ومن أهم رموزه: الدكتور الماركسي مهندس التربة محمد شحرور الذي قدم عدداً من الأعمال الفكرية التي أثارت جدلاً كبيراً في الأوساط الإسلامية من أهمها "الكتاب والقرآن". وبالرغم من تزكية روبرت بللتشرو -وكيل وزارة الخارجية الأمريكية السابق- لكتاباته ووجهات نظره (وقد جاءت هذه التزكية في تصريح أشاد فيه بثلاثة كتّاب هم: محمد سعيد العشماوي من مصر، ومحمد أركون من الجزائر، ومحمد شحرور من سورية) فقد اتُهم محمد شحرور بالكفر ومخالفة مسلمات الإسلام، وهو واضح جداً.
وقد صدرت عدة ردود عليه لكنها ليست قوية، فهو مدعوم كثيراً من الحكومة هناك. حتى البوطي رغم ما له من نفوذ في سوريا لم يسمحوا له أن يناظره علناً، فالرجل حاصل على تزكية! وهو ينكر السنة ويدعي تفسير القرآن بدلالات اللغة العربية، رغم أنه من أجهل الناس بها. وقد كتب أحد أساتذة العربية الكبار في سوريا (يوسف صيداوي) كتاباً أسماه "بيضة الديك (نقد لغوي لكتاب الكتاب والقرآن)". يرد على جهالاته فقط في اللغة العربية، والكتاب سميك من القطع الكبير.
والدكتور له شعبية بين العلمانيين (وهم الملحدون العلنيون) وبين العصرانيين (وهم المنافقون الذين يبطنون العلمانية ويظهرون الإسلام). وتجدهم يدافعون عنه بقوة. فهو يحاضر في سوريا ولبنان ويهاجم الصحابة بل الرسول نفس صلى الله عليه وسلم بأبي وأمي هو. ولا أحد يستطيع أن يرد عليه الرد الحقيقي ويبين كفره للناس. مع أنه تمادى في الكفر لدرجة دعت بعض أئمة الكفر كذلك للرد عليه من أمثال البوطي في مجلة "نهج الاسلام" (العدد 42، ك 1، 1990)، تحت عنوان: "الخلفية اليهودية لشعار قراءة معاصرة". وهي مجلة غير منتشرة فلم يغير هذا الرد شيئاً.
ورد عليه المرتد المشهور نصر حامد أبو زيد، في "مجلة الهلال" (العدد 10، عام 1991م)، تحت عنوان: "لماذا طغت التلفيقية على كثير من مشروعات تجديد الاسلام؟"، ومقالة أخرى تحت عنوان: "المنهج النفعي في فهم النصوص الدينية" (العدد 3، عام 1992م). ورد عليه زعيم الطائفة القاديانية في سوريا: سليم الجابي، في كتابه: "القراءة المعاصرة للدكتور محمد شحرور مجرد تنجيم ـ كذب المنجمون ولو صدقوا"! وهذا الأخير صاحب منتدى "شباب لك" الساقط، وله دعم حكومي قوي. وهناك من علماء السنة من رد عليه كذلك، لكنها ردود غير قوية، لأن الردود إذا كانت قوية فلن يسمح لها بالدخول إلى سوريا ولبنان. بحجة حرية الفكر طبعاً! أما بين العوام فهم لضعفهم في العقيدة لا يفهمون غالب تلك الطوام والكفريات التي يدعو إليها.
والشيعة يشيدون بالدكتور شحرور خاصة أنه يشارك في مشروع تشييع سوريا. وله مقال ينعق فيه بما حصل في كربلاء ويمجد فيه الرافضة ويذرف فيه دموع التماسيح على الحسين رضي الله عنه.
أما عن جودت سعيد فهو أخبث بكثير من شحرور وأضر على الدين وأخطر. فإن شحرور له حماقات تنفر الناس منه ومن كتاباته. وأسلوبه استفزازي ومتعال. أما جودت سعيد فهو أذكى وأخبث من الدكتور شحرور. وأتباعه أكثر بمرات. وهي منتشرة في مجال العالم العربي. والسبب أنه يدس السم في العسل. فهو يتكلم بأسلوب فلسفي مرن. وقد يذكر أموراً صحيحة، لكنه يدس بين السطور أقوالاً كفرية مبطنة. فتمشي بين الناس. وهناك كتاب ممتاز لعادل التل يوضح فيه ضلالات هذا الملحد الإسلامي. وهناك مقالة مختصرة وممتازة تجدها في موقع الأسوة الحسنة. وألف أحد الإسلاميين كتاباً للرد على "الزنادقة الثلاثة" ويعني بهم: جودت السعيد ومحمد شحرور ومحمد إقبال.
وأنا أستغرب أني لقيت من أتباعه أقواماً مثقفين وعندهم حسن تدين. ومع ذلك هم من المعجبين به جداً. رغم أنه ليس إلا امتداداً لعمرو بن عبيد المعتزلي الذي كان يقول -بعدما يسمع الحديث الصحيح الذي لا يوافق مزاجه-: لو سمعت الأعمش يقول هذا لكذبته، و لو سمعت زيد بن وهب يقول هذا ما أحببته، و لو سمعت عبد الله بن سعود يقول هذا ما قبلته، و لو سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول هذا لرددته، و لو سمعت الله تعالى يقول هذا لقلت له: ليس على هذا أخذت ميثاقنا!
والحديث عن جودت السعيد يستدعي الحديث عن حنان اللحام التي تلتقي معه فكرياً إلى حد ما، وقد عُرفت بدعوتها إلى تجديد النظرة التقليدية للمرأة. وتتعرض للنقد من قبل الإسلاميين، وخصوصاً في موقفها من قضية تعدد الزوجات.
ومن رموز التيار التجديدي والتي ظهرت مؤخراً الدكتور محمد حبش، عضو مجلس الشعب. ورغم أنه منتمٍ الى التيار الصوفي (جماعة كفتارو - أبو النور) إلا أنه مؤخراً دخل في صدام عنيف مع هذا التيار وصل إلى حد تبرؤ كفتارو وجماعته منه في بيان شهير وُزّع في مسجد أبي النور. وقد تمّ هذا الانشقاق بينهما على خلفية كتاب ألفه محمد حبش بعنوان "المرأة بين الشريعة والحياة" تضمن أفكاراً وُصفت بـ"أفكار ضالة". واتهمه البوطي بأنه "يرفع لواء الزندقة". كما صدرت بعض الكتب التي ترد عليه وتفند أفكاره. ومن أهل من يقول: احذروا طيور الكفر الثلاثة: الشحرور والحسون (مفتي سوريا الجديد، وهو شيعي) وديك الحبش.
ثانياً - خريطة التيار الشيعي في سورية:(60/137)
يُشكل الشيعة الإمامية الاثني عشرية أقلية مذهبية في سورية، ويتركز الوجود الشيعي في مناطق محدودة من دمشق (حي الأمين وزين العابدين) ومناطق من ريف دمشق (مثل الجديدة) وفي مجموعة من قرى حلب وحمص. ومن الملاحظ أن التوجهات الإعلامية والرقابية في سورية تفرض رقابة خفيفة على تداول الكتب الشيعية، مجاملة للأغلبية السنية في سورية. ولكن يبدو أن هذه الرقابة تنحصر في دمشق فقط، وتزول في مراكز ثقل الشيعة. ولذلك فقد أصبح مركز ثقل الشيعة العلمي والفكري متركز في منطقة مقام الست زينب في ريف دمشق، والتي يقطنها أعداد كبيرة من الشيعة العراقيين، كما يوجد فيها عدد من الحوزات العلمية التي أُنشئت بدعم وتمويل ايراني. وتلعب إيران دوراً هاماً في نشر الفكر الشيعي ودعم الشيعة في سورية. وتتوزع التوجهات الفكرية للشيعة في سورية على التيارات التالية:
1- تيار ولاية الفقيه وتبني مرجعية علي خامنئي: وهو التيار الذي يحظى بالدعم والتمويل الإيراني.
2- تيار ولاية الفقيه مع تبني مرجعيات شيعية تقيم في العراق مثل الخوئي والسيستاني (الأول أرمني إيراني والثاني فارسي إيراني): وهو الغالب في أوساط الشيعة السوريين.
3- تيار تحديث وتجديد الفكر الشيعي: ويتمثل في أتباع إياد الركابي ومحمد حسين فضل الله وعلي شريعتي وأحمد الكاتب: ووجوده محدود وقليل.
==============(60/138)
(60/139)
القبيسيات التنظيم النسائي الصوفي
القبيسيات جماعة دينية نسائية تنتشر بشكل خاص في سوريا ولبنان والأردن وفلسطين والكويت ودول الخليج، وتنسب إلى منيرة القبيسي، وهي امرأة سورية تعيش حالياً في إحدى الحارات القديمة في العاصمة دمشق، وتبلغ من العمر 75 عاماً.
ولهذه الجماعة، التي تقتصر على النساء، عقائد وأفكار وسلوكيات وتصورات خاصة للإسلام، يمارسنها بشيء من السريّة والانعزالية.وليس معروفاً للآن ما هو سبب الحرص على السرية الشديدة ، بحيث أنهن يرفض حضور أي فتاة لحلقاتهم دون موعد مسبق عن طريق واحدة من عضواتهن الفاعلات ، وهذا يجعل العديد من التساؤلات ما الذي يخفيه هذا التنظيم السري عن المسلمين ؟؟؟
وقد تفرقت تلميذات منيرة القبيسي في بلاد الشام ودول الخليج، واستطعن تأسيس جماعات أطلق عليها: الطبّاعيات في الأردن، والسّحَريات في لبنان...، وبنات البيادر في الكويت. كما استطعن إنشاء الجمعيات الخيرية والمؤسسات التعليمية والتربوية، وتحقيق انتشار لافت بين الأوساط النسائية، خاصة في المدارس والجامعات.
ومع الانتشار الكبير لهذه الجماعة النسائية المنظمة في العديد من البلاد وسيطرتها على الآلاف من النساء، تجد كثيرا من العلماء والناس لا يعرف عنها شيئاً أو لا يستطيع أن يتحدث عنها ومن أمثلة ذلك أن موقع إسلام أون لاين سئل عن هذه الجماعة فكانت الإجابة: "إذا عرفت الحق عرفت أهله"! هكذا دون بيان حقيقة هذه الجماعة أو عقيدتها! وسئل أيضاً الشيخ فيصل مولوي وهو من علماء لبنان ورئيس جماعة الإخوان المسلمين فيها عن هذه الجماعة فكان جوابه: "ليس عندي معلومات خاصة عن هذا التنظيم"!! ( موقعه الشخصي ) .
وفعلاً بدأنا رحلة البحث عن هذه الجماعة فلم نجد دراسة وافية عنهم سوى كتابا بعنوان "تقرير عن جمعية بيادر السلام النسائية ـ الكويت" وهو من إعداد لجنة من الباحثين، وشريطا للعلامة الألباني رحمه الله، وكتابا لجماعة الأحباش عن هذه الفرقة! إضافة إلى كتابات قليلة غير عميقة في شبكة الإنترنت.
لذلك دعت الحاجة لبيان حقيقة هذه الجماعة والتنظيم، ونحن ندعو كل القراء للمشاركة في تزويدنا بما لديهم عن هذه الجماعة من حقائق ووثائق.
منيرة قبيسي
خريجة كلية العلوم بجامعة دمشق، ثم التحقت بكلية الشريعة، وعيّنت مدرسة لمادة العلوم في إحدى مدارس دمشق، وكان عمها من تلاميذ أحمد كفتارو، مفتي سوريا الذي توفي مؤخراً وشيخ الطريقة الصوفية النقشبندية في سوريا، وهو الذي أشار عليها بالدخول إلى هذه الطريقة الصوفية، وقد بدأت القبيسي نشاطها في سنوات السبعينات من القرن الماضي. وهذا سبب من أسباب العداء الحبشي .
العقائد والأفكار
1ـ تحمل هذه الجماعة أفكار الطريقة النقشبندية وهي إحدى طرق الصوفية، كما سيأتي ذلك مفصلاً، ويظهر هذا من خلال الاعتقاد بوحدة الوجود، وتقديس الشيخة والتسابق إلى تقبيل يدها، وقدمها أحياناً على نحو ما يفعله الصوفية تجاه شيوخهم.
2ـ تكرر في أقوالهن وكتب شيخاتهن الاعتقاد بوحدة الوجود، وهي عقيدة صوفية فاسدة، تعني أن اللّه والعالم شيء واحد، وأنه لا فرق بين الخالق والمخلوق.
وقد جاء في كتاب "مزامير داود"، وهو من أقدم وأهم مؤلفات هذه الجماعة، ما يفيد اعتقادهم بوحدة الوجود، فقد ألفت إحدى شيخات هذه الجماعة واسمها نوال أ. كتاباً سمّته "المتاح من الموالد والأناشيد الملاح"، وأعادت فيه ذكر بعض العبارات التي وردت في "مزامير داود"، وأضافت عليه أشياء تؤيد الاعتقاد بوحدة الوجود، من قبيل:
يا جمال الوجود *** طاب فيك الشهود
ومن قبيل: أنت نسخة الأكوان فيك صورة الرحمن.
3ـ تقديس الشيخة، وعدم مناقشتها، واعتبار أن أمرها مطاع. وأنه مقدم على طاعة الأب أو الزوج أو لي الأمر. ويقولون في هذا الصدد: "لا علم ولا وصول إلى الله من دون مربّية". و"من قال لشيخه لِمَ، لم يفلح أبداً". و"كوني كالميتة بين يدي آنستك". وهن يعتبرن منيرة قبيسي إحدى مجددات الدين.
4ـ المواظبة على بعض الأذكار والصلوات المبتدعة، مثل صلاة التسابيح، وصلاة ركعتين قبل المغرب ويسمونها صلاة الأوّابين"، ولديهن ذكر يطلق عليه "الصلاة النارية".
وللمنتسبات إلى هذه الطريقة ورد يومي، وهو عادة مرتين بعد صلاة الفجر، ومرة بعد العشاء، وهو بأن تجلس المريدة متوجهة إلى القبلة بعد الانتهاء من الصلاة والدعاء ثم تقول: اللهم يا مفتح الأبواب، ويا مسبب الأسباب، ويا مقلب القلوب والأبصار، ويا دليل الحائرين، ثبت قلبي على الإيمان.
وتتخيل المريدة شيختها، والآنسة الكبرى "منيرة قبيسي" أمامها، فإن فعلت ذلك تخيلاً وأصبحت ترى وجه شيختها، فعليها أن تبدأ بالذكر لأنها هي التي تربط قلبها بالله، لأنه سيمتد قبس من نور من قلب "الشيخة"، أو الآنسة إلى قلب الفتاة ليوصلها إلى الله!(60/140)
5 ـ استعمال السحر، والاستعانة بالجن ضد من يترك جماعتهن، أو يتكلم عنهن بسوء. وقد حدثت عدة حالات بهذا الصدد، يقول زوج إحدى العضوات السابقات في الكويت بعد أن اكتشف حقيقة الجماعة، وساءت علاقته معها: "وبعدها بدأت محاربتهن لي، وذلك بوضع مواد السحر كالبيض الفاسد على سيارة ولدي البكر، ومرات يضعن الدم على سيارتي، ومرات يسكبن سوائل على مدخل بيتي،... وقد لمسنا تأثير تلك الأعمال الشريرة على ولدي وعلى نفسي وتعالجنا منها، والحمد والفضل لله وحده.
المفاهيم والسلوكيات الخاصة
1ـ العزوف أحياناً عن الزواج، رغبة في التفاني في خدمة الجماعة، وعدم الانشغال بشيء عنها، إضافة إلى ضرورة استئذان الشيخة في أمر الزواج.
2ـ تمييز أنفسهن بلبس الجلباب القصير إلى أنصاف الساقين، والمنديل المعقوف (المربوط داخل الجلباب) ولا يخفى ما في ارتداء هذا الجلباب من مخالفة الشرع، إذ أن الجلباب لا بد أن يكون ساتراً للجسد كله.
ولهن في لبس الجلباب نظام خاص، بحيث أن لون الجلباب يعبر عن مرتبة الانتماء للجماعة.
3ـ انعزال هذه الجماعة على نفسها، وتظهر هذه الانعزالية في عدم قدرتهن على الاندماج الحقيقي مع المجتمع (صداقات ـ علاقات أسرية) مادامت خارج نطاق جماعتهن. ولذلك يستخدمن التقية والكذب مع الأهل والمجتمع.
4ـ الحرص على استقطاب الفتيات الموسرات، لذلك تحتل المكانة الاجتماعية والثراء والذكاء معايير هامة عند انضمام الفتيات إلى هذه الجماعة.
5ـ السرية التامة في جميع الأمور والاجتماعات والبيانات، ويطلقون على ذلك "الحس الأمني".
6ـ اهتمامهن بالرقائق والإيمانيات على حساب طلب العلم الشرعي، إذ يلاحظ الضعف العلمي العام لدى المنتسبات، وعدم وجود منهج محدد ومنظم لدراسة العلوم الشرعية، ومعظم الكتب التي يتم تدرسيها هي لمؤلفات من الجماعة.
7 ـ توجيه العضوات إلى العمل في قطاع التعليم، باعتباره عملاً "يخدم الدعوة، ويغذيها بالعناصر الجديدة". كما تتلقى العضوات تعليمات حول كيفية التعامل مع الطالبات، من البشاشة، وحسن المعاملة، وإلقاء السلام، ليسهل التحبب إليهن، وترغيبهن في الانضمام إلى الجماعة.
8 ـ كشف أسرار البيوت للمربية، بحجة أن ذلك يساعدها في أن تأخذ يد الفتاة إلى الله، ويعتبرون المربية كالطبيب الذي يجب أن يتم إخباره بالخصوصيات ليساعد في العلاج، ويقولون "يجب أن يستعلي عندك حب الشفاء على الحرج من كشف العورات"، ويقولون أيضاً "بين إخواني أكسر ميزاني".
9ـ كثيراً ما تتميز علاقاتهن مع أزواجهن وآبائهن بالتوتر، كون الشيخة أو الآنسة تسعى لأن تكون الآمر الناهي حتى في العلاقات الزوجية، وبسبب كثرة الخروج من المنزل، وتقديم أمر الجماعة على أي شيء آخر.
الانضمام إلى الجماعة
1 ـ من أسس الدخول في الجماعة كتابة رسالة توضح فيها الفتاة أسرارها الشخصية الخاصة والذنوب التي ارتكبتها، على طريقة كرسي الاعتراف عند النصارى، ولهن عبارة في ذلك وهي (افتضح واسترح).
2ـ تقسيم الفتيات إلى مجموعات وحلقات، وكل حلقة تحتوي على مجموعة بينها صفات مشتركة كالعمر والفترة الزمنية في الدعوة، وغير مسموح للفتاة بحضور حلقات غير الحلقة التي تخصها.
وعموماً، هناك ثلاث فئات للفتيات كما في نظام جمعية بيادر السلام - الكويت وهي:
أ ـ النوادر: وهن البنات من عمر 14ـ 18 سنة.
ب ـ البشاير: الفتيات من عمر 18 ـ 24 سنة.
ج ـ البيادر: الفتيات من عمر 24 سنة فما فوق.
الانتشار والمؤسسات
تفرقت تلميذات منيرة القبيسي في أنحاء مختلفة من بلاد الشام ودول الخليج، واستطعن تأسيس عمل نسائي، وجماعات حملت اسم الشيخة غالباً، في حين تعتبر منيرة قبيسي زعيمة هذه الجماعة، أو "الشيخة الكبرى" أو "الآنسة الكبرى" كما يطلقن عليها، وبسبب وجودها في سوريا، أصبحت زيارة الشام عندهن أشبه بالواجب، أو الحلم، حتى أطلقت بعضهن اسم "رحلة كعبة المعاني" على رحلة الشام، في حين أن التوجه إلى مكة المكرمة لأداء الحج والعمرة هي "رحلة كعبة المباني".
وللقبيسيات دعاء خاص عند مقابلة قبيسي هو: اللهم اجمعنا على ألمها، واجمعنا على أملها.
1ـ سوريا
يطلق عليهن هناك اسم "القبيسيات"، ولهن من المدارس هناك "مدارس النعيم"، ومن المكتبات المهتمة ببيع كتبهن "مكتبة السلام"، بالقرب من دائرة الجوازات والهجرة في دمشق.
وتعتبر سعاد ميبر، أبرز تلميذات القبيسي في سوريا، وهي تدرس في "معهد الفتح" فرع الإناث في دمشق، وكتبها مقررة عند هذه الجماعة، ومن كتبها "عقيدة التوحيد من الكتاب والسنة".
ولهن العديد من المدارس والمعاهد في سوريا.
2ـ لبنان
تزعمت الجماعة هناك في البداية، أميرة جبريل،وهي شقيقة أحمد جبريل الزعيم اليساري الفلسطيني ، ولكن أميرة جبريل أخلت الساحة فيما بعد لسحر حلبي، حيث صرن في لبنان يعرفن بالسّحريات، وبلغ من تعصبهن هناك لسحر حلبي أن بعضهن فسّرن قول الله تعالى "ونجيناهم بسحر"، أي أن الله نجّاهن من الضلال بسحر حلبي!
3ـ الأردن(60/141)
ويعرفن فيها باسم "الطبّاعيات" نسبة إلى شيختهن فادية الطباع، التي تملك وتدير مدرسة بارزة في العاصمة عمّان، هي مدارس الدر المنثور في حي أم السماق، حيث تعتبر تلك المدرسة أهم معاقل هذه الجماعة، إضافة إلى مدرسة أخرى في عمّان، هي مدرسة الخمائل.
وكانت فادية الطباع فيما سبق تدرس في مدراس الأقصى التي أسسها شاعر الأقصى يوسف العظم، وكانت على خلاف مع الدكتورة مهدية الزميلي، أبرز الداعيات في جماعة الإخوان ومديرة مدارس الرضوان حاليا بسبب قضية تقصير الجلباب وإظهار الساق، كما يروي العظم ذلك في سيرته.
4ـ الكويت
أسست الجماعة فيها أميرة جبريل، شقيقة أحمد جبريل زعيم إحدى المنظمات اليسارية الفلسطينية. ثم تأسست "جمعية بيادر السلام النسائية".
وجمعية بيادر السلام هي الجمعية الرسمية التي تعمل الآنسات من خلالها، وقد تأسست سنة 1981م، وتشرف على عدد من المؤسسات التربوية منها: مدرسة القطوف الخاصة، وحضانة السلام، وحضانة دار الفرح.
ورأست مجلس إدارة الجمعية دلال عبد الله العثمان. وقد جاء إنشاء الجمعية نتيجة جهود كبيرة بذلها يوسف سيد هاشم الرفاعي رأس الصوفية الكويتية، بعدما فشل في دعوة الرجال على مستوى الساحة الكويتية، ولجأ بذكاء إلى الجنس النسائي مستغلاً عاطفتهن وقلة علمهن، وموجداً بهذا التوجه متنفساً لمشاكلهن الاجتماعية وظروفهن الأسرية.
وللجماعة كذلك انتشار في دول الخليج ومصر وفلسطين، وبعض الدول العربية والأجنبية ولكن لا توجد معلومات كافية عن ذلك.
=============(60/142)
(60/143)
جماعة القبيسيات في الإمارات العربية المتحدة ..شر وبلاء..
المملكة
03-30-07, 12:16
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
أخواتي،،، نقلت لكن موضوع نقلته أختنا " أم عبدالعزيز الأثرية" في موقع سحاب السلفية ، تحذر فيها عن القبيسيات في الإمارات ... (هذا و الله أعلم) نسأل الله أن يعنا و يوفقنا لما يحب و يرضى ... و القصة نقلتها من هذا الموقع
http://www.sahab.net/fo r ums/showth r ead.php?t=342757
أخواتي السلام عليكن و رحمة الله و بركاته... إنما أعرض قصتي عليكن اليوم فقط من أجل ألا تقعن فيما وقعت فيه ... فرجاء افرءنها و تمعن فيها ... ثم ابحثن عن الكلمة المقصودة في مواقع البحث .. و ستتعرفن عليهن جيدا ... حلما كنت أحياه .. أن أجد من ينتشلني من عالم لاه إلى عالم يحفنا الرحمن فيه من كل حدب .. إلى رفقة العمل الصالح لديها عشق .. باحثة أنا وماضية في طريقي ذاك ... حتى كان ذلك اليوم .. أخذت بناتي فيه إلى مركز لتحفظ كتاب الله ..
تعرفت عليهن و سلمتهن فلذات كبدي و صفاء قلبي .. انخرطت معهن في القيام ببعض الأعمال التطوعية و الفنية .. في المركز و في بعض المدارس بحكم علاقاتي الاجتماعية .. وفي بيتي.. حولته إلى ملتقى لكل أخت أحبها .. دروس فقه و تجويد و تفسير .. جمعت أطفال الحي . أسبوعيا و كنت أحضر لهم برامجا ترفيهية و فنية بالإضافة إلى برامج تحفيظ القرآن .. هن من تعرفت عليهن كن من يقمن بتحفيظه لهم ..
لم أقصر بوقت لدي أو طاقة أملكها .. إلى أني بالرغم من كل ما كنت أقوم به لاحظت حدوث أشياء غريبة .. جدا لم أتقبلها أبدا .. منها تعلقا مني بإحداهن تعلقا غريبا .. خيالها في خاطري جائل ليل نهار .. صوتها .. همساتها .. كلماتها .. رانة في أذني تنفسا و عسعسة .. نظراتها لي و نظراتي إليها .. زياراتها لي و زياراتي إليها ..كل شيء كان غريب .. فسرته هي على أنه كحب الأم لابنتها .. لم أستطع يوما أن أطلق عليه مسمى يناسبه .. صاحب ذلك أعرض غريبة أشعر بها لأول مرة وهي ضيق في التنفس و حرارة في الصدر و فقدان الشهية ..
و في لحظة سفرها لظروف عائلية ستقضي خلالها مدة خارج أرض بلادي .. انتابتني حالة هستيرية .. ظللت على أثرها أبكي لأيام .. لا أعرف كيف قضيتها .. طبعا هن لم يتركنني لحالي أبدا ظللن حولي و معي .. .............................. حانت لحظة أن عرفنني عليها .. أسمينها الأم الروحية ... أكبرنها في خلجاتي قبل أن أراها ... صوتها وصل بيتي قبل جسدها ... التقيتها ...
طلبت مني عهدا ... عاهدته إياها .. لم أجد فيه خطأ .. وهوأن نتعاهد على خدمة دين الله و رسوله _ عليه أفضل الصلاة و السلام _ ما حيينا ... ... مضت بي أيام ثم وجدت مشاعري رافضة أي وجود في داخلي لغيرها ... عندما أرفض القيام بعمل يطلب مني نتيجة الضغوط ... تحادثني هي لأجدني أقوم به بكل رغبة .. كلمة منها تتبدل أحوالي من الرفض إلى القبول ... عنما أتساءل يقلن لي هي محبة في الله .. غيرت أحوالك ... و كل ما تعانينه منه ... كيف تكون المحبة هكذا كأنك لا ترى في الوجود غير هذا الشخص ؟
المهم ... ذات ليلة شعرت بآلام حادة في قلبي .. كأن أحدا اقتلع منه قطعة ... لست أدري لم اتجهت إليها بتفكيري أنها فعلت ما فعلت ... جاءت في زيارة ... قاطعتها فيها .. إلى أن حان موعد سفرها .. سلمت عليها .. فقالت لي .. كنت أعالجك .. لا أعرف وما زلت ما الذي كان يحدث .. تساؤلات كثيرة مرت بي اتصلت بعدها بشيخ ... فطلب مني الابتعاد عنهن ..
و أعطاني علاجا حذرني من التحدث معها خلاله .. بدأت به عازمة على الاستمرار .. ليرن الهاتف .. لأفاجأ بها تقول لي كلمات لا أذكرها .. تجمدت مسمرة في مكاني ... و إذا بالهاتف يرن ثانية قبل أن اتحرك لأفاجأ بها ثانية .. لم أستطع الاستمرار في الرقية بعدها ... لا أعرف كيف مضت بي الأحداث فقد اختلطت لدي الأمور ..
بدأت أسمع أصوات بداخلي .. كثيرة كانت و ما زالت .. آلم تعذيب .. تدمير .. لا أدري ما المسمى الذي يجب أن أطلقه على ما مررت به و ما زلت ... قاربت على الجنون .. لا لا كنت مجنونة ..بدأت أحادث نفسي و أتصرف تصرفات المجانين .. فرأسي لم يعد يحتمل المزيد .. تاه أهلي بين الرقاة و الطب النفسي .. أجمع الرقاة على أنه سحر .. أحدهم قال إنه مشروب .. و أحدهم قال إنه من عمل الخادمة .. و غيرهم قال لا أستطيع أن أخبركم ...
أما الطب النفسي فوالله .. لا أعرف كيف أصفهم .. هؤلاء هل هم أطباء أم ....؟؟؟ إنهم من زادوا علي بلائي و مصيبتي ... و جعلوني مدمنة على المنوم ..و أدويتهم تسبب أعراضا هي الأخرى .. كضيق التنفس و خمول و الرغبة في الابتعاد عن الناس و التفكير و غيره .. فأدويتهم لم تكن إلا دمارا على دمار ....
تحولت حياتي فيها إلى أنقاض .. أحاول إنقاذ ما يمكن إنقاذه .. تخلصت فيها من الأدوية .. إذا استطعت أن أحتفظ بقواي العقلية فلن أسمح لأي كان أن يأخذني إلى طبيب نفسي .. و إذا لم أستطع فليفعلوا ما بدا لهم أنه الصواب ...(60/144)
فأنا أتعرض لإيذاء شديد في مختلف أنحاء جسدي .. مركز في رأسي .. أنواع لا تعد و لا تحصى من الآلام و العذاب .. لم و لا تترك خلية من خلايا جسدي يوميا دون ألم .. قد أكتب يوما ما عن ما يفعله بي ... نعم عما يفعله هو بي .. فأنا الآن معي ثلاثة ... أعلن اثنان إسلامهما ... بعد مضي فترة لهما معي .. أما الثالث ... فهو عدا عن التعذيب المستمر ... يسب الله _ عز وجل _ و رسوله عليه أفضل الصلاة و السلام .. باستمرار .. يبعث إلى خيالي ما لا يمكن أن يحتمله مخلوق .. مثلا..
يلوث القرآن بالنجاسات .... الكعبة يصور كل من حولها يعمل عليها أشياء منكرة ... الأطفال و خاصة أبنائي يصورهم و كأنه يغتصبهم ... أمي و هي أمكم .. امرأة كبيرة ربت و تعبت .. تقوم معظم الليل و تقرأ القرآن في النهار .. ما زالت تقوم على خدمة أمها و ترعاها .. يصورها على الكعبة و على المصحف و هي ....
ترى كم سأكتب ... و كم سأصف ... أو ما الذي ينتظرني .. بعد كتابتي لهذه الكلمات ... اضطررت إلى الاستغناء مجبرة عن 99% من واجباتي لا أقصد تجاه أهلي .. أو جيراني .. فهؤلاء لم يعد يوجد لهم حيز فيما تبقى في داخلي ... اضطررت عن الاستغناء عن واجباتي تجاه أطفالي .. و زوجي و بيتي ..هل تعرفون لماذا ؟؟ حتى أستطيع الاحتفاظ بعقلي أطول فترة ممكنة ... حتى أستطيع أن أبقى معهم ما استطعت ... وهكذا تمضي بي الأيام كل يوم أضحي بالمزيد و المزيد .. أنا الآن معهم .. لكن جسد فقط لا أؤدي ما تؤديه أي أم تجاه أبنائها ... و لا زوجها و لا أهلها .
.و مرت بي الأيام إلى أن عرضت حكايتي في منتدى للرقية الشرعية لأفاجأ أن ما بي هو خليط من أسحار عدة و مس من أكثر من شيطان ... ومضيت لأشهر و أنا أعالج ذاتي بالرقية الشرعية و اتبعت الجدول العلاجي الذي وصفه لي الشيخ فتحسن وضعي كثيرا و طلبت من صديقاتي المواظبة على قراءة البقرة لتفاجأ كل منهن بشيطان يسكنها .. فأرسل لي الشيخ موقعا قال لي اقرئيه .. لأتفاجأ بالمصيبة .. نعم هن القبيسيات الصوفيات اللاتي دمرن حياتي ..
فقد كن يذكرن شيختهن التي أسست الجماعة دائما .. إنهن يتسللن إلى البيوت .. يتعارفن على النساء في أي مكن ثم يقررن ما الشيء الذي قد يستفدن منه ممن تعرفن عليها .. إما لسلب مالها لدعم الجمعية أو للعمل معهن في جمعيتهن أو للوصول من خلالها لأحد ما .. أو فقط من أجل أن تستمر في الحضور إلى الجمعية لطلب العلم على أيديهن أو الوصول إلى بناتها ..
و قد علمت من الشيخ أن الكثير من النساء يعانين مما أعاني منه فقط لأنهن اكتشفن حقيقتهن .. ادخلن إلى مواقع البحث و ابحثن عن القبيسيات و اقرأن عنهن و عن عقيدتهن و عن خطرهن القادم .. و الحمدلله بفضل من الله بطلت العديد من تلك الأسحار و كنت حين يبطل كل سحر أشعر أن هناك من يسحب روحي من داخلي و أنا أصرخ بكلمات تبين ما المقصود من ذاك السحر .. و تفاجأت بإبطال أسحار أبطلها الله بفضله معدة لأمد بعيد حيث أنهن كن ينوين إرجاعي إلى الجمعية دون أن أنتبه أنا لذلك ، لكن الله سبحانه و تعالى كشف أوراقهن ..
و ابتدأن معي معركة جديدة .. عندما عرفن بأني طرقت باب الرقية الشرعية .. قمن بتجديد ما يقمن به من السحر .. أنا أتلو كتاب الله فيبطل و هن يجددن ... ثم بدأن بإرسال هدايا لي عن طريق زوجي و ابنته من زواج سابق و أخته ... فقد وضعن شياطينا فيهم ليقمن بإيصال ما يجددن من سحر لي ... و كل سحر كان بمثابة عذاب جديد و ألم جديد ... ومعه يرسلن برسائل توضح طلباتهن مني و ما يردنه مني ...
يردنني أن أعود إلى العمل في تلك الجمعية التي تعتمد في عملها على السحر و الشياطين و الشرك بالله .. يردنني أن أعمل في إغواء نساء بلادي ... وطبعا كلما تعرفت على امرأة يبدأ الشياطين بتوصيل ما يعرفنه عنها إلى تلك الساحرة .. لتبدأ بسحرها ..
مضت خمس سنين و أنا أعاني في عذاب دائم و ما زلن يلاحقنني ... لأني اكتشفت عنهن ما لم يعرفه أحد .. فهن لا يسمحن لأي واحدة أن تصل إلى معرفة ما أعرفه عنهن .. وهن أردن أن نكون ساحرة مثلهن و هذا يعني أن أكون بمرتبة الآنسة لديهن ... لأغش و أخدع نساء وطني الحبيب .. و لا أحد يستطيع أن يوقفهن إلا الله .. لأنهن توصلن بالسحر إلى الالتفاف حول أكبر العائلات بالبلد و يدعمنهن بشكل كبير ... فلم يبق بيدي إلا أن أنشر حقيقتهن ... و أحاول أن أوصلها إلى كل بنت أو امرأة حتى لا تقع ضحية لهن و يحصل لها ما حصل معي ... و تصل إلى درجة الشرك بالله .. لكني والله لن أشرك بربي و لن أسمح لمن ظلمني أن يجعل مني ظالمة لغيري ..
فانشرن رسالتي ...... و من تريد الحصول على أي معلومات فلتراسلني و لكن أرجوكن أريد أن تعلم كل امرأة في وطني عنهن و أن تسمع عنهن .. فأنا لا أدري كم سيكتب لي الاستمرار فيما أ،ا فيه .. فشياطينهن في داخلي و قد أحلن حياتي إلى جحيم .. و لم تعد صحتي تساعدني كثيرا على الصبر لكني اخترت أن أموت شهيدة و لا أن أموت كافرة .. و لن أخدع غيري كما خدعوني ..(60/145)
و قد قامت إمارة الشارقة حفظها الله و أدامها على وعيها بإغلاق جمعيتهن لديها ... بعد ما لاحظوه من أمور غريبة كإرسالهن باص خاص إلى بنات الجامعات في أوقات فراغهن و إخذهن إلى جمعيتهن بحجة تدريسهن العلم الشرعي ... لكن في إماراتي دبي اتسعت أنشطتهن بشكل مخيف .. فليحفظ الله وطني و أوطان المسلمين جميعا من شر من يعيث في الأرض فسادا و من يريد أن يدخل إلى بلادنا عقيدة مستوردة و ثقافة غريبة علينا ... و من شر من يستخدم السحر في إيذاء المسلمين.
منقول وانشره للامانة حتى لا يقع به غيرك .... ولان الجهل بالنساء كبير وعظيم وقد وقع البعض في حبائلهن وذاقن ويلات سحرهم وشعوذتهم فرق الله جمعهم وفضحهم للخلق
واسم الجماعة لا علاقة له بقبيلة القبيسي بابوظبي
==============(60/146)
(60/147)
"القبيسيات" في سورية وانخراط النساء في الدعوة
لم يعد انتشار اتباع «الآنسة» منيرة القبيسي مقتصراً على سورية والدول العربية فحسب، بل ان حلقات «الأخوات» باتت تدق ابواب بيوت في باريس وفيينا لتصل إلى الولايات المتحدة الأميركية. والقبيسيات داعيات إسلاميات أثرن نقاشاً وانقساماً في الأوساط الاسلامية في سورية.
وكلما اتسعت الرقعة التي ينمو فيها فطر «القبيسيات» في الشوارع والمدارس والبيوت السورية والعربية والأجنبية، زادت إثارة وتشويقاً الحكايا والأساطير حول هذه الحركة، اذ بلغ الجدل في شأن «الاخوات» أخيراً شبكة الإنترنت بين من يتهمهن بتشكيل «تنظيم سري خطير» وبين من ينوه بدور الداعيات في «فعل ما عجز عنه الرجال».
وعلى رغم الحذر الشديد الذي يبديه رجال الدين والخبراء في الحديث عن «الأخوات القبيسيات»، هنا محاولة في الاقتراب من الافكار التي يحملونها والمؤسسات التابعة لهن والشكل التنظيمي، ان وجد، الذي يربط الداعيات في جميع المراحل العمرية.
شكلت حركة «القبيسيات» اشكالية كبيرة في الأوساط الدينية السورية. فمنهم من يكفرها، ومنهم من يهتم في البحث بتفاصيل كثيرة في حياة ناشطاتها. وفيما يقول كمال شاهين على موقع «زركار» ان القبيسيات يعتبرن ان «المرأة الصالحة خلقت للمنزل فقط»، تضمنت الإنترنت العديد من المقالات النقدية للحركة تستند اساساً إلى دراسة أجراها أسامة السيد القريب من «الأحباش» تحت عنوان» التنظيم النسائي السري الخطير» وتناول بعض أفكار منيرة القبيسي وأميرة جبريل وسحر حلبي في لبنان وفاديا الطباع في الاردن.
وفي موقع «منتدى السقيفة» حرصت «إحدى الأخوات» على نشر مقال مطول مستند إلى هذه الدراسة، مركزة على اعتبار هذه الجماعة «صوفية تنسب إلى امرأة شامية». وتشير الدراسة إلى ان القبيسيات يعتمدن على السرية في دعوتهن وعدم الإفصاح عن حقيقة عقائدهن وأفكارهن الا بعد ان تمضي العضو الجديدة فترة طويلة في رحاب «الدعوة». وتكشف أنهن يحرصن على استمالة ذوات المناصب أو الثريات أو بنات العائلات الكبيرة لضمهن إلى جماعتهن. وعندما تصل العضو إلى مرحلة الثقة «يكشفن أمامها المزيد من الأسرار».
ومن أفكارهن بحسب الدراسة تعظيم ابن عربي والحلاج، وعدم مناقشة الشيخة واعتبار ان «حبها من حب رسول الله وان المريدة عبارة عن هيكل خلقه الله للتفاني في حب وخدمة الآنسة». ومن شعاراتهن ان «لا علم ولا وصول إلى الله من دون مربية»، واعتبار زيارة الشام واجباً أو لنقل حلماً لكل من يتم لها الإذن بذلك.
وزادت أن الجماعة تقوم على «علم باطني وعلم ظاهري، ويسمى العلم الباطني باللدني». وفي الكويت، حيث صدرت فتاوى ضدهن، تعتقد «القبيسيات» انهن ساهمن في تحرير الكويت من خلال الدعاء.
ويذهب معارضو «القبيسيات» ايضاً إلى ان الحركة تقوم على «وحدة الوجود وتقديس الشيخة والتسابق على تقبيل يدها وقدمها أحياناً» واعتقادهن ان «كل ما تهواه موجود في ذات الله»، الأمر الذي تؤكد عليه الشيخة نوال في كتابها «المتاح من الموالد والأناشيد الملاح» لدى قولها «الوجود، طاب فيك الشهود»، في حين يؤكد الكتاب الأول القول ان «شيختنا معنا أينما كنا» وان أمرها «مطاع»، وانه «مقدم على طاعة الأب أو الزوج وولي الأمر» على أساس القول المتبع لديهن ان «لا علم ولا وصول إلى الله من دون مربية» و»من قال لشيخه لمَ، لم يفلح ابداً».
غير أن النائب الإسلامي حبش، يقدم وصفاً مختلفاً إذ يقول ان «المنطلق يتمحور حول الشيخة. والفائدة تكون بالاقتراب منها وليس التعلم منها وحسب». بالتالي، فان الشكل الهرمي يقوم على تراتبية الحلقات. وكلما زادت أهمية «الداعية» ارتفعت حلقتها واقتربت من «الآنسة».
لكنه يضيف ان الظاهرة «طيبة وتجنب النساء الانحلال الأخلاقي والتطرف»، وان «الآنسة» منيرة «بثت الروح فتكاثرت الحركة بطريقة فطرية. ليس بطريقة احتفالية، بل بطريقة هرمية. وهي نموذج للحالة المحافظة التي تسعى إلى خدمة القيم الإسلامية بالوسائل التقليدية» التي تشمل المدارس والمعاهد و»الحلقات» المنزلية.
من جهته، رفض وزير الأوقاف السوري الدكتور زياد الدين الأيوبي في حديث صحافي اجري أخيراً إطلاق تسمية «القبيسيات» على اتباع منيرة، نافياً ان تكون «تدرس نساء المسؤولين والأغنياء» في سورية بهدف تحقيق النفوذ والامتداد المضمون و»مظلة حماية» توفر لها الحصول على رخص التدريس في المدارس والمساجد وحل الإشكالات لدى ظهورها. لكن البوطي يختلف في نظرته إلى «القبيسيات» عن الأيوبي، اذ يقول ان «المرأة السورية تقوم بدور مميز في الدعوة الإسلامية، أتمنى على الرجال ان يبلغوا هذا الشأن»، لافتاً إلى ان نجاح نشاط «القبيسيات» تحقق لأسباب متعددة منها «الابتعاد عن التيارات السياسية، والابتعاد عن المناطق والمحاور الخلافية، والتركيز على الوحدة الإسلامية، وعلى الجانب الروحي في الإسلام مع عدم إهمال الجانب العلمي».(60/148)
كان ضرباً من المستحيل إجراء مقابلة مع «الآنسة»، بل ان العديد من «الداعيات» الكبيرات لم يرين منيرة القبيسي في حياتهن. وأقصى ما استطاعت «الحياة» الحصول عليه، هو وصف هيئة «الآنسة» من شيوخ شاهدوها قبل سنوات و «داعيات» شاهدنها قريباً.
شبّه إثنان من رجال الدين التقتهما «الحياة» إبتسامة منيرة القبيسي بوجه موناليزا. وقال كفتارو إنها سمراء وطويلة القامة. ونادراً ما يرى أحد وجهها من دون منديل أسود يغطيه. وهي تسكن في منطقة تقع بين شارعي «الشعلان» و «الروضة»، مع عدد من «الآنسات» والداعيات المقربات منها. وقيل انها تعاني من أمراض. وتختلف تسميتها بين «الشيخة الكبرى» أو «الآنسة الكبرى» أو «الآنسة الأم»، غير ان اكثر التسميات شيوعاً هو «الآنسة».
وفي الصف الأول في «القبيسيات» هناك بضع «آنسات» غير متزوجات كما هي حال منيرة. واذا كانت بين داعيات الصف الأول، أميرة جبريل شقيقة الأمين العام لـ «الجبهة الشعبية - القيادة العامة» أحمد جبريل الذي عرف بأفكاره اليسارية قبل عقود، فان باقي الداعيات هن من أبناء الشريحة الغنية في دمشق وبينهن: الآنسات خير جحا ومنى قويدر ودلال الشيشكلي (توفيت قبل فترة) ونهيدة طرقجي وفائزة طباع وفاطمة غباز ونبيلة الكزبري ورجاء تسابحجي والدكتورة سميرة الزايد التي اشتهرت كثيرا بعلمها خصوصاً انها الفت «الجامع في السيرة النبوية» في عشرة اجزاء و «مختصر الجامع» في جزئين في منتصف التسعينات. وهناك أيضاً سعاد ميبر التي تدرس في «معهد الفتح» وصاحبة كتاب «عقيدة التوحيد من الكتاب والسنة».
ما يلفت في «الجامع» لسميرة الزايد ان الدكتور البوطي قدم الطبعة الأولى في العام 1994 بالقول: «اهنئ الآنسة التي عكفت على إخراج هذا الكتاب طبق النهج العلمي الأمثل في خدمة السيرة النبوية والسنة المطهرة والفقة وأحكامه والثقافة الإسلامية. وهو جهد سبقت فيه بحمد الله الرجال في هذا العصر».
ورغم تأكد وجود الكثير من العازبات بين «الداعيات»، فإن احداً لم يقدم تفسيراً لهذا. وفيما يعزو بعض منتقدي «الجماعة» السبب إلى «انهن لا يردن الانشغال بالزوج عن الآنسة» والى انهن يفضلن الحياة الأخرى على الحياة الدنيا، استغرب كفتارو ذلك لأن «لا رهبنة في الإسلام»، غير ان آخرين قللوا من أهمية ذلك، اذ اشاروا إلى العكس، لان «القبيسيات» ناشطات في ترتيب الزيجات، وربما كان هذا من أسباب سرعة انتشار الحركة وزيادة نفوذها، اي عبر زواج الداعيات من رجال الأعمال والمتنفذين والمغتربين. وساهمت الزيجات من مغتربين شباب ورجال أعمال مغتربين في إقامة حلقات قبيسية في فرنسا والنمسا وأميركا.
في «صف القبيسيات الثاني» الداعيات تخرجن من حلقات القبيسيات، ثم أسسن مدارس ابتدائية. وبشيء من الذكاء جمعت منيرة بين الرغبة في الاستثمار ونشر الدعوة الإسلامية، اذ أنها شجعت النساء وأخواتهن على الاستثمار في المدارس الابتدائية. وبحسب المعلومات، هناك عدد كبير من المدارس الابتدائية التابعة لـ «القبيسيات» وغالباً ما تسمى المدرسة بـ «الدار» وبينها «دار الفرح» التي تديرها منى قويدر في المهاجرين و «دار النعيم» و «مدرسة عمر بن الخطاب» في المزة و «عمر عبد العزيز» في الهامة و «دوحة المجد» في المالكي و»البشائر» في المزة و «البوادر» في كفرسوسة.
وتقول مديرة «البوادر» ان مدرستها مثل باقي المدارس الخاصة تتبع منهج وزارة التربية السورية في تعليم المواد المدرجة، لكن الإضافي يكمن في «تخصيص دروس إضافية لتعليم الدين وإقامة نشاطات اجتماعية خارج الدوام الرسمي، إضافة إلى تنظيم مسابقات دينية». لكن أهم عنصر يكمن في كون معظم المدرسات من المحجبات. وتقول المديرة التي رفضت ذكر اسمها: «نعلم الطفل الأخلاق الحسنة والصدق، والأمانة، والأدب، واحترام الوالدين».
وتبدو قصة هذه المدرسة نموذجية لجهة فهم كيفية انتشار مدارس «القبيسيات». اذ ان «البوادر» تأسست العام 1977، وكانت مدرسة عادية. لكن آل الملاح، كانت لديهم مدرسة صغيرة في حي المزة وتحقق نجاحاً بعد آخر بسبب اهتمامها بأصول الدين وجهدها لحماية التقاليد. وتقول المديرة: «في العام 1999، اشترى اخوتي هذه المدرسة ووسعنا الصفوف لأن الإقبال بات عليها كثيراً».
وبين إقبال الشرائح الوسطى لأسباب مالية على مدراس ناجحة لأن إقساط المدارس الخاصة الأخرى تصل إلى بضعة آلاف من الدولارات مقابل بضعة عشرات من الدولارات في «البوادر» وزميلاتها، يلعب العامل الاقتصادي بعداً إضافياً يعمل مع البعد الأخلاقي في إنجاح هذه المدارس واتساعها في دمشق وباقي المدن. ويروي أحد الآباء العلمانيين: «كنت أرسل أبنائي إلى مدرسة خاصة مسيحية. لكن فجأة سألني ابني ما اذا كان مسيحياً أم مسلماً، فقررت ان انقله إلى مدرسة عمر بن الخطاب في المزة».(60/149)
تشرف «القبيسيات» على تدريس مئات الآلاف من التلاميذ منذ نعومة أظافرهم وبطريقة محافظة تلازمهم في المراحل اللاحقة عبر الدروس أو المساجد، وصولاً إلى رعايتهم عبر المساعدات الخيرية والأهلية وتقديم بعض الخدمات الطبية في مستشفى «سلامة» الواقع خلف السفارة الأميركية والتابع لهن، وعبر توفير بعض الكتب الحاملة لأفكارهن من خلال مكتبات امتلكنها مثل مكتبة «السلام» في منطقة البرامكة وسط دمشق.
وتروي إحدى فتيات منطقة «القنوات» في دمشق القديمة ان معظم آنساتها كن جميلات وكن من «القبيسيات»، وان مدرسة منهاج الرياضيات حاولت إقناعها بضرورة وضع الحجاب. وتقول: «كانت الآنسة ترتدي البانطو الكحلي الغامق والحجاب الأزرق الغامق. وكانت ترتدي تحت البانطو تنورة زرقاء مع قميص ابيض وجوربين سميكين وحذاء اسود من دون أي كعب». وتضيف: «سألتني ذات مرة. هل تستطيعين تحمل حرارة الصيف؟ فقلت: لا. عندها قالت: ماذا عن نار جهنم. وعندما فشلت في إقناعي بوضع الحجاب، حاول عدد من الفتيات المحجبات دعوتي إلى عيد ميلاد إحداهن. لكن فوجئت ان معظم الحديث كان عن ضرورة وضع الحجاب».
حلقات «سرية»... ودروس علنية
يتأرجح نشاط «القبيسيات» المنزلي بحسب الظروف المحيطة أمنياً وسياسياً ودينياً في البلاد والمنطقة. وسجلت العقود الثلاثة الأخيرة انتقالهن بين النشاط العلني والدروس في المساجد والمدارس وبين اقتصار نشاطهن على البيوت.
ويرى حبش ان ابرز ما يميزهن هو «تجنب الدخول في السياسة سواء تأييد النظام أو رفضه. والجماعة لم تتورط في أي عمل ضد البلد». هذا في المرحلة التي شهدت صراعاً مسلحاً وعنيفاً بين تنظيم «الإخوان المسلمين» والسلطات في نهاية السبعينات وبداية الثمانينات.
وفيما يعتقد خبراء مستقلون ان «القبيسيات» يشكلن الظل النسائي للإسلام السياسي، يقول حبش ان «لا مشروع سياسياً لديهن. لجأوا إلى العمل السري بسبب ظروف سورية في الثمانينات». أي أنهن لسن تنظيماً بل خلايا تنمو في شكل حلزوني وتصاعدي.
والمقصود بـ «السرية»، ان «القبيسيات» كن يلجأن في السنوات السابقة إلى الحذر لدى تنقلهن أو تجمعهن في البيوت الخاصة لإعطاء دروس دينية دورية. ومن أنواع الحذر ان لا يخرجن سوية في شكل جماعي لدى انتهاء الدرس وان لا يضم الدرس اكثر من ست طالبات، باستثناء المناسبات العامة مثل احياء ميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم أو ليلة القدر. وهناك اعتقاد ان المناسبات الاجتماعية والدينية تشكل مناسبة لكسب عضوات جديدات.
وقيل ان مرتبة «القبيسية» تعرف من لون منديلها، فكلما اقترب اللون إلى الاسود اقتربت الداعية من الآنسة منيرة. لكن الأمر الأكيد، ان اللباس الموحد المعتمد، هو المعطف الكحلي مع غطاء رأس بلون كحلي ترتدي تحته القبيسية «قمطة» لشد الشعر تحت الغطاء. وبعض القبيسيات يرتدين منديلاً اسود لغطاء الوجه، مع جوربين نسائيين سميكين وحذاء اسود من دون كعب. وتؤكد الداعيات على عدم تشذيب الحاجب و «عدم التبرج» عبر وضع المساحيق على الوجه. ويوضح البوطي: «انهن يرتدين الحجاب الكحلي لتمييزهن عن غيرهن. وغطاء الوجه ليس اجبارياً. ليس هناك إجبار على ذلك إلى ان يصير ثبات ديني عند الفتاة، بعدها ممكن ان تلبس المنديل اذا شاءت».
ولم يكن صدفة اختيار «الآنسة» منيرة اللون الكحلي، ذلك ان هناك اعتقادا شائعاً ان سبب اختيار اللون هو للدلالة على «الوسطية بين الأبيض والأسود، بين التطرف والإعتدال». وقال البوطي: «لديهن مقاربات علمية وفكرية ومعظمهن من خريجات الجامعات وعلوم الطب والهندسة، وهن منفتحات وابعد ما يكن عن التطرف».
الواضح ان الفترة الأخيرة شهدت تشجيعاً من قبل السلطات لـ «القبيسيات» على عدم إعطاء دروس في المنازل مقابل إعطاء تراخيص لدروس علنية بدلاً من «الحلقات السرية». ويقول صلاح الدين كفتارو: «حركة الدروس في البيوت مخيفة، والنظام الوطني يجب ان يصل إلى الدروس وان تصل الأجهزة والمناظير اليها. بالتالي من حق الدولة ان تمنع الدروس في البيوت، لكن ليس في المساجد».
وكانت السلطات سمحت في الفترة الأخيرة لـ «القبيسيات» باعطاء دروس في مساجد «المحمدي» و «بدر» و «سعد» في المالكي، اذ أوضح البوطي ان عدداً من الشيوخ ابلغ السلطات انه «من مصلحتكم ان تعطوا الموافقات للعمل بالعلن. أعطوهن المواثيق للعمل العلني لأن عملهن مستقيم ووطني ليس فيه أي شائبة ولا علاقة له بالسياسة». واتفق نجلا كفتارو والبوطي على ان «الأخوات القبيسيات يقمن بالدعاء المستمر للرئيس بشار الأسد من دون التطرق إلى السياسة». وزاد البوطي: «ولاؤهن للوطن كبير».
«الآنسة الأم»
ولدت منيرة القبيسي عام 1933 في دمشق في أسرة تضم عشرة أطفال: ستة شباب (بهجت، وليد، موفق، ماهر، ممتاز، رضوان) يعملون في التجارة أو المهن ذات الكفاءات العلمية العالية، وأربع فتيات يعملن ربات بيوت. ودرست منيرة في مدارس العاصمة السورية إلى ان نالت إجازة في العلوم الطبيعية، استندت اليها في التدريس في مدراس حي «المهاجرين» وبقية إحياء دمشق.(60/150)
وفي بداية الستينات، زاوجت بين النشاطين الدعوي والتعليمي، وذلك في ضوء اقترابها من «جامع ابي النور» التابع لمفتي سورية الراحل احمد كفتارو. وقال نجله حسن كفتارو: «نتيجة النشاط الدعوي منعت من التدريس في المدارس».
وساهم هذا المنع من جانب الحكومة اليسارية حينها، في أمرين: الأول، إقامة منيرة في جامع أبي النور والإقبال على التعلم على يد كفتارو، والثاني اتجاهها إلى دراسة علوم الدين في كلية الشريعة في جامعة دمشق.
ويختلف المتابعون في شأن المرحلة اللاحقة. وفيما قال أحد الباحثين ان بروز دور وفاء، كريمة المفتي الراحل، في جامع «أبي النور» كداعية إسلامية، وظهور «منافسة حادة» بينهما دفعا منيرة الى الابتعاد وتأسيس «منهجها واتباعها في شكل مستقل مادياً وفكرياً»، قال النجل الثاني للمفتي الراحل الدكتور محمود: «بالعكس فوفاء تلميذة من تلميذات الآنسة منيرة. وهناك فارق كبير في العمر يزيد على العشرين سنة بينهما يحول دون أي منافسة».
وخلال العقدين الماضيين ترواح نشاط منيرة القبيسي بين العلني والسري، لكنها استطاعت من خلال المزج بين الأمرين من توسيع نشاطاتها في المحافظات السورية قبل ان تعبر حدود البلاد في مرحلة أولى والعالم العربي في مرحلة ثانية، الى ان بلغ عدد «اتباعها» اكثر من 75 ألف فتاة، كحد أدنى، وفق ما أجمعت عليه تقديرات متابعين وشيوخ.
ويقول النائب محمد حبش ان «أحد أسباب نجاح الآنسة منيرة هو رفض الاشتباك مع أي جهة». فهي كانت على علاقة جيدة مع كفتارو ومجمعه الفكري وطريقته الصوفية، بل أن نجله صلاح الدين مدير «مجمع أبي النور»، يتذكر كيف أنها طلبت منه أن تختلي بجثمان كفتارو في مستشفى «دار الشفاء» لدى رحيله في نهاية العام 2004. وقال: «بقيت تبكي هناك اكثر من ساعة ونصف الساعة».
ويضيف ان «علاقتها مع أسرتنا قديمة، ذلك أن عمها الشيخ أبا الخير القبيسي كان من جماعة جدي الشيخ أمين». لكن أيضاً هي على علاقة فكرية ودينية وشخصية مع العلامة محمد سعيد رمضان البوطي، بل انه من اكثر المتحمسين الى «الاخوات اللواتي ضربن المثل بالحضارة والدين والوطنية والمثل العليا». وهي أيضاً على علاقة جيدة مع «جماعة» الشيخ عبد الكريم الرفاعي التي يدير شؤون مؤسسته نجلاه سارية وأسامة في منطقة كفرسوسة.
ولم تبتعد منيرة القبيسي كثيراً عن «معهد الفتح الاسلامي» التابع لجامع الازهر ومديره مفتي دمشق الشيخ عبد الفتاح البزم وأحد اقطابه الشيخ حسن فرفور، إضافة الى علاقتها مع جماعة الشيخ بدر الدين الحسني والمسؤول عنه الشيخ أبو الخير شكري. ويقول حبش: «كل طرف من الجماعات الدينية في البلاد يقول انها تابعة له أو قريبة منه». وربما أحد أسباب نجاح أسلوبها، هو كون معظم، ان لم يكن جميع، زوجات الشيوخ الكبار أو بناتهم هن من الداعيات «القبيسيات».
دمشق- ابراهيم حميدي
هذه الاسماء لا تعرض ببساطة حتى ان البعض منهن تغير اسمها وبالكامل بحيث انه لا يكون معروفا الا من قبل أشد طالباتها اخلاصا وتفانيا ...
أحداهن كانت تملك معهدا لتدريس اللغة الانكليزية في منطقة المهاجرين ...المعهد مختص بتدريس مواد قسم اللغة الانكليزية حصرا بحيث تساعد الطالبات على النجاح في المادة. للأسف كان لي شرف الانضمام الى المعهد والتعرف شخصيا على الشخصية الفذة التي يقدسنها طالباتها ويتحدثن اليها بلهجة منكسرة لا وبل ويحقدن على من تجرء الى النظر في عينيها مباشرة ومعارضتها الرأي في موضوع ما حتى لو لم يكن ذلك الموضوع دينيا ... كن أشبه بالمنومات مغناطيسيا في حضرتها ... المهم ...لا داعي للقول بأن المعهد كان يتقاضى رسوما باهظة مقابل تقديم "نوطات" هزيلة مكتوبة بخط اليد وكلماتها أشبه بالتعويذة ...المضحك في الأمر أنها كانت تكرر دعواتها بالسخط والويل لكل من تقوم بنسخ هذه "النوطات الثمينة" وتوزيعها على زملائها الغير منتسبين الى المعهد ..أسلوب جديد كان يجدي مع معظم الطالبات اللواتي اضطررن لاخفاء النوطات عم أعز صديقاتهن خوفا من العقاب الذي توعدت به "الآنسة"، والجديد به أنه كان مجديا دون ذكر حقوق الملكية أو أي من هذه الترهات ...
لا داعي أيضا للقول بأن "النوطات" السحرية التي كلفت كل منها حوالي 3000 ليرة سورية على ما أذكر، قد تم توزيعها لجميع الحبايب في الجامعة ونجح الجميع 48 + 2 :twisted:
================(60/151)
(60/152)
القبيسيات
بسم الله الرحمن الرحيم..
أخواتي، تعرفت على هذا المنتدى بالصدفة وأريد مساعدتكم..
تعرفت على جماعة الانسة فادية الطباع واحضر دروسها شخصيا، ولكن الحديث كثير عنهم بانهم سيئون ولا ادري هل اتركهم ام لا؟
علما بأن اهلي معارضين لهم جدا ويحاولون بشتى الطرق ابعادي عنهم!!!!
ساتابع الشرح ان وصلني رد من احداكن ان كان لها علم بحالتي
جزاكن الله خيرا
*محبة الرحمن*
Jul 19 2006, 01:09 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
حياكِ الله اختي الحبيبة
اولا : أهلا ومرحباً بكِ غاليتي في هذا المنتدى الذي سوف تجدينَ فيه بإذن الله
ما ينفعكِ ويعينكِ على التقوى والصلاح , والابتعاد عن المناهج والإعتقادات الباطلة.
ثانياً : وددت منكِ اختي الحبيبة ان تطلعي على هذا الرابط وهو لموضوع تم نقاشه في هذا الملتقى
لعله يفيدكِ بإذن الله اضغطي هنا
ونحن بإنتظار القائمات على المنتدى بارك الله بهن لإجابتكِ الجواب الشافي بإذن الله
المشرفة
Jul 19 2006, 01:12 PM
أخيتي الحبيبة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أسعدني كثيرا تواجدك معنا، فمرحبا وسهلا بك أختًا كريمة، راجية لك المتعة والفائدة.
عزيزتي:
اختلطت بشكل مباشر مع مجموعة من الطباعيات، وأخريات من الجماعة الأصلية "القبيسيات" السوريات.
هذه الجماعة صوفية، ولديهم جهود كبيرة وهائلة في نشر دعوتهم وجذب الفتيات، وهم مدعومين من كثير من زوجات رجال الأعمال والطبقات الثرية. ولديهم المدرسة المعروفة في الأردن "الدرّ المنثور" التي تملكها "آنستهم" فادية الطباع.
لا أدري إن كنت احتككت فيهم كثيرا، وما مدى علمك بمنهجهم. فأرجو أن توضحي لي ذلك بشكل أكثر، كي يكون الكلام أكثر فائدة بإذن الله.
حفظك الله ورعاك.
t r ue
Jul 24 2006, 01:09 PM
(...)
المشرفة
Jul 24 2006, 02:58 PM
أخيتي الكريمة
اختلط علي الأمر، هل أنتِ منهم وتؤيدينهم؟ أم أنك تريدين من يعينك على كشف انحراف منهجهم؟
خير أمة
Jul 25 2006, 08:28 AM
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
أختى الكريمة طيب مادام هم بيتابعون البرامج الدينية و يقرأون الكتب ليش أسمهم الطباعيات او القبيسيات؟؟؟
أختى الكريمة أذكر نفسى و إياكى بقول الفضيل بن عياض
"عليك بجادة السلف و لا يضرك قلة السالكين و إياك و طرق الضلالة و لاتغتر بكثرة الهالكين"
أختى ادرسى منهج أهل السنة و الجماعه و انت تعرفى أين الحق
و كما قال الإمام على رضى الله عنه : "اعرف الحق تعرف أهلة"
بارك الله فيك
و أسأل الله تعالى أن يهدينى و إياك و المؤمنين و المؤمنات إلى كل ما يحب و يرضى
و من فضلك لا تنسى الإجابة على سؤالى لم أسمهم الطباعيات أو القبيسيات؟؟؟!!
باااارك الله فيك
t r ue
Jul 25 2006, 11:49 AM
[font=Tahoma][size=4]
الأخت الكريمة المشرفة
أنا احاول ان اجد من سياعدني على التخلص من الصراع الذي اعيشه
فانا ارى تناقضاً بين ما أراه منهم وبين ما يشيع بين الناس؟
وانا كثيرا ما اسمع قول (لا دين بلا جماعة) لا ادري ان كان حديثاً نبويا ام مجرد قول، ساحاول التحقق
ولكن المهم التواجد مع جماعة سواء الطباعيات ام غيرهم. ما رأيك؟؟
أما عن سبب التسمية فهم لم يسموا انفسهم كذلك ولكن هذا ما شاع بين الناس ان ينسبوهم الى عئلة الطباع او القبيسي
وانا حقيقة لا اهتم لامر هذه التسمية ولكن احاول ان اطمئن الى عقيدتي
أما عن قول "عليك بجادة السلف و لا يضرك قلة السالكين و إياك و طرق الضلالة و لاتغتر بكثرة الهالكين"
فهم في جميع الدروس يستندون الى ما كان يفعله السلف والى الآيات والاحاديث النبوية الصحيحة المتفق عليها
انا خائفة انا تشوب ديني شائبة ولهذا اكتب دروسهم ثم احاول التحقق من صحتها وحتى الآن لم اجد ما يشكك بهم...
unsu r e.gif انا ادور في حلقة مفرغة وحول سؤال واحد: هل اتركهم وابقى لوحدي واكتفي بالكتب والبرامج الدينية دون دعوة ام اسير معهم على حذر وتحقق واحاول نصحهم وتصحيح ما اراه من اخطاء واكون داعية للاسلام؟؟
(اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعلهما علينا مختلطين فنتبع الهوى فنضل)
المشرفة
Jul 25 2006, 03:32 PM
أخيتي الحبيبة
أسعدني ردك، فأسأل الله سبحانه أن ينير قلبك ودربك.
لكني أخالفك تماما القول بأنهم يستندن إلى أقوال السلف في أعمالهن.
فقد عشت معهن فترة، ورأيت العجب العجاب.
لنضرب أمثلة:
1- لباسهن المميز بتقصير الجلباب، وربط غطاء الرأس بطريقة مميزة، والألوان المعينة الخاصة بالـ "آنسات"، بحيث تتميز الآنسات عن غيرهن بالألوان القائمة.(60/153)
وقد حاورتهن عن سبب تقصير "جلابيبهن" أو ما يُسمينه "البالطو"، وأعطيتهن حديث الرسو صلى الله عليه وسلم حينما سألته أم سلمة رضي الله عنها كيف يصنع النساء بذيولهن، فقال عليه الصلاة والسلام: "يرخين شبرًا" فقالت: إذن تنكشف أقدامهن، فقال عليه الصلاة والسلام: "يرخينه ذراعًا لا يزدن عليه"، لكنهن أخذن يراوغن ويفسرن الحديث بتفاسير عجيبة. بل هناك حديث صريح واضح حينما سُئل صلى الله عليه وسلم كما في سنن أبي داود عن أم ولد لإبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف أنها سألت أم سلمة فقالت: إني امرأة أطيل ذيلي وأمشي في المكان القذر، فقالت أم سلمة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "يطهره ما بعده". لكن الشخص إن كان صاحب هوى، وليس لديه منهج صحيح يسير عليه وفق الكتاب والسنة بفهم سلفنا الصالح، فسيردّ الحق. حتى أني بعد أن قالت لي إحداهن أنه لا مشكلة في تقصير الجلباب، لأن الواحدة تكون مرتدية شُرّابا سميكا!، قلت لها إذن يمكنني أن أرتدي فوق الركبة وألبس تحته شُرّابا سميكا!
2- كثير من كتب الفقه لديهن من تأليف "الحاجّة فلانة" ولا يعرفن كتب أهل العلماء الربانيين
3- إن استندن لأحد العلماء، فسيكون من أمثال "البوطي" أو "كفتاور"، ولا أحد يمكنه أن ينكر أنهم من الصوفية أو الداعمين لها.
فعقيدة جماعة الطباعيات والقبيسيات ودروسهن وفقههن ليس على منهج السنّة، وإن تنوعت أساليبهن في جذب النساء لهن، خاصة من فئة الفتيات غير الملتزمات.
4- إطلاق اسم "الآنسة" يخالف ما قلتيه بأن كثير منهن متزوجات. صحيح، ربما من الأتباع -خاصة زوجات رجال الأعمال اللواتي يشكلن دعما ماديا قويا لهن، لكن رئيسات تلك الجماعة "الآنسات" يعرضن عن الزواج، وما رئيستهن الأصلية "منيرة القبيسي" إلا دليلا على عزوفهن عن الزواج.
5- لديهن وساوس لا تُطاق في الطهارة، وما تقصير الجلباب إلا لذلك السبب. أعطيك مثالا، زرتُ إحداهن، وكانت واضعة لمنشفة صغيرة معلقة بجانب باب الحمام من الخارج. وحينما تخرج من الحمام، تأخذ المنشفة قبل أن تدوس الأرض وتنشف قدميها. فلما سألت عن السبب، قيل لي لأن القدم مبللة، فحينما تدوس على الأرض ربما تكون تلك البقعة من الأرض نجسة، وبالتالي تعلق النجاسة بقدمها!!
6- تعاملهن مع "الآنسات" فيه تعظيم مغالٍ وزائد عن حده، حتى أنهن لا يرين شعورهن.
وختاما، هذا بعض مما رأيت بنفسي، وما خفي أعظم، خاصة ما أسمعه من مخالفات كبيرة في اجتماعاتهن وحلقاتهن، والله المستعان.
فهن فرقة وجماعة صوفية نشيطة في الدعوة إلى منهجهن، ولديهن تمويل مادي كبير، ومكانة اجتماعية جيدة، ولا يواجهن تضييقا من السلطات الحكومية.
وبالطبع وبلا شك أن المرء عليه أن يعتزل الجماعات البدعية، وإن جليس وحيدا. لكن مع هذا، الحمد لله في بلدك هناك حلقات ودعوات موافقة للسنة، فإن أردتِ، أرسلي لي على البريد الخاص مدينتك أو حيّك وإن شاء الله أعطيك أماكن الدروس الموثوقة.
أسأل الله سبحانه أن يعينك ويسددك.
t r ue
Jul 25 2006, 10:02 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
أشكرك من أعماقي على هذا التجاوب فأنا في أمس الحاجة إلى الرأي
اسمحي لي يا أختي أن أعلق بأن لقب الآنسة مجرد تسمية ليس له علاقة بالحالة الاجتماعية، وهن يتزوجن حقاً بلا مشكلة بدليل أن الآنسة فادية الطباع متزوجة ولديها أولاد أيضاً!!!
شكراً لك..
(كيف أرسل بريد خاص؟!)
المشرفة
Jul 25 2006, 11:32 PM
الخطوط اشتبكت مع بعضها على ما يبدو :)
الحديث إذن الآن سيكون عن أمر آخر.
وليكون الأمر واضحًا، هل أنت فقط تميلين للسنة، أم أنكِ تُعتبرين سنية؟
وعلى حسب علمي فالشيعة في الأردن نادرين جدا حتى أن البعض لا يعترف بوجودهم، فهل تلقيت تعليمك الأولي في بلدك الأصلي ثم انتقلت للأردن؟
ولي تعليق: ليس جميعهن آنسات، إنما كثير منهن، مثل رئيستهم منيرة القبيسي.
وبخصوص المراسلة، فتفضلي بمراسلتي من هنا:
http://akhawat.islamway.com/fo r um/index.ph...g&CODE=04&MID=4
وين أيامنا
Aug 20 2006, 06:00 PM
السلام عليكم اخوتي
لقد قمت بالتسجيل في هذا النتدى الكريم خصيصا لاجل هذا الموضوع
اردت فقط ان اسأل ان كان الموضوع لا يزال قيد التداول والنقاش او لا و هل الاخت ترو ما تزال متابعة للمنتدى لانني اردت التكلم بحضورها ما دامها هي السائلة
عفا الله عنا و عنكم
لا تنسونا من دعائكم
أمُ إبراهيم
Jul 16 2007, 08:50 PM
السلام عليكم
أختي الحبيبة
اليك قليل من اتفصيل آملة الفائدة للجميع
القبيسيات التنظيم النسائي الصوفي
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
القبيسيات جماعة دينية نسائية تنتشر بشكل خاص في سوريا ولبنان والأردن وفلسطين والكويت ودول الخليج، وتنسب إلى منيرة القبيسي، وهي امرأة سورية تعيش حالياً في إحدى الحارات القديمة في العاصمة دمشق، وتبلغ من العمر 75 عاماً.(60/154)
ولهذه الجماعة، التي تقتصر على النساء، عقائد وأفكار وسلوكيات وتصورات خاصة للإسلام، يمارسنها بشيء من السريّة والانعزالية.وليس معروفاً للآن ما هو سبب الحرص على السرية الشديدة ، بحيث أنهن يرفض حضور أي فتاة لحلقاتهم دون موعد مسبق عن طريق واحدة من عضواتهن الفاعلات ، وهذا يجعل العديد من التساؤلات ما الذي يخفيه هذا التنظيم السري عن المسلمين ؟؟؟
وقد تفرقت تلميذات منيرة القبيسي في بلاد الشام ودول الخليج، واستطعن تأسيس جماعات أطلق عليها: الطبّاعيات في الأردن، والسّحَريات في لبنان...، وبنات البيادر في الكويت. كما استطعن إنشاء الجمعيات الخيرية والمؤسسات التعليمية والتربوية، وتحقيق انتشار لافت بين الأوساط النسائية، خاصة في المدارس والجامعات.
ومع الانتشار الكبير لهذه الجماعة النسائية المنظمة في العديد من البلاد وسيطرتها على الآلاف من النساء، تجد كثيرا من العلماء والناس لا يعرف عنها شيئاً أو لا يستطيع أن يتحدث عنها ومن أمثلة ذلك أن موقع إسلام أون لاين سئل عن هذه الجماعة فكانت الإجابة: "إذا عرفت الحق عرفت أهله"! هكذا دون بيان حقيقة هذه الجماعة أو عقيدتها! وسئل أيضاً الشيخ فيصل مولوي وهو من علماء لبنان ورئيس جماعة الإخوان المسلمين فيها عن هذه الجماعة فكان جوابه: "ليس عندي معلومات خاصة عن هذا التنظيم"!! ( موقعه الشخصي ) .
وفعلاً بدأنا رحلة البحث عن هذه الجماعة فلم نجد دراسة وافية عنهم سوى كتابا بعنوان "تقرير عن جمعية بيادر السلام النسائية ـ الكويت" وهو من إعداد لجنة من الباحثين، وشريطا للعلامة الألباني رحمه الله، وكتابا لجماعة الأحباش عن هذه الفرقة! إضافة إلى كتابات قليلة غير عميقة في شبكة الإنترنت.
لذلك دعت الحاجة لبيان حقيقة هذه الجماعة والتنظيم، ونحن ندعو كل القراء للمشاركة في تزويدنا بما لديهم عن هذه الجماعة من حقائق ووثائق.
منيرة قبيسي
خريجة كلية العلوم بجامعة دمشق، ثم التحقت بكلية الشريعة، وعيّنت مدرسة لمادة العلوم في إحدى مدارس دمشق، وكان عمها من تلاميذ أحمد كفتارو، مفتي سوريا الذي توفي مؤخراً وشيخ الطريقة الصوفية النقشبندية في سوريا، وهو الذي أشار عليها بالدخول إلى هذه الطريقة الصوفية، وقد بدأت القبيسي نشاطها في سنوات السبعينات من القرن الماضي. وهذا سبب من أسباب العداء الحبشي .
العقائد والأفكار
1ـ تحمل هذه الجماعة أفكار الطريقة النقشبندية[1] وهي إحدى طرق الصوفية، كما سيأتي ذلك مفصلاً، ويظهر هذا من خلال الاعتقاد بوحدة الوجود، وتقديس الشيخة والتسابق إلى تقبيل يدها، وقدمها أحياناً على نحو ما يفعله الصوفية تجاه شيوخهم.
2ـ تكرر في أقوالهن وكتب شيخاتهن الاعتقاد بوحدة الوجود، وهي عقيدة صوفية فاسدة، تعني أن اللّه والعالم شيء واحد، وأنه لا فرق بين الخالق والمخلوق.
وقد جاء في كتاب "مزامير داود"، وهو من أقدم وأهم مؤلفات هذه الجماعة، ما يفيد اعتقادهم بوحدة الوجود، فقد
وقد ألفت إحدى شيخات هذه الجماعة واسمها نوال أ. كتاباً سمّته "المتاح من الموالد والأناشيد الملاح"، وأعادت فيه ذكر بعض العبارات التي وردت في "مزامير داود"، وأضافت عليه أشياء تؤيد الاعتقاد بوحدة الوجود، من قبيل:
يا جمال الوجود *** طاب فيك الشهود
ومن قبيل: أنت نسخة الأكوان فيك صورة الرحمن[3].
3ـ تقديس الشيخة، وعدم مناقشتها، واعتبار أن أمرها مطاع. وأنه مقدم على طاعة الأب أو الزوج أو لي الأمر. ويقولون في هذا الصدد: "لا علم ولا وصول إلى الله من دون مربّية". و"من قال لشيخه لم، لم يفلح أبداً". و"كوني كالميتة بين يدي آنستك". وهن يعتبرن منيرة قبيسي إحدى مجددات الدين.
4ـ المواظبة على بعض الأذكار والصلوات المبتدعة، مثل صلاة التسابيح، وصلاة ركعتين قبل المغرب ويسمونها صلاة الأوّابين"، ولديهن ذكر يطلق عليه "الصلاة النارية" [4] .
وللمنتسبات إلى هذه الطريقة ورد يومي، وهو عادة مرتين بعد صلاة الفجر، ومرة بعد العشاء، وهو بأن تجلس المريدة متوجهة إلى القبلة بعد الانتهاء من الصلاة والدعاء ثم تقول: اللهم يا مفتح الأبواب، ويا مسبب الأسباب، ويا مقلب القلوب والأبصار، ويا دليل الحائرين، ثبت قلبي على الإيمان.
وتتخيل المريدة شيختها، والآنسة الكبرى "منيرة قبيسي" أمامها، فإن فعلت ذلك تخيلاً وأصبحت ترى وجه شيختها، فعليها أن تبدأ بالذكر لأنها هي التي تربط قلبها بالله، لأنه سيمتد قبس من نور من قلب "الشيخة"، أو الآنسة إلى قلب الفتاة ليوصلها إلى الله!
5 ـ استعمال السحر، والاستعانة بالجن ضد من يترك جماعتهن، أو يتكلم عنهن بسوء. وقد حدثت عدة حالات بهذا الصدد، يقول زوج إحدى العضوات السابقات في الكويت بعد أن اكتشف حقيقة الجماعة، وساءت علاقته معها: "وبعدها بدأت محاربتهن لي، وذلك بوضع مواد السحر كالبيض الفاسد على سيارة ولدي البكر، ومرات يضعن الدم على سيارتي، ومرات يسكبن سوائل على مدخل بيتي،... وقد لمسنا تأثير تلك الأعمال الشريرة على ولدي وعلى نفسي وتعالجنا منها، والحمد والفضل لله وحده[6] .
المفاهيم والسلوكيات الخاصة(60/155)
1ـ العزوف أحياناً عن الزواج، رغبة في التفاني في خدمة الجماعة، وعدم الانشغال بشيء عنها، إضافة إلى ضرورة استئذان الشيخة في أمر الزواج.
2ـ تمييز أنفسهن بلبس الجلباب القصير إلى أنصاف الساقين، والمنديل المعقوف (المربوط داخل الجلباب) ولا يخفى ما في ارتداء هذا الجلباب من مخالفة الشرع، إذ أن الجلباب لا بد أن يكون ساتراً للجسد كله.
ولهن في لبس الجلباب نظام خاص، بحيث أن لون الجلباب يعبر عن مرتبة الانتماء للجماعة.
3ـ انعزال هذه الجماعة على نفسها، وتظهر هذه الانعزالية في عدم قدرتهن على الاندماج الحقيقي مع المجتمع (صداقات ـ علاقات أسرية) مادامت خارج نطاق جماعتهن. ولذلك يستخدمن التقية والكذب مع الأهل والمجتمع.
4ـ الحرص على استقطاب الفتيات الموسرات، لذلك تحتل المكانة الاجتماعية والثراء والذكاء معايير هامة عند انضمام الفتيات إلى هذه الجماعة.
5ـ السرية التامة في جميع الأمور والاجتماعات والبيانات، ويطلقون على ذلك "الحس الأمني".
6ـ اهتمامهن بالرقائق والإيمانيات على حساب طلب العلم الشرعي، إذ يلاحظ الضعف العلمي العام لدى المنتسبات، وعدم وجود منهج محدد ومنظم لدراسة العلوم الشرعية، ومعظم الكتب التي يتم تدرسيها هي لمؤلفات من الجماعة.
7 ـ توجيه العضوات إلى العمل في قطاع التعليم، باعتباره عملاً "يخدم الدعوة، ويغذيها بالعناصر الجديدة". كما تتلقى العضوات تعليمات حول كيفية التعامل مع الطالبات، من البشاشة، وحسن المعاملة، وإلقاء السلام، ليسهل التحبب إليهن، وترغيبهن في الانضمام إلى الجماعة.
8 ـ كشف أسرار البيوت للمربية، بحجة أن ذلك يساعدها في أن تأخذ يد الفتاة إلى الله، ويعتبرون المربية كالطبيب الذي يجب أن يتم إخباره بالخصوصيات ليساعد في العلاج، ويقولون "يجب أن يستعلي عندك حب الشفاء على الحرج من كشف العورات"، ويقولون أيضاً "بين إخواني أكسر ميزاني".
9ـ كثيراً ما تتميز علاقاتهن مع أزواجهن وآبائهن بالتوتر، كون الشيخة أو الآنسة تسعى لأن تكون الآمر الناهي حتى في العلاقات الزوجية، وبسبب كثرة الخروج من المنزل، وتقديم أمر الجماعة على أي شيء آخر.
الانضمام إلى الجماعة
1 ـ من أسس الدخول في الجماعة كتابة رسالة توضح فيها الفتاة أسرارها الشخصية الخاصة والذنوب التي ارتكبتها، على طريقة كرسي الاعتراف عند النصارى، ولهن عبارة في ذلك وهي (افتضح واسترح).
2ـ تقسيم الفتيات إلى مجموعات وحلقات، وكل حلقة تحتوي على مجموعة بينها صفات مشتركة كالعمر والفترة الزمنية في الدعوة، وغير مسموح للفتاة بحضور حلقات غير الحلقة التي تخصها.
وعموماً، هناك ثلاث فئات للفتيات كما في نظام جمعية بيادر السلام - الكويت وهي:
أ ـ النوادر: وهن البنات من عمر 14ـ 18 سنة.
ب ـ البشاير: الفتيات من عمر 18 ـ 24 سنة.
ج ـ البيادر: الفتيات من عمر 24 سنة فما فوق.
الانتشار والمؤسسات
تفرقت تلميذات منيرة القبيسي في أنحاء مختلفة من بلاد الشام ودول الخليج، واستطعن تأسيس عمل نسائي، وجماعات حملت اسم الشيخة غالباً، في حين تعتبر منيرة قبيسي زعيمة هذه الجماعة، أو "الشيخة الكبرى" أو "الآنسة الكبرى" كما يطلقن عليها، وبسبب وجودها في سوريا، أصبحت زيارة الشام عندهن أشبه بالواجب، أو الحلم، حتى أطلقت بعضهن اسم "رحلة كعبة المعاني" على رحلة الشام، في حين أن التوجه إلى مكة المكرمة لأداء الحج والعمرة هي "رحلة كعبة المباني".
وللقبيسيات دعاء خاص عند مقابلة قبيسي هو: اللهم اجمعنا على ألمها، واجمعنا على أملها.
1ـ سوريا
يطلق عليهن هناك اسم "القبيسيات"، ولهن من المدارس هناك "مدارس النعيم"، ومن المكتبات المهتمة ببيع كتبهن "مكتبة السلام"، بالقرب من دائرة الجوازات والهجرة في دمشق.
وتعتبر سعاد ميبر، أبرز تلميذات القبيسي في سوريا، وهي تدرس في "معهد الفتح" فرع الإناث في دمشق، وكتبها مقررة عند هذه الجماعة، ومن كتبها "عقيدة التوحيد من الكتاب والسنة".
ولهن العديد من المدارس والمعاهد في سوريا.
2ـ لبنان
تزعمت الجماعة هناك في البداية، أميرة جبريل،وهي شقيقة أحمد جبريل الزعيم اليساري الفلسطيني ، ولكن أميرة جبريل أخلت الساحة فيما بعد لسحر حلبي، حيث صرن في لبنان يعرفن بالسّحريات، وبلغ من تعصبهن هناك لسحر حلبي أن بعضهن فسّرن قول الله تعالى "ونجيناهم بسحر"[7]، أي أن الله نجّاهن من الضلال بسحر حلبي!
3ـ الأردن
ويعرفن فيها باسم "الطبّاعيات" نسبة إلى شيختهن فادية الطباع، التي تملك وتدير مدرسة بارزة في العاصمة عمّان، هي مدارس الدر المنثور في حي أم السماق، حيث تعتبر تلك المدرسة أهم معاقل هذه الجماعة، إضافة إلى مدرسة أخرى في عمّان، هي مدرسة الخمائل.
وكانت فادية الطباع فيما سبق تدرس في مدراس الأقصى التي أسسها شاعر الأقصى يوسف العظم، وكانت على خلاف مع الدكتورة مهدية الزميلي، أبرز الداعيات في جماعة الإخوان ومديرة مدارس الرضوان حاليا بسبب قضية تقصير الجلباب وإظهار الساق، كما يروي العظم ذلك في سيرته.
4ـ الكويت(60/156)
أسست الجماعة فيها أميرة جبريل، شقيقة أحمد جبريل زعيم إحدى المنظمات اليسارية الفلسطينية. ثم تأسست "جمعية بيادر السلام النسائية".
وجمعية بيادر السلام هي الجمعية الرسمية التي تعمل الآنسات من خلالها، وقد تأسست سنة 1981م، وتشرف على عدد من المؤسسات التربوية منها: مدرسة القطوف الخاصة، وحضانة السلام، وحضانة دار الفرح.
ورأست مجلس إدارة الجمعية دلال عبد الله العثمان. وقد جاء إنشاء الجمعية نتيجة جهود كبيرة بذلها يوسف سيد هاشم الرفاعي رأس الصوفية الكويتية، بعدما فشل في دعوة الرجال على مستوى الساحة الكويتية، ولجأ بذكاء إلى الجنس النسائي مستغلاً عاطفتهن وقلة علمهن، وموجداً بهذا التوجه متنفساً لمشاكلهن الاجتماعية وظروفهن الأسرية[8] .
وللجماعة كذلك انتشار في دول الخليج ومصر وفلسطين، وبعض الدول العربية والأجنبية ولكن لا توجد معلومات كافية عن ذلك.
9].
أمُ إبراهيم
Jul 16 2007, 08:50 PM
السلام عليكم
أختي الحبيبة
اليك قليل من اتفصيل آملة الفائدة للجميع
القبيسيات التنظيم النسائي الصوفي
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
القبيسيات جماعة دينية نسائية تنتشر بشكل خاص في سوريا ولبنان والأردن وفلسطين والكويت ودول الخليج، وتنسب إلى منيرة القبيسي، وهي امرأة سورية تعيش حالياً في إحدى الحارات القديمة في العاصمة دمشق، وتبلغ من العمر 75 عاماً.
ولهذه الجماعة، التي تقتصر على النساء، عقائد وأفكار وسلوكيات وتصورات خاصة للإسلام، يمارسنها بشيء من السريّة والانعزالية.وليس معروفاً للآن ما هو سبب الحرص على السرية الشديدة ، بحيث أنهن يرفض حضور أي فتاة لحلقاتهم دون موعد مسبق عن طريق واحدة من عضواتهن الفاعلات ، وهذا يجعل العديد من التساؤلات ما الذي يخفيه هذا التنظيم السري عن المسلمين ؟؟؟
وقد تفرقت تلميذات منيرة القبيسي في بلاد الشام ودول الخليج، واستطعن تأسيس جماعات أطلق عليها: الطبّاعيات في الأردن، والسّحَريات في لبنان...، وبنات البيادر في الكويت. كما استطعن إنشاء الجمعيات الخيرية والمؤسسات التعليمية والتربوية، وتحقيق انتشار لافت بين الأوساط النسائية، خاصة في المدارس والجامعات.
ومع الانتشار الكبير لهذه الجماعة النسائية المنظمة في العديد من البلاد وسيطرتها على الآلاف من النساء، تجد كثيرا من العلماء والناس لا يعرف عنها شيئاً أو لا يستطيع أن يتحدث عنها ومن أمثلة ذلك أن موقع إسلام أون لاين سئل عن هذه الجماعة فكانت الإجابة: "إذا عرفت الحق عرفت أهله"! هكذا دون بيان حقيقة هذه الجماعة أو عقيدتها! وسئل أيضاً الشيخ فيصل مولوي وهو من علماء لبنان ورئيس جماعة الإخوان المسلمين فيها عن هذه الجماعة فكان جوابه: "ليس عندي معلومات خاصة عن هذا التنظيم"!! ( موقعه الشخصي ) .
وفعلاً بدأنا رحلة البحث عن هذه الجماعة فلم نجد دراسة وافية عنهم سوى كتابا بعنوان "تقرير عن جمعية بيادر السلام النسائية ـ الكويت" وهو من إعداد لجنة من الباحثين، وشريطا للعلامة الألباني رحمه الله، وكتابا لجماعة الأحباش عن هذه الفرقة! إضافة إلى كتابات قليلة غير عميقة في شبكة الإنترنت.
لذلك دعت الحاجة لبيان حقيقة هذه الجماعة والتنظيم، ونحن ندعو كل القراء للمشاركة في تزويدنا بما لديهم عن هذه الجماعة من حقائق ووثائق.
منيرة قبيسي
خريجة كلية العلوم بجامعة دمشق، ثم التحقت بكلية الشريعة، وعيّنت مدرسة لمادة العلوم في إحدى مدارس دمشق، وكان عمها من تلاميذ أحمد كفتارو، مفتي سوريا الذي توفي مؤخراً وشيخ الطريقة الصوفية النقشبندية في سوريا، وهو الذي أشار عليها بالدخول إلى هذه الطريقة الصوفية، وقد بدأت القبيسي نشاطها في سنوات السبعينات من القرن الماضي. وهذا سبب من أسباب العداء الحبشي .
العقائد والأفكار
1ـ تحمل هذه الجماعة أفكار الطريقة النقشبندية[1] وهي إحدى طرق الصوفية، كما سيأتي ذلك مفصلاً، ويظهر هذا من خلال الاعتقاد بوحدة الوجود، وتقديس الشيخة والتسابق إلى تقبيل يدها، وقدمها أحياناً على نحو ما يفعله الصوفية تجاه شيوخهم.
2ـ تكرر في أقوالهن وكتب شيخاتهن الاعتقاد بوحدة الوجود، وهي عقيدة صوفية فاسدة، تعني أن اللّه والعالم شيء واحد، وأنه لا فرق بين الخالق والمخلوق.
وقد جاء في كتاب "مزامير داود"، وهو من أقدم وأهم مؤلفات هذه الجماعة، ما يفيد اعتقادهم بوحدة الوجود، فقد
وقد ألفت إحدى شيخات هذه الجماعة واسمها نوال أ. كتاباً سمّته "المتاح من الموالد والأناشيد الملاح"، وأعادت فيه ذكر بعض العبارات التي وردت في "مزامير داود"، وأضافت عليه أشياء تؤيد الاعتقاد بوحدة الوجود، من قبيل:
يا جمال الوجود *** طاب فيك الشهود
ومن قبيل: أنت نسخة الأكوان فيك صورة الرحمن[3].
3ـ تقديس الشيخة، وعدم مناقشتها، واعتبار أن أمرها مطاع. وأنه مقدم على طاعة الأب أو الزوج أو لي الأمر. ويقولون في هذا الصدد: "لا علم ولا وصول إلى الله من دون مربّية". و"من قال لشيخه لم، لم يفلح أبداً". و"كوني كالميتة بين يدي آنستك". وهن يعتبرن منيرة قبيسي إحدى مجددات الدين.(60/157)
4ـ المواظبة على بعض الأذكار والصلوات المبتدعة، مثل صلاة التسابيح، وصلاة ركعتين قبل المغرب ويسمونها صلاة الأوّابين"، ولديهن ذكر يطلق عليه "الصلاة النارية" [4] .
وللمنتسبات إلى هذه الطريقة ورد يومي، وهو عادة مرتين بعد صلاة الفجر، ومرة بعد العشاء، وهو بأن تجلس المريدة متوجهة إلى القبلة بعد الانتهاء من الصلاة والدعاء ثم تقول: اللهم يا مفتح الأبواب، ويا مسبب الأسباب، ويا مقلب القلوب والأبصار، ويا دليل الحائرين، ثبت قلبي على الإيمان.
وتتخيل المريدة شيختها، والآنسة الكبرى "منيرة قبيسي" أمامها، فإن فعلت ذلك تخيلاً وأصبحت ترى وجه شيختها، فعليها أن تبدأ بالذكر لأنها هي التي تربط قلبها بالله، لأنه سيمتد قبس من نور من قلب "الشيخة"، أو الآنسة إلى قلب الفتاة ليوصلها إلى الله!
5 ـ استعمال السحر، والاستعانة بالجن ضد من يترك جماعتهن، أو يتكلم عنهن بسوء. وقد حدثت عدة حالات بهذا الصدد، يقول زوج إحدى العضوات السابقات في الكويت بعد أن اكتشف حقيقة الجماعة، وساءت علاقته معها: "وبعدها بدأت محاربتهن لي، وذلك بوضع مواد السحر كالبيض الفاسد على سيارة ولدي البكر، ومرات يضعن الدم على سيارتي، ومرات يسكبن سوائل على مدخل بيتي،... وقد لمسنا تأثير تلك الأعمال الشريرة على ولدي وعلى نفسي وتعالجنا منها، والحمد والفضل لله وحده[6] .
المفاهيم والسلوكيات الخاصة
1ـ العزوف أحياناً عن الزواج، رغبة في التفاني في خدمة الجماعة، وعدم الانشغال بشيء عنها، إضافة إلى ضرورة استئذان الشيخة في أمر الزواج.
2ـ تمييز أنفسهن بلبس الجلباب القصير إلى أنصاف الساقين، والمنديل المعقوف (المربوط داخل الجلباب) ولا يخفى ما في ارتداء هذا الجلباب من مخالفة الشرع، إذ أن الجلباب لا بد أن يكون ساتراً للجسد كله.
ولهن في لبس الجلباب نظام خاص، بحيث أن لون الجلباب يعبر عن مرتبة الانتماء للجماعة.
3ـ انعزال هذه الجماعة على نفسها، وتظهر هذه الانعزالية في عدم قدرتهن على الاندماج الحقيقي مع المجتمع (صداقات ـ علاقات أسرية) مادامت خارج نطاق جماعتهن. ولذلك يستخدمن التقية والكذب مع الأهل والمجتمع.
4ـ الحرص على استقطاب الفتيات الموسرات، لذلك تحتل المكانة الاجتماعية والثراء والذكاء معايير هامة عند انضمام الفتيات إلى هذه الجماعة.
5ـ السرية التامة في جميع الأمور والاجتماعات والبيانات، ويطلقون على ذلك "الحس الأمني".
6ـ اهتمامهن بالرقائق والإيمانيات على حساب طلب العلم الشرعي، إذ يلاحظ الضعف العلمي العام لدى المنتسبات، وعدم وجود منهج محدد ومنظم لدراسة العلوم الشرعية، ومعظم الكتب التي يتم تدرسيها هي لمؤلفات من الجماعة.
7 ـ توجيه العضوات إلى العمل في قطاع التعليم، باعتباره عملاً "يخدم الدعوة، ويغذيها بالعناصر الجديدة". كما تتلقى العضوات تعليمات حول كيفية التعامل مع الطالبات، من البشاشة، وحسن المعاملة، وإلقاء السلام، ليسهل التحبب إليهن، وترغيبهن في الانضمام إلى الجماعة.
8 ـ كشف أسرار البيوت للمربية، بحجة أن ذلك يساعدها في أن تأخذ يد الفتاة إلى الله، ويعتبرون المربية كالطبيب الذي يجب أن يتم إخباره بالخصوصيات ليساعد في العلاج، ويقولون "يجب أن يستعلي عندك حب الشفاء على الحرج من كشف العورات"، ويقولون أيضاً "بين إخواني أكسر ميزاني".
9ـ كثيراً ما تتميز علاقاتهن مع أزواجهن وآبائهن بالتوتر، كون الشيخة أو الآنسة تسعى لأن تكون الآمر الناهي حتى في العلاقات الزوجية، وبسبب كثرة الخروج من المنزل، وتقديم أمر الجماعة على أي شيء آخر.
الانضمام إلى الجماعة
1 ـ من أسس الدخول في الجماعة كتابة رسالة توضح فيها الفتاة أسرارها الشخصية الخاصة والذنوب التي ارتكبتها، على طريقة كرسي الاعتراف عند النصارى، ولهن عبارة في ذلك وهي (افتضح واسترح).
2ـ تقسيم الفتيات إلى مجموعات وحلقات، وكل حلقة تحتوي على مجموعة بينها صفات مشتركة كالعمر والفترة الزمنية في الدعوة، وغير مسموح للفتاة بحضور حلقات غير الحلقة التي تخصها.
وعموماً، هناك ثلاث فئات للفتيات كما في نظام جمعية بيادر السلام - الكويت وهي:
أ ـ النوادر: وهن البنات من عمر 14ـ 18 سنة.
ب ـ البشاير: الفتيات من عمر 18 ـ 24 سنة.
ج ـ البيادر: الفتيات من عمر 24 سنة فما فوق.
الانتشار والمؤسسات
تفرقت تلميذات منيرة القبيسي في أنحاء مختلفة من بلاد الشام ودول الخليج، واستطعن تأسيس عمل نسائي، وجماعات حملت اسم الشيخة غالباً، في حين تعتبر منيرة قبيسي زعيمة هذه الجماعة، أو "الشيخة الكبرى" أو "الآنسة الكبرى" كما يطلقن عليها، وبسبب وجودها في سوريا، أصبحت زيارة الشام عندهن أشبه بالواجب، أو الحلم، حتى أطلقت بعضهن اسم "رحلة كعبة المعاني" على رحلة الشام، في حين أن التوجه إلى مكة المكرمة لأداء الحج والعمرة هي "رحلة كعبة المباني".
وللقبيسيات دعاء خاص عند مقابلة قبيسي هو: اللهم اجمعنا على ألمها، واجمعنا على أملها.
1ـ سوريا(60/158)
يطلق عليهن هناك اسم "القبيسيات"، ولهن من المدارس هناك "مدارس النعيم"، ومن المكتبات المهتمة ببيع كتبهن "مكتبة السلام"، بالقرب من دائرة الجوازات والهجرة في دمشق.
وتعتبر سعاد ميبر، أبرز تلميذات القبيسي في سوريا، وهي تدرس في "معهد الفتح" فرع الإناث في دمشق، وكتبها مقررة عند هذه الجماعة، ومن كتبها "عقيدة التوحيد من الكتاب والسنة".
ولهن العديد من المدارس والمعاهد في سوريا.
2ـ لبنان
تزعمت الجماعة هناك في البداية، أميرة جبريل،وهي شقيقة أحمد جبريل الزعيم اليساري الفلسطيني ، ولكن أميرة جبريل أخلت الساحة فيما بعد لسحر حلبي، حيث صرن في لبنان يعرفن بالسّحريات، وبلغ من تعصبهن هناك لسحر حلبي أن بعضهن فسّرن قول الله تعالى "ونجيناهم بسحر"[7]، أي أن الله نجّاهن من الضلال بسحر حلبي!
3ـ الأردن
ويعرفن فيها باسم "الطبّاعيات" نسبة إلى شيختهن فادية الطباع، التي تملك وتدير مدرسة بارزة في العاصمة عمّان، هي مدارس الدر المنثور في حي أم السماق، حيث تعتبر تلك المدرسة أهم معاقل هذه الجماعة، إضافة إلى مدرسة أخرى في عمّان، هي مدرسة الخمائل.
وكانت فادية الطباع فيما سبق تدرس في مدراس الأقصى التي أسسها شاعر الأقصى يوسف العظم، وكانت على خلاف مع الدكتورة مهدية الزميلي، أبرز الداعيات في جماعة الإخوان ومديرة مدارس الرضوان حاليا بسبب قضية تقصير الجلباب وإظهار الساق، كما يروي العظم ذلك في سيرته.
4ـ الكويت
أسست الجماعة فيها أميرة جبريل، شقيقة أحمد جبريل زعيم إحدى المنظمات اليسارية الفلسطينية. ثم تأسست "جمعية بيادر السلام النسائية".
وجمعية بيادر السلام هي الجمعية الرسمية التي تعمل الآنسات من خلالها، وقد تأسست سنة 1981م، وتشرف على عدد من المؤسسات التربوية منها: مدرسة القطوف الخاصة، وحضانة السلام، وحضانة دار الفرح.
ورأست مجلس إدارة الجمعية دلال عبد الله العثمان. وقد جاء إنشاء الجمعية نتيجة جهود كبيرة بذلها يوسف سيد هاشم الرفاعي رأس الصوفية الكويتية، بعدما فشل في دعوة الرجال على مستوى الساحة الكويتية، ولجأ بذكاء إلى الجنس النسائي مستغلاً عاطفتهن وقلة علمهن، وموجداً بهذا التوجه متنفساً لمشاكلهن الاجتماعية وظروفهن الأسرية[8] .
وللجماعة كذلك انتشار في دول الخليج ومصر وفلسطين، وبعض الدول العربية والأجنبية ولكن لا توجد معلومات كافية عن ذلك.
9].
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،
أختي الغالية نصيحة لله تعالى من اختك في الله التي عانت الكثير منهن في بلدها الغالي سورية ثم قررت الهجرة الى عمّان للتخلص من سيطرتهن الكبيرة على الفكر والمنهج والعقيدة الفقه وكل شئ
احذريهم
احذريهم
ابتعدي عنهن وان كنت فاعلة ولا بد فقط اقتربي منهن للنصيحة لا غير
الخوض معهن ضياع
بلادنا ضاعت كلها على أياديهن (ال...) احذريهن ولا تغريك لهجتهن الممزوجة بالعسل المر
لا تحاولي ان تخوضي معهن بمجالسهن فان وجدوك منساقة معهن عملوا لك الكثير من الربط باستعانة الجن والشياطين
وهذه كلام مؤكد 100%
حتى لدرجة تنساق البنت مع الآنسة حتى تصل للطاعة العمياء
حتى الطباعيات اللواتي يسموهن كذلك اهل الأردن هنا هن تماما من جماعة القبيسيات وفادية الطباع معروفة عندنا في الشام وقدتتلمذت عند كبار القبيسيات وبأمر منهن تم تنظيم هذه الجماعة في الأردن لاضعاف التماسك الديني في الأردن رغم ضعفه الشديد
ونشر الصوفية التابعة لروافض ايران
ان كراهيتهن الشديدة لأهل السنة والجماعة اكبر ما تتخيلينه حتى أنهن يستخدمن التقية كما يفعل الروافض تماما
باختصار
هن تنظيم سياسي شيعي تموله دولة ايران الحاقدة
حاولي ان تسافري للشام وانظري حولك تجديهن منتشرين في كل مكان
حاولي ان تلبسي لباس النساء السعوديات واستعدي للهجوم بالسباب وووو
انهن ينشرن الكره الشديد لأهل السعودية والخليج من زمن طويل والكل نيام لا أحد يهتم
حتى انه منتشر جدا بالسعودية بخفاء سري بدعم من مشايخته السوريين الموجودين في كل مكان بالسعودية يمنعون السماع لمشايخة السعودية أو حضور الدروس ويجتمعون بهن في البيوت ويرتدون لباسهن الخاص بهن تحت الملاءة
وينشرون مقولة معروفة قد درجت على ألسنتهن(أطهر أرض أنجس شعب)عن السعودية وكل من سلك مسلك مشايخة السعودية يكفِّرون الشيخ محمد بن عبد الوهاب وابن باز ووو
وكل الملتزمين معهم يسمونهم وهابيين كفار...بالضبط
وقد لا قيت منهم ..وغيري .(.كثير من الأخوات اللواتي تركت الالتزام معهن والتزمت بالكتاب والسنة) الكثير الكثير
اضافة الى انهن يملكن بجداول بأسماء البنات الملتزمات معهن وكشف كامل عن كل واحدة تقدم للمخابرات السورية
وهذه ما يفعله ايضا المشايخ اللذين صدروا لنا هذا النتاج من الدين (راقبي برنامج الكلم الطيب في قناة الرسالة) وستتعرفين عليهن واحد واحد وبعده برنامج همسات.(وسوسات)..جعله الله تعالى همسات
يشهد الله تعالى بصدق ما ذكرته لك كلمة كلمة
وهناك الكثير الكثير
حماك الله تعالى من هذه الفئة الضالة المضلة المشركة بالله تعالى في العقيدة والعبادة
وحمانا معك وكل المسلمين والمسلمات(60/159)
وهدانا سبحانه وتعالى لما يحبه ويرضاه
أختك في الله ولله
بسم الله الرحمن الرحيم
انتبهي يا اختي منهن ولا تاخذي كلامي عبث
انهن يقدسون الجفري وذلك بناء على مشايختهن من الذكور اذهبي ان احببت لمقرهن في الشام جامع عبد الكريم الرفاعي في منطقة كفر سوسة وتعرفي عليهن عن قرب
تعرفي على مشايختهن تعرفي من يكونوا
وهن حملة اجازات من شيخهم الذي اذن لهن أبو الحسن الكردي
وكذلك منطقة خالد بن الوليد جامع زيد بن ثابت لهن فيه مقر كبير اضافة الى ان الدولة قد سلمت لهن كل معاهد تحفيظ القرآن وكل المدارس التي تسمى باسلامية
فهن يآخون الرفاعية والأحباش ولا يحبون ذكر شيخ الاسلام ابن تيمية
مؤخرا قد سمحت الدولة بدخول مشايختهن الكبار(كما يسمونهن)(الأسياد) الى سورية بعد منع طويل طبعا بامر من رئيس الجمهورية وخاصة الموجودين في السعودية والخليج
الشيخ القارئ الجامع صاحب السند العالي ولا حول ولا قوة الا بالله (أيمن سويد)( الشيخ محمد عوض)(الشيخ أسامة الرفاعي)..وغيرهم
مع العلم أن كل نسائهن قبيسيات وكذلك الدكتور البوطي مؤسس الجماعة وداعمها من الدولة نسائه وبناته
وقلَّ ما تجدي أصلا شيخ في الشام لا تنتمي زوجته للقبيسيات
أندر من النادر
وينتشرون بكثرة في حلب وحمص ودير الزور
وقد انتشروا في نابلس والكويت
احذريهم يا اختي بارك الله تعالى بك
==============(60/160)
(60/161)
دمشق تسمح لـ «القبيسيات» بنشاط علني
2006-05-03
لم يعد انتشار اتباع «الآنسة» منيرة القبيسي مقتصراً على سورية والدول العربية فحسب، بل ان حلقات «الأخوات» باتت تدق ابواب بيوت في باريس وفيينا لتصل إلى الولايات المتحدة الأميركية. والقبيسيات داعيات إسلاميات أثرن نقاشاً وانقساماً في الأوساط الاسلامية في سورية.
وكلما اتسعت الرقعة التي ينمو فيها فطر «القبيسيات» في الشوارع والمدارس والبيوت السورية والعربية والأجنبية، زادت إثارة وتشويقاً الحكايا والأساطير حول هذه الحركة، اذ بلغ الجدل في شأن «الاخوات» أخيراً شبكة الإنترنت بين من يتهمهن بتشكيل «تنظيم سري خطير» وبين من ينوه بدور الداعيات في «فعل ما عجز عنه الرجال».
وعلى رغم الحذر الشديد الذي يبديه رجال الدين والخبراء في الحديث عن «الأخوات القبيسيات»، هنا محاولة في الاقتراب من الافكار التي يحملونها والمؤسسات التابعة لهن والشكل التنظيمي، ان وجد، الذي يربط الداعيات في جميع المراحل العمرية.
شكلت حركة «القبيسيات» اشكالية كبيرة في الأوساط الدينية السورية. فمنهم من يكفرها، ومنهم من يهتم في البحث بتفاصيل كثيرة في حياة ناشطاتها. وفيما يقول كمال شاهين على موقع «زركار» ان القبيسيات يعتبرن ان «المرأة الصالحة خلقت للمنزل فقط»، تضمنت الإنترنت العديد من المقالات النقدية للحركة تستند اساساً إلى دراسة أجراها أسامة السيد القريب من «الأحباش» تحت عنوان» التنظيم النسائي السري الخطير» وتناول بعض أفكار منيرة القبيسي وأميرة جبريل وسحر حلبي في لبنان وفاديا الطباع في الاردن.
وفي موقع «منتدى السقيفة» حرصت «إحدى الأخوات» على نشر مقال مطول مستند إلى هذه الدراسة، مركزة على اعتبار هذه الجماعة «صوفية تنسب إلى امرأة شامية». وتشير الدراسة إلى ان القبيسيات يعتمدن على السرية في دعوتهن وعدم الإفصاح عن حقيقة عقائدهن وأفكارهن الا بعد ان تمضي العضو الجديدة فترة طويلة في رحاب «الدعوة». وتكشف أنهن يحرصن على استمالة ذوات المناصب أو الثريات أو بنات العائلات الكبيرة لضمهن إلى جماعتهن. وعندما تصل العضو إلى مرحلة الثقة «يكشفن أمامها المزيد من الأسرار».
ومن أفكارهن بحسب الدراسة تعظيم ابن عربي والحلاج، وعدم مناقشة الشيخة واعتبار ان «حبها من حب رسول الله وان المريدة عبارة عن هيكل خلقه الله للتفاني في حب وخدمة الآنسة». ومن شعاراتهن ان «لا علم ولا وصول إلى الله من دون مربية»، واعتبار زيارة الشام واجباً أو لنقل حلماً لكل من يتم لها الإذن بذلك.
وزادت أن الجماعة تقوم على «علم باطني وعلم ظاهري، ويسمى العلم الباطني باللدني». وفي الكويت، حيث صدرت فتاوى ضدهن، تعتقد «القبيسيات» انهن ساهمن في تحرير الكويت من خلال الدعاء.
ويذهب معارضو «القبيسيات» ايضاً إلى ان الحركة تقوم على «وحدة الوجود وتقديس الشيخة والتسابق على تقبيل يدها وقدمها أحياناً» واعتقادهن ان «كل ما تهواه موجود في ذات الله»، الأمر الذي تؤكد عليه الشيخة نوال في كتابها «المتاح من الموالد والأناشيد الملاح» لدى قولها «الوجود، طاب فيك الشهود»، في حين يؤكد الكتاب الأول القول ان «شيختنا معنا أينما كنا» وان أمرها «مطاع»، وانه «مقدم على طاعة الأب أو الزوج وولي الأمر» على أساس القول المتبع لديهن ان «لا علم ولا وصول إلى الله من دون مربية» و»من قال لشيخه لمَ، لم يفلح ابداً».
غير أن النائب الإسلامي حبش، يقدم وصفاً مختلفاً إذ يقول ان «المنطلق يتمحور حول الشيخة. والفائدة تكون بالاقتراب منها وليس التعلم منها وحسب». بالتالي، فان الشكل الهرمي يقوم على تراتبية الحلقات. وكلما زادت أهمية «الداعية» ارتفعت حلقتها واقتربت من «الآنسة».
لكنه يضيف ان الظاهرة «طيبة وتجنب النساء الانحلال الأخلاقي والتطرف»، وان «الآنسة» منيرة «بثت الروح فتكاثرت الحركة بطريقة فطرية. ليس بطريقة احتفالية، بل بطريقة هرمية. وهي نموذج للحالة المحافظة التي تسعى إلى خدمة القيم الإسلامية بالوسائل التقليدية» التي تشمل المدارس والمعاهد و»الحلقات» المنزلية.
من جهته، رفض وزير الأوقاف السوري الدكتور زياد الدين الأيوبي في حديث صحافي اجري أخيراً إطلاق تسمية «القبيسيات» على اتباع منيرة، نافياً ان تكون «تدرس نساء المسؤولين والأغنياء» في سورية بهدف تحقيق النفوذ والامتداد المضمون و»مظلة حماية» توفر لها الحصول على رخص التدريس في المدارس والمساجد وحل الإشكالات لدى ظهورها. لكن البوطي يختلف في نظرته إلى «القبيسيات» عن الأيوبي، اذ يقول ان «المرأة السورية تقوم بدور مميز في الدعوة الإسلامية، أتمنى على الرجال ان يبلغوا هذا الشأن»، لافتاً إلى ان نجاح نشاط «القبيسيات» تحقق لأسباب متعددة منها «الابتعاد عن التيارات السياسية، والابتعاد عن المناطق والمحاور الخلافية، والتركيز على الوحدة الإسلامية، وعلى الجانب الروحي في الإسلام مع عدم إهمال الجانب العلمي».(60/162)
كان ضرباً من المستحيل إجراء مقابلة مع «الآنسة»، بل ان العديد من «الداعيات» الكبيرات لم يرين منيرة القبيسي في حياتهن. وأقصى ما استطاعت «الحياة» الحصول عليه، هو وصف هيئة «الآنسة» من شيوخ شاهدوها قبل سنوات و «داعيات» شاهدنها قريباً.
شبّه إثنان من رجال الدين التقتهما «الحياة» إبتسامة منيرة القبيسي بوجه موناليزا. وقال كفتارو إنها سمراء وطويلة القامة. ونادراً ما يرى أحد وجهها من دون منديل أسود يغطيه. وهي تسكن في منطقة تقع بين شارعي «الشعلان» و «الروضة»، مع عدد من «الآنسات» والداعيات المقربات منها. وقيل انها تعاني من أمراض. وتختلف تسميتها بين «الشيخة الكبرى» أو «الآنسة الكبرى» أو «الآنسة الأم»، غير ان اكثر التسميات شيوعاً هو «الآنسة».
وفي الصف الأول في «القبيسيات» هناك بضع «آنسات» غير متزوجات كما هي حال منيرة. واذا كانت بين داعيات الصف الأول، أميرة جبريل شقيقة الأمين العام لـ «الجبهة الشعبية - القيادة العامة» أحمد جبريل الذي عرف بأفكاره اليسارية قبل عقود، فان باقي الداعيات هن من أبناء الشريحة الغنية في دمشق وبينهن: الآنسات خير جحا ومنى قويدر ودلال الشيشكلي (توفيت قبل فترة) ونهيدة طرقجي وفائزة طباع وفاطمة غباز ونبيلة الكزبري ورجاء تسابحجي والدكتورة سميرة الزايد التي اشتهرت كثيرا بعلمها خصوصاً انها الفت «الجامع في السيرة النبوية» في عشرة اجزاء و «مختصر الجامع» في جزئين في منتصف التسعينات. وهناك أيضاً سعاد ميبر التي تدرس في «معهد الفتح» وصاحبة كتاب «عقيدة التوحيد من الكتاب والسنة».
ما يلفت في «الجامع» لسميرة الزايد ان الدكتور البوطي قدم الطبعة الأولى في العام 1994 بالقول: «اهنئ الآنسة التي عكفت على إخراج هذا الكتاب طبق النهج العلمي الأمثل في خدمة السيرة النبوية والسنة المطهرة والفقة وأحكامه والثقافة الإسلامية. وهو جهد سبقت فيه بحمد الله الرجال في هذا العصر».
ورغم تأكد وجود الكثير من العازبات بين «الداعيات»، فإن احداً لم يقدم تفسيراً لهذا. وفيما يعزو بعض منتقدي «الجماعة» السبب إلى «انهن لا يردن الانشغال بالزوج عن الآنسة» والى انهن يفضلن الحياة الأخرى على الحياة الدنيا، استغرب كفتارو ذلك لأن «لا رهبنة في الإسلام»، غير ان آخرين قللوا من أهمية ذلك، اذ اشاروا إلى العكس، لان «القبيسيات» ناشطات في ترتيب الزيجات، وربما كان هذا من أسباب سرعة انتشار الحركة وزيادة نفوذها، اي عبر زواج الداعيات من رجال الأعمال والمتنفذين والمغتربين. وساهمت الزيجات من مغتربين شباب ورجال أعمال مغتربين في إقامة حلقات قبيسية في فرنسا والنمسا وأميركا.
في «صف القبيسيات الثاني» الداعيات تخرجن من حلقات القبيسيات، ثم أسسن مدارس ابتدائية. وبشيء من الذكاء جمعت منيرة بين الرغبة في الاستثمار ونشر الدعوة الإسلامية، اذ أنها شجعت النساء وأخواتهن على الاستثمار في المدارس الابتدائية. وبحسب المعلومات، هناك عدد كبير من المدارس الابتدائية التابعة لـ «القبيسيات» وغالباً ما تسمى المدرسة بـ «الدار» وبينها «دار الفرح» التي تديرها منى قويدر في المهاجرين و «دار النعيم» و «مدرسة عمر بن الخطاب» في المزة و «عمر عبد العزيز» في الهامة و «دوحة المجد» في المالكي و»البشائر» في المزة و «البوادر» في كفرسوسة.
وتقول مديرة «البوادر» ان مدرستها مثل باقي المدارس الخاصة تتبع منهج وزارة التربية السورية في تعليم المواد المدرجة، لكن الإضافي يكمن في «تخصيص دروس إضافية لتعليم الدين وإقامة نشاطات اجتماعية خارج الدوام الرسمي، إضافة إلى تنظيم مسابقات دينية». لكن أهم عنصر يكمن في كون معظم المدرسات من المحجبات. وتقول المديرة التي رفضت ذكر اسمها: «نعلم الطفل الأخلاق الحسنة والصدق، والأمانة، والأدب، واحترام الوالدين».
وتبدو قصة هذه المدرسة نموذجية لجهة فهم كيفية انتشار مدارس «القبيسيات». اذ ان «البوادر» تأسست العام 1977، وكانت مدرسة عادية. لكن آل الملاح، كانت لديهم مدرسة صغيرة في حي المزة وتحقق نجاحاً بعد آخر بسبب اهتمامها بأصول الدين وجهدها لحماية التقاليد. وتقول المديرة: «في العام 1999، اشترى اخوتي هذه المدرسة ووسعنا الصفوف لأن الإقبال بات عليها كثيراً».
وبين إقبال الشرائح الوسطى لأسباب مالية على مدراس ناجحة لأن إقساط المدارس الخاصة الأخرى تصل إلى بضعة آلاف من الدولارات مقابل بضعة عشرات من الدولارات في «البوادر» وزميلاتها، يلعب العامل الاقتصادي بعداً إضافياً يعمل مع البعد الأخلاقي في إنجاح هذه المدارس واتساعها في دمشق وباقي المدن. ويروي أحد الآباء العلمانيين: «كنت أرسل أبنائي إلى مدرسة خاصة مسيحية. لكن فجأة سألني ابني ما اذا كان مسيحياً أم مسلماً، فقررت ان انقله إلى مدرسة عمر بن الخطاب في المزة».(60/163)
تشرف «القبيسيات» على تدريس مئات الآلاف من التلاميذ منذ نعومة أظافرهم وبطريقة محافظة تلازمهم في المراحل اللاحقة عبر الدروس أو المساجد، وصولاً إلى رعايتهم عبر المساعدات الخيرية والأهلية وتقديم بعض الخدمات الطبية في مستشفى «سلامة» الواقع خلف السفارة الأميركية والتابع لهن، وعبر توفير بعض الكتب الحاملة لأفكارهن من خلال مكتبات امتلكنها مثل مكتبة «السلام» في منطقة البرامكة وسط دمشق.
وتروي إحدى فتيات منطقة «القنوات» في دمشق القديمة ان معظم آنساتها كن جميلات وكن من «القبيسيات»، وان مدرسة منهاج الرياضيات حاولت إقناعها بضرورة وضع الحجاب. وتقول: «كانت الآنسة ترتدي البانطو الكحلي الغامق والحجاب الأزرق الغامق. وكانت ترتدي تحت البانطو تنورة زرقاء مع قميص ابيض وجوربين سميكين وحذاء اسود من دون أي كعب». وتضيف: «سألتني ذات مرة. هل تستطيعين تحمل حرارة الصيف؟ فقلت: لا. عندها قالت: ماذا عن نار جهنم. وعندما فشلت في إقناعي بوضع الحجاب، حاول عدد من الفتيات المحجبات دعوتي إلى عيد ميلاد إحداهن. لكن فوجئت ان معظم الحديث كان عن ضرورة وضع الحجاب».
حلقات «سرية»... ودروس علنية
يتأرجح نشاط «القبيسيات» المنزلي بحسب الظروف المحيطة أمنياً وسياسياً ودينياً في البلاد والمنطقة. وسجلت العقود الثلاثة الأخيرة انتقالهن بين النشاط العلني والدروس في المساجد والمدارس وبين اقتصار نشاطهن على البيوت.
ويرى حبش ان ابرز ما يميزهن هو «تجنب الدخول في السياسة سواء تأييد النظام أو رفضه. والجماعة لم تتورط في أي عمل ضد البلد». هذا في المرحلة التي شهدت صراعاً مسلحاً وعنيفاً بين تنظيم «الإخوان المسلمين» والسلطات في نهاية السبعينات وبداية الثمانينات.
وفيما يعتقد خبراء مستقلون ان «القبيسيات» يشكلن الظل النسائي للإسلام السياسي، يقول حبش ان «لا مشروع سياسياً لديهن. لجأوا إلى العمل السري بسبب ظروف سورية في الثمانينات». أي أنهن لسن تنظيماً بل خلايا تنمو في شكل حلزوني وتصاعدي.
والمقصود بـ «السرية»، ان «القبيسيات» كن يلجأن في السنوات السابقة إلى الحذر لدى تنقلهن أو تجمعهن في البيوت الخاصة لإعطاء دروس دينية دورية. ومن أنواع الحذر ان لا يخرجن سوية في شكل جماعي لدى انتهاء الدرس وان لا يضم الدرس اكثر من ست طالبات، باستثناء المناسبات العامة مثل احياء ميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم أو ليلة القدر. وهناك اعتقاد ان المناسبات الاجتماعية والدينية تشكل مناسبة لكسب عضوات جديدات.
وقيل ان مرتبة «القبيسية» تعرف من لون منديلها، فكلما اقترب اللون إلى الاسود اقتربت الداعية من الآنسة منيرة. لكن الأمر الأكيد، ان اللباس الموحد المعتمد، هو المعطف الكحلي مع غطاء رأس بلون كحلي ترتدي تحته القبيسية «قمطة» لشد الشعر تحت الغطاء. وبعض القبيسيات يرتدين منديلاً اسود لغطاء الوجه، مع جوربين نسائيين سميكين وحذاء اسود من دون كعب. وتؤكد الداعيات على عدم تشذيب الحاجب و «عدم التبرج» عبر وضع المساحيق على الوجه. ويوضح البوطي: «انهن يرتدين الحجاب الكحلي لتمييزهن عن غيرهن. وغطاء الوجه ليس اجبارياً. ليس هناك إجبار على ذلك إلى ان يصير ثبات ديني عند الفتاة، بعدها ممكن ان تلبس المنديل اذا شاءت».
ولم يكن صدفة اختيار «الآنسة» منيرة اللون الكحلي، ذلك ان هناك اعتقادا شائعاً ان سبب اختيار اللون هو للدلالة على «الوسطية بين الأبيض والأسود، بين التطرف والإعتدال». وقال البوطي: «لديهن مقاربات علمية وفكرية ومعظمهن من خريجات الجامعات وعلوم الطب والهندسة، وهن منفتحات وابعد ما يكن عن التطرف».
الواضح ان الفترة الأخيرة شهدت تشجيعاً من قبل السلطات لـ «القبيسيات» على عدم إعطاء دروس في المنازل مقابل إعطاء تراخيص لدروس علنية بدلاً من «الحلقات السرية». ويقول صلاح الدين كفتارو: «حركة الدروس في البيوت مخيفة، والنظام الوطني يجب ان يصل إلى الدروس وان تصل الأجهزة والمناظير اليها. بالتالي من حق الدولة ان تمنع الدروس في البيوت، لكن ليس في المساجد».
وكانت السلطات سمحت في الفترة الأخيرة لـ «القبيسيات» باعطاء دروس في مساجد «المحمدي» و «بدر» و «سعد» في المالكي، اذ أوضح البوطي ان عدداً من الشيوخ ابلغ السلطات انه «من مصلحتكم ان تعطوا الموافقات للعمل بالعلن. أعطوهن المواثيق للعمل العلني لأن عملهن مستقيم ووطني ليس فيه أي شائبة ولا علاقة له بالسياسة». واتفق نجلا كفتارو والبوطي على ان «الأخوات القبيسيات يقمن بالدعاء المستمر للرئيس بشار الأسد من دون التطرق إلى السياسة». وزاد البوطي: «ولاؤهن للوطن كبير».
«الآنسة الأم»
< ولدت منيرة عام 1933 في دمشق في أسرة تضم عشرة أطفال: ستة شباب (بهجت، وليد، موفق، ماهر، ممتاز، رضوان) يعملون في التجارة أو المهن ذات الكفاءات العلمية العالية، وأربع فتيات يعملن ربات بيوت. ودرست منيرة في مدارس العاصمة السورية إلى ان نالت إجازة في العلوم الطبيعية، استندت اليها في التدريس في مدراس حي «المهاجرين» وبقية إحياء دمشق.(60/164)
وفي بداية الستينات، زاوجت بين النشاطين الدعوي والتعليمي، وذلك في ضوء اقترابها من «جامع ابي النور» التابع لمفتي سورية الراحل احمد كفتارو. وقال نجله حسن كفتارو: «نتيجة النشاط الدعوي منعت من التدريس في المدارس».
وساهم هذا المنع من جانب الحكومة اليسارية حينها، في أمرين: الأول، إقامة منيرة في جامع أبي النور والإقبال على التعلم على يد كفتارو، والثاني اتجاهها إلى دراسة علوم الدين في كلية الشريعة في جامعة دمشق.
ويختلف المتابعون في شأن المرحلة اللاحقة. وفيما قال أحد الباحثين ان بروز دور وفاء، كريمة المفتي الراحل، في جامع «أبي النور» كداعية إسلامية، وظهور «منافسة حادة» بينهما دفعا منيرة الى الابتعاد وتأسيس «منهجها واتباعها في شكل مستقل مادياً وفكرياً»، قال النجل الثاني للمفتي الراحل الدكتور محمود: «بالعكس فوفاء تلميذة من تلميذات الآنسة منيرة. وهناك فارق كبير في العمر يزيد على العشرين سنة بينهما يحول دون أي منافسة».
وخلال العقدين الماضيين ترواح نشاط منيرة القبيسي بين العلني والسري، لكنها استطاعت من خلال المزج بين الأمرين من توسيع نشاطاتها في المحافظات السورية قبل ان تعبر حدود البلاد في مرحلة أولى والعالم العربي في مرحلة ثانية، الى ان بلغ عدد «اتباعها» اكثر من 75 ألف فتاة، كحد أدنى، وفق ما أجمعت عليه تقديرات متابعين وشيوخ.
ويقول النائب محمد حبش ان «أحد أسباب نجاح الآنسة منيرة هو رفض الاشتباك مع أي جهة». فهي كانت على علاقة جيدة مع كفتارو ومجمعه الفكري وطريقته الصوفية، بل أن نجله صلاح الدين مدير «مجمع أبي النور»، يتذكر كيف أنها طلبت منه أن تختلي بجثمان كفتارو في مستشفى «دار الشفاء» لدى رحيله في نهاية العام 2004. وقال: «بقيت تبكي هناك اكثر من ساعة ونصف الساعة».
ويضيف ان «علاقتها مع أسرتنا قديمة، ذلك أن عمها الشيخ أبا الخير القبيسي كان من جماعة جدي الشيخ أمين». لكن أيضاً هي على علاقة فكرية ودينية وشخصية مع العلامة محمد سعيد رمضان البوطي، بل انه من اكثر المتحمسين الى «الاخوات اللواتي ضربن المثل بالحضارة والدين والوطنية والمثل العليا». وهي أيضاً على علاقة جيدة مع «جماعة» الشيخ عبد الكريم الرفاعي التي يدير شؤون مؤسسته نجلاه سارية وأسامة في منطقة كفرسوسة.
ولم تبتعد منيرة القبيسي كثيراً عن «معهد الفتح الاسلامي» التابع لجامع الازهر ومديره مفتي دمشق الشيخ عبدالفتاح البزم وأحد اقطابه الشيخ حسن فرفور، إضافة الى علاقتها مع جماعة الشيخ بدر الدين الحسني والمسؤول عنه الشيخ أبو الخير شكري. ويقول حبش: «كل طرف من الجماعات الدينية في البلاد يقول انها تابعة له أو قريبة منه». وربما أحد أسباب نجاح أسلوبها، هو كون معظم، ان لم يكن جميع، زوجات الشيوخ الكبار أو بناتهم هن من الداعيات «القبيسيات».
الحياة
عودة …إرسال لصديق …طباعة …
تعليقات حول الموضوع
الحلال بين والحرام بين
ايهاب شام | 13:49:59 , 2006/05/11 |
اخي الغالي المهاجر عزيزي المهندس سعدالله جبري المتالق المضحك المبكي متابع...في البدايه نئيت عن نفسي ان اضع ردا على هدا المقال لاسباب كثيره اولا لجهلي لاصول الفقه الاسلامي وثانيا لعدم ايماني التام بالبدع الدي اصبحت دخبله على مجتمعنا الاسلامي وديننا الحنيف ...الاسلام واضح وضوح الشمس لا يحتاج الى مفسرات قبيسيات او مفسرات بوطيات او حبشيات الاسلام اكبر بكثير من كل هؤلاء الاسلام يا اعزائي دين معرفه وعلم واخلاق وقانون وتسامح ومحبه وحريه واشتراكيه وراسماليه وتجاره وعدل الاسلام علم الفيزياء والكيمياء والفضاء والجولوجيا والطب ...وكافة العلوم الاخرى ..لا تقزمو الاسلام بهدا الشكل وهدا النقاش المبسط لقبيسيات او بوطيات او حبشيات.....العطل ليس باسلامنا وديننا العطل فينا نحن بعدم فهمنا وتفسيرنا الصحيح لديننا علما ان ديننا واضح وضوح الشمس لمن يريد ان يفسره ظاهره وباطنه ..والدي يحدث يا اخوه ان بعض من يطلق على نفسه المفسرين للدين الاسلامي يفسرونه على مزاجهم الشخصي دون تفسيره الحقيقي ويجيرون الدين لمصالحهم ارضاء لفلان او علان من الناس وهنا مكمن الخطر على ديننا الحنيف هدا ... عانسات ومبشرات...كيف دلك الم يامرنا الاسلام بالزواج وان نبني اسره اسلاميه صحيحه ومتعلمه وخلوقه الم يمنعنا الاسلام عن الترهب . والانزواء ... ما هدا الخلط الغريب بمن يتاجر بالدين لتعويض نقص ما بنفسه .. وما هده التسميات الغريبه قبيسيات وجيلنيلت وقادريات ومش عارف ايه ... جل ما اخشاه على ديننا الحنيف ان نترك الاصل وندهب نلهث وراء الفرع ان كان فرعا حقيقه ... اكبر خطر يتهدد اسلامنا امثال هؤلاء وهدا راي الشخصي المتواضع ان كان الحلال بين والحرام بين والقران واضح والاسلام موجود لمادا نلهث وراء مسميات لا تغني ولا تشبع من جوع وهل الاسلام صعب الى هده الدرجه وعصي على الفهم حتى ناتي من هب ودب ليفسر لنا ديننا واااااااه يابلد
تحية خاصة للسيد عبد العليوي
فاطمة سعيد | 12:08:13 , 2006/05/11 |(60/165)
السلام عليكم ورحمة الله هذه تحية لك على هذا التوضيح الطيب وجزاك اله كل خير عن كل مسلمة في العالم وكما تلاحظ ويلاحظ الأخوة القراء أن اي طابع أو نهج اسلامي يسطع نوره في بلاد المسلمين يبدأ البحث والتنقيب عن أخطاءه ليسلط عليها الضوء ظانين أنهم بذلك يستطيعون ام يطفأوا هذا النور ولكن الله لهم بالمرصاد والسلام عليكم ورحمة الله
أهل مكة أدرى بشعابها
المهندس و المهندسة | 00:31:59 , 2006/05/11 |
نحن بسوريا نعرف الكثير من القبيسيات من الأقارب و المعارف و هن من خيرة النساء، سترة و حجاب و نجاح بالعمل و انفتاح علمي و سعة اطلاع على الآخر وهن قدوات صالحات للبنات الصغيرات " و إذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة و إذا ذكر الذين من دونه إذا هم يستبشرون" و إن تسليط الأضواء على بعض المناحي الاسلامية بهذا الأسلوب لا يخدم قضية الإسلام بل ينشر الذعر منه و الترهيب و يدفع المعادين له أصلاً لشحذ أسلحتهم لحربه فانتبهوا !!!!
كل بدعة ضلالة
عبد العليوي | 22:54:33 , 2006/05/08 |(60/166)
السلام عليكم 00حديث منسوب لرسول الله عليه الصلاة والسلام يتصدر كل فتاوى العقول الجامدة ويرمون بعده من خالفهم بالكفر والضلال ويخرجونهم من الاسلام وبذلك تجد انهم يضعون انفسهم بدلا عن الخالق عز وجل ويحكمون على ماتخفي الصدور وعلى ما لايعلمه الا الله عز وجل بل وينفذون الحكم ان اصبحت لدى احدهم المقدرة على ذلكفتجد ان تكفيرهم للمسلمين اهون عندهم من شرب الماء وتكاد تجد ان كل طوائف ومذاهب المسلمين باتوا كفارا في نظر هؤلاء ولم يبق مسلما الا من كان يتبعهم وبالتعريف بهذه اللجنة تجد ان على راسها لسنين عديدة من افتى بكفر كل من يقول بان الارض كروية عندها يجد المنصف ماهية هذه اللجنة وطريقة تفكيرها واضحا للعيان وبالنظر لفتواهم تجدهم قدموا بين يديها هذا الحديث ونسالهم الحديث يقول بان كل بدعة لم يستثن بدعة دون اخرى فنسالكم من لباسكم وحتى وعيشكم وحياتكم ومماتكم وطعامكم وشرابكم ومساجدكم وبيوتكم ودراستكم ايها التي كان رسول ا صلى الله عليه وسلم يفعل منه اي شيء فيجيبك عالمهم بان هذه امور الدنيا ونحن نقول له هذه اول بدعة بان جعلت البدعة بدعتين وقسمتها الى دنيوي وغير دنيوي ان البدعة ان صح الحديث تتعلق باساسيات الدين كان تاتي بصلاة خامسة او تضيف شهرصيام اخر او تزيد في عدد الركعات الخ 00ولنا ان نسالكم كي تتضح الامور اكثر عن صلاة التراويح التي تنقلها فضائياتكم من اين اتيتم بها فسيجيبونك ودليلهم قول منسوب لسيدنا عمر رضوان الله عليه بانه قال عند رؤيتهم يصلونا بهذا الشكل نعم البدعة هذه اذا هناك من يطلق عليه نعم البدعة ونستطيع ان نقول عنه بدعة حسنة وهي لم تكن بدعة لاسابق لها كما يفهم من كلمة بدعة وانما بتطوير وتجديد الالية للتنفيذ انما الاصل له جذور شرعية يعتمد عليها فاول قولهم بان الصوفية بدعة ونقول لهم بان الحبلية بدعة والشافعية بدعة حتى نصل الى الوهابية بدعة وبما تجيبون على هذا يكون رد الصوفية عليكم وانا هنا لاابرئ الصوفية من كثير من الامور التي يعتمدونها بناء على فهم خاطئ دون دراسة او تمحيص بل اناقش فتوى تصدر ممن يسمون علماء وناتي الى ادلتهم حيث اورد جزء من اية ليوهم المسلمين بصحة فتواه والاية كاملة هي : )مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) (الحشر:7) وبالعودة لسورة الحشر تجد ان الله تعالى يتكلم عن حالة نتجت عن حرب وهي الغنائم الحربية وقد اعترض بعض الصحابة على توزيعها فجاءت هذه الاية تامرهم بالالتزام بما قرره رسول ا صلى الله عليه وسلم ولاعلاقة لها من قريب او بعيد بما يسمونه الحديث النبوي الذي قاله فلان عن فلان عن فلان انه سمع رسول الله يقول اما عن الاية الاخرى وما ينطق عن الهوى فنقول له ولماذا لم يكن قرانا يتلى مثل هذا ولم يامر بكتابة نطقه طالما انه وحي يوحى ؟بل نجد انه امر بعدم تدوين شيئا غير القران ونجد في احاديثكم نفسها انه بشر يطرأ عليه ما يطرأ على البشر فكم عاتبه ربه عز وجل على افعال او اقوال تدل على انها ليست وحي يوحى ان الاية تتكلم عن القران العظيم بانه وحي يوحى علمه شديد القوى وما عليك الا ان تعود الى سورة النجم وتتبعها لتجد ان فهمكم هذا بعيد كل البعد عن الحقيقة ونحن هنا لانقلل من كلام سيدنا رسول الله عليه الصلاة والسلام بل نقول بان ما تدعون انه وحي يوحى قلتم عنه الكثير فكم قلتم عن بعضه انه مكذوب والاخر ضعيف والاخر موضوع وحتى ما تسمونه الصحيح تجد ان هذا يصحح وذاك يضعف وهذا يعدل والاخر يجرح ولم تتفقوا حسبما قال احد الكتاب الا على حديث واحد هو من كذب علي فليتبوء مقعده من النار 000والى الاية التي تحذر من اتخاذ الاشخاص اربابا من دون الله ونسالكم عن ابن تيمية وابن القيم وابن عبد الوهاب وابن باز من منكم يستطيع ان يرد كلاما لهؤلاء ؟ من يتجرأ ان يفتي بان ابن تيمية اخطأ وفتواه باطلة ؟بل حتى فتوى معاصركم ابن باز بتكفير من يقول بان الارض كروية لم يجرء احد منكم على الاعتراض بل نشر الكتاب ووزع وكتبت عنه الصحافة حتى يقال بان صاحبه تراجع وسحبت النسخة من الاسواق فاين انتم من الاية الكريمة المذكورة التي تفسرونها (وقد فسر العلماء هذه الآية بأن معنى اتخاذهم أرباباً من دون الله: طاعتهم في تحليل الحرام وتحريم الحلال ) الايكون الاجدر بكم ان تشيروا الى هذا الحلال الذي حرموه والحرام الذي حللوه ؟ثم تعالوا بنا الى كتبكم وقولوا لنا من هي اكثر المذاهب والطوائف التي تمتلئ كتبها بالتحليل والتحريم اكثر منكم ؟ثم ماهو سبب وجودكم كلجنة اليس من اهم اختصاصاتكم بل يكاد يكون الاختصاص الوحيد هو انكم تحللون وتحرمون ؟؟؟ثم تتابعون باحكام دون ان تبينوا دليلكم حتى تقولوا (فقد فارق مذهب أهل السنة والجماعة، )ولنا ان نسالكم(60/167)
ما هو مذهب اهل السنة والجماعة وهل التمذهب لايطلق عليه اسم بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار 00لا ايها الفكر الذي يظن بانه امتلك كل الحقيقة ولااحد له ان يقول له لا 00لا ايها الفكر الذي يتقوقع على ذاته ولاينظر حوله حتى بدأ يتآكل رغم امكانياته التي لاتعد ولا تحصى 00لا ايها الفكر الذي نصب نفسه بدلا من الله تعالى ويحاسب الناس قبل يوم الحساب 00لا ايها الفكر الذي ما ان تسلم السلطة حتى عاد بالناس الى قرون مضت 00لا ايها الفكر الذي يزكي نفسه دون الناس 00لا والف لا لفكر يكفر من يقول لااله الا الله محمد رسول الله ويطبق تعاليم دينه على اكمل وجه ويتهمه بالكفر والاشراك الذي يخرج الناس من الاسلام وفهل كان الصحابة رضوان الله عليهم ممن يظن ان في رسول الله بركة تجدها حيثما حل وكم من الاحاديث التي تتكلم عن تلك البركة وانا اعتقد ان الدكتور حينما اذهب اليه مريضا انه سيشفيني من المرض والا ماذهبت اليه وان في هذا الدواء الذي اشربه شفاء لمرضي والا ما شربته وان عملي ياتيني من وراءه الرزق وان مسؤولا في الدولة يضر وينفع فهل كفرت ؟؟الاجابة عند اللجنة الدائمة للتحليل والتحريم !!واخيرا يذكرني هذا الموضوع بالاية الكريمة التي تصف اهل الكهف انهم فتية امنوا بربهم وزدناهم هدى وما ارى في هؤلاء الاخوات الا ادنى مستوى مما تجب ان تكون عليه الفتاة المسلمة واكرر انني ضد الاخطاء التي ينتهجها بعض المتصوفة ولكن نصف شيء افضل من اللاشيء والسلام عليكم
دمشق تسمح للقبيسيات
r ana | 18:02:37 , 2006/05/08 |
اهم شئ ان ننقد هؤلاء الذين يؤدوون واجبهم الديني في الحياة و الاهم هو أن لا ننسى أن هؤلاء يقومون بواجبهم حتى أحيانا على حساب حياتهم الخاصة و هم لا يرجون إلا رضا الله نحن لا نجد مثل هؤلاء إلا في الشام و الرجاء قبل نشر الأكاذيب التأكد
كل محدثة بدعة
أبو حمزة الحموي | 11:19:37 , 2006/05/08 |
قال الرسول صلى الله عليه و سلم إياكم و محدثات الأمور فكل محدثة بدعة و كل بدعة ضلالة و كل ضلالة في النار أدعو الأخوات القبيسيات إلى اتباع سنة الرسول صلى الله عليه و سلم و القرآن الكريم وهما لا تؤيدان كل ماتم ذكره أدعو الله للجميع بالهدايةو اتباع الطريق القويم
تكفير القبيسيات
متابع | 23:50:14 , 2006/05/06 |(60/168)
فتوى اللجنة الدائمة حول القبيسات فتوى رقم ( 16011) وتاريخ: 18/5/ 1414ه". الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لانبي بعده.... وبعد: فقد اطلعت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والافتاء على ما ورد إلى سماحة المفتي العام من مستفتي من الكويت والمحال إلى اللجنة من الأمانة العامة لهيئة كبار العلماء برقم (11-16) وتاريخ ( 18/5/1414) وقد سأل المستفتي سؤلا هذا نصه: ( بشأن جماعة من النساء في الكويت يقمن بنشر الدعوة الصوفية على الطريقة النقشبندية، وهن يعملن تحت إطار رسمي " جمعية نسائية " ولكنهن يمارسن هذه الدعوة في الخفاء ويظهرن ما لا يبطن وقد حصل أن اطلعنا عى كتاباتهن وبعض كتبهن واعتراف بعضهن ممن كن في هذا التنظيم. وذلك يتمثل بعضه بالآتي: يقولون من لا شيخ له فشيخه الشيطان، ومن لم ينفعه أدب المربي لم ينفعه كتاب ولا سنة ومن قال لشيخه لم، لم يفلح أبداً ويقولون بالوصل ويقومون بعملية الذكر الصوفي مستحضرين صورة شيختهن أثناء الذكر ويقبلون يد شيختهن والتى يطلقون عليها لقب الآنسة وهي من بلد عربي من خارج الجزيزة، ويتبركن بشرب ما تبقى في إنائها من الماء ومن كتاباتهن لأدعية خاصة واني وجدتها بعد ذلك مقتبسة من كتاب الؤلؤ والمرجان في تسخير ملوك الجان، ويقومون بتأسيس المدارس الخاصة بهم لاحتواء الأطفال على طريقتهن ويعملن في مجال التدريس مما يعطيهن مجال لنشر هذه الدعوة في صفوف بنات المدارس الحكومية المتوسطة والثانوية. وقد فارقت بعض من هؤلاء النسوة أزواجهن وطلبوا الطلاق عن طريق المحاكم عندما أمرهن هؤلاء الأزواج بالابتعاد عن هذا الطريق الضال. السؤال: ( 1 ) ماهو الحكم الشرعي في عقيدة هؤلاء النسوة مع إصرارهن على هذه الطريق ؟ ( 2 ) هل يجوز الزواج منهن ؟ (3) ما حكم عقد النكاح القائم بأحداهن الآن؟ (4) النصيحة لهن وترهيبهن من هذا الطريق. وجزاكم الله عنا كل خير. وبعد دراسة اللجنة له أجابت: الطرق الصوفية، ومنها النقشبندية، كلها طرق مبتدعة مخالفة للكتاب والسنة، وقد قال صلى الله عليه و سلم " إياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة " بل إن الطرق الصوفية لم تقتصر على كونها بدعة مع ما في البدعة من الضلال ولكن داخلها كثير من الشرك الأكبر وذلك بالغلو في مشائخ الطرق والاستغاثة بهم من دون الله واعتقاد أن لهم تصرفاً في الكون، وقبول أقوالهم من غير نظر فيها، وعرضها على الكتاب والسنة، ومن ذلك ما ورد في السؤال من قولهم: من لا شيخ له فشيخه الشيطان. ومن لم ينفعه أدب المربي لم ينفعه كتاب ولا سنة. ومن قال لشيخه: لم لم يفلح أبدًا. وهذه كلها أقوال باطلة مخالفة للكتاب والسنة، لأن الذي يقبل قوله مطلقاً بدون مناقشة ولا معارضة هو رسول ا صلى الله عليه وسلم لقول الله تعالى: ( وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ). وقوله تعالى: ( وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى ). أما غيره من البشر مهما بلغ من العلم فإنه لا يقبل قوله إلاإذا وافق الكتاب والسنة، ومن زعم أن أحدًا تجب طاعته بعينه مطلقاً غير رسول ا صلى الله عليه وسلم فقد ارتد عن الإسلام، وذلك لقوله تعالى: ( اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله والمسيح بن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلهاً واحدًا لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون ). وقد فسر العلماء هذه الآية بأن معنى اتخاذهم أرباباً من دون الله: طاعتهم في تحليل الحرام وتحريم الحلال كما روي ذلك في حديث عدي بن حاتم رضي الله عنه. فالواجب الحذر من الصوفية رجالاً ونساءً ومن توليهم التدريس والتربية ودخولهم في الجمعيات النسائية وغيرها لئلا يفسدوا عقائد المسلمين. والواجب على الرجل منع موليته من الدخول في تلك الجمعيات أو المدارس التي يتولاها الصوفية أو يدرسون فيها حفاظا على عقائدهن وحفاظاً على الأسر من التفكك وإفساد الزوجات على أزواجهن ومن اعتنق مذهب الصوفية فقد فارق مذهب أهل السنة والجماعة، وإذا اعتقد في شيوخ الصوفية أنهم يمنحون البركة، أو ينفعون أو يضرون فيما لا يقدر عليه إلا الله من شفاء الأمراض وجلب الأرزاق، ودفع الأضرار أو أنهم تجب طاعتهم في كل ما يقولون ولو خالفوا الكتاب والسنة. من اعتقد ذلك فقد أشرك بالله الشرك الأكبر المخرج من الملة.، لا تجوز موالاته ولا مناكحته لقوله تعالى: ( ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ). إلى قوله: ( ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا ). والمرأة التي تأثرت بالتصوف إلى حد الاعتقاد المذكور لا ينبغي التزوج بها ابتداء ولا إمساكها ممن تزوجها إلا بعد مناصحتها وتوبتها إلى الله والذي ننصح به النسوة المذكورات هو التوبة إلى الله والرجوع إلى الحق وترك هذا المذهب الباطل والحذر من دعاة السوء والتمسك بمذهب أهل السنة والجماعة، وقراءة الكتب النافعة التي قام بإعدادها العلماء المستقيمون على العقيدة الصحيحة والاستماع للدروس والمحاضرات، والبرامج المفيدة التي يقوم بإعدادها العلماء المستقيمون على المنهج الصحيح. كما ننصح لهن بطاعة أزواجهن وأولياء أمورهن في المعروف.. والله الموفق. وصلى الله(60/169)
على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم..،،،
المهاجر الغالي
ايهاب شام | 13:57:22 , 2006/05/05 |
عزيزي المهاجر الغالي .. اتفق معك بما قلته ان الاختلاف بالراي لايفسد للود بيننا قضيه .وانا احترم كتاباتك وتعليقاتك كثيرا وان كنت اختلف معك في بعضه .. اعتقد ان النقد البناء والنقد الصادق والشفاف هو اولى الخطوات لبناء فكر سليم وراقي وحضاري . الهدف منه هو بناء الانسان السوري السوي لبناء الوطن من خلال هدا الانسان السوري السوي .. تسعدني مداخلاتك اخي الغالي وبناء الوطن لا يكون بالردح السياسي والشتم كما انه لا يكون بالمجامله وكيل المدح ..البناء الحقيقي هو النقد الصادق البعيد عن التشخيص والحقد وتصويب الخطء والاشاره اليه وهدا براي المتواضع يكون الوطنيه بعينه كما يقول المثل ... اضم صوتي الى صوت الغالي عبد العليوي بما طلب حتى نتواصل بشكل افضل واسرع ودمتم...وااااه يابلد
تصحيح شرعي للأخت المحبة للنبي عليه الصلاة والسلام، ورد على الأخ المهاجر
المهندس سعد الله جبري | 13:38:02 , 2006/05/05 |
شكرا للأخت على تصحيحها ما ورد في المقال عن مسألة تقبيل الأيدي. ولكن، أولا: المثال الذي ضربتيه بجواز تقبيل أيدي العلماء، قياسا على تقبيل يد الجد، لا يجوز، فأولا لم يسمح رسول الله عليه الصلاة والسلام لأحد أن يُقبّل يده، ورسول الله أحقُّ أنّ يُتّبع. والجد أو الوالد والوالدة، يُقَّبلُ من يشاء أيديهم لمحبة شخصية بهم، وليس لالتزام ديني، وهذا أمر فطري لايقود إلى شرك مُحتمل، أما تقبيل أيدي العلماء، فهو كناية عن تقديس ديني لا واعي، قد يقود إلى الشرك المُحتمل. وثانيا حديث " من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب... فهو حديث آحاد مكذوب، وفضح الله كذب قائله، بما أورده في آخره بالزعم الواصف لله بأنه مُتردد بل كثير التردد، وهذه مسبّة لله، سبحانه وتعالى عمّا يصفون. فلو كان مترددا لما كان إلها، والتردد صفة الإنسان العاجز الضعيف الإرادة والعلم، الذي لا يملك أمر نفسه. وحاشى لله أن يكون مُترددا وهو القوي العزيز الحكيم. وثالثا في مسألة طاعة العلماء، فالطاعة في الدين حصرها الله حصرا في القرآن بطاعة الله ورسوله، أفنجادل في آيات الله؟ وكيف نطيع في الدين مخلوقا يمكن أن يُخطأ ويصيب؟ أما قرأت قول الله تعالى { إنَّ ربَّك هُوَ أَعلَمُ بِمَن ضَلَّ عن سبيله، وَهُو أَعلَمُ بِمن اهتدى } والإدعاء بأن أي إنسان يعتقد بهدي شخص آخر في كلّ أمر يقوله في الدين، إن هو تكذيب لله تعالى في قوله أنّه وحده أعلم بحقيقة الهدى والضلال سواء بصفة الإنسان، أو في أي من أقواله، وجرأة على الله بمشاركته بعلم اختص به نفسه، فما هو إلاّ شرك. وأخيرا أنا لا أقصد من توضيحاتي، رفض جهود القائمين على الهداية بين النساء المسلمات، بل هو في خانة العمل الصالح الصحيح، فجزاهن الله خيرا، ولهن الأجر والثواب على قدر إخلاص العمل لوجه الله تعالى وحده، ولكني أقصد أن يكون في الحدود التي حدّها الله، فلا نخرج عنها، فندخل ونحن لا ندري في كبيرة الشرك، التي لا مغفرة لها. أما ردّي على الأخ المهاجر، بمناداته العلماء، فأقول أنّ دين الله الإسلام مفتوح للبحث والعلم لجميع المؤمنين، وليس العلماء وحدهم. ألم تر أن الله قد خاطب في جميع آياته، يا أيها الذين آمنوا، ولم يقل مرة واحدة يا أيها العلماءّ. إنّ من مصائب هذا الزمن بداية مما قبله، أن أكثر العلماء قد هجروا كتاب الله، وهو بين أيديهم، والتزموا اتباع ألسلف من البشر وأقوالهم، وهذا شرك كبير، وانحراف عن الدين، أوصل المسلمين ودينهم إلى ما فيه من تشويه وتفرق مُحرّم. وأختصر بقول الله تعالى في مطلع سورة الأعراف: { اتبعوا ما أُنْزِلَ إِليكم من ربِّكُم وَلا تتّبعوا من دونه أولياء، قليلا ما تَذكّرون }.
والله إني لصادق
الأكاديمي | 10:56:57 , 2006/05/05 |
كثير من الكلام الذي ذكر في المقال كذب صريح وكثير منه فيه استهزاء وللعلم أنا لست قبيسيا لأنني رجل وأنا أخالفهم منهجيا في بعض القضايا لكن هذا لا يعني أن أوافق على الباطل الذي جاء في المقال هناك استهزاء متعمد بالقيم والعقائد الإسلامية كالحجاب والعلوم الشرعية وهذه عادة أعداء الإسلام حبذا لو يلتزم كاتبو المقالات بالمنهجية العلمية دون حشر عقائدهم الخاصة بين سطور المقال أختم الكلام أنا لا أوافق القبيسيات على منهجيا على كثير من أفعالهن رغم أنهن يقصدن وجه الله وفعل الخير وخدمة الإسلام بدعوتهن كما أني لا أوافق كاتب المقال على طريقته المتحيزة في طريقة عرضه للبحث أرجو الأكاديمية في الكتابة دون إدخال الرأي الشخصي في القضية لكم كل الحب وليحفظ الله سوريا والسلام الأكاديمي
وين هالعلماء
متابع | 00:22:05 , 2006/05/05 |(60/170)
المهاجر ينادي على العلماء ياتي المهند سعد الله جبري وعبد العليوي ليجيبوا وكانهم علماء كلامهم لايعجب من شارك ولايزال النداء مستمرا على العلماء قد ياتي حبش ويجيب ولكنه من اصحاب الكروش اما البوطي فوزنه لاتعدى 50كغ بس الو لحية مين العلماء وين العلماء الخبر اليقين عند سلامة الشاعر فستمعوا له هو من التقى معا بعض افراد العصابة فليحدكم عنون بالاخص انو في كندا يبدو ان انتشارها واسع يارب احفظ بس لايجي ابو النواس ويدخل عالخط ويقول او عالم في الدين كمان مثل علوا بالطوارئ وقوانينا
رجاء من المشرف على هذه الصفحة
عبد العليوي | 23:35:25 , 2006/05/04 |
اتمنى ان يوضع التعليق بمكانه المناسب وبوقته الزمني حتى يكون هناك تناسق في الردود وشكرا لكم جميعا
اختلافنا لا يفسد ما بيننا من ود
المهاجر | 23:23:41 , 2006/05/04 |
السادة قراء هذه النافذة الكرام اسمحوا لي ان اؤكد لكم احترامي لشخصكم الكريم فردا فردا فانا اعتقد انه بات بيننا الفة وشخصيا اشعر متعة الحوار والنقد ونقد النقد فيما بيننا فقد الفت ان اقرا على سبيل الذكر وليس الحصر اسماء : السيد عبد العليوي والدكتور عرار والمهندس سعد الله جبري والسيد النطاكي وايهاب الشام وابو الطيب ورشا وكيندا وغيرهم من السادة والسيدات القراءوالمشاركين واظننا جميعا نشترك من حيث المبدا في التعامل مع ما اتاحته لنا السيريا نوبلز من فسحة للحوار تعاملا بناءا وهادفا ومفيدا في اضعف الاحوال تبادل المعرفة وابراز كافة جوانب اي موضوع مثارووجهات النظر على اختلافها وانني اعتقد ان ما بيننا من اختلاف في وجهات النظر لم ولن يفسد الود الذي ربط بيننا من خلال هذه النافذة ومواضيعها الاخبارية او الثقافية . ودمتم سالمين باذن الله .
اجل ما هكذا تورد الابل
المهاجر | 23:06:42 , 2006/05/04 |(60/171)
السيد عبد العليوي لا تصورني كمن يقود نفسه الى حتفه وهو متعنت متصلب برايه وهواه انا لم اقصدك بشي لا انت ولا كل من شارك وما خطته يمني لا يدينني ولا يضعني في الموقف الذي استغربت انت مني ان اكون فيه او وقعت فيه فلو راجعت حضرتك ردود المريدين واتباع المشائخ في مواضيع سابقة لعرفت انني لم اظلم احد ولست من يصنف الناس وما قلتها وان فهمتم ذلك فانا ادفع شككم ببيان واضح صريح ولكن يا سيدي هل جربت الخروج الى خارج سورية وهلا ابلغتني كم من الفروق الشاسعة بين مسلمي سورية وغيرهم من حيث الظاهر ولن اخوض بالباطن لانه واتفق معك ومع كل المسلمين انه من اختصاص رب الناس ومللك الناس ( مع تشلبههم من حيث الابتعاد عن الاسلام الحقيقي بحسب تعبيرك في موضوع الاسلام والدولة ) يكفيني ان اذكر لك بان مسلمي سورية واقصد منهم اهل السنة هم من غيروا دون سواهم نداء الاذان واضافوا عليه .ومسلمي سورية ومنطقة بلاد الشام هم من يتمطقون باللكنة ويمطون الكمات اثناء رفعهم للاذان بداعي التحبب . سيدي الكريم ان لدي من الشهود ما يكفي وما يدين هؤلاء المشايخ جميعا وتبعيتهم لاجهزة المخابرات السورية بشكل او باخر بشرط ان لا تمس كرامتهم وتمس هيبتهم ولدى هؤلاء المشايخ من هو مستعد لان يزهق روحي او روحك ان تكلمت امامه بشيء عن ربه ومعبوده(اقصد شيخه) ومن ثمة الم تلاحظ يا سيدي انني لا ابت ولم ابت ابدا في مسالة دينية وكنت دائم اكرر الشهادة على مسمعكم كي اجب عن نفسي مغيبة الغير واتهامي بشئ ليس من حقه اصلا ان يتهمني به وهو الكفر اولم تلاحظ يا سيدي ان يميني قد خطت في اخر الموضوع ما يلخص اسباب توجسي وعدم قبولي لمسلكيات هذه الشريحة من الناس الذين يستغلون محبة الناس البسطاء وغير البسطاء لله تعالى فيجيشونهم من حيث لا يشعرون اولم اوجز مخاوفي ممن يتصفون بهذه الصفات ومن تطورهم في ذات يوم الى تيار تكفيري او يؤيمن جانب من يعلق عقله عن العمل والمحاكمة ليغدو حملا وديعا بين انياب من يظن انه يحسن عملا اولم اتحدث عما افرزته مثل هذه التيارات في دول اخرى يا سيدي الكريم ؟ ومن ثمة انا لا اقول اني اخضع لشيخ فارفض من دونه وان كنت تظن ذلك فارجو ان تعلم انني لست كذلك يا سيدي لانني اساسا مقيم خارج سورية وفي ارض لا اجتمع فيها مع شيخ او علامة او داعيةوانني لست ممن يؤمن بان من لا شيخ له فان شيخه الشيطان ومتى كان الشيطان شيخا ومتى كان في الاسلام اشباه لكهنة اوربا وعصر بيع صكوك الغفران؟ بل اتابعكم من خلال التلفاز والصحف والانترنت في ارض لغة الضاد فيها غير سائدة وغير مهيمنة يا سيدي . سيدي الكريم اني ارجو من الله بان لا اكون ذلك الذي يستدرج من حيث لا يحتسب ولا يدخل في موضوع بغاية الظهور والبروز واذكرك باننا اتفقنا مسبقا بان الصوفية كمنهج شخصي او سمة لسلوك وصفة لعابد امر مرحب به على الاقل بالنسبة الي .اما القبيسيات اجل يا سيدي الكريم انا اعرفهم اهل الاشارات الزرق والكحلية والبيضاء اجل اعرفهمواتذكرهم جيدا في سورية حيث كنت ذات يوم اهل الاشارات الرمادية يا سيدي واعرف اين وكيف يتسللون ومن اية ابواب وبشهادات فتيات لا يزلن على قيد الحياة لغاية الساعة ولا اعلم متى يتوافهن الله .اولا تقبل بشهادتي ام تعتبرني شاهد زور والذي كان يحيرني فيهم هو منطلق ولائهم الاعمى والغير مبرر فبربك يا سيدي هلا تكرمت علي واخبرتني عن اسباب تغييب وكتم الحجج والبراهين فبربك يا سيدي هلا اخبرتني ما معنى ان يعقب شيخ وعلامة ودكتور على منتقدٍ له بقوله : تافه لا يعلم والرد عليه سفاهة . هل ابطال حجج المعتدين ان كانوا معتدين على فكر الاسلام هل ابطال دعواهم وحججهم بات من ابواب السفاهة ؟ يا سيدي كنت قد كتبتها بيميني هذه التي تكلمت انت عنها ولكنني حقننا لاستثارة غضب المتعصبين وكنت انوي ان احرم الدكتور والعلامة وغيره من امثاله من التفاخر بين اتباعه بمظهر التواضع الكاذب الذي يتمنى مريدوه ان يستديروا ليكونوا خاتما باصبعه ونعالا في قدمه كنت انوي حرمانهم من ان يقولو سفيه وسفه كلامه ولكن اقول لهم ولاربابهم لهؤلاء المريدين وللقبيسيات وغيرهم ممن يقدس فتاوى على شاكلة ما افتى به ابن بازعلى شاكلة فتوى بان الارض ثابتة وكافر من بقول بغير ذلك ابن باز السعودي الذي يعتبرونه امام مدرسة ابن تيميةفي السعودية وائمة مدرسة ابن تيمية رحمه الله في سورية ومنهم الدكتور والسيد النائب. ان الجنة ليس لها مداخلا تمر من تحت عباءاتهم وسياتي يوما يرى فيه الناس اجمعين اي عنت كانوا يصرون عليه يكفيني ان اقول لكم انظروا لمن سوغ دخوله في البرلمان و دخل مجال السياسة في سورية وهو يدعي انه عالم دين يخدم الاسلام والسياسة في سورية اقذر من القمامة التي وصفها خدام في تصريحاته ولست اظنهم بمدخليني الجنة وعاتقي رقبتي من النار وان الدعارة والعهر الذي يتبجحون بمكافحته لهو امر مرض اجتماعي مبعثه ومشجع نموه في سورية سياسي اقرته اجهزة الامن السورية ورسخته وبل انها احيانا فرضته على الشعب السوري ان لم يكن من اجل ان يمارسوه فهو من اجل ان يالفوه(60/172)
ويلتهي الكثير منهم في الانجرار ورائها اما عضوا فعالا او ناقدا ومنتقد وعلى الحالتين هم الكاسبون اي اجهزة الامن السوري فالشعب التهى بما هو حقا يلهيهم عن فسادهم وتسلطهم ومكافحة الدعارة وبحكم القانون السوري الصوري المعطل رحم الله ايامه الخوالي هي امر يعاقب عليه القانون ويحاكم مروجيه وممتهنيه وكنا اتفقنا يا سيدي على الاقل انا وانت على ان مسالة الصلاح والاصلاح تبدا من الفرد ومن الاسرة باعتبارها اصغر شكل لمجتمع فليس هناك من وازع يمنع الانسان المسلم عن متابعة الروتانا او هيفاء او غيرها من مظاهر الانحلال والفساد الذوقي العام المحيط غير ضمير الشخص المسلم نفسه وليس القبيسيات او غيرهن وكم من الفضائح التي هزت اركان مجتمعات الرهينة سواء اكانوا نصارى ام اسلام لان المواجهة الحقيقية وخط الدفاع الاول لهذا الهجوم المسعور من محبي الدنيا والمقبلين على اسبابها يبدأ في ضمير الشخص المسلم ونزاهته والتزامه ورقابته على نفسه من قبل نفسه وليس القبيسيات قدس الله سرهن . السادة قراء صفحة النوبلز جميعا انا لم اعمل اي خطأ اذ وجهت انتقادا لابن انثى كان وامه يمشيان في السوق وياكلون مما انبتته الارض وهو ليس بنبي وان ادعى النبوة فلن اكذبه بل حينها سافوض الى الله امري ولن اتعنت ولن انتقد . واخيرا انا لست من موظفي من نقل الخبر لادافع عنه او اتخذ من كلامه مصدر موثوق دون علم مسبق وبحسب رايي فان المقال لم يتهجم ولم يدافع ولم يسوغ ولم يسوق لهن او عليهن هذا ومن يرجع بذاكرته للوراء ويستذكر كيف كان الاعلام عندنا في سورية قسري وذات اتجاه اجباري ولم يكونوا ليسمحوا لنا لنعلم ماذا في الخارج كي لا تتطاول اعناقنا وترنو عيوننا الى استرجاع ما سلب مننا كسوريين وما يتغنى به من يقول انه ابن الانسانية في دول اخرى وكذلك هي الحال هنا فلربما سخر لنا الله من وسائل الاعلام وتناقل الاخبار ما يكفي لنا ويشجعنا لان نقف امام انفسنا ونحلل ما نحن عليه وما يدور في مكان اخر في عالم المسلمين الواسع الانتشار في اصقاع الارض على اختلافاته وما لمنسمع به وما يغيب عننا . ودمتم سالمين باذن الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الأخ المهاجر
عبد العليوي | 21:31:05 , 2006/05/04 |
عزيزي المهاجر انك امام صورة واضحة المعالم قد تكون خاطئة في بعض وجوهها ولكنها في زمن روتانا ويهفاء ونانسي تبقى تحمل بين ثناياها الخير الكثير وصاحب المقال اجده يكره ذلك الوجه الجميل من الصورة ويحاول تشويهه وقد فشل كما تبين من كلامه ولااعتقد ان المقال او تعليقات كل منكتب تتطرق لموضوع من ذكر اسمهم في المقال من العلماء ولم اجد من دافع عنهم لانهم ليسوا من الموضوع بالاصل بل الكاتب حاول ان يستشهد بكلامهم لاتمام موضوعه واكتشافه العظيم والغريب انك تتصور ان الناس تخشى هؤلاء من تشبههم بتلك الصورة التي لم اصدق ان المهاجر صاحب القلم النظيف والرائع قد خط هذه المشاركة ثم كيف تعلم بما تخفي الصدور لتصنف ان هذا يخشى الله وقلبه سليم والاخر لا ؟؟اليس هذا الأمر من اختصاص الله تعالى ام ان كل من لايوافق هواك ممن سياتون هو صاحب القلب الاسود المشرك بالله بعضا من الشيوخ والذي يوافق هواك هو صاحب القلب السليم والمخلص في دينه ؟لاياعزيزي ماهكذا تورد الابل ونحن نتقن قراءة العربية وان لم نتعلم قواعدها وقد اجبنا بناء على قراءة دقيقة لما خطته يمينك ولم ندعي اننا علماء واعتقد ان كلامنا لايوافق من تعرفهم انت من العلماء وفق تلك الصورة التي في مخيلتك وهذا يدل على اننا لسنا من يخشى احدا غير الله تعالى ورغم كل هذا لاازال احسن الظن بك واعتقد انها كبوة جواد ستمر بسلام
لا تقلق أيها المهاجر
سلامة الشاعر | 19:45:44 , 2006/05/04 |
الأخ المهاجر وجدت في كلامك المنطق فلا تجزع لانقلابهم عليك وأعتقد أننا بالفعل أصبحنا نشابه اليهود في تقديسنا لمشائخنا ومن لف لفهم..واأسفاه. لا أحد منا يكره أن تكون أخته أو أمه محجبة ومتدينة ولكن لا يوجد في الإسلام ما يوجب لبس لون معين أو اتباع شيخة معينة وتقبيل يدها .. ديننا دين البساطة وليس دين الكهنوت. أنا حزين على كل امرأة من القبيسيات لم تتزوج لأنها فقدت أهم رسالة وهي الأمومة وهي رسالة الإسلام دين العائلة.
السيد عبد العليوي
المهاجر | 18:33:31 , 2006/05/04 |
السيد عبد العليوي المحترم وكل قارئ قرا المقال والتعليقات انا استفززت ورجوت من يخشى الرحمن ويعمل لان ياتي الله بقلب سليم وليس من يخشى اللحى والذقون ومالئي البطون . ارجوكم اظنني اتحدث العربية.
جريمة لا تغتفر
المهاجر | 16:39:05 , 2006/05/04 |
شتم اسم الله عز وجل والعياذ بالله في كثير من المؤسسات والدوائر والاجهزة الامنية السورية مع التفنن في كيل الشتائم امر جوابكم عليه ان لا حول ولا قوة الا بالله وهو امر يعاد فيه النظر اما التحدث عن الشيخ الحبش والبوطي والقبيسية فهو جريمة لا تغتفر.
قرارات توصلك باقل زمن الى الهاوية
زيق | 04:58:13 , 2006/05/04 |
ايوا اعطيا اسا اعطياااااااااا ......... عالهاوية ابو فهددددددد(60/173)
الأعمال بالنيات وليس بالعلنيات
مغترب | 01:25:36 , 2006/05/04 |
من المعروف أن الدين الإسلامي أخرج العالم من الظلمات إلى النور ومن الجاهلية ووأد البنات إلى مكارم الأخلاق ووصل المسلمون بإيمانهم إلى أن أصبحوا سادة العالم في عصرهم .. وهذا ما تفتحت عليه أعين المغرضين لاكتساب السلطة والسلطان ومنهم الأجير السراج إبراهيم خاسكان الذي لقب ( أبو مسلم الخراساني ) الذي تبنى دعوة الإمام المهدي زمن العباسيين وأراد إعادة دولة كسرى في خراسان والوصول إلى المجد باسم الإسلام والإمام وغيره كثيرون أرادوا تقمص الإسلام للوصول لأغراضهم المشبوهة أو تدمير الدين من الداخل مثل الثورة الكمالية في تركيا الذي ساعدها الغرب برئاسة اليهودي ( متقمص الإسلام) والمنتسب إلى جماعة ( يهودي دونمسي ) الذي كان مركزها سالونيك في اليونان في زمن الدولة العثمانية حتى وصل إلى الحكم وحارب الدين الإسلامي وحكم على الإسلاميين بالإعدام وألغى الخلافة وأسس الجمهورية التركية العلمانية وأغلق الجوامع ومنع تدريس الدين وألغى اللغة العربية والأحرف العربية ليفصل تركيا عن العرب والإسلام ..... وقبل تصديق أية ظاهرة جديدة أو الحكم عليها علينا التأكد من نواياها الحقيقية ومن يشجعها ويساعدها ويدعمها وخاصة أنها ناشطة في طبقات غير عادية ومتميزة ومتنفذة وفي البلاد التي تحارب الإرهاب ( الإسلام ) وعلى رأسها الولايات المتحدة.. وتصرفاتها أيضا غير عادية .. فلا عبودية ولا تقبيل أيادي وأرجل ولا رهبنة ولا بدع ولا باطنية ولا سرية في الإسلام , والذي معنا دائما هو الله سبحانه وتعالى وليست الشيخة أو أحد سوى رب العالمين .
ما وراء البانطو الكحلي
سلامة الشاعر | 23:51:28 , 2006/05/03 |
خاطبت الكثير من القبيسيات ولم أجد سوى عقل ملحوس وارادة مسلوبة وتقديس للشيخات إلى حد الجنون..أي اسلام هذا؟؟؟
عجبت من كلامك ايها المهاجر
عبد العليوي | 23:35:39 , 2006/05/03 |(60/174)
عجبا ان يصدر من السيد المهاجر هذا الهجوم وكانه سمع عن بيوت للدعارة وعن كثير من العراقيات كما نشرت سيريا نوبلز تقريرا عن نشرهن للدعارة او عن المغربيات والخادمات الاسيويات وعن مراقص الشبه عاريات عجبا منك ايها العاقل المتزن الذي يكتب دائما ما يستحق القراءة !!!عجبت لحربك على من يتمسك بقول البشر وتحارب الكهنوت وتقليدهم للنصارى واليهود وتدعوا بنفس الوقت في بداية كلامك بعض البشر لياتي يفند ويعطي رايه ويحكم فما هو الفرق بين هؤلاء وهؤلاء وكلاهما انسان يفكر كما يشاء ويعتقد بما يشاء وكيف انك متاكد بانهم لم يستخلفهم الله وعلينا ان نقتنع بان من تسميهم الاكاديميين والمتخصصين في علوم الدين مستخلفين يعلمون من الدين اكثر من اولئك ؟!!ونعود لكلامك 1- ان ما اقتبسته من فقرة هي قول الكاتب وليس للدكتور الحبش وجوابا على تساؤلك ان دينك الاسلامي يعتمد كليا على رجال الدين وقائد لهؤلاء الرجال وتبعية الرجال ولااسميهم كهنوت كبعض الملل الاخرى وهذه سنة الله في الكون بان يكون قائد للمجموع وينطلق الدين الاسلامي من سيدنا رسول الله عليه الصلاة والسلام وبتتبع علاقة الصحابة رضوان الله عليهم به والطاعة التامة لاوامره وحث الله عز وجل على تبعيتهم له ومدح من يلتزم معه وينتقل الى الصحابة الكرام ممن سبق من المهاجرين والانصار وحث من ياتي بعدهم بل والذين عاصروهم من الصحب الكرام على اتباعهم باحسان ليكونوا بذلك قادة الامة الاسلامية بل اكثر من ذلك بان رضى الله تعالى مقرون بهذا الاتباع -100- من التوبة- كل ذلك افرز ذلك الايمان والسمو الروحي وليس بمرسوم الهي بل بطاعتهم لما انزل الله تعالى وتعلقهم بالشخص القائد لهم عليه الصلاة والسلام ومن بعض من صاحبه ولم يجد طعم ذلك الايمان وذلك السمو الروحي ووقف معارضا ينظر اليه كما تريد ان ينظر الناس اليوم لرجل الدين تجد ان اكثرهم قد غضب الله عليه فسماهم المنافقين وسماهم المسلمين 000ا2- كلامك يرد عليه ماسبق بان القيادة من سنن الله في الكون وحتى الذي لايعترف بالقيادة تجده يعترف بالعقل كقائد وبالشيطان كقائد والهوى كقائد الخ00ويظن كذلك مثل هؤلاء بان قائده يهديه سواء السبيل وياخذ بيده الى جنات النعيم واتحفظ على كلمة قطيع وغيرها من الكلمات التي لااتصور ان تصدر من شخص مثلك وبمستواك الثقافي والا لحكمنا على كل من يتبع الدين ويتمسك به انه من ذلك القطيع لانه بالمحصلة هو تابع لبشر في احدى صور التبعية اما عن التربية فهذا هو الذي ينقص المسلمين اليوم ان التربية تعني ان تتخلق باخلاق سيدنا رسول الله عليه الصلاة والسلام وكما هي تربية الاجساد تستحق الشكر والدعاء للوالدين فتربية النفوس والارواح تستحق ذلك فهل تقصير الوالدين بالتربية وقيام شخص اخر بهذا الدور يعتبر فضيلة له ام نقمة عليه ويستحق من البعض هذا الاستهزاء فالذي سمح لمن تلتزم بالطفل ان نطلق عليها مربية ومن يعلمه الابجدية نطلق عليه مربي وهذا الذي يفني عمره ليعلمنا الاخلاق والالتزام بالدين نستخسر عليه صفة المربي !!اما عن بقية كلامك في هذه الفقرة فاتركه للخاتمة 3-كلامك عن الوزير يخصك وحدك4- هذا لاننا ننظر الى الاغنياء نظرة غريبة ملئية بالحسد او الحقد وكأن هؤلاء لايحق لهم الالتزام بدينهم باي شكل من الاشكال 00هل يعقل ان نتصور زوجة ذلك الغني ومن وسط تلك الرفاهية او زوجة ذلك المسؤول ومن عناوينه الفساد والظلم والمرتشي ان تكون زوجته ممن يلزمن بدينهن ونسينا ان زوجة فرعون كانت من الصالحات 5- وايضا الايمكن ان كلامه كله كذب وما هن الا مسلمات صالحات يحبن بعضهن لله ويجتمعن على طاعة الله ويتزاورن في الله ؟؟واي تصريح نسب لهن اذا كان من استشهد بهم صاحب المقال ينفون عنهن اي مجال للاتهام وهو لم يستطع ان يثبت عليهن شيئا رغم انه حاول بكل وسيلة ان يجد ما يميزهن عن استنتاجنا السابق وخصوصا انه يقول انهن ناشطات منذ عشرات السنين وعجبتك لتعجبك ممن يبحث عن زوجة صالحة ويطيع قول نبي صلى الله عليه وسلم فاظفر بذات الدين تربت يداك 00الحديث اتمنى ان اكون اجبتك ضمن ردي عن النقاط التي اثرتها 000الاخ المهندس سعد الله لقد اجدت وانصفت بارك الله فيك اما عن الاسم فهو ليس للدلالة عن دين جديد بل على تبعية لشخص ما مثل الشافعية او الحنبلية او الرفاعية الخ00وتجد ان الاسم يطلق على من تبع هذا الداعية او العالم وتبع اسلوبه في العبادة والاذكار 00 وختاما اقول :ابدأ بقوله تعالى ()يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) (الحجرات:6) ومن خلال امر الله تعالى لنا على الاقل يجب الا نطلق احكاما دون ان نتبين من صحتها 00وحسبما فهمته من المقال بان هذه الفئة من النساء ينتسبن الى التصوف والتصوف اسم غريب اطلق على من كان تدينه مبنيا على الزهد في الدنيا واتباع الصحابة الكرام سلوكيا مما نسب لهم وقيل عنهم وذلك بعد ان فتحت الدنيا ذراعيها على المسلمين واتجه المسلمون اليها بكل(60/175)
لهفة وشغف ثم مالبث ان توسع وانتشر فادخل عليه من شاء ما شاء وتم تشويهه ومسخه بل وادخال المفاهيم الفلسفية الوافدة مع من اسلم في الفتوحات الاسلامية وبعض عقائد تلك الامم وحتى طقوس عباداتهم وهو كغيره من تمسك مسلمين اليوم بتدينهم موروث فيه الغث وفيه السمين فلاتستطيع ان تذمه بالكلية كذلك لاتستطيع قبوله بالكلية وهو بحاجة الى تصحيح وتجديد واستغلال التعلق بالشيخ وطاعته العمياء في هذا التصحيح وما على المسلم الكيس الا ان يأخذ من الورود ان وجدت ويترك الاشواك لمن غيب عقله كاملا فتجد عند الصوفية الالتزام - ولو ظاهريا - بالسلوك الاسلامي فتجده ذاكرا لله قياما وقعودا منفقا دون خوف من فقر ملتزما بصلاة الجماعة يكره الكذب والظلم والفجور الخ 00من الصفات الحميدة في الاسلام واكاد اجزم بان اكثر الملل والنحل التي تنتسب للاسلام لديها من الورود - ان صح التشبيه - هم الصوفيه وكما لديهم ورود فلديهم اشواك منها التزامهم بالقبور ونظرة الاتباع للشيخ وبعض اذكارهم وطريقة هذه الاذكار 00وغيرها ولو صحح منهج ما يطلق عليه التصوف لكان فيه كل الخير وذلك لانهم يعتقدون - وكما ذكر احد الاخوة منذ فترة - بان جهاد النفس هو اعظم جهاد ويعتمدون كليا على جهادهم للنفس وشهواتها ورغباتها وابعاد الشيطان عن القلب بالذكر المتواصل بمعنى ان شغلهم الشاغل تزكية النفس وقد افلح من زكاها وختاما اسال الله العظيم ان يردنا الى كتابه العظيم ردا جميلا وان يجعلنا من المتمسكين به والعاملين بما فيه والسلام عليكم
بحق الله عليك مهاجر فكر قبل الكلام
واحد مذهول | 23:09:17 , 2006/05/03 |
انا من اتباع مدرسة ابن تيميه ولكن اعرف اناسا من هذه الجماعه وهم من افضل الناس.ليس كل ماقيل في المقال يعكس الحقيقيه.ثم تأتي انت وتقفز وتبدأ بالشتائم والقذف.هل فقدت صوابك ؟ام أنت بالاصل كذلك؟رأيت الكثيرين يهاجمون أسلوبك والان أعرف مايعنون.لاحول ولا قوة بالله من هالمخلوق
الأخ المهاجر، إجابة بلا انفعال
المهندس سعد الله جبري | 22:55:12 , 2006/05/03 |(60/176)
أغلب مضمون حديثك صحيح لو لم يتضمن انفعالا مبالغا فيه، والجواب على أسئلتك ما يلي: 1. الشق الأول من السؤال: ليس يجوز فقط وإنّما يجب على من يستمع إلى الشيخ السؤال عن كل ما لم يفهم، وكذلك يجب عليه أن يسأل عن الدليل الشرعي ومرجعية ما يُقال له، أو للحلقة التعليمية. ومن يرفض أو ينكر ذلك من المشايخ فهو جاهل بما يقول أو مُتكبر، لايستحق الموقع الذي وضع نفسه فيه. ودليل ذلك الآيات القرآنية حيث ورد في القرآن تسع آيات تبدأ {يسألونك ...} فهل الشيخ أعظم قدرا من رسول الله عليه الصلاة والسلام، فلا يصح سؤاله، كما كان يصح سؤال النبي؟ لا بل من المسموح مجادلة الواصفين أنفسهم برجال أو نساء الدين، لأن الله قبل مجادلة امرأة لرسول الله، وذكره في القرآن، وذلك بقوله في مطلع سورة المجادلة { قَدْ سَمِعَ اللُه قَوْلَ التي تُجادِلُك في زوجِها ...} وهذا تحليل المجادلة المُخلصة الواعية في أمور الدين. لا بل إن الأمر أكثر من ذلك، فقد سمح الله لكل نفس أن تجادل الله نفسه يوم القيامة، ولا أظن أن أحدا يجرؤ أن يقول أنه أعلى مقاما وقدسية من الله سبحانه وتعالى، النحل 111{ يَومََ تَأْتي كُلُّ نَفسٍ تُجادِلُ عَن نَفسِها ..}. أما الشقّ الثاني من السؤال، فلا تصح طاعة المسلم لشيخ أو عالم أو رجل دين مهما كانت صفته، والقول بها شرك. وإنّما الطاعة في الدين لله ورسوله حصرا. 2. لا وجود لطبقة رجال الدين في الإسلام، وجميع أسمائها من شيخ، وإمام، وآية الله. كلّها أسماء مُبتدعة لا أساس شرعي لها. ولكن هناك أسم الدعاة لله الذين حدّد الله مهمتهم في قوله في سورة آل عمران 104 { وَلْتَكُن مِنْكُم اُمّةٌ يَدعُونَ إِلى الخَيْرِ، وَيَأمُرون بِالمَعروفِ وَيَنْهَوْنَ عنِ المُنكَرِ وَأولئكَ هُم المُفلِحون}، ولكن بنفس الوقت حَرّم الله في الآية التالية مباشرة على الدعاة الاختلاف والتفرّق في الدين، ممّاّ ارتكبه ويرتكبه جميع رجال الدين المسلمين قاطبة، مقلّدين في ذلك من سبقهم من أهل الكتاب، وذلك في قوله 105 { وَلا تَكُونُوا كَالذينّ تُفَرَّقُوا وَاخْتَلَفوا مِنْ بَعدِ جاءَهُم البَيّناتُ، وأولئك لَهُم عَذابٌ عَظيم } وذهب الله تعالى إلى وصف المختلفين والمتفرّقين في الدين بالكافرين وهذا ينطبق على كلّ من انتمى إلى فرقة أو طائفة فتعصب لها ودعا لها وأوليائها، بدلا عن الدعوة للإسلام المُنزل من الله. وللأسف فإِن هذا لينطبق على مُعظم رجال الدين، وذلك في قوله في الآية التالية مباشرة 106 { يََوْمَ تَبْيَضُّ وُجوهٌ، وَتَسَِْودُّ وُجوهٌ، فَأمَّا الذينَ اسوَدَّت وُجُوهُهُم، أَكَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُم؟ فَذُوقوا العَذّابّ بِما كُنْتُم تُكفُرُون } 3. الإسلام هو دين الله، فهو دين دعوة علنية لا إخفاء في أي أمر أو حكم من أحكامه، ومن يزعم ذلك فهو كاذب، يكفر بحق الدين، وإن أخفى أحد منه شيئا فهو يُخفي أمورا مُبتدعة ضالّة ليست من الدين المُنزل، وفي ذلك قوله تعالى في سورة البقرة 159 { إِنَّ الَّذين يَكتُمون مَا أَنزَلنا مِنَ البَيّْناتِ وَالهُدى مِنْ بَعْدِ بُيْنّاهُ لِلناسِ في الكِتابِ أُولَئكَ يُلْعَنَهُم اللهُ وَيلعَنَهُم اللاعِنون } أخيرا، أمّا من يزعمون أنفسهم السلفيون والتكفيريون، فهم الكافرون حفّا، لما اخترعوه وابتدعوه من الاتباع المُحرّم لغير كتاب الله ورسوله. وهذا ليس رأيا شخصيا وإنما هو من كتاب الله، وفيه آيات كثيرة، نذكر منها الآية من سورة لقمان 21 { وَإِذا قيلَ لَهُم اتْبعوا ما أَنْزَلَ الله، قالوا بل نَتّبِعُ مََا وَجَدْنا عَليه آباءَنآ، أَوَ لَوْ كان الشَيطانُ يدعُوهم إِلى عَذّاب السَعير } أرجو أن أكون قد وُفقت لإجابة تساؤلاتك.
الاسلام المظلوم
مظهر | 21:17:35 , 2006/05/03 |
الى الأخ ابوياسين هل كل مايفعله اويقوله الشيخ او الشيخة هو الاسلام الحقيقي ؟ وهل اتباعهم واجب وفيه نص قرآني او حديث شريف ؟ وهل هناك مايلزم اتباعهم ؟ ام انها سنة موروثة من الذين سبقوا وحكموا سابقاً باسم الاسلام والزموا حاشيتهم والمنتفعين من أزلامهم وممن يسمون (وعاظ السلاطين) فاصبح متوارثاً عن اولئك ديناً وعقيدة ومن يجرؤ على الاعتراض يصبح مرتد وزنديق ويجب ان يقام عليه حكم الردة ولو كان يشهد الشهادتين ويقيم الصلاة وبؤتي الزكاة ويصوم رمضان ويحج البيت وعند البعض يستحق ذلك فكل من تجرا على الحاكم وأزلامه من وعاظ السلاطين يستحق ذلك . الاسلام ياأخي ليس اشخاصاً الا شخص النبي وأهل بيته وأصحابه الصالحين وغيرهم مهما علا شأنهم فهم بشر.
==============(60/177)
(60/178)
التحذير من (( القبيسيات ))
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده و نستعينه و نستغفره، و نعوذ بالله من شرور أنفسنا و من سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، و من يضلل فلا هادي له، و أشهد أن لا إله إلا الله و أن محمدا عبده و رسوله.
أما بعد :-
اتصلت في الشيخ محمد بن غيث حفظه الله اسئله عن (( القبيسيات )) فقال من يعلم بحالهن فليكتب و يحذر منهن لأن التحذير منهن واجب
قد ظهرت في الآونة الأخير (( في الإمارات )) فرقة تسمى (( القبيسيات ))
هي فرقة قديمة ظهرت في سوريا تترأسها (( منيرة القبيسي ))
من عقائد هذه الجماعة الخاصة بالنساء القول بالحلول والوجود وتعظيم أئمة الصوفية القائلين بهذا القول كابن عربي والحلاج ومن كلام " منيرة قبيسي " ( فقد عرف الحلاج الله حتى ذاب في حبه وعندما سألوه عمّا كان يخفي في ملابسه قال : " ما في الجبّة إلا الله " ، وكذلك الشيخ محي الدين بن عربي لم يعد يعرف الفرق بينه وبين ذات الله حيث كان يقول :
أنا من أهوى من أهوى انّا .. .. .. نحن روحان حللنا جسداً
وتقول أيضاً : إن الشيخ النقشبندي رأى في منامه سيدنا الخضر فقال له : تعال أعلمك الطريقة الوحيدة !! التي ستوصلك إلى الجنة وبغيرها لا تنجو من عذاب النار !!.
ومن عقيدة أتباعها من النساء " القبيسيات " بأن شيختهن لا يجوز مناقشتها وأمرها مطاع ، وطاعتها من طاعة الله وأن حبها من حب رسول ا صلى الله عليه وسلم
وهذه الجماعة تصنف كجماعة باطنية من جهة أنها تلبس لباس العمل الخيري أو التربوي أو الدراسي ولا تظهر كل معتقداتها لكل الناس ، ويقلن أن هناك علماً باطناً ويسمونه بالعلم اللّدني وهو علم أهل الباطن والتصوف لأنهم في مستوى أعلى من الناس فهم الخواص الذين خصهم الله بمعرفة ذاته والوصول إليه . "من مقال كتب فيهن"
لهم نشاط كبير في هنا في إمارة دبي بعد أن أغلقت إمارة الشارقة جمعيتهن.
القبيسبات فرقه منتشرة في أوساط النساء
و هي فرقه صوفية على الطريقة النقشبندية كما ذكر فوق و لكن مالم يذكر هو أنهن يتعاملن بالسحر
و قد أخبرتني إحدى الأخوات أنها حضرت محاضرة لهن هنا في دبي و بالتحديد في ديره.
و كانت تتكلم عن حب الرسول.
و تضمنت المحاضرة البدع المحدثة كقراءة الفاتحة للرسول و مسح الوجه بعد الفراغ من القراءة و مما لا يستغرب من هؤلاء الصوفيه القبوريه
هذه الجمعية رحمنا الله و إياكم تستدرج النساء بتحفيظ القرآن
و بعد أن تشترك معهن أحدهن يبدأ تعلقها بالآنسة التي تُحفّظها تعلقا غريبا
بأن تكون في بالها و خيالها.
و ما أن تكتشف إحداهن سرهن آذوها
فهن يتعاملن بالسحر كي يبقين الفتيات و النساء متعلقات بهن و لا يفارقهن
فقد حدث و تأذت إحدى الأخوات منهن و اكتشفت أن بها شيطان
و حين نصحت صديقاتها الاتي معها بالرقيا الشرعيه .. اكتشفن أيضا أن بهن شياطين
فحذار منهن لأن خطرهن عظيم
ملاحظة :- لا علاقة لهم بالعائلة التي في أبوظبي (( القبيسي ))
و هذه فتوى اللجنة الدائمة
فتوى اللجنة الدائمة حول القبيسات رقم ( 16011 ) وتاريخ: 18/5/1414هـ.
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ... وبعد :
فقد اطلعت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء على ما ورد إلى سماحة المفتي العام من مستفتي من الكويت والمحال إلى اللجنة من الأمانة العامة لهيئة كبار العلماء برقم (11-16) وتاريخ (18/5/1414).
وقد سال المستفتي سؤلاً هذا نصه :
( بشأن جماعة من النساء في الكويت يقمن بنشر الدعوة الصوفية على الطريقة النقشبندية ، وهن يعملن تحت إطار رسمي " جمعية نسائية " ولكنهن يمارسن هذه الدعوة في الخفاء ويظهرن ما لا يبطن وقد حصل أن اطلعنا على كتاباتهن وبعض كتبهن واعتراف بعضهن ممن كن في هذا التنظيم . وذلك يتمثل بعضه بالآتي :
يقولون من لا شيخ له فشيخه الشيطان ، ومن لم ينفعه أدب المربي لم ينفعه كتاب ولا سنة ، ومن قال لشيخ لم ، لم يفلح أبدا ، ويقولون بالوصل بعملية الذكر الصوفي مستحضرين صورة شيختهن أثناء الذكر ويقبلون يد شيختهن والتي يطلقون عليها لقب الآنسة وهي من بلد عربي من خارج الجزيرة، ويتبركن بشرب ما تبقى في إنائها من الماء ، ومن كتاباتهن لأدعية خاصة ، وأني وجدتها بعد ذلك مقتبسة من كتاب اللؤلؤ والمرجان في تسخير ملوك الجان ، ويقومون بتأسيس المدارس الخاص بهم لاحتواء الأطفال على طريقتهن ويعملن في مجال التدريس مما يعيطهن مجال لنشر هذه الدعوة في صفوف بنات المدارس الحكومية المتوسطة والثانوية.
وقد فارقت بعض من هؤلاء النسوة أزواجهن وطلبوا الطلاق عن طريق المحاكم عندما أمرهن هؤلاء الأزواج بالابتعاد عن هذا الطريق الضال.
السؤال : ( 1 ) ما هو الحكم الشرعي في عقيدة هؤلاء النسوة مع إصرارهن على هذه الطريق ؟
( 2 ) هل يجوز الزواج منهن ؟
( 3 ) ما حكم عقد النكاح القائم بأحداهن الآن ؟
(4 ) النصيحة لهن وترهيبهن من هذا الطريق. وجزاكم الله عنا كل خير.
وبعد دراسة اللجنة له أجابت:(60/179)
الطرق الصوفية ، ومنها النقشبندية ، كلها طرق مبتدعة مخالفة للكتاب والسنة ، وقد قال صلى الله عليه وسلم : " إياكم ومحدثات الأمر ، فإن كل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة " .
بل إن الطرق الصوفية لم تقتصر على كونها بدعة مع ما في البدعة من الضلال، ولكن داخلها كثير من الشرك الأكبر، وذلك بالغلو في مشائخ الطرق والاستغاثة بهم من دون الله، واعتقاد أن لهم تصرفاً في الكون، وقبول أقوالهم من غير نظر فيها، وعرضها على الكتاب والسنة .
ومن ذلك ما ورد في السؤال من قولهم : من لا شيخ له فشيخه الشيطان . ومن لم ينفعه أدب المربي لم ينفعه كتاب ولا سنة، ومن قال لشيخ لم، لم يفلح أبدا .
وهذه كلها أقوال باطلة مخالفة للكتاب والسنة، لأن الذي يقبل قوله مطلقاً بدون مناقشة ولا معارضة هو رسول ا صلى الله عليه وسلم ، لقول الله تعالى : ( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ) ، وقوله تعالى : ( وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) .
أما غيره من البشر مهما بلغ من العلم، فإنه لا يقبل قوله إلا إذا وافق الكتاب والسنة، ومن زعم أن أحداً تجب طاعته بعينة مطلقاً غير رسول ا صلى الله عليه وسلم ، فقد ارتد عن الإسلام ، وذلك لقوله تعالى : ( اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَهًا وَاحِدًا لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ ) .
وقد فسر العلماء هذه الآية بأن معنى اتخاذهم أرباباً من دون الله :
طاعتهم في تحليل الحرام ، وتحريم الحلال ، كما روى ذلك في حديث عدي بن حاتم رضي الله عنه .
فالواجب الحذر من الصوفية رجالاً ونساءً ، ومن توليتهم التدريس والتربية ، ودخولهم في الجمعيات النسائية وغيرها لئلا يفسدوا عقائد المسلمين .
والواجب على الرجل منع موليته من الدخول في تلك الجمعيات أو المدارس التي يتولاها الصوفية أو يدرسون فيها حفاظاً على عقائدهن ، وحفاظاً على الأسر من التفكك وإفساد الزوجات على أزواجهن، ومن اعتنق مذهب الصوفية فقد فارق أهل السنة والجماعة، وإذا اعتقد في شيوخ الصوفية أنهم يمنحون البركة، أو ينفعون أو يضرون فيما لا يقدر عليه إلا الله من شفاء الأمراض وجلب الأرزاق، ودفع الأضرار أو أنهم تجب طاعتهم في كل ما يقولون ولو خالفوا الكتاب والسنة، من اعتقد ذلك فقد أشرك بالله الشرك الأكبر المخرج من الملة. لا تجوز موالاته ولا مناكحته لقوله تعالى : ( وَلاَ تَنكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ ) إلى قوله : ( وَلاَ تُنكِحُواْ الْمُشِرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُواْ ) .
والمرأة التي تأثرت بالتصوف إلى حد الاعتقاد المذكور لا ينبغي التزوج بها ابتداء ولا إمساكها ممن تزوجها إلا بعد مناصحتها وتوبتها إلى الله .
والذي ننصح به النسوة المذكورات هو التوبة إلى الله والرجوع إلى الحق وترك هذا المذهب الباطل، والحذر من دعاة السوء والتمسك بمذهب أهل السنة والجماعة، وقراءة الكتب النافعة التي قام بإعدادها العلماء المستقيمون على العقيدة الصحيحة والاستماع للدروس والمحاضرات، والبرامج المفيدة التي يقوم بإعدادها العلماء المستقيمون على المنهج الصحيح. كما ننصح لهن بطاعة أزواجهن وأولياء أمورهن في المعروف .
والله الموفق
أختكم / حفيدة عائشة
==============(60/180)
(60/181)
يمنع على المسلمات النوم في غرف مبنية ،
لأن الجدار مذكّر وكذلك السقف ..!؟
مصطفى حقي
mh42@maktoob.com
2007 / 3 / 26
مقال كتبه الصحفي منير الريس في جريدة الوطن السورية وهي صحيفة محلية غير رسمية بتاريخ 11/3/2007، أثار جدلاً واسعاً في الأوساط الدينية والاجتماعية ؟ حاملاً على جمعية السيدة منيرة قبيسي التي هي رئيستها ، ووصفها بأنها (جمعية دينية نسائية متشددة)، ووصف بعض أفرادها بـ«التطرف الرهيب»، وسرد ما سماه «طقوساً» نقلته له أمه عن درس حضرته وسمعت فيه أن الشيخة قالت في الدرس:
إن المرأة يجب ألا تنام إلى جوار الحائط لأن الحائط مذكر، وقد يستغل غفلتها ويمارس أعمالاً جنسية محرمة معها مستغلاً نومها...
إذا كان هذا الخبر صحيحاً نقلاً وكذلك واقعاً فإن جلّ أبناء المدن هم أبناء جدران ، لأن الخيمة قد رحلت واندثرت وكل الناس ينامون الآن بين الجدران الذكرية الشبقة ، وخاصة وان المرأة تأخذ راحتها بين جدران أربعة وتكشف عن مفاتنها ليتحرك الحائط منتعظاً وينال مبتغاه بالحلال والزلال ..
وتريدون منّا بعد هكذا إفتاء أن نلحق بالأمم المتحضرة ونحن أبناء الجدران وعقولنا صماء كالجدار ، وان المثل الذي كان مثلاً ( للحيطان آذان ) هو حقيقة واقعية ولم يعد مثلاً، وقد زاد على المثل المذكور ووفق فتوى السيدة القبيسية
( للحيطان آذان وعضو ذكري إحذروا الجدران ...!) ومن نعم الجدران انها موحّدة فأب الجميع هو جدار ونحن جميعاً أخوة بالجدار الأب ...!؟
وقد أثار هذا المقال من أثار ومنهم الدكتور البوطي :
وقال رئيس قسم الفقه الإسلامي في كلية الشرعية جامعة دمشق الدكتور توفيق رمضان البوطي في اتصال لسيريانيوز "هذا الكلام رخيص واعوذ بالله من ان تقوله الحاجة منيرة القبيسي، لانها انسانة فاضلة وعلى درجة عالية من الثقافة، وهي من اكبر مدرسات الفيزياء والكيمياء، والذين درسوا على يدها ذو ثقافة عالية ويتربعون الان مواقع عظيمة في الدولة".
حركة "القبيسيات" اشكالية كبيرة في الأوساط الدينية السورية، فمنهم من يكفرها، ومنهم من يهتم في البحث بتفاصيل كثيرة في حياة ناشطاتها
وكذلك جاء رد من مجمع الشيخ كفتارو إلى الإخوة في صحيفة «الوطن»
إن مثل هذه الدعوى تحتاج إلى دليل أو صحيح نقل، وكل دعوى كذلك، فإذا ثبت- ولا أحسب- أن مثل هذه الترهات منسوبة إلى أية مؤسسة دينية أو فكرية، فإننا نطالب بمتابعة مثل هذه الأفكار من قبل الجهات الدينية الرسمية المتمثلة في وزارة الأوقاف، والتحقق من مصادرها، لأنها فكرة عجيبة لم نسمع لها في تاريخنا التشريعي الإسلامي أصلاً، أو أنها من وثنيات الفكر وضلالات العقل، فضلاً عن أنها تتعارض مع سمو التشريع ومناسبته لكل زمان ومكان ومخاطبته للعقول السليمة، وإلا فعلى الكاتب أن يعيد النظر في مصادر تلقيه التي لا تصح عقلاً ولا أمانة ناهيك عن أنها- نقول- لا تتمتع بالمصداقية، ومن ثم عليه أن يتردد ألف مرة قبل أن يلقي بالتهم جزافاً دون بيّنة غافلاً عما قد تحدثه من إساءات للآخرين.
والآن وإذا صحّ هذا النبأ واستقام وتحقق علمياً علينا جميعاً ، نرحل من المدن ونعود إلى عالم الخيمة والذي هو مؤنث وسيسعد الرجال وهم محاطون بأنثى طوال الليل والنهار وبئس الجدار الذكر ...؟
علماً أن من اسست " حركة القبيسيات " منيرة القبيسيي تولد عام 1933 في دمشق ، وتلقب بـ " الآنسة " ، درست منيرة في مدارس العاصمة إلى ان نالت إجازة في العلوم الطبيعية، وفي بداية الستينات، "زاوجت بين النشاطين الدعوي والتعليمي".
وخلال العقدين الماضيين ترواح نشاط منيرة القبيسي بين العلني والسري، لكنها "استطاعت من خلال المزج بين الأمرين من توسيع نشاطاتها في المحافظات السورية قبل ان تعبر حدود البلاد في مرحلة أولى والعالم العربي في مرحلة ثانية، الى ان بلغ عدد اتباعها اكثر من 75 ألف فتاة، كحد أدنى، وفق ما أجمعت عليه تقديرات متابعين وشيوخ".
http://www.pcwes صلى الله عليه وسلم o r g
المركز التقدمي لدراسات وابحاث مساواة المرأة
=============(60/182)
(60/183)
نوم المرأة بقرب الحائط حرام.. لأنه ذكر
نقل السيد منير الريس في صحيفة الوطن ، وهي صحيفة محلية سورية غير رسمية, عن بعض تلميذات السيدة منيرة القبيسي ان نوم المرأة بجوار الحائط محرم كون الحائط مذكر وهو امر لم يتسنى لاي جهة بعد التوثق منه لان السيدة منيرة لم ترد على الاستفسارات بيد ان بعض رجال الدين استنكروا هذه الفتوى فيما وصف بعضهم الاخر الامر بالاشاعة ونفوا ان تكون صدرت عن السيدة منيرة دون ان يكون بامكانهم تأكيد انهم سمعوا النفي منها ولكنهم اعتبروا ان معلوماتها العامة في الدين لا تقود صدور هكذا اراء منها ومن جانب اخر وصف رئيس قسم الفقه الإسلامي في كلية الشرعية جامعة دمشق الدكتور توفيق رمضان البوطي في اتصال مع موقع لسيريانيوز, وهو موقع سوري شبه رسمي, "هذا الكلام رخيص واعوذ بالله من ان تقوله الحاجة منيرة القبيسي، لانها انسانة فاضلة وعلى درجة عالية من الثقافة، وهي من اكبر مدرسات الفيزياء والكيمياء، والذين درسوا على يدها ذو ثقافة عالية ويتربعون الان مواقع عظيمة في الدولة".
وكان موقع العربية قد نشرت تقريرا مفصلا عن الحركة القبيسية النسائية المنتشرة في سوريا والتي أسستها السيدة منيرة القبيسي وهي تولد عام 1933 في دمشق ، وتلقب بـ " الآنسة " ، درست منيرة في مدارس العاصمة إلى ان نالت إجازة في العلوم الطبيعية، وفي بداية الستينات، "زاوجت بين النشاطين الدعوي والتعليمي".
وخلال العقدين الماضيين ترواح نشاط منيرة القبيسي بين العلني والسري، لكنها "استطاعت من خلال المزج بين الأمرين من توسيع نشاطاتها في المحافظات السورية قبل ان تعبر حدود البلاد في مرحلة أولى والعالم العربي في مرحلة ثانية، الى ان بلغ عدد اتباعها اكثر من 75 ألف فتاة، كحد أدنى، وفق ما أجمعت عليه تقديرات متابعين وشيوخ".
وذكر موقع العربية عن الحركة القبيسية تواصل انتشار تنظيم "القبيسيات" الإسلامي النسائي حتى وصلت حلقاته إلى المنازل في باريس وفيينا، وصولاً إلى الولايات المتحدة الامريكية، وأشارت التقديرات إلى أن عدد عضواته بلغ ما يزيد عن 75 ألفا يدرن العديد من المنشآت الدعوية والإسلامية، ولكن هذا كله لم يقض على الغموض والتضارب في المواقف حول هذه الجماعة التي تمثل أتباع "الآنسة" منيرة القبيسي.
وكلما اتسعت الرقعة التي تنمو فيها "القبيسيات" في الشوارع والمدارس والبيوت السورية والعربية والأجنبية، زادت إثارة وتشويقاً الحكايا والأساطير حول هذه الحركة، ليبلغ بشأن "الاخوات"، وهن داعيات إسلاميات أثرن نقاشاً وانقساماً في الأوساط الاسلامية في سورية، أخيراً شبكة الإنترنت بين من يتهمهن بتشكيل "تنظيم سري خطير" وبين من يشيد بدورهن، في "فعل ما عجز عنه الرجال".
وفيما يرى البعض أن "القبيسيات" هن حركة دينية وسطية تلتزم بمنهاج أهل السنة ولا تتبنى منهجا فقهيا معينا، يتحدث آخرون ولا سيما من طائفة الأحباش اللبنانية الإسلامية عن الحركة باعتبارها امتدادا لحركات صوفية منحرفة العقيدة، وساهم من زيادة التضارب في المواقف حول هذه الحركة ذلك الغموض الذي أحاط بشخصية بل بصورة زعيمتها ومؤسستها وقلة الإنتاج الفكري المنسوب إليها والحذر الشديد الذي يبديه رجال الدين والخبراء في الحديث عن "الأخوات القبيسيات"،
وكانت صحيفة الحياة اللندنية - يومية - 3 أيار/ مايو 2006) نشرت تقريرا أعده الصحفي ابراهيم الاحمدي وسمحت السلطات السورية أخيراً للداعيات التابعات لـ «الآنسة» منيرة القبيسي، اللواتي يلقبن بـ «القبيسيات»، بإعطاء دروس دورية في عدد من المساجد في دمشق -2006/05/03
وقد تبادر الى ذهن البعض مباشرة جملة اسئلة عن هذه الفتوى ان صحت منها :
هل يعتبر نوم الرجل قرب الحيط لواطا
هل يصبح النوم قرب الحيط حلالا في مصر باعتبار ان المصريين يؤنثون الحيط ويسمنونه حيطة ام أن الاساس هو الدقة اللغوية
وهل نوم النساء عندها, اي في مصر , يصبح سحاقا
هل سكب بعض الحليب على الحيط يجعل الحيط اخ بالرضاع
هل اذا نامت المرأة بين عدة جدران " اي حيطان " هل تكون قد اصبحت خليعة
بانتظار ان تجيب السيدة منيرة القبيسي على الاسئلة الكثيرة التي باتت تنقل لها في مسكنها الكائن في احد احياء دمشق القديمة يبقى الشارع السوري اليوم مشغولا بالتندر على هذه الفتوى.
www.watan.com
===============(60/184)
(60/185)
الحذر ثم الحذر .. القبيسيات... تنظيم خطير تجهله النساء ..
قصة واقعية
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
أرجو القراءه فالامر خطير
منقول لأهميه
السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة
نقلت احد الاخوات قصتها مع هذا التنظيم الذى انتشر في بعض دول الخليج وبعض الدول العربية ولقد ذكرت هذة الاخت قصتها مع احد شقيقاتها عفاها الله وشفاها ما حصل لها من هذا التنظيم والعياذُ بالله إليكم رسالتها كما كتبتها ووضعتها فى احد المواقع تنقل من خلالها معاناتها والحذر من هذا التنظيم .
القبيسيات خطر في وطني(60/186)
حلما كنت أحياه .. أن أجد من ينتشلني من عالم لاه إلى عالم يحفنا الرحمن فيه من كل حدب .. إلى رفقة العمل الصالح لديها عشق .. باحثة أنا وماضية في طريقي ذاك ... حتى كان ذلك اليوم .. أخذت بناتي فيه إلى مركز لتحفظ كتاب الله .. تعرفت عليهن و سلمتهن فلذات كبدي و صفاء قلبي .. انخرطت معهن في القيام ببعض الأعمال التطوعية و الفنية .. في المركز و في بعض المدارس بحكم علاقاتي الاجتماعية .. وفي بيتي.. حولته إلى ملتقى لكل أخت أحبها .. دروس فقه و تجويد و تفسير .. جمعت أطفال الحي . أسبوعيا و كنت أحضر لهم برامجا ترفيهية و فنية بالإضافة إلى برامج تحفيظ القرآن .. هن من تعرفت عليهن كن من يقمن بتحفيظه لهم .. لم أقصر بوقت لدي أو طاقة أملكها .. إلى أني بالرغم من كل ما كنت أقوم به لاحظت حدوث أشياء غريبة .. جدا لم أتقبلها أبدا .. منها تعلقا مني بإحداهن تعلقا غريبا .. خيالها في خاطري جائل ليل نهار .. صوتها .. همساتها .. كلماتها .. رانة في أذني تنفسا و عسعسة .. نظراتها لي و نظراتي إليها .. زياراتها لي و زياراتي إليها ..كل شيء كان غريب .. فسرته هي على أنه كحب الأم لابنتها .. لم أستطع يوما أن أطلق عليه مسمى يناسبه .. صاحب ذلك أعرض غريبة أشعر بها لأول مرة وهي ضيق في التنفس و حرارة في الصدر و فقدان الشهية .. و في لحظة سفرها لظروف عائلية ستقضي خلالها مدة خارج أرض بلادي .. انتابتني حالة هستيرية .. ظللت على أثرها أبكي لأيام .. لا أعرف كيف قضيتها .. طبعا هن لم يتركنني لحالي أبدا ظللن حولي و معي .. .............................. حانت لحظة أن عرفنني عليها .. أسمينها الأم الروحية ... أكبرنها في خلجاتي قبل أن أراها ... صوتها وصل بيتي قبل جسدها ... التقيتها ... طلبت مني عهدا ... عاهدته إياها .. لم أجد فيه خطأ .. وهوأن نتعاهد على خدمة دين الله و رسوله _ عليه أفضل الصلاة و السلام _ ما حيينا ... ... مضت بي أيام ثم وجدت مشاعري رافضة أي وجود في داخلي لغيرها ... عندما أرفض القيام بعمل يطلب مني نتيجة الضغوط ... تحادثني هي لأجدني أقوم به بكل رغبة .. كلمة منها تتبدل أحوالي من الرفض إلى القبول ... عنما أتساءل يقلن لي هي محبة في الله .. غيرت أحوالك ... و كل ما تعانينه منه ... كيف تكون المحبة هكذا كأنك لا ترى في الوجود غير هذا الشخص ؟ المهم ... ذات ليلة شعرت بآلام حادة في قلبي .. كأن أحدا اقتلع منه قطعة ... لست أدري لم اتجهت إليها بتفكيري أنها فعلت ما فعلت ... جاءت في زيارة ... قاطعتها فيها .. إلى أن حان موعد سفرها .. سلمت عليها .. فقالت لي .. كنت أعالجك .. لا أعرف وما زلت ما الذي كان يحدث .. تساؤلات كثيرة مرت بي اتصلت بعدها بشيخ ... فطلب مني الابتعاد عنهن .. و أعطاني علاجا حذرني من التحدث معها خلاله .. بدأت به عازمة على الاستمرار .. ليرن الهاتف .. لأفاجأ بها تقول لي كلمات لا أذكرها .. تجمدت مسمرة في مكاني ... و إذا بالهاتف يرن ثانية قبل أن اتحرك لأفاجأ بها ثانية .. لم أستطع الاستمرار في الرقية بعدها ... لا أعرف كيف مضت بي الأحداث فقد اختلطت لدي الأمور .. بدأت أسمع أصوات بداخلي .. كثيرة كانت و ما زالت .. آلم تعذيب .. تدمير .. لا أدري ما المسمى الذي يجب أن أطلقه على ما مررت به و ما زلت ... قاربت على الجنون .. لا لا كنت مجنونة ..بدأت أحادث نفسي و أتصرف تصرفات المجانين .. فرأسي لم يعد يحتمل المزيد .. تاه أهلي بين الرقاة و الطب النفسي .. أجمع الرقاة على أنه سحر .. أحدهم قال إنه مشروب .. و أحدهم قال إنه من عمل الخادمة .. و غيرهم قال لا أستطيع أن أخبركم ... أما الطب النفسي فوالله .. لا أعرف كيف أصفهم .. هؤلاء هل هم أطباء أم ....؟؟؟ إنهم من زادوا علي بلائي و مصيبتي ... و جعلوني مدمنة على المنوم ..و أدويتهم تسبب أعراضا هي الأخرى .. كضيق التنفس و خمول و الرغبة في الابتعاد عن الناس و التفكير و غيره .. فأدويتهم لم تكن إلا دمارا على دمار .... تحولت حياتي فيها إلى أنقاض .. أحاول إنقاذ ما يمكن إنقاذه .. تخلصت فيها من الأدوية .. إذا استطعت أن أحتفظ بقواي العقلية فلن أسمح لأي كان أن يأخذني إلى طبيب نفسي .. و إذا لم أستطع فليفعلوا ما بدا لهم أنه الصواب ... فأنا أتعرض لإيذاء شديد في مختلف أنحاء جسدي .. مركز في رأسي .. أنواع لا تعد و لا تحصى من الآلام و العذاب .. لم و لا تترك خلية من خلايا جسدي يوميا دون ألم .. قد أكتب يوما ما عن ما يفعله بي ... نعم عما يفعله هو بي .. فأنا الآن معي ثلاثة ... أعلن اثنان إسلامهما ... بعد مضي فترة لهما معي .. أما الثالث ... فهو عدا عن التعذيب المستمر ... يسب الله _ عز وجل _ و رسوله عليه أفضل الصلاة و السلام .. باستمرار .. يبعث إلى خيالي ما لا يمكن أن يحتمله مخلوق .. مثلا.. يلوث القرآن بالنجاسات .... الكعبة يصور كل من حولها يعمل عليها أشياء منكرة ... الأطفال و خاصة أبنائي يصورهم و كأنه يغتصبهم ... أمي و هي أمكم .. امرأة كبيرة ربت و تعبت .. تقوم معظم الليل و تقرأ القرآن في النهار .. ما زالت(60/187)
تقوم على خدمة أمها و ترعاها .. يصورها على الكعبة و على المصحف و هي .... ترى كم سأكتب ... و كم سأصف ... أو ما الذي ينتظرني .. بعد كتابتي لهذه الكلمات ... اضطررت إلى الاستغناء مجبرة عن 99% من واجباتي لا أقصد تجاه أهلي .. أو جيراني .. فهؤلاء لم يعد يوجد لهم حيز فيما تبقى في داخلي ... اضطررت عن الاستغناء عن واجباتي تجاه أطفالي .. و زوجي و بيتي ..هل تعرفون لماذا ؟؟ حتى أستطيع الاحتفاظ بعقلي أطول فترة ممكنة ... حتى أستطيع أن أبقى معهم ما استطعت ... وهكذا تمضي بي الأيام كل يوم أضحي بالمزيد و المزيد .. أنا الآن معهم .. لكن جسد فقط لا أؤدي ما تؤديه أي أم تجاه أبنائها ... و لا زوجها و لا أهلها ..و مرت بي الأيام إلى أن عرضت حكايتي في منتدى للرقية الشرعية لأفاجأ أن ما بي هو خليط من أسحار عدة و مس من أكثر من شيطان ... ومضيت لأشهر و أنا أعالج ذاتي بالرقية الشرعية و اتبعت الجدول العلاجي الذي وصفه لي الشيخ فتحسن وضعي كثيرا و طلبت من صديقاتي المواظبة على قراءة البقرة لتفاجأ كل منهن بشيطان يسكنها .. فأرسل لي الشيخ موقعا قال لي اقرئيه .. لأتفاجأ بالمصيبة .. نعم هن القبيسيات الصوفيات اللاتي دمرن حياتي .. فقد كن يذكرن شيختهن التي أسست الجماعة دائما .. إنهن يتسللن إلى البيوت .. يتعارفن على النساء في أي مكن ثم يقررن ما الشيء الذي قد يستفدن منه ممن تعرفن عليها .. إما لسلب مالها لدعم الجمعية أو للعمل معهن في جمعيتهن أو للوصول من خلالها لأحد ما .. أو فقط من أجل أن تستمر في الحضور إلى الجمعية لطلب العلم على أيديهن أو الوصول إلى بناتها .. و قد علمت من الشيخ أن الكثير من النساء يعانين مما أعاني منه فقط لأنهن اكتشفن حقيقتهن .. ادخلن إلى مواقع البحث و ابحثن عن القبيسيات و اقرأن عنهن و عن عقيدتهن و عن خطرهن القادم .. و الحمدلله بفضل من الله بطلت العديد من تلك الأسحار و كنت حين يبطل كل سحر أشعر أن هناك من يسحب روحي من داخلي و أنا أصرخ بكلمات تبين ما المقصود من ذاك السحر .. و تفاجأت بإبطال أسحار أبطلها الله بفضله معدة لأمد بعيد حيث أنهن كن ينوين إرجاعي إلى الجمعية دون أن أنتبه أنا لذلك ، لكن الله سبحانه و تعالى كشف أوراقهن .. و ابتدأن معي معركة جديدة .. عندما عرفن بأني طرقت باب الرقية الشرعية .. قمن بتجديد ما يقمن به من السحر .. أنا أتلو كتاب الله فيبطل و هن يجددن ... ثم بدأن بإرسال هدايا لي عن طريق زوجي و ابنته من زواج سابق و أخته ... فقد وضعن شياطينا فيهم ليقمن بإيصال ما يجددن من سحر لي ... و كل سحر كان بمثابة عذاب جديد و ألم جديد ... ومعه يرسلن برسائل توضح طلباتهن مني و ما يردنه مني ... يردنني أن أعود إلى العمل في تلك الجمعية التي تعتمد في عملها على السحر و الشياطين و الشرك بالله .. يردنني أن أعمل في إغواء نساء بلادي ... وطبعا كلما تعرفت على امرأة يبدأ الشياطين بتوصيل ما يعرفنه عنها إلى تلك الساحرة .. لتبدأ بسحرها .. مضت خمس سنين و أنا أعاني في عذاب دائم و ما زلن يلاحقنني ... لأني اكتشفت عنهن ما لم يعرفه أحد .. فهن لا يسمحن لأي واحدة أن تصل إلى معرفة ما أعرفه عنهن .. وهن أردن أن نكون ساحرة مثلهن و هذا يعني أن أكون بمرتبة الآنسة لديهن ... لأغش و أخدع نساء وطني الحبيب .. و لا أحد يستطيع أن يوقفهن إلا الله .. لأنهن توصلن بالسحر إلى الالتفاف حول أكبر العائلات بالبلد و يدعمنهن بشكل كبير ... فلم يبق بيدي إلا أن أنشر حقيقتهن ... و أحاول أن أوصلها إلى كل بنت أو امرأة حتى لا تقع ضحية لهن و يحصل لها ما حصل معي ... و تصل إلى درجة الشرك بالله .. لكني والله لن أشرك بربي و لن أسمح لمن ظلمني أن يجعل مني ظالمة لغيري .. فانشرن رسالتي ...... و من تريد الحصول على أي معلومات فلتراسلني و لكن أرجوكن أريد أن تعلم كل امرأة في وطني عنهن و أن تسمع عنهن .. فأنا لا أدري كم سيكتب لي الاستمرار فيما أ،ا فيه .. فشياطينهن في داخلي و قد أحلن حياتي إلى جحيم .. و لم تعد صحتي تساعدني كثيرا على الصبر لكني اخترت أن أموت شهيدة و لا أن أموت كافرة .. و لن أخدع غيري كما خدعوني .. و قد قامت إمارة الشارقة حفظها الله و أدامها على وعيها بإغلاق جمعيتهن لديها ... بعد ما لاحظوه من أمور غريبة كإرسالهن باص خاص إلى بنات الجامعات في أوقات فراغهن و إخذهن إلى جمعيتهن بحجة تدريسهن العلم الشرعي ... لكن في إماراتي دبي اتسعت أنشطتهن بشكل مخيف .. فليحفظ الله وطني و أوطان المسلمين جميعا من شر القبيسيات الصوفيات الساحرات .
وهذا رابط عنهن
××××يمنع وضع رابط خارجي×××××
أتمنى من كل من يدخل ويقراء الموضوع أن يدعو لأختها بكف البلاء عنها .
وجزاكم الله خيرا
أختكن
وردود الاشخاص الي دخلو الموقع
1 -الموضوع هذا خطير جدا وموجود في السعودية بشكل كبير ..
وهم دائما مايسعون خلف الأكبارية من القوم عندنا وأعرف الكثير عنهم
واسمائهم وهم في الواقع لا يصلون ولا يعترفون بوجود الخالق عز وجل
ولكنهم يحفظوا القران حجابهم من احسن مايكون لايهامنا من أنهم صالحات(60/188)
نعرفهم نحن البنات باسم المتصوفات ..
واغلبهم في الثلاثين من أعمارهم فما فوق ..
ينتشرون في الجامعات والكليات ويحضرون مجالس الذكر ..
(((وربي تشوفون الوحده فيهم تقولون أحسن من الداعية أسماء الرويشد ..)))
ومثل ما قلت يلفون حوالين الأكباريه .. وكثير من الاكبارية تصوفوا على ايدهم ..
وأعرف الكثير الكثير منهم .. ؟؟؟؟
لا حول ولا قوة الا بالله ... 2-
نعم كما توقعت فهذا التنظيم يجهلة بدليل عدم التعليق على هذا الموضوع او انة لم يُسمع من ذي قبل حيث ان هذة الفئة هي فئة تتصنع التدين فقط وإجتذاب ولف النساء حولهن تحت مضلة العمل الخيري بغرض دنيوي او الإظرار بكل مسلمة كفا المسلمات من شرورهن ... ارجو نشرة فى كافة المنتديات او المواقع لأخذ الحذر والحيطة فا الأخت الكريمة حريصة جزاها الله خير بأن لا يتظرر احد من المسلمات فى دولتها الإمارات خاصة وباقي الدول المنتشر بها هذا التنظيم جزاها الله خير وشفى الله شقيقتها ..
3-
القبيسيات... تنظيم خطير تجهله النساء!!
فوزية الخليوي
عضو الجمعية العلمية السعودية للسنة
كثر الجدل مؤخراً عن منيرة القبيسى التى ظهرت منذ ما يزيد على ثلاثة عقود من الزمن في دمشق فمن هى؟؟؟
نفوذها:
.. بشكل خاص في سوريا ولبنان والأردن وفلسطين والكويت ودول الخليج، ووصلن الى كندا وأمريكا!!وتنسب إلى منيرة القبيسي، وهي امرأة سورية تعيش حالياً في إحدى الحارات القديمة في العاصمة دمشق، وتبلغ من العمر 75 عاماً ,وتلقب بالأنسة!! وقد تفرقت تلميذات منيرة القبيسي في بلاد الشام ودول الخليج، واستطعن تأسيس جماعات أطلق عليها: الطبّاعيات في الأردن نسبة الى فادية الطباع ، والسّحَريات في لبنان نسبة الى سحرحلبى, وأميرة جبريل ,وسعاد ميبر ...، وبنات البيادر في الكويت ووجدت هذه الحركة رعاية خاصة مادية ومعنوية. كما استطعن إنشاء الجمعيات الخيرية والمؤسسات التعليمية والتربوية، وتحقيق انتشار لافت بين الأوساط النسائيةوخاصة الثريه، تشرف «القبيسيات» على تدريس مئات الآلاف من التلاميذ منذ نعومة أظافرهم وبطريقة محافظة تلازمهم في المراحل اللاحقة عبر الدروس أو المساجد، وصولاً إلى رعايتهم عبر المساعدات الخيرية والأهلية وتقديم بعض الخدمات الطبية في مستشفى «سلامة» الواقع خلف السفارة الأميركية والتابع لهن بلغ عدد «اتباعها» اكثر من 75 ألف فتاة، كحد أدنى، وفق ما أجمعت عليه تقديرات متابعين وشيوخ. ،(صحيفة الحياة اللندنية - يومية - 3 أيار/ مايو 2006) ) وسمحت السلطات السورية أخيراً للداعيات التابعات لـ «الآنسة» منيرة القبيسي، اللواتي يلقبن بـ «القبيسيات»، بإعطاء دروس دورية في عدد من المساجد في دمشق -2006/05/03الرأى
علاقتها بالصوفية:
كانت من مدرسة مفتي سوريا الشيخ أحمد كفتارو شيخ الطريقة الصوفية النقشبندية في سوريا، وهو الذي أشار عليها بالدخول إلى هذه الطريقة الصوفية، وقد بدأت القبيسي نشاطها في سنوات السبعينات من القرن الماضي. _قال نجل كفتارو صلاح الدين مدير مجمع أبو النور أن الانسة طلبت منه أن تختلي بجثمان كفتارو في مستشفى دار الشفاء، لدى رحيله في نهاية عام 2004، وقال: بقيت تبكي هناك أكثر من ساعة ونصف الساعة) صحيفة الحياة اللندنية - 3 أيار/ مايو 2006) وهذا سبب من أسباب العداء الحبشي لها لكون الأحباش من أتباع الطريقة الرفاعية.
وهى على علاقة فكرية ودينية وشخصية مع محمد سعيد رمضان البوطي، بل انه من اكثر المتحمسين قال عنهن : «الاخوات اللواتي ضربن المثل بالحضارة والدين والوطنية والمثل العليا"
لباسهن:
ويوضح البوطي: «انهن يرتدين الحجاب الكحلي لتمييزهن عن غيرهن. وغطاء الوجه ليس اجبارياً. ليس هناك إجبار على ذلك إلى ان يصير ثبات ديني عند الفتاة، بعدها ممكن ان تلبس المنديل اذا شاءت )صحيفة الحياة اللندنية - 3 أيار/ مايو 2006) وأيضاً يلبسن البالطو القصير وهذا من شعارهنّ,وهذا اللبس يلزم به الصغار والكبار؟؟
من عقائدهن القول بالحلول ووحدة الوجود :
وتعظيم أئمة الصوفية القائلين بهذا القول كابن عربي والحلاج . *ومن كلام الآنسة الكبيرة " منيرة " : فقد عرف الحلاج الله حتى ذاب في حبه ، كان يخفي في ملابسه قال : " مافي الجبة إلا الله " . وكذلك الشيخ محي الدين بن عربي لم يعد يعرف الفرق بينه وبين ذات الله حيث كان يقول : أنا من أهوى.. من أهوى أنا.. نحن روحان حللنا جسداً؟!!!
قال أحدهم:تم احراق كتيب اركب معنا للدكتور العريفي عندما قمت بتوزيعة هناك من قبل بعض المتصوفات اعتراضا على قولة ابن عربى ضال وفاجر واشهد الله على حصول هذا الموقف لى شخصيا ( نقلا من منتدى الأمارات)
زهرة منصور سمعت من سحر حلبي أنها قالت : أن الله موجود في الكعبة لذلك الناس يذهبون للحج .(60/189)
الآنسة رضا ي . وهي من تلميذات سحر حلبي ومن مدرساتهن في إقليم الخروب في لبنان قالت في درس لها بعد أن سألتها إحدى الحاضرات [ الله موجود بلا مكان ] فقالت رضا ى: الله موجود في هذه الشجرة وهزت الشجرة بيدها؟؟؟ امرأة من بيت شجاع دخلت إلى مجلس سحر حلبي فوجدت تلميذاتها في حالة صمت وسكون فأرادت أن تتكلم فقيل لها اسكتي الآن ينزل الوحي عليها .؟؟؟؟ نقلا من كتاب التنظيم السرى الخطير منيرة القبيسى ..لأسامة السيد (
نوال أ . ألفت كتابًا سمته (( المتاح من الموالد والأناشيد الملاح )قولها في ص 378 عن الله وهذا من الحلول :
يا جمال الموجود طاب فيك الشهود
ثم قولها : أنت في مهجتي وضلوعي التي عشقها غايتي
ثم قولها : ذاب كلي عليك وانتسابي إليك والورى في يديك
ثم قولها ص 57 عن الله : وأنت مرءاة النظر عين العيان انظر جمالي شاهدا في كل إنسان كالماء يجري نافذا في أصل الأغصان
ثم قولها ص 63 : أعد من مشرق التوحيد نورًا يتم به اتحاد العالمينا
ثم قولها ص 77 : ما في القلب سوى الله
ثم قولها ص 91 : أنت طب يا رب فينا وبلسم .
ثم قولها ص 96 : أنت نسخة الأكوان فيك صورة الرحمن.
ثم قولها ص 158 : مافي بقلبي غير الله .
ثم قولها ص 175 عن الله : ياظاهرًا في كل شئ .
ثم قولها ص 348 عن الله : يا حي يا قيوم قد بهر العقول سنا بهائك . عجبا خفاؤك في ظهورك أم ظهورك في خفائك
ثم قولها ص 372 : يا إله الكون يا سندي أنت لي بحر ّ من الرغد يا نعيم الروح يا أملي ) التنظيم النسائى الخطير لأسامة السيد) .
• تعظيم الشيخة:
في معتقد " القبيسيات" بأن شيختهن لا يجوز مناقشتها؟ ، وأمرها مطاع!! ، وطاعتها من طاعة الله ، وأن حبها من حب رسول الله صلى الله وسلم ؟؟، وأن المريدة عبارة عن هيكل خلقه الله للتفاني في حب وخدمة " الآنسة " وكلما تفانت التلميذة في حب الآنسة كلما قربت من الله ، حتى تصل إلى درجة الكمال ، وإلى معرفة الله عز وجل .. وعندها تنتقل من مرحلة العوام إلى الخواص ، ومن خلال هذه المفاهيم فهن يقمن بتقبيل يدها ويتاسبقن لشرب فضلات كاسها من الماء ، أما من ينالها شرف التوبيخ من حضرة "الآنسة الكبيرة " فقد نالت شرفاً كبيراً من الله ساقه إليها ، وفي سبيل غرس هذه المفاهيم يُطلقن بعض الشعارات مثل : "لا علم ولا وصول إلى الله من دون مربية " ويجب أن تكون العضوة كالميتة بين يدي آنستها وتكشف لها كل ما عندها حتى تستطيع أن تأخذ بيدها " ،كقولهم: ( ومن قال لشيخه : لم ؟ لم يفلح أبداً )!!! ويحكى أسامة السيد فى كتابه عدة نقولات فى هذا الشأن: قال شيخ لبناني أنهن يقلن عن الآية ( ونجيناهم بسحَر )ٍ أن معناها أن الله نجاهن من الضلال بسحر أي بسحر حلبي ..
• حكم زيارة الشام :
تعد زيارة الشام واجباً أو لنقل حلماً لكل من يتم لها الإذن بذلك من نساء التنظيم اللاتي يدعين أن رحلة الحج والعمرة هي "رحلة كعبة المباني " ورحلة الشام هي "رحلة كعبة المعاني " هكذا ، وفي هذه الرحلة يتم مقابلة " الآنسة الكبيرة " ويتلقي الإرشاد والتوجية منها ، ولذلك تحتال بعض نساء التنظيم على ولاة أمورهن للذهاب إلى " كعبة المعاني"
من شهادة أخرى عضوة سابقة في بيادر السلام :تقول أنها ذهبت معهم إلى الشام في رحلاتهم السنوية الدائمة،و رأيت هناك جلسات الذكر الحماعي وقد حدث هناك أن رأيت الفتيات الكويتيات قد قبلن قدم الآنسة !?? فتجلس الآنسة في مقعد مرتفع، و يجلس الجميع على الأرض فتقول: أنت يا فلانة مظلمة و انت يا فلانة معتمة و انت يا فلانة" الله موراض عنك"، و كان الجميع يأخذ كلامها بمحمل الجد و كما لو كانت تعلم الغيب و العياذ بالله.
كتبهن:
(1) جماعة منيرة قبيسي كان لهنّ كتاب يتداولنه يسمى { مزامير داود } وهذا الكتاب ليس عليه اسم من ألّفه ؛ وإنما منيرة قبيسي وجماعتها لفقنه من مصادر شّتى وزدن فيه من عندهن مثل قولهنّ : " شيختنا معنا أينما كنّا لا تضيعنا " ؛ وليس عليه اسم مطبعة من المطابع . ومنذ نحو أربع وعشرين سنة كان شاب في ذلك الوقت يدعى أحمد الرفاعي مؤذنًا بالزبداني فأهدته بنت من أهلها هذا الكتاب المسمى { مزامير داود }فاطلع عليه ووجد فيه بعض هذه الأقوال الفاسدة فردّ على هذه الأقوال وأعطاه لها لكن هي خافت أن تواجه ءانستها التي تدرسها بهذا ؛ ثم نزل إلى صاحب مكتبة الفارابي وأخبره عن الكتاب فقال له أنا أبيع هذا الكتاب لهنّ ولا يشتريه من عندي غيرهن ؛ فأعطاه أحمد الردود ليوصلها لهن . قال صاحب مكتبة الفارابي لأحمد الرفاعي بعد ذلك هن عملن اجتماعًا في الشام مع منيرة قبيسي واتفقن على إنكار نسبة هذا الكتاب إليهن . وقد استمرت هؤلاء النسوة في تداول هذا الكتاب بعد ذلك ويدلّ على أنه لهن كلام اللاتي كنّ مع هذه الجماعة وتركنها فإنهن حصلن على هذا الكتاب منهن ؛
وقد كانت أميرة جبريل تبيع هذا الكتاب لما كانت في الجامعة العربية في بيروت.
وشهدت الحاجة سلمى صندوقة في الأردن أنها اشترت هذا الكتاب من مجلس فادية الطباع قبل خمس عشرة سنة .(60/190)
وفي هذا الكتاب كلمات ضد عقيدة أهل السنة والجماعة منها (كل ما تهواه موجود في ذات الله) وفيه ألفاظ باسم الاستغفار فيها هذه الكلمة ( أستغفر الله من تركي للمعصية) وفيه : ( قل الله وحده في الكثرة ما ترى سواه في كل كائنة )
ومعنى هذا الكلام الأخير أن الله هو البشر والبهائم والأرض والشمس والسماء ، أي أن العالم هو الله والله هو العالم وكل هذا كفر صريح بلا شك نقلاً عن( كتاب التنظيم السرى الخطيرمنيرة قبيسى..لأسامة السيد) .
(2) واحدة منهن اسمها نوال أ . ألفت كتابًا سمته (( المتاح من الموالد والأناشيد الملاح )) أكدت فيه هذه المؤلفة أن ما ذكرناه من أن الكتاب المسمى (( مزامير داود )) لهن هو كذلك حيث إنها تذكر العبارات عينها الموجودة في هذا الكتاب الفاسد . وتزيد عليه أشياء تؤكد عقيدتهن الفاسدة عقيدة الحلول !!!. ( الجامع) لسميرة الزايد ان الدكتور البوطي قدم الطبعة الأولى في العام 1994 والآن منهن واحدة اسمها سمر .ع ألفت كتابًا سمته (( المدخل )) وكتابًا ءاخر سمته (( مجلس النور في الصلاة على الرسول )) وواحدة اسمها سميرة .ز. ألفت كتابًا سمته (( مختصر الجامع في السيرة النبوية )) وواحدة اسمها نجاح . ح . ألفت كتابًا سمته ( فقه العبادات على مذهب الحنفي )
الأذكار:
و لديهن ذكر يطلق عليه الصلاة النارية ولفظه "اللهم صلِّ صلاة كاملة وسلم سلاماً تاماً على سيدنا محمد الذي تنحل به العقد وتنفرج به الكرب وتقضى به الحوائج وتنال به الرغائب وحسن الخواتيم ، ويستقي الغمام بوجهه الكريم ، وعلى آله وصحبه وسلم في كل لمحة ونفس عدد كل معلوم لك " . وتقرأ هذه "الصلاة النارية " بأعداد خاصة مثل (4444) مرة في أوقات خاصة قراءة جماعية أو فردية لجلب مصلحة ما أو دفع ضرر ما عن الدعوة .
وقد حدثتنى أحدى الأخوات والتى تسكن بجانب جامع النور فى دمشق حيث تتم القاء الدروس وقالت: يتم اطفاء الأنوار ويبدأ الذكر الجماعى مئات المرات والتى تصرع يحتفى بها فهذا نوع كرامة!!ويتم أيضاً ضرب الدفوف فى المسجد مع الذكر حتى أنهم أنشدوا الآذان مع الضرب بالدف ؟؟؟
علاقة جمعية بيادر السلام فى الكويت:
قد طالعتنا مجلة النور في عددها الصادر في مارس 1996: باستطلاع عن زيارة الشيخ أحمد كفتارو حيث يفتخر بنفسه و يقول " أنا صوفي نقشبندي سلفي " كما أشارت المجلة إلى أن الشيخ كفتارو قد خص عضوات بيادر السلام بلقاء خاص و هذا شأنه في كل زيارة للكويت كي يمنحهن البركة في شرب فضلة كأسه حيث التسابق عليه ، و يبشرهن أن مستقبل الدعوة في المرحلة القادمة للمرأة
فتوى اللجنة الدائمة حول القبيسات رقم (16011) وتاريخ: 18/5/1414هـ.
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده... وبعد:
فقد اطلعت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء على ما ورد إلى سماحة المفتي العام من مستفتي من الكويت والمحال إلى اللجنة من الأمانة العامة لهيئة كبار العلماء برقم (11-16) وتاريخ (18/5/1414). وقد سال المستفتي سؤلاً هذا نصه:
(بشأن جماعة من النساء في الكويت يقمن بنشر الدعوة الصوفية على الطريقة النقشبندية، وهن يعملن تحت إطار رسمي " جمعية نسائية " ولكنهن يمارسن هذه الدعوة في الخفاء ويظهرن ما لا يبطن وقد حصل أن اطلعنا على كتاباتهن وبعض كتبهن واعتراف بعضهن ممن كن في هذا التنظيم . وذلك يتمثل بعضه بالآتي: يقولون من لا شيخ له فشيخه الشيطان، ومن لم ينفعه أدب المربي لم ينفعه كتاب ولا سنة، ومن قال لشيخ لم، لم يفلح أبدا، ويقولون بالوصل بعملية الذكر الصوفي مستحضرين صورة شيختهن أثناء الذكر ويقبلون يد شيختهن والتي يطلقون عليها لقب الآنسة وهي من بلد عربي من خارج الجزيرة، ويتبركن بشرب ما تبقى في إنائها من الماء، ومن كتاباتهن لأدعية خاصة، وأني وجدتها بعد ذلك مقتبسة من كتاب اللؤلؤ والمرجان في تسخير ملوك الجان، ويقومون بتأسيس المدارس الخاص بهم لاحتواء الأطفال على طريقتهن ويعملن في مجال التدريس مما يعيطهن مجال لنشر هذه الدعوة في صفوف بنات المدارس الحكومية المتوسطة والثانوية.
وقد فارقت بعض من هؤلاء النسوة أزواجهن وطلبوا الطلاق عن طريق المحاكم عندما أمرهن هؤلاء الأزواج بالابتعاد عن هذا الطريق الضال.
السؤال:
(1) ما هو الحكم الشرعي في عقيدة هؤلاء النسوة مع إصرارهن على هذه الطريق؟
(2) هل يجوز الزواج منهن؟
(3) ما حكم عقد النكاح القائم بأحداهن الآن؟
(4) النصيحة لهن وترهيبهن من هذا الطريق. وجزاكم الله عنا كل خير.
وبعد دراسة اللجنة له أجابت:(60/191)
الطرق الصوفية، ومنها النقشبندية، كلها طرق مبتدعة مخالفة للكتاب والسنة ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم "إياكم ومحدثات الأمر، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة". بل إن الطرق الصوفية لم تقتصر على كونها بدعة مع ما في البدعة من الضلال، ولكن داخلها كثير من الشرك الأكبر، وذلك بالغلو في مشائخ الطرق والاستغاثة بهم من دون الله، واعتقاد أن لهم تصرفاً في الكون، وقبول أقوالهم من غير نظر فيها، وعرضها على الكتاب والسنة. ومن ذلك ما ورد في السؤال من قولهم: من لا شيخ له فشيخه الشيطان. ومن لم ينفعه أدب المربي لم ينفعه كتاب ولا سنة، ومن قال لشيخ لم، لم يفلح أبدا. وهذه كلها أقوال باطلة مخالفة للكتاب والسنة، لأن الذي يقبل قوله مطلقاً بدون مناقشة ولا معارضة هو رسول ا صلى الله عليه وسلم ، لقول الله تعالى: (( وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ))، وقوله تعالى: (( وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى )). أما غيره من البشر مهما بلغ من العلم، فإنه لا يقبل قوله إلا إذا وافق الكتاب والسنة، ومن زعم أن أحداً تجب طاعته بعينة مطلقاً غير رسول ا صلى الله عليه وسلم ، فقد ارتد عن الإسلام، وذلك لقوله تعالى: (( اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله والمسيح بن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلهاً واحداً لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون)). وقد فسر العلماء هذه الآية بأن معنى اتخاذهم أرباباً من دون الله: طاعتهم في تحليل الحرام، وتحريم الحلال، كما روى ذلك في حديث عدي بن حاتم رضي الله عنه, فالواجب الحذر من الصوفية رجالاً ونساءً، ومن توليتهم التدريس والتربية، ودخولهم في الجمعيات النسائية وغيرها لئلا يفسدوا عقائد المسلمين. والواجب على الرجل منع موليته من الدخول في تلك الجمعيات أو المدارس التي يتولاها الصوفية أو يدرسون فيها حفاظاً على عقائدهن، وحفاظاً على الأسر من التفكك وإفساد الزوجات على أزواجهن، ومن اعتنق مذهب الصوفية فقد فارق أهل السنة والجماعة، وإذا اعتقد في شيوخ الصوفية أنهم يمنحون البركة، أو ينفعون أو يضرون فيما لا يقدر عليه إلا الله من شفاء الأمراض وجلب الأرزاق، ودفع الأضرار أو أنهم تجب طاعتهم في كل ما يقولون ولو خالفوا الكتاب والسنة، من اعتقد ذلك فقد أشرك بالله الشرك الأكبر المخرج من الملة. لا تجوز موالاته ولا مناكحته لقوله تعالى: (( ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن )) إلى قوله: (( ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا )). والمرأة التي تأثرت بالتصوف إلى حد الاعتقاد المذكور لا ينبغي التزوج بها ابتداء ولا إمساكها ممن تزوجها إلا بعد مناصحتها وتوبتها إلى الله. والذي ننصح به النسوة المذكورات هو التوبة إلى الله والرجوع إلى الحق وترك هذا المذهب الباطل، والحذر من دعاة السوء والتمسك بمذهب أهل السنة والجماعة، وقراءة الكتب النافعة التي قام بإعدادها العلماء المستقيمون على العقيدة الصحيحة والاستماع للدروس والمحاضرات، والبرامج المفيدة التي يقوم بإعدادها العلماء المستقيمون على المنهج الصحيح. كما ننصح لهن بطاعة أزواجهن وأولياء أمورهن في المعروف.!!
لم يذكر اسم الجمعية في هذه الفتوى حفاظا على مبدا النصيحة و لكن بعد الفحص و التدقيق تبين ان هذه الجمعية النسائية هي جمعية بيادر السلام لسببين هما ان جمعية بيادر السلام فضحت نفسها و قامت بالرد على هذه الفتوى و بعد الرد قام احد الموقعين من علماء المملكة و هو الشيخ ابن منيع حفظه الله بالتصريح باسم جمعية بيادر السلام و كل هذا موجود بالصحف .
==============(60/192)
(60/193)
إحياء الدين الإسلامي على يد نساء يختبرن العلمانية السورية
تقول إيناس بفخر "صحيح أنهن لا يستطعن في هذا العمر فهم ما يحفظونه، ولكننا نعتقد بأن الفهم يأتي بعد أن يصبح القرآن جزءاً منك".
وفي حارات دمشق تعقد نساء يميزن بعضهن البعض من خلال الطريقة المييزة التي يربطن بها الحجاب اجتماعات لجماعة إسلامية نسائية سرية تدعى بالقبيسيات.
في هذه الاجتماعات، تتعلم المنتسبات، على حد قولهن، المزيد من العقيدة ويدرسن أيضاً كيفية السيطرة على بعض الأشخاص المقربين منهم مثل أبائهم، أزواجهم وذلك كي يدعمن حضورهن الإسلامي في الحياة العامة.
هذان هما الوجهان لإحياء الدين الإسلامي على يد النساء في سوريا، هذا الإحياء الذي يضيف تحدياً أخر على التحديات التي تواجهها هذه الدولة العلمانية. وعلى الرغم من أن المسؤولين في الدولة ينفون بقوة وجود هذه التحديات الا أن سوريا تسير بسرعة باتجاه الدين ويبدو أن هويتها القومية بدأت تضعف. وفي حال طغت الصبغة الإسلامية على هويتها فقد تقوض وحدة المجتمع الذي تحكمه أقلية دينية إسلامية وهي العلويين، ويضم العديد من الجماعات الدينية.
المسؤولون السوريون، اللذين كانوا يترأسون المناصب العليا خلال فترة الحرب التي جرّها حزب الله على لبنان، متيقظون جداً للسبل الكثيرة التي قد تسلكها الجماعات الدينية، التي تزداد قوة، لإضعاف سلطة الدولة. وعلى الرغم من أن الحكومة السورية تدعم حزب الله، إلا أنها تتخذ خطوات تؤكد فيها على أن الظاهرة التي ساعدت في بنائها في لبنان لن تأتي لتلوح بشبحها على سوريا.
ويقول رجل الدين الإسلامي السوري محمد حبش "كان يقال لنا بأن علينا ترك الإسلام خلفنا كي نعثر على مستقبلنا". " ولكن اليوم، إذا سألت الشعب السوري عن تاريخه سيقول لك إن تاريخي تاريخ إسلامي. فالجيل الجديد بأكمله يقرأ القرآن".
والنساء في طليعة هذه الحركة. فعلى الرغم من أن الرجال في العالم الإسلامي هم عادة من يفسرون القرآن ويؤمون بالمصلين، إلا أن سوريا هي الوحيدة فعلياً في العالم العربي التي تشهد انبعاثاً لتقليد قديم العهد متمثل بتنصيب امرأة منصب الشيخة. ويقول مدرسوا الدين بان عدد مدارس الفتيات الدينية يفوق عدد مدراس الفتيان الدينية.
ليس هناك احصائيات رسمية حول عدد مدارس الفتيات التي تعد نحو 700 مدرسة. ولكن وفقاً لمسح للتعليم الاسلامي في سوريا، نشرته صحيفة الحياة، هناك نحو 80 مدرسة من هذه المدارس في دمشق وحدها، وهي تضم نحو 75,000 امرأة وفتاة نصفهم تقريباً منتسبات الى جماعة القبيسيات.
لسنوات عديدة كان أي مظهر من مظاهر الورع الديني يرتبط ببعض الشكوك. ولكن في الوقت الذي كان فيه الرجال المشتبه بارتباطهم بنشاطات إسلامية يعتقلون ويستجوبون ويسجنون، فقد كان تعريض النساء الى مثل ذلك ليسبب صرخة اعتراض شعبية لا تستطيع الحكومة النفاذ منها.
لذا استفادت النساء من الحرية الكبيرة نسبياً الممنوحة لهن في تشكيل جماعات إسلامية، واكتساب قوة ضاربة الجذور ومتنفذة في نشر ممارسة إسلامية أشد وأكثر محافظة في عائلاتهم وفي مجتمعاتهم.
وطالما أن عناصر الاستخبارات ما تزال تراقب التجمعات السرية التي تتضمن حلقان نقاش دينية إسلامية، فإن الجماعات الدينية مثل القبيسيات تلتقي غالباً سراً، وغالباً ما يكون هناك نسوة يقف على الباب كحراس لمنع المتطفلين من الدخول.
من الجدير بالذكر أن هذه الجماعة أخذت اسمها من اسم مؤسستها، الشيخة منيرة القبيسي.
إحدى النساء حضرت بعض اجتماعات القبيسيات وصفت نشاطات الجماعات بكلمات قاسية وهي امرأة ثرية وتبلغ من العمر 50 عاماً، وتعيش في دمشق. ولكنها طلبت عدم ذكر اسمها خوفاً من التعرض للعقاب.
وتقول هذه المرأة بان يتم دعوة الفتاة التي تعتقد بأنها راغبة بالالتزام بعقيدتها من قبل أحد الأقارب أو زملاء المدرسة لحضور الاجتماع. وهناك تجلس الشيخة على منصة مرتفعة وتخطب بالنساء المحتشدات خطبة عن الأمور الدينية وتجيب عن الأسئلة.
وتضيف المرأة، القبيسيات يعقدن حجابهن بشكل متميز حيث يترك العقدة منتفخة أسفل الذقن. وتتغير ألوان الحجاب والمانطو وفقاً لمستويات الدراسة الدينية التي يحصلن عليها. فالمنتسبات الجدد يرتدين حجاباً ابيض ومانطو من اللون الأخضر الفاتح. وبعد تخرجهن من المرحلة الأولى يسمحن لهن بارتداء حجاب من الأزرق السماوي ومانطو من اللون الأزرق تقريباً. وفي المرحلة النهائية قد تمنحهن الشيخة إذنها بتغطية أنفسهن بالأسود بشكل كامل.
وتصف لنا هديل التي ذكرت فقط اسمها الأول وهي سورية في عقدها الثاني من العمر، كيف أصبحت أحد أعز صديقات طفولتها من القبيسيات وكيف شجعتها على تقليدها.
حيث قالت" كانت رشا تتصل بي وتقول: اليوم سنذهب للتسوق، وهذه كانت كلمة السر وتعني أن اليوم هناك درس الساعة السابعة والنصف". وتضيف هديل " ذهبت ثلاثة مرات الى الاجتماع وكان ذلك مذهلاً في الحقيقة. فهم يقدمون وجبات غالية فقط للفتيات المراهقات قبل بدء الدرس كما ان لديهم سيارات مرسيدس فاخرة لتوصيلك الى المنزل بعد انتهاء الدرس ".(60/194)
وتتابع هديل قائلة بأنها في البداية دهشت من طريقة القبيسيات، هذه الجماعة التي تبدو في ظاهرها جماعة من النساء المصليات، التي يبدو وأنها تستقطب بنات العائلات الثرية والمتنفذة واللواتي يصلحن بأن يكن قياديات.
وتستطرد قائلة" انهن يهتممن باستقطاب سليلات العائلات الكبرى والعائلات المدعومة. وبالنسبة لي كانوا يريدونني لأنني طالبة جيدة".
ان جميع النساء اللواتي تحدثن عن جماعة القبيسيات طلبن عدم ذكر اسمهن لأن الجماعة من الناحية الفنية غير قانونية، رغم أنه يبدو وأن السلطات تغض الطرف عنهن.
وقول معن عبد السلام، أحد ناشطي حملة حقوق الإنسان" أن يطلب إلى إحداهن الانتساب إلى جماعة القبيسيات أمر مهيب جداً". ويشرح السيد عبد السلام بان مثل هذه الجماعة الإسلامية تجند أعضائها بشكل غير اعتيادي، وذلك وفقاً لمكانتهم الاجتماعية. ويضيف " إنهن يعلمن النسوة الفقراء كيف يتواضعن أمام أزواجهن وكيف يقمن الصلاة، ولكنهن يعلمن نساء الطبقة الغنية أو العليا كيف يسيطرون على السياسات".
أما في المدرسة الإسلامية التي تعلم فيها الآنسة خالدي، فالتدريس ليس له أي برنامج أو أجندة سياسية معلنة. ولكن هذه المدرسة تبدو مكاناً مكرساً للدين الإسلامي، ولاكتشاف مكانة المرأة وازدهاره فيه.
وتبدو هذه المدرسة الموجودة في جامع الزهراء مكاناً مرحاً ولطيفاً ومريحاً، تغطي أرضه سجادات شرقية ناعمة وترى فتيات صغيرات يمرحن حوله. والآنسة خالدي تقضي فترات الصيف وأيام العطل وبعض أوقات بعد الظهر فيه، وهي تقرأ وتساعد الطلاب الصغار على حفظ القرآن.
هذه المدرسة تقبل الفتيات منذ عمر الخامسة، وهناك يبدأن بحفظ القرآن خاصة الآيات الصغيرة الموجودة في أخره. ويتم تعليم الصغار من خلال إشارات اليد والألعاب والتسلية.
الجو بأكمله مريح. والأولاد يتقسمون قطع الحلوى والمقبلات السريعة بينما يدرسون، والغرفة تمتلئ بهمهمتهم وهم يرتلون سوياً بصوت واحد آيات من القرآن.
وبعد أن تتعلم الفتيات القرآن وتحفظنه يبدأن بتعلم طرق تلاوته التي تدعى تجويد القرآن وهذه المرحلة تستغرق غالباً عدة سنوات من الدراسة، يتناولون فيها أيضاً الأحكام المستمدة من القرآن.
تقول فاطمة غياث، 16 عاماً وتعمل مصممة غرا فيك، وهي الصديقة المقربة من الآنسة خالدي، بأنها تعتقد بأن "الجيل القديم" أي النساء من عمر الثلاثينات يسمحن لآبائهن وأزواجهن بإملاء عقيدتهم عليهن.
ونضيف "كان يقال للنساء من قبل: هذا هو الإسلام، وعليكم القيام بكذا وكذا. ولم يكن باستطاعتهم طرح أية أسئلة".
وتعلل ذلك قائلة " إن هذا حدث لأن سوريا كانت منذ عشرة سنوات مغلقة. ولم يكن ثمة مدارس إسلامية. ولكن المجتمع تغيير فعلاً واليوم الفتيات يقلن : نحن نريد أن نفعل شيئاً للإسلام ومن أجل الإسلام".
الآنسة خالدي والآنسة غياث يتذكرن بكثير من العاطفة عندما قام السيد الرئيس بشار الأسد في بداية تسلمه للسلطة القانون وسمح للمحجبات بارتداء حجابهن في المدارس العامة، وهو أمر لم يكن مسموحاً في عهد والده الرئيس حافظ الأسد. كما أن الرئيس بشار قلل من عدد الحصص الدراسية التي تتناول مواضيع ايديلوجيات حزب البعث وسمح للجنود بالصلاة في الجوامع.
بقلم كاثرين زويبف - نيويورك تايمز
( تناقلته معظم الصحف الغربية الشهيرة )/ترجمة هدى شبطا - سيريانيوز
=================(60/195)
(60/196)
صبايا وشباب سوريون يتحدثون:ما وراء السفور والحجاب...
معدّ هذا التحقيق يفضل عدم توقيعه باسمه الصريح
Image
مدخل كلية العلوم في دمشق
"التدين وعدم التدين مسألة حرية شخصية أعتقد، يمكن تلمس ذلك من التنوع الذي نراه في مجتمعنا. هناك احترام متبادل من قبل الجميع تجاه الجميع". خالد
"هذا الموضوع لا يؤثر على العلاقة بين الأصدقاء. هناك أشخاص يستخدمون التعابير الدينية في حياتهم ولهم رموزهم الدينية، وآخرون علمانيون لكنهم لا يصادرون حرية الآخرين في التدين". دانا
"لدينا عدة جارات من القبيسيات، وهن طيبات وعلاقتنا بهن جيدة". ريم
بعد فترة من النقاش وطرح الأسئلة بشكل مداور:
"لم أمتلك الجرأة في البداية لأخبر أصدقائي بإعجابي بفتاة محجبة. عندما فعلت، لم يتفوهوا بحرف. تابعوا حديثهم بعيدا عني كأنهم يتسترون على ذنب اقترفته". خالد
"في إحدى سهراتنا، تطرقنا إلى الداعية الإسلامي عمرو خالد. لم أشعر إلا والجلسة تشتعل. جميعنا كان يتحدث بغضب وتهكم. ليس عن الشخص وإنما عن الظاهرة ككل". دانا
"القبيسيات؟؟ منافقات ويستغللن الدين لأهداف أخرى. أنا أعرف الكثيرات منهن. أزواجهن في السلطة ويستغلون مناصبهم بشكل وقح. بصراحة، لا أشعر تجاههن بمشاعر طيبة". ريم
-------
"الصحوة الإسلامية" بتجلياتها المختلفة. ازدياد عدد المساجد ومرتاديها. الازدياد اللافت في عدد المحجبات. الاحتفال بالمناسبات الدينية كعيد المولد النبوي، وغيرها، أمور شغلت بال الصحافة الغربية والعربية ودفعت بالعديد من الصحفيين والباحثين إلى رحلات "مغامرة" في دمشق وحلب على وجه الخصوص. حيث الأولى مركز أكبر وأهم المعاهد الدينية السورية "مجمع أبو النور" " معهد الفتح الإسلامي "، والثانية اختيرت عن حق عاصمة الثقافة الإسلامية لعام 2006. وعلى ذلك، فقد نشر الكثير من التحقيقات والمواضيع الصحفية التي اقتضت من أصحابها أحيانا "التنكر" وادعاء الإسلام للتسلل داخل الجماعة أو المجموعة المراد دراستها.
وفي مقابل الاهتمام اللافت بما اعتبر انتشار ظاهرة التدين وخاصة في أوساط الشباب، تم تجاهل الجانب الآخر المقابل والتعامل معه على أنه بديهة لا تحتاج إلى الوقوف عندها.
تكفي جولة صغيرة في إحدى الكليات لتعطينا صورة وافية عما نريد قوله، ولتكن كلية الحقوق في دمشق. في نظرة شاملة أثناء يوم دوام مكتظ، نلحظ الطالبات اللواتي يرتدين الجلباب ويغطين وجوههن فيما عدا منطقة العينين حيث نظارة سوداء لحمايتها من أعين المتطفلين! والطالبات السافرات اللواتي يرتدين ملابس بسيطة غير ملفتة للنظر. إلا أن هؤلاء مجتمعات لا يشكلن إلا نسبة قليلة كما يبدو. فيما تقتسم الساحة مجموعتان متمايزتان إلى حد بعيد. في جانب، هناك الطالبات المحجبات اللواتي يرتدين "البانطو" و"الإشارب"، مع استبعاد كامل لأي من أدوات التبرج. وفي جانب آخر، الطالبات السافرات "جدا"، إلى جانب المحجبات اللواتي يكتفين بحجاب الرأس من دون "البانطو" ويستخدمن كافة وسائل التبرج مع ملابس "ملفتة للنظر" إلى حد بعيد.
ولأنه من الصعب تمييز الشبان من مظهرهم كما هو الحال مع الشابات - إلا في حالات قليلة كبعض طلاب الشريعة المرتدين للجلابية مثلا- فيمكن تمييز الفوارق بينهم تبعا للصبايا اللواتي يختارون زمالتهن!. بمعنى أن الشاب الذي يعتبر نفسه "فري F r ee" يميل أكثر إلى الفتاة السفور أو المحجبة "غير الملتزمة" كما يطلق عليها عادة، وهي التي تستخدم أدوات المكياج (التجميل) ولا ترتدي "البانطو"، والعكس صحيح.
هذا التمايز بين "التيارين" إن صح التعبير، يدفع إلى الاعتقاد بأن ازدياد عدد الملتزمين\ات دينيا، يبدو مصحوبا بازدياد مقابل في أعداد المتحررين/ات من الالتزام الديني. قد تتدخل عوامل كثيرة في ازدياد حدة هذا التمايز الذي يصبح أكثر ظهورا للعيان يوما بعد يوم. كثورة الاتصالات والفضائيات ذات الاتجاهات المتعددة والمختلفة فضلا عن مجمل العوامل السياسية والاقتصادية التي تتدخل في تشكيل وعي الناشئة واختيارهم لأسلوب حياتهم، بدون وعي منهم ربما.(للمثال فقط، العداء ضد "الغرب الذي يشن حربا ضد الإسلام"، يفضي إلى خطوات دفاعية نحو التمسك أكثر بتعاليم الإسلام وطقوسه، والإحساس بالغبن. كما أن نقص القيمة في الوطن مقابل أحلام الحياة الفردوسية في الغرب، تدفع إلى تمثل أساليب الحياة هناك وتقليدها ضمن المستطاع). وقد تكون هناك أسباب أخرى غير ظاهرة للعيان تؤثر ولو بشكل غير واضح على تشكيل قرارات الناشئة وانحيازهم الفكري والمعتقدي.
موقف من التدين:
إن بدا الأمر لدى بعض من التقيناهم مرتبطا بنقاش فكري حول قضايا، مثل الإسلام والحداثة والإسلام والحقوق، فإنه أخذ لدى الآخرين منحى مختلفا يتمثل في انعكاس التدين على العلاقات الإنسانية والاجتماعية بدون وجود موقف مبدئي من الدين بحد ذاته، بمعنى آخر، فهو موقف من سلطة تديّن إن صح التعبير أكثر منه موقف إزاء التدين بحد ذاته.(60/197)
يقول خالد الشاب الجامعي (23 سنة) : "لا أعرف إذا كان الأمر كذلك منذ عشر سنوات، لكن الآن في أوساط الشباب والشابات العلمانيين، هناك نظرة "دونية" ربما لزملائهم المتدينين. آسف لقول ذلك، لكن معظم الشباب المثقف والواعي هو شباب علماني". " أنا لا أصوم، لكنني لا أعلن ذلك احتراما لمشاعر الآخرين، لكن إذا عرف أحد من المتدينين أنني لا أصوم لا يحترم خياري هذا ويتخذ مني موقفا سلبيا".
بينما يقول عادل وهو خريج جامعي في أواخر العشرينيات من عمره :"كنت أؤدي فروضي الدينية كاملة حتى المرحلة الثانوية. بيئتنا محافظة وتعلمت تلك الفروض منذ كنت طفلا. عندما دخلت الجامعة واختلطت بأشخاص مختلفين عن بيئتي وقرأت الكثير من الكتب التي أثارت لدي أسئلة أكثر، تشكل لدي وعي جديد وتوقفت عن أداء تلك الفروض. عائلتي لا أعتقد أنها تعرف حتى اليوم بأنني لا أصوم على سبيل المثال. أتمنى لو أجاهر بذلك لأن من حقي أن أختلف. أحيانا أشعر بضيق شديد لأن علي فعل أشياء أمام الآخرين لا أؤمن بها، لكن أحيانا أخرى أتمنى فعل أشياء مناقضة أمام الآخرين لأرد اعتباري لحقوقي التي يسلبونها بتقاليدهم ومعتقداتهم..".
تتجلى أكثر ردود الفعل المضادة لدى الشباب غير المتدين، لدى إثارة أحد موضوعين: الدعاة الإسلاميون الجدد الذين يحظون بتغطية إعلامية واسعة من بعض الفضائيات العربية، وتباع كتبهم وأقراصهم الليزرية بكثافة على أرصفة الجامعات وفي المكتبات على السواء، و"القبيسيات": (تنظيم إسلامي نسائي، سمي كذلك نسبة إلى الآنسة منيرة القبيسي مؤسسة التنظيم الذي تعد مريداته بعشرات الآلاف وفقا لبعض التقارير الصحفية).
تقول دانا وهي طالبة جامعية: "كنا مجموعة أصدقاء في سهرة لطيفة تحولت إلى عاصفة عندما اكتشفنا أن إحدى صديقاتنا معجبة بأحد الدعاة الجدد. انتفضنا جميعا عليها شبابا وصبايا، وكنا مجمعين على أن هؤلاء يقومون بغسيل أدمغة الناشئة ويرسخون التخلف والجهل في مجتمعاتنا. ما أزعجني هو أن الأمر تجاوز النقاش الموضوعي إلى الشيء الشخصي. أحدهم أخذ يقلد طريقة كلام ذلك الداعية بسخرية، وأخرى أخذت تروي حلقة من مسلسل تلفزيوني تناول هذه الظاهرة بنقد لاذع أيضا وبشيء من التهكم".
ريم وهي صحفية شابة تقوم بالعديد من الأنشطة الاجتماعية، بررت ردود فعل البعض الغاضبة أحيانا تجاه مظاهر التدين ورموزها بالقول: "المرء أصبح يشعر بنفسه غريبا في مجتمع يأخذ أكثر فأكثر طابعا محددا. منذ سنوات لم تكن الأمور كذلك. أقصد الأمور كانت أكثر عفوية. الآن هناك تنظيم إن صح التعبير، في الوقت الذي تمنع فيه التنظيمات بشتى أشكالها. ما أود قوله. هناك جيش من القبيسيات، مسموح لهن بلباس موحد وبقاعات درس مفتوحة وببرنامج، لكن إذا فكرنا نحن بعمل نشاط ثقافي معين قد نتهم بأننا من الموساد، ونتعرض لألف مساءلة أمنية".
Image
جامعة دمشق
"الصحوة الإسلامية" بتجلياتها المختلفة. ازدياد عدد المساجد ومرتاديها. الازدياد اللافت في عدد المحجبات. الاحتفال بالمناسبات الدينية كعيد المولد النبوي، وغيرها، أمور شغلت بال الصحافة الغربية والعربية ودفعت بالعديد من الصحفيين والباحثين إلى رحلات "مغامرة" في دمشق وحلب على وجه الخصوص. حيث الأولى مركز أكبر وأهم المعاهد الدينية السورية "مجمع أبو النور" " معهد الفتح الإسلامي "، والثانية اختيرت عن حق عاصمة الثقافة الإسلامية لعام 2006. وعلى ذلك، فقد نشر الكثير من التحقيقات والمواضيع الصحفية التي اقتضت من أصحابها أحيانا "التنكر" وادعاء الإسلام للتسلل داخل الجماعة أو المجموعة المراد دراستها.
ردود فعل دفاعية
يكاد جميع من التقينا بهم يجمعون على أن سلوكهم في التحرر من سلطة التدين، لا ينطوي على شيء من ردود الفعل غير المستندة إلى قناعات ومبادئ، باستثناء مواقف معينة قد تستثير لديهم إحساسا بالمناكفة ربما!.
تقول سمر، الخريجة الجامعية في منتصف عقدها الثالث : "زارتنا جارتنا القبيسية لشرب فنجان قهوة بالتآمر مع والدتي لإقناعي بالحجاب. وبدأت تحدثني عن الجنة والنار، الثواب والعقاب. وعبثا أحاول أن أشرح لها أنني أحترم حجابها وعليها أن تحترم سفوري. و"نكاية" فيها، صرت أتعمد أن ألبس كنزتي "الكت: بلا أكمام" بشكل متكرر في الأيام التالية علني أصادفها على الدرج وتفهم رسالتي"...(60/198)
بينما حسن، وهو محامي في نهاية عقده الرابع، وربما بحكم أنه أكبر من التقيانهم سنا يقول : "أشعر بنفسي محبطا تجاه مظاهر التدين، لكني أحاكم الأمور منطقيا وأحترم حق الآخرين في التعبير عن أنفسهم كما يريدون. لكن قناعاتي الشخصية أن ذلك سلوك متخلف. العلاقة بين الله والناس شبيهة بعقد الإذعان والمطلوب أن يتعاقدوا مع أنفسهم ومع الحياة. ومع ذلك، فقد لاحظت من خلال علاقاتي حالات غير عقلانية مما يدعونه مخطئين "بالتحرر". وسلوك هؤلاء غالبا ما يكون موسوما برد الفعل الاستفزازي، كالاعتداء على مقدسات الآخرين، مثل شتم بعض الرموز الدينية أمام شخص متدين، بدون أدنى إدراك لما يتركه ذلك من شرخ بين الناس. هناك نماذج كانت متدينة وارتدّت عن الدين لأسباب اجتماعية بالدرجة الأولى، مثلا شاب مسلم على علاقة عاطفية بشابة غير مسلمة، لم يستطيعا الزواج بسبب رفض عائليتهما رغم أن الدين يسمح لهما بذلك، فكانت ردة فعلهما عداء سافر لكل ما يتعلق بالدين. أنا لا أعتبر ذلك تحررا، وإنما تخلصا من قيد الدين مع الإبقاء على قيود أخرى كثيرة".
ويروي حسن، تعزيزا لفكرته، قصة أحد أصدقائه المقربين "كان صديقي متدينا جدا يمارس جميع الطقوس الدينية ولديه قيم إيجابية يتمسك بها، وكان له بعض النشاط في أوساط المعارضة الإسلامية، ثم حصل أن دخل في أوساط مشابهة لكنها علمانية، وهنا تغير بشكل مفاجئ وحدّي وعنيف. انقلب على الدين وأصبح يعتبر نفسه ملحدا بجدارة".
وفي حالة مشابهة، انقلب أحمد، وهو شاب في أواخر العقد الثالث من عمره يتحدر من بيئة محافظة ومتدينة، من شاب ملتزم دينيا إلى شاب لا يؤمن على الإطلاق. هنا أيضا حصل الانقلاب بشكل سريع ومفاجئ وعنيف إن صح التعبير. وكان سببه المباشر دخول أحمد في صداقات مع شباب من بيئة مختلفة تماما عن بيئته. وهو الآن يجاهر بأفكاره غير المتفقة على الإطلاق مع أي مظاهر تدين على اختلاف أشكالها.
في التحايل على سلطة الجبر
من المثير للانتباه رؤية الأعداد المتزايدة للفتيات نصف المحجبات/نصف السافرات، إن صح التعبير. وهو ما ينطبق على مرتديات الحجاب في أماكن دون غيرها، كاقتصار ارتدائه على الشارع، أو الدمج بين حجاب الرأس واتباع آخر صيحات الموضة في الأزياء وأدوات التجميل.
تقول ملك (موظفة في أواسط عقدها الرابع)، التي ترتدي حجابا مع ملابس فضفاضة بسيطة وغير ملفتة للنظر: "وضعت الحجاب باختياري في سن صغير جدا، أقل من 12 سنة. وعندما كبرت قليلا شعرت أنه يقيدني وفكرت بنزعه، لكني عرفت أنني لا أقدر. جو العائلة يتطلب مني عدم نزعه وكذلك بت أخجل من نزعه بعد سنوات من ارتدائه. الآن أضعه في الطريق فقط".
لكن الملفت للنظر فعلا، هو نموذج الفتيات اللواتي يضعن حجاب الرأس، ويرتدين ملابس تجاري آخر صيحات الموضة بالنسبة للصبايا السافرات كما يفترض.
منال طالبة جامعية تضع حجابا وردي اللون تزينت أطرافه بخيوط ذهبية براقة، وقد وضعته بطريقة غير تقليدية، "على الطريقة المصرية" كما قالت، ولم يكن اختيارها لوسائل التجميل يفتقر إلى الذوق أبدا، لا بالكحل الذي زاد من جمال عينيها ولا بلون حمرة الشفاه أو الخدود. وقد ارتدت بنطال جينز ضيق وكنزة تصل حتى الخصر فقط، وعندما بادرتها بالسؤال عما إذا كانت متصالحة مع نفسها على هذه الحال أجابت: "طبعا لا، أرتدي الحجاب لأن عائلتي تريد ذلك وهو ثمن خروجي من المنزل وذهابي إلى الجامعة، لذلك لا بأس بشيء من التوازن بين ما أريد وما يريدون. طبعا هم لا يرحبون بأن أرتدي ما أرتدي حاليا، لكنهم لا يرفضون تماما، وهو ما يصيبني بالجنون. فالأمر عندهم مجرد ممارسة شكلية لطقوس الدين، وأنا أجاريهم في ذلك".
بينما تقول صبية أخرى في ربيعها الثامن عشر، وأسلوبها في اللباس مشابه إلى حد بعيد لأسلوب منال: "أهلي يقولون لي إذا تزوجت وزوجك وافق على نزع الحجاب فأنت حرة. لكن مادمت في بيتنا عليك ارتداء الحجاب. لم أفكر بالحجاب سلبا أو إيجابا قبل أن يجبرني والديّ على ارتدائه. أقصد ربما لو عرض علي الموضوع بشكل طبيعي لما كنت قد مانعت. لكن بالطريقة التي فرض بها علي، أصبحت أشعر بأن الحجاب مرادف لقمع أهلي وتحكمهم بي، لذلك فأنا لا أحبه وأتحايل عليه بشتى الطرق".(60/199)
دانيا (30سنة) عبرت عن رأيها بغضب ظاهر ربما ينبع من مرارة تجربتها العائلية كما استشفينا من حديثها: "المشكلة هي أن الكثير من الناس مصابون بانفصام شخصية. يعني يجبرونني على الحجاب، لكن القنوات التلفزيونية الوحيدة التي يتابعونها في البيت رجالا ونساء هي قنوات الأغاني "الداعرة". كأن الأمر تغطية لتناقضاتهم وعقدهم النفسية بمظاهر معينة لا أكثر. لذلك عندما قاومت فرضهم لفكرة الحجاب علي، كنت أقاوم أكثر من الفكرة بكثير. كنت أقاوم خضوعي لتناقضات لم أستطع حلها. كنت أطلب من أبي وأنا في بداية المرحلة الثانوية أن أحصل على نقود لكي أشتري كتابا أو أسجل في ناد رياضي في إحدى الألعاب التي كنت مهووسة بها، فيجيبني، خذي نقودا وانزلي إلى السوق واشتري حجابا. لم أفهم أبدا هذه المعادلة في ذلك الوقت، لكنني قاومتها بشدة مع حبة مسك. يعني هو رفض منحي القبول، وأنا رفضت الحجاب وقررت إيجاد عمل لكي أستقل ماديا وألغي تلك المعادلة نهائيا، وهذا ما حصل".
بينما علقت أخرى وهي أيضا محامية متمرنة ترتدي الحجاب مع مكياج لطيف وملابس لا تخلو من الجمال ولفت النظر: "الإسلام ليس معقدا، وأنا أريد أن أؤدي واجبي الديني وأعيش حياتي في نفس الوقت بما لا يخالف الدين والأخلاق، هذا التوازن ضروري لكي أحب نفسي. لن أكون سعيدة إذا لم أشعر بجمالي في الحدود التي لا أكون فيها مبتذلة!".
الحق في الاختلاف أم استبداد آخر
المجتمع يغتني بما يضمه من اختلاف وتنوع، على ألا يتحول ذلك إلى شقاق وتنافر. من الملفت للنظر أن نستمع من الشباب والصبايا إلى تعابير الحرية الشخصية واحترام الآخر ولكن السؤال إلى أي مدى تنعكس هذه التعابير في سلوكهم وحياتهم اليومية؟ وإلى أي مدى تكون مقاومتهم لأي من أشكال السلطة التي تكبح جموحهم وطموحهم غير منطوية على رفض للآخر المختلف؟
يقول حسن: " كما أن هناك مظاهر تطرف إسلامي، ليس نادرا أن نجد أحيانا مظاهر تطرف علماني إن صح التعبير. والتطرف بجميع أحواله غير مبني على العقل والمنطق. هذا التطرف يدفع بأصحابه إلى الانعزال عن الآخر وعدم التعاطي معه وهو يؤدي إلى الجهل بهذا الآخر وبالتالي الحكم عليه من بعيد وقطع أية إمكانية للحوار بين الطرفين".
تقول ملك: "أنا لست محجبة ولا سبور spo r t. وبالتالي، "السبور" يعتبرونني من "التقليديين"، والمحجبات يدعين لي بالهداية. كل طرف ينظر بشكل سيء للآخر. وأنا أعتبر نفسي لا من هؤلاء ولا من هؤلاء. أنا أنا وانتهينا".
أما ريم فتقول: "المجتمع هو الذي يفرض نوعا من المشاعر السلبية تجاه بعض المظاهر. وبالتالي يخلق نوعا من الاحتقان والغضب يذهب بمقولات الحقوق واحترام الآخر أدراج الرياح. على سبيل المثال، أصبح الحجاب عائقا أمام الكثير من الفتيات للحصول على وظيفة مناسبة، وهذا تمييز حقيقي يجعل من المحجبات يشعرن بالاضطهاد ويخلق لديهن مشاعر سلبية تجاه السفور وليس تجاه أرباب العمل الذين يمارسون هذا السلوك. في الطرف الآخر، وعلى سبيل المثال أيضا، تلقيت عبر بريدي الالكتروني أثناء رمضان الفائت رسائل بريدية بعنوان "القائمة السوداء" واعتقدت لوهلة أنها لأسماء إرهابيين أو مجرمين ولم يخطر ببالي أنها كانت أسماء ممثلين تبين أنهم لا يصومون في رمضان. وهذا خلق استياء لدى العديد من متلقي هذه الرسائل ممن لا يصومون وشعروا بأنهم صنفوا بدورهم ضمن قوائم سوداء لمجرد أن لهم قناعاتهم الخاصة. بعض هؤلاء، ومن خلال نقاشاتنا، كانوا يشعرون بأن شهر رمضان أمسى ثقيلا على قلوبهم وأنهم لا يرغبون بقدومه مع أن ذلك لم يكن شعورهم من قبل".
سألْنا شابا أمريكيا يدرس اللغة العربية في سوريا عن رأيه في موضوعنا بصفته "مراقبا حياديا"، إن أمكن القول، فقال: "السوريون من أكثر الناس الذين التقيتهم انفتاحا في الشرق الأوسط الذي زرت بلدانا كثيرة منه. إنهم متسامحون تجاه معتقدات الغير، لكن هناك فرق بين التسامح والقبول، فكلما أركب التكسي ويعرف السائق أنني غير مسلم، يبدأ بالحديث عن الإسلام ويحاول أن يقنعني به، بينما لم أستطع حتى أن أناقش مسألة الزواج ما بين مسيحي ومسلمة مع أصدقائي المسيحيين السوريين، فهو أمر مرفوض تماما بالنسبة إلى معظمهم"!.
وتمس ريم ما تعتقد أنه صلب الموضوع حين تقول :"الموضوع بمجمله يتمحور حول ثقافة مجتمع، منذ متى ونحن نمارس احترام الآخر المختلف مهما كان اختلافه دينيا أو سياسيا أو أي شيء آخر؟!".
على هامش الموضوع
سألت أم سامر وأنا أقلب صور صباها القديمة وهي ترتدي مثل "شادية" و"سعاد حسني" في ذلك الوقت، لماذا كان ذووكم يسمحون لكم بارتداء هذه الملابس الجميلة القصيرة الملفتة للنظر بينما أنتم اليوم تفضلون الفتاة المحجبة وتثنون عليها؟ أجابت:" لم يكن هناك وقتها من يهدينا، كنا جهلة، أما جيل اليوم فلديه من يهديه إلى الطريق القويم ويأبى أن يهتدي!".(60/200)
تساءلت وقتها ما إذا كانت الهداية المقصودة هي السلطة التي تحاول فئة من الشباب والصبايا مقاومتها اليوم والتي لم تكن موجودة -على الأقل بشكلها الحالي- في ما مضى. بالمناسبة، أم سامر لديها ثلاث فتيات، إحداهن محجبة، والأخرى سفور لكنها تؤدي فروضها الدينية، والثالثة "لم تهتد" بعد. وأم سامر فخورة ببناتها الثلاث إلى حد كبير جدا.
=============(60/201)
(60/202)
القبيسيات التنظيم النسائي الصوفي
القبيسيات جماعة دينية نسائية تنتشر بشكل خاص في سوريا ولبنان والأردن وفلسطين والكويت ودول الخليج، وتنسب إلى منيرة القبيسي، وهي امرأة سورية تعيش حالياً في إحدى الحارات القديمة في العاصمة دمشق، وتبلغ من العمر 75 عاماً.
ولهذه الجماعة، التي تقتصر على النساء، عقائد وأفكار وسلوكيات وتصورات خاصة للإسلام، يمارسنها بشيء من السريّة والانعزالية.وليس معروفاً للآن ما هو سبب الحرص على السرية الشديدة ، بحيث أنهن يرفض حضور أي فتاة لحلقاتهم دون موعد مسبق عن طريق واحدة من عضواتهن الفاعلات ، وهذا يجعل العديد من التساؤلات ما الذي يخفيه هذا التنظيم السري عن المسلمين ؟؟؟
وقد تفرقت تلميذات منيرة القبيسي في بلاد الشام ودول الخليج، واستطعن تأسيس جماعات أطلق عليها: الطبّاعيات في الأردن، والسّحَريات في لبنان...، وبنات البيادر في الكويت. كما استطعن إنشاء الجمعيات الخيرية والمؤسسات التعليمية والتربوية، وتحقيق انتشار لافت بين الأوساط النسائية، خاصة في المدارس والجامعات.
ومع الانتشار الكبير لهذه الجماعة النسائية المنظمة في العديد من البلاد وسيطرتها على الآلاف من النساء، تجد كثيرا من العلماء والناس لا يعرف عنها شيئاً أو لا يستطيع أن يتحدث عنها ومن أمثلة ذلك أن موقع إسلام أون لاين سئل عن هذه الجماعة فكانت الإجابة: "إذا عرفت الحق عرفت أهله"! هكذا دون بيان حقيقة هذه الجماعة أو عقيدتها! وسئل أيضاً الشيخ فيصل مولوي وهو من علماء لبنان ورئيس جماعة الإخوان المسلمين فيها عن هذه الجماعة فكان جوابه: "ليس عندي معلومات خاصة عن هذا التنظيم"!! ( موقعه الشخصي ) .
وفعلاً بدأنا رحلة البحث عن هذه الجماعة فلم نجد دراسة وافية عنهم سوى كتابا بعنوان "تقرير عن جمعية بيادر السلام النسائية ـ الكويت" وهو من إعداد لجنة من الباحثين، وشريطا للعلامة الألباني رحمه الله، وكتابا لجماعة الأحباش عن هذه الفرقة! إضافة إلى كتابات قليلة غير عميقة في شبكة الإنترنت.
لذلك دعت الحاجة لبيان حقيقة هذه الجماعة والتنظيم، ونحن ندعو كل القراء للمشاركة في تزويدنا بما لديهم عن هذه الجماعة من حقائق ووثائق.
منيرة قبيسي:
ومنيرة قبيسي في الخامسة والسبعين من عمرها ، خريجة كلية العلوم بجامعة دمشق، ثم التحقت بكلية الشريعة، وعيّنت مدرسة لمادة العلوم في إحدى مدارس دمشق، وكان عمها من تلاميذ أحمد كفتارو، مفتي سوريا الذي توفي مؤخراً وشيخ الطريقة الصوفية النقشبندية في سوريا، وهو الذي أشار عليها بالدخول إلى هذه الطريقة الصوفية، وقد بدأت القبيسي نشاطها في سنوات السبعينات من القرن الماضي. وهذا سبب من أسباب العداء الحبشي لها لكون الأحباش من أتباع الطريقة الرفاعية .
العقائد والأفكار:
1ـ تحمل هذه الجماعة أفكار الطريقة النقشبندية([1]) وهي إحدى طرق الصوفية، كما سيأتي ذلك مفصلاً، ويظهر هذا من خلال الاعتقاد بوحدة الوجود، وتقديس الشيخة والتسابق إلى تقبيل يدها، وقدمها أحياناً على نحو ما يفعله الصوفية تجاه شيوخهم.
2ـ تكرر في أقوالهن وكتب شيخاتهن الاعتقاد بوحدة الوجود، وهي عقيدة صوفية فاسدة، تعني أن اللّه والعالم شيء واحد، وأنه لا فرق بين الخالق والمخلوق.
وقد جاء في كتاب "مزامير داود"، وهو من أقدم وأهم مؤلفات هذه الجماعة، ما يفيد اعتقادهم بوحدة الوجود، فقد وردت فيه عبارات مثل: "كل ما تهواه موجود في ذات الله"، وفيه أيضاً قول الشاعر: قل الله وحدَه في الكثرة ما ترى سواه في كل كائنة
وفيه أيضاً قولهن: "شيختنا معنا، أينما كنّا لا تضيّعنا"([2]).
وقد ألفت إحدى شيخات هذه الجماعة واسمها نوال أ. كتاباً سمّته "المتاح من الموالد والأناشيد الملاح"، وأعادت فيه ذكر بعض العبارات التي وردت في "مزامير داود"، وأضافت عليه أشياء تؤيد الاعتقاد بوحدة الوجود، من قبيل:
يا جمال الوجود .... طاب فيك الشهود
ومن قبيل: أنت نسخة الأكوان فيك صورة الرحمن([3]).
3ـ تقديس الشيخة، وعدم مناقشتها، واعتبار أن أمرها مطاع. وأنه مقدم على طاعة الأب أو الزوج أو لي الأمر. ويقولون في هذا الصدد: "لا علم ولا وصول إلى الله من دون مربّية". و"من قال لشيخه لم، لم يفلح أبداً". و"كوني كالميتة بين يدي آنستك". وهن يعتبرن منيرة قبيسي إحدى مجددات الدين.
4ـ المواظبة على بعض الأذكار والصلوات المبتدعة، مثل صلاة التسابيح، وصلاة ركعتين قبل المغرب ويسمونها صلاة الأوّابين"، ولديهن ذكر يطلق عليه "الصلاة النارية" ([4]) .
وللمنتسبات إلى هذه الطريقة ورد يومي، وهو عادة مرتين بعد صلاة الفجر، ومرة بعد العشاء، وهو بأن تجلس المريدة متوجهة إلى القبلة بعد الانتهاء من الصلاة والدعاء ثم تقول: اللهم يا مفتح الأبواب، ويا مسبب الأسباب، ويا مقلب القلوب والأبصار، ويا دليل الحائرين، ثبت قلبي على الإيمان.(60/203)
وتتخيل المريدة شيختها، والآنسة الكبرى "منيرة قبيسي" أمامها، فإن فعلت ذلك تخيلاً وأصبحت ترى وجه شيختها، فعليها أن تبدأ بالذكر لأنها هي التي تربط قلبها بالله، لأنه سيمتد قبس من نور من قلب "الشيخة"، أو الآنسة إلى قلب الفتاة ليوصلها إلى الله!
تقول فتاة كانت مع هذه الجماعة في الكويت: "قامت الآنسة أميرة جبريل بتعليمي الذكر بنفسها، وهو أن أطفئ الأنوار وأمسك مسباحي (مسبحتي) ثم أبدأ بقول (الله ـ الله ـ الله) مع تحريك يدي بجانب قلبي وذلك كما يقولون لتنظيف القلب من الآثام"([5]).
5 ـ استعمال السحر، والاستعانة بالجن ضد من يترك جماعتهن، أو يتكلم عنهن بسوء. وقد حدثت عدة حالات بهذا الصدد، يقول زوج إحدى العضوات السابقات في الكويت بعد أن اكتشف حقيقة الجماعة، وساءت علاقته معها: "وبعدها بدأت محاربتهن لي، وذلك بوضع مواد السحر كالبيض الفاسد على سيارة ولدي البكر، ومرات يضعن الدم على سيارتي، ومرات يسكبن سوائل على مدخل بيتي،... وقد لمسنا تأثير تلك الأعمال الشريرة على ولدي وعلى نفسي وتعالجنا منها، والحمد والفضل لله وحده([6]) .
المفاهيم والسلوكيات الخاصة :
1ـ العزوف أحياناً عن الزواج، رغبة في التفاني في خدمة الجماعة، وعدم الانشغال بشيء عنها، إضافة إلى ضرورة استئذان الشيخة في أمر الزواج.
2ـ تمييز أنفسهن بلبس الجلباب القصير إلى أنصاف الساقين، والمنديل المعقوف (المربوط داخل الجلباب) ولا يخفى ما في ارتداء هذا الجلباب من مخالفة الشرع، إذ أن الجلباب لا بد أن يكون ساتراً للجسد كله.
ولهن في لبس الجلباب نظام خاص، بحيث أن لون الجلباب يعبر عن مرتبة الانتماء للجماعة.
3ـ انعزال هذه الجماعة على نفسها، وتظهر هذه الانعزالية في عدم قدرتهن على الاندماج الحقيقي مع المجتمع (صداقات ـ علاقات أسرية) مادامت خارج نطاق جماعتهن. ولذلك يستخدمن التقية والكذب مع الأهل والمجتمع.
4ـ الحرص على استقطاب الفتيات الموسرات، لذلك تحتل المكانة الاجتماعية والثراء والذكاء معايير هامة عند انضمام الفتيات إلى هذه الجماعة.
5ـ السرية التامة في جميع الأمور والاجتماعات والبيانات، ويطلقون على ذلك "الحس الأمني".
6ـ اهتمامهن بالرقائق والإيمانيات على حساب طلب العلم الشرعي، إذ يلاحظ الضعف العلمي العام لدى المنتسبات، وعدم وجود منهج محدد ومنظم لدراسة العلوم الشرعية، ومعظم الكتب التي يتم تدرسيها هي لمؤلفات من الجماعة.
7 ـ توجيه العضوات إلى العمل في قطاع التعليم، باعتباره عملاً "يخدم الدعوة، ويغذيها بالعناصر الجديدة". كما تتلقى العضوات تعليمات حول كيفية التعامل مع الطالبات، من البشاشة، وحسن المعاملة، وإلقاء السلام، ليسهل التحبب إليهن، وترغيبهن في الانضمام إلى الجماعة.
8 ـ كشف أسرار البيوت للمربية، بحجة أن ذلك يساعدها في أن تأخذ يد الفتاة إلى الله، ويعتبرون المربية كالطبيب الذي يجب أن يتم إخباره بالخصوصيات ليساعد في العلاج، ويقولون "يجب أن يستعلي عندك حب الشفاء على الحرج من كشف العورات"، ويقولون أيضاً "بين إخواني أكسر ميزاني".
9ـ كثيراً ما تتميز علاقاتهن مع أزواجهن وآبائهن بالتوتر، كون الشيخة أو الآنسة تسعى لأن تكون الآمر الناهي حتى في العلاقات الزوجية، وبسبب كثرة الخروج من المنزل، وتقديم أمر الجماعة على أي شيء آخر.
الانضمام إلى الجماعة:
1 ـ من أسس الدخول في الجماعة كتابة رسالة توضح فيها الفتاة أسرارها الشخصية الخاصة والذنوب التي ارتكبتها، على طريقة كرسي الاعتراف عند النصارى، ولهن عبارة في ذلك وهي (افتضح واسترح).
2ـ تقسيم الفتيات إلى مجموعات وحلقات، وكل حلقة تحتوي على مجموعة بينها صفات مشتركة كالعمر والفترة الزمنية في الدعوة، وغير مسموح للفتاة بحضور حلقات غير الحلقة التي تخصها.
وعموماً، هناك ثلاث فئات للفتيات كما في نظام جمعية بيادر السلام - الكويت وهي:
أ ـ النوادر: وهن البنات من عمر 14ـ 18 سنة.
ب ـ البشاير: الفتيات من عمر 18 ـ 24 سنة.
ج ـ البيادر: الفتيات من عمر 24 سنة فما فوق.
الانتشار والمؤسسات:
تفرقت تلميذات منيرة القبيسي في أنحاء مختلفة من بلاد الشام ودول الخليج، واستطعن تأسيس عمل نسائي، وجماعات حملت اسم الشيخة غالباً، في حين تعتبر منيرة قبيسي زعيمة هذه الجماعة، أو "الشيخة الكبرى" أو "الآنسة الكبرى" كما يطلقن عليها، وبسبب وجودها في سوريا، أصبحت زيارة الشام عندهن أشبه بالواجب، أو الحلم، حتى أطلقت بعضهن اسم "رحلة كعبة المعاني" على رحلة الشام، في حين أن التوجه إلى مكة المكرمة لأداء الحج والعمرة هي "رحلة كعبة المباني".
وللقبيسيات دعاء خاص عند مقابلة قبيسي هو: اللهم اجمعنا على ألمها، واجمعنا على أملها.
1ـ سوريا
يطلق عليهن هناك اسم "القبيسيات"، ولهن من المدارس هناك "مدارس النعيم"، ومن المكتبات المهتمة ببيع كتبهن "مكتبة السلام"، بالقرب من دائرة الجوازات والهجرة في دمشق.(60/204)
وتعتبر سعاد ميبر، أبرز تلميذات القبيسي في سوريا، وهي تدرس في "معهد الفتح" فرع الإناث في دمشق، وكتبها مقررة عند هذه الجماعة، ومن كتبها "عقيدة التوحيد من الكتاب والسنة".
ولهن العديد من المدارس والمعاهد في سوريا.
2ـ لبنان
تزعمت الجماعة هناك في البداية، أميرة جبريل،وهي شقيقة أحمد جبريل الزعيم اليساري الفلسطيني ، ولكن أميرة جبريل أخلت الساحة فيما بعد لسحر حلبي، حيث صرن في لبنان يعرفن بالسّحريات، وبلغ من تعصبهن هناك لسحر حلبي أن بعضهن فسّرن قول الله تعالى "ونجيناهم بسحر"([7])، أي أن الله نجّاهن من الضلال بسحر حلبي!
3ـ الأردن
ويعرفن فيها باسم "الطبّاعيات" نسبة إلى شيختهن فادية الطباع، التي تملك وتدير مدرسة بارزة في العاصمة عمّان، هي مدارس الدر المنثور في حي أم السماق، حيث تعتبر تلك المدرسة أهم معاقل هذه الجماعة، إضافة إلى مدرسة أخرى في عمّان، هي مدرسة الخمائل.
وكانت فادية الطباع فيما سبق تدرس في مدراس الأقصى التي أسسها شاعر الأقصى يوسف العظم، وكانت على خلاف مع الدكتورة مهدية الزميلي، صاحبة مدارس الرضوان حاليا وأبرز الداعيات في جماعة الإخوان بسبب قضية تقصير الجلباب وإظهار الساق، كما يروي العظم ذلك في سيرته.
4ـ الكويت
أسست الجماعة فيها أميرة جبريل، شقيقة أحمد جبريل زعيم إحدى المنظمات اليسارية الفلسطينية. ثم تأسست "جمعية بيادر السلام النسائية".
وجمعية بيادر السلام هي الجمعية الرسمية التي تعمل الآنسات من خلالها، وقد تأسست سنة 1981م، وتشرف على عدد من المؤسسات التربوية منها: مدرسة القطوف الخاصة، وحضانة السلام، وحضانة دار الفرح.
ورأست مجلس إدارة الجمعية دلال عبد الله العثمان. وقد جاء إنشاء الجمعية نتيجة جهود كبيرة بذلها يوسف سيد هاشم الرفاعي رأس الصوفية الكويتية، بعدما فشل في دعوة الرجال على مستوى الساحة الكويتية، ولجأ بذكاء إلى الجنس النسائي مستغلاً عاطفتهن وقلة علمهن، وموجداً بهذا التوجه متنفساً لمشاكلهن الاجتماعية وظروفهن الأسرية([8]) .
وللجماعة كذلك انتشار في دول الخليج ومصر وفلسطين، وبعض الدول العربية والأجنبية ولكن لا توجد معلومات كافية عن ذلك.
نماذج من شهادات عضوة سابقة و زوج عضوة في الجماعة :
شهادة زوج عضوة سابقة :
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق والمرسلين، فإن كل بدعه ضلاله، وكل ضلاله في النار، أما بعد.
فإني أشهد الله تعالى على كل ما سأكتبه هنا في حق جماعة بيادر السلام النسائية وأساليبها غير الحميدة فأقول وبالله التوفيق:
فإنه وبعد ما وصل بي الأمر إلى أن أمنع زوجتي العضوة في هذه الجمعية من حضور الدروس كما يسمونها في المنازل المختلفة لعضوات هذه الجمعية، وذلك من بعد ما سمعته وعلمته من بعض الأخوة من أمور عن هذه الجمعية تجعل كل من له دين أن يخاف على أهله.
لم أفاجأ برفضها، ولكن فوجئت بتركها للبيت بعد افتعال مكر مكروه في بيت الدعوة الصوفية المعروف، وهنا توقفت متأملاً في هذا الحدث الغريب مذهولا، مما جعل ابنتي الكبيرة والتي هي أيضاً عضوة في هذه الجمعية، تتكلم وبتحفظ عن أسرار هذه الجمعية وشيئاً فشيئاً حتى أفضت بكل ما عندها، وملخصه يتمثل بالآتي: "عقيدة العضوات لهذه الجمعية هي صوفية نقشبندية وطرق التربية الصوفية مطبقة بالكامل في البيادر من تقديس للآنسة الكبيرة، وأساليب الإهانة وعملية الذكر الصوفي، وإخفاء أمور الجمعية عن المجتمع وعن الأهل، والترخص بالكذب عند الضرورة على الجميع في سبيل حماية الجمعية وأمرها... الخ".
بعدها وبعد أن رتبت الأمور مع ابنتي عملنا مناورات على هذه الجماعة، فهددت بأنني سأنشر موضوعي في الجرائد، وإذا بالجماعة تنقلب في الاتجاه 180 درجة، واتصلت بي النائبة الأولى لأميرة الجماعة السيدة /ج. ب هاتفياً بكلام معسول تنصحني بأن أطلق زوجتي إذا كنت أنا غير راض عن سلوكها، فلم استطع أن أجيبها لشدة احتقاري لها ولأسلوبها البعيد جداً عن منهج إصلاح البيوت، وعن منهج الدعوة الدينية الخيرة، وتحققت من ذلك بأن كل ما يهمهن هو أن لا ينال اسم جمعيتهن أذى من وراء هذا الموضوع.
فتداركت الموقف وعرضت خدماتها بأن تفعل كل ما يرضيني لإرجاع زوجتي وفعلاً أعادوا زوجتي، ولكون ما عرفته هذه الجمعية لا يمكن السكوت عنه، وعلمن بأني سوف لن أقبل بوجود هذا المنكر في المجتمع، ومنعت زوجتي من الاتصال بهم رغم ولائها لهم.
وهنا خشين من تأثيري على زوجتي وأن تنقلب عليهن، ومع علمهن بخطورة ما تعرفه زوجتي عن هذه الجمعية بحكم طول الفترة الزمنية لعضويتها والتي زادت عن اثنتي عشرة عاماً، فأمروها بافتعال ما يخرجها من البيت ثانية تاركة أطفالها وجعلوها ترفع قضية طلاق تطالب بالتفريق.(60/205)
وكان قد حدث أني قد اتصلت بالجمعية السابقة الذكر، وذلك في الفترة التي أعقبت رجوع زوجتي إلى البيت وقبل خروجها ثانية، وتكلمت مع اليعسوب (هـ.ق) الإدارية المعروفة لديهن مطالباً بشطب اسم زوجتي من العضوية في جمعيتهن، وإذا بها بكل قوة تريد أن تناقش وتدافع وتنكر، وقلت لها لا أريد أن أناقش وهي مصرة على النقاش، ومن ضمن ما قالت: "كان غيرك أشطر"، ولم أسمع منها كلمة واحدة توحي بأن هذه المتكلمة تخشى الله أو تتقيه، أو أنها صاحبة دعوة لله، وذلك من صلافة وحدة طبعها.
وبعدها بدأت محاربتهن لي، وذلك بوضع مواد السحر كالبيض الفاسد على سيارة ولدي البكر، ومرات يضعن الدم على سيارتي، ومرات يسكبن سوائل على مدخل بيتي، ومن الشهود على ذلك سائق سيارة الكوكاكولا الذي ظل مرابطاً أمام بيتي منتظراً عودتي كي لا يطأ أحد على ما سكبوه على عتبة البيت.
وقد رأى جيراننا ومن خلال نافذتهم المطلة على منزلي نساءً يضعن مواداً على عتبة البيت وينطلقن بسيارتهن، ولقد لمسنا تأثير تلك الأعمال الشريرة على ولدي وعلى نفسي وتعالجنا منها، والحمد والفضل لله وحده، بعدها تحققت بأني أتعامل مع جماعة تعتمد السحر والاستعانة بالجن في محاربتها، فلن يفيدني شكوى مخفر أو غيره، فهذا صعب إثباته، وكان قصدهن إخافتي والسكوت عنهن، وإلا لما قالت لي (هـ.ق): "كان غيرك أشطر"! مما يوحي بأنه كان هنالك حالات مشابهة أمكنهن السيطرة عليها بواسطة سحرهن، لذلك كان هذا الاعتداد بالنفس، فما زادني ذلك إلا عزماً وقوة، وذلك من فضل الله.
فاتجهت إلى دراسة كل ما يتعلق بالسحر والسحرة، وقابلت السحرة المعروفين في الوطن العربي ـ والعياذ بالله منهم ـ ودرست كل ما يتعلق بالصوفية، ومن الجدير بالذكر هنا أن معظم من قابلتهم من السحرة والمشعوذين كان شيخاً لطريقة صوفية في نفس الوقت!!.
واتجهت بعد ذلك لمراجعة وعلاج زوجتي بعد ما علمته وعلم غيري من الأقرباء والأصدقاء بأن أمرها ليس بيدها، وأنها مسلوبة الإرادة، فبدأنا معها العلاج، وكانت بداية طيبة واستجابة سريعة بفضل الله، فرجعت إلى بيتها وثابت إلى رشدها، وكأن نفسها قد عادت إليها، والتي افتقدتها منذ سنين، ولمسنا ولأول مرة كأسرة بأن وضع البيت قد أصبح مختلفاً عما سبق، فقد كان ملعباً للشياطين، وهذا برأيي حال بيت كل زوجة من عضوات هذا التنظيم الخطر، تعب مستمر وشقاق وعنت، وهذا والله من فضل ربي وصدق الله العظيم إذ يقول {لا تحسبوه شراً لكم بل هو خير لكم}.
نعم.. لقد كان ما حدث هو من تقديرات المولى عز وجل ورحمة من عنده، إذ أنقذ ابنتي وزوجتي واستقرار بيتي من هذا المنزلق الخطير، وزادني علماً وفضلاً منه، فله الحمد والشكر والثناء الحسن.
وأخبرتني زوجتي بعد ذلك بأن هؤلاء النسوة وعلى رأسهن أميرة الجماعة أميرة جبريل قد أمرنها بالخروج من بيتها في المرة الأولى، وساعدوها برفع قضية طلاق وساندوها في المرة الثانية ونصحوها بأن ذلك لخير وسلامة دينها ودنياها.
كما أخبرتني بكل تفاصيل دينهم الضال دين الصوفية وعلى الطريقة النقشبندية، وكل ما جاء في هذا التقرير أو الدراسة التي تحتوي شهادتي هذه مطابق لما سمعته من زوجتي وابنتي وذلك خشية الإطالة.
ولي كلمة أوجهها إلى أولياء الأمور وأزواج عضوات هذا التنظيم فأقول لهم: حافظوا على بيوتكم وحافظوا على أسرار بيوتكم، فإنه ليس لبيوتكم حرمة في ظل هذا التنظيم، وعوراتكم مكشوفة عند أميرة الجماعة ومنها إلى الأخريات ومنهن إلى الآخرين وأنا منهم، ولا أخال زوجاً شريفاً غيوراً على أهله بعد كل ما نشر وقيل في شأن هذا التنظيم، يرضى ويقر زوجته على الاستمرار مع هذه الجماعة، إلا أن يكون قد فقد السيطرة على نفسه نتيجة أعمال السحر عليه وعلى زوجته فلمثله أو لذويه أن يطلبوا له العلاج والاستشفاء بالرقية القرآنية، وأنا على أتم ثقة بأنه سيجد اختلافاً كبيراً بإذن الله.
وأختم شهادتي بالصلاة والسلام على البشير النذير وعلى آله وصحبه الكرام أجمعين.
شهادة عضوة سابقة :
اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ـ وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، اللهم إني أعوذ بك أن أَظلم أو أُظلم أو أعتدي أو يعتدى علي أو أقترف ذنباً أو خطيئة لا تغفرها لي.
سبب دخولي للجمعية وتطوري فيها [لأني لا أستطيع أن أطلق عليها جماعة لأن المرأة لا تكون جماعة ولا إمارة]. كنا طلبة في الجامعة وتعرفت على إحدى الأخوات المعروفات في الجمعية، وهي سبب دخولي أنا وزميلاتي، بدأنا في حفظ القرآن ثم تطور شيئاً فشيئاً، وكان يخصص باص من الجمعية وقت العطلة في الجامعة، وكنا نذهب للقاء أميرة جبريل "المؤسسة"، وكانت تتكلم عن الإيمانيات، وكانت شخصية مرحه، والشيء الذي لفت نظري لها التفاف العضوات حولها والجلوس بقربها، وشرب الماء بعدها، هذا الشيء لفت نظري وكانت هذه السمة الواضحة لعضوات الجمعية.(60/206)
تطور الأمر ومرت سنوات وأصبح لنا جلسة خاصة في بيت في (منطقة) الروضة يجمع وجوها عديدة، ثم تطور إلى إقامة حلقة في (منطقة) الجهراء في بيت (...)، ثم مرت سنوات بعد أن درست في الثانوية، وفتحت حلقة في منزل روادها ما بين 30 إلى 50 طالبة، أصبحت منطقة الجهراء لها اهتمام خاص وعينت لنا مسئولة قوية، ثم مرت سنوات وفتحت دورة تحفيظ قرآن في الصيف في مسجد عبد الرحمن بن عوف، وهنا المحك، فبعد انتهاء الدورة عمل حفل ختامي، وبعد أن ذهب أغلب الحضور أخذوا يرددون أناشيد مع الطار (الدف) داخل المسجد، وكان لا زال في حضور من الأمهات، فنظروا باستغراب نظرات لا أنساها.
أصبح في منزلي حلقة خاصة لطالبات الثانوي حيث كان لي شعبية في المدرسة، وكان الحضور ممتازا، وبعد فترة أخذ الحضور يقل شيئاً فشيئاً، وكنت عندما أسأل يقال لي "لا بد للحلقة أن تتصفى ويبقى الجيد" ويقولون "القافلة تسير والكلاب تنبح" و"أنت ما عليك، شوفي إنجازات الجمعية ولو أنها على خطأ ما بارك الله في أعمالها وإنجازاتها".
ولكن الأمر أصبح خطيراً، فأنا من أسرة معروفة في الجهراء، وأصبح الكلام يردد أنني صوفية. وفي نفس اللحظة لا أجد الرد المقنع من الجمعية، فأصبحت في وجه المدفع، ثم أغلقت الحلقة لأن الحضور قليل جداً.
الأمور التي نفرتني شيئاً فشيئاً من الجمعية:
* كثير من الأحاديث كانت تقال بسند ضعيف أو أصلاً ما هي بأحاديث، أعمال كثيرة كانت تعمل مثل "الصلاة في الظلمة" سواء في الجمعية أو إحدى المنازل لعضوات الجمعية، كان هذا شيء لازم وضروري بناتهم يلبسون تنوره ميدي (ضيقة) وكانت أرجلهن تظهر من وراء العباءة، وكانوا يتفاخرون بأنهن يتشبهون بالآنسات ـ وجوب إطلاق كلمة آنسة على بعض الشخصيات ضروري جداً."
* التردد المستمر على منزل السيد (الشخصية الصوفية المعروفة)، وهو منزل الدعوة كما يدعون، وكان لنا جلسات من الضحى إلى المغرب تقريباً ـ وهذا كان يضايق الأهل ـ.
* في إحدى حفلات الجمعية كنت لابسة نقابا، فمسكته إحدى القيادات وقالت ماله لازم، الحجاب يكفي حتى لا تنفري الناس من الدين ـ وكانت هذه أول صدمة (فأنا عندما تدرجت وارتقى إيماني لبست النقاب تقرباً إلى الله، وكنت فرحة به).
* المرة الثانية في حفل ثان للجمعية، وجاء التلفزيون ليصور، فقالوا لي لا تخرجي (كي) لا يظهر النقاب في التصوير.
* تأليف أناشيد على نفس لحن الأغاني، وهذا كان دائماً يثير الناس علينا.
* في المدرسة في دعوتي لا أستطيع أن أظهر هويتي أنني من البيادر، لأنني سأواجه ردا من الطالبات، فكان هذا الشيء يتعبني.
* استخدامهن للمسباح (للمسبحة) بطريقة شبه دائمة من أجل التسبيح.
* خروج إحدى القيادات التي كنت أدرس على يدها بعض العلوم من الجمعية والانفصال عنهن أثر كثيراً في نفسي وبدأت أسأل!!!.
* حلقة الخلوة كانت تقام مرة في العام في منزل (ف.ب) أو في منزل السيد (الصوفي)، وفي المرة التي حضرتها كان بعضهن نائمات في منزل (ف.ب) يوم وليلة مع أميرة جبريل [أنا حضرت من الضحى إلى المغرب]، وهنا السؤال كيف يسمح لهن بالمبيت خارج المنزل؟. ثم بداية الجلسة قرآن وتسبيح وذكر ثم بعدها أناشيد مع الطار ترنما بسيرة المصطفى عليه السلام.
* سفر القيادات للشام دون محارم.
* سفر أميرة جبريل وترددها دون محرم.
* كنا نعطى كتابا في الفقه على مذهب الشافعي كما يقال، وكان يطلب منا أن لا يراه أحد.
* حديث الأهل والأقارب عن الجمعية بأنها صوفية كان يقلقني.
* الدعاء الجماعي كان بالساعات بعد الصلاة "صفة دائمة للجمعية".
الأسباب التي شجعتني للخروج منها:
حدث لي موقف مع طالبة في المدرسة لم أعرفها، كانت تردد بأنني صوفية، ثم واجهت الطالبة وقالت لي "أخي حذرنا منك"، وأخوها إنسان ملتزم معروف وله كتب ومؤلفات. وكانت هذه الصدمة التي أخرجت المختزن في نفسي.
بعد أيام ذهبت للعمرة بنية أن يريني الله الحق، وكان دعائي الوحيد في الطواف.
بعد القدوم من العمرة، جاءتني رسالة من (فاعلة خير)، على يد إحدى المدرسات ـ ولي علاقة أخوة ومحبة بها ـ حذرتني بها من الجمعية والكلام الذي يدور، وأرفقتها بأشرطة لمشايخ يتكلمون فيها عن البيادر في الكويت والشام، وتحدثوا عن أميرة (جبريل)، وعن الصوفية.
وبعدها قررت الخروج من هذه الجمعية، وبعد ست سنوات، ولكنني أحتسب الأعمال عند الله لأنها كانت خالصة لوجهه.
انتشر الخبر وأخذوا يباركون لي، وهنا أحسست بمدى فداحة الأمر الذي كنت فيه [9].
للاستزادة:
1 ـ تقرير عن جمعية بيادر السلام النسائية (عرض وتحليل) ـ لجنة من الباحثين.
2ـ التنظيم النسائي السري الخطير ـ أسامة السيد.
3ـ سماح بيبرس: صحيفة المرآة الأردنية
ـ أسرار وخفايا الطريقة الطبّاعية في عمان ـ 4/12/2002.
ـ آراء ومعلومات جديدة حول الطريقة الطباعية في عمان ـ 25/ 12/2002.
4ـ جماعة القبيسيات الصوفية ـ شبكة الدفاع عن السنة.
5ـ القبيسيات ـ منتدى السقيفة.
--------------------------------------------------------------------------------(60/207)
[1]) ـ النقشبندية طريقة صوفية أسسها محمد بن محمد بهاء الدين المعروف بشاه نقشبند البخاري (717 ـ 791هـ)، وانتشرت في جمهوريات آسيا الوسطى وجمهورية الشيشان والصين وتركيا وسوريا.
ولا تختلف هذه الطريقة عن غيرها من طرق الصوفية من حيث العقائد والأفكار، لكنها تميل إلى شيء من الهدوء في ممارسة الذكر، على عكس بعض الطرق التي تستخدم الأساليب العنيفة.
[2]) ـ "دراسة شاملة عن التنظيم النسائي السري الخطير لمنيرة قبيسي وأميرة جبريل وسحر حلبي وفادية الطباع وسعاد ميبر" لمؤلفه أسامة السيد ص11. ونود التنويه إلى أن مؤلف هذا الكتاب ينتمي إلى فرقة الأحباشالمنحرفة، التي تنتشر في لبنان وغيرها. وسبق للراصد أن بينت حقيقة هذه الفرقة .
وقد أورد في كتابه الكثير عن عقائد القبيسيات وانتشارهن، لكنّه في المقابل أنكر عدداً من عقائد أهل السنة والجماعة الثابتة، وروّج لعقائد الأحباش.
[3]) المصدر السابق ص 12ـ13.
[4] ) الصلاة النارية صيغتها: "اللهم صلِّ صلاة كاملة، وسلِّم سلاماً تامّاً على سيدنا محمد، الذي تنحل به العقد وتنفرج به الكرب، وتقضى به الحوائج، وتنال به الرغائب وحسن الخواتيم، ويستقي الغمام بوجهه الكريم، وعلى آله وصحبه وسلم في كل لمحه ونفس بعدد كل معلوم لك".
[5] ) تقرير عن جمعية بيادر السلام ص 38.
[6]) ـ المصدر السابق ص 45.
[7]) ـ سورة القمر/ 34.
[8]) ـ تقرير عن جمعية بيادر السلام ص 9.
9- تقرير عن جمعية بيادر السلام ص 44 ، 49.
عدد رقم 33 من مجلة الراصد
==============(60/208)
(60/209)
هل تعرف القبيسيات
قصة واقعية من دبي بالتحديد .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة
هذة قصة أخت لنا اسأل الله لها العافية في دبي بالتحديد وقد نشرت قصتها في احد المواقع المشهورة ومعلومات عن القبيسيات وهو تنظيم نسائي منتشر بشكل خطير في المساجد والمدارس وطابعهم التدين وهم عكس هذا فا الدين في جهة ونوايهاهم فى جهة ثانية لا اطيل عليكم اترككم مع هذة القصة التي ترويها بنفسها :
القبيسيات خطر في وطني
حلما كنت أحياه .. أن أجد من ينتشلني من عالم لاه إلى عالم يحفنا الرحمن فيه من كل حدب .. إلى رفقة العمل الصالح لديها عشق .. باحثة أنا وماضية في طريقي ذاك ... حتى كان ذلك اليوم .. أخذت بناتي فيه إلى مركز لتحفظ كتاب الله .. تعرفت عليهن و سلمتهن فلذات كبدي و صفاء قلبي .. انخرطت معهن في القيام ببعض الأعمال التطوعية و الفنية .. في المركز و في بعض المدارس بحكم علاقاتي الاجتماعية .. وفي بيتي.. حولته إلى ملتقى لكل أخت أحبها .. دروس فقه و تجويد و تفسير .. جمعت أطفال الحي . أسبوعيا و كنت أحضر لهم برامجا ترفيهية و فنية بالإضافة إلى برامج تحفيظ القرآن .. هن من تعرفت عليهن كن من يقمن بتحفيظه لهم .. لم أقصر بوقت لدي أو طاقة أملكها .. إلى أني بالرغم من كل ما كنت أقوم به لاحظت حدوث أشياء غريبة .. جدا لم أتقبلها أبدا .. منها تعلقا مني بإحداهن تعلقا غريبا .. خيالها في خاطري جائل ليل نهار .. صوتها .. همساتها .. كلماتها .. رانة في أذني تنفسا و عسعسة .. نظراتها لي و نظراتي إليها .. زياراتها لي و زياراتي إليها ..كل شيء كان غريب .. فسرته هي على أنه كحب الأم لابنتها .. لم أستطع يوما أن أطلق عليه مسمى يناسبه .. صاحب ذلك أعرض غريبة أشعر بها لأول مرة وهي ضيق في التنفس و حرارة في الصدر و فقدان الشهية .. و في لحظة سفرها لظروف عائلية ستقضي خلالها مدة خارج أرض بلادي .. انتابتني حالة هستيرية .. ظللت على أثرها أبكي لأيام .. لا أعرف كيف قضيتها .. طبعا هن لم يتركنني لحالي أبدا ظللن حولي و معي .. .............................. حانت لحظة أن عرفنني عليها .. أسمينها الأم الروحية ... أكبرنها في خلجاتي قبل أن أراها ... صوتها وصل بيتي قبل جسدها ... التقيتها ... طلبت مني عهدا ... عاهدته إياها .. لم أجد فيه خطأ .. وهوأن نتعاهد على خدمة دين الله و رسوله _ عليه أفضل الصلاة و السلام _ ما حيينا ... ... مضت بي أيام ثم وجدت مشاعري رافضة أي وجود في داخلي لغيرها ... عندما أرفض القيام بعمل يطلب مني نتيجة الضغوط ... تحادثني هي لأجدني أقوم به بكل رغبة .. كلمة منها تتبدل أحوالي من الرفض إلى القبول ... عنما أتساءل يقلن لي هي محبة في الله .. غيرت أحوالك ... و كل ما تعانينه منه ... كيف تكون المحبة هكذا كأنك لا ترى في الوجود غير هذا الشخص ؟ المهم ... ذات ليلة شعرت بآلام حادة في قلبي .. كأن أحدا اقتلع منه قطعة ... لست أدري لم اتجهت إليها بتفكيري أنها فعلت ما فعلت ... جاءت في زيارة ... قاطعتها فيها .. إلى أن حان موعد سفرها .. سلمت عليها .. فقالت لي .. كنت أعالجك .. لا أعرف وما زلت ما الذي كان يحدث .. تساؤلات كثيرة مرت بي اتصلت بعدها بشيخ ... فطلب مني الابتعاد عنهن .. و أعطاني علاجا حذرني من التحدث معها خلاله .. بدأت به عازمة على الاستمرار .. ليرن الهاتف .. لأفاجأ بها تقول لي كلمات لا أذكرها .. تجمدت مسمرة في مكاني ... و إذا بالهاتف يرن ثانية قبل أن اتحرك لأفاجأ بها ثانية .. لم أستطع الاستمرار في الرقية بعدها ... لا أعرف كيف مضت بي الأحداث فقد اختلطت لدي الأمور .. بدأت أسمع أصوات بداخلي .. كثيرة كانت و ما زالت .. آلم تعذيب .. تدمير .. لا أدري ما المسمى الذي يجب أن أطلقه على ما مررت به و ما زلت ... قاربت على الجنون .. لا لا كنت مجنونة ..بدأت أحادث نفسي و أتصرف تصرفات المجانين .. فرأسي لم يعد يحتمل المزيد .. تاه أهلي بين الرقاة و الطب النفسي .. أجمع الرقاة على أنه سحر .. أحدهم قال إنه مشروب .. و أحدهم قال إنه من عمل الخادمة .. و غيرهم قال لا أستطيع أن أخبركم ... أما الطب النفسي فوالله .. لا أعرف كيف أصفهم .. هؤلاء هل هم أطباء أم ....؟؟؟ إنهم من زادوا علي بلائي و مصيبتي ... و جعلوني مدمنة على المنوم ..و أدويتهم تسبب أعراضا هي الأخرى .. كضيق التنفس و خمول و الرغبة في الابتعاد عن الناس و التفكير و غيره .. فأدويتهم لم تكن إلا دمارا على دمار .... تحولت حياتي فيها إلى أنقاض .. أحاول إنقاذ ما يمكن إنقاذه .. تخلصت فيها من الأدوية .. إذا استطعت أن أحتفظ بقواي العقلية فلن أسمح لأي كان أن يأخذني إلى طبيب نفسي .. و إذا لم أستطع فليفعلوا ما بدا لهم أنه الصواب ... فأنا أتعرض لإيذاء شديد في مختلف أنحاء جسدي .. مركز في رأسي .. أنواع لا تعد و لا تحصى من الآلام و العذاب .. لم و لا تترك خلية من خلايا جسدي يوميا دون ألم .. قد أكتب يوما ما عن ما يفعله بي ... نعم عما يفعله هو بي .. فأنا الآن معي ثلاثة ... أعلن اثنان إسلامهما ... بعد مضي فترة لهما معي ..(60/210)
أما الثالث ... فهو عدا عن التعذيب المستمر ... يسب الله _ عز وجل _ و رسوله عليه أفضل الصلاة و السلام .. باستمرار .. يبعث إلى خيالي ما لا يمكن أن يحتمله مخلوق .. مثلا.. يلوث القرآن بالنجاسات .... الكعبة يصور كل من حولها يعمل عليها أشياء منكرة ... الأطفال و خاصة أبنائي يصورهم و كأنه يغتصبهم ... أمي و هي أمكم .. امرأة كبيرة ربت و تعبت .. تقوم معظم الليل و تقرأ القرآن في النهار .. ما زالت
تقوم على خدمة أمها و ترعاها .. يصورها على الكعبة و على المصحف و هي .... ترى كم سأكتب ... و كم سأصف ... أو ما الذي ينتظرني .. بعد كتابتي لهذه الكلمات ... اضطررت إلى الاستغناء مجبرة عن 99% من واجباتي لا أقصد تجاه أهلي .. أو جيراني .. فهؤلاء لم يعد يوجد لهم حيز فيما تبقى في داخلي ... اضطررت عن الاستغناء عن واجباتي تجاه أطفالي .. و زوجي و بيتي ..هل تعرفون لماذا ؟؟ حتى أستطيع الاحتفاظ بعقلي أطول فترة ممكنة ... حتى أستطيع أن أبقى معهم ما استطعت ... وهكذا تمضي بي الأيام كل يوم أضحي بالمزيد و المزيد .. أنا الآن معهم .. لكن جسد فقط لا أؤدي ما تؤديه أي أم تجاه أبنائها ... و لا زوجها و لا أهلها ..و مرت بي الأيام إلى أن عرضت حكايتي في منتدى للرقية الشرعية لأفاجأ أن ما بي هو خليط من أسحار عدة و مس من أكثر من شيطان ... ومضيت لأشهر و أنا أعالج ذاتي بالرقية الشرعية و اتبعت الجدول العلاجي الذي وصفه لي الشيخ فتحسن وضعي كثيرا و طلبت من صديقاتي المواظبة على قراءة البقرة لتفاجأ كل منهن بشيطان يسكنها .. فأرسل لي الشيخ موقعا قال لي اقرئيه .. لأتفاجأ بالمصيبة .. نعم هن القبيسيات الصوفيات اللاتي دمرن حياتي .. فقد كن يذكرن شيختهن التي أسست الجماعة دائما .. إنهن يتسللن إلى البيوت .. يتعارفن على النساء في أي مكن ثم يقررن ما الشيء الذي قد يستفدن منه ممن تعرفن عليها .. إما لسلب مالها لدعم الجمعية أو للعمل معهن في جمعيتهن أو للوصول من خلالها لأحد ما .. أو فقط من أجل أن تستمر في الحضور إلى الجمعية لطلب العلم على أيديهن أو الوصول إلى بناتها .. و قد علمت من الشيخ أن الكثير من النساء يعانين مما أعاني منه فقط لأنهن اكتشفن حقيقتهن .. ادخلن إلى مواقع البحث و ابحثن عن القبيسيات و اقرأن عنهن و عن عقيدتهن و عن خطرهن القادم .. و الحمدلله بفضل من الله بطلت العديد من تلك الأسحار و كنت حين يبطل كل سحر أشعر أن هناك من يسحب روحي من داخلي و أنا أصرخ بكلمات تبين ما المقصود من ذاك السحر .. و تفاجأت بإبطال أسحار أبطلها الله بفضله معدة لأمد بعيد حيث أنهن كن ينوين إرجاعي إلى الجمعية دون أن أنتبه أنا لذلك ، لكن الله سبحانه و تعالى كشف أوراقهن .. و ابتدأن معي معركة جديدة .. عندما عرفن بأني طرقت باب الرقية الشرعية .. قمن بتجديد ما يقمن به من السحر .. أنا أتلو كتاب الله فيبطل و هن يجددن ... ثم بدأن بإرسال هدايا لي عن طريق زوجي و ابنته من زواج سابق و أخته ... فقد وضعن شياطينا فيهم ليقمن بإيصال ما يجددن من سحر لي ... و كل سحر كان بمثابة عذاب جديد و ألم جديد ... ومعه يرسلن برسائل توضح طلباتهن مني و ما يردنه مني ... يردنني أن أعود إلى العمل في تلك الجمعية التي تعتمد في عملها على السحر و الشياطين و الشرك بالله .. يردنني أن أعمل في إغواء نساء بلادي ... وطبعا كلما تعرفت على امرأة يبدأ الشياطين بتوصيل ما يعرفنه عنها إلى تلك الساحرة .. لتبدأ بسحرها .. مضت خمس سنين و أنا أعاني في عذاب دائم و ما زلن يلاحقنني ... لأني اكتشفت عنهن ما لم يعرفه أحد .. فهن لا يسمحن لأي واحدة أن تصل إلى معرفة ما أعرفه عنهن .. وهن أردن أن نكون ساحرة مثلهن و هذا يعني أن أكون بمرتبة الآنسة لديهن ... لأغش و أخدع نساء وطني الحبيب .. و لا أحد يستطيع أن يوقفهن إلا الله .. لأنهن توصلن بالسحر إلى الالتفاف حول أكبر العائلات بالبلد و يدعمنهن بشكل كبير ... فلم يبق بيدي إلا أن أنشر حقيقتهن ... و أحاول أن أوصلها إلى كل بنت أو امرأة حتى لا تقع ضحية لهن و يحصل لها ما حصل معي ... و تصل إلى درجة الشرك بالله .. لكني والله لن أشرك بربي و لن أسمح لمن ظلمني أن يجعل مني ظالمة لغيري .. فانشرن رسالتي ...... و من تريد الحصول على أي معلومات فلتراسلني و لكن أرجوكن أريد أن تعلم كل امرأة في وطني عنهن و أن تسمع عنهن .. فأنا لا أدري كم سيكتب لي الاستمرار فيما أ،ا فيه .. فشياطينهن في داخلي و قد أحلن حياتي إلى جحيم .. و لم تعد صحتي تساعدني كثيرا على الصبر لكني اخترت أن أموت شهيدة و لا أن أموت كافرة .. و لن أخدع غيري كما خدعوني .. و قد قامت إمارة الشارقة حفظها الله و أدامها على وعيها بإغلاق جمعيتهن لديها ... بعد ما لاحظوه من أمور غريبة كإرسالهن باص خاص إلى بنات الجامعات في أوقات فراغهن و إخذهن إلى جمعيتهن بحجة تدريسهن العلم الشرعي ... لكن في إماراتي دبي اتسعت أنشطتهن بشكل مخيف .. فليحفظ الله وطني و أوطان المسلمين جميعا من شر القبيسيات الصوفيات الساحرات .
وهذا رابط عنهن(60/211)
http://saaid.net/daeyat/fauzea/18.htm
أتمنى من كل من يدخل ويقراء الموضوع أن يدعو لأختها بكف البلاء عنها .
وجزاكم الله خيرا
------
لاحول ولا قوة الا بالله واسأل الله العلي العظيم ان يشفي اختك ويعافيها مما هي فية اللهم آمين فا الحذر يا خوات من هذة الفئة كفانا الله وآياكم شرهم ...
وهذا رابط يتحدث عن نفس الموضوع وغض السلطات السورية الطرف عن هذا التنظيم :
http://www.almokhtsa صلى الله عليه وسلم com/html/news/1288/4/58674.php
::: من البدع التي تقوم بها هذة الفئة وبعض الممارسات ::::
1_ لباسهن لباس شهرة يعلم فورا منه أنهن من هذه الجماعة. وهو جلباب قصير الى منتصف الساق أو أطول قليلا واشارب معقوف (مربوط) داخل الجلباب. مخالفاته تبدأ من أنه لباس شهرة الى أنه يصف الساقين والأكتاف.
2) يقلن أن صلاة الأوابين هي صلاة ركعتين قبل المغرب خاصة!!! ويصلينها! وقد علم دون خلاف من السنة النبوية أن صلاة الاوابين هي نفسها صلاة الضحى.
3) لديهن ذكر يطلق عليه الصلاة النارية كذلك.
4)في رمضان يصلين التراويح بقيادة الآنسة ولا يصلين في المساجد.
5) في ليلة القدر تحدد الآنسة ورقة عمل بأوراد معينة بأعداد معينة لهن حتى يختمنها.
6)يبتدعن أذكار لم ترد في السنة ويبتدعن لها ثوابا محددا.
7)في العزيات يمارسن الصمدية. يحضرن مسبحة كبيرة ضخمة تمسك كل منهن بطرف منها ويقرأن سورة الاخلاص آلاف المرات.
8)يطلبن من الفتيات عدم تفويت الدرس لأي سبب كان. وتسمح الآنسة وتحلل للفتاة الكذب على والدها بأنها ذاهبة للسوق أو لصديقة ان منعها ان تحضر الدرس و تقول هذه تورية مباحة!
9)طاعة الآنسة فوق طاعة الام والاب .
10)طاعة الآنسة فوق طاعة الزوج وكثيرات من يشترطن في عقد الزواج أن لا يمنعهن الزوج من حضور الدرس
11)الآنسات كثيرا ما لا يتزوجن (بعضهن يتزوجن) وكثيرا ما تفسخ البنات الخطوبة لكي تتفانى مع الجماعة. وكلما فنت نفسها للعمل مع الجماعة كان أفضل ثم هي تصل مرحلة تتزوج فيها من ذات الاله..قاتلكم الله أنى تؤفكون.
12)لهن مدرسة في الاردن اسمها الدر المنثور ولا يعمل فيها الا عضوات الجماعة وفيها يتم انشاء العضوات الصغيرات. كما من أكبر أماكن التجنيد الجامعت والكليات حيث يجندن الآلاف المؤلفة والله المستعان.
13)يمارسن السحر والعياذ بالله ومن الفتيات من وصفهن أهلهن بأنهن فعلا مسحورات تحت تأثير الجماعة وقال الرسو صلى الله عليه وسلم "ان من البيان لسحرا" فكم من آنسة سحرت البنات بكلماتها وأسلوبها المؤثر.
================(60/212)
(60/213)
التصوف في سوريا دواء للتطرف..
أم أداة لتهميش الفرد وإقصائه
البحث في ظاهرة التصوف في سوريا، يتشعب بعيدا عن الجانبين الديني والفكري لهذه الظاهرة، ليقترب من مجالات أخرى تلعب دورا أساسيا في تحديد ملامحها الحالية. في سوريا، الدولة البعثية العلمانية، تحارب بقسوة جميع أشكال الإسلام السياسي. وفي الوقت نفسه، يتم تشجيع بعض التيارات الدينية على النشاط العلني الدعوي، وتشهد المساجد نشاطا ملحوظا في إقامة الأذكار والموالد ودروس الدين. وتحتل الطرق الصوفية حيزا كبيرا من هذه التيارات ذات النشاط العني الشعبي الذي يتم دعمه وتشجيعه من قبل السلطة.
وبعد أن كانت الصوفية تواجه من قبل السلفيين بانتقادات عقيدية تصل حد التكفير، أصبحت أيضا تعتبر في نظر الكثيرين من هؤلاء بمثابة جزء من ما يسمى بإسلام السلطة.
البدايات
يقول د. العسكري، الذي استغرق بحثه في مجال التصوف في سوريا سبع سنوات كاملة، بأنه لم يستطع تحديد تاريخ دخول الطرق الصوفية إلى سوريا، وذلك لقيام هذه الطرق في زمن لم يكن هناك حدود بين سوريا والعراق وتركيا ومصر وفلسطين، ويردف " لكننا وجدنا علامات مميزة لبداية هذه الظاهرة في سوريا، فمثلا على مستوى الطريقة النقشبندية، أول من أدخلها مولانا خالد النقشبندي، والطريقة الشاذلية ارتبطت بهجرة المغاربة إلى دمشق نتيجة الاستعمار الفرنسي في المغرب".
وعن أماكن انتشارها يقول "تنتشر في المدن والقرى على السواء. في المدن، تكون في الأحياء القديمة والهامشية ، بينما تتمركز أساسا في القرى، لكن عندما سكن شيوخها في الأحياء الراقية انتقلت بعض زواياها إلى هناك".
ومع تحول التصوف من ظاهرة فردية نفسية تعبدية إلى ظاهرة اجتماعية تنظيمية في بداية العصر المملوكي، كان لا بد من وجود مكان يجتمع فيه المتصوفة برئاسة شيخهم، يخبرنا د.العسكري. هذه الأماكن التي ينقطع فيها الناس للعزلة والعبادة وإقامة الأذكار، يطلق عليها أسماء مختلفة مثل الخانقاه والربط والتكايا والزوايا. ولا يزال في دمشق العديد من الزوايا التي تقام فيها الأذكار وتعود إلى سنوات طويلة خلت، مثل الزاوية السعدية والغواصية في الميدان والرشيدية في الميدان والشاذلية اليشرطية في القنوات وغيرها.
وعن نسبة المتصوفة بين أبناء الشعب السوري يقول د. العسكري :"لا استطيع الوصول إلى إحصائية دقيقة، لكن تقريبا يبلغ عددهم أربعين أو خمسين ألفا ليس أكثر ، جدير بالذكر أن بعض الشيوخ تراجعوا عن الطريق الصوفي، يبدو أن هناك أخذ ورد، دخول وخروج إلى هذا المضمار".
لكن على أية حال، يجمع كثيرون على أن التصوف الحالي بعيد جدا عن منابعه ونشأته، ويكاد في بعض الأحيان لا يمت له بصلة، إلا من حيث التسمية.
الطرق الصوفية:
يخبرنا د.العسكري عن مفهوم الطرق الصوفية: "يتردد في الموروث الصوفي أن عدد الطرق "طرق التصوف إلى الله"، بعدد أنفاس الخلق، وهذا يعني أننا أمام عدد لا نهائي من الطرق الصوفية مادامت التجربة الصوفية تجربة شخصية لها خصوصيتها، ولكن المتصوفة انتظموا ضمن عدد من الطرق الأم الرئيسة مثل الطريقة الرفاعية، الطريقة القادرية، الطريقة الشاذلية، الطريقة النقشبندية ...وهناك فروع لهذه الطرق تعد بالعشرات لكل طريقة.وتتميز كل واحدة عن غيرها من الطرق بانتسابها إلى شيخ معين وبارتباطها بسلسلة أو بسند صوفي خاص بها، ثم باتصالها بأحد الخلفاء الراشدين من حيث النسب الصوفي الروحي.وتختلف أيضا بالأذكار في كيفيتها وعددها وطقوسها وبموقفها من الضرب بالشيش أو غيره من الممارسات.
و التصوف في سوريا شعبوي خالص. عندما يكون التصوف نخبويا يصبح فلسفيا فكريا، فالتصوف لدينا طرقي وليس فكري. في بعض الطرق كما في الشاذلية مثلا، المريدون يحملون شهادات علمية عالية، لكن حتى تصوف هؤلاء طرقي. تصوري أن مهندسا أو صيدلانيا يسلم أمره إلىأمر شيخ أمي لا يقرا ولا يكتب، هذا التسليم المطلق كارثة.
لكن ما الذي يدفع إلى الانخراط في الطرق الصوفية والتسليم لشيوخها بهذا الشكل. يرى البعض بأن العامل الديني يلعب الدور الأكبر في مجتمع أغلبيته من الطائفة السنية التي لم تخترقها حتى وقت قريب، التيارات السلفية الوهابية. ويرى د.العسكري سببا رئيسيا آخر يتمثل في أنه "عندما لا تكون هناك تنظيمات حرفية أو سياسية أو أهلية، يجد كثيرون في هذا التنظيم "الطريقة" المرضي عنه متنفسا. في حلقة الذكر يشكو أعضاء الجماعة همومهم لبعضهم، ويتداولون في مشاكلهم، خاصة وأن الثقة بينهم كبيرة جدا، هذا الترابط بين أعضاء الجماعة- على ظلاميته أحيانا، نفتقر إليه في جميع تنظيماتنا".(60/214)
أكثر الطرق الصوفية انتشارا في سوريا، النقشبندية ثم الشاذلية ثم الرفاعية والقادرية. فالنقشبندية، وهي لا تزال من أهم الطرق الصوفية، لديها فروع عديدة من أهمها فرع الشيخ كفتارو في دمشق، وهذا الفرع لديه امتداداته في المحافظات الأخرى، والنقشبندية الخزنوية موجودة في الحسكة ولها امتدادات في بقية المحافظات وخارج سوريا أيضا. والشاذلية موجودة في دمشق وحلب، والطرق الرفاعية والقادرية التي يدعي شيوخها إتيان الخوارق والكرامات لها شعبية كبيرة أيضا.
وهناك الطريقة الصوفية النسائية والمعروفة باسم "القبيسيات" نسبة إلى "الآنسة" منيرة القبيسي، وهي فرع من الطريقة النقشبندية، وموجودة في مختلف المحافظات.
وفي هذه الطريقة أكثر ما تكون مريداتها من غير المتزوجات، وقد انتشرت بداية في الأوساط المتميزة اجتماعيا واقتصاديا، لكن مؤخرا أصبحت تنتشر لدى الفئات الأخرى.
ممارسات الطرق الصوفية
بين الموالد والأذكار والمولوية وممارسة "الخوارق"، يتوزع النشاط الصوفي الظاهر في سوريا حاليا.فبعض الطرق الرفاعية والقادرية تمارس ضرب الشيش واللعب بالنار والأفاعي وضرب الجسد بالأدوات الحادة دون أن يصاب المريد بأذى، ويقول د.العسكري في ذلك " لقد شاهدت بنفسي أشياء عجيبة لا أستطيع تفسيرها إلى الآن، ولا يزال العلم عاجزا عن إيجاد تفسير لها. والسؤال هو لماذا يقوم هؤلاء بهذه الأفعال؟؟ هم يقولون، من أجل أن يؤمن الكافر، وأنا أقول، عندما يعجز المرء عن تحدي الآخر بالسلوك والعلم والمعرفة، فإنه يلجأ إلى ساحة الجسد".
وجدير بالذكر أن معظم الطرق الصوفية الأخرى، ترفض هذه الممارسات، ويقتصر نشاطها على "مجالس ذكر واعتكاف في أغلب الأحيان في المساجد، وتلك قضية إيجابية في إعادة دور المسجد إلى حياة الجماعة"! يقول د.العسكري.
لكن الأمر لا يقتصر على الممارسات العملية لما يسمى بالخوارق، فبعد جولة لنا في بعض أحياء حلب، المدينة المتصوفة بامتياز، فوجئنا بمدى شعبية أحد مشايخ الطرق والمحبة التي يحظى بها، لكننا فوجئنا أكثر لدى سؤالنا د.العسكري عن هذا الشيخ الذي وصفه بأنه "أكبر الشيوخ الخرافيين، يعتمد على التهويل ووصف جنة غريبة ونار غريبة، ومريدوه كثر لأن الشعب يحتاج إلى من ينشط له مخيلته وليس لمن يرجعه لواقعه".
الملك الصوفي..الاستلاب والخضوع
يرى د. عسكري، وتوافقه في ذلك العديد من الآراء التي استجليناها، بأن أهم ما يميز التصوف المعاصر هو "التفاف المريدين حول شيخ صوفي سواء أكان على هدى أم ضلالة، فهو باعتقادهم المرشد الديني والروحي والمخلص والوارث المحمدي، وما يثير الشجن والأسى في أغلب التصوف الممارس حاليا، بأنه على الأغلب بعيد عن الصراط الشرعي، ومنحرف بزاوية كبيرة عن أصوله وينابيعه الأولى، حتى كاد اغلبه لا يشبه في السلوك وفي الفكر ما أمر به المؤسسون وما سلكوه وفق تربية نفسية خلقية كانت خير قدوة اجتماعية، فتصوف الطرق يختلف عن التصوف الفكري. الطريقة سلوك، أما ابن عربي والحلاج فيمثلون التصوف الفكري. تصوف الطرق شعبي، وعندما يصبح التصوف شعبيا، يصبح الشيخ هو الوسيط بين العبد والرب، وهذا يعيدنا إلى الغنوص في الموروث القديم عندما يقال بالحاجة إلى الوسائط للتواصل مع الله، ونحن نعلم أنه في الإسلام الطريق مفتوح بين العبد وربه. هذه النقطة، يستغلها بعض شيوخ الصوفية حاليا بطريقة سلبية. هنا الشيخ الوسيط هو ملك صوفي مقابل الملك السياسي. الملك الصوفي يبدأ من المبايعة، والبيعة أن تسلم نفسك لمرب يقلبها كيف يشاء، هنا يوجد ظاهرة تهميش وتدمير لنفسية المريد نهائيا.
وكأن الفرد في الشرق يحتاج دائما إلى راع، فعقلية القطيع مترسخة في لا شعورنا. نجد شخصا متعلما تعليما عاليا، ومع ذلك يسلم لشيخه في كل شيء، في تعليم ابنته، في دخولها الجامعة من عدمه، في أية صغيرة وكبيرة. يقول مشايخ الصوفية، إذا كان الملك السياسي أو الحاكم يسيطر على الأبدان فنحن نسيطر على الأرواح والأبدان معا".
ما خفي أعظم
لا تقتصر سلبيات بعض التصوف الحالي في سوريا على ما سبق، بل تمتد إلى ممارسات أخرى لا أخلاقية وفقا ل د. العسكري :" نعم السلبيات لا تقف هنا، الحقيقة ما خفي أعظم. للأسف هناك استرزاق اقتصادي عند البعض. استغلال للمريدين. للأسف أيضا هناك لا أخلاقيات عند البعض، لأن المريد يعتقد بشيخه الكمال، وأحدهم قال لي لو وجدت شيخي في فراش زوجتي لن أظن به سوءا. نحن بحاجة إلى رقابة هذا السلوك وأنا في بحثي دعيت إلى إعادة بناء الشيخ الصوفي وفق معطيات اجتماعية واقتصادية وأخلاقية وسياسية ودينية وجعله تحت المجهر والمراقبة. هذا الشيخ هو قائد شعبي ، و الطاعة في الطريقة الصوفية عجيبة، والثقة عجيبة والمحبة أكثر عجبا".
خلافات على "الملك"(60/215)
لا تزال الطرق الصوفية في سوريا تشهد انقسامات مستمرة تؤدي إلى ظهور فروع جديدة لها. ويعود ذلك في شق كبير منه إلى النزاعات التي تنشأ على "الخلافة" بعد موت شيخ الطريقة، وهذا ما حدث مثلا في الطريقة الخزنوية النقشبندية مؤخرا، و التي تنازع فيها العم والابن على خلافة الشيخ المتوفى، وكان من نتيجة ذلك ولادة فرعين جديدين للطريقة كل منهما تعرف باسم شيخها الجديد.
ويعتبر د.العسكري بأن من أحد أهم أسباب تدهور التصوف حاليا هو "الوراثة في المشيخة، وهنا يذكر للشاذلية بأن لديهم قاعدة جيدة مفادها بأنه ليس بالضرورة أبدا أن يكون ابن الشيخ شيخا، إلا إذا كان كفئا. بينما تعاني النقشبندية من توريث في المشيخة".
في علاقتها مع السلطة والعمل السياسي
يؤكد معظم شيوخ الطرق الصوفية، بأن لا علاقة لهم بالسياسة من قريبة أو بعد. يقول البعض بأن هذا التدخل قد يحول بيننا وبين القيام بواجباتنا الإرشادية، أو أن المتصوفة منذ القدم كان لهم موقف يتجلى في الابتعاد عن الحاكم وأمور السياسة.
لكن هناك طرق أخرى، لا تتوانى عن الخوض في السياسة فيما يبدو، ولا ننسى أن شيخ الطريقة النقشبندية المرحوم أحمد كفتارو، كان مفتي الجمهورية لسنوات طويلة قبل وفاته، ومعروف أن هذا المنصب يأخذ أبعادا أكثر بكثير من مجرد البعد الديني في بلد مثل سوريا.
وفي البحث الميداني الذي أجراه د.العسكري، يجب الشيخ أحمد راجح بتكليف من الشيخ أحمد كفتارو، عن علاقة الطريقة بالسياسة بالقول "لا يمكن فصل الطريقة عن الحياة العامة، والسياسة جزء من الحياة العامة، ولشيخنا "أحمد كفتارو" تجربته الرائدة بعلاقته مع السلطان الذي أمرنا بطاعته في المعروف".
يقول د. العسكري في هذا الإطار " هناك ابتعاد، بل طلاق معلن بين الطرق والسياسة، فأغلبهم قال أن لا علاقة له بالسياسة، بينما الحقيقة غير ذلك، وقد ظهرت أهمية الكتلة الصوفية، في الانتخابات البرلمانية في مدينتي حلب ودمشق، من خلال نجاح ممثليها ومن تؤيدهم، مثلا عندما طلب الشيخ كفتارو من مريديه انتخاب المرشحة كوليت خوري على الرغم من أنها من أهل الدين الآخر، فعلوا وفازت في الانتخابات".
لكن د. العسكري يرفض اعتبار المتصوفة في سوريا من "أهل السلطة"، ويكتفي بالقول بأنه لا مشكلة بين التصوف والسلطة، على اعتبار أنه لا خطر من التصوف.
من ناحية أخرى، أثار سماح السلطات السورية مؤخرا للقبيسيات بالنشاط العلني، زوبعة كبيرة لم تهدأ حتى الآن. حيث سمح لهن بإعطاء الدروس الدورية في بعض جوامع دمشق، بعد أن ظل نشاطهن مقتصرا لسنوات طويلة على المنازل.
ومعروف عن القبيسيات عدم تدخلهن في الأمور السياسية، وذكر البوطي أن عدداً من رجال الدين خاطب السلطات قائلاً: «من مصلحتكم أن تعطوا موافقة للعمل علناً. أعطوهن المواثيق للعمل العلني لأن عملهن مستقيم ووطني، ليست فيه أي شائبة ولا علاقة له بالسياسة».
واتفق نجلا كفتارو والبوطي على أن «الأخوات القبيسيات يقمن بالدعاء المستمر للرئيس بشار الأسد من دون التطرق إلى السياسة».(إبراهيم حميدي- الحياة- 3-5-2006 ).
وتمثل المواقف السابقة لبعض الطرق الصوفية، رغم تأكيدها على ابتعادها عن السياسة، مواقف سياسية بامتياز، من حيث تأييد السلطة والولاء لها، وهو ما قد يبرر التشجيع الذي تلقاه من قبلها والذي توج كما أسلفنا بالسماح للقبيسيات بالنشاط العلني. هذا "في الوقت الذي تمنع فيه أية ندوة حوارية أو اجتماع لمنظمة حقوقية أو لحزب معارض، بينما يتم السماح للمجموعات الدينية المرعية من السلطة بالنشاط العلني طول البلاد وعرضها" يقول أحد النشطاء.
الصوفية والجهاد
يقول د.العسكري جوابا على سؤالنا حول موقف المتصوفة من الجهاد:" تحدثت مؤخرا مع الصديق أسعد الخطيب، مؤلف كتاب "البطولة والفداء عند الصوفية"، وهو يريد أن يقول ويصر على أن المتصوفة كانوا مجاهدين، في الشيشان كان النقشبندية يقاتلون، والشاذلية في دمشق قاتلوا ضد الفرنسيين، وغيرهم. للأسف أنا في بحثي الميداني لم أجد ذلك، كنا نسال عن رأيهم في الجهاد فيصمتوا. لم استطع الوصول إلى إجابات وافية حول موقفهم الحقيقي من الجهاد".
قد نستفيد من تقارير المنظمات الحقوقية التي تشير إلى أن معظم المعتقلين المحالين إلى القضاء الاستثنائي بتهمة النية / الذهاب إلى العراق للقتال هناك، يتهمون بانتمائهم إلى السلفية الجهادية أو الوهابية التكفيرية، وهي المسميات الرسمية للجماعات التي توصف بالأصولية.لكن لا يمكن أخذ ذلك كمقياس نهائي، ولعلنا لا ننسى أن الشيخ أحمد كفتارو شيخ الطريقة الصوفية في مدينة دمشق سابقا، قد أفتى بالجهاد في العراق إبان الاحتلال الأمريكي. وهنا أيضا لا يمكن إغفال كون الشيخ كفتارو هو مفتي الجمهورية السابق، وما يصدره من فتاوى ذات بعد سياسي، لا يمكن أن تخرج عن القرار السياسي للسلطة السورية.(60/216)
يخبرنا د. العسكري في هذا الإطار :" لا علم لي حول مشاركة المتصوفة من عدمه في "الجهاد في العراق"، لأن دراستي التي أصدرتها في كتابين قد انتهت قبل حرب العراق، لكن لاحظت لاحقا في مجالس الإنشاد الديني والموالد، أن ذكر الانتفاضة والجيلاني وحمايته للعراق أصبح أمرا مألوفا. جدير بالذكر أنه في حرب الخليج الثانية، انتشرت ظاهرة "الشيخ الشعار" في مدينة حلب، والذي قيل أنه شوهد يخرج من قبره ويذهب للجهاد في العراق ثم يعود، وبدأت حشود شعبية تلتف حول القبر ويروون مشاهداتهم عن ذلك. وأنا أقول في هذه الظاهرة التي أجزم بأنها كاذبة، بأنها تنفيس عن انكسار نفسي، فمن غير المعقول أن يحدث كل هذا الدمار في بغداد وجميع أوليائها الكثر لا يستطيعون أن يدافعوا عنها".
التصوف دواء للتطرف
لا يحظ المتصوفة بقبول الكثير من التيارات الدينية الأخرى. بعض من التقيناهم وفضلوا عدم ذكر أسمائهم، اعتبروا التصوف دخيلا على الإسلام الصحيح، وما هو إلا أحد أشكال التشيع الذي يدخل في إطار مخطط سياسي إقليمي !! البعض ممن ينتمي إلى التيار الوهابي المتمركز في بعض أرياف المدن، لم يتوان عن تكفير المتصوفة، وآخرون اكتفوا باعتبارهم يمارسون بدعا وضلالات.
أما عن موقف المتصوفة من تلك التيارات فيخبرنا د.العسكري:" قسم منهم يتساءل، لماذا يلومنا السلفيون في موضوع التوسل والأولياء، ويأتون بأحاديث أكثرها ضعيفة لكي يردوا على انتقادات السلفية، لكن المتصوفة لا يكفرون تلك التيارات".
يسود اعتقاد بأن السلطة تدعم المتصوفة لمواجهة المد الأصولي الإسلامي، "هناك بعض شيوخ التصوف قالوا بالحرف، التصوف هو دواء للتطرف ، وعلى الدولة أن تتعب علينا أكثر حتى لا يتجه الناس للتطرف". يقول د.العسكري. إلا أن بعض من التقيانهم من السلفيين، اعتبروا بأن دعم السلطة للمتصوفة يولد رد فعل سلبي تجاه "مشايخ السلطة" الذين يعتبرون في نظر هؤلاء "منافقين وغير صادقين".
بينما يرى آخرون، بأن في ذلك محاولة من السلطة لاستمالة الشارع المتدين المحافظ، في ظروف سياسية ضاغطة تدفع بالسلطة إلى إيجاد مرتكزات لها في الأوساط الشعبية عبر قنوات معينة مسيَرة من قبلها.
خلاصة
لا نزعم أننا قدمنا فيما سبق أكثر من لمحة سريعة عن التصوف في سوريا، قد نكون اقتربنا فيها من صورته الحقيقية أحيانا، وابتعدنا عنها في أحيان أخرى، نظرا لما يحتمله هذا الموضوع من بحث ودراسة.
يؤكد د. العسكري بأن "الخوض في مضمار الصوفية في سوريا هو بمثابة الخوض في حقل مخيف، وأنه لا يستطيع أن يقول كل ما لديه، أو أن يبرز كل ما لديه من وثائق".
ونقول بدورنا، قد نختلف جميعا على الكثير مما يثار حول التصوف في سوريا، لكن لا ريب بأن التصوف الحالي بعيد كل البعد عن التصوف الحقيقي فلسفة وفكرا، رحم الله الحلاج وابن عربي..
- - - - - - - - - - - - - - -
الفهرس العام
الباب الثالث والعشرون ... 2
القبيسيات ... 2(60/217)
(60/218)
القبيسيات... تنظيم خطير تجهله النساء!! ... 2(60/219)
(60/220)
جماعة القبيسيات الصوفية ... 10
والتي تتسمى بـ ( جمعية بيادر السلام ). ... 10(60/221)
(60/222)
لقبيسيات" حركة إسلامية نسائية غامضة عضواتها يزدن عن 70 ألفا ... 16(60/223)
(60/224)
القبيسيات ... 124(60/225)
(60/226)
القبيسيات ... 131(60/227)
(60/228)
جماعة القبيسيات الصوفية ... 137(60/229)
(60/230)
سوريا بين الإخوان المسلمين والأخوات القبيسيات ... 162(60/231)
(60/232)
رد من صلاح الدين كفتارو على تحقيق القبيسيات: صلاح الدين كفتارو......الحياة ... 166(60/233)
(60/234)
رد من صلاح الدين كفتارو على تحقيق القبيسيات ... 168(60/235)
(60/236)
المجتمع السوري " بين السلطة وبين الدولة " ... 171(60/237)
(60/238)
إذا سألت من هن " القبيسيات ؟؟ ... 174(60/239)
(60/240)
القبيسيات" حركة إسلامية نسائية غامضة عضواتها ... 178(60/241)
(60/242)
القبيسيات" يعملن لاختراق مراكز القرار ... 185(60/243)
(60/244)
التنظيم النسائي الصوفي"جماعة القبيسيات" ... 188(60/245)
(60/246)
صلاح كفتارو:إنتقاد القبيسيات يتزامن مع ما تطالب به الإدارة الأميركية من قمع للحركات الإسلامية ... 191(60/247)
(60/248)
القبيسيات والردَّة الحضارية ... 193(60/249)
(60/250)
جماعة القبيسيات الصوفية ... 196(60/251)
(60/252)
النساء القبيسيات ... 200(60/253)
(60/254)
لشيخ كفتارو يتحدث عن خفايا عالم "القبيسيات" في سوريا ... 216(60/255)
(60/256)
"أبو القعقاع"،"جند الشام"، القبيسيات" و...: موزاييك إسلاميي ... 219(60/257)
(60/258)
لنساء "القبيسيات" حملن راية الدعوة بتأييد الدين "الرسمي" و حذر من الدولة "العلمانية"!! ... 227(60/259)
(60/260)
فتوى منصفة تفصيلية حول جماعة القبيسيات ... 243(60/261)
(60/262)
القبيسيات التنظيم النسائي الصوفي ... 260(60/263)
(60/264)
جماعة القبيسيات في الإمارات العربية المتحدة ..شر وبلاء.. ... 266(60/265)
(60/266)
"القبيسيات" في سورية وانخراط النساء في الدعوة ... 272(60/267)
(60/268)
القبيسيات ... 281(60/269)
(60/270)
دمشق تسمح لـ «القبيسيات» بنشاط علني ... 303(60/271)
(60/272)
التحذير من (( القبيسيات )) ... 333(60/273)
(60/274)
يمنع على المسلمات النوم في غرف مبنية ، ... 337
لأن الجدار مذكّر وكذلك السقف ..!؟ ... 337(60/275)
(60/276)
نوم المرأة بقرب الحائط حرام.. لأنه ذكر ... 340(60/277)
(60/278)
الحذر ثم الحذر .. القبيسيات... تنظيم خطير تجهله النساء .. ... 342
قصة واقعية ... 342(60/279)
(60/280)
إحياء الدين الإسلامي على يد نساء يختبرن العلمانية السورية ... 356(60/281)
(60/282)
صبايا وشباب سوريون يتحدثون: ... 360
ما وراء السفور والحجاب... ... 360(60/283)
(60/284)
القبيسيات التنظيم النسائي الصوفي ... 370(60/285)
(60/286)
هل تعرف القبيسيات ... 384
قصة واقعية من دبي بالتحديد . ... 384(60/287)
(60/288)
التصوف في سوريا دواء للتطرف.. ... 390
أم أداة لتهميش الفرد وإقصائه ... 390(60/289)
موسوعة الرد على المذاهب الفكرية المعاصرة (24) حوار الأديان
الباب الرابع والعشرون
حوار الأديان
إعداد
الباحث في القرآن والسنة
علي بن نايف الشحود
الباب الرابع والعشرون
حوار الأديان(61/1)
(61/2)
الحوار مع أتباع الأديان (مشروعيته وآدابه)
د. منقذ بن محمود السقار
مقدمة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أنبياء الله أجمعين، عليهم وعلى نبينا أزكى الصلاة وأتم التسليم، وبعد:
فقد خلق الله آدم عليه السلام، وندبه وذريته من بعده إلى عمارة الأرض بمنهج الله: ] إني جاعل في الأرض خليفة[ (البقرة: 30)، ودعاهم تبارك وتعالى إلى التمسك بهديه الذي أرسل به أنبياءه: ] فإما يأتينكم مني هدى فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون [ (البقرة: 38).
وشاء الله بحكمته البالغة أن يختلف البشر في اتباعهم لأنبياء الله ورسله، فمنهم شقي وسعيد، وأرسل الله الأنبياء يقيمون حجته على خلقه، يدعونهم إلى دين الله الذي ارتضاه لخلقه ديناً ليكونوا من السعداء، ويحذرونهم من عصيان أمره حتى لا يكونوا من الأشقياء، ولكن إرسالهم لن يمنع تحقق ما قد سبق في علم الله، فإن أكثر الناس لا يؤمنون ]وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين[ (يوسف: 103).
وأمام هذه السنة الكونية فإن المسلم مطالب بدعوة الآخرين إلى الحق الذي شرح الله به صدره، وهو على يقين بأن هداية الله قد لا تكتب لكثيرين ممن يدعوهم، فلا يمنعه ذلك من بلاغهم: ] إن عليك إلا البلاغ [ (الشورى: 48).
وحين يعرض الناس عن دعوة الله ولا يؤمنون بها، فإن المسلم لا يتوقف عن التفاعل مع الآخرين اجتماعياً وحضارياً، رائده في ذلك كتاب ربه، وأسوته نبي صلى الله عليه وسلم ، إذ القرآن أمر بالإحسان إلى الوالدين والجار، ولو كانوا على غير دين الإسلام، كما حثّ على البر وحسن العشرة مع الذين لم يتصدوا لمقاتلة المسلمين والاعتداء عليهم، كما كانت حيات صلى الله عليه وسلم نبراساً في التسامح وحسن التعايش مع الآخرين، ممن اختاروا إلفهم من العقائد والأديان.
واليوم وقد أصبح العالم قرية صغيرة تتلاقح فيها الثقافات عبر وسائل الإعلام المختلفة، تزداد الحاجة إلى الحوار، وإلى ضرورة تأصيله من الناحية الشرعية، والمسلمون حين يمارسونه هم بأمسِّ الحاجة إلى معرفة مسوغاته الشرعية وآدابه ومحظوراته.
وإسهاماً منا في هذا الباب نضع بين يدي القارئ الكريم هذا الجهد المتواضع ، والذي نرجو أن يعالج بموضوعية علمية هذه المسألة الشائكة، التي كثر الجدال حولها بين مؤيد مندفع ومعارض متشكك.
وحين نتحدث عن الحوار فإنا لا نقصد بحال من الأحوال الحوار الذي يقوم على وحدة الأديان والتلفيق بينها وصهرها في دين عالمي جديد قائم على الجمع بين المتناقضات، الكفر والإيمان، التوحيد والوثنية، فتلك الدعوة دسيسة تسترت بالحوار ينأى المسلم بنفسه عنها ، كما سنبينه في حينه.
واللهَ نسأل أن يجعل هذا العمل خالصاً لوجهه الكريم، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
التعريفات
أ. الحوار
أصله من الحور، وهو الرجوع عن الشيء إلى الشيء.
يقول ابن منظور: " الحَوْر: هو الرجوع عن الشيء إلى الشيء .. والمحاورة: المجاوبة، والتحاور التجاوب، والمحاورة: مراجعة المنطق، والكلام في المخاطبة ".1
وقال الراغب الأصفهاني: "المحاورة والحوار: المرادّة في الكلام، ومنه التحاور".2
وهذه المعاني اللغوية وردت في سياق الآيات الكريمة التي ورد فيها مادة (حور).
قال تعالى: ]إنه ظن أن لن يحور[ (الانشقاق:14). قال القرطبي : "أي لن يرجع حياً مبعوثاً.. فالحور في كلام العرب الرجوع".
وقال تعالى: ]فقال لصاحبه وهو يحاوره أنا أكثر منك مالاً وأعز نفراً[ (الكهف 34). قال القرطبي: " أي يراجعه في الكلام ويجاوبه، والمحاورة: المجاوبة. والتحاور التجاوب". 3
وقال تعالى: ]قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما [ (المجادلة: 1)، قال في الجلالين: "تراجعكما"4 أي في الكلام.
وورد هذا المعنى أيضاً في غير ما حديث نبوي, من ذلك أن صلى الله عليه وسلم كان يستعيذ من : ((الحَوْر بعد الكَوْر)).5 قال القرطبي : "يعني من الرجوع إلى النقصان بعد الزيادة".6
وقا صلى الله عليه وسلم : (( من دعا رجلاً بالكفر أو قال: عدو الله. وليس كذلك، إلا حار عليه ))7 قال النووي: " رجع عليه ".8
ومما سبق تبين أن الحوار في معناه اللغوي هو مراجعة الكلام وتداوله، وهو ما يكون عادة بين شخصين أو بالأحرى بين طرفين أو أكثر.
ولم تبعد تعريفات أهل الاصطلاح للحوار عن المعاني اللغوية السابقة، فقد أكدتها وأضافت إليها بعض المعاني والقيم الأخلاقية التي ينبغي توفرها في الحوار.
ومن هذه التعريفات تعريف الدكتور صالح بن حميد، إذ اعتبر الحوار: " مناقشة بين طرفين أو أطراف، يُقصد بها تصحيح كلامٍ، وإظهار حجَّةٍ، وإثبات حقٍ، ودفع شبهةٍ، وردُّ الفاسد من القول والرأي ".9
وعرّفه بسام داود عجك بأنه: "محادثة بين شخصين أو فريقين , حول موضوع محدد , لكل منهما وجهة نظر خاصة به، هدفها الوصول إلى الحقيقة , أو إلى أكبر قدر ممكن من تطابق وجهات النظر، بعيداً عن الخصومة أو التعصب، بطريقة تعتمد على العلم والعقل , مع استعداد كلا الطرفين لقبول الحقيقة, ولو ظهرت على يد الطرف الآخر".10(61/3)
وهكذا فالمحاورة هي تجاذب الكلام بين المختلفين، وما أضافه العلماء في تعريفه من شروط إنما هي ضوابط أخلاقية يفترض توفرها في الحوار ليكون مثمراً ومجدياً.
ب. الجدال
الجدال لغة: من جَدَلَ الحبل إذا فَتَلَه، قال ابن منظور: "الجدل: اللدد في الخصومة والقدرة عليها.. ويقال: جادلت الرجل فجدلته جدلاً، أي: غلبته. ورجل جدِل، إذا كان أقوى في الخصام. وجادله أي: خاصمه مجادلة وجدالاً ".11
وعن معنى الجدل عند أهل الاصطلاح يقول ابن منظور: "الجدل مقابلة الحجة بالحجة، والمجادلة: المناظرة والمخاصمة".12
وعرفه الجرجاني بأنه: "القياس المؤلف من المشهورات والمسلمات، والغرض منه إلزام الخصم، وإفحام من هو قاصر عن إدراك مقدمات البرهان"، كما عرَّفه أنه: "دفع المرء خصمه عن إفساد قوله بحجة أو شبهة".13
وأما الجويني فيرى أن الجدال: "إظهار المتنازعَيْن مقتضى نظرَتهما على التدافع والتنافي بالعبارة أو ما يقوم مقامها من الإشارة والدلالة".14
وفي المعجم الوسيط: "طريقة في المناقشة والاستدلال، وهو عند مناطقة المسلمين قياس مؤلف من مشهورات أو مسلمات".15
وقد ورد إطلاق (الجدل) في نصوص القرآن والسنة على نوعين متباينين:
الأول: الجدل المذموم، وهو الذي يدور في طلب المغالبة لا الحق، أو الذي فيه نوع من الخصومة واللدد، ومنه قول الله تعالى: ]وقالوا ءآلهتنا خيرٌ أم هو ما ضربوه لك إلا جدلاً بل هم قومٌ خصمون[ (الزخرف: 58)، ومثله قول الله تعالى في ذم جدال الكافرين : ]ما يجادل فى آيات الله إلا الذين كفروا فلا يغررك تقلبهم في البلاد[ (غافر: 4) ، وقوله تعالى: ]وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق[ (غافر: 5)، وقوله تعالى: ]لا جدال في الحج[ (البقرة: 197) قال ابن منظور: "قالوا: معناه لا ينبغي للرجل أن يجادل أخاه، فيخرجه إلى ما لا ينبغي".16
وفي الحديث: ((ما ضَلَّ قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أُوتوا الجدل)).17
والمراد بذلك كله الجدل على الباطل وطلب المغالبة به، لا الجدل بحثاً عن الحق وفي طلبه، فإن ذلك اللون من ألوان الجدل محمود.
والثاني : الجدل المحمود، وهو الذي يكون في طلب الحق بالأسلوب الحسن بعيداً عن الخصومة، ومنه قوله عز وجل: ]وجادلهم بالتي هي أحسن[ (النحل: 125).
وهو بهذا المعنى مرادف للحوار، قال تعالى واصفاً حديث المرأة إلى صلى الله عليه وسلم بالحوار والجدال، فقال: ] قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما إن الله سميع بصير[ (المجادلة: 1). قال ابن كثير: " وهو يحاوره، أي: يجادله ".18
وهكذا فالجدال صورة من صور الحوار، وقد أمر بها الله ورسوله، وتجنباً لما قد يكتنفه من اللدد في الخصومة فإنهما أمرا بالمجادلة بالتي هي أحسن، بعيداً عن ضروب الجدل المذموم الذي يفضي إلى الشقاق.
ج. المناظرة
المناظرة لغة "من النظير، أو من النظر بالبصيرة" كما عند الجرجاني، وقال ابن منظور: "والمنظر والمنظرة: ما نظرت إليه فأعجبك أو ساءك ... النظر: الفكر في الشيء تقدره وتقيسه منك ".19
أما في الاصطلاح فقد عرفها الجرجاني: "النظر بالبصيرة من الجانبين في النسبة بين الشيئين إظهاراً للصواب".20
وعرفها ابن منظور: "أن تناظر أخاك في أمر إذا نظرتما فيه معاً كيف تأتيانه".21
وقال الزَّبيدي: "والمناظرة المباحثة والمباراة في النظر واستحضار كل ما يراه ببصيرته".22
قال محمد الأمين الشنقيطي في تعريف المناظرة: "المحاورة في الكلام بين شخصين مختلفين يقصد كل واحد منهما تصحيح قوله وإبطال قول الآخر، مع رغبة كل منهما في ظهور الحق".23
فالمناظرة تفيد النظر والتفكر في الأمور والبحث عن الحق عن طريق المحاورة مع الآخرين.
وحوار المناظرة يكون بين شخصين أو فريقين حول موضوع معين، بغية الوصول إلى تبيان الحق وكشف الباطل، مع توفر الرغبة الصادقة في ظهور الحق والانصياع له.
حتمية الخلاف
إن التعدّد في المخلوقات وتنوّعها سنة الله في الكون وناموسه الثابت، فلكل شيء في هذا الخلق طبيعته وخصائصه وصفاته التي تقارب غيره أحياناً، وتتنافر عنها في أحايين أخرى، وهكذا فطبيعة الوجود في الكون أساسها التّنوّع والتّعدّد.
والإنسانية خلقها الله وفق هذه السنة الكونية، فاختلف البشر إلى أجناس مختلفة وطبائع شتى، وكلّ من تجاهل وتجاوز أو رفض هذه السُّنة الماضية لله في خلقه، فقد ناقض الفطرة وأنكر المحسوس.
وقد جاء في القرآن الكريم ذكر بعض صور الاختلاف بين البشر، كاختلاف الألوان واللغات، وهما فرع عن اختلاف الأجناس والقوميات: ] ومن آياته خلق السّموات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إنّ في ذلك لآيات للعالمين [ ( الروم: 22).
وقد أكدت الآيات أن اختلاف البشر في شرائعهم هو أيضاً واقع بمشيئة الله تعالى ومرتبط بحكمته، يقول الله: ]لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجاً ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن ليبلوكم فيما آتاكم فاستبقوا الخيرات إلى الله مرجعكم جميعاً[ (المائدة: 48).(61/4)
قال ابن كثير : "هذا إخبار عن الأمم المختلفة الأديان باعتبار ما بعث اللّه به رسله الكرام من الشرائع المختلفة في الأحكام المتفقة في التوحيد ".24
وقال تعالى: ]ولو شاء ربك لجعل الناس أمةً واحدةً ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم [ ( هود : 118- 119).
قال ابن حزم: "وقد نص تعالى على أن الاختلاف ليس من عنده، ومعنى ذلك أنه تعالى لم يرض به، وإنما أراده تعالى إرادة كونٍ، كما أراد الكفر وسائر المعاصي".25
قال القرطبي: "]ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة[ قال سعيد بن جبير: على ملة الإسلام وحدها.. ]ولا يزالون مختلفين[ أي: على أديان شتى قاله مجاهد وقتادة ".26
وقال ابن كثير: "]ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك[ أي: ولا يزال الخلف بين الناس في أديانهم واعتقادات مللهم ونحلهم ومذاهبهم وآرائهم .. قال الحسن البصري: الناس مختلفون على أديان شتى إلا من رحم ربك، فمن رحم ربك غير مختلف".27
ويقول الفخر الرازي : " والمراد اختلاف الناس في الأديان والأخلاق والأفعال".28
بل يرى الحسن البصري ومقاتل وعطاء وغيرهم من المفسرين أن الله خلق الناس ليختلفوا، وذلك لقوله : ] ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم [ ( هود : 118- 119).
وذهب آخرون من المفسرين ومنهم ابن عباس ومجاهد وقتادة إلى أن اسم الإشارة يعود إلى الرحمة، أي: خلقهم ليرحمهم.
وذهب ابن جرير الطبري وابن كثير وغيرهما إلى عود الإشارة إلى الإثنين معاً، أي: خلقهم ليختلفوا، وليرحم من سلك الصراط المستقيم.29
يقول ابن سعدي: " يخبر الله تعالى أنه لو شاء لجعل الناس أمة واحدة على الدين الإسلامي، فإن مشيئته غير قاصرة، ولا يمتنع عليه شيء، ولكنه اقتضت حكمته أن لا يزالوا مختلفين، مخالفين للصراط المستقيم، متبعين للسبل الموصلة إلى النار..".
وعن قوله سبحانه: ] ولذلك خلقهم [ قال : "أي اقتضت حكمته، أنه خلقهم ليكون منهم السعداء [و]الأشقياء، والمتفقون والمختلفون، والفريق الذي هدى الله، والفريق الذي حقت عليهم الضلالة، ليتبين للعباد عدله وحكمته، وليظهر ما كمن في الطباع البشرية من الخير والشر.. ".30
وفي معنى الآية يقول محمد رشيد رضا : " ]لو شاء ربك[ أيها الرسول الحريص على إيمان قومه الآسف على إعراض أكثرهم عن إجابة دعوته واتباع هدايته ] لجعل الناس أمة واحدة[ على دين واحد بمقتضى الغريزة والفطرة، لا رأي لهم فيه ولا اختيار، وإذاً لما كانوا هم هذا النوع من الخلق المُسمّى البشر وبنوع الإنسان، بل كانوا في حياتهم الاجتماعية كالنحل أو كالنمل، وفي حياتهم الروحية كالملائكة مفطورين على اعتقاد الحقِّ وطاعة الله عز وجل، فلا يقع بينهم اختلاف. ولكنّه خلقهم بمقتضى حكمته كاسبين للعلم لا مُلْهَمين. وعاملين بالاختيار".31
ولما كان الاختلاف والتّعدّد آية من آيات الله، فإنّ الذي يسعى لإلغاء هذا التّعدّد كلية، فإنما يروم محالاً ويطلب ممتنعاً، لذا كان لابد من الاعتراف بالاختلاف.
والاعتراف بوقوع هذا الخلاف لا يعني إقرار هذه المختلفات ولا تسويغ الاختلاف فيها، لكنه يفرض على أهل الحق أن يتصدوا لهداية من قدروا على هدايته من المختلفين عنهم، مع يقينهم بالعجز عن إنقاذ الكثيرين ممن اختار العماية، قال تعالى: ]أفلم ييأس الذين آمنوا أن لو يشاء الله لهدى الناس جميعاً[ (الرعد: 31).
قال القرطبي: " والمعنى على هذا: أفلم يعلم الذين آمنوا أن لو يشاء الله لهدى الناس جميعاً أن يشاهدوا الآيات ".32
وعليه فإن هداية الجميع من المحال، فإن أكثر الناس لا يعلمون الحق، وأكثرهم لا يؤمنون به إن علموا به، وواجب الدعاة الدأب في دعوتهم وطلب أسباب هدايتهم، أي بذل الجهد في إزالة الخلاف ورفعه.
فإن أعرض من أعرض عن الإسلام فإنما أمر الله المسلمين بإبلاغ رسالاته في الدنيا، والله يتولى حساب المعرضين في الآخرة، قال الله مخاطباً نبي صلى الله عليه وسلم : ] فإن تولوا فإنما عليك البلاغ[ (النحل: 82).
قال القرطبي: " فإن تولوا أي أعرضوا عن النظر والاستدلال والإيمان؛ فإنما عليك البلاغ، أي ليس عليك إلا التبليغ، وأما الهداية فإلينا".33
وقال تعالى: ]فإن أسلموا فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما عليك البلاغ والله بصيرٌ بالعباد[ (آل عمران: 20).
قال الطبري: " وإن أدبروا معرضين عما تدعوهم إليه من الإسلام وإخلاص التوحيد لله رب العالمين، فإنما أنت رسول مبلغ، وليس عليك غير إبلاغ الرسالة إلى من أرسلتك إليه من خلقي وأداء ما كلفتك من طاعتي، ]والله بصير بالعباد[ يعني بذلك: والله ذو علم بمن يقبل من عباده ما أرسلتك به إليه، فيطيعك بالإسلام، وبمن يتولى منهم عنه معرضاً فيرد عليك ما أرسلتك به إليه، فيعصيك بإبائه الإسلام ".34
قال الشوكاني في سياق شرحه لقول الله تعالى: ] فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب[ (الرعد: 40): " أي: فليس عليك إلا تبليغ أحكام الرسالة، ولا يلزمك حصول الإجابة منهم، لما بلّغته إليهم، ]وعلينا الحساب[ أي: محاسبتهم بأعمالهم ومجازاتهم عليها، وليس ذلك عليك.(61/5)
وهذا تسلية من الله سبحانه لرسول صلى الله عليه وسلم ، وإخبار له أنه قد فعل ما أمره الله به، وليس عليه غيره، وأن من لم يجب دعوته ويصدق نبوته، فالله سبحانه محاسبه على ما اجترم واجترأ عليه من ذلك".35
وقال تعالى: ]فذكر إنما أنت مذكرلست عليهم بمسيطر[ (الغاشية: 21-22).
قال الطبري: " يقول: لست عليهم بمسلَّط، ولا أنت بجبار تحملهم على ما تريد، يقول: كِلْهم إليّ، ودعهم وحكمي فيهم... ".36
قال ابن كثير: " ]فإن أعرضوا[ يعني المشركين ]فما أرسلناك عليهم حفيظاً[ (الشورى: 48) أي: ]لست عليهم بمصيطر[ (الغاشية: 22)، وقال عز وجل: ]ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء[ (البقرة: 272)، وقال تعالى: ]فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب[ (الرعد: 40)، وقال جل وعلا في آية الشورى: ]إن عليك إلا البلاغ[ (الشورى: 48) أي: إنما كلفناك أن تبلغهم رسالة الله إليهم".37
فالإسلام - كما رأينا - يعترف بوجود الاختلاف وعدم إمكانية جمع الناس على دين واحد، ويطلب من الدعاة ورثة الأنبياء القيام بواجب البلاغ في الدنيا واستفراغ الوسع في الإرشاد والنصح للعالمين، ثم الله يتولى - بحكمه وعدله - يوم القيامة حساب المعاندين وجزاء المؤمنين.
تاريخ الحوار
منذ سطع نور الإسلام على الدنيا أدرك المسلمون طبيعة دينهم وعالمية رسالته، فقاموا يدعون الناس إلى هديه، فبدأ الحوار بين المسلمين ومشركي قريش، وسجل القرآن في آياته الكثير من هذه الحوارات، وتولى فيها الرد على المشركين.
وكان من أهم مناسبات الحوار هجرة أصحاب صلى الله عليه وسلم إلى الحبشة، وحوارهم مع النجاشي حول قول المسلمين في المسيح وأمه عليهما السلام.
وحين انتقل صلى الله عليه وسلم إلى المدينة بدأ الحوار مع أهل الكتاب من قطّان المدينة المنورة، وقد نقل القرآن الكثير من الحوارات التي طَلب من صلى الله عليه وسلم أن يجريها مع أهل الكتاب، والكثير منها كان يبدأ بقوله تعالى: ] يا أهل الكتاب [ (النساء: 171، المائدة: 15، 19، 59، 68، 77).
ومن حوار صلى الله عليه وسلم مع يهود المدينة أن حبراً من اليهود يقال له مالك بن الصيف جاء يخاصم صلى الله عليه وسلم ، فقال له صلى الله عليه وسلم : ((أنشدك بالذي أنزل التوراة على موسى، أما تجد في التوراة أن الله يبغض الحبر السمين؟)) وكان حبراً سميناً.
فغضب فقال: والله ما أنزل الله على بشر من شيء. فقال له أصحابه الذين معه: ويحك، ولا موسى؟ فقال: والله ما أنزل الله على بشر من شيء. فأنزل الله: ] وما قدروا الله حق قدره إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى[ (الأنعام: 91). 38
وكان أهم اتصال بالنصرانية قدوم وفد نصارى نجران إلى المدينة وبقاؤهم فيها أياماً يناظرون رسول ا صلى الله عليه وسلم وقد أذن لهم رسول الله بالصلاة في مسجده، وقال لأصحابه: ((دعوهم)) 39، ونزل بسبب هذه الزيارة بضع وثمانون آية من صدر سورة آل عمران.
ولم تنقل إلينا كتب السنة إلا النزر اليسير عما دار بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم
ومما نقل في ذلك ما ذكره ابن جرير في تفسيره أنه جاء راهبا نجران إلى صلى الله عليه وسلم ، فعرض عليهما الإسلام ، فقال أحدهما : إنا قد أسلمنا قبلك . فقال: ((كذبتما. إنه يمنعكما عن الإسلام ثلاثة : عبادتكم الصليب، وأكلكم الخنزير، وقولكم لله ولد)).
قال : من أبو عيسى ؟ وكان r لا يعجل حتى يأتي أمر ربه ، فأنزل الله تعالى : ]إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون { (آل عمران: 59). 40
وذكر الطبري بإسناده أيضاً أن نصارى نجران قالوا: " ألست تزعم أنه كلمة الله وروح منه ؟ قال: بلى. قالوا: فحسبنا. فأنزل الله عز وجل: } فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله { (آل عمران : 7). 41
لكن الذي يثير الانتباه في زيارة وفد نصارى نجران ما نقله الطبري من اجتماع صلى الله عليه وسلم بهم في حضور وفد من يهود المدينة، فقد روى بإسناده إلى ابن عباس أنه "اجتمعت نصارى نجران وأحبار اليهود عند رسول الله، فتنازعوا عنده ، فقالت الأحبار: ما كان إبراهيم إلا يهودياً. وقالت النصارى: ما كان إبراهيم إلا نصرانياً. فأنزل الله: } ما كان إبراهيم يهودياً ولا نصرانياً { (آل عمران: 67). 42
وحين رجع وفد نجران إلى بلاده لم ينقطع حوارهم مع المسلمين ، ذلك أن صلى الله عليه وسلم أرسل معهم المغيرة بن شعبة، فكانوا يحاورونه ويطرحون عليه الأسئلة عن القرآن، ومن ذلك أنه أشكل عليهم مؤاخاة القرآن بين مريم وهارون، وبينهما زمن مديد، فقالوا للمغيرة: "ألستم تقرؤون: ] يا أخت هارون { (مريم: 28) ، وقد علمتم ما بين موسى وعيسى ... ".43
كما استقبل صلى الله عليه وسلم في مسجده عدي بن حاتم الطائي ، وحاوره في أخذه المرباع من قومه ، وهو لا يحل له في دينه ، ودعاه للإسلام فأسلم.44
واستقبل أيضاً الجارود بن عمرو في وفد عبد القيس، وكان نصرانياً؛ فدعاه إلى الإسلام، فأسلم. 45(61/6)
كما كانت مراسلة صلى الله عليه وسلم لملوك النصارى ومقدميهم نوعاً من الحوار، فقد أرسل أصحابه بكتبه إلى النجاشي وهرقل والمقوقس عظيم القبط وهوذة الحنفي صاحب اليمامة؛ يدعوهم للإسلام.
مع أن كتب التاريخ لم تنقل إلينا الكثير مما جرى بين سفراء صلى الله عليه وسلم والمرسلين إليهم إلا أنه من المؤكد تحاورهم، إذ هو ما تقتضيه السفارة.
ومما نقل في ذلك حوار حاطب بن أبي بلتعة مع المقوقس، فقد سأله المقوقس عن حرب صلى الله عليه وسلم مع أعدائه، فأجابه حاطب بأنه يَغلِب ويُغلَب، فقال المقوقس: أنبي الله يُغلب؟ فأجاب حاطب: أولد الله يُصلب؟ 46
ومثله ما رواه ابن عبد البر في الاستيعاب من حديث حاطب بن أبي بلتعة أن المقوقس جمع بطارقته فقال: إني سأكلمك بكلام أحب أن تفهمه مني. قال: قلت: هلم. قال: أخبرني عن صاحبك أليس هو نبياً؟ قلت: بلى، هو رسول الله.
قال: فما له حيث كان هكذا لم يدع على قومه، حيث أخرجوه من بلدته إلى غيرها؟ فقلت له: فعيسى ابن مريم، أتشهد أنه رسول الله؟ فما له حيث أخذه قومه، فأرادوا صلبه ألّا يكون دعا عليهم بأن يهلكهم الله حتى رفعه الله إليه في سماء الدنيا؟ قال: أحسنت، أنت حكيم جاء من عند حكيم. 47
وحين دخل المسلمون مصر وبلاد الشام تحولت تلك الشعوب النصرانية إلى الإسلام دين الفاتحين الجدد، وهذا التحول ثمرة لأسباب متضافرة، أهمها الحوار الذي شاع بين المسلمين والنصارى في تلك الربوع.
ولئن كان التاريخ ذهل عن تسجيل حوارات عوام المسلمين مع غيرهم، والذي أسفر عن دخولهم الإسلام ، فإنه لم يغفل عن تسجيل الحوارات التي جرت في قصور السلاطين من المسلمين وغيرهم .
ومنه حوار الخليفة هارون الرشيد مع طبيبه النصراني ، واستعانته بعالم خراسان محمد بن عمر بن واقد.48
كما جمع الخليفة المأمون بين كلثوم بن عمرو العتابي وابن فروة النصراني، وتناظرا بين يديه في قول النصارى بألوهية المسيح.49
كما وفد القاضي أبو بكر محمد الباقلاني على ملك الروم في القسطنطينية بأمر من المعتضد العباسي، والحوار الذي جرى بينه وبين ملك الروم وراهبهم مشهور في كتب التاريخ.50
ونقل صاحب عيون المناظرات قصة فيلسوف نصراني قدم بغداد، وأسلم بعد حواره مع نخبة من علماء المسلمين ، جمعهم الخليفة في قصره ، منهم الصالحي والجبائي والكعبي والأشعري. 51
وبعيداً عن قصور الأمراء تحاور العلماء المسلمون مع غيرهم ، ولعل من أوائل ما نقل في هذا الصدد حوار أبي حنيفة النعمان بن ثابت مع طائفة من الملاحدة حول سببية العالم. 52
وكذلك حوار الفخر الرازي الطويل مع قسيس في خوارزم في موضوعات أهمها نبوة صلى الله عليه وسلم وهل معجزات عيسى تدل على نبوته أو ألوهيته؟53
ثم مناظرة ابن القيم لأحد رؤساء اليهود حول نبوة النبي صلى الله عليه وسلم 54
كما كتب العلماء العشرات من الكتب والردود على مختلف محاوريهم، فازدهر حوار الكتب، ومنه كتاب "الجواب الصحيح" لابن تيمية، وهو يرد فيه على كتاب ورد من قبرص بعنوان: "الكتاب المنطيقي الدولة خاني المبرهن عن الاعتقاد الصحيح والرأي المستقيم " لراهب صيدا الأسقف بولص الراهب.
كما كتب أبو الوليد الباجي رسالة رد فيها على رسالة وجهها راهب فرنسا إلى المقتدر أمير سرقسطة يدعوه فيها للدخول في النصرانية. 55
وكتب أبو عبيدة الخزرجي القرطبي كتابه المشهور باسم " مقامع هامات الصلبان، ومراتع روضات الإيمان "56 رداً على أسئلة كان يثيرها قسيس من القوط على نفر من المسلمين بطليطلة.
ولم تنقطع الحوارات والكتب المتبادلة بين المسلمين وغيرهم، وإن خَفَت بريقها مع تراجع الحركة العلمية عند المسلمين.
ومع بداية الحركة الاستعمارية الغربية تجدد الحوار بين المسلمين ومستعمريهم، ولعل من أبرز ما يذكر في هذا الصدد الحوار الذي جرى بين العلامة رحمة الله الهندي والقس كئي ومساعده القس فرنج، ثم جرت المناظرة الكبرى بينه وبين القس فندر في شهر رجب من عام 1270هـ رداً على النشاط التنصيري في الهند.
وفي القرن الميلادي العشرين نشط الحوار بين الأديان ، ودعي المتحاورون إلى عدد من المؤتمرات، منها مؤتمر تاريخ الأديان الدولي في بروكسل في عام 1935م، والمؤتمر العالمي للأديان المنعقد في لندن عام 1936م ، ثم في جامعة السوربون عام 1937م.
ونشطت الدعوة إلى حوار الأديان إثر انعقاد مجمع الفاتيكان الثاني 1965م والذي دعا لاستئناف الحوار مع الأديان، وأنشأ مؤسسات خاصة بذلك داخل الفاتيكان تولت الدعوة لعدد من المؤتمرات واللقاءات بين القيادات الدينية في العالم، ثم توالت الحوارات والدعوات من مختلف المؤسسات والمنظمات والدول الإسلامية وغيرها.
والمتأمل في هذه القراءة التاريخية السريعة في تاريخ الحوار؛ لن تخطئ عينه رؤية ما قدمه الإسلام من نماذج حوارية فريدة منذ بعث صلى الله عليه وسلم ، نماذج لم تتوقف في تاريخنا الطويل، وهي تدعونا لاستئناف الحوار الحضاري وتنشيطه من جديد، وأخذ زمام المبادرة إليه، استجابة لأمر الله تعالى، وتأسياً واتباعاً لنهج نبينا صلى الله عليه وسلم(61/7)
أنواع الحوار ومشروعيتها
إن المتتبع لتاريخ الحوار بين أهل الإسلام وغيرهم من أتباع الملل في القديم والحديث يجد أنواعاً ثلاثة من الحوار تتداخل فيما بينها أحياناً، وتفترق في أحايين أُخر.
وفي هذا المبحث نود الوقوف مع كل نوع منها وبيان حكمه وأهم موضوعاته وخصائصه.
أ. حوار الدعوة
وهو أهم أنواع الحوار وأعظمها، حيث عمد أنبياء الله وورثتُهم من العلماء والدعاة إلى حوار الكافرين بغية تعريفهم بدين الله وإنقاذهم به، فالحوار الدعوي أحد أعظم وسائل الدعوة إلى الإسلام، حيث يعمد المحاور المؤمن إلى تبيان مبادئ الإسلام وفضائله ويوضح لمحاوريه ما أعده الله للمؤمنين به من عظيم الأجر وحسن المثوبة، وما توعد به الكافرين من أليم عذابه وعقابه.
ولما كان لا يتصور رجوع الناس عن معتقداتهم وإلفهم لمجرد عظة سمعوها، إذ تثور في الأذهان تساؤلات تبحث عمن يجيب عنها، ويجلي الحق فيها، كان لا بد من الحوار.
لذا تتركز موضوعات حوار الدعوة حول التعريف بالله تبارك وتعالى وصفاته، وبالإيمان ونواقضه، وباليوم الآخر وسبيل النجاة والخلاص فيه.
ويمتاز حوار الدعوة عن غيره من أنواع الحوار بخصائص وسمات، منها:
- الهدف من حوار الدعوة، الدعوة إلى الإسلام والسعي إلى إقناع الآخرين بأن الإسلام هو دين الله الذي لا يقبل الله من العباد غيره.
- التركيز في مجادلة أهل الكتاب على القضايا العقدية الفاصلة، ومحاجتهم، ومناظرتهم، لدحض شبهاتهم، ونقض حججهم، بأسلوب علمي رفيق، ثم مباهلتهم إن لزم الأمر.
- أخذ المسلمين بزمام المبادرة في هذا اللون من الحوار، إذ هو استجابة لطبيعة دينهم، ويتحقق ذلك باستضافتهم في دار المسلمين، واستقبال وفودهم، والكتابة إليهم، وغشيانهم في محافلهم وبيوتهم لدعوتهم، إذ الدعوة والبلاغ واجب المسلم بمقتضى إسلامه.
- تغلب الصفة والعلاقات الشخصية على هذا اللون من ألوان الحوار الذي يبتعد عن الصفة الرسمية التي تغلب على حوار التعامل والتعايش كما سيتبين في حينه.
والمتتبع لما ورد ذكره في القرآن عن أحوال الأنبياء يظهر له أهمية هذا اللون من ألوان الحوار ، الذي لم تُغفِله دعوة نبي منهم أو مصلح ممن تبعهم بإحسان.
فها هو نوح عليه السلام يجادل ويحاور قومه قروناً طويلة، من غير كلل ولا ملل، دعاهم ليلاً ونهاراً، أسر لهم، وأعلن لهم جهاراً، فقالوا : ]يا نوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين[ (هود: 32).
وعلى هذا الهدي سار أنبياء الله من بعد نوح، فقصَّ الله علينا في القرآن حوار إبراهيم مع النمرود، وحوار موسى مع فرعون، بل وذكر لنا الكثير من حوار الأنبياء مع أقوامهم.
قال ابن تيمية: " فأما المجادلة الشرعية كالتي ذكرها الله تعالى عن الأنبياء عليهم السلام وأمر بها في مثل قوله تعالى: )قالوا يا نوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا( (هود: 32) وقوله: )وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه( (الأنعام: 83) وقوله: )ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه( (البقرة: 258) وقوله: )وجادلهم بالتي هي أحسن( (النحل: 125) وأمثال ذلك فقد يكون واجباً أو مستحباً، وما كان كذلك لم يكن مذموماً في الشرع".57
وأرسل الله محمداً خاتم الرسل داعياً إلى الله ومبشراً بدينه، آمراً إياه بدعوة العالمين إلى هذا الدين: ]ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن[ (النحل : 125).
وقد اعتبر العلماء المجادلة والمناظرة والحوار من واجبات الإسلام التي أوجبها الله على أهل العلم والبصيرة، واستدلوا بما سبق ذكره من نصوص قرآنية تحدثت عن أمر الله لأنبيائه بالحوار أو فعلهم عليهم الصلاة والسلام.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية في سياق حديثه عن قول الله تعالى : ]ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن[ (النحل : 125): "والدعاء إلى سبيل الرب بالحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن ونحو ذلك مما أوجبه الله على المؤمنين، فهذا واجب على الكفاية منهم. وأما ما وجب على أعيانهم، فهذا يتنوع بتنوع قدرهم وحاجتهم ومعرفتهم ".58
وفي هذا الصدد يستدل ابن حزم على وجوب الجدال والمناظرة بقول صلى الله عليه وسلم : ((جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم)).59 ويقول: "وهذا حديث في غاية الصحة، وفيه الأمر بالمناظرة وإيجابها كإيجاب الجهاد والنفقة في سبيل الله".60
وبالنظر إلى آثار الحوار ونجاعة طريقته في نشر الحق يجزم ابن حزم بفضل هذا الأسلوب من أساليب الدعوة، ويراه أنجع من غيره من وسائل حماية الدعوة كالجهاد في سبيل الله، إذ "قد تُهزم العساكر الكبار، والحجة الصحيحة لا تُغلب أبداً، فهي أدعى إلى الحق، وأنصر للدين من السلاح الشاكي والأعداد الجمّة .. لأن السيف مرة لنا، ومرة علينا، وليس كذلك البرهان، بل هو لنا أبداً، ودامغ لقول مخالفينا، ومزهق له أبداً.
ورُبَّ قوة باليد قد دمغت بالباطل حقاً كثيراً، فأزهقته … وقد قتل أنبياء كثير وما غُلبت حجتهم قط ".(61/8)
وفي المقابل، فإن "أفاضل الصحابة الذين لا نظير لهم؛ إنما أسلموا بقيام البراهين على صحة نبوة صلى الله عليه وسلم عندهم، فكانوا أفضل ممن أسلم بالغلبة بلا خلاف من أحد المسلمين".61
ويثني ابن حزم بدليل آخر، فيقول: "أول ما أمر الله عز وجل نبيهمحمدا صلى الله عليه وسلم أن يدعو له الناس بالحجة البالغة بلا قتال، فلما قامت الحجة وعاندوا الحق أطلق الله تعالى عليهم السيف حينئذ، وقال تعالى: )قل فلله الحجة البالغة( (الأنعام: 149). وقال تعالى: )بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق( (الأنبياء: 18)".62
يقول ابن تيمية: "فكل من لم يناظر أهل الإلحاد والبدع مناظرة تقطع دابرهم لم يكن أعطى الإسلام حقه، ولا وفّى بموجب العلم والإيمان، ولا حصل بكلامه شفاء الصدور وطمأنينة النفوس، ولا أفاد كلامه العلم واليقين".63
وكأني به - رحمه الله - يرد على ما سيقول الصفدي في ترجمته ، فقد قال: "وضيّع الزمان في رده على النصارى والرافضة ومن عاند الدين وناقضه، ولو تصدى لشرح البخاري أو لتفسير القرآن العظيم لقلّد أعناق أهل العلوم بدرِّ كلامه النظيم". 64
ويقول ابن القيم داعياً إلى محاورة أهل الكتاب: "جواز مجادلة أهل الكتاب ومناظرتهم، بل استحباب ذلك، بل وجوبه إذا ظهرت مصلحته من إسلام من يرجى إسلامه منهم وإقامة الحجة عليهم، ولا يهرب من مجادلتهم إلا عاجز عن إقامة الحجة، فليولِ ذلك إلى أهله، وليخلِ بين المطي وحاديها، والقوس وباريها ".65
وأما موضوع الدعوة والحوار فإنه حول أصول الدين وسبيل سعادة الدارين: ]يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئاً ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون [(آل عمران: 64).
قال الطبري : " قل يا محمد لأهل الكتاب - وهم أهل التوراة والإنجيل - ]تعالوا[ هلموا ] إلى كلمة سواء[، يعني إلى كلمة عدل بيننا وبينكم، والكلمة العدل هي أن نوحد الله، فلا نعبد غيره، ونبرأ من كل معبود سواه، فلا نشرك به شيئاً.
وقوله: ]ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً[ يقول: ولا يدين بعضنا لبعض بالطاعة فيما أمر به من معاصي الله ويعظمه بالسجود له كما يسجد لربه، ]فإن تولوا[ يقول: فإن أعرضوا عما دعوتهم إليه من الكلمة السواء التي أمرتك بدعائهم إليها، فلم يجيبوك إليها، فقولوا أيها المؤمنون للمتولين عن ذلك: ]اشهدوا بأنا مسلمون[ ".66
و صلى الله عليه وسلم كانت دعوته ترجماناً واقعاً لما أمر الله تعالى به من دعوة، فقد دعا r المشركين إلى الإسلام على اختلاف مذاهبهم ومللهم، وكان r يدعوهم ويحاورهم، وخص أهل الكتاب بمزيد من عنايته، وكان أبرز هذه الحوارات حواره مع نصارى نجران، ومكاتباته لملوك الأرض.
كما كان رسول ا صلى الله عليه وسلم يغشى الناس في مجالسهم يدعوهم ويحاورهم، ومنه ما رواه الإمام أحمد من حديث عوف بن مالك قال: انطلق صلى الله عليه وسلم يوماً وأنا معه، حتى دخلنا كنيسة اليهود بالمدينة يوم عيد لهم، فكرهوا دخولنا عليهم، فقال لهم رسول ا صلى الله عليه وسلم : ((يا معشر اليهود أروني اثني عشر رجلاً يشهدون أنه لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، يحبط الله عن كل يهودي تحت أديم السماء الغضبَ الذي غضب عليه)). قال: فأسكتوا، ما أجابه منهم أحد، ثم رد عليهم، فلم يجبه أحد، ثم ثلّث فلم يجبه أحد.
فقال: ((أبيتم، فوالله إني لأنا الحاشر، وأنا العاقب، وأنا النبي المصطفى، آمنتم أو كذبتم)).
ثم انصرف وأنا معه، حتى إذا كدنا أن نخرج، نادى رجل من خلفنا: كما أنت يا محمد. قال: فأقبل. فقال ذلك الرجل: أي رجل تعلمون فيكم يا معشر اليهود؟ قالوا: والله ما نعلم أنه كان فينا رجل أعلم بكتاب الله منك ولا أفقه منك ولا من أبيك قبلك ولا من جدك قبل أبيك.
قال: فإني أشهد له بالله أنه نبي الله الذي تجدونه في التوراة. قالوا: كذبت. ثم ردوا عليه قوله، وقالوا فيه شراً.
قال رسول ا صلى الله عليه وسلم : ((كذبتم، لن يقبل قولكم، أما آنفاً فتثنون عليه من الخير ما أثنيتم، ولما آمن كذبتموه، وقلتم فيه ما قلتم، فلن يقبل قولكم)).
قال: فخرجنا ونحن ثلاثة رسول ا صلى الله عليه وسلم وأنا وعبد الله بن سلام، وأنزل الله عز وجل فيه: ]قل أرأيتم إن كان من عند الله وكفرتم به وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله فآمن واستكبرتم إن الله لا يهدي القوم الظالمين[ (الأحقاف: 10). 67(61/9)
ومن صور الحوار في الصدر الأول ما يحكيه ثوبان رضي الله عنه، إذ يقول: كنت قائماً عند رسول ا صلى الله عليه وسلم ، فجاء حبر من أحبار اليهود فقال: السلام عليك يا محمد. فدفعتُه دفعة كاد يصرع منها. فقال: لم تدفعني؟ فقلت: ألا تقول: يا رسول الله؟ فقال اليهودي: إنما ندعوه باسمه الذي سماه به أهله. فقال رسول ا صلى الله عليه وسلم : ((إن اسمي محمد الذي سماني به أهلي)). فقال اليهودي: جئت أسألك. فقال له رسول ا صلى الله عليه وسلم : ((أينفعك شيء إن حدثتك؟)) قال: أسمع بأذني. فنكت رسول ا صلى الله عليه وسلم بعود معه فقال: ((سل)).
فقال اليهودي: أين يكون الناس يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات؟ فقال رسول ا صلى الله عليه وسلم : ((هم في الظلمة دون الجسر)).
قال: فمن أول الناس إجازة؟ قال: ((فقراء المهاجرين)).
قال اليهودي: فما تحفتهم حين يدخلون الجنة؟ قال: ((زيادة كبد النون)).
قال: فما غذاؤهم على إثرها؟ قال: ((ينحر لهم ثور الجنة الذي كان يأكل من أطرافها)).
قال: فما شرابهم عليه؟ قال: ((من عين فيها تسمى سلسبيلا)). قال: صدقت.
قال: وجئت أسألك عن شيء لا يعلمه أحد من أهل الأرض إلا نبي أو رجل أو رجلان؟ قال: ((ينفعك إن حدثتك؟)) قال: أسمع بأذني. قال: جئت أسألك عن الولد. قال: ((ماء الرجل أبيض، وماء المرأة أصفر، فإذا اجتمعا فعلا منيُُّ الرجل منيَّ المرأة أذكرا بإذن الله، وإذا علا منيُّ المرأة منيَّ الرجل آنثا بإذن الله)).
قال اليهودي: لقد صدقت، وإنك لنبي، ثم انصرف فذهب، فقال رسول ا صلى الله عليه وسلم : ((لقد سألني هذا عن الذي سألني عنه، وما لي علم بشيء منه، حتى أتاني الله به)).68
إذاً نخلص إلى القول بأن حوار الدعوة واجب ديني تتابعت النصوص على الدعوة إليه، وهو مطلب أخلاقي يفرضه علينا رحمتنا بالآخرين، وحرصنا على هدايتهم، واستنقاذهم من أوضار الكفر والعقاب الأخروي.
ب. حوار التعامل
رأينا أن بقاء الاختلاف بين البشر في أديانهم ومللهم واقع، شاءه الله بمشيئته وإرادته الكونية، فكيف يتعايش المختلفون؟ وماهو الأسلوب الأمثل لبناء العلاقات البشرية؟ أوليس هو الحوار والتعايش والبحث عن القواسم الحياتية المشتركة؟
إن الضرورة الحياتية تؤزنا للبحث عن قواسم مشتركة نبني عليها علاقاتنا، وهو ما يملي على المختلفين في عقائدهم ومذاهبهم اللجوء إلى لون آخر من ألوان الحوار، وهو حوار التعامل، وهو حوار بعيد عن أصول الدين والمعتقد، حوار تفرضه السياسة الشرعية، وتمليه طبيعة التعايش بين البشر؛ بحكم الجوار والمصالح المتبادلة.
وقد بينت الشريعة بنصوصها أو بقواعدها العامة الأسس والضوابط المتعلقة بهذا اللون من ألوان الحوار.
وقد ظهر مثل هذا اللون من حوار التعامل والتقارب المعيشي منذ نشأة الدولة الإسلامية في المدينة، حيث عقد صلى الله عليه وسلم عهوداً مع يهود المدينة، كما أبرم صلح الحديبية مع كفار قريش، وحوى الفقه الإسلامي بمذاهبه المختلفة تراثاً ضخماً في مجال العلاقات الدولية التي بينت للمسلمين أصول التعامل مع مختلف البشر.
ويركز هذا اللون من الحوار على النقاط المشتركة التي يتفق عليها المتحاورون، فيهدفون إلى تعميقها والتكاتف في سبيلها، وغالباً ما تصطبغ بالصبغة الأخلاقية أو المصلحية، كالحوار حول السلام العالمي والتعايش بين الأمم ومكافحة الشذوذ ومعالجة قضايا الانحلال الأخلاقي والتفكك الأسري.
وأبرز معالم هذا النوع من الحوار:
* الاعتراف بوجود الآخر واختياره للدين والمعتقد.
* الاعتراف باختلاف المتحاورين وخصوصية كل دين، ونبذ التوفيق والتلفيق بين أديان الأطراف المتحاورة.
* تجنب أو الحذر في البحث في المسائل العقدية الفاصلة، حفاظاً على استمرارية الحوار وضمان ديمومة التعاون على تحقيق القيم أو المصالح المشتركة.
* تجنب إطلاق الألفاظ المفسدة لأجواء الحوار، كإطلاق الكفر على المحاورين أو الحديث عن خلودهم في النار أو الطعن في مقدساتهم، وتجنب هذا ليس تسويغاً له البتة.
* إبراز أوجه التشابه والاتفاق بين الأطراف المتحاورة، والتركيز عليها لاستثمارها وتنميتها، وإقصاء أوجه التباين والافتراق لما لها من أثر سلبي على الحوار.
* الدعوة إلى معرفة الآخر كما يريد هو أن يُعرف، ورفع الأحكام المسبقة عنه، مع التأكيد على الدعوة إلى نسيان الماضي التاريخي، والاعتذار عن أخطائه، والتخلص من آثاره.
وهذا اللون من الحوار مشروع وجائز، فقد شهد صلى الله عليه وسلم في شبابه حلف المطيبين الذين اتفقوا على رد المظالم وإعانة المظلوم، وهو لون من اللقاء حول أسباب التعايش.(61/10)
وحين بُعث عليه الصلاة والسلام أكد مشروعية مثل هذا العمل النبيل والتزامه به فقال : (( ما شهدت من حلف إلا حلف المطيبين , وما أحب أن أنكثه، وأن لي حمر النعم))، وفي رواية أنه قال: (( ولو دعيت به اليوم في الإسلام لأجبت)). وفي رواية عزاها ابن كثير في السيرة إلى الحميدي: ((لو دعيت به في الإسلام لأجبت؛ تحالفوا أن ترد الفضول على أهلها، وألا يعز ظالم مظلوماًً)).69 فقد أقر r اللقاء مع الكافر على مثل هذه القيمة النبيلة والخصلة الحميدة.
قال ابن حجر في الفتح: " وكان حلفهم أن لا يعين ظالم مظلوماً بمكة, وذكروا في سبب ذلك أشياء مختلفة محصلها: أن القادم من أهل البلاد كان يقدم مكة، فربما ظلمه بعض أهلها فيشكوه إلى من بها من القبائل، فلا يفيد , فاجتمع بعض من كان يكره الظلم ويستقبحه، إلى أن عقدوا الحلف , وظهر الإسلام وهم على ذلك ". 70
وقال القرطبي رحمه الله: "ذكر ابن إسحاق قال: اجتمعت قبائل من قريش في دار عبد الله بن جدعان لشرفه ونسبه، فتعاقدوا وتعاهدوا على ألا يجدوا بمكة مظلوماً من أهلها أو غيرهم إلا قاموا معه، حتى ترد عليه مظلمته، فسمت قريش ذلك الحلف حلف الفضول، وهو الذي قال فيه الرسو صلى الله عليه وسلم : ((لقد شهدت في دار عبد الله بن جدعان حلفاً ما أحب أن لي به حمر النعم، ولو أدعى به في الإسلام لأجبت))، وهذا الحلف هو المعنى المراد في قوله عليه السلام: ((وأيما حلف كان في الجاهلية لم يزده الإسلام إلا شدة))71، لأنه موافق للشرع إذا أمر بالانتصاف من الظالم".72
قال المباركفوري : "قوله: (( أوفوا )) من الوفاء، وهو القيام بمقتضى العهد ((بحلف الجاهليّة)) أي العهود الّتي وقعت فيها، ممّا لا يخالف الشّرع لقوله تعالى: ]أوفوا بالعقود [ (المائدة: 1) لكنّه مقيّدٌ بما قال اللّه تعالى: ] وتعاونوا على البرّ والتّقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان [ (المائدة: 2)، (( فإنّه )) أي الإسلام (( لا يزيده )) أي حلف الجاهليّة الّذي ليس بمخالفٍ للإسلام (( إلّا شدّةً )) أي شدّة توثّقٍ، فيلزمكم الوفاء به".73
قال ابن القيم: " وأمّا قول النّبيّ صلى الله عليه وسلم ((شهدت حلفاً في الجاهليّة ما أحبّ أنّ لي به حمر النّعم , لو دعيت إلى مثله في الإسلام لأجبت))، فهذا - واللّه أعلم - هو حلف المطيّبين , حيث تحالفت قريش على نصر المظلوم , وكفّ الظّالم ونحوه , فهذا إذا وقع في الإسلام كان تأكيدًا لموجب الإسلام وتقوية له. وأمّا الحلف الّذي أبطله فهو تحالف القبائل : بأن يقوم بعضها مع بعض وينصره، ويحارب من حاربه , ويسالم من سالمه. فهذا لا يعقد في الإسلام".74
قال ابن حجر : " ذكره ابن إسحاق وغيره , وكان جمع من قريش اجتمعوا فتعاقدوا على أن ينصروا المظلوم وينصفوا بين النّاس ونحو ذلك من خلال الخير , واستمرّ العمل بهذا الحلف بعد البعثة النبوية , ويستفاد من حديث عبد الرّحمن بن عوف أنّهم استمرّوا على ذلك في الإسلام , وإلى ذلك الإشارة في حديث جبير بن مطعم...".75
ومما يؤكد ديمومة هذا الحلف في الإسلام أنه كان بين الحسين بن علي وبين الوليد بن عتبة بن أبي سفيان منازعة في مال كان بينهما بذي المروة، فكان الوليد يتحامل على الحسين بن علي بسلطانه في حقه، فقال الحسين بن علي : أحلف بالله لتنصفني من حقي، أو لآخذن سيفي ثم لأقومن في مسجد رسول ا صلى الله عليه وسلم ، ثم لأدعون بحلف الفضول.
فقال عبد الله بن الزبير، وهو عند الوليد، حين قال الحسين ما قال : وأنا أحلف بالله لئن دعا بها لآخذن سيفي، ولأقومن عنده ومعه، حتى ينصف من حقه، أو نموت جميعاً".76
وقد يشكل هنا قول صلى الله عليه وسلم : ((لا حلف في الإسلام))، فيفهم منه قطع الحلف، وهذا المعنى غير صحيح، فالرواية في صحيح مسلم من حديث جبير بن مطعم: ((لا حلف في الإسلام، وأيما حلف كان في الجاهلية لم يزده الإسلام إلا شدة)).77
وتأكيداً لهذا الفهم نسوق رواية البخاري عن أنس بن مالك، لما سئل: أبلغك أن صلى الله عليه وسلم قال: ((لا حلف في الإسلام))؟ قال: قد حالف صلى الله عليه وسلم بين قريش والأنصار في داري. 78
قال الطبري: " ما استدل به أنس على إثبات الحلف لا ينافي حديث جبير بن مطعم في نفيه , فإنّ الإخاء المذكور كان في أوّل الهجرة ، وكانوا يتوارثون به , ثم نسخ من ذلك الميراث وبقي ما لم يبطله القرآن، وهو التّعاون على الحقّ والنّصر والأخذ على يد الظالم كما قال ابن عباس : إلا النصر والنصيحة والرفادة ويوصى له." 79
وقال القرطبي: "قال العلماء: فهذا الحلف الذي كان في الجاهلية هو الذي شده الإسلام، وخصه النبي عليه الصلاة والسلام من عموم قوله: ((لا حلف في الإسلام)) والحكمة في ذلك أن الشرع جاء بالانتصار من الظالم وأخذ الحق منه وإيصاله إلى المظلوم، وأوجب ذلك بأصل الشريعة إيجاباً عاماً على قدر من المكلفين، وجعل لهم السبيل على الظالمين، فقال تعالى: ]إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق أولئك لهم عذاب أليم[ (الشورى: 42)".80(61/11)
وقال ابن حجر: "ويمكن الجمع بأن المنفيّ ما كانوا يعتبرونه في الجاهليّة من نصر الحليف ولو كان ظالماً، ومن أخذ الثّأر من القبيلة بسبب قتل واحد منها، ومن التّوارث ونحو ذلك , والمثبت ما عدا ذلك من نصر المظلوم والقيام في أمر الدّين ونحو ذلك من المستحبّات الشّرعيّة كالمصادقة والمواددة وحفظ العهد".81
وهكذا، فإن الأمة المسلمة لا تتوقف في حوارها مع الآخرين على القضايا الدينية، بل تمد أيديها إلى الآخرين ، وهي تسعى في حوارها إلى تحقيق المصالح المشتركة التي تنشدها الأطراف المختلفة ، عبر حوار التعامل والتعايش الذي يؤمِّن المزيد من الاستقرار والرخاء لشعوب الإنسانية، ويعين البشرية على تجاوز الكثير من الشرور على الصعيد الاجتماعي والأخلاقي والسياسي، وغيرها.
ج 0 حوار الوحدة
وهو الحوار الذي يهدف إلى إزالة الفروق والاختلافات العقدية والشعائرية بين المتحاورين وتمييع خصائص الأديان وتجاوزها تجاه وحدة الأديان والتقريب بينها.
وهذه الدعوة التلفيقية قديمة متجددة، ترعاها مؤسسات من مختلف الملل والنحل، ولكل منها أهدافه التي يرنو من خلالها إلى اجتذاب الآخرين وصهرهم في بوتقته.
ولعل من أبرز من ينادي بالوحدة بين الأديان؛ الحركة الماسونية بمناشطها ومؤسساتها المختلفة وامتداداتها المعاصرة، يقول محمد رشاد فياض رئيس محفل الشرف الأعظم الماسوني محققاً هدف الماسونية المزعوم المتمثل في الإخاء الإنساني: "الميمات الثلاثة في الموسوية والمسيحية والمحمدية يجتمعون [هكذا] في ميم واحدة هي ميم الماسونية، لأن الماسونية عقيدة العقائد.. وإن باءَيْ البوذية والبرهمية يجتمعان في باء البناء، بناء هيكل المجتمع الإنساني".82
ووصل هذا الاتجاه التلفيقي إلى المسلمين أول ما وصل عن طريق غلاة الصوفية من القائلين بالحلول والاتحاد، كابن سبعين وابن هود والتلمساني .. حيث يجوزون التدين بمختلف الأديان، يقول ابن تيمية: " بل يجوزون التهود والتنصر، وكل من كان من هؤلاء واصلاً إلى علمهم فهو سعيد، وهكذا تقول الاتحادية منهم, كابن سبعين وابن هود والتلمساني ونحوهم، ويدخلون مع النصارى بيعهم، ويصلون معهم إلى الشرق، ويشربون معهم ومع اليهود الخمر، ويميلون إلى دين النصارى أكثر من دين المسلمين".83
يقول ابن عربي:
لقد كنت قبل اليوم أنكر صاحبي إذا لم يكن دينه إلى ديني داني
لقد صار قلبي قابلاً كل صورة فمرعى لغزلان ودير لرهبان
وبيت لأوثان وكعبة طائف وألواح توراة ومصحف قرآن
أدين بدين الحب أنّى توجهت ركائبه فالحب ديني وإيماني
وقد كان جهل التتار بالإسلام سبباً في تبنيهم لهذه الدعوة أيضاً، يقول ابن تيمية رحمة الله عليه : "فهم يدعون دين الإسلام ويعظمون دين أولئك الكفار على دين المسلمين ويطيعونهم ويوالونهم أعظم بكثير من طاعة الله ورسوله وموالاة المؤمنين ... وكذلك الأكابر من وزرائهم وغيرهم يجعلون دين الإسلام كدين اليهود والنصارى، وأن هذه كلها طرق إلى الله بمنزلة المذاهب الأربعة عند المسلمين، ثم منهم من يرجح دين اليهود أو دين النصارى، ومنهم من يرجح دين المسلمين، وهذا القول فاش غالب فيهم حتى في فقهائهم وعبّادهم، لاسيما الجهمية من الاتحادية الفرعونية ونحوهم، فإنه غلبت عليهم الفلسفة، وهذا مذهب كثير من المتفلسفة أو أكثرهم".84
ويقول رحمه الله: " وهذا من جنس جهال التتر أول ما أسلموا، فإن الإسلام عندهم خير من غيره، وإن كان غيره جائزاً ".85
ثم دبَّت الحياة من جديد في فكرة وحدة الأديان على أيدي البهائية الباطنية، ثم جمال الدين الأفغاني ومدرسته العقلانية، فقد أسس محمد عبده، والقس الإنجليزي إسحاق تيلور، وجمال رامز بك (قاضي بيروت)، بمشاركة نفر من الإيرانيين، أسسوا جمعية سرية للتقريب بين الأديان في بيروت، وذلك عام (1301هـ/ 1883م).
يقول الأفغاني في الأعمال الكاملة: " هكذا نجد الأديان الثلاثة : الموسوية والعيسوية والمحمدية على تمام الاتفاق في المبدأ والغاية .. لقد لاح لي بارق أمل كبير: أن تتحد أهل الأديان الثلاثة مثل ما اتحدت الأديان في جوهرها وأصلها وغايتها".
ثم يشنع الأفغاني على الذين يصرون على اختلاف الأديان الذين أسماهم: "المزاربة الذين جعلوا كل فرقة بمنزلة حانوت، وكل طائفة كمنجم من مناجم الذهب والفضة، ورأس مال تلك التجارات ما أحدثوه من الاختلافات الدينية والطائفية والمذهبية".86
وفي عام 1987م دعا المفكر الفرنسي روجيه جارودي ـ عقب إعلانه اعتناق الإسلام ـ إلى الملتقى الإبراهيمي في قرطبة، واتخذ من (القلعة الحرة) مقراً لمؤسسته ومتحفه ومناشطها التلفيقية التوحيدية.
يقول جارودي: "إنني عندما أعلنت إسلامي لم أكن أعتقد بأني أتخلى عن مسيحيتي ولا عن ماركسيتي، ولا أهتم بأن يبدو هذا متناقضاً أو مبتدعاً".
ويقول: "هذا النضال هو نضال كل أصحاب العقيدة أو المؤمنين بعقيدة، مهما يكن نوع إيمانهم، ولا يهمني ما يقوله الإنسان عن عقيدته: أنا مسلم، أو: أنا مسيحي، أو: أنا يهودي، أو: أنا هندوسي".87
وأبرز معالم هذا الاتجاه من اتجاهات الحوار:(61/12)
* اعتقاد كل طرف صحة إيمان الطرف الآخر، وتسويغه، من غير أن يقتضي ذلك الخروج عن المعتقد الأصلي.
* اعتقاد صحة جميع صور العبادات، فالكل يعتبرونه طريقاً موصلاً إلى رضا الله، لأنه تعظيم وعبادة لله، وعليه فلا يحكم على شيء من صور العبادة المختلفة بالبطلان.
* الاشتراك في صلوات وممارسات وطقوس تجمع بين أتباع الأديان في محل واحد، وذلك حرصاً على إزالة الفروق وتمييعها.
* تجنب البحث في المسائل المختلف عليها، والتي تظهر التناقض والاختلاف بين الفرقاء الذين يراد جمعهم في نسق واحد.
* اعتماد أسلوب التلفيق والتوفيق بين المتناقضات والمختلفات للوصول إلى صورة مشتركة، تتجاوز الاختلافات.
* تبادل التهاني والزيارات والمجاملات في المناسبات الدينية المختلفة.
وقد كان لعلماء الإسلام وقفات صارمة مع هذا الاتجاه التلفيقي أو التوفيقي بين الأديان، حيث رأوا مناقضته لأصول الإسلام ومبادئه، وأنه من المداهنة التي حرمها الله ورسوله، قال تعالى: ]ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار[ (هود: 113)، قال أبو العالية: " لا ترضوا أعمالهم، فتمسكم النار " قال ابن زيد: "الركون الإدهان، وقرأ: ] ودوا لو تدهن فيدهنون [ (القلم : 9)، قال: تركن إليهم، ولا تنكر عليهم الذي قالوا، وقد قالوا العظيم من كفرهم بالله وكتابه ورسله". 88
قال الطبري مبيناً ما في الآية من تحذير من اللين والمطاوعة في الدين: " ود هؤلاء المشركون يا محمد لو تلين لهم في دينك بإجابتك إياهم إلى الركون إلى آلهتهم، فيلينون لك في عبادتك إلهك". 89
ولا يخفى أن المداراة أو الرفق من آداب الإسلام في معاملة المخالفين، ولا يخفى على المحقق الفرق بينه وبين الإدهان المحرم، قال القرطبي في التفريق بينهما : "والفرق بين المداراة والمداهنة أن المداراة بذل الدنيا لصلاح الدنيا أو الدين أو هما معًا , وهي مباحة, وربما استُحبت , والمداهنة ترك الدين لصلاح الدنيا ". 90
ومن صور المداهنة التي يقع بها المتحاورون في وحدة الأديان، تسميتهم للمعابد والكنائس بيوت الله، وهي إلى كفران الله وعصيانه أقرب.
قال شيخ الإسلام حين سئل عن تسمية البِيَع بيوت الله: "ليست بيوت الله، وإنما بيوت الله المساجد، بل هي [أي البيع] بيوت يكفر فيها بالله .. فالبيوت بمنزلة أهلها، وأهلها كفار، فهي بيوت عبادة الكفار".91
لكن تلك المداهنة المحرمة دون الحكم بإيمان أهل الملل وتسويغ معتقداتهم،
أو حتى الارتياب في ثبوت كفرهم وبطلان عقائدهم وعباداتهم ، فإن الشك في كفرهم وفساد مذهبهم كفر مخرج من الملة.
يقول القاضي عياض: "ولهذا نكفر من دان بغير ملة المسلمين من الملل، أو وقف فيهم، أو شك، أو صحح مذهبهم، وإن أظهر مع ذلك الإسلام، واعتقده، واعتقد إبطال كل مذهب سواه، فهو كافر بإظهاره ما أظهر من خلاف ذلك".92
يقول ابن تيمية: "ومعلوم بالاضطرار من دين المسلمين وباتفاق جميع المسلمين أن من سوغ اتباع غير دين الإسلام، أو اتباع شريعة غير شريعة صلى الله عليه وسلم فهو كافر، وهو ككفر من آمن ببعض الكتاب وكفر ببعض الكتاب".93
وهكذا فإن الإسلام يرفض دعوات الحوار التي ترنو إلى إشاعة وحدة الأديان وصهرها ، ويراها ناقضاً من نواقض الإسلام.
وصدق الشاعر، وهو يصف حال أولئك الذين يرومون جمع النقائض:
أيها المنكح الثريا سهيلا عمرك الله كيف يلتقيان
هي شامية إذا ما استقلت وسهيل إذا استقل يمان
وحدة الدين
إن من الضروري أن نفرق - في هذا الباب - بين وحدة الدين ووحدة الأديان، إذ وحدة الأديان دعوة للتلفيق بين الأديان المحرفة بما أضافه إليها البشر، فهو يهدف لصهر الحق في الباطل للوصول إلى صيغة مشتركة تجمع بينهما.
أما وحدة الدين فهي حقيقة لا مناص منها، إذ الدين الذي أرسل الله به جميع رسله دين واحد، هو الاستسلام لله وتوحيده جل وعلا.
فهذه لباب دعوة الأنبياء ومحورها، وعليه نستطيع القول بأن الإسلام والاستسلام لله هو دين الله الوحيد: ]ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين[ (آل عمران: 85).
وقد سجل القرآن هذا المعنى ]وما أرسلنا من قبلك من رسولٍ إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون[ (الأنبياء: 25).
فالتوحيد نداء الأنبياء، نبياً تلو نبي، إلى أقوامهم، فهو الأصل العظيم الذي نادى به نوح ودعا إليه هود وصالح وشعيب من بعده: ] يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إلهٍ غيره[ (المؤمنون: 23)، (هود: 50، 60)، (الأعراف: 85).
وفي مقابله حذر الأنبياء أقوامهم من الشرك ] ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين بل الله فاعبد وكن من الشاكرين [ (الزمر: 65-66).
ومنه توعد المسيح قومه: ] وقال المسيح يا بني إسرائيل اعبدوا الله ربي وربكم إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصارٍ [ (المائدة: 72).
فهذا الدين العظيم حقيقته التوحيد والاستسلام لله تعالى، لذا أطبق الأنبياء على تسميته بالإسلام:(61/13)
فأبو الأنبياء نوح يقول لقومه: ] وأمرت أن أكون من المسلمين[ (يونس: 72)، يقول ابن القيم: " فهذا نوح الذي غرق أهل الأرض بدعوته وجعل جميع الآدميين من ذريته يذكر أنه أمر أن يكون من المسلمين". 94
وإبراهيم يدعو ربه: ]ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمةً مسلمةً لك [ (البقرة: 128).
وإلى عبادة الله وتوحيده دعا لوط عليه السلام قومه، لكن النتيجة ] فما وجدنا فيها غير بيتٍ من المسلمين [ (الذاريات: 36).
وهذا الذي قرت به عين يعقوب قبل مماته ] إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحق إلهاً واحداً ونحن له مسلمون [ (البقرة: 133).
كما طلب موسى من قومه الإذعان لمقتضيات الإسلام الذي دخلوا فيه ] يا قوم إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين [ (يونس : 84 )، فاستجاب لندائه سحرة فرعون وقالوا: ] ربنا أفرغ علينا صبراً وتوفنا مسلمين [ (الأعراف: 126).
وبمثل هذا دعا يوسف: ]توفني مسلماً وألحقني بالصالحين [ (يوسف: 101).
ولما دخلت ملكة سبأ بلاط سليمان نادت: ]رب إني ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين [ (النمل: 44).
وأنزل الله التوراة ليحكم بها أنبياء الله المسلمين: ] يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا [ (المائدة: 44).
فالدين عند الله واحد، اسمه الإسلام، وحقيقته الاستسلام لله بتوحيده وطاعته جل وعلا، وهذا فقط ما ينجي البشرية عند باريها: ] ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين [ (آل عمران: 85) فهذا الاسم اختاره الله لدينه وأوليائه: ] هو سماكم المسلمين من قبل[ ( الحج: 78).
وقال رسول ا صلى الله عليه وسلم : ((أنا أولى الناس بعيسى ابن مريم في الدنيا والآخرة، والأنبياء إخوة لعَلّات، أمهاتهم شتى، ودينهم واحد))95، قال ابن حجر: "ومعنى الحديث أن أصل دينهم واحد، وهو التوحيد، وإن اختلفت فروع الشرائع".96
يقول ابن القيم: "فهؤلاء الأنبياء كلهم وأتباعهم، كلهم يذكر الله تعالى أنهم كانوا مسلمين، وهذا مما يبين أن قوله تعالى ]ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين[ (آل عمران: 85)، وقوله: ]إن الدين عند الله الإسلام[ (آل عمران: 19)، لا يختص بمن بعث إليه صلى الله عليه وسلم ، بل هو حكم عام في الأولين والآخرين.
ولهذا قال تعالى: ]ومن أحسن ديناً ممن أسلم وجهه لله وهو محسن واتبع ملة إبراهيم حنيفاً واتخذ الله إبراهيم خليلاً [ (النساء: 125)، وقال تعالى: ] وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى تلك أمانيهم قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين بلى من أسلم وجهه لله وهو محسن فله أجره عند ربه ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون[ (البقرة: 111-112)".97
قال شيخ الإسلام: " فدين الأنبياء واحد، وهو دين الإسلام، كلهم مسلمون مؤمنون، كما قد بين الله في غير موضع من القرآن، لكن بعض الشرائع تتنوع ".98
وصدق الله العظيم وهو يربط رسالته الخاتمة برسالاته السابقة: ] شرع لكم من الدين ما وصى به نوحاً والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه [ (الشورى: 13).
آداب الحوار
لن يجد المتأمل في آيات القرآن وهدي سيد الأنام كبير صعوبة في التوصل إلى آداب الحوار وأخلاقياته، فالقرآن أوضح بجلاء ما ينبغي على المسلم أن يتصف به وهو يحاور غير المسلمين، بينما كان هدي صلى الله عليه وسلم ترجمان ذلك ومصداقه.
والآداب في هذا الباب كثيرة، منها:
1. القول الحسن أثناء الحوار
لما كان الحوار وسيلة من وسائل الدعوة والتعريف بالإسلام، توجب على الدعاة أن يتخلقوا حال دعوتهم بأخلاق الإسلام، ويجتنبوا السوء من القول، ويلتزموا الحسن منه، قال الله تعالى: ]وقولوا للناس حسناً[ (البقرة: 83).
قال القرطبي : " وهذا كله حض على مكارم الأخلاق، فينبغي للإنسان أن يكون قوله للناس ليناً، ووجهه منبسطاً طلقاً مع البر والفاجر والسني والمبتدع مداهنة، أن يتكلم معه بكلام يظن أنه يرضي مذهبه، لأن الله تعالى قال لموسى وهارون: ]فقولا له قولاً ليناً[ (طه: 44)، فالقائل ليس بأفضل من موسى وهارون، والفاجر ليس بأخبث من فرعون، وقد أمرهما الله تعالى باللين معه.
وقال طلحة بن عمر: قلت لعطاء: إنك رجل يجتمع عندك ناس ذوو أهواء مختلفة، وأنا رجل فيّ حدة، فأقول لهم بعض القول الغليظ. فقال: لا تفعل، يقول الله تعالى: ]وقولوا للناس حسناً[ فدخل في هذه الآية اليهود والنصارى ".99
وقال الحسن : "لين القول من الأدب الحسن الجميل والخلق الكريم، وهو مما ارتضاه الله، وأحبه ... قال عطاء بن أبي رباح: من لقيت من الناس فقل له حسناً من القول ".100
ويأمر الله عباده أن يقولوا التي هي أحسن: ]قل لعبادي يقولوا التي هي أحسن إن الشيطان ينزغ بينهم[ (الإسراء: 53). قال القرطبي : " نزلت في عمر بن الخطاب، وذلك أن رجلاً من العرب شتمه وسبه، وهمّ بقتله، فكادت تثير فتنة، فأنزل الله تعالى فيه ]وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن[ " 101(61/14)
قال الحسن: "هو أن يقول للكافر إذا تشطط: هداك الله، يرحمك الله.. وعلى هذا تكون الآية عامة في المؤمن والكافر، أي قل للجميع ".102
قال ابن كثير: "]وجادلهم بالتي هي أحسن[، أي من احتاج منهم إلى مناظرة وجدال، فليكن بالوجه الحسن برفق ولين وحسن خطاب.. فأمر تعالى بلين الجانب كما أمر به موسى وهارون عليهما السلام حين بعثهما إلى فرعون في قوله: ]فقولا له قولاً ليناً لعله يتذكر أو يخشى[ وقوله: ]إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله[ (النحل : 125) الآية، أي قد علم الشقي ".103
ويلفت ابن تيمية النظر إلى أن الله قال: ]ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن[ (النحل : 125)، فطلب الجدال بالتي هي أحسن، "ولم يقل بالحَسنة كما قال في الموعظة، لأن الجدال فيه مدافعة ومغاضبة، فيحتاج أن يكون بالتي هي أحسن، حتى يصلح ما فيه من الممانعة والمدافعة".104
قال الشوكاني في تبيان معنى الحكمة: "أي بالمقالة المحكمة الصحيحة"، بينما فسّر الموعظة بأنها تلك "التي يستحسنها السامع، وتكون في نفسها حسنة باعتبار انتفاع السامع بها".105
وإن من الحكمة والموعظة الحسنة أن لا نجبه من ندعوه بقولنا: يا كافر. في باب العيب واللمز ، وإن كنا لا نشك في كفره يقول نظام الحنفي: "لو قال ليهودي أو مجوسي: يا كافر. يأثم إن شق عليه"106، وذلك الإثم يلحق صاحبه لهجره الحكمة في الدعوة والتي هي أحسن في البلاغ.
2. الغض عن إساءة الآخر ومقابلتها بالإحسان
لا ريب أن اختلاف العقائد يورث الضغائن، وقد يصدر من اللسان ما يسوء المسلم سماعه، سواء ما كان متعلقاً بمعتقده أم بشخصه، وهذه الإساءة فرع عن الكفر الذي يتلبس به المحاور، فماذا يكون موقف المحاور المسلم؟ هل يغلق باب الحوار ويوقف مسار الدعوة، أم يتغاضى عن خطأ الآخر سياسة وصوناً لمصلحة الدعوة؟
لا ريب أن الموقف يفرض التصرف الأمثل الذي يسلكه الداعية تجاه هذا العدوان، إذ قد أذن الشرع برد العدوان : ]وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين[ (النحل: 126)، قال القرطبي: " أيها المؤمنون من ظلمكم واعتدى عليكم، فعاقبوه بمثل الذي نالكم به ظالمكم، ولئن صبرتم عن عقوبته، واحتسبتم عند الله ما نالكم به من الظلم، ووكلتم أمره إليه حتى يكون هو المتولي عقوبته ]لهو خير للصابرين[ يقول: للصبر عن عقوبته بذلك خير لأهل الصبر احتساباً وابتغاء ثواب الله".107
وفي الصبر على أخطاء المخالف يقول الله: ]ادفع بالتي هي أحسنُ السيئةَ نحن أعلم بما يصفون [ (المؤمنون: 96).
قال الطبري : "وخاصمهم بالخصومة التي هي أحسن من غيرها: أن تصفح عما نالوا به عرضك من الأذى، ولا تعصه في القيام بالواجب عليك من تبليغهم رسالة ربك".108
ويقول ابن كثير: " أمر تعالى بمصانعة شيطان الإنس ومداراته بإسداء الجميل إليه، ليرده طبعه عما هو فيه من الأذى..".109
ونقل الطبري عن مجاهد في سياق تفسيره لقوله تعالى: ] ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن[ قولَه: "إن قالوا شراً، فقولوا خيراً: ]إلا الذين ظلموا منهم[ فانتصروا منهم".110
وقال تعالى مبيناً للمؤمنين ما سيتعرضون له من أذى المشركين، وآمراً إياهم بالصبر والتقوى: )ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيراً وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئاً( (آل عمران: 186).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "فأمر سبحانه وتعالى بالصبر على أذى المشركين وأهل الكتاب مع التقوى .... وقد قال سبحانه وتعالى: )ولا يجرمنكم شنآن قومٍ على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى( (المائدة: 8)، فنهى أن يحمل المؤمنين بغضهم للكفار على ألا يعدلوا عليهم... فهذا موضع عظيم المنفعة في الدين والدنيا..".111
وفي آية أخرى أخبر الله بتنكب كثير من أهل الكتاب طريق الإيمان وإعراضهم عما تبين لهم من الحق، بل وصدهم عنه وحرصهم على إضلال المهتدين حسداً وبغياً ، وفي مقابله أمر الله بالعفو والصفح حتى يكون الجزاء في دار عدله : ] ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفاراً حسداً من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره إن الله على كل شيء قدير [(البقرة :109). قال القرطبي: "والعفو ترك المؤاخذة بالذنب ، والصفح إزالة أثره من النفس".112
وقد التزم r أمر ربه فصبر على أذى المشركين وأعرض عنه، ولم يقابل إساءتهم بالمثل، وصور ذلك في سيرته كثيرة.
منها ما صنعه صلى الله عليه وسلم مع اليهود الذين أتوا إليه يحاورونه، تقول عائشة رضي الله عنها: إن اليهود أتوا صلى الله عليه وسلم فقالوا: السام عليك، قال: ((وعليكم))، فقالت عائشة: السام عليكم، ولعنكم الله، وغضب عليكم، فقال رسول ا صلى الله عليه وسلم : ((مهلاً يا عائشة، عليك بالرفق، وإياك والعنف أو الفحش)). قالت: أولم تسمع ما قالوا؟ قال: ((أولم تسمعي ما قلتُ؟ رددت عليهم، فيستجاب لي فيهم، ولا يستجاب لهم فيّ)).113(61/15)
ومثل هذا الأدب صنعه صلى الله عليه وسلم حين قسم قسماً فقال رجل: إن هذه لقسمة ما أريد بها وجه الله، يقول ابن مسعود: فأتيت صلى الله عليه وسلم فأخبرته، فغضب حتى رأيت الغضب في وجهه، ثم قال: ((يرحم الله موسى، قد أوذي بأكثر من هذا، فصبر)).114
ومن حسن المعاملة الإعراض ما أمكن عن المنازعة وأسبابها، ولو بالإعراض عن الإجابة، روى ابن مردويه وابن أبى حاتم بسندهما عن ابن عباس أن قريشاً دعوا رسول ا صلى الله عليه وسلم إلى أن يعطوه مالاً، فيكون أغنى رجل فيهم، ويزوجوه ما أراد من النساء، ويطأون عقبه أي يسودوه.
فقالوا: هذا لك عندنا يا محمد، وكفَّ عن شتم آلهتنا، فلا تذكرها بسوء، فإن لم تفعل فإنا نعرض عليك خصلة واحدة، وهي لك ولنا فيها صلاح، قال: ((ما هي؟)) قالوا تعبد آلهتنا سنة اللات والعزى، و نعبد إلهك سنة.
قال: ((حتى أنظر ما يأتيني من ربي)) فجاءه الوحي من الله من اللوح المحفوظ: ]قل يا أيها الكافرون[ [الكافرون: 1] إلى آخرها ".115
و قوله في هذا الحديث: ((حتى أنظر ما يأتيني من ربي)) نوع من التلطف في الخروج من الموضوع.
قال ابن تيمية: "قد يقول هذا من يقصد به دفع الظالمين بالتي هي أحسن، ليجعل حجته أن الذي عليه طاعته قد منع من ذلك، فيؤخر الجواب حتى يستأمره، وإن كان هو يعلم أن هذا القول الذي قالوه لا سبيل إليه، وقد تخطب إلى الرجل ابنته فيقول: حتى أشاور أمها، وهو يريد أن لا يزوجها بذلك، و يعلم أن أمها لا تشير به، وكذلك قد يقول النائب: حتى أشاور السلطان ".116 فالإعراض عن الجواب نوع من التلطف وأدب من آداب الدعوة والحوار.
3. ترك الخوض فيما لا يحسنه
لعل من الضروريات التي لا يحسن بأحد تجاوزها عدم خوض المرء فيما لا يملك عليه بينة ولا برهاناً، والرزية أن يهرف المرء بما لا يعرف، وأن يقول ما لا يعلم، وهذا الذي نعاه القرآن على أهل الكتاب، وهو ذم لكل من صنع صنيعهم، قال الله تعالى: ]فلم تحاجون فيما ليس لكم به علم[ (آل عمران: 66)، قال القرطبي : " دليل على المنع من الجدال لمن لا علم له، والحظر على من لا تحقيق عنده .. قد ورد الأمر بالجدال لمن علم وأيقن، فقال تعالى: ]وجادلهم بالتي هي أحسن[ ".117
وقال تعالى: ]إن الذين يجادلون فى ءايات الله بغير سلطان أتاهم إن فى صدورهم إلا كبر ما هم ببالغيه فاستعذ بالله إنه هو السميع البصير[ (غافر: 56).
وفي هذه الآيات تقريع من القرآن الكريم لأولئك الذين يخاصمون الأنبياء، ويلجون إلى الحوار دون دليل ولا برهان، ولأنهم لا يملكون علماً ولا حجة، فإنهم يعالجون مسائلهم بالهوى والجدال بالباطل والتكذيب والاستكبار عن قبول الحق.
و صلى الله عليه وسلم - وهو أعلم الخلق - توقف في حواره مع أهل نجران حتى أتاه علم الله في المسألة التي يحاور فيها، إذ لما جاءه راهبا نجران عرض عليهما الإسلام، فقال أحدهما: إنا قد أسلمنا قبلك. فقال: ((كذبتما. إنه يمنعكما عن الإسلام ثلاثة: عبادتكم الصليب، وأكلكم الخنزير، وقولكم: لله ولد)).
قال [الحبر]: من أبو عيسى؟ وكان r لا يعجل حتى يأتي أمر ربه، فأنزل الله تعالى: ] إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون [ (آل عمران: 59) )).118
فالمشاركون في الحوار مدعوون لالتزام هذا الهدي النبوي، وعدم الخوض في قضايا الحوار المختلفة إلا ببينة من الله أو برهان من رسوله.
4. ترك المجال للمحاور بذكر معتقده
ولما كان الحوار يدور بين طرفين أو جهتين، فإنه من الطبيعي أن يعرب كل طرف عن معتقده، وأن يذكر ما يجول في خاطره من تساؤلات، يبحث عن إجابة لها، وقد يقع المحاور غير المسلم بما لم يعتده المسلم من أدب واحترام لشعائر الإسلام، فقد يذكر اسم صلى الله عليه وسلم مجرداً، وقد يقول بأن القرآن من كلام محمد، أو أن المسيح هو الله، وغيرها مما يعتقده ويستنكره المسلم ويستقبحه، بل قد يرغب المحاور بممارسة طقوسه وعبادته، فهل يؤذن له بذلك طلباً لاستمرار الحوار وطمعاً في مصلحة غالبة؟
وفي الإجابة عنه نقول: وقع مثل هذا زمن صلى الله عليه وسلم ، فقد قبِ صلى الله عليه وسلم من حَبر يهودي أن يخاطبه باسمه مجرداً من النبوة، إذ هو مما لا يعتقده محاوره، قال ثوبان: كنت قائماً عند رسول ا صلى الله عليه وسلم ، فجاء حبر من أحبار اليهود فقال: السلام عليك يا محمد. فدفعته دفعة كاد يصرع منها، فقال: لم تدفعني؟ فقلت: ألا تقول: يا رسول الله؟ فقال اليهودي: إنما ندعوه باسمه الذي سماه به أهله، فقال رسول ا صلى الله عليه وسلم : ((إن اسمي محمد الذي سماني به أهلي... )).119
وحين حاور صلى الله عليه وسلم في مسجده بالمدينة وفد نصارى نجران الذي قدم على صلى الله عليه وسلم في خمسة عشر رجلاً بقيادة أسقفهم أبي الحارث؛ أذن لهم صلى الله عليه وسلم أن يقيموا صلاتهم في أحد أركان مسجده.120(61/16)
قال ابن القيم: "وفيها جواز دخول أهل الكتاب مساجد المسلمين، وفيها تمكين أهل الكتاب من صلاتهم بحضرة المسلمين وفي مساجدهم أيضاً إذا كان ذلك عارضاً، ولا يمكنون من اعتياد ذلك ".121
ويقول: "أما الآن فلا مصلحة للمسلمين في دخولهم مساجدَهم والجلوس فيها، فإن دعت إلى ذلك مصلحة راجحة جاز دخولها بلا إذن ".122
ومن صور تسامح المسلمين في حوارهم مع أهل الكتاب تمكينهم من الإعراب عن عقائدهم ومحاورة المسلمين فيما يشكل عليهم فهمه من أمور الإسلام ، ومن ذلك أن المغيرة بن شعبة أتى أهل نجران "فقالوا: ألستم تقرؤون: ]يا أخت هارون[ (مريم: 28)، وقد علمتم ما بين موسى وعيسى. قال المغيرة: فلم أدر ما أجيبهم.
فرجعتُ إلى رسول ا صلى الله عليه وسلم فأخبرته. فقال: ((ألا أخبرتهم أنهم كانوا يسمون بأسماء أنبيائهم والصالحين قبلهم)).123
يقول ابن تيمية: " وهذا السؤال الذي هو سؤال الطاعن في القرآن لما أورده أهل نجران الكفار على رسول رسول ا صلى الله عليه وسلم ، ولم يجبهم عنه: أجاب عنه صلى الله عليه وسلم ، ولم يقل لهم: ليس لكم عندي إلا السيف، ولا قال: قد نقضتم العهد إن كانوا قد عاهدوه، وقد عرف أن أهل نجران لم يرسل إليهم رسولاً إلا والجهاد مأمور به ".124
وهكذا فالإفساح للمخالف في الإعراب عن دينه وممارسة شعائره لون فريد من ألوان التسامح الإسلامي، وهو أيضاً أدب آخر من آداب الحوار والجدال.
5. مداراة المحاور وإكرامه وحسن التعامل معه
ومن آداب الحوار حسن المعاملة مع المحاور، ومداراة المحاور الآخر وإكرامه وحسن استقباله، فعن عائشة رضي الله عنها أن رجلاً استأذن على صلى الله عليه وسلم فلما رآه قال: ((بئس أخو العشيرة، وبئس ابن العشيرة)) فلما جلس تطلَّقَ صلى الله عليه وسلم في وجهه وانبسط إليه.
فلما انطلق الرجل قالت له عائشة: يا رسول الله حين رأيت الرجل قلت له كذا وكذا، ثم تطلقت في وجهه، وانبسطت إليه فقال رسول ا صلى الله عليه وسلم : ((يا عائشة، متى عهدتني فحَّاشاً، إن شر الناس عند الله منزلة يوم القيامة من تركه الناس اتقاء شره)).125
وفي شرح الحديث ينقل ابن حجر عن القرطبي قوله: "في الحديث .. جواز مداراتهم اتقاء شرهم ما لم يؤد ذلك إلى المداهنة في دين الله تعالى ... والفرق بين المداراة والمداهنة أن المداراة بذل الدنيا لصلاح الدنيا أو الدين أو هما معًا , وهي مباحة, وربما استحبت , والمداهنة ترك الدين لصلاح الدنيا , و صلى الله عليه وسلم إنما بذل له من دنياه حسن عشرته والرفق في مكالمته ومع ذلك فلم يمدحه بقولٍ، فلم يناقض قوله فيه فعله , فإن قوله فيه قول حق , وفعله معه حسن عشرة ...".
وعقّب ابن حجر بقوله: " وهذا الحديث أصل في المداراة ".126
ومن المداراة مناداة المحاورين غير المسلمين بما يليق بهم من ألقاب يستحقونها، وتحيتهم تحية مناسبة، كقول صلى الله عليه وسلم : (( بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم )). 127
قال ابن حجر : "قوله: (( عظيم الروم )) فيه عدول عن ذكره بالملك أو الإمرة, لأنه معزول بحكم الإسلام , لكنه لم يخله من إكرام لمصلحة التألف..". 128
قال النووي: " ولم يقل : إلى هرقل فقط , بل أتى بنوع من الملاطفة فقال: ((عظيم الروم)) , أي الذي يعظمونه ويقدمونه , وقد أمر الله تعالى بإلانة القول لمن يدعى إلى الإسلام، فقال تعالى : ] ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة [ (النحل: 125)، وقال تعالى : ] فقولا له قولاً ليناً [ (طه: 44) وغير ذلك".129
وأيضاً من المداراة للآخرين الفعل الحسن، كعيادة مريضهم، وإكرام وفدهم، تأسياً ب صلى الله عليه وسلم في صنيعه مع عدي بن حاتم الطائي وعكرمة بن أبي جهل قبل إسلامهما.
قال عدي بن حاتم: "أتيت رسول ا صلى الله عليه وسلم وهو جالس في المسجد، فقال القوم: هذا عدي بن حاتم. وجئتُ بغير أمان ولا كتاب، فلما دُفعتُ إليه أخذ بيدي .. حتى أتى بي داره، فألقت له الوليدة وسادة، فجلس عليها ". 130
ولما قدم عكرمة بن أبي جهل على صلى الله عليه وسلم قال له : ((مرحباً بالراكب المهاجر))، وفي رواية الطبراني: فلما رآه صلى الله عليه وسلم قام إليه، فاعتنقه، وقال: ((مرحباً بالراكب المهاجر)).131
ومن قبل أحسن صلى الله عليه وسلم معاملة أبيه على طغيانه وكفره، يقول المغيرة بن شعبة: إن أول يوم عرفت فيه رسول ا صلى الله عليه وسلم أني كنت أمشي مع أبي جهل بمكة، فلقينا رسول ا صلى الله عليه وسلم فقال له: ((يا أبا الحكم، هلم إلى الله وإلى رسوله وإلى كتابه، أدعوك إلى الله)).132 فنادا صلى الله عليه وسلم بأحب الأسماء إليه تألفاً لقلبه.
ومن المداراة وحسن التعامل مع الآخر صنيع مؤمن آل فرعون مع قومه، فقد كان يقول لهم مع كل نصيحة : ]يا قوم[ (غافر: 30، 32، 38، 39، 41). يتألفهم بذلك. قال القرطبي: "فقال: ]يا قوم[ ليكونوا أقرب إلى قبول وعظه".133(61/17)
فالمحاور المسلم يتأدب بالرفق و اللطف والمدارة، إذ الرفق ما كان في شيء إلا زانه، ولا نزع من شيء إلا شانه.
6- التنزل مع الخصم في الحوار ومجادلته بالحجج القريبة إليه
قال تعالى: ]وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين[ (سبأ: 24) قال القرطبي: "هذا على وجه الإنصاف في الحجة كما يقول القائل: أحدنا كاذب، وهو يعلم أنه صادق وأن صاحبه كاذب، والمعنى: ما نحن وأنتم على أمر واحد، بل على أمرين متضادين، وأحد الفريقين مهتد، وهو نحن، والآخر ضال، وهو أنتم".134
ونقل القرطبي قول بعض أهل العلم : "وقد علم أنه على هدى، وأنهم على ضلال مبين، ولكنه رفق بهم في الخطاب، فلم يقل: أنا على هدى، وأنتم على ضلال".135
ويعلمنا الله هذا الأدب في التعامل مع الآخرين، وهو يؤدب نبيه بقوله: ]قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين[ (الزخرف: 81)، قال القرطبي: "وقيل: المعنى: قل يا محمد: إن ثبت لله ولد فأنا أول من يعبد ولده، ولكن يستحيل أن يكون له ولد، وهو كما تقول لمن تناظره: إن ثبت ما قلت بالدليل، فأنا أول من يعتقده، وهذه مبالغة في الاستبعاد، أي لا سبيل إلى اعتقاده، وهذا ترقيق في الكلام كقوله: ]وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين[ (سبأ: 24)، والمعنى على هذا: فأنا أول العابدين لذلك الولد، لأن تعظيم الولد تعظيم للوالد ".136
قال الطبري: " لم يكن على وجه الشك، ولكن على وجه الإلطاف في الكلام وحسن الخطاب، كما قال جل ثناؤه: ] قل الله وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين[ (سبأ: 24)، وقد علم أن الحق معه، وأن مخالفيه في الضلال المبين ". 137
ومثله صنيع إبراهيم عليه السلام من قبل، حيث قال لقومه: ] فلما جن عليه الليل رأى كوكباً قال هذا ربي فلما أفل قال لا أحب الآفلين فلما رأى القمر بازغاً قال هذا ربي فلما أفل قال لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين فلما رأى الشمس بازغةً قال هذا ربي هذا أكبر فلما أفلت قال يا قوم إني بريءٌ مما تشركون [ (الأنعام: 76-78).
قال الرازي: "هذه المباحثة إنما جرت مع قومه لأجل أن يرشدهم إلى الإيمان والتوحيد، لا لأجل أن إبراهيم كان يطلب الدين والمعرفة لنفسه".
وقوله عليه السلام عن الشمس والقمر والكوكب: ] هذا ربي[ إنما نوع من التدرج في إبطال ربوبيتها.
وقد ذكر الرازي وجوهاً في توجيه قول إبراهيم عليه السلام منها " أنه e ".138
قال ابن القيم: " قاله على سبيل التقرير، لتقريع قومه أو على سبيل الاستدلال والترقي "139، وقال : "قيل: إنها على وجه إقامة الحجة على قومه، فتصور بصورة الموافق ليكون أدعى إلى القبول، ثم توسل بصورة الموافقة إلى إعلامهم بأنه لا يجوز أن يكون المعبود ناقصاً آفلاً ".140
ودعا الله نبيه إلى تألف قلوب اليهود والنصارى ودعوتهم إلى الإسلام من خلال دعوتهم إلى محبب إليهم ، إلى اتباع ملة إبراهيم الذي يؤمنون به، وهي في الحقيقة دعوة كل الأنبياء، فقال: ] وقالوا كونوا هوداً أو نصارى تهتدوا قل بل ملة إبراهيم حنيفاً وما كان من المشركين قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحدٍ منهم ونحن له مسلمون [ (البقرة: 135-136).
قال الطبري: "احتج الله لنبيه صلى الله عليه وسلم أبلغ حجة وأوجزها وأكملها، وعلَّمها محمداً نبيَ صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد، قل للقائلين لك من اليهود والنصارى ولأصحابك: ]كونوا هوداً أو نصارى تهتدوا[ (البقرة: 135) : بل تعالوا فلنتبع ملة إبراهيم التي يجمِع جميعُنا على الشهادة لها؛ بأنها دين الله الذي ارتضاه واجتباه، وأمر به، فإن دينه كان الحنيفية المسلمة، ونَدَع سائر الملل التي نختلف فيها، فينكرها بعضنا، ويقر بها بعضنا، فإن ذلك على اختلافه لا سبيل لنا إلى الاجتماع عليه، كما لنا السبيل إلى الاجتماع على ملة إبراهيم".141
ومن التنزل مع الآخر والرفق في مجادلته مخاطبتُه باصطلاحاته ولغته، يقول ابن تيمية: "وأما مخاطبة أهل الاصطلاح باصطلاحهم ولغتهم فليس بمكروه، إذا احتيج إلى ذلك، وكانت المعاني صحيحة، كمخاطبة العجم من الروم والفرس والترك بلغتهم وعُرفهم، فإنَّ هذا جائزٌ حسن للحاجة، وإنما كرهه الأئمة إذا لم يحتاجوا إليه".142
وقال رحمه الله: "ولا ريب أن الألفاظ في المخاطبات تكون بحسب الحاجات كالسلاح في المحاربات، فإذا كان عدو المسلمين - في تحصنهم وتسلحهم - على صفة غير الصفة التي كانت عليها فارس والروم، كان جهادهم بحسب ما توجبه الشريعة التي مبناها على تحري ما هو لله أطوع وللعبد أنفع، وهو الأصلح في الدنيا والآخرة، وقد يكون الخبير بحروبهم أقدر على حربهم ممن ليس كذلك، لا لفضل قوته وشجاعته، ولكن لمجانسته لهم، كما يكون الأعجمي المتشبه بالعرب - وهم خيار العجم - أعلم بمخاطبة قومه الأعاجم من العربي ".143(61/18)
ويقول: "كما نتنزل إلى اليهودي والنصراني في مناظرته، وإنْ كنا عالمين ببطلان ما يقوله اتباعاً لقوله تعالى: )وجادلهم بالتي هي أحسن( (النحل: 125) وقوله: )ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن( ( العنكبوت:46)، وإلا فعلمنا ببطلان ما يعارضون به القرآن والرسولل ويصدون به أهل الإيمان عن سواء السبيل، وإن جعلوه من المعقول بالبرهان أعظم من أن يبسط في هذا المكان".144
وقال الشيخ ابن سعدي: " فإن كان المدعو يرى أن ما هو عليه الحق أو كان داعية إلى الباطل، فيجادل بالتي هي أحسن، وهي الطرق التي تكون أدعى لاستجابته عقلاً ونقلاً، ومن ذلك الاحتجاج عليه بالأدلة التي كان يعتقدها، فإنه أقرب إلى حصول المقصود".145
لكن هذا لا يعني موافقة الآخر على أصوله الباطلة قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "والله تعالى لا يأمر المؤمنين أن يجادلوا بمقدمة يسلمها الخصم إنْ لم تكن علماً، فلو قُدرَ أنه قال باطلاً، لم يأمر الله أن يحتج عليهم بالباطل، لكنَّ هذا قد يفعل لبيان فساد قوله وبيان تناقضه، لا لبيان الدعوة إلى القول الحق ودعوة العباد إليه..".146
7- إنصاف المخالف بذكر إيجابياته وموافقته فيما يصدر عنه من حق
المسلم رائده الحق، والحكمة ضالته، فهو يأخذها ويقر بها بلا غضاضة، من أي طريق جاءت، فالرسو صلى الله عليه وسلم قال لأبي هريرة عن الشيطان مصدر الشرور والآثام: ((صدقك، وهو كذوب، ذاك شيطان)).147
وعلى هذا الأدب درج أصحاب صلى الله عليه وسلم فأقروا لمخالفيهم ما عندهم من صور إيجابية، قال المستورد القرشي وهو عند عمرو بن العاص: سمعت رسول ا صلى الله عليه وسلم يقول: ((تقوم الساعة والروم أكثر الناس)). فقال له عمرو: أبصر ما تقول! قال: أقول ما سمعتُ من رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال: لئن قلت ذلك، إن فيهم لخصالاً أربعاً: إنهم لأحلَم الناس عند فتنة، وأسرعهم إفاقة بعد مصيبة، وأوشكهم كرة بعد فرة، وخيرهم لمسكين ويتيم وضعيف، وخامسة حسنة جميلة: وأمنعهم من ظلم الملوك.148
ولا غرو في ذلك الإقرار للمخالف بمزيته، فقد أدبهم القرآن وصاغهم ، حين دعاهم إلى التزام العدل مع المخالفين ]ولا يجرمنكم شنئان قوم على أن لا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى[ (المائدة: 2).
فقد قال تعالى مثبتاً بعض خصال الخير لأهل الكتاب: ]ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك إلا ما دمت عليه قائماً ذلك بأنهم قالوا ليس علينا في الأميين سبيلٌ ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون[ (آل عمران: 75).
وكذا أثنى صلى الله عليه وسلم على النجاشي بما فيه من خِلال الخير، وهو يومئذ على الكفر، فقال لأصحابه: (( إن بالحبشة ملكاً لا يظلم عنده أحد , فلو خرجتم إليه حتى يجعل الله لكم فرجاً)). 149
وفي درس بليغ آخر يقبل صلى الله عليه وسلم من يهودي نصيحته، ففي الحديث ترويه قتيلة بنت صيفي الجهنية قالت: أتى حبر من الأحبار رسولَ ا صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد، نِعم القوم أنتم لولا أنكم تشركون؟ قال: (( سبحان الله! وما ذاك؟)) قال: تقولون إذا حلفتم: والكعبة.
قالت: فأمهل رسول ا صلى الله عليه وسلم شيئاً ثم قال: ((إنه قد قال [أي حقاً]، فمن حلف فليحلف برب الكعبة)).150
وكان معاذ بن جبل رضي الله عنه يقول: "اقبلوا الحق من كل من جاء به، وإن كان كافراً - أو قال فاجراً - واحذروا زيغة الحكيم، قالوا: كيف نعلم أن الكافر يقول كلمة الحق؟ قال: إن على الحق نوراً".151
وكان شيخ الإسلام ابن تيمية يقول : " ولكنّ الحق يقبل من كل من تكلم به".152
وهكذا فإن الحق رائد المحاور المسلم، كائناً من كان قائله، ورفض الحق والاستكبار عن قبوله من الآخر مجاف لآداب الإسلام، الذي يوصي المؤمنين: ]ولا يجرمنكم شنئان قوم على أن لا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى[ (المائدة:2).
8- حسن الاستماع للمحاور الآخر
من أهم الآداب التي لا ينفك عنها الحوار؛ حسنُ الاستماع للمحاور الآخر، إذ لا يمكن تحقيق المرجو من الحوار إذا كان من طرف واحد، بل لا يمكن تسميته حينذاك حواراً، ولا يخفى أن المحاور المسلم سيسمع من محاوره نصرة لدينه الباطل وكفراً بالمعتقد الحق الذي يدعو هو إليه، لكن سماعه لذلك ضروري ليُسمع الآخرين هدي الله.
وقد جلس صلى الله عليه وسلم إلى عتبة بن ربيعة يستمع إليه، وهو يعرض على صلى الله عليه وسلم حطاماً من الدنيا، ويطلب منه التخلي عن دعوته ودينه في مقابلها، يقول ابن هشام: "حتى إذا فرغ عتبة ورسول ا صلى الله عليه وسلم يستمع منه قال: ((أقد فرغت يا أبا الوليد؟)) قال: نعم. قال: ((فاسمع مني)) قال: أفعل ".153
ومن هذا الأدب السامي استلهم عطاء بن أبي رباح خصلة من خصال الخلق الجم، فيقول : " إن الرجل ليحدثني بالحديث، فأنصت له، كأني لم أسمعه، وقد سمعته قبل أن يولد".154(61/19)
ولا ريب أن تخلق المحاور المسلم بهذه الآداب واجب شرعي، وهو أدعى إلى قبول دعوته وسماع حجته، فالدعوة إلى الإسلام بالحوار والجدال ينبغي أن تكون منضبطة بالوسائل والآداب الشرعية التي رأيناها في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم
هل آيات الأمر بالدعوة والجدال والحوار منسوخة بآية السيف؟
لكن ما سقناه من آيات كريمة تحث على جدال المشركين بالتي هي أحسن، وتأمر المسلمين بحسن دعوتهم يراه بعض أهل العلم منسوخاً بآية السيف، وهي قوله تعالى : ] وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة [ (التوبة: 36)، حيث جعلت الآية - حسب رأيهم - شِرعة الجهاد وسيلة الدعوة للكفار، وحين تخضع أو تزول دولتهم وتذل بالجزية رقابهم، حينئذ يستيقظ ما غاب عنهم من عقولهم وما انطمس من فطرهم.
وقال ابن عطية في تفسيره لآية السيف : " وهذه الآية نسخت كل موادعة في القرآن أو ما جرى مجرى ذلك، وهي على ما ذكر مائة آية وأربع عشرة آية". 155
وهذا الرأي على شهرته في كتب التفسير تضعفه أمور:
* أن النسخ يتضمن رفع حكم شرعي ثبت بدليل شرعي، فلا يصح هذا الرفع والنسخ إلا بدليل معتبر شرعاً، يقول الشاطبي: "إن الأحكام إذا ثبتت على المكلف، فادعاء النسخ فيها لا يكون إلا بأمر محقق، لأن ثبوتها على المكلف أولاً محقق، فرفعها بعد العلم بثبوتها لا يكون إلا بمعلوم محقق.
ولذلك أجمع المحققون على أن خبر الواحد لا ينسخ القرآن ولا الخبرَ المتواتر؛ لأنه رفع للمقطوع به بالمظنون. فاقتضى هذا أن ما كان من الأحكام المكية يدعى نسخه، فلا ينبغي قبول تلك الدعوى فيه إلا مع قاطع بالنسخ، بحيث لا يمكن الجمع بين الدليلين، ولا دعوى الإحكام فيهما. وهكذا يقال في سائر الأحكام، مكية كانت أو مدنية".156
ونقل السيوطي عن ابن الحصار الأنصاري قوله: "إنما يرجع في النسخ إلى نقل صريح عن رسول ا صلى الله عليه وسلم ، أو عن صحابي يقول: آية كذا نسخت آية كذا".
ثم ذكر السيوطي أمراً آخر يدفع العلماء إلى القول بالنسخ، وهو تعارض النصوص، الذي لا سبيل للجمع فيه، يقول: "وقد يحكم به عند التعارض المقطوع به، مع علم التاريخ، لنعرف المتقدم والمتأخر.. ولا يعتمد في النسخ قول عوامّ المفسرين، بل ولا اجتهاد المجتهدين من غير نقل صحيح، ولا معارضة بيّنة، لأن النسخ يتضمن رفع حكم، وإثبات حكم تقرر في عهده صلى الله عليه وسلم والمعتمد فيه: النقل والتاريخ، دون الرأي والاجتهاد".157
ويسوق ابن حزم ضابطاً ثالثاً لصحة ادعاء النسخ، ألا وهو الإجماع، فيقول: "فإذا اجتمعت علماء الأمة كلهم بلا خلاف من واحد منهم على نسخ آية أو حديث، فقد صح النسخ حينئذ".
أما إذا لم يحصل الإجماع - كما في مسألتنا - فإنه لا يُصار إلى النسخ إلا "إن وجدنا الأمرين لا يمكن استعمالهما معاً، أو وجدنا أحدهما كان بعد الآخر بلا شك، أو وجدنا نصاً جلياً يصرح بالنسخ، ووجدنا نصاً في ذلك من نهي بعد أمر، أو أمر بعد نهي".
أما إذا لم تقترن دعوى النسخ بدليلها، فإن ابن حزم يرد هذا، وينكره، فيقول: "لا يحل لمسلم يؤمن بالله واليوم الآخر أن يقول في شيء من القرآن والسنة: هذا منسوخ إلا بيقين؛ لأن الله عز وجل يقول: ]وما أرسلنا من رسولٍ إلا ليطاع بإذن الله[ (النساء: 64) وقال تعالى: ]اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم[ (الأعراف: 3).
فكل ما أنزل الله تعالى في القرآن أو على لسان نبيه، ففرضٌ اتباعه، فمن قال في شيء من ذلك: إنه منسوخ، فقد أوجب ألا يطاع ذلك الأمر، وأسقط لزوم اتباعه، وهذه معصية لله تعالى مجردة وخلاف مكشوف، إلا أن يقوم برهان على صحة قوله، وإلا فهو مفترٍ مبطل... ولا يجوز لنا أن نسقط طاعة أمر، أمرنا به الله تعالى ورسوله، إلا بيقين لا شك فيه". 158
أما القرطبي فيكتفي بذمِّ هذا الصنيع وتخطئة صاحبه، إذ يقول: "الناس في هذا بين طرفي نقيض، فمن قائل: لا يقبل في النسخ أخبار الآحاد العدول، ومن تساهل يكتفي فيه بقول مفسر أو مجتهد، والصواب خلاف قولهما".159
ثم إن علماء التفسير وهم ينقلون دعوى نسخ هذه الآيات نقلوا أقوال محققي أهل العلم في إحكام تلك النصوص، يقول الطبري في سياق تفسير قوله تعالى: ]ولا تجادلوا أهل الكتاب [ (العنكبوت: 146): " لا معنى لقول من قال: نزلت هذه الآية قبل الأمر بالقتال، وزعم أنها منسوخة، لأنه لا خبر بذلك يقطع العذر، ولا دلالة على صحته من فطرة عقل، وقد بينا في مواضع من كتابنا: أنه لا يجوز أن يحكم على حكم الله في كتابه بأنه منسوخ إلا بحجة يجب التسليم لها من خبر أو عقل".160
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية: "ما ذكره الله تعالى من مجادلة أهل الكتاب بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا محكم لم ينسخه شيء، وكذلك ما ذكره تعالى من مجادلة الخلق مطلقاً بقوله : ] ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن[ (النحل: 125).(61/20)
فإن من الناس من يقول: آيات المجادلة والمحاجة للكفار منسوخات بآية السيف لاعتقاده أن الأمر بالقتال المشروع ينافي المجادلة المشروعة، وهذا غلط، فإن النسخ إنما يكون إذا كان الحكم الناسخ مناقضاً للحكم المنسوخ، كمناقضة الأمر باستقبال المسجد الحرام في الصلاة للأمر باستقبال بيت المقدس بالشام …
وقوله: )ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن( (العنكبوت: 46)، فهذا لا يناقضه الأمر بجهاد من أمر بجهاده منهم، ولكن الأمر بالقتال يناقض النهي عنه والاقتصار على المجادلة، فأما مع إمكان الجمع بين الجدال المأمور به والقتال المأمور به فلا منافاة بينهما، وإذا لم يتنافيا، بل أمكن الجمع لم يجز الحكم بالنسخ، ومعلوم أن كلاً منهما ينفع حيث لا ينفع الآخر، وأن استعمالهما جميعاً أبلغ في إظهار الهدى ودين الحق".161
ويستدل شيخ الإسلام لقوله بإحكام آيات الجدال بفعل صلى الله عليه وسلم ومحاجته للمشركين قبل نزول آية السيف وبعدها " وإذا كان صلى الله عليه وسلم يحاج الكفار بعد نزول الأمر بالقتال، وقد أمره الله تعالى أن يجير المستجير حتى يسمع كلام الله، ثم يبلغه مأمنه، والمراد بذلك تبليغ رسالات الله وإقامة الحجة عليه، وذلك قد لا يتم إلا بتفسيره له، الذي تقوم به الحجة، ويجاب به عن المعارضة، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، علم بطلان قول من ظن أن الأمر بالجهاد ناسخٌ الأمر بالمجادلة مطلقاً ".162
وأيضاً فإن ابن حزم يرى آيات الجدال محكمة، بل يعتبرها نوعاً من الجهاد المأمور به: "وأما مجاهدة الكفار باللسان فما زال مشروعاً من أول الأمر إلى آخره، فإنه إذا شرع جهادهم باليد، فباللسان أولى، وقد قا صلى الله عليه وسلم : ((جاهدوا المشركين بأيديكم وألسنتكم وأموالكم))". 163
ويستدل لرأيه أيضاً بأن صلى الله عليه وسلم "كان ينصب لحسان منبراً في مسجده يجاهد فيه المشركين بلسانه جهاد هجو، وهذا كان بعد نزول آيات القتال".164
وهذا هدي رسول ا صلى الله عليه وسلم حتى وفاته، وعليه سار أصحابه من بعده، فإن "رسول ا صلى الله عليه وسلم لم يزل في جدال الكفار على اختلاف مللهم ونحلهم إلى أن توفي، وكذلك أصحابه من بعده، وقد أمره سبحانه بجدالهم بالتي هي أحسن في السور المكية والمدنية.. وبهذا قام الدين، وإنما جعل السيف ناصراً للحجة". 165
وفي سياق شرح قوله تعالى: ] لكم دينكم ولي دين [ (الكافرون: 6)، وهي آية زعم بعض أهل العلم انها منسوخة بآية السيف، وذلك أنهم فهموا منها إقراراً للمشركين على شركهم، نُسٍخ بجهادهم وقتالهم، يقول ابن القيم: " إن هذه الأخبار بأن لهم دينهم وله دينه, هل هو إقرار فيكون منسوخاً أو مخصوصاً؟ أو لا نسخ في الآية ولا تخصيص؟ فهذه مسألة شريفة من أهم المسائل المذكورة.
وقد غلط في السورة خلائق، وظنوا أنها منسوخة بآية السيف، لاعتقادهم أن هذه الآية اقتضت التقرير لهم على دينهم، وظن آخرون أنها مخصوصة بمن يُقَرون على دينهم، وهم أهل الكتاب، وكلا القولين غلط محض، فلا نسخ في السورة ولا تخصيص، بل هي محكمة...
ومنشأ الغلط ظنّهم أن الآية اقتضت إقرارهم على دينهم، ثم رأوا أن هذا الإقرار زال بالسيف, فقالوا: منسوخ...ومعاذ الله أن تكون الآية اقتضت تقريراً لهم أو إقراراً على دينهم أبداً، بل لم يزل رسول ا صلى الله عليه وسلم - في أول الأمر وأشده عليه وعلى أصحابه - أشد على الإنكار عليهم، وتعييب دينهم وتقبيحه والنهي عنه، والتهديد والوعيد كل وقت وفي كل ناد، وقد سألوه أن يكف عن ذكر آلهتهم وعيب دينهم ويتركوه وشأنه, فأبى إلاّ مضياً على الإنكار عليهم وعيب دينهم، فكيف يقال: إن الآية اقتضت تقريره لهم؟
معاذ الله من هذا الزعم الباطل، وإنما الآية اقتضت البراءة المحضة - كما تقدم -، وأن ما هم عليه من الدين لا نوافقهم عليه أبداً؛ فإنه دين باطل، فهو مختص بكم لا نشرككم فيه، ولا أنتم تشركوننا في ديننا الحق، فهذه غاية البراءة والتنصل من موافقتهم في دينهم، فأين الإقرار حتى يدعى النسخ أو التخصيص؟...
بل هذه آية قائمة محكمة ثابتة بين المؤمنين والكافرين إلى أن يُطهِر الله منهم عباده وبلاده".166
ويسوق القرطبي حجة لمن أثبت الإحكام لبعض هذه الآيات، فيقول: "والحجة لهذا القول ما رواه زيد بن أسلم عن أبيه قال: سمعت عمر بن الخطاب يقول لعجوز نصرانية: أسلمي تسلمي، إن الله بعث محمداً بالحق قالت: أنا عجوز كبيرة والموت أقرب إليّ ! فقال عمر: اللهم أشهد، وتلا: ] لا إكراه في الدين [ (البقرة: 256).167، فاستشهاد عمر بالآية دليل على أنه يراها محكمة.
ومثله صنع عمر مع مملوكه أسبق فقد روى ابن أبي حاتم بإسناده عن أسبق قال: كنت في دينهم مملوكاً نصرانياً لعمر بن الخطاب، فكان يعرض علي الإسلام، فآبى، فيقول: ]لا إكراه في الدين[ ويقول: (يا أسبق، لو أسلمتَ لاستعنّا بك على بعض أمور المسلمين).168(61/21)
وأكد ذلك رضي الله عنه في عهدته المشهورة لأهل القدس، فقد جاء فيها " هذا ما أعطى عبد الله عمر بن الخطاب - أمير المؤمنين - أهل إيليا من الأمان: أعطاهم أماناً لأنفسهم وأموالهم ولكنائسهم وصلبانهم وسقيمها وبريئها وسائر ملتها: ألا تسكن كنائسهم ولا تهدم ، ولا ينتقص منها، ولا من خيرها، ولا من صليبهم، ولا من شيء من أموالهم ، ولا يكرهون على دينهم، ولا يضار أحد منهم..".169
وبخصوص آية السيف، فإن العلماء لهم فيها تأويلات سوى تأويلها المشهور، فقد فسرها الطبري بأنها دعوة للوحدة في وجه المشركين، لا أنها تدعو لقتالهم أجمعين، يقول الطبري: "يقول جل ثناؤه: ]وقاتلوا المشركين [ بالله - أيها المؤمنون - جميعاً غير مختلفين، مؤتلفين غير مفترقين، كما يقاتلكم المشركون جميعاً، مجتمعين غير مفترقين".170
ونقل عن ابن عباس وقتادة والسدي أقوالاً في ذلك، فالآية - وفق تفسيره - ليست أمراً بشن الحرب على الكفار جميعاً، بل دعوة للتناصر والوحدة في وجه العدو الذي يقاتلنا مجتمعاً.
والقول بنسخ آيات الجدال يعارضه قول طائفة من العلماء من التابعين وغيرهم، يرون آيات الجدال محكمة، ومنه قول مجاهد عن قوله تعالى: ]ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن[ قال: "هي محكمة، فيجوز مجادلة أهل الكتاب بالتي هي أحسن على معنى الدعاء لهم إلى الله عز وجل والتنبيه على حججه وآياته رجاء إجابتهم إلى الإيمان، لا على طريق الإغلاظ والمخاشنة، وقوله على هذا ] إلا الذين ظلموا منهم[ معناه: ظلموكم، وإلا فكلهم ظلم على الإطلاق...".
ثم ساق القرطبي قول القائلين بالنسخ، وأتبعه بقوله: "وقول مجاهد حسن، لأن أحكام الله عز وجل لا يقال فيها: إنها منسوخة؛ إلا بخبر يقطع العذر أو حجة من معقول، واختار هذا القول ابن العربي".171
قال ابن تيمية: "فهذا مجاهد لا يجعلها منسوخة، وهو قول أكثر المفسرين".172
ومن هؤلاء المفسرين ابن كثير، فهو أيضاً يميل إلى رد دعوى النسخ في آيات جدال الكفار، فيقول: "بل هي باقية محكمة لمن أراد الاستبصار منهم في الدين، فيجادل بالتي هي أحسن، ليكون أنجع فيه، كما قال تعالى: ] ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة[ الآية، وقال تعالى لموسى وهارون حين بعثهما إلى فرعون: ] فقولا له قولاً ليناً لعله يتذكر أو يخشى[، وهذا القول اختاره ابن جرير، وحكاه عن ابن زيد".173
وقال ابن الجوزي: "وقد ذهب كثير من المفسرين إلى أن هذه الآية منسوخة بآية السيف، وفيه بُعد، لأن المجادلة لا تنافي القتال، ولم يقل له: اقتصر على جدالهم، فيكون المعنى: جادلهم، فإن أبوا فالسيف، فلا يتوجه نسخ".174
- وكذا ادعى بعض أهل العلم النسخ في قوله تعالى: ]فإنما عليك البلاغ[ (آل عمران:20)، لكن غيرهم من العلماء ضعفوه وخالفوهم فيه، وردوا عليهم دعواهم لعدم الدليل عليها. قال القرطبي: " أي: إنما عليك أن تبلغ، قيل: إنه مما نسخ بالجهاد. وقال ابن عطية: وهذا يحتاج إلى معرفة تاريخ نزولها ".175
- وقد ادعوا النسخ أيضاً في قوله تعالى: ] وإن تولوا فإنما عليك البلاغ المبين[ (النحل: 82)، قال ابن الجوزي: "ذهب بعض المفسرين إلى أن هذا الكلام اقتضى الاقتصار على التبليغ دون القتال، ثم نسخ بآية السيف، وقال بعضهم: لما كان حريصاً على إيمانهم مزعجاً نفسه في الاجتهاد في ذلك سكّن جأشه بقوله: ] إنما أنت نذير [ (هود: 12) و] فإنما عليك البلاغ [، والمعنى: لا تقدر على سوق قلوبهم إلى الصلاح، فعلى هذا لا نسخ". 176
- وقال ابن الجوزي عن آية سورة الرعد ] فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب[ (الرعد: 40): "قالوا: نسخ بآية السيف، وعلى ما سبق تحقيقه في نظائرها لا وجه للنسخ".177
- وادعى بعض أهل العلم نسخ قوله تعالى: ] لست عليهم بمسيطر [ (الغاشية: 22)، فقال ابن الجوزي: "وقد قال بعض المفسرين في معناها: لست عليهم بمسلط، فتكرههم على الإيمان، فعلى هذا لا نسخ...".178
- وادعى بعض أهل العلم أيضاً نسخ آية سورة التين، وهي قوله : ] أليس الله بأحكم الحاكمين[ (التين: 8)، فقالوا: "نسخ معناها بآية السيف، لأنه ظن أن معناها: دعهم وخلِّ عنهم، وليس الأمر كما ظن، فلا وجه للنسخ".179
وبهذا البيان تبين أن القول بنسخ آيات الجدال دعوى لا تقبل إلا ببرهان قاطع، لأن النسخ دعوى لرفع لوجوب العمل في بعض أمر الله، ولا يصار إلى مثل هذا إلا بدليل معتبر يكافئه.
ومثل هذا الدليل لم نجده عند أولئك الذين ادعوا نسخ آيات الجدال بالجِلاد ، بل هم محجوجون بفعل الصحابة ثم إطباق العلماء على إحكام هذه النصوص وعدم رفع أحكامها.
محظورات في الحوار
ينظر الكثيرون من الغيورين إلى الحوار نظرة المتشكك المرتاب في أهدافه ومقاصده، كما لا تخطئ عيونهم رؤية بعض الأخطاء التي يقع فيها المحاورون من المسلمين، مما يعزز اعتقادهم بعدم جدوى الحوار لغلبة مفاسده.(61/22)
ويرى المتشككون في الحوار أن منطلقات الحوار تدعو للريبة، وأن الذي دفع الغرب بمؤسساته المختلفة تجاه الحوار انفتاح شعوبه على الإسلام، واعتناق ألوف منهم إياه؛ ورأت تلك المؤسسات أن لا جدوى من المجابهة والتحدي، فلجؤوا إلى الحوار للظهور بمظهر الِندّ، لا المهزوم، والموافق لا المجابه، ولعلهم بذلك يطفؤون روح التشوّف إليه لدى رعاياهم، ويُثبتون فيهم هامشية الفروق بين الأديان، وعليه فإن الواجب يفرض علينا تفويت الفرصة عليهم والامتناع عن معونتهم في بلوغ غاياتهم من الحوار.
ومما عمّق هذا الشعور المرتاب أن المؤسسات الكنسية صرحت بنيّتها استغلال الحوار، وجعله وسيلة للتبشير، يقول الدستور الرعوي الصادر عن المجمع الفاتيكاني الثاني: "تبدو الكنيسة رمز هذه الإخوة التي تنتج الحوار الصادق وتشجعه، وذلك بفعل رسالتها التي تهدف إلى إنارة المسكونة كلها بنور البشارة الإنجيلية".
كما أصدرت الكنيسة الكاثوليكية وثيقة بعنوان: (حوار وبشارة) عام 1991م، جاء فيها: "إن المسيحين وهم يعتمدون الحوار بروح منفتح مع أتباع التقاليد الدينية الأخرى؛ يستطيعون أن يحثوهم سلمياً على التفكير في محتوى معتقدهم ... ".
وأما مجلس الكنائس العالمي البروتستنتي فقد صرح بالدعوة إلى استغلال الحوار للتبشير في كتاب (توجيهات للحوار)، وفيه: "يمكننا بكل صدق أن نحسب الحوار كإحدى الوسائل التي من خلالها تتم الشهادة ليسوع المسيح في أيامنا".180
لكنا نلفت النظر إلى أن الحوار الذي تشير إليه الكنيسة ليس الحوار الذي تديره المؤسسات العلمية والثقافية التي لا يمكن التأثير عليها، فمثل هؤلاء الحوار معهم محبذ ومحمود، لكن الحوار الذي تنشده الكنيسة وتمارسه حقيقة في كثير من المواطن هو الحوار مع دهماء المسلمين وعامتهم، وهو ما قد ينجح فيه التبشير ويحقق ما يحذره المتشككون والرافضون لمشروع الحوار.
كما يحجم المتشككون في مصداقية جولات الحوار السابقة عن المشاركة في جولاته اللاحقة لما يرونه من مشاركة بعض الأطراف الإسلامية التي لا يخلو منهجها من دخن كالعصرانيين وغيرهم ممن لا يعبرون عن الموقف الإسلامي الأصيل في قضايا الحوار، ولعل من أهم أسباب اتساع هذه المثلبة تباعد الغيورين عن هذا الميدان الذي تضمن مشاركتهم فيه ظهور الموقف الإسلامي الناصع المبني على هدي الكتاب والسنة.
وينقل الدكتور أحمد سيف التركستاني بعض حجج المانعين من الحوار، إذ يرون "أن الحوار يقود إلى الفتنة والصدام" ، وقاعدة سد الذرائع - حسب رأيهم - تبرر الإعراض عن المشاركة في الحوار، وهذه الحجة يراها الدكتور التركستاني نوعاً من تغييب الحقيقة، ويرى أن تجاوزها ممكن، إذا أخذنا "بشروط الحوار الصحيح الخالي من الجدل العقيم أو غير الملتزم بآداب الحوار". 181
كما يحجم البعض عن المشاركة في الحوار لأنه "يعطي الفرصة لتلميع الآراء الباطلة" وهذا تعميم لا يوافق عليه الدكتور التركستاني ، إذ يرى "الغالب أن الآراء الباطلة إنما تكتسب بريقها إذا انفردت بالأجواء والأضواء ، بعيداً عن الاعتراض عليها والتصدي لها بالحوار"، ويصل إلى نتيجة مفادها أن "الحوار يعطي الفرصة لتوهين الآراء الباطلة وخفض درجة توهجها وبريقها ، وذلك بما يكشفه من الحق المناقض لها ومن الباطل المنطوي فيها". 182
وإذ نسجل هذه الاعتراضات وتلك النظرات المتشككة في مصداقية الحوار، فإننا نرى ضعفها وعدم كفايتها في تغييب صوت الحق عن مجالس الحوار والنقاش، وما تؤدي إليه من تصحيح للمفاهيم الخاطئة وتحييد لبعض القوى والمؤسسات المعادية للإسلام، بل واجتذاب غير المسلمين ودعوتهم إلى دين الله القويم.
وفراراً من الوقوع في أخطاء الماضي ، وسعياً للوصول إلى صورة منضبطة بآداب الشرع نعرض لبعض الأخطاء والمحظورات التي ترتكب في الحوار:
1- الوقوع في المداهنة
لما كانت ملتقيات الحوار بعموم أنواعها تهدف إلى استثمار العلاقات الإنسانية كان لابد أن تتسم لقاءاتها بالكثير من المجاملة التي يحاول المتحاورون من خلالها تغييب الكثير من الشقاق الذي تكنه عقولهم وقلوبهم للآخرين.
وقد رأينا كيف أمرنا رسولنا r ببسط الوجه وحسن اللقاء، وكيف صنع مع أساطين الكفر وصناديد الشرك.
لكن المجاملة والمراءاة قد تؤدي ببعض المتحاورين إلى المداهنة والابتذال، والخضوع بالقول، وكتمان الحق، والسكوت عن الباطل، وقد تدفع بالبعض إلى موادة محاوريهم واتخاذهم بطانة من دون المؤمنين، وموالاتهم وموافقتهم في مواقفهم وآرائهم ومعتقداتهم، مما يوقع المحاور المسلم في سخط الله وغضبه.
فقد أمر الله المؤمنين بالصدع بالحق وعدم كتمانه، فقال آمراً نبيه وهو في مكة : )فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين( (الحجر: 94).
وقال تعالى منبهاً ومحذراً المؤمنين من الوقوع فيما وقع به بنو إسرائيل: ) وإذ أخذ اللّه ميثاق الّذين أوتوا الكتاب لتبيّننّه للنّاس ولا تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمناً قليلاً فبئس ما يشترون[ (آل عمران : 187)، فالمداهنة ليست من شأن المسلم ولا سَمته.(61/23)
ولما جاء وفد نجران إلى صلى الله عليه وسلم أسمعهم صلى الله عليه وسلم معتقده في المسيح عليه السلام، ولم يبال عليه الصلاة والسلام بغضبهم من ذلك، فقالوا: مالك تشتم صاحبنا؟ قال: ((وما أقول؟)) قالوا: تقول: إنه عبد. قال: ((أجل. إنه عبد الله ورسوله، وكلمته ألقاها إلى العذراء البتول))، فغضبوا، وقالوا: هل رأيت إنساناً قط من غير أب، فإن كنت صادقاً فأرنا مثله. فنزلت الآية: ] إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من ترب ثم قال له كن فيكون [ (آل عمران: 59).183
وللمداهنة المستقبحة صور كثيرة أهمها الثناء على معتقدات الآخرين وتسويغها، أو التوقف في كفرهم واعتبارهم إخوة لنا يجمعنا بهم الإيمان بالله وغير ذلك مما لا يخفى تحريمه، وقد سبق بيان بعضه.
والعجب من وقوع بعض المحاورين في هذا المنكر البغيض تطوعاً من غير ضرورة ولا مسوغ مفهوم إلا التزلف للآخرين واسترضاؤهم بما يغضب الله العظيم.
وأمثال هؤلاء مدعوون لقراءة ما قاله جعفر بن أبي طالب بين يدي النجاشي، إذ لم يمنعه ضعفه وغربته من أن يقول الحق من غير مداهنة بين يدي ملك لا تدرى عواقب مخالفته. فقد قال سفير قريش عمرو بن العاص: "والله لأنبئنهم غداً عيبهم عندهم، ثم أستأصل به خضراءهم ... والله لأخبرنه أنهم يزعمون أن عيسى ابن مريم عبد.
قالت [أم سلمة]: ثم غدا عليه الغد فقال له: أيها الملك، إنهم يقولون في عيسى ابن مريم قولاً عظيماً، فأرسل إليهم فاسألهم عما يقولون فيه.
قالت: فأرسل إليهم يسألهم عنه، قالت: ولم ينزل بنا مثله.
فاجتمع القوم، فقال بعضهم لبعض: ماذا تقولون في عيسى إذا سألكم عنه؟ قالوا: نقول - والله - فيه ما قال الله، وما جاء به نبينا، كائناً في ذلك ما هو كائن.
فلما دخلوا عليه قال لهم: ما تقولون في عيسى ابن مريم؟ فقال له جعفر بن أبي طالب: نقول فيه الذي جاء به نبينا، هو عبد الله ورسوله وروحه وكلمته ألقاها إلى مريم العذراء البتول ".184
ويمكننا أيضاً أن نلحظ في القصة إباء جعفر وامتناعه عن السجود للنجاشي خلافاً لعادة الناس مع الملوك، فقد تركه لحرمته في الإسلام، مع مسيس الحاجة إليه تألفاً لقلب النجاشي نحوه ونحو المسلمين الملتجئين إلى جواره وأرضه " فسلم ولم يسجد، فقالوا له: مالك لا تسجد للملك؟ قال: إنا لا نسجد إلا لله عز وجل. قال: وما ذاك؟ قال: إن الله عز وجل بعث إلينا رسول صلى الله عليه وسلم ، وأمرنا أن لا نسجد لأحد إلا لله عز وجل ".185
2- تعظيم من لا يرضى الله تعظيمه
وهذا التعظيم مذموم لما فيه من مدحة أو ثناء لا يستحقه المحاور غير المسلم ، قا صلى الله عليه وسلم : ((لا تقولوا للمنافق سيداً، فإنه إن يكن سيداً فقد أسخطتم ربكم عز وجل)).186
قال أبو الطيب الآبادي : "لأنّه يكون تعظيماً له، وهو ممّن لا يستحقّ التّعظيم، فكيف إن لم يكن سيّداً بأحد من المعاني؛ فإنّه يكون مع ذلك كذّاباً ونفاقاً".187
وحين خاطب صلى الله عليه وسلم ملوك الأرض صانعهم ورفق بهم، لكنه لم يضف عليهم عظيم الألقاب، بل توقى في خطابهم، من غير أن يبعد عن ملاطفتهم واستمالتهم، فقد كتب إلى هرقل إمبراطور الروم قائلاً : ((بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله إلى هرقل عظيم الروم..)).188
قال ابن حجر: "فيه عدول عن ذكره بالملك أو الإمرة ; لأنّه معزول بحكم الإسلام, لكنّه لم يخله من إكرام لمصلحة التّألّف..".189
قال النووي في فوائد الحديث: " التوقي في المكاتبة , واستعمال الورع فيها , فلا يفْرِط ولا يفَرِّط , ولهذا قال صلى الله عليه وسلم : ((إلى هرقل عظيم الروم)), فلم يقل : ملك الروم , لأنه لا ملك له ولا لغيره إلا بحكم دين الإسلام .. ولم يقل : إلى هرقل فقط , بل أتى بنوع من الملاطفة فقال : عظيم الروم , أي الذي يعظمونه ويقدمونه, وقد أمر الله تعالى بإلانة القول لمن يدعى إلى الإسلام، فقال تعالى : ] ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة [ (النحل: 125)، وقال تعالى : ] فقولا له قولاً ليناً [ (طه: 44) ".190
3- تصدي بعض من لا يحسنون الحوار له
وفي بعض جولات الحوار رأينا ضعفاً وخوراً عند من يتصدى له، ويقع ذلك منهم بسبب قلة معرفتهم بالعلوم الشرعية أو غيرها من الأسباب، في وقت نرى فيه حرص النصارى واليهود على إشراك أكبر كفاءاتهم العلمية والكنسية في حوارهم مع الآخرين.
وهذا العيب في بعض المحاورين من المسلمين قد يدفع بالمحاور إلى الشطط في مجاراة الآخرين، فينساق إلى ما هو باطل، أو يقصر عن تبيان ما هو حق، فتقصر حجته، وتكسد بضاعته.
وقد حذر الله تعالى من هذا الصنيع، فقال: ] ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولاً [ (الإسراء: 36).
قال ابن تيمية: "والمذموم شرعاً ما ذمه الله ورسوله كالجدل بالباطل والجدل بغير علم والجدل في الحق بعد ما تبين".191(61/24)
وقال رحمه الله مشنعاً على الشهرستاني قصوره في مجادلته للفلاسفة: "ولهذا كانت مناظرة كثير من أهل الكلام لهم مناظرة قاصرة، حيث لم يعرف أولئك حقيقة ما بعث الله به رسله وأنزل به كتبه وما ذمه من الشرك، ثم يكشفون بنور النبوة ما عند هؤلاء من الضلال كما ناظرهم الشهرستاني في كتاب الملل والنحل ..كان قولهم أظهر، فكان رده عليهم ضعيفاً لضعف العلم بحقيقة دين الإسلام ..".192
وهذا العيب نعاه القرآن الكريم على أهل الكتاب، فقال عز وجل: ]ها أنتم هؤلاء حاججتم فيما لكم به علم فلم تحاجون فيما ليس لكم به علم [ (آل عمران: 66).
قال القرطبي: "الآية دليل على المنع من الجدال لمن لا علم له، والحظر على من لا تحقيق عنده .. وقد ورد الأمر بالجدال لمن علم وأيقن، فقال تعالى: ]وجادلهم بالتي هي أحسن [ (النحل : 125)". 193
وقال ابن كثير: " الآية هذه إنكار على من يحاج فيما لا علم له به، فإن اليهود والنصارى تحاجوا في إبراهيم بلا علم.. فأنكر الله عليهم ذلك، وأمرهم برد ما لا علم لهم به إلى عالم الغيب والشهادة الذي يعلم الأمور على حقائقها وجليتها ".194
وقال ابن تيمية مبيناً ضرر الجدال بلا علم على المسلمين: "وقد ينهون عن المجادلة والمناظرة إذا كان المناظرُ ضعيفَ العلم بالحجة وجواب الشبهة، فيخاف عليه أن يفسده ذلك المضل، كما ينهى ذلك الضعيف في المقاتلة أن يقاتل علجاً قوياً من علوج الكفار، فإنَّ ذلك يضره ويضر المسلمين بلا منفعة".195
وتجنباً لهذا المحذور أوصى المجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي في دورته التاسعة أن " لا يتولى الحوار إلا المختصون من علماء المسلمين "، وأكده في دورته الحادية والعشرين: " أن يتولى تمثيل الرابطة فيها العلماء المختصون بالمواضيع المطروحة في جدول أعمالها ".
4- الخروج عن آداب الإسلام في الحوار
ومما يؤخذ على بعض المشاركين في الحوارات العامة، خاصة غير الرسمية منها، - كتلك التي تجري على شبكة الإنترنت - الاستمرار في الحوار، ولو فقد مصداقيته وضل أهدافه، وساء أدبه، فاكتسى من السباب سربالاً، ومن العناد جلباباً.
وهذا ولا ريب من الجدال المذموم، و" قد تكون المصلحة في الامتناع عن مجادلة طائفة منهم أو مع أفراد لسبب أو لآخر، وهذا استثناء …".196
وفي نبذ الجدل العقيم الصادر عن طائفة غير مؤمنة، يقول الله تعالى: ]ولما ضرب ابن مريم مثلاً إذا قومك منه يصدون قالوا أآلهتنا خير أم هو ما ضربوه لك إلا جدلاً بل هم قوم خصمون إن هو إلا عبد أنعمنا عليه وجعلناه مثلاً لبني إسرائيل[ (الزخرف: 58-57).
قال الطبري: " ما مثلوا لك هذا المثل يا محمد هؤلاء المشركين في محاجتهم إياك بما يحاجونك به طلب الحق، بل هم قوم خصمون، يلتمسون الخصومة بالباطل ".197
يقول ابن تيمية: "وقد يُنهى عنها [أي المناظرة] إذا كان المناظَر معانداً يظهر له الحق فلا يقبله، وهو السوفسطائي، فإن الأمم كلهم متفقون على أن المناظرة إذا انتهت إلى مقدمات معروفة بيّنة بنفسها ضرورية، وجحدها الخصم كان سوفسطائياً، ولم يؤمر بمناظرته بعد ذلك".198
وقال ابن سعدي في وصف المجادلة المحمودة: "أن لا تؤدي المجادلة إلى خصام أو مشاتمة تذهب بمقصودها، ولا تحصل الفائدة منها، بل يكون القصد منها هداية الخلق إلى الحق، لا المغالبة ونحوها)).199
ومثل هذا الحوار ينجر عادة إلى السباب المحرم، الذي لا يتوافق مع الدعوة بالحكمة والمجادلة بالتي هي أحسن، بل هو نوع من الرعونة والفحش وسوء الخلق.
وهذه الصفات أبعد ما تكون عن المؤمن، إذ ((ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذيء)).200
قال الغزالي: "المؤمن ليس بلعان؛ فينبغي ألا يطلق اللسان باللعنة إلا على من مات على الكفر، أو على الأجناس المعروفين بأوصافهم، دون الأشخاص المعينين، فالاشتغال بذكر الله أولى، فإن لم يكن ففي السكوت سلامة".201
ولما قيل لرسول ا صلى الله عليه وسلم : يا رسول اللّه، ادع على المشركين.. قال: ((إنّي لم أبعث لعّانًا، وإنّما بعثت رحمةً)).202
قال مكي بن إبراهيم: كنا عند ابن عون، فذكروا بلال بن أبي بردة [الوالي] فجعلوا يلعنونه ويقعون فيه لأذاه لابن عون وامتحانه له، وابن عون ساكت، فقالوا: يا ابن عون؛ إنما نذكره لما ارتكب منك! فقال: إنما هما كلمتان تخرجان من صحيفتي يوم القيامة: "لا إله إلا الله"، "ولعن الله فلاناً"، فلأن يخرج من صحيفتي: "لا إله إلا الله"؛ أحب إلي من أن يخرج منها: "لعن الله فلاناً".203
وخشية الانجرار إلى السباب وتقويض غايات الحوار ومقاصده نهى الله عن المؤمنين عن سب ولمز آلهة المشركين وأصنامهم، فقال: ]ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدواً بغير علم[ ( الأنعام: 108).
وقد نقل المفسرون في سبب نزولها أن كفار قريش قالوا لأبي طالب: "إما أن تنهى محمداً وأصحابه عن سب آلهتنا والغض منها، وإما أن نسب إلهه ونهجوه"، فنزلت الآية.204(61/25)
وقد أفاد القرطبي منها النهي عن سب ولمز سائر ما يقدسه الآخرون، لا من باب التعظيم لها، بل سياسة وتألفاً، يقول: "حكمها باق في هذه الأمة على كل حال، فمتى كان الكافر في مَنَعة، وخيف أن يسب الإسلام أو النبي عليه السلام أو الله عز وجل، فلا يحل لمسلم أن يسُبَّ صلبانهم ولا دينهم ولا كنائسهم ولا يتعرض إلى ما يؤدي إلى ذلك لأنه بمنزلة البعث على المعصية .. وفيها دليل على أن المحقَّ قد يكف عن حق له إذا أدى إلى ضرر يكون في الدين". 205
5- هجر المصطلحات والأساليب الشرعية
ومما يقع به المتحاورون أحياناً هجر المصطلحات والأساليب والحجج الشرعية والتباعد عنها تقرباً إلى الآخرين أو غيره مما يرونه مصلحة للدعوة.
وهذا الصنيع مجاف، بل منافٍ لما عهد من صلى الله عليه وسلم في مخاطبته المشركين.
ومن ذلك أنه لما قدم ضماد مكة أتى صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد، إني أرقي من هذه الريح، وإن الله يشفي على يدي من شاء، فهل لك؟ فقال رسول ا صلى الله عليه وسلم : ((إن الحمد لله نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله))، فكانت هذه الكلمات سبباً في إسلامه، فقال للنبي صلى الله عليه وسلم (أعد علي كلماتك هؤلاء.. لقد سمعت قول الكهنة وقول السحرة وقول الشعراء، فما سمعت مثل كلماتك هؤلاء، ولقد بلغنَ ناعوس البحر. فقال: هات يدك أبايعك على الإسلام).206
ولما كتب صلى الله عليه وسلم رسائله إلى الملوك صدّرها بالبسملة كما في رسالة هرقل ((بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله إلى هرقل عظيم الروم..)). 207
قال النووي في فوائد الحديث: "ومنها: استحباب تصدير الكتاب ببسم اللّه الرّحمن الرّحيم , وإن كان المبعوث إليه كافرًا".208
ولا يمنع هذا مخاطبتهم بلغاتهم وطريقتهم إذا دعت الحاجة إليه، مع الالتزام بالضوابط الشرعية، قال ابن تيمية: "أما مخاطبة أهل اصطلاح باصطلاحهم ولغتهم، فليس بمكروه، إذا احتيج إلى ذلك، وكانت المعاني صحيحة، كمخاطبة العجم من الروم والفرس والترك بلغتهم وعرفهم، فإن هذا جائز حسن للحاجة، وإنما كرهه الأئمة إذا لم يحتج إليه".209
إن تعرفنا على محظورات الحوار - التي تخرج به عن ضوابط الشريعة الغرَّاء - يؤزنا لممارسة الحوار ضمن ضوابط الشريعة وآدابها، واللذان يكفلان تحقيق المقاصد والغايات الشرعية التي نتوخى الوصول إليها من خلال حوارنا مع الآخرين.
خاتمة
وبعد، فإن من دواعي سرور العقلاء تنامي الدعوة إلى الحوار في أوساط مختلفة من عالمنا الذي ضاقت شعوبه ذرعاً بحوار البندقية ، ورأت أن الحوار الحضاري والثقافي يقدم بديلاً مناسباً لحل الخلافات المختلفة التي تنشأ بين الأمم والحضارات المختلفة.
فالحوار الحضاري هو الطريق الأفضل لفهم الآخر والتعرف على رؤاه ومقاصده، بعيداً عن الأحكام المسبقة التي تحمل في طياتها ركام أخطاء التجارب السابقة التي تدفع إلى مزيد من الشقاق والاختلاف، وتولد المزيد من الإحباط، وما يستتبعه من ويلات الحروب والمظالم.
وقد رأينا سبق الإسلام - ومنذ انبثاق فجره الميمون - إلى اعتماد الحوار وسيلة حضارية في التفاعل مع الآخرين، وقد قعّد له قواعده ، ورسم له حدوده وضوابطه، ومنع من كل ما من شأنه تهميش هذه الوسيلة الدعوية أو التقليل من حيويتها ونفعها.
ودعاة الإسلام ومؤسسات المجتمع المسلم مطالبة اليوم باستعادة دورها الحضاري، والمبادرة إلى طلب الحوار وعقد ندواته وإشاعة أدبياته، والتصدي للنظريات المتصاعدة التي تدعو للصراع، وتطالب بالحسم قبل بداية دراما نهاية الزمن.
ورابطة العالم الإسلامي إذ تقدم هذه الدراسة ، فإنما تؤكد حرص شعوب العالم الإسلامي على إرساء قواعد الحوار وآدابه وتخليصه من شوائبه ومكدراته، وهي تدفع بها مع انطلاقة منتداها العالمي للحوار بين أبناء الأديان والحضارات المختلفة.
والله نسأل أن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل، وأن يجنبنا الزلل ، إنه ولي ذلك، وصلى الله وسلم وبارك على نبيه محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
المصادر والمراجع
* أحكام أهل الذمة، ابن القيم، تحقيق: يوسف البكري وشاكر العارومي، ط1، دار رمادي للنشر، 1418هـ.
* الإحكام في أصول الأحكام، علي بن حزم، ط1، دار الكتب العلمية، بيروت، 1405هـ.
* التعريفات، علي الجرجاني، ط1، دار الكتاب العربي، بيروت، 1405هـ.
* تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، تحقيق: إبراهيم الأبياري، ط2، دار الكتاب العربي، 1413هـ.
* تيسير الكريم الرحمن، ابن سعدي، ط دار المدني، جدة.
* جامع البيان عن تأويل آي القرآن، محمد بن جرير الطبري، دار الفكر، بيروت، 1405هـ.
* الجامع لأحكام القرآن، أبو عبد الله القرطبي، ط2، دار الشعب، القاهرة، 1372هـ.
* حاشية ابن القيم، ابن قيم الجوزية، ط2، دار الكتب العلمية، بيروت، 1415هـ.
* الحوار الإسلامي المسيحي، بسام داود عجك، ط1، دار قتيبة، 1418هـ.
* الحوار وآدابه، صالح بن حميد، ط1، دار المنارة.(61/26)
* درء تعارض العقل مع النقل، ابن تيمية، تحقيق: محمد رشاد سالم، ط1، جامعة الإمام محمد بن سعود، 1399هـ.
* دعوة التقريب بين الأديان، أحمد عبد الرحمن القاضي، ط1، دار ابن الجوزي، 1422هـ.
* الرد على المنطقيين، ابن تيمية، ط4، المكتبة الإمدادية، لاهور.
* شرح النووي على صحيح مسلم، أبو زكريا يحيى بن شرف النووي، ط2، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1393هـ.
* عون المعبود، شرح سنن أبي داود، أبو الطيب محمد العظيم آبادي، ط2، دار الكتب العلمية، بيروت، 1415هـ.
* عيون المناظرات، أبو علي السكوني، تحقيق: سعيد غراب، منشورات الجامعة التونسية، 1976م.
* الفتاوى الكبرى، ابن تيمية، ط دار المعرفة، بيروت، لبنان.
* الفتاوى الهندية، الشيخ نظام الهندي وآخرون، ط دار المعرفة بيروت، لبنان.
* فتح الباري شرح صحيح البخاري، علي ابن حجر العسقلاني، دار المعرفة، بيروت، 1379هـ.
* لسان العرب، ابن منظور، ط1، دار صادر، بيروت.
* مجموع الفتاوى، ابن تيمية، طبعة مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، 1416هـ.
* المصفى من علم الناسخ والمنسوخ، ابن الجوزي، تحقيق: د. صالح الضامن، ط1، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1415هـ.
* مفردات القرآن، الراغب الأصفاني، تحقيق : صفوان عدنان داوودي، ط1، دار القلم، 1412هـ.
* نواسخ القرآن، ابن الجوزي، ط1، دار الكتب العلمية، بيروت، 1405هـ.
=================(61/27)
(61/28)
تصريحات البابا:إعلان إفلاس وعجز المسيحية أمام حيوية الإسلام
تصريحات البابا: إعلان إفلاس وعجز "المسيحية" أمام حيوية الإسلام
في صفحة الرأي والافتتاحيات بصحيفة "الاندبندنت" البريطانية، كتب دومينيك لوسن مقالا بدأه بالقول إن هناك ديانتين كبيرتين فقط تحاولان تحويل العالم إليهما، وهما المسيحية والإسلام.
ورأى أن الإسلام فقط هو الذي يملك في هذه المرحلة الطاقة الحيوية لتكريس نفسه لهذه المهمة، بينما نجد المسيحية منشغلة تماما بمجرد الدفاع عن وجودها الروحي القائم. وأن هناك أمرا واحدا واضحا: وهو أن هناك خلافا عقديا أصيلا بين الديانتين وأن البابا بنديكتوس السادس عشر كان يفيد الحقيقة عندما أشار إلى هذه المسألة. وأشار المقال إلى أنه رغم الدور السابق للبابا الحالي كمنظر للفاتيكان، فإنه لم يكن راضيا عن مدى دخول البابا السابق يوحنا بولص الثاني في "حوار مع الإسلام".
ورأى الكاتب أن البابا الألماني بنديكتوس قد توصل إلى قناعة، مفادها أن "مطلقية الإسلام" جعلت من المستحيل إجراء أي نقاش لاهوتي حقيقي معه.
ولم يكن مصادفة أن تكون إحدى أولى خطوات البابا بنديكتوس إزاحة كبير الأساقفة مايكل فيتزجيرالد من رئاسة مجلس حوار الأديان التابع للفاتيكان، ومن ثم قيامه بتقليص دور المجلس، بحسب الكاتب لوسن.
ومن جانب آخر، نشرت صحيفة الديلي تلجراف تقريرا موسعا تناولت فيه جانبا مختلفا من أزمة تصريحات بابا الفاتيكان. وقالت الصحيفة إن البعض حمل "الطبيعة الشمولية" للنظام البابوي في الفاتيكان مسؤولية تصريحات البابا التي أثارت غضبا في العالم الإسلامي. وتابعت قائلة إنه بخلاف سلفه يوحنا بولص الثاني، الذي كان يعمل عن كثب مع مجموعة مختارة من مستشاريه عند كتابة خطاباته، يصر البابا بنديكتوس السادس عشر على كتابة خطاباته بنفسه.
وأضافت أنه رغم أن المسودات النهائية لكلمات البابا توزع على مساعديه، فإن كبار مستشاري الفاتيكان يعتقدون أنه لا يوجد أحد يملك الشجاعة الكافية ليقول للبابا إنه ربما ارتكب خطأ.
وفي صفحة الرأي في الصحيفة نفسها، كتبت كارين آرمسترونغ، مؤلفة كتاب "نبذة عن تاريخ الإسلام"، مقالا تقول فيه إن ثمة عداء قويا للإسلام في الثقافة المسيحية الغربية، ويتعين التخلص منه. واعتبرت الكاتبة أن "هذه العقلية التابعة للقرون الوسطى لا تزال حية ترزق....معاداة الإسلام لدينا تعود إلى زمن الحروب الصليبية..". كما رأت آرمسترونغ أن كلام البابا سيجعل المسلمين أكثر قناعة بأن الغرب معاد للإسلام ومصمم على المضي قدما في حرب صليبية جديدة.
بينما خلصت صحيفة الصنداي تايمز في عددها الأخير، إلى أن "أقوال البابا أوجدت انقسامات كبيرة وسط الكنيسة أيضا بين الكاثوليك التقليديين والتقدميين المعتدلين. وحتى أولئك الذين كانوا راضين عن البابا ،ويقولون إنه لن يدخل في مواجهة مع الجناح اللبرالي لكنيسته، غيروا نظرتهم الآن مستغربين للطريقة التي كشر فيها راتسنغر عن أسنانه العجوزة.
تلميذ ديدات: إسلام أكثر من عشرين قسا يقف خلف تصريحات البابا
الوطن - كشف باحث في مقارنات الأديان وشؤون التنصير عن مفاجأة ستعلن قريبا تتمثل في إسلام ما بين 20 إلى 30 من قساوسة الفاتيكان، وأن الفاتيكان يعقد منذ فترة محاكم تفتيش لهؤلاء في محاولة لاكتشاف من أسلم منهم وطرده من الكنيسة. وقال الباحث السعودي عصام مدير الذي كانت تربطه علاقة وطيدة بالداعية الإسلامي الراحل أحمد ديدات أحد أشهر من خاض المناظرات مع المسيحيين، وتتلمذ على يديه، إن إسلام هذه المجموعة الكبيرة من العاملين في الفاتيكان هو أحد أهم الأسباب التي تقف خلف تصريحاته الأخيرة. وقال مدير الذي أسس في ديسمبر 2005 عقب قضية الرسوم المسيئة في الدنمارك دار نشر سماها (دار البينة) وتخصصت في نشر كتب الشيخ ديدات وكتب التعريف بالإسلام بلغات أجنبية، بعد أن نالت حقوق نشرها كاملة عبر كتب وأقراص إلكترونية لـ"الوطن": إن تصريحات البابا ما هي إلا مقدمة لتعبئة الأوروبيين ضد الإسلام، وانتظار لردود أفعال طائشة من المسلمين تمهيدا لطردهم من أوروبا خاصة الجيل الثاني والجيل الثالث من المسلمين الذين نشأوا في أوروبا ويحملون جنسياتها ويتعرضون لمضايقات في السنوات الأخيرة عرضت كثيرا منهم للبطالة.(61/29)
وكشف مدير عن توزيع الدار 100 ألف نسخة من كتاب (محمد الأعظم) لأحمد ديدات في روما والفاتيكان بعد ترجمته خلال اليومين الماضيين إلى الإيطالية عن طريق إيطالي مسلم وتقديمه هدية لكل مواطن إيطالي، موضحا عن أن هذه هي أفضل طريقة مجدية في الوقت الحالي، مؤكدا على أن أي إساءة للإسلام والمسلمين تمثل فرصة هائلة للتعريف بالإسلام، وذلك من خلال تجربة شخصية خضناها أثناء قضية الرسومات الدنماركية، حيث قمت بتوزيع 25 ألف نسخة من كتيب يروي قصة إسلام منصرة أمريكية تحولت إلى داعية ومحاضرة معروفة تجوب العالم للتعريف بالدين الإسلامي وهي ميري مالفور، إضافة إلى نشر إعلانات في الصحف الإيطالية تشير إلى الكتاب وإلى أنه هدية لكل مواطن ردا على تصريحات بابا الفاتيكان، وذلك بالتنسيق مع الجمعيات والمؤسسات الإسلامية الموجودة في روما. وانتقد مدير الردود الانفعالية التي تقوم على الشجب والاستنكار، مشددا على أن مشكلة المسلمين أنهم لا يملكون رؤية لإدارة الأزمات، وبإمكانهم استغلال هذه الفرصة للتعريف بدينهم بدلا من المطالبة بالاعتذار أو غيرها من أفعال طائشة تراهن عليها القيادات المسيحية لتصعيد الحملة على المسلمين للتأكيد على أنهم مجتمعات عنف وإرهاب لصالح فكرة طرد المسلمين من أوروبا التي ذكرت تقارير ودراسات على تحولها للإسلام خلال الخمسين سنة القادمة، ومن هنا جاء تحرك الفاتيكان، تمهيدا لتصعيد حملة صليبية جديدة. وبين مدير أنه إبان قضية الرسومات تلقى رسائل من نرويجيين ودنماركيين اعترفوا فيها بأنهم كانوا يحتقرون المسلمين ويكرهون الإسلام، ولكنهم بعد وقوفهم من خلال الكتب التي وزعت عليهم على حقيقة الدين الإسلامي احترموه وعبروا عن أسفهم لما نشر في صحفهم. وتلقيت دعوة من الدنمارك عبر جهات رسمية، واشترطت لتلبيتها الالتقاء برؤساء تحرير الصحف التي نشرت الرسومات المسيئة والرسامين ومحاورتهم، ولكن رفض رؤساء التحرير جعلني أمتنع عن زيارة الدنمارك. وكشف مدير عن أن دار البينة أرسلت قبل أمس أربعة كتب مترجمة باللغة الألمانية إلى البابا وهي (ماذا يقول الكتاب المقدس عن محمد) و(المسيح في الإسلام) و(القرآن معجزة محمد) و(محمد الخليفة الطبيعي للمسيح) وكلها من تأليف الشيخ ديدات. وأضاف: يتعاون معنا مسلمون غربيون ألمان وطليان وأمريكان وفي مقدمتهم البريطاني يوسف إسلام والألمانيان أحمد فوندنفر، ومراد هوفمان، ولدينا خطط علمية وعملية حضارية لمواجهة الهجمة على الإسلام
================(61/30)
(61/31)
حوار الأديان بين المظهر والجوهر
مجلة البيان - (ج 150 / ص 134)
د. محمد يحيى
في محاولة تتبع الجوانب المختلفة للدعوة ودحض ما يروَّج له مما يسمى بحوار الأديان بين الإسلام والنصرانية على وجه التحديد لا ينبغي إغفال مسألة السياق العام أو الظروف والأوضاع التي تطرح هذه الدعوة في سياقها أو يراد لها أن تجري في ظلها، ولعل أبرز ما يشد الانتباه هو ذلك التفاوت الحاد بين السياق الذي تنشط فيه النصرانية بكنائسها هذه الأيام والسياق الذي يمر به الإسلام وهذا التفاوت الحاد في الظروف والسياق؛ حيث يكشف عن الجانب المريب أو على الأقل غير المتكافئ وغير المناسب لهذه الدعوة وهو ما سعيت إلى الكشف عنه من زوايا أخرى في مقالات سابقة حول الموضوع نفسه.
إن النصرانية العالمية بكنائسها وحركاتها ـ ولا سيما في أمريكا وأوروبا ـ تمر بحالة من المد تزداد قوة على مدى الأعوام الماضية؛ حيث أخذت تستعيد مكانتها الفاعلة والمؤثرة في المجتمعات على حساب تراجع أكبر في الأنظمة والمذاهب والتوجهات العلمانية التي تحكم تلك المجتمعات الغربية أو كانت تحكمها حتى عهد قريب، وتقترن بهذه القوة المتنامية في المجتمعات الغربية للنصرانية من حيث إنها دين وعاملُ فعلٍ اجتماعي ـ ثقافي ـ سياسي عمليةُ توسُّع كبرى وطرح للذات على مستوى العالم كله، ولم تعد هذه الحركة تقتصر على ما يسمى عادة في الكتابات الإسلامية بالتبشير أو التنصير على الأصح بل إنها تعدَّت ذلك بكثير لتصبح النصرانية قوة دولية نشطة تسهم في شتى التحركات السياسية تحت شعارات أبرزها: "السعي للسلام والوفاق" والطروحات الثقافية (قضايا التعاون بين الثقافات والتقارب والحوار فيما بينها) بل والجهود الاقتصادية (تقديم معونات "التنمية" والخدمات الصحية والتعليمية على نطاق عالمي ... إلخ)، ولسنا بحاجة لضرب الأمثلة الكثيرة والمتواترة على هذا الوضع الجديد للنصرانية العالمية الذي نكتفي بتلخيصه بأنه تحول من حالة انحسار وضعف داخلي إلى وضع القوة الدولية الفاعلة في مجالات تتجاوز ما اصطلح على وصفه بـ "الديني" لتصل إلى الأبعاد الكاملة لما يوصف بـ "السياسي" وهي قوة تزداد فاعليتها وأثرها على سياسات بلدانها؛ بل تكاد توجهها.
ويرتبط بذلك وفي السياق نفسه بل ويترابط معه بشكل المسبب للسبب تصاعد موجة العداء للإسلام في الغرب وهو العداء الذي يحاول بعض اللادينيين في البلدان الإسلامية التهوين منه بالقول بأنه مجرد رد فعل لممارسات المسلمين "الإرهابية" أو "الظلامية". كما يحاول بعضٌ آخر التقليل من خطره بالقول بأنه مجرد بحث من جانب الغرب عن عدو جديد بعد زوال الشيوعية؛ غير أن شراسة هذا العداء واستمراريته واتخاذه لأشكال منظمة ومخططة واسعة المدى يدحض تلك الأقاويل بل الأباطيل، ويكشف عن أن الهجمة الغربية على الإسلام تأتي من مستويات أعمق من مجرد ردود الأفعال وأن هذا العداء يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالوضع القوي الذي أصبح للمسيحية بحركاتها وكنائسها في وضع الاستراتيجيات الكبرى في الغرب وإدارتها؛ دون أن ننسى بالطبع دور اليهود والصهيونية في صنع هذه العداوات وتأجيجها وتوجيهها.
والحق أن دعوة الحوار تبدو غريبة بل مثيرة للشكوك عندما تأتي في هذا السياق الغربي من عداء منظم ضد الإسلام يشمل نطاق الفعل السياسي الغربي (من وسائل الإعلام إلى الجامعات ومراكز الأبحاث إلى مخططات المعونة الاقتصادية والفنية إلى النشاطات الثقافية والفكرية إلى الاستراتيجيات العسكرية والأمنية) وأيضاً من تنامي قوة النصرانية العالمية باعتبارها عنصراً فاعلاً وعلى امتداد نطاق الفعل نفسه في كل جوانبه على المسرح العالمي، وفي ظل هذا العداء المستحكم من ناحية والقوة الصاعدة الواثقة للنصرانية الدولية من ناحية أخرى فإن الدعوة إلى ما يسمى بـ (حوار الأديان) وبالذات مع الإسلام تبدو وكأنها ورقة سياسية ضاغطة تستخدم لتحقيق أهداف بعينها تخدم هذه القوى والسياسات الغربية أكثر منها دعوة صادقة أو واضحة للتقارب والتعاون حسب ما يُدعى لها علناً وفي وسائل الإعلام؛ ذلك لأن للسياسات الغربية والكنسية أولوياتها المحددة وثوابتها الكبرى واهتماماتها الأسمى في هذه المرحلة أولها "جدول أعمال" خاص بها على حسب مصطلح المؤتمرات.
ولا تمثل دعوة الحوار الديني أياً من هذه المبادئ والأولويات الجوهرية لكنها مجرد أداة من أدوات تحقيق هذه الأولويات السياسية تستخدم بقدر وبشكل مؤقت لتحقق ما يُبتغى منها ثم تُنَحَّى جانباً، وليس غريباً أو مما يستبعد أن نحدد أهداف هذه الأداة في نوع من التحذير للمسلمين أو لفت أنظارهم بعيداً عن المواجهة المطلوبة أو "التجسس" للتعرف على الكيفية التي يفكرون بها ويتصرفون من خلالها أو ـ وهذا هو الأهم ـ تعديل مواقفهم وأفكارهم وتحويرها لإبعادها أو إضعافها عن المواجهة مع الغرب الصليبي وحليفه اليهودي الصهيوني وذلك عن طريق العلمنة قبل أي شيء آخر.(61/32)
وتزداد الشكوك المحيطة بدعوة حوار الأديان بين النصرانية والإسلام إذا تبينا السياق الذي تُروَّج فيه هذه الدعوة على الجانب الإسلامي وهو سياق مقلق على أقل تقدير، ومرة أخرى لسنا بحاجة إلى اجترار المفردات الأليمة لذلك السياق الذي يعيش فيه الإسلام والمسلمون داخل بلدانهم؛ ولكن يكفي أن نلخصه في عملية اجتياح وضرب للمؤسسات الإسلامية والحركات الدينية والأوضاع الاجتماعية والثقافية والاقتصادية بل والسكانية (تحت ستار تحديد النسل) إلى عملية الإبادة الفعلية أو "المذابح" الموجهة للمسلمين التي لم تعد تلفت الأنظار لكثرتها، وهذه العملية تحدث بدرجات وأشكال متفاوتة في شدتها وكيفيتها على امتداد عالم الإسلام، وتقودها نخب علمانية لا دينية حاكمة أو صاحبة نفوذ قوي على الحكام وصلت بفضل المساندة الغربية القديمة والمتجددة إلى مقاعد الحكم والتوجيه وصنع القرار في هيئة دكتاتوريات عسكرية وبوليسية أو حتى حكومات "ديمقراطية ليبرالية". والحجج والمسوِّغات والأسباب التي تساق لهذا الاجتياح معروفة هي الأخرى لفرط تكرارها، وهي تتراوح بين التحديث والعصرنة إلى مكافحة التطرف والإرهاب "الإسلامي"!
وفي هذا السياق الخطير رأينا العجب: رؤساء الوزارات والهيئات التي أنيطت بها السيطرة على شؤون الإسلام يُعيَّنون من العلمانيين الأقحاح ذوي العقليات المتغربة؛ بينما المساجد تغلق، والعلماء يُنَحَّوْن عن المنابر ويسجنون، والجمعيات والهيئات الإسلامية تحاصَر، وأعمال البر والتقوى تحظر.. إلخ.
ويتشابه السياق الإسلامي الذي تطرح فيه دعوة الحوار الديني مع السياق الغربي أو المسيحي للدعوة من زاويتيه بشكل مذهل. ففيه أيضاً تتحول النصرانية أو الكنائس المحلية للأقليات النصرانية إلى عناصر قوة تتكامل مع قوة المسيحية الدولية، وفيه كذلك يسود مناخ العداء المرضي ضد الإسلام في وسائل الإعلام ودوائر الحكم والسلطة العلمانية وفيه أخيراً يبرز نفوذ اليهودية الصهيونية من وراء ستار الماسونية وأندية الروتاري والليونيز والإباحية في الفنون وما شابهها.
الإسلام والمسلمون هم العنصر الغائب والمضروب في السياقين المسيحي ـ الغربي و"الإسلامي" لدعوة الحوار الديني؛ وكأن أعداء الإسلام وخصومه في النهاية هم الذين يتحاورون مع بعضهم بعد أن قسَّموا أنفسهم إلى فريقين: أحدهما مسيحي أصيل واثق من نفسه حر مستقل يتمتع بالمستوى المطلوب من الكفاءة الفكرية والسياسية والحوارية والآخر "الإسلامي" يمثله موظفون يأتمرون بأمر النخب العلمانية الحاكمة ولا يتمتعون بأي حرية أو استقلال أو كفاءة أو غيرة على الإسلام.
سياق دعوة الحوار الديني إذن أو الظروف والأوضاع التي تجري فيها أو يراد لها أن تجري فيها يبعث على التأمل بل يثير الشك والريب، وهو سياق يبلغ فيه التفاوت الحاد والتناقض البين حد إلغاء فكرة الحوار بين طرفين متكافئين من أساسها لتحل محلها حقيقة أن النصرانية العالمية في وضعها المسيطر تخترع مع الاستراتيجية الغربية المعادية للإسلام خدمة لهيمنتها أداة أسموها بالحوار يبتغون فيها تحقيق أهدافهم الخاصة وحدها و "يحاورون" فيها طرفاًَ أسموه بـ "الإسلامي" وما هو في الحقيقة بممثل للإسلام؛ لأن الإسلام وممثليه الحقيقيين غائبون ومغيبون ويعانون من سياق مضاد من الضعف والضغط والهجوم يكاد يلغيهم من الوجود.
حوار الأديان مرة أخرى:
لا تفتأ الدعوة إلى ما يسمى بحوار الأديان بين الإسلام والنصرانية، تتكرر من مصادر عديدة أكثرها هذه الأيام: بعض ممن يسمون بالشخصيات الدينية الرسمية في بلدان تخضع فيها المؤسسات الإسلامية للتوجيه المباشر من الجهات السياسية بل والأمنية، وقد كتب صاحب هذا القلم في الماضي على صفحات هذه المجلة حول جوانب من هذه الدعوة التي تحتمل مع ذلك المزيد من التناول لتشعُّب نواحيها، ولعل أحد أبرز هذه الجوانب هو تصور الأطراف لأهداف هذا الحوار ومراميه الذي يقصد به عادة الإسلامي ـ النصراني رغم وجود مذاهب ومعتقدات أخرى يعتنقها الملايين وتتصل بهم مصالح وحياة الكثير من المسلمين ولا سيما في بلدان آسيا، والواقع أن اقتصار دعوة الحوار الديني على الحديث مع الكنائس المسيحية ـ وبالذات الغربية منها ـ يكشف عن جوهر الدعوة ومقصدها الأول ألا وهو التقرب للغرب والانضواء تحت لوائه وتكريس التبعية له. ويجلِّي هذا المقصد أن نعود إلى مسألة تصور هذا الحوار والداعين إليه وأهداف الداخلين فيه.(61/33)
على الجانب الإسلامي نلاحظ أول ما نلاحظ غيبة مثل هذا التصور الواضح؛ فدعاة الحوار من الموظفين الرسميين المكلفين بذلك يكتفون بالحديث عن الحوار مع النصرانية وتحبيذه وكأنه هو الخير الأسمى للمسلمين في هذا العصر، وهم لا يوضِّحون لنا لماذا يعد هذا الحوار أمراً جيداً ومرغوباً فيه؟ كما لو كان مجرد طرح كلمة "الحوار" يغني عن أي بيان لطبيعة هذا الحوار وسياقه وأهدافه ومضمونه. والأخطر من ذلك الغموض المحير؛ إذ إن بعض هؤلاء عندما يفكر في اختراع تصور للحوار يخرج علينا بمفاهيم سقيمة ومتردية؛ ففي الآونة الأخيرة خرج بعض من هؤلاء في مصر يقولون: إن الحوار مع النصرانية الغربية مطلوب لتحسين صورة الإسلام في عين الغرب بعد أن شوهتها ممارسات المسلمين الموصوفين بالأصولية (وليس كيد الإعلام الغربي)! وهكذا فتصور هؤلاء المسؤولين أو الرموز الإسلامية المعنية عن هذا الحوار الذي يطنطنون به هو تصور دفاعي اعتذاري تسويغي وكأنهم منذ البداية يحددون صورة الحوار في هيئة المواجهة بين الادعاء والمتهم وبين جهة الاتهام واللص المقبوض عليه متلبساً؛ فالكنائس وقساوستها تجلس من ناحية تطرح التهم والشبهات ويجلس "ممثلو" الإسلام من الناحية الأخرى (وهم ليسوا في الواقع ممثليه الحقيقيين أو الغيورين) جلسة المحرَج والمعتذر الذي يحاول أن يرد على هذه الاتهامات بأي شكل حتى لو تعسف في ذلك إلى درجة التنازل عن ثوابت العقيدة والشريعة الإسلامية.
ومثل هذا التصور "للحوار" ينسف فكرة الحوار ذاتها منذ البداية ويلغي أي نِدِّيَّة وتكافؤ وتوازن بين الأطراف الداخلة فيه، فليس بين وكيل النيابة والمتهم حوار بل هناك استجواب ومساءلة بغرض الإيقاع بالمتهم والحصول على اعترافه بارتكاب الجرم، ولا يهم بعد ذلك إن قدم الأعذار والتسويغات لجريمته، بل المهم أن يدان. بينما يجلس المدعي (الطرف النصراني) مجلس المتفوق وهو المكان الذي ينبغي أن يتبوَّأه الضحية الذي عانى من إجرام الطرف المواجه وتعصبه وعدوانيته، بل ليس هذا حواراً وإنما هو أشبه بالتأنيب والتلقين من جانب الأستاذ للتلميذ الخائب الفاشل.
وفي كل الأحوال ـ وبصرف النظر عن التشبيهات والكنايات ـ فإن العلاقة التي تنشأ وفق تصور هذا "الطرف الإسلامي" المزعوم نفسه ليست علاقة "حوار" بين أنداد متكافئين بل هي علاقة خضوع واستسلام من طرف لآخر، وفي أحيان أخرى يلجأ هؤلاء الممثلون للطرف الإسلامي إلى طرح تصور بديل لهذا "الحوار" في محاولة لتغطية تخبط مفاهيمهم أو لحجب الطبيعة الحقيقية للعملية المطلوبة تحت مسمى الحوار؛ فهم يدَّعون أن الحوار مع المسيحية مطلوب في سبيل دعم السلام العالمي ودفع جهود التنمية وتحقيق الرخاء للشعوب... إلخ، وهذه كلها دعاوى سخيفة لا محل لها من الاعتبار؛ فالداخلون في الحوار هم هيئات وجهات دينية لا علاقة لها بالاقتصاد الدولي ولا بمجريات السياسة الدولية وإن كانت الكنائس تمثل أحد المؤثرات المهمة في صنع السياسات العالمية لبلدانها وللكتلة الغربية عموماً. ثم كيف يخدم السلام العالمي والتنمية الدولية إذا كانت الكنائس تنغمس في عمليات التنصير الواسعة حتى بين المسلمين وحتى وهم يجلسون على مقاعد الحوار المزعوم، بل وما هو دور ممثلي الطرف الإسلامي في السلام والتنمية العالمية والكل يعلم (وهم قد يصرحون بذلك في مناسبات) بأنهم مجرد موظفين تابعين لدولهم وليس لهم صلاحيات أوسع من مجرد الحديث باسم رؤسائهم ووفق التكليفات المحددة والمحدودة التي تصدر لهم؟
التصور عن الحوار إذن غير موجود على الجانب الإسلامي؛ بل والأسوأ من ذلك أنه قد يكون موجوداً ولكن في شكل متهافت وخطير؛ لأنه ينم عن حقيقة أن المطلوب ليس حواراً كما يفهم ويعرف ويمارسه الناس؛ بل شيء آخر هو أقرب إلى الإذعان لما يريده الطرف النصراني من هذه اللقاءات والتمشي مع أهداف هذا الطرف الآخر، وعلى الجانب المسيحي في المقابل نجد أهدافاً وتصورات واضحة ومحددة لما يريدونه من هذا "الحوار" وهم قد يتحدثون على سبيل المجاملة السطحية والعابرة عن خدعة المحبة والمودة والتفاهم بين أصحاب الدينين؛ لكنهم يأتون إلى اللقاءات بمجموعة من التصورات لا تخطئها عين المراقب، ولعل أبرز هذه التصورات هو الحصول من الجانب الذي يفترض أنه يمثل الإسلام على اعتراف وتقبُّل بصحة ما تمثله الكنائس من عقائد ودعاوى، وندِّيته وتميُّزه، وهو اعتراف ثمين للغاية في إطار سياسات الكنائس وأوضاعها داخل بلدانها وخارجها، فهو من ناحيةٍ ورقة مهمة للغاية تطرح أمام جموع المسلمين في البلدان المستهدفة بالجهود التنصيرية؛ حيث يقال لهم: إن "مشايخ الإسلام" في بلاد القلب الإسلامي يجلسون مع أرباب الكنائس يتعاونون ويتباسطون و "يتقاربون" مع المفاهيم النصرانية ولذلك فلا حاجة للتوجس من جهود البعثات التبشيرية أو الابتعاد عن ممثليها؛ بل لا بد أيضاً من التواصل معهم وهو ما يفتح آفاقاً أوسع أمام العملية التنصيرية لا سيما في بلدان آسيا وإفريقيا.(61/34)
ومن الناحية الأخرى ـ والأكثر أهمية ـ فإن الكنائس تستغل هذا الحوار لتعزيز مكانتها داخل بلدانها؛ حيث تخاطب الجمهور العريض ودوائر الحكم والنفوذ ورجال الأعمال والثراء بأنها تقوم بدور خطير في التعرف على "العدو الإسلامي المحتمل" وجس نبضه وكف عدوانيته وشراسته وتعديل مفاهيمه "الأصولية" مما يستدعي توجيه الدعم المادي والمعنوي لها واعتبارها من الأدوات الفعالة للسياسة الغربية عموماً تجاه العالم الإسلامي وهي السياسة التي أصبحت تركز الآن على عالم الإسلام واعتباره هدفاً رئيساً بعد انهيار الكتلة الشيوعية. ومن الناحية الثالثة تسعى الكنائس من خلال الحوار مع أطراف يدعى لها تمثيل الإسلام ـ كما أنها لا تتسم بأي عمق أو جدارة فكرية ـ إلى أن تتوصل وبواسطة طرح سيل من الاتهامات إلى تعديلٍ وعلمنةٍ وتغريبٍ للكثير من المفاهيم والتصورات الإسلامية الشرعية تحت ستار التحديث والعصرية والاجتهاد الملائم للواقع وما شابه ذلك؛ حيث يتبارى "ممثلو الإسلام" في تقديم هذه "التنازلات" أو المواجهات في مجالات معروفة كالجهاد وأوضاع المرأة والأقليات غير المسلمة والتعامل مع الغرب والأخلاق والقيم ... إلخ، وذلك في سبيل السعي المحموم لنفي التهم التي يطرحها الطرف النصراني في الحوار ودحضها.
والخلاصة هي أن التصورات الموجودة حول الحوار الديني عند الطرفين الإسلامي والنصراني (وبصرف النظر عن الجوانب الأخرى لهذا الحوار مثل مصداقية ممثلي الأطراف أو السياق الذي يجري فيه أو الأهداف المتحققة لكل طرف) لا تبعث على الثقة؛ بل تثير أشد المخاوف؛ لأنها لا تدل على "حوار" يجري بين أنداد متكافئين يملكون رؤية واضحة حول ما يريدون؛ بل تشير إلى أن طرفاً واحداً فقط هو الذي يمتلك مثل هذه الرؤية الواضحة والهدف المحدد بينما يضطر الطرف الآخر بسبب افتقاده إليها إلى مجاراة الجانب النصراني مجاراة ذليلة تابعة يدور في فلك أهداف الآخر ونواياه ويضر بمصالح الإسلام وأوضاعه من خلال تمييع مفاهيمه وعقيدته وإضعاف هويته وتميزه وتحويله إلى تابع يسير وراء النظام الغربي العالمي الجديد كما سارت الدول والأنظمة والسياسات .
===========(61/35)
(61/36)
مؤتمرات حوار الأديان خلل واضطراب أم فتنة وانحراف ؟!
د.عدنان علي رضا النحوي
الدعوة إلى حوار الأديان دعوة احتلت مساحة غير قليلة في الآونة الأخيرة، سواء من الصحافة العربية والأجنبية ، أو المؤتمرات والندوات . وظهرت آراء تعارض وآراء تخالف . ولكن منطلق الدعوة إلى هذا الحوار كان واضحاً أنه من الغرب ، وأن هناك قوى كثيرة تدعمها . وبعض المسلمين يبني ذلك على قوله تعالى :
(ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) [ النحل : 125]
فيأخذون بعض هذه الآية ويتركون بعضها الآخر الذي هو الأساس . إنهم يقولون : يجب أن نتعامل مع هؤلاء وهؤلاء بالحكمة ونخاطبهم بالتي هي أحسن . وفي سبيل هذا الهدف يمكن أن نتنازل ونتعاون ونتقارب . وبذلك يلغون القاعدة التي قامت عليها الإشارة إلى الحكمة وما تلاها ، ألا وهي : " ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ …" ! تَركوا الدعوة إلى الإيمان والتوحيد ، وأقاموا مكانها علاقات اجتماعية واقتصادية ومصالح مادية ، وأخذوا من الآية الكريمة ما يظنّون أنه يسوّغ ما هم فيه من علاقات تطورت حتى أصبح فيها المسلمون يمتدحون مبادئ هؤلاء وفلسفاتهم ونظمهم وأدبهم وفكرهم ! انقلبت الآية وأصبحنا نحن الذين نُدْعَى ولسنا الذين يدعون ، على الأقل من الناحية العمليّة التطبيقية والنتائج الملموسة !
فالحوار أساسه وجود قضيّة محدّدة بين فريقين أو أكثر . فيعرض كلُّ طرف رأيه ، ويردُّ الآخر عليه . وحتى يبدأ الحوار بداية سليمة يجب أن يكون أحد الطرفين هو صاحب القضيَّة التي يريد أن يعرضها على غيره ، حتى يتلقَّى منه القبول أو الرفض . أما بالنسبة " لحوار الأديان " فأرى الواقع يختلف . فما هي القضيَّة وما هو الهدف ؟! هل يريد النصراني أن يتنازل عن معتقده ؟! هل يريد اليهودي أن يتنازل عن معتقده ؟! هل يريد المسلم أن يتنازل عن دينه ؟! أغلب الظنّ أن هذا كله غير وارد بصورته المطلقة ، حتى أصبح مصطلح " الحوار " وهماً غير محدد . إلا أن الهدف ، كما يبدو ، ليس التنازل الكلي عن معتقد أو دين ، وإنما محاولة الوصول إلى حلٍّ وسط أو نقطة تفاهم لإزالة الخلاف ، كما يقال . وهذا ، إن صحَّ ، قد يفرض التنازل الجزئي . وأنَّى يستقيم الدين مع تنازل مهما كان جزئياً ؟! وأنَّى للتنازل أن يرفع الخلاف ؟!
بالنسبة للمسلم ، فإنَّ القضيَّة واضحة ، لا يحلَّ التنازل عن أيّ شيء من دينه ثبت بالكتاب والسنَّة . هذا من ناحية ، ومن ناحية أخرى فإنَّ الله سبحانه وتعالى حدَّد مهمَّة المسلم وعلاقاته مع أهل الكتاب والمشركين تحديداً واضحاً يقوم كلّه على تبليغ دين الله كما أُنزل على صلى الله عليه وسلم دون أي تبديل أو تحريف ، ودعوة الناس إليه دعوة واضحة حاسمة . لا خور فيها ولا ضعف ولا تنازلات ولا مساومات . على المسلم أن يبلَّغ دعوة الله صافية نقية ، والله يهدي من يشاء ، ويقضي بما يشاء .
والآخرون ليس أمامهم إلا إحدى اثنتين : إما أن يستجيبوا ويؤمنوا ويلتزموا، وإما أن يتولَّوا ويرفضوا ويدبروا . فإن استجابوا فقد أصبحوا مسلمين، وإن أدبروا وتولوا فهم الخاسرون ، والله عليم بالمفسدين :
ولنأخذ نموذجاً من الحوار الحقِّ الذي يأمر به الله سبحانه وتعالى :
(الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ * فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ )
[ آل عمران : 60- 63 ]
هذه الآيات نزلت في وفد نصارى نجران . وهكذا بدأت القضيَّة بإعلان الحق الذي لا يجوز الشك فيه أو التنازل عنه :(الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ )(61/37)
إعلان مدوٍّ يملأ الكون ! إعلان فاصل حاسم نافٍ لكلّ ريبة أو شك : " الحق من ربك " إنه من عند الله فمن يجرؤ أن يمتري أو يشك فيه غير المنافقين والمشركين . وتصبح القضيَّة في نهاية المطاف إذا أصرَّ كلّ طرف على موقفه ، وهما موقفان متناقضان ، ليس بينهما نقطة لقاء ، أنَّ أحد الطرفين هو الصادق والآخر الكاذب ، فكانت نهاية الحوار بأمر من الله الدعاء باللعنة على الكاذبين ! نزل الوحي الكريم على رسول ا صلى الله عليه وسلم يأمره بذلك فانسحب وفد نجران من هذا " الحوار " ، يرومون النجاة ! موقف مفاصلة وحسم ، وموقف تبليغ رسالة الله كما أُنزلت . لم يحمل الحوار أي ساحة للمساومات والتقريب بين الحق والباطل . ثمَّ يفصل سبحانه وتعالى الأمر بأن هذا هو القصص الحق ، وأنه لا إله إلا الله وحده، وأن الله هو العزيز الحكيم . هذه القضية التي كانت موضع الحوار :
( إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلا اللَّهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ )
ثمَّ تمضي الآيات الكريمة لتوجّه الخطاب ، ليس إلى نصارى نجران فحسب ، وإنما إلى أهل الكتاب كلهم على مرّ الزمن كله ، لتفصل القضيّة ذاتها كما فصَّلها مع نصارى نجران :
( قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ ) [ آل عمران : 64]
القضية المطروحة للحوار هي نفس القضيّة السابقة :
( .... أَلا نَعْبُدَ إِلا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ ...)
ويكاد يكون الأُسلوب واحداً :" تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ... " فهي دعوة جليَّة حاسمة ، دعوة إلى الله الواحد الذي لا إله إلا هو ، لتكون هذه القضيّة متساوية بيننا وبينكم ، نؤمن بها حقاً من عند الله وتؤمنون بها ، فتكون بذلك كلمة سواء ، نستوي نحن وأنتم بالإيمان بها ، فآمنوا حتى تستوي الكلمة بيننا، لأن هذه هي نقطة الخلاف الرئيسة وبغير تسويتها لا يتم لقاء .
هذه القضية هي قضيّة الخلاف الذي يدور عليها الحوار . إنها ليست نقطة لقاء كما توهَّم بعضهم ، وظنَّ أنها هي التي نلتقي بها اليوم مع النصارى واليهود، وأنَّى ذلك ؟! فإن كانت هي نقطة الاتفاق واللقاء ، فلماذا ندعوهم إليها ، ونقول لهم : " تعالوا إلى كلمة سواء ؟! " ولماذا لم يقبلوا بها من صلى الله عليه وسلم ، ورفضوها وأَبَوْها وتولّوْا وأدبروا ؟! فهل يقبلونها اليوم ؟!
فما هو الموقف إن لم يقبلوا بهذا التوحيد الصافي البعيد عن التثليث وأمثاله؟! الموقف جليّ واضح أمر من عند الله :
( .... فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ )
نعم ! تولوا ! فنعلن بصورة حاسمة فاصلة : " بأنَّا مسلمون " ولا شيء غير ذلك .
وهكذا انتهى الحوار أيام صلى الله عليه وسلم : دعوة وتبليغ ، وحجة ووحي ، ثبات الدعوة الإسلامية على مفاصلتها ووضوحها ، وإدبار أهل الكتاب .
فهل يمكن أن ينتهي الحوار اليوم على صورة أخرى إلا أن يكون هنالك تنازل ؟! وأين هو الحوار وأهل الكتاب يعملون كل وسائل التدمير والفتك بأرواح مئات الألوف من المسلمين في جميع أنحاء الأرض ؟! وأين هو الحوار ، والتاريخ يحمل أبشع جرائم أهل الكتاب بالمسلمين في الأندلس والحروب الصليبية والهند وشمال أفريقيا ووسطها وفي كل دار من دور الإسلام .
أين الحوار ؟! والمسلمون مستضعفون بين هزائم وفتن وهوان ؟! الحوار يحتاج إلى نفسية قويَّة وقضية حق ، وبلاغ فاصل حاسم ! إنه ليس باب مجاملات ومساومات وتنازلات !
الحوار في مفهوم الإسلام وسيلة للدعوة والبلاغ . إنه يبتدئ بإعلان الحق للقضية ، بإعلان القضيَّة بصورتها التي تمثَّل الحق ، ثمَّ يعرضها مع البيَّنة والحجَّة ، ثمَّ يتلقَّى الإجابة من الطرف الآخر بالقبول أو الرفض . ويمكن معاودة الإعلان والعرض ، وزيادة الحجج والأدلة حتى يتيسَّر طريق الإقناع ، وحتى يعذر المسلم نفسه بين يدي الله يوم القيامة ، وحتى تقوم الحجة على الضالين في الدنيا والآخرة . ثم ينتهي الحوار بإعلان الموقف الفاصل الحاسم :
( ... فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ )
( ... فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ )
الحوار بالنسبة للدين يختلف عن الحوار في قضايا التجارة ومصالح الدنيا . قضايا الدين قضايا حق تقرَّر مصير الإنسان في الدنيا والآخرة . إنها كلها تحمل الحقيقة الكبرى في الكون ، تحمل أكبر وأخطر قضيَّة في حياة كل إنسان ، وأكبر قضيَّة وأخطرها في الكون كله ، دونها أي حقائق جزئية أخرى .(61/38)
لقد ظهرت الدعوة إلى حوار يدور بين رجال من المسلمين ورجال من الأديان الأخرى قبل عقود ، تحت شعارات عدة . ولقد رافق هذا الاتجاه نماذج متعددة من الأدب نثراً أو شعراً تدعو إليه . وانتشرت شطرة من بيت شعر تقول : " ... إن النصارى إخوة للمسلمين "!
ولقد نشط النصارى في بلاد الشام خاصة نشاطاً واسعاً من خلال الدعوة إلى هذا التقارب ، تدعمهم دول أجنبية متعدّدة استطاعت أن تتسلل إلى قلب الخلافة الإسلامية من خلال هذا الدعم . ورافق هذه الدعوة دعوة أخرى ترفع " العروبة " شعاراً بدلاً من " الإسلام " ، ودعوة تنادي بأن لا يكون للدِّين تدخل في الحياة . ونالت هذه الدعوات إعلاماً واسعاً جداً في الصحافة والندوات والمظاهرات والأناشيد . وحسبك هذا النشيد :
مِنَ الشَّامِ iiلِبَغْدانِ
إلى مِصْرَ iiفَتَطْوانِ
ولا دِينٌ iiيُفَرِّقُنا
بِعَدْنَانٍ وغسَّانِ ...
... بلادُ العُرْبِ أَوْطاني
ومِنْ نَجْدٍ إلى iiيَمنٍ
فلا حدٌّ iiيُبَاعِدُنَا
لسانُ الضَّادِ iiيَجْمَعُنا
وغنَّى المسلمون هذا النشيد وردَّدوه في كثير من أصقاعهم ، وغنَّاه الأطفال في مدارسهم . وتنازل الكثيرون عن إسلامهم ، ولم يتنازل النصارى عن نصرانيتهم بل زادوا تمسُّكاً بها ، وارتباطاً مع القوى النصرانيَّة الأوروبيّة والأمريكية . وفي الوقت نفسه ، وهم يتعصَّبون لدينهم ، يتهمون المسلمين بالتعصَّب الطائفي . ويُصدِّق كثير من المسلمين هذه الفرية ، ويحاولون أن يتبرؤوا منها ولو بالتنازل عن بعض خصائص الإسلام وقواعده ، والمشاركة ببعض عادات النصارى ، والنصارى يزدادون تعصباً لدينهم .
وكان من أخطر نتائج هذه الدعوات المتلاحقة بزخارفها القوميَّة والإقليميَّة، والعلمانيَّة ، أن تسلّلت أفكار التنازل شيئاً فشيئاً إلى قلوب بعض المسلمين ، وأخذت تظهر على ألسنتهم بين حين وآخر ، يدعون بها إلى تنازلات واضحة عن بعض قواعد الإسلام ، وإلى تقارب مع بعض الأديان الأخرى كالنصارى وغيرهم، وأخذ هؤلاء يحاولون البحث عن قواعد فقهية يسوّغون بها دعواهم ، ويُنْزِلون الآيات والأحاديث على غير معناها الحق ، ويتهمون المسلمين بأنهم لا يعترفون بالآخر ، خلاف الحقيقة التي تقول إنَّ الآخر هو الذي لا يعترف بالمسلمين وأن المسلمين هم المعتدى عليهم .
كان من بين الدعاة من أخذ يدعو إلى عدم الإصرار على كلمة " الجزية " التي تؤخذ من أهل الكتاب ، ويدعون إلى تغيير اسمها مراعاة لشعور النصارى أو أهل الكتاب بعامَّة ، والبعض الآخر يدعو إلى زواج المسلمة من نصراني أو يهودي ، وإمامة المرأة للرجال في الصلاة تحت شعار مساواة المرأة بالرجل ....الخ، وأخذ بعضهم يدعوا إلى المساواة بين النصارى والمسلمين في أمور أخرى بتحريف آيات الله وأحاديث رسوله صلى الله عليه وسلم يدعون إلى المساواة فيما هو مخالف للنصِّ الصريح في الكتاب والسنَّة .
ومن خلال هذه الاتجاهات أخذت تتزايد الدعوة إلى تقارب الأديان وإلى الحوار بين رجالها وتطرح المسوِّغات لهذه الدعوة بين حين وآخر . واتخذت خطوات عملية في لقاءات بين بعض علماء المسلمين وبين بعض علماء أهل الكتاب ، بالإضافة إلى زيارات إلى الفاتيكان تحت هذا الشعار . من الصعب أن نَذْكُر كلَّ ما تمَّ في هذا الصدد ، ولكن نذكر ما صرَّح به أحد العلماء الذين زار الفاتيكان من أجل الحوار أنَّ البابا قال لهم : نحن لا نعترف ب صلى الله عليه وسلم رسولاً من عند الله . ويتساءل هذا بعد ذلك : فلماذا الحوار إذن ؟! وأقول له : اسأل نفسك لماذا هذا الحوار ! وليس هذا هدفنا بهذه الكلمة ، ولكن هدفنا هو مناقشة المبدأ ومسوِّغاته والنصح للأمَّة بما يُرضي الله .
النقطة الأولى التي يجب أن نسجِّلها هي أنه في الوقت الذي يدعو فيه بعض المسلمين إلى الحوار والتقارب مع الأديان الأخرى ، نجد الدعوة إلى الحوار بين المسلمين أنفسهم وإلى تقاربهم دعوة ضعيفة ، أو نجد أنها تُقاوم أو غير مرغوب فيها نفسيّاً ولا عمليَّاً ، مع أنَّها هي الأوْلى !
والنقطة الثانية هي أن هذه الدعوات تدور وصفوف أهل الكتاب أكثر تماسكاً وصفوف المسلمين أكثر فرقة . وهذه الظاهرة جعلت أهل الكتاب يتعاملون مع المسلمين على أساس من نهج وتخطيط يُغذِّي تعاونهم فيما بينهم لتحقيق أهداف عليا التقوا عليها ، ولا يعطّلها اختلاف أطماعهم على الغنائم من ثروات العالم الإسلامي . وفي الوقت نفسه لا يحمل المسلمون نهجاً ولا خطة يلتقون عليها لتحقيق أهدافهم الربَّانيَّة التي تغيب في عجاج الخلاف والشقاق .
عندما يأتي رجال الدين من أهل الكتاب إلى الرجل المسلم ، فإنهم لا يأتون بوازع فردي معزول عن صفّهم ، وإنما يأتون من خلال توجيه ونهج يخدم أهدافهم المعلنة وغير المعلنة ، ويقف وراءهم صفُّهم . وأما المسلم حين يستقبل منهم أحداً ينكشف عندئذ غياب التخطيط ، وينكشف تباين الآراء ويظهر التراجع أو الوهن ، وينكشف أنه وحده يحمل هواه لا قضية أمته ودينه .(61/39)
والنقطة الثالثة هي أن بعض قواعد الإسلام تغيب أحياناً في ضباب هذه الدعوات وغموض مصطلحاتها ، حتى إن بعض الآيات أو الأحاديث تُردَّد هنا وهناك كحجَّة لقول القائل ، وتكاد توحي بسلامة هذه الحجة ، حتى إذا دُرِست الآية أو الحديث وعرفت المناسبة وفقهُها تغيَّرت الصورة كلها ، وتغيَّر الفقه والحكم .
والنقطة الرابعة هي أنه لا يحلُّ لنا أن نحمِّل الإسلام وفِقْهَ الإسلام ما يراه البعض من آراء تحت ضغط واقع المسلمين اليوم من وهن وهزائم واستسلام في كثير من المواقع . هنالك أمور غير قليلة في واقع المسلمين يفرضها عليهم الواقع، فلماذا يحاول البعض أن يتلمَّس من بين الآيات والأحاديث مسوِّغات تزيدنا إثماً على إثم ، وتزيدنا اندفاعاً في مسلسلات التنازل ، وتزيد من الخدر في عروق المسلمين .
لا ننكر أننا نحن المسلمين اليوم في ظلمة شديدة وفواجع وهزائم . وإننا نحاول الخروج من هذا الظلام وقد اضطرب الميزان في أيدينا وغلبت الأهواء والمصالح ، وأصبحت النجاة التي يرُومها الكثيرون هي السلامة في الدنيا ، ناسين أمر الآخرة أو غافلين عنه ، وأنه لم يعد هو المعنى الحقيقي للنجاة . الكثيرون يريدون الخلاص من الفقر ومن خطر القتل والإبادة ، ومن العدوان والظلم ، خلاصاً لا يُنجي من عذاب الآخرة .
فتوحي شياطين الإنس والجنِّ إلى بعض النفوس بأنَّ النجاة من أهوال الدنيا هي في مجاملة أعداء الله أو الركون إليهم ، ثمَّ تبنِّي أفكارهم ، ثم الدعوة إليها نيابة عنهم . لقد ظنَّ الكثيرون أنَّ هذا هو باب النجاة من صروف الدنيا وعدوان الظالمين . فهرعوا يتسابقون إلى ذلك ، كلٌّ يعلن عن موالاته أو يُسِرُّه ويعلن غيره. لقد غاب عن بال هؤلاء أن أعداء الله يعرفون الإسلام ، وأن لديهم أناساً متخصصين لذلك ، وأنهم يعلمون علم اليقين أن الإسلام يناقض ما يدّعونه.
عندما يرى هؤلاء أن بعض المسلمين قد أخذوا يتنازلون عن بعض قواعد دينهم ، أو إخفاء بعضها الآخر ، وأنهم يُخْفُون الجهاد ومعانيه ، ويبرزون السلام وأمانيه ، مشوّهين بذلك حقائق الإسلام ، وفاصلين بعضها عن بعض ، فإنهم حين يفعلون ذلك يخسرون احترام هؤلاء الأعداء ، ويخسرون نصر الله وتأييده ، فيخسرون بذلك الكثير الكثير ، ويخسرون أسباب النجاة والنصر . أولئك الذين يركنون إلى أعداء الله يخسرون كل شيء . واستمع إلى قوله سبحانه وتعالى :
(فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ * وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ ) [ هود : 112-113]
وأخيراً أتساءل وأدعو غيري ليتساءل ويفكر : هل يُعقل أن يبعث الله لعباده أدياناً مختلفة تتصارع فيما بينها ، والله يريد أن يهدي عباده إلى الحق الذي لا يتبدّل ؟! فالدين عند واحد هو الإسلام دين نوح وإبراهيم وموسى وعيسى وجميع الأنبياء والرسل ، دين واحد :
( إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ) [ آل عمران : 19]
وكذلك :
( وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ )
[ آل عمران : 85]
هذا هو الحقُّ من عند الله يقبله القلب ويؤمن به . وإلى ذلك ندعو ونبلِّغ، ونعلن بصورة حاسمة فاصلة !
فالإسلام أعطى لأهل الكتاب من يهود ونصارى حقوقهم العادلة في ظلِّ حكم الإسلام . ولم يجدوا في تاريخهم كله أرحمَ ولا أعدلَ من الإسلام . ولكن الفتنة تقلب الحقائق وتتيه بها النفوس ، وتثور العصبيات الجاهلية لتحرف الناس عن دين الله الحق الواحد ، دين الإسلام
===============(61/40)
(61/41)
حوار حول حوار الأديان مع الدكتور عدنان علي رضا النحوي
في مجلة اليمامة : حول "حوار الأديان"
يديره الأستاذ عبد المحسن القباني
حول حوار الأديان
تديره مجلة اليمامة في باب : " مواجهة "
• نشطت في الآونة الأخيرة الجهود والمساعي لإقامة " حوار الأديان " وظهرت آراء متباينة داخل المؤسسات الإسلامية إما مؤيدة أو معارضة لهذا الحوار ، أين تقف من ذلك ؟
حوار الأديان مصطلح جديد يحمل ظلالاً مختلطة عائمة . فلابدّ من تحديد معناه ، مسيرته ، وأسلوبه ، وهدفه وغايته ، قبل تحديد موقف أو إعطاء رأي .
هل المسار والهدف تقريب " الأديان " بعضها من بعض ، الأديان التي يعتبرونها أدياناً مختلفة ؟! ثم يتلو ذلك إجراءات على الواقع تمثل هذا التقارب ؟!
هذا الحوار أرفضه ويرفضه الإسلام !
هل الحوار يهدف إلى استدراج المسلمين ليتنازلوا عن بعض قواعد دينهم أو تحويرها أو زعزعة إيمانهم بأن الإسلام كما أنزل على صلى الله عليه وسلم هو الدّين الحق الذي لا يقبل الله غيره ؟ !
هذا الحوار أرفضه ويرفضه الإسلام !
فإذن لماذا الحوار ؟! وهل هناك حوار يقبله الإسلام ؟! نعم ! هنالك حوار جادّ واجب على المسلم أن ينهض إليه لأنه تكليف من عند الله . إنه حوار لتبليغ رسالة الله كما أُنزلت على صلى الله عليه وسلم دون تحريف ولا تبديل ولا تنازل إلى الناس كافّة . وقد حفظ الله هذا الدين الحق وتعهَّد بحفظه وحفظ نصوصه حتى يُغلَقَ باب التحريف الذي حصل عند اليهود والنصارى ، كما نصّ على ذلك القرآن .
نحن أمة نحمل أمانة نوفي بها عبادةً خُلقْنا لها ، ونوفي خلافةً جُعِلت لنا ، وبهذه الأمانة والعبادة والخلافة أُمِرْنا بعمارة الأرض بحضارة الإيمان والتوحيد بدلاً من الحضارة المادية ، حضارة الإيمان والتوحيد التي توفّر كل معاني النمو والقوة في عبادة صادقة لله .
وأصبحت هذه المهمة مسؤولية الأمة المسلمة التي أخرجها الله لتكون خير أُمَّةٍ أُخرِجت للناس لتحمل خير رسالة للبشريّة كلها . وعندما يتخلّى الإنسان عن هذه الأمانة يصبح ظلوماً جهولاً ويصبح كالأنعام أو أضل سبيلاً .
إن الوفاء بهذه المهمة والأمانة هي القاعدة التي تحدّد علاقة المسلمين بغيرهم .
ولا نجد في القرآن والسنة والسيرة إلا حواراً حول الدعوة والبلاغ والبيان . وللإيجاز أشير إلى بعض الآيات الحاسمة في ذلك : النحل : 125 ، آل عمران : 58 ـ 71 ، المائدة : 67، العنكبوت : 46 ـ 52 ، وآيات وأحاديث كثيرة تبيّن هذه الحقيقة . فنجد الحوار واضحاً حاسماً ، حتى إذا انتهى يأتي قوله سبحانه وتعالى :" .. فإن تولَّوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون " ، أو قوله سبحانه وتعالى : " .. فإن تولَّوا فإنّ الله عليم بالمفسدين " ! ففي ميزان الإسلام لا يوجد عند الله إلا دين واحد ، مهما ادعى الناس من ديانات . فالأنبياء والمرسلون كلهم ومن آمن بهم وتبعهم كانوا مسلمين مؤمنين بهذا الدين الحق الواحد ، وجاءت الآيات الكريمة تنصّ على ذلك ، وتنصّ على أن الدين عند الله الإسلام ، وأن الله لا يقبل من أحد إلا الإسلام . فهذا هو دين نوح وإبراهيم وإسحق ويعقوب وموسى وعيسى وسائر الأنبياء . وقد فصّلتُ هذا الأمر في كتابي " حوار الأديان دعوة أم تقارب أم تنازل " . وأذكر هنا مثلاً واحداً من الآيات الكريمة توضح أسلوب الحوار وهدفه :
(( الحق من ربّك فلا تكُن مِنَ المُمترين . فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندعُ أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنت الله على الكاذبين . إن هذا لهو القصصُ الحق وما من إله إِلا الله وإِن الله لهو العزيز الحكيم . فإِن تولوا فإِن الله عليم بالمفسدين . قل يأهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألاّ نعبد إِلا الله ولا نشركَ به شيئاً ولا يتّخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله فإن تولوا فقولوا أشهدُوا بأنَّا مُسلمون . يأهل الكتاب لِمَ تُحاجُّون في إبراهيم وما أُنزِلت التوراتة والإنجيل إِلا من بعده أفلا تعقلون ))
[ آل عمران : 60 ـ 65 ]
وتبليغ الدعوة والحوار من أجلها له قواعد وأساليب ووسائل فصّلها كتاب الله ، ولكن الحوار يظل بالحكمة والموعظة الحسنة ، حتى ينتهي الحوار !
يمكن أن يقوم حوار غير حوار الأديان . حوار سياسي ، حوار مصالح دنيوية ، حوار لتخفيف الحروب ... !
• فكرة حوار الأديان يحيط بها الكثير من الغموض والشكوك .. فما هو أصل هذه الفكرة وما أهدافها ؟
اعتقد أن " حوار الأديان " للتقارب أو للتنازل انطلق مع أجواء الوهن وحالة الضعف والهوان الذي يمر به المسلمون في العصر الحديث ، بعد أن هجر الملايين من المسلمين كتاب الله حتى امتد الجهل الكثير : " وقال الرسول يا رب إنّ قومي اتخذوا هذا القرآن مهجوراً " [الفرقان :30] . ولم يكن هجر القرآن بعدم دراسته وتدبره فحسب ، وإنما كان بعدم رد الأمور إلى كتاب الله والسنة من ناحية ، وبتأويل غير سليم من ناحية أخرى . وكثرت الاجتهادات ، كما نقرؤها في بعض الصحف والمجلات ، دون أن تحمل الحجّة البيّنة من الكتاب والسنة ، كما أمِرْنا بذلك .(61/42)
لا شك أن دول أهل الكتاب قد ملكوا سلطاناً اليوم وعدّة وسلاحاً لا يملكها المسلمون . وحمل هؤلاء على المسلمين حملات إجراميّة ممتدة في التاريخ ، بالإضافة إلى مناهج الكيد والمكر والغزو الفكري الذي امتدّ كثيراً في أرض المسلمين وواقعهم ، حتى أصبح من بين المنتسبين إلى الإسلام من هم دعاة لتلك المذاهب الفكرية ومناهج المكر ، في هزيمة نفسيّة واضحة صاحبت الهزائم العسكريّة والفكرية .
وسبب آخر ، أننا لم نستطع أن نقدِّم الإِسلام للعالم بصورته المشرقة الأمينة ، وإنما نظر الغرب فرأى منا التمزّق والتناحر والجهل والتنافس على الدنيا ، ثم رأى هزائمنا واحدة بعد الأُخرى ، فاستعلى واستكبر أكثر وأكثر . ومن بين التصريحات المزخرفة المغرية ، كانت تنطلق عمليات الإبادة والفتك بالمسلمين ، في تناقض واضح بين القول والعمل !
وقد صرّح نيكسون في كتابه " نصر بلا حرب " عداءه الواضح للإسلام واعترف بأنه ليس من مصلحتهم الدخول مع الإسلام في حرب ، ولكن يمكن أن يحرفوا اتجاه العاصفة . وفي كتابه " اغتنام الفرصة " أوضح أنهم يريدون إسلاماً جديداً يصاغ صياغة جديدة ، وفوكاياما في كتابه " نهاية التاريخ والرجل الأخير " أبدى عدم قبوله الإسلام واعتبر الديمقراطية الأمريكية هي التي تسود . من خلال هذه النفسيات وما تحمل من كره وحقد ظاهر أو مخفيّ ، كانت لهم محاولات استدراج المسلمين بوسائل متعددة للانحراف عن دينهم .
فأصل الفكرة محاولة أولئك حرف المسلمين عن دينهم ، وواقع المسلمين في أجواء الضعف والهوان والعجز .
ولا ننكر أنه بالرغم من أجواء الضعف أثبت الإسلام ثباته وشدة مراسه في مناطق كثيرة في الأرض ، بجنود تدافع عن دينها مهما كانت ضعيفة إلا أنها صابرة ما صدقت .
• هل ترى بأن " حوار الأديان " جزء من حملة التشويش الثقافي على الفرد المسلم ؟ ألا ترى أنه تنازلٌ عن معتقد سواء كان تنازلاً جزئياً أو كلياً ؟
نعم ! إنه أولاً يوهم المسلم بأن الإسلام يقرّ بأن هنالك أدياناً من عند الله يمكن أن تتحاور . وهذه مغالطة كبيرة . فعند الله دين واحد هو الإسلام لا يقبل الله من أحد غيره :
(( إن الدين عند الله الإسلام ... )) [ آل عمران : 19]
(( ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه ... )) [ آل عمران : 85 ]
فهو تشويش للتصور الإيماني ، وتشويش علمي ، وتشويش ثقافي ، كل ذلك يدفع إلى فتن وزيادة ضعف .
ولقد أخذ الحوار أسلوباً آخر حين حمل مصطلحاً جديداً : " حوار الحضارات " بدلاً من حوار الأديان . وقد يكون الحوار استدراجاً وقد يكون تخديراً !
والذي أودّ أن أقوله هو أن الحوار يمكن أن يدور بين الناس في مؤتمرات وندوات وحلقات ، إلا أن ما يجري في الواقع لا علاقة له بذلك . تمضي سياسة القويِّ كما تمليه مصالحه ، ويُترك الحوار والشعارات ليتلهّى بها أصحابها .
• لماذا نرفض الحوار وديننا الإسلامي ونصوص القرآن تشجع الحوار ؟
لماذا نرفض " هذا الحوار " ... ؟ أيُّ حوار يعنيه هذا السؤال ؟ !
وديننا الإسلامي ونصوص القرآن لا تُشَجع إلا حواراً واحداً يوفي به المسلمون الأمانة التي حملوها ، والعهد الذي أخذه الله منهم ، حوار الدعوة وتبليغ رسالة الله كما أُنزلت على محمد صلى الله عليه وسلم ففي سورة آل عمران مثلاً ، عندما ينتهي الحوار الواضح الحاسم يأتي قوله سبحانه وتعالى : فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون "
نعم للحوار الذي يخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم !
نعم للحوار الذي يسعى بأن تكون كلمة الله هي العليا !
نعم للحوار الذي يبلّغ الحق من عند الله ولا يتنازل عن شيء منه ولا يقترب من الباطل
ولنذكر بعض الآيات الكريمة لتذكرنا :
" فاستقمْ كما أُمِرت ومن تاب معك ... " [هود : 112]
" ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار وما لكم من دون الله من أولياء ثمّ لا تنصرون " [هود : 112 ، 113]
وأتساءل لماذا يصرُّ بعضهم على " حوار الأديان " ولا يدعون إلى حوار بيْن المسلمين أنفسهم ؟ ! أليس هذا أولى .
ولقد أوضحت " لماذا نرفض " بصورة أوسع في إجابة السؤال الأول .
نشر الحوار في العدد 1710، يوم السبت 15يونيه 2002م .
===============(61/43)
(61/44)
الغرب... ثقافة الصّراع وإبادة الآخر
نايف ذوابه 13/2/1427
13/03/2006
حوار الآخر وحوار الأديان وحوار الحضارات وحقوق الإنسان، شعارات الغرب البرّاقة لم تعد تنطلي على أحد بعد أن خدعنا بها الغرب ردحاً من الزمن، وقد كان جمهرة المثقفين والناشطين السياسيين المتشدقين بها يتطلعون إلى الغرب كمثل أعلى وقدوة، فأصبحت عبئاً عليهم وقذاة في عيونهم.
لم تعد الخدعة والكذبة الكبرى تنطلي على أحد بعد أن امتُحنت هذه الشعارات على أرض بلادنا، فافتُضح كذب هذه الشعارات وانتهازيتها، وتبين أنها شعارات خاوية من معاني الشرف الذي يحاول أن يسبغه عليها موظفو وزارة الخارجية الأمريكية؛ فقد أصبحت دميمة ومملّة على الرغم من كل عمليات التجميل والماكياج الدائبة التي تجري لهذه المصطلحات من قبل موظفي دائرة العلاقات العامة الأمريكيين، الذين هبّوا لتحسين صورة وجه أمريكا في العالم الإسلامي، وقد أدركت (كارين هيوز) من خلال جولتها في الشرق الأوسط -وخاصة السعودية وتركيا- مدى صعوبة بل جسامة المهمة واستحالتها؛ فقد اتّسع الخرق على الراقع، ولا أظن أن البرامج التي خصصتها الجزيرة مؤخراً لاستضافة موظفي الخارجية الأمريكية بمجدية نفعاً لهم، حتى لو تكلموا باللغة العربية المطعمة أو المطهمة بالعامية المحلية؛ ليتألّفوا بها قلوب المسلمين، ومهما ألقَوْا من الابتسامات العريضة على شاشات الفضائيات، وخاطبوا جماهيرها الغفيرة مباشرة؛ فهؤلاء رأوا بأم أعينهم أفعال أمريكا المشينة في أبو غريب وأقفاص غوانتانامو وأفغانستان، وأمثالنا العربية أفصح وأبلغ من كل هرطقات الساسة الأمريكان؛ فقد قالت العرب: ليس راءٍ كمن سمع!! وصور سجن أبي غريب لن تمّحي من ذاكرة المسلمين، وستظل تهتف بهم تنشد منهم الثأر لحرماتهم التي انتُهكت، وضجّت من دناءتها جدران المكان!!
لم تعد تنطلي محاولات التزوير وسوق الأضاليل على الشعوب، بما فيها الشعوب الغربية نفسها؛ لأنها ترى وتسمع حكوماتها تتحدث بلسانين، وتكيل بمكيالين، وتقيس بألف مقياس ومقياس حسب الحالة، ووفق الظرف، والمدّعِي والمدّعَى عليه .... وخلاصة القول: الشعوب لا تنظر إلى دموع التماسيح التي تذرفها أمريكا على حقوق الإنسان في بلادنا بل تنظر إلى ما تفعله يداها!!
ثقافة الصراع وإبادة الآخر جزء لا يتجزأ من ثقافة الغرب؛ أليست الثقافة الغربية وريثة الحضارتين اليونانية والرومانية، ثقافة الصراع بين الآلهة، ثم الصراع بين الدين والدولة، والصراع بين الإنسان والطبيعة، والصراع بين الإنسان والآلة، ثم صراع الحضارات عند هنتنغتون؟!
فكرة الصراع في الغرب جزء من بنيتهم الثقافية قديماً وحديثاً. صراع ينتهي بإبادة الآخر؛ فهناك صراع بين الآلهة فوق جبال الأوليمب، وصراع في الإلياذة والأوديسة بين أثينا وإسبارطة، صراع الدولة الرومانية مع الفرس، صراع المسيحية مع الإسلام، وزحف هذا الصراع إلى أمريكا في عملية الهنود الحمر.
"والسلوك اليهودي في فلسطين ليس مرده إلى التلمود، ولكنه الاستعمار الاستيطاني الذي يشبه الاستعمار الأبيض للقارة الأمريكية وجنوب إفريقية، حيث أُبيد السكان الأصليون ... فتقديس الصهاينة للعنف إفراز طبيعي للحضارة الغربية العنصرية الاستعمارية التي كانوا يتحركون في إطارها، والصهيونية لم تتحول إلى حقيقة إلا عبر التشكيل الاستعماري الغربي، وهي تدور في إطاره، وتدرك العالم من خلال خريطته المعرفية، وليس من خلال التوراة أو التلمود أو البروتوكولات".
هذا "الصراع الأيدلوجي الذي أسس له دارون والصراع الاجتماعي عند سبنسر وصراع القوميات عند نيتشة".
شعارات الديموقراطية وحقوق الإنسان والحوار مع الآخر شعارات مضروبة لا يشتريها أحد، يُسمح بها طالما كانت الأمور تحت السيطرة لحساب التفوق الأبيض. أما إذا اهتز التفوق الأبيض أو تحرّكت ضدّه نذر الخطر من بعيد على مرمى قارات ومرمى قرون فإن الإبادة للآخر تتكشف لتكون هي الأساس. إبادة الآخر في الأندلس، إبادة الآخر المسلم في أوروبا الشرقية والبلقان، وآسيا الصغرى والقوقاز، وإبادة الآخر في الجزائر وفلسطين والعراق وفيتنام... إبادة الآخر في أمريكا نفسها التي بدأت كمشروع استيلاء ونهب لقارة بأكملها من أهلها الأصليين، ولم يكن هناك بديل للبندقية، وكان العنف هو الوسيلة لتحقيق الهدف في أقصر وقت ممكن وبأقل جهد!!
يقول نعوم تشو مسكي في (تواريخ الانشقاق)، وهي حوارات أُجريت معه وطُبعت في كتاب ترجمه محمد نجار يقول: "الولايات المتحدة وُجدت وأُسست على دمار السكان الأصليين للبلاد. فقبل أن يكتشف كولومبس أمريكا، فقد قُدّر السكان الذين كانوا يعيشون شمال (ريوجراند) من (12-15) مليون نسمة، إلا أنهم تقلصوا مع بداية هذا القرن -يعني القرن العشرين- إلى مائتي ألف نسمه فقط".
وكتب جورج واشنطن في إحدى رسائله إلى المفوض للشؤون الهندية يقول: "إن طرد الهنود من أوطانهم بقوة السلاح لا يختلف عن طرد الوحوش المفترسة من غاباتها"!!(61/45)
وسن الكونغرس عام 1830م قانون ترحيل الهنود بالقوة من شرق المسيسبي إلى غربه، فصار من حق كل مستوطن أن يطرد الهندي من بيته وأرضه، وأن يقتله إذا لم يستجب لصوت العقل"!!
وقد استخدم الأمريكيون لإبادة سكان البلاد الأصليين -بالإضافة إلى القتل وهدم المدن والقرى- وسائل أكثر وحشية وحقداً؛ فقد قاموا بنشر وباء الجدري بين قبائل الهنود بوساطة التلويث المتعمّد بجراثيم هذا الوباء للأغطية التي أُرسلت لهم، كما اعترف بذلك (وليم براد فور) حاكم ولاية بليموت الذي يرى أن نشر الجدري بين الهنود يدخل السرور والبهجة على قلب الله!!
انظر إلى بهتانهم كيف يفترون على الله؛ إذ يصوّرونه ظالماً، وفي أبشع صور الظلم - قاتلهم الله، وتعالى الله عن ذلك علواً كبيراً- وهو القائل في الحديث القدسي على لسان رسوله الكريم: يا عبادي إني حرّمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرّماً!!
وفي أواخر القرن التاسع عشر اجتاحت القوات الأمريكية الفلبين، وارتكبت أبشع الفظائع هناك. يقول أحد أعضاء الكونغرس ضمن تقرير له على إثر زيارة قام بها إلى الفلبين: "إن الجنود الأمريكيين قتلوا كل رجل وامرأة، وكل سجين وأسير، وكل مشتبه به ابتداءً من سن العاشرة، وهم (أي الجنود الأمريكيون) يعتقدون أن الفلبيني ليس أفضل كثيراً من كلبه، وخصوصاً أن الأوامر الصادرة لهم من قائدهم فرانكين قالت لهم: " لا أريد أسرى، ولا أريد سجلات مكتوبة". وفي ألمانيا وبعد انهيار قوات الرايخ أسفر القصف الجوي العشوائي الأمريكي على المدنيين عن خمسمائة وسبعين ألف قتيل، وثمانمائة ألف جريح.
وفي هيروشيما باليابان قُتل عشرات الآلاف من المدنيين بالقنبلة النووية، وبعد ثلاثة أيام من ذلك الحدث أُلقيت على ناجازاكي قنبلة أخرى مماثلة، ولم يكن لفظاعة قنبلة هيروشيما، وما نجم عنها من أهوال وفواجع، لم يكن لذلك رادع من ضمير عن تكرار ذلك العمل الرهيب!! مما يعني الإصرار على القتل والتدمير، وبدم بارد كما يُقال، علماً بأن إمبراطور اليابان كان قد اقترح قبل ذلك أي قبل إلقاء القنابل الدخول في مفاوضات الاستسلام.
وبعد تسأل أمريكا بوقاحة: لماذا يكرهها العالم؟!
ويستبدّ بك العجب من صلف هؤلاء ووحشيتهم التي بلغت حد الهوس والهذيان والجنون...!!
وبالمقابل إزاء هذا الصلف وهذه الوحشية -أيضاً- تعولمت مشاعر العداء والكراهية لأمريكا، إلى الحد الذي أصبح يُشار به إلى الأمريكي بـ"الكريه"!
ومازال الأمريكان يستغرقون في السؤال الذي لا يحتاج إلى جواب...!!
============(61/46)
(61/47)
ردع التطاول على النبي صلى اله عليه وسلم ..
أسبقية عقدية ودبلوماسية وإعلامية
زين العابدين الركابي
هذه تحية من (نوع مختلف): تحية معجونة بالحقد والكراهية وانتهاك (حقوق الآخر) ـ الذي هو مسلمو العالم ـ أي تحية هذه؟..
لقد نشرت مجلة (مسيحية) نرويجية رسما هازلا ساخرا هازئا (كاريكاتير) لنبي الاسلام صلى الله عليه وسلم ومتى؟
أول أيام عيد الاضحى. بالضبط يوم الثلاثاء 10 ذي الحجة (10 يناير ايضا)، أي في ذات اللحظات التي بدا فيها مسلمو العالم يبتسمون لإشراقة باكورة أيام عيدهم. وكأنّ هذه المجلة ومن وراءها، قد تعمدوا تهنئة المسلمين بتوجيه الاهانة الى نبيهم المحبوب.. وكانت صحيفة دانماركية قد مارست الفعل ذاته من قبل، بل ان الفعل الثاني (محاكاة) للفعل الاول: وفي كل شهر.
ولو كنا (كافرين) بالمسيح عيسى ابن مريم، لطالبنا رسامي الكاريكاتير في العالم العربي الاسلامي برسومات تستهزئ به، بناء على قاعدة (المعاملة بالمثل). ولكن هذا الطلب ممتنع أبدا من حيث انه (كفران) مبين بالنبي محمد نفسه، r. فالتفريق بين الانبياء في الايمان بهم، بمعنى الايمان بنبي والكفر بآخر، انما هو كفر حقيقي وصريح بهم جميعا: «إن الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون ان يفرقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض أولئك هم الكافرون حقا واعتدنا للكافرين عذابا مهينا».. يُضم الى هذا الفيصل الايماني: موجب عدلي.. وموجب اخلاقي. اما الموجب العدلي فهو ان المسيح صلى الله عليه وسلم بريء من التهجم على أخيه محمد. وكيف يتهجم عليه وهو الذي بشر بمجيئه: «وإذ قال عيسى ابن مريم يا بني اسرائيل إني رسول الله إليكم مصدقا لما بين يدي من التوراة ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد».. وأكابر اهل الكتاب كانوا يعلمون هذه الحقيقة ويجهرون بها. فعندما سمع النجاشي القرآن النازل في حق عيسى وأمه مريم، من الوفد المسلم المهاجر اليه قال: «اشهد انه رسول الله وانه الذي نجد في الانجيل وانه الذي بشر به عيسى ابن مريم».. وحين سمع هرقل ملك الروم، وصف النبي من أبي سفيان بن حرب، قال هرقل: «ان يكن ما تقول فيه حقا، انه لنبي، وقد كنت اعلم انه خارج».. والانجيل هو مصدر علم هرقل.. ومن هنا: ليس من العدل: ان يحمّل المسيح مسؤولية ما لم يفعل، وما لم يرض.. واما الموجب الاخلاقي فهو: ان المسلمين يحملون (مسؤولية اخلاقية) مطلقة ودائمة تجاه الانبياء والمرسلين.. مسؤولية اخلاقية تتمثل في الدفاع عن مقامهم وجلالهم وكرامتهم وسمعتهم وحقوقهم التي تنبغي لهم. ولذا فإن قاعدة (المعاملة بالمثل) في هذا المقام: معطلة أبدا، بل ملغاة بإطلاق، فلا يحل لمسلم: رسّام او كاتب او غير ذلك: ان يهزأ بنبي الله عيسى ابن مريم، ولا بأي نبي آخر.
بيد ان استحالة (المعاملة بالمثل) ـ للاسباب العقدية والاخلاقية التي ذكرت ـ لا تعني الصمت وابتلاع الاهانة. فالتطاول السفيه على مقام خاتم الانبياء والمرسلين، ليس مسألة يمكن الاغضاء عنها، ولا التساهل فيها. ذلك انها (قضية عقدية مبدئية كبرى) تنتظم منظومة من القضايا التي تُعد كل واحدة منها: أسبقية فكرية وثقافية ودبلوماسية وحضارية.
1 ـ قضية: ان عدم وجود (ردع) فكري ودبلوماسي واعلامي يشجع على ارتكاب المزيد من السفاهات ضد نبي الاسلام.
فبالأمس تطاول سفهاء في الدانمارك. واليوم يتطاول سفهاء في النرويج.. ومن المحتمل ان يتبعهم غيرهم: ما لم يحصل (ردع) فكري ودبلوماسي واعلامي، يشعر السفهاء ودولهم: انهم يدفعون ثمنا باهظا بسبب هذا التطاول: «ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الارض».
2 ـ قضية (حق الشعوب المسلمة) في ان يحمي حكامها وقادتها عقائدها ومقدساتها من العدوان، ليس بحرب تقليدية، ولا بحرب نووية. فهذا أمر غير وارد، لا من حيث الامكان، ولا من حيث الحاجة اليه. وانما يتعين على قادة الشعوب المسلمة: ان يحموا عقائدها ومقام نبيها بـ(الطرق السلمية) المستطاعة: بالردع الاعلامي المبرمج.. وبالحركة الدبلوماسية الجادة النشطة، بما في ذلك: الاتصالات المكثفة والاحتجاج بالبيانات الواضحة الحازمة عن طريق السفراء، او وزراء الخارجية، بالتحرك الجماعي او الفردي.
3 ـ قضية (الاستفادة) من اليهود في مواقفهم من كل ما يمس مقدساتهم ومعظماتهم.. نعم. على المسلمين ان يتعلموا من اليهود في هذا المجال: ان يتعلموا منهم (يقظة الذاكرة)، ورهافة الحس، وسرعة المبادأة. طبعا مع إسقاط (الزوائد الباطلة) مثل الدس والمبالغة والافتراء والابتزاز والانتقال من (حق الدفاع عن النفس) الى (باطل ظلم الآخرين).
ثمة ما يشبه (الحصانة) لكل ما هو يهودي في عالمنا هذا.. وبلوغ هذا المستوى من التقدير لكل ما هو يهودي، لم يأت بلا جهد.. وانما تحقق بـ:
أ ـ وضوح الهدف.
ب ـ الايمان الراسخ بالقضية.
جـ ـ النشاط المتدفق الوثاب.(61/48)
د ـ التناغم في حركة الفريق: جيئة وذهوبا، دفاعا وهجوما، تركيزا لجهد الذات، او تشتيتا لجهد الفريق المقابل المنازل.. وبديه ان اليهود لا تؤيدهم الملائكة، وليس معهم جن سليمان، ولا يعملون بـ (خوارق العادات). ولكنهم قوم آمنوا بقضيتهم، وبذلوا اقصى نشاطهم في خدمتها.. وهذا (نموذج حي) وماثل، يمكن ان (ينشّط) المسلمين: حكاما وشعوبا، وان يريهم: كيف يكون الدفاع المتصل عن القضايا، مع حذفه مضامين الافتراء والظلم كما قلنا.. وهذا (نوع من الحكمة العملية) الانسانية التي يتوجب على المسلمين: الانفتاح عليها بثقة، ورؤيتها بوضوح، والتقاطها بذكاء واستثمارها بحرص.. وفي الحديث النبوي الصحيح: «احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز».
4 ـ قضية ان الدفاع عن الانبياء والمرسلين: مضمون كل اساس، ومقصد رئيسي من مضامين القرآن ومقاصده: ومن ذلك: كف الاذى والاستهزاء عن الانبياء والمرسلين.. مثال ذلك:
أ ـ «وكم أرسلنا من نبي في الأولين. وما يأتيهم من نبي إلا كانوا به يستهزئون. فأهلكنا أشد منهم بطشا ومضى مثل الأولين».
ب ـ «يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى فبرأه الله مما قالوا وكان عند الله وجيها».
جـ «والذين يؤذون رسول الله لهم عذاب أليم».
5 ـ قضية : انه لا قيمة ولا كرامة لأي انسان: اذا أهين الانبياء والمرسلون. ذلك ان النبيين هم (قمة النوع الانساني) وخلاصة رصيد الانفس والاعلى والانبل في الطهر النفسي، والسمو الاخلاقي، والتحقق بـ (الانسانية الكاملة) او الكمال الانساني. ومن هنا، فأيما إهانة توجه اليهم ـ ولو في صورة واحد منهم ـ انما هي اهانة تشمل الناس كافة. فالمتطاول على مكانة (الاعلى) انسانيا واخلاقيا. يسهل عليه ـ بداهة ـ انتهاك كرامة من هو ادنى من الانبياء في هذا المجال.. ومن دون انتقاص من مقامات النبيين، فإن الناس قد تعارفوا على ان اهانة رأس الدولة تعني اهانة الشعب او الامة كلها.
6 ـ قضية (تقويض) أسس (حوار الاديان) او حوار الحضارات. فكيف يحاور المسلمون اقواما يسخرون ممن كان سببا في وجودهم المعنوي والمادي، وسببا لسعادتهم في الدنيا والآخرة وهو: نبي الله محمد صلى الله عليه وآله وسلم؟!.. ويتعين ان يتفطن لهذه الحقيقة المنهجية (دراويش) الحوار في الطرف الاسلامي لئلا يجمّلوا وجه من يهدم اسس الحوار بالتطاول على خاتم الانبياء والمرسلين.. وقد يقال: ليسوا جميعا يفعلون ذلك.. والرد في القضية القادمة رقم (7).
7 ـ قضية : سكوت الكنائس ورجالها.. حقيقة: لماذا هذا السكوت؟.. ان أسباب السكوت الطويل: اما عدم العلم بالتطاول على نبي الاسلام.. وهذا احتمال مستبعد.. واما حسبان هذا التطاول امرا ثانويا هامشيا لا يستحق الاكتراث. وهذا موقف لا يقفه رجال دين: المفترض فيهم تعظيم الانبياء، او احترامهم على الاقل.. واما ان يكون السبب هو الرضى والتواطؤ.. ومن هنا ننفذ الى القضية الثامنة.
8 ـ قضية : ان الرضى بهذا السلوك السفيه: يرفع معدلات (التوتر الديني/ في العالم، وهو توتر يؤجج التطرف، ويضرب السلام العالمي في مقتل.. نعم. فالسلام العالمي لا تهدده ترسانات السلاح النووي فحسب، بل تهدده (الغام دينية) شديدة الانفجار، تتكون (عبواتها) من التوترات الدينية التي تستمد خميرتها من الغضب العاصف على ما يمس المقدسات ورموزها العليا.. في النمسا نصبت لوحات عليها رسومات تخدش شخصيات اوروبية منها اليزابيث: ملكة بريطانيا، وجاك شيراك رئيس الجمهورية الفرنسية، ولم تكد اللوحات تظهر حتى ماجت بريطانيا وفرنسا واوروبا كلها بالغضب.. وفي ساعات قليلة أزيلت اللوحات المسيئة.. فهل يتصور عاقل: ان غضب المسلمين لنبيهم أقل من غضب الانجليز والفرنسيين لملوكهم ورؤسائهم!.
9 ـ قضية : نقض (الدروشة) في رفع الشعار المستهلك: شعار (الآخر). فقد اندفع أناس من المسلمين يرفعون هذا الشعار رفعا جلدوا به الأمة العربية الاسلامية بحسبانها هي (الرافض) الاعظم للآخر. ولسنا ننفي ان بيننا غلاة يفعلون ذلك. لكن جلد الامة كلها بسبب هذه التهمة، سلوك فيه من الافتراء والبهتان والجور ما فيه، بدليل ان هذا الآخر الذي يتباكون عليه لأنه منبوذ وغير معترف به.. هذا الآخر نفسه يمارس ضد المسلمين: النبذ... والاقصاء.. والكراهية.. والحقد.. والعداوة، والتطاول على نبيهم.. والغريب العجيب المريب: ان الذين رفعوا أصواتهم عالية جدا: دفاعا عن (حق الاخر): التزموا الصمت المطبق تجاه هذا (الآخر): الكاره، النابذ، المقصي، المعتدي!!!
==============(61/49)
(61/50)
التكفير والحوار..كلاهما من الإسلام!(1/2)
سامي بن عبد العزيز الماجد * 23/4/1424
23/06/2003
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
كلمة: "كفر...كافر...كفار" وصفٌ شرعيٌ جاء به النبي صلى الله عليه وسلم ، وليست كلمةً نابيةً بذيئةً يستخرجها السفهاء من قاموس الهجاء.
ومنزع خطورة إطلاقها من جهة كونها وصفاً شرعياً يقتضي أحكاماً شرعيةً، فإذا قال المسلم لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما، إن كان كما قال، وإلا رجعت عليه.
فلولا أنها وصفٌ شرعيٌ لما جاوزتْ في خطورتها ألفاظَ السِّبابِ والهجاء.
وإذا تقرَّرَ أن كلمةَ (الكفر) هي من مصطلحات هذا الدين، لم يكن لنا سبيلٌ إلى أن نُسقطَها من (مفرداته)، أو نجردَ منها خطاباتِه، فها هو القرآنُ لا يكاد يخلو من هذه الكلمة ومشتقاتِها في سورة من طوال سوره، أو جزءٍ من أجزائه.
إنّ الذين يحاولون أن يُلغوا أمرَ التكفير من شريعة الإسلام إنما يحاولون عبثاً، ويستنزفون جهداً في غير طائل.
أما نحن فممنوعون من هذا العبث، لا لأنّه عبثٌ لا جدوى منه، ولكنْ لأنَّه يمسُّ أمراً من منهج الإسلام لا ينفك عنه.
وليفطِنْ من يحاول هذا العبث إلى أنّ إثمَ إلغاءِ مبدأ التكفير من شريعة الإسلام أعظمُ بكثير من إثم الخطأ في التكفير، فالأول كفرٌ مبينٌ يحاكي فعل اليهود الذين يحرفون الكلم عن مواضعه، ويؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض، وأمّا الخطأ في التكفير فكبيرة لا تُخرج من الملة.
وكل ما هنالك مما يتعين علينا فعله تُجاه قضية التكفير هو أن نضبطَ إطلاقاتهِ، ونحددَ الطوائفَ التي لا يسعنا إلا تكفيرها، مع ضرورة التحذير من إطلاق التكفير من غير تثبت.
فأما الذي لا يجوز التورعُ في تكفيرِه فهو الكافرُ الأصلي، الذي وُلد على الكفر ولم يدخل في الإسلام، فهذا كافرٌ لا شكَّ في كفره بإجماع العلماء، كاليهود والنصارى والمجوسِ والذين أشركوا.
فهؤلاء لا يُذم من كفّرهم، ولا يُمدح من تورَّع عن تكفيرهم.
وإذا بلغ بنا التحذيرُ من التكفير إلى أن نتردد أو نشك في كفر هؤلاء، فهذا إفراط في تحاذر التكفير لا يُقِرُّه الشرع، فضلاً عن أن يثني عليه.
لقد بُعث صلى الله عليه وسلم إلى الناس كافة، ونزل الإسلام ناسخاً للشرائع، وجعله الله الدينَ الذي لا يُقبل غيرُه، ولا يسع أحداً الخروج عنه، ولو كان ديناً سماوياً، (ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يُقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين). [ آل عمران:85 ].
وقال صلى الله عليه وسلم "والذي نفس محمد بيده، لا يسمع بي أحدٌ من هذه الأمة يهوديٌ ولا نصراني، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار"، وقال: "والذي نفسي بيده، لو كان موسى حيَّاً ما وسعه إلا اتِّباعي".
هذه المسألة أَدخلُ في باب البدهيات من أن تحتاجَ إلى إفاضةٍ، أو تحتمل إسهاباً، لولا أننا سمعنا من يجادل فيها ويبثُّ حولها الشُّبه.
وكم هو مؤسفٌ أن تجد من المسلمين من يشكّ في كفر اليهود والنصارى، ومدخل هذا الشكِ من شُبهةٍ يروِّجها بعض الملتاثين بلوثات الفلسفة، وهي: أن الحقّ أمر نسبيٌ، فقد تعتقد الحق في شيء غيرُك لا يعتقده.
ومؤدى هذه الشبهة: أن أحداً لا يملك الحقيقةَ المطلقة، لا المسلمُ ولا غيرُه، فإذا كنت تعتقد أنك على الحق، فغيرك من الملل الأخرى يعتقد أنه كذلك، فبأي حق ـ في زعمهم ـ تحتكر أنت الحقيقة ؟.
ولا يتشرَّب هذه الشبهة إلا مَن يعامل القرآن مجرَّداً من قدسيته، لا يعدو أن يكون في نظره كتاباً من تلك الكتب التي تقبل الرد وتخضع للنقد.
وتصل هذه الشبهة بصاحبها إلى أن يشكَّ في كفر غير المسلم، وتبدأ تضعف في نفسه القناعةُ، ويتزعزع يقينه بأنه على الحق وأن الكفار على الباطل.
وهكذا غدَتْ كلمةُ الكفر من الكلماتِ النابيةِ البذيئةِ لدى هؤلاء المنهزمين، فهم يتحامون وصفَ الكفَّار بها، وبخاصّةٍ ما يسمى بـ"النخبة المثقَّفَة"، فاستبدلوا بهذا الوصف الشرعي للكفَّار وصفاً مُحدَثاً ينفي الإسلام لكنَّه لا يُثبتُ الكفر بمنطوقه، فسَمَّوا الكفارَ بـ"غير المسلمين"، ثم انتشرت هذه التسمية بين العامَّة، وكاد يُهجرُ المصطلح الشرعي "الكفار".
إن تسمية أتباع الملل الأخرى بـ"الكفار" تتضمن في دلالتها الحكمَ على دياناتهم بالبطلان وعدم الاعتبار، في حين أن تسميتهم بـ"غير المسلمين" لا تتضمن هذه الدلالة الشرعية المهمة، فهي لا تزيد على أن تكون نفي نسبة، ويبقى ما يقتضيه هذا النفي من الحكم عليهم بالضلال وبطلان الدين مستفاداً من دلالة الشرع لا من اللفظ ذاته.
وهذا الاستبدالُ وإنْ كان لا يُخلُّ بعقيدة البراء، بل ولا يبلغ حتى درجة التحريم، لكنَّه استبدالٌ له دلالاتُه وإيحاءاتُه على الحالة النفسية للمتلفظ بها، لا سيما أولئك الذين يَعُوْنَ دلالات الألفاظ من أهل الفكر والأدب، فهم لا يستبدلون هذا بذاك عبثاً ولا سهواً، ولكن لحرجٍ يجدونه في أنفسهم.(61/51)
إنَّ كلمةَ "غير المسلمين" ليست هي الأصلَ في وصف الكفار، فلا ينبغي أن يُجعلَ الاستثناء أصلاً والأصل استثناءً، والأولى أَلاَّ تُستعملَ إلاّ حيثُ يَحسُنُ استعمالها، وذلك حين يتوجه الخطابُ للكفار في مناظرةٍ أو دعوةٍ؛ لأنَّ الحالَ تقتضي اللينَ والترفُّقَ تأليفاً وترغيباً.
أمّا ما عدا ذلك؛ فينبغي الإبقاءُ على الأصل، وهو وصفُهم بما وصفَهم اللهُ به، لا يمنعه خجلٌ ولا وجل.
على أن الأمر بتكفير الكفار يقتضينا التذكير بثلاثة أمور:
الأمر الأول: أن كوننا نعتقد كفر اليهودي أو النصراني أو الوثني فهذا لا يعني أنه مستلبُ الحقوق مهضومُ الكرامةِ الإنسانية، إنما معناه أن نعتقد أننا على الحق وهو على الباطل بيقين لا يداخله شك. وأعظم حقٍّ له علينا أن ندعوه إلى هذا الحق الذي هُدينا إليه.
الأمر الثاني: لا يلزم من اعتقادنا كفرَ الكافر أننا نحكم عليه بالنار بإطلاق، فالكفار على حالين:
كافرٌ بلغته دعوة الإسلام وقامت عليه الحجة، فهذا إذا مات على كفره كان مصيره إلى النار خالداً مخلداً فيها أبداً.
وكافرٌ لم تبلغْهُ دعوةُ الإسلام، أو سمع بها لكن لم تقم عليه الحجةُ، فهذا في حكم أهل الفترة، وأمره إلى الله ولا نحكم عليه بالنار؛ لأن الله قال: (وما كنا معذبين حتى نبعثَ رسولاً)، لكنه يظل في اعتقادنا كافراً ضالاً، تجب البراءة منه، ولا يجوز الترحم عليه، ولا الاستغفار له، ولا احترام معتقدِه.
الأمر الثالث: في تكفير أهل الملل الأخرى يكفي مجرد اعتقاد كفرِهم، أما إطلاقُ الكفر عليهم باللسان؛ فغير واجب، ولو مات المسلم ولم يقل لكافرٍ: "يا كافر" لما سُئل عن ذلك في قبره، ولما عُوقب عليها عند بعثه.
ويتحصّل مما سبق: أن موضع خطورة التكفير إنما هو في تكفير من نشأَ في بلاد الإسلام، أو وُلد من أبوين مسلمين، أو أحدهما مسلم، فالأصل في هذا أنه مسلمٌ، ولا يُنتقل من هذا اليقين إلا بيقين، فلا يجوز تكفيره ولو بلغت ذنوبه عنان السماء، ولو قتل مسلماً، أو أتى شيئاً من أفعال الحرابة، فهي كبائرُ لا تبلغ حدَّ الكفر.
فقد قال صلى الله عليه وسلم "أيما امرئ قال لأخيه: يا كافر، فقد باء بها أحدهما، إن كان كما قال، وإلا رجعتْ عليه" متفق عليه.
فإذا كنا نأمر بالتثبُّتِ في تكفير من أتى كفراً لاحتمال شبهة تعتور حالَه، فكيف بمن لم يرتكب إلا كبيرةً لا يكفر بها بالإجماع ولو لم يكن له فيها عذر أو شبهة؟
إن الحرابةَ بالسعي في الأرض بالفساد وترويعِ الناس كبيرةٌ يستحق به فاعله حدَّ الحرابة، ومن رمى الناس بالكفر من غير بينةٍ فقد احتمل بهتاناً وإثماً مبيناً، غير أنّ ذلك كلَّه لا يسوِّغ لنا أن نكفِّره لأجل أنه يكفِّر الناسَ، أو لأنه يسعى في الأرض فساداً، فهذا تراشق بالاتهامات يربأ عنه العقلاء.
أحياناً تبلغُ بنا سَورةُ الغضب إلى أن نحاربَ التكفير بالتكفير وليس بالحث على التأني والتفكير، فنكون قد سعينا في نشرِ فكر التكفيرِ من حيث لا نشعر. واذا بنا نمارس تبادلَ الأدوار مع أولئك التكفيريين، فنقع فيما حذرْنا منه، وهذا من أقبح الخصال التي ينأى عنها الكرام
لا تنه عن خُلقٍ وتأتيَ مثلَه … …
عارٌ عليك إذا فعلتَ عظيمُ
إن في وسعنا أن نقول عن أولئك الذين سعوا في الأرض فساداً، وقتلوا الأبرياء، وروَّعوا الآمنين: إنهم مجرمون، مفسدون، باغون، معتدون، غير أنه ليس في وسعنا أن نكفِّرهم.
وبشاعةُ جُرمهم لا تضطرُّنا إلى أن نستظهرها بالتكفير، فهي ظاهرة يستبشعُها كلُّ سَوِيٍّ.
لا أقول هذا دفاعاً عن هؤلاء، فهم لا يحتاجون دفاعاً من أحد، وتكفيرهم لا يضرُّهم، فقد أفضوا إلى ما قدموا، إنما أمرهم إلى الله.
بل أقوله صيانةً لألسنتنا أن تزلّ في هُوة التكفير، فتحتقب الإثم العظيم، وأذكّر به عملاً بمنهج الحق الذي أُمرنا أن نلتزِمَه في شأنِنا كلِّه: في الغضب والرضا، ومع الأقربين والأعداء، ومع المظلومين والظالمين.
(يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين، إن يكن غنياً أو فقيراً فالله أولى بهما فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا وإن تلووا أو تعرِضوا فإن الله كان بما تعملون خبيراً)
وقد يكون الشخصُ فقيراً، فتتحرك مشاعرُ الشفقةِ والرحمةِ في قلب المرء وتدفعه إلى أن يشهد له بإطلاق ـ سواء كان ظالماً أو مظلوماً ـ معاونةً لضعفه، أو يشفقَ أن يشهد ضدَّه لأجل أنه فقيرٌ، أو لأن خصمه غني.
ولكن الآية تَردّ هذه الشفقة، فليست هذه من مواطنها التي تُمدح فيها: (إن يكن غنياً أو فقيراً فالله أولى بهما، فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا)، ولذا لا يجوز أن تدفعَنا الرحمةُ والحزن على قتيل مظلومٍ إلى أن نكفِّرَ القاتل الظالم.
هذا ما كان من شأن التكفير، واتصاله برسالة الإسلام.
وأما الحوار فسيأتي الكلام عنه لاحقاً إن شاء الله .
والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
* عضو هيئة التدريس بكلية الشريعة بالرياض - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلام
التكفيروالحوار..كلاهمامن الإسلام!(2/2)
سامي بن عبد العزيز الماجد * 14/5/1424
14/07/2003(61/52)
حين تلتبس المقتضياتُ الصحيحة باللوازم الباطلة لوصفٍ من الأوصاف الشرعية -كالكفر مثلاً-؛ فغير مستغرب أن يقف بعض الناس منه موقف المناوئ المعارض، يدعو إلى إقصاء نصوص التكفير، وتهذيب المناهج والأطروحات الفكرية والثقافية من مفرداته، لتوجد صورة من الإسلام ليس فيها تكفير ولا إقصاء؛ لأنه قد وقع في ظنه أن من لازم تكفير الكفار وبغضهم والبراءة منهم استحلال دماء الكفار وأموالهم بإطلاق، ويحس أنه ينضوي تحت ألفاظ التكفير التحريض على الاعتداء على الكفار وانتهاك حقوقهم وإهدار إنسانيتهم.
وظهرت في قبالة هذه الطائفة طائفة أخرى أخذتْ ذات اليمين لتقف من قضية الحوار - سوى حوار المناظرة- موقف تلك الطائفة من التكفير.
وما سوى ذلك من أنواع الحوار فهي تتوجس منه خيفة، وقد تسارع إلى إنكاره؛ لأنها تعد من لوازمه الاعتراف بمذهب الآخر، وتمييعَ عقيدة والولاء والبراء، والمساومة على بعض الأصول والثوابت.
ومن المفارقات العجيبة أن هاتين الطائفتين على ما بينهما من التباين الشديد في التوجّه إلا أنهما يصدران من منزع واحد -في مسألة التكفير والحوار بخاصة-، وهو التباس المتقضيات الصحيحة باللوازم الباطلة لديها، وبناء الأحكام على الظنون والأوهام.
كلمة "الحوار" كلمة مطلقة، تصدق على صور شرعية صحيحة وأخرى باطلة محرمة، فلا يصح أنْ ينتظم صحيحها وفاسدها حكمٌ واحد، فالجمع بين المختلفات كالتفريق بين المتماثلات.
ومن هنا؛ فالحوار ليس حقاً كله، ولا باطلاً كله، فهما موقفان يقعان من الخطأ موقعاً متقارباً، إذ لا فرقَ بين موقفٍ يُحِقُ الباطلَ مع الحق وآخرَ يُبطل الحقَ مع الباطل!.
إن الموقف الصحيح في كل مسألة يمتزج فيها المعروف والمنكر، ويجتمع فيها الحق والباطل: أن يُفصلَ الحقُ عن أعلاق الباطل حتى لا يلتبس به.
صحيح أن الحوار أصبح مصطلحاً شائعاً يرادف مفهوم المناظرة، والتي يتحاور فيها أطرافها، كل يقصد تصحيح قوله وإبطال قول صاحبه، ولذا تعتمد الحجةَ ومكاشفةَ الأدلة ونقدها ومعارضتَها. والكتب التي تعنى بآداب الحوار وأصوله ومناهجه إنما تقصد هذا النوع من الحوارات.
ولكن أصبح في هذا العصر يطلق على ما هو أوسع من ذلك المصطلح الشائع، ليشمل صوراً أخرى يصدق عليها الحوار من حيث دلالته اللغوية.
فهناك حوارُ الأديان؛ وهو حوارٌ لا يقصد منه البحث عن الدين الحق من بين الأديان المختلفة، وإنما هو مداورة للكلام بين الأطراف قصداً للاجتماع على دين (ملفَّق) مستخلصٍ من مجموع معتقدات تلك الأديان بهدف التقريب بينها والاعتراف بها جميعاً. ولذا نجده خِلواً من أفانين المناظرات والجدل.
ولا شك أن هذا الحوار ليس من الإسلام في شيء، وتحريمه أظهر من أن تُساق له الأدلة والبراهين.
وهناك الحوار الوطني؛ وهو حوار ينفرد بمقاصد وسمات خاصة، فلا هو في طريقته وأغراضه يشبه حوار المناظرات، ولا حوار الأديان.
وقد حسبه بعض الأخيار شبيهاً بحوار الأديان، فتوهموا فيه يقين ما أحسوه من ذلك الحوار، كقصد التآلف والتحابّ، ونزع البغضاء والسخائم من النفوس، واختلاق ولاءٍ جديد تنضوي تحته جميع الطوائف، وبنوا على ذلك لوازمَ باطلة، ومُعارَضَةً موهومة لعقيدة الولاء والبراء.
وتصحيحاً لهذا التصور الخاطئ فلا بد من التذكير بجملة قضايا في مسألة الحوار الوطني:
أولاً: أن الغايةَ من الحوار ليست هي البحثَ عن المذهب الحق الذي تتنازعه الأطراف، كلٌ يَدعي أنه يملكه؛ فأطراف هذا الحوار الوطني لم يجتمعوا لمداورة الكلام حول الخلافات المذهبية والطائفية؛ بل كان اجتماعهم لتحسس المصالح المشتركة التي يمكن أن يتعاونوا على تحقيقها وتنفعهم جميعاً، وتلمس صور الظلم التي تعانيه أية فئة من فئات المجتمع.
ولا ننسى في هذا السياق ما فعله صلى الله عليه وسلم في حِلف الفضول، يوم تداعتْ قبائلُ من قريشٍ إلى هذا الحِلف في دار عبد الله بنِ جدعان؛ فتحالفوا وتعاهدوا على ألا يجدوا بمكةَ مظلوماً إلا قاموا معه ونصروه، وكانوا على مَن ظلمه، حتى تُردَّ مظلمتُه، فشهده صلى الله عليه وسلم وقال فيه: "لقد شهِدتُ مع عمومتي حِلفاً في دار عبد الله بن جُدعان ما أُحب أن لي به حُمْرَ النَّعَم، ولو دُعيتُ به في الإسلام لأجبت".
ويهدف الملتقى -فيما يهدف إليه- إلى تعزيز سبل التعايش السلمي صيانةً للمجتمع (الذي هو جزء من مجتمع المسلمين) من الاحتراب الداخلي، والذي لا يخدم إلا مصالح العدو الخارجي.
عاش المسلمون في القرون الماضية معاناةً من هذا الاحتراب بين الطوائف، ووقعت بينهم وقائع جسامٌ، تشبه إلى حد كبير غارات بعض القبائل بعضها على بعض في الجاهلية، ومضت السنون والقرون والطوائف كما هي باقية لم تنقرض، وما اندرس منها -إن كان قد اندرس منها شيء- فإنما اندرس بعوامل أخرى ليس منها الاستئصال والذبح.(61/53)
يجب أن ندرك أن التعايش السلمي والتصالح الذي يدعو إليه ملتقى الحوار الوطني لا يهدف إلى سل السخائم والعداوات من النفوس، فهذا أمر تصرِّفه عقيدة الولاء والبراء، ولكنه يدعو إلى المنع من أن تتتحول هذه المشاعر المستكنة في القلوب إلى عنف واقتتال واضطهاد وظلم، ثم يُحسب هذا الاضطراب لميزان العدل من مقتضيات البراءة والعداوة، إلى غير ذلك من اللوازم الباطلة (ولا يجرمنّكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا...الآية).
إن التصالح والتعايش السلمي يمهد الجو الذي تنجح فيه المناظرات والحوارات الفكرية، ويستطيع من خلاله كل طرف أن يُسمِع الآخرَ صوتَه، ويبسط له أدلته من غير استفزاز للمشاعر أو تهييجٍ لنوازع الهوى والاعتداد بالرأي فتأخذ الطرف الآخر العزةُ بالإثم.
ولا بد لكل إنسان أن تتوافر له حقوقه الإنسانية التي منحها إياه المولى سبحانه، فإذا أحس بأن الطرف الآخر لم يهضمه ولم يمنعه حقاً مشروعاً له تطامنت نفسه وأرعى سمعه لنصح خصمه.
ثانياً: الالتقاء بالطوائف الأخرى في حوار وطني لا يعني الرضا بما لديهم من المعتقدات الباطلة، ولا الاعتراف بصحة منهجهم، ولكنه يعني الاعتراف بوجودهم وحقهم في الحياة، ومن المستحيل أن نجمع الناس على مذهب طائفة واحدة.
ثالثاً: الحوار الوطني لم يُدعَ إليه ليكون بديلاً عن حوار المناظرات بين الطوائف والمذاهب، كما أنه لا يمنع إقامتها إذا كانت لا تخرج من مقصودها الشرعي إلى الاقتتال والعنف.
إن هذا الحوار الوطني يدعو إلى تعزيز الوحدة الوطنية، وقد يجد بعضهم في هذا معارضةً لوحدة الأمة، ولذلك فهو يسارع في إنكار أي حوار يدعو للوطنية.
من المهم أن ندرك أن السعي في وحدة الوطن - على النحو الذي لا يقوِّض الولاء والبراء ولا يحجِّمه ولا يوجب قطع الصلة بما هو خارج الوطن من شعوب الأمة- لا يمكن أن يفضي إلى هدم وحدة الأمة، أو أن يناقضها ويناهضها؛ بل هو عملٌ في تحقيق جزءٍ من وحدة الأُمة.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
* عضو هيئة التدريس بكلية الشريعة بالرياض - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلام
==============(61/54)
(61/55)
وماذا عن الخطاب الإسلامي؟
سهيلة زين العابدين 13/9/1423
18/11/2002
يقال بأنَّ مفردات الخطاب الإسلامي تنمي ثقافة العنف والإرهاب، وهذا فرية من فريات أعداء الإسلام الذين أوجدوا الجماعات الإرهابية، وأطلقوا عليها مسميات إسلامية، وحرضوهم على الأعمال الإرهابية في بلادهم، وتكفير المجتمع، لزعزعة أمنه واقتصاده وإباحة أمواله ودمائه وأعراضه، ونسبوا أفعالها إلى الإسلام، بهدف جعل هوة بين المسلمين ودينهم، وتخويفهم من كل ما هو إسلامي، وقد ساعدهم المتشددون في الدين في ترويج هذه الفرية، بتضييق دائرة الحلال، وتوسيع دائرة الحرام بإخضاع النصوص الشرعية للعادات والتقاليد ...
وقد نجح أعداء الدين إلى حد ما في تحقيق هذا الهدف، وجعلوا من أبناء الإسلام من يهاجم الدين ويصفه بالإرهاب، وقد حدثت مواجهة بيني وبين إحدى القاصات العربيات في مؤتمر مائة عام على تحرير المرأة الذي عقد في القاهرة في أكتوبر عام 1999م عندما قلت في مداخلة لي في إحدى جلسات المؤتمر عندما وجد تُ هجوماً على ثوابت الإسلام وتطبيق الشريعة الإسلامية فقلتُ إنَّه حري بالمرأة المسلمة أن تطالب بالتطبيق الأمثل لشريعة الإسلام لتنال حقوقها بدلاً من أن تضرب المثل بالدول الأخرى التي خرجت عن ثوابت الإسلام وألغت القوامة متحدية قول الله -تعالى- ( الرجال قوَّامون على النساء)والتي ألغت تعدد الزوجات، وأباحت السفور وحرَّمت الحجاب فقالت هذه الأديبة"لقد استفززتها عندما قلتُ تطبيق الشريعة الإسلامية، معتبرة تطبيقها قهراً للشعوب، وأنّ الإسلام ليس حجاباً، وليس قطع يد السارق وجلد الزانية، وإن كان يُعمل بها بما يلائم فترات تاريخية محدودة، ونحن في نهاية القرن العشرين نقول: لا …ولن نخاف لعبارة إرهابية تقول قال الله، فهم يعتبرون الاستشهاد بالقرآن إرهاباً، وهذا مؤلم للغاية وقد لا تصدقني أيها القارئ الفاضل إذا قلتُ لك إنني لم أنم ليالٍ طويلة بعد هذه المواجهة، وأنا أكتب المقالات وأعد الدراسات عن المنهج الذي ينبغي أن نتبعه في مخاطبة مثل هذه الأخت، وأمثالها كثير، وللأسف هذه الفئة تكاد تكون المسيطرة على وسائل الاتصال من صحافة وإذاعة وتلفاز وسينما ومسرح ،ويومياً نقرأ عشرات المقالات لكتاب وأدباء مسلمين من الجنسين يصفون الإسلام والخطاب الإسلامي بالإرهاب، وبالإفلاس الفكري، وسرقة أفكار الغربيين ونسبتها إليهم، ولي أكثر من مواجهة معهم في أكثر من مؤتمر، وأكثر من مقالة، وفي عشرات الدراسات .
هذا وبعد أحداث تفجيرات برجي المركز التجاري في نيويورك، ومبنى وزارة الدفاع الأمريكية " البنتاجون" في الحادي عشر من سبتمبر في العام المنصرم، وإلصاق هذه الأحداث بالإسلام والمسلمين، وما ترتب عنها من هجمة شرسة من الإعلام الغربي الذي تسيره الصهيونية العالمية على الإسلام والمسلمين، والإساءة إلى المسلمين في الغرب، والاعتداء عليهم، وعلى ممتلكاتهم، وتجفيف مصادر الجمعيات الإسلامية الخيرية، والمؤسسات الإسلامية، ومطالبة الولايات المتحدة البلاد الإسلامية تغيير مناهجها الدينية بزعم أنَّ هذه المناهج تنمي العنف في عقول الناشئة، ومهاجمة مكاتب رابطة العالم الإسلامي في الولايات المتحدة الأمريكية .
كل هذا يجعلنا نتساءل ما الذي حققه المسلمون في حواراتهم مع الآخر، وصورة الإسلام لدى الإنسان الغربي لا تزال كما شوهها اليهود في إعلامهم والمستشرقون في كتاباتهم عن الإسلام والمسلمين على مدى ثمانية قرون.
وهذا ما يجعلنا نعمل من أجل إعادة صياغة الخطاب الإسلامي مع أنفسنا ومع الآخر؛ لنستعيد مكانتنا، ولندحض الحملات الإعلامية الصهيونية على الإسلام والمسلمين، وذلك بوضع قواعد وأسس لهذا الخطاب ينطلق منها، ولتحقيق هذه الغاية، أرى أنَّنا ينبغي أن نتبع الآتي :
1-أن نرفض نسبة أحداث الحادي عشر من سبتمبر التي تعرضت لها الولايات لمتحدة الأمريكية إلى العرب والمسلمين، وأن تقوم حملة إعلامية من جميع وسائل الإعلام في عالمنا العربي والإسلامي لإثبات تورط المخابرات الأمريكية والموساد، فيها لإلصاقها بالعرب والمسلمين حتى تتمكن الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل بتنفيذ مخططهما الذي وضعاه، والماضيان في تحقيقه.
2- أن تتاح الفرصة لعلماء الدين ذوي منهج الوسطية في الإسلام بأن يكونوا في مراكز قيادية، وفي إمامة المساجد، وأن تتيح أجهزة الإعلام على اختلافها الفرصة للأقلام الإسلامية الواعية والمعتدلة لتوضح وجهة نظر الإسلام الصحيحة بعيدة عن التطرف والتشدد، وفي رأيي أنَّ هؤلاء هم المسؤولون عن صياغة الخطاب الإسلامي المعتدل الذي نحن في أمس الحاجة إليه الآن، ويجب وضع خطة إعلامية استراتيجية يكون لحملة الفكر الإسلامي المعتدل الدور الأهم والأبرز.
3- أن نهتم بالمنهج الإسلامي في التربية، ونركز على التربية الروحية، فلابد من تقوية صلة الفرد بربه منذ طفولته، وأن ينشأ وهو يحب الله ويراقبه في كل قول وعمل .(61/56)
4-أن نعيد النظر في مناهج التعليم، وصياغتها صياغة تتفق مع إيقاع العصر، وما فيه من تطورات بحيث تتماشى مع العصر وأحداثه وإنجازاته، وتتفاعل معها، مع تحقيق التوازن بين التقدم العلمي والتكنولوجي وربط النشء بدينهم وقيمهم، وتكوين الشخصية الإسلامية القوية التي لا تذوب في غيرها، بل تظل قوية صامدة مهما كانت المغريات. وأن نركز في هذه المناهج على المواد الدينية، وأن نهتم بتحفيظ القرآن الكريم، والأحاديث النبوية الشريفة.
5-وأن تتضمن المناهج التعليمية مآثر المسلمين في جميع المجالات بأن نتوسع في تدريس الحضارة الإسلامية لنعيد الثقة لأبنائنا بالفكر الإسلامي،وعلماء الإسلام ورجاله .
6-أن نطبق المنهج العلمي الذي حثنا الإسلام على اتباعه.
7- أن نهتم بالمواهب في جميع المجالات ونعمل على تنميتها، وأن نشجعهم على الابتكار والاختراع، وأن نجعل من أهداف التعليم تنمية المهارات والقدرات على الاختراع والابتكار.
8- أن نهتم ببناء ذواتنا، ويكون ذلك بإنشاء سوق إسلامية مشتركة لتحقيق التكامل الاقتصادي في عالمنا الإسلامي، وأن ننشئ قاعدة صناعية كبرى ، وأن نصنع ما نحتاجه من سلاح، بإنشاء هيئة إسلامية كبرى للتصنيع الحربي.
9-أن نهتم بمخاطبة الآخر ،بتوجيه قنوات فضائية بمختلف اللغات لنظهر صورة الإسلام المشرقة، ودحض كل الافتراءات التي توجه ضد الإسلام، والعمل على تكوين رأي عام عالمي سليم تجاه قضايا الأمة العربية والإسلامية، مع تقديم الأدلة والبراهين التي تثبت حقوقنا فيما نطالب به، كما علينا أن نهتم بإصدار كتب بمختلف اللغات عن الإسلام، وعن قضايا الأمة العربية والإسلامية، وعلينا أيضاً أن نهتم بإصدار صحف موجهة للإنسان الغربي تخاطبه بلغته ،وبطريقة تفكيره، تصحح له الصورة المشوهة للإسلام والإنسان المسلم، وتكشف له المخططات التي تستهدفه من وراء هذه الحملات، وعلينا أن نكشف حقيقة الشخصية اليهودية والمخططات الصهيونية لتقويض الأديان والسيطرة على العالم، كما ينبغي أن نوضح له موقف اليهود من المسيح عليه السلام، ومن المسيحيين وفق ما جاء في تلمودهم، لابد لنا أن نعمل على تحرير الفكر الغربي من سيطرة الفكر اليهودي وهيمنته عليه حتى أضحى لا يرى الأمور إلاَّ برؤية ومنظار اليهود.
10-أن نهتم بتثقيف أبناء الجاليات الإسلامية ثقافة إسلامية واعية، وأن نربطهم بتاريخ أمتهم ،وبقضايا أمتهم الإسلامية ،وأن نحرص على تهيئة كل الوسائل التي تساعدهم على التحصيل العلمي الذي يؤهلهم ليكونوا في مراكز قيادية، تجعلهم يؤثرون في صياغة القرار في البلد الذي يحملون جنسيته، كما علينا أن نجعل من هذه الجاليات مراكز إشعاع حضاري، وأن يكون لها كيان مؤثر في الرأي العام في المجتمعات التي تعيش فيها .
11-إنَّ ما تعرض له الإسلام والمسلمون في العالم من هجمات شرسة أعقاب أحداث سبتمبر من العام المنصرم توجب علينا أن نعيد النظر في طرائق ومناهج حوار الأديان والحضارات والثقافات، وأن نضع استراتيجية موحدة بين لجان الحوار الإسلامية تحدد فيها أسس وأهداف هذا الحوار، وموضوعاته ،والمنهج الذي نسير عليه بحيث نخرج من هذا الحوار بإنجازات لصالح ديننا وأمتنا ،من أهمها جعل الدول المسيحية تعترف بالإسلام ديانة رسمية في بلادها، كما علينا أن نعمل على تحرير العقلية المسيحية من سيطرة التراث الديني اليهودي عليها، هذه السيطرة ـ كما وصفها المؤرخ البريطاني أرنولد توينبي ـ جعل الكنيسة المسيحية تقبل دون مناقشة تفسير اليهود لتاريخهم كما ورد في التوراة بما تضمنته بين طياتها من المطاعن ضد الشعوب التي احتكوا بها كالفينيقيين والفلسطينيين والأرمويين والموابين "إلى قوله :"فما برحت جمهرة المسيحيين تأخذ التأريخ اليهودي كما ورد في التوراة قضية مسلماً بها "
12-أن نحتضن المستغربين من بني الإسلام ،ولا ننبذهم أو نكفرهم، بل علينا أن نحاورهم وأن نجادلهم بالتي هي أحسن ، طبقاً للمنهج الإسلامي في الدعوة، فالله جل شأنه يقول: ( وجادلهم بالتي هي أحسن) وقال (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة)، وقال لرسوله الكريم (ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك ).
13-العمل على القضاء على الأمية الأبجدية ،إذ كيف سنواجه تيَّار العولمة، ونسبة الأمية بيننا _ نحن العرب-تبلغ حوالي 60%.
14-الاهتمام بتثقيف المرأة المسلمة ثقافة إسلامية واعية لتدرك حقوقها وواجباتها في الإسلام، فتؤدي ما عليها من واجبات، وتطالب بحقوقها، ولا تفرط فيها ،والمرأة إذا عرفت مالها وما عليها، ونالت حقوقها صلحت حالها ،وبالتالي صلحت حال مجتمعاتنا.
15-إعادة النظر في قوانين عمل المرأة، وجعلها توافق بين عملها ،وبين واجباتها الأسرية.
16-أن يجتمع المجمع الفقهي بمكة المكرمة لوضع قوانين الأحوال الشخصية فيما يتعلق بشؤون المرأة والأسرة والزواج والطلاق، وحقوق المرأة السياسية والمدنية والثقافية وفق الشريعة الإسلامية، وطبقاً للنظرة الإسلامية الوسطية المعتدلة، وتؤخذ تطبيقاتها من عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم - والخلفاء الراشدين .(61/57)
17-أن تعقد مؤتمرات عالمية إسلامية سنوياً لمناقشة قضايا المرأة والأسرة والمجتمع ،وما يهددها من أخطار ،وكيفية معالجتها، مثل مناقشة أخطار ومشاكل الاختلاط بين الجنسين، وأسباب الزواج العرفي، وآثاره وكيفية القضاء عليه، وكذلك أسباب وعوامل ظهور زواج المسيار في المجتمعات الخليجية، وظهور التطرف الديني، وفي المقابل وجود التيار العلماني، وكيف تغلغل في مجتمعاتنا ،وغير ذلك من القضايا لدراستها والعمل على معالجتها.
18-أن تقرر مادة الأسرة المسلمة ،ومكانة المرأة في الإسلام على طلبة وطالبات المراحل الثانوية ليعلم كل من الفتى والفتاة ماله وما عليه.
19-إنشاء صندوق دولي إسلامي لتقديم القروض والمعونات للدول الإسلامية، والاستغناء عن الصندوق الدولي والمعونات الغربية حتى لا تستخدم معوناتها وقروضها للضغط علينا لقبول ما تفرضه علينا من اتفاقيات تؤدي إلى تدمير مجتمعاتنا وأسرنا، وتحلل نسائنا وتفسخهن، بل تؤدي إلى إشاعة الفاحشة في مجتمعاتنا.
20- أن يستثمر المسلمون أموالهم المودعة في البنوك الغربية في بلادهم الإسلامية، وأن تسن الدول الإسلامية القوانين التي تحفظ حقوق وأموال المستثمرين.
21- أن يكون المسلمون حذرين من فتح مجال للاستثمار الأجنبي، فقد يكون هذا المستثمر يهودياً صهيونياً متخفياً في جنسيات أوروبية أو أمريكية، وبالتالي يصبح لهؤلاء نفوذاً على اقتصادهم، ويستخدم هذا النفوذ فيما بعد لصالح الدولة اليهودية، كما يحدث الآن في الولايات المتحدة الأمريكية، وأوروبا، ومعروف أن اليهود على مدى العصور التاريخية المختلفة يركزون على السيطرة على الناحية الاقتصادية، لتكون وسيلة ضغط عظمى لتحقيق ما يرمون إليه من أهداف،وعلينا أن نعتبر من دروس التاريخ، وأن نعي ما نقرأه، وألا نلغي عقولنا تحت أية ضغوط ،وعلينا أن نكون بعيدي النظر في ما نقدم عليه من خطوات، وأن نعمل حساباً لأبعاد هذه لخطوات على الأجيال التالية، ويجب ألاَّ ننسى أنَّنا مسؤولون أمام الله عن مصير الأجيال القادمة، وما يلحق بهم من كوارث من جراء ما نتخذه من خطوات وقرارات لتفادي مواجهات بصورة مؤقتة.
22- أن نعمل على إعادة العقول العربية والإسلامية المهاجرة للعودة إلى أوطانها، ونهيئ لها كل الأجواء التي تساعدها على مواصلة أبحاثها وأنشطتها العلمية وابتكاراتها، وإزالة كل العراقيل التي تعترض طريقها، مع موضعها في المكانة التي تليق بها.
23-أن تتمسك دول الخليج العربي بمنع التمويل الأجنبي للجمعيات الأهلية، وأن تحذو بقية الدول العربية والإسلامية حذو دول الخليج ،وتمنع التمويل الأجنبي على أن يتولى بنك التنمية الإسلامي تمويل هذه الجمعيات شريطة أن تنهج المنهج الإسلامي في خططها وأهدافها .
24-أن ينظر إلى المرأة نظرة الإسلام لها، وأن تنال كامل حقوقها في الإسلام، فالمرأة الآن -للأسف الشديد- محرومة من كثير من حقوقها التي منحها إياها الإسلام باسم الإسلام بإخضاع بعض النصوص القرآنية والحديثية للعادات والتقاليد والأعراف، أو لسد باب الذرائع، وأود أن أنبه إلى أمر جد خطير، وهو أنّ الغرب والصهيونية قد نفذوا إلى بيوتنا من خلال مؤتمرات المرأة العالمية التي تنظمها الأمم المتحدة، ومن خلال التمويل الأجنبي للجمعيات النسائية غير الحكومية، ومن خلال الاتفاقيات الدولية، وقد لمست هذا بنفسي أثناء حضوري مؤتمر مائة عام على تحرير المرأة، وملتقى الحوار الذي نظمته المؤسسة الألمانية"فردريش إيبرت الألمانية في القاهرة في شهر نوفمبر عام 1999م لمناقشة البند الحادي عشر لاتفاقية إزالة أشكال التمييز ضد المرأة في ميدان العمل، وهم يصورون المرأة المسلمة مقهورة ومظلومة، ويطالبون بإلغاء ثوابت الإسلام كالقوامة، وتعدد الزوجات، وإلغاء العدة، والاكتفاء بالكشف الطبي، وإلغاء حد الزنا، وسفر الزوجة وعملها وخروجها بدون إذن الزوج، ومساواة المرأة والرجل في الميراث، كما يطالبون لها بحقوق سياسية منحها إياها الإسلام، ولكن مجتمعاتنا الإسلامية مصرة على حرمان المرأة منها من باب سد الذرائع أو نتيجة إخضاع النصوص القرآنية والحديثية للعادات والأعراف والتقاليد.
إنَّ هذه الحقوق ستنالها المرأة بسيطرة الغرب علينا، وبما يمارسه من ضغوط علينا، وستنالها وفق المنظور الغربي لها، ولن نستطيع عندئذ ضبطها بضوابط الإسلام، لأننا من البداية منعنا عن المرأة هذه الحقوق باسم الإسلام، وسيبدو الغرب أمام المرأة المسلمة هو المنصف المنقذ لها، والدين الإسلامي هو الظالم القاهر لها.
هذا في تصوري أهم الأسس والقواعد التي ينبغي أن يرتكز عليها الخطاب الإسلامي في صياغته الجديدة لمواجهة كل التحديات التي تتعرض لها أمتنا الإسلامية، وأتمنى أن تؤخذ في الاعتبار لدى أولي الأمر والمسؤولين في البلاد الإسلامية
============(61/58)
(61/59)
صدفة أم صراع حضارات ؟
د. حسن بن صالح الحميد 18/9/1423
03/12/2001
على امتداد مساحة اليابسة ينتشر المسلمون ؛ دولا وأقليات .. وهم يستأثرون بنصيب الأسد من الإشكاليات مع الآخر ، ويتمتعون بما دون الحد الأدنى من الحقوق في أكثر الأحيان . ويتساءل المرء : هل تم ذلك كله مصادفة ووقع بعفوية، أم هي طبيعة الفكر والحضارة التي ينتمي إليها المسلمون ، أم هي مشكلة الآخر عندما يكونون طرفا في قضية معه ؟؟
وإذا كان من اليسير القول بأنه لا مكان للصدفة في تفسير هذه الظاهرة ، لأن كثرة الشواهد ، وتكرر الحوادث يؤكد أن سببا أو أسبابا معقولة تقف وراءها ، يمكن سبرها وتشخيصها ، فلا مدخل للصدفة إذا ، ولا مكان للعفوية ، ومن يذهب هذا المذهب فقد ازدرى عقله أو بالغ في الاستهتار بعقول الآخرين.
إذا كان من اليسير نفي المصادفة والعفوية ، فإن من العسير القول بأن غير المسلمين هم السبب في كل ما جرى ويجري لنا نحن المسلمين ، وإذا كانوا هم البادئين بالعدوان ، والبادي أظلم ، فإننا شركاء في صناعة واقعنا المؤسف ـ بقصد أو بغير قصد ـ مما جرأ كل من هب ودرج ، على أمة كانت خير أمة أخرجت للناس .
ولندع تسلسل والحوادث تتكلم فهي أبلغ من ألف خطيب .
وبين يدي ذلك أقول : لا أحد يستطيع بجرة قلم أو برغبة ساذجة أو ماكرة أن يلغى عداوة غير المسلمين ـ أيا كانوا ـ للمسلمين ، وعداوة المسلمين لغيرهم، مهما حاول ، لأن مبدأ العداوة المتبادلة قد ثبت شرعا ، واستقر كونا وقدرا ( إن الكافرين كانوا لكم عدوا مبينا ) ومحاولة الرضا مرفوضة شرعا ( فإن ترضوا عنهم فإن الله لا يرضى عن القوم الفاسقين ) . ومستحيلة واقعا : ( يرضونكم بأفواههم وتأبى قلوبهم ) . وأن هذه العداوة قائمة على كل حال ، ومطردة على كل صعيد .
هذه حقيقة أصيلة في فهم العلاقات بين المسلمين وغيرهم . وأي عبث فيها أو تجاهل لها يفضي ـ لا محالة ـ إلى الإخلال بالتوازن الاستراتيجي بين المسلمين وغيرهم ، كما يعرض الأمن والسلام العالمي لخطر حقيقي، أكثر مما يعرضه اختلال توازن الرعب في الأسلحة غير التقليدية .
وقد أدرك الغرب الصليبي ، والشرق الهندوسي والوثني هذه الحقيقة فارتكز عليها في مواجهاته مع المسلمين ، كما أدركها المسلمون جيدا في قرون الإسلام الخالية فاستطاعوا هزيمة عدوهم في كل مواجهة استهدفت كيان الأمة وبيضتها وهيبتها؛ في المشرق الأدنى في الحروب الصليبية ، وفي المشرق الأقصى في الهند وما وراء النهر ، وفي المغرب في الأندلس . ولم يطمع أحد في خضد شوكة المسلمين ، بل كانوا من نصر إلى نصر .
وعندما فشا الجهل واستشرى الفساد ، سلط الله على هذه الأمة شرارها ، الذين كانوا في جملتهم أشبه بعدوهم منهم بأهل ملتهم ، فاجتهدوا في نزع فتيل عداوة الكافرين من قلوب عامة المسلمين ، بل زينوا لهم محبتهم والرضا بكفرهم، عن جهل حينا ، وعن سوء قصد أحيانا كثيرة ، فاختل ميزان القوى ، وأصبح إيمان الكافرين بعداوة المسلمين أظهر من إيمان كثير من المسلمين المتأخرين بعداوة الكافرين .
وتقبل أكثر المسلمين خدع النصارى وخيالات غيرهم ؛ أنهم لا يعادون المسلمين ، ولا يستهدفون دينهم ولا يتآمرون ضدهم . وروج لهذه الأفكار الكاذبة فئات من المنتسبين إلى الإسلام ، مستغلين جهل وقلة حيلة أكثر المسلمين ، ضاربين بعرض الحائط ثوابت الشرع القاطعة وحقائق التاريخ الدامغة .
فما هي النتائج الحتمية والثمار المخزية لهذه الانتكاسة العقدية ؟
ولن نذهب بعيدا في الاستدلال والتوثيق ، لأن مقالا كهذا لا يتسع للتفصيل .
وإليك ـ أيها القارئ الكريم ـ بعض الآثار ، على سبيل الإيجاز :
أولا : قبول فكرة الحوار بين الأديان بمفهومه الجديد ، وهي من بنات أفكار عبدة الصليب ، يستخدمونها لنزع فتيل التوتر كلما أنزلوا بالمسلمين نازلة ، أو تسببوا لهم في كارثة ، وكأن الحديث عن الديانات الإبراهيمية ، والاشتراك المجمل في الإيمان بالبعث واليوم الآخر يبرر لأهل الصليب شركهم بالله، ويمسح عنهم قبيح صنيعهم بالمسلمين! . ولهذا نشطت هذه الدعوة بعد الحرب العالمية الأولى وبعد تقسيم بلدان العالم الإسلامي إلى مناطق نفوذ بين الحلفاء ، ونشطت هذه الدعوة بعد حرب الخليج الثانية ، وما بين ذلك ، ونراها تنشط هذه الأيام. وكأن في دين النصارى اليوم حقا يصلح الأخذ به ، بينما هو محرف جله ومنسوخ جميعه . بل وكأن حوار الأديان يعني الإجهاز على أهل الإسلام .
ثانيا : ومن الآثار المدمرة التي أورثها نزع فتيل العداء للكافرين :
تصديق أقوالهم واتباعهم في مواقفهم المعادية للمسلمين ، بحيث يصبح بعض المسلمين في خندق الكافرين محالفا لهم في مواجهة طائفة أخرى من المسلمين . وهذا من أخطر الآثار وأشدها فتكا في كيان الأمة . وهو ناشئ أيضا من ضعف البصيرة ورقة الدين ، وتقديم المصالح الخاصة على مصلحة الأمة العليا عند بعض المسلمين ، وقد وقع ذلك من قبل في الأندلس زمن ملوك الطوائف ، مما عجل بزوال ملكهم وأفول نجم الإسلام في تلك الربوع إلى يوم الناس هذا .(61/60)
وفي العصر الحاضر أصغى طائفة من المتنفذين على شؤون المسلمين إلى نصائح النصارى إبان الحرب العالمية الأولى فتقبلوا أن يكونوا في حلفهم وتحت رايتهم في مواجهة تركيا المسلمة ، فأسهموا في إسقاط دولة الخلافة ، بحجة الرغبة في تحرير الجنس العربي من سلطة القومية التركية ، ولم تكد تضع الحرب أوزارها حتى قلب النصارى لهم ظهر المجن ، واقتسموا ممالك المسلمين مستعمرات ترفع عليها راية الصليب ، بعد أن كانت مملكة واحدة ـ على ما فيها من ضعف ـ فاستبدلوا راية إسلامية تركية براية نصرانية إفرنجية ! وزرعت دولة إسرائيل . ولم يعوا الدرس من مملكة المسلمين في الأندلس ، وكأنهم لم يقرأوا مقولة ابن عباد : ( لأن أرعى الإبل عند ابن تاشفين خير من أن أرعى الخنازير عند الفونس < ملك النصارى > ) فتحولت الدولة الواحدة إلى دويلات تربو على العشرين ، لم تزل تتحول من ضعف إلى ضعف .. إلى يوم الناس هذا .
وفي حرب الخليج الثانية قيل للناس هل أنتم مجتمعون لعلنا نتبع أمريكا ، سيدة العالم الحر في مواجهة طغيان العراق ، ولم يكن هناك وقت للتفكير أو لم تكن هناك إرادة له ، فحشر المسلمون فيمن حشر تحت راية الصليب مرة أخرى ، في مواجهة صريحة من بعض المسلمين لبعض ، لحساب من يتربص بنا جميعا . وما إن زالت الغمة حتى غدر النصارى ـ كعادتهم ـ فبقي صدام الطاغية ، ودمر شعب العراق المسكين ، وسرقت اقتصاديات المنطقة ، وبقيت إسرائيل ، وفرض السلام .. ولا يزال الناس يتجرعون غصص هذه الحلف الخاسر ، وكأنهم لم يذلوا على أيدي النصارى إبان الحرب الكونية الأولى ، ولم تقسم بلادهم ، ولم تزرع دولة إسرائيل!
واليوم ـ وما أشبه الليلة بالبارحة ـ يحتشد العالم خلف أمريكا مرة ثانية في مواجهة شعب مسلم لا بواكي له ، ومرة أخرى تقدم الوعود الكاذبة للعرب بشأن قضية فلسطين ، وأن الدول العربية لن تستهدف في هذه الحملة ، ووعدت باكستان بتخفيف بعض الديون ، وأن يكون هناك حل ما لمشكلة كشمير، وتشابكت الأيدي هذه المرة بحرارة ، حتى دعا من دعا : اللهم انصر أهل الكتاب على المشركين !! وتقبل طوائف من الناس ببلاهة قذائف الصليب تهوي على المساجد ، وتحصد الأبرياء بحجة محاربة الإرهاب ! وتزمت حكومة طالبان .
وأخزى الله هؤلاء عن عجل فأمعنت إسرائيل بأهل فلسطين ذبحا وتنكيلا ، وأكد شيخ البيت الأبيض أن الحرب على الإرهاب ماضية بغض النظر عن مشكلة فلسطين ، وأن العراق والصومال ودولا أخرى هي أهداف محتملة . ولم يحترم مشاعر ملايين المسلمين وهم يرون إخوانهم يمطرون بقنابل الصليب بكرة وعشية في شهر رمضان . وصرح سفير واشنطن في نيودلهي بأن واشنطن والهند تواجهان ذات الإرهاب ، وأنهما سيقفان صفا واحدا في محاربته . وفشلت باكستان في الحصول على صفقة الطائرات التي كانت وعدت ببيعها لها منذ سنوات. وخسرت عمقها الاستراتيجي من جهة الشمال ، وكانت الأضعف بين جيرانها ، على حين كانت صاحبة الورقة الرابحة قبل ثلاثة أشهر فقط . وتلقى الكل من الإذلال مايكفي لإيقاظ الضمير ومراجعة الذات.
هذا كله والحرب لم تضع أوزارها بعد . والعجب أنه لا يزال من بين المسلمين من يجادل في أن هذه حرب ضد الإرهاب وليست ضد الإسلام ، بالرغم من أن أهل الصليب أنفسهم يثبتون ذلك ، وكأننا أمام مستوى مخز يذهب في الدفاع عن قيصر أكثر من قيصر نفسه .
وتردد في ذاكرة كل مسلم رأى هذا المشهد المريع والسقوط الإسلامي الرسمي الذريع قول ذلك الأعرابي :
لو كنت من مازن لم تستبح إبلي … …
بنو اللقيطة من ذهل ابن شيبانا
إذا لقام بنصري معشر خشن … …
عند الحفيظة إن ذو لوثة لانا
حتى لم يعد مستنكرا أن يقضي جورج وبول وأضرابهم في شؤون المسلمين ويفتي فيها ، ويحدد مواصفات المعتدل والمتطرف منهم ، ويسعى في الصلح والإصلاح ، والكل ساكت سادر ، كأن الأمر لا يعنيهم .
ويقضى الأمر حين تغيب تيم … …
ولا يستأمرون وهم شهود
ولا اعتراض ولا نقاش ، بحجة أن أمريكا غاضبة وأنه لا يقوم لغضبها شيء ، وأنها مكلومة ، ومراعاة خاطرها من شيم الكرام !
من يهن يسهل الهوان عليه … …
ما لجرح بميت إيلام
والذي لاشك فيه أننا أمام فتنة لا كالفتن ، ومأساة أنست بهولها كل ما تقدمها .. وقد ذكرت طرفا من مسلسل الانهيار نتيجة التلاعب بحقائق الشرع وطمس معالم الولاء والبراء ، وكيف أنه في أقل من قرن من الزمان تلقنا كل هذه الدروس المرة، ولم يعتبر بها معتبر . (وما ربك بظلام للعبيد) وما لم توقف الأمة مسلسل الهروب من دينها ، وتضع حدا لتولي أعدائها ، ومحاربة أولياء الله ، فإنه يوشك أن يقذف الله بها في أودية النسيان ، وأن يقيض لدينه قوما آخرين ( وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم ) وقديما قيل : .. والشقي من وعظ بنفسه . فاللهم لا شماتة
===============(61/61)
(61/62)
6 أسباب تجعل الإنترنت في مقدمة وسائل الدعوة إلى الله
من بينها تجاوز حدود الجغرافيا واختصار الزمن ..
للإنترنت وجه آخر غير ما يشار إليه من تحطيم للحواجز وتجاوز للحدود . هناك حسب الإحصائيات نحو 150 مليون مستخدم لهذه التقنية في مختلف أنحاء العالم الأمر الذي يعتبره المهتمون فرصة مواتية وتاريخية لنشر الدعوة الإسلامية سيما وأن هناك الألوف ممن نطقوا الشهادة كان للإنترنت دور مهم في إسلامهم.
لم تنل وسيلة من وسائل نقل ونشر المعلومات في تاريخ البشرية ما نالته الإنترنت من سرعة في الانتشار والقبول بين الناس ، وعمق في التأثير في حياتهم على مختلف أجناسهم وتوجهاتهم ومستوياتهم ، وما يميز الإنترنت هو تنوع طبيعة المعلومات التي توفرها ، وضخامة حجم هذه المعلومات التي يمكن الوصول إليها دون عقبات مكانية أو زمانية ، وتتوقع الدراسات أن ينمو عدد المستخدمين إلى ما هو أكثر من 150 مليوناً في الأعوام القادمة فقد أصبح الناس اليوم ينظرون إلى الإنترنت على أنها المصدر الأول والمفضل للمعلومات والأخبار ، وقد يقال أن وسائل الإعلام التقليدية كالصحف والمجلات والإذاعات لن تلبث أن تنقرض على يد الإنترنت ، كما انقرضت ألواح الحجارة على يد ورق البردي وكما انقرض النسخ اليدوي للكتب على يد روتنبرج ، من الطبيعي أن زعماً جريئاً مثل هذا لا يمكن أن ينشأ من فراغ ولا بد أن تكون هناك أسباب قوية ووجيهة تستطيع بها الإنترنت أن تهدم إمبراطوريات إعلامية وجدت من قرون.
فيما يلي بعض الأسباب التي تجعل الإنترنت وسيلة إعلام واتصال المستقبل بلا منازع .
وبالتالي من أفضل وسائل الدعوة إلى الله ونشر الدين الإسلامية .
1- اللامكان :
تتخطى الإنترنت كل الحواجز الجغرافية والمكانية التي حالت منذ فجر التاريخ دون انتشار الأفكار وامتزاج الناس ، وتبادل المعارف ، ومن المعروف أن حواجز الجغرافيا منها اقتصادي (تكلفة شحن المواد المطبوعة من مكان إلى آخر) ومنها فكري وثقافي (حيولة بعض الدول دون دخول أفكار وثقافات معينة إلى بلادها) ، أما اليوم فتمر مقادير هائلة من المعلومات عبر الحدود على شكل إشارات إليكترونية لا يقف في وجهها شيء وفي ذلك نواح إيجابيةلا تعد ولا تحصى. والتي يمكن تجنيدها في قضية الدعوة .
2- اللازمان :
إن السرعة الكبيرة التي يتم بها نقل المعلومات عبر الشبكة تسقط عامل المعلومات عبر الشبكة تسقط عامل الزمن من الحسابات ، وتجعل المعلومة في يدك حال صدورها ، وتسوي بينك وبين كل أبناء البشر في حق الحصول على المعلومة في نفس الوقت وبالتالي فأنت تعيش في عصر (المساواة المعلوماتية).
3- التفاعلية :
تعودت وسائل الإعلام التقليدية أن تتعامل معك كجهة مستقبلة فقط ، ينحصر دورك في أن تأخذ ما يعطونك وتفقد ما لا يعطونك ، ولذلك فهم الذين يقررون ما تقرأ أو تسمع أو تشاهد أما في عصر الإنترنت فأنت الذي تقرر ماذا ومتى تريد أن تحصل عليه من معلومات ، وأكثر من ذلك فبإمكانك الآن من خلال منتديات التفاعل والحوار أن تنتقل من دور المستقبل إلى دور المرسل أو الناشر. وهذه نقلة تحصل لأول مرة وتمكن الناس من التحرك على أرض مستوية دون أن يطغى صوت أحدهم على الآخر ، ولهذا أهمية كبيرة بلا شك في الحوار الشرعي أو حوار الأديان ، وينبغي علينا كمسلمين إدراك ما تحمله هذه التقنية من دعم لقضية الدعوة.
4- المجانية :
وهي أمر لم يحصل تماماً بعد. لكنه سيحصل خلال السنوات القادمة ، حيث إن الكثير من الأنماط التجارية بدأت تتبلور لتمكن المجتمع من اعتبار خدمة الإنترنت من الخدمات الأساسية في الحياة والتي سيتم توفيرها للجميع بشكل مجاني أو شبه مجاني ، ومعروف اليوم في الغرب أنه بإمكانك أن تتصل بالإنترنت 24 ساعة يومياً مقابل مبلغ 20 دولاراً شهرياً ، وهو مبلغ رمزي حتى للطبقة المتوسط في كثير من المجتمعات ، الأمر الذي يجعل من الإنترنت الوسيط الذي يصل إلى أكبر عدد من شرائح المجتمع ولا سيما الفقيرة منها ، علاوة على ذلك تتمتع الإنترنت بميزة الربط الدائم ، حيث إنه ومع تطور التقنيات التي تمكنك من الاتصال بالإنترنت، لم تعد بالضرورة تقتصر على استخدامها من حسبك الشخصي في العمل أو المنزل ، بل أصبح بإمكانك أن تتصل بالشبكة من مجموعة كبيرة ومتنوعة من الأدوات كحاسبات الجيب والهواتف النقالة وحتى جهاز الثلاجة في المطبخ ، وبذلك ستكون على ارتباط دائم بالإنترنت في كل مكان وزمان ، تتابع الأخبار وتتسوق وتستدعي المعلومات المهمة في الوقت المناسب.
5- تنوع التطبيقات :(61/63)
ما ذكرناه من أمثلة قليلة على استخدامات وفوائد الإنترنت ما هو إلا غيض من فيض ، إذ إن التطبيقات والخدمات التي تقدمها الشبكة تبلغ سعتها سعة الحياة فمن التطبيقات التعليمية والتربوية التي تخدم أطفالنا في تعلمهم واستكشافهم للعالم ، إلى الخدمات التي تسهل الاتصال كالبريد الإلكتروني وغرف الحوار ، إلى التطبيقات التجارية التي تحول العالم بأسره إلى سوق صغيرة يستطيع فيها البائع والمشتري إتمام صفقاتهم في لحظات ، إلى المواقع الإخبارية والمعلوماتية والأكاديمية والمرجعية التي تخدم الباحثين والمطلعين في شتى المجالات بإمكاننا نحن الدعاة المسلمين أن نعمل على صب كل هذه التطبيقات في بحيرة الدعوة ونشر ديننا الحنيف ، للاستفادة من هذه الإمكانات الهائلة التي توفرها لنا التقنية الحديثة يوماً بعد يوم.
6- سهولة الاستخدام :
لا تحتاج أن تكون خبيراً معلوماتياً أو مهندساً أو مبرمجاً حتى تستخدم الإنترنت ، ولا يحتاج رواد الشبكة إلى تدريبات معقدة للبدء باستخدامها ، بل إلى مجرد مقدمة في جلسة لمدة ساعة مع صديق يوضح له المبادئ الأولية للاستخدام.
لماذا الإنترنت ؟
لأنه أصبح بإمكانك إطلاع العالم بأسره وتعريفه بدينك الذي يقوم بعض الناس بتشويه صورته يومياً باستخدام تقنيات العصر ومنها (الإنترنت) إن هذه الأداة التي ألهم الله بها الإنسان ليخترق المسافات في سرعة البرق وليدخل بيوت الناس جمعياً بلا حواجز فرصة تاريخية للعاملين في مجال الدعوة إلى الإسلام وللحريصين على نشر كلمته ، ليصلوا إلى العالمين ويقولوا لهم هذا ديننا وهذه دعوتنا ، ويكونوا شهداء على الناس ، ويا لها من أمانة !!
فالله الله في الدعوة يا دعاة الإسلام .. !!
من مجلة الإصدار التعريفي ودليل المشاركين في المعرض الخامس لوسائل الدعوة في المدينة المنورة ..
=============(61/64)
(61/65)
الدعوة إلى الله بالمجادلة مفهومها ومشروعيتها وضوابطها
الدكتور/ إبراهيم بن صالح الحميدان
قسم الدعوة والاحتساب ـ كلية الدعوة والإعلام
جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
بياض
مقدمة :
الحمد لله حمداً يليق بجلال ربنا وعظمته , والشكر له على ما أنعم به علينا من نعم لا تعد ولا تحصى ؛ والتي من أعظمها وأجلها نعمة الإسلام ؛ أخرجنا به من الضلالة إلى الهدى , وفضلنا به على كثير ممن خلق تفضيلا .
والصلاة والسلام على خير خلقه ومبلغ وحي ربه نبينا محمد بن عبد الله , خير من وطئت قدمه الثرى , مع علو المقام والقدر فوق الثريا , صلاة ربي وسلامه الأتمان الأكملان عليه وعلى آله وأصحابه , الذين صبروا وجاهدوا في الله حق جهاده فمنهم المجاهد بسنانه ومنهم المجاهد بلسانه وبيانه ؛ فاستنارت بدعوتهم ظلمات الأرض , وانقشعت ظلمات البصائر , وثقفت بحججهم المبنية على ما في الكتاب والسنة موارد الأفكار ومقاطع الأفهام .
وما زال الدعاة المخلصون بهم يقتدون ويهتدون , وإلى ميراث النبوة يتسابقون تعظيماً والتزاماً , وإليه يدعون أمماً وأقواماً , فصدق فيهم ما جاء في قوله تعالى
أما بعد :
فإن من الظواهر الملحوظة والأمور المشاهدة المعروفة وجود الجدل في حياة الإنسان أينما وحيثما وجد وكان , ولقد قال العليم بخلقه الحكيم في أمره ونهيه : ، فهو لا ينفك في الغالب يغالب كل جديد أو طارئ عليه , أو كل مختلف معه .
وإن من ملامح ربانية هذا الدين وكونه تنزيلا من رب العالمين ؛ تعامله بواقعية مع طبيعة الإنسان وما جبل عليه من هذا الجدل الغالب في جنسه , فكان أن وجه ربنا تبارك وتعالى إلى الجدل وندب إليه ؛ لكن بقدر الحاجة , وبشكل غير الذي اعتاده الناس وربما مارسوه وعرفوه من مطلق الجدل .
أما الحاجة إليه فهي في الدعوة إلى الدين الحق وإقامة الحجة على الخلق .
والحاجة بشكل أخص مع أولئك الذين يحتاج إليه معهم وليس مع كل أحد ، إذ تسبقه وتتقدمه الحكمة والموعظة الحسنة .
والخالق سبحانه يعلم أن من الناس من يبقى متردداً , أو متشككاً في الحق الذي جاءت به النبوة الخاتمة , أو أنه يكون معانداً جاحداً له ؛ مع وضوح دلائله وصفاء موارده ومصادره , فهذا الذي يدعى بالجدل .
أما شكل هذا الجدل وصفته فهو ليس بالجدل الذي قعد له اليونان , أو مارسه وفق هواه وشهوته أي إنسان , وإنما هو شكل مختلف وإن تشابهت الأشكال , ووصف معين وإن تقاربت الأسماء , إنه باختصار , وكما عبر عنه كتاب ربنا جل شأنه بأوجز لفظ وأجزل عبارة ( بالتي هي أحسن ) , وذلك في قوله تعالى :.
وهذا البحث المتواضع هو في هذا الموضوع الدقيق , ويهدف الكاتب فيه إلى محاولة الإسهام في تجلية المفهوم , وبيان المشروعية , والإشارة إلى أبرز الضوابط , وذلك في ثلاثة فصول، شملت تسعة مباحث على النحو الآتي :
الفصل الأول : مفهوم الجدل وتاريخه :
المبحث الأول : الجدل في اللغة .
المبحث الثاني : الجدل في الاصطلاح .
المبحث الثالث : رؤية تحليلية لتاريخ الجدل .
الفصل الثاني : مشروعية المجادلة في مجال الدعوة وأهميتها :
المبحث الأول : مشروعية الجدل في القرآن الكريم .
المبحث الثاني : مشروعية الجدل في السنة النبوية .
المبحث الثالث : أهمية المجادلة في مجال الدعوة .
الفصل الثالث : ضوابط الدعوة بالمجادلة :
المبحث الأول : ضوابط قبل قيام المجادلة .
المبحث الثاني : ضوابط أثناء المجادلة .
المبحث الثالث : ضوابط بعد حصول المجادلة .
أسأل الله الكريم بمنه وجوده وفضله أن يتقبله بقبول حسن , وأن يجعله خالصاً لوجهه , نافعاً لعباده , وأن يعفو عما فيه من الخطأ والزلل .
والحمد لله رب العالمين , وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
الفصل الأول : مفهوم الجدل وتاريخه :
المبحث الأول : الجدل في اللغة :
تعود كلمة ( جدل ) إلى الأصل الثلاثي الصحيح ( الجيم والدال واللام )،
هذا الأصل " أصل واحد وهو من باب استحكام الشيء في استرسال يكون فيه , وامتداد الخصومة ومراجعة الكلام "(5) .
والجدل - بسكون الدال - يعني شدة الفتل للحبل والشعر، فيقال جديل وجديلة .
كما يعني الصرع يقال : جدله أي صرعه , ورجل مجدل ومجدال أي يصرع غيره , والجدالة الأرض .
أما كلمة الجدل - بفتح الدال - فتعني شدة الخصومة ومراجعة الكلام , ويقال لصيغة المفاعلة مجادلة , ولاسم الفعل جدل وجدال .
جاء في لسان العرب (6) :
" الجدل - بسكون الدال - شدة الفتل , وجدلت الحبل أجدله جدلا إذا شددت فتله وفتلته فتلا محكماً , ومنه قيل لزمام الناقة الجديل ".
و" الجدل : الصرع . وجدله جدلا , وجدله فانجدل وتجدل : صرعه على الجدالة . وهو مجدول , وقد جدلته جدلا .
وأكثر ما يقال جدلته تجديلا ."
"و الجدل - بفتح الدال - اللدد في الخصومة والقدرة عليها , وقد جادله مجادلة وجدالا .
ورجل جدل و مجدل و مجدال : شديد الجدل .
ويقال : جادلت الرجل فجدلته جدلا أي غلبته.
ورجل جدل إذا كان أقوى في الخصام .
و جادله أي : خاصمه مجادلة وجدالا .
والاسم الجدل وهو شدة الخصومة ... " .(61/66)
وجاء في القاموس المحيط (7) :
" وجدله فانجدل وتجدل صرعه على الجدالة ...
والجدل محركة : اللدد في الخصومة والقدرة عليها ".
وجاء في العين (8) :
" ورجل جدل مجدال أي خصم مخصام.
والفعل جادل يجادل مجادلة .
وجدلته جدلا - مجزوم - فانجدل صريعا ".
المبحث الثاني : الجدل في الاصطلاح :
للجدل في الاصطلاح معنيان :
الأول : المعنى العام للجدل أو مطلق الجدل أو الجدل المحض .
الثاني : المعنى الخاص الذي جاء في النصوص الشرعية مندوباً إليه في مقام الدعوة .
وغالب المراجع وبخاصة كتب التعريفات تشير إلى المعنى الأول .
فنجد مثلا أن الجرجاني يورد عدداً من المعاني الاصطلاحية للجدل فيقول :
" الجدال عبارة عن مراء يتعلق بإظهار المذاهب وتقريرها "(9).
ويقول : " الجدل هو القياس المؤلف من المشهورات والمسلمات , والغرض منه إلزام الخصم , وإفحام من هو قاصر عن إدراك مقدمات البرهان "(10) .
ويقول : " دفع المرء خصمه عن إفساد قوله بحجة أو شبه .
أو يقصد به تصحيح كلامه وهو الخصومة في الحقيقة "(11).
كما تنحو بعض المراجع المتأخرة في تعريفه بما هو قريب من ذلك فنجد على سبيل التمثيل التعريفات الآتية :
" المنازعة لا لإظهار الصواب بل لإلزام الخصم "(12) .
" المفاوضة على سبيل المنازعة والمغالبة لإلزام الخصم "(13) .
وهذه التعريفات للجدل في أصله وعلى إطلاقه أو ما يمكن أن يسمى بالجدل المحض , ويظهر فيه أمران رئيسان :
- شدة الخصومة واللدد فيها .
- وقصد الغلبة والإلزام والإفحام في الهدف .
وهذا ليس بالجدل الشرعي في دين الإسلام, الذي جاء في قوله تعالى:
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله : " وقوله â وجادلهم بالتي هي أحسن ? أي من احتاج منهم إلى مناظرة وجدال فليكن بالوجه الحسن برفق ولين وحسن خطاب كقوله تعالى â ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم ? الآية فأمره تعالى بلين الجانب كما أمر به موسى وهارون عليهما السلام حين بعثهما إلى فرعون "(16) .
وقال العلامة ابن سعدي رحمه الله : " فإن كان المدعو يرى أن ما هو عليه حق أو كان داعيةً إلى الباطل فيجادل بالتي هي أحسن وهي الطرق التي تكون أدعى لاستجابته عقلا ونقلا , ومن ذلك الاحتجاج عليه بالأدلة التي كان يعتقدها فإنه أقرب إلى حصول المقصود وأن لا تؤدي المجادلة إلى خصام أو مشاتمة تذهب بمقصودها ولا تحصل الفائدة منها بل يكون القصد منها هداية الخلق إلى الحق لا المغالبة ونحوها "(17).
وقال رحمه الله : " ينهى تعالى عن مجادلة أهل الكتاب إذا كانت عن غير بصيرة من المجادل , أو بغير قاعدة مرضية , وأن لا يجادلوا إلا بالتي هي أحسن ؛ بحسن خلق ولطف ولين كلام , ودعوة إلى الحق وتحسينه , ورد الباطل وتهجينه بأقرب طريق موصل لذلك , وأن لا يكون القصد منها مجرد المجادلة والمغالبة وحب العلو بل يكون القصد بيان الحق وهداية الخلق "(18) .
فيتبين بذلك أن الجدل الشرعي هو غير مطلق الجدل أو الجدل المحض السائد في الحدود الاصطلاحية للجدل والتي أوردنا طرفاً منها آنفاً , قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " ولهذا ذم السلف أهل الكلام , وكذلك الجدل إذا لم يكن الكلام بحجة صحيحة لم يك إلا جدلا محضاً "(19) .
والجدل الشرعي بمعنى المناظرة التي يقصد منها إظهار الصواب في كلام المختلفين .(20)
وقد نص بعض العلماء على أن الجدل بالتي هي أحسن هو المناظرة. (21)
ولعل هذا يفسر استخدام البعض للفظة الجدل بأنها مرادفة للمناظرة أو أنها بمعنى المناظرة .(22)
ومما تجدر الإشارة إليه أن الجدل هو أحد أشكال الحوار الذي يعني تردد الكلام ومراجعته بين طرفين أو أكثر دون أن يكون بالضرورة خلاف بينهما .
فإذا كان خلاف وقصد إظهار الحق بين الطرفين المختلفين فهي المناظرة والجدل الشرعي .
وإذا كان خلاف وكان القصد المغالبة والإلزام والإفحام فهو الجدل المحض .
أما علم الجدل فهو : " علم باحث عن الطرق التي يقتدر بها على إبرام أي وضع أريد ونقض أي وضع كان .
وهو - كما يقول صديق حسن - فرع من فروع علم النظر ومبني لعلم الخلاف "(23) .
ويبدو أن هذا التعريف لعلم الجدل متصل بمعناه العام الذي هدفه الإلزام والغلبة .
ولذا يمكن أن نقول إن علم الجدل الشرعي هو : علم باحث عن الطرق التي يقتدر بها على إظهار الحقائق والاستدلال عليها في مقام الاختلاف بغرض الدعوة إلى الله تعالى .
المبحث الثالث : نظرة في تاريخ الجدل في الحياة البشرية :
وجود الجدل في حياة الإنسان مسألة بدهية ؛ لا تحتاج إلى الاستدلال في إثباتها وتأكيدها , ولم تخل أمة من الأمم قديمها وحديثها منه .
وقد نبه عليها سبحانه وتعالى فقال : {وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِن كُلِّ مَثَلٍ وَكَانَ الْإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا} (54) سورة الكهف(61/67)
قال الثعالبي : " وقوله تعالى : â ولقد صرفنا في هذا القرآن للناس من كل مثل وكان الإنسان أكثر شيء جدلا ? الإنسان هنا يراد به الجنس وقد استعم صلى الله عليه وسلم الآية على العموم في مروره بعلي ليلا وأمره له بالصلاة بالليل، فقال علي: إنما أنفسنا يا رسول الله بيد الله , أو كما قال، فخرج r وهو يضرب فخذه بيده ويقول: وكان الإنسان أكثر شيء جدلا "(25) .
وقال الزجاج : " كل ما يعقل من الملائكة والجن يجادل , والإنسان أكثر هذه الأشياء جدلا "(26) .
وقال الألوسي : " ( وكان الإنسان ) بحسب جبلته ( أكثر شيء جدلا ) أي أكثر الأشياء التي يتأتى منها الجدل ... والمعنى أن جدل الإنسان أكثر من جدل كل مجادل "(27) .
ولذلك فلعل النظر هنا يكون إلى تحليل وتصنيف تاريخ الجدل بدلا من السرد التاريخي لشواهده , وذلك في الأطر الآتية :
الأول : الجدل الإنساني بعامة ؛ أي ممارسة الجدل من الإنسان وفق طبيعة البشرية الغالبة , وهذا في تاريخ الإنسان أينما وحيثما وجد .
وهو أمر مشاهد ومحسوس وملاحظ , كما يمكن في ذلك التذكير بالآية السابقة â وكان الإنسان أكثر شيء جدلا ? ويمكن اعتباره من بدء الخليقة إلى قيام الساعة , بل إلى أن يفصل بين العباد , فقد جاء ما يدل على أن كل نفس تجادل يوم القيامة عن نفسها قال تعالى : {يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَن نَّفْسِهَا وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ} (111) سورة النحل
قال الإمام الطبري في تفسير الآية : " يوم تأتي كل نفس تخاصم عن نفسها وتحتج عنها بما أسلفت في الدنيا من خير أو شر أو إيمان أو كفر "(29) .
وقال الإمام القرطبي رحمه الله : " قوله تعالى : â يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها ? أي : إن الله غفور رحيم في ذلك , أو ذكرهم يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها أي : تخاصم وتحاج عن نفسها .
جاء في الخبر أن كل أحد يقول يوم القيامة : نفسي نفسي من شدة هول يوم القيامة سوى صلى الله عليه وسلم فإنه يسأل في أمته ، وفي حديث عمر أنه قال لكعب الأحبار: يا كعب خوفنا هيجنا حدثنا نبهنا، فقال له كعب: يا أمير المؤمنين والذي نفسي بيده لو أنت وافيت يوم القيامة بمثل عمل سبعين نبياً لأتت عليك تارات لا يهمك إلا نفسك وإن لجهنم زفرة لا يبقى ملك مقرب ولا نبي منتخب إلا وقع جاثياً على ركبتيه، حتى إن إبراهيم الخليل ليدلي بالخلة فيقول: يا رب أنا خليلك إبراهيم لا أسألك اليوم إلا نفسي .قال : يا كعب أين تجد ذلك في كتاب الله ؟ قال : قوله تعالى: â يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها وتوفى كل نفس ما عملت وهم لا يظلمون? .
وقال ابن عباس في هذه الآية :" ما تزال الخصومة بالناس يوم القيامة حتى تخاصم الروح الجسد فتقول الروح : رب الروح منك أنت خلقته لم تكن لي يد أبطش بها ولا رجل أمشي بها ولا عين أبصر بها ولا أذن أسمع بها ولا عقل أعقل به حتى جئت فدخلت في هذا الجسد فضعف عليه أنواع العذاب ونجني، فيقول الجسد : رب أنت خلقتني بيدك فكنت كالخشبة ليس لي يد أبطش بها ولا قدم أسعى به ولا بصر أبصر به ولا سمع أسمع به فجاء هذا كشعاع النور فبه نطق لساني وبه أبصرت عيني وبه مشت رجلي وبه سمعت أذني فضعف عليه أنواع العذاب ونجني منه، قال: فيضرب الله لهما مثلا ؛ أعمى ومقعداً , دخلا بستانا فيه ثمار فالأعمى لا يبصر الثمرة والمقعد لا ينالها، فنادى المقعد الأعمى: ايتني فاحملني آكل وأطعمك، فدنا منه فحمله فأصابوا من الثمرة، فعلى من يكون العذاب ؟ قال: عليكما جميعاً العذاب "(30) .
الثاني : الجدل في البيئة اليونانية , ونخصها بإطار مستقل في هذه النظرة التحليلية لتاريخ الجدل لأن وضع قواعد الجدل والمنطق كما تتناقله المراجع بدأ في هذه البيئة , ولا يعنى هذا عدم وجوده من قبل فهو جبلة غالبة في الإنسان كما أسلفنا , لكن الذي حدث في البيئة اليونانية هو أن الجدل صار علماً يدرس وفناً يكتسب بالصنعة حيث قام سوقه واشتد عوده لمواجهة الحركة السوفسطائية التي تلبس على الناس عقائدهم , بل وتشككهم في الحقائق والبدهيات مما دعا القوم إلى وضع قواعد في الجدل بقصد قطع أولئك السوفسطائيين وإفحامهم ومغالبتهم(31) , وهؤلاء عندهم حق وباطل ومن أبرع من غربل نتاجهم شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في عدد من مؤلفاته .(32)
ولما ورثت الحضارة الإسلامية خلافة العالم في عصورها الذهبية نقلت كثيراً من العلوم والمعارف , ولم تكن الحضارة الإسلامية تقوم بدور الوسيط والناقل فقط بل غربلت في أحايين كثيرة علوم الأمم السابقة ومن ذلك علم الجدل الذي يقابله عند المسلمين علم المناظرة , أو علم البحث والمناظرة , سواء في المصنفات المستقلة أم في الكتابات المتفرقة .
ويميل بعض الباحثين إلى أن علم المناظرة صناعة إسلامية لم يسبقهم إليه أمة من الأمم قبل ذلك .(33)
ومع هذا بقيت آثار من الفكر اليوناني لم يسلم بعض المسلمين منها حتى في فهم كلام الله عز وجل وتفسيره , ومنه فهم بعضهم لما في قوله تعالى:(61/68)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " كلام الله لا يشتمل إلا على حق يقين لا يشتمل على ما تمتاز به الخطابة والجدل عن البرهان بكون المقدمة مشهورة أو مسلمة غير يقينية , بل إذا ضرب الله مثلا مشتملا على مقدمة مشهورة أو مسلمة فلا بد وأن تكون يقينية , فأما الاكتفاء بمجرد تسليم المنازع من غير أن تكون المقدمة صادقة أو بمجرد كونها مشهورة وان لم تكن صادقة فمثل هذه المقدمة لا يشتمل عليها كلام الله الذي كله حق وصدق وهو أصدق الكلام وأحسن الحديث .
فصاحب الحكمة يدعى بالمقدمات الصادقة سواء كانت مشهورة أو مسلمة أو لم تكن لما فيه من إدراك الدِّق واتباع الحق .
وصاحب الموعظة يدعى من المقدمات الصادقة بالمشهورة لأنه قد لا يفهم الخفية من الحق ولا ينازع في المشهورة .
وصاحب الجدل يدعى بما يسلمه من المقدمات الصادقة مشهورة كانت أو لم تكن إذ قد لا ينقاد إلى ما لا يسلمه "(35).
وقال ابن القيم رحمه الله تعالى : " وأما ما ذكره بعض المتأخرين أن هذا إشارة إلى أنواع القياسات، فالحكمة هي طريقة البرهان، والموعظة الحسنة هي طريقة الخطابة، والمجادلة بالتي هي أحسن طريقة الجدل، فالأول بذكر المقدمات البرهانية لمن لا يرضى إلا بالبرهان ولا ينقاد إلا له وهم خواص الناس، والثاني بذكر المقدمات الخطابية التي تثير رغبة ورهبة لمن يقنع بالخطابة وهم الجمهور، والثالث بذكر المقدمات الجدلية للمعارض الذي يندفع بالجدل وهم المخالفون فتنزيل القرآن على قوانين أهل المنطق اليوناني واصطلاحهم وذلك باطل قطعاً "(36).
كما امتد تأثير الجدل اليوناني إلى تطبيقات بعض المسلمين وتسببت الترجمة لعلوم اليونان في نشوء الجدل الكلامي المخالف للجدل الشرعي وذلك بعقد مجالس للجدل بقصد المغالبة والإلزام ودفع الخصوم حتى قال بعضهم لبعض : " لا تعلق تكثيراً مما تسمع مني في مجالس الجدل فإن الكلام يجري فيها على ختل الخصم ومغالطته ودفعه ومغالبته , فلسنا نتكلم لوجه الله خالصا ولو أردنا ذلك لكان خطونا إلى الصمت أسرع من تطاولنا إلى الكلام " .(37)
إلا أن ذلك كله لا يعني عدم وجود المجادلات والمناظرات المنضبطة بالضوابط الإسلامية كما سيتبين في الإطار الآتي .
الثالث : الجدل في مقام الدعوة إلى ما جاءت به الرسالات السماوية باعتباره أسلوبا يحتاج إليه مع بعض المدعوين الذين يمكن أن يكون فيهم منكرون للنبوات وما جاءت به من العقائد والشرائع , أو مترددون لديهم نوع ممانعة تزول بالإقناع وإقامة الحجة الصحيحة لهم , وهؤلاء موجودون أينما وجدت رسالة والأمثلة على ذلك كثيرة جداً .
وقد ورد في كتاب الله الكريم عدد من تلك المواجهات بين الأنبياء وأقوامهم .
وكان موقف الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين وكذا الداعون بدعوتهم مواجهتهم بالحق المؤيد من الله تعالى فيما أنزل عليهم من الهدى والنور والدلائل القطعية التي تفوق احتجاج البشر ومنطقهم .(38)
وقد بين الله تعالى فضله على إبراهيم عليه الصلاة والسلام في قوة حجته وخصمه لقومه فقال {وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاء إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ} (83) سورة الأنعام 39).
قال الإمام القرطبي رحمه الله تعالى : " تلك إشارة إلى جميع احتجاجاته حتى خاصمهم وغلبهم بالحجة "(40).
أما عن دعوة الرسو صلى الله عليه وسلم فقد كان فيها الكثير من ذلك , وسنتبين طرفا منها عند الحديث عن المشروعية بإذن الله , قال الشيخ حافظ الحكمي في معارج القبول : " ومناظرة الرسل لأعداء الله يطول ذكرها , ومقامات نبينا صلى الله عليه وسلم مع هذه الأمة أشهر من أن تذكر , فمن شاءها فليقرأ المصحف من فاتحته إلى خاتمته "(41).
وقد أورد ابن كثير رحمه الله عدداً من مجادلات المشركين لرسول ا صلى الله عليه وسلم تحت باب سماه : " باب مجادلة المشركين رسول ا صلى الله عليه وسلم , وإقامة الحجة الدامغة عليهم واعترافهم في أنفسهم بالحق وإن أظهروا المخالفة عناداً وحسداً وبغياً وجحوداً "(42) .
وكان اليهود من أكثر الناس جدلا بالباطل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال ابن إسحاق : " كانت أحبار يهود يسألون رسول ا صلى الله عليه وسلم ويتعنتونه ويأتون باللبس ليلبسوا الحق بالباطل فكان القرآن ينزل فيهم فيما يسألون عنه "(43) , وهذا ليس جديداً منهم فقد جادلوا موسى وعيسى عليهما وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام، وما قصة بقرة بني إسرائيل منا ببعيد.
وقد استمر الجدل بين الدعاة إلى الإسلام وغيرهم إلى يومنا هذا , وذلك لعالمية هذا الرسالة وشمولها للناس كافة , إذ تمثل الدعوة مسؤولية عامة وخاصة لا يكاد يعفى منها من رضي بالله رباً وبالإسلام ديناً وب صلى الله عليه وسلم نبياً , فهي سبيل صلى الله عليه وسلم وسبيل أتباعه من بعده قال تعالى : {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} (108) سورة يوسف(61/69)
وكلما احتاج الدعاة إلى ممارسة المناظرة والجدل مارسوه بالضوابط الشرعية التي جاءت بها البعثة النبوية , والتي أحدثت نقلة في الحياة البشرية لتعيدها إلى ما ينبغي أن تكون عليه وفق هدي خالقها وموجدها الأعلم بما يصلحها .
وهذه النقلة شملت مناحي الحياة المختلفة بدءاً بالعقائد ومناهج التفكير وانطلاقاً إلى المعاملات والأخلاق والآداب والقيم .
ومن ذلك ضبط سلوك الحوار والمناظرة والجدل عند المسلمين عن ما سواه من السلوك , والذي يمكن أن نذكر أبرز ملامحه في ما يلي :
1- توجيه سلوك المسلمين في اختلافهم فيما بينهم ومع غيرهم ليكون بقصد الوصول إلى الحق وبأساليب تجمع ولا تفرق وتقرب ولا تبعد، وعندما لا يكون الجدل نافعاً فيعرض عنه إلى غيره فهو وسيلة لا غاية .
2- الاعتراف بالاختلاف لكن مع النهي عن التنازع , ومن ذلك اختلافات الصحابة رضوان الله عليهم فيما بينهم بل ومراجعتهم لرسول ا صلى الله عليه وسلم في بعض المواقف والمسائل والتي كانت على سبيل المشاورة والمناصحة ولم تكن على سبيل الجدل بمعناه المطلق الذي يعني المغالبة والمنازعة والإلزام .
3 - تخصيص معنى الجدل المقبول عن مطلق الجدل ليكون كما جاء في كتاب الله ( بالتي هي أحسن ) وهو يقرب من معنى المناظرة التي يقصد فيها إظهار الصواب , وتعريف الجدل بالتي هي أحسن بأنه المناظرة مما قال به عدد من العلماء كما سبقت الإشارة إليه .
بل إن بعض العلماء ينزع إلى استخدام لفظة المناظرة لدلالتها المباشرة على الجدل المشروع وبخاصة عندما يشار إلى جدل الأنبياء عليهم الصلاة والسلام , ولهذا نجد الشيخ حافظ الحكمي رحمه الله يقول في عنونته لأحد مباحثه في كتابه القيم معارج القبول : " مناظرة الرسل لأعداء الله "(45) وذلك في وصف فعل الأنبياء , كما نجد ابن كثير رحمه الله يصف فعل المشركين بالجدل فيقول : " ومجادلة المشركين لأنبيائهم "(46) .
ولقد غلب في الثقافة الإسلامية مصطلح المناظرة بدلا من الجدل .
4- التأثير في التطبيقات العملية للمجادلات والمناظرات من قبل الأطراف الإسلامية , ومن ذلك ما حمله لنا التراث الإسلامي من مناظرات فيما بين المسلمين أنفسهم كمناظرة ابن عباس للخوارج أو مع غيرهم من اليهود والنصارى والمشركين , بل حتى ما شهدناه في عصرنا هذا وبخاصة ممن يحمل علماً بالشريعة أكثر من غيره(47), كل ذلك ظهر فيه أثر الضبط الإسلامي للجدل وتوجيهه ليكون للوصول إلى الحقائق والدلالة عليها تحت إطار التوجيه الرباني â بالتي هي أحسن ? مما يجعلنا نصل إلى نتيجة هامة هي : أن نظرة تحليلية لتاريخ الجدل تدلنا أن الإنسان كلما كان أقرب إلى الوحي الإلهي الثابت في كتاب الله وسنة رسول صلى الله عليه وسلم وأعلم به فإنه أكثر انضباطاً وأحسن اختلافاً وأعدل مع غيره ممن لا يوافقونه في المعتقد أو الرأي , وأن البعد عن التوجيه الرباني في ذلك يجعل حظوظ النفس وأهواءها حاضرة ظاهرة في كثير من الحوارات والاختلافات , والله المستعان .
الفصل الثاني : مشروعية المجادلة في مجال الدعوة وأهميتها:
المبحث الأول : مشروعية الجدل في القرآن الكريم :
باستقراء النصوص الواردة في القرآن الكريم عن الجدل نجد أنه يمكن تصنيفها إلى ثلاثة أصناف :
أ - النصوص التي وردت فيها لفظة الجدل .
ب-النصوص التي وردت فيها مجادلات ومناظرات الرسل وصالحي البشر .
ج - النصوص التي تعلي من شأن الاحتجاج الصحيح والدعوة به وقيمته في نصرة الحق.
وسيكون تفصيل ذلك فيما يلي بعون الله وتوفيقه :
أ - النصوص التي وردت فيها لفظة الجدل :
جاءت لفظة الجدل وما تصرف منها في كتاب الله الكريم في 29 موضعاً , وباستقرائها بالنظر إلى المشروعية نجد أنه يمكن تصنيفها في ثلاثة أطر :
الإطار الأول : النصوص الواردة في المدح والندب لاستخدام الجدل :
وهذه النصوص محصورة فيما جاء في قوله تعالى : {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} (125) سورة النحل
وفي قوله تعالى: {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} (46) سورة العنكبوت
الإطار الثاني : النصوص التي ورد فيها ذم الجدل وهي كثيرة ويمكن إجمالها بما يلي :
1 - ما ورد في ذم الجدل بغير علم كقوله تعالى : {وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَّرِيدٍ} (3) سورة الحج
2 - ما ورد في ذم المجادل في الحق بعدما تبين كقوله تعالى : {يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنظُرُونَ} (6) سورة الأنفال(61/70)
3 - ما ورد في ذم الجدل بالباطل لرد الحق كقوله تعالى : {وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَمَا أُنذِرُوا هُزُوًا} (56) سورة الكهف
4 - ما ورد في ذم الجدل في آيات الله - على وجه المخاصمة والاعتراض - {وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ} (204) سورة البقرة
{وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ آيَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا حَتَّى إِذَا جَآؤُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَذَآ إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ} (25) سورة الأنعام
{يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنظُرُونَ} (6) سورة الأنفال
{وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَمَا أُنذِرُوا هُزُوًا} (56) سورة الكهف
{مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلَادِ} (4) سورة غافر
وهذه النصوص - الواردة في الإطار الثاني - يلحظ فيها أن لفظة الجدل مطلقة غير مقيدة ولا مستثناة , كما أن سياقها يدل على ما هو شائع من معنى الجدل الذي هدفه المغالبة والمنازعة والاعتراض الذي يكون به دفع الحق ورده إذا لم يوافق هوى المجادل .
كما أن في هذه النصوص أيضاً معاني أخرى في الجدل المحض مثل أن يكون بلا علم أو الجدل في الحق بعدما تبين , مما يؤكد على أن الاستثناء والقيد بالتي هي أحسن الوارد في الإطار الأول يعني خلاف ذلك تماماً .
الإطار الثالث : نصوص قد لا يظهر فيها المدح أو الذم وربما حصل توهم في فهمها وجعلها في المدح وربما الاستدلال بها في المشروعية وهي ليست كذلك .
وهذه النصوص هي :
قوله تعالى : {فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءتْهُ الْبُشْرَى يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ} (74) سورة هود
قال الإمام الطبري : " يقول تعالى ذكره مخبراً عن قول رسله لإبراهيم: يا إبراهيم أعرض عن هذا , وذلك قيلهم له حين جادلهم في قوم لوط فقالوا : دع عنك الجدال في أمرهم والخصومة فيه فإنه قد جاء أمر ربك بعذابهم وحق عليهم كلمة العذاب، ومضى فيهم بهلاكهم القضاء "(61).
وأما الآية الثانية فإن قوم نوح عليه الصلاة والسلام قصدوا ذمه فوصفوه بالجدل والإكثار منه , وليس هذا الوصف منه لنفسه وليس من الله عز وجل له، بل إنه عليه الصلاة والسلام يصف فعله بالنصيحة , فيقول كما ذكر الله تعالى عنه : إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ (75) يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا إِنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ آَتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ (76) [هود/75-77]
أما الآية الثالثة الواردة في سورة المجادلة فلا تعدو أن تكون وصفاً دقيقاً لشدة مراجعة هذه المرأة وهي خولة بنت ثعلبة رضي الله عنها لرسول ا صلى الله عليه وسلم في مسألة ظهار زوجها لها , فلا تقتضي المدح ولا الذم .
ويدل على ذلك الحديث الذي روته أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت : " تبارك الذي وسع سمعه كل شيء ؛ إني لأسمع كلام خولة بنت ثعلبة ويخفى علي بعضه ، وهي تشتكي لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهي تقول : يا رسول الله أكل شبابي ونثرت له بطني حتى إذا كبرت سني وانقطع له ولدي ظاهر مني , اللهم إني أشتكي إليك . قالت عائشة : فما برحت حتى نزل جبريل عليه السلام بهؤلاء الآيات â قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها ? قال : وزوجها أوس بن الصامت " أخرجه الحاكم وقال : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه , ووافقه الذهبي .(64)
يقول الشوكاني رحمه الله : " والمجادلة هذه الكائنة مع رسول ا صلى الله عليه وسلم أنه كلما قال لها : حرمت عليه , قالت : والله ما ذكر طلاقاً , ثم تقول أشكو إلى الله فاقتي ووحدتي وأن لي صبية صغاراً إن ضممتهم إليه ضاعوا وإن ضممتهم إلي جاعوا , وجعلت ترفع رأسها إلى السماء وتقول : اللهم إني أشكو إليك "(65) .
كما أن ( تجادلك ) فيها قراءة أخرى وهي ( تحاورك)(66) .
وذكر ابن جرير الطبري فيها قراءة أخرى أيضاً وهي ( تحاولك )(67) .
ومعلوم أن المحاورة أو المحاولة لا يقتضي أن تكون جدلا .
لكن مع هذا فهذه الآية بالقراءة المشهورة ( تجادلك ) تدل على دقة الوصف القرآني لحال هذه المرأة وشدة مراجعتها لرسول ا صلى الله عليه وسلم , وذلك لا يقتضي الذم ولا المدح ولا تبنى عليه المشروعية وإنما هو الخبر والوصف الدقيق عن الحادثة والله أعلم .(61/71)
ولو قلنا إن السياق الوارد فيه هذه اللفظة ( تجادلك ) يقتضي المدح لكان سائغاً مراجعة أحكام الله ورسوله والأمر خلاف ذلك تماما فإن الله تعالى يقول : {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا} (36) سورة الأحزاب
وبذلك يتبين أن مشروعية الجدل في القرآن الكريم بالنظر إلى الآيات الوارد فيها لفظة الجدل تنحصر في الآيتين التي ورد فيهما قيده بالتي هي أحسن دون ما عداهما .
ب- النصوص التي وردت فيها مناظرات الرسل لأقوامهم ومجادلة المشركين لأنبيائهم :
ومن ذلك ما ذكر في القرآن الكريم عن مناظرات أولي العزم من الرسل مثل مناظرات نوح عليه الصلاة والسلام لقومه , ومناظرات إبراهيم عليه الصلاة السلام للنمرود وعبدة الكواكب , ومناظرات موسى عليه الصلاة والسلام لفرعون وللسحرة ومناظرات عيسى عليه الصلاة والسلام لقومه ومناظرات صلى الله عليه وسلم لمشركي العرب ولليهود والنصارى .
وغيرها من المناظرات لبقية الرسل وصالحي البشر الذين ورد ذكر محاوراتهم ومناظراتهم في القرآن الكريم .
وحيث إننا أمرنا باتخاذهم أسوة وقدوة كما قال تعالى : {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ} (90) سورة الأنعام
فإن من التأسي بهم القيام بالمناظرة والمجادلة الشرعية عند الحاجة إليها في مقام الدعوة إلى دين الله عز وجل .
ج - النصوص التي تشير إلى فضل الاحتجاج الصحيح والدعوة به وقيمته في نصرة الحق , ومعلوم أن ذلك هو ما تقوم عليه المناظرات والمجادلات الشرعية . ومن ذلك :
قوله تعالى :
وقوله تعالى :
وقوله تعالى :
وغيرها من الآيات التي استدل بها عدد من العلماء في القديم والحديث في هذا السياق (75).
المبحث الثاني : مشروعية الجدل في السنة النبوية :
يمكن النظر إلى مشروعية الجدل في السنة النبوية من خلال جوانب السنة الثلاثة : قوله وفعله وتقريره عليه الصلاة والسلام .
أما في قوله عليه الصلاة والسلام فلم أقف على أحاديث تأمر بالجدل ولكن هناك أحاديث عامة تأمر بمجاهدة المشركين والمبطلين بأنواع المجاهدة ومنها المجاهدة باللسان , ومعلوم أن الجدل الشرعي والمناظرة في مقام الدعوة ومع المبطلين خاصة من أظهر أنواع المجاهدة باللسان مع شمول ذلك لأنواع الكلام من النصيحة والتعليم والوعظ وغير ذلك .
ومن هذه الأحاديث :
* حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن رسول ا صلى الله عليه وسلم قال :"ما من نبي بعثه الله في أمة قبلي إلا كان له حواريون وأصحاب يأخذون بسنته ويقتدون بأمره , ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف يقولون ما لا يفعلون ويفعلون ما لا يؤمرون فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل "(76) .
* ومنه حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال سمعت رسول ا صلى الله عليه وسلم يقول : " من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل "(77)
* ومنه حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول ا صلى الله عليه وسلم قال : " جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم "(78).
أما فعله فقد ثبت أن صلى الله عليه وسلم ناظر أصنافاً من الناس ؛ من المشركين من قريش والعرب وناظر اليهود في المدينة وناظر وفد نصارى نجران وغيرهم .
وقد أشرنا إلى شيء من ذلك آنفاً في المبحث الثالث من الفصل الأول .
قال ابن القيم رحمه الله تعالى في فقه قصة وفد نصارى نجران : " ومنها جواز مجادلة آهل الكتاب ومناظرتهم بل استحباب ذلك بل وجوبه إذا ظهرت مصلحته من إسلام من يرجى إسلامه منهم وإقامة الحجة عليهم ولا يهرب من مجادلتهم إلا عاجز عن إقامة الحجة فليول ذلك إلى أهله وليخل بين المطي وحاديها والقوس وباريها "(79) .
أما تقريره عليه الصلاة والسلام فقد ورد أنه أقر عمر رضي الله عنه في مناظرته لليهود وعندما رجع عمر ليخبر صلى الله عليه وسلم وجد أن جبريل قد سبقه بالوحي " فدعاه صلى الله عليه وسلم فقرأ عليه : قال عمر: والذي بعثك بالحق لقد جئت وما أريد إلا أن أخبرك "(81).
قال ابن عبد البر رحمه الله تعليقاً على هذه الحادثة : " فهذا مما صدق الله فيه قول عمر واحتجاجه "(82) يقصد رد عمر رضي الله عنه على اليهود تركهم الإيمان بالرسو صلى الله عليه وسلم لكون صاحبه الذي يأتيه بالوحي جبريل وليس ميكائيل , وكلاهما مقرب من الله عز وجل , فمن كان عدواً لأحدهما فهو عدو للآخر ومن كان عدواً لهما فهو عدو لله .
وقد أكد أئمة الإسلام هذه المشروعية يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " من لم يناظر أهل الإلحاد والبدع مناظرة تقطع دابرهم لم يكن أعطى الإسلام حقه ولا وفى بموجب العلم والإيمان ولا حصل بكلامه شفاء الصدور وطمأنينة النفوس "(83) .(61/72)
وهذا موجه إلى القادر عليها أما العاجز فقد قال الشيخ رحمه الله : " وقد ينهون - أي السلف - عن المجادلة والمناظرة إذا كان المناظر ضعيف العلم بالحجة وجواب الشبهة فيخاف أن يفسده ذلك المضل كما ينهى الضعيف في المقاتلة أن يقاتل علجاً قوياً من علوج الكفار فإن ذلك يضره ويضر المسلمين بلا منفعة "(84).
وقد اختلف الصحابة رضوان الله عليهم فيما بينهم وتناظروا وتجادلوا لكن كان على وجه المشاورة والمناصحة (85) .
المبحث الثالث : أهمية المجادلة في مجال الدعوة :
لا شك أن أول ما ينظر إليه في أهمية المجادلة في مجال الدعوة هو كونها مشروعة بنصوص القرآن الكريم والسنة النبوية وفق ضوابطها التي تميزها عن مطلق الجدل .
وهناك جوانب أخرى تؤكد هذه الأهمية وتوضحها , وسنعرض لها في ثلاثة محاور :
الأول : الأهمية باعتبار الحاجة إليها مع بعض المدعوين.
الثاني : الأهمية باعتبار أثرها في إظهار الحق وقطع الباطل.
الثالث : الأهمية بالنظر إلى نتائج نماذج منها في تاريخ الدعوة .
أولا : الأهمية باعتبار الحاجة إليها مع بعض المدعوين :
خلق الله الخلق وفطرهم على الحنيفية , كما أرسل سبحانه رسله وأنزل كتبه ليدلوا الخلق على مراد الله تعالى منهم , وعندما تكون الفطر سليمة فإنها أقرب ما تكون لقبول الحق الذي تدعى إليه , وعندما تكون قد تأثرت أو حصل لها نوع تشويش فإننا تتردد فيه , ولربما عاندته وردته , ولذلك فإن من ملامح صحة هذا الدين ودلائل ربانيته وكماله وصلاحه أن تعامل بواقعية مع هذه المسألة , بأن ندب إلى الجدل مع هؤلاء بضوابط وشروط معينة .
وقد تحدث العلماء عن موقف الناس من الحق بأنهم ثلاثة أصناف : قابل وغافل ومعاند وذلك في معرض تفسيرهم لقول الله تعالى : 86).
وأفضل من فصل في هذه المسألة - فيما اطلعت عليه - شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله , يقول في ذلك :
" الناس ثلاثة أقسام :
إما أن يعترف بالحق ويتبعه فهذا صاحب الحكمة.
وإما أن يعترف به لكن لا يعمل به فهذا يوعظ حتى يعمل .
وإما أن لا يعترف به فهذا يجادل بالتي هي أحسن لأن الجدال فيه مظنة الإغضاب , فإذا كان بالتي هي أحسن حصلت منفعته بغاية الإمكان كدفع الصائل "(87) .
ويقول رحمه الله :
" فالآيات لمن إذا عرف الحق عمل به فهذا تنفعه الحكمة .
و الإنذار لمن يعرف الحق، و له هوى يصده فينذر بالعذاب الذي يدعوه إلى مخالفة هواه وهو خوف العذاب و هذا هو الذي يحتاج إلى الموعظة الحسنة .
و آخر لا يقبل الحق فيحتاج إلى الجدل فيجادل بالتي هي أحسن "(88).
ويقول في موضع آخر :
" الإنسان له ثلاثة أحوال :
إما أن يعرف الحق ويعمل به .
وإما أن يعرفه ولا يعمل به .
وإما أن يجحده .
فأفضلها أن يعرف الحق ويعمل به .
والثاني أن يعرفه لكن نفسه تخالفه فلا توافقه على العمل به .
والثالث من لا يعرفه بل يعارضه .
فصاحب الحال الأول هو الذي يدعى بالحكمة فإن الحكمة هي العلم بالحق والعمل به ، فالنوع الأكمل من الناس من يعرف الحق ويعمل به فيدعون بالحكمة .
والثاني من يعرف الحق لكن تخالفه نفسه فهذا يوعظ الموعظة الحسنة .
فهاتان هما الطريقان الحكمة والموعظة وعامة الناس يحتاجون إلى هذا وهذا فإن النفس لها أهواء تدعوها إلى خلاف الحق وإن عرفته , فالناس يحتاجون إلى الموعظة الحسنة وإلى الحكمة فلا بد من الدعوة بهذا وهذا .
وأما الجدل فلا يدعى به بل هو من باب دفع الصائل فإذا عارض الحق معارض جودل بالتي هي أحسن ولهذا قال ( وجادلهم ) فجعله فعلا مأموراً به مع قوله ادعهم فأمره بالدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة وأمره أن يجادل بالتي هي أحسن .
وقال في الجدال: ( بالتي هي أحسن ) ولم يقل: بالحسنة، كما قال في الموعظة،لأن الجدال فيه مدافعة ومغاضبة فيحتاج أن يكون بالتي هي أحسن حتى يصلح ما فيه من الممانعة والمدافعة , والموعظة لا تدافع كما يدافع المجادل .
فما دام الرجل قابلا للحكمة أو الموعظة الحسنة أو لهما جميعاً لم يحتج إلى مجادلة فإذا مانع جودل بالتي هي أحسن "(89) .
وقال الإمام ابن القيم رحمه الله :
" قال تعالى : (90) فذكر سبحانه مراتب الدعوة وجعلها ثلاثة أقسام بحسب حال المدعو :
فإنه إما أن يكون طالباً للحق راغباً فيه محباً له مؤثراً له على غيره إذا عرفه فهذا يدعى بالحكمة ولا يحتاج إلى موعظة ولا جدال .
وإما أن يكون معرضاً مشتغلا بضد الحق ولكن لو عرفه عرفه وآثره واتبعه فهذا يحتاج مع الحكمة إلى الموعظة بالترغيب والترهيب .
وإما أن يكون معانداً معارضاً فهذا يجادل بالتي هي أحسن فإن رجع إلى الحق وإلا انتقل معه من الجدال إلى الجلاد إن أمكن "(91).
وكلامهما رحمهما الله متفق في أن المدعوين تتنوع أساليب دعوتهم , وكلها يحتاج إليها بحسب موقفهم من الحق الذي يدعون إليه .
ثانياً : الأهمية باعتبار أثرها في إظهار الحق وقطع الباطل :
لا شك أن الحق الذي جاء به صلى الله عليه وسلم يحتاج إلى من يسنده ويظهره في مواجهة المبطلين والمخالفين , والقيام بذلك من لوازم الإيمان ومقتضياته .
وإذا تأملنا في بعض الأدلة التي سبق إيرادها في المشروعية يتبين ذلك بجلاء .(61/73)
يقول الإمام ابن القيم رحمه الله :
" لمناظرة المبطل فائدتان : أحدهما أن يرد عن باطله ويرجع إلى الحق .
الثانية أن ينكف شره وعداوته ويتبين للناس أن الذي معه باطل .
وهذه الوجوه كلها لا يمكن أن تنال بأحسن من حجج القرآن ومناظرته للطوائف فإنه كفيل بذلك على أتم الوجوه لمن تأمله وتدبره ورزق فهما فيه .
وحججه مع أنها في أعلى مراتب الحجج , وهي طريقة أخرى غير طريقة المتكلمين وأرباب الجدل والمعقولات فهي أقرب شيء تناولا وأوضح دلالة وأقوى برهاناً وأبعد من كل شبهة وتشكيك "(92) .
ثالثاً : الأهمية بالنظر إلى نتائج نماذج منها في تاريخ الدعوة :
تتأكد أهمية المناظرة والجدل في مجال الدعوة بنظرة تأمل لشيء من روائع المناظرات في تاريخ الدعوة .
ولا شك أن القدح المعلى والنصيب الأوفى في ذلك هو لصاحب الرسالة ونبي الله الخاتم محمد صلى الله عليه وآله وسلم , فهو المؤيد بالوحي من ربه , قال تعالى : 93) , وقد ظهر باحتجاجه ومناظرات صلى الله عليه وسلم على المشركين واليهود والنصارى كما أسلفنا .
وهناك مناظرة ابن عباس رضي الله عنهما للخوارج إذ رد الله بها خلقاً كثيراً يقول شيخ الإسلام ابن تيمية : " وكذلك علي رضي الله عنه بعث ابن عباس إلى الخوارج فناظرهم ثم رجع نصفهم ثم قاتل الباقين " (94) .
وهناك مناظرات الإمام أحمد " في خلافة المعتصم بعد أن بقي في الحبس أكثر من سنتين وجمعوا له أهل الكلام من البصرة وغيرها من الجهمية والمعتزلة والنجارية مثل أبي عيسى محمد بن عيسى برغوث صاحب حسين النجار وناظرهم ثلاثة أيام وقطعهم في تلك المناظرات "(95).
ومناظرة عبد العزيز الكناني لبشر المريسي في خلق القرآن إذ كانت من أسباب ارتفاع محنة عظيمة كان قد ذهب بسببها خلق من المسلمين فأزهقت أنفس معصومة وانتهكت حرمات مصونة (96).
ومن ذلك مناظرة جرت بين المسلمين والنصارى أمام أحد ملوك التتار وهو الملك بركة خان فكان من نتائجها أن أسلم الملك , ويعد أول ملوكهم إسلاماً .(97)
وفي الهند إبان الاحتلال الإنجليزي لها نشطت حركة التنصير وبث الشبهات بين المسلمين وبسبب ذلك عقدت مناظرة كبرى بين الشيخ رحمت الله الهندي والقس فندر واتفقا على أن المهزوم يدخل في دين المنتصر ويترك دينه , وبدأت المناظرة وفاقت حجج الطرف الإسلامي حجج خصمه , وأثبت الشيخ رحمت الله في اللقاء الأول التحريف في كتاب النصارى في ثمانية مواضع , فلم يتابع النصراني هذه المناظرة وغادر مدينة أكبر أباد التي عقدت فيها المناظرة سراً في اليوم الثالث , فتشجع المسلمون وارتفعت معونياتهم في مواجهة المنصرين .(98)
ولو ذهبنا نستقرئ المواقف التي رفعت فيها راية السنة مقابل البدعة وراية الإسلام مقابل الكفر في مثل هذه المناظرات والمجادلات الشرعية لطال بنا المقام، ولكن حسبنا الإشارة فيما ذكر .
ومما يجدر التنبيه عليه هو أن الانتصار ليس هدفاً ولا غاية , وإنما الهدف ظهور الحق وإقامة الحجة (99).
الفصل الثالث : ضوابط الدعوة بالمجادلة :
توطئة :
إن استقراء النصوص الشرعية وتطبيقات السلف رضوان الله عليهم تقودنا إلى أن الدعوة بالمجادلة لها ثلاثة جوانب :
ما قبل قيام الجدل، وأثناءه، وبعده .
وسنعرض لهذه المراتب الثلاث بشيء من التفصيل في هذه الفصل بإذن الله .
المبحث الأول : ضوابط قبل قيام المجادلة :
تبين مما سبق ما هو الجدل المشروع فهو أسلوب لإقامة الحجة وإظهار الحق بين الناس على من خالفه أو جهله , وبالتالي فليس استخدام هذا الأسلوب في التعامل مع المخالف أو في مقام الدعوة في كل حال .
بل لا بد من النظر في أمور عدة قبل قيام هذا الجدل .
ويمكن أن نجملها بالأمور الآتية:
أولا : تقديم أسلوبي الحكمة والموعظة الحسنة والبدء بهما , وهذا مأخوذ من قوله تعالى : 100).
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " ما دام الرجل قابلا للحكمة والموعظة الحسنة أو لهما جميعاً لم يحتج إلى مجادلة , فإذا مانع جودل بالتي هي أحسن "(101) .
وبذلك يتبين أن الحكمة والموعظة الحسنة قد تكفي مع المدعو , وإن كان مجادلا جودل بضوابط الشريعة وليس بأعراف أهل الجدل .
وهذا مظهر من مظاهر عظمة هذا الدين وربانيته , ودليل على ما فيه من الواقعية بحيث لا يغفل أن فئات من الناس قد يحتاج معهم إلى الجدل ولذلك وجه إلى مجادلتهم .
ثانياً : ليس كل من دعا إلى الجدل أو المناظرة يجاب في كل حال فلا بد من النظر إلى المصلحة وظهورها أو رجحانها .
فقد يكون طالب الجدل أو المناظرة صاحب باطل ليس قصده طلب الحق , وإنما نشر باطله أو رغبة في شهرته ونحو ذلك . فهذا لا يجاب إليها فله أحكام أخرى تحكمه من الهجر أو التعزير بعقوبات أخرى .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " والكلام الذي ذموه - أي السلف - نوعان :
أحدهما أن يكون في نفسه باطلا وكذباً ؛ وكل ما خالف الكتاب والسنة فهو باطل وكذب , فإن أصدق الكلام كلام الله .(61/74)
والثاني أن يكون فيه مفسدة مثلما يوجد في كلام كثير منهم من النهي عن مجالسة أهل البدع ومناظرتهم ومخاطبتهم والأمر بهجرانهم , وهذا لأن ذلك قد يكون أنفع للمسلمين من مخاطبتهم , فإن الحق إذا كان ظاهراً قد عرفه المسلمون وأراد بعض المبتدعة أن يدعو إلى بدعته فإنه يجب منعه من ذلك , فإذا هجر وعزر كما فعل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه بصبيغ بن عسل التميمي وكما كان المسلمون يفعلونه ؛ أو قتل كما قتل المسلمون الجعد ابن درهم وغيلان القدري وغيرهما ؛ كان ذلك هو المصلحة ، بخلاف ما إذا ترك داعياً وهو لا يقبل الحق إما لهواه , وإما لفساد إدراكه فإنه ليس في مخاطبته إلا مفسدة وضرر عليه وعلى المسلمين "(102).
أما الإعراض عن المبتدع والمبطل ففيه قول الله تعالى : 103).
قال الإمام القرطبي رحمه الله : " في هذه الآية رد من كتاب الله عز وجل على من زعم أن الأئمة الذين هم حجج وأتباعهم لهم أن يخالطوا الفاسقين ويصوبوا آراءهم تقية، وذكر الطبري عن أبي جعفر محمد بن علي رضي الله عنه أنه قال: لا تجالسوا أهل الخصومات فإنهم الذين يخوضون في آيات الله .
قال ابن العربي: وهذا دليل على أن مجالسة أهل الكبائر لا تحل، قال ابن خويز منداد: من خاض في آيات الله تركت مجالسته وهجر مؤمناً كان أو كافراً، قال: وكذلك منع أصحابنا الدخول إلى أرض العدو ودخول كنائسهم والبيع ومجالس الكفار وأهل البدع وألا تعتقد مودتهم ولا يسمع كلامهم ولا مناظرتهم، وقد قال بعض أهل البدع لأبي عمران النخعي: اسمع مني كلمة فأعرض عنه، وقال: ولا نصف كلمة ومثله عن أيوب السختياني، وقال الفضيل بن عياض: من أحب صاحب بدعة أحبط الله عمله وأخرج نور الإسلام من قلبه ومن زوج كريمته من مبتدع فقد قطع رحمها ومن جلس مع صاحب بدعة لم يعط الحكمة وإذا علم الله عز وجل من رجل أنه مبغض لصاحب بدعة رجوت أن يغفر الله له"(104).
وفي النهي عن مجادلة المبتدعة ومناظرتهم إذا علم أنها تتسبب في ظهور دعوتهم يقول الإمام اللالكائي رحمه الله : " فما جنى على المسلمين جناية أعظم من مناظرة المبتدعة , ولم يكن لهم قهر ولا ذل أعظم مما تركهم السلف على تلك الجملة يموتون من الغيظ كمداً ودرداً , ولا يجدون إلى إظهار بدعتهم سبيلا , حتى جاء المغرورون ففتحوا لهم إليها طريقاً , وصاروا إلى هلاك الإسلام دليلا , حتى كثرت بينهم المشاجرة وظهرت دعوتهم بالمناظرة وطرقت أسماع من لم يكن عرفها من الخاصة والعامة "(105).
ويقول رحمه الله في مكان آخر: " أخبرنا أحمد بن عبيد قال أخبرنا محمد بن الحسن قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا أحمد بن عبد الله بن يونس قال حدثنا زايدة بن قدامة عن هشام قال كان الحسن يقول : لا تجالسوا أهل الأهواء ولا تجادلوهم ولا تسمعوا منهم "(106) .
وكان الإمام أبو الحسن الأشعري رحمه الله يرى أن مناظرة المعتزلة بدعة " لأن السلف كانوا يرون مكالمة أهل البدع ومناظرتهم خطأً وسفهاً ... فلما ظهرت فيما بعد أقوال أهل البدع واشتهرت وعظمت البلوى بفتنتهم على أهل السنة وانتشرت انتدب للرد عليهم ومناظرتهم أئمة أهل السنة لما خافوا على العوام من الابتداع والفتنة "(107).
المبحث الثاني : ضوابط أثناء المجادلة :
إذا ترجحت مصلحة قيام المجادلة في مقام الدعوة إلى دين الله تعالى فإن هناك عدداً من الأمور التي يجب أن تصحب ذلك , ويمكن أن نجملها في الأمور الآتية
أولاً : أن يحرص المسلم أن يكون جدله شرعياً وقد بينا أن الجدل الشرعي غير مطلق الجدل وأنه هو الوارد مقيداً في كتاب الله تعالى بأن يكون بالتي هي أحسن وهو في معنى المناظرة التي يقصد فيها إظهار الصواب وليس الغلبة والإفحام .
ثانياً : أن يكون الطرف الإسلامي قادراً على المناظرة .
فإذا ترجحت مصلحة قيام المناظرة فلا بد من تحقق شروط القدرة في من سيتولى المناظرة أمام صاحب الباطل والبدعة .
فليس كل من عرف الحق قدر على تعريف غيره به , قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " ليس كل من عرف الحق إما بضرورة أو بنظر أمكنه أن يحتج على من ينازعه بحجة تهديه أو تقطعه , فإن ما به يعرف الإنسان الحق نوع وما به يعرفه به غيره نوع , وليس كل ما عرفه الإنسان أمكنه تعريف غيره به ؛ فلهذا كان النظر أوسع من المناظرة ، فكل ما يمكن المناظرة به يمكن النظر فيه وليس كل ما يمكن النظر فيه يمكن مناظرة كل أحد به "(108)
ويقول رحمه الله : " وقد ينهون - أي السلف - عن المجادلة والمناظرة إذا كان المناظر ضعيف العلم بالحجة وجواب الشبهة فيخاف عليه أن يفسده ذلك المضل كما ينهى الضعيف في المقاتلة أن يقاتل علجاً قوياً من علوج الكفار فإن ذلك يضره ويضر المسلمين بلا منفعة "(109) .
وهذه القدرة أظهر ما تكون في ثلاثة جوانب :
*القدرة العلمية في الموضوع المتناظر فيه .
*القدرة الذهنية والفطنة في سرعة استحضار الأدلة والردود المناسبة .
*القدرة التعبيرية التي تحقق جزالة العرض والاستدلال وبلاغته ووجازته .(61/75)
يقول ابن عبد البر رحمه الله : " قال بعض العلماء : كل مجادل عالم وليس كل عالم مجادلا , يعني أنه ليس كل عالم يتأتى له الحجة ويحضره الجواب ويسرع إليه الفهم بمقطع الحجة , ومن كانت هذه خصاله فهو أرفع العلماء وأنفعهم مجالسة ومذاكرة , والله يؤتي فضله من يشاء والله ذو الفضل العظيم "(110) .
ثالثاً : إخلاص النية لله تعالى في المجادلة , والحذر من أن يدخل فيها شيء مخالف أو مضاد أو مفسد للإخلاص , فمقام الجدل والمناظرة مظنة للزلل وغلبة الهوى وطلب الشهرة وغير ذلك من الأخلاق الذميمة في دخائل النفوس .
يقول الإمام الغزالي ناصحاً تلميذه بأمور منها : " أن لا تناظر أحداً في مسألة ما استطعت ؛ لأن فيها آفات كثيرة ، فإثمها أكبر من نفعها إذ هي منبع كل خلق ذميم كالرياء والحسد والكبر والحقد والعداوة والمباهاة وغيرها " ثم يعقب بحل هذه المعضلة بجواب في غاية الدقة بأنك إذا كنت لا بد فاعلا فلتتبين صدقك في إرادة الحق من خلال علامتين :
" إحداهما : أن لا تفرق بين أن ينكشف الحق على لسانك أو على لسان غيرك .
والثانية : أن يكون البحث في الخلاء أحب إليك من أن يكون في الملأ "(111).
رابعاً : العدل مع الخصم في المجلس والهيئة والوقت وإعطاء الفرصة في عرض الأدلة وقبول الحق منه والعودة عن الخطأ , بل والتأسيس على فرضية أن الحق أو الخطأ يمكن أن يكون في كلام أي من الطرفين كما قال تعالى : 112) وذلك على وجه الإنصاف في المجادلة , وليس من باب الشك فيها , قال الإمام البغوي :
" ليس هذا على طريق الشك ولكن على جهة الإنصاف في الحجاج كما يقول القائل للآخر، أحدنا كاذب، وهو يعلم أنه صادق وصاحبه كاذب , والمعنى ما نحن وأنتم على أمر واحد بل أحد الفريقين مهتد والآخر ضال "(113) لا سيما إذا تبعه المطالبة بالدليل على الدعوى وهو من الإنصاف والعدل أيضاً كما قال تعالى : (114) .
خامساً : رد التنازع والاختلاف إلى حكم الله ورسوله قال تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} (59) سورة النساء ,
وهذا يعني أن المعول عليه أولا وأخيراً في الأمر المتنازع عليه أو المختلف فيه هو حكم الله تعالى الوارد في كتابه أو في سنة رسول صلى الله عليه وسلم , وليس أعراف الناس أو مذاهبهم أو آراءهم أو عدد أصواتهم ونحو ذلك , وهذا فيما بين المسلمين واضح , وهو كذلك فيما يقبله المسلم ويوافق عليه مع غير المسلم إذ يكون مرجعه في التصويب والتخطئة والقبول والرد ما يوافق مراد الله تعالى في كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم
سادساً : اصطحاب الآداب الرفيعة والأخلاق الحسنة , وذلك أمر يسنده الشرع ويزكيه , كما يرتضيه العقلاء ويقدرونه(116) , وهذه الآداب متضمنة في نصوص شرعية كثيرة منها قوله تعالى120).
قال ابن كثير رحمه الله : " وقوله وجادلهم بالتي هي أحسن أي من احتاج منهم إلى مناظرة وجدال فليكن بالوجه الحسن برفق ولين وحسن خطاب كقوله تعالى â ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم ? الآية فأمره تعالى بلين الجانب , كما أمر به موسى وهارون عليهما السلام حين بعثهما إلى فرعون "(121) .
وقال العلامة ابن سعدي رحمه الله : " فإن كان المدعو يرى أن ما هو عليه حق أو كان داعيه إلى الباطل فيجادل بالتي هي أحسن وهي الطرق التي تكون أدعى لاستجابته عقلا ونقلا من ذلك الاحتجاج عليه بالأدلة التي كان يعتقدها فإنه أقرب إلى حصول المقصود وأن لا تؤدي المجادلة إلى خصام أو مشاتمة تذهب بمقصودها ولا تحصل الفائدة منها بل يكون القصد منها هداية الخلق إلى الحق لا المغالبة ونحوها "(122).
ويقول رحمه الله : " ينهى تعالى عن مجادلة أهل الكتاب إذا كانت عن غير بصيرة من المجادل , أو بغير قاعدة مرضية , وأن لا يجادلوا إلا بالتي هي أحسن ؛ بحسن خلق ولطف ولين كلام , ودعوة إلى الحق وتحسينه , ورد الباطل وتهجينه بأقرب طريق موصل لذلك , وأن لا يكون القصد منها مجرد المجادلة والمغالبة وحب العلو بل يكون القصد بيان الحق وهداية الخلق "(123) .
وهذه الأخلاق والآداب ظاهرة في سيرة الرسو صلى الله عليه وسلم مع المخالفين , فمثلا في مناظرته مع عتبة بن ربيعة , كان عليه الصلاة والسلام ينصت باهتمام لما يقوله عتبة , بل إنه يتأكد من انتهائه في عرض ما لديه , ويقدره بمناداته بكنيته : " أقد فرغت يا أبا الوليد "(124) .
ولا شك أن اصطحابها في مقام المجادلة والاختلاف سبب بإذن الله في فتح قلب الخصم لقبول الحق ومعين على الرجوع عن الخطأ , فإذا ظلم الآخر ساغ مقابلة ظلمه بغير التي هي أحسن , كما قال تعالى 125) وذلك بالإخشان والمغالظة أو الانتقال معه من الجدال إلى الجلاد , كما سنبينه في المبحث الثالث بإذن الله .
المبحث الثالث : ضوابط بعد حصول المجادلة :(61/76)
كثيراً ما ترد على الأذهان مسألة تتصل بنهاية الجدل والمناظرة , وفي هذا المبحث يمكن التفصيل من جهتين :
الأولى : النهاية الطبيعية للجدل والمناظرة باعتبارها حدثا ينتهي وقته المحدد، أو ينتهي التناظر فيه لانتهاء المتناظرين وتسليم أحدهما للآخر .
فإذا كان التسليم هو نهاية المناظرة فإن المتوقع ظهور الحق وتسليم المخالف له، وهو الغالب بفضل الله لأن الحق يعلو ولا يعلى عليه , لا سيما مع توافر الأسباب التي أشير إلى شيء منها في المبحثين السابقين , وهذه الظهور للحق من أعلى درجات إقامة الحجة على المخالف , وغاية عمل الداعية ومسؤوليته , ولا يستلزم ذلك بالتأكيد التزام المخالف للحق الذي سلم به , إلا في حالات يكون فيها هذا الالتزام شرطاً مسبقاً بين الطرفين بعضهما أو أمام طرف ثالث راع لمناظرتهما .
وإذا كان التسليم لا يعني بالضرورة الالتزام بنتيجة المناظرة والجدل ؛ فإن أقل ما فيه ظهور الحق للخلق وإقامة الحجة بأجلى صورها , وقد حدث ذلك في قصة وفد نصارى نجران مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال ابن حجر في فتح الباري : " وفي قصة أهل نجران من الفوائد أن إقرار الكافر بالنبوة لا يدخله في الإسلام حتى يلتزم أحكام الإسلام "(126).
الثانية : الإنهاء المقصود للمجادلة والمناظرة أو تغييرها إلى أسلوب مواجهة آخر , وهذا أيضاً مظهر آخر من مظاهر واقعية هذا الدين وتشريعاته العظيمة , فليست المناظرات والمجادلات هدفاً لذاتهاً أو ترفاً وعبثاً لا قيمة له بل هي أسلوب يقصد منها إقامة الحجة على الخلق وإظهار الحق والدلالة عليه لمن كان متردداً أو شاكاً فيه .
وهنا لا نعني بإنهاء المجادلة والمناظرة الترك والانسحاب المفاجئ الذي يكون سببه العجز عن المواجهة ، فالعاجز عن المواجهة لا يجوز له التقدم في هذا المقام ابتداء .
وإنما المقصود أن الداعية بذل وسعه وجادل بالتي أحسن وأبان حجته بما لا يدع شبهة لمشتبه , فظهر الحق لكل عاقل ومنصف ، ولكن الخصم ظهر منه أحد هذه الأمور :
أولاً : استمراره - الخصم - في المجادلة بعد قيام الحجة وظهور الحق وجلائه , أو المعاندة والجحود للحق الذي ظهر , فتترك مجادلته أو يدعى إلى المباهلة .
ثانياً : وقوع الظلم من المجادل فينتقل معه من الجدل بالتي هي أحسن إلى غيره .
ثالثاً : بان من المجادل قصد آخر وهو نشر بدعته وباطله وليس طلب الحق فلا يمكن من ذلك بل يواجه بالعقوبات الشرعية الأخرى من الهجر والتعزير , وبخاصة بعد إقامة الحجة عليه بالمجادلة والمناظرة .
وسنعرض إلى هذه المسائل بالتفصيل :
أولاً : استمرار الخصم في المجادلة بعد قيام الحجة وظهور الحق وجلائه , أو المعاندة والجحود للحق الذي ظهر , فتترك مجادلته أو يدعى إلى المباهلة .
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في النهي عن الاستمرار في المناظرة إذا كان الآخر معانداً مع ظهور الحق له :
" وقد ينهى عنها إذا كان المناظر معانداً يظهر له الحق فلا يقبله وهو السوفسطائي فإن الأمم كلهم متفقون على أن المناظرة إذا انتهت إلى مقدمات معروفة بينة بنفسها ضرورية وجحدها الخصم كان سوفسطائياً ولم يؤمر بمناظرته بعد ذلك بل إن كان فاسد العقل داووه وإن كان عاجزا عن معرفة الحق ولا مضرة فيه تركوه وإن كان مستحقاً للعقاب عاقبوه مع القدرة إما بالتعزير وإما بالقتل وغالب الخلق لا ينقادون للحق إلا بالقهر "(127) .
وقال ابن القيم رحمه الله : " وقد تكون الحجة بمعنى المخاصمة ومنه قوله تعالى : (128) أي قد وضح الحق واستبان وظهر ؛ فلا خصومة بيننا بعد ظهوره , ولا مجادلة فإن الجدال شريعة موضوعة للتعاون على إظهار الحق فإذا ظهر الحق ولم يبق به خفاء فلا فائدة في الخصومة , والجدال على بصيرة مخاصمة المنكر , ومجادلته عناء لا غنى فيه , هذا معنى هذه الآية "(129).
وقال البيضاوي في التفسير: " ( لا حجة بيننا وبينكم ) لا حجاج بمعنى لا خصومة إذ الحق قد ظهر ولم يبق للمحاجة مجال ولا للخلاف مبدأ سوى العناد "(130) .
وقال الثعالبي : " وقوله ( لا حجة بيننا وبينكم ) أي لا جدال ولا مناظرة قد وضح الحق وأنتم تعاندون وفي قوله ( الله يجمع بيننا ) وعيد بين "(131).
وقال أبو السعود: " ( لا حجة بيننا وبينكم ) لا محاجة ولا خصومة لأن الحق قد ظهر ولم يبق للمحاجة حاجة ولا للمخالفة محل سوى المكابرة " (132).
كما يمكن أن ينهى التنازع بالمباهلة وذلك لقطع الاحتجاج فيما لو استمر الخصم بالمجادلة مع ظهور الحق وجلائه .
والمباهلة : " الدعاء على الظالم من الفريقين "(133) وفيها قول الله تعالى : â (134) ، وهي شريعة قائمة .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في قصة أهل نجران :" وفيها مشروعية مباهلة المخالف إذا أصر بعد ظهور الحجة وقد دعا ابن عباس إلى ذلك ثم الأوزاعي ووقع ذلك لجماعة من العلماء ومما عرف بالتجربة أن من باهل وكان مبطلا لا تمضي عليه سنة من يوم المباهلة , ووقع لي ذلك مع شخص كان يتعصب لبعض الملاحدة فلم يقم بعدها غير شهرين "(135).(61/77)
وقال ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد في فقه قصة وفد نصارى نجران : " ومنها أن السنة في مجادلة أهل الباطل إذا قامت عليهم حجة الله ولم يرجعوا بل أصروا على العناد أن يدعوهم إلى المباهلة , وقد أمر الله سبحانه بذلك رسوله ولم يقل إن ذلك ليس لأمتك من بعدك , ودعا إليه ابن عمه عبد الله بن عباس لمن أنكر عليه بعض مسائل الفروع ولم ينكر عليه الصحابة , ودعا إليه الأوزاعي سفيان الثوري في مسألة رفع اليدين ولم ينكر عليه ذلك وهذا من تمام الحجة "(136) .
ثانياً : وقوع الظلم من المجادل , فينتقل معه من الجدل بالتي هي أحسن إلى غيره
ودليله ما جاء في قوله تعالى 137) .
وقد أورد الإمام القرطبي قول مجاهد واستحسنه فقال: " قال مجاهد هي محكمة - يعني هذه الآية وأنها غير منسوخة - فيجوز مجادلة أهل الكتاب بالتي هي أحسن على معنى الدعاء لهم إلى الله عز وجل والتنبيه على حججه وآياته رجاء إجابتهم إلى الإيمان لا على طريق الإغلاظ والمخاشنة وقوله على هذا â إلا الذين ظلموا منهم ? معناه ظلموكم وإلا فكلهم ظلمة على الإطلاق ... وقوله إلا الذين ظلموا منهم معناه إلا الذين نصبوا للمؤمنين الحرب فجدالهم بالسيف حتى يؤمنوا أو يعطوا الجزية "(138) .
وقال الجصاص في أحكام القرآن : " وقوله تعالى ( إلا الذين ظلموا منهم ) يعني - والله أعلم - إلا الذين ظلموكم في جدالهم أو غيره مما يقتضي الإغلاظ لهم وهو نحو قوله: 139) وقال مجاهد ( إلا الذين ظلموا منهم ) بمنع الجزية وقيل ( إلا الذين ظلموا منهم ) بالإقامة على كفرهم بعد قيام الحجة عليهم "(140) .
إذا فالأصل في الجدال أن يكون بالتي هي أحسن كما قال تعالى أيضاً في سورة النحل : â ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن ? وعندما يحصل الظلم ينتقل إلى غير التي هي أحسن .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في قوله تعالى : â ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن ? " فأمره تعالى أن يجادل أهل دعوته مطلقاً من المشركين وأهل الكتاب بالتي هي أحسن , وقد قال تعالى â ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم ? فإن الظالم باغ مستحق للعقوبة فيجوز أن يقابل بما يستحقه من العقوبة لا يجب الاقتصار معه على التي هي أحسن بخلاف من لم يظلم فإنه لا يجادل إلا بالتي هي أحسن "(141) .
ثالثاً : بان من المجادل قصد آخر وهو نشر بدعته وباطله وليس طلب الحق فلا يمكن من ذلك بل يواجه بالعقوبات الشرعية الأخرى من الهجر والتعزير , وخاصة بعد إقامة الحجة عليه بالمجادلة والمناظرة .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " والمسلمون أقاموا الحجة على غيلان ونحوه وناظروه وبينوا له الحق كما فعل عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه واستتابه ثم نكث التوبة بعد ذلك فقتلوه ، وكذلك علي رضي الله عنه بعث ابن عباس إلى الخوارج فناظرهم ثم رجع نصفهم ثم قاتل الباقين .
والمقصود أن الحق إذا ظهر وعرف ؛ وكان مقصود الداعي إلى البدعة إضرار الناس ؛ قوبل بالعقوبة , قال الله تعالى 142) " (143).
وقال رحمه الله : " فالعقوبة قبل الحجة ليست مشروعة قال تعالى : (144) ولهذا قال الفقهاء في البغاة إن الإمام يراسلهم فإن ذكروا شبهة بينها وإن ذكروا مظلمة أزالها كما أرسل علي ابن عباس إلى الخوارج فناظرهم حتى رجع منهم أربعة آلاف وكما طلب عمر بن عبد العزيز دعاة القدرية والخوارج فناظرهم حتى ظهر لهم الحق وأقروا به ثم بعد موته نقض غيلان القدري التوبة فصلب "(145).
ومعلوم أن العقوبات التي يواجه بها صاحب البدعة على أنواع ؛ فمنها ما هو ممكن لكل أحد مثل : الهجر والمقاطعة والاجتناب والإعراض ونحو ذلك .
ومنها ما هو ممكن لولي الأمر وصاحب السلطة وذلك في مثل العقوبات التعزيرية البدنية , والله المستعان .
خلاصة البحث وأهم النتائج والتوصيات:
اشتمل هذا البحث الذي عنوانه ( الدعوة إلى الله بالمجادلة: مفهومها ومشروعيتها وضوابطها ) على ثلاثة فصول :
الفصل الأول وفيه بيان لمفهوم الجدل في اللغة والاصطلاح بلفظه المطلق وبقيده الوارد في نصوص القرآن الكريم , تلا ذلك تحليل لتاريخ الجدل في ثلاثة أطر : الإطار الإنساني , وإطار البيئة اليونانية وما دار فلكها , والإطار الإسلامي بالمعنى العام والخاص للإسلام .
وفي الفصل الثاني جرى تناول المشروعية من خلال ما ورد في الكتاب والسنة , وتبع ذلك إيضاح لأهمية المجادلة في مجال الدعوة إلى دين الله عز وجل .
أما الفصل الثالث وهو الأخير فقد حوى الضوابط للدعوة بالمجادلة وجاء تناول ذلك بالحديث عن الضوابط قبل حصول الجدل وأثناءه وبعده
ويمكن أن نشير إلى أهم النتائج في النقاط الآتية :
1. الجدل المشروع غير مطلق الجدل فهو أقرب إلى المناظرة التي تهدف إلى إظهار الصواب وليس الغلبة والإفحام , وهو شكل من أشكال الحوار , وهو - أي الجدل - غالب في جنس الإنسان بدلالة النقل والعقل .
2. للمسلمين عناية خاصة بالجدل استفادوها من توجيهات الكتاب والسنة سواء في المفهوم أو المشروعية أو الضوابط .(61/78)
3. الدعوة بالمجادلة لها أهمية تتمثل في أن بعض المدعوين يحتاج إليها معه لإقناعه بالحق وإزالة شبهته بها وإقامة الحجة , ومن جهة أخرى لها أهمية لأثرها في إظهار الحق وقطع الباطل بعامة , كما أن أهميتها تظهر بالنظر إلى نتائجها فعلا في تاريخ الدعوة عند المسلمين ومجادلاتهم ومناظراتهم مع المخالفين في الدائرة الإسلامية أو خارجها .
4. للدعوة بالمجادلة ضوابط تسبق إقامتها فقد يستغنى عنها بالحكمة والموعظة الحسنة إذا كان المدعو قابلا , أو قد يعدل عنها ويعرض عن إقامتها ابتداء حتى لو طلبها المخالف إذا كانت المصلحة تقتضي ذلك .
5. للدعوة بالمجادلة ضوابط تصاحب قيامها يكون التزامها سبباً بإذن الله في نجاحها .
6. للدعوة بالمجادلة ضوابط تتبع قيام الدعوة بالمجادلة إذ هي أسلوب لإظهار الحق ودعوة الخلق , ومتى تحقق البيان , أو ظهر من المخالف ظلم أو مقصد سيئ في نشر البدعة وطلب الشهرة ؛ كان من المصلحة قطع الاحتجاج بالمباهلة أو إيقاع العقوبة أو الانتقال من الجدال إلى الجلاد .
أبرز التوصيات :
لا شك أن طبيعة هذه البحوث الاختصار والاقتصار على المهمات , وإلا فالموضوع جدير بالتوسع والتناول من زوايا ومداخل شتى , ومن أبرز ما يراه الباحث جديراً بالتوسع عدة أمور أهمها :
* إجراء استقراء لتاريخ الدعوة بالمجادلة والمناظرة في تاريخ الدعوة إلى الإسلام
* القيام بدراسات متعمقة وتحليل دقيق للمناظرات في مجال الدعوة بأطر ومداخل متعددة منها : الموضوع , ومنها العصر ومنها طبيعة المخالف أو دينه أو مذهبه أو غير ذلك .
* توظيف قواعد الشريعة وضوابطها في مسائل الحوار المستجدة في هذا العصر من حوار الأديان وحوار الحضارات وغيرها , سواء من حيث الأسلوب أم المضامين .
وهذه الأمور في غاية المنفعة للدعوة والدعاة ؛ مؤسسات وأفراداً في هذا العصر , ومن المصالح الظاهرة فيه اختصار فهم القضايا وأدلتها واستيعاب محل الخلاف مع الغير , وأبرز العوامل المؤثرة في النجاح والفشل في مجال الجدل والمناظرة بخاصة والحوار بعامة , لا سيما مع تقارب الناس بوسائل الاتصال المختلفة وشيوع ثقافة الحوار والمطالبة به من أمم وطوائف شتى في هذا العصر .
والحمد لله أولا وآخراً وظاهراً وباطناً وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
قائمة المصادر والمراجع :
1. القرآن الكريم .
2. أبجد العلوم , صديق حسن القنوجي , تحقيق د. عبد الجبار زكار , دار الكتب العلمية , بيروت , 1978 م .
3. أدب الحوار والمناظرة , د. علي جريشة , دار الوفاء , المنصورة , ط1, 1410 هـ .
4. أحكام القرآن , أحمد بن علي الرازي الجصاص , تحقيق محمد الصادق قمحاوي , دار إحياء التراث العربي , بيروت , 1405 هـ .
5. إرشاد العقل السليم إلى مزايا القرآن الكريم , محمد بن محمد العمادي أبو السعود , دار إحياء التراث العربي , بيروت .
6. الاستشراق بين الموضوعية والافتعالية , د. قاسم السامرائي , دار الرفاعي , الرياض , ط1 , 1403 هـ .
7. أسلوب المناظرة في دعوة النصارى إلى الإسلام , دراسة تحليلية تقويمية للمناظرات التي جرت في أمريكا الشمالية في المدة من 1400 - 1410 هـ , إبراهيم بن صالح الحميدان , رسالة دكتوراه غير منشورة , قسم الدعوة والاحتساب , كلية الدعوة الإعلام , جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض 1416 هـ .
8. أنوار التنزيل وأسرار التأويل ( تفسير البيضاوي )، تحقيق عبد القادر عرفات العشا حسونة , دار الفكر , بيروت , 1416 هـ.
9. أيها الولد , أبو حامد الغزالي , تحقيق علي محيي الدين علي القره داغي , دار الاعتصام , القاهرة , ط2 , 1405 هـ .
10. البداية والنهاية , إسماعيل بن عمر بن كثير , مكتبة المعارف , بيروت .
11. تبيين كذب المفتري فيما نسب إلى الإمام أبي الحسن الأشعري , علي بن الحسن بن هبة الله بن عساكر الدمشقي , دار الكتاب العربي , بيروت , ط3 1404 هـ .
12. التعريفات , علي بن محمد بن علي الجرجاني , تحقيق إبراهيم الأبياري , دار الكتاب العربي , بيروت , ط1 , 1405 هـ.
13. تفسير القرآن العظيم , إسماعيل بن عمر بن كثير , دار الفكر , بيروت , 1401 هـ.
14. تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان , عبد الرحمن بن ناصر السعدي , تحقيق عبد الرحمن بن معلا بن لويحق , مؤسسة الرسالة , بيروت , ط1 , 1423 هـ .
15. التقريب لحد المنطق , علي بن أحمد بن سعيد بن حزم , تحقيق د. إحسان عباس , دار مكتبة الحياة , بيروت .
16. التوقيف على مهمات التعاريف , محمد بن عبد الرؤوف المناوي , تحقيق د. محمد رضوان الداية ,دار الفكر المعاصر, دار الفكر, بيروت,دمشق , ط1, 1410 هـ.
17. جامع بيان العلم وفضله , يوسف بن عبد البر النمري القرطبي ,دار الكتب العلمية,بيروت .
18. جامع البيان , محمد بن جرير بن يزيد الطبري , دار الفكر , بيروت , 1405 هـ .
19. الجامع لأحكام القرآن , محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح القرطبي , تحقيق أحمد عبد العليم البردوني , دار الشعب , القاهرة , ط2 .(61/79)
20. الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح , أحمد بن عبد الحليم بن تيمية تحقيق د. علي حسن ناصر وزملائه , دار العاصمة , الرياض , ط1 , 1414 هـ .
21. الجواهر الحسان في تفسير القرآن , عبد الرحمن بن محمد بن مخلوف الثعالبي مؤسسة الأعلمي للمطبوعات , بيروت .
22. الحدود الأنيقة , زكريا بن محمد بن زكريا الأنصاري , تحقيق د. مازن مبارك دار الفكر المعاصر , بيروت , ط1 , 1411 هـ
23. الحوار الإسلامي المسيحي - رسالة ماجستير - بسام داود عجك , دار قتيبة , ط1 , 1418 هـ .
24. الحيدة , عبد العزيز بن يحيى الكناني , رئاسة إدارات البحوث العلمية والإفتاء الرياض .
25. الدعوة إلى الإسلام , توماس أرنولد , ترجمة إبراهيم حسن وزملائه , مكتبة النهضة العصرية , القاهرة , ط3 , 1970 م .
26. درء تعارض العقل والنقل , أحمد بن عبد الحليم بن تيمية , تحقيق د. محمد رشاد سالم , دار الكنوز الأدبية , الرياض , 1391 هـ .
27. الرد على المنطقيين , أحمد بن عبد الحليم بن تيمية , دار المعرفة , بيروت 28. رسالة الآداب في علم آداب البحث والمناظرة , محمد محيي الدين عبد الحميد المكتبة التجارية الكبرى , القاهرة , ط7 , 1387 هـ .
29. الرسالة الرشيدية , عبد الرشيد الجونغوري الهندي , تحقيق علي مصطفى الغرابي , مكتبة ومطبعة محمد علي صبيح وأولاده , القاهرة , 1369 هـ .
30. روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني , محمود الألوسي , دار إحياء التراث العربي , بيروت .
31. رياض الصالحين , يحيى بن شرف النووي ,دار الكتاب العربي, بيروت, ط1 1993 م .
32. زاد المسير في علم التفسير, عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي , المكتب الإسلامي , بيروت , ط3 , 1404 هـ .
33. زاد المعاد في هدي خير العباد ، محمد بن أبي بكر الزرعي ( ابن قيم الجوزية ) تحقيق شعيب وعبد القادر الأرناؤوط , مؤسسة الرسالة , مكتبة المنار الإسلامية , بيروت , الكويت , ط 14 , 1407 هـ .
34. سنن أبي داود , دار الحديث , حمص , ط1 , 1391 هـ .
35. السيرة النبوية , عبد الملك بن هشام, دار الريان للتراث, القاهرة , ط1, 1408 هـ .
36. شرح اعتقاد أهل السنة والجماعة , هبة الله بن الحسن بن منصور اللالكائي تحقيق أحمد سعد حمدان , دار طيبة , الرياض , 1402 هـ .
37. شرح الكوكب المنير , محمد بن عبد العزيز بن علي بن إبراهيم الفتوحي , تحقيق محمد حامد الفقي , مطبعة السنة المحمدية , القاهرة , ط 1 , 1372 هـ .
38. الشريعة , أبو بكر محمد بن الحسن الآجري , تحقيق محمد حامد الفقي , مطبعة السنة المحمدية , القاهرة .
39. صحيح البخاري , محمد بن إسماعيل البخاري , تحقيق د. مصطفى ديب البغا دار ابن كثير , بيروت , ط3 , 1407هـ .
40. صحيح مسلم , مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري , رئاسة إدارات البحوث العلمية والإفتاء , الرياض , 1400 هـ .
41. الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة , ابن قيم الجوزية , تحقيق د. علي ابن محمد الدخيل الله , دار العاصمة , الرياض , ط 3 , 1418 هـ .
42. ضوابط المعرفة وأصول الاستدلال والمناظرة , عبد الرحمن الميداني , دار القلم بيروت , ط2 , 1401 هـ .
43. العين , أبو عبد الرحمن الخليل بن أحمد الفراهيدي , تحقيق د. مهدي المخزومي ود. إبراهيم السامرائي , دار ومكتبة الهلال .
44. فتح الباري شرح صحيح البخاري , أحمد بن علي بن حجرالعسقلاني , تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي ومحب الدين الخطيب , دار المعرفة , بيروت , 1379 هـ .
45. فتح القدير , محمد بن علي بن محمد الشوكاني , دار الفكر , بيروت .
46. القاموس المحيط , محمد بن يعقوب الفيروزبادي .
47. الكافية في الجدل , إمام الحرمين أبو المعالي الجويني , تحقيق د. فوزية حسين محمود , مطبعة مصطفى البابي الحلبي , 1399 هـ .
48. لسان العرب , محمد بن مكرم بن منظور الأفريقي المصري , دار صادر , بيروت , ط1
49. مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين , ابن قيم الجوزية , تحقيق محمد حامد الفقي , دار الكتاب العربي , بيروت, ط2 , 1393 هـ .
50. المستدرك على الصحيحين , محمد بن عبد الله أبو عبد الله الحاكم النيسابوري , تحقيق مصطفى عبد القادر عطا , دار الكتب العلمية , بيروت ط1 , 1411 هـ .
51. معارج القبول , حافظ الحكمي , الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء , الرياض .
52. معالم التنزيل , الحسين بن مسعود الفراء البغوي , تحقيق خالد العك ومرون سوار , دار المعرفة , بيروت , ط2 , 1407 هـ .
53. معالم في منهج الدعوة , د. صالح بن عبد الله بن حميد , دار الأندلس الخضراء ط1 , 1420 هـ .
54. معجم مقاييس اللغة , أبو الحسين أحمد بن فارس بن زكريا , تحقيق محمد عبد السلام هارون , دار الكتب العلمية , قم .
55. المعونة في الجدل , أبو إسحاق إبراهيم بن علي بن يوسف الشيرازي , تحقيق د. علي بن عبد العزيز العميريني , جمعية إحياء التراث الإسلامي , الكويت , ط 1, 1407هـ .
56. مفتاح دار السعادة , ابن قيم الجوزية , دار الكتب العلمية , بيروت .(61/80)
57. الملل والنحل , محمد بن عبد الكريم بن أبي بكرأحمد الشهرستاني , مصطفى البابي الحلبي , القاهرة .
58. مناهج الجدل في القرآن الكريم , د. زاهر بن عواض الألمعي , ط3 , 1404 هـ .
59. منهاج السنة النبوية , أحمد بن عبد الحليم بن تيمية , تحقيق د. محمد رشاد سالم , مؤسسة قرطبة , ط1 , 1406 هـ .
60. الوجيز في تفسير الكتاب العزيز ,علي بن أحمد الواحدي ,تحقيق صفوان عدنان داوودي , دار القلم والدار الدمشقية , دمشق وبيروت , ط1 , 1415 هـ
==============(61/81)
(61/82)
الانتصار للنبيِّ المختار صلى الله عليه وسلم
عبد المنعم مصطفى حليمة
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد.
فقد تناهى إلى مسامعنا تطاول بعض الجرائد المحلية الرسمية الدنمركية على سيد الخلق، وخاتم الأنبياء والمرسلين - صلوات ربي وسلامه عليه - من خلال رسمه في صور كاريكاتيرية ساخرة .. ورغم ما يمثل هذا الحدث الدنيئ المتخلف من اعتداء سافر على الإسلام والمسلمين .. تأبى الجريدة " Jyllands Posten " أن تقدم أي اعتذار عن سوء صنيعها هذا .. كما وتأبى الحكومة الدنمركية أن توجه أي خطاب تأنيب واستنكار للجريدة .. أو حتى اعتذار للمسلمين!
نبينا صلوات ربي وسلامه عليه لا يحتاج مني ولا من غيري إلى أن ندافع عنه ـ وكأن الطعن بحقه محتمل! ـ أو أن نُظهر محامد خصاله وأخلاقه .. فهو أكبر وأعظم من ذلك .. يكفيه فخراً وعظمة أن الله تعالى من فوق سبع سماوات يصفه بقوله: { وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ } [ القلم:4]. وقوله تعالى : { إِنَّكَ لَعَلَى هُدًى مُّسْتَقِيمٍ } [ الحج:67]. وقوله تعالى : { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ } [ الأنبياء:107 ] . فأي تزكية تعلو أو توازي هذه التزكية .. وما قيمة ثناء وتزكية المخلوق تجاه ثناء وتزكية الخالق سبحانه وتعالى ؟!
لكن ماذا يعني هذا الحدث الجلل .. وكيف يفهمه ويفسره المسلمون ؟!
هذا الحدث الجلل يعني أموراً عدة :
منها: أن هذا الطعن بشخص النبي صلى الله عليه وسسلم هو طعن بجميع أنبياء الله تعالى ورسله: إبراهيم، وموسى، وعيسى عليهم السلام، وغيرهم من الأنبياء والرسل؛ لأنهم كلهم يصدقون بعضهم بعضاً، ويُلزمون أتباعهم بالإيمان والتصديق بجميع الأنبياء والرسل من جاء قبلهم ومن يأتي بعدهم؛ وبالتالي فإن تكذيب أي نبي من أنبياء الله تعالى أو الطعن به، هو تكذيب لجميع الأنبياء والرسل، وطعن بهم، قال تعالى: { قُولُواْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ } [ البقرة:136 ] . وقال تعالى : { آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ } [ البقرة:285] .
والطعن والاستهزاء بالأنبياء والرسل هو استهزاء وطعن بالله عز وجل الذي زكى أنبياءه ورسله، وأثنى عليهم خيراً، لذلك عُد النفر الذين استهزؤوا بأصحاب صلى الله عليه وسلم وهم في مسيرهم نحو تبوك، هو استهزاء بالله وآياته، ورسوله، كما قال تعالى: { وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ . لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ } [ التوبة:65-66 ] .
ومنها: أن هذا الاعتداء على شخص صلى الله عليه وسلم هو اعتداء على جميع المسلمين في الأرض، وعلى مشاعرهم، وعقيدتهم .. وهو أشد عليهم من الاعتداء المباشر على أنفسهم وأموالهم .. والصليبيون يُدركون هذا المعنى؛ وهو المراد من وراء طعنهم وتشهيرهم - المتكرر بين الفينة والأخرى - بشخص النبي صلى الله عليه وسلم
ومنها: أن اللجوء لمثل هذا الطعن، والاستهزاء .. هو علامة من علامات الإفلاس الفكري والحضاري، والثقافي لدى النصارى الصليبيين .. وحضارتهم .. فيُعوضون عن هذا النقص والإفلاس بمثل هذا الطعن، والسب، والاستهزاء !
ومنها : أن الشعار المرفوع حول حوار الأديان والحضارات هو شعار كاذب؛ له ما له من الغايات والمقاصد المريبة الخبيثة .. لا وجود له على الحقيقة والتحقيق !
فالغرب النصراني الصليبي بتواطؤه على مثل هذا الطعن والاستهزاء بشخص النبي صلى الله عليه وسلم . يفقد المصداقية، والرغبة الصادقة في الحوار والتفاهم مع المسلمين، ومع حضارة الإسلام .. إذ كيف ينهضون للحوار والجلوس مع المسلمين وهم يطعنون ويستهزئون بنبي الإسلام، وبأقدس ما عند المسلمين ؟!
فالتواطؤ على مثل هذا الطعن والاستهزاء لا شك أنه يوسع من ساحة عدم التفاهم والتعايش السلمي والآمن بين الشعوب والحضارات !
ومنها: أن مثل هذا الطعن والاستهزاء .. والتواطؤ عليه من قبل الجهات الرسمية .. يدل على ازدواجية المعايير والقوانين المعمول بها في بلاد الغرب النصراني؛ فهم إذ يسنون القوانين التي تُحارب إثارة الكراهية والعنصرية بين الشعوب كما يزعمون، تراهم هم أول من ينقض ويُخالف هذه القوانين، وبخاصة عندما تكون إثارة هذه الكراهية موجهة ضد الإسلام والمسلمين .. وتسير في الاتجاه الذي يرغبونه ويهوونه!(61/83)
عندما تكون إثارة الكراهية والعداوة موجهة ضد الإسلام والمسلمين .. فهذه حرية مصونة الجانب لا يجوز المساس بها أو الاقتراب منها .. وعندما تُثار الكراهية في الاتجاه الذي لا يرضونه ولا يلامس هواهم .. فحينئذٍ تُصبح إجراماً مخالفة للقانون، يؤخذ صاحبها بالنواصي والأقدام !
ومنها: أن مثل هذا الطعن والاستهزاء .. والتواطؤ عليه .. يُعد تعبيراً صادقاً عما يُضمره القوم من حقد، وكراهية، وعداوة وبغضاء للإسلام والمسلمين .. وإن تظاهروا بخلاف ذلك .. وأنهم من دعاة الإنسانية .. والحرية .. وعدم التعصب للأديان !
صدق الله العظيم : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ } [ آل عمران : 118 ] .
هكذا يفهم المسلمون هذا الحدث الجلَل .. وهكذا يفسرونه .. وفي الختام أود أن أذكر إخواني المسلمين بحقيقة ساطعة ماثلة للعيان طالما ذكرتهم بها، وهي: أنكم رعية بلا راعٍ .. ووالله لو كان لكم دولة وسلطان يحترم نفسه، ودينه، وأمته .. لما تجرأ القوم على التطاول على نبيكم؛ نبي الإسلام والرحمة - صلوت ربي وسلامه عليه - وعلى أقدس مقدساتكم .. ولكن لما وجدوكم رعية متفرقين بلا راعٍ يرعاكم، ويذود عنكم وعن دينكم .. طمعوا بكم .. وتكالبوا عليكم .. وعلى دينكم .. وأمتكم .. كما تتكالب الأكلة على قصعتهم !
ما هو موقف حكامنا من هذا الحدث الجلل .. وما موقف إعلامهم المشغول بتوافه زائفة ؟!
لا شيء؛ وكأن الأمر لا يعنيهم في شيء .. وكأن صلى الله عليه وسلم ليس نبيهم .. والإسلام ليس دينهم !
لو تعرض أحدهم - من قِبل أي دولة - لنوع استهزاء أو طعن وتجريح .. لاستدعى سفيره، وهمَّ بقطع العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية، والتجارية مع تلك الدولة .. ولتحركت جميع وسائل الإعلام للذود عن الطاغوت .. أما أن يتعرض شخص صلى الله عليه وسلم - الذي لولاه، ولولا أن منَّ الله به علينا لما كنا نساوي شيئاً - للطعن والاستهزاء .. والتحقير .. فهذا لا يستدعي شيئاً من هذا المقاطعة أو المحاربة .. أو القلق .. ولا حول ولا قوة إلا بالله !
أما أنتم أيها المسلمون افعلوا كل شيء، وأي شيء متاح ومشروع .. من أجل نبيكم .. والذود عن حرمات وعِرض نبيكم .. تقبل الله منكم، وغفر الله لنا ولكم .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .
22/12/1426 هـ / 22/1/2006م.
=============(61/84)
(61/85)
احترام الأديان السماوية
فضيلة الشيخ حمود بن عقلاء الشعيبي حفظه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..... وبعد
يتردد في بعض الأوساط والمحافل الدولية نظرية خلاصتها أن الإسلام يحترم الأديان السماوية الأخرى .. وأنه لا فرق بين هذه الأديان كما يُزعم وبين الإسلام .. وقد عقد لهذه النظرية المؤتمرات وجمع من أجلها المجامع .. و تسنم لها بعض من قياديي العالم الإسلامي ..
فما الحكم في هذه القضية .. بارك الله فيكم وسددكم وأعانكم للخير ..
الجواب :
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .. أما بعد
فقد بدأنا في الآونة الأخيرة نسمع ترديدا لشعارات منحرفة ومصطلحات غريبة بدأت تغزوا المسلمين ..
مبطنة بباطن الكفر والردة .. ملفوفة بشعارات ماكرة باسم مؤتمرات و ملتقيات حوار الأديان ، وباسم تقارب الأديان أو العالمية ، وتصريحات سياسية باسم احترام الأديان كما يزعمون ..
ويزعم أصحاب هذه الدعوة أن العالمية هي السبيل إلى جمع الناس على مذهب واحد تزول معه خلافاتهم الدينية والعنصرية لإحلال السلام العالمي ، وقد حرص أعداء هذا الدين على إيجاد ذرائع مبطنة واستحداث وسائل مقنّعة للوصول إلى مآربهم ، وبدءوا يجاهرون بضرورة التعايش بين الأديان ، وضرورة احترام الأديان والاعتراف بها .
ويأتي النظام العالمي الجديد - أو ما يسمى بالعولمة - عاملا رئيسا في إحياء تلك الدعوة الخبيثة ، ولذا نلاحظ كثرة المؤتمرات والتصريحات السياسية لهذا الأمر ، نسمعها من العلمانيين وبعض العصريين ، ومن ملوك ورؤساء وسياسيين محسوبين على الإسلام .
ولا يخفى أن الدعوة إلى وحدة الأديان دعوة قديمة وجدت عند ملاحدة الصوفية من أهل الحلول والاتحاد .. كابن سبعين وابن هود والتلمساني .. حيث يجوزون التهود والتنصر والإسلام ، والتدين بهذه الأديان ( الفتاوى 14/ 164) . وتزعمها أيضا التتار ووزرائهم فقال عنهم ابن تيمية رحمة الله عليه : وكذلك الأكابر من وزرائهم وغيرهم يجعلون دين الإسلام كدين اليهود والنصارى ، وأن هذه كلها طرق إلى الله بمنزلة المذاهب الأربعة عند المسلمين . ( الفتاوى 28/523 ) .
ثم جدد هذه الدعوة جمال الدين الأفغاني في القرن الماضي وساعده على ذلك تلميذه محمد عبده ، وفي العصر الحالي تبناها رجاء جارودي فيما سماه وثيقة اشبيلية ، و الآن يتبناها بعض العصريين والعقليين وبعض السياسيين برعاية أقطاب النظام العالمي الجديد أو العولمة .
قال ابن تيمية رحمة الله عليه ( الفتاوى 28/524 ) : ومعلوم بالاضطرار من دين المسلمين وباتفاق جميع المسلمين أن من سوغ اتباع غير دين الإسلام أو اتباع شريعة غير شريعة صلى الله عليه وسلم فهو كافر .ا.هـ
ونقل الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمة الله عليه في النواقص العشرة أن من لم يكفر المشركين أو شك في كفرهم أو صحح مذهبهم كفر إجماعا .
وقال ابن حزم رحمه الله في مراتب الإجماع ص 119 : واتفقوا على تسمية اليهود والنصارى كفارا .
وقال القاضي عياض رحمة الله عليه كما في الشفا : ولهذا نكفر من دان بغير ملة الإسلام من الملل أو وقف فيهم أو شك أو صحح مذهبهم وإن أظهر مع ذلك الإسلام .
وما ذكره العلماء من حكم تكفير من صحح دين اليهود والنصارى مبني على أنه يلزم من ذلك تكذيب القرآن لأن الله سبحانه وتعالى يقول : { ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه } , ويقول : { إن الدين عند الله الإسلام } .
كما يلزم منه تكذيب النبي عليه الصلاة والسلام ، حيث صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه أخبر عن نسخ الديانات الأخرى غير الإسلام ، إذ صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه رأى في يد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه ورقة من التوراة فغضب غضبا شديدا وقال : ( أفي شك أنت يابن الخطاب ) وفي لفظ ( أمتهوكون فيها يا ابن الخطاب ؟ لقد جئتكم بها بيضاء نقية ، والله لو أن أخي موسى حيا ما وسعه إلا اتباعي ) . وروى أبو هريرة رضي الله عنه أنه قال : كان ناس من أصحاب رسول ا صلى الله عليه وسلم يكتبون التوراة فذكروا ذلك لرسول ا صلى الله عليه وسلم فقال : ( أحْمق الحُمق و أضل الضلالة قوم رغبوا عما جاء به نبيهم إليهم ..) الحديث .
فتبين من هذه النصوص التي ذكرتها وما يماثلها مما لم أذكره نسخ وبطلان أي دين غير دين الإسلام ، والعجب كل العجب أن أشخاصا من قادة المسلمين يروجون لهذه النظرية الفاسدة ، ويصرحون في المحافل العالمية الكافرة أنهم يدْعون إلى تآخى الأديان السماوية الخالدة - زعموا - .(61/86)
وهل يمكن لمسلم عاقل يتصور أن هناك دينا خالدا غير دين الإسلام ؟ بعدما نسختها شريعة محمد عليه الصلاة والسلام .. علما بأن الأديان السماوية السابقة كاليهودية والنصرانية دخلها التبديل والتحريف والزيادة والنقص والكتمان بسبب ما قام به أحبار السوء والضلالة .. قال تعالى : { فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا } الآية . وقوله تعالى : { قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نورا وهدى للناس تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون كثيرا } الآية .
ومع هذا التحريف والتبديل فقد نسختها شريعة محمد عليه الصلاة والسلام وأبطلتها كما سبق .
نسأل الله سبحانه أن يعز دينه ويعلي كلمته وصلى الله على نبينا محمد وعلى اله وصحبه أجمعين ..
أملاه
أ. حمود بن عقلاء الشعيبي
17/6/1421 هـ
=============(61/87)
(61/88)
حوار الأديان
المجيب …سلمان العودة
المشرف العام
التاريخ …23/6/1422
السؤال
ما رأيكم فيما يشاع في هذه الأيام من الحوار بين الأديان؟ وما هو موقفي - كمسلم - من غير المسلمين في هذا الزمان الذي ضعف فيه المسلمون وتسلط عليهم غيرهم؟ هل هو الأخذ بالعفو والصفح، أم الجهر بالولاء والبراء، أم الاعتزال؟ وما المنهج - في رأيكم - الذي ينتهجه الغرب في هذا الزمان؟ هل هو مسيحي حقاً أم إنه ينطلق من منطلق علماني؟ والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الجواب
الحوار بين الأديان مصطلح يتداول غالباً لتجاوز حدود شرعية إسلامية، وإن كان الحوار والبحث وبيان حقيقة دين الإسلام لأي نوع من الكفار مقصود، وهو من الدعوة، لكن هذا المصطلح - غالباً- تحته هذا القصد الذي يجب إنكاره.وأما حالك الخاصة فقدر لكل مقام قدره، واقصد المصلحة والمستطاع وما فيه خير لك ولغيرك.
==============(61/89)
(61/90)
الكنائس الغربية ولعبة حوار الأديان
السيد أبو داود 25/4/1424
25/06/2003
- خطط المجمع الفاتيكاني لثلاثة أشياء رئيسة جرى تنفيذها بعد ذلك وحتى الآن بدقة؛ وهي اقتلاع اليسار واقتلاع الإسلام وتنصير العالم!
- الحوار بالنسبة لهم يعني فرض الارتداد والدخول في النصرانية، وليس المقصود منه الحوار والوصول إلى الحق.
- تعدد الاتهامات الموجهة للرهبان الكاثوليك بالاعتداء الجنسي على الأطفال واتهامات الكنيسة بالتستر عليها.
التناقض الذي تعيش فيه كنائس الغرب لا يخفى على لبيب..فبينما نجد اهتمام هذه الكنائس والمؤسسات الغربية بالتنصير في بلاد المسلمين, نجد أن هذه الكنائس في بلادها تغلق أبوابها لقلة عدد المصلين فضلا عن انعدام الثقة في رجالات هذه الكنيسة بعد ممارساتهم الجنسية المشبوهة مع الأطفال.
إن خطط التنصير في بلاد المسلمين كثيرة ومعظمها معلن وبعضها خفي، ومن هذه الخطط ما أعلنه بابا الفاتيكان من أنه يريد أن ينصر العالم في الفترة من 1995 حتى عام 2000 ، وحدد ذلك بدقة وقال إن الفترة من عام 1995 وحتى عام 1997 عامان تمهيديان، ثم يتبعهما عام الاحتفال بالسيد المسيح، ثم في الاحتفال الآخر عام 2000 يقام قربان كبير احتفالاً بتنصير العالم كله. وفي الخطاب قال البابا إنه يريد إحياء خط سير العائلة المقدسة.. وفي مؤتمر تنصير العالم الذي عقد في كلورادو بالولايات المتحدة الأمريكية عام 1987 قالوا إن الإسلام لابد أن يضرب من الداخل، وإحياء مسيرة العائلة المقدسة في البلاد العربية كناية عن تنصيرها..
تحالف مشبوه
في عام 1965 عقد المجمع الفاتيكاني الثاني والذي برّأوا فيه اليهود من دم المسيح...، في هذا المجمع خططوا لثلاثة أشياء رئيسة جرى تنفيذها بعد ذلك وحتى الآن بدقة، وهي اقتلاع اليسار واقتلاع الإسلام وتنصير العالم. وفي هذا المجمع قرروا توصيل الإنجيل لكل البشر، وهي عبارة المقصود بها تنصير العالم.
لقد قاوموا اليسار لأنه بديل عن الرأسمالية من الناحية السياسية فكانت كل الأنظمة التي تكفر بالرأسمالية تتجه نحو اليسار . إننا اليوم نقرأ عن المليارات الكثيرة التي أنفقت من أجل اقتلاع اليسار وتفكيك الاتحاد السوفيتي.والمأساة أن الفاتيكان تواطأ مع المخابرات الأمريكية في ذلك لأن مصلحتهم واحدة ....، ولأول مرة تتحد السلطة الدينية(الكنيسة) مع السلطة المدنية(الدول والحكومات) في سبيل تحقيق مصلحة مشتركة وهي اقتلاع اليسار.
إن عالم التنصير عالم خطير لا نكاد نرى منه إلا أقل القليل، والمساهمات فيه معروفة؛ بل إن على فرنسا أن تمول ثلثي هذه الميزانية وحدها، وإسهام الولايات المتحدة والمؤسسات الأمريكية والغربية متعدد والأرقام فلكية وبالتالي فمؤسسات التنصير شبكة معقدة.
لعبة حوار الأديان
إنهم يلعبون بنقطة خطيرة وهي الحوار بين الأديان، والحوار بالنسبة لهم يعني فرض الارتداد والدخول في النصرانية، وليس المقصود منه الحوار والوصول إلى الحق.
إننا لو ناقشنا القوم فلن نجد عندهم شيئاً - وهم يعلمون ذلك- ومن أجله يحاولون أن يوهمونا بأننا دولة واحدة ونحن جيران ولابد أن نعيش في حب وأمان..ولابد من التسامح والتآخي.. والغريب أن المثقفين عندنا يرددون نفس الكلام الذي يردده الغرب إما عن جهل أو غفلة أو عدم مبالاة، أو عن تعتيم فرض علينا جميعاً وشارك مثقفونا في تدعيمه. إن العولمة والكوكبية يراد بها إلحاقنا بالغرب فحينما نصبح قرية واحدة فستكون اللغة لغتهم والدين دينهم والثقافة ثقافتهم والمصلحة مصلحتهم، ونحن مجرد رعاع لا قيمة لنا وإنما نساق كالقطيع.
إن فرنسا تعلن أنها دولة علمانية فصلت الدين عن الدولة ومقابل إعلانها هذا تتحمل ثلثي تكاليف وميزانية عملية التنصير.
إنهم يبيعون كنائسهم للمسلمين
في مقابل هذا الاهتمام الكنسي بالتنصير خارج الحدود الأوربية والأمريكية.. فإن وضع الكنائس الغربية في الداخل يؤكد الخواء والانصراف عنها. فقد أقدمت الحكومة الدانمركية منذ عدة أيام على إعداد خطة لبيع بعض الكنائس اللوثرية الحكومية التي لا يحضر الصلاة بها عدد كاف من المصلين إلى أعضاء الجاليات الإسلامية ليحولوها إلى مساجد، وقد أثارت هذه الخطوة السياسيين. فقد صرح "سورين كراروب" راعي إحدى الكنائس بقوله إن هذا استفزاز أحمق لا يصدقه عقل، و(كراروب) عضو في البرلمان من حزب الشعب الدانمركي المعروف بميوله اليمينية.
وقال (كراروب) إن فكرة السماح للمسلمين في الدانمرك بتحويل الكنائس الدانمركية إلى مساجد إنما يعكس فتحًا إسلاميًا لغرب أوروبا. إلا أن (حامد المسطي) وهو عضو مسلم في مجلس مدينة كوبنهاجن أبدى حماسًا للاقتراح موضحًا أن الاقتراح من شأنه أن يسهم في حل ما يعاني منه المسلمون من عدم وجود مساحة من الأرض ليقيموا عليها مساجدهم أو مدافنهم.(61/91)
وكانت وزيرة الشؤون الكنسية "توفو فيرجو" قد بحثت مؤخرًا فكرة بيع الكنائس الحكومية ووصفتها بأنها وسيلة لتوفير عائدات مادية للكنيسة الدانمركية التي تعاني من مصاعب مالية. وقالت إن تكلفة إدارة معظم الكنائس وصيانتها باهظة للغاية بالنظر إلى عدد المصلين الذين ينشطون في الذهاب إليها. وعلى الرغم من أن معظم مواطني الدانمارك يلتحقون بالكنيسة الحكومية التي تمولها الدولة من الضرائب عند مولدهم ..فإن نسبة لا تتجاوز 5% من إجمالي السكان هم الذين يحضرون للصلاة بصورة منتظمة.
انحرافات القساوسة الجنسية
وفي هذا الإطار فلا يمكننا تجاهل انحرافات القساوسة الجنسية التي تفجرت منذ أكثر من عام وخاصة في الولايات المتحدة.. حيث كثرت وتزايدت الاتهامات بالاعتداءات الجنسية التي يرتكبها الرهبان الكاثوليك.. وقد تم الكشف عن الكثير منها رغم التستر الرسمي عليه.
وقد انتشرت حالات كثيرة من هذا القبيل والأمر لم يقتصر على بوسطن التي بدأت فيها الفضائح ولكنه تعداها إلى لوس انجلوس وسانت لويس وبورتلاند وماين وبرايدج بورت وكونكتكيت وميسونا وفيلادلفيا وبالم بيتش وفلوريدا وواشنطن. وقد تعددت الاتهامات الموجهة للرهبان الكاثوليك بالاعتداء الجنسي على الأطفال واتهامات الكنيسة بالتستر عليها.
وقد كشف استطلاع للرأي أجري في الولايات المتحدة مؤخرًا عن تراجع ثقة الأمريكيين في الكنيسة حيث أشار الاستطلاع إلى أن نصف الأمريكيين فقط لديهم انطباع إيجابي عنها.. وقالت وكالة (اسوشيتدبرس) الأمريكية إن عدد القساوسة الذين سلمت أوراقهم إلى الشرطة ارتفع إلى 350 قسًا منذ أن تكشفت أبعاد القضية في العام الماضي.
ويشير المسح الذي أجرته الوكالة إلى أن 950 شخصًا قد رفعوا قضايا ضد رجال دين بسبب سلوكياتهم الأخلاقية الفاضحة.
النصرانية تنحسر في أوروبا
وقد صدرت إشارات تحذير من بعض الكنائس بتزايد إعراض الجمهور المسيحي الأوروبي عنها بسبب الفضائح والخواء الروحي.
فقد أعلن الكاردينال "كورمك ميرفي" رئيس الكنيسة الكاثوليكي في انجلترا وويلز أن المسيحية أوشكت على الانحسار في بريطانيا وأن الدين لم يعد يؤثر في حياة الناس. وقال (ميرفي) في يوليو2001 "إن الموسيقى والمعتقدات المستحدثة والحركة البيئية والتنجيم والسحر واقتصاد السوق الحر حلت محل السيد المسيح ".
وفي تقرير لراديو لندن مؤخرًا أبدى 48 % من النمساويين ثقتهم في الكنيسة عام 1990، وانخفضت النسبة الآن إلى 35 % فقط. وكانت دراسة سويدية قد ظهرت مؤخرًا أكدت ارتفاع نسبة الانتحار في البلدان الاسكندنافية بشكل ملحوظ وأن أسباب تجرع زجاجة السم عادة تقتصر على العزلة والكآبة فقط؛ لأن الخوف من متاعب آخر العمر تدفع العديدين للانتحار بسبب الفردية وعدم الترابط الاجتماعي
==============(61/92)
(61/93)
البابا في قبضة الملك
الدكتور رياض بن محمد المسيميري
ظلّ بابا الفاتيكان المدعو - يوحنا بولس الثاني- حديث الإذاعات والقنوات العالمية، طيلة الأسابيع الماضية، حين تدهورت صحته، وأدخل على إثرها مستشفى الفاتيكان، في محاولةٍ لإنقاذِ حياة أكبر مُنصرٍ في العالم، وهرع الأطباء من كلِّ الأصقاع النصرانية لإسعافه دون جدوى ،وكانت بياناتُ الفاتيكان تتوالى في توصيفِ حالةِ البابا الصحية، لتتلقفها وسائلُ الإعلامِ العالميةِ بما فيها العربية والإسلامية، التي قامت ( بالواجب !) تجاهَ شخصيةٍ نذرت نفسها لبثِّ المفاهيم الوثنية، وتكريسِ النصرانية في أرجاءِ المعمورة !
وأخيراً أُعلن نبأُ وفاة البابا ، وخرجت الروح الخبيثة من الجسد الخبيث، ولنا إزاء هذا المأتم البابواي هذه الوقفات :
الوقفة الأولى : ملك الموت يقتحمُ حصن الفاتيكان :
إنَّ الحراسات المشددةِ للمقر البابوي ، وأجهزةِ المراقبة المنصوبة على مدار الساعة ، لم تكن لتحول دون وصول ملائكة الجبّار- جلّ في عُلاه -، وتنزع روح البابا دون أدنى مقاومة، أو حتى علمٌ بساعة الموت الرهيبة .
وهي حقيقةٌ لا يُماري فيها أحد ، أو يجرؤ بشر على تجاوز هذا المصير، الذي أذل اللهُ من خلاله كلّ جبَّار ، وقصم في رحابه كل طاغوت ! (( أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ)) (النساء: من الآية78) .
فهل يعي ذلك طواغيتُ العالم وجبّاروه ، ويعلمون أنَّهم صائرون إلى هذه النهايةِ الأكيدة، طال الزمن أم قصر ؟ّ!
الوقفة الثانية : جموعُ الأوباش :
يَبْلُغُ النصارى قرابة الألفي مليون من سكان الكرة الأرضية، حيثُ يتربعون في المرتبةِ الأولى من حيث الأكثرية، على مستوى الديانات في العالم ، وقد ذرفَ نزرٌ يسيرٌ منهم الدموع على رحيلِ البابا، لعبَ الإخراج التلفزيوني دوراً ماكراً في تصويرها بشكلٍ مخالفٍ لما عليه حقيقةُ الأمر ، فالمعروف عند النصارى عدمُ قدرتهم على مصاحبةِ الأحزان، أكثرَ من لحظاتٍ عابرة يعودون بعدها إلى ممارسةِ كل خُلقٍ قبيح ، والإستمتاع بكل لذةٍ مُحرمة ! ومع ذلك فلو درى هؤلاء الرعاع أي مصيرٍ يقودهم إليه البابا يوحنا وأسلافه وأخلافه، لاستكثروا عليه قطرةً واحدةً من الدموع، ولركلوهُ بأقدامهم ، ومزّقوهُ بعصيهم بدلاً من ذرفِ دموع التماسيح تلك !!
وحين كان المتحدثُ الرسمي باسم الفاتيكان، يوالي إصدار البياناتِ عن حالة البابا الصحية، حتى توَّجها بالبيانِ الأخير الذي يفيدُ كذباً وزوراً، بأنَّ روحَ البابا تعانقُ روح المسيح ، وأنَّ البابا بدأ ينظرُ إلى الله !
تعالى الله عن كفر النصارى علواً كبيراً ، تقبَّلَ النصارى كعادتهم ذلك البيان بكلِّ تسليمٍ وقبول، رغم حجم الفريةِ التي لا يصدقها أصغرُ صبيٍ من صبيان التوحيد !
ولا عجب!! فالشعوبُ النصرانية كانت ولا تزالُ تعتنقُ عشرات العقائد الوثنيةِ الضالة، التي لم يُنزل فيها شرعٌ ، ولا يقبلها عقلٌ سويُّ، أو خُلق كريم، بدءً من أكذوبة الفداءِ والصلب، ومروراً بفريةِ الحلول والاتحاد، وانتهاءِ بعقيدةِ التثليث الخائبة الكافرة !!
مناقب البابا :
1 / نذرَ البابا حياته كلّها في تسويقِ الإلحاد
المتدثر بثيابِ النصرانية في أرجاء المعمورة ، وحتى قبل انتخابه لمنصب بابا الفاتيكان بزمنٍ طويل !
حيث تنّصر عام 1945، وأصبحَ كاهناً بعد عامٍ واحد، أي سنة 1946 وانتقل من بلادِ التشيك إلى بولندا، التي أمضاها سنوات شبابه، قبل أن ينتقلَ إلى روما ، ليُنتخبَ بابا الفاتيكان، بعد وفاةِ سلفهِ الذي لم يتمتع بمنصبهِ سوى ثلاثٍ وثلاثين يوماً فقط، ليموت في ظروفٍ غامضة !
ولتحقيق أهداف الكنيسة الكاثوليكية، في نشرِ النصرانية في العالم، زارَ البابا 120 بلداً في العالم، وهذا الذي رُبما لم يتحقق لأكثرِ هواةِ الترحال في العالم ، ولا أظنُ أحداً ينافسهُ في هذا الانجاز غير المسبوق، وما كانت تلك الزيارات إلاَّ تسويقاً للمبادئ الكنسية، وتكريساً للوثنيةِ النصرانية .
وفي عهدهِ قفزت الإرساليات من 15000 إرسالية إلى 27000إرسالية، مزودة بكلّ الإمكانات البشرية، والتقنية والمادية، ومستغلاً للتفوق النصراني سياسياً وعسكرياً واقتصادياً، في تذليلِ كلِّ عقباتِ نشر النصرانية، ولو بقوة السلاح إن لزم الأمر !!
كما أنشأ الفاتيكان مئات المحطات التلفزيونية، والإذاعية، لنشر العقيدةِ النصرانية، حتى غدت الفلبين على سبيلِ المثال ذات الجذور الإسلامية، أكبر بلدٍ كاثوليكي في آسيا، بفعلِ الجهودِ البابوية الجبارة !!
2 / مناصرة اليهود :
رُبَّما لا يُدركُ الكثيرون أنّ البابا يوحنا الثاني كان يهودياً في أصل ديانتهِ حتى النخاع، ولكنّ تنصَّرَ لأمرٍ ما، يعرفُهُ الذين قرأوا سيرة ابن سبأ، وكيف ترك اليهودية وأعلن الإسلام ؟ ليكون أولَّ ضحاياهُ مقتلُ الخليفة الراشد عثمان -رضي الله عنه -، وما أعقبهُ من الفتنِ المتلاطمة، التي لا يزالُ العالم الإسلامي يعاني ويلاتها وآثارها إلى اليوم !(61/94)
فما تنصّرُ اليهودي يوحنا الثاني إلاَّ امتدادٌ للعبةِ السبئِيةِ نفسها، وإن تغيرت الأدوارُ أو تنوعت خشبات المسرح ، ولا أدلُ على ما نقولُ من سردِ الحقائق التالية :
أصدرَ الفاتيكان في عام 1960م وثيقةَ تبرئةِ اليهود من دمِ المسيح ، وكان لهُ أكبرَ الدور في صدورِ الوثيقة ، وإن كُنَّا كمسلمين نعتقدُ حياة المسيح- عليه السلام- ولا نؤمنُ بصلبه .
في عام 1994م أقامَ علاقاتٍ دبلوماسيةٍ بين الفاتيكان وإسرائيل، بعد أن سبقَ ذلك اعترافٌ بدولة اليهود عام 1982م .
كان أولُّ بابا يزورُ معبداً يهودياً في روما عام 1986 م.
زار إسرائيل عام 2000م وكان من ضمنِ زيارتهِ التوجه إلى نصبِ ضحايا " الهولوكست " ، وهي مذبحة اليهودِ على أيدي النازية إبّان الحرب العالمية، ليوبخَ نصارى العالمِ كلهم على جرائمهم ضدَّ اليهود، ويطلب منهم الاعتذار ، ومن اليهود الصفح والغفران !!
كما زار جبل سينا، وأقام " قداسا " في دير سانت كاترين، حيث دعا إلى وحدةِ الأديان وحوارها !
دعا إلى اعتبار القدس عاصمةً أبديةً لليهود ، وهو ما يُفنِّدُ دعواته الخادعةِ إلى السلام ، والإخاء ، والحوار والتسامح ، وإلاَّ فهو يعلمُ كم في اعتبار القدس عاصمةً يهوديةً خالصة، من إثارةٍ لمشاعر المسلمين ، وتهميشٍ لحقوقهم !
ولا عجب من هذه الخدمات الجليلة المقدمة لليهود، ما دام الرجل يهودياً، تمكن من القفز بعد تنصرهِ إلى رأس الهرمِ البابوي .
بل لأول مرةٍ منذ 500 سنة، يرتقى شخصٌ من خارجِ إيطاليا إلى منصب بابا الفاتيكان ، وهو ما يؤكدُ نظريةَ المؤامرةِ في هذه اللعبة الصبيانية !
3 / دعوته إلى حوار الأديان
كانت دعوات البابا إلى حوار الأديان، تتوالي تباعاً سيما إبّان زيارته لإسرائيل عام 2000م ،أو زيارتهِ لسوريا عام 2001م، حيثُ دخلَ المسجد الأموي في محاولةِ إظهار حسن النوايا ، وبعد أن حققَ لليهودِ كلّ ما يُريدون في مقابلِ عباراتٍ معسولةٍ للمسلمين، تنتهي حلاوتها بتلفظِ آخر حرفٍ منها !!
وقد لعب البابا بورقةِ التسامحِ ونسيان الماضي، لتحقيق أمنيتهِ في حوارِ الديانات، لدرجةِ أنّه زار ( محمد أغا ) في سجنه، عقب محاولتهِ قتلَ البابا عام 1981م وسامحهُ ودعاهُ إلى أن يصلي من أجله !!
وكل ذلك لتحسين صورته أمام الجماهير، في وقتٍ كان يأكلهُ الحقد والحسد لكلِّ ما يُمت للإسلام بصلة، وصدق الله إذا يقول : (( وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ )) (آل عمران: من الآية119) .
وصدق حيث يقول : (( لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ)) (المائدة:82) .
وللأسف الشديد، رددّ " الببغاوات " من ( شيوخِ ) الأمةِ قبل عوامها تلك الدعوات الهدَّامة، وترجموها بالفعلِ إلى ندواتٍ ومؤتمراتٍ ولقاءات ، نبرأُ إلى الله من مشروعيتها ، وسفه القائمين عليها !
ولم العجبُ إذا كان سيد طنطاوي يقول : ( أدعو الله أن يشفيه ويعافيه، فهو صاحبُ عقلٍ سليم، وخلقٍ كريم يُؤدي واجبهُ رغم المرض ، ولا يتمسكُ بها إلاَّ من أعطاهم الله صدر العزيمة والإخلاص، وصدق النية في العمل !!
وختاماً
نحذِّرُ كلّ مسلمٍ من التعاطفِ مع هذا الطاغوت الأكبر، أو إحسان الظنِّ به، فضلاً عن الدعاءِ له، أو اعتقاد مغفرة الله له، وقد مات نصرانياً كافراً !!
وأمَّا أولئك الشيوخ المتاجرون بثوابتِ الأمة، ومن آ كدها أصلُ الولاءِ والبراء، فنقول : اتقوا الله في عوام أمتكم، فقد صلّى بعضهم للبابا، وأجهش آخرون بكاءً عليه، والله المستعان .
===============(61/95)
(61/96)
رئيس الكونجرس الإسلامي في كندا: خيارنا الاندماج الذكي
حوار/ عبد الرحمن أبو عوف 16/6/1427
12/07/2006
أكّد د. محمد إبراهيم المصري رئيس الكونجرس الإسلامي في كندا أن أزمة الرسوم المسيئة للرسول - صلى الله عليه وسلم - والتي اندلعت في الأشهر الأخيرة قد ردّت اعتبار الجاليات المسلمة في الغرب والتي تعاطفت بشكل إيجابي- أقوى ردة فعل من الشعوب العربية والإسلامية في بلدانها الأصلية. وتابع د. المصري في حوار مع شبكة (الإسلام اليوم) أن أوضاع المسلمين في كندا تتحسن بشكل مطرد، وهناك تطور ملحوظ كمّاً وكيْفاً حققته الجالية في الفترة الأخيرة؛ فقد وصل (4) مسلمين إلى عضوية البرلمان الكندي، وهو ما يدلل على اندماج المسلمين في المجتمع الكندي، على الرغم مما تتعرض له الجالية المسلمة من مضايقات على يد الحكومة اليمينية التي تبنّت قانون مكافحة الإرهاب الذي كان المسلمون الضحية الأولى له؛ إذ تعرضوا للعديد من المضايقات والتجاوزات والتي تخالف أبسط حقوق الإنسان.
ونبّه رئيس الكونجرس الإسلامي في كندا إلى أن الحكومة الكندية تدعم -ولو بشكل خفي- حملات الجماعات التنصيرية في أوساط المسلمين؛ علّها تنجح في تذويب هوية المسلمين في كندا، مشيراً إلى أن مصير هذه الحملات هو الإخفاق الذريع بحول الله؛ نتيجة الوعي والثقافة الدينية التي يتمتع بها معظم مسلمي كندا، وشدد د. إبراهيم المصري على أن الكونجرس الإسلامي في كندا قد لعب دوراً مهما في أزمة الرسوم المسيئة للرسول صلى الله عليه وسلم وقام بمقاضاة جهات كندية، كما سعى للتصدي للحملة المعادية التي رافقت وصول حركة حماس إلى السلطة في فلسطين، كما يدعم الكونجرس كل المساعي لتحسين أوضاع المسلمين في كندا وإدماجهم في المجتمع الكندي اندماجاً ذكياً يحافظ على هويتهم الإسلامية، ويمنع ذوبانهم في المجتمع الكندي .. وفي السطور التالية النص الكامل للحوار مع رئيس الكونجرس الإسلامي في كندا:
نرجو أن تحدثنا في البداية عن أوضاع المسلمين في كندا، ومدى تأثرهم سلبياً وإيجابياً بأحداث الحادي عشر من سبتمبر وما تلاها؟
أولاً عدد المسلمين في كندا يزيد قليلاً عن مليون نسمة من تعداد البلاد البالغ (30) مليوناً، ويعيشون في المدن الكبرى، وعلى رأسها أوتاوا العاصمة ومونتريال وتورنتو ودامنتون وتمان موفار كالجيري ولندن ووترلو، ويتكون المجتمع المسلم في كندا من ثلاث مجموعات، الأولى من أصول عربية، ويمثلون ثلث المسلمين، والثانية من الهند وباكستان وبنجلاديش، أما الثلث الآخر فينحدر من بلدان مختلفة كفيتنام وتركيا والبوسنة وكوسوفا وأمريكا اللاتينية؛ فضلاً عن الكنديين الذين اعتنقوا الإسلام، وقد نجح المسلمون في تحقيق الكثير من النجاحات والوصول إلى البرلمان، ويشغل كثيرون منهم مناصب هامة كرؤساء جامعات وأطباء وأصحاب شركات، وهو ما يدلل على اندماجهم التام في المجتمع الكندي، وأما عن أوضاعهم بعد أحداث سبتمبر فيشعر الكثيرون منهم بأن هناك جفوة بينهم وبين المجتمع نتيجة الضغوط التي مارستها الولايات المتحدة الأمريكية، والتي أثمرت عن صدور قانون جديد لمكافحة الإرهاب يُطبّق أساساً على المسلمين، وهناك حالات تمييز ضد المسلمين سواء في العمل أو المطارات أو المدارس أو الجامعات ووسائل المواصلات والأماكن العامة، وتتعرض المسلمات اللائي يرتدين الحجاب للمضايقات، ونحن من جانبنا نحاول مقاومة هذه المظاهر التي أزعجت الأقلية المسلمة بشدة، وإنهاء موجة التعصب ضد المسلمين لإعادة العلاقة السوية بينهم وبين باقي أفراد المجتمع الكندي.
ضغوط وإغراءات
يُقال إن الحملة لم تتوقف عند هذا الحد بل إن الحكومة الكندية أصبحت تدعم -ولو بشكل غير مباشر- منظمات التنصير في سعيها لتذويب هوية مسلمي البلاد؟
الضغوط والإغراءات موجودة ومنظمات التنصير منتشرة في كندا، وتُنفق عليها أموال وفيرة، إلاّ أن هذه الأموال لم تحقق نجاحات تُذكر في أوساط مسلمي كندا خصوصاً أن المسلمين في كندا متفقون في الأغلب الأعم، ولديهم درجة ما من الوعي تصعّب من محاولات بعض هذه المنظمات تنصيرهم؛ فالمسلم في كندا تربّى طوال حياته على أن الله واحد، فكيف يستطيع تغيير ملته وتقول له: إن الله ثلاثة أو تتحول إلى اليهودية بالزعم أن اليهود فقط هم شعب الله المختار، وهو يعلم أن قرآنه الكريم يقول:(ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر)؛ فذلك أمر مخالف للفطرة السليمة والسوية، والشخص الذي نشأ على الإسلام من الصعب تنصيره أو تهويده.
على ذكر تمسك المسلمين في كندا بدينهم .. ما هي درجة الوعي الديني لدى مسلمي كندا؟(61/97)
معقولة جدا ؛ فالمسلم في كندا- بشكل عام - يصلي ويصوم ويزكي ويحج ويتفاعل مع المجتمع بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويدعو إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، وهذا ما يحكم الأغلبية منهم لكن هناك مجموعة أخرى تؤدي فرائض الإسلام فقط، لكنها لا تتفاعل مع المجتمع الكندي، وعليها مآخذ كثيرة، ويوجد لدى مسلمي كندا أكثر من (200) مسجد؛ علاوة على آلاف المصليات المنتشرة في أنحاء كندا والمدارس والجامعات والشركات التي يملكها مسلمون، وتقوم هذه المساجد بدورها في نشر الوعي الديني للمسلمين هناك.
تحدّث الكثير من المراقبين عن أن اندماج المسلمين في كندا في مجتمعهم قد أدى في أحيان كثيرة إلى ذوبان هويتهم؟
هناك ثلاثة خيارات للمسلم في بلاد الغرب، الأول الذوبان وهو ما نرفضه، وهو أن يُترك الإسلام، ويذوب في المجتمع الكندي أو الغربي، أو النقيض من ذلك هو الانعزال، وبين الانعزال والذوبان هناك ما نسميه الاندماج الذكي، وهو أن يؤدي الإنسان شعائره ويعرف مشاكله كمسلم وفي نفس الوقت يتصرف كإنسان كندي ويهتم بمشاكل وهموم كندا ولا شك أن هذا الاهتمام سيوجد اندماجاً ذكياً، وسيفيد المسلمين بشدة، وسيحقق مصالح نسبية كبيرة .
مؤامرات صهيونية
هل لاحظت حرصاً من الحكومة الكندية لإنجاح مساعي دمج المسلمين في المجتمع الكندي، أم أن وجود لوبي صهيوني قوي هناك يؤثر سلبياً على هذا الأمر؟
لا شك أن اللوبي الصهيوني لن يسره كثيراً التقدم الذي يحققه المسلمون في المجتمع الكندي، لكن هذا الأمر لم يمنع الكنديين المحايدين من التعاون الجيد مع الجالية المسلمة، منهم مسؤولون رسميون ونواب في البرلمان، وأساتذة جامعات في المجتمع الكندي، ونحن نسعى لتحقيق هذا الاندماج الذكي في المجتمع عبر الكونجرس الإسلامي في كندا لتنمية إمكانيات الجالية المسلمة، ولكن هذا الأمر شديد التعقيد؛ فهناك نقص في الكوادر القانونية والقضائية في أوساط المسلمين مما يشكل صعوبة في انتزاع حقنا في تطبيق الشريعة الإسلامية في مجال الحقوق الشخصية، وهو ما نحاول تعويضه وسدّ هذه الفجوة عبر إعطاء منح لأبناء المسلمين الذين يقتحمون هذه المجالات، وهذا الأمر ليس سهلاً؛ لأن أغلب أبناء الجالية يدخلون أبناءهم كليات الهندسة والطب، ولدينا آلاف المتخصصين في هذين المجالين، وقد وضعنا خطة يتحقق بموجبها طفرة في كوادر مختلفة مثل الصحفيين والقضاة ورجال الأعمال والسياسة.
إعادة الاعتبار
اندلعت منذ مدة أزمة الرسوم المسيئة للرسول - صلى الله عليه وسلم -. كيف تعاطى مسلمو كندا مع هذه الأحداث؟ وما تقييمك لردود أفعال العالم الإسلامي؟
هذه الأزمة سياسية إعلامية في المقام الأول، وتدل على مدى استهانة الغرب بشكل عام بالأمة الإسلامية خدمة لجماعات سياسية بعينها؛ وإلا فقل لي بالله عليك، هل يستطيع هذا الصحفي أن يتحدث عن المحرقة أو يعادي السامية .. كما أنها دللت على مدى الضعف والهوان الذي وصلنا إليه، لدرجة أن الدنمارك لم تقدم حتى اعتذاراً أو تنهي عقد عمل مع رئيس تحرير الصحيفة التي نشرت الرسوم المسيئة للرسو صلى الله عليه وسلم . من جانبنا فقد تصدّينا في الكونجرس الإسلامي لمسلمي كندا لهذا الأمر عبر دعوى قضائية ضد مجلة كندية أعادت نشر الرسوم، وطالبنا رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء بشجب هذا السلوك، وقدمنا مذكرة للنائب العام للتحقيق في هذا الأمر، وقد أقام الكونجرس كثيراً من الندوات لفضح هذه المؤامرة انطلاقاً من قاعدة أنه لا يضيع حق وراءه مطالب، ما سرني في هذه الأزمة أنها لاقت تعاطفاً إيجابياً من الأقليات المسلمة في أوروبا وأمريكا أكبر من الشعوب الإسلامية نفسها.
غضب إيجابي
شهدت هذه الأزمة تبايناً في وسائل التصدي لها من مظاهرات ودعاوى قضائية ومقاطعة .. كيف تقيّم هذا التعاطي؟
كل الوسائل التي اتّحدت في مواجهة الأزمة كانت إيجابية، وطبعاً كان أفضلها المقاطعة الاقتصادية للبلدان التي نشرت الرسوم أو أعادت نشرها، ولكن من أسف أن هذه المقاطعة لم تستمر طويلاً للمنتجات الدانمركية والنرويجية، ورضخت الحكومات للضغوط الغربية، ولم تشارك في هذه المقاطعة. كما كانت المظاهرات تعبيراً جيداً عن الغضب الإسلامي على هذه الرسوم على الرغم من محاولة البعض استغلال بعض التجاوزات للإساءة للمسلمين وتشويه صورتهم، وتكشف هذه الحملات الراغبة في تشويه صورتنا، إننا إلى الآن لم نفهم عقلية الغرب حتى نتحدث ونتعايش معه، ونتعرف على القنوات السياسية والاجتماعية والإعلامية للتأثير في الرأي العام الغربي حتى نوظف هذا كله لمنع مثل هذه الانتهاكات مستقبلاً .
لا شك أن هذه الأزمة أكّدت أن حوار الأديان قد أخفق في التقريب بين معتنقيها بشكل يمنع الإساءة إلى رموز هذه الأديان.. ما رأيكم في ذلك؟(61/98)
لا مرادف لحوار الأديان إلا التسامح والتفاهم بين معتنقيها، على الرغم من ذلك فهذه القضية ليس لها علاقة بحوار الأديان، فمن قام بنشر هذه الرسوم لا يفهم حوار الأديان، ويرغب فقط في الإساءة لرسول الإسلام لتحقيق أهداف جماعات خبيثة ذات نفوذ، وتسعى للإساءة للإسلام والمسلمين، واستغلال وضعنا الضعيف، وهذا ما يجعل المسلمين مطالبين بتحسين أوضاعهم وتقوية شوكتهم في الغرب، وقد فعلنا ذلك في كندا في السنوات الأخيرة حتى أصبح لدينا (4) نواب في البرلمان من مجموع أعضائه الـ (300)، ولدينا كذلك نائبان في مجلس الشيوخ، ويقوم الكونجرس بدوره في تعريف المسلمين في كندا بحقوقهم وواجباتهم وكيفية الحصول عليها والوفاء بها وكيفية التصرف في الأزمات .. عموماً هذه الأزمة ليس لها علاقة بحوار الأديان؛ فالعداء للإسلام في الغرب هو قضية سياسية وإعلامية في المقام الأول؛ فالإسلام هو دين المسلمين الذين يتمتعون بثروة هائلة من البترول، وهناك رغبة جامحة في السطو على هذه الثروة، لذا فليس من الحصافة الربط بين هذه القضية السياسية والإستراتيجية وبين حوار الأديان، وعلى الرغم من ذلك فقد أدت جولات الحوار إلى تأييد جميع الزعامات الدينية في كندا مثلاً لموقف المسلمين، وقد جاءتنا خطابات تضامن بهذا.
يمتلك العديد من الدول العربية والإسلامية ملايين من العقول النابهة المهاجرة دون أن تكون هناك أدنى فائدة من هذه الإمكانيات ..كيف يستفيد العالم الإسلامي من هذه الكوادر بوصفك واحداً منهم؟
المشكلة ليست في هذه العقول المهاجرة بل في عدم امتلاك الدول العربية والإسلامية برامج عملية ومخططة لجذب هذه العقول إلى بلادها؛ بالإضافة إلى افتقادنا لقرار سياسي صارم يحقق الاستفادة من هذه الثروة المفقودة، بدلاً من التركيز على صنع فريق كرة قدم مثلاً وإنفاق ملايين الدولارات على اللاعبين، واستقدام أمهر المدربين، ولو كان العلم يحظى بربع هذا الاهتمام من هذه الأنظمة، وخُصصت ميزانيات معقولة للبحث العملي لاستطعنا الاستفادة من ذلك عبر إنتاج علمي غزير، وهو ما سينعكس على صنع فرص عمل والقضاء على عجز الميزانيات الذي تعاني منه بلداننا.
كيف تنظرون إلى مسيرة الإصلاح السياسي في العالم الإسلامي؟
أولاً لا يوجد أدنى تعارض بين الإسلام والإصلاح السياسي، وقد كتب علماء عديدون ومرجعيات دينية في هذا الأمر لإثبات عدم وجود مثل هذا التعارض، ولكن عملية التطبيق مختلفة؛ فهناك العديد من الدول العربية ترفض السير قدماً في عملية الإصلاح سعياً للتشبث بالسلطة، في حين أن البعض من هذه الدول تقوم بالإصلاح بشكل تدريجي، إلاّ أن هناك بطئاً شديداً في هذا الشأن، ونأمل أن تشهد السنوات القادمة مزيداً من حرية الرأي والديموقراطية، وتداول السلطة وهو أمر مهم جداً لحل أغلب مشاكلنا.
شكوك
كان من نتائج الانفتاح الديمقراطي في المنطقة وصول حركة حماس إلى السلطة في فلسطين . كيف تعاطى الساسة الكنديون مع وصول حركة إسلامية للسلطة؟
الحقيقة بالنسبة لحماس فقد أكّدنا لجميع وسائل الإعلام والساسة في كندا أن وصول حماس إلى السلطة قد جاء كخيار ديموقراطي للشعب الفلسطيني، وأخبرناهم أنه لا يمكن الحكم على تجربة حماس إلاّ بعد سنوات، وطالبنا المجتمع الكندي بضرورة دعم الخيار الديموقراطي للشعب الفلسطينين، ودحضنا جميع ادّعاءات الإعلام المتصهين في كندا، ولكن من أسف أن هذه الجهود لم تؤتِ ثمارها خصوصاً أن الحكومة في كندا حالياً يمينية، وتسير في الفلك الأمريكي
=============(61/99)
(61/100)
النظرة الشرعية للحوار بين الأديان
المجيب …د. أحمد بن عبد الرحمن القاضي
أستاذ العقيدة بجامعة القصيم
التصنيف …
التاريخ …25/12/1425هـ
السؤال
ما حكم الإسلام في الحوار بين الأديان الذي أقيم في أحد البلدان العربية؟ وكما هو معلوم أن المِلل تحارب الإسلام؟.
الجواب
هذه القضية لم تزل تتكرر منذ قرابة نصف قرن ، حين أطلق المجمع الفاتيكاني الثاني المنعقد في الفاتيكان في الفترة 1962-1965 الدعوة للتقارب بين الأديان ، وتلته مئات المؤتمرات والملتقيات والندوات تحت اسم (التقارب الإسلامي المسيحي) في حقبة السبعينيات والثمانينيات الميلادية ، ثم (الحوار الإسلامي المسيحي) ، وبعد اتفاقية (أوسلو) والسعي للتطبيع مع اليهود سميت (حوار الأديان الإبراهيمية) ، ثم في ظل العولمة وسع المدلول فقيل (حوار الأديان) أو (حوار الحضارات) ليتم إدراج الديانات الوثنية من هندوسية وبوذية وكونفوشية ، وغيرها. وأياً كان الأمر فالعبرة بالمضمون ، فإن كان المقصود من الحوار امتثال أمر الله تعالى في قوله: "قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئاً ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله"، فنحن أسعد الناس بالحوار ، بل يجب أن نكون أصحاب المبادرة بالدعوة إليه، كما يدل قوله: "تعالوا" وقد حاور صلى الله عليه وسلم اليهود في المدينة، وحاور نصارى نجران ، وكتب إلى ملوك الأرض يدعوهم إلى الإسلام ، وكذلك فعل أصحابه من بعده رضي الله عنهم، وسار على هذا النهج القرآني النبوي علماء الأمة في مناظراتهم ومحاجتهم لمخالفيهم بالحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن . فهذا اللون من الحوار هو حوار الدعوة) الذي جاء به المرسلون وهو وظيفة الأمة، وأما الحوار الذي يتحاشى الدعوة إلى توحيد الله ونبذ الشرك واتخاذ الناس بعضهم بعضاً أرباباً من دون الله فهو حوار باطل ، يتضمن التلبيس على الناس في أمر دينهم فيظن السذج والجهال أن الأديان سواء ، وأنه يسوغ لأي أحد أن يتدين بما شاء ، وأن جميع الأديان موصلة إلى الله ، كما يقول بذلك زنادقة الصوفية، أو أن يشتغل المتحاورون بضروب من المجاملات والمداهنات تحت ستار البحث عن أوجه الاتفاق وإقصاء أوجه الافتراق !! فهذا ما لم يسلكه رسول الله- صلى الله عليه وسلم -، ولا أهل الإسلام على مر القرون، ولا ينتج دعوة إلى اعتناق الإسلام، بل إن بعض هؤلاء المتحاورين يعتبر الدعوة الصريحة إلى اعتناق الإسلام في هذه المؤتمرات خيانة لأدب الحوار!! خلاف مضمون الكلمة السواء التي بينتها الآية السابقة.
وأما الحوار المتعلق بالمصالح السياسية ، والاقتصادية ، ونحوها فهذا يلتحق بباب السياسة الشرعية للأمة كتوقيع العقود والاتفاقيات ،فهذا تفرضه طبيعة التعايش بين البشر ، وتقاطع المصالح ، ولا يلتبس بأمر الاعتقاد والدين، والولاء والبراء .ومن المؤسف أن معظم المؤتمرات المعقودة بين ممثلي الأديان لا يسلك المتحدثون باسم المسلمين فيها المسلك النبوي الصريح في الدعوة ، بل يشتغلون في أمور جانبية هامشية ، وسط تغطيات إعلامية تبرز الهدف المبيت لغير المسلمين من الظهور بمظهر (الزمالة) و(التآخي) مما يفقد دين الله الحق تميزه ، وجاذبيته بحشره جنباً إلى جنب مع اليهود والنصارى والذين لا يعلمون .وقد رصدت في كتابي (دعوة التقريب بين الأديان) أكثر من ثلاثمائة مؤتمر على مدى أكثر من أربعة عقود لا تنحى المنحى الشرعي في الحوار والله المستعان.
============(61/101)
(61/102)
الحوار بين الأديان حقيقته وأنواعه
إعداد الشيخ :أبو زيد بن محمد مكي المحاضر بجامعة أم القرى 10/3/1424
11/05/2003
المقدمة
الحمد لله , والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :
فإن الغرب إذا شعر بظلمه للمسلمين , وبخوفه من انتقامهم , أو ارتبطت بهم بعض مصالحه فخاف عليها , رفع مباشرة شعار التعايش السلمي , والتسامح ونسيان الماضي , والتقارب , والتحاور , ونحو ذلك من الشعارات , ليأمن على نفسه ومصالحه بذلك , وينشر دينه وثقافته كذلك .
ومما يؤسف له أن تجد بعض من ينتسب للفقه الشرعي- فضلاً عن غيرهم من العصرانيين - يسارع في الإجابة , ويتهم غيره بالتقوقع والانغلاق وضيق الأفق , ثم قد تنكشف لبعضهم الحقيقة , فيعود محذراً , وكثيراً منهم يستمر في عماه , بل ويؤول النصوص الشرعية لتوافق مراد الغرب الكافر , والله المستعان .
ولهذا أحببت أن أكتب في موضوع " الحوار بين الأديان : حقيقته وأنواعه " , وفق الخطة التالية : قسمت البحث إلى مبحثين , لكل مبحث مطالبه كما يلي :
المبحث الأول : حقيقة الحوار بين الأديان , وفيه ثلاثة مطالب :
المطلب الأول : معنى الحوار لغة و اصطلاحاً .
المطلب الثاني : معنى الحوار بين الأديان .
المطلب الثالث : حقيقة الحوار بين الأديان في المنظور الغربي .
المبحث الثاني : أنواع الحوار بين الأديان , وفيه ستة مطالب :
المطلب الأول : حوار التعايش والتسامح .
المطلب الثاني : حوار الدعوة والبلاغ .
المطلب الثالث : حوار التقريب .
المطلب الرابع : حوار الوحدة .
المطلب الخامس : حوار الاتحاد .
ثم اختتمت البحث بخاتمة , ذكرت فيها أهم النتائج ,أسأل الله تعالى بمنه وكرمه الإعانة والتوفيق والإخلاص
المبحث الأول : حقيقة الحوار بين الأديان .
وفيه ثلاثة مطالب :
المطلب الأول : معنى الحوار لغة و اصطلاحاً .
أولاً معنى الحوار لغة :
الحِوَار في اللغة : مشتق من الحَوْر , وهو الرجوع . قال تعالى : ( إنه ظن أن لن يحور . بلى )(1)فالحوار هو : مراجعة الكلام (2) .
والمحاورة : المجاوبة (3) .
وأحار الرجل الجواب أي ردَّه .
وما أحاره أي : ما ردَّه (4) .
ثانياً : معنى الحوار اصطلاحاً .
الحوار اصطلاحاً : هو لفظ عام يشمل صوراً عديدة منها المناظرة والمجادلة (5) ويراد به : مراجعة الكلام والحديث بين طرفين , دون أن يكون بينهما ما يدل بالضرورة على الخصومة (6) .
وقد يكون مرادفاً للجدل , كقوله تعالى : (قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ) (المجادلة:1) وقد يفترقان حين يتحول الحوار إلى لدد في الخصومة , فهو حينئذ يسمى جدالاً لا حواراً (7)وقد يكون الحوار مرادفاً للمناظرة , لأن المتناظرين يتراجعان الكلام في قضية ما , بعد النظر فيها بعين البصيرة , إلا أن المناظرة أدلُّ في النظر والتفكر , كما أن الحوار أدل في الكلام ومراجعته(8).
المطلب الثاني : معنى الحوار بين الأديان
الحوار بين الأديان من المصطلحات الحادثة المجملة , وهو يتنوع بحسب أهدافه وأغراضه إلى عدة أنواع , منها ما هو حق , إذا كان الهدف شرعياً , ومنها ما هو باطل , إذا كان الهدف مذموماً شرعاً .
ولذلك فإن هذا المصطلح لا يرد مطلقاً لأننا بذلك نرد الحق الذي فيه , ولا نقبله مطلقاً لأننا بذلك نقبل الباطل الذي فيه .
ومما تقدم , يمكننا أن نقول أن للحوار بين الأديان عدة معاني بحسب أهدافه وأغراضه منها:
1-حوار الدعوة أو التنصير .
2-حوار التعايش أو التسامح .
3-حوار التقريب .
4-حوار الوحدة .
5-حوار الاتحاد(9).
وسيأتي بمشيئة الله تعالى , بيان معنى كل نوع من هذه الأنواع في العالم الإسلامي وفي العالم الغربي , وأبرز المؤسسات أو الشخصيات الداعية له .
المطلب الثالث :حقيقة الحوار بين الأديان في المنظور الغربي :
الحوار بين الأديان في المنظور الغربي بكل أنواعه وسيلة تنصيرية , واستعمارية , ومناورة سياسية لوقف القتال بعد تحقيقهم لبعض المكاسب .
ذكر دانيال آر بروستر , في محاضرة له بعنوان " الحوار بين النصارى والمسلمين " عدة حقائق توضح حقيقة الحوار عند النصارى منها :
1-في عام 1960 م , رفع مجلس الكنائس العالمي الحوار مع المسلمين , وكان يعتبر هذا الحوار وسيلة مفيدة للتنصير , فإن الحوار الذي هو وسيلة لكشف معتقدات وحاجيات شخص آخر هي نقطة بداية شرعية للتنصير .
2-وفي عام 1968 م , نقل الحوار خارج محيط التنصير ,واكتفى بالإقرار بصحة الديانة النصرانية , وفتح أبواب الصداقات , والمشاركة في الحياة على وفق ما يراه النصراني .
3-إن الهدف من الحوار هو إقناع الآخرين باتخاذ قرارات معينة , فإن بدر منهم ذلك فدعهم يسمونه ما يشاءون (10).
وذكر هيوكيتسكل - زعيم حزب العمال البريطاني - في كتابه " التعايش السلمي والخطر الذي ينتابه " تعريف التعايش بأنه : " مناورة خالصة , وهي ظاهرة مؤقتة , قد تقتضي تحوير السياسة بوقف القتال , وتخفيف الضغط "(11).
ومما جاء في الكتاب الصادر عن الفاتيكان عام 1969 م :(61/103)
1-هناك موقفان لا بد منهما أثناء الحوار : أن نكون صرحاء , وأن نؤكد مسيحيتنا وفقاً لمطلب الكنيسة .
2-سيفقد الحوار كل معناه إذا قام المسيحي بإخفاء أو بتقليل قيمة معتقداته التي تختلف مع القرآن.
3-لا يكفي أن نتقرب من المسلمين , بل يجب أن نصل إلى درجة احترام الإسلام على أنه يمثل قيمة إنسانية عالية وتقدماً في التطور الديني بالنسبة للوثنية .
4-إن الحوار بالنسبة للكنيسة هو عبارة عن أداة ,وبالتحديد:عبارة عن طريقه للقيام بعملها في عالم اليوم(12).
ولذلك صرح أهل العلم ممَّن درس مفهوم الحوار عند الغرب , سواء بمسمى الزمالة أو الصداقة أو التقارب أو نحو ذلك من المسميات بأن هذه الدعوى جوهرها وهدفها في الحقيقة هو أن يكسب اليهود والنصارى اعترافاً من المسلمين بصحة دينهم , وهذا له دور كبير في صد النصارى واليهود عن الدخول في الإسلام(13).
المبحث الثاني : أنواع الحوار بين الأديان
المطلب الأول : حوار التعايش والتسامح
المسألة الأولى : المراد بالتعايش والتسامح في الدين الإسلامي :
لم ترد لفظة التعايش والتسامح في القرآن أو السنة , ولكن ورد لفظ البر والإحسان والقسط (14).
فالحوار المتعلق بالعلاقة المعيشية البحتة بين معتنقي الأديان , ويهدف إلى تحسين العلاقة بين شعوب أو طوائف , وربما تكون أقليات دينية(15), فإن الإسلام يرحب به , ويدعو إليه من خلال الإحسان والبر والقسط , ولا يتنافى مع نصوص الشرع الناهية عن موالاة الكفار(16).
قال تعالى : (لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ) (الممتحنة:8)
فمفهوم التسامح والتعايش في الإسلام هو : التعامل مع غير المسلم وفق الحكمة واللين والمعروف سواء في ذلك التعامل في الخطاب , أو في مطلق التصرف , وفق الضوابط الشرعية(17). فإذا حارب أو اعتدى فعلى المسلمين أن يحاربوه ويردعوه(18).
فأهم ضوابطه ثلاثة (19):
1-مراعاة جانب الولاء و البراء .
2-إقامة العدل .
3-الحكمة في الدعوة أو المعاملة .
المسألة الثانية : المراد بالتعايش والتسامح في العالم الغربي .
لقد رفع الغرب شعار التعايش والتسامح مع العرب والمسلمين في اليوم السادس من نوفمبر 1973 م بعد الأحداث التالية(20) :
1-نشوب الحرب يوم العاشر من رمضان - السادس من أكتوبر - وقيام القوات العربية بعمليات حربية لتحرير الأراضي العربية المحتلة , ونجاحها في إنزال ضربات قوية بالمحتل الإسرائيلي .
2-قرار وزراء النفط العرب يوم السابع عشر من أكتوبر في الكويت : فرض الحصار النفطي على الولايات المتحدة الأمريكية , وتخفيض مستوى الضخ حتى يتحقق الجلاء عن الأراضي العربية المحتلة , وتؤمن الحقوق الوطنية لشعب فلسطين .
3-فرض الدول العربية الحظر النفطي على هولندا يوم العشرين من أكتوبر لموقفها العدائي من العرب .
فهذا الشعار عبارة عن مناورة خالصة , وظاهرة مؤقتة , من أجل وقف القتال , أو تخفيف الضغط(21).ثم تطور هذا الشعار حتى أصبح دعوى فكرية تخفي وراءها أهدافاً عديدة : عقدية وثقافية , واجتماعية , وسياسية , واقتصادية (22), ومن أمثلة ذلك :
1-اتخاذه وسيلة للتنصير وتشويه حكم الردة في الإسلام .
2-اتخاذه وسيلة لمحاربة مفهوم الجهاد في الإسلام , وإضعاف عقيدة الولاء و البراء .
3-المحافظة على المكاسب المتحصلة , وامتصاص غضب العرب والمسلمين من الظلم الحاصل عليهم .
4-المطالبة بالحصول على المناصب الهامة داخل الدولة المسلمة(23).
وفي عام 1415هـ ( 1995 م ) أعلنت هيئة الأمم المتحدة أن هذا العام هو عام التسامح, وأصدرت نشرة خاصة عن ذلك , وكان أبرز ما فيها الدعوة إلى التسامح بين الأديان , ويريدون به الدعوة إلى زمالة الأديان , وجعل القاسم المشترك بينها البيان العالمي لحقوق الإنسان , والتأكيد على الحرية الدينية , واعتبار حكم الردة في الإسلام منافياً لهذه الحرية(24).
وقد قام بعد ذلك بالدور على أتمه و أكمله المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم و الثقافة ( إيسسكو ) فأصدرت كتاباً باسم " مفهوم التعايش في الإسلام "(25)
أثبت فيه أن الإسلام يقر بالديانات السماوية , وأنه مهيمن عليها لا بمعنى ناسخ لها , وإنما بمعنى مراقب , فهو يرصد ما تتعرض له تلك الديانات من تحريف عن أصلها الحق(26), ثم يقول :
" لا انفتاح ولا حوار , وبالتالي لا تعايش بدون كيان شخصي وهوية خاصة , أي بدون المحافظة عليها , مما يقتضي عدم التنازل عنهما , وفي طليعتهما : الدين , وإلاَّ فلا يكون انفتاح ولا يكون حوار , ولا يكون تعايش , وإنما تكون الهيمنة والتسلط ...
والإلحاح على مثل هذا الحوار راجع إلى أمرين :
الأول : لتحقيق المزيد من التفاهم المفضي إلى التعايش .
الثاني : لتقوية الإيمان بالله في النفوس , خاصة بعد أن طغت المادية , وتفشت قيمها المسيطرة على الشباب في جميع أنحاء العالم "(27).(61/104)
ثم أصدرت اليونسكو بياناً بمعنى التسامح وأنه : " احترام الآخرين وحرياتهم , والاعتراف بالاختلافات بين الأفراد , والقبول بها ...
والتسامح هو تقدير التنوع الثقافي , وهو الانفتاح على الأفكار والفلسفات الأخرى بدافع الاطلاع , وعدم رفض ما هو غير معروف "(28).
ثم قامت كتابات عربية أخرى تؤكد على هذا المعنى من التسامح , وتقصد به حرية الردة عن الإسلام , وحرية السلوك والأخلاق .
فهذا محمد الطالبي يقول بأنه : لا يرى سنداً في الإسلام لما يعرف بحكم الردة(29).
وهذا عبد الفتاح عمر يتسائل : هل الظاهرة الدينية ستقوم على ترسيخ قيم الاحترام والتسامح , أم أنها ستنبني على التطرف والعنف والتكفير والتدخل فيما للغير من معتقدات وماله من سلوكيات ؟
هل الظاهرة الدينية ستساعد على ترسيخ الحرية الدينية , أم هل أنها ستعصف بها في آخر الأمر(30) .
المسألة الثالثة : أمثلة على حوار التعايش في الواقع المعاصر .
-1- الحوار بين الشمال والجنوب .
والمقصود به الحوار بين البلدان المتطورة الغربية , ويرمز لها بالشمال , وبين بلدان العالم الثالث ويرمز لها بالجنوب , وذلك عندما فرض الشمال على الجنوب تعديل أسعار النفط , دون أن يدخل على النظام الاقتصادي أي تعديلات , وبعد مناورات دامت العامين , قبل الشمال إجراء الحوار مع الجنوب في هذا الموضوع , واضطر أن يضع نظاماً جديداً بعد ذلك(31).
-2- الحوار العربي الأوروبي .
كما تقدم , عندما شعرت أوروبا وأمريكا بانتصار المسلمين في حرب العاشر من رمضان 1973 , وممارسة العرب بعض الضغوط النفطية على أمريكا وهولندا , لجأت لإجراء الحوار امتصاصاً لغضب العرب , ومحافظة على مكاسبهم(32).
المطلب الثاني : حوار الدعوة والبلاغ .
المسألة الأولى : المراد به في الدين الإسلامي :
الحوار مع أصحاب الديانات الأخرى من أجل دعوتهم للدين الإسلامي الخاتم والناسخ لجميع الأديان السابقة , وإيضاح محاسن الإسلام لهم , وبيان ما هم عليه من باطل , واستنقاذهم من ظلمات الشرك والجهل , هذا الهدف من أعظم ما يدعو إليه الإسلام , وبالتالي فهذا النوع من الحوار , مطلوب شرعاً وعقلاً(33).
قال تعالى : (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) (آل عمران:64).
المسألة الثانية : المراد به في العالم الغربي :
يراد بهذا النوع من الحوار عند الكنيسة الكاثوليكية , وعند مجلس الكنائس العالمي , وعند المستشرقين من النصارى عدة أمور :
الأمر الأول : اتخاذه وسيلة للتنصير , وهذه كانت غايتهم الأولى , من إعلان الحوار مع المسلمين .
الأمر الثاني : اتخاذه وسيلة لتشكيك المسلمين في دينهم , وفي نبيهم , r.
الأمر الثالث : اتخاذه وسيلة لأخذ الشهادة والإقرار بصحة دينهم , وجواز التعبد به لله تبارك وتعالى(34).
ولهذا فقد وضع النصارى مقياساً يقاس به نجاح هذا النوع من الحوار مكوَّن من عشرة أمور كالتالي(35):
(-7) - لا إدراك بالنصرانية .
(-6) - إدراك بوجود النصرانية .
(-5) - بعض المعرفة بالكتاب المقدس .
(-4) - فهم مبادئ الكتاب المقدس الأساسية .
(-3) - إدراك التضمينات الشخصية .
(-2) - إدراك الحاجة الشخصية .
(-1) - التحدي والقرار بقبول المسيح .
(+1) - التحول .
(+2) - تقييم القرار .
(+3) - الاندماج في الزمالة النصرانية .
المسألة الثالثة : أبرز المؤسسات الداعية له في العالم الغربي :
1-الكنيسة الكاثوليكية :
وهي الكنيسة التي اعتقدت قرارات مجمع نيقية المنعقد عام (325م) , ومقر قيادتها الفاتيكان , وهو مقام البابوات في روما , وقد أعلن مجمع الفاتيكان الثاني عام 1962م الدعوة إلى الحوار بين الأديان , وأصدر النشرات والكتب الموضحة لذلك , ووضع خطة لإعداد وتدريب المحاورين النصارى , ومن تلك الكتب :
أ - نحو حوار مع الإسلام .
ب - توجيهات في سبيل الحوار بين المسيحيين والمسلمين .
وقد أولى البابا يوحنا بولس الثاني , والذي تزعم رئاسة هرم هذه الكنيسة من عام 1978, الحوار بين الأديان عناية فائقة , واعتبره في إطار المهمة الأساسية للكنيسة , وهي التبشير(36).
2-مجلس الكنائس العالمي :
يمثل هذا المجلس بقية الطوائف النصرانية غير الكاثوليكية من بروتستانت , و أرثوذكس , وقد ولد هذا المجلس نتيجة لقاءات عالمية لتلك الكنائس من أجل توحيدها , ويعتبر لهذا المجلس قوة ونفوذ تضاهي قوة الفاتيكان على الكنيسة الكاثوليكية .
وقد قام أيضاً هذا المجلس بإقامة دورات تدريبية للمنصرين للقيام بمهمة لحوار , ولكنَّه لما لم ير جدوى من ذلك مال بالحوار إلى دعوى التقارب والزمالة بين الأديان , وأدرجه ضمن إطار العلاقات الدولية للمجلس (37).
المطلب الثالث : حوار التقريب بين الأديان
المسألة الأولى : المراد به عند العصرانيين :(61/105)
من أفضل من شرح فكرة التقريب من العصرانيين على حسب اطلاعي : د. عباس الجراري في كتابه " الحوار من منظور إسلامي " والذي نشرته " المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة " (ايسيسكو ) وقدَّم له المدير العام للمنظمة شاكراً له حسن عرضه لوجهة النظر الإسلامية في هذا الموضوع , ويليه د. يوسف الحسن , في كتابه الحوار الإسلامي المسيحي ( الفرص والتحديات), والذي نشره المجمع الثقافي بالإمارات , وأبرز ما في فكرتهم ما يلي :
1- شروط نجاح الحوار : الانطلاق من اعتراف كل طرف بالآخر , ويبدأ بالاستعداد النفسي للانفتاح عليه بتسامح , أي : بقبوله كما هو . ثم البحث أثناء الحوار عن مواطن الاتفاق,والبعد عن مواطن الاختلاف(38).
2- قاعدة الحوار تتمثل في المعادلة التالية :
أ - ما تريد أن يعرفه عنك الآخر , فأعرفه أنت عنه .
ب- ما تريد أن يفعله معك الآخر , فافعله أنت معه .
والمقصود بالآخر هو من يؤمن بعقيدة غير عقيدتك . ويقصدون بذلك السماحة ونيسان الماضي(39).
3 - تأويل " الكلمة السواء " في قوله تعالى : (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ)(آل عمران: من الآية64)بأنها فعل الصالحات والنافعات للبشرية,ومواجهة الطغيان , وتحقيق معرفة ك طرف بالآخر, وإزالة سوء الفهم, دون المحاولة إلى إلغاء الخصوصيات(40).
4- البعد عن جعل الحوار دعوة مبطنة سوء للإسلام أو للنصرانية ,والبعد عن التلفيق الديني, والبعد عن نوازع التشكيك , ومقاصد التجريح , بل لا بد من إشاعة المودة وروح المسالمة والتفاهم والوئام , والتعاون فيما يقع التوافق فيه من أعمال النفع العام للبشرية(41).
وكما نلاحظ أن هذا النوع قريب من حوار التعايش , إلاَّ أنه يزيد عليه المطالبة بإشاعة روح المودة والمحبة , وإزالة البغضاء والكراهية من النفوس , وأن تتقبل صاحب الديانة الأخرى كما هو, ولكنه يختلف عن الوحدة أنه لا يشترط فيه الإقرار بصحة الديانة الأخرى .
المسألة الثانية : المراد به في العالم الغربي وأشهر الدعاة إليه(42):
العالم الغربي بعد نجاحه في إدارة الحوار العربي الأوربي ,واستطاع عن طريقه أن يمتص غضب العرب , وأن يقنعهم بفكره الذي يريد , وجد أمامه عقبة الدين , وخصة الدين الإسلامي الذي يأمر أتباعه بالبراءة من الكفار , ومجاهدتهم , والغلظة عليهم , فصار يطالب بالحوار بين الأديان , على أساس أن يقبل أتباع كل دين المخالف لهم كما هو , ويكون التعاون من أجل السلام العالمي , والتعايش العالمي , وترك المعاداة , ونحو ذلك.
وأبرز المؤسسات الداعية إليه : مجلس الكنائس العالمي عن طريق " لجنة الحوار مع أصحاب العقائد والمثل الحية " .
المطلب الرابع : حوار الوحدة بين الأديان .
المسألة الأولى : المراد به :
المراد به : الحوار من أجل الوصول إلى القول بصحة جميع المعتقدات والديانات , وأنها ينبغي أن تكون جنباً إلى جنب , تتزامل في الإيمان , دون أن يتخلى كل دين عن عقائده وشرائعه الخاصة به (43).
المسألة الثانية : أقسامه .
وهذا النوع على قسمين :
القسم الأول : الوحدة الصغرى : وهذا خاص بالأديان التي تعلن انتمائها إلى إبراهيم عليه السلام , وهي الإسلام واليهودية والنصرانية , ولذلك يطلق أصحاب هذا القسم على هذه الأديان : الأديان الإبراهيمية(44).
وتفرع عن هذا القسم من الحوار الدعوة إلى بناء : مسجد وكنيسة ومعبد في محيط واحد , في رحاب الجامعات والمطارات والساحات العامة , والدعوة إلى طباعة القرآن الكريم والتوراة والإنجيل في غلاف واحد(45).
والقسم الثاني : الوحدة الكبرى , وهذا شامل لجميع الأديان والملل الوثنية, بل والملحدين, بجامع أن تلكم الوثنيات آثار نبوات سابقة ,وأن الملحدين يؤمنون بالإنسان ,وأن للحياة معنى(46).
المسألة الثالثة : أهدافه :
ويهدف هذا النوع من الحوار إلى عدة أمور أهمها :
1-إلغاء تقسيم الناس إلى مسلم وكافر , فلا ولاء ولا براء , والقول بصحة جميع الأديان , وأنها طرق لتحقيق غاية واحدة .
2-تحقيق المصالح المشتركة كمحاربة الشيوعية , وتضييق مجال عملها (47).
3-الدعوة إلى انفتاح الإسلام الشامل على كافة الديانات , وإقراره بصحتها(48).
المسألة الرابعة : أبرز دعاته :
إن الدعوة إلى وحدة الأديان دعوة قديمة , فقد دعا إليها زنادقة الصوفية كابن عربي , والفرق الباطنية كإخوان الصفا(49).
وأمَّا عند النصارى , فيعتبر الراهب " رامون لول " المتوفى عام 1315هـ أول من دعا إلى تصويب جميع صور العبادات والأديان .
وأمَّا الدعوة إلى التقارب في الإبراهيمية , فيعتبر المستشرق الفرنسي " لويس ماسينيون " أول من دعا إليها بحماس , عن طريق كتاباته عن الحلاج , وعن طريق تدريسه في جامعة القاهرة, وإدارته لمجلة العالم الإسلامي عام 1919م .(61/106)
وأخيراً , تأتي محاولة روجيه جارودي للتحاور بين الأديان على أساس إقامة وحدة فيدرالية للطوائف الدينية , ورأى أن الرابط بين الأديان هو الإيمان بمعناه الأرحب والأوسع , والذي يمكن أن يوجد حتى عند الملحدين , فهم لديهم إيمان بالإنسان , ورأى أن أفضل دين فيه سعة ورحابة يمكن أن يتقبل فكرته هذه هو الإسلام , ولكن ليس بمدلوله الخاص , وإنما بمدلوله العام والذي يعني الاستسلام لله .
يقول جارودي : " إن الفكرة الأولى لعلاقات المسلمين مع بقية الطوائف الدينية في فكر ورأي صلى الله عليه وسلم كانت إقامة ما نسميه اليوم (وحدة فيدرالية) للطوائف الدينية , لكن حصل أن هذا الأمر لم يتحقق أبداً في التاريخ , لا في المسيحية ولا في اليهودية أو في الإسلام, لكن أعتقد أن هذه المعادلة قابلة للعيش والاستمرار , أي : أن تصل بنا إلى روابط الجماعة , وروابط الأرض , وروابط السوق المشترك , وحتى روابط الماضي والثقافة , وإقامة كل شيء على أساس المستقبل , أي : على الإيمان المشترك بمعناه الأرحب والأوسع , وحتى الملحدين ممكن أن يكون لديهم إيمان بالإنسان , وبإمكانهم إقامة طائفة دينية بالمعنى الذي قلناه فيما سبق لتعميق هذا الاحترام الأساسي للإنسان .
هكذا أعتقد ما هو ممكن , لكنني أعترف أن هذا أحد الأسباب التي جذبتني للإسلام , ذلك أن الإسلام هو أكثر الديانات جمعاً وتوحيداً للإنسان , وهو بمثابة عصارة و زبدة الأديان "(50).
وقد شرح جارودي في مناسبات عدة دينه الذي هو عليه الآن , ومشروعه الذي وقف حياته عليه .
فأما دينه فهو الإسلام الإبراهيمي كما يسميه , وأما مشروعه فهو الدعوة إلى الوحدة الصغرى في الإبراهيمية , أو الكبرى مع جميع الأديان حتى مع الملاحدة المؤمنين بالإنسان .
يقول جارودي عندما سئل عن دينه : " على دين إبراهيم , ولمَّا لم يكن إبراهيم يهودياً ولا مسيحياً , ولا بوذياً ولا مسلماً بالمعنى التاريخي للكلمة , فأنا كذلك : مسلم بالمعنى العام وليس الخاص لهذه الكلمة , وكوني أصبحت مسلماً , فهذا لا يعني أني تخليت عن اعتقاداتي الدينية والفلسفية السابقة , والإسلام بهذا المعنى يجمع بين أتباع كل الرسل منذ عهد إبراهيم , أي الذين نادوا لدين التوحيد , لذلك فأنا عندما أنشأت متحف قرطبة للحضارة الإسلامية قبل ست سنوات في أسبانيا , قمت في هذه المناسبة بعقد مؤتمر ( ديني إبراهيمي ) , أسندت رئاسته بالتساوي إلى ثلاث شخصيات إسلامية ومسيحية ويهودية ... "(51).
ولذلك فقد أفتى الشيخ ابن باز - رحمه الله - بأن جارودي ليس مرتداً , لأنه لم يدخل الإسلام أصلاً (52).
وقد وجد جارودي دعماً كبيراً لفكرته من بعض المؤسسات والمنظمات الحكومية , والتي كان من نتاجها العملي ما يلي :
1-المعهد الدولي للحوار بين الحضارات في جنيف .
2-الملتقى الإبراهيمي في قرطبة .
3-المركز الثقافي في القلعة الحرة في قرطبة(53).
المطلب الخامس : حوار الاتحاد بين الأديان .
المسألة الأولى : المراد به(54):
هو الحوار الذي يتم فيه التقاط أو انتقاء عناصر من كل دين , ثم دمجها سوياً , وتتخذ ديناً, وتترك تلك الأديان .
وهو على نوعين :
الأول : حوار التقاطي : يتم فيه الدمج دون تنسيق منهجي بين العناصر الملتقطة .
وهذا مثاله الديانة المونية .
والثاني : حوار تلفيقي : وهذا يتم فيه الدمج بتنسيق منهج بين العناصر الملتقطة .
وهذا مثاله ديانة كريسلام , والديانة البهائية .
المسألة الثانية : أبرز دعاته في العالم الإسلامي(55):
تعتبر فرقة البهائية هي أبرز من يدعو إلى توحيد الأديان , وتسمي الدين الملفق بالديانة العالمية , والذي تبشر به البهائية وتدعو إليه , وتعتقد أنه الدين الناسخ لجميع الأديان السابقة , والذي يمكن أن يوحد العالم , ويعطي له السعادة والراحة والاطمئنان .
فمما ينادي به البهاء : " أن يتحد العالم على دين واحد , ويصبح جميع الناس إخواناً , وتتوثق عرى المحبة والاتحاد بينهم , وتزول الاختلافات الدينية " .
المسألة الثالثة : أبرز دعاته في العالم الغربي .
أولاً : أصحاب الديانة المونية :
وهؤلاء أتباع " صن مون " الكوري الشمالي الثري , والذي لفق لهم ديناً من النصرانية واليهودية والإسلام والبوذية , وكذلك من النظريات العلمية , وادعى النبوة , وأنه جاء بدين يوحِّد العالم , ويكسبه السعادة والسرور(56).
ثانياً : أصحاب ديانة كريسلام :
هذا الاسم الجزء الأول منه يدل على النصرانية , والثاني : الإسلام , فهي مزيج منهما , قام بذلك الأب الأسباني " إيميلو غاليندور آغيلار " , ودعا الناس إلى التوحد على هذا المبادئ الملفقة من هاتين الديانتين,وتطالب بالتخلص من وصاية المؤسسات الدينية التي أثبتت-بدلاً من أن تكون عوامل مساعدة-أنها عقبات في طريق التوحيد(57).
(1)- سورة الانشقاق : 14
(2)- انظر: مقاييس اللغة لابن فارس ( 2 / 117 ) .
(3)- انظر : القاموس المحيط للفيروز آبادي ( 2/ 23 - 24 ).
(4) -- انظر: مختار الصحاح , للرازي ( 161 ).
(5)-انظر:لسان العرب,لابن منظور( 3 / 383 -385 ), والمصباح المنير للفيومي ( 156 ).(61/107)
(6) - انظر : الحوار : أصوله المنهجية , وآدابه السلوكية , لأحمد الصويان (17) .
(7) - انظر : أصول الحوار , الندوة العالمية للشباب الإسلامي , (9) .
(8) - انظر : كيف تحاور , لطارق الحبيب ( 8 - 10 ) .
(9) - انظر : الحوار مع أهل الكتاب : أسسه ومناهجه , لخالد القاسم ( 108 ) .
(10) - انظر : الحوار مع أهل الكتاب , لخالد القاسم ( 112 - 143 ) , ودعوة التقريب بين الأديان , لأحمد القاضي ( 347 - 350 ) .
(11) - انظر : التنصير , خطة لغزو العالم الإسلامي , الترجمة الكاملة لأعمال المؤتمر التبشيري الذي عقد في مدينة جلين آيري بالولايات الأمريكية عام 1978( 767 - 783 ).
(12) - التعايش السلمي (3) .
(13) - انظر : كتاب الفاتيكان : توجيهات من أجل حوار بين المسيحيين والمسلمين , نقلاً عن كتاب " التنصير " لعبد الرحمن الصالح ( 62 - 66 ) .
(14) - انظر : أهمية الجهاد للعلياني ( 449 ) , والإبطال , لبكر أبو زيد ( 35 - 46 ) , والتبشير والاستعمار لمصطفى الخالدي وعمر فروخ(257, والاتجاهات العقلانية الحديثة,ناصر العقل( 407 ), والولاء و البراء لمحمد سعيد القحطاني ( 346 - 351 ) .
(15) - انظر : تسامح الغرب , لعبد اللطيف الحسين ( 27 ) .
(16) - انظر : دعوة التقريب ( 1 / 349 ) .
(17) - انظر : تسامح الغرب ( 26 ) .
(18) - انظر : التساهل مع غير المسلمين : مظاهره وآثاره . عبد الله الطريقي ( 7 , 8 ) , وتسامح الغرب ( 27 ) .
(19) - انظر : حقيقة العلاقة بين المسلمين وغير المسلمين , سعد الصيني ( 25 - 26 ) .
(20) - انظر : تسامح الغرب ( 38 - 53 ) .
(21) - انظر : الحوار العربي الأوروبي , أحمد صدقي الدجاني ( 10 ) .
(22) - انظر : التعايش السلمي , هيوكتسكل ( 3 ) .
(23) - انظر : تسامح الغرب ( 17 ) .
(24) - انظر : التساهل مع غير المسلمين : مظاهره وآثاره , وتسامح الغرب , والمسلمون والأوروبيون , نحو أسلوب أفضل للتعايش , سامي الخزندار .
(25) - انظر : النشرة في آخر كتاب " دراسات في التسامح " من إعداد المعهد العربي لحقوق الإنسان بتونس ( 399 - 416 ) .
(26) - تأليف : د. عباس الجراري .
(27) - انظر : مفهوم التعايش في الإسلام ( 47 - 48 ) .
(28) - مفهوم التعايش ( 52 - 53 ) .
(29) - نقلاً عن تسامح الغرب ( 30 ) .
(30) - انظر : مقالته بعنوان " الحرية الدينية حق من حقوق الإنسان أم قدر الإنسان " , ضمن كتاب دراسات في التسامح ( 30 ) .
(31) - انظر : مقالته بعنوان : " الحرية الدينية " , ضمن كتاب دراسات في التسامح ( 57 ) .
(32) - انظر : حوار الشمال والجنوب : أسسه ونتائجه , إشراف د0 جورج قرم ( 7 ) فما بعدها .
(33) - انظر : الحوار العربي الأوروبي , هيفاء أحمد السامرائي ( 5 - 9 ) .
(34) - انظر : الحوار مع أهل الكتاب , لخالد القاسم ( 112 - 117) , ومقالة د0 محمد بن عبد الله السحيم " دعوة أهل الكتاب " في مجلة التوعية الإسلامية عدد ( 152 ) ص ( 139 ) .
(35) - انظر : التنصير , د. عبد الرحمن الصالح ( 62 - 72 ) .
(36) - انظر : التنصير ( خطة لغزو العالم الإسلامي ) ( 775 ) .
(37) - انظر : دعوة التقريب ( 1 / 406 - 461 ) .
(38) - انظر : دعوة التقريب ( 2 / 463 - 499 ) .
(39) - انظر : الحوار من منظور إسلامي ( 11 , 12 , 21- 23 ) .
(40) -انظر : المصدر السابق ( 24 ) .
(41) - انظر : الحوار الإسلامي المسيحي (43 - 44) .
(42) -انظر : الحوار الإسلامي المسيحي (13) .
(43) - انظر : المصدر السابق (33) .
(44) -انظر : دعوة التقريب ( 3 / 1140 - 1173 ) .
(45)-انظر : الولاء و البراء , لمحمد سعيد القحطاني ( 346 - 351 ) , ودعوى " وحدة الأديان : أهدافها , حكمها , خطرها " , جمع وإعداد : أبو أنس علي أبو لوز , وحمود المطر ( 15 - 23 ) , والإبطال لنظرية الخلط بين دين الإسلام وغيره من الأديان , لبكر أبو زيد ( 22 - 25 ) .
(46) -انظر : دعوة التقريب لأحمد القاضي ( 1/ 341 ) .
(47) - انظر : فتوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء برقم 19402 , وتاريخ 25 / 1 / 1418هـ .
(48) - انظر : دعوة التقريب ( 1 / 342 ) .
(49) - انظر : الحوار مع أهل الكتاب لخالد القاسم ( 127 , 128 ) .
(50) - انظر : الاتجاهات العقلانية الحديثة , د. ناصر العقل (412) , والسلفية وقضايا العصر , د0 عبد الرحمن الزنيدي (609) .
(51) -فيدرالية .
(52)- مقابلة في مجلة الموقف عام 1984 ( 181 - 182) نقلاً عن دعوة التقريب (858) .
(53)-مجلة المجلة,عدد (839),من شهر شوال 1416هـ,نقلاً عن دعوى وحدة الأديان (64) .
(54) - انظر فتواه في كتاب دعوى وحدة الأديان (72) .
(55) -انظر : دعوة التقريب ( 2 / 907 - 937 ) .
(56)- انظر:أهمية الجهاد للعلياني(507, 508), والإبطال (99 , 100 ), ودعوة التقريب (1 / 396 ) .
(57) ( انظر : الموسوعة الميسرة في الأديان ( 2 / 669 - 674 ) , ودعوة التقريب 1/344) .
المراجع
1-معجم مقاييس اللغة , لابن فارس , دار الجيل - بيروت ط (1) , 1411 هـ .
2- مختار الصحاح , للرازي , مكتبة النوري , دمشق .(61/108)
3- لسان العرب , لابن منظور , دار إحياء التراث العربي - بيروت , ط (2) , 1413هـ .
4- المصباح المنير , للفيومي , دار الفكر - بيروت .
5- القاموس المحيط , للفيروز أبادي , دار إحياء التراث لعربي - بيروت , ط (1) 1412هـ .
6- الحوار مع أهل الكتاب : أسسه ومناهجه في الكتاب والسنة , خالد بن عبدا لله القاسم , دار المسلم , الرياض , ط (1) , 1414هـ .
7- الحوار : أصوله المنهجية وآدابه السلوكية , أحمد عبد الرحمن الصويان , دار الوطن للنشر , الرياض , ط (1) , 1413هـ .
8- كيف تحاور (دليل عملي للحوار) , طارق بن علي الحبيب , مؤسسة طيبة للنشر , الاسكندرية , ط (1) , 2001م .
9- أصول الحوار, الندوة العالمية للشباب الإسلامي , الناشر : الندوة , الرياض , ط(2)1408هـ.
10- قواعد ومنطلقات في أصول الحوار ورد الشبهات , د0 عبد الله بن ضيف الله الرحيلي , دار المسلم , الرياض , ط (1) 1414هـ .
11- دعوة التقريب بين الأديان , أحمد القاضي , دار ابن الجوزي , الدمام , ط (1) , 1422هـ .
12- أمريكا ... والإسلام (تعايش أم تصادم) , د0 عبدالقادر طاش , الشركة السعودية للأبحاث والنشر (جدة) , ط (1) , 1414هـ .
13- غير المسلمين في المجتمع الإسلامي , د0 يوسف القرضاوي , الناشر : مكتبة وهبة , مصر.
14- التعايش السلمي , هيوكتسكل , نقله إلى العربية : المحامي جليل قسطو , دار النشر للجامعيين , بيروت .
15- حقيقة العلاقة بين المسلمين وغير المسلمين , د0 سعد صيني , دار الرسالة , بيروت , ط (1) , 1420هـ .
16- التنصير , خطة لغزو العالم الإسلامي .
17- التبشير , والاستعمار في البلاد العربية . د0 مصطفى الخالدي و د0 عمر فروخ , منشورات المكتبة العصرية , بيروت , 1989 .
18- دراسات في التسامح , ناجي البكري , محمد الطالبي , عبد الفتاح عمر , المعهد العربي لحقوق الإنسان , تونس , 1995 .
19- تسامح الغرب مع المسلمين في العصر الحاضر , عبد اللطيف الحسين , دار ابن الجوزي , الدمام , ط (1) , 1419هـ .
20- مفهوم التعايش في الإسلام , عباس الجراري , منشورات المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (إيسيسكو) , 1417هـ .
21- التنصير , د0 عبد الرحمن الصالح , دار الكتاب والسنة , برمنجهام , ط (1) 1420هـ.
22- المسلمون والأوروبيون (نحو أسلوب أفضل للتعايش) , سامي الخزندار , مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية , ط (1) 1997 .
23- الحوار العربي الأوروبي , هيفاء أحمد السامرائي , دار الرشيد , العراق , ط 1982 .
24- حوار الشمال والجنوب : أسسه ونتائجه , اشراف : د0 جورج قرم , معهد الإنماء العربي , بيروت , ط (1) 1977 .
25- حوار حول مشكلات حضارية , البوطي , الشركة المتحدة للتوزيع , مطبعة المصباح , سوريا , ط (1) 1405هـ .
26- الأديان والسلام العالمي , أحمد محمد حجازي , مطابع الاتحاد الدولي للبنوك الإسلامية .
27- الإبطال لنظرية الخلط بين دين الإسلام وغيره من الأديان , بكر أبو زيد , دار العاصمة للنشر والتوزيع , الرياض , ط (1) 1417هـ .
28- أهمية الجهاد , العلياني , دار طيبة , الرياض و ط (1) 1405هـ .
29- دعوى وحدة الأديان , جمع وإعداد أبو أنس علي أبو لوز , وأبو عبد الله محمود المطر , دار المسلم , الرياض , ط (1) 1420هـ .
30- الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب المعاصرة , دار الندوة العالمية للشباب الإسلامي , الرياض , ط (3) 1418هـ .
31- الولاء والبراء , محمد سعيد القحطاني , دار طيبة , الرياض , ط (2) 1404هـ .
32- فتاوى وبيانات مهمة , اللجنة الدائمة للإفتاء بالسعودية , دار عالم الفوائد , ط (1) 1421هـ.
=================(61/109)
(61/110)
النظرة الشرعية للحوار بين الأديان
أجاب عليه:د. أحمد بن عبد الرحمن القاضي
السؤال:
ما حكم الإسلام في الحوار بين الأديان الذي أقيم في أحد البلدان العربية؟ وكما هو معلوم أن المِلل تحارب الإسلام؟.
الجواب:
هذه القضية لم تزل تتكرر منذ قرابة نصف قرن ، حين أطلق المجمع الفاتيكاني الثاني المنعقد في الفاتيكان في الفترة 1962-1965 الدعوة للتقارب بين الأديان ، وتلته مئات المؤتمرات والملتقيات والندوات تحت اسم (التقارب الإسلامي المسيحي) في حقبة السبعينيات والثمانينيات الميلادية ، ثم (الحوار الإسلامي المسيحي) ، وبعد اتفاقية (أوسلو) والسعي للتطبيع مع اليهود سميت (حوار الأديان الإبراهيمية) ، ثم في ظل العولمة وسع المدلول فقيل (حوار الأديان) أو (حوار الحضارات) ليتم إدراج الديانات الوثنية من هندوسية وبوذية وكونفوشية ، وغيرها. وأياً كان الأمر فالعبرة بالمضمون ، فإن كان المقصود من الحوار امتثال أمر الله تعالى في قوله: "قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئاً ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله"، فنحن أسعد الناس بالحوار ، بل يجب أن نكون أصحاب المبادرة بالدعوة إليه، كما يدل قوله: "تعالوا" وقد حاور صلى الله عليه وسلم اليهود في المدينة، وحاور نصارى نجران ، وكتب إلى ملوك الأرض يدعوهم إلى الإسلام ، وكذلك فعل أصحابه من بعده رضي الله عنهم، وسار على هذا النهج القرآني النبوي علماء الأمة في مناظراتهم ومحاجتهم لمخالفيهم بالحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن . فهذا اللون من الحوار هو حوار الدعوة) الذي جاء به المرسلون وهو وظيفة الأمة، وأما الحوار الذي يتحاشى الدعوة إلى توحيد الله ونبذ الشرك واتخاذ الناس بعضهم بعضاً أرباباً من دون الله فهو حوار باطل ، يتضمن التلبيس على الناس في أمر دينهم فيظن السذج والجهال أن الأديان سواء ، وأنه يسوغ لأي أحد أن يتدين بما شاء ، وأن جميع الأديان موصلة إلى الله ، كما يقول بذلك زنادقة الصوفية، أو أن يشتغل المتحاورون بضروب من المجاملات والمداهنات تحت ستار البحث عن أوجه الاتفاق وإقصاء أوجه الافتراق !! فهذا ما لم يسلكه رسول الله- صلى الله عليه وسلم -، ولا أهل الإسلام على مر القرون، ولا ينتج دعوة إلى اعتناق الإسلام، بل إن بعض هؤلاء المتحاورين يعتبر الدعوة الصريحة إلى اعتناق الإسلام في هذه المؤتمرات خيانة لأدب الحوار!! خلاف مضمون الكلمة السواء التي بينتها الآية السابقة.
وأما الحوار المتعلق بالمصالح السياسية ، والاقتصادية ، ونحوها فهذا يلتحق بباب السياسة الشرعية للأمة كتوقيع العقود والاتفاقيات ،فهذا تفرضه طبيعة التعايش بين البشر ، وتقاطع المصالح ، ولا يلتبس بأمر الاعتقاد والدين، والولاء والبراء .ومن المؤسف أن معظم المؤتمرات المعقودة بين ممثلي الأديان لا يسلك المتحدثون باسم المسلمين فيها المسلك النبوي الصريح في الدعوة ، بل يشتغلون في أمور جانبية هامشية ، وسط تغطيات إعلامية تبرز الهدف المبيت لغير المسلمين من الظهور بمظهر (الزمالة) و(التآخي) مما يفقد دين الله الحق تميزه ، وجاذبيته بحشره جنباً إلى جنب مع اليهود والنصارى والذين لا يعلمون .وقد رصدت في كتابي (دعوة التقريب بين الأديان) أكثر من ثلاثمائة مؤتمر على مدى أكثر من أربعة عقود لا تنحى المنحى الشرعي في الحوار والله المستعان.
=============(61/111)
(61/112)
الحوار فريضة إسلامية
د. سلمان بن فهد العودة 20/10/1427
11/11/2006
مما أعرف أن الشيخ عبد الرحمن السعدي -رحمه الله- كان يعقد جلسة فقهية دورية لطلابه يجعل لبعضهم رأياً وللآخرين رأياً مختلفاً، ويجعلهم يتحاورون فيما بينهم؛ ليدربهم على أصول الحوار، وفتح باب الجدل العلمي الموضوعي، واحترام الرأي الآخر؛ حتى أصدر ثمرة لذلك كتابه: المناظرات الفقهية.
وإننا اليوم في حاجة ماسة للتدرب على الحوار وآدابه، الذي يعبر عن قيمة التواصل مع النفس أولاً، والآخرين ثانياً، فالتواصل بين الإنسان وذاته يمر عبر نقدها وتقويمها ونهيها عن الهوى، يقول الله تعالى: "فأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى"، ويقول: "ولا أقسم بالنفس اللوامة"، فالذي يأمر نفسه وينهاها ويعلمها ويطورها ويلومها هو المؤمن الرشيد، ولذلك كان عبد الله بن رواحة يخاطب نفسه في ميدان المعركة ويشجعها قائلا:
يا نفس إلا تقتلي تموتي *** هذا حمام الموت قد صليتي
وما تمنيتي فقد أعطيتي *** إن تفعلي فعلهما هديتي
وإن تأخرتي فقد شقيتي
فأرقى دوائر الحوار وأعظمها هو الحوار مع النفس، وأرى أن جملة كبيرة من الناس يفتقدون هذا اللون من الحوار، بل لا يدركون أنه جزء من الحوار.
لا بد أن يتعود الناس ويتدربوا على الكلام، فلا فائدة من أن نجلس صامتين كالقبور،
أو نائمين كالموتى، ينبغي أن تكون هناك لغة حوار راقية تدار بين الصغار والكبار، بين الزوجين وأفراد الأسرة، بين أطياف المجتمع، بين تياراته، حتى ولو كانت في قضايا صغيرة أو ثانوية.
وكل مجتمع حديث يحتاج إلى حوار اجتماعي جاد يعالج مشكلاته ويبحثها، ويديرها على طاولة التشاور والحوار، ويحتاج إلى حوار فكري علمي يبحث في الموضوع ويتجاوز الأشخاص والأفراد، وإلى حوار سياسي هادئ، فمن خلال الحوار نستطيع مقاربة الرأي الأفضل، فالحوار هو لغة العالم اليوم، لغة الإعلام العالمي والسياسة العالمية، فتجد حوار الثقافات وحوار الحضارات، وحوار المذاهب، ولهذا تعقد مؤتمرات، ويحضر الناس فيها للتحاور في قضايا يتفقون في بعضها، ويختلفون في بعضها الآخر؛ لإيجاد جزء مشترك يتعاونون على العمل من أجله وإقامته.
وواقعنا المعاصر يشتكي من جملة من المشكلات الحوارية: هناك مشكلة في الاستماع فنحن العرب نميل إلى الحديث أكثر من الاستماع، فأحدنا يتحدث والآخر لا يسمع لهذا المتحدث بل ينتظر دوره في الحديث!، وهناك مشكلة في الفهم وشاعرنا العربي يقول:
أقول له: عمرا فيسمعه سعدا *** ويكتبه حمدا وينطقه زيدا!
وهناك مشكلة في النقل والتثبت، وربنا سبحانه يقول: "يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا"، وفي قراءة "فتثبتوا"، وفي صحيح مسلم يقول النبي صلى الله عليه وسلم (كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع).
وهناك مشكلة أخلاقية وأزمة عامة تتعلق بتعمد التشويه والإيذاء والتزوير والكذب، وإن الذين يديرون الحوارات سواء كانوا من الأطراف الإسلامية أو غيرها يعانون مشكلة كبيرة في إدارة الحوار، سواء في الجوانب الإجرائية، أو الموضوعية، وإذا كانت قضية الإسلام عادلة - وهذا ما يؤمن به المسلمون جميعاً - فمن حق هذه القضية العادلة أن يكون لها محامٍ ناضج وناجح، ومتحدث رشيد، ومن هنا أؤكد على أهمية الحوار وضبطه، وإعداد المحاورين وتدريبهم بشكل علمي وأخلاقي ومعرفي لائق.
إن الحوار -بداهة- دليل على وجود التنوع والاعتراف به وبحقه، فالحوار يعني أننا نختلف، والإيمان بوجود التنوع والاختلاف لا يعني أبداً الإيمان بكل ما يقوله هذا المختلف، فالحوار حول الخطأ لا يعني الاعتراف بهذا الخطأ كقيمة، بل الاعتراف بوجوده وأهمية البحث حوله، وكثيرون لا يفهمون من حوار الأديان -مثلاً- إلا أنه نوع من التقريب العقدي بينها، بمعنى أن يتخلى هذا عن بعض عقيدته والآخر كذلك؛ ليلتقيان في نصف الطريق بنصف عقيدة!، بينما الحوار هو البحث في تعزيز القضايا المشتركة ودعمها، كالحملة على الفساد والدفاع عن الحقوق الإنسانية، ولا شك أن الدين الإسلامي يرحب بمثل هذه العلاقات واللقاءات التي تدفع بالحق الإسلامي والوجود المسلم إلى حياة أفضل، ورسولنا r تحدث عن حلف الفضول الذي يعني نوعاً من التعاون المشترك وقال: (لو دعيت له في الإسلام لأجبت).
وهذا الحوار العالمي يعني إدراك للغة العالمية التي يتحدث بها للتواصل معها، وبث أدبيات الإسلام وأخلاقياته ومبادئه من خلالها.
وإن بعض الذين يشغبون على قيمة الحوار يعارضون بما ورد عن بعض السلف أنهم كانوا ينهون عن مجادلة أهل الباطل، فأقول بأن هذا المذهب الذي كان عليه بعض السلف هو صالح في وقته، فهم يرون عدم الحاجة لذلك بسبب غلبة الحق وظهوره، وأن هناك بعض الآراء المهجورة التي لو حاورناها وجادلناها لأسهم ذلك في تقويتها وإشهارها، والمهم أن الأصل في ذلك ما ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية من أهمية الحوار وفريضته، يقول الله تعالى عن أهل الكتاب: "وجادلهم بالتي هي أحسن".
salman@islamtoday.net
20/10/1427
================(61/113)
(61/114)
د. مازن مطبقاني : هذه حقيقة الفاتيكان
حوار : عبد الله بن محمد الرشيد 10/5/1425
28/06/2004
(مثل هذه الحملة ليست مستغربة إطلاقاً ولا جديدة على الفاتيكان) هكذا يكشف ضيفنا حقيقة الفاتيكان الذي يقوم بحملة شعارها (مليون ضد محمد) ، مؤكّداً أنّ ذلك ينبع من الحقد المتأصّل في نفوس النّصارى ضد المسلمين ، مشيراً إلى ألاعيب السياسة وراء هذه الحملة التي تتعاون مع دول الإرهاب للحرب على الإرهاب ، ويرى الدكتور مازن مطبقاني أنّ هذه الحملة ليست موجّهة للنّصارى فقط ، بل هي لجميع شعوب العالم ومنها الشعوب الإسلاميّة ، مؤكّداً أنّ المدّ الاستشراقي يلعب دوراً مهماً في تحريك مثل هذه الهَجَمات .
ويقول الدكتور مازن في ختام حديثه: "إنّه لا ينبغي أنْ نعوّل كثيراً على دور الحكومات العربيّة؛ فهي مشغولة بتثبيت حكمها، وتحقيق أدنى قبول شعبي لها ، وكيف نعوّل عليها وهي التي تفتح أراضيها لإرساليّات التنصير؟!
ويعزو الدكتور "ضعف التفاعل الشعبيّ العامّ" مع هذه القضية إلى وسائل الإعلام العربيّة التي ما فتئت تحارب ما يسمّى " بالأصوليّة الإسلاميّة "، وتروّج لأفكار الانحلال والانحراف .
والدكتور مازن صلاح مطبقاني أستاذ مشارك بعمادة البحث العلمي بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، حصل على درجة الدكتوراه في الدّراسات الإسلاميّة من قسم الاستشراق بكلية الدّعوة بالمدينة المنورة عام 1415هـ، وحصل قبلها على الماجستير في التاريخ الحديث من قسم التاريخ بجامعة الملك عبد العزيز بجدة عام 1406هـ. ويشرف حالياً على موقع في الإنترنت حول الاستشراق هو مركز المدينة المنوّرة للدّراسات وبحوث الاستشراق وعنوانه هو: www.mazen-cente صلى الله عليه وسلم 8m.com
وله عدد من المؤلفات في دراسة الاستشراق والتنصير منها : الاستشراق المعاصر في منظور الإسلام ، و الاستشراق والاتجاهات الفكريّة في التاريخ الإسلامي ، و أصول التنصير في الخليج العربي( ترجمة عن الإنجليزية)
وحضر عدداً من المؤتمرات الدوليّة منها : المؤتمر الدولي حول الاستشراق والدراسات الإسلاميّة ، في تطوان بالمغرب عام 1997م ، و المؤتمر الدولي حول الاستشراق: الخطاب والقراءة بجامعة وهران عام 2001م وغيرها .
نشرت صحيفة "فليت إم زونتاج" الألمانيّة في عددها الصادر بتاريخ 30 مايو من عام 2004 م، مقالا بعنوان (مليون ضد محمد) ذكرت فيه أنّ للفاتيكان منظمةً اسمها "رابطة الرهبان لتنصير الشعوب" هي من أقدم منظمات الفاتيكان وأكثرها نفوذا وأقلّها شهرة، إنّها تعمل في كل مناطق العالم بما في ذلك المناطق التي يسمّونها مناطق "الصّمت"؛ كالسعوديّة واليمن والصين وفيتنام وكمبوديا . بداية نودّ أنْ نعرف مدى الامتداد التاريخي لهذا الهجوم العلنيّ ضد المصطفى صلى الله عليه وسلم من قبل رؤوس الدّيانة المسيحيّة؟ و بماذا تفسر تبني الفاتيكان لها وهي المرجعيّة الدينيّة الأولى لنصارى اليوم ؟وهل هذه العمليّة مستغربة وجديدة في تاريخ الفاتيكان كمؤسسة؟
يجب ألا يغيب عن بالنا لحظةً ما ورد في القرآن الكريم حول موقف النصارى من الإسلام والمسلمين، ومن ذلك قول الله عز وجل( ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبعَ ملتهم) [البقرة:120] وقوله تعالى ( يُرضُونكم بأفواههم وتأبى قلوبُهم)[التوبة:8] (قد بدت البغضاءُ من أفواههم وما تُخفي صدورُهم أكبر) [آل عمران:118]
إنّ جهود التنصير في محاربة الإسلام وأهله قديمة، وقد اتخذت عدة أشكال منها: العسكري،و الفكري، والثقافي، والاجتماعي. أمّا الفكري والثقافي فقد بدأ منذ وقت مبكر حين ظهر" يوحنا الدمشقي" يناظر المسلمين ويطعن في الإسلام ومعتقداته. واستمر النصارى يكتبون الكثير حول الإسلام، حتى إنّ الإنتاج الفكريّ في العصور الوسطى(الأوروبية) كثرت فيها هذه الكتابات، وكانت على درجة من السوء والتحيّز والتعصّب حتى كتب في ذلك "ريتشارد سوذرن" كتابه المشهور عن صورة الإسلام في القرون الوسطى، ثم جاء بعده "نورمان دانيال" في كتابه (الإسلام والغرب) وفيه نقد قويّ لما كتبه النصارى حول الإسلام في تلك الفترة.
وظهرت ترجمات لمعاني القرآن الكريم قام بها قساوسة وباحثون أوروبيّون كانت نماذج للحقد والكراهيّة. وقد صرّح الكثيرون منهم أنّهم بحثوا عن أسوأ الأوصاف والنعوت وأطلقوها على الرّسو صلى الله عليه وسلم . ومن نماذجهم القريبة القس البلجيكي- الذي عاش في لبنان- "هنرى لامانس" الذي نعت الرّسو صلى الله عليه وسلم بشتى النّعوت البذيئة التي لا يليق بعالم أنْ يتلفظ بها لا أنْ يكتبها.(61/115)
واستمرّت الهجمة على الإسلام والمسلمين وعلى شخصيّة الرّسول الكريم صلى الله عليه وسلم حتى عصرنا الحاضر الذي تنشط فيه الكنائس الغربيّة ومؤسسات التنصير المختلفة، حتى إنّ بابا الفاتيكان الحالي قام بجولة في عدد من دول أفريقيا لتشجيع البعثات التنصيريّة على العمل وحدّد لهم الهدف بأنْ يعملوا على جعل أفريقيا قارة نصرانيّة بحلول العام 2000م، ولكن خاب ظنّه وتخطيطه. وقد مرّت ثلاث سنوات ونصف على هذا التاريخ ومازال الإسلام قوياً في أفريقيا، ويزداد الإقبال عليه. ولعلهم أدركوا استحالة تحقيق هذا الهدف، فغاظهم فقرروا خُطة جديدة لعلها تكون هذه الخُطّة التي نتحدث عنها الآن.
ومثل هذه الحملة ليست مستغربة إطلاقاً ولا جديدة على الفاتيكان الذي حرّض النصارى في القديم على القيام بالحَمَلات الصليبيّة، والذي تعاون مع قوى الاحتلال حديثاً، فلا يستغرب منه مطلقاً أن يشنّ الحملة تلو الحملة ضد الإسلام والمسلمين.
بحكم تخصصكم، ما هي دوافع هذه الحملة ضدّ النبيّ r ؟ وهل تنطلق من منطلق دينيٍّ بحت ؟ أم أنّ هناك دوافعَ سياسيةً في الموضوع؟
دوافع هذه الحملة وما قبلها من حملات هو الحقد المتأصل في نفوس النصارى ضد الإسلام ورسول صلى الله عليه وسلم . ومع الدّوافع العقديّة من حقد دفين على الإسلام فهناك الدوافع السياسيّة والاقتصاديّة والثقافيّة. فإن كان الأوروبيون يزعمون أن جذور الفكر الغربي هي الجذور اليهودية-النصرانية فإن ما يقف ويقاوم هذه الجذور الفكريّة وينال القبول في أنحاء العالم هو الإسلام؛ لذلك لا بد من الحَمَلات المحمومة التي نحن بصددها وما سيتلوها، والتي لا تخرج أهدافها عن السّعي إلى هدم الإسلام والقضاء عليه، وذلك من خلال تشويه هذا الدين ومعتقداته وشريعته، وتشويه صورة نبيّه عليه الصلاة والسلام. وهذه الحملات تتوجه بالخطاب ليس للنصارى فحسب، ولكن لكل شعوب العالم ومنها الشعوب الإسلاميّة.
أما عن الدوافع السياسيّة لهذه الحملة فأمر مؤكد ذلك؛ لأن الارتباط بين التنصير والاستعمار قديم في حملات الكنائس وارتباطها بالحكومات الغربية. فأوروبا تؤكد على علمانيّتها في الداخل ولكنها تدعم كل نشاط تنصيريّ بالخارج؛ وبخاصة في بلاد المسلمين. وما زلت أذكر الكتاب الذي وفقني الله عز وجل لترجمته حول البعثة "العربية" التنصيرية التي كانت بقيادة صموئيل زويمر وزملائه الأربعة التي وصلت إلى الجزيرة العربية عام 1317هـ (1889م) واستمرت حتى عام 1394هـ(1974). وكانت هذه البعثة تعمل تحت حماية بريطانيا وأمريكا، حتى إنّ أحد مسؤولي الخارجيّة الأمريكيّة خاطب أحد رؤساء الدول في الخليج العربيّ بفظاظة وقسوة لعدم السماح للبعثات التنصيريّة بالعمل في بلاده!!
وهل هذه الحملة تخدم وتدعم المخطط التنصيريّ ؟ أم أنها تسبب تخريباً له بسبب نفرة المسلمين ممن يتهجّم على نبيّهم ؟
لا بد أنّهم درسوا هذه الحملة دراسة عميقة ودقيقة قبل أن تنطلق، فلا شك أنها ستخدم أهدافهم وتحقّق لهم ما يريدونه؛ لأن الإعلام العربيّ الإسلاميّ منشغل باللهو والترفيه والتسلية في غالبه. ففي الوقت الذي تتعدّد القنوات الفضائيّة التنصيريّة ومحطات الإذاعة نجد أن الإعلام الإسلاميّ منحصر في عدد محدود من القنوات الفضائيّة وما يتبقى من خُطّة برامج المحطات الرسميّة العربيّة والإسلاميّة. فالقنوات الفضائيّة العربيّة التجاريّة تصبّ جامّ غضبها على الإسلام والدعاة المسلمين؛ لأنها تسير في رِكاب الإعلام الغربيّ في محاربته للإسلام، ولأنّ هذا الإعلام ارتبط الإسلام عنده بـ" التطرّف" و "العُنف" و "الأُصوليّة" مع أن الدّعاة المسلمين والحركات الإسلاميّة "في غالبيتها العظمى" تدعو إلى العودة الصحيحة إلى الإسلام وتطبيقه في شؤون الحياة كلها: العقديّة والتشريعيّة والسياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة والثقافيّة.
أمّا أن الحملة سوف تسبّب تخريباً للمخطّط التنصيري لأن المسلمين ينفرون ممن يتهجّم على نبيهم فأمر يمكن أن يحدث لو كان المسلمون يدركون هذه الحملات ويعرفونها، ولو أنّ الإعلام الإسلاميّ يفضح ما يقولونه بالتفصيل. وإنْ حدث تخريب للمخطط التنصيري؛ فلأنّ هذا الدين محفوظ بحفظ الله له؛ ولأنّ الله عز وجل وعد بانتصاره (يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متمّ نوره ولو كره الكافرون) [الصف:8]
توقيت هذه الحملة برأيك هل يحمل دِلالات معينة ؟ وهل لها علاقة بالحرب على ما يسمى "بالإرهاب" بحيث تكون هذه الحملة جانباً من جوانب هذه الحرب ؟(61/116)
يجب أن ندرك أنّ الغربيين -عموماً- لا ينطلقون في أي عمل من أعمالهم إلا بعد دراسة وتنسيق، والتنسيق موجود بين الفاتيكان وقادة الدول الغربيّة، ولعلّ من آخر رؤساء الدول الغربية لقاءً للبابا هو الرئيس الأمريكي (بوش). وربْط الإسلام بالإرهاب أمر اتفق الغربيّون وبعض المتغرّبين عليه. ولو عدنا إلى الحملة التي انطلقت بعد الحادي عشر من سبتمبر لتأكّد لنا هذا الأمر، ولكنّهم وجدوا أنّ الإقبال على معرفة الإسلام وحتى الدخول فيه قد ازداد بعد هذه الحَمَلات؛ لذلك فكّروا في حملة جديدة للهجوم على شخصيّة الرّسو صلى الله عليه وسلم . وقد بدأها قساوسة ورؤساء كنائس في الولايات المتحدة الأمريكيّة. وها هو الفاتيكان يشاركهم في هذه الحَمَلات.
هل يمكننا أنْ نقول: إنّ هذا التحامل على صلى الله عليه وسلم متركز أكثر في المذهب الكاثوليكيّ ؟ أم أنّه متأصل لدى المذاهب المسيحيّة الأخرى ؟
إنّ دارسي الاستشراق وبخاصة الفرنسي منه يؤكدون على أنّ الاستشراق الفرنسيّ الكاثوليكي هو أشد المدارس الاستشراقية قسوة وتطرّفاً وعنفاً في الهجوم على الإسلام وعلى نبي صلى الله عليه وسلم . ولو رجعنا إلى المواجهات بين العلماء المسلمين والمستشرقين الكاثوليك في الدول التي كانت خاضعة للاحتلال الفرنسي لأدركنا حجم الخُبث الكاثوليكي الاستشراقي في هجمته على الإسلام. ويكفي مراجعة صحف ومجلات جمعية العلماء المسلمين الجزائريين في أثناء الاحتلال الفرنسي للجزائر.
لقد وصل الأمر بالمحتلين الفرنسيين أو ما كان يُطلق عليهم (المعمّرين) أنّهم كانوا يطلقون على الخادمة اسم (فاطمة) فمن أراد أنْ يبحث عن خادمة يقول: إنّه يبحث عن (فاطمة).
والأمر لا يختلف بالنسبة للمذاهب النصرانيّة الأخرى فيكفي الرجوع إلى كتابات "مارتن لوثر" مؤسس البروتستانت لنعرف حجم الحقد والكراهيّة للإسلام والمسلمين والرسول صلى الله عليه وسلم . وممّا يؤكد على العداء البروتستانتي هو ما نشاهده من بحوث ودراسات تقوم بها مؤسسات بروتستانتيّة ومراكز بحوث وأقسام علمية في هذه المؤسّسات لدراسة أوضاع المسلمين في أوروبا وأمريكا. فهناك دراسات واسعة قام بها مدير مركز العلاقات النّصرانيّة الإسلاميّة بجامعة "بيرمنجهام" ببريطانيا حول المسلمين في أوروبا. وكذلك ما قامت به جامعة نيويورك من عقد دورات لدراسة المسلمين في أوروبا. وقد عقد معهد دراسة الأديان بجامعة "ليدن" بهولندا مؤتمره السنويّ بعنوان (التغيرات الدينيّة في سياق متعدد) تركزت العديد من بحوثه حول المسلمين في أوروبا.
كيف ترى هذه المفارقة : منظمة يعمل تحت لوائها 85 ألف قسيس ، و 450 ألف جمعية دينية ، وأكثر من مليون مدرس يجوبون العالم كله، قرية قرية، ومدينة مدينة، وهي تملك 42 ألف مدرسة، و1600 مستشفى، و 6000 مؤسسة لمساعدة المحتاجين، و780 ملجأ لمرضى السرطان، و12 مؤسسة خيرية واجتماعية حول العالم . وتجيّش أكثر من مليون شخص لحسابها بحريّة مطلقة في حين أن المؤسسات الدعويّة و الإغاثيّة الإسلاميّة ، تحاسب حسابًا عسيراً ويضيّق عليها؟
نعم إنّها لمفارقة كبيرة ومحزنة ما نشاهده من ضخامة الجهد التنصيريّ وسكوت العالم عنه، بينما تقوم الدنيا ولا تقعد لقيام بضع مؤسسات إسلاميّة إغاثيّة. نعم الأرقام التنصيريّة ضخمة، ولا يمكن مقارنتها بما يقوم به المسلمون، ومع ذلك فإنّ الغربيين وبخاصة أمريكا -زعيمة من يزعم محاربة الإرهاب- لا تتوقف عن محاربة الجمعيّات والمؤسسات الإسلاميّة. ولكنْ يجب ألا يغيب عن بالنا الدّعم الذي تلقاه المنظمات التنصيريةّ من الحكومات الغربيّة بينما يندر هذا التأييد من الدول الإسلاميّة للمنظمات الإسلامية الإغاثية والدعويّة. ومع كل ذلك علينا أن نتذكر أنّهم ينفقون هذه الأموال التي ستكون عليهم حسرة، ثم يُغلبون كما جاء في الآية الكريمة ( فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون..) [الأنفال:36]
هل للمد الاستشراقي دور في إذكاء هذه المحاولات لتشويه صورة صلى الله عليه وسلم ؟ وهل مازال الفاتيكان يستفيد من الاستشراق ؟ وما قولك فيمن يرى أن الاستشراق والحديث عنه أصبح جزءاً من فترة تاريخيّة ماضية ؟
نعم للمدّ الاستشراقي دور في هذه الحملات فالاستشراق -في الغالب- والتنصير وجهان لعمله واحدة؛ فالمُنَصِّر عندما يعمل في البلاد الإسلاميّة لا بد أن يكون مستشرقاً: عارفاً بالإسلام واللغات التي يتكلمها المسلمون، عارفاً بتاريخهم وعقيدتهم وثقافتهم. وقد انطلق الاستشراق في أصله ونشأته وجذوره من الكنيسة فمنها بدأ وإليها يعود.
ولا شك أنّ الاستشراق الإيطالي وعناية الفاتيكان به كبيرة. وهو مجال مازال بحاجة إلى دراسة عميقة لمعرفة ما يدور في الأوساط الاستشراقية الإيطاليّة. وحبذا لو قام المسلمون الإيطاليّون بمثل هذه الدراسات.(61/117)
أما القول بأن الاستشراق والحديث عنه أصبح جزءاً من فترة تاريخية ماضية فلا يقول ذلك إلاّ شخصٌ لا يعرف الاستشراق، ولا يدري ما الاستشراق. يكفي الاطّلاع على مواقع أقسام دراسات الشرق الأوسط، والمعاهد للدراسات الإسلاميّة في الغرب ليدرك عمق الارتباط بين الاستشراق القديم المتمثل في كبار المستشرقين" ك جولدزيهر" و"مارغليوث" و"شاخت" و"كولسون" ليدرك أنّ الاستشراق قائم ومستمر. ولو بحثنا في المراجع والكتب التي يستقي منها خبراء الشرق الأوسط المعاصرين لأدركنا أنّ الاستشراق لم يمت وإنْ تمّ إدخال بعض التعديلات على أشكال الاهتمام وطريقة تناول قضايا العالم الإسلامي.
ولقد وجد المستشرقون في بعض أبناء البلاد العربيّة الإسلاميّة من يقوم بالمهمة نيابة عنهم في الهجوم على الإسلام وتاريخه وقيمه وأخلاقه.
بعد هذه الحملة التي تزعّمها الفاتيكان ضد النبيّ r ، ما رسالتك إلى من يعتقد بجدوى حِوار الأديان ؟
حِوار الأديان أمر يتزعّمه الغرب في الوقت الحاضر، يزعمون به الرّغبة في التعرّف إلى العقائد الأخرى والتقريب بين الأديان، ولكنّ الأصل في الحِوار هو أنّنا أصحاب الدعوة الحقّ وعلينا أنْ ننطلق بدعوتنا إلى عُقر دارهم عملاً بقول الله تعالى (قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني)[يوسف:108] وقول الرسو صلى الله عليه وسلم ( بلّغوا عنّي ولو آية) وقول صلى الله عليه وسلم (نضّر الله امرأً سمع مقالتي فبلّغها إلى مَن لم يسمعها، فربّ مبلّغٍ أوعى من سامع، أو رب حامل فقه إلى من هو أفقه منه).
نحن نملك الهداية والرحمة والخير للبشرية؛ فعلينا ألا نترك فرصة للحوار وبخاصة أنّ الله عز وجل يعلم أنّهم سيطلبون الحِوار والجدال فأمرنا ألا نجادلهم إلاّ بالتي هي أحسن( ولا تجادلوا أهل الكتاب إلاّ بالتي هي أحسن) [العنكبوت:46] وقوله تعالى ( ادعُ إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن) [النحل:125]
أما حِوار الأديان في شكله الحالي فلا يخدم أهداف المسلمين؛ لأنّه يُعقد في سريّة و نادراً ما يحضره علماء مسلمون أقوياء، وهو لا ينطلق من أسس ثابتة مثل اعتراف النصارى أو المتحاورين النصارى برسالة الرسو صلى الله عليه وسلم ؛ لأنّ الحِوار الحقيقيّ الذي ينطلق بين أنداد، فإذا كانوا لا يعترفون برسالة الرسو صلى الله عليه وسلم فأيّ حوار يمكن أن يكون معهم؟
ولذلك لا ينبغي أنْ يكون الحِوار إلاّ من قبل مسلمين أقوياء في عقيدتهم عارفين بعقائد النصارى، وأن يكون الحِوار علنياً، فقد علمت أنهم يحرصون على سِرّية هذه الحِوارات مما لا يتيح للمسلمين إظهار ما عندهم من الحقّ الذي يعرفه النصارى كما يعرفون أبناءهم كما جاء في قوله تعالى ( الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم)[البقرة:146] وأكدّه أحد الإخوة الذين أسلموا في أمريكا، وكان يدرس اللاهوت وهو "روبرت كرين" (عبد الحق الفاروق) الذي كان مستشاراً للرئيس الأمريكي "ريتشارد نيكسون" حيث عرف زملاؤه إقباله على الإسلام فاجتمعوا به ليستنكروا توجّهه إلى الإسلام، وليقولوا له: " إنّ لديك مشكلة ونحن نريد حلّها" فقال لهم :" أنتم تعرفون أنّه ليس لديّ مشكلة، وإنّما أنا أتّبع الحق الذي تعرفون.." فما كان منهم إلا أنْ رضخوا للحقّ، واعترفوا معه أنّه على الحق وأن الإسلام هو الدّين الحق.
كيف تقيّم موقف الحكومات الإسلاميّة من هذا الهجوم الذي تبناه الفاتيكان ؟ وهل تتفق من أنّه جزء من الحملة بسبب دعمه للإرساليّات التنصيريّة ؟ و ما رأيك في البلاد التي فتحت أراضيها لوفودهم ؟
يجب ألا نتوقع الكثير من الحكومات الإسلاميّة فهي منشغلة بتثبت أنظمتها، وتحقيق الحد الأدنى من القبول من شعوبها. فكيف تتوقع منها أن تقوم بعمل حقيقي لوقف الهجمات التنصيرية. ولو كان الهجوم التنصيري على شخصيّة أحد الزعماء العرب المسلمين لكان الأمر مختلفا،ً لجُنّدت الطاقات الإعلاميّة الممكنة وغير الممكنة للذب عن عِرض هذا الزعيم.
نعم كثير من الحكومات الإسلاميّة فتحت أبواب بلادها للتنصير وأساليبه الخبيثة الماكرة، وعرفت ارتباط هذه البعثات التنصيريّة بالدول الغربية، وغضّت الطّرف عن ذلك. فلا حول ولا قوة إلا بالله.
ما واجب الأمّة المسلمة أفراداً ومؤسساتٍ تجاه نبيّها صلى الله عليه وسلم ، وإلى ماذا تعزو الضّعف الشعبيّ العام تجاه هذه القضيّة وانحسار التفاعل معها في أوساط نُخَبٍ معينة؟
واجب الأمّة الإسلاميّة كبير أولاً على المستوى المؤسّساتي، فهذه المؤسّسات يجب أن تسعى إلى تحريك الأفراد للعمل ضدّ هذه الحَمَلات بكتابة الخطابات والعرائض إلى الفاتيكان نفسه، وإلى الحكومات الغربيّة تستنكر وتندّد بكل مَنْ يحاول تشويه صورة المصطفى صلى الله عليه وسلم . ولنذكّرهم بالصورة العظيمة التي يقدّمها القرآن الكريم والسنّة المطهّرة لعيسى المسيح عليه السلام ولأمّه.(61/118)
كما يجب على الإعلام العربيّ الإسلاميّ أن يتصدى لهذه الحملات فيوضّح تفاصيلها ومنطلقاتها والقائمين عليها، وأنْ يقدّم للمسلمين الحقائق عن الديانة النصرانيّة وما مرت به من تحريفات. لماذا يستخدم المنصّرون الإعلام بصورة قويّة؟ أمّا الدعوة الإسلاميّة فما زالت بحاجة إلى استخدام هذه الوسيلة أولاً في الدعوة إلى الخير وإلى الهداية والرّشاد، ثم الذبّ عن رسالة الإسلام وعن الرّسو صلى الله عليه وسلم .
أما على المستوى الفرديّ فإنّ على المسلم أنْ يتذكر قولة الصدّيق رضي الله عنه: "الله الله أنْ يُؤتى الإسلام وأنا حيّ" فجعل نفسه مسؤولاً عن الإسلام كله... فأين نحن من تحمّل المسؤولية؟! وإنّها لمسؤوليّة يجب أنْ يتحمّلها العلماء وبخاصة القادرين على الكتابة باللغات الأجنبيّة من فرنسيّة وإنجليزيّة وألمانيّة وإيطاليّة ليبعثوا إلى الصحف ووسائل الإعلام المختلفة، وليرسلوا الرسائل إلى المواقع التنصيريّة التي تطعن في الإسلام وفي رسول صلى الله عليه وسلم .
أما الضّعف الشعبيّ العام تجاه هذه القضيّة فذلك لأن وسائل إعلامنا انشغلت بملء وقتنا بالتّفاهات والتّسلية والتّرفيه، فكيف بربك نهتم بالقضايا الكبرى ولا شغل للإعلام الفضائيّ سوى الفنانين والفنّانات والاهتمام بما يزعمونه "الإبداع في الغناء والرّقص والتّمثيل"؟! أين العناية بالإبداع في الكتابة والتأليف والدّفاع عن الإسلام وأهله
==============(61/119)
(61/120)
الأزهر يدين افتراءات الفاتيكان على الإسلام
…الإسلام اليوم / وكالات:
…21/8/1427 5:56 م
14/09/2006
أدان علماء الأزهر الشريف التصريحات الأخيرة لبابا الفاتيكان ضد الإسلام واصفين إياها بالافتراءات، ومؤكدين أنها لا تخدم الحوار الذي يقوم به الفاتيكان مع العديد من المؤسسات الإسلامية الكبرى وعلى رأسها الأزهر .
وكان البابا قد وصف في محاضرته التي ألقاها بجامعة رتيسبون الألمانية التي كان يعمل بها منذ عام 1969 بأن الإسلام ديانة لا تدين العنف بالشدة المطلوبة، وأن المشيئة فيه منقطعة عن العقل، واستشهاده بحوار بين إمبراطور بيزنطي مع مثقف فارسي حيث قال الإمبراطور للمثقف: أرني ما الجديد الذي جاء به محمد، لن تجد فيه إلا أشياء شريرة وغير إنسانية، مثل أمره بنشر الدين الذي يبشر به بحد السيف.
وقالت جريدة الخليج الإماراتية نقلا عن د.نصر فريد واصل، مفتي مصر الأسبق ،إذا لم يقبل الغربيون بالإسلام وأخذوا في إصدار التصريحات المستفزة ضد ديننا ورسولنا فيجب أن نتخذ مواقف حازمة، خاصة أن التصريحات هنا صادرة عن رأس الديانة النصرانية الكاثوليكية في العالم ما يعد تمهيدا لحرب صليبية جديدة يشارك فيه رجال الدين وليس القادة السياسيون فقط مثل الرئيس بوش الذي أعلن أكثر من مرة بأنه يقود حربا صليبية ضدنا ونحن لا نصدق أنها زلة لسان وإنما هي تعبير عما في قلبه.
وأضاف الشيخ واصل: المشكلة فينا نحن الذين يجب علينا أن يكون رد فعلنا قويا ومؤثرا لأن تطاول البابا على الإسلام لم يكن متوقعا بهذه الأقوال التي تنم عن عدم معرفة صحيحة بالإسلام وتعاليمه، في احترام حرمة النفس البشرية والدعوة للعقل ورؤيته للمشيئة الإلهية من خلال القضاء والقدر وغيره.
ووصف الشيخ محمود عاشور، وكيل الأزهر سابقا، بابا الفاتيكان بأنه لم يقرأ شيئا صحيحا عن الإسلام ورسوله، وبالتالي فهو لم يعرف حقيقته، فقال أشياء تسيء إليه قبل أن يسيء إلى الإسلام الذي يحترم النفس البشرية بشكل لا مثيل له في التاريخ مهما كان صاحبها، يقول تعالى: "ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق"، وجعل قتل أي نفس مثل قتل الناس جميعا: "ومن قتل نفسا بغير نفس فكأنما قتل الناس جميعا".
ودعا الشيخ عاشور بابا الفاتيكان إلى أن يقرأ عن حقيقة الإسلام من مصادره الصحيحة التي ترفض العدوان: "وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين"، مشيرا إلى انه إذا قرأ البابا وصايا الرسو صلى الله عليه وسلم لقادة جيوشه بالمحافظة على المدنيين وعدم الغدر واحترام الأسرى وعدم التعرض للمتعدين على غير ديانة الإسلام، لعرف أن الإسلام دين الرحمة للبشرية كلها وفي مقدمتهم غير المسلمين الذين يقومون بحروب إبادة الآن ضد المسلمين وما يجري على الساحة الدولية خير شاهد.
ودعا د. محمد المسير، أستاذ العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر، إلى إلغاء لجان حوار الأديان بين الأزهر والفاتيكان لأن هذا أقل رد فعل إذا كان الأزهر يريد أن يكون ممثلا حقيقيا للمسلمين ومدافعا عن دينهم، في الوقت الذي تشن فيه حروب صليبية ويهودية ضدنا رغم أن الله حذرنا من أن الحوار معهم لن يجدي إلا إذا استسلمنا لهم ورفعنا الراية البيضاء فقال تعالى: "ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم"، وهذا لا يعني أننا نقاطع البشرية وإنما علينا أن نحترم ونتحاور مع من يحترمنا ويريد الحوار الجاد المتكافئ معنا وليس المتاجرة بحوار الأديان وطعننا في ديننا وإهانة مقدساتنا ورسولنا.
-============(61/121)
(61/122)
جهود علماء الأندلس في الرد على النصارى -من الفتح الإسلامي (92هـ) حتى سقوط غرناطة (897هـ)-
د. خالد بن ناصر الغامدي
وتتكون خطة هذا البحث من: مقدمة، وتمهيد، وبابين، وخاتمة، وفهارس، وهي على النحو التالي:
المقدمة، وتشمل أهمية الموضوع، وسبب اختياره، وخطة البحث ومنهجي فيه.
التمهيد، وفيه:
المبحث الأول: التعريف بالأندلس (نبذة تاريخية عن الإسلام في الأندلس).
المبحث الثاني: التعريف بنصارى الأندلس، وإبراز عقائدهم، ونحلهم والمصادر المعتمدة لديهم (إجمالاً).
المبحث الثالث: نبذة عن علماء الأندلس الذين كان لهم دور بارز في الرد على النصارى.
الباب الأول: جهود علماء الأندلس في الرد على النصارى في أصول الإيمان والتعاليم الكنسية، وفيه فصول:
الفصل الأول: عقيدة النصارى في الإيمان بالله، وفيه مباحث:
المبحث الأول: توحيد الربوبية.
المبحث الثاني: توحيد الأسماء والصفات.
المبحث الثالث: توحيد الألوهية.
المبحث الرابع: معتقد الصلب والفداء.
المبحث الخامس: معتقد التثليث.
الفصل الثاني: عقيدتهم في الإيمان بالملائكة، وفيه:
المبحث الأول: انحراف عقيدة النصارى في الملائكة.
المبحث الثاني: معتقدهم في روح القدس.
الفصل الثالث: عقيدتهم في الإيمان بالكتب، وفيه:
المبحث الأول: الكتاب المقدس عندهم (العهد القديم والعهد الجديد)
المبحث الثاني: تعارض الأناجيل، وتكذيب بعضها بعضًا.
المبحث الثالث: إثبات تحريف الأناجيل وتأليفها.
الفصل الرابع: عقيدتهم في الإيمان بالأنبياء، وفيه مباحث:
المبحث الأول: عقيدتهم في الأنبياء إجمالاً.
المبحث الثاني: إبراهيم -عليه السلام-.
المبحث الثالث: عيسى -عليه السلام.
المبحث الرابع: محمد - r- وطعنهم في نبوته.
المبحث الخامس: معتقدهم الباطل في بولس (شاول).
الفصل الخامس: عقيدتهم في الإيمان باليوم الآخر، وفيه مباحث:
المبحث الأول: مفهوم اليوم الآخر عندهم.
المبحث الثاني: القيامة، والخلاص، والحساب، والجزاء.
الفصل السادس: الرد على النصارى في أبرز جوانب التعاليم الكنسية. وفيه مبحثان:
المبحث الأول: التشريع في النصرانية.
المبحث الثاني: الكنيسة، طقوسها وأسرارها.
الباب الثاني: تطبيق علماء الأندلس لمنهج الإسلام في معاملة أهل الكتاب، مع بيان مواقف عملية مع النصارى، وفيه فصول:
الفصل الأول: جهودهم في الجدال والمناظرة.
الفصل الثاني: جهودهم في رد شبهات النصارى.
الفصل الثالث: موقفهم من الدعوة إلى التسامح.
الفصل الرابع: إسهامهم في جهادهم النصارى دفاعًا عن دين المسلمين وبلادهم.
الفصل الخامس: جهودهم في بيان ما أباحه الإسلام مع النصارى، وحرمه مع غيرهم.
الفصل السادس: مواقف وقواعد عامة في التعامل مع النصارى.
الخاتمة:
وتتضمن أهم نتائج البحث. ومنها:
(1) أن عقائد وشرائع النصرانية -المضادة لبدهيات العقليات والشرعيات- دفعت بكثير منهم إلى الإلحاد، قديمًا وحديثًا، وإلى الإباحية والتحرر من كل شريعة وعقيدة، وما يلحقها من محاسن الشيم والعفة.
(2) أن دين النصرانية دين وثني وضعي يقدس الأصنام ويعبدها من دون الله، وأن عيسى بريء من هذا الدين براءة الذئب من دم يوسف -عليه السلام-.
(3) أن النصارى مضطربون حائرون في ربهم وخالقهم -جل وعلا-، فتارة يزعمون أنه عيسى، وتارة يقولون إنه الأب دون الابن، وأن هذا الاختلاف لا يزال فيهم إلى اليوم.
(4) أنهم ممثلة ومشبهة ومجسمة في صفات الله، إذ يزعمون أن صفات الخالق ومنها الكلام والعلم تستحيل وتتحول إلى شيء مخلوق.
(5) أنهم يعتقدون أن الله ثلاثة. إله وملك وبشر، وأن عيسى هو ابن الله الوحيد الذي أنزل ليكفر عن خطايا البشر.
(6) أن النصارى ليس عندهم حجة شرعية أو عقلية قاطعة من أن المسيح هو الذي صلب، ولهم خبط واضطراب كبير في ذلك، وصدق الله أنهم في شك منه، وأنهم إنما يتبعون الظن.
(7) أن التثليث بدعة شركية خطيرة -مضادة لبدائة العقول- اعتنقها النصارى بضغط أحد ملوك الرومان الوثنيين، أو غير ذلك، لا دليل عليها في كتبهم المقدسة، ولا تزال تعتقدها النصارى إلى اليوم.
(8) أن النصارى تنتقص الملائكة وتصفها بغير ما وصفها الله، فتزعم أن الملائكة لا تعرف الله، إنما يعرفه المسيح وحده، وأن المسيح لما جاء إلى الأرض وهو (الواسطة) المخلوق والخالق، جاء مع الملائكة. وأنها تأكل وتشرب وتنام تارة.
(9) أن النصارى تعتقد أن جبريل (روح القدس) هو صفة الحياة لله تعالى التي استحالت إلى إله، هو أحد الأقانيم الثلاثة، وأن عيسى هو الابن والروح القدس معاً؟ وهو الله ثالثاً، مصادمة للفطر والشرائع والعقول.
(10) أن النصارى تؤمن بالعهد القديم (التوراة) وتعتبره شريعتها، ومع ذلك لا تطبق كثيرًا مما فيها من الشرائع كالأمر بالتوحيد والختان وتحريم الخمر والخنزير... الخ.(61/123)
(11) أن النصارى تكذب بالقرآن الكريم، وتقدِّس التوراة والإنجيل وتسميها "الكتاب المقدس"، ومنهما تستمد شرائعها بالإضافة إلى رسائل التلاميذ. ويظهر للناظر العابر غير الفاحص الباصر أن هذه الكتب والرسائل فيها من الاضطراب والتناقص والتصادم والتضاد في أساسيات العقائد والشرائع والأخبار، الكثير الكثير.
(12) أن الأناجيل "العهد الجديد" يناقض بعضها بعضًا في كثير من الحوادث التي وقعت في حياة المسيح، كما أن فيها من الاضطراب في رواية الأحداث الكثير، مما يدل على وضعها وتأليفها بيد البشر. إذ لو كان من عند الله لما وجد كل هذا الاختلاف. كما أن فيها الكثير من الكذب والبهتان والافتراء على المسيح -عليه السلام-.
(13) أن النصارى في كتابهم المقدس تتنقص الأنبياء وترميهم بالموبقات والكبائر، وتزعم أنهم لا زالوا في جهنم حتى استخرجهم المسيح المخلص، وأنهم يثبتون العصمة والنبوة لغير الأنبياء، كبعض النساء والتلاميذ وكتبة الإنجيل والرسائل كما يثبتونها اليوم لرجال الدين من الأقسة والرهبان.
(14) أنهم يثبتون النبوة للأنبياء ويغلون فيها عند يحيى -عليه السلام-، إذ زعموا أنه أكثر من نبي، ويزعمون أن النبوة قد انقطعت من بعده ثم يثبتونها لعيسى ولغيره، وأنهم ينكرون نبوة إسماعيل -عليه السلام- ومن جاء من ذريته.
(15) أن النصارى تثبت النبوة لعيسى وتغلوا فيها، فتوصله إلى درجة الإلهية، وتزعم أنه نبي وإله، وتعتقد أن رسالته عامة لكل الناس، وتطعن النصارى في عيسى ونبوته، إذ تزعم أنه كان يختفي بمعجزاته ولم يظهرها للناس، وأنه كذب إذ خالف الواقع في كثير من أقواله، وتنتقصه حيث شك في قدرة الله وجزع جزعًا شديدًا، وصاح معترضًا على ذلك الصلب. وأنه صلب وصفع ووضع فوقه الشوك وسمرت يداه.
(16) أن النصارى تنكر رسالة النبي - r- وتكذب به كاليهود، وتطعن في نبوته وتفتري عليه الكذب، على أنه مسطور نعته ووصفه في كتبهم. وقد أقرت الكنيسة الكاثوليكية المعاصرة، وكثير من رجالاتها بالاعتراف الجزئي بنبوة النبي - r- وهو بمثابة أنبياء بني إسرائيل بعد موسى.
(17) أن بولس (شاول) هو من مؤسسي النصرانية المحدثة، وهو واضع أصولها ومبدل شرائعها، وهو عندهم أصدق من موسى -عليه السلام-، وتسمية النصارى بولس الرسول.
(18) أن النصارى تؤمن باليوم الآخر إيماناً عامًا مجملاً مبهمًا به الكثير من الغبش وعدم الوضوح، وتعتقد أن المسيح هو الذي سيحاسب الناس بجوار والده (تعالى الله)، كما تعتقد أن الجنة ليس فيها نعيم الأكل والشراب والوطء وبقية النعم والملذات.
(19) أن النصارى وضعت التشريع بأيدي القسس ورجال الدين، فبدلوا الشريعة النصرانية وأحلوا الحرام وحرموا الحلال، وعبدوا الصور والأصنام من دون الله.
(20) أن للكنيسة طقوسًا وأسرارًا -وضعها رجال الدين- مصادمة للعقول، يحرم السؤال عنها وعن حكمتها وكنهها وثمرتها عددها سبعة أسرار عند الكنيسة الشرقية، وتزيد عن ذلك في الغربية، مما دفع الكثير منهم للردة عن الدين بسببها.
(21) أن الكنيسة الكاثوليكية تحسنت في أيامها الأخيرة وغيرت من تعصبها المقيت وتنازلت عن بعض عقائدها المنحرفة، فاعترفت بأن الخلاص يناله بعض الأديان الأخرى، ومنها دين الإسلام، كما اعترف بعض أربابها بنبوة النبي - r- جزئيًا.
(22) أن علماء الأندلس كانوا يردون على شبهات النصارى عند ظهورها فيأدوها في مهدها ويبينوا للناس بطلانها، إذ البيان لا يؤخر عن وقت الحاجة، وربما قلبوا الشبهة عليهم في كثير من المسائل.
(23) أن علماء الأندلس طبقوا منهج التسامح مع أهل الكتاب وفق شرع الله، دون إفراط أو تفريط.
(24) أن علماء الإسلام طبقوا ما قرره الإسلام من قواعد عملية في معاملتهم مع أهل الكتاب.
(25) أن الجدل العقائدي في الأندلس اشتد أواره، وكان جله وأكثره بعد القرن الرابع أو الخامس الهجريين، ولعل لذلك بعض الأسباب السياسية والعسكرية بعد انحسار ملك المسلمين وتقدم النصارى وشعورهم بالقوة والسيطرة والهيمنة.
(26) أن الواجب على فقهاء الإسلام ودعاته مجادلة النصارى بالتي هي أحسن إلا للظالمين منهم، إذ ذاك أدعى لتقريبهم وإدخالهم في دين الإسلام.
(27) أن الواجب على علماء الإسلام بيان خطورة التسامح المطلق من كل وجه مع النصارى، وبيان خطورة دعوات (حوار أهل الإيمان) أو (اتحاد الأديان)... الخ، وبيان زيفها وبطلانها ومخالفتها لما علم من الدين بالضرورة، وكشف المراد بصيحات: حوار الأديان، وحوار الحضارات.
(28) أن النصارى أشد الناس على الأمة الإسلامية، وهم -غالبًا- وراء كل نكبة من نكباتها من أول تاريخها إلى اليوم، والواجب مجاهدتهم باللسان والقلم والسنان والإغلاظ عليهم، لاسيما أشدهم على الأمة من رجال الدين ممن يستحق ذلك.
(29) أن الحروب الفكرية والعسكرية -غالبًا- ما يبتدئ بها النصارى، ثم يأتي دور المسلمين للدفاع، والواجب أن تبدأ الأمة الإسلامية بهذا، إذ خير وسيلة للدفاع الهجوم.(61/124)
(30) أن الديانة النصرانية المعاصرة بقايا وأطلال لدين وثني فاسد قديم منحرف، يزداد انحرافًا وبعدًا عن شريعتهم كل يوم، وأنه دين غير ثابت الشرائع والعقائد فهو في تغير مستمر على يد رجال الكنيسة الذين يحاولون اللحاق بركب الحضارة الغربية، وتسويغ أي شذوذ يطرأ عليها.
(31) أن القسس بدأوا حركة الاستشراق من وقت مبكر مع المسلمين، وكان أول ذلك في الأندلس عندما بدأوا ترجمة القرآن للغاتهم برسم النقد، وكذا كتب المسلمين لتشويه صورته عند النصارى أولاً، وعند المسلمين ثانيًا، ليصدوا عن سبيل الله، وقد سار على نهجهم تلامذتهم إلى يومنا هذا.
(32) أن العلماء كان لهم أكبر الأثر في حفظ الشعب الأندلسي المسلم من الذوبان المبكر في النصرانية ديانة وعادات.
(33) أن العلماء كان لهم أكبر الأثر في حفظ وثبات الإسلام والمسلمين في الأندلس قرابة ثمانية قرون بفضل جهادهم في سبيل الله.
(34) أن النصارى يتحاشون المناظرة والمجادلة العلنية مع المسلمين، وغالبًا ما يخسرونها أمام العامة، ويظهر فيها عز الإسلام لضعف حجتهم في تقرير عقائدهم التي تصادم بدائة العقول، ولذلك يلجأون إلى أساليب الترجمة وخلط الباطل بكتب المسلمين ونشرها للعامة.
(35) أن كثيرًا من رجال الدين النصارى هم أفسد الخلق وأكلة الحرام وهم الزناة اللوطة، إذ هم الذين حرموا على أنفسهم الزواج وصادموا الفطرة، واضطروا تحت ضغط الطلب الغريزي الفطري إلى الصلاح الظاهر والفساد الشاذ الباطن لتلبية نداء الفطرة، ووقعوا في الفصام النكد "النفاق" فاحتالوا على الناس بشتى الحيل لاستمالتهم وأكل أموالهم
===============(61/125)
(61/126)
لابد من وقف الحوار مع الفاتيكان
حوار:عبد الرحمن أبو عوف 9/5/1425
27/06/2004
- الاختراق الصهيوني للهيئات المسيحية وراء الحملة الجائرة ضد نبينا عليه الصلاة والسلام.
- الحملة أعادت العلاقة مع الغرب إلى المربع صفر وعرقلت محاولات التقارب والحوار.
- إنشاء كليات للسنة النبوية وتفعيل دور المراكز ضرورة حتمية.
- رموز التغريب في العالم الإسلامي أكبر خطر على السنة المطهرة.
في حوار مثير أكد الكاتب الصحفي أبو إسلام أحمد عبد الله مدير مركز التنوير الإسلامي أن أمتنا الإسلامية مطالبة كلها بالتصدي للحملة الظالمة التي تشنها جهات كنسيّة غربيّة على رسولنا الكريم - صلى الله عليه وسلم - وأن يكون تصدينا لهذه الحملة بأسلوب مؤسسي منسق تشترك فيه جميع الهيئات الإسلامية الرسمية، وأن تنسق هذه الجهات فيما بينها حملة تجب هذه الاتهامات الظالمة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - عبر ندوات ومؤتمرات يشترك فيها علماء المسلمين مع رجال الدين المسيحيين لإظهار تهافت هذه الاتهامات، وكذلك التصدي لمحاولات الإساءة الداخلية لرسولنا - صلى الله عليه وسلم - وسنته التي يقوم بها الاتجاه العلماني، وأن نواجه حملة (مليون ضد محمد) تحمله مواجهة مليار مسلم مع الرسول
وشدد أبو إسلام على ضرورة مقاطعة حوار الأديان الذي يتم حاليًّا بين جهات إسلامية مع الفاتيكان ومجلس الكنائس العالمي كأقل موقف نواجه به الحملات الظالمة ضد نبينا عليه الصلاة والسلام.
وقضايا مثيرة وعديدة نناقشها مع أبي إسلام في السطور التالية..
تشن جهات كنسية حملة ظالمة ضد نبينا الكريم.. كيف تنظر إلى هذه الحملات المغرضة؟
هذه ليست أول محاولة يقوم بها قساوسة غربيون ينتمون بصورة غير مباشرة للفاتيكان ضد الرسول - صلى الله عليه وسلم -؛ فالكنيسة الغربية ومنها الفاتيكان لا تعترف بنبي الإسلام، ونظرتهم إليه تقتصر إلى كونه مصلحًا وليس نبيًّا مُرسلاً.
وهذه الحملة تأتي كحلقة في مسلسل العداء للنبي؛ فتارة يتهمونه بأنه مزواج ويعشق النساء، وأخرى بالجمود والتطرف، وثالثة بأنه إرهابي نشر دعوته بالسيف وليس بالإقناع والحوار، وأنه اعتمد على مجموعة من القتلة وسفاكي الدماء لنشر هذه الدعوة؛ علاوة على حملتهم الشديدة على زوجاته -رضي الله عنهن- واتهامهن بأفظع الاتهامات، والحملات الظالمة التي تعد سابقة خطيرة للفاتيكان الذي لم نتعود منه هذا التهور وموقفه من الرسول كان لا يتعدى عدم الاعتراف بنبوته، ولكن لم نعهد منه الإساءة المباشرة إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - وتشويه صورته.
مواجهة الفاتيكان
إذًا ما دام الفاتيكان وقساوسته قد تورطوا في هذه الهوّة السحيقة؛ فكيف نواجهها؟
أول خطوة نواجه بها هذه الحملة الظالمة على الرسول - صلى الله عليه وسلم - هي: وقف حالات الحوار التي تجريها العديد من الهيئات الإسلامية مع الفاتيكان، وعلى رأسها الأزهر الشريف ورابطة العالم الإسلامي والمجلس الإسلامي العالمي للدعوة والإغاثة؛ حيث يستغل الفاتيكان هذه الجولات من الحوار لتحسين صورته وإظهاره بأنه مؤسسة للمودة والتسامح مع الآخر.
وثاني خطوة هي: دحض هذه المؤامرات، وشن حملة إعلامية كبيرة لمواجهتها عبر إظهار زيفها وعقد الندوات والمؤتمرات التي تظهر الوجه الحقيقي للنبي - صلى الله عليه وسلم -، وإظهار سماحته وأخلاقه العالية وإحسانه إلى الآخر؛ خصوصًا النصارى واليهود، وطبع كتب بمختلف اللغات ترسم الصورة الحقيقية للنبي؛ فأوروبا رغم تقدمها العلمي والتكنولوجي تجهل أبسط المعلومات عن الإسلام و نبينا الكريم؛ لذا يفضل أن نوجه حملتنا لمناصرة نبينا العظيم إليهم بلغتهم، والتأكيد لهم أن العداء للنبي مخالف لأبسط القواعد المسيحية التي تنادي بالتسامح وقبول الآخر, وأن احترام الأنبياء والرسل من أبسط تعاليم المسيح والمسيحية.
اختراق صهيوني
برأيك هل تقف جهات صهيونية وراء هذه الحملة؟
هناك اختراق صهيوني للمؤسسات المسيحية وعلى رأسها الفاتيكان منذ مدة طويلة، ولا أستبعد أن تقف هذه الجهات المشبوهة وراء الحملة على نبينا العظيم لتشويه صورة ديننا الحنيف، ويمكن أن يكون خلفها التيار الصهيوني المسيحي الذي يرى أن نصرة اليهود وهيمنتهم على أمتنا الإسلامية تأتي تنفيذًا لتعليمات المسيح، وهذا من أسوأ صور التطرف. ومما يزيد من يقيني بتورط جهات خارجية في هذه الحملة أن الفاتيكان طوال تاريخه لم يُقدِم على خطوة كهذه، وهي ما تعد سقطة مزرية للفاتيكان تؤثر كثيرًا على مصداقيته؛ فالحملة على محمد - صلى الله عليه وسلم - تعيد العلاقة بين العالم الإسلامي والمسيحية إلى المربع صفر، وتعيدنا عمومًا إلى أجواء الحرب الصليبية التي شنتها القوات الصليبية بدعم من الكنيسة، كما أنه يتسبب في وأد محاولات التقارب وجولات الحوار التي جرت بين المؤسسات الإسلامية والمسيحية في السنوات الماضية.
جهد قاصر
ولكن كيف نستطيع كمسلمين مواجهة مثل هذه الحملات؛ خصوصا أن هناك حملات علمانية مغرضة في الداخل تستهدف النبي وسنته؟(61/127)
الرد على حملة كهذه يتطلب جهدًا مؤسسيًّا وليس شخصيًّا، وأن تقوم به جهات كبرى كالأزهر ورابطة العالم الإسلامي ومنظمة المؤتمر الإسلامي وغيرها من المراكز العلمية الرصينة، وأن يتم التنسيق بين هذه الجهات للتصدي لهذه الحملات المشبوهة، وهذا يتطلب جهدًا كبيرًا، وأن يركز هذا الجهد على وقف الحملات الداخلية التي تشن هجومًا شديدًا على الرسول وسنته ممن يطلق عليهم اسم "القرآنيين" الذين يسيئون إلى الإسلام عمومًا ورسوله - صلى الله عليه وسلم - خصوصًا، وأن تكون أفعال النبي وأقواله نبراسًا لنا في حياتنا، أي تصبح أسلوب حياة. ومن الأسف حاليًّا أن الدعاة إلى الإسلام لا يركزون في دعوتهم على الهدي الظاهر ولا يركزون على سنن النبي وأفعاله؛ بل يبتعدون عنها حتى لا يتهمهم أحد بالغلو والتطرف.
وكذلك ضرورة التصدي للاتجاه العلماني الذي يعمل على تشويه صورة نبينا كلما سنحت له الفرصة، علينا أن نقف ونتصدى لهذه الهيئات ومما يؤسف عليه أن هناك جهات عديدة مهمتها الدفاع عن النبي وسنته ومنها مراكز دراسات السُّنّة الموجودة في العديد من الدول العربية والإسلامية وهذه المراكز رغم تعددها ونشاطها إلا أن جهدها قاصر، ولم تحقق الأهداف التي أنشئت من أجلها للدفاع عن الرسول وسنته، واكتفت بعقد المؤتمرات والندوات التي يتحدث فيها علماء مسلمون لعلماء مسلمين، ولم تعمل على إعطاء جهدها طابعًا خارجيًّا يتصدى للمؤتمرات الغربية على رسولنا عبر مشاركة مفكرين وعلماء ومفكرين غربيين؛ فنحن نظل نتحاور مع أنفسنا ولا نوجه حديثنا للغرب، وهذا خطأ كبير!.
أما الأوساط الشعبية والإسلامية؛ فعليها واجب كبير لنصرة الرسول واستغلال التقدم التكنولوجي لفضح مؤامرات الغرب ضد رسولنا وديننا، وبذل جهد للظهور بمظهر المناصر لنبينا - صلى الله عليه وسلم -، وعدم إعطاء الفرصة لتيار انهزامي ينتشر بين الأمة يدّعي أن تجاهل هذه الحملات يطفئها، وهذا خطأ فظيع؛ فالغرب إذا وجدنا نتهاون مع كرامة نبينا فسيستمر في غيه!
السم في العسل
تحدثتَ كثيرًا عن الاختراق الغربي لمؤسساتنا الإسلامية خصوصًا الرسمية.. كيف ذلك؟
فعلاً هناك اختراق مسيحي للمؤسسات الرسمية؛ فعلماء هذه المؤسسات يحاولون استرضاء المؤسسات الدينية الغربية ويظهرون إعجابهم بالنمط الغربي ويحاولون تسويق النمط الغربي إلينا على طريقة السم في العسل لدرجة أن العديد من شيوخ الإسلام يتحدثون أن الغرب أصبح الوصي على الإسلام، وأن الاستفادة منه أفضل لنا، وأن المواجهة لن تكون في مصلحتنا، وأحسب أن هذه الظاهرة بدأت تتكرس بشدة في الأيام الأخيرة؛ حيث أصبح بعض علماء السلطان يعملون وكلاء للغرب، ويسعون ليكونوا رموزًا للتغريب في حياتنا، بل إنهم أصبحوا يتندرون على فكرنا الأصيل ويصمون ثوابت إسلامية بالتخلف والجمود، وهذه كارثة إذا لم نحاول التصدي لها ووأدها حاليًا فسوف نعاني الأمرين منها في المستقبل!
==============(61/128)
(61/129)
معركة تغيير المناهج تشعل نيران الغضب
مركز أبعاد 16/11/1424
08/01/2004
_ سياسات علمنة التعليم في المنطقة سابقة لأحداث سبتمبر
_ الولايات المتحدة استغلت أحداث سبتمبر لإرهاب الحكومات العربية وإجبارها على الرضوخ لمطالب محددة بشأن تغيير التعليم.
_ تضاعف إنفاق واشنطن لعلمنة التعليم الديني بمنطقة الشرق الأوسط خلال الأعوام الثلاثة الماضية.
_ صقور واشنطن رصدوا 145 مليون دولار للإسراع بمحاولات اختراق العقل العربي.
_ المثقفون وعلماء الدين: مناهج التعليم في المنطقة تحتاج لتعديل برؤية وطنية أصيلة بعيدًا عن المخططات والأولويات الأمريكية.
فجأة، اشتعلت نيران الجدل والصراع السياسي والفكري في أكثر من عاصمة عربية في وقت واحد، والمعركة واحدة، ألا وهي الدعوات المحمومة إلى تغيير مناهج التعليم، وخاصة الجوانب المتعلقة بالإسلام وشريعته وقيمه، البعض يستشهد بهذا التوازي الزمني في الأحداث ليؤكد على أن "يد" العبث هي واحدة، ويعني بذلك الضغوط الأمريكية على دول المنطقة من أجل السير الحثيث نحو تغيير مناهج التعليم وفق رؤية أمريكية محددة، وعلى الرغم من أن وتيرة هذه الدعوات قد تسارعت بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر؛ إلا أن التاريخ يؤكد لنا أن حضور هذه الرغبة لدى الإدارة الأمريكية ودوائر غربية أخرى كان قويًّا أيضًا في مراحل سابقة، وعلى سبيل المثال: ففي عام 1979 أنشئ ما يسمى بـ"منظمة الإسلام والغرب"، تحت رعاية منظمة الثقافة والعلوم التابعة للأمم المتحدة "يونيسكو"، والتي تشكلت من 35 عضوًا.. عشرة منهم مسلمون، وكان من أول أهداف المنظمة الجديدة - كما نص دستورها صراحة- علمنة التعليم، حيث جاء فيه: "إن واضعي الكتب المدرسية لا ينبغي لهم أن يصدروا أحكامًا على القيم، سواء صراحة أو ضمنًا، كما لا يصح أن يقدموا الدين على أنه معيار أو هدف". ونص - أيضاً - على: "المرغوب فيه أن الأديان يجب عرضها ليفهم منها الطالب ما تشترك فيه ديانة ما مع غيرها من الأديان، وليس الأهداف الأساسية لدين بعينه"، وهو ما يسير في إطار عولمة الأديان وجمعها في إطار واحد!.
ولكن الحقيقة أن الضغوط التي تعرضت لها المنطقة العربية بهدف تغيير نظمها التعليمية -باعتبارها حجر أساس المنظومة الثقافية والاجتماعية- كلها كانت تجري على استحياء أو تحيطها السرية وذلك قبل الحادي عشر من سبتمبر ، وكان ثمة تردد في الإعلان عن مثل هذه الضغوط ، إلا أن الإدارة الأمريكية ، وتحت ضغوط مكثفة من اللوبي اليهودي ، وجدت متنفساً في تلك الأحداث ، فنجحت في استغلال الحدث لبدء حملة مفتوحة على ما تسميه "الإرهاب" ، وأعلنت صراحة عن خططها الرامية إلى استبدال نظم تعليمية علمانية ترتضيها بتلك النظم القائمة بالفعل، والتي رأت أنها أرض خصبة ساعدت على تفريخ الخلايا والتنظيمات الإرهابية الإسلامية . وعبر وزير الخارجية الأمريكي (كولن باول) عن الهجمة الجديدة التي يجب أن يتأهب لها العالم العربي والإسلامي بالقول خلال مقابلة صحفية: "إنني مع احترامي لتقاليد دول المنطقة (العربية)! فعليها أن تعيد النظر في تقاليدها وممارساتها بهدف معرفة ما إذا كان التغيير ممكنًا". وأضاف باول: "بالنسبة إلى الدول الصديقة لنا في المنطقة، كل واحدة لها نظامها الخاص، وكل واحدة عليها أن تحكم بنفسها ما إذا كانت تريد أن تتغير، ومدى السرعة التي ستتغير بها، ونأمل أن نستطيع التأثير عليها من حيث كيف يتحقق التغيير".
اعتراف..!
ومما يؤكد أن الإدارة الأمريكية باتت عازمة على تحقيق سيطرتها الثقافية على المنطقة ما اعترف به آخر تقارير وزارة الخارجية الأمريكية حول تلقي بلدان في منطقة الشرق الأوسط في عام 2002 وحده 29 مليون دولار من أجل ما أسماه "جهود تغيير نظم التعليم"، وفي عام 2003 وصل الإنفاق الأمريكي في نفس الإطار إلى ثلاثة أضعاف حيث قفز إلى 90 مليون دولار!! ومن المتوقع أن يشهد العام الجديد 2004 زيادة كبيرة في المبالغ المخصصة لتغيير التعليم في العالم العربي والإسلامي، حيث طالبت الإدارة الأمريكية الحالية الكونجرس بتخصيص 145مليون دولار في ميزانية 2004 من أجل تحويل التعليم في المدارس الإسلامية في المنطقة العربية إلى تعليم علمانيّ، وهي مطالبة تبعتها لجنة تقسيم الميزانية في الكونجرس بتوصية بشأن تخصيص45 مليون دولار فقط للعالم العربي على أن يوضع الباقي في ميزانية تغيير مناهج التعليم في بقية الدول الإسلامية لا العربية منها فقط.
تشجيع..
وذكر التقرير أن إدارة الرئيس جورج بوش طالبت بهذا المبلغ من أجل تشجيع التعليم العلماني بسبب المخاوف من تنامي المدارس الإسلامية في العالم، وأن التمويل جاء في إطار ما يسمى بـ"مبادرة الشراكة الشرق الأوسطية" التي تدعو أمريكا فيها إلى تحديث العالم الإسلامي ونشر الديمقراطية به.(61/130)
ومنذ أن كشّرت الإدارة الأمريكية عن أنيابها بشأن علمنة التعليم في المنطقة العربية والإسلامية، وهو ما عبّر عنه العديد من مسؤوليها وأبرزهم وزير الدفاع الأمريكي دونالد رامسفيلد، الذي انتقد المدارس الإسلامية في المنطقة العربية، وقال: إن على أمريكا تشجيع نظام تعليمي غير متشدد في العالم الإسلامي. ومنذ ذلك الوقت والعمل داخل المؤسسات الأمريكية -وعلى رأسها مكتب وزارة الخارجية الأمريكية لشؤون الشرق الأدنى الذي أنيط به الإشراف على تنفيذ برامج تغيير المناهج الدراسية في منطقة الخليج- جارٍ على قدم وساق، والمثير للدهشة ما أشار إليه تقرير أعدته وزارة الخارجية الأمريكية من أن نصيب منطقة الخليج بلغ 300 ألف دولار من ميزانية تغيير مناهج التعليم في المنطقة العربية والإسلامية لدفع ما أسماه بـ"الإصلاح التعليمي" في دول المنطقة وفي إطار سعيها لتهدئة المشاعر المعادية لها، وذلك من خلال تحديث المناهج الدراسية وطرق تدريسها في عدد من الدول على رأسها: البحرين، والكويت، وعمان، وقطر، والإمارات، واليمن. وهو مبلغ شديد التواضع ومن المؤكد أنه أنفق ـ في الغالب الأعم ـ في مجال العلاقات العامة، بما يعني أن تكلفة تغيير المناهج في الخليج ستغطى محليًّا بصيغة أو أخرى!.
ثوابت..
وفي إطار اهتمام وتركيز الإدارة الأمريكية على علمنة مناهج التعليم الإسلامي، وهو الأمر الذي يطال - حسب التصريحات الأمريكية ذاتها- تغيير ثوابت وأصول في الدين الإسلامي، فإن الحديث يجري عن السعودية ومصر والكويت كدول تتصدر قائمة الدول المستهدفة بسياسات علمنة التعليم، ففي السعودية يعتمد النظام التعليمي في الأساس على تدريس علوم الدين الإسلامي من قرآن وفقه وحديث فضلاً عن التحديات الكبيرة التي واجهتها المملكة في أعقاب أحداث 11 من سبتمبر والتي جعلت الإدارة الأمريكية -تحت ضغوط اللوبي الصهيوني- تتعامل معها وكأنها بؤرة لتفريخ الإرهاب بعد أن ادعت أمريكا تورط 15 سعوديًّا في تنفيذ الهجمات ضد برجيّ مركز التجارة العالمي. وفي مصر هناك حملة شديدة ومركزة على الأزهر الشريف ومطالبة أمريكية بإجراءات جذرية لتطوير التعليم الديني في مصر وصبغه بصبغة حديثة ويتواكب مع هذا حملة ترهيب أمريكية هددت مسؤولي الأزهر وقياداته صراحة بأنه لا خيار في الموقف من مناهج التعليم السائدة، فإما قيادة تطوير التعليم الديني في المنطقة أو إدراج الأزهر نفسه في القوائم الأمريكية للإرهاب. وكذلك تتعرض الكويت لضغوط متتالية من أجل إحداث تغييرات جذرية في نظم التعليم تمهد لتسويق القيم الجديدة التي تدعو لها مبادرة الشراكة الأمريكية ـ الشرق أوسطية، وهو الأمر الذي يحاول البعض هناك تمريره بوتيرة متسارعة، رغم المقاومة العنيدة التي يقوم بها التيار الإسلامي خاصة في البرلمان الكويتي، حيث يحظى الإسلاميون فيه بحضور لافت.
ولا يسع المتأمل في سياق هذه التوجهات إنكار الحضور القوي للكيان الصهيوني في الأبواب الخلفية الضاغطة باتجاه تعديل المناهج التعليمية بما يخدم توجهات الهيمنة الأمريكية والصهيونية في المنطقة، ونزع روح المقاومة، وهناك من التقارير المنشورة ما يشير إلى اهتمام صهيوني كبير برصد مناهجنا التعليمية وتحديد المحاور التي تحتاج -وفق النظرة الصهيونية- إلى تعديل، ومن ذلك الدراسة التي أعدها الدكتور (أرنون جريس)، وهو إسرائيلي الجنسية ويعمل صحفيًّا في راديو إسرائيل! والتي قام خلالها برصد وتحليل 93 كتابًا من كتب المواد الشرعية التي تدرس في السعودية، وكان من أهم نتائج دراسته أن المناهج تدَّعي أن الإسلام هو الدين الوحيد المقبول، وأن اليهود والمسيحيين هم أعداء المسلمين الأبديين، وأن كتب الجغرافيا لا تعترف بدولة إسرائيل!.
وعلى الرغم من ظاهرة الاستسلام شبه الكامل للضغوط الأمريكية باتجاه تعديل المناهج التعليمية؛ إلا أن ثمة قلقًا كبيرًا تبديه بعض المؤسسات الإسلامية، وخاصة في المجال المتصل بصلب العلوم الشرعية، ومن الدلائل المهمة على هذا القلق ذلك البيان الذي صدر في القاهرة عن مجمع البحوث الإسلامية - إحدى أهم مؤسسات الأزهر- والذي فضح محاولات التدخل الأمريكية لتغيير مناهج التعليم في مصر، وأدى إلى إحراج مؤسسات أخرى متنوعة في مصر قطعت شوطًا بالفعل على صعيد العبث بمناهج التعليم، وقد جاء في بيان مجمع البحوث الإسلامية بعد إشارته إلى تعدد التصريحات غير المسؤولة من قبل قيادات أمريكية: "ولقد تبع هذه التصريحات والكتابات دعوات غريبة وشاذة للتدخل في أخص خصائص الإسلام والمسلمين؛ فتجاوزوا التدخل في الشؤون السياسية والاقتصادية للعالم الإسلامي إلى الحديث عن ضرورة تغيير مناهج التعليم الديني، والمدارس القرآنية في بعض البلاد الإسلامية، وفي مواجهة هذه الحملة الظالمة والغربية الشاذة؛ يرى مؤتمر مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف أن يعلن أن التهجم على أي دين من الأديان، والسعي لتغيير أو تعديل هويّات الأمم وثقافات الشعوب إنما هو تجاوز للخطوط الحمراء يصل إلى حد اللعب بالنار وتعريض السلام العالمي لأشد المخاطر والتحديات".(61/131)
وتزامن مع صدور بيان مجمع البحوث الإسلامية بيان مماثل أصدرته الكتلة الإسلامية في مجلس الأمة الكويتي تحذر فيه الحكومة الكويتية من الرضوخ للابتزاز الأمريكي لتغيير المناهج الدراسية لاعتقادها أنها تشجع على الإرهاب والتطرف، وذلك في أعقاب تصريحات أطلقها وكيل وزارة التربية الكويتي (حمود السعدون)، والتي قال فيها: إن الحكومة تقوم بإعداد كتب مدرسية في مواد التربية الإسلامية واللغة العربية والاجتماعيات والتربية الوطنية، وذلك لتدعيم قيم التسامح ومحاربة العنف والتطرف•
والحقيقة أن الجهود الدولية في اتجاه علمنة التعليم الديني في المنطقة العربية والإسلامية لا تتوقف عند حد الإدارة الأمريكية أو الكيان الصهيوني، وإنما هناك جهات دولية أخرى معنية بالملف، ومن بين تلك الجهات صندوق النقد والبنك الدوليان، اللذان يرهنان قروضهما ومساعداتهما لدول عربية وإسلامية بتغيير المناهج وإصلاح أو استبعاد بعض المقررات الدراسية. كذلك هناك آليات أخرى لتعزيز هذه الدعوات ومحاصرة النظم السياسية فيها، ولعل أبرزها مؤتمرات ما يسمى بـ"حوار الأديان" التي عادة ما توصي بتغيير المناهج في البلدان الإسلامية لإتاحة المجال أمام الحوار والتفاهم بين الأديان، كذلك مفاوضات ومباحثات الشراكة (الأورو- متوسطية) التي تلزم فيها أوروبا دول الحوض المتوسط -الإسلامية منها طبعًا- بتغيير المناهج مقابل المنح والشراكة ونحوها. أيضاً هناك الندوات والمؤتمرات الدولية التي تتخذ من "حوار الحضارات" شعارًا لها لإصلاح مناهج المؤسسات التعليمية الإسلامية، ومثالها الندوة التي نظمتها في بيروت مؤسسة "كونراد أدناير" الألمانية يومي 13 و 14-12-2002.
رضوخ..
الجدير بالذكر أن المحاولات العلنية الأمريكية المبذولة لعلمنة مناهج التعليم في المنطقة العربية والإسلامية، وعلى الرغم من مرورها بدون كثير عناء من خلال جهات رسمية في العالم العربي تتقي بصمتها وتغافلها الغضب الأمريكي الهائج؛ إلا أنها أسفرت عن موجة من الغضب والاستنفار في أوساط المثقفين والدعاة وعلماء الدين الإسلامي لأسباب عديدة منها أن المحاولات الأمريكية لتبديل مناهج التعليم لا يمكن الفصل بينها وبين الحملة الشاملة التي قررت الولايات المتحدة شنها ضد كل ما يهدد إسرائيل أو ما يتحدث عن خصوصيات ثقافية وهوية عربية إسلامية متمايزة، فضلاً عن التصريحات الأمريكية العلنية تؤكد على أن الهدف من هذا العبث بمناهج التعليم هو تفريغ المجتمع الإسلامي من روح المقاومة، وتذويب مشاعر الولاء والبراء في ضمير الإنسان المسلم، وهو الأمر الذي يستدعي العبث بآيات القرآن ونصوص السنة النبوية المشرفة وما هو معلوم بالضرورة في دين الإسلام، وهذا تحديدًا ما أقلق النخبة الإسلامية وحرك مشاعر الرفض والغضب لديها تجاه المخططات الجديدة لتغيير مناهج التعليم.
وهناك ما يشبه الإجماع بين النخب الإسلامية المحتجّة على المخططات الجديدة على أن الحاجة موجودة بالفعل إلى تحريك فكر جديد في مناهجنا التعليمية ينهض بالأمة، ويتواكب مع تطورات حقيقية شهدها العالم على مدار العقود الأخيرة؛ إلا أن التوتر يأتي من التأكيد على أن ثمة فارقًا كبيرًا بين التطوير التعليمي الذي ينشأ من خلال احتياجات حقيقية ورؤية أصيلة ومستقلة وإرادة وطنية مستقلة، وبين تطوير مخطط خارجي ومطلوب تنفيذه بإرادة خارجية، ووفق تصورات وأولويات دول أخرى، لا تخدم بالضرورة الاحتياجات الحقيقية لأوطاننا وشعوبنا.
ويبقى ملف الصراع مفتوحًا الآن على كل الاحتمالات، ورغم ضخامة الضغوط السياسية والاقتصادية والنفسية التي تمارس دوليًّا على العالم الإسلامي لدفعه باتجاهات محددة في هذا الشأن، إلا أن ثمة مساحات واسعة من العمل والجهد ما زالت متاحة أمام المجتمع العربي لصد الموجة أو تفريغها من مضمونها على أقل تقدير؛ فهل تنجح الجهود الأهلية في جبر انكسار الجهود الرسمية؟. هذا ما ستكشف عنه الأشهر المقبلة
==============(61/132)
(61/133)
التطوّر الإيجابي في سلوك مسلمي أوروبا
عبد الرحمن أبو عوف … … … … …22/5/1427
… … … … …18/06/2006
أكد د. أحمد جاب الله مدير المعهد الأوروبي للدراسات الإنسانية بباريس أن أزمة الرسوم المسيئة للرسول - صلى الله عليه وسلم - عكست تطوراً إيجابياً في سلوك الجالية المسلمة في أوروبا، والتي نجحت في كسب تأييد ملايين الأوربيين لموقفها الرافض للجريمة التي اقترفتها الصحف الدنمركية في حق رسول الإسلام. ولفت "جاب الله" في حوار لـ(الإسلام اليوم) إلى حدوث تطوّر نوعي في الخطاب الديني لمسلمي أوروبا بشكل حرك العديد من الفعاليات السياسية والثقافية الأوروبية للدفاع عن حق المسلمين في احترام رموزهم ومقدساتهم، مطالباً منظمة المؤتمر الإسلامي بضرورة تأييد دعوة خافيير سولانا التي طالب فيها المنظمة الدولية بحظر ازدراء الأديان السماوية الثلاث.
وأرجع "جاب الله" نمو التطرف اليميني ضد مسلمي أوروبا إلى الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تمر بها القارة، وتركيز بعض الاتجاهات المعادية للمسلمين، وعلى رأسها قضية الإسلاموفوبيا، واستغلالها لأحداث سبتمبر وتفجيرات لندن ومدريد لتشويه صورة الأقلية المسلمة التي نجحت في إفشال هذه المحاولات عبر الخطاب الوسطي والمعتدل، وهو ما نجح في طمأنة هذه المجتمعات ومشاركة مسلمي أوروبا في خدمة الأوطان التي يعيشون فيها ..
ونبه "جاب الله" إلى ضرورة اندماج المسلمين في المجتمعات الأوروبية بحيث يكون اندماجاً إيجابياً يحافظ على الهوية العربية والإسلامية لهم، وليس بالذوبان في هذه المجتمعات.
التفاصيل الكاملة للحوار مع مدير المعهد الأوروبي للدراسات الإنسانية في السطور التالية:
في البداية نرجو أن تلقي لنا الضوء على المعهد الأوروبي للدراسات الإنسانية.
منذ ثمانينيّات القرن الماضي بدأ اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا يفكر في إنشاء مؤسسة جامعية تسعى لنشر العلوم الشرعية في أوساط المسلمين في أوروبا، ومن ثم تثقيفهم ثقافة تتسم بالتأصيل الشرعي الإسلامي، وتراعي ظروف الواقع الأوروبي الذي يعيشونه، وتحقق الحلم بتأسيس أول مؤسسة جامعية إسلامية في أوروبا بإنشاء المعهد الأوروبي للعلوم الإنسانية في مطلع التسعينيّات، وتبعه فرع ثانٍ في بريطانيا، ومع بداية عام 2001 افتُتح الفرع الثالث في ضواحي باريس. وقد شهد المعهد بعد خمس سنوات من إنشائه -وبتوفيق من الله- تطوراً ملحوظاً كماً ونوعاً؛ فمن حوالي (100) طالب في السنة الأولى وصل عدد المسجلين إلى ما يزيد عن (600) طالب في السنة الدراسية الماضية، موّزعين على خمسة تخصصات، وهي تحفيظ القرآن الكريم واللغة العربية، وتخريج الأئمة المتخصصين في الشريعة وأصول الدين والدراسات الإسلامية باللغة العربية.
لا شك أن مؤسسي المعهد قد سعوا إلى تحقيق العديد من الأهداف من وراء إنشاء المعهد .. هل قابلتكم صعوبات خلال هذه المسيرة؟
نعم . سعينا لتحقيق العديد من الأهداف، ومنها تكوين الأئمة المؤهلين الجامعين بين العلم الشرعي ومعرفة ثقافة المجتمع الفرنسي، وبالتالي حسن التعامل معه، وتكوين المتخصصين في مجال الدعوة والتعليم والبحث الأكاديمي الشرعي؛ إضافة إلى نشر العلوم والثقافة الشرعية وفق منهج وسطي يجمع بين الأصالة والمعاصرة والواقعية، يحقق الإشعاع الفكري والثقافي والدعوي للمعهد في أوساط المسلمين مع تحقيق الانفتاح الإيجابي على المحيط العلمي والديني والثقافي والاجتماعي من خلال التواصل والعمل المشترك مع المؤسسات العلمية الجامعية في فرنسا وخارجها، وعلى الرغم من وجود بعض الصعوبات التي لا أحب الحديث عنها، إلا أن المعهد يمارس دوراً دعوياً في فرنسا وخارجها من خلال مشاركة أساتذته وطلابه في المحاضرات والندوات التي تُقام هنا وهناك، وفي إقامة صلاة الجمعة وإمامة الصلوات الخمس في المساجد والمصليات وصلاة التراويح في رمضان، كما يشارك العديد من أعضائه في المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث، كما أن هناك دار فتوى تابعة لاتحاد المنظمات الإسلامي في فرنسا، والتي يجيب فيها الأساتذة يومياً على الأسئلة التي يطرحها المستفتون.
تحرك إيجابي
واجهت الأقلية المسلمة في أوروبا في الفترة الماضية تحديات متعددة كان أبرزها قضية الرسوم المسيئة للرسول - صلى الله عليه وسلم - .. كيف تقيّم ردّ فعل مسلمي أوروبا على هذه الأزمة؟(61/134)
المسلمون في أوروبا تحرّكوا بشكل إيجابي وحضاري لمواجهة الأزمة عبر المظاهرات والبيانات والندوات والمحاضرات وشرح موقف الإسلام من هذه الأزمة، وهو ما أجبر الأوروبيين على التوقف عند أسباب غضبة المسلمين والاستفسار عن هذا الأمر، وقد نجحنا عبر الردود على هذه التساؤلات في جذب تأييد وتعاطف آلاف الأوروبيين لموقفنا، وقد تعامل المسلمون مع هذه الأزمة بشكل هادئ، ويختلف كثيراً مع التعامل مع الأزمة في بعض بقاع العالم الإسلامي؛ حيث أُحرقت السفارات وديست أعلام تحت الأقدام، وهو ما قوبل بغضب من الأوربيين بهذا الشكل واستنفارهم ضد الإساءة لنبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - وأسهمت هذه المذكرة في تعديل شكل التفكير الأوروبي، وعدم غضبتهم على المظاهرات إلى جانب العديد من دول العالم الإسلامي .. وأعتقد أن هذا الخطاب الديني المعتدل قد استطاع أن يوصل رسالة ساعدت في تغيير ملموس في اتجاهات الرأي في أوروبا تجاه الأزمة لدرجة أن عديداً من استطلاعات الرأي في أوروبا أكّدت أن 56 % من الذين جرى استطلاعهم يتفهمون موقف المسلمين وحقهم في التظاهر، وهو تدليل على أن هذا الدين لا يحتاج إلى تعريف بل يحتاج إلى جهود وتوضيح صورته ومقدساته التي يجب أن يحترمها الأوروبيون وغيرهم.
التهجم على المقدسات
في ظل اشتعال أزمة الرسوم المسيئة تقدم خافيير سولانا بمقترح لتقديم مشروع قرار في المنظمة الدولية يمنع ازدراء الأديان أو التهجم على رموزها ..
ما من شك أن هذا المقترح ممتاز، ويجب على منظمة المؤتمر الإسلامي أن تتلقفه، وتضعه على أولويات أجندتها هي وكافة المنظمات الإسلامية مثل: رابطة العالم الإسلامي، والمجلس الإسلامي العالمي للدعوة، والإغاثة واتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا، وتبذل جهوداً في المنظمات الدولية لفرض ووضع ضوابط تؤدي إلى احترام كافة العقائد الدينية التي يحترمها الإسلام، ويُحرّم المساس بها والانتقاص من قدرها، كما أن مثل هذا القانون سيؤثر بشكل إيجابي ويخفض من حدة الاحتقان التي يعاني منها حالياً معتنقو الأديان السماوية الثلاث.
تحدثتم عن الاحتقان بين معتنقي الأديان السماوية .. برأيك لماذا أخفق حوار الأديان الذي يجري من أعوام في تخفيف هذا الاحتقان؟
مشكلة جولات الحوار التي تمت بين المنتسبين للأديان السماوية الثلاث أن القائمين على هذا الأمر ليسوا أصحاب قرار، وهو ما يجب أن نضعه نصب أعيينا؛ فمثلاً في أوروبا أو فرنسا هناك عشرات من الجمعيات مهتمة بالحوار بين أصحاب الديانات السماوية الثلاث، وهذا الحوار على الرغم من أهميته الشديدة في بناء جسور بين معتنقي هذه الديانات وآثاره الاجتماعية التي لا يستطيع أحد إنكارها، إلاّ أنه لم يكن ذا أثر واضح على المستوى السياسي؛ فالكنيسة الكاثوليكية مثلاً ليس لها تأثير كبير على صانع القرار، وهو ما عرقل تحقيق هذا الحوار للنجاح المرتجى منه، وإن كان هذا لا ينفي التأثيرات الاجتماعية الممتازة التي حققها، وهو ما يجعلنا نطالب بإعطاء هذا الحوار فرصة، ووقت أطول حتى يؤتي ثماره.
إسلاموفوبيا
بين الحين والآخر تتعالى صيحات ضد المسلمين في أوروبا متواكبة مع زيادة نفوذ الأحزاب اليمينية المتطرفة التي تعادي هذه الجالية..
لا ينبغي أن نعمم الأمر فقد حصل في بعض البلدان الأوروبية فقط، وليس كل البلاد، في معظم دول الاتحاد الأوروبي هناك أحزاب يمينية، ولكن ليس لها تأثير كبير، ومجمل الأمر أن لنمو هذه الأحزاب عدة أسباب، منها الأزمة الاقتصادية؛ فكلما زادت حدة هذه الأزمة انعكست على أوضاع المهاجرين الذين حصلوا على حقوق اقتصادية واجتماعية قد يعدها البعض خصماً من رصيد مواطني هذه الدول، ناهيك عن أن أحداث الحادي عشر من سبتمبر وتوابعها والحرب على الإرهاب وما حدث في مدريد ولندن من تفجيرات، هذا ساهم في زيادة نفوذ هذه الأحزاب والتفاف البعض حولها، مستغلين ما يُطلق عليه الإسلاموفوبيا التي حاولوا تكريسها، ونحن من جانبنا كمنظمات إسلامية نحاول مواجهة هذا التطرف اليميني عبر التأكيد على حاجة المسلمين في أوروبا أن يكون خطابهم خطاباً متوازناً ووسطياً لطمأنة المجتمعات الأوروبية بأن التجمعات الإسلامية تعمل لخدمة البلدان التي يعيشون فيها، مع رغبتهم في التمسك بعقيدتهم الإسلامية؛ فهؤلاء لا يريدون أن يكون اندماجهم في المجتمع على حساب تمسكهم بدينهم، ونأمل في القريب أن يؤثر هذا الخطاب العاقل على أوضاع الجالية المسلمة في المجتمعات الأوروبية.
اندماج إيجابي
لكن هذا الاندماج الذي تتحدث عنه تعرض لانتكاسة في المرحلة الماضية بعد أحداث الضواحي الباريسية، وما تلاها من تهديد بطرد المهاجرين، وإعادتهم إلى أوطنهم؟(61/135)
حين نتكلم عن الاندماج فنحن نتحدث عن الإيجابي منه، وليس السلبي فنحن مع الاندماج مع المحافظة على عقيدتنا وديننا، ولا تعني المحافظة الانغلاق، ولا التعاطي مع المجتمع بشكل قد يؤدي إلى الذوبان، وهي معادلة صعبة؛ فالحفاظ على الهوية الإسلامية يجب أن يشكل رأس الحربة لاندماجنا وتحويلنا إلى مواطنين مشاركين ومساهمين في بناء المجتمعات التي نعيش فيها، ولكن هذا الاندماج يُواجه بمشاكل عديدة أبرزها: أن الجيل الأول من المهاجرين كان محدود الثقافة، وليست لديه القدرة على التأثير في المجتمع أو الوصول إلى مناصب قيادية، وسيطرت عليهم فكرة الانطواء، مما سمح للمنظمات اليمينية والعنصرية باستغلال ذلك، والإساءة لهم، مستغلة وجود حالة رفض لاستقبال هذه الشرائح الجديدة، أما الآن فهذه المجتمعات تتجه إلى تغيير وجهة نظرها، خصوصاً أن الأجيال التالية من المهاجرين متعلمة ومثقفة، وتستطيع بشكل إيجابي الاندماج في هذه المجتمعات في ظل انتشارهم في جميع مؤسسات الدول التي يعيشون فيها، مما يجعل المسألة قضية وقت فقط، أما عن أحداث الضواحي فقد لعبت المشكلات الاجتماعية دوراً مؤثراً فيها، وهذه الأحداث لا تخص فرنسا وحدها بل يمكن أن يتكرر في عديد من الدول الأوروبية احتجاجاً من هذه الطوائف المهمشة على الظروف الاقتصادية الصعبة التي تعيش فيها من بطالة وفقر وطبقية وإقصاء، وقد تنبهت الدولة إلى هذه الأحداث، وتحاول حالياً علاج هذه المشاكل وتخفيف الاحتقان الاجتماعي، وكان قانون العمل الجديد نوعاً من الحل لهذه المشاكل، غير أن المزايدات من الأحزاب أدّت إلى سحبه، ومن ثم فأعتقد أن هذه الأزمة لن يكون لها أي تأثير سلبي على وضع الجالية المسلمة في فرنسا، وإن لم يكن العكس.
صعوبات
تحدّث الكثيرون عن معاناة المرأة المسلمة في أوروبا، ومحاولات بعض الجماعات في أوروبا تذويب هويتها، مستغلة حالة الفراغ الشديدة التي تعاني منها ..
قضية المرأة المسلمة في أوروبا قضية حساسة للغاية، نتيجة اعتقاد الغرب الخاطئ بأن المرأة المسلمة تعاني تهميشاً شديداً وظلماً في المجتمعات الإسلامية، وتركز وسائل الإعلام على إحداث مفارقة بين المرأة في أوروبا التي حظيت بأكبر قدر من الحريات والرفاهية، وبين نظيرتها المسلمة التي تعاني من هيمنة المجتمع الذكوري ـ على حد زعمهم- لدرجة أن هناك من يعتقدون أن ضغوط الرجال على النساء المسلمات هو من يفرض عليهن الالتزام، وليس نابعاً من المرأة نفسها، وما من شك أن هذا الموضوع سيظل يحدث حالات شد وجذب بين الملتزمين بالدين والدعاة إلى التحرر والليبرالية، وأنا هنا لا أنفي أن هناك محاولات لتذويب هوية المرأة وإعطائها بعداً تغريبياً، لكن نحن متيقظون لهذه المحاولات، ونعمل على صون عفة المرأة المسلمة وهويتها الدينية، وليس أدل على ذلك من أن قانون الحجاب الذي حدّ كثيراً من حرية المرأة المسلمة في المؤسسات التعليمية يؤثر كثيراً على هوية هذه المرأة؛ إذ انتشر الحجاب بشدة في مختلف العواصم الأوروبية، مما يعطي انطباعاً بأن هذه المحاولات على الرغم من شراستها لم تحقق نتائج إيجابية.
خصوصية إسلامية
انتشرت في العالم العربي في الفترة الأخيرة موضة تغيير قوانين الأسرة والأحوال الشخصية بضغط من الأمم المتحدة، وبدأنا نسمع عن مدونة الأسرة والسيدوا .. ما تقييمك لهذا الأمر؟
قضايا الأسرة والأحوال الشخصية قضايا حساسة جداً، وذلك لارتباطها بالدين والثقافة والأعراف، ومن المفروض أن نترك لكل أمة الحرية الكاملة في أن تعالج هذا الأمر، وفقاً لخصوصيتها، وليس من اللائق بأي شكل أن تمارس دول عربية هذه الضغوط على الدول الإسلامية لإعادة هيكلة نظمها الاجتماعية، وكما أنه من السخف أن تستجيب الدول الإسلامية لهذه الضغوط؛ فنحن دول ذات سيادة، بإمكاننا أن نتمسك بخصوصياتنا، ولا ننصاع لهذه الضغوط التي تفرض عولمة الأسرة، وتفرض نظم التفسخ الأخلاقي الذي يعاني منه الغرب علينا؛ فالكرة في ملعبنا، وعلينا التمسك بالنظام الأسري الإسلامي؛ لأن البحث عن بديل سيشكل كارثة ووبالاً علينا.
=============(61/136)
(61/137)
الحرب الأمريكية على مناهج التعليم
حنان يوسف 26/4/1424
26/06/2003
- الإدارة الأمريكية ترصد 65 مليون دولار لتغيير المناهج الإسلامية.
- تغيير مناهج التعليم في العراق أول شيء فعلته أمريكا بعد الاحتلال.
- مستشارة السفارة الأمريكية: العرب يحتلون مؤخرة الترتيب في مجال التعليم.
- مناهج التعليم في أمريكا عنصرية. وتشوه صور العرب والمسلمين.
تدرك واشنطن جيداً أن السيطرة على الوطن العربي لا يحتاج إلى القوة العسكرية فقط؛ بل يحتاج إلى تغيير الهوية الثقافية أولاً، وذلك حتى يستطيع الفكر الأمريكي فرض سطوته علينا، ونقبل بما يرسمه لنا من خطط ومناهج، ونصبح أداة طيعة في يده يحركها مثل عرائس المسرح دون أن نعترض طالما أمسك القائد الأمريكي بالعصا، وبالفعل بدأ المخطط بالاستعداد لتغيير المناهج وخاصة " الدينية " رغبة في قتل فكرة الجهاد وغيرها من المعتقدات العربية الأصيلة، والمؤسف بالفعل هو أن الدول العربية بدأت الاستجابة لتلك المخططات؛ بل واختلقت مبررات لذلك، أولها تحسين صورة المسلمين أمام الأمريكان، وثانيها تحسين العلاقات مع واشنطن، وكلها حجج واهية تسوقها الحكومات أملاً في الحصول على رضا واشنطن بأي ثمن.
65مليون دولار لتغيير المناهج
تعديل الهوية التعليمية الثقافية التي تتبعها أمريكا تجاه الدول العربية هي جزء من خطوات تم اتخاذها بالفعل لإنجاز المشروع الثقافي الأمريكي الصهيوني، والذي رصدت واشنطن لتنفيذه ما يقرب من 65 مليون دولار للدول التي ستقوم بالتنفيذ، وستبدأ بالعراق، خاصة وأن أمريكا لديها اعتقاد صارم بأن برامج التدريس المدعومة بالجرعات الدينية ودروس الفقه والآداب العربية والإسلامية من أهم أسباب انتشار الفكر الديني المتطرف حسب زعمهم، وأن أحداث الحادي عشر من سبتمبر قام بها شباب تشبعوا بهذه الطريقة في الفكر.
وللأسف أن الكلام الأمريكي وجد من يستجيب له في الدول العربية، وبدأت بعض الجامعات في الدول العربية (الإمارات) بإلغاء أقسام الدراسات الإسلامية من كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية بداية من العام الدراسي 2004/2005، وألغت تدريس اللغة العربية واعتمدت على الإنجليزية بدلاً منها، وأبقت فقط على مادتين بالعربية هي الشريعة والقانون!.
أما اليمن فقد دعا رئيس وزرائها صراحة لإجراء تغيير شامل للمناهج تفادياً للضغوط الأمريكية وبرر ذلك بقوله: " علينا تنفيذ التغيير في مناهج تعليمنا قبل أن تأتينا مترجمة من أمريكا، فنحن شعب مسلم ولا ضرر من تخفيف الجرعة الدينية".
وما حدث في اليمن تكرر في الكويت، وظهرت جلياً اعتراضات الإسلاميين ضد الحكومة بسبب تعديل المناهج التربوية، خاصة بعد أن كشفت الوثائق أن اللجان الفنية التي تراجع المناهج بوزارة التربية والتعليم تعمل على تغيير بعض المصطلحات في المناهج، مثل الجهاد ومحاربة اليهود واستبدالها بكلمات أخرى أو استبعادها.
الغريب أن التعديلات تركزت فقط على مناهج اللغة العربية والتربية الإسلامية دون باقي العلوم، وهو يؤكد وفقاً لما ذكره أحد أعضاء مجلس الأمة الكويتي رغبة في التعديل بشكل يجعل التطبيع مع الكيان الصهيوني أكثر قبولاً.
وما يحدث في الدول العربية واتجاهات نحو تغيير المناهج الدراسية أزعج المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة "الإيسيسكو" التي انتقدت الصور النمطية السلبية في مناهج التعليم الأمريكية عن المسلمين عامة والعرب خاصة، وأكدت استنكارها للتشويه المتعمد لصورة المسلمين البالغ عددهم مليار وربع المليار مسلم، وأكدت المنظمة أن هذه الصور السلبية تعبر عن روح التميز العنصري والكراهية للشعوب المختلفة وهدفها الأساسي تعميق الصراع بين الحضارات والثقافات، وتتعارض مع مبادئ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان .
انتقادات(61/138)
رغم الانتقاد الواضح لما تفعله بنا أمريكا والكراهية التي تعمقها في نفوس أولادها يتغاضى العرب عن كل ذلك ويسوقون المبررات لتغيير المناهج، ولا تكتفي واشنطن بذلك؛ بل بدأت بالفعل في تنفيذ ما تريده على أرض العراق التي كانت تشكل حجر عثرة في وجه الأمريكان، وتركز مناهج التعليم العراقية على الانتماء العربي والإسلامي؛ فكان أول هدف وضعته الإدارة الأمريكية نصب عينيها بمجرد دخولها بغداد هو تغيير المناهج التعليمية واستبدالها بأخرى تستهدف تفريغ النشء العراقي من هويته العربية والإسلامية، وذلك على غرار ما حدث في أفغانستان حين قامت واشنطن بتغيير جذري في المناهج للتخلص من فكرة الجهاد المسلح ضد الأمريكان، واستبدالها بأفكار أخرى حول الحرية التي جاءتهم بها أمريكا. ولتنفيذ تلك المخططات في العراق بدأت أمريكا الترويج لحملات التنصير، والتي تستهدف نشر النصرانية في أرض بغداد، وهو ما تسعى إليه المؤسسات الخاضعة للمسيحيين المحافظين بحجة المساعدات الإنسانية رغم أن الهدف الحقيقي هو القضاء على الإسلام، الذي يعتبره مسيحيو أمريكا (البروتستانت) ديناً في منتهى الشر، ولذلك لم يكن غريباً أن تسعى الكنيسة المعمدانية -وهي أكبر كنيسة بروتستانتية أمريكية ساندت الحرب ضد العراق- إلى إعلان استعدادها للعمل في العراق؛ بل أعلنت أغلب الكنائس الأمريكية دوافعها الحقيقية وهي الوصول للحرية الحقيقية "يسوع المسيح"، وهو قول يخالف الحقيقة؛ بل وأثار نصارى الشرق وعلى رأسهم الأب (بانارتيوس) راعي كنيسة المهد في بيت لحم بفلسطين، والذي قرر حرمان بوش و رامسفيلد و توني بلير وجاك سترو من دخول الكنيسة للأبد بعد قيامهم بشن حملة غازية أدت لمقتل الأبرياء في العراق، وأكد الأب (باناريتوس) أن ادعاء بوش بأنه يقود حرب إلهية لتحرير شعب العراق أكاذيب خادعة!.
كما دعا الأب (عطا الله حنا) الناطق باسم الكنيسة الأرثوذكسية بالقدس إلى عقد قمة روحية لاتخاذ موقف موحد تجاه ما يحدث في فلسطين والعراق، ومواجهة صراع الحصار الذي تسعى إليه أمريكا وإسرائيل ومعهم بريطانيا.
أهداف واضحة
إذاً فالأهداف الأمريكية من جراء تغيير المناهج أمر لا يحتاج إلى توضيح رغم نفي واشنطن على لسان نائبة المستشار الثقافي بالسفارة الأمريكية بالقاهرة سعيها لتغيير المناهج في مصر أو أي دولة أخرى في العالم العربي، وأضافت أن الولايات المتحدة لا تريد نظاماً جديداً يقلب الموازين أو يطمس الهوية الإسلامية التي تثير المخاوف في الشرق الأوسط، لكن واشنطن تأمل في أن تُسهم في رفع مستوى التعليم العربي بما يضمن مشاركة إيجابية في منظومة العولمة، ويساعد الأجيال الجديدة في المنطقة على الاندماج بصورة أكثر فاعلية.
التقارير الأمريكية
مستشارة السفارة الأمريكية لم تكتف بذلك؛ بل أعدت تقريراً من إعداد الخارجية الأمريكية حول التعليم في العالم العربي، والذي أشار إلى أن العرب يحتلون مؤخرة الترتيب في مجال التعليم، كما أن تأثير الدين واضح على أغلبية المناهج التعليمية العربية، فيما يرى الأمريكيون ضرورة أن يلعب الدين دوراً تربويا وليس تعليمياً مباشراً من خلال تزويد الأطفال بالمبادئ الأخلاقية.
التقرير أشار إلى ما أسماه الخبراء الأمريكان بتأثير مناخ غياب الإبداع على قدرة الجماعات -التي وصفها بالمتطرفة- على استقطاب أعداد كبيرة من الشباب، بالإضافة إلى أن الثقافة السائدة في المناهج التربوية العربية لا تبنى على أسس قومية ووطنية بقدر ما تتضمن على مصطلحات تضمن العداء ضد الآخر.
التقرير الأمريكي تضمن العديد من المحاور التي يستهدف واضعوه تغيير نمط التفكير في العالم العربي، وهو ما تسعى الولايات المتحدة لتنفيذه رغم نفي الحكومة المصرية. ولما لا؟ وهم -كما يؤكد الكاتب والمفكر الإسلامي (فهمي هويدي)- يتدخلون في السياسة المصرية، ويطالعنا سفيرهم الأمريكي يومياً بفتوى جديدة يتدخل بموجبها في بلادنا، مما يؤكد أن الدول العربية كاملة فقدت استقلالها وعادت لأوائل القرن التاسع عشر، وبعد أن كنا نسمح للدول الأجنبية بالتدخل في حياتنا دون أن نستطيع الرد لوقوعنا تحت الاحتلال؛ أصبحنا الآن تحت السيطرة الأمريكية في احتلال خفي تحت مسمى البروتوكولات، ونجد حكوماتنا العربية تسوق المبررات لمثل هذه السيطرة ولكي ننقذ مستقبل هذه الأمة -كما يقول هويدي-؛ لابد أولا أن نسعى للحصول على استقلالنا من السيطرة الأمريكية، فهذا هو السبيل الوحيد لحماية شباب المستقبل، و إلا كيف نفسر الزيارة التي قام بها وزير التعليم المصري مؤخراً لواشنطن بصحبته ثلاثة محافظين ثم يخرجون علينا وهم يؤكدون أن المناهج المصرية لن تتغير بتوجيهات أمريكية، فإذا كان هذا يحدث في مصر رائدة العالم العربي؛ فكيف نلوم الدول الصغيرة الأخرى إذا امتثلت للأوامر الأمريكية ونفذتها، وأعلنت ذلك صراحة لأنها لا تستطيع مواجهة الغضب الأمريكي، أما نحن في مصر ننفذ الأوامر ولكننا ننكر ذلك رغم أن الحقائق واضحة لا تحتاج إلى برهان!.
تجارب قاسية(61/139)
التحذيرات التي أطلقها الكاتب الصحفي (فهمي هويدي) تستدعي إلى الذاكرة التجربة المغربية والتونسية في تعديل المناهج والسعي لتفريغها من محتواها الإسلامي، وهى السياسة التي اتبعها الرئيس التونسي السابق (الحبيب بورقيبة) والذي سارع بمجرد توليه السلطة -في الخمسينيات- إلى إجراء ما أطلق عليه إصلاحات جذرية قضائية واجتماعية وتربوية ساعدت على تقويض البنى التقليدية والعشائرية التي كان يقوم عليها المجتمع التونسي ، فقد قام (بورقيبة) بإلغاء كل ما يمت بصلة للالتزام الإسلامي والعقائدي من مناهج التعليم .
أما المغرب فقد ألقت التفجيرات الأخيرة التي شهدتها الدار البيضاء في مايو الماضي بظلالها من جديد على مضمون مناهج التعليم المغربية، ووصلت الدعوات إلى حد حذف كلمة الجهاد من جميع الكتب الدراسية.
المواجهة مطلوبة
الظلال التي تلقيها علينا أمريكا لابد أن نواجهها- كما يقول د.إبراهيم هلال أستاذ الدراسات الإسلامية بكلية بنات عين شمس-؛ فالإسلام نحن وحدنا المسؤولون عنه، ولا يجوز أن نأخذه من غيرنا من أهل الديانات الأخرى، ولا يجب أن نسترشد بتوجيهاتهم أو نستمع إليهم في وضع مناهجنا الإسلامية، فدروسنا الدينية لابد أن تنبع من ذاتنا، فنحن وحدنا الذين ندرك أبعاد تشريعاتنا وأخلاقنا الإسلامية التي عايشناها على مدار 1500 عام، وعرفنا خلاله ما يريده القرآن منا، وعار على المسلمين جميعاً أن نكون أداة في أيدي الأمريكان ونقبل بتغيير مناهجنا بشكل يبعدنا عن الجوهر الحقيقي لهذا الدين لنقدمه لأولادنا محرفاً وبعيداً عن مضمونه الحقيقي.
وللأسف فقد قامت عدة دول بالاستجابة للمطالب الأمريكية ومنها (قطر) -على سبيل المثال- التي سعت لتخفيف جرعة الدروس الدينية ونسي هؤلاء تحذيرات القرآن الكريم في قوله تعالى: (ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار)
وتضيف دكتورة (فايزة خاطر) - عميد كلية الدراسات الإسلامية بجامعة الزقازيق- أن مخططات تفريغ مناهجنا الدينية من محتواها بدأناها في مصر منذ سنوات طويلة، ولعل البرج الفضي أو مركز تطوير المناهج التابع لوزارة التربية والتعليم المصرية شاهد على ذلك، فقد سعى المسؤولون فيه إلى إزالة كل ما يتحدث عن اليهود في الكتب ليضعوا بدلاً منه شعراً، أو أية مادة أخرى.
وقد نظمنا عدة مؤتمرات بجامعة الأزهر، وحذرنا من ذلك بلا جدوى!، بل على العكس قام الأزهر بإلغاء حصص القرآن الكريم التي كان يتم تنظيمها للطلاب منذ سن الالتحاق بالمدرسة، وأصبحت امتحانات القرآن الكريم تحريرية، ولم يعد هناك ما يسمى بأساتذة التحفيظ، وكان النتيجة انهيار مستوى الطلاب، ولم يعد غريباً أن نجد من بينهم من لا يتمكن من حفظ ولو جزء واحد من القرآن الكريم، وحدثت تداعيات كثيرة نتيجة ذلك الانهيار الأخلاقي لطلاب الأزهر والتصرفات الغير مقبولة وعدم الاهتمام بحفظ القرآن الكريم رغم أن ذلك أهم ما يميز خريجي الأزهر الشريف، فإذا كان هذا هو ما حدث في أكبر مؤسسة دينية؛ فما بالنا ببقية المناهج في التعليم العادي!.
وتضيف د. فايزة خاطر أن الإسلام مستهدف منذ القدم، ولعل عدد المستشرقين الذين جاؤوا للبحث فيه وفي اللغة العربية دليل على ذلك، فعددهم لا حصر له، وهم يبحثون في الدين للتعرف عليه وكيفية القضاء على أهم القيم المميزة له؛ لأنهم يعرفون الدين الإسلامي جيداً وتمتلئ كلياتهم ومعاهدهم بالكتب التي تهتم بشؤون الإسلام وحضارته، وهم في ذلك يسعون إلى تدميره تحقيقاً لمبادئ الكنيسة البروتستانتية، وهي الكنيسة التي دعا إليها اليهود على يد (مارتن لوثر) والتي دعت لإلغاء صكوك الغفران، وإباحة الإنجيل للجميع، وأن الهدف من ذلك ليس الإصلاح الكنسي كما ادعوا؛ وإنما حرب من نوع جديد يسيطر فيها اليهود على الأمور.
ومنذ ذلك الحين يسعون للقضاء على الإسلام الذي يعتبرونه عدوهم الأكبر، فاخترعوا لنا ما يسمى بـ"حوار الأديان"، والذي لا يستهدف سوى القضاء على قيمنا الإسلامية ونشر القيم البالية التي حذرنا منها ديننا، وللأسف وقعنا في شَرك الأعداء، وأصبحنا صيداً سهلاً لهم ..!
والحل هو مواجهة هذا الخطر بحسم .
===========(61/140)
(61/141)
الأبعاد السياسية لحوار الأديان
الحوار الإسلامي المسيحي نموذجاً.
قراءة: محمد سليمان . 28/7/1424
25/09/2003
العنوان : الأبعاد السياسية لحوار الأديان . الحوار الإسلامي المسيحي نموذجاً.
المؤلف : سامر أبورمان .
الناشر : دار البيارق ، عَمان .
سنة النشر : 2001م .
عدد الصفحات : ( 222 )
شهد الحوار الإسلامي المسيحي نشاطاً واسعاً في العقود الأخيرة ، وتعددت وتنوعت المواقف والتحليلات بخصوص دلالات هذا الحوار وأبعاده ، خاصة السياسية منها، فهناك من يرى أن الحوار هو وسيلة عقلانية لتجنب الصراعات الدينية ، وبناء حالة من التعايش بين أتباع الديانات السماوية ، وبين من يقول : إن للحوار أهدافاً سياسية خطيرة تصب في المحصلة لصالح الطرف القوي والمتفوق في الحوار ، وهو الطرف المسيحي أو اليهودي... الخ . هذه التساؤلات والجدالات هي التي سعى الباحث الإسلامي الأردني " سامر أبورمان " لمناقشتها في دراسته الحالية من خلال منهجية علمية تقوم على متابعة وثائق مؤتمرات الحوار الإسلامي المسيحي ، وتحليل هذه الوثائق واستنباط الأبعاد السياسية للحوار من خلال الوثائق والمفاهيم الرئيسة والقضايا المطروحة في النقاشات ، بالإضافة إلى المتابعة التاريخية لدورات الحوار ومؤتمراته.
مما يضفي على الكتاب أهمية مضافة أن الباحث قد سافر بنفسه وشارك في مؤتمر للحوار في ألمانيا ، كما أنه شهد مؤتمرات عقدت في عمان. ويتكون الكتاب من ثلاثة فصول : يضم كل فصل منها أربعة مباحث، يتناول الفصل الأول الطبيعة السياسية للحوار الإسلامي المسيحي ، ويتطرق فيه إلى التطور التاريخي للحوار وإلى أهداف الحوار السياسية وخصائصه وضوابطه ، والدوافع التي تقف خلفه بالإضافة إلى أبرز المعوقات . أما الفصل الثاني فيتطرق إلى أبرز المفاهيم السياسية في الحوار وهي : مفهوم العيش المشترك بين المسلمين والمسيحيين، مفهوم السلام الدولي ، مفهوم العلمانية والعلاقة بين الدين والدولة في الحوار، مفهوم القومية والعلاقة بين الوطنية والدين، في حين يبحث الفصل الثالث في القضايا السياسية المهمة التي ركز عليها الحوار الإسلامي المسيحي، ومنها: الصراع العربي - الإسرائيلي والتسوية ، قضية القدس ، الاقليات والاستقرار السياسي، الغزو العراقي للكويت وحرب الخليج الثانية.
الطبيعة السياسية للحوار:
يتناول الباحث الطبيعة السياسية للحوار من خلال عدة محاور:
1- التطور التاريخي للحوار بحيث يبين الباحث أن البداية الحقيقية المؤسسية للحوارالإسلامي المسيحي جاءت متأخرة مع منتصف القرن العشرين ، وتحديدا منذ المجمع الفاتيكاني الثاني ( 1962- 1965 )، بحيث صارت بعد ذلك خطابات الباباوات تركز على العلاقة الحسنة مع المسلمين، وأنشئت لجنة خاصة باسم " أمانة اللجنة الدائمة للعلاقات مع المسلمين" ، وصدرت بعد ذلك عدة حوارات تؤكد على ضرورة الحوار مع المسلمين وطبيعة الحوار وخصائصه ، مثل بيان: نحو حوار مع المسلمين عام 1966، وأثر هذا التوجه الفكري المتنامي للفاتيكان على العلاقات الدبلوماسية مع المسلمين ، بحيث استطاع الفاتيكان في فترة عشر سنوات ( 1966- 1976) أن يؤسس علاقات دبلوماسية على الأقل مع 17 دولة مسلمة ، ويرصد الباحث تنامي ظاهرة الحوار في السبعينات والثمانينات من القرن العشرين.
وفي حين تعددت المؤسسات الهيئات المسيحية المهتمة في الحوار مثل الفاتيكان، مجلس الكنائس العالمي، فإن أبرز المؤسسات الإسلامية التي شاركت في الحوار، هي: الأزهر، المجمع الملكي لبحوث الحضارة الإسلامية في الأردن ، جامعة أنقرة ، جامعة تونس ، ..الخ.
2- الأهداف السياسية للحوار: يبين الكاتب أبرز الأهداف السياسية من الحوار من خلال تحليل نصوص وثائق المرتمرات، ومنها:
* مواجهة الشيوعية في فترة الحرب الباردة
* مواجهة الأصولية والتطرف وبرز ذلك من خلال: انتقاد الأصولية والتطرف والإرهاب، إدانة ربط الإرهاب بدين معين، مواجهة الإسلام السياسي.
* استيعاب الإسلام وتحجيم دعوته .
* الاعتراف المتبادل والفهم المشترك بين الإسلام والمسيحية.
3- الخصائص السياسية للحوار: يبين الكاتب عدة خصائص لطبيعة المؤتمرات والحوارات الإسلامية المسيحية، منها:
* ارتباطه بالسلطة السياسية بحيث يتوصل الكاتب إلى أن أغلب المشاركين في هذه الحوارات يحملون صفات رسمية في بلدانهم.
* سبق المبادرة الغربية للحوار واستمرار المبادرة.
* غلبة الطابع المؤسسي على الحوار من خلال تشكل العديد من اللجان والمؤسسات والجمعيات الخاصة بالحوار.
* الصهيونية، إذ يرصد الباحث في هذا السياق مبادرة بعض المسيحيين ذوي الميول الصهيونية إلى العديد من الحوارات الدينية، ويشير الباحث إلى بيان أصدره الحاج أمين الحسيني مفتي القدس سابقا أثبت فيه صلة عدد من القائمين على دعوة الحوار بالصهيونية.
* الاستمرارية والنماء وعدم الانقطاع.
* النخبوية.(61/142)
4- ضوابط الحوار: يذكر الباحث عدة ضوابط مستخلصة من طبيعة الحوار والقضايا المطروحة فيه ، ومن ذلك: تجنب الخوض في الأمور العقائدية قدر الإمكان ، تجنب الكثير من الأمور الخلافية ، عدم السعي إلى تغيير مباديء الآخر ومواقفه وأفكاره .
5- الدوافع السياسية للحوار: يجد الباحث أن هناك عدة عوامل ودوافع وقفت وراء ظاهرة الحوار وتناميها ، ومن ذلك :
التوجه العالمي نحو الحوار وانحسار خصوصية الدولة وعزلتها، اعتراف متبادل بالخطأ بين الطرفين ( في حين يورد الباحث في هذا السياق نصوص مسيحية تعترف بالخطأ في فهم المسلمين والتعامل معهم، فإنه لا يورد أي نص إسلامي على ذلك) .
انتهاء الاستعمار المباشر وانحسار بعض أشكال الهيمنة .
ازدياد عدد المسلمين في الغرب مع وجود جاليات غربية في العديد من الدول الإسلامية.
تزايد خطر النزاعات الإقليمية القائمة على اختلافات عرقية أو دينية.
تزايد التحديات التي تواجه الإنسانية وتفرض على أتباع الديانتين التعاون من أجل مواجهتها.
6- المعوقات السياسية للحوار: يرى الباحث أن أبرز هذه المعوقات يتمثل في :
الإرث التاريخي من الصراع بين الطرفين .
كما أن الحاضر يلقي بعبئه على الحوار ، وذلك بسبب العديد من القضايا العالقة بين الطرفين والصور الذهنية المتبادلة لكل طرف منهما عن الآخر.
ومن المعوقات أيضا التبشير الغربي ، في حين اعتبر بعض المشاركين أن تعاظم الصحوة الإسلامية ونموها من معوقات الحوار. - ومن المعوقات التي يحددها الباحث: عدم التكافؤ واختلال التوازن بين الطرفين ، و توظيف الحوار في خدمة السياسات والتوازنات الدولية.
المفاهيم السياسية في الحوار الإسلامي- المسيحي:
يتناول الباحث في هذا الفصل أبرز المفاهيم السياسية في الحوار الإسلامي المسيحي، ومنها:
* العيش المشترك : ويبين الباحث أن المقصود بالعيش المشترك: أن يعيش سكان وطن واحد بسلام وحب ووئام بغض النظر عن انتماءاتهم أو طقوسهم أو عاداتهم الدينية، فلابد أن تكون ثمة ثوابت وطنية تجمعهم، ويلاحظ الباحث أن مفهوم العيش المشترك قد استخدم على المستوى الداخلي في الدول ؛ فهو سلام بين الطوائف في الوطن الواحد.
ويصل الباحث من تتبع أدبيات الحوار إلى اتفاق الطرفين على عدة أمور، منها :
اعتبار العيش المشترك ممارسة شرعية حسب مصادر كلا الديانتين.
اعتبار التكفير المتبادل من معوقات العيش المشترك ( يعترض الباحث على هذه النقطة ، ويرى أنها تخالف أصولا شرعية ).
أهمية العيش المشترك في بناء المجتمع وازدهاره.
أهمية الحوار في تحقيق العيش المشترك.
* السلام الدولي : يرصد الباحث عدداً من المؤتمرات والندوات التي تناولت مفهوم السلام العالمي والدعوة إلى وجود مساهمة من قبل الأديان في إحلال السلام العالمي ومواجهة الحروب والصراعات والنزاعات ، ويبين الكاتب أن هناك محاولات مشتركة من قبل الطرفين في تأويل العديد من النصوص الدينية التي تحث على القتال أو تهميشها، وكذلك الدعوة الى نبذ القتال والحرب ، حيث جاء في مؤتمر ( فينا ) " إنا نهيب بجميع المسيحيين والمسلمين في العالم كله أن ينبذوا الحرب وأن يعطوا هم أنفسهم مثالا للسلام " . ويلاحظ الباحث أن الطرف الإسلامي قدم الجهاد على اعتبار أنه الحرب الدفاعية من قبل المسلمين ، وأن هذه الحرب هي المشروعة فقط. كما تطرق الحوار إلى مقولة صدام الحضارات ، وقد اتفق الطرفان على رفض هذه الفرضية بل والدعوة الى حوار الحضارات بدلا من ذلك.
* العلمانية والعلاقة بين الدين والدولة : يتطرق الباحث في هذا المجال إلى مفهوم العلمانية وتعريف كل من طرفي الحوار لها وللعلاقة بين الدين والدولة، ثم يتناول رؤية كلا الطرفين وموقفهما من العلمانية ، ويصل الباحث إلى عدة نتائج مستخلصة من حوارات ورؤية الطرفين للعلمانية:
اتفق الطرفان على رفض العلمانية التي تحارب الدين.
أكد بعض المتحاورين من كلا الطرفين على ضرورة الاستفادة من الأبعاد الإيجابية للعلمانية ، أما الطرف الإسلامي فأغلبه ضد العلمانية جملة وتفصيلاً.
هناك من رفض فصل الدين عن الدولة من الطرف المسيحي، ويفسر الباحث ذلك: بأن هذا الموقف نابع من واقع سياسي يسعى إلى الحيلولة دون تحجيم المسيحية السياسية، خاصة في لبنان.
فضل المسيحيون اختيار شركائهم من المتحاورين المسلمين ممن يتحررون من النظرة الإسلامية الأصيلة في العلاقة المحكمة بين الدين والدولة.
لوحظ أن الطرف المسيحي حاول الوصول إلى توافق ومساحة مشتركة من الاتساق بين المسيحية والعلمانية وحاول إشراك الطرف المسلم في ذلك.
* مفهوم القومية في الحوار والعلاقة بين الوطنية والدين:
يتناول الباحث بعض التعريفات لمفهوم القومية ، ورؤية كل من الطرفين له ، ورؤية الطرف الإسلامي تحديدا للعلاقة بين القومية والإسلام، ثم يستخلص الباحث نتائج متعددة حول رؤية الطرفين لهذا المفهوم، منها:
- مع تباين الطرفين في تحديد مفهوم القومية إلاّ أنهما اتفقا على وجود مضمونين لها، إيجابي اتفقا على تأييده، وسلبي اتفقا على إدانته.(61/143)
- تتشابه رؤية الطرفين في تفسير بزوغ القومية وتطورها سواء على المستوى العالمي أم على المستوى العربي.
- اتفق الطرفان على أهمية التفاعل وإمكانيته بين التيارين الديني والقومي.
القضايا السياسية في الحوار الإسلامي- المسيحي:
يتناول الباحث في هذا الفصل عدة قضايا رئيسة في الحوار، منها: الصراع العربي - الإسرائيلي والتسوية ، قضية القدس، قضية الأقليات والاستقرار السياسي..
* الصراع العربي- الإسرائيلي: يبين الباحث أن طرفي الحوار قد اتفقا على إدانة الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين والمطالبة بإنهائه، وإدانة انتهاكات إسرائيل المستمرة لحقوق الإنسان الفلسطيني واعتدائها على المقدسات الإسلامية والمسيحية، في المقابل بدا التباين جليا في وجهات النظر حول طبيعة الصراع العربي- الإسرائيلي، وامتد التباين فشمل الطرف المسيحي ذاته؛ فالمسيحية الغربية لا تتعامل مع الصراع بنظرة شاملة ولكن تقتصر على معالجة الأبعاد الإنسانية فقط.
ويستنتج الباحث بوجود تيار كبير من الطرفين المسيحي والإسلامي حاول توظيف الحوار لخدمة عملية السلام الحالية، من خلال عدة مؤشرات، منها:
- تأييد عملية السلام .
- ازدياد اختيار موضوع السلام في مؤتمرات الحوار.
- التوكيد عل الحوار الديني الثلاثي من أجل السلام في الشرق الأوسط.
- التوكيد على الأصل الإبراهيمي للديانات الثلاث.
ازدياد اللقاءات الثلاثية بين أبناء الديانات الثلاث.
* قضية القدس: يتطرق الباحث إلى أهمية القدس لدى أطراف الحوار، ويضع النقاط التي يتفق عليها الطرفان، ومنها:
- التوكيد على عروبة القدس.
- التوكيد على أن القدس عاصمة الدولة الفلسطينية.
- إدانة الاعتداءات الإسرائيلية على المقدسات واستمرار بناء المستوطنات، وعملية تهويد القدس.
* قضية الأقليات والاستقرار السياسي : يبين الباحث العديد من مواطن الخلاف بين الطرفين في قراءة مسألة الاقليات والموقف منها، فالطرف المسيحي انتقد وضع الأقليات المسيحية في العالم العربي ؛ لأنهم لا يتمتعون بحقوقهم ، ومن الدول المنتقَدة: السعودية ، أفغانستان، السودان. وتبعا للانتقاد المسيحي فإن الطرف الإسلامي انتقد أيضاً اضطهاد الأقليات المسيحية أينما يحدث في العالم العربي، في المقابل انتقد الطرف الإسلامي اضطهاد الاقليات في البوسنة والهرسك ، وموقف الكنيسة الصربية الأرثوذوكسية.
أما مسألة الاستقرار السياسي فقد اتفق الطرفان على : إدانة كل مظاهر الشغب والعنف التي تحصل ، الدعوة إلى وجود دور لرجال الدين الإسلامي والمسيحي في معالجة مشكلة عدم الاستقرار، الدعوة إلى وجود جماعات خاصة لمعالجة المشاكل بين المسيحيين والمسلمين.
ويتطرق الباحث بعد ذلك إلى موقف كلا الطرفين من الغزو العراقي للكويت . وينهي دراسته بخاتمة ومجموعة من التوصيات . وقد استفاد الباحث من عدد كبير من الوثائق الأجنبية في الحوار الإسلامي المسيحي والمراجع الأجنبية العديدة االتي تطرقت إلى الحوار وأبعاده السياسية ، بالإضافة إلى المراجع العربي .
ويبقى القول إنه مما يزكي هذه الدراسة ويعطيها أهمية أنها من الدراسات الرائدة التي تهتم بالأبعاد السياسية لهذا الحوار وتحللها من خلال منهج توثيقي محكم يربط القاريء دوما بالمصدر كي يطمئن إلى منهجية واستقامة التحليل ، كما أنه من الملاحظ اهتمام الباحث دوماً بالبعد الشرعي في مناقشة ونقد العديد من مفاهيم الحوار وقضاياه.
============(61/144)
(61/145)
حوار أم تصادم ؟!
سلمان بن فهد العودة 14/6/1425
31/07/2004
هذا التساؤل يتحدث عن خيارين متقابلين في العلاقة بين الناس، وكثيرًا ما تردد على ألسنة الباحثين والساسة في توصيف طبيعة العلاقة بين الشرق والغرب, خاصة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر.
وفي اعتقادي أن هذا التساؤل جديرٌ بالعرض عند الحديث عن العلاقة داخل المجتمع المسلم, بين الأطياف والتيارات المتنازعة.
والإسلام أسّس للتعايش بين المختلفين, حتى في الدين.
وقد عايش النبي - صلى الله عليه وسلم - الوثنيين واليهود والمنافقين بالمدينة, ومات ودرعه مرهونة عند يهودي؛ وهذا من باب المصالح المشتركة. فالنبي - صلى الله عليه وسلم - اشترى؛ لأن في شرائه مصلحة له ولأزواجه, ولا يضيره أن يكون في هذه الصفقة مصلحة لليهودي البائع؛ فالحياة لا تقوم على السعي المستميت في حرمان الآخرين من مصالحهم، ولكنها تقوم على السعي في تحصيل مصالحنا, وإن تضمنت مصالح للآخرين.
بل إن الإسلام ترقّى في العلاقة إلى ما هو أبعد من ذلك؛ وذلك للحرص الإضافي على مصالحهم متى كانوا غير محاربين.
والمجتمعات الإسلامية تشهد حالات من الصدام؛ حولتها إلى ميادين مفتوحة لحروب داخلية، تستخرج أسوأ ما في النفس البشرية من مشاعر، وتعوق مسيرة الإصلاح والدعوة والبناء والتنمية. وهذا مصدر حزن وقلق وتعاسة لكل الذين يعنيهم مستقبل هذه الأمة وهذا الدين.
وأحد مظاهر هذا الصراع - وليس هو الوحيد - ما تقوم به بعض الجماعات الدينية المتشددة من حمل السلاح, ومحاولة فرض الرأي بالقوة, وهذا ما جرى في مصر والجزائر والسعودية وغيرها.
وأعتقد أن أهم المآخذ على هذه الجماعات هو استخدام القوة في غير موضعها, وشهر السلاح بغير مسوغ.
إن المجتمعات الإسلامية، ومنها المجتمع السعودي مُهيأة للصدام إذا لم تشرع لها قنوات الحوار المسؤول.
وفي السعودية أعلنت الدولة عن مشروع الحوار الوطني، وبغض النظر عن استباق الحكم على نتائج الحوار, والتي لم تتبلور بعد بصورة واضحة؛ إلا أنني أعتقد أن الحوار كمبدأ يجب ألا يكون محل خلاف, وأن يشاع ويتخذ عادة في العلاقات على صعيد الأسرة والمدرسة والمؤسسة, والمسجد, والوسيلة الإعلامية, والسلطة السياسية.
وليس الهدف من هذا الحوار هو أن يتحول طرف إلى ما يريده الطرف الآخر, أو يغير مذهبه أو قناعته، وإن كان هذا ممكنًا, وأثرًا من آثار الاستماع إلى الآخرين, والتسليم بحجتهم, ومنطقهم, ولكن الهدف الأول هو الاتفاق على كيفية التعامل, والمصالح المشتركة, وتجنب الصدام ما أمكن.
فالمجتمع السعودي متنوع عقديًّا؛ فهناك: السنة, والشيعة, والصوفية, وغيرهم...
وفقهيًّا؛ فهناك المذاهب الأربعة.
وفكريًّا؛ فهناك: التيارات الإسلامية, والليبرالية, والوطنية...
وأجد أنه بسبب أحداث العنف التي تشهدها البلاد برزت أطروحات إعلامية مدعومة من بعض أطراف رسمية بصورة علنية؛ تحضّر -ولو بغير قصد- لنوع من الصدام داخل المجتمع تحت دعوى مكافحة الإرهاب، مع توسيع مصطلح الإرهاب؛ ليشمل مع العنف الأفكار المتشددة التي لا تخلق عنفًا, والاتجاهات المعتدلة التي لا تتفق مع مشربهم !!
وثمة صوت جريء يُعلن الانقلاب على كثير من قيم وموروثات المجتمع، ويسعى لتمرير هذه الأجندة من خلال إدراجها ضمن مشروع (( مكافحة الإرهاب )).
نعم ليس كل ما في المجتمع من موروث يجب التسليم له؛ لكن لا بد من:
أولاً: الاتفاق على مرجعية شرعية محكمة، وذات تمثيل مؤسسي واقعي صادق؛ لضبط المسار، وحماية المجتمع من الانهيار.
وثانيًا: الهدوء في المعالجة.. فأنا لا أؤمن بالحركات الانقلابية؛ لأنها تكرس المشكلة, ولا تحلها.
لقد قلت هذا الكلام قبل أيام، ثم سمعت ( ليلة الجمعة 5/6/25هـ ) في برنامج حواري مع أستاذ سعودي من جامعة هارفارد تعبير ( الثورة ) حرفيًّا!
يجب أن ندق ناقوس الخطر، ومن الأمانة والنصيحة لمجتمعنا أن نحذّر من خطر قادم، ولو بعد عشر سنوات، أو عشرين سنة، يتمثل في صدام بين التيارات الدينية، وهي ذات امتداد, وعمق, ورسوخ في مجتمعنا, شاء من شاء، وأبى من أبى، وهي هنا غطاء واسع يشمل: الرسمية منها وغير الرسمية، التقليدية والحركية، المعتدلة وغير المعتدلة..
وبين التيارات الأخرى الليبرالية, وما يندرج في سلكها، الرسمي وغير الرسمي، البعيد والقريب.
والمعروف أن القوة نوعان:
أ - القوة الصلبة، وهي السلاح والبندقية.
ب- القوة الناعمة، وهي الإعلام ووسائل التأثير والضغط.
والشيء الذي يثير استغرابي أن بعض هؤلاء المتحدثين يدعو إلى التهدئة مع أطراف داخلية يقر بوجود خلافات تاريخية معها، وهذا بحد ذاته أمر مفهوم.
لكن.. لماذا لا نتعامل مع ما نسميه بالتيارات الدينية الظاهرة، والخفية بالأسلوب ذاته، مع اعترافنا بأنها واقع قائم وموجود؟!
لماذا لا نؤسس للتنوع, والاختلاف في الرأي، ونجعل الحوار الموضوعي البعيد عن التشنّج وتصفية الحسابات الشخصية؛ هو السبيل إلى أن يفهم بعضنا بعضًا؟!
لماذا لا تسعى الأطراف كلها إلى إشاعة قيم التسامح, والعفو, وحسن الظن, والتجاوز والتعافي, بدل التراشق, والتهم, وكشف الأوراق؟!(61/146)
إن أهواء الناس ومقاصدهم لا تتناهى، وحمل المجتمع على هوى فئة أو أخرى ليس رشيدًا, ولا ممكنًا أصلاً، ويبقى الحل الصحيح -في نظري- هو الاستعداد لفهم الآخرين بصورة صحيحة، ومحاورتهم بحكمة وهدوء، والتسليم بحق الاختلاف ضمن المرجعية الشرعية الواسعة، والاتفاق على حفظ مصالح البلد وأهله، والوضوح في التعامل بعيدًا عن المكايدات والحيل الخفية.
ويشهد الله أني لا أقول هذا إلا من منطلق الخوف على هذا المجتمع من انفراط عقده وتشتت وحدته!!
والله خيرٌ حافظًا وهو أرحم الراحمين.
=============(61/147)
(61/148)
رجاء جارودي والدعوة إلى وحدة الأديان
د. سعيد بن محمد بن معلوي(*) 16/5/1428
02/06/2007
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، ومن سيئات أعمالنا. من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله, وبعد:
فرح المسلمون كثيراً حينما أعلن الفيلسوف الفرنسي (روجيه غارودي) إسلامه, وذلك لشهرة الرجل في العالم أولاً, والتأثير الإعلامي لإسلامه في العالم الغربي ثانياً, وثالثاً: حب المسلمين الخير للشعوب غير المسلمة بدعوتها إلى الإسلام، متمثلين بقول الله -جل جلاله- مخاطباً نبيه محمداً - r- : "وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ" [الأنبياء:107], وأكبر رحمة للناس دعوتهم للدين الحق, وهو الإسلام.
وبعد ربع قرن تقريبا اتضح لنا أن الرجل في وادٍ, وما يدعيه من إسلام في واد آخر. بل هو يدعو إلى دين تلفيقي انتقائي بين الأديان كلها, ومن فمه ندينه كما سيتضح للقارئ الكريم.
والرجل وإن كان له موقف من مبالغة اليهود فيما تعرضوا له على أيدي النازيين من حرق وقتل, ورأى أن الأعداد المذكورة مبالغ فيها, وغير صحيحة, فقد سبقه إلى هذا الإنكار أناس قبله في الغرب وفي غيره, كما تبعه آخرون في اتخاذ مواقف مماثلة, وهو موقف لا أرى فيه ميزة بقدر ما هو واجب على أمثاله ممن علم كذب اليهود وافترائهم, فالعدل مما يتفق عليه عقلاء البشر, والإنصاف سمة من سمات العالم المتحضر.
وقد يسأل سائل: ما سبب إثارة موضوع كهذا في مثل هذا الوقت؟ والجواب: هو أن الدعوة إلى وحدة الأديان كثرت هذه الأيام لأسباب يطول شرحها, وظهر في وسائل الإعلام المقروءة والمتلفزة من يدعو صراحة إلى وحدة الأديان؛ مستندين في دعواهم إلى رجال أمثال جارودي. كذلك فإن الرجل ما فتئ بين وقت وآخر ينشر دعوته لوحدة الأديان بوسائله الخاصة, بل أنشأ في قرطبة مركزاً لدعوته وضع فيه معابد عدة لمختلف الأديان والمذاهب. أيضاً فإن الرجل لم يتخل عن نصرانيته كما صرح هو، فهدفه هو إخراج المسلمين عن دينهم, ومزج الإسلام بالأديان الكتابية المحرفة والأديان الوضعية, وبالتالي هدم الدين الوحيد الذي ارتضاه الله للناس كافة.
وقبل بيان حقيقة ما يدعو إليه هذا الرجل, نعرف بشخصية جارودي, فهو: روجيه جان شارل جارودي، من مواليد مارسيليا بفرنسا، في 17/7/1913م فيلسوف فرنسي معاصر تنقل بين الفلسفات المختلفة، فانضم إلى الحزب الشيوعي الفرنسي سنة 1933م، واعتنق البروتستانتية في نفس العام- وكان قبلها يهودياً على قول بعضهم- ورأس جمعية الشبان المسيحيين البروتستنت. تعرف على الإسلام حين أودع سجناً في الجزائر أثناء الحرب العالمية الثانية. أشهر إسلامه في 11/9/1402هـ الموافق 2/7/1982م في المؤسسة الثقافية الإسلامية في جنيف، وتسمى باسم محمد رجاء (رجى) جارودي (عاد لاحقاً إلى اسمه الأول روجيه) ثم تزوج من الفلسطينية سلمى نور الدين الفاروقي التاجي وهي ممن شهد إسلامه. تبنى بعد إسلامه فلسفة تلفيقية على أساس من الدين الإبراهيمي الذي يدعو إليه؛ وهي دعوة ذات صبغة شمولية، بحيث تشمل الأديان الإبراهيمية الثلاثة، والرجل ينكر أي دور تشريعي للسنة النبوية، ويؤول العبادات الشرعية تأويلاً باطنياً، فالصلاة عبارة عن تفكير عميق في الذات الإلهية، والحلال والحرام أمور نسبية تختلف بحسب الظروف، والحدود في نظر جارودي نوع من الهمجية ينبغي منعه، فضلاً عن إنكاره للقدر وتأويله للبعث.. وهكذا. وقد عقدت حلقة نقاشية بجامعة الأزهر شارك فيها بعض العلماء والأساتذة، دعا فيها المجتمعون إلى إعادة النظر في إسلام جارودي_ على حد تعبير الدكتور محمود حمدي زقزوق وزير الأوقاف المصري(1).
ولعل أخطر دعوات جارودي هي دعوته لوحدة الأديان فهو ذو نزعة تلفيقية ترمي إلى جمع مصطنع بين أشتات من أفكار أو دعاوى غير متلائمة لتكوين مذهب واحد. وقد دعا جارودي للوحدة بين الأديان ذاتها المنبعثة من مشكاة واحدة: الأديان الكتابية، تحت مسمى الدين الإبراهيمي، وفي ظل الماركسية التي يؤمن بها.
والهدف من الدعوة إلى الإبراهيمية هو بيان أن الإسلام هو صورة مطورة عن اليهودية والنصرانية بما تحويانه من تحريف وكفر وعقائد باطلة؛ وإثبات أن ((الإسلام اليوم لن يستطيع أن يستأنف مسيرته إلا إذا وسع كل حكمة وكل عقيدة يمكن أن يتضمنها ويضمها إليه)) (2) على حد تعبير جارودي. ومع ذلك فهو لا يستثني حتى الأديان الوضعية كالهندوسية والبوذية من دعوته لوحدة الأديان. ومما يدعو للغرابة أن روجيه جارودي في دعوته للإبراهيمية يوجه حديثه للمسلمين فقط دون غيرهم، والتنازل يكون منهم دون أن يوجه خطاباً لليهود أو النصارى أو لإخوانه الماركسيين.(61/149)
يقول جارودي في إجابة له على سؤال من قبل محرر جريدة (تشرين) السورية حول تخليه عن الماركسية: ((أما لجوئي إلى التجربة التاريخية فأنا مُصرُّ عليها؛ لأنها الجانب الموضوعي الإيجابي في الماركسية. كما أصررت على كل ما قلته حول هذه التجربة التاريخية في كتابي "الماركسية"، وأحب هنا أن أؤكد بأنني لم أدر ظهري للماركسية على الإطلاق، ولم أقل ذلك... اخترت الحزب الشيوعي... ولا أرى تناقضاً في اختياري هذا، أي في الازدواجية...
لقد منحت الماركسية السبل والطرائق الكفيلة بوضع حد للعداوات أو الصراعات الاجتماعية... وبرغم حيرتي وقلقي، فقد حافظت على هذه الازدواجية طيلة خمسة وثلاثين عاماً، ولست نادماً على ذلك الآن بل العكس)) (3).
يقول جارودي: ((دخلت الإسلام وبإحدى يدي الإنجيل، وباليد الأخرى كتاب رأس المال لماركس، ولست مستعداً للتخلي عن أي منهما))(4).
ويقول: ((عندما أعلنت إسلامي لم أكن أعتقد بأني أتخلى عن مسيحيتي، ولا عن ماركسيتي، ولا أهتم بأن يبدو هذا متناقضاً أو مبتدعاً)) (4) .
ويقول أيضاً: ((أنا جئت للإسلام بعد مسيرة طويلة تنقلت فيها بين الفلسفة المحضة والمسيحية والماركسية، وانتهيت إلى الإسلام دون التخلي عن اعتقاداتي الخاصة وقناعاتي الفكرية؛ لأن انتقالي إلى الإسلام لا يعتبر انقطاعاً من ماضٍ؛ بل هو تواصل لذلك الماضي الطويل الذي عشت فيه تجارب كثيرة، والدين الذي أنا عليه اليوم هو توفيق بين الإسلام وما سبقه من ديانات... وكوني أصبحت مسلماً فهذا لا يعني أني تخليت عن اعتقاداتي الدينية والفلسفية السابقة. لذلك فأنا عندما أنشأت متحف قرطبة للحضارة الإسلامية قبل ست سنوات في أسبانيا؛ قمت في هذه المناسبة بعقد مؤتمر ديني إبراهيمي، أسندت رئاسته بالتساوي إلى ثلاث شخصيات إسلامية ومسيحية ويهودية)) (5).
وفي سؤال عن الازدواجية التي يمارسها جارودي عن إيمانه بأديان متباينة، وفلسفات متناقضة، وكان السؤال بهذه الصيغة: كيف يمكننا أن نفهم غارودي المسيحي، وغارودي الماركسي، وغارودي المسلم؟ أجاب جارودي: ((لقد قادتني حكمة الحكماء، وفي مقدمتهم "كيركغارد"(6) إلى العقيدة الإبراهيمية... وعليه فإنني لا أرى تناقضاً في اختياري هذا، أي في الازدواجية، بل على العكس إني أرى تكاملاً بين الغايات والوسائل... إن إيماني بالإسلام هو إنجاز وليس انشقاقاً، في الوقت الذي لا أنكر فيه المسيح ولا ماركس.. أنا سعيدٌ الآن وأنا في السبعين من عمري لأنني بقيت مخلصاً لأفكاري)) (7).
وجارودي يأمل في ((تعايش في فلسطين- بين- يهود ونصارى ومسلمين، دون أن يكون أحدهم تابعاً للآخر، في وحدة التقليد الإبراهيمي المشترك)) (8). ويتم هذا الأمل بـ ((التلاقي الأخوي بين الأديان الكبرى الإبراهيمية في فلسطين لجميع قبائل الأرض كما جاء في سفر التكوين)) (9).
ويؤكد جارودي عدم استقلالية دين من الأديان الكتابية بالتشريع دون الآخر، بل لا بد من الأخذ بها جميعاً، وأن يفسر الحديث منها في ضوء القديم، يقول جارودي: ((التشريعات تتباين في التوراة والإنجيل والقرآن؛ بينما يشدد الله على تواصل رسالته: ينصح بالرجوع إلى أولئك الذين تلقوا الرسالة قبل القرآن، وبالتالي يوصي بالعودة إلى التوراة والأناجيل)) (10)، وسبب ذلك أن الشريعة ((مشتركة بين الديانات، في حين أن الفقه يختلف بين ديانة وأخرى)) (11).
ويرى جارودي أن الشريعة الإسلامية ليست صالحة لكل زمان ومكان، حتى لو كانت صادرة من وحي سماوي فيقول: ((نحن لا نسعى أبداً لأمثلة إنجازات كل المجتمعات الإسلامية التاريخية، بل نفكر بأن الادعاء باستخلاص تشريع صالح لكل الأزمنة، من نص موحٍ به، يصدر عن تمامية ضارة)) (12). ويقول: ((إن اعتبار القرآن كتاباً يتضمن تشريعاً صالحاً لجميع الشعوب وجميع الأزمنة، هو بالتأكيد تأويل ضيق ومميت لمستقبل الإسلام)) (13) ((سيكون من المحال أيضاً الادعاءُ باستنباط قوانين سياسية عالمية أبدية مباشرة من القرآن)) (14).
وبهذا المفهوم الفاسد أسقط جارودي حق المسلمين في الاحتكام إلى كتاب الله، أو أخذ التشريع منه؛ قبل أن يعرض ذلك على التوراة والأناجيل؛ ولاحظ أنه يقصد هذه الكتب بوضعها الحالي المحرف بدلالة ذكره للأناجيل بصيغة الجمع، مع ما هو معروف له ولغيره أن الإنجيل الذي أنزل على عيسى -عليه السلام- إنجيل واحد، وجارودي مقتنع بصحة الإنجيل مثله مثل القرآن، وكثيراً ما يقارن بينهما ويستدل بهما معاً(15).(61/150)
ولو سلمنا جدلاً أن الكتب السابقة بقيت على حالها لم تحرف فإن الله نسخها بالقرآن الذي هو الحكم الفصل في كل الأزمنة إلى يوم القيامة كما قال تعالى: "وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ" [المائدة:48]، وقال تعالى عن كتابه: "لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ" [فصلت:42] وعن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما أن النبي - r- قال : ((لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء فإنهم لن يهدوكم وقد ضلوا، فإنكم إما أن تصدقوا بباطل، أو تكذبوا بحق، فإنه لو كان موسى حياً بين أظهركم، ما حل له إلا أن يتبعني)) وفي رواية: ((والذي نفس محمد بيده لو بدا لكم موسى فاتبعتموه وتركتموني لضللتم عن سواء السبيل، ولو كان حياً وأدرك نبوتي لاتبعني)) (16).
ويقر جارودي بإيمان واحد شامل لجميع الأديان والمعتقدات، هذا الإيمان يستطيع من خلال ثقافات مختلفة ((إنجاب ديانات متعددة، وإن هذا التعدد هو غنى؛ لأنه يتيح لنا فرصة تعميق إيماننا وإدراك تميزه: يتيح لنا فرصة التخلص من وهمنا القائم على اعتبار ديانتنا الديانة الحقيقية الوحيدة لأننا نجهل الديانات الأخرى)) (17).
ويقول أيضاً : ((ليس الأمر تسامحاً... بل إنه احترام التجارب المختلفة عن تجاربنا احترام الوجود الذي يتجاوزنا)) ويلزم من احترام التجارب المختلفة عند جارودي ((عدم الطلب إلى المسيحي بأن يصبح بوذياً، أو إلى المسلم بأن يصبح مسيحياً بل مساعدة البوذي على أن يصبح بوذياً أفضل، والمسيحي مسيحياً أفضل، والمسلم مسلماً أفضل. الأفضل يعني: القادر على تعميق إيمانه وإدراكه لله)) (18).
يقول جارودي: ((لقد حان الوقت للقول بوضوح: إن المرء يكون هندوسياً أو بوذياً، أو يهودياً، أو مسيحياً، أو مسلماً، ليس بما يعتقد، وإنما بما يفعل وانطلاقاً من هنا، أن نقدر ما تقدمه كل عقيدة دينية لتأنيس الإنسان))، ثم يستشهد على ذلك بقوله تعالى:"لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ" [المائدة: 48] (19).
وبترُ جارودي للآية، واستدلالُه ببعضها كمن يستدل بقوله تعالى: "لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ" [النساء:43] ويسكت. فالله سبحانه وتعالى قال في الآية السابقة التي استدل بها جارودي:
"فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ" [المائدة:48] فأمر الله نبيه - r- بالحكم بين اليهود والنصارى إذا اختصموا إليه بالقرآن الكريم وحده، أو بما أوحاه الله إلى نبيه محمد - r-؛ إذ لا يجوز الحكم بغير ذلك ولو كان شريعة سابقة؛ لأن نزول القرآن مهيمناً أبطل ما خالفه، وإن كان الحكم فيما سبق من الشرائع موافقاً للحكم في القرآن ففي القرآن كفاية وهو ناسخ لما قبله.
ثم قال تعالى : "لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً" [المائدة:48] فهذا تعليل لنهي النبي - r- عن اتباع أهوائهم؛ أي إذا كانت أهواؤهم في متابعة شريعتهم التي حرفوها وبدلوها بأيديهم أو عوائدهم الجاهلية فدعهم وما اعتادوه وتمسكوا بشرعكم المهين على غيره الناسخ لما سبقه. وفي قوله تعالى: "وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ" [المائدة: 48] بين تعالى أن الاختلاف بين البشر سنة كونية قدرية لا مناص من وقوعها؛ لابتلاء الناس بعد أن بين لهم الحق من الضلال؛ حتى يتميز الصادق من الكاذب والمؤمن من الكافر.
وفي 12-15/2/1987م انعقد مؤتمر سُمي بالمؤتمر الإبراهيمي في قرطبة وبمشاركة أعداد من اليهود والنصارى والقاديانيين والإسماعيلين، وقد انعقد المؤتمر تحت اسم: "مؤتمر الحوار الدولي للوحدة الإبراهيمية". وافتتح جارودي مركز قرطبة للأبحاث الإسلامية والذي يعمل على وحدة الأديان ومن آرائه أن الصلاة المفروضة ثلاث وليست خمساً(20).
والذي ينبغي ذكره هنا أن ملة إبراهيم عليه السلام هي الإسلام، وليست ملته اليهودية والنصرانية: "مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ" [الحج:78]. وقد امتن الله على العرب بأن أمرهم باتباع ملة أبيهم إبراهيم- التي حرفها غيرهم وحاد عنها- فقال تعالى: "قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ"[آل عمران:95].
وقد هدى الله نبيه محمدا -صلى الله علهي وسلم- وأمته إلى ملة إبراهيم التي ضل عنها غيرهم:(61/151)
"قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ" [الأنعام:161-163]. فهذا هو الإسلام، وهو بيان لملة إبراهيم، يؤيد ذلك قوله تعالى: إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ شَاكِراً لَأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ" [النحل:120-123]. أي الزم ملة أبيك إبراهيم، وهي التوحيد الخالص، والإخلاص لله الذي هو معنى الإسلام.
ويلوي جارودي أعناق النصوص القرآنية في سبيل التوفيق بين الإسلام والنصرانية، فيقول : ((سنضع جانباً أيضاً الاتهامات الموجهة من المسلمين إلى المسيحيين حول سر التثليث؛ لأن محتوى سورة الإخلاص يتطابق تماماً مع قول مجمع (لاتران- lat r an) المنعقد عام 1215م حول التثليث : "الله أب وابن وروح قدس" وهذه هي حقيقة معنى "لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ" [الإخلاص:3] القرآنية(21).
ولو كان المسلمون يقرون بالتثليث كما زعم جارودي لما كانت هناك حاجة أصلاً للوحدة التي يدعو إليها جارودي، ولكن المسلمين يؤمنون برب واحد وإله واحد لم يتخذ صاحبة ولا ولداً ولم يكن له شريك في الملك، بل لا إله إلا هو سبحانه وتعالى عما يشركون. وسورة الإخلاص- والقرآن كله- تنص على نفي ما يدعيه النصارى في أن المسيح هو ابن الله: "لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ" فكيف يفتري جارودي أن هذه السورة تدل على عقيدة الشرك: التثليث ؟ لقد استخف جارودي بعقول المسلمين جميعاً، وزور الحقائق الثابتة التي لا يختلف عليها اثنان من المسلمين؛ فهل بقي إسلام في قلب جارودي بعد إعلانه عن وثنية التثليث التي يؤمن بها، وعن ماركسيته التي رفض التخلي عنها؟
ومما يظهر تخبط جارودي وقد بلغ به العمر؛ محاولته التوفيق بين الإسلام والفلسفات الهندية- تعاليم اليوبانيشاد على وجه الخصوص- على أساس وحدة الوجود، فيؤكد في البدء أن الديانة الهندية ديانة توحيدية لأننا نجد فيها ((معنى الوحدة العميقة للإنسان وللطبيعة ولله من خلال تنوع أسماء الله)) (22) وهذا ما يجعلها مع الإسلام على قدم المساواة في ضوء إيمانها بوحدة الوجود.
يقول جارودي: (("السفيتارا يوبانيشاد" تعلم: "الله الواحد الكامن في كل الكائنات الداخل في كل شيء الوجود الداخلي لجميع المخلوقات... تماماً كما يقول بها القرآن الكريم بكل أبعادها في سورة الحديد: "هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ" [الحديد:3] (23).
وهذا ما يؤكد لدى جارودي أن ((كل الرسالات المقدسة تنبثق منا لله الواحد، وتحمل التعاليم نفسها. فمثلاً إن تأملاً عميقاً حول الأدفايتا الهندية وتوحيد المسلمين.. يغني أفكارنا المتبادلة حول الوحدة، ويظهر التشابه الواقعي وكذلك الاختلاف في العمل بين هندوسي حقيقي ومسلم حقيقي، الناتج عن أفكار كل منهما حول الأدفايتا والتوحيد)) (24).
فالاختلاف بين المسلم والهندوسي هو في العمل، وبمعنى آخر الوسيلة، أما الأصول فهما يشتركان فيها. فالذي يؤمن بإله واحد قادر لا شريك له؛ هو ومن يعبد ما لا يحصى من الآلهة بمختلف الصور والأشكال: على قدم المساواة عند جارودي في الإيمان. فأي ميزة بعد ذلك للإسلام ناسخ الأديان كلها، الذي حارب عقيدة الشرك بمختلف صورها وألوانها، وأتى ليحر رالعباد من عبادة الأصنام والأوثان والأشجار والأشخاص إلى عبادة الله الواحد الأحد لا شريك له في ربوبيته وإلهيته وأسمائه وصفاته، تعالى الله عما يقول الجاحدون علوا كبيراً.
واستدلال جارودي بقوله تعالى: "هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ"[الحديد:3] على وحدة الوجود، استدلال فاسد؛ إذ إن الآية تثبت لله تعالى أنه كان ولا شيء موجود سواه، وهو الباقي تعالى بعد زوال الأشياء كلها وفنائها، وتثبت له تعالى علوه فوق خلقه فوق سماواته، وهو مع علوه أقرب بعلمه وسمعه إلى الإنسان من نفسه.
قال إمام المفسرين الطبري رحمه الله في تفسير الآية: ((هو الأول قبل كل شيء
بغير حد، والآخر بعد كل شيء بغير نهاية، وإنما قيل كذلك؛ لأنه كان ولا شيء موجود سواه، وهو كائن بعد فناء الأشياء كلها، كما قال تعالى : "كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ" [القصص:88]. والظاهر على كل شيء دونه، وهو العالي فوق كل شيء، فلا شيء أعلى منه. وهو الباطن حميع الأشياء فلا شيء أقرب إلى شيء منه، كما قال تعالى: "وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ"[قّ:16] (25).(61/152)
(*) أستاذ العقيدة المساعد بكلية المعلمين بأبها، ورئيس قسم الدراسات الإسلامية بالكلية
(1) ينظر: فكر جارودي بين المادية والإسلام، عادل التل. ومجلة المجلة، العدد (389) الصادر في شهر شوال من عام 1416هـ.ومجلة الأمة، العدد (29) جمادى الأولى 1403هـ، فبراير 1983م، : ص 65-73، مقابلة مع جارودي، وفيها صورة لشهادة إشهار جارودي للإسلام، والتي لا يظهر فيها توقيع لجارودي؟ مجلة الإصلاح العدد (338) 1-14/2/1996م: ص 44-47.
(2) وثيقة أشبيلية: من أجل إسلام القرن العشرين، رجاء جارودي، وهو التقرير الذي قدمه جارودي في المؤتمر الذي انعقد في أشبيلية في الفترة: 18-21/6/1985م (وهذه الوثيقة منشورة ضمن كتاب: لا لجارودي ووثيقة أشبيلية، د. سعد عبدالمقصود ظلام ): ص 24.
(3) روجيه جارودي من الإلحاد إلى الإيمان، رامي كلاوي: ص 189-190, عن مجلة تشرين السورية, عدد يوم 25/3/1984م.
(4) روجيه جارودي والمشكلة الدينية، الميلي : ص 279.
(5) روجيه جارودي من الإلحاد إلى الإيمان، رامي كلاوي: ص 200, عن حوار مع جارودي نشر في جريدة البعث السورية يوم 25/3/1984م، أجرى الحوار ميه هاشم، ووليد مشوح. وفي نفس الحوار ( ص 205) يقول جارودي : "إنني أعتبر نفسي ماركسياً".
(6) مجلة المجلة، العدد (839) ، شوال 1416هـ
(7) سورين آبي كيركغارد: فيلسوف دنمركي، ولد في كوبنهاغن (1813-1855م) ينتمي إلى الفلسفة الوجودية بل هو المؤسس الفعلي لها. ويرى أن حقيقة الوجود تعرف عن طريق التجارب الذاتية للأفراد، هذه التجارب التي تستمد قوتها من وجود الإنسان الذي يسبق ماهيته. ينظر الموسوعة الفلسفية: ص 387. ومعجم الفلاسفة: ص 560.
(8) روجيه جارودي من الإلحاد إلى الإيمان ، رامي كلاوي : ص 188-193. عن جريدة تشرين السورية ، يوم 25/3/1984م. وقد أكد جارودي أنه لا يزال على إزدواجيته ودوجماتيته في مجال العقيدة في حوار له مع مجلة "المجلة" في عددها رقم (839) في شوال عام 1416هـ.
(9) فلسطين أرض الرسالات السماوية ، رجاء جارودي، ص 604. وينظر: الإسلام في الغرب، روجيه غارودي: ص 239-246.
(10) فلسطين أرض الرسالات السماوية، رجاء جارودي، ص 628.
(11) الأصوليات المعاصرة: أسبابها ومظاهرها، روجيه غارودي: ص 82.
(12) نحو حرب دينية، روجيه غارودي:ص 41.
(13) وعود الإسلام ، روجيه غارودي : ص 44.
والتمامية يطلق على كل ما لا يقبل التطور على حسب مفهوم الفيلسوف باسكال، ينظر معجم لالاند: 2/959، 1054.
(14) وعود الإسلام ، روجيه غارودي : ص 100.
(15) وعود الإسلام ، روجيه غارودي : ص 100.
(16) ينظر محاضرة غارودي التي ألقاها في المركز القومي للدراسات القضائية في القاهرة، يوم الإثنين 21/3/1983م، بحضور شيخ الأزهر جاد الحق رحمه الله . المحاضرة ضمن كتاب : رجاء جارودي وإسلام أبيض ، د. سعد ظلام: ص 69-72.
(17) رواه أحمد : 23/349 ، رقم (15156) . والدارمي (39) باب ما يتقى من تفسير حديث النبي - r- رقم (449) 1/403 . وابن أبي عاصم في السنة ، رقم (50) 1/27 . والبغوي في شرح السنة ، رقم (126) 1/270 . وابن عبد البر في جامع بيان العلم (2/42) . حسنة الألباني بمجموع طرقه في إرواء الغليل ، رقم (1589) 6/34 .
(18) حفارو القبور ، غارودي ، ص 159.
(19) حفارو القبور ، غارودي ، ص 160.
وفي مقابلة مع مجلة "الموقف" اللبنانية عام 1984م . يدعو جارودي إلى " وحدة فدرالية للطوائف الدينية" تشمل الديانات كافة. ينظر المقابلة كاملة في كتاب روجيه جارودي من الإلحاد إلى الإيمان ، رامي كلاوي : ص 181.
(20) الحوار الإسلامي المسيحي، بسام داود عجك ص 445 عن نداء إلى الأحياء لجارودي: 220.
(21) الإسلام والأديان ، محمد عبدالرحمن عوض: ص 15.
(22) الإسلام الحي ، روجيه غارودي : ص 18 . وينظر للمؤلف نفسه: نحو حرب دينية: ص 23.
وقرار مجمع لاتران عام 1215هو كما ذكر جارودي في كتابه (نحو حرب دينية: ص 23): "إن الحقيقة العليا هي في آن واحد: آبٌ وابنٌ وروحٌ قدس ، وهذه الحقيقة لا تلد ولا تولد ولا تنبثق من غير ذاتها" فأي توحيد في هذا التثليث، وأين تنزيه الله تعالى عن أن يكون له ولد؟
ولأن الاضطراب والخلل مصير كل دين تمتد إليه الأيد بالتحريف والعبث، فقد تلا هذا المجمع أربعة مجامع أخرى تحمل الإسم نفسه (مجمع لاتران) وهو بالمناسبة اسم قصر في روما عقدت فيه هذه المجامع في الفترة ما بين القرنين الثاني عشر والسادس عشر الميلاديين. ينظر: معجم الإيمان المسيحي : ص 409.
(23) الإسلام الحي : ص 72.
(24) الإسلام الحي : ص 73.
(25) الإسلام الحي: ص73-74 . كما سعى جارودي في كتاب: "نحو حرب دينية: ص 27-30" إلى التوفيق بين الإسلام والنصرانية على أساس مبدأ وحدة الوجود.
(26) جامع البيان عن تأويل آي القرآن : 27/215.
وينظر جوانب أخرى من تخريفات جارودي وتهجمه على المسلمين في الجزيرة العربية, وإمامهم أحمد ابن حنبل, في كتاب: جدلية العقل في الفكر والعبودية, لأبي عبدالرحمن بن عقيل الظاهري: ص99-113.
-=============(61/153)
(61/154)
سفير إسبانيا يحمّل السياسة وزر الشقاق بين الأديان
…الإسلام اليوم / صحف :
…12/9/1427 2:59 م
05/10/2006
رفض سفير إسبانيا في السعودية منويل الابارت إعادة سوء التفاهم بين المسلمين والغرب إلى الدين، واعتبر السياسة حاملة وزر الشقاق بين أهل الكتاب: اليهود والنصارى والمسلمين.
وأشار في كلمة ألقاها نيابة عن السفراء في الإفطار السنوي لندوة الشباب الإسلامي في الرياض أمس، إلى أن الدين وإن ظهر في «مقدم الأسباب التي أدت إلى سوء التفاهم القائم بين الشرق والغرب»، مما دفع البعض إلى الظن بأن «العقائد الدينية هي سبب الخلافات، إلا أن سبب الاختلاف في الحقيقة هو الأوضاع السياسية، ولذلك يجب أن نجد حلاً مرضياً للمشكلة الإسرائيلية - الفلسطينية، ومشكلة أسلحة الدمار الشامل ومشكلة الفقر».
ورأى منويل أن التصور الذي يحمل الدين مسؤولية سوء التفاهم، سببه «ظهور حركات دينية في العقود القليلة الماضية، بينما كانت العلمانية قبل ذلك سيدة الموقف».
وفي وقت أكد فيه مانويل أن الديموقراطية تساعد في ازدهار الدين قال: «في تلك الظروف يجب علينا أن ندخل في حوار بين الحضارات، هنا يجب علينا أن نخلق أرضية مشتركة للعلمانية والدين والإيمان، لنبدأ في بناء عالم جديد من التعايش والأمن والسلام، هنا يجب أن نشير إلى أنه لا يوجد بديل للحوار».
من جانبه، أكد رئيس الندوة العالمية للشباب الإسلامي الدكتور صالح الوهيبي على معانٍ مشابهة، اعتبر فيها التعايش والتعاون بين الحضارات والمنظمات الاغاثية العالمية «خياراً لا غنى عنه، كما أثبتت الأحداث الأخيرة».
يذكر أن الندوة العالمية للشباب الإسلامي اعتادت تنظيم حفلة إفطار على مدى أربعة أعوام، يحضرها معظم رجال السلك الديبلوماسي لدى السعودية.
==============(61/155)
(61/156)
حِوار الحضارات في القرن الحادي والعشرين: رؤية إسلامية للحِوار
مركز الشمال لتنظيم المعرفة … … … … …5/12/1425
… … … … …16/01/2005
العنوان: حِوار الحضارات في القرن الحادي و العشرين (رؤية إسلامية للحِوار)
المؤلف: عبدا لله علي العليان
بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر
الطبعة الأولى، 2004
يبحث الكتاب موضوع الحِوار بحد ذاته، وليس كما يوحي العنوان، وربما يكون هذا الموضوع (الحِوار) كما يراه المؤلف أهم مشكلة في عالمنا اليوم، وحسب المؤلف يقتضي الحِوار التجاوب بين طرفين يتبادلان الكلام: مخاطِب و مخاطَب، أو متحدّث و متلقٍ بغرض الوصول إلى رأي أو استنتاج واحد من هذا الكلام، يعتمد فيه على مقدمات و مبادئ مشتركة مسلم بها عند هذين الطرفين. و لا إمكان لمتابعة الحِوار إلا إذا كان أحدهما موافقاً للآخر، و تابعاً له في الاستنتاج نفسه، و متدرجاً معه فيه. وحين يتحوّل الموقف بينهما إلى ما فيه تقابُل أو تناقض، فإن التحاوُر ينقلب إلى جدل.
و الحِوار في بعض الأحيان ليس قاصراً على الكلمات اللّسانية المسموعة التي ينطقها البشر بل يتجاوز إلى غير ذلك، وقد تعرض لها الكاتب في كتابه هذا؛ فقد يتجاوز إلى الإشارة الموضحة، البسمة المشرقة، الحس الخافق، العمل الصالح، و الموقف الصالح بل حتى الصمت.
أما الجدل فهو يعني المفاوضة على سبيل المنازعة و المغالبة، وعِلْم الجدل كما يراه بعض العلماء هو علم يقوم على مقابلة الأدلة لإظهار أرجح الأقوال الفقهية، وعرّفه بعض العلماء بأنه يقوم على حفظ أي وضع يُراد و لو باطلاً، وهدم أي وضع يُراد و لو حقاً، فهو قدرة أو ملكة يؤتها الشخص، ولو لم يُحِط بشيء من الكتاب و السنة أو نحوهما.
ومن خلال التعريف الوارد في الكتاب لكل من الحوار و الجدل نستشف أن الحوار أوسع دلالة من الجدل؛ فكل جدل حوار و ليس كل حوار جدلاً، وأن كثرة ترداد الجدل في القرآن كان أكثر من الحوار، و هذا ما يعكس الواقع الذي عايشته الأديان السماوية، و الدين الإسلامي على وجه الخصوص، و ما واجه الأنبياء عليهم السلام من تحديات، و هي تحدّيات فكرية واجتماعية وسياسية؛ إذ يتحول الحِوار إلى جدل في أحايين كثيرة من قبل الكفار و المشركين والمنافقين، بهدف الابتعاد عن الهدف الحقيقي الذي جاءت به الأديان السماوية إلى البشرية جمعاء في الهداية و الإيمان و التوحيد.
مشروعية الحِوار في الكتاب و السنة:
المنظور الإسلامي للحِوار ينطلق من المبادئ السامية التي تدعو إلى الكلمة سواء القائمة على العدل والإنصاف، أو القبول بالاختلاف، و التي هي في الأصل سنة كونية في القضايا المشتركة ومجالات التعاون الإنساني، والحِوار على هذا النحو الراقي، ومن أجل هذا الهدف السامي، ضرورة من الضرورات التي يقتضيها انتظام سير الحياة على خطوط سوية، تفرضها طبيعة العمران البشري، لذلك كان الإسلام السباق إلى الحِوار مع الآخر و الانفتاح عليه، و لم يكن هذا الحِوار طارئاً أو اضطرارياً أو براجماتياً بل إن هذه المشروعية ثابتة بنصوص قرآنية و أحاديث نبوية، و سلوك نهجه الصحابة والتابعون والعلماء بعد ذلك، باعتباره أمراً إلهياً. فقد مارس المسلمون الحِوار على مستويات مختلفة مع شتى الحضارات والديانات تختلف في فكرها و فلسفتها مع الرسالة السماوية، لكن المشروعية الإسلامية ضمّت هذا الحِوار، واعتبرته فريضة و منهاجاً، و بالتي هي أحسن و أسهمت هذه الحِوارات و المجادلات في إيجاد مناخ إيجابي ملائم لاستعراض الأفكار و طرح القضايا الخلافية.
و من خلال تتبع مسالك الحِوار القرآني نجده كتابَ وحيٍ بالفعل و النّظَر، وأن حِوار القرآن الكريم و استدلاله، الهدف منه إيضاح الحق، و قد تناول الكاتب بعض -إن لم نقل جلّ- الحِوارات التي وردت في القرآن، و بشكل مفصل و مثير اهتمام كل موحد بالله، و هي بالترتيب الذي جاء في الكتاب كالتالي: حِوار الخالق -عز وجل- مع إبليس،حِوار نوح مع قومه، حِوار هود مع قومه، حِوار صالح مع قومه، حِوار إبراهيم مع أبيه و قومه، حِواره مع النمرود،حوار شعيب مع قومه،حِوار موسى مع فرعون و قومه و العبد الصالح، الحِوار مع الملحدين، الحِوار مع المنافقين، والمشركين.
هذا بالنسبة لمشروعية الحِوار في القرآن، أما مشروعيته في السنة فلا شكّ أن هذه الأخيرة استقت مشروعية الحِوار و مرتكزا ته من القرآن الكريم حيث إنه كان هو المعين و المرجع لكل ما جاءت به السنة المطهرة، و قد تعرض الكاتب إلى أمثلة من الحِوارات التي ثبتت في السنة النبوية من ذلك حِوار الرسول - صلى الله عليه وسلم - في غار حراء، و بعض الحِوارات الأخرى التي كانت لها نتائج مهمة، و ثمار في الدعوة الإسلامية، و غير ذلك من الحِوارات القيمة التي تنشد مكارم الأخلاق و القيم الإنسانية.
المنهجيّة في الحِوار(61/157)
و في الفصل الثالث تعرض الكاتب إلى أهمية المنهجية في الحِوار؛ إذ يجب أن تتوافر فيه شروط ومقوّمات و آداب معينة، ثم تعرّض بعد ذلك إلى عوائقه التي هي تحصيل حاصل لعدم مراعاة الجوانب السابق ذكرها؛ إذ أشار إلى أهم هذه الشروط وبدقة، و هو يرى أن أساس نجاح الحِوار هو المنهجية الضابطة بتوفر شروط أهمها: التكافؤ، الاحترام المتبادل، تحديد أهداف و قضايا الحِوار، تهيئة الأجواء الهادئة للحِوار، الانطلاق من المبادئ المتفق عليها.
أما مقومات الحِوار فقد ذكرها بتفصيل أكثر كما يلي: حسن الاستدلال، وأن يكون البرهان صحيحاً، أهلية المحاور من حيث العلم و الثقافة الواسعة والمعرفة بالقضية المطروحة للحِوار، التجرّد وقصد الحق، الرضا والقبول بالنتائج التي يتوصل إليها المتحاورون، الإيمان بالله وعدم الشرك به والتعاون في المشتركات الإيمانية بين أطراف الحِوار، و أخيراً التمسك بالأخلاق الحميدة و القيم العامة.
وأهم ما جاء به الكتاب آداب الحوار التي تضمن سلامة الحوار و نجاحه، وللخروج إلى الغاية المنشودة التي تتمثل باختصار شديد في: حسن الخطاب بالتزام القول الحسن، وتجنب الازدراء والتسفيه بين المتحاورين، تقديم الخصم و احترامه، الالتزام بوقت محدّد في الحِوار والمناقشة عند كل طرف من الأطراف، وأن يصدر الحِوار عن قاعدة قدرها أحد الأئمة الأعلام من المجتهدين المسلمين، وهو الإمام الشافعي-رحمه الله- وهي: (قولي صواب يحتمل الخطأ، و قول غيري خطأ يحتمل الصواب)، حسن الإنصات و الإسماع و تجنب المقاطعة بإعطاء الفرصة الكافية للآخر.
الحِوار في التاريخ الإنساني
تعرض الكاتب إلى أهم الحِوارت الإنسانية و أعرقها، و كمثال عن هذه الحوارات نشير الى أول حوار في التاريخ الإنساني عند خلق آدم -عليه السلام- عندما أمر الله - سبحانه و تعالى- إبليس أن يسجد لآدم، فرفض هذا الشيطان الرجيم السجود، فعصى ربه و أطاع هواه و نرجسيّته المتعالية على بشرية آدم، وقد سرد لنا القرآن الكريم العديد من الآيات البيّنات قصة الحِوار الذي دار بين إبليس وخالقه عز وجل، و قد ورد في البحار عن قصص الأنبياء عن الإمام جعفر قال: أمر إبليس بالسجود لآدم فقال كما ورد عن ذلك: يا رب، وعزتك إنْ أعفيتني من السجود لآدم لأعبدنّك عبادة ما عبدك أحد قطّ مثلها، فقال الله -عز وجل- : إني أحب أن أُطاع من حيث أريد.
ثمرات الحِوار في مجال الدعوة ، التربية و الثقافة
للحِوار ثمرات و إيجابيات عديدة في حياة البشر لكونها دعوة ربانية من الله - سبحانه وتعالى- لأنبيائه وعباده أجمعين، كحِوار الخالق -عز وجل- لإبليس وهو الذي خالف أمره عندما طلب - سبحانه عز وجل- منه أن يسجد لآدم، و لاشك أن للحِوار ثمراتٍ كثيرة للبشرية جمعاء؛ لأنها دعوة جاءت من الخالق، وهو الأعرف بقلوبهم و عقولهم و نفسياتهم، وقد أثمرت الكثير من الحِوارات عبر التاريخ الإنساني في مجال الدعوة و التربية و الثقافة من خلال إجلاء الكثير من الحقائق والتبصير بها والاهتداء للحق و الصواب، وإيجاد المؤمن الصالح و المتواضع و المتوازن في حياته، وأوجدت المثقف المنفتح المبدع و المعرفة الحقة، و الكلمة الصادقة النافعة، و في هذا الفصل الكثير من الثمرات التي سردها الكاتب بالقدر المتاح.
ولعلنا لا نغالي إذا قلنا: إن الحوار الثقافي في كل المجتمعات يلعب دوراً إيجابياً في التغلب على العنف والتطرف والتعصّب؛ لأنه يسهم في إلغاء الاحتقان داخل المجتمعات، و يعمل على انسيابيّة الحِوار، وهو بذلك يفتح الانسداد المغلق على الفكر الأُحادي عند البعض تجاه الأفكار التي تقبل النقاش و الحوار، و تنفتح بالتالي آفاق التعدد و التنوع و التسامح.
فالحِوار الثقافي ثمرة عظيمة في حياة المجتمعات، و أثره يمتد إلى كل مجالات الحياة، بحكم ما تمثله الثقافة من تأثير وامتداد لكل مناحي النشاط الإنساني، المهم أن تصدق النّيات، و تتبلور المواقف، و تلتقي الأفكار و الأطروحات حول الهدف الأسمى للخير و الرقي و التقدم، فالحِوار في النهاية ضرورة إنسانية، يجب انتهاجها و قبولها كصيغة إيجابية لكل المشكلات و التوترات والانسدادات السياسية والفكرية و الثقافية و الاجتماعي
=================(61/158)
(61/159)
الحضارات بين الحقيقة و الخداع
بقلم/ مجدي أحمد حسين
منذ انهيار المعسكر الشيوعي قفز إلى رأس جدول أعمال العالم موضوع الصراع بين الغرب و الإسلام وتحول الى محور رئيسي للسياسات الدولية , وفى المقابل بدأ الترويج لمقولة مضادة وهى حوار الحضارات بعيدا عن صراع الحضارات , وتشكلت من أجل ذلك العديد من المنتديات الدولية .
في العالم الإسلامي ظن البعض أن مواجهة العداء الغربي للإسلام تتم من خلال عدة محاور : إبراز شعار حوار الحضارات - تحسين صورة الإسلام في الغرب - تغيير الخطاب الديني الإسلامي بحيث يكون مقبولا على المستوى الدولي عامة والغربي خاصة.
حول هذا الموضوع جرت الكثير من المساجلات اختلط فيها الثابت مع المتغير , اختلط فيها تحديد من أين نشأت المشكلة بين الشرق والغرب , أو بالأحرى أي جانب هو المسئول عن سوء التفاهم , اختلط فيها ما هو عقائدي مع ما هو سياسي , ما هو مبدئي مع ما هو عملي ( براجماتي ) , بل اختلط فيها كثير من الحقائق الساطعة , من المسئول عن أزمة الثقة , من المعتدى ومن المعتدى عليه , بل غلب على النخبة الإسلامية الرسمية وغير الرسمية الطابع الاعتذاري عن جرائم لم نرتكبها , وكأن ضعفنا المادي وتأخرنا عن مواكبة أسباب التكنولوجيا المتطورة سبب كاف لخلط الأوراق , وعدم ذكر الحقائق التى جرت وتجرى على مشهد ومرأى من العالمين.
ولكل هذه الأسباب أرى أن أركز على الثوابت الإسلامية فيما يتعلق بهذا الموضوع : نحن والغرب أو بالأحرى نحن وكل الآخرين من غير المسلمين .
وسنجد فى إسلامنا كل ما يمكن أن نفاخر به , بل ونتحدى اذا كان لدى الآخرين ما هو أفضل وأكثر عدلا ورقيا فإننا على استعداد لأن نأخذ به .(وإنا أوإياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين) سبأ 24.
الحوار والتفاهم والتعارف:
لنبدأ بالنقطة الجوهرية التى أفاض فيها الكثيرون من النخبة الرسمية وغير الرسمية فى بلاد المسلمين , والتى يركزون عليها دون باقى النقاط المكملة لها , ولكننا نبدأ بها لنؤكد أنها فكرة صحيحة وأساسية بلا خلاف , ولكنها ليست كافية لعرض موقفنا كله ازاء المتغيرات المختلفة .
ونقصد أن الاسلام يحض على الحوار والتفاهم والتعارف والتعايش السلمى , ذلك أن الدين الحق لا يقوم الا على الاقناع و الاقتناع , ولا يوجد ايمان بحد السيف , فالايمان لغة هو التصديق(1).
وآيات القرآن عديدة فى هذا المجال .. (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة و الموعظة الحسنة. وجادلهم بالتى هى أحسن)النحل125 . (لا إكراه فى الدين قد تبين الرشد من الغى) البقرة 256 .. (أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين)يونس99.
ولأن البشرية تنقسم الى شعوب و قبائل فان الدعوة تكون (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا , إن أكرمكم عند الله أتقاكم)الحجرات13.
وعندما تتمايز الأمم فان الهدف الأسمى هو التعايش والتعارف وعدم استعلاء طائفة على أخرى, ولا أمة على أمة, ثم يكون الأكرم عند الله هو الأكثر تقوى, والحساب النهائى عند الله وليس على هذه الأرض الفانية. وحتى الخلاف العقائدى فهو متروك لله عز وجل كى يحكم فيه يوم القيامة (ثم إلى مرجعكم فأحكم بينكم فيما كنتم فيه تختلفون)آل عمران55.
اذن من وجهة النظر الاسلامية الخالصة , لاتوجد أى مشكلة على الأرض , بسبب الخلاف فى الرأى أو العقيدة أو اللون أو العرق أو القومية, بل أن الاسلام يدعو الى مباراة سلمية فى إعمار الأرض والتخلية بين الانسان و اختياراته العقائدية.
من أين يأتى الصدام؟!
من أين يأتى الصدام اذن ؟ من أين تنشأ المشكلة؟
تأتى من الطرف الذى يرفض المبادرة السلمية ويستخدم وسائل الاكراه فى فرض هيمنته ورؤيته ومصالحه.
واذا افترضنا أن الكرة الأرضية مسرح واحد متواصل فاننا كاسلاميين نقبل منطق المباراة السلمية , ولترفع العقبات والروادع عن كل الرؤى والأيديولوجيات ولنترك الحكم لجمهور البشرية , ولكن الغرب لم يقبل بهذا المنهج .. بل وصل الأمر الى حد التدخل فى شئون الدول العربية و الاسلامية ضد الأنظمة ذات التوجه القومى , ثم ضد الأنظمة ذات التوجه الاسلامى , ثم انتقل الآن الى الأنظمة الصديقة يريد أن يتدخل فى اسلوب حياة مجتمعاتها ومناهج التعليم و الخطاب الدينى.
والآن تتم عملية تعليق هذا التدخل على مشجب أحداث 11 سبتمبر فى حين أن تاريخ التدخلات قديم ولم ينقطع بعد فترة الاستعمار التقليدى , وكانت التدخلات الغربية متصاعدة فى العقدين الأخيرين من القرن العشرين , وعندما نشير الى الغرب فإننا نشير بشكل خاص إلى الولايات المتحدة الأمريكية التى اتخذت السياسة الأكثر غلوا , ولكن أوروبا لم تعارض هذا التوجه الأمريكى جذريا ولم تقدم بديلا متماسكا للعلاقات بين الاسلام و الغرب , وكان خلافها مع الولايات المتحدة تكتيكيا خاصة ألمانيا وفرنسا وبلجيكا . بل لقد عادت بنا الولايات المتحدة الى مرحلة الاستعمار التقليدى مرة أخرى باحتلال أفغانستان والعراق والتهديد باحتلال دول أخرى.
وبالتالى نحن أمام الوضع التالى:(61/160)
العالم الاسلامى لا يتدخل (ولا يقوى) فى الشئون الداخلية للعالم الغربى , بينما يتعرض هو للاعتداء والاحتلال و التدخل فى أخص شئونه الداخلية.
والعقيدة الاسلامية توفر أعدل منهج للتعايش السلمى بين الحضارات , ولكننا لا يمكن أن نرفع شعار الحوار الحضارى مع الجيوش الغازية لأراضينا والمتواجدة فى عدد كبير من الدول العربية و الاسلامية
أما المنهج الذى نعتبره الأكثر عدالة , فقد نص عليه القرآن الكريم فى قواعد نعرضها للاحتكام اليها , وأين يمكن أن نجد معيارا أكثر عدالة من ذلك؟! واذا زعم أحد أن هناك ما هو أفضل من ذلك, فنحن على استعداد لمناقشته باعتبار أن الغرب فى مجموعه لا يؤمن بطبيعة الحال بقداسة ما ورد بالقرآن الكريم, ولكننا نعرضه للمناقشة العقلية البحتة.
( لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم فى الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين , إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم فى الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون)الممتحنة 8-9.
من هاتين الآيتين نستخرج مجموعة من القواعد الأساسية التى تحكم علاقة المسلمين بغيرهم سواء أكانوا أهل كتاب أو مشركين أو غير مؤمنين بأى دين من الأديان:
1- أن المسلمين ملتزمون بحسن العلاقة مع غيرهم من بنى البشر , ذلك أن الأصل فى الاسلام هو السلام والمحبة , ونشر البر والعدل بين الناس قاطبة على اختلاف أجناسهم وألوانهم ومعتقداتهم(2).
2- أن عداوة المسلمين يجب أن تنصب حصرا على الذين يحاربونهم لتغيير دينهم , أو يعتدون على حرماتهم : النفس و الوطن.
3- أن المسلمين لا يحاربون ولا يعادون ولا يعلنون الجهاد مع الآخرين بسبب عقيدتهم ولكن دفاعا عن النفس والعقيدة وهى ضرورة للمحافظة على الذات فاذا انتفى هذا المبرر فلا مجال للحديث عن قطع كل صلات بالمخالفين فى الرأى فضلا عن قتالهم, فالنهى عن الصداقة والمحبة والتحالف منصب على الذين ما يزالون مستمرين فى حربهم و عدوانهم.
*****
نحن اذن أمام قاعدة أساسية واحدة تجمعها هذه الأبعاد الثلاثة ..
ان العلة فى المقاطعة والقتال و العداوة , هى الفعل الدفاعى ردا على العدوان وحماية النفس والوطن والعقيدة , وليس لنشر الدين بالقوة أو لابادة المخالفين فى الرأى والعقيدة.
وهذا أمر بديهى لا يمكن أن يرفضه أحد بأى منطق وبأى معيار , فأنا باختصار أطالب من المخالف لى بالحد الأدنى الذى لا يمكن الهبوط عنه وهو ( ألا يقتلنى ) و ( ألا يخرجنى من وطنى ) هذا مطلب عادل لأنه غريزى , ولأنه مطلب لكل انسان على الأرض , وان التفريط فى هذا الحد الأدنى معناه: العدم!!
ربما يرد أحد الغربيين فيقول هذا كلام حسن ولكننا لم نراه فى التاريخ , وما فائدة الكلام الحسن الذى لا يمكن أن يطبق . ونقول :
أولا: ان التاريخ يثبت أن هذه المقولات لم تكن غائبة.
ثانيا: حتى وان اختلفنا فى تقييم التاريخ فاننا نقترح على الغرب هذا الميثاق من جديد خاصة وانهم عندما يتحدثون عن خطر الاسلام كقوة غازية لا يجدون الا معارك بواتييه(741م) و فيينا(عام 1684م). ونحن الذين نتعرض لحملات عسكرية متواصلة بل ومذابح فى القرون الأخيرة خاصة خلال القرنين الأخيرين 19 و 20 .
نظرة على التاريخ:
فى اطار هذه الورقة المكثفة يصعب تقديم عرض أو تحليل شامل لتاريخ العلاقات بين الاسلام و الغرب.. وهنا نكتفى بعدة محطات ..
المحطة الأولى
* الدعوة الاسلامية فى موطنها الأصلى لا يمكن أن تقارن معاركها التى فرضت عليها بأى معارك فى التاريخ السابق أو اللاحق لها من حيث محدودية العنف , فالمعارك فرضت أولا على المسلمين بقتلهم وتعذيبهم واخراجهم من ديارهم على مدار 13 عاما , وعندما تأسست دولة المدينة خاضت دفاعا عن النفس والعقيدة خمسين مواجهة عسكرية كان عدد ضحاياها بأجمعها لم يتجاوز تسعمائة رجل فى المعسكرين سقطوا فى ساحة القتال خلال 10 سنوات(3), قارن هذا العدد بالحرب الدينية الأوروبية التى عرفت بحرب الثلاثين سنة (1618-1648)والتى كانت حربا كاثوليكية بروتستانتية و أدت الى مقتل 30% من السكان فى وسط أوروبا(4) .
* أما موقف الدين الاسلامى فى بداية عهده من اليهود .. فقد كانت وثيقة المدينة التى أعطتهم حق المواطنة الكاملة مع المسلمين , ولكنهم هم الذين رفضوا هذه المواطنة و تعاونوا مع الأعداء ضد مدينتهم فكان الصدام.
* أما بالنسبة للامبراطورية الرومانية فهى التى بادرت بالعداء للدين الجديد من خلال قبائل الغساسنة الحليفة , حتى أن مبعوث الرسول الى هرقل قد تم قتله . وقد كانت هذه المواقف وراء غزوات مؤتة وتبوك وبعثة أسامة بن زيد.(61/161)
* أما بالنسبة للدولة الفارسية فقد كان الفرس يضطهدون الفرق المخالفة لعبادتهم (النار) من يهود ونصارى وصابئة وبوذيين وماتويين , وكان للفرس قبائل عربية تابعة لهم فى الحيرة وكانوا يحتلون البحرين واليمن , وعندما تلقى كسرى كتابا من محمد عليه الصلاة و السلام مزقه وأرسل الى عامله على اليمن يأمره بأن يرسل رجلين قويين من عنده ليأتياه بمحمد (أو رأسه فى رواية أخرى) . ثم بدأ عرب الحيرة التابعون للفرس الاعتداء على المسلمين المجاورين لهم. فأرسل أبو بكر خالد بن الوليد ليكف أذاهم , ويؤمن جيرانهم المسلمين وعندما انتصر عليهم حنق ملك الفرس وثار لأتباعه فكانت الحرب بينه وبين المسلمين فى عهد عمر(5).
المحطة الثانية:
عندما شنت أوروبا الحروب الصليبية التى دامت قرنين كاملين , وكانت اعتداء ماديا من جيوش أوروبية على أراضى مسلمين مشارقة , 8 حملات وحشية. ونكتفى بما حدث فى القدس كرمز لهذه المرحلة.
دخل الصليبيون القدس بمجزرة ذبح فيها سبعون ألفا من المسلمين . غرقت الدروب كما يحكى المؤرخون فى الدماء , وخاضت الخيول حتى الركب فى السائل الأحمر .
لكن بعد مائتى عام , طرد صلاح الدين الأيوبى الفرنجة من القدس , ليكون المؤرخون الأوربيون أول المنبهرين بسماحة وحلم وسلم القائد الكبير المنتصر مع أعدائه المنهزمين(6).
وقد سجل المؤرخون أن الصليبيين عندما دخلوا القدس أحرقوا يهود القدس أحياء فى كنيسهم , فى حين تم الابقاء على معظم الأماكن المقدسة المسيحية واليهودية بدون أن يمسها سوء خلال الحكم العربى الاسلامى كله(7).
المحطة الثالثة:
الحروب التى دارت على الأرض الأوروبية سواء فى الأندلس أو فى شرق أوروبا فى العهد العثمانى. ويعترف كثير من المؤرخين الغربيين ( مثل المؤرخ البيزنطى خالكو كونديلاس khalkokondylas والمؤرخ الانجليزى جيبون Gibbons ) وغيرهم كثير بأن النظام العثمانى كان يتعامل مع الدول و الأشخاص غير المعادين بالحسنى واللين والكرم مهما كانت أديانهم وأنه عامل الأرثوذكس معاملة أفضل بأضعاف من معاملة الكاثوليك للأرثوذكس(8).
وكان فتح القسطنطينية هدفا رئيسيا للسياسة الاسلامية منذ القرن الهجرى الأول لأنه من القسطنطينية كانت تصدر قرارات الحرب لغزو ديار الاسلام و الاغارة على الثغور .
ويعترف نورمان بينز بأن "عداوة بيزنطة للاسلام بقيت ما بقيت الامبراطورية"
ويتحدث "فازلييف" فى بحثه "بيزنطة و الاسلام" عن تفضيل الأرثوذكس الأتراك العثمانيين على ( الكاثوليك ) أشقائهم فى الدين فيقول ( ولا زال الناس يرددون تلك المقالة المأثورة التى صدرت عن رئيس دينى بيزنطى يدعى "لوكاس فاتوراس" فى ذلك الحين وهى: "انه لخير لنا أن نرى العمامة التركية فى مدينتنا من أن نرى تاج البابوية") .
ومن المهم فى هذا الصدد أن نشير الى شهادة " نهرو " زعيم الهند الهندوسى..
" ومهما يكن من أمر فالواقع أن سلاطين الأتراك العثمانيين كانوا متسامحين جدا مع الكنيسة الاغريقية الأرثوذكسية"(9).
ولعل هذه الشهادات تغنينا عن سرد تفاصيل رهيبة من خلال عملية مقارنة تاريخية بين سياسة الدولة الاسلامية العثمانية , وسياسة الامارات الأوروبية التى كانت تستخدم أساليب الاستئصال و الافناء الكلى بالمعنى الحرفى, أى قتل جميع المسلمين فى المناطق التى يسيطرون عليها , حدث هذا بنسبة 100% فى الأندلس , وبنسبة 100% فى مناطق كثيرة بشرق أوروبا, رغم أن الأغلبية الساحقة من مسلمى شرق أوروبا هم من أصل أوروبى (وليسوا أتراكا) ودخلوا الاسلام طواعية , لأنهم لو كانوا دخلوا مكرهين , لتحولوا سريعا الى المذاهب المسيحية بمجرد انكسار الجيش العثمانى فى بلادهم. وحدث الاستئصال بنسب أقل من 100% فى مناطق أخرى. وحقائق التاريخ مفزعة , فالمسلمون كانوا أكثر من 50% من سكان بلغاريا فى القرن التاسع عشر أما فى احصاء 1982 فقد أصبحوا يمثلون 17% من السكان !
وكان عدد المسلمين فى اليونان يقارب نصف العدد الاجمالى للسكان حتى عام 1832 أما الأن فهم يمثلون 3% من السكان !!
وفى جزيرة كريت كان المسلمون يشكلون الأغلبية الساحقة من سكانها حتى منتصف القرن التاسع عشر , وظل المسلمون متواجدين حتى عام 1913 , أما الآن فلا وجود لأى مسلم فى الجزيرة فى وقتنا الحاضر!؟(10)
*****
واذا عبرنا مرحلة الاستعمار الحديث ( الاحتلال الفرنسى - الانجليزى - الأوروبى عموما) لبلاد العرب والمسلمين والتى كانت فى الحقيقة حملة صليبية تاسعة ولكن بشعارات مختلفة , فإننا نواجه الآن حملة استعمارية صليبية عاشرة . ومن المؤكد أن أى قوات اسلامية لم تطأ أرضا أوروبية أو أمريكية منذ أواخر القرن التاسع عشر. ولا يمكن تبرير هذه الحملة لاحتلال أراضى العرب و المسلمين بالعقد القديمة من الدولة العثمانية حتى و ان سلمنا بأى وجهة نظر غربية متطرفة ضد هذه الحقبة , فلا يمكن تبرير الحروب بالهواجس التاريخية القديمة . ومن المفترض أن الأجيال والعهود المختلفة تحاول فى عصرها أن تضع ضوابط فى العلاقات السياسية الداخلية أو الدولية.(61/162)
فى هذه الغزوة المعاصرة الصهيونية - الأمريكية , تقدم تبريرات بأن هدفها هو البترول (وأنها ليست حربا دينية) وكأن الاستيلاء على بترول العرب والمسلمين مسألة مشروعة أو مبررة أو فيها نظر , وكأن الاستيلاء على مكامن قوتنا الاقتصادية لا يؤدى الى اضعافنا واذلالنا وتحويلنا الى تابعين.
وتردد كثير من الأبحاث والدراسات أن سقوط الاتحاد السوفيتى , وانتهاء الصراع السوفيتى-الأمريكى , الشيوعى-الرأسمالى , هو الذى فتح الطريق للصراع بين الغرب و الاسلام , والحقيقة أن العداء الغربى للاسلام لم ينقطع ( الثورة الاسلامية الايرانية وثورة الانقاذ السودانية حوربتا من الغرب رغم وجود الاتحاد السوفيتى) , ولا يقلل من هذا الموقف التكتيكى لأمريكا من الجهاد الأفغانى ضد الاحتلال السوفيتى , فلاشك أن الخطر السوفيتى كان الخطر رقم واحد , والآن ارتفع الاسلام الى المرتبة الأولى وأصبح فى الصدارة , رغم أنه لم يتشكل بعد كقوة عظمى , بل تسعى أمريكا والغرب للحيلولة دون قيام هذه الدولة العظمى ذات الرؤية الحضارية البديلة , وهى بهذا المعنى المنافس الوحيد للهيمنة الأمريكية والغربية , هذا بالاضافة الى البعد العددى حيث تقدر الدراسات المستقبلية الغربية أن المسلمين سيشكلون 40% من البشرية منتصف القرن الحالى . هذه الرؤية ليست بنت مرحلة العولمة أو النظام العالمى الجديد أو ما يسمى المسيحية الصهيونية المسيطرة الآن على السلطة فى واشنطن ولندن. فقد سبق ارنست رينان المؤرخ ذائع الصيت أن قالها بصراحة وفظاظة عام 1862 : "ان الشرط الأساسى لانتشار الحضارة الأوروبية هو تحطيم الاسلامية. وتلك هى الحرب الدائمة , حرب لن تضع أوزارها الا بعد أن يموت بؤسا آخر حفيد لاسماعيل أو يرد على عقبيه الى أعماق الصحراء , لأن الاسلام هو أكبر نفى لأوروبا , ستفتح أوروبا العالم وتنشر دينها المتمثل فى القانون , فى الحرية , فى احترام الانسان وهى عقيدة ذات طابع الهى تحملها البشرية".
وهذا نفسه ما يقوله جورج دابليو بوش الآن عن أنه يشن حربا باسم السماء , وأن الله قد اختار الشعب الأمريكى لأداء هذه الرسالة. وما يقوله ممثلو الكنيسة المعمدانية الجنوبية - التى خرج من عبائتها معظم رؤساء أمريكا - من أمثال جيرى فولويل وبات روبرتسون , وما يقوله رامسفيلد ومساعدوه , وهو يتضمن اعلان حرب على الاسلام كدين , وليس على ما يسمى الحركات الارهابية . (الرسول صلى الله عليه وسلم ارهابى - القرآن كتاب يحض على العنف - اله المسلمين وثن - وعندما نحاربهم فنحن نحارب الشيطان ...الخ)
ولا شك أن الصراع ينطوى على استراتيجية للهيمنة والسيادة العالمية وأن هذا التوجه العدوانى مشبع بالمصالح الاقتصادية والسياسية , ولكنه يستظل بهذه المظلة العقائدية (المسيحية الصهيونية,التى تربط نهاية العالم بعودة المسيح عقب معركة هرمجدون.. وعقب تجمع اليهود فى فلسطين , وهدم المسجد الأقصى واقامة الهيكل على أنقاضه.) , وبكل هذه المعانى نحن أمام حرب دينية حضارية.
وعبر التاريخ فان القوى العظمى لا تتخلى طواعية عن سيادتها العالمية , ولا تتراجع الا عندما تتغير موازين القوى التى تجبرها على هذا التراجع . ولكننا نزعم انه عندما سادت حضارتنا فاننا لم نفرض ديننا ورؤيتنا على المخالفين لنا فى الدين . هذا حدث فى أوروبا , وحدث فى الهند التى ظلت أغلبيتها هندوسية فى ظل الحكم الاسلامى المديد , وحدث فى مجمل أراضى آسيا , وحدث فى قلب المنطقة العربية ذاتها , حيث لم تتعرض الأقليات المسيحية الى أى حالة من الاستئصال. ويكفى أن نشير الى حالة مصر , حيث ظل المسلمون منذ الفتح عام 640م - 20 هجرية أقلية لأكثر من قرنين , وظل الاسلام ينتشر بصورة طوعية بطيئة حتى أن المسلمين لم يصبحوا أغلبية الا فى عهد الدولة الطولونية (868-905م , 254-292هجرية)(11) . وقارن ذلك بما حدث فى الأندلس وبلغاريا واليونان..الخ
*****
ولا نطرح كل ذلك على سبيل التفاخر أو الكيد, فنحن على استعداد دائما لفتح صفحة جديدة , ونحاول فى عصرنا الحديث أن نضع الضوابط الدولية التى يمكن أن تحكم تعايش الحضارات.
ولكنهم , ولأنهم الأقوى , لا يستمعون الينا الا على سبيل الخداع ومضيعة الوقت والمناورة.ونحن نشير الى الفئات الحاكمة المسيطرة والتى تحظى بقبول الأكثرية , ولا يعنى ذلك عدم وجود فئات أو شرائح أو منظمات أهلية فى الغرب يمكن التحاور بل والتعاون معها. ولقد كانت هناك ولاتزال فرصة تاريخية لانشاء جبهة عالمية انسانية ضد مشروع الهيمنة الأمريكية - الصهيونية , ولقد قدمت الحركات الشعبية فى الغرب المناهضة للحرب فى العراق فرصة لهذه الجبهة الانسانية ضد الحرب وضد العولمة (الهيمنة) الأمريكية.(61/163)
ولكن حديثنا ينصب على القوى المسيطرة فى الغرب(وأمريكا خاصة) والتى تحظى بقبول شعبى عام من خلال الانتخابات . وهذه لا يجوز الحوار معها وهى تعتدى وتحتل أراضى المسلمين وتساند الكيان الصهيونى , وتستهين بمقدساتنا , بل وتقيم حكومات يرأسها أمريكيون (كرزاى - بريمر) , بل وصل الأمر الى حد استباحة المدنيين على نطاق واسع , استباحة النساء والشيوخ و الأطفال فى حالتى الحرب أو الاحتلال . (فلسطين - العراق - أفغانستان كحالات صارخة) . فهؤلاء لا يمكن الحوار معهم الا بالسيف حتى يتراجعوا عن عدوانهم.
ان موقفنا كمسلمين من الغرب تحكمه الآيتان المشار اليهما من سورة الممتحنة
(لا ينهاكم الله...... ) والتى حولها الفقه الاسلامى مع آيات أخرى الى هذا التقسيم الأزلى الذى لا يعتوره أى تبديل عبر الأزمان لأنه مشتق من القرآن الكريم .. أى تقسيم العالم الى ..
1- دارالسلام 2- دار الحرب 3- دار العهد
- فدار السلام هى دار الاسلام حيث يتعين أن تكون أمة واحدة , والأمة الواحدة يتعين عليها أن تحكمها تقاليد الاسلام حتى أن الذى يخرج عليها بغيا يتعين محاربته لرده الى الصواب ( وإن طائفتان من المؤمنين إقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التى تبغى حتى تفىء الى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين, إنما المؤمنون اخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون) الحجرات 9-10.
ويدخل فى دار السلام بطبيعة الحال كل مواطنين الدولة الاسلامية من أهل العقائد غير الاسلامية حيث تكون لهم حقوق المواطنة الكاملة.
- دار الحرب هى الدول غير الاسلامية المحاربة للمسلمين , المعتدية على أراضيهم , المستبيحة لديارهم ومقدساتهم أو التى تبيد المسلمين على أراضيها.
- دار العهد هى الدول غير الاسلامية التى - بتعبيرات العصر- توقع معاهدة عدم اعتداء مع العالم الاسلامى , وتلتزم بها , وتصون حقوق المسلمين لديها , فهذه يمكن التعاون واقامة علاقات طبيعية تماما معها. أقرب مثال لها الآن الصين وبعض الدول الأوروبية(كفرنسا وألمانيا) ودول أمريكا اللاتينية.
*****
ويتعين أن نطالب الدول الغربية الموجودة فى خانة دار الحرب أن تنتقل الى خانة دار العهد , وهى مطالبة ساذجة , اذا لم تكن مرهونة بتنامى قوة المسلمين, وتغيير موازين القوى , ولكن ضعفنا المادى الراهن لا يبرر -من الناحية الشرعية- التغاضى عن دول دار الحرب واعتبارها وكأنها دول من دار العهد. والجهاد فى فلسطين والعراق وأفغانستان يؤكد أن المقاومة ممكنة رغم الفجوة التكنولوجية. وأن المعتدين لابد أن يألموا - كما نألم - حتى يستمعوا الى كلام الحق. ولنلحظ هذه الدقة القرآنية فى الربط بين الحرب و السلام .. حيث يتضح لنا أن القوة أساس السلام , وهذا ما أكدته وقائع التاريخ..
( وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله و عدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم) الأنفال 60 يتبعها مباشرة..
(وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله إنه هو السميع العليم) الأنفال61.
أى عندما تمتلكون من أسباب القوة ما يكفى فان باب السلم سينفتح .
وعلينا فى هذه الحالة أن نقبل بالسلم حتى وإن كانت النوايا غير خالصة وغير موثوقة. ( وان يريدوا أن يخدعوك فان حسبك الله هو الذى أيدك بنصره وبالمؤمنين). الأنفال 62
وحتى عندما نبرم العهود فاننا لا ننقضها , ولا ننقض على الدول غير الاسلامية باسلوب الغدر والخيانة , ذلك إن الغدر مرفوض حتى مع المخالفين لنا فى الدين.
(واما تخافن من قوم خيانة فانبذ اليهم على سواء ان الله لا يحب الخائنين) الأنفال 58.
والمقصود أننا اذا لاحظنا بوادر الخيانة من الآخرين , كحشد الحشود على الحدود , والخروج عن شروط معاهدة السلام فانه يتعين توجيه الانذار قبل تبديل موقف السلم الى الحرب , وهذا ما أقر به القانون الدولى مؤخرا ..
*****
والأمر المثير للحذر و القلق , أن الولايات المتحدة تتحدث عن أن أمنها القومى مهدد من المسلمين , وهذه مبالغة لا معنى لها , فأين هى الدولة الاسلامية التى يمكن أن تهدد الولايات المتحدة , ولكن الولايات المتحدة تعتبر أن حدودها تشمل كل الكرة الأرضية , وهذا أمر غير مقبول ولا يمكن التسليم به الا لمن يريد أن يلغى شخصيته وحضارته ووجوده.
وفى النهاية نقول: إن حوار الحضارات كلمة حق ولكن يجب ألا يراد بها باطل , وهو خداعنا وكسب الوقت لمزيد من احتلال الأراضى , وألا يكون حوار الحضارات معناه , أن نغير ديننا (الخطاب الدينى) ونظم تعليمنا وثقافتنا , ونستغنى عن استقلالنا , وأن نتطابق مع مفاهيم العولمة الأمريكية فى شتى المجالات.
كذلك فإن الحوار بمعناه الفكرى الحضارى مرفوض مع المعتدين المحاربين لأن هؤلاء لا يعرفون ولا يستجيبون الا للغة القوة.(61/164)
ولكن فى المقابل علينا أن نشن هجوما سلاميا بالحوار مع كافة الحضارات والدول غير المحاربة فى آسيا وأوروبا وأمريكا اللاتينية , وأن نسعى لتأسيس جبهة انسانية عالمية حكومية وشعبية لمحاصرة العولمة الأمريكية-الصهيونية فى مرحلتها العسكرية المتغطرسة.
الهامش
1- مختار الصحاح للشيخ الامام محمد بن أبى بكر عبد القادر الرازى - المكتبة العصرية - صيدا بيروت , الطبعة الرابعة 1998 - ص22
2- تفسير القرآن الكريم من سورة الأحقاف الى سورة المرسلات - أحمد حسين - المجلس الأعلى للشئون الاسلامية - مصر 1976 - ص385
3- الاسلام والحداثة - عبد السلام ياسين - دار الآفاق - الطبعة الأولى 2000 -ص208
4- هل تحتاج أمريكا الى سياسة خارجية؟ هنرى كيسنجر - دار الكتاب العربى - بيروت - 2002 - ص11
5- الجهاد - د.أحمد محمد الحوفى - المجلس الأعلى للشئون الاسلامية - مصر - 1970 ص168
6- الاسلام والحداثة - مرجع سابق - ص78
7- الغرب والاسلام - مجموعة دراسات مترجمة - دار جهاد للنشر والتوزيع - القاهرة , الطبعة الأولى 1994 - ص143 ترجمة و تحليل منى ياسين , مراجعة و تعقيب د.محجوب عمر
8- تاريخ الدولة العثمانية -يلماز أوزتونا - منشورات مؤسسة فيصل للتمويل - تركيا, استانبول - 1988 - الجزء الأول - الطبعة الأولى ص102
9- المسألة الشرقية - محمود ثابت الشاذلى - مكتبة وهبة - القاهرة 1989 الطبعة الأولى ص41 , ص102
10- الاسلام و المسلمون فى بلاد البلقان - محمد خليفة - مركز دراسات العالم الاسلامى - مالطة - الطبعة الأولى - 1994 ص 230و231 و283 و 284و713
11- موسوعة تاريخ مصر - أحمد حسين - دار الشعب - مصر - الجزء الثانى - الطبعة الأولى - 1973 ص500
============(61/165)
(61/166)
الكنائس الغربية ولعبة حوار الأديان
السيد أبو داود … … … … …25/4/1424
… … … … …25/06/2003
- خطط المجمع الفاتيكاني لثلاثة أشياء رئيسة جرى تنفيذها بعد ذلك وحتى الآن بدقة؛ وهي اقتلاع اليسار واقتلاع الإسلام وتنصير العالم!
- الحوار بالنسبة لهم يعني فرض الارتداد والدخول في النصرانية، وليس المقصود منه الحوار والوصول إلى الحق.
- تعدد الاتهامات الموجهة للرهبان الكاثوليك بالاعتداء الجنسي على الأطفال واتهامات الكنيسة بالتستر عليها.
التناقض الذي تعيش فيه كنائس الغرب لا يخفى على لبيب..فبينما نجد اهتمام هذه الكنائس والمؤسسات الغربية بالتنصير في بلاد المسلمين, نجد أن هذه الكنائس في بلادها تغلق أبوابها لقلة عدد المصلين فضلا عن انعدام الثقة في رجالات هذه الكنيسة بعد ممارساتهم الجنسية المشبوهة مع الأطفال.
إن خطط التنصير في بلاد المسلمين كثيرة ومعظمها معلن وبعضها خفي، ومن هذه الخطط ما أعلنه بابا الفاتيكان من أنه يريد أن ينصر العالم في الفترة من 1995 حتى عام 2000 ، وحدد ذلك بدقة وقال إن الفترة من عام 1995 وحتى عام 1997 عامان تمهيديان، ثم يتبعهما عام الاحتفال بالسيد المسيح، ثم في الاحتفال الآخر عام 2000 يقام قربان كبير احتفالاً بتنصير العالم كله. وفي الخطاب قال البابا إنه يريد إحياء خط سير العائلة المقدسة.. وفي مؤتمر تنصير العالم الذي عقد في كلورادو بالولايات المتحدة الأمريكية عام 1987 قالوا إن الإسلام لابد أن يضرب من الداخل، وإحياء مسيرة العائلة المقدسة في البلاد العربية كناية عن تنصيرها..
تحالف مشبوه
في عام 1965 عقد المجمع الفاتيكاني الثاني والذي برّأوا فيه اليهود من دم المسيح...، في هذا المجمع خططوا لثلاثة أشياء رئيسة جرى تنفيذها بعد ذلك وحتى الآن بدقة، وهي اقتلاع اليسار واقتلاع الإسلام وتنصير العالم. وفي هذا المجمع قرروا توصيل الإنجيل لكل البشر، وهي عبارة المقصود بها تنصير العالم.
لقد قاوموا اليسار لأنه بديل عن الرأسمالية من الناحية السياسية فكانت كل الأنظمة التي تكفر بالرأسمالية تتجه نحو اليسار . إننا اليوم نقرأ عن المليارات الكثيرة التي أنفقت من أجل اقتلاع اليسار وتفكيك الاتحاد السوفيتي.والمأساة أن الفاتيكان تواطأ مع المخابرات الأمريكية في ذلك لأن مصلحتهم واحدة ....، ولأول مرة تتحد السلطة الدينية(الكنيسة) مع السلطة المدنية(الدول والحكومات) في سبيل تحقيق مصلحة مشتركة وهي اقتلاع اليسار.
إن عالم التنصير عالم خطير لا نكاد نرى منه إلا أقل القليل، والمساهمات فيه معروفة؛ بل إن على فرنسا أن تمول ثلثي هذه الميزانية وحدها، وإسهام الولايات المتحدة والمؤسسات الأمريكية والغربية متعدد والأرقام فلكية وبالتالي فمؤسسات التنصير شبكة معقدة.
لعبة حوار الأديان
إنهم يلعبون بنقطة خطيرة وهي الحوار بين الأديان، والحوار بالنسبة لهم يعني فرض الارتداد والدخول في النصرانية، وليس المقصود منه الحوار والوصول إلى الحق.
إننا لو ناقشنا القوم فلن نجد عندهم شيئاً - وهم يعلمون ذلك- ومن أجله يحاولون أن يوهمونا بأننا دولة واحدة ونحن جيران ولابد أن نعيش في حب وأمان..ولابد من التسامح والتآخي.. والغريب أن المثقفين عندنا يرددون نفس الكلام الذي يردده الغرب إما عن جهل أو غفلة أو عدم مبالاة، أو عن تعتيم فرض علينا جميعاً وشارك مثقفونا في تدعيمه. إن العولمة والكوكبية يراد بها إلحاقنا بالغرب فحينما نصبح قرية واحدة فستكون اللغة لغتهم والدين دينهم والثقافة ثقافتهم والمصلحة مصلحتهم، ونحن مجرد رعاع لا قيمة لنا وإنما نساق كالقطيع.
إن فرنسا تعلن أنها دولة علمانية فصلت الدين عن الدولة ومقابل إعلانها هذا تتحمل ثلثي تكاليف وميزانية عملية التنصير.
إنهم يبيعون كنائسهم للمسلمين
في مقابل هذا الاهتمام الكنسي بالتنصير خارج الحدود الأوربية والأمريكية.. فإن وضع الكنائس الغربية في الداخل يؤكد الخواء والانصراف عنها. فقد أقدمت الحكومة الدانمركية منذ عدة أيام على إعداد خطة لبيع بعض الكنائس اللوثرية الحكومية التي لا يحضر الصلاة بها عدد كاف من المصلين إلى أعضاء الجاليات الإسلامية ليحولوها إلى مساجد، وقد أثارت هذه الخطوة السياسيين. فقد صرح "سورين كراروب" راعي إحدى الكنائس بقوله إن هذا استفزاز أحمق لا يصدقه عقل، و(كراروب) عضو في البرلمان من حزب الشعب الدانمركي المعروف بميوله اليمينية.
وقال (كراروب) إن فكرة السماح للمسلمين في الدانمرك بتحويل الكنائس الدانمركية إلى مساجد إنما يعكس فتحًا إسلاميًا لغرب أوروبا. إلا أن (حامد المسطي) وهو عضو مسلم في مجلس مدينة كوبنهاجن أبدى حماسًا للاقتراح موضحًا أن الاقتراح من شأنه أن يسهم في حل ما يعاني منه المسلمون من عدم وجود مساحة من الأرض ليقيموا عليها مساجدهم أو مدافنهم.(61/167)
وكانت وزيرة الشؤون الكنسية "توفو فيرجو" قد بحثت مؤخرًا فكرة بيع الكنائس الحكومية ووصفتها بأنها وسيلة لتوفير عائدات مادية للكنيسة الدانمركية التي تعاني من مصاعب مالية. وقالت إن تكلفة إدارة معظم الكنائس وصيانتها باهظة للغاية بالنظر إلى عدد المصلين الذين ينشطون في الذهاب إليها. وعلى الرغم من أن معظم مواطني الدانمارك يلتحقون بالكنيسة الحكومية التي تمولها الدولة من الضرائب عند مولدهم ..فإن نسبة لا تتجاوز 5% من إجمالي السكان هم الذين يحضرون للصلاة بصورة منتظمة.
انحرافات القساوسة الجنسية
وفي هذا الإطار فلا يمكننا تجاهل انحرافات القساوسة الجنسية التي تفجرت منذ أكثر من عام وخاصة في الولايات المتحدة.. حيث كثرت وتزايدت الاتهامات بالاعتداءات الجنسية التي يرتكبها الرهبان الكاثوليك.. وقد تم الكشف عن الكثير منها رغم التستر الرسمي عليه.
وقد انتشرت حالات كثيرة من هذا القبيل والأمر لم يقتصر على بوسطن التي بدأت فيها الفضائح ولكنه تعداها إلى لوس انجلوس وسانت لويس وبورتلاند وماين وبرايدج بورت وكونكتكيت وميسونا وفيلادلفيا وبالم بيتش وفلوريدا وواشنطن. وقد تعددت الاتهامات الموجهة للرهبان الكاثوليك بالاعتداء الجنسي على الأطفال واتهامات الكنيسة بالتستر عليها.
وقد كشف استطلاع للرأي أجري في الولايات المتحدة مؤخرًا عن تراجع ثقة الأمريكيين في الكنيسة حيث أشار الاستطلاع إلى أن نصف الأمريكيين فقط لديهم انطباع إيجابي عنها.. وقالت وكالة (اسوشيتدبرس) الأمريكية إن عدد القساوسة الذين سلمت أوراقهم إلى الشرطة ارتفع إلى 350 قسًا منذ أن تكشفت أبعاد القضية في العام الماضي.
ويشير المسح الذي أجرته الوكالة إلى أن 950 شخصًا قد رفعوا قضايا ضد رجال دين بسبب سلوكياتهم الأخلاقية الفاضحة.
النصرانية تنحسر في أوروبا
وقد صدرت إشارات تحذير من بعض الكنائس بتزايد إعراض الجمهور المسيحي الأوروبي عنها بسبب الفضائح والخواء الروحي.
فقد أعلن الكاردينال "كورمك ميرفي" رئيس الكنيسة الكاثوليكي في انجلترا وويلز أن المسيحية أوشكت على الانحسار في بريطانيا وأن الدين لم يعد يؤثر في حياة الناس. وقال (ميرفي) في يوليو2001 "إن الموسيقى والمعتقدات المستحدثة والحركة البيئية والتنجيم والسحر واقتصاد السوق الحر حلت محل السيد المسيح ".
وفي تقرير لراديو لندن مؤخرًا أبدى 48 % من النمساويين ثقتهم في الكنيسة عام 1990، وانخفضت النسبة الآن إلى 35 % فقط. وكانت دراسة سويدية قد ظهرت مؤخرًا أكدت ارتفاع نسبة الانتحار في البلدان الاسكندنافية بشكل ملحوظ وأن أسباب تجرع زجاجة السم عادة تقتصر على العزلة والكآبة فقط؛ لأن الخوف من متاعب آخر العمر تدفع العديدين للانتحار بسبب الفردية وعدم الترابط الاجتماعي
================(61/168)
(61/169)
الحوار...مأزق النظرية وإشكالية الممارسة
د. سلطان بن حسن الحازمي … … … … …29/3/1423
… … … … …10/06/2002
شاع استخدام كلمة (حوار) هذه الأيام في أدبيات الفكر، والسياسة، والاقتصاد، والإعلام، والحياة الاجتماعية وغيرها، فالحديث يدور حول "حوار الحضارات" و "الحوار العربي الأوروبي" و"الحوار الإسلامي المسيحي" و "حوار الشمال والجنوب" هذا على مستوى الدول والقارات والتكتلات الاقتصادية والسياسية، أما داخل العالم العربي والإسلامي فهناك "الحوار الإسلامي الإسلامي" و "الحوار الإسلامي العلماني" و "حوار الفرق والمذاهب" و "حوار التيارات الفكرية المختلفة". يدل - هذا- على أن الحوار روح العصر؛ إذ وسَّعت ثورةُ الاتصالات الحديثة- التي ألغت كثيرًا من الحواجز الجغرافية والسياسية- دوائر الحوار بصورة لم تعرفها الإنسانية من قبل، يشهد على ذلك العددُ الضخمُ من المؤتمرات، والندوات، والاجتماعات، والمنتديات التي تعقد على مدار الساعة واليوم في عالمنا، وتنوّع الموضوعات المطروحة.
إن ضرورة إجادة الحوار مع الذات أولاً، ثُمَّ إحسان الحوار مع الغير داخل الإطار العربي والإسلامي، مقدمةٌ لحوارٍ أكثرَ ندية وإيجابية مع الأديان والثقافات والأمم والحضارات الأخرى، ولتفاعلٍ أكثرَ تأثيرًا على الساحة الدولية.
إن عملية الحوار الموضوعي والجادّ تتميز بالمراجعة للمواقف المتخذة، إذ إن هذه المواقف لا تتخذ موقفًا سكونيًا قطعيًا غير قابل للتغيير والتبديل، بل موقفا حركيا قابلاً للتحول.
إننا إذا أردنا أن يكون حوارنا فاعلاً ومنفعلاً داخل الإطار الإسلامي بدءًا من المنزل ومرورًا بالمدرسة والشارع والجامعة ومحيط العمل وانتهاءً بالأمة، فلا بد من ممارسة حوار متناغم يَشِي بوجود مراجعة وتسامح وتفاعل إيجابي حتى يثمر نتائج محددة.
ممارسة الحوار الراقي أداة للوصول للأفكار الناضجة وقد قيل: "من المناقشة ينبثق النور" حيث يستفيد المحاور من مناقشة آرائه لإعادة صياغتها وبلورتها بشكل أفضل وأكثر ملاءمة لسياقها. لقد سمت المناظرات والمحاورات التي كانت تجُرى في كافة مجالات المعرفة الشرعية والإنسانية والطبيعية بالحضارة العربية والإسلامية في عصور ازدهارها، وجعلتها تتبوأ مراكز الصدارة والريادة على مستوى العالم , وأنتجت لنا تراثًا ضخمًا تمثل في المدارس الفقهية، والنحوية، والثقافية، وغيرها. هذا النتاج المتألق- من الأمثلة التي تتبادر للذهن في هذه اللحظة كتاب "الرسالة" للشافعي و "المقدمة" لابن خلدون- لم يكن ليرى النور بهذه الصورة المتوهجة لولا مروره بمراحل إنضاج من خلال محاورات ومناظرات ومناقشات طويلة، وليست جهدًا فرديًا كما يتبدى للبعض. لقد كان الباحث عن المعرفة في عصور النهضة الإسلامية ينتقل من حلقة إلى أخرى، ومن مجلس إلى مجلس يناقش ويحاور ويناظر ويعبر عن رأيه في جو متسامح دون خوف ودون أن يحجر أحد على رأي أو يمنع من قول، متمسكين بحدود حرية التفكير في الإسلام.
إن الحوار أداة لبناء التفكير السديد يجعل المعرفة استنتاجًا وممارسةً واختيارًا، ويجعل العلم نورًا في العقول لا متونًا في الصدور؛ ذلك أن العقل الإنساني كالجذوة بحاجة للإشعال كي يتوهج، وليس حاوية تقذف فيها المعلومات للحفظ!! لذا يجب على التربية الإسلامية اليوم وعلى كافة المستويات بناء التفكير على أساس التحصين والمنعة الذاتية في عصر يستحيل الانعزال والانغلاق فيه، وكذلك تجريد الفكر العربي والإسلامي مما علق به من تقاليد وأعراف محلية وإقليمية أبعدته عن فهم حقائق الدين والتأثير في دائرة الفعل الإنساني. إن تنشيط التفكير عبر الحوار يبني أجيالا قوية يصعب احتواؤها وتغيير قناعاتها في اتجاهات سلبية.
إننا بحاجة ماسة للتصالح والتحاور مع ذواتنا بالصدق، مع خالقنا أولاً ثم مع النفس والآخرين، فنحن نعيش حال تناقض بين سلوكياتنا، وأقوالنا، ومواقفنا، جعلتنا نتأزم مع ذواتنا، وجعلت الآخرين ينظرون إلينا بسخرية، ويرتابون نحو صدق ما نحمل من قيم نظرية عظيمة يغذيها الإسلام، لكنها لا تجد سندًا من ممارسة وحضور على مستوى الفعل والحدث الإنساني.
كيف نريد أن نؤثر في ذلك "الآخر" البعيد ونحن نمارس إلغاء الآخرين من ذوي القربى في الدين، والدم، واللسان، والوطن، وغيرها، ونفرض الوصاية على عقولهم وأفهامهم - محتكرين الصواب أو الحق - في مسائل الاجتهاد وصناعة الحياة رغم اعترافنا - نظريًا- أن طرائق وصولنا لهذا "الحق" متنوعة ومتعددة.(61/170)
إن التعصب وأحادية الرأي آفة خطيرة، جِدُّ خطيرة، تنبع أساسًا من تنزيه الذات، وتضخم الأنا والتقليد والترديد، مما أدى إلى شيوع الانغلاق، والجمود، والتقوقع، والتقليد للجديد أو للقديم. إن القمع، والتسلط، والإرهاب الفكري، والنظر للناس على أنهم جهلة أو ذوو نيات سيئة يسد باب الحوار، ويحول الناس إلى إمَّعات منقادة انقيادًا أعمى، عندها تغيب الموضوعية في التفكير ويصبح "الأشخاص" هم سبيل اقتناع الناس بالأفكار وليس أدلتها الشرعية أو العقلية. إن ممارسة فرض الرأي على الآخرين، والإلغاء والوصاية على الثقافة والفكر، والتحدث بلغة الأستاذ تحت أية حجة أمر غير مقبول ولا مشروع، بل يؤدي إلى جلد أدمغة المتلقين، ويسهم في تشنجهم وتزمتهم، مما يلجئ البعض إلى العنف كوسيلة للتعبير عن الذات واكتساب الحقوق.
من الآفات الخطيرة أيضًا كراهية ممارسة عملية الحوار، وهي مرتبطة بتنزيه وتضخيم الذات المذكورة آنفا، إما لضعف الحجة التي تؤدي إلى بروز الرأي الآخر، أو بدعوى الحرص على وحدة الصف والكلمة، أو بدعوى ذم الإسلام للجدل مع التغافل عن نصوص وشواهد من السنة ووقائع من التأريخ تبين أن الحوار والجدال بالتي هي أحسن هو الممدوح والمطلوب.
إن من أبرز سلبيات الخطاب العربي والإسلامي المعاصر هو شيوع التفكير والتحليل العاطفي والسلبي للأحداث، وغياب العقل والفكر الناقد الذي ينطمر تحت أوهام المتابعة أحيانا أو التأصيل والتجديد أحيانا أخرى.
إن استمرار سياسات الإلغاء للشعوب، وأجواء الريبة والتربص، وعدم الثقة بين الحاكم والمحكوم، والتمكين لفئات وأفكار على حساب أخرى داخل العالمين العربي والإسلامي، واستمرار التقاتل والتهارش والتراشق بين مختلف التيارات، وعدم التركيز على نقاط الالتقاء ودعمها وتقويتها؛ سيؤدي إلى تمادي الأعداء والمنافسين في غيَّهم، وسيساعد أمريكا وربيبتها (إسرائيل) في فرض رؤيتهم وسيطرتهم لعقود طويلة قادمة.
لنبدأ بالحوار مع الأجنة في بطون أمهاتهم بتوفير جو نفسي لهذا القادم إلى الحياة برعاية الأم جسديًا ونفسيًا، ومن ثم تعليم هذا الطفل أدب المحاورة بممارسة نماذج عملية لحوار راق بين الأب والأم، وإعطائه الفرصة داخل المنزل بالتعبير عن ذاته وفق قواعد أصيلة تنبع من قيم الإسلام العظيمة، ومن ثم إتاحة المجال في سياق التفاعلات الاجتماعية، يأتي بعد ذلك دور المدرسة والمعهد والجامعة وحركة الحياة؛ لرسم معالم شخصية مستقلة مبدعة بالتربية على الحوار والمناظرة والمناقشة والمثاقفة، للوصول إلى النتائج بعيدًا عن أجواء القمع والتسلط والدكتاتورية.
إن مما يقوي ويعزز النسيج الوطني في البلدان العربية والإسلامية هو فتح باب الحوار والاستماع لما لدى شعوبهم، وعدم الحكم على النيات، وإعطاء الفرصة لكافة شرائح هذه المجتمعات للمساهمة في دعم الجبهة الداخلية، فمباركة تلك الدعوة إلى المصالحة والحوار بين الحكام والشعوب بكافة تياراتها، حتى يتوجه الجميع نحو قضايا الأمة الكبرى المرتبطة بالتنمية والاستقلالية الاقتصادية والعسكرية، وطيَّبة تلك الدعوة إلى تصالح التيارات المختلفة داخل الوطن الواحد، وعبر العالم الإسلامي طولا وعرضا.
آن لنا أن نكفَّ عن اجترار خلافات الماضي، وأن نواجه الحاضر، ونخطط للمستقبل؛ لدعم مسيرة التنمية وصولاً إلى الأهداف الكبرى على مستوى الأفراد والأوطان والأمة.
إن الحوار الجاد والصادق سيكون أداة محورية في سبيل التغيير الإيجابي الذي ينشده الملايين في العالم الإسلامي، إذا نحن طبقنا أسسه والتزمنا آدابه، انطلاقًا من مبدأ التعاون للوصول إلى الأهداف المشتركة، في إطار الثوابت الكبرى للأمة؛ لكي نتغلب على مشكلاتنا، ونساهم في حل مشكلات عالمنا المعاصر، شريطة أن ننهض أولاً بمسؤولياتنا ثم ننطلق إلى آفاق الريادة العالمية
=============(61/171)
(61/172)
جارودي ووحدة الأديان..!
د. سعيد بن محمد بن معلوي … … … … …16/5/1428
… … … … …02/06/2007
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، ومن سيئات أعمالنا. من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله, وبعد:
فرح المسلمون كثيراً حينما أعلن الفيلسوف الفرنسي (روجيه غارودي) إسلامه, وذلك لشهرة الرجل في العالم أولاً, والتأثير الإعلامي لإسلامه في العالم الغربي ثانياً, وثالثاً: حب المسلمين الخير للشعوب غير المسلمة بدعوتها إلى الإسلام، متمثلين بقول الله -جل جلاله- مخاطباً نبيه محمداً - r- : "وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ" [الأنبياء:107], وأكبر رحمة للناس دعوتهم للدين الحق, وهو الإسلام.
وبعد ربع قرن تقريبا اتضح لنا أن الرجل في وادٍ, وما يدعيه من إسلام في واد آخر. بل هو يدعو إلى دين تلفيقي انتقائي بين الأديان كلها, ومن فمه ندينه كما سيتضح للقارئ الكريم.
والرجل وإن كان له موقف من مبالغة اليهود فيما تعرضوا له على أيدي النازيين من حرق وقتل, ورأى أن الأعداد المذكورة مبالغ فيها, وغير صحيحة, فقد سبقه إلى هذا الإنكار أناس قبله في الغرب وفي غيره, كما تبعه آخرون في اتخاذ مواقف مماثلة, وهو موقف لا أرى فيه ميزة بقدر ما هو واجب على أمثاله ممن علم كذب اليهود وافترائهم, فالعدل مما يتفق عليه عقلاء البشر, والإنصاف سمة من سمات العالم المتحضر.
وقد يسأل سائل: ما سبب إثارة موضوع كهذا في مثل هذا الوقت؟ والجواب: هو أن الدعوة إلى وحدة الأديان كثرت هذه الأيام لأسباب يطول شرحها, وظهر في وسائل الإعلام المقروءة والمتلفزة من يدعو صراحة إلى وحدة الأديان؛ مستندين في دعواهم إلى رجال أمثال جارودي. كذلك فإن الرجل ما فتئ بين وقت وآخر ينشر دعوته لوحدة الأديان بوسائله الخاصة, بل أنشأ في قرطبة مركزاً لدعوته وضع فيه معابد عدة لمختلف الأديان والمذاهب. أيضاً فإن الرجل لم يتخل عن نصرانيته كما صرح هو، فهدفه هو إخراج المسلمين عن دينهم, ومزج الإسلام بالأديان الكتابية المحرفة والأديان الوضعية, وبالتالي هدم الدين الوحيد الذي ارتضاه الله للناس كافة.
وقبل بيان حقيقة ما يدعو إليه هذا الرجل, نعرف بشخصية جارودي, فهو: روجيه جان شارل جارودي، من مواليد مارسيليا بفرنسا، في 17/7/1913م فيلسوف فرنسي معاصر تنقل بين الفلسفات المختلفة، فانضم إلى الحزب الشيوعي الفرنسي سنة 1933م، واعتنق البروتستانتية في نفس العام- وكان قبلها يهودياً على قول بعضهم- ورأس جمعية الشبان المسيحيين البروتستنت. تعرف على الإسلام حين أودع سجناً في الجزائر أثناء الحرب العالمية الثانية. أشهر إسلامه في 11/9/1402هـ الموافق 2/7/1982م في المؤسسة الثقافية الإسلامية في جنيف، وتسمى باسم محمد رجاء (رجى) جارودي (عاد لاحقاً إلى اسمه الأول روجيه) ثم تزوج من الفلسطينية سلمى نور الدين الفاروقي التاجي وهي ممن شهد إسلامه. تبنى بعد إسلامه فلسفة تلفيقية على أساس من الدين الإبراهيمي الذي يدعو إليه؛ وهي دعوة ذات صبغة شمولية، بحيث تشمل الأديان الإبراهيمية الثلاثة، والرجل ينكر أي دور تشريعي للسنة النبوية، ويؤول العبادات الشرعية تأويلاً باطنياً، فالصلاة عبارة عن تفكير عميق في الذات الإلهية، والحلال والحرام أمور نسبية تختلف بحسب الظروف، والحدود في نظر جارودي نوع من الهمجية ينبغي منعه، فضلاً عن إنكاره للقدر وتأويله للبعث.. وهكذا. وقد عقدت حلقة نقاشية بجامعة الأزهر شارك فيها بعض العلماء والأساتذة، دعا فيها المجتمعون إلى إعادة النظر في إسلام جارودي_ على حد تعبير الدكتور محمود حمدي زقزوق وزير الأوقاف المصري(1).
ولعل أخطر دعوات جارودي هي دعوته لوحدة الأديان فهو ذو نزعة تلفيقية ترمي إلى جمع مصطنع بين أشتات من أفكار أو دعاوى غير متلائمة لتكوين مذهب واحد. وقد دعا جارودي للوحدة بين الأديان ذاتها المنبعثة من مشكاة واحدة: الأديان الكتابية، تحت مسمى الدين الإبراهيمي، وفي ظل الماركسية التي يؤمن بها.
والهدف من الدعوة إلى الإبراهيمية هو بيان أن الإسلام هو صورة مطورة عن اليهودية والنصرانية بما تحويانه من تحريف وكفر وعقائد باطلة؛ وإثبات أن ((الإسلام اليوم لن يستطيع أن يستأنف مسيرته إلا إذا وسع كل حكمة وكل عقيدة يمكن أن يتضمنها ويضمها إليه)) (2) على حد تعبير جارودي. ومع ذلك فهو لا يستثني حتى الأديان الوضعية كالهندوسية والبوذية من دعوته لوحدة الأديان. ومما يدعو للغرابة أن روجيه جارودي في دعوته للإبراهيمية يوجه حديثه للمسلمين فقط دون غيرهم، والتنازل يكون منهم دون أن يوجه خطاباً لليهود أو النصارى أو لإخوانه الماركسيين.(61/173)
يقول جارودي في إجابة له على سؤال من قبل محرر جريدة (تشرين) السورية حول تخليه عن الماركسية: ((أما لجوئي إلى التجربة التاريخية فأنا مُصرُّ عليها؛ لأنها الجانب الموضوعي الإيجابي في الماركسية. كما أصررت على كل ما قلته حول هذه التجربة التاريخية في كتابي "الماركسية"، وأحب هنا أن أؤكد بأنني لم أدر ظهري للماركسية على الإطلاق، ولم أقل ذلك... اخترت الحزب الشيوعي... ولا أرى تناقضاً في اختياري هذا، أي في الازدواجية...
لقد منحت الماركسية السبل والطرائق الكفيلة بوضع حد للعداوات أو الصراعات الاجتماعية... وبرغم حيرتي وقلقي، فقد حافظت على هذه الازدواجية طيلة خمسة وثلاثين عاماً، ولست نادماً على ذلك الآن بل العكس)) (3).
يقول جارودي: ((دخلت الإسلام وبإحدى يدي الإنجيل، وباليد الأخرى كتاب رأس المال لماركس، ولست مستعداً للتخلي عن أي منهما))(4).
ويقول: ((عندما أعلنت إسلامي لم أكن أعتقد بأني أتخلى عن مسيحيتي، ولا عن ماركسيتي، ولا أهتم بأن يبدو هذا متناقضاً أو مبتدعاً)) (4) .
ويقول أيضاً: ((أنا جئت للإسلام بعد مسيرة طويلة تنقلت فيها بين الفلسفة المحضة والمسيحية والماركسية، وانتهيت إلى الإسلام دون التخلي عن اعتقاداتي الخاصة وقناعاتي الفكرية؛ لأن انتقالي إلى الإسلام لا يعتبر انقطاعاً من ماضٍ؛ بل هو تواصل لذلك الماضي الطويل الذي عشت فيه تجارب كثيرة، والدين الذي أنا عليه اليوم هو توفيق بين الإسلام وما سبقه من ديانات... وكوني أصبحت مسلماً فهذا لا يعني أني تخليت عن اعتقاداتي الدينية والفلسفية السابقة. لذلك فأنا عندما أنشأت متحف قرطبة للحضارة الإسلامية قبل ست سنوات في أسبانيا؛ قمت في هذه المناسبة بعقد مؤتمر ديني إبراهيمي، أسندت رئاسته بالتساوي إلى ثلاث شخصيات إسلامية ومسيحية ويهودية)) (5).
وفي سؤال عن الازدواجية التي يمارسها جارودي عن إيمانه بأديان متباينة، وفلسفات متناقضة، وكان السؤال بهذه الصيغة: كيف يمكننا أن نفهم غارودي المسيحي، وغارودي الماركسي، وغارودي المسلم؟ أجاب جارودي: ((لقد قادتني حكمة الحكماء، وفي مقدمتهم "كيركغارد"(6) إلى العقيدة الإبراهيمية... وعليه فإنني لا أرى تناقضاً في اختياري هذا، أي في الازدواجية، بل على العكس إني أرى تكاملاً بين الغايات والوسائل... إن إيماني بالإسلام هو إنجاز وليس انشقاقاً، في الوقت الذي لا أنكر فيه المسيح ولا ماركس.. أنا سعيدٌ الآن وأنا في السبعين من عمري لأنني بقيت مخلصاً لأفكاري)) (7).
وجارودي يأمل في ((تعايش في فلسطين- بين- يهود ونصارى ومسلمين، دون أن يكون أحدهم تابعاً للآخر، في وحدة التقليد الإبراهيمي المشترك)) (8). ويتم هذا الأمل بـ ((التلاقي الأخوي بين الأديان الكبرى الإبراهيمية في فلسطين لجميع قبائل الأرض كما جاء في سفر التكوين)) (9).
ويؤكد جارودي عدم استقلالية دين من الأديان الكتابية بالتشريع دون الآخر، بل لا بد من الأخذ بها جميعاً، وأن يفسر الحديث منها في ضوء القديم، يقول جارودي: ((التشريعات تتباين في التوراة والإنجيل والقرآن؛ بينما يشدد الله على تواصل رسالته: ينصح بالرجوع إلى أولئك الذين تلقوا الرسالة قبل القرآن، وبالتالي يوصي بالعودة إلى التوراة والأناجيل)) (10)، وسبب ذلك أن الشريعة ((مشتركة بين الديانات، في حين أن الفقه يختلف بين ديانة وأخرى)) (11).
ويرى جارودي أن الشريعة الإسلامية ليست صالحة لكل زمان ومكان، حتى لو كانت صادرة من وحي سماوي فيقول: ((نحن لا نسعى أبداً لأمثلة إنجازات كل المجتمعات الإسلامية التاريخية، بل نفكر بأن الادعاء باستخلاص تشريع صالح لكل الأزمنة، من نص موحٍ به، يصدر عن تمامية ضارة)) (12). ويقول: ((إن اعتبار القرآن كتاباً يتضمن تشريعاً صالحاً لجميع الشعوب وجميع الأزمنة، هو بالتأكيد تأويل ضيق ومميت لمستقبل الإسلام)) (13) ((سيكون من المحال أيضاً الادعاءُ باستنباط قوانين سياسية عالمية أبدية مباشرة من القرآن)) (14).
وبهذا المفهوم الفاسد أسقط جارودي حق المسلمين في الاحتكام إلى كتاب الله، أو أخذ التشريع منه؛ قبل أن يعرض ذلك على التوراة والأناجيل؛ ولاحظ أنه يقصد هذه الكتب بوضعها الحالي المحرف بدلالة ذكره للأناجيل بصيغة الجمع، مع ما هو معروف له ولغيره أن الإنجيل الذي أنزل على عيسى -عليه السلام- إنجيل واحد، وجارودي مقتنع بصحة الإنجيل مثله مثل القرآن، وكثيراً ما يقارن بينهما ويستدل بهما معاً(15).(61/174)
ولو سلمنا جدلاً أن الكتب السابقة بقيت على حالها لم تحرف فإن الله نسخها بالقرآن الذي هو الحكم الفصل في كل الأزمنة إلى يوم القيامة كما قال تعالى: "وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ" [المائدة:48]، وقال تعالى عن كتابه: "لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ" [فصلت:42] وعن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما أن النبي - r- قال : ((لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء فإنهم لن يهدوكم وقد ضلوا، فإنكم إما أن تصدقوا بباطل، أو تكذبوا بحق، فإنه لو كان موسى حياً بين أظهركم، ما حل له إلا أن يتبعني)) وفي رواية: ((والذي نفس محمد بيده لو بدا لكم موسى فاتبعتموه وتركتموني لضللتم عن سواء السبيل، ولو كان حياً وأدرك نبوتي لاتبعني)) (16).
ويقر جارودي بإيمان واحد شامل لجميع الأديان والمعتقدات، هذا الإيمان يستطيع من خلال ثقافات مختلفة ((إنجاب ديانات متعددة، وإن هذا التعدد هو غنى؛ لأنه يتيح لنا فرصة تعميق إيماننا وإدراك تميزه: يتيح لنا فرصة التخلص من وهمنا القائم على اعتبار ديانتنا الديانة الحقيقية الوحيدة لأننا نجهل الديانات الأخرى)) (17).
ويقول أيضاً : ((ليس الأمر تسامحاً... بل إنه احترام التجارب المختلفة عن تجاربنا احترام الوجود الذي يتجاوزنا)) ويلزم من احترام التجارب المختلفة عند جارودي ((عدم الطلب إلى المسيحي بأن يصبح بوذياً، أو إلى المسلم بأن يصبح مسيحياً بل مساعدة البوذي على أن يصبح بوذياً أفضل، والمسيحي مسيحياً أفضل، والمسلم مسلماً أفضل. الأفضل يعني: القادر على تعميق إيمانه وإدراكه لله)) (18).
يقول جارودي: ((لقد حان الوقت للقول بوضوح: إن المرء يكون هندوسياً أو بوذياً، أو يهودياً، أو مسيحياً، أو مسلماً، ليس بما يعتقد، وإنما بما يفعل وانطلاقاً من هنا، أن نقدر ما تقدمه كل عقيدة دينية لتأنيس الإنسان))، ثم يستشهد على ذلك بقوله تعالى:"لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ" [المائدة: 48] (19).
وبترُ جارودي للآية، واستدلالُه ببعضها كمن يستدل بقوله تعالى: "لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ" [النساء:43] ويسكت. فالله سبحانه وتعالى قال في الآية السابقة التي استدل بها جارودي:
"فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ" [المائدة:48] فأمر الله نبيه - r- بالحكم بين اليهود والنصارى إذا اختصموا إليه بالقرآن الكريم وحده، أو بما أوحاه الله إلى نبيه محمد - r-؛ إذ لا يجوز الحكم بغير ذلك ولو كان شريعة سابقة؛ لأن نزول القرآن مهيمناً أبطل ما خالفه، وإن كان الحكم فيما سبق من الشرائع موافقاً للحكم في القرآن ففي القرآن كفاية وهو ناسخ لما قبله.
ثم قال تعالى : "لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً" [المائدة:48] فهذا تعليل لنهي النبي - r- عن اتباع أهوائهم؛ أي إذا كانت أهواؤهم في متابعة شريعتهم التي حرفوها وبدلوها بأيديهم أو عوائدهم الجاهلية فدعهم وما اعتادوه وتمسكوا بشرعكم المهين على غيره الناسخ لما سبقه. وفي قوله تعالى: "وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ" [المائدة: 48] بين تعالى أن الاختلاف بين البشر سنة كونية قدرية لا مناص من وقوعها؛ لابتلاء الناس بعد أن بين لهم الحق من الضلال؛ حتى يتميز الصادق من الكاذب والمؤمن من الكافر.
وفي 12-15/2/1987م انعقد مؤتمر سُمي بالمؤتمر الإبراهيمي في قرطبة وبمشاركة أعداد من اليهود والنصارى والقاديانيين والإسماعيلين، وقد انعقد المؤتمر تحت اسم: "مؤتمر الحوار الدولي للوحدة الإبراهيمية". وافتتح جارودي مركز قرطبة للأبحاث الإسلامية والذي يعمل على وحدة الأديان ومن آرائه أن الصلاة المفروضة ثلاث وليست خمساً(20).
والذي ينبغي ذكره هنا أن ملة إبراهيم عليه السلام هي الإسلام، وليست ملته اليهودية والنصرانية: "مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ" [الحج:78]. وقد امتن الله على العرب بأن أمرهم باتباع ملة أبيهم إبراهيم- التي حرفها غيرهم وحاد عنها- فقال تعالى: "قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ"[آل عمران:95].
وقد هدى الله نبيه محمدا -صلى الله علهي وسلم- وأمته إلى ملة إبراهيم التي ضل عنها غيرهم:(61/175)
"قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ" [الأنعام:161-163]. فهذا هو الإسلام، وهو بيان لملة إبراهيم، يؤيد ذلك قوله تعالى: إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ شَاكِراً لَأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ" [النحل:120-123]. أي الزم ملة أبيك إبراهيم، وهي التوحيد الخالص، والإخلاص لله الذي هو معنى الإسلام.
ويلوي جارودي أعناق النصوص القرآنية في سبيل التوفيق بين الإسلام والنصرانية، فيقول : ((سنضع جانباً أيضاً الاتهامات الموجهة من المسلمين إلى المسيحيين حول سر التثليث؛ لأن محتوى سورة الإخلاص يتطابق تماماً مع قول مجمع (لاتران- lat r an) المنعقد عام 1215م حول التثليث : "الله أب وابن وروح قدس" وهذه هي حقيقة معنى "لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ" [الإخلاص:3] القرآنية(21).
ولو كان المسلمون يقرون بالتثليث كما زعم جارودي لما كانت هناك حاجة أصلاً للوحدة التي يدعو إليها جارودي، ولكن المسلمين يؤمنون برب واحد وإله واحد لم يتخذ صاحبة ولا ولداً ولم يكن له شريك في الملك، بل لا إله إلا هو سبحانه وتعالى عما يشركون. وسورة الإخلاص- والقرآن كله- تنص على نفي ما يدعيه النصارى في أن المسيح هو ابن الله: "لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ" فكيف يفتري جارودي أن هذه السورة تدل على عقيدة الشرك: التثليث ؟ لقد استخف جارودي بعقول المسلمين جميعاً، وزور الحقائق الثابتة التي لا يختلف عليها اثنان من المسلمين؛ فهل بقي إسلام في قلب جارودي بعد إعلانه عن وثنية التثليث التي يؤمن بها، وعن ماركسيته التي رفض التخلي عنها؟
ومما يظهر تخبط جارودي وقد بلغ به العمر؛ محاولته التوفيق بين الإسلام والفلسفات الهندية- تعاليم اليوبانيشاد على وجه الخصوص- على أساس وحدة الوجود، فيؤكد في البدء أن الديانة الهندية ديانة توحيدية لأننا نجد فيها ((معنى الوحدة العميقة للإنسان وللطبيعة ولله من خلال تنوع أسماء الله)) (22) وهذا ما يجعلها مع الإسلام على قدم المساواة في ضوء إيمانها بوحدة الوجود.
يقول جارودي: (("السفيتارا يوبانيشاد" تعلم: "الله الواحد الكامن في كل الكائنات الداخل في كل شيء الوجود الداخلي لجميع المخلوقات... تماماً كما يقول بها القرآن الكريم بكل أبعادها في سورة الحديد: "هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ" [الحديد:3] (23).
وهذا ما يؤكد لدى جارودي أن ((كل الرسالات المقدسة تنبثق منا لله الواحد، وتحمل التعاليم نفسها. فمثلاً إن تأملاً عميقاً حول الأدفايتا الهندية وتوحيد المسلمين.. يغني أفكارنا المتبادلة حول الوحدة، ويظهر التشابه الواقعي وكذلك الاختلاف في العمل بين هندوسي حقيقي ومسلم حقيقي، الناتج عن أفكار كل منهما حول الأدفايتا والتوحيد)) (24).
فالاختلاف بين المسلم والهندوسي هو في العمل، وبمعنى آخر الوسيلة، أما الأصول فهما يشتركان فيها. فالذي يؤمن بإله واحد قادر لا شريك له؛ هو ومن يعبد ما لا يحصى من الآلهة بمختلف الصور والأشكال: على قدم المساواة عند جارودي في الإيمان. فأي ميزة بعد ذلك للإسلام ناسخ الأديان كلها، الذي حارب عقيدة الشرك بمختلف صورها وألوانها، وأتى ليحر رالعباد من عبادة الأصنام والأوثان والأشجار والأشخاص إلى عبادة الله الواحد الأحد لا شريك له في ربوبيته وإلهيته وأسمائه وصفاته، تعالى الله عما يقول الجاحدون علوا كبيراً.
واستدلال جارودي بقوله تعالى: "هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ"[الحديد:3] على وحدة الوجود، استدلال فاسد؛ إذ إن الآية تثبت لله تعالى أنه كان ولا شيء موجود سواه، وهو الباقي تعالى بعد زوال الأشياء كلها وفنائها، وتثبت له تعالى علوه فوق خلقه فوق سماواته، وهو مع علوه أقرب بعلمه وسمعه إلى الإنسان من نفسه.
قال إمام المفسرين الطبري رحمه الله في تفسير الآية: ((هو الأول قبل كل شيء
بغير حد، والآخر بعد كل شيء بغير نهاية، وإنما قيل كذلك؛ لأنه كان ولا شيء موجود سواه، وهو كائن بعد فناء الأشياء كلها، كما قال تعالى : "كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ" [القصص:88]. والظاهر على كل شيء دونه، وهو العالي فوق كل شيء، فلا شيء أعلى منه. وهو الباطن حميع الأشياء فلا شيء أقرب إلى شيء منه، كما قال تعالى: "وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ"[قّ:16] (25).(61/176)
(*) أستاذ العقيدة المساعد بكلية المعلمين بأبها، ورئيس قسم الدراسات الإسلامية بالكلية
(1) ينظر: فكر جارودي بين المادية والإسلام، عادل التل. ومجلة المجلة، العدد (389) الصادر في شهر شوال من عام 1416هـ.ومجلة الأمة، العدد (29) جمادى الأولى 1403هـ، فبراير 1983م، : ص 65-73، مقابلة مع جارودي، وفيها صورة لشهادة إشهار جارودي للإسلام، والتي لا يظهر فيها توقيع لجارودي؟ مجلة الإصلاح العدد (338) 1-14/2/1996م: ص 44-47.
(2) وثيقة أشبيلية: من أجل إسلام القرن العشرين، رجاء جارودي، وهو التقرير الذي قدمه جارودي في المؤتمر الذي انعقد في أشبيلية في الفترة: 18-21/6/1985م (وهذه الوثيقة منشورة ضمن كتاب: لا لجارودي ووثيقة أشبيلية، د. سعد عبدالمقصود ظلام ): ص 24.
(3) روجيه جارودي من الإلحاد إلى الإيمان، رامي كلاوي: ص 189-190, عن مجلة تشرين السورية, عدد يوم 25/3/1984م.
(4) روجيه جارودي والمشكلة الدينية، الميلي : ص 279.
(5) روجيه جارودي من الإلحاد إلى الإيمان، رامي كلاوي: ص 200, عن حوار مع جارودي نشر في جريدة البعث السورية يوم 25/3/1984م، أجرى الحوار ميه هاشم، ووليد مشوح. وفي نفس الحوار ( ص 205) يقول جارودي : "إنني أعتبر نفسي ماركسياً".
(6) مجلة المجلة، العدد (839) ، شوال 1416هـ
(7) سورين آبي كيركغارد: فيلسوف دنمركي، ولد في كوبنهاغن (1813-1855م) ينتمي إلى الفلسفة الوجودية بل هو المؤسس الفعلي لها. ويرى أن حقيقة الوجود تعرف عن طريق التجارب الذاتية للأفراد، هذه التجارب التي تستمد قوتها من وجود الإنسان الذي يسبق ماهيته. ينظر الموسوعة الفلسفية: ص 387. ومعجم الفلاسفة: ص 560.
(8) روجيه جارودي من الإلحاد إلى الإيمان ، رامي كلاوي : ص 188-193. عن جريدة تشرين السورية ، يوم 25/3/1984م. وقد أكد جارودي أنه لا يزال على إزدواجيته ودوجماتيته في مجال العقيدة في حوار له مع مجلة "المجلة" في عددها رقم (839) في شوال عام 1416هـ.
(9) فلسطين أرض الرسالات السماوية ، رجاء جارودي، ص 604. وينظر: الإسلام في الغرب، روجيه غارودي: ص 239-246.
(10) فلسطين أرض الرسالات السماوية، رجاء جارودي، ص 628.
(11) الأصوليات المعاصرة: أسبابها ومظاهرها، روجيه غارودي: ص 82.
(12) نحو حرب دينية، روجيه غارودي:ص 41.
(13) وعود الإسلام ، روجيه غارودي : ص 44.
والتمامية يطلق على كل ما لا يقبل التطور على حسب مفهوم الفيلسوف باسكال، ينظر معجم لالاند: 2/959، 1054.
(14) وعود الإسلام ، روجيه غارودي : ص 100.
(15) وعود الإسلام ، روجيه غارودي : ص 100.
(16) ينظر محاضرة غارودي التي ألقاها في المركز القومي للدراسات القضائية في القاهرة، يوم الإثنين 21/3/1983م، بحضور شيخ الأزهر جاد الحق رحمه الله . المحاضرة ضمن كتاب : رجاء جارودي وإسلام أبيض ، د. سعد ظلام: ص 69-72.
(17) رواه أحمد : 23/349 ، رقم (15156) . والدارمي (39) باب ما يتقى من تفسير حديث النبي - r- رقم (449) 1/403 . وابن أبي عاصم في السنة ، رقم (50) 1/27 . والبغوي في شرح السنة ، رقم (126) 1/270 . وابن عبد البر في جامع بيان العلم (2/42) . حسنة الألباني بمجموع طرقه في إرواء الغليل ، رقم (1589) 6/34 .
(18) حفارو القبور ، غارودي ، ص 159.
(19) حفارو القبور ، غارودي ، ص 160.
وفي مقابلة مع مجلة "الموقف" اللبنانية عام 1984م . يدعو جارودي إلى " وحدة فدرالية للطوائف الدينية" تشمل الديانات كافة. ينظر المقابلة كاملة في كتاب روجيه جارودي من الإلحاد إلى الإيمان ، رامي كلاوي : ص 181.
(20) الحوار الإسلامي المسيحي، بسام داود عجك ص 445 عن نداء إلى الأحياء لجارودي: 220.
(21) الإسلام والأديان ، محمد عبدالرحمن عوض: ص 15.
(22) الإسلام الحي ، روجيه غارودي : ص 18 . وينظر للمؤلف نفسه: نحو حرب دينية: ص 23.
وقرار مجمع لاتران عام 1215هو كما ذكر جارودي في كتابه (نحو حرب دينية: ص 23): "إن الحقيقة العليا هي في آن واحد: آبٌ وابنٌ وروحٌ قدس ، وهذه الحقيقة لا تلد ولا تولد ولا تنبثق من غير ذاتها" فأي توحيد في هذا التثليث، وأين تنزيه الله تعالى عن أن يكون له ولد؟
ولأن الاضطراب والخلل مصير كل دين تمتد إليه الأيد بالتحريف والعبث، فقد تلا هذا المجمع أربعة مجامع أخرى تحمل الإسم نفسه (مجمع لاتران) وهو بالمناسبة اسم قصر في روما عقدت فيه هذه المجامع في الفترة ما بين القرنين الثاني عشر والسادس عشر الميلاديين. ينظر: معجم الإيمان المسيحي : ص 409.
(23) الإسلام الحي : ص 72.
(24) الإسلام الحي : ص 73.
(25) الإسلام الحي: ص73-74 . كما سعى جارودي في كتاب: "نحو حرب دينية: ص 27-30" إلى التوفيق بين الإسلام والنصرانية على أساس مبدأ وحدة الوجود.
(26) جامع البيان عن تأويل آي القرآن : 27/215.
وينظر جوانب أخرى من تخريفات جارودي وتهجمه على المسلمين في الجزيرة العربية, وإمامهم أحمد ابن حنبل, في كتاب: جدلية العقل في الفكر والعبودية, لأبي عبدالرحمن بن عقيل الظاهري: ص99-113.
============(61/177)
(61/178)
الحوار الإسلامي-العلماني هل هو ممكن؟
… … … … …2/1/1424
… … … … …05/03/2003
شهد القرن الماضي، في النصف الثاني منه بشكل خاص صدام بنيوي كبير بين الاتجاهات الفكرية والأيدلوجية في ساحة الفكر العربي والحراك السياسي الاجتماعي، وعلى الرغم من تعدد الاتجاهات الفكرية والأيدلوجية المتصارعة، إلاّ أنّنا يمكن أن نجملها جميعا في اتجاهين فكريين: العلمانية والإسلام، هذا الجدال الذي أفرز أزمة حقيقية في الهوية ألقت بظلالها على الحياة السياسية والاجتماعية، مما دعا الاجتماعي العربي د. حلمي بركات إلى تشبيه المجتمعات العربية -في كتابه المشهور المجتمع العربي- بمن فقد البوصلة.
اليوم، ونحن نعيش في السنوات الأولى من قرن جديد، يجدر بنا أن نتساءل عن هذا الموضوع البنيوي في حياتنا، فهل ما زال التصادم الإسلامي-العلماني بنفس درجة "الزخم" التي كان عليها في القرن العشرين؟، وهل إمكانية الحوار قائمة وفعّالة؟ وإذا كان ذلك فما هي أهداف هذا الحوار؟، وما هي شروطه؟ وأين تقف كل من الاعتبارات الفكرية والسياسية في إدارة هذا الحوار؟
وفي هذا الإطار، وفي هذه السطور نجري مواجهة بين الطرفين، ويمثل كل طرف مجموعة من المفكرين والمثقفين أجرى معهم موقع الإسلام اليوم هذا الحوار.
ثلاثة أمور تمنع الحوار مع الإسلاميين
يقول المفكر العلماني المعروف د. فؤاد زكريا : إنني من خلال دراستي ومعرفتي بالحركات السياسية الإسلامية منذ ظهورها أقطع بأن في تكوينها شيء ضد الحوار من حيث المبدأ لثلاثة أسباب رئيسة :
السبب الأول : أن هذه الحركات تؤمن أنها تمتلك حقيقة مطلقة، ومن يؤمن بذلك لا يصلح للدخول في حوار؛ لأنه يتصور نفسه أن لديه كل الحقائق وغيره لا يملكها ومن هنا تأتي تسميات مثل حزب الله والفرقة الناجية .. الخ.
وهي تسميات تدل على أنهم الجماعة المختارة التي لها وضع خاص والآخرون حثالة وكفرة، وهذا يقف حائلاً أساسياً ضد مبدأ الحوار.
والسبب الثاني : أن الحوار عملية عقلانية في الأساس، وقبل أن ندخل الحوار نتفق على أن نحكم العقل، أما الطرف الإسلامي فيلجأ إلى سلطة النص الشرعي ويحتكم إليها ولا يحتكم إلى العقل والمنطق، والاحتكام إلى النص وسط جماعات تؤمن بقدسية النص معناه أننا لن نتحاور؛ لأن أحد الأطراف يحتمي بالنص ويحرج بالطرف الآخر ويوقعه في مأزق.
والسبب الثالث : هو اللجوء إلى العنف سواء العنف المعنوي متمثلاً في تصفية الخلافات بقوة السلاح، وهنا أذكركم بما حدث في الجزائر حيث قتل مئات الضحايا من الصحفيين والمفكرين والفنانين؛ لأنهم كانوا ذوي فكر مختلف عن الجماعات الإسلامية هناك، أو كان العنف معنوياً عبر تكفير الناس، وخاصة المبدعين والمفكرين وإثارة المجتمع عليهم.
وهكذا فإن على تيار الإسلام السياسي أن يستأصل من داخله عناصر أساسية فيه لكي يصبح الحوار معه ممكناً، لقد قتلوا "فرج فوده" الذي دخل حواراً مع رموزهم وطلقوا امرأة نصر أبو زيد منه؛ لأنه كتب كتاباً لا يعجبهم، رغم أن تأثير الكتاب محدود فلن يقرأه أكثر من مائتي قارئ، لقد جعلوه يهرب وتحتضنه أوروبا وتليفزيونات العالم، وكل يوم تستضيفه قناة عالمية تكره الإسلام.
بل 13 شرطاً للدخول في حوار مع الإسلاميين
ويقول د. محمد رضا محرم الكاتب العلماني والأستاذ بكلية الهندسة جامعة الأزهر، إن هناك أموراً مبدئية يجب تقريرها في البداية، وهي أننا نبحث في التلاقي على أرض السياسة وليس على أرضية الدين، فالدين إذا كان مصدراً لأيدولوجية وتوجه فهو يخص مجموعة فقط، وعليه فإن المجموعات التي تستقي من بعض الصبغات لتوجيهاتها السياسية فعليها أن تسلم بعلاقة بين ثلاثة أبعاد هي الثقافة والأيدولوجية ثم الدين والفكر الديني.
والثقافة أوسع من الدين والفكر الديني، وما الدين والفكر الديني إلا مكون من مكونات الثقافة وهو ملزم لمن ينتسبون إليه وغير ملزم للآخرين ، كما أن الدين يختلف عن الفكر الديني ، فالدين هو المقدس الذي جاء من عند الله، وهو إذا كان من المتشابه واختلفت فيه الأفهام سقطت عنه قداسته، وبناء عليه يجب أن نقبل فكر الآخرين، ومن أجل الحوار مع الحركات الإسلامية فإنه للبدء معها فيه فإنه مطلوب منها أمرين :
الأول : هدم، والثاني : بناء.(61/179)
وبالنسبة للهدم فيجب على هذه الحركات أن تسقط ثنائية الإيمان والكفر وحزب الله وحزب الشيطان، ويجب عليها أيضاً أن تتخلى عن فكرة الدين الغالب في مقابلة أديان مقهورة، فدول أوروبا وأمريكا العلمانية تعتز بدينها ومستعدة أن تقاتل دفاعاً عنه ولو لم تكن ملتزمة به، كما يجب التخلي عن فكرة الفرقة الناجية داخل الدين الواحد، وأيضاً فإن فكرة المرجعية الواحدة تصادر الحرية والديمقراطية وهي فكرة صدرها الاتجاه الماركسي التائب إلى الحركات الإسلامية، ويجب عليهم أيضاً التخلي عن قضية المخادعة بالديمقراطية، وهنا نشير إلى أن المتحدث الرسمي لجبهة الإنقاذ في الجزائر قال يوم الانتخابات " فليهنأ الديمقراطيون بديمقراطيتهم فتلك كانت آخر الديمقراطيات". وعليهم أيضاً التخلي عن الغرق في الجزئيات وترك المشترك العام الذي هو سياسي وليس دينياً .
أما بالنسبة لعملية البناء التي يجب على الحركات الإسلامية القيام بها قبل الدخول معها في حوار، فإن عليهم أن يقبلوا بالآخر بمعايير الديمقراطية المعاصرة وحقوق الإنسان والتسليم بالتعددية والإقلاع عن مقولة المرجعية الواحدة والإيمان بتعدد المرجعيات، كما أن عليهم أن يؤمنوا بتداول السلطة، وأن تداولها أقدس من الوصول إليها.
كما يجب عليهم أن يؤمنوا بالاحتكام إلى السياسة وليس إلى الكتاب المقدس والاحتكام إلى القانون لا إلى الفقه وهذه مأساة؛ لأن د.نصر أبو زيد حوسب بالفقه ولم يحاسب بالقانون، وحاكمه فقيه ولم يحاكمه قاضٍ.
ثم على الحركات الإسلامية التخلي عن فكرة (الذين يلونكم) أي قتال البلاد المجاورة حتى تتم السيطرة على العالم كله، فهذا كلام يخص طرفاً معيناً أما أن نطلقها لتكون حرباً دائمة على جميع الناس داخل المجتمع وخارجه فهذه كارثة؛ لأن سلامنا من سلام العالم، ثم عليهم الإيمان بمبدأ "السيف في الغمد" وليس لجارنا المواطن أو للدول الأخرى، فالعنف لا محل له والإرهاب مدان والدعوة سياسة بالحكمة ،ثم أخيراً يكون بيننا البرنامج وليس المعتقد أو الأيدولوجية.
لا يمكن طرح الحوار بالمنهج الغربي
الأستاذ باسم الطويسي: أحد الكتاب والمثقفين اليساريين المعروفين في الأردن، ويرأس حاليا منتدى فكري "بيت الأنباط"، قال في معرض جوابه على الحوار الإسلامي-العلماني: " لقد أخذ العرب علماً بتخلفهم الحضاري، وازدادوا إدراكاً لمدى الفوات والتأخر منذ القرن التاسع عشر، وهو التاريخ الذي يعني بداية محاولة إنتاج الوعي للذات وبحركة التاريخ من حولهم أكثر من كونه بدايات تأسيس للنهضة، وفي هذه المرحلة وضعت الجذور الأولى للكثير من المعتركات الأيديولوجية التي تلف اليوم الحياة العامة في المجتمع العربي الإسلامي، ومن بينها الصراع بين الثنائيات المنقولة".
وأضاف: إن جوهر ثنائية الإسلام والعلمانية يكمن أساساً في الجدل الموضوعي لغياب التجربة والاعتماد على النموذج المنقول ووعي الآخر في مرحلة إعادة اكتشاف الموقع من التاريخ وحركة الحضارة الإنسانية، وهنا تكمن الجينات الأولى لهذه الثنائيات.
وأشار إلى أن الغرب شهد صراعاً مريراً وطويلاً ضد العنف المادي والمعنوي للدين الذي شكل سياجاً ضخماً ومتوحشاً ضد إنتاج الحياة والحضارة، وضمن سلسلة عملية تاريخية طويلة من المعاناة والآلام، استطاع الغرب إنتاج قطيعة مع الماضي أسس على منطقها النهضة والتغير، أي الانتقال التاريخي من الارتباط بالميثاق الإلهي المستند إلى الخلاص الأبدي إلى مرحلة الذات الموضوعية المستقلة والحرة، ولقد صاحب ذلك تأسيس قانوني وتشريعي هائل ضمن عملية تاريخية طويلة أفرزت الفصل بين الكنيسة والدولة، وقانون مبدأ علمانية الدولة، وظهور المنظومات الكبرى لما سمي فيما بعد بـ "حقوق الإنسان وحرية الكائن".
إنّ ما حدث في أوروبا هو استعادة الذات الحاضرة من الغائب المنفي دوماً إلى الخلاص والخطيئة، وإنزال تاريخ الإنسان من السماء إلى الأرض.
وبين أنه في الوقت الذي بدأ فيه الغرب تدشين مشروعه على الأرض وإنزاله من السماء، كانت تأتي أولى الإشارات من جنوب وشرق المتوسط تحمل البذور الأولى على محاولات التعرف على الذات العربية الإسلامية وموقعها من التاريخ، إنها المعرفة المأزومة المرهونة باستقطابين هائلين، الأول يشد باتجاه الذات ونموذجها الغائب الموجود في الماضي، ولا يمكن تبريره وتسويته إلا بقوة التعبئة الرئيسية الهائلة التي يمتلكها الإسلام، والاستقطاب الثاني يشد باتجاه عنفوان النموذج الغربي ومنطلقاته العلمانية، ومن هنا كان الانتقاص الحضاري الأكبر الذي ارتكب بحق الفعالية الحضارية العربية الإسلامية.
وأضاف: إن السجال التاريخي الذي دام طوال القرن العشرين بين الثنائيات الفكرية والإيديولوجية (الحداثة والتقليدية، العلمانية والدين الإٍسلامي….)، هو في حقيقة الأمر سجال ومماحكات أيديولوجية أكثر من كونها حراكاً معرفياً ينتج التاريخ، ولذلك أسباب عديدة أهمها: أن طرفي السجال قد غيّبا تجربة الذات في استعادة الوعي، واستندوا على نموذج الآخر إن كان في الدفاع عنه أو في الهجوم عليه.(61/180)
إنّ الشروط التاريخية للخروج من حالة السجال الزائف إلى فضاء إنتاج التاريخ الحقيقي تبدو أهم ملامحه في استعادة الوعي المجتمعي، وبناء النموذج الذاتي للوعي حول التاريخ والحضارة والإنسان، لقد تجاوز العرب الجسر الأول نحو الوعي بتخلفهم، وبقي أمامهم الجسر الثاني لإنتاج معرفة أسباب بناء النهضة وإنتاج تاريخهم.
إن مسألة العلمانية والإسلام وفصل الدين عن الدولة، لا يمكن طرحها بالأسلوب والطريقة والمنهج والأدوات كما في الحالة الأوروبية، إلا أنّ الحالة العربية الإسلامية مرهونة في هذا الشأن ببناء الوعي المجتمعي أولاً والمصاحب ثانياً للإصلاح القانوني والسياسي عبر المدخل الديموقراطي.
وأكد أن المدخل الديموقراطي وحده لا يكفي دون الوعي الاجتماعي الحقيقي الذي يدافع عن الخيار الديموقراطي ويحميه، فلا توجد إرادة حقيقية على سبيل المثال لدى الغرب لإصلاح ديموقراطي في العالم العربي والإسلامي؛ لأنهم يعون تماماً أن الصناديق سوف تأتي بالإسلاميين الذين سوف يحرقون القوارب التي أوصلتهم إلى الشاطئ كما يعتقدون، مشيراً إلى أن الوعي المجتمعي هو المطلب الأساس لفك الأحجيات التاريخية، وبناء علاقة متوازنة مع الذات والآخر والتاريخ.
الحوار ضرورة
الأستاذ موفق محادين الكاتب والمفكر اليساري الأردني، ورئيس المنتدى الاشتراكي من جهته أكد أن الحوار الإسلامي العلماني ممكناً ومطلوبا، لا سيما بسبب ضرورته السياسية وليس الأيديولوجية.
وأضاف: أنه من الصعب أيديولوجياً أن ينجح هذا الحوار في المستوى الاستراتيجي الذي يطال السلطة والمعرفة والماهايات وتجلياتها. أما على الصعيد السياسي: فهو يندرج تحت قواسم مشتركة تمتد من الاعتراف المتبادل على مساحة واسعة من المعطيات اليومية والوقائع السياسية المحددة والمصالح الاجتماعية فأطراف الحوار أطرف اجتماعية طبقية من الزاوية الموضوعية.
وأضاف: أنه بلغة فلسفة الحق فإن الأطراف الأيديولوجية المتناحرة في المستوى النظري، تجد نفسها في دوائر انفراج سياسي ومصالحات اجتماعية مختلفة ما إن تتحول الأفكار إلى "تعيينات" نسبية مفتوحة من سطوة المعنى ورقيب السرائر.
ومن المعروف أن هذه التعينات بوصفها تاريخاً، تستغرق من الوقت والمناورات ما يفوق لحظات الصراع الحاد والتحول من السياسة والميدان العملي إلى موجز مقتضب جديد للأيديولوجيات غير المتصالحة.
وأشار إلى أنّ الإسلام والعلمانية مشروعان مختلفان كل الاختلاف، فالتسوية ممكنة وضرورية بينهما في المستوى السياسي، لكنها غير ممكنة ولا ضرورية على المستوى النظري.
على العلمانيين أن يكونوا أكثر وضوحاً
كان ما سبق هو رأي رموز العلمانية في الحوار مع الإسلاميين، والآن يأتي الدور على الرموز الإسلامية لاستطلاع رأيها، فيقول د. محمد عمارة المفكر الإسلامي المعروف إننا نرحب بالحوار مع العلمانيين فوراً وبلا شروط مثل التي يضعها بعضهم، لكن علينا أولاً أن نفند كلامهم، فبالنسبة لامتلاك الحقيقة المطلقة التي يتهمون بها الإسلاميين فإن هناك فارقاً بين أن أؤمن بأن ما لدي من الدين هو الحقيقة المطلقة، وبين أن أؤمن بأن ما أدرك وأعقل من هذه الحقيقة الدينية المطلقة هو أمر نسبي، إن الدين في حد ذاته مطلق ومن لا يؤمن بذلك فهو جاهل لا يعرف معنى كلمة دين.
لكن العقل البشري كملكة إنسانية نسبي الإدراك ،ولذلك فما يقوله المسلم سواء في الفكر الديني أو السياسي إنما هو اجتهادات بشرية غير ملزمة للآخر ، وإذا كان العلمانيون يتهمون الإسلاميين بذلك فإنهم يتهمون أنفسهم أيضاً؛ لأنهم مقتنعون تماماً بما في رؤوسهم من أفكار ترفض الدين ويعتقدون أنها هي الحقيقة المطلقة .
أما بخصوص قضية الاحتكام إلى النص، فإن كل تيارات الفكر دينية كانت أو لادينية تحتكم إلى نصوص، والمعيار في التمييز بينها هو مدى الجمود والتقليد أو الاجتهاد والتجديد إزاء النصوص، فهناك إسلاميون من أهل الجمود وهناك يساريون من أهل الجمود، وهناك مجتهدون ومتطرفون من كل التيارات.
إن النص عندنا يعني القرآن وتصديقه إيمان وإنكاره كفر، قد نتفق مع العلمانيين لو كانت المسألة تتعلق بترجيح تفسير على آخر، والاجتهاد في إطار النصوص المعتمدة ، فهنا تأخذ القضية بعداً مقبولاً، أما إذا كان المقصود تنحية القرآن تماماً فهذا كفر صريح بل أقبح درجات الكفر على الإطلاق، إن الإسلام له حدود لابد أن يلتزم بها الإنسان ليكون مسلماً وإلا خرج من دائرة الإسلام، فالخمر حرام ومن قال بعكس ذلك فليس بمسلم، وأداء الصلاة فرض ومن قال بغير ذلك ليس بمسلم -الخ.
وكل من أنكر معلوماً من الدين بالضرورة فهو كافر، ولابد أن يكون هناك كفر وإيمان بل ونفاق أيضاً.
إن العلمانيين يريدون منا إسقاط ثنائية الإيمان والكفر وحزب الله وحزب الشيطان؛ لكي يكون الدين شيئاً هلامياً لا معنى له، فليفعلوا هم ما يريدون، لكننا نؤمن بثوابت ديننا ونحكم على المؤمن بالإيمان وعلى الكافر بكفره الظاهر سواء أسعد ذلك العلمانيين أو أغضبهم.(61/181)
إن مشكلة هؤلاء العلمانيين أنهم يعتقدون أن النص ضد العقل، وهذه مشكلتهم وليست مشكلتنا نحن، فمن عظمة الإسلام أن صريح المعقول فيه يوافق صحيح المنقول من أدلة الشرع.
إن أتباع أي دين يؤمنون بصحة معتقداتهم ،والذي يعتنق فكرة أو مذهباً أو ديناً ولا يؤمن بصحته فهو منافق، وإذا سألنا أتباع أية ديانة أخرى فسوف نجد أنهم يؤمنون بصحة ما يعتقدون ويبطلون ما يعتقد الآخرون ، ولكن الإسلام يختلف عن الآخرين ، فالعقائد الأساسية في الإسلام بسيطة وتلتقي فيها أدلة العقل مع النصوص وهي ثلاثة : عبادة الإله الواحد، ثم الإيمان بجميع الرسل والأنبياء، ثم الإيمان بالجزاء والدار الآخرة ،ونحن في هذه الأمور نمتلك الحقيقة المطلقة ومن يشك في واحدة من هذه الأمور فهو كافر.
أما فيما يتعلق بالأحكام الفرعية التي ليست قطعية الثبوت ولا قطعية الدلالة وهي موضوع اجتهاد المجتهدين ، فالمسلمون لا يدعون فيها امتلاك الحقيقة المطلقة، وفيما عدا الأصول والمبادئ الكلية للشريعة ،فالأمور اجتهادية وقابلة للاختلاف .
أما بخصوص سلطة الاحتكام إلى النص فنحن مأمورون شرعاً بذلك قال تعالى [وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن تكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالاً مبينا].
وعلى العلمانيين أن يكونوا أكثر وضوحاً وأكثر شجاعة وجرأة، ويقولون لنا هل هم مسلمون فعلاً ويؤمنون بالقرآن وبهذه النصوص التي لا تعجبهم أم لا؟ لأن هنا سوف يأخذ الكلام معهم وضعاً آخر، إن النص نفسه يأمرنا بتحكيم العقل واستشارته في غير الأصول والمبادئ الكلية القطعية، والمذاهب الإسلامية تعتمد على النظر العقلي إلى جانب الدليل الشرعي.
الأستاذ "منير شفيق" المفكر الإسلامي البارز، صاحب العديد من المؤلفات والكتب في الرد على العلمانيين وتفنيد الفكر الماركسي، أجاب حول الموضوع نفسه بقوله: "إن شروط أي حوار إسلامي علماني تتوقف على الطرف العلماني المحاور، وما هو منظوره لعلاقة الدولة والدين، والأهم ما هو موقفه من الإسلام والإسلاميين، فمثلاً إن كان من المدرسة العلمانية المتطرفة التي تعادي الدين وتعمل على إقصاء الإسلاميين، فلا حوار ممكن مع هذه الفئة".
أما إذا كان من العلمانيين الذين يقبلون في بلادنا أن يكون الإسلام دين دولة، وأن تقر القوانين وفقاً لاختيار الشعب لممثليه؛ بمعنى: القبول بفض الخلاف عبر صناديق الاقتراع أو بالحوار لتحقيق إجماع وطني، فإن شروط النجاح تصبح فاعلة وممكنة، لا سيما إذا كان الطرف الإسلامي يعترف بالتعددية، ويقبل الاحتكام عبر المجالس التشريعية من خلال صناديق الانتخاب أو بالحوار لتحقيق الإجماع الوطني، ويكون لديه الاستعداد، وهو شرط للعلماني، وأن يحترم ما يصدر من قوانين دون أن يعني الموافقة عليها أو الاقتناع بها، أي إبقاء حق معارضتها وتغييرها من خلال الأغلبية في مجلس الشورى والبرلمان أو الحوار الوطني والتوصل إلى عقد جديد.
إن الحوار الأهم والذي هو الأقرب للنجاح إنما هو الذي يتناول الاتفاق على القضايا والتحديات التي تواجه الأمة وتتعلق باستقلالها وتضامنها ومواجهتها للعدوان الخارجي والمشروع الصهيوني، وهنا يمكن تشكيل الجبهات بلا حاجز لحل الخلافات المتعلقة بالعقيدة والمرجعية دون تنازل مبدئي، أي حصر الاتفاق بقضايا السياسة والاقتصاد والمصالح العملية للبلاد والأمة، وهي مرحلة ضرورية ويمكن أن تسهل فيما بعد الحوار في القضايا الخلافية .
الحوار مطلوب بل ومأمور
أما د. عبد اللطيف عربيات أمين عام حزب جبهة العمل الإسلامي الأردني سابقا، ورئيس مجلس الشورى في جماعة الإخوان المسلمين حاليا، قال : "إن الحوار الإسلامي العلماني مطلوب ومأمور به مع أيٍ كان مع المؤمن وغير المؤمن، فالإسلام غني بأمثلة بالغة الدلالة على هذا الحوار، حيث حاور الله تعالى الشيطان.
كما أمر رسوله الكريم بالحوار في قوله تعالى:((ادعُ إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن)). وهذا نوع من التبليغ.
وأضاف أنه لابد من حوار ونقاش العلمانيين أصحاب الفكر الغربي بأساليب متطورة حديثة تناسب مختلف الطبقات والتوجهات (خاطبوا الناس على قدر عقولهم).
وأشار إلى أن العلمانية تقوم على فصل الدين عن الدولة والتفكير العلمي المجرد، ونحن كإسلاميين لا نمانع الحوار، بل على العكس فإنه يعطينا فرصة لبيان عظمة الإسلام وقدرته على إقامة الحجة والبرهان، فنحن نؤمن بالله الواحد؛ وهذا يجعلنا نقف على أرض صلبة، مشيراً إلى أن الحقيقة العلمية قابلة للتعديل والتبديل فهي في تطور مستمر والعقل يتجدد ويتطور باستمرار.
وبيّن عربيات: أن هناك حقيقة إيمانية وحقيقة علمية، والسؤال الذي يطرح نفسه أيهما يؤول لصالح الآخر؟.
لقد قال تعالى ((ولا تقفُ ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا)). إن المتأمل في هذه الآية الكريمة يجد فيها أحدث أساليب البحث العلمي، "فالسمع" هو علم ما قبلنا، و"البصر" هو المنهج الوصفي، "والعقل" هو المنهج التحليلي.(61/182)
إن هناك علوم نقل وعلوم عقل، علوم النقل فهي "علوم الشريعة والإسلام"، وعلوم العقل "هي العلوم الغربية الحديثة"، فمثلاً كان هناك جدل حول مسألة إقامة السلام مع إسرائيل، فالمؤيدون رأوا أنه لا فائدة من الحروب، فالسلام هو الحل، فهذه الفئة استخدمت عقلها فقط، لكن الإسلام يؤكد على أن السلام مع اليهود لن نحصد منه شيئاً، ويظهر ذلك في قوله تعالى ((أم لهم نصيبٌ من الملك فإذاً لا يؤتون الناس نقيرا))، فكان هناك صراع بين العقل والنقل، وأثبتت التجربة أن علم النقل كان الأفضل والأصدق.
هناك حقيقة عقلية وحقيقة نقلية، فالإسلام يوضح هذه الحقائق، ويجادل بالتي هي أحسن لتصل إلى حقائق أزلية، الإسلام لا يخشى حواراً بل يدعو إليه، سواءً مع المؤمن أو الصديق أو العدو ويمارسه، ولكن حسب المنهج والأساليب العلمية الموضوعية.
شروط الحوار وأهدافه
المفكر والباحث في الفكر السياسي الإسلامي، ورئيس قسم الفقه في جامعة الزرقاء الأهلية في الأردن د. رحيل غرايبة رأى في حديثه للإسلام اليوم أن الحوار ممكن من جهة الإسلاميين، فالفكر الإسلامي عموما يعتمد أسلوب الحوار العلمي مع كل المخالفين، بعلمية وموضوعية، وليس هناك ما يجعل هذا الحوار مستحيلا.
ومن الناحية الشرعية فإن القرآن أمرنا بالحوار والجدال بالتي هي أحسن، وقد أورد لنا القرآن حوار الله عز وجل مع إبليس، وحوار سيدنا إبراهيم مع النمرود، وقد حفل القرآن بنقاش عقلي منطقي يعتمد الأدلة مع الذين ينكرون اليوم الآخر، أو أولئك الذين يشركون مع الله معبودا آخر.
أما بخصوص شروط الحوار وقواعده، فيرى الدكتور غرايبة أنه لابد من اعتماد أرضية للحوار وأهداف وقواعد وأسس يتفق عليها الطرفان، وبعد ذلك تحديد القضايا والموضوعات التي سيناقشها الحوار، ويحدد الدكتور غرايبة في هذا السياق عدة قواعد أساسية لا بد أن تحكم الحوار، وهي:
الاعتراف والإقرار بوجود الاختلاف، وأن الاختلاف سمة المخلوقات جميعها، ومنها الإنسان، وهذا الاختلاف والتنوع ينظر إليه على أنه مسألة إيجابية وليست سلبية، إن تم التعامل معه بطريقة صحيحة.
الحرية الفكرية التامة والحرية العقدية هي أساس وقاعدة يجب أن يتم الانطلاق منها، بحيث يستطيع كل صاحب رأي وفكر أو معتقد أن يدافع عن فكره وعقيدته بحرية دون اضطهاد أو إرهاب فكري.
الحوار الموضوعي العلمي، الذي يعتمد على المسلمات العقلية والبدهيات المنطقية التي يجمع عليها المنطق والعقل السليم.
احترام الرأي الآخر وعدم التهكم والسخرية أو الهمز واللمز، وعدم التسفيه، مع الجرأة في الطرح وبيان التناقض في الموقف الآخر، بعيداً عن لغة المجاملة الفكرية أو الشخصية.
أما بالنسبة لأهداف الحوار فيجد الدكتور غرايبة أن أبرز أهداف الحوار هو تجلية الحق والوصول إليه، والبحث عن الصواب والالتزام به.
كما أن من أهداف الحوار البحث عن إطار للتعاون الفكري والثقافي، يعتمد قيم الخير والبر، وتحقيق مصلحة الأمة، ويقول د. غرايبة " فنحن جميعا نريد أمة قوية موحدة، لها فكرها المتميز وحضارتها الفريدة، وتسهم في إسعاد أبنائها وتنقل رسالتها للبشرية كلها، لها هويتها الثقافية التي تنتمي إليها، فكيف نحقق ذلك؟ وكيف نصل إلى هذه الأهداف المشتركة؟ وما هي مهمة العلماء والمثقفين والمفكرين وأصحاب الرأي جميعا في صياغة هذا الإطار الجمعي، الذي يستوعب الآراء المختلفة والجهود المتعددة، وأفكار العقلاء المبدعة؟..هذه الأسئلة التي تزداد إلحاحا علينا وتحتاج إلى إجابات.
ويمكن اختصار أهداف الحوار على الشكل التالي:
على الصعيد الداخلي: إيجاد أمة قوية موحدة، غير مخترقة فيها تعددية مقدرة، كلهم يشتركون في صناعة حضارة، ويسهمون في بناء القوة في الجوانب المختلفة: علمياً وفكرياً واقتصادياً ..
على الصعيد السياسي : إيجاد حرية سياسية منضبطة بالمسؤولية الأخلاقية، وتؤدي إلى أن تكون سلطة الأمة هي العليا، واحترام رأي الأغلبية، وعدم مصادرة رأي الأقلية، وفتح المجال أمام جميع القوى السياسية والحزبية في الإسهام في الرأي والحوار.
على الصعيد الخارجي: تميز في العطاء الحضاري، وصناعة قوة موازية بلا تبعية ولا عدوان على أحد تحمل رسالة مميزة، وتساهم في وجود سلام عالمي عادل مبني على الحق واحترام كرامة وخيارات الشعوب.
العلمانيون أنفسهم يؤمنون بامتلاك الحقيقة المطلقة(61/183)
أما المفكر الإسلامي د. محمد يحيى فيقول : إن العلمانيين أنفسهم يقولون بامتلاك الحقيقة المطلقة، فأي علماني سواء كان ماركسياً أو ليبرالياً أو قومياً سوف نجده يقول مذهبي هو الحق المطلق وما عداه باطل ورجعي ومخالف لحقوق الإنسان ، والدليل على ذلك أن هذه المذاهب حينما حكمت في بلاد عربية وغير عربية تصرفت وكأنها تحتكر الحقيقة المطلقة، ومن يقول بغير ما تقول تنهيه من الوجود، وقد رأينا هذا في الاتحاد السوفييتي السابق، وفي البلاد التي عانت من الشيوعية، كذلك رأينا هذا الأمر تمارسه الأحزاب العربية القومية التي وصلت إلى الحكم، حيث اضطهدت الآخر الفكري وقهرته، وما ذلك إلا أنها تدعي امتلاك الحقيقة المطلقة، وبالتالي فلابد أن يؤمن بها كل الناس وإلا واجهوا مصيرهم المحتوم .
إننا إذا كنا نتحدث عن القيم العليا الحاكمة للوجود فإن هذه الأمور بطبيعتها لا تحتمل إلا الحقيقة المطلقة، والجميع يزعمون أنهم يمتلكون الحقيقة المطلقة فلماذا اتهام الإسلاميين دون غيرهم بذلك؟.
أما إذا كنا نتحدث عن أمور الحياة المختلفة وتدبير المعايش وتنظيم قوانين تحكم حياة الناس مثل قانون المرور والمباني -الخ؛ فالإسلاميون لم يقولوا بامتلاك الحقيقة المطلقة في ذلك .إن اليهود والنصارى يقولون بامتلاك الحقيقة المطلقة في شأن قيم الوجود العليا وكذلك الشيوعيون فلماذا اتهام الإسلاميين فقط بذلك؟.
وعن إسقاط المرجعية الواحدة والإيمان بتعدد المرجعيات يقول د. محمد يحيى :إن المرجعية معناها مجموعة من المبادئ المتسقة فيما بينها يمكن العودة إليها واستمداد المبادئ والقيم منها.
والعلمانيون يطالبوننا بتعدد المرجعيات في الوقت الذي لا يوجد عندهم تعدد مرجعيات، فالعلماني الليبرالي لديه مرجعية واحدة هي الإيمان بالحياة النيابية التي ينتج عنها سلطة تشريع وحكم ثم مراعاة مجموعة من حقوق الإنسان، ولو كانوا صادقين في تعدد المرجعيات لآمنوا بمرجعيتنا الإسلامية كإحدى هذه المرجعيات وهي تفرض عليهم بدورها أموراً معينة، لكنهم يأتون إلى المرجعية الإسلامية ويرفضونها .
كذلك فإن الماركسي مرجعيته الأساسية هي الفكر المادي وعدم وجود إله وهدم الإيمان بالغيبيات، وإنما الإيمان بالقيم المادية التي تحكم الكون، ودعاة القومية العربية مرجعيتهم الأساسية تحقيق مصالح الشعب العربي أياً كانت وهي عادة مصالح مادية ،وهكذا فإن العلمانية على تعدد فصائلها لا تؤمن بتعدد المرجعيات .
وعن مطلب العلمانيين بتخلي الإسلاميين عن مقولة الدين الغالب والفرقة الناجية
يقول د. محمد يحيى : إنه إذا كان المقصود أن هذا الدين الغالب يتم التبشير به من خلال الدعوة إليه فهذا شيء لا ننكره، بل هو من صلب الإسلام الذي هو رسالة عالمية ، كما أن الأديان والمذاهب العالمية تقوم بالتبشير والدعوة لمبادئها، أما إذا كان المقصود بالدين الغالب أنه الدين الذي يقمع الآخرين ويتخذهم عبيداً ،فالإسلام آخر دين يمكن اتهامه بذلك؛ لأنه أعظم من حمى حقوق الآخرين وحافظ عليها ، والأقليات الدينية في البلاد الإسلامية أحسن الأقليات حظاً في العالم.
أما مفهوم الفرقة الناجية فهو مفهوم عام يقصد الالتزام بقواعد الدين وكلياته والبعد عن الابتداع والتحريف ، وليست هناك جماعة إسلامية تقول إنها الفرقة الناجية بصرف النظر عن الغلاة المرفوضين من داخل الصف الإسلامي نفسه، ومقولة الفرقة الناجية موجودة في كل الأديان ، ففي المسيحية كانت هناك ثلاث فرق، بل يمكن القول إنها ليست فرقاً بل أدياناً مختلفة تماماً، وكذلك في اليهودية هناك دينان رئيسيان، وما أكثر تعدد مذاهب الماركسية، أما الإسلام فإن الاختلاف في إطاره بقي محكوم بمبادئ عامة وكليات لم يتجاوزها
================(61/184)
(61/185)
الحوار بين الحضارات
د. خالد بن عبد الله القاسم … … … … …25/7/1427
… … … … …19/08/2006
أولاً: الإسلام دين الحوار:
ثانيًا: أهم أهداف الحوار في الإسلام:
ثالثاً: آداب الحوار:
وقبل الدخول في حوار الحضارات نمهد بتعريف الحوار والحضارات.
أما الحوار في اللغة من الحور وهو الرجوع ويتحاورون أي يتراجعون الكلام(1).
وقد ورد في ثلاثة مواضع في القرآن الكريم كلها تظهر الاختلاف بين المتحاورين ومحاولة إقناع بعضهم بعضاً، الأول ورد في قصة أصحاب الجنة "فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالاً وَأَعَزُّ نَفَراً" [الكهف:34]، والثاني فيها أيضاً "قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً" [الكهف:37]. والثالث في أول سورة المجادلة "قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا" [المجادلة:1]. ونفهم من هذه المواضع الثلاثة أن الحوار مراجعة الكلام وتداوله بين طرفين مختلفين.
ويتفق الحوار مع الجدل والمناظرة والمحاجة في كونه مراجعة الكلام وتداوله بين عدة أطراف إلا أن الجدل يأخذ طابع القوة والغلبة والخصومة وهو مأخوذ من معناه اللغوي حيث يسمى شدة القتل جدل، والجدال من الإبل الذي قوي ومشى مع أمه(2).
ولفظة الجدل مذمومة في غالب آيات القرآن الكريم، حيث وردت في تسعة وعشرين موضعاً(3)، مثل قوله سبحانه: "مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلاً" [الزخرف:58]، ولم يمدح الجدل إلا إذا قيد بالحسنى وجاء ذلك في موضعين، في قوله سبحانه: "وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ" [العنكبوت:46]، وقوله سبحانه وتعالى: وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [النحل:125].
وأما الحضارة فهي في اللغة من الحضر وهي الإقامة في المدن والقرى وهي ضد البداوة، قال القطامي:
فمن تكن الحضارة أعجبته فأي رجال بادية ترانا(4)
وفي العصر الحديث أطلق البعض هذا المصطلح على كل نتاج مادي لأمة من الأمم من عمران ومخترعات وابتكارات وتنظيمات. وتوسع النطاق ليشمل بالإضافة على النتائج المادية القيم الدينية والثقافية(5).
وعليه فكل أمة تشترك في هذه المعاني لها حضارة تخصها، فهناك الحضارة الإسلامية، والحضارة الأوروبية الغربية المسيحية، والحضارة الأوروبية الشرقية المسيحية، والحضارة الهندية، وحضارة الشرق الأقصى(6) وغير ذلك.
أولاً: الإسلام دين الحوار:
الحوار منهج قرآني, فقد كلم الله ملائكته واستمع منهم "وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ" [البقرة:30] وكذلك رسله "وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ" [المائدة:116]، وحتى مع الكافرين "قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى" [طه:125-126]. وحتى مع إبليس "قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ" [الأعراف:12]. والقرآن مليء بمحاورات الرسل مع أقوامهم "قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ" [إبراهيم:10] .
وتأمل حوار إبراهيم عليه السلام مع مدعي الربوبية "أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ" [البقرة: 258].
وحوار موسى مع فرعون مدعي الألوهية والربوبية في سور عديدة في القرآن وكذلك بقية الرسل عليهم صلوات الله وسلامه حيث يحاورون أقوامهم بالحكمة لدعوتهم إلى الله وبيان الحق لهم والرد على شبهاتهم.
وهذا القرآن يحكي حوار النبي صلى الله عليه وسلم- مع امرأة "قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ" [المجادلة: 1].
وحضارتنا الإسلامية على مدى التاريخ هي حضارة الحوار فقد حاور علماء المسلمين كافة أهل الملل والنحل بالمنهج القرآني والدعوة إلى الخير(7).
ثانيًا: أهم أهداف الحوار في الإسلام:(61/186)
1 - الدعوة إلى الإسلام, وعبادة الله وحده لا شريك له وهذا أسمى هدف "وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ" [فصلت: 33] ومعرفة الله هي أعظم حقيقة وعبادته هي الحكمة من خلق البشر "وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ" [الذاريات: 56], ويترتب عليها سعادة البشرية في الدنيا والآخرة " فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى" [طه: 123, 124].
ويدخل في ذلك إبراز محاسن الإسلام والرد على شبهات أعدائه وإيضاح الحقيقة العظيمة في الحكمة من خلق البشر وما يُراد منهم وما يراد بهم وما مصيرهم.
فالحوار مطلب إسلامي لكي نقوم بواجبنا تجاه الأمم الأخرى ليس لافادة أنفسنا فحسب بل لفائدة الأمم الأخرى أيضًا لنوصل إليها الخير الذي أمرنا به.
فالأمة الإسلامية هي صاحبة الرسالة الأخيرة, وعليها واجب البلاغ، قال تعالى: "كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ" [آل عمران: 110].
2- تحقيق وظيفة الإنسان في الأرض وهي الخلافة وعمارة الأرض "وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً" [البقرة: 30] (8).
3- تبادل العلوم النافعة، وحل الإشكالات القائمة والتعاون على الخير "وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ" [المائدة: 2].
وليس من أهداف الحوار موالاة الكفار ومودتهم من دون المؤمنين، فقد جاءت النصوص القطعية في النهي عن ذلك، قال الله تبارك وتعالى: "لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ" [آل عمران: 28].
كما أن الحوار لا يهدف إلى التنازل عن شيء من ثوابتنا العقدية أو الشرعية، أو المشاركة في الدعوات المغرضة لوحدة الأديان التي تساوي الإسلام بغيره وخلط الحق بالباطل، أو مشاركة الكفار في باطلهم، وقد نهى الله نبيه عن ذلك فقال سبحانه: " قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ وَلا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ [الكافرون: 1-6]، وقال أيضاً: "وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ" [القلم: 9] وقال سبحانه: "وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً" [الإسراء: 74] كما يجب التفريق بين الكفار المحاربين الذي يجب معهم الجهاد في سبيل الله "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ" [الممتحنة: 1]، وقال سبحانه: "يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ" [التوبة: 73]، والمسالمين الذين قال الله فيهم: "لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ" [الممتحنة: 8].
ثالثاً: آداب الحوار:
من أهم آداب الحوار:
1- حسن القصد من الحوار: وذلك بالإخلاص لله والرغبة في طلب الحق، قال تعالى: "وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ " [البينة: 5].
2- العلم: فلا حوار بلا علم، والمحاور الجاهل يفسد أكثر مما يصلح، وقد ذم الله سبحانه وتعالى المجادل بغير علم "وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدىً وَلا كِتَابٍ مُنِيرٍ" [الحج: 8]، وذم أهل الكتاب لمحاجتهم بغير علم كما في قوله تعالى: "هَا أَنْتُمْ هَؤُلاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [آل عمران: 65-66].
العلم عام في كافة مواضع الحوار، فيشمل العلم بالإسلام وعقيدته وحضارته والعلم بالمحاورين وخلفياتهم وكافة ما يحتاج إليه في الحوار.(61/187)
فالمحاور المسلم داع إلى الله يجب أن تكون دعوته بعلم وبصيرة كما قال سبحانه "قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي" [يوسف: 108].
فالعلم بالإسلام وحضارته وشبهات المخالفين في غاية الأهمية في حوار غير المسلمين لإقناعهم ورد شبهاتهم فضلاً عن عدم الانخداع والتأثر بها.
3- التزام القول الحسن، وتجنب منهج التحدي والإفحام، حيث أن أهم ما يتوجه إليه المحاور التزام الحسنى في القول والمجادلة، ففي محكم التنزيل: "وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ" [سورة الإسراء: 53] "وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ" [سورة النحل: 125] (9).
وعلينا أن ننأى بأنفسنا عن أسلوب الطعن والتجريح والهزء والسخرية، وألوان الاحتقار والإثارة والاستفزاز.
4- التواضع واللين والرفق من المحاور وحسن الاستماع وعدم المقاطعة والعناية بما يقوله المحاور، فهو أدعى للوصول إلى الحقيقة واستمرار الحوار، وهذا ما علمناه القرآن، فقد أمر الله نبيه موسى وأخاه هارون عليهما السلام عند مخاطبة فرعون الذي طغى وتجبر وادعى الألوهية والربوبية، فقال سبحانه : "فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى" [طه: 44].
5- الحلم والصبر، فالمحاور يجب أن يكون حليماً صبوراً، فلا يغضب لأتفه سبب، فإن ذلك يؤدي إلى النفرة منه والابتعاد عنه، والغضب لا يوصل إلى إقناع الخصم وهدايته، وإنما يكون ذلك بالحلم والصبر، والحلم من صفات المؤمنين قال تعالى: "وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ" [أل عمران: 134]. وعندما قال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم- أوصني، قال: (لا تغضب) (10) وكررها مراراً.
ومن أعلى مراتب الصبر والحلم مقابلة الإساءة بالإحسان، فإن ذلك له أثره العظيم على المحاور، وكثير من الذين اهتدوا لم يهتدوا لعلم المحاور واستخدامه أساليب الجدل، وإنما لأدبه وحسن خلقه واحتماله للأذى ومقابلته بالإحسان، وقد نبه الله عز وجل الداعين إليه إلى ذلك الخلق الرفيع وأثره وفضل أصحابه، فقال تعالى: "وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ" [فصلت: 33-35].
6- العدل والإنصاف؛ يجب على المحاور أن يكون منصفاً فلا يرد حقاً، بل عليه أن يبدي إعجابه بالأفكار الصحيحة والأدلة الجيدة والمعلومات الجديدة التي يوردها محاوره وهذا الإنصاف له أثره العظيم لقبول الحق، كما تضفي على المحاور روح الموضوعية.
والتعصب وعدم قبول الحق من الصفات الذميمة في كتاب الله فإن الله أمرنا بالإنصاف حتى مع الأعداء فقال: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى" [المائدة: 8]، ومن تدبر القرآن الكريم وذكره لأهل الكتاب وصفاتهم الذميمة يجد أن المولى عز وجل لم يبخسهم حقهم، بل أنصفهم غاية الإنصاف، ومن ذلك قوله تعالى: "وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِماً" [آل عمران: 75]، وقوله تعالى: "لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ" [آل عمران:113]. يقول ابن القيم:
وتعر من ثوبين من يلبسهما *** يلقى الردى بمذمة وهوان
ثوب من الجهل المركب فوقه *** ثوب التعصب بئست الثوبان
وتحل بالإنصاف أفخر حلة *** زينت بها الأعطاف والكتفان(11)
ويأمر الله بمحاورة أهل الكتاب بلغة الإنصاف والعدل: "قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً" [آل عمران: 64].
والإسلام ينطلق في الحوار من التكافؤ بين البشر لا تفاضل لعرق كما حكى الله عن اليهود قولهم: "نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ" [سورة المائدة: 18] أو لون كما يدعى العنصريون البيض في أوروبا، أو طبقية كما هي عند الهندوس، وإنما بصلاحهم، ولنتأمل آية قرآنية مفتتحة بالمبدأ ومقررة وجود الاختلاف ومبينة أهمية التعارف وخاتمة بميزان التفضيل "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ" [الحجرات: 13].(61/188)
وهذا الاختلاف من آياته سبحانه "وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِلْعَالِمِينَ" [الروم: 22].
فالإسلام يقرر أن الاختلاف حقيقة إنسانية طبيعية ويتعامل معها على هذا الأساس "لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ" [المائدة: 48].
فوجود الاختلاف أمر واقع وله حكم إلاهية ويجب التعايش وفق ما أمر الله من الدعوة والنصيحة(12).
وأخيراً هذه نظرتنا للحوار والاختلاف، ولكن عندما ننظر إلى الواقع ودعوات الحوار الصادرة من الغرب لنا أن نتساءل: كيف يؤتي الحوار ثماره في العالم اليوم بين الشرق والغرب أو بين الشمال والجنوب وهو يصاحب الهيمنة والاستعلاء، والظلم والجور، والاحتلال ولغة السلاح.
إن التكافؤ بين المتحاورين مهم جدًّا ليحقق الحوار أهدافه(13).
أن الحوار لا يحقق أهدافه مع المجازر المستمرة في فلسطين والاحتلال في العراق وأفغانستان؛ بل كيف تتفق لغة الحوار ع الجدار العنصري في الأرض المحتلة على الرغم من إدانة العالم في الأمم المتحدة (باستثناء بعض دول الغرب المنحازة للصهيونية).
أي حوار ينادي به الغرب مع هذا العدوان والظلم ولغة الاستعلاء، وفرض المصطلحات واستغلال التفوق الإعلامي لتشويه الآخرين.
كيف نثق بهذا الحوار الذي يهدف إلى نمط جديد من الدبلوماسية لتكريس الظلم ومصالح تتعلق بالاقتصاد والسياسة ومواصلة الحرب والصراع والاحتلال(14).
إن الغرب مطلوب منه قبل أن يتحدث عن الحوار ونشر الديموقراطية (والشرق الأوسط الكبير) إن كان يريد خيرًا بالآخرين يجب تقليص الهوة السحيقة بين البلدان الغنية والفقيرة, وعليه مساعدة البلدان على التنمية لا توريطها في الديون والفقر، وفرض الإملاءات عليها، ومساعدة البلدان التي خربتها الحروب كالصومال وأفغانستان وغيرها على إنهاء ذلك الوضع, بل أن تكف يدها عن إشعال الفتن في تلك البلدان.
بعد ذلك يُقال أننا نرفض الحوار والتسامح؛ ومن يتهمنا بذلك؟ إنه المستعلي الظالم المحتل لأرضنا والساعي لتشويه ديننا وثقافتنا، ومع ذلك فلا نزال نقول إننا مع دفاعنا عن ديننا وثقافتنا وأرضنا وأنفسنا فإننا نرى أن الحوار هو خيار مهم لتحقيق أهدافنا العليا القائمة لمصلحة البشرية.
(1) لسان العرب، ابن منظور (4/217-218).
(2) لسان العرب، ابن منظور (11/103).
(3) انظر: أصول الحوار، الندوة العالمية للشباب الإسلامي، الطبعة الثانية، 1408هـ - 1987م، ص: 9. وانظر: الحوار مع أهل الكتاب، د. خالد بن عبدالله القاسم، دار المسلم، الطبعة الأولى، 1414هـ، ص: 104.
(4) لسان العرب، (4/196).
(5) انظر: الحضارة والعالم الآخر، د. عبدالله الطريقي، دار الوطن، الرياض، الطبعة الأولى، 1415هـ، ص: 16-17.
(6) انظر: الحضارة، حسين موسى، عالم المعرفة، 1998م، ص: 220.
(7) انظر: موقف الإسلام من الحضارات الأخرى، د. محمد نورد شان، بحث مقدم إلى ندوة الإسلام وحوار الحضارات، غير منشور، مكتبة الملك عبد العزيز، الرياض - السعودية، محرم 1423هـ، ص: 6.
(8) انظر: مدخل إسلامي لحوار الحضارات، لمحمد السعيد عبد المؤمن ص(11-12)، بحث مقدم لندوة الإسلام وحوار الحضارات، مكتبة الملك عبد العزيز، 1423هـ غير مطبوع.
(9) أصول الحوار وآدابه في الإسلام، صالح بن عبدالله بن حميد، ص: 13.
(10) أخرجه البخاري، ك الأدب، باب الحذر من الغضب، رقم (5765).
(11) الكافية الشافية في الانتصار للفرقة الناجية، ابن القيم، دار المعرفة، بيروت، 1345هـ، ص: 19.
(12) انظر: مجلة العرفة، العدد 101 شعبان 1424هـ، موضوع قيم الإسلام، الحوار الانفتاح على العالم، ص: (18 - 26).
(13) انظر: من أجل حوار بين الحضارات (9) روجيه جارودي دار النفائس، الطبعة الأولى 1411هـ.
(14) انظر: حوار الحضارات، محمد خاتمي (50) ضمن كلمة الرئيس الإيراني في اليونسكو (بتصرف) في فرنسا 30/10/91 دار الفكر دمشق الطبعة الأولى 1423هـ.
=============(61/189)
(61/190)
حقاً.. إنّ شانئك هو الأبتر!
بدرية العبدالرحمن … … … … …2/2/1427
… … … … …02/03/2006
أعلم كم أرهقْتُكم بالكتابة حول الأزمة الإسلامية الدنمركية.. وأعلم بالمقابل أنها حديث الساعة الذي لايكاد يخلو مطبوعة ولا منتدى إنترنت منه..لدرجة قد (ملّ) الأغلب من الحديث عنها وحولها..
أنا شخصياً لا أريد الحديث عن شيء آخر غير الحبيب صلى الله عليه وعلى آله وسلم... ليس فقط لأنه موضوع جاهز للكسالى أمثالي..ولكن أيضاً لأنه حدث (متواصل) قد فتح شهيتي للثرثرة والتعليق والتفكير، كما لم لم تكن مفتوحة من قبل..
البارحة فقط كنت أقرأ خبراً مفرحاً ومبهجاً نشره موقع (إسلام أون لاين) حول موجة استنكار لإهانة الحبيب عليه أفضل الصلاة والسلام ..لا تبدأ هذه المرة من دولنا الإسلامية، وإنما من ممثلي الكنائس المسيحية على اختلافها في العالم أجمع...ليقولوا: إن ماحصل ضد الإسلام لم يكن إلا وصمة عار في جبين الشانئين والمتعصبين..
فقد أصدر المجلس الاوروبي لزعماء الأديان بياناً (رسمياً) عبّر فيه عن استيائه مما حصل جاء فيه: "ونشجب إساءة استخدام حرية التعبير لسبّ كل ما هو مقدس لدى المؤمنين.. إن سلسلة الرسومات الهجومية على النبي محمد هي إهانة بالغة لحوالي (1.3) مليار مسلم.. نحن نسلم بحق حرية التعبير كركيزة أساسية للديموقراطية، وحقوق الإنسان دون مثل هذه الإساءات".
وأبلغ منه ما نقله الموقع عن نائب بطريرك الكاثوليك في مصر (يوحنا قلته) قوله: "إن مسيحيي الشرق يعرفون جيدًا حجم ومكانة الرسول الكريم". وأكد على أن الرسومات المسيئة للرسول هي إهانة وُجّهت للمسيحيين في العالم وليس للمسلمين فقط، مشيرًا إلى وجود تيار إلحادي في الغرب "يدعو إلى قيام حضارته بسقوط المقدسات وإهانة الأديان".
إضافة إلى عاصفة من الاحتجاجات والبيانات وقّع عليها رجال الدين المسيحي في نابلس وتركيا.. تثير ليس فقط إعجابنا وحماسنا للروح النزيهة والشريفة التي دفعتهم لمثل هذا الموقف النبيل... ولكن تثير مزيداً من التساؤلات حول توقّف كثير من (ربعنا) المسلمين عند مثل هذه الحادثة وحديثهم عنها بأنها واقعة يجب ألاّ تُعطى أكبر من حجمها، وألاّ يتعامل معها المسلمون بهذه الحساسية!!
المسألة حين ترى (مسلماً) يتعامل مع حادثة استفزاز للحميّة الدينية بهذا القدر من اللامبالاة فإنك تدرك وجود خلل مؤسف في تصوّر بعض المسلمين لقيم الحرية وقيم العالم الجديد..
لست بحاجة لتكرار ما تحدّثت عنه في مقالات سابقة من أن اللادينيّة هي ما يمكن أن يفسد علينا صفو عالمنا القادم.. وأن البهتان الذي تقوم به حين تتعدى على المقدّسات أمر سيجر ويلات لاطاقة لنا بها..
اللادينية حين تتوشح رداء عربياً كما في بعض سخافات القوم هنا وهناك، وحين تريد أن تستحيل إلى حركة سياسية تستبعد الدين من أجندتها، وتريد أن تتحرر من الدين ومن تخلّفه وويلاته التي جرها على الشعوب (زعمت)..
حين تفعل اللادينية ذلك فإنها تصبح أمراً يستدر السخرية بشكل لايُطاق..
ليس فقط لأن الشعوب العربية والإسلامية شعوب متدينة بالفطرة، ولايمكن تخيّلها بمعزل عن دين الله تعالى الذي ارتضاه لها...ولكن أيضاً لأن وجود اللادينيين في الأغلب مرتبط ببرنامج كوميدي متكوّن من التهكّم والهجوم على المقدّسات والتشكيك اللاواعي في جذور المقدّس في العقل المسلم...
أي إنه موقف حاقد...أو مهووس يريد الظهور والتمرّد بطريقة مفلسة..والإفلاس بهذا الشكل موقف يستدر الشفقة...ليس موقفاً فكرياً معتدلاً يستحق الاحترام..
إن هذه الوقفة التي يقفها المسيحيون معنا هي التي لابد أن يفقه اللادينيون منها أن الخلفية الدينية في عقل كل الشعوب (والإسلامية منها خاصة) أمر لايمكن تجاهله..وأن فطرة الله التي فطر الناس عليها ليست جيناً وراثياً يمكن تعديله في مختبر علمي ملحد..!!
أمر آخر يمكننا قراءته وهو كيف أمكن للآخر المسيحي الذي طالما ارتبط تعصّبه (الديني الصريح) في عقل المسلم بملايين الضحايا بامتداد تاريخنا الإسلامي كان آخرها في حرب البلقان الطويلة ..كيف أمكنه أن يكون نزيهاً ومتسامحاً في النهاية ليعلن موقفاً فكرياً استثنائياً جداً وواضحاً؟!
لم يكن الأمر صعباً هذه المرة أن يعلنوا مبدأهم حول الاحترام وحول التعايش...للدرجة التي تضمن إحدى البيانات التعبير عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بأنه (نبي الإسلام)..
جاء في البيان الذي أصدره ممثلو ست كنائس رئيسة في تركيا: "كأبناء النبي إبراهيم، نشجب عدم احترام محمد نبي الإسلام الذي نحبه ونتعاون معه، ونحن نصلي مع إخواننا المسلمين ليحكم الحب الإلهي الأرض".
هل ستكون حملة البيانات النزيهة هذه المرة بداية لعهد جديد يبدؤه المسلمون مع المسيحيين، وموقفاً جديداً تماماً هو نفسه موقف: (قل ياأهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألاّ نعبد إلاّ الله ولانشرك به شيئاً ولايتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله...)[آل عمران:64]؟(61/191)
هل سيبدأ السلام والحوار الديني..يبدؤه المسلمون من داخلهم في طوائفهم المتعددة ...يبدؤونه مع الآخرين لتكون كلمة الله هي العليا..؟ هل ستبدأ حملة للسلام والتحاور الديني أخيراً من أزمة أثارها الشانئ الأبتر (اللاديني) ليؤدي إلى آخر ماكان يتمناه؟ وهو حوار ديني متسامح؟
بأبي أنت وأمي يارسول الله...أرادوا أن ينتقصوك ويزدروا دينك وإيمانك، فلم يزد ذلك أمتك إلا رشداً..
==============(61/192)
(61/193)
واقع المسلمين هو أكبر 'حاجز' بين الإسلام والغرب !!
حوار: عبد الحق بوقلقول … … … … …10/10/1427
… … … … …01/11/2006
لا تخطئ عين أي مراقب للواقع الغربي و نظرته تجاه الإسلام و المسلمين، أن هذا الأخير بات يجد صعوبة كبرى في فهم حقيقة هذا الدين بعد حملات التشويه 'المقصودة' التي صار يتعرض لها الدين الحنيف خصوصا منذ أحداث 9/11 التي سرعت عملية استخراج سرائر أغلب صناع السياسة و الإعلام على وجه خاص هناك تجاه الشرق الإسلامي و مقدساته بوجه عام.
من بين أوضح أمارات هذا الانكشاف الفجائي، قضية الرسوم المسيئة و تداعياتها التي ما تزال ماثلة حتى هذه الأيام و من بينها مثلا قيام إحدى الصحف النرويجية مؤخرا بإعادة نشر تلك الرسوم بكيفية يجمع المراقبون على أنها أضحت الطريق السهلة إلى الشهرة بدليل أن كاتبا مغمورا في فرنسا لا يعدو أن يكون مدرسا ثانويا، كتب في صحيفة لوفيغارو الباريسية مقالا تهجم فيه على الإسلام بطريقة شنيعة أثارت استغراب عدد غير قليل من المفكرين الفرنسيين أنفسهم.
و لكي نحاول تسليط الضوء على واقع و طرائق تحرك الجالية الإسلامية في الغرب تجاه هذه الموضة الفكرية التي لاحت في الأشهر الأخيرة، اتصلنا بالأستاذ المفكر الطيب برغوث الذي هو من أبرز رموز التيار الإسلامي في الجزائر و المقيم منذ سنوات طويلة في النرويج بسبب الوضعية التي كانت عليها بلاده. الأستاذ الطيب هو زيادة على هذا، عالم اجتماع و صاحب عدد كبير من المؤلفات الدعوية التي تعنى خصوصا بالجانب التنظيري في العمل النخبوي. و لقد رحب مشكورا بطلبنا فكان هذا الحوار الذي عرجنا فيه على مواضيع عديدة:
هل يمكن بداية أن تضعنا في الأجواء التي تعيشها الجالية الإسلامية بالنرويج مع هذه الحلقة الجديدة من مسلسل الإساءات الغربية في حق المسلمين و مقدساتهم في الفترة الأخيرة.
لا شك أن الجاليات أو الأقليات المسلمة في البلدان غير الإسلامية، تمثل جزءا حيويا وفاعلا من هذه الأمة الإسلامية الكبرى، والانفتاح عليها والاهتمام بها من مؤشرات الخيرية والنضج وبعد النظر فيها.
وعموما فإن الأقلية المسلمة في المجتمع النرويجي تعيش في حدود معقولة من الأمن والأمان، بالرغم من الأجواء العالمية المشحونة بالإسلاموفوبيا والتحريض ضد المسلمين بل والإسلام ذاته أحيانا ! من قوى يمينية عديدة، بل و حتى من بعض القوى المسلمة مع الأسف الشديد !؟ ولكن ذلك كله لم يؤثر على الحدود الدنيا المعقولة من الأمن والأمان الذي تعيشه. ولو عرفت هذه الأقليات كيف تستفيد من هذه الأجواء، واستثمرت ما يتاح لها من إمكانات قانونية ومادية واجتماعية وسياسية في هذا البلد، لانفتحت أمامها فرص حياة أكثر أمنا وأمانا وفاعلية وتأثيرا واندماجا في المجتمع، ومحافظة على هويتهم وإذكاء لفاعليتها الروحية والاجتماعية في حياة أفرادها، ونقلا لإشعاعاتها الحضارية إلى المحيط المتعطش للروحانية والأخلاقية الاجتماعية التي قتلتها المادية المتوحشة .
هل لنا أن نعرف منكم كيف بدأت القضية بما أن موقف الحكومة النرويجية خلال أزمة الرسوم الدنمركية، كان متوازنا إن صح التعبير؟
أود أن أشير إلى أن قضية الرسوم قضية جزئية من مسلسل طويل الحلقات يمتد بعيدا في تاريخ المواجهة بين الدين والحركة العلمانية في أوروبا ذاتها من ناحية، وفي تاريخ المواجهة بين الإسلام والغرب بكل اتجاهاته وواجهاته التبشيرية و الاستشراقية والاستعمارية من ناحية أخرى، وهو كم ممتد في الحاضر بصور شتى، وخاصة في ضوء اختلال التوازن الذاتي للمسلمين، وتراجع فاعليتهم الحضارية، ودخولهم في مراحل متقدمة جدا من الغثائية والتبعية الحضارية المحكمة، وحرص القوى المستكبرة على إبقاء الأمة في هذه الدائرة من التخلف والتبعية والاستضعاف.
فقضية الرسوم أو وغيرها من قضايا وضع الإسلام والمسلمين في دائرة الاتهام والحصار، وشل الإرادة الحضارية، واستنزاف الإمكانات الحضارية، وتعويق النهضة الحضارية الجادة للأمة.. أمر ليس بجديد، و لولا الاهتمام الإعلامي لما كان لذلك أي صدى، ولو أن وسائل الإعلام أرادت أن تتابع المواقف الفكرية والسياسية المتحسسة من الإسلام والمسلمين، والمحرضة ضدهما، لوجدت نفسها في وضع العاجز عن تغطية ما يحدث يوميا على هذا الصعيد.
فالرسوم السيئة الذكر فقرة أو مفردة بسيطة في حركية ثقافية واجتماعية وسياسية بل وحضارية ضخمة، متدفقة بقوة وغزارة في اتجاه تكريس الصور النمطية الخاطئة عن الإسلام ونبيه صلى الله عليه وسلم- خاصة وعن المسلمين وتاريخهم وحاضرهم عامة. وأنا لا أريد أن أتعاطى مع هذه الحركة الإعلامية الطوفانية من منطلق الاستغراق في مفرداتها الجزئية اليومية بل واللحظية التي لا نهاية لها، والتي قد يكون القصد منها، في كثير من الأحيان، شغل الأمة عن الأولويات المركزية في حركة نهضتها الحضارية، وجرها إلى أولويات لا تخدم هذه النهضة بل تعيقها وتعرقل مسيرتها، وتستنزف طاقاتها الثمينة في الجري وراء المعارك الوهمية !(61/194)
هل معنى ذلك أن تصرف الأمة نظرها عن هذه الحركية الفكرية والسياسية المضادة لها، وتتجه نحو بناء قدراتها الذاتية ؟
التركيز على بناء القدرات الذاتية هو الأساس. ولكني لا أقصد هنا أن تنكفئ الأمة على نفسها وتترك العالم يموج من حولها، لأن التعاطي مع التحديات جبلة بشرية، وضرورة حياتية، وقد تكون وجودية أحيانا. ولكن قصدي هو: الانتباه إلى ما في هذه الحركية المضادة أو المستفزة، من قصد منهجي إلى شغلنا عن الأوليات الحقيقية لنهضتنا الحضارية، بل وقصد إلى شغلنا بأولويات أخرى تصب في خدمة استراتيجيات مضادة لنهضتنا ومضرة بها . وهنا يكمن الإشكال ويتجلى الخطر. لقد نبهنا القرآن إلى هذه الأبعاد في التحديات والمثيرات الخارجية والداخلية، كما نرى ذلك في قوله تعالى: ( وإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً ).
فالقرآن يعلمنا منهجية التعاطي مع التحديات والمثيرات، حتى نحافظ على توازننا الفكري والنفسي والسلوكي، ونتجنب تبديد فاعليتنا الاجتماعية، ولا نمكِّن خصومنا من خدمة استراتيجياتهم على حسابنا. ولا شك أن هذا يحتاج إلى رد الأمر إلى خبراء الدعوة والمجتمع والدولة في أمتنا، ليوازنوا الموقف ويسددوه بكفاءة وحكمة، ويدفعوا به في اتجاه خدمة مصالح الأمة، وتحقيق التواصل المتوازن بين البشر في الأرض.
هذا من الناحية النظرية، و لكن كيف تعاطت الجالية المسلمة عمليا، مع حركة الإساءات التي بلغت ذروتها في الرسوم المسيئة للنبي عليه الصلاة والسلام؟
لقد تنوعت وتباينت أشكال التعاطي، وتراوحت بين الاحتجاجات المكتوبة والشفهية والتجمعات واللقاءات الفكرية والإعلامية والقانونية، وكان في ذلك فوائد كثيرة بالنسبة للجالية التي تكتشف مع كل تحدي أو استفزاز طرقا ووسائل جديدة للعمل والتواصل مع المجتمع، كما تكتشف كذلك نواقص و اختلالات كثيرة في وعيها ومناهج عملها، وفي ذلك خير لها و للمجتمع .
وأذكر كمثال على هذا التعاطي الفعال، أنني شخصيا شاركت في ندوة إعلامية كبيرة، دُعي لها ما يقرب من 300 إعلامي من مختلف وسائل الإعلام بالنرويج، بالإضافة إلى النقابات المرتبطة بالقطاع الإعلامي والمنظمات الحقوقية، واستغرق الحوار بيننا وبينهم أكثر من ثلاث ساعات بحضور المسئول عن نشر الرسوم المسيئة، وكانت النتيجة أن الكثير من الحاضرين كانوا ضد هذه الرسوم وغير مستسيغين لها، مع أنهم كانوا مجمعين كلهم على قداسة حرية الرأي والصحافة عندهم. وكانت فرصة كبيرة لنا نحن ممثلي الجالية في المدينة التي نظمت بها الندوة، لنقدم الرؤية الإسلامية المتوازنة لحرية الرأي وكيفية ارتباط ذلك بالمسؤولية، وبضرورة حماية حقوق الآخرين، انطلاقا من القاعدة الذهبية التي تقول : "حريتك تنتهي عندما تبدأ حريتي أو عندما تنتهك حريات وحقوق الآخرين" .
وكان من بين ما أكدنا عليه في هذا الإطار هو أن الإسلام تجاوز مرحلة إقرار حرية الرأي والنقد وتحبيذها، إلى مرحلة إيجابها عندما يتعلق الأمر بحماية حقوق الآخرين ورفع المظالم عنهم، والدفاع عن المصالح العامة للمجتمع والإنسان، واعتبر ذلك من أهداف المجتمع المسلم وخصائصه الطبيعية الذاتية التي لا تنفك عنه، ومن الشروط الأساسية لفاعلية أدائه الاجتماعي والحضاري.
ماذا عن رد فعل المسئول عن نشر الصور المسيئة؟
لقد أبدى بعض المجاملة لنا في حديثه عن الموقف، وأنه لم يكن يتصور كل هذه النقمة عليه. ومما لاحظته في هذه الندوة الهامة هو أن هذا الصحفي كان يحس بالعزلة لأن الغالبية استهجنت موقف الجريدة، بما في ذلك ممثل الكنيسة الذي كان معنا، وشاركنا في موقفنا على طول الخط، مع أن الخط الفكري لهذه الجريدة خط ديني كنسي بصفة عامة، وإن كان أكثر يمينية وتحسسا من الإسلام والمسلمين.
الغربيون يفسرون هذه التصرفات باعتبار أنهم يشعرون بأن قيمهم الديمقراطية "مهددة " من قبل ما يصفونها "الأصولية الإسلامية". ما رأيكم؟ كيف يمكن مواجهة هذا التشويه "الممنهج" للدين الحنيف؟
هذا صحيح، وهو جانب مهم جدا من خريطة التفسير الصحيح للموقف الغربي عامة من الإسلام والوجود الإسلامي بالغرب، بل وحركة الحضور الإسلامي على الصعيد العالمي. فالغرب خائف من تنامي الظاهرة الإسلامية في مجتمعاته، في ظل معطيات ديموغرافية واجتماعية وروحية تفسح المجال للظواهر الدينية عامة والظاهرة الإسلامية منها خاصة بالتأثير في هذه المجتمعات ! وإن كنت أرى بأن هناك مبالغات كثيرة في هذه المخاوف.(61/195)
ولكن اسمح لي أن أضع الجواب على هذا السؤال في إطاره السنني الكلي، من أجل وعي أكثر موضوعية وفعالية في تحليل الظواهر والتعاطي الإيجابي معها. وحتى لا تستغرقنا جزئيات المدافعة الاجتماعية المتسارعة فننسى القوانين الكلية التي تحكمها، ويضطرب موقفنا منها، ويتشتت تعاطينا معها، وننجرف وراء الأعراض والنتائج على حساب المقدمات والمؤثرات الفاعلة فيها كما أسلفت.
فالحياة تحكمها سنة الله في "التدافع والتجديد" التي لا تتغير ولا تتحول. فمن استطاع أن يحقق شروط التجديد الذاتي في نفسه، أمكنه أن يرفع مستوى فعالية مدافعته الاجتماعية، ويعزز فرص مواكبته أو منافسته أو ريادته ومداولته الحضارية.
فالغرب أو الشرق أو أي مجتمع أو أمة في الأرض محكومة بقانون المدافعة الاجتماعية، حتى تحافظ على وجودها أولا، وتوفر شروط التألق الحضاري لهذا الوجود كلما أمكنها ذلك ثانيا. تلك سنة الله في الاستخلاف البشري .
ونحن لا نلومه على ذلك، ولكن نلوم أنفسنا ابتداء، عندما لا نمتلك القدرة على التخفيف من مخاوفه، وعلى العجز عن إقناع المجتمع الغربي بأن الوجود الإسلامي فيه، يشكل إضافة نوعية لا يستهان بها، وعامل وقاية استراتيجية بالغة الأهمية للحضارة الإنسانية المعاصرة، لو استطاع الغرب أن يحقق انفتاحا حقيقيا على الروحية والأخلاقية والتكاملية الاجتماعية في الإسلام.
كيف لا يلام الغرب على مواقفه المتطرفة تجاه مقدسات الآخرين خاصة ومصالحهم عامة ؟
اللوم من منظور المثالية الأخلاقية لا بد منه، لأنه يدخل في أضعف الإيمان، وهو حاصل باستمرار، وخاصة من القوى المستضعَفة التي عادة ما لا تمتلك من مقومات الانتصاف سواه، ولكنه من منظور سنن المدافعة الاجتماعية أمر لا معنى له، وخاصة عندما يتعلق الأمر بلوم القوى المستبدة المستكبرة أو المعادية، التي لا تقيم أي وزن للبعد الأخلاقي في تصرفاتها ومواقفها، كما لا تقيم أي وزن إلا للقوى الندية القادرة على حماية مصالحها بنفسها. فالوضع هنا يشبه تماما من يستجيب لمغريات الشيطان ووساوسه ثم يلوم الشيطان على الإيقاع به وتدمير وجوده! في الوقت الذي كان عليه أن يلوم نفسه ويقوّم ضعفه وقصوره.
فنحن نلوم غيرنا وقد نندد به على ما يُلحقه بمقدساتنا ومصالحنا من أذى، ولكن ذلك لن يجدي نفعا على صعيد المدافعة والمداولة الاجتماعية الحضارية، إذا لم نجدد ولم نطور قدراتنا الذاتية التي تسمح لنا بالمنافسة والمناجزة الفاعلة عند اللزوم. فمنطق المدافعة لا يحفل بالضعفاء الذين لا يمتلكون القدرة على حماية أنفسهم ومقدساتهم ومصالحهم، مهما كان الحق معهم، لآن الحق بدون قدرة فعلية تجسده وتحميه، يظل أملا في النفوس، وكلمات صامتة في بطون الكتب.
ومع الأسف فإن وضع المسلمين؛ أفرادا ومجتمعات ودولا.. لا يسمح لهم بالانتقال من مرحلة اللوم والتنديد إلى مراحل فرض احترامهم على العالم، والحكمة تقول: ومن يهن يسهل الهوان عليه ! بالرغم من أن القرآن علم المسلمين منطق المدافعة الاجتماعية، وأرشدهم إلى شروط فعالية هذه المدافعة، من خلال تأكيده على سنة التجديد الذاتي الدائب، الذي يشحذ قدرات الوعي والبناء والوقاية لدى الفرد والمجتمع والدولة، كما جاء ذلك في قوله تعالى: " ( وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ) .
ففعالية المدافعة الاجتماعية هي التي توفر شروط وقدرات تحقيق التوازن في حركة المدافعة والمداولة الحضارية بين المجتمعات والأمم، وتحمي المقدسات والمصالح، ومن عجز عن تجديد مستوى فاعلية مدافعته الاجتماعية، قذفت به حركة المدافعة في مستنقعات الغثائية والتبعية الحضارية الذليلة.
لكن ما أسباب هذا العجز عن إقناع الغرب بهذه الإضافة النوعية الإسلامية؟ وما أسباب فشل الغرب في الانفتاح الحقيقي على هذه الإضافة النوعية الضرورية بالنسبة له، في ظل ما تعانيه حضارته المعاصرة من ضمور في المعاني الروحية وتدهور في القيم الأخلاقية، وطغيان للمادية والفردية في نموذجه الاجتماعي والحضاري؟
أسباب عجزنا نحن المسلمين كثيرة، ولكن يمكن تلخيصها في ضعف الوعي السنني التكاملي لدى المسلم المعاصر عامة، وهو ما ينعكس بالضرورة على ضعف روحيته الداخلية، وعلى ضعف أخلاقيته السلوكية، وعلى ضعف بل وسلبية فعاليته الاجتماعية، وتقهقر مستمر في موقعه الحضاري . فالوعي السنني المتكامل هو المدخل المنهجي الصحيح لتفسير كل هذه الحلقات المترابطة من الضعف، ووضع اليد على مكامن العجز في الأمة من ناحية، كما أنه المدخل المنهجي الصحيح لإدراك الشروط الموضوعية الصحيحة لتحقيق الإقلاع الحضاري المطلوب .(61/196)
فنحن لا نمتلك القدرة على نقل إشعاع الإسلام للآخرين، لأن هذا الإشعاع غير موجود أو غير مكتمل فينا؛ عقيدة وإرادة وسلوكا وتواصلا مع العالم.. و فاقد الشيء لا يعطيه كما يقال ! ولست في حاجة إلى التدليل لك عن مظاهر الضعف والعجز التي يعاني منها وعينا الفكري، وروحيتنا الداخلية، وأدائنا السلوكي والاجتماعي، لأن القصور في هذا المجال أكثر من أن يحتاج إلى تدليل !
لكن مع ذلك أحتاج منك إلى بعض الأمثلة إن أمكنك ذلك؟
أعطيك مثالا واقعيا واحدا قد يغني عن الكثير من الكلام. مع بداية أحداث 11 سبتمبر 2001 بأمريكا وما أحدثته من ضجة بل وخلخلة كبرى في العالم، وما نجم عنها من تعبئة فكرية ونفسية وسياسية غير مسبوقة ضد الإسلام والمسلمين في الغرب عامة، جاءني شخص محترم في بداية العقد الخامس من عمره، وطلب مني أن أعرِّفه بالإسلام، فمكثت أحدثه ما يقرب من أربعة أشهر، انتهت باعتناقه الإسلام عن قناعة. وكان مما لفت انتباهي بشدة سؤاله لي في نهاية الجلسات الأخيرة من لقاءاتنا الطويلة، بعد أن اتضحت له الكثير من معالم الخريطة العقدية والفكرية والاجتماعية والحضارية للإسلام: هل هذه الأمور التي ذكرتها لي عن الإسلام يدرسها المسلمون ؟ أو هل يعرفها المسلمون ؟
لقد فهمت من سؤاله أنه وقع في حيرة شديدة بين عظمة الإسلام وجاذبيته العقدية والفكرية والروحية والأخلاقية والاجتماعية من ناحية.. وبين ضعف واضطراب بل وتعاسة واقع المسلمين؛ أفرادا ومجتمعات ودولا، من ناحية أخرى، إلا من رحم الله ! فالمسلمون بضعفهم، واضطراب أحوالهم السلوكية والاجتماعية، وتفرق رابطتهم السياسية، يشكلون أكبر حاجز بين الإسلام والآخرين، ولولا القوة الذاتية في الإسلام لانتهى تأثيره ووجوده منذ زمن. ويوم يتطابق وعي المسلمين وأدائهم السلوكي والاجتماعي مع الإسلام، ويكفوا عن تحكيم أهوائهم وأعرافهم ومصالحهم الذاتية فيه، ستتغير معطيات كثيرة في الخريطة الفكرية والاجتماعية والحضارية العالمية.
وكأني بهذا السيد الكريم يقول بلسان حاله: "الحمد لله الذي أكرمني بعبور الحاجز الضخم الذي يضربه المسلمون بين الإسلام والعالم " ! مكررا بذلك ما قاله مسلم آخر أسلم قبله في النصف الأول من القرن الماضي، وهاله البون الشاسع بين واقع المسلمين وحقيقة الإسلام، فقال: " الحمد لله الذي عرَّفني بالإسلام وأكرمني باعتناقه قبل معرفة المسلمين ولو حدث لي العكس لكنت ربما من الهالكين" !
هذا عن أسباب عجزنا نحن عن نقل إشعاع الإسلام إلى الآخرين، ولكن أكرر لكم سؤالي هنا: ماذا عن أسباب فشل الغرب في الانفتاح الحقيقي على هذه الإضافة النوعية الضرورية بالنسبة له، في ظل ما تعانيه حضارته المعاصرة من ضمور؟
لاحظ أولا بأن الغرب التاريخي والغرب المعاصر استفادا من الخبرة الحضارية الإسلامية بشكل وظيفي برجماتي ذكي وفعال جدا. فقديما أخذوا منا الخبرة العلمية وأسسوا عليها نهضتهم الحضارية العالمية الكبرى، وحديثا يستفيدون جدا من كفاءاتنا العلمية الضخمة التي يتصيدونها ويوفرون لها شروط تفجير عبقريتها لاستثمارها في خدمة مصالحهم ودعم استراتيجياتهم في العالم. وهنا يبرز جانب مهم من عبقرية الغرب في التعاطي مع الخبرات البشرية السابقة أو المعاصرة دون أن يقع في الاستلاب لها، بعكس ما يحدث لنا نحن في علاقتنا بخبرته المعاصرة التي انقسمنا تجاهها إلى فريقين؛ فريق وقع في معضلة الاستلاب لها إلى حد العمالة أحيانا ! و فريق وقع في معضلة التزهيد فيها والمخاصمة لها باعتبارها خبرة حضارية جاهلية لا خير فيها ! وضاعت مصلحة الإسلام والأمة بين الاستلاب للغرب والاستلاب للتاريخ.
أما عن أسباب عدم استفادة الغرب من الأقليات المسلمة في مجتمعاته، فإنه يمكن إرجاع بعضها إلى ضعف أداء هذه الجاليات نفسها، فهي متشرذمة وغير قادرة على تعبئة نفسها، وتعاني من عزلة اجتماعية وسياسية، وعاجزة عن تحقيق اندماجها الفعال في المجتمع. كما ترجع بعض الأسباب إلى خوف الغرب من دمج الأقليات المسلمة وإصراره على منطق تذويبها أو تحويلها إلى مجرد سخرة خدمية عابرة، يطبق عليها قانون: "استعمل وارم" ! فلحد الآن لم يستطع المجتمع الغربي أن يحدد بوضوح ماذا يقصد بالاندماج؟ أضف إلى ذلك النزعة المركزية الاستعلائية التي ينظر بها الغرب بصفة عامة إلى غيره.
ما المطلوب من المسلمين في باقي العالم؟ وكيف يمكننا أن ندافع عن مقدساتنا من غير أن نمنح الآخرين فرصا إضافية في الانتقاص منا؟(61/197)
المطلوب منهم هو أن يستثمروا المزيد من الجهد والوقت والإمكانات، في بناء وعيهم بسنن الله في " المدافعة والتجديد "، وأن يبنوا واقعهم الفردي والاجتماعي على ضوء ذلك، وأن يتجاوزوا وضع الخرافة و التجزيئية و التنافرية والتشرذم والمظهرية الخاوية التي يعيشون فيها، إلى وضع العلمية المنهجية التكاملية المستنيرة، التي تغير ما بأنفسهم من ضعف و غثائية واستلاب وتبعية ابتداء، وتعيد بناء علاقاتهم بالعالم على أسس جديدة؛ قوامها الاعتزاز بذاتيتهم ورسالتهم الحضارية، والانخراط بكل جدية وثقة في تحقيق استراتيجية التكاملية الحضارية التي جاء بها الإسلام، وطرحها بديلا حضاريا إنسانيا عن استراتيجيات الصراع والاستعمار والاستضعاف التي حكمت وتحكم العلاقات الحضارية بين البشر قديما وحديثا.
وكما أشرتَ في سؤالك فإن قصور الوعي السنني الشمولي التكاملي، في التعاطي مع المثيرات والتحديات الداخلية والخارجية، كثيرا ما يعطي فرصا ثمينة لخصوم الإسلام وأمته، لتحقيق مقاصدهم بكل يسر! كما يتجلى ذلك على سبيل المثال في ردود الأفعال غير المنضبطة التي يحولها الخصوم عبر وسائل الإعلام والاتصال، ومخابر التحليل والابتزاز السياسي، وحركات الضغط الاجتماعي.. إلى شواهد إدانة للإسلام والمسلمين، وتحريض ضدهما، وتأليب للرأي العام عليهما، وتوسيع للهوة بينه وبينهما.
فنحن عادة ما نستجيب للاستفزاز الموجه، ونندفع بحماسة شديدة في سلسلة من الأفعال والمواقف القولية والعملية المتناثرة، ثم سرعان ما نبرد ونخلد إلى السكون، في الوقت الذي يكون غيرنا ممن يهمه تعويق نهضتنا الحضارية، قد احتفظ بشواهد الإدانة لنا، وعكف على تحليلها وإعادة بنائها، وضبط الخطوات المنهجية للمراحل التالية من حركة الاستفزاز لنا، و مراكمة شواهد الإدانة والتشويه والعزل لنا.
هل يمكن أن تعطينا بعض الأمثلة ذات الصلة بحادثة الصور المسيئة للنبي عليه الصلاة والسلام؟
الأمثلة أكثر من أن تحصى، وسأذكر لك مثالا واحدا وهو عبارة عن شريط مطول عرضته قناة تلفزيزنية نرويجية حرة ( TV2 ( الأسبوع الماضي، استرجعت فيه قصة ردود الفعل على الرسوم، وقدمت معطيات تركيبية حية كثيرة، تعد شواهد إدانة لتعاطي المسلمين مع الحدث، من خلال إظهارهم بأنهم ضد حرية الرأي، وأنهم يريدون فرض وجهة نظرهم ونمط حياتهم على الآخرين في عقر دارهم، وأنهم لا يملكون وسيلة للتعاطي مع المخالفين لهم في الرأي غير القوة التي تسري في دمائهم.. إلى ما هنالك من الاستنتاجات الكثيرة التي يخرج بها من يرى هذا الشريط. مع أن منتجي الشريط أوضحوا منذ البداية بأن عملهم إعلامي محايد، يستهدف عرض الحقائق كما هي وترك الحرية للمشاهد ليستنتج ما يراه !!
ومن يتتبع الحركة الإعلامية و السينمائية و الفنية والثقافية و الاجتماعية و السياسية في الغرب .. يقف على نشاط يومي ضخم، يصب جزء كبير منه في اتجاه إدانة المسلمين والإسلام، وتشويه صورتهما، وتعميق عزلتهما في الساحة العالمية.
وأنبه أولا إلى أهمية ما أشرت إليه في سؤالك السابق، عن استثمار بعض وسائل الإعلام وبعض الأشخاص لبعض هذه الأحداث لتحقيق الشهرة والكسب المادي، وهذا أمر صحيح فعلا، فإن العديد من المؤسسات المغمورة، والأفراد المغمورين الذين يريدون الإثراء وتحقيق شهرة لهم، يعمدون إلى مغامرات فجة يصدمون بها الرأي العام، فتتلقف عنهم ذلك وسائل الإعلام وأجهزة الصراع الفكري، وتروج له، فيصبح هؤلاء أبطالا وشخصيات عالمية بين عشية وضحاها ! وقد كاد هذا الأسلوب يصبح صناعة كاملة لدى كثير من المغمورين وأصحاب العقد.
ولا شك أن هذا يقتضي منا يقظة كبيرة، وموازنة دقيقة بين المصالح والمفاسد، حتى لا نتيح لمثل هؤلاء المغمورين والمرضى، الظهور على حساب الحقيقة والمصلحة. وأرى بأن القاعدة العامة التي ينبغي أن تحكم موقفنا من هذه الفقاعات بل وحتى الظواهر منها، هي التجاهل والاستيعاب غير المباشر لها، كما علمنا ذلك القرآن حينما أكد على أهمية الإعراض عن الجاهلين: (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ ). أو في قوله جل و علا: ( وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ ).
إن استراتيجية التجاهل أو الاستيعاب غير المباشر للأفعال والمواقف العدوانية المتشنجة، علاج فعال جدا في تفريغها من شحناتها التأثيرية السلبية، لأن ذلك لا يتيح لها فرصة التكرار والشيوع والتفاعل، بل يعمل على تجاوزها بل و محوها من الذاكرة بسرعة، وخاصة في عالم تزدحم فيه على الذاكرة أحداث متوالية ينسي بعضها بعضا.
ماذا تقصدون بالاستيعاب غير المباشر لمثل هذه الفقاعات والظواهر كما سميتموها؟(61/198)
أقصد به عدم الغفلة الكلية عما يلقى من الشبهات، وما يروج له من زيف فكري في حق الإسلام العظيم، أو في حق نبيه الكريم، أو في حق التجربة الحضارية الإسلامية الإنسانية، أو في حق نهضتنا الحضارية المعاصرة.. بل لا بد من انتهاج استراتيجية وقائية محكمة، لمواجهة هذا الزيف الفكري ولكن بشكل هادئ غير مثير، يصحح الموقف ويمتص ما فيه من شحنات سلبية دون إشعار الخصم أو الرأي العام المعني بأننا نقوم بعمل مضاد ومجابه. لأن الفعل المجابه عادة ما يثير حاسة التحفظ لدى الآخرين من غير المعنيين، فما بالك بالمعني بها مباشرة، فإن رد فعله يكون أكثر عدوانية وشراسة ! و لتكن لنا عبرة في الحكمة القائلة: اصبر على حسد الحسود فان صبرك قاتله. كالنار تأكل بعضها إن لم تجد ما تأكله. دون أن نغفل طبعا عن قضية الاستثناءات التي قد لا يفيد فيها منطق التجاهل والاستيعاب غير المباشر، بل تنفع معها المجابهة وكشف أوراق المتطاولين، وهذا أمر متروك لتقدير خبراء الدعوة والمجتمع والدولة في المجتمع والأمة .
على ضوء تصريحات البابا بينيدكت السادس عشر مؤخرا ، جزم كثير من المتابعين أن بابا الفاتيكان من خلال هذا الموقف، قرر إطلاق رصاصة الرحمة على ما يعرف بحوار الأديان.. ما تعليقكم على ذلك ؟
لا بد أن نؤكد أولا على أن حوار الثقافات والحضارات في المنظور الإسلامي ليس خيارا ثانويا أو تكتيكيا، بل هو قيمة مبدئية كلية لا بديل عنها، وخيار محوري في بناء العلاقات الحضارية بين البشر، كما جاء تأكيد على ذلك في القرآن: ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ) . والبديل الطبيعي للحوار الحضاري هو المواجهة والصراع بكل ما فيه من انتهاك لحقوق الآدمية وشرفها، وهدر لمقدرات خلافتها في الأرض، وتصعيد لآلامها وعذاباتها. ولذلك كانت استراتيجية التكاملية الحضارية، التي تتجلى في الآية السابقة، هي خيار الإسلام في بناء العلاقات الحضارية بين البشر، ونحن لا بد أن نصر على ذلك، وأن نعمل بكل جدية على المساهمة في تجسيده .
ولما كان حوار الأديان والثقافات يحتل موقعا محوريا متقدما في حوار الحضارات، فإن الإصرار على قيامه و استمراريته ونجاحه، يجب أن يظل في مقدمة أولويات الأمة من ناحية، وأولويات المنظمات الدولية الثقافية والسياسية من ناحية أخرى. وأنا أتمنى أن تضطلع نخبتنا الفكرية ومؤسساتنا الثقافية بدورها الفعال في هذه المهمة الحضارية الإنسانية بل والكونية، وأن لا تقعدها أو تثبطها المعوقات والأخطاء التي تقع هنا أو هناك.
لذا فإنني مقتنع تماما بأن أي زهد في التواصل الفكري والثقافي والاجتماعي والسياسي بين الأديان والثقافات والحضارات، من أجل التعارف المباشر، والتصارح المتبادل، وحتى التجادل العلمي البناء، هو ضيق في الأفق، وانحسار في الوعي بمقاصد الدين، وابتسار لشموليتها وعالميتها وإنسانيتها و كونيتها من جهة، وتبسيط واختزال وقفز على منطق السنن التي تحكم حركة الاستخلاف البشري في الأرض من جهة أخرى، ومؤشر على الخوف وعدم الثقة في قوة وقدرة الفكرة الدينية أو الثقافية المتبناة، على الانفتاح والمحاورة والإقناع والصمود، عندما توضع على محك النقد الفاحص، والمجادلة العلمية الجادة، والممارسة السلوكية والاجتماعية .
وعلى ضوء هذا، تبدو لي خرجة البابا خاطئة تماما، وكانت نتائجها معاكسة حتى في المجتمع الغربي العلماني منه والكنسي، كما نلمس ذلك من ردود أفعال مفكرين وكتاب كثيرين في الغرب. لأنها جاءت منافية لحقيقة الإسلام ومنطق تاريخه الثقافي والحضاري، الذي طبعته العلمية والعقلانية إلى حد كبير، كما شهد بذلك علماء غربيون كثيرون، بما فيهم بعض عتاة الماركسية، كما نرى ذلك على سبيل المثال في هذه الشهادة للمفكر اليهودي مكسيم رودنسون الذي اعترف بأن العقلانية تحتل مكانا بارزا في القرآن، وخلص في إحدى مقارناته بين القرآن والعهدين القديم والجديد إلى التأكيد على أن العقلانية القرآنية تبدو صلبة كالصخر !
هل من كلمة أخيرة، ترغبون في قولها عبر موقعنا؟
أود في الأخير أن أنبه أبناء الأقليات المسلمة في الغرب كله بصفة خاصة، وأبناء الأمة بصفة عامة إلى أهمية إتاحة الفرصة للنبتة الإسلامية في المجتمعات الغربية لتنمو بشكل طبيعي، وتأخذ مكانتها الطبيعية في هذه المجتمعات، وتساهم في خدمتها وصياغتها ووقايتها بشكل طبعي .(61/199)
فالوجود الإسلامي في هذه المجتمعات ظاهرة حضارية في غاية الأهمية، ليس للإسلام والأمة الإسلامية فحسب، بل للمجتمعات الغربية والحضارة الإنسانية المعاصرة كذلك. وأتصور لو أن الأقليات المسلمة والمجتمعات المسلمة من ناحية، والمجتمعات الغربية من ناحية أخرى، وعت الأهمية الحضارية البالغة للأقليات المسلمة، وعملت على رعايتها حتى تستوي على عودها، لساهمت بفعالية في تحقيق جزء هام من استراتيجية التكاملية الحضارية بين البشر، التي جاءت بها جميع الرسالات السماوية، ونادت بها المواثيق الدولية على ما فيها من فيروسات المركزية العنصرية والاستعمارية أو الاستكبارية.
فالأقليات المسلمة تشكل جسرا حضاريا هاما، تعبر عليه الخيرية والخبرة الإسلاميتين إلى المجتمعات الغربية المعاصرة، كما تعبر عليه الخبرة الغربية إلى المجتمعات الإسلامية المعاصرة، وهو ما يجب أن تعيه المجتمعات الإسلامية بالخصوص، وأن تساعد هذه النبتة الطيبة على النماء والتأصل في بيئاتها الجديدة، بعدم التدخل في شئونها الخاصة، فالأقليات المسلمة لها من الوعي والخبرة والإمكانات والقيادات الناضجة ما يجعلها تقدر مصالح المجتمعين، وتعمل على خدمتهما. أشكر لكم بدوري، تواصلكم معي و أشد على أيديكم لخدمة الإعلام الإسلامي الرشيد والله ولي التوفيق.
=============(61/200)
(61/201)
نرفض أمركة الإسلام وفرض الإصلاح !
حوار : عبد الرحمن أبو عوف / القاهرة … … … … …16/5/1426
… … … … …23/06/2005
أكد الدكتور شكور الله باشا زادة رئيس الإدارة الدينيّة ومفتي أذربيجان- أن أرمينيا ارتكبت جرائم بشعة ضد الإسلام والمسلمين الآذريين منذ احتلالها لِ(نارجونو كاراباخ)؛ إذ دمّروا جميع المساجد والمراكز الإسلاميّة، ويقومون حالياً بتنفيذ مخطط توطين الأرمن في أراضي المواطنين الآذريين المسلمين، وهو يشبه ما تقوم به إسرائيل في الأراضي العربيّة المحتلة.
وأضاف مفتي أذريبجان في حوار مع شبكة (الإسلام اليوم) أن مؤامرة قوات الاحتلال الأرمني مستمرة ضد الأذريين؛ إذ لم تكتف بطرد السكان الأصليين من كاراباخ بل تواصل إغراق الأراضي الآذريّة بكافة أنواع المخدرات وبأسعار رخيصة لتدمير شباب أذربيجان ..مبدياً انزعاجه الشديد من الموقف الإيراني المساند لأرمينيا رغم العلاقات التاريخيّة التي تربط بين أذربيجان وإيران.
رفض د. شكور الله باشا زادة المحاولات الأمريكيّة المتتالية لأمركة الإسلام الحنيف عبر عناوين برّاقة ، وطرح ما يُطلق عليه "الفرقان الحق" ، مشيراً إلى أن هذه المحاولات مصيرها الفشل الرهيب.
وتابع شيخ الإسلام في القوقاز: رغم خطورة انتشار المنظمات التنصيريّة في الأراضي الآذريّة إلا أنني لم أشهد بنفسي أي شخص آذريّ ارتد عن الإسلام، ولكن العكس هو الصحيح؛ إذ رأيت بأم عيني مسيحيين آذريين اعتنقوا الإسلام ..
التفاصيل الكاملة للحوار مع مفتي أذربيجان في السطور التالية:
فشل تذويب الهويّة الإسلاميّة
في البداية نرجو أن تعطينا نبذة عن واقع الإسلام والمسلمين في أذربيجان؟
أذربيجان كانت لمدة أكثر من (70) عاماً ضمن جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق ضمن (15) جمهورية كانت تشكل بنيان الشيوعية الأولى. وقد حاول الشيوعيون طوال هذه المدة تذويب الهُويّة الإسلامية للشعوب، وإنكار وجود الله، ولكن هذه الجهود فشلت، وتفكك الاتحاد السوفيتي، وحافظ الشعب الأذريّ على هويته الإسلاميّة والذي تزيد نسبة المسلمين فيه على 95 % من عدد السكان الذين يزيد عددهم على 7 ملايين، وليس أدل على ذلك من تزايد عدد المساجد بالمقارنة مع الحقبة السوفيتية؛ من 15مسجداً، إلى ما يربو على (1400) مسجد، وشهدت البلاد حركة تجديد وترميم في المساجد التي أصابها تدمير شامل. وكما افتتحت العديد من المدارس الإسلاميّة وصولاً إلى افتتاح الجامعة الإسلامية في أذربيجان، وكذلك هناك حركة طباعة واسعة للقرآن الكريم والصحف والمجلات الإسلاميّة، وقد دعمت المملكة العربيّة السعوديّة والأزهر والمؤسسات الإسلامية الكبرى هذه الصحوة الإسلاميّة التي أبرز مظاهرها هذا الكم الكبير من الطلاب الآذريين الذين يدرسون في الأزهر والمبعوثين من وزارة التعليم العالي والإدارة الإسلامية في القوقاز.
لكنْ هناك شعور بأن أذربيجان تتجه نحو أوروبا والعالم الغربي أكثر من اتجاهها إلى العالم الإسلامي؟
هناك اهتمام من الحكومات الآذرية المتعاقبة بتنمية علاقاتنا مع العالم الإسلامي، وقد اتخذ الرئيس الراحل حيدر علييف قراراً بانضمامنا إلى منظمة المؤتمر الإسلامي، ودشن العلاقات الدبلوماسية بين أذربيجان ودول العالم العربي، ولنا حالياً علاقات متميزة مع أغلب الدول الإسلاميّة، وقد زار الرئيس إلهام علييف المملكة العربيّة السعوديّة قبل مدة قصيرة، و زارخلالها مكة المكرمة والمدينة المنورة.
ما مدى إقبال الشباب في أذربيجان على حفظ القرآن الكريم واللغة العربية؟
هناك إقبال كبير على حفظ القرآن الكريم، وتوجد كتاتيب في كل مدن أذربيجان تزيد على الـ (300) كُتّاب لتحفيظ القرآن، وقد تمكنت هذه الكتاتيب من إحداث طفرة في حفظ القرآن الكريم لدرجة أن مواطنين عديدين من أذربيجان حازوا على جوائز عالميّة في حفظ القرآن، وهناك اهتمام كبير من الدولة ومن الرئيس علييف شخصياً بحفظ القرآن. أيضاً توجد في أذربيجان العديد من معاهد وكليات لتعليم اللغة العربية، وتنضم إليها سنوياً أعداد كبيرة من الراغبين في تعلّم العربية لغة القرآن الكريم، وتزداد هذه الأعداد تباعاً.
أكدّت تقارير دوليّة أن أذربيجان تتمتع بمناخ من الحريات الدينيّة والتسامح لا يُلاحظ في عديد من دول العالم ..ما تعليقك على هذه التقارير؟
بالرغم من أن الإسلام هو دين الأغلبيّة في أذربيجان، ولكنْ هناك مواطنون آذريون يعتنقون المسيحيّة الأرثوذكسيّة واليهوديّة، وهم يشكلون أقليات، إلا أن حرية الاعتقاد مكفولة للجميع، ولا تفرقة بين المواطنين هناك بسبب دينهم، ويكفل الدستور الحرية في ممارسة الشعائر.. ونحن نتمتع في أذربيجان بأعلى مراحل التسامح، ويتجلى هذا التسامح في الكثير من الصور الرائعة، بما يعكس قيم التسامح المتأصلة في الإسلام والمسلمين .
قضية كاراباخ
تُعدّ قضية (ناجورنا كاراباخ) القضية المركزيّة للشعب الأذريّ .. نرجو من فضيلتكم توضيح معالم الجريمة الأرمنيّة في كاراباخ؟(61/202)
أرمينيا تحتل من مدة طويلة 20 % من أراضي أذربيجان، وشردّت أكثر من مليون مسلم أذريّ، ولم يكتف الأرمن بذلك بل دمّروا جميع المساجد والمراكز الإسلامية، ويقومون حالياً بتنفيذ مخطط جديد، ألا وهو توطين المواطنين الأرمن في الأراضي الأذرية المسلمة، وطرد سكانها الأصليين علاوة على نشر المخدرات بكافة أنواعها وبأسعار رخيصة في كاراباخ ومجمل الأراضي الأذريّة. وأنا هنا أحب أن أشيد بدعم العديد من الدول العربية والإسلامية لاستعادة أذربيجان لحقوقها وتحرير أراضيها المغتصبة، ومساندتها في المحافل الدوليّة.
الدور الإيراني الغريب
كيف تقيِّمون الموقف الإيراني من هذه الأزمة ؟
منزعجون بشدة من هذا الدور، وما يؤسفنا حقاً أنه من دولة إسلامية تربطها بأذربيجان علاقات تاريخية، ونحن نريد أن تقف إيران موقفاً مسانداً للحق وللشرعية الدولية فيما يخص كاراباخ والاحتلال الأرمني، بغض النظر عن احتفاظ إيران بعلاقات قوية مع الأرمن .
حذرت بعض التقارير من انتشار الإرساليات التنصيريّة في أذربيجان ..فما رأيكم؟
كما قلت في السابق نحن دولة متسامحة مع جميع الأديان، وتتعانق المساجد مع الكنائس، ونرفض التدخل في شؤون الطوائف غير الإسلامية، كما نرفض وجود المنصِّرين في أوساط المسلمين، ولكن هذا لا ينكر وجود جماعات تنصيرية في البلاد، وتتردد شائعات بأن مواطنين أذاريين قد اعتنقوا النصرانية، لكن لم أشهد بنفسي أي شخص ارتد عن الإسلام، لكني شهدت -بفضل الله- مسيحيين أذريّين اعتنقوا الإسلام بحرية تامة .
أمركة مرفوضة
انشغل العالم الإسلامي بقضيتي الإصلاح ومحاولة أمريكا فرض إسلام جديد على الدول الإسلامية. فما رؤيتكم لهذه القضية؟
أنا كشيخ للإسلام في القوقاز أرفض بشدة محاولات فرض الإصلاح على الدول الإسلامية عبر التدخل في شؤونها الداخلية .. فالإصلاح يجب أن يكون نابعاً من الداخل ومراعياً للخصوصية الثقافية للمسلمين، وبدون ضغوط خارجية عليهم، ولا يختلف موقفنا هذا عن معارضتنا الشديدة للمحاولات المستميتة لأمركة الإسلام عبر عناوين برّاقة ، وطرح ما يُطلق عليه "الفرقان الحق"، وكلها محاولات سيكون مصيرها الفشل .. فديننا الحنيف -حفظه الله- ولن يستطيع أحد العبث به لتحقيق مصالح سياسية.
يدور سجال دائم حول عدم جدوى الحوار بين الأديان في تخفيف الاحتقان المتنامي بين الغرب والعالم الإسلامي؟
إن التعدديّة الحضاريّة والدينيّة تفتح أمام المجتمعات الإنسانيّة الطريق نحو نبذ الخلافات، وهذا لن يحدث إلا من خلال فتح قنوات الحوار بين الثقافات والحضارات لتنال المجتمعات الإنسانية ما ترتجيه من سلام. فالتسامح هو القدرة على التحمل والصبر على ما يعتقده الآخرون مهما كان اختلافهم في الاعتقاد، ونحن كمسلمين نواجه تحديات عديدة من الغرب، على الرغم من فهم الآخر، واحترام عقيدته وثقافته، ونعتقد أن تفعيل قيم التسامح والابتعاد عن التعصب يجعل كل إنسان يأمن على نفسه ومعتقداته من عدوان الآخر؛ إذ لا يستطيع أي مجتمع بشري في عصر من العصور أن يستقر ويزدهر إلا إذا عمّت السماحة حياة أعضائه على أسس من الاحترام المتبادل والمعرفة السليمة بمعتقدات الآخرين الأمر الذي يساعدنا على نزع سلاح الشر وتجنّب اصطدام الحضارات.
=============(61/203)
(61/204)
بين داعية ومستشرق...حوار ومراسلات(1/3)
د. عبد الله الأهدل … … … … …12/1/1423
… … … … …26/03/2002
سنستعرض بإذن الله تعالى في الحلقات الآتية خلاصة حوار ومراسلات بين الشيخ عبد الله قادري الاهدل رئيس شعبة الفقه في قسم الدراسات العليا في الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة سابقاً وبين المستشرق النرويجي آينر برج الأستاذ بقسم الدراسات العربية والإسلامية( جامعة أوسلو), وقد كتب في سنة 1967م كتيبا صغيرا ضد اليهود، واحتجت سفارة اليهود في النرويج، واتصلوا برئيس الجامعة يطلبون منه أن يفصله من الجامعة، ولكنهم أخفقوا.
حوار مع المستشرق المنصف(1) الدكتور آينربرج.
سمعت المسلمين يثنون على هذا الرجل (AIN r BE r G) النرويجي. وعلى كتاباته عن الإسلام، وعلى ترجمته لمعاني القرآن الكريم، فاشتقت للقائه أكثر من غيره من المستشرقين الآخرين، وضرب لي الأخ أبو يوسف موعدا مع الرجل لأجتمع به في جامعة أوسلو في مقر عمله في الساعة الواحدة من ظهر هذا اليوم.
رحب بنا ترحيبا حارا،وهو من مواليد 1921م و يتحدث باللغة الإنجليزية، واللغة العربية باللهجة المصرية، وبعد أن تعارفنا وبدأ هو يثنى على الإسلام، طلبت منه أن نبدأ الحوار لأسجل المعلومات الممكن تسجيلها، فكانت كما يأتي:
اهتمامه بالإسلام ومؤلفاته.
سؤال:متى أول ما سمعت عن الإسلام في حياتك؟
جواب:في الحرب العالمية الثانية، كنت طيارا، وكان عندنا أسرى من المسلمين في شمال إفريقيا، وكانوا عمالا في إنجلترا، وكنت تابعا للجيش الإنجليزي، وكان أولئك العمال يصلون، ولفت ذلك نظري وسألتهم عن دينهم، ولم أكن قبل ذلك أعرف شيئا عن الإسلام، ولا كنت دارسا له.
سؤال:متى بدأ اهتمامك بالإسلام؟
جواب:عندما جئت إلى النرويج في سنة 1960م.
سؤال:وما سبب اهتمامك به؟
جواب:كنت مهتما بالدين بصفة عامة، والتقى المسلمين في إنجلترا فزاد اهتمامي به وذلك قبل 45 سنة من الآن، وأغلبهم أسرى كانوا منفيين في إنجلترا، ودرست تاريخ الأديان وخاصة الإسلام سنة 1965م.
ومن مؤلفاتي كتاب: الإسلام بين الصدام والحوار وترجمت كتاب الأيام لطه حسين، وكذلك ترجمت مبادئ الإسلام للمودودي، الذي بين فيه أصول الإسلام.
وترجمت معاني القرآن الكريم، وبدأت في ترجمته عندما كنت أدرس الطلبة في الجامعة، وكنت أترجم لهم بعض الآيات، فلما كثرت عندي الآيات المترجمة، أحببت أن أكمل ذلك، وكانت بداية الترجمة سنة 1970م، وأول طبعة خرجت سنة 1980م.
سؤال:ما سبب اتجاهك لدراسة الإسلام، وتدريسه أكثر من الديانات الأخرى كاليهودية والبوذية؟
جواب:كنت أعرف الأديان الأخرى من قبل، ولكن الإسلام يفسر معنى الإله تفسيرا واضحا، ويبين سبب وجودنا بطريقة يقبلها العقل والقلب(2) ...؟!
وقد دعيت من قِبَل بعض المؤسسات المسيحية والمدارس، لإلقاء محاضرات عن الإسلام.
سؤال:هل تعرف متى دخل الإسلام النرويج؟
جواب:في سنة 1000 ميلادية كانت توجد تجارة جيدة بين النرويج وروسيا، وكان من بين تجار روسيا مسلمون، ويرجع أصلهم إلى الخليفة البغدادي، ووصل هؤلاء المسلمون إلى النرويج بدليل وجود عملة عربية قديمة (3) .
سؤال:القرآن الكريم ورسالة محمد صلى الله عليه وسلم ماذا ترى فيهما، وقد ترجمت معاني القرآن الكريم، ودرست الإسلام وسيرة الرسو صلى الله عليه وسلم ؟
جواب:لا أشك في أن القرآن من الله، ولا أشك في ثبوت رسالة صلى الله عليه وسلم (4).
وعندما ترجمت القرآن الكريم، كنت أشعر أن الله ساعدني على ترجمته, وقد ترجمته من العربية إلى النرويجية، واستعنت بالترجمة الفرنسية والإنجليزية والألمانية واللاتينية.
علماء أعجب بهم.
سؤال:من أعجبك من علماء المسلمين قديما وحديثا ؟
جواب:في هذه الأيام حسن البنا وسيد قطب، وقبلهما محمد عبده، وقبله ابن تيمية, ولسبب إعجابي بهؤلاء أنهم يقولون أشياء منطقية صحيحة، يقبلها الإنسان العاقل وكذلك ابن الجوزي.
ونحن بحاجة إلى مسند الإمام ابن حنبل، عندنا نسخة واحدة فقط منه والطلاب يقبلون إليه كثيرا، وعندي نسخة من كتاب أصول الإيمان للشيخ محمد بن عبد الوهاب وهو كتاب جيد.
ولدينا مكتبة جيدة من المراجع الإسلامية في الجامعة، ونحن بحاجة إلى المزيد.
سؤال:كم عدد المسلمين من أصل نرويجي؟
جواب:لا أدري، وعندي طلاب نرويجيون أسلموا وعددهم ستة: رجلان وأربع نساء.
الموضوعات الإسلامية التي يمكن أن يتأثر بها الأوربي.
سؤال:ما الموضوعات التي ترى أنها يمكن أن تؤثر في الأوروبي؟
جواب:أهم موضوع هو العقيدة الصافية، وإبراز الحضارة الإسلامية, ومن الموضوعات المهمة بيان النواحي الاجتماعية في الإسلام، كتربية الأطفال، وعلاقة الوالدين بهم لما لموضوع الاطفال من مكانة في الإسلام .
وكذلك قضية المرأة في الإسلام، لأن الأوروبي يعتقد أن المرأة ليس لها مكانة في الإسلام.
سؤال:هل تظن أن هذا الاعتقاد خطأ من الناس، أو لهم مستند في ذلك؟
جواب:الرسو صلى الله عليه وسلم كان طيبا مع نسائه، ولكن التطورات التي حصلت بعد ذلك غيرت من المعاملة للمرأة قليلا.(61/205)
مثال ذلك: أن الرسو صلى الله عليه وسلم تزوج خديجة رضي الله عنها ولم يتزوج عليها امرأة أخرى خلال 25 سنة، ثم تزوج بعد ذلك عددا من النساء لأسباب كثيرة، لكن الآن ـ وإن كان القرآن يحل الزواج بأكثر من واحدة، فعلى الزوج أن يبقى 25 سنة مع زوجته قبل أن يتزوج عليها غيرها، كما فعل الرسو صلى الله عليه وسلم ، ولأن العدل بين الزوجات صعب، كما دل على ذلك القرآن ولهذا ينبغي الاكتفاء بزوجة واحدة (5) .
صفات الداعية المؤثر في الأوربي.
سؤال:ماهي صفات الداعية المسلم الذي يمكن أن يؤثر في الأوربي بدعوة الإسلام؟
جواب:هناك أمور لابد أن يركز عليها الداعية في أوربا:
الأول: أن يخاطب الناس بالأمور التي يتفق فيها المسلمون والمسيحيون حتى يستميلهم، فإذا حصل ذلك تدرج معهم بالأمور الأخرى التي يخالفون فيها.
والثاني: دفع الشبهات المنسوبة للرسو صلى الله عليه وسلم ، مثل قولهم إنه كان نزاعا إلى النساء ولذلك تزوج نساء كثيرات، وأنه كان يعتمد على العنف في دعوته إلى الإسلام.
الثالث: يجب أن يكون الداعية إلى الإسلام متمكنا منه، وهو مقارنة الأديان، بحيث يكون عنده علم بالدين الذي يدعو أهله إلى الإسلام، كالمسيحية مثلا، لأنه بذلك يستطيع أن يبين لهم عدم صحة دينهم، ويبين لهم سمو الإسلام وأضرب لذلك مثالين:
المثال الأول: أن القرآن الكريم اعتبر آدم وحواء مشتركين في الخطيئة عندما أكلا من الشجرة، ولكن المسيحيين يعتبرون المرأة هي سبب الخطيئة، وأن حواء هي التي أغوت آدم، ويعتبرون أن الخطيئة ما زالت مستمرة في ابن آدم.
المثال الثاني: أن الإسلام يعتبر الطفل مولودا على الفطرة والمسيحيون الإيمان عندهم باستمرار الخطيئة في ابن آدم، يحكمون على الطفل أنه يولد متحملا الخطيئة، وقبل مائة سنة كانوا يغطسون الأطفال في الماء عندما يولدون، حتى يطهروهم من الخطيئة في زعمهم، فإذا ماتوا قبل الغسل لم يدفنوهم وإنما يرمونهم في النفايات، لأنهم متسخون بالخطيئة.
هل أقام المسلمون الحجة على الناس في أوربا؟
سؤال:هل قام المسلمون بواجبهم في نشر الإسلام، وإقامة الحجة على الناس؟
جواب:أغلب المسلمين هنا جهال، ولكن في استطاعة المتعلمين منهم أن يقوموا باجتماعات ومحاضرات لتفهيم الناس بالإسلام، وكان يُعرض برنامج في التلفزيون عن الإسلام منذ سنوات، وكان له أثر جيد وليته يعاد هذا البرنامج مرة أخرى، ووجود المسلمين في النرويج يلفت انتباه الناس للإسلام، ولا أرى أن الحجة قد قامت على الناس بالدعوة إلى الإسلام، لعدم من يبلغ الإسلام إليهم, والأخطر من ذلك أن الكتب الموجودة في المدارس تتضمن موضوعات ضد الإسلام.
سؤال:أيهما أكثر تأثيرا في النرويجي من المسلمين: الطلاب، أم الجالية؟
جواب:كلهم سيؤثرون، لأن وجودهم ينبه الناس على الإسلام، والنرويجي إذا أراد أن يسأل عن الإسلام توجه إليهم.
سؤال:ما رأيك في اتخاذ الإعجاز العلمي في القرآن الكريم وسيلة لدعوة الأوروبي؟
جواب:لا أعتقد أن أحدا يرى أن القرآن يتناقض مع العلم، وعلى الرغم من أن الكنيسة هاجمت العلماء، ولكنها الآن تحترم العلماء فلا أرى داعيا لطرح ذلك(6) .
هذا وقد بقينا معه ساعتين كاملتين، كانت المناقشة معه ممتعة جدا، وكان هو في غاية السرور.
وقد ودعنا بحرارة أرجو الله أن يوفقه ويزيده بصيرة، وقد سألني بعض الأسئلة في معنى بعض الآيات القرآنية من ذلك قوله تعالى:{وفرعون ذي الأوتاد} ما معنى الأوتاد؟ فأخبرته في حينه بما استحضرته، وهو أن لفرعون الطاغية أوتادا كان يربط أرجل الناس وأيديهم إليها، إذا غضب عليهم.
فقال هو: إن المعنى الذي تبادر إلى ذهني أنها الأهرامات، لأنها كالجبال، والجبال سميت أوتادا في القرآن الكريم، فقلت له: الأفضل أن تعود إلى تفسير السلف أولا، كتفسير بن جرير وتفسير ابن كثير، فوعد بذلك.
1- إذا وجد شئ في كتابات هذا الرجل فيه مخالفة لبعض معاني القرآن الكريم والسنة فهو ناتج عن سوء فهم، وليس عن سوء قصد، وهذا هو الغالب على ظني.
2 - في سنة 1967م التقى في القاهرة ببعض الأزهريين وبعض العلماء من دولة عربية أخرى (5/989.
3 - الشرق الأوسط عدد 3719، الخميس 2/2/1989م، معرض النقود الإسلامية في السويد.
4 - يوجد عند بعض المسيحيين اعتقاد أن القرآن وحي وأن محمدا r رسول، ولكن لا يعتقدون أن الأديان الأخرى خاصة النصرانية منسوخة بذلك!.
5 - أخبرته أن هذا الموضوع يحتاج إلى نقاش طويل معه، ولكن الوقت لم يكن متسعا ونحن في حاجة إلى المزيد من المعلومات ولكن يبدو أن الرجل عنده استعداد طيب لقبول الحق إذا اتضح له.
6 - كنت أريد أن أوضح له عن معنى الإعجاز العلمي في القرآن ولكن الوقت كان ضيقا فلم نستطع مناقشة كثير من المسائل.
=============(61/206)
(61/207)
حوار الأديان
أجاب عليه:سلمان العودة
السؤال:
ما رأيكم فيما يشاع في هذه الأيام من الحوار بين الأديان؟ وما هو موقفي - كمسلم - من غير المسلمين في هذا الزمان الذي ضعف فيه المسلمون وتسلط عليهم غيرهم؟ هل هو الأخذ بالعفو والصفح، أم الجهر بالولاء والبراء، أم الاعتزال؟ وما المنهج - في رأيكم - الذي ينتهجه الغرب في هذا الزمان؟ هل هو مسيحي حقاً أم إنه ينطلق من منطلق علماني؟ والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الجواب:
الحوار بين الأديان مصطلح يتداول غالباً لتجاوز حدود شرعية إسلامية، وإن كان الحوار والبحث وبيان حقيقة دين الإسلام لأي نوع من الكفار مقصود، وهو من الدعوة، لكن هذا المصطلح - غالباً- تحته هذا القصد الذي يجب إنكاره.وأما حالك الخاصة فقدر لكل مقام قدره، واقصد المصلحة والمستطاع وما فيه خير لك ولغيرك.
=============(61/208)
(61/209)
الدولة والدين في فرنسا.. لا مبالاة أم تعاون؟
إدريس الكنبوري / الرباط 26/11/1426
28/12/2005
نشرت يومية (لوفيغارو) الفرنسية هذا الأسبوع مقالاً هاماً لرئيسة منتدى الجمهوريين الاشتراكيين في فرنسا (كريستين بوتان) تنتقد فيه قانون العلمانية الفرنسي لعام 1905 الذي يثور حوله نقاش واسع وسط الفرنسيين. وترى الكاتبة أن القانون المذكور كان خطأ، وأن قصر الدين على الحياة الخاصة للمواطنين معناه تحويلهم إلى أشخاص مصابين بازدواجية الشخصية. ولأهمية المقال نعيد ترجمته كاملاً.
تزامُن ذكرى مرور مائة سنة على قانون 1905 مع مظاهر العنف الاجتماعي التي اجتاحت فرنسا بأكملها يفرض علينا أن نطرح على أنفسنا السؤال حول مكانة الأديان في مجتمعنا. إن العزلة المتزايدة للأشخاص وصعوبة دخولهم في علاقة مع الآخر أمران يضعاننا أمام حقيقة أننا نعيش -حالياً- أزمة إدراك، وأزمة تعرّف على الذات ، وأزمة اختلاط الأدوار. وإذن هل يجب في هذا السياق حصر الشأن الديني في إحساس فردي، على الدائرة العمومية الاستمرار في تجاهله؟ أو أنه سيكون من الواجب الاعتراف له ببعده الاجتماعي الذي يحتاجه مجتمعنا؟ هل الشأن الديني ينتمي إلى الماضي أم هو على العكس فاعل لا يمكن تجاوزه بالنسبة للسلم الاجتماعي؟
لقد كنا شهوداً خلال قرن على فقدان الحس الديني والمعنى الديني على المستوى الدستوري، وهو حس ومعنى كان من شأنه أن يساهم في بناء شخصية الفرد، وتزويده بمعالم تدلّه، تماماً كما كانت تفعله منظمات أخرى غير دينية مثل النقابات والأحزاب السياسية.
إن النزعة الدينية أو الروحية، والبحث في معاني الوجود والسمو، هي -على الرغم من كل شيء- أمور موجودة بقوة في وقتنا الحاضر. وهي لم تعد في الغالب نتيجة تربية، ولكن نتيجة بحث شخصي، مما يجعل الاعتقاد والالتزام أكثر قوة. وإذا لم يكن للدولة أن تتدخل في تنظيم هذه ''النزعة'' فإن لها مع ذلك أن تهتم بالظاهرة الدينية، وأن تعطي مضموناً لمبدأ العلمانية.
بعد النقاشات المتعددة للقرن العشرين حول تفسير العلمانية على الطريقة الفرنسية، ها نحن اليوم نقبل على حقبة أكثر هدوءاً للعلاقات مع الأديان وبين الأديان بعضها مع بعض. ولقد ذكر منتدى الجمهوريين الاشتراكيين بتشبثه بمبدأ العلمانية هذا الذي يقوم على دعامتين اثنتين: الحرية الدينية(التي تتضمن بالضرورة حرية الاعتقاد) وحياد الدولة. ويؤكد المنتدى على أن الحرية الدينية ليست فقط حرية العبادة التي يمنحها قانون1905 وضعاً مُرضياً، ولكنها كذلك الحرية في تربية الفرد أطفاله حسب معتقده Kوحرية التعبير عن هذا المعتقد أمام الملأ. فمبدأ العلمانية في حقيقته الأولى لا يمنع إطلاقا الفرد من الإيمان بالله، ولا ممارسة ديانة، ولا أن يظهر ذلك، ويعلنه بطريقة أو بأخرى، بل إنه لا يمنعه حتى من الدعوة إلى دينه. ويبقى كل فرد حراً في الانتماء إلى دين من اختياره، ما دام هذا الاختيار قد تم دون إكراه، ولا يمنعه من التعبير عن انتمائه هذا أمام الملأ، ما دام هذا التعبير لا يضر بحرية الآخرين ولا بالنظام العام، ولا بمشاركة المؤمن في الحياة الجماعية التي تفرضها عليه صفته كمواطن أو كمقيم على التراب الوطني.
إن حصر الشأن الديني في الدائرة الخاصة المحضة معناه تحويل الإنسان إلى إنسان مصاب بـ(السكيزوفرينيا أي اِزدواج الشخصية). فكيف يمكن للشخص أن يفكر في حياته الخاصة بشكل يختلف عنه، وهو يفكر في الحياة العامة؟ كيف يمكن للإنسان وبشكل سويّ أن يكون مسيحياً أو مسلماً أو يهودياً في حياته الخاصة وملحداً في حياته العامة؟ أي شكل من الشمولية هذا الذي يدّعي الحكم بهذه الطريقة في الشرع الداخلي للأشخاص؟ ليس هناك ديكتاتورية واحدة استطاعت أن تنال من وحدة الشخص بعدوان مماثل؛ لأن وحدة الفرد تعود إلى حريته الداخلية التي لا شيء ولا أحد يمكنه أن يمسها.
إن حصر الشأن الديني داخل الدائرة الخاصة يعني كذلك إنكار أن الإنسان هو في نفس الوقت كائن فردي واجتماعي، وأن بعده الاجتماعي يتضمن بعداً روحياً.
إن العلمانية التي تحترم الديانات تعترف طبعاً بالإنسان في تنوّعه وتكامليّته؛ وبهذا فالشأن الديني يساهم في وضع قواعد العيش الجماعي.
ولمواجهة الضعف والهشاشة اللذين تسير نحوهما علاقاتنا الاجتماعية، سيكون من غير المعقول عدم الاعتراف بدور الأديان، وعدم إشراكها في إعادة بناء وحدتنا الوطنية. علينا ألاّ نُكرِه الأديان على الانكفاء على ذواتها، وعلى الدخول في منطق المطالب الفئوية والطائفية. ولنمنحها إمكانية أن تكون بمكانتها الملائمة لها فاعلاً في الإدماج. وهذا يقتضي أن نبادر إلى وضع سياسة تعاون سواء على المستوى الوطني أو على المستوى المحلي، سياسة تتضمن حواراً طبيعياً وكامل الثقة على جميع مستويات الحياة السياسية؛ فالأديان-وعلى الخصوص الأديان المسيحية التي كان لها دور حاسم، تاريخياً وثقافياً في بناء الهوية الفرنسية- هي مكوّن من مكوّنات الحياة الاجتماعية، وعليها -على هذا الأساس- أن تساهم في الحياة الجماعية الوطنية، أي الحياة السياسية.
============(61/210)
(61/211)
الغرب... ثقافة الصّراع وإبادة الآخر
نايف ذوابه 13/2/1427
13/03/2006
حوار الآخر وحوار الأديان وحوار الحضارات وحقوق الإنسان، شعارات الغرب البرّاقة لم تعد تنطلي على أحد بعد أن خدعنا بها الغرب ردحاً من الزمن، وقد كان جمهرة المثقفين والناشطين السياسيين المتشدقين بها يتطلعون إلى الغرب كمثل أعلى وقدوة، فأصبحت عبئاً عليهم وقذاة في عيونهم.
لم تعد الخدعة والكذبة الكبرى تنطلي على أحد بعد أن امتُحنت هذه الشعارات على أرض بلادنا، فافتُضح كذب هذه الشعارات وانتهازيتها، وتبين أنها شعارات خاوية من معاني الشرف الذي يحاول أن يسبغه عليها موظفو وزارة الخارجية الأمريكية؛ فقد أصبحت دميمة ومملّة على الرغم من كل عمليات التجميل والماكياج الدائبة التي تجري لهذه المصطلحات من قبل موظفي دائرة العلاقات العامة الأمريكيين، الذين هبّوا لتحسين صورة وجه أمريكا في العالم الإسلامي، وقد أدركت (كارين هيوز) من خلال جولتها في الشرق الأوسط -وخاصة السعودية وتركيا- مدى صعوبة بل جسامة المهمة واستحالتها؛ فقد اتّسع الخرق على الراقع، ولا أظن أن البرامج التي خصصتها الجزيرة مؤخراً لاستضافة موظفي الخارجية الأمريكية بمجدية نفعاً لهم، حتى لو تكلموا باللغة العربية المطعمة أو المطهمة بالعامية المحلية؛ ليتألّفوا بها قلوب المسلمين، ومهما ألقَوْا من الابتسامات العريضة على شاشات الفضائيات، وخاطبوا جماهيرها الغفيرة مباشرة؛ فهؤلاء رأوا بأم أعينهم أفعال أمريكا المشينة في أبو غريب وأقفاص غوانتانامو وأفغانستان، وأمثالنا العربية أفصح وأبلغ من كل هرطقات الساسة الأمريكان؛ فقد قالت العرب: ليس راءٍ كمن سمع!! وصور سجن أبي غريب لن تمّحي من ذاكرة المسلمين، وستظل تهتف بهم تنشد منهم الثأر لحرماتهم التي انتُهكت، وضجّت من دناءتها جدران المكان!!
لم تعد تنطلي محاولات التزوير وسوق الأضاليل على الشعوب، بما فيها الشعوب الغربية نفسها؛ لأنها ترى وتسمع حكوماتها تتحدث بلسانين، وتكيل بمكيالين، وتقيس بألف مقياس ومقياس حسب الحالة، ووفق الظرف، والمدّعِي والمدّعَى عليه .... وخلاصة القول: الشعوب لا تنظر إلى دموع التماسيح التي تذرفها أمريكا على حقوق الإنسان في بلادنا بل تنظر إلى ما تفعله يداها!!
ثقافة الصراع وإبادة الآخر جزء لا يتجزأ من ثقافة الغرب؛ أليست الثقافة الغربية وريثة الحضارتين اليونانية والرومانية، ثقافة الصراع بين الآلهة، ثم الصراع بين الدين والدولة، والصراع بين الإنسان والطبيعة، والصراع بين الإنسان والآلة، ثم صراع الحضارات عند هنتنغتون؟!
فكرة الصراع في الغرب جزء من بنيتهم الثقافية قديماً وحديثاً. صراع ينتهي بإبادة الآخر؛ فهناك صراع بين الآلهة فوق جبال الأوليمب، وصراع في الإلياذة والأوديسة بين أثينا وإسبارطة، صراع الدولة الرومانية مع الفرس، صراع المسيحية مع الإسلام، وزحف هذا الصراع إلى أمريكا في عملية الهنود الحمر.
"والسلوك اليهودي في فلسطين ليس مرده إلى التلمود، ولكنه الاستعمار الاستيطاني الذي يشبه الاستعمار الأبيض للقارة الأمريكية وجنوب إفريقية، حيث أُبيد السكان الأصليون ... فتقديس الصهاينة للعنف إفراز طبيعي للحضارة الغربية العنصرية الاستعمارية التي كانوا يتحركون في إطارها، والصهيونية لم تتحول إلى حقيقة إلا عبر التشكيل الاستعماري الغربي، وهي تدور في إطاره، وتدرك العالم من خلال خريطته المعرفية، وليس من خلال التوراة أو التلمود أو البروتوكولات".
هذا "الصراع الأيدلوجي الذي أسس له دارون والصراع الاجتماعي عند سبنسر وصراع القوميات عند نيتشة".
شعارات الديموقراطية وحقوق الإنسان والحوار مع الآخر شعارات مضروبة لا يشتريها أحد، يُسمح بها طالما كانت الأمور تحت السيطرة لحساب التفوق الأبيض. أما إذا اهتز التفوق الأبيض أو تحرّكت ضدّه نذر الخطر من بعيد على مرمى قارات ومرمى قرون فإن الإبادة للآخر تتكشف لتكون هي الأساس. إبادة الآخر في الأندلس، إبادة الآخر المسلم في أوروبا الشرقية والبلقان، وآسيا الصغرى والقوقاز، وإبادة الآخر في الجزائر وفلسطين والعراق وفيتنام... إبادة الآخر في أمريكا نفسها التي بدأت كمشروع استيلاء ونهب لقارة بأكملها من أهلها الأصليين، ولم يكن هناك بديل للبندقية، وكان العنف هو الوسيلة لتحقيق الهدف في أقصر وقت ممكن وبأقل جهد!!
يقول نعوم تشو مسكي في (تواريخ الانشقاق)، وهي حوارات أُجريت معه وطُبعت في كتاب ترجمه محمد نجار يقول: "الولايات المتحدة وُجدت وأُسست على دمار السكان الأصليين للبلاد. فقبل أن يكتشف كولومبس أمريكا، فقد قُدّر السكان الذين كانوا يعيشون شمال (ريوجراند) من (12-15) مليون نسمة، إلا أنهم تقلصوا مع بداية هذا القرن -يعني القرن العشرين- إلى مائتي ألف نسمه فقط".
وكتب جورج واشنطن في إحدى رسائله إلى المفوض للشؤون الهندية يقول: "إن طرد الهنود من أوطانهم بقوة السلاح لا يختلف عن طرد الوحوش المفترسة من غاباتها"!!(61/212)
وسن الكونغرس عام 1830م قانون ترحيل الهنود بالقوة من شرق المسيسبي إلى غربه، فصار من حق كل مستوطن أن يطرد الهندي من بيته وأرضه، وأن يقتله إذا لم يستجب لصوت العقل"!!
وقد استخدم الأمريكيون لإبادة سكان البلاد الأصليين -بالإضافة إلى القتل وهدم المدن والقرى- وسائل أكثر وحشية وحقداً؛ فقد قاموا بنشر وباء الجدري بين قبائل الهنود بوساطة التلويث المتعمّد بجراثيم هذا الوباء للأغطية التي أُرسلت لهم، كما اعترف بذلك (وليم براد فور) حاكم ولاية بليموت الذي يرى أن نشر الجدري بين الهنود يدخل السرور والبهجة على قلب الله!!
انظر إلى بهتانهم كيف يفترون على الله؛ إذ يصوّرونه ظالماً، وفي أبشع صور الظلم - قاتلهم الله، وتعالى الله عن ذلك علواً كبيراً- وهو القائل في الحديث القدسي على لسان رسوله الكريم: يا عبادي إني حرّمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرّماً!!
وفي أواخر القرن التاسع عشر اجتاحت القوات الأمريكية الفلبين، وارتكبت أبشع الفظائع هناك. يقول أحد أعضاء الكونغرس ضمن تقرير له على إثر زيارة قام بها إلى الفلبين: "إن الجنود الأمريكيين قتلوا كل رجل وامرأة، وكل سجين وأسير، وكل مشتبه به ابتداءً من سن العاشرة، وهم (أي الجنود الأمريكيون) يعتقدون أن الفلبيني ليس أفضل كثيراً من كلبه، وخصوصاً أن الأوامر الصادرة لهم من قائدهم فرانكين قالت لهم: " لا أريد أسرى، ولا أريد سجلات مكتوبة". وفي ألمانيا وبعد انهيار قوات الرايخ أسفر القصف الجوي العشوائي الأمريكي على المدنيين عن خمسمائة وسبعين ألف قتيل، وثمانمائة ألف جريح.
وفي هيروشيما باليابان قُتل عشرات الآلاف من المدنيين بالقنبلة النووية، وبعد ثلاثة أيام من ذلك الحدث أُلقيت على ناجازاكي قنبلة أخرى مماثلة، ولم يكن لفظاعة قنبلة هيروشيما، وما نجم عنها من أهوال وفواجع، لم يكن لذلك رادع من ضمير عن تكرار ذلك العمل الرهيب!! مما يعني الإصرار على القتل والتدمير، وبدم بارد كما يُقال، علماً بأن إمبراطور اليابان كان قد اقترح قبل ذلك أي قبل إلقاء القنابل الدخول في مفاوضات الاستسلام.
وبعد تسأل أمريكا بوقاحة: لماذا يكرهها العالم؟!
ويستبدّ بك العجب من صلف هؤلاء ووحشيتهم التي بلغت حد الهوس والهذيان والجنون...!!
وبالمقابل إزاء هذا الصلف وهذه الوحشية -أيضاً- تعولمت مشاعر العداء والكراهية لأمريكا، إلى الحد الذي أصبح يُشار به إلى الأمريكي بـ"الكريه"!
ومازال الأمريكان يستغرقون في السؤال الذي لا يحتاج إلى جواب...!!
============(61/213)
(61/214)
قول المسلم للكافر "أنا أحترم دينك"!
أجاب عليه:د. محمد بن عبد الرحمن أبو سيف
السؤال:
هل يجوز القول لغير المسلم: "أنا أحترم دينكم، أو أنا أحترم الأديان" للمقاصد التالية:
لقصد التقرب إليه دنيوياً، أو لقصد دعوته للإسلام كبداية حوار، أو لدرء فساد منه وشر متوقع.
الجواب:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فقد شرع الله البراءة من الأديان غير دينه "قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ، لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ، وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ، وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ، وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ، لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ" [الكافرون:1-6]. وجعل إبراهيم عليه السلام أسوة حسنة للمسلمين في البراءة من الشرك وأهله، ونهى عن مداهنة المشركين "وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ" [القلم:9]. ونهى عن الركون إليهم، ولو شيئاً قليلاً "وَلَوْلَا أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا إِذًا لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا" [الإسراء:74-75].
فلا احترام للأديان الوثنية ولا للباطلة ولا ما كان أصلها دين سماوي صحيح لكنه حُرِّف وبُدِّل فيه، ولا يجوز بحالٍ أن يقوم في قلب المسلم احترامٌ لدين غير دين الله، فإذا كان ذلك كذلك فلا يجوز للمسلم الكذب وادعاء احترام دينٍ غير دين الله وليس ثمة ما يلزم معه قول هذا الكلام ولا تقتضيه مصلحة شرعية بحال. فلا يجوز قوله على أي حال علماً بأن الحال الأول وهي "قصد التقرب إليه دنيوياً" أشد الأحوال حرمة. والله أعلم.
=================(61/215)
(61/216)
مؤتمر قادة الأديان .. إسرائيل تكسب ؟!
محمد جمال عرفة - القاهرة 12/11/1423
26/01/2002
المؤتمر أعد له الإسرائيليون وصاغوا بيانه ، ووقع عليه شيوخ مسلمون وقساوسة وهدفه الأساسي إدانة العمليات الاستشهادية .. !
هذا هو باختصار ملخص ما دار في اللقاء الديني الثلاثي الذي عقد يومي 20 و21 يناير في مدينة الإسكندرية المصرية وحضره قادة دينيين مسلمين ومسيحيين ويهود ، وخرج بعده الحاخامات وهم يتهللون فرحا ويشكرون شيخ الأزهر علي مساندته للمؤتمر !!.
المؤتمر كشفت الصحف الإسرائيلية بوضوح انه نتاج تفكير إسرائيلي وان الهدف منه إدانة العمليات الاستشهادية الفلسطينية ضد الصهاينة ودفع الرموز الدينية الإسلامية والمسيحية للتوقيع على هذا ، ودور أسقف بريطانيا جورج كاري كان مجرد المحرك لتنفيذ المؤتمر وإقناع الطرف المسلم بقبول فكرة المؤتمر بدعوى لعب رجال الدين دورا مهيئا للسلام ووقف سفك الدماء في الشرق الأوسط !!
أما بيان المؤتمر (الإسكندرية) فصياغته تغني عن معرفة من وضعه وما هي أهدافه.. ويكفي أنه يبدأ بعبارة تقول أن : قتل الأبرياء "باسم الرب" تدنيس لاسمه تعالى ولكل أديان العالم !! ،وأنه -في البنود السبعة التي وردت فيه - لم يذكر كلمة واحدة عن حقوق الفلسطينيين أو العدوان الصهيوني .
فالمعروف - في العرف العالمي - أن الذين يقومون بالقتل "باسم الرب" هم قادة الحركات الجهادية الفلسطينية ، وبالتالي فالبيان يدين عمليا العمليات الاستشهادية ولا يتعرض للإرهاب الصهيوني بكلمة !!
ويكفي الصهاينة مكسبا أن حاخاماتهم جلسوا علنا ورسميا أمام عدسات المصورين والتلفزيونات بجوار شيخ الأزهر وقاضي المحاكم الشرعية الفلسطينية وأساقفة الغرب والشرق ليكون التطبيع الديني مدخلا للتطبيع السياسي ويجري طلب تغيير مناهج الدين الإسلامي (الإرهابية في عرفهم) دون مواربة لأنها تخرج متطرفين وإرهابيين !!.
نموذج من الفرح الصهيوني !
وقد لخص الكاتب الصهيوني ناحوم برنياع في صحيفة (يديعوت احرونوت) يوم 22 يناير نتيجة لقاء قادة الأديان الثلاثة الذي استهدف إصدار بيان ديني يمهد للسلام بقوله : "من زاوية نظر إسرائيلية فان الورقة (البيان) ممتازة، وهو بيان صهيوني كما وصفه بحرارة الوزير الفلسطيني صائب عريقات، حين قرأه قبل وقت قصير. ولكن الأساس ليس الإحساس بالإنجاز لدى الإسرائيليين الذين أعدوا الصيغة، بل كيف يقرأ الورقة الانتحاري القادم من حماس، إذا قرأها أصلا " .
وواضح ما الذي يقصده الكاتب فلو صدر بيان يدين العمليات الاستشهادية من جانب إسرائيليين او مسيحيين فلن يلتفت له الاستشهاديون أو المسلمون عموما ، أما لو صدر من جانب شيخ الأزهر أو قاضي المحاكم الشرعية الفلسطينية فلا شك أنه مؤثر ومؤلم جدا !!
بل إن الكاتب الصهيوني ذهب أبعد من ذلك مفسرا قبول شيوخ المسلمين الجلوس على مائدة التفاوض مع الحاخامات باعتباره رغبة حكومية في المقام الأول ضمن الوضع الصعب الذي يعيشه العالم العربي والإسلامي الآن ( في ظل حملة الإرهاب الأمريكية) وبالتالي قبولهم التنازل تلو الآخر . إذ يقول ناحوم برنياع إن "استعداد رجال دين مصريين وفلسطينيين للموافقة علي ميثاق مشترك مع رجال دين يهود ومسيحيين يدل علي مدى الصعوبة والضائقة السياسية التي يشعر بها قادتهم - مبارك وعرفات، فمصر مبارك متهمة في الولايات المتحدة بمساعدة غير مباشرة لإرهاب بن لادن - بواسطة تصدير إرهابيين إسلاميين إلى الدول الأخرى، وإيداع التعليم بيد المتدينين المتطرفين وافساد الاقتصاد والمجتمع ،وجواب مبارك هو الشيخ طنطاوي" ولا ينسى الكاتب أن يؤكد أن الشيخ طنطاوي سبق أن أيد العمليات ضد الإسرائيليين، والان يعارضها باسم الله على حد قوله !.
ويضيف : "ليس صدفة أن طلبت مصر استضافة المؤتمر، وليس صدفة ان ضغط طنطاوي على نظرائه الفلسطينيين كي يوقعوا، وليس صدفة أن تذكر طنطاوي بأن لديه لقاء عاجلا في القاهرة لذلك لا يستطيع أن يوقع على البيان شخصيا، ولن يشارك في المؤتمر الصحافي. إنه بذلك يعرض حياته للخطر. قال مساعدوه أمس للإسرائيليين: لا تعرفون ماذا سيحصل لطنطاوي حين تنشر الصور من المؤتمر في الصحف المصرية ".
بل أن الكاتب الصهيوني يكاد يجزم بان "الضائقة السياسية" التي يعاني منها عرفات لم تمنعه من أن يأمر شيوخه، الشيخ التميمي من الأقصى والشيخ طلال سدر وزير الأديان، أن يتوصلا إلى بيان مشترك.
ووصل الأمر لحد رفض الإسرائيليين أي تعديل يدخله الفلسطينيون على البيان الذي سبق أن اتفق عليه نائب وزير الخارجية الحاخام ميخائيل ملكيئور مع شارون حوله وتلقى مصادقة منه بشأنه !!.
أما سبب رفض أي مطالب للفلسطينيين - باستثناء كلمة أو اثنين - فهي "حالتهم الضعيفة الراهنة حيث لا يستطيعون إملاء مطالب" !.(61/217)
والغريب أن ما كشفه هذا الصحفي الصهيوني لم يعرفه غالبية الصحفيين المصريين أو العرب الذين تابعوا المؤتمر الديني لأنهم ببساطة مُنعوا من دخول الفندق الذي عقد فيه ، ولم يتلقوا أي إجابة من أي أحد من المشاركين ولم يكن أحد يعرف ماذا يجري وكل شئ تم بعجالة غريبة مما أثار التساؤلات والدهشة وأثار غضب الكثير من علماء الأزهر الشريف.
أزهريون يحتجون
وقد دفع غموض الهدف من هذا اللقاء والترتيبات العاجلة التي جرت وما تمخض عنه من توصيات تصب في صالح الصهاينة لقيام علماء أزهريون بتوجيه نقد للبيان ووصفه بانه بمثابة وثيقة إدانة للعمليات الاستشهادية الفلسطينية ضد الصهاينة ، تورط في التوقيع عليها العلماء المسلمون الذين شاركوا في المؤتمر .
فقد قال أحد العلماء الذي فضل عدم ذكر اسمه خوفا من البطش به خصوصا بعد تحويل عدد من شيوخ الأزهر للتحقيق ومجالس التأديب مؤخرا لمخالفتهم رأي شيخ الأزهر أو السفر للعراق بغير أذنه ، أن صيغة البيان " اكبر دليل على أن الذي صاغه هم اليهود والنصارى الذين شاركوا في المؤتمر وقصر دور علماء المسلمين على التوقيع عليه هو نص البيان على أن قتل الأبرياء "باسم الرب" تدنيس لاسمه تعالى ولكل أديان العالم !! .
وأضاف أن الهدف من هذه العبارة واضح وهو إدانة العمليات الاستشهادية البطولية التي يقوم بها الفلسطينيون دفاعا عن أرضهم ، كما ان بقية نقاط البيان السبعة تخلو من أي إشارة لحقوق الفلسطينيين أو العدوان الصهيوني المستمر ضدهم يوميا .
وكان ممثل أسقف كانتربري قد أكد عقب صدور البيان أن هذه الإدانة الخاصة بالقتل باسم الرب "تشمل العمليات الفدائية في الشرق الأوسط" مشيرا إلى أنه أول بيان مشترك في هذا الصدد يوقعه علماء دين مسلمون ومسيحيون ويهود.
أما الشيخ يحي إسماعيل أحد علماء الأزهر الذين تم فصلهم لمعارضتهم لشيخ الأزهر مؤخرا فقد وصف لقاء علماء المسلمين بالحاخامات بأنه " تنازلات مهينة لليهود لأن اليهود - حتى الحاخامات -محاربون ، مجرمون ومغتصبون ، ولا يجوز الحوار معهم أو التفاوض بغير السلاح لأنهم يغتصبون أرضا ليست أرضهم" .
وبالمقابل أشاد كبير حاخامات اليهود الشرقيين في إسرائيل (بكشي دورون) بشيخ الأزهر طنطاوي وجهوده التي قال أنه "يبذلها دون أي حواجز أو عراقيل من أجل وقف العنف واعتبرها في غاية الأهمية " في إشارة واضحة الي فتاوى سابقة لشيخ الأزهر بتحريم العمليات الاستشهادية ضد المدنيين الإسرائيليين ، فيما قال وزير الدولة في السلطة الفلسطينية الشيخ طلال السدر إن الوفدين الإسرائيلي والفلسطيني سيرفعان نتائج اللقاء إلى رئيس الوزراء أرييل شارون والرئيس ياسر عرفات من أجل وضع خطة تطبق على الأرض .
وكان المؤتمر قد فشل في التوصل لصيغة مناسبة تتوافق مع أراء قادة الأديان الثلاثة بشأن مصير مدينة القدس رغم أن القس جورج كاري قال قبل وصوله مصر ان التوصل لصيغة حول المدينة المقدسة أحد الأهداف ، وقالت مصادر مصرية أن الوفد اليهودي تشدد في أحقيته بالسيطرة علي المدينة ورفض أي حديث عن أحقية المسلمين أو الفلسطينيين فيها سياسيا مما دعا المجتمعون لتقصير مدة المؤتمر من ثلاثة أيام إلي يومين والاكتفاء بالبيان العام الذي صاغه اليهود والمسيحيين ووقع عليه المسلمون .
ووصف رئيس الكنيسة الإنجليكانية في بريطانيا القس جورج كاري أهمية اللقاء بقوله : " أنها رسالة مهمة إلى الشرق الأوسط تتمثل في أننا كزعماء للأديان السماوية الثلاثة نؤكد ضرورة إقرار السلام والعدالة في الأراضي المقدسة"، و"سنعمل سويا من أجل تشكيل لجنة مشتركة دائمة لمواصلة الحوار فيما بيننا للفت الانتباه من كل جهة لوقف تصاعد التوتر والعمل على إعادة المفاوضات إلى مسارها الطبيعي والتخفيف من معاناة سكان الأراضي المقدسة".
تحسين صورة إسرائيل والغرب
وقد وصف مثقفون مصريون المؤتمر الديني بأنه يأتي في سياق محاولات غربية لتحسين صورة الغرب من جهة والتضييق على الحركات الإسلامية الفلسطينية عبر الدعوة العامة لنبذ الإرهاب ، من جهة اخري ، ومن ذلك مؤتمر حوار الأديان الذي أنتهى في لندن يوم 18 يناير الجاري والذي تم بدعوة من القس كاري وتوني بلير وحضره علماء مسلمون من عدة دول ،حيث قال كاري في ختام المؤتمر : " صلوا معنا .. نعمل حاليا كرجال دين على مبادرة خاصة بالقدس والأرض المحتلة " أما مساعد كاري فقال إن هذا يجري التنسيق حوله منذ أسبوعين وبتنسيق مع الخارجية المصرية .
ومعروف ان القس كاري مهتم منذ فترة بعقد مؤتمرات وندوات مع علماء ورموز إسلامية بهدف توفير أرضية لتفاهمات سياسية تسهم في حل الصراع العربي الإسرائيلي ، ووقف ما يسمي (العنف ) .
وتتوقع مصادر مصرية أن يثير المؤتمر موجة نقد جديدة ضد شيخ الأزهر مشابهة للموجة التي تعرض لها في نوفمبر وديسمبر 1997 عندما ألتقى السفير الإسرائيلي في مقر مشيخة الأزهر لأول مرة ، وألتقى بعدها حاخام اليهود الشرقيين مائير لاو .
نص البيان
وفيما يلي نص البيان الذي لا يزال يثير جدلا والصادر من قادة الأديان الثلاثة الإسلام والمسيحية واليهودية :(61/218)
" بسم الله العلي القدير الرحمن الرحيم ، إننا نحن الذين اجتمعنا كقادة دينيين من الطوائف الإسلامية والمسيحية واليهودية نصلي من أجل أن يحل سلام حقيقي في القدس والأراضي المقدسة. ونعلن التزامنا بإنهاء العنف وسفك الدماء اللذين ينكران الحق في الحياة والكرامة.
ووفقا لمعتقداتنا الدينية فإن قتل الأبرياء باسم الرب يدنس اسمه المقدس ويشوه المعاني الدينية في العالم. إن العنف في الأراضي المقدسة هو شر يجب أن تتصدى له كافة الشعوب ذات الإيمان الصادق . إننا نسعى إلى أن نحيا معا كجيران وأن نحترم خصوصية الميراث التاريخي والديني للآخرين . إننا ندعو الكافة إلى الوقوف ضد التحريض والكراهية والتشويه للآخرين.
1 - إن الأراضي المقدسة هي مقدسة لكافة أدياننا الثلاثة . ولذا فإن أتباع الأديان السماوية يجب أن يحترموا قدسيتها ويجب عدم السماح بأن يمتد سفك الدماء إليها . ويجب الحفاظ على قدسية ووحدة الأماكن المقدسة ويجب ضمان حرية العبادة الدينية للجميع .
2 _ يجب على الفلسطينيين والإسرائيليين أن يحترموا إرادة الخالق الذي شاءت إرادته أن يعيشوا برحمته على نفس الأرض التي تسمى بالأرض المقدسة.
3 _ إننا ندعو كافة القادة السياسيين من كلا الشعبين إلى العمل من أجل التوصل إلى حل عادل ودائم يتمشى مع روح كلمات العلي القدير والأنبياء .
4 _ وكخطوة أولى ، فإننا ندعو إلى وقف لإطلاق النار انطلاقا من وازع ديني يحترمه ويطبقه جميع الأطراف . كما ندعو إلى تطبيق توصيات ميتشيل وتينيت ، بما في ذلك رفع القيود والعودة إلى مائدة التفاوض.
5 _ إننا نسعى إلى المساعدة في تهيئة مناخ تتعايش في ظله الأجيال الحاضرة والمستقبلية في إطار من الاحترام المتبادل والثقة تجاه الطرف الآخر . إننا ندعو الجميع إلى الإحجام عن التحريض والبعد عن المبادىء الدينية وإلى تربية الأجيال المستقبلية على ذلك .
6 _ إننا كزعماء دينيين نلزم أنفسنا بالاستمرار في السعي الهادىء من أجل سلام عادل يفضي إلى مصالحة في القدس والأراضي المقدسة من أجل الصالح العام لشعبينا.
7 _ إننا نعلن إنشاء لجنة مشتركة لتنفيذ توصياتنا في هذا الإعلان ومخاطبة قيادتنا السياسية لوضعها موضع التنفيذ
===============(61/219)
(61/220)
معركة تغيير المناهج تشعل نيران الغضب
مركز أبعاد … … … … …16/11/1424
… … … … …08/01/2004
_ سياسات علمنة التعليم في المنطقة سابقة لأحداث سبتمبر
_ الولايات المتحدة استغلت أحداث سبتمبر لإرهاب الحكومات العربية وإجبارها على الرضوخ لمطالب محددة بشأن تغيير التعليم.
_ تضاعف إنفاق واشنطن لعلمنة التعليم الديني بمنطقة الشرق الأوسط خلال الأعوام الثلاثة الماضية.
_ صقور واشنطن رصدوا 145 مليون دولار للإسراع بمحاولات اختراق العقل العربي.
_ المثقفون وعلماء الدين: مناهج التعليم في المنطقة تحتاج لتعديل برؤية وطنية أصيلة بعيدًا عن المخططات والأولويات الأمريكية.
فجأة، اشتعلت نيران الجدل والصراع السياسي والفكري في أكثر من عاصمة عربية في وقت واحد، والمعركة واحدة، ألا وهي الدعوات المحمومة إلى تغيير مناهج التعليم، وخاصة الجوانب المتعلقة بالإسلام وشريعته وقيمه، البعض يستشهد بهذا التوازي الزمني في الأحداث ليؤكد على أن "يد" العبث هي واحدة، ويعني بذلك الضغوط الأمريكية على دول المنطقة من أجل السير الحثيث نحو تغيير مناهج التعليم وفق رؤية أمريكية محددة، وعلى الرغم من أن وتيرة هذه الدعوات قد تسارعت بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر؛ إلا أن التاريخ يؤكد لنا أن حضور هذه الرغبة لدى الإدارة الأمريكية ودوائر غربية أخرى كان قويًّا أيضًا في مراحل سابقة، وعلى سبيل المثال: ففي عام 1979 أنشئ ما يسمى بـ"منظمة الإسلام والغرب"، تحت رعاية منظمة الثقافة والعلوم التابعة للأمم المتحدة "يونيسكو"، والتي تشكلت من 35 عضوًا.. عشرة منهم مسلمون، وكان من أول أهداف المنظمة الجديدة - كما نص دستورها صراحة- علمنة التعليم، حيث جاء فيه: "إن واضعي الكتب المدرسية لا ينبغي لهم أن يصدروا أحكامًا على القيم، سواء صراحة أو ضمنًا، كما لا يصح أن يقدموا الدين على أنه معيار أو هدف". ونص - أيضاً - على: "المرغوب فيه أن الأديان يجب عرضها ليفهم منها الطالب ما تشترك فيه ديانة ما مع غيرها من الأديان، وليس الأهداف الأساسية لدين بعينه"، وهو ما يسير في إطار عولمة الأديان وجمعها في إطار واحد!.
ولكن الحقيقة أن الضغوط التي تعرضت لها المنطقة العربية بهدف تغيير نظمها التعليمية -باعتبارها حجر أساس المنظومة الثقافية والاجتماعية- كلها كانت تجري على استحياء أو تحيطها السرية وذلك قبل الحادي عشر من سبتمبر ، وكان ثمة تردد في الإعلان عن مثل هذه الضغوط ، إلا أن الإدارة الأمريكية ، وتحت ضغوط مكثفة من اللوبي اليهودي ، وجدت متنفساً في تلك الأحداث ، فنجحت في استغلال الحدث لبدء حملة مفتوحة على ما تسميه "الإرهاب" ، وأعلنت صراحة عن خططها الرامية إلى استبدال نظم تعليمية علمانية ترتضيها بتلك النظم القائمة بالفعل، والتي رأت أنها أرض خصبة ساعدت على تفريخ الخلايا والتنظيمات الإرهابية الإسلامية . وعبر وزير الخارجية الأمريكي (كولن باول) عن الهجمة الجديدة التي يجب أن يتأهب لها العالم العربي والإسلامي بالقول خلال مقابلة صحفية: "إنني مع احترامي لتقاليد دول المنطقة (العربية)! فعليها أن تعيد النظر في تقاليدها وممارساتها بهدف معرفة ما إذا كان التغيير ممكنًا". وأضاف باول: "بالنسبة إلى الدول الصديقة لنا في المنطقة، كل واحدة لها نظامها الخاص، وكل واحدة عليها أن تحكم بنفسها ما إذا كانت تريد أن تتغير، ومدى السرعة التي ستتغير بها، ونأمل أن نستطيع التأثير عليها من حيث كيف يتحقق التغيير".
اعتراف..!
ومما يؤكد أن الإدارة الأمريكية باتت عازمة على تحقيق سيطرتها الثقافية على المنطقة ما اعترف به آخر تقارير وزارة الخارجية الأمريكية حول تلقي بلدان في منطقة الشرق الأوسط في عام 2002 وحده 29 مليون دولار من أجل ما أسماه "جهود تغيير نظم التعليم"، وفي عام 2003 وصل الإنفاق الأمريكي في نفس الإطار إلى ثلاثة أضعاف حيث قفز إلى 90 مليون دولار!! ومن المتوقع أن يشهد العام الجديد 2004 زيادة كبيرة في المبالغ المخصصة لتغيير التعليم في العالم العربي والإسلامي، حيث طالبت الإدارة الأمريكية الحالية الكونجرس بتخصيص 145مليون دولار في ميزانية 2004 من أجل تحويل التعليم في المدارس الإسلامية في المنطقة العربية إلى تعليم علمانيّ، وهي مطالبة تبعتها لجنة تقسيم الميزانية في الكونجرس بتوصية بشأن تخصيص45 مليون دولار فقط للعالم العربي على أن يوضع الباقي في ميزانية تغيير مناهج التعليم في بقية الدول الإسلامية لا العربية منها فقط.
تشجيع..
وذكر التقرير أن إدارة الرئيس جورج بوش طالبت بهذا المبلغ من أجل تشجيع التعليم العلماني بسبب المخاوف من تنامي المدارس الإسلامية في العالم، وأن التمويل جاء في إطار ما يسمى بـ"مبادرة الشراكة الشرق الأوسطية" التي تدعو أمريكا فيها إلى تحديث العالم الإسلامي ونشر الديمقراطية به.(61/221)
ومنذ أن كشّرت الإدارة الأمريكية عن أنيابها بشأن علمنة التعليم في المنطقة العربية والإسلامية، وهو ما عبّر عنه العديد من مسؤوليها وأبرزهم وزير الدفاع الأمريكي دونالد رامسفيلد، الذي انتقد المدارس الإسلامية في المنطقة العربية، وقال: إن على أمريكا تشجيع نظام تعليمي غير متشدد في العالم الإسلامي. ومنذ ذلك الوقت والعمل داخل المؤسسات الأمريكية -وعلى رأسها مكتب وزارة الخارجية الأمريكية لشؤون الشرق الأدنى الذي أنيط به الإشراف على تنفيذ برامج تغيير المناهج الدراسية في منطقة الخليج- جارٍ على قدم وساق، والمثير للدهشة ما أشار إليه تقرير أعدته وزارة الخارجية الأمريكية من أن نصيب منطقة الخليج بلغ 300 ألف دولار من ميزانية تغيير مناهج التعليم في المنطقة العربية والإسلامية لدفع ما أسماه بـ"الإصلاح التعليمي" في دول المنطقة وفي إطار سعيها لتهدئة المشاعر المعادية لها، وذلك من خلال تحديث المناهج الدراسية وطرق تدريسها في عدد من الدول على رأسها: البحرين، والكويت، وعمان، وقطر، والإمارات، واليمن. وهو مبلغ شديد التواضع ومن المؤكد أنه أنفق ـ في الغالب الأعم ـ في مجال العلاقات العامة، بما يعني أن تكلفة تغيير المناهج في الخليج ستغطى محليًّا بصيغة أو أخرى!.
ثوابت..
وفي إطار اهتمام وتركيز الإدارة الأمريكية على علمنة مناهج التعليم الإسلامي، وهو الأمر الذي يطال - حسب التصريحات الأمريكية ذاتها- تغيير ثوابت وأصول في الدين الإسلامي، فإن الحديث يجري عن السعودية ومصر والكويت كدول تتصدر قائمة الدول المستهدفة بسياسات علمنة التعليم، ففي السعودية يعتمد النظام التعليمي في الأساس على تدريس علوم الدين الإسلامي من قرآن وفقه وحديث فضلاً عن التحديات الكبيرة التي واجهتها المملكة في أعقاب أحداث 11 من سبتمبر والتي جعلت الإدارة الأمريكية -تحت ضغوط اللوبي الصهيوني- تتعامل معها وكأنها بؤرة لتفريخ الإرهاب بعد أن ادعت أمريكا تورط 15 سعوديًّا في تنفيذ الهجمات ضد برجيّ مركز التجارة العالمي. وفي مصر هناك حملة شديدة ومركزة على الأزهر الشريف ومطالبة أمريكية بإجراءات جذرية لتطوير التعليم الديني في مصر وصبغه بصبغة حديثة ويتواكب مع هذا حملة ترهيب أمريكية هددت مسؤولي الأزهر وقياداته صراحة بأنه لا خيار في الموقف من مناهج التعليم السائدة، فإما قيادة تطوير التعليم الديني في المنطقة أو إدراج الأزهر نفسه في القوائم الأمريكية للإرهاب. وكذلك تتعرض الكويت لضغوط متتالية من أجل إحداث تغييرات جذرية في نظم التعليم تمهد لتسويق القيم الجديدة التي تدعو لها مبادرة الشراكة الأمريكية ـ الشرق أوسطية، وهو الأمر الذي يحاول البعض هناك تمريره بوتيرة متسارعة، رغم المقاومة العنيدة التي يقوم بها التيار الإسلامي خاصة في البرلمان الكويتي، حيث يحظى الإسلاميون فيه بحضور لافت.
ولا يسع المتأمل في سياق هذه التوجهات إنكار الحضور القوي للكيان الصهيوني في الأبواب الخلفية الضاغطة باتجاه تعديل المناهج التعليمية بما يخدم توجهات الهيمنة الأمريكية والصهيونية في المنطقة، ونزع روح المقاومة، وهناك من التقارير المنشورة ما يشير إلى اهتمام صهيوني كبير برصد مناهجنا التعليمية وتحديد المحاور التي تحتاج -وفق النظرة الصهيونية- إلى تعديل، ومن ذلك الدراسة التي أعدها الدكتور (أرنون جريس)، وهو إسرائيلي الجنسية ويعمل صحفيًّا في راديو إسرائيل! والتي قام خلالها برصد وتحليل 93 كتابًا من كتب المواد الشرعية التي تدرس في السعودية، وكان من أهم نتائج دراسته أن المناهج تدَّعي أن الإسلام هو الدين الوحيد المقبول، وأن اليهود والمسيحيين هم أعداء المسلمين الأبديين، وأن كتب الجغرافيا لا تعترف بدولة إسرائيل!.
وعلى الرغم من ظاهرة الاستسلام شبه الكامل للضغوط الأمريكية باتجاه تعديل المناهج التعليمية؛ إلا أن ثمة قلقًا كبيرًا تبديه بعض المؤسسات الإسلامية، وخاصة في المجال المتصل بصلب العلوم الشرعية، ومن الدلائل المهمة على هذا القلق ذلك البيان الذي صدر في القاهرة عن مجمع البحوث الإسلامية - إحدى أهم مؤسسات الأزهر- والذي فضح محاولات التدخل الأمريكية لتغيير مناهج التعليم في مصر، وأدى إلى إحراج مؤسسات أخرى متنوعة في مصر قطعت شوطًا بالفعل على صعيد العبث بمناهج التعليم، وقد جاء في بيان مجمع البحوث الإسلامية بعد إشارته إلى تعدد التصريحات غير المسؤولة من قبل قيادات أمريكية: "ولقد تبع هذه التصريحات والكتابات دعوات غريبة وشاذة للتدخل في أخص خصائص الإسلام والمسلمين؛ فتجاوزوا التدخل في الشؤون السياسية والاقتصادية للعالم الإسلامي إلى الحديث عن ضرورة تغيير مناهج التعليم الديني، والمدارس القرآنية في بعض البلاد الإسلامية، وفي مواجهة هذه الحملة الظالمة والغربية الشاذة؛ يرى مؤتمر مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف أن يعلن أن التهجم على أي دين من الأديان، والسعي لتغيير أو تعديل هويّات الأمم وثقافات الشعوب إنما هو تجاوز للخطوط الحمراء يصل إلى حد اللعب بالنار وتعريض السلام العالمي لأشد المخاطر والتحديات".(61/222)
وتزامن مع صدور بيان مجمع البحوث الإسلامية بيان مماثل أصدرته الكتلة الإسلامية في مجلس الأمة الكويتي تحذر فيه الحكومة الكويتية من الرضوخ للابتزاز الأمريكي لتغيير المناهج الدراسية لاعتقادها أنها تشجع على الإرهاب والتطرف، وذلك في أعقاب تصريحات أطلقها وكيل وزارة التربية الكويتي (حمود السعدون)، والتي قال فيها: إن الحكومة تقوم بإعداد كتب مدرسية في مواد التربية الإسلامية واللغة العربية والاجتماعيات والتربية الوطنية، وذلك لتدعيم قيم التسامح ومحاربة العنف والتطرف•
والحقيقة أن الجهود الدولية في اتجاه علمنة التعليم الديني في المنطقة العربية والإسلامية لا تتوقف عند حد الإدارة الأمريكية أو الكيان الصهيوني، وإنما هناك جهات دولية أخرى معنية بالملف، ومن بين تلك الجهات صندوق النقد والبنك الدوليان، اللذان يرهنان قروضهما ومساعداتهما لدول عربية وإسلامية بتغيير المناهج وإصلاح أو استبعاد بعض المقررات الدراسية. كذلك هناك آليات أخرى لتعزيز هذه الدعوات ومحاصرة النظم السياسية فيها، ولعل أبرزها مؤتمرات ما يسمى بـ"حوار الأديان" التي عادة ما توصي بتغيير المناهج في البلدان الإسلامية لإتاحة المجال أمام الحوار والتفاهم بين الأديان، كذلك مفاوضات ومباحثات الشراكة (الأورو- متوسطية) التي تلزم فيها أوروبا دول الحوض المتوسط -الإسلامية منها طبعًا- بتغيير المناهج مقابل المنح والشراكة ونحوها. أيضاً هناك الندوات والمؤتمرات الدولية التي تتخذ من "حوار الحضارات" شعارًا لها لإصلاح مناهج المؤسسات التعليمية الإسلامية، ومثالها الندوة التي نظمتها في بيروت مؤسسة "كونراد أدناير" الألمانية يومي 13 و 14-12-2002.
رضوخ..
الجدير بالذكر أن المحاولات العلنية الأمريكية المبذولة لعلمنة مناهج التعليم في المنطقة العربية والإسلامية، وعلى الرغم من مرورها بدون كثير عناء من خلال جهات رسمية في العالم العربي تتقي بصمتها وتغافلها الغضب الأمريكي الهائج؛ إلا أنها أسفرت عن موجة من الغضب والاستنفار في أوساط المثقفين والدعاة وعلماء الدين الإسلامي لأسباب عديدة منها أن المحاولات الأمريكية لتبديل مناهج التعليم لا يمكن الفصل بينها وبين الحملة الشاملة التي قررت الولايات المتحدة شنها ضد كل ما يهدد إسرائيل أو ما يتحدث عن خصوصيات ثقافية وهوية عربية إسلامية متمايزة، فضلاً عن التصريحات الأمريكية العلنية تؤكد على أن الهدف من هذا العبث بمناهج التعليم هو تفريغ المجتمع الإسلامي من روح المقاومة، وتذويب مشاعر الولاء والبراء في ضمير الإنسان المسلم، وهو الأمر الذي يستدعي العبث بآيات القرآن ونصوص السنة النبوية المشرفة وما هو معلوم بالضرورة في دين الإسلام، وهذا تحديدًا ما أقلق النخبة الإسلامية وحرك مشاعر الرفض والغضب لديها تجاه المخططات الجديدة لتغيير مناهج التعليم.
وهناك ما يشبه الإجماع بين النخب الإسلامية المحتجّة على المخططات الجديدة على أن الحاجة موجودة بالفعل إلى تحريك فكر جديد في مناهجنا التعليمية ينهض بالأمة، ويتواكب مع تطورات حقيقية شهدها العالم على مدار العقود الأخيرة؛ إلا أن التوتر يأتي من التأكيد على أن ثمة فارقًا كبيرًا بين التطوير التعليمي الذي ينشأ من خلال احتياجات حقيقية ورؤية أصيلة ومستقلة وإرادة وطنية مستقلة، وبين تطوير مخطط خارجي ومطلوب تنفيذه بإرادة خارجية، ووفق تصورات وأولويات دول أخرى، لا تخدم بالضرورة الاحتياجات الحقيقية لأوطاننا وشعوبنا.
ويبقى ملف الصراع مفتوحًا الآن على كل الاحتمالات، ورغم ضخامة الضغوط السياسية والاقتصادية والنفسية التي تمارس دوليًّا على العالم الإسلامي لدفعه باتجاهات محددة في هذا الشأن، إلا أن ثمة مساحات واسعة من العمل والجهد ما زالت متاحة أمام المجتمع العربي لصد الموجة أو تفريغها من مضمونها على أقل تقدير؛ فهل تنجح الجهود الأهلية في جبر انكسار الجهود الرسمية؟. هذا ما ستكشف عنه الأشهر المقبلة
- - - - - - - - - - - - - - - -
الفهرس العام(61/223)
(61/224)
الحوار مع أتباع الأديان ... 2(61/225)
(61/226)
تصريحات البابا: ... 63
إعلان إفلاس وعجز المسيحية أمام حيوية الإسلام ... 63(61/227)
(61/228)
مؤتمرات حوار الأديان خلل واضطراب أم فتنة وانحراف ؟! ... 74(61/229)
(61/230)
حوار حول حوار الأديان ... 82(61/231)
(61/232)
الغرب... ثقافة الصّراع وإبادة الآخر ... 87(61/233)
(61/234)
ردع التطاول على النبي صلى اله عليه وسلم .. ... 91
أسبقية عقدية ودبلوماسية وإعلامية ... 91(61/235)
(61/236)
التكفير والحوار..كلاهما من الإسلام!(1/2) ... 95(61/237)
(61/238)
وماذا عن الخطاب الإسلامي؟ ... 104(61/239)
(61/240)
صدفة أم صراع حضارات ؟ ... 111(61/241)
(61/242)
6 أسباب تجعل الإنترنت في مقدمة وسائل الدعوة إلى الله ... 116(61/243)
(61/244)
الدعوة إلى الله بالمجادلة مفهومها ومشروعيتها وضوابطها ... 120(61/245)
(61/246)
الانتصار للنبيِّ المختار صلى الله عليه وسلم .. 160(61/247)
(61/248)
احترام الأديان السماوية ... 163(61/249)
(61/250)
حوار الأديان ... 166(61/251)
(61/252)
الكنائس الغربية ولعبة حوار الأديان ... 167(61/253)
(61/254)
البابا في قبضة الملك ... 171(61/255)
(61/256)
رئيس الكونجرس الإسلامي في كندا: خيارنا الاندماج الذكي ... 175(61/257)
(61/258)
النظرة الشرعية للحوار بين الأديان ... 181(61/259)
(61/260)
الحوار بين الأديان حقيقته وأنواعه ... 183(61/261)
(61/262)
النظرة الشرعية للحوار بين الأديان ... 203(61/263)
(61/264)
الحوار فريضة إسلامية ... 205(61/265)
(61/266)
د. مازن مطبقاني : هذه حقيقة الفاتيكان ... 207(61/267)
(61/268)
الأزهر يدين افتراءات الفاتيكان على الإسلام ... 217(61/269)
(61/270)
جهود علماء الأندلس في الرد على النصارى -من الفتح الإسلامي (92هـ) حتى سقوط غرناطة (897هـ)- ... 218(61/271)
(61/272)
لابد من وقف الحوار مع الفاتيكان ... 225(61/273)
(61/274)
معركة تغيير المناهج تشعل نيران الغضب ... 229(61/275)
(61/276)
التطوّر الإيجابي في سلوك مسلمي أوروبا ... 236(61/277)
(61/278)
الحرب الأمريكية على مناهج التعليم ... 242(61/279)
(61/280)
الأبعاد السياسية لحوار الأديان ... 248(61/281)
(61/282)
حوار أم تصادم ؟! ... 256(61/283)
(61/284)
رجاء جارودي والدعوة إلى وحدة الأديان ... 259(61/285)
(61/286)
سفير إسبانيا يحمّل السياسة وزر الشقاق بين الأديان ... 270(61/287)
(61/288)
حِوار الحضارات في القرن الحادي والعشرين: رؤية إسلامية للحِوار ... 271(61/289)
(61/290)
الحضارات بين الحقيقة و الخداع ... 276(61/291)
(61/292)
الكنائس الغربية ولعبة حوار الأديان ... 289(61/293)
(61/294)
الحوار...مأزق النظرية وإشكالية الممارسة ... 293(61/295)
(61/296)
جارودي ووحدة الأديان..! ... 297(61/297)
(61/298)
الحوار الإسلامي-العلماني هل هو ممكن؟ ... 309(61/299)
(61/300)
الحوار بين الحضارات ... 322(61/301)
(61/302)
حقاً.. إنّ شانئك هو الأبتر! ... 331(61/303)
(61/304)
واقع المسلمين هو أكبر 'حاجز' بين الإسلام والغرب !! ... 333(61/305)
(61/306)
نرفض أمركة الإسلام وفرض الإصلاح ! ... 347(61/307)
(61/308)
بين داعية ومستشرق...حوار ومراسلات(1/3) ... 352(61/309)
(61/310)
حوار الأديان ... 357(61/311)
(61/312)
الدولة والدين في فرنسا.. لا مبالاة أم تعاون؟ ... 358(61/313)
(61/314)
الغرب... ثقافة الصّراع وإبادة الآخر ... 360(61/315)
(61/316)
قول المسلم للكافر "أنا أحترم دينك"! ... 364(61/317)
(61/318)
مؤتمر قادة الأديان .. إسرائيل تكسب ؟! ... 365(61/319)
(61/320)
معركة تغيير المناهج تشعل نيران الغضب ... 371(61/321)
موسوعة الرد على المذاهب الفكرية المعاصرة (25)
حوار الحضارات أم صراعها ؟
الباب الخامس والعشرون
حوار الحضارات أم صراعها ؟
إعداد
الباحث في القرآن والسنة
علي بن نايف الشحود
الباب الخامس والعشرون
حوار الحضارات أم صراعها ؟(62/1)
(62/2)
حوار الحضارات بين الحقيقة و الخداع
أ. مجدي أحمد حسين*
منذ انهيار المعسكر الشيوعي قفز إلى رأس جدول أعمال العالم موضوع الصراع بين الغرب و الإسلام وتحول إلى محور رئيسي للسياسات الدولية, وفى المقابل بدأ الترويج لمقولة مضادة وهى حوار الحضارات بعيدا عن صراع الحضارات, وتشكلت من أجل ذلك العديد من المنتديات الدولية.
في العالم الإسلامي ظن البعض أن مواجهة العداء الغربي للإسلام تتم من خلال عدة محاور: إبراز شعار حوار الحضارات - تحسين صورة الإسلام في الغرب - تغيير الخطاب الديني الإسلامي بحيث يكون مقبولا على المستوى الدولي عامة والغربي خاصة.
حول هذا الموضوع جرت الكثير من المساجلات اختلط فيها الثابت مع المتغير, اختلط فيها تحديد من أين نشأت المشكلة بين الشرق والغرب, أو بالأحرى أي جانب هو المسئول عن سوء التفاهم , اختلط فيها ما هو عقدي مع ما هو سياسي , ما هو مبدئي مع ما هو عملي ( براجماتي ) , بل اختلط فيها كثير من الحقائق الساطعة , من المسئول عن أزمة الثقة , من المعتدِى ومن المعتدَى عليه , بل غلب على النخبة الإسلامية الرسمية وغير الرسمية الطابع الاعتذاري عن جرائم لم نرتكبها , وكأن ضعفنا المادي وتأخرنا عن مواكبة أسباب التكنولوجيا المتطورة سبب كاف لخلط الأوراق , وعدم ذكر الحقائق التي جرت وتجرى على مشهد ومرأى من العالمين.
ولكل هذه الأسباب أرى أن أركز على الثوابت الإسلامية فيما يتعلق بهذا الموضوع: نحن والغرب أو بالأحرى نحن وكل الآخرين من غير المسلمين.
وسنجد في إسلامنا كل ما يمكن أن نفاخر به , بل ونتحدى إذا كان لدى الآخرين ما هو أفضل وأكثر عدلا ورقيا فإننا على استعداد لأن نأخذ به .(وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين) سبأ 24.
الحوار والتفاهم والتعارف:
لنبدأ بالنقطة الجوهرية التي أفاض فيها الكثيرون من النخبة الرسمية وغير الرسمية في بلاد المسلمين , والتي يركزون عليها دون باقي النقاط المكملة لها , ولكننا نبدأ بها لنؤكد أنها فكرة صحيحة وأساسية بلا خلاف , ولكنها ليست كافية لعرض موقفنا كله إزاء المتغيرات المختلفة .
ونقصد أن الإسلام يحض على الحوار والتفاهم والتعارف والتعايش السلمي, ذلك أن الدين الحق لا يقوم إلا على الإقناع و الاقتناع, ولا يوجد إيمان بحد السيف , فالإيمان لغة هو التصديق.(1)
وآيات القرآن عديدة في هذا المجال .. (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة و الموعظة الحسنة. وجادلهم بالتي هي أحسن)النحل125 . (لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي) البقرة 256 .. (أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين)يونس99.
ولأن البشرية تنقسم إلى شعوب و قبائل فان الدعوة تكون (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا , إن أكرمكم عند الله أتقاكم)الحجرات13.
وعندما تتمايز الأمم فان الهدف الأسمى هو التعايش والتعارف وعدم استعلاء طائفة على أخرى, أو لا أمة على أمة, ثم يكون الأكرم عند الله هو الأكثر تقوى, والحساب النهائي عند الله وليس على هذه الأرض الفانية. وحتى الخلاف العقدي فهو متروك لله عز وجل كي يحكم فيه يوم القيامة (ثم إلىّ مرجعكم فأحكم بينكم فيما كنتم فيه تختلفون)آل عمران55.
إذن من وجهة النظر الإسلامية الخالصة, لا توجد أي مشكلة على الأرض , بسبب الخلاف في الرأي أو العقيدة أو اللون أو العرق أو القومية, بل إن الإسلام يدعو إلى مباراة سلمية في إعمار الأرض والتخلية بين الإنسان و اختياراته العقدية.
من أين يأتي الصدام؟!
من أين يأتي الصدام إذن ؟ من أين تنشأ المشكلة؟
تأتى من الطرف الذي يرفض المبادرة السلمية ويستخدم وسائل الإكراه في فرض هيمنته ورؤيته ومصالحه.
وإذا افترضنا أن الكرة الأرضية مسرح واحد متواصل فإننا كإسلاميين نقبل منطق المباراة السلمية, ولترفع العقبات والروادع عن كل الرؤى والأيديولوجيات ولنترك الحكم لجمهور البشرية, ولكن الغرب لم يقبل بهذا المنهج، بل وصل الأمر إلى حد التدخل في شؤون الدول العربية و الإسلامية ضد الأنظمة ذات التوجه القومي, ثم ضد الأنظمة ذات التوجه الإسلامي, ثم انتقل الآن إلى الأنظمة الصديقة يريد أن يتدخل في أسلوب حياة مجتمعاتها ومناهج التعليم و الخطاب الديني.
والآن تتم عملية تعليق هذا التدخل على مشجب أحداث 11 سبتمبر في حين أن تاريخ التدخلات قديم ولم ينقطع بعد فترة الاستعمار التقليدي, وكانت التدخلات الغربية متصاعدة في العقدين الأخيرين من القرن العشرين, وعندما نشير إلى الغرب فإننا نشير بشكل خاص إلى الولايات المتحدة الأمريكية التي اتخذت السياسة الأكثر غلوا, ولكن أوروبا لم تعارض هذا التوجه الأمريكي جذريا ولم تقدم بديلا متماسكا للعلاقات بين الإسلام و الغرب, وكان خلافها مع الولايات المتحدة تكتيكيا خاصة ألمانيا وفرنسا وبلجيكا. بل لقد عادت بنا الولايات المتحدة إلى مرحلة الاستعمار التقليدي مرة أخرى باحتلال أفغانستان والعراق والتهديد باحتلال دول أخرى.
وبالتالي نحن أمام الوضع التالي:(62/3)
العالم الإسلامي لا يتدخل (ولا يقوى) في الشئون الداخلية للعالم الغربي, بينما يتعرض هو للاعتداء والاحتلال و التدخل في أخص شؤونه الداخلية.
والعقيدة الإسلامية توفر أعدل منهج للتعايش السلمي بين الحضارات, ولكننا لا يمكن أن نرفع شعار الحوار الحضاري مع الجيوش الغازية لأراضينا والمتواجدة في عدد كبير من الدول العربية و الإسلامية.
أما المنهج الذي نعتبره الأكثر عدالة, فقد نص عليه القرآن الكريم في قواعد نعرضها للاحتكام إليها, وأين يمكن أن نجد معيارا أكثر عدالة من ذلك؟! وإذا زعم أحد أن هناك ما هو أفضل من ذلك, فنحن على استعداد لمناقشته باعتبار أن الغرب في مجموعه لا يؤمن بطبيعة الحال بقداسة ما ورد بالقرآن الكريم, ولكننا نعرضه للمناقشة العقلية البحتة.
( لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين , إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون)الممتحنة 8-9.
من هاتين الآيتين نستخرج مجموعة من القواعد الأساسية التي تحكم علاقة المسلمين بغيرهم سواء أكانوا أهل كتاب أو مشركين أو غير مؤمنين بأي دين من الأديان:
1- إن المسلمين ملتزمون بحسن العلاقة مع غيرهم من بنى البشر , ذلك أن الأصل في الإسلام هو السلام والمحبة , ونشر البر والعدل بين الناس قاطبة على اختلاف أجناسهم وألوانهم ومعتقداتهم(2).
2- إن عداوة المسلمين يجب أن تنصب حصرا على الذين يحاربونهم لتغيير دينهم , أو يعتدون على حرماتهم : النفس و الوطن.
3- إن المسلمين لا يحاربون ولا يعادون ولا يعلنون الجهاد ضد الآخرين بسبب عقيدتهم ولكن دفاعا عن النفس والعقيدة وهى ضرورة للمحافظة على الذات فإذا انتفى هذا المبرر فلا مجال للحديث عن قطع كل صلات بالمخالفين في الرأي فضلا عن قتالهم, فالنهى عن الصداقة والمحبة والتحالف منصب على الذين ما يزالون مستمرين في حربهم و عدوانهم.
*****
نحن إذن أمام قاعدة أساسية واحدة تجمعها هذه الأبعاد الثلاثة ..
إن العلة في المقاطعة والقتال و العداوة, هي الفعل الدفاعي ردا على العدوان وحماية النفس والوطن والعقيدة, وليس لنشر الدين بالقوة أو لإبادة المخالفين في الرأي والعقيدة.
وهذا أمر بدهي لا يمكن أن يرفضه أحد بأي منطق وبأي معيار , فأنا باختصار أطالب المخالف لي بالحد الأدنى الذي لا يمكن الهبوط عنه وهو ( ألا يقتلني ) و ( ألا يخرجني من وطني ) هذا مطلب عادل لأنه غريزي , ولأنه مطلب لكل إنسان على الأرض , و التفريط في هذا الحد الأدنى معناه: العدم!!
ربما يرد أحد الغربيين فيقول هذا كلام حسن ولكننا لم نره في التاريخ, وما فائدة الكلام الحسن الذي لا يمكن أن يطبق. ونقول:
أولاًََ: إن التاريخ يثبت أن هذه المقولات لم تكن غائبة.
ثانيا: حتى وإن اختلفنا في تقييم التاريخ فإننا نقترح على الغرب هذا الميثاق من جديد خاصة وأنهم عندما يتحدثون عن خطر الإسلام كقوة غازية لا يجدون إلا معارك بواتييه(741م) و فيينا(عام 1684م). ونحن الذين نتعرض لحملات عسكرية متواصلة بل ومذابح في القرون الأخيرة خاصة خلال القرنين الأخيرين 19 و 20 .
نظرة على التاريخ:
في إطار هذه الورقة المكثفة يصعب تقديم عرض أو تحليل شامل لتاريخ العلاقات بين الإسلام و الغرب.. وهنا نكتفي بعدة محطات:
المحطة الأولى
* الدعوة الإسلامية في موطنها الأصلي لا يمكن أن تقارن معاركها التي فرضت عليها بأي معارك في التاريخ السابق أو اللاحق لها من حيث محدودية العنف, فالمعارك فرضت أولا على المسلمين بقتلهم وتعذيبهم وإخراجهم من ديارهم على مدار 13 عاما , وعندما تأسست دولة المدينة خاضت دفاعا عن النفس والعقيدة خمسين مواجهة عسكرية لم يتجاوز عدد ضحاياها بأجمعها تسعمائة رجل في المعسكرين سقطوا في ساحة القتال خلال 10 سنوات(3), قارن هذا العدد بالحرب الدينية الأوروبية التي عرفت بحرب الثلاثين سنة (1618-1648)والتي كانت حربا كاثوليكية بروتستانتية و أدت إلى مقتل 30% من السكان في وسط أوروبا(4) .
* أما موقف الدين الإسلامي في بداية عهده من اليهود .. فقد كانت وثيقة المدينة التي أعطتهم حق المواطنة الكاملة مع المسلمين, ولكنهم هم الذين رفضوا هذه المواطنة و تعاونوا مع الأعداء ضد مدينتهم فكان الصدام.
* أما بالنسبة للإمبراطورية الرومانية فهي التي بادرت بالعداء للدين الجديد من خلال قبائل الغساسنة الحليفة, حتى أن مبعوث الرسول إلى هرقل قد تم قتله. وقد كانت هذه المواقف وراء غزوات مؤتة وتبوك وبعثة أسامة بن زيد.(62/4)
* أما بالنسبة للدولة الفارسية فقد كان الفرس يضطهدون الفرق المخالفة لعبادتهم (النار) من يهود ونصارى وصابئة وبوذيين وماتويين, وكان للفرس قبائل عربية تابعة لهم في الحيرة وكانوا يحتلون البحرين واليمن , وعندما تلقى كسرى كتابا من محمد عليه الصلاة و السلام مزقه وأرسل إلى عامله على اليمن يأمره بأن يرسل رجلين قويين من عنده ليأتياه بمحمد (أو رأسه في رواية أخرى) . ثم بدأ عرب الحيرة التابعون للفرس الاعتداء على المسلمين المجاورين لهم. فأرسل أبو بكر خالد بن الوليد ليكف أذاهم , ويؤمن جيرانهم المسلمين وعندما انتصر عليهم حنق ملك الفرس وثار لأتباعه فكانت الحرب بينه وبين المسلمين في عهد عمر(5).
المحطة الثانية:
عندما شنت أوروبا الحروب الصليبية التي دامت قرنين كاملين, وكانت اعتداء ماديا من جيوش أوروبية على أراضى مسلمين مشارقة ـ 8 حملات وحشيةـ ونكتفي بما حدث في القدس كرمز لهذه المرحلة.
دخل الصليبيون القدس بمجزرة ذبح فيها سبعون ألفا من المسلمين. غرقت الدروب كما يحكى المؤرخون فى الدماء, وخاضت الخيول حتى الركب في السائل الأحمر .
لكن بعد مائتي عام , طرد صلاح الدين الأيوبي الفرنجة من القدس , ليكون المؤرخون الأوربيون أول المنبهرين بسماحة وحلم وسلم القائد الكبير المنتصر مع أعدائه المنهزمين(6).
وقد سجل المؤرخون أن الصليبيين عندما دخلوا القدس أحرقوا يهود القدس أحياء في كنيسهم, في حين تم الإبقاء على معظم الأماكن المقدسة المسيحية واليهودية بدون أن يمسها سوء خلال الحكم العربي الإسلامي كله(7).
المحطة الثالثة:
الحروب التي دارت على الأرض الأوروبية سواء في الأندلس أو في شرق أوروبا في العهد العثماني. يعترف كثير من المؤرخين الغربيين ( مثل المؤرخ البيزنطي خالكو كونديلاس khalkokondylas والمؤرخ الانجليزي جيبون Gibbons ) وغيرهم كثير بأن النظام العثماني كان يتعامل مع الدول و الأشخاص غير المعادين بالحسنى واللين والكرم مهما كانت أديانهم وأنه عامل الأرثوذكس معاملة أفضل بأضعاف من معاملة الكاثوليك للأرثوذكس(8).
وكان فتح القسطنطينية هدفا رئيسيا للسياسة الإسلامية منذ القرن الهجري الأول لأنه من القسطنطينية كانت تصدر قرارات الحرب لغزو ديار الإسلام و الإغارة على الثغور.
ويعترف نورمان بينز بأن "عداوة بيزنطة للإسلام بقيت ما بقيت الإمبراطورية"
ويتحدث "فازلييف" في بحثه "بيزنطة و الإسلام" عن تفضيل الأرثوذكس الأتراك العثمانيين على ( الكاثوليك ) أشقائهم في الدين فيقول ] ولا زال الناس يرددون تلك المقالة المأثورة التي صدرت عن رئيس ديني بيزنطي يدعى "لوكاس فاتوراس" في ذلك الحين وهى: "انه لخير لنا أن نرى العمامة التركية في مدينتنا من أن نرى تاج البابوية"[ .
ومن المهم في هذا الصدد أن نشير إلى شهادة " نهرو " زعيم الهند الهندوسي: " ومهما يكن من أمر فالواقع أن سلاطين الأتراك العثمانيين كانوا متسامحين جدا مع الكنيسة الإغريقية الأرثوذكسية"(9).
ولعل هذه الشهادات تغنينا عن سرد تفاصيل رهيبة من خلال عملية مقارنة تاريخية بين سياسة الدولة الإسلامية العثمانية , وسياسة الإمارات الأوروبية التي كانت تستخدم أساليب الاستئصال و الإفناء الكلى بالمعنى الحرفي, أي قتل جميع المسلمين في المناطق التي يسيطرون عليها , حدث هذا بنسبة 100% في الأندلس , وبنسبة 100% في مناطق كثيرة بشرق أوروبا, رغم أن الأغلبية الساحقة من مسلمي شرق أوروبا هم من أصل أوروبي (وليسوا أتراكا) ودخلوا الإسلام طواعية , لأنهم لو كانوا دخلوا مكرهين , لتحولوا سريعا إلى المذاهب المسيحية بمجرد انكسار الجيش العثماني في بلادهم. وحدث الاستئصال بنسب أقل من 100% في مناطق أخرى. وحقائق التاريخ مفزعة , فالمسلمون كانوا أكثر من 50% من سكان بلغاريا في القرن التاسع عشر أما في إحصاء 1982 فقد أصبحوا يمثلون 17% من السكان !
وكان عدد المسلمين في اليونان يقارب نصف العدد الإجمالي للسكان حتى عام 1832 أما الآن فهم يمثلون 3% من السكان !!
وفى جزيرة كريت كان المسلمون يشكلون الأغلبية الساحقة من سكانها حتى منتصف القرن التاسع عشر , وظل المسلمون متواجدين حتى عام 1913 , أما الآن فلا وجود لأي مسلم في الجزيرة في وقتنا الحاضر!؟(10)
وإذا عبرنا مرحلة الاستعمار الحديث ( الاحتلال الفرنسي - الإنجليزي - الأوروبي عموما) لبلاد العرب والمسلمين والتي كانت في الحقيقة حملة صليبية تاسعة ولكن بشعارات مختلفة , فإننا نواجه الآن حملة استعمارية صليبية عاشرة . ومن المؤكد أن أي قوات إسلامية لم تطأ أرضا أوروبية أو أمريكية منذ أواخر القرن التاسع عشر. ولا يمكن تبرير هذه الحملة لاحتلال أراضى العرب و المسلمين بالعقد القديمة من الدولة العثمانية حتى و إن سلمنا بأي وجهة نظر غربية متطرفة ضد هذه الحقبة, فلا يمكن تبرير الحروب بالهواجس التاريخية القديمة. ومن المفترض أن الأجيال والعهود المختلفة تحاول في عصرها أن تضع ضوابط في العلاقات السياسية الداخلية أو الدولية.(62/5)
في هذه الغزوة المعاصرة الصهيونية - الأمريكية , تقدم تبريرات بأن هدفها هو البترول (وأنها ليست حربا دينية) وكأن الاستيلاء على بترول العرب والمسلمين مسألة مشروعة أو مبررة أو فيها نظر , وكأن الاستيلاء على مكامن قوتنا الاقتصادية لا يؤدى إلى إضعافنا وإذلالنا وتحويلنا إلى تابعين.
وتردد كثير من الأبحاث والدراسات أن سقوط الاتحاد السوفيتي , وانتهاء الصراع السوفيتي-الأمريكي , الشيوعي-الرأسمالي , هو الذي فتح الطريق للصراع بين الغرب و الإسلام, والحقيقة أن العداء الغربي للإسلام لم ينقطع ( الثورة الإسلامية الإيرانية وثورة الإنقاذ السودانية حوربتا من الغرب رغم وجود الاتحاد السوفيتي) , ولا يقلل من هذا الموقف التكتيكي لأمريكا من الجهاد الأفغاني ضد الاحتلال السوفيتي, فلاشك أن الخطر السوفيتي كان الخطر رقم واحد , والآن ارتفع الإسلام إلى المرتبة الأولى وأصبح في الصدارة , رغم أنه لم يتشكل بعد كقوة عظمى , بل تسعى أمريكا والغرب للحيلولة دون قيام هذه الدولة العظمى ذات الرؤية الحضارية البديلة , وهى بهذا المعنى المنافس الوحيد للهيمنة الأمريكية والغربية , هذا بالإضافة إلى البعد العددي حيث تقدر الدراسات المستقبلية الغربية أن المسلمين سيشكلون 40% من البشرية منتصف القرن الحالي . هذه الرؤية ليست بنت مرحلة العولمة أو النظام العالمي الجديد أو ما يسمى المسيحية الصهيونية المسيطرة الآن على السلطة في واشنطن ولندن. فقد سبق لـ "أرنست رينان" المؤرخ ذائع الصيت أن قالها بصراحة وفظاظة عام 1862 : "إن الشرط الأساسي لانتشار الحضارة الأوروبية هو تحطيم الإسلامية. وتلك هي الحرب الدائمة , حرب لن تضع أوزارها إلا بعد أن يموت بؤسا آخر حفيد لإسماعيل أو يرد على عقبيه إلى أعماق الصحراء , لأن الإسلام هو أكبر نفى لأوروبا , ستفتح أوروبا العالم وتنشر دينها المتمثل في القانون , في الحرية , في احترام الإنسان وهى عقيدة ذات طابع الهي تحملها البشرية".
وهذا نفسه ما يقوله جورج دابليو بوش الآن عن أنه يشن حربا باسم السماء, وأن الله قد اختار الشعب الأمريكي لأداء هذه الرسالة. وما يقوله ممثلو الكنيسة المعمدانية الجنوبية - التي خرج من عباءتها معظم رؤساء أمريكا - من أمثال جيري فولويل وبات روبرتسون, وما يقوله رامسفيلد ومساعدوه, وهو يتضمن إعلان حرب على الإسلام كدين, وليس على ما يسمى الحركات الإرهابية. (الرسول صلى الله عليه وسلم إرهابي - القرآن كتاب يحض على العنف - اله المسلمين وثن - وعندما نحاربهم فنحن نحارب الشيطان ...الخ)
ولا شك أن الصراع ينطوي على استراتيجية للهيمنة والسيادة العالمية وأن هذا التوجه العدواني مشبع بالمصالح الاقتصادية والسياسية, ولكنه يستظل بهذه المظلة العقائدية (المسيحية الصهيونية,التي تربط نهاية العالم بعودة المسيح عقب معركة هر مجدون.. وعقب تجمع اليهود في فلسطين , وهدم المسجد الأقصى وإقامة الهيكل على أنقاضه)، وبكل هذه المعاني نحن أمام حرب دينية حضارية.
وعبر التاريخ فان القوى العظمى لا تتخلى طواعية عن سيادتها العالمية, ولا تتراجع إلا عندما تتغير موازين القوى التي تجبرها على هذا التراجع. ولكننا نزعم انه عندما سادت حضارتنا فإننا لم نفرض ديننا ورؤيتنا على المخالفين لنا في الدين . هذا حدث في أوروبا , وحدث في الهند التي ظلت أغلبيتها هندوسية في ظل الحكم الإسلامي المديد , وحدث في مجمل أراضى آسيا , وحدث في قلب المنطقة العربية ذاتها , حيث لم تتعرض الأقليات المسيحية إلى أي حالة من الاستئصال. ويكفى أن نشير إلى حالة مصر , حيث ظل المسلمون منذ الفتح عام 640م - 20 هجرية أقلية لأكثر من قرنين , وظل الإسلام ينتشر بصورة طوعية بطيئة حتى أن المسلمين لم يصبحوا أغلبية إلا في عهد الدولة الطولونية (868-905م , 254-292هجرية)(11) . وقارن ذلك بما حدث في الأندلس وبلغاريا واليونان..الخ
*****
ولا نطرح كل ذلك على سبيل التفاخر أو الكيد, فنحن على استعداد دائما لفتح صفحة جديدة, ونحاول في عصرنا الحديث أن نضع الضوابط الدولية التي يمكن أن تحكم تعايش الحضارات.
ولكنهم, ولأنهم الأقوى, لا يستمعون إلينا إلا على سبيل الخداع ومضيعة الوقت والمناورة.ونحن نشير إلى الفئات الحاكمة المسيطرة والتي تحظى بقبول الأكثرية, ولا يعنى ذلك عدم وجود فئات أو شرائح أو منظمات أهلية في الغرب يمكن التحاور بل والتعاون معها. ولقد كانت هناك و لاتزال فرصة تاريخية لإنشاء جبهة عالمية إنسانية ضد مشروع الهيمنة الأمريكية - الصهيونية, ولقد قدمت الحركات الشعبية في الغرب المناهضة للحرب في العراق فرصة لهذه الجبهة الإنسانية ضد الحرب وضد العولمة (الهيمنة) الأمريكية.(62/6)
ولكن حديثنا ينصب على القوى المسيطرة في الغرب(وأمريكا خاصة) والتي تحظى بقبول شعبي عام من خلال الانتخابات . وهذه لا يجوز الحوار معها وهى تعتدي وتحتل أراضى المسلمين وتساند الكيان الصهيوني, وتستهين بمقدساتنا, بل وتقيم حكومات يرأسها أمريكيون (كرزاي - بريمر) , بل وصل الأمر إلى حد استباحة المدنيين على نطاق واسع , استباحة النساء والشيوخ و الأطفال في حالتي الحرب أو الاحتلال (فلسطين - العراق - أفغانستان كحالات صارخة) . فهؤلاء لا يمكن الحوار معهم إلا بالسيف حتى يتراجعوا عن عدوانهم.
إن موقفنا كمسلمين من الغرب تحكمه الآيتان المشار إليهما من سورة الممتحنة
(لا ينهاكم الله...... ) والتي حولها الفقه الإسلامي مع آيات أخرى إلى هذا التقسيم الأزلي الذي لا يعتوره أي تبديل عبر الأزمان لأنه مشتق من القرآن الكريم ،أي تقسيم العالم إلى ..
1- دار السلام 2- دار الحرب 3- دار العهد
- فدار السلام هي دار الإسلام حيث يتعين أن تكون أمة واحدة, والأمة الواحدة يتعين عليها أن تحكمها تقاليد الإسلام حتى أن الذي يخرج عليها بغيا يتعين محاربته لرده إلى الصواب ( وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين, إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون) الحجرات 9-10.
ويدخل في دار السلام بطبيعة الحال كل مواطني الدولة الإسلامية من أهل العقائد غير الإسلامية حيث تكون لهم حقوق المواطنة الكاملة.
- دار الحرب هي الدول غير الإسلامية المحاربة للمسلمين , المعتدية على أراضيهم , المستبيحة لديارهم ومقدساتهم أو التي تبيد المسلمين على أراضيها.
- دار العهد هي الدول غير الإسلامية التي - بتعبيرات العصر- توقع معاهدة عدم اعتداء مع العالم الإسلامي, وتلتزم بها, وتصون حقوق المسلمين لديها, فهذه يمكن التعاون وإقامة علاقات طبيعية تماما معها. أقرب مثال لها الآن الصين وبعض الدول الأوروبية(كفرنسا وألمانيا) ودول أمريكا اللاتينية.
*****
ويتعين أن نطالب الدول الغربية الموجودة في خانة دار الحرب أن تنتقل إلى خانة دار العهد, وهى مطالبة ساذجة, إذا لم تكن مرهونة بتنامي قوة المسلمين, وتغيير موازين القوى, ولكن ضعفنا المادي الراهن لا يبرر -من الناحية الشرعية- التغاضي عن دول دار الحرب واعتبارها وكأنها دول من دار العهد. والجهاد في فلسطين والعراق وأفغانستان يؤكد أن المقاومة ممكنة رغم الفجوة التكنولوجية. وأن المعتدين لابد أن يألموا - كما نألم - حتى يستمعوا إلى كلام الحق. ولنلحظ هذه الدقة القرآنية في الربط بين الحرب و السلام .. حيث يتضح لنا أن القوة أساس السلام, وهذا ما أكدته وقائع التاريخ..
( وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله و عدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم) الأنفال 60 يتبعها مباشرة (وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله إنه هو السميع العليم) الأنفال61.
أي عندما تمتلكون من أسباب القوة ما يكفى فان باب السلم سينفتح.
وعلينا في هذه الحالة أن نقبل بالسلم حتى وإن كانت النوايا غير خالصة وغير موثوقة. ( وان يريدوا أن يخدعوك فان حسبك الله هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين). الأنفال 62
وحتى عندما نبرم العهود فإننا لا ننقضها, ولا ننقض على الدول غير الإسلامية بأسلوب الغدر والخيانة , ذلك إن الغدر مرفوض حتى مع المخالفين لنا في الدين.
(وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء إن الله لا يحب الخائنين) الأنفال 58.
والمقصود أننا إذا لاحظنا بوادر الخيانة من الآخرين , كحشد الحشود على الحدود , والخروج عن شروط معاهدة السلام فانه يتعين توجيه الإنذار قبل تبديل موقف السلم إلى الحرب , وهذا ما أقر به القانون الدولي مؤخرا ..
*****
والأمر المثير للحذر و القلق, أن الولايات المتحدة تتحدث عن أن أمنها القومي مهدد من المسلمين , وهذه مبالغة لا معنى لها , فأين هي الدولة الإسلامية التي يمكن أن تهدد الولايات المتحدة , ولكن الولايات المتحدة تعتبر أن حدودها تشمل كل الكرة الأرضية , وهذا أمر غير مقبول ولا يمكن التسليم به إلا لمن يريد أن يلغى شخصيته وحضارته ووجوده.
وفى النهاية نقول: إن حوار الحضارات كلمة حق ولكن يجب ألا يراد بها باطل, وهو خداعنا وكسب الوقت لمزيد من احتلال الأراضي, وألا يكون حوار الحضارات معناه, أن نغير ديننا (الخطاب الديني) ونظم تعليمنا وثقافتنا , ونستغني عن استقلالنا , وأن نتطابق مع مفاهيم العولمة الأمريكية في شتى المجالات.
كذلك فإن الحوار بمعناه الفكري الحضاري مرفوض مع المعتدين المحاربين لأن هؤلاء لا يعرفون ولا يستجيبون إلا للغة القوة.(62/7)
ولكن في المقابل علينا أن نشن هجوما إسلاميا بالحوار مع كافة الحضارات والدول غير المحاربة في آسيا وأوروبا وأمريكا اللاتينية , وأن نسعى لتأسيس جبهة إنسانية عالمية حكومية وشعبية لمحاصرة العولمة الأمريكية-الصهيونية في مرحلتها العسكرية المتغطرسة.
الهامش
1- مختار الصحاح للشيخ الإمام محمد بن أبى بكر عبد القادر الرازي - المكتبة العصرية - صيدا بيروت, الطبعة الرابعة 1998 - ص22
2- تفسير القرآن الكريم من سورة الأحقاف إلى سورة المرسلات - أحمد حسين - المجلس الأعلى للشئون الإسلامية - مصر 1976 - ص385
3- الإسلام والحداثة - عبد السلام ياسين - دار الآفاق - الطبعة الأولى 2000 -ص208
4- هل تحتاج أمريكا إلى سياسة خارجية؟ هنري كيسنجر - دار الكتاب العربى - بيروت - 2002 - ص11
5- الجهاد - د.أحمد محمد الحوفي - المجلس الأعلى للشئون الإسلامية - مصر - 1970 ص168
6- الإسلام والحداثة - مرجع سابق - ص78
7- الغرب والإسلام - مجموعة دراسات مترجمة - دار جهاد للنشر والتوزيع - القاهرة , الطبعة الأولى 1994 - ص143 ترجمة و تحليل منى ياسين , مراجعة و تعقيب د.محجوب عمر
8- تاريخ الدولة العثمانية -يلماز أوزتونا - منشورات مؤسسة فيصل للتمويل - تركيا, استانبول - 1988 - الجزء الأول - الطبعة الأولى ص102
9- المسألة الشرقية - محمود ثابت الشاذلي - مكتبة وهبة - القاهرة 1989 الطبعة الأولى ص41 , ص102
10- الإسلام و المسلمون في بلاد البلقان - محمد خليفة - مركز دراسات العالم الإسلامي - مالطة - الطبعة الأولى - 1994 ص 230و231 و283 و 284و713
11- موسوعة تاريخ مصر - أحمد حسين - دار الشعب - مصر - الجزء الثاني - الطبعة الأولى - 1973 ص500
* كاتب صحفي مصري
===============(62/8)
(62/9)
خرافة حوار الحضارات ومكافحة الفقر
د. أبوبكر محمد عثمان*
أعتقد أننا فيما نسميه حوار الحضارات نتجنب الدخول بطريق مباشر أو غير مباشر إلى لب الخلاف!!..
فإذا تحدثنا عن اليهود فهم يعلمون الآية (82) من سورة المائدة (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً للَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا)، والآية (51) من سورة النساء (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبا مِّنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلاء أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلا)، وهم يقولون: (إن أجداد المصريين الحاليين هم الذين سخروا اليهود لبناء الأهرامات وأذلّوهم).. ولذلك قتلوا آلاف الأسرى في صحراء سيناء في حرب 1967م..
فلا مجال للحوار مع هؤلاء.
أما عن النصارى فهم يعلمون الآية (82) نفسها من سورة المائدة: (وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً للَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوَا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانا وأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ)؛ لذلك أحمد الله كثيرا أن هُزِم اليابانيون الوثنيون في الحرب العالمية الثانية على أيدي النصارى الأوروبيين والأمريكان؛ وقد قال الله تعالى في سورة الروم: (ألم (1) غُلِبَتِ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3) فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4) بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَن يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (5))؛ لذلك يوجد مجال للتعايش حسب الضوابط الشرعية في حدود تضيق، وتتسع حسب تشدد قادتهم، ووعي أفرادهم..
وفي هذا تفصيل مهم:
- هم يعلمون أننا نكفرهم؛ لأنهم إما أنهم يعتقدون أن عيسى بن مريم هو الله؛ قال الله تعالى في الآية (72) من سورة المائدة (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللّهَ هُوَ المَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ)، أو أنهم يعتقدون أنه ابن الله؛ قال تعالى: (وقالت النصارى المسيح ابن الله)، أو أنهم يعتقدون أن المسيح عيسى عليه السلام ثالث ثلاثة يشكلون الإله؛ قال الله تعالى: (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ).. وهم يكفروننا للسبب نفسه؛ وهو أننا لا نعتقد بألوهية عيسى؛ بل نعتقد ببشريته؛ قال الله تعالى في الآية (75) من سورة المائدة: (مَّا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلاَنِ الطَّعَامَ)..
لقد هزمت الأحداث الأخيرة، والرسولم المسيئة لشخص النبي صلى الله عليه وسلم ، وإعادة نشرها، بل لبس وزير إيطالي قميصا عليه تلك الرسوم إمعانا في التحدي، والازدراء، والامتهان.. وكذلك تدنيس مقابر المسلمين في الدنمارك، وتدنيس المصحف الشريف في سجون أفغانستان، وأبي غريب في العراق، وجوانتانامو في كوبا، وإلقائه في المراحيض، والتبول عليه، واستعماله بدلا من مناديل الورق لمسح الخرء عن أدبارهم..
هزمت كل هذه الأحداث فكرة حوار الحضارات..
ومن قبل قتل الصرب عشرات الآلاف من المسلمين، ودفنوهم في مقابر جماعية، واغتصبوا عشرين ألف امرأة مسلمة، ولا زال المجرمان - رادوفان كاراديتش، وميلاد يتش - طليقين..
ولا يظن إلا مُغفّل أن الاتحاد الأوروبي، أو الناتو، أو موسكو، أو واشنطن لا يعرفون مكانهما؛ فإنما هي صفقات؛ يباع فيها المسلمون لقاء منافع متبادلة..
نحن لا نتحدث عن الحروب الصليبية، والفظائع في القرون الغابرة!!..
ومن قبل كسب الإسلاميون انتخابات الجزائر فانقض عليهم الجيش بأمر فرنسا وألغى نتائجها..
ولماذا يعترضون على نتائج انتخابات فلسطين - التي أوصلت حركة حماس إلى السلطة -، ويطلبون منها طلبا لا أخلاقيا بالاعتراف بإسرائيل؛ فهذا قرار الأغلبية التي انتخبتهم على برنامجهم بعدم الاعتراف بإسرائيل؟!..
ولِمَ يعترضون على ممارسات السلطات المصرية التي أفقدت الأخوان المسلمين قدرا كبيرا من أصوات الناخبين؟!..
ولماذا يصرّون على أن يدخل السُنَّة في الحكومة العراقية؟!.. طبعا ليس حبا فيهم، وفي الديموقراطية؛ ولكن لتحجيم دور إيران الشيعية في العراق؛ فهم يتمسكون بالديموقراطية فقط إذا كان فيها قهر للحركات التي تؤمن بأن الإسلام هو الحل!!..
ومن هنا أُدين قتل الشرطة للمتظاهرين ضد الرسوم، وهي تتحمل وزر القتل العمد أمام الله، وفي الوقت نفسه لن يرضى عنهم ناشرو الرسوم..
أما قول تلك الحكومات: (إن المتظاهرين يستغلون الأحداث لأغراض سياسية)؛ فهل يجب على الأحزاب السياسية أن تبارك تلك الرسوم؛ حتى لا تتهم باستغلال الدين؟!.. ثم هذا اتهام للنيات، ويدل على الجهل الفاضح بالدين؛ فالنيات لا يعلمها إلا الله.
أما تفجيرات 11 سبتمبر فقد اتخذتها أمريكا ذريعة لغزو أفغانستان، والعراق، وللاستيلاء على النفط، وقهر المسلمين؛ بادعاء نشر الديموقراطية.. ولقد افتضح أمرهم في أول انتخابات في مصر، وفلسطين، ومن قبل في الجزائر كما أوضحنا..(62/10)
مثل هذا يحدث تماما مع فكرة مؤتمرات محاربة الفقر؛ فهم يتجنبون الحديث عن السبب الحقيقي، أو المهم للفقر - ألا وهو الفساد بأنواعه - فالفقراء هم الذين يغذون خزينة الدولة بالضرائب، والزكاة، والرسولم، والغرامات المتعسفة والعشوائية، والدعوم المفروضة التي تؤخذ عنوة أو بسيف الحياء؛ كدعم الشريعة، والجهاد، والجريح، والشهيد..
بينما لا يعرف دافعوها أين تصرف هذه الأموال؟!.. والحكومة تضن عليهم حتى بهذه المعلومة؛ لأنها تعلم أنها تصرف في غير ما جمعت له - كالرواتب المُركّبة، والحوافز المصطنعة، والبدلات، والموبايلات، والسفريات، خلا العربات، والمؤتمرات القممية، والإقليمية، والقارية، واليخوت، والفلل، والسمنارات - خصوصا تلك المخصصة لمحاربة الفقر؛ حيث توزع رقاع الدعوة المكتوبة بماء الذهب، وتعقد في أفخم الفنادق والقاعات، حيث يقدم أطيب الطعام والشراب الذي يتبقى منه على الموائد ما يكفي لمدد طويلة لطالبات الداخليات، وملاجئ المشردين، والمساجين المظاليم؛ الذين سرقوا بسبب إفقار الدولة لهم..
هذا غير السرقات، والاختلاسات، والرشاوى، والعمولات، وإعفاءات الجمارك والضرائب، وحتى دين الله تلاعبوا به؛ فديوان الزكاة يفرض عند بدء كل سنة ربطا للزكاة عن تلك السنة؛ بمعنى أنه لا بد من جمع كذا من النقد، وكذا من المحاصيل، وكذا من الحيوان - فما يدريك يا صاحب المربوط أن التجارة ستربح، وأن النبات سيثمر، وأن الحيوان سيتوالد ويتكاثر؟! - لذلك يقوم زبانية الزكاة بجمع المربوط بالتعسف.. وإنما شرع الله الزكاة نسبة من الناتج بعد ثبوته؛ وليس لك افتراضه قبل بدء الحول.. ومثل ذلك في الضريبة، مع أنه ليس في دين الله شيء اسمه الضريبة؛ فقد حكم الله أن الزكاة تكفي لإغناء الفقراء إذا جمعت من المكلفين وصرفت على المستحقين؛ ولكن الحكومة تقول: (إنها لا تكفي)!!.. وليس ذلك إلا لأن الحكومة تعفي منها كثيرا من المكلّفين، وتصرفها لكثير من غير المستحقين!!..
فقط عند الأزمات شرع الله ما يسمى (في المال حق سوى الزكاة) يحدده الإمام على قدر الحاجة، ولمدة محدودة؛ ريثما تزول الحاجة التي أوجبته.
بالله عليكم.. كفوا عن عقد مؤتمرات وسمنارات مكافحة الفقر، وأنفقوا أموالها على الفقراء والمساكين؛ حتى لا تضطروهم للسرقة، والغشّ، والتزوير، وبيع الأعراض..
هذا لحين تحقق إرادة محاربة الفساد؛ فإنها لن تكون إلا بصدق العزم، ووضوح السبيل.
==============(62/11)
(62/12)
الإساءة للرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بين طاغوت الأمم المتحدة وأكذوبة حوار الحضارات!!
تباينت ردود أفعال المسلمين من الإساءة للنبي الأعظم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) في جميع أنحاء العالم، وكانت هذه الردود مختلفة: منهم من دعا إلى مقاطعة البضائع، ومنهم من دعا إلى التظاهرات والمسيرات، وآخرون دعوا إلى طرد السفراء الغربيين، ومنهم من دعا إلى الصلاة والسلام على الرسول وإلى الذكر، والدعاء على المسيئين حتى يتم الاعتذار من الحكومات التي أساءت للرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، بينما دعت الأنظمة الحاكمة على لسان بعض رؤسائها ووزراء خارجيتها ومنظمة المؤتمر الإسلامي إلى إصدار قرار من (الأمم المتحدة) يدين الإساءات...
إن دعوة الأمم المتحدة لنصرة المسلمين ورسول الرحمة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) دعوة تضليل، فهيئة الأمم المتحدة نشأت أساساً على فكرة "رابطة الصليبيين المحاربين"، وقد وجدت هذه الرابطة عندما كانت الفتوحات الإسلامية من قبل دولة الخلافة العثمانية، وكانت المسألة الشرقية (وحدة المسلمين والجهاد من قبل دولة الخلافة العثمانية) تقض مضاجع الكفار الغربيين، فأوجدوا هذه الرابطة، ثم حولها وزير خارجية بريطانيا (إدوارد غري) إلى فكرة (عصبة الأمم) وتبناها بشكل كبير الرئيس الأميركي (وودرو ويلسون) الذي أراد أن يرى معاهدة فرساي تتضمن نصاً يدعو إلى إنشاء (المؤسسة الأممية) وتم بالفعل إدراج نص التأسيس في 25/1/1919م في الجزء الأول من المعاهدة.
ثم عقدت عصبة الأمم اجتماعات لها ولكنها عجزت عن حل النزاعات الثانوية، وكذلك وقفت عاجزة في الكوارث الطبيعية، ولم يكن لها قوات مسلحة، وعدم وجود أميركا والاتحاد السوفيتي أعضاء دائمين فيها، وانسحاب إيطاليا واليابان منها، وخروج ألمانيا أيضاً منها، وعدم الاكتراث بباقي دول العالم، أي أنها لم تكن تعمل بالشكل المطلوب للغرض الذي قامت من أجله. وفي فترة الحرب العالمية الثانية تم التفكير جدياً بتحويلها من (عصبة الأمم) إلى (هيئة الأمم المتحدة) وعقدت المؤتمرات في عام 1943م، وكان الذي سماها (هيئة الأمم المتحدة) الرئيس الأميركي (روزفلت) في 1/1/1942م، وأصبح اسماً للحلفاء في الحرب العالمية.
وفي 25/4/1945م عقد مؤتمر الأمم المتحدة لصياغة دستورها، وعقدت قبل ذلك مؤتمرات لتحديد أهدافها وأعضائها وميثاقها والعضوية فيها، وبعد أن صاغ الغربيون كل ذلك، ظهرت (الأمم المتحدة) إلى الوجود في 26/10/1945م، بعد تصديق الأعضاء الدائمين على دستورها وهم (الصين، فرنسا، بريطانيا، الاتحاد السوفياتي، الولايات المتحدة)، ثم صادق مجلس الشيوخ الأميركي في 28/7/1945م على ميثاقها، وحدد مقرها في نيويورك مع فروع لها في أوروبا ومكاتب في بلدان أخرى.
إن الأمم المتحدة هي منظمة أنشأتها الدولة الكافرة وميثاقها مخالف للإسلام، ولم يكن في ميثاقها أيّ فكر من أفكار الإسلام، فالتحاكم إليها وإلى ميثاقها هو تحاكم إلى الطاغوت، ودعوة إلى تحكيم شريعة الكفر في الأرض، فالطاغوت هو (كل ما تجاوز به العبد حده من معبود أو متبوع أو مطاع)، فطاغوت كل قوم من يتحاكمون إليه غير الله ورسوله، أو يعبدونه من دون الله، أو يتبعونه على غير بصيرة من الله، أو يطيعونه فيما لا يعلمون أنه طاعة لله).
قال المحقق ابن القيم في كتابه (إعلام الموقعين عن رب العالمين): «فهذه طواغيت الأرض إذا تأملتها وتأملت أحوال الناس معها، رأيت أكثرهم عدلوا عن عبادة الله إلى عبادة الطاغوت، وعن التحاكم إلى الله وإلى رسوله إلى التحاكم إلى الطاغوت، وعن طاعته ومتابعة رسوله إلى طاعة الطاغوت ومتابعته... وهؤلاء لم يسلكوا طريق الناجين الفائزين من هذه الأمة وهم الصحبة ومن تبعهم، ولا قصدوا قصدهم بل خالفوهم في الطريق والقصد».
فلا عدل في ميثاق الأمم المتحدة، والعدل في شرع الله، ولهذا أمرنا أن نحكم بشرعه، قال تعالى: ?إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا ?[النساء 58].
ولا يمكن تحقيق العدل إلا إذا حكم المسلمون بما أنزل الله سبحانه وتعالى، قال تعالى: ?وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ ?[المائدة 49].
وبصفتنا مسلمين يجب أن نرفض التحاكم إلى شرعة الكفر هذه، وليس لنا خيار إلا النزول عند أحكام الله سبحانه وتعالى، قال تعالى: ?فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ?[النساء 65].(62/13)
كما ويجب أن ننبذ كل ما ليس من شرع الله، ونحكم بما أنزل الله في نفس اللحظة، فننبذ التحاكم إلى الديمقراطية والرأسمالية وميثاق الأمم المتحدة والهيئات والمؤسسات والأنظمة والمفاهيم المنبثقة عنها، قال تعالى: ?فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ?[البقرة 256].
والتبرؤ من موالاة ومناصرة القائمين عليها من الدول الكافرة، وأن لا نتخذهم أولياء، قال تعالى: ?يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ?[المائدة 51].
إن الإسلام هو الدين الحق، وهو المنهج القويم، وهو صراط الله المستقيم، وإن الله الذي خلق الكون والحياة والإنسان هو الذي يعلم ما يصلح الإنسان وما يفسده، وما يضره وما ينفعه، ولهذا لا بد من وضع حد لهذه المنظمة الصليبية، التي وجدت ضد المسلمين وكانت قراراتها ضد المسلمين سواء فلسطين والعراق وأفغانستان وسوريا ولبنان وإيران أم في كشمير ودارفور وفي البوسنة وغيرها.
أما صراع الحضارات، فقد وجدت حملة كبيرة ضد صراع الحضارات، وقالوا لابد من (حوار الحضارات وحوار الأديان)، وأثبتت هذه الإساءات للمسلمين (تدنيس القرآن الكريم والإساءة للنبي العظيم) أن حقدهم على الإسلام والمسلمين كبير، وأن ما قالوه عن (حوار الحضارات) إنما هو هراء، لأن هناك اختلاف بين الحضارات، وهو أمر واقع لا سبيل إلى إنكاره، ولو لم يوجد الاختلاف بين الحضارات لما وجدت الأمم المختلفة في أفكارها وعقائدها ومفاهيمها وأخلاقها، ولما وجدت سنة التدافع للقضاء على الفساد والمفسدين، وهم يقولون بحوار الحضارات المبني على ثلاثة أمور:
1- المساواة بين أديان وحضارات المتحاورين دون استعلاء ولا تفضيل دين على آخر أو حضارة على أخرى.
2- حد الحوار مقصور على مجرد معرفة ما عند الغير دون التعرض لنقضه أو إبطاله.
3- تكوين بديل حضاري عن طريق الوصول إلى القواسم المشتركة بين الدينين والحضارتين.
إن محاولة التقريب بين الأديان أو مساواتها هو مفهوم كفر، إذ لا مساواة بين الحق والباطل، وبين الإسلام والكفر، وبين الخير والشر، وبين الضلالة والهدى، وبين ما وضعه العقل وما أنزله الله عز وجل، قال تعالى: ?بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ ?[الأنبياء 18]. وقال تعالى: ?فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ ?[يونس 32].
وعجباً لمن يدعي حوار الحضارات، ويسوي بين الإسلام والكفر، وبين الإلحاد والتثليث والتوحيد، وبين الإباحي ومن يحرم الفواحش، وبين عبادة الله وعبادة مخلوقاته، وبين السفاح والنكاح، وبين الخنزير وغيره، وأعجب منه، من يسكت عن التفضيل، فلا يفضل التوحيد على الشرك، ولا الحلال على الحرام، ولا الشرع على الطاغوت، ولا المؤمن على الكافر، ولا الديمقراطية على الشورى!!
فالتبعية مرفوضة، والمساواة مرفوضة، والسكوت عن تفضيل الإسلام وحضارته على سائر الأديان والحضارات مرفوض.
إن الصراع بين الإسلام وغيره من الحضارات قديم، وإن الإسلام سيظل في صراع مع الأديان والحضارات الكافرة حتى يسلموا أو يخضعوا لأحكامه، وقد صرح لنا القرآن والسنة بالكثير من الأمثلة على هذا الصراع، وظل المسلمون في صراع مع عقائد الكفر حتى جاءتنا بدعة (حوار الحضارات) بالرغم من أنها أكذوبة كبرى، فقد صارعنا الغرب بمفاهيمه كثيراً، ويحاول أن يسيطر على وسائل الإعلام ومناهج التعليم، ويغذي المفكرين والمثقفين بأفكاره، وينفق على الدورات والدراسات، وينشئ المؤسسات والمنتديات ومراكز الأبحاث، ويحارب أحكام الإسلام سواء ما يتعلق بالجهاد، أم المرأة، أم أحكام أهل الذمة، أم أحكام المعاملات والعقوبات في الإسلام، ويقوم بالتنصير، فأي حور فكري هذا؟!
أما الصراع الاقتصادي، فسيطرته على المواد الخام وجعل الدولار هو المتحكم وبديلاً عن الذهب، وجعل دول العالم الإسلامي مجرد أسواق استهلاكية لمنتجاته، وإغراق البلدان بالقروض الربوية، واستيعاب الخبرات والعقول من تلك البلدان، ووضع سياسات اقتصادية لتكبيل البلدان، واشتعال الحروب، وانعدام الأمن في الكثير من البلدان، وسيطرته على المصالح الاقتصادية، وتعيين جيوش له من العملاء الاقتصاديين، وفرض الحصار الاقتصادي، فهل بعد هذا كله نقول لا يوجد صراع اقتصادي؟!(62/14)
أما من الناحية السياسية فبعد هدم دولة الخلافة الإسلامية سنة 1342هـ، وإقامة دولة يهود في فلسطين وتمزيق الخلافة إلى دويلات كرتونية هزيلة، ووضع لكل دولة (مستقلة) من بلاد المسلمين -عضو في الأمم المتحدة- حدوداً وأعلاماً وجنسيات وجوازات وتأشيرات دخول، وتطبيق نظامه السياسي على شكل دساتير وقوانين، ومقاومة جميع الحركات المخلصة والتي تعمل على إعادة الإسلام إلى الحياة كدولة ونظام حكم ومحاربتها، وإنشاء الأمم المتحدة كرابطة صليبية لتحقيق أهدافه، فهل بعد هذا نقول لا يوجد صراع سياسي وحضاري؟!
أما الناحية العسكرية فقد احتل الغربيون بلاد المسلمين، ووضعوا قواعدهم وجيوشهم، ويجوبون البحار والمحيطات الإسلامية، ويفرضون سياستهم بقوة الحديد والنار، ومع هذا الواقع الأليم الذي يصارعنا به الغرب نجد من أبناء المسلمين من يقول بأنه لابد من (حوار حضارات)!!
لقد كشفت تلك الرسوم المسيئة للنبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) أن القضية هي صراع بين الأديان والحضارات وليست حوار حضارات، وكشفت للمسلمين الوجه الحقيقي القبيح للغرب الكافر (اليهود والنصارى) وهذه الدعوات إلى الحوار إنما تدل على سذاجة -بعض المسلمين- الذين اتبعوا الغرب فيما ينعق به!!
ناصر عبده اللهبي
=============(62/15)
(62/16)
صراع الحضارات أو حوار الحضارات؟
يريد الغرب من المسلمين جواباً واضحاً ونهائياً عن موضوع الحضارات، وهل هم في حالة صراع أم حوار؟ تماماً كما طلب منهم سابقاً جواباً شافياً حول انتشار الإسلام بالجهاد والسيف والإكراه أم لا؟ وهل الجهاد (حرب دفاعية) أم (حرب هجومية)؟ وطلب منهم سابقاً أجوبة عديدة مثل هل يُفصل الدين عن الدنيا والدولة والسياسة أم لا؟ وهل يعترف بالعلمانية والاشتراكية والديمقراطية والحريات أم لا؟ هل يقبل بالتعددية السياسية وتداول السلطة السلمي أم لا؟ فقائمة مطالب الغرب الحاقد طويلة وتكاد لا تنتهي، ويُخطئ من يظن بأن الغرب سيتوقف عن إخراج ما في جعبته من مفاجآت إذا ما أجبناه عن آخر سؤال يسأله لنا جواباً يعجبه ويرضي غروره.
أما عن موضوع صراع الحضارات فهناك ملاحظات رئيسة لا بد من ذكرها سواء رضي الغرب أم سخط وهي:
1- إن من طرح هذه المقولة صمويل هنتنغتون وهو رجلٌ منهم وليس منا، فهم من قال هذه المقولة ولسنا نحن.
2 - إن الصراع يأخذ أشكالاً عدة منها العسكري، ومنها الفكري، والإعلامي، والاقتصادي، والثقافي، وغير ذلك.
3 - إذا كان المسلمون يخوضون صراعاً هذه الأيام فإنه من قبيل الدفاع عن النفس، ومن قبيل ردة الفعل وليس الفعل، بسبب غياب الراعي وغياب من يدير الصراع.
4 - إن الغرب ينظر إلى المسلمين نظرة مصارعين له، حتى لو جلسوا في بيوتهم، وقيدوا أرجلهم، وكموا أفواههم، لأنه يعتبر وجود المسلم الملتزم بدينه المطبق لشرع الله على نفسه، في حالة صراع مادي ومعنوي معه ومع حضارته وفساده، لأنه لا يريد أن يرى على وجه الأرض من يخالفه الرأي، ويخالف عاداته ولباسه ولغته وثقافته، لأن غروره الزائد وغطرسته المتعالية لا تطيق أن يرى النقيض يعيش ويتنفس على وجه الأرض، وهو سيدها والآمر الناهي فيها.
5 - إن المخترعات والأبنية والعمران والعلوم ليست هي المقصودة في الحضارات، وهذا ما يجعل البسطاء يعيشون حالة خلط وضياع تعميهم عن الحقيقة
==============(62/17)
(62/18)
وقف مؤسسات الحوار الحضاري ومسؤولياتها…
الملخص
بحث بقلم: الدكتور فوزي فاضل الزفزاف، قدم في مؤتمر مكة المكرمة السابع المنعقد في مكة بعنوان (نصرة نبي الأمة r) بتاريخ: 5/12/1427هـ الموافق 26/12/2006م
النص
الحوار هو لغة الإسلام,وقد قضى الله -سبحانه- أن تكون علاقته -جل شأنة- بمخلوقاته قائمة على أساس الحوار الإقناعى , وليس على أساس القهر والأكراه, والقارئ للقرأن الكريم يجد أن الله -تعالى- استعمل لغة الحوار مع الملائكة والرسل والناس اجمعين ... وقد نقل القرأن الكريم صورا كثيره من هذه الحوارات, ومن حوارات رسل الله مع اقوامهم,ومن حوارات الناس بعضهم مع بعض...
وقد أراد الله -تعالى- أن يعلمنا عمليا - ومن خلال القدوه- أن النهج السليم فى تأسيس وإدارة العلاقات بين البشر, أن تكون قائمه على أساس مبدأ الحوار وحسن استخدامه مع الناس كافة: أفرادا كانوا أو جماعات, أو حضارات, مسلمين وغير مسلمين:( وقولوا للناس حسنا) و (وقولا له قولا لينا..)و(قولوا قولا سديدا..)و(ولاتجادلوا أهل الكتاب إلا بالتى هى أحسن..)...الخ الأيات القرأنيه التى وردت فى القرأن الكريم تؤكد ذلك..
وقد ايقنت الدول والشعوب لاسيما -بعد الحرب العالمية الثانية- بأن الحروب لم ولن تحل المشاكل والخلافات التى تقع فى المجتمع الإنسانى ... وأن القتال لن ينهى الخلافات, بل على العكس يزيدها تعقيدا وينمى العداوة والشقاق ,والكره والبغضاء,ويدفع إلى الصدام من جديد,...وأنه لابديل عن الحوار فى حل المشاكل المحلية والأقليمية والدولية ...
لذلك علا صوت المنادين بالحوار فى دول العالم ,وشكلت له مؤسسات ولجان شملت جميع مجالات الحياة: دينية,ثقافية,حضارية,اقتصادية,اجتماعية,سياسية....الخ,منها مؤسسات ولجان الحوار الدينى,وحوار الحضارات..
لذا أناشد المؤسسات التعليمية الدينية الإسلامية أن تختار من صفوة علماء المسلمين المجيدين للغات الأجنبية المشهود لهم بالكفاءة وحسن السمعة ليقوموا بالقاء محاضرات فى جامعات ألمانيا على وجه خاص, وفى جامعات أوروبا وأمريكا على وجه عام يوضحون فيها حقائق الإسلام, ومبادئه وأخلاقه, و تعاليمه و أحكامه ... الخ , و يفندون الأتهامات التى توجه إلى الأسلام زورا وبهتانا ... فهذا الأسلوب هو الذى تحترمه الشعوب المتحضرة, و تنصاع اليه العقول السليمة...
كما أن الواقع الذى تعيشه الأمة الإسلامية يفرض على حكامها أن يبذلوا جهدهم فى استصدار قرار دولى بتجريم ازدراء الأديان ... فقد نجح اليهود -وهم قلة قليلة- فى استصدار قرار دولى بتجريم معاداة السامية, رغم أن معاداة السامية وهم لاحقيقة له ..
ايخطئ من يظن أن العداء للإسلام فى الغرب قد بدأ منذ حوادث 11 سبتمبر 2001 م فى نيويورك وواشنطن بالولايات المتحده الأمريكيه,لأن الحقيقه الصريحه أن العداء للإسلام لم ينقطع يوما فى المحيط الغربى كله.
فقد كانت الكتب التى تؤلف ضد الإسلام ,والمقالات والرسولم التى تنشر فى الصحف في وسائل الإعلام الغربية تنطق بعداء سافر للمسلمين, وتحذر من دين الإسلام الذى يكره الناس على اعتناقه, وعلى استباحة أموال وأعراض وحياة غير المسلمين!!
وللأسف فقد قابل أغلب المسلمين ذلك بسلبيه وعدم اهتمام واكتراث,ولم يقابلوها بما يجب عليهم من الردالمباشر فورا بما يصحح هذه المعلومات الخاطئه التى تنشر وتذاع ... وذلك يرجع إلى أمرين:
1- إما إلى ثقتهم المفرطه فى دينهم, وإيمانهم الجازم بأن الإسلام هو الدين الخاتم,وأن نبيه محمد صلى الله عليه وسلم هو خاتم الرسل والأنبياء,وأن الله - جل شأنه - قد تكفل بحفظ قرأنه ... وهذا حق فعلا, إلا أن الحق إذا لم يدافع عنه,وتقام الحجج والأدله على صدقه,فإن الباطل يعلوه...
2-وإما إلى أن هذا العداء ماهو إلا حركات فرديه تعبر عن فكر أشخاص لاتأثير له فى المجتمع ... ولم يدركوا أنه يمثل فكرا واتجاها ينمو ويزداد, وقد رسمت خطوطه,وبرامجه,وأسلوب تنفيذه بدقه وإحكام ... وكأن سماحة الإسلام -فى تقديرهم- كانت تفرض عليهم التغاضى عن الرد على هذه الافتراءات الكاذبه, والدعاوى الباطله ضد الإسلام...
============(62/19)
(62/20)
الإسلام وتوطيد العلاقات الإنسانية بين المجتمعات…
الملخص
بحث بقلم: فضيلة الشيخ قاسم محمد طيجن، قدم في مؤتمر الإسلام في أمريكا اللاتينية.. حضارة وثقافة المنعقد في بيونس آيرس بالأرجنتين بتاريخ: 8/10/1427هـ الموافق 30/10/2006م
النص
ابتدأ المسلمين تجربة للحفاظ على أبنائهم وتعليمهم لغتهم العربية ودينهم الحنيف، وقام بهذا الدور المرشدون الدينيون يعلمونهم القراءة والكتابة في المساجد عدة ساعات في أيام العطلة المدرسية لمدة شهرين في السنة.
وتتوقف الدراسة عندما يعود الطلاب إلى مدارسهم، ففي خلال مدة 9 أشهر يقضونها في المدرسة ينسون ما تعلموه في المسجد. وهذه الطريقة لا توفي في الغرض المطلوب، فكانت الفائدة قليلة جدا، بل نقول معدومة، فمن أجل ذلك نؤكذ أنه يجب إقامة مدرسة رسمية إسلامية بجانب كل مركز. للاهتمام بتعليم اللغة العربية التي تعتبر امتدادا لكيان الأمة الإسلامية والوجه المعبر عن ثقافتها وحضارتها ومكانتها في العالم, وهي المالكة الفعلية للهوية الثقافية للمسلمين, ولذلك تعلمها وتعليمها وصيانتها يعبر عن مظهر من مظاهر الثقافة الإسلامية.
وإذا كانت علاقة أبناء وشباب بلدان أمريكا اللاتينية باللغة العربية تكاد تكون ضعيفة, لا تسمح بالتواصل التام بها مع الآخرين سواء داخل الأسرة أو خارجها, فإن المدرسة الإسلامية في أمريكا اللاتينية تعتبر مسؤولة عن تنمية الرصيد اللغوي لروادها، سواء على مستوى القراءة أو الكتابة أو التواصل.
الهوية والتعليم الإسلامي صعوبات وحلول
بعد حمد الله رب العالمين والثناء عليه بما هو أهله والصلاة والسلام على أشرف المرسلين, ورحمة الله للعالمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
باديء ذي بدء لا بد لنا أن نعطي لمحة سريعة عن تاريخ الهجرة العربية والإسلامية الى بلاد أمريكا اللاتينية والتي ابتدت في أواخر القرن التاسع عشر. تنقسم الى ثلاثة مراحل.
المرحلة الأولى: ابتدأت في أواخر القرن التاسع عشر وحتى الحرب العالمية الأولى ; هذه الهجرة الأولى كانت نتيجتها ضياع الأغلبية الكبيرة من المهاجرين بحيث وصلوا الى بلاد جديدة لم يعرفوا لغتها ولا عاداتها، وتقطعت أوصالهم عن البلاد التي هاجروا منها بسبب الحرب العالمية الأولى بحيث إن نسبة كبيرة منهم تزوجوا من أهل البلاد , واستقروا وعاشوا فيها.
المرحلة الثانية: واستمرت حتى منتصف القرن العشرين، بحيث هاجر عدد كبير، ولكنهم كانوا أحسن حظاً بحيث وجدوا أبناء جلدتهم وقد مهدوا لهم الطريق، وكان همهم الوحيد في الهجرة الأولى والهجرة الثانية الحصول على لقمة العيش والعمل بدون كلل لتحسين وضعهم الاجتماعي. ولكنهم نسوا أغلى شيء في حياتهم وهي تربية أبنائهم وتعليمهم لغتهم العربية ودينهم الحنيف فمن أجل ذلك عندما تلتقي ببعض أولادهم يقولون: إنهم من أصول عربية، لكن أغلبهم اتبعوا دين أهل البلاد إلا فئة قليلة منهم، وبالأخص الذين تزوجوا من بلادهم الأصلية.
المرحلة الثالثة: والتي ابتدأت من عام 1960 إلى يومنا هذا، فهذه الفئة من المهاجرين كان حظها أفضل بحيث وصلوا إلى هذه البلاد ووجدوا مساعدة وهداية من أهلهم وأبناء بلدهم ووطنهم، وكانت نسبة التعليم بينهم لا بأس بها ، فابتدأو العمل أولاً في إقامة النوادي لكي يجتمعوا ويتعارفوا ويتدارسوا عن السبل الكفيلة لوحدتهم وتعاونهم.
===============(62/21)
(62/22)
الإسلام وعلاقات الأفراد والمجتمعات…
الملخص
بحث بقلم: الدكتور محمد بن عبد الرحمن العريفي، قدم في مؤتمر الإسلام في أمريكا اللاتينية.. حضارة وثقافة المنعقد في بيونس آيرس بالأرجنتين بتاريخ: 8/10/1427هـ الموافق 30/10/2006م
النص
الإسلام كلٌ لا يتجزأ ، وكما اهتم بعلاقة العبد بربه من خلال التعبد لله تعالى بالصلاة والصوم ، كذلك اهتم بعلاقة الإنسان بالإنسان من خلال ضبط العلاقات والحقوق ، فضبط العلاقات الأسرية ، والاجتماعية ، والاقتصادية ، وغيرها بل جعل الله تعالى هذه العلاقات وما تتضمنه من رعاية للحقوق وحفظ للذمم ورقيٍ في الأخلاق؛ جعل الله تعالى هذه الأمور من ضمن العبادات ، فتبسمك في وجه أخيك صدقة ، وإكرامك الضيف عبادة ، وإيذاؤك جارك معصية .
ومن هنا أحببنا أن نستعرض - فيما يلي - أربعة أنواع من هذه العلاقات الإنسانية التي أكد عليها ديننا
• أولها: إفشاء السلام
• وثانيها: حسن الجوار
• وثالثها: التكافل
• ورابعها: التعاون على البر والتقوى
===============
حوار الحضارات: أين هي حدود الحق والباطل؟
ثقافات العالم تتجاوز عشرة آلاف. الثقافة الكاتبة الحاسبة الممتدة عبر حواضر تصير حضارة. حضارات العالم تزيد على العشرين بقي منها حيا دون العشر.
نعم للحضارة هوية دينية، ولغوية، وفنية غالبة ولكنها هوية فضفاضة لا تضم كيانا سياسيا واحدا ومصلحة اقتصادية واحدة، ولا أيديولوجية واحدة. لذلك لا يرد في أمرها حوار أو خصام. إن الذي أفرز الحديث عن الحضارات كأنها قابلة لذلك عوامل موضوعية أذكر منها:
مفكرون غربيون يهود ـ أمثال برنارد لويس ـ يسعون لإيجاد قاسم مشترك بينهم وبين ملة الغرب الغالبة (المسيحية) ويجدون المبرر لاصطفاف غربي ضد العرب والمسلمين.
مفكرون غربيون اعتبروا أن نهاية الحرب الباردة تجرد الولايات المتحدة مما حظيت به من ولاء غربي أثناء الحرب الباردة.. حديثهم عن حضارة غربية ذات دولة مركزية هي الولايات المتحدة، وعن حضارات أخرى مناوئة كالإسلامية والصينية يمد الولايات بسبب لشرعية قيادتها للغرب وبعدو مشترك.
الوفاق والشقاق وبالتالي الحوار والخصام يدور حول سبعة محاور هي:
الأول: الدين: فالأديان غالبا تقوم على نفي الآخر وكلها شهدت انتعاشا منذ ثمانينات القرن العشرين مما يزكي الصدام ويوجب الحوار.
الثاني: الأيديولوجية: الأيديولوجيات أديان وضعية وحولها يدور الصراع أو التعايش، ومع أنها منذ أواخر القرن الماضي انحسرت، فالتباين مستمر بين الرأسمالية والاشتراكية، وبين الديموقراطية والشمولية.
الثالث: المجتمعات التقليدية تقوم على ولاء وراثي لطائفة أو عشيرة، هذه الكيانات التقليدية ترفض الحداثة التي تقوم على المشاركة والمؤسسية. ههنا جدلية قابلة للمفارقة والموافقة.
الرابع: العولمة وهي إدماج رأس المال والتقنية والمعلومات بما يتعدى الحدود الوطنية ويخلق سوقا كونية واحدة. هذا هو وجه العولمة الموضوعي، ولكن في ظروف العالم اليوم والسيطرة الأمريكية على الاقتصاد وعلى السلاح وعلى الإعلام فإن العولمة تلبس وجها أمريكيا. العولمة بوجهها الموضوعي والأمريكي تواجهها في كل مكان الخصوصيات الثقافية فينشأ بينهما التوتر.
الخامس: شمال الكرة الأرضية غني ومع أن سكانه 20 % من سكان الأرض فإنه ينال 80 % من الدخل المادي فيها، هذا يخلق مجالا واسعا للصدام أو الحوار من أجل العدالة.
السادس: منذ نهاية الحرب الباردة برزت القطبية الواحدة التي تقودها الولايات المتحدة تنازعها عوامل التعددية الدولية المنطلقة لتوازن جديد في السياسة الدولية.
السابع: هنالك بؤر التهاب منشورة في العالم هي: فلسطين، كشمير، تايوان، الشيشان، جنوب السودان وغيرها، تخلق استقطابا أو وفاقا.
الصراع أو الحوار يدور حول هذه المحاور السبعة. العالم كله متجه صعودا نحو:
* تطور في الوعي الديني يشبع الحاجة الروحية وينفي الجهل والخرافة.
* تمدد عقلاني.
* تحول إلى الحرية.
*احتكام للعدالة.
* تطلع للتنمية المادية وتسخير الطبيعة للحاجات الإنسانية، وتحرير الجماليات كلغة عالمية للبشر من علائق الجهالة والخرافة.
لكي يكون الحوار بين أطرافه مثمرا فإن عليه أن يكون كذلك متناغما مع حركة التاريخ.
نحن في الغالب نقبع خارج التاريخ، يكرس بقاءنا هناك:
الفقه الصوري الذي أدى إلى قفل باب الاجتهاد بحجة أن السلف قد استنبطوا من النصوص كل الأحكام فما علينا الا اتباعهم، وبحجة أن آية السيف قد حددت علاقتنا بالاخر المحلي والدولي على أساس اتباع ملتنا أو أداء جزيتنا أو السيف.
الاستبداد الذي قفل باب الاجتهاد السياسي وتحكم قبل الاستعمار وتحكم بعد رحيله، وعلى حد تعبير أمل دنقل:
لا تحلموا بعالم سعيد
فخلف كل قيصر يموت قيصر جديد
التنمية العاجزة عن توفير الضروريات أو تلك التي تغذي الظلم الاجتماعي داخليا والتبعية خارجيا.
نحن بحاجة لمشروع نهضوي يخرجنا من التخلف والاستبداد والتبعية وما لم نحققه فلا جدوى من الحوار مع الآخر، لأن نهضتنا تبدأ بصحوة ذاتية.
الدول الغربية كذلك غارقة في مستنقعات أهمها:(62/23)
* المسيحية واليهودية لا تعترفان ببعضهما ولا تعترفان بالآخر المحلي.
* تفوقهم المادي أورثهم استعلاء الغالب وجعلهم يكمّشون عطاء الآخرين.
* سياساتهم هي التي صنعت بؤر التوتر ولا يعترفون بهذا الدور وواجب العمل على إزالتها.
* هيمنة سياسات المحافظين الجدد على السياسة الأمريكية وهيمنة السياسة الأمريكية على السياسة العالمية.
* سياسة هؤلاء هي أقوى مبرر لسياسة الغلاة عندنا. قال السفير البريطاني لإيطاليا: «أكفأ «شاويش» تجنيد للقاعدة هو بوش نفسه لا غير».
سياسات غربية تجهض بشائر الاصلاح عندنا ـ مثلا ـ الموقف الأمريكي المعادي للديمقراطية الثالثة في السودان ـ عدم الاعتراف بالاختيار الفلسطيني الحر لأنه أتى بحماس ـ التحفز لقصف قناة الجزيرة مع أنها تمثل تحديثا إعلاميا ـ منع صفقة شركة موانئ دبي العالمية مع أنها تمثل خيارا عربيا مستصحبا للعولمة.
قال توماس فريدمان «نبغى ألا نشك بعد اليوم أن 11/9 قد صيرنا أغبياء»!.
المنكفئون والغلاة في الشمال مزودون باستعلائهم وتفوقهم التكنلوجي وأسلحة الدمار الشامل. وهم في الجنوب مزودون بغضباتهم وأسلحة الضرار الشامل.
العالم اليوم في كف عفريت بين وعد العقلاء من الطرفين أن يصالحوا أنفسهم مع تيار التاريخ الصاعد ويجرون حوارا مثمرا عبر الملفات السبعة يبني مستقبلا أعدل وأفضل، ووعيد فيه يضع الغلاة والمنكفئون من الطرفين أجندة المستقبل فيجرفون مسيرة التاريخ نحو مصير ظلامي:
أمامك فاختر أي نهجيك تنهجُ
طريقان شتى مستقيمٌ وأعوجُ
=============(62/24)
(62/25)
هل حوار الحضارات ممكن، وكيف؟
هاشم صالح
بعد تفجيرات 11 سبتمبر اصبحت العلاقة مع العالم العربي ـ الاسلامي الشغل الشاغل لمثقفي فرنسا والغرب بشكل عام. ويرى جان دانييل، رئيس تحرير مجلة «النوفيل اوبسرفاتور» ان المثقفين اتخذوا مواقف متباينة من هذه المسألة ليس فقط مؤخرا، وانما على مدار القرنين الماضيين ايضا، فمثلا كان فيكتور هيغو قد اطلق صرخته المدوية بعد استعمار الجزائر قائلا: انها الحضارة تنتصر على البربرية. نحن اغريق العالم وعلينا تنويره! بالطبع ينبغي ان نموضع هذا التصريح ضمن سياق تلك الفترة لكيلا نظلم فيكتور هيغو اكثر مما ينبغي. ولكن في ذات الوقت كان عالم الانثربولوجيا ليفي بريل يبلور مصطلح العقلية البدائية لكي يبرر الاستعمار بشكل غير مباشر. ففي رأيه ان الغرب هو وحده الذي توصل الى الفكر العقلاني او المنطقي، واما بقية الشعوب فلا تزال تعيش في مرحلة العقلية ما قبل المنطقية. وبالتالي فما عليها الا ان تمر بنفس المراحل التطورية لكي تلحق بالغرب. وبما انها لا تستطيع ان تفعل ذلك لوحدها، فإنه ينبغي على الغرب ان يساعدها اي ان يستعمرها!. ولكن بعد الخمسينات، وبعد ان ابتدأت الشعوب تتحرر من الاستعمار، راح عالم انثربولوجي آخر يقول العكس. ففي رأي كلود ليفي ستروس انه لا توجد ثقافة عليا وثقافة دنيا، وانما جميع الثقافات متساوية وينبغي ان نحترم خصوصياتها واختلافها. وكلها تستحق لقب الحضارة. ولكن يبدو ان ليفي ستروس غيَّر رأيه مؤخرا عندما اعترف بمديونيّته ومديونية البشرية كلها لمخترعي الفكر النقدي او العلمي في اوروبا. وقال من المستحب ان تتوصل جميع الشعوب الى مرحلة الفكر النقدي او التنويري. ولكن هل يعني ذلك انه يحق لامريكا او للغرب كله ان يدعي امتلاك الحقيقة المطلقة وان يتدخل في شؤون الشعوب الأخرى كما يشاء ويشتهي؟ على هذا السؤال يجيب جان دانييل بالنفي. واما فيليب رينو، استاذ العلوم السياسية في جامعة باريس فيرى ما يلي: ينبغي على الديمقراطيات الحديثة ان تقبل بوجود صراع طويل الأمد مع القوى الماضوية التي ترفض قيم الغرب بشكل مطلق. ولكن في ذات الوقت ينبغي علينا ان نقيم علاقات ايجابية مع القوى الأخرى الموجودة في نفس المجتمعات والتي تقبل بالافكار الحديثة. اما صوفي بتييس المؤرخة والصحافية الفرنسية فترفض اطروحة صموئيل هانتنغتون عن صراع الحضارات. وهي تطرح التساؤل التالي: لماذا لاقت اطروحته كل هذا النجاح والانتشار؟ فلا يوجد مثقف الا وناقشها او تحدث عنها. في الواقع ان هذه الاطروحة رجعية وخطيرة لانها تغطي على المشاكل الحقيقية. فهي اذ تركز على التناقض الثقافي او الحضاري بين الغرب والعالم الاسلامي تهمل الاسباب الفعلية للصراع. ومن اهم هذه الاسباب التفاوت الهائل بين غنى الغرب وثرواته وبحبوحة شعوبه، وبين فقر المجتمعات الاسلامية والبؤس الذي تتخبط فيه شرائح واسعة من الشعوب العربية. وهكذا يتملص الغرب من مسؤوليته عن طريق القول بأن المسلمين معادون في جوهرهم لقيم الحداثة والحضارة! وبالتالي فالصراع معهم اجباري ليس لأن الكثيرين منهم يعانون من مشاكل الفقر والكبت والقهر وانما ميلهم الطبيعي الى العنف.. وهذا يبرهن على ان الغرب لا يريد ان يتحمل مسؤولية النظام العالمي الجائر الذي يقيم هوة سحيقة بين الشمال والجنوب. يضاف الى ذلك ان الغرب لا يريد ان يعترف بأن للآخرين الحق في بلورة القيم الحضارية والكونية، وانما يحتكر هذا الحق لنفسه فقط. واما فرانسوا فوركيه استاذ الاقتصاد في جامعة السوربون فيرى العكس. فهو يعتقد ان صموئيل هانتنغتون على حق عندما يتحدث عن صراع الحضارات. فالتفجيرات التي حصلت في نيويورك وواشنطن كانت موجهة فعلا ضد حضارة الغرب. وهي تهدف في ما وراء ضرب امريكا الى انهاء الهيمنة الغربية على العالم. ولكن هل الصراع أبدي او محتوم بين عالم الاسلام وعالم الغرب؟ عن هذا السؤال يجيب الباحث قائلا بأنه توجد امكانية لتفادي ذلك. وهي تتمثل في بلورة قيم كونية مقبولة من قبل جميع شعوب الارض وليس فقط من قبل الغرب. ففلسفة الغرب المتمثلة بالديمقراطية وحقوق الانسان وقوانين السوق لم تعد قادرة على فرض نفسها كفلسفة كونية تنطبق على العالم اجمع. وانما ينبغي على البشرية ان تبلور فلسفة أوسع منها واشمل. ويرى هذا الباحث ان الفلسفة الجديدة يمكن ان تستمد مبادئها من جميع التراثات الثقافية وليس فقط من تراث الغرب. فالاسلام مثلا يحتوي على تراث روحي عظيم ونحن نجهله. لماذا؟ لاننا، اي الغربيين، لا نعرف الا التيار المتطرف ولا نتحدث الا عنه. وهذا خطأ كبير يرتكبه الغرب في حق الثقافات الأخرى، خاصة الاسلام.(62/26)
اما الباحثة ميشيل غيوم هوفنونغ، استاذة القانون العام في جامعة السوربون فتطرح السؤال التالي: هل حقوق الانسان كونية؟ بمعنى: هل حقوق الانسان كما بلورها الغرب منذ قرنين تنطبق على جميع الشعوب ام انها خاصة بتاريخه فقط؟ هذا السؤال كان شبه ممنوع سابقا لان الغرب كان يفرض حداثته وقيمه بصفتها ذات طابع كوني. ونلاحظ ان الباحثة تجيب بالايجاب عن هذا السؤال، وذلك على عكس ما فهمناه من كلام الباحث السابق. فحقوق الانسان لا تنحصر بالعرقية المركزية الاوروبية كما يزعم البعض، لماذا؟ لانها لا تستمد جميع مبادئها من تراث الغرب وانما استفادت ايضا من قيم الاسلام. وهذا ما برهن عليه الاعلان الاسلامي العالمي لحقوق الانسان والصادر عن اليونيسكو عام 1981. يضاف الى ذلك ان فلسفة حقوق الانسان لا تتعارض مع الاديان وانما فقط مع التفسير المتعصب لها. وترى الباحثة ان مبادئ الاديان الكبرى، كالاسلام والمسيحية كانت قد نصت على كرامة الانسان ورفعة الانسان لانه خليفة الله في الارض. وبالتالي فلا تعارض بين حقوق الله وحقوق الانسان اذا ما فهمنا الدين بشكل صحيح وعقلاني.
ماذا نستنتج من اقوال المثقفين التي استعرضناها حتى الآن؟ نستنتج ان الهوة بين الاسلام والغرب ليست سحيقة الى الدرجة التي كنا نتوهمها. نقول ذلك بشرط ان يتوفر شرطان اثنان: الاول هو ان يتراجع الغرب عن كرهه الشديد والمتأصل للاسلام، وان يعترف بالارث الحضاري العربي ـ الاسلامي ومدى تغذيته للحضارة الاوروبية. وهذا الشيء ابتدأ يتحقق أخيرا على يد بعض المفكرين المتحررين من الاحكام المسبقة والعدائية ضدنا. وقد ذكرنا اسماء بعضهم في ما سبق. ويمكن ان نضيف اليهم على سبيل المثال لا الحصر اسم الباحث آلان دوليبيرا المختص بالفلسفة العربية الاسلامية. فقد كشف عن الصفحات المضيئة لفلاسفة الاسلام وبين كيف انهم كانوا اساتذة لاوروبا طيلة عدة قرون، ولا يمكن فهم النهضة الاوروبية الا اذا موضعناها ضمن هذا المنظور التاريخي العميق. واما الشرط الثاني فهو ان يتغلب التيار العقلاني في العالم العربي على التيار المتطرف والمخطئ في فهمه لرسالة الاسلام السمحة. وهذه هي المهمة المطروحة على المستقبل.
============(62/27)
(62/28)
حوار الحضارات .. خيار منهجي
ما هي موضوعات حوار الحضارات , وما هي محدداته , وما هي اهدافه؟
لمشاهدة الصورة بحجم اكبر إضغط علي الصورة
تمهيد
* بقلم د.وليد عبد الناصر
ترتكز دعوة حوار الحضارات علي كونها البديل الموضوعي والايجابي لطرح صدام الحضارات الذي خرج من افواه بعض المثقفين في الغرب عقب انتهاء الحرب الباردة بين الشرق الشيوعي بقيادة الاتحاد السوفيتي السابق والغرب الرأسمالي بقيادة الولايات المتحدة وتعددت تفسيرات خروج طرح صدام الحضارات ما بين افتراض ان الدعوة لمواجهة عدو جديد علي اسس حضارية وليست ايديولوجية توفر رؤية مشتركة للغرب وسببا للحفاظ علي تماسك تحالفه السياسي والثقافي خوفا من منافسات اقتصادية فيما بين دولة قد تؤدي الي صدامات تطي بصلابة التحالف الغربي , وما بين الافتراض ان الدعوة تعكس احقادا وعداوات قديمة ودفينة لدي بعض الدوائر في الغرب ضد الحضارات الشرقية , خاصة الاسلامية والصينية , وذلك لاعتبارات تاريخية وعقائدية وسياسية وثقافية .
وفي كل الاحوال , وايا كانت دوافع اطروحة صدام الحضارات , فقد كان رد الفعل المتوازن والعاقل في آن واحد هو الداعي الي حوار الحضارات , وهي دعوة تبنتها دوائر كثيرة عبر العالم , خاصة في العالم الاسلامي , كما تبنتها اصوات عاقلة في الغرب , وكانت موضوعات هذه الدعوة ـ ومازالت ـ هي اهمية ازالة سوء الفهم المتبادل من خلال معرفة افضل واكثر عمقا واتساعا وشمولا بالآخر , والتخلص من الصور النمطية السلبية التي تروج لها احيانا بعض وسائل الاعلام وبعض المنظمات السياسية والمدنية عن الآخر باعتباره الخطر والتهديد والعدو , وكذلك توظيف وسائل الاعلام ومناهج التعليم وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات الحديثة لتحقيق رؤية واقعية ومحايدة لفكر وعادات وتقاليد وسلوك وممارسات الآخر .
أما فيما يتعلق بمحددات حوار الحضارات فهي تعكس رغبة متبادلة في التعايش والتفاهم والتعاون انطلاقا من اقتناع مؤداه ان العالم يواجه مشكلات وأزمات اكبر من ان تدعي حضارة ما انها تملك المفتاح السحري لحلها , او تدعي ايديولوجية ما أنها تحتكر الحقيقة بصددها , وانما يستلزم الامر اقرار كل طرف بأنه يملك جزءا من الحقيقة ولا ينكر علي الاطراف الاخري امتلاك اجزاء اخري منها , والاقرار ايضا بقدرة الجميع علي المساهمة بشكل أو بآخر في تقديم الحلول لتلك المشكلات وضمان توازن تقدم مسيرة الحضارات الانسانية دون إخلال بأحد مكوناتها قد يؤدي الي حالة عدم توازن تدخل بالشرية في مرحلة جديدة من الاضطرابات والفوضي والحروب العرقية والقومية والدينية تفضي الي الدمار والخراب .
وبالنسبة لأهداف حوار الحضارات فيمكن تلخصيها بشكل عام في انه يسعي لإيجاد بيئة دولية سلمية ومستقرة تقوم علي اساس الاحترام المتبادل والمساواة فيما بين الثقافات والحضارات المختلفة وعدم ازدراء الآخر او الحط من شأنه , والاعتراف بوجود تباينات واختلافات فيما بين الحضارات والثقافات , وهو ما يعكس حقيقة خصوصية ظروف وتطور كل حضارة , مع الإقرار بان كل حضارة تحمل في داخلها أنساقا حضارية وثقافية مختلفة تتباين فيما بينها مع تأكيد ضرورة الاتفاق علي قدر من الحد الادني المشترك من القيم والسلوكيات التي تشترك فيها مختلف الحضارات والثقافات والتي يجب التمسك بها والالتفاف حولها ومحاولة تعظيمها دون تضحية بتمايز كل حضارة وثقافة أو بالاولوية التي يجب ان تحظي بها قيم الحرية والعدل والمساواة .
==============(62/29)
(62/30)
حوار الحضارات شروطه ونطاقه
* محمد سليم العوا
الحوار كلمة محببة إلى سهلة على الآذان, لأنها, _ في اللغة العربية _ بنت عائلة, تدل معاني كلماتها الأخريات على الرجوع, وعلى جمال العين, وعلى البياض في الثياب, وعلى المناصرة وعلى المجاوبة والتجاوب, ففي المختار من الصحاح : المحاورة : المجاوبة والتحاور والتجارب.
وإذا وجد الإنسان لحديثه مجيباً أو مجاوباً كان ذلك أدنى إلى رضاه لأنه يشعره بإحترام السامعين لما يقول, وعنايتهم به, وإهتمامهم بلفظه أو مضمونه. أما إذا تكلم فلم يكن لكلامه عند السامعين صدىً, فإن ذلك يشعره بالإستنكار لما يقول, أو الإستهانة بقائله. وهما شعوران سلبيان يصيبان بالأسى ويدعوان إلى العزلة, أو يدفعان إلى العنف والثورة. وكل ذلك لا تصيب البشرية به خيراً.
وقد تردد لفظ الحوار في العقود الأخيرة من هذا القرن الميلادي, في محافل شتى, وصفت به أنواع من العلاقات متباينة, لا يستطيع المراقب أن يقول أنها كلها كانت مجاوبة وتجاوباً إيجابيين مما يؤدي إلى النفع العام للمحاورين _ أفراداً وجماعات _ بل كان بعضها كذلك. وكان بعضها الآخر محاولة من القوي لفرض رأيه وثقافته, ونظرته إلى الكون والناس والأشياء,.
ودعت منظمات عديدة " لحوار الثقافات " في الثمانينات من هذا القرن ثم انتهى هذا الحوار إلى أوراق في كتب نشرت عن لقاءاته, لكنها لم تثمر تغييراً ثقافياً حقيقاً ملموساً حتى الآن. وحين ترددت في أرجاء الكون الثقافية والسياسية صيحة الكاتب الأميركي صاموئيل هنتنغتون عن " صراع الحضارات " أو " صدامها " كان البديل, العاقل المحتمل, لها هو الحديث عن حوار الحضارات, والدعوة إليه, والعمل على إنجاحه, لتجنب البشرية ويلات الصراع, وللتحاشي أثار الصدام المؤلمة أو المدمرة.
وحوار الحضارات مطلب إسلامي عبّر عنه كثير من المفكرين الإسلاميين, بل ردوا به على تحليلات صأموئيل هنتنغتون الخطيرة والمخيفة. وكان من أبرز هؤلاء رئيس الجمهورية الإسلامية في إيران السيد محمد خاتمي في مقالاته الشهيرة عن هذا الموضوع.
شروط الحوار الحضاري
لا يحقق حوار الحضارات نجاحه المبتغي, ولا يصل إلى هدفه المنشود ما لم تتوافر له شروط هذا النجاح ومقومات تحقيق هذا الهدف.
أولاً _ الإعتراف بالآخر :
وأول الشروط التي لا يتم الحوار أصلاً دون توافرها هو أن يكون كل من طرفي الحوار أو أطرافه _ معترفاً بالآخر وبالآخرين . فالحوار يقتضي قبولاً مبدئياً _ على الأقل _ بوجود الآخر, وبحقه في هذا الوجود , وبخصوصيته التي لا يجوز لأحد أن يسعى إلى تغيرها, وبمقومات إستمرار بقائه مغايراً ومتميزاً, وبحقه في المحافظة على هذه المقومات وتوريثها في أجياله المتعاقبة جيلاً بعد جيل.
وًليس المقصود بالاعتراف بالآخر مجرد المعرفة بوجوده فنحن نعرف بوجود الجمادات والحيوان والطير والسباع, ونعرف من محكم القرآن إنها أمم أمثالنا: ( وما من دابة في ا لأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلاً أمم أمثالكم ما فرطنا في الكتاب من شيء ثم إلى ربهم يحشرون ). ولكن لا يخطر في بالنا أن نقيم حواراً مع شيء من هؤلاء, وإنما نتنفع بما ييسر الله لنا الإنتفاع به منها, ونتقي, بما أوتينا من حيلة ووسيلة, باس ما لا ينفع وشره.
وليست كذلك علاقة جماعة بني الإنسان بعضهم ببعض. أو هي ليست كذلك وجهة النظر الإسلامية, إن شئنا أن يكون تعبيرنا أصدق.
فالإسلام يعلّم أبناءه أن الخلق كلهم من أصل واحد ( يا أيها الناس أنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم ). وفي آية أخرى ( يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة, وخلق منها زوجها, وبث منها رجالاً كثيراً ونساءً, واتقوا الذي تتساءلون به والأرحام, إن الله كان عليكم رقيباً).
والمسلمون لا يكونون كذلك _ أي لا يكونون مسلمين _ إلاّ إذا كان إيمان الواحد منهم وإيمانهم الجماعي, على نحو ما أمرهم الله بقوله: (آمن الرسول بما انزل إليه من بره, والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله, وقالوا سمعنا واطعنا, غفرانك ربنا وإليك المصير ).
وثناء القرآن الكريم على الرسل أجمعين وعلى الذين لهم أمم تتبعهم منهم, ثناء متصل غير منقطع, يتعبد المسلمون بتلاوته وإمعان النظر في معانيه إلى يوم الدين.
ولا يقف الأمر عند المذكورين في الكتاب, وصحيح السنة, من الأنبياء المرسلين أصحاب الأديان والكتب, بل يقرر القرآن صراحة أن من الرسل من لا نعرفهم ولم يصلنا _ عن طريق الوحي _ شيء من أنبائهم ( ورسلاً قد قصصناهم عليك من قبل ورسلاً لم نقصصهم عليك, وكلّم الله موسى تكليماً ). والإيمان بهؤلاء جزء من إيمان المسلمين, شأنه شأن الإيمان بمن عرفناهم وقص القرآن على النبي (ص) قصصهم.(62/31)
فإذا كانت الحضارة مبنية على الدين, كأن يقال الحضارة المسيحية أو الحضارة اليهودية فإن اعترافنا بهذا الدين نفسه وبرسوله, وبما أنزل عليه من كتاب, يتضمن اعترافنا بالحضارة المنسوبة إليه, أو القائمة عليه, ولو كانت هذه النسبة إدعاءً محضاً. فإن التبعة في المخالفة للهدى الموحي أو تحريفه إنما تقع على المخالفين أو المنحرفين, وما علينا من حسابهم من شيء.
وإذا كانت الحضارة مبنية على أصل لا يستمد من الدين شرعيته أو وجوده, فإن المسلمين مأمورون بالتعرف عليها والنظر في أحوالها والإعتبار بما يقع لأصحابها من خير وشر: (قل سيورا في الأرض فانظروا كيف بدا الخلق, ثم الله ينشىء النشأة الآخرة, إن الله على كل شيء قدير), وفي القرآن الكريم جاء الأمر بالسير في الأرض مقروناً دائماً بالأمر بالنظر فيه للتدبر والإعتبار. قال تعالى: ( قد خلت من قبلكم سنن فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين)., وقال سبحانه: (ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت, فمنهم من هدى الله ومنهم من حقت عيه الضلالة, فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين ). وقال سبحانه: (ولقد بعثنا في كل أمةٍ رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت, فمنهم من هدى الله ومنهم من حقت عليه الضلالة، فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين).
هذه آيات وغيرها تجمع بين الأمر بالسير في الأرض والأمر بالنظر الذي يقتضي التعرف على الآخرين, وعلى حضاراتهم، وإنجازاتها ومكتسباتها، وما لها. وفي القرآن الكريم الأمر الصريح بأن سبب إختلاف الخلق _ شعوباً وقبائل _ هو تيسير التعارف بينهم (يا أيها الناس إنّا خلقناكم من ذكرٍ وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليمٌ خبير).
والتعارف يقتضي تقارباً بين المتعارفين، وتسليماً متبادلاً باختلاف كل منهما عن الآخر، ولا يستمر الأمر بالتعارف مطاعاً إلاّ إذا استمر التغاير والإختلاف بين الناس المخاطبين بهذه الآية الكريمة _ جميعاً _ قائماً.
فأبناء الحضارة الإسلامية، والداعون إلى مشروعها الإجتماعي في عصرنا، يسلمون بمقتضى هذا الشرط الأول من شروط نجاح حوار الحضارات، ولا يطلبون من أبناء الحضارات الأخرى إلاّ الآن يكون لهم الموقف نفسه، وإلاّ فإن الحوار سيصبح حديثاً من طرف واحد، أو محاولة كل طرف غزو الطرف الآخر ودحره، وهكذا يعيش العالم صراعاً وصداماً، ولا يعش حواراً ولا تعارفاً.
ثانياً _ التبادل الحضاري
والشرط الثاني من شروط نجاح الحضارات واستمراره هو أن يتحقق له معنى التبادل بأن يكون لكل طرف من أطرافه حق قول رأيه وبيان موقفه من القضايا التي يجري الحوار حولها، مهما كان هذا الرأي أو الموقف مخالفاً لما يعتقده أو يفعله، أو يدعو إليه ويدافع عنه الآخرون.
والحوار _ في اللغة العربية _ على صيغة فعال، وهي جمع فعل، أي أنه لا يتحقق بفعل طرف واحد، وإنما بأفعال أطراف متعددين.
وبغير ذلك يتحول الحوار إلى درس أو محاضرة، أو إملاء رأي، لا يستفيد منه المتكلم ولا السامع. فأما المتكلم فلم يستفد شيئاً من الإستماع إلى نفسه، ولم يضف إلى عقله ومنطقه قوة بتكراره إياه. وأما السامع _ المخالف له _ فقد حرم من حقه في التعبير عن نفسه، فهو إلى رفضه كل ما قاله الآخر، ولو بعضه حقاً، أدنى منه إلى مجرد التفكير فيه فضلاً عن قبوله.
والحضارات المتباينة الحية، تملك كل منها مقومات خاصة بها، ويراها أصحابها صواباً نافعاً، وقيمة الحوار بينها تبدو في تعرف أبناء كل منها على الأخرى كما يراها أصحابها، لا كما تراها أعين الغرباء عنها، رضاءً كان ما تظهره هذه العين أم سخطاً، نقصاً كان أم كمالاً، جزئياً كان قاصراً كان أم كلياً شاملاً.
ثالثاً _ الثقافة
والشرط الثالث من شروط نجاح الحوار بين الحضارات وإستمراره أن يكون نشاطاً دائماً متجدداً، لأن الإحاطة بجوانب التميز والتغاير، ثم الإفادة منها في تبادل الخبرة والمعرفة ووسائل النمو والترقي، لا يتم في جلسة أو عدة جلسات ولا يحيط به فرد أو مجموعة أفراد. ولكنه يحتاج إلى تواصل مستمر يتعدد المشاركون فيه بتعدد جوانب الحياة وتكاثر التخصصات فيها, حتى يؤتي ثمرته ويحقق غايته.
والشرط الر ابع من شروط نجاح حوار الحضارات وإستمراره أن يكون محوره الثقافة التي تعبر عنها الحضارات المختلفة، والنشاط البشري الذي تتمثل فيه هذه الثقافة.
ومن معاني هذا الشرط وضروراته أن تستبعد من الحوار بين الحضارات موضوعات العلاقات السياسية, والتبادل الاقتصادي، والاختلاف الديني.
الدين والحوار الحضاري:
والحوار بين أهل الأديان المختلفة _ عندي _ له هدف واحد هو أن ييسر للناس العيش معاً في مجتمعات مختلف الأديان، عيشاً تسود فيه الأخوة الإنسانية، ويجري على قاعدة المشاركة المتساوية في المواطنة، ويرمي إلى أن لا يظلم أحد حقاً هو له بسبب تميزه الديني عن الآخرين، ولا يأخذ أحد حق غيره بسبب إنتمائه الديني إلى عقيدة الحاكمين، أو الكثرة من المواطنين.(62/32)
ثم أن الحوار بين الأديان _ حين تختلف الأوطان _ يجب أن يتجه إلى هذه الغاية نفسها: كيف يعيش الناس معاً في عالم يتسع للجميع، على الرغم من اختلاف العقائد والشعائر والملل والنحل.
ونحن في داخل الوطن الواحد نسعى إلى تحقيق "العيش الواحد" بين المواطنين مهما اختلفت أديانهم أو مذاهبهم أو مشار بهم العقيدية داخل هذه الأديان والمذاهب. والعيش الواحد هو حياة المواطنين المتساوين في أصل المواطنة، وفيما يترتب عليها من حقوق وواجبات، وفيما يكون نصيباً لكل مواطن من غرم أو غنم، لا يفرق بينهم في ذلك كله _ أو بعضه _ إن أحدهما يتبع ديناً والثاني يعتنق ديناً آخر, وإنما يجمع بينهما الإشتراك في الإنتماء إلى الوطن الذي هم بنوه جميعاً.
بهذه الصورة للحوار، وبهذا النطاق له، يمكن أن يستمر الحوار بين الحضارات وينجح. أما إذا أريد بالحوار بين الحضارات خضوع الناس جميعاً لنمط واحد من أنماط الحياة البشرية، وتحويل الأساليب المتباينة إلى منظومة واحدة من الأساليب المقبولة في حضارة بعينها والقضاء على ما سواها، أو ما أريد به هذا المفهوم الجديد للسيطرة على الدنيا والهيمنة على جميع الخلق المسمي ب: "العولمة" التي لا تحترم خصوصية ثقافية، ولا تعتبر أي شأن من الشؤون وقفاً على أصحابه، وتتدخل حتى بين المرء وزوجه، فتغير التشريعات وأنماط السلوك والعلاقات لتتحول الثقافات كلها إلى مسوخ تابعة لحضارة مسيطرة، فإن هذا له لا يقبل ولا يعقل ولا يكتب له أن يستمر.
=============(62/33)
(62/34)
الإسلام وترسيخ ثقافة الحوار الحضاري
* د.حسن عزوزي
لا يتجادل اثنان في كون الدعوة إلى حوار الحضارات تعتبر سمة من سمات النصف الثاني من القرن العشرين الذي أفل منذ أزيد من عام، وكأنما أدرك العالم بعد اكتوائه بلظى حروب عالمية مدمرة أن البشرية لا تستطيع أن تتحمل حروباً أخرى بعد أن حصدت ويلات كثيرة أسهمت في تفاقم المشكلات الجوهرية الكبرى التي ظل يعاني منها كل من الغالب والمغلوب، لذلك بادرت جهات ومؤسسات كثيرة في العالم إلى تبني الدعوة إلى حوار الحضارات أملاً في الالتقاء على مبادئ موحدة وقواسم مشتركة بين أتباع مختلف الحضارات حيث تكون كفيلة بفتح الطريق للتفاهم والتعاون والتعايش.
لقد دعت محافل ومنظمات كثيرة إلى حوار الحضارات منذ الستينيات من القرن المنصرم ثم انتهى الحوار إلى أوراق نشرت في كتب وأذيعت في صحف لكنها لم تثمر نتائج ملموسة حتى الآن، وعندما ترددت في أرجاء العالم السياسية والفكرية نظرية (هانتغتون) عن (صدام الحضارات) كان البديل المنطقي الذي تمت المسارعة إلى استدعائه هو (حوار الحضارات) الذي تمت الدعوة إليه بقوة في جميع المحافل والملتقيات وعُملَ على إنجاحه قصد تجنيب العالم ويلات الصراع، وكوارث الصدام الحضاري، وإذا كانت جهات غربية كثيرة قد دأبت على الدعوة إلى حوار الحضارات وفق شروط وضوابط معينة أملتها ظروف التفوق والاستعلاء الغربي، فإن الطرف الاسلامي لم يكن بعيداً عن فكرة تنظيم مؤتمرات وملتقيات دولية لترسيخ آليات الحوار الحضاري من طرف مؤسسات ومنظمات ثقافية إيماناً منها بأن (حوار الحضارات) يعتبر مطلباً إسلامياً مُلحاً يدعو إليه القرآن الكريم وتبشر به السنة النبوية الشريفة.
وبقدر ما تعظم الحاجة إلى حوار جدي بين الثقافات والحضارات لإقامة جسور التفاهم بين الأمم والشعوب ولبلوغ مستوى لائق من التعايش الثقافي والحضاري تقوم الضرورة القصوى لتهيئ الأجواء الملائمة لإجراء هذا الحوار ولإيجاد الشروط الكفيلة بتوجيهه الوجهة الصحيحة، إن نقطة الانطلاقة الأولى لأي استجابة فعالة تبدأ من خلال فهم الذات وفهم الآخر، فالبداية يجب أن نتعرف إلى واقعنا كما هو بالفعل من دون رهبة أو خجل ومن دون تهوين أو تهويل، ثم التعرف إلى الآخر وفهمه وهو هنا الغرب وحضارته.
إن الانعزال والتقوقع والانغلاق على الذات في عالم اليوم الذي تحول إلى قرية صغيرة بحكم التطور التقني الهائل في تكنولوجيا الاتصال أمر مستحيل، كما أن الانسياق وراء الدعوة إلى حضارة عالمية واحدة هو بحد ذاته عملية تكريس لانتصار الحضارة الغربية الكاسحة وهو طريق التبعية الحضارية الذي يفقدنا خصوصيتنا الحضارية ويحولنا إلى جرد هامش لحضارة الغرب.
إن التقاء الحضارات معلم من معالم التاريخ الحضاري للإنسانية، وهو قدر لا سبيل إلى مغالبته أو تجنبه، وقد تمّ دائماً وأبداً وفق هذا القانون الحاكم (التمييز بين ما هو مشترك إنساني عام وبين ما هو خصوصية حضارية).
ولا شك أن الخيار البديل لصدام الحضارات هو أن تتفاعل الحضارات الانسانية مع بعضها بعضاً بما يعود على الانسان والبشرية جمعاء بالخير والفائدة، فالتفاعل عملية صراعية ولكنها متجهة نحو البناء والاستجابة الحضارية لتحديات الراهن، عكس نظرية (صدام الحضارات) التي هي مقولة صراعية تدفع الغرب بإمكاناته العلمية والمادية لممارسة الهيمنة ونفي الآخر والسيطرة على مقدراته وثرواته تحت دعوى وتبرير أن نزاعات العالم المقبلة سيتحكم فيها العامل الحضاري.
والاسلام كدين وحضارة عندما يدعو إلى التفاعل بين الحضارات ينكر (المركزية الحضارية) التي تريد العالم حضارة واحدة مهيمنة ومتحكمة في الأنماط والتكتلات الحضارية الأخرى، فالاسلام يريد العالم (منتدى حضارات) متعدد الأطراف، ولكنه مع ذلك لا يريد للحضارات المتعددة أن تستبدل التعصب بالمركزية الحضارية القسرية، إنما يريد الاسلام لهذه الحضارات المتعددة أن تتفاعل وتتساند في كل ما هو مشترك إنساني عام.
وإذا كان الاسلام ديناً عالمياً وخاتم الأديان، فإنه في روح دعوته وجوهر رسالته لا يرمي إلى تسنم (المركزية الدينية9 التي تجبر العالم على التمسك بدين واحد، إنه ينكر هذا القسر عندما يرى في تعددية الشرائع الدينية سنة من سنن الله تعالى في الكون، قال تعالى: (لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجاً ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدةً ولكن ليبلوكم فيما آتاكم فاستبقوا الخيرات) المائدة: 84، وقال أيضاً: (ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين. إلا مَن رحم ربك ولذلك خلقهم) هود: 118 ـ 119.(62/35)
إن دعوة الاسلام إلى التفاعل مع باقي الديانات والحضارات تتبع من رؤيته إلى التعامل مع غير المسلمين الذين يؤمنون برسالاتهم السماوية، فعقيدة المسلم لا تكتمل إلا إذا آمن بالرسل جميعاً: (آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله) البقرة: 285. بيد أنه لا يجوز أن يفهم هذا التسامح الانساني الذي جعله الاسلام أساساً راسخاً لعلاقة المسلم مع غير المسلم على أنه انفلات أو استعداد للذوبان في أي كيان من الكيانات التي لا تتفق مع جوهر هذا الدين. فهذا التسامح لا يلغي الفارق والاختلاف، ولكنه يؤسس للعلاقات الانسانية التي يريد الاسلام أن تسود حياة الناس، فالتأكيد على الخصوصيات العقائدية والحضارية والثقافية، لا سبيل إلى إلغائه، ولكن الاسلام لا يريد لهذه الخصوصيات أن تمنع التفاعل الحضاري بين الأمم والشعوب والتعاون فيما بينها.
وفي سياق التفاعل الحضاري المنشود يمكن القول: إن احتمال أن تتقدم حضارة على أخرى بهذا الجانب أو ذاك كما هو الشأن بالنسبة للحضارة الغربية في عالم اليوم، ولكن القول بأفضلية حضارة على أخرى هو قول متهالك، فمن يستطيع إثبات أن هذه الحضارة أفضل من تلك أو أغرز ثقافة أو حكمة وإنسانية وتسامحاً، ولا يوجد في الواقع أي مقياس أو معيار نفيس به هذه الأفضلية في كل الجوانب؟
إن شرط ازدهار هذه القيم في أي حضارة يرتبط أساساً بمدى قدرتها على التفاعل مع معطيات الحضارات الأخرى ومكوناتها وبالتالي الاعتراف بهذه الحضارات ومحاورتها وقبول تعددية الثقافات وتفهم مفاهيم وتقاليد الآخرين، واعتبار الحضارة الانسانية نتاجاً لتلاقح وتفاعل هذه الحضارات لا صراعها فيما بينها أو استعلاء بعضها على البعض الآخر. والحضارة الاسلامية منذ نشوئها وتكونها لم تخرج عن هذا الإطار التواق إلى التفاعل مع الحضارات الأخرى أخذاً وعطاء، تأثراً وتأثيراً. لقد حمل العرب قيم الاسلام العليا ومثله السامية وأخذوا في نشرها وتعميمها في كل أرجاء الدنيا، وبدأت عملية التفاعل بينها وبين الحضارات الفارسية والهندية والمصرية والحضارة الأوروبية الغربية فيما بعد، ومع مرور الزمن وانصرام القرون نتجت حضارة اسلامية جديدة أسهمت في إنضاجها مكونات حضارات الشعوب والأمم التي دخلت في الاسلام، فاغتنت الحضارة الاسلامية بكل ذلك عن طريق التلاقح والتفاعل، وكانت هي بدورها فيما بعد عندما استيقظت أوروبا من سباتها وأخذت تستعد للنهوض مكوناً حضارياً ذا بال أمدّ الحضارة الأوروبية الغربية بما تزخر به من علوم وقيم وعطاء حضاري متنوع.
الشيء عينه يمكن قوله عن الحضارة الغربية التي لم تظهر فجأة، بل تكونت خلال قرون كثيرة حتى بلغت أوجها في عصرنا الحاضر وذلك نتيجة التفاعل الحضاري مع حضارات أخرى هيلينية ورومانية وغيرها، وبفعل التراكم التاريخي وعمليات متفاعلة من التأثر والتأثير خلال التاريخ الانساني الحديث. إن أكبر دليل على أن الحضارة الاسلامية لم تسع في أي وقت من الأوقات إلى التصادم مع الحضارة الغربية كما ينذر بذلك أصحاب نظرية الصدام الحضاري هو أن العرب والمسلمين لم يضعوا في أي زمن من الأزمان صوب أهدافهم القضاء على خصوصيات الحضارة الغربية وهويتها الحضارية، كما نجد الفكر العربي والاسلامي قد اتجه بانفتاح وقوة صوب التراث الغربي للاستفادة منه وتطويره، لقد كان هنالك فعلاً استجابة سريعة للحضارة العربية الاسلامية في تفاعلها مع الحضارة الغربية، وهذا ما لا نلمسه في الحضارة الغربية التي لا تسعى إلى الاستفادة من تراث ومعطيات الحضارات الأخرى.
==============(62/36)
(62/37)
هل حوار الحضارات ممكن، وكيف؟
* هاشم صالح
بعد تفجيرات 11 سبتمبر اصبحت العلاقة مع العالم العربي ـ الاسلامي الشغل الشاغل لمثقفي فرنسا والغرب بشكل عام. ويرى جان دانييل، رئيس تحرير مجلة «النوفيل اوبسرفاتور» ان المثقفين اتخذوا مواقف متباينة من هذه المسألة ليس فقط مؤخرا، وانما على مدار القرنين الماضيين ايضا، فمثلا كان فيكتور هيغو قد اطلق صرخته المدوية بعد استعمار الجزائر قائلا: انها الحضارة تنتصر على البربرية. نحن اغريق العالم وعلينا تنويره! بالطبع ينبغي ان نموضع هذا التصريح ضمن سياق تلك الفترة لكيلا نظلم فيكتور هيغو اكثر مما ينبغي. ولكن في ذات الوقت كان عالم الانثربولوجيا ليفي بريل يبلور مصطلح العقلية البدائية لكي يبرر الاستعمار بشكل غير مباشر. ففي رأيه ان الغرب هو وحده الذي توصل الى الفكر العقلاني او المنطقي، واما بقية الشعوب فلا تزال تعيش في مرحلة العقلية ما قبل المنطقية. وبالتالي فما عليها الا ان تمر بنفس المراحل التطورية لكي تلحق بالغرب. وبما انها لا تستطيع ان تفعل ذلك لوحدها، فإنه ينبغي على الغرب ان يساعدها اي ان يستعمرها!. ولكن بعد الخمسينات، وبعد ان ابتدأت الشعوب تتحرر من الاستعمار، راح عالم انثربولوجي آخر يقول العكس. ففي رأي كلود ليفي ستروس انه لا توجد ثقافة عليا وثقافة دنيا، وانما جميع الثقافات متساوية وينبغي ان نحترم خصوصياتها واختلافها. وكلها تستحق لقب الحضارة. ولكن يبدو ان ليفي ستروس غيَّر رأيه مؤخرا عندما اعترف بمديونيّته ومديونية البشرية كلها لمخترعي الفكر النقدي او العلمي في اوروبا. وقال من المستحب ان تتوصل جميع الشعوب الى مرحلة الفكر النقدي او التنويري. ولكن هل يعني ذلك انه يحق لامريكا او للغرب كله ان يدعي امتلاك الحقيقة المطلقة وان يتدخل في شؤون الشعوب الأخرى كما يشاء ويشتهي؟ على هذا السؤال يجيب جان دانييل بالنفي. واما فيليب رينو، استاذ العلوم السياسية في جامعة باريس فيرى ما يلي: ينبغي على الديمقراطيات الحديثة ان تقبل بوجود صراع طويل الأمد مع القوى الماضوية التي ترفض قيم الغرب بشكل مطلق. ولكن في ذات الوقت ينبغي علينا ان نقيم علاقات ايجابية مع القوى الأخرى الموجودة في نفس المجتمعات والتي تقبل بالافكار الحديثة. اما صوفي بتييس المؤرخة والصحافية الفرنسية فترفض اطروحة صموئيل هانتنغتون عن صراع الحضارات. وهي تطرح التساؤل التالي: لماذا لاقت اطروحته كل هذا النجاح والانتشار؟ فلا يوجد مثقف الا وناقشها او تحدث عنها. في الواقع ان هذه الاطروحة رجعية وخطيرة لانها تغطي على المشاكل الحقيقية. فهي اذ تركز على التناقض الثقافي او الحضاري بين الغرب والعالم الاسلامي تهمل الاسباب الفعلية للصراع. ومن اهم هذه الاسباب التفاوت الهائل بين غنى الغرب وثرواته وبحبوحة شعوبه، وبين فقر المجتمعات الاسلامية والبؤس الذي تتخبط فيه شرائح واسعة من الشعوب العربية. وهكذا يتملص الغرب من مسؤوليته عن طريق القول بأن المسلمين معادون في جوهرهم لقيم الحداثة والحضارة! وبالتالي فالصراع معهم اجباري ليس لأن الكثيرين منهم يعانون من مشاكل الفقر والكبت والقهر وانما ميلهم الطبيعي الى العنف.. وهذا يبرهن على ان الغرب لا يريد ان يتحمل مسؤولية النظام العالمي الجائر الذي يقيم هوة سحيقة بين الشمال والجنوب. يضاف الى ذلك ان الغرب لا يريد ان يعترف بأن للآخرين الحق في بلورة القيم الحضارية والكونية، وانما يحتكر هذا الحق لنفسه فقط. واما فرانسوا فوركيه استاذ الاقتصاد في جامعة السوربون فيرى العكس. فهو يعتقد ان صموئيل هانتنغتون على حق عندما يتحدث عن صراع الحضارات. فالتفجيرات التي حصلت في نيويورك وواشنطن كانت موجهة فعلا ضد حضارة الغرب. وهي تهدف في ما وراء ضرب امريكا الى انهاء الهيمنة الغربية على العالم. ولكن هل الصراع أبدي او محتوم بين عالم الاسلام وعالم الغرب؟ عن هذا السؤال يجيب الباحث قائلا بأنه توجد امكانية لتفادي ذلك. وهي تتمثل في بلورة قيم كونية مقبولة من قبل جميع شعوب الارض وليس فقط من قبل الغرب. ففلسفة الغرب المتمثلة بالديمقراطية وحقوق الانسان وقوانين السوق لم تعد قادرة على فرض نفسها كفلسفة كونية تنطبق على العالم اجمع. وانما ينبغي على البشرية ان تبلور فلسفة أوسع منها واشمل. ويرى هذا الباحث ان الفلسفة الجديدة يمكن ان تستمد مبادئها من جميع التراثات الثقافية وليس فقط من تراث الغرب. فالاسلام مثلا يحتوي على تراث روحي عظيم ونحن نجهله. لماذا؟ لاننا، اي الغربيين، لا نعرف الا التيار المتطرف ولا نتحدث الا عنه. وهذا خطأ كبير يرتكبه الغرب في حق الثقافات الأخرى، خاصة الاسلام.(62/38)
اما الباحثة ميشيل غيوم هوفنونغ، استاذة القانون العام في جامعة السوربون فتطرح السؤال التالي: هل حقوق الانسان كونية؟ بمعنى: هل حقوق الانسان كما بلورها الغرب منذ قرنين تنطبق على جميع الشعوب ام انها خاصة بتاريخه فقط؟ هذا السؤال كان شبه ممنوع سابقا لان الغرب كان يفرض حداثته وقيمه بصفتها ذات طابع كوني. ونلاحظ ان الباحثة تجيب بالايجاب عن هذا السؤال، وذلك على عكس ما فهمناه من كلام الباحث السابق. فحقوق الانسان لا تنحصر بالعرقية المركزية الاوروبية كما يزعم البعض، لماذا؟ لانها لا تستمد جميع مبادئها من تراث الغرب وانما استفادت ايضا من قيم الاسلام. وهذا ما برهن عليه الاعلان الاسلامي العالمي لحقوق الانسان والصادر عن اليونيسكو عام 1981. يضاف الى ذلك ان فلسفة حقوق الانسان لا تتعارض مع الاديان وانما فقط مع التفسير المتعصب لها. وترى الباحثة ان مبادئ الاديان الكبرى، كالاسلام والمسيحية كانت قد نصت على كرامة الانسان ورفعة الانسان لانه خليفة الله في الارض. وبالتالي فلا تعارض بين حقوق الله وحقوق الانسان اذا ما فهمنا الدين بشكل صحيح وعقلاني.
ماذا نستنتج من اقوال المثقفين التي استعرضناها حتى الآن؟ نستنتج ان الهوة بين الاسلام والغرب ليست سحيقة الى الدرجة التي كنا نتوهمها. نقول ذلك بشرط ان يتوفر شرطان اثنان: الاول هو ان يتراجع الغرب عن كرهه الشديد والمتأصل للاسلام، وان يعترف بالارث الحضاري العربي ـ الاسلامي ومدى تغذيته للحضارة الاوروبية. وهذا الشيء ابتدأ يتحقق أخيرا على يد بعض المفكرين المتحررين من الاحكام المسبقة والعدائية ضدنا. وقد ذكرنا اسماء بعضهم في ما سبق. ويمكن ان نضيف اليهم على سبيل المثال لا الحصر اسم الباحث آلان دوليبيرا المختص بالفلسفة العربية الاسلامية. فقد كشف عن الصفحات المضيئة لفلاسفة الاسلام وبين كيف انهم كانوا اساتذة لاوروبا طيلة عدة قرون، ولا يمكن فهم النهضة الاوروبية الا اذا موضعناها ضمن هذا المنظور التاريخي العميق. واما الشرط الثاني فهو ان يتغلب التيار العقلاني في العالم العربي على التيار المتطرف والمخطئ في فهمه لرسالة الاسلام السمحة. وهذه هي المهمة المطروحة على المستقبل.
-============(62/39)
(62/40)
حوار الحضارات خلل في الدائرة الأضعف
* حسن مصطفى
ليس ثمة خلاف بأن الإسلام دين الحوار. وأن أي مسلم هو مع الحوار. فمن طبيعته الفطرية أن يكون ميالاً للحوار مع الآخر. وإذا كان مفهوم الحوار قد اتخذ لدى غير المسلمين دافعاً مكتسباً فإن القرآن الكريم الذي امتزج بالعقل العربي والشخصية العربية جعل من الميل إلى الحوار دافعاً طبيعياً تأصّل وتجذر مع مرور الوقت.
واليوم حين يُطرح حوار الحضارات على مساحة واسعة بين الشمال الغربي والجنوب العربي والإسلامي فإن تقييمات جدية ظهرت وتظهر كل ساعة لإمكانية الحوار أو عدمه. آخذة بعين الاعتبار أن ما يُطرح من تنظيرات هو بعيد جداً عما يجري على الأرض العربية من احتلال وإبادة وامتهان للإنسان العربي والمسلم.
هل يكون حوار والشعب الفلسطيني واقع تحت نير الاحتلال والإبادة؟ أم هل يكون حوار والقوات الأميركية تعيد سيرة الاحتلال الاستعماري واغتصاب الأرض العربية؟ وهل يكون حوار وشعار القوى الاستعمارية الكبرى ـ الإسلام هو العدو الحالي للغرب وفي المستقبل؟
من يحاور من؟ وهل من جدوى لحوار مفترض بين العالم العربي والإسلامي وقوى غربية ضعيفة ليس لها من تأثير في صنع القرار أو تحويل مجرى التوجهات العنصرية التعصبية؟ في أميركا وبريطانيا وأستراليا والكيان الصهيوني وغيرها من الاتباع؟
المأساة في الشعوب قبل الأنظمة قبل العدوان على العراق كانت الأصوات الغربية الرافضة للحرب تجتاح أوروبا وأميركا. وبعد عشرين يوماً من الحرب قالت استطلاعات الرأي إن المؤيدين للحرب أصبحوا أكثر قوة وعدداً حتى أن مجلس العموم البريطاني أصبح بغالبيته مع سياسة طوني بلير تجاه العراق.
هذا الانقلاب الذي يجري في الأفكار لا يدل إلا على مدى المزاجية والتقلب في الاتجاهات ولا يدل على وجود مبادئ وثوابت راسخة.
فإذا كان الأمر كذلك فكيف يكون الحوار؟ إذا كانت المزاجية تحكم الشارع الجماهيري الغربي فكيف يمكن أن تكون كيانية الحوار وهيكليته؟ ويبدو أن الذي يفتقد للمبدأ الثابت لا يمكن أن يعطيك رأياً صادقاً تثق به وموقفاً حقيقياً جدياً تجاه ما يسمى حوار الحضارات. ويبدو مرة أخرى أن النتائج المترتبة على العدوان على العراق جعلت كثيرين من الغربيين يقولون إن حضارات الغرب انتصرت ومع على الشرق العربي المسلم إلا التسليم والقبول بقيم الغرب بدلاً من قيم الشرق المهزومة.
خلل في الدائرة الأضعف مما لا شك فيه أن الموقف الأقوى الآن في أي حوار مفترض هو الموقف الغربي، وأن الموقف الأضعف الآن في أي حوار مفترض هو الموقف العربي والمسلم.
ويظهر أن الغرب بعد الذي جرى في العراق وفلسطين والمنطقة العربية برمتها لم يعد يهتم بالحوار. وقد رأينا وسنرى أن الأصوات الداعية للحوار بين الشرق والغرب قد خفت أو اختفت، لأن الانتصار الظاهري لقوى الغرب المتمثلة بأميركا وبريطانيا ارتفع صوته فوق كل الأصوات.
من هنا فمن المفترض أن نضع مفهوم الحوار على المحك الحقيقي لنعرف لماذا ندعو نحو للحوار باستمرار بينما يصم الآخرون آذانهم.
الواقع أن الأصوات الغربية الداعية للحوار نظرت إلى ما حدث في الحادي عشر من سبتمبر على أنه علامة فارقة في تاريخ البشرية. ولذلك تساءلوا عن الأسباب وعمن وراء الأحداث. بل راح بعضهم ينظر إلى تاريخ العلاقة بين الشرق والغرب نظرة متأنية. وتوصل بعضهم إلى قناعة تقول إن ظلماً يقع على الشرق الإسلامي وأن الحس الاستعماري ولّد الصدام بين طرفين متناقضين في الشرق والغرب. أما الطرف الإسلامي والعربي تحديداً انطلق في الأساس نحو مفهوم الحوار من خلال طبيعته الإنسانية المنفتحة. لكنه عندما رأى أن دعوته للحوار فُهمت من قبل بعض الغربيين على أنها استسلام لمنهج الغرب وهجمة الغرب.
لكن جوهر المسألة يكمن في عدم التوازن بين طرفي الحوار...
أعتقد هنا أن الحوار حتى يكون مجدياً ومؤثراً وناجحاً ـ لابد له من وجود طرفين متعادلين في القوة متعادلين في التأثير على المستوى الفكري والثقافي والمستوى الفكري. وحتى على المستوى الإقليمي والسياسي.
فهل تحقق هذا التعادل والتكافؤ بيننا كطرف وبين الغرب كطرف مقابل؟ الغرب اليوم ينظر لنا نظرة دونية خاصة بعد التمدد الأميركي البريطاني في أفغانستان والعراق وفلسطين. فحتى عندما نرفع صوتنا من أجل الحوار يرى بعض الغربيين أن هذا الصوت هو صوت المنكسر المهزوم في فكره وعقيدته وحياته الاجتماعية ولو دققنا فعلاً في داخلنا لوجدنا أن خللاً واضحاً يتخلل ثنايانا. فنحن كعرب ومسلمين لنا عقيدة راسخة تدعو إلى القوة بينما نحن ضعفاء. ولدينا حضارة عربية إسلامية عريقة بينما نحن اليوم نتراجع عن اللحاق بركب التكنولوجيا الغربية ونعزز الإقليمية في أقطارنا. ولدينا من المكونات الجغرافية والبترولية ما يجعلنا القوة الأعظم في العالم بينما نحن نفرط بهذا الموقع الجغرافي الاستراتيجي ونتركه مستباحاً خاصة في ممراته المائية وإنتاجه النفطي الهائل.
وبمعنى آخر فإن الحوار المفترض ليس له ميزان صحيح في أساسه لأن خللاً ما متغلغل في أحد طرفيه.(62/41)
الحوار في مواجهة الصدام لقد افترض المفكرون الأميركيون أن العالم يشهد وسيشهد صداماً بين الحضارات. لكن هؤلاء الذين افترضوا الصدام وليس الحوار لم يكونوا ولن يكونوا بعيدين عن مراكز القرار السياسي. وأعتقد أن الحرب الأميركية التي شُنت على أفغانستان ومن ثم العراق لا تبتعد كثيراً عن الافتراضات التي رسمها برنارد لويس أو هنتنغنتون أو غيرهما. فهي في صلب التوجه الفكري الأميركي الذي ينطلق أساساً من توهم خطر إسلامي على التقدم الصناعي والتكنولوجي والاجتماعي الأميركي بشكل خاص والغربي بشكل عام.
وإذا انطلقنا ـ نحن العرب والمسلمين ـ نحو حوار مفترض فإلى أين سنتوجه ومن الطرف الذي نحاوره حتى نخلق حالة من الوفاق الإنساني حول أساسيات الحوار وموضوعياته.
إن الفكر الأميركي اليوم يسخر من طرح مفهوم الحوار فهو قد اقتنع بمنظومة فكرية واحدة وهي ترسيخ سيادة الفكر الواحد ـ القطب الواحد. الثقافة الواحدة الوحيدة. وما عدا ذلك لا يستحق كثيراً من التوقف. وعلى ذلك فإننا نعتقد أن طرح الحوار لن يصمد أمام طرح الصدام. فهناك شخصيتان متناقضتان في نظرة كل منهما للعالم أولاً وفي نظرة كل منهما لمفهوم الحضارة ذاته. وفي نظرة كل منهما لآلية الحوار وغاياته وأهدافه.
وأعتقد أن المنظومة الفكرية الأميركية ليست فوضوية أو انفعالية أو هي ردة فعل على حدث ما. إنما هي ممنهجة بشكل ذكي ومستندة إلى عدة أسس راسخة أهمها الجانب العقدي المعتمد على صهينة الفكر الديني الأميركي. وترسيخ مفهوم التفوق العرقي الانجلوساكسوني تماماً مثلما هو ترسيخ مفهوم شعب الله المختار لدى الجانب اليهودي الصهيوني.
فإذا كان الفكر الغربي ـ الذي ينقسم اليوم إلى قسمين ـ يعرف تمام المعرفة موقفه من العالم العربي الإسلامي فما هي آفاق معرفة هذا العالم العربي الإسلامي لنفسه؟ اليوم تظهر بوادر صراع بين الفكر الأميركي والفكر الغربي الأوروبي لكنه صراع لتثبيت وجود أقطاب دولية عدة. وليس لتغيير في البنى الفكرية والمواقف تجاه العقائد والثقافات والحضارات الأخرى. لأن الغرب بشكله العام ينظر إلى نفسه نفس النظرة التي ينظرها الأميركان والبريطانيون لأنفسهم.
الحوار: أهداف وأمنيات على الرغم من كل ما طرحناه من ملاحظات إلا أن لنا كطرف عربي إسلامي موقفاً محدداً تجاه مفهوم الحوار بشكله العام. فنحن بالمحصلة مع هذا المفهوم كمبدأ أولي. لكننا في الوقت نفسه نفترض احتمالات عدة معاكسة للحوار. أي احتمالات الصدام والتناقض أو التصارع.
فماذا لو فرض علينا الصدام؟ أنرفع أيدينا مستسلمين أم أننا نعيد النظر في قوتنا الذاتية ونحصن أنفسنا لندفع عن هويتنا الخطر وعن شخصيتنا التشويه؟
ومع كل ذلك نرى أن الحوار الذي هو من طبيعتنا الدينية والاجتماعية والنفسية يعتبر أحد أهدافنا. وهو بطبيعته يدخل ضمن دائرة الدعوة الكبرى حتى يتعرف الآخر على إسلامنا وانفتاحنا وعدم تعصبنا وتسامحنا وسعينا نحو سعادة البشرية. وليس غريباً أن يكون الحوار في هذه الظروف بالذات أُمنية من الأمنيات إذا كان من ورائه الاحترام المتبادل المتساوي. وإذا كان من ورائه تجسيد القيم السامية والأمن والاستقرار ورفع الظلم وتحقيق العدالة بين مجموع البشر.
طبيعي أن الحوار تواصل. وهذا العالم اليوم صنع من وسائل التواصل ما عجز عنه الأقدمون حتى باتت الكرة الأرضية قرية يعرف كل سكانها مواقع بعضهم وميولهم وعقائدهم ولكن يبدو أننا في مخاض عسير إلى حد ما. فالحوار الحضاري الذي نهدف إليه ونتمناه يراه الطرف الآخر سراباً أو وهماً، ويسعى الآخر لإلغائه كمفهوم قبل إلغائه كآلية.
إن مصلحة العالم اليوم تتطلب حواراً على مستوى العقائد والأفكار والسلوكيات الإنسانية ولعل هناك الكثير من القواسم المشتركة بين الشعوب التي تُجاذب البشر ولا تُنافرهم لكن أطرافاً ترى أن مصلحتها ومصلحة وجودها تكمن في إلغاء أي تقارب بشري أو أي حوار. فهي كالطفيليات التي لا تحيا إلا على امتصاص الأجسام السليمة والفتك فيها. فالذي يضيرها أنها انبنت أساساً على تلفيقات وخيالات عقائدية تنظر لمجموع البشر نظرة الريبة والشك والاحتقار. وانبنت ثانياً على فلسفة عنصرية مقيتة.
وأعتقد أن أكبر عقبة في طريق الحوار الإنساني هي تلك الحركة الصهيونية ومفرزاتها وأعتقد أيضاً أن هذه العقبة ستبقى قائمة وسيبقى الصدام الإنساني قائما. وإذا كانت المجتمعات الإنسانية حريصة على الحوار فعليها واجب كبير وهو إزالة هذه العقبة من طريق الحوار. والسعي لخلاص البشرية من آثارها ومفرزاتها.
=============(62/42)
(62/43)
حوار الحضارات: الإشكالية في الفكر لا السلوك
* زهير فهد الحارثي
لعل ما يميز الفلسفة هو عندما تستخدم تبريرا لما هو قائم وكائن بالفعل، لا سيما لدى المتمكن من ادواتها، ولذا بات اللفظ وفن التلاعب به من صميم النهج الفلسفي الاوروبي، حيث كسر صلابة الفلسفة بذائقة الادب. ورغم ان الفلسفة ـ كما يعتقد هيجل ـ لا تأتي بجديد، الا انها اساس كل طرح فكري يسعى الى تحليل وتفسير المشكلات الكونية والانسانية انطلاقا من المعطيات الماثلة والظروف الكائنة.
على ان الفلسفة ـ في جوهرها العميق ـ لا تؤمن بالمطلق، ولا تقطع الشك باليقين، بل انها تنزع الى فتح باب التأمل والتساؤل، فمن صميم مهماتها ان تخلق التحليل، وتوسع الادراك والافق، وهذا ما فعله كبار الفلاسفة منذ عهد سقراط مرورا بابن رشد وانتهاء بريتشارد روتي وزكي نجيب محمود وفرانسيس فوكوياما. كانت قدرة التحليل العقلاني وملكة التحليل المنطقي، السمتين الاكثر بروزا في كل هؤلاء، فعلى الرغم من تعدد المدارس وتنوع المناهج وتلون التراث، تبقى الفلسفة ميدانا خصبا وحيا لتوليد الفكر وتعتيق الذهن، وبصرف النظر عن استنتاجاتها من حيث الصحة او الخطأ، فإن نوعية الطرح ومنهجه العلمي عادة ما يعطيانها ذاك التوهج والبريق، ولذلك صار تعليل الظواهر عن طريق قانونية العلة والمعلول، والتجربة والملاحظة الدقيقة اساسا لتفسير الاشياء، مما جعل المثل العليا لدى افلاطون والفكر المطلق عند هيجل، يستسلمان بدورهما الى قانون العلم.
هذا الاستهلال له اهميته، لا سيما وقد طرحنا في مقال سابق (حوار الحضارات: ترف ام ضرورة) آراء المفكرين هنتغتون وفوكوياما ازاء السياسة الاميركية، وترويجهما للنموذج الاميركي الذي باعتقادهما سيبقى مسيطرا ومهيمنا ومنتصرا ومؤثرا في النظام العالمي بأسره. ولأنهما منظرا السياسة الاميركية، استراتيجيا وفلسفيا، ولهما بالتأكيد ذلك الحضور لدى صانعي القرار السياسي، فإنه من الطبيعي ان يأخذ الاخير تلك الطروحات بعين الاعتبار، خاصة عند حدوث ازمات مفاجئة وغير متوقعة وتتطابق ملامحها وسيناريو قصتها مع هذه النظرية او تلك.
على ان المقام ليس للتحقق من صحة تلك النظريات، فقد تم تشريحها في المقال الفائت، فنحن هنا ننطلق لاكمال الصورة حول موضوع حوار الحضارات والاشكالية ما بين الاسلام والغرب، وما تلك النظريات المذكورة سوى ايضاح لنمط القطب الاحادي (الولايات المتحدة) وطبيعة فلسفته السياسية التي تحمل ـ بلا شك ـ تأثيرها وافرازاتها على سطح المجتمع الدولي.
غير ان الاصرار على صحة مثل تلك النظريات، يكرس مفهوم القطيعة، ويُعيد مفردات قديمة في التنازع تتمثل في الكراهية والحقد والرفض على ان الحديث في تشكل الحضارات وتزاوجها، يقودنا الى الاشادة بالحضارة الاسلامية، حيث تثاقفت مع الحضارات الكائنة آنذاك، بأسلوب تعايشي وتسامحي، فحافظت تلك الحضارات على هويتها مع استفادتها الجمة مما احتوته الحضارة الاسلامية من فكر وتجارب ومفاهيم، ولعل هذا يفسر وعن كثب تميز الحضارة الاسلامية وان مبدعيها لم يقتصروا على العرب فقط.
* نتائج كارثية
* بيد انه يتبادر سؤال هنا، حول الاسباب الرئيسية وراء ضعف التواصل آنذاك التي ساهمت في خفت توهج التبادل الثقافي والحوار الانساني؟!. الحقيقة تتمثل في جمل من الاحداث والمسببات التي ادت الى نوع من العزلة والتقوقع، حيث آثر البعض ذلك للحفاظ على الهوية وكرامة الذات، لا سيما بعدما اصبحت لغة القوة والسيطرة والهيمنة تسبح في فضاء تلك الفترة، فضلا عن نظرة الاحتقار والازدراء من الغرب ازاء الحضارات والثقافات الأخرى، ولعل ما ساهم في تكريس هذا المناخ تلك العوامل التي افرزتها الحرب العالمية الثانية، والدخول في مرحلة الاستعمار، واستيلاء الحلفاء على البلدان، وسقوط الدولة العثمانية، وظهور الاتحاد السوفيتي كثورة مناهضة للغرب (الفكر الشيوعي مقابل الفكر الراسمالي).
غير ان الخطأ الجسيم كان في تبني بعض الدول العربية الفكر الشيوعي الذي كان فيه سبيل للخروج من الاحباط والمأساة اللذين عاشتهما بعد انهيار الخلافة العثمانية، وكانت النتائج فعلا كارثية على تلك المجتمعات، الا ان الفكر الشيوعي تلاشى تقريبا بسقوط الاتحاد السوفيتي وظهور النظام العالمي الجديد الاحادي القطب بزعامة الولايات المتحدة الاميركية (نظريات هنتغتون وفوكوياما). ورغم اهتمامها وحلفائها بالمصالح والمنافع، فإنه سرعان ما لاحت في الأفق اضاءات واصوات تنادي بالحوار والتواصل الثقافي والتعاون بين الشعوب لاثراء الحضارة الانسانية ومد الجسور واحترام الهويات الحضارية غير ان ظهور الحركات الاصولية (الاسلاموية) ونزوعها الى لغة العنف ورفض الحوار ومعاداة الغرب، ادى الى نوع من الاختلال في تركيبة المجتمعات العربية، مما افرز تيارا آخر ليبرالي التوجه، فكانت النتيجة صراعات واحتدامات بين التيارين، ووقفت الحكومات العربية في صف الليبراليين، مما زاد حنق (الاصوليين) فكان الغضب حارقا وتاريخا من العصيان والتمرد ولغة العنف التي لا ترحم.(62/44)
وهكذا عانت الدول العربية من الارهاب. ولكن الاشكالية، تكمن في الفكر قبل السلوك، فكيف لك ان تجد حلا لعقلية لا تؤمن بالحوار، ولا تصغي للآخر، فهي ترفض الانفتاح، وتؤثر الانغلاق، ولا تلبث ان تُنادي في كل مناسبة بالتمسك بالهوية تمسكا مطلقا دون الاخذ في الاعتبار المتغيرات التي تدور في محيطها، ولا بالتحولات المريعة المبثوثة في فضائها!.
ولعل ما يميز هذه العقلية عن غيرها هو تكريسها مهاجمة الغرب وحضارته، ورفضها المعلن للتعامل مع تلك الشعوب او التقارب مع ثقافاتها، وتصل هذه العقلية في غلوها الى حد المطالبة بالقطيعة مع الغرب. على ان هذا النموذج، الذي يسلك فكرا احاديا، تكرسه الجماعات المتطرفة وبعض الاصوات الدينية المتشددة في عالمنا العربي، وهي اصوات (مُفرطة) في توجهها وفي منحاها، حيث انها لا ترتهن الى الموضوعية في الطرح فهي تناقض نفسها حينما تطالب بالقطيعة مع الغرب في حين ان ما حولها وفوقها وتحتها هو من صناعة الغرب، فأي عاقل لا ينكر ان تكنولوجيا (الحاضر) وابتكارات (القادم) هما من افرازات الحضارة الغربية.
* الإفراط.. الإشكالية الكبرى
* وكيف لك ـ ايضا ـ ان تجد حلا لعقلية أخرى لا تعرف الا المطالبة بالتخلي عن التراث والهوية، وتدعو الى (التغريب) اي بالاندماج والانغماس في الحضارة الغربية، وترى فيه الحل لملاحقة العصر ومواكبة التطورات المتسارعة!، وهذه اصوات (مُفرّطة) ـ بتشديد الراء ـ فقيمة الانسان تسمو وترتقي حين تدعمها منظومة الهوية والتراث والقيم. وعندما تدعو تلك الاصوات الى الانسلاخ من الهوية والتماهي مع ثقافة العرب، فإنها ترمي الى طمس الهوية العربية ومصادرة التراث والغاء قيمة الانسان العربي، ومن ينسى تلك الدعوة التي فجرها طه حسين في كتابه «مستقبل الثقافة في مصر» عام 1938، وجاءت فيه دعوته الى محاكاة الغرب والاعتماد على النموذج الاوروبي للثقافة لتحديث الثقافة العربية «... على المصريين، اذا ارادوا، ان يتقدموا، ان يصبحوا اوروبيين في كل شيء، وان يتمثلوا الحضارة الاوروبية حلوها ومرها...». العجيب ان هذا الكتاب ما زال يمثل مثار جدل بين المثقفين العرب، ويفصلهم الى تيارين لا ثالث لهما على انه عند الارتهان للعقلانية، فإن الانصاف والحياد يكشفان لنا ان ثمة عناصر ايجابية لدى كلا الطرفين (النموذجين) بصرف النظر عما هو الاقوى، وان كنا يقينا نؤمن بحضور الثقافة الغربية وعلو كعبها، الا ان القضية هنا تتعلق في قناعات ذاتية ذات جذور ومرجعية دينية، فالحفاظ على الهوية امر مهم، كما ان التواصل مع الآخر امر لا يقل اهمية ايضا، ولكن الاشكالية ـ كما ذكرنا آنفا ـ تكمن في مسألة (الافراط) (اصوات مُفرطة وأخرى مُفرِّطة)، فالاولى ـ كما قلنا ـ تدعو بشكل مغالٍ الى الانعزال وعدم التعامل مع الآخر، في حين ان الثانية لا تلبث ان تفضح تقصيرها ازاء هويتها وثقافتها حين مطالبتها بالتماهي مع الآخر. وبالعودة الى المنطق والحياد، نوقن ان الانعزال والتقوقع مثلهما مثل الاندماج والتماهي، فهما في نهاية المطاف ضعف وفقدان ثقة. على ان التنظير مسألة سهلة حين مقارنتها بالتطبيق، ولكن ليس من جديد في القول ان ثمة معطيات جديدة قد تشكلت في عالمنا اليوم، وافرزت قواسم مشتركة بين الشعوب، ولم تعد هنالك قدرة بشرية بإمكانها محاربة او منع او ايقاف تسارع هذه التحولات التي ما لبثت ان باتت حقائق ومسلمات تفرض على الجميع دون استثناء ان يتعامل معها ـ شاء ام أبى.
وفي هذا السياق، فإن ثمة توجها الآن الى التأكيد على اهمية التقارب والتعايش السلمي بين الثقافات، لا سيما ونحن في عصر العولمة ورغم ان الاعلام الغربي يكرس قضية الصراع الحضاري بعد احداث (11) سبتمبر (ايلول)، كما ان اسامة بن لادن يتخذ نهجا مشابها وانها حرب بين الاسلام والغرب، فإن دور المستنيرين في العالمين الاسلامي والغربي، هو المطالبة والحث على التقارب والحوار والانفتاح واحترام الرأي الآخر وتكريس التلاقح الثقافي.
وحتى لا نهيئ الفرصة لمن يحلم بالاصطياد في الماء العكر، فإننا معنيون اكثر من اي وقت مضى الى تشكيل نسيج حي لثقافة الانسانية بفكرها الفعال والمتحرر من مفردات الهيمنة والسيطرة والقادر على هدم خطابات التسييد والترهيب. ولعل البوادر المضيئة تجعلنا من المتفائلين، فهذه مكتبة الملك عبد العزيز العامة تزمع اقامة ندوة حوار الحضارات يرعاها ولي العهد السعودي، وهي مبادرة لها دلالاتها وقيمتها الآنية وضرورتها اللحظية وهي بلا شك بمثابة تحريك المياه الراكدة على مستوى التواصل الحضاري، وهي بالتأكيد محاولة لردم الهوة التي اتسعت فجوتها بين العالمين الاسلامي والغربي بعد احداث (11) سبتمبر، كما ان مؤتمر لاهاي الاخير ـ على سبيل المثال ـ وقد قدمت منه للتو ـ بادرة سعودية أخرى تصب في تكريس الحوار الثقافي والقانوني بين الدول الاسلامية والمجتمع الدولي، حيث طرحت قضايا عديدة تمس شعوب هذه الدول، التي لم يعد بقدرتها العيش بمعزل عن بعضها البعض.(62/45)
نعم، ان التواصل الحضاري ضروري ومُلح في وقتنا الراهن، وبات يستدعي صياغة وآلية جادة ومبادرات متواصلة، فالحضارات لا تتلاشى اذا ما تلاقحت.. اما الخوف من الاحتراق والغزو الثقافي فهو ضعف فكري وهشاشة في تركيبة المجتمع، فهذه اليابان استفادت من نقل التكنولوجيا الغربية وظلت في نفس الوقت متمسكة بحضارتها.. ألم اقل لكم ان الاشكالية في الفكر قبل ان يكون سلوكا!!.
www:zuhai r -alha r thi.8m.com
============(62/46)
(62/47)
(حوار الحضارات) .. والتساؤلات المشروعة
* خالد عبد اللطيف
ربما كان المنشغلون في العالم بالتنظير الفلسفي للمستقبل بعيدين بعض الشيء عن حقائق الواقع اليومي وتحديدا على جبهة خارطتنا العربية التي اصابها ما اصابها من تشكيك ثقافي وتشويه حضاري يعود بدرجة اساسية للإرث التاريخي القديم الذي قد يذكر العالم المتقدم اليوم بحقيقة تخلفه الحضاري في (الأمس) مقارنة بما شهدته الامة العربية من تقدم مبكر في السابق على مختلف مناحي النشاط الانساني والفكري.
فلاسفة اليوم وخاصة الغربيين منهم يثرثرون كثيرا عن (حوار الحضارات) بينما الواقع يقول : ان لغة الحوار لا يفهمها العالم الاول المتحضر في كل الاحوال .. ولا يعترف بمفرداتها ومعانيها الا حينما يريد ذلك فقط والدليل على هذا ان كل شيء يتكرس الان على جبهة العالم يأتي مقرونا بإملاءات ومقررات لا تتمخض عبر (الحوار) وانما تتأسس في كنف جبروت القوة وامتلاك ادوات (الصراع) فكانت مثلا سيادة (العولمة) (قسرا) وهي نظرية لم تضع حسابا للطرف الاخر او تقترب من حضارته وانما جاءت استجابة لرغبة احادية في اعادة ترتيب اوضاع العالم واجندته وخططه ومساراته وبما يكفل اولا الحلم القديم في الذوبان الكلي للخلفيات التاريخية والمرجعيات الحضارية وهو توجه قد يشبع شهوة من لا تاريخ لهم ومن لا حضارة لهم الذين تأسسوا في كنف قرن او اثنين او حتى ثلاثة من الزمان لكنه لا يستجيب بأية حال لمن يراهنون على ما فيهم بمقدار ما يراهنون على حاضرهم ومستقبلهم ولمن يعتزون بهويتهم الثقافية وخصوصيتهم الحضارية ومن هنا لا بد من الاصطدام والتقاطع مع الاخر بدلا من السير معه في خط متواز وهذا ما لم يحسب حسابه المنظرون للعولمة او المروجون للأطروحات الفلسفية العالمية الجديدة التي تطرح شيئا يكون مثاليا احيانا في شكله البراق لكنه يخفي خلفه الوجه القبيح للتخلف الفكري والتعصب الداخلي ولعل مفردة (الحوار) هذه هي احد افرازات هذا التخبط بين ما هو نظري وما هو تطبيقي وبين ما هو انساني وما هو تجاري ومصلحي في الاساس.
لقد ظل العرب في موروثهم يعترفون بالحوار وهكذا دلت عليهم حضارتهم ولم يضمروا يوما عداءات خفية للآخر بل ظلوا يتواصلون معه ورغم رداءة المناخ السياسي العالمي الان وما تتعرض له الامة العربية من ضغوط وحصار وعدم اعتراف بقضاياها المشروعة والعادلة لكنها قبلت نظريات العالم الجديد ودخلت بخطى حذرة الى مظلته العولمية حاملة هواجسها وهمومها في ان يستمع اليها الاخر ويتحاور معها بالفعل ولكن وفي كل مرة كانت النتائج لا تشبه المقدمات وكانت الوقائع تختلف عن الشعارات ويكفي مثالا لذلك التعامل (القسري) في ازاحة حضارة الشعب الفلسطيني وتاريخه من قبل اسرائيل التي لا تعترف بلغة الحوار ولا تقر بأي حضارة اخرى وفي ظل وجود مثل هذا النموذج الرديء يصبح الحديث عن هذا الحوار الهادئ احد المفارقات الكونية وتصبح الحضارات ليس كما اريد لها مقياسا لتقدم الامم وتلاقي الشعوب بقدر ما هي سبب خفي لاشعال الفتن وممارسة العدوان واحداث القطيعة.
ان الافق الانساني ورغم معاكسة المناخات لاحلامه الخيرة وتطلعاته العادلة يظل مستشرفا للحوار الحضاري كمدخل استراتيجي لمستقبل العالم المتقدم والمزدهر والقائم على مبادئ متكافئة تتناغم فيها الحضارات دون ازاحة او اقصاء حتى تتفتح كل الورود وتفوح بعطرها الانساني ولا يصبح التاريخ حكرا لاحد او تسقط من ذاكرته اسهامات البشرية باختلاف الامكنة والازمنة وهذا يستلزم في الواقع جاهزية حضارية لكل الامم وفي ذات الوقت تقبل تام للاعتراف بالاخر والتحاور معه وتلطيف لمفردة الصراع كي تصبح حوارا في الدال والمدلول معا وهذه المعاني الفريدة وما يحوم حولها من تساؤلات فلسفية انطرحت بالامس في نادي الصحافة من خلال المحاضرة القيمة التي ألقاها الدكتور سعد الله آغا القلعة وزير السياحة بالجمهورية العربية السورية الشقيقة والتي اكدت ان مسألة (حوار الحضارات) تحتاج لمزيد من تسليط الضوء ولمزيد من المقاربات النقدية والتحليلية التي تعمل على توضيح هذا المفهوم الفلسفي والفكري المتشعب الى حد التعقيد في ظل الاختلافات الجوهرية حول المصطلح نفسه والكيفية التي يمكن ان يتمحور خلالها وبخاصة على الصعيد القومي العربي.
=============(62/48)
(62/49)
الدكتور محمد عمارة في حوار معه:المسلمون امام حرب العولمة ..عسكرية وقيمية
في الحوار التالي مع المفكر الإسلامي الدكتور محمد عمارة الأكثر إطلاعا على كتابات الغرب وفهما لمشروعه ومخططاته الحالية طرحنا السؤال"هل ما نعيشه حاليا حرب دينية أم مجرد مأزق تاريخي نستطيع التغلب عليه؟..الدكتور عمارة كان أكثر صراحة حيث أكد أن ما يحدث حاليا لا يخرج عن كونه حربا دينية ينبغي أن يعترف المسلمون بها ويتعاملون مع الآخر على أساسها، وعلى المسلمين إزاء هذه الحرب إما "الخنوع" والقبول بما يفرضه الآخرين عليهم أو المواجهة والحفاظ على دينهم وثقافتهم.
تطبيق عملي
* هل تعتقد أن ما يحدث في العالم اليوم هو من تداعيات انفجارات نيويورك وواشنطن في الحادي عشر من سبتمبر 2001؟
-لا بل اعتقد أن تداعيات وثمرات ونتائج ما وقع في الحادي عشر من سبتمبر 2001 تمثل التطبيق العملي لمرحلة العولمة التي تعني بالمنظور الغربي عملية اجتياح الغرب وخاصة الأمريكي للآخر وهو هنا العالم كله سواء في الجانب الاقتصادي عن طريق فتح كل الحدود أمام الشركات متعددة الجنسيات أو في الجانب السياسي بتكريس حق التدخل في الشؤون الداخلية للدول الوطنية والقومية وتهميش المنظمات الدولية وإحلال الهيمنة الأمريكية محلها، أو في الجانب القانوني والتشريعي بجعل الكونجرس الأمريكي يشرع للعالم سواء في الأقليات أو التجارة أو العقوبات..بل وحتى في تغيير نظم الحكم فمثلا عندما يسن الكونجرس الأمريكي قانون لتغيير النظام في العراق ويعتمد ميزانية لذلك فإن هذا يعتبر لونا من ألوان التدخل في الشؤون الداخلية للدول.
أو في عولمة القيم وإحلال منظومة القيم الغربية من خلال صياغتها في وثائق خاصة بالمرأة والطفل والسكان ثم تعميمها وفرضها على العالم..أو العولمة العسكرية التي جعلت حلف الأطلنطي يخرج من النطاق الأوروبي والغربي لأن ميثاقه الصادر عام 1949 كان يجعله قاصرا على الدفاع عن أراض الدول المشتركة فيه،لكن عندما عقد مؤتمر حلف الأطلنطي في العيد الخمسيني له في أبريل 1999 طورت صيغة حلف الأطلنطي وبدلا من الدفاع عن أراض الدول المشتركة فيه أصبحت للدفاع عن مصالح الدول المشتركة فيه، وبالتالي بدأ الحديث عن القوات متعددة الجنسية والانتشار السريع للتدخل في مناطق الأصولية والتطرف وأسلحة الدمار الشامل.
إذن خلال الفترة الأخيرة أصبحت هناك عولمة عسكرية وعولمة سياسية واقتصادية وقيميه..كل هذا تمت صياغته والحديث عنه منذ سقوط الاتحاد السوفيتي وانفراد أمريكا بالهيمنة ووحدة قبضة الحضارة الغربية وزوال التناقض الذي كان قائما بين شقيها الليبرالي والشمولي.
الذي حدث بعد 11سبتمبر هو دخول هذا المخطط في التطبيق، الحرب في أفغانستان والتي ستكون لها نماذج أخرى في عدد من البلاد الإسلامية والضغوط التي تتم الآن على باكستان والتدخل في تغيير مناهج التعليم الديني والحديث عن ضرب الصومال واليمن والعراق،كل هذه الممارسات بعد أحداث سبتمبر هي نوع من العولمة العسكرية والعولمة السياسية وتطبيق التدخل في الشؤون الداخلية الذي هو انتقاص لسيادة الدول.
وهذه العولمة كما أنها اجتياح غربي وأمريكي خاصة للعالم الآخر فهي أيضا تطبيق لنظرية صراع الحضارات لأن هذه النظرية كما عرضها هانتنغتون لم تكن اختراعا منه ولا تبشيرا بصدام الحضارات لكنها كانت كشفا عن واقع صدام الحضارات الذي يمارسه الغرب ضد الحضارات الأخرى، وهو في هذا التخطيط تحدث عن ضرورة البدء بالحضارة الإسلامية والصينية مع تحييد الحضارات الأخرى ثم بعد الفراغ من الحضارتين الإسلامية والصينية تعود الحضارة الغربية إلى احتواء الحضارات الأخرى.
ولكن لأن الصين حققت مشروع نهضوي كبير وأصبحت قوة، لذلك صارت نقاط الضعف موجودة أساسا في الحضارة الإسلامية..كما أنها تعتبر مخيفة بالنسبة للمشروع الغربي أكثر من الصين التي رغم امتلاكها عوامل القوة إلا أنها تبقى حضارة محلية مثل اليابانية والهندية،في حين تمتلك الحضارة الإسلامية مشروع يقظة ولديها إمكانات عطاء شديدة خارج الحدود وبالتالي فهي منافسة للحضارة الغربية.
غزوة الأحزاب
وفي اعتقادي فأن اللحظة الراهنة تعيد إلى الأذهان صورة غزوة الأحزاب في عصر رسول ا صلى الله عليه وسلم ، حين كانت القبائل العربية تعيش على الصراعات فيما بينها وهي قبائل مشركة واليهود أهل توحيد وكل هؤلاء بينهم تناقضات شديدة إنما في مواجهة الإسلام اتحد الجميع..والذي حدث الآن أن الصليبية الغربية مع اليهودية الصهيونية مع الأرثوذكسية الروسية مع الكونفوشيسية الصينية والبوذية اليابانية مع الهندوسية الهندية..كل هذه القوى لها مصالح في تحجيم الظاهرة الإسلامية والمد الإسلامي ولها مشكلات مع المسلمين في تركستان الشرقية وروسيا والقوقاز والشيشان والهند وكشمير وأماكن أخرى..ولذلك أتفق العالم على اختلاف تناقضاته ومصالحه في مواجهة المد الإسلامي واليقظة الإسلامية.(62/50)
وهذا المشهد يعيد إلى الذاكرة محاولة نهضة محمد على، لأنه في مواجهة مشروع محمد علي الذي كان بمثابة تجديد الدولة العثمانية وتجديد الشرق الإسلامي اجتمعت روسيا القيصرية مع فرنسا وإنجلترا وألمانيا وكل هذه الدول التي كانت تتصارع دينيا وقومية ضد هذا المشروع النهضوي.
وبكل تأكيد فأنني أنظر للمرحلة الحالية باعتبارها مرحلة عنفوان الهيمنة الغربية في مواجهة الظاهرة الإسلامية..هذا الموقف الغربي هو موقف لا يعترف بالآخر لأن الغرب على المستوى الديني يريد تنصير المسلمين،وعلى مستوى المشروع الغربي والنظم الغربية والسياسات الغربية يريد احتواء العالم الإسلامي وتحقيق تبعية العالم الإسلامي سياسيا واقتصاديا وقيميا في المنظومة والمشروع الغربي..وبالتالي فإن فكرة الآخر غير موجودة والنزعة المركزية في الحضارة الغربية لا تعترف بالآخر بل تعتبر الحضارة الغربية هي الحضارة الإنسانية والعالمية الوحيدة..إذن فكرة العولمة هي فكرة الأمركة وفكرة تغريب العالم واجتياح العالم،وهذا كله من منطلق عدم الاعتراف بالنموذج الإسلامي.
صحوة إسلامية
* عفوا،لكن مقارنة ما يحدث اليوم بواقع المسلمين وقت غزوة الأحزاب ومشروع محمد علي هل تجوز! -المسلمون اليوم من الوهن الشديد بحيث لا تجوز مقارنة أوضاعهم بأي من العصور السابقة؟
اعتقد أن شدة الضربات الغربية في العالم الإسلامي تدل على أن العالم الإسلامي يستيقظ، العالم الإسلامي في حالة استضعاف مادي..لكن من الناحية القيمية والروحية ستجد عودة إلى الإسلام من قبل المسلمين..نحن في حالة صحوة إسلامية حقيقية.
* هذا التفسير عكس المشاع من أن الثمانينات كان عقد الصحوة الإسلامية التي يرى البعض أنها تشهد تراجعا منذ نهاية العقد التاسع من القرن العشرين؟
-لا هذا ليس صحيحا، أنا أدعو إلى تأمل المحطات التي نبهت الغرب أخيرا إلى ما يسمى بالخطر الإسلامي من وجهة النظر الغربية..مجلة شؤون دولية التي تصدر في كمبريدج نشرت ملفا في يناير 1991 فيه دراستين،الأولى عن الإسلام والمسيحية والثانية عن الإسلام والماركسية وعللت لماذا أتخذ الغرب الإسلام عدوا بعد سقوط الاتحاد السوفيتي وقالت لأن الإسلام هو الثقافة الوحيدة من بين ثقافات الجنوب القادرة على تحدي الثقافة الغربية!
* لماذا؟
-ذكرت دراسة مجلة شؤون دولية أن العلم الحديث والتصنيع جعل الإيمان الديني يتراجع في كل المجتمعات،لكن الغرب أكتشف أن الإسلام استثناء وحيد ومدهش جدا من هذه القاعدة..فالإسلام مستعص على العلمنة وهو الآن أقوى في قلوب أبنائه عن مائة سنة سابقة،وثبت أنه يمتلك مواهب للتجديد والتحديث الداخلي وبالتالي ليس مضطرا أن يقف ذليلا أمام النموذج الغربي وأن يستعيره!
إذن أكتشف الغرب أن الإسلام لم يتآكل بسبب المجتمعات الصناعية والعلم الحديث،وإنما بالعكس أصبح يستيقظ والناس تتعاطف نحوه وتتعلق به أكثر مما كان يحدث في القرون الماضية؟
* أنت تؤكد إذن أن الضعف الذي يكاد يعصف بالعالم الإسلامي ليس إلا ضعفا ظاهريا؟
-ضعف في الجوانب المادية، أنت عندما تشاهد منظومة الأسرة ومنظومة القيم في العالم الإسلامي وقارنتها بمثيلها في العالم الغربي تجد أن لدينا غنى شديد، والتدين نفسه الفروقات فيه كبيرة بيننا والغرب، لدينا الناس مؤمنة بكل جوارحها وروحها وهم الغالبية في المجتمعات الإسلامية بينما الذين يؤمنون بوجود أله لا تتعدى نسبتهم 14% في المجتمعات الغربية، والذين يذهبون إلى الكنائس (بموسيقى الجاز والرقص) لا تتجاوز نسبتهم 10% ..كما أنك عند المقارنة مع الغرب ستجد أن أعلى نسبة للعنف ضد النساء في الغرب،وأعلى نسبة للاغتصاب في الغرب،وأعلى نسبة للقلق والانتحار لديهم أيضا..المواطن الغربي العادي عندما يعلم بالإسلام يعتنقه لأنه أصلا لم يكن له دين، العلمانية قتلت فيه الدين.
عندما ترى هذا الواقع في الغرب وما لدينا في العالم الإسلامي تجد أن الأمة الإسلامية بالفعل أمة تستيقظ،رغم أن هناك عشرات المشكلات والعقبات والرواسب والموروثات وخصوصا في النظم والحكومات والتبعية للغرب، فكل هذه مشكلات موجودة أمام الصحوة التي ما زالت قوية لكنها في حالة ثبات.
بالإضافة إلى ما سبق ستجد أن محطة الثورة الإيرانية كانت من ضمن المحطات المؤثرة فيما يتعلق باكتشاف الغرب لهذه الحقيقة،وأذكر مما قرأته من الكتابات الغربية عقب الثورة الإيرانية أنهم قالوا "لقد فوجئنا بأن الإسلام لا يزال حيا وأنه القادر على تحريك الجماهير وعلى بناء دولة" ذلك أنه قبل الثورة كان الغرب يعتقد أنه بعد حوالي القرنين من الاستعمار فقد المسلمون القدرة على بناء دولة!
وأذكر أيضا من القراءات عندما كتبت دراسة عن المؤتمر الذي عقد في أميركا عام 1978 لتنصير المسلمين وجدت أن من دواعي عقد المؤتمر واختراع أساليب جديدة للتنصير المظاهرات التي قامت في مصر تطالب بتطبيق الشريعة الإسلامية، وكان ذلك في منتصف السبعينات وقبل قيام الثورة الإيرانية، وأيضا من العوامل التي دفعتهم للإسراع في تنصير المسلمين اتجاه باكستان لتطبيق الشريعة الإسلامية.(62/51)
فكرة الإسلام كدين ودولة فاجئت الغرب لأنهم كانوا قد تصوروا أن الإسلام دجن وأن المسلمين قبلوا بفصل الدين عن الدولة وأن الإسلام صار لونا من النصرانية..كان يعتقدون أن المسلمين قد تركوا الدنيا وانكفئوا على العبادة فقط،لكنه فجأة أكتشف حيوية الإسلام كدين ودولة.
وعندما كتب هنري كيسنجر "انتهزوا الفرصة" في أواخر الثمانينات قبيل سقوط الاتحاد السوفيتي وعرف ما يسمونه بالأصولية فقال هي التي تريد بعث الحضارة الإسلامية..تطبيق الشريعة الإسلامية..أن الإسلام دين ودولة..وهم ثوار وليسوا محافظين لأنهم ينظرون إلى المستقبل ويستلهمون الماضي ولكنهم لا يريدون العودة بالعربة إلى الماضي.
إذن مشكلة المشروع الغربي مع الإسلام في كون الإسلام دين ودولة وأنه استعصى على العلمنة وبالتالي فإن عقيدة المسلم تريد تحرير عقيدته، الأرض والثروة وأن يجعل الدنيا للمسلمين أيضا.
حرب دينية
* إذن في ضوء ما عرضته..هل ما يحدث بيننا والعالم الغربي حاليا حرب دينية أم مجرد مأزق تاريخي من الممكن تفاديه أو التعامل معه؟
نعم،هذا ينقلنا إلى زاوية جديدة ذلك أن البعض يشكك في عداء الغرب وعداء أمريكا للإسلام،ويقول أنه ليس عداء للإسلام وليست حربا على الإسلام وإنما هي حرب مصالح..وهذا صحيح لأن الغرب براجماتي ونفعي ودينه هو المال والمصالح، لكن دائما وأبدا عبر التاريخ وفي كل المجتمعات والحضارات سنجد أن المصالح لا تنفصل عن الأفكار..وعلى سبيل المثال عندما كانت الدولة الرومانية تحتل مصر حاربت المسيحية واضطهدت المسيحيين المصريين طوال ستة قرون لأن المسيحية كانت تمثل ذاتية مصر وعامل من عوامل تحررها وكان قهر هذه المسيحية هو تحقيق لمصالح الدولة الرومانية في مصر..أيضا الحروب الصليبية وقد كانت تريد احتلال الشرق إلا أنها تمثلت بالدين واستخدمت غطائه.وفي العصر الحديث كان الهجوم على الدولة العثمانية وعلى فكرة الخلافة سبيل لتقسيم العالم الإسلامي واحتوائه، بل إن الحرب على حركات التحرر الوطني في العالم العربي أخذت شكل الهجوم على القومية العربية..إذن كانت المصلحة دائما ما ترتبط بالفكر..الغرب عندما حراب الشيوعية كان في ذلك يدافع عن النظام الرأسمالي لكن حربه كانت ضد أيديولوجية.
ووفقا لتلك الأحداث التاريخية ستجد أن الذين ينكرون وجود حروب دينية هم بلا شك مخطئون..صحيح نحن ضد الحروب الدينية لكنها موجودة وتمارس ضد المسلمين،مثلما نحن ضد الحروب بصفة عامة إلا أن ذلك لا يلغي وجودها بل ويفرض علينا القتال كما يقول الله في القرآن "كتب عليكم القتال كما كتب على الذين من قبلكم" فالمسلمين لا يريدون أن يقاتلوا إلا إذا اعتدي عليهم أو على دينهم..هناك فارق دون شك بين ما نريد وما هو واقع وموجود..نحن لا نريد صدام حضارات، لكنه موجود.
إذن هناك استخدام للدين في الصراعات وتحقيق المصالح، فمثلا وفي إطار الحضارة المسيحية..أمريكا الشمالية تعتبر أمريكا الجنوبية هي الفناء الخلفي لها،والأرجنتين دولة كاثوليكية لكن أميركا البروتاستنتية تبشر بمذهبها هناك واستطاعت تحويل أكثر من 30% من أهل الأرجنتين إلى المذهب البروتستانتي.
أمريكا تريد التبشير أيضا في روسيا والكنيسة الروسية جعلت البرلمان الروسي (مجلس الدوما) يصدر قانون ديني يمنع التبشير بالمذاهب الغربية..إذن حتى في داخل الحضارة الغربية يستخدم الدين في تحقيق المصالح لأنه ليست هناك مصالح عارية،ولا تتحقق الأموال والثروات بدون أفكار ولذلك فقد أرتبط الغزو الثقافي الأوروبي بالغزو الاستعماري..الغرب والاستعمار في حاجة إلى إقناع المستعمرين بتأييد هذه التبعية وهذا النهب.
ومن خلال تجارب التاريخ نتعلم أيضا أن احتلال الأرض لا يمكن أن يتم إلا باحتلال العقول وجزء من احتلال العقول هو الدين والفكر الديني..والغرب في صراعه ضد الإسلام ينظر إلى الدين الإسلامي باعتباره الجامع الموحد للأمة والطاقة المحركة لها وأنه يجب أولا أن يعمل على تفكيك هذا الجامع حتى يحقق هدفه في شرذمة المسلمين وهزيمتهم واستسلامهم.
والحديث على أن الصراع هو صراع مصالح وليس صراع أفكار وأديان هو حديث وهمي..الغرب لا يريد الصراع ضد الإسلام لأنه يريد إدخال المسلمين جنة النصارى، إنما هو يريد مصالح في العالم الإسلامي ويعادي الإسلام لأنه سياج للمصالح الذاتية والقومية والحضارية والنهضوية للأمة.
جنة الغرب
* الغرب وجد إذن أن مشروعه في العولمة الاقتصادية لن يتحقق إلا بعولمة الآخرين ثقافيا أيضا؟
نعم العولمة الثقافية والدين جزء أساسي من هوية الأمة..الدين واللغة والتاريخ ثالوث يعادي دائما الهيمنة الاستعماري،وهذا ما فطنت إليه فرنسا خلال احتلالها الشمال الأفريقي حيث غيرت وبدلت في عناصر الهوية هذه من لغة ودين والشريعة..الحرب على الإسلام إذن ليس هدفها إنقاذ المسلمين من الكفر وإدخالهم الإيمان والجنة، ليس في المسألة حبا في خلاص المسلمين وإنما هي حب في ثروتهم وفي الهيمنة عليهم ومحاولة ضرب السياج الفكري والعقدي الذي يحمي المصالح الإسلامية والطاقة التي تحرك الأمة في معارك التحرر الوطني.(62/52)
لذلك ينبغي التمييز بين موقف الغرب من الإسلام في نقطتين، الأولى تتعلق بموقف الإنسان الغربي من الصراع،والثانية هي المشروع الغربي الذي يعادي الآخرين.. الإنسان الغربي ضحية للإعلام الغربي..ولذلك مشكلتنا ليست معه وليست مع العلوم الغربية لأنها علم عام يجب أن نسعى إليه ونتتلمذ عليه..مشكلتنا مع المشروع الغربي ومنه المشروع الديني الذي يتلخص في بناء الكنائس والتنصير والتي تطمح لاجتثاث الإسلام كله من أساسه، الإسلام كحضارة وعقيدة وشريعة وقيم لأنها تريد إحلال المسيحية مكانه وهذا الطموح في التغريب وفي العولمة ذو سقف عال.
أما الحكومات الغربية فهي لا تريد الحرب على العقيدة ولا على الشعائر أو العبادات الإسلامية، إنما تريد تحويل الإسلام إلى صيغة مشابهة للنصرانية لا علاقة لها بالدنيا، فهي تتركنا لنصلي كما نريد ونصوم كما نحب ونتدروش إذا شئنا، لكن على أن تبقى دنيانا تابعة لهم ليأخذونها، فالمراد أن تبقى لنا الآخرة شريطة أن يأخذوا الدنيا ومن فيها وما بها.ولذلك فإنه في الأيام الأخيرة ستجد أن هاتنغتون وفوكوياما وضعوا القضية في وضعها الحقيقي وقالوا أنه لابد أن يقبل المسلمون الحداثة والعلمنة التي هي فصل الدين عن الدولة، هذا هو الهدف بالنسبة للمشروع السياسي الغربي والحكومات الغربية.
وإذا كانت النصرانية الغربية والكنائس تعادي العقيدة الإسلامية فإن الحكومات الغربية والأميركية،قد لا يهمها هذا كثيرا إنما الذي يهمها هو وأد الإسلام كشريعة وجهاد مقاوم للغرب والمصالح الغربية،فهذا هو العدو الذي يجب أن تشن عليه الحرب وتجيش ضده الجيوش.
كما أنني أريد أن أضرب مثلا بالحرب التي يشنها الغرب ضد واحد من الأنظمة العربية المعتدلة لأنه تعدى الحدود المسموح بها وصارت له مداخلات خارج حدود العقيدة ..فعندما كان دوره محصورا في ضرورة إطالة اللحى وتقصير الثوب لم تكن هناك مشكلة مع الغرب، لكن عندما بدأ يتحدث عن الجهاد وتحرير الأرض فقد تحدثت بذلك عن الدنيا ولهذا صار الغرب يعاديها ويتهمها بتفريخ الإرهاب وذلك ما لم يكن يحدث عندما كانت تغيب الدنيا بل كانت موضع ترحيب.
لابد أن ندرك ما يحاك لنا،فالحرب ليست على مطلق التعليم الديني إنما على الموقف من شارون واليهود وما حواه القرآن والسنة، وكذلك قصص الغزوات ضد اليهود والجهاد لتحرير الأمة..إنما الإسلام العبادي والشعائري ليس هو ما تريد رأسه أمريكا، بل تريد رأس الإسلام المجاهد والمقاوم..الإسلام الطاقة المحررة للأمة الذي يبحث عن التميز الحضاري والعزة الحضارية والاستقلال.يجب أن نفض الاشتباك الوهمي بين الذين ينكرون صراعات فكرية وحضارية وبين الذين يقولون بوجودها قبل أن نحدد مواطن الخلاف.
المعركة التي تدور الآن هي معركة المشروع الغربي والنظام الأميركي ضد كون الإسلام رافض للعلمنة،وهذا ما ذكره حرفيا فوكوياما في مقالة الأخير المنشور بعد أحداث الحادى عشر من سبتمبر، حيث قال أن الفاشية الإسلامية،كما سماها، رافضة للحداثة ولمبدأ العلمنة لأنه يعتبر أن الديموقراطية الغربية هي ثمرة للمسيحية لأنه يعتبر الديموقراطية للشعب وليس للشريعة في ظل مبدأ فصل الدين عن الدولة..الغرب إذن واضح في تحديد مقاصده، لكن للأسف الشديد نحن لا نقرأ وإن قرأنا لا نفهم.
ما أريد التأكيد عليه أن النزعة الصراعية جزء من مكونات الحضارة الغربية،فالنظريات الأساسية التي صنعت الحضارة الغربية قائمة على الصراع، سواء عند داروين (صراع الأحياء والأقوى هو الأصلح)،أو في الحياة الاجتماعية حيث صراع الطبقات ولابد أن تزيح طبقة الأخرى حتى ترث المجتمع، حتى في التاريخ عند هيجل سنجد أن الحداثة تنسخ ما قبلها وكل عصر ينسخ ما قبله..الحضارة الغربية إذن حضارة صراعية وعندما اجتاحت العالم واستعمرته كانت تعتبر أنها تقوم برسالة حضارية، عندما يتم تغريب العالم وإزالة الموروث الثقافي للمسلمين وغير المسلمين يعتبرون أن ذلك أمر طبيعي لأنه تمدن ولأنه يأتي في إطار نظرية البقاء للأقوى لأنه الأصلح..ولذلك عندما يفرضون علينا منظومة القيم المنحلة التي تتبعهم يعتبرون أن ذلك تمدنا ويتعجبون لعدم قبولنا هذه المنظومة.
1000كتاب
* كيف إذن نتعامل مع الآخر وما هو الخطاب الأمثل الذي يجب أن نتحدث به؟
-نحن مطالبون بتبليغ الدعوة وإقامة الحجة وإزالة الشبهة،كما أننا في حاجة إلى تقديم الإسلام بشكل منظم وموضوعي،لذلك اقترح عمل مشروع ألف كتاب إسلامي ويتم اختيار هذه الكتب من فكر الإحياء والاستنارة على مدى القرنين الماضيين بحيث نكون مكتبة تستطيع أن تجيب على علامات الاستفهام والأسئلة التي تملأ الفراغات الموجودة سواء كانت في العقيدة أو السيرة والسنة.
* هل لديك خطة لتنفيذ هذا المشروع؟(62/53)
-ليت المعنيين بصورة الإسلام في الغرب يقللوا من الندوات التي لا تضيف شيئا ويتبنوا مثل هذا المشروع،وأتصور لو أن هناك مؤسسة تبنت مثل هذا المشروع وطبعت هذه الكتب وقدمتها للدعاة والمثقفين وطلاب العلم في بلادنا، ثم ترجمت إلى اللغات المختلفة فإنها سوف تلعب دورا رئيسيا في تقديم الصورة الحقيقية للإسلام في الغرب الذي رغم ما حدث فإن دخوله إلى الإسلام يتزايد هذه الأيام بعدما بدأ يقرأ عنه نتيجة تزايد الهجوم عليه حديثا.
ردود فعل
* هل تعتقد أننا في هذه الحرب التي أطلقت عليها الصبغة الدينية سنظل خاسرين على طول المدى؟
-بالعكس اعتقد أن الصلف الأمريكي والهيمنة الأمريكية ستضر بها،الأمريكيون ليسوا أمة وليسوا شعب له تاريخ..ما يفعلونه اليوم لا يخرج إلا من عقلية رعاة البقر، وهم يتصرفون الآن في العالم كله بمنطق رعاة البقر..وفي الحقيقة أنه لا يكفي أن تكون هناك قوة فرعونية ووفرة قارونية لكي تكون هناك حضارة وقبول في العالم كله..الأمريكيون في الحقيقة مجرد رعاة بقر يمتلكون قوة فرعون ووفرة قارون، وهذه ليست مؤهلات لحكم العالم..ونحن لو رتبنا البيت العربي من الداخل نستطيع أن نكسب العديد من القوى التي تحالفت بشكل مؤقت مع المصالح الأمريكية لأن التناقضات بينهم أعمق من هذه المصالح..في رأيي فإنه يجب تهدئه الصراع بين المسلمين وهذه القوى في سبيل مواجهة الخطر الأكبر الذي يأتي من الهيمنة الأمريكية،وأتمنى من المنظمات العربية والإسلامية أن تعي مثل هذا وأن تسعى إلى تحقيقه
وردود الفعل للتصرف الأمريكي سواء داخل العالم الإسلامي أو خارجه ستكون حادة والقواعد الثلاثة عشر التي يقال أنهم أقاموها في منطقة وسط آسيا لن تحمي القوات الأميركية..ما أخشاه أن يولد ما تفعله أمريكا حاليا تطرفا أكثر..فالتدخل في التعليم الديني ضرب في العظام واختراق وتجاوز للخطوط الحمراء،وهذا سوف يولد رد فعل عنيف ضد الولايات المتحدة الأمريكية،وهذا ما لا نتمنى حدوثه سواء الفعل أو رد الفعل.
==============(62/54)
(62/55)
الشباب والغرب بين الأصالة والمعاصرة
* بقلم: السيد محمد حسين فضل الله
إنّ قيمة الخطاب الإسلامي المعاصر - لا سيّما لدى الإسلاميين الحركيين - تتمثّل في قدرة الإسلام على أن يواجه مشاكل الإنسان المتنوِّعة بطريقة واقعيّة لا تغيب في التجريد. ونحن ندرسُ القرآن الكريم، فنرى أنّ الله سبحانه الذي علا فلا شيءَ فوقَه قد دنا إلى خلقه فلا شيءَ دونَه، وخاطبهم من خلال آياته المتناثرة في الكون في عالم الحس، ومن خلال نعمه المتحرِّكة في مفردات حياتهم لينفتحوا على الغيب من موقع الشهود وعلى الخالق من خلال مخلوقاته.
إنّ إيماننا بالغيب لا يعني ابتعادنا عن الواقع من حولنا، بل إنّه يؤكِّدهُ ويقوِّيه ويوحي إليه أ نّه لا يتحرّك في فراغ، ولا يسقط في أجواء القلق والحيرة والفراغ عندما يواجه الصعوباتِ والضغوطَ القاسية والمشاكل المعقّدة والمتاهاتِ السّحيقة لأنّه يعيش الإحساس بلطف الله ورحمته له ورعايته لحياته وإشرافه عليه من موقع الربوبيّة التي تربِّي للإنسان كلّ حياته، جسدَه وروحَه من دون أن تبعدَه عن إرادته واختياره وعن مسؤوليّاته العمليّة في بناء ذاته.
وهكذا نريد للإسلاميين أن يملأوا الخطاب الإسلامي بالله في روحانيّة الفكر وواقعيّة التحرّك من حيث أنّ الله - في كتابه - رعى الحركة الإسلامية الأُولى في خط الدعوة والحركة في انطلاقة النبيّ محمّد (ص)، فكانت الآيات تراقب الواقع وترصده وتحاكمه وتقدِّم - في نهاية المطاف - وحي الرسالة الإسلامية - في سِلم المسلمين وحربهم - سواءً كانت فاشلة أو ناجحة، لتكتشف الصادقين والكاذبين ولتوجِّه المسيرة إلى المستقبل في شجاعة الاعتراف بالخطأ - إذا أخطأت - وبطولة تغيير اتجاه المسار - إذا انحرف.
لقد كانت قيمة القرآن - الكتاب الإلهيّ الحركيّ - أنّه انطلق في أسلوبه ليعالج الواقع الممزوج بالغيب، فلم يبتعدْ الواقعُ عن واقعيّته في إطلالته على الغيب ولم يخرجْ الغيبُ عن عالمه في الوجدان في ملامسته لقضايا الواقع، لأنّ الخطاب كان للإنسان الذي هو حيٌّ في وجوده الجسديّ، وغيبيٌّ في أسراره الروحيّة وتطلّعاته الماورائيّة.
ولهذا فلا بدّ لنا أن يبقى خطابنا الإسلامي خاضعاً لخصوصيّاته وعناصره الذاتيّة في استنطاق النفس الإنسانية في حركة الواقع، فلا يكون تجريديّاً يحلِّقُ في الخيال ولا يكون حسِّيّاً يغرق في ضباب المادّة، بل يأخذ من هذا قسماً يقترب فيه التجريد من الواقع، ومن ذلك قسماً ينفتح فيه الواقع على الغيب.
لقد أحببتُ الإشارة إلى هذه النقطة الحيويّة لأنّني رأيت أنّ هناك اتجاهين متطرِّفَين في الخطاب الإسلامي، فهناك الاتجاه الغيبيّ التجريديّ الذي يدفعُك إلى أن تعيش في عالم كلّه غيب، فلا تحسّ بوجوده على الأرض، وهناك الاتجاه المادي الذي يلاحق الواقع ليخلدَ إلى الأرض ويستغرقَ في خصوصيّاته حتّى ينسى الله في أسراره الإلهيّة التي تمنحُ الإنسان شيئاً من معنى الغيب في حركته في الحياة من خلال الإمداد الغيبيّ الذي يرعى حركته ويقوِّمُ مسيرته ويملأ روحه بالثّقة والأمل.
إنّ علينا أن نعرف أنّ الإسلام دينٌ يستمدُّ خصائصه الحيويّة وجذورَه الفكريّة من الإيمان بالله ورسله واليوم الآخر في عالم الغيب في العقيدة وفي عالم الشهود في الحركة والحياة، فلا بدّ للخطاب الإسلامي من أن يجمع ذلك كلّه لنعيش إسلامنا بطريقة متوازنة في عناصره ومتحرِّكة في أبعاده وتطلّعاته.
إنّ موضوع (الشّباب والغرب) يطرح قضيّةً من أكثر القضايا حسّاسيّة ومن أكثرها واقعيّة ومن أخطرها مستقبليّاً.
لأنّ المسألة تتّصل بالشباب الذي يمثِّل الطّليعة الإنسانية التي بدأت حركة النموّ في الحياة من أجل أن تكون قاعدة الريادة والقيادة والإنتاج في المستقبل لتخلّف جيل الآباء والأجداد الذين عاشوا تجربتهم السلبيّة في حركتهم في الماضي الذي يُطلّ بكل أثقاله على الحاضر ليترك تأثيراته على صناعة المستقبل.
ولعلّ من غير الواقعيّ أن نفكِّر بأنّ الشباب يمكن أن يخضع للقوالب الجاهزة المصنوعة من قِبَلِ الجيل الذي عاصره أو سبقه، فيُغلِقَ فكره عن جديد الحياة، وروحَهُ عن تطوِّرِ الواقع، وحركتَهُ عن متغيِّرات السّاحة لأنّ الأفق الذي ينفتحُ عليه يختلف عن الآفاق التي انفتح عليها الناس من قبله، فهناك أوضاعاً جديدة فرضت نفسها على الواقع الإنساني من خلال سيطرة فكر معيّن أو قوّة كبيرة ساحقة، وهناك مشاكل معقّدة تتحدّى الكثير من قضاياه وتطلّعاته، وهناك المتاهات الفكرية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية والأمنية التي لايزال الإنسان المعاصر يتحرّك لاهثاً من أجل اكتشافِ الخطوط التي تَدلّهُ على اتجاه الطريق الذي يؤدِّي إلى السلام.(62/56)
ولعلّ هذا الواقع الشبابيّ في عالمه الجديد الذي يريد أن يصنع واقعاً جديداً هو الذي توحي به كلمة الإمام عليّ (ع): «لا تخلّقوا أولادكم بأخلاقكم فإنّهم خُلِقوا لزمان غير زمانكم»، فقد يكون المقصود بها أنّ لكلِّ زمان أوضاعه التي تصنعُ له أخلاقاً جديدة بكل ما تعنيه كلمة الأخلاق المتّصلة بالسلوك الفكري والعلمي وبالمنهج الحركي على مستوى العلاقات العامّة والخاصّة وقضايا الإنتاج وحركة الوسائل والأهداف وكل الأمور المتحرِّكة في ساحة القلق الإنساني الباحث عن كل جديد في المعرفة والواقع.
إنّني لا أقصد من ذلك الحديث عن الحياة الشبابية التي تستغرق في كلِّ جديد بما يُنتجه أيّ فكر يتحرّك به عصره، بحيث ينطلق الشباب بعيداً عن كل جذوره الفكرية التاريخية وفارغاً من كل عقيدته الإسلامية ليتمثّل في صفحة بيضاء لم يكتبْ له فيها شيء في الفكر وفي المنهج وفي السلوك، لأنّ ذلك لا يمكن أن يكون مضمون الكلمة العلويّة الرائدة، باعتبار أنّ هناك القضايا العقيدية والشرعية والمنهجية الإسلامية المعدودة من الثوابت باعتبار أنّها تمثِّل الحقيقة الإلهية المنزلة على الإنسان ليهتدي بها من خلال الوحي الإلهي على النبيّ محمّد (ص) ممّا لا مجال لإثارة الجدل فيه أو لتغييره إلاّ من خلال مناهج التغيير القرآنية أو النبوية ممّا يمكن أن يسمح به الخط الفكري الإسلامي في دائرته الحركية في الداخل.
بل إنّني أقصد - في هذا الاستيحاء - إنّ على الجيل القديم أن لا يفرض خصوصيّاته الذاتية على جيل الشباب، فليس من الضروري أن يفهم الشباب من النص التراثي - الكتاب والسنّة - ما فهمه الآباء والأجداد، لأنّ من الممكن له أن يأخذ بالقواعد العلمية في فهم النص وتحريكه ليفهم منه غير ما فهموه وليجتهد في تحريك مفرداته بغير الطريقة التي اجتهدوا فيها، فقد يكتشف بعض الخطأ في اجتهاداتهم لتأثّرهم ببعض الظروف الموضوعية الثقافية والواقعية التي فرضت عليهم نوعاً من التصوّرات المعيّنة باعتبار أنّ من الصعب للمجتهد في أي موقع للفكر أن يتخلّص من ذاتيّات ثقافته الخاصّة في اجتهاده.
وليس من الضروري أن يكون فهم الشباب للحياة في أساليبها ووسائلها وعلاقاتها وحركيّتها ما فهمه الأوّلون أن تكون حاجاتهم المتحدِّدة هي حاجات آبائهم لأنّ التطوّر قد يصنع للإنسان حاجات جديدة أو تكون أخلاقهم الاجتماعية هي نفس أخلاق المجتمع السابق.
إنّ هناك أموراً ثابتة في العقيدة والشريعة والسلوك لا بدّ للمسلم أن يثبت عليها، وأنّ هناك أموراً متحرِّكة يمكن للإنسان المسلم أن يحرِّكها في حياته أو يتحرّك من خلالها، وهذا هو الخط الفاصل بين الثابت والمتحرِّك والمتحوِّل في واقع الإنسان المسلم في حركة الحياة عندما يريد أن يكسب نفسه وحياته ويصنع تاريخه ليتحمّل مسؤولية ذلك كلّه كما تحمّل الجيل الماضي مسؤوليته في صنع تاريخه كما جاء في قوله تعالى: {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلاَ تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ}[البقرة: 134]، فلا بدّ أن يكون لهذا الجيل دور اختياري في إنتاج كسبه الفكري والعلمي ليواجه مسئوليته عنه أمام الله، فلا يجوز له أن يقلِّد الاُمّة التي تقدّمته في الزّمن لأنّ ذلك لن يكون عذراً له أمام الله الذي يريد لكل نفس أن تجادل عن نفسها يوم يقوم الناس لربّ العالمين.
أمّا الغرب، فهو هذا العالم الجديد الذي يتميّز بفلسفته المادية المغرقة في عبوديّتها للحس بحيث عملت أن تحوِّل الغيب في تصوّراتها الدينية إلى عالم خاضع للأجواء المادية الحسية كما يتميّز بتصوّراته المطلقة في حرية الإنسان التي تصنع القيمة الأخلاقية في السلوك بمقدار ما يقترب منها أو يبتعد عنها، وفي ضوء ذلك فانّ هناك بوناً شاسعاً بين التصوّر الإسلامي لله وللإنسان وللحياة وبين التصوّر الغربي - في ذلك كلّه - كما هو الفرق بين الفلسفة التي تتصوّر الحياة خَلْقَ الله الذي أراد للإنسان خليفته في الأرض ليديرها على أساس أن لا ينسى نصيبه في الأرض من حاجاته المادية عندما يريد التطلّع إلى الدار الآخرة التي تمثِّل العنوان المتحرِّك للقيم في الربط بين الوسيلة المادية والغاية الروحية لتتروّح المادّة ولتأخذ الرّوح إسلوباً ماديّاً في حركتها في الواقع فيكون الله كلّ شيء في معنى الإنسان ويكون الإنسان المخلوق الذي منحه الحرية في نطاق مسؤوليّاته أمامه في إدارة الحياة والفلسفة التي لا تجد لله دوراً في حركة الإنسان في الواقع وفي عملية إنتاج الحياة.
ولكنّنا في الوقت نفسه لا ننكر إنّ هناك بعض المواقع التي نلتقي فيها مع الغرب، كما أ نّنا نعترف بالتقدّم العلمي والتقني الذي بلغه الغرب ممّا يمثِّل حاجاتنا الضرورية إليه في مسألة التعامل.(62/57)
وهناك نقطة حيوية مهمّة، وهي أنّ مجتمعاتنا الإسلامية لا تتمثّل الكثير من الإسلام على مستوى التصوّر والحركة والعلاقات، فقد غرقت بالأجواء الملبّدة من آثار الجهل والتخلّف بفعل مرور السنين الضائعة في متاهات الانحراف، الأمر الذي جعل الإسلام يعيش الغربة في مجتمع ممّا تعنيه العقلانية والموضوعية والإنسانية والحرية ونحو ذلك سواء على مستوى الواقع الاجتماعي أو السياسي.
ونجد في المقابل بعضاً من هذه القيم موجودة في علاقات الإنسان الغربي بالإنسان الآخر في مجتمع، بحيث تخفِّف من حدّة الانفعال ومن الاستغراق في الشخص ومن التدخّل في شؤون الآخر ومن الظلم الاجتماعي بدرجات متفاوتة بالرّغم من وجود بعض السلبيات في هذا الجانب أو ذاك، ممّا يجعل الصورة - في بعض جزئيات الواقع - في المجتمع الإسلامي أكثر ظلاماً وفي المجتمع الغربي أقلّ من ذلك في هذا الموقع أو ذاك ممّا يترك تأثيره على انطباعات الشباب عندما يبدأون المقارنة بين مجتمعاتهم ومجتمعات الغرب بقطع النظر عن صوابيّة هذا الانطباع أو عدمه.
إنّني أُريد - في هذه العجالة السريعة - أن اُركِّز بشكل مختصر حول دائرتين من الخطاب.
الدائرة الأولى: حديثي مع الشباب الذين قد يتطلّعون إلى الاستغراق في عالم الغرب كما لو كان هو الجنّة الموعودة التي تحقِّق له أطيب الأحلام، إنّ عليكم أن تفكِّروا في أصالتكم الفكرية والعملية المتمثِّلة في أصالتكم الإنسانية في الثّبات على الخط الإسلامي في حركتكم في الحياة، ولست أقصد بالأصالة أن تأخذوا بالماضي جملة وتفصيلاً، بل أقصد بها أن تؤكِّدوا إسلامكم في أي انفتاح على كل ما هو جديد في الفكر والسلوك، لأنّ الجديد ليس هو جديد العصر ليقول قائل لكم أنّ على الإنسان أن يعيش عصره في كلّ تطوّراته الفكرية حتى لا يكون متخلِّفاً عن واقع المعاصرة بما يمكن أن يجعله غريباً بين الناس لأنّ الأفكار القديمة أو الجديدة هي صنع الإنسان لا صنع الزمن، فقد يخضع الناس لفكر معيّن بفعل القوى التي تملك السيطرة على الواقع وتفرضه على الحياة من دون أن يكون للحياة أي دور في إنتاجه بفعل التطوّر.
وعلى ضوء هذا، فانّ من الضروري أن تدخلوا في عملية مقارنة - إذا كنتم في موقع الموضوعية الفكرية - بين الفكر الإسلامي الذي تنتمون إليه في التزامكم بالإسلام وبين الفكر الشائع لدى الناس بفعل عوامل القوّة التي فرضته على الواقع، فقد تجدون في الإسلام فكراً متقدِّماً منفتحاً على المصالح الإنسانية الحقيقية، وتكتشفون في الفكر المعاصر فكراً متخلِّفاً بعيداً عن الواقعية في معالجة مشاكل الإنسان المتعدِّد الأبعاد من حيث المادّة والرّوح.
إنّ المعاصرة في معناها الحيوي الإنساني ليست شيئاً في حركة الزمن في المضمون، بل هي شيء في حركة الإنسان في إنتاج إنسانيّته في قضاياه ومشاكله وأوضاعه، فلتكن لكم إرادتكم الفكرية في اختيار الفكر الذي تلتزمونه بوعي وانفتاح بعيداً عن كل الانفعالات المجتمعية التي تضغط على الإنسان بفعل الأجواء العاطفية التي تستلب فكره بطريقة (العقل الجمعي) الذي يفقد الإنسان معه استقلاله الفكري وخياره الحرّ في الاتجاه العملي.
إنّ الأصالة تمثِّل الجذور العميقة في إنسانية الإنسان في الفكر الأصيل المنطلق من الله ورسوله الذي ينفتح على الزّمن كلّه والحياة كلّها فلا يخضع للماضي والحاضر والمستقبل في حدوده الزّمنية.
أمّا المعاصرة، فهي الانفتاح على العصر في حاجات الإنسان وقضاياه الحقيقية في أبعادها المتنوِّعة بحيث يتمثّل الإنسان فيها حياته بشكل متوازن من حيث التزامه بإسلامه وانفتاحه على قضايا عصره، من خلال وعيه لهذا وذاك في اجتهاداته الفكرية ووعيه الرّوحي ممّا يملك من عناصر الاجتهاد والوعي الذي يوهِّله ليدخل في حوار مع الفكر الآخر ومع الإنسان الآخر.
وإذا كان الغرب يمثِّل القوّة العملية الكبيرة والتقدّم التكنولوجي الواسع، فإنّ علينا أن نفرِّق بين مفردات العلم في حركة الحضارة ومفردات الخطوط الفكرية والسلوكية في طريقة الإنسان في علاقته بالله وفي نفسه وبالحياة، فلا نرى في النمو المعرفي والعلمي دليلاً على صحّة المنهج الفكري في قضايا العقيدة والأخلاق والسلوك وفي معاني الرّوح والوجدان، بل يجب دراسة كل قضيّة بحسب عناصرها الذاتية وتأثيراتها الحيويّة على الواقع في خط الحقيقة.(62/58)
ثمّ.. لا بدّ من دراسة مسألة الحريات الإنسانية في أكثر من جانب، فلا يجوز الانفتاح عليها من البعد الواحد الذي يمثِّل الحالة الفردية للإنسان، بل لا بدّ من التأمّل الواعي للجانب الفردي والمجتمعي والعنصر المادي والرّوحي بالإضافة إلى الانتباه إلى حقيقة إيمانية واحدة هي أن الإنسان من خَلْقِ الله، وعليه أن يتحرّك من موقع إرادة الله في حركته في الحياة وفي إدارة شؤون نفسه وشؤون الأرض، ممّا يجعل القضيّة مرتبطة بعلاقة الإنسان بربِّه وبنفسه وبالناس من حوله وبالأرض التي يتحرّك عليها في واقعها البيئي والتنموي وفي المخلوقات الحيّة أو النامية الموجودة على ظهرها، لتكون الحرية مسؤولة عن ذلك كلّه لأنّ الإنسان ليس هو المخلوق الوحيد الذي يعيش المأساة في تقييد حرّيّته، فللمسأساة أكثر من موقع في مفردات النظام الكوني، الأمر الذي يفرض عليه أن لا يعيش معنى المأساة انفعالاً في ذاته التي تبكي من الحرمان الذاتي، بل يعيش معها وعياً لكلّ حاجات ما حوله ومَن حوله بالإضافة إلى حاجاته، فالكون ليس إنساناً وحده بل هي حيوان ونبات وبحر وبَر وسهل وجبل ومفردات متنوِّعة هنا وهناك، وكلّ واحدة من هذه تتطلّب من الأخرى أن تتكامل معها في واقع الوجود ولا تتجاوزها لتُسقط كلّ أوضاعها الخاصّة والعامّة.
وهناك جوانب أخرى لا يتّسع المجال للحديث عنها، ولكنّني أختصر الحديث في كلمة واحدة، وهي أنّ الشباب ليس لذّة وشهوة وانفعالاً وأحلاماً سعيدة، بل هو مسؤولية وجودية ترتبط بالوجود كلّه، وإنسانيّة تتّصل بالإنسان كلّه، وروحيّة تنفتح على الله وعلى الدنيا والآخرة لتفكِّر في ذلك كلّه ولتحصل على سلامة المصير في كل أبعاده الدنيويّة والأخروية.
الدائرة الثانية: هي دائرة العاملين للإسلام الذين يتابعون واقع الإنسان المعاصر لدراسة كل أوضاعه وأفكاره وأبعاده ووسائله وأهدافه من أجل التخطيط للحركة التي تجمع ذلك كلّه لتنطلق في دراسة أفضل الوسائل لإنقاذ الإنسان المسلم من سلبيّاته ولتوجيهه إلى الاستزادة من إيجابيّاته، ومن الطّبيعيّ أن تكون مسألة الشباب والغرب إحدى الاهتمامات الكبرى للحركة الإسلامية في حقل الثقافة والدعوة والحياة، في دراسة كل المؤثِّرات الفكرية والروحية والعلمية، السلبية والإيجابية، وكل القلق الفكري والإنحراف العملي والضّياع الشعوري ومواجهته بالوسائل العملية التي تمنحه الفرصة ليعبِّر عن كلّ ما في نفسه من تساؤلات وقلق وتمرّد وضياع، للإجابة على كلّ سؤال لديه، ولعلاج أيّة مشكلة أو التخفيف منها، ولاحتضان كل مشاعره وأحاسيسه، وتقدير كل ظروفه الموضوعية المحيطة بحياته من خلال معرفة نقاط ضعفه وقوّته، وعدم الاكتفاء بالحديث عن انحرافات الشباب وضياعهم وتسجيل النقاط الاتهاميّة أو التجريمية ضدّهم.
إنّ على العاملين في سبيل الله أن يتفهّموا شباب الاُمّة ويتعرّفوا حاجاتهم الفكرية والعملية ويفسِّروا لهم كل المجملات الإسلامية، لأنّ الشباب في قلقه الرّوحي يتطلّع إلى الوضوح في الرؤية والوعي في المعرفة.
وإذا كنّا نعرف أنّ للشباب حاجاته الترفيهية واللّهوية والاجتماعية، فقد يكون من الضروري أن نعمل على إنشاء النوادي الرياضية والترفيهية التي تأخذُ بأسباب اللّهو الحلال بما يملأ فراغ وقته ويبعده عن الاتجاه إلى مواقع أخرى تمنحه اللّهو المحرّم الذي يلجأ إليه عندما يعيش الفراغ عن الأخذ باللّهو المحلّل، وربّما كان الطبيعي أن نبتعد عن الفكرة التي تتحدّث عن سلبيّة اللّهو في حاجات الإنسان العملية، فقد جاء الحديث المأثور: «ينبغي أن يكون للمؤمن ثلاث ساعات، ساعة يُناجي فيها ربّه وساعة يروم فيها معاشه وساعة يُخلي بين نفسه وبين لذّتها فيما يحلُّ ويجملُ أو في غير محرم فإنّها عون على تينك السّاعتين».
ثمّ.. العمل على توفير المحاضن الإسلامية من مساجد وحسينيات ومدارس ونواد ثقافية وأجواء اجتماعية، ولا بدّ من التكامل بين الهيئات والجمعيّات، فلا يبدأ كل فريق من نقطة الصفر بل ينطلق كل واحد مع الآخر.
إنّني ألاحظ أنّ الحركات الإسلامية الموجودة في الغرب تتنوّع في أوضاعها بين حركة تستغرق في السياسة، فلا تعطي للثقافة ولا للأجواء الروحية أيّ بُعد حركيّ، وحركة تستغرق في الثقافة والعبادة فلا تمنح السياسة والوضع الاجتماعي أيّ دور، وحركة تنكمش في داخل ذاتيّاتها فتبتعد عن الواقع كلّه لتعيش في عزلة ثقافية وروحية وسياسية.
ثمّ.. هناك العصبيّات الحزبية التي تخرج عن الالتزام الإسلامي في حلال الله وحرامه، وهناك المشاكل الهامشية والجزئية التي تأكل القضايا الأساسية والكلية ممّا يعطي للشباب الطّالع فكرة سلبية عن العمل الإسلامي، فيكفر بالشخصيات الإسلامية التي تتعصّب لذاتها أكثر ممّا تتعصّب لإسلامها ولربِّها ويكفر بالتجمّعات الإسلامية أحزاباً وحركات وجمعيّات التي تعمل على إسقاط الهيكل على رؤوس الجميع إذا لم يكن الهيكل لها وحدها، وتتعصّب للإطار الضيِّق الذي تحبس نفسها في داخله ولا تنفتح على الله والأُمّة والإسلام في الحاضر والمستقبل.(62/59)
إنّ المرحلة التي نواجهها هي من أكثر المراحل صعوبة في حركة الإسلام ومسيرته، فانّ العالم المستكبر بدأ حرباً عالميّة ضدّ الإسلام كلِّه والمسلمين كلِّهم باسم الحرب على الأصولية التي لا وجود لها - بحسب المفهوم الغربي - عندنا، وعلى الإرهاب الذي لا مصداق له في حركتنا الإسلامية، فهل ننطلق من هذا الواقع لنواجه مسؤوليتنا بالمستوى الذي نستطيع فيه أن نفتح ثغرة في الجدار الاستكباري الكبير الذي ينتصب ليكون حاجزاً بيننا وبين التقدّم إلى مواقعنا الإسلامية في مستقبل الحياة والإنسان.
إنّ الوحدة الإسلامية بين المذاهب والحركات والجماعات ليس مجرّد شعار نطرحه للاستهلاك، ولكنّه ضرورة حيويّة مصيريّة لكل الواقع الإسلامي لأنّ الاستكبارَ يريدُ رأسَ الإسلام كلِّه.. فهل نفهم طبيعة لعبة الاستكبار في واقعنا وحركتِنا وأهدافنا الكبرى؟
---------------------------------
* محاضرة ألقيت في المؤتمر(31) لرابطة الشباب المسلم، الذي عُقِدَ في كانون الأوّل 1996، في لندن.
==============(62/60)
(62/61)
مستقبل حوار الحضارات
الأربعاء 11جمادى الأولى1427هـ - 7 يونيو 2006م
الصفحة الرئيسة
مفكرة الإسلام: وبعد أن ناقشنا أطروحة حوار الحضارات من الجانب التاريخي، وقبل ذلك بيَّنا الفرق بين حوار الحضارات وحوار الأديان؛ نتناول في هذا المقال أطروحة حوار الحضارات من ناحية النتائج الفعلية، والتي أثمرت عنها المؤتمرات، والندوات، التي أقيمت تحت ظلال تلك الأطروحة، وهل نجح حوار الحضارات في تجنب القوى العالمية للصراع؟!
الظاهر أن تلك الأطروحة فشلت في الوقوف على الجهة المقابلة من صراع الحضارات للأسباب الآتية:
1- التشتت الفكري الذي تعاني منه الأمة الإسلامية:
وهذا الأمر يعد من أكبر العوائق في طريق الحوار مع الغرب, فمن بين أحزاب مختلفة، وفرق مختلفة، إلى توجهات مختلفة، مَنْ سيعبّر عن الهوية الإسلامية الصحيحة؟!!
وهل يمكن لفرقة، أو حزب معين، أن ينوب أمة تعدادها أكثر من مليار نسمة، ليتحدث عنها كحضارة؟!!
وحتى المؤتمرات التي كانت منظمة المؤتمر الإسلامي هي الممثلة للطرف الإسلامي فيها، فإنها لم تجدِ نفعًا، في طرح صورة إسلامية موحدة عن المواضيع التي تم تناولها.
أضف إلى ذلك، الاختلاف أصلاً على مبدأ حوار الحضارات، بين مؤيد ومعارض.
2- بعد الأطراف المتحاورة - خاصة الغربية منها - عن مراكز صنع القرار، فتأتي القرارات والتوصيات لتكون في النهاية حبر على ورق.
3- الكثير من المؤتمرات التي عقدت كانت لها أجندة سياسية مسبقة, حيث صرح الدكتور القرضاوي أن بعض تلك المؤتمرات الحوارية يتم تحديد مواضيع الحوار مسبقًا, وغالبًا ما تكون عن حرية الردة, كذلك يتم دعوة محاورين بأعينهم من قبل المحاورين الغربيين ومنهم أشخاص يمثلون المسلمين وليس لهم من الإسلام شيء.
4- محاولة الكثير دفع حوار الأديان والحوار الإسلامي المسيحي إلى دائرة حوار الحضارات، وجاء ذلك على لسان كمال الدين أوغلو - الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي - أن حوار الحضارات في هذه الوجهة وصل إلى طريق مسدود, وأن حوار الأديان أصبح يخضع لأجندات خاصة.
5- منذ عام 2001 م - والذي أسمته الأمم المتحدة بعام حوار الحضارات - وحتى عامنا هذا لم تشهد الساحة العالمية أي نوع من نتائج الحوار الحضاري الذي حدث بين الإسلام و الغرب, بل على النقيض تمامًا.
فقد كان بداية للتدخل الأمريكي في العالم الإسلامي عام 2001 م؛ حيث تم احتلال أفغانستان في 2001م، ما أشعل فتيل الصراع بين المسلمين والولايات المتحدة، وأوجد مناخًا لنمو جماعات التطرف والعنف، ولم يقتصر الأمر على ذلك؛ بل تتابعت الصراعات بين الولايات المتحدة والعالم الإسلامي, فتم احتلال العراق بعد ذلك التاريخ بعامين، ومورست الضغوطات على الدول الإسلامية؛ لقبول الأجندة الأمريكية - ذات الرؤية الصهيونية - في منطقة الشرق الأوسط, كذلك خرجت فرنسا بقانون حظر الحجاب عام 2003م في المصالح الحكومية بدعوى الحرية الدينية, وتبعتها بلجيكا وألمانيا, وكذلك مرورًا بالرسوم الكاريكاتيرية المسيئة للرسول صلى الله عليه وسلم التي نشرتها الدنمارك, وتبعتها فرنسا ثم كندا وبلجيكا والنمسا وهلم جرًا....
وبعد استعراض تلك النقاط نصل إلى بعض النتائج المهمة:
1- أن العالم يسير وفق تنافس حضاري بين القوى العالمية.
2- فشل أطروحة 'حوار الحضارات' في تجنب الصدام بين القوى العالمية.
3- أن تعليق الرجاء على حوار الحضارات كَحَلٍِ وحيد لنهوض الأمة، وبناء أرضية الواقع العملي، والنتائج الملموسة أمر مغلوط ينقضه الواقع العملي والنتائج الحسية.
ولكن لا بأس من استغلال أطروحة حوار الحضارات لتحقيق منافع ومكاسب تصب في طريق نهوض الأمة الإسلامية وذلك يأتي في عدة مجالات مثل:
• تبادل المعلومات التقنية، والبعثات العلمية.
• التعريف بالحضارة الإسلامية.
• دفع الشبهة التي أُلحقت بالإسلام كدين، وبالمسلمين كشعب، وبالإسلام كحضارة.
• إرسال البعثات الإسلامية إلى الدول المتحاورة، ما يتيح تعرف الشعوب الغربية على الصورة الصحيحة للإسلام.
خاتمة:
وعلى هذا يبقى لنا أن نقول: على الأمة أن تصرف جل جهودها في بناء نهضتها وزرع الفاعلية في شبابها والبحث في سبل دفع عجلة التنمية والتقنية, فالاعتماد على الغرب على أنه هو الذي سيعيد للحضارة الإسلامية مجدها ورفعتها أمر غير واقعي, بل غير منطقي في الأصل فكيف يتنازل الغرب عن الرغبة في الهيمنة من أجل أن يحيا المسلمون حياة آمنة رغيدة متقدمة.
إن غياب الرؤية الصحيحة في إصلاح الأمة وكيفية الوصول إلى نهضة حضارية في القرن الواحد والعشرين تعتبر هي مربط الفرس في الأزمة التي تواجهها الأمة الإسلامية؛ فبين دعاة التحرر إلى الليبرالية إلى العلمانية وما جاء على نهجهم وبين دعاة الحل الإسلامي واختلافهم على سبيل نهضة الإسلام بين سائر الفرق التي تنطوي تحت عباءة الإسلام... إلخ.(62/62)
فلاشك أن صرف جهد الحوار بين هؤلاء, ومحاولة التقريب بين تلك التوجهات, وكذلك استبعاد التوجهات الداخلية التي تتكلم بلسان إسلامي وعقل غربي, وتوحيد الصف الإسلامي؛ من الأمور المهمة والمصيرية في قضية التقدم والنهوض, حتى نستطيع بعد ذلك تقديم الإسلام كحضارة قوية لها تاريخ وواقع.
============(62/63)
(62/64)
حوار الحضارات الجذور والتاريخ
الثلاثاء 7 شعبان 1425هـ - 21 سبتمبر 2004 م
الصفحة الرئيسة
شهد العالم في الخمس والعشرين سنة الأخيرة العديد من التغيرات الأيدلوجية التي دفعته إلى حقبة جديدة وشكل غير مسبوق من الصراعات والحروب والتدمير وتحول العالم عبر انهيار سور برلين وسقوط الشيوعية بعد أن كان ثنائي الأقطاب [ بتوازن القوى بالاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة الأمريكية ] إلى عالم أحادي القطب تقوده الولايات المتحدة الأمريكية التي تشهد نهضة حضارية قوية خاصة في مجالات العلوم المختلفة والتكنولوجيا ولعل هذا المشهد لا غرابة فيه أما المشهد الي يليق به الاستغراب حقا فهو مشهد العالم وهو يعيش فترة سيطرة أحادية القطب [ الولايات المتحدة الأمريكية ].
ثم هو بعد ذلك يعاني من ويلات الحروب والتدمير والإبادة أضعاف ما كان يعاني وهو في الوضع الثنائي القطب وهو الوضع الذي تسعى فيه كل حضارة أو بالأحرى قطب من الأقطاب للهيمنة على العالم ولذا فالغالب المتوقع في حال سيطرة ثنائي الأقطاب على العالم حدوث مصادمات فيما بينهم وهذا المشهد متكرر على مدار أزمنة التاريخ فمن الصراع الدائر بين الفرس والروم إلى انجلترا وفرنسا إلى الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة الأمريكية وبين كل حقبة وأخرى من هؤلاء تتنوع الأمثلة وتتعدد الأشكال لحضارات تتصارع لتحقيق الهيمنة على العالم أما أن توجد حضارة واحدة يظهر من واقع العالم أنها الحضارة المسيطرة المهيمنة ثم بعد ذلك نرى مزيدا من الحروب والويلات والتدمير وملامح الاضطراب على الساحة العالمية بادية لا تخفى على أي ناظر فهذا هو المشهد الذي لا بد من الوقوف عنده وتأمله مليا للوصول إلى لبه ومضمونه.
إن وضع تصور حاكم للعلاقات بين الحضارات المختلفة كان الهم الشاغل للعديد من المفكرين والسياسيين والمنشغلين بتحليل الوضع الراهن للمنظومة العالمية حتى يمكن التوصل للفهم الناضج الواعي لطبيعة الأحداث ومن ثم محاولة الانتفاع بها وسوقها في الاتجاه المفيد النافع للبشرية وباءا على ذلك فقد انطلقت العديد من النظريات تحاول جاهدة فهم وتحليل الواقع ومحاولة توجيه دفته إلى ما فيه النفع لعموم البشرية وظهرت أقوى تلك الأطروحات أو بالأحرى ما كتب له العيش منها على النحو التالي:
قبل ما يقارب من عقدين من الزمان والعالم ما زال في ذلك الوقت يتعامل بواقع ثنائي القطب إلى حد ما خرج المفكر الفرنسي روجيه جارودي على العالم أجمع بنظريته الرائدة ومشروعه للجمع بين الحضارات المختلفة على أساس أرضية مشتركة للتفاهم على مستوى شعوب الأرض وسماه بـ' حوار الحضارات ' ولكن مشروعه كان يتسم بسمة أساسية ألا وهي النقد الشديد للهيمنة الغربية والسيطرة الأمريكية حتى أنه بشر في ثنايا نظريته بزوال الغرب عموما لكن هذه الصيحة وأخواتها من جانب جارودي أو غيره من المفكرين والساسة الذين سعوا إلى وضع نظرية أو قاعدة تحكم وتفسر واقع المجتمع العالمي لم تجد الصدى اللائق بها في ذلك الوقت لواقع الصراع القائم والمسمي بالحرب الباردة بين قطبي العالم آنذاك ومع انهيار الاتحاد السوفييتي وانفراد الولايات المتحدة الأمريكية بقيادة العالم بدأت نظريات أخرى بالصعود إلى السطح والظهور لتفسير كيفية تعامل القطب الأحادي مع العالم في ضوء الواقع الجديد ومن هذه النظريات ما خرج به الأمريكي الجنسية الياباني الأصل 'فوكوياما' بما يسمى ويعرف بنظرية نهاية التاريخ تلك النظرية التي انتشرت سريعا لتتداعى بسرعة أكبر ومفادها تصوير انتصار الرأسمالية على الأرض أنها نهاية التاريخ وأن الإنسان الأمريكي هو من وصل إلى أقصى مستوى حضاري ممكن وبالتالي فهي نظرية نهاية الإنسان والتاريخ ثم تلا هذا المشهد مشهد آخر في أواخر صيف 1993 م وكانت أول شرارة أشعلت المشهد مقالة نشرت في صحيفة [ الشؤون الخارجية ] للمفكر الأمريكي الشهير صمويل هتنجتون تحت عنوان [ صدام الحضارات ] والتي حاول فيها قراءة مستقبل العالم المعاصر وقرر فيها أن الصراع في خلال القرن القادم سيكون صراعا بين الحضارات وليس صراعا اقتصاديا أو أيدلوجيا وقد حدد في نظريته تلك سبع حضارات أساسية يتوقع أن يلتهب بينهم الصراع ولا بد في هذا الصراع من زوال البعض وخضوع البعض الآخر لهيمنة الأقوى وقرر في النهاية أن الحضارات المتوقع لها الاستمرار حتى النهاية لما تحمله من إمكانيات ومقومات للبقاء هي ثلاث حضارات الإسلامية والغربية والكونفوشيوسية [حضارة الصين ] وحذر العالم الغربي من تحالف الحضارة الإسلامية مع نظيرتها الكونفوشيوسية في إشارة إلى إمكانية حدوث تحالف نووي بين الصين وبعض الدول الإسلامية.(62/65)
مقالة هتنجتون أثارت عاصفة من الانتقادات والجدل حول المفاهيم التي تضمنتها وقابل هتنجتون ذلك بالرد أنه على الرغم من إمكانية الاعتراف بوجود ثغرات في نظرية صراع الحضارات إلا أن المعارضين والرافضين لهذه النظرية لم ينجحوا أن يقدموا بديلا في طرحهم يوازيها في الواقعية والوضوح وبأن نظرية صراع الحضارات وهذا من وجهة نظر هتنجتون بالطبع هي خير وأفضل تصور موضوع للمستقبل في القرن القادم.
ولعل من الجدير بالذكر ردا على دعوى هتنجتون أن أحدا لم يطرح البديل المناسب أقول لعل من المناسب في هذا المقام بيان أن العديد من المفكرين والساسة الذين عارضوا نظرية صراع الحضارات والفكرة القائمة عليها قد طرحوا لها بديلا قويا ألا وهي نظرية حوار الحضارات كوسيلة لتجنيب المجتمع ويلات الحروب والقتال.
وتم إنشاء العديد من المؤتمرات والجمعيات والمؤسسات الداعية لترسيخ سياسة الحوار والتفاهم والتعايش السلمي بدلا من الصدام وتبني العديد من الكتاب هذه النظرية ودعوا إلى تنمية الحوار بين العالم الإسلامي والغرب حتى يمكن لكل طرف أن يتفهم الآخر ويتعايش معه وقد حددت الأمم المتحة عام 2001 م عام حوار الحضارات وعينت مندوبا متخصصا لهذا المنصب.
إلا أن أطروحة حوار الحضارات لم تخل من جدل شديد ونقد دائم مستمر حتى من جانب المفكرين المسلمين ولم يقف الجميع فيه على نسق واحد فمن رافض للفكرة من أساسها لعدم واقعيتها فكيف ستتحاور مع من يهدم بيتك ويشرد أهلك في أنحاء متفرقة من العالم الإسلامي إلى فريق آخر مؤيد للفكرة على الإطلاق وداع لها بغض النظر عن الواقع الحالي للأمة وفريق ثالث لا يستوعب المعنى المقصود من حوار الحضارات بل يحتفظ كل فرد في الفريق الثالث بفهم خاص له لهذا المصطلح.
ونحن بادئ ذي بدء لا نريد الوقوف مع واحد من تلك الفرق بدون نظرة محايدة منصفة قدر الإمكان ودراسة متأنية فالأمور لا تؤخذ كردود أفعال أو بدعوى الدفاع عن تهم لم نرتكبها أصلا أو بحكم العواطف والمشاهد الدامية كلا فالأمر يتعلق بمستقبل أمة وعلى الأمة أن تقرر طبيعة وشكل الطريق الذي تختار هي سلوكه في المرحلة القادمة بناءا على فهم واضح دقيق لأبعاد المصطلحات وحكم واضح صريح من علماء الأمة ومفكريها وقادتها مبني على قياس دقيق للمصالح والمفاسد.
بناءا على ما سبق يلزمنا إلقاء الضوء على نظرية حوار الحضارات وتحديد المقصود الدقيق بهذا المصطلح ثم بعد ذلك قياس حجم المصالح والمفاسد المترتبة على العمل بمقصودها ومن ثم تتضح إمكانية الحكم عليها.
' إن على الحضارات أن تكون قاعدة من الثوابت المشتركة فيما بينهم وتنطلق من خلال هذه القاعدة إلى حوار يؤمن بالتعددية وعدم هيمنة حضارة على الأخرى , هذا الحوار سيمكن كل طرف من تفهم الآخر والتعايش معه بدلا من الاصطدام والحروب ' هذه هي خلاصة نظرية حوار الحضارات وقبل أن نتسرع بإصدار الحكم عليها بالسلب أو الإيجاب علينا أن نوضح بعض المحاور الرئيسية وهي:
شرعية الحوار ومقاصده.
هل حوار الحضارات هو حوار بين الأديان؟.
هل حوار الحضارات واقع ممكن؟.
حوار الحضارات رؤية إسلامية وأخرى غربية في أعين مفكري الطرفين.
هذه ملامح سريعة ونقاط أساسية سنقوم بتوضيحها لمناقشة واقع حوار أوصراع الحضارات وأي النظريتين أنجح في توصيف الواقع المعاصر؟ ومن ثم ما هو حقيقة الدور المنوط بأمة الإسلام فيما سيأتي من الزمان في ضوء المتغيرات العالمية المتسارعة؟.
لكم منا خالص التحية وإلى لقاء قريب بإذن الله تعالى
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
============(62/66)
(62/67)
توحيدُ الكَلِمة على كلمةِ التوحيد
بقلم الشيخ المحدث
عبدالعزيز بن مرزوق الطريفي
إنّ كلمتنا إن جُمعت على غير هذا, فهي كلمةٌ ضائعة ممزقة, ولن تكون لأمتنا شوكة, هذا أمر مُسلّم وإن تجاهله البعض, عرفه العدو قبل الصديق .. يقول وزير المستعمرات البريطانية في وقته "أوريسي جو" : "إن سياستنا تهدف دائمًا وأبدًا إلى منع الوحدة الإسلامية أو التضامن الإسلامي, ويجب أن تبقى هذه السياسة كذلك" وقال : "إننا في دول إسلامية شجعنا -وكنا على صواب- نمو القوميات المحلية, فهي أقل خطرًا من الوحدة الإسلامية"..
وقال المؤرخ أرنولد توينبي: "إن الوحدة الإسلامية نائمة , لكن يجب أن نضع في حسباننا أن النائم قد يستيقظ".. ولا عزة ولا تمكين لنا إلا بالإسلام كما قال عمر رضي الله عنه: "نحن قوم أعزنا الله بالإسلام فمهما ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله" وما قُرِّر في هذه الرسالة أمر متفق عليه في الإسلام لا خلاف فيه, والمقصود منها تذكيرٌ للمسلم, وأما من تبنى فكر خصوم الإسلام فَسَقَوه من آرائهم حتى ثمل, وملأوا عقله بأفكارهم حتى ثقل, وضلعوه بأصولهم حتى أسلم لهم القياد, فقد لا يدرك مني إلا تحريك الشفتين.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله القائل: (وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [آل عمران : 85] ، حمداً لا ينقطع ولا ينفد، وأصلي وأسلم على القائل: (والذي نفس محمد بيده: لا يسمع بي أحد من هذه الأمة، يهودي ولا نصراني، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به، إلا كان من أصحاب النار ) والقائل: ( والذي نفس محمد بيده لو كان موسى بين أظهركم ثم اتبعتموه وتركتموني لضللتم ضلالاً بعيداً، أنتم حظي من الأمم وأنا حظكم من النبيين) .صلاةً باقية إلى الأبد .. وبعد :
فإن أشد البلاء أن يمس الإسلام ولا حِراك لمن أخذ الله عليهم الميثاق، أن يبلغوا ويقوموا بأمر الله حقّ قيام، حتى دُعي لتبديل الشرع، وجُعلت أصوله تقبل الأخذ والرد، في وسائل الإعلام وحوارات العلماء والمفكرين، في صمت عميم من العلماء وأهل العقل، فأصبح العالِم أحوج إلى النصيحة من الجاهل .
حتى بلغ الأمر إلى تبديل كلام الله والدعوة إلى خلافه، ومن ذلك الدعوة إلى تغيير كلمة الكافر إلى (الآخر)، ونسوا أن الإسلام إسلام والكفر كفر، فأصبح الموحّد يتوجّس غربة، ولو كان الأمر مساومة على دنيا وسلب حظ من حظوظها، لنطق من نطق من أربابها، وصاح من صاح من طلابها، وقد أصبح في عصرنا كثير من أهل العلم ألصق بالدينا من العوام، وما أجمل ما قاله أحمد بن حنبل: سمعت سفيان الثوري يقول: "ما أزداد الرجل علماً فأزداد من الدنيا قرباً إلا ازداد من الله بعداً"
فوالذي فلق الحبة وبرأ النسمة لولا ما أخذ الله على أهل العلم أن لا يقارُّوا على كِظَّةِ ظالم مارق، ولا سغب مظلوم، لألقيت حبلها على غاربها، ولسقيت آخرها بكأس أولها، ولألفيتم دنياكم هذه أزهد عندي من عفظة عنز، ومن نصر الله نصره، وأعزه ومكن له، والواجب على العلماء النهوض والقيام بالحق، ونصرة الملة، لكن المرجو في عصرنا من كثير ممن ينتسب إلى العلم السكوت عن قول الباطل لا قول الحق، فقد أفلح من نهض بجناح أو استسلم فأراح، ولكن العلماء استسلامهم في هذا الباب ذلة وعار، ونكوصهم عن بيان التوحيد والتلبيس فيه معقد الشبه بينهم وبين علماء بني إسرائيل، فالمصلحة في نقض كل ما يقف في وجهة التوحيد، فالتوحيد أعظم مصلحة ترجى، والشرك أعظم مفسدة تُدرأ، ومن نكص عن نصرة التوحيد، هَيبةً أو رغبة في مصلحة أعظم بزعمه، فما والله عرف العزم والحزم، ولا متى يكون الإقدام والإحجام، فكلمة التوحيد قبل توحيد الكلمة، وقد كاد المصلح يُصبح بلا ناصر ولا معين إلا من الله، وسط أناس اتخذوا الشيطان لأمرهم ملاكاً، واتخذهم له أشراكاً، فباض وفرّخ في صدورهم، ودب ودرج في حجورهم، فنظر بأعينهم، ونطق بألسنتهم.
وظهور هؤلاء المبدلين والمغيرين للشرع ليس بالأمر الجديد، فالملحدون والمنافقون والمشركون لا يعرفون وقتاً أو زمناً، والموحدون قاعدون لهم كل مرصد، وخروج البعض ممن ينتسب للإسلام ليقول بشيء لم يقله مسلم قبله ليُرضي الكافر، هو هزيمة نفسية شر هزيمة، حتى ظهر ذلك ممن ينتسب للعلم، وهذا ربما يكون من آثار هزيمة النفس التي أورثها الحادي عشر من سبتمبر، فأصبح كثير من الكتاب يتحدث وينتقي ما يظهر محاسن الإسلام بزعمه ويُحسّن صورته، ويتوارى من تقرير الصراع بين الحق والباطل، والكفر والإيمان وجهاد أعداء الله تعالى، حتى وصل ذلك لنقض الإسلام وتحاشي تسمية الكافر باسمه، و وُصِف من يدافع عن عرضه وأرضه ودمه بأنه مُلْقٍ بنفسه إلى التهلكة، بل وشرّع بعض المنهزمين ولاية النصارى على المسلمين، فما أشبه الليلة بالبارحة، واليوم بالأمس فحين اغتصاب الفرنسيين للجزائر بلغت الهزيمة بالمسلمين أن قدر الفرنسيون على إعداد فتوى تجعل الجهاد ضد الفرنسيين من باب إلقاء النفس إلى التهلكة، وضرورة الرضا بحكم الفرنسيين في الجزائر .(62/68)