون:16]، ?يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ?[الحج:5].
وفي «الصحيحين»: عن ابن مسعود أن صلى الله عليه وسلم قال: »ثم ينفخ فيه الروح، فيأمر بأربع كلمات، بكتب رزقه، وأجله، وعمله، وشقي أو سعيد، فو الله الذي لا إله إلا هو إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة، حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار، حتى لا يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها«.
وبنحوه في حديث حذيفة بن أسيد، عند مسلم كل هذا يدل على أنه لا يستطيع أحد أن يخلق، قال تعالى: ?أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ * أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لا يُوقِنُونَ?[الطور: 35-36].
وقال تعالى: ?أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ * أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ * نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ?[الواقعة: 58-60].
وهذا من ضلال هذا الرجل، أنه يعتقد أنه يمكن أن يخلق الإنسان طفلاً، وهذا لا يمكن لأحد من دون الله أبدًا، قال الله عز وجل: ?أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ?[الأعراف:54]، فهذه من خصائص رب العالمين عز وجل.
قال تعالى: ?وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ?[الزمر:38]، فليس ذلك لأحدٍ من دون الله سبحانه وتعالى ولو ذباباً: ?يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ?[الحج:73].(64/125)
وفي حديث ابن عباس رضي الله عنهما: »احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك، لن ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك«. (مجرد النفع، فضلاً أنه يخلق)، » ولو اجتمعوا على أن يضروك لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف«، وهكذا قال صلى الله عليه وسلم : »رفع القلم عن ثلاثة: عن الصبي حتى يبلغ، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن المجنون حتى يفيق«.
والشاهد منه: أن هذه أمور عليها كتابة، وموكل فيها ملائكة، وليس كل من جاء خلق من هؤلاء الفجرة، الزائغين الدجاجلة.
فحاصله: أن هذا شرك في الربوبية، عند هذا الرجل شرك في الربوبية، في مسألة الخلق، وفي مسألة الرزق، والله سبحانه وتعالى يقول: ?وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ * فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُون?[الذريات: 22-23].
وأما قول الله سبحانه: ?وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً?[النساء:8] أي: أعطوهم، ولن يستطيع أحد أن يرزق أحداً من دون الله، بما لم يرزق الله سبحانه وتعالى، ففي الصحيحين، من حديث معاوية رضي الله عنه: أن صلى الله عليه وسلم قال: »إنما أنا قاسم والله معطي«، وقال صلى الله عليه وسلم : »اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد«، ?فَمَالِ هَؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً?[النساء:78]، حقًا إنهم ?صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ?[البقرة:171]، فبذنوبهم طبع الله على قلوبهم، فالرجل كما سمعتم يقول: ممكن للولي أن يخلق طفلاً من غير أب!.
السؤال السادس
قال السائل: وهناك في الموقع:
(http://www.geocities.com/abdullah_moslm/g7. r a):
الجفري يقول: إن العلماء اختلفوا في مسألة أن يخلق الولي الطفل من غير أب، وأن السبب الذي جعل من يقول بامتناع ذلك هو التحّرز على الإنسان، حتى لا تأتي امرأة حامل من الزنا وتقول: من غير أب.
الجواب: أي الجفري ممكن يخلق أولادًا لكن الذي يتورع منه الجفري؛ أنه قد يحصل من البغايا أن تأتي لها بطفل وتقول: هذا خلقه الجفري، وهذا خلقه ابن حفيظ، ?أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ?[الانبياء:67].
السؤال السابع
قال السائل: هناك في الموقع:
(http://www.geocities.com/abdullah_moslm/g9. r a)،
الجفري يقول: بإمكانية رؤية الرسو صلى الله عليه وسلم ، ولكن بعين البصيرة، وأن هناك من الأولياء -أي الأحيا- من يجتمع بالرسو صلى الله عليه وسلم بعد موته يقظة.
فأجاب الشيخ: ? إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ?[غافر:56]، هؤلاء الناس بلغ بهم الكبر، على أنه يمكن أن يلتقوا برسول ا صلى الله عليه وسلم بعد موته وهم أحياء، حصلت فتن في زمن علي رضي الله عنه، وفي زمن معاوية رضي الله عنه، وزمن زوجت صلى الله عليه وسلم عائشة رضي الله عنها، حصلت فتن، ما أحد منهم قال: إنه يمكن أن ينادي رسول ا صلى الله عليه وسلم ويراه، أنتم أكرم عن أصحاب رسول ا صلى الله عليه وسلم ؟!! ما رأوا هذا القول، ونعوذ بالله.
الصوفية من هذا أنهم يعتقدون أنه يمكن للولي أن يشافه رسول ا صلى الله عليه وسلم ، ويتكلم معه يقظةً، بعين البصيرة، هكذا بالبصر، يقظة يتكلم معه وهذا كلام باطل كما سمعت: قال تعالى: ?إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُون?[الزمر: 30-31].
ويقول الله سبحانه وتعالى: ?وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ?[آل عمران:144].
ويقول الله سبحانه وتعالى: ?كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْأِكْرَامِ?[الرحمن: 26-27]، ويقول الله سبحانه وتعالى: ?كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ?[آل عمران:185].(64/126)
وكم من الأدلة الدالة أن رسول ا صلى الله عليه وسلم قد مات، وأنه لا يمكن للميت أن يشافه أو يتكلم مع الأحياء يقظة، فهذا باطل، والله المستعان، ضلالات هؤلاء الناس لا تتناهى، وكفى بضلالاتهم الشرك بالله سبحانه، فلماذا الصحابة يختلفون وكان يكفيهم أن يقولون: يا رسول الله، هات لنا خبر كذا وكذا، والله عزوجل يقول: ?فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلا إِلَى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ? [يّس:50]، وفي »الصحيحين« أنه يقال للنبي r يوم القيامة: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، حتى من ضلالاتهم يقولون في المولد:
مرحبا بك مرحباً ** جد الحسيني مرحبا
وعملوا ذلك (التداخين)، ويقومون يتراقصون، ويزملون ويرحبون برسول ا صلى الله عليه وسلم ، بالله ما هذه العقول يا إخوان؟! التي باض فيها الشيطان وفرخ، واحد في المغرب يرحب بالنبي r، وواحد في أندونيسيا، بل مئات الناس عندهم موالد، آلاف المساجد عندهم موالد، في اليمن ومصر يرحبون ب صلى الله عليه وسلم تلك الليلة، وآلاف المساجد في السودان، والصومال، وأثيوبيا، وليبيا، وموريتانيا وفي سائر بلدان العالم، وكل واحد يقول: مرحبا بك مرحبا، وهذا مرحبا بك مرحبا، رسول ا صلى الله عليه وسلم واحد بشر، فما هذه العقول؟!.
يأتي عندك أو يأتي عند صاحب أندونيسيا، أو صاحب هذا المسجد، أو عند صاحب هذا المسجد، عقولهم عشعشت عليها المعاصي يقول الله سبحانه وتعالى: ?فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ?[الحج:46]، ويقول: ?أَيُشْرِكُونَ مَا لا يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ * وَلا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْراً وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ * وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لا يَسْمَعُوا وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ?[الأعراف: 191-198].
ويقول الله: ?وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَاباً مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ * لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ?[الحجر: 14-15].
ويقول الله تعالى في كتابه الكريم عن ضلالهم: ?وَإِذْ قَالُوا اللهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ?[الأنفال:32].
ويقول الله سبحانه: ?إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا قُلِ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلا تُنْظِرُونِ * إِنَّ وَلِيِّيَ اللهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ?[الأعراف: 194-196].
ومن ضلال هذا الرجل قوله: (ممكن لرسول ا صلى الله عليه وسلم أن يغيث في اللحظة الواحدة ملايين الناس، وهو ميت)، والله لو كان رسول ا صلى الله عليه وسلم حياً لجاهد أمثال هؤلاء الناس، فقد جاهد المشركين على أقوالهم وأفعالهم تلك التي قالوها مثل هذا القول، والله لو كان علي بن أبي طالب رضي الله عنه حياً لجاهدهم كما جاهد ابن سبأ الذي قال: (أنت الله)، أله علي بن أبي طالب، واعتقد عبد الله بن سبأ، وجماعة عبد الله بن سبأ، أنه إله، فحفر الخنادق وأوقد النيران فيها، وأتى بهم فألقاهم في تلك النيران، وجاء أنه قال:
لما رأيت الأمر أمراً منكراً ** أججت ناري ودعوت قنبرا
نسأل الله السلامة والعافية، قلنا هذا: ليهلك من هلك عن بينة وإن الله لسميع عليم، ?هَذَا بَلاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ? [إبراهيم:52]، ? فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ?[يونس:32] ?بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ?[الأنبياء:18]، ?وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً?[الإسراء:81].
ونبرأ إلى الله من الشرك، والمشركين، والحمد لله رب العالمين
=============(64/127)
(64/128)
ومضات من كلام الأئمة الأعلام والدعاة الكرام في الصوفية (12)
نص السؤال :
الشيخ عثمان اني احبك في الله وقد اثلجت صدور اهل السنه في مناظرتك للشيعه فلله درك فضيلة الشيخ المتتبع لحال الساحة الاسلاميه يلاحظ عودة قوية للصوفية متمثلة في مدرسة الشيخ الحبيب الجفري والحبيب عمر بن حفيظ وسواهما ونرى انجذابا قويا من الناس لهؤلاء ونرى عندهم من البدع والمنكرات الشيء الكثير لكنهم يأتون بالشبه ويدلسون على الناسفما قولك في هؤلاء خاصة ان الجفري دعا السلفيين الى المناظره اجيبونا حفظكم الله ونتمنى منكم اجابة المذكور الى المناظرة حتى يتبين للناس كذبه حفظكم الله وثبتكم
الجواب:
أحبك الله الذي احببتنا فيه
أما بالنسبة للصوفية فأمرهم واضح جلي في الضلال والبعد عن الصراط السوي ، وأما المناظرات معهم فالأصل فيها المنع كما هو الحال بالنسبة لغيرهم إلا إذا اضطر الإنسان إلى ذلك .
وأما بالنسبة لي فأشكرك على حسن ظنك واعلم أن غيري كثيرون ممن هم أفضل مني وأعلم يمكنهم الرد على أمثال هؤلاء .
الشيخ عثمان الخميس - الكويت
........
العالم العلامة عبد الرحمن بن مهدي التصوف يودي إلى الجنون أو الزندقة
قال الخلال أخبرني أبو بكر احمد بن محمد بن عبد الله بن صدقة ثنا اسحق بن داود بن صبيح قال قلت لعبد الرحمن بن مهدي يا أبا سعيد إن ببلدنا قوما من هؤلاء الصوفية فقال لا تقرب هؤلاء فانا قد رأينا من هؤلاء قوما أخرجهم الأمر إلى الجنون وبعضهم أخرجهم إلى الزندقة
تلبيس ابليس الباب العاشر .
نقلهُ لنا الأخ الفاضل حنبل
.........
لله در بن الجوزي انظرو كيف لخص التصوف فى هذه الكلمات : حديث ضيعف او موضوع او فهم ردئ
قال بن الجوزي ((وإنما قلت علوم هؤلاء فتكلموا بآرائهم الفاسدة فان أسندوا فالى حديث ضعيف أو موضوع أو يكون فهمهم منه رديئا ولقد عجبت لأبي حامد الغزالي الفقيه كيف نزل مع القوم من رتبة الفقه إلى مذاهبهم ))
الخلاصة :
- الصوفية قليلي العلم .
- جل استدلال الصوفية بالحديث الضعيف و الموضوع .
- غالبا ما يكون فهم الصوفية للادلة ردئ و غير صحيح .
- الفقه و التصوف لا يجتمعان .
- من تفقه و صلح حالة تغير الى الاسؤا إذا تصوف .
وهذا الموضوع من اختيارات أخي حنبل سدده الله
.........
شهد شاهد من اهلها القشيري يعترف : لسنا اصحاب نقل او اثر و لا اصحاب عقل او فكر
قال بن الجوزي (( أنبأنا عبد المنعم بن عبد الكريم القشيري قال حدثنا أبي قال حجج الصوفية أظهر من حجج كل أحد وقواعد مذهبهم أقوى من قواعد كل مذهب لأن الناس اما أصحاب نقل وأثر وأما أرباب عقل وفكر وشيوخ هذه الطائفة ارتقوا عن هذه الجملة والذي للناس غيب فلهم ظهور فهم أهل الوصال والناس أهل الاستدلال فينبغي لمريدهم أن يقطع العلائق وأولها الخروج من المال ثم الخروج من الجاه وأن لا ينام إلا غلبة وأن يقلل غذاءه بالتدريج
قال المصنف - بن الجوزي - رحمه الله قلت من له أدنى فهم يعرف أن هذا الكلام تخليط فان من خرج عن النقل والعقل فليس بمعدود في الناس وليس أحد من الخلق إلا وهو مستدل وذكر الوصال حديث فارغ فنسأل الله عز وجل العصمة من تخليط المريدين والأشياخ والله الموفق ))
تلبيس ابليس الباب العاشر .
من اختيارات حبيبنا حنبل جعله الله سهماً في نحر المبتدعة
.......
صوفيان آخران يشهدان بأن قواعد التصوف قواعد فلسفية معتزليه
كثير ما يغضب الصوفية عند مصارحتهم بأن اصل مذهبهم الملل و الفرق المخالفة للاسلام و قد اعترف كثيرا من المستشرقين الذين درسوا هذا الفكر بذلك و نصحو دولهم المستعمرة بنشر هذا الفكر إذا ارادوا ان تطول فترة استعمارهم للدول .
و يأبى الله إلا ان يظهر هذه الحقائق على السنه علمائهم فنجد ان عالمهم الشعراني يطلقها مدوية فى كتابه الطبقات 1/10 أن قواعد الصوفية قواعد فلسفية و معتزليه بحته . (( و كان سيدى أفضل الدين يقول :
كثير من كلام الصوفية لا يتمشى ظاهره إلا على قواعد المعتزلة و الفلاسفة ))
وهذه كذلك من اختيارات الأخ الفاضل حنبل زاده الله توفيقاً
.............
قال الشيخ مُحَمَّد بن الأَمِين بُوخُبْزَة من علماء المغرب:
( التصوف ، هذا الأخطبُوط والسرطان الفتَّاك، هو المسؤول الأول ـ بعد فشل كلّ محاولة في محاربته والقضاء عليه - عن تأخُّر المسلمين وقعودهم عن اللَّحاق بركب الحضارة السليمة الصالحة، والتقدم العلمي الذي لا حياةَ كريمة بدونه، بما بثَّه ويبثُّه في النفوس والعقول من الخنوع والخضوع والخمولِ والذل، وإلغاءِ وظيفةِ العقل، والغُلو في البشر وتألِيهِهم وما إلى ذلك مما تطفح به مصادرُه القديمة والحديثة من مصائبَ وتعاليمَ وثنية على رأسها: عقيدة الاتحاد والحلول، ووحدة الوجود، التي لا تصوفّ بدونها، والتي يُدَندِنُ حولها جميعُ مشايخ الصوفية المشهورين، وزاد الطينَ بَلَّةً سكوتُ العلماء عن هذا البَلاء الماحق، بل وتأييدُ عدد كبير منهم لهم ـ شفقةً من الإرهاب الفكري الذي يمارسه عليهم الصوفية ويتواصون به ـ ومن الكلمات الشائعة بين العامة في هذا المجال قولُهم:" سلَّم للخَاوي تنْج من العَامِر " )(64/129)
...........
يقول المفكر المصري الكبير الدكتور صابر طعيمة:
ولعلنا نفيدك أيها القارئ الكريم ببعض فوائد هذا الباحث الكبير في بعض الفرق حيث يقول في مجلس آخر:
" ثم روج الفكر الباطني لمدرستين كبيرتين شاعتا في العالم الإسلامي وهما: مدرسة الأشعرية، ومدرسة التصوف.
وتواكبت المدرستان معاً بشكل عجيب ملفتٍ للنظر انطلاقاً من أن المدرسة الأشعرية لابد لها لكي يستقيم مذهبها في التناول من التأويل اللغوي!! الأمر الذي أدى إلى إحلال مفاهيم فاسدة في العقيدة.
والمدرسة الصوفية التي تأثرت بالفكر المسيحي اليهودي، كان لابد لها هي الأخرى أن تنهج بمنهج التأويل حتى انتهت هي الأخرى إلى تفكيرٍ معطلٍ فاسد"
[من شريط الفرق المعاصرة للدكتور صابر]
وقال في موضع آخر:
" [الذي] يقول أن النصوص الشريعة لا يمكن أن تؤخذ على ظاهرها إلى أي حد يتطاول على قدرة الله في كلامه كما قال.
إن النص الشرعي الذي بين آي الذكر الحكيم عندما يقول الله في كتابه كذا إن الله لا يريد ذلك اللفظ؛ ولكنه يريد دلالة أخرى.
أي تطاول على الله يكون ذلك الذي نصب نفسه مُفسراً لما أراده الله، ولا دي للنص، وممتطياً الآية إلى أهداف باطنية لا تسعفه المفردة اللغوية التي تضمنها النص بالتحديد"
[من شريط الفرق المعاصرة للدكتور صابر]
..........
رأي الدكتور محمد قطب في الصوفية والتصوف (1)
وفي الجاهلية يأنس الناس للوسطاء ؛ لأنهم - في هبوطهم وانغلاقهم - يحسون بالوحشة من الإله المنزه الذي لا تركه الأبصار ، فيأنسون للكائنات الوسيطة ، التي يتصورنها ذات طبيعة مزدوجة : ناسوت ولاهوت . . جانب بشري وجانب إلهي . . يلتقون مع البشر بجانبهم البشري ، ويلتقون بجانبهم الإلهي مع الإله ! ويكونون "محطة" في الطريق ، يتزود الناس فيها بالطاقة اللازمة لرحلة "الفضاء" ، إلى الأزلي اللانهائي الذي لا تدركه الحواس ولا تحده الحدود !!
من أجل هذه الانحرافات كلها، التي تشمل العقيدة والشعيرة والشريعة (1) . . ركز المنهج القرآني على تحديد هذه القضية تحديداً حاسماً ، وتنزيه العبادة من كل لون من ألوان الشرك يمكن أن يهجس في بال الإنسان . .
وقد رأينا - من تجربة الواقع - أن هذه الهواجس قد ألمت بالأمة الإسلامية ذاتها ، بعد فترة من تنزيه العبادة ، والارتفاع بها إلى المستوى اللائق بجلال الله ، واللائق بالإنسان الذي خلقه الله في أحسن تقويم ..
فقد جاءت الصوفية ببدع كثيرة تفسد صفاء العقيدة وصفاء العبادة . .
ولا نتحدث هنا عن الخبل الواضح في فكرة الإتحاد ، والحلول ، ووحدة الوجود ، مما يتنافى تنافياً كاملاً مع التوحيد الذي جاء به الرسل جميعاً ، وعلى رأسهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهذا التفكير - في حقيقته - نتاجٌ وثني صريح جاء من الهند أو من فارس أو من أي مكان في الأرض . .
إنما نتحدث عن بدع آخرى نشأت مع الصوفية ، هي عبادة الأضرحة والأولياء ، وتضخيم الشيخ في حس المريد حتى يصبح وسيطاً بينه وبين الله . . وتوجيه ألوان من العبادة إلى أولئك " المشايخ" أحياء وأمواتاً لا يجوز توجيهها لغير الله .
إنها ردة جاهلية . .
صحيح أن الناس لا يعبدون صنماً منحوتاً كما كان يفعل المشركون يومذاك . . ولكن كيف نسمي التمسح بالأضرحة التماساً للبركة ، والدعاء عنده رجاء الاستجابة ، وطلب المعونة من صاحب الضريح ، والاستغاثة به من الكرب ، والإيمان بأنه ذو حظوة عند الله ، يستطيع بها أن يغير مجرى الأقدار ؟ ! أو الإيمان بأن الله قد عهد إلى الأقطاب والأبدال أن يتصرفوا في ملك الله ، فإذا استعطفهم مريدهم وتضرعوا إليهم صرّفوا الأمور لصالحهم ، وحموهم من الأخطار . .
ألم يكن مشركو الجزيرة يقولون : { ما نعبدهم إلا ليقربونا إلا الله زلفى } (2) ؟ ! أي : لا نعبدهم لذواتهم ولكن لما لهم من حظوة عند الله ؟ !
أما الشيخ والمريد فبدعة أخرى من بدع الصوفية الخطيرة . .
ولا يعنينا هنا أن نذكر كيف بدأت البدعة ، ولا أن العامة قد ارتموا في أحضان الصوفية لقلة العلماء المربين الذين يعلمون الناس دينهم على المنهج القرآني الواضح السهل البليغ المؤثر ، وعلى منهج رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يقرب الحقائق للناس حتى يتشربوها في يسر ، وترسخ في نفوسهم فلا يمحى أثرها . . إنما وجد العامة بدلاً من ذلك من يتكلم عن العقيدة كأنها معاظلات ذهنية تجريدية - وخاصة فيما يتعلق بالذات الإلهية والأسماء والصفات - تجهد الذهن ولا تحرك القلب ، ووجدوا المتخصصين في الفقه يتحدثون فيه لا على أنه " دين " نزل لينظم حياة البشر على الأرض ، ويربط قلوبهم بالله وهم يأتمرون بأمره وينفذون تعاليمه ، ولكن كأنه قضايا جافة مبتوتة الصلة بالوجدان الحي . . لذلك هرب العامة من معاظلات علم الكلام في العقيدة ، ومن جفاف الدراسات الفقيهة ، إلى الملجأ الذي رأوه يشبع وجدانهم الروحي الظامئ ن وجدوا راحتهم النفسية التي افتقدوها هنا وهناك . .
ذلك يفسر ولا يبرر . . فلا شئ يبر الانحراف عن طريق الله القويم:
{وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ، ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله} (3) .(64/130)
جاء الإسلام ؛ ليغلى كل واسطة بين البشر وربهم ، وليعقد الصلة مباشرةً بين العبد والرب :
{ وقال ربكم ادعوني استجب لكم } (4) .
{ وإذا سألك عبادي عنى فإني قريب أجيب دعوة الداعِ إذا دعان} (5) .
وجاءت الصوفية ؛ لتجعل بين العبد وربه وسطاء وشفعاء ، سواء كانوا من الأموات أو الأحياء .
وجاء الإسلام ؛ ليخرج من هذه الأمة "علماء" و " فقهاء" يعلمون الناس أمر دينهم :
{ إنما يخشى الله من عباده العلماء } (6) .
{ وما كان المؤمنون لينفروا كافة ، فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون } (7) .
وجعل أولئك العلماء والفقهاء أئمة ومعلمين ومربين ، وقدوة للناس ، ولم يجعلهم "كهنة" يختصون "بالطقوس" . . ذلك أنه لم يكن عقيدة وشعائر فحسب . . إنما كان عقيدة وشريعة ومنهجاً كاملاً للحياة ، لذلك يحتاج الناس في ظله إلى علماء وفقهاء يعلمونهم أصول دينهم ومحتوياته ومتطلباته . . أما حين يكون عقيدة فحسب ، وطقوساً تتعلق بالعقيدة ، فهنا يظهر "الكهنة" ؛ ليكونوا وسطاء بين الناس وربهم ويظل الوسيط يتضخم في حسهم حتى يخرج عن طبيعته البشرية الخالصة ، ويصبح حسهم مزدوج الطبيعة فيه ناسوت ولاهوت!
جاء الإسلام ؛ ليجعل الدين خالصاً لله ، وجاءت الصوفية ؛ لتحوّل الشيخ في حس المريد إلى وسيط بين الناس وربهم ، بحجة أنه مبارك عند الله ، ترجى بركته ؛ ليقرب الناس إلى الله زلفى ، وليجعل الله يحيطهم برحمته ، فكأنما له شركة في الأمر مع الله ، مع أن الله قال لرسوله الحبيب صلى الله عليه وسلم : {ليس لك من الأمر شئ} (8) !
وجاء الإسلام ؛ ليقرر بشرية الرسول صلى الله عليه وسلم ، بشرية خالصة ، لا يخالطها شئ من "اللاهوت"، فغلت الصوفية في حبه وتعظيمه ، حتى جعلت كأنما خلق الله الخلق ؛ ليشاهدوا الأنوار المحمدية ، وليس أن الله بعث رسوله صلى الله عليه وسلم لهداية البشرية :
{ وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين } (9) .
ثم جعلوا من هذا التعظيم ذاته وسيلة لتضخيم الشيخ في حس المريد ، بدعوى أن الشيخ يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم في منامه ، ويلتقي منه مباشرة كلاماً يقوله للناس !! (10) .
المصدر: كتاب "لا إله إلا الله عقيدة وشريعة ومنهاج حياة" ص 57 - 60
___________________________________
(1) سنتكلم في الفقرة القادمة (ثالثاً) عن المقتضى التشريعي للا إله إلا الله .
(2) الزمر: 3 .
(3) الأنعام: 153 .
(4) غافر: 60 .
(5) البقرة: 186 .
(6) فاطر : 28 .
(7) التوبة: 122 .
(8) آل عمران: 128 .
(9) الأنبياء: 107 .
(10) ينبغي أن نذكر - للحق - أن ليس كل من ينتمي للصوفية تقع منه هذه الانحرافات ، وأن هناك ممن ينتسبون للصوفية من كان سليم العقيدة وعاملاً في الأرض بمقتضى الشريعة ومجاهداً في سبيل الله ، وهؤلاء في الحقيقة من "الزهاد" وغن أخذوا سمت الصوفية .
…
اختارها وجمعها
أبو عمر الدوسري (المنهج) - شبكة الدفاع عن السنة
=============(64/131)
(64/132)
علي بن عبد الرحمن الجفري
ولِد علي الجفري في جدة بالمملكة العربية السعودية، في عام 1391هـ -1971م ونشأ في الحجاز حيث كانت تقيم أسرته ، وهو يحمل الجنسية "اليمنية" .
والده هو عبد الرحمن بن علي بن محمد الجفري، رئيس حزب رابطة أبناء اليمن (رأي)، ساند الحزب الاشتراكي اليمني في محاولة الانفصال التي أشعلت حرب 1994م، وعين نائباً لرئيس حكومة الانفصال علي سالم البيض، فر مع أسرته خارج البلاد، وكان من المطلوبين (قائمة الـ16) للحكومة اليمنية، ومحكوم عليه في القضية الجنائية الجسيمة رقم 5 لسنة 1997م مع بقية أعضاء القائمة، وكانت الأحكام تشمل الإعدام والسجن لفترات ما بين (2-10) سنوات.
علي الجفري لا يحمل أي شهادة جامعية ، ويُعمى على هذا عند تقديمه للناس بلقب "المحاضر في دار المصطفى" ودار المصطفى هي عبارة عن رباط أو تكية صوفية تلقى بها بعض علوم الشرع والتصوف .
أخذ شهرته أولاً من أضواء "القنوات الفضائية" الخليعة الساقطة ، مثل قناة "دريم2" وقناة "المحور" المصريتين ، والتي يقف ورائها أناس هم أبعد ما يكونون عن الإسلام.
وقد قام الممثل السينمائي "وجدي العربي" بدور كبير لتعريف الوسط "الفني" على الجفري وسهل له علاقات واسعة ضمن هذا الوسط ، وكان هذا كله بتوصية من البيت العلوي في مصر ، الذي يتبنى مشروع قيام دولة الأشراف في الحجاز من زمن العباسيين إلى يومنا هذا ، مروراً بجدهم صاحب المراسلات الشهيرة "حسين مكمهون".
وقد طلبت منه الحكومة المصرية مغادرة مصر ، بعدما تنبهت إلى دعوته ومن وراءه جمعية "آل البيت" في مصر ، والتي بدأت تنشط بعد أحداث أيلول ، وبدأت تظهر كورقة ضغط على المملكة العربية السعودية ، وقد أصدرت الجمعية عدة بيانات في الفترة الأخير تطلب من المملكة حق إمارة الحجاز ومكة ، وحق إمارة الحج ، وملكية ماء زمزم .... .
ومن تابع دروس علي الجفري وندواته ظهر له جلياً كثرة ترداد عبارة "آل البيت" وذكر الخلاف الأموي والعباسي مع العلويين ، وحقن البغض والشحناء في نفوس العامة ، كذلك فإن الرجل لا يتورع عن مسبة بعض رموز دولة بني أمية ، وهو الأمر الذي اتفق أئمة أهل السنة والجماعة على عدم الخوض فيه وإشغال أجيال المسلمين به.
وفي محاولة لإظهاره إعلامياً ، استغل أتباعه طلب الحكومة المصرية منه مغادرة البلاد فأظهروه على أنه بطل صاحب صولة وجولة ودعوة ، وأنه أثر في "الفنانات" اللواتي تحجبن ... ، وهو الأمر الذي نفاه كل من التقى به منهم.
وعلى صغر سنه ، فقد قام علي الجفري بزيارة العديد من الدول الإسلامية وغير الإسلامية، حيث ألقى العديد من المحاضرات والدروس وشارك في الندوات والمؤتمرات في بريطانيا وألمانيا وفرنسا وايرلندا وهولندا وبلجيكا والولايات المتحدة الأمريكية، وآسيوياً: إندونيسيا وعمان والإمارات وقطر والبحرين والأردن وسوريا ولبنان وسريلانكا، وإفريقيا: كينيا وتنزانيا وجزر القمر..
وفي نفس هذا الوقت كان الدكتور يوسف القرضاوي ، ومثله الشيخ عبد الرحمن السديس يمنعان من مجرد تأشيرة دخول إلى بريطانيا لحضور ندوة أو محاضرة تمت دعوتهما إليها.
تتلمذ الجفري على يد عدد من دعاة الصوفية في أرض الحجاز، كما تتلمذ على يد محمد علوي مالكي، وعمر بن حفيظ ، مدير معهد دار المصطفى بتريم.
يُدرس الجفريُ حالياً بدار المصطفى بتريم، وهي من الأربطة الصوفية التي يتلقى فيها "المريدون" علم التصوف، ويفد إليها مئات الطلاب من داخل اليمن وخارجه كل عام، ورغم عدم خضوع هذه الدار لمناهج التربية والتعليم إلا أنها تحظى برعاية واهتمام رسمي ولا تزال تعمل رغم إغلاق عشرات المعاهد الشرعية العلمية لحركة "الإخوان المسلمون" والمعترف بها رسمياً من قبل الدولة ، وعشرات المدارس لأهل الحديث "السلفية".
علي الجفري متزوج من زوجتين اثنتين ـ حتى الآن ـ وأب لاثنين من الأبناء وثلاثة بنات، وله أخ وأخت من أبويه.
ويصف الجفري مذهبه بأنه شافعي المذهب فقهاً ، وعلى عقيدة "الأشاعرة".
وتحركاته بين القارات الأربع: آسيا وأفريقيا وأوربا وأمريكا محاولة في صنع هذه الهالة وتوظيفها لصالح "التصوف" الذي يحظى برعاية الولايات المتحدة الأمريكية ودول الاتحاد الأوروبي بعد أحداث 11سبتمبر.
وزيارة الجفري لدول علمانية تحارب الإسلام وأهله ، وتحرم على الدعاة من أهل السنة والجماعة دخولها أكبر دليل على دعم نظام الكفر العالمي بعد أحداث 11سبتمبر لهذا التيار الخرافي.
و"الصوفية" هي الأخرى، ونتيجة لهذا التقارب بينها وبين الغرب الكافر ، حظيت باهتمام برامج الفضائيات ، حيث سارعت قناة "اقرأ" باستضافة "محمد علوي مالكي" في دروس ثابتة على القناة و"علي الجفري" من خلال حلقات حوارية!!
وكذلك استضافت "قناة العربية" الجفري في برنامج "إضاءات" وعرضت برنامج عن الهجرة في رمضان أظهرت فيه رموز التيار الصوفي.
- - - - - - - - - - - - - - - - - - -
الفهرس العام
الباب السادس والعشرون ... 2
الرد على الجفري ... 2(64/133)
(64/134)
الرد على البوطي في دفاعه عن ضلالات الجفري ... 2(64/135)
(64/136)
الرد على أغاليط الجفري ... 16(64/137)
(64/138)
الحبيب الجفري.. صوفية بنكهة العصر!! ... 97(64/139)
(64/140)
الفوزان يرد على الجفري ويكشف كذبه ... 105(64/141)
(64/142)
أبوي الرسول بين الجفري وعلماء الشافعية ... 107(64/143)
(64/144)
الكشف الجلي عن شركيات الجفري علي! ... 111(64/145)
(64/146)
وقفة مع حديث الشيخ علي الجفري ... 128(64/147)
(64/148)
وقفةٌ مع الحبيبِ الجفري ... 133(64/149)
(64/150)
كشف النقاب عن أباطيل الجفري .. !! ... 137(64/151)
(64/152)
دَاعِيَةُ ضَلَالَةٍ فَي قَنَاةٍ فَضَائِيَةٍ ... 158(64/153)
(64/154)
الصوفية... والجفري الراقص!! ... 161(64/155)
(64/156)
شبهات وردود عن حكم المولد النبوي ... 164(64/157)
(64/158)
ومضات من كلام الأئمة الأعلام والدعاة الكرام في الصوفية (12) ... 189(64/159)
(64/160)
علي بن عبد الرحمن الجفري ... 197(64/161)
موسوعة الرد على المذاهب الفكرية المعاصرة (27)
فرقة الأحباش
الباب السابع والعشرون
فرقة الأحباش
إعداد
الباحث في القرآن والسنة
علي بن نايف الشحود
الباب السابع والعشرون
فرقة الأحباش(65/1)
(65/2)
الأحباش .. من هم !؟
التعريف:
طائفة ضالة تنسب إلى عبد الله الحبشي، ظهرت حديثاً في لبنان مستغلة ما خلفته الحروب الأهلية اللبنانية من الجهل والفقر والدعوة إلى إحياء مناهج أهل الكلام والصوفية والباطنية بهدف إفساد العقيدة وتفكيك وحدة المسلمين وصرفهم عن قضاياهم الأساسية.
التأسيس وابرز الشخصيات:
• عبد الله الهرري الحبشي: هو عبد الله بن محمد الشيبي العبدري نسباً الهرري موطناً نسبة إلى مدينة هرر بالحبشة، فيها ولد لقبيلة تدعى الشيباني نسبة إلى بني شيبة من القبائل العربية.
قدم عام 1950م بعد أن أثار الفتن ضد المسلمين، حيث تعاون مع حاكم إندراجي صهر هيلاسيلاسي ضد الجمعيات الإسلامية لتحفيظ القرآن بمدينة هرر سنة 1367هالموافق 1940م فيما عرف بفتنة بلاد كُلُب فصدر الحكم على مدير المدرسة إبراهيم حسن بالسجن ثلاثاً وعشرين سنة مع النفي حيث قضى نحبه في مقاطعة جوري بعد نفيه إليها وبسبب تعاون عبد الله الهرري مع هيلاسيلاسي تم تسليم الدعاة والمشايخ إليه وإذلالهم حتى فر الكثيرون إلى مصر والسعودية، ولذلك أطلق عليه الناس هناك صفة ((الفتّان)) أو ((شيخ الفتنة)). - منذ أن أتى لبنان وهو يعمل على بث الأحقاد والضغائن ونشر الفتن كما فعل في بلاده من قبل من نشره لعقيدته الفاسدة من شرك وترويج لمذاهب: الجهمية في تأويل صفات الله، والإرجاء والجبر والتصوف والباطنية والرفض، وسب للصحابة، واتهام أم المؤمنين عائشة بعصيان أمر الله، بالإضافة إلى فتاوى شاذة. - نجح الحبشي مؤخراً في تخريج مجموعات كبيرة من المتبجحين والمتعصبين الذين لا يرون مسلماً إلا من أعلن الإذعان والخضوع لعقيدة شيخهم مع ما تتضمنه من إرجاء في الإيمان وجبر في أفعال الله وجهمية واعتزال في صفات الله. فهم يطرقون بيوت الناس ويلحون عليهم بتعلم العقيدة الحبشية ويوزعون عليهم كتب شيخهم بالمجان.
• نزار الحلبي: خليفة الحبشي ورئيس جمعية المشاريع الإسلامية ويطلقون عليه لقب ((سماحة الشيخ)) حيث يعدونه لمنصب دار الفتوى إذ كانوا يكتبون على جدران الطرق ((لا للمفتي حسن خالد الكافر، نعم للمفتي نزار الحلبي)) وقد قتل مؤخراً.
أهم العقائد:
• يزعم الأحباش أنهم على مذهب الإمام الشافعي في الفقه والاعتقاد ولكنهم في الحقيقة أبعد ما يكونون عن مذهب الإمام الشافعي - رحمه الله -.
يدافعون بقوة عن جواز دعاء الأموات والتبرك بقبورهم ووضع مواضع الجرح عليها لتطيب ووضع شيء من ترابها على الريق.
ويزعم شيخهم أن الأولياء يخرجون من قبورهم ليقضوا حوائج المستغيثين بهم. ثم يعودون إلى قبورهم.
يؤول الحبشي صفات الله - تعالى - بلا ضابط شرعي فيؤولون الاستواء بالاستيلاء كالمعتزلة والجهمية.
يزعم الحبشي أن جبريل هو الذي أنشأ ألفاظ القرآن الكريم وليس الله - تعالى -، فالقرآن عنده ليس بكلام الله - تعالى -، وإنما هو عبارة عن كلام جبريل، كما في كتابه إظهار العقيدة السنية ص591. •
الأحباش في مسألة الإيمان من المرجئة الجهمية الذين يؤخرون العمل عن الإيمان ويبقى الرجل عندهم مؤمناً وإن ترك الصلاة وسائر الأركان، (انظر الدليل القويم ص7، بغية الطالب ص51). - تبعاً لذلك يقللون من شأن التحاكم للقوانين الوضعية المناقضة لحكم الله - تعالى - فيقول الحبشي: ((ومن لم يحكم شرع الله في نفسه فلا يؤدي شيئاً من فرائض الله ولا يجتنب من المحرمات، ولكنه قال ولو مرة في العمر: لا إله إلا الله فهذا مسلم مؤمن. ويقال له أيضاً مؤمن مذنب)) الدليل القويم 9-10 بغية الطالب 51. •
الأحباش في القدر جبرية منحرفة يزعمون أن الله هو الذي أعان الكافر على كفره وأنه
لولا الله ما استطاع الكافر أن يكفر. (النهج السليم 71).
يحث الأحباش الناس على التوجه إلى قبور الأموات والاستغاثة بهم وطلب قضاء الحوائج منهم، لأنهم في زعمهم يخرجون من قبورهم لقضاء حوائج المستغيثين بهم ثم يعودون إليها، كما يجيزون الاستعاذة بغير الله ويدعون للتبرك بالأحجار. (الدليل القويم 173، بغية الطالب 8، صريح البيان 57، 62). (شريط خالد كنعان /ب / 70) ولو قال قائل أعوذ برسول الله من النار لكان هذا مشروعاً عندهم. • يرجح الأحباش الأحاديث الضعيفة والموضوعة بما يؤيد مذهبهم بينما يحكمون بضعف الكثير من الأحاديث الصحيحة التي لا تؤيد مذهبهم ويتجلى ذلك في كتاب المولد النبوي.
يكثر الحبشي من سب الصحاب وخاصة معاوية بن أبي سفيان وأم المؤمنين السيدة عائشة - رضي الله عنهم -. ويطعن في خالد بن الوليد وغيره، ويقول إن الذين خرجوا على علي رضي الله عنه ماتوا ميتة جاهلية. ويكثر من التحذير من تكفير سابِّ الصحابة، لاسيما الشيخين إرضاءً للروافض. إظهار العقيدة السنية 182.(65/3)
• يعتقد الحبشي أن الله - تعالى - خلق الكون لا لحكمة وأرسل الرسل لا لحكمة وأن من ربط فعلاً من أفعال الله بالحكمة فهو مشرك. • كفّر الحبشي العديد من العلماء فحكم على شيخ الإسلام ابن تيمية بأنه كافر وجعل من أول الواجبات على المكلف أن يعتقد كفره ولذلك يحذر أشد التحذير من كتبه، وكذا الإمام الذهبي فهو عنده خبيث، كما يزعم أن الشيخ محمد بن عبد الوهاب مجرم قاتل كافر ويرى أن الشيخ محمد ناصر الدين الألباني كافر، وكذلك الشيخ سيد سابق فيزعم أنه مجوسي كافر أما الأستاذ سيد قطب فمن كبار الخوارج الكفرة في ظنه. انظر مجلة منار الهدى الحبشية عدد (3ص234) النهج السوي في الرد على سيد قطب وتابعه فيصل مولوي) أما ابن عربي صاحب مذهب وحدة الوجود ونظرية الحلول والاتحاد والذي شهد العلماء بكفره فيعتبره الحبشي شيخ الإسلام. كما يدعو الحبشي إلى الطريقة النقشبندية والرفاعية والصوفية. • وللحبشي العديد من الفتاوى الشاذة القائلة بجواز التحايل في الدين وأن النظر والاختلاط والمصافحة للمرأة الأجنبية حلال لاشيء فيه بل للمرأة أن تخرج متعطرة متبرجة ولو بغير رضا زوجها. • يبيح بيع الصبي وشراءه كما يجيز للناس ترك زكاة العملة الورقية بدعوى انها لاعلاقة لها بالزكاة إذ هي واجبة في الذهب والفضة كما يجيز أكل الربا ويجيز الصلاة متلبساً بالنجاسة. (بغية الطالب 99).
• أثار الأحباش في أمريكا وكندا فتنة تغيير القبلة حتى صارت لهم مساجد خاصة حيث حرفوا القبلة 90 درجة وصاروا يتوجهون إلى عكس قبلة المسلمين حيث يعتقدون أن الأرض نصف كروية على شكل نصف البرتقالة، وفي لبنان يصلون في جماعات خاصة بهم بعد انتهاء جماعة المسجد، كما اشتهر عنهم ضرب أئمة المساجد والتطاول عليهم وإلقاء الدروس في مساجدهم لنشر أفكارهم رغماً عنهم. ويعملون على إثارة الشغب في المساجد، كل هذا بمدٍ وعونٍ من أعداء المسلمين بما يقدمون لهم من دعم ومؤازرة.
الجذور العقائدية:
• مما سبق يتبين أن الجذور الفكرية والعقائدية للأحباش تتلخص في الآتي: - المذهب الأشعري المتأخر في قضايا الصفات الذي يقترب من منهج الجهمية!! - المرجئة والجهمية في قضايا الإيمان. - الطرق الصوفية المنحرفة مثل الرفاعية والنقشيندية. - عقيدة الجفر الباطنية. - مجموعة من الأفكار والمناهج المنحرفة التي تجتمع على هدف الكيد للإسلام وتمزيق المسلمين. ولا يستبعد أن يكون الحبشي وأتباعه مدسوسين من قبل بعض القوى الخارجية لإحداث البلبلة والفرقة بين المسلمين كما فعل عبد القادر الصوفي ثم المرابطي في أسبانيا وبريطانيا وغيرها.
أماكن الانتشار:
ينتشر الأحباش في لبنان بصورة تثير الريبة، حيث انتشرت مدارسهم الضخمة وصارت حافلاتهم تملأ المدن وأبنية مدارسهم تفوق سعة المدارس الحكومية، علاوة على الرواتب المغرية لمن ينضم إليهم ويعمل معهم وأصبح لهم إذاعة في لبنان تبث أفكارهم وتدعو إلى مذهبهم، كما ينتشر أتباع الحبشي في أوروبا وأمريكا وقد أثاروا القلاقل في كندا واستراليا والسويد والدانمارك. كما أثاروا الفتن في لبنان بسبب فتوى شيخهم بتحويل اتجاه القبلة إلى جهة الشمال. وقد بدأ انتشار أتباع هذا المذهب الضال في مناطق عدة من العالم حيثما وجد لبنانيون في البداية، ثم بعض المضللين ممن يعجب بدعوة الحبشي. يتضح مما سبق: أن الأحباش طائفة ضالة تنتمي إلى الإسلام ظاهراً وتهدم عراه باطناً، وقد استغلت سوء الأوضاع الاقتصادية وما خلفته الحروب الأهلية اللبنانية من فقر وجهل في الدعوة إلى مبادئها الهدامة وإحياء الكثير من الأفكار والمعتقدات الباطلة التي عفى عليها الدهر مثل خلق القرآن والخلاف المعروف في قضايا الصفات الذي تصدى لها علماء أهل السنة والجماعة في الماضي والحاضر. وقد تصدى لهم عدد من علماء أهل السنة في عصرنا مثل المحدث الشيخ الألباني وغيره.وأفتى سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز في الفتوى رقم 2392/1 بتاريخ 30/10/1406هالتي جاء فيها: ((إن طائفة الأحباش طائفة ضالة، ورئيسهم عبد الله الحبشي معروف بانحرافه وضلاله، فالواجب مقاطعتهم وإنكار عقيدتهم الباطلة وتحذير الناس منهم ومن الاستماع لهم أو قبول ما يقولون)).
http://antihabashis.com المصدر:
==============(65/4)
(65/5)
فرقة الأحباش
السؤال :
ما هو رأي الإسلام في الطائفة التي ظهرت وتدعى بـ (الأحباش)؟ ما هو موقفنا تجاههم؟ وما هي أخطاؤهم في العقيدة ؟.
الجواب :
الحمد لله
الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ، وعلى آله وصحبه أما بعد ك
فقد ورد إلى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء أسئلة واستفسارات حول ( جماعة الأحباش ) والشخص الذي تنتمي إليه ، المدعو / عبد الله الحبشي ، القاطنة في لبنان ، ولها جمعيات نشطة في بعض دول أوروبا وأمريكا وأستراليا ، فاستعرضت اللجنة لذلك ما نشرته هذه الجماعة من كتب ومقالات ، توضح فيها اعتقادها وأفكارها ودعوتها ، وبعد الاطلاع والتأمل فإن اللجنة تبين لعموم المسلمين ما يلي :
أولاً : ثبت في الصحيحين من حديث ابن مسعود رضي الله عنه أن صلى الله عليه وسلم قال : " خير الناس قرني ، ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم " وله ألفاظ أخر ، وقال عليه الصلاة والسلام : " أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة ، وإن تأمر عليكم عبد ، وإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافاً ، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين ، عضوا عليها بالنواجذ ، وإياكم ومحدثات الأمور ، فإن كل بدعة ضلالة " رواه أحمد وأبوداود والترمذي وقال : حديث حسن صحيح .
وإن من أهم الخصال التي امتازت بها تلك القرون المفضلة ، وحازت بها الخيرية على جميع الناس : تحكيم الكتاب والسنة في جميع الأمور، وتقديمها على قول كل أحد كائناً من كان ، وفهم جميع الأمور ، وتقديمها على قول كل أحد كائناً من كان ، وفهم نصوص الوحيين الشريفين حسب القواعد الشرعية واللغة العربية ، وأخذ الشريعة كلها بعمومها وكلياتها ، وآحادها وجزئياتها ، ورد النصوص المتشابهات إلى النصوص المحكمات ، ولهذا استقاموا على الشريعة وعملوا بها ، وعضوا عليها بالنواجذ ، ولم يزيدوا فيها ولم ينقصوا ، وكيف يحدث منهم زيادة أو نقص في الدين وهم مستمسكون بالنص المعصوم من الخطأ والزلل ؟
ثانياً : ثم خلفت من بعدهم خلوف كثرت فيهم البدع والمحدثات ، وأعجب كل ذي رأي برأيه ، وهجرت النصوص الشرعية ، وأولت وحرفت لتوافق الأهواء والمشارب ، فشاقّوا بذلك الرسول الأمين ، واتبعوا غير سبيل المؤمنين ، والله سبحانه يقول : ( ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيراً ) ، ومن فضل الله عز وجل على هذه الأمة أنه يقيض لها في كل عصر من العلماء الراسخين في العلم من يقوم في وجه كل بدعة تشوه جمال الدين ، وتعكر صفوه ، وتزاحم السنة أو تقضي عليها ، وهذا تحقيق لوعد الله بحفظ دينه وشرعه في قوله سبحانه : ( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ) ، وقول صلى الله عليه وسلم في الحديث الثابت في الصحاح والسنن والمسانيد وغيرها : " لا تزال طائفة من أمتي قائمة بأمر الله عز وجل ، لا يضرها من خذلهم أو خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون على الناس " ، وله ألفاظ أخرى .
ثالثاً : ظهرت في الربع الأخير من القرن الرابع عشر الهجري جماعة يتزعمها عبد الله الحبشي الذي نزح من الحبشة إلى الشام بضلالته ، وتنقل بين دياره حتى استقر به المقام في لبنان ، وأخذ يدعو الناس على طريقته ، ويكثِّر أتباعه وينشر أفكاره التي هي أخلاط من اعتقادات الجهمية والمعتزلة والقبورية والصوفية ، ويتعصب لها ويناظر من أجلها ، ويطبع الكتب والصحف الداعية إليها .
والناظر فيما كتبته ونشرته هذه الطائفة يتبين لهم بجلاء أنهم خارجون في اعتقادهم عن جماعة المسلمين ( أهل السنة والجماعة ) فمن اعتقاداتهم الباطلة على سبيل المثال لا الحصر :
1- أنهم في مسألة الإيمان على مذهب أهل الإرجاء المذموم .
ومعلوم أن عقيدة المسلمين التي كانت التي كان عليها الصحابة والتابعون ومن سار على هديهم إلى يومنا هذا أن الإيمان قول باللسان واعتقاد بالقلب وعمل بالجوارح ، فلا بد أن يكون مع التصديق موافقة وانقياد وخضوع للشرع المطهر ، وإلا فلا صحة لذلك الإيمان المُدَّعى .
وقد تكاثرت النقول عن السلف الصالح في تقرير هذه العقيدة ، ومن ذلك قول الإمام الشافعي رحمه الله تعالى : " وكان الإجماع من الصحابة والتابعين ومن بعدهم ، ومن أدركناهم يقولون : الإيمان قول وعمل ونية ، ولا يجزئ واحد من الثلاث إلا بالآخر " .(65/6)
2- ويجوزون الاستغاثة والاستعاذة والاستعانة بالأموات ودعائهم من دون الله تعالى ، وهذا شرك أكبر بنص القرآن والسنة وإجماع المسلمين ، وهذا الشرك هو دين المشركين الأولين من كفار قريش وغيرهم ، كما قال الله سبحانه عنهم : ( ويعبدوم من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله ) ، وقال جل وعلا : ( فاعبد الله مخلصاً له الدين * ألا لله الدين الخالص والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى إن الله يحكم بينهم فيما هم فيه يختلفون إن الله لا يهدي من هو كاذب كفّار ) ، وقال سبحانه : ( قل من ينجيكم من ظلمات البر والبحر تدعونه تضرعاً وخفية لئن أنجانا من هذه لنكونن من الشاكرين * قل الله ينجّيكم منها ومن كل كرب ثم أنتم تشركون ) ، وقال جل وعلا : ( وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحداً ) ، وقال سبحانه : ( ذلكم الله ربكم له الملك والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير * إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون بشرككم ولا ينبئك مثل خبير ) ، وقال صلى الله عليه وسلم : " الدعاء هو العبادة " أخرجه أهل السنن بإسناد صحيح ، والآيات والأحاديث في هذا المعنى كثيرة ، وهي تدل على أن المشركين الأولين يعلمون أن الله هو الخالق الرازق النافع الضار ، وإنما عبدوا آلهتهم ليشفعوا لهم عند الله ، ويقربوهم لديه زلفى ؛ فكفَّرهم سبحانه بذلك ، وحكم بكفرهم وشركهم ، وأمر نبيه بقتالهم حتى تكون العبادة لله وحده ، كما قال سبحانه : ( وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله ) ، وقد صنف العلماء في ذلك كتباً كثيرة ، وأوضحوا فيها حقيقة الإسلام الذي بعث الله به رسله ن أنزل به كتبه ، وبينوا فيها دين أهل الجاهلية وعقائدهم وأعمالهم المخالفة لشرع الله ، ومن أحسن من كتب في ذلك ك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى ، في كتبه الكثيرة ، ومن أخصرها كتابه : ( قاعدة جلية في التوسل والوسيلة ) .
3- أن القرآن عندهم ليس كلام الله حقيقة .
ومعلوم بنص القرآن والسنة وإجماع المسلمين ، أن الله تعالى يتكلم متى شاء ، على الوجه اللائق بجلاله سبحانه ، وأن القرآن الكريم كلام الله تعالى حقيقة ، حروفه ومعانيه ، كما قال الله تعالى : ( وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ) ، وقال سبحانه : ( وكلم الله موسى تكليماً ) ، وقال جل وعلا : ( وتمت كلمة ربك صدقاً وعدلاً ) ، وقال سبحانه : ( وقد كان فريق منهم يسمعون كلم الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون ) ، وقال جل وعلا : ( يريدون أن يبدلوا كلام الله قل لن تتبعونا كذلكم قال الله من قبل ) ، والآيات في هذا المعنى كثيرة معلومة . وتواتر عن السلف الصالح إثبات هذه العقيدة ، كما نطقت بذلك نصوص القرآن والسنة ولله الحمد والمنة .
4- يرون وجوب تأويل النصوص الواردة في القرآن والسنة ، في صفات الله جل وعلا ، وهذا خلاف ما أجمع عليه المسلمون ، من لدن الصحابة والتابعين ومن سار على نهجهم ، إلى يومنا هذا ، فإنهم يعتقدون بوجوب الإيمان بما دلت عليه نصوص أسماء الله وصفاته من المعاني من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل ، بل يؤمنون بأن الله سبحانه ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ، فلا ينفون عنه ما وصف به نفسه ، ولا يحرفون الكلم عن مواضعه ، ول يلحدون في أسمائه وآياته ، ولا يكيفون ولا يمثلون صفاته بصفات خلقه ؛ لأنه لا سمي له ، ولا كفؤ له ، ولا ند ، قال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى : " آمنت بالله وبما جاء عن الله على مراد الله ، وآمنت برسول الله وبما جاء عن رسول الله على مراد رسول الله " ، وقال الإمام أحمد رحمه الله تعالى : " نؤمن بها ونصدق ، ولا نرد على رسول ا صلى الله عليه وسلم ولا نصف الله بأكثر مما وصف به نفسه " .
5- ومن عقائدهم الباطلة : نفي علو الله سبحانه على خلقه .(65/7)
وعقيدة المسلمين التي دلت عليها آيات القرآن القطعية ، والأحاديث النبوية ، والفطرة السوية ، والعقول الصريحة : أن الله جل جلاله ، عالٍ على خلقه ، مستوٍ على عرشه ، لا يخفى عليه شيء من أمور عباده . قال الله تعالى : ( ثم استوى على العرش ) ، في سبعة مواضع في كتابه ، وقال جل شأنه : ( إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه ) ، وقال جل وعلا : ( وهو العلي العظيم ) ، وقال جل وعز : ( سبح اسم ربك الأعلى ) ، وقال جل جلاله : ( ولله يسجد ما في السماوات وما في الأرض من دابة والملائكة وهم لا يستكبرون * يخافون ربهم من فوقهم ويفعلون ما يؤمرون ) ، وغيرها من الآيات الكريمات . وثبت عن صلى الله عليه وسلم من الأحاديث الصحاح الشيء الكثير ، ومنها : قصة المعراج المتواترة ، وتجاوز صلى الله عليه وسلم السماوات سماءً سماءً ، حتى انتهى إلى ربه تعالى ، فقربه أو ناداه ، وفرض عليه الصلوات خمسين صلاة ، فلم يزل يتردد بين موسى عليه السلام وبين ربه تبارك وتعالى ، ينزل من عند بره إلى عند موسى ، فيسأله كم فرض عليه ، فيخبره فيقول : ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف ، فيصعد إلى ربه فيسأله التخفيف .
ومنها ما في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول ا صلى الله عليه وسلم : " لما خلق الله الخلق كتب في كتاب فهو عنده فوق العرش : إن رحمتي سبقت غضبي " ، وثبت في الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ، أن صلى الله عليه وسلم قال : " ألا تأمنوني وأنا أمين من في السماء " ، وفي صحيح ابن خزيمة وسنن أبي داود أن صلى الله عليه وسلم قال : " العرش فوق الماء ، والله فوق العرش ، والله يعلم ما أنتم عليه " ، وفي صحيح مسلم وغيره في قصة الجارية ، أن صلى الله عليه وسلم قال لها : " أين الله ؟ " قالت : في السماء ، قال : " من أنا ؟ " قالت : أنت رسول الله ، قال : " أعتقها فإنها مؤمنة " .
وعلى هذه العقيدة النقية درج المسلمون : الصحابة والتابعون وتابعوهم بإحسان إلى يومنا هذا والحمد لله . ولعظم هذه المسألة وكثرة دلائلها التي تزيد على ألف دليل أفردها أهل العلم بالتصنيف ، كالحافظ أبي عبد الله الذهبي في كتابه : ( العلو للعلي الغفار ) ، والحافظ ابن القيم في كتابه : ( اجتماع الجيوش الإسلامية ) .
6- إنهم يتكلمون في بعض أصحاب صلى الله عليه وسلم بما لا يليق .
ومن ذلك تصريحهم بتفسيق معاوية رضي الله عنه ، وهم بذلك يشابهون الرافضة - قبحهم الله - والواجب على المسلمين الإمساك عما شجر بين الصحابة رضي الله عنهم أجمعين ، وحفظ ألسنتهم مع اعتقاد فضلهم ، ومزية صحبتهم لرسول ا صلى الله عليه وسلم ، وقد ثبت عن صلى الله عليه وسلم أنه قال : " لا تسبوا أصحابي ، فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه " رواه البخاري ومسلم . ويقول جل وعلا : ( والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم ) ، وهذا الاعتقاد السليم نحو أصحاب النبي صلى اله عليه وسلم هو اعتقاد أهل السنة والجماعة على مر القرون ، قال الإمام أبو جعفر الطحاوي رحمه الله تعالى في بيان عقيدة أهل السنة والجماعة : ( ونحب أصحاب رسول ا صلى الله عليه وسلم ، ولا نفرط في حب أحد منهم ، ولا نتبرأ من أحد منهم ، ونبغض من يبغضهم ، وبغير الخير يذكرهم ن ولا نذكرهم إلا بخير ، وحبهم دين وإيمان وإحسان ، وبغضهم كفر ونفاق وطغيان ) .
رابعاً : ومما يؤخذ على هذه الجماعة ظاهرة الشذوذ في فتاويها ، ومصادمتها للنصوص الشرعية من قرآن وسنة ، ومن أمثلة ذلك :
إباحتهم للقمار مع الكفار لسلب أموالهم ، وتجويزهم سرقة زروعهم ، وحيواناتهم ، بشرط أن لا تؤدي السرقة إلى فتنة ، وتجويزهم تعاطي الربا مع الكفار ، وجواز تعامل المحتاج بأوراق اليانصيب المحرمة ، ومن مخالفاتهم الصريحة أيضاً : تجويزهم النظر إلى المرأة الأجنبية في المرآة ، أو على الشاشة ولو بشهوة ، وأن استدامة النظر إلى المرأة الأجنبية ليس حراماً ، وأن نظر الرجل إلى شيء من بدن المرأة التي لا تحل له ليس بحرام ، وأن خروج المرأة متزينة متعطرة مع عدم قصدها استمالة الرجال إليها ليس بحرام ، وإباحة الإختلاط بين الرجال والنساء ، إلى غيرها من تلك الفتاوى الشاذة الخرقاء ، التي فيها مناقضة للشريعة ، وعدُّ ما هو من كبائر الذنوب من الأمور الجائزات المباحات . نسأل الله العافية من أسباب سخطه وعقوبته .(65/8)
خامساً : ومن أساليبهم الوقحة للتنفير من علماء الأمة الراسخين -والإقبال على كتبهم ، والاعتماد على نقولهم - سبهم وتقليلهم والحط من أقدارهم ، بل وتكفيرهم ، وعلى رؤوس هؤلاء العلماء : الإمام المجدد شيخ الإسلام أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن تيمية رحمه الله تعالى ، حتى إن المدعو : عبد الله الحبشي ألف كتاباً خاصاً في هذا الإمام المصلح ، نسبه فيه إلى الضلال والغواية ، وقوّله ما لم يقله ، وافترى عليه ، فالله حسيبه ، وعند الله تجتمع الخصوم .
ومن ذلك أيضاً طعنهم في الإمام المجدد ، الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى ، ودعوته الإصلاحية التي قام بها في قلب جزيرة العرب ، فدعا الناس إلى توحيد الله تعالى ونبذ الإشراك به سبحانه ، وإلى تعظيم نصوص القرآن والسنة والعمل بها ، وإقامة السنن وإماتة البدع ، فأحيا الله به ما اندرس من معالم الدين ، وأمات به ما شاء من البدع والمحدثات ،وانتشرت آثار هذه الدعوة - بفضل الله ومنته - في جميع أقطار العالم الإسلامي ، وهدى الله بها كثيراً من الناس ، فما كان من هذه الجماعة الضالة إلا أن صوبوا سهامهم نحو هذه الدعوة السنية ومن قام بها ، فلفقوا الأكاذيب وروجوا الشبهات ، وجحدوا ما فيها من الدعوة الصريحة إلى الكتاب والسنة ، وفعلوا ذلك كله تنفيراً للناس من الحق ، وقصداّ للصد عن سواء السبيل ، عياذاً بالله من ذلك .
ولا شك أن بغض هذه الجماعة لهؤلاء الصفوة المباركة من علماء الأمة دليل على ما تنطوي عليه قلوبهم من الغل والحقد على كل داع إلى توحيد الله تعالى ، والمتمسك بما كان عليه أهل القرون المفضلة من الاعتقاد والعمل ، وأنهم بمعزل عن حقيقة الإسلام وجوهره .
سادساً : وبناء على ما سبق ذكره ، وغيره مما لم يذكر ؛ فإن اللجنة تقرر ما يلي :
1- أن جماعة الأحباش فرقة ضالة ، خارجة عن جماعة المسلمين ( أهل السنة والجماعة ) ، وأن الواجب عليهم الرجوع إلى الحق الذي كان عليه الصحابة والتابعون في جميع أبواب الدين والعمل والاعتقاد ، وذلك خير لهم وأبقى .
2- لا يجوز الاعتماد على فتوى هذه الجماعة ؛ لأنهم يستبيحون التدين بأقوال شاذة ، بل ومخالفة لنصوص القرآن والسنة ، ويعتمدون الأقوال البعيدة الفاسدة لبعض النصوص الشرعية ، وكل ذلك يطرح الثقة بفتاويهم والاعتماد عليها من عموم المسلمين .
3- عدم الثقة بكلامهم على الأحاديث النبوية ، سواء من جهة الأسانيد أو من جهة المعاني.
4- يجب على المسلمين في كل مكان الحذر والتحذير من هذه الجماعة الضالة ، ومن الوقوع في حبائلها تحت أي اسم أو شعار ، واحتساب النصح لأتباعه والمخدوعين بها ، وبيان فساد أفكارهم وعقائدهم .
واللجنة إذ تقرر ذلك وتبينه للناس تسأل الله سبحانه بأسمائه الحسنى وصفاته العلى ، أن يجنب المسلمين الفتن ما ظهر منها وما بطن ، وأن يهدي ضال المسلمين ، وأن يصلح أحوالهم ، وأن يرد كيد الكائدين في نحورهم ، وأن يكفي السلمين شرورهم ، والله على كل شيء قدير ، وبالإجابة جدير . وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان .
من فتاوى اللجنة الدائمة 12 / 323 .
موقع الإسلام سؤال وجواب
================(65/9)
(65/10)
جماعة الأحباش (نسبة ومعتقدا )
فتاوى الشبكة الإسلامية معدلة - (ج 1 / ص 191)
رقم الفتوى 514 جماعة الأحباش (نسبة ومعتقدا )
تاريخ الفتوى : 17 ربيع الثاني 1422
السؤال
من هم الأحباش الذين أتى ذكرهم أكثر من مرة خلال برنامج الشريعة والحياة هذا الأسبوع لنتلافى شرورهم إذا كان وراءهم شر لديننا ؟ مع جزيل الشكر .
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالأحباش هم طائفة ينتسبون إلى رجل حبشي الأصل من إثيوبيا يدعى عبد الله ولد في هرر من بلاد الحبشة، وصل إلى لبنان سنة 1950م، وجمع حوله جماعة ربّاهم على فكره وعقليته، وتنامت أفكاره حتى صار لها وجود ظاهرً مشهودً في لبنان، ثم إلى مناطق أخرى مثل أمريكا وكندا وأستراليا وغير ذلك، وكان قد انتقل من سوريا إلى لبنان لبث أفكاره فيها. وهذه الجماعة تروج مذهب الجهمية في الصفات، والجبرية في القدر، وتروج كذلك لأفكار المتصوفة والباطنية ويسبون كثيراً من الصحابة ويكفرون كذلك أكثر علماء الإسلام. فأما عقيدتهم في الأسماء والصفات، فإنهم ينفون جميع الصفات التي وصف الله بها جل وعلا نفسه، ولا يثبتون إلا ما تتخيله عقولهم القاصرة ، والتوحيد عندهم هو توحيد الربوبية فقط وهو توحيد الله بأفعاله، ومعلوم أن مشركي العرب كانوا مقرين بهذا التوحيد قال تعالى: ( ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله فأنى يوفكون )،وقال: (ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن خلقهن العزيز العليم) ، ولا ينفع هذا الإقرار بتوحيد الربوبية ما لم يأت صاحبه بتوحيد الطلب وهو توحيد الله بالعبادة وإفراده بها، والأحباش أعظم الناس نقضا لتوحيد الإلهية حيث أباحوا دعاء الأموات والاستغاثة بهم والنذر لهم والتبرك بالأحجار وغير ذلك من الأمور الشركية. وهم يظهرون كثيراً من البدع المخالفة لسنة الرسو صلى الله عليه وسلم ، ويسبون كثيراً من الصحابة و يطعنون في أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها ويفسقون كاتب الوحي معاوية رضي الله عنه، ويزعمون أن كل أحد من الصحابة شارك في القتال ضد علي رضي الله عنه يعتبر من الدعاة إلى النار. وكفروا كثيراً من العلماء وطعنوا فيهم فكفروا ابن خزيمة وابن تيمية وابن القيم وطعنوا في الذهبي وكفروا من المعاصرين ابن باز والألباني وابن عثيمين وسيد سابق وسيد قطب. والواجب على المسلمين الحذر من هؤلاء والتحذير منهم. والله ولي التوفيق.
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
=================(65/11)
(65/12)
الرد على الأحباش
فتاوى الشبكة الإسلامية معدلة - (ج 2 / ص 3961)
رقم الفتوى 8294 الرد على الأحباش
تاريخ الفتوى : 29 صفر 1422
السؤال
زوجة أخي من الأحباش كيف يمكنني إقناعها بالعدول عنهم ؟ علما أنها تقول أنتم سلفيون مكفرون أرجوكم إعطائي ردا على مزاعمهم و جزاكم الله خيرا
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالأحباش فرقة ضالة يجب الحذر والتحذير من شرها، وقد سبق بيان شيء من أفكارهم ومعتقداتهم تحت الفتوى رقم: 514 .
وما ذكرته زوجة أخيك من أن السلفيين يكفرون الناس فهذا بطال وإفك ، فإن تكفير المسلم بغير برهان أمر عظيم، وهو كبيرة من الكبائر، ولا يقع فيه إلا أهل البدع، لا سيما تكفير العلماء والدعاة الذين جعل الله لهم لسان صدق في الأمة، كشيخ الإسلام ابن تيمية، وابن القيم وغيرهما، بل هذا هو منهج الأحباش وطريقتهم ، نعوذ بالله من ذلك.
وننصحك بالرجوع إلى كتاب الرد الوافر لابن ناصر الدين الدمشقي، ففي مقدمته ذكر ثناء العلماء الكبار كابن حجر والبلقيني على شيخ الإسلام ابن تيمية، وهذا ما يجهله كثير من مقلدة الأحباش.
كما ننصحك بمطالعة ما ألف في الرد على هذه الفرقة، ومن ذلك ما كتبه الأستاذ عبد الرحمن دمشقية، فإنه نافع في هذا الباب، وفقنا الله وإياكم لما يحب ويرضى. والله أعلم.
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
==============(65/13)
(65/14)
حكم الصلاة وراء فرقة الأحباش
فتاوى الشبكة الإسلامية معدلة - (ج 2 / ص 3976)
رقم الفتوى 8318 حكم الصلاة وراء فرقة الأحباش
تاريخ الفتوى : 01 ربيع الأول 1422
السؤال
ماحكم الشرع في فرقة الأحباش ، هل يجوز الصلاة وراءهم ، وهل يجوز تزويجهم، وهل يجوز توظيفهم في الشركات والمصالح خوفا من تأثيرهم على العاملين؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد تقدم بيان حال هذه الفرقة تحت الفتوى رقم : 514
ولا شك أن من دان بمعتقدات هذه الفرقة لم تجز الصلاة خلفه، ولا تزويجه. ومن كان منهم داعية إلى مذهبه وخيف تأثيره على العمال والموظفين منع من توظيفه، والأولى تقديم غيره من أهل السنة في جميع الأحوال.
والله أعلم.
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
============(65/15)
(65/16)
الهررية أو الأحباش...معتقداتهم وأفكارهم والحكم عليهم
فتاوى الشبكة الإسلامية معدلة - (ج 3 / ص 2643)
رقم الفتوى 14817 الهررية أو الأحباش...معتقداتهم وأفكارهم والحكم عليهم
تاريخ الفتوى : 18 محرم 1423
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم
ما أصل الهررية؟ وهل هم كفرة كما يدعي البعض؟ وإذا كانوا كذلك فما هي معتقداتهم وما هو الدليل على ذلك؟ (اعذروني على هذا السؤال وذلك بسب كثرة الحديث عنهم)
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الهررية فرقة تنسب إلى عبد الله الهرري الحبشي ، وجذور أفكار هذه الطائفة، وأصول معتقداتهم تتلخص في الآتي:
1/ المذهب الأشعري المتأخر في الصفات، والذي يقترب من منهج الجهمية.
2/ المرجئة والجهمية في قضايا الإيمان.
3/ الطرق الصوفية المنحرفة مثل: الرفاعية والنقشبندية.
وقد تصدى للحكم على هذه الطائفة في عصرنا هذا عدد من علماء أهل السنة والجماعة مثل: المحدث الشيخ الألباني رحمه الله وغيره. وأفتى سماحة الشيخ/ عبد العزيز بن باز رحمه الله أن طائفة للأحباش ضالة ورئيسهم عبد الله الحبشي معروف بانحرافه وضلاله، فالواجب مقاطعتهم، وإنكار عقيدتهم الباطلة، وتحذير الناس منهم ومن الاستماع لهم.
ومن أراد الاطلاع على تفاصيل أكثر عن هذه الجماعة، فليرجع إلى الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة.
والله أعلم.
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
=============(65/17)
(65/18)
كيفية التعامل مع الأحباش
فتاوى الشبكة الإسلامية معدلة - (ج 4 / ص 514)
رقم الفتوى 20482 كيفية التعامل مع الأحباش
تاريخ الفتوى : 22 جمادي الأولى 1423
السؤال
هل طائفة الأحباش كافرة كبقية الطوائف التي خرجت عن هذا الدين وما هي طريقة التعامل مع أصحابها وخصوصا إن كانوا من الأهل كالولد والأخت وما شابه ذلك وجزاكم الله خيرا "
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد سبقت الإجابة على هذا السؤال في الفتاوى بالأرقام التالية:
514
8318
8294
18926 .
وأما طريقة التعامل مع أصحابها، فهي طريقة أهل السنة في التعامل مع أهل البدع، فمن كان منهم داعية إلى بدعته، ويخشى تأثيره يجب هجره وتحذير الناس منه، وأما العوام منهم فينبغي الرفق بهم، ونصيحتهم وبيان الحق لهم، والحكم واحد سواء في الأهل أو غيرهم.
لكن الوالد يجب أن يعامل بإحسان على كل حال مع إسداء النصح له في رفق ولين.
والله أعلم.
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
==============(65/19)
(65/20)
فئة الأحباش لا تمت إلى الإسلام بصلة
فتاوى الشبكة الإسلامية معدلة - (ج 4 / ص 699)
رقم الفتوى 20649 فئة الأحباش لا تمت إلى الإسلام بصلة
تاريخ الفتوى : 28 جمادي الأولى 1423
السؤال
سؤالي أريد معرفة من هم جماعة الأحباش المنتشرين في لبنان وسوريا كثيرا ومن أسس هذه الجماعة؟ والى ماذا يدعون؟ وهل هم حقيقة الفئة العقلانية الصحيحة؟ وهل تنصحوني بالمشي في هذه الجماعة؟ أفيدوني أفادكم الله ( أنا شاب مسلم من دمشق )
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالذي ننصحك به -وهو الواجب عليك- أن تحذر من هذه الجماعة أشد الحذر وأن تبتعد عنهم كل الابتعاد، فهم فئة ضالة منحرفة تمام الانحراف عن الصراط المستقيم وعن مقتضيات العقل السليم، وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 514
8318
8294 .
والله أعلم.
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
============(65/21)
(65/22)
بث ضلالات الأحباش بأي وسيلة ترويج للمنكر
فتاوى الشبكة الإسلامية معدلة - (ج 4 / ص 1649)
رقم الفتوى 21575 بث ضلالات الأحباش بأي وسيلة ترويج للمنكر
تاريخ الفتوى : 17 جمادي الثانية 1423
السؤال
الأحباش فرقة ضالة... ماحكم السماح للمنتسبين إليها بالكتابة في المنتديات .. حيث يكفرون شيوخ الإسلام وينشرون خزعبلات التصوف ... ويؤولون صفات الله تعالى ... أرجو الرد سريعا ...
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا شك أن فرقة الأحباش من الفرق الضالة وعندها بدع غليظة، وانحرافات فكرية خطيرة.
ولا يجوز السماح للمنتسبين إليهم بمخاطبة الجمهور، وبث سمومهم، وترويج أفكارهم الضالة.... من خلال الكتابة في الصحف، أو الحديث في المنتديات، أو الظهور على وسائل الإعلام... فإن ذلك من الدعوة إلى الضلال، والتعاون على الإثم والعدوان، والواجب على كل مسلم غيور على دينه أن يحذر منهم حتى لا يغتر بدعوتهم العامة الذين لا يدركون حقيقتهم.
وقد نشر الموقع عنهم عدة فتاوى تبين ما هم عليه من انحراف، وذلك على الأرقام التالية:
514
8318
8294
18926 ، نرجو أن تطلع عليها.
والله أعلم.
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
============(65/23)
(65/24)
ضلالات الأحباش وانحرافهم عن الدين
فتاوى الشبكة الإسلامية معدلة - (ج 6 / ص 3813)
رقم الفتوى 45043 ضلالات الأحباش وانحرافهم عن الدين
تاريخ الفتوى : 12 محرم 1425
السؤال
لي أصدقاء مولودون في فرنسا ومسلمون, لكن لا يقرءون اللغة العربية.
ونحن كلنا من المغرب العربي, وقعنا في خلاف مدة سنتين بسبب وجود شيخ ينتمي (إلى الأحباش) ونحن بطبيعة الحال مالكيون.
السؤال.
الرجاء منكم أن تعينوننا على إقناع إخواننا بالدليل القاطع لكي يتخلصوا من ذلك المأزق و يرجعوا إلى المسجد.
نحن في انتظار جوابكم. وأجركم على الله
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن طريقة الأحباش هي إحدى الطرق المنحرفة انحرافاً شديداً عن الدين، فهم ينهجون منهج الجهمية في صفات الله، ومنهم الجبرية في القدر، ولهم أفكار باطنية خطيرة، ويسبون كثيراً من الصحابة، وراجع موضوعهم في الفتاوى ذات الأرقام: 514 / 20482 / 8318 .
وأما ما تريده من الدليل لإقناع أصدقائك، فإن ما أحلناك عليه من الفتاوى يتضمن بصراحة أنهم فرقة ضالة ضلالاً بعيداً.
ثم إذا كان هذا المنتمي إلى الأحباش هو الذي نأى بأصحابك عن المسجد، فماذا تريد من الدليل على ضلاله بعد ذلك، والله تعالى يقول: إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ (التوبة:18).
ومما يعزى إليهم أنهم يقولون: بسم الرسول بدل بسم الله، ثم كون أصدقائك لا يعرفون العربية لا ينبغي أن يكون هو السبب في رجوعهم عن الإسلام، إذ الكثير من المسلمين اليوم لا يعرفون العربية، فيمكنكم أن تأخذوا ترجمة القرآن باللغة الفرنسية، وكذا ترجمة كتب السنة، فتقارنوا بين ما فيها وبين ما يدعو إليه الأحباش لتدركوا سعة الهوة التي بين ذلك وذلك.
والله أعلم.
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
============(65/25)
(65/26)
الأحباش : دعوة أم فتنة ؟
مجلة البيان - (ج 62 / ص 110)
محمد الشيخ عثمان
ظهر في لبنان في السنوات الأخيرة طائفة تسمى الأحباش ، نسبة إلى شيخهم عبد الله الحبشي وقد تبنت هذه الطائفة عقائد خالفت فيها كثيراً من اعتقادات أهل السنة كما سلكت مسالك شاذة في الفقه والسلوك. ولهم جمعية اسمها "جمعية المشاريع الخيرية" ومجلة شهرية تسمى "بمنار الهدى" تصدر في لبنان. ونظراً لأن مؤسس هذه الفئة "عبد الله الحبشي" يدعي أنه من الصومال بل يدعي أحياناً أنه مفتي الصومال ؛ رأيت أن أكتب بعض الحقائق عنهم لكوني من الصومال أولاً، ولأنني كنت أتابع نشاط هذه الفئة لبعض الوقت. وقبل أن أتطرق لمعتقداتهم رأيت أن أكتب عن المؤسس.
أسس هذه الفئة عبد الله بن محمد الشبيب الهَرَري(1) الحبشي(2). وهو ليس من الصومال كما يدعي ، ولا أظنه معروفاً عند الصوماليين فضلاً عن كونه مفتيهم.
شخصية الحبشي شخصية غامضة لم تكن معروفة كثيراً في العالم الإسلامي أو في شرق إفريقية إلا ما ذكره الشيخ عبد الرحمن دمشقية من أن الرجل ساهم في فتنة المسلمين في أرض هرر، وخاصة فتنة "كلنب" (3) وقد ذكر أن الحبشي حارب أهل السنة بإيعاز من أديس أبابا وتعاون مع الحاكم ادتراجي صهر هيلاسيلاسي ، وسبب إغلاق مدارس تحفيظ القرآن ، حتى عُرف بشيخ الفتنة، ثم هرب من الحبشة إلى الشام ، وأسس مذهبه في لبنان وكانت أزمة لبنان الأخيرة مما ساعده على ذلك حيث وجدها مرتعاً لأفكاره المنحرفة، ومدخلاً للعالم الإسلامي لبث اعتقاده. ومما يؤكد أن شخصية الحبشي غامضة ما ذُكر في مجلتهم "منار الهدى" (4) ، حين أجرت مقابلة مع ابنه الذي صرح أنه لم يلتقِ بوالده حتى بلغ الثامنة عشرة من عمره ! .
الأحباش :
أكثر "الأحباش" من لبنان ، وقلة من الجنسيات الأخرى، وقد بدؤوا أخيراً تكوين نشاط في بعض الدول الغربية، مثل الدانمارك ، وسويسرا، وفرنسا، وأكثر أتباعه شباب متعصبون لشيخهم ومذهبهم المبنيّ على كثير من الاعتقادات الفاسدة، والشذوذات الفقهية.
ففي الاعتقاد :
خالف الحبشي أهل السنة في كثير من مسائل العقيدة، فهو يتصيد الآراء الفاسدة من كل الفرق المنحرفة، فتجده تارة جهمياً وتارة مرجئاً، كما أنه يأخذ فكرة التكفير من الخوارج، ففي الصفات نجده مدَّعياً أنه يؤمن باثنتي عشرة صفة فقط ، ويزيد عليها مخالفة الله للحوادث والقيام بالنفس (5) . كما أنه لا يؤمن بصفتَيْ الغضب والرضا، ويرى أن الإيمان لا يزيد ولا ينقص ، وأن العمل لا يدخل في مسمى الإيمان (6) .
سَبّه للصحابة :
إن عبد الله الحبشي يفسّق معاوية بن أبي سفيان - رضي الله عنه - ومن كان معه ضد علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - فهو في هذا متشيع خارج عن مذهب أهل السنة والجماعة في عدالة الصحابة وعدم الخوض فيما شجر بينهم ، كما يفسّق أم المؤمنين عائشة - عليها رضوان الله - (7) .
تكفيرهم للعلماء :
من سمات الأحباش تكفيرهم لعلماء شُهد لهم بالعدالة والاستقامة، فهم يكفرون شيخ الإسلام ابن تيمية، وتلميذه ابن قيم الجوزية، والشيخ محمد بن عبد الوهاب وغيرهم. ومن العلماء الذين يكفرهم الحبشي الشهيد سيد قطب - رحمه الله - والمحدث محمد ناصر الدين الألباني ،. والشيخ عبد العزيز بن باز، بل ويكفرون الجماعات السلفية، وجماعة الإخوان المسلمين. مقابل تفسيق الصحابة، وتكفير العلماء نجد الحبشي يمدح ابن عربي ، وعبد الوهاب الشعراني ، وغيرهم ممن عرفوا بالشعوذة والدجل (8) .
آراؤه الفقهية :
سلك الحبشي مسلكاً شاذاً في الفقه ، فهو يرى خروج المرأة متبرجة متعطرة إلى الشوارع ، ويرى اختلاط النساء بالرجال لأجل الدعوة، ويكفر من يحذر من ذلك كما فعل بحق الشيخ فيصل مولوي ، ومن أغرب ما ذهب إليه الحبشي إجازته لمن أراد التخلف عن الجمعة أو الجماعة أن يأكل الثوم والبصل ؛ مستدلاً بحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "مَن أكل ثوماً أو بصلاً فلا يقربنَّ مسجدنا"(9) وهذا غاية في الشذوذ والضلال، وإذا فُهمت النصوص بهذا الفهم الحبشي فلن يكون هناك كتاب أو سُنة.
ومن غرائبهم أنهم موسوسون في إخراج الحروف، فتسمع لهم في الصلاة صفيراً بسبب بحثهم عن مخارج الصاد، وقد شبَّههم الشيخ محمد عبد الله الشامي بفعلهم هذا في مساجدهم كأن مساجدهم مملوءة بالعصافير ! (10).
استخدام العنف في نشر مذاهبهم :
وهذا مذهب أهل الضلال والانحراف مثل الخوارج ؛ فأهل السنة لا يستخدمون العنف لنشر مذهبهم ويتقون الله في دماء المسلمين . وقد سبق أن اتُّهِموا بمقتل الشيخ القصاص (11) وغيره. ولا يمكن أن يُترك هؤلاء يروِّعون المسلمين في مراكزهم ومساجدهم.
أقوال علماء المسلمين فيهم :(65/27)
لقد أخبرني مَن أثق فيه : أن من أحسن ما كُتب أخيراً في الرد على الأحباش كتاب "إطلاق الأعنَّة" ، كما أن كتاب "الرد على عبد الله الحبشي" للشيخ محمد عبد الله الشامي يعتبر كتاباً جيداً ، ناقش معتقدات الأحباش بهدوء، وبطريقة علمية. وقد تكلم على هذه الفئة علماء أجلاء منهم : فضيلة الشيخ عبد العزيز بن باز حيث قال عنهم : "إن هذه الفئة معروفة لدينا وهي فئة ضالة، ورئيسها عبد الله الحبشسي معروف بانحرافه وضلاله والواجب مقاطعتهم وإنكار عقيدتهم" . وذكر سعد الدين خالد ابن الشيخ حسن خالد - رحمه الله - مفتي لبنان : "إن هؤلاء ليسوا بعيدين عن مخططات أعداء الإسلام في نشر الفُرقة والآراء الشاذة ليشغلوا المسلمين بها" .
وخلاصة القول إن هذه الفئة تستخدم إمكانيات اقتصادية هائلة، ومن خلالها ينشرون مذهبهم بين المسلمين؛ لذا يجب على علماء الإسلام التصدي لهؤلاء وتفنيد بدعهم ، والرد عليهم، وبيان زيفهم وضلالهم.
الهوامش :
1- نسبة إلى هرر مدينة شهيرة قامت فيها إمارات إسلامية وهي الآن جزء من الحبشة.
2- نسبة إلى الحبشة .
3 - المسلمون ، العدد (410) ، 17 من جُمادى الآخر عام 1413هـ ، ومجلة الفرقان ، العدد (33) ، رجب عام 1413هـ .
4- منار الهدى ، ص33 ، العدد رقم 3.
5- انظر الرد على الحبشي للشامي .
6- الدليل القويم ، ص10-11، والرد على الحبشي للشامي ، ص218.
7- الدليل القويم ، ص214.
8- الدليل القويم ، ص152 (الفتوحات المكية).
9- رواه مسلم بلفظ : "من أكل ثوماً أو بصلاً فليعتزلنا أو ليعتزل مسجدنا وليقعد في بيته".
10- الرد على الحبشي للشامي ، ص29.
11 - الفرقان ، العدد (33) ، رجب عام 1413هـ .
=============(65/28)
(65/29)
جماعة الأحباش..حقيقتهم وآراؤهم
مجلة البيان - (ج 110 / ص 68)
بقلم: عبد الرحمن بن عبد الله الحجاج
لا شك أن الابتداع في الدين قد ذمته نصوص السنة صراحة ونصوص الكتاب ضمناً، والبدعة مذمومة ذم الكفر إذا كانت مكفرة، وذم الفسوق والعصيان إذا كانت أدنى من ذلك، ومن عموم النصح للمسلمين: تعرية الفرق والجماعات والمذاهب المبتدعة، وكشف عقائدهم الباطلة.. ومن تلك الجماعات: جماعة الأحباش، التي سوف نستعرض في هذه المقالة واقعها وما هي عليه من الضلال والانحراف.
أولاً: تاريخ ونشأة الأحباش:
ينتسب الأحباش إلى شيخهم عبد الله الهرري الحبشي، والهرري نسبة إلى بلاد (هرر) في الحبشة، وينسب نفسه إلى بني عبد الدار، وقد جاء إلى بلاد الشام سنة 1370هـ (1950م)(1) تقريباً.
وقد بدأ في نشر عقيدته الفاسدة في سوريا، حيث وجد بعض القبول عند بعض مشايخ الطرق الصوفية، وقد تصدى للحبشي وأفكاره المنحرفة الشيخ (محمد ناصر الدين الألباني)، فإن له عدة ردود عليه ومقالات في نقده، أهمها: كتاب (تصحيح حديث إفطار الصائم قبل سفره)، وكتاب (الرد على التعقيب الحثيث)، حيث رد فيهما على الحبشي، وبيّن قلة علمه في الحديث.
ولما لم يجد الحبشي في سوريا أرضاً خصبة لترويج عقيدته الفاسدة وأفكاره المنحرفة، انتقل إلى لبنان واستغل ظروف اضطراب البلاد في حربها الأهلية الأخيرة بعد عام 1975م، واتخذ من بيروت مستقراً له في منطقة (برج أبي حيدر)، ثم أخذ يتردد على طرابلس، ويجالس الناس في المقاهي، ويجمعهم حوله، ويؤول لهم الرؤى والأحلام، ويروي لهم القصص، فاجتذبهم من هذا الباب؛ حيث إن عوام الناس بطبعهم يحبون القصص والقصاصين والخرافة وتفسير الأحلام.
وبهذا الأسلوب تزايد أتباعه، وخاصة أن في مذهب الأحباش ما تشتهيه الأنفس المريضة من اللهو واللعب، بل إن كل مريد يجد مراده في هذا المذهب، فمريد التصوف والخرافات يجد مراده، ومريد الانحراف الخلقي يجد بغيته بما ستراه من تأويلات باطلة، وكل صاحب هوى يجد شهوته.
ويزعم الأحباش أنهم أهل السنة والجماعة! وهم أبعد الناس عنها، بل هم أعداء السنة الذين يكيدون لها، وقد حذر منهم كثير من أهل العلم، منهم: الشيخ الألباني، كما ذكرنا سابقاً، والشيخ عبد العزيز بن باز، حيث يقول: (إن هذه الطائفة معروفة لدينا، فهي طائفة ضالة، ورئيسهم المدعو عبد الله الحبشي معروف بانحرافه وضلاله، فالواجب مقاطعتهم وإنكار عقيدتهم الباطلة، وتحذير الناس منهم، ومن الاستماع لهم، أو قبول ما يقولون) (2).
وقد صدرت بعض الكتب للرد على هذه الطائفة الضالة، منها:
ـ (الرد على الشيخ الحبشي)، عثمان الصافي.
ـ (استواء الله على العرش)، أسامة القصاص.
ـ (الاستواء بين التنزيه والتشويه)، عوض منصور.
ـ (إطلاق الأعنة في الكشف عن مخالفات الحبشي للكتاب والسنة)، للهاشمي.
ـ (الرد على عبد الله الحبشي)، عبد الله محمد الشامي.
ـ (بين أهل السنة وأهل الفتنة)، عبد الله الشامي.
ـ (شبهات أهل الفتنة وأجوبة أهل السنة)، عبد الرحمن دمشقية.
ـ (موسوعة أهل السنة في نقد أصول وشبهات أهل البدعة)، وهو كتاب ضخم، يقع في حوالي خمسمئة صفحة، لم يصدر حتى الآن، لعبد الرحمن دمشقية.
ثانياً: عقيدة الأحباش:
عقيدة الأحباش عقيدة فاسدة مباينة لعقيدة أهل السنة والجماعة، وهي خليط من عقائد الفرق الضالة، وهي عقيدة متناقضة، وتتضح معالم الانحراف والضلال لديهم فيما يلي:
1- صفات الله (عز وجل):
ينفي الأحباش جميع الصفات التي وصف الله (جل وعلا) بها نفسه، ولا يثبتون إلا ما تتخيله عقولهم القاصرة، زاعمين أنهم بِرَدِّ هذه الصفات الواردة في الكتاب والسنة ينزهون الله، وهم يُكَفِّرُون كل من يثبت هذه الصفات لله، ويتهمونه بأنه مشبه ومجسم.
وللأحباش طريقة عجيبة في نفي صفات الله (جل وعلا) ـ أو كما يقولون: لتنزيهه ـ، وذلك بمقارنته بالمخلوق، فيقولون: المخلوق له يد، فالله منزه عن اليد، والمخلوق له قدم، فالله منزه عن القدم، والمخلوق له عينان، فالله منزه عن العينين، ويتجاهلون أن الله ليس كمثله شيء، وأن صفاته ليست كصفات المخلوقين، فإثبات هذه الصفات ـ كما يليق بجلاله ـ لا يستلزم تمثيله بمخلوقاته.
وقد وصل الأمر بالأحباش إلى كلام عن اللسان والحنجرة والأسنان، بل إلى الإليتين!!، فقالوا: (إذا قلنا: إن الله مستو على العرش، فمعنى ذلك أن له إليتين)(3)، انظر إلى هذه الجرأة في حق الله (جل وعلا) وإلى هذا الجهل المطبق.. ((سبحانه وتعالى عما يقولون علوَْا كبيرْا)).
ويقوم الأحباش بنفي بعض الصفات عن الله (تعالى) تفصيليّاً بطريقة بدعية، ويقارنون ذات الله بذوات المخلوقين، فيقولون: الله ليس كالرجل الضخم، الله ليس كذا وكذا، مما يطبع في ذهن السامع صوراً وأشكالاً وتفكراً في ذات الله (سبحانه وتعالى)، وقد ورد عن ابن عباس (رضي الله عنه) موقوفاً، وروي مرفوعاً إلى النبي: (تفكروا في خلق الله، ولا تفكروا في الله)(4).(65/30)
والمعلوم أن طريقة القرآن ـ في الغالب ـ هي أن نفي النقائص عن الله يكون مجملاً، وإثبات الكمال لله يكون مفصلاً، بخلاف طريقة أهل البدع التي تقوم على النفي المفصل والإثبات المجمل، وأيضاً: إن هذا النفي المفصل ـ والذي يسميه الأحباش تنزيهاً ـ يعتبر ذمّاً وليس مدحاً؛ فلو قلت لرجل: أنت لست سارقاً ولا زانياً ولا كلباً ولا قذراً.. إلخ.. ألا يغضب هذا الرجل، ويعتبر هذا التنزيه عن هذه النقائص ذمّاً؟، فكيف بمقام رب العالمين، (سبحانه وتعالى عما يقولون علوّاً كبيراً).
وقد أورد الله (تعالى) في كتابه العظيم هذا النفي مجملاً، فقال: ((هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِياً)) [مريم: 65]، وقال: ((لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ)) [الشورى: 11]، وقال: ((لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ))[الإخلاص: 3، 4].
ولكن أنّى لهم أن يفقهوا العقيدة الصحيحة في الله (تعالى)، وفاقد الشيء لا يعطيه.
2- توحيد الله (جل وعلا):
التوحيد عند الأحباش هو توحيد الربوبية فقط، وهو توحيد الله بأفعاله، كالاعتقاد بأن الله هو الخالق الرازق.. وقد تأثروا في ذلك بالفلاسفة والمتكلمين، وهذا التوحيد آمن به حتى مشركو قريش، يقول (تعالى): ((وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ)) [العنكبوت: 61] ويقول: ((وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّن نَّزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ)) [العنكبوت: 63]، ولكن هذا التوحيد لم يكتمل لديهم، ولو اكتمل لم ينفعهم؛ لأنه يلزم معه توحيد الألوهية، وهو توحيد الله بأفعال العباد، كالدعاء، والاستغاثة، والاستعانة، والاستعاذة..
والأحباش هم أعظم الناس نقضاً لتوحيد الألوهية؛ حيث أباحوا الشرك الأكبر، كدعاء الأولياء، والأموات، والاستغاثة بهم.. وفي هذا يقول شيخهم: (الاستغاثة بغير الله والاستعانة لا تعتبر شركاً، كما زعم بعض الناس، فلو قال قائل: يا رسول الله.. المدد!، فهو صار كافراً عندهم؟)(5) ويقول: (إني لأعجب من هؤلاء الذين يكفرون المسلمين لمجرد التمسح بقبر وليّ أو قولهم: يا رسول الله المدد)(6)، وقال شيخهم عن حكم من يستغيث بالأموات ويدعوهم، كأن يقول: يا سيد يا بدوي أغثني، يا سيدي دسوقي المدد.. فقال: (يجوز ذلك، فإنه يجوز أغثني يا بدوي، ساعدني يا بدوي) فقيل له: إن الأرواح تكون في برزخ معين، فكيف يستغاث بهم وهم بعيدون؟ فأجاب بقوله: (الله (تعالى) يكرمهم بأن يسمعهم كلاماً بعيداً وهم في قبورهم، فيدعون لهذا الإنسان وينقذه، وأحياناً: يخرجون من قبورهم فيقضون حوائج المستغيثين بهم، ثم يعودون إلى قبورهم) (7).
وهذا ـ والله ـ من أعظم الشرك والعياذ بالله، وكأنهم لا يقرؤون قول الله (تعالى): ((وَأَنَّ المَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً)) [الجن: 18]، وقوله (تعالى): ((إن تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ القِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ))
[ فاطر: 14]، وقوله عن رسول الله: ((إنَّكَ لا تُسْمِعُ المَوْتَى)) [النمل: 80]، وقوله (تعالى) على لسان رسوله: ((قُلْ إنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَراً وَلا رَشَداً)) [الجن: 21]، ((قُل لاَّ أََمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَراً إلاَّ مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إنْ أَنَا إلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ)) [الأعراف: 188].
ثم: ألا يعلم هؤلاء أنهم بهذا الدعاء يعبدون موتاهم؟!، كما أخبر (عليه الصلاة والسلام) بقوله: (الدعاء هو العبادة) (8)، وقوله : (إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله) (9).
3- رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسنته:
عقيدة الأحباش في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عقيدة غريبة عجيبة، فهم غلاة في مواطن، وجفاة في مواطن أخرى؛ حيث يستغيثون به، ويطلبون منه المدد والعون، ويجعلون ذلك من القربات ومن دواعي محبته، بل من لوازمها أحياناً، فهم مخالفون معاندون لأمره وهديه - صلى الله عليه وسلم -، حيث قال: (لا تطروني كما أطرت النصارى ابنَ مريم، فإنما أنا عبده، فقولوا: عبد الله ورسوله)(10)، وعندما قال أحد أصحابه: ما شاء الله وشئت، قال: (جعلتني لله عدلاً، ما شاء الله وحده) (11).(65/31)
ومن جهة أخرى: فالأحباش مجحفون في حقه - صلى الله عليه وسلم - بعدم اتباعهم هديه، ثم بقولهم وإعلانهم أنه يكفي أن يصلي المسلم على النبي - صلى الله عليه وسلم - مرة واحدة في عمره كله.. وأهل السنة والجماعة ـ الذين يدعي هؤلاء أنهم منهم ـ يقولون بمشروعية وتأكيد الصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم - في مواطن كثيرة، وأن تاركها آثم، وخاصة عند ذكره - صلى الله عليه وسلم -، حيث قال: (رَغِمَ أنف رجل ذُكرت عنده فلم يصلِّ عليّ) (12)، وقال أيضاً: (البخيل من ذكرت عنده فلم يصلِّ عليّ)(13)، والأحباش مخالفون لسنته - صلى الله عليه وسلم - أشد الخلاف، ولهم شغف بالبدع، كبدعة الاستغاثة به - صلى الله عليه وسلم -، وبدعة الاحتفال بالمولد النبوي، وهذه من ضروريات مذهبهم، وهم يحتفلون بها على أكبر نطاق، ويقيمون لذلك صالات الاحتفالات الكبيرة، ويحتفلون بالمناسبات البدعية التي ما أنزل الله بها من سلطان، ويملؤون الشوارع بإعلاناتهم لذلك، بل إنه في بعض البلاد ينقل التلفزيون هذه الاحتفالات باسم الإسلام.
ولا يكتفي الأحباش بهذه البدع، بل تعدى ذلك إلى خرافات المتصوفة وانحرافاتهم، فهم ـ أي الأحباش ـ يعظّمون أئمة يعظّمون أئمة التصوف الزنادقة، ويترضون عنهم، ويطعنون فيمن يتكلم فيهم بسوء، ويتهمونه بأنه يكفّر علماء المسلمين(14).
الهوامش :
1) مجلة الفرقان، عدد (33) ـ 14/1/1993م، ص 13، نقلاً من كتاب للأحباش، وانظر أيضاً: لقاءً مع نزار الحلبي في جريدة (المسلمون)، العدد (407).
2) فتوى أرسلها سماحة الشيخ في معرض جوابه للجالية الإسلامية اللبنانية بأستراليا عام 1406هـ، بتاريخ 30/10/1406هـ.
3) لقاء مع نزار الحلبي في جريدة (المسلمون)، العدد (407)، وورد في كتاب شيخهم (الدليل القويم)، ص 36، مثل هذه التخرصات البدعية.
4) حديث حسن، رواه أبو نعيم في الحلية، وانظر صحيح الجامع: ح/2976.
5) عبد الله الهرري الحبشي: بغية الطالب، ص10.
6) المصدر السابق، ص 51.
7) عبد الله الشامي: بين أهل السنة وأهل الفتنة.
8) حديث صحيح، رواه الترمذي في كتاب تفسير القرآن، وأبو داود في كتاب الصلاة، وابن ماجة في كتاب الدعاء، والإمام أحمد في مسند الكوفيين.
9) حديث صحيح، رواه الترمذي في كتاب صفة القيامة، والرقائق، والورع، وأحمد في مسند بني هاشم.
10) رواه البخاري في كتاب أحاديث الأنبياء، والإمام أحمد في مسند العشرة المبشرين بالجنة.
11) حديث صحيح، رواه أحمد في مسند بني هاشم.
12) حديث صحيح، رواه الترمذي في كتاب الدعوات، والإمام أحمد في باقي مسند المكثرين.
13) حديث صحيح، رواه الترمذي في كتاب الدعوات، والإمام أحمد في مسند أهل البيت.
14) عبد الله الهرري الحبشي: الدليل القويم، ص 152.
=================(65/32)
(65/33)
الحبشي: شذوذه وأخطاؤه
تأليف
عبد الرحمن محمد سعيد دمشقية
نشر
موقع الفرقان
www.f r qan.com
http://www.saaid.net/
بسم الله الرحمن الرحيم
للاعتبار والذكرى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله . أما بعد :
* فقد قال تعالى ] واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاويين، ولو شئنا لرفعناه بها، ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه: فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث. ذلك مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا [ "الأعراف 176".
* وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إن أخوف ما أخاف على أمتي الأئمة المضللون ) [رواه أحمد 5/145 بسند صحيح] وقال ( إن أخوف ما أخاف على أمتي كل منافق عليم اللسان ) [رواه أحمد 1/22 بإسناد صحيح] .
* وقال e ( يكون في آخر الزمان دجالون كذابون، يأتونكم من الأحاديث بما لم تسمعوا أنتم ولا آبائكم، فإياكم وإياهم لا يضلونكم ولا يفتنونكم ) [مسلم في المقدمة].
* وقال [ذكره المنذري في الترغيب 1/48 بسند صحيح] ( أيما داع إلى ضلالة فاتبع فإن عليه مثل أوزار من اتبعه، ولا ينقص من أوزارهم شيئاً، وأيما داع إلى هدى فاتبع فإن له مثل أجور من اتبعه، ولا ينقص من أجورهم شيئاً ) .
* قال الدارمي رحمه الله ( إن الذي يريد الشذوذ عن الحق يتبع الشاذ من قول العلماء، ويتعلق بزلاتهم، والذي يؤم الحق في نفسه يتبع المشهور من قول جماعتهم وينقلب مع جمهورهم، فهما آيتان بينتان يستدل بهما على اتباع الرجل أو ابتداعه ) [الرد على الجهمية للدارمي 78]
ابحث عن الفرقة الناجية
عن عوف بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة، فإحدى وسبعين في النار وواحدة في الجنة، والذي نفسي بيده لتفترقن أمتي على ثلاث وسبعين فرقة، فواحدة في الجنة واثنتان وسبعين في النار ) [رواه ابن ماجة بإسناد جيد]. فإن كنت حريصاً على سلامة آخرتك فابحث عن الفرقة الناجية.
ما هي علامات الفرقة الناجية
* أنها لا تتأول أسماء الله تعلى وصفاته كما فعلت أضل فرقتين في تاريخ الإسلام وهما الجهمية والمعتزلة .
* أنها تسد على الناس أبواب الشرك ووسائله وذرائعه وتحثهم على دعاء الله وحده. خلافاً لمن ضلوا عن دعاء الله وحده وانحرفوا إلى دعاء المسيح ومريم وعلي والحسين والجيلاني والرفاعي وجعلوهم لله نداً .
* أنها تحثهم على تحكيم شرعه: كتابه وسنة نبيه e. وتنهاهم عن التحاكم إلى الطاغوت حتى لا يكونوا كمن قال تعالى فيهم ] ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل اليك وما انزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به [.
* أنها لا تخوض مع الهالكين في الطعن بأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم حتى لا تكون في صف الرافضة في خندق واحد ضد أفضل أبناء هذه الأمة .
* أنها تحث الناس على اقتفاء السنن وترك البدع. وتنهاهم عن بدع الرقص والتواشيح (( الدينية )) والتقرب إلى الله بالطبول والدفوف. لأن الدين اتباع لا ابتداع. كما قال ابن مسعود رضي الله عنه (( اتبعوا ولا تبتدعوا: فقد كفيتم )) .وقول بن عمر (( كل بدعة ضلالة وإن رآها الناس حسنة )).
* أنها لا تتولى أعداء المسلمين وتتغذى بهم لتتمكن من التشفي من طائفة أهل السنة وكيل الضربات واللكمات إلى الدعاة إلى الله .
وكل من يدعوك إلى خلاف ذلك فإنه داعية إلى الفرق الهالكة .
((( بيان مهم )))
راعينا في هذه الطبعة من كتابنا ( الحبشي: شذوذه وأخطائه ) الإحالة إلى أرقام الصفحات حسب الطبعة الجديدة من كتابي الحبشي: بغية الطالب وصريح البيان وذلك لسببين :
* الأول: أنه بلغنا أن الأحباش يظهرون للناس الطبعة الجديدة من كتاب شيخهم " بغية الطالب " المختلفة في أرقام صفحاتها عن الطبعة القديمة التي كنت أحيل إلى أرقامها تمويهاً للناس وخداعاً لهم، ليظنوا أننا نفتري على شيخهم ونختلق له فتاوى مكذوبة، ونحيل إلى أرقام مزورة مختلفة. ولهذا أشرت عند الإحالة إلى رقم صفحة الكتابين حسب الطبعتين: القديمة والجديدة لتفويت الفرصة على المحتالين حتى لا يبرزوا للناس الطبعة الجديدة ويقولوا لهم: انظروا إلى الصفحة التي أحالوا إليها: لا يوجد فيها شيء مما يقول. ونحن لا نمنعهم من زيادة وحذف ما يشاؤون من كتب شيخهم ولكن نمنعهم من الحيلة التي أجازوها على الله .
ولقد قال شيخهم " وهذه حيلة يراد بها التخلص من الحرام " ( بغية الطالب 257 ط: جديدة 330 ) فالحيلة جائزة عندهم على الله فما المانع من الاحتيال على الناس ؟.
* الثاني: لنبين أن الطبعات الجديدة من كتب شيخهم تتضمن إضافات وحذوفات، فمثلاً حذفوا في الطبعة الجديدة من صريح البيان فتواه بإباحة اليانصيب وبيع وشراء الصبي، ومن كتاب "بغية الطالب " جواز نظر الرجل إلى شيء من بدن المرأة الأجنبية التي لا تحل له وقد كانت في الطبعة القديمة ( ص 288 ) وكذلك جواز النظر إلى محارمه من النساء مطلقاً ماعدا ما بين السرة و الركبة اذا كان بغير شهوة وكانت في الطبعة القديمة ( ص 290 ) .
عبد الله الحبشي: من هو ؟(65/34)
* قدم عبد الله الهرري الحبشي إلى لبنان واغتر به الناس وجهلوا أنه أتى من بلد يبغضه أهلها حتى صاروا يلقبونه " بشيخ الفتنة " حسب شهادة بعض أقارب الحبشي وذلك لملامسته في فتنة ( كلب ) في بلاد هرار بإيعاز من أهل أديس أبابا حيث تعاون مع أعداء المسلمين وبالتحديد حاكم ( أندارجي ) صهر ( هيلاسيلاسي ) ضد الجمعيات الإسلامية وتسبب في إغلاق مدارس الجمعية الوطنية لتحفيظ القرآن الكريم بمدينة هرر سنة 1367هـ 1940م، وصدر الحكم على مدير المدرسة ( ابراهيم حسن ) ثلاثاً وعشرين سنة مع النفي، وبالفعل تم نفيه إلى مقاطعة ( جوري ) طريداً سجيناً وحيداً حتى قضى نحبه بعد سنوات قليلة. ثم انتهى الأمر بتسليم الدعاة والمشايخ إلى هيلاسيلاسي وإذلالهم، ومنهم من فر إلى مصر والسعودية واستقر بها .
وسبب هذا التعاون بين الحبشي وبين السلطة ضد القائمين على مدارس تحفيظ القرآن اتهامه لهم أنهم ينتمون إلى العقيدة الوهابية .
ولا يزال التاريخ يذكر له فتنة ( كلب ) التي كان من نتيجتها إغلاق مدارس تحفيظ القرآن ونفي الدعاة والمشايخ وسجنهم، و بسببها أطلق الناس هناك على الحبشي صفة ( الفتان ) أو ( شيخ الفتنة ) .
لقد كان الحبشي يستغل بساطة الناس وحبهم للدين فيملأ قلوبهم غيظاً على خصومه من المشايخ ويزور كلامهم ويسلط العامة والغوغاء عليهم وذلك على النحو الذي يفعله اليوم في لبنان.
ثم هو منذ قدم لبنان لم يزل يعمل على بث الاحقاد ونشر الفتن: تماماً كما فعل في بلاده. وما أن خلا له الجو حتى بدأ يعاود الفتنة نفسها :
فنشر عقيدته الفاسدة من شرك وترويج لمذهب الجهمية في تأويل صفات الله وإرجاء وجبر وتصوف وباطنية ورفض وسب للصحابة، فسب معاوية ووبخ الذين توقفوا عن القتال بين الفئتين المسلمتين. واتهم عائشة بعصيان أمر الله تعالى.
وأتباعه اليوم ينكرون ماضيه الخائن، ولكن أنظروا أليس قد فعل ذلك نفسه اليوم؟ ألستم تلاحظون توطئهم مع أعداء المسلمين جهراً وليس سراً، أليس هذا دليلاً على صدقنا فيما اتهمناه فيه؟ أليست خيانة اليوم دليلاً على خيانة الامس.
وهو رجل شديد الخصومة كما هو معروف عنه، وإذا حشره خصمه في المناقشة فإما أن يظهر إنفعالات مصطنعة أمام أتباعه وهي إشارة لهم إما بضربه أو طرده، وإما أن ينسحب بهدوء إلى غرفته ويترك خصمه لأتباعه يجادلهم ويجادلونه، وإذا سأل الخصم عن سبب انسحاب الحبشي قالوا إن الشيخ متعب ويريد أن يستريح. ولقد حدث هذا لي معه شخصياً ومع بعض الإخوة .
لقد نجح الحبشي مؤخراً في تخريج مجموعات كبيرة من المتبجحين والمتعصبين الذين لا يرون مسلماً إلا من أعلن الإذعان والخضوع لعقيدة شيخهم مع ما تتضمنه من أرجاء في الإيمان وجبر في أفعال الله وجهمية واعتزال في صفات الله. ومسارعة إلى مسايرة الطواغيت وتحايل على الله في مسائل الفقهيات فيما يسمونه بـ ( الحيل الشرعية ). وله من طرائف الفتاوى وعجائبها والاحتيال الديني ما يثير الضحك .
* ثم بدأ بتسليط لسانه اللاذع على خصومه فكفر الألباني وابن باز ( رحمهما الله ) ورمى ابن تيمية بالكفر والردة والزندقة وأمر بإحراق كتبه ووصف الامام الذهبي بأنه خبيث والشيخ سيد سابق بأنه مجوسي ولعن سيد قطب وأثنى هو وأتباعه على الشيخ عبدالناصر لأنه شنقه، مع أنه يمتنع عن الإجابة عن حكم الباطنيين والروافض بل على العكس فانه يتولاهم ويأمر أتباعه بموالاتهم واستخدامهم درعاً واقياً وغطاء منيعاً ليستكمن هو وأتباعه بهم من ضرب المسلمين والدعاة إلى الله ولو في المساجد، وإذا قيل لهم كيف توالون غير المسلمين وتثنون عليهم: قالوا : هذا " ذكاء " وليس موالاة للكفار. ولكن سيعلمون عاقبة هذا الذكاء حين يحشرون معهم يوم القيامة إن لم يتوبوا من ذلك.
* ولم يكد ينجوا داعية أو مسلم من ضربهم وايذائهم، وصار اقتحام المساجد عند اتباعه ( فتحاً مبيناً ) وحكم على ذلك من يسميهم بالوهابيون بالكفر والردة: ثم ما المانع بعد ذلك من إهراق دمهم والمرتد مهدور الدم!!.
ولقد بلغ تهوره أن منع المقيمين من أتباعه في السعودية من الدخول إلى مساجد ( الوهابيين ) ورخص لهم أكل الثوم والبصل قبيل إقامة صلاة ركعتي الجمعة كي يصيروا معذورين - بل منهيين - عن دخول المساجد.
ولكم أن تسألوا أئمة المساجد في لبنان من شماله إلى جنوبه: أي مسجد سلم من فتنهم وصيحاتهم وضربهم واطلاق نيرانهم. اسألوا عدنان ياسين: كم مرة حاولوا قتله، اسألوا الداعية حسن قاطرجي: ماذا فعل لهم حتى يلاحقوه دائماً وينهالوا عليه بالضرب والأذى؟ إسألوا جمال الذهبي وعبد الحميد شانوحا وغيرهم: لماذا تركوا لبنان أليس بسبب تعرضهم للضرب والأذى فآثروا الرحيل ؟
ولكم أن تستمعوا إذاعتهم التي " أعينوا " على تأسيسها حيث يستعملونها منبراً للتطاول على الآخرين فوصفوا الشيخ محمد علي الجوزو بأقذع النعوت وجعلوه رجلاً داعراً، ولو كان ثمة حكم إسلامي لأقام على هؤلاء حكم القذف .
* فأين ( الانفتاح الديني ) الذي يدعونه؟ هل هو إلا الانفتاح على ( المتواطئين ) الذين يستخدمونهم في شق عصا المسلمين وشيوع البغضاء والكراهية بين المسلمين ! .(65/35)
* أما الباطنيون فلم يتكلم هو ولا اتباعه فيهم بكلمة واحدة، وليس من كتاب للحبشي إلا وقد اطلعت عليه يتكتم عليهم. وأتباعه ينشرون الإعلانات في مدحهم والثناء عليهم، فهل يعقل أن يكون هؤلاء أهدى سبيلاً من سيد والمولوي والألباني وابن تيمية وابن باز.
بل قد بدأت حقيقة الحبشي تنكشف في آخر محاضرة له في طرابلس حيث أخذ يحث على الإستغاثة بأئمة أهل البيت وأنه لا حرج أن يقول يا علي يا حسين على النحو الذي تفعله الشيعة. وتنكشف الآن حقائق عن تنسيق وتعاون بينه وبين الباطنيين لا سيما حين أسهم الباطنية في مصادرة كتاب ( إطلاق الأعنة عن مخالفات الحبشي للكتاب والسنة ) الذي رد مؤلفه على الحبشي وكشف طعنه بالسيدة عائشة واتهمها بعصيان ربها وتطاول على بعض الصحابة ليتقرب بهم إلى الباطنيين .
وأضرب لذلك مثلاً: هل يجرؤ الحبشي أن يكتب فتوى بخط يده في تكفير الخميني لقوله " إن لأمتنا مقاماً عظيماً لا يبلغه ملك مقرب ولا نبي مرسل" [الحكومة الإسلامية 52 للخميني] ؟ هل يجرؤ إن كان من صفاته حقاً الرد على أهل البدع والضلالة؟ لا أظنه يجرؤ على ذلك وإلا لكان في ذلك قطع الرزق!!.
وصارت تسمع له بعض الفتاوى الشاذه. فحكم بجواز سرقة الجيران إذا كانوا نصارى. وبجواز أن يرى النبي صلى الله عليه وسلم في اليقظة بين الناس. وأجاز أكل الربا وصد عن دفع الزكاة، وأجاز لعب القمار والمراهنة [حتى إن النائب عن الأحباش في البرلمان ( عدنان الطرابلسي ) أعطى صوته لمشروع " تنظيم القمار " متابعة منه لفتوى شيخه ثم لما استنكر الناس منه تصديقه على هذا المشروع زعم أنه وقع عليه من غير أن يتنبه لذلك ]، وزعم أن الصحابة مقلدون، والنسبة إلى التقليد نسبة إلى الجهل كما نص عليه السيوطي وكثيرون. وزعم أنه لولا أن الله أعان الكافر على الكفر ما استطاع الكافر أن يكفر، وأن من زعم أن الله يتكلم حقيقة: يكفر. وأخذ يتفنن في إصدار فتاويه في التحايل على الله في الفقه. كما ستراه بتفصيله .
هل هو يهودي ؟!
* إنني أستبعد أن يكون الحبشي يهودياً كما أشيع عنه، وليس هناك دليلاً مباشراً لذلك إلا أنني لا أتردد بالقول بأن الخصال التي تربى عليها أتباعه - من التبجح والحقد على الآخرين وتحريضهم على كراهية المسلمين من الصحابة والعلماء وإيذاء المصلين وأئمتهم في المساجد وتعليمهم التحايل على الله - إن هذه الخصال خصال يهودية لا يحتاج المرء معها أن يكلف نفسه عناء البحث عن أصل الحبشي هل هو يهودي أم لا، فإن النتيجة أننا نراه يعلم الناس خصال اليهود .
لقد كان تبجحهم وكراهيتهم ورعونتهم علامة واضحة لعوام الناس على ضلالتهم حتى صار عامة الناس يصفون كل منتطع في الدين أو منحرف بأنه ( حبشي ) أو ( متحبش ). أو أنه ذو نزعة حبشية .
فتوى سماحة الشيخ بن باز في الحبشي
وإنني أذكر بأن سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز قد اطلع على أحوال الحبشي وفرقته ثم صدرت عنه فتوى رقم 2392/1 بتاريخ 30/10/1406هـ جاء فيها ما يلي :
" إن طائفة الأحباش طائفة ضالة، ورئيسهم المدعوا عبدالله الحبشي معروف بإنحرافه وضلاله، فالواجب مقاطعتهم وإنكار عقيدتهم الباطلة وتحذير الناس منهم ومن الإستماع لهم أو قبول ما يقولون".
مخالفون للشافعي في الاعتقاد
* أما مذهبه وأتباعه في العقيدة فليس على مذهب الشافعي لما يلي :
1. أنهم يؤولون صفات الله بلا ضابط شرعي وبمقتضى الهوى: فأين ما دل على ذلك من عقيدة الشافعي؟ أين فسر الشافعي قوله تعالى ] الرحمن على العرش استوى [ بمعنى الاستيلاء على عرشه؟ وهل خاض الشافعي في شيء من التأويل الذي يجعله هؤلاء ضرورياً، ويتهمون المخالف فيه بأنه يجعل لله نداً وشبيهاً!
2. أن شيخهم الحبشي زعم أن جبريل هو الذي أنشأ ألفاظ القرآن وليس الله، فالقرآن ليس عنده كلام الله أي أن جبريل عبر عما يجري في نفس الله وصاغه بألفاظ من عنده، وقد احتج لذلك بقوله تعالى ] إنه لقول رسول كريم [. ( إظهار العقيدة السنية 59 ). وقد قال به علماء السوء من قبله وهو شر ما انتهت إليه وساوسهم. وتجد أتباعه يكررون هذه الكلمة ( عبارة عن كلام الله ) وتطالبهم بتفسيرها فيتحيرون ولا يستطيعون تفهيمها فضلاً عن أن يقول بأن القرآن عبارة عن كلام الله، وليس كلام الله .
3. أنه زعم أن الله على غالب الأشياء قدر ( إظهار العقيدة 40 ) وأثار بين الناس مسألة: هل الله قادر على نفسه أم لا؟! فهل خاض الشافعي بمثل هذه الوساوس والهرطقات؟
4. أنه يحث على التوجه إلى قبور الأموات والاستغاثة بهم وطلب قضاء الحوائج منهم، بل إنه أجاز التعوذ بغير الله كأن يقول المستعيذ(65/36)
" أعوذ بفلان " (الدليل القويم 173 بغية الطالب 8 صريح البيان 57 و 62 ) وأن الأولياء يخرجون من قبورهم ليقضوا حوائج من يستغيث بهم ومن ثم يعودون إليها ( شريط خالد كنعان /ب/70 ) وسئل عن السجود للتمثال الذي لم يعبد هل هو كفر فقال هو كبيرة فقط ليس شركاً ( شريط الحبشي 3/640 ) ويدعوا إلى التبرك بالأحجار ( صريح البيان 58 إظهار العقيدة 244 ) فهذا الشرك يدخلونه ضمن عقائد توحيدهم: فهل يتفق هذا الشرك مع عقيدة الشافعي ؟ انظر كيف يدس هذه الشركيات باسم التوحيد .
5. أنه جبري منحرف في مفهوم القدر، يزعم أن الله هو الذي أعان الكافر على كفره وأنه لولا الله ما استطاع الكافر أن يكفر ( النهج السليم 67 ) وهذا قول باضطرار العبد في فعله على النحو الذي قالته الجهمية، ونرى آثار عقيدتهم في الحبشي بدليل أنه أثنى على الرازي لقوله بأن العبد " مجبور في صورة مختار " ( إظهار العقيدة السنية 196 )..
6. أنه في مسألة الإيمان من المرجئة الجهمية أيضاً : الذين يؤخرون العمل عن الإيمان ( الدليل القوم 7 بغية الطالب 51 ). ويبقى هذا الرجل عنده مؤمناً وإن ترك الصلاة وغيرها من جميع الأركان. وهذا مخالف لعقيدة الشافعي الذي شدد على أن الإيمان والعمل والاعتقاد شيء واحد .
7. أنه يقلل من شأن التحاكم إلى الأحكام الوضعية المناقضة لكم الله، وقد وصف من لا يريدون إقامة دولة تحكم بالإسلام - وانما يريدون إقامة دولة علمانية - بأنهم ناس مسلمون ومؤمنون، بل إن مساعدتهم تجوز ( شريط 1/318 الوجه الأول ) وأن المسلم الذي لا يحكم بشرع الله وانما يتحاكم إلى الأحكام الوضعية التي تعارفها الناس فيما بينهم لكونها موافقة لأهواء الناس متداولة بين الدول أنه لا يجوز تكفيره ( بغية الطالب 305 ) وأن " من لم يحكم شرع الله في نفسه فلا يؤدي شيئاً من فرائض الله ولا يتجنب شيئاً من المحرمات، ولكنه قال ولو مرة في العمر : لا إله إلا الله : فهذا مسلم مؤمن. ويقال له أيضاً مؤمن مذنب ( الدليل القويم 9 - 10 بغية الطالب 51 ) .
أهذه كلمات تخرج من فم رجل ناصح مصلح يريد صلاح دين الناس؟ يدافع عن المتحاكمين بغير ما أنزل الله؟ لعل هذا أحد أسباب الدعم المقدم اليوم لهذه الطائفة التي صارت تنصب نفسها للدفاع عن العلمانيين الذين صاروا عندهم أقرب أقرب إلى الله من معاوية وابن تيميه والألباني وسيد قطب وسيد سابق .
* إن الإقتصار في الإيمان على مجرد النطق بالشهادتين من غير عمل هو خلاف صريح مذهب الشافعي الذي كان يشدد على أن الإيمان: قول باللسان واعتقاد بالجنان وعمل بالأركان. وأنه لا يجوز الفصل بين هذه الثلاث. كما أن التحاكم إلى الأحكام الوضعية شرك كما قال تعالى ] ولا يشرك في حكمه أحداً [. غير أن الحبشي يرى أن التحاكم إلى غير شريعة الله ليس كفراً ولا شركاً، وأن الآية ] ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون [ خاصة باليهود ( النهج السوي 16 ) أما المسلم فلا يكفر إلا إذا جحد حكم الله .
* وقد حكم بتكفير سيد قطب لأنه حرم على القضاة أن يقضوا بين الناس بموجب الأحكام الوضعية المناهضة لأحكام الشريعة .
8) أنه يرجح الأحاديث الضعيفة والموضوعة ويسكت عن عللها لمجرد كونها تؤيد مذهبه بينما يحكم بضعف الكثير من الأحاديث الصحيحة من أخبار الآحاد التي لا تتناسب مع طريقة أهل الجدل والكلام. وهذا شأن أهل البدع الذين لا يتجردون للسنة. كما يظهر في كتابه المولد النبوي الذي أتى فيه بالروايات المكذوبة، وكتاب صريح البيان الذي حاز فيه على رضا الشيعة لكثرة ما تعرض فيه بالطعن لبعض الصحابة وأولهم معاوية .
9 ) أنه يغازل الروافض بتركيزه على أمور الفتن التي جرت بين الصحابة ويكثر من التحذير من تكفير ساب الصحابة والشيخين على وجه الخصوص ، وأن مذهب أهل الحق أنه لا يكفر وأنه لا يلتفت الى من خالف هذا الرأي . وهذه مسألة حدث خلاف حولها، ولكن لماذا إيراد هذا الآن وفي وقت بدأ الآخرون يجهرون بسب أبي بكر وعمر وغيرهما من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم .
10) أنه يكثر من سب معاوية ويجعله من أهل النار، محتجاً بقوله e ( يدعوهم { عمار } الى الجنة ويدعونه الى النار ) ويأتي بالمظلم من الروايات الطاعنة في معاوية مثل أنه أوصى ابنه يزيد وهو على فراش الموت أن يقطع عبدالله بن الزبير إرباً إرباً إذا ظفر به. وأنه كان يتاجر ببيع الأصنام الى بلاد الهند، إن موافق مثل هذه تروق للشيعة وتكسبه رضاهم .
11) أنه يعتقد أن الله خلق الكون لا لحكمه وأرسل الرسل لا لحكمه. وأن من ربط فعلا من أفعال الله بالحكمه مثل أن يقول : إن الله خلقنا لحكمة : أنه ينسب إلى الله التعليل، والتعليل نقص على الله في المذهب الأشعري لا يجوز وصفه به. و؟أن من زعم أن النار سبب الحرق والسكين سبب الذبح فهو مشرك يجعل مع الله فاعلاً آخر .
12) أنه يبيح الربا، وهو مخالف لصريح مذهب الشافعي الذي شنع على من أفتى بذلك كما في كتابه ( الأم 8/358 ).
13) وأجاز للمصلي أن يصلي بالنجاسة ولو كان من بول أو غائط الكلب ( بغية الطالب 99/100 ) معولا في ذلك على فتوى الزيات .(65/37)
14) وأجاز لعب القمار مع الكفار وسلب أموال جيرانه من الكفار ( صريح البيان 133 طبعة جديدة 265 ) .
وبما أن هذه الطائفة بالتكفير ولم يسلم من أحكام الكفر عندهم إلا القليل من المسلمين خاصة من انضم اليهم فصار الحكم أقرب الى تعميم جواز مقامرة المسلمين عموماً وليس على اليهود والنصارى فحسب .
15) أنه يخوض في علم الكلام [وهو علم يصفه الشيخ محمد الغزالي بأنه (( علم نظري بحت ينظم المقدمات ويستخلص النتائج كما تصنع ذلك الآلات الحاسبة في عصرنا هذا أو الموازين التي تضبط أثقال الأجسام ثم تسجل الرقم وتقذف به للطالبين ))] الذي شنع الشافعي على المشتغلين به وبالتحديد على حفص الفرد إمام علم الكلام آنذاك والذي كان معاصراً له، فالحبشي في خوضه بموروثات الفلاسفة أقرب الى حفص الفرد الذي كان معاصراً للشافعي والذي حط عليه الشافعي ورماه بالزندقة وحذر منه لأنه كان يتعاطى علم الكلام وتأويل الصفات .
* وهؤلاء يتعاطون علم الكلام ويتأولون علم الصفات، يكملون بذلك مسيرة حفص الفرد تحت غطاء مذهب الشافعي، بينما حكمهم عند الشافعي كحكم حفص الفرد عنده .
* ولقد شهد الرفاعي على مؤولة الصفات الالهية بأنهم ( معطلة ) إذ قال للربيع " لا تشتغل بالكلام فإني أطلعت من أهل الكلام على التعطيل " ( سير أعلام النبلاء 10/28 ) وقال " حكمي في أهل الكلام أن يضربوا بالجريد ويحملوا على الإبل ويطاف بهم في العشائر والقبائل وينادى عليهم : هذا جزاء من ترك الكتاب والسنة وأقبل على الكلام " ( سير أعلام النبلاء 10/29 صون المنطق 65 الحلية 9/116 مناقب الشافعي 1/462 ) وتواتر عنه ذمه لأهل الجدل والكلام. بل قد وصفهم أبو حنيفة بما لا يليق بهم، وهو أنهم " قاسية قلوبهم غليظة أفئدتهم لا يبالون مخافة الكتاب والسنة، وليس عندهم ورع ولا تقوى " ( سير أعلام النبلاء 6/399 مفتاح دار السعادة 2/136 ) .
* ومن علامات انعدام التقوى عندهم: أننا نجد شيخهم يستعمل ألفاظاً نابية عن حق الله، زعم أن غرضه من ذلك تحذير الناس منها كقوله " ومن الكفر أن يقول الرجل : يا (ز… ) الله، وحياة شوارب الله، أخت ربك، حل عني أنت وربك" ( النهج السليم 57 الدليل القويم 145 بغية الطالب 41 ) .
وبما أن أول الواجب عند المتكلمين ( النظر ) فقد غفلوا دور الفطرة والبداهة وأن هذا النفي التفصيلي معروف لدى بدائه العقول وليس من اللائق التحذير منه. ثم جعلوا للعقل قدسية تبرر عندهم تقديمه على نصوص الكتاب والسنة. فتجدهم يقولون : الأدلة العقلية … ثم الأدلة النقلية .
* وهو يسمي علم الكلام ( علم الكلام السني ) زعم أنه شيء آخر غير علم الكلام الذي ذمه الشافعي وأحمد وأبو حنيفة ومالك. خداعاً للناس واستدراجاً لهم ليقبلوا علم الكلام من جديد بعد أن حذر منه الأئمة غاية التحذير وعابوا المشتغلين به. وهو إنما يفعل ذلك ليقول للناس : لا تظنوا أن الأئمة حذروا من هذا الجدل الذي أتيتكم به والذي هو جدل (( سني )) وإنما أرادوا شيئاً آخر. غير أن علم الكلام والجدل اليوناني لا علاقة له بالسنة لا من قريب ولا من بعيد. وقد ذمه الأمة حتى إن أبا حامد الغزالي كتب قبل موته بأسبوعين رسالة في التحذير منه بعنوان " إلجام العوام عن علم الكلام " ولقد أثاره السلبية على المسلمين في لبنان، فانقلبت السنة بدعة والبدعة سنة، وتفرق أمر المسلمين .
موقف الحبشي من الأئمة والعلماء
الحبشي يطعن ويلعن عدداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لاسيما معاوية الذي يلعنه أتباعه من على منابرهم ( اظهار العقيدة السنية 182 ) تجملاً الى الباطنية وتقرباً الى الروافض الذين بني مذهبهم على سب الصحابة .
وهذا مخالف لمذهب الشافعي الذي كان اذا سئل عما جرى بين الصحابة قال " تلك فتنة قد طهر الله منها أيدينا، أفلا نطهر منها ألسنتنا " (مناقب الشافعي للرازي 1/449 ) .
بل هو مخالف لمذهب الأشعري الذي روى الحافظ ابن عساكر عنه أنه كان يرتضى عن معاوية وسائر الصحابة ( تبيين كذب المفتري 151 ).
وكان الغزالي يعظم معاوية ويرتضى عنه ويذكر أنه اجتهد فأخطأ ( إحياء علوم الدين 1/115 ) ولم يقل فسق وارتكب كبيرة من الكبائر كما زعم الحبشي المتشيع ( صريح اليان 96 ) ؟
* فهو لم يوافق الشافعي ولا أبا الحسين الأشعري ولا الغزالي في موفقهم من معاوية مع أنه يتستر بالانتماء الى مذهب الشافعي والأشعري. كما زعم أتباعه .
وهو لا يتورع عن تلفيق الأكاذيب في حق المخالفين والافتراء عليهم كقوله عن ابن تيمية أنه يعتقد :
* أنه لا مانع أن يكون نوع الخلق غير مخلوق لله .
* وانه يقول بقدم العالم، ويحرف القرآن ( شريط13/أ/94 ) .
* وأنه يكفر المتوسلين بالنبي صلى الله عليه وسلم ولعله يقصد لا متوسلين : المستغيثين بالنبي صلى الله عليه وسلم من دون الله. وهناك فرق بين التوسل وبين الاستغاثة بغير الله لكن المغرضين يخلطون بين الأمرين تلبيساً على عامة الناس ليستدرجوهم بخطوة التوسل الى الإستغاثة بغير الله .(65/38)
* وزعم أن ابن تيمية حكم بكفر المخالفين له في مسألة الطلاق ( المقالات السنية 57 و 62 و 75 ). وهذا ما قال ابن تيمية بعكسه حيث ذكر أن المخالفين له في أمر الطلاق مجتهدون معذورون مأجورون عند الله ( مجموع الفتاوى 33 / 149 ) .
* وزعم أنه يعتقد أن الله شبيه بخلقه ( المقالات السنية 24 و 26 و 15 ) مع أن ابن تيمية يحكم بكفر من يشبه الله بخلقه ( مجموع الفتاوى ( 11 / 482 ) .
* وزعم أن ابن تيمية يعتقد أن الله ترك مكاناً من عرشه ليجلس عليه النبي صلى الله عليه وسلم ( اضهار العقيدة السنية 151 ). فهذه أكاذيب نطالبه بالدليل عليها من كتب شيخ الإسلام .
* وليس من مجلس يجلسه الا ويجعل لأبن تيمية فيه نصيباً من التكفير والتشنيع والتحذير لا سيما من كتبه، حتى إنه يجعل تكفيره من أول الواجبات على المكلف، ولعلك تتسائل: لمصلحة من يجري ملاحقة ابن تيمية وتكفيره : الأمر مكشوف، ومن وراء ذلك التحذير: جهات لا تريد لفكر ابن تيمية الاصلاحي السلفي أن ينتشر، هذا الفكر الذي يحرر الناس من العبودية الفكرية والتقليد الأعمى والبدع والشركيات التي ينشرها الحبشي باسم التوحيد ويبقيهم عبيداً لحفنة من المتسلطين الذين يسلطون على عوام الناس مشايخ السوء لتخديرهم ومدح العلمانيين أمامهم .
* وكما يطعن في ابن تيمية فإنه يطعن في غيره من أئمة الحديث: فلا مانع عنده أن يوصف الامام المحدث الذهبي بأنه خبيث. قال " وإذا قيل عنه خبيث فهو في محله ". ومحمد بن عبدالوهاب مجرم قاتل وكافر ( مجلة منار الهدى عدد 3 ص 34 ) وزعم انه كان يعرض بالنبوة ويقتل كل من يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم . وأن سيد سابق مجوسي كافر وإن زعم أنه مسلم ( شريط 1 / أ / 181 )، وسيد قطب من كبار الخوارج الكفرة وكان صحفياً ماركسياً ( النهج السوي في الرد على سيد قطب وتابعه فيصل مولولي ص3 ).
* بينما يدافع عن ابن عربي الذي شهدت كتبه بكفر لم يقل بمثله اليهود ولا النصارى. والذي شهد الحافظ ابن حجر وابن عبد السلام وابو حيان النحوي ( لسان الميزان 2 / 384 تفسير البحر المحيط 3 / 449 ) بضلالة وزندقة وتصريحه بوحدة الوجود والذي مسخ نصوص الكتاب والسنة بتأويلاته الفلسفية الباطنية القرمطية .
* ويدافع عن القاضي النيهاني الذي كان يقضي بين الناس بأحكام القانون الفرنسي ومع ذلك كان يتظاهر بمحبة صلى الله عليه وسلم ويتغنى بذكر الأولياء والكرامات، والذي صنف كتاباً اسمه ( جامع كرامات الأولياء ) وإن من تخريفاته ما نراه في كتابه المذكور ( 2/208 ) من انحرافات لا توجد عند النصارى: مثل قصة الشيخ علي العمري الذي من كراماته أنه يخرج ذكره بيديه بحيث يضعه على كتفه ويضرب به الناس ، ويثني الحبشي على عبد الغني النابلسي المتحمس لعقيدة ابن عربي وابن الفارض في وحدة الوجود والذي كان يصرح بأن هناك عدة عوالم في كل منها محمد مثل محمدكم وإبراهيم مثل إبراهيمكم وعيسى مثل عيسكم (أسرار الشريعة 82-83).
* وتقابل هذه الشدة على أهل السنة ثناء على الباطنين ودفاع مستميت عن الذي يحكمون بغير ما أنزل الله، وتجسس على المسمين لصالح أعدائهم، يتجسسون عليهم وهم في المساجد، كما صار ذلك ثابتاً عنهم بالتواتر. بل صاروا يجهرون به، فلذلك استحقوا هذا الوصف الجامع اللائق بهم أنهم "أذلة على الكافرين، أعزة على المؤمنين".
---طائفة منافقة تتزلف للطواغيت، وتتطاول بهم على المؤمنين. تماماً كما فعلت المعتزلة أيام المأمون حين تقرّبوا منه ونالوا به من العلماء وسلطوه عليهم قتلاً وإيذاءً حتى انقلب السحر على الساحر فجأة، فانقلب عزهم ذلاً حين تغيّر الحاكم، وإننا لنرجو أن ينقلب سحر هذه الطائفة عليها بإذن الله، نرجو أن يأتي اليوم الذي يسقطون فيه كما سقط المعتزلة من قبلهم حين تولوا الظلمة واستخدموهم لغير صالح المسلمين. وتماماً كما كان موقف الرفاعية المخزي من التتار حين تولوهم. أفاده الذهبي وابن كثير وبدر الدين العيني (عقد الجمان 4/473 والعبر للذهبي 3/75 البداية والنهاية لابن كثير 14/38).
يعود بنا إلى مذهب المعتزلة
ونعود لنؤكد ثانية أن مذهب الشافعي لم يكن يجيز إعمال التأويلات في صفات الله.
* ومع أننا نتفق والحبشي على ضلالة فرقة المعتزلة التي تزعمت التأويل في صفات الله وصارت قدوة المتأولين ولها الفضل عليهم، إذ لولا المعتزلة لما عرف الأشاعرة هذه التأويلات، إلا أن الحبشي يتناقض حين نراه يقتبس من مذهبهم بعض الضلالات ويدسها بين المسلمين تحت شعار أهل السنة. وإليكم نموذجاً من ذلك:
* فقد تأول الحبشي قوله تعالى {الرحمن على العرش استوى} وزعم أن الاستواء معناه الاستيلاء (إظهار العقيدة السنية 131) وهو تأويل اعتزالي محض. يؤكده قول الأشعري نفسه "وقالت المعتزلة يعني استولى ( مقالات الإسلاميين 157 و211 تبيين كذب المفتري لابن عساكر 150 رسائل العدل والتوحيد لمجموعة من المعتزلة 1/216 شرح الأصول الخمسة 226 متشابه القرآن 72 للقاضي عبد الجبار).
* وقال الأشعري في رسالته إلى أهل الثغر "وليس استواء الله استيلاءً كما قال أهل القدر" ص 233 - 234 تحقيق الجنيدي). وأهل القدر هم المعتزلة.(65/39)
* وقال أبو منصور البغدادي "زعمت المعتزلة أن استوى بمعنى استولى" مستدلين بقول الشاعر:
* قد استوى بشر على العراق من غير سيف ولا دم مهراق
* قال "وهذا تأويل باطل" (أصول الدين 112) وروى الحافظ عن ابن بطال قوله "فأما قول المعتزلة فهو قول فاسد" (فتح الباري 13/405-406). فلم يزل الحبشي يصرّ على أن تأويل صفات الله هو مذهب أهل السنة وإنما هو مخلفات الجهمية والمعتزلة.
* فكيف يزعم الحبشي بعد هذا أن المعتزلة وافقت أهل السنة في تأويل الاستواء بالاستيلاء [إظهار العقيدة السنية 131] هل هذا إلا التدليس والتضليل !!
الأشعري يتخلى عن مذهب التأويل
* وكان أبو الحسن الأشعري رحمه الله من المعتزلة الذين تميز مذهبهم بتأويل الصفات، غير أنه رجع عن ذلك إلى إثبات جميع ما وصف الله به نفسه، وأعلن أن مذهب أهل السنة والجماعة:
* عدم التأويل وأنهم "يثبتون لله اليدين والعينين" [وقوله: والعينين يؤكد أنه لا يتأول هذه الصفة لأن الذي يتأولها لا يثنيها وإنما يجعلها كناية عن الرؤية] والوجه والاستواء ولا يتأولون ذلك" [مقالات الإسلاميين 291]. إلى أن قال:
* "وبكل ما ذكرنا من قولهم نقول وإليه نذهب" [مقالات الإسلاميين 291]. ويؤمنون أن الله نورٌ كما قال تعالى {الله نور السماوات والأرض} [مقالات الإسلاميين 211]. ونقل الحافظ ابن عساكر عنه هذا القول [تبيين كذب المفتري 150].
* وقد سرد الذهبي عقيدة الأشعري الموافقة لأهل السنة وخروجه عن التأويل الذي كان عليه المعتزلة [سير أعلام النبلاء 18: 284].
مذهب أبي حنيفة من التأويل
* وقال أبو حنيفة "ولا يقال إن يد الله قدرته أو نعمته لأن هذا إبطال للصفة، ولكن يقال يده صفته بلا كيف" [الدليل القويم 49 الإرشاد 161 مشكل الحديث 472 الغنية 78 شرح النسفية 70 الباجوري على الجوهرة 93].
* وقول أبي حنيفة (ولا يقال يده قدرته لأن هذا إبطال للصفة). حجة ودليل على أنه لا يصح تأويل الصفات ويقاس عليه غيره، فلا يقال 0رجله) أي رجل من جراد، ولا يقال (نزوله) نزول أمره ولا يقال (استوى) أي استولى لأن هذا إبطال للصفة. وقوله حجة يصح بها وصف مؤولة الصفات بأنهم "نفاة الصفات".
مذهب الشافعي من التأويل
* أما الشافعي فكان يعتبر التأويل تعطيلاً، وكان مذهبه ترك التأويل وإثبات صفات الله إذ قال: "إني قد اطّلعتُ من أهل الكلام على التعطيل" [سير أعلام النبلاء 10/28].
* وقال [كما في سير أعلام النبلاء 10/80] "لله أسماءٌ وصفاتٌ جاء بها كتابُه، وأخبر بها نبي صلى الله عليه وسلم أمّته لا يسع أحداً ردّها. فمن خالف في ذلك بعد ثبوت الحجة عليه فهو كافر، فأما قبل ثبوت الحجة فمعذورٌ بالجهل، لأن عِلْمَ ذلك لا يُدرَك بالعقل، ونثبت هذه الصفات وننفي عنها التشبيه، كما نفاه عن نفسه فقال {ليس كمثله شيء} وقال "السنّة التي أنا عليها ورأيت أصحابنا أهل الحديث الذين رأيتهم عليها فأحلف عنهم مثل سفيان ومالك وغيرهما: الإقرار بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وأن الله على عرشه في سمائه، يقرب من خلقه كيف يشاء، وأن الله ينزل إلى سماء الدنيا كيف يشاء [عون المعبود 13/41 و47 وساقه ابن أبي يعلى في طبقات الحنابلة بإسناده المتصل إلى الشافعي 1/283].
مذهب عبد القادر الجيلاني في الصفات
مثاله قول الشيخ عبد القادر أن لله "يقبض ويبسط ويفرح ويحب ويكره ويبغض ويرضى ويغضب ويسخط وله يدان وكلتا يديه يمين ون قلوب العباد بين أصبعين من أصابعه، وأنه بجهة العلو مستو، على العرش محتو، وأن النبي شهد بإسلام الجارية لما سألها: أي الله؟ فأشارت إلى السماء، وأن عرش الرحمن فوق الماء، والله تعالى على العرش ودونه سبعون ألف حجاب من نور وظلمة، وأن للعرض حد يعلمه الله.
وأنه ينبغي إطلاق صفة الاستواء من غير تأويل وأنه استواء الذات على العرش لا على معنى القعود والمماسة كما قالت المجسمة والكرامية ولا على معنى العلو والرفعة كما قالت الأشعرية ولا على معنى الاستيلاء كما قالت المعتزلة [وهو قول الأشعرية اليوم] وأنه ينزل في كل ليلة إلى السماء الدنيا كيف شاء لا بمعنى نزول الرحمة وثوابه على ما ادعت المعتزلة والأشعرية" [الغنيمة 54 و 56 و 57].
الشافعي بريء من فتاوى الحبشي
* الحبشي يجيز التحايل في الدين وهو تحايل على صاحب الدين، وفتاويه في ذلك كثيرة وهي بين أيدينا مثل فتواه بتحريم شراء الكتب المخالفة للشرع غير أنه أباح امتلاكها بطريق الحيلة كأن يعطي المشتري صاحب الكتاب هدية مالية فيمنحه صاحب الكتاب الكتاب هدية أيضاً (الدر المفيد 136) وكذلك مسألة (السبيرتو) (بغية الطالب 257) وفتواه في (الثوم والبصل) وفي تحويل الأموال المسروقة لتصير بالحيلة إلى مال حلال سائغ. فأين هذا من مذهب الشافعي؟ متى كان الشافعي يجيز إعمال الحيل على الله؟(65/40)
* يزعم أن النظرة الأولى للمرأة لا تحرم وإن دامت وطالت لا شيء فيها (بغية الطالب 224 و287) وأنه يجوز للمرأة أن تخرج من بيتها متى شاءت بغير رضا زوجها إذا كان لتعلم الدين قائلاً "تخرج بغير رضاه" (بغية الطالب 202) ويجيز لها أن تخرج متعطرة وتتزين للناظرين (صريح البيان 186 طبعة جديدة رقم 350)) إن كانت تفعل ذلك لمجرد الفرح بنفسها "بشبابها"! (بغية الطالب 351).
وأجاز الاختلاط بها (صريح البيان 178 ط: جديدة 329) وأن يكلمها الرجل الغريب ولو من غير حاجة إلى شيء (صريح البيان 191 ط: جديدة 356).
فما هو الكلام الذي يكلمها إياه ولو من غير حاجة؟! وأن يصافحها إن كان بحائل (144).
* أثار في أمريكا وكندا وأوروبا فتنة تغيري اتجاه القبلة حتى صارت لهم مساجدهم الخاصة حيث حرّفوا جهة القبلة 90 درجة وصاروا يتوجهون في صلاتهم إلى عكس الجهة التي يصلي إليها المصلون في أوروبا وأمريكا وكندا، ولم يقتنعوا أولاً بأن الأرض كروية بل أصروا على أنها مسطحة (مثلما ظنها بابا الكنيسة من قبل) ثم اعتبروها نصف كروية على شكل نصف برتقالة، وفي لبنان يضايقون المصلين بانحرافهم إلى جهة الشمال قليلاً أثناء صلوات الجماعة. لأن اتجاه القبلة منحرف حتى في لبنان، فلكثرة تعصبهم لشيخهم صار في نظرهم هو الفلكي الأوحد. إنهم لا يرضون مناقشة أقواله، وهم وإن لم يصرحوا بعصمته بلسان مقالهم: فإن لسان حالهم يؤكد أنهم يرون عصمته من كل خطأ وزلل. ويصرون على ضرورة أن يُسمعوا أنفسهم القراءة في الصلاة لكنهم يُسمعونها غيرهم حتى إن الشيطان ليستعملهم في إشغال المصلين في الصلاة.
* الأحباش يتعاطون السحر، وقد اشتكى رجل من زوجته (الحبشية) التي تنتابها وساوس شتى حتى صارت لا تستطيع الدخول بسهولة في الصلاة، واعترفت لزوجها بأن الأحباش أعطوها حبوباً يسمونها "حبوب العهد" ويكفي تناول شيء من هذه الحبوب أو تناول "فنجان قهوة ملغوم" ليصير شاربه موسوساً فيهم، مهووساً بشيخهم. ويوزعون بعض أوراق السحر وعندي أنموذجاً منها.
* وزعم شيخهم أنه يمتلك خاتم النبي صلى الله عليه وسلم وهو يظهره للعامة فينكبون عليه لتقبيله.
* ولقد هددني أحد أتباعه بأن سيصيبني مكروه قريباً إن مضيت في التصدي لطريقتهم لأنهم أهل كرامات، وأنا لا أزال أقرأ أذكاري وأورادي وأسأل الله تعالى أن يكفنيهم بما شاء {وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ} وهذه الآية ردّ على قول أسامة السيد "لو كنا نتعاطى السحر لكان المُنكِر علينا أول المتأثرين بسحرنا" ولكن كم من سحر أبطله الله الذي يصيب به من يشاء ويصرفه عمن يشاء. فمناعة الدعاة (إلى السنة) من سحركم كرامة لهم لأنهم يحاربون البدع وأهل الخرافة الذين يفعلون ما يفعله الهندوس والبوذية من ضرب الشيش والدخول في النيران. كما ترون في الصفحة المقابلة، فإن فيه صوراً للبوذيين وهم يفعلون ما يفعله الرفاعيون من ضرب الشيش وإدخال أسياخ الحديد في الفم. فإما أن يكون البوذيون أولياء مثل الرفاعية وإما أن يكونوا في الدجل والتعاون مع الشياطين سواء بسواء "وهو الصحيح".
* الأحباش يحيون البدع ويميتون السنن، يغنون ويرقصون لله في مجالس مختلطة: تكون النساء فيها كاسيات عاريات، ومع ذلك يزعمون أن الله آتاهم الكرامة فيدخلون في النار ويضربون أنفسهم بالرصاص ولا يؤثر ذلك فيهم {وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنَى}. ولكن كيف يؤتي الله الكرامة من كل هذا حاله من البدع والاحتيال على الرب وموالاة الكافرين !!.
* ولست أدري إن كانوا أصحاب كرامات فلماذا لا يواجهون بها اليهود، إذا كان الرصاص لا يؤثر فيهم فلينزلوا إلى ساحات الجهاد، ما فائدة كراماتهم إن لم يوظّفوها للدفاع عن ا لدين؟! وهل عند اليهود إلا النار والرصاص؟!
* الأحباش لا يصلون وراء الأئمة في المساجد وينتظرون فراغ صلاة الجماعة حتى يقيموا جماعة أخرى. ومعلوم أنه لا يجوز صلاة النافلة إذا أقيمت صلاة الفريضة، وقد وجد صلى الله عليه وسلم رجلين جالسين في المسجد فسألهما عن سبب عدم انضمامهما مع الجماعة في الصلاة فأخبراه أنهما قد صلياها، ومع ذلك أمرهما أن يشاركا الصلاة مع المسلمين فتكون لهما نافلة. وذلك حتى لا يحدث أن انشقاق في المسجد وهؤلاء ينشقون عن جماعة المصلين ويشوشون على الخطباء ويقاطعونهم حتى أثناء خطب الجمعة كما فعلوا ذلك مع المفتي حسن خالد نفسه وكفّروه وهو يخطب الجمعة على المنبر.
* بل يضربون أئمة المساجد ويتطاولون عليهم. ويرغمونهم قسراً على أن يسمحوا لهم بإلقاء الدروس في المسجد وإذا رفضوا يطردونهم منه، وإذا أعطى درساً تتعالى أصواتهم عمداً حتى لا يتمكن من إعطاء الدرس. لقد أطلقوا النار في المساجد وسبوا وشتموا الناس وآذوا عباد حتى نفّروا الناس من المجيء لأداء صلوات الجماعة.(65/41)
* وهذا ما جعل مجلة الشراع اللبنانية تسلط الضوء على هذا الموضوع وتكتب في عددها رقم (574) تقريراً بعنوان ((الصراع على المساجد في لبنان)) تذكر فيه عدة حوادث قام بها الأحباش في المساجد استخدموا فيها الضرب باليد والطعن بالسكاكين بل وإطلاق النار في بعض الأحيان. مما أدى إلى إرهاب المصلين بل وإلى إغلاق بعض المساجد.
* فأخبرونا أيها المتسترون بمذهب الشافعي: أكان هذا المسلك طريقة الشافعي؟ ونتساءل عن سبب السكوت المتعمد عن هذه المخالفات والشغب الذي يتكرر يومياً في طول البلاد وعرضها وإلى متى يستمر هذا السكوت والتستر عليهم والتحيز لهم من قبل سلطات الأمن؟!
* الأحباش يستخدمون عصا غير المسلمين ويلوّحون بها على المسلمين، وهي خيانة عظيمة يتحاشي الكثيرون التحدث عنها. لقد صاروا بهذا أعزة على المؤمنين أذلة على الكافرين، ولعلنا لا ننسى أنهم رفاعيو الطريقة وقد كتب التاريخ خيانة أسلافهم من الرفاعيين حين كانوا يترددون على سلاطين التتار ويوالونهم. ويأخذون منهم الأعطيات والهدايا كما نص على ذلك الحافظ ابن كثير وحكاه الذهبي وابن تيمية. والتاريخ اليوم يكرر نفسه.
* للأحباش فرقة كبيرة يرأسها المايسترو (شماعة) على نسق المايسترو James Last يتقربون إلى الله بالدف والرقص الذي يجتمع عليه المتبرجات من النساء المختلطات بالرجال. يصفقن للإيقاعات الموسيقية "الإسلامية" وهذا مسجل لهم في أشرطة الفيديو، ولكن ثمة أمر آخر؛ وهو أنه صارت هذه الفرقة وسيلة للتقرب من الحكّام أيضاً وليس إلى الله، إنهم يغنّون وينشدون لهم، فهل أنشئت هذه الفرقة الموسيقية للتقرب إلى الله أم للتقرب من الحاكمين بغير ما أنزل الله؟! ومتى كان هذا مذهب الشافعي؟ إننا لم نستفد شيئاً من هذه الحركات المخالفة لهدى السلف سوى أن صرنا بطبولنا ودفوفنا ورقصاتنا أضحوكة لأعداء المسلمين.
* الحبشي يدعو إلى تصرف يقسّم مصادر المسلمين إلى حقيقة وشريعة وظاهر وباطن ويدّعي أخذ العلوم عن الله بما يسمونه "العلم اللدني" والاجتماع بالخضر وبأرواح المشايخ وأخذ البيعة والعهد عنهم وهم في قبورهم، واعتقاد أنهم متصرفون في الأكوان بحسب مراتبهم منهم القطب والوتد والنجب والبدل الذين يمسكون الأرض أن تزول أن تقع، وأنهم يعلمون الغيوب والأسرار ويكاشفون الناس بما يفعلون سراً وعلانية. فمتى كان الشافعي يوافق هذه الانحرافات الخطيرة التي أودت بنا إلى غضب الله وإلى تسليط الكفار علينا. وهو وأتباعه يعملون على نشر الطريقة الرفاعية وما فيها من طقوس شيعية شركية بدعية وتقديس للرفاعي.
ولا ننسى أن الرفاعيين يؤمنون بإمامة الإثني عشر إماماً على النحو الذي تعتقده الشيعة. ويعتقدون أن الإمام صاحب الرقم (12) هو المهدي محمد بن الحسن العسكري المختبئ في السرداب بمدينة سامراء، وأن الأئمة الإثني عشر ازدادوا بشيخهم الرفاعي واحداً حتى صاروا (13) (القواعد المرعية 97 بوارق الحقائق 212 جامع كرامات الأولياء 1/237) ويؤمنون بكتاب الجفر الشيعي كما صرح به الرواس الرفاعي في بوارق الحقائق 78و177).
ويعتقدون أن شيخهم يبيع عقارات وقصور في الجنة (قلادة الجواهر 70 روض الرياحين 440 جامع كرامات الأولياء 1/296 الكواكب الدرية 214).
وأنه يحيي العظام وهي رميم (قلادة الجواهر 73 و145 طبقات الأولياء لابن الملقن 99). وأن السماوات والأرضين كالخلخال في رجله (طبقات الشعراني 1/142 الفجر المنير 19). وأنه يحمي أتباعه إلى يوم القيامة في حياتهم وبعد مماتهم ويُدخلهم الجنة أمامه (قلادة الجواره 233). وأنه يطّلع على المقدور والمكتوب فيغير الشقي سعيداً (قلادة الجواهر 103 و193 طبقات الأولياء 98).
وأنه غوث الخلائق كلهم، تستغيث به حتى النعجة التي يفترسها الذئب وتنادي بلسان فصيح "يا سيدي أحمد".
* ولكثرة رواج الخرافات بين الصوفية بشكل عام قال الشافعي "لو أن رجلاً تصوف أول النهار، لا يأتي الظهر حتى يصير أحمق، وما لزم أحد الصوفية أربعين يوماً فعاد إليه عقله أبداً" (تلبيس إبليس لابن الجوزي 371) وهذه الحماقة المخالفة لما كان عليه السلف من أعظم مظاهر التشويه أمام عيون غير المسلمين. فأين هؤلاء من الشافعي؟
متى وافق الشافعي هذه الطرق الصوفية كالرفاعية والنقشبندية الخائضة في وحدة الوجود، التي جعلت من مشايخ الطريقة آلهة يُعبّدون! يحيون الموتى وينقلون المرض من شخص لآخر ويستقطعون الأراضي في الجنة، إنها السُبُل التي تصبها أولياء الشيطان لخطفوا بها الناس عن الصراط المستقيم ولقد قال تعالى {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ}.
وصدرت للحبشي كتب عديدة منها:(65/42)
* المقالات السنية في كشف ضلالات ابن تيمية. حكم فيه بكفره وزيغه وخبث عقيدته. وتعمد الكذب عليه وزعم أنه كان يسب علي بن أبي طالب وأنه كان يقول بأن نبينا صلى الله عليه وسلمليس له جاء وأن زيارة قبره معصية. وأن نار جهنم تفنى وأن الله بنفس حجم عرشه لا أكبر ولا أصغر. ثم ذكر في خاتمة كتابه بأن أحد الصالحين كشف عن قبر ابن تيمية فوجد ثعباناً جاثماً على صدره.
* التعقب الحثيث: رد فيه على الألباني وكفره لمجرد فتوى هذا الأخير ببدعة التسبيح بالمسبحة.
* النهج السوي في الرد سيد قطب وتابعه فيصل مولوي. يحكم فيه بكفر سيد قطب لقوله بأن من احتكم إلى غير شريعة الله بأنه كافر. وفيه يحكم بكفر المولوي ويرد على فتواه في النهج عن اقتناء التلفزيون وعن الاختلاط بالنساء وعن السفر إلى بلاد المشركين من غير ضرورة وعن النظر إلى المرأة الأجنبية، ثم قال الحبشي "انظروا كيف يحرّف هذا الرجل دين الله".
* الدليل القويم على الصراط المستقيم جرى فيه على طريقة الجهمية والمعتزلة مع زعمه أنهم أعداؤه. ويزعم فيه أن من قال أن العرش بالرحمن أمثل ممن يقول أن الرحمن على العرش استوى. وفيه تكفير ابن تيمية. واتهامه زوراً بأنه يقول أنه لا مانع أن يكون نوع العالم مخلوقاً لغير الله. وجواز الاستغاثة بغير الله من الأموات بل جواز أن يستعيذ الإنسان بغير الله. كأن يقول القائل: أعوذ بسيدي عبد القادر.
* بغية الطالب في معرفة العلم الديني الواجب. كتبوا على غلاف الكتاب أنه من تأليف شيخهم واعترف تلميذه نبيل الشريف بأنه من تأليف عبد الله بن عيسى الحضرمي. وهذا الكتاب يشتمل على عجائب وشواذ: فيه منع الزكاة إلا من الذهب والفضة وأن من بيدهم الملايين لا زكاة عليهم. وفيه تعليم الحيل على الله في الدين وجواز أن يصلي الرجل وهو متضمخ بالغائط والبول تحت ذريعة التيسير على العباد. وتجويز خروج المرأة متعطرة متزينة ولو بغير غذن زوجها.
* إظهار العقيدة السنية شرح الطحاوية. وصرح فيه بما لم يصرح به من قبل كقوله بأن القرآن عبارة جبريل لقوله تعالى {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ} (إظهار العقيدة 59) وأن قوله تعالى {إِنَّ اللَّه عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} تعني أن الله على غالب الأشياء قدير (إظهار العقيدة 40) وأنه على كل شيء قدير مجازاً وليس حقيقة. وصرح بكفر من يقول بأن الله يتكلم بصوت، مع علمه بالحديث الذي في البخاري "إن الله يتكلم بصوت". وتصريح أحمد بذلك كما نقله الحافظ ابن حجر عنه. (فتح الباري 13/460).
* كتاب المولد النبوي: وفيه يروي أساطير وخرافات لا يصدقها عاقل ويزعم فيه أن الملائكة ضجت واعترضت على الله لأنه أمات أبوي صلى الله عليه وسلم وبقي يتيماً فقال الله لهم اسكتوا أيها الملائكة. وسأنقل نصوصاً من هذا الكتاب.
* صريح البيان: وهو كتاب مليء بشواز الأقوال وفيه استباحة الربا من الكفار الحربيين، وفيه سب معاوية وطعن بغيره من الصحابة واحتج بأكذب الروايات عن لوط بن أبي مخنف وسعيد الضبي وغيرهم من الشيعة الكذابين الغلاة الذي حشا الطبر - عفا الله عنه- كتابه من رواياتهم.
وحكم في معاوية ومن معه بأنهم مرتكبون للكبائر وأنه كان يتاجر بالأصنام ويبعها إلى الهند. وأورد الأدلة على جواز خروج المرأة متزينة بالحلي والمساحيق وما يحلو لها وأنه يجوز للرجل أن ينظر إليها ويختلط بها ويصافحها ويجالسها. وينهى عن تسمية مفاخذة المرأة (زنى) وما ورد بأن العين تزني فإنه إطلاق مجازي ليس على حقيقته.
أما مصنفات أتباعه فهي كالآتي:
* الرسائل السبكية في الرد على ابن تيمية (طبع في عالم الكتب) جمعه ولفقه كمال الحوت باسم كال أبو المنى حين كان يعمل في عالم الكتب، وطُرِد منها بسبب تصرفه في نصوص بعض المؤلفين بشهادة الشيخ عبد الفتاح أبو غدة.
* التوفيق الرباني في الرد على ابن تيمية الحراني. وهو نفس الرسائل السبكية لكنه عدل في مقدمته قليلاً.
* بهجة النظر. وهو أسئلة وأجوبة فقهية.
الكتب التي ردت عليه وعلى أتباعه
وقد صدرت كتب في الرد عليه منها:
* الرد على الشيخ الحبشي للشيخ عثمان الصافي؛ انتصر فيه لعقيدة السلف.
* الحبشي: شذوذه وأخطاؤه: عقائده شذوذه لعبد الرحمن دمشقية.
* استواء الله على العرش: أسامة القصاص رحمه الله.
* الاستواء بين التنزيه والتشويه للأستاذ عوض منصور. كان له مع الأحباش مناقشات عديدة في أمريكا في مسائل العقائد.
* إطلاق الأعنة في الكشف عن مخالفات الحبشي للكتاب والسنة: رسالة منسوبة إلى الشيخ الهاشمي.
* رسالة في الرد على الحبشي عن موضوع إعانته لكافرين على الكفر. لعدنان ياسين النقشبندي. رد فيها على رسالة الحبشي "إعانة الكافرين على كفرهم"ز
* الرد على عبد الله الحبشي لعبد الرحمن دمشقية.
* بين أهل الفتنة وأهل الفتنة. لعبد الرحمن دمشقية.
* شبهات أهل الفتنة وأجوبة أهل السنة. وهو صياغة جديدة وموسعة للكتاب الذي قبله.
والذي يظهر لي أن قدوم الحبشي أمر مدبر، إنه رجل فتان ذو سوابق وخبرة في إثارة الفتن. وقد بلغني من مصادر مقربة منه أن لديه عدة جوازات سفر مما ييسر له معاودة الدخول إلى البلدة التي تمنعه من دخولها.(65/43)
ولقد أثر في الناس تأثيراً بالغاً وعمل الذين (غلبوا على أمرهم) على حماية هذه الفرقة الجديدة وتقوية نفوذها وضرب كل من يتصدر لها إن بلغ تصديه الحدود المرسومة لذلك. وسرعان ما تكاثر نشاط ونفوذ أتباعه بشكل لا يصدق، فهاهم الآن يمتلكون أكبر أجهزة أبحاث ومركز للمخطوطات منها المؤسسة الثقافية للخدمات ومركز الأبحاث والخدمات وجمعية المشاريع الإسلامية للخدمات، يقوم عيه كل من كمال الحوت وعماد الدين حيدر وعبد الله البارودي، وبدأوا يحققون كتب التراث تحقيقاً جهمياً أشعرياً على نسق الكوثري تماماً. ويحيلون إلى اسم غريب لا يعرفه حتى طلبة العلم فيقولون مثلاً (قال الحافظ العبدري في دليله) يدلسون على الناس فيظنون أن هذا الحافظ من مشاهير علماء المسلمين وكبارهم كالحافظ ابن حجر العسقلاني أو النووي وإنما هو في الحقيقة شيخهم ينقلون مقاطع من كتابه الدليل القويم ويلصقونها في كتب التراث بما يؤيد مذهبهم. وكأنه صار شيخاً مسلماً لأقواله. ولعلك إذا ألقيت نظرة على كتابي (شبهات أهل الفتنة وأجوبة أهل السنة) في التعقيب على مواقفه من الحديث يؤكد لك أنه متطفل على علم الحديث مستغرق في علم الكلام وأنى لأهل الكلام أن يخدموا الحديث النبوي وقد نسفوه -بعد نصوص القرآن - بتأويلاتهم وتحريفاتهم.
ومن بين هذه الكتب التي حققها أتباعه تحقيقاً كوثرياً جهمياً: كتاب الاعتقاد وكتاب الأسماء والصفات للبيهقي، وكذلك حققوا كتب الجويني والباقلاني وغيرها. فليحذر المسئولون من دور النشر هذه، وعليهم أن يقوموا بشيء ما قبل أن يستحوذ هؤلاء على دور النشر في لبنان ويمسخوا كتب السلف ويحرفوها كما فعل كمال الحوت حيث بلغنا أن صاحب دار عالم الكتب طرده لثبوت التحريف عليه في كتاب للشيخ عبد الفتاح أبي غدة.
* ولقد انتشرت مدارسهم في بقاع لبنان وينفقون الأموال الطائلة على ذلك حتى صارت باصاتهم تملأ المدن وأبنية مدارسهم تفوق سعة المدارس الحكومية. وينفقون لذلك إنفاق من لا يخشى الفقر. وينشّئون الأطفال أول ما ينشّئونهم على (احذروا المكان والحيز لله): احذروا رجلاً كافراً اسمه ابني تيمية. وغير ذلك.
* وبالجمة فإني أرى من وراء هذه الطائفة هدافاً سياسياً مدبراً. وقد تحقق أكثر ذلك: فقد كثر المتخرجون على عقيدة هذا الرجل فبرز منهم أناس جدليون على نسق أهل الكلام الأوائل أشبه ما يكونون ببشر المريسي وحفص الفرد والعلاف والقاضي عبد الجبار من المعتزلة.
وهم متهورون شديدون على أهل السنة جداً إلى حد أنهم يستفزونهم أينما ذهبوا ويهددونهم بالقتل ليل نهار.
ولا يسمحون لأحد حتى أن يحتفظ بعقيدته المخالفة لهم وإنما يعمدون إلا ملاحقته واستجوابه.
* وهم يطرقون بيوت الناس ويلحقون عليهم تعلم العقيدة الحبشية ويوزعون عليهم كتب شيخهم بالمجان، ولديهم تفريغ وتخصيص مكافآت للألوف من دعاتهم بما يثير قلق المراقبين لمسيرتهم الخطيرة على الإسلام ليس على صعيد لبنان فحسب بل على صعيد العالم فقد انتشر أتباعه في العالم وأثاروا القلاقل في أوربا وأمريكا وأستراليا والسويد والدانمارك. ويتساءل الناس عن الممول الذي يغمرهم بالمال بغير حساب، وبدأوا يستميلون الناس في مدارسهم لمن ينضم إليهم ويعمل معهم.
يريدون دار الفتوى
* ويزيد الأمر خطورة أنهم يعدون أنفسهم لمنصف دار الفتوى ويهيئون له شيخهم نزار حلبي الذي أخذوا يطلقون عليه مسبقاً لقب (سماحة الشيخ) وذلك قبل أن يحظى بالمنصب الموعود. وكانوا يكتبون على جدران الطرق (لا للمفتي حسن خالد الكافر، نعم للمفتي نزار الحلبي).
فالأمر ليس مبالغة وإنما دعوة إلى تدارك شأن هؤلاء وإلا فسيتسببون في مآسي دامية لأن الشيخ طبع فيهم التهور والتعصب.
* إن المسئولين بيدهم الحل لهذه المشكلة المتفاقمة، إنهم مطالبون باستقطاب أكبر عدد ممكن من الشباب اللبنانيين من أهل السنة - وأعرف منهم الكثير - ومنحهم الفرصة لطلب العلم في الجامعات الإسلامية. وأطالب المسئولين عن هذه الجامعات أن يفتحوا أبوابهم للدعاة وطلبة العلم وإلا فات الأوان وندمنا غداً فهذه الطائفة في تَنَامٍ مذهل.
* وإننا نحذر أيضاً من قدوم الحبشي إلى الجزيرة العربية لأنه رجل فتان ذو سوابق وخبرة في إثارة الفتن. وقد بلغني من مصادر مقربة منه أن لديه عدة جوازات سفر مما ييسر له معاودة الدخول إلى البلدة التي تمنعه من دخولها.
* أما عن دعمهم المادي فكان نزار حلبي (خليفة الحبشي) يرتاب من الشيخ محمد رجب ويذكر أن وراءه جهات تموله بدليل امتلاكه سيارة فخمة، فماذا يقول اليوم عن نفسه وقد امتلك السيارة نفسها؟ هل يجوز أن يوسّع على نفسه من الـ28 كيلو من الذهب التي تبرعت بها نساؤهم؟ (زعم)! أم أنها هدية من تلك الجهات حيث توحد مصدر الرزق لدى كلا الرجلين؟! ومن أين ورث هذه التوسعة التي هبطت عليه فجأت وقد علمنا حاله من قبل؟
تصريحات نزار الحلبي وغيره
وإليكم نموذجاً من خطاب نزار الحلبي في مهرجان الملعب البلدي ببيروت.(65/44)
أيها اللبنانيون: ما أحوج لبناننا اليوم بأزاهير هذه المناسبة الجلية: فكم عبثت بوطننا أيدي العابثين، وتوالت عليه ضربات الغاصبين والطامعين، فقطعوا أوصاله، وغيروا أحواله، وأججوا بنيران الحقد أحواله، وغرسوا بالفساد رسومه وأطلاله، وهكذا ترنح لبنان بين كيد ويد إلى أن تداركته اليد العربية الأبية الكريمة الندية يد السيد الرئيس حافظ الأسد من سوريا الشماء بعون الله رب العالمين. وبتنا بعد المخاض العسير بتنا نشهد ولادة لبنان العربي على أيدي الشرفاء من هذا الوطن.
كلمة النائب البرلماني عن الأحباش عدنان الطرابلسي
ومما قاله النائب البرلماني الحبشي الجديد "نريد أن نقول للمتوجسين والخائفين والمشككين إننا ندعو للانفتاح والتفاهم والأخلاق الفاضلة.
نحن في جمعية المشاريع الخيرية الإسلامية نخالف حزب الإخوان الهدَّام، فلسنا أصوليين بالمعنى السلبي إننا لسنا مع الأصولية السلبية هذه الأصولية المزعومة المراد منها الكرسي والزعامة والتخريب لا لهذه الأصولية التي تكفّر حكام العرب المسلمين لمجرد أنهم حكموا بالقانون من غير أن يعتقدوا أن القانون خير من القرآن".
وسقط القناع
فها هو كما تراه يردد شعارات الغربيين ضد الإسلام ويصف الإسلاميين بما يصفهم به اليهود والنصارى "الأصوليين" وذلك كما وصفهم به إسحاق رابين.
إن الأحباش يكفلون للمتحاكمين بالطاغوت غطاء دينياً بحجة أنهم بالرغم من تحاكمهم إلى الطاغوت يعتقدون أن القرآن خير منه. إن هذه موالاة صريحة ومكشوفة أظهرهم الله بها على حقيقتهم، وستكون إن شاء الله أحد أهم أسباب تخلي الناس عنهم بعد أن كانوا مخدوعين فيهم.
* إن الحكم بالطاغوت مع اعتقاد أفضلية القرآن عليه أمر لا يعلمه إلا الله، أما نحن فلا نقدر على التحقق منه لأنه أمر قلبي، وقد يحتال المتحاكمون بالطاغوت علينا بهذه الذريعة، ويخدروننا بإعلانهم أنهم مع تحاكمهم إلى الطاغوت يفضلون القرآن عليه وبالتالي يرتضي المسلمون البقاء تحت حكم الطاغوت بعد أن يخدرهم الحكام بالأفيون الحبشي. فهذا التفريق حكم أخروي إلهي وإنما هو عندنا الكفر.
ولئن كانوا يعتقدون أن الحاكم بغير ما أنزل الله لا يكفر وإنما يفسق ما دام يتقد أن ا لقرآن أفضل منه، فإننا نطالب الأحباش على الأقل أن يعلنوا على منابرهم بفسق المتحاكمين بغير ما أنزل الله. تماماً كما فعلوا في معاوية حين حكموا بفسقه من فوق منابرهم من غير اعتبار منه لشرق الصحبة، وإلا فهل يرتضي منصف أن يقال إن المتحاكمين بالقوانين الوضعية أقرب إلى الله وأحب إليه من معاوية؟!
غير أن الذي نراه هذه الأيام هو العكس فإن الأحباش لا يفسّقون الحاكمين بغير ما أنزل الله، بل يتولّونهم ويثنون عليهم، ويدافعون عنهم، ويتحصنون بحصونهم ويثنون عليهم، ويدافعون عنهم، ويتحصنون بحصونهم المنيعة. ويرشقون من خلالها المسلمين، مما يؤكد أنهم يرون المتحاكمين إلى الطاغوت خيراً من معاوية.
وبما أنهم لم يصدروا بياناً بفسقهم، ولم يكرهوا ذلك منهم، بل أثنوا عليهم: كان الحكم فيهم أنهم طائفة منافقة توالي أعداء المسلمين، قال تعالى {وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} والمرء يُحشر يوم القيامة مع من أحب. وهذا يؤكد ما قلته من أن السمة الواضحة في هذه الفرقة أنهم "أذلة على الكافرين: أعزة على المؤمنين".
ولقد بلغني أن مرشحهم الآخر "طه ناجي" كان يتنقل بين مدن شمال لبنان النصرانية: إهدن وبشري وزغرتا، وكان يعد إخوانه الذين كفروا ن أهل الكتاب (النصارى) بالقضاء على الأصولية الإسلامية ويحثهم على إعطائه أصواتهم ومنحه ثقتهم حتى كسب بهم ما يزيد على 17000 صوتاً لكنه مع ذلك لم يُكتب له النجاح. وهذا يؤكد ما قلته من أن السمة الواضحة في هذه الفرقة أنهم "أذلة على الكافرين: أعزة على المؤمنين".
فتنة اليوم دليل على فتنة كُلُب الأمس
فهذا الود والتقارب - مع ما سنطلعك عليه من تكريم للكفار وكثرة دعواتهم - وهذا التنسيق الغير عادي بين جمعية إسلامية التوجه وبين النصارى وغيرهم من الملل إلى درجة تبادل الأصوات بينهم مع عدم تسامح هذه ا لجمعية أو تنازلها أو تقاربها مع كثير من المسلمين لأعظم دليل على صدق ما تحدثنا عنه حول "فتنة كُلُب" هذا الماضي الخياني لشيخهم الذي كان يتآمر مع الكفار ضد الجمعيات الإسلامية. هذا الماضي الخياني العريق الذي عرف أعداء المسلمين كيف يستغلونه غاية الاستغلال.
لا مجال للتنصل من فتنة بالأمس نراها تتكرر اليوم.
نماذج من تكريم الكفار
ونذكر مجموعة من الاحتفالات التي أقامتها هذه الجمعية باعتراف مجلتهم:
* أقامت جمعية المشاريع [منار الهدى (!) عدد 4 السنة 1993 ص 37-38]حفلة في قصر فرساي حضره أغوب جوخارديان ووزير الثقافة ميشال ادة الذي ألقى كلمة قال فيها "إن بث الخير بين الناس والعمل بتقوى الله، وأداء الواجب وتجنب المحرمات هي قيم ترسخها جمعية المشاريع" وأضاف إده "دور جمعية المشاريع ليس في بناء الإنسان فحسب، بل في إبراز الدور الطليعي للثقافة العربية ماضياً وحاضراً ومستقبلاً".(65/45)
وقال ميشال اده "والله أنا أعرف جمعية المشاريع جيداً وأتابعكم منذ زمان ورغم أن هناك جمعيات كثيرة لكن أنتم نشيطون جداً وأنا أسمع عن سماحة الشيخ نزار حلبي وهو رجل محترم جداً والله يوفقه" [منار الهدى (!) عدد 5 ص33]. وقال خاتشيك بابيكيان "إذا كانت الجمعية حققت ما حققت فيكون الفضل دائماً للرئيس، فهنيئاً للشيخ نزار حلبي بما عمل وما يبذل في سبيل لبنان وشعبه" [منار الهدى (!) عدد 5 ص33]. وقال النائب بيار حلو "إن الدور الذي تضطلع به جمعية المشاريع الخيرية الإسلامية هو دور أساسي" [منار الهدى (!) عدد 5 ص33].
وأنا أسأل ما هو الدور الأساسي الذي تضطلع به هذه الجمعية في نظر نصراني لا يمت إلى الإسلام بصلة! وما سبب إعجابه بهذا النشاط؟!
لا شك أن الأحباش لن تجمعهم بالنصارى وحدة الدين وإنما تجمعهم راية العروبة ولبنان العربي وهو ما يريد العلمانيون به أن يكون بديلاً عن الإسلام. لأن النصارى والمسلمين لن يجتمعوا وين يلتقوا على شعار الدين وإنما سيتفرقون بسببه. فلا حل إلا بشعارات العروبة العلمانية. وشعار ((وحدة المصير العربي)) ولذا فلا وصف أصدق في جمعية المشاريع إلا هذا الوصف ((جمعية أنصار العلمانية)).
* وفي السنة 1994 أقامت الجمعية احتفالاً مماثلاً [منار الهدى (!) عدد 17 ص 41] دُعي فيه عدد من الشخصيات السياسية النصرانية برعاية ميشال إده وزير الثقافة اللبناني وألقى كلمة في الحفل قال فيها "تطيب لي مشاركتكم في هذا الاحتفال الذي تقيمه جمعية المشاريع الإسلامية . . . وأتمنى لها المزيد من التقدم على طريق تعزيز الحوار والتفاعل مع كل شبابنا اللبناني".
* وقام مندوب جمعية المشاريع في البقاع أسامة السيد بزيارة إلى إيلي فرزلي نائب مجلس النواب بهدف تمتين الجبهة الداخلية وتوحيد الجهود [منار الهدى (!) عدد 13 ص 56]. ولعلك تسأل ما هي الجبهة الداخلية التي يجتمع لتمتينها مع سياسي نصراني؟ وكذلك زار الطربلسي والحلبي نبيه بري للهدف نفسه [مجلة منار الهدى (!) عدد(10) ص6].
* وفي مقابلة مع نائب الأحباش عدنان الطرابلسي اعترف بأن الأحباش قد أعطوا أصواتهم للمسيحيين أثناء انتخابات لبنان كما أن المسيحييين بادلوهم هذه المودة فأعطو 16000 صوتاً من أصواتهم لطه ناجي مرشح الأحباش في الشمال لكنه فشل في الانتخابات [مجلة الأفكار عدد 531 صفحة 13].
* وبمناسبة افتتاح مدرسة الثقافة الحبشية استضافت الجمعية: جان عبيد، سليم حبيب اسطفان الدويهي نائلة معوض (زوجة زينيه معوض) وغيرهم من النصارى [منار الهدى (!) عدد 6 ص 58] ليباركوا لها عملها (الإسلامي)!.
* وفي 15 حزيران 1993 أقامت جمعية المشاريع حفلة في فندق كارلتون بمناسبة مرور 132 سنة على تأسيس الشرطة برعاية وزير الداخلية بشارة مرهج (نصراني) حضرها كثير من شخصيات النصارى منهم: يوسف المعلوف نسيب لحود هاغوب جوخدريان حبيب حكيم.
* وفي مناسبة افتتاح معرض جمعية المشاريع للأشغال [منار الهدى (!) عدد 6 ص 59] كانت زوجة نبيه بري (رئيس مجلس النواب - شيعي) راعية المعرض التي أشادت بجهود جمعية المشاريع. واستضيفت نساء وزوجات شخصيات نصرانية منهن: عقيلات كل من جان عبيد فايز غصن نايلة معوض.
* كما افتتحت جمعية المشاريع معرضاً آخر، وكان هذه المرة برعاية عقيلة وزير الثقافة ميشال سماحة (السيدة) غلاديميس سماحة. وكان حفلاً كبيراً قالت فيه "إني أرى بعيني ما سمعته عن أعمالكم المزدهرة في خدمة متمعنا ووطننا، أطلب من الله أن يشد أزركم ويكثر من أمثالكم في لبناننا الحبيب [منار الهدى (!) عدد 16 ص 37 وأدعو القراء إلى البحث عن هذا العدد والاطلاع على ما فيه من تزلف أهل الكفر والتودد إليهم].
* وبمناسبة مرور خمسين عاماً على عيد الاستقلال أقامت الجمعية حفلاً برعاية سليمان فرنجية وزوجته ماريان فرنجية وتخلل الحفل النائب اسطفان الدويهي ومجموعة من الشخصيات النصرانية [منار الهدى (!) عدد 15 ص 35].
* وحتى الإفطارات الرمضانية يستضيفون فيها النصارى وقساوستهم وكأن النصارى يصومون رمضان ففي منتجع الناعورة أقامت جمعيتهم حفل إفطار حضره المطران بندلي والمقدم سركيس تادروس ونايلة معوض. وتخلل هذا الحفل (كالعادة) تعريض وطعن بالجماعات الأخرى التي يسميها الإحباش (إرهابية متطرفة).
* وفي 12 آذار 1993 أقامت الجمعية حفل إفطار أخر حضره النواب: إيلي فرزلي، نقولا فتوش جورج قصرحي جوزيف سمعان روبير غانم خليل الهراوي إيلي سكاف [منار الهدى (!) عدد 7 ص 67]. وبالطبع لم يكونوا صائمين.
* وفي أقليم الخروب أقاموا حفلاً بمناسبة المولد استضافوا فيه المطران حلو والنائب انطوان كسرجيان [منار الهدى (!) عدد 12 ص 35-39].
* وتعرض سمير القاضي لحادث إطلاق النار فسارع المطران الياس نجمة وجان عبيد وسليمان فرنجية ونائلة معوض وإيلي فرزلي وخليل هراوي لزيارته والاطمئنان على صحته [منار الهدى (!) عدد 2 ص59 ويلاحظ تواجد أصحاب هذه الأسماء الدائم النصرانية عند الأحباش لكل مناسبة].(65/46)
* وقام نائب الأحباش مع وفد من جمعية المشاريع بزيارة وليد جنبلاط، وأبدى هذا الأخير تقديره لنشاطات جمعية المشاريع، وأثنى على جهودها ثم تبرع تبرعاً عينياً بمبلغ 35000 ألف دولار لإقامة مدرسة تابعة للأحباش [منار الهدى (!) عدد 16 ص8].
* وأرسلت جمعية المشاريع وفداً تابعاً لها في مدينة استراليا إلى المطار لاستقبال رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري (شيعي) ثم أعدت له حفلاً تكريمياً كبيراً في مركزها في مدينة سيدني غير أنه اعتذر عن حضور الحفل الذي أقاموه تكريماً له [منار الهدى (!) عدد 13 ص 58-59].
* وأحيل إلى بعض مواقفهم المخزية في مجلتهم.
العدد (1) 31 ، 32 ، 33 ، 34 .
العدد (2) 16، 32، 33، 34، 65، 66 .
العدد (9) 7، 14، 20 ، 21 45، 46 .
العدد (11) 6 .
العدد (13) 11، 56 .
العدد (14) 6، 12، 14، 15، 35، 36، 37، 38، 39، 48.
العدد (16) 31، 36، 37، 38، 39، 40، 41، 42، 43، 44، 45.
العدد (17) 16، 17، 58 .
العدد (18) 6، 20 - 25، 36 - 42، 50 - 52، 63 .
ولكن . . . كيف صدق النصارى وغيرهم أن هذه الجماعة تتسم بالاعتدال والمرونة وقد أفتى شيخهم بجواز سرقة جاره إن كان نصرانياً أو يهودياً. فقد سئل الحبشي عن ما يلي [شريط 3 وجه ب (709)]. "يا شيخنا: السرقة في الإسلام حرام. هل يجوز لنا أن نسرق أموال الكفار. فقال الحبشي الكفار أقسام منه الحربيون ومنهم الذميون ومنهم المعاهدون. فقال السائل: مهما كان: جار بلد. قرية كفار بجانب قرية مسلمين: يذهب بعض شباب المسلمين فيسرقون من أموالهم من بقر وغيره وزرع: حلال أو حرام؟ فقال الحبشي "إن كان ذلك يسبب فتنة فلا يجوز".
أهل اعتزال لا اعتدال
ولا يزالون يصفون أنفسهم بأنهم (أهل الاعتدال) حتى زعم رئيس تحرير مجلتهم أن السر في الأحباش أنهم معتدلون حتى الموت" [مجلة منار الهدى (!) عدد 12 ص4] والمسلمون لم يروا منهم إلا التحيز والإساءة والبطش حتى الموت.
وهكذا كان (أهل الاعتزال) يصفون أنفسهم بـ (أهل العدل) ويجعلون من (العدل) أحد أصولهم الخمسة، تلبيساً على الخلق. لكن ذلك لم يغن عنهم شيئاً، كما لم يغن عنهم لعبهم على حبل السلاطين شيئاً، مكروا فمكر الله بهم وإذا بالسلطان يتغير ثم كانت نهايتهم.
والأحباش اليوم على شبههم:
فإنهم شبيهون بهم في موقفهم من أسماء الله وصفاته كما أوضحت ذلك بالدليل. شبيهون بهم في موقفهم من علماء السنة وأهل الحديث.
شبيهون بهم في مواقفهم من السلاطين، واستغلال عصا السلطان في نشر عقائدهم الفاسدة وإيذاء المخالفين وإجبارهم على اعتناقها.
تجملوا اليوم لهم ما شئتم وأقيموا لهم موائد الإفطار كما شئتم فإن رضاهم عنكم لن يغني شيئاً، كما أنكم لا تريدون بذلك وجه الله بل في ذلك سخطه عليكم لأنكم تتزلفون إلى غير المسلمين. ولقد قال رسول ا صلى الله عليه وسلم "من أرضى الناس بسخط الله سخط الله عليه وأسخط عليه الناس. ومن أسخط الناس برضا الله رضي الله عليه وأرضى عنه الناس". لكن العصا ستنقلب يوماً عليهم، وسينقلب السحر على الساحر إن شاء الله. قال تعالى {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ}.
دعاة إلى الإسلام أم إلى العروبة!!!
وإننا في الوقت الذين نعلم فيه سلبية هذه الفرقة الجديدة على المسيرة الإسلامية ((السنية)) في لبنان يلاحظ المراقب لهم أنهم في تصريحاتهم ومقابلاته يركزون على مادة "العروبة" والأمة العربية ولبنان العربي.
* قال عدنان الطرابلسي النائب عن الأحباش في البرلمان (مجلة الشراع 7/9/1992) "لا مانع من أن يكون هناك صلح مع إسرائيل ولكن المطلوب أن يكون لنا "كشعب عربي" حقوق نطالب فيها ضمن "الإجماع العربي" وأنا بدون تحفظ مع هذا الإجماع، وأنا مع الكتلة العربية كاملة: يهمنا المصلحة العربية العامة الشاملة" (مجلة الأفكار 62/9/1992).
* وقال حسام قراقير نائب رئيس جمعية المشاريع في مقابلة أجرتها معه جريدة السفير (19/10/1992) "نحن مع الإجماع العربي" فإذا ما حصل "إجماع عربي" على إنهاء الحرب مع اليهود فنحن مع هذا الإجماع".
* وقال نزار الحلبي "وصل مرشحنا الدكتور عدنان طرابلسي بالرعاية والعناية الإلهية ليرفع في البرلمان مع الأخوة الوطنيين الطيبين هوية لبنان العربي".
*فماذا وراء الدعوة إلى العروبة ومن وراءها؟ ولماذا تكلف جمعية إسلامية نفسها حمل هذه الشعارات وتمثيل أبنائها في البرلمان؟ ومن هم الإخوة الوطنيون الشرفاء من أبناء الوطن؟!
* إننا لسنا ضد العروبة فنحن عرب وكتاب ربنا نزل باللغة العربية ونبيا r عربي، غير أننا نرفض هذه الشعارات الاستهلاكية الكاذبة يرفعها حتى النصارى وغيرهم من غير المسلمين والتي ما أغنت عنا شيئاً، وإنما رُفِعَت لتكون بديلاً عن الهوية الإسلامية وشعار الإسلام. والتي يروج له ويدندن حولها أناس زعموا أن منطلقاتهم إسلامية.(65/47)
* فالشعب العربي مئة مليون بينهم 15 مليون نصراني، أما الأمة الإسلامية فإنها تقارب المليارين، يشكل العرب نسبة 5% منهم فقط. إنها شعارات كاذبة أشغلت المغفلين عن الاهتمام برقع شعار لا إله إلا الله. إنها حق يراد به باطل. إنهم يريدون من المسلم أن يفتخر بأي شيء، أن يتبنى أي شعار: إلا شعار الإسلام.
* إنه شعار طُرح ليكون بديلاً عن شعار الإسلام. إنه شعار يجرح إخواننا المسلمين من غير العرب الذين يربطنا بهم رباط الأخوة في الدين قبل كل شيء.
* ثم لماذا هذا الحرص على ترداد شعارات الصلح مع اليهود؟ لماذا لا يحرصون على رفع شعار الحرص مع الحركات الإسلامية التي يسمونها "أصوليين"؟! أليسوا أولى بالصلح ولين الجانب من "الأصوليين" اليهود الذين شيدوا بناء دولتهم على مبادئ التوراة والتلمود، والتي عزلوا عنها العلمانيي، وهاهم اليوم يسعون لطرد وزيرة في الحكومة لاكتشافهم توجهاتها العلمانية. أيليق بنا بعد هذا الموقف اليهودي من العلمانية أن ندافع نحن عنهم؟!
* إن وراء هذه الفرقة جهات تمدها بالدعم وتدفعها نحو عالم السياسة لما رأت فيها من تيار يعادي المسلمين باسم الإسلام ويتربص بالدعاة ويتعرض لهم بالأذى بدعوى محاربة الأصولية ويعلن الاستعداد للصلح مع اليهود. وما زالوا يتهيأون للقيام بدور ما أعظم مما فعلوه حتى الآن.
هذا ما أردت بيانه عن هذه الطائفة. ومن أراد التفصيل والتوسع فليرجع إلى كتابي (بين أهل السنة وأهل الفتنة) وكتابي (شبهات أهل الفتنة وأجوبة أهل السنة) وكتابي (الرد على عبد الله الحبشي) وكتاب (الرفاعية) فقد كشفت في هذه الكتب بالتفصيل عن حقيقة الدور الذي يلعبه الحبشي في فتنة المسلمين عن السنة ومعاداتهم لأهلها وركوبهم البدع في الدين وإيقاعهم في شتى أنواع الانحرافات. وإنني أدعو من يملك معلومات ووثائق عن هذه الفرقة المراسلة على صندوق البريد 20360 - الرياض 1145 - المملكة العربية السعودية .
والحمد لله رب العالمين.
فتاوى الحبشي
القرآن ليس كلام الله عند الحبشي
يرى الحبشي أن القرآن ليس من كلام الله لأن الله منزه عن الكلام. وأن المنشئ الحقيقي لألفاظ القرآن هو جبريل وليس الله. واستدل على ذلك بقوله تعالى {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ} أي قول جبريل، وكذلك قوله تعالى {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ}" [إظهار العقيدة السنية 58-59]. والمعنى اقرأ يا محمد قرآن جبريل.
الله عند الحبشي ليس على كل شيء قدير!
وقال في قوله تعالى {إِنَّ اللَّه عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} بأن هذه الآية "لا تعني أن الله على كل شيء قدير، لأن (كل) لا تفيد التعميم هنا، فيصير قادراً على نفسه، وإنما المعنى أن الله قادر على أكثر الأشياء وليس على كل شيء قدير. ولأن الله غير قادر على الظلم، لأن الظلم ممتنع على الله" (إظهار العقيدة السنية 40 بشرح العقيدة الطحاوية).
وقد صرح أحد أتباعه (جميل حليم) بأن الله غير قادر على الظلم، فلو أراد أن يظلم ما استطاع. وأن من قال إنه قادر على الظلم ولكنه لا يفعل: هو قول المعتزلة، قال "فإن القدرة على الظلم إنما تتصور من المخلوق" "وقد أجمعت الأمة الإسلامية على تكفير من نسب القدرة على الظلم إلى الله واتفقوا على كفر من يقول: الله يقدر على الظلم ولكن لا يفعل" (مجلة منار "الهدى" 23/29).
* وهذا يتعارض مع قوله تعالى "يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي" فتحريم الظلم على نفسه دليل قدرته عليه، ولو كان غير قادر عليه لما كان للتحريم معنى
الحبشي يصف الأئمة بأنهم لا عقول لهم
تواتر طعن علماء الأمة بمخلفات العلوم اليونانية القديمة واسمه (علم الكلام) وذموا من اشتغل به وعدون من المبتدعة كما يأتيك تفصيله (ص 97).
يؤكد ذلك فتوى السيوطي التي أجاب فيها بقول المزني حين سأله رجل عن علم الكلام فقال: أكره هذا بل أنهى عنه كما نهى عنه الشافعي، فلقد سمعته يقول: سئل مالك عن الكلام والتوحيد فقال "محال أن نظن ب صلى الله عليه وسلم أنه علّم أمته الاستنجاء ولم يعلمهم التوحيد، والتوحيد ما قاله صلى الله عليه وسلم "أُمِرتُ أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله. فما عصم به الدم والمال هو حقيقة التوحيد". قال السيوطي "هذا جواب مالك عن هذا السؤال وبه أجبت" [الحاوي للفتاوي 2/129 سير أعلام النبلاء 10/16-26 حلية الأولياء 9/111].
غير أن الحبشي ذمهم ووصفهم بأنهم لا عقول لهم [إظهار العقيدة السنية 22]، فقال :
عاب الكلام أناسٌ لا عقول لهم وما عليه إذا عابوه من ضرر
تعليم الشرك باسم التوحيد
* الحبشي يعلم الناس الاستغاثة والاستعاذة بالأموات ويزعم أنهم يخرجون من قبورهم لكشف كرب الداعي. قال "وليس مجرد الاستغاثة بغير الله ولا الاستعاذة بغير الله يعتبر شركاً كما زعم بعض الناس [بغية الطالب 8 صريح البيان 57و58]" فلا الاستغاثة بغير الله ولا الاستعاذة بغير الله تعتبر عنده شركاً!.
بل حتى السجود للصنم لا يعتبر عنده شركاً وإنما كبيرة من الكبائر فقط. وهذا مسجل عليه بصوته (شريط الحبشي 3/640).(65/48)
* وسئل عمن يستغيث بالأموات ويدعوهم قائلاً: يا سيدي بدوي أغثني يا دسوقي المدد قال "يجوز أن يقول: أغثني يا بدوي ساعدني يا بدوي" قيل له: لماذا يقول يا عبد القادر يا سيدي بدوي ولا يقول يا محمد؟ قال "ولو" أي ومع ذلك فهو جائز. لكن تركُهُ أفضل [شريط خالد كنعان وجه 2 عداد (70].
* قيل له: أن الأرواح تكون في برزخ فكيف يستغاث بهم وهم بعيدون؟ أجاب "الله تعالى يكرمهم بأن يسمعهم كلاماً بعيداً وهم في قبورهم فيدعو لهذا الإنسان وينقذه، أحياناً يخرجون من قبورهم فيقضون حوائج المستغيثين بهم ثم يعودون إلى قبورهم. ثم أخذ يدافع عن ذلك بشتى الأحاديث الضعيفة والموضوعة.
الاستغاثة بغير الله من سنن النصارى والشيعة
* إن الدفاع عن الاستغاثة بغير الله إنما هو دفاع بالدرجة الأولى عن الشيعة الذين يستغيثون بالحسين ويقولون (يا حسين) وعن النصارى القائلين (يا مسيح يا عذراء). إنه لتناقض صارخ أن يستنكر المسلم قول النصراني (يا مسيح) وقول الشيعي (يا حسين يا مهدي). ويرتضي لنفسه أن يقول يا رفاعي يا بدوي يا جيلاني. وقد قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ}.
* وقا صلى الله عليه وسلم "ادعُ إلى الله وحده الذي إن مسّك ضرٌّ فدعوته كشف عنك. والذي إن ضلَلْتَ بأرضٍ قفرٍ ردّ عليك، والذي إن أصابتكَ سنة [أي قحط وجفاف] فَدَعَوتَه أنْبَتَ عليك" [رواه أحمد 5: 64 بسند صحيح] وعلّمنا r أن نزور القبور وندعو لأصحابها لا أن نطلب الدعاء منهم، قال الطحاوي "وفي دعاء الأحياء منفعة للأموات" [العقيدة الطحاوية 256] وقد انقلب الأمر اليوم فصار دعاء الأموات منفعة للأحياء وصار الحي يذهب إلى الميت يطلب منه الدعاء! [هذا هو التوحيد الذي يتلقاه الناس عن الحبشي: استغاثة واستعاذة بغير الله!].
هل ينفعونكم أو يضرون
وصرّح الحبشي أن الله جعل الأولياء أسباباً لنا لندعوهم ونستغيث بهم، وأن ذلك يجوز من الموحِّد ما دام يعتقد أن الضرّ والنفع بيد الله. قال:
"وليس مجرد الاستعاذة بغير الله تعتبر شركاً، أما إن كان يعتقد أن غير الله ينفع أو يضر من دون الله فقد وقع في الشرك". واحتج بحديث الحارث بن حسان البكري "أعوذ بالله ورسوله أن أكون كوافد عاد" [الدليل القويم 173 صريح البيان 62 المقالات السنية 46]. وهو حديث ضعيف يتعارض مع قول الله {وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ} ويتعارض مع قوله {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الْإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا}. وهذا باطل فإذا كان الموحّدُ يعلم أن الضرّ والنفع بيد الله فلماذا يدعو من لا يملك هذا النفع والضر؟ وقد قال تعالى {وَلاَ تَدْعُ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَنفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِّنَ الظَّالِمِينَ} أي المشركين [يونس 106]. ويعارضه ما ذكره الحبشي عن علي رضي الله عنه أنه قال" لقنني رسول ا صلى الله عليه وسلم هؤلاء الكلمات، وأمرني إذا أصابني كرب أو شدة أن أقولهن: لا إله إلا الله الحليم الكريم، سبحانه وتبارك الله رب العرش العظيم" [الدليل القويم 229] فلم يأمره أن يستغيث بالقبور وإنما علمه اللجوء إلى الله وحده.
أهل الكلام هم المشبهة
* لقد غلا أهل الكلام في (التنزيه) حتى عطّلوا الصفات خوفاً من التشبيه (زعموا)، وكفاهم تشبيهاً أن يجعلوا للأولياء ما يختص بالرب من الاستغاثة والاستعاذة، يحثونهم على الاستغاثة بهم من دون الله. وكأني بهم يقولون يوم القيامة {تَاللَّهِ إِن كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ 97 إِذْ نُسَوِّيكُم بِرَبِّ الْعَالَمِينَ 98 وَمَا أَضَلَّنَا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ}.
الحبشي داعية إلى سنن النصارى
كيف جاز عند الحبشي دعاء غير الله ولم يَجُز عنده الصلاة لغير الله مع أن الصلاة معناها الدعاء أيضاً؟ هذا تناقض. فليجوّزوا الصلاة لغيره حينئذ؟ أو أن لا يفرّقوا بين دعاء ودعاء.
* أن كل الآيات التي أنكرت على المشركين دعاءهم لغير الله اعتبرتها عبادة مصروفة لغير الله وإن كانت بلا ركوع ولا سجود. دليل ذل: قول إبراهيم لقومه {وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ} ثم عقّب الله بحكمه على ذلك فقال {فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ}.
* {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَن لَّا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَومِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَن دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ} وهذه صفات مشتركة بين الأصنام والقبور. وقال عن أصحاب القبور {إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ}.(65/49)
* وهكذا صرف الله قلوب منكري علوّه في السماء إلى أسفل سافلين فتوجهوا بالدعاء إلى أعماق الأرض إلى الحُفَر حيث الموتى. وصارت آمالهم معلقة بالأرض هناك بعدما انتكست فِطَرُهُم عن التوجه إلى الله في السماء، وهكذا صرفهم الله {صَرَفَ اللّهُ قُلُوبَهُم بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُون}.
* وهو داعية إلى سنن النصارى يدعو إلى التبرك بالأحجار [صريح البيان 58 إظهار العقيدة السنية 244] وقد شهد الغزالي أن مسّ القبور والجدران للتبرّك بها من سنن النصارى، قال "ولا يمس قبراً ولا حجراً فإن ذلك من عادة النصارى" [الإحياء 1: 259 و 4: 491 البيجوري على ابن قاسم 1: 277] وقال "ولا يمس قبراً ولا حجراً فإن ذلك من عادة النصارى" [الزواجر عن اقتراف الكبائر 1/244] وقال ابن حجر الهيتمي (الكبيرة الثالثة والتسعون) اتخاذ القبور مساجد وإيقاد السُرُج عليها واتخاذها أوثاناً والطواف بها واستلامها" [الزواجر عن اقتراف الكبائر 1/244].
الحبشي في الإيمان من المرجئة
يرى الحبشي أن الإيمان هو مجرد اعتقاد في القلب وأنه لا يُشترط لصحة إسلام المسلم النطق بل يكفي الاعتقاد [الدليل القويم 7] أما الداخل في الدين فيشترط له النطق ولو مرة في العمر". وقد تجاهل عقيدة الشافعي وأهل السنة حيث أجمعوا على أن "الإيمان قولٌ وعملٌ يزيد وينقص" [سير أعلام النبلاء 10/32] احتجاجاً بالآية {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} ثم قال "ليس على المرجئة أحجّ من هذه الآية" [فتح الباري 1: 47].
* قال الحبشي "فمن لا يؤدّي شيئاً من فرائض الله، ولا يجتنب شيئاً من المحرمات، لكنه قال ولو مرة في العمر: لا إله إلا الله فهذا مسلم مؤمن. ويقال له أيضاً مؤمن مذنب، وأن "استحضار بقية الإسلام كالصلاة والصيام ليس بشرط في تحقق الإيمان" [الدليل القويم 9 و10 بغية الطالب 51 شريط 6/15] وهو يحاكي بذلك مذهب المرجئة.
* قال الحافظ "المرجئة قالوا: إن الإيمان هو قولٌ واعتقاد فقط. والكراميّة قالوا هو نطقٌ فقط. والسلف قالوا: هو اعتقاد بالقلب ونطقٌ باللسان، وعملٌ بالأركان. وقال البخاري رحمه الله: لقِيتُ أكثر من ألف رجل من العلماء فما رأيت أحداً منهم يختلف في أن الإيمان قولٌ وعملٌ ويزيد وينقص [فتح الباري 1: 46 و47] وأوصى الشافعي البويطي أن لا يصلي وراء ثلاثة، منهم: المرجئ الذي يقول الإيمان قول فقط، وقال البغدادي "وإنما سُمُّوا "مرجئة" لأنهم أخَّروا العلم عن الإيمان" [سير أعلام النبلاء 10 /31 الفرق بين الفرق 202]. فكيف يزعمون أن الحبشي المرجئي متمسك بمذهب الشافعي في حين ينهى الشافعي عن الصلاة وراء المرجئة!
* وهل يريد هذا الرجل من الناس أن يكونوا مسلمين بلا إسلام. لا يضرهم في دينهم أن يتحاكموا إلى الطاغوت بمعزل عن كتاب الله وسنة نبيه ويفعلوا المحارم ويتركوا الفرائض ومع هذا فلا مانع من أن يُمنحوا صفة الإسلام والإيمان! هل أنزل الله الكتب وأرسل الرسل إلا ليعمل الناس بها ويتحاكموا إليها؟
الحبشي ومذهب الجبرية
يرى الحبشي:
* أنه "لا دخل لمشيئة العبد إلا في الكسب" [الدليل القويم 94]. يعني مشيئته أن ينال الفعل فقط!.
* وأن جميع أفعاله من خلق الله لا تأثير لقدرة العبد.
* وأنه يجب على المكلف أن يرضى عن الله في تقدير الخير والشر فالمعاصي من جملة مقدورات الله ومقتضياته" [بغية الطالب 270 الدليل القويم 85].
* وأن الله قد اضطر الكافر على الكفر. وأنه لولا الله ما استطاع الكافر أن يكفر [النهج السليم شرح الصراط المستقيم 67 بخط تلميذه عبد الرزاق الحسيني. صريح البيان 43] وهذا مذهب الجهمية.
* وأثنى على الرازي حين قال بأن الإنسان مجبور في صورة مختار [معالم أصول الدين]. واعتبره من أفضل الأقوال وأكثرها إنصافاً [إظهار العقيدة السنية].
الحكم بغير ما أنزل الله
قال الحبشي بأن من لا يريدون إقامة دولة تحكُم بالإسلام - وإنما يريدون إقامة دولة علمانية - بأنهم أناس مسلمون ومؤمنون، ومساعدتهم تجوز [شريط (1) عداد (318) الوجه الأول] وأن المسلم الذي لا يحكم بشرع الله وإنما بالإحكام العرفية التي تعارفها الناس فيما بينهم لكونها موافقة لأهواء الناس متداولة بين الدول أنه لا يجوز تكفيره" [بغية الطالب 305] ويقول "فمن لم يحكم شرع الله في نفسه فلا يؤدي شيئاً من فرائض الله ولا يجتنب شيئاً من المحرمات، لكنه قال ولو مرة في العمر: لا إله إلا الله: فهذا مسلم مؤمن. ويقال له أيضاً مؤمن مذنب [الدليل القويم 9 - 10 بغية الطالب 51].
* ما أسعد العلمانيين بهذا الكلام وكم يحتاجون إلى مثل هذه الفتاوى التي لا تفيد إلا تعزيز حكم العلمانية بدل القرآن! وتُمكّنهم من رقاب المسلمين.
وسقط القناع(65/50)
نعم؛ لقد بدأ يظهر السبب الذي أنشئت هذه ا لطائفة من أجله، لقد قال نائبهم بالبرلمان في احتفال الملعب البلدي "لا لهذه الأصولية التي تكفّر حكّام العرب المسلمين لمجرد أنهم حكموا بالقانون من غير أن يعتقدوا أن القانون خير من القرآن".
هاهم يرددون شعارات الغرب ضد الإسلام يوصفون المسلمين بـ "الأصوليين" يكفلون للمتحاكمين بالطاغوت بذلك غطاء دينياً بحجة أنهم بالرغم من تحاكمهم بالطاغوت يعتقدون أن القرآن خير منه.
إن هذه موالاة صريحة ومكشوفة أظهرهم الله بها على حقيقتهم. ولعلها تكون إن شاء الله أحد أهم أسباب تخلي الناس عنهم بعد أن كانوا مخدوعين بهم.
* ولو سلمنا أن الحاكم بغير ما أنزل الله لا يكفر وإنما يفسق ما دام يعتقد أن القرآن أفضل منه، فإننا نطالب الأحباش على الأقل أن يصرحوا بفسق المتحاكمين بغير ما أنزل الله. تماماً مثلما فعلوا في معاوية حين حكموا بفسقه من فوق منابرهم. من غير اعتبار منهم لشرف الصحبة.
* لكن الذي نراه هذه الأيام هو العكس فإن الأحباش يتولّونهم ويثنون عليهم، ويتحصنون بحصونهم المنيعة. ويرشقون من خلالها المسلمين، مما يؤكد أنهم يرون المتحاكمين بالطاغوت خيراً من معاوية.
* فإن لم يصدروا بياناً بفسقهم، بل أثنوا عليهم: كان الحكم فيهم أنهم طائفة منافقة توالي أعداء المسلمين، قال تعالى {وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} والمرء يُحشر يوم القيامة مع من أحب.
فتواه حول حكم شرب الخمر
وسئل عن حكم شرب الخمر فقال "عند بعض الفقهاء لا يجوز التداوي بالخمر في حل من الأحوال. يجوز عند بعضهم إعطاء المريض جرعة من الخمر لإساغة اللقمة بالنسبة لمن أصيب بالغصة، يجوز أن يسيغ اللقمة بالخمر، وقال بعضهم يجوز التداوي بالخمر إن لم يوجد دواء غيره" [شريط رقم 7 عداد 400].
فهذه فتوى ينشره هكذا أمام عوام الناس الذين لا يخفى ميلهم إلى الرخصة والتسهيل والاتكال على فتوى شيخ.
لا يمكن لرجل أوتي الحكمة أن يخاطب العوام بما يفتح لهم ذرائع الشر وأبوابه. ودليل ذلك أن هذا الرجل لم يذكرهم بقول صلى الله عليه وسلم "ما جعل الله دواءكم من حرام". ولكنه أحالهم على شواذ الفتوى.
اعتبر الأحباش ابن تيمية قائلاً بفناء النار لمجرد حكايته قولين للعلماء مع أنه صرح في عديد من كتبه أن القول بفناء النار بدعة الجهمية مخالفة للسلف. فماذا يقول الحبشي لو ألزمناه بأنه يتبنى القول بجواز شرب الخمر لإساغة اللقمة وماذا لو تكررت الغصة فشرب مع كل غصة كأساً؟
فتواه في كراهية الاستنجاء بالماء
يكره الحبشي أن يستعمل الرجل يده عند الاستنجاء ويرى ذلك أمراً قبيحاً لا يعجبه [شريط خالد كنعان (470) وجه أ] وكذلك استعمال الماء عند الاستنجاء يقول "وما يفعله بعض الناس عند الاستنجاء من الغائط من أن يأخذوا بالكف اليسرى ماء ثم يدلكوا به المخرج فذلك قبيح" [بغية الطالب 68 (طبعة جديدة 96)] وزعم أنه إذا أصاب بولُ الطفل يد أمه أثناء وضع الرقعة له (الحفايض) ترتكب بذلك كبيرة من الكبائر [شريط خالد كنعان 429/أ] مما أدى بتلميذاته إلى الإفتاء بوجوب لبس القفازات (الكفوف) أثناء عملية التغيير.
فتواه في جواز الصلاة بالنجاسة
غير أنه في المقابل يتساهل فيجيز الصلاة بالنجاسة [بغية الطالب 99-100 (طبعة جديدة 131-132)] ولو من بول الكلب أو عذرته، سواء كانت النجاسة على ثوب المصلي أو بدنه. فمن صلى بالنجاسة صحت صلاته لا فرق عند المالكية بين النجاسة المغلظة والمخففة وهذا الراجح من المذهب. فيجوز للمصلي الصلاة بما مسه ريق الكلب من ثيابه وبدنه وبوله وعذرته لأن دين الله يسر لا عسر". علّق الحبشي على هذه الفتوى قائلاً "انتهى الجواب بحروفه وهو نفيس جداً".
قال: ويسن تقديم الاستنجاء على الوضوء، فإن أخّر الاستنجاء إلى ما بعد الوضوء صح (بغية الطالب 134).
وبينما نراه يبيح الصلاة بالنجاسة يتناقض فيفتي بأن قشرة البرغوث أو القملة أو البقة نجسة نجاسة غير معفو عنها، قال: فلو صلى المصلي بشيء من ذلك فصلاته باطلة: علم بذلك أو لم يعلم" [بغية الطالب 87 (طبعة ثانية 119)].
جواز مقامرة الكافر لسلب ماله
وأجاز للمسلم سلب أموال الكفار ولو بطريق القمار، وذلك تقليداً منه لابن عابدين. قال "وكذلك لو باعهم ميتة أو قامرهم وأخذ منهم مالاً بالقمار فذلك المال طيب عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله". واستدل بمراهنة أبي بكر للمشركين يوم نزلت {1 غُلِبَتِ الرُّومُ 2 فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ} [صريح البيان 133-134]. وتجاهل قول الصحابي الراوي "وذلك قبل أن يُحرَّم الرهان" [البغوي 6/260 زاد المسير 6:70 الطبري 14/20].
فتواه في جواز مراهنته
وأفتى بجواز المراهنة، وإن حرّمه في الابتداء. وأن جواز ذلك يكون من المسلم في حق الكفار مستدلاً بمراهنة صلى الله عليه وسلم لركانة على غنم [صريح البيان 134 (الطبعة الجديدة 265 زعموا أنها الطبعة الأولى)] والرسولل قبل بمراهنة ركانة ثم ردّ عليه السلام على ركانة غنمه.
فتواه في جواز سرقته(65/51)
وسئل عن قوم عندهم مزرعة وجيرانهم غير مسلمين: هل يجوز سرقة زروعهم وبقرهم؟ فأباح ذلك للسائل بشرط أن لا تؤدي سرقته إلى فتنة [شريط 2 وجه ب (709)].
فتواه في جواز أخذ الربا
وأفتى بجواز أخذ الربا من الكفار. فقد سئل الحبشي عن حكم أخذ الربا في لبنان فقال "هذه دار حرب عند الإمام محمد بن الحسن الشيباني، عنده يكفي لكون الدار دار حرب: إظهار أحكام الكفر على وجه الاشتهار.
قيل له: إذن. أخذ الربا جائز؟ أجاب: عند محمد بن الحسن يجوز في لبنان وغيره من كل بلد يظهر فيها أحكام الكفر على الاشتهار [شريط خالد كنعان وجه أ 169].
سئل: هل يجوز لنا أن نعتمد على فتوى محمد بن الحسن؟ أجاب: يجوز لأنه إمام مجتهد.
سئل: البنوك الفرنسية في لبنان ليس فيها أجانب وإنما القائمون عليها مسلمون فهل يشترط أن يكون الموظف كافراً؟ أجاب ليكن الموظف كافراً.
سئل: هذا يصعب فإن موظفي البنك الفرنسي مسلمون أجاب: يوجد يوجد اطلبوهم يوجد مدير للبنك كافر ببيروت.
ثم زاد الأمر تسهيلاً أمام المكثرين من الأسئلة الذين يستدرجونه من أجل مزيد من الترخيص لهم فقال ((ووجود موظفين مسلمين لا يؤثر. إنما الشرط أن يكون مقاولك الذي تتفق معه كافراً. المهم أن تجري عقدك مع كافر)).
سئل: وهل يجوز أن يوكل رجل موظفاً مسلماً موظفاً في البنك فيقول وكلتك في فتح حساب مع موظف نصرني؟ أجاب: يجوز.
ثم قال تلميذه: فإن لم تجد في صيدا موظفاً نصرانياً: فإنك توكل الموظف المسلم أن يفتح لك حساباً في بيروت مع موظف نصراني. فوافق الحبشي قوله. وزاد: فإن وضعته فتكون وافقت مذهب هذين الإمامين الجليلين ما عليك حرج. والأحسن ألا تضع أموالك. فتتوكل على الله وتضعه في البيت فإن كتب الله عليه الضياع فلا بد من ذلك وإن حفظه الله يُحفظ. ولكن إن لم يكن عندك قوة على هذا التوكل فضعه في بنك ليس له مساهم مسلم بل يكون كل المؤسسين كفاراً، ضعه هناك وخذ عليه فائدة، هذا إن أردت أن تستفيد فإن تحققت الاستفادة فإنه يجوز" [شريط (3) ابتداء من الوجه الأول].
أخلاق اليهود
وهذا ليس من خُلُق الإسلام ولا من هدي نبينا صلى الله عليه وسلمبل هو من أخلاق اليهود الذي يقولون "لا تقرض أخاك بربا: للأجنبي تُقرِض بربا ولكن لأخيك لا تُقرِض بربا لكي يباركك الرب إلهك في كل ما تمتد إليه يدك في الأرض التي أنت داخل إليها لتمتلكها [التثنية 23: 19 وانظر أيضاً سفر التثنية 15: 1]. فأين هذا من أخلاق نبينا صلى الله عليه وسلموهل كان يعامل أعداءه بالربا؟
تحايله على الله
ثم نبه الحبشي السائل فيما لو قيل له: هذا المال الذي تعطيه للكافر: أليس هو يستفيد منه ويأخذ به الربا من مسلمين آخرين؟ فعلمه التحايل بأن يقول "أنا من عندي علم يقين بأن البنك سيأخذ مالي ويعطيه دينا للناس. بل يجوز أن يكون هذا البنك يأخذ مالي للتجارة أو يشتري به بضاعة، ليس عندي علم يقين، أنا أعرف أني وضعت مالي عنده وآخذ منه المبلغ الذي شرط لي كل شهر أو ثلاثة أشهر أو كل سنة". انتهى كلامه بحروفه وهو مسجل بصوته.
ولقد قام أحد أتباعه المقربين إليه (نزار حلبي) يحذر في إحدى خطبه من مشايخ السوء وأئمة الضلال، الذين يفتون بغير علم، ويحلون ما حرم الله ويحرمون ما أحل الله منتهزين فرصة الفوضى في لبنان فقال: قال ابن سيرين "إن هذا العلم دين، فانظروا عمن تأخذون دينكم".
قال: فلا يجوز لك إن سمعت فتوى خاطئة أن تقبلها وتقول هذه فتواه ولا علاقة لي.
قال الله تعالى {وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [شريط (3) 310 الوجه الأول].
ولكن: ماذا يقول في شيخه الذي استحل الربا وجعله كالبيع؟ هل يدفعه تعظيم هذه الآيات إلى تحذير الناس منه ومن فتاويه أم أنه سوف يلتمس له التأويلات؟؟
فتواه في حكم إتيان الخنثى في رمضان
* أفتى الحبشي أن إتيان البهيمة مفسد للصوم غير أنه أفتى بأن مجامعة الخنثى الذي لم يتبين كونه ذكراً أو أنثى في نهار رمضان لا يفطر لوجود آلتين فيه لم يتبين أيتهما الأصل فيه، أما الخنثى الذي اتضحت ذكورته أو أنوثته فإن الجماع في أحد قبليه مفطر (بغية الطالب 192 طلبعة جديدة 243) لكنه استدرك على نفسه قائلاً: إن جومع الخنثى الواضح بآلته الزائدة لا يفطر. بمعنى آخر: عليه أن يفحصه قبل إتيانه خوفاً من أن يفسد صيامه.
وهذا يلزم منه أن اللواط غير مفسد للصوم لأن مؤخرة الخنثى تعتبر عنده وعند من يجامعه آلة زائدة لا أصلية. ثم كيف تكون مجامعة البهيمة في فرجها مفطر عند الحبشي في حين مجامعة الخنثى لا تفسد الصوم؟!
فتواه في الزكاة
يرى الحبشي أن العملة الورقية المستعملة في هذا العصر كالدولار وغيره لا زكاة عليها لأنها ليست داخلة في قوله تعالى {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ} (بغية الطالب 160 - طبعة جديدة 207).
ووافق القول بعدم الزكاة عليها قائلاً "لا زكاة في الأثمان غير الذهب والفضة، لأن صلى الله عليه وسلم لم يذكر غيرها". انتهى [بغية الطالب 169].
فتواه في حكم أوراق اليانصيب(65/52)
في بادئ الأمر يحرم الحبشي اليانصيب على المكتفي الغني. وتبدأ مرحلة الاستدراج بالسماح للمحتاج أخذ ما يحتاجه مما ربحه اليانصيب ويوزع الباقي على المستحقين، فهذا المال بمنزلة المال الضائع ويجوز إنفاق المال الضائع على المرافق العامة للمسلمين [صريح البيان 136 وقد حذفوا الموضوع بكامله في الطبعة الجديدة وكذل موضوع بيع الصبي وشرائه].
فتاوى مجملة
* زعم أن الماء الخارج من فم النائم نجس، وأنه يجب غسل اللحم لإزالة الدم (بغية الطالب 121-122 طبعة جديدة).
* وزعم أنه يحب استقبال القبلة بكل البدن، فلا يجزئ ببعض بدنه (بغية الطالب 134 طبعة جديدة).
* ذكر أنه يسن تقديم الاستنجاء على الوضوء، فإن أخّر الاستنجاء إلى ما بعد الوضوء صح (بغية الطالب 68 طبعة جديدة 96).
* وأنه لا يجوز أن يقال لغير المميز "صلّ" (بغية الطالب 136 طبعة جديدة).
* وأنه يجوز دخول الحمام ولو كان فيه كشف للعورات، ولا يلزم الإنكار إلا في السوأتين" أي لا يُنكَر على من يصلي بالكلسون فقط وجسده كله مكشوف إلا من السوأتين فقط (بغية الطالب 139).
رؤية صلى الله عليه وسلم يقظة:
وسئل عن رجل رأى رسول ا صلى الله عليه وسلم في المنام ما حكم ذلك؟ فقال: بُشراه بأنه لابد أن يرى النبي حقيقة ولو عند الموت [شريط (3) 744 وجه 2].
وقد نقل الحافظ عن القرطبي أن هذا يلزم منه:
1 ) أن يكون من رآه صحابياً.
2 ) أن لا تنقطع الصحبة.
3 ) أن يسلم على القبر وليس فيه أحد [فتح الباري 12/385].
فتواه في حكم الكحول
فبينما يرى تحريم مادة الكحول - الاسبيرتو - لمن يقصدها للسُّكْرِ أو للوقود والتداوي: يفتي لمن يحتاجه للتداوي في الجروح والوقود ونحوها: أن يستعمل حيلة كأن يقول للبائع: بعن هذه الفنينة بكذا: ليس الاسبيرتو الذي فيها، فإني آخذه من غير مقابلة بهذا المبلغ، وإنما هو ثمن القنينة" قال "وهذه حيلة يراد بها التخلص من الحرام" [بغية الطالب 257 (طبعة ثانية 330)] لكنه لم يتكرّم علينا ببيان من الذي استُعملتْ في حقه هذه الحيلة. وهل كانت لتخفى عليه؟
ومن صور هذا التحايل: ما يفعله الأحباش ويفتون به وهو أنه يجوز النظر إلى المرأة غير مباشرة في المرآة أو من وراء الشاشة ولو بشهوة لأنه لا ينظر في حقيقة الأمر إلى زجاج وليس إلى المرأة. وممن أفتى به أيضاً الشيخ عبد وهو أنه يجوز النظر إلى المرأة غير مباشرة في المرآة أو من وراء الشاشة ولو بشهوة لأنه لا ينظر في حقيقة الأمر إلى زجاج وليس إلى المرأة. وممن أفتى به أيضاً الشيخ عبد الغني حمادة من مشايخ إدلب [كتاب (تعاليم الإسلام ص90 و321)].
ومن صور التحايل (التجحيش) ويتم بقصد إرجاع المرأة التي طلقها زوجها عن طريق زواج صوري شكلي يرضى أحد الوسطاء لنفسه أن يكون تيساً مستعاراً ويفتي بعض مشايخ السوء بجواز استعارته منهم الباجوري في حاشيته [حاشية الباجوري على ابن قاسم 1/154].
فتوى تعليق الصلبان لمجرد الخوف
غير أن للحبشي في هذه المسألة فتوى شنيعة أباح فيها لمن ذهب إلى بلاد الكفار أن يعلق صليباً إذا هو خاف على نفسه من أذاهم [الدليل القويم 155]. فالترخيص يحصل عنده بلبس الصليب لمجرد مظنة الأذى وليس عند حصول الأذى لإجباره على لبسه، وفرقٌ بين حصول الإكراه وبين مجرد توقعه.
فتاوى يستنكرها الحبشي
* وقد ضاق الحبشي صدراً بفتوى الشيخ فيصل مولوي بتحريم اقتناء التلفزيون في هذه الأيام. وأبدى انزعاجه من ذلك قائلاً "فعلى هذا ما سَلِمَ بيتٌ من بيوت المسلمين تقريباً من الحُرمة والمعصية".
* وكذلك أزعجه فتوى المولوي بأنه لا يجوز التكلم مع البنات من أجل الدعوة إلى الإسلام لأن حجة تبليغ الدعوة للنساء مدخل كبير من مداخل الشيطان. ثم عقب الحبشي قائلاً "وهذا الكلام مخالف لدين الله" ثم أخذ يسرد النقول لإثبات جواز الاختلاط. ثم قال "وهذا يبطل قول فيصل مولوي أن المرأة إذا تعلمت قيادة السيارة من رجل أجنبي مع وجود مَحرَمٍ لها أو رفيقة لا تَسلم من الإثم لكن أقل ذنباً بكثير من عدم وجود محرم. ويبطل ادعاء (مولوي) أن على المرأة أن تتعلم في مدارس خاصة بالنساء [النهج السوي 24 و42].
* واستنكر فتوى المولوي أنه يُنهى عن السفر إلى بلاد المشركين إلا لضرورة ماسة كطلب علم ونحوه. قال الحبشي معقباً "أيُّ آية أو حديث شرعي فيه ما ادعاه مولوي من هذا الحكم؟ فانظروا إلى هذا الرجل (فيصل مولوي) كيف حرّف دين الله" [النهج السوي 27].
* واستنكر من المولوي فتواه بحرمة النظر إلى المرأة الأجنبية سواء بشهوة أو بدون شهوة لعموم قوله تعالى {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ} قال الحبشي "فالعجب من رجل تزيّا بزي أهل العلم وتصدّر بمنصب قاضٍ للناس فإننا نطالبه أن يُظهر دليلاً [النهج السوي].
ونحن نسأل: أين الخلق الإسلامي أين السماحة النبوية؟ لنفرض أن المولوي أخطأ أهكذا يكون التعامل مع المخطئين؟
إن ردود الحبشي على المولوي في هذه المسائل لدليل على زيغه وجوره في الحكم وميله مع الهوى وعدم تفهمه لموضوع سد الذرائع وإغلاق وسائل الشر.
فتاوى وآراء الحبشي في المرأة(65/53)
قال الحبشي "الرسول قال لعلي "إن لك النظرة الأولى وليست لك النظرة الآخرة" ومعنى النظرة الأولى أن الشخص إذا وقع نظره من دون نية التلذذ إلى وجه امرأة: ما عليه ذنب لو استدام هذا النظر، لو ثبت عليه ليس حراماً" [بغية الطالب 224 (طبعة جديدة 280)] وليس في الحديث تعرض لتحريم النظر لو استمر واستدام بلا شهوة" [بغية الطالب 287 (طبعة جديدة 366)].
* ثم حكم بخطأ النووي في ترجيحه تحريم النظر إلى الوجه على الإطلاق" [بغية الطالب 288 (طبعة جديدة 367)].
* ويجوز عنده كشف شيء من (بدن) المرأة بحضرة من يحرم نظره إليها.
* ويجوز أن ينظر الرجل إلى شيء من بدن المرأة الأجنبية التي لا تحل له بلا شهوة [بغية الطالب 288 (طبعة جديدة 367)].
* ويجوز له النظر إلى محارمه من النساء مطلقاً ما عدا ما بين السرة والركبة إذا كان بغير شهوة. وأما من ذهب إلى أن العورة تزيد على ذلك أي فوق السرة وتحت الركبة فقوله ضعيف [بغية الطالب 290 حذفت هذه العبارة من الطبعة الجديدة].
* "ويحلّ النظر إلى الصبي أو الصبية اللذين دون سن التمييز إلى ما عدا فرج الأنثى فيحرم النظر إلى فرج الأنثى لغير الأم. وأجاز بعضهم ذلك لغير الأم أيضاً" [بغية الطالب 290 (طبعة جديدة 369)].
* وأفتى أن الحجاب يكون بستر لون الجلد والشعر (بغية الطالب 104 طبعة جديدة 137)، وبناء على هذا أفتى نزار حلبي بجواز لبس الجينز وهو السروال الضيق والسروال المعروف بال (فيزون) فقال "نعم! فتياتنا يتعطرن ويرتدين الجينز لأننا نجمع بين السترة والموضة" (جريدة المسلمون عدد 407 سنة 1992). ولهذا نرى نساء الأحباش يخرجن بزينتهن وروائح عطرهن إلى الشارع ويلبسن السراويل الضيقة (الجينز أو الفيزون).
فتواه بجواز خروجها رغماً عن إرادة زوجها
وأباح لها الخروج على طاعة زوجها إذا لم يأذن لها بالذهاب لطلب العلم. بل أجاز لها السفر ولو بغير إذنه لاستفتاء المشايخ في أي وقت. قال "تخرج بدون رضاه" [انظر بغية الطالب 202 و268 و 340 طبعة جديدة 342] وهذه دعوة إلى النشوز والتطاول على الزوج. وجعل كلمة الشيخ هي العليا ولو في داخل البيت.
جواز خروجها متعطرة متزينة
قال الحبشي "اعلم أن خروج المرأة متزينة أو متعطرة مع ستر العورة مكروه تنزيهاً دون الحرام، ويكون حراماً إذا قصدت المرأة بذلك التعرض للرجال لتستميلهم إلى المعصية. وأما إذا خرجت متعطرة أو متزينة ساترة ما يجب عليها ستره من بدنها ولم يكن قصدها ذلك فليس في ذلك أكثر من الكراهة التنزيهية، أي أنها لا تعصي" [بغية الطالب 351 (طبعة جديدة 446)]. وكل من يفهم من الحديث تحريم التطيب للمرأة فلا يكون إلا واهماً [بغية الطالب 216-217 (طبعة جديدة 269)]. أما إن قصدت أن يشم الرجال ريحها فهي "شبه" زانية [بغية الطالب 351]. وهو تعديلٌ طفيفٌ على كلام المعصوم.
وقد عدّ ابن حجر الهيتمي خروج المرأة متعطرة متزينة من كبائر الذنوب، قال في الزواجر ما نصه: من جملة الكبائر "خروج المرأة من بيتها متعطرة متزينة ولو بإذن زوجها" [الزواجر عن اقتراف الكبائر (الكبيرة رقم 279)].
وقد احتج الحبشي بما يلي:
* احتج بقول القرطبي أنه يجوز أن تخرج المرأة متزينة إذا لم تقصد التعرض للرجال، وإنما أرادت الفرح بنفسها [صريح البيان 182 حذفوا هذه الفقرة في الطبعة الثانية]. وقال في كتاب مواهب الجيل (3/405) "وللمرأة أن تتزين للناظرين (أي للخطبة)، ولو قيل إنه يجوز لها التعرض لمن يخطبها إذا سلمت نيتها في قصد النكاح لم يبعد" وقال البهوتي في كشف القناع [كشاف القناع عن متن الإقناع 1/82] "ولها تحسين وجهها وتحميره ونحوه من كل ما فيه تزيين" [صريح البيان 186]. فتحريم خروج المرأة متعطرة على الإطلاق هو تشريع. قال الأصوليون: التشريع كفر أو كبيرة" [صريح البيان 186 (الطبعة الجديدة 350)].
وزعم أن الأمر قد التبس على بعض الناس فظنوا أن الآية {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ} يراد بها تحريم الزينة على النساء في غير حضرة الزوج والمحارم للنساء، متوهمين أن الزينة هي الزينة الظاهرة باللباس والحلي فوضعوا الآية في غير موضعها. والأمر الصحيح المراد بالآية كشف الزينة الباطنة من الجسد وهو ما سوى الوجه والكفين والقدمين عند بعض الأئمة بخلاف الزينة المستثناة في آية {إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} فإن الله تعالى أباح كشف الوجه للحرة وغيرها لحجة الخلق إلى ذلك [صريح البيان 186 (الطبعة الجديدة 351)].
تشبيه أحد الجنسين بالآخر
وشدد على تحريم تشبه الرجال بالنساء والعكس، وأجاد في إيراد الأدلة من نصوص الكتاب والسنة: ولكن؛ ماذا عن اللباس الذي تلبسه تلميذاته من السروال الضيق مع الحجاب في نفس الوقت. أليس لبس السروال الضيق فيه تشبه بالرجال. قال نزار الحلبي "إنما هذا توفيق بين الموضة وبين اللباس الشرعي" وكأن الموضة تشريع آخر!!.(65/54)
ملاحظة: قال الحبشي "وكذلك عورة الرجل مع الرجل" اعتبرها الحبشي عورة أي أنه اعتبر الفخذ عورة ، أثبت ذلك في الطبعة الجديدة (بغية الطالب 369) دون القديمة، بينما صرح في كتابه (صريح البيان 156 ط: جديدة 291) أن الفخذ ليس بعورة.
عدم تغطية الرجلين
وتلميذاته يخرجن كاشفات عن سيقانهن، ويزدرين بالمرأة التي تطيل ثيابها إلى أسفل القدمين، ويعتبرن ذلك من التطرف والتنطع، وإذا سُئِلنَ عن ذلك أجَبْنَ بأن الشيخ رخّص لهن. وصِرنَ يظهَرْنَ بمظهر مثير للفتنة وبكامل الزينة مع الحجاب، ولم تتوقف فتواه على حد النظر. بل أدت إلى التهاون في أمور تؤول إلى الفاحشة مثل مفاخذة المرأة بحجة أنها من صغائر الذنوب وأنه لا يجوز أن توصف بأنها زنى، ونحن لا نبدل كلام نبينا صلى الله عليه وسلمالذي وصف ما هو أدنى من المفاخذة بأنه زنى فقال "العين تزني وزناها النظر، والفم يزني وزناه القُبل [رواه البخاري (6612) و(6643)]. فوصف ما دون المفاخذة بأنه زنى مع أنه ليس فيه حدّ الزنا. ونحن لسنا بأدق وصفاً وأكثر ورعاً وأفصح بياناً من النبي صلى الله عليه وسلم فالسارق الذي يسرق أقل من ربع الدينار لا يُقامُ عليه الحد ومع ذلك يوصف بأنه سارق.
وعلى افتراض عدم إقامة الحد عليها فإن فيها "تعزير" وهو حد يحدده الإمام أو القاضي وقد أقام علي رضي الله عنه الحد على رجل وامرأة وجدهما في لحاف واحد. وحين يجد أتباعه أن شيخهم ينكر أن توصف المفاخذة بأنها زنى: فماذا يمنعهم بعد ذلك من أن يمارسوا "ما ليس بزنى"!!!
وقد اعتمد صاحب (ناجي بيتش) لفتح ناديه على فتوى شيخه الذي أفتاه أن التعري على الشواطئ من الصغائر. وحدثني أخوة في الدانمارك أن أتباعه يزنون بالنساء الكافرات "نكايةً في دينهنّ" {الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ}.
فتواه إباحة المصافحة بين الجنسين
وقد أباح للرجل وضع يده بيد امرأة لا تحل له واشترط أن يكون ذلك بحائل [صريح البيان 144] وهذا استدرج إلى إباحة المصافحة بعد التحريم. إذ يصح فيمن تشابكت يده بيد امرأة ولو من حائل أن يقال إنه صافحها.
وردّ قول عائشة "لا والله ما مست يد النبي يد امرأة قط" [البخاري (4891)] وردَّ حديث أميمة "إني لا أصافح النساء وإنما قولي لمئة امرأة كقولي لامرأة واحدة" [رواه الترمذي (1597) بسند صحيح].
وهذا الالتواء لا يصدر من مؤمن مخلص يريد الخير والنصيحة للمسلمين ويسد أمامهم ذرائع الفاسد ووسائل الشر وأبوابه، لا سيما وقد ثبت عن صلى الله عليه وسلم الوعيد الشديد في ذلك، فعن معقل بن يسار مرفوعاً "لأن يُطعن في راس رجُلٍ بمخيطٍ خيرٌ من أن يمس امرأة لا تحِلّ له" [سلسلة الصحيحة 226].
إباحة الاختلاط
قال "وجاء في الموطأ [على الموطأ وليس فيه] هامش التاج والإكليل لمحمد بن يوسف العبدري (1: 499) أنه سئل مالك هل يجوز أن يأكل الرجل وزوجته مع رجل آخر؟ فقال مالك لا بأس بذلك إذا كان ذلك على ما يعرف من أمر الناس [صريح البيان 178] ليخلص إلى القول بأنه من أحاديث رسول ا صلى الله عليه وسلم وكلام العلماء يتبين لنا أن اختلاط الرجل بالنساء ليس حراماً [صريح البيان 179].
* وهو يأتي بالأدلة على مشروعية تزين المرأة لخاطبها ويطرحها فيظنها أدلة على جواز التزين خارج البيت.
قال "وقال القرطبي ما نصه: يجوز خروج المرأة متزينة إذا لم تقصد التعرض للرجال، بل أرادت الفرح بنفسها، وهذه المسألة في الحقيقة إجماع لأن العروس لما تزف تكون في زينة". "وقال إمام المالكية عبد الله المغربي المعروف بالحطاب في كتابه مواهب الجليل (3: 405) ولها أن تتزين للناظرين بل لو قيل بأنه مندوب ما كان بعيداً. ولو قيل أنه يجوز لها التعرض لمن يخطبها إذا سلمت نيتها في قصد النكاح لم يبعد" [صريح البيان 186]. وقال البهوتي في كشف القناع (1: 82) "ولها حلق الوجه وحفصه نصاً والمحرم إنما هو نتف شعر وجهها".
ولها تحسينه وتحميره ونحوه من كل ما فيه تزيين له" [صريح البيان 186].
وقال القفال الشاشي في الحلية (2: 45) ويحرم على المرأة أن تصل شعرها بشعر نجس، فأما إن وصلته بشعر طاهر أو حمرت وجهها أو سودت شعرها أو طفرت أناملها ولها زوج لم يكره.
جواز محادثة المرأة من غير حاجة
ولا بأس بأن يتكلم مع النساء بما لا يحتاج إليه وليس هذا من الخوض فيما لا يعنيه [صريح البيان 191]. ونحن نسأل: ما هو الشيء الذي يجعله يكلمها ولو من غير حاجة! ألعله يسألها عن حال الطقس!
سب الصحابة
وقد حكم الحبي على معاوية بأن كان يأمر بأكل أموال الناس بالباطل والقتل [إظهار العقيدة السنية 182]، وبالرغم من ادعائه الالتزام لطريقة الرفاعي والجيلاني إلا أننا نلحظ مخالفته لهما في موقفهما من معاوية:
* فالشيخ عبد القادر الجيلاني يقول "اتفق أهل السنة على وجوب الكفّ عما شجر بين أصحاب رسول ا صلى الله عليه وسلم والإمساك عن مساؤئهم، وإظهار فضائلهم ومحاسنهم، وتسليم أمرهم إلى الله عز وجل على ما جرى من اختلاف علي وطلحة والزبير وعائشة ومعاوية رضي الله عنهم" [الغنية لطالبي الحق 79].
* وكان أبو حامد الغزالي يثني على معاوية خيراً ويقول إنه اجتهد وأخطأ في اجتهاده [إحياء علوم الدين 1/115].(65/55)
* وكان الشيخ أحمد الرفاعي رحمه الله يأمر بالكف عما شجر بين أمير المؤمنين علي ومعاوية ويقول: معاوية اجتهد وأخطأ وله ثواب اجتهاده، والحق مع علي وله ثوابان، وعلي أكبر من أن يختصم في الآخرة مع معاوية على الدنيا، ولا ريب بمسامحته له، وكلهم على الهدى" [روضة الناظرين 56].
ويذكر الحبشي عن إسحاق بن إبراهيم الحنظلي أنه لم يصح عن صلى الله عليه وسلم شيء في فضل معاوية شيء [الموضوعات 2/24. فتح الباري 7/104]. مع أنه ثبت دعاء صلى الله عليه وسلم لمعاوية وفيه "اللهم اجعله هادياً مهدياً، واهده واهد به" أخرجه البخاري في التاريخ 4/1/327 وابن عساكر في تاريخه 2/133/1) ورجاله كلهم ثقات: رجال مسلم وهذا شأن الحبشي فإنه يأتي بالضعيف والموضوع ليتجمل إلى الشيعة لأن هذا الوقت موسم للتجمل كما لا يخفاك!
وقد حشا في كتابه (صريح البيان) جملة من أحاديث الشيعة ورواياتهم لا سيما روايات الاختلاف بين علي ومعاوية من غير تحقق ولا تثبت، ويأتي بروايات المسعودي صاحب مروج الذهب [صريح البيان 93] وهو شيعي جلد، قال عنه الحافظ ابن حجر "كتبه طافحة بأنه كان شيعياً معتزلياً [لسان الميزان سير أعلام النبلاء 15/569].
ويعتمد روايات الواقدي وسيف بن عمر الضبي وهشام الكلبي ولوط بن يحيى الكوفي (أبو مخنف) الشيعي الكذاب [صريح البيان 96 و 97 و99 و100 و103 و105 وفي الطبعة الجديدة 223 وانظر 211 إلى 222]، مثل أن معاوية كان يرسل الأصنام يبيعها للوثنييين في الهند، وأنه أوصى ولده أنه إذا أمسك بابن الزبير أن يقطعه إرباً إرباً وأنه ذاق حلاوة الدنيا وأراد الملك والعلو في الأرض فتباكى على دم عثمان ولم ين له سابقة في الإسلام يستحق بها طاعة الناس وليس في قلبه خشية لله ولا تقوى وأنه ملك جبار خدع أتباعه بقوله إمامنا قُتِل مظلوماً. . الخ".
وهذه رواية لوط بن يحيى قال ابن عدي "شيعي محترق له من الأخبار ما لا أستحب ذكره" وقال ابن حجر "إخباريٌ تالف لا يوثق به" وقال الرازي "ليس بثقة متروك الحديث" [الكامل في الضعفاء 6/93 لسان الميزان 4/584 الجرح والتعديل 7/182 سير أعلام النبلاء 7/301].
* لكن الحبشي لم يتركه بل تعلق بأكاذيبه لحقد وتشيع عنده، فكيف يكون أميناً على عقائد الناس؟ ولا يزال أتباعه ينادون في الناس "انظروا عمن تأخذون دينكم" وهُمْ والله أولى بالنصيحة من غيرهم، لا ينظرون عمن أخذوا دينهم ولا يفحصون ما يورده لهم الحبشي من أكاذيب الشيعة ومخلفات المعتزلة والجهمية أسأل الله أن ينوّر قلوبهم للحق وأن يهدينا وإياهم سواء السبيل.
من أنكر صحبة عمر والصحابة لا يكفر!
قال الحبشي "من أنكر صحبة أبي بالقلب أي اعتقد أن أبا بكر ليس صاحباً لرسول ا صلى الله عليه وسلم فقد كفر، أما من أنكر صحبة عمر أو صحبة عثمان أو صحبة علي فلا يُكفّر، وذلك لأن الله ما نص في القرآن على صحبة عمر أو علي أو عثمان، أما أبو بكر فقد نص الله على صحبته في القرآن فقال تعالى {إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا} فقد أجمع المسلمون على أن المراد بالصاب هنا هو أبو بكر (بغية الطالب 32 طبعة جديدة 47). وإذا كان الحبشي يكفر منكر صحبة أبي بكر بديل الإجماع أليس صحبة عمر وعثمان مما أجمع عليه أئمة المسلمين أيضاً؟
الصحابة مقلدون!!
ذكر الحبشي أن أغلب أصحاب صلى الله عليه وسلم كانوا مقلدين. وذكر بأن المجتهدين من الصحابة ستة فقط. وأن صلى الله عليه وسلم كان يعلم أن أكثرهم لا يستطيعون استخراج الأحكام من القرآن والسنة [شريط (3) 744 وجه (1)].
وهذا استخفاف بالصحابة الكرام بناء على ما اتفق عليه من أن المقلد جاهل وأنه ليس من أهل العلم. قال السيوطي "إن المقلد لا يسمى عالماً" [نقله السندي في حاشية ابن ماجة 1/7 وأقره].
والحق أن من تأمل سيرة الصحابة رضي الله عنهم رأى أنهم كانوا إذا ظهرت لهم السنة لم يكونوا يدعونها لقول أحد كائناً من كان. وكانوا أحرص الناس عملاً بهذه الآية {فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} [النساء 59].
إبطال دعواهم أنهم على منهج الشافعي
وقد زعم أحد الأحباش أنهم على مذهب الشافعي عقيدة وفقهاً [عن مجلة الشراع العدد 558]. قلت: أما هذه فلا!
فمتى كان الشافعي يبيح الربا وقد خالف شيخكم صريح مذهبه في ذلك وأخذ بمذهب أبي حنيفة في جواز أخذ الربا من الكافر الحربي.
ومتى كان مذهب الشافعي الطعن في أصحاب رسول ا صلى الله عليه وسلم ؟
ومتى كان مذهب الشافعي إعمال الحِيَل على الله؟ كما فعل شيخكم في مسألة (الكحول). ومسألة أكل الثوم والبصل لمن رغب عن دخول المسجد. ومسألة شراء الكتب الفاسدة المخالفة!(65/56)
وهل كان مذهب الشافعي تأويل الصفات وانتهاج علم الكلام وهو القائل للربيع "لا تشتغل بالكلام فإني اطعلتُ من أهل الكلام على التعطيل" [سير أعلام النبلاء 10/28] وقال "حكمي في أهل الكلام أن يُضربوا بالجريد ويحملوا على الإبل ويطاف بهم في العشائر والقبائل ويُنادى عليهم: هذا جزاء من ترك الكتاب والسنة وأقبل على الكلام" [سير أعلام النبلاء 10/29 صون المنطق 65 الحلية 9/116 مناقب الشافعي 1/462]. وتواتر عنه ذمه لأهل الجدل والكلام مهما حاول الحبشي تأويله والتماس الأعذار له؟
وصدق أبو حنيفة حين حكم على المتكلمين أنهم: "قاسية قلوبهم غليظة أفئدتهم لا يبالون مخالفة الكتاب والسنة، وليس عندهم ورع ولا تقوى" [سير أعلام النبلاء 6/399 مفتاح دار السعادة 2/136].
* ومتى كان الشافعي يوافق أناشيدكم ورقصاتكم المصحوبة بالآلات الموسيقية التي يصفق لها النساء قبل الرجال، قد أضحكتم علينا أعداء المسلمين حين رأوكم حتى قالوا إن دين هؤلاء طبلٌ ورقص، ورأوا قائدكم الموسيقي (المايسترو الإسلامي) النجم الفنان جمال شماعة! على غرار الفِرَق الموسيقية الغربية !! قد أضحكتم الناس عليكم بهذه الظاهرة الغريبة الشاذة!.
ومتى كان الشافعي يوافق هذه الطرق الصوفية كالرفاعية والنقشبندية الخائضة في وحدة الوجود، التي جعلت من مشايخ الطريقة آلهة يُعبَدون! يحيون الموتى وينقلون المرض من شخص لآخر ويستقطعون الأراضي في الجنة، ولذا قال الشافعي "لو أن رجلاً تصوف أول النهار، لا يأتي الظهر حتى يصير أحمق، وما لزم أحد الصوفية أربعين يوماً فعاد إليه عقله أبداً" [تلبيس إبليس لابن الجوزي 371] وهذه الحماقة المخالفة لما كان عليه السلف من أعظم مظاهر التشويه في أعينُ غير المسلمين.
أكذوبة علم الكلام السني
* ولما رأى الحبشي تواتر الروايات عن الشافعي وغيره في ذم علم الكلام وأهله بما لا يمكن دفعه لجأ إلى حيلة أخرى: فجعل علم الكلام ينقسم إلى نوعين:
1 ) علم كلام (سني) مطلوب.
2 ) وعلم كلام (مذموم). تمويهاً على الناس. والجواب:
أولاً: أنه ثبت رجوع الجويني والرازي والباقلاني عن علم الكلام كما نص عليه الحافظ بن حجر والذهبي والسبكي وغيرهم، وكانوا قبل توبتهم على المذهب الأشعري ولم يكونوا آنذاك معتزلة.
ثانياً وذكر حافظ المغرب وفقيهها ابن عبد البر بسنده عن فقيه المالكية أبي بكر بن خويزمنداد عند شرح كلام مالك بن أنس "لا تجوز شهادة أهل الأهواء بالبدع" قال "أهل الأهواء عند مالك وسائر أصحابنا هم أهل الكلام، فكل متكلم فهو من أهل الأهواء والبدع أشعرياً كان أو غير أشعري ولا تُقبل له شهادة في الإسلام أبداً ويُهجَر ويؤدّب على بدعته" [جامع بيان العلم 2: 96 وقد حذف طاش كبري زادة من النص ما يتعلق بالأشاعرة (مفتاح السعادة 2: 137)].
ثالثاً: أن هناك قاسماً مشتركاً بين الأشعرية والمعتزلة وهو علم الكلام. فمع وجود الاختلاف في بعض المسائل بينهم إلا أنهم متفقون على تنصيب علم الكلام في مسائل العقيدة. فما موقف الحبشي من هذه الحقيقة الفاضحة؟
خادم علم الكلام وليس علم الحديث
الحبشي لا يرعى لأسماء الله وصفاته حرمة فإنه لا يزال يعبث فيها على غير علم ولا هدى. حتى صار يفتي بان الله ليس على كل شيء قدير وأن القرآن الكريم ليس كلام الله. وزعم أنه يستخدم التأويل في صفات من أجل تنزيه الله عن التشبيه. وهذه الذريعة كانت من قبل ذريعة الجهمية والمعتزلة، الذي توصلوا بهذه الذريعة إلى تعطيل ما وصف الله به نفسه.
ونحن نتفق معه في أن تشبيه الله بخلقه كفر، لكننا نخالفه في اعتقاده أن إثبات ما وصف الله به نفسه مقروناً بالتنزيه يكون تشبيهاً. لأنه معلوم بالاتفاق أن السلف لم يؤولوا الصفات بل أثبتوها ونفوا عنها التشبيه. وهذه الطريقة الوسط التي لا تؤدي إلى تشبيه المشبّهة ولا تعطيل المعطلة.
مذهب عبد القادر الجيلاني في الصفات
مثاله قول الشيخ عبد القادر أن الله "يقبض ويبسط ويفرح ويحب ويكره ويبغض ويرضى ويغضب ويسخط وله يدان وكلتا يديه يمين وأن قلوب العباد بين أصبعين من أصابعه، وأنه بجهة العلو مستو، على العرش محتو، وأن النبي شهد بإسلام الجارية لما سألها: أي الله؟ فأشارت إلى السماء، وأن عرش الرحمن فوق الماء، والله تعالى على العرش ودونه سبعون ألف حجاب من نور وظلمة، وأن للعرش حد يعلمه الله.
وأنه ينبغي إطلاق صفة الاستواء من غير تأويل وأنه استواء الذات على العرش لا على معنى القعود والمماسة كما قالت المجسمة والكرامية ولا على معنى العلو والرفعة كما قالت الأشعرية ولا على معنى الاستيلاء كما قالت المعتزلة [وهو قول الأشعرية اليوم] وأنه ينزل في كل ليلة إلى السماء الدنيا كيف شاء لا بمعنى نزول الرحمة وثوابه على ما ادعت المعتزلة والأشعرية" [الغنية 54 و56 و57].
ضرورة تأدب الحبشي وأتباعه مع الله(65/57)
وطريقته في النهي عن إساءة الأدب مع الله لا تخلو من إساءة للأدب. فإنك لو قلت للسلطان: لست بزبّال ولا سبّاك ولا إسكافي لبادر إلى تأديبك على هذا التنقيص. وليس أدلّ على هذا التنقيص مما نراه في كلامه من الألفاظ الشنيعة في حق الله، فقد أخذ يحذر الناس من الألفاظ السيئة في حق الله لكنه أخذ ويفصل ما ليس من الأدب تفصيله كقوله "ومن قال أخت ربك" "خلصني من ربك" "حل عني أنت وربك" "وحياة شوارب الله" يا .؟. الله" "دخيل رجلين ربك" "أكون قواداً إن صليت" [النهج السليم 57 الدليل القويم 145 بغية الطالب 41] إن أكثر الناس فسقاً لا يخفى عليهم أن هذه الألفاظ من ألفاظ الكفر. ولكن أهل الكلام لفساد منهجهم: لا يعون دور الفطرة ويفصلون ما لا وجه لتفصيله لأنه مركوز في الفطرة. إنهم يضعون أمامك مقدمات طويلة ليثبتوا لك في النهاية أن الله قديم وما سواه حادث وأنه موجود وهو أمر تعرفه الفطرة بالضرورة.
اصطلاحات وألفاظ فقهية عقيمة
وله ألفاظ مستقبحة في الفقه كقوله "خروج المني أي ظهوره إلى ظاهر الحشفة ووصوله إلى ظاهر فرج البكر، أو وصوله إلى ما يظهر من فرج الثيب عند قعودها على قدميها. وعلامة المني التي يعرف بها التدفق أي الانصباب بشدة أو التلذذ بخروجه أو ريح طلع النخل أو العجين في حال الرطوبة، وريح بياض البيض بعد الجفاف.
والجماع: إيلاج الحشفة أو قدرها من فاقدها في فرج ولو دبراً أو فرج بهيمة أو ميتة فلا يجب غسل الميتة من ذلك. النفاس وهو الدم الخارج بعد الولد ولو مجة أي قدر بزقة واحدة [بغية الطالب 70].
التوسل بدعاء المومسات
ومن المضحكات ما حكاه هذا "الواعظ" قال "وكان الشيخ بدر الدين الحسنى يذهب إلى سوق الزانيات ويسألهن الدعاء له. وكان يرسل إليهن رجلاً يبعث معه مبالغ من المال ليعطيها إليهن، فأتى رئيسة بنات الخطأ وأمرها أن تجمع له كل الزانيات بعد أن يغتسلن جميعهن. وبعد اجتماعهن سأل المومسات الدعاء للشيخ بظهر الغيب، فدعون له وصرن يبكين ثم أعلنت جميعهن توبتهن [شريط 11 وجه (أ) 285-300].
مقتضيات خدمة علم الحديث
هل الحبشي حقاً محدِّث عصره، وأنه خادم علم الحديث؟ دعونا نلق نظرة على طريقته في رواية الأحديث. فإن من مقتضى خدمة الحديث نقد الرواية والتأكد من صحتها قبل الاحتجاج بها وتعليمها للعوام، وعدم جمعها جمع حاطب ليل.
* لقد اتهم الحبشي الذهبي بأنه متساهل في رواية الحديث وأنه يأتي بأحاديث غير ثابتة من غير تبيين لدرجتها من حيث الصحة [إظهار العقيدة السنية 97].
* والصحيح أنه هو المتساهل في تبيين درجة الأحاديث، وقد رصدتُ له روايات كثيرة بين موضوع وضعيف يتمسك بها لمجرد موافقتها لمذهبه. لا سيما روايات الفتن بين الصحابة والتي اختلقها لوط بن يحيى وسعيد الضبي وغيرهما من الشيعة، والتي جعلته ينتقص أصحاب صلى الله عليه وسلم كمعاوية وخالد بن الوليد وعمرو بن العاص [انظر كتابه صريح البيان ص 110]، وقد فصلت ذلك في كتابي شبهات أهل الفتنة وأجوبة أهل السنة ففيه تفاصيل الرد عليه وإبطال رواياته المردودة التي نقدها كبار الحفاظ والنقاد من أهل العلم.
نموذج من تساهله في الرواية
وهذه رواية من كتابه (المولد النبوي) وفيها من الأساطير ما يؤكد أن الحبشي يميل مع الموضوع والمكذوب الذي يرمي به الذهبي. يقول:
* لما حملت آمنة برسول ا صلى الله عليه وسلم كانت ترى الطيور عاكفة عليها إجلالاً للذي في بطنها وكانت إذا جاءت تستقي من بئر يصعد الماء إليها إلى رأس البئر إجلالاً لرسول الله. قالت وكنت أسمع تسبيح الملائكة حولي ثم أتاني ملك فقال إنك قد حملت بسيد المرسلين.
* ولما مات عبد الله ضجت الملائكة إلى باريها وقالت: إلهنا يبقى نبيّك وحبيبك يتيماً؟ قال الله تعالى: اسكتوا يا ملائكتي [هل يجوز أن يقال (قال الله) بسند كاذب وهل حقاً قال الله ذلك لملائكته؟]!.
* قالت آمنة: لما كان أول شهر من شهوري، إذ دخل علي رجل حسن الوجه طيب الرائحة: وهو يشير بيده إلى فؤادي ويقول: مرحباً مرحباً بك يا محمد.
* فلما كان في الشهر الثاني دخل علي رجل جليل القدر، وهو يشير بيده إلى فؤادي ويقول: السلام عليك يا رسول الله. قلت له سيدي من أنت. قال: أنا شيث. قلت وما تريد يا شيث قال: أبشري يا آمنة. فقد حملتِ بالنبي الكريم والسيد العظيم. الضبُّ له يكلِّم. والحجر له يسلّم. ثم انصرف.
* فلما كان في الشهر الثالث دخل عليَّ رجلٌ له سكينة ووقار وهو يشير بيده إلى فؤادي ويقول: السلام عليك يا مزمِّل. قلت له: سيدي من أنت؟ قال أنا النبي إدريس. فقلت: وما تريد يا إدريس؟ قال: أبشري يا آمنة، فقد حملت بالنبي الرئيس [ص 8 و9].
* فلما كان في الشهر الرابع دخل عليّ رجلٌ أسمر مليحُ المنظر وهو يشير بيده إلى فؤادي ويقول: السلام عليك يا صادق. السلام عليك يا صفوة الكريم الخالق. فقلت له سيدي من أنت؟ قال أنا نوح. فقلت وما تريد يا نوح؟ قال: أبشري يا آمنة: فقد حملتِ بالنبي الممنوح الذي ذكاؤه في الآفاق يفوح.(65/58)
* فلما كان في الشهر الخامس دخل علي رجل حسنه مُكمَّل، ووجهه مُجمَّل، وهو يشير بيده إلى فؤادي ويقول: السلام عليك يا زين المرسلين. السلام عليك يا إمام المتقين. قلت له سيدي من أنت؟ قال أنا نبي الله هود. قلت وما تريد يا هود. قال: أبشري يا آمنة فقد حلت بالنبي المسعود.
* فلما كان في الشهر السادس دخل علي رجل جليل المقدار كثير الأنوار وهو يشير بيده إلى فؤادي ويقول: السلام عليك يا بغية المطلوب. فقلت له سيدي من أنت؟ قال أنا إبراهيم قلت: ما تريد يا إبراهيم: فقد حملت بالنبي الجليل والرسولل الفضيل. ثم انصرف.
* فلما كان في الشهر السابع دخل رجل أملح ووجهه من البدر أصبح وهو يشير إلى فؤادي ويقول: السلام عليك يا صفوة الإله، السلام عليك يا عظيم الجاه، فقلت له: سيدي من أنت؟ قال: أنا أبوه إسماعيل الذبيح. فقلت له سيدي وما تريد؟ قال أبشري يا آمنة فقد حملت بالنبي المليح. صاحب النسب الصحيح واللسان الفصيح. ثم انصرف.
* فلما كان في الشهر الثامن دخل رجل طويل القامة مليح الهامة وهو يشير إلى فؤادي ويقول: السلام عليك يا إمام الأبرار، السلام عليك يا حبيب الملك الجبار، فقلت له: سيدي من أنت؟ قال: أنا موسى بن عمران. قلت وما تريد يا موسى؟ قال: أبشري يا آمنة. فقد حملت بنزل عليه القرآن. ويكلمه الرحمن. ثم انصرف [المولد النبوي 10-11].
* فلما كان في الشهر التاسع دخل علي رجل لابس الصوف، وهو بالبادة موصوف. فأشار بيده إلى فؤادي ويقول: السلام عليك يا زين الخلائق. فقلت له: سيدي من أنت؟ قال: أنا عيسى بن مريم. فقلت وما تريد يا عيسى؟ قال أبشري يا آمنة: فقد حملت بالنبي الأكرم. وفي هذا الشهر تضعين محمداً صلى الله عليه وسلم
* قالت آمنة: وبقيت في المنزل وحيدة، إذ سمعتُ حركةً بين السماء والأرض. ورأيت ملكاً عظيماً بيده ثلاثة أعلام. فنشر الأول على مشرق الأرض. والثاني على مغربها. والثالث على البيت الحرام. فنظرت إلى ركن المنزل وقد ظهر منه أربع نساء، طوال كأنهن الأقمار. متزرات. فقلت لهن من أنتن: فقالت الأولى: أنا مريم بنت عمران. والتي على يسارك سارة. والتي تناديك من خلفك هاجر أم إسماعيل الذبيح [كأني بهذه الرواية دسيسة يهودية جعلت هاجر من الخلف لأنهم يزدرونها ويصفونها بأم إسماعيل الوحشي] والتي أماك آسيا بنت مزاحم امرأة فرعون. فتقدمت الأولى وقالت: أبشري يا آمنة، من مثلك وقد حملت بسيد أهل الأرض والسماء. ثم جلست بين يدي وقالت: ألق بنفسك علي وميلي بكليتك إلي [ص 12-13].
قالت آمنة: وفي تلك الساعة رأيت الشهب تتطاير يميناً وشمالاً، ورأيت المنزل قد اعتكر عليّ بأصوات مشتبهات، ولغات مختلفات، فأوحى الله تعالى إلى رضوان: يا رضوان زيِّن الجِنان، واهتز العرش طرباً، ومال الكرسي عجباً، وتجلى الملك الديان من غير حركة ولا انتقال [أيعقل أن تنزه آمنة ربها عن الحركة كأنها كانت خبيرة بمذهب آرسطو؟ ثم يتحدث ابنها r عن علو الله ونزوله ومجيئه من غير أن ينزهه عن الحركة والانتقال؟].
ثم إن الله تعالى أوحى إلى جبريل أن صُفَّ أقداح راح الشراب [انظر كيف يفترون على الله الكذب. لمن يُوزع الشراب أعلى الملائكة الذي لا يأكلون ولا يشربون أم على أهل الأرض؟] وانشر نوافح المسك الذكية، وعطِّرِ الكونَ بالروائح الطيبة الزكية، وافرش سجادة القرب، وقيل يا مالك أغلق أبواب النيران، وصفِّدِ الشياطين.
قالت آمنة: ولم يأخذني ما يأخذ النساء من الطلق، إلا أني أعرق عرقاً شديداً، كالمسك الأذفر لم أعهده قبل ذلك من نفسي، فشكوتُ العطش، فإذا يملك ناولني شربة من الفضة البيضاء، فيها شراب أحلى من العسل، فشربتها، فأضاء علي منها نور عظيم. فبينما أنا كذلك، إذا أنا بطائر عظيم أبيض قد دخل علي وأمرَّ بجانبه جناحيه على بطني، وقال: انزل يا نبي الله صلى الله عليه وسلم فأعانني عالم الغيب والشهادة على تسهيل الولادة، فوضعت الحبيب محمداً [المولد النبوي ص 16-17]. فلما خرج مني خرج معه نور أضاء له المشرق والمغرب. وولد r مكحولاً مدهوناً مسروراً مختوناً.
وحين وُلِدَ سارَعتْ إلى طلعته المباركة ثلاثة من الملائكة. مع أحدهم طسط من الذهب، ومع الثاني إبريق من الذهب، ومع الثالث منديل من السندس الأخضر.
* قالت آمنة بنت وهب: فلما وضعت رسول ا صلى الله عليه وسلم رأيته رافعاً رأسه إلى السماء، مشيراً بأصبعه، فاحتمله جبريل وطارت به الملائكة. ولفَّه ميكائيلُ في ثوب أبيض من الجنة وأعطاه إلى رضوان [الملك] يزُقُّهُ كما يزقُّ الطيرُ فرخَه. فقال له رضوان: يكفيك يا حبيب الله فما بقي لنبي علم وحلم إلا أوتيتَه. وإذا منادٍ ينادي: طوفوا به مشارق الأرض ومغاربها. وأعرضوه على موارد الأنبياء. وأعطوه صفوة آدم [ذكر قبل ذلك أنه أعطي صفوة الله. وها هو يذكر الآن أنهم أعطوه صفوة آدم].
فقالت الطير نحن نكفله، وقالت الملائكة: نحن أحق به. وقالت الوحوش: نحن نرضعه. قال الله: أنا أولى بحبيبي ونبيي محمد صلى الله عليه وسلم فإني قد كتبت أن لا ترضعه إلا أمتي حليمة [ص 20] فأدارته إلى ثديها الأيسر فامتنع إلهاماً من الله تعالى وتحريكاً كأنه قد علم أن له في ذلك شريكاً [المولد النبوي 19-22].(65/59)
* ثم قال بعد هذه الأكاذيب "ليعلم المطالعون لهذا المولد أن أغلب الأحاديث المتعلقة بالمولد ليست صحيحة الأسانيد إذ لم يصح منها إلا القليل. وهناك كُتبٌ ألِّفَتْ في المولد فيها الكذب الصريح".
قلت: ومنها هذا الكتاب.
إن هذه الطريقة التي ينتهجها الحبشي وأهل الكلام إن هي إلا مصداق قول صلى الله عليه وسلم :
"يكون في آخر الزمان دجالون كذابون يأتونكم من الأحاديث بما لم تسمعوا أنتم ولا آباؤكم فإياكم وإياهم لا يضلّونكم ولا يفتنونكم" [رواه مسلم في مقدمته (7)].
فانظر فكيف يتهم الحبشي غيره بالتساهل في الرواية في حين يروي هو صريح المكذوب والموضوع دفاعاً عن عقيدته. ورغبة وميلاً إلا خرافاته [لعله اقتبس هذه الرواية الخرافية من كتاب عنوان الشريف لمؤلفه أبي الحسن نور الدين علي بن ناصر المكي. وهو رجل حلولي يزعم أن الله أودع نوره اللاهوتي في الشبح الناسوتي، نقله من مستودع أمين إلى قرار مكين (عنوان الشريف 46) ويعني بذلك اتحاد نور الله في جسد صلى الله عليه وسلم وهو من جملة ضلالات الصوفية الحلولية].
مسخ النصوص واعتسافها
وله مخالفات لصريح قول صلى الله عليه وسلم :
* ففي قو صلى الله عليه وسلم "لأن يجلس أحدكم على جمرة فتحرق ثيابه وتخلص إلى جلده خير له من أن يجلس على قبر" قال الحبشي "المراد بالجلوس الجلوس للبول أو الغائط، فلا يحرم الجلوس على القبر لغير ذلك" [بغية الطالب 325].
وهذا باطل أبطله النووي حيث قال "المراد بالجلوس القعود عند الجمهور. وأبطله مالك بقوله "هو تأويل ضعيف أو باطل" نقله الحافظ [فتح الباري 3: 224] وقال "ويؤيد مذهب الجمهور ما أخرجه أحمد من حديث عمرو بن حزم الأنصاري مرفوعاً "لا تقعدوا على القبور" وفي رواية له عنه "رآني رسول ا صلى الله عليه وسلم وأنا متكئٌ على قبر فقال: لا تؤذ صاحب القبر" وإسناده صحيح، وهو دال على أن لمراد بالجلوس القعود على حقيقته. قال واستدل ابن حزم بما ورد في قول صلى الله عليه وسلم "لأن يجلس أحدُكم على جمرة فتحرِقَ ثيابه فتخلُصَ إلى جلده" قال ابن حزم" وما عهدنا أحداً يقعد على ثيابه للغائط، فدل على أن المراد القعود على حقيقته. وقال ابن بطال "التأويل المذكور بعيد، لأن الحدث على القبر أقبح من أن يُكرَه وإنما يُكره الجلوسُ المتعارف" [فتح الباري 3: 224].
* وفي حديث "إن العبد ليتكلم بالكلمة لا يرى بها بأساً يهوي بها في النار سبعين خريفاً". قال الحبشي "وذلك محل الكفار لا يصله عصاة المسلمين" [بغية الطالب 26]. وبناء عليه يصير الوعيد في الحديث موجهاً إلى الكفار لا إلى المسلمين وهو باطل، وإلا فكيف يهدد الكافر باجتناب سيء الكلام وهو لم يقر بالشهادتين بعد؟!
الدعوة إلى البطالة
قال الحبشي "فلو ترك الشخص العمل وهو قادر عليه غير معتمد على السؤال من شخص معين أو على الشحاذة، بل كان غير متعرض لذلك، واثقاً بربه أنه يسوق إليه رزقه فلا إثم عليه" [بغية الطالب 264].
وبمثل هذه الفتوى نامت الأمة وصارت وراء الأمم بفضل فتاوى الصوفية الذين جعلوا الجلوس في الزوايا وترك العمل من التوكل وصدق أبو بكر الطرطوشي حيث وصف التصوف بأنه مذهب البطالة.
لا تأخذوا عنه دينكم
بعد هذا أذكّر بما قاله الحبشي "لا يجوز استفتاء من ليس له كفاءة في علم الدين لقول ابن سيرين: أن هذا العلم دين، فانظروا عمن تأخذون دينكم" [بغية الطالب 264]. وذلك لأؤكد بالدليل من كلامه أنه ليس كفؤا في علم الدين وأنه ممن لا يجوز استفتاؤهم. وأتوجه إلى المغترين به فأقول " انظروا عمن تأخذون دينكم واحذروا ممن أرسله أعداؤك ليضلكم عن دينكم" ولا تغتروا بتلك المقولة التي يرددها أتباعه على العامة "من لم يكن له شيخ فشيخه الشيطان" يريدون بها إلحاقهم به وتبعيتهم له، فإن هذه الأمة قد أتاحت للمشايخ الشياطين أن يستحوذوا على العوام ويتطفلون على أموالهم ويستمتعون بنسائهم، فالمشكلة حين يكون الشيخ شياطاناً من شياطين الإنس وإماماً من أئمة الضلال.
وقد حذرنا الرسو صلى الله عليه وسلم من أئمة الضلال فقال "إن أخوف ما أخافه عليكم من بعدي الأئمة المضلون" [رواه أحمد في المسند 5: 145 و 6: 441 والدارمي 1/70 بإسناد صحيح]. ووصفهم بأنهم "دعاة على أبواب جهنم، من أجابهم إليها قذفوه فيها" وأنهم "يهدون الناس بغير هدي صلى الله عليه وسلم " [رواه البخاري (7074).]
والحبشي يهدي الناس بغير هدي صلى الله عليه وسلم من توجيه الناس بدعائهم إلى الموتى وحثهم على الاستغاثة بهم، وصرفهم عن الزكاة، وإباحة الربا لهم، وتأجيج نار الفتنة والحقد بين المسلمين، فمثل هذا الفتّان يهدم الدين، وقد قال عمر رضي الله عنه لرجل "هل تعرف ما يهدم الدين؟ يهدمه زلة العالم وجدال المنافق بالكتاب وحكم الأئمة المضلين" [رواه الدارمي 1/71].
والكيس الفطن يعلم أن الجهات التي وراء هذا الرجل والتي تؤيده وتحيطه بكامل الدعم ليست حريصة على نشر السنة الصحيحة بين المسلمين، وكان ينبغي أن تكون هذه من أعظم القرائن على فساد العقيدة التي أتى بها هذا الرجل. ولكن . . .
فتواه في مخارج الحروف(65/60)
وكذلك أفتى بوجوب تشديد مخارج السين والصاد لأنهما من الأحرف المستقبحة. ثم علّمهم التلفظ بهما بطريقة مستقبحة، ولقد سئم الناس من هذا السلوك الشاذ والوسوسة في التلفظ حتى قالوا: إذا أردت سماع تغريد البلابل والعصافير فعليك بالصلاة في مسجد أبي حيدر.
وقد شدد عليهم في ألفاظ النية، حتى صار تشديدها عندهم في الصلاة هو الشغل الشاغل وشق عليهم أداء تكبيرة الإحرام عند الدخول إلى الصلاة، فقال: (والتشديدات) وهي أربعة عشر شدة فمن ترك واحدة لم تصح صلاته".
* فأين هذا من سيرة سيد المرسلين وأصحابه هل كانوا على هذا النحو من التكلف؟
قال: "وأولى الحروف عناية بإخراجها وهي الصاد (الموالاة). وذلك بأن لا يفصل بين شيء منها وما بعده فصلاً طويلاً أو قصيراً بنية قطع القراءة. (والترتيب) أي الإتيان بها على نظمها المعروف، وأولى الحروف عناية وهي الصاد . ." [صريح البيان 123].
* وهكذا شغلهم بالوسوسة عن تدبر التلاوة واستحضار الخشوع. حتى شكا غير واحد من أتباعه من كثرة الوسوسة عند الشروع في الصلاة. واضطر بعضهم إلى إعادة تكبيرة الإحرام مرات عديدة من أجل أن توافق ألفاظُ النية تكبيرة الإحرام.
* وقد روى الشعراني عن الشيخ الفتوحي الحنبلي أنه قال "قد أتعب الموسوسون أنفسهم في ألفاظ النية التي أحدثوها، واشتغلوا بمخارج حروفها، ولم يصح عن صلى الله عليه وسلم في ذلك شيء، إنما كان ينوي بقلبه فقط، وكذلك أصحابه. فاستحوذ الشيطان على طائفة، وأشغلهم بمخارج حروف النية ليصرف قلوبهم عن الحضور مع الله تعلى الذي هو روح الصلاة".
أضاف الشعراني "وكان الشيخ شمس الدين اللقاني المالكي يقول: لو أدرك صلى الله عليه وسلم هؤلاء لمقتهم. ولو أدركهم عمر رضي الله عنه لضربهم. ولو أدركهم أحد من الصحابة والتابعين لبدّعهم وكرههم [لطائف المنن والأخلاق للشعراني 561]. انتهى.
ومع أن الحبشي نهى عن التنطع في أمور الطهارة والصلاة وعدَّ ذلك من الوسوسة قائلاً "والتعمق والتنطع معناهما واحد وهو التشديد في الطهارة والصلاة ونحوهما من أنواع العبادات. وقد قالوا: إن للموسوسين شيطاناً يضحك عليهم ويستهزئ بهم [بغية الطالب 100].
غير أنه لم يتنبه إلى أن تعاليمه أدت إلى ضحك الشيطان وتمكنه من وسوستهم لأن التلاوة والصلاة من أنواع العبادات أيضاً، ويحصل لأتباعه من مثل هذه الوسوسة في التلاوة الشيء الكثير. وتجد بعضهم يكرر تكبيرة الإحرام مراراً ولا يتمكن من اجتياز هذه المرحلة إلا بشق الأنفس. فلماذا لا نقول بأن الشيطان يضحك من هؤلاء أيضاً؟
فوضى التكفير المتهور
التكفير حق لله لا يجوز لأحد إخراج أحد من دين الله إلا ببيِّنة ودليل يعذر بها يوم القيامة عند الله. فإن المسلم قد يخرُج من الدين بإخراجه من الدين من ليس خارجاً عند الله لقول رسول ا صلى الله عليه وسلم "من قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما" وفي رواية "أيما امرئ قال لأخيه كافر: فقد باء بها أحدهما، إن كان كما قال: وإلا رجعَتْ عليه" [البخاري (6103) ومسلم (80)]. فلا يجوز خروج هذه الكلمة (كَفَرَ) من فم امرئ يتقي الله ويحتاط لدينه إلا بعد حذرٍ شديد.
* ولو يعلم هذا المسكين ما على تكفيره اللامسؤول من التبعة عند الله وأن تكفير من لا يستحق التكفير يعتبر مكافأة له حين يأخذ من خصمه (المكفِّر) حسناته. وأنها قد تتسبب في خروجه هو من الإيمان. لتمنى لو سكت طيلة حياته.
* وليس خلق الله وصايا على دينه حتى يُخرجوا منه من يشاؤون، ثم يسكتون ويتغاضون عمن يشاؤون ممن يستحقه.
[] ولا يبدو أن عند الحبشي ولا عند أتباعه مراعاة ضوابط التكفير ولا وجود مسامحة في التعامل مع المخالف، بل يلاحظ فيه جانب الفظاظة والقسوة والشدة وهذا حاصل وثمرة علم الكلام وأهله كما وصفهم أبو حنيفة بأنهم قساة قلوب: ليس عندهم ورعٌ ولا تقوى.
[] ومن شاء الوقوف على سلوكيات هذا الرجل فليستمع ولو إلى شريط واحد من أشرطته ليرى فيها الطعن واللعن بالعلماء المخالفين له في المذهب. وإليكم مثالاً على تهوره في التكفير:
فقد حكم بانسلاخ أحد مخالفيه من الدين (خالد كنعان) فقال له "ولعلك منذ أربعين سنة انحرف قلبك أم منذ كم؟ فعارٌ عليك أن تدّعي الإسلام بعد هذا الكفر الذي كفرته، ثم لما جاءك المسخ القلبي انسلخت منه كما انسلخت عن حكم تكفير سابّ النبي؟ وهذا تسجيلٌ آخر على نفسك بأنك منسلخ عن السلف والخلف" [صريح البيان 23 و29].
ثمرة العقيدة الصحيحة والسيئة
إن العقيدة لها أثرها في العمل والسلوك. فإن كانت صحيحة كان أثرها طيباً، وإن كانت فاسدة كان أثرها خبيثاً.(65/61)
والمتابع لدروس الرجل يلاحظ أنها كانت لا تخلو - بمناسبة وبغير مناسبة - من التعرض للآخرين من علماء وشخصيات إسلامية بالسب والشتم واللعن والطرد من رحمة الله. فيأمر أتباعه بالتضييق على فلان وبلعن فلان ويسب ويشتم ويتهكم ويستهزئ ويرمي خصومه بالتهم الكاذبة وينسب إليهم ما لم يقولوه. وهذا يتعارض وأخلاق الإسلام، قا صلى الله عليه وسلم "ليس المؤمن بالطّعان ولا باللعّان ولا بالفاحش البذي" [رواه أحمد 1/404 والحاكم 1/12 بإسناد صحيح]. وقال "إذا خرجت اللعنة في فيّ صاحبها نَظَرَتْ: فإن وَجَدَتْ مسلكاً في الذي وُجِّهَتْ إليه، وإلا عادت إلى الذي خرجت منه" [رواه أحمد 1/408 بإسناد صحيح].
* وقال الشيخ عبد الوهاب الشعراني ((إذا أردت أن تعرف مقام شيخ لم تره فانظر إلى أصحابه فإنهم يدلّونك عليه)) [لطائف المنن والأخلاق 327].
* وليس من قبيل المصادفة أن يتفق هذا الخلق في عامة أتباعه من غير أن يكون الشيخ هو الذي ينفث فيهم ذلك.
وكان سلوكه هذا سبباً في كراهية الناس له في بلده (هرار) بجانب تسببه في فتنة (كُلُب) التي أغلقت على إثرها جمعيات ومدارس إسلامية. ووصفوه هناك "بشيخ الفتنة".
تحامله على أهل العلم
* ويتحامل شيخهم على الآخرين تحاملاً ذميماً لا يستثني منهم إلا القليل. ومن ذلك تحامله على من يسميهم بـ "الوهابيين" أو "المشوشين" يزعم أنهم يعتقدون أن الذي يجهر بالصلاة على صلى الله عليه وسلم عقب الأذان مثل الذي يزني بأمه [شريط (4) وجه أ (441) إظهار العقيدة السنية 240].
وزعم أن محمد بن عبد الوهاب قاتل العلماء وكان يعرض بالنبوة ويأمر بقتل من يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم
ولقد تعرض كثير من العلماء لأذى الحبشي ولسانه، حتى إنه يصف مخالفيه بأنهم "بهائم" ونذكر بعضهم على سبيل المثال لا الحصر، فمن ذلك:
موقفه من الإمام الذهبي وغيره
قال "وإذا قيل عن الذهبي خبيث فهو في محله [شريط خالد كنعان وجه أ 143].
أما الشيخ الألباني فلا يتوقع له الحبشي أن يموت على الإسلام فقال عنه "هذا إن مات مسلماً" [التعقب الحثيث للحبشي 89].
أما سيد قطب فإنه "لم يسبق له أن جثى بين يدي العلماء للتعلم ولا قرأ عليهم، ولا شم رائحة العلم. كان في أول أمره صحفياً ماركسياً" [النهج السوي 3-4].
وكذلك تعرض للشيخ سيد سابق واصفاً إياه بأنه "مجوسي وإن ادعى أنه من أمة محمد" [شريط رقم (1) الوجه الأول (181)]. لقوله بأنه يجوز قول كلمة الكفر عند الإكراه عليها، غير أن للحبشي في هذه المسألة فتوى شنيعة أباح فيها لمن ذهب إلى بلاد الكفار أن يعلق صليباً إذا خاف على نفسه من أذاهم [الدليل القويم 155]. فالترخيص بلبس الصليب لمجرد مظنة الأذى وليس عند حصول الأذى لإجباره على لبسه، وفرقٌ بين حصول الإكراه وبين مجرد توقعه.
فما الغاية من هذا التلبيس والتعدي على الآخرين بتكفيرهم وتحريف كلامهم؟
* وزعم أحد أتباعه (أحمد الرفاعي) أن رجلاً من هؤلاء (في نجد) كان يلوح له بعصاً في يده ويقول له: أترى هذه العصا؟ هذه أفضل من محمد. ذكر ذلك في مسجد علي بن أبي طالب في بيروت. {سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ}.
* وأفتى شيخهم بجواز قتل أربعين منهم في لبنان لعدم اعتبارهم من المسلمين وينهى عن الصلاة خلفهم بل والسفر إلى بلادهم. وهو لا يسمح لتلاميذه المقيمين في بلاد مخالفة له في الاعتقاد (كالسعودية) بحضر الجمعة والجماعات في مساجدهم ويرخص لهم أكل الثوم والبصل قبيل صلاة الجمعة حتى يصيروا معذورين عند الله من حضور الجمعة. يخادعون الله وما يخدعون إلا أنفسهم. وإذا ألحَّ البعض عليهم بحضور صلاة الجمعة سألوه: هل يستشهد خطيب المسجد بابن تيمية؟ فإن قال لا: ذهبوا معه، وإن قال له: نعم أكلوا الثوم والبصل!
* ولسان شيخهم لا يخلو من سباب وشتم، فقد شكا إليه أحد تلاميذه أن بعض المخالفين نقدوا تأويل شيخه (الاستواء بالاستيلاء) قائلين إذا كان معنى (استوى على العرش) أي استولى عليه فقد كان العرش قبل الاستيلاء عليه خارجاً عن ملكه. فثارت ثائرة الحبشي وقال "ما قرأ القرآن هذا الخبيث المنحوس؟ هذا الخبيث المنحوس ما قرأ القرآن؟ بهائم، قولوا لهم أنتم عيال على منشورات حزبكم [شريط (1) الوجه الثاني (15)].
التثبيط والخمول
وذكر حديث "يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة على قصعتها" ثم قال: وواقعنا اليوم مصداقٌ للحديث فإن ما عندنا من السلاح اليوم لا يبلغ عُشر عُشر ما عندهم، ففي هذه الحال ليس فرضاً علينا أن نجاهد بالسلاح [شريط 9 ب 180-210].
أعزة على المؤمنين أذلة على الكافرين(65/62)
لقد صرفهم عن جهاد العدو ووجَّه طاقاتهم نحو المسلمين، وسلَّط ألسنتهم وأيديهم عليهم. وصار الجهاد ضدهم بما أنه معطلٌ ضد اليهود والنصارى. يدخلون المساجد ويُحدثون فيها التشويش وقلة الأدب وسب المخالفين وتهديدهم بالسلاح بل وبإطلاق النار عليهم في بعض المرات. لقد صاروا جنوداً يقاتلون الدعاة إلى الله في بعض المرات. لقد صاروا جنوداً يقاتلون الدعاة إلى الله ليس في ساحات القتال وإنما في بيوت الله. وهناك كثير من المساجد افتعلوا فيها المشاكل ورفعوا السلاح وأطلقوا النار على المصلين مثل مسجد حمد وصيدا وزقاق البلاط.
ونشير على وجه الخصوص إلى الجرائم التي اقترفوها في مسجد "الجامعة العربية" حيث دخلوا المسجد وطعنوا ما يزيد على ثلاثة عشر مصلياً، وكان أحدهم يستصرخ أصحابه عند باب المسجد قائلاً "حي على الجهاد" وأغلق المسجد من حينه إلى هذا اليوم لأن أعداء المسلمين لم يرق لهم أن يروا جامعة علمانية اشتراكية بقيت من قبل منبراً شيوعياً يتردد جامعيون إسلاميون على جامع بجوارها، فاستعانوا بهؤلاء الجهال لاختلاق المبررات لإغلاقه. فهؤلاء يستعينون بأعداء المسلمين للتشفي من أعداء شيخهم، وأعداء المسلمين يستخدمونهم وسيلة لتحقيق غاياتهم.
* وقد أثبتت التقارير مؤخراً أن بعض المنتسبين لهذه الفرقة أرادوا توريط الجماعة الإسلامية (الإخوان المسلمين) إلى حرب مع السلطة عندما قاموا بتدبير إشاعة قُدّمَت إلى السلطة مفادها أن الجماعة الإسلامية قد فخخوا ملالة عسكرية وملؤوها بالمتفجرات لاغتيال رئيس الجمهورية ورئيس وزارئه. وأكدت نتائج التحقيق الحقيقة التي سطرتها مجلة الشراع وغيرها إلى أن أحد المنتسبين للحبشي قد دبر هذه الشائعة لتوريط الجماعة الذين يرى الحبشي العلمانيين أهدى منهم سبيلاً.
* وكم من مكيدة دبروها في كثير من الدعاة أدت إلى توريطهم فمهم من سُجن ومنهم من هاجر أو نُفي ومنهم من قُتل. وهذا من خصال اليهود، وهو يؤكد على أن أصحاب هذه الفرقة ليسوا دعاة إخاء ومودة ووحدة وتضامن وإنما هم دعاة حقد وتكفير وجريمة. وتعرض الأخ الفاضل حسن قاطرجي لأذاهم فضربوه عدة مرات، وما زالوا يلاحقونه ويتربصون به وبأتباعه وهو ما زال صابراً. وكذلك شأن الأخ الذهبي وشانوحا والأخ غزاوي وكثير ممن لا يمكن حصرهم.
* كم من مسلم أسلموه إلى العدو، وكم أثاروا الخصومات وهددوا وتوعدوا المصلين وانتهكوا الحرمات في المساجد. وتطاولوا على أئمتها وامتنعوا من الصلاة وراءهم ولو من غير سبب، حتى انصرف كثير من المسلمين عن أداء الجماعة في المساجد بسبب أذى هؤلاء.
* ولقد كان مما أوصى به نبينا صلى الله عليه وسلمأمته "أن لا يمشوا ببريء إلى ذي سلطان" [رواه الحاكم 1/9 وقال الذهبي صحيح لا نعرف له علة]. وأوصى أن "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده" [متفق عليه]. وهم لم يسلم من ألسنتهم ومن أيديهم إلا القلة. فلم يحفظوا وصية نبيهم r بل كانوا أقسى قلوباً على إخوانهم من المسلمين منهم على أعداء المسلمين.
وهم إذا لم يستطيعوا منع إمام المسجد من إمامة المصلين تظاهروا بالانشغال بصلاة نفل، فإذا انتهى الناس من الصلاة أقاموا جماعة أخرى.
* وقد صدق أبو حنيفة حين وصف أهل الجدل والكلام بأنهم "قاسية قلوبهم، غليظة أفئدتهم. لا يبالون مخالفة الكتاب. وليس عندهم ورع ولا تقوى" [سير أعلام النبلاء 6/399] والفضل لشيخهم الذي لم يزل يثير فيهم مشاعر الحقد والبغضاء وقد أفلح في خرق الصف وشق عصا المسلمين وإثارة الخصومات. فالأخبار تردني عنهم بكثرة وتشتكي أذاهم في كثير من الجاليات الإسلامية في أستراليا حيث ولد الحبشي هناك، يؤدي دور أبيه، ووردت الشكاوى منهم في الدانمارك وألمانيا وكندا وأمريكا.
فتنة تحويل القبلة
وقد أثار وأتباعه مسألة تحديد القبلة وأن الناس في أمريكا وكندا يتجهون إلى غير جهة الكعبة وصدر في أمريكا كتاب في الرد عليهم اسمه:
THE HABASHIS AND THE ISSUE OF QIBLAH
وذكر صاحب الكتاب المذكور (ص3) أنه تم طرد أتباع الحبشي من مونتريال ومن ولاية أوكلاهوما وتامبا وفلوريدا عندما حاولوا تغيير اتجاه القبلة من الجهة الشمالية الشرقية إلى الجهة الجنوبية الشرقية.
قال صاحب الكتاب "ولما لاحظ الأحباش أن حجتهم في المسألة ناشئ عن اعتقادهم بأن الأرض مسطحة حجة واهية لجأوا إلى حجة أوهى منها أن الشرق قبلة للذين في الغرب وأن الغرب قبلة للذين في جهة الشرق، وحجتهم حديث "ما بين المشرق والمغرب قبلة".
* غير أن فهم العلماء السابقين للحديث يخالف فهم الأحباش له فقد قال البيهقي وغيره "المراد به والله أعلم: أهل المدينة من كان قبلته على سمت أهل المدينة فيما بين المشرق والمغرب". قلت: وفي فيض القدير "غير أن أهل اليمن يجعلون المشرق عن يمينهم والمغرب عن يسارهم" [سنن البيهقي 2/9 فيض القدير 5/432].(65/63)
* ونحن لا نتهم أحداً من الفريقين على صدقه في تحري الجهة الصحيحة للقبلة ولكن الطريقة التي عالج بها الأحباش هذه القضية اتسمت بإثارة الفتنة وعدم التسامح واختلاق الفوضى في المساجد الأمر الذي جعلهم عرضة للطرد في أي مكان حلوا فيه مع أن مؤلف الكتاب أكد أن رجلين من أئمة الأحباش نزلوا في كندا تحت كفالة الكنيسة المتحدة [The HABASHIS p.13].
وهذا لو ثبت فإنه مثير للتساؤل حول تحديد الجهات التي تقف وراء هذه الطائفة وتدعمها لتستعملها أداة في التشويش على المسلمين وإحداث فوضى العقيدة بينهم.
ومن العلماء المتعرضين لطعنه (( ابن تيمية ))
ولعلك تراجع عمل وسيرة العلماء الذين ينتقيهم الحبشي ليشوه سمعتهم ويحذر الناس من الاطلاع على أعمالهم وكتبهم فستجد أنهم كان لهم الأثر في صحوة الناس والتمسك بالدين.
* فسيد قطب كان له الأثر البالغ في تحذير الناس من الأنظمة الاشتراكية والعلمانية والرأسمالية. وأن الحاكمية للقرآن لا للعلمنة.
* وابن تيمية كان مجاهد سيف وقلم كشف الله به أباطيل أهل التأويل الباطني وهتك أستارهم ودعا الناس إلى السنة ونبذ التصوف والبدع.
* وابن عبد الوهاب أعاد الجزيرة إلى التوحيد بعد أن انتشرت فيها الجاهلية والانحطاط الديني والشرك واتخذوا قبر زيد بن الخطاب حول الرياض آنذاك مسجداً. وعاد التعلق بالشجر والحجر، حتى نجح ابن عبد الوهاب في اقتلاع هذه البدع، وعاد بجزيرة العرب إلى السنة والتوحيد ولو كره المشركون الذين ليس عندهم ضده إلا الشائعات.
وإليكم مجموعة من الافتراءات التي اختلقها الحبشي على ابن تيمية والتي لم يُحِلْ فيها إلى رقم ولا صفحة لأنه يعلم أنه افتراها ونحن ننتظر منه أن يأتي بدليل عليها.
* زعم أن ابن تيمية قال: أن صلى الله عليه وسلم ليس له جاه [المقالات السنية في كشف ضلالات ابن تيمية 16 و76].
* وأنه "لا مانع أن يكون نوع العالم غير مخلوق لله" [الدليل القويم 160].
* ووصفه بأنه كذاب أفاك في دعواه أن السلف قالوا "إن الله ينزل ولا يخلو منه العرش" [المقالات السنية 24].
* زعم أنه قال "إن الله مركب مفتقر إلى ذاته افتقار الكل إلى الجزء [المقالات السنية 76].
* زعم أن ابن تيمية قال "إن الله بقدر العرش: لا أكبر منه ولا أصغر منه.
* زعم أن ابن تيمية وأتباعه [المقالات السنية 26] يكفّرون المتوسلين برسول ا صلى الله عليه وسلم [يتعمد الخلط بين التوسل والاستغاثة مع أن ابن تيمية يفرّق بين التوسل والاستغاثة].
* زعم أنه يقول أن زيارة الأنبياء والصالحين بدعة، بل وأنها معصية بالإجماع مقطوعٌ بها [المقالات السنية 73].
* قال الحبشي "وابن تيمية هذا طعن في علي بن أبي طالب وقال إن حروبه أضرت بالمسلمين". ثم انتهى إلى أن ابن تيمية يحرف القرآن" [شريط 13 الوجه الأول 94].
* وزعم أنه نقض إجماع المسلمين فقال إن نار جهنم تفنى [المقالات السنية 57 و76].
* وزعم أنه حكم بكفر من خالفه في مسألة الطلاق [المقالات السنية 57 و62 و75]. وأنه "كان يُخفي بعض كتبه عن عامة أتباعه لئلا ينقلبوا عليه.
* وأن أحد أتباعه اطلع على كتاب له يقول فيه أن الله تعالى قاعد على الكرسي وترك موضعاً لمحمد ليُجلسه عليه في الآخرة وأن تلميذه ذهب بهذا الكتاب إلى أبي حيان فلما اطلع عليه ما زال يلعنه حتى مات" [إظهار العقيدة السنية 151].
ونال ابن تيمية منه ومن أتباعه السباب والشتم والتكفير وانهالوا عليه بشتى أنواع التهم، فزعموا أنه مشبه لله بخلقه واحتجوا بما ذكره ابن بطوطة أنه دخل دمشق وشهد ابن تيمية على المنبر وهو يقول "إن الله ينزل إلى السماء الدنيا كنزولي هذا، ونزل درجة من المنبر" [رحلة ابن بطوطة 110 تحقيق علي المنتصر الكتاني].
ومن المثير للعجب أن يُنسَب إلى ابن تيمية مثل هذا الكلام بينما يحكم ابن تيمية نفسُه بكفر من يقول بمثله، فقد قال "فمن قال إن علم الله كعلمي، أو قدرته كقدرتي.. أو استواؤه على العرش كاستوائي أو نزوله كنزولي أو إتيانه كإتياني: فهذا قد شبه الله بخلقه، تعالى الله عما يقولون، وهو ضال خبيث مبطل بل كافر" [الفتاوى 11/482 الرسالة التدمرية 20].
وإنني إذ أنقل بإيجاز أهم مفتريات هذا الرجل على ابن تيمية فإنني أود تذكير القارئ بضرورة العودة إلى كتابي:
(( شبهات أهل الفتنة وأجوبة أهل السنة ))
فقد أجبت فيه عن جميع هذه المفتريات بشكل مفصل من كلام شيخ الإسلام.
دليل التعصب وعلامته
إن الحبشي وجماعته يكفّرون من لا يستحق التفكير (كابن تيمية) ويدافعون عمن ثبت تكفيره من قِبَل معاصريه كابن عربي الذي حكم معاصره العز بن عبد السلام (سلطان العلماء) بالزندقة والانحلال، وسأله عنه ابن دقيق العيد فقال له (ابن عربي) شيخ سوء كذّاب، يقول بقدم العالم ولا يحرّم فرجاً" [سير أعلام النبلاء 23/48 - 49]. واتهمه الحافظ ابن حجر بالقول بوحدة الوجود المطلقة والتعصب للحلاج [لسان الميزان 2/384]. لكن هذه الفرقة تأبى الإقرار بما قاله ابن عبد السلام وابن حجر وتصرّ على تقواه وورعه وسلامة دينه بلا دليل بل الدليل من كل كتبه يثبت ما قاله ابن حجر وابن عبد السلام، ولكن: قاتل الله التعصب.(65/64)
((( التوحيد الهش )))
وهكذا نلخّص عقيدة الحبشي على النحو التالي:
* نقض التوحيد من أغلب جوانبه. اللهم إلا توحيد الربوبية. وهو ما كان عليه مشركو قريش: غير أنه:
* نقض توحيد الألوهية حين دعا إلى الاستغاثة بالأموات من دون الله ومخاطبتهم.
* نقض توحيد الأسماء والصفات حين دعا إلى تأويلها والعبث فيها واستخراج معانٍ أخرى لها مصدرها الظنون والاحتمالات. حتى أدت به وسوسته إلى إنكار أن يكون القرآن كلام الله وأن يكون على كل شيء قدير.
* نقض توحيد الله في حكمه دافع عمن يتحاكمون إلى شريعة الطاغوت، وقد نفى الله الإيمان عمن يحتكمون إلى غير حكم الله ورسوله.
* نقض توحيد الله في جانب الولاء والبراء حين تولى وأتباعُه أعداءَ الله وعادوا أولياءه واستنصروا بالطواغيت ضد المسلمين واعتمدوا على مؤازرتهم لهم ليضربوا المسلمين في المساجد، لا فرق بين أئمة ومأمومين وتعدوا على من سولت له نفسه الاعتراض عليهم. وصار همهم احتلال المساجد ووضعها تحت سيطرتهم وإبقاء الدروس فيها متى شاءوا، فحُقّ أن يوصفوا بضد ما يتصف به المؤمنون: "أعزة على المؤمنين أذلة على الكافرين".
* ولم يبق عندهم إلا توحيد واحد وهو توحيد الربوبية يفخرون به على الناس ويجعلونه أسمى مراتب التوحيد، وقد كان أبو جهل وأصحابه يؤمنون به وهو توحيد الله في الخلق والإيجاد والاختراع {وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ}.
وهو في الحقيقة لا قيمة له إذا لم يكن معه توحيد الألوهية الذي يشترط عليك أن لا تستغيث ولا تستعيذ إلا بالله ولا تدعو أحداً معه، ولا تذبح ولا تنذر إلا له.
خاتمة البحث
تصور أيها الأخ الكريم لو أننا دعونا نصرانياً إلى الإسلام، ثم سألنا عن تفاصيل عقيدتنا فقلنا له: عقيدتنا على النحو الآتي:
* يكفي من المؤمن الإيمان بالله الاعتقاد في قلبه فقط بأن الله خالق واحد وأنه قديم وأن ما سواه مخلوق.
* وأن الإيمان في القلب ولا يضر إيمان المؤمن أن يترك كل الأعمال الصالحة من صلاة وزكاة وصوم وحج، ولا يضر إيمانه أن يتحاكم إلى غير كتاب الله.
* وأنه يجوز الاستغاثة والاستعاذة بغير الله، والتبرك بقبور الأولياء والتمرغ على أعتابهم. واعتقاد أنهم يتصرفون في الكون وهم في قبورهم، ولهم مراتب منها الوتد والنجب والغوث: بهم تقوم الأرض ومن دونهم تهلك بمن فيها.
* وأنه لا يُشترط الاقتصار على الكتاب والسنة بل يجوز الزيادة عليهما بما يراه الواحد منا حسناً. نسميها بدعة حسنة نتقرّب بها إلى الله. منها ما يجوز ابتداعه بل منها ما يجب ابتداعه!
* وأن هذا القرآن الذي بين أيدينا ليس كلام الله وإنما هو لفظ جبريل أو محمد مفهومٌ من كلام الله النفسي القديم.
* وأن الله ليس على كل شيء قدير وإنما هو على غالب الأشياء قدير.
* وأن أحاديث الآحاد التي في صحيح البخاري ومسلم لا تفيد العلم. فهي صحيحة لكنها ضعيفة في نفس الوقت.
* وأن إرادة العبد مجازية وفعله ليس منه إنما هو فعل الله على الحقيقة.
* وأن الله يعين الكافر على كفره. وأنه لولا الله ما استطاع الكافر أن يكفر.
* وأنه لا يجوز أن يقال إن الله يخلق أو يفعل لحكمة لأن في ذلك انتقاص من قدرة الله. ولأن الله لا يفعل لحكمة وإنما لمجرد أنه يشاء.
* وأنه يجوز أن يعذب الله الأنبياء وسائر الطائعين ويُلقي بهم في جهنم وأنْ يُدخل الكفار والجبارين الجنة، ولا يكون هذا ظلماً منه لأنه مالك لهم: والمالك متصرف في ملكه كيف يشاء.
* وأنه يكفُر من يقول إن النار أحرقتِ البيتَ أو أن السكين قطعت اللحم.
* وأنك إن أسلمْتَ فيجب أن لا تثبت لله من الصفات ما وصف الله به نفسه وإلا كنت مشبهاً ضالاً. فيده قدرته ومجيئه أمره. ومحبته ورضاه وغضبه يعني إرادته.
* وإياك أن ترفع يديك إلى السماء اعتقاداً منك أنك ترفعهما إلى ربك لأن هذا كفرٌ وضلالة. فتكون بذلك شراً مما كنتَ عليه حين كنتَ نصرانياً.
* وإن أسلمتَ فيجب أن تكون إما ماتريدياً أو أشعرياً لتكون من أهل السنة وإلا فخروجك عن هذين المذهبين خروج عن العقيدة الصحيحة وعودة إلى الضلال.
* وإن أسلَمْتَ فيجوز لك أن تختار لنفسك سبيلاً من السُّبل فتكون تيجانياً أو رفاعياً أو قادرياً أو نقشبندياً أو شاذلياً أو بكداشياً أو مولوياً أو يشرطياً أو دسوقياً فتمل بخصرك يميناً ويساراً أو تنحني وترتفع [على النحو الذي يفعله اليهود في صلواتهم ولا يدري الصوفية أن حركتهم هذه تشبه حركة اليهود] وتتقرّب إلى الله تذكره بحلقات الرقص والدفوف والتواضيح الدينية.
* وأنه يجوز لك أن تعتقد أنه لولا صلى الله عليه وسلم ما خلق الله الأكوان وأن تحتفل بعيد ميلاده وتترك الاحتفال بعيد ميلاد المسيح لأن هذا من عادات النصارى. فـ "المولد" جائز لك دون "الميلاد"!!!
* وتشارك هؤلاء في التغني بحبه وقص ما جرى في مولده من الخيالات والإضافات. وتحتفل بيوم إسرائه ومعراجه وما فيها من الإضافات والخيالات.
* أتُراك بهذا تقدّم له الإسلام الحقيقي كما قدمه رسول ا صلى الله عليه وسلم إلى المشركين واليهود والنصارى! أم أنك تقدمه له مشوّهاً؟(65/65)
* أتُراك بهذه العقيدة الهشة تغريه بالإسلام؟ - أم أنك تخاف أن تصرح له بهذه التفاصيل لأن في نفسك منها شيئاً وتعلم أنها لا تزيده من الإسلام إلا بُعداً ونفوراً، ولأنها لا تمثل الإسلام في شيء، ولا تتفق مع ما جاءنا به رسول ا صلى الله عليه وسلم وأن فيها من صنوف العقائد والسلوك ما يشبه ما عنده في النصرانية!!
* فالنصراني يعلم أن كتابه ليس من كلام الله ولا يريد أن يسمع من المسلم أن القرآن من إنشاء محمد أو جبريل.
* وهو قد أصابه الملل من قول القسيس: يكفيك أن تؤمن بصلب المسيح فهذا يضمن لك الجنة من غير عمل ولو لم تصل ولو لم تعمل وفق الأناجيل.
* وأصابه الملل مما يراه من زيارتهم للأديرة ودعوة مريم والقديسين أن يقضوا لهم حوائجهم. وطلب الشفاعة منهم عند الله.
* وأصابه الملل من عجائب وغرائب المعجزات التي تُنسب إليهم من تحريك الجبال والتصرف في الأكوان.
* وأصابه الملل من البدع التي هي في اطراد وزيادة كل يوم في الكنائس. ولا يريد أن يسمع من المسلم أن دينه يبيح الابتداع في الدين وأن منه البدعة الفرض والبدعة الواجب.
فإن كنتَ تخشى من تقديم هذا الإسلام المهلهل أمام غير المسلمين خوفاً من تشويهه أمامهم فكيف تقدمها إلى المسلمين وتدافع عنها دفاع المستميت؟ وكيف تَقْدُم على الله يوم القيامة بعقيدة كهذه؟
((( عقيدة مهترئة )))
تصور أيها الأخ لو عُرِضَتْ عليك هذه العقيدة لتعتنقها:
* يجوز دعاء غير الله والاستغاثة بهم.
* يجوز تأويل آيات وأحاديث الصفات.
* أحاديث مسلم والبخاري أكثرها ظني لا يجوز الاستشهاد به في مسائل الاعتقاد. هي صحيحة لكنها ضعيفة ظنية!
* يجوز الابتداع في دين الله.
* القرآن الذي في أيدينا أنشأ ألفاظه إما محمد وإما جبريل وأما الله فلا يتكلم ولا ينزل إلى السماء ولا يستوي على العرش.
إنه ما من شك في أن ما أصاب العالم الإسلامي في وقتنا الحاضر من ضروب التخلف إنما هو بسبب سوء فهم المسلمين لقضايا مهمة في الاعتقاد كقضية الإرجاء والقضاء والقدر. ولا أزال أرى ضرورة التفات الدعاة إلى المنهج العلمي من أجل إزاحة ركام كبير من مخلفات العقائد القديمة البالية التي خلفتها الشروح على الحواشي والحواشي على الشروح وحواشي الحواشي وغيرها مما يكثر فيه الاستشهاد بالشراح وأصحاب الحواشي ويقل فيه الاستدلال بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم
وإذا كانت هذه هي عقيدة الرجل كما سطرها في كتبه:
فليس نهجه سوياً ولا سليماً
وليس دليله قويماً
وليس صراطه مستقيماً
وليست مقالاته سليمة
وليست عقيدته سنية
وبالتالي لا يكون توفيقاً ربانياً
وليس بغية للطالبين
والحمد لله رب العالمين
===============(65/66)
(65/67)
الأحباش .. جماعة دينية أم سياسية ؟!!
عبد الرحمن محمد سعيد دمشقية
قدم عبد الله الهرري الحبشي إلى لبنان واغتر به الناس وجهلوا أنه أتى من بلدٍ يبغضه أهلها حتى صاروا يلقبونه "بشيخ الفتنة".(حسب شهادة بعض أقارب الحبشي) وذلك لمساهمته في فتنة (كُلُب) في بلاد هرار بإيعاز ودعم من اهل أديس أبابا حيث تعاون هناك مع أعداء المسلمين وبالتحديد مع الحاكم (أندارجي) صهر (هيلاسيلاسى) هناك ضد الجمعيات الإسلامية وتسبب في إغلاق مدارس الجمعية الوطنية الإسلامية لتحفيظ القرآن بمدينة هرر سنة 1367هـ -1940م، وصدر الحكم على مدير المدرسة ( إبراهيم حسن) بالسجن ثلاثاً وعشرين سنة مع النفي، وبالفعل تم نفيه إلى مقاطعة ( جوري) طريداً سجيناً وحيداً حتى قضى نحبه بعد سنوات قليلة.
وكان سبب هذا التعاون بين الحبشي وبين السلطة ضد القائمين على مدارس تحفيظ القرآن اتهامه لهم أنهم ينتمون إلى العقيدة الوهابية.
ولا يزال التاريخ يذكر له فتنة (كُلُب) التي كان من جرائها إغلاق مدارس تحفيظ القرآن ونفي الدعاة والمشائخ أو سجنهم وبسببها أطلق عليه الناس هناك صفة (الفتّان) أو (شيخ الفتنة).
ولا يزال يعمل منذ قدم لبنان على بث الأحقاد والضغائن ونشر الفتن تماماً كما فعل في بلاده. وهو شديد العناد وشديد الخصومة وإذا حشره خصمه في المناقشة فإما أن يظهر انفعالات مصطعنة أمام أتباعه مما قد يحملهم على ضرب المجادل له أو طرده، وإما أن ينسحب بهدوء إلى غرفته ويترك خصمه لأتباعه يجادلهم ويجادلونه، وإذا سأل عن سبب انسحاب الحبشي قالوا له إن الشيخ متعب ويريد أن يستريح. ولقد حدث لي معه شخصياً ومع بعض الإخوة.
* لقد نجح الحبشي مؤخراً في تخريج مجموعات كبيرة من المتبجحين والمتعصبين الذين لا يرون مسلماً إلا من أعلن الإذعان والخضوع لعقيدة شيخهم وما تتضمنه من أرجاء في الأيمان وجبر في أفعال الله وجهمية واعتزالية في صفات الله. وتحايل على الله فيما يسمونه بـ (الحِيلَ الشرعية). وطرائف الفتاوى وعجائبها.
* ولم يكد ينجو داعية مسلم من ضربهم وإيذائهم، وصار اقتحام المساجد عند أتباعه (فتحاً مبيناً) وحكم على من يسميهم بالوهابيين بالكفر والردة عن الإسلام ومنع المقيمين من أتباعه في السعودية من الدخول إلى مساجد الوهابيين ورخص لهم بأكل الثوم والبصل قبيل الصلاة كي يصيروا معذورين- بل منهيين- من دخول المساجد.
* ولكم أن تسألوا أئمة المساجد في لبنان من شماله إلى جنوبه: أي مسجد سلم من فتنهم وصيحاتهم وضربهم وإطلاق نيرانهم. أسالوا عدنان ياسين: كم من مرة حاولوا قتله، اسألوا الداعية حسن قاطرجي: ماذا فعل لهم حتى يلاحقوه دائماً وينهالوا عليه بالضرب والأذى؟ اسألوا الداعية جمال الذهبي وعبد الحميد شانوحا وغيرهم: لماذا تركوا لبنان أليس بسبب تعرضهم للضرب والأذى فآثروا الرحيل؟
ولكم أن تستمعوا إذاعتهم التي أعينوا على تأسيسها حيث يستعملونها منبراً للتطاول على الآخرين حتى وصفوا الشيخ محمد على الجوزو بأقذع النعوت وجعلوه رجلاً داعراً، ووصفوني بمثل ذلك، ولو كان ثمة حكم إسلامي لأقام على هؤلاء حد القذف.
فأين ( الانفتاح الديني) الذي يزعمون أنهم يدعون إليه؟ هل هو إلا الانفتاح مع المتواطئين الذين يستخدمونهم في شق عصا المسلمين وشيوع البغضاء والكراهية بين المسلمين.!
* أما الباطنيون فلم يتكلم هو ولا أتباعه فيهم بكلمة واحدة، وليس من كتاب صدر للحبشي إلا وقد اطلعت عليه يتكتم عليهم، وأتباعه ينشرون الإعلانات والمنشورات في مدحهم والثناء عليهم، فهل يعقل أن يكون هؤلاء أهدى سبيلا من سيد والألباني وابن تيمية وابن باز.
بل قد بدأ يكشف الحبشي عن حقيقته في آخر محاضرة له في طرابلس حيث أخذ يحث على الاستغاثة بأئمة اهل البيت وأنه لا حرج على المسلم أن يدعو فيقول يا علي يا حسين على النحو الذي تفعله الشيعة. وتكشفت الآن حقائق عن تنسيق وتعاون بينهم وبين الباطنيين لاسيما حين أسهم الباطنية في مصادرة كتاب ( إطلاق الأعنة) الذي رد مؤلفه على الحبشي الذي اتهم عائشة بالعصيان وتطاول على بعض الصحابة ليتقرب بهم إلى الباطنيين.
لقد كان الحبشي يستغل بساطة الناس وحبهم للدين فيملأ قلوبهم غيظاً على خصومه من المشائخ ويزور كلامهم ويسلط العامة والغوغاء عليهم وذلك على النحو الذي يفعله اليوم في لبنان. ثم أنتهي الأمر بتسليم الدعاة والمشايخ إلى هيلاسيلاسى وإذلالهم. منهم من فر إلى مصر والسعودية واستقروا بها.(65/68)
وما أن خلا له الجو حتى بدأ يعاود الفتنة نفسها، فنشر عقيدته الفاسدة من شرك وترويج لمذهب الجهمية في تأويل صفات الله وإرجاء وجبر وتصوف وباطنية ورفض وسب للصحابة، فسب معاوية ووبّخ الذين توقفوا عن القتال بين الفئتين المسلمتين. وأتهم عائشة بعصيان أمر الله، ثم بدأ بتسليط لسانه اللاذع على خصومه فكفر الألباني وابن باز ورمى ابن تيمية بالكفر والردة والزندقة وأمر بإحراق كتبه ووصف الإمام الذهبي بأنه خبيث والشيخ سيد سابق بأنه مجوسي ولعن سيد قطب وأثنى هو وأتباعه على عبدالناصر لأنه شنقه، مع أنه يمتنع عن الإجابة عن حكم الباطنيين والروافض بل على العكس فانه يتولاهم ويأمر أتباعه بموالاتهم واستخدامهم درعاً واقياً وغطاء منيعاً ليستمكن هو وأتباعه بهم من ضرب المسلمين والدعاة إلى الله ولو في المساجد.
وصارت تُسمع له بعض الفتاوى الشاذة. فحكم بجواز سرقة الجيران إذا كانوا نصارى. وبجواز أن يُرى النبي- صلى الله عليه وسلم - في اليقظة بين الناس. وأجاز أكل الربا وصد عن دفع الزكاة، وزعم أن الصحابة مقلدين وأنه لولا أن الله أعان الكافر على الفكر ما أستطاع الكافر أن يكفر، وأن من زعم أن الله يتكلم حقيقة: يكفر. وأخذ يتفنن في إصدار فتاويه في التحايل على الله في الفقه.
* إنني أستبعد أن يكون الحبشي يهودياً كما أشيع عنه، وليس هناك دليلاً مباشراً على ذلك إلا أني لا أتردد في القول بأن الخصال التي تربى عليها أتباعه- من التبجح والحقد على الآخرين وتحريضهم على كراهية المسلمين من الصحابة والعلماء وإيذاء المصلين وضربهم في المساجد بدءاً بالإمام وتعليمهم التحايل على الله- إن هذه الخصال خصال يهودية لا يحتاج المرء معها أن يكلف نفسه عناء البحث عن أصل الحبشي هل هو يهودي ام لا، فإن النتيجة أن يعلّم الناس خصال اليهود. ولقد كان تبجحهم وكراهيتهم ورعونتهم علامة واضحة لعوام الناس وجهالهم على ضلالتهم حتى صاروا يطلقون على كل منحرف في الدين لفظ (حبشي) أو ( متحبش).
فتوى سماحة الشيخ ابن باز في الحبشي
وإنني أذكر بان سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز قد اطلع على أحوال الحبشي وفرقته ثم صدرت عنه فتوى رقم 2392/1 بتاريخ 30/10/1406هـ جاء فيها " إن طائفة الأحباش طائفة ضالة، ورئيسهم المدعو عبد الله الحبشي معروف بانحرافه وضلاله، فالواجب مقاطعتهم وإنكار عقيدتهم الباطلة وتحذير الناس منهم ومن الاستماع لهم أو قبول ما يقولون".
مخالفون للشافعي في الاعتقاد
* أما مذهبه هو وأتباعه في العقيدة فليس على مذهب الشافعي. فإنهم يؤولون صفات الله بلا ضابط شرعي وبمقتضى الهوى: فأين ما دل على ذلك من عقيدة الشافعي؟ أين فسرّ الشافعي قوله تعالى ( الرحمن على العرش استوى) بمعنى أنه استولى على عرشه؟ وهل خاض الشافعي في شيء من التأويل الذي يجعله هؤلاء ضرورياً، ويتهمون المخالف فيه بأنه يجعل لله نداً وشبيهاً !
* الحبشي يزعم أن جبريل هو الذي أنشأ ألفاظ القرآن وليس الله، فالقرآن ليس عنده كلام الله وإنما هو عبارة عن كلام الله أي أن جبريل عبّر عما جرى في نفس الله وصاغه بألفاظ من عنده، وتجد أتباعه يكررون هذه الكلمة وتطالبهم بتفسيرها فيتحيرون ولا يستطيعون تفهيمها فضلاً عن أن يفهموها. ويفرضون عليه أن يقول بأن القرآن عبارة عن كلام الله، وليس كلام الله. وقد احتج لذلك بقوله تعالى ( إنه لقول رسول كريم). ( إظهار العقيدة السنية 59).
- وزعم أن الله على غالب الأشياء قدير( إظهار العقيدة السنية 40) وأثار بين الناس مسألة: هل الله قادر على نفسه أم لا؟ فهل خاض الشافعي بمثل هذه الوساوس والهرطقات؟
* الحبشي يحث على التوجه إلى قبور الأموات والاستغانة بهم وطلب قضاء الحوائج منهم، بل أجاز التعوذ بغير الله وكان يقول المستعيذ " أعوذ بفلان" (الدليل القويم 173 بغية الطالب 8 صريح البيان 57و62) وأن الأولياء يخرجون من قبورهم ليقضوا حوائج من يستغيث بهم ومن ثم يعودون إليها (شريط خالد كنعان/ب/70) ويدعو للتبرك بالأحجار ( صريح البيان 58 إظهار العقيدة السنية 244) فهذا شرك يدخلونه ضمن عقائد توحيدهم: فهل يتفق هذا الشرك مع عقيدة الشافعي السنية الصافية؟
* الحبشي جبري منحرف في مفهوم القدر، يزعم أن الله هو الذي أعان الكافر على كفره وأنه لولا الله ما استطاع الكافر أن يكفر (النهج السليم 67) ولقد أثنى على الرازي لقوله بأن العبد " مجبور في صورة مختار" إظهار العقيدة السنية 196).
* الحبشي في مسألة الإيمان من المرجئة الذين يؤخّرون العمل عن الإيمان ( الدليل القويم 7 بغية الطالب 51) ويبقى الرجل عنده مؤمناً وإن ترك الصلاة وغيرها من جميع الأركان. وهذا مخالف لعقيدة الشافعي الذي شدد على أن الإيمان والعمل والاعتقاد شيء واحد.(65/69)
* الحبشي يقلل من شأن التحاكم إلى الأحكام الوضعية المناقضة لحكم الله، وقد وصف من لا يريدون اقامة دولة تحكُم بالإسلام- وإنما يريدون اقامة دولة علمانية- بأنهم أناس مسلمون ومؤمنون، بل إن مساعدتهم تجوز ( شريط 1/318 الوجه الأول) وأن المسلم الذي لا يحكم بشرع الله وإنما يتحاكم إلى الأحكام الوضعية التي تعارفها الناس فيما بينهم لكونها موافقة لأهواء الناس متداولة بين الدول أنه لا يجوز تكفيره" ( بغية الطالب 305) وأن "من لم يحكمّ شرع الله في نفسه فلا يؤدي شيئاً من فرائض الله ولا يجتنب شيئا من المحرمات، لكنه قال ولو مرة في العمر: لا اله الله: فهذا مسلم مؤمن. ويقال له أيضا مؤمن مذنب ( الدليل القويم 9-10 بغية الطالب 51).
ونقول: أهذه كلمات تخرج من فم رجل ناصح ٍ مصلح يريد صلاح دين الناس؟ ويدافع عن المتحاكمين بغير ما أنزل الله؟ لعل هذا أحد أسباب الدعم المقدم اليوم لهذه الطائفة التي صارت تنصّب نفسها للدفاع عن العلمانيين الذين صاروا عندهم أقرب إلى الله من معاوية وابن تيمية والألباني وسيد قطب وسيد سابق.
إن الاقتصار في الإيمان على مجرد النطق بالشهادتين من غير عمل هو خلاف صريح مذهب الشافعي الذي كان يشدد على أن الإيمان هو قول باللسان واعتقاد بالجنان وعمل بالأركان وأنه لا يجوز الفصل بين هذه الثلاث. كما أن التحاكم إلى الأحكام الوضعية شرك كما قال تعالى ( ولا يشرك في حكمه أحداً). غير أن الحبشي يرى أن التحاكم إلى غير شريعة الله ليست كفراً ولا شركاً، وأن الآية ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) خاصة باليهود ( النهج السوي 16) اما المسلم فلا يكفر إلا إذا جحد حكم الله. وقد حكم بتكفير سيد قطب لأنه حرّم على القضاة أن يقضوا بين الناس بموجب الأحكام المدنية الوضعية المناهضة لأحكام الشريعة.
* الحبشي يرجح الأحاديث الضعيفة والموضوعة ويسكت عن عللها لمجرد كونها تؤيد مذهبه، بينما يحكم بضعف الكثير من الأحاديث الصحيحة التي لا تتناسب مع طريقة اهل الجدل والكلام. وهذا شأن أهل البدع الذين لا يتجردون للسنة. كما يظهر ذلك في كتابه المولد النبوي الذي أتى فيه بالضحكات من الأخبار، وكتاب صريح البيان. الذي حاز فيه على رضا الشيعة ومحبتهم لكثرة ما تعرّض فيه بالطعن لبعض الصحابة وأولهم بالطبع: معاوية.
* الحبشي يغازل الروافض بتركيزه على أمور الفتن التي جرت بين الصحابة ويُكثر من التحذير من تكفير سابِّ الصحابة والشيخين على وجه الخصوص، وأن مذهب أهل الحق أنه لا يَكْفُر وأنه لا يلتفت إلى من خالف هذا الرأي. وهذه مسألة حدث خلافَّ حولها، ولكن لماذا إيراد هذا الآن وفي وقت بدأ الآخرون يُظهرون سبهم ويجاهرون بشتهم أصحاب النبي- صلى الله عليه وسلم - وبالتحديد أبو بكر وعمر.
وهو بالتالي يُكثر من سب معاوية وأنه من أهل النار. ويأتي بالمظلم من الروايات الطاعنة في معاوية مثل أنه أوصى ابنه يزيد وهو على فراش الموت أن يقطع عبد الله بن الزيبر إرباً إرباً إذا ظفر به. إن مواقف مثل هذه تروق للشيعة وتُكسِِبُهُ رضاهم. وأنه كان يبيع أصناماً في الهند.
* يعتقد بان الله خلق الكون لا لحكمة وأرسل الرسل لا لحكمة وأرسل الرسل لا لحكمة. ويرى أن من ربط فعلا من أفعال الله بالحكمة فقال إن الله خلق الإنسان لحكمة فإنه ينسب التعليل عنده إلى الله والتعليل نقص على الله لا يجوز وصفه به. وأن من زعم أن النار سبب الحرق والسكين سبب الذبح فهو مشرك يجعل مع الله فاعلا آخر.
* الحبشي يبيح اخذ الربا وهذا مخالف لصريح مذهب الشافعي الذي شنع على من يقول بذلك كما في كتابه ( الأم 8/358) ويجيز للمصلي أن يصلي متلبساً بالنجاسة ولو كان من بول أو غائط ( بغية الطالب 99-100) ويجيز لعب القمار مع الكفار ويجيز سلب أموال جيرانه من الكفار ( صريح البيان 133).
الحبشي يخوص في علم كلام الذي شنع الشافعي على المشتغلين به، - فالحشبي في خوضه بموروثات الفلاسفة أقرب إلى حفص الفرد الذي كان معاصراً للشافعي والذي حط عليه الشافعي ورماه بالزندقة وحذر منه لأنه كان يتعاطى علم الكلام وتأويل الصفات، وهؤلاء يتعاطون علم الكلام ويتألون الصفات، يكملون بذلك مسيرة حفص الفرد تحت غطاء مذهب الشافعي، بينما حكمهم عند الشافعي كحكم حفص الفرد عنده.(65/70)
- ولقد شهد الشافعي على مؤولة الصفات الإلهية بأنهم (معطلة) إذ قال للربيع " لا تشتغل بالكلام فإني اطلعت من أهل الكلام على التعطيل"( سير إعلام النبلاء 10/28) وقال " حكمي في أهل الكلام أن يُضرَبوا بالجريد ويُحملوا على الابل ويطاف بهم في العشائر والقبائل ويُنادى عليهم: هذا جزاء من ترك الكتاب والسنة وأقبل على الكلام" ( سير الأعلام النبلاء 10/29 صون المنطق 65 الحلية 9/116 مناقب الشافعي 1/462) وتواتر عنه ذمة لأهل الجدل والكلام. ووصفهم أبو حنيفة بأنهم " قاسية قلوبهم غليظة أفئدتهم لا يبالون مخالفة الكتاب والسنة، وليس عندهم ورع ولا تقوى" ( سير أعلام النبلاء 6/399 مفتاح دار السعادة 2/136).- ومن علامات انعدام التقوى عندهم: استعمال الحبشي يستعمل ألفاظاً نابية في حق الله، زعم أن غرضه من ذلك تحذير الناس منها كقوله " ومن الكفر أن يقول الرجل: يا زب الله، وحياة شوارب الله، أخت ربك، حِلّ عني أنت وربك" ( النهج السليم 57 الدليل القويم 145 بغية الطالب 41).
- وهو يسمي علم الكلام ( علم الكلام السني) زعم أنه شيء آخر غير علم الكلام الذي ذمه الشافعي وأحمد وأبو حنيفة ومالك. خداعاً للناس ليقبلوه وليوجد له مبرراً بعد أن حذّر منه أولئك الأئمة النبلاء غاية التحذير وعابوا المشتغلين به. وهو إنما يفعل ذلك ليقول للناس: لا تظنوا أن الأئمة حذروا من هذا الجدل الذي اتَيْتُكم به والذي هو جدَلَّ " سُنّي" وإنما أرادوا شيئاً آخر. غير أن علم الكلام والجدل الأرسطي اليوناني لا علاقة له بالسنُّة لا من قريب ولا من بعيد. وقد ذمه الأئمة حتى إن الشيخ أبي حامد الغزالي كتب قبل موته رسالة في التحذير منه بعنوان "إلجام العوام عن علم الكلام" كل ذلك آثاره السلبية على أهل السنة في لبنان، فانقلبت السنة بدعة والبدعة سنة، وتفرق أمر المسلمين.
موقف الحبشي من الائمة والعلماء
* الحبشي يطعن ويلعن عدداً من أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم - لاسيما معاوية الذي يلعنه أتباعه من على منابرهم ( إظهار العقيدة السنية 182) تجملا إلى الباطنية وتقرباً إلى الروافض الذين بُني مذهبُهُم على سب الصحابة. وهذا مخالف لمذهب الشافعي الذي كان إذا سئل عما جرى بين الصحابة قال "تلك فتنة قد طهر الله منها أيدينا، أفلا نطهر منها ألسنتنا" ( مناقب الشافعي للرازي 1/449) بل هو مخالف لمذهب الأشعري الذي روى الحافظ ابن عساكر عنه أنه كان يترضى عن معاوية وسائر الصحابة ( تبيين كذب المفتري 151). وكان الغزالي يعظم معاوية ويترضى عنه ويذكر أنه اجتهد فأخطأ ( إحياء علوم الدين 1/115) ولم يقل فسق وارتكب كبيرة من الكبائر كما زعم الحبشي المتشيع (صريح البيان 96).
- فهؤلاء لم يوافقوا الشافعي ولم يوافقوا أبا الحسن الأشعري مع أنهم يتسترون بالانتماء إلى مذهبيهما.
* وهو لا يتورع عن تلفيق الأكاذيب في حق المخالفين والافتراء عليهم كقوله عن ابن تيمية:
- أنه يعتقد أنه لا مانع أن يكون نوع الخلق غير مخلوق لله.
- وأنه يقول بقدم العالم، ويحرف القرآن (شريط 13/أ/94).
- وأنه يكفّر المتوسلين بالنبي- صلى الله عليه وسلم - ولعل الحبشي يعني المستغيثين بالنبي- صلى الله عليه وسلم - من دون الله.
وهناك فرق بين التوسل وبين الاستعانة بغير الله لكنه المغرضين يخلطون بين الأمرين تلبيساً على عامة الناس ليستدرجوهم بخطوة التوسل إلى الاستعانة بغير الله.
- وزعم الحبشي أن ابن تيمية يحكم بكفر المخالفين له في مسألة الطلاق ( المقالات السنية 57و62و75)، وهذا ما قال ابن تيمية بعكسه حيث ذكر أن المخالفين له في أمر الطلاق مجتهدون معذورون مأجورون عند الله ( مجموع الفتاوى 33/149).
- وزعم أنه يعتقد أن الله شبيه بخلقه (المقالات السنية 24و26و15) مع أن ابن تيمية يحكم بكفر من يشبه الله بخلقه (مجموع الفتاوى 11/482).
- وزعم أن ابن تيمية يعتقد أن الله ترك مكاناً من عرشه ليجلس عليه النبي- صلى الله عليه وسلم - ( إظهار العقيدة السنية 151). فهذه أكاذيب نطالبه بالدليل عليها.
- وليس من مجلس يجلس فيه إلا ويجعل فيه لابن تيمية فيه نصيباً من التكفير والتشنيع، والتحذير الشديد من كتبه، حتى إنه ليجعل تكفيره من أول الواجبات على المكلف، فالأمر مكشوف ومن وراء ذلك التحذير: جهات لا تريد لفكر ابن تيمية الإصلاحي السلفي أن ينتشر، هذا الفكر الذي يحرر الناس من العبودية الفكرية والتقليد الأعمى والبدع والشركيات ينشرها بأسم التوحيد. ويبقيهم عبيداً لحفنة من المتسلطين الذين يسلطون على عوام الناس مشايخ السوء لتحذيرهم.
* وهو كما يطعن في الصحابة وابن تيمية فإنه يطعن في سواهم من أئمة الحديث والدين: فالإمام المحدث الذهبي لا مانع عند الحبشي أن يقال إنه خبيث وإذا قبل عنه ذلك فهو في محله. ومحمد بن عبدالوهاب مجرم قاتل وكافر (مجلة منار الهدي الحبشية عدد 3 ص 34). وسيد سابق مجوسي كافر وإن زعم أنه مسلم (شريط 1/أ/ 181). وسيد قطب من كبار الخوارج وكان صحفياً ماركسياً (لنهج السوي في الرد على سيد قطب وتابعه فيصل مولوي ص 3).(65/71)
* بينما يدافع عن ابن عربي الذي شهدت كتبه بكفرٍ لم يقل بمثله اليهود ولا النصارى. والذي شهد الحافظ ابن حجر وابن عبد السلام وأبو حيان النحوي (لسان الميزان 2/384 تفسير البحر المحيط 3/449). ويدافع عن القاضي النبهاني الذي كان يقضي بين الناس بالقانون الفرنسي ومع ذلك كان يتظاهر بمحبة النبي ويتغنى بذكر الأولياء والكرامات، والذي من تخريفاته ما نراه في كتابه جامع كرامات الأولياء (2/208) من انحرافات لا توجد عند النصارى مثل قصة الشيخ علي العمري الذي من كراماته أنه يُخرج ذكره بيديه ويضرب به الناس، وعبد الغني النابلسي المتحمس لعقيدة ابن عربي وابن الفارض في وحدة الوجود والذي كان يصرخ بأن هناك عدة عوالم في كل منها محمد مثل محمدكم وإبراهيم مثل ابراهيمكم وعيسى مثل عيسكم ( أسرار الشريعة 82-83).
* وتقابل هذه الشدة على أهل السنة ثناء على الباطنيين ودفاع مستميت عن الذين يحكمون بغير ما انزل الله، وتجسس على المسلمين لصالح أعداء المسلمين، يتجسسون عليهم حتى وهم في المساجد، كما صار ذلك ثابتاً عنهم بالتواتر. بل صاروا يجهرون به، فلذلك استحقوا هذا الوصف الجامع المانع أنهم " أذلة على الكافرين، أعزة على المؤمنين". طائفة منافقة تتزلف للطواغيت وتتطاول بهم على المؤمنين. تماماً كما فعلت المعتزلة أيام المأمون حين تقربوا منه ونالوا به من العلماء وسلطوه عليهم قتلاً وإيذاءً حتى انقلب السحر على الساحر فجأة. فانقلب عزهم ذلاً حين تغيّر الحاكم، وهؤلاء لن تدوم عزّتهم بطواغيتهم، فسيأتي اليوم الذي يسقطون فيه كما سقط المعتزلة من قبلهم. وتماماً كما كان موقف الرفاعية المخزي من التتار حين تولوهم كما أفاد ذلك الذهبي وابن كثير وبدر الدين العيني (عقد الجمان 4/473 العبر للذهبي 3/75 البادية والنهاية لابن كثير 14/38).
فتاويه الشاذة
* الحبشي يجيز التحايل في الدين وهو تحايَلِّ على صاحب الدين، وفتاويه في ذلك كثيرة وهي بين أيدينا مثل تحريمه شراء الكتب المخالفة للشرع غير أنه أباح امتلاكها بطريق الحيلة كأن يعطى المشتري صاحب الكتاب هدية مالية فيمحنه صاحب الكتاب هدية أيضاً ( الدر المفيد 136) وكذلك مسألة (السبيرتو) ( بغية الطالب 257) وفتواه في (الثوم والبصل) وفي تحويل الأموال المسروقة لتصير بالحيلة إلى مال ٍ حلال سائغ. فأين هذا من مذهب الشافعي؟ متى كان مذهب الشافعي يجيز إعمال الحِيَل على الله ؟
* يزعم أن النظرة الأولى للمرأة لا تحرم وإن دامت وطالت لا شيء فيها (بغية الطالب 224و 287) وأنه يجوز للمرأة أن تخرج من بيتها متى شاءت بغير رضا زوجها إذا كان لتعلم الدين قائلاً "تخرج بغير رضاه" ( بغية الطالب 202) ويجيز لها أن تخرج متعطرة وتتزين للناظرين (صريح البيان 186) إن كانت تفعل ذلك لمجرد الفرح بنفسها "بشبابها"! ( بغية الطالب 351) وأجاز الاختلاط بها (صريح البيان 178) وأن يكلمها الرجل الغريب ولو من غير حاجة إلى شيء ( صريح البيان 191) وأن يصافحها إن كانت المصافحة بحائل (144).
* أثار في أمريكا وكندا وأوروبا فتنة تغيير اتجاه القبلة حتى صارت لهم مساجدهم الخاصة حيث حرّفوا جهة القبلة 90 درجة وصاروا يتوجهون في صلاتهم إلى عكس الجهة التي يصلي إليها المصلون في أوروبا وأمريكا وكندا، ولم يقتنعوا أولا بأن الأرض كروية بل أصروا على أنها مسطحة (مثلما ظنها بابا الكنيسة من قبل) ثم أعتبروها نصف كروية على شكل نصف برتقالة، وفي لبنان يضايقون المصلين بانحرافهم إلى اليمين قليلاً أثناء صلاة الجمعة والجماعة. لأن اتجاه القبلة حتى في لبنان منحرف، فلكثرة تعصبهم لشيخهم صار هو الفلكي الأوحد. إنهم لا يرضون مناقشة أقواله، وهم وإن لم يصرحوا بعصمته بلسان المقال: فإن لسان حالهم يؤكد أنهم يرون عصمته من كل خطأ وزلل.
* الأحباش يتعاطون السحر، وقد اشتكى رجل من زوجته (الحبشية) حيث صارت تنتابها وساوس حتى أنها لا تستطيع الدخول بسهولة في الصلاة، ثم اعترفت له بأن الأحباش أعطوها حبوباً يسمونها "حبوب العهد" ويكفي تناول شيء من هذه الحبوب أو تناول " فنجان قهوة" ملغوماً: ليصير المنتمي المرء موسوساً فيهم، مهووساً بشيخهم. ويوزعون بعض أوراق السحر وعندي أنموذجاً منها.
- وزعم الحبشي أنه يملك خاتم النبي- صلى الله عليه وسلم - ويظهره للعامة فينكبون عليه لتقبيله.(65/72)
- ولقد هددني احد أتباعه بأنه سيصيبني مكروه قريباً إن مضيت في التصدي لطريقتهم لأنهم أهل كرامات، وأنا لا أزال أقرأ أذكاري وأورادي وأسأل الله تعالى أن تكفنيهم بما شاء ( وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم) وهذه الآية ردّ على إنكار أسامة السيد لهذه الحقيقة، حيث قال" لو كنا نتعاطى السحر لكان المنكر علينا أول المتأثرين بسحرنا" ولكن كم من سحر أبطله الله الذي يصيب به من يشاء ويصرفه عمن يشاء. فمناعة الدعاة إلى السنة من سحركم كرامة لهم لأنهم يحاربون اهل البدع والتخريف الذين يفعلون ما يفعله الهندوس والبوذيون من ضرب الشيش والدخول في النيران. ومن أراد الوقوف على صدق ما أقوله فلينظر إلى كتابي (الرفاعية) فإن فيه صوراً للبوذبين وهم يفعلون ما يفعله الرفاعيون من ضرب الشيش وإدخال أسياخ الحديد في الفم. فإما أن يكون البوذيون أولياء مثل الرفاعية وإما أن يكونوا في الدجل والتعاون مع الشياطين سواء بسواء "وهو الصحيح".
* الأحباش يحيون البدع ويقتلون السنن، يغنون ويرقصون لله في مجالس مختلطة: النساء فيها كاسيات عاريات، ومع ذلك يزعمون أن الله آتاهم الكرامة فيدخلون في النار ويضربون أنفسهم بالرصاص ولا يؤثر ذلك فيهم ( وتصف ألسنتهم الكذب أن لهم الحسنى). ولكن كيف يؤتي الله الكرامة من كان هذا حاله من البدع والاحتيال على الرب وموالاة الكافرين!!
ولست ادري إن كانوا أصحاب كرامات فلماذا لا يواجهون بها اليهود، إذا كان الرصاص لا يؤثر فيهم فلينزلوا إلى ساحات الجهاد، ما فائدة كراماتهم إن لم يوظفوها للدفاع عن الدين؟!
لماذا تغض أجهزة الأمن الطرف عن شغبهم ؟!
* الأحباش لا يصلون وراء الأئمة في المساجد وينتظرون فراغ صلاة الجماعة حتى يقيموا جماعة أخرى. ومعلوم أنه لا يجوز صلاة النافلة إذا أقيمت صلاة الفريضة، ولقد وجد النبي- صلى الله عليه وسلم - رجلين جالسين في المسجد فسألهما عن سبب عدم انضمامها مع الجماعة في الصلاة فاخبراه أنهما قد صلاّها، ومع ذلك أمرهما أن يشاركا الصلاة مع المسلمين فتكون لهما نافلة. وذلك حتى لا يحدث أي انشقاق في المسجد وهؤلاء ينشقون عن جماعة المصلين ويشوشون على الخطباء ويقاطعونهم حتى أثناء خطب الجمعة كما فعلوا ذلك مع المفتي حسن خالد نفسه وكفّروه وهو يخطب الجمعة على المنبر.
- بل يضربون أئمة المساجد ويتطاولون عليهم، ويرغمونهم قسراً على أن يسمحوا لهم بإلقاء الدروس في المسجد وإذا رفضوا يطردونهم منه، وإذا أعطى درساً تتعالى أصواتهم عمداً حتى لا يتمكن من إعطاء الدرس. لقد أطلقوا النار في المساجد وسبوا وشتموا الناس وآذوا عباد الله حتى نفروا الناس من المجيء لأداء صلوات الجماعة.
* فأخبرونا أيها المتسترون بمذهب الشافعي: أكان هذا المسلك طريقة الشافعي؟ ويتساءل عن سبب السكوت المتعمد عن هذه المخالفات والشغب الذي يتكرر يومياً في طول البلاد وعرضها والى متى يستمر هذا السكوت والتستر عليهم والتحيز لهم من قبل سلطات الأمن ؟!
* الأحباش يستخدمون عصا غير المسلمين ويلّوحون بها للمسلمين، وهي خيانة عظيمة يتحاشى الكثيرين التحدث عنها. لقد صاروا بهذا أعزة على المؤمنين أذلة على الكافرين، ولعلنا لا ننسى أنهم رفاعيو الطريقة وقد كتب التاريخ خيانة أسلافهم من الدفاعيين حين كانوا يترددون على سلاطين التتار ويوالونهم. ويأخذون منهم الأعطيات والهدايا كما نص على ذلك الحافظ ابن كثير وحكاه الذهبي وابن تيمية. والتاريخ اليوم يكرر نفسه.
* الأحباش عندهم فرقة كبيرة يرأسها مايسترو كبير على نسق المايسترو JAMES LAST يتقربون إلى الله بالدف والرقص الذي يجتمع عليه المتبرجات من النساء المختلطات بالرجال. يصفقن للإيقاعات الموسيقية "الإسلامية" ولكن ثمة أمر آخر، وهو أنه صارت هذه الفرقة وسيلة للتقرب من الحكّام أيضاً وليس إلى الله، إنهم يغنّون وينشدون لهم، فهل أنشئت هذه الفرقة الموسيقية للتقرب إلى الله أم للتقرب من الحاكمين بغير ما أنزل الله؟! ومتى كان هذا مذهب الشافعي؟ إننا لم نستفد شيئاً من هذه الحركات المخالفة لهدى السلف سوى أن صرنا بطبولنا ودفوفنا ورقصاتنا أضحوكة لأعداء المسلمين.
* الحبشي يدعو إلى تصوف يقسّم مصادر المسلمين إلى حقيقة وشريعة وظاهر وباطن ويدّعي اخذ العلوم عن الله بما يسمونه "العلم اللدني" والاجتماع بالخضر وبأرواح المشايخ وأخذ البيعة والعهد عنهم وهم في قبورهم، واعتقاد أنهم متصرفون في الأكوان بحسب مراتبهم منهم القطب والوتد والنجب والبدل الذين يمسكون الأرض أن تزول أو تقع، وأنهم يعلمون الغيوب والأسرار ويكاشفون الناس بما يفعلون سراً وعلانية. فمتى كان الشافعي يوافق هذه الانحرافات الخطيرة التي أودت بنا إلى غضب الله والى تسليط الكفار علينا. وهو وأتباعه يعملون على نشر الطريقة الرفاعية وما فيها من طقوس شيعية شركية بِدعيةٍ وتقديس للرفاعي.(65/73)
ولا ننسى أن الرفاعية تؤمن بإمامة الاثني عشر إماماً على النحو الذي تعتقده الشيعة ويعتقدون أن الأمام صاحب الرقم (12) هو المهدي محمد بن الحسن العسكري المختبىء في السرداب بمدينة سامراء، وأن الأئمة الإثني عشر ازدادوا بشيخهم الرفاعي واحداً حتى صاروا (13) ( القواعد المرعية القواعد المرعية 97 بوارق الحقائق 212 جامع كرامات الأولياء 1/237) ويؤمنون بكتاب الجفر الشيعي (78و177) ويعتقون أن شيخهم يبيع عقارات وقصور في الجنة (قلادة الجواهر 70 روض الرياحين 440 جامع كرامات الأولياء 1/296 الكواكب الدرية 214).
وأنه يحيي العظام وهي رميم (قلادة الجواهر 73و145 طبقات الأولياء لابن الملقن 99). وأن السموات والأرضين كالخلخال في رجله ( طبقات الشعراني 1/142 الفجر المنير19). وأنه يحمي أتباعه إلى يوم القيامة في حياتهم وبعد مماتهم ويُدخلهم الجنة أمامه (قلادة الجواهر 233). وأنه يطَّلع على المقدور والمكتوب فيغير الشقي سعيداً ( قلادة الجواهر 103و193 طبقات الأولياء 98). وأنه غوث الخلائق كلهم، تستغيث به حتى النعجة التي يفترسها الذئب وتنادي بلسان فصيح "يا سيدي أحمد".
- ولكثرة رواج الخرافات بين الصوفية بشكل عام قال الشافعي " لو أن رجلا تصوف أول النهار، لا يأتي الظهر حتى يصير أحمق، وما لزم أحد الصوفية أربعين يوماً فعاد إليه عقله أبداً" ( تلبيس إبليس لابن الجوزي 371) وهذه الحماقة المخالفة لما كان عليه السلف من أعظم مظاهر التشويه أمام عيون غير المسلمين. فأين هؤلاء من الشافعي؟
متى وافق الشافعي هذه الطرق الصوفية كالرفاعية والنقشبندية الخائضة في وحدة الوجود، والتي جعلت من مشائخ الطريقة آلهة يُعبَدون! يحيون الموتى وينقلون المرض من شخص لآخر ويستقطعون الأراضي في الجنة، إنها السُبُل التي نصبها أولياء الشيطان ليخطفوا بها الناس عن الصراط المستقين ولقد قال تعالى ( وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعون ولا تتبعوا السبل فتقرق بكم عن سبيله).
وصدرت للحبشي كتب عديدة منها:
- المقالات السنية في كشف ضلالات ابن تيمية. للحبشي وفيه حكم بكفره وزيعه وخبث عقيدته. وقد تعمد الكذب عليه وزعم أنه كان يسب علي بن أبي طالب وأنه كان يقول بأن نبينا- صلى الله عليه وسلم - ليس له جاه وأن زيارة قبره معصية. وأن نار جهنم تفني وأن الله بنفس حجم عرشه لا اكبر ولا أصغر. ثم ختم كتابه بأن أحد الصالحين كشف عن قبر ابن تيمية فوجد ثعباناً جاثماً على صدره.
- التعقب الحثيث وهو رد على الألباني وفيه يكفر الألباني. لمجرد فتوى هذا الأخير ببدعة التسبيح بالمسبحة.
- النهج السوي في الرد سيد قطب وتابعه فيصل مولوي. يحكم فيه بكفر سيد قطب لقوله بان من احتكم إلى غير شريعة الله بأنه كافر. وفيه يرد على فتوى المولوي الذي نهي عن اقتناء التلفزيون وعن الاختلاط بالنساء وعن السفر إلى بلاد المشركين من غير ضرورة وعن النظر إلى المرأة الأجنبية، ثم قال الحبشي أنظروا كيف يحرّف هذا الرجل دين الله.
- الدليل القويم على الصراط المستقيم، جرى فيه على طريقة الجهمية والمعتزلة مع زعمه أنهم أعداؤه. ويزعم فيه بان من قال أن العرش بالرحمن استوى أصح ممن يقول أن الرحمن على العرش استوى. وفيه تكفير ابن تيمية. واتهامه زورا بأنه يقول أنه لا مانع أن يكون نوع العالم مخلوقاً لغير الله وجواز الاستغاثة بغير الله من الأموات بل جواز أن يستعيذ الإنسان بغير الله. كأن يقول القائل: أعوذ بسيدي عبد القادر.
- بغية الطالب في معرفة العلم الديني الواجب. كتبوا على غلاف الكتاب أنه من تأليف شيخهم واعترف تلميذه نبيل الشريف بأنه من تأليف عبد الله بن عيسى الحضرمي. وهذا الكتاب يشتمل على عجائب وشواذ: فيه منع الزكاة إلا من الذهب والفضة وأن من بيدهم الملايين لا زكاة عليها. وفيه تعليم الحيل على الله في الدين وتجويز صلاة الرجل وهو متضمخ بالغائط والبول تحت ذريعة التيسير على العباد، وتجويز خروج المرأة متعطرة متزينة ولو بغير إذن زوجها.
- إظهار العقيدة السنية شرح العقيدة الطحاوية. وفيه يصرح بما لم يكن يصرح به من قبل كقوله بأن القرآن ليس كلام الله وإنما أنشاؤه جبريل لقوله تعالى( إنه لقول رسول كريم) (59) وأن قوله تعالى ( إن الله على كل شيء قدير) تعني أن الله على غالب الأشياء قدير (40) وأنه على كل شيء قدير مجازاً وليس حقيقة. وصرح بكفر من يقول بأن الله يتكلم بصوت، مع علمه بالحديث الذي في البخاري "إن الله يتكلم بصوت".
- كتاب المولد النبوي: وفيه يروي أساطير وخرافات لا يصدقها عاقل ويزعم فيه أن الملائكة ضجت واعترضت على الله لأنه أمات أبوي النبي- صلى الله عليه وسلم - وبقي يتيماً فقال الله لهم أسكتوا أيها الملائكة.(65/74)
- صريح البيان: هو كتاب مليء بشواذ الأقوال وفيه استباحة أكل الربا من الكفار الحربيين وفيه سب معاوية وأتى بأكذب الروايات عن لوط بن أبي مخنف والضبي وغيرهم من الكذابين الشيعة الغلاة الذين حشا الطبري- عفا الله عنه- كتابه من رواياتهم. وحكم في معاوية ومن كانوا معه بأنهم مرتكبون للكبيرة من كبائر الذنوب، وأنه كان يتاجر بالأصنام المذهبة ويبيعها إلى الهند ويطالب بالإمامة للحسين رضي الله عنه. وأورد الأدلة على جواز خروج المرأة متزينة بالحلي والمساحيق وما يحلو لها وأنه يجوز للرجل أن ينظر إليها ويختلط بها ويصافحها ويجالسها. وينهي عن تسمية مفاخذة الرجل للمرأة زني. وما ورد بأن العين تزني فإنه إطلاق مجازي ليس على حقيقته.
أما مصنفات أتباعه فهي كالآتي:
- الرسائل السبكية في الرد على ابن تيمية (طبع في عالم الكتب) جمعه ولفقه كمال الحوت باسم كمال أبو المنى حين كان يعمل في عالم الكتب، وطُرِِد منها بسبب تزويره. ويشهد على ذلك الشيخ عبد الفتاح أبو غدة.
- التوفيق الرباني في الرد على ابن تيمية الحراني. وهو نفس الرسائل السبكية لكنه عدل في مقدمته قليلاً.
- بهجة النظر.
الكتب التي ردت عليه وعلى أتباعه
وقد صدرت كتب في الرد عليه منها:
- كتاب (الرد على الشيخ الحبشي) للشيخ عثمان الصافي، انتصر فيه لعقيدة السلف وتركز الموضوع فيه على التنزيه والإثبات.
- كتاب: الحبشي عقائده شذوذه. لعبد الرحمن دمشقية.
- كتاب استواء الله على العرش: أسامة القصاص رحمه الله.
- كتاب الاستواء بين التنزيه والتشويه للأستاذ عوض منصور.
- كتاب إطلاق الأعنة رسالة منسوبة إلى الشيخ الهاشمي.
- رسالة في الرد على الحبشي عن موضوع إعانة للكافرين على الكفر. كتبها عدنان ياسين النقشبندي. رد عليها الحبشي في رسالة بعنوان إعانة الكافرين على كفرهم.
- كتاب الرد على عبد الله الحبشي لعبد الرحمن دمشقية.
- كتاب بين أهل الفتنة وأهل الفتنة. لعبد الرحمن دمشقية.
- كتاب شبهات أهل الفتنة وأجوبة أهل السنة وهو صياغة جديدة وموسعة للكتاب الذي قبله.
والذي يظهر لي أن قدومه مرتب مدبر له، فقد أثر في الناس تأثيراً بالغاً وعمل الذين (غلبوا على أمرهم) على حماية هذه الفرقة الجديدة وتقوية نفوذها وضرب كل من يتصدى لها إن بلغ تصديه الحدود المرسومة لذلك. وسرعان ما تكاثر نشاط ونفوذ أتباعه بشكل لا يصدق، فهاهم الآن يمتلكون أكبر أجهزة أبحاث ومركز للمخطوطات منها المؤسسة الثقافية للخدمات ومركز الأبحاث والخدمات وجمعية المشاريع الإسلامية للخدمات، يقوم عليه كل من كمال الحوت وعماد الدين حيدر وعبد الله البارودي، وبدأوا يحققون كتب التراث تحقيقاً جهمياً أشعرياً على نسق الكوثري تماماً.
ويحيلون إلى اسم غريب لا يعرفه حتى طلبة العلم فيقولون مثلاً ( قال الحافظ العبدري في دليله) يدلسون على الناس فيظنوا أن هذا الحافظ ابن حجر العسقلاني أو النووي وإنما هو في الحقيقة شيخهم ينقلون مقاطع من كتابه الدليل القويم في كتب التراث بما يؤيد مذهبهم.
وكأنه صار شيخاً مسلَّماً بحفظه. ولعلك إذا لقيت نظرة على كتاب شبهات أهل الفتنة في التعقيب على مواقفه من الحديث يؤكد لك أنه متطفل على علم الحديث مستغرق في علم الكلام وأنى لأهل الكلام أن يخدموا الحديث النبوي وقد نسفوه بتأويلاتهم وتحريفاتهم.
ومن بين هذه الكتب التي حققها أتباعه تحقيقاً كوثرياً جهمياً: كتاب الاعتقاد وكتاب الأسماء والصفات للبيقهي، وكتب الجويني والباقلاني وغيرها. فليحذر المسئولون من هذه الكتب وهذه الدور، وعليهم أن يقوموا بشيء ما قبل أن يستحوذ هؤلاء عل دور النشر في لبنان ويمسخوا كتب السلف ويحرفوها كما فعل كمال الحوت حيث بلغنا أن البعلبكي صاحب دار عالم الكتب طرده من مكتبه لثبوت تهمة التحريف عليه في كتاب للشيخ عبد الفتاح أبي غدة.
- ولقد انتشرت مدارسهم في بقاع لبنان وينفقون الأموال الطائلة على ذلك حتى صارت باصاتهم تملأ المدن وأبنية مدارسهم تفوق سعة المدارس الحكومية. وينفقون لذلك إنفاق من لا يخشى الفقر. وينشئون الأطفال أول ما ينشؤهم على ( احذروا المكان والحيز لله). احذروا رجلا كافرا اسمه ابن تيمية. وغير ذلك.
* وبالجملة فإني أنظر من وراء هؤلاء هدفاً سياسياً مدبراً. وقد تحقق أكثر ذلك. فقد كثر المتخرجون على عقيدة هذا الرجل فبرز منهم أناس جدليون على نسق أهل الكلام الأوائل أشبه ما يكونون ببشر المريسي وحفص الفرد والعلاف والقاضي عبد الجبار من المعتزلة. وهم متهورون شديدون على اهل السنة جداً إلى حد أنهم يستفزونهم أينما ذهبوا ويهدونهم بالقتل ليل نهار.(65/75)
* وهم يطرقون بيوت الناس ويلحون عليهم تعلم العقيدة الحبشية ويوزعون عليهم كتب شيخهم بالمجان، وعندهم من الطاقات العجيبة في هذا الشأن وتفريغ دعاتهم وتخصيص مكافآت للألوف منهم: ما يثير قلق المراقبين لمسيرتهم الخطيرة على الدعوة الإسلامية ليس على صعيد لبنان وإنما على صعيد بلدان كثيرة فقد انتشر أتباعه في سائر أوروبا وأثاروا القلاقل في أستراليا والسويد والدانمارك. ويتساءل الناس عن الممول الحقيقي الذي يغمرهم بالمال بغير حساب، وقد بدأوا يستميلون الناس في مدارسهم الضخمة ومستشفياتهم ورواتبهم المغرية لمن ينضم إليهم ويعمل معهم.
يريدون دار الفتوى
* والأمر ليس مبالغة وإنما هو دعوة إلى تدارك شأن هؤلاء وإلا سيكونون سببا في مآسس وحوادث دامية لأن الشيخ طبع فيهم التهور وشدة التعصب.
* ويزيد الأمر خطورة أنهم يعدون أنفسهم لمنصب دار الفتوى ويهيئون ذلك شيخهم نزار حلبي الذي يطلقون عليه مسبقاً لقب (سماحة الشيخ) وذلك قبل أن يحظى بمنصب كهذا. وكانوا يكتبون على جدران الطرق ( لا للمفتي حسن خالد الكافر، نعم للمفتي نزار الحلبي).
* إن المسئولين بيدهم الحل لهذه المشكلة المتفاقمة، إنهم مطالبون باستقطاب أكبر عدد ممكن من الشباب اللبنانيين من أهل السنة- وأعرف منهم كثيرين- ومنحهم الفرصة لطلب العلم في الجامعات الإسلامية. وأطالب المسئولين عن هذه الجامعات أن يفتحوا أبوابهم للدعاة وطلبة العالم وإلا فات الأوان وندمنا غدا فهذه الطائفة تنام مذهل. وأعرف كثيرين ممن يحبون الدعوة السنية ويتمنون تلقي العلم الشرعي للقيام بدورهم في مناهضة هذه الجماعة المنحرفة.
* وإننا نحذر أيضاً من قدوم الحبشي الجزيرة العربية لأنه رجل فتان ذو سوابق وخبرة في إثارة الفتن. وقد بلغني من مصادر مقربة منه أن لديه عدة جوازات سفر مما ييسر له معاودة الدخول إلى البلدة التي تمنعه من دخولها.
* أما عن دعمهم المادي فلقد كان نزار حلبي (خليفة الحبشي ورئيس جمعية المشاريع) يحرض على الارتياب من الشيخ محمد رجب ويذكر إن وراءه جهات تموله ويحتج لذلك بامتلاكه سيارة فخمة (كاديلاك) فماذا يقول اليوم عن نفسه وقد امتلك السيارة نفسها؟ هل يجوز أن يوسع على نفسه من الـ 28 كيلو من الذهب التي تبرعت بها نساؤهم؟ (زعم)! ام أنها هدية من تلك الجهات؟! ومن أين ورث هذه التوسعة التي هبطت عليه فجأة وقد علمنا حاله من قبل؟
تصريحات نزار الحلبي وغيره
أيها اللبنانيون: ما أحوج لبناننا اليوم بأزاهير هذه المناسبة الجلية: فكم عبثت بوطننا أيدي العابثين، وتوالت عليه ضربات الغاضبين والطامعين، فقطعوا أوصاله، وغيروا أحواله، وأججوا بنيران الحقد أحواله، وغرسوا بالفساد رسومه وأطلاله، وهكذا ترنح لبنان بين كيد وقيد إلى أن تداركته اليد العربية الأبية الكريمة الندية يد السيد الرئيس حافظ الأسد من سوريا الشماء بعون الله رب العالمين. وبتنا المخاض العسير بتنا نشهد ولادة لبنان العربي على أيدي الشرفاء من هذا الوطن.
كلمة النائب البرلماني عن الأحباش عدنان الطرابلسي
ومما قاله النائب البرلماني الحبشي الجديد " نريد أن نقول للمتوجسين والخائفين والمشككين إننا ندعو للانفتاح والتفاهم والأخلاق الفاضلة".
نحن في جمعية المشاريع الخيرية الإسلامية نخالف حزب الأخوان الهدَّام، فلسنا أصوليين بالمعنى السلبي إننا لسنا مع الأصولية السلبية هذه الأصولية المزعومة المراد منها الكرسي والزعامة والتخريب لا لهذه ألأصولية التي تكفر حكام العرب المسلمين لمجرد أنهم حكموا بالقانون من غير أن يعتقدوا أن القانون خير من القرآن".
وسقط القناع
فها هو كما تراه يردد شعارات الغربيين ضد الإسلام ويصف الإسلاميين بـ " الأصوليين" كما وصفهم إسحاق رابين منذ عدة أيام بنفس الصفة، الأحباش يكفلون للمتحاكمين بالطاغوت غطاء دينياً بحجة أنهم بالرغم من تحاكهم إلى الطاغوت يعتقدون أن القرآن خير منه. إن هذه موالاة صريحة ومكشوفة أظهرهم الله بها على حقيقتهم، وستكون- إن شاء الله- أحد أهم أسباب تخلي الناس عنهم بعد أن كانوا مغشوشين فيهم.
* إن الحكم بالطاغوت مع اعتقاد أفضلية القرآن عليه هو مما لا يطلع عليه إلا الله، أما نحن فلا نقدر على التحقق منه لأنه أمر قلبي، وقد يحتال المتحاكمون بالطاغوت علينا بهذه الذريعة، ويخدروننا بإعلانهم أنهم مع تحاكمهم بالطاغوت يفضلون القرآن عليه. فهذا التفريق هو حكم أخروي إلهي وإنما هو عندنا الكفر.
- ولئن كانوا يعتقدون أن الحاكم بغير ما أنزل الله لا يكفر وإنما يفسق ما دام يعتقد إن القرآن أفضل منه، فإننا نطالب الأحباش على الأقل أن يصرحوا بفسق المتحاكمين بغير ما أنزل الله. تماماً مثلما فعلوا في معاوية حين حكموا بفسقه من فوق منابرهم. من غير اعتبار منهم لشرف صحبته للنبي- صلى الله عليه وسلم -، فهل يرتضي منصف أن يقال إن المتحاكمين بالقوانين الوضعية البشرية أقرب وأحب إلى الله من معاوية؟!(65/76)
غير أن الذي نراه هذه الأيام هو العكس فإن الأحباش لا يفسّقون الحاكمين بغير ما أنزل الله، بل يتولّونهم ويثنون عليهم، ويتحصنون بحصونهم المنيعة. ويرشقون من خلالها المسلمين، مما يؤكد أنهم يرون المتحاكمين بالطاغوت خيراً من معاوية.
فغن بلم يصدروا بياناً بفسقهم، بل أثنوا عليهم: كان الحكم فيهم أنهم طائفة منافقة توالى اعداء المسلمين، قال تعالى( ومن يتولهم منكم فإنه منهم) والمرء يُحشر يوم القيامة مع من أحب. ولقد بلغني أن مرشحهم الآخر" طه ناجي" كان ينتقل بين مدن إهدن وبشرى وزغرتا، وكان يعد إخوانه الذين كفروا من اهل الكتاب (النصارى) بالقضاء على الأصولية الإسلامية ويحثهم على إعطائه أصواتهم ومنحه ثقتهم حتى كسب بهم ما يزيد على 17000 صوتاً لكنه مع ذلك لم يكتب له النجاح. وهذا يؤكد ما قلته من أن السمة الواضحة في هذه الفرقة أنهم " أذلة على الكافرين: أعزة على المؤمنين".
دعاة إلى الإسلام أم إلى العروبة !!!
وإننا في الوقت الذي نعلم فيه سلبية هذه الفرقة الجديدة على المسيرة الإسلامية ( السنية) في لبنان يلاحظ المراقب لهم أنهم في تصريحاتهم ومقابلاتهم يركزون على مادة "العروبة" والأمة العربية ولبنان العربي.
- قال عدنان الطرابلسي النائب عن الأحباش في البرلمان (مجلة الشراع 7/9/1992م) " لا مانع من أن يكون هناك صلح مع إسرائيل ولكن المطلوب أن يكون لنا " كشعب عربي" حقوق نطالب فيها ضمن "الإجماع العربي" وأنا بدون تحفظ مع هذا الإجماع، وأنا مع الكتلة العربية كاملة: يهمنا المصلحة العربية العامة الشاملة" (مجلة الأفكار 62/9/1992م).
- وقال صديقة حسام قرقيرا نائب رئيس جمعية المشاريع الحبشية في مقابلة أجرتها معه جريدة السفير (19/10/1992م) "نحن مع الإجماع العربي" فإذا حصل "إجماع عربي" على إنهاء الحرب مع اليهود فنحن مع هذا الإجماع".
- وقال نزار الحلبي "وصل مرشحنا الدكتور عدنان طرابلسي بالرعاية والعناية الإلهية ليرفع في البرلمان مع الأخوة الوطنيين الطيبين هوية لبنان العربي".
* فماذا وراء الدعوة إلى العروبة ومن وراءها؟ ولماذا تكلف جمعية إسلامية نفسها لحمل هذه الشعارات وتمثيل أبنائها في البرلمان إن وراء الطائفة الحبشية جهات تمدها بالدعم الكامل وتدفعها إلى عالم السياسة لما رأت فيها من تيار يعادي المسلمين باسم المسلمين ويتربض بالدعاة ويتعرض لهم بالأذى بدعوى محاربة الأصولية. وهم ما زالوا يتهأون للقيام بدورٍ ما أعظم مما فعلوه حتى الآن.
هذا ما أردت بيانه عن هذه الطائفة. ومن أراد التفصيل والتوسع فليرجع إلى كتابي (بين أهل السنة وأهل الفتنة) وكتابي (شبهات أهل الفتنة وأجوبة أهل السنة) وكتاب ( الرد على عبد الله الحبشي) وكتاب( الرفاعية) فقد كشفت فيها بالتفصيل عن حقيقة الدور الذي يلعبه الحبشي في فتنة المسلمين عن السنة ومعادتهم لأهلها وركوبهم البدع في الدين وإيقاعهم في شتى أنواع الانحرافات.
وإنني أدعو من يملك معلومات ووثائق عن هذه الفرقة المراسلة على صندوق البريد 55195- الرياض 11534- المملكة العربية السعودية.
والحمد لله رب العالمين
عبدالرحمن دمشقية
===============(65/77)
(65/78)
طاعون العصر انتشر ...
عبد الله القحطاني
طاعون العصر ، وحاصد الأرواح ، وقاتل العائلات ، وناقوس الأخطار ...
هو فيروس مميت ، وداء عضال ، ومشكلة صحية عالمية عظمى في هذا العصر
انتشاره يزيد ، ومآله عصيب ، وسببه عجيب ، وبدايته في مجتمعنا غريب ...
إنه الإيدز ، الذي يتخطف الشباب والفتيات ، والأفراد والمجتمعات ، بأسباب جنسية ،أو طبية أو بأسباب أخرى ...
قبل سنوات قريبة كنا نسمع انتشار هذا الفيروس ، وكان الأمر يمازجه شيء من الإستغراب ، وأن هذا الداء بدأ من غير مجتمعاتنا الإسلامية ، ولم يخطر على بال أحد منا أنه سيصل إلى بلاد الإسلام ، بل أنه سيصل إلى أبناء مجتمعنا المحيط ...
أيها المسلم -
أيها الشاب -
سأتكلم بكل صراحة عن هذا الموضوع ، وسأشير إلى شيء من هذا الموضوع ، من أجل أن نحصن بلادنا ومجتمعاتنا من آفة هذا العصر ، ونعلم بأن الفطر السليمة تتأذى من سماع الشذوذ ، ولكن لا نستطيع الهروب من الحقائق ، حتى وإن كان بعضها مُرَّ ...
يا مؤمن -
إن القلب ليحزن ، وإن العين لتدمع ، حينما ترى من شبابنا مصاب بهذا المرض المميت .
يقول أحدهم / في يوم من الأيام كنت بين يدي أحد الأطباء ، من أجل إجراء فحوصات طبية ، وبعد الفحوصات لمحت نظرات غريبة من بين أعين الدكتور ، وفي لحظة من اللحظات ، بدأ الدكتور يسألني عن مراحل حياتي وذهابي ومجيئي ، فاستغربت ذلك ، وفي آخر كلامه قال هذا الشاب / تفاجأت بأن الدكتور يقول بعد تمهيد طويل ... أنت مصاب بمرض الإيدز ...
ما أشد هذه الكلمة على شبابنا وفتياتنا ، مساكين والله ، غرتهم الشهوات ، وأُزلقوا في فخ هذا المرض بسبب الممارسات الجنسية والمسكرات والخمور ...
آه ثم آه على شباب هم حسرة من أن يوصفوا بأنهم مصابون بمرض الإيدز ، لذة واحده جعلتهم يقاسون مرارة العذاب وعدم العيش الهنيء ، حتى أن أحدهم يقول / أرى إخوتي وهم على مائدة الغداء يتلذذون بإختيار أطايب الطعام ، وأنا مكبلة نفسي عن شهوة الأكل ...
شبابنا مستهدفون ، ولا يشعر مجتمعنا بذلك حتى يقع الفأس بالرأس ، ودول الإسلام أعانها الله على كل خير تسعى جاهدة في استئصال شأفة هذه المرض ، إلا أن السيل بلغ الزبى ، وأصبح من المهم أن نتعاون جميعا في طمس أسباب انتشاره في مجتمعاتنا ...
ومن أكثر الأسباب في انتشار الإيدز بين مجتمعاتنا ، هو العلاقات الجنسية ، والمسكرات ، وشرب الخمور ...
الزنا أيها الموحد / جريمة من أبشع الجرائم، وفاحشةٍ من أكبر الفواحش، وموبقةٍ من أخطر الموبقات، و جريمة تفقد فيها الشهامة ، وتذهب بالمروءة ، يحل مكان العفاف فيها الفجور، وتقوم فيها الخلاعة مقام الحشمة، وتطرد فيه الوقاحة جمال الحياء ، كم جرَّع الزنا من غصةٍ، وكم أزال من نعمة، وكم جلب من نقمة، وكم خبأ لأهلها من آلامٍ منتظرة ، وغمومٍ متوقعة ، وهمومٍ مستقبلة وهذا الإيدز هو مُخرج من مخرجات الزنا ، وعذاب دنيوي ، وعذاب الآخرة أشد 0
قال تعالى / {وَالَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهَا ءاخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِى حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقّ وَلاَ يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثَاماً يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً * إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً } [الفرقان:68-70].
إن شبابنا يستهدفون ويستغلون من هذا الباب ، فهم يسافرون إلى الخارج من أجل النزهة والنقاهة ، وبمجرد وصولهم إلى الفنادق ، يطرق عليهم الزانيات في غرفهم ، وشبابنا لايصدقون بذلك ، فيقضون شهوتهم ، ويرتكبون هذه الكبيرة ، ويبدأون في تلك اللحظات رحلتهم الأولى مع الإيدز ، وبعض شباب آخرين يذهبون إلى الخارج من أجل الدراسة والإبتعاث ، ويعودون إلى بلادهم وهم مصابين بمرض الإيدز0
يقول لي أحد العاملين في هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أنه وجد في أحد البلاد ، إحدى النساء من الجنسية الأثيوبية ، وقد اتصفت هذه المرأة بالجمال ، ولم تخفى هذه المرأة عن أذهان الشباب ، فيتجهون إليها ، ويضعون معها المواعيد بالأسابيع والأشهر ، وعندما تم الإبلاغ عنها ، قبض عليها ، وعندما أحالوها إلى إحدى المستشفيات ، اكتشفوا بأنها مصابة بمرض الإيدز ، وتم ترحيلها ، وبعد أسبوع واحد فقط وجدوا بأنها عادت إلى نفس المكان ...
وقد أوضح هذا الرجل بأن كثيرا من النساء الأحباش الذين تم القبض عليهن ، كلهن أصبن بمرض الإيدز ، كما أوضح بأنه تم القبض في وقت واحد ، ستة من نفس الجنسية كلهم مصابون بهذا الفيروس الخبيث ، وهذا لا يقصد بأن الأحباش كلهم عور على مجتمعاتنا ، لا ... ففي بعضهم الخير الكثير ، لكن بعضهم يسبب فسادا بما يحمله من فساد ...
وغيرهم كثير ، فهناك سعوديات وخليجيات ، وغيرهن يحملن هذا الفيروس الخبيث ، وينتشر بسببهن هذا الداء في مجتمعنا ، انتشارِ النارِ في الهشيم ...(65/79)
وأما اللواط فهو رذيلةٌ من أسوأ الرذائل ، وخصلةٌ من خصال الشر، ومميتاً للحياء ، وفساداً للأخلاق ، وفساداً للقلب ، واعتداءٌ شديدٌ على الطبيعة التي ركبها الله عز وجل ، بل جريمةٌ نكراء تعافها البهائم والحيوانات ، وفعل اللواط سبب في انتشار هذا المرض ولا حول ولا قوة إلا بالله ...
ولما جادل الخليل عليه السلام والملائكة في شأن قوم لوط قيل له: {يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا إِنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ} [هود:76].
إنني أقول بكل صراحة ... اللواط منتشر انتشارا عجيب ، والغِلمان يُصطادون لهذا الغرض ، وكاميرا التصوير تزيد من الإستجابة لذلك للخوف من العار ، وأصبح بعض مجتمعات الأولاد والشباب حتى الأقارب يكون فيها اللواط ... هذه صراحة ، وصراحتي لا تفيد التعميم ، لكني أرجوا بها زيادة الحرص والتربية للأبناء ...
يقول أحد الشعراء لكل من يفعل الزنا واللواط :
كلوا واشربوا وازنوا ولوطوا وابشروا ------ فإن لكم زفاً إلى الجنة الحمرا
فقوم لوطٍ مهدوا الدار قبلكم ------ وقالوا إلينا عجلوا لكم بشرا
وها نحن أسلافٍ لكم في انتظاركم ------ سيجمعنا الجبار في ناره الكبرى
فلا تحسبوا أن الذين نكحتموا ------ يغيبون عنكم بل ترونهم جهرا
ويلعن كل منكما لخليله ------ ويشقى به المحزون في الكرة الأخرى
يعذب كلٌ منهما بشريكه ----- كما اشتركا في لذةٍ توجب الوزرا ( 1 )
وأما المسكرات فهي مفتاح لإنتشار هذا الطاعون ، فتكون عن طريق الحقن ، وعن طريق الخمر ...
يقول لي رجل الهيئة / في يوم من الأيام قبضنا على أناس يصنعون الخمر ، وفي أثناء المداهمة رأينا معهم حقنا من الدماء ، فاستغربنا ذلك ، وعندما قابلت أحد المسئولين ، أقسم بالله العظيم أنه رأى بأم عينه أن أحد المروجين يصب الدماء في زجاجات الخمر ، وقد اكتشفوا في الأخير أنهم مصابون بمرض الإيدز ، وأن هذا الدم به فيروس الإيدز ...
ويقول أيضا / قبضنا على أحد الشباب في قضية خمر وهو مصاب بمرض الإيدز ، واعترف لنا بإعترافات سجلت رسميا ، بأن ستة من زملاءه في العمل فصلوا من وظائفهم بسبب اصابتهم بداء الإيدز ، وأخبر أن السبب في ذلك هو شراب الأحباش ... وأخبر بأن الشباب يفضلون شراب الأحباش على غيره ...
هذه حقائق ، وأعتقد بأنها مُرَّة ، ولكن الدور الذي ينبغي منا ، هو توعية المجتمع للحفاظ على أعظم مدخراته وهم الشباب ، وإذا كان الأطباء يقولون الوقاية خير من العلاج، فلنقول بألسننا وأحولنا جميعا ، الوقاية هي العلاج ...
موضوع الإيدز موضوع كبير ، فله أسباب عديده ، وأطراف الحديث عنه كثير ، ولكن حسبي من القلاد ما أحاط بالعنق ...
هذا الفيروس بليد وخطير ، فلا يغرنك مكوثه في البدن بعد دخوله لفترة طويلة قد تصل لأشهر أو سنين قبل ظهور دلائل المرض ، وبعد صمته المريب في جسم الإنسان يبدأ الفيروس رحلة الأرض المحروقة ، فيؤدي لتحطيم الجهاز المناعي ، كما أنه لا يسلم منه عضو أو جهاز 0
(( إنه لا يزال طاعون العصر القاتل يحصد الملايين سنويًا حول العالم من المتمردين على الفطرة، ولا تزال الإصابة بالإيدز تتسع يومًا بعد يوم مع تسجيل (11) ألف إصابة جديدة يوميًا في العالم، ووفاة قرابة ثلاثة ملايين مصاب سنويًا، فبمناسبة اليوم العالمي لمكافحة الإيدز يؤكد تقرير الأمم المتحدة أن هناك (39.5) ملايين شخص مرضى بالإيدز في العالم بينهم حوالي (25) مليون مصاب في إفريقية وحدها.
وقد بلغت نسبة الزيادة في انتشار الإيدز (4.3) ملايين إصابة جديدة بالفيروس لعام 2006. )) ( 2 )
(( وتشير الإحصاءات إلى أن عدد الحالات المصابة بالإيدز والمكتشفة في السعودية منذ عام 1984م وحتى نهاية 2005م هي (10120) مصاباً منهم (2316) سعودياً بنسبة 22.9% وغير السعوديين (7804) بنسبة 77.1%. و في عام 2005م تم اكتشاف (1201) حالة جديدة منها (311) سعودي. )) (3 )
وهنا ثمة وصايا بمناسبة هذا الموضوع :-
• تكثيف جهود التوعية وتقوية الوازع الديني لدى المجتمع ...
• إخلاص العاملين في الفحص الطبي على العمالة الوافدة للتأكد من خلوهم من هذا المرض وغيره.
• السعي في اجتثاث الوافدين الذين يأتون بطرق غير رسمية عن طريق البر أو البحر0
• إدخال فحص الإيدز ضمن فحوصات ما قبل الزواج للتأكد من سلامة المتزوجين0
• بذل الجهود الصحية للتوعية والرقابة على بنوك الدم في المستشفيات0
• تكثيف البرامج التوعوية في مدارس البنين والبنات ، واستغلال حملة منظمة الصحة في التوعية والإرشاد ...
• التعاون مع هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في استئصال الأفراد الذين ينشرون هذا الداء
---------------------------
( 1 ) الجواب الكافي ص 197 0
( 2 ) جبريل محمد 0 الإيدز .. هل يغزو بلادنا العربية 0 موقع الإسلام اليوم0
( 3 ) نفس المصدر السابق 0
===============(65/80)
(65/81)
الرد القوي على مالك الحبشي الغوي
عبد الرحمن محمد سعيد دمشقية
والله لم أكن لأبالي بقول الأحباش (ننتظر الجواب). فإنهم لا يبالون بالحوار ولا بالعلم. ولكن قوم أتوتوا الجدل كما أوتوا الخيانة.
ووالله عندي من المواضيع الكثيرة - كالدفاع عن الدين ضد الرافضة الذين يلاحظ سكوت الأحباش عنهم تماما بل التعاون معهم - ما لا يسمح لي بالاكثار من متابعة هذه الفرقة المخابراتية العفلقية الحبشية.
غير أنني آثرت أن أرد حتى يستفيد القارئ ولا يلبسوا عليه دينه.
فقررت أن أرد وأتوكل على الله بالرغم من انشغالي بما يفيد المسلمين وما يحتاجه طالبو الحق والذين هم أولى بوقتي من المعرضين عن الحق.
ولكن لا يزال كشف تناقض وكذب أهل الباطل مطلبا لصيانة الإسلام ممن سلطهم حزب البعث علينا.
فأقول وبالله التوفيق:
الاحتجاج بليس كمثله شيء
قولك بأن دليلك على نفي أن الله في السماء هو قوله تعالى (ليس كمثله شيء).
أولا: أكمل الآية ولا تقطعها أيها المعطل المدلس الإنتقائي. فلو أنك أكملت الآية لوقعت في الحيرة، لأن صفتي السميع العليم مما يوصف بهما البشر فيلزمك أن تؤول هاتين الصفتين كما أولت الإستواء وإلا لزمك التناقض أو تعود إلى منهجنا في نفي التشبيه أولا ثم إثبات الصفة ثانيا: فتسلم من التشبيه ثم من التعطيل. وإلا فعدم توهم التشبيه في السميع والبصير مع توهم التشبيه في الإستواء تحكم محض. فما لزم من الاستواء يلزم من السمع والبصر أو يلزمك التناقض والتحكم.
فإن قلت: لا يشبه سمعه وبصره سمع البشر وبصرهم: قلنا لك ولا يشبه استواؤه استواء البشر. فالتناقض منك لا منا.
أنتم ملزمون بالتحيز وإن نفيتموه
ثانيا: الاحتجاج بعموم (ليس كمثله شيء) هو حجة المعتزلي ضد الأشاعرة. فإن الأشعري يثبت رؤية الله. أما المعتزلي فإنه ينفي رؤية الله مستدلا بعموم (ليس كمثله شيء). فما أردت أن تلقمنا إياه حجرا قد ألقمك إياه المعتزلي. فيلزمك تنزيه الله عن الرؤية وموافقة المعتزلي، وإلا لزمك التناقض والتحيز. وقد ألزمك المعتزلي بالتحيز لاعتقادك أيها الأشعري أنه يجوز رؤية الله في الآخرة، فقال لك متهكما: قد أضحك الناس على عقله من زعم أن الله يُرى لا في محل. فأنت عنده مثبت للتحيز إلزاما وإن نفيت ذلك لأنك تثبت له رؤية ولا بد أن تكون الرؤية لمحل. فظلمك لنا فرع عن ظلمه لك.
أأمنتم من في السماء ليست على ظاهرها
وأما ما نقلتموه عن النووي من أن قوله تعالى: (ءأمنتم من في السماء) ليس على ظاهرها بل متأولة عند جميعهم.
فالجواب: قطعت كلامه أيها المدلس الحبشي. وبقية كلامه هكذا:
« فمن قال باثبات جهة فوق من غير تحديد ولا تكييف من المحدثين والفقهاء والمتكلمين تأول في السماء أي على السماء» انتهى.
فلماذا لم تنقل كلامه بتمامه أيها الحبشي المخابراتي العفلقي المدلس؟؟؟
من قال بأنها ليست على ظاهرها قال بأن المراد منها أنه فوق السماء لا كما قال شيخك بأن المراد بذلك الملائكة. وقد سقت لك ذلك ولكنك تجاهلت ذلك.
قال البيهقي في الأسماء والصفات (2 :165): « ومعنى قوله في هذه الأخبار "من في السماء" أي فوق السماء على العرش كما نطق به الكتاب والسنة ». وذكر البيهقي قول جهم أن الله مع كل شيء وفي كل شيء ثم قال: « كذب عدو الله: إن الله في السماء كما وصف نفسه » (الأسماء والصفات 2: 170).
واعترف بأن أبا الحسن الطبري - من خواص أصحاب أبي الحسن الأشعري - ذهب إلى أن الله في السماء فوق كل شيء مستو على عرشه بمعنى أنه عال عليه، ومعنى الاستواء: الاعتلاء، كما يقول: استويت على ظهر الدابة، واستويت على السطح بمعنى علوته، واستوت الشمس على رأسي، واستوت الطير على قمة رأسي، بمعنى: علا في الجو فوجد فوق رأسي، والقديم سبحانه عالٍ على عرشه [الأسماء والصفات 517 - 518 محققة 2/152 - 153].
وعليكم أيها الأحباش بما قاله شيخكم ابن فورك الأشعري: « إعلم أنه ليس يُنكر قولُ من قال: إنّ الله في السماء. لأجل أن لفظ الكتاب قد ورد به، وهو قوله: ) أأمنتم من في السماء( ومعنى ذلك أنه فوق السماء » [مشكل الحديث وبيانه 392 ط: دار عالم الكتب].
هل قرأتها جيدا أيها الحبشي؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
النووي يلقم الأحباش حجرا ويثني على معاوية
قال النووي « وأما معاوية رضي الله عنه فهو من العدول الفضلاء والصحابة النجباء رضي الله عنه.
وأما الحروب التي جرت فكانت لكل طائفة شبهة اعتقدت تصويب أنفسها بسببها وكلهم عدول رضي الله عنهم ومتأولون في حروبهم وغيرها، ولم يخرج شيء من ذلك أحداً منهم عن العدالة لأنهم مجتهدون اختلفوا في مسائل من محل الاجتهاد كما يختلف المجتهدون بعدهم في مسائل من الدماء وغيرها ولا يلزم من ذلك نقص أحد منهم» (تحت حديث رقم 2381 بداية كتاب الفضائل وأما الشرح 15/149) وهو دائم الترضي عنه (انظر 7/168 ).
وهو دائم الترضي عنه فيروي أحاديث لصحابة يرد فيها الترضي عن معاوية. (أنظر رياض الصالحين 658 و811 و1034 و1376 و1450 و1571 و1643 1783).
فخذوه حيث حافظ عليه نص.
كذابون على أبي حنيفة(65/82)
أما قول أبي حنيفة « من قال لا أعرف ربي أفي السماء هو أم في الأرض فقد كفر لأن هذا القول يوهم أن للحق مكانًا ومن توهم أن للحق مكانًا فهو مشبه».
وأسألك أيها الحبشي لماذا لم تضع لهذا النص مصدرا من كتاب لأبي حنيفة؟؟؟
يالك من كذاب أشر. فإليك نص كلام أبي حنيفة:
قال أبو حنيفة: « من قال لا أعرف ربي: في السماء أو في الأرض فقد كفر، وكذلك من قال: إنه على العرش ولا أدري: العرش في السماء أو في الأرض؟ لأن الله تعالى قال: ] الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [ [طه: 5]» [انظر الفقه الأكبر 36 - 37 والعلو للذهبي 101].
قيل له: فإن قال: إن الله تعالى على العرش استوى ولكن (القائل) يقول: لا أدري: ألعرش في السماء أم في الأرض؟
قال: هو كافر لأنه أنكر كون العرش في السماء لأن العرش في أعلى عليين [كما في نسخة الكوراني]، والله تعالى يُدعى من أعلى لا من أسفل، لأن الأسفل ليس من وصف الربوبية في شيء. انتهى.
الله في السماء دون الأرض عند أبي حنيفة باعتراف البيهقي
ويؤيد هذا ما رواه البيهقي من أن امرأة كانت تجالس جهم بن صفوان، جاءت إلى أبي حنيفة وقالت له: «أنت الذي تعلِّم الناس المسائل وقد تركتَ دينك. أين إلهك الذي تعبده؟
فسكت عنها ثم مكث سبعة أيام لا يجيبها، ثم خرج إليها وقد وضع كتابين: عنوان أحدهما: (الله تبارك وتعالى في السماء دون الأرض).
البيهقي يصادق على قول أبي حنيفة
قال البيهقي « لقد أصاب أبو حنيفة رضي الله عنه فيما نفى عن الله عز وجل من الكون في الأرض، وفيما ذكر من تأويل الآية، وتبع مطلق السمع في قوله: إن الله عز وجل في السماء ».
ينقلون عن البيهقي ما لا يعقلون
وأما ما نقلته أيها الحبشي عن البيهقي:
« يجب أن يُعلم أن استواء الله سبحانه وتعالى ليس باستواء اعتدال عن اعوجاج، ولا استقرار في مكان، ولا مماسة لشىء من خلقه، لكنه مستو على عرشه كما أخبر بلا كيف بلا أين، وأن إتيانه ليس بإتيان من مكان إلى مكان، وأن مجيئه ليس بحركة، وأن نزوله ليس بنقلة، وأن نفسه ليس بجسم، وأن وجهه ليس بصورة، وأن يده ليست بجارحة، وأن عينه ليست بحدقة، وإنما هذه أوصاف جاء بها التوقيف فقلنا بها ونفينا عنها التكييف». انتهى من كتابه الاعتقاد والهداية.
تأمل أيها الحبشي قول البيهقي « هذه أوصاف جاء بها التوقيف فقلنا بها ونفينا عنها التكييف».
ألا ترى أنك تخالف البيهقي الذي نقلت لك صريح كلامه أن معنى أأمنتم من في السماء) أي هو الله فوق السماء. كما وصف نفسه بذلك.
أنت ترى أن الآية متعلقة بالملائكة وأن من أثبت أن الله فوق السماء فهو كافر. فالبيهقي يثبت لله ما تنفيه أنت وتحكم بكفر من يثبته.
فصار البيهقي عندك كافرا.
رشق الأحباش بالحجر من كلام ابن حجر
وقلت أيها الحبشي:
« وفي كتاب المنهاج القويم شرح شهاب الدين أحمد بن حجر الهيتمي على المقدمة الحضرمية ص/224 يقول :"واعلم أن القَرافي وغيرَه حكوا عن الشافعي ومالك وأحمد وأبي حنيفة رضي الله عنهم القول بكفر القائلين بالجهة والتجسيم وهم حقيقون بذلك».
فإليك بعض الحجر من كلام ابن حجر الهيتمي:
فقد نص ابن حجر المكي الهيتمي على أن المشهور [بل] الصحيح من المذهب عدم تكفير المجسمة كما قاله جمع من المتأخرين: من أن المجسمة لا يكفرون، ولكن أطلق في المجموع تكفيرهم [الإعلام بقواطع الإسلام ص 38 و 50].
قال: « وينبغي حمل الأول [أي عدم التكفير] على ما إذا قالوا جسمٌ لا كالأجسام، والثاني [أي التفكير] على ما إذا قالوا: جسمٌ كالأجسام، لأن النقص اللازم على الأول قد لا يلتزمونه، ولازم المذهب ليس بمذهب [الزواجر عن اقتراف الكبائر 2/358 وانظر 351 و387] وانتهى إلى أن الصحيح أننا لا نكفّر الجهوية [أي القائلين على الله بالجهة] ولا المجسمة إلا إن صرّوا باعتقاد لوازم الحدوث ...» الخ.
وإليك مزيدا من إلقامك بالحجر:
ونصّ العز بن عبد السلام رحمه الله تعالى على أن معتقد الجهة مخطئ خطأ معفوًا عنه، لأن اعتقاد موجود ليس بمتحرك ولا ساكن ولا منفصل عن العالم ولا متصل به ولا داخل فيه ولا خارج عنه لا يهتدي إليه أحد بأصل الخلقة في العادة ولا يهتدي إليه أحد إلا بعد الوقوف على أدلة صعبة المدرك عسرة الفهم [قواعد الأحكام الكبرى 170 الحاوي للفتاوي 2/133].
قلت: والحمد لله على اعتراف العز بأن طريقة أهل الكلام صعبة المدرك عسيرة الفهم. فهذا أحد أدلة أهل السنة على بطلان طريقة أهل الكلام].
قال العز « فإن قيل يلزم من الاختلاف في كونه سبحانه في جهة أن يكون حادثًا؟ قلنا: لازم المذهب ليس بمذهب لأن المجسمة جازمون بأنه من جهة وبأنه قديم أزلي ليس بمحدث، فلا يجوز أن ينسب إلى مذهب من يصرح بخلافه وإن كان لازمًا من قوله » [قواعد الأحكام الكبرى 172].
وقال الأسنوي: « لا نكفّر المجسمة على المشهور كما دل عليه كلام الشرح والروضة في الشهادات » [الإعلام بقواطع الإسلام للهيتمي 25 و 38 و 50].
وقال به أبو حامد الغزالي [فيصل التفرقة بين الإسلام والزندقة 129 و 148].(65/83)
وقال الجلال الدوّاني في شرحه على العقائد العضدية (ص532) « ومنهم من تستّر بالبلكفة وقال: هو جسم لا كالأجسام، وله حيّز لا كالأحياز، ونسبته إلى حيزه ليست كنسبة الأجسام إلى أحيازها ) وهكذا ينفي عنه جميع خواصّ الجسم حتى لا يبقى إلا اسم الجسم، وهؤلاء لا يُكفّرون بخلاف المصرحين بالجسمية ».
فيا لك من مدلس أفاك تتجاهل صريح ما قاله ابن حجر والعز بن عبد السلام.
وفي النهاية لا تنس أيها الحبشي أنك عند المعتزلي مجسم لأنه يستحيل في العقل رؤية ما ليس بجسم ولا يكون في جهة أو حيز.
فهذا ردي عليك أيها الحبشي.
......
الحلقة الثانية:
كما لاحظتم أيها الأحبة فقد حاد مالك79 هداه الله عن أسئلتي تماما وبان عجزه واضحا.
ألزمته بتأويل صفتي السميع البصير كما يفعل في الاستواء فلم يجب عن ذلك واكتفى بأنه يثبت لله أنه سميع بصير. وأن من يتوهم التشبيه في صفة الاستواء دون السمع والبصر فإنه متناقض لأنها كلها مما يوصف به المخلوق، فما الذي أوجب تأويل الاستواء دون صفتي السميع البصير. قال تعالى (إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعا بصيرا). فحاد وهرب مالك79 وبقي إلزامي نسيا منسيا.
واكتفى بالكذب أنني اتهمته بأنه ينفي صفتي السميع والبصير. ثم زعم أنني توهمت ذلك ووصفني بالجهل. وأنا ألزمته بتأويلهما كما يفعل في الاستواء. فمن المتوهم الجاهل الآن؟
غير أنه قال كلمة لو أنه طردها في سائر الصفات لأغنته عن تحريف صفات الاستواء والنزول والمجيء... الخ. فإنه قال بأن « التوافق في اللفظ لا يعني التوافق في المعنى». ولكنه للأسف قد انتابه التخبط والتناقض لسوء المنهج الذي نشأ عليه.
زعم أنه يثبت لله الاستواء على عرشه. مع أنني لم أتهمه بأنه لا يعتقد أن الله قال ذلك. ولكنني أتهمه أنه يحرف نص الاستواء حين يزعم أن الله استولى على عرشه وقهره. فكان جوابه عن الاستواء أيضا ليس إلا حيدة وهروبا.
ذكرت له إلزام المعتزلي له لإثباته رؤية الله بأنه يعتقد بالجهة والتجيز لأنه يستحيل في العقل أن يكون هناك ما يمكن رؤيته ولا يكون في محل ولا يكون متحيزا. فحاد وهرب عن الجواب. وهو في الحقيقة ترك أصحابه بهذه الحيدة في هروب وضيق صدر وشك مما أتاهم به الحبشي.
ألزمته بإثبات البيهقي وابن فورك وأبي الحسن الطبري (من خواص الإمام أبي الحسن الأشعري) بأن الله في السماء بمعنى أنه على السماء وفوق عرشه. وأن البيهقي قال: إن الله في السماء فوق عرشه كما نطق به الكتاب والسنة. وأنا أبا الحسن الطبري فسر الاستواء بالاعتلاء فوق السطح: فتجاهل مالك79 وحاد وهرب. وترك أصحابه في شك مما تعلموه من شيخهم بهذا الموقف الهزيل الضعيف وهذه الحيدة والهروب.
ألزمته بإثبات البيهقي لكتاب كتبه أبو حنيفة وعنوانه (الله في السماء دون الأرض). لأؤكد له كذب الأحباش فيما ينقلونه عن المتعصب القديم الكوثري. بل واستحسان البيهقي لكتاب أبي حنفية ومصادقته على عقيدته بأن الله في السماء دون الأرض. فلم يجب مالك79 عن ذلك وحاد وهرب.
طالبته بأن يضبط النص الذي افتراه على أبي حنيفة من كتاب الفقه فلم يفعل وحاد وهرب كعادته. مع أن كتابه (الله في السماء دون الأرض) يؤكد التحريف المنسوب إليه من كل من الكوثري والأحباش. فلم نجد لمالك79 جوابا وبقي أصحابه في حيرة بعد هذه الحيدة الواضحة.
ألزمته بأن يقرأ تمام ما نقله النووي عن القاضي بإثبات أن الله في السماء أي على السماء: فحاد وهرب ولم نجد له كلمة.
ألزمته بعقيدة الحافظ النووي وأنه كان دائم الترضي عن معاوية وأن هذا منه موقف سني مخالف لموقف المتحبش الشيعي. فحاد وهرب ولم نجد له كلمة. وترك بهذه الموقف الهزيل أصحابه في شك وتردد وضيق صدر من ضعف من كانوا يزعمون أن شيخهم علمهم العقيدة بالأدلة العقلية والنقلية. ثم تبين بأنهم كانوا يقررون عقيدتهم بكلاشنكوف منظمة الصاعقة وحزب البعث للرفيق ميشو (ميشال عفلق)، وأنه لما زال سلطان هذا الكلاشنكوف عن لبنان لم يعد للأحباش من وسيلة يقررون بها عقيدتهم الكلامية الجدلية التحريفية لا بالعقل ولا بالنقل وبقي لهم السباب والشتم واتهام مخالفهم بالذنب الجوال وغير ذلك من ألفاظ الساقطين ومن لا علاقة لهم بالحوار العلمي الأخلاقي، الأمر الذي لا يقنع طالب الحق بل يزيده تحقيرا لهم ولأسلوبهم الفظ الغليظ.
ألزمته بأن ابن حجر والعز بن عبد السلام والغزالي والأسنوي والدواني صرحوا بعدم كفر المجسم والجهوي بل وقول ابن فورك بأنه لا ينكر على من قال بأن الله في السماء لورود القرآن به. فلم نجد من مالك جوابا.
أما ما ينقله عن النسفي فأنا لم أقل بأن الله في مكان بمعنى أنه محصور فيه. وإنما هو فوق المكان والعرش مخلوق مكاني لا زماني. وكذلك السماوات. والله فوق عرشه وفوق سماواته. وكان من الممكن إلزامي بقول النسفي فيما لو كنت أعتقد بأنه منحصر داخل المكان.
وقول النسفي ليس قرآنا. فإن النسفي متأثر بالفلاسفة ومنهجهم.
وله عظائم وكلام في حق الأشاعرة يلزم منه تكفيره. منها:(65/84)
• فقد زعم النسفي بأنه « لا يجوز أن يوصف الله بالمجيء والذهاب » [بحر الكلام 23]. وهو قولٌ عظيم فإن الذي وصف الله بالمجيء هو الله نفسه. فكيف يُحكم على ما أجازه الله بأنه غير جائز؟!
• فقد زعم النسفي في تبصرة الأدلة بأن دليل التمانع مأخوذ من كتاب الله. فكذبه الحافظ ابن حجر وصرح بأنه مأخوذ من الفلاسفة وبالتحديد من آرسطو (لسان الميزان4/428).
• على أن الحافظ قد استحسن احتجاج النسفي في الكافي بما رواه عن محمد بن الحسن أنه قال: « ليس من أخلاق المؤمنين الفرار من أحكام الله بالحِيَل الموصلة إلى إبطال الحق» [فتح الباري 12/328 - 329].
• ولا تنس يا مالك بأن النسفي يتهم الأشاعرة بأنهم يرون جواز تخليد الكفار في الجنة وتخليد المؤمنين في النار كما نقله المرتضى الزبيدي عنه في (إتحاف السادة المتقين 2/185).
• فماذا تقول في اتهام النسفي للأشاعرة بأنهم يرون تخليد الكفار في الجنة؟؟؟
وهكذا فأنتم تجيدون الاحتجاج على الناس بما يقوله الناس وتهربون دائما من إلزامهم لكم بما يقوله الله ورسوله. ولا تنس يا مالك79 بأنكم لا تزالون لا تقرون للجارية بما أقرها عليه النبي من الإيمان لتصريحها بأن الله في السماء وأنتم تشمئزون من قولها ولا تبالون بمخالفة النبي في إقراره لإيمانها.
وأما ما نقلته عن القرافي فهذا ليس مما استقر عليه قول ابن حجر فقد نقلت لك صريح كلامه في عدم تكفير المجسمة والجهوية. وأما ما يقال من أن الشافعي وأحمد وأبو حنيفة أطلقوا القول بتكفيرهم فهات لك النص من مصادر كتبهم. ولا أعتقد أنك سوف تستطيع ذلك.
وأنا أطلق لله جهة فوق التي هو سبب اعتقادي بها فإنه وصف نفسه فوق علا على عرشه وارتفع كما فسره مجاهد وأبو العالية تلميذا ابن عباس فيما رواه عنهما البخاري في صحيحه.
وكلام السلف في إثبات علو الله في جهة فوق العرش كثير وثابت من كلام السلف.
] إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُه [ [فاطر 10]. روى البخاري (7430) قول صلى الله عليه وسلم : « ولا يصعد إلى الله إلا الطيب » [ومع أن البيهقي تأول صعود العمل بالقبول إلا أنه حار في التعامل مع قوله (إلى الله) ففضل تفويضه زاعماً أنه جرى في ذلك على طريقة السلف (فتح الباري 13/416)].
] يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَي [ [آل عمران 55]، قال الطبري عن الحسن رضي الله عنه: « رفعه إليه فهو عنده في السماء » [تفسير الطبري 3/3/203].
] تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْه [ [المعارج 4]، قال البخاري: قال مجاهد: « يقال ذي المعارج: الملائكة تعرج إلى الله » [البخاري 4/389 كتاب التوحيد باب رقم 23]. وقال الطبري: « يعني تصعد الملائكة والروح إلى الله عز وجل، والهاء في قوله ] إِلَيْهِ [ عائدة على اسم الله عز وجل » [جامع البيان مجلد 12 ج 29 ص 44].
الجواب على السؤال الإختياري
قال مالك: ماذا تقول في القرطبي وابن عباس رحمهم الله الذين أولوا الآية: (أأمنتم من في السماء) بالملائكة؟ عبارة القرطبي: (أأمنتم من في السماء) قال ابن عباس: أأمنتم عذاب من في السماء إن عصيتموه، وقيل هو إشارة إلى الملائكة، وقيل جبريل وهو الملك الموكل بالعذاب» انتهى.
ألعلك كذاب تكذب على ابن عباس يا مالك79؟
أين قال ابن عباس بأن معنى الآية هم الملائكة؟
لقد ورد تفسير الآية بالملائكة في سياق (((يقال))) وليس في سياق ما قال ابن عباس كما ادعيت كذبا وزورا.
قال القرطبي « وقيل إشارة إلى الملائكة». هكذا بصيغة المجهول أيها المجهول. ولم ينسب القرطبي شيئا من ذلك الى ابن عباس.
فأين قال ذلك ابن عباس؟
والرواية عن ابن عباس (أأمنتم عذاب من في السماء إن عصيتموه): والتي ليس فيها ذكر للملائكة وردت من غير إسناد. وفي سياق ما يقال.
راجع قول القرطبي: قيل كذا وقيل كذا. وهذا لا قيمة له ولو أنه ورد بسند آحاد لقلتم لا يجوز رواية الآحاد في مسائل العقائد. فكيف قبلت أيها المتناقض رواية بغير إسناد في مسائل العقائد؟
شيخكم يرفض الحديث الجارية زعم لأنه ليس متواترا مع أن الحديث في صحيح مسلم. وهذا مسجل عندي بصوته.
عند تأمل الرواية نجد أنها دليلا لنا وليس لكم يا مالك. فإنها تؤكد أن ابن عباس يثبت أن الضمير في الآية يعود على الله. فإنه يقول: أأمنتم عذاب من في السماء إن عصيتموه. (تفسير القرطبي 18/215 تفسير البغوي4/371 ).
فأسألك من هو الذي في السماء إن عصيناه؟ أليس الله؟
بل إن المروي عن ابن عباس أن الله في السماء. ولك أن تتأمل هذه النقولات عن ابن عباس رضي الله عنه:
فقد قال في تفسير قوله تعالى: ] وَجَاءَ رَبُّك [ [الفجر 22]، « فيجيء الله فيهم والأمم جثيّ » [تفسير الطبري ج30 ص118-120].
وفي تفسير: ] ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ [ [فصلت 11]، قال: أي ارتفع إلى السماء [تفسير البغوي 1/78 البقرة آية رقم 29].
وفي تفسير: ] أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ [ [الملك 16]، قال: أي وهو الله كما رواه عنه ابن الجوزي [زاد المسير 8/322].(65/85)
وفي رواية القرطبي التي احتججتم بها من غير تتأملوا نصها : « أأمنتم عذاب مَن في السماء إن عصيتموه » [تفسير القرطبي 17/215].
بل قد روى البخاري عن ابن عباس ما يلي: وروى البخاري أن ابن عباس قال: « لما كلم الله موسى كان النداء في السماء وكان الله في السماء » [البخاري: خلق أفعال العباد ص40].
قال البيهقي في الأسماء والصفات (2 :165): « ومعنى قوله في هذه الأخبار "من في السماء" أي فوق السماء على العرش كما نطق به الكتاب والسنة ».
ونقل الحافظ ابن حجر كلام البيهقي [الأسماء والصفات 2/162-163 تحقيق عماد الدين حيدر مشكل الحديث وبيانه 172 و335 و392 وانظر فتح الباري 13/418 وانظر أيضاً 8/67 حديث رقم (4351) وفي كتاب التوحيد 13/415 وانظر كتاب الاعتقاد للبيهقي ص 113].
وهذا الكلام يجعل البيهقي في عداد مثبتي جهة العلو لله في السماء، فقد نقل النووي عن القاضي عياض ما نصه: « فمن قال بإثبات جهة فوق من غير تحديد ولا تكييف من المحدثين والفقهاء والمتكلمين تأول "في السماء" أي على السماء » [شرح النووي على مسلم 5/24 - 25].
والسماء في قوله: ] أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ [ [الملك 16]، ليست هي نفس المخلوق العالي: العرش فما دونه، وإنما هي اسم جنس للعالي لا يخص شيئاً. فقوله (في السماء) أي في العلو دون السفل ليس بمعنى السماء الدنيا أو التي تحت العرش كما يفتري الحبشي [إظهار العقيدة السنية 112].
ومما يؤكد أن السماء لفظ اصطلاحي يراد به العلو قول صلى الله عليه وسلم : « الخيمة درّة طولها في السماء ستون ميلاً في كل زاوية منها أهل للمؤمن لا يراهم الآخرون » (متفق عليه). يبين ذلك أيضاً قول الإمام النووي رحمه الله: « قوله (طولها في السماء) أي في العلو » [شرح النووي على مسلم ج 17/176].
قال الطبري: ] أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاء [ وهو الله (تفسير الطبري المجلد 12/29).
وقد وصف الأحباش الطبري بالحافظ المجتهد (مجلة منار "الهدى" 14/22).
ووصفه السبكي بأنه الإمام الجليل المجتهد المطلق أحد أئمة الدنيا علماً وديناً.
قال السيوطي: هو عندي المبعوث على رأس المائة الثالثة (صون المنطق والكلام للسيوطي 87-88)].
كذا روى ابن الجوزي عن ابن عباس [زاد المسير 8/322]. والبغوي والسيوطي [معالم التنزيل للبغوي 4/371 والدر المنثور للسيوطي 8/238].
وقال أحمد: « ] أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاء [ فهذا خبر من الله أنه في السماء ووجدنا كل شيء أسفل منه مذموماً » [الرد على الجهمية 41 و48].
وقال الحارث المحاسبي بعد أن ذكر أدلة الفوقية من القرآن ] أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ [ [الملك 16]، ] إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّب [ [فاطر 10]، ثم قال: « فهذا يوجب أنه فوق العرش لأنه أبان في هذه الآية أن (((ذاته بنفسه))) فوق عباده » [فهم القرآن 346 - 350 وهو كتاب له في التفسير].
وفي الختام: ألا تستحيي يا مالك79 أن تأتي عن ابن عباس بما لا سند له ويخالف اعتراف شيخك أبي بكر بن فورك القائل: « إعلم أنه ليس يُنكر قولُ من قال: إنّ الله في السماء. لأجل أن لفظ الكتاب قد ورد به، وهو قوله: ) أأمنتم من في السماء( ومعنى ذلك أنه فوق السماء » [مشكل الحديث وبيانه 392 ط: دار عالم الكتب].
وأما قولك هداك الله:
فهل ستبقى على دين فرعون وهامان يا دمشقية.
فالجواب: يسلم عليك الأشعري والجويني وابن خزيمة والطبري وابن الجوزي والحافظ ابن عبد البر ويقولون لك:
« إن فرعون كذَّب موسى في قوله: إن الله سبحانه فوق السماوات » [الإبانة 106 رسالة في إثبات الاستواء والفوقية 1/177 ضمن المنيرية والتوحيد لابن خزيمة 114].
وقال الطبري: «... يقول: وإني لأظن موسى كاذباً فيما يقول ويدّعي: إن له في السماء رباً أرسله إلينا » [تفسير الطبري مجلد11 ج24 ص43 ومجلد10 ج20 ص 49]. وحكاه ابن الجوزي في (زاد المسير 6/223).
وقال الدارمي [قال عنه الذهبي "كان لَهِجاً بالسنة وفاق أهل زمانه. . . وكان جذعة في أعين المبتدعة. قال أبو الفضل الجارودي "كان عثمان الدارمي إماماً يُقتدى به في حياته وبعد مماته" (سير أعلام النبلاء 3/319-325)]: « ففي هذه الآية بيان بيّن ودلالة ظاهرة أن موسى كان يدعو فرعون إلى معرفة الله بأنه فوق السماء، فمن أجل ذلك أمر ببناء الصرح ورام الاطلاع عليه » [الرد على الجهمية 21].
وقال ابن عبد البر في التمهيد: « فدلّ على أن موسى عليه السلام كان يقول إلهي في السماء وفرعون يظنه كاذباً » [التمهيد 7/133].
فمن أنكر علوّ الله فهو الفرعوني الهاماني ويستشهد بعقيدة فرعون من حيث يظنها عقيدة الرسو صلى الله عليه وسلم الذي أقر الجارية على اعتقادها بأن الله في السماء.
ومن هنا نرى في سلوكيات الأحباش المنكرين تجاه إخوانهم شيئاً من الفرعنة. كما فعل المعتزلة في أحمد وغيره وكما يفعل أفراخهم بالعلماء اليوم. فهؤلاء رضوا بأن يكون فرعون إمامهم في نفي علو الله.
وقد كان آخر الإلزامات: مطالبتي له بأن يرد على آية الإسراء التي حيرتهم وأربكتهم وجعلتهم في حيص بيص.
وأرجو أن نجد عليها جوابا من الأحباش.
وبعد هذا أسأل:(65/86)
هل سوف يعتب علي أحد في ختم هذه الصفحة حيث لم نجد من الأجباش إلا حيدة وهروبا وتزويرا وكذبا؟
لقد تعمدت التفرغ للرد عليه حتى أبين للقارئ الكريم أننا والله نملك الأدلة وصدق المنهج القويم. وإفلاس هذه الجماعة وإلا فالوقت مهم لكي أستعمله لصالح أقوام يبحثون عن الحق بدلا من تضييعه مع قوم يصدون عن الحق.
ولكن كما قلت: لعله موقف من مواقفي يبين إفلاس ما عند القوم مع كثرة صراخهم بأننا نهرب منهم وأننا نحذف مشاركاتهم.
وفي هذا كفاية والحمد لله رب العالمين.
...................
الحلقة الثالثة:
قال مالك79 :
« وأما صفتي (كذا) السمع والبصر فهي وإن توافقت في اللفظ مع سمع وبصر المخلوقات إلا أن المعنى يختلف. وأنت تعلم هذا. فلا داعي لأن تؤول».
الجواب من الدمشقية:
يلزمك أن تقول هذا في باقي الصفات وإلا كنت متحكما متناقضا.
فالاستواء وإن توافق مع استواء البشر في اللفظ إلا أن المعنى يختلف. فلا داعي للتأويل أيضا.
فما يوهم من الاستواء يوهم من السمع والبصر، فإن السمع والبصر من البشر يكون بجارحة كما أن الاستواء عندك لا يكون إلا بجارحة.
وهكذا حاد مالك79 عن الموضوع وأوهم أنني زعمت أنه ينفي أن الله سميع بصير. وهذه حيدة مكشوفة مهما حاول تغطيتها.
قال مالك79:
« أما ءاية الاستواء فلسنا نحن أول من أولها».
الجواب من الدمشقية:
نعم. صدقت. قد سبقكم بها المعتزلة وعمدوا إلى تأويلها وشنع عليهم أبو منصور البغدادي لذلك واعتبر تأويل الاستواء بالاستيلاء قولا فاسدا [أصول الدين 113-114].
بل قال أبو الحسن الأشعري في رسالته إلى أهل الثغر: « وليس استواء الله استيلاء كما قال أهل القدر » [ص 233-234 تحقيق الجنيدي]. وأهل القدر هم المعتزلة. وأنتم تضللون المعتزلة وتقلدونهم.
وذكر ابن بطال تأويل قول المعتزلة (استولى) فقال: « فأما قول المعتزلة فهو قول فاسد » نقله الحافظ العسقلاني عنه ووافقه عليه [فتح الباري 13/405-406 وانظر إتحاف السادة المتقين 2/107].
• فكيف أخذتم بهذا القول الفاسد المعتزلي بشهادة أصحابكم الأشاعرة؟
وقال أبو بكر ابن فورك في مجرد مقالات أبي الحسن الأشعري (ص 325): « (((إن مخالفينا))) يقولون إن معنى الاستواء: الاستيلاء ». فالأشاعرة المتأخرون مخالفون لسلفهم. موافقون لمخالفي سلفهم! يعني المعتزلة.
الحجة الدامغة في براءة الأشعري من الأشاعرة
وتأمل الآن كيف أثبت لك أن الأشعري بريء من قول المعتزلة (استولى) الذي وافقهم عليه الأشاعرة مخالفين بذلك الأشعري:
قال الحافظ ابن عساكر في كتابه تبيين كذب المفتري أن « المعتزلة قالت استوى أي استولى وأن المشبهة قالت استوى بذاته بحركة وانتقال. قال: « فسلك أبو الحسن طريقاً وسطاً بينهما » [تبيين كذب المفتري ص 150].
فهذا النص واضح في حكاية الأشعري مذهب المعتزلة في الاستواء وواضح أنه لم يأخذ به.
• فكيف علمكم شيخكم ما قالته المعتزلة وأعرض عنه الأشعري؟
مالك يتخبط ولا يديري ما يقول
وقد صدر من مالك كلام يكشف عن تخبطه وإصابته بالدوار فأخذ ينسب إلي ما لم أقله:
قال مالك بينما كان يتكلم عن آية الاستواء « أثبِتْ لنا من كلام أهل السنة أن هذه الآية تحتاج لتأويل»؟
وقال « وادعاؤك أن ءاية ) ليس كمثله شىء( كآية الاستواء قياس من عندك لا اعتبار به»؟
وقال « وأما زعمك أن وجود الله يستلزم وجوده في مكان. فهو شبهة باطلة والرد عليها سهل» قال مالك: الرد عليها سهل مع أنه لم يرد على هذا السهل.
قال الدمشقية: وهذه أقاويل بحثت عنها ولم أجدها من ضمن كلامي. وأرجو مراجعة كلامي ليتبين أن مالكا يتخبط ولا يدري ما يقول.
قال مالك79:
« لَمْ تصدق أنني تأخرت يومين عن الرد بسبب انشغالي حتى أغلقت الموضوع ءاية الإسراء!!!!
الجواب من الدمشقية:
إنشغالي عندك وعند أحباشك هروب غير مقبول. أما انشغالك فهو شرعي ومبرر! حسنا قبلنا عذرنا وسوف نفتح الملف وننتظر.
قال مالك79: « كعادة دمشقية المدلّس في اقتطاع العبارات: زعم أن ابن فورك رحمه الله قال إن الله في السماء وتوقف هنا. ونحن نقول له: لم لا تكمل كلام ابن فورك أم أنّه لم يعجبك؟!!!
قال رحمه الله ما نصه: (مع العلم أن طبعتك نفس الطبعة التي معي)
واعلم أنه ليس ينكر قول من قال إن الله في السماء لأجل أن لفظ الكتاب قد ورد به وهو قوله ((ءأمنتم من في السماء))ومعنى ذلك: أنه فوق السماء لا على معنى فوقية المتمكن في المكان، لأن ذلك صفة الجسم المحدود المحدث، ولكن بمعنى ما وصف به أنه فوق من طريق الرتبة والمنزلة والعظمة والقدرة. انتهى كلامه
الجواب من دمشقية
تناقض ابن فورك هديتي إلى مالك
المسألة الأولى: سوف نهديك من كلام ابن فورك ما يثبت تذبذبه وتناقضه.
فقد قال في نفس الكتاب: « ولكنا نقول على مذهب أصحابنا: إن الله عز وجل في السماء على معنى أنه فوقها وعليها كما قال الله عز وجل: (فسيحوا في الأرض). أي فوقها. وكما قال: (ولأصلبنكم في جذوع النخل). أي عليها» (مشكل الحديث وبيانه ص334-335).
وقال أيضا:(65/87)
« قال المفسرون: أأمنتم من في السماء) أن المراد بذلك من فوقها» ثم صرح بأن استعمال (في) بمعنى (على) ظاهر في اللغة محتجا بنفس الآيتين السابقتين.(مشكل الحديث وبيانه172).
وهذا ما أكده الحافظ ابن حجر ونقله عن البيهقي قائلا:
« وقد حكى البيهقي عن أبي بكر الضبعي قال العرب تضع (في) موضع (على) كقوله تعالى (فسيحوا في الأرض) وقوله (ولأصلبنكم في جذوع النخل) فكذلك قوله (من في السماء) أي على العرش فوق السماء كما صحت الأخبار» (فتح الباري13/418).
(وانظر كلام البيهقي [الأسماء والصفات 2/162-163 تحقيق عماد الدين حيدر كتاب الاعتقاد للبيهقي ص 113].
فتأمل هذا التصريح الواضح بأن الآية تعود على الله وأن (أأمنتم من في السماء) بمعنى على السماء. وأن الأخبار بعلو الله في السماء قد صحت أسانيدها.
فماذا بقي بعد هذا للنفاة المعطلة المعاندين؟؟؟
المسألة الثانية: لقد أوردت قول ابن فورك لثلاثة أسباب:
أولا: لأبين مخالفة ابن فورك لقول شيخك. فإن شيخك يرجع الضمير إلى الملائكة بينما يرجع ابن فورك الضمير إلى الله ويعترف أن معناه أن الله فوق السماء. أما ما يفهم ابن فورك من المعاني فإنه ليس بحجة علي لأنه طرف في النزاع. واحتجاجكم علي بأشعري أرفضه كما ترفضون أنتم إن جئتكم بابن تيمية مثلا واحتججت عليكم بكلامه.
ثانيا: أنك تطلق الحكم بكفر من يقول أن معنى الآية أن الله فوق السماء. بينما يعذر ابن فورك من يقول ذلك لأن معه نص الآية.
ثالثا: لأبين التناقض بين أقوال من اتفقوا على التأويل وتناقضوا في تطبيقه.
فمن الأشاعرة من زعم أن ] مَنْ فِي السَّمَاء [ أي ملكوته كما قاله أبو حيان النحوي [تفسير البحر المحيط 8/302 والنهر الماد 2/1131]، ومنهم من قال (ملائكته) كشيخكم، ومنهم من قال (جبريل). ومنهم من قال: « أي من تزعمون أنه في السماء» قاله النسفي والبيضاوي والرازي [مدارك التنزيل للنسفي 3/561 وتفسير الرازي 30/70 والبحر المحيط 8/301-302].
ولي أن أسأل:
• هل بني هؤلاء أقوالهم المتناقضة على الدليل من الكتاب أو السنة؟ أم أنها آراء واحتمالات وهي الخوض في الله وأسمائه بغير حق؟
وبعد أن صرح ابن فورك بأن معنى الآية أن الله فوق السماء لا يعود يهمني بعد ذلك ماذا يفهم هو من معنى عبارة (فوق السماء)، فإنه عندي تحريف. ولم يعهد عن عالم من العلماء المتقدمين أن وصف الله بأن الآية متعلقة بمنزلة الله فوق السماء.
وعلى كل حال أتحداكم أن تقولوا بأن معنى الآية أن الله فوق السماء ولكن بمعنى الرتبة والمنزلة كما قال ابن فورك لأنكم سوف تبطلون بذلك قول شيخكم أن معنى الآية: أأمنتم الملائكة الذين في السماء أن يخسفوا بكم الأرض أو يرسلوا عليكم حاصبا.
ثم إنكم بتركيزكم هذا على كلام ابن فورك تسجلون على أنفسكم موقفا جديدا من مواقف مخالفتكم لأئمة الأشاعرة المتقدمين كابن فورك.
والآن نريد جوابا على هذا السؤال الذي سوف أضعه لك باللون الأحمر:
• ماذا تختارون من الأقوال: قول ابن فورك أن قوله تعالى (أأمنتم من في السماء) بمعنى أن الله فوق السماء أم قول شيخكم أن معناها الملائكة؟
قال مالك79 « فتبين أن كلام ابن فورك ينسف كل ما ورد في الموضوع».
الجواب من دمشقية:
لا تنس أنه ينسف قول شيخك أن معنى الملائكة لا الله. شكر لك.
ولا تنس أن كلام ابن فورك قد تناقض. وما كان متناقضا كيف يكون ناسفا لأقوال الآخرين؟
مالك79 يعترف أن اعتقاد البيهقي علو الله
قال مالك79
« ونقول: لا شك أن معنى كلام البيهقي رحمه الله وغيره من الحفاظ من قولهم الله في السماء هو على هذا المعنى».
الجواب من دمشقية
« لماذا لم تذكر ماذا قال البيهقي؟ هل تستحيي من ذلك؟ أم تخشى أن يلاحظ أصحابك مخالفة البيهقي لعقيدتكم؟
فالحمد لله أن اعترف هذا الحبشي أن البيهقي صرح نصا بالفوقية.
رماني مالك بالتدليس وهو أولى به
قال مالك79
« هذه النقطة مهمة جدًا لأنها تشمل الرد على دمشقية في زعمه أن البيهقي أثبت أن الله في السماء بذاته».
الجواب من دمشقية:
أنا ما ذكرت لفظ (بذاته) أصلا ولا نقلت ذلك من كلام البيهقي. وبهذا يتبين أنك أنت المدلس بل وللأسف أقول: الكذاب.
ثم أتى مالك79 بكذبة أخرى فقال:
« وهذا فيه رد على كلامك الذي ذكرته أولاً والذي معناه أنه لا يعقل موجود بلا مكان».
الجواب من دمشقية:
أقول للأسف هذا كذب منك. فأنا لم أقل ذلك. وإنما قلت بأن المعتزلي يُلزمك من خلال اعتقادك برؤية الله في الآخرة نفس ما تلزم الآخرين إذ يقول لك:
• كيف تثبت أيها الأشعري رؤية لله لا في محل؟
فأرجو منك أن تضبط كلامي لا أن تنهاني عن تدليس مزعوم ثم تأتي مثله.
أما البيهقي فقد فسر معنى كون الله في السماء بمعنى أنه ليس حالا فيها وإنما بمعنى أنه فوقها على معنى نفي الحد.
تأمل كيف خالف البيهقي قول ابن فورك. فإن البيهقي أثبت علو الله فوق السماء على معنى نفي الحد، أما ابن فورك فجعل معناه فوقية الرتبة.
ابن فورك ينتقد تأويل الاستواء بالاستيلاء
ملاحظة: قد تضمن كلام ابن فورك الذي نقله مالك إبطال تأويل استواء الله على عرشه بالاستيلاء لأن الاستيلاء غلبة مع توقع ضعف.(65/88)
قال ابن فورك « وليس ذلكَ في الآية بمعنى الاستيلاء، لأن الاستيلاء غلبة مع توقع ضعف» انتهى مما نقله عنه مالك.
قلت: وقول ابن فورك هذا شبيه بقول أبي منصور البغدادي وابن بطال. مع أن شيخ مالك (الحبشي) يجعل الاستيلاء من أشرف معاني الاستواء. مخالفا قول المتقدمين من مشايخ الأشاعرة. وهذا تسجيل جديد للتناقض بين بين الأحباش وبين الأشاعرة.
مالك يشهد على نفسه بأنه لا يثبت ما أثبته الله
قال مالك وهو يوقع نفسه في ورطة من حيث لا يدري:
« فبطل بهذا زعم دمشقية أن البيهقي أثبت المكان لله تعالى. بل البيهقي وابن فورك والأشعري أثبتوا لله ما اثبته لنفسه وهو الاستواء وعلو الرفعة».
الجواب من دمشقية:
ومالك يثبت بهذا أن الحبشي لا يثبت لله ما أثبته لنفسه لأنه أثبت الآية للملائكة وليس لله. مخالفا بذلك موقف البيهقي والأشعري وكذلك ابن فورك وإن أثبت هذا الأخير فوقية المنزلة لكنه على الأقل جعل الضمير في الآية يعود على الله. تأملوا قوله بدقة.
ثم هذا كذب آخر منك على الدمشقية. فإنني لم أقل بأن البيهقي أثبت لله المكان. بل إن البيهقي أثبت أن الله فوق المكان واحتج بقوله تعالى (ولأصلبنكم في جذوع النخل) ومعناه عند البيهقي على جذوع النخل. وبقوله تعالى (قل سيروا في الأرض). ومعناه سيروا على الأرض.
قال مالك79 :
« لم تجب على قول الإمام أبي حنيفة رضي الله عنه الذي نقلناه لك ونعيده لك: قال الإمام أبو حنيفة في كتابه "الفقه الأبسط" (الفقه الأبسط، ضمن مجموعة رسائل أبي حنيفة بتحقيق الكوثري ص12) ما نصه :"من قال لا أعرف ربي في السماء أو في الأرض فقد كفر، وكذا من قال إنه على العرش، ولا أدري العرش أفي السماء أو في الأرض"اهـ.
الجواب من دمشقية
لم تضبط النص بتمامه من أصله كما طلبت منك حين رددت عليك وأنت تنكر ردي.
ولا أقبل النص منقولا من كتب الكوثري فإن الكوثري مدلس كبير وقد كتب فيه أحمد الغماري كتابا بعنوان (بيان تلبيس المفتري محمد زاهد الكوثري).
وكتب العلامة المعلمي اليماني كتابا بعنوان (التنكيل في كشف ما عند الكوثري من الأباطيل).
والكوثري حاطب ليل فيما يروي فإنه هو الراوي عن أبي بكر أنه كانت كبده تنشوي من خشيته لله فكان جيرانه يتأذون من رائحة كبده حتى شكوه إلى رسول الله (ارغام المريد للكوثري 30.).
وقد نقلت لك عبارة أبي حنيفة بتمامها من كتاب الفقه الأكبر وهي:
قال أبو حنيفة: « من قال لا أعرف ربي: في السماء أو في الأرض فقد كفر، وكذلك من قال: إنه على العرش ولا أدري: العرش في السماء أو في الأرض؟ لأن الله تعالى قال: ] الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [ [طه: 5]» [انظر الفقه الأكبر 36 - 37 والعلو للذهبي 101].
غير أن مالكا قد دلس بقية النص الذي قطعه من كلام أبي حنيفة في كتاب إشارات المرام للبياضي. فقد شرح فيه كلام أبي حنيفة (وأنه تعالى يُدعى من أعلى لا من أسفل لأن الأسفل ليس من وصف الربوبية في شيء). (إشارات المرام197-198).
وهنا أكذوبة شائعة نشرها من قلدوا أبا حنيفة في الفقه وخالفوه في العقائد. إذ زعموا كما قال البياضي وقال مثله الحبشي « إنما كفّر أبو حنيفة قائل هاتين العبارتين لأنه جعل الله في جهة وحيز » [الدليل القويم 54].
فهذه التأويلات لكلام أبي حنيفة مستبعدة وتتعارض مع صريح كلامه وما نقله عنه البيهقي.
فقد أثبت البيهقي لأبي حنيفة كتابا بعنوان (الله في السماء دون الأرض). [أنظر كتاب الأسماء والصفات 2 : 170 للبيهقي تحقيق عماد الدين].
قلت: وهذا يلزم منه تكفير أبي حنيفة لأنه كتب كتابا بعنوان الله في السماء دون الأرض.
ثم أقر البيهقي كلام أبي حنيفة قائلا « لقد أصاب أبو حنيفة رضي الله عنه فيما نفى عن الله عز وجل من الكون في الأرض، وفيما ذكر من تأويل الآية، وتبع مطلق السمع في قوله: إن الله عز وجل في السماء ».
• فكيف تكذب على أبي حنيفة وتدعي أنه يحكم بكفر من يعتقد أن الله في السماء؟
مع أن أبا حنيفة كتب كتابا بمثل هذا العنوان المعتبر عندكم كفرا: الله في السماء دون الأرض؟؟؟
مالك79 يرد على مالك79
وقد أورد مالك كلام البيهقي على نحو يصح أن يعتبر ردا عليه. فقد نقل عن البيهقي النص التالي:
« ومعنى قوله في هذه الأخبار "من في السماء" أي فوق السماء على العرش، كما نطق به الكتاب والسنة، ثم معناه والله أعلم عند أهل النظر ما قدمنا ذكره. وقد قال بعض أهل النظر: معناه من في السماء إله. والأول أشبه بالكتاب والسنة».
الجواب من دمشقية:
أشكرك فقد رددت على نفسك وأكدت للناس أن عقيدة البيهقي أن الله فوق السماء.
وبالطبع أبطلت قول شيخك أن الآية تعني الملائكة. فإن قول البيهقي أي فوق السماء على العرش، كما نطق به الكتاب والسنة صريح. لا سيما وأنه رد كلام أهل النظر بأن معناه أنه في السماء إله. وصحح أن معناه أن الله فوق السماء كما نطق به الكتاب والسنة.
ونختم بكذب مالك79 علي أنني كذبت على البيهقي ونسبت إليه أن الله تعالى في مكان. فقال « أين زعمك يا دمشقية أن البيهقي أثبت لله المكان؟!!!!».(65/89)
فأقول: أنا والبيهقي أثبتنا أن الله فوق المكان وأنت وشيخك أثبتم أن الملائكة في السماء بمعنى فوق السماء.
وعندي وعند البيهقي أن في السماء بمعنى فوق السماء.
وهذا الذي عند البيهقي إيمان هو عندكم كفر.
قال مالك79
* موضوع معاوية:
لم تريد التهرب من موضوعنا والانتقال الى موضوع ءاخر. هل تشعر بمأزق؟!!
الجواب من الدمشقية:
وأما إيرادي موقف النووي من معاوية فلألزمكم بتناقضكم فقد عهدتكم تقولون دائما:
« وخذه حيث حافظ عليه نص».
فإنني أعرفكم مقلدين وكلام الحافظ عندكم حجة يجب الأخذ بها. وقد لقنتكم موتاكم هذه العبارة « وخذه حيث حافظ عليه نص».
• فلماذا رفضتموه حيث حافظ عليه نص؟
• وهل النووي ضال في ثنائه على معاوية؟
وأخيرا اود أن أحذرك من الاحتجاج بأقوال النصارى في العقيدة. فقد احتججت بقول الأخطل النصراني: قد استوى بشر على العراق.
فهل بلغ الضلال بكم أن تشعروا بالحرج مما يرويه مسلم كحديث الجارية بينما تنشرح صدوركم للرواية عن النصارى؟؟
==============(65/90)
(65/91)
حديث الافتراق رواية ودراية
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
فقد كانت ليلة أمس (7 ذو القعدة 1424 هـ ) - بفضل الله وتوفيقه - عرساً لأهل السنة ، فرحت فيها قلوبهم ، وقرت بها أعينهم ، فقد كان اللقاء الشهري في محافظتنا - إربد في شمال الأردن - مع مجموعة كبيرة من أهل الخير والفضل من الدعاة والعاملين للإسلام من جميع الاتجاهات والجماعات ، وقد غصَّ بهم المسجد ، ولم يجد بعضهم مجالاً للصلاة فيه إلا عندما خرج بعض من كان فيه ممن صلى قبلُ .
وقد كان في تلك الليلة محاضرتان ، وكانت الأولى للدكتور الشيخ أحمد المناعي وكانت بعنوان " الائتلاف والاختلاف في القرآن " ، وقد أبدع فيها أيما إبداع .
وكانت المحاضرة الثانية لي ، وكانت بعنوان " حديث الافتراق رواية ودراية " ، وأحسب أنني أتيتُ على أبرز الشبهات التي طُعن فيها متن الحديث - وكانت حوالي عشر شبهات - فبينتُ خواءها ووهاءها .
ويمكنني عرض ملخص للمحاضرة في النقاط التالية :
1. التفريق بين الاختلاف والافتراق ، وبينت أن الاختلاف أهون من الافتراق ، وأن الافتراق مذموم ، والاختلاف منه ما هو محمود ومنه ما هو مذموم .
ثم بينت ألفاظ الحديث ومنها : " عن أبي عامر الهوزني عن معاوية بن أبي سفيان أنه قام فينا فقال : ألا إن رسول ا صلى الله عليه وسلم قام فينا فقال ألا إن من قبلكم من أهل الكتاب افترقوا على ثنتين وسبعين ملة وإن هذه الملة ستفترق على ثلاث وسبعين ثنتان وسبعون في النار وواحدة في الجنة وهي الجماعة " . رواه أحمد وأبو داود .
ومنها من حديث عبد الله بن عمرو : " ... قالوا ومن هي يا رسول الله قال ما أنا عليه وأصحابي " .
2. وبينت أن العلماء المحققون على صحة الحديث ، ومنهم الترمذي والعراقي وابن تيمية والشاطبي .
3. ورددت على الشبهات التي طُعن فيها متن الحديث ، وفيها بيان : أن لفظ " الأمة " في الحديث المقصود به " أمة الإجابة " ، وأن هذا هو أغلب استعمال اللفظ في السنَّة ، وذكرت أدلة على هذا .
4. وبينتُ أن الحديث لا ينافي رحمة الله لأمة صلى الله عليه وسلم لأمور منها :
أ. أن اختلافها لا يؤدي بها إلى الخلود في النار ، بل استحقاق العذاب ، ولا يعني أنها مرحومة أنها لن تعذب ، بل لن تخلد .
وهم مُدركون : برحمة الله تعالى ، وبشفاعة نبيها ، وشفاعة الصالحين .
ب. أن نجاة الفرقة الناجية لا يلزم منه عدم تعذيبها ، فهم نجوا بعقائدهم ، لكنهم سيحاسبون على أعمالهم ، والمخالف منهم والعاصي مستحق للعذاب .
5. وبينتُ أن الصحابة قد عصمهم الله من الوقوع في البدعة والضلالة ، وفيه رد على من زعم أن الحديث لا يصح وخاصة في قوله " ما أنا عليه وأصحابي " ، أن الخلاف الذي وقع بينهم ليس له علاقة بتوحيد ولا عقيدة .
6. ثم ذكرتُ بعض الأحاديث الدالة على ذم التفرق ، والناهية عنه ، ومنها : حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: خط لنا رسول ا صلى الله عليه وسلم يوماً خطاً ثم قال: " هذه سبيل الله " ثم خط خطوطاً عن يمينه، وخطوطاً عن يساره ثم قال: " هذه سبل على كل سبيل منها شيطان يدعوا إليه " ثم قرأ هذه الآية: { وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السُّبُل فتفرق بكم عن سبيله } " .
7. ثم ذكرتُ أن التفرق قد وقع في هذه الأمة ، وأنه سيقع كما دل عليه حديث الافتراق ، وحديث ابن مسعود السابقيْن ، وغيرهما .
وقد ذكرنا أكثر من دليل على وقوعه ، وأنه لا داعي لنفي وقوعه ، أو الزعم بأن خطبة أو درساً أو جماعة هي التي فرَّقت المسلمين !
8. ثم ذكرتُ أسباب تفرق الأمة ، وهي كثيرة ، من أبرزها : كيد الكائدين ومكر الماكرين من أهل الديانات المحرَّفة والشرائع الأرضية ، وكذا الأهواء والعصبيات الشعوبية والحزبية والقبلية ، وكذا الخلل في منهج التلقي ، وقد توسعت في هذا وبيَّنت أن أكثر الأهواء وقعت لهذا السبب ، وأنهم قد أخذوا العلم من غير أهله ، فقد تركوا الكبار الأكابر ، ورضوا بالصغار الأصاغر ، وأن هذه الرؤوس المنحرفة طعنت في العلماء وأسقطت هيبتهم - بل وقد كفَّرهم بعضهم - وذلك حتى يخلو الجو لهؤلاء الأصاغر فيُضلوا بعد أن ضَلُّوا .
ومن الأسباب : عدم الرجوع إلى أهل العلم في المسائل الكبيرة والمهمات ، مما فتح الباب للأهواء أن تدخل إلى قلوبهم ثم أصلوا لها ونظروا ، ووقعوا في مخالفات شرعية ، ولذا ادعى بعضهم " المهدية " بأدلة واهية ، ومنهم بالرؤى والمنامات دون الرجوع إلى أهل العلم وإيقافهم على الشبهة من أولها .
ومن الأسباب كذلك : دعاوى التجديد في الدين سواء في أصول الفقه أو في أصول الحديث أو في التفسير ؛ وذلك لقطع الطريق بين الأمة وسلفها .
ومن الأسباب كذلك : التهاون والتساهل في حرب أهل البدع والتحذير منهم ، وأنه عندما طُلب من بعض رموز المسلمين أن يحذِّر من الأحباش في بلده ويحاربهم لم يرضَ هذا ، وقال : " دعوهم فسيموتون من حيث بدأوا " ، وما زال الأحباش في ازدياد وقوة حتى أخذوا مساجد جماعة تلك الرموز ، بل وقتلوا بعض أهل السنة .(65/92)
وبيَّنت أن هذا لم يكن هدي السلف ، فهذا ابن مسعود يحذر ويطرد أهل البدع من المسجد وكانوا يذكرون الله تعالى بطريقة بدعية ، وهذا ابن عمر يتبرء من القدرية ، وهذا مالك يطرد من سأله عن " كيفية الاستواء " ، وهذا الحسن البصري يطرد واصل بن عطاء ويحذر منه ، وأخيراً - وهذا لم أتذكره - هؤلاء علماء اللجنة الدائمة يحذرون من الإرجاء الدخيل على أهل السنة والذي حاول أهله إلصاقه بهم ، فضربوا بيدٍ من حديد وكثرت فتاواهم وتحذيراتهم من رؤوسهم وكتبهم ومقالاتهم .
وبيَّنت أن " الشرك والبدعة " هما من فرَّق الناس ، فالشرك فرَّق البشرية فقد كانوا من آدم إلى نوح عشرة قرون على التوحيد ففرقهم الشرك ، والبدعة هي التي فرَّقت المسلمين ، فعلى كل داعية الانتباه لهذا والعمل على محاربة ما يفرق المسلمين وهما الشرك والبدعة .
9. ثم ذكرت تاريخ الافتراق في الإسلام ، وأن أوله : " التشيع - وتحوَّل إلى رفض - والخارجية " وهما أخبث الفرق التي فرَّقت المسلمين بعقائد خربة حتى أدت هذه الفتن إلى تكفير خير الناس بعد الأنبياء ، وحمل السلاح على المسلمين .
10. ثم بينت أن معنى قول صلى الله عليه وسلم " كلها في النار " لا يعني الخلود فيها ، بل هو التوعد بالعذاب ، والحكم بالضلال .
11. وبيَّنت أن الفرقة الناجية نجت من البدع والضلال والانحراف في الدنيا ، وهي ناجية من عذاب الله تعالى في الآخرة بهذا الاعتقاد ، ولا يعني هذا نجاتها مطلقاً ، فهم معرضون للعذاب بسبب تركهم للواجبات وفعلهم للمحرمات .
12. وبيَّنت أن ذِكر التفرق والافتراق إنما هو للحذر منه وسلوك طريقه ، فلينتبه المسلم لطريق الذي يسير عليه ، وليتذكر حديث ابن مسعود فقد يكون سائراً على إحدى السبل التي خطها صلى الله عليه وسلم ذات اليمين وذات الشمال ، وقد يكون من الثنتين وسبعين فرقة التي حكم صلى الله عليه وسلم بأنها في النار .
وأن المسلم يجب عليه حتى ينجو أن يسير على الخط المستقيم في حديث ابن مسعود لا عوج فيه ولا انحراف ، وعليه أن يكون من الفرقة الناجية .
وأن الطريق الذي ينجي صاحبه واحد وهو طريق الصحابة رضي الله عنهم في الإيمان والقرآن والأسماء والصفات خاصة ، وباقي مسائل التوحيد والعقيدة عامة .
13. وبينت من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عدم جواز تعيين فِرقة بأنها من الثنتين والسبعين إلا بدليل ، فكيف تُجعل الجماعات الإسلامية منها !؟ .
قال ابن تيمية :
وأما تعيين هذه الفرق فقد صنف الناس فيهم مصنفات وذكروهم في كتب المقالات ، لكن الجزم بأن هذه الفرقة الموصوفة هي إحدى الثنتين والسبعين لا بد له من دليل ، فإن الله حرم القول بلا علم عموما وحرم القول عليه بلا علم خصوصا، فقال تعالى : { قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون } ، وقال تعالى : { يا أيها الذين آمنوا كلوا مما في الأرض حلالا طيبا ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين إنما يأمركم بالسوء والفحشاء وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون} ، وقال تعالى : { ولا تقف ما ليس لك به علم } .
انتهى .
14. وذكرتُ أنه لا يجوز ادعاء فِرقة أنها هي الناجية حتى يوافق مخبرها مظهرها ، وحتى تكون حقائقها كادعاءاتها ، وليس لأحد أن ينصِّب شيخاً ويجعل من يحبه ويواليه هو من الفرقة الناجية ، ومن خالفه كان من الهالكين ، بل الصحيح أن من زعم هذا وادعاه فهو الضال ، وهو من أهل البدع والتفرق !!
قال شيخ الإسلام ابن تيمية :
فمن جعل شخصاً من الأشخاص - غير رسول الله - مَن أحبه ووافقه كان من أهل السنة والجماعة ، ومن خالفه كان من أهل البدعة والفرقة - كما يوجد ذلك في الطوائف من اتباع أئمة في الكلام في الدين وغير ذلك - كان من أهل البدع والضلال والتفرق .
انتهى
ومما ذكرته هنا : ادِّعاء بعض الفِرق بل الجماعات الإسلامية أن دعوتهم مثل " الثلاجة " ! من خرج منها فسد ! ، وآخرون يزعمون أنهم " جماعة المسلمين " ، وآخرون يزعمون أنهم هم " الفِرقة الناجية " دون غيرهم ، وهذا ليس بمقبولٍ من كل زاعم ، وخاصة إذا أنكر على غيره هذا الادِّعاء ، فمن أين له أنه يجوز له ما لا يجوز لغيره ؟ .
15. وبينت أن أولى الناس بأن يكون من الفرقة الناجية هو من ليس متبوع يتعصب له إلا رسول ا صلى الله عليه وسلم ، وأن أهل الحديث والسنة هم أولى الناس بهذا ؛ لأنهم أعلم الناس باعتقاده وهديه وسنته ، ويميزون بين صحيح السنة وضعيفها ، وبينتُ وجوب الاهتمام بالتضعيف والتصحيح للأحاديث ليقف المسلم على صحة الحديث فيعمل به ، ويعرف ضعغه فيحذر من العمل به واعتقاده ، وكثير من العقائد كان مستندها أحاديث ضعيفة وموضوعة .(65/93)
وذكرت هنا : أن الفِرق والمذاهب المنحرفة لو سألتَهم " متى بدأتم " ؟ و " من رأس طائفتكم " ؟ لما أنكر عليك هذين السؤالين ولأجابك عنهما ، أنهم بدأوا في تاريخٍ معين ورأسهم هو فلان ، وأهل السنة والجماعة - الفرقة الناجية - يجيبان بأنهم بدأوا من بعثة صلى الله عليه وسلم ، ورأسهم هو صلى الله عليه وسلم نفسه ، لا أحمد ولا ابن تيمية ولا محمد بن عبد الوهاب ولا الألباني ولا ابن باز .
وأنه إذا دعي يوم القيامة الناس بإمامهم فإن كل فرقة وجماعة يكون لهم رأس يقودهم إلا الفرقة الناجية فإن إمامهم صلى الله عليه وسلم ، ويكفيهم هذا فخراً وشرفاً .
16. وبيَّنت أننا لا يهمنا الاشتغال ببيان عدد وأوصاف الفرقة الهالكة وبيان أسمائها ، فلم يبيِّن لنا r إلا بعضها كالمرجئة ! والقدرية وهم مجوس هذه الأمة ، والخوارج وهم أصحاب التكفير وحمل السلاح على المسلمين .
ويكفينا أننا نعلم وصف الفرقة الناجية واعتقادها ، وهو الذي بيَّن صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي نحن بصدد بيانه وشرحه ، فطرق الضلال لا حد لها ولا عد ، وهذا بخلاف الفرقة الناجية التي ترك لنا صلى الله عليه وسلم هديها وعقائدها بيضاء نقية .
17. ثم بيَّنت أن الفرق التي ذكر عددها صلى الله عليه وسلم ليست خارجة من الإسلام ، بل هي ضالة منحرفة ، وأنه قد أخطأ من جعلها خالدة في النار كما أخطأ من لم يرهم متوعدين بالعذاب ، وأن الصواب أنهم متوعدون غير خالدين ، ونقلت عن شيخ الإسلام رحمه الله وعن الذهبي ما يؤيد هذا .
قال شيخ الإسلام :
فمن كفَّر الثنتين والسبعين فِرقة كلَّهم : فقد خالف الكتاب والسنَّة وإجماع الصحابة والتابعين لهم بإحسان ... وليس قوله " ثنتان وسبعون في النار وواحدة في الجنة " بأعظم من قوله تعالى { إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا } ، وقوله { ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما فسوق نصليه نارا وكان ذلك على الله يسيرا } ، وأمثال ذلك من النصوص الصريحة بدخول من فعل ذلك النار .
" منهاج السنة " ( 5 / 249 ، 250 ) .
18. ثم بيَّنت العلامات الإجمالية لفِرق الضلال ، وهي : التفرق ، الزيغ ، الهوى .
19. ثم بيَّنت أن الجماعات الإسلامية كالإخوان والتبليغ ليست من الفرق الثنتين والسبعين ، وأن هذا لا يعني أن أفراد الجماعات ناجون من كونهم منهم ، لكن الحكم إنما يكون على أفرادهم لا على عمومهم ، ومن قال بغير هذا فقدأخطأ وخالف الواقع ، وأن ما قلناه في الجماعات ينطبق كذلك على " السلفيين " ! وقد رأينا كيف أن بعض من ينتسب إليهم قد دخل عليه الإرجاء ، فلا ينجو أحد بالنسبة حتى يكون الواقع لحاله كادعائه .
ونقلت عن الشيخين ابن باز والألباني ما يؤيد هذا .
أ. سئل الشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله - :
إذاً يا شيخنا الكريم ، الذي يقول : بأن هذه الجماعات الإسلامية من الفرق التي تدعو إلى جهنم والتي أمر النبي باعتزالها فهمه على كلامكم غير صحيح؟
أجاب :
الذي يدعو إلى كتاب الله وسنة رسول صلى الله عليه وسلم ليس من الفرق الضالة ، بل هو من الفرق الناجية المذكورة في قول صلى الله عليه وسلم : " افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة وافترقت النصارى على اثنين وسبعين فرقة وستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة قيل ومن هي يا رسول الله؟ قال من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي " وفي لفظ : " هي الجماعة " .
والمعنى : أن الفرقة الناجية : هي الجماعة المستقيمة على ما كان عليه صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم . من توحيد الله ، وطاعة أوامره وترك نواهيه ، والاستقامة على ذلك قولا وعملا وعقيدة ، هم أهل الحق وهم دعاة الهدى ولو تفرقوا في البلاد ، يكون منهم في الجزيرة العربية ، ويكون منهم في الشام ، ويكون منهم في أمريكا ، ويكون منهم في مصر ، ويكون منهم في دول أفريقيا ، ويكون منهم في آسيا ، فهم جماعات كثيرة يعرفون بعقيدتهم وأعمالهم ، فإذا كانوا على طريقة التوحيد والإيمان بالله ورسوله ، والاستقامة على دين الله الذي جاء به الكتاب وسنة رسول صلى الله عليه وسلم فهم أهل السنة والجماعة وإن كانوا في جهات كثيرة ، ولكن في آخر الزمان يقلون جدا .(65/94)
فالحاصل : أن الضابط هو استقامتهم على الحق ، فإذا وجد إنسان أو جماعة تدعو إلى كتاب الله وسنة رسول صلى الله عليه وسلم ، وتدعو إلى توحيد الله واتباع شريعته فهؤلاء هم الجماعة ، وهم من الفرقة الناجية ، وأما من دعا إلى غير كتاب الله ، أو إلى غير سنة الرسو صلى الله عليه وسلم فهذا ليس من الجماعة ، بل من الفرق الضالة الهالكة ، وإنما الفرقة الناجية : دعاة الكتاب والسنة ، وإن كانت منهم جماعة هنا وجماعة هناك ما دام الهدف والعقيدة واحدة ، فلا يضر كون هذه تسمى : أنصار السنة ، وهذه تسمى : الإخوان المسلمين ، وهذه تسمى : كذا ، المهم عقيدتهم وعملهم ، فإذا استقاموا على الحق وعلى توحيد الله والإخلاص له واتباع رسول ا صلى الله عليه وسلم قولا وعملا وعقيدة فالأسماء لا تضرهم ، لكن عليهم أن يتقوا الله ، وأن يصدقوا في ذلك ، وإذا تسمى بعضهم بـ : أنصار السنة ، وتسمى بعضهم بـ : السلفيين ، أو بالإخوان المسلمين ، أو تسمى بعضهم بـ : جماعة كذا ، لا يضر إذا جاء الصدق ، واستقاموا على الحق باتباع كتاب الله والسنة وتحكيمهما والاستقامة عليهما عقيدة وقولا وعملا ، وإذا أخطأت الجماعة في شيء فالواجب على أهل العلم تنبيهها وإرشادها إلى الحق إذا اتضح دليله .
والمقصود : أنه لا بد أن نتعاون على البر والتقوى ، وأن نعالج مشاكلنا بالعلم والحكمة والأسلوب الحسن ، فمن أخطأ في شيء من هذه الجماعات أو غيرهم مما يتعلق بالعقيدة ، أو بما أوجب الله ، أو ما حرم الله نبهوا بالأدلة الشرعية بالرفق والحكمة والأسلوب الحسن ، حتى ينصاعوا إلى الحق ، وحتى يقبلوه ، وحتى لا ينفروا منه ، هذا هو الواجب على أهل الإسلام أن يتعاونوا على البر والتقوى ، وأن يتناصحوا فيما بينهم ، وأن لا يتخاذلوا فيطمع فيهم العدو .
" مجموع الفتاوى " ( 8 / 181 - 183 ) .
ب. قول الشيخ الألباني
قال السائل : " هل الإخوان والتبليغ من الفِرق التي أخبر عنها صلى الله عليه وسلم ؟ "
قال الشيخ الألباني : لا لا الإخوان المسلمون فيهم من جميع الطوائف فيهم سلفيون ، فيهم خلفيون ، فيهم شيعة ، فيهم كذا وكذا ، فلا يصح أن يُطلق عليهم صفةٌ واحدة .
وإنما نقول : من تبنى منهجا خلاف الكتاب والسنة من " أفرادهم " فهو ليس من الفرقة الناجية بل هو من الفرقة الهالكة .
أما جماعة : والله أنا بقول السلفيين , أنا ما بقول عنهم أنهم من الفرقة الناجية ، السلفيين إيش رأيكم ؟ .
قال أحد الحاضرين : ولا نقول منهج السلف ؟ .
الألباني : " إيه طبعا " .
السائل : يعني " كأفراد )) يا شيخ ؟ .
الألباني : " نعم " .
السائل : الحكم على " الأفراد " ؟ .
الألباني : " الحكم على " الأفراد " أحسنت " .
شريط " البدعة والمبتدعة " .
20. وأخيراً ذكرتُ الأسباب التي تُسلك حتى يتوقى المسلم الافتراق ، ومنها : الاعتصام بالكتاب والسنة ، والسير على نهج السلف الصالح ، والالتفات حول علماء الأمة ، والحذر من التعالي على العلماء ، أو الشذوذ عنهم .
الأسئلة
وقد أجبتُ عما تيسر من الأسئلة ومنها :
أ. ذِكر قاعدة أهل السنة والجماعة في الأسماء والصفات ، وهي : إثبات ما أثبته الله ورسوله ، ونفي ما نفاه الله ورسوله ، والتوقف فيما لم يرد إثباته أو نفيه حتى نستفصل من القصد والمعنى ، فإن كان معنى ثابتاً أثبتناه دون لفظه ، وإن كان مخالفاً نفيناه ولفظه .
ب. بيان معنى " نسوا الله فنسيهم " وأن النسيان له معنيان في اللغة ، وهما : ضد الذاكرة ، والترك ، والأول منفي بقوله تعالى { لا يضل ربي ولا ينسى } ، والثاني هو المقصود في الآية وهو جزاء تركهم لشرع الله ، فكان الجزاء من جنس العمل ، والترك ثابت من أفعاله تعالى كما في قوله تعالى { وتركهم في ظلمات لا يبصرون } .
ت. التحذير من نشر الأحاديث الضعيفة فضلا عن الموضوعة ، وأنه لا يعذر بذلك الخطيب والمحاضر والكاتب وعندهم سعة من الوقت للنظر في كتب السنة الصحيحة ، وقد يسر الله تعالى لنا الطريق لمعرفة ذلك .
ج. وحذرت من التكفير بغير حق ، وقلت إن الأحوط للمسلم والأبرء لذمته أن لا يكفر إلا من ورد فيه النص أو أجمع عليه أهل العلم ، وأنه حيث رأى خلافاً في وصف أو فعل أو شخص فالأحوط هو عدم الذهاب للكفر ، وترك ذلك لكبار أهل العلم لأنهم يملكون الآلات للحكم .
ومن قواعد التكفير التي ذكرتها :
1. من أسلم بيقين فلا يخرج منه إلا بيقين مثله .
2. الخطأ في عدم التكفير أهو من الخطأ في التكفير .
3. من أخطأت في تكفيره وهو مسلم فإن له حقا يستوفيه منك ، ومن أخطأت فلم تكفره فليس له حق عندك ليطالبك به .
وأخيراً :(65/95)
نحمد الله تعالى أننا أوصلنا للناس على اختلاف توجهاتهم وأفكارهم حقيقة الفرقة الناجية ، وحقيقة الفرق الضالة الهالكة ، وبينا رحمة الله بالخلق في إرسال الرسل وإقامة الحجة على الناس ، وأنه ليس من هدي السلف الغلظة والجفاء فضلاً عن اتهامهم بما ليس فيهم ، وخاصة للعاملين للإسلام ، ونزَّهنا الأئمة والعلماء أن يكونوا ظالمين لهم بإدخالهم جميعاً في الفِرق الضالة ، وحذَّرنا ما استطعنا إلى ذلك سبيلاً من تنكب طريق السلف ومخالفته ، وبيَّنا أن المسلم لا يرضى إلا أن يكون إمامه ومتبوعه النبي صلى الله عليه وسلم
وكانت ليلة أمس - بفضل الله تعالى - عرساً لأهل السنَّة ، نرجو الله أن يتقبل أعمالنا ، وأن يغفر لنا زللنا ، وأن يجزي خيراً من ساهم في ترتيبه وإنجاحه ، ونسأله تعالى أن يعلي راية السنة ، وأن يهدي ضال المسلمين إلى الحق .
وقد استفدت في إعداد المحاضرة من كتاب الصنعاني " حديث افتراق الأمة " وتحقيقه للشيخ سعد السعدان ، ومن كتاب الشيخ ناصر العقل في " الافتراق " ، وغيرهم ممن نحن عالة عليهم من سلفنا الصالح وأئمتهم رحمهم الله ورضي عنهم .
والله الموفق
جمعه وأعده
إحسان بن محمد بن عايش العتيبي
أبو طارق
-===============(65/96)
(65/97)
الرد على الحبشي في كتابه الدليل الشرعي
عبد الرحمن محمد سعيد دمشقية
احتج الحبشي الشيعي بقول ابن حجر:
« وقد أخطأ بن الجوزي بإيراده له في الموضوعات وكذا بن تيمية في كتاب الرد على الروافض في زعم وضعه» (الدليل الشرعي 120-121).
قلت: أوهم المدلس الحبشي أن نهي الحافظ عن القول بأن الحديث موضوع هو تصحيح له.
هيهات هيهات يا مدلس فإن الحديث مراتب وقد اقتصر المدلس الحبشي على مرتبتين في الحديث:
موضوع
صحيح
فإن بين الموضوع والصحيح مراتب منها الضعيف الذي تجاهله الحبشي تدليسا وتدرجا بالمسلمين السنة في لبنان إلى تشيع سني يكون منزلة بين منزلتي التشيع والتسنن. إلى أن تتيسر مرحلة أخرى من خطط الرافضة يحولون فيه الهوية السنية إلى شيعية..
نعم قد تكرر من ابن الجوزي رحمه الله الحكم على الأحاديث بالوضع وقد تكون ضعيفة فقط بل ربما كانت صحيحة. ولكن:
ليس ابن الجوزي وحده حكم بوضع الحديث. بل إن هناك العديد من أهل العلم قد صرحوا بأن الحديث موضوع.
فقد نقل العجلوني في (كشف الخفاء2/563) عن الشيخ ملا علي قاري الحنفي أنه قال « قال أهل العلم إنه موضوع».
وأما احتجاج الحبشي الشيعي بأن القاضي عياض قد صحح الحديث.
فقد حكى غير واحد من أهل العلم أن القاضي عياض محجوج بتضعيف أحمد للحديث وأحمد أعلم بالحديث من القاضي عياض ومن الطحاوي.
وقيل والله أعلم بأن الطحاوي لم يصحح الحديث وإنما قال عن أحد الرواة (محمد بن موسى المدني الفطري بأنه «محمود في روايته» (شرح معاني الآثار1/42) قال ابن تيمية « ولم يكن للطحاوي معرفة بالإسناد كما هو حال نقاد الحديث علماء الحديث المحققين في شأن الأحاديث وإن كان فقيها عالما كما أفاد ابن تيمية.
ثم إن الطحاوي سكت عن عون بن محمد وأمه. فهو مجهول سكت عليه ابن حبان (الجرح والتعديل)
قال الشيخ محمد بن درويش الحوت رحمه الله « لم يثبت قال الإمام أحمد لا أصل له وذكره ابن الجوزي في الموضوع وإن رواه جماعة وصححه الطحاوي فإن أحمد أعلم بالرجال من الطحاوي وقد شدد القاضي عياض في صحة رد الشمس وهو محجوج بقول الإمام أحمد بأنه لا أصل له» (أسنى المطالب1/152).
يا لهذا الحوت العظيم من رجل منصف لا يعيره الأحباش اهتماما بسبب إنصافه أهل السنة وإنصافه خاصة شيخ الاسلام ابن تيمية وثنائه عليه واحتجاجه بتصحيحاته وتضعيفاته.
وجاء (طبقات الحفاظ1/442) أن أحد المترفضين صحح حديث رد الشمس لعلي بن أبي طالب مما يدل على معرفته بالحديث وتشيعه». ولعل في الكلام تحريفا. فإن من صحح حديث رد الشمس لعلي لا يكون عارفا بالحديث.
ولذلك اعتبر الذهبي تصحيحه لهذا الحديث دليلا على تشيعه (تذكرة الحفاظ3/1200).
ولا يستقيم أن يكون الحسكاني حنفيا ورافضيا فإن الرافضة عند الأحناف كفار. فقد ذكر السبكي أن مذهب أبي حنيفة وأحد الوجهين عند الشافعي والظاهر من الطحاوي في عقيدته كفر ساب أبي بكر. (فتاوى السبكي 2/590).
وقد ذكر في كتاب الفتاوى أن سب الشيخين كفر وكذا إنكار إمامتهما». وكان أبو يوسف صاحب أبي حنيفة يقول: « لا أصلي خلف جهمي ولا رافضي ولا قدري» (شرح أصول اعتقاد أهل السنة لللالكائي4/733).
قال السبكي « ورأيت في المحيط من كتب الحنفية عن محمد أنه لا تجوز الصلاة خلف الرافضة» (فتاوى السبكي 2/ 576 وانظر أصول الدين 342).
قال المناوي «هذا لا يعارضه خبر رد الشمس على علي لأن هذا في خبر صحيح وخبر علي قال ابن الجوزي موضوع لاضطراب رواته لكن انتصر المنصف لتصحيحه وعمدته نقله عن عياض في الشفاء وقد أقاموا عليه القيامة وذكر عظماء شراحه أنه غير صحيح نقلا ومعنى وتعجبوا منه مع جلالة قدره في سكوته عليه وابن تيمية له تآليف في الرد على الرافضة ذكر فيه الخبر بطرقه ورجاله وحكم بوضعه وعلى التنزل وفرض صحة الخبرين فلا معارضة لأن خبر يوشع في حبسها قبل الغروب وخبر علي في ردها بعده أو أن إخباره بأنها لم تحبس إلا ليوشع قبل رده على علي ثم رأيت الحافظ قد أوضح تقرير هذه القصة فقال أخرج الخطيب في كتابه ذم النجوم عن علي كرم الله وجه قال سأل قوم يوشع أن يطلعهم على بدء الخلق وآجالهم فأراهم ذلك في ماء من غمامة أمطرها الله عليهم فكان أحدهم يعلم متى يموت فبقوا على ذلك إلى أن قاتلهم داود على الكفر فأخرجوا إلى داود من لم يحضر أجله فكان يقتل من أصحاب داود ولا يقتل منهم فشكى إلى الله ودعاه فحبست عليهم الشمس فزيد في النهار فاختلطت الزيادة بالليل والنهار فاختلط عليهم حسابهم اه(65/98)
قال ابن حجر إسناده ضعيف جدا وحديث أحمد الآتي رجاله محتج بهم في الصحيح فالمعتمد أنها لم تحبس إلا ليوشع وقد اشتهر حبس الشمس ليوشع حتى قال أبو تمام فوالله لا أدري أأحلام نائم ألمت بنا أم كان في الركب يوشع ولا يعارضه ما في السير أن المصطفى لما أخبر قريشا بالإسراء أنه رأى عيرهم تقدم مع شروق الشمس فدعا الله فحبست حتى قدمت وهذا منقطع لكن في الأوسط للطبراني عن جابر أن المصطفى أمر الشمس فتأخرت ساعة من نهار وسنده حسن ويجمع بأن الحصر على الماضي للأنبياء قبل نبينا وليس فيه أنها لا تحبس بعده وفي الكبير للطبراني والحاكم والبيهقي في الدلائل عن أسماء بنت عميس أن المصطفى دعى لما نام على ركبة علي ففاتته العصر فردت حتى صلى علي ثم غربت وهذا أبلغ في المعجزة وأخطأ ابن الجوزي في إيراده في الموضوع وجاء أيضا أنها حبست لموسى لما حبس تابوت يوسف ففي المبتدأ عن عروة أنه تعالى أمر موسى أن يأمر بني إسرائيل أن تحمل تابوت يوسف فلم يدل عليه حتى كاد الفجر يطلع وكان وعدهم بالسير عند طلوع الفجر فدعا ربه أن يؤخر الفجر حتى يفرغ ففعل وتأخير طلوع الفجر يستلزم تأخير طلوع الشمس لأنه ناشىء عنها فلا يقال الحصر إنما وقع في حق يوشع بطلوع الشمس فلا يمنع حبس الفجر لغيره وجاء أيضا في خبر أنها حبست لسليمان بن داود لكنه غير ثابت اه ملخصا خط عن أبي هريرة وظاهر اقتصار المؤلف على عزوه للخطيب أنه لا يعرف لأشهر منه ولا أحق بالعزو أنه ليس ثم ما هو أمثل سندا منه وإلا لما عدل إليه واقتصر عليه وهو عجب فقد قال الحافظ ابن حجر ورد من طرق صحيحة خرجها أحمد من طريق هشام عن ابن سيرين عن أبي هريرة قال قال رسول الله إن الشمس لا تحبس لبشر إلا ليوشع بن نون ليالي سار إلى بيت المقدس اه
ما حسدتكم اليهود على شيء ما حسدتكم على السلام الذي هو تحية أهل الجنة والتأمين قالوا لم تكن آمين قبلنا إلا لموسى وهارون ذكره الحكيم في نوادره تنبيه دل هذا الخبر على أن السلام من خصوصيات هذه الأمة لكن تقدم في خلق آدم أن الله جعله تحية لآدم ولذريته ذكره الحافظ ابن حجر حم ه عن عائشة اقتصر المصنف على رمزه لحسنه وهو تقصير بل هو صحيح فقد صححه جمع منهم مغلطاي فقال في شرح ابن ماجه إسناده صحيح على رسم مسلم ولما عزاه ابن حجر إلى الأدب المفرد قال ابن خزيمة صححه وأقره فعلم أنه صحيح من طريقه» (فيض القدير5/440).
قال المناوي « وخبر على قيل موضوع وبفرض صحته خبر يوشع في حبسها قبل الغروب وخبر علي في ردها بعده ( خط عن أبي هريرة ) باسناد ضعيف ورواه أحمد باسناد صحيح» (التيسير بشح الجامع الصغير2/348).
كل من تكلموا عن راوي حديث رد الشمس لعلي جعلوا رواية الحديث دليلا على تشيع الراوي.
(تذكرة الحفاظ3/1200 طبقات الحفاظ1/442 ).
فقد قال الحافظ عند ترجمة محمد بن اسعد بن علي « ورأيت له مع ذلك جزأ في جمع طرق رد الشمس لعلي رضي الله عنه أورد فيه أسانيد مستغربة» (لسان الميزان5/75).
وقال الحافظ عن محمد بن الحسن الأزدي « وصحح رد الشمس على علي وقال بن النجار وسمى أهل السنة نواصب وقال انهم يثبتون رد الشمس على يوشع ولا يثبتونه لعلي» (لسان الميزان5/139).
وذكر الحافظ مناظرة بين النعمان الرافضي المعروف الملقب بشيطان الطاق قال فيها أبو حنيفة: « ووقعت له مناظرة مع أبي حنيفة في شيء يتعلق بفضائل علي سمي فيها محمد بن النعمان نسبه الى جده فقال أبو حنيفة كالمنكر عليه عن من رويت حديث رد الشمس لعلي فقال عن من رويت أنت عنه يا سارية الجبل» (لسان الميزان5/300)
قال: لا قال: اللهم إنك تعلم أنه كان في طاعتك وطاعة رسولك فرد عليه الشمس [قال] فردها عليه فصلى وغابت الشمس«.
قال الألباني « كذب موضوع لا أصل له» (سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة2/395 ح رقم971).
نقل العجلوني في (كشف الخفاء2/563) عن الشيخ ملا علي قاري الحنفي أنه قال « قال أهل العلم إنه موضوع».
وقد يدلس الرافضة على الناس باعتراض الحافظ ابن حجر على قول ابن الجوزي (موضوع). وهو ليس بتصحيح من الحافظ وإنما إخراج له عن كونه موضوعا. فهو لا ينفي ضعفه.
ومن كذبهم وتدليسهم زعمهم أن الطحاوي صحح الحديث. والطحاوي لم يصحح الحديث وإنما قال عن أحد الرواة (محمد بن موسى المدني الفطري بأنه «محمود في روايته» (شرح معاني الآثار1/42) قال ابن تيمية « ولم يكن للطحاوي معرفة بالإسناد كما هو حال نقاد الحديث علماء الحديث المحققين في شأن الأحاديث وإن كان فقيها عالما كما أفاد ابن تيمية.
ثم إن الطحاوي سكت عن عون بن محمد وأمه. فهو مجهول سكت عليه ابن أبي حبان (الجرح والتعديل)
وقد رده علماء الشيعة المعتمدون في الحديث أمثال هاشم بن معروف الحسيني والذي اعتبر «هذه الروايات من موضوعات الغلاة. وهي إما من الأخبار التي دسها أصحاب المغيرة بن سعيد في كتب أصحاب الباقر أو مما دسه أصحاب أبي الخطاب في كتب الصادق وجعلوا لها أسانيد من أصحاب الأئمة» (الموضوعات في الآثار والأخبار ص260).(65/99)
زعم الأميني في الغدير أن الطحاوي قال «أصحاب قال عن طريقي هذا الحديث «هذان الحديثان ثابتان ورواتهما ثقات» (3/137) ولم أجد هذا القول من الطحاوي مع أنني وجدت القرطبي قد نقله عنه بهذا اللفظ (تفسير القرطبي15/197).
قال: لا قال: اللهم إنك تعلم أنه كان في طاعتك وطاعة رسولك فرد عليه الشمس [قال] فردها عليه فصلى وغابت الشمس«.
قال الألباني « كذب موضوع لا أصل له» (سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة2/395 ح رقم971).
نقل العجلوني في (كشف الخفاء2/563) عن الشيخ ملا علي قاري الحنفي أنه قال « قال أهل العلم إنه موضوع».
وقد يدلس الرافضة على الناس باعتراض الحافظ ابن حجر على قول ابن الجوزي (موضوع). وهو ليس بتصحيح من الحافظ وإنما إخراج له عن كونه موضوعا. فهو لا ينفي ضعفه.
ومن كذبهم وتدليسهم زعمهم أن الطحاوي صحح الحديث. والطحاوي لم يصحح الحديث وإنما قال عن أحد الرواة (محمد بن موسى المدني الفطري بأنه «محمود في روايته» (شرح معاني الآثار1/42)
قال ابن تيمية « ولم يكن للطحاوي معرفة بالإسناد كما هو حال نقاد الحديث علماء الحديث المحققين في شأن الأحاديث وإن كان فقيها عالما كما أفاد ابن تيمية.
ثم إن الطحاوي سكت عن عون بن محمد وأمه. فهو مجهول سكت عليه ابن أبي حبان (الجرح والتعديل)
وقد رده علماء الشيعة المعتمدون في الحديث أمثال هاشم بن معروف الحسيني والذي اعتبر «هذه الروايات من موضوعات الغلاة. وهي إما من الأخبار التي دسها أصحاب المغيرة بن سعيد في كتب أصحاب الباقر أو مما دسه أصحاب أبي الخطاب في كتب الصادق وجعلوا لها أسانيد من أصحاب الأئمة» (الموضوعات في الآثار والأخبار ص260).
وأما احتجاج من نقل عن الحافظ أنه قال بأن الحاكم قال بأن الحديث حسن:
قلت: متى كان يكتفى بتحسين الحاكم للحديث؟
وقد نهى شيخكم الحبشي عن الأخذ بتصحيحات الحاكم إلا أن يوافقه الذهبي. فيا لكم من متناقضين.
قال الشيخ محمد بن درويش الحوت في بأن « الحاكم متساهل في التصحيح» )أسنى المطالب ص 573).
سدوا الأبواب كلها إلا باب علي
وفي رواية «أمرني ربي بسد الأبواب كلها». وفي رواية « أما بعد فإني أمرت بسد هذه الأبواب...».
رمزه ابن الجوزي (الموضوعات 1/365و367) والسيوطي في اللآلئ 1/346 وقال الخطيب البغدادي 7/204 «تفرد به أبو عبد الله العلوي الحسني».
ورواه الحاكم في المستدرك 3/135 وصححه ولكن تعقبه الذهبي بقوله «رواه عوف عن ميمون بن عبدالله» هكذا قال والصواب أنه ميمون أبو عبد الله البصري الكندي. قال البخاري: قال إسحاق عن علي: كان يحيى لا يحدث عنه (التاريخ الكبير7/1458 والصغير1/306) وقال أبو داود للآجري «متكلم فيه» (سؤالات الآجري). وقال الهيثمي في الزوائد 9/114 عن ميمون هذا «وثقه ابن حبان وضعفه جماعة». قلت: وتوثيق ابن حبان ليس حسما في المسألة فإنه متساهل عند أهل المعرفة بفن الرواية.
زعم الأحباش أن من بغض ابن تيمية لعلي رضي الله عنه قال إن الحديث موضوع. والحديث حسنه الحافظ في (القول المسدد ص5-6) بمجموع طرقه مع أنه ذكر في (لسان الميزان4/164) بأنه حديث منكر.
أنشدكم الله هل فيكم أحد آخى رسول الله بينه وبينه
عن زياد بن المنذر عن سعيد بن محمد الأزدى عن أبى الطفيل قال لما احتضر عمر جعلها شورى بين على وعثمان وطلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف وسعد فقال لهم على أنشدكم الله هل فيكم أحد آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبينه إذ آخى بين المسلمين غيرى قالوا اللهم لا».
أخرجه الحافظ ابن عبد البر في الاستيعاب3/1098 وفيه زياد بن المنذر. قال الحافظ « رافضي كذبه يحيى بن معين» (تقريب التهذيب1/221) ووصفه بأنه « كذاب وليس بثقة» (الجرح والتعديل3/454).
قال الحافظ العراقي في حديث (أنت أخي في الدنيا والآخرة) ما نصه:
« كل ما ورد في أخوة علي فضعيف» (المغني عن حمل الأسفار وهو تخريج الاحياء1/493 الاحياء2/190).
اللهم وال من والاه وعاد من عاداه
ضعيف: فيه حكيم بن جبير. قال الهيثمي في مجمع الزوائد9/163-164).
وفيه عبد الله بن بكير الغنوي. قال أبو حاتم « كان من عتق الشيعة» (لسان الميزان3/264)
وفيه ميمون أبو عبد الله البصري. قال فيه الحافظ في التقريب « ضعيف في الرابعة».
طرق رواية الشيعة:
حبة العرني: الكامل في الضعفاء لابن عدي 6/2222). وسليمان بن قرم: (الكامل في الضعفاء لابن عدي 3/1106) وسلمة بن كهيل (الكامل في الضعفاء لابن عدي 6/2222) علي بن زيد بن جدعان:
يزيد بن أبي زياد: فطر بن خليفة:
جعفر بن سليمان الضبعي:
ولذلك ذكرها الهيثمي وضعفها قائلا بأن فيها إبن جبير وهو ضعيف. ثم قال » في الصحيح طرف منه وفي الترمذي (من كنت مولاه معلي مولاه) (مجمع الزوائد9/164).
هذه لعلها زيادة ليست من النبي صلى الله عليه وسلم . فقد جاء في رواية أخرى عند أحمد في فضائل الصحابة التصريح بأن بعض الناس زادوا هذا القول. وهذه الزيادة من رأيِ نعيم بن حكيم. وحكى محقق الكتاب صحة سنده (2/877 ترجمة 1206).(65/100)
وهذه الرواية تجعل من عليا عدوا لله لو كان الروافض يعلمون. فإن أبا بكر صار عدوا لله لمجرد أخذ الخلافة من علي بزعم القوم. وقد اعترف القوم راغمين بأن عليا بايع أبا بكر. وهذا تول له عند القوم. فكيف يوالي علي من عادى الله؟ أليس يصير علي بموالاة أبي بكر عدوا لله؟
وفي الحديث ما لو تنبه إليه الرافضة لما احتجوا به. فإن هذه الرواية تجعل من علي عدوا لله لو كان الروافض يعلمون. فإن أبا بكر صار عدوا لله لمجرد أخذ الخلافة من علي بزعم القوم. وقد اعترف القوم راغمين بأن عليا بايع أبا بكر. وهذا تول له عند القوم. فكيف يوالي علي من عادى الله؟ أليس يصير علي بموالاة أبي بكر عدوا لله؟
أقضاكم علي
لا وجود لهذا الحديث مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم قاله السخاوي (أنظر الأسرار المرفوعة1/101 ملا علي قاري).
ولا بلفظ آخر « أقضى أمتي علي بن أبي طالب». وورد بلفظ آخر وهو أرحم أمتي بأمتي أبو بكر وأرفق أمتي لأمتي عمر وأصدق أمتي حياء عثمان وأقضى أمتي علي بن أبي طالب. وهو ضعيف (أنظر ضعيف الجامع الصغير رقم775 للألباني). وأنه رجع عن تصحيحه للحديث (الصحيحة 1225). ونقل السخاوي عن الحافظ بأنه مرسل (المقاصد الحسنة1/135).
وهذا لو صح لكان معارضا لما ثبت في مسلم وغيره أن العباس وعليا جاءا يطلبان من عمر أن يقضي بينهما.
وقد ورد بلفظ واه « يا علي أنا خصمك بالنبوة ولا نبوة بعدي، وأنت تخصم الناس بسبع: أنت أولهم إيمانا وأوفاهم بعهد وأقومهم بأمر الله وأقسمهم بالسوية وأعدلهم وأبصرهم بالقضاء وأعظمهم عند الله مزية يوم القيامة». فيه بشر بن إبراهيم الأنصاري: قال العقيلي « يروي عن الأوزاعي أحاديث موضوعة لا يتابع عليها، وقال ابن عدي: هو عندي ممن يضع الحديث» (ميزان الاعتدال2/23 لسان الميزان2/19).
وفي رواية « حدثنا محمد بن المظفر حدثنا عبد الله بن إسحاق بن إبراهيم الأنماطي حدثنا القاسم بن معاوية الأنصاري حدثني عصمة بن محمد عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن ابن المسيب عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول ا صلى الله عليه وسلم «يا علي لك سبع خصال لا يحاجك فيها أحد يوم القيامة أنت أول المؤمنين بالله إيمانا وأوفاهم بعهد الله وأقومهم بأمر الله وأرفقهم بالرعية وأقسمهم بالسوية وأعلمهم بالقضية وأعظمهم مزية يوم القيامة» فيه عصمة بن محمد وهو كذاب كان يضع الحديث» (ميزان الاعتدال5/86 لسان الميزان4/170).
وفي رواية عن مؤمل بن إسماعيل عن سفيان عن علي بن الأقمر عن أبي جحيفة عن علي قال بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهل اليمن فقلت يا رسول الله إنك ترسلني إلى قوم ولا علم لي بالقضاء فوضع يده على صدري فقال إن الله عز وجل سيهدي قلبك ويثبت لسانك فإذا جلس بين يديك الخصمان فلا تقض للأول حتى تسمع من الآخر كما سمعت من الأول فإنه أحرى أن يبين لك القضاء قال علي رضي الله عنه فما زلت قاضيا أو ما شككت في قضاء بعد»
إسناده حسن بشواهده. في هذا اللفظ مؤمل بن إسماعيل، قال ابن سعد والدارقطني: كثير الخطأ. وقال المروزي: كان سيئ الحفظ كثير الغلط» (ميزان الاعتدال2/221 تهذيب التهذيب10/381).وقال البخاري » منكر الحديث« (من تكلم فيه1/183 ترجمة347). قال الحافظ في التقريب » صدوق سيء الحفظ« (ترجمة7029).
وفيه أبو البختري وهو لم يسمع من علي رضي الله عنه (أنظر تحقيق المسند2/68).
وما من حاجة إلى الإطالة في متابعة الحديث فإنه حسن بشواهده. وجل ما فيه أن النبي دعا له ليحسن القضاء بين الناس وليس فيه أنه أقضى الصحابة على الإطلاق.
وفي رواية عن ابن عباس « أخبرني عبد الرحمن بن الحسن القاضي بهمدان ثنا إبراهيم بن الحسين ثنا آدم بن أبي إياس ثنا شعبة عن أبي إسحاق عن عبد الرحمن بن يزيد عن علقمة عن عبد الله قال كنا نتحدث أن أقضى أهل المدينة علي بن أبي طالب رضي الله عنه هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه»
رواه الحاكم في المستدرك (3/145). وصححه وفيه أبو إسحاق وهو مدلس وقد عنعنه.
وأما ما روي عن عمر: « أخبرنا يعلى بن عبيد وعبد الله بن نمير قالا أخبرنا الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن سعيد بن جبير عن بن عباس قال «خطبنا عمر فقال علي أقضانا وأبي أقرؤنا».
فهذا إن صح يحمل على مبالغة عمر في الثناء على علي. أما لو ثبت قول النبي لها فلا يمكن حمله على ذلك غير أنه لم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم
رواه الطبراني في المعجم الأوسط7/357 وفيه حبيب بن أبي ثابت وهو كثير الإرسال والتدليس كما قال الحافظ (تقريب التهذيب1/52 ترجمة1084 أسماء المدلسين1/59 طبقات المدلسين1/37).
وقد حسن بشواهده.(65/101)
وبالجملة فليس في هذه الآثار ما يفيد تقديم علي على الخلفاء الثلاثة. فإنهم امتازوا بخصائص أخرى اقتضت تقديمهم عليه رضي الله عنه وعنهم أجمعين، لم تقتصر على العلم الذي يقضى به بين الناس فحسب وإنما بالحكمة ومعرفة سنن صلى الله عليه وسلم ومسابقة الآخرين إلى جماع أعمال البر وخصال الخير. فعن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أصبح منكم اليوم صائما قال أبو بكر رضي الله عنه أنا قال فمن تبع منكم اليوم جنازة قال أبو بكر رضي الله عنه أنا قال فمن أطعم منكم اليوم مسكينا قال أبو بكر رضي الله عنه أنا قال فمن عاد منكم اليوم مريضا قال أبو بكر رضي الله عنه أنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما اجتمعن في أمرىء إلا دخل الجنة» (رواه مسلم).
وكذلك تميزه بهديه في حكم الناس وسياسة أمورهم ولذلك كانت الفتنة في عهود الخلفاء الثلاثة أقل منها في عهد علي رضي الله عنه.
ولو كان كل من تميز بالقضاء تكون له الأولوية بالخلافة لزاحم القضاء منصب الإمامة، فهل يقبل الشيعة أن يكون لمنصب القضاء منزلة فوق منزلة إمامة المسلمين الكبرى؟ هل يقبلون أن يقال بأن من كان أفضل الناس قضاء في إيران مثلا وجب أن تكون له الأولوية على خامينئي؟
أُمِرتُ بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين
هذا الحديث ردّه ابن الجوزي والذهبي والسيوطي وابن حجر الهيتمي وغيرهم [ميزان الاعتدال ترجمة رقم (2215) اللآلئ المصنوعة في الأحاديث الموضوعة 1/410 للسيوطي، تطهير الجنان 52] فإن فيه حكيم بن جبير وهو كذاب يُترَك حديثُه.
وقد زعم الحبشي أن إيراد الحافظ ابن حجر له لا ينزله عن رتبة الحسن لأنه التزم في مقدمة شرحه أن ما يورده من شرح حديث أو تتمة أو زيادة لحديث فهو صحيح (الدليل الشرعي ص141).
قلت: إذن يلزمك أن تحكم بصحة حديث الجارية فقد أورده في الفتح وحكم بأنه حديث صحيح. وأنتم يا أحباش تزعمون أنه حديث مضطرب الإسناد.
إدعاء الحبشي أن ابن تيمية لا يعتمد عليه في التصحيح والتضعيف.
قلت: وهذه من أكاذيب الحبشي فقد كان الحافظ ابن حجر دائم الاحتجاج بتصحيحات وتضعيفات ابن تيمية.
- فإنه ما زال الحافظ ابن حجر يحتج بأقواله، بل يسلّم له في نقده في الحديث كما في رواية (كان الله ولا مكان) [فتح الباري 6/ 289]. بل أعطاه لقب (((حافظ))). فقد ذكر في (التلخيص الحبير 3/109) حديث (الفقر فخري وبه أفتخر) ثم قال: « وهذا الحديث سئل عنه الحافظ ابن تيمية فقال: إنه كذب لا يُعرَف في شيء من كتب المسلمين المروية ».
وقد امتلأ كتاب « المقاصد الحسنة » للسخاوي بالاحتجاج بابن تيمية في نقده للأحاديث والروايات تصحيحًا وتضعيفًا ونحيلك إلى جملة من هذه الأحاديث: حديث رقم (45) و (17) و (229) و (233) و (384) و (609) و (838) و (856) و (883) و (714) و (1356) و (1126). ولم يزل يحتج بتصحيحه وتضعيفه لروايات الحديث فيقول مثلاً: « قال ابن تيمية: هذا الحديث كذب موضوع باتفاق أهل العلم » [انظر الدرر المنتثرة في الأحاديث المشتهرة ص 200 و 204 تحقيق الصباغ ط: الوراق - الرياض].
بل كان المرتضى الزبيدي هو والحافظ العرافي يحتجان بتصحيحات وتضعيفات ابن تيمية في الحديث كما في شرح الإحياء (1/449) فقد قال عن حديث « الشيخ في قومه كالنبي في أمته » « قال العراقي: وسئل عنه الشيخ تقي الدين ابن تيمية في جملة أحاديث فأجاب بأنه لا أصل له ».
وكذلك كان الشيخ محمد بن درويش الحوت دائم الاحتجاج بحكم ابن تيمية على الروايات. كما في كتاب (أسنى المطالب، الصفحات التالية (41، 89، 118، 125، 181، 236، 253، 341، 350، 359، 399، 435، 452، 566) كذلك كان يحتج بأقوال ابن القيم (صفحات 89، 168، 452).
أوَ تَعلمت أيها الحوت من شيخك الحبشي ما جهله سلفك وقرابتك؟
..............
هذا ولا يعني دفاعي عن ابن تيمية أنه لم يخطئ في تضعيف حديث ثبتت صحته، فإن هذا أمر يحصل لكثير من أهل العلم.
وأهل الحق يحكون ما لهم وما عليهم وأما أهل الباطل فيتجاهلون ما عليهم ولا يذكرون إلا ما لهم.
الحبشي يتغاضى عن طامات الغزالي الحديثية
وإلا فإننا نذكر الحبشي بما لا يخفى عليه أن الغزالي قد أتى بالطامات في كتابه إحياء علوم الدين فصحح كثيرا من الأحاديث الموضوعة فضلا عن الصحيحة. الأمر الذي حدا بالحافظ العراقي أن يعلق عليها في حاشية كتاب الإحياء، وأحصى السبكي كثيرا منها فبلغت أحاديثه الموضوعة والضعيف إلى سبع وثلاثين صفحة.
وهذا يؤكد أن الحبشي يؤدي دورا أوعز الرافضة به إليه ومهمة خبيثة وهي التشنيع على ابن تيمية حتى تشيع كراهيته بين أوساط طائفة السنة في لبنان، ولئلا يتأثروا بكتبه التي عدل كثيرون عن موقفهم منه عند مجرد قراءة كتبه لما في من قوة حجة هذا الرجل العظيم الذي وصفه الذهبي قائلا « كأن السنة نصب عينيه».
منهاج السنة لابن تيمية يهدم مذهب الشيعة
فإن ابن تيمية قد هدم مذهب التشيع ولم يترك لهم شبهة إلا رد عليها وأبطلها، ولهذا يسلطون على المسلمين مشايخ السوء كالحبشي لتضليله وإساءة سمعته وتحذير الناس منه.
هذا هو السر في تحذير الحبشي منه
وهكذا لم تعد مهمة الحبشي والتي وراءها الشيعة خافية.(65/102)
ولكن ههنا نقطتان مهمتان:
الأولى: أن ابن تيمية من أهل الاجتهاد في هذا الفن الذي عرفه له من بعده من أهل العلم. حتى إنك لتجد الحافظ ابن حجر وتلميذه السخاوي يحتجون بحكم ابن تيمية على الحديث. وتتضمن كتبهم كثيرا من الاحتجاج بتصحيحاته وتضعيفاته
الثانية: أنهم لو كانوا يعلمون أنه ليس أهلا لما احتجوا به في ذلك.
الثالثة: أن هؤلاء المحتجين بابن تيمية معتبرون في احتجاجهم به ولا عبرة بذاك الدسيس الذي يتنقل من بلد إلى أخرى عبر تسهيلات المخابرات ليحرض الأمة على كراهية ابن تيمية والتحذير منه لعلم أعداء المسلمين أن في طرح ابن تيمية في يحدث صحوة كبيرة بين أوساط أبناء طائفة السنة.
ذاك الدسيس الحبشي الذي يخالف الأمة ويجيز السرقة وغسيل الأموال وأخذ القمار وأخذ الربا ويصرفهم عن ركن الزكاة. ويحض النساء على الخروج متزينات متطيبات ويلبسن سراويل الجينز جمعا بين الدين والموضة كما قال المغمق له نزار الحلبي.
الحبشي يخالف إجماع الأمة على السكوت عما جرى
وهو يحث على بعث الخلاف من جديد:
ويذكر ندم من لم يشارك عليا في القتال.
ويعتبر أن من الشبهات أحاديث منها:
1 - (لا تسبوا أصحابي). ثم يقول هذا في طائفة من الصحابة وليس في كل الصحابة (الدليل الشرعي81).
2 - (الله الله في أصحابي). قال الحبشي « هذا ليس معناه النهي عن سبهم إلا ما يكون على وجه الجملة. أما بيان حال بعض منهم بما فيه من ذم له لغرض شرعي فليس داخلا تحت النهي» (الدليل الشرعي87).
قلت: هذا السبب وجودك تحت سقف الرافضة وليس السبب شرعيا بل شيعيا.
3 - (إذا ذكر أصحابي فأمسكوا). قال « هذا بعيد من التحقيق فإنه ضعيف» (الدليل الشرعي ص78).
قلت: وحديث (أنا مدينة العلم) ضعيف فلماذا جاز هذا عندك؟
قال الحبشي بعد ذلك:
« فإن قيل: أليس اتفق المحدثون على أن الصحابة عدول؟
فالجواب أن المحدثين قالوا بعدالة الصحابة في الرواية .. لا على معنى أنهم كلهم أتقياء صالحون» (الدليل الشرعي ص89).
فهذه الأحاديث شبهات يجب الرد عليها لتذليل كل عقبة أمام من يريد استغلال موسم التشيع في لبنان وترويض أبناء طائفة السنة على عقيدة سب الصحب والتعرض لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم
من علامات نشر الحبشي سموم التشيع
نقل الحبشي كلام أبي منصور البغدادي أن عائشة إنما خرجت للإصلاح بين الطائفتين المختلفتين.
لكنه لم يبال بقول البغدادي وزعم أنها تحمست للمطالبة بالثأر لدم عثمان.
وتعقبه قائلا « فعائشة رضي الله عنها ذنبها أنها وقفت في المعسكر المضاد لعلي، وما كان لها أن تقف» (الدليل الشرعي ص33).
وهذا صريح في مخالفة الروايات عنها أنها سئلت « ما الذي لأخرجك يا أمامه؟ قالت والله ما أخرجتني إلا هذه الآية (لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ).
فكيف تكون خرجت من الأصل للمطالبة المزعومة؟ وهي تخصص سبب خروجها بالإصلاح لا بالمطالبة بالثأر.
عائشة عند الحبشي عاصية
بل وصف الحبشي عائشة بأنها عاصية فقال « وكان معصيتها وقوفها في معسكر الذين تمردوا على الخليفة الراشد» (الدليل الشرعي ص17).
ثم حكم بخطأ الحبشي الأشاعرة الذين رأيت إجماعهم في القديم والحديث على أن ما حدث بين معاوية وعلي اجتهاد من معاوية.
الحبشي يتهم الأشاعرة بمخالفة الشافعي والأشعري
قال الحبشي « ثم يقال الذين ينتسبون إلى الإمامين الأشعري والشافعي ثم يقولون في معاوية إنه اجتهد وله أجر واحد مقابل أجرين لعلي: أنتم مخالفون لإمامكم في العقائد أبي الحسن الأشعري وإمامكم في الفقه الإمام الشافعي».
الحبشي يطالب الأشاعرة أن يفيقوا من نومهم وغفلتهم
ثم طالب الأشاعرة أن يفيقوا من سباتهم العميق، ومن الغفلة عن الحق إلى الصواب» (الدليل الشرعي ص21).
ولكن سوف يظهر الآن أن المخالف للشافعي للأشاعرة بل وللرفاعية بل وللنقشبندية هو الرافضي الحبشي المدسوس الذي يدس خبث الرافضة شيئا فشيئا في صورة عقيدة أهل الحق. ولكم أن تتأملوا الأدلة:
ويتهمهم بالشطح لإثباتهم إجتهاد معاوية
قال الحبشي: « ومن الشطح الذي وقع فيه بعض الفقهاء أنهم بعد ذكرهم لحديث "تقتل عمّارًا الفئةُ الباغية" يقولون: إن عليًّا اجتهد فأصاب فله أجران وإن معاوية اجتهد فأخطأ فله أجر » [صريح البيان 108-109]. وبهذا أدخل شيخه الرفاعي في الشطح والخطأ.
وسوف ترى أن إثبات الاجتهاد لمعاوية هو قول عامة الأشاعرة.
فيا أهل السنة في لبنان إحذروا هذا المطبق لمخطط الشيعة والذين يتوقعون أن يؤتي أكله على المدى البعيد.
قصم ظهر الحبشي بالأدلة الدامغة
من كلام الشافعي
وكان الشافعي إذا سئل عما جرى بين الصحابة يردد قول عمر بن عبد العزيز: « تلك فتنة قد طهر الله منها أيدينا، أفلا نطهر منها ألسنتنا » وهو عين احتجاج الإمام أحمد بالآية: ] تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَت [ [الآية 134 من سورة البقرة]
[مناقب الشافعي للرازي 1/449 الحلية 9/114 جامع بيان العلم 2/93 الفقه الأكبر 58 طبقات الحنابلة 2/272].(65/103)
فأهل السنة لا يخوضون في هذه الفتن ويقولون ما قاله الشافعي، خلافًا لمن لبس ثوب الشافعي وخالفه.
من كلام الأشعري:
وقد نقل الحبشي كلام الأشعري وزعم أنه أطلق اللفظ الصريح بأن معاوية وطلحة والزبير عصوا الله، مع أن نص الأشعري ليس فيه شيئا من ذلك.
بل إن كلام الأشعري ضد الحبشي، لأن فيه إثبات أن حرب معاوية مع علي إنما كان باجتهاد منه» (الدليل الشرعي).
مع أن الحبشي انتقد من يقولون بأن معاوية كان مجتهدا ويصفهم بأنهم مخالفون لإمامهم الأشعري.
والأشاعرة جلهم على ذلك وقد أوهم المدلس الحبشي أن موقف الأشعري خلاف ذلك.
لقد أعلن الأشعري أن « الصحابة لم يختلفوا في الأول وإنما في الفروع فأدى اجتهاد واحد منهم إلى شيء فهو مصيب وله الأجر والثواب على ذلك » ( تبيين كذب المفتري فيما نسب إلى الأشعري 152).
قال المرتضى الزبيدي « ومن أراد معرفة قدر الأشعري وأن يمتلئ قلبه من حبه فعليه بكتاب تبيين كذب المفتري وهو من أجل الكتب وأعظمها فائدة» (إتحاف السادة المتقين 2/4 طبقات السبكي 3/351 محققة).
من كلام النووي
قال التووي « وأما معاوية رضي الله عنه فهو من العدول الفضلاء والصحابة النجباء رضي الله عنه. وأما الحروب التي جرت فكانت لكل طائفة شبهة اعتقدت تصويب أنفسها بسببها وكلهم عدول رضي الله عنهم ومتأولون في حروبهم وغيرها، ولم يخرج شيء من ذلك أحداً منهم عن العدالة لأنهم مجتهدون اختلفوا في مسائل من محل الاجتهاد كما يختلف المجتهدون بعدهم في مسائل من الدماء وغيرها ولا يلزم من ذلك نقص أحد منهم (تحت حديث رقم 2381 بداية كتاب الفضائل وأما الشرح 15/149) وهو دائم الترضي عنه (انظر 7/168 ).
فخذوه حيث حافظ عليه نص.
من كلام أحمد الرفاعي
نقلوا عن الشيخ أحمد الرفاعي نفسه أنه « كان يأمر بالكف عما شجر بين الإمام علي ومعاوية ويقول: معاوية اجتهد وأخطأ وله ثوابُ اجتهاده، والحق مع علي وله ثوابان، وعليٌ أكبر من أن يختصم في الآخرة مع معاوية على الدنيا، ولا ريب بمسامحته له، وكلهم على الهدى » [روضة الناظرين 56].
الصيادي يقول الله لا يؤاخذهم
وقد أثبت الرفاعيون كلام شيخهم في أكثر كتبهم، بل ذكر محمد أبو الهدى الصيادي أن الله عفا عنهم جميعهم ولا يؤاخذهم بما جرى بينهم [ضوء الشمس في قول صلى الله عليه وسلم بني الإسلام على خمس 1/225].
من كلام عبد القادر الجيلاني
وقال الشيخ عبد القادر الجيلاني رحمه الله: « اتّفق أهل السنة عل وجوب الكفّ عما شجر بين أصحاب رسول الله والإمساك عن مساوئهم وإظهار فضائلهم ومحاسنهم، وتسليم أمرهم إلى الله عز وجل على ما جرى من اختلاف عليّ وطلحة والزبير وعائشة ومعاوية رضي الله عنهم » [الغنية لطالبي الحق 79 و86 والكتاب أثبت المرتضى الزبيدي نسبته إلى الجيلاني (إتحاف السادة المتقين 2/249)
فلماذا لا يزال يكتب الجبشي الكتاب لإثارة هذا الموضوع؟ ألا يكفي كتابته في كتابه صريح البيان والدليل القويم؟
وقال أيضا:
النقشبنديون يطعنون في دين الحبشي
قال خالد النقشبندي ما نصه: « فتفسير الحروب التي وقعت بين الصحابة بأنها كانت لأجل الرئاسة ومن أجل هوى النفس والظن بهم ظن السوء علامة على النفاق وسبب للهلاك ... كيف يجوز التفكير بأنهم تقاتلوا من أجل جيفة الدنيا ... كلا لا يجوز تفكير مثل هذه الأشياء القبيحة لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم .. ولهذا قالت أئمة الدين: ما آمن بالرسو صلى الله عليه وسلم من لم يوقر أصحابه رضوان الله عليهم أجمعين ولن تكون محاربة الجمل وصفين سببًا لذمهم ... والمحاربة التي دارت بين كبار الصحابة ليست نتيجة العناد أو العداوة بل نتيجة الاجتهاد منهم ... علينا أن نحفظ لساننا من التكلم في حقهم ... كما أن الله لم يلطخ أيدينا بدماء هؤلاء العظماء رضي الله عنهم ... والمحاربات التي وقعت بين الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين » [كتاب الإيمان والإسلام ص 36-39 ط: مكتبة الحقيقة بتركيا].
ابن الهمام والماتريديون مخالفون للحبشي
قال ابن الهمام في المسايرة: « وما جرى بين معاوية وعلي رضي الله عنهما كان مبنيًا على الاجتهاد لا منازعة من معاوية في الإمامة » [المسايرة في العقائد المنجية في الآخرة ص 47].
السرهندي يصف ما في قلب الحبشي
قال: « فلا يجز تفسيق مخالفي الإمام علي وتضليلهم ... كيف وقد كانت الصديقة وطلحة والزبير من الصحابة منهم ... فتضليلهم وتفسيقهم مما لا يجترئ عليه مسلم إلا أن يكون في قلبه مرض وفي باطنه خبث
قال السرهندي في مكتوباته: « فلا يجوز تفسيق مخالفي الإمام علي وتضليلهم ... كيف وقد كانت الصدّيقة وطلحة والزبير من الصحابة منهم ... فتضليلهم وتفسيقهم مما لا يجترئ عليه مسلم إلا أن يكون في قلبه مرض وفي باطنه خبث » [مكتوبات الإمام الرباني 230 وانظر ص 183 و277] انتهى.
فما يقول الحبشي في قول السرهندي النقشبندي الملقب بالمجددي!
حكم الحبشي عند مالك التعزير بالقتل(65/104)
ثم حكى أن الإمام مالكًا كان يحكم بقتل شاتم معاوية، وحكى مقولة الشافعي المشهورة المروية عن عمر بن عبد العزيز: « تلك فتنة قد طهر الله منها سيوفنا، أفلا نطهر منها ألسنتنا ».
وكتب الفرهاروي النقشبندي كتابًا بعنوان (الناهية عن طعن أمير المؤمنين معاوية رضي الله عنه) طُبِعَ في تركيا لدى مكتبة الحقيقة أو وقف الإخلاص.
حكم الحبشي عند أحمد بن حنبل
ولكن! لماذا لا يبلغ علمًا عن الحافظ ابن عساكر حيث وصف هذا الأخير معاوية بأنه أمير المؤمنين! أليس هذا من العلم أم كان الحافظ ابن عساكر مخطئًا؟!
أما علم الحبشي أن أحمد بن حنبل كان يأمر بضرب من يجمع الأحاديث التي فيها شيء على أصحاب رسول ا صلى الله عليه وسلم زجرًا له عن ذلك وكان إذا سئل عن كتابتها قال: لا تنظر فيها. وأي شيء في تلك من العلم؟ عليكم بالسنن والفقه وما ينفعكم [انظر السنة للخلال 2/501 رقم 800 و2/506 رقم 811].
حجة جوينية
قال الجويني في مغيث الخلق: « فإن عليًا كرم الله وجهه قاتل معاوية رحمه الله في الإمامة، وعلي كان مصيبًا ومعاوية كان مخطئًا رضوان الله عليهما وكان معذورًا في خطئه لقول صلى الله عليه وسلم : من اجتهد فأصاب فله أجران ومن اجتهد فأخطأ فله أجر » [مغيث الخلق في ترجيح القول الحق 9 ط: المطبعة المصرية 1934].
حجة سبكية
ذكر السبكي قول الناس في الحاكم صاحب المستدرك بأنه: « كان منحرفًا غاليًا عن معاوية وأهل بيته يتظاهر به ولا يعتذر منه » ثم عقب السبكي بقوله: « ولم يبلغنا أن الحاكم ينال من معاوية ولا يُظن فيه ذلك ... ومقام الحاكم أجلّ عندنا من ذلك » [طبقات السبكي محققة 4/163 أو غير محققة 3/ 68].
فهذا السبكي يستقبح أن ينال السني من صهر رسول الله. تُرى! ماذا يكون حكم السبكي في الحبشي الذي جعل من علامات الهدى سب صهر رسول الله؟! فخذه أيها الحبشي حيث سبكيٌ عليه نص!
وجاء في كتاب الزبد:
وما جرى بين الصحاب نسكت عنه وأجر الاجتهاد نثبت
وقد عهدنا الأحباش يحفظون كتاب الزبد ولكن: ألم يحفظوا معه هذا البيت الذي يبين موقف أهل السنة مما جرى بين الصحابة!
الطحاوي يشهد بضلال الحبشي
من الخلاف الذي جرى بين علي ومعاوية كما في كتاب (النفائس ص 59) الذي جمعه (الحوت) تلميذ الحبشي:
وإنما نازعه معاوية بشبه عن الصواب نائية
تأولا بقاتلي عثمانا خطأ فيه وادعى عدوانا
لكنه مع الخطأ لا يكفر قد ضل أهل الرفض فيما ذكروا
إذ هو من أكابر الصحابة العارفين سبل الإصابة
حجة غزالية
وقال الغزالي: « واعتاد أهل السنة تزكية جميع الصحابة والثناء عليهم. وما جرى بين معاوية وعلي رضي الله عنهما كان مبنيًا على الاجتهاد » [إحياء علوم الدين 1/115] وذكر أن الروايات التي تحكي عنه العجائب من روايات الآحاد وأن الصحيح منه مختلط بالباطل وأكثره من اختراعات الروافض.
ثم نهى عما خاض به من لعن معاوية والطعن فيه فقال: « فلو سكت إنسان مثلاً عن لعن إبليس أو لعن أبي جهل لم يضره السكوت، ولو هفا هفوة بالطعن في مسلم بما هو بريء عند الله تعالى فقد تعرض للهلاك » [الاقتصاد في الاعتقاد 202-203 ط: مكتبة الجندي تحقيق أبو العلا].
تناقض الأحباش الصارخ
هل ثبتت لمعاوية فضائل؟
يذكر الحبشي عن إسحاق بن إبراهيم الحنظلي أنه لم يصح عن صلى الله عليه وسلم شيء في فضل معاوية [الموضوعات 2/24. فتح الباري 7/104].
الجواب: قد أجاب ابن حجر الهيتمي عن ذلك فقال: « الذي أطبق عليه أئمتنا الفقهاء والأصوليون والحفاظ أن الحديث الضعيف حجة في المناقب ». فهذا مذهب من تحتجون به كالهيتمي، وأما نحن فلا عبرة للضعيف عندنا.
ولكن ابن حجر يؤكد وجود فضائل صحيحة لمعاوية. فقد تعقب من قال بأن البخاري لم يجد في فضائل معاوية شيئًا بأنه إن كان المراد أنه لم يصح منها شيء وفق شرطه فأكثر الصحابة كذلك [تطهير الجنان عن التفوه بثلب سيدنا معاوية بن أبي سفيان 11-12].
والسؤال: لماذا يعترف الأحباش بعدم صحة حديث (أنا مدينة العلم وعلي بابها) ثم يصرون على الأخذ به بحجة جواز ذلك في الفضائل؟
لماذا يقتصرون على الصحيح فقط في شأن معاوية بينما أجازوا ما لم يصح في حق علي؟؟؟
والآن هل كل هؤلاء في سبات عميق وغفلة كما ادعيت أيها المنفذ لمخطط الرافضة في لبنان؟؟؟؟
هل النووي ضال والغزالي والرفاعي والهيتمي والطحاوي والسبكي والجويني وأحمد ومالك والشافعي والسرهندي
=================(65/105)
(65/106)
السويد .. حركة دعوية نشطة
عبد الحي شاهين 3/7/1424
31/08/2003
مع تنامي المد الإسلامي في قارة أوروبا شهدت السويد في غربي أوروبا ازدياداً كبيراً في أعداد المسلمين، حيث بلغ تعدادهم في آخر إحصائية (عام 2001) أكثر من 250 ألف مسلم من جنسيات مختلفة، حضروا إلى السويد لأسباب عديدة من أهمها الدراسة والعمل لتردي الأوضاع الاقتصادية والسياسية في بلدانهم.
وبهذه الأعداد يصبح المسلمون من أكبر الأقليات في السويد، والدين الإسلامي حسب الدوائر الرسمية السويدية فهو الدين الثاني في البلاد.
وقد شهدت السويد في السنوات الأخيرة حركة دعوية نشطة بين المسلمين السويديين من أهل البلاد الأصليين، حيث يقوم مكتب الإعلام الإسلامي السويدي الذي له فروع عديدة في مختلف المدن السويدية بنشاط ملحوظ في هذا المجال، وذلك عن طريق تقديم المعلومات والمحاضرات لتعريف مختلف الطبقات في المجتمع السويدي بالإسلام، وكان نتيجة لذلك النشاط أن اعتنق أكثر من ألف سويدي الإسلام ما بين رجل وامرأة، وأصبح كثير منهم دعاة يحثون أهلهم وأصدقاءهم ومعارفهم على اعتناق الإسلام.
وفي السويد أيضاً عدد من المؤسسات الإسلامية التي تلعب دوراً مؤثراً وسط السويديين والمسلمين الأجانب؛ ففي عام 1980م تمكن المسلمون من تأسيس الرابطة الإسلامية في استوكولهم بهدف تثقيف المسلمين في السويد، واستطاعت أن تساعد أكثر من خمسة آلاف مواطن من الدول الاسكندنافية على اعتناق الإسلام عن طريق مكاتب الدعوة التي افتتحتها في مختلف المدن في السويد وفنلندا والنرويج والدانمارك.
وأسست في السويد كذلك جمعية الشباب المسلم لتوجيه الشباب والبعد بهم عن مواطن الفتن والانحراف، وكذلك هناك اتحاد المسلمين في السويد الذي أسس في منتصف 1997 في مدينة أسالا السويدية بهدف دعم المراكز والمؤسسات الإسلامية القائمة لأجل تطويرها واستمرارها في أداء دورها في خدمة أبناء الجالية الإسلامية، وقد نجحت الجالية الإسلامية في السويد مؤخراً في الحصول على موافقة حكومية لبناء أول مسجد إسلامي في السويد، وذلك بعد جهود من الجالية استمرت قرابة العشرين عاماً، وكانت الجالية قد واجهت عقبات إجرائية من جانب المسؤولين في البلدية الذين اعتبروا أن بناء المسجد سيؤدي إلى إحداث تغيير في النظام المعماري للمدينة، كما حصل المجلس الإسلامي على اعتراف رسمي بعقود الزواج الإسلامية التي يقوم بها أئمة المساجد مخولين من قبل السلطات السويدية.
===========(65/107)
(65/108)
الباطل يحشد أجناده تحت شعار [حرب الوهابية]
إن من سنن الله الكونية .. سنة التدافع بين الأضداد والفرقاء .
والفرقة والانشقاق مرض بشري يحصل في كل المجتمعات .. ولكن كل هذه الانشقاقات والتكتلات مآلها لفرقتين ريئسيتين لا ثالث لهما :
الحق <---------> والباطل!
وفي ذلك قال الشاعر :
كل العداوات ترجى مودتها *** إلا مودة من عاداك في الدين
قد ينشغل الباطل في حروب جانبية مصلحية .. وقد ينشغل الحق كذلك بحروب جانبية ... ولكن هناك حربا واحدة يتناسى كل من الطرفين خلافاته الجانبية أمامها .. ويوحد الجهود فيها لمواجهة خصمه .. ويحشد فيها الحلفاء .. وتتميز فيها معادن الناس وحقيقة عقائدهم هي : حرب الوجود .. التي لا تكون إلا بين الحق وبين الباطل
الحق من طرفه لن يرضى بأقل من إجلاء الظلام .. والباطل لا هم له كذلك إلا نشر باطله وظلماته !
وحرب النور والظلام هي حرب وجود !
ومن الظواهر الملفتة للنظر لكل عاقل متأمل بصير .. هي ظاهرة حرب السنة ومنهج سلف هذه الأمة الصالح والذي ينعته خصومه بلقب : "الوهابية" ..!
ننظر فنرى كثيرا من الفرقاء .. الذين فرقتهم الأسماء والأهواء .. ولكن على حرب "الوهابية" .. فكلمتهم جميع .. وشملهم موحد !!
من قبل كان الصوفية والرافضة يلهجون بذكر هذه الكلمة .. حتى أصبحت علما على أهل السنة .. !
أتى الأحباش .. فأكدوا ذلك بفجورهم .. ولم يجعلوا لعاقل منصف إلا أن يوقن بأنهم يتكلمون عن جماعة حق وسنة !
العلمانيين والحداثيين من المنتسبين للإسلام ... لا هم لهم إلا .... الوهابية ..!
والآن .. ومنذ حوالي عقد من الزمان .. بدأنا نسمع بالروس ... ومن بعدهم الأمريكان .. يركزون في حربهم على...........الوهابية ....!!
ثم بدأ الجميع .. كل ينبح من طرفه .. وبدأت بعض القطط - من الجماعات التي كانت تتلحف بالسنة - تستأسد عندما رأت أن الموجة مالت إلى غير صالح أهل السنة .. وبدأت تحاول أخذ دورها في "خرمشة" أهل السنة الذين آووها وأسبغوا عليها من فضلهم في مواجهة الأبعد من أهل البدع .. ولكن لا عجب .. فهذا حال القطط ... !!
حرب شعواء .. وفجور رهيب استحلت فيه كل المحارم .. وانتهكت فيه كل الحدود الأخلاقية والإنسانية .. واستبيحت لأجله كل المبادئ ..
لماذا ؟
هل يعقل أن هذا كله .. من أجل خلافات فقهية او حتى عقدية ؟
وما الذي جمع بين هؤلاء في هذا العداء القذر .. الذي لا يعرف شرفا ولا مبدءا ؟
كيف استطاع أعداؤنا أن يسير أناسا من جلدتنا .. وأن يعبئهم ضد دينهم وأمتهم .. وأن يملأ قلوبهم بكل سخيمة .. وأن يعلف عقولهم بكل متردية ونطيحة .. ثم يمتطي ظهورهم لحرب الإسلام وأهله ؟!
ثم .. ما هي دلائل هذه الحرب .. ؟
وإلام ستصير إليه الصفوف من بعد ؟!
وما هي النتيجة .. على مستقبل هذه الأمة ؟!
أسئلة تلح على المرء .. وما تلبث الأحداث أن تزيد الجواب وضوحا ... والسؤال إلحاحا .. !
.......
في هذه المقدمة أود أن أذكر بعض المواقف الشخصية التي عرفتني بهذا المصطلح .. ودفعتني إلى مزيد من البحث فيه .. واستقراء أطياف من يعاديه .. وما يجمعهم من أصول .
* قبل حوالي 15 عاما .. وبعد أن انتهيت من صلاة الظهر إماما لبعض الشباب في أحد مساجد استانبول.. ثم التفت لأسأل أحد الشباب الأتراك الذي قطع الصلاة وصلى منفردا : لماذا فعلت هذا .. هل أنا كافر ؟؟
قال : أنت وهابي !!
كانت هذه أول مرة أسمع بالمصطلح !! فقلت له ما تقصد ..!
قال : أنت ترفع يديك عند الركوع والاعتدال منه .. وهذه يفعلها الوهابية .. !
طبعا .. أنا مازلت لا أدري عم يتكلم .. ولكنني طولت بالي وشرحت له .. أننا شافعية .. وهذه هيئة الصلاة عندنا !
وطبعا .. لم يفهم .. لسبب واحد .. لأنه مبرمج ....!
حيرني أمره .. فالحق أنني - مع معرفتي بالعالم المصلح الشيخ محمد بن عبد الوهاب - إلا أنني لم أكن قد قرأت كتابا كاملا له .. ولم أكن أستبعد أن يكون عنده أخطاء لم أطلع عليها ... إلا أن ما أثار استغرابي وحيرتي .. هو حجم العداء ...!!
* مرت الأيام .. وكنت في نقاش مع إخوة جامعيين .. عن الاستغاثة برسول الله صلى الله عليه وسلم . فقلت لهم : الرسول صلى الله عليه وسلم . أغاثك بالشريعة .. وببيان طريق العبودية لله عز وجل .. فاستغث بالله .. لا برسوله ..!!
قال لي : أنت وهابي ؟
قلت : ماذا تقصد .. من هم الوهابية ؟
قال لي : هم .. فرقة ... لا تعترف ب صلى الله عليه وسلم !! ( أشهد الله أنه بهذا أجاب !! )
قلت في نفسي : هذا مثل صاحبه .. مبرمج على عداء فاجر رهيب ... فمهما قد يكون من الرجل لا يصل إلى هذا ..!!
* مرت أسابيع وشهور .. وإذا بي أزور أحد "الإخوة" من لبنان .. وإذا بي في أثناء كلامي ذكرت الله .. وأشرت إلى السماء .. فما راعني إلا وصاحب البيت .. يقول لي بلهجة لا خلق فيها : أنت كفرت .. !!
وبدأ يشرح لي أن هذا قول ..الوهابية !!
إذن ؟ أين الله ؟(65/109)
فبدأ يروي طلاسمه : منزه عن الجهة .. لا فوق ولا تحت ولا يمين ولا شمال .. ولا أمام ولا خلف .. منزه عن الزمان والمكان .. ...إلخ من ذاك الكلام السمج الذي لا روح فيه .. والذي بنتيجته ينفي وجود الله عز وجل .. بدعوى باردة هي تنزيهه .. !!!!
وختم كلامه بالتنبيه على كفر سيد قطب ... وابن تيمية ..!
ولم ينس وأنا أغادر بيته .. أن يرجع لي ما أحضرته له معي كهدية .. لأنه لا يقبل هدية من كافر !!!
عرفت فيما بعد .. أنه من الأحباش .. !!
وإذ لم أكن قد قرأت كتابا كاملا للشيخ ابن عبد الوهاب .. فقد كنت قد قرأت كتاب "العبودية" لشيخ الإسلام ابن تيمية الذي يكفره ذاك المستهتر المسعور .. فقررت أن أترك التسويف وابدأ بقراءة بعض كتب الشيخ محمد بن عبد الوهاب .. فما وجدت إلا خيرا !! .. وازداد عجبي !!
* روى لي أحد الإخوة أنه حصل نزاع في مسألة فقهية في أحد مساجد مدينة السلط في الأردن حول صلاة الجنازة .. فسأله الإمام الـ"أزهري" : من قال بهذا ؟ .. فعدد له الأخ حتى وصل إلى شيخ الإسلام ابن تيمية .. ! فانتفض ذلك الأزهري وقال له : "يا بني ، ده ابن تيمية "وهابي!!" .. ضال مضل" !!
عندما رواها لي استغربت أيما استغراب .. كيف ينسب السابق إلى اللاحق ..!!!
ولكن زال عجبي عندما رأيت أقواما من هؤلاء .. ينسبون سنة رسول ا صلى الله عليه وسلم لرجل عاش بعده بقرون ..بل ويحصرونها فيه !!!! (وهذا غير أن تنسب الرجل للسنة .. فهذا هو الطبيعي )
وهذه القصة دليل آخر على أن الذين يعادون ما يسمونه بالوهابية .. إنما هم مبرمجون .. دون وعي ودون تفكير .. حتى لو كان يدعي العلم .. مثل هذا الـ"أزهري" .. وغيره من ألمتمزهرين !
* الرافضة لم يكونوا بحاجة لأحد ليتوسط لديهم لحرب الوهابية .. ولكن الغريب أنهم كانوا يبرمجون من يسقط بأيديهم من أهل السنة مباشرة على كره "الوهابية" .. !
عرفت ذلك عندما قال لي أحد الإخوة الفلسطينيين الذين غرتهم دعايات الثورة الإيرانية وحزب اللات اللبناني .. وكان في بداية تورطه معهم ( قبل أن يخونوه ويشوا به عند أسيادهم اليهود وينفض يده من عفنهم وينقذه الله منهم - بحمد الله- ) .. قال لي أن الوهابية هي فرقة ماسونية !!!
طبعا .. هذا الكلام عندي ( وعند أي أحد في رأيه مسكة عقل ) كان يصب في مصلحة ما يسمونه بالـ"وهابية" .. فشهادة الروافض ( ذوي التاريخ الأسود الملوث بخيانة الإسلام والمسلمين) ضد أحد هي في حقيقتها شهادة كمال له.. المثير للاستغراب .. هو حجم العداء !!
ثم مؤخرا ..ومنذ حوالي عقد من الزمان .. أسفر الباطل عن قبيح وجهه .. وصارت الفرق تتكتل إما على حق صريح .. أو باطل قبيح ..وأعلن قادة الباطل عن أنفسهم .. وبدأ أعداء الدين المباشرين .. الروس ثم الأمريكان ...يعلنون أن حربهم مع "الوهابية" .. !
لقد بدأوا يحشدون أجنادهم لحرب .................الوهابية ...!!
..........
عندما بدأ الروس يتشدقون بكلمة "وهابية " .. خلت أن الأمر قد بان .. وظهر لكل ذي عينين حقيقة الحرب وأهدافها .. ولكن صدق المولى عز وجل إذ يقول : ( فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) !
السؤال الطبيعي الذي يتبادر إلى ذهن أي عاقل مسلم عندما يسمع روسيا أو أمريكيا يتكلم عن الوهابية ويستعدي الناس عليها .. هو : " وإنت مالك ؟!!....ما شأنك بين المسلمين .. !!!"
وعلى فرض أن دعوى أنهم خوارج صحيحة..( وما هم بخوارج والذي بعث محمدا بالحق !)
فلا يملك مسلم إلا أن يقول فيهم مقالة خليفة المسلمين وأسد الإسلام على بن أبي طالب رضي الله عنه : "هم إخواننا بغوا علينا " ...!
أما أن يخرج ممن يتسمون بأسماء المسلمين وبل ويدعون العلم .. ويدعون الناس إلى التكتل تحت مظلة الباطل المحض لحرب .. الوهابية !!! .. فوالله ما يبقى لأحدهم حظ من الإسلام !! ولا يستحق أمثالهم من الخونة أن يحملوا شرف الانتساب لأمة صلى الله عليه وسلم !
وهكذا فعلها الخائن الذليل قديروف.. وسنها سنة لغيره من أمثاله الذين تكاثروا كالسوس بين المسلمين .. وأعلن ثقته التامة في سفاح المسلمين من شعبه : بوتين ... وأعلن الحرب على الوهابيين !!
وأقولها بصراحة .. رغم معرفتي السابقة بهذا الرجل وبانحراف منهجه .. لقد صدمت عندما فعلها الذليل !!
لقد كانت هناك أطراف شيشانية علمانية وشيوعية محضة كانت ساخطة على المجاهدين ومعارضين لدولة إسلامية في الشيشان .. ولكنهم والله لم يهبطوا لمستوى هذا الخبيث الذليل !!
مالك سعيداللايف ... أصلامبك أصلخانوف ... عمران حسبوللاتوف (رئيس البرلمان الشيوعي السوفييتي السابق ) .. لم يقل منهم أحد أنه يثق ببوتين .. رغم أن أحدهم وهو (أصلامبك ) نائب في البرلمان الروسي - الدوما- .. بل على العكس .. انتقدوه مرارا .. وهاجموا سياسته الهمجية .. ودعوه مرارا إلى الحوار مع الرئيس مسخادوف ومحاولة إيجاد حل سلمي .. !!!(65/110)
وكانت أكبر شهادة له من سيده .. ما حدث في المهزلة التي سموها زورا "انتخابات" .. حيث أجبر الروس سعيداللايف وأصلامبك وحسبلاتوف على سحب ترشيحهم .. ليخلوا الجو لذاك العميل الذليل .. فلم يجدوا أشد منه إخلاصا .. وذلك للبعد الإيدولوجي الحاقد في عدائه .. لقد كان إحساسه بالضعف أمام مد ما يسميه بالوهابية .. يدفعه بجنون إلى أن يكون مجرد حذاء في أقدام الجنرالات الروس ! ! .. وهكذا يفعل أمثاله الآن !
.........
في هذه الأيام .. نشهد هذه الهجمة الشرسة على منهج سلف الأمة الأطهار .. السابقين والأولين من المهاجرين والأنصار.. ومن تبعهم بإحسان .. وصار الرافضة الخانسين يستقوون بالاحتلال الأمريكي على أهل السنة .. وصار لقب الوهابية .. علما على أهل السنة في العراق والشيشان وغيرهما .. ولله الحمد والمنة .
ولمزيد من الاطلاع على أبعاد الحرب الرافضية المسعورة على أهل السنة في العراق :
http://www.muslm.net/showth r ead.php?s=&th r eadid=81241
و بعد كل هذا الذي يلقاه أهل السنة من أذى في العراق .. وبعد كل هذه الفضائح والجرائم .. يخرج علينا علماء مذاهب الضلالة بدعوى التقريب مع الرافضة ... ويجتهدون في ترويجها اجتهادا عجيبا !
في نفس الوقت الذي يشددون فيه على منابذة أهل السنة .. وأتباع السلف الصالح .. ويرمونهم بشتى النعوت والتهم والتي يعلم كبراؤهم أنها كذب وبهتان ...!!
لقد بدأ أشباه قديروف بخلع بقايا من مزع حياء كانت في وجوههم .. وأسفروا عن قلب حاقد على السنة وأهلها .. وأعلنوا حربهم بعد استخفاء بها ..
وبدأ طواغيطهم .. من أمثال حسن فرحان المالكي .. وسعيد فودة .. والجفري .. والبوطي ... وأضرابهم ... يعلنون الحرب على أهل السنة ... باسم السنة .. !!
في نفس الوقت الذي أعلن فيه أعداء السنة ( من علمانيين ورافضة وروس وأمريكان ) الحرب عليها من الخارج......!!!
وكل هذا ما هو إلا دلالة واضحة على أن الصفوف إلى تمايز... وأن أهل الباطل ينادون على أنفسهم بالخسران .. ويشهدون عليها بالضلال .... وأن معركة الفصل معهم تقترب ... والحمد لله أنها محسومة لصالح الحق الأبلج .. بوعد من الصادق المصدوق عليه صلاة ربي وسلامه .. خلافة سلفية راشدة على منهاج النبوة .
...
أريد أن أنوه إلى أن السلفية التي أعنيها في مقالي هي :
" وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ "
علما .. وعملا ..
عقيدة .. وخلقا ..
أخذا .. وتركا ..
فهما .. ومنهجا ..
ولاء .. وبراء ..
وليست سلفية الدعاوي العريضة أوسلفية الوراثة أو التجارة .. كدعاوى المنتسبين للسنة والسنة منهم براء !
أكتب هذه الكلمات إقامة للحجة ..وإبراء للذمة .. وتنبيها للغافلين ..
{ لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ }
أما السلفية .. فلا قبل لأهل الأرض كلهم بها .. فإنه لا يضرها من خالفها ولا خذلها .. وإن وعد الله بخلافة راشدة على منهاج النبوة آت .. ولو كره الكافرون .. ولو كره المخالفون .. ولو كره الخاذلون .. ولو كره الخائنون !
..........
معلوم أن كثيرا من الأسماء تحمل معان لغوية معينة ومعان اصطلاحية ..
فالمعنى اللغوي للصلاة مثلا : الدعاء ..
والمعنى اللغوي للزكاة : التطهير ...
والمعنى اللغوي للجهاد : بذل الجهد ....
والمعنى اللغوي للهاتف : المنادي ..
وهكذا ..
وأما المعنى الاصطلاحي لما سبق ذكره ..
فالصلاة : هي شعيرة يؤديها المسلم في أوقات محددة وبهيئة محددة ولا يجزئ عنها القيام بالدعاء (المعنى اللغوي ) ..
كذلك الزكاة : فريضة مالية يدفعها المسلم في أوقات محددة وبمقادير محددة ..
كذلك الجهاد : قتال الكفار بالسيف ( كما عرفه رسول ا صلى الله عليه وسلم )
وكذلك الهاتف : فهو جهاز آلي للاتصال له تقنية معينة ..
وقس على ذلك ..
نأتي لاسم " الوهابية" !
في اللغة : هي نسبة للوهاب .. وهو الله .. ولا يطلق هذا الاسم على غير الله .
فالنسبة للوهاب هي = وهابي
في الاصطلاح .. هنا بدأ تلاعب أهل الأهواء ..وأعداء السنة !!
فلا يوجد أي جماعة معروفة تتبنى هذا الاسم ( وهابية) وتتسمى به .
فماذا يريد مستخدمو هذا المصطلح منه ؟!
هل يريدون منه التزكية والنسبة للوهاب كما هو المعنى اللغوي ؟!
نظرة سريعة على تاريخ هذا اللقب نعرف من خلالها أنه أطلق على حركة إصلاحية قادها الشيخ المصلح محمد بن عبد الوهاب ونسبت إليه ( مع أن النسبة لمحمد بن عبد الوهاب لغةً ليست وهابي !! ) .. وهي حركة سلفية المعتقد قمع الله بها البدع والشركيات التي انتشرت في جزيرة العرب .. وحاربت الدولة العثمانية التي كانت تتبنى هذه البدع والخرافات وتحميها وتوفر لها مناخا رطبا لتنشر عفنها في المجتمعات الإسلامية التي تسيطر عليها..(65/111)
ولكن كأي حركة بشرية .. شابها بعض الأخطاء التي لا تخلو منها حركة البشر .
تعالوا نحلل بعض العوامل العامة التي كونت هذا المصطلح :
* فنظرا للعقيدة السنية السلفية التي اعتنقتها هذه الحركة ... بدأ استخدام هذا المصطلح من قبل خصوم السلفية عقيدة ومنهاجا من أمثال الرافضة وغلاة الأشاعرة والمعتزلة والإباضية ومن لف لفيفهم ..
فتكونت المعادلة التالية : الوهابية = السلفية ............ مع أنها ليست أول حركة إصلاحية سلفية !!
* وبما أنها حركة سنية تعظم السنة وتعظم شعائر الإسلام ولو كانت شعائر مندوبة .. وتشدد على الالتزام الكامل بالدين وبشعائره … اصبحت الوهابية علما عند الحداثيين والعلمانيين ودعاة الانحلال على التشدد في الدين … فتكونت المعادلة الثانية :
الوهابية = التشديد في الالتزام بشعائر الدين …………. مع أن هذه ليست أول حركة تفعل ذلك !
* وبما أن بركة عقيدة السلف سرت فيها وجذبت إليها الأفئدة .. ومكن الله لها في قلوب الناس .. استغل خصومها الإصلاح المسلح الذي قامت به الحركة ليقرنوا الحركة بالعنف
فصارت عندنا معادلة ثالثة : الوهابية = عنف ............ مع أنها ليست أول حركة مسلحة في تاريخ الإسلام !!
* وبما أن الشيخ القائد محمد بن عبد الوهاب حنبلي المذهب .. والبيئة النجدية التي نشأت فيها هذه الحركة بيئة حنبلية .. صار عندنا معادلة رابعة : الوهابية = حنبلية ………… ومعلوم أنهم ليسوا أول الحنابلة !
* وبما أن الشيخ عقد اتفاقا سياسيا مع آل سعود ... وآل سعود كان فيهم وفيهم .. وموقعهم السياسي انحرف بهم كثيرا عن مبادئ الإسلام .. وارتكبوا ولا يزالون يرتكبون أخطاء شرعية جسيمة .. نتج عن هذا المعادلة الخامسة :
الوهابية = آل سعود .............. مع أن آل سعود نسبة عرقية .. والوهابية نسبة عقيدية إيدلوجية !!
* وبما أنهم قاتلوا الأتراك ... وكان معظمهم من العرب الأقحاح .. صارت في ذهن الأعاجم مقرونة بالعرب .. فنتجت المعادلة السادسة خصوصا عند الأعاجم :
الوهابية = العرب ……..… مع أن هناك كثيراً من العرب لم يشاركوا فيها .. فهي حركة عقدية وليست عرقية !
* و بما أنها أتت على غربة للدين بين أهله .. ودعت إلى أمور وعقائد وعبادات نسيها كثير من الناس .. ونهتهم عن عقائد وعبادات ألفها الكثير لانتشارها وتحولها تقاليد قبلية أوطنية … تكونت المعادلة السابعة .. خصوصا عند العوام :
الوهابية = كل أمر جديد ضد العادات و التقاليد بغض النظر عن شرعيته …….. مع أنها ليست الحركة الوحيدة التي فعلت ذلك !!
نعم لم تكن الأولى ولا الوحيدة ... ولكنها كانت الحركة الوحيدة التي جمعت كل هذا .. فكتب عليها أن تتحمل خصومة كل هؤلاء .. وخصوما آخرين خبأهم لها القدر !
............
من هذه المعادلات الرئيسية .. بدأت يتشكل مصطلح الوهابية في أذهان الخصوم .. وصارت تطبخ هذه المعادلات على نار تتأجج من الأحقاد لدى كل طرف ..
1- فأهل البدع الذين أصاب الانحراف والكدر إما مصدر تلقي الدين .. أو منهج تلقيه .. من قبورية .. أورافضة .. وغلاة الأشاعرة الجهمية … والمعتزلة التي تقدس العقل … لم يكن ليحتاجوا لاستيراد أحقاد على السنة وأهلها .. فالإنتاج المحلي من الأحقاد عندهم يفيض عن الحاجة .. ويخزن للتصدير !
وعلى رغم ما بين هذه الفرق من خلافات ظاهرة كبيرة .. إلا أن وضعية مناهجهم ومصادر تلقيهم وخسة أصلها وحدتهم ضد الخطر الداهم الذي يتهدد وجودهم : السنة ذات المنهج الرباني .
2- ودعاة الانحلال والإباحية .. ثم من بعدهم الحداثيين والعلمانيين وأصحاب المناهج الوضعية في الحياة .. لم يختلفوا عن أصحابهم أصحاب المناهج الوضعية في الدين .. فلم تكن تنقصهم الأحقاد على الفضيلة وشعائر الدين التي لا تخدم وضاعة حياتهم ومناهجهم !! ولم يكونوا بحاجة لمن يتوسط لهم لحرب الحق وأهله !
3- طبعا .. كل من خسر مكتسباته في هذه الحرب التي ربحها الحق .. صار يولول ويتهم الحركة بأنها من حركات الخوارج !! جاهلا أو متجاهلا حقيقة الخوارج وصفاتهم ... والتي لا تشترك معها الحركة الشيخ بن عبد الوهاب إلا بمسألتين
أولها : قتال من يدعون الإسلام .. وهذه إن كفت أن تجعل الإنسان من الخوارج لكان أبو بكر الصديق أول الخوارج والعياذ بالله . ..
ثم من قاتلتهم حركة الشيخ لم يكونوا ممن شهد لهم بالإيمان كالصحابة الذين قاتلهم الخوارج ؟
ثانيها : الخروج على الحاكم .. وشتان .. بين من خرج عليه الخوارج .. والدولة المهترئة التي خرجت عليها حركة الشيخ والتي كان الشرك يعشش فيها .. وتحكم بالقوانين الوضعية التي استجلبها من سويسرا وفرنسا لأن مشايخ الدولة العثمانية كانوا قد حجروا الاجتهاد وأحكموا إغلاق الباب عليه !!
ولكنهم استخدموا هذا العنف فزاعة ليخيفوا الناس .. وصارت تنسج الحكايات .. وتضخم الحوادث .. وتعمم الأحكام لضرب لب هذه الحركة وهو التوحيد .
4- المذهبيون كان لهم موقف عجيب ..(65/112)
فمنهم من استغل الموقف لتصفية حساباته مع المذهب الحنبلي الذي طالما أفرى أكباد المبتدعة من لدن شيخه الإمام أحمد بن حنبل الذي استحق بجدارة لقب إمام أهل السنة لمواقفه البطولية الكريمة في وجه أحفاد لبيد بن الأعصم اليهودي من الجهمية والمعتزلة ... والذين عادوا مرة أخرى على الساحة متسترين بالأشاعرة والأشعرية بعد أخزى الله أجدادهم ودحرهم بفضل مواقف الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله .. وهؤلاء لم تكن تنقصهم الأحقاد أساسا على المذهب الحنبلي ..
ومنهم من التزم بقواعد اللعبة المذهبية .. خصوصا المنتسبون للحنابلة الذين شعروا أنهم في ورطة .. فوجدوا المخرج في أن يتهموا الشيخ بأنه يخطط لـ "إنشاء !!!" مذهب " خامس" !! ..وبدؤوا بحربه بين أتباعهم من هذه الجهة .. وهذا يكذبه تصريح الشيخ بن عبد الوهاب بأنه حنبلي .. وله شعر معروف في مدح الحنبلية ودعوة الناس أن "يتحنبلوا" !.. ولذلك كان هؤلاء أضعف الناس عداء للشيخ وحركته .
5- أما أعداء آل سعود فقد يجتمع فيهم بعض الأسباب السابقة في العداء لحركة الشيخ .. وقد تكون دوافعهم سياسية سلطوية محضة .. وهي من أخس الدوافع .. وأقذرها .. لا تعرف دينا ولا مبدأ .. وهي من جنس عداوة رأس النفاق بن أبي سلول لرسول ا صلى الله عليه وسلم على الرغم من إيمانه قلبيا بدعوته ( وأرجو ملاحظة أنني اتكلم عن الدافع السلطوي المحض .. وليس عن العداء لآل سعود .. فهم مثل غيرهم فيهم الصالح والطالح .. وقد تكون دوافع بعضهم سلطوية محضة )
6- تشارك الدوافع العرقية العنصرية الدوافع السياسية في خستها وقذارتها وحقدها الأعمى .. وتفوقها في كونها عداوة عمياء لا ترى حقا ولا تحسب إلا حساب المصالح الشخصية الضيقة .. وهي من جنس عداوة اليهود لنبي الهدى عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم مع يقينهم بنبوته وصحة رسالته .. لأنه لم يكن من بني داوود .. !
وكذلك العنصرية ضد العرب .. التي كانت تلهب أوارها الشعوبية البغيضة.. التي كانت تحسد العرب على ريادتهم لأمة الإسلام بلغة القرآن .. وتتهم العرب بأنهم أمة أمية .. وتتكبر عليها بما عندها من حضارات زائفة .. ويطيش عقلها وهي ترى أهل البداوة .. يهزمونهم .. ويزلزلون عروشهم .. ويقلبون حضارتهم المادية على رؤوس أصحابها .
وقد تضيق حلقة العنصرية في أحيان كثيرة لتنصب على أهل نجد .. و استعمل هؤلاء فهما مغلوطا مشوها لبعض الآثار النبوية التي أتت على ذكر نجد ... لتغطية سوءتهم العصبية المنتنة وتسعير الأحقاد العنصرية ..
7- عند العوام .. العداء لا يكتسب مقدارا كبيرا من الأحقاد بقدر ما يكتسب ضبابية وغموضا وغوغائية .. وهؤلاء دائما وقود .. مسيرين بكبرائهم الذين سوف يتبرؤون منهم في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون ... مسيرون بتقديس العادات والموروثات .. وأئمتهم في ذلك من كان يقول : " ... إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ "
هذه هي الخصومات والأحقاد التي اجتمعت على هذه الدعوة الإصلاحية التي قادها الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله .. وهولت من الأخطاء البشرية التي حصلت من أفراد هذه الحركة
تبقى الخصومات التي ظهرت فيما بعد .. والتي كان لها دور ملحوظ في تأجيج الصراع من جهة .. وتوجيهه - من جهة أخرى - في ضرب الإسلام والمسلمين
.........
في هذا القرن ..دخل عاملان مهمان على الصراع :
1- الثروة التي ابتلى الله بها أهل الجزيرة .. وما تبع ذلك من حسد الناس لهم عليها .. فأضيف إلى المعادلات السابقة الوهابية = البترول والثروة !!
والحسد من الأمراض الشعبية القذرة التي تنتشر بسهولة بين العوام ولا تحتاج لا إلى أدلة عقلية ولا إلى أسس أيدلوجية لبثها وتأجيج أوارها .. ولذلك تراها سهلة التوجيه والاستخدام في توجيه الناس من قبل الأعداء العقائديين ..
والحسد في قذارته مثل الكبر والبطر الذي أصاب كثيرا من أهل الجزيرة بسبب ثرائهم .. وما تبع ذلك من تصرفات عمياء لا خلاق لها ولا أخلاق .. شحنت مشاعر الحسد عند الناس .. وقدمت مجالا رطبا لتفاقم عفونتها في نفوسهم .
2- الكفار الذين وجدوا في السلفية دعوة ومنهجا وتربية خطرا داهما عليهم وعلى دينهم الباطل
فهي لا تتوقف على شخص معين .. لا على الشيخ محمد بن عبد الوهاب ولا على غيره .. وتحمل دائما أسباب بقائها وديمومتها لأن منهجها منهج رباني محدد .. يمثل مرجعية ثابتة متجددة ..
هو منهج واحد .. أخطر ما فيه أنه واحد .. ينبثق من الفطرة .. وينمو بماء القرآن والسنة التي تكفل الله بحفظهما... فإذا اجتمع على الأخذ به مليار ونصف المليار من البشر .. لأبتلع نوره الظلام الذي يعشش فيه كفرهم .. ولأفسد عليهم خططهم في السيطرة على العالم ..
وهذا ما فهموه من دراستهم لأحوال المسلمين ( وهم أهل دراسة وتدبر ولو في الباطل ) .. فوجدوا أن الحركات التجديدية التي حركت المسلمين .. قد تبنت المنهج السلفي .. بطريقة أو بأخرى .. مما يعكس التفاف الناس حوله .. وثقتهم به .. فأصبح حرب هذا المنهاج على رأس أولوياتها
واصبحت الوهابية = الإسلام
.........(65/113)
بعد هذا الاستعراض للعوامل التي كونت هذا المصطلح الفضفاض الشديد التناقض " الوهابية" .. نلخص التحديات التي قامت في وجه الإسلام مستخدمة هذا المصطلح :
التحدي الأول : العداء الأيدلوجي العقدي الشامل
وهو تحدي الفئات .. التي اعتبرت معركتها مع التيار السلفي السني معركة مصير ووجود .. معركة عقائدية لا يجب أن تنتهي إلا بإفناء هذا المنهج الرباني والذي لا يدري أهل الباطل أنهم لن يقدروا عليه بوعد من الرحمن وأن بركاته سوف تبقى على الرغم من كيد المخالفين وخيانة الخاذلين .. هذا المنهج الذي تبقى بركة الرضى الإلهي تنبض فيه وتبقيه حيا نضرا على مر السنين والعصور : "وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ " التوبة / 100
أصحاب هذا التحدي يمكن تمييزهم إلى ثلاث فرق رئيسية .. تفرق بينهم أمور كثيرة .. وتجمعهم عداوتهم للحق والحرب على وأهله :
** الكفار الأصليين من روس وأمريكان ويهود.. ولقد أسفروا مؤخرا عن وجههم الكالح .. وجاهروا بعدائهم للدين ... ولكنهم مازالوا يشيعون أن عدائهم مركز على السلفية .. أو ما يسمونه بالـ"وهابية" !
** غلاة المبتدعة .. من صوفية ورافضة وجهمية وأشاعرة .. وهؤلاء أصحاب مصلحة مباشرة في القضاء على أهل السنة .. وكانوا - ومازالوا- على استعداد للحلف مع الشيطان للقضاء على السنة والسلفية .. أو ما يسمونه بالـ"وهابية" !
ومن هذا الصنف قديروف .. والأحباش .. والروافض .. وفلول غلاة الأشاعرة ... والذين وضعوا أنفسهم تحت تصرف أعداء الإسلام مدفوعين بأكوام رهيبة من الحقد على السنة وأهلها .. ليس فقط خيانة .. بل عن عقيدة ومنهج وضعي منحرف منحط .
** أهل الانحلال والإباحية ... العلمانييون والحداثيون .. وأمر هؤلاء لا يختلف عن أمر أسيادهم الكفار الأصليين ... إلا من ناحية تضاعف خطرهم على الإسلام والمسلمين .. لتسترهم بجلدتنا وأسمائنا .. وترى أمثال هؤلاء يتظاهرون بحب الإسلام .. وبل وبالدفاع عنه .. ولكن يلخصون مشكلتهم مع "هذا التيار المتنطع المتعصب!!" .. والذي يسمونه كإخوانهم السابقين بالـ "وهابية " !
.........
التحدي الثاني: العداء العقدي أو الأيدلوجي الجزئي :
وهو العداء الذي لا يمثل حربا عامة بقدر ما يمثل خلافات جزئية .. في بعض جوانب المنهج .. قد تتسع وتضيق تبعا للظروف .
ومع أن هذا لم يكن - بحمد الله - عاما في أصحاب هذا العداء .. ووجد منهم بعض المنصفين الذين نادوا بتضييق هوة الخلاف مع أهل السنة السلفيين بدلا من حربهم .. ولم يتورطوا في تكفير أهل السنة كما فعلت شياطين الجهمية والرافضة . . وكانوا ينحازون إلى أهل السنة في الأوقات العصيبة التي تهددت المسلمين .. خصوصا عند معاينتهم للحلف القذر بين أؤلئك الجهمية والرافضة من جهة وأعداء الأمة من الكفار من جهة أخرى ... أقول .. ومع هذا فإن لهم دورا غير مباشر ولكنه فعال في حرب الإسلام والسنة .
وللأسف صار لهؤلاء منظرون ممن ينتسبون إلى العلم .. وغرهم تمسيح أهل الباطل على أعناقهم .. وطبطبتهم على ظهورهم في رضى كانوا يستحقونه بالفعل .. فقد كانوا - وما زالوا - نعم المطايا لهم !!
ويمكن تمييز هؤلاء إلى خمسة فرق رئيسية :
1- الأشاعرة : والأشاعرة أطياف مختلفة .. ومنهجهم العقدي يمتد نظريا قربا من أهل السنة إلى أقصى مداه في أحضان الجهمية والمعتزلة بل ويفوقونهم بشديد تناقضهم وتذبذبهم ... وهذا الطرف تكلمنا عليه في التحدي الأول .. كونه يمثل عداء عقائديا شاملا فاجرا.
وما أعنيه هنا هم الأشاعرة المعتدلين - إن صح التعبير - .. هؤلاء الذين يعترفون أن إمام مذهبهم قد تاب من الاعتزال .. واستطاعوا الترويج لمذهبهم وكسب قلوب الناس له في فترة معينة من التاريخ الإسلامي عن طريق عدائهم للمعتزلة والجهمية والرافضة ... دارت الأيام .. وباع فريق منهم أنفسهم وعقيدتهم لهؤلاء الذين بني مذهبهم على عدائهم .. المعتزلة والجهمية .. ورضوا لأنفسهم أن يتخذهم هؤلاء مطايا لحرب أهل السنة .. وفعلوا فعل إخوانهم الزيدية الذين باعوا أنفسهم للرافضة ( الذين ساموهم سوء العذاب من قبل) في مواجهة أهل السنة
2- المذهبيين : وهؤلاء كما أسلفنا .. كان عداؤهم إما للمذهب الحنبلي من منطقات مذهبية ضيقة .. أو لما أسموه بالوهابية كمذهب يحاول أن ينازعهم احتكارهم للفقه الإسلامي ... ولم يمثل ذلك حربا شاملة .. ولو أنه كان له دور كبير في تلك الحرب التي شنها أعداء الإسلام عليه وعلى السنة
3- الحزبيين : وهؤلاء كأسلافهم ... أصحاب نظرة حزبية ضيقة .. مع أنهم أوجعوا رأس الأمة بكلامهم عن الشمولية !
الحزب عندهم مرجعية الحق .. وجماعتهم هي جماعة المسلمين التي من تخلف عنها هلك ..!!!
ومرض هؤلاء العضال أنهم يتخيلون أنهم يعملون للأمة .. وهم يعملون مبضع حزبيتهم تمزيقا في الأمة !!(65/114)
يتخيلون أنهم يعملون للأمة .. وكل الآخرين عملاء ومتخلفين وغير ذلك !
التحريري عند الإخواني عميل ... صنعتهم المخابرات لتوهن من الجماعة الـ"أم" !!
والإخواني عند التحريري عميل .. !
والسلفية عند كليهما ... مرض خطير .. وشبح مخيف !!!
والتبليغ .. مع تواضعهم الجم مع الناس .. وعدم أخذهم بمبدأ النهي عن المنكر .. أصبح عندهم من ضروريات العمل للإسلام أن تطعن في غيرهم من الجماعات .. وهكذا دواليك !
4- أصحاب المنهج الدعوي المعكوس :
الدعوة تقوم على دعوة الناس للإسلام .. ولكن في هذا القرن بالذات قام فكر "دعوي!!" استنتج أن إحضار الناس للدين "صعب" .. وعليه .. فلم يبق لنا إلا إحضار الإسلام للناس !!!!!
هؤلاء .. صاروا يعيبون على السلفية "جمودها" ... وحولوا هذه النقطة إلى منطلق لحرب السلفية .. وبرروا بها تساهلهم مع أعداء الأمة من الداخل والخارج .. وتسامحهم البارد مع الرافضة .. !!
5- أعداء آل سعود السياسيين .. وهؤلاء عداؤهم للسلفية التي يسمونها وهابية محدود بعدائهم لآل سعود .. وبعضهم ممن قد يكون على عقيدة سليمة .. ولكن أقذار السياسة ومصالحها المتقلبة الآنية .. تعمي هؤلاء عن الحق .. حتى يجد نفسه وقد أصبح لعبة في يد غيره .. وتعسا له إذا كانت هذه الأيدي الآثمة تقاتل دين الله .
.........
التحدي الثالث : العداء الغوغائي
يبقى العوام ... أصحاب العداء الغوغائي المسير بغير عقيدة .. وهم في شبه من إخوانهم أصحاب العداء الجزئي .. مسيرون بغيرهم .. كمثل الحمار الذي يلوح له راكبه بالبرسيم ليستمر في المشي إلى حيث يريد له أن يسير .. ولكن الفرق بينهما أن راكبهما يستبدل البرسيم للأول .. بالتبن للثاني .
ومع أن عامة الناس لا يعلمون عن عقائد مسيريهم شيئا .. ولو علموها لاستمجوها وبصقوها .. ولأنفتها عقولهم وقلوبهم ..
ومع أن عداء العامة عداء سطحي .. يقوم على دغدغة شهوات منحطة في النفس البشرية ... وتهييج رغبات سافلة منتنة فيها ..
إلا أنه خطورته في أنه أعمى .. وأنه يتخذ له مراكز في القواعد الشعبية التي تتميز بالزخم العددي دون النوعي
وبما أنهم صنف واحد .. غوغاء العامة .. فسوف نتعرض إلى الوسائل التي استخدمها أعداء الأمة العقائديين لتسييرهم .. ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حي عن بينة ..
1- العصبيات العنصرية :
سواء العصبيات ضد العرب عند غيرهم من المسلمين .. أو العصبيات ضد أهل نجد عند غيرهم من العرب ..
والعصبية من الأمراض القديمة من لدن إبليس ... ولذلك فلا يحتاج مستعملوها في توجيه الشعوب جهدا كبيرا ..
ولكن أقذر أسلوب استخدم في تأجيج العصبية .. ومن ثم العداء ضد السنة.. هو أسلوب ضرب الدين بمبادئ الدين ..
فقد استغل هؤلاء فهما مغلوطا لبعض أحاديث الرسو صلى الله عليه وسلم في نجد .. في تأجيج الأحقاد العنصرية المنتنة ضد دعوة التوحيد والسنة ..
وأنا هنا لن أتعرض لهذه الأحاديث بشرح أو تعليق .. ولن أسهب الكلام عن تبيان المقصود من "نجد" التي وردت في الأحاديث .. وسأفرض جدلا أن " نجد" المقصودة هي نجد الحالية .. ولكن يكفي ردا على هؤلاء دين صلى الله عليه وسلم نفسه .. الذي جاء لهدم أوثان العصبية .. ونسف الشريعة الشيطانية ( أنا خلقتني من نار وخلقته من طين ) .. والتي يستحيل معها اتخاذ الإسلام هذه العصبية التي جاء لهدمها مقياسا للحق والصواب !
2- العصبيات المذهبية :
وانتماء العامة إلى المذهب ليس فيه تفكير وعقائدية .. وإنما أشبه ما يكون بالانتماء العرقي الذي لا دخل للمرء فيه !!
فأخذ بذلك معظم خصائص العصبيات العنصرية الجاهلية .. حتى أن أقواما يستنكرون على أحدهم إذا اختار مذهبا آخر غير مذهب غيرهم .. مع أن قوانين اللعبة المذهبية المتداولة تتيح للمرء بأن يقلد ما شاء من المذاهب شرط أن يلتزم به !
3- تقديس الموروثات من عادات وتقاليد ولو كانت مخالفة للإسلام :
وهذه متأصلة في العامة ... وكان هذا من أهم أسباب الكفار في العناد ومقاومة دعوة الأنبياء .. ويكفينا في ذلك استعراض شهادة القرآن في هذه الصفة الذميمة التي طالما وقفت ومازالت تقف عقبة كؤودا في وجه الحق ..
يقول الله تبارك وتعالى في هذا : "وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ " البقرة /170
"وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ" المائدة / 104
" وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ" لقمان /21(65/115)
" وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ" الزخرف/23
4- الميل إلى التفلت من الأحكام والواجبات الشرعية :
فالناس تميل إلى من يقدم لها دينا يطمئن فيها غريزة التدين ولكن دون أن "يثقلهم!" بالتزامات كثيرة في حياتهم ... فاستغل أعداء الإسلام هذه النقطة لينفروا الناس عن السنة وعن أهلها.. ويوهموهم ان السلف لهم عصرهم ولنا عصرنا ... وأن السلفية مجرد "مرحلة زمنية ..... مباركة!!" .. انتهت بانتهاء زمانها ..الـ"مبارك!!" .. وهي بهذا ليست منهجا إسلاميا دائما ... وأن الحياة حلوة ... والذي يريد أن يتقرب إلى الله .. فما عليه إلا أن يصبح "ملا " .. أو "شيخ" .. ويتدروش ... أما باقي الناس ... فافعلوا ما شئتم .. مادمتم تؤدون شعائر الطاعة للـ"مشايخ " !! و"تحترمون" الأولياء .. الأموات منهم والأحياء !!
5- الحسد
استغل أعداء الإسلام والسنة ومطاياهم من الفريق الثاني .. ارتباط دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب في أذهان الناس بآل سعود ودولتهم .. فبدؤوا يثيرون في أنفسهم مشاعر الحسد على ما أنعم الله عليهم من ثروة بترولية في عصرنا الحالي .. وصاروا يسلطون الضوء على سياسات الدولة السعودية المخالفة للإسلام .. ويربطونها بالدعوة السلفية ..
ولم يكتفوا بذلك .. وإنما صاروا "يستدلون!" بممارسات أفراد الشعب السعودي المنافية للإسلام .. !! !!!
وهذا كله من كيد الشياطين الذين لا عقل لهم ولا دين ..
فكل الدول التي تتبنى مذاهب هؤلاء رسميا .. ويتصدر الفتوى فيها علماؤهم ( رافضة كانوا أم اشعرية أم إباضية ..إلخ) .. فيها من الظلم والعمالة واحتكار الثروات العامة والبطش بالمسلمين ما لا يوجد في السعودية ولا غيرها !
بل إن بعض هذه الدول محكومة بمذاهب يكفرها حتى الرافضة .. ولكن هؤلاء يوالونها ويدافعون عنها بلا حياء !
ولإن كانت المسألة مسألة ممارسات شعبية .. فالشعب السعودي ككل الشعوب فيه الصالح وفيه الطالح .. وفيه السني كما فيه الرافضي والأشعري والصوفي بل والاسماعيلي .. ومن أهل السنة فساق لا ينكر ذلك أحد .. ولكن مع هذا كله .. ماذا يوجد في غيرها من البلاد ؟!!!
وعلى أي أخلاق عامة أهلها ؟!
فلماذا تكون سياسات الدولة السعودية و ممارسات الشعب السعودي حجة ملزمة لمنهج رباني من لدن أصحاب رسول ا صلى الله عليه وسلم ؟!!! .. ولا تكون سياسات حكوماتهم وشعوبهم حجة ملزمة لمناهجهم الوضعية المنحطة !!
6- العنف و التشدد :
والعنف والتشدد كلمتان فضفاضتان .. قد يراد بهما حق وقد يراد بهما باطل .. والعلماء الربانيون يفصلون الكلام فيهما ولا يذكرونهما مجملتين دون قرينة لبيان المراد منهما .. أما غيرهم فيستعملهما استعمالا مجملاً مبهماً .. يلبس على المسلمين دينهم .. ويدغدغ فيهم العواطف ليصرفهم عن الحق
وسنحاول في هذه السطور تبين الملامح الرئيسية التي تحملهما هاتان الكلمتان .. لنعرف من أين يكاد للمسلمين .. وكيف يلبس عليهم بالباطل ليعادوا الحق .
ولتلازمهما .. واقارب الفروق بينهما .. وتشابههما في أكثر الصفات الرئيسية .. فسوف نتعرض بالتفصيل للعنف .. وننوه على ما يخص التشدد عندما يلزم ذلك بإذن الله :
1- العنف الشرعي :
* مع الكفار وهو : الجهاد .. وهذا الذي يرمي أهل الباطل إلى إجهاضه من خلال التهويش بكلمة العنف
* مع المسلمين :
وقد يكون هذا في شدة الأخذ على يد المخطئ .. و هذه لا تعيب صاحب حق .. فقد كان عمر الفاروق شديدا في الحق .. ويقسو أحيانا كثيرة على من يرى منه الخطأ خصوصا قبل خلافته .. وما كان هذا ليعيبه رضي الله عنه .
وقد يكون في قتال من أمر الشرع بقتالهم من ألمنتسبين لأهل القبلة ( مثل الخوارج ، وقتال الفئة الباغية ، وقتال الفئة الممتنعة عن شعيرة من شعائر الدين )
كما أن التشدد الشرعي .. هو التزام مبادئ الدين .. ومحاب الله ومراضيه .. ولو استهجنه الناس و خالف ما اعتادوا عليه ..
وهذا هو أخذ الدين بقوة الذي أمر به الأنبياء والمصلحون :
قال الله تعالى : " يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ " مريم /12
وقال تعالى مخاطبا موسى عليه السلام : " وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ " الأعراف /145
وقال تعالى : " وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ " الأعراف/ 170
وهو أيضا مصداق خبر الصادق المصدوق r عن زمان غربة دين الله وبشراه لأهلها .. ففي الحديث الذي رواه أحمد في مسنده عن عبد الله بن عمرو بن العاص ، قال رسول ا صلى الله عليه وسلم : " طوبى للغرباء ، طوبى للغرباء ، طوبى للغرباء ، فقيل : من الغرباء يا رسول الله ؟ قال :" ناس صالحون في ناس سوء كثير من يعصيهم أكثر ممن يطيعهم "(65/116)
فالغربة هي الحرص على تطبيق الدين بغض النظر عن درجة تطبيق المحيط له .. وهذا بعينه ما يطلق عليه أهل الباطل الآن "التشدد" ! وينعق من خلفهم بهذا المصطلح الغوغاء الذين يبحثون عن طريقة لتبرئة ذواتهم مما يتلبسهم من بعد عن شرع الله .. بدلا من التواضع لله والاعتراف بقصورهم في تطبيق شريعة الرحمن .
........
- العنف الغير شرعي المرتبط بالغلو المنفر عن الحق :
ونستطيع أن نميز أصحاب هذا العنف إلى فريقين رئيسين :
*** فريق يمارسه على غير قصد سيء في التنفير من الدين .. ويكون بفعل إحدى العوامل التالية :
1- جلافة الطبع .. بدون أن يقصد منها شرا .
2- حداثة العهد بالتدين .. والجهل بأساليب الدعوة .. وأدب الخلاف .
3- الحرص الشديد على هداية الناس .. وحملهم على الحق حملا دون سلطان ( مثل سلطان الأبوة .. أو سلطان ولاية أمر المسلمين )
4- اجتهاد خاطئ قد يحدث في ممارسة العنف المشروع .. وأخطاء بشرية تصيب حركة الإنسان .. بدون سوء نية
5- قصور في فهم السنة ومنهج السلف فهما شاملا .. والتسرع في حرفية تطبيق بعض جوانبها .. مع إهمال جوانب لا تقل أهمية عن الجوانب المطبقة .
6- التقليد لمن يظن فيهم الخير والغيرة على الدين .. وهم على غير ذلك من أصحاب الفريق الثاني الذي سوف نتعرض لذكره .
أخطاء هؤلاء .. استغلته الماكينة الإعلامية لأهل الباطل عموما - والتي يتزعمها أعدى أعداء السنة ..اليهود - لتسويغ حربهم على السلفية عند العامة .. وتبرير ضربهم مع ضمان سكوت الناس عن ذلك ..
فضخمت حوادث فردية .. وركزت على فئات معينة - أرادت لها هي - أن تمثل السلفية والسنة ...
وابتلع الطعم بلؤم وغباء المنتسبون للإسلام من أعداء السلفية .. فبدؤوا يلوكون هذه الأخبار كلما بصق لهم سادتهم شيئا منها .. وينشرونها .. ويبصقوها بدورهم للغوغاء لكي يصدوا الناس عن دين الله .
*** فريق يمارس العنف بقصد التنفير عن الدين والسنة :
وهذا هو الفريق الأخطر .. وهؤلاء أصحاب نوايا خبيثة مبرمجة على حرب الإسلام والسنة .. يمتهنون التلبس في زي المسلمين لضرب الإسلام والسنة من الداخل .. وتسهيل انتشار صورة قاتمة عنه لدى العامة .. وإحداث تصدعات في الصف السني واصطناع حروب في داخله.. وهذا الطابور الخانس (بإذن الله) فئة موجودة لا خيالية .
وهؤلاء على ضربين من اللؤم والخيانة :
الضرب الأول : هم الخونة العقائديون :
وهؤلاء أظهرت كثير من التحقيقات .. ونوعية جرائمهم .. ارتباطهم المباشر بدوائر المخابرات المعادية للإسلام .
مهمة هؤلاء الرئيسية هي القيام بأعمال منافية للدين .. باسم الدين والسنة .. لتوفير مادة للإعلام المضاد للسنة وأهلها .. الذي يقوم بإبرازها تحت مسميات سنية لتشويه السنة وإفقاد الناس الثقة في أهلها.
من الأمثلة الواقعية لهؤلاء .. الجماعات التي تقوم بمذابح المدنيين في الجزائر ..
وكذلك - وإن كان على نحو أضيق - جماعات قامت بأعمال لا تقل وحشية وعنفا على أرض القوقاز .. وأثبتت تحقيقات المجاهدين مع بعض من قدروا عليهم .. أنهم من أصول غير إسلامية .. وكثير ممن ينتسب منهم للإسلام لا يصلي !!
الضرب الثاني : هم الخونة من أصحاب المطامع المادية :
تعطش الناس - الذين أتعبتهم فلسفة الكلاميين .. ورهبنة الصوفية وخرافاتهم - إلى منهج سلف هذه الأمة الصافي الذي لا كدر فيه ولا دخن .. ولامست دعوة السنة أرواحا ظامئة إلى هدى ربها .. بعد عهود طويلة من الظلام والتخبط في صحاري الفلسفة المقفرة و سراديب البدعة والخرافة المظلمة ..
فبارك الله في هذه الدعوة .. وكتب لها من الانتشار ما قرت به عيون الموحدين .. وأغاظت به قلوب الحاقدين ..
ولكن .... في نفس الوقت .. أسالت له لعاب أصحاب المطامع الدنيوية الدنيئة من المتنفعين ..!!
هؤلاء عمدوا إلى التدثر بعباءتها .. ورفعوا شعاراتها .. ولبسوا جلود التقوى والسنة على قلوب خربة أكلتها الدنيا ..
ولم يكن لهم من هم إلا اهتبال هذه الفرصة ... وحصد الأموال والمراكز .. وامتصاص دماء أهل الخير الذين كانوا يبذلون أموالهم في سبيل الدعوة إلى السنة ... واستغلال حب الناس وإقبالهم عليها .. غير مبالين بما توقعه تصرفاتهم الدنيئة وأخلاقهم الهابطة وعقائدهم الحقيقية الخربة من ضرر على الدين والسنة ..
ولم يكتفوا بذلك ..!!
ولكن عقلياتهم التجارية الدنيوية الدنيئة .. أفضت بهم إلى احتكار المنهج السلفي .. وصارت المسألة مسألة : وكالة حصرية للسلف .. !!!!!!
وفعلوا كما فعل أصحابهم من أصحاب المناهج الوضعية الذين لم يكتفوا بالاستيلاء على اسم السنة .. ولكنهم احتكروه ..!!
واحتكروا أي عالم سني قال بشيء يشبه - ولو من بعيد - شيئا من كلامهم !!
وقد ابتليت كثير من بلاد المسلمين بأمثال هؤلاء .. مثل الأردن وتركيا وبعض دول الخليج .. وكان لهم دور بشع في الصد عن سبيل الله وإعاقة انتشار الدعوة .. وتشويه نقاء المنهج السلفي السني في عيون الناس .
ولكن الله غالب على أمره ،،،
كتبها:G r ozny من منتدى الأنبا
==============(65/117)
(65/118)
الأحباش في الأردن والدور المشبوه
الاسلام اليوم - محمّد سليمان … … … … …12/5/1423
… … … … …22/07/2002
-دور الأحباش في فصل أساتذة الشريعة من الجامعات.
-لماذا يتم الوقوف ضد أي مشروع يناهضهم؟
لم أكن أمتلك معرفة واسعة حول السيرة السياسية للأحباش ، وحول نشاطهم المتزايد عندما تحدّث معي صديق من ألمانيا قبل سنة مستفسرًا عن عقيدة جماعة " الأحباش " ، حيث أشار إلى نشاطهم الهائل الذي أدى إلى مشاكل كبيرة بين المسلمين هناك وتركّز جزء كبير منه حول فتاواهم الفقهية ومعتقداتهم المختلفة ، ومع مرور الأيام كانت أحاديث تصل إلى سمعي حول الصراعات التي تثيرها هذه الجماعة في عدد كبير من الدول - خاصة لبنان - ، وكنت أفكر دومًا في فتح ملفهم في الأردن ، إلاّ أنّ التباطؤ والتأجيل حال دون ذلك ، حتى أتى موضوع فصل أساتذة الشريعة من الجامعات الأردنية ، والذي أشار عدد ممن قابلناهم إلى دور الأحباش في الأمر ، حيث استغلوا " نفوذهم السياسي " و مرروا قرار فصل الأساتذة من خلال مجلس أمن الدولة ! ، وهنا كان لابد من اختبار هذه الفرضية ومتابعة الأمر ، ومحاولة تمييز الحقيقة من الوهم .
ما قصة " السيرة السياسية " لجماعة الأحباش في الأردن ؟ ، ولماذا يتعمدون تكفير الجماعات الإسلامية وكبار العلماء والمفكرين قديمًا وحديثا ؟ ، ولماذا يتمتعون بعلاقات قوية مع الحكومات العربية - خاصة في لبنان و سوريا والأردن - ؟ ، وما سر الدعم المالي الكبير الذي يتمتع به الأحباش ؟ ، وما هي المساحة الفاصلة بين الوهم المرتبط بنفوذهم السياسي والحقيقة ؟
وصل (عبد الله الحبشي) إلى لبنان في مطلع عقد الستينات ، بعد أن هاجر من الحبشة لمشاكل سياسية بسبب أفكاره، فانتقل إلى السعودية ثم سوريا قبل أن يستقر في لبنان ، ويبدأ الشيخ نشاطه هناك ومع الزمن كان عدد اتباعه يزداد بشكل كبير ، إلاّ أنّ النفوذ الواسع لهم كان مع عقد الثمانينات ، والسيطرة على جمعية " المشاريع الخيرية " فازداد النشاط الاجتماعي والسياسي الذي كان يتركز حول تأييد التواجد السوري ، ومحاربة الحركات الإسلامية من خلال سلاح التكفير و"التضليل" ( الحكم على المخالف بالضلال ) ، وعلى الرغم من إعلان الأحباش أنّهم أشاعرة شافعية صوفية على الطريقة الرفاعية ، إلاّ أنّ جملة كبيرة من آراءهم في العقيدة والفقه شاذة إضافة إلى عدائهم للحركات الإسلامية الذي سبب صراعًا فكريًا وسياسيًا ، وأصبح فيما بعد دمويًا من خلال سياسة الاغتيال والاغتيال المضاد .
أمّا في الأردن ، فقد ازداد نشاط الأحباش مع بداية عقد التسعينات ، وانتقل نقلة نوعية عام (1994م) مع تأسيس جمعية الثقافة العربية الإسلامية ، حيث بدأ عدد أتباعهم يزداد ( يقدّر الآن بالمئات ) ، وشهدت الساحة الإسلامية صراعًا بينهم وبين السلفية إلاّ أنّ الأخيرة ابتعدت عن ساحة الجدال والصراع معهم بسبب ضغط الأجهزة الرسمية وحمايتها للأحباش ، وشعور السلفيين بالخطر - مع بقاء عدد من الدعاة والعلماء السلفيين يكتب عنهم ويحذّر منهم .
ازداد النشاط الحبشي مع الوقت وبتسهيلات من الدولة ، وتركّز نشاطهم الفكري في نشر العقيدة الأشعرية والدفاع عن فروعها التي يتبنونها ، وتكفير كل من خالفهم في ذلك ، كما تميّز نشاطهم الفكري بتكفير الحركات الإسلامية والعلماء المشهورين قديمًا وحديثا مثل : ابن تيمية ، حسن البنا ، سيد قطب ، يوسف القرضاوي ، وغيرهم ، ومع أنّهم هاجموا جماعة الإخوان المسلمين واتهموها أنّها من الخوارج ، وكفَّروا حزب التحرير ، إلاّ أنّ عداوتهم الكبيرة كانت على السلفيين ، حيث إنهم كفروهم بالجملة ، وألفوا العديد من الكتب التي تتهم السلفيين أو الوهّابيين - على حد تعبير الأحباش - ، كما اشتهر من نشاطهم المذهبي تعصبهم للمذهب الشافعي ، مع بعض الفتاوى الفقهية الخطيرة والغريبة .
بينما تجلّى نشاطهم الحركي في فعاليات جمعية الثقافة العربية الإسلامية ، وبإقامة الحفلات الإسلامية ، وإنشاء فرقة النشيد الهاشمية ، وحرصوا على التأثير على المساجد من خلال زيادة عدد أئمتهم في الأوقاف ، وازداد عدد أتباعهم من أبناء الطبقات الثرية في عمّان الغربية الأمر الذي ينسبه البعض لتتبع الأحباش الرخص الفقهية ، إضافة إلى هذه الفئات بعض المتنفذين في أجهزة الدولة ، وأخيرًا أقيم احتفالهم بالمولد النبوي في المركز الثقافي الملكي ، وتبرّع لهم أحد المسؤولين بمبلغ ثلاثين ألف دينار .(65/119)
و إذا كان بإمكاننا تفهّم أن الأحباش أشاعرة شافعية متعصبون لديهم عدّة آراء غريبة في الدين ، فالذي بحاجة إلى التفسير قدرتهم على إقامة علاقات قوية مع حكومات مختلفة ، وعدائهم الشديد لكل الحركات الإسلامية ، وفوق ذلك تمتعهم بتسهيلات وحماية كبيرة من الأجهزة الرسمية الأردنية ، فيتبرع لهم بعض المسؤولين ، وتقام حفلاتهم في أفخم قاعات المملكة ، وتتدخل الأجهزة الرسمية لمنع أي نشاط فكري يعارضهم - كما حدث عندما ألغيت محاضرة في جمعية الكتاب والسنة في نقد مواقفهم الفكرية بضغط من الأجهزة الرسمية - ، أو تفتيش دار نشر قبل أشهر ومصادرة كتاب ضدهم ، وغير هذه وتلك من القصص !!
والسؤال الصريح والواضح : ما سر هذا النفوذ السياسي للأحباش في الأردن ؟
يمكن القول: إنّ هناك عدة تفسيرات رئيسة تقدم في ذلك :
1-أنّهم استطاعوا إقامة شبكة علاقات اجتماعية قوية مع بعض المتنفذين داخل أجهزة الدولة ، وعرضوا أنفسهم على أنهم مع الحكومة ضد الحركات الإسلامية ، مما أدى إلى تبني عدد من المسؤولين والمتنفذين فكر الأحباش ، وهنا يشير أصحاب هذا التفسير أن الأحباش كانوا وراء فصل أساتذة الشريعة من بعض الجامعات الأردنية بالتعاون مع أحد المتنفذين و شيخ أشعري متشيع .
2-أنهم " صنيعة " بعض الدول العربية لضرب الحركات الإسلامية الأخرى ، وأنّ الأجهزة الرسمية تدعمهم وتسهل الأمور ليزداد عدد الأعضاء والمؤيدين لهم ، وبالتالي يتسع التناقض الديني في المجتمع وتدخل الحركات والجماعات في حالة صدام ، ويكون ذلك أداة مناسبة لمحاصرة المد الإسلامي ، و إشغال الشباب المسلم في صراعات جانبية على قضايا جانبية بعيدًا عن نقد سياسة الحكومات . ويضيف دعاة هذا الرأي أنّه كما نجحت بعض الحكومات العربية في " اللعب على التناقضات الاجتماعية " ، فإنّها تسعى لممارسة نفس اللعبة في مواجهة المد الإسلامي ولكن باللعب هذه المرّة على التناقضات الدينية .
3-أن المد الإسلامي أصبح اليوم يثير عددًا من الأسئلة حول الشرعية الدينية للحكومات العربية ، وأنّه على مر التاريخ لابد من التحالف الديني والسياسي لضمان استقرار الحكم ، وبالتالي يسعى بعض المسؤولين و المتنفذين إلى بناء أيدلوجيا أشعرية صوفية للدولة الأردنية - في مواجهة المد السلفي ، و تحمل بعدًا شيعيًا مؤيدة للحكم الهاشمي في الأردن ضد الفكر الشيعي الثوري المتمثل في حزب الله وإيران ، وتكون جماعة الأحباش الأساس الحركي لهذه الأيدلوجيا المؤيدة للحكومة في مواجهة الحركات الإسلامية المعارضة .
وأمام هذا التفسير يجيب أصحابه عن سؤال : إذا كان هذا هو هدف الدولة ، فما هو هدف الأحباش ؟
بأنّ الأحباش قد تعلّموا من تاريخ الدعوات الإسلامية أنّ هذه الدعوات لا تنتشر إلاّ بتحالف مع قوة سياسية تحمي الدعوة وتتبنّاها و تفرضها فتنتشر ، وعلى المدى البعيد تستقل عن السلطة وتصبح لها شرعيتها الذاتية من خلال أتباعها ونفوذها لدى عامة الناس .
و أمام التفسيرات الثلاثة السابقة ، تبقى قضية نفوذ الأحباش السياسي في الأردن تتأرجح بين أن يكونوا " حصان طروادة " أو " أذكياء جدًا " يعرفون من أين " تؤكل الكتف " ! .
===============(65/120)
(65/121)
الشهال: هكذا بدأ العمل السلفي في لبنان
بيروت/ محمد مصطفى علوش … … … … …8/2/1428
… … … … …26/02/2007
ربما يعتبر الشيخ داعي الإسلام الشهال هو مؤسس الفكر السلفي في لبنان، حيث صُنف أثناء الوجود السوري في لبنان بأنه رجل خطير يهدد السلم الأهلي. تخرّج من الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة عام 1984م، وطلب العلم عند علماء من السعودية كالشيخ أبو بكر الجزائري والشيخ عبد الله الغنيمان. وتأثر بالشيخ ابن باز والشيخ ابن عثيمين بعد أن التقاهما غير مرة قبل أن يعود إلى لبنان ليؤسس أول عمل سلفي منظم من خلال تأسيس "نواة الجيش الإسلامي" أثناء الحرب الأهلية في لبنان للدفاع عن أهل السنة عقائدياً واجتماعياً في وجه "الأحباش" والفرق الباطنية.
أُخرج قسراً من طرابلس عام 1986م، لكنه عاد إليها بعد خمس سنوات ليؤسس عدة معاهد شرعية على امتداد رقعة الوجود السني، كما أسس إذاعة القرآن الكريم، وشرع في بناء المساجد تحت جمعية "الهداية والإحسان"، واستمر في العمل حتى عام 1996م حين حلّ مجلس الوزراء الجمعية، وسحب منها الترخيص بناء على طلب من وزير الداخلية ميشال المر، ويُرجع الشيخ السبب إلى رغبة غازي كنعان وزير الداخلية السوري حين كان يمسك بالملف اللبناني، وتوالت الأحداث وتفاقمت الأزمة بين الحكومة اللبنانية التي كانت تحت الوصاية السورية وبين الشيخ داعي؛ إذ اُتّهم بالتحريض على الفتنة المذهبية، وحُكم عليه بالإعدام، وتم مصادرة أموال الجمعية كلها، ودام هذا التضييق والملاحقة من عام 2000م حتى عام 2005م.
عاد إلى العمل من جديد بعد أن أُسقطت عنه التهم التي أُلحقت به، وأُعيد لجمعية "الهداية والإحسان" الاعتبار من قبل مجلس شورى الدولة، ليستأنف العمل على تحصين "أهل السنة والجماعة في لبنان" من خلال الإذاعة، وفتح المعاهد، وأسس مع شخصيات إسلامية أخرى "اللقاء الإسلامي المستقل".
التقته شبكة (الإسلام اليوم) في مكتبه في مدينة طرابلس، وحاورته حول بداية الوجود السلفي في لبنان وظروف نشأته وما لعبه من دور لحماية سنة لبنان... فإلى تفاصيل الحوار.
بداية لو تحدثنا عن أول ظهور عمل منظم للحركات السلفية في لبنان، وما الظروف التي واكبتها؟
الحقيقة في خضم الأحداث التي كانت موجودة في السبعينيات والنصف الأول من الثمانينيات كانت الأوضاع والأحداث والرؤية فيها كثير من الضبابية على صعيد لبنان ككل، فمنذ الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982م والذي وصل إلى العاصمة بيروت بدأ العد العكسي لقوة أهل السنة في لبنان بالتراجع. لقد كانت الطائفة السنية على ما فيها من دخن وغبش من جهة المبادئ والالتزام والانتماء كان لها الدور الريادي في مقاتلة العدو الإسرائيلي وقيادة الأحزاب والمنظمات التي تقف في وجه المخطط الأمريكي والإسرائيلي، إلاّ أن هذه القوات السنية كانت ضعيفة ومهمشة إعلامياً، هذا في الشمال أما في بيروت فلم يكن هناك وجود للعمل الإسلامي أصلاً.
الشاهد نحن بدأنا الدعوة السنية الجهادية في أواخر السبعينيات، وبحمده تعالى بدأنا ننتشر ونتمدد في أوائل الثمانيات. بدأنا العمل من دون غطاء رسمي لعدم وجود الحاجة لذلك في ظل الأوضاع التي كانت سائدة؛ إذ كان لبنان يعيش حالة فوضى والمجال فيه مفتوح، فأنشأنا "نواة الجيش الإسلامي" في السبعينيات، وقد ظهر بشكل واضح في الثمانينيات، وكانت نشأته في عام 1977م وبقي غير معلن بضع سنين، وإن كان يُعرف بشكل ضيق، لكن أول بيان صدر باسم الجيش الإسلامي كان سنة 1974، أمّا ظهوره للعلن فقد كان في عام 1983م أثناء معركة "أبو عمار" التي كان أحد أطرافها الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، كما أنّ معرفة الجماعات الإسلامية كانت قد بدأت في أوائل الثمانينيات.
هل كان "نواة الجيش الإسلامي" أول عمل سلفي منظم؟ وهل اقتصر دوره على العمل المسلح فقط؟
نعم ، كان الجيش الإسلامي أول عمل سلفي منظم، ولم يقتصر دوره على القتال فقط بل كان جسماً عسكرياً يتعاطى الشأن الدعوي والتربوي والسياسي. فنحن نؤمن بالشمولية، وحاولنا أن نعمل تحت إطار الشمولية والتوازن.
ماذا كانت أولويات "نواة الجيش الإسلامي" الذي أسستموه في تلك الحقبة؟
تقوية شوكة أهل السنة بشكل عام، ومواجهة هجمة الفساد الخلقي التي ظهرت بوضوح آنذاك بسبب الأحداث، ومواجهة الأحزاب من شيوعية ونُصيريّة، أي القوى غير الإسلامية المعادية للعمل الإسلامي في طرابلس.
هذا بداية ، فعملنا لم يكن ميلشيوياً، وإنما قوة للدفاع عن النفس والعقيدة والدين، كنا قوة دفع وليس قوة هجوم. ولم يكن لدينا متفرغون بالمعنى الميلشيوي كـ"حركة التوحيد" وغيرها، وإنما كنا كخط دفاع. من جهة أخرى كنّا نخوض معركة فكرية وعقائدية في الحفاظ على عقيدة أهل السنة والجماعة في وجه جمعية "الأحباش" أولا ثم التشيع ثانياً.
نحن لا نعلم أن هناك تشييعاً في مدينة طرابلس!(65/122)
بل هناك، كان هناك مخطط لتشييع أهل السنة في لبنان، وقد جاء هذا التشيع إلى طرابلس على يد الشيخ سعيد شعبان أمير "حركة التوحيد الإسلامية" السنية التي حكمت طرابلس في تلك الفترة. ونحن تاريخياً نشأنا قبل "حركة التوحيد" إلاّ أن الحركة المذكورة آنفاً دُعمت من قبل "ياسر عرفات"، ومن قبل إيران، وجاء الدعم لها على كل الأصعدة مالياً وعسكرياً. نحن كنا نرفض الارتباط بأي عمل غير إسلامي، وبالتالي لم يتيسر لنا الدعم كما تيسر لغيرنا، فأهل السنة خُذلوا من إخوانهم في الخارج فلم يتلقوا الدعم المالي ولا السياسي لتقوية عملنا في الداخل، لكن الحمد لله كان لدينا امتداد معقول وهيبة جيدة، وكانت عناصرنا فاعلة.
هل كان أثر "نواة الجيش الإسلامي" محصوراً في طرابلس أم تعدى لمناطق أخرى من لبنان؟
بعد عام 1985م انتقلنا إلى العاصمة بيروت، والى إقليم الخروب، وثم إلى صيدا، ولكن ليس باسم"نواة الجيش الإسلامي"، وإنما باسم "الجماعة والدعوة السلفية"؛ فقد تركنا العمل العسكري، وفي شهر أيلول دخلت القوات السورية إلى طرابلس ومعها الأحزاب، فغيرنا الخطة، وكان من الأخوة الذين اغتيلوا هو الشيخ أسامة القصاص، وهو أحد الإخوة النشيطين في الدعوة، وهو أحد المؤسسين للجمعية، اغتيل على يد الأحباش الذين حاربوا الدعوة السلفية في لبنان.
كيف تطورتم إلى ما يُعرف بـ"جمعية الهداية والإحسان"؟
بعد أن بدأت الأمور تتجه إلى السلام وخصوصاً بعد اتفاق الطائف، أنشأنا عام 1988م "جمعية الهداية"، ورُخص لنا سنة 1989م، وكان عملها يشمل الجانب الدعوي والتربوي من جهة والعمل الاجتماعي والخدماتي من جهة أخرى. عملنا حقيقة اقتصر على سد حاجات أهل السنة والجماعة في هذين المجالين. وكانت خدماتنا من أقصى شمال لبنان إلى أقصى الجنوب، ككفالة أيتام، دعوة، منشورات، مساجد، عملنا كان دعوياً وتربوياً وخدماتياً.
لماذا تم سحب الترخيص من الجمعية؟
كنا قد أنشأنا معهد الهداية عام 1991م، في السنة الخامسة وبعد سعي حثيث من الأحباش وحقد من المخابرات السورية على الدعوة السلفية، أمر غازي كنعان الذي انتحر في مكتبه في دمشق؛ إذ كان وزيراً للداخلية السورية، وكان قبلها مدير الملف اللبناني وأعلى مسؤول في القوات والمخابرات السورية في لبنان، أمر بإغلاق الجمعية. والذي قدم الطلب وزير الداخلية ميشال المر، ووافق على ذلك مجلس الوزراء، وتم سحب الترخيص بأول سنة 1996م .
هل كانت جمعية الهداية هي الجمعية السلفية الوحيدة في لبنان في تلك الفترة؟
جمعية الهداية هي الأم لما نشأ من جمعيات سلفية تُعنى بأهل السنة والجماعة، وكانت الجمعية هي الأكثر انتشاراً جغرافياً ودعوياً في الأراضي اللبنانية. وفي طرابلس خصوصاً حيث الثقل السني في لبنان لم يوجد غيرها من جمعيات لها أنشطة.
تمويل الجمعية من أين كان يأتي؟
من مؤسسات وأفراد خيّرين في الخليج.
لو تُسمي لنا بعض هذه المؤسسات التي كانت تُغطيكم مالياً؟
"دار البر" في دبي،"إحياء التراث" في الكويت، "مؤسسة الحرمين" في الرياض، وأحياناً "هيئة الإغاثة". أما الدعم الحقيقي والكافي فلم يكن من أي أحد.
هل كنتم تعملون وفق إحصاءات دقيقة عن واقع أهل السنة، وهل كنتم تراعون التوازن في رعايتهم على اختلاف مناطقهم؟
كان لنا أولويات وعلى رأسها الدفاع عن عقيدة أهل السنة والجماعة والعمل على تنقية العقيدة مما علق بها من شوائب، وخصوصاً في وجه جمعية المشاريع المشبوهة(الأحباش) التي كانت تناصب العداء لعقيدة أهل السنة، والتي كان لها باع طويل في التعامل مع المخابرات السورية في تتبع وقمع السلفيين. كنا ضعفاء محاصرين أمنياً واقتصادياً من الداخل ومن الخارج.
حتى إن إخواننا في الخارج كانوا لا يأبهون بوضع أهل السنة في لبنان بالشكل المطلوب مع تعدد الزيارات.
ماذا كان لديكم من طرق ووسائل لتحصين أهل السنة في لبنان؟ وكيف كنتم توصلون دعوتكم إليهم؟
أنشأنا إذاعة وكانت تغطي شمال لبنان بالكامل والساحل السوري، وتصل حتى تركيا ومصر، وكانت سياستنا في الإذاعة تقوية أهل السنة في عقيدتهم، وفي توعيتهم لمواجهة المخططات. وكان هذا كافياً ليُحسب جريمة عند السياسيين.
كما كان لدينا خمسة معاهد شرعية في طرابلس والضنية وصيدا مع قسم داخلي للطلبة، وعدد الطلاب فيها فاق (700) طالب وطالبة، بدوامين صباحي ومسائي.
تحت أي غطاء رسمي تعملون الآن؟
نحن نعمل تحت وقف مرخص، أما بخصوص "جمعية الهداية" فقد حكم مجلس شورى الدولة لصالحنا بعد أن رفعنا دعوة ضد قرار مجلس الوزراء في حل الجمعية. ونحن الآن بصدد الإجراءات المتبعة لأجل إعادة الجمعية بالكلية.
هل تعملون على إعادة دور الجمعية كسابق عهدها في العمل الدعوي والإغاثي؟
نعم، عاودنا فتح الإذاعة تحت اسم"الكلم الطيب" وثنينا بالمعهد، وهذه المشاريع هي جزء من مشروع عام لخدمة أهل السنة في لبنان.
خلال محنتكم تلك، ظهرت كثير من الجمعيات والوقفيات السلفية، ما حدود العلاقة التي تربطكم بهذه الجمعيات؟(65/123)
نحن نمد أيدينا للتعامل مع الجميع تحت مظلة الدفاع عن عقيدة أهل السنة والجماعة والطائفة السنية في لبنان، إلا أن هذه الجمعيات هي محدودة العدد والعطاء لأسباب مختلفة، وبالتالي وضع أهل السنة في لبنان وضع مزرٍ للغاية على الرغم من وجود الكثير من الجمعيات التي تحاول العناية بهم.
ما الذي يميز جمعيتكم عن سائر الجمعيات الأخرى؟
نحن تعاملنا بشمولية ولم يقتصر عملنا على الدعوة، بل حاولنا الدفاع عن أهل السنة بكل الطرق والوسائل؛ إعلاميا وخطابياً ودعوياً وسجلنا مواقف سياسية عن طريق المنشورات والبيانات، وحين تعرضت مدينة طرابلس أكبر مدينة لأهل السنة في لبنان إلى التدمير دافعنا عنها بأرواحنا وأجسادنا، وكان منا الشهداء والحمد لله.
في الشأن السياسي عُرف عنكم أنكم كنتم مع"جبهة العمل الإسلامي" التي يرأسها الشيخ فتحي يكن ثم انسحبتم منها. ما الأسباب التي دفعتكم لذلك؟
بعد حادثة الأشرفية التي زُج بالمئات من الشباب الملتزمين في السجون على خلفية المظاهرات التي خرجت لنصرة الرسول الأكرم بعد الإساءات الدانمركية، حيث اندس مخابراتيون لحرف التظاهرة عن مسارها، وشعر أهل السنة أنهم مستهدفون، دُعيت من قبل الشيخ فتحي يكن والشيخ هاشم منقارة والشيخ بلال شعبان مع مشايخ وإخوة آخرين لتدارس الوضع، لكن الذي حصل أن القوم ذهبوا لتأسيس ما عُرف بقوى العمل الإسلامي الذي تطور فيما بعد الى حزب "جبهة العمل الإسلامي" الذي يترأسه الشيخ فتحي يكن. أنا لم أكن جزءاً من هذا العمل، ولا يمكن أن أكون؛ لأنه من الواضح أن هؤلاء -ومنذ اللحظة الأولى للتحرك- كانوا يتحركون تحت أجندة معينة، ويعملون لمحور سوري إيراني واضح، وأنا لا أجد نفسي في هكذا محور.
بعد ذلك اتجهتم لتأسيس "اللقاء الإسلامي المستقل" مع علماء وقيادات سنية أخرى. أليس كذلك؟
أنا دُعيت إلى "اللقاء الإسلامي المستقل" ولم أكن من المؤسسين، وأنا مستعد لتقديم أي شيء يخدم الطائفة السنية وأهل السنة في لبنان، وأنا تمنيت على الإخوة في "اللقاء الإسلامي" أن نكون مستقلين ولا نمضي إلى أي محور من المحاور المتصارعة في لبنان. وأنا عضو في "اللقاء" إلاّ أن اللقاء حتى الآن لا رأس له، وقد أُعلن عنه قبل أن ينضج، وهناك كثير من الأمور تحتاج إلى بحث داخل "اللقاء". وأمانة السر هي مداورة، كل شهر تنتقل من شخص لآخر بين الأعضاء المشاركين، وسنناقش موضوع الناطق الرسمي، هل سيكون مداورة أم لا، وإن كان بدا للجميع أن النائب السابق خالد ضاهر هو الناطق الرسمي له.
بعض المتابعين يرى أن "اللقاء الإسلامي المستقل" يتشكل من طيف واحد، وأن معظم كوادره هم من "السلفية الجهادية" بخلاف السلفية العلمية، ما تعليقكم على هذا؟
"اللقاء الإسلامي المستقل" لم يتشكل من طيف واحد، كما أنه غير متنافر، فهناك شخصيات كثيرة لم تكن يوماً صاحبة نهج سلفي أو محسوبة عليه، وإن كان لها باع في العمل الإسلامي، مثل فواز خضر آغا مؤسس حركة "جند الله" في طرابلس، وكذلك كنعان ناجي وهو غير سلفي كما تعلم، كما أن الشيخ بلال بارودي شيخ قّراء طرابلس قال بلسان الحال أكثر من مرّة بأنه ليس سلفياً، وهؤلاء وغيرهم شخصيات فاعلة داخل "اللقاء".
أما بخصوص التقسيم "سلفي جهادي" أو "سلفي علمي" فهذا تصنيف استخباراتي، يرحمك الله. هذا التصنيف الاستخباراتي الذي تدعمه جهات خارجية يُقصد منه زيادة الشرخ في الطائفة السنية حتى لا يكون هناك أي أحد في الوسط؛ لأن من يكون في الوسط هو من يمثل الخطر الحقيقي على المؤامرات الغربية لبلداننا العربية والإسلامية.
أما بالنسبة للسلفيين في لبنان فهم ليسوا على نهج واحد ولا على لون واحد، كما أنهم على تنوعهم يرون العمل الجهادي ويؤمنون به، أما توقيته وأسلوبه فقد يختلف من فئة أو من جماعة الى أخرى، وأظن أن هذا هو الفرق بين الجمعيات السلفية في لبنان.
المتابع لتصريحات "اللقاء الإسلامي المستقل" يراه في مواقفه السياسية قريباً جداً من موقف 14 آذار، لا سيما تيار المستقبل، وخصوصاً حول الأزمة القائمة في لبنان.. هل ترى هذا الكلام صحيحاً؟
إذا كنت تقصد في الشأن السياسي فهذا صحيح إلى حد ما، الأمر التقليدي أن أي شخصية إسلامية سنية ينبغي أن يكون موقعها السياسي مع خطاب 14 آذار الذي يتصدره من الجانب السني الرئيس الحريري والرئيس السنيورة، الجميع متفق داخل "اللقاء الإسلامي المستقل" على ضرورة نصرة الطائفة السنية واتخاذ التدابير الوقائية، حتى لا يحصل لهم في لبنان ما يحصل لأهل السنة في العراق.
تيار المستقبل يمثل السنة الآن على الصعيد السياسي، ولا يستطيع أحد أن ينكر ذلك، بدليل أن جميع نواب السنة في البرلمان هم من التيار، ووجود التيار يخدمنا، ووجودنا أيضاً يخدمه، وهو وإن كان حزباً علمانياً إلاّ أنه لا يكن العداء لنا، ولم يعلن علينا الحرب، وبالتالي أي مصلحة لنا في فتح جبهة معه؟
ممّ تخشون على الطائفة السنية في لبنان؟(65/124)
خشينا في السابق ونخشى اليوم أكثر، وأنا قلت سابقاً وما زلت أقول إننا -كأهل سنة والجماعة- مستهدفون من الفرق الباطنية والشيعية في لبنان؛ لأن المشروع الذي يقوم به هؤلاء مشبوه، هو في ظاهره خط سياسي إلاّ أن الذي دفعهم لذلك هو الجذور العقدية، وهذا المشروع يظهر في المحور الإيراني السوري في المنطقة. فلو لم تكن الجذور العقدية وراء هذا المحور ما الذي يدفع سوريا وهي الدولة العربية الوحيدة لنصرة إيران والدوران في محورها. نحن نرى أن كلا النظامين السوري والإيراني يخشيان على نفسيهما من نفوذ أهل السنة في المنطقة.
كما نخشى على أهل السنة من المخطط الغربي التآمري، وهذا المخطط قديم وحديث، وإن بدا عنيفاً. لكن الشديد الآن على أهل السنة هو التشييع، فالتشييع في سوريا يقوم على قدم وساق وبغطاء من النظام السوري النُصيري، ونحن نعلم أن مدينة طرابلس كبرى مدن لبنان، والتي فيها ثقل أهل السنة دُمّرت من قبل النظام السوري عن عمد وقصد، في حين أن الشيعة دُعموا إلى أبعد الحدود سياسياً واقتصادياً وعسكرياً وإعلامياً من نفس المحور بناءً على اتفاق مسبق بينهما. أمّا الموارنة فقد تيسر لهم الحد الأدنى من الغطاء الغربي، فحافظوا على حد أدنى من وجودهم وكيانهم وقدراتهم الأمنية والسياسية والإعلامية والعسكرية ضمن الجيش وضمن المؤسسات. أما أهل السنة فطُحنوا طحناً من النظام السوري والنظام الإيراني.
هل ترى أن الجمعيات السلفية على كثرتها تقوم بدورها في رعاية أهل السنة؟
لو كانت تقوم بالدور المنوط بها هل كنت سترى هذه الحالة المزرية لأهل السنة في لبنان، الجمعيات والوقفيات السنية يزيد عددها عن ثلاثين جمعية ووقفاً، ولكن لا تقوم بالدور المطلوب لأسباب عديدة بعضها خارج عن إرادتها، وكثير من هذه الجمعيات والوقفيات عملها ضيق جداً، ويبتعد عن الشمولية في الطرح والعمل.
هل ترى أنه من الأفضل تشكيل جبهة موحدة تجمع كل التيارات السلفية في لبنان؟ وهل من معوقات تحول دون ذلك؟
أنا أرى أن السلفيين في لبنان بينهم وبين توحيد الصف ضمن جبهة واحدة كما بين الجنة والنار، سهل وصعب في آن، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: "الجنة أقرب إلى أحدكم من شراك نعله، النار مثل ذلك". أما المعوقات فهي أن الخط السلفي تأثر بهذه الأوضاع وتضعضع، وهو بحاجة إلى مراجعة إيمانية ثم مراجعة فكرية.
=============(65/125)
(65/126)
الجماعة الإسلامية بلبنان انحرفت عن مسار الإخوان
بيروت / محمد علوش 30/11/1427
21/12/2006
كان من أبرز المنظرين للحركة الإسلامية، ليس في لبنان فحسب، بل في كافة أرجاء الوطن العربي، ولا تزال الذاكرة الحركية تتذكر "الموسوعة الحركية" و "ماذا يعني انتمائي للإسلام؟"، و "المتساقطون على طريق الدعوة" و "مشكلات الدعوة والداعية" و "الإسلام فكرة وانقلاب" ...
الشيخ فتحي يكن وُلد في 9 فبراير 1933 في طرابلس بلبنان، وهو متزوج من السيدة منى حداد يكن وله أربع بنات وولد، وحائز على شهادة الدكتوراه في الدراسات الإسلامية واللغة العربية.
انخرط فتحي يكن في العمل الإسلامي في لبنان منذ الخمسينيات. وهو أحد فروع تنظيم الإخوان الدولي.
وظل "يكن" مسؤولاً عن أمانة الجماعة الإسلامية حتى نجاحه في الانتخابات النيابية عام 1992؛ إذ قدم استقالته بسبب اختلافات في داخل الجماعة التي وصفها فتحي يكن في حواره مع شبكة (الإسلام اليوم) بأنها قد انحرفت وابتعدت عن منهج الإخوان، وهو الأمر الذي دفعه للاستقالة.
بعد غياب عن الساحة الحركية الدعوية، عاد الشيخ يكن إلى الأضواء مجدداً عبر الساحة السياسية هذه المرة، حين تحالف هو وجبهة العمل الإسلامي التي يرأسها مع تيار المعارضة الذي يقوده حزب الله.
(الإسلام اليوم) التقت الشيخ فتحي يكن في مقر إقامته بلبنان، وتناولت معه محاور الأزمة اللبنانية، والمحور السوري الإيراني، و حقيقة مخاوف المعارضة من المشروع الأمريكي في لبنان.
فإلى تفاصيل الحوار ...
في خطبة الجمعة التي أُقيمت في وسط المحتشدين في ساحة الشهداء، قلتم بأن اعتصام المعارضة باقٍ حتى يسقط المشروع الأمريكي في المنطقة، فما علاقة المعارضة بمواجهة المشروع الأمريكي؟
لا شك نحن ننظر إلى التشكل الذي قام في أعقاب جريمة اغتيال الرئيس الحريري على أنه تشكل منحاز، ونستطيع أن نقول بأنه مختطف من قبل المشروع الأمريكي، ويكفي أن يكون فيه بعض القوى التي اصطنعتها إسرائيل، والتي لا تزال تراهن على المشروعين الأمريكي والصهيوني، وأعني بها تحديداً القوات اللبنانية. يكفي أن يكون هذا، لأقول بأن سقوط قوى 14 آذار يعني بالتالي سقوط المشروع الأمريكي من دائرته اللبنانية. وإذا سقط هذا المشروع من البوابة اللبنانية، فإن هذا سيفتح الباب بالتالي لتساقطه وسقوطه من سائر البوابات العربية الأخرى.
ما طبيعة هذا المشروع الأمريكي الذي تبشرون بسقوطه؟
المشروع الأمريكي يرتبط بالفلسفة التي طلعت علينا بها أمريكا، والتي تتمثل في العولمة. العولمة لا شك أنها الإطار الأيديولوجي للمشروع الشرق الأوسطي، والتي تمهد بالتالي لتحقيق هذا المشروع من الجانبين السياسي والاقتصادي. فالعولمة تعني أمركة المنطقة من الناحية الأيدلوجية والفكرية والثقافية والاجتماعية. فإذا تحقق هذا أصبح بالتالي مشروع تقسيم المنطقة طائفياً، ومذهبياً، وعرقياً، وإثنياً سهلاً وميسوراً مما يفسح بالمجال أمام إسرائيل التي تمتلك الترسانة النووية، كما تمتلك أو تؤثر في معظم وسائل الإعلام في العالم، والتي لها الحظ الأوفى في لعبة الدولار، فتصبح هي الدولة المبرّزة والأقوى والأْفعل ضمن منظومة دول الشرق الأوسط. وهذا طبعاً ما خططت له الولايات المتحدة الأمريكية والصهيونية العالمية، وهو المشروع الأخطر الذي يواجه الأمة منذ تبوأت أمريكا قيادة النظام الدولي العالمي، وخاصة بعد سقوط الاتحاد السوفيتي؛ لأنه قبل ذلك كانت الإمبريالية والآن العولمة.
دعوتم في خطبتكم "السنيورة" إلى وأد الفتنة، أي فتنة تعنون؟
طبعاً أنا لم أدعُ إلى الاستقالة نهائياً. أنا دعوت "السنيورة" لوقفة تاريخية ترضي الله أولاً، تطفئ الفتنة المذهبية، وتخرج لبنان من عنق الزجاجة، من النفق المظلم. إنما الدعوة التي طالبت بها هو الأخذ بمعادلة الثلث الضامن. أنا ضد إسقاط الحكومة بالشارع، ضد أن يتغير الرئيس السنيورة الآن. هو ينبغي أن يتحمل مسؤوليته كاملة، أن يتحمل مسؤولية الفترة الماضية.
تطالبون ببقاء الرئيس السنيورة على رأس الحكومة، وفي الوقت ذاته تجزمون بأن إسقاطها هو إسقاط للمشروع الأمريكي في المنطقة ككل .. كيف؟
لا، هناك تفاهم مع قوى المعارضة. نحن لا نريد أن نلقي هذه الحكومة جانباً. نحن نريد أن تبقى هذه الحكومة، وأن يعود الوزراء المستقيلون، ولكن ضمن إطار معادلة (الثلث+1) الضامن، وتُعدّ حكومة انتقالية تحضيرية لوضع قانون انتخاب. يهمنا نحن أن ننتقل من هذا الوضع الذي فيه انعدام الوزن سياسياً إلى الوضع السياسي الطبيعي العام. نحن نريد وضع قانون انتخاب وإجراء انتخابات مبكرة.
برأيك.. ما أساس الأزمة الحقيقية الآن في البلد؟(65/127)
أساس الأزمة هو الإنقسام الذي حصل في أعقاب اغتيال الرئيس الحريري. هذا الانقسام له سبب. لا شك أن الذي وضع السياق، وقام بجريمة الاغتيال كان يخطط لأن يستولي على مواقع القرار في البلد. من خلال ذلك، وفي فترة انعدام الوزن في الحياة السياسية، وتحت نتيجة تأثر الشارع السني بجريمة الاغتيال، وحدوث فراغ في المرجعية السنية، والذي يترافق مع التحضر الآخر لدى القوى المسيحية ذات الصلة المباشرة بالمشروع الأمريكي، ركبت الموجة، وتشكلت هذه المعارضة غير الطبيعية، التي جعلت هناك أكثرية نيابية، معظم الذين هم فيها الآن، كانوا خصوماً ألدّاء للرئيس الحريري منذ العام 1992 وحتى استشهاده. طبعاً أنا أعرفهم فرداً فرداً. لا أحب أن أذكر أسماء بالتفصيل، ولكن من نائلة معوض وزيرة الشؤون الاجتماعية إلى بطرس حرب النائب في البرلمان الى آخرين، وهناك أمثال سمير جعجع رئيس الهيئة التنفيذية في القوات اللبنانية من الذين ليس لهم ثقة بالمشروع العربي أصلاً.
من وراء هذه الاغتيالات؟ هل هي جهة واحدة؟ وماذا تريد بالضبط؟
قد تكون هنالك تقاطعات مصلحية لأكثر من جهة في هذا، وبظني أن القرار، والتخطيط المركزي لم يكن بعيداً عن البيت الأبيض الأمريكي. وليس بمستبعد أن تشترك بعض القوى، والأجهزة الأمنية المختلفة التي يعج بها لبنان في تنفيذ هذه الجريمة.
وهي تريد تطبيق المشروع الأول لأمريكا، كي تدخل أمريكا لبنان، تريد أن تفتعل صدمة، أي ذريعة تساعدها إلى دخول لبنان، كالذريعة التي افتعلتها مع العراق؛ حيث ادعت أنه يمتلك أسلحة دمار شامل. أمريكا حتى تتحرك تحتاج إلى قرار دولي، هم أخذوا قراراً دولياً، لكن أمريكا كانت قد باشرت باحتلال العراق.
كيف تدخل أمريكا إلى لبنان؟
لا شك أن أمريكا هيأت الوضع السياسي لتقبُّل هذه الفكرة.عندما تم توجيه أصابع الاتهام إلى سوريا بأنها وراء جريمة الاغتيال، وعندما خرج الجيش السوري من لبنان مباشرة، بدأت الدبلوماسية الأمريكية تتحرك، وتهيئ الأجواء كذلك لهذا الانحياز. قد لا تحتاج أمريكا لأن تتدخل عسكرياً إذا تم وضع اليد السياسية على المؤسسات الرسمية اللبنانية، من رئاسة الجمهورية مروراً بمجلس النواب، وصولاً إلى الحكومة؛ لأنه سبق عندما تشكلت الأكثرية، ولم يعد هناك إجماع، عندها بدأت أمريكا بأطروحاتها مثل قضية التمديد، طرحته على أنه غير مشروع لتنسف تقريباً ما تبقى من العهد الماضي، حتى إنها تحاول أن تسقط تقريباً الأدوات التي تشكلت في الفترة الماضية، وحتى هي تحول على مفاصل المواقع الرسمية أي المواقع الثلاثة.
ذكرت في خطبتك أنه على رأس الجهاز القانوني للمحكمة الدولية امرأة يهودية، متخرجة من تل أبيب، هل هذا يعكس مخاوف حزب الله من المحكمة الدولية؟ هل لهذا علاقة باستقالتهم من الحكومة؟
الموضوع هذا أساساً لا يعرفه حزب الله. سمعه مني ولم يسمعه من غيري.
فأنا أخبرتهم به من قبل الخطبة؛ إذ كان هناك محاضرة لي، وتكلمت أنا حول المحكمة. للأسف، نحن تعوّدنا أن كل ما يصدر عن مجلس الأمن، لا بد أن يُرتّب صهيونياً، بحيث تمسك به إسرائيل، وبخاصة في قضية تتعلق بمشروع الشرق الأوسط، وعندما خرجت بعض الدراسات تشير إلى أنّ على رأس هذه المحكمة، من الناحية القانونية، دكتورة يهودية، خريجة تل أبيب، طبعاً عندئذ بدأنا نفكر أن كل شيء محبوك لصالح المشروع الأمريكي في المنطقة، المشروع الأمريكي الصهيوني. يبدو أن هناك ثلاثة مشاريع، مشروع أمريكي أمريكي، مشروع أمريكي صهيوني، مشروع صهيوني صهيوني. وقد تشكل المشروع الثنائي الأمريكي الصهيوني في أعقاب الحادي العشر من أيلول 2001 عندما ضُرب مركز التجارة العالمية، حيث ذهب شارون من هنا، والتقى رئيس بلدية نيويورك نيابة عن الرئيس بوش، ووقّعا حلفاً ثنائياً، في نفس مكان تهدم البرجين لمكافحة الإرهاب في العالم. أي مكافحة من اتهموا أنهم وراء تدمير مركز التجارة العالمي.
أنتم الحركة السنية الوحيدة التي تحالفت مع المعارضة، ماذا تريدون من هذه المشاركة؟(65/128)
في الأساس، نحن لو لم يكن هناك أي معارض، لو لم يكن هناك حزب الله، ولا تيار عون، ولا أي قوة أخرى، حتى لو لم يكن هناك، لا "لقاء وطني" ولا "قوة ثالثة"، نحن لا نجد أنفسنا إلا في هذا الموقع. لكن للأسف، الكثير ممن يعتبرون أنفسهم سنيين لا يجيدون القراءة، ولا يعرفون بالفعل ما يجري حولهم. في الأساس، هذا موقعنا، نحن هذا الموقع يفرضه علينا الصراع العربي الإسلامي- الإسرائيلي. لا أن نكون في الصف الآخر حيث يلهث وراءه الكثيرون. أساساً الموجود في الصف الآخر، إما صنعته إسرائيل أو وضع اتفاقات 17 أيار مع إسرائيل الذين هم الكتائب اللبنانية وأمين جميل الرئيس السابق للبنان، وما أشبه ذلك. موقعنا الطبيعي هو موقعنا الجهادي، الموقع الصدامي مع هذه الجهة، الموقع الذي هو امتداد لحركتنا العسكرية، التي تمثل الساحة السنية، التي هي حركة حماس فضلاً عن حركة الجهاد الإسلامي. حركة حماس للأسف هي المؤسسة الجهادية العسكرية التي تمثل الساحة السنية كلها وليس للإخوان المسلمين فقط. نحن نراهن على هذه الجبهة، جبهة حماس المقاومة، فكيف يمكن أن نكون في موقع غير هذا الموقع.
هناك موقعان، إما أن نكون مع حماس ضد إسرائيل، أو أن نكون مع إسرائيل ضد حماس. ليس هناك موقع ثالث، ولا يجوز أن يكون. ليس في هذا اجتهاد فقهي، فتقول: أنا آخذ الجانب الوسطي، ليس هناك وسطية في هذا. أنت موقعك يفرض عليك، إما مع المشروع الصهيوني أو ضد. أما أن تقول: أنا لا مع، ولا ضد، فهذا غير مقبول.
نحن لم يجذبنا في الأساس إلى موقع المعارضة، لا مشروع شيعي، ولا حزب الله، ولا "عون"، ولا غيره. حتى نحن كان لدينا علامة استفهام على "عون" عندما كان في الخارج.
مشروع عون هو علمنة الدولة كما يُقال، ألا يناقض تحالفكم معه فكركم كحركة إسلامية سنية؟
الموقف السياسي في الأساس هو المواجهة. المعارضة الآن لا تتوقف، موقع المعارضة يجمعها مشروع مواجهة مشروع إسرائيل وأمريكا، مواجهة المشروعين الأمريكي والصهيوني على نفس النسق الذي جمع قبائل العرب قبل الإسلام في دار عبد الله بن جدعان فيما عُرف بحلف الفضول، والذي قال به النبي عليه الصلاة والإسلام: "لو دُعيت إلى مثله في الإسلام لأجبت"، ولم يكونوا شيئاً واحداً، وبعد مجيء الإسلام كذلك أكّد النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه لو دُعي إلى مثله وهو نبي وقائد إسلامي لأجاب، والذي يقوم طبعاً على أساس رفع الظلم، وما أشبه ذلك. المعارضة الآن تواجه الطاغوت العالمي حالياً.
تعني أن المعارضة لها امتدادات خارجية؟
لا شك أنّ لها امتدادات فكرية ثقافية وجدانية في العالم لكن ليست عضوية.
هل هذه المعارضة مرتبطة بمحور سوري إيراني حقيقة؟
قد تلتقي فكرياً ومنهجياً، لكن غير مرتبطة توجيهياً، وغير عضوية أبداً.
عمن تتكلم بالضبط عن المعارضة ككل أم عن جبهة العمل الإسلامي فقط؟
طبعا، أنا أتكلم عن جبهتنا أي جبهة العمل الإسلامي فقط، أما عند الآخرين فلا أدري.
تقصد حزب الله وحركة أمل؟
نعم ممكن يكون عندهم ارتباط أو تلقي أو إملاءات معينة، لكن نحن لا يُملي علينا أحد شيئاً، نحن نأخذ قرارنا من أنفسنا سواء غضب الآخرون أو رضوا، وبغير تشاور مسبق مع أحد، ممكن يستغرب من معنا في المعارضة من الأحزاب الأخرى، وقد يستنكرون بعض مواقفنا، لكن لا ننتظر قراراً خارج قناعتنا وخارج إطار اجتماعاتنا. هذا ينبغي أن يكون واضحاً جداً جداً.
هل تخشون على وضع السنة في لبنان من تهميش سياسي؟
التخوف في الأساس يأتي إذا بقيت هذه الطائفة على هامش الأحداث؛ فعدم قراءتها جيداً لما يجري، وعدم رغبتها في أن تكون رأس الرمح في مواجهة المشروع الغربي كما كانت، الآن لا شك هي على هامش الأحداث. هي ليست فاعلة على الأقل، ألغت موقعها المقاوم في مواجهة إسرائيل، بحيث قفز إلى الأمام مشروع حزب الله والمقاومة الإسلامية، علماً أنّا في الجماعة كنّا أول من بدأ المقاومة في الجنوب.
لكن هناك من يقول بأن حزب الله قوّض مقاومة السنة في الجنوب، وجعل المشروع المقاوم حكراً عليه، وهو يمنع أي سني من حمل بندقية في الجنوب، حتى ولو كان من أهلها!!(65/129)
لا أبداً هذا الكلام غير صحيح؛ لأنه عندما قامت المقاومة السنية لم يكن هنالك مقاومة شيعية حتى عام 1983، أي بعد الاجتياح الإسرائيلي بسنة واحدة، عندئذ قامت المقاومة الشيعية، أي بعد أن انسحبت إسرائيل إلى الشريط الحدودي حيث المناطق الشيعية، عندئذ خبا دور المقامة السنية؛ لأن العمل في المناطق الشيعية من قبل المقاومة السنية ليس بالأمر السهل، هنا بدأ عمل حزب الله، واستمر التنسيق بين قوات الفجر والتي هي سنية وحزب الله فترة طويلة من الزمن، بعد ذلك توقف العمل المقاوم السني فترة معينة ثم تابع عمله وباستقلالية كقوات فجر، صحيح لم يكن بالمستوى الذي عليه حزب الله؛ لأن المواقع التي احتلتها إسرائيل مؤخراً ليست مواقع سنية، ومن طبيعة الحرب ومن عوامل النصر أن تمتلك الأرض وطبيعتها وسكانها التي أنت تقاتل عليها، تراجع العمل المقاوم السني اليومي، لكن لا يزال هناك تنسيق حتى يومنا هذا، ونحن عندنا في جبهة العمل الإسلامي، تنظيم قوات الفجر الجناح المسلح لا يزال قائماً، ومسؤول قوات الفجر عضو ركن من أركان الجبهة.
هل تتخوفون من هلال شيعي على غرار ما تخوف منه الملك الأردني مؤخراً؟
وأنا طبعاً سمعت وقرأت وناقشت، لست بعيداً عن الأحداث هذه، وآخر ما قرأت ما كان عنوانه: "المشروع الصفوي" الذي يتعلق بالمنطقة هذه، وأنا ناقشت هذا المشروع مع السيد حسن نصر الله شخصياً، في جلسة من الجلسات، قلت له: "شو سمعنا أن هناك مشروعاً صفوياً".
قد يكون هناك مشروع صفوي، وقد يكون هناك مشروع شيعي، لكن أنا بالتالي أقول: أليس هناك مشروع سني إسلامي، فإن لم يكن هنالك مشروع إسلامي سني، أفلا ينبغي أن يكون لدينا مشروع سني إسلامي؟ ألا يدفع وجود مشروع شيعي صفوي في المنطقة إلى قيام مشروع سني عربي، وإذا كان هناك فرصة للتعاون بين المشروعين أليس هذا بأحفظ للذين يتخوفون من المشروع الشيعي؟ أليس هذا بأحفظ للسنة من ألاّ يكون هنالك مشروع سني عندنا؟
كلام جميل، ولكن إذا سلّمنا بوجود مشروع صفوي أو حتى مشروع شيعي، فإنه سيكون على حساب السنة في البلاد العربية، نحن نسمع يومياً ما تفعله فرق الموت من فيلق بدر وجيش مقتدى الصدر بأهل السنة في العراق، حتى إن جرائمهم تطال الفلسطينيين، حتى تناقص عددهم من (30) ألفاً إلى (3) آلاف، فضلاً عن الاغتصاب وحرق المساجد، كيف يمكن أن يكون هناك تلاقٍ بين مشروعين يقوم الأول منهما على تفتيت الآخر وتمزيقه؟
لا شك أن الساحة الشيعية ليست سواء، كما أن الساحة السنية ليست واحدة، هناك مجرمون، وهناك من هو مستعد للتعاون مع إسرائيل من الطائفتين، ومن الفريقين. مثلاً في العراق أنا أعتقد أن عبد العزيز الحكيم وقبله محمد باقر الحكيم عندما دخل بقوات فيلق بدر إلى العرق قال: "نحن لا نحتاج من أمريكا إلاّ أن تغطينا بسلاحها الجوي". أنا استنكرت كلامه هذا على قناة "العالم" الفضائية، وقلت: ألا يعني هذا أن احرقوا العراق أيها الأمريكيون حتى ندخل نحن؟ لا شك أن في العراق الآن فريق من الشيعة قد يكون أخطر على الأمة وعلى الإسلام من المشروع الأمريكي والصهيوني.
هنالك قوى شيعية قد تكون بالفعل في حالة تعاون مع المشروع الأمريكي. كما أن هنالك قوى سنية ليس في العراق وحسب بل على امتداد العالم العربي والإسلامي ضليعة في التعاون مع إسرائيل. لا بد أن ننظر نحن بعينيين. السنة ليسوا سواء والشيعة ليسوا سواء؛ فيهم من هو عميل من هذا الطرف أو ذاك.
هل تتوقع قيام حلف إيراني أمريكي خصوصاً بعد حصول إيران على الطاقة النووية؟
أنا لا استبعد شيئاً ضمن إطار التفتيش عن تقاطع المصالح، نحن لا نستطيع أن نحكم.
كيف يمكن أن ينشأ حلف بينهما، وإيران تدّعي أنها دولة إسلامية، فكيف تتفق الثوابت الإسلامية مع البراغماتية الأمريكية؟
لا شك أن الثورة الإيرانية عقائدية أيديولوجية واضحة المعالم أقامها الخميني، إنما القوى التي حكمت بعد ذلك، وأفرق هنا بين الثورة والدولة، وأفرق بين الدولة والحكومات المتعاقبة؛ فهنالك حكومات كثيرة مرت في إيران. الإيرانيون أنفسهم يعرفون تماماًَ، في عهد رفسنجاني كان منفتحاً على أمريكا كلياً، لكن هذا لا يعني أن انفتاح رفسنجاني يعني الدولة كلها أو السلطة كلها، لهذا السبب أقاموا مرجعية روحية تتمثل الآن بالخامنئي ليقول هذا صح وهذا خطأ. لو تُرك الأمر لرأس النظام أي السلطة الزمنية وحدها، لأخذت إيران مباشرة إلى الوجه الآخر أو الطرف الآخر. هنالك في إيران من هم على استعداد أن يقيموا علاقات مع أمريكا، لهذا السبب قلت إنه يمكن أن تقوم هناك مذكرة تفاهم أمريكية إيرانية على نقاط معينة.
هل لإيران مطامع في دول الخليج؟
هذا يحتاج إلى براهين في ذلك، هناك تخوّف خليجي كبير من ذلك، ولكن أنا بحسب قراءاتي ومتابعتي لم ألمس أي نية لإيران بأن توجّه قواها العسكرية ضد أي دولة عربية أو إسلامية.
ما طبيعة العلاقة التي تربطك بالنظام السوري؟ وهل أنت راضٍ عن تحالف إخوان سوريا مع عبد الحليم خدام؟(65/130)
بالنسبة إلي، تعود علاقاتي مع النظام إلى الفترة التي بدأت فيها المشاكل بين الإخوان والنظام؛ لأن الموقف الذي اخترته بعد قراءتي لما يجري، والذي تم التعاون من خلاله مع قيادات إخوانية كثيرة ومنها المواقع القيادية المركزية لحركة الإخوان المسلمين، والتي تمثلت بقيادة المرشد العام التلمساني، ثم بعد ذلك الأستاذ مصطفى مشهور، والتي تمثلت داخل سوريا بقيادة الشيخ عبد الفتاح أبو غدة المراقب العام الأسبق. كنا نحن نرفض ما أُلصق بحركة الإخوان، بأنها هي التي كانت وراء مجزرة "كلية الضباط" التي ذهب ضحيتها حوالي (120) شخصاً في تلك الفترة من الطائفة العلوية، والتي لم تكن في الأساس من ترتيب حركة الإخوان، وإنما قامت بها ما سميت بتلك الفترة "الطليعة"، وعندما وُجّهت أصابع الاتهام إلى الإخوان، القيادة قبلت هذا التحدي ظناً منها أنها على وشك الوصول إلى الحكم، وبدأت الأحداث.
فريق من القيادة كان يرفض هذا الأمر، على اعتبار أن ليس للإخوان علاقة بذلك، من هؤلاء، وعلى رأسهم الشيخ عبد الفتاح أبو غدة، فنحن في هذا الإطار حضرنا، وأبدينا رأينا في ألاّ تتحمل الحركة ما اتّهمت به بغير حق في مسؤولية "كلية المدفعية".
منذ تلك الفترة بدأت مهمتي بالمشاركة مع عدد من قياديي حركة الإخوان المسلمين التنظيم السوري لمحاولة حلحلة هذا الأمر، وطي هذه الصفحات، وإعادة الأمور إلى نصابها، وطبعاً كان على رأس الذي شاركنا وشاركته الشهيد أمين يكن الذي كان مراقباً للإخوان المسلمين في تلك الفترة.
منذ تلك الفترة بدأت العلاقة، وبعد ذلك استمرت المساعي لإغلاق الملف أي تحقيق نوع من المصالحة بين حركة الإخوان وقياداتها الموجودة في الخارج وبين النظام، مع مشاركة كثير من القيادات مثل حماس، وكذلك نجم الدين أربكان رئيس الوزراء التركي السابق، وكذلك الرئيس عمر بشير وإخواننا في الأردن. ولا نزال نتابع هذا الملف لإغلاقه وإجراء المصالحة، ثم اصطدمنا بعد ذلك بما أُعلن عن تشكيل جبهة الخلاص الوطني بين إخوان سوريا وعبد الحليم خدام، ولم أكن أتصور في يوم من الأيام أن يتعاون إخواننا في سوريا مع عبد الحليم الخدام الذي كان من كبار المسؤولين الأكثر دموية في الأحداث التي كانت بين الإخوان والنظام؛ فهو لا يستطيع أن يغسل يديه من المسؤولية.
أنا أسأل: ما الذي يمكن أن يعطيه خدام للإخوان، ذلك الشخص الذي خسر كل أوراقه؟ هو لا يستطيع أن يعطيها شيئاً، هو مفلس تماماً، خدام هو الذي سيربح من رصيد الإخوان وليس العكس، ولكون هذا المنحى مرفوض من قبل القيادة المركزية لحركة الإخوان المسلمين في العالم الذي عبر عنه الأستاذ المرشد محمد مهدي عاكف، وعبر عنه الكثيرون، واستهجنوه كلياً.
قلتم القيادة المركزية للإخوان، هل تقصد أن هناك قيادة مركزية لكل الإخوان في العالم أم أن هناك إخوانيات، إخوان مصر، إخوان سوريا وهكذا؟
لا، هناك قيادة مركزية للشق المصري، وأيضاً للشق العالمي للتنظيم، المواقف توحي بأن هناك إخوانيات، لكن الحقيقة عكس ذلك. هناك قيادة مركزية للتنظيم عالمياً.
هناك خط إستراتيجي عالمي للإخوان، ولكن في الأمور الداخلية فأهل مكة أدرى بشعابها، أما الموقف السياسي العام فلا يجوز أن يكون بحال من الأحوال متناقض بين إخوان بلد إلى بلد آخر، فهل يُعقل أن يكون إخوان سوريا مثلاً مع إسرائيل وإخوان مصر ضد؟!
لكم كتاب قديم بعنوان" المتساقطون على طريق الدعوة" حذرتم فيه من سقوط المنتسبين للإخوان على طريق الدعوة، ثم بعد ذلك سمعنا أنكم انفصلتم عن الإخوان. فهل أنتم وقعتم في الذي حذّرتم منه أم أن الجماعة هي التي تساقطت على طريق الدعوة؟
نعم، أنا كتبت في هذا الإطار، لكن السقوط عن منهجية الحركة هو الذي يعني السقوط على طريق الدعوة، الآن منهجية الجماعة شيء ومنهجية الإخوان شيء آخر، المنهجية التي عليها الجماعة الإسلامية اليوم في لبنان سواء المنهجية الدعوية أو السياسية قد انحرفت وابتعدت بعداً كبيراً عن منهجية الإمام حسن البنا.
ما السبب في رأيك؟
السبب بدأ منذ 1992 عندما اقتحمت الحركة العمل السياسي ودخلت البرلمان، تعاظم الهم السياسي، وتراجع الهم الدعوي تراجعاً كبيراً، فنشأت هنا معضلات. عندما يضعف الجسم تأتيه الأمراض من كل مكان، معروف أن المناعة تأتي من المنهج التربوي في عمل الحركات الإسلامية، والذي يحفظ السياسة من الانحراف هي التربية في الأساس، فإذا أنت ألغيت التربية من حياة الفرد تكون قد ساهمت في تدميره وتضييعه، فإنسان كان يصلي يصبح إنساناً لا يصلي، السياسة في هذا التصور أصبحت شيطاناً رجيماً.
منذ العام 1993 بدأت هذه الظواهر تطفو على سطح العمل الإسلامي للجماعة الإسلامية، وكان لا بد من التنبه، ولا بد من التوازن وللأسف لم يكن. لذلك كان آخر ما كتبته "البصمة الوراثية لمنهجية الإمام البنا" هذا الكتاب لم يُكتب من أجل لبنان بل من أجل تنظيم سوريا وغيرهم من التنظيمات.
ما الفرق بين جبهة العمل الإسلامي والجماعة الإسلامية؟(65/131)
"جبهة العمل الإسلامي" أشبه بالجبهات التي تشكلت، وكانت قيادتها الجماعة الإسلامية مثل مجمع طرابلس في الستينيات، وجبهة الإنقاذ في السبعينيات، والهيئات الإسلامية في الثمانينيات والتسعينيات، وقد كان الشيخ سعيد شعبان أمير حركة التوحيد ضمن هذا الإطار، فالجبهة عادة تتشكل، هي ليست تنظيماً كتنظيم الأحزاب، وإنما هي إطار يعمل فيها أحزاب وقوى، مثل الآن "جبهة الأحزاب" في لبنان فيها القومي والشيوعي.
نحن ألفنا هذا النوع من الجبهات، "الجماعة الإسلامية" كانت الحاضنة لهذه الجبهات التي تشكلت عبر نصف قرن، فهذه على شاكلتها، وفي الأساس قامت هذه الجبهة.
ما أولويات عمل الجبهة حالياً؟
تسديد العمل السياسي حتى لا يكون هناك خروج عن الخطاب السياسي العام المألوف لدينا، وضبط الإيقاع في نفس الوقت، حتى لا تنفرد فئة بعمل معين، يرتد سلباً على الفئات الأخرى.
هل تعتقد أن "جبهة العمل الإسلامي" سوف تأخذ الدور الريادي على الساحة السنية، أم أن تيار المستقبل أصبح الآن هو الواجهة؟
ليس هناك وجه للمقارنة بين جبهة إسلامية وبين تيار المستقبل. أساساً هناك تجمع مالي سياسي معين لا يرتبط بالبيئة السنية إلاّ من حيث اسمها، هو تيار علماني، ليس لهذا التيار أهداف سنية عليا كما للحركات الإسلامية الأخرى. هو تجمع سياسي طارئ تشكل، وكان له هذه الفعالية بعد اغتيال الشهيد الحريري، ولن يكون تيار المستقبل يوماً ما مرجعية لأهل السنة والجماعة في لبنان، هو غير مؤهل لذلك. أما الساحة الإسلامية الأخرى فلها أهدافها، لها منهجيتها، لها برامجها.
أما جبهة العمل الإسلامي فإنها لمّا تشكلت لم تقم ابتداء إلاّ بمشاركة قياديين حركيين، كان فيها أعضاء يمثلون الجماعة الإسلامية، لكن انسحابهم منها بسبب التضارب الذي حصل.
في حوار لنا مع رئيس المكتب السياسي للجماعة الإسلامية أسعد هرموش، قال لنا إنك خرجت من الجماعة ولم يخرج معك أحد، فكيف تقول إنه كان معكم من الجماعة أحد؟
أنا لا أتوقف عنده، المهم عندما بدأت جبهة العمل كان فيها قياديون من الجماعة، لكن وجود هؤلاء في الجبهة أحرج القيادة التي لديها ارتباط مع 14 آذار فطلبوا منهم الانسحاب. إنما بدأ العمل بوجود ممثلين عن الجماعة.
هل انقطع إنتاجكم الفكري والتنظيري للحركات الإسلامية، وخصوصاً التنظيمات الإخوانية؟
كلا ما زلت أكتب، وقد نزل لي كتابان مؤخراً في الأسواق، وهما:"العيادة الدعوية" و"البصمة الوراثية لمنهجية الإمام البنا" وكتاب "الدعوة بين السائل والمجيب".
هل تخشى من مواجهة داخلية بين الحركات الإسلامية؟ وهل تتخوفون من علمنة الحركات؟
في واقعنا الحالي، هناك حركات إسلامية استطاعت الولايات المتحدة أن تستوعبها وان تؤمركها.
سمّ لي واحدة من هذه الحركات؟
المجلس الإسلامي الأمريكي "كير" يتبنون فكرة الإسلام المعدل، وهو الإسلام الذي يطرحه بوش، لكنه إسلام غير إسلام رسول الله عليه الصلاة والسلام، إسلام أمريكي، بمعنى كل ما يؤدي إلى نهوض الأمة إلى قوتها إلى جهاديتها إلى علميتها، هذا التوجه يقتل أي أمل بالنهوض في الأمة.
بعد عام 2001 وموضوع القاعدة، بدؤوا بتغيير هذا المفهوم،أي بتغيير الإسلام، الإسلام الذي يدعو لحمل البنادق دفاعاً عن الأمة، لذا فقد بدؤوا بالدولة السعودية في تغيير المعاهد والمناهج، وكذلك في الأزهر حتى استطاعوا أن يختزلوا كثيراً من المقررات في الأزهر، كل المقررات القرآنية التي فيها قضايا الجهاد والغزوات يريدون إسلاماً منحنياً مطأطئ الرأس.
===============(65/132)
(65/133)
البيان الحقيقي في رد أقاويل الـ(صوفي)
أبو عمر الدوسري (المنهج)
هذه أحد التعقبات والردود في أحد المنتديات وزاويتها (منهاج السنة) .. وكان الآخر اسمه (صوفي) وهو صوفي .. أخذ ينكر كثير من اعتقادات الصوفية .. ويقول هذا ليس عندنا .. هذا مدسوس-تقية الصوفية- ... هذا له معنى آخر .. ليس كذا وكذا .. ومن القضايا المناقشة وحدة الوجود .. فرغبت أن نناقش تلك القضايا قضية قضية .. وبدأت بوحدة الوجود .. فالأهم فالمهم .. ولكنه حاد عن النقاش .. ثم هرب ولم يناقش .. وإني أضع هذا الموضوع لفائدته في هذا الجانب .. والله المسئول أن ينفع بما كتب ..
الحمد لله الفرد الصمد،عز عن الشريك وارتفع،وذل لهُ كل شيء وخضع،وصلاة على من لا غيره متبع،الإمام المعصوم محمد بن عبدالله عليه الصلاة والسلام،أما بعد:
فإني قد تصفحت ما تيسر لي من صفحات المنهاج،الذي في شفاء للمحتاج،وأعجبني ما سطره الأحبة من مقالات في فرق الضلالات،وأزعجني ما جاء في عقائد أهل التصوف،وإنكار الصوفي لها فهل هذا عمل منصف!!ولهذا كان التبيان،ولا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة.
فمن النقاط البارزة،والتعاليق النافعة،قيد الاخوة ما في عقائد الصوفية من طوام،فكان من (صوفي) الإنكار،وحيلة العاجز الإنكار،مع ما أثبت بالمصادر من الأخبار.
فمما لفت الانتباه؛إنكار (صوفي) للخلاف العقدي بين الطُرق،وقال الخلاف في الفروع،والأصول واحدة،فإن كنت تقول هذا فنحن نثبت لك عقائد الشاذلية،أو التيجانية،أو الحبشية (الأحباش)،أو الحلولية أو النقشبندية أو … ،وبدأ التلاعب بمعنى وحدة الوجود الموجود -وأقسم- عند عدد من فرق الصوفية،وقال الخلاف في الأذكار،فما حاله مع وحدة الوجود!،وأشتد بالإنكار على كُتب الخبث والفسق والكفر الطبقات الشعرانية والسلمية وغيرها من الفصوص ، وما يسرقه من دين المرء هؤلاء اللصوص،وغيرها من الأمور فأوجب هذا البيان،فالمعذرة من الشدة في الكلام،فأنا لا أحب مخادعة العقول،فلسنا متصوفة نمرر ما يقول الشيخ،وكون المريد كالميت عند مغسله!!وهل له بإنكار المقولة.
أقول:
بأن أهل التصوف ليسوا على عقيدة واحدة في كل شيء؛بل هم طوائف وطرق شتى،ولا يمكن حصر مذاهبهم لكثرة الانحرافات التي تحدث في محيط التصوف؛لأنه لا يعتمد على المصدر المعصوم (الكتاب العزيز والسنة الصحيحة) ؛بل يعتمد على الأحاديث المكذوبة والحكايات الموضوعة والقصص الخيالية،ويعتمد بالدرجة الأولى على الأحلام والمنامات والكشف والإلهام والخواطر،وبالرجوع إلى كتب المتصوفة أو الكتب التي تتحدث عن الصوفية يمكن تلخيص جل الانحرافات الموجودة في محيط التصوف فيما يلي:
1/ القول بوحدة الوجود وأن الخالق هو عين المخلوق
كما قال أبو يزيد البسطامي: (سبحاني سبحاني ما أعظم شأني) .. فهل بعد هذا الكفر كفر؟؟!!
نقرأ ما يقوله (ابن عربي) الشيخ الأكبر عند الصوفية[الفتوحات المكية] (سبحان من خلق الأشياء وهو عينها) .وهو القائل: (فيحمدني وأحمده ويعبدني وأعبده) ولذلك أشهر البقاعي الحُسام في تنبيه الغبي في كفر ابن عربي.
وهذا شيخ صوفي من أئمتهم ابن الفارض الذي يؤكد هذه العقيدة في قصيدته المشهورة (بالتائية):
لها صلاتي بالمقام أقيمها ----- وأشهد أنها لي صلت
كلانا مصل عابد ساجد إلى --- حقيقة الجمع في كل سجدة
وما كان لي صلى سواي فلم تكن - صلاتي لغيري في أداء كل ركعة
وما زلت أياها وإياي لم تزل ----- ولا فرق بل ذاتي لذاتي أحبت
فهل بعد هذا الكفر من كفر!!ولا يزال الصوفية يجلونهُ ويسمونه (سلطان العاشقين)
أما شهيدهم الحلاج وأحد أئمتهم فإنه يقول في كتاب [الطواسين 34]:
(أنا من أهوى ومن أهوى أنا .... نحن روحان حللنا بدنا
فإذا أبصرتني أبصرته ..... وإذا أبصرته أبصرتنا)
أن (الجيلي) وهو من كِبار مشايخ الصوفية-يعلن في صراحةٍ ووقاحة- أنه إله الكون الأعظم فيقول في كتاب (الإنسان الكامل 1/22) :
"لي الملك في الدارين لم أرى فيهما ... سواي فأرجوا فضله أو فأخشاه
وقد حزت أنواع الكمال وأنني .... جمال جلال الكل،ما أنا إلا هو"
إلى أن يقول:
"وأني رب الأنام وسيد ... جميع الورى اسم،وذاتي مسماهُ"
وانظر إلى تفسير هذا المخرف شيخهم النابلسي حين يقول مُعقباً على قوله تعالى: {إن الذين يبايعونك إنما يبايعون} :
(أخبر تعالى أن نبيه محمداً صلى الله عليه وعلى وسلم هو الله تعالى وتقدس . وبيعته هو بيعة الله،وبدء التي مدت للبيعة هي يد الله .. كما يقول في تفسير الله تعالى لموسى {وأنا اخترتك} بأن تكون أنت أنا وأكون أنا أنت)
فما رأي المسلم من أقوال أئمة التصوف؟!!
يقول العضو (صوفي) أننا ننكر؛أقول لا تتعب حالك لدينا ما يثبت نقيض قولك.
فلقد ألف أحد الصوفيين هداه الله للإسلام كتاب أسماه (شهيد التصوف-أو لعله الإسلام- الحلاج) فماذا يا ترى يعني هذا الكتاب الصوفي الذي صدر حديثاً وهو يكيل الثناء والمجد ويأصل عقائد الكفر الحلاجية!!!فما رأي العضو (صوفي) أليس هو متناقض أو يستخدم التقية؟!!!(65/134)
أقول ويزعم (صوفي) بأن لا خلاف بين الفرق الصوفية في الأصول؛فأغرمك أنا على أنك نقشبندي وتعتقد بعقيدة وحدة الوجود،وتحققت من معناها الحقيقي هل كلامك الذي أبديت به تقيةً عصرية واضحة فاضحة!!
ما رأيه [وليعلم بأني لي تواصل مع عدد من الصوفيين وخاصة النحلة الزائغة النقشبندية والأحباش وغيرهم هداهم الله للإسلام من جديد] بهذه العقائد!!هذه واحدة من عدد من المفارقات بين أهل السنة وأصحاب الطرق الزائغة من الصوفية.
أخي الموحد:
اقرأ وأنت الحكم على وردٍ لا يزال أصحاب الطرق يرددونه في ملتقياتهم ودروسهم،ويؤصلون به عقيدة الإلحاد والكفر،اقرأ ماذا يقولون ويرددون ويعتقدون: (اللهم انشلني من أوحال التوحيد،وأغرقني في عين بحر الوحدة حتى لا أرى ولا أجد ولا أحس إلا بها) .
والسؤال أين (صوفي) ليأول لنا هذا الدعاء يلتف على الكلمات؟؟!!!رجل يريد أن ينتشل من التوحيد ليقذف بأوحال الوحدة!!!!وكما قال أحد الدعاة "لسنا أغبياء بدرجة كافية" ولعله من الواجب أن نبين في المرة القادمة التأويلات الصوفية في تحريف الكلام!!!
لماذا يشتد نكير دعاة الإسلام على هذه العقيدة الصوفية اليوم،وهناك من يحاول إنكارها أو التنكر بالألفاظ لها،يجيب الشيخ محمد غازي رحمه الله في الصوفية والوجه الآخر: (لأن الصوفية مازالوا يتعبدون بهذا الكلام في مساجدنا،ومازالت هذه الأفكار هي التي تسود حلقاتهم وأذكارهم .. واستشهد بأحد أورادهم) .
وقبل أن ننتقل إلى نقطة أخرى ما رأي علماء السنة بهذه العقيدة التي يعتقد بها عدد كبير من صوفية الأمس واليوم هذا ما ستراه في الأيام القادمة،ولو أردت المزيد من الإثبات من كلام علماء الصوفية السابقين واللاحقين عن اعتقادهم لهذه العقيدة لبينت لك،ولعلك تعرف من هو محمد مصطفى أبو العلا !!وتأكيده لعقيدته الفاسدة وحدة الوجود.
ويكفي أن الله لم يقل بخزعبلاتهم ولا رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فالسنة السنة ..
واقتصاد في سنة غير من اجتهاد في بدعة.
ولي تعقبات أخرى مع العضو (صوفي) يسر الله لي نشرها..
وأناشده الله أن لا يكذب،وأن يناقش الحجة بالحجة؛وإلا ما أزعج الناس مثل الثغاء!!ولا نريد فناً كلامياً من أهل الكلام؛بل المراد حجة الدين،فإن نفيت فأنفي بحجتك ودليلك وإلا قد صدق الشيخ إحسان-وهو صادق-فيك يا صوفي .
ثم أعترف مشكوراً بنقل بعض الأقوال نظر لسرعة الإعداد واختصار الوقت مع بعض التعديل والتأكد من المصدر من بعض الأخوان وفقهم الله.
كتبه:
أبو عمر الدوسري(المنهج) - شبكة الدفاع عن السنة
=============(65/135)
(65/136)
المقالات الدمشقية في الدفاع عن ابن تيمية
وكشف الضلالات الحبشية
تأليف
عبد الرحمن محمد سعيد دمشقية
نشر
موقع الفرقان
www.f r qan.com
http://www.saaid.net/
اتهامات الحبشي لأبن تميمة
وقد نسب الحبشي إلى ابن تميمة جملة من الإفتراءات واتهمه باتهامات شتي لم يحل فيها إلى كتاب من كتب ابن تميمة وننتظر منه ذلك ، وربما أحال إلى بعض النصوص التي يحملها ما لا تحتمل ، أو يوردها مقطوعة مبتورة على طريقة لصوص النصوص .
وشهادة الحبشي وأتباعه مردودة لقوله صلى الله عليه وسلم " لا تقبل شهادة خائن ، ولا خائنة ، ولا ذي غمر على أخيه المسلم " (1)
وذو الغمر : ذو الحقد ، والحقد المذهبي أعمي ترد به شهادتهم في حق ابن تميمة ، فاجتمعت فيهم الصفتان في الحديث : الخيانة المعروفة عنهم ، والحقد المذهبي الذي أمتازوا به.
وهذه الالسن التي تطعن هي نفس الألسن التي تمد الظالمين وتدخلهم على حسابها إلى بيت الإسلام
فمن أثني على هؤلاء فلا يؤخذ بشهادته في أولئك .
وهذه الألسن التي تطعن في سلف الامة كمعاوية وم نوافقه من الأصحاب . وليس ابن تميمة بأفضل عند أهل السنة من معاوية والعلم عند الله .
ولا يدري هؤلاء أنهم بطعنهم بابن تميمة إنما يطعنون بأنفسهم وجرحهم له تجريح لأنفسهم ولكنهم لا يفقهون .
فيوم أن طعن ابن معين في الشافعي قائلاً " ليس بثقة " قال الذهبي " فقد آذي ابن معين نفسه بذلك ، ولم يلتفت أحد إلى كلامه في الشافعي ولا إلى كلامه في جماعة من الأثبات . كما لم يلتفتوا إلى توثيقه بعض الناس "
وإليكم مجموعة الإفتراءات التي اختلقها .
*زعم أن بن تميمة يشبه الله بخلقه . مع ان نقل عن السبكي أن كلامه يقتضي تشبيه الله بخلقه (2) ، ومعلوم أن طريقة غلاة التنزية : " التأويل " وإثبات الصفات من غير تأويل لها يقتضي التشبيه عندهم ، مع لازم المذهب ليس بمذهب . فهل صرح ابن تميمة بالتشبيه أم قال ما يقتضي ذلك عند الحبشي ؟!
هكذا تتقد الامانة العلمية عند أهل البدع .
وزعم أنه قال : أن النبي صلى الله عليه وسلم ليس له جاه (3) . اكتفي بذلك من غير ان يحيل إلى شئ من كتب ان تميمة .ويأبي الله إلا أن يكشف كذب الحبشي ، فقد قال ابن تميمة " وقد اتفق المسلمون على انه e أعظم الخلق جاءها عند الله ولا شفاعة أعظم من شفاعته " قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة 7 "
$ وزعم أن ابن تيميه قال " لا مانع أن يكون نوع العالم غير مخلوق لله (4) وأنه كذاب أفاك لدعواه أن السلف قالوا " إن الله ينزل ولا يخلو منه العرش " (5) مع أن القاضي أبا يعلى ذكر للسلف ثلاثة أقوال : أولها أن نزوله بحركة وانتقال وهو قول عبدالله بن حامد وحرب الكرماني والدرامي وابن راهوية وسعيد بن منصور ، والثاني أنه بغير حركة وانتقال وهو قول أبي الحسن التيمي والثالث وهو لا يخلو منه العرش : قول ابن بطه وغيره .
$ وزعم أن ابن تميمة قال " إن الله مركب مفتقر إلى ذاته افتقار الكل إلى الجزء " (6)
$ وأنه " بقدر العرش لا أكبر منه ولا أصغر منه .
$ وأنه وأتباعه يكفرون (7) المتوسلين بالرسولصلعم .
$ وأنه جعل زيارة الأنبياء والصالحين بدعة بل معصية بالإجماع (8)
$ وأنه نقض إجماع المسلمين فقال إن نار جهنم تفني (9)
ولكن لماذا لم يحل الحبشي إلى شئ من كتبه ؟ الجواب ببساطة لأنه لا يوجد شئ مما يزعم .
$ وزعم تلميذه " نزار حلبي " أن " ابن تميمة رأس التطرف في القرن الثامن الهجري حيث كفر كل المسلمين باختلاف مذاهبهم ومشاربهم " (10) ونسي أن يحيلنا إلى الكتاب الذي قال فيه ذلك .
عصبية ابن الهيتمي
وسبقه إلى هذه الاتهامات أحمد المكي الهيتمي عفا الله عنه حيث رمي ابن تيميه بالعظائم والمفتريات وزعم أنه عبد أضله الله 0000 إلخ "
وهذا مادعا الآلوسي رحمة الله إلى أن يكتب كتاباً بعنوان " جلاء العينين في محاكمة الاحمدين " قارن فيها بين إدعاءات الهيتمي ظلماً وطالبه بالدليل عليها من كتب ابنتيميه ، ثم ختم كتابه يقوله " قد ظهر لك جميع ما تقدم أن الشيخ ابن حجر الهيتمي نسب إلى شيخ الإسلام من الاقوال التي لا أصل لها ولا سند في نقلها " (11)
بل يظهر لك تعصبه رحمة الله حين صب جام سخطه على شيخ الإسلام زاعماً أنه ارتكب العظائم .
ولعلك تسأل ما هي هذه العظائم : يقول الهيتمي " فإنه وقع في حق الله تعالي ونسب إليه العظائم كقوله إن لله تعالي وجهه ويداً ورجلاً وعيناً وغير ذلك من القبائح الشنيعة .(12)
ولا يخفاك أيها المنصف أن هذه التي يصفها الهيتمي بالعظائم والقبائح ليست من اختلاق ابن تيميه بل هي مما وصف الله به نفسه ورسوله e كقوله تعالي لأبليس " ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي " وقول النبي صلى الله عليه وسلم أن الله " كتب التوارة بيده " وقوله عن الدجال " إنه أعور ، وإن ربكم ليس بأعور " وأن جهنم " لا تزال تقول هل من مزيد حتي يضع الجبار فيها رجله " قمه " فتقول قط قط .
الهيتمي والباقلاني يرجحان إيمان فرعون.(65/137)
وموقفه الشديد من ابن تيميه يقابله لين ورقه تجاه أهل الكفر . فلقد عاتب الهيتمي أبن عربي عتاباً رقيقاً لأعتقاد هذا الأخير بإيمان فرعون قائلاً (13) " فنحن وإن كنا نعتقد بجلالة ابن عربي فقوله بإيمان فرعون مردود " وكان حرياً به أن يغلظ له القول .
ولكن وكما يوقل الشاعر :
فرصاص من أجببته ذهباً كما
ذهب الذي لم ترض عنه رصاص .
فإن هذا القول من مستنشعات الصوفية أخدوه عن أئمة الزنادقة كابن عربي وزينة الشيطان لهم فبرؤوا به ساحة فرعون .
بل قد نقل الزبيدي عن ابن حجر المكي الهيتمي أن ظاهر الآية يفيد وجود إيمان فرعون . ونقل الباقلاني قوة دليل من استدل بالآية على إيمان فرعون .
الزبيدي والقاري يثبتان قول ابن عربي بايمان فرعون (14).
قال المرتضي الزبيدي " وممن قال بإيمانه - أي فرعون - الشيخ محيي الدين بن عربي في مواضع من قتوحاته وفصوصة : لا يستريب مطالعها أنه كلامه وأنه غير مدسوس عليه " وقد رد على الشيخ عبد الوهاب الشعراني زعمه أن هذا الكلام مدسوس على ابن عربي المقري صاحب الأرشاد والحافظ بن حجر وتلميذه البقاعي ومن المتأخرين ملا على لقارئ من الحنفية والذي يصف ابن عربي بأنه زنديق منافق إمام الاتحادية (15) وكتب رسالة بعنوان " فر العون من القول بإيمان فرعون " وقال في شرح الفقيه الأكبر " وفيه رد على بن عربي ومن تبعه كالجلال الدواني ، وقد ألفت رسالة مستقلة في تحقيق هذه المسألة " (16) وحكي عن العلامة ابن نور الدين أنه صنف مجلداً كاملاً في الرد على ابن عربي " (17)
واعترف السرهندي النقشبندي أن ابن عربي أول من صرح بالتوحيد الوجودي وبوب مسألة الوجود وفصلها وقال إن خاتم النبوة يأخذ بعض العلوم والمعارف عن خاتم الولاية وأراد بخاتم الولاية نفسه (18) . أي أن محمداً e يأخذ العلم من ابن عربي .
وممن ذهب إلى تأييد كلامه في وحدة الوجود شراح الفصوص الجندي والكازروني والقيصري والجامي وعلى المهايمي والجلال الدواني وعبدالله الرومي وللكازورني كتاب بالفارسية سماه " الجانب الغربي " رد فيه على من اعترض على الشيخ ابن عربي منها هذه المسألة " (19)
وقد عرض بعض الصوفية على يهودي بعد أن أسلم " أن يوافقهم باعتقاد بإيمان فرعون فصرخ قائلاً : قد كنت أقول بكفره حين كنت يهودياً أفاقول بعد ان أسلمت .
وقد جعله النبي صلى الله عليه وسلم أنموذج الكفر وقدوة الجبابرة والطغاة ، فلما مات أبو جهل جعل e يشير إلى جثته ويوقل " هذا فرعون هذه الأمة " فكيف يشبه النبي أبا جهل برجل مؤمن "؟!
ولوكان أبو تيميه هو القائل بإيمان فرعون لتوقعنا حينئذ من الهيتمي أن يقول " وهذا من ابن تيميه كفر ، فإن القرآن والسنة يشهدان بكفر فرعون ، وكل من شك في كفره فهو كافر ، لأن من لم يكفر كافراً فقد كفر " . ولكنه لتحيزة لأبن عربي وتعصبه له لا يقول بمثل ذلك لأنه من الاولياء عنده ، ونعوذ بالله من التعصب المقيت .
ولاننسي أن الهيتمي من أهل الغلو الصوفية القائلين بازلية نور النبي صلى الله عليه وسلم وزعموا أن الله أخذ قبضة من نوره قبل أن يخلق الخلق وقال لها كوني محمداً ، وقد حكي عنه الحبشي هذا الاعتقاد في النبي صلى الله عليه وسلم (20) لكنه لم يلزمه بالقول بقدم شئ مع الله مع ان العقيدة الحبشية أن من الكفر " قول أن محمد خلق من نور " (21)
وكان يميل بعصبية إلى قل من زعم أن الله أحيا أبوي النبي صلى الله عليه وسلم حتي أسلما . (22) ومعتمده في ذلك الاحاديث الضعيفة المخالفة للصحيحة مثل ثول النبي صلى الله عليه وسلم " إستاذنت ربي ان أستغفر لأمي فلم يأذن لي " (23) وقوله لرجل " إن أبي وأباك في النار " (24)
فموقفه المؤيد لأبن عربي الاتحادي وغلوه في النبي حتي جعل نوره أزلياً . ووافق من زعموا أن القول بكفر أبويه قله أدب في حقة e كل هذا يلحقه بالغلاة الذين لا يؤخذ منهم جرح ولا تعديل ولا يجوز تقديم تجريحهم على تعديل العدول لابن تيميه كالعسقاني والذهبي والحافظ المزي وابن كثير والزملكاني والسيوطي رحمهم الله .
موقفه من ابن عربي دليل على الظلم
وقبل الدخول في تفاصيل الرد على هذه الافتراءات الجائرة أود لفت نظر القارئ إلى أن الحبشي وجماعته يكفرون من لا يستحق التكفير " كابن تيميه ويدافعون عمن ثبت تكفيره من قبل معاصرية .
*كابن عربي الذي حكم عليه معاصره .
العز بن عبد السلام " سلطان العلماء " بالزندقة والانحلال وذلك حين سأله عنه ابن دقيق العبد فأجابه قائلاً " إبن العربي " شيخ سوء كذاب ، يقول بقدم العلماء ولا يحرم فرجاً " (25)
*وقد اعترف ابن حجر الهيتمي بأنه كان يصرح بإيمان فرعون (26)
*واتهمه الحافظ بن حجر العسسقلاني وابن حيان النحوي بالقول بوحدة الوجود المطلقة والتعصب للحلاج (27) .
*واتهمه السخاوي بالقول بوحدة الوجود وأنه من جملة الاتحادية المحضة للقائلين بوحدة الوجود بين الله وخلقه كالحلاج وابن الفارض ، وعاتب ابن قطلوبغا من حسن العقدية .(28) !
*وذكر البنهاني أنه كان يقول بأن الأولياء ينتقلون إلى مقام كريم يقولون للشئ كن فيكون . (29)(65/138)
*وذكر السرهندي أنه كان يقول بقدم أرواح الكمل من المشايخ وأن ترتيب الخلفاء كان بحسب أعمارهم . وأعترف أن أكثر كشوفاته تأتي مخالفة لعقدية أهل السنة ولا يتابعها إلا مريض القلب (30)
وقال ابن المقري في أبن عربي " ومن لم يكفره كان كمن لم يكفر اليهود والنصاري " (31) حكاه عنه ابن حجر المكي غير أنه علق على ذلك بقوله " وهذا اعتراض منه على بن عربي وابن الفارض " ثم تسأءل عن الدليل الذي يبرر تكفيره متجاهلاً بذلك ما في الفتوحات والقصوص من مقولات الكفر الصريح في حين يرمي بن تيميه بسلسلة من التهم ولا يكلف نفسه الإتيان بدليل عليها من كتبه ، فأجدر به أن يلحق بطائفة المتعصبين الذين لا يؤخذ منهم جرح ولا تعديل .
افحام المتعصبين
وهذه الأجابة تخرس ألسنة المتعصبين لأبن عربي ، فأن قالوا من لم يكفر ابن تيميه فهو كافر فقل لهم : هؤلاء كبار الأئمة كالحافظ ابن حجر وابن عبد السلام وابن المقري سراج الدين البلقيني " (32) وأبي حيان قالوا بكفر ابن عربي .
وأبي بكر محمد بن صالح المعروف بابن الخياط والقاضي شهاب الدين أحمد بن أبي بكر على الناشري وهما مما يقتدي بهما من علماء اليمن " (33)
فإما أن توافقوهم في ذلك ، وإلا فمن لا يكفره يكون كافراً ، وإما أن تقولوا ليس كافراً فيصير من حكموا بكفره كابن عبد السلام وابن المقري وابن حجر وغيرهم كفاراً .
وهكذا نلحظ الفرق بين موقف أهل البدع من ابن تيميه وبين موقفهم من ابن عربي ، نري التحامل على ابن تيميه بينما نجد التغاضي المطلق عن ابن عربي الذي شهد علماء عصره وشهدت كتبه بزندقته .
حتي إننا لنجد السبكي يطعن في ابن تيميه في كتابه " طبقات الشافعية " في حين يسكت عن التحذير من ابن عربي أو على الأقل من كتبه الفصوص والفتوحات المكية التي اتفق الجميع على أن فيها كفراً يفوق كفر اليهود والنصاري ، وقد حكي محقق كتاب سير أعلام النبلاء " أن السبكي مؤاخذات على الذهبي صاغها بأسلوب مقيت ينبئ عن تحامل وحقد وبعد عن الانصاف وجهل أو تجاهل بمعرفة القول الفصل في مواطن الخلاف (34) .
وهؤلاء المتعصبون إذا قالوا : " إن هذا الكلام مدسوس عليه " فأنهم يقولونه تقليداً لأئمتهم لا عن تحقيق علمي ورجوع إلى اصل مخطوطة كتاب من يدافعون عنه .
ثناء بدر الدين العيني على ابن تيميه
وقد أثني بدر الدين العيني على ابن تيميه ومواقفه الشجاعة من التتار وأنه كان يحرض الناس على قتالهم حتي دحرهم ، (35) ولهذ كان العيني يجله ويدعو له بالرحمة (36) .
ويذكر انه كان ينزل إلى الأسواق مع تلاميذه فيمر بالمعروف وينهي عن المنكر بيده ، وأن أهل مشق شكوه إلى السلطان لأنه ذهب لقلع صخرة يعتقدون أن النبي صلى الله عليه وسلم قعد عليها فكانوا يعظمونها ويسألون الله عندها ، فأخذ بن تيميه فأساً ونزعها فلما بلغ الامر السلطان أثني عليه لذلك وكان يوقم بنفسه بإزالة المنكرات فيقلب الرقع التي توضع عليها الشطرنج ويمر ومن معه على الخمارات وأماكن الفواحش فيربقوا ويكسروا أونيها (37) .
وذكر العيني مناظرة ابن تيميه المشهورة مع دجاجلة الرفاعية وأنه عرض عليهم حين زعموا أنهم اصحاب كرامات يدخلون النار فلا يصيبهم شئ منها : عرض أن يدخلها معهم واشترط عليهم أن يغتسل الجميع بالماء الحار والخل وأثبت أنهم يستخدمون بعض الدهون يحتالون بذلك على العامة حتي يظنوا فيهم الولاية ، وأن زعيمهم اعترف لأبن تيميه أن كراماتهم تظهر أمام التتار وأما قدام الشراع فلا (38) .
وأوضح العيني أن الشكوي ازدادت من ابن تيمية لكثرة ما ينال من ابن عربي حتي سجن بإشارة من المنبجي (39) الذي كان معظماً لأبن عربي . هذا موقف العيني رحمة الله من ابن تيميه فماذا تقولون في ذلك ؟!
إذن ، فقد بات واضحاً سبب سجن السلطان لأبن تيميه فقد كان وراء المرسوم السلطاني شيخ متعصب ينتصر لأبن عربي وتواطؤ شلة من المتعصبين للحلاج وابن عربي .
الذين اثنوا على ابن تيمية
وقد شهد العديد من الأئمة المعتبرين بصلاح حالة وقوته في الحق وذبه عن السنة وتفرده عن أقرانه في سعة علمه واجتهاده واقتفائه أثر السلف الصالح حتي قالوا " كان السنة نصب عينيه " ونذكر منهم :
الشيخ محمد ابن ناصر الدين الدمشقي الشافعي " ت 842 " الذي كتب كتاباً بعنوان " الرد الوافر على من زعم بأن من سمي ابن تيمية " شيخ الإسلام " كافر " أورد فيه شهادات المئات من كبار الائمة في الثناء على ابن تيمية وقرظه : الحافظ ابن حجر والعيني والتفهني والبلقيني " (40)
نص تفريط الحافظ بن حجر للرد الوافر
كما أورده السخاوي
قال السخاوي في الجواهر والدور في ترجمة الحافظ ابن حجر في معرض سرد تقريظات ابن حجر للكتب ما نصه :
" ومن ذلك ما كتب في الرد الوافر على من زعم أن ابن تيميه شيخ الإسلام كافر لحافظ الشام ابن ناصر الدين في سنة خمس وثلاثين وحدث به في أواخر السنة التي تليها بالشام بقراءة صاحبنا النجم الهاشم .(65/139)
الحمدلله وسلام على عبده الذين أصطفي وقفت على هذا التأليف النافع والمجموع الذي هو للمقاصد التي جمع لأجلها جامع ، فتخفقت سعة إطلاع الإمام الذي صنفه وتضلعه من العلوم النافعة بما عظمه بين العلماء وشرفه .
وشهرة إمامه الشيخ تقي الدين أشهر من الشمس ، وتلقيبه بشيخ الإسلام باق إلى الآن على الألسنة الزكية ويستمر غداً كما كان بالأمس ولا ينكر ذلك إلا من جهل مقداره أو تجنب الإنصاف مما أكثر غلط من تعاطي ذلك وأكثر عثارة .
فالله تعالي هو المسؤول أن يقينا شرور أنفسنا وحصائد ألسنتنا بمنه وفضله ، ولو لم يكن من الدليل على إمامة هذا الرجل إلا مانبه عليه الحافظ الشهير علم الدين البرزالي في تاريخه أنه لم يوجد في الإسلام من اجتمع في جنازته لمامات في جنازة الشيخ تقي الدين وأشار إلى أن جنازة الإمام أحمد كانت حافلة جداً شهدها ما بين مئي ألوف ، ولكن لو كان بدمشق من الخلائق نظير من كان ببغداد بل أضعاف ذلك لما تأخر أحد منهم عن شهود جنازته .
وأيضاً فجميع من كان ببغداد إلا الأقل كانوا يعتقدون إمامة الإمام أحمد زكان أمير بغداد وخليفة الوقت إذ ذاك في غاية المحبة له والتعظيم بخلاف ابن تيميه فكان أمير البلد حين مات غائباً وكان أكثر من في البلد من الفقهاء فتعصبوا عليه حين مات محبوساً بالقلعة ، ومع هذا فلم يتخلف منهم عن حضور جنازته والترحم عليه والتأسف عليه إلا ثلاثة أنفس تأخروا خشية على أنفسهم من العامة .
ومع حضور هذا الجمع العظيم فلم يكن لذلك باعث إلا اعتقاد إمامته وبركته : لا بجمع سلطان ولا غيره .
وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : أنتم شهود الله في الأرض .
ولقد قام على الشيخ تقي الدين جماعة من العلماء مراراً بسبب أشياء أنكروها عليه من الأاصول والفروع وعقدت له بسبب ذلك عدة مجالس بالقاهرة ودمشق ولا يحفظ عن أحد منهم أنه أفتى بزندقته حكمه بسفك دمه مع الشدة المتعصبين عليه حينئذ من أهل الدولة حتي حبس بالقاهرة ثم بالاسكندرية ،ومع ذلك فكلهم معترف بسعة علمه وكثرة ورعه وزهده ووصفة بالسخاء والشجاعة وغير ذلك من قيامه في نصر الإسلام والدعاء الى الله تعالى في السر والعلانية فكيف لا ينكر على من أطلق أنه كان كافراَ بل من أطلق على من سماه شيخ الإسلام الكفر . وليس في تسميته بذلك ما يقتضي ذلك فإنه شيخ شيخ الإسلام بلا ريب والمسائل التي أنكرت عليه ما كان يقولها بالتشهي ولا يصر على القول بها بعد قيام الدليل عليه عناداَ .
وهذه تصانيفه طافحة بالرد على من يقول بالتجسيم والتبري منه ومع ذلك فهو بشر يخطئ ويصيب فالذي أصاب فيه - وهو الأكثر - يستفاد منه ويترجم عليه بسببه والذي أخطأ فيه - بل هو معذور - لأن أئمة عصره شهدوا له بأن أدوات الأجتهاد أجتمعت فيه حتى كان أشد المتشغبين عليه القائمين في إيصال الشر اليه وهو كمال الدين الزملكاني يشهد له بذلك وكذلك الشيخ صدر الدين ابن الوكيل الذي لم يثبت لمناظرته غيره .ومن أعجب العجب أن هذا الرجل كان أعظم قياماَ على أهل البدع من الروافض والحلولية والأتحادية وتصانيفه في ذلك كثيرة مشتهرة وفتاويه فيهم لا يدخل تحت الحصر فيا قرة أعينهم أذا سمعوا تكفيره ويا سرورهم أذا رأوا من يكفره من أهل العلم فالواجب على من تلبس بالعلم وكان له عقل أن يتأمل كلام الرجل من تصانيفه المشهورة أومن ألسنة من يوثق به من أهل النقل فيفرد من ذلك ما ينكر فيحذر منه على قصد النصح ويثني عليه بفضائله فيما أصاب من ذلك كدأب غيره من العلماء
ولو لم يكن للشيخ تقي الدين من المناقب الا تلميذه الشهير الشيخ شمس الدين ابن قيم الجوزية صاحب التصانيف النافعة السائرة التي انتفع بها الموافق والمخالف لكان غاية في الدلالة على عظيم منزلته فكيف وقد شهد له بالتقدم في العلوم والتميز في المنطوق والمفهوم أئمة عصره من الشافعية وغيرهم فضلا عن الحنابلة .
فالذي يطلق عليه مع هذه الأشياء الكفر أو على من سماه شيخ الإسلام لا يلتفت اليه ولا يعول في هذا المقام عليه بل يجب ردعه عن ذلك الى أن يراجع الحق ويذعن للصواب "
والله يقول الحق وهو يهدي السبيل وحسبنا الله ونعم الوكيل " (41) انتهي كلام الحافظ ابن حجر رحمه الله .
وقد أثني الحافظ ابن حجر العسقلاني عليه في الدرر الكامنة 1/154 ودعا له بالرحمة فقال " قال شيخ شيوخنا الحافظ المزي (42) في ترجمة ابن تيمية " كان يستوعب السنن والآثار حفظاَ إن تكلم في التفسير فهو حامل رايته أو أفتى في الفقه فهو مدرك أبناء جنسه " (43)
وخذه حيث حافظ عليه نص
فهاهو حافظ عليه نص فمابال الأحباش خالفوا موقف الحافظ هنا مع أنهم حاملو راية " خذه حيث حافظ عليه نص "؟
وما زال الحافظ ابن حجر يحتج بأقواله بل يسلم له في نقده في الحديث كما في رواية ( كان الله ولا مكان ) (44) بل أعطاه لقب (حافظ) فقد ذكر في ( التلخيص الحبير 3/109 ) حديث ( الفقر فخري وبه أفتخر ) ثم قال " وهذا الحديث سئل عنه الحافظ ابن تيمية فقال إنه كذب لا يعرف في شيء من كتب المسلمين المروية "
* ووصفه الشيخ ابن عابدين الحنفي صاحب الحاشية المشهورة بصفة ( الحافظ ) (45)(65/140)
* الشيخ ملا على القاري (46) الذي يذب عنه وعن تلميذه ابن القيم ويقول " ومن طالع كتاب مدارج السالكين تبين له أنهما من أكابر أهل السنة والجماهة ومن أولياء هذه الأمة " (47)
* وشيخكم محمد رمضان البوطي لا يكاد يذكره مره الا قال " رحمه الله تعالى " (48)
* الحافظ عمر بن على البزار له كتاب الأعلام العلية في مناقب ابن تيمية ذكر فيه فضائلة ومناقبه ومنذلته عند العلماء.
* محمد ابن عبد البر السبكي القائل " والله ما يبغض ابن تيمية الا جاهل أو صاحب هوى يصده هواه عن الحق بعد معرفته به " (49).
* ابن الزملكاني الذي اوذي بسبب انتمائه لابن تيمية وكان ذلك بإشارة من المنبجي (50) المنتصر لعقيدة ابن عربي في وحدة الوجود وأدى إنكاره الى النقمة عليه والوشاية به ذكره الحافظ (51)
* وكان على أعدئه أن ينصفوه لهذا الموقف الشجاع وهم الذين يزعمون أنهم أعداء للقائلين بوحدة الوجود لكن أعداءه لا يعرفون الانصاف ولا العدل .
* وأثني عليه ابن سيد الناس .
* وتاج الدين الفزارى شيخ الشافعية (52)
* وابن دقيق العيد الذي قال لابن تيمية لما اجتمع به " ما أظن بقي يخلق مثلك " ذكره الحافظان ابن كثير وأبن رجب (53)
* وأنصفه ابن كثير: وبين عقيدته وعلمه وكيد الحاسدين له وقد زعم الحوت في رسائله السبكية أن الأرموي ناظر ابن تيمية وأفحمه مع أن أبن كثير كذب ذلك وأكد أن ساقية الأرموي لاطمت بحراَ " (54)
* وأنهم لما عقدوا له مجلساَ لمناقشة رسالته الحمودية أجابهم بما أسكتهم (55) وكتب لهم عقيدته الواسطية وأمهلهم ثلاث سنوات أن يراجعوها ويجدوا فيها ما يخالف عقيدة السلف .
* وشرف الدين المقدسي الذي كان يفتخر بابن تيمية ويفرح به (56)
* وابن منجا التنوخي .
* والشيخ أحمد ولي الله الدهلوي كما في كتابه التفهيمات الالهية.
* والشيخ محمد أنور الكمشيري صاحب فيض الباري الذي غالبا ما يصفه بالحافظ (57) وشيخ الإسلام (58)
* وشيخ الحزاميين الوسطي الذي قال " فوالله ثم والله لم ير تحت السماء مثل شيخكم ابن تيمية علماَ وعملا وحالا وخلقاَ واتباعاَ وكرماَ وقياماَ في حق الله تعالى عند أنتهاك حرماته " (59)
* وأثني عليه الشيخ شهاب الدين الأذرعي وذكر شيئاَ من كراماته قاله الحافظ ابن حجر (60)
* وابن طولون الحنفي (61)
* وابن عبد الهادي وله كتاب العقود الدرية في مناقب ابن تيمية رد فيه على السبكي وكشف ضعفه في الحديث وأعتماده في رده على ابن تيمية حول شرعية شد الرحال الى القبور على الروايات الضعيفة الموضوعة
* وبالغ الحافظ العلائي في الثناء عليه الى أن قال " اللهم متعنا بعلومه الفاخرة وأنفعنا به في الدنيا والآخرة " (62)
* والحافظ عبد الرحمن ابن رجب الذي أثني عليه كثيراَ وقال " هو الامام الفقيه المجتهد المحدث الحافظ المفسر الزاهد تقي الدين أبو العباس شيخ الإسلام وعلم الأعلام وشهرته تغني عن الإطناب في ذكره ... كان رحمه الله فريد دهره في فهم القرآن ومعرفة حقائق الإيمان " (63)
* والحافظ العراقي .
* وعمر بن سعد الله ابن نجيح .
* وحافظ زمامه الشيخ أبو الحجاج المزي .
* وأبو بكر الرحبي .
* وفضل الله العمري .
* والشيخ قاسم بن طوبغا الحنفي .
* وشيخ الإسلام عمر بن سلان البلقيني مجتهد عصره.
* وامام الحنفية الشيخ بدر الدين " محمود بن أحمد " العيني الذي قال " فمن قال ابن تيميه كافر : فهو الكافر حقاً ، ومن نسبه إلي الزندقة فهو نديق ، وكيف ذلك ، وقد سارت تصانيفه في الآفاق ، وليس فيها شئ مما يدل علي الزيغ والشقاق " 64
* الحافظ السخاوي الذي لم يزل يحتج ويعتممده في ترجيح درجة الاحاديث " وناهيك بابن تيميه إطلاعاً وحفظاً أقر له بذلك المخالف.
* شمس الدين الذهبي : وما رأيت أشد استحضاراً للمتون وعزوها منه كأن السنة بين عينيه وعلي طرف لسانه بعبارة رشيقة وعين مفتوحه .
ووصفة العلامه فتح الدين ابن سيد الناس مصنف السيرة النبوية المشهورة فقال " وكاد يستوعب السنن والآثار حفظاً ثم قال السخاوي بعد هذا النقل " نعم . قد نسبت إليه مسائل أنكرت عليه مقرره عند أهل العلم ، والسعيد من عدت غلطاته رحمة الله وإياناً " 65
وقد أمتلاء كتابه " المقاصد الحسنة " بالاحتجاج بابن تيميه في نقده للاحاديث الروايات تصحيحاً وتضعيفاً ونحيلك إلي جملة من ذه الأحاديث : حديث رقم " 45 " و " 17 " و " 233 " و " 384 " و " 609 " و " 838 " و 865 " و 856 " و 883 " و " 714 " و " 1356 " و "1126 " ولم يزل يحتج بتصحيحه وتضعيفه لروايات الحديث فيقول مثلاً " قال ابن تيميه : هذا الحديث كذب موضوع باتفاق أهل العلم . 66
تعظيم الزبيدي لأبن تيميه(65/141)
وما زال الزبيدي يعظم ابن تيميه وتلميذه ابن القيم كقوله " والله يغفر لابن القيم " " 1 / 39 " ويكثر من الاحتجاج باقوال بن القيم " 1 / 67 " و 132 و 406 و 413 و 420 و 2 / 270 " وبأقوال شيخه ابن تيميه 1 / 170 و 176 " ويصف بن تيميه ب " الحافظ " " 1 / 400 " " 2 / 106 " و الإمام " 1 / 170 " بل وبشيخ الإسلام " 4 / 537 و 3 / 482 " فمإذا يقول الاحباش الذين يحتجون بقول العلاء البخاري " من قال ابن تيميه شيخ الإسلام فهو كافر 67 هل يحكمون بكفر الزبيدي ؟
ولئن كان تكفير العلاء البخاري حجة فليوافقوه في تكفيره لأبن عربي كما ذكر صاحب براءة الأشعريين " 2 / 65 - 66 " !! وابن طولون في " القلائد الجوهرية 2 / 538 " وكتب في الرد عليه كتاب " فاضحة الملحدين "
وهذا العلاء كان طعاناً بالنووي ويحرم النظر في كتبه فإن كانت شهادته عندكم معتبره فخذوا بحكمة في النووي وابن عربي .
ويحتج الزبيدي هو والحافظ العراقي بتصحيحات وتضعيفات ابن تيميه في الحديث كما في شرح الأحياء " 1 / 449 " فقد قال عن حديث " الشيخ في قومه كالنبي في أمته " قال العراقي : وسئل عنه الشيخ تقي الدين ابن تيميه في جملة أحاديث فأجاب بأنه لا أصل له .
ولقد قرأت كتابه " الإتحاف كله " وعرفت الزبيدي رجلاً دث الخلق موقراً لأهل العلم ولو كان مخالفاً لهم في بعض المسائل .
السيوطي يقل ثناء الزملكاني علي ابن تيميه
والسيوطي يصف ابن تيميه " شيخ الأسلام أحد المجتهدين ( تقي الدين ) وتلميذه ب " العلامه شمس الدين ابن القيم " 68
ونقل عن الزملكاني ثناءه علي ابن تيميه أنه " سيدنا وشيخنا الإمام العالم الأوحد الحافظ المجتهد الزاهد العابد القدوة إمام ألأئمة قدوة الأمة علامة العلماء وارث الأنبياء أخر المجتهدين وأحد علماء الدين بركة الأسلام حجة العلام برهان المتكلمين قامع المبتدعين ذي العلوم الرفيعة والفنون البديعة ، محي السنة ، ومن عظمت به الله علينا المنه ، وقامت به علي أعدائه الحجة ، وايتبانت ببركته وهديه المحجة تقي الدين بن تيميه : أعلي الله منارة وشيد الدين أركانه "
ثم أنشد يقول :
مإذا يقول الواصفون له وصفاته جلت عن الحصر .
هو حجة لله قاهرة وهو بيننا أعجوبة الدهر .
هو آية في الخلق ظاهرة وأنوره أربت علي الفجر .
قال السيوطي : نقلت هذه الترجمة من خط العلامه فريد دهره ووحيد عصره الشيخ كمال الدين الزملكاني .
* وكان يقول " لم ير منذ خمسمائه سنة أحفظ منه " 69
* وكان يدعو لأبن تيميه 70 ويحتج كثيراً بأقوال تلميذه ابن القيم ويصفه بالعلامه شمس الدين . 71
وينقل ثناء البرزالي عليه .
قال السيوطي " ونقلت من علم الدين البرزالي : قال : قال سيدنا شيخنا الإمام العالم العلامة القدوة ، الحافظ ، الزاهد ، العابد ، الورع ، إمام الأئمة ، حبر الأمة ، مفتي الفرق ، علامة الهدي ، ترجمان القرآن ، حسب الزمان ، عمدة الحفاظ ، فارس المعاني والألفاظ ، زكي الشريعة والفنون البديعة ، ناصر السنة ، قامع البدعة ، تقي الدين ابن تيميه الحراني ، أدام الله بركته ورفع درجته " الأشياء والنظائر النحوية 3 / 681 - 683 "
الذين لقبوا ابن تيميه " شيخ الإسلام "
أما عن استحقاق ابن تيميه للقب شيخ الإسلام :
* فأسال الحفاظ : السيوطي وابن رجب وأسأل الشعراني لمإذا لقبوه بهذا اللقب ، فقد جاء في كلام السيوطي عن بن تيميه " شيخ الإسلام . الحافظ الفقية المجتهد المفسر البارع . شيخ الأسلام نادرة العصر ، علم الزهاد " 72
* وأسأل الزبيدي صاحب تاج العروس واتحاف السادة : لمإذا وصفه في كتابه " إتحاف السادة " بشيخ الإسلام وأثني عليه وأحتج بأقواله مرات عديده في اتحافه ثم بعد أن وصفه بشيخ الإسلا مونقل له كلاماً عظيماً في أصول القرآن قال " انتهي ملخصاً من كلام ابن تيميه وهو كلام نفيس جداً " 73
* بل أسأل التاج السبكي الذي كان يفخر بأن الحافظ أبا الحجاج المزي لم يكتب لفظ شيخ السلام إلا أثنين : لأبيه تقي الدين السبكي ولتقي الدين بن تيميه . 74
* واعترف الحافظ العلائي بأن المزي لم يكن يثبت لفظ " شيخ الإسلام " إلا للتقي السبكي ولأبن تيميه " 75
* والشيخ ملا علي القارئ الحنفي الذي كان كثير الذب عن ابي تيميه وتلميذه ابن القيم كما في شرح الشمائل ووصفهما بأنهما شيخا الإسلام ومن أولياء هذه الأمة وأكابرها .
* والشعراني " عبد الوهاب " الذي كان يصفه " شيخ الإسلام " 76
* والشيخ شمس الدين محمد بن صفي الدين الحنفي الذي قال " إن لم يكن ابن تيميه شيخ الإسلام فمن ؟ وقالها قاضي القضاة ابن الحريري الحنفي الذي لقي الأذي بسبب وقفته المنصفة تجاهه 77 .
* وابن طولون الذي يصفه ب " التقي شيخ الإسلام " ويشهد له بأنه " علامة زمانه " 78 فهؤلاء أثنو عليه بعد موته حتماً وفيه رد علي أدعاء الحبشي أن ذاك الثناء كان أول الأمر .
* ومحمد أنور الكشميري الحنفي صاحب فيض الباري شرح صحيح البخاري الذي يثني عليه الكوثري وأبو غدة الثناء البالغ " 79
الذهبي يصفه بشيخ الإسلام :
ولا يكاد يخلو كتاب من كتب الذهبي من الثناء علي بن تيميه ووصفه بشيخ الإسلام 80(65/142)
وقال في كتاب دول الإسلام " وفي ذي القعدة توفي بالقلعة شيخ الإسلام تقي الدين أحمد بن عبد الحليم ابن تيميه الحراني ، عن سبع وستين وأشهر ، وشيعه خلق أقل ما حزروا بستين ألفاً ، ولم يخلف أقاربه بعده من يقاربه في العلم والفضل " 81
وأنتم تبطلون كلام الحافظ بن حجر الذي يثبت اختلاط السبيعي وترجحون عليه قول الذهبي في نفي الاختلاط عنه : فما لكم تتجاهلون ثناءه علي بن تيميه ووصفه بشيخ الإسلام ؟
موقف الرفاعية من ابن تيميه
وبالرغم من نقد ابن تيميه للرفاعية إلا ان العديد من كبارهم كانوا يثنون عليه ومع هذا لم يخطر ببال واحد منهم أن يتهمه بالكفر .
*فمع تحامل الصيادي " محمد أبو الهدي " عليه إلا أنه كان يدعو له قائلاً " نسأل الله أن يرحمه ويعفو عنه " 82 وكذلك الوتري 83
*وكان الشيخ صالح المنيعي الرفاعي يصفه ب " العالم المبارك " مع معاداته له 84 وهذا يدل علي أنه لم يكن عندهم كافراً ومع كون الحبشي رفاعي الطريقة فإنه لا يبالي برأي أعيان طريقته في ابن تيميه . فأن كنا عند الحبشي ضالين لأمتناعنا عن تكفيره فلمإذا لا يحكم بكفر الأئمة الآفاضل الذين أثنوا علي بن تيميه أولاً ، وبكفر الشعراني الذي وصفه ب " شيخ الإسلام " ثم بكفر رفقائه في الطريقة الرفاعية التي ينتمي إليها لثنائهم عليه ، ثم يحكم علينا بعد 1ذلك بالكفر ! .
فلست أعتقد أن يخفي حال ابن تيميه علي هؤلاء جميعاً ، ثم لا يتفطن لذلك إلا الحبشي وأتباعه المشتهرون بتكفير أغلب الناس حتي ضرب بهم المثل ولقبهم الآخرون ب " فرقة المكفرة"85
الجواب الفصل
وإذا كان الحبشي يحتج بتزكية عبد الوهاب الشعراني لأبن عربي وتبرئته من الكفر 86 فلمإذا لا يقبل في ابن تيميه وهو الذي كان إذا ذكره يلقبه بشيخ الإسلام 87 والفرق أن أكثر الذين أثنوا علي بن تيميه اتفقوا علي كفر ابن عربي وعلي التحذير من كتبه الفاسدة
غير أن الحبشي لا يقيم لشهاداتهم وزناً ويتمسك بشهادة الشعراني : فهلا تمسك بشهادة الشعراني في ابن تيميه ؟هذا جواب ملزم له ولأتباعه لا يسهل لهم الأجابة عليه .
وإذا لم يقل أفاضل العلماء بكفره بل أثنوا عليه وعظموه وأنصفوه فما الذي يجعلنا نبطل شهادتهم كلهم ونستبدلها بشهادة حبشي شهد أن ألفاظ القرآن من إنشاء جبريل لا من كلام الله ، وان القرآن ليس باللغة العربية وأباح خروج المرأة متعطرة متزينة متبرجة وأباح الربا ومنع الزكاة وأباح صلاة المتلبس بالنجس والتحايل علي الله وأجاز الأستغاثه بالموتي دون الله ، واستباح الكذب واستعان بالباطنيه والقرامطه كيف تؤخذ شهادة رجل كهذا وترد شهادات العدول الأفذاذ ؟
نعم .روي عن العلائي تضليل ابن تيميه ولعله حمله علي ذلك تعصبه عفا الله عنه 88 ومثال التعصب قوله بأن رئيساً أهل السنة هما الماتريدي والأشعري اللذين لا يعارضهما إلا ضال مبتدع89
وهذا عجيب منه : فإن إتباع كل من الفريقين لم يزل معترضاً علي الآخر ، حتي حكم الماتريدية بضلال الأشاعرة في بعض المسائل بل كفروهم كما في مسألة خلق الإيمان . فالمذهبان ليسا مذهبا واحداً وأحدهما يري الآخر ضالاً . وكلاهما يتفقان علي تقديم الرأي علي النص ولهذا تضاربت أراؤهم واختلفوا .
وكذلك مر بالنسبة للسبكي والحصني والهيتمي فهؤلاء أشاعرة في العقيدة مدافعون عن المذاهب ، دعاة إلي التأويل في أسماء الله وصفاته يحكمون علي مثبت الصفات بخبث الاعتقاد وتشبيه الله بخلقه فتنه له عن إثبات الصفات ، ودفعاً به إلي التأويل المحفوف بالمخاطر .
وليس من النصاف جعل الخصم هو الحكم وتحكيم من تخاصموا مع ابن تميميه في العقائد فإنهم علي مذهب جديد أسمه المذهب الأشعري أو الماتريدي لم يعرفه الأشعري نفسه الذي تاب من بدعة الاعتزال وصار يحيل الناس إلي معتقد أحمد بن حنبل ومجرد تعصب المنتمين لمذهبهم سبب كاف للطعن في المخالف له ، كما رأيت من العلائي .
ولذلك قال بن تيميه لخصومه الذين عقدوا له مجلس تحقيق : من الذي يحكم بيننا فقالوا : نحن الحكم فيك فقال : أنتم خصمي فكيف تكونون الحكم فيما بيني وبينكم .
قاعدة في جرح العلماء لبعضهم البعض
قال الألوسي " فإن قلت : قد تبين أن من العلماء من هو قادح في الشيخ ابن تيميه وإن كانوا أقل من الفرقة الراضية المرضية ، إلا أنه قد عرف من القاعدة التي عليها التعويل : أن الجرح مقدم علي التعديل ، فما الجواب المميز للخطأ عن الصواب "
والجواب : قال العلامة ابن عابدين في محشي " الدر المختار " في كتابه " سل الحسام " 90 " إن هذه القاعدة " الجرح مقدم علي التعديل " إنما هي في غير من اشتهرت عدالته ، وفي غير علم أن التكلم فيه ناشئ عن عداوة أو جهالة وغباؤه ، فقد قال الحافظ الباجي .
الصواب عندنا أن من كثر مادحوه ومزكوه ، وندر جارحه ، وكانت هناك قرينة دالة علي سبب جرحه من تعصب مذهبي أو غيره فأنا لا نلتفت إلي الجرح فيه ونعمل فيه بالعدالة ، وإلا : فلو فتحنا هذا الباب وأخذنا تقديم الجرح علي إطلاقه لما سلم لنا أحد من الأئمة ، إذ ما من إمام إلا وقد طعن فيه طاعنون وهلك فيه هالكون .(65/143)
وعن مالك بن دينار " يؤخذ بقول العلماء والقراء في كل شئ إلا في قول بعضهم في بعض " 91 وعن ابن عباس " اسمعوا علم العلماء ولا تصدقوا بعضهم علي بعض فوالذي نفسي بيدي هو أشد تغايراً من التيوس علي زوربها " 92
قال " ومما ينبغي أن يتفقد عند الجرح : حال العقائد وخلافتها بالنسبة إلي الجارح والمجروح ، فربما خالف الجارح المجروح في العقيدة فجرحه لذلك ، وإليه شار الرافعي بقوله " وينبغي أن يكون المزكون براء من الشحناء والعصبية في المذهب في المذهب خوفاً من أن يحملهم ذلك علي جرح عدل أو تزكية فاسق ، وقد وقع هذا لكثير من الأئمة جرحوا بناء علي معتقدهم المخطئون والمجروح مصيب "
وقال الذهبي والحافظ بن حجر العسقلاني وأبو نعيم الأصفهاني " إن قول الآقران بعضهم في بعض غير مقبول ، لا سيما إذا لاح أنه لعداوة أو مذهب إذ الحسد لا ينجو منه إلا من عصمه الله تعالي . قال الذهبي " وما علمت عصراً سلم أهله من ذلك "
وقال عند ترجمة الفضيل " إذا كان مثل كبراء السابقين قد تكلم فيهم الروافض والخوارج ومثل الفضيل بن عياض يتكلم فيه ، فمن الذي يسلم من ألسنة الناس ؟ ولكن إذا ثبتت إمامة الرجل وفضله لم يضره ما قيل فيه ، وإنما الكلام في العلماء يفتقر إلي وزن بالعدل والورع " 93
وقال القنوجي في هداية السائل إلي أدلة المسائل " قد فتح باب التقليد والتمذهب عدوات وتعصبات قل من سلم منها إلا من عصمه الله " 94
وقال الإمام أحمد " كل رجل ثبتت عدالته لم يقبل فيه تجريح أحد حتي يبين ذلك بأمر لا يحتمل غير جرحه " 95
وقال ابن جرير الطبري " لو كان كل من أدعي عليه مذهب من المذاهب الرديئة ثبت عليه ما أدعي به ، وسقطت عدالته وبطلت شهادته بذلك للزم ترك أكثر محدثي الأمصار ، لأنه ما منهم إلا وقد نسبه قوم إلي ما يرغب به عنه ومن ثبتت عدالته لم يبل فيه الجرح ، وما تسقط العدالة بالظن " 96
ولنمض بعد هذه القواعد المهمة مع بعض خصوم بن تيميه .
عصور التعصب والمذهبية
وقد اتسم عصر بن تيميه بالتحيز الفكري والغلو الصوفي والتعصب الأشعري " فكل له إمام وفي العقيدة " 97 وفي كل مدينة أربعة قضاة : قاض يقضي حسب المذهب ، وإمام يؤم حسب المذهب .
قال في مقدمة سير أعلام النبلاء للذهبي " وكانت بلاد الشام تشهد نزاعاً مذهبياً وعقائدياً حاداً ، كان الحكام المماليك يتدخلون فيه فيكثير من الأحيان فيناصرون فئة علي أخري ، وكان الأيوبيون قبل ذلك قد عنوا بنشر عقيدة الأشعري وأعتبروها العقيدة الحقة الت ييجب أتباعها وكان صلاح الدين الأيوبي رحمة الله أشعرياً متعصباً كما هو معروف من سيرته ، فلذلك أصبحت للأشاعرة قوة عظيمة في مصر والشام " 98
وكل هذا يؤكد أنه من الأجحاف أن تكون محاكمة ابت تيميه بيد خصومه ، وأن العصبية للمذهب وحسد العلماء المعاصرين كان الدافع وراء الحملات عليه عفا الله عنهم جميعاً .
موقف الحصني من ابن تيميه
واحتج الحبشي بموقف تقي الدين الحصني الشدسد العادء من ابن تيميه .
*ويكفي في بطلان هذا الاحتجاج بشهادة كثيرين في الحصني كالحافظ بن حج ر وابن قاضي شهبه والقريزي والسخاوي أنه كان شديد التعصب 99 يعمي عن الحق ويودي إلي ظلم الآخرين .
وكان الحصني يصرح بكفر ابن تيميه فأهانة القضاة والحنابلة وأهالي دمشق إهانات كثيرة واحتقروه 100 .
ونرى الإمام السخاوي ينقل عن الإمام المقريزي شدة عصبية الحصني وغلوه تجاه ابن تيميه بل وتجاه الحنابلة بشكل عام فيقول وذكر المقريزي في عقوده أن الحصني كان شديد التعصب للأشاعرة منحرفاً عن الحنابلة إنحرافاً يخرج منه عن الحد وتفحش في ابن تيميه وتجهر بتكفيره من غير احتشام ، بل يصرح بذلك في الجوامع والمجامع ، بحيث تلقي ذلك عنه أتباعه ، واقتدوا به جرياً علي عادة أهل زماننا في تقليد من اعتقدوه ، وسيعرضان جميعاً علي الله الذي يعلم المفسد من المصلح ، ولم يزل علي ذلك حتي مات عفا الله عنه " 101
وذكر السخاوي أيضاً أن الشيخ إبراهيم بن محمد الطرابلسي اجتمع بالحصني وقال له " لعلك التقي الحصني ثم سأله عن شيوخه فسماهم فقالله إن شيوخك الذين سميتهم عبيد ابن تيميه أو عبيد من أخذ عنه ، فما بالك تحط عليه أنت ؟! فما وسع الحصني إلا أن أخذ نعله وانصرف ولم يجسر يرد عليه " 102 انتهي قول السخاوي .
فهذا الموقف من الحصني دليل علي الشذوذ والتعصب لا سيماأن عامة أهل العلم لم يعرف عنهم مثل هذا الموقف ولذلك كان كلام المقريزي السخاوي مشعران بتوبيخه .
وقد نقل الحبشي من كلام الحصني 103 أنه " بلغه عن شخص أنه نبش قبر بن تيميه فوجد علي صدره ثعباناً مخيف المنظر . 104
وهذا الذي بلغه عن مجهول " ولعله من مكاشفي الصوفية " لو صح لكان كرامة لأبن تيميه فلعل ذلك الثعبان يكون من جنود الله يحميه به من أمثال هذا الحاقد الذي يحمله حقده علي نبش قبور أعدائه ، ونبشه للقبر يجعله مستحقاً مستحقاً للعنة لما جاء عن عائشة " أن صلى الله عليه وسلم لعن المختفي والمختفية " 105 أي نباش القبور .(65/144)
والمتأمل في كتاب الحبشي المذكور يجد العديد من الخرافات والمبالغات وكثرة محادثة رسول الله والاستغاثة به عند قبره فالحصني " حبشي المنهج "
موقف أبي حيان من ابن عربي
وذكر الحبشي أن السبكي نقل عن أبي حيان المعاصر لأبن تيميه أه أطلع علي رسالة ابن تيميه العرشية فلما قرأها زال يلعنه حتي مات لما رأي فيها من الكفر 106 زعموا أنه قال فيها إن الله أخلي ل صلى الله عليه وسلم مكاناً علي عرشه ليجلسه عليه .
وهذا جرح مبهم فما الذي قاله ليستحق عليه اللعن فليعرضه حتي ننظر فيه أم أنكم مقلدون حتي في اللعن المطلق .
أين هذه الرسالة المجهولة التي لا يبدو أن كبار الأئمة يعرفون عنها شيئاً .
وقد كان السبكي بحاجة ماسة إلي ما يثبت موقفه من ابن تيميه فلمإذا لم يحك ما في فحواها؟
ولمإذا لم يتكلم عنها العلماء عصره حتي يثبتوا فيها إنحراف ابن تيميه ؟
وكيف مع ذلك يضرب عنها امراء النقد صحيحاً ، فيبالغوا في الثناء علي ابن تيميه كالسيوطي والمزي والذهبي وابن حجر العسقلاني وابن رجب وابن دقيق العيد ، والحافظ البزار وبدر الدين وملا علي قاري وغيرهم ؟
وتقديم شهادة لغوي أشعري متعصب علي جملة من الحفاظ هو عين التجني .
الصوفية يدعون أن العرش مملوء من رسول الله .
*فإن كان صاحب هذا الكلام - علي افترض صحته عن ابن تيميه يستحق صاحبه به اللعن فإليكم ما حكاه السيوطي 107 عن أبي العباس الطنحي تلميذ شيخكم أحمد الرفاعي ، وفيها أن الشيخ عبد الرحيم بقنا قال له " هب إلي بيت المقدس لتعرف رسول الله هناك . قال : فحين وضعت رجلي وإذا بالسماء والأرض والعرش والكرسي مملوءة من رسول الله صلى الله عليه وسلم
فالعرش مملوء ب صلى الله عليه وسلم وليس جزءاً منه فقط ؟!
هل يعني ذلك جواز لعن ابن فورك والخطيب
فإن كان ابن تيميه يستحق اللعن لمجرد روايتها فقد رواها الخطيب في تاريخه الذي أخذتم منه رواية تبرط الشافعي بقبر أبي حنيفة وتمسكتم بها تعصباً منكم وتحيزاً . فقد ذكر الخطيب رواية " الكرسي الذي يجلس عليه الرب عز وجل ، وما يفضل منه إلا قدر أربع أصابع وإن له أطيطاً كأطيط الرجل الجديد " قال الخطيب " قال أبو بكر المروذي قال لي أبو علي الحسين بن شبيب قال لي أبو بكر بن العابد - حين قدمنا بغداد - أخرج ذلك الحديث الذي كتبناه عن أبي حمزة فكتبه أبو بكر بن سلم بخطه وسمعناه جميعاً .
وقال أبو بكر بن سلم " إن الموضع الذي يفضل ل صلى الله عليه وسلم ليجلسه عليه ، قال أبو بكر الصيدلاني : من رد هذا فإنما أراد الطعن علي أبي بكر المروذي وعلي أبي بكر بن سلم العابد " تاريخ بغداد 8 / 52 "
فهل تلعنون الخطيب البغدادي لهذه الرواية التي لا يعقب عليها بشئ بل يحكي ما يفيد الزجر علي من يطعن في صحتها !
وهل تلعنون ابن فورك وهو الذي روي الحديث الباطل الذي تتهمون ابن تيميه بروايته وهو " إن الله ملأ العرش حتي ان له إطيطاً كأطيط الرجل الجديد قائلاً ووضع أحدهما علي الاخري ، قال ووضع حماد ساقه علي ركبته اليسري "
ثم حاول أن يوجد له تأويلاً علي عادته في سياقة الروايات الباطئة وتأويلها " فقال " يحتمل أن يكون المراد ملأة عظمة ورفعة " 108
وبالجملة فالرسالة العرشية التي بين أيدينا ليس فيها ما يزعمون ؟ بيد أنهم يصرون علي أن له رسالة عرشية أخري غير هذه المتداولة أو أن هذه الرسالة قد تم حذف شئ منها ، هكذا ادعاء لا أساس له ، فليبرزوا لنا الأصل المخطوط للرسالة إن كانوا صادقين .
وعجباً لهؤلاء أن يقولوا عن كتب خصومهم " حذف منها هذا الكفر ، بينما يقولون في كتب أحبابهم من أهل الحلول والاتحاد كابن عربي " دس فيها هذا الكفر "فتأمل التحيز والتعصب واتباع الهوي .
ثم أن الحافظ ابن الحجر صرح بأن الأشكال بين ابي حيان وابن تيميه إنما وقع حول قضية تتعلق بالنحو فقد دار جدال بينهما في النحو فخطأ ابن تيميه سيبويه في مسائل فلما عارضه أبو حيان لذلك قال له ابن تيميه " لم يكن سبيويه نبياً معصوماً "
قال ابن حجر 109 فأعتبر أبو حيان هذه الكلمة ذنباً لا يغتفر وكان هذا سبب مقاطعته إياه .
اختبار الصدق
ولئن كانت شهادة أبي حيان معتبرة عند الحبشي إلي هذا الحد : فليأخذ بشهادته في ابن العربي بأنه حلولي فاجر بوحدة الوجود ؟!
فقد قال أبو حيان في قوله تعالي " لقد كفر الذين قالوا أن الله هو المسيح ابن مريم " " ومن بعض اعتقادات النصاري استنبط من تسر بل الإسلام ظاهراً وانتمي إلي الصوفية : " استنبط " حلول الله في الصور الجميلة .
ومن ذهب من ملاحدتهم إلي القول بالاتحاد والوحدة كالحلاج والشوزي وابن عربي المقيم بدمشق وابن فارض والمعلعون العفيف التلمساني 00 قال " وإنما سردت أسماء هؤلاء نصحاً لدين الله تعالي وليحذر المسلمون منهم " 110 انتهي .
فلمإذا يميل الحبشي إلي موقف أبي حيان من ابن تيميه ولا يميل إلي موقفه من ابن عربي ؟ أنه الهوي والجور .
وبهذه الطريقة أيضاَ تستطيع أن تلقم هؤلاء المفرين حجراً فإن قالوا لك إن أبا حيان لعن ان تيميه 111 فقل لهم وكذلك لعن أبو حيان ابن عربي فهل تقبلون بحكمة في كلا الرجلين .(65/145)
علي ابن حيان لا يعبأ بقوله في ابن تيميه بعد أن ثبت ثناء أكابر أهل العلم عليه الثناء البالغ . فهو ليس من الائمة المعتبرين المعروفين الذين يؤثر قولهم علي قول ابن حجر والمزي والذهبي والحافظ ابن عبد الهادي وابن رجب وغيرهم .
ابن طولون يحكي الإجماع علي كفر ابن عربي
ونص ابن طولون علي أن غالب الفقهاء وجميع المحدثين يعتقدون في ابن عربي أنه مبتدع إتحادي ملحد " قال وسمعت الشيخ الكفر السوسي بقول : رقاهم بعض المتأخرين إلي نحو خمسمائة منهم قاضي القضاة تاج الدين عبد الوهاب بن بنت الأعز المصري والعلامة شهاب الدين أحمد بن حمدان الحراني ، وعلامة زمانه تقي الدين ابن تيميه والعلامة كمال الدين جعفر الأدفوي والحافظ بن كثير ونادرة زمنه علماً وعملاً علاء الدين البخاري وقاضي القضاه أبو زرعة العراقي وقاضي القضاه بدر الدين العيني وشيخ الإسلام شمس الدين البلاطنسي والعلامة محمد بن امام الكاملية الصوفي ، وحافظ العصر شهاب الدين أحمد بن حجر العسقلاني ، والفقيه تقي الدين ابن الصلاح وقاضي القضاه ابن دقيق العيد ، وبدر الدين ابن جماعة ، وشيخ الاسلام تقي الدين لسبكي 112 فمإذا عساكم تقولون ؟!
ثم أن محاولة تبرئة ابن العربي محاولة فاشلة فقد ثبت عليه القول بوحدة الوجود وتتلمذ عليه أناس من كبار القائلين بوحدة الوجود مثل القونوي وبخاصة عبد الحق ابن سبعين الذي شنع عليه أبو حيان والذهبي وابن حجر وكذلك بدر الدين العيني الذي أثني علي موقف ابن تيميه في التشنيع عليه وعلي أمثاله من القائلين بوحدة الوجود . 113
فتلمذة ابن سبعين علي بن عربي وتأثره بتعاليمه يعتبر الدليل الأكبر علي صحة نسبة كتاب الفصوص إليه لا سيما وان ابن بعين شرح الكتاب المذكور 114 .
موقف التقي السبكي
وقد وبخ الذهبي السبكي لتكلمه في حق ابن تيميه فأجابه السبكي برساله أثني فيها علي ابن تيميه .
قال الحافظ ابن حجر " وكتب الذهبي إلي السبكي يعاتبه بسبب كلام وقع منه في حق ابن تيميه فكان من جملة جواب السبكي .
" وأما قول سيدي الشيخ في حق ابن تيميه ، فالمملوك يتححق كبير قدره وزخارة يحره وتوسعة في العلوم النقلية والعقلية وفرط ذكائه واجتهاده وبلوغه في كل من ذلك المبلغ اذي يتجاوز الوصف والمملوك يقول ذلك دائماً ، وقدرة " أي قدر ابن تيميه " في نفسي أكبر من ذلك وأجل ، مع ما جمعه الله له من الزهاده والورع والديانه ونصرة الحق والقيامة فيه لا لغرض سواه ، وجريه علي سنن السلف وأخذخ من ذلك بالمآخذ الأوفي ، وغرابة مثلة في هذا الزمان بل من أزمان " أنتهي قول السبكي فيما حكاه الحافظان ابن حجر وابن رجب 115
هكذا كان موقف السبكي الأب " تقي الدين " من ابن تيميه يدعو له بالرحمة بالرغمن من العداء العقائدي ويصفه ب" تقي الدين " 116
تهور السبكي الابن :
ولم يسلك السبكي الابن مسلك والده ، فقد يطعن في ابن تيميه بأقذع النعوت وأقبحها وانتقده الناس علي ذلك حتي نسبه السخاوي إلي التعصب المقيت لقوله في طبقاته " وهل ارتفع للحنابلة قط رأس "
قال السخاوي وهذا من أعجب العجائب وأصحب التعصب . ولذا كتب تحت خطه قاضي عصرنا وشيخ المذهب العز الكنائي ما نصبه " كذلك والله ما ارتفع للمعطلة رأس 000 " إلي أن قال عن التاج السبكي " هو رجل
1. قليل الأدب .
2. عديم الانصاف .
3. جاهل بأهل السنة ورتبهم " 117 انتهي .
ولقد عامل الله السبكي بما يستحق ، فقد ذكر الشعراني في الأجوبة المرضية أن الناس شهوداً علي السبكي بالكفر والانحلال والزنا وشرب الخمر وأنه كان يلبس الغيار والزنار بالليل زيخلعهما بالنهار " 118
قالوا ابن كثير " وعقد مجلس لقاضي القضاة السبكي بسبب عظائم اتهموه بها ينبو السماع عن استماعها " 119
ونحن والله لا نرجو أن يكون صدقاً . ولن نسارع أو نميل إلي تصديقه . ولكن لعل الله ابتلاه بما ظلم ابن تيميه ولابد للظالم أن يبتلي بظلم مثله .
*وأي إنصاف نتوخاه من رجل لم يتورع عن الطعن واللعن بالمخالفين لمذهبه حتي ادي به الأمر أن أكثر من النيل من شيخه الذهبي ، ولم يتوخ الأدب بحقه وهو من هو الناقد البصير الذي شهدت كتبه وسيرته الحسنة بإنصافه وحسن عقيدته ولا زال أهل العلم بل والمخالفون له من أهل البدع يحتجون بحكمه علي احاديث الحاكم في المستدرك صحة وضعفاً .
وإذا بلغ الأمر بالتاج السبكي إلي هذا الحد فما الذي يجعله يتورع عن شب شيوخه والتشهير بهم ؟! أليس هذا التطاول والجرأة في الطعن يجعله جديراً بما رواه السخاوي عن الكناني من أن السبكي رجل " قليل الأدب عديم الأنصاف ، جاهل بأهل السنة ورتبهم " 120
ولذلك فلا أزال أقول : راقبوا وتأملوا سير وأخلاق ومنهج الطاعتين - المتعصبين - في ابن تيميه وقارنوهم بأولئك الائمة العدول الكبار الذين أثنوا عليه : عندها تعرفون الحقيقة .
دعاؤه لابن تيميه بالمغفرة يكشف أحقاد المعاصرين(65/146)
ومع طعن السبكي الكبير بابن تيميه فأنه كان يدعو له من وقت لآخر كما قال في طبقاته " يغفر الله لابن تيميه ولا حرمه وسيلة صلى الله عليه وسلم " 121 ويصفه بالشيخ تقي الدين 122. ومعلوم أن تقي الدين وصف له وليس اسماً .
كما كان يترجم الذهبي علي ابن تيميه وكان يدعو له في كل مناسبة يذكره فيها 123 خاصة بعد موته ، ودعا له الوتري 124 والصيادي 125 والامام الأذرعي كما حكاه الحافظ 126 ودعا له بدر الدين العيني بالرحمة 127
ودعاء السبكي لابن تيميه في لاطبقات نفي صاحب الرسائل السبكية والتوفيق الرباني أن يكون السبكي قد دعا له بالمغفرة
علامات التحيز والتعصب والعلو
ومن تعصب التاج السبكي قوله عن أبيه وهو يترجم له :
*" إعلم أن باب مباحثه بحر لا ساحل له ، بحيث سمعت بعض الفضلاء يقول : أنا أعتقد أن كل بحث يقع اليوم علي وجه الارض فهو له ، أو مستمد من كلامه وتقريراته التي طبقت الأرض . 128
وكانت دعواته تخترق السموات السبع الطباق ، وتفترق بركانها فتملأ الآفاق . وتسترق خبر السماء . 129
وأقسم بالله إنه لفوق ما وصفته ، وإني لناطق بهذا وغائب ظني أني ما ،صفته " إلي ان قال " وما ساقة الله حين قبضه إلا إلي جنة عدن أعدت لأمثاله من المتقين الأبرار " 130 وما عانده أحد ألا وأخذه الله بعقوبته سريعاً " 131
وسافر إلي مصر وكان يذكر أنه لا يموت إلا في في مصر 132 وكأن الله استثناه من الأية " وما تدري نفس بأي أرض تموت " فصارت : إلا السبكي .
وزعم أن رجلاً رآه في المنام فسأله عما فعل الله به فقال : فتحت لي أبواب الجنة وقال لي : أدخل ، فقلت : وعزتك لا أدخل حتي يدخل كل من حضر الصلاة علي " 133
ونقل عن برهان الدين القيراطي رثاءه لأبيه قائلاً 134 :
أمسي ضريحك موطن الغفران ومحل وفد ملائك الرحمن
وتبوأت غرف الجنان وجوزيت فيها علي الإحسان بالاحسان .
وتلقيت بتحية وأتت لها تحف الجنان علي يدي رضوان .
واستبشرت بقدومها أملاكها وسعي لها رضوان بالرضوان .
روح لها حور الجنان تشوفت حبا لها كتشوق الولدان .
كانت لها الدنيا محلاً أولا والجنة العليا محل ثان .
وهكذا جعلوه قبره مصدر المغفرة ، وحكموا له نيابة عن الله بأنه يتقلب الآن في الجنة ، هكذا يروج الولد لأبيه بضاعته .
* واما أبوه فكان يتلو القرآن جهراً ولو في الحمام ، وإذا كانت له حاجة يكتب بخطه إلي الله تعالي ويعلقها علي خشبة السطح 135.
* وكان يسعي سعياً حثيثاً إلي منصب القضاء 136 حين كان يعتبر هروب كثيرين من القضاء منقبه وفضيله . وكان قد أمر المؤذنين بزيادات طويلة بعد الإذان وقبله 137 .
* وكان الناس يبغضونه وينقمون منه 138
* وكان عصبي المزاج متعصب المنهاج لا يتورع عن وصف مخالفي رأية بالزندقة فقد حكي عنه الهيتمي وقوله " لا ينقص الغزالي إلا حاسد أو زنديق " 139 والنقد عنده انتقاص .
ولا يخفاك أيها الأخ المنصف نقد كثيرين للغزالي أبرزهم في ذلك ابن الجوزي وابن الصلاح والقاضي أبو بكر ابن العربي الذي كان معاصراً له ، والمازري وأبو كبر الطرطوشي .
قال ابن الجوزي " وجاء أبو حامد فصنف لهم كتاباً علي طريقة القوم " الصوفية " وملأه بالأحاديث الباطلة وهو لا علم بطلانها ، وتكلم في علم المكاشفة وخرج عن قانون الفقه ، وقال إن المراد بالكوكب والشمس والقمر اللواتي راهن إبراهيم أنور هي حجب الله ولم يرد هذه " الكواكب " المعروفات " هذا من جنس كلام الباطنية ، وأن الصوفية في يقظتهم يشاهدون الملائكة وأرواح الانبياء ويسمعون منهم أصواتاً ويقتبسون منهم فوائد . ثم يرقي الحالمن مشاهدة الصور إلي درجات يضيق عنها نطاق النطق " 140
وأوصي الغزالي سالك التصوف أن " لا يفرق كره بقراءة القرآن ولا بالتأمل في تفسير ولا بكتب حديت " وذكر في ميزان العمل " 31 " أنه رغب مرة في قراءة القرآن فمنعه شيخه الصوفي من ذلك قائلاً " السبيل أن تقطع علائقك من الدنيا بالكلية " فجعل تلاوة القرآن من مشاغل الدنيا .
طلب علم الحديث ركون إلي الدنيا ؟؟
وأما طلب علم الحديث فقد نقل عن الداراني قوله " إذا طلب الرجل الحديث أو تزوج أو سافر في طلب المعاش فقد ركن إلي الدنيا لأن الزهد عندنا ترك كل شئ يشغلك عن الله عز وجل " 141
علق ابن الجوزي علي ذلك قائلاً : " عزيز أن يصدر هذاالكلام من فقيه ، فإنه لا يخفي قبحه فإنه طر لبساط الشريعة التي حثت علي تلاوة القرآن وطلب العلم 142 فهل نعتبرالزندقة في نقد ابن الجوزي أما مإذا ؟
غير ان المتعصبين أول ما يتبادر إليهم عند نقد من يحبونه أنه طعن فيه ولا ينصفونه ولا يتقبلون نقده مع إحسان ظن ولا ينظرون نظرة تجرد وغيره علي الدين ولا إلي ما وراء نقد الخاطئين من صيانة للدين ومن هنا يسارعون إلي الطعن والتشكيك في مصداقية الناقد في نصحه بل في نيته ، ولا ينظرون نظرة واقعية متجردة إلي ما فيه قيام الدين .
هجاء السبكي لابن تيمية
والرد عليه في ذلك
هذا ويحتج الحبشي ببعض أبيات للسبكي يقول فيها:
ولابن تيمية رد عليه وفي
… بمقصد الرد استيفاء اضربه
لكنه خلط الحق المبين بما
… يشوبه كدر في صفو مشربه
يحاول الحشو أنى كان فهو له(65/147)
… حثيث سير بشرق أو بمغربه
يرى حوادث لا مبدا لأولها
… في الله سبحانه عما يظن به
كما رددت عليه في الطلاق وفي
… ترك الزيادة أقفو إثر سبسبه
ولقد ردَّ عليها اليافعي [وهو عبد الله بن أسعد بن علي وقصيدته لا تزال مخطوطة محفوظة في مكتيبة شيستربتي بإيرلندا رقم (4907/3) تحت عنوان (قصيدة فريدة) ومصورة في جامعة الإمام محمد بن سعود بالرياض، وذكرها الآلوسي كاملة في جلاء العينين 19] بقصيدة مطولة جاء فيها:
اليافعي يستعرض كلام السبكي
وبعد فاسمع كلاماً قد تقوله
… قاضي القضاة تقي الدين وانتبه
أعني أبا الحسن السبكي حين غدا
… يبغي من الأمر ما لا يستق به
فقال ذلك إذ رد الإمام على حزب
… الروافض رداً غير مشتبه
أعني ابن تيمية الحبر الذي شهدت
… بفضله فضلاء الناس والنبه
فاستحسن الرد حتى راح يمدحه
… بما أزال من الإشكال والشبه
لكنه بعد هذا المدح خالفه
… وقال أبيات شعر غير منجبه
أبيات السبكي في حق ابن تيمية
إن الروافض قو لا خلاق لهم
… من أجهل الناس في علم وأكذبه
والناس في غنية عن رد إفكهم
… لهجنة الرفض واستقباح مذهبه
وابن المطهر لم تطهر خلائقه
… داع إلى الرفض غال في تعصبه
ولابن تيمية رد عليه وفى
… بمقصد الرد استيفاء أضربه
لكنه خلط الحق المبين بما
… يشوبه كدر في صفو مشربه
يحاول الحشو أنى كان فهو له
… حثيث سير بشرق أو بمغربه
يرى حوادث لا مبدأ لأولها
… في الله سبحانه عما يظن به
كما رددت عليه في الطلاق وفي
… ترك الزيارة أقفو إثر سبسبه
وبعده لا أرى للرد فائدة
… هذا وجوهره مما أظن به
هذا الذي قاله السبكي مرتجلاً
… وللبسيط أنمي بعض أضربه
رد اليافعي على اتهامات السبكي
فقال مرتجلاً للحق منتصراً
… عبد يرد عليه في تأدبه
يا أيها الرجل الحامي لمذهبه
… ألزمت نفسك أمراً ما أمرت به
وما عزوتم إلى الشيخ الجليل أبي
… العباس أحمد أمر لا يخص به
في قولكم خلط الحق المبين بما
… يشوبه كدر في صفو مشربه
يحول الحشو أنى كان فهو له
… حثيث سير بشرق أو بمغربه
يرى حوادث لا مبدأ لأولها
… في الله سبحانه عما يظن به
لقد علمتم بأن السلف الـ
… ـماضين ما خرجوا عما أقر به
هم القرون الألى في نص سيدنا
… حازوا الفخار بأمر غير مشتبه
لئن رددت عليه في مقالته
… فقد رددت عليهم فبادر وانتبه
ثم الأئمة أهل الحق كلهم
… يرون ما قاله من غير ماجبه
فردكم ليس مخصوصاً بواحدهم
… بل بالجميع وهذا موضع الشبه
هلا جمعت الألى قالوا بمقالته
… ليستبين خطاهم من مصوبه
فكلهم خلط الحق المبين بما
… يشوبه كدر في صفو مشربه
فكلهم كان حشوياً لديك يرى
… وكلهم أنت تقفو إثر سبسبه
وانظر إلى مطلب حاولته طلبا
… فنسبة للمر تلغى عند مطلبه
وخذ أدلة ما قالوه واضحة
… من الكتاب ودع ما قد هذوت به
فللإله صفات الذات قد وردت
… بها النصوص بلا ريب ولا شبه
كما تراها على قسمين قائمة
… بها يقينا يراها من أقر به
هو القديم بأوصاف منزهة
… عن الحدوث كما تأتيك فانتبه
حي سميع بصير قادر صمد
… فرد جليل عظيم الشأن فارض به
فهذه كلها ذاتية وردت
… ومثلها في المعاني غير مشتبه
كذلك فعليه فانظر مثالهما
… وقس عليه وراع الفرق تنج به
يحب يبغض يرضى يستجيب يرى
… يجيء يأتي بلا كيف ولا شبه
وخالق قبل مخلوق يكونه
… وقاهر قبل مقهور يكون به
وراحم قبل مرحوم فيرحمه
… ورازق قبل مرزوق بأضربه
عن أمره صدر المخلوق أجمعه
… والأمر ويحك لا شك يقوم به
وقد تكلم رب العرش بالكتب الـ
… ـمنزلات كلاماً لا شبيه به
ولم يزل فاعلاً أو قائل أزلاً
… إذا يشاء وهذا الحق فارض به
هذي حوادث لا مبدأ لأولها
… بالنص فافهمه با نومان وانتبه
إذ هل صفات لموصوف تقوم به
… قديمة مثله من غير ما شبه
ومذهب القوم مروي كما وردت
… من غير شائبة للتكييف والشبه
ولا يرون بتعطيل الصفات كما
… يقول جهم ومن والاه في الشبه
ما شبه الله إلا عابد صنماً
… يدلي بأخبث معبود وأغربه
ولا يعطل إلا عابد عدماً
… وليس يدري رباً يلوذ به
سوى أباطيل ما يختاره عبثاً
… يرى أمانيه تسري لمركبه
وما رددت عليه في الطلاق فما
… حققت عقلاً ولا نقلاً ظفرت به
بل فاسد القصد أعيا الذهن منك كما
… هو عادة الله في قال لمذهبه
نزلت حول حماه كي تنازله
… فما علوت عليله بل علوت به
وما نسبتم إليه عند ذكركمو
… ترك الزيارة أمراً لا يقول به
فقد أجابكمو فيها بأجوبة
… أزال فيها صدا الإشكال والشبه
وقد تبين هذا في مناسكه
… لكل ذي فطة في القول والنبه
رميتموه ببهتان يشان به
… فالله ينصفه ممن رماه به
وفي الجواب أمور من تدبرها
… سقى الأنام بها من صفو مشربه
ولم يكن مانعاً نفس الزيارة بل
… شد الرحال إليها فوق مركبه
مستمسكاً بصحيح القول متبعاً
… خير القرون الألى جاءوا بمذهبه
وقال آخر
فضحت نفسك في هذا المقال ولم
… تشعر وعجت عن المرعى وأخصبه
عرفتنا أن ما قد قلت ليس لوجه
… الله بل للمراء أقبح منصبه
إذ لو أردت بيان الحق قلت به
… في محضر الخصم أما في مغيبه
ما ذاك صدك بل خوف الجواب كما
… أجبت قبل بسهم من مصوبه
لكن إذا الأسد الضرغام غاب عن الـ
… عرين تسمع فيه ضبح ثعلبه
وفي الزيارة لم تنصف رددت على(65/148)
… ما لم يقله ولم تمرر بسبسبه
رد ملخص أشياء أذكرها
… إما حديث ضعيف عند مطلبه
إما صحيح ولكن لا دليل به
… على مرادك بل هدم لمنصبه
ثناء الحافظ بن حجر علي بن تيميه
ووصفه بشيخ الاسلام
إن أهم الادلة علي ثناء الحافظ علي ابن حجر علي بن تيميه ما قاله فيه عند تفريطه كتاب الرد الوافر علي من زعم ان ابن تيميه كافر لابن ناصر الدين المشقي كما أثبته السخاوي في كتابه الجواهر والدرر في ترجمة الحافظ بن حجر قال فيه ما نصه
قال السخاوي في الجواهر والدرر في ترجمة الحافظ بن حجر 143 في معرض سرد تفريطات ابن حجر للكتب ما نصه .
" ومن ذلك ما كتب به في الرد الوافر علي من زعم أن ابن تيميه شيخ الإسلام كافر لحافظ الشام ابن ناصر الدين في سنة خمس وثلاثين وحدث به في أواخرالسنة التي تليها بالشام بقراءة صاحبنا النجم الهاشم .
الحمد لله وسلام علي عبادة الذين أصطفي .. وقفت علي هذا التأليف النافع المجموع الذي هو المقاصد التي جمع لأجلها جامع . فتحققت سعة إطلاع الإمام الذي صنفه ، وتضلعه من العلوم النافعة بما عظمة بين العلماء وشرفه .
وشهرة إمامه الشيخ تقي الدين أشهر من شمس ، وتلقيبه بشيخ الإسلام في عصره باق إلي الأن علي الآلسنة الزكية ويستمر غداً كما كان بالأمس ، ولا ينكر ذلك إلا من جهل مقداره أو تجنب الأنصاف مما اكثر غلط من من تعاطي ذلك وأكثر عثاره فالله تعالي هو المسؤول أن يقينا شرور أنفسنا وحصائد ألسنتنا بمنه وفضله .
ولو لم يكن من الدليل علي إمامة هذا الرجل إلا ما نبه عليه الحافظ الشهير علم الدين البرزالي في تاريخه أنه لم يوجد في الإسلام من اجتمع في جنازته لما مات ما اجتمع في جنازة الشيخ تقي الدين ، وأشار إلي أن جنازة الإمام أحمد كانت حافلة جدا شهداها ما بين ألوف ، ولكن لو كان بدمشق من الخلائق نظير من كان ببغداد بل أضعاف ذلك لما تأخر أحد منهم عن شهود جنازته .
وأيضاً فجميع من كان ببغداد إلا أقل كانوا يعتقدون إمامة الإمام أحمد وكان أمير بغداد وخليفة الوقت إذ ذاك في غاية المحبة له والتعظيم ، بخلاف ابن تيميه فكان أمير حين مات غائباً ، وكان أكثر من في البلد من الفقهاء فتعصبوا عليه حين مات محبوساً بالقلعة ، ومع هذا فلم يتخلف منهم عن حضور جنازته والترحم عليه والتأسف عليه إلا ثلاثة أنفس تأخروا خشية علي أنفسهم من العامة .
ومع حضور هذا الجمع الكبير والعظيم فلم يكن لذلك باعث إلاعلي إعتقاد إمامته وبركته لا بجمع سلطان ولا غيره .
وقد صح عن صلى الله عليه وسلم أنه قال أنتم شهود الله في الارض .
ولقد قام علي الشيخ تقي الدين جماعة من العلماء مراراً بسبب أشياء أنكروها عليه من لااصول والفروع وعقدت له بسبب ذلك مجالس بالقاهرة ودمشق ولا يحفظ عن أحد منهم أنه أفني بزندقته ظلا حكم بسفك دمه مع شدة المتعصبين عليه حينئذ من أهل الدولة ، حتي حبس بالقاهرة ثم بالاسكندرية ، ومع ذلك فكلهم معترف بسعة علمه وكثرة ورعه وزهده ووصفه بالسخاء والشجاعة وغير ذلك من قيامه في نصر الإسلام والدعاء إلي الله تعالي في السر والعلانية .
فكيف لا ينكر علي من أطلق أنه كان كافراً بل من أطلق علي من سماه شيخ الاسلام الكفر . وليس في تسميته بذلك ما يقتضي ذلك فانه شيخ الإسلام بلا ريب .
والمسائل التي أنكرت عليه ما كان يقولها بالتشهي ولا يصر علي القول بها بعد قيام الدليل عليه عناداً .
وهذه تصانيفه طافحة بالرد علي من يقول بالتجسيم والتبري منه ، ومع ذلك فهو بشؤ يخطئ ويصيب فالذي أصاب فيه - وهو الأكثر - يستفاد منه ويترحم عليه بسببه ، والذي أخطأ فيه - بل هو معذور - لأن أئمة عصره شهدوا له بأن أدوات الاجتهاد اجتمعت فيه حتي كان أشد المتشغبين علي القائمين في إيصال الشر إليه وهو كمال الدين الزملكاني يشهد له بذلك ، وكذلك الشيخ صدر الدين ابن الوكيل الذي لم يثبت لمناظرته غيره .
ومن أعجب العجب أن هذا الرجل كان أعظم قياماً علي أهل البدع من الروافض والحلولية والاتحادية ، وتصانيفه في ذلك كثيرة شهيرة ، وفتاويه فيهم لا يدخل تحت الحصر .
فيا قرة أعينهم إذا سمعوا تكفيره ويا سرورهم إذا رأوا من يكفره من أهل العلم .
فالواجب علي من تلبس بالعلم وكان له عقلاً من تصانيفه المشهورة أو من ألسنة من يوثق به من أهل النقل فيفرد من ذلك ما ينكر فيحذر منه علي قصد النصح ، ويثني عليه بفضائله فيما أصاب من ذلك كدأب غيره من العلماء .
ولو لم يكن للشيخ تقي الدين من المناقب الا تلميذه الشهير الشيخ شمس الدين ابن قيم الجوزية صاحب التصانيف النافعة السائرة التي انتفع بها الموافق والمخالف لكان غاية في الدلالة علي عظيم منزلته - فكيف وقد شهد له بالتقدم في العلوم والتميز في المنطوق والمفهوم أئمة عصره من الشافعية وغيرهم فضلاً عن الحنابلة .
فالذي يطلق عليه - مع هذه الأشياء - الكافر أو علي من سماه شيخ الاسلام لا يلتفت إليه ولا يعول في هذا المقام عليه بل يجب ردعه عن ذلك إلي ان يرجع الحق ويذعن للصواب .
والله يقول الحق وهو يهدي السبيل وحسبنا الله ونعم الوكيل "(65/149)
انتهي كلام الحافظ بن حجر رحمة الله وهو كلام نفيس جداً.
احتجاجه الدائم بابن تيميه
ويكفيك من ثناء الحافظ بن حجر علي بن تيميه احتجاجه بأقواله وأقوال تلميذه ابن القيم في العديد من المسائل ويصفة بـ" العلامة " و الحافظ وقد احتج بحكم بن تيميه علي زيادة " كان الله ولا مكان " بأنه لا أصل لها . قال الحافظ بن حجر في الفتح " 6 / 289 " ما نصه .
" تنبيه : وقع في بعض الكتب في هذا الحديث " كان الله ولا مكان " " وهو الآن علي ما عليه كان " وهي زيادة ليست في شئ من كتب الحديث نبه علي ذلك العلامة تقي الدين ابن تيميه ، وهو مسلم في قوله " وهو الآن " إلي أخره 144
وهذه الرواية معتمد الاحباش وغيره يتمسكون بها ويعارضون بها كثيراً من نصوص الأيات والأحاديث .
فهذا يبين منزلة بن تيميه عند الحافظ رحمة الله . قال الحافظ بعد موت بن تيميه فهل خفي عليه أخر حال بن تيميه كما تدعون ؟
وشهد لأبن تيميه استحقاقه مرتبة " حافظ " واحتج بحكمة علي درجة الاحاديث كما في كتاب " التلخيص الحبير 3 / 109 "
وحكي المرتضي الزبيدي في شرح الأحياء " 1 / 449 " عن الحافظ العراقي احتجاه بحكم بن تيميه علي الحديث فقال عن حديث " الشيخ في قومه كالنبي في أمته " " قال العراقي : وسئل عنه الشيخ تقي الدين ابن تيميه في جملة أحاديث فأجاب بأنه لا أصل له "
قال الحافظ " وقرأت بخط الحافظ صلاح الدين العلائي عن وصف بن تيميه منها قوله " متعنا الله بعلومه الفاخرة ونفعنا به في الدنيا والاخرة وهو الشيخ الإمام العالم الرباني والحبر البحر القطب النوواني إمام الأئمة بركة الأمة وارث علوم الأنبياء : آخر المجتهدين واحد علماء اليدن شيخ الإسلام ، قدوة الانام برهان المتعلمين ، قامع المبتدعين سيف المناظرين بحر العلوم كنز المستفدين ، ترجمان القرآن أعجوبة الزمان ، فريد العصر والاوان ، تقي الدين إمام المسلمين ، حجة الله علي العالمين ، اللاحق بالصالحين والمشبه بالماضيين ، مفتي الفرق ، ناصر الحق ، علامة الهدي عمدة الحفاظ فارس المعاني والألفاظ ركن الشريعة ذو الفنون البديعة أبو العباس بن تيمية " 145
ولم يقل الحافظ " هذا المدح كان قبل أن تفسد عقيدة بن تيميه كما يزعمه المفتري .
موقف الذهبي من ابن تيميه
وحقيقة النصيحة الذهبية المزعومة
وأوردوا ما يسمي ب " النصحية الذهبية " زعموا نسبتها للذهبي وجهها إلي ابن تيميه وهي رسالة :
* لم تعرف عنه أبداً .
*ولم يذكرها أحد ممن أعتني بمؤلفات الذعبي .
*أنها كتبت بخط خصم ابن تيمية وهو بن قاضي شهبة علي زعم ناشرها المقدسي بتعليقات الكوثري . فهي محكمة أشعرية أو قل تحكم أشعري .
*وهي تخالف اخر ما كتبه عنه الذهبي .
*أن أهل كتاب الذهبي ورد فيه كلام علي بن تيميه ينادي بأن هذه النصيحة جهمية لا ذهبية ولا تعدو نصحية أعتبره صاحبها " ذهبية " وليس كل الذهب حكراً علي الذهبي ! .
أخر أقوال الذهبي قبل موته .
ومن يطلع علي كلام الذهبي عن بن تيميه بعد وفاته يتأكد له كذب هذه الرسالة المزعومة . فلا يوجد كتب للذهبي إلا وفيه الثناء علي ابن تيميه لا سيما بعد موته . وإذا أنكره الذهبي قال " شيخنا " وتارة يقول " شيخ الإسلام " 146 مثال ذلك .
قال في كتاب دول الأسلام " وفي ذي القعدة توفي بالقلعة شيخ الاسلام تقي الدين أحمد بن عبد الحليم ابن تيميه الحراني ، عن سبع وستين سنة وأشهر ، وشيعه خلق أقل ما حزروا بستين ألفاً ، ولم يخلف بعده من يقاربه في العلم والفضل " 147
وقال في تذكرة الحافظ " كان بحور العلم ومن الاذكياء المعدودين ، والزهاد والافراد الشجعان الكبار والكرماء الاجواد : أثني عليه الموافق والمخالف وسارت بتصانيفه الركبان وقد أمتحن وأوذي وحبس بقلعة مصر والقاهرة والاسكندرية وبقلعة مصر مرتين وبها توفي ثم جهز وأخرج إلي جامع البلد فشهده أمم لا يحصون فحزروا بستين ألفاً . وقد أنفرد بفتاوي نيل من عرضه لأجلها . وهي مغفورة في بحر علمه ، فما رأيت مثله " 148
" نصر السنة بأوضح حجج وأبهر براهين ، واوذي في ذات الله من المخالفين ، واخيف في نصر السنة المحضة حتي أعلي الله منارة وجمع قلوب أهل التقوي علي محبته " 149 والدعاء له وكبت أعداءه وأحيا به الشام : بل والاسلام ، وهو أبر من أن ينبه علي سيرته مثلي فلو حلفت بين الركن والمقام لحلفت أني ما رأيت بعيني مثله . 150 وقال في المعجن المختص " فوالله ما مقلت عيني مثله ولا راي هو مثل نفسه " 151
ونقل الحافظ ابن رجب عن الذهبي ان ابن تيميه " كان إماما ً متبحراً في علوم الديانة . صحيح الذهن ، سريع الإدراك ، سيال الفهم كثير المحاسن ، موصوفاً بفرط الشجاعة والكرم ، فارغاً عن شهوات المأكل والملبس والجماع ، لا لذه له إلا نشر العلم وتدوينه والعمل بمقتضاه " ونقل الذهبي عن إعجاب ابن سيد الناس به وقوله " أن تكلم في التفسير فهو حامل رايته ، أو أفتي في الفقه فهو مدرك غايته أو ذاكر بالحديث فهو ذو رايته . برز فب كل فن علي أبناء جنسه ، ولم تر عيني مثله ولا رأت عينه مثل نفسه " 152(65/150)
فهذا الثناء البالغ من الذهبي علي بن تيميه لا يتفق و " النصيحة الذهبية " المزعومة .
وقال الذهبي " قد سجن غيره مرة ليفتر عن خصومه يقصر عن بسط لسانه وقلمه ، وهو لا يرجع ولا يلوي علي ناصح إلي أن توفي معتقلاً بقلعة دمشق ، وشيعه أمم لا يحصون إلي مقبرة الصوفية ، غفر الله له ورحمه أمين 153 انتهي .
أوردت هذا النص لأن أتباع الحبشي زوروا كلاماً علي الذهبي ونسبوا إليه في هذا الكتاب أن بن تيميه معجب برأية جرئ علي الامور 154 وهذه العبارة لم ترد في حق بن تيميه وإنما وردت في ترجمة بن القيم 155 وحول ثبوتها كلام . فقد جاء في النسخة الأصلية من كتاب المعجم " جري عليه أمور " ولكن وردت في الدور الكامنة " معجب " حول إثباتها في النسخة المخطوطة كلام .
فواعجبا من الكذب ومن تصرفهم في نصوص الكتب . ومن أراد التأكد فليسأل صاحب دار عالم الكتب كيف تصرف كمال الحوت في نص الكتاب الذي أرسله الشيخ عبد الفتاح أبو غدة للطبع مما أثار سخط صاحب الدار عليه وجعله يطرده من داره لينظر مإذا فعل الأاحباش بكتاب " تحفة الانام " للشيخ عبد الباسط فاخوري حيثأسقطوا منه ما يقارب الست صفحات .
فهذا الذهبي يثني عليه الثناء البالغ ويذكر علمه وفضله ، وبخلاف ما زوروه عليه ، لا سيما تلك النصيحة المزعومة التي تخالف كل مصنفات الذهبي التي يبن أيدينا .
وقال في كتاب زغل العلم " فوالله ما رمقت عيني أوسع علماً ولا اقوي ذكاء من رجل يقالله ابن تيميه مع الزهد في المأكل والملبس والنساء مع القيام في الحق والجهاد بكل ممكن 000 مقتته نفوسهم وازدروا به وكذبوه وكفروه إلا للكبر والعجب وفرط الغرام في رياسة المشيخة ومحبة الظهور نسأل الله تعالي المسامحة ، فقد قام عليه أناس ليسوا بأروع منه ولا بأعلم منه ولا أزهد منه ، بل يتجاوزون عن ذنوب أصحابهم وأثام أصدقائهم . وما سلطهم الله عليه بتقواهم وجلالتهم بل بذنوبه ، وما دفع الله عنه وعن أتباعه أكثر وما جري عليهم إلا بعض ما يستحقون 156
فهذه شهادة الذهبي المنثورة في كتبه منها ما كتبه في حياة ابن تيميه ومنها ما كتبه بعدها ، فمنذ متي تقدمون أبا حيان النحوي اللغوي علي الذهبي المحدث الناقد في الجرح والتعديل ؟ هل صار أبو حيان ناقداً في الجرح والتعديل مقدماً - في حكمه علي الرجال - علي كل هؤلاء العلماء الحفاظ الذين أثنوا علي ابن تيميه كالبزار والمزي ؟
تزوير أخر من الحبشي
ويضاف إلي تزوير الحبشي علي أبي حنيفة والطحاوي " كما مر معنا " هذا التزوير حيث أستغل الحبشي جملة " وما جري عليهم إلا بعض ما يستحقون " وجملة " وما سلطهم الله عليهم بتقواهم وجلالتهم بل بذنوبه " 157 استغلالاً سيئاً وزعم أن هاتين الجملتين في النص صريحتان في طعن الذهبي بابن تيميه . وهو كذب وتلفيق علي النص فإن المقام في النص مقام ثناء لا ذم وكيف يكون ذماً وهو وكيف يكون ذماً وهو يقول " فوالله ما رمقت عيني اوسع علماً ولا اقوي ذكاء من رجل يقال بن تيميه ويقول " فقد قام عليه اناس ليسوا باروع منه ولا باعلم منه ولا بازهد منه .
فانظر كيف ينصرف عن نعن صريح كلام الذهبي في النصوص الاخري التي كتبها بعد موت ابن تيمية حتي دفعة الجور وعدم انصاف الي الاعراض عن صريح ثناء الذهبي هلي ابن تيميه وبني علي المبهم من الكلام ما يوافق هواه .
فاما العبارة " جري هليهم الا بعض ما يستحقون " فالمقصود بها اعداء ابن تيميه حين تغير السلطان القديم الذي كان يطيعهم في سجن اب تيميه فلما استولي السلطان السابق بخوله السجن فرفض قائلاً " من إذاني فهو في حل مني ، ومن آذي الله ورسوله فالله ينتقم منه . وانت إذا قتلت هؤلاء لا تجد بعدهم مثلهم " 158
وقد جري علي السبكي فتن ومحن فقد شهد عليه الناس بالكفر والانحلال وشرب الخمر وغير ذلك من الاتهامات 159 ,وتعرض الحصني لنقمة أهل الشام عليهم وإذلالهم له 160 ونقل السخاوي معاتبة المقريزي للحصني علي تفحشه ومبالغته في ابن تيميه وكذا نقل الحافظ ابن حجر العسقلاني الشئ نفسه عن ابن قاضي شهبة
واما العبارة الثانية " بل بذنوبه " بل بذنوبه " فقد أجلب الحبشي عليها بخيله ورجله ونفخ الشيطان وزعم انها صريحة في ذم الذهبي له .
وهذا باطل :
فقد قال الذهبي عن مالك - حين ابتلي وثبت علي الابتلاء - ما نصه " هذه ثمرة المحنة المحمودة ، انها ترفع العبد عند المؤمنين ، وهي بكل حال بما كسبت ايدينا ويعفو عن كثير 161.
فوضح مقصودة أن الله يجعل من طعن الاخرين وحسدهم سبباً يكفر به عن ذنوب أهل العلم والفضل كابن تيميه ويبتليهم بذلك :
1. فالذهبي من كبار أئمة الجرح والتعديل والحكم علي الرجال .
2. وهو من المأخوذ بحكمهم علي الحديث والحبشي معترف بذلك حين اشترط لقبول تصحيح الحاكم : أن يوافقه الذهبي .
3. وقد عاصر الذهبي بن تيميه وعرف تفاصيل أحواله . فلمإذا تعرض عن شهادته فيه وتقبل شهادة رجل كالحبشي له بالكفر ؟(65/151)
4. أن الذهبي بالغ في الثناء علي بن تيميه في الكتب التي كتبها بعد موته كالمعجم المختص ودول الاسلام وغيرهما من غير أن يذكر نقداً واحداً مما تضمنته النصيحة المكذوبة وهذا اكبر دليل علي كذبها .
شهادة الحبشي لا يعتد بها
وذكر الحبشي أن الالسن اتفقت بالثناء علي بن تيميه إلا من لا يعتد به وأن الناس في شأن هذا الرجل قسمان :
1. قسم يرميه بالعظائم .
2. وقسم أخر يبالغ في وصفه ويجاوز به الحد .
وهذه قاعدة مطردة في كل عالم يتبحر في المعرف العلمية ويفوق أهل عصره ويدين بالكتاب والسنة .فأنه لابد أن يستنكره المقصرون ، ويقع له معهم محنة بعد محنة بعد محنة . ثم يكون من الاعلي وقوله الاولي ويصير له بتلك الزلازل لسان صدق في الآخرين ويكون لعلمه حظ لا يكون لغيره .
وهكذا حال هذا الامام ، فإنه بعد موته عرف الناس مقداره ، واتفقت الألسن بالثناء عليه إلا من لا يعتد به 162
وقال الكتاني " ابن تيميه من الأفراد الذين كثر الخلط فيهم بين مكفر وبين ذاهب بهم إلي منزلة المعصومين . والإنصاف فيه قول الحافظ بن كثير " كان من كبار العلماء وممن يخطئ ويصيب ولكن خطأه بالنسبة إلي صوابه كنقطة في بحر ن وخطأه أيضاً مغفور له كما في الصحيح " 163
وقال فيه ابن شاكر في " فوات الوفيات " " 00 وصار بن تيميه " من أئمة النقد وعلماء الأثر مع التدين والذكر والصيام والنزاهة عن حطام هذه الدار ، ثم أقبل علي الفقه ودقائقه ، أما أصول الدين ومعرفة أقوال الخوارج والروافض والمعتزلة والمبتدعة فكان لا يشق فيها غباره مع ما كان عليه من الكرم الذي لم يشاهد مثله ، والشجاعة المفرطة والفراغ من ملاذ النفس "
ثم نقل عن الذهبي قوله " 000 وكان قوالاً بالحق نهاء عن المنكر ذا سطوة وإقدام وعدم مداراة " 164
اتهام ابن تيميه بأنه من المشبهه
وزعم الحبشي ان ابن تيميه يشبه الله بخلقه ، غير ان الحافظ ابن حجر نص علي أن التشبيه والتجسيم شئ ينسبه الناس إلي ابن تيميه 165 وهي طريقة أهل الكلام المعتادة في إلزام الخصم بما لا يلزم وهي عين طريقة المعزلة في إلزام الأشاعرة بالتجسيم لإثباتهم رؤية الله والصفات السبعة .
البوطي يحكم بكذب السبكي وإضرابه
وينفي عن ابن تيميه تهمة التجسيم
قال الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي " ونحن نعجب عندما نجد غلاة يكفرون ابن تيميه رحمه الله ويقولون أنه كان مجسداً ، ولقد بحثت طويلاً كي أجد الفكرة أو الكلمة التي كتبها أو قالها ابن تيميه والتي تدل علي تجسيده ، فيما نقله عنه السبكي أو غيره فلم أجد كلاماً في هذا قط 166 كل ما وجدته أنه في فتواه يقول " أن الله يدا كما قال واستوي علي العرش كما قال ، وله عين كما قال "
وأضاف البوطي " ورجعت إلي اخر ما كتبه أبو الحسن الأشعري وهو كتاب الأبانة - فرأيته هو الآخر يقول كما يقول ابن تيميه وأقرأوا كتاب الإمام أبي حسن الأشعري " الأبانة " الذي يقول فيه نؤمن أن لله يدا كما قال ، وأنه علي العرش استوي كما قال " إذن فلمإذا نحاول أن نعظم وهماً لا وجود له ؟ ولمإذا نحاول أن ننفخ في نار شقاق ؟ والله سبحانه وتعالي سيحاسبنا علي ذلك 167 انتهي كلامه النفيس .
لكن الحبشي يريد نفخ الشقاق كما نفخها من قبل في موطنه هرار ، ولذلك حكم علسي كفر ابن تيميه بالاجماع ، ويبدو أنه يعني بالإجماع : إجماع حفنة من المتعصبين .
ولقد تعقب الشيخ إبراهيم الكوراني في إفاضة العلام من اتهم ابن تيميه وتلميذه ابن القيم بالتجسيم قائلاً :
" اما إثبات الجهة والجسمية إليهما فقد تبين حالة وإنهما لم يثبتا الجسمية أصلاً بل صريحاً بنفيها في غير غير موضع من تصانيفهما " وقد احتج الألوسي بكلام الكوراني في تبرئة ابن تمييه من تهمة التشبيه والتجسيم " 168 وبرأه من تهمة التجسيم والتشبيه قائلاً " حاشا لله تعالي أن يكون من المجسمة ! بل هو أبرأ الناس منهم " 169
والاتهام بالتجسيم ناشئ عن القاعدة الكلامية أن الاجسام متماثلة فبسبب هذا هربوا من إثبات ما أثبته الله لنفسه وهذه القاعدة مبنية علي جهل بحقيقة الاجسام : فأن الأجسام مختلفة فالهواء جسم وليس كالماء وأبدان الحيوان ليست كأجسام الحديد فإذا كانت الأجسام المخلوقة تتفق في لفظ الجسم وتختلف حقائقها فما بين المخلوق أولي مع العلم أن لا أطلق علي الله بأنه جسم فهو بدعة لا ننفي ولا نثبت ولا يوصف الله إلا بما وصف نفسه .
أكذوبة الاستقرار علي بعوضة .
وقد موه بعضهم بعبارة نسبها لأبن تيميه إنما هي في الحقيقة عبارة لعثمان بن سعيد الدرامي نقلها ابن تيميه من كتابه " الردعلي بشر المريسي ص 85 " . ونص العبارة كالآتي " ولوشاء لاستقر علي ظهر بعوضة ، فاستقلت بقدرته ولطف ربوبيته ، فكيف علي عرش عظيم أكبر من السموات والأرض " " بيان تلبيس الجهمية 1 / 568 "
وهذا من أعظم الافتراءات علي بن تيميه رحمه الله ، وعلي اقل تقدير فقد يرد السؤال التالي : إذا كان ليس من كلامه فمإذا أرد بنقله لهذا الكلام من الدرامي أراد ؟(65/152)
فالجواب أن الدرامي أراد بذلك أن الله غني عن العرش غناه عن البعوضة سواء بسواء .ويؤكده ما قاله في " مجموع الفتاوي ص 2 / 88 " " وإذا كان المسلمون يكفرون من يقول : إن السموات نقله أو تظله لما في ذلك من احتياجه إلي مخلوقاته ، فمن قال " أنه في استوائه علي العرش محتاج إلي العرش كاحتياج الرسول إلي حامله ،فأنه كافر "
أكذوبة قصة ابن بطوطه
ويحتج الحبشي وأصحابه برواية أبن بطوطة المكذوبة علي ابن تيميه بل والتي ربما كانت مكذوبة علي ابن بطوطة نفسه كما ستعلم .
فقد ذكروا 170 أن ابن بطوطه دخل المسجد الأموي بدمشق ورأي بن تيميه علي المنبر وهو يوقل " إن الله ينزب إلي السماء الدنيا كنزولي هذا " ثم نزل درجة من المنبر " 171
*أن رحلة ليست من كتب التاريخ المعتمدة ، وليس مؤلفها معروفاً من اهل العلم ، وإنام كان من عوام المتصوفة . وقد غلب علي رحلته زيارة أضرحة الاولياء والتبرك بقبورهم وتقبيل أعتابها حتي أن الشيخ حسن السائح أشار إلي هذه الحقيقة في مقدمته لكتاب تاج المفرق " في تحلية علماء المشرق " للشيخ خالد بن عيسي البلوي . وأنه ربما سمع بأسم عالم من علماء المشرق " للشيخ خالد بن عيسي البلوي ، وأنه ربما سمع بأسم عالم من علماء البلد التي زارها فيذكر اسمه في الرحلة ولو لم يتصل به اتصالاً شخصياً كما فعل في تونس حسن ذكر علماً من أعلامها وهو ابن الغماز "
وثمة ملاحظة أخري مهمة وذكرها الحافظ الحافظ بن حجر وهي أن ابن بطوطة لم يكتب تفاصيل رحلته إنما جمعها منه أبو عبد الله بن جزي ونمقها وكان البلفيقي يتهمه بالكذب 172 وعلي كل حال فهذا يفيد أن ابن بطوطة ليس هو الذي كتب تفاصيل رحلته بيده .
ولقد عجب محقق كتاب رحلة ابن بطوطة " الدكتور علي المنتصر الكتاني " من هذا الكذب فقال " هذا محض افتراء علي الشيخ رحمه الله فإنه كان قد سجن بقلعة دمشق قبل مجئ ابن بطوطة إليها بأكثر من شهر . فقد أتفق المؤورخون أنه أعتقل بقلعة دمشق لأخر مرة في اليوم السدس من شعبان " سنة 726 هـ ولم يخرج من السجن إلا ميتاً ، بينما ذكر الملف في الصفحة " 102 " من كتابه هذا انه وصل دمشق في التاسع من رمضان " وهذا ما نص عليه الحافظ ابن كثير والحافظ بن رجب والحافظ بن عبد الهادي حيث ذكروا ان ابن تميمه مكث في السجن في السادس من شعبان سنة ست وعشرين سنة 726 حتي موته " 173
ومعلوم أن تيميه كان واعظاً وكان يلقي الدرس جالساً علي كرسي وكان الخطيب المسجد الأموي آنذاك قاضي القضاة القزويني .
ولو كان ما ادعاه ابن بطوطة صحيحاً لقام عليه علماء عصره ولشكوه إلي السلطان ولألفوا رسائل في الرد علي قوله . فالمشنعون عليه كثر ومع ذلك لم يذكر احد منهم شيئاً من ذلك .
ثم أن ابن تيميه كتب كتاباً ضخماً في شرح حديث النزول ، ولم يقل فيه شيئاً مما ادعاه ابن بطوطه ، وانما شدد فيه علي نزول الله كنزول البشر .
راي ابن تيميه في المشبهه :
ومن المثير للعجب ان ينسب الي ابن تيميه مثل هذا الكلام في الوقت الذى يحكم هو بالكفر على من يقول بمثله ، فقد قال في مجموع الفتاوى " فمن قال أن علم الله كعلمى ، أو قدرته كقدرتى .. أو إستواؤه على العرش كاستوائى أو نزوله كنزولى ، أو إتيانه كاتيانى : فهذا قد شبه الله بخلقه ، تعالى الله عما يقولون ، وهو ضال خبيث مبطل بل كافر .174
وقال " ونزوله واستواؤه ليس كنزولنا واستوائنا " 175 فالدليل من كتاب إبن تيمية نفسه أقوى شهادة من هذه والروايات والإشاعات .
إن هؤلاء يتذمرون مما يشيعه النصارى حول الآسلام ونبيه من الأكاذيب ويطالبونهم بأن لا يتكلموا عن الاسلام إلا بدليل ، ولكنهم بدورهم يستخدمون طريقة النصارى في إشاعة الأكاذيب من غير تدقيق ولا تحقيق .
ومن المثير للعجب أيضاً أن نجد تشديد إبن تيمية في تكفير من يشبه الله بخلقه في حين نجد إبن حجر الهيتمى يصرح بأننا لا نكفر المشبهة على المشور الا إن إعتقدوا لازم ما يثبتونه من الحدوث176 .
أول القائلين بالتجسيم عند إبن تيمية
وحول لفظ الجسم قال إبن تيمية " وإثبات لفظ الجسم ونفيه بدعة لا أصل لها في الكتبا والسنة ، ولم يتكلم به أحد من السلف والأئمة ، وأهل السنة والجماعة لا يطلقون هذا اللفظ لا نفياً ولا إثباتاً ، كما أنهم لم يثبتوا لفظ التحيز و لا نفوه و لا لفظ الجهة و لا نفوه ، ولكن أثبتوا الصفات التى جاء بها الكتاب والسنة ، ونفوا مماثلة المخلوقات " . قال " وإنما يطلقه أهل الكلام مثال هشام إبن الحكم الرافضى و هشام الجواليقى فانه " أول من قال إن الله جسم177 " .
ثم بين اختلاف المتكلمين في معنى لفظ الجسم أن مفهومه للجسم مخالف لمهوم اللغويين له
وذكر أن " ما كان مبتدعاً من الألفاظ يجب إستفصال صاحبه والنظر إلى مراده : فإن كان يريد معنى صحيحاً قبل منه ذلك ونبه على أنه لايجوز إستعمال مثل هذه الألفاظ . إن كان مراده نفي ما وصف الله به نفسه من العلو والأستواء والنزول فالمعنى باطل واللفظ باطل .178(65/153)
ومع ذلك فإن كبار الأشاعرة من يجيز وصف الله بالجسم بشرط معين ، فقد صرح أبو جعفر السمانى رأس الأشاعرة وكبيرهم 179 أن " من سمى الله جسماً من أجل أنه حامل لصفاته في ذاته فقد أصاب المعنى أخطا في التسمية " 180
فهذا اللفظ الذى قاله أحد كبار الأشاعرة يرفض إبن تيمية مجرد إطلاقه على الله تعالى فكيف يكون قائلاً بأن الله جسم كما زعم المفترون ؟!
وعلى إفتراض تصريح إبن تيمية بالجسم فإنه لم يقل " جسم كجسم " أو " يد كيد " أو " عين كعين " كما تقول المجسمة والمشبهة ، فكيف وانه لم يقل ذلك وهيهات أن يجد أعداؤه في كتبه ما يؤيد افتراءهم .
لذا فأنتم مطالبون بأمرين
1)أن تثبتوا بالدليل أن ابن تيمية صرح بأن الله جسم .
2) أن تثبتوا لنا على أفتراض أنكم وجدتم أنه جسم أن تثبتوا أنه قال جسم كجسمي
((( حكم التجسيم عند الشافعية)))
*ولقد نص ابن حجر المكي الهيتمي على أن المشهور [ بل ] الصحيح من المذهب عدم تكفير المجسمة كما قاله جمع من المتأخرين : من أن المجسمة لا يكفرون ولكن أطلق في المجموع تكفيرهم 181
قال " وينبغي حمل الأول [ أي عدم التكفير ] على ما إذا قالوا جسم لا كالأجسام والثاني [ أي التكفي ] على ما إذا قالوا : جسم كالأجسام لأن النقص الازم على الأول قد لا يلتزمونه ولازم المذهب ليس بمذهب 182 وانتهي إلى أن الصحيح أننا لا نكفر الجهوية 183 ولا المجسمة إلا إن صرحوا بإعتقاد لوازم الحدث .... " الخ .
*ونص العز بن عبد السلام رحمه الله تعالى على أن معتقد الجهة مخطئ خطاَ معفواض عنه لأن اعتقاد موجود ليس بمتحرك ولا ساكن ولا منفصل عن العالم ولا متصل به ولا داخل فيه ولا خارج عنه لا يهتدي إليه أحد بأصل الخلقة في العادة ولا يهتدي اليه أحد الا بعد الوقوف على أدلة صعبة المدرك عسرة الفهم 184 قال : فإن قيل يلزم من الأختلاف في كونه سبحانه في جهة أن يكون حادثاَ قلنا : لازم المذهب ليس بمذهب لأن المجسمة جازمون بأنه في جهة وبأنه قديم أزلي ليس بمحدث فلا يجوز أن ينسب إلى مذهب من يصرح بخلافه وإن كان لازما من قوله " 185
وقال الأسنوي " لا نكفر المجسمة على المشهور كما دل عليه كلام الشرح والروضة في الشهادات "186
*وقال به أبو حامد الغزالي 187
* وقال الجلال الدواني في شرحه على العقائد العضدية " ص532 " " ومنهم من تستر بالبلكفة وقال : هو جسم لا كالأجسام وله حيز لا كالأحياز ونسبته إلى حيزه ليست كنسبة الأجسام إلى أحيازها " وهكذا ينفي عنه جميع خواص الجسم حتى لا يبقي الا أسم الجسم وهؤلاء لا يكفرون بخلاف المصرحين بالجسمية "
*وقال العضد الإيجي في المواقف ( 273 ) :
" أنه تعالى ليس بجسم وذهب إلى ذلك بعض الجهال كالكرامية وقالوا : هو جسم : أي موجود وقوم قالوا : هو جسم : أي قائم بنفسه فلا نزاع معهم إلا في التسمية .
الذهبي ينفي التجسيم عن الحنابلة
قال الحبشي " هؤلاء الحنابلة يحبون ابن تيمية لأنه مجسم وهم يكثر فيهم التجسيم وفي مشايخهم قبل ابن تيمية وبعد ابن تيمية هؤلاء سموه شيخ الإسلام ثم بعض علماء أهل السنة قد أغتر بكلام هذين فسموه شيخ الإسلام من أين يستحق هذا اللقب 188 ؟
وقد رد الذهبي هذه التهمة فقال " والجهال يتكلمون على الحنابلة ويرمونهم بالتجسيم وبأنه يلزمهم وهم بريئون من ذلك الا النادر والله يغفر لهم " 189 وصدق الذهبي بذلك فإن المعتزلة المعطلة يقولون لمن أثبت الصفات وخالفهم في التأويل : يلزم من ذلك التجسيم والتشبيه 190 .
ومن هذا النادر ما كتبه القاضي أبو يعلي الحنبلي صاحب كتاب إبطال التأويل الذي أنتقده ابن تيمية لأنه حشا فيه الضعيف والموضوع من روايات ونصوص الصفات التي لا تليق بالله تعالى وهذا يدل على إنصاف الرجل وأنه يثبت نصوص الصفات من كتاب الله وما صح من السنة 191
ولهذا صرح كثير من المنصفين بأن تهمة التجسيم التي ألصقت بالامام ما هي الا شهادة زور في حقه يؤكد ذلك كلامه نفسه كما في فتاويه ( 11/482 ) حيث أفتي بكفر الذين يشبهون الله بخلقه .
ولهذا فإنا نطالب هؤلاء أن يأتونا بكتاب من كتب الحنابلة المعتبرة يقولون فيها إن يد الله كيدي أو سمعه كسمعي أو أستواءة كاستوائي الخ .
وإنما يراد بهذه الاتهامات تقبيح طريقة إثبات صفات الله عند عامة الناس وترغيبهم بطريقة التأويل ويعتمدون في ذلك سياسة المعتزلة في التهويل والتهور في تكفير المثبتين لصفات الله .
كما تظلموننا يظلمونكم
وقد نص الكوراني في شرح عقيدة القشاشي في بحث رؤية الله يوم القيامة : أن المعتزلة كفرت أهل السنة ( الأشاعرة ) لقولهم برؤيته سبحانه يوم القيامة ظناَ منهم أن ذلك يستلزم التجسيم وهذا ظن فاسد لأن أهل السنة يثبتونها بلا كيف لكن الأشاعرة أنفسهم يكررون اليوم الظلم نفسه فيزعمون أن إثبات صفة الاستواء يلزم منه التجسيم لأنهم لا يتصورون مستوياَ إلا ما كان جسماَ ولم يتصوروا مرئيا الا ما كان جسماَ لأنهم على التقليد في العقائد .
لفظ الحد
وقد حكم نبيل الشريف بكفر ابن تيمية لقوله " وقد أتفقت كلمة المسلمين والكافرين أن الله في السماء وحدوه بذلك " 192 .(65/154)
فكفره حيث زعم أنه وصف نفسه الله بأنه حد وهذا جهل وتسرع وظلم بل الحد هو الوصف نفسه إذ قوله وحدوه أي أثبتوا له هذا الوصف .
وكان عليه أن يعترف باختلاف أهل المنطق والكلام اختلافاَ كثيراَ حول تعريف الحد .
إذ ليس للحد تعريف واحد وانما تعريفات متعددة .
فالحد في عرف النحاة والفقهاء والأصوليين هو ما يميز الشيء عن جمع ما عداه .
وعند أهل الكلام أن حد الشيء معناه : الذي لأجله استحق الوصف المقصود بالذكر .
وعند أهل المنطق : هو القول الدال على ماهية الشيء . ويطلق ويراد به نهاية الشيء 193 .
وقد أصيبوا بالوسوسة من قول النبي " جعل الله الرحمة مئة جزء " لأنه عندهم صريح في التحديد والتجزئة نقل الزبيدي تعليق التوربشتي على الحديث بقوله " رحمة الله تعالى غير متناهية فلا يعتورها التقسيم ... ولم يرد - أي النبي به تحديد ما قد جل عن الحد أو تعديد ما جاوز العد " 194
قال أبو القاسم التيمي " تكلم أهل الحقائق في تفسير الحد بعبارات مختلفة محصولها أن حد كل شيء موضع بينونته عن غيره " 195
فإذا كان للحد معان متضاربة لم يجز تحميل أحدها على ابن تيمية الا يصرح هو بالمعني الذي يقصده .
وقد أبان ابن تيمية عن مفهومه للحد فقال " الحد ما يتميز به الشيء عن غيره من صفته وقدره " 196 وسبب الحد الرد على الجهمية الذين قالوا ليس له حد وقصدوا بذلك أنه لا يباين المخلوقات ولا يكون فوق العالم لأن ذلك عندهم مستلزم للحد .
ونحن نعلم أن أهل المتاب يقرون بأنه في السماء ولا يقال هذا تقليد لهم لأن معنا من الأدلة القرآنية على ذلك ما لا يحصى .
وذكر ابن تيمية 197 أن أهل السنة قالوا إن الله ينزل إلى السماء الدنيا من غير أن يحدوا فيه حدا وأحتج بقول ابن وضاح " وسألت يوسف بن عدي عن النزول : قال نعم اؤمن به ولا أحد فيه حدآ وسألت ابن معين فقال : نعم أقر به ولا أحد فيه حداَ "
يتجاهلون تحديد الغزالي لقدرة الرب
ولكن لمإذا لم يحاكم الأشاعرة الغزالي لتحديده قدرة الله حين قال " ليس في الامكان أفضل من مما كان "198 أليس في هذا وضع حد لقدرة الله أو إثبات لعجز الله كما أعترف به البيجوري في شرحه على جوهرة التوحيد ؟ 199 إن إنكار المنكر والغيرة على الدين بقدر ما هو تعصب مذهبي وتقليد محض في الثناء والذم والا فهل يجوز السكوت عن الطاعن في قدرة الله إذا كان أشعرياَ ؟
بل إن الأشاعرة هم الذين يحدون الله بصفة الحد حيث يجعلون لقدرة الله حداَ فيقولون : لا يستطيع أن يظلم . وبسبب ذلك ألزم ابن حزم الأشعرية بتحديد قدرة الله تعالى 200
عبد الله ابن المبارك
وموقفه من لفظ الحد
غير أن هناك أثرا عن عبد الله بن المبارك رواه البيهقي في الاسماء والصفات عن علي بن الحسن قال " سألت عبد الله بن المبارك : كيف نعرف ربنا ؟ قال : في السماء السابعة على عرشه قلت : فإن الجهمية تقول : هو هذا قال إنا لا نقول كما قالت الجهمية نقول هو هو قلت : بحد ؟ قال : أي والله بحد " 201
فتأمل كذب الأحباش حيث قالوا " والحد عن الله منفي على لسان السلف " 202
وتأمل كيف كان موقف البيهقي رحمه الله من لفظ الحد الذي قاله المبارك فقد قال " إنما أراد عبد الله بالحد حد السمع وهو أن خبر الصادق ورد بأنه على العرش أستوى فهو على عرشه كما أخبر وقصد بذلك تكذيب الجهمية فيما زعموا أنه بكل مكان , وحكايته تدل مراده "
هكذا بدون تكفير ولا تضليل مع أن ابن المبارك لم يفصل مقصده من اللفظ في حين أن ابن تيمية فصل مراده من لفظ الحد فقال بأن " لفظ الحد عند كل من تكلم به يراد به شيئان : يراد به حقيقة الشيء في نفسه ويراد به الوجود العيني أو الوجود الذهني فأخبر الامام أحمد أن الله على العرش بلا حد يحده أحد أو صفة يبلغها وأصف وأتبع ذلك بقوله " لا تدركه الأبصار لا بحد ولا غاية " والقصد أن تفسير الحد بالوجود العيني - وهو ما يقع تحت إدراك البصر وإحاطته أو الوجود الذهني وهو ما يقع تحت إدراك الذهن والعقل وتحديده مشاهدة أو تصوراَ - كلاهما باطل منفي عن الله عز وجل وليس لله صفة اسمها الحد وإنما الحد تعبير عن تميز الله عن غيره بصفاته وأختصاصه بكماله وعلوه عرشه ومباينته لخلقه " ( بيان تلبيس الجهمية 2/163 ) وهذا معني الحد عند الأصوليين والفقهاء والمناطقة 203
فهل يصر اعداء ابن تيمية على تكفيره لتصريحه بلفظ صرح هو بأن مراده به تميز صفات الله عن صفات المخلوقين وليس بمعني أدراك منتهى الله . وهل يقتدون بأدب البيهقي ؟
ويسخر ابن تيمية ممن يتوهم أن الله صفة هي صفة الحد قائلا " أن هذا الكلام الذي ذكره أنما يتوجه لو قالوا : إن له صفة هي الحد كما توهمه هذا الراد عليهم وهذا لم يقله أحد ولا يقوله عاقل فإن هذا الكلام لا حقيقة له إذ ليس في الصفات التي يوصف بها شيء من الموصوفات كما وصف باليد والعلم صفة معينة يقال لها : الحد وإنما ما يتميز به الشيء عن غيره من صفته وقدره كما هو معروف في الحد في المددات فيقال : حد الانسان وحد كذا وهي من الصفات المميزة له " ( بيان تلبيس الجهمية 1/442 ) .(65/155)
ثانياَ كان عليهم أن يبينوا موقف ابن تيمية من هذا اللفظ فقد شرحه في مواطن كثيرة من كتبه فقال بأن هذا لفظ لم يقل به السلف ولكن يطلق ويراد به معنيان :
الأول : بمعني الإحاطة بالله علماَ فلا شك أن الحد منفي عن الله تعالى .لأن الله تعالى غير مدرك بالإحاطة وعلى هذا يحمل قول من نفي الحد من السلف كسفيان الثوري وحماد بن زيد .
الثاني : بمعني أن الله تعالى متميز عن خلقه منفصل عنهم مباين لهم عال عليهم وعلى هذا يحمل قول من أثبت الحد لله تعالى 204 كابن المبارك .
" إن كان المراد من معني ( الحد ) أن الله تحوزه المخلوقات فالله أعظم وأكبر بل قد وسع كرسيه السموات والأرض وقد قال (( والأرض جميعاَ قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه )) وفي حديث ابن عباس " ما السموات السبع والأرضون السبع وما فيهن في يد الرحمن الا كخردلة في يد أحدكم "
وإن أراد أنه منحاز عن المخلوقات أي مباين لها منفصل عنها ليس حالا فيها فهو سبحانه كما قال أئمة أهل السنة فوق سمواته على عرشه بائن من خلقه " 205
" فمن قال : إن الله متحيز : أراد بقوله ( متحيز ) على معني أن المخلوقات تحوزه وتحيط به فقد أخطأ وإن أراد أنه منحاز عن المخلوقات بائن عنها عال عليها : فقد أصاب ومن قال ليس بمتحيز :
إن أراد أن المخلوقات لا تحوزه فقد أصاب .
وإن أراد ليس ببائن عنها بل هو لا داخل فيها ولا خارج عنها فقد أخطأ قال " وقد علم أن الله تعالى كان قبل أن يخلق السموات والأرض ثم خلقهما : فإما أن يكون دخل فيهما وهذا حلول باطل وإما أن يكون دخلا فيه وهو أبطل وأبطل وإما أن يكون الله سبحانه بائناَ عنهما لم يدخل فيهما ولم يدخلا فيه وهذا قول أهل التوحيد والسنة "
وبهذا يتبين لك أنهم يأتون بالمجمل من كلام الأئمة ولا يذكرون ما يفصل كلامهم ويبينه : حسيبهم الله
* وبالجملة فهذه الاقوال كالحد والتحيز والجهة لا يفهمها عامة الناس وفيها إجمال يشتبه عليهم ، وإنما دأب أهل البدع الهيمنة على العوام بمصطلحات و ألفاظ غربية عليهم و إيهامه أنهم متعمقون في العلم ، ولتشويه منهج أهل السنة ، فيسلم العامى لهم قولهم ويقلدهم في باطلهم وفي معادة خصومهم ويقلدهم في تكفيرهم .
ورحم الله الامام أحمد إذ قال عن المتكلمين 206 يتكلمون بالمتشابه من الكلام و يخدعون جهال الناس بما يشبهون عليهم ، فنعوذ بالله نت فتن المضلين " .
القول بالجهة
كذلك زعموا أن ابن تيمية صرح بإثبات لفظ الجهة على الله. وصريح كلام ابن تيمية يكذب ما يزعمون. لأنه يكرر دائمًا أن هذا اللفظ من جملة الألفاظ المبتدعة التي لم يتكلم السلف والأئمة فيها نفيًا ولا إثباتًا.
بل إننا نرى إثباتها من قِبَل الشيخ عبد القادر رحمه الله الذي يزعم الحبشي الانتساب إلى طريقته. قال الجيلاني: « وهو بجهة العلو، مستوى على العرش، محتو على الملك، وأن استواء الله هو (ذات) على العرش لا على معنى القعود والمماسة ولا على العلوِّ والرِّفعة كما قالت الأشعرية، بل يقال إنه في السماء على العرش كما قال: ] الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [ [الآية 5 من سورة طه] [الغنية لطالبي طريق الحق 56]. فهل عندكم الجرأة على تكفير من تعتبرونه شيخ طريقتكم القادرية وقد صرّح بما تعتبرونه كفرًا؟!!
وقد مشى الغزالي [فيصل التفرقة بين الإسلام والزندقة 129 و 148] وابن عبد السلام [قواعد الأحكام 170 - 172 الحاوي للفتاوي 2/133] وابن حجر الهيتمي [الزواجر 2/351 و 358 و 378] على عدم تكفير القائل بالجهة. فإن رضيتم بذلك وإلا لزمكم تكفير الشيوخ: عبد القادر الجيلاني والعز بن عبد السلام والغزالي وابن حجر الهيتمي!
مفهوم الجهة عند ابن تيمية
يرى ابن تيمية أن لفظ الجهة لفظ مبتدع لم يتلفظ به السلف نفيًا ولا إثباتًا، وليس ثمة نص لا عن الرسو صلى الله عليه وسلم ولا عن الصحابة أن الله متحيز أو هو جسم أو جوهر إلى غير ذلك من الألفاظ المبتدعة.
والناظرون بها قد يريدون معنى صحيحًا، فإن أرادوا معنى صحيحًا يوافق الكتاب والسنة كان ذلك مقبولاً منهم وإن أرادوا معنى فاسدًا كان ذلك مردودًا عليهم.
قال: « للناس في إطلاق الجهة ثلاث أقوال: فطائفة تنفيها، وطائفة تثبتها، وطائفة تفصّل ... وذلك أن لفظ الجهة قد يراد به ما هو موجود، وقد يراد به ما هو به ما هو معدوم.
ومن المعلوم أن لا موجود إلا الخالق والمخلوق، فإذا أريد بالجهة أمر موجود غير الله كان مخلوقًا لله، والله تعالى لا يُحصَرُ ولا يحيط به شيء من المخلوقات، وإن أريد بالجهة أمر عدمي - وهو ما فوق العالم - فليس هناك إلا الله وحده » [منهاج السنة 1/216].
وقد يراد بالجهة شيء موجود غير الله فيكون مخلوقًا كما لو أريد بالجهة نفس العرش أو نفس السماوات، وقد يراد به ما ليس بموجود غير الله تعالى كما إذا أريد بالجهة ما فوق العالم، ومعلوم أنه ليس في النص إثبات الجهة ولا نفيه.(65/156)
- فإذا قال القائل: « هو في جهة » قيل له ما تريد بذلك؟ أتريد أن الله سبحانه في جهة موجودة تحصره وتحيط به؟ مثل أن يكون في جوف السماوات؟ فالله ليس داخلاً في المخلوقات! أما تريد بالجهة أمرًا عدميًا وهو ما فوق العالم، فإنه ليس فوق العالم شيء من المخلوقات، والله فوق العالم؟
- فإن أردت الجهة الوجودية وجعلت الله محصورًا في المخلوقات فهذا باطل.
- وإن أردت الجهة العدمية، وأردتَ أن الله تعالى وحده فوق المخلوقات بائن عنها فهذا حق ... وقد قال ابن عباس: « ما السماوات السبع والأرضون السبع وما فيهن وما بينهن في يد الرحمن إلا كخردلة في يد أحدكم » فما كان بهذا الحقر والصغار كيف يحيط به ويحصره؟
ومن قال: إن الله تعالى ليس في جهة قيل له: ما تريد بذلك؟ فإن أراد بذلك أنه ليس فوق السماوات رب يُعبَد ولا على عرش إله، ونبينا r لم يُعرَج به إلى الله تعالى، والأيدي لا تُرفَع إلى الله تعالى في الدعاء ولا تتوجه القلوب إليه: فهذا فرعوني معطِّل، جاحد لرب العالمين.
ومن هنا دخل أهل الحلول والاتحاد وقالوا: إن الله تعالى بذاته في كل مكان، وأن وجود المخلوقات هو وجود الخالق [استغل المتصوفة هذا الاعتقاد الأشعري لا سيما قول الأشعري أن وجود كل شيء عين ذات ذلك الشيء لا زائدًا عليه. وبنوا عليه قولهم بوحدة الوجود وكان أبرزهم في ذلك ابن عربي وابن الفارض والقونوي وابن سبعين وقد ابتدأ عبد الغني النابلسي كتابه « إيضاح المقصود من معنى وحدة الوجود » عبارة الشعري ثم انطلق يوافق ابن عربي وابن الفارض في قولهم بوحدة الوجود جاعلاً إياهم أئمة الهدى وأنه لا قول إلا بوحدة الوجود وأن هذا القول باقٍ إلى يوم القيامة إن شاء الله، وجعل منكر وحدة الوجود جاهلاً محجوبًا عن الحق. (إيضاح المقصود من وحدة الوجود 306 - 310 للنابلسي). واستغلوا فكرة الجوهر والعرض عند الأشاعرة فجعلوا الجوهر هو الباطن، والعرض ظاهرًا وقالوا إن الله متجلٍ ظاهرًا في موجوداته لأن موجوداته هي صفاته]. انتهى كلامه [الفتاوى 3: 41 و 5: 626 - 298 و6: 38 و 17: 326 ومنهاج السنة 2: 252].
ولذلك قيل عن أهل التعطيل إنهم معطلة في العقائد، حلولية اتحادية في التصوف، فإن تعطيلهم يؤول إلى تضييع الرب [بسبب إنكارهم علوه سبحانه]، فإذا بحثوا عنه في التصوف وجدوه في كل مكان.
لفظ الحركة
أما لفظ الحركة فلم يثبت أن ابن تيمية اعتقده في الله، بل هذا من مفتريات الحبشي الذي زعم أن ابن تيمية ينسب الحركة إلى الله(1).
جل ما قاله ابن تيمية أن "طوائف(2) من أهل السنة والحديث قالوا إن الحركة من لوازم الحياة وكل حي متحرك كحرب الكرماني وعثمان بن سعيد الدارمي ومنهم من نفاها كنعيم بن حماد الخزاعي والبخاري وابن خزيمة" أضاف "ومن أهل الحديث والفقهاء من لم يتكلم بنفي ولا إثبات"(3).
ولم يذكر ابن تيمية ترجيحاً لطريقة أحد الفريقين، وإنما ذكر الخلاف في ذلك. وتبنى موقفاً حذراً من هذه الألفاظ المبتدعة، فهل يلزم من هذا أنه يقول بالحركة؟
ولنضرب مثالاً من كلام الحبشي: فقد سئل عن حكم شرب الخمر فقال "عند بعض الفقهاء لا يجوز التداوي بالخمر في حال من الأحوال. يجوز عند بعضهم إعطاء المريض جرعة من الخمر لإساغة اللقمة بالنسبة لمن أصيب بالغصة، يجوز أن يسيغ اللقمة بالخمر، وقال بعضهم يجوز التداوي بالخمر إن لم يوجد دواء غيره"(4). فبناءً على قاعدة الحبشي يمكن أن نحكم عليه بأنه رجح شرب الخمر والتداوي به.
ومسألة الحركة لكم فيها تلبيس ماكر، وهي لوثة آرسطية آلت بكم إلى نفي الصفات الفعلية لله تعالى فصار إثبات أفعاله إثباتاً للحركات، فلا يتكلم الله بمشيئته وقدرته ولا يستوي إلى السماء ولا ينزل في الثلث الأخير من الليل، ولا يجيء إذا شاء، وقد كفرتم ابن تيمية إرضاء لشيخكم وسلفكم آرسطو الذي يعتقد أن الله لا ينزل ولا يستوي ولا يجيء كما قال "بل لا بد من محرِّكٍ أزلي يُحَرِكُ ولا يَتَحرَّكُ هو. ولا ينفعل بغيره وإلا لما كان أولا"(5).
وحرفتم معنى قوله تعالى {لا أُحِبُّ الآفِلِينَ} ليتلاءم ومذهب شيخكم فزعمتم أنه قال ذلك حين رأى الشمس تتحرك، لأنه كان يعلم أن كل متحرك مخلوق. ولكن ألم يكن يعلم أن الشمس جسم والأجسام مخلوقة فيستدل على خلقيتها بجسميتها؟
ثم لماذا تتجاهلون أن الأفول معناه الغياب وأن الآية لا علاقة لها بالحركة لأن الماشي والمتحرك لا يقال له آفل؟
ولقد نقد العز بن عبد السلام هذا الاستدلال وذكر أنه غاية في الإشكال(1).
موقف ابن تيمية من لفظ الحركة
وغيره من الألفاظ المبتدعة(65/157)
وموقف ابن تيمية من هذا اللفظ كموقفه من غيره من الألفاظ التي لم يتكلم بها السلف نفياً ولا إثباتاً فقال "إن السلف كانوا يراعون لفظ القرآن والحديث فيما يثبتونه وينفونه عن الله من صفاته وأفعاله، فلا يأتون بلفظ محدث مبتدع في النفي والإثبات … والألفاظ المبتدعة ليس لها ضوابط، بل كل قوم يريدون بها معنىً غير المعنى الذي أراده أولئك كلفظ الجسم والجهة والحيز بخلاف ألفاظ الرسول … والألفاظ المبتدعة تضمنت تكذيب كثير مما جاء به الرسو صلى الله عليه وسلم وصاروا يعارضون به الكتاب والسنة، واللفظ المحدث يجب استفصال صاحبه"(1).
قال "فمن قال ينزل فيتحرك وينتقل من مكان إلى آخر، أو يفرغ منه ليشغل آخر؟ فهذا كله باطل قطعاً يجب أن ينزه الله عنه"(2).
وذكر أن "تلك العبارات من الألفاظ المجملة المتشابهة المشتملة على حق وباطل، وفي نفيها نفي حق وباطل، وفي إثباتها إثبات حق وباطل، فيُمنع من كلا الإطلاقين بخلاف النصوص الإلهية فإنها فرقان فرق الله بها بين الحق والباطل …" ولهذا كان السلف لا يطلقون اللفظ ولا ينفونه إلا بعد الاستفسار والتفصيل. بخلاف كلام الله ورسوله فإنه يجب قبوله وإن لم يفهم معناه.."(3).
- قال "فالمعتزلة عندما ينزهون الباري عن الأعراض والحدود والأحياز والجهات والجسمية لا يقصدون تنزيه الباري عما يجب تنزيهه عنه … وإنما يُدخلون في مضامينها نفي ما أثبته الله لنفسه وأاثبته رسوله من صفات الكمال.
فإذا قالوا "إن الله منزه عن الأعراض لم يكن في ظاهر العبارة ما يُنكر لأن الناس يفهمون من ذلك أنه منزه عن الاستحالة والفساد كالأعراض التي تعرض لبني آدم من الأمراض، ولا ريب أن الله منزه عن ذلك، ولكن مقصودهم أنه ليس له علم ولا قدرة ولا حياة ولا كلام قائم به ولا غير ذلك من الصفات التي يسمونها أعراضاً.
وإذا قالوا: إن الله منزه عن الحدود والأحياز والجهات: أوهموا الناس أن مقصودهم بذلك أن لا تحصره المخلوقات ولا تحوزه المصنوعات. وهذا المعنى صحيح. ومقصودهم: أنه ليس فوق السماوات رب ولا على العرش إله، وأن محمداً لم يعرج به إليه، ولم ينزل منه شيء ولا يصعد إليه شيء.
وإذا قالوا: إنه ليس بجسم: أوهموا الناس أنه ليس من جنس المخلوقات. ولا مثل أبدان الخلق: وهذا المعنى صحيح، ولكن مقصودهم بذلك أنه لا يُرى ولا يتكلم بنفسه . . .".
قال "إن خطأ المتكلمين في تحديد مفاهيم تلك اللفاظ لا يرجع إلى مجرد التعبير عنها بمعان مخالفة لمعاني الكتاب والسنة، بل يرجع كذلك إلى تفسيرها تفسيراً مخالفاً للغة العرب التي خاطبهم بها القرآن. ويؤدي نفيهم للمعاني اللغوية الصحيحة التي يقرها القرآن إلى تنزيه الله عن معان صحيحة في حقه وهو باطل: لقد عبّروا عن المعاني التي أثبتها القرآن بعبارات أخرى ليست في القرآن وربما جاءت في القرآن بمعنى آخر"(1).
تحريف المعاني من عمل اليهود
واعترضوا على قول ابن تيمية "إن التوراة والإنجيل لم تبدل ألفاظهما وإنما وقع التحريف في معانيهما(1).
وهذا أسلوب المدلسين الذين يُظهرون للعوام هذه المسائل وكأنها مخالفة لأصل الإسلام. وقد كتم هذا المدلس عليهم أن هذا قول ابن عباس رضي الله عنه وهو ترجمان القرآن وقال به وهب بن منبه وهو من أعلم الناس بالتوراة. وهو مختار البخاري" كما حكاه الحافظ ابن حجر(2).
ورد على بدر الدين الزركشي.
وفي صحيح البخاري "قال ابن عباس "{يُحَرِّفُونَ}: يزيلون، وليس أحد يُزيل لفظ كتاب من كتب الله، ولكنهم يحرّفونه: يتأولونه عن غير تأويله" قال الحافظ في فتح الباري بأن تحريف أهل الكتاب لمعاني النصوص لا يُنكر بل موجود عندهم بكثرة" أضاف "قال الراغب: التحريف: الإمالة، وتحريف الكلم أن يجعله على حرف من الاحتمال بحيث يمكن حمله على وجهين فأكثر"(3).
سلف الحبشي في تحريف معاني النصوص
ويجدر التنبيه إلى أن الحبشي حريص على أن يكتم على الناس تلك الحقيقة وهي أن أهل الكتاب كانوا يحرّفون معاني النصوص. وهو ثابت عنهم باعتراف الحافظ ابن حجر الذي أفاد بأن أهل الكتاب لمعاني النصوص لا يُنكر بل موجود عندهم بكثرة.
والمؤولة أمثال الحبشي يتهربون من تبيين هذه الحقيقة حتى لا يقول الناس إن الحبشي يضاهئ أهل الكتاب في تحريفاته معاني النصوص والتي يسميها زوراً بـ (التأويلات) جاعلاً الاستواء بمعنى الاستيلاء والغضب بمعنى العقوبة والرضى بمعنى الثواب الخ . . . متذرعاً بذريعة التنزيه. وبالطبع لا بد للشر من تزيين وزينة التحريف دعوة التنزيه.
قال تعالى {وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ} وقال {أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا}.
ثم أثبت ابن حجر أن هذا ما رجحه الإمام البخاري صاحب الصحيح. فقال "قال شيخنا ابن الملقن في شرحه: هذا الذي قاله أحد القولين في تفسير هذه الآية وهو مختار البخاري"(1).
وأخذ الحافظ يسرد الأقوال التي قيلت في تفسير في معنى التحريف: حتى وصل إلى القول الثالث: وهو أنه وقع اليسير منها، ومعظمها باق على حاله، ونصره الشيخ تقي الدين ابن تيمية في كتابه (الرد الصحيح لمن بدل دين المسيح).(65/158)
ولقد رد الحافظ ابن حجر على الزركشي دعواه إبطال هذا القول فقال "وفي وصفه القول المذكور بالبطلان نظر، فقد نسب لوهب بن منبه وهو من أعلم الناس بالتوراة، ونُسِب لابن عباس ترجمان القرآن، وكان ينبغي له ترك الدفع بالصدر والتَّشاغل بِرَدّ أدلة المخالف التي حكيتها" انتهى.
اتهامه بالقول بفناء النار
هل قال ابن تيمية بفناء النار.
وأشاع خصوم ابن تيمية أنه كان يقول بفناء النار وأنها تنطفئ بأهلها.
أما خصومه فمنهم الحبشي الذي قال "وكان ابن تيمية نقل في كتابه منهاج السنة النبوية أنه لا خلاف بين المسلمين في ذلك إلا أن جهماً خالف فكفّره المسلمون. ثم قال هو [أي ابن تيمية] بخلاف ذلك في النار"(1).
وأنا ما تركت كتاباً للحبشي إلا وقد قرأته ومع ذلك لم يأت بنص واحد من كتب ابن تيمية يؤيد ما يزعم، وأتحداه أن يأتي بدليل واحد وإلا كان حكمي فيه أنه كذاب ومفترٍ. وإنما وجدت في كتاب الحبشي (فتح الرحمن) أن الشيخ عبد القادر الجيلاني يمكنه أن ينفخ في نار جهنم فيطفئها. فهذا عندي قول بفناء النار. وهو قول أشر من القول المنسوب لابن تيمية.
بل قد تجد من الأشاعرة كأبي منصور البغدادي من يجوز فناء النار في العقل مع قوله بدوامها حسبما جاء في الخبر(2).
أن تصيبوا قوماً بجهالة
- وأما أصحاب ابن تيمية ومحبّوه فمنهم الشيخ شعيب الرناؤوط محقق الطحاوية الذي نسب القول بفناء النار إلى ابن تيمية وابن القيم(3). وليس في كتب ابن تيمية ما يفيد ذلك بل قد نصت كتبه على دوام النار إلى الأبد.
القاري ينفي التهمة عن ابن تيمية
وقد نفى العلامة القاري هذه التهمة عن ابن تيمية فقال في رسالته القيمة التي رد بها على ابن عربي "وأما قول المؤول إن ابن تيمية الحنبلي ذهب إلى أن الكفار في عاقبة المر يخرجون من النار فافتراء عليه"(4).
أقوال ابن تيمية في أبدية الجنة والنار
قال "وقد اتفق سلف الأمة وأئمتها وسائر أهل السنة والجماعة على أن من المخلوقات ما لا يُعدم ولا يَفنى بالكلية كالجنة والنار والعرش. ولم يقل بفناء جميع المخلوقات إلا طائفة من أهل الكلام المبتدعين كالجهم بن صفوان ومن وافقه من المعتزلة. وهذا قولٌ باطل يخالف كتاب الله وسنة رسول صلى الله عليه وسلم وإجماع سلف الأمة وأئمتها"(1). "ولهذا اشتد إنكار السلف عليهم لقولهم بفناء الجنة والنار"(2).
قال "والجهم يقول بفناء الجنة والنار وأبو الهذيل الذي يقول بانقطاع حركات أهل الجنة والنار … وخالفهم جماهير المسلمين(3). وطريقة الأعراض عند أهل الكلام ألجأتهم إلى أن يلتزموا لوازم فاسدة أدت بالجهم بن صفوان وغيره إلى القول بفناء الجنة والنار(4).
قال "وقال أهل الإسلام جميعاً: ليس للجنة والنار آخر، وإنهما لا تزالان باقيتينن لا يزال أهل الجنة يتنعمون وأهل النار في النار يُعذَّبون: ليس لذلك آخر"(5). "وقد أخبر الله ببقاء الجنة والنار بقاء مطلقاً"(6).
فها هو يؤكد اتفاق أئمة السلف على أبدية النار وإنكارهم قول الجهمية بفنائها فكيف يوافق هؤلاء ويخالف السلف؟
فهاهو يعزو القول بفناء النار إلى الجهم بن صفوان رأس الجهمية وأبي الهذيل العلاف رأس المعتزلة. فكيف يأخذ بقولهم مع أنه صرح - بما رأيت - أن جمهور المسلمين مخالفون لهم؟
والعجيب أن ابن عبد الهادي ذكر عند سرد مؤلفات ابن تيمية أن "له كتاب قاعدة في الرد على من قال بفناء الجنة والنار"(7).
هل قال ابن القيم بفناء النار؟
وقد قسَّم ابن القيم منازل الناس يوم القيامة إلى ثلاث دور: دار الطيب المحض، ودار الخبيث المحض، وهاتان الداران لا تفنيان، ودارٌ لمن معه خبث وطيب، وهي الدار التي تفنى، وهي دار العصاة فإنه لا يبقى في جهنم من عصاة الموحدين أحد، فإنهم إذا عُذِّبوا بقدر جزائهم أخرجوا من النار فأدخلوا الجنة: ولا يبقى إلا دار الطيب المحض ودار الخبيث المحض(1).
واحتج ابن القيم على الجهمية بعقيدة أبي زرعة وأبي حاتم الرازي وسرد عقيدتيهما ومما احتج بقولهما فيه أن الجنة والنار مخلوقان لا يفنيان(2).
قال ابن القيم "وأنا في هذه المسالة على قول علي بن أبي طالب رضي الله عنه فإنه ذكر دخول أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار، ووصف ذلك أحسن صفة، ثم قال: ويفعل الله بعد ذلك في خلقه ما يشاء(3).
فاقتضت حكمته سبحانه أن خلق داراً لطالبي رضاه العاملين بطاعته، المؤثرين لأمره القائمين بمحابِّه: وهي الجنة … وخلق داراً أخرى لطالب أسباب غضبه وسخطه … فهاتان الداران هما دارا القرار"(4).
موقف أهل التحريف من ابن القيم
وقد أبى لصوص النصوص إلا الدسّ واتباع ما تشابه من كلام ابن القيم مع تجاهل لمحكم أقواله وصريحها التي نصت عليها كتبه، فانظروا أدلتهم لتعرفوا حقيقتهم:
قالوا(5) "وكذب على الله حين قال في (حادي الأرواح 257) أن النار قد أخبر سبحانه وتعالى في ثلاث آيات عنها بما يدل على عدم أبديتها" انتهى.
وتجاهلوا أن ابن القيم كان ينقل أقوال الفريقين المختلفين في هذه المسألة، ثم ختم مقالة الفريقين بقوله "فهذه نهاية أقدام الفريقين في هذه المسألة".(65/159)
قال "فإن قيل فإلى أين انتهى قدمكم في هذه المسألة العظيمة الشأن؟ قيل: إلى قوله تعالى {إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ} وإلى هنا انتهى قدم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه فيها حيث ذكر دخول أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار، وقال: ثم يفعل الله بعد ذلك ما يشاء، وإلى هنا انتهت أقدام الخلائق. وما ذكرناه من صواب فمن الله، وما كان من خطأ فمني ومن الشيطان، والله ورسوله بريء منه" انتهى.
فمن أين زعمتم أن ابن القيم تبنى القول الصريح بفناء النار أيها المحرفون؟
ثم لجأوا إلى تحريف آخر فقالوا "وقال [الحافظ ابن حجر] وقد مال بعض المتأخرين إلى هذا القول السابع ونصره" قالوا: ويريد الحافظ ببعض المتأخرين: ابن القيم الجوزية، ولا يخفى ذلك على من طالع حادي الأرواح"(1).
يا لجرأة المحرفين كيف علموا أن مراد الحافظ بذلك ابن القيم بينما لم يصرح ابن القيم نفسه بتبني هذا القول في كتابه المشار إليه؟ وعلى من لا يخفى؟
هكذا فعل الذين في قلوبهم مرض في القرآن فاتبعوا ما تشابه منه وأعرضوا عن محكمه، وهكذا يفعلون مع نصوص العلماء: يتبعون ما تشابه ويتجاهلون ما صرحوا باعتقاده بكلمات واضحة.
ثم زعموا أن ابن أبي العز قال في (شرح الطحاوية 427) "السابع: أن الله يُخرج منها من يشاء كما ورد في الحديث ثم يبقيها شيئاً فشيئاً ثم يفنيها، فإنه جعل لها أمداً تنتهى إليه" وهم يهجمون بمثل هذا الدس على العامة والجهال. وأما طلبة العلم فيعلمون أن قوله (السابع) أي القول السابع من الأقوال المختلفة. حيث كان يسرد أقوالهم في هذه المسألة.
فانظر إلى أهل التحريف كيف يحرفون كلام المخلوقين بعد تحريفهم كلام الله ورسوله.
من القائلون بفناء النار
ولو فرضنا أن ابن تيمية وتلميذه قد صرّحا بذلك فلا يجوز أن يُعتَبر ذلك كفراً فإن فيه روايات منقولة عن السلف أبي هريرة وأبي سعيد وعمر وابن مسعود منها ما أورده السيوطي في الدر المنثور في تفسير قوله تعالى {خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ}:
- أخرج ابن المنذر عن الحسن قال: قال عمر رضي الله عنه "لو لبِث أهل النار كقدر رمل عالج لكان لهم يوم على ذلك يخرجون فيه"(1).
- وقال الشعبي "يأمر النار أن تأكلهم". وأخرج ابن المنذر وأبو الشيخ عن إبراهيم قال "ما في القرآن أرجى لأهل النار من هذه الآية". وقال "جهنم أسرع الدارَين عمراناً وأسرعهما خراباً"(2).
وقال في قوله تعالى { إلا مَا شَاءَ رَبُّكَ} وهو أن يأمر النار فتأكلهم وتفنيهم ثم يجدد خلقهم"(3).
- وأخرج اسحق بن راهويه عن أبي هريرة قال "سيأتي على جهنم يوم لا يبقى فيها أحد".
وعن ابن مسعود قال "ليأتينّ على جهنم زمان تخفق أبوابها ليس فيها أحد، وذلك بعدما يلبثون فيها أحقاباً".
فهذه النصوص المحكية عن السلف كانت مورد الشبهة، وقد يأخذ بها من لا يتحقق من درجة ثبوت هذه الروايات أو ضعفها. وهذا بخلاف من بنى قوله أصلاً على قواعد أهل الكلام أدت به إلى التزام لوازم فائدة كالجهم بن صفوان.
فكيف وأن الثابت عن ابن تيمية وتلميذه تصريحهما المطلق بأبدية الجنة والنار وأنهما لا تفنيان أبداً! وهو ما أذهب إليه.
ولقد أنكر الشعراني صحة نسبة القول بفناء النار إلى محي الدين بن عربي، مع أن ذلك موجود في كتبه، فقال الشعراني في الأجوبة المرضية "ثم إنه بتقدير صحة نسبة ذلك إلى الشيخ محي الدين فالشيخ لم ينفرد بذلك، فقد قال جمع من الظاهرية وفرقة من الحنابلة والقدرية بفناء النار"(4). ومع ذلك فإن المتعصبين لم يُشيروا إلى ذلك وإنما سكتوا عنه وكتموا الحق بشأنه لأنه من الأولياء:
نعم؛ هو من الأولياء ولكن أولياء من؟
قال تعالى {إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ اللّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ}. وقال {فَقَاتِلُواْ أَوْلِيَاء الشَّيْطَانِ}.
قيام الحوادث بالرب هو قول الأشعري
أما عن استنكار الحبشي قول ابن تيمية "فإن قلتم لنا: فقد قلتم قيام الحوادث بالرب. قلنا لكم: نعم، وهذا قولنا الذي دل عليه الشرع والعقل"(1):
فالحبشي يكتم الناس أن هذه من مسائل الأشعري نفسه خالفه فيها الماتريدية وأن الأشاعرة يوافقون ابن تيمية في ذلك.
الرازي يصرح بقيام الحوادث بالرب
ويكتم الحبشي أيضاً عن عامة أتباعه أن هذا ليس مذهب ابن تيمية وحده وإنما هو ما انتهى إليه نُظّار الأشاعرة حيث انتقدوا القول بأزلية الصفات مطلقاً بعد أن واجهتهم مشكلات بسبب هذه النظرية، فتفرقوا واضطربوا:
حتى صرح إمامهم في المذهب الأشعري وهو الرازي بأن أكثر العقلاء يقولون بقيام الحوادث بالرب وإن أنكروه باللسان:
أضاف الرازي:
فأبو علي وأبو هاشم من المعتزلة وأتباعهما قالوا بإرادة حادثة لا في محل.
وأبو الحسين البصري يثبت في ذاته تعالى علوماً متجددة بحسب تجدد المعلومات.
والفلاسفة يقولون بأن الإضافات وهي القبلية والبعدية موجودة في الأعيان. فيكون الله مع كل حادث. قال الرازي: وذلك الوصف الإضافي حدثٌ في ذاته.(65/160)
والأشعرية يثبتون نسخ الحكم، ويثبتون للعلم والقدرة تعلقات حادثة(2) وانتهى إلى أن القول بقيام الصفات الفعلية (ذكر منها صفة الكلام) بمشيئة الله واختياره هو أصح الأقوال عقلاً ونقلاً" قال الحافظ ابن حجر "وهو المحفوظ عن السلف"(3).
وقال في المطالب العالية "هل يعقل أن يكون الله محلاً للحوادث؟ قالوا(1) هذا قول لم يقل به إلا الكرامية. وأنا أقول: إن هذا قول قال به أكثر أرباب أهل المذاهب، أما الأشعرية: فإنهم يدعون الفرار من هذا القول إلا أنه لازم عليهم". ثم أوضح بطلان عقيدة الأشاعرة في الكلام النفسي هو قول بعيد عن الصواب(2).
فإذا كان قيام الحوادث بصفات الرب الفعلية: لزم الحبشي تكفير ابن حجر والرازي والأشاعرة عموماً، فإنهم أكدوا قيام الحوادث في أفعاله سبحانه. وأنه قول لا مهرب منه.
أليس غريباً حينئذ أن يتهم ابن تيمية بأنه يقول بقيام الحوادث بالرب بينما يكتم عن عامة أتباعه أن هذا ما اتُّهم به الأشعري نفسه في موقفه من صفة التكوين وسائر صفات الأفعال. ولقد زعم أن الأشعرية والماتريدية تمثلان عقيدة أهل السنة والجماعة. وأنه لا حرج على من يختار أي من الطريقتين شاء. فإذا كان يلزم من القول بحدوث صفات الرب حدوث الرب نفسه فأخرِجوا الأشاعرة من بوتقة أهل السنة والجماعة. وهذا لا ريب فيه.
ولقد اعترف الحبشي بأن معظم الأشاعرة خالفوا الماتريدية قائلين: إن الصفات الفعلية ليست أزلية لأنها لا تتعلق بذات الله تعالى(3) وإنما تقوم بإرادة الله ومشيئته(4). ويلزمهم من ذلك أن يعترفوا بأن الخلاف بين الأشاعرة والماتريدية خلاف في أصل العقيدة. وأن منه ما جعلهم يكفّر ويبدّع بعضهم بعضاً.
ولقد اعترف الحبشي بصحة ما ذكره الحافظ ابن حجر في (الفتح 13/439) بمعارضة الأشعري القول بأزلية كل الصفات لله تعالى مما جعل الماتريدية يُلزمونه بأنه يقول بحلول الحوادث بالله(5). وبقي هذا الخلاف قائماً بين الفريقين إلى اليوم:
فالأشاعرة يقولون بأن الصفات الفعلية لله ليست أزلية بخلاف الصفات الذاتية فإنها أزلية. وهذا باعتراف الحبشي نفسه(6).
التعلقات والإضافات هروب شبيه بالكسب
وقد فسروا أفعال الله بالتعلقات والإضافات وهي في الحقيقة ليست إلا الأفعال ولكنها مخالفة لها في اللفظ موافقة لها في المعنى كقولهم في الكسب الذي خالفوا في الجهم لفظاً ووافقوه معنى. ولهذا ألزم الرازي الأشاعرة بأن التعلقات والإضافات التي يقول بها المتكلمون هي الحدث بنفسه في الله(1).
أما عن التعلقات فيسألهم ابن تيمية أولاً عن الدليل الشرعي من الكتاب والسنة على وجود إضافات وتعلقات لله وهو أمر غيبي لا قِبَلَ لهم بالعلم به إلا من عند الله؟ فهذا افتراء شبيه بافترائهم أن جبريل فهم ما في نفس الله من المعاني وصاغه بألفاظ من عنده.
ثم يناقشهم ابن تيمية فيقول "إما أن يكون التعلق أمراً وجودياً أو عدمياً؟
فإن كان عدمياً فلم يتجدد شيء والعدم لا شيء. فهذا قول غير معقول.
وإن كان وجودياً بطل قولهم من أصله فيلزمهم إثبات إرادة فعلية مستقبلة(2)..
نفي قيام الحوادث بالرب
ذريعة اعتزالية قديمة موروثة
ولقد استخدم المعتزلة هذه الذريعة فقالوا: لا تحِلّ الحوادث بالله: لا الأعراض ولا الجواهر. وأرادوا بذلك نفي أن تقوم به صفة العلم والقدرة أو أن يقوم به الفعل كالخلق والاستواء والإحياء والإماتة. غير أن السلف ردوا عليهم.
- قال البخاري في صحيحه في كتاب التوحيد: باب قول الله تعالى {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} وقوله {لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا} بأن حدَثه سبحانه لا يشبه حدث المخلوقين لقوله تعالى {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}.
فإنكار قيام الحدث في أفعال الرب يؤدي إلى القول بأزلية المخلوقات، وإثبات ذلك على وجه لا يشبه حدث المخلوقين هو الموافق للشرع والعقل كما قال البخاري".
وأين هذه الأزلية من قول صلى الله عليه وسلم المتفق على صحته "لما فرغ الله من الخلق كتب على عرشه رحمتي سبقت غضبي"؟!
تفصيل معنى الحوادث
ولا بد لنا أن نتفهم مراد ابن تيمية من عبارة (قيام الحوادث بالرب):
قال "فمن قال: الرب تعالى ليس محلاً للحوادث، نقول له: إن هذا لفظٌ مجمل لا يُقبل على إطلاقه، بل يُفسَّر ويُفصّل كالآتي:
فإن أريد بهذا النفي المجمل أن الله تعالى ليس محلاً للحوادث، أي ليس داخل ذاته المقدسة شيء من المخلوقات المحدثة فهذا نفيٌ صحيح.
وإن أريد بذلك النفي: نفي ما وصف الله به نفسه وما وصفه به رسول صلى الله عليه وسلم من الصفات الاختيارية من أن لا يتكلم بما شاء إذا شاء ولا أنه يغضب ويرضى ولا أن يوصف بما وصف به نفسه من النزول والاستواء والإتيان كما يليق بجلاله وعظمته: فهذا نفيٌ باطل ومردود على قائله"(1).
وأهل الكلام المذموم يطلقون [لفظ] نفي الحوادث، فيسلّم السُّنّي له ذلك على ظن أنه ينفي عن الله ما لا يليق بجلاله.
فإذا سلّم له ذلك ألزمه [المتكلم] بنفي الصفات الإختيارية وصفات الفعل، وهو غير لازم له.
وإنما أُتِيَ السّنّيُّ من تسليمه لهذا النفي المجمل، وإلا فلو استفسر واستفصل لم ينقطع معه" أي لم يتمكن المتكلم من إلزامه بهذا النفي.(65/161)
مسألة قدم العالم
وزعم الحبشي أن ابن تيمية كفر لقوله بقدم العالم بنوعه، ونقل عن التقي السبكي قوله في الدرة المضية أن ابن تيمية "جعل الحادث قديماً والقديم حادثاً" يعني قوله بقدم المخلوقات وقوله بحدوث الإرادة بالله. قال: ولم يجمع أحد سواه بين هاتين الضلالتين(1).
- قلت لو كان هذا صحيحاً فكيف يثني السبكي عليه الثناء البالغ ويصرح أن الله جمع له بين الورع والزهادة وبلوغه والاجتهاد والديانة ونصرة الحق، واتباعه مذهب السلف(2) رواه الحافظ ابن حجر.
وإذا كان السبكي يصف ابن تيمية بهذه الأوصاف العظيمة: كيف يجرؤ لرجل ككمال الحوت أن ينفي دعاء السبكي له بالرحمة(3) فإنه بالرغم من تعصب السبكي الإبن ضد ابن تيمية إلا أنه كان يدعو له بالرحمة والفوز بشفاعة صلى الله عليه وسلم ووسيلته(4).
القائلون بأزلية فعل الخالق يلزم أزلية المخلوق
بل إن من يدعون أن صفات الله كلها أزلية ولا يعترفون بأن أفعال الله كالتخليف والتصوير أفعال حادثة: يلزمهم القول بأزلية المخلوق، لأنه إذا كان فعل الله بلا أول لزم أن يكون المفعول المخلوق بلا أول.
الفخر الرازي يمنع من تكفير القائلين بقدم العالم
وتعجب إذا علمت أن الفخر الرازي - مقعد المذهب الأشعري - قرر في "شرح إشارات ابن سينا" (1/42-43) أنه لا كُفرَ لمن يقول بقدم العالم على طريقة الفلاسفة مع إثبات الخالق وأن العالم مخلوق لازم لذات الله، بل لم يجعلها من مسائل التوحيد ما دام الكل متفقاً على أن الله هو خالق كل شيء.
قال "فأما القائلون بأن واجب الوجوب واحد، فقد اختلفوا على قولين:
فمنهم من قال: إنه تعالى لم يكن في الأزل فاعلاً، ثم صار فيما لا يزال فاعلاً، ثم صار فيما لا يزال فاعلاً وهم الملِّيوّن بأسرهم. ومنهم من قال: إنه كان في الأزل فاعلاً، وهم الفلاسفة". ثم قال بعد سطور: إنه كان في الأزل فاعلاً وهو الفلاسفة.
قال "فثبت أنه لا تعلق لمسألة القدم والحدوث بالتوحيد".
اختبار الصدق
وكنا نود أن يكون الحبشي شديداً على القائلين الحقيقيين بقدم العالم، غير أننا رأيناه على عكس ذلك فإنه يتستر عليهم ويتأول ألفاظهم.
فمع أنه يذكر أن الأمة اتفقت على كفر القائلين بقدم العالم، إلا أنه لا يريد أن يعترف بأن أبرز القائلين بقدم العالم هم الصوفية، يتزعمهم في ذلك ابن عربي كما صرّح به:
العز بن عبد السلام (الذي كان معاصراً لابن عربي).
وأبو حيّان النّحوي.
والحافظ ابن حجر.
حيث صرحوا أن ابن عربي يقول بقدم العالم ولا يحرِّم فرجاً(1).
لكن الحبشي ينسب القول بقدم العالم (زوراً) إلى ابن تيمية ويتكتم على شهادة العز بن عبد السلام وأبي حيان في ابن عربي أنه كان مؤمناً بقدم العالم: فهل هذا إلا الظلم والتعصب الأعمى؟!
هذه كتب ابن تيمية: أين قال فيها بقِدَم العالم؟ قارنوها بكتب ابن عربي التي قال فيها الذهبي "إن لم تكن كفراً فلا يوجد في الدنيا كُفر"(2).
ما حكم القائلين بأزلية النور المحمدي؟
إن الحبشي يخفي حقيقة لا يعرفها من يتعصبون له، وهو أنه في الوقت الذي يتهجم فيه على ابن تيمية ويتهمه كذباً بأنه يقول بأزلية شيء مع الله، يخفي عليهم أن القول بوجود مخلوق أزلي مع الله هو قول المنحرفين الصوفية الذين يفخر بأنه على طريقتهم كالرفاعية والنقشبندية.
الصيادي والرواس يصرحان بأزلية نور النبي صلى الله عليه وسلم
فقد ذكر الصيادي في قلادته الصلاة الرفاعية ونصها:
"اللهم صلّ على نورك الأسبق الذي أبرزته رحمة شاملة لوجودك: نقطة مركز الباء الدائرة الأولية الذي فتقت به رتق الوجود وخصصته بالمقام المحمود وأقسمت بحياته: فهو سرك القديم الساري وماء جوهر الجوهرية الجاري الذي أحييتَ به الموجودات من معدنٍ وحيوان ونبات(1).
ووصفه الصيادي بأن صلى الله عليه وسلم نور من نور الله وسر من أسراره(2). وهذا السر قديم مع قدم الله.
وهذا ما صرح به المهدي الرواس في كتابه (بوارق الحقائق)(3) حيث جعل نور صلى الله عليه وسلم أزلياً وأن عمامته فوق عرش الله، قال:
وهو نور أزليٌ طرزُه صار في وجه وجود الكون شامة
طُوِيَ العالم في جبّته وعلى العرش علت منه العمامة
وتسألهم: كيف اعتقدتم بوجود أزلي مع الله؟ أليس هذا كفراً؟ لماذا لا تحكمون بكفر زعيمين من كبار الطريقة الرفاعية: الصيادي والرواس؟
وهنا ستخرس ألسنتهم ولن يرضوا بتكفير الصيادي ولا الرواس، لأنهما رأس الطريقة الرفاعية، وسيحاولون التملص من الإحراج، وسيشعرون بالذلة بعد تعاظمهم، يتبجحون بتكفير ابن تيمية لقوله بزعمهم بأزلية المخلوقات، ألا فليجيبوا عن انحرافات الصيادي والرواس إن كانوا صادقين. فإن أبوا فاعلم أنهم متعصبون: يصدق فيهم قول أبي حنيفة "إني وجدت أهل الكلام قاسية قلوبهم، غليظة أفئدتهم، يبالون مخالفة الكتاب والسنة، وليس عندهم ورع ولا تقوى"(1)
والصيادي يزعم أنه لولا محمد لما خلق الله السماوات والأرض. قال "فالكل لأجله كان وبه نظم، بمعنى لولاك لولاك لما خلقت الأفلاك"(2) وقد كذّبه الله حين قال {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}.(65/162)
والصوفية يزعمون أنهم يصيرون إلى حالة تجعلهم مع الله شيئاً واحداً، وكلامهم في "الفناء بالله" مشهور منثور في كتبهم. فكيف يصير القديم والحادث شيئاً واحداً؟!
عقيدة مصطفى نجا من وحدة الوجود
كما يعبر عنه عبد السلام بن بشيش "اللهم انشلني من أوحال التوحيد، وأغرقني في عين بحر الوحدة"(3)، هذه العبارة المشؤومة قد استحسنها من تجعلونه قدوة لكم في الاعتقاد وهو الشيخ مصطفى نجا(4). قاله في كشف الأسرار الذي أثنى عليه الأحباش وزعموا أنه دليل على صحة عقيدته(5).
فيا من تزعم أن من مزايا الطريقة الرفاعية محاربة القائلين بوحدة الوجود لماذا تثني أنت وأتباعك على مصطفى نجا الذي استحسن هذا الكلام الكفري من ابن بشيش، فالتوحيد عنده أوحال، والوحدة عنده هو عين التوحيد!!
وإليك المزيد من عقيدة مصطفى نجا الشاذلي اليشرطي(6):
وكان يؤمن بقدم نور نبينا صلى الله عليه وسلموأن من نور صلى الله عليه وسلم خلق الله الأشياء، وأن نور صلى الله عليه وسلم أول صادرٍ عن الله(7).
وأنه لولا محمد ما خلق الله سماءً ولا أرضاً، ولم يخرج شيء من العدم إلى الوجود لولا سريان سره في الأشياء وإمداده لها: لم يصح بقاء موجود(1).
وزعم أن الله يتجلى لمن شاء من خلقه كما وقع لموسى حين تجلى الله له على النار المخلوقة(2).
طريقة أهل البدع في الحكم على الآخرين
وزعم أن ابن تيمية قال "لا مانع أن يكون نوع العالم غير مخلوق لله"(3) من غير أن يحيل إلى شيء من كتبه.
ولا وجود لمثل هذا في كلام ابن تيمية وإنما هذا ما يراه الحبشي مما يزعم أنه من كلامه، ولو سألته عن المصدر الذي أخذ منه هذه العبارة لقال لك أنا لم أنقل هذا نصاً وإنما هو لازم كلام ابن تيمية في قوله بالقدم النوعي.
ولقد نبه ابن تيمية من قبل على أن هذه طريقة من طرق أهل الكلام في الافتراء على خصومهم حيث يُلزمونهم بما لم يقولوه، ثم يحكونه للناس فيظنون أنه نص كلامهم، وإذا طولبوا بالدليل على ما زعموه من مصدر خصومهم قالوا لك: هذا لازم قول خصمنا. وهو تحريف واضح وليس بجديد، فقد حرفوا كلام الله: جعلوا الاستواء استيلاء، فما الذي يمنعهم من تحريف كلام غير الله؟! ولا يعتقدون أن لازم المذهب ليس بمذهب.
تبرئة ابن تيمية من القول بقدم العالم
قال الحبشي "فإن قلت أين قال ابن تيمية بأن دوام النوع أزليته. قلنا مراده بدوام النوع الأزلية كما لا يخفى(1) فلم ينقل الحبشي شيئاً من كتب ابن تيمية وإنما قال "لا يخفى أن يكون هذا مراده" أي مقصوده. ولو كان لابن تيمية نص صريح لتمسك به الحبشي وأظهره على الملأ. لكنه لا يملك نصاً فلم يسمعه إلا أن يقول: ومراده بدوام النوع الأزلية كما لا يخفى". وهذا تلبيس ماكر لا يتفطن له العامة من الناس.
وهو لا يخبرهم أن ابن تيمية يرى أن الصفات الفعلية لله تعالى وإن كانت أزلية النوع إلا أنها حادثة الأفراد كالخلق والكلام.
لكن الظالمين قلبوها إلى "قدم العالم النوعي" وجعلوا ذلك موافقاً لقول ابن سينا والفارابي وابن رشد الحفيد(2)، بطريقة اعتباطية جائرة. وهذا كقولهم عن الحنابلة أنهم يعتقدون بأزلية وقدم ورق المصحف والحبر وجلد الغلاف. وقد جهلوا أن الله مطلع على هذا التلبيس الذي لا يزيد طالب الحق إلا نفوراً من مذهب الظلم.
وقد أفتى ابن تيمية بكفر الفلاسفة لقولهم بقدم العالم، وصرّح مراراً بأن الله لم يزل خالفاً فعّالاً وأن دوام خالقيته من لوازم وجوده، فهذا ليس قولاً بقِدَم شيءٍ من العالم(3).
وأكد أن القول بقدم العالم قول الدهريين وهو كفرٌ ظاهرٌ معلومٌ فساده بالعقل والشرع، إذ لو كان العالم قديماً لوجب أن يكون مع الله قديم آخر(4) بل هذا من أبطلِ الباطل وأن من قال بذلك فليس معه إلا الجهل" (منهاج السنة 1/101-104). فإن "كل ما سوى الله مخلوق حادث كائنٌ بعد أن لم يكن، وأن الله هو وحده القديم الأزلي ليس معه شيء قديم تقدّمه" (درء التعارض 1/125).
قال "ويمتنع أن يكون مفعوله (أي ما خلقه الله) مقارناً له أزلياً معه، لأن كونه مقارناً في الأزل يمنع كونه مفعولاً له، فإن كون الشيء مفعولاً مقارناً ممتنع عقلاً" (منهاج السنة 1/117). مما يؤكد أن كلام ابن تيمية عن دوام النوع لا يعني به شيئاً من دوام أحد غير الله.
وقال "وليس معه شيء قديم بقدمه، بل ليس في المفعولات قديم ألبتّة، بل لا قديم إلا هو سبحانه، وهو الخالق لكل ما سواه، وكل ما سواه مخلوق" (المنهاج 8/272).
فها هو يصرح بوضوح أن القول بوجود قديم آخر مع الله تعالى من أبطل الباطل، فأوضحوا كلامكم وأجيبوا ببساطة ووضوح: هل يقول ابن تيمية بقِدَم شيء مع الله أم لا؟ إن سؤالاً مثل هذا على بساطته سوف يُحرجهم لأنهم لن يجدوا من كلام ابن تيمية ما يؤيد فريتهم.
تسلسل الحوادث لا إلى أول
يمنعون على الله التخليق(65/163)
وأما مذهبكم الذي أخذتموه من الحبشي فإن العامة لم يقفوا بعد على حقيقته وهو أنكم تجعلون ممتنعاً على الله أن يخلق شيئاً قبل خلق الماء أو العرش. وهو الذي جعل ابن تيمية يخالفكم في ذلك أشد المخالفة، لأن مذهبكم ينتهي إلى نسبة العجز لله عز وجل، لا سيما وأنه محالٌ على الله برأيكم أن يخلق شيئاً قبل خلق السماوات والأرض، لأن الامتناع عندكم داخل في باب المحالات.
وهذا ما حدا بابن تيمية إلى مخالفتكم قائلاً بأنه:
"إذا لم يزل الله حياً قادراً مريداً متكلماً - وذلك م لوازم ذاته - فالفعل ممكن له بموجب هذه الصفات له، وإنه: أنْ يوصف الله بالفعل أكملُ من أن لا يفعل شيئاً وأنه لا يلزم من هذا القول أن يكون شيء من مخلوقاته ملازم معه أزلاً لأنه سبحانه متقدم على كل فرد من مخلوقاته تقدماً لا أول له. فالكل مخلوق أول، والله لا أول له. وليس من العقل أن يكون الله خالقاً من غير خلق". وقال "إذا عُرض على العقل ذات يمكنها أن تتكلم بقدرتها وتفعل ما تشاء بنفسها، وذات لا يمكنها أن تتكلم بمشيئتها ولا تتصرف بنفسها: قضى العقل الصريح أن هذه الذات أكمل"(1).
وإثباتكم أن الله خالق لكنه لم يكن خالقاً قول مرجوح، ونسألكم: هل يمكن أن يخلق مذ كان خالقاً؟ فإن قلتم نعم فقد قلتم بإمكان حوادث لا أول لها، ولا فرق عند العقلاء بين إمكانها وبين حدوثها فعلاً. وإن قلتم: لا، وقعتم في سفسطات لا نهاية لها.
فأنتم لم تعرفوا إلا مذهبين: مذهب الفلاسفة القائلين بقدم العالم ومذهبكم في الاستدلال على الخالق بحدوث العالم آل بكم إلى نفي صفات الله الفعلية. لأن الفعل عندكم حدوث، وظننتم أنه إذا بطل مذهب الفلاسفة صح مذهب الأشاعرة.
بينما هناك قول ثالث: وهو التفريق بين الخلق والمخلوق، فالخالق هو الله تعالى والخلق هو الصفة التي قامت به والمخلوق هو الموجد المنفصل عنه.
فيقال في صفة الخلق لله ما يقال في صفة الكلام. وهذا معنى دوام النوع عند ابن تيمية الذي احتج بقوله تعالى {أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ} على دوام خالقيته مع تصريحه الدائم بأنه ليس مع الله شيء قديم(2).
ولكن ليس عندكم أي رغبة في الاعتراف بوجود الفرق بين نوع الصفة وبين عين الصفة، وذلك هرباً من القول بحلول الحوادث بذاته تعالى، وقد فعلتم الشيء نفسه في صفات الله الأخرى فألحدتم في الصفات الفعلية منها وعطلتموها وجعلتم الصفات كلها أزلية، وهو السبب الذي جعلكم تنكرون أن يدخل كلام الله تحت مشيئته وقدرته. وأن يدخل فعله تحت مشيئته وقدرته.
بينما يفرّق ابن تيمية بين النوع والعين ويقسّم الصفات إلى ذاتية أزلية وفعلية غير أزلية على النسق الذي فعله الأشعري والبيهقي والكرماني والحافظ ابن حجر من قبل.
وهذا ما حملكم على ظلم الرجل واتهامه بموافقة الفلاسفة مع أنه يكفّرهم لقولهم بقدم العالم. وشهدتم عليه شهادة زور تُسألون عنها أمام الله يوم يقوم الأشهاد!.
وفي صفة الإرادة يفرق ابن تيمية بين الإرادة للشيء وبين إرادة فعله كقوله تعالى {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} فكلمة (إذا) ظرفية تمحض الفعل الماضي للاستقبال. ففي الآية إثبات إرادة مستقبلة تتعلق بالمراد(1).
وهو لا شك أنه أراد هذا الشيء قبل كونه أزلاً، وهي الإرادة القديمة. وأما إرادة الشيء عند خلقه فهي إرادة متعاقبة لا تتعارض مع إرادة الله الأزلية.
ويقول "أنتم تسلمون قدم الإرادة والقدرة وحدوث المخلوقات بعد أن لم تكن، فما أوجب حدوث المخلوقات في وقت دون آخر؟
فإما أن يوجد سبب لحدوثها أو لا يوجد. ولا يمكن أن يقال: لا يوجد سبب.
وهذا السبب هو الفعل الحادث الذي يفر الأشاعرة المتأخرون منه هروباً من القول بقيام الحوادث بالله. وهو لازم لهم كما ألزمهم به الرازي.
وفي صفة العلم يفرق التفريق نفسه فيرى أن الله يعلم بالشيء قبل وقوعه فلما خلقه تجدد له علم مع علمه المتقدم أنه سيكون. كقوله تعالى {وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ} وقوله{وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ} وقوله{وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} ولا يرد على ذلك قولهم أنه يلزم من ذلك التغير في ذات الله. فإن التغير من حجج الفلاسفة وشبهاتهم التي جعلتهم ينفون علم الله. وكتاب الله جاء بخلاف ما تخرصت به الفلاسفة وأتباعهم الذين جعلوا العلم والإرادة شيئاً واحداً حتى لا يقولوا بتجدد العلم والإرادة.(65/164)
وصفة السمع والبصر لا تتعلقان بالمعدوم فإذا خلق الله الأشياء رآها، وإذا دعاه عبادُه سمع دعاءهم. فلله سمع وبصر ذاتيان وفعليان ففي الرؤية يقول تعالى {وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ} ولم يقل {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا} {قَدْ سَمِعَ اللّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ فَقِيرٌ} إلا بعد أن قالوا ما قالوا.
وهذا ما انتهى إليه الرازي في شرح الإشارات حيث ذهب إلى أن قول أبي الحسين البصري بتغير العلم عند تغير المعلوم هو المذهب الصحيح(1).
إما حدوث الفعل وإما أزلية المفعول
وأما قولكم بأزلية صفات الله الفعلية فإنه يؤدي إلى القول بأزلية المفعولات، لأننا إذا قلنا بأن الفعل كان أزلياً صار المفعول أزلياً مثله. وإن كان الفعل محدداً بوقت صار المفعول محدداً غير أزلي. فإن من قال إن الله خلق السماوات والأرض والبشر منذ الأزل فقد جعل وجود المخلوقات أزلياً. ولهذا كان قولكم هو المشعر بالتصريح بقدم العالم، وهو الذي دعا الرازي إلى مخالفتكم وإلى التصريح بأن جميع من تهربوا من القول بالحدوث في أفعال الله تعالى اضطروا إلى العودة إليه بصيغة أخرى.
ولهذا لم يكن يوافقكم ابن تيمية على زعمكم في:
1 ) التحديد الزمني لابتداء فعل الله التخليف. لأنه ما من وقت إلا كان الله فيه خالقاً. ولم يكن معطلاً عن الخلق.
2 ) ولم يوافقكم على زعمكم أن الله كان موصوفاً بأنه خالق لكن التخليق كان ممتنعاً عليه.
3 ) ومع ذلك لم يكن يرى ابن تيمية وجود شيء قديم مع الله عز وجل كما تزعمون عليه بلا تقوى ولا إنصاف، فإنه قال "وكل مخلوق فهو مُحدَث مسبوقٌ بالعدم وما ثم قديم أزلي إلا الله وحده، وإذا قيل لم يزل خالقاً فإنما يقتضي قِدَم نوع الخلق [أي التخليق ولهذا قال] ودوام خالقيته لا يقتضي قِدَم شيء من المخلوقات، فيجب الفرق بين أعيان المخلوقات الحادثة بعد أن لم تكن، فإن هذه لا يقول عاقل أن منها شيئاً أزلياً"(2). فأين قال ابن تيمية بقدم شيء من المخلوقات؟!
والذين يجعلون لفعل التخليق لله تعالى تحديداً ويمنعون عليه أن يكون خالقاً شيئاً قبل خلق السماوات والأرض فليس عندهم إلا رواية "كان الله ولم يكن شيء غيره، وكان عرشه على الماء ثم خلق السماوات والأرض" ويفهمون من ذلك أنه قبل السماوات والأرض لم يكن ثمة خلق. مع أن الرواية هذه تفيد بأن العرش والماء كانا مخلوقين قبل خلق السماوات والأرض. مما يدل على أن هذه الرواية لا يلزم منها القول بأن الله لم يكن خالقاً شيئاً قبل خلق السماوات والأرض.
- فقد جاء أهل اليمن يسألونه عن هذا العالم المشهود وليس عن جنس المخلوقات. فأخبرهم عن خلق السماوات والأرض حال كون عرشه على الماء ولم يخبرهم عن ابتداء خلق العرش الذي تؤكد الرواية أنه كان مخلوقاً خلق قبل السماوات والأرض.
- وأيضاً فقد قال "كان الله ولم يكن شيء قبله" وفي رواية "معه" وفي رواية "غيره" - والمجلس كان واحداً - فعُلِم أنه قال أحد هذه الألفاظ الثلاثة والآخران رُويا بالمعنى. ولهذا كان كثير من أهل الحديث يروونه بلفظ "القبل" كالحميدي والبغوي وابن الأثير.
ولفظ "القبل" ثبت عن صلى الله عليه وسلم في غير هذا الحديث:
فقد ثبت عن صلى الله عليه وسلم أن الله "قدر مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة: وكان عرشه على الماء" (مسلم 6243) وعن أبي هريرة عن صلى الله عليه وسلم أنه قال "اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء" (مسلم 2713).
القائلون من أئمة الكلام بتسلسل الآثار(1).
قال الأسنوي في شرح منهاج الوصول (2/103) "وأجاب في التحصيل (للآرموي) بجوابين … الثاني "أن المحال من التسلسل إنما هو التسلسل في المؤثرات والعِلل، وأما التسلسل في الآثار فلا نسلّم أنه ممتنع.
قال الأصفهاني في (شرح المحصول) وفيه نظر لأنه يلزم منه تجويز حوادث لا أول لها، وهو باطل على رأينا" انتهى كلام الأسنوي ونقلُه.
قال العلامة محمد بخيت المطيعي في الصفحة نفسها على (شرح الأسنوي) معلقاً على كلام الأرموي قال "كلام جيد، وأما قول الأصفهاني: (وفيه نظر…) فلا يلزم من كونه باطلاً على رأيه أنه باطل في الواقع ونفس الأمر، فإنه لغاية الآن لم يقم دليل على امتناع التسلسل في الآثار الموجودة في الخارج، وإن اشتهر أن التسلسل فيها محال، ولزوم حوادث لا أول لها يضر بالعقيدة إلا إذا قلنا: لا أول لها: بمعنى لا أول لوجودها: وهذا مما لم يقم به أحد، بل الكل متفق على أن ما سوى الله تعالى - لما كان أو يكون - حادث: أي موجود بعد العدم بقطع النظر عن أن تقف آحاده عند حدٍ من جانبي الماضي والمستقبل أو لا تقف عند حد من جانبيهما".
فالأرموي مجوّز، والأصفهاني مبطل بقوله (وفيه نظر) والإسنوي ناقل، وبخيت المطيعي شيخ الأزهر ناصر لقول الأرموي، وكذلك أثير الدين الأبهري(2) في كتابه المعروف بـ "تحرير الدلائل في تقرير المسائل" قائل بها، والشيخ محمد عبده والجلال الدوّاني قائل بذلك كما ستراه: ومع هذا فلا تفسيق ولا تضليل ولا تفكير على النحو الذي نراه من الحبشي وأضرابه.(65/165)
وقد رجّح الدوّاني القول بحوادث لا أول لها في حدوث العالم فقال "أنت خبير مما سبق أنه يمكن صدور العالم مع حدوثه، وعلى هذا الوجه، فلا يلزم القِدَم الشخصي في شيء من أجزاء العالم، بل القدم الجنسي بأن يكون فرد من الأفراد لا يزال على سبيل التعاقب موجوداً"؟
وقال الشيخ محمد عبده في حاشيته على "شرح الدوّأني للعقائد العضديّة" (ص179) ما نصه "وقد استشهد الحكماء على قِدَم الممكنات بدليل نقلي، وهو ما ذمّ الله به اليهود {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} وبيانه: أنه لو قيل بحدوث العالم فقد قيل بأن الحق في أزليته لم يزل معطلاً عن الفيض والجود أزمنة غير متناهية لا ابتداء لها ثم أخذ يعطي الوجود، ومعلوم أنه على فرض أنه لم يزل خلاقاً إلى الأبد فكل ما خلقه فهو متناه، ونسبة المتناهي إلى غير المتناهي كلا نسبة، وذلك جلي التصور، فنسبة إعطاء الحق للوجود إلى منعه عن كل موجود ليست بشيء، وإن هذا إلا غِلّ اليد، حيث أن الإعطاء ليس بشيء يُذكَر في جانب المنع، وهذا من الشناعة بمكان … والجواب أن ذلك - التخلص من الشناعة - لا يتوقف على القول بقدم شيء من أجزاء العالم، بل يكفي أن يقال: إن الله لم يزل خلاقاً، وإن كان كل جزء من أجزاء العالم حادثاً، فلا أول لعطائه، ولا مانع يقهره سبحانه، وهو الجواد الحق، ينفق كيف يشاء، ولا شيء من العالم قديم، بل كل حادث فهو مسبوق بالعدم، فلا دلالة في الآية على القدم" انتهى.
فتأمل قوله (فلا أول لعطائه) وقوله (كل جزء من أجزاء العالم حادث) وقوله (لم يزل خلاقاً).
قال الأستاذ مراد شكري "واعجب أخي أن أحداً من المحققين النّظار لم يخطر بباله أبداً أن قدم النوع هو شيء قديم مع الله، وأن النوع شيء محسوس له وجود.
واسأل هؤلاء: هل نوع الحوادث منفك عن الحوادث أم ملازم لها؟ أهو هي؟ إذ لا يمكن أن يكون شيئاً آخر كما يبدو؟
إن كان هو هي - وهو محال - فما الداعي لذكره؟ فهو حادث مثلها، وإن كان ملازماً لها فالمعلوم أن القديم: زائد الحديث يساوي = حادثاً.
والمركب من القديم والحادث هو حادث وهذا بيّنٌ عند من شدا شيئاً من علم الكلام.
وأما إن قالوا: إن النوع شيء والحوادث شيء، فقل لهم: فسّروا لنا كلمة (نوع) وحدها هكذا مجرداً، والأفضل أن ترجعوا لـ "الآجرومية" فتدرسوا باب المضاف والمضاف إليه، وتعربوا جملة (نوع الحوادث) فهذا أليق بكم"(1).
ثم نقل عن ابن تيمية في (درء التعارض 9/153) ما نصه "فيقال لكم: أتريدون بذلك أن كل حادث فلا بد أن يكون مسبوقاً بغيره وأن الحوادث المحدودة لا بد أن تكون مسبوقة، أو أن الجنس لا بد أن يكون مسبوقاً؟
أما الأول والثاني فلا نزاع فيها، وأما الثالث فيقال: أتريدون به أن الجنس مسبوق بعدم أم مسبوق بفاعله؟ بمعنى أنه لا بد له من محدِثٍ؟ الثاني [أي أنه مسبوق بفاعله] مسلّم، والأول محل نزاع".
قال الأستاذ مراد "فهذا تقرير وتسليم أن جنس الحوادث مسبوق بالفاعل وهو الله جل وعلا، [وهذا يؤكد أن] القول بحوادث لا أول لها، أو تسلسل الآثار لا يفهم عاقل هذه العبارة إلا أنها متعلقة بمشيئة الله التي هي أزلية، وهي مسبوقة بالفاعل رب العالمين، وهذا بدهي وإلا لما كانت حوادث جمع حادثة، وهي المخلوقة المسبوقة بالعدم بأفرادها".
قال "ويُسأل القائل (إن إثبات حوادث لا أول لها مشاركة لله في اسمه "الأول" فيقال له: ماذا تقول في هذه الحوادث التي لا أول لها الآن؟ هل هي موجودة أم معدومة؟
فإما أن يقول: موجودة أو معدومة. أو يفتح فمه ويقول: ها، هاه لا أدري.
قال شيخ الإسلام في (درء التعارض 3/51) "وأيضاً فالحوادث الماضية عُدِمَت بعد وجودها، فهي الآن معدومة كما أن الحوادث المستقبلية الآن معدومة، فلا هذا موجود ولا هذا موجود الآن، وكلاهما له وجود في غير هذا الوقت، ذاك في الماضي، وهذا في المستقبل"(1).
اتهامه بالقول بقدم العرش
وهذه كذبة أخرى يفتريها الحبشي على ابن تيمية وينقلها عن الجلال الدواني كما في شرح العضدية "وقد رأيت في تأليفٍ لابن تيمية القول بالقدم الجنسي للعرش"(1).
ولعلك تلاحظ عبارة "تأليف" وما تتضمنه من الافتراء فلماذا لم يذكر اسم هذا التأليف.
وإذا كنت لا تعرف من هو الجلال الدواني فابحث عن كتاب "إيمان فرعون"(2) فإن الدواني كتبه دفاعاً عن فرعون ولإثبات أنه مات على الإيمان. فقد ردّ عليه الشيخ ملا علي القاري في كتاب "فرّ العون من مدّعي إيمان فرعون". ألم يجد الحبشي رجلاً يحتج به غير من يدافع عن فرعون ويحكم بإيمانه؟
قال الآلوسي المفسر "وحاشا ابن تيمية أن يثبت عنه هذا الكتاب بل نسبته إليه كنسبة كتاب "إيمان فرعون" إلى الجلال الدواني، فاحفظ ذلك" ثم تعقب الجلال الدواني قائلاً "وجلال الدين وأضرابه أجهل الناس بالحديث".
وكذلك حكى الألوسي طعن الكوراني في حاشيته المسماة: "مجلى المعاني على شرح عقائد الدواني" في صحة نسبة هذا الكتاب إلى ابن تيمية قائلاً "لم أقف على هذا التصنيف لابن تيمية"(3).(65/166)
وهكذا حال من يحتج الحبشي بتجريحهم لابن تيمية لا يخلون من التعصب والانحراف الصوفي كالدواني والسبكي والهيتمي والحصني.
إقعاد صلى الله عليه وسلم على العرش
وزعم الحبشي أن ابن تيمية قال "إن الله تعالى قاعد على الكرسي وترك موضعاً لمحمد ليجلسه عليه في الآخرة. وهذا الكتاب غير الرسالة العرشية"(1):
ولكن؛ أين قال ابن تيمية هذا؟ وفي أي كتاب. إننا لم نره يؤيد ذلك في كتاب من كتبه، بل إنه حكى أن من السلف من قال بذلك وأنكرها آخرون(2).
وصدق فيما قاله، فإن من السلف من قال بذلك، ونقلت أسانيدُ كلامهم في هذه المسألة بأسانيد صحيحة منها:
ـ رواية مجاهد التي صححها الطبري في تفسير قوله تعالى {عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا} روى لها المحدِّثون كالخلال في السنَّة أسانيد كثيرة جداً. بلغ بعضها الصحة. قالوا إن الله يُقعِد صلى الله عليه وسلم ليُرِيَ الخلائقَ منزلتَه(3).
ولذلك قال الحافظ ابن حجر "قال ابن الجوزي: وقيل إن المقام المحمود أي إقعاده على العرش، وقيل على الكرسي وحكى كلا من القولين عن جماعة(4) ورواه الطبري عن جماعة من السلف ولم ينكر رواية مجاهد في إقعاد صلى الله عليه وسلم على العرش(5).
وقد رد الحافظ ابن عبد البر كلام مجاهد واعتبره مخالفاً للصواب ومهجوراً عند أهل السنة"(6). ومنهم من أيد قول مجاهد وبالغ في الانتصار له كأبي بكر المروزي الذي جمع فيه كتاباً وروى عن إبراهيم بن عرفة سمعت ابن عمير يقول سمعت أحمد بن حنبل يقول "هذا قد تلقته العلماء بالقبول". وكذلك انتصر وأفتى بوجوب التسليم له جماعة من أهل العلم والحديث منهم أبو داود السجستاني صاحب السنن وإبراهيم الحربي ومحمد بن مصعب العابد شيخ بغداد وخلقٌ كثير، بحيث قال ابن الإمام أحمد عقيب رواية قول مجاهد "أنا منكِرٌ على كل من رد هذا الحديث، وهو عندي رجل سوء متهم، سمعته من جماعة وما رأيت محدّثاً ينكره، وعندنا إنما تنكره الجهمية" بل انتصر له ابن جرير وقال "ليس في فِرَق الإسلام من يُنكِر هذا" وقال بأن ما قاله مجاهد غير مدفوع صحته لا من خبر ولا من نظر(1). وذكر بأنه لا يلزم منه لوازم باطلة.
فمسألة إقعاد صلى الله عليه وسلم على العرش على افتراض صحة نسبتها إلى ابن تيمية مسألة تكلم فيها طائفة من السلف كمجاهد وغيره.
فانظر مدى دقة ابن تيمية حول رواية الإقعاد "رواه بعض الناس من طرق كثيرة مرفوعة، وهي كلها موضوعة، وإنما الثابت أنه عن مجاهد وغيره من السلف، وكان السلف والأئمة يروونه ولا ينكرونه ويتلقونه بالقبول(2).
وقد يقال: إن مثل هذا لا يقال إلا توقيفاً، لكن لا بد من الفرق بين ما ثبت من ألفاظ الرسول، وما ثبت من كلام غيره سواء كان من المقبول أو المردود"(3).
ابن فورك يقر الإقعاد فهل تكفرونه؟
وحتى ابن فورك فإنه روى رواية مجاهد أن الله يقعدمحمدا صلى الله عليه وسلم على العرش وجعل لها تأويلاً محتملاً - على عادته - وهو أن معنى (يقعده معه على العرش) أي بمعنى النصر والمعونة". فقد قال:
"فإن قيل: فما تقولون فيما روي عن مجاهد أنه قال في تأويل قوله تعالى {عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا} قيل … يحتمل أن يقال إنه معه بمعنى النصر والمعونة" (مشكل الحديث وبيانه 339). ثم قال "ولم ينكر إقعاد صلى الله عليه وسلم على العرش تأويلنا لفظة معه على ما يليق به من معنى النصرة والمعونة" (291). انتهى كلامه. فها هو ابن فورك يثبت الرواية ويصرح باعتقادها ولكن مع تأويل سائغ لها.
ونقل الخفاجي في شرح الشفا عن الدارقطني في حديث: أن المقام المحمود للنبي r هو أن يُجلِسه معه تعالى على العرش ما نصه:
حديث النبوة عن أحمد
… إلى أحمد المصطفى مسنده
وجاء حديث بإقعاده
… على العرش أيضاً فلا نُنكره
أمرّوا الحديث على وجهه
… ولا تُدخلوا فيه ما يُفسِده
ولا تُنكروا أنه قائم
… ولا تُنكروا أنه يُقعده
وهذه الأقوال مرجوحة، ولقد ثبت عن صلى الله عليه وسلم بسند صحيح أنه قال "المقام المحمود: الشفاعة"(1).
ومن الطريف أن الذين لا يؤمنون باستواء الله على العرش - وإنما يؤمنون باستيلائه عليه - تعتبريهم هنا غيرة على العرش بعد أن نفوا أن يرتفع الله عليه كما قال مجاهد في البخاري.
الرفاعية والنقشبندية
يفضلّون قبر صلى الله عليه وسلم على العرش
ويزعمون علو مشايخهم فوق عرش الرحمن
وأهل البدع الصوفية يفضلون قبر صلى الله عليه وسلم على عرش الرحمن والكرسي بل والجنة أمثال محمد الصيادي الرفاعي(1) وقالوا إن قبر صلى الله عليه وسلم أفضل من عرش الرحمن وكرسيه! فأي القولين أعظم ضلالة: إقعاده على العرش أو تفضيل قبره عليه؟
ويزعمون أن الله وضع ديكاً عند العرش اسمه (ديك العرش) وأن أبا الوفا (من كبار الرفاعية) كان ينظر إليه وهو جالس في مكانه ويأمر الناس بالنظر إليه وهو يصيح للصلاة من على العرش(2).
وزعم الصيادي (كبير الرفاعية) أنه لما أخرج آدم من الجنة جعل يبكي على فراق "الملائكة الصوفية" السبعين ألفاً" جُردٌ مُرد(3) يرقصون حول العرش وجبريل رئيس الراقصين وميكائيل قوالهم (منشدهم)(4) يقولون:
جل الملك ملكنا لولا الملك هلكنا(65/167)
وزعم النقشبنديون (الذين يفخر بهم الحبشي وينتسب إلى طريقتهم) أن أولياءهم يعرجون إلى السماء بل ويرتفعون فوق عرش الرحمن متى يشاءون. فقد نقلوا عن أحمد الفاروقي قوله "كثيراً ما كان يُعرج بي فوق العرش المجيد، فلما ارتفعت فوقه بقدر ما بين مركز الأرض وبينه (أي العرش) رأيت مقام الإمام شاه نقشبند" أضاف "واعلم أني كلما أريد العروج يتيسر لي"(5).
ولقد اطلعت على كثير من كتب التصوف ورأيت أكثرها يتضمن مثل هذه القصص التي يرفعون بها مشايخهم فوق عرش الله ويجعلون من كراماته ارتقاء العرش وتعديل ما في اللوح المحفوظ لتغيير الشقي سعيداً أو السعيد شقياً. ونسبة التصرف في الأكوان إليهم.
كذبة الرسالة العرشية
وقد افترى عليه الحبشي وزعم أن كلامه موجود في الرسالة العرشية، وهو ما لم نجده فيه. ولذلك اضطر إلى تقليد الكوثري جهمي العصر(1) في كذبه على ابن تيمية أنه تم مؤخراً حذفها من المطبعة في مصر(2)، ونحن نتحداه بمخطوطات الرسالة العرشية(3) التي كُتِبَت قبل القرن الذي ولد فيه الكوثري وليس فيها هذه الدعوة الكاذبة.
قال الحبشي "كان ابن تيمية يُخفي بعض كتبه عن عامة أتباعه لئلا ينقلب عليه أحد منهم ولكن أحدهم اطلع على أحد كتبه يقول في هذا الكتاب أن الله تعالى قاعد على الكرسي وترك موضعاً لمحمد ليُجلسه عليه في الآخرة وأن تلميذه ذهب بهذا الكتاب إلى أبي حيان فلما اطلع عليه لا زال يلعنه حتى مات"(4).
وهذه كذبة باردة، فمتى كان ابن تيمية يستخدم هذه التقية وقد قال أمام أعدائه "أي يذهب بي أعدائي، أنا جنتي وبستاني في صدري أينما ذهبت، أنا حبسي خلوة ونفيي سياحة وقتلي شهادة".
ويوم أن منعه السلطان أن يفتي بطلاق الثلاث قال: لا يسعني أن أكتم علماً. فلم يداهن ولم يتّق أحداً غير الله.
فأيهما أكثر شجاعة: ابن تيمية أم ذاك (…) الذي يرتمي هو أتباعه بين أحضان الظالمين الذين يستخدمونه خنجراً في وجه الدعاة إلى الله؟ قد أتوا به وطلبوا منه نشر عقيدة أهل سنته وجماعته المتضمنة للبدع والشرك وتكفير المسلمين والدفاع عن العلمانيين الذين ينبذون القرآن ويحكمون عوضاً عنه بقوانين البشر الوضعية. وينصّبون أنفسهم محامين ومدافعين عن الحكّام بغير ما أنزل الله؟
ومتى كان ابن تيمية يُخفي شيئاً عن الناس وقد وضع بين أيدي خصومه كتاب الواسطية وبيّن فيه عقيدته وأعطاهم مهلة ثلاث سنوات أن يجدوا فيه ما يخالف الكتاب والسنة فلم يستطيعوا معارضته.
لو فرضنا أنه قالها فإن مسألة إقعاد صلى الله عليه وسلم على العرش ليست ذاك السر الذي يحتاج ابن تيمية إلى إخفائه فإن روايات الإقعاد قد ملأت بطون كتب الحديث حتى إن الخلال والطبري والسيوطي ساقوا عشرات الروايات منها واعتُبرتْ تفسيراً لقوله تعالى {عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا} غير أنها كما قلت لم ترتفع إلى درجة الصحة وإنما صحت الروايات إلى بعض التابعين الذين قالوا بها كمجاهد في أحد قوليه(1).
بل هو قول الجيلاني
قال الشيخ عبد القادر "إن أهل السنة يعتقدون أن الله يُجلِس رسوله معه على العرش يوم القيامة(2)، غير أن عامة أهل السنة والحديث كأحمد والذهبي منعوا هذا القول لعدم صحة السند فيه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ولكن من تمسك بهذه المسألة ظناً منه صحة الأحاديث الواردة فيه فلا يجوز تكفيره، وإلا كان المكفّر له شرّاً منه وأقرب إلى الحرورية الغلاة.
نسبة المخادعة إلى ابن تيمية
يبطلها العيني وغيره
وزعم الأحباش أنه لم عقدوا مجلساً لابن تيمية احتال عليهم وزعم أنه أشعري. وأنا لم أجد أنه قال ذلك وإنما قال أنه على اعتاد الشافعي فرضوا ذلك منه(1).
فأما إن ذكر أنه على اعتقاد الشافعي فأي كذب في ذلك فإنه بإثبات الصفات وعدم التأويل ونقد علم الكلام أقرب إلى منهج الشافعي منهم. فإن الشافعي كان يحذر من علم الكلام وابن تيمية يوافقه، بينما الأحباش يلقبون الحبشي (إمام علم الكلام) وهو يؤوّل الصفات وقد قالوا: التأويل مذهب الخلف والإثبات مذهب السلف!
أما إن قال إن أشعري المعتقد فأي كذب في ذلك وقد استقر أمر الأشعري رحمه الله على موافقة عقيدة أحمد بن حنبل، وشهد بذلك الأشاعرة المتقدمون كابن عساكر في التبيين والبيهقي والمتأخرون كالتاج السبكي في طبقاته والزبيدي في إتحافه وابن عذبة، وشهد بذلك غيرهم الذهبي وابن كثير(2).
فقوله (أنا أشعري) أفضل من قولكم: إننا أشاعرة بينما تخالفون الأشعري وتوافقون المعتزلة. فهو أقرب وأكثر موافقة مع عقيدة الأشعري منكم. فالأشعري في الحقيقة حنبلي المذهب في العقيدة أيها الأشاعرة.
وإن كنتم تعتبرون ذلك جبناً ومراوغة فهل تقولون ذلك في أبي الحسن الأشعري رحمه الله وقد حكى الكوثري أنه كان يقول للحنابلة (أنا حنبلي أنا على مذهب أحمد) وزعم الكوثري أنه كان يراوغهم بقصد التدرج بهم(3)!
ابن تيمية الشجاع(65/168)
ولم يزل بدر العيني يحكي مواقفه الشجاعة في حق سلاطين التتار كقوله لغازان ملك التتار فيما رواه ابن كثير عن الشيخ عبد الله بن قوام البالسي "أنت تزعم أنك مسلم وتقتل المسلمين وأبواك كانا كافرين ولم يفعلا ما فعلتَ، قد عاعدتَ فغدرتَ وقلت فيما وفيتَ".
قال كلمة الحق ولم يخش إلا الله عز وجل. قال: ثم قرّبوا طعاماً فأكلوا إلا ابن تيمية فقيل له: ألا تأكل؟ فقال: كيف آكلُ من طعامكم وكلّه مما نهبتموه من أغنام الناس. ثم إن قازان الملك طلب منه الدعاء فقال ابن تيمية: اللهم إن كان هذا عبدك محمود إنما يقاتل لتكون كلمتك هي العليا وليكون الدين كله لك فانصره وأيّده، وملّكه البلاد والعباد، وإن كان إنما قام رياء وسمعة وطلباً للدنيا ولتكون كلمته هي العليا وليذلَّ الإسلام وأهله: فاخذُلْهُ وزلزله ودمّره واقطع دابره. قال: وكان قازان يؤمّن على دعائه ويرفع يديه. قال: فجعلنا نجمع ثيابنا خوفاً من أن تتلوث بدمه إذا أمر السلطان بقتله".
قال "فما خرجنا من عند السلطان قال القاضي نجم الدين ابن صصري لابن تيمية: لقد كِدتَ أن تهلكنا وتهلك نفسك، والله لا نصحبك من هنا، فقال: وأنا والله لا أصحبكم. فانطلقنا وتأخر هو ومعه جماعة من أصحابه، فتسامعت به الخواقين والأمراء من أصحاب قازان فأتوه يتبركون بدعائه طول الطريق. وهو سائر إلى دمشق، وأما الذين أبوا أن يصحبوه فخرج عليهم جماعة من التتار فسلبوهم عن آخرهم"(1).
ولما سمع بتقديس أهل دمشق لصخرة أخذ فأساً وكسرها(2)، ولذا وصفه الذهبي بأنه كان أمّاراً بالمعروف نهّاءً عن المنكر.
مقارنة
بين موقف الرفاعية من التتار وبين موقف ابن تيمية
هناك فرق عظيم بين موقف ابن تيمية من التتار وبين موقف الرفاعية (سلف الحبشي) منهم، فإن سجل ابن تيمية مشرف حافل بالجهاد وتحريض ولاة المسلمين ضد التتار بل خروجه بنفسه مع طائفة من المخلصين لملاقاتهم، وكان بهذا العمل النبيل رمز العالم العامل الشجاع.
أما مواقف الرفاعية (سلف الحبشي) فتتسم بالخسة والخيانة. فقد كثر ترددهم على التتار وتقربهم إليهم بالأحاييل التي يسمونها (كرامات) وقد تولوهم طمعاً في هداياهم وأموالهم حتى قال الذهبي "قد كثر الزغل (الفساد) في أصحاب الطريقة الرفاعية، وتجدَّدتْ لهم أحوال شيطانية منذ أخذت التتار العراق: من دخول النيران وركوب السباع واللعب بالحيَّات. قال "وهذا ما عرفه الشيخ أحمد الرفاعي ولا صلحاء أصحابه، فنعوذ بالله من الشيطان"(1).
وقول الذهبي "منذ أخذت التتار العراق" إشارة إلى أنهم كانوا يوالون التتار الذين احتلوا العراق بإيعاز من زعماء الروافض الشيعة وقتلوا مليوني مسلم، فكانوا يتقربون إلى التتار بتلك الأحاييل.
وكان التتار يعجبهم ما يفعله الرفاعية، ويجزلون لهم العطاء، فكانت إشارة من الذهبي إلى أن من يوالي أعداء الله: كيف يكرمه الله بالكرامات؟
وكذلك حمل عليهم الشيخ الألوسي فقال "وأعظم الناس بلاء في هذا العصر على الدين والدولة: مبتدعة الرفاعية، فلا تجد بدعة إلا ومنهم مصدرها وعنهم موردها ومأخذها، فذِكْرُهُم عبارة عن رقص وغناء والتجاء إلى غير الله وعبادة مشايخهم. وأعمالُهُم عبارة عن مسك الحيات"(2).
تحريف كلام الحافظ ابن حجر حول تنقيص علي
وقد زعم الحبشي أن الحافظ ابن حجر اتهم ابن تيمية بأنه كان ينتقص سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه حيث كتب رداً على ابن المطهر الحلي. ثم حرف الحبشي النقل عن الحافظ فقال "وكم من مبالغة له لتوهين كلام الحلي أدت إلى به أحياناً إلى تنقيص علي رضي الله عنه" انتهى.
وهذا تلاعب بالنصوص: فإن النص من النسخة المطبوعة التي أحال إليها الحبشي "وكم من مبالغة لتوهين كلام الرافضي أدته أحياناً إلى تنقيص علي رضي الله عنه"(1).
فزاد الحبشي لفظ (له) ليؤكد أن الكلام عائد على ابن تيمية. وبدل كلمة (الرافضي) بكلمة الحلي ليزيد القارئ تأكيداً بأن الضمير ما زال يعود على ابن تيمية. واستبدل لفظ (أدته) إلى (أدت به) ليؤكد أن الضمير ما زال يعود على ابن تيمية.
مفاجأة بعد الرجوع إلى مخطوطة لسان الميزان
لقد رجع إلى مخطوطتين لتاب لسان الميزان فاكتشفت ما يلي:
المخطوطة الأولى لا تتضمن ترجمة يوسف والد الحسن المطهر.
المخطوطة الثانية تتضمن:
ترجمة يوسف (ابن) الحسن، وتم تصحيحها في المطبوع إلى (والد) الحسن. وكأن مقحم هذا النص لم يتقن عمله.
وفيها اضطراب ففيها أن يوسف هو شارح ابن الحاجب وأنه هو الذي رد عليه ابن تيمية. في حين أن ولده (الحسين) هو شارح ابن الحاجب. وهو الذي رد عليه ابن تيمية لا على أبيه. فالخلط والتحريف واضحان جداً فيمن يجري مقارنة بين ترجمة الابن (لسان الميزان 2/319) وبين ترجمة والده يوسف (5/317).
فهل الأب هو شارح ابن الحاجب أم ابنه؟
وهل الأب هو الذي رد عليه ابن تيمية أم الابن؟(65/169)
إن مثل هذا الخطأ لا يمكن أن يكون صادراً عادة من ناقد حافظ عظيم كابن حجر مما يرجح أن تكون بعض الأيدي قد عمدت إلى إقحام هذه الترجمة ولم يتقنوا تحريفهم فجعلوا يوسف والد الحسن هو شارح ابن الحاجب وهو الذي رد عليه ابن تيمية. ثم إن يوسف هذا ليس له عادة ترجمة خاصة.
أن النص في المخطوطة غير واضح ويتعذر قراءة هذه العبارة التي تتضمن التنقيص. ولا يسلم أنها تتضمن عبارة (وكم من مبالغة لتوهين كلام الرافضي…). وقد تقدم صورة المخطوط(1).
وحتى النسخ المطبوعة حصل فيها خلط والتباس. ففي طبعة دار الفكر لفظ (ذاته) بدل (أدته). فهناك خلط واحتمال للتزوير ثم بياض طويل لا يدرى كيف انتهى الكلام فيه. الأمر الذي يجعل الاحتجاج بهذا النص في لسان الميزان ساقطاً.
وحينئذ نرجع إلى صيح كلام الحافظ ابن حجر في ابن تيمية حيث كان يحتج بنقده العلمي لأدق المسائل وحكمه على الروايات والأحاديث وترجيحه للمسائل المختلف فيها. بل ونرجع إلى صريح كلام ابن حجر في ابن تيمية كما أورده السخاوس في الجواهر والدرر. فقد سفّه فيه ابن حجر المتحاملين على ابن تيمية وأكد أنه يستحق الوصف بشيخ الإسلام.
أن السبكي كان حريصاً على كشف أخطاء ابن تيمية وذكر رد ابن تيمية على الرافضي ولكنه أثنى على رد ابن تيمية على ابن المطهر ولم يحك لنا شيئاً عن طعنه في علي رضي الله عنه. ولو وجد من ذلك شيئاً لطار به واحتج به ضد ابن تيمية. فقال قال:
ولابن تيمية رد عليه وفيّ
… بمقصد الرد واستيفاء أضربه
لكنه خلط الحق المبين بما
… يشوبه كدر في صفو مشربه
يحاول الحشو أنى سار فهو له
… حثيث سير بشرق أو بمغربه
يرى حوادث لا مبدا لأولها
… في الله سبحانه عما يظن به
تمويهات الحوت
وقد قام كما الحوت بعمل حيلة، فجمع بعض الرسائل والمقالات في كتاب أسماه (الرسائل السبكية) ثم غيّر اسم هذا الكتاب من (الرسائل السبكية في الرد على ابن تيمية وتلميذه ابن القيم الجوزية) إلى (التوفيق الرباني في الرد على ابن تيمية الحراني) وحذف منه رسالة السبكي في الرد على نونية ابن القيم، وزاد فيه رسالة أحمد الكلابي في نفي الجهة في الرد على ابن تيمية.
وقام ببعض التغييرات الطفيفة في المقدمة أيضاً حتى بدا للناس أنه كتاب آخر مختلف عن الكتاب السابق، وهو رجل معروف بهذا النوع من العمل والشكوى تزداد منه يوماً بعد يوم، حيث إنه يأخذ كتب الآخرين يصورها وينشرها ويغير غلافها وعنوانها.
وقد ثبت تزويره حذفاً وإضافة حين كان يعمل بقسم التحقيق بدار (عالم الكتب) وقام بحذف بعض العبارات من كتاب للشيخ عبد الفتاح أبي غدة مما أدى إلى طرده من الدار بعدما ظهر عدم أمانته.
الشيخ محمد بن درويش الحوت
يعظم ابن تيمية ويحتج به
وتجاهل موقف قرابته من العلماء الشيخ محمد بن درويش الحوت الذي كان يحتج بحكم ابن تيمية على روايات الحديث كما في كتاب (أسنى المطالب، الصفحات التالية (41، 89، 118، 125، 181، 236، 253، 341، 350، 359، 399، 435، 452، 566) كذلك كان يحتج بأقوال ابن القيم (صفحات 89، 168، 452).
أوَ تَعلمت أيها الحوت من شيخك الحبشي ما جهله سلفك وقرابتك؟
وإذا كان الحوت معظماً لابن تيمية وتلميذه الأمر الذي يجعله يكثر من الاحتجاج بأقوالهما فهل يكون موافقاً لعقيدة شيخك الحبشي كما زعمتم في مجلتكم المنار (44/54) أم مخالفاً له؟
وهذه حيلة يراد بها التعطيل
ومن تمويهاته قوله "جمهور الأمة الإسلامية على تنزيه الله عن مابهة الحوادث"(1).
نعم، التنزيه على طريقة أحمد وغيره من سلف الأمة بإثبات صفات الله إثباتاً بلا تشبيه وتنزيهاً بلا تعطيل: فعلى الرأس والعين.
أما أن يقصد بالجمهور: جماهير الجهمية والمعتزلة وأفراخهم الذين يعبثون بصفات الله ويؤولونها على الوجه الذي يحلو لهم: فهو إلحاد مكسو بكساء التنزيه كمن قال: اتخذوا من دعوى التنزيه جُنةً ليصدوا بها عن إثبات ما وصف الله بن نفسه ورسوله صلى الله عليه وسلم
فالمعتزلة قبلكم كانوا يرون طريقة أحمد باطلة وكانوا يرونه مشبهاً ويزخرفون باطلهم بدعوى التنزيه، وكان الجهمية يدندنون حول التنزيه عن التشبيه أكثر منكم. وكان جهم أول المستائين من آية الاستواء والمجيء واليدين وحديث النزول.
هل كان سجنه دليلاً على فساد عقيدته؟
وأما صورة مرسوم ابن قلاوون في ابن تيمية ودندنتكم حول موت ابن تيمية في السجن وقولكم يكفيكم دليلاً على ضلاله: رميه في السجن حتى مات فيه.
فلا تغرنكم المراسم السلطانية الصادرة من السلاطين ضد العلماء ولا تعوّلوا عليها، فقد وقع لغيره من كبار العلماء نظير ما وقع له.
- فقد صدر مرسوم سلطاني ضد أحمد بن حنبل يشبه مرسوم ابن قلاوون في ابن تيمية، وأتوا به مكبلاً إلى الخليفة المأمون، وتعرض للضرب ولم يمنعه ذاك من الثبات على الحق والصبر على الأذى في الله.
- وكذلك فعلوا بمالك حين تعرض للضرب من قبل المنصور.
- وقاسى البخاري من أهل عصره حتى أخرجوه إلى مدينة خرتنك فمات بها.
- وقاسى أبو حنيفة من الحبس والضرب حتى مات وهو في السجن.
- وقاسى الشافعي من أهل مصر لما ادعى الاجتهاد المطلق.(65/170)
- ومن قبلهم فعلوا بسعيد بن المسيب وبسعيد بن جبير بوالحسن البصري كما في السير.
فلو كان تعَرُّضُ العلماء لاضطهاد السلاطين وظلمهم دليلاً على فساد معتقدهم لما بقي لنا عالم واحد، إذ ما منهم إلا وقد نال نصيبه من أذاهم إلا من كان موالياً أو شيطاناً أخرس. فكيف وقد علمتم أن البلاء الذي وقع فيه ابن تيمية كان بسبب وشاية أبي نصر المنبجي به إلى السلطان بيبرس الجاشنكير. وذلك أن ابن تيمية بلغه تعظيم المنبجي لابن عربي وشيوع القول بوحدة الوجود بين أتباعه، فأنكر عليه ابن تيمية، مما دفع بالمنبجي إلى تسليط السلطان ضده كما حكاه بدر الدين العيني(1).
زعمه أنه طعن بعلي رضي الله عنه
قال الحبشي "وابن تيمية هذا طعن في علي بن أبي طالب وقال إن حروبه أضرت بالمسلمين". ثم انتهى إلى أن ابن تيمية يحرف القرآن"(1). وللجواب على ذلك نقول:
1 ) أن ابن تيمية لم يقل ذلك ومن ادعى شيئاً من ذلك فعليه الدليل. ولقد طالب الألوسي ابن حجر الهيتمي بالدليل على ذلك من كتب شيخ الإسلام. فلماذا لا يشير الحبشي إلى الموضع الذي سب فيه ابنُ تيمية علي بن أبي طالب؟
ويوم أن اتهموا الطبري بالتشيع وزعموا أنه أجاز مسح الرجلين في الوضوء: ردّ الذهبي على ذلك قائلاً "ولم نر ذلك في كتبه"(2). ونحن نطالبكم بالدليل على الطعن المزعوم المنسوب إلى شيخ الإسلام.
ولقد ذكر ابن كثير كيف قُبِض على أحد أعداء ابن تيمية وقد زوّر عليه كتاباً فقطع السلطان يده هو ومن تواطؤا معه على ذلك(3) فما يمنع أن تكون هذه الرسالة المزعومة مدسوسة عليه لا سيما وأنك تقرأ من كتبه المنتشرة ما يخالفها.
2 ) إن الحبشي لا يملك أي مستند يدعم به فريته، ولهذا لا يملك إلا أن يقول: إن ابن تيمية كتم معتقده هذا ولم يظهره في كتبه التي بين أيدينا، ولكن كيف توصل الحبشي إلى معرفة ذلك؟ ألعله اطلع على كلامه النفسي ففهم ما في نفسه من المعاني.
إنه تارة يفتري لابن تيمية رسالة عرشية غير التي بأيدينا، ويدافع عن ابن عربي تارة أخرى فيدعي وجود نسخة للفتوحات المكية ليس فيها الكلام الكفري الموجود في النسخة المتداولة. وهكذا هوىً متبع، من غير دليل.
ثم جاء صاحب كتاب التوفيق (85-89) وتحت عنوان (افتراؤه على الإمام علي) جعل ينقل عن الحافظ ابن حجر في الدرر الكامنة (1/114) ما يظنه دليلاً على طعن ابن تيمية بعلي رضي الله عنه، ثم نقل عن مواضع عديدة من كتاب منهاج السنة لشيخ الإسلام يستدل بها بزعمه على مسألة الطعن. وقد كان في ذلك ملبساً للحق بالباطل، ونحن سنرى خيانته وتلبيسه وكيف حرّف عبارات شيخ الإسلام وشوّهها.
نماذج من تحايل هذا الرجل
ذكر في (ص 89) من كتابه عن ابن تيمية قوله "علي رضي الله عنه كان عاجزاً عن قهر الظلمة من العسكرين. ولم تكن أعوانه يوافقونه على ما يأمر به، وأعوان معاوي يوافقونه. وكان يرى أنه لم يحصل المطلوب بالقتال… إلى أن قال: فأئمة السنة يعلمون أنه ما كان القتال مأموراً به ولا واجباً ولا مستحباً ولكن يعذرون من اجتهد فأخطأ(1).
- وقال في (ص 85) "وقد ذكر ابن تيمية في حق علي في كتاب منهاج السنة (2/203) ما نصه: وليس علينا أن نبايع عاجزاً عن العدل علينا، ولا تاركاً له. فأئمة السنة يسلّمون أنه ما كان القتال مأموراً به ولا واجباً ولا مستحباً".
- وقال في (ص 89) وانظر الصحيفة (204) يقول فيها: "فإن قال الذابّ عن علي: هؤلاء الذين قاتلهم علي كانوا بغاة فقد ثبت في الصحيح أن صلى الله عليه وسلم قال لعمار رضي الله عنه: "تقتلك الفئة الباغية" وهم قتلوا عماراً.
فهاهنا للناس أقوال:
منهم من قذف في حديث عمار.
ومنهم من تأوله على أنه الباغي الطالب(2) وهو تأويل ضعيف.
وأما السلف والأئمة فيقول أكثرهم كأبي حنيفة ومالك وغيرهم: لم يوجد شرط قتال الطائفة الباغية.
قلت: قد صرح المرتضى الزبيدي بهذا فانظره(3).
وقال المتجني (ص89) "مرادنا من هذا الكلام تبيين أن عليّاً هو الخليفة الواجب الطاعة وأن مخالفيه بغاة. فكيف يقول هذا السخيف [أي ابن تيمية] أنه ما كان القتال مأموراً ولا واجباً ولا مستحباً، وأنه لم يحصل للمسلمين في مصلحة لا في دينهم ولا في دنياهم. فهذا فيه مخالفة للأحاديث التي أوردناها، ليس هذا ذمّاً بعلي؟!
قلت: لعله لم يطلع على ما قاله ابن الهمام في المسايرة من أن كثيراً من العلماء ذهبوا إلى أن قتلة عثمان لم يكونوا بغاة بل ظلمة وقتلة وعتاة لعدم الاعتداد بشبهتهم(1). ففرق بين البغي وبين غيره.
الجواب عن شبهات الحوت
على القارئ الكريم أن يقارن ما نقله هذا الظالم بكلام شيخ الإسلام ابن تيمية ليرى خيانته في النقل مع ادعائه أنه نقل كلامه نصاً وحرفاً: راجع النصوص الثلاثة الأولى المقتطعة المختزلة(2).(65/171)
ثم اقرأ ما كتبه شيخ الإسلام رداً على ابن المطهر الحلّي الرافضي بنصه "…وعسكرُ معاوية يعلمون أن عليّاً أفضل وأحق بالأمر منه. ولا ينكر ذلك منهم إلا معاند أو مع أعمى الهوى قلبه. ولم يكن معاوية قبل تحكيم الحَكَميْن يدّعي الأمر لنفسه، ولا يتسمّى بأمير المؤمنين، وإنما ادعى ذلك بعد حُكمِ الحَكَميْن، وكان غير واحد من عسكر معاوية يقول له: لماذا نقاتل معك عليّاً وليس لك سابقته وفَضله ولا صهره وهو أولى بالأمر منك؟! فيعترف لهم معاوية بذلك، ولكن قاتلوا مع معاوية لظنهم أن عسكر علي فهيم ظلمة يعتدون عليهم كما اعتدوا على عثمان، وأنهم يقاتلونهم دفعاً لصيالهم عليهم، وقتال الصائل جائز. ولهذا لم يبدأهم بالقتال حتى بدأهم أولئك.
ولهذا قال الأشتر النخعي: إنهم ينصرون علينا لأنا نحن بدأناهم بالقتال، وعلي رضي الله عنه كان عاجزاً"(3) عن قهر الظلمة من العسكريين، ولم تكن أعوانه يوافقونه على ما يأمر به. وأعوان معاوية يوافقونه. وكان يرى أن القتال يحصل به المطلوب، فما حصل به إلا ضد المطلوب. وكان في عسكر معاوية من يتهم عليّاً بأشياء من الظلم هو بريء منها. وطالب الحق من عسكر معاوية يقول: لا يمكننا أن نبايع إلا من يعدل علينا ولا يظلمنا، ونحن إذا بايعنا عليّاً ظلمنا عسكره كما ظلموا عثمان. وعليّ إما عاجزٌ عن العدل علينا أو غير فاعل لذلك: وليس علينا أن نبايع(4) عاجزاً عن العدل علينا ولا تاركاً له.
فأئمة السنة يعلمون أنه ما كان القتال مأموراً به لا واجباً ولا مستحباً ولكن يعذرون من اجتهد فأخطأ".
"وقوله (أي الرافضي) وقاتل (أي معاوية) علياً وهو عندهم رابع الخلفاء إمام حق، وكل من قاتل إمام حق فهو باغ ظالم. فيقال له:
أولاً: الباغي قد يكون متأولاً معتقداً أنه على حق. وقد يكون متعمداً يعلم أنه باغ، وقد يكون بغيه من شبهة أو شهوة وهو الغالب".
"وعلى كل تقدير: فهذا لا يقدح فيما عليه أهل السنة فإنهم لا ينزّهون معاوية ولا من هو أفضل منه من الذنوب، فضلاً عن تنزيههم عن الخطأ في الاجتهاد. بل يقولون: إن الذنوب لها أسباب: تدفع عقوبتها من التوبة والاستغفار والحسنات الماحية والمصائب المكفّرة. وهذا أمر يعمّ الصحابة وغيرهم…".
إلى أن قال: "أما الرافضي فإذا قدح في معاوية رضي الله عنه بأنه كان باغياً ظالماً قال له الناصبي(1). وعلي أيضاً كان باغياً ظالماً قاتل المسلمين على إمارته وبدأهم بالقتال وصال عليهم وسفك دماء الأمة بغير فائدة لا في دينهم ولا في دنياهم. وكان السيف في خلافته مسلولاً على أهل الملة ومكفوفاً عن الكفار.
والقادحون في علي طوائف: وكلهم مخطئون في ذلك ضالون مبتدعون. وخطأ الشيعة في القدح بأبي بكر وعمر: أعظم خطأ في من أولئك في علي.
وأما السلف والأئمة فيقول أكثرهم كأبي حنيفة ومالك وأحمد وغيرهم: لم يوجد شرط قتال الطائفة الباغية: فإن الله لم يأمر بقتالهم إبتداءً، بل أمر إذا اقتتلت طائفتان أن يصلح بينهما ثم إن بَغَتْ إحداهما على الأخرى قوتلت التي تبغي، وهؤلاء قوتلوا ابتداءً قبل أن يبدأوا بقتال".
"ومذهب أبي حنيفة وأحمد وغيرهما أن مانعي الزكاة: إذا قالوا نحن نؤديها بأنفسنا ولا ندفعها إلى الإمام لم يكن له قتالهم.
ولهذا كان هذا القتال عند أحمد وغيره كمالك قتال فتنة. وأبو حنيفة يقول: لا يجوز قتال البغاة حتى يبدءوا بقتال الإمام: وهؤلاء لم يبدءوا بل الخوارج بدءوا به. وقتال الخوارج ثابت بالنص والإجماع"(1) انتهى.
فهذا نص شيخ الإسلام ابن تيمية الذي ردّ به على افتراءات الرافضي الحلّي، ثم قارنه مع النص الثالث المتقدم الذي نقله عنه هذا الظالم مختزلاً ليثبت أنه كان يذم علياً رضي الله عنه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية "قال الرافضي: وقال (أي عمر) بالرأي والحدس والظن.
والجواب أن القول بالرأي لم يختص به عمر رضي الله عنه بل علي كان من أقولهم بالرأي وكذلك أبو بكر وعثمان وزيد وابن مسعود وغيرهم من الصحابة رضي الله عنه كانوا يقولون بالرأي.
وكان رأي علي في دماء أهل القبلة من الأمور العظام كما في سنن أبي داود وغيره عن الحسن عن قيس بن عبّاد قال: قلت لعلي: أخبرنا عن مسيرك هذا أعهد عهده إليك رسول ا صلى الله عليه وسلم أم رأيٌ رأيتَه(2)؟
بل روى الأحاديث الصحيحة هو وغيره من الصحابة في قتال الخوارج المارقين".
"وأما قتال الجمل وصفين فلم يروِ أحد منهم فيه نصاً إلا القاعدون. فإنهم رووا الأحاديث في ترك القتال في الفتنة.
وأما الحديث الذي يُروى أنه أُمِرَ بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين فهو حديث موضوع على صلى الله عليه وسلم "(3).
"ومعلوم أن الرأي إن لم يكن مذموماً فلا لوم على من قال به. وإن كان مذموماً فلا رأي أعظم ذماً من رأي أريق به دم ألوف مؤلفة من المسلمين. ولم يحصل بقتلهم مصلحة للمسلمين لا في دينهم ولا في دنياهم: بل نقص الخيرُ عما كان، وزاد الشر على ما كان.
فإذا كان مثل هذا الرأي لا يُعاب به: فرأيُ عمرَ وغيره في مسائل الفرائض والطلاق أولى أن لا يعاب.
مع أن علياً شركهم في هذا الرأي وامتاز برأيه في الدماء.(65/172)
وقد كان ابنه الحسن وأكثر السابقين الأولين لا يرون القتال مصلحة وكان هذا الرأي أصلح من رأي بالدلائل الكثيرة"(1) انتهى.
وقد ردّ شيخ الإسلام على ابن المطهر الحلي الرافضي حين عاب عمرَ رضي الله عنه بالرأي والحدس والظن، ولكن هذا الظالم تلاعب بالنص ونقله مقطوعاً عما قبله وبعده:
حاول هذا الكاتب الظالم تنفير الناس عن شيخ الإسلام، بعدما نقل عنه نقلاً مشوهاً واستدل به على ذم علي بن أبي طالب رضي الله عنه. عليه من الله ما يستحق.
منزلة علي رضي الله عنه عند ابن تيمية
وغير خاف على من له إلمامٌ بكتب شيخ الإسلام أنها مليئة بالدفاع عن آل بيت صلى الله عليه وسلم وعلى رأسهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
ومن نصوص شيخ الإسلام في فضل علي بن أبي طالب رضي الله عنه الفاضحة لتزوير هذا الظالم:
قال رداً على الرافضي: "والرافضة لا يمكنهم أن يثبتوا وجوب موالاته (أي علي) كما يمكن أهل السنة، وأهل السنة متفقون على ذم الخوارج الذين هم أشد بغضاً له وعداوة من غيرهم.
وأهل السنة متفقون على وجوب قتالهم. فكيف يفتري المفتري بأن مدح هذا (أي معاوية) لبغضه علياً وذم هذا لمحبة عليّ مع أنه ليس من أهل السنة من يجعل بغض علي طاعة ولا حسنة ولا يأمر بذلك ولا من يجعل مجرد حبه سيئة. ولا معصية ولا ينهى عن ذلك.
وكتب أهل السنة من جميع الطوائف مملوءة بذكر فضائله ومناقبه وبذم الذين يذمونه من جميع الفرق.
وهم ينكرون على من سبّه وكارهون لذلك.
وما جرى من التسابِّ والتلاعن بين العسكريْن من جنس ما جرى من القتال وهم من أشد الناس بغضاً وكراهة لأن يتعرض له بقتال أو سب. بل هم كلهم متفقون على أنه أجلّ قدراً وأحق بالإمامة وأفضل عند الله وعند رسوله وعند المؤمنين من معاوية وأبيه وأخيه الذي كان خيراً منه.
وعلي هو أفضل ممن هو أفضل من معاوية، فالسابقون الأولون الذين بايعوا تحت الشجرة كلهم أفضل من الذين أسلموا عام الفتح، وفي هؤلاء خلق كثير أفضل من معاوية. وأهل الشجرة أفضل من هؤلاء كلهم.
وعلي أفضل جمهور الذين بايعوا تحت الشجرة، بل هو أفضل منهم كلهم إلا الثلاثة(1). فليس في أهل السنة من يقدِّم عليه أحداً غير الثلاثة". يعني أبا بكر وعمر وعثمان.
كلمة أخيرة
أخبرونا: أين الطعن في علي الذي تزعمونه؟ لماذا التمويه على العامة من الناس؟
إن هذه النصوص تفضح كذب من يجعلون كلام عسكر معاوية كلام ابن تيمية، بينما يعرضون عن صريح نصوص ابن تيمية التي يثني فيها على علي رضي الله عنه اتباعاً للهوى وإيثاراً للظلم والتجني.
اتهامه بتحريم التوسل مطلقاً
قال الحبشي "ومن أشهر ما صح عن ابن تيمية بنقل العلماء المعاصرين له: تحريمه التوسل بالأنبياء والصالحين بعد موتهم وفي حياتهم، وتحريم زيارة النبي صلى الله عليه وسلم قال السبكي "ولم يسبق ابن تيمية في إنكاره التوسل أحد من السلف ولا من الخلف، بل قال قولاً لم يقله عالم قط"(1).
وهذا الكلام الذي وضعت لك تحته خطأ هو محض افتراء، فإن ابن تيمية لم يحرم التوسل ب صلى الله عليه وسلم في حياته، بل أثبته محتجاً بحديث الأعمى الذي طلب من صلى الله عليه وسلم أن يدعو له، لكنه حرم التوسل به ميتاً واحتج بترك الصحابة التوسل به بعد موته كتوسل عمر بالعباس وتوسل معاوية بيزيد بن الأسود(2) مما يستنتج منه أن المفهوم المتأخر للتوسل ينافي فهم السلف له، حيث فهموا منه التوسل بدعاء المتوسَّل به لا بشخصه. وقد كانوا في حيات صلى الله عليه وسلم يأتونه ويطلبون منه أن يدعو الله أن يسقيهم.
ولابن تيمية في هذا الفهم الصحيح سلف: فقد سبقه بذلك أبو حنيفة وأحمد في أحد قوليه، وهذا يبطل ادعاء السبكي أنه لم يسبق أحدٌ ابن تيمية في موقفه من التوسل. ويكفيك أن تتطلع على هذه الفقرة وفيها:
جاء في الدر المختار(3) وهو من أشهر كتب الحنفية ما نصه "عن أبي حنيفة قال: لا ينبغي لأحد أن يدعو الله إلا به، والدعاء المأذون فيه المأمور به: هو ما استفيد من قوله تعالى {وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا}.
وقال أبو حنيفة "وأكره أن يقول: بحق فلان أو بِحَق أنبيائك ورسلك"(4). وقال أبو يوسف "لا يُدعى الله بغيره". وقال المرتضى الزبيدي "وقد كره أبو حنيفة وصاحباه أن يقول الرجل: أسألك بِحَقّ فلان، أو بحق أبنيائك ورسلك، إذ ليس لأحد على الله حق"(5) وذكر الآلوسي أن نصوص علماء المذهب تدل على أن الكراهية للتحريم وهي كالحرام في العقوبة بالنار عند محمد(6).
وأما حديث "أسألك بحق السائلين عليك" ففيه عطية العوفي وفي روايته وَهَن.
هل حرّم ابن تيمية زيارة القبور؟
وأما زعم السبكي وغيره أن ابن تيمية كان يرى المنع من زيارة قبر صلى الله عليه وسلم فإن ابن تيمية لا يحرم زيارة القبور ولا قبر صلى الله عليه وسلم ، كيف وقد كتب كتاباً بعنوان (الرد على البكري واستحباب زيارة قبر خير البرية)؟ ومن نقل خلاف هذا فليأت بدليل من كتب الشيخ. وإنما منع شد الرحال إلى غير المساجد الثلاثة، ومأخذُه النص؟!
واحدة بواحدة!!!
ونحن نذكّر الحبشي بقوله حين صرف الناس عن الزكاة قائلاً "كيف تنكرون على الشافعي ومالك فتواهما بعدم الزكاة في غير الذهب والفضة ومأخذهما النص"(1).(65/173)
ونحن نستخدم عبارته هذه ونقول: كيف تُنكِر على ابن تيمية فتواه بتحريم شد الرحال إلى غير المساجد ومأخذه النص؟ وهو قول صلى الله عليه وسلم "لا تُشدُّ الرحال إلا إلى ثلاث: المسجد الحرام والمسجد الأقصى ومسجدي هذا"(2).
كتب كتاباً بعنوان (الرد على البكري واستحباب زيارة قبر خير البرية)؟ ومن نقل خلاف هذا فليأت بدليل من كتب الشيخ. وإنما منع شد الرحال إلى غير المساجد الثلاثة، ومأخذُه النص؟!
وابن تيمية لم يتفرّد بهذا القول بل قاله الإمام الجويني وهو من كبار أصحاب المذهب الأشعري، كما حكاه عنه النووي(3) وحكاه المناوي عن القاضي عياض والقاضي حسين في تحريم شد الرحال لمجرد زيارة القبر(4).
ولئن كان النووي قد تعقب الجويني وخالفه فإن اعتراضه مردود بموقف الإمام مالك الذي كان يرى تحريم شد الرحال إلا إلى المساجد الثلاث تمسكاً بالحديث النبوي.
أكذوبة تحريم زيارة القبر النبوي
وقد دافع ابن كثير عن هذا الافتراء قائلاً "فانظر إلى التحريف على شيخ الإسلام فإنه. جوابه ليس فيه منع زيارة قبور الأنبياء والصالحين، وإنما فيه ذكر قولين في شد الرحال والسفر إلى مجرد زيارة القبور، وزيارة القبور من غير شد رحال شيء: وشد الرحال لمجرد الزيارة أمر آخر. والشيخ لم يمنع الزيارة الخالية عن شد رحل، بل يستحبها ويندب إليها، وكتبه ومناسكه تشهد بذلك، ولم يتعرض إلى الزيارة ولا قال إنها معصية ولا حكى الإجماع على المنع منها ولا هو جاهل قول صلى الله عليه وسلم "زوروا القبور فإنها تذكّر الآخرة"(1). بل صرح بأن السفر لزيارة مسجد صلى الله عليه وسلم وقبره معاً مستحب ويدخل القبر تبعاً(2).
وجوب التفريق بين الزيارة وبين شد الرحال
وإنما قا صلى الله عليه وسلم "لا تُشَدُّ الِّحال إلا إلى ثلاثة مساجد المسجد الحرام والمسجد الأقصى ومسجدي هذا" ولم يقل "وقبري هذا" والحديث نصٌ في تحريم شد الرحال إلى القبور"(3).
- نعم قال الحافظ العسقلاني أن تحريم زيارة قبر صلى الله عليه وسلم من أبشع المسائل المنقولة عن ابن تيمية(4).
قلت بل من المسائل المكذوبة عليه، ولا يفيد قول الحافظ العسقلاني له ولكن عموم كلامه يدل على أنه لا يزال له قدره ومنزلته عنده لا سيما وأنه وصفه بالعلامة في (فتح الباري 6/289) وبـ "الحافظ" كما في (التّلخيص الحبير) كما سيأتي واحتج به في الحكم على كذب رواية (وهو الآن على ما عليه كان) وأنها ليست في شيء من كتب الحديث.
الحافظ يعطيه رتبة حافظ
فخذوه حيث حافظ عليه نص
بل أعطاه ابن حجر رتبة ((حافظ)). فقد ذكر في (التلخيص الحبير 3/109) حديث (الفقر فخري وبه أفتخر) ثم قال "وهذا الحديث سئل عنه الحافظ ابن تيمية فقال: إنه كذب لا يُعرَف في شيء من كتب المسلمين المروية".
والتحريم المزعوم لزيارة قبر صلى الله عليه وسلم إنما هو شيء ألزمه به أعداؤه كما اعترف بذلك الحافظ نفسه. وكان السبكي واحداً من أبرز الملزمين له بذلك حين زعم أنه يحرّم زيارة قبر صلى الله عليه وسلم مع علمه أنه يحرّم شد الرّحال إليه ولا يحرّم مجرد الزيارة.
فقد أكد أن زيارة المسجد النبوي الشريف (ثم) زيارة القبر النبوي عمل صالح ومستحب(1)، جلّ ما في الأمر أنه يفرق بين الزيارة الشرعية وبين الزيارة البدعية التي تتضمن إما السفر من أجل القبر وإما المخالفات التي تُرتكب عند القبر من تقبيل الجدران والاستغاثة ب صلى الله عليه وسلم أو أن يكشف ضراً أو يقضي حاجة. وحصول الخشوع والإقبال على الدعاء لمجرد الوقوف عند القبر بما لا يحصل مثله بين يدي الله في الصلاة". قال:
"فالزيارة الشرعية مقصودها السلام على الميت والدعاء له، سواء أكان نبياً أو غير نبي، ولهذا كان الصحابة إذا زاروا قبر صلى الله عليه وسلم يسلّمون عليه، ويدعون له ثم ينصرفون، ولم يكن أحد منهم يقف عند قبره ليدعو لنفسه، وقال "وقد اتفق العلماء على أن من زار قبر صلى الله عليه وسلم أو قبر غيره من الأنبياء والصالحين من الصحابة وأهل البيت أنه لا يتمسح به ولا يقبّله، بل ليس في الدنيا من الجمادات ما يشرع تقبيلها إلا الحجر الأسود، وقد ثبت في الصحيحين أن عمر قال "والله إني لأعلم أنك حجر لا تضرّ ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول ا صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبّلتُك".
أضاف:
"ولهذا لا يسن باتفاق الأئمة أن يقبل الرجل أو يستلم ركنَيْ البيت ولا مقام إبراهيم ولا صخرة بيت المقدس ولا قبر أحد من الأنبياء والصالحين "فهذه هي الزيارة البدعية وهي من جنس دين النصارى وهو أن يكون قصد الزائد أن يُستجاب دعاؤه عند القبر أو أن يدعو الميت أو يقسم به على الله في طلب حاجاته وتفريج كرباته، فهذه من البِدَع التي لم يشرعها صلى الله عليه وسلم ولا فعلها أصحابه"(1).
قال:
"وأما زيارة القبور المشروعة فهو أن يسلم على الميت ويدعو له بمنزلة الصلاة على جنازته كما كان صلى الله عليه وسلم يعلّم أصحابه إذا زاروا القبور أن يقولوا السلام عليكم أهل دار قوم مؤمنين …"(2).
وبهذا يتبين لك غلط السبكي وأمثاله على ابن تيمية حيث نسبوا إليه ما ثبت خلافه من كلامه، وسارعوا إلى ركوب أهوائهم من غير أن تثبت. ولهذا صرح الحافظ ابن حجر أن تحريم زيارة قبر صلى الله عليه وسلم من المسائل المنسوبة إلى ابن تيمية.(65/174)
أما قوله (مستشنع) فليس فيه مذمة، فقد قال بعض أهل العلم إن مسألة التزوج بالبنت من الزنا من أبشع المسائل المنقولة عن الشافعي وأن جواز التيمم بالثلج من أبشع المسائل المنقولة عن مالك. وأن تزوج المغربي من المشرقي (وبالعكس) ثم ولدت الزوجة ولداً يلحق بالأب وإن لم يجتمع الزوجان قط: من أبشع المسائل المنقولة عن أبي حنيفة.
الجويني سبق ابن تيمية بهذه الفتوى
وقد تحدى الحبشي أن يكون أحد من السلف أو الخلف سبق ابن تيمية زيارة قبر صلى الله عليه وسلم (3)، ونحن نتحداه أن يأتي بدليل من كلام ابن تيمية يحرّم فيه زيارة قبر صلى الله عليه وسلم ، أما تحريم شد الرحال إلى القبر فقد سبقه إلى ذلك الإمام الحرمين كما حكاه عنه النووي والمناوي(4).
وقال الإمام مالك قبلهما "أكره أن يقول القائل: زرت قبر صلى الله عليه وسلم " ولا يعني هذا تحريم زيارة قبر صلى الله عليه وسلم وإنما تحريم السفر من أجله تمسكاً بالحديث. ويجب التفريق بين زيارة القبر وبين شد الرحال إليه لا كما يفعله الشيعة. وحاشا مالكاً أن يكون بذلك مخالفاً للإجماع وهو أعلم أهل زمانه. فإنه لم يثبت عن أحد من الصحابة أنه كان يأتي من سفر للقدوم على قبر صلى الله عليه وسلم إلا ما كان من فعل ابن عمر. وقد جاء في مصنف عبد الرزاق عن عبيد الله بن عمر أنه قال: ما نعلم أحداً من أصحاب صلى الله عليه وسلم فعل ذلك إلا ابن عمر".
الرافضة وأضرحة الأئمة
ولقد بيّن ابن تيمية أمراً مهماً تجب ملاحظته وعدم إغفاله وهو أن أول من وضع الأحاديث المكذوبة في السفر لزيارة المشاهد (أضرحة الأئمة والأولياء) هم أهل البدع الرافضة الذين يعطلون المساجد ويعظمون المشاهد: يتركون بيوت الله التي أمر أن يُذكر فيها اسمُه، ويعظمون المشاهد التي يُشرَك عندها به، والكتاب والسنة جاءا بتعظيم المساجد لا المشاهد. قال تعالى {وَأَقِيمُواْ وُجُوهَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ} وليس عند كل ضريح أو مقام.
الشرك المجرب وليس الترياق المجرب
أما روايات الحبشي المظلمة التي يزعم فيها أن "قبر معروف الكرخي: الترياق المجرب" فما أظلم وأكذب أسانيده في العقائد التي نقض بها ما تعهد به، أنه لا تجوز الرواية في أمور العقائد إلا بما صح سنده، ولئن كان هذا الترياق مجرّباً فما بال الصحابة لم يجربوا (ترياق) قبر رسول ا صلى الله عليه وسلم ؟!! لماذا تدافعون عن شيء هلك به المشركون وبنوا لأجله الأصنام؟
إنكم لن تجدوا في أفعال الصحابة ما يوافق ذلك اللهم إلا الشيعة ومن قبلهم اليهود والنصارى ومن قبلهم قوم نوع الذين كانوا يعتبرون قبور ود سواع ويغوث ويعوق ونسر: هي الترياق المجرب: أعني الشرك المجرب: هم سلفكم: يا خلفَهُم!
أما قول إبراهيم الحربي (الترياق المجرب) فهو أولى عندكم بالأخذ من قول صلى الله عليه وسلم "لعن الله اليهود والنصارى: اتخذوا قبور أنبيائهم وصلحائهم مساجد". تعارضون ما صح سنده عن صلى الله عليه وسلم بهذه الأكاذيب المروية من غير المعصومين!!!
منهجية السبكي في إثبات الزيارة
ومصادره في هذه المسألة
ولم يلتفت السبكي إلى تفريق ابن تيمية بين مجرد زيارة قبر صلى الله عليه وسلم وبين شد الرحال إليه، فكتب كتاباً بعنوان "شفاء السقام في زيارة خير الأنام" ملأه بالموضوع والمكذوب من الروايات.
وقد رد عليه الحافظ بن عبد الهدي وفند جميع رواياته الضعيفة في كتاب بعنوان (الصارم المنكي في الرد على السبكي) قال فيه:
"أما بعد فإني وقفت على هذا الكتاب فوجدته كتاباً مشتملاً على تصحيح الأحاديث الضعيفة والموضوعة، وتقوية الآثار الواهية والمكذوبة، وعلى تضعيف الأحاديث الصحيحة الثابتة"(1).
وصرح الحافظ بأن طرق حديث "من زار قبري" كلها ضعيفة ونقله عن ابن خزيمة أنه لم يصح حديث في هذا الباب(2).
منهجية السبكي في رد ابن تيمية
غير أن السبكي لم يلتفت إلى تفريق ابن تيمية وكتب كتاباً بعنوان "شفاء السقام في زيارة خير الأنام" مع أنه نقل فيه عنه التفريق بين الزيارة البدعية والزيارة الشرعية(3).
ويا ليت السبكي لم يكتب هذا الكتاب، فقد ملأه بالموضوع والمكذوب من الروايات، فكشف بكتابه هذا عن مدى علاقته بفن الحديث. ودافع الحبشي بدوره عن هذه الروايات بتعصب وانحراف بالغين(4).
وقد اقترح السبكي أن يسمي كتابه "شن الغارة على من أنكر الزيارة" لكن سلاحه لا يصلح لشن الغارة لأنه ضعيف لم يزد خصمه إلا رسوخاً وثباتاً فضلاً عن أن زعمه أن خصمه أنكر الزيارة هو ظلم كبير لا سيما إذا علم أن لابن تيمية كتاباً اسمه "الرد على البكري واستحباب زيارة قبر خير البرية".
وقد رد الحافظ ابن عبد الهادي على كتاب السبكي المذكور قائلاً "أما بعد فإني وقفت على هذا الكتاب فوجدته كتاباً مشتملاً على تصحيح الأحاديث الضعيفة والموضوعة، وتقوية الآثار الواهية والمكذوبة، وعلى تضعيف الأحاديث الصحيحة الثابتة"(1).
ويكفي اليوم في الرد على السبكي: مجرد تخريج الأحاديث التي حشاها في كتابه ليتعرَف المنصف على صدق كلام ابن عبد الهادي وعلى ضعف السبكي في علم الحديث، وعلى تعصبه وعدم إنصافه لابن تيمية، ولنذكر بعضاً من هذه الأحاديث من غير توسع في تخريجها:
ـ "من زار قبري وجبت له شفاعتي"(2).(65/175)
ـ "من جاءني زائراً لا يعمله حاجة إلا زيارتي كان حقاً على الله أن أكون له شفيعاً"(3).
ـ "ما من أحد من أمتي له سعة ثم لم يزرني فليس له عذر"(4).
ـ "من لم يزر قبري فقد جفاني"(5).
ـ "من حج فزار قبري بعد وفاتي فكأنما زارني في حياتي"(6). قال الشيخ محمد بن درويش الحوت في (أسنى المطالب ص429) "رواه البيهقي وفيه حفص القاريء رمي بالكذب".
ـ "من حج البيت ولم يزُرني فقد جفاني"(7). قال الشيخ محمد بن درويش الحوت في (أسنى المطالب ص467) "لا يصح".
وتعجب كيف يمكن أن يقول الرسو صلى الله عليه وسلم هذا وهو الذي صح عنه أنه قال "لا تجعلوا قبري عيداً وصلوا علي فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم". وكيف يسأل ربه أن لا يجعل قبره وثناً ثم يأمر بشد الرحال إليه بل يوبخ من لا يفعل ذلك ويصفه بالمجافاة؟!
ـ "من زارني إلى المدينة كنت له شفيعاً وشهيداً"(1).
ـ "من زارني متعمداً كان في جواري يوم القيامة"(2).
ـ "من زارني بعد موتي فكأنما زارني وأنا حي"(3). قال الشيخ محمد بن درويش الحوت في (أسنى المطالب ص435) "رواه الدارقطني وفي سنده مجهول". فهذا اعتراف من مشايخ الأحباش المعتبرين فاعتبروا يا أولي الأبصار.
فهذه الروايات الضعيفة التي تحث على اتخاذ القبور مساجد تتعارض مع الروايات الصحيحة الناهية عن اتخاذ القبور مساجد كحديث "لا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك".
وليس شيء من هذه الأحاديث صحيحاً حتى تكون شفاءً للسقام وإنما هي بين موضوع وضعيف جداً فكيف تكون شفاءً للسقام، وإنما كان هذا السقم نفسه هو رأسمال السبكي في رده على صحاح البراهين التي احتج بها ابن تيمية، ولم يستطع مناقضته ولا بحديث واحد صريح صحيح، لأنه لا يوجد.
ابن تيمية ومسألة الطلاق
وأما اتهامه لابن تيمية بمخالفة إجماع الأئمة في مسألة طلاق الثلاث وطلاق اليمين. فنسأل أولاً:
هل كل مخالفة للأئمة تكون مخالفة للدين؟
وهل كان تفرُّدُ ابن تيمية في هذه المسألة مخالفاً لما كان يفعله صلى الله عليه وسلم ؟
وهل كان مخالفاً بعضَ الأئمة أم خالف إجماعهم؟
إن كانت من مسائل الاجتهاد فلا ضير أن يجتهد من وصفه ابن حجر والسيوطي بالحافظ والعلامة وشيخ الإسلام ومجتهد وقته وبحر عصره. أما أن يكون مخالفاً للإجماع فلا يقول ذلك إلا (حقود أو جاهل) أو (واهم).
قال الحافظ ابن حجر "ويتعجب من ابن التين حين جزم بأن لزوم الثلاث لا اختلاف فيه، مع ثبوت الاختلاف كما ترى"(1).
وقال النووي "وقد اختلف العلماء فيمن قال لامرأته: أنت طالق ثلاثاً، فقال الشافعي ومالك وأبو حنيفة وأحمد وجماهير العلماء من السلف والخلف: يقع الثلاث، وقال طاووس وبعض أهل الظاهر: لا يقع بذلك إلا واحدة، وهو رواية عن الحجاج بن أرطأة ومحمد بن إسحاق، والمشهور عن الحجاج بن أرطأة أنه لا يقع به شيء، وهو قول ابن مقاتل، ورواية عن محمد بن إسحاق"(2).
قلت: وهو قول جماعة من الصحابة كابن عباس والزبير بن العوّام وعبد الرحمن بن عوف كما حكاه ابن وضّاح وابن مغيث في (كتاب الوثائق)(3) وأفتى به علي بن أبي طالب وابن مسعود، ومن التابعين ابن المسيب وجماعة من التابعين والفقهاء كعطاء وطاوس وعمرو بن دينار كما ذكر الألوسي في تفسير روح المعاني، وكأحمد بن بقي بن مخلد ومحمد بن القاسم بن هبة الله الشافعي(4) قالوا إن طلاق الثلاث طلاق بدعي وكل بدعة مردودة"(5).
وأفتى به من المتأخرين جمع من العلماء والمفتين أبرزهم الشيخ عبد المجيد سليم الحنفي المصري شيخ الجامع الأزهر ومفتي الديار المصرية. وقد بحث المسألة بحثاً شديداً. قال الفقي "وكانت خاتمة بحثه ومحط رأيه: أننا لو طرحنا الأحاديث لِمَا يقال من اضطرابها وعدم بيانها: يبقى معنا النص القرآني {الطّلاَقُ مَرَّتَانِ …} فمما لا يشك فيه بعد ذلك أن الطلاق الثلاث بلفظ واحد لا يقع إلا واحدة"(1). والشيخ أحمد شلتوت الذي قال "وعلى هذا فلا نحكم بوقوع الطلاق إلا إذا كان مرة مرة وكان منجزاً مقصوداً للتفريق، في طهر لم يقع في طلاق ولا إفضاء وكان الزوج بحالة تكمل فيها مسئوليته. وبهذا لا نحكم بوقوع الثلاث دفعة واحدة إذا قال: أنت طالق ثلاثاً"(2).
وقال الحافظ ابن حجر "ومن القائلين بالتحريم واللزوم من قال: إذا أطلق ثلاثاً مجموعةً وقعت واحدة، وهو قول محمد بن إسحاق صاحب المغازي، واحتج بما رواه عن داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس قال: طلّق ركانة بن عبد يزيد امرأته ثلاثاً فحزن على طلاقها حزناً شديداً فسأله صلى الله عليه وسلم "كيف طلقتها؟ قال: طلقتها ثلاثاً، فقال: في مجلس واحد؟ قال نعم، قال: فإنما تلك واحدة فارتجعها إن شئت"(3).
قال الحافظ "وهذا الحديث نص في المسألة لا يُقبل التأويل الذي في غيره من الروايات الأخرى".
وأما رواية أبي داود وفيها أن صلى الله عليه وسلم استحلف ركانة "آلله ما أردتَ إلا واحدة؟ فقال ركانة والله ما أردتُ إلا واحدة" ففيها علي بن يزيد بن ركانة وهو مجهول وابنه عبد الله: ضعيف والزبير بن سعيد: ضعيف. قال الترمذي (رقم 1177) "وسألت محمد (أي البخاري) عن هذا الحديث فقال: فيه اضطراب" وقال الحافظ المنذري "ضعّفوه" وأعلّ الحافظ في التلخيص (3/213) طرق هذا الحديث(1).(65/176)
وهؤلاء ما أرادوا بروايتهم هذا الحديث العمل به، وإنما أرادوا التشغيب وضرب حديث مسلم به، وإلا فلا نعهدهم يعتبرون الثلاثة واحداً لمن طلق ثلاثة ونوى واحدة. ثم إن الطلاق هزله جد، ومن تلفظ بالثلاثة ونوى بها واحدة وجب على من يعتبرها ثلاثة أن يلزمه بالثلاثة عقوبة له. كما أن من تلفظ بالطلاق ونوى عدمه لا يقبلون منه النية وإنما يلزمونه بما تلفظ به.
قال ابن عباس رضي الله عنه "كان الطلاق على عهد رسول ا صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وسنتين من خلافة عمر: طلاق الثلاث واحدة، فقال عمر بن الخطاب إن الناس قد استعجلوا في أمر قد كانت لهم في أناة، فلو أمضيناه عليهم. فأمضاه عليهم" وفي رواية لمسلم أن أبا الصهباء قال لابن عباس: أتعلم أنما كانت الثلاث تُجعَلُ واحدة على عهد صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وثلاثاً من إمارة عمر؟ فقال ابن عباس: نعم (قد كان ذلك)"(2).
فانظر كيف قدموا هنا فعل عمر الموقوف على المرفوع، بينما قدموا المرفوع على موقوف أبي هريرة لما قال للمتطيبة "آلمسجد تريدين يا أمة الجبار". فتارة يقدمون فعل الصحابي على فعل رسول ا صلى الله عليه وسلم وتارة يعكسونها!
قال ابن تيمية بعد ذكر هذين الحديثين "ولم يثبت عن صلى الله عليه وسلم خلاف هذه السنة بل ما يخالفها إما أنه ضعيف، بل مرجوح. وإما أنه صحيح لا يدل على خلاف ذلك" وقال "ولا نعرف أحداً طلق على عهد صلى الله عليه وسلم امرأته ثلاثاً بكلمة واحدة فألزمه صلى الله عليه وسلم بالثلاث ولا روي في ذلك حديث صحيح ولا حسن، ولا نقل أهل الكتب المعتمد عليها في ذلك شيئاً. بل رويت في ذلك أحاديث كلها ضعيفة باتفاق علماء الحديث؛ بل موضوعة"(3).
الإجماع منعقد على أن الثلاث واحدة
وبهذا يبطل قول من زعم أن ابن تيمية خالف بهذه الفتوى الإجماع من الخلف والسلف. فإن الإجماع قد انعقد في عهد رسول ا صلى الله عليه وسلم وخلافة أبي بكر وسنتين من خلافة عمر على أن طلاق الثلاث واحدة كما نص عليه ابن عباس رضي الله عنهما.
فما يفيد ذلك؟ أليس يفيد إجماعاً؟
أما الموقف الآخر الذي اتخذه عمر فإنه اتخذه مع علمه بأن طلاق الثلاث واحدة في عهد صلى الله عليه وسلم بل وعمله به لسنتين، وإنما اتخذه لمصلحة طارئة رآها، ومع ذلك فل ينعقد بين الصحابة على ذلك. وما أكثر المسائل التي يظن الناس أنها مجمعٌ عليها بينما ليست كذلك.
وقد استنكر العلامة الآلوسي بشدة ادّعاء عبد الغني النابلسي أنه رأى صلى الله عليه وسلم فسأله عن المطلقة بالثلاث في المجلس الواحد "كيف حكمه عندك يا رسول الله؟ فقال: "تقع ثلاثاً"(1)! مع أن الثابت عن صلى الله عليه وسلم من الأحاديث عكس ذلك. وهذا جرياً على عادة الصوفية في حسم المسائل المتازع عليها بكشوفات ومنامات يُحلّون بها في عالم المنام ما ثبت تحريمه في عالم اليقظة.
موقف الحبشي من هذا الحديث
وقد نقض الحبشي هذا الحديث(1) وأقترح لإبطال العمل به: عدة مقترحات:
1ـ أن يقال بأنه لا يجوز العمل بظاهره. ولست أدري ما يمنعه بعد هذا أن يقول "لا يجوز العمل به"!
2ـ أنه يمكن معارضة الحديث بإجماع الصحابة على العمل بخلافه بعد موت صلى الله عليه وسلم وكأن الإجماع يُقدَّم على قول صلى الله عليه وسلم وأفعاله. وإن كان كذلك فلماذا تمسكتم بحديث الأعمى وتجاهلتم إجماع الصحابة على ترك التوسل بالرسو صلى الله عليه وسلم والتوسل مكانه بالعباس. فقد توسل عمر بالعباس على مرأى الصحابة جميعاً ولم ينكر أحد منهم عليه، فلماذا لا تتركون التوسل بالموتى وتحمون بنسخ الإجماع لحديث الأعمى؟!.
وكيف وأن هذا الإجماع المزعوم في مسألة الطلاق لم ينعقد. فقد عمل جماعة من الصحابة كابن عباس والزبير بن العوّام وعبد الرحمن بن عوف بمقتضى الفتوى النبوية كما حكاه ابن وضّاح وأفتى به علي بن أبي طالب وابن مسعود، ومن التابعين ابن المسيب وجماعة من التابعين والفقهاء كما ذكر الألوسي في تفسير روح المعاني. وهو معتمد المحاكم الشرعية في أكثر البلاد الإسلامية. أولم يكفهم أنه كان معتمداً عند رسول ا صلى الله عليه وسلم وخلافة أبي بكر؟!
3ـ أن يقال إن الحديث ضعيف بالشذوذ. وهذا تلبيس فإن الشذوذ في رواية (عارم) كما عند أبي داود والنسائي والدارقطني، أما رواية مسلم والبيهقي فليست شاذة. ولذا لم تتضمن زيادة (قبل أن يدخل بها).
4ـ أن يقال إن الحديث مؤوّل بأن معنى (كان الطلاق طلاق الثلاث واحداً) أن البتة كانت تستعمل للطلاق الواحد للتأكيد ثم صار الناس يستعملونها في خلافة عمر بصد الثلاث فأجرى عليهم عمر الحكم على موجب قصدهم.
وهذا التأويل مردود. ثم إن هذه التأويلات المعتادة ليست بأعظم من تأويلاتهم لصفات الله وقولهم على الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير. ويبطل التأويلَ قولُ عمر (قد استعجلوا) وقد رأى وقف العمل لمصلحة راجحة عنده وهو تعزير الناس وتأديبهم، وذلك مثل تعطيله حد السرقة عند الرمادة وإقرار الصحابة له على ذلك.
قال الألباني "وهل يجوز مع هذا كله أن يُترّك الحُكمُ المُحكَم الذي أجمع عليه المسلمون في خلافة أبي بكر وأول خلافة عمر من أجل رأي بدا لعمر واجتهد فيه: فيؤخَذُ باجتهاده ويُترَك حكمُه الذي حكَمَ هو به أول خلافته تَبَعاً لرسول ا صلى الله عليه وسلم وأبي بكر؟!(65/177)
اللهم إن هذا لمن عجائب ما وقع في الفقه الإسلامي، فرجوعاً إلى السنّة المُحكَمة أيها العلماء، لا سيما وقد كثرَتْ حوادث الطلاق في هذا الزمان كثرة مدهشة تُنذِر بِشرٍّ مستطير تُصابُ به مئات العائلات"(1).
المفاسد المترتبة على توسيع الطلاق
وقد أوضح ابن تيمية المفاسد التي ترتبت على توسيع باب الطلاق، فقال:
"ومن تدبر نصوص الكتاب والسنة وجدها مفسرة لأمر النكاح، لا يشترط فيها ما تشترطه طائفة من الفقهاء".
كما اشترط بعضهم: ألا يكون إلا بلفظ الإنكاح والتزويج.
واشترط بعضهم: أن يكون بالعربية.
واشترط هؤلاء وآخرون: ألا يكون إلا بحضرة شاهدين، ومع هذا فقد صححوا النكاح مع نفي المهر. ثم صاروا طائفتين: طائفة تصحح نكاح الشغار، لأنه لا مفسد له إلا نفي المهر، وذلك ليس بمفسد عندهم. وطائفة: تبطله، وتعلل ذلك بعللٍ فاسدة.
ثم صححوا "نكاح المحلل"(2).
"فكان قول أهل الحديث وأهل المدينة الذين لم يشترطوا لفظاً معيناً في النكاح، ولا إشهاد شاهدين مع إعلانه وإظهاره، وأبطلوا نكاح الشغار، وكل نكاح فيه نفى فيه المهر، وأبطلوا نكاح المحلل … أشبه بالكتاب والسنة وآثار الصحابة".
"ثم إن كثيراً من أهل الرأي الحجازي والعراقي وسّعوا "باب الطلاق" فأوقعوا طلاق السكران، والطلاق المحلوف به، وأوقع هؤلاء طلاق المكره، وهؤلاء طلاق المشكوك فيه فيما حلف به، وجعلوا الفُرقة البائنة طلاقاً محسوباً من الثلاث إلى أمور أخرى، ووسّعوا بها الطلاق الذي يحرّم الحلال، وضيّقوا النكاح الحلال. ثم لما وسّعوا الطلاق صار هؤلاء يوسّعون في عود المرأة إلى زوجها، وهؤلاء لا سبيل عندهم إلى ردها. فكان هؤلاء في آصارٍ وأغلال. وهؤلاء في خداع واحتيال".
"ومن تأمل الكتاب والسنة وآثار الصحابة تبين له أن الله أغنى عن هذا، وأن الله بعث محمداً بالحنيفية السمحة التي أمر فيها بالمعروف ونهى عن المنكر، وأحلّ الطيبات وحرّم الخبائث"(1).
وقال أيضاً: ولكن بعض علمائنا لما ظنوا أن من الإيمان ما لا مخرج لصاحبه منه، بل يلزمه ما التزمه. فظنوا أن شرعنا في هذا الموضع كشرع بني إسرائيل: احتاجوا إلى الاحتيال في الأيْمَان: إما في لفظ اليمين، وإما بخلع اليمين، وإما بدور الطلاق، وإما بجعل النكاح فاسداً فلا يقع فيه الطلاق.
وإن غُلِبوا عن هذا كله دخلوا في "التحليل" وذلك لعدم العلم بما بعث الله بهمحمدا صلى الله عليه وسلم في هذا الموضع من الحنيفية السمحة، وما وضع الله به الآصار والأغلال. كما قال تعالى: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ 156 الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ} [الأعراف157]..
وصار ما شرعه النبي لأمته هو الحق في نفس الأمر. وما أحدث غيرُه غايته: أن يكون بمنزلة شرع من قبله من شرعه، وإن كان الذين قالوه باجتهادهم لهم سعىٌ مشكور وعمل مبرور. وهم مأجورون على ذلك مثابون عليه.
ولهذا أذاعوا ما دلّ عليه الكتاب والسنة على تلك الطريقة التي تتضمن من لزوم ما يبغضه الله ورسوله: من القطيعة والفرقة وتشتيت الشمل، وتخريب الديار، وما يحبه الشيطان والسحرة من التفريق بين الزوجين، وما يظهر فيها من الفساد لكل عاقل.
ثم إما أن يلتزموا هذا الشر العظيم، ويدخلوا في الآصال والأغلال. وإما أن يدخلوا في منكرات أهل الاحتيال. فالطرق ثلاثة:
* إما الطريقة الشرعية المحضة الموافقة للكتاب والسنة، وهي طريقة أفاضل السابقين الأولين، وتابعيهم بإحسان.
* وإما طريقة "الآصار والأغلال".
* وإما طريقة "المكر والاحتيال".
ـ ومن صور التحايل (التجحيش) ويتم بقصد إرجاع المرأة التي طلقها زوجها إليه عن طريق زواج صوري شكلي يرضى أحد الوسطاء لنفسه أن يكون تيساً مستعاراً ويفتي بعض مشايخ السوء بجواز استعارته منهم الباجوري في حاشيته(1). قال رسول ا صلى الله عليه وسلم "ألا أخبركم بالتيس المستعار؟ قالوا بلى يا رسول الله. قال "هو المحلِّلُ والمُحَلَّل له"(2) وهو رجوع إلى متعة الشيعة.
وكان الأولى بالحبشي وأتباعه أن يوسعوا على الخلق وأن لا يحرموا على الناس ما فعله صلى الله عليه وسلم مما اضطرهم إلى التجحيش الذي لا علاقة شرعية فيه بين المطلقة من الأول وبين التيس المستعار فإن الحيلة لا تجعل المحرم مباحاً ولا تقبل الحلال حراماً.
وإنما هي علاقة زنا ورجوع إلى الزوج الأول غير مشروع وإنما هو زنا لأنها بانت منه، ولم تنكح زوجاً غيره في الحقيقة كما قال تعالى {فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىَ تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} وإنما زنت بتيسٍ غيره.
حول تطبيق الشريعة
إن هذا التحليل الذي وصف صلى الله عليه وسلم فاعله بالتيس المستعار صار وصمة عار في جبين الشريعة الإسلامية وموضع تهكم أعداء الدين.(65/178)
ولهذا نسأل ماذا لو أتيح لنا تطبيق الشريعة الإسلامية التي يطالبون بها وعندنا كمّ هائل من الحِيَل الشرعية والتلفيق بين المذاهب والتقليد الأعمى.
يبدو أننا نحن المطالبون بتطبيق قواعد أحكام الشريعة مُطالَبون بالمرونة وانفتاح العقل وعدم التعصب وشطب الحيل الشرعية من كتب الفقه، وإلا فإن حرماننا من تطبيق الشريعة خير لنا من التطبيق المشوه للشريعة أمام الآخرين، والذي لا يتطابق مع الإرادة الإلهية. بل ربما كان حرماننا منه عقوبة من الله على فساد فكرنا وروغاننا.
إن هذا التحليل الشبيه بالمتعة كان السبب في دخول إيران في التشيع. حيث طلق الملك المغولي خدا بنده زوجته ثلاثاً وهو غاضب، فأفتوه بأن يبحث له عن تيس مستعار، فاستنكف الملك عن ذلك، فدله بعض الشيعة على ابن مطهر الحلي فأفتاه بأن الطلاق الذي أوقعه باطل، فتشيع الملك. ولو أنه اهتدى إلى ابن تيمية لوجد لمسألته عنده حلاً نبوياً سنياً غير شيعي، ولوفر على ملايين البشر أن يدخلوا في المذهب الشيعي بعد أن خرّجت فارس قبل تشيعها آلاف العلماء الجهابذة:
قال الشاعر:
ألا قل في الطلاق لموقعيه
… بما في الشرع ليس له وجوب
غلوتم في ديانتكم غلوّاً
… يضيق به الشرع الرحيب
أراد الله تيسيراً وأنتم
… من التعسير عندكم ضروب
وقد حلّت بأمتكم كروب
… لكم فيهن - لا لهم - الذنوب
هل يقع طلاق اليمين؟
ويلتحق بموضوع طلاق الثلاث فتوى لشيخ الإسلام بأن الحلف باطلاق يمين فيه كفارة اليمين، وهي أيضاً محل خلاف بين أهل العلم. فإن من أهل العلم من لا يوقع الطلاق بالحلف بالطلاق كطاووس وسفيان ابن عيينة شيخ الشافعي وداود وابن حزم.
وقال الشعراني في ميزانه "قال أبو حنيفة" لو قال لزوجته أنت عليّ حرام؛ فإن نوى الطلاق بذلك كان طلاقاً، وإن نوى التحريم ولم ينوِ الطلاق أو لم يكن له نية: فهو يمين"(1).
وحجتهم أن الحالف بالطلاق إذا كان لا يقص به الطلاق وإنما قصد تعليقه بالحث أو المنع فإنه لا يقع، لقول صلى الله عليه وسلم "إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى" وأن مثل هذا يسمى يميناً في اللغة وفي عُرف الفقهاء، ولذا دخل في أيْمان البيعة وفي عموم اليمين وفي عموم حديث "يمينك على ما يصدقك به صاحبك" وفي عموم حديث "إياكم والحلف في البيع".
وإذا كان يميناً: دخل في عموم قوله تعالى {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} وقوله {لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ} فتجب فيها الكفّارة.
وكذلك قياس الطلاق المعلق لقصد الحث أو المنع بدليل قصة ليلى بنت العجماء التي حلفت أيْماناً مغلظة لَتطلِّقنَّ أبا رافع من زوجته، فأتى الرجلُ ابن عمر وحفصة وغيرهما وسألهم عن ذلك، وكلهم أفتوها بأن تكفّر عن يمينها وتخلي بين الرجل وبين امرأته.
ـ فكيف يتلقف الحبشي(2) قول من زعم أنه لم يقل أحد قبل ابن تيمية بكفارة اليمين؟ أليس أبو حنيفة إماماً معتبراً عنده أم أنه يظن أن أحداً لن يفضح تمويهه على عامة الناس؟!
طلاق الحائض هل يقع؟
وأما قوله أن طلاق الحائض لا يقع وكذلك الطلاق في طهر جامعَ فيه فقد طلق ابن عمر زوجته وهي حائض، فسأل عمرُ صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال له "مُرْهُ فليراجعها ثم ليتركها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر ثم إن شاء أمسك بعدُ وإن شاء طلّق قبل أن يمس"(1).
ـ وقد بنى من قال بعدم اعتبار هذا الطلاق أنه بدعة وأن كل بدعة مردودة على صاحبها، ولذلك صح في الرواية أن صلى الله عليه وسلم لم يرها شيئاً. وفي الروايات اضطراب كثير وبسببه حدث الإشكال مع أن الألباني وبعد متابعة طويلة لمجموع تلك الروايات انتهى إلى ترجيح اعتداد صلى الله عليه وسلم بطلقة واحدة لابن عمر(2).
وهذه طريقة أهل السنة في الميل دائماً مع القول الصحيح المبني على الأدلة الصحيحة. لأن الانتصار دائماً ولله الحمد لكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فابن تيمية حبيبنا وابن القيم حبيبنا لكن الحق أحب إلينا منهما. فقد تلقينا عنهما العلم بمنهج أهل السنة: ومما علّمانا إياه: أننا ندور مع الكتاب والسنة حيثما دارا، ولا نديرهما حيث دار بنا علم الكلام وقوانين أرسطو.
ـ وقوله أن الحائض يجوز لها الطواف بالبيت ولا كفارة عليها، فإن هذا قول أبي حنيفة لو كانوا يعلمون. كما قال المرشدي الحنفي في فتاويه: وعند أبي حنيفة رحمه الله أن الطواف لا يُشترط فيه طهارة. وقال الشعراني في الميزان "ـ وقال أبو حنيفة: إن الطواف لا يشترط فيه طهارة، فتطوف وتدخل مع الحاج وقد أفتى البازري والشيخ أحمد الطيبي الشافعي بذلك في منظومته.
وأما الرواية الأخرى عن ابن عباس فقد قال شمس الحق العظيم أبادي "ففتوى ابن عباس هذه تناقض فتواه الأولى. فلم يبق إلا الاعتماد على روايته"(3). قال الحافظ "وأجيب بأن الاعتبار برواية الراوي لا برأيه لما يطرق رأيه من احتمال النسيان"(4).
هل يغار الحبشي على الدين؟!
(( ما حكم هؤلاء عندكم أيها المقلدون ))(65/179)
تبدأ منشورات الأحباش ضد ابن تيمية بما يلي "فإنه عملاً بمبدأ النصيحة فإننا نتوجه إلى المسلمين ببيان المفسدين في الدين … وعملاً بقوله تعالى {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ}" وإذا كان الأمر كذلك فنسأل: لماذا لم يلتزموا هذا المبدأ في حق من حذر العلماء منه ومن كتبه كأبي حامد الغزالي الذي طعن فيه تلميذه أبو بكر ابن العربي وابن المنير وابن الصلاح وغيرهم؟!
لماذا يوجه الحبشي سهام القدح إلى ابن تيمية دون غيره؟ ألغيرة منه على الدين؟ إن كانت الغيرة على الدين هي الدافع فلماذا يسكت عن مخالفات الآخرين لصريح الدين مثلما نراه في إحياء علوم الدين وغيره من كتب أهل الشطح؟ أم أن الخطة تقتضي تشويه الرموز السنية التي تهتدي بهديها الصحوة الإسلامية كابن تيمية وابن القيم؟! إنه التحيز والجور الذي يقول فيه الشاعر:
فرصاصُ مَن أحبَبتَه ذهبٌ كما ذهبُ الذي لم ترضَ عنه رصاصُ
ما حكم هؤلاء عند الغيارى على الشريعة؟!
فقد ذهب الجلال الدواني إلى القول بإيمان فرعون. مستنّاً في ذلك بسنة سلفه ابن عربي(1).
وكان الهيتمي يقول بأزلية نور صلى الله عليه وسلم وحكى عنه الحبشي هذا الاعتقاد(2) غير أنه لم يزد على أن قال "وهذا التأويل مخالف للحديث الصحيح". ولم يلزمه بالقول بقدم شيء مع الله.
مع أن الأحباش صرحوا بأنه "من الكفر قول من يقول: إن محمداً خُلق من نور لأن ذلك تكذيب للقرآن لأن الله قال {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ}(3). فهل يحكم الأحباش بكفر الهيتمي؟
وكان أبو بكر ابن فورك يقول: كان رسول ا صلى الله عليه وسلم رسولاً في حياته فقط، وأن روحه قد بطل وتلاشى وليس هو في الجنة عند الله تعالى مما دفع محمود ابن سبكتكين إلى قتله بالسم(1). ذكره أبو الوليد الباجي وابن حزم(2).
ونقل ابن حزم عن الأشعرية أنهم قالوا: إن رسول ا صلى الله عليه وسلم ليس هو اليوم رسول الله ولكنه كان رسول الله" وأوضح أن هذا القول منهم هو كفر صريح وتقليد لقول أبي الهذيل العلاف وقال في كتابه الدرة "وما قال بهذا القول أحد ممن ينتمي إلى الإسلام إلا أبو الهذيل العلاف المعتزلي وهي إحدى شُنَعِهِ المُخرِجة له عن الإسلام ثم اتبعه على ذلك الطائفة المنتمية إلى الأشعري"(3).
وسبب هذه المقولة من ابن فورك الأصل الفاسد عند المذهب الأشعري أن العرض لا يبقى زمانين، وأن النبوة والرسالة صفة للحي وصفات الحي أعراض، وهذه الأعراض تبقى مشروطة بالحياة قائمة بها تزول بزوالها، فكيف يكون رسولاً نبياً بعد موته؟ فالتزموا بعد انتفاء حياة صلى الله عليه وسلم انتفاء رسالته وزوالها، ثم رقعا بدعتهم هذه ببدعة أخرى وهي أن الرسو صلى الله عليه وسلم حي في قبره حياة "دنيوية" وبهذا لا زالت رسالته. قال ابن حزم "وإنما وقع فيه - أي هذا القول - من ضل لقول فاسد وهو أن الروح عرض لا يبقى وقتين"(4).
وهاهو الخميني يقول في كتابه(5) بأن للأئمة "مقاماً لا يبلغه ملك مقرب ولا نبي مرسل". وقد نقل ابن حجر الهيتمي تكفير علماء الأمة لمن يقول "الأئمة أفضل من الأنبياء"(6).
السكوت عن انحرافات القشيري
وهذا هو القشيري (عبد الكريم بن هوازن) صاحب الرسالة القشيرية(1) يروي مقولة خبيثة عن الدقاق وفيها: أن الله يكنس المزابل بأرواح الصوفية"(2) فهل يكنس الله المزابل يا أشاعرة!!
وهو من أهل الغلو فقد أفرط في الثناء على الجويني حتى قال "لو ادعى إمام الحرمين اليوم النبوة لاستغنى بكلامه عن إظهار المعجزة"(3). ولا تنس أخي أن المذهب الأشعري يشترط على النبي المعجزة وحدها كشرط لصحة نبوته. لكن الجويني غني - من بين الأنبياء - عن هذا الشرط!
ويروي القشيري أن حقيقة مقام الرضا بالله: أن لا تسأل الله الجنة ولا تستعيذ به من النار(4).
ـ وينقل عن الشبلي أنه سئل: ألا تعلم أن الله رحمن؟ قال: بلى ولكن منذ عرفتُ أنه رحمن ما سألتُه أن يرحمني(5) وعن أبي يعقوب السوسي أن حقيقة المحبة أن ينسى العبد حظه من الله وينسى حوائجه إليه(6). وعرّف الصوفي بأنه: الذي لا يكون له إلى الله حاجة"(7).
ونقل عن ممشاد الدينوري قوله "منذ ثلاثين سنة تُعرَض عليّ الجنةُ فما أعرتُها طرفي(8). وعن أبي حفص قوله "منذ عرفت الله تعالى ما دخل قلبي حق ولا باطل(9).
وسئل الجنيد عن المحبة(10) فقال "دخول صفات المحبوب على البدل من صفات المُحِبّ"(11).
وذكر القشيري أن حقيقة المحبة توجب انتفاء المباينة فإن المحب أبداً مع محبوبه(1) وذكر قصة خبيثة استدل بها الغزالي على تفضيل التواشيح والأغاني الصوفية على تلاوة القرآن(2) وعن الحلاج "من عرف حقيقة التوحيد سقط عنه لِمَ وكيف(3). قلت: ومن مثل هذا النص أخذ الصوفية القول بسقوط التكاليف عن الأولياء.
فهاهو القشيري يحتج بحِكَم الحلاج وهو من أعظم زنادقة هذه الأمة الذي يدعي أنه لم يعرف الله حقيقة إلا اثنان: إبليس وفرعون.(65/180)
والقشيري أحد الصوفية الذين يحتج الحبشي بكلامه ويعظمه، فلماذا لا يحذّر من انحرافاته؟ ألأنه أشعري مثله مبالغ في التعصب للأشاعرة حتى تسبب في فتنة عظيمة كما حكاه الذهبي في السير (19/425) وتسبب تعصبه في فتنة عظيمة أدت إلى إخراجه من بلده إلى بغداد(4).
السكوت عن انحرافات الهيتمي
وهاهو ابن حجر المكي يزعم في شرح الأربعين النووية أن أولية النور المحمدي أولية مطلقة، وأن أولية ما سواه من الماء والعقل والقلم: أولية نسبية، اعترف الحبشي بذلك، واعتذر عنه بتأويلات متعسفة قائلاً "وأما حديث كنت أول النبيين في الخلق وآخرهم في البعث". ولو صح فكان معناه أن روح صلى الله عليه وسلم أول أرواح البشر(5).
ومعلوم أن ابن حجر المكي قد استقى هذه اللوثة العقائدية من الصوفية الذين يسمونها (الحقيقة المحمدية). ولذلك نجد هذه اللوثة عند الصيادي في كتاب قلادة الجواهر، ذاك الكتاب الذي كان مرجعاً مهماً عند الحبشي لدى كتابة رسالته (المقالات السنية)(6).
السكوت عن انحرافات الصيادي
وقد ورد في كتابه (قلادة الجواهر80) كفر خطير فزعم أن إبراهيم الأعزب (خال أحمد الرفاعي) قال "ناداني العزيز سبحانه وقال لي: إني أريد أن أخسف الأرض وأرمي السماء على الأرض. فقلت له: إلهي: من يعارضك في ملكك وإرادتك؟ فقال الله: سيدي إبراهيم. فأخذت إبراهيم الرعدةُ ووقع على الأرض".
وزعم أن الرفاعي قال بأن الولي لا يعمل عملاً إلا عن إذن سماوي وأن كل شيخ لا يكتب الشقي سعيداً فليس برجل (قلادة 190-191).
وصرح الصيادي بأزلية نور صلى الله عليه وسلم فقال في قلادته:
"اللهم صلّ على نورك الأسبق الذي أبرزته رحمة شاملة لوجودك: نقطة مركز الباء الدائرة الأولية الذي فتقت به رتق الوجود وخصصته بالمقام المحمود وأقسمت بحياته: فهو سرّك القديم السّاري وماء جوهر الجوهرية الجاري الذي أحييتَ به الموجودات من معدنٍ وحيوان ونبات"(1).
ويقول بأن الذكر: حفظ القلب من الوسواس… وإدراك الوحدة بالكثرة(2).
ويقول "إن صلى الله عليه وسلم هو العلة الغائية لخلق الخلق ومعرفة الحق" وإن مجرد تسمية الرجل ولده (محمداً) يكفي لدخول الجنة(3)، وأن الله ينادي يوم القيامة: كل من اسمه محمد فليدخل الجنة وزاد شيخه أحمد الرفاعي على ذلك فقال "كان هو مولوده في الجنة"(4).
ويزعم أن شيخه الرفاعي يحيي ويميت(5) ويحمي أتباعه إلى يوم القيامة ويُدخلهم الجنة أمامه(6) ويطّلع على المقدور والمكتوب فيغير الشقي سعيداً(7) ويشتري لأتباعه أراضي وقصوراً في الجنة على غرار صكوك الغفران عند النصارى(1) وأن السماوات والأرض صارتا في رجله كالخلخال(2).
فلماذا تتكتمون أيها المنحرفون عن هذه الشواذ التي هي أقرب إلى النصرانية والبوذية منها إلى الإسلام، كم أضحكت بالأمس صكوك النصارى على كنيستهم. وكم نأسى على ذيوع مثلها بين المسلمين. باسم الكرامة التي أساء هؤلاء فهمها وتفهيمها.
سكوته عن انحرافات السهروردي
وهاهو السهروردي في عوارف المعارف يحتج بكلام الحلاج(3) ويدعو إلى التخلق بأخلاق الله(4) ويزعم أن الصوفي لا يزال يترقى حتى يطلب رؤية ربه فيقول "لا أعبد رباً لم أره"(5) أي ليكون كمن قالوا {أَرِنَا اللّهِ جَهْرَةً}. ولا يكون الصوفي صوفياً حقاً (فقيراً) حتى لا يكون له إلى الله حاجة(6) وأن من علامات الركون إلى الدنيا: الزواج وكتابة الحديث (حديث رسول ا صلى الله عليه وسلم ) وطلب المعاش(7) وأن خير حال المرء أن يبقى عزباً بلا زوجة وأن الزواج انحطاط وانغماس في الدنيا وخروج من الزهد. وأن من تعود أفخاذ النساء لا يفلح"(8).
ويقول عبد السلام بن مشيش الشاذلي "اللهم انشلني من أوحال التوحيد، وأغرقني في عين بحر الوحدة، واستحسنها الزبيدي، واستحسن قول أبي يزيد البسطامي "انسلخت نفسي عن نفسي كما تنسلخ الحية عن جلدها نفظرت فإذا أنا هو" أي فإذا أنا الله(9).
سكوته عن انحرافات الغزالي
كقوله "ليس في الإمكان أفضل مما كان"
واسألوا الحبشي عن موقفه من قول أبي حامد الغزالي "ليس في الإمكان أفضل مما كان" أي ليس في إمكان الله خلق العالم بأفضل مما هو عليه الآن، هذه الكلمة التي كانت أحد أسباب حملة العلماء عليه كالطرطوشي والمازري وأبي بكر ابن العربي، وابن الجوزي وابن الصلاح. حتى قال الطرطوشي فيه "ولقد كاد ينسلخ من الدين… فسقط على أم رأسه"(1). وقال ابن حزم "ومن قال إنه ليس عند الله أصلح مما عمل بنا … فهو كافر"(2).(65/181)
وقد كتب الغزالي كتاب "الإملاء عن إشكالات الإحياء" أصرّ فيه على عدم بطلان هذه العبارة التي قالها في كتابه "إحياء علوم الدين" واتهم فيه المعترضين عليها بأنهم محجوبون عن الفهم والعلم(3). واعترف البيجوري بصحة نسبة هذه العبارة إلى الغزالي وأنه شنع عليه جماعة من العلماء بأن فيه نسبة العجز إلى الله(4). واستعرض الزبيدي أقوال المشنعين على الغزالي لهذا القول منهم تلميذه أبو بكر ابن العربي، وقال القرطبي "قال شيخنا أبو حامد قولاً عظيماً انتقده عليه أهل العراق وهو شهادة لله موضع انتقاد. ومنهم أبو عبد الله المازري وأبو الوليد الطرطوشي وابن المنير الذي كتب كتاباً بعنوان الضياء المتلالي في تعقب الإحياء للغزالي قال فيه "المسألة المذكورة لا تتمشى إلا على قواعد الفلاسفة والمعتزلة". وابن الصلاح ويوسف الدمشقي. وبدر الدين الزركشي الذي قال في تذكرته "هذه من الكلمات العقم التي لا ينبغي إطلاق مثلها في حق الصانع". ومنهم إبراهيم البقاعي تلميذ الحافظ ابن حجر الذي صنف ثلاث رسائل في الرد على الغزالي أولها: المقصد العالي. والثانية: تهديم الأركان من ليس في الإمكان أبدع مما كان. والثالثة: دلالة البرهان على أن في الإمكان أبدع مما كان. ثم ذكر أقوال المنتصرين لقوله المتعصبي له(5).
وقد صرح الغزالي بأن أولياء الصوفية لا يريدون الجنة ولا يأبهون لها وإنما يريدون مجالسة الله وإنما الجنة مأوى من لا شغل لهم إلا شهوة البطن والفرج. وهذا القول هو كفر، ونقل ابن حجر الهيتمي قول أهل العلم بتكفير من قال: إن أعطاني الله الجنة لا أريدها"(6).
علامات تحيز السبكي وتعصبه
وكتب السبكي كتاب "الإيضاح والبيان عن معنى ليس في الإمكان"(1) دافع فيه بعصبية عن هذه العبارة الطاعنة في قدرة الله عز وجل. وذلك على النحو المعهود عنه في عصبيته. يدافع عما ظاهره كفر، ملتمساً له أعجب المعاذير، بينما يلفق لخصومه شتى الاتهامات الكاذبة.
طعن الغزالي في النبوة
اختبار آخر لدعوة الغيرة على الدين
قال الحبشي "من ادعى أن النبوة مكتسبة أو أنه يبلغ بصفاء القلب إلى مرتبتها أو ادعى أنه يوحى إليه وإن لم يدّع النبوة: فهو كافرٌ بالإجماع(2) وقد نقل هذه العبارة عمن سبقه وهو يعلم موقف الغزالي من النبوة لكنه يسكت عليه.
وقد اقتدى الغزالي بالفلاسفة في تقسيم خصائص النبوة إلى ثلاث: قوة التخييل وقوة العقل وقوة النفس. وهذا نفسه هو كلام الفلاسفة الذين يقولون أن النبوة مكتسبة(3). وبالتحديد ابن سينا. ولهذا اشتد نكير العلماء عليه.
قال الغزالي: إن في الأولياء من يكاد يُشرق نوره حتى يكاد يستغني عن مدد الأنبياء"(4).
قال "ووراء العقل طورٌ آخر تنفتح فيه عين أخرى يُبصرٌ بها الغيبَ وما سيكون في المستقبل. وقد أبى بعض العقلاء مُدركات النبوة واستبعدها وهذا عين الجهل.. وقد أعطى الله خلقه أنموذجاً من خاصية النبوة.. فالنبوة عبارة عن طورْ يحصل فيه عين لها نور، يحصل لها نورٌ يظهر في نورها الغيب"(5).
بل قد تتمثل للأنبياء والأولياء في اليقظة والصحة صورة جميلة محاكية لجوهر الملائكة وينتهي الوحي والإلهام فيتلقون من أمر الغيب في اليقظة ما يتلقاه غيرهم في النوم"(6). فالأنبياء والأولياء انكشف لهم الأمر وفاض على صدورهم النور لا بالتعلم والدراسة والكتابة والكتب بل بالزهد في الدنيا"(1) وهذه الرحمة ليست موقوفة على الأنبياء وحدهم وإنما هي ممنوحة لكل من يستعد لتزكية النفس وتطهيرها(2).
ـ ومن هنا أعلنها الغزالي دعوة عامة إلى الجميع لانتظار سماع الوحي الذي حصل لموسى بقوله "واطو الطريق: فإنك بالواد المقدس طُوى، واستمع بسر قلبك لما يوحى، فلعلك تجد على النار هدى، ولعلك من سُرادقات العرش تُنادى بما نودي به موسى {إِنِّي أَنَا رَبُّكَ}(3).
قال "وليس يتم ذلك إلا بالخلوة في بيت مظلم وإن لم يكن له مكان مظلم فليلُفّ رأسه في جيبه أو يتدثر بكساء أو إزار، ففي مثل هذه الحالة يسمع نداء الحق، ويشاهد جلال الحضرة البروبية(4).
ويروي الغزالي (ضمن حكايات المحبين لله وأقوالهم وأحوالهم) عن أبي تراب النخشبي الصوفي قوله لتلميذه "ويلك! أتغتر بالله! والله لو رأيت أبا يزيد البسطامي مرة واحدة كان أنفع لك أن ترى الله سبعين مرة" ويروي عن البسطامي قوله "قولك: سبحان الله: شرك"(5) علق ابن الجوزي على هذا الكلام بقوله "وهذا فوق الجنون بدرجات" (تلبيس إبليس 354).
ويشبّه الغزالي أفعال المخلوقات بالدّمى التي يظن الناظر إليها أنها تتحرك من تلقاء نفسها(6) وإنما تحركها خيوط عنكبوتية ممتدة من السماء حُجب العوامُّ عن رؤيتها ورآها الخواص من أهل الكشف!.
ولهذا تكرر قوله كثيراً بأنه (ليس في الوجود إلا الله وأفعاله)(7). وذكر الزبيدي أن من المصرحين بأنه ليس في الوجود إلا الله إنما هو ابن عربي في كتابه الفتوحات المكية(8).(65/182)
ولقد قال الأحباش "انظروا إلى تفسير سيد قطب لسورة الإخلاص بأن الوجود الحقيقي إنما هو لله فقط" ثم قالوا: أليس هذا قولاً بوحدة الوجود التي اتفق علماء المسلمين على كفر قائلها" غير أنها لتحيزهم لا يتحدثون عن هذه الكلمات التي كان الزبيدي يقرها ويشرحها ويقر بعقيدة وحدة الوجود وأنه ليس في الوجود على الحقيقة إلا الله وأفعاله" (10/219)؟!
سكوته عن انحرافات النابلسي
وهاهو عبد الغني النابلسي أحد أبرز المدافعين عن عقيدة وحدة الوجود وهو رجل تجتمع فيه متناقضات عجيبة. وكتب في عقيدة وحدة الوجود مؤلفات عديدة منها:
ـ إيضاح المقصود من وحدة الوجود.
ـ الظل الممدود في معنى وحدة الوجود.
ـ حلّ رموز الدائرة الكبرى.
ـ اللؤلؤ المكنون في الإخبار عما سيكون(1) وفيه يشرح الوسائل التي يتمكن بها كل واحد معرفة الأمور المستقبلية وأمور الغيب ذكر نمها الاطلاع على حركات الأفلاك. ويتحدث عن مزايا كتاب الجفر الشيعي.
ـ كشف السر الغامض في شرح ديوان ابن الفارض وابن الفارض صحب التائية الشعرية المشهورة التي يغازل فيها رب العالمين ويخاطبه بضمير الأنثى.
سكوته عن انحرافات السرهندي
وهذا السرهندي النقشبندي يثبت لنفسه مقاماً فوق مقام أبي بكر الصديق ويدعي العروج إلى السموات العلا بل فوق العرش متى أراد(2). بل حكم على نفسه بأنه وصل إلى مقام عظيم فوق مقامات الخلفاء الثلاثة الآخرين وهناك وجد شيخه خواجة بهاء الدين نقشبند. ولما جاءته رسالة فيها اعتراض على كلامه هذا أجاب بأن هذا الكلام صحيح ولا غبار عليه وليس موهماً لتفضيل نفسه على أبي بكر(3).
وأخذ يبرر أقوال ابن عربي "إن الله ليس بعالم للغيب" وقول الحلاج "أنا الحق، سبحاني ما أعظم شأني هل في الدارين غيري" ويبرر قول أبي يزيد البسطامي "لؤائي أرفع من لواء محمد" والتمس له الأعذار واعتبر ذلك ن الأحوال التي يعذر فيها لغلبة سكره(4).
بل زعم أن أباه ذكر أن بعض سالكي طريق النقشبندية يجد نفسه في مقامات العروج في مقامات الأنبياء أنه عرج به إلى ما فوق مقاماتهم(5).
وذكر السرهندي قول الجيلاني "لا مجال لأحد في تبديل القضاء المبرم الآلي، فإني أتصرف فيه أيضاً إن أردت ذلك"(1). وأخذ يلتمس له التأويلات.
والسرهندي يعتبر روح الإنسان صورة شبيهة عن الله. محتجاً بحديث "إن الله خلق آدم على صورته" حتى نقل عنه الكوثري أن الكمال في التوحيد الوجودي ظهور أن العبد والرب رب"(2).
فهذا الكفر الصريح تتسع له الصدور وتلتمس له الأعذار، أما ما هو دون ذلك من الكلام فإن الأعذار تلتمس لتكفير قائله !!!
هل تحكمون بكفر الرفاعي
لقوله إن الصوفي يؤتى كلمة (كن) فيكون؟
ذكر الصيادي أن الشيخ أحمد الرفاعي قال "وإذا صرّف الله تعالى الوليَّ في الكون المطلق: صار أمره بأمر الله تعالى: إذا قال للشيء كن فيكون(1)، وأنه جاء في بعض الكتب الإلهية أن الله تعالى قال: يا بني آدم أطيعوني أطعكم، وراقبوني أراقبكم، وأجعلكم تقولون للشيء: كن فيكون(2). وقال علي بن محمد الدينوري "تركت قولي للشيء كن فيكون: تأدّباً مع الله"(3).
وقد نص القرافي أن هذا القول من الصوفية كفرٌ صريح، فنقل ابن حجر الهيتمي عن القرافي أنه قال "وقد وقع هذا لجماعة من الصوفية يقولون: فلان أعطي كلمة (كن). قال "وهذا كفر". فبماذا تحكمون على الرفاعي والصيادي الذي جعلها من مناقبه وكراماته!
وزعم النبهاني أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال لعمر النبتيني "أعط طاقيتي هذه للشيخ عبد الوهاب الشعراني قل له يتصرف في الكون(4).
سكوته عن انحرافات ابن عربي
وهاهو يسكت عن محيي الدين بن عربي الذي يقول بوحدة الوجود وقدم العالم والذي قَلَب معنى العذاب في النار إلى معنى العذوبة والراحة حتى قال(5):
وإن دخلوا دار الشقاء فإنهم
… على لذة فيها نعيم مباين
يُسمَّى عذاباً من عذوبة طعمه
… وذاك له كالقشر والقشر صاين
فقال له شيخ الإسلام ابن تيمية "أذاقكم الله هذه العُذوبة".
مواقف الآخرين من ابن عربي
ـ قال الحافظ ابن حجر في ترجمة الحلاج ما نصّه "ولا أرى أحداً يتعصب للحلاج إلا أهل الوحدة المطلقة، ولهذا ترى ابن عربي يعظّمه ويقع في الجنيد"(1).
فماذا يقول الحبشي في قول الحافظ وقد أمرنا أن نقبل على وجه التسليم كل ما ينص عليه الحافظ، وهو أولى بالجرح والتعديل من الشعراني فهل يقبل جرحه لابن عربي؟!
ـ وقال أبو حيّان النحوي بإلحاده لأنه يقول بوحدة الوجود(2).
ـ وذكر الذهبي بأنه "قدوة العالمين في القول بوحدة الوجود(3).
ـ وقال شمس الدين ابن الجزري الشافعي بكفره. وأنشد يقول(4):
دعا ابن العُرَيبيِّ الأنامَ ليقتدوا
… بأعورة الدجال في بعض كتبه
وفرعونَ أسماه لكل محقق
… إماماً ألا تَبّاً له ولِحزبِهِ
ـ وحكم تقي الدين السبكي بفكره. حكاه الشيخ ملا علي قاري(5).
ـ وحكم القاضي زين الدين الكتاني بكفره(6).
ـ والشيخ نور الدين البكري بكفره(7).
ـ والشيخ ابن خلدون في مقدمته(8).
ـ وقد صنف الشيخ برهان الدين البقاعي كتاب "تنبيه الغبي إلى تكفير ابن عربي".(65/183)
ـ ونص ابن الملقن في طبقاته أن العز بن عبد السلام (أحد معاصريه) كان يحط عليه، وسأله ابن دقيق العيد عنه فقال "هو شيخ سوءٍ كذّاب، يقول بقدم العالم ولا يحرّم فرجاً"(9).
ابن طولون حجة عليكم
ـ وذكر ابن طولون الحنفي أن غالب فقهاء العرب وجميع المحدّثين بلغوا نحواً من خمسمائة إلى تكفيره. ذكر منهم: علامة زمانه تقي الدين ابن تيمية وكمال الدين الأدفوني وأبو زرعة والعيني وحافظ العصر شهاب الدين ابن حجر وابن الصلاح وابن دقيق العيد وبدر الدين بن جماعة وشيخ الإسلام تقي الدين السبكي(1).
ـ وشنّع عليه السعد التفتازاني في كتاب "فاضحة الملحدين"(2). ولعله بعنوان آخر "الرد والتشنيع على كتاب الفصوص" الذي قال عنه الذهبي "فإن كان لا كفر فيه فما في الدنيا كفر"(3).
فهؤلاء يضرب صفحاً عن ذكرهم، ويدافع عنهم ويعلّم أتباعه بأنهم من خُلّص أولياء الله. أما الألباني وابن تيمية فهم من أكفر خلق الله عنده!!
سكوته عن انحرافات النبهاني
وقد ذكر النبهاني جملة من "أصحاب الكرامات" منهم:
ـ (إبراهيم الملقلب بـ (جيعانة): من كراماته أن امرأة أتته وسألته الدعاء وأمرّت يدها على أطماره الرثة ثم أمرّتها على وجهها، وهناك فقيهان روميان فقال أحدهما: يا حرمة تنجست يدك بما مرّت عليه. فنظر الشيخ إليه مغضباً ثم جلس وغاط ثم نهض فتقدم الفقيه المنكر وجعل يلعق غائطه ورفيقه متمسك بأثوابه ويضمه ويقول: ويلك هذا غائط الشيخ! إلى أن لعق الجميع ببعض التراب، فلما نهض جعل يعاتبه فقال: والله ما لعقت إلا عسلاً(1).
ـ (إبراهيم العريان) كان يخطب الجمعة بالناس وهو عريان … فيحصل للناس بسط عظيم(2).
ـ (عبد الكريم الدمشقي) سألوه: هل تستطيع أن تشرب كل ما في هذه البركة؟ فقال: إملأوها. فأخذه حال عجيب ووضع فمه في البركة فصار يشرب والماء يخرج من إحليله (ذَكَرِهِ) ولم يزل كذلك يدخل الماء من فمه ويخرجه من إحليله إلى أن فَرَغت البركة. قال النبهاني: وهي من أعظم كرماته(3).
ـ (عبد الله الذي كان يطحن الحشيش) من كراماته أنه كان كل من أخذ من حشيشه (رضي الله عنه) وأكل منه يتوب لوقته ولا يعود لها أبداً(4).
ـ (عبد الوهاب الشعراني) من كراماته أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال لعمر النبتيني "أعط طاقيتي هذه للشيخ عبد الوهاب الشعراني وقل له يتصرف في الكون(5).
ـ (علي بن محمد الدينوري) قال "تركت قولي للشيء كن فيكون: تأدّباً مع الله"(6).
ـ (علي العمري) من كراماته ما رواه الحاج إبراهيم، قال: دخلت الحمام مع شيخنا الشيخ علي العمري ومعنا خادمه محمد الدبوسي ولم يكن في الحمام غيرنا. قال: فرأيت من الشيخ كرامة من أعجب خوارق العادات وأغربها وهي أنه أظهر الغضب على خادمه وأراد أن يؤدبه فأخذ إحليله (أي ذكره) بيديه الاثنتين من تحت إزاره بحيث طال طولاً عجيباً بحيث أنه رفعه على كتفه وهو زائد عنه وصار يجلد به خادمه، والخادم يتلوى من شدة الألم فعل ذلك مرات ثم تركه وعاد إحليله إلى ما كان عليه. قال الحاج إبراهيم: ففهمت أن الخادم عمل عملاً يستحق التأديب فأدبه الشيخ بهذه الصورة العجيبة.
قال النبهاني: ولما حكى لي ذلك الحاج إبراهيم حكاه بحضور الشيخ الذي كان واقفاً فقال لي الشيخ لا تصدقه، وأخذ يدي بالجبر عني ووضعها على موضع إحليله فلم أحس بشيء مطلقاً حتى كأنه ليس برجل أبداً، فرحمه الله ورضي عنه ما أكثر عجائبه وكراماته"(1).
ـ ومن كراماته أنه كان في بلد الشيخ علي رجل قليل الحياء معجباً بإحليله فكان يمازح الشيخ إذا رآه ويضع يده على إحليل نفسه ويقول له هل عندك مثل هذا؟ فضربه الشيخ بيده وقال له إذهب فذهب كأنه امرأة لم يتحرك له شيء(2).ا.هـ. (يا لمصيبة هذه الأمة).
ـ (عيسى بن نجم البرلسي) مكث سبع عشرة سنة بوضوء واحد.
ـ (ولي الله الديوث) حكى الشيخ نور الدين الشوني أن شخصاً كان مكارياً يحمل النساء من بنات الخطأ وكان الناس يسبونه ويصفونه بالتعريص وكان من أولياء الله تعالى لا يركب امرأة من بنات الخطأ وتعود إلى الزنا أبداً(3).
كيف صدقت عقولكم التي قدمتموها على النقل: هذه الخرافات والمهزلة التي لا تزيد النصارى إذا قرأوها إلا ثباتاً على النصرانية ونفوراً من الإسلام؟
نماذج من كلام ابن تيمية
وهذه نبذة من كلام ابن تيمية ليعرف المنصف موقفه من أسماء الله وصفاته ومنهجه في الدين بإيجاز: يقول:
تمسكه بهدي السلف
"ما قاله الله ورسول صلى الله عليه وسلم والسابقون الأولون وما قاله أئمة الهدى هو الواجب على جميع الخلق في هذا الباب (باب الأسماء وغيره) فإن الله تعالى بعثمحمدا صلى الله عليه وسلم بالحق ليُخرج الناس من الظلمات إلى النور، وشهد له بأنه بعثه داعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، فمن المحال في العقل والدين أن يكون السراج المنير الذي أخبر الله تعالى بأنه أكمل له ولأمته في دينهم، أن يكون قد ترك باب الإيمان بالله والعلم به ملتبساً مشتبهاً، ولم يميز ما يجب لله من الأسماء الحسنى، والصفات العُلا، وما يجوز عليه أو يمتنع.(65/184)
فإن معرفة هذا أصلُ الدين وأساس الهداية، وأفضل ما اكتسبته القلوب وحصّلته النفوس وأدركتْه العقول، وقال فيما صحَّ عنه "ما بعث الله نبياً إلا كان حقاً عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم، وينهاهم عن شر ما يعلمه لهم"(1).
فكيف يتوهم مَن في قلبه أدنى مسكة من إيمان وحكمة أن لا يكون بيان هذا الباب (الأسماء والصفات) قد وقع من الرسول على غاية التمام؟ ومن المحال أن خير أمته وأفضل القرون قصَّرا في هذا الباب زائدين فيه أو ناقصين منه.
ولم يقل أحد منهم إن الله ليس على العرش، ولا إنه في كل مكان ولا إنه لا داخل العالم ولا خارجه ولا متصلاً به ولا منفصلاً عنه ولا إنه لا تجوز الإشارة إليه.
فإنْ كان الحق فيما يقوله هؤلاء النافون للصفات الثابتة في الكتاب والسنة، من هذه العبارات ونحوها دونما فهم من الكتاب والسنة إما نصّاً وإما ظاهراً فكيف يجوز على الله ورسوله، ثم على خير الأمة: أنهم يتكلمون دائماً بما هو نصٌّ أو ظاهرٌ في خلاف الحق! ثم الحق الذي يجب اعتقاده لا يبوحون به قط، ولا يدلّون عليه، حتى جاء المتوغلون في علوم الفلاسفة، فبيّنوا للأمة العقيدة الصحيحة، ودفعوا بمقتضى علومهم ما دلّ عليه الكتاب والسنة نصاً أو ظاهراً؟!
فإن كان الحق في قولهم: فلقد كان ترْكُ الناسِ بلا كتابٍ ولا سنةٍ أهدى لهم وأنفع على هذا التقدير.
تأدب العقل
فإن حقيقة ما يقوله هؤلاء: أنكم يا معشر العباد لا تطلبوا معرفة الله وما يستحقه من الصفات، لا من الكتاب ولا من السنة ولا من طريق سلف الأمة، ولكن انظروا أنتم: فما وجدتموه مستحقاً له من الصفات في عقولكم فصِفوه به، سواءٌ كان موجوداً في الكتاب والسنة أو لم يكن.
وكأن الله قال لهم: ما نفاه قياس عقولكم مما اختلفتم فيه فانفوه، وإليه (أي العقل) فارجعوا عند التنازع، فإنه هو الحق الذي تعبَّدتُكُم به، وما كان مذكوراً في الكتاب والسنة مما يخالف قياسكم هذا فاعلموا أني ممتحنكم بتنزيله لا لتأخذوا الهدى منه، ولكن لتجتهدوا في تحريفه على شواذّ اللغة، ووحشيّ الألفاظ وغرائب الكلام.
وما أشبه حال هؤلاء بقوله تعالى {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيدًا 60 وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ اللّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُودًا 61 فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَآؤُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا} [النساء61].
فإن هؤلاء إذا دُعُوا إلى ما أنزل الله من كتاب وإلى الرسول أعرضوا عن ذلك وهم يقولون: إنا قصدنا علماً وعملاً بهذه الطريق التي سلكناها والتوفيق بين الدلائل العقلية والنقلية:
فيقال لهم: يا سبحان الله، كيف لم يقل الرسول يوماً من الدهر ولا أحد من سلف الأمة هذه الآيات والأحاديث لا تعتقدوا ما دلت عليه، لكن اعتقدوا الذي تقتضيه مقاييسكم فإنه الحق.
ثم الرسول قد أخبر بأن أمته ستفترق ثلاثاً وسبعين فرقة، ثم قال "إني تاركٌ فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا: كتاب الله".
وقال في صفة الفرقة الناجية "من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي" فهل قال: من تمسك بظاهر القرآن في باب الاعتقاد فهو ضال وإنما الهدى رجوعكم إلى مقاييس عقولكم؟!
وهذه التأويلات الموجودة اليوم بأيدي الناس مثل أكثر التأويلات التي ذكرها أبو بكر بن فورك في كتاب "التأويلات" وذكرها الفخر الرازي في كتابه الذي سماه "تأسيس التقديس" ويوجد كثير منها في كلام كثير غير هؤلاء [كالمعتزلة] مثل أبي علي الجبائي، وعبد الجبار بن أحمد الهمداني وأبي الحسين البصري، التي ذكرها بشر المريسي في كتابه.
التأويل بين الخلف والسلف
ومذهب السلف بين التعطيل والتمثيل، فلا يمثلون صفات الله بصفات خلقه، كما لا يمثلون ذاته بذات خلقه، ولا ينفون عنه ما وصف به نفسه، أو وصفه به رسول صلى الله عليه وسلم فيعطلون أسماءه الحسنى وصفاته العلا، ويحرّفون الكلم عن مواضعه، فإن من حرّفوا لم يفهموا من أسماء الله وصفاته إلا ما هو اللائق بالمخلوق، ثم شرعوا في نفي تلك المفهومات، فقد جمعوا بين التمثيل والتعطيل، مثّلوا أولاً وعطلوا آخراً، فهذا تشبيه وتمثيلٌ منهم للمفهوم من أسمائه وصفاته بالمفهوم من أسماء خلقه وصفاته، وتعطيلٌ لما يستحقه هو سبحانه من الأسماء والصفات اللائقة به.
ثم المخالفون للكتاب والسنة وسلف الأمة من المتأولين في أمر مريج، فإن من ينكر الرؤية زعم أن العقل يحيلها، وأنه مضطر إلى التأويل، ومن يحيل أن لله علماً وقدرةً يقول: إن العقل أحال ذلك فاضطر إلى التأويل، بل من ينكر حقيقة حشر الأجساد والأكل والشرب الحقيقي في الجنة: يزعم أن العقل أحال ذلك وأنه مضطر إلى التأويل، ومن يزعم أن الله ليس فوق العرش: يزعم أن العقل أحال ذلك وأنه مضطر إلى التأويل.(65/185)
ويكفيك دليلاً على فساد قول هؤلاء أنه ليس لواحد منهم قاعدة مستمرة فيما يحيله العقل، بل منهم من يزعم أن العقل جوّز أو أوب ما يدّعي الآخر: أن العقل أحاله.
يا ليت شعري! بأي عقل يُوزَن الكتاب والسنة، فرضي الله عن مالك بن أنس حيث قال "أوكلما جاءنا رجلٌ أجْدَلُ من رجلٍ تركنا ما جاء به جبريل إلى صلى الله عليه وسلم لِجَدَل هؤلاء، وكلٌ من هؤلاء مخصومٌ بمثل ما خُصِمَ به الآخر، فكلّ من ظنّ أن غير الرسول والسلف أعلم بهذا الباب، أو أكمل بياناً أو أحرص على هدى الخلق، فهو من الملحدين لا من المؤمنين"(1).
أصل الدين وقواعده
قال "ودين الإسلام مبني على أصلين، على أن يُعبد الله وحده لا يشرك به شيء، وعلى أن يُعبد الله بما شرعه على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم وهذا هما حقيقة قولنا "لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله" فالإله هو الذي تألهه القلوب عبادة واستعانة ومحبة وتعظيماً وخوفاً ورجاءً وإجلالاً وإكراماً.
والله عز وجل له حق لا يشركه فيه غيره فلا يُعبَد إلا الله، ولا يُدعى إلا الله، ولا يطاع إلا الله.
والرسول صلى الله عليه وسلم هو المبلغ عن الله تعالى أمره ونهيه وتحليله وتحريمه، وهو واسطة بين الله وبين خلقه في تبليغ أمره ونهيه.
وأما في إجابة الدعاء، وكشف البلاء . . . فالله تعالى هو الذي يسمع كلامهم ويرى مكانهم ويعلم سرهم ونجواهم، وهو سبحانه قادر على إنزال النعم، وإزالة الضرر والسقم من غير احتياج منه إلى أن يعرّفه أحد أحوال عباده، أو يعينه على قضاء حوائجهم . . . وهو سبحانه لا يشغله سمع كلام هذا سمع كلام هذا ولا يغلطه اختلاف أصواتهم ولغاتهم، بل يسمع ضجيج الأصوات باختلاف اللغات على تفنن الحاجات، ولا يبرمه إلحاح الملحدينن بل يحب الإلحاح في الدعاء"(1).
ضوابط التكفير عند ابن تيمية
تبطل دعوة تكفيره للمخالفين في مسألة الطلاق
وزعم الحبشي أن ابن تيمية يكفّر مخالفيه في مسألة الطلاق(1) فهذا كذب واضح يردّه قول ابن تيمية فقد كان يثني على المخالفين له في مسألة الطلاق ويقول بأن الذي قالوه باجتهادهم لهم سعيٌ مشكور وعملٌ مبرور، وهم مأجورون على ذلك مثابون عليه، وأن من أصاب منهم الكتاب والسنة فله أجران، ومن أخطأ فله أجر . . . وهم مطيعون لله ورسوله فيما أتوا به من الاجتهاد المأمورين به. ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها"(2).
وكلامه هذا يفضح افتراء الحبشي وإلا فليخبرنا: أي قال ابن تيمية بتكفير مخالفيه في مسألة الطلاق؟ وقد دل كلام ابن تيمية على نقيض ذلك:
بل قد قال ابن تيمية "لقد كنت دائماً أذكر الحديث الذي في الصحيحين في الرجل الذي قال: "إذا أنا مِتُّ فاحرقوني ثم اسحقوني ثم ذروني في اليمّ، فوالله لئن قدر الله عليّ ليعذبنّي عذاباً ما عذبه أحداً من العالمين، ففعلوا به ذلك، فقال الله له: ما حملك على ما فعلتَ؟ قال: خشْيَتُك. فغفر له. قال: فهذا رجلٌ شك في قدرة الله وفي إعادته إذا ذُرِيَ بل اعتقد أنه لا يُعاد، وهذا كُفرٌ باتفاق المسلمين لكن كان جاهلاً لا يعلم ذلك، وكان مؤمناً يخاف أن يعاقبه الله فغفر له بذلك"(3).
قال: "والمتأول من أهل الاجتهاد الحريص على متابعة الرسو صلى الله عليه وسلم أولى بالمغفرة من مثل هذا"(4).
وقال "ولا يجوز تكفير المسلم بخطأ أخطأه كالمسائل التي تنازع فيها أهل القبلة"(5). بل قد ذكر النزاع في كفر الخوارج والروافض وغيرهم من الفرق وقد خالفوا إجماع المسلمين في أمور العقائد فما بالك بالمخالف في الفروع(6).
نقده لأهل التكفير
قال ابن تيمية "وطريقة أهل البدع في التكفير الذين يجمعون بين الجهل والظلم، فيبتدعون بدعة مخالفة للكتاب والسنة وإجماع الصحابة ويكفّرون من خالفهم في بدعتهم.
فالرافضة ابتدعوا تفضيل عليّ على الثلاثة وتقديمه في الإمامة، وكفّروا من خالفهم.
وكذلك الجهمية ابتدعت نفي الصفات وجعلوا يكفّرون من لم يوافقهم على ذلك.
وأئمة السنة والجماعة وأهل الإيمان فيهم:
ـ العلم، والعل، والرحمة.
فيعلمون الحق الذي يكونون موافقين به للكتاب والسنة سالمين من البدعة، ويعدلون على من خرج منها ولو ظلمهم كما قال تعالى {كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى}.
ويرحمون الخلق، فيريدون لهم الخير والهدى والعلم، ولا يقصدون الشر لهم ابتداءً، بل إذا عاقبوهم، وبيّنوا خطأهم وجهلهم وظلمهم، كان قصدهم بذلك بيان الحق ورحمة الخلق، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأن يكون الدين كله لله، وأن تكون كلمة الله هي العليا.
فالمؤمنون أهل السنة أعمالهم خالصة لله تعالى، موافقة للسنة، وأعمال مخالفيهم لا خالصة ولا صواب، بل بدعة واتباع الهوى، ولهذا يُسَمَّوْن "أهل البدع والأهواء".
فلهذا كان أهل العلم والسنة لا يكفّرون مَن خالفهم وإن كان ذلك المخالف يُكَفّرهم. لأن الكفر حكمٌ شرعي، فليس للإنسان أن يعاقب عليه، كمن كذب عليك وزنى بأهلك: ليس لك أن تكذب عليه وتزني بأهله، لأن الكذب والزنا حرام.
وكذلك التّكفير حقٌ لله، فلا يُكَفَّرُ إلا مَن كفّره الله ورسوله.(65/186)
وأيضاً فإن تكفير الشخص المعين وجواز قتله موقوف على أن تبلغه الحجة النبوية التي يُكَفَّرُ من خالفها، وإلا؛ فليس كل من جهل شيئاً من الدين يُكَفَّر.
ولهذا كنتُ أقول للجهمية من الحلولية والنفاة الذين نفوا أن الله تعالى فوق العرش، لمّا وقعّتْ محنتُهُم:
"أنا لو وافقتُكم كنتُ كافراً، لأني أعلم أن قولكم كُفرٌ. وأنتم عندي لا تكفرون لأنكم جُهَّال. وكان هذا خطاباً لعلمائهم وقضاتهم وشيوخهم وأمرائهم"(1).
فهكذا منهج هذا الرجل الفذ وطريقته الموزونة بميزان الكتاب والسنة لا تجد في كلامه ما تجده عند أهل الانحراف والظلم من العصبية والتجني والانحراف عن السنة، حتى قال فيه الذهبي كلمته المشهورة "كانالسنة نصب عينيه".
وقد انتقصه المتعصبون وشنعوا عليه ورموه بشتى التهم، وهذا من تسلط الشيطان عليهم حيث زيّن لهم سبّه وتكفيره بينما زيّن لهم الدفاع عن ابن الفارض وابن عربي بما أمكن من التأويل والتحيز والتّكتم.
فوضى التكفير المتهور
وإذا كان موقف ابن تيمية من قضية التكفير على الوجه الذي حكيناه عنه فما هي مواقف الناس من ذلك؟
إننا نعلم أن التكفير حق لله سبحانه وتعالى لا يجوز لأحد إخراج أحد من دين الله إلا بِبيِّنة ودليل يعذر بهما يوم القيامة عند الله. فإن المسلم قد يَخرجُ من الدين بإخراجه منه من ليس عند الله كذلك.
قال رسول ا صلى الله عليه وسلم "من قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما" وفي رواية "أيما امرئ قال لأخيه "كافر" فقد باء بها أحدهما، إن كان كما قال: وإلا رجعَتْ عليه"(1). فلا يجوز خروج هذه الكلمة (كَفَرَ) من فم امرئ يتقي الله ويحتاط لدينه إلا بعد حذرٍ شديد. إذ قد تكون سبباً في خروجه هو. وأي خسارة أعظم من ذلك.
وليس خلق الله وصايا على دينه حتى يُخرجوا منه من يشاؤون ممن قد لا يستحقه، ثم يسكتون ويتغاضون عمن يشاؤون ممن يستحقه.
والتكفير لا يحكم عليه بلا أو نعم وإنما له ضوابط وشروط وفيه تفصيل بين ما يعذر فيه صاحبه بالجهل وبين ما لا يعذر فيه، وبين ما يكفر فيه صاحبه بالضرورة وبين ما لا يكفر فيه بالضرورة.
غفلة الناس عن معرفة ضوابط التكفير
ولا يبدون أن عند الحبشي وأتباعه مراعاة لضوابط التكفير ولا مسامحة ولين في التعامل مع المخالف، بل يلاحظ فيهم جانب الفظاظة والقسوة والشدة وهذا حاصل ثمرة علم الكلام وأهله كما وصفهم أبو حنيفة بأنهم قساة قلوب: ليس عندهم ورعٌ ولا تقوى. ومن شاء الوقوف على سلوكيات هذا الرجل فليستمع ولو إلى شريط واحد من أشرطته ليرى فيها الطعن واللعن بالعلماء المخالفين له في المذهب.
وقد حكم بانسلاخ أحد مخالفيه من الدين (خالد كنعان) فقال له "ولعلك منذ أربعين سنة انحرف قلبك أم منذ كم؟ فعارٌ عليك أن تدّعي الإسلام بعد هذا الكفر الذي كفرتَه، ثم لما جاءك المسخ القلبي انسلخت منه كما انسلخت عن حكم تكفير سابّ النبي؟ وهذا تسجيلٌ آخر على نفسك بأنك منسلخ عن السلف والخلف"(1).
وليس من خلاف بين الفريقين في حكم ساب صلى الله عليه وسلم سباً صريحاً، ولم يكن الخلاف حول حكم شاتم الرسو صلى الله عليه وسلم وإنما حول قصة ذاك الرجل الذي قال للنبي r "إعدل يا محمد" بالكفر؟ ومحل الخلاف في كون هذه الكلمة سباً صريحاً أم لا. وإذا كان كذلك فلماذا لم يقتله صلى الله عليه وسلم ردّة، علماً بأن هذا الرجل "ذا الخويصرة" كان له يد في بعض الفتوحات الإسلامية كالعراق والأهواز، وقد قيل إنه انضم بعد ذلك إلى صفوف الخوارج، لكن الخوارج أنفسهم لم يكفروا على الراجح من قول أهل العلم(2). فلا يبدو من ا لصحابة أنهم عاملوه معاملة الكافر المرتد. واستغل الحبشي هذه الحادثة وحكم على خالد كنعان بالكفر والانسلاخ من الدين.
وهو متناقض شديد التناقض فقد سأله خالد كنعان نفسه عن التلفظ بالأقوال الكفرية فقال "الحكم لي على هذه الألفاظ الكفرية وإنما يكون من خلال فهم الشخص لها فإن كان يفهم منها كفراً فلا نكفّره"(3). مع أنه دائم التكفير لمن يخالفه ولو كان في مسائل بسيطة.
الحافظ يشهد بأن أهل الكلام تكفيريون
ولقد أبدى الحافظ ابن حجر استياءه من ذلك فقال" والعجب ممن اشترط ترك التقليد من أهل الكلام ينكرون التقليد وهم أول الداعين إليه . . فآل أمرهم إلى تكفير من قلد الرسو صلى الله عليه وسلم في معرفة الله تعالى. وكفى بهذا ضلالاً، ويلزم من ذلك إلى القول بعدم إيمان أكثر المسلمين"(4). ونقل عن البيهقي في كتاب الاعتقاد أن غالب من أسلم من الناس في عهد صلى الله عليه وسلم لم يعرفوا إثبات الصانع وحدوث العالم عن طريق استدلال المتكلمين وذكر أن هذا لا يكون تقليداً وإنما اتباعاً(5). وأثبت الحافظ أن هذا الاشتراط الذي عرفه المتكلمون إنما قلدوا به المعتزلة الذين سبقوهم إلى تكفير من لم يعرف الله عن طريق الاستدلال. قال "وذهب أبو هاشم من المعتزلة إلى أن من لم يعرف الله بالدليل فهو كافر"(
================(65/187)