وقال ابن القيم في تفسيره تفسير ابن كثير (3/72): يقول تعالى :]فلعلك باخع ...[ مسلياًَ لرسو صلى الله عليه وسلم في حزنه على المشركين لتركهم الإيمان وبعدهم عنه)) .
فهذه نفس الرسو صلى الله عليه وسلم ملئت رحمة وشفقة على هؤلاء حتى كاد يُهلك نفسه وهو يدعوهم ويحرص على هدايتهم ، ثم يخالط مشاعره الحزن عليهم والأسى لهم .
إن الداعية ينظر إلى المدعوين نظرة الطبيب إلى مرضاه ، يرحمهم ويشفق عليهم لعلمه بدائهم وخطورته ، ويتلطف في علاجهم ، وإن رأى منهم عزوفاً عن الدواء لصعوبته أو مرارته هاله الأمر واحتال بكل الطرق لتوصيل الدواء ، وإقناعهم بضرورة تناوله ، ولا يمكن أن يتركهم وشأنهم بحجة أنهم المفرطون ، وهكذا فإن (( الداعي الرحيم لا يكفُّ عن دعوته ولا يسأم من الرد والإعراض لأنه يعلم خطورة عاقبة المعرضين العصاة ، وأن إعراضهم بسبب جهلهم ، فهو لا ينفك عن إقناعهم وإرشادهم)) أصول الدعوة (ص:344) .
فالرحمة - كما ترى - باعث دافع ومحرك للدعوة استنقاذاً للناس من الهلاك ، وهي في الوقت نفسه عامل استمرار وإصرار وتوسيع لدائرة الاستيعاب والتأثير رغم الصد والإعراض .
ولا ينبغي أن تفهم الرحمة على أنها لين وتهاون بل تأتي الرحمة أحياناً كثيرة في ثنايا الحزم وفي أعطاف الشدة التي تهدف لصالح المدعو ، كما قد يشتد الطبيب مع مريضه الذي لا يدرك خطورة مرضه وعظمة الخطر في ترك التداوي أو التقصير فيه ((فليست الرحمة حناناً لا عقل معه ، أو شفقة تتنكر للعدل والنظام ، كلا إنها عاطفة ترعى هذه الحقوق جميعاً)) خلق المسلم (ص:207) .
وإن في سيرة المصطفى الكريم صلى الله عليه وسلم أعظم وأروع الأمثلة على الرحمة سيما في المواقف العصيبة التي بلغت فيها المعاناة أشد مراحلها التي تضغط بعنف على النفس لتشتد وتقسو ، وعلى الصدر ليضيق ويتبرم ، ومع ذلك تبقي نفسه الكبيرة ورحمته العظيمة هي الغالبة كما حصل يوم رجوعه عليه الصلاة والسلام من الطائف بعد أن ذهب إليها وفي قلبه أمل ، فلقي فيها أعظم مما كان يتصور من الإعراض فرجع كسير القلب ، فلما بلغ قرن المنازل بعث الله جبريل ومعه ملك الجبال ، يستأمره أن يطبق الأخشبين على أهل مكة ، فقال صلى الله عليه وسلم ((بل أرجو أن يُخرج الله عز وجل من أصلابهم من يعبد الله عز وجل لا يشرك به شيئاً)) أخرجه البخاري ، في كتاب بدء الخلق ، باب إذا قال أحدكم آمين والملائكة في السماء (الفتح)(6/360) ، وفي صحيح مسلم كتاب الجهاد ، باب ما لقي صلى الله عليه وسلم من أذى المشركين والمنافقين (عبد الباقي) (3/1420) وانظر الرحيق المختوم (ص:150).
وفي يوم أحد عندما شجّ وجهه الشريف ، وكُسرت رباعيته ، ودخلت حلقتا المغفر في وجنتيه (انظر الرحيق المختوم (ص:314) ، وبينما الدم يسيل على وجهه يقول عليه الصلاة والسلام : ((اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون)) وفي صحيح مسلم قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : كأني أنظر إلى رسول ا صلى الله عليه وسلم يحكي نبياً من الأنبياء ، صلوات الله وسلامه عليهم ، ضربه قومه وهو يمسح الدم عن وجهه ويقول :(( رب اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون)) أخرجه مسلم ، كتاب الجهاد والسير ، باب غزوة أحد (عبد الباقي) (3/1417) ، ومن هنا جاء الوصف الرباني العظيم في ثنايا الآيات التي نزلت في غزوة أحد :]فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لا نفضوا من حولك [ آل عمران [159] .
((لقد أراد الله أن يمتنَّ على العالم برجل يمسح آلامه ، ويخفف أحزانه ، ويرثي لخطاياه ، ويستميت في هدايته ، ويأخذ يناصر الضعيف ، ويقاتل دونه قتال الأم عن صغارها ، ويخضد شوكة القوي حتى يرده إنساناً سليم الفطرة لا يضري ولا يطغي فأرسلمحمدا صلى الله عليه وسلم وسكب في قلبه من العالم والحلم ، وفي خلقه من الإيناس والبر ، وفي طبعه من السهولة والرفق ، وفي يده من السخاوة والندى ، ما جعله أزكى عباد الله رحمة ، وأوسعهم عاطفة ، وأرحبهم صدراً)) خلق المسلم (ص:204) .
نعم ((إن الرحمه كمال في الطبيعة يجعل المرء يرق لآلام الخلق ويسعى لإزالتها ، ويأسى لأخطائهم فيتمنى لهم الهدى ، هي كمال في الطبيعة ، لأن تبلد الحس يهوي بالإنسان إلى منزلة الحيوان ويسلبه أفضل ما فيه ، وهو العاطفة الحية النابضة بالحب والرأفة)) خلق المسلم (ص:203) .
ثانياً : الحلم والأناة :
في مسيرة الدعوة تمر بالداعية أحداث مثيرة ، وأفعال مستفزة ، والناس - باختلاف طبائعهم - تختلف مواقفهم إزاء المثيرات التي تعمل على دفعهم نحو الرعونة والطيش ، فمنهم من ((تستخفه التوافه فيستحمق على عجل ، ومنهم من تستفزه الشدائد فيبقي على وقعها الأليم محتفظاً برجاحة فكره وسجاحة خلقه))خلق المسلم (ص: 106) .
والحلم ((فضيلة خلقية نافعة .. تقع في قمة عالية دونها منحدرات ، فهو أناة حكيمة بين التسرع والإهمال أو التواني ، وضبط للنفس بين الغضب وبلادة الطبع ، ورزانة بين الطيش وجمود الإحساس)) الأخلاق الإسلامية (2/325) .(57/273)
والأناة عند الداعية إلى الله تعالى ((تسمح له بأن يُحكم أموره ، ويضع الأشياء في مواضعها ، بخلاف العجلة فإنها تعرضه للكثير من الأخطاء والإخفاق ، وتعرضه للتعثر والارتباك ، ثم تعرضه للتخلف من حيث يريد السبق ، ومن استعجل الشيء قبل أوانه عوقب بحرمانه ، وبخلاف التباطؤ والكسل فهو أيضاً يعرض لللتخلف والحرمان من تحقيق النتائج التي يرجوها)) الأخلاق الإسلامية (2/353) ، وقد امتدح صلى الله عليه وسلم الأشج فقال : ((إن فيك خصلتين يحبهما الله ورسوله : الحلم والأناة)) أخرجه مسلم ، في كتاب الإيمان ، باب : الأمر بالإيمان بالله ورسوله (عبد الباقي)(1/48) ، فرحابة الصدر وسعة النفس تقتضي عدم الانفعال المخرج عن حد الصواب والاعتدال ، وجمهور الدعوة قد يقع منهم ما يدفع إلى الغضب ، وكثيراً ما يتصرفون بدافع من العجلة والرغبة في الحصول على النتائج السريعة ، ومجاراة الداعية لهم في الحالتين خلل في مسلك الدعوة ، لأن المسايرة قد تؤدي إلى عواقب وخيمة ، وقد يكون أولئك العامة مندفعين إلى تلك العواقب بحمية عصبية وحماسة استفزازية ، ((لكن المصلحين العظماء لا ينتهون بمصائر العامة إلى هذا الختام الأليم ، إنهم يفيضون من أناتهم على ذوي النزق حتى يلجئوهم إلى الخير إلجاءً ، ويطلقوا ألسنتهم تلهج بالثناء)) خلق المسلم (ص:107) .
ومن أمثله من سيرة صلى الله عليه وسلم ما رواه أنس بن مالك حيث قال : جاء أعرابي فبال في طائفة المسجد فزجره الناس ، فنهاهم صلى الله عليه وسلم ، فلما قضى بوله أمر صلى الله عليه وسلم بذنوب ماء أهريق عليه (أخرجه البخاري ، كتاب الطهارة ، باب صب الماء على البول في المسجد (الفتح) (1/324) .
ومواقف أخرى كثيرة تبين حمله الذي لا يندفع فيه مع مقتضى الطبع ، ولا يمضي معه وفق أعراف الجاهلية وانتصاراتها المبنية على الحمية لأن ((الجاهلية التي عالج رسول ا صلى الله عليه وسلم محوها كانت تقوم على ضربين من الجهالة ، جهالة ضد العلم وأخرى ضد الحلم ، فأما الأولى فتقطيع ظلامها يتم بأنواع المعرفة وفنون الإرشاد ، وأما الأخرى فكف ظلمها يعتمد على كبح الهوى ومنح الفساد ، وقد كان العرب الأولون يفخرون بأنهم يلقون الجهل بجهل أشد .
ألا لا يجهلن أحد علينا فنجهل فوق جهل الجاهلينا (خلق المسلم (ص:109) .
ثالثاً : العفو والصفح :
ومن مستلزمات الحلم الذي فيه كظم للغيظ وضبط للغضب ، ثم الأناة التي فيها تبصر بالأمور وتأن في التصرف ، مع الاستناد للرحمة بالجاهلين كل ذلك يثمر العفو والصفح لأن ((القلوب الكبيرة قلما تستجيشها دوافع القسوة فهي أبداً إلى الصفح والحنان أدنى منها إلى الحفيظة والاضطغان)) خلق المسلم (ص:204).
ومادام الداعي المسلم ينظر إلى من يدعوهم نظرة الرحمة والشفقة عليهم فإنه يعفو ويصفح عنهم في حق نفسه ، قال تعالى :]خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين[ الأعراف [199].
وإذا كان هذا هو شأن الداعي المسلم بالنسبة لمن يدعوهم ويحتمل صدور الأذى منهم فإن عفو الداعي وصفحه عن أصحابه أوسع ، قال تعالى : ]فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر[ آل عمران [159] .
وعند ما وقعت حادثة الإفك ، كان وقعها على آل أبي بكر شديداً ، فلما نزلت البراءة حلف أبو بكر رضي الله عنه ألا ينفق على مسطح بن أثاثة فأنزل الله في ذلك قوله تعالى : ]ولا يأتل أولوا الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولي القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم[ النور [22] .
والداعية الذي يهدف إلى استمالة القلوب وهدايتها لا يقسو لأن ((القسوة التي استنكرها الإسلام جفاف في النفس لا يرتبط بمنطق ولا عدالة . إنها نزوة فاجرة تتشبع من الإساءة والإيذاء ، وتمتد مع الأثرة المجردة والهوى الأعمى))خلق المسلم (ص: 207) ، ومن أعظم مواقف العفو عفو صلى الله عليه وسلم عن المشركين يوم فتح مكة . الرحيق المختوم (ص:480، 481) .
وهكذا فإن رحابة الصدر وسماحة النفس تنتظم الرحمة التي تدعو إلى الحلم الذي يقود إلى العفو فيكون من وراء ذلك التأثير التلقائي لأن الإنسان يتأثر بالإحسان :]ادفع بالتي هي احسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم[ فصلت [34] .
وهذا أمر مشاهد حيث نرى أن من كان سمح النفس يستطيع (( أن يظفر بأكبر قسط من محبة الناس له ، وثقة الناس به ، لأنه يعاملهم بالسماحة والبشر ولين الجانب ، والتغاضي عن السيئات والنقائص ، فإذا دعاه الواجب إلى تقديم النصح كان في نصحه رقيقاً ليناً ، سمحاً هيناً ، يسر بالنصحية ، ولا يريد الفضيحة ، يسد الثغرات ولا ينشر الزلات والعثرات )) الأخلاق الإسلامية (2/443) .(57/274)
وبعض الدعاة ممن لا يتحلون في أنفسهم بهذه السمة تجدهم يندفعون مع أدنى خطأ أو أقل عثرة ، وإذا بهم يدعون بالويل والثبور وعظائم الأمور ، وكثيراً ما يواجهون الناس بالأحكام الدامغة الخطيرة من الفسق أو الابتداع أو التساهل ونحو ذلك ، وهؤلاء كثيراً ما يستزلهم الشيطان بهذه الحمية الزائفة التي لا تأتي في موضعها الصحيح ، والشيطان ينفخ في حميتهم بأن الحق أحق أن يتبع ، ويثير التساؤل أين الغيرة الإيمانية والحمية الإسلامية ؟ ليغطي على الأناة التي تنظر في عواقب الأمور والحلم الذي يضبط النفوس والرحمة التي تستميل القلوب ، بعض هؤلاء - وللأسف - يندفعون أحياناً خوفاً من أن يُتهموا بعدم الغيرة أو التميع والتساهل ، ولا يفهم من قولي أن كل فاعل لذلك مذموم ، ولا أن كل موقف يقتضي الحلم واللين فقد أشرت فيما سبق إلى ما ينقص هذا الفهم ولكني أنوه إلى صور في الواقع ناشئة من أفهام قاصرة وممارسات خاطئة .
الفصل الرابع : مقومات النجاح في ممارسة الدعوة:
في الفصل الماضي كان الحديث عن المقومات اللازم توفرها في شخصية الداعية وتكوينه الذاتي ، وهذا الفصل يركز على المقومات التي يحتاجها الداعية - وقد استكمل المقومات السابقة - أثناء ممارسته للدعوة وفي المواقف التي يمر بها .
المبحث الأول : المراعاة والتدرج :
إن تغيير النفوس ونقلها من ميولها ومألوفاتها أمر ليس سهلاً ، وإن الأعراف التي استقرت في العقول وتواطأ الناس عليها لا تتغير بأمر يصدر أو دعوة توجَّه ، والعادات في السلوكيات التي تجذرت وترسخت لا يتصور اقتلاعها في يوم وليلة ولذا فلا بد من إدراك حقيقة مهمة للدعاة وهي أن المراعاة والتدرج لازمان للتغيير وحصول الاستجابة ، وكما قيل : ((إذا أردت أن تطالع فأمر بما يستطاع)) ، وهناك أمور كثيرة يلزم مراعاتها والأخذ بالتدرج فيها وهذه خلاصة نافعة في هذا الباب :-
أولاً : مراعاة الطبائع
إن الناس يختلف بعضهم عن بعض ، في علمهم وفهمهم وطبائعهم الشخصية وعوائدهم الاجتماعية ، وكل ذلك يحتاج الداعية إلى مراعاته ، وبالنسبة لطبائع الأشخاص فإن المدعوين على ثلاثة أنواع :
1. فمنهم الراغب في الخير ولكنه غافل قليل البصيرة فيحتاج على دعوته بالحكمة .
2. ومنهم المعرض عن الحق المشتغل بغيره فمثل هذا يحتاج إلى الموعظة الحسنة بالترغيب والترهيب التنبيه على ما في التمسك بالحق من المصالح العاجلة والآجلة ، وعلى ما في خلافه من الشقاء والفساد .
3. الطبقة الثالثة من الناس من له شبهة قد حالت بينه وبين فهم الحق والانقياد له فهذا يحتاج إلى مناقشة وجدال بالتي هي أحسن حتى يفهم الحق وتنزاح عنه الشبهة (مجموع فتاوى ابن باز(2/241-243)
ومن الناس من طبعه الحدة وسرعة الانفعال ، ومنهم من يميل إلى السكينة وطول البال وكل له مدخل وأسلوب يناسبه ومراعاة ذلك مهمة في نجاح الداعية .
ثانياً : مراعاة الأفهام :
تفاوت الأفهام أمر معروف، وله أسبابه من قلة العلم أو اختلاف البيئة، أو استحكام العوائد ونحو ذلك .
قال ابن كثير في تفسيره عند قوله تعالى ]فذكر إن نفعت الذكرى[ : أي ((ذكر حيث تنفع التذكرة ، ومن هنا الأدب في نشر العلم فلا يضعه عند غير أهله)) تفسير ابن كثير (4/500) ، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم ((يا عائشة لو لا أن قومك حديث عهدهم - قال ابن الزبير : بكفر- لنقضت الكعبة فجعلت لها بابين ، باب يدخل الناس وباب يخرجون)) أخرجه البخاري ، في كتاب العلم ، باب ترك بعض الأخبار مخافة أن يقصر فهم بعض الناس (الفتح)(1/223) ، قال ابن حجر في الفتح : ((ويستفاد منه ترك المصلحة لأمن الوقوع في المفسدة ، ومنه ترك إنكار المنكر خشية الوقوع في أنكر منه ، وأنّ الإمام يسوس رعيته بما فيه إصلاحهم ولو كان مفضولاً ما لم يكن محرّماً)) الفتح لابن حجر(1/225).
وروى الإمام البخاري في صحيحه ، في كتاب العلم ، باب من خصَّ بالعلم قوماً دون قوم كراهية ألاَّ يفهموا ، عن علي بن أبي طالب قال : حدِّثوا الناس بما يعرفون ، ودعوا ما ينكرون ، أتحبون أن يكذّب الله ورسوله ؟ صحيح البخاري ، كتاب العلم . وروى مسلم ابن مسعود : ((ما أنت بمحدث قوماً حديثاً لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة)) أخرجه مسلم في المقدمة ، باب النهي عن الحديث بكل ما سمع (1/11) .
قال ابن حجر : ((ممن كره التحديث ببعض دون بعض أحمد في الأحاديث التي في ظاهرها الخروج على السُّلطان ، ومالك في أحاديث الصفات ، وأبو يوسف في الغرائب .
وضابط ذلك أن يكون ظاهر الحديث يقوي البدعة ، وظاهره في الأصل غير مراد فالإمساك عنه عند من يخشى عليه الأخذ بظاهره مطلوب والله أعلم)) فتح الباري (1/225) .(57/275)
ولذا ينبغي للداعية مراعاة ذلك وعدم مخالفته سيما بالنسبة للعوام ، ومن تقصر بهم الأفهام ، وقد عدَّ الشاطبي في الاعتصام هذا التجاوز ضرباً من الابتداع فقال : ((ومن ذلك التحدث مع العوام بما لا تفهمه ولا تعقل معناه ، فإنه من باب وضع الحكمة في غير موضعها ، وسامعها إما أن يفهمها على غير وجهها- وهو الغالب- وهي فتنة تؤدي إلى التكذيب بالحق ، والعمل بالباطل ، وإما لا يفهم منها شيئاً وهو أسلم)) الاعتصام (2/13).
وأوضح ذلك أيضاً في موافقاته ومثل له بأمثلة من إنكار الصحابة لذلك فقال : ((ومن ذلك سؤال العوام عن علل مسائل الفقه وحكم التشريعات ، وإن كان لها علل صحيحة وحكم مستقيمة ، ولذلك أنكرت عائشة على من قالت : لم تقضي الحائض الصوم ، ولا تقضي الصلاة ؟ وقالت لها : أحرورية أنت ؟ ، وقد ضرب عمر بن الخطاب صبيغاً لما كان كثير السؤال عن أشياء من علوم القرآن لا يتعلق بها عمل وربما أوقع خيالاً وفتنة وإن كان صحيحاً)) الموفقات (4/191) .
وهذه كلمات للشاطبي أضعها أمام عين كل داعية وأهتف بها في سمعه ليعلم أنه ((ليس كل ما يعلم مما هو حق يطلب نشره إن كان من علم الشريعة ومما يفيد علما بالأحكام ، بل ذلك ينقسم : فمنه ما هو مطلوب النشر ، وهو غالب علم الشريعة ، ومنه ما لا يطلب نشره بإطلاق ، أولا يطلب نشره بالنسبة إلى حال أو وقت أو شخص)) الموفقات (4/189) .
وأزيد الأمر وضوحاً بذكر القاعدة الضابطة الرائعة التي ذكرها الشاطبي وأرشد إليها مخاطباً كل عالم وداعية حيث أوصاه أن يعرض مسألته على الشريعة فقال : ((فإن صحت في ميزانها فانظر في ماَلها بالنسبة إلى حال الزمن وأهله ، فإن لم يؤد ذكرها إلى مفسدة ، فاعرضها في ذهنك على العقول فإن قبلتها فلك أن تتكلم فيها إما على العموم إن كانت مما تتقبلها العقول على العموم ، وإما على الخصوص إن كانت غير لائقة بالعموم ، وإن لم يكن لمسألتك هذا المساغ فالسكوت عنها هو الجاري على المصلحة الشرعية والعقلية))الموفقات (4/191) .
ثالثاً : مراعاة المقاصد والنيات :
قد يتفق اثنان في عمل ما ومع ذلك يختلف الحكم عليهما باختلاف النوايا ، فهناك من يفعل الفعل ناسياً ، أو جاهلاً بحرمته ، أو متأولاً فيه ، أو مكرها عليه ولكلٍ حكمه ومنهم من يفعل الإثم قاصداً عالماً بالحرمة لكنه مغلوب بضعف عزمه ، ووسوسة شيطانه فلا يلبث أن يندم ويتوب ويستغفر ، ومنهم قاصد مصرّ ، وآخر محادٌّ الله ورسوله وهكذا ، ونحن نعلم أن النوايا مخفية في طوايا القلوب ، ولكن بعض القرائن والأحوال تدل عليها ، وقد تصرح بها الألسنه فتعرف بوضوح .
وفي المسائل الفقهية ما يوضح هذا المعنى سيما في أحكام الطلاق والأيمان والنذور إذ يسأل أصحابها عن مقاصدهم وما نووا بكلامهم ، ويعول في الحكم على نواياهم ويوكل أصحابها في صدقهم إلى تدينهم لله ، وما يعرف عنهم من قرآئن وأحوال ولنا الظواهر . ومراعاة مثل هذا من الأمور التي لا ينبغي إهمالها كما قال ابن القيم : ((إياك أن تهمل قصد المتكلم ونيته وعرفه فتجني عليه وعلى الشريعة ، وتنسب إليها ما هي بريئة منه)). ومن أبز الأمثلة على اعتبار النيات حديث التائب الذي قال ((اللهم أنت عبدي وأنا ربك)) أخطأ من شدة الفرح (أخرجه مسلم ، في كتاب التوبة ، باب في الحض على التوبة والفرح بها (عبد الباقي)(4/2103) فلم يؤاخذ بذلك ، ومثله حديث مسلم في قصة الرجل الذي أوصى أن يحرق ويذرّ رماده في البر والبحر خشية من عذاب الله ، فغفر الله له لهذا المقصد الذي استولى على قلبه (أخرجه مسلم ، في كتاب التوبة ، باب سعة رحمة الله تعالى وأنها سبقت غضبه (عبد الباقي)(4/2109) .
رابعاً : مراعاة الأحوال الخاصة :
سئل صلى الله عليه وسلم الوصية والنصيحة من بعض أصحابه فقال لأحدهم : ((لا تغضب)) أخرجه البخاري ، في كتاب الأدب ، باب الحذر من الغضب (الفتح)(10/535) ، وقال لآخر : ((قل آمنت بالله ثم استقم)) أخرجه مسلم في كتاب الإيمان ، باب جامع أوصاف الإسلام (عبد الباقي)(1/65) ،وقال للثالث : ((لا يزال لسانك رطباً بذكر الله)) أخرجه الترمذي في كتاب الدعوات ، باب ما جاء في فضل الذكر (شاكر) (5/427) وما ذلك الاختلاف في الجواب إلا مراعاة من صلى الله عليه وسلم للأحوال الخاصة بالسائلين إذ كان يعلم حاجة كل واحد منهم والجانب القاصر عنده ، والأمر اللائق به ، فأوصى كل واحد بما يناسبه .
وجاء شاب إلى صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا رسول الله ((أقبل وأنا صائم ؟ قال : لا ، فجاء شيخ فقال : أقبّل وأنا صائم ؟ فقال : نعم ، فنظر الصحابة بعضهم إلى بعض (أي متعجبين من اختلاف الفتوى) فقا صلى الله عليه وسلم : قد علمت نظر بعضكم إلى بعض إن الشيخ يملك نفسه)) مسند الإمام أحمد (2/185) ، وهذا واضح الدلالة في التفريق بين حال الشيخ وحال الشاب ومراعاة ذلك في الفتوى والمعاملة والتوجيه .
خامساً : مراعاة الأعراف والعوائد العامة :(57/276)
إن كل بلد لها أعرافها وكل بيئة لها عوائدها ، ومراعاة ذلك بالضوابط الشرعية ، من ضروب الحكمة وموافقة جوهر الشريعة ، وقد امتن الله على البشر بإرسال الرسل وخص بالمنة كون الرسل من البشر وامتن على الأقوام بأن جعل الرسل منهم وينطقون بألسنتهم ، فقال تعالى :]وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم[إبراهيم [4] فهذا ((من لطفه تعالى بخلقه أن يرسل إليهم رسلاً منهم بلغاتهم ليفهموا عنهم ما يريدون وما أرسلوا به)) تفسير ابن كثير(2/522) ، ولذا ينبغي لداعية التنبه بذلك ، الحرص على معرفة الأعراف والعوائد في البيئة التي يدعو إليها لتكون دعوته مؤثرة في النفوس ، مقنعة للعقول ، محببة للقلوب ، مناسبة للظروف ، قابلة للتطبيق فإذا جاء في بيئة يغلب عليها الفقر ويشيع فيها الكسل فإن المطالبة بالزهد في الدنيا والترفع عن شهواتها غير مناسب للبيئة وأحوال الناس ، وإذا دعا قوماً فاضت الأموال في أيديهم وشغلت الدنيا أوقاتهم فالحديث عن ضرورة التمتع بالمباح من الدنيا والحث على ذلك غير ملائم كذلك ، كما لا ينبغي أن يطول الحديث في الإنكار على أمور لا وجود لها في بيئة الدعوة إذ لا نفع في ذلك ، بل ربما ترتب عليه ضرر من حصول تشويش واضطراب أو حصول تطلع وافتتان بتلك الأمور .
قال ابن القيم في إعلام الموقعين منبهاً على هذا الموضوع : ((ولا تَجمد على المنقول في الكتب طول عمرك ، بل إذا جاءك رجل من غير إقليمك يستفتيك فلا تجره على عرف بلدك ، وسله عن عرف بلده فأجره عليه وأفته به دون عرف بلدك والمذكور في كتبك)) إعلام الموقعين (3/78) ، ثم بين أثر ذلك وضرره فقال ك ((ومن أفتى الناس بمجرد المنقول في الكتب على اختلاف عرفهم وعوائدهم وأزمنتهم وأحوالهم وقرائن أحوالهم فقد ضل وأضل ، وكانت جنايته على الدين أعظم من جناية من طبَّب الناس كلهم على اختلاف بلادهم وعوائدهم وأزمنتهم وطبائعهم بما في كتاب من كتب الطب على أبدانهم بل هذا الطبيب وهذا المفتي الجاهل أضر ما على أديان الناس وأبدانهم)) إعلام الموقعين (3/78) .
وضرب ابن تيمية لذلك مثالاً علمياً فقال : ((ولو أن المسلم بدار حرب أو دار كفر غير حرب لم يكن مأموراً بالمخالفة لهم (أي الكفار) في الهدي الظاهر لما عليه في ذلك من الضرر بل قد يستحب للرجل أو يجب عليه أن يشاركهم أحياناً في هديهم الظاهر إذا كان في ذلك مصلحة دينية من دعوتهم إلى الدين ، والاطلاع على باطن أمرهم أو دفع ضررهم عن المسلمين ونحو ذلك من المقاصد الصالحة)) اقتضاء الصراط المستقيم لابن تيمية (ص: 173) .
سادساً : مراعاة الأولويات :
المراد بمراعاة الأولويات معرفة مراتب الأعمال ووضعها في مواضعها ، فإن المنهج الإسلامي قد جعل لكل عمل قدراً ، فإماطة الأذى وإن كانت من الإيمان فإنها في الرتبة الدنيا كما قا صلى الله عليه وسلم : ((الإيمان بضع وستون أو بضع وسبعون شعبة أعلاها لا إله إلا الله وأدناه إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان)) " ولا إله إلا الله " يقاتل لأجلها كما أخبر الرسول الكريم ((أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله )) وإماطة الأذى لا يمكن أن تكون سبباً لقتال بل هي دون ذلك بكثير ويكفي فيها نصح ووعظ ، ولا يمكن المساواة بينهما ، في الدعوة إليهما والبذل في سبيل تحقيقهما .
وهذا ظاهر في بيان تفاوت عدد من الأعمال فيما تضمنه قوله تعالى ]أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله لا يستوون عند الله والله لا يهدي القوم الظالمين ، الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم أعظم درجة عند الله وأولئك هم الفائزون[ التوبة [19_20] .
ولا بد للداعي أن يعلم أن الأصول لا بد أن تقدم على الفروع ، والفروض تقدم على النوافل ، وفروض الأعيان مقدمة على فروض الكفايات ،وفروض الكفايات التي فيها عجز ظاهر أولى من التي انتدب لها غيره من المسلمين.
وللشيطان أرب في هذا الجانب لدى الدعاة فهو في معركة المراغمة يبدأ بالكفر فإن عجز فإلى البدعة ، فإن لم يفلح فإلى كبائر الذنوب ، فإن فشل فإلى صغائرها ، فإن لم يتمكن فإلى الاستكثار من المباح فإن ((تملص الداعية وسلَّ نفسه لم يكن استعلاؤه على الراحة والرغد كافياً لحصار الشيطان في زاوية اليأس ، بل للشيطان محاولة سادسة فيكون له التفاف واقتحام من ثغرة أخرى ، فينثر ترتيب قائمة الأولويات النسبية ، بعكس القواعد الشريعة في تفاضل الأعمال الإيمانية ويلهي المؤمن بالمفضول المرجوح ، فيقضي من له علم نافع عن جمهور المنتفعين منه ، يشغله بزيادة ركوع أو سجود ، هما جليلان ، لكن التعليم أوجب عليه بعد الفرض منهما ، وينقل آخر له وفرة قوة وبسطة في الجسم والذكاء وخبرة في السياسة والإدارة ، من تفاعله المنتج مع يوميات الخطة الجماعية ،ومن صولاته في ساحة الفكر إلى إشراف على بناء مدرسة أو إغاثة منكوب)) المسار (ص:19).(57/277)
من المعلوم أن هناك مقاصد ضرورية مقدمة ، ومقاصد حاجية تأتي بعدها ، وهناك أيضاً مقاصد تحسينية تأتي في المرتبة الأخيرة ، ولا بد من مراعاة ذلك ومعرفة أن ((المقاصد الضرورية أصل للحاجية والتحسينية)) الموفقات (2/17) ، ((وأن الضروري هو الأصل وأن ما سواه مبنى عليه كوصف من أوصافه أو كفرع من فروعه ، ويلزم باختلاله اختلال الباقين لأن الأصل إذا اختل اختل الفرع من باب أولى فلو فرضنا ارتفاع أصل البيع من الشريعة لم يكن اعتبار الجهالة والغرر ، وكذلك لو ارتفع أصل القصاص لم يمكن اعتبار المماثلة فيه فإن ذلك من أوصاف القصاص ومحال أن يثبت الوصف مع انتفاء الموصف)) الموفقات (2/18) .
والعقيدة هي أساس والشريعة هي البناء ، ولا بناء من غير أساس ولا عمل من غير توحيد وإخلاص ]وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعناه هباء منثوراً[ الفرقان [23] ]ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك[ الزمر [65] ، وسائر الرسل والأنبياء كانت الدعوة إلى التوحيد عندهم هي أولى الأولويات وأهم المهمات وكلهم كان نداؤهم ]اعبدوا الله مالكم من إله غيره[ هود [50] ، ومن منطلق العقيدة الإيمان سعوا إلى علاج الانحرافات الواقعة في مجتمعاتهم كلٌ بحسبه ، فموسى عليه السلام عالج الطغيان السياسي الفرعوني وما ترتب عليه من إذلال الناس واستعبادهم على أساس الإيمان ، ولوط عليه السلام عالج الانحراف الخلقي والشذوذ الجنسي في قومه ، وهكذا سائر الرسل والأنبياء .
و المصطفى صلى الله عليه وسلم بدأ بالإيمان والتوحيد ثم شرعت الشرائع وفرضت الفرائض ((والدعاة عليهم أن يسلكوا سبيله وأن يقتفوا أثره بادئين بالأهم فالمهم ولكن إذا كان المجتمع مسلماً ساغ للداعي أن يدعو إلى الأهم وغيره)) بل يجب ذلك عليه ((لأن المطلوب إصلاح المجتمع المسلم وبذل الوسع في تطهير عقيدته من شوائب الشرك ووسائله ، وتطهير أخلاقه مما يضر بالمجتمع ويضعف إيمانه ولا مانع من البدء بعض الأوقات بغير الأهم إذ لم يتيسر الكلام في الأهم ولا مانع أيضاً من اشتغاله بالأهم وإعراضه عن غير الأهم إن رأى المصلحة في ذلك أو خاف إن هو اشتغل بهما جميعاً أن يخفق فيهما جميعاً)) مجموع فتاوى ابن باز (1/325) .
وهذا الأمر ينبغي أن يفهم فهماً صحيحاً ، وأن يطبق تطبيقاً سليماً من غير إفراط ولا تفريط ، فالمراد بالبدء بالعقيدة التركيز على أصولها وأركانها وهو ما يجب على المكلف اعتقاده ، إذ يجب عليه ((أن يؤمن بالله ورسوله ويقر بجميع ما جاء به الرسول من أمر الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ، وما أمر به الرسول ونهى ، بحيث يقر بجميع ما أخبر به وما أمر به فلا بد من تصديقه والانقياد له فيما أمر ، وأما التفصيل فعلى كل مكلف أن يقر بما ثبت عنده من أن الرسول أخبر به وأمر به ، وأما ما أخبر به الرسول ولم يبلغه أنه أخبر به ولم يمكنه العلم بذلك فهو لا يعاقب على ترك الإقرار به مفصلاً وهو داخل في إقراره بالمجمل العام ، ثم إن قال بخلاف ذلك متأولاً كان مخطئاً يغفر له خطؤه ، إذا لم يحصل منه تفريط ولا عدوان ، ولهذا يجب على العلماء من الاعتقاد ما لا يجب على آحاد العامة ، ويجب على من نشأ بدار علم وإيمان من ذلك ما لا يجب على من نشأ بدار جهل)) مجموع فتاوى ابن تيمية (3/327-328) ، بالتالي فإن الداعية إذا علَّم الناس أصول الإيمان على الإجمال أو وجدهم بها عالمين كان الأولى به أن يركز لهم على مقتضيات الإيمان وآثاره وربط ذلك بواقع حياتهم ، وهذا أجدى وأنفع من المضي بهم إلى مزيد من المسائل والفروع التي لا يحتاجها إلا طلبة العلم بل ربما المتخصصين منهم.
سابعاً : مراعاة المصالح والمفاسد(57/278)
وهذا الأمر في غاية الأهمية وذلك لأن ((الشريعة مبناها وأساسها على الحكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد ،وهي عدل كلها ورحمة كلها ومصالح كلها وحكمة كلها فكل مسألة خرجت عن العدل إلى الجور ، وعن الرحمة إلى ضدها ، وعن المصلحة إلى المفسدة ، وعن الحكمة إلى العبث فليست من الشريعة وإن دخلت فيها بالتأويل )) إعلام الموقعين (3/3) ، وهذا مبحث دقيق ينبغي في البداية التنبه إلى أن المراد بالمصالح والمفاسد ما كانت كذلك في حكم الشرع لا ما كان ملائماً أو منافراً للطبع ولا يكون تقريرها وفق أهواء النفوس في جلب مصالحها العادية ودرء مفاسدها العادية (الموفقات (2/37-40) ثم النظر في تقرير المصالح والمفاسد وتقريرها والترجيح بينها يحتاج إلى تقوى لله صادقة ، بصيرة علمية نافذة ، ومعرفة بالواقع واسعة ، ليتمكن الداعية من تحقيق مقصود الشريعة التي ((جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها وتعطيل المفاسد وتقليلها وأنها ترجح خير الخيرين وشر الشرين وتحصل أعظم المصلحتين بتفويت أدناهما وتدفع أعظم المفسدتين باحتمال أدناهما)) مجموع فتاوى ابن تيمية (20/48) ، والدقة في هذا المبحث تكمن في أن المعروف قد يترك فعله والحض عليه ، والمنكر قد يترك النهي عنه والإنكار عليه ، بل قد يُدعى إلى ترك بعض أفعال الخير ، ويقصد إلى فعل بعض المنكر وكل ذلك باعتبار تحقيق المصلحة ودفع المفسدة ، فعند تحقيق أعظم المصلحتين تفوت أدناهما وهي من المعروف المطلوب فعله ، وعند درء أكبر المفسدتين يُرتكب أخفهما وهي المنكر المطلوب تركه ، والخلاصة أن السيئة تحتمل في موضعين دفع ما هو أسوأ منها إذا لم تدفع إلا بها ، وتحصل بما هو أنفع من تركها إذا لم تحصَّل إلا بها ، والحسنة تترك في موضعين ، إذا كانت مفوَّتة لما هو أحسن منها ، أو مستلزمة لسيئة تزيد مضرتها عن منفعة الحسنة)) مجموع فتاوى ابن تيمية (20/53) .
وفقه المسألة يزيل ما قد يعلق في العقول من عجب أوشك وبيانه أنه ((إذا ازدحم واجبان لا يمكن جمعهما فقُدِّم أو كدهما ، لم يكن الآخر في هذه الحال واجباً ، ولم يكن تاركه لأجل فعل الأوكد تارك واجب في الحقيقة ، وكذلك إذا اجتمع محرمان لا يمكن ترك أعظمهما إلا بفعل أدناهما لم يكن فعل الأدنى في هذه الحال محرماً في الحقيقة)) مجموع فتاوى ابن تيمية (20/57) .
وهذه أمثلة عملية في هذا الباب أسوقها من كلام العلماء :
المثال الأول : يقول ابن تيمية : ((فمن كانت العبادة توجب له ضرراً يمنعه عن فعل واجب أنفع له منها كانت محرمة ، مثل أن يصوم صوماً يضعفه عن الكسب الواجب أو تمنعه عن العقل أو الفهم الواجب أو يمنعه عن الجهاد الواجب ... وأما إن أضعفته عما هو أصلح منها وأوقعته في مكروهات فإنها مكروهة وقد أنزل الله في ذلك قوله تعالى ]يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين[ فإنها نزلت في أقوام من الصحابة كانوا قد اجتمعوا وعزموا على التبتل للعبادة ، وهذا يسرد الصوم وهذا يجتنب النساء فنهاهم الله عن تحريم الطيبات من أكل اللحم والنساء)) مجموع فتاوى ابن تيمية (25/272-273) .
المثال الثاني : يقول ابن باز : ((أما إذا كان هجر الشخص قد يترتب عليه ما هو من فعله لأنه ذو شأن في الدولة أو ذو شأن في قبيلته ، فيترك هجره ويعامل بالتي هي أحسن ويرفق حتى لا يترتب على هجره ما هو شر من منكره وما هو أقبح من عمله والدليل على ذلك : أن صلى الله عليه وسلم لم يعامل رأس المنافقين عبد الله بن أبي سلول بمثل ما عامل به الثلاثة وهم : كعب وصاحباه ، بل تلطف به ولم يهجره لأنه رئيس قومه ويخشى من سجنه وهجره فتنة للجماعة في المدينة ولهذا كان صلى الله عليه وسلم يرفق به حتى مات على نفاقه نسأل الله العافية)) مجموع فتاوى ابن باز (4/235) .
المثال الثالث : قال العز بن عبد السلام : ((الكذب سيئة محرمة إلا أن يكون لجلب مصلحة أو دفع مفسدة كالكذب في حالة الإصلاح بين المتخاصمين لأن مصلحة تأليف القلوب أحسن من مفسدة الكذب، وككذب الرجل على زوجته لإصلاحها وحسن عشرتها ، وكالكذب على الأعداء كأن يختبئ عندك رجل مظلوم والظالم يسألك عنه ، حفظ العضو أعظم من مصلحة الصدق الذي لا يضر ولا ينفع فما الظن بالصدق الضار)) قواعد الأحكام في مصلحة الأنام للعز بن عبد السلام (ص:84).
ثامناً مراعاة الأوقات :
والمقصود بمراعاة الوقت تخير الوقت الملائم للدعوة من حيث فراغ المدعوين واستعدادهم للتلقي ، وكذا المراعاة لأوقات المواعظ والدروس ، ومناسبة طول وقتها لأحول الناس ، ويندرج تحت ذلك مراعاة استعداد المدعو وبلوغه المرحلة التي يكون فيها الوقت مناسباً لتفاعله واستجابته .(57/279)
وشاهد الضرب الأول ما روي عن ابن مسعود : ((كان صلى الله عليه وسلم يتخولنا بالموعظة في الأيام كراهة السآمة علينا)) أخرجه البخاري ، في كتاب العلم ، باب ما كان صلى الله عليه وسلم يتخولهم بالموعظة والعلم كي لا ينفروا (الفتح) (1/161) قال ابن حجر معلقاً :ويستفاد من الحديث استحباب ترك المداومة في الجد والعمل الصالح خشية الإملال ، وإن كانت المواظبة مطلوبة ولكنها على قسمين إما كل يوم مع عدم التكلف ، وإما يوماً بعد يوم ، فيكون يوم الترك لأجل الراحة ليقبل على الثاني بنشاط ، وإما يوماً في الجمعة ، ويتخلف باختلاف الأحوال والأشخاص والضابط الحاجة مع مراعاة وجود النشاط (فتح الباري (1/163) ، وعن ابن عباس مثال آخر أشمل وأظهر إذ روي عنه أنه قال : حدث الناس كل جمعة مرة ، فإن أبيت فمرتين ، فإن أكثرت فثلاث مرات ولا تملَّ الناس هذا القرآن ، ولا ألفينك تأتي القوم وهم في حديث من حديثهم فتقطع عليهم حديثهم فتملهم ، ولكن أنصت فإذا أمروك فحدثهم وهم يشتهونه (شرح السنة (1/314) .
وأما الضرب الثاني فيشهد له قول ابن مسعود : ((حدث القوم ما حدجوك بأبصارهم وأقبلت عليك قلوبهم فإذا انصرفت عنك قلوبهم فلا تحدثهم)) ، فسئل عن علامة انصراف القلوب فقال : ((إذا التفت بعضهم إلى بعض ، ورأيتهم يتثاءبون فلا تحدثهم)) شرح السنة (1/313) ، ويضاف إليه ما روي عن عائشة أنها قالت لقاص أهل مكة عبيد بن عمير : ألم أحدَّث أنك تجلس ويُجلس إليك ؟ قال : بلى يا أم المؤمنين ، قالت : فإياك وإملال الناس وتقنيطهم (شرح السنة(1/314) وإملال الناس يكون بإطالة الحديث في كثير من الأحوال .
وأما الضرب الثالث فمثاله ما رواه البخاري ((عن حكم بن حزام رضي الله عنه قال : سألت رسول ا صلى الله عليه وسلم فأعطاني ، ثم سألته فأعطاني ، ثم سألته فأعطاني ثم قال : يا حكيم إن هذا المال خضرة حلوة فمن أخذه بسخاوة نفس بورك له فيه ، ومن أخذه بإشراف نفس لم يبارك له فيه كالذي يأكل ولا يشبع ، اليد العليا
خير من اليد السفلى)) أخرجه البخاري ، في كتاب الزكاة ،باب الاستعفاف عن المسألة (الفتح)(3/393) ، قال ابن حجر ((وفيه أنه ينبغي للإمام أن لا يبين للطالب ما في مسألته من المفسدة إلا بعد قضاء في حاجته لتقع موعظته له الموقع)) فتح الباري (3/ 395) .
وهكذا نرى أمر المراعاة متشعباً ومهماً ، والحقيقة أن المراعاة ضرب من التدرج لأن المراعاة كثيراً ما تقتضي ترك أمر لعدم ملائمته إما للطبع أو الفهم أو الحال أو غير ذلك والاستعاضة عنه بغيره حتى يكون ممهداً لعرض الأمر المتروك فيأتي في وقته المناسب فمثلاً ((إذا كان الحكم مستغرباً جداً مما لم تألفه النفوس وإنما ألفت خلافه فينبغي للمفتي أن يوطئ قلبه ما يكون مؤذناً به كالدليل عليه ، والمقدمة بين يديه ، فتأمل ذكره سبحانه قصة زكريا وإخراج الولد منه بعد انصرام عصر الشبيبة وبلوغه السن الذي لا يولد فيه لمثله في العادة فذكر قصته مقدمة بين يدي قصة عيسى عليه السلام وولادته من غير أب ، فإن النفوس لما أنست لولد من بين شخصين كبيرين لا يولد لهما عادة ، سهل عليها التصديق بولادة ولد من غير أب)) إعلام الموقعين (4/163) .
وهذه أمثلة رويت عن عمر بن عبد العزيز في مراعاته لأحوال الأمة فيما سبقه من الزمن وحرصه على التدرج في الإصلاح .
1. حكي ((أن عبد الملك بن عمر بن عبد العزيز - رحمه الله - قال يوماً لأبيه عمر : مالك لا تُنفذ الأمور ؟! فوالله ما أبالي لو أن القدور غلت بي وبك في الحق !! قال عمر : لا تَعجَل يا بني ، فإن الله ذمَّ الخمر في القرآن مرتين وحرمها في الثالثة ، وإني أخاف أن أحمل الناس على الحق جملة فيدفعوه جملة ، ويكون من ذا فتنة)) الموفقات (2/93-94) .
2. قال له ابنه ذات يوم ((يا أبت : ما يمنعك أن تمضي لما تريده من العدل ؟ فو الله ما كنت أبالي لو غَلت بي وبك القدور في ذلك .
قال : يا بني ، إنِّي إنما أروِّض الناس رياضة الصعب ، إني أريد أن أحيي الأمر من العدل فأؤخر ذلك حتى أخرج معه طمعاً من طمع الدنيا فينفروا من هذا ، ويسكنوا لهذا ))
3. روي أن ابنه دخل عليه فقال يا أمي المؤمنين : ما أنت قائل لربك غداً ، إذا سألك فقال : رأيت بدعة فلم تمتها ، أو سنة فلم تُحيها ؟ فقال أبوه : رحمك الله وجزاك من ولد خيراً يا بني ، إن قومك قد شدوا هذا الأمر عُقدة عقدة ، وعروة وعروة ، ومتى أردت مكابرتهم على انتزاع ما في أيديهم لم آمن أن يفتقوا علي فتقاً يكثر فيه الدماء ، والله لزوال الدنيا أهون علي من أن يراق في سببي محجمة من دم ، أو ما ترضى أن لا يأتي على أبيك يوم من أيام الدنيا إلا هو يميت فيه بدعة ويحي فيه سنة ؟ تاريخ الخلفاء للسيوطي (ص:240) وغني عن التنبيه أن التدرج يمكن أن يكون تهاوناً وتفريطاً وأن المراعاة لا يصح أن تكون مداهنة ونفاقاً .
المبحث الثاني : الجرأة والحكمة :(57/280)
((الجرأة في الحق قوة نفسية رائعة يستمدها المؤمن من الداعية من الإيمان بالله الواحد الأحد الذي يعتقده ، ومن الحق الذي يعتنقه ، ومن الخلود السرمدي الذي يوقن به ، ومن القدر الذي يستسلم إليه ، ومن المسئولية التي يستشعر بها ، ومن التربية الإسلامية التي نشَّئ عليها .
وعلى قدر نصيب المؤمن من الإيمان بالله الذي لا يُغلب ، وبالحق الذي لا يُخذل ، وبالقدر الذي لا يتحول وبالمسئولية التي لا تكلّ ، وبالتربية التكوينية التي لا تمل ، وبقدر هذا كله يكون نصيبه من الجرأة والشجاعة وإعلان كلمة الحق التي لا تخشى في الله لومة لائم)) صفات الداعية النفسية (ص:23) .
والجرأة للداعية أمر مهم في زيادته وقيادته ، وفي تأثيره ومنفعته ، لأن الناس يتأثرون بالجريء المقدام ، لأنهم في الملمات يحجمون وتتقدم بالداعية جرأته في الحق مصحوبة بحكمته في التصرف فإذا هو المقدم الذي تشخص إليه الأبصار ، ويتعلق به القلوب .
فالجرأة سمه تقدم للداعية تنبئ عن قوة في القلب ، وعزيمة في النفس ، وصدق في المواقف ، وشموخ بالمنهج ، فعندما تنخلع القلوب هلعاً يبقى الداعية الجريء ساكن القلب رابط الجأش ، وعندما تخرس الألسن خوفاً تَنطق الجرأة على لسانه فيجهر بالحق لئلا تنطمس معالمه ، وعندما تحار العقول من هول المفاجآت أو صدمة الكوارث تعمل الجرأة عملها فإذا العقل حاضر ، والتفكير صادر ، ونحن في أعصر رق فيها الدين ، وكثر التساهل في الأوامر والنواهي ، وترخص كثيرون في الرضى بالمنكرات ، واستحيا آخرون من إظهار العمل بالصالحات ، حتى غدا المنكر معروفاً والمعروف منكراً في كثير من الأحوال ، وتدور دورة الحياة بمشاغلها ، وتبهر العقول بمفاتنها ، وتخطف الأبصار ببهارجها ، فتستقر الأوضاع الخاطئة وتستمر المنكرات الظاهرة وما ذلك إلا لقلة أهل الجرأة والشجاعة الذين يتقدمون لرفع راية الحق فيلتف حولهم آخرون ويكونون بؤرة تجمع ترفض الذوبان ، وتستعصي على التهجين ، إن لهذه الجرأة والشجاعة زاد من اليقين بـ(( أن حق الله لا بد أن يسود ، وأن هداه لا بد أن يعلو ، وأن نهجه لا بد أن تتضح معالمه وترسو دعائمه ، وأن المنتسبين إليه ما ينبغي أن تخفت أصواتهم ، ولا أن يغلبوا على تعاليمهم)) مع الله (ص:210) .
والحق أن ((الأمة جمعاء مكلفة أن تكون شجاعة في حماية الدين ، ورد العادين على حدوده من المجَّان والفجار)) مع الله (ص:210) وهذا هو وصف الصفوة المختارة لحمل الرسالة في كل عصر يتلفت فيه الناس من المسئولية ، ويتخلون عن التبعية ]يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم[ المائدة [54] ، وعلى هذا بايع النفر الأوائل من الأنصار في بيعة العقبة كما قال عبادة بن الصامت : بايعنا رسول ا صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في العسر واليسر والمنشط والمكره وعلى أثرة علينا وعلى أن لا ننازع الأمر أهله إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم من الله فيه برهان ، وعلى أن نقول الحق أينما كنا لا نخاف في الله لومة لائم ( أخرجه البخاري في كتاب الفتن ، باب قول صلى الله عليه وسلم سترون بعدي أموراً تنكرونها (الفتح)(13/7) ، ولهذا أيضاً كان ((أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر)) أخرجه أبو داود في كتاب الملاحم ، باب الأمر والنهي (4244)(4/514) وأخرجه الترمذي في كتاب الفتن ، باب ما جاء في أفضل الجهاد(شاكر)(4/471) .
وليست الجرأة تهوراً كما أن الحكمة ليست جنباً ، والمزج بينهما هو المطلوب الذي ينبغي اتصاف الداعية به في معاملته للآخرين وفي المواقف العصيبة ، وعدم وجود الجرأة والشجاعة يستلزم وجود ضدهما وهو الجبن والذلَّة اللذان لا يليقان بالداعية بحال لأنه ((إذا لم يكن الداعية المسلم شجاعاً مطيقاً لأعباء الرسالة ، سريعاً إلى تلبية ندائها ، جريئاً على المبطلين ، مغواراً في ساحاتهم فخير له أن ينسحب من هذا المجال وألاَّ يفضح الإسلام بتكلف ما لا يحسن من شئونه)) مع الله (ص:211) .
والجرأة تنبعث من اجتماع خلقين عظيمتين :-
أولهما : امتلاك الإنسان لنفسه وانطلاقه من قيود الرهبة والرغبة ، وارتضاؤه لوناً من الحياة بعيداً عن ذل الطمع وشهوة التنعم .
وثانيهما : إيثار ما عند الله والاعتزاز بالعمل له ، وترجيح جنابه على جبروت الجبارين ، وعلى أعطيات المغدقين ( مع الله (ص: 215-217) .(57/281)
ولقد كان الرسول القائد صلى الله عليه وسلم أحسن الناس وأجود الناس وأشجع الناس ، ولقد فزع أهل المدينة ذات ليلة فانطلق الناس قبل الصوت ، فاستقبلهم صلى الله عليه وسلم ، قد سبق الناس إلى الصوت وهو يقول: ((لم تراعوا ، لم تراعوا)) ، وهو على فرس لأبي طلحة عُري ما عليه سرج في عنقه سيف)) أخرجه البخاري في كتاب الأدب ، باب حسن الخلق والسخاء وما يكره من البخل (الفتح) (10/455) ، وأخرجه مسلم في كتاب الفضائل ، باب في شجاعة صلى الله عليه وسلم (النووي)(15/67) وقد ترجم البخاري لهذا الحديث في بعض الأبواب فقال باب مبادرة الإمام عند الفزع (6/122) وقال النووي : فيه بيان شجاعت صلى الله عليه وسلم من شدة عجلته في الخروج إلى العدو قبل الناس كلهم بحيث كشف الحال ورجع قبل وصول الناس (15 /68) .
وهكذا كان عليه الصلاة والسلام في سائر الغزوات ففي يوم بدر يقول علي رضي الله عنه : ((لقد رأيتنا يوم بدر ونحن نلوذ برسول ا صلى الله عليه وسلم وهو أقربنا إلى العدو ، وكان من أشد الناس يومئذ بأساً)) أخرجه الحاكم في المستدرك(2/143) وصححه ووافقه الذهبي .
ويوم أحد انكشف المسلمون واضطربت صفوفهم فكان r هو الثابت حتى اجتمعت حوله كوكبة الفداء الإيمانية .
ويوم حنين كان يقول :
أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب
وثبت حتى فاء الناس إليه وجاهدوا معه فكان النصر .
وفي غير المعارك كانت الجرأة في الحق سمة بارزة في حيات صلى الله عليه وسلم بل كانت حياته عملياً في تلقين الجرأة لتأخذ مسارها متجاوزة حواجز الحياء والمجاملة ، كما تجاوزت حواجز الخوف والجبن ، فها هي عائشة تقصُّ علينا خبر المرأة المخزومية التي سرقت في غزوة الفتح فأهم قريش أمرها ، فقالوا : من يكلم فيها رسول ا صلى الله عليه وسلم ، فقالوا : ومن يجترئ عليه إلا أسامة بن زيد حب رسول ا صلى الله عليه وسلم ، فلما كلمه تلون وجهه عليه الصلاة والسلام وقال : أتشفع في حد من حدود الله ، فعرف أسامة الغضب في وجهه ، وأدرك خطأ فعله فقال : استغفر لي يا رسول الله ، ثم قام فخطب الناس فكان مما قال : ((إنما هلك من كان قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه ، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد ، وإني والذي نفسي بيده لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها)) أخرجه البخاري في كتاب الحدود ، باب كراهية الشفاعة في الحد إذا رفع إلى السلطان (الفتح)(12/87) وقال ابن حجر في الفتح (12/96) وفيه ترك المحاباة في إقامة الحد على من وجب عليه ولو كان ولداً أو قريباً أو كبير القدر ، والشديد في ذلك والإنكار على من رخص فيه أو تعرض للشفاعة فيمن وجب عليه .
وأرى أن من المناسب أن نمضي في جولة نقف خلالها على مواقف جرأة وقعت من بعض أعيان الأمة وعلمائها ودعاتها ، لنرى آثار تلك المواقف ومنافعها ، وأهميتها في نجاح الداعية المقدام الجريء ، وهذه أمثلة من عصور مختلفة وفي ظروف متباينة:-
1. كانت المصيبة عظيمة ، والرزية فادحة ، بوفاة صلى الله عليه وسلم وأصيب الصحابة الذين تعلقت قلوبهم به محبة ، وارتبطت حياتهم به قدوة بخطب جلل طاشت منه العقول ، وانخلعت القلوب ، واضطربت النفوس ، حتى أنكر الأشداء من أمثال عمر بن الخطاب موته عليه الصلاة والسلام ، ثم جاء أبو بكر الصديق رضي الله عنه أقرب المقربين ، وأحب الأحباء ، رفيق الغار والهجرة ، وسابق الإيمان والصحبة ، فكانت المصيبة عليه أعظم لكنها لم تنل حظها الوافر من قوة إيمانه ورباطة جأشه ، وفي ذلك الظرف العصيب ، والحيرة تشغل العقول ، والحزن يعتصر القلوب ، قام أبو بكر في جرأة نادرة وصاح بالناس : ((من كان يعبدمحمدا صلى الله عليه وسلم فإنمحمدا صلى الله عليه وسلم قد مات ، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت)) ، ثم تلا قوله تعالى : ]إنك ميت وإنهم ميتون[ وقوله جل وعلا ]وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئاً وسيجزي الله الشاكرين[ ، ((فثاب الناس إلى رشدهم ، وعلموا حقيقة أمرهم)) البداية والنهاية (5/241) .
2. جاء أشراف بني أمية عمر بن عبد العزيز بعد أن تولى الخلافة رجاء أن ينالوا منه الحظوة ، ويحصلوا على الولايات والأعطيات فقال: أتحبون أن أولي كل رجل منكم جنداً من هذه الأجناد ، فقال له رجل منهم : لم تعرض علينا ما لا تفعله ؟ قال : ترون بساطي هذا ؟ إني لأعلم أنه يصير إلى بلى ، وأني أكره أن تدنسوه علي بأرجلكم فكيف أوليكم ديني ؟ وأوليكم أعراض المسلمين وأبشارهم تحكمون فيهم ؟ هيهات هيهات ، فقالوا : لم ؟ أما لنا قرابة ؟ أما لنا حق ؟ قال : ما أنتم وأقصى رجل من المسلمين عندي في هذا الأمر إلا سواء ، إلا رجل حبسته عني طول الشقة ( نزهة الفضلاء (1/477-478) .(57/282)
3. الإمام عبد العزيز بن يحي الكتاني المكي الذي عايش فتنة خلق القرآن وسمع بانتشارها ورواجها في بغداد فعز عليه ذلك فقدم على بغداد فهاله أنَّ ما رأى من أثر هذه البدعة أعظم مما سمع ، فجعل يفكر في عمل يعلن من خلاله عن الحق الذي خفت صوته ، وخاف الناس من إظهار اعتناقه ، قال : فأجمعت رأيي على إظهار نفسي وإشهار قولي ومذهبي على رؤوس الأشهاد والقول بمخالفة أهل الكفر والضلال والرد عليهم ، وذكر كفرهم وضلالتهم ، وأن يكون ذلك في المسجد الجامع في يوم الجمعة لأني رأيت - إن فعلت ذلك - أنهم لا يعجلون عليَّ بقتل ولا عقوبة بعد إشهار نفسي والنداء بالمخالفة على رؤوس الخلائق إلا بعد مناظرتي وسماع قولي ، وهذا هو مطلبي .
وصلى يوم الجمعة في الصف الأول أمام المنبر فلما سلم الإمام ، نهض قائماً على رجليه ليراه الناس ويسمعوا كلامه ، ونادى بأعلى صوته مخاطباً ابنه الذي اتفق معه أن يقف أمامه بين الصفوف ، فقال : يا بني ما تقول في القرآن ؟ قال : كلام الله منزل غير مخلوق ، فلما سمع الناس ذلك ولو هاربين ومن المسجد خارجين خوفاً وجبناً ، ولم يلبث أعوان السلطان أن أمسكوا به ، ولما مَثَل بين يدي كبير من كبرائهم فعنفه فسأله عن سبب صنيعه وجهره بقوله مع علمه بمخالفته لأمير المؤمنين قال : ما أردت إلا الوصول إلى أمير المؤمنين والمناظرة بين يديه ، وتم له ما أراد فناظر بشراً المريسي بين يدي المأمون وعلاه بالحجة ( مختصر من الدلائل النورانية (110-117) وهو عن الحيدة (3-14) ، فسر المسلمون بذلك وجعل الناس يجيئونه أفواجاً يهنئنونه ويسألونه عن المناظرة .
4. قام مصطفى كمال أتاتورك بأعظم جريمة ضد العالم الإسلامي عندما أصدر في 15 فبراير عام 1924م ثلاثة قرارات هي :
1. إلغاء الخلافة .
2. إلغاء وزارة الأوقاف والأمور الشرعية .
3. توحيد التعليم .
وقرر في الواقع العملي المنهج العلماني في فصل الدين عن الدولة ،ونادى بأن تركيا جزء من العالم الغربي ،ومضى يغير كل شيء له صلة بالإسلام في تركيا ،حتى أصدر في عام 1925م قانون الملابس الذي ينص على إبدال القبعة بالطربوش ،ويقرر عقوبة على من يلبس الطربوش الذي كان اللبس الشائع بين المسلمين ويلزم بلبس القبعة تأسياً بالغربيين وتشبهاً بهم ،وتعظيماً لهم .
وهنا برزت نماذج عديدة من جرأة العلماء العاملين والدعاة المصلحين ومن بينهم الشيخ عاطف أفندي الإسكيليبي الذي تصدى لهذه الهجمة التغريبية ،حتى ذكر في بعض كتبه ((أن بيعة المسلمين للخليفة أمر واجب وهو ثابت بالعقل والشرع)) ثم دلل على ذلك وقرر أن ((وجب تعيين الخليفة أمر ثابت بإجماع الأمة بطريق الأدلة الشرعية)) ، ثم كتب رسالة عن المرأة المسلمة وحجابها بعنوان ((التستر الشرعي)) وذلك في مواجهة التهتك العلماني الغربي ، ثم ألف رسالته الشهيرة ((تقليد الفرنجة والقبعة)) نعى فيها على المقلدين للغرب تقليداً أعمى ، والمتشبهين بالكفار وحكمهم وذكر القبعة مثالاً على ذلك وكان لهذه المواقف والرسائل أثرها الكبير في نفوس المسلمين ومواقفهم وصداها الواسع في منتدياتهم ومجالسهم ، مما حدا بأتاتورك وزمرته أن يقبضوا على شيخ عاطف ، وقدم بعد ذلك للمحكمة بخصوص رسالة القبعة في 26/يناير/1926م ، وصدر بحقه حكم الإعدام ونفذ فيه رحمة الله وتقبله في الشهداء (العثمانيون في الحضارة والتاريخ(ص:221-236) .
وهكذا فنحن نرى لمواقف الجرأة أثراً عظيماً في المجتمعات وخاصة في الأزمات ، والملمات وما لم يكن الداعية هو المتقدم الباذل فمن يكون ؟ .
كلا ليس لها إلا أنت أيها الداعية ، فما أجدى أن يكون الداعية ((صلب العود ، عظيم المراس ، لا يميل مع كل ريح ، ولا يضعف أو يلين أمام أي قوة ، ولا ينحني مع أي خلة ، ولا يندهش أمام أي مفاجأة ، أو يحزن عند أي مصيبة لتوجهه إلى الله بكليته ، واعتماده عليه في كل نائبة ، واحتباسه العوض منه عن كل شيء ،فحبيبه الأوحد هو الله ، وهو ذخيرته وملجؤه وهو هدفه وغايته ، وبذلك تكون شجاعته كاملة ، وبطولته خالدة ، وأخلاقه فاضلة ، وصبره معيناً لا ينفذ)) العثمانيون في الحضارة والتاريخ (ص:221-236) .
المبحث الثالث : الاستغناء والعطاء :(57/283)
شعار عظيم رفعه على طريق الدعوة الرسل والأنبياء عندما تكرر في خطابهم لأقوامهم ]وما أسألكم عليه من أجرٍ إن أجري إلا على رب العالمين[ الشعراء [109] ، والرجل المؤمن في سورة يس عندما دعا قومه لاتباع المرسلين علل لهم ذلك بقوله ]اتبعوا من لا يسألكم أجراً وهم مهتدون[ يس [21] ، والدعاة سائرون على منهج الأنبياء فلا ينتظرون من أحد عطاء ، ولا يرقبون من إنسان مكرمة ، وأنى يكون ذلك ؟ وكيف يفكرون في مثل هذا الأجر الدنيء والعرض الزائل ؟ كلا إنهم لا تنشغل عقولهم بمثل هذا التفكير لأنها مشغولة بالرجاء في قوله تعالى ]ولأجرة الآخرة خير للذين آمنوا وكانوا يتقون[ يوسف [57]، ولا تتعلق قلوبهم بشيء من حطام الدنيا وعطايا الناس لأنها متعلقة بقوله تعالى ]ولأجر الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون[ النحل [41]إنهم يرغبون في نوع آخر من الأجر غير ممنون ولا مقطوع ]إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم أجر غير ممنون[ الانشقاق [25] ،]وأما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك عطاء غير مجذوذ[ هود [108] .
إن صورة الداعية لا تجمل ولا تكمل إلا باستغنائه عما في أيدي الناس وما من شيء يذهب أثر الدعوة ويمحو عزة الداعية مثل سؤال الناس أو انتظار عطائهم ، إنه حينئذ لا يكون داعية بل يصبح تاجراً فاجراً يتاجر بالدين ، يشابه فعل اليهود ]الذين يشترون بعهد الله وإيمانهم ثمناً قليلاً[ آل عمران [77] وبهذا السلوك يكون الداعية ممن يصدون عن دين الله كما بين ذلك الله جل وعلا في قوله ]اشتروا بآيات الله ثمناً قليلاً فصدوا عن سبيله[ التوبة [9] وذلك من أعظم البلاء ، ولذا ((ينبغي أن يتعفف الداعية عما في أيدي الناس ليظل عزيزاً مرفوع الرأس ، قادراً على أن يقول ما يريد وأن يبلغ ما يلزم إبلاغه دون أن يحمل منة في عنقه لأحد تجعله مغلول اليد أو مغلول اللسان ، وبقدر ما يستطيع الداعية أن يحقق لنفسه من العفة والورع بقدر ما يكتسب من تقدير وقدرة وإمكانية)) مع الله (ص:74) .
نعم لا بد أن يميز الدعاة ((زهدهم في زخارف الدنيا ، وفضول العيش ، ونهامة المادة ، ومرض التكاثر ، فإنهم لا يستطيعون أن يؤثروا فيمن يخاطبونهم ، ويحملون على إيثار الدين على الدنيا ، والآجلة على العاجلة ، وتلبية نداء الضمير والإيمان على نداء المعدة والنفس والشهوات )) وذلك لأن ((الناس ما زالوا ولا يزالون مفطورين على الإجلال لشيء لا يجدونه عندهم ... فإذا رأى الناس علماء ودعاة لا يقلون عنهم في حب المادة ، والجري ورائها ، والتنافس في الوظائف والمناصب, والإكثار من الثراء والرخاء ، والتوسع في المطاعم والمشارب ، وخفض العيش ولين الحياة فإنهم لا يرون لهم فضلاً عليهم ، وحقاً في الدعوة إلى الله ، وإيثار الآخرة على الدنيا ، والتمرد على الشهوات ، والتماسك أمام المغريات ، وقد قيل فاقد الشيء لا يعطيه)) بعض سمات الدعوة المطلوبة في هذا العصر ، ضمن أبحاث وقائع اللقاء الخامس لمنظمة الندوة العالمية لشباب الإسلامي (ص:410) .
هذا هو سمت أهل العلم والإيمان ذكره الله جل وعلا لنا في قصة قارون يوم خرج على قومه في زينته ، فتاقت إلى حاله ودنياه نفوس الضعفاء لأن قلوبهم خواء ، وجاء الجواب حاسماً من أهل العلم والإيمان لأن في قلوبهم غناء ]ويلكم ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحاً وما يلقاها إلا الصابرون[ القصص [80] .
وتكتمل شخصية الداعية ويعظم تأثيره إذا ضم إلى الاستغناء العطاء ، وما الدعوة إلاَّ عطاء دائم يبذل فيه الداعية من مشاعره ومن وقته ومن ماله ومن جاهه ومن وقوته ومن حيلته حتى يبلغ الغاية ببذل نفسه وإعطاء روحه جهاداً في سبيل الله وتضحية من أجل الدعوة إلى الله ]لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون[ آل عمران [92] .
التاريخ يشهد أن الدعاة إذا اغتنت قلوبهم بالمعاني الإيمانية واستغنت عن المتع الدنيوية استسهلوا الصعب غير مستثقلين ، وركبوا الأخطار غير عابئين وواجهوا الأخطار غير خائفين ، لا تثنيهم رهبة ، ولا تستميلهم رغبة .
وانظر إلى ربعي بن عامر رضي الله عنه يوم قدم إلى أبهة الملك ، بما فيها من متاع الدنيا وزخرفها ، فوطئ الطنافس بأقدامه ، وخرقها برمحه ، واستغنى واستعلى بإيمانه ، وقال قولته المشهورة التي ما تزال تدوي في سمع الزمان : ((جئنا لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام ، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة)) .
ويوم أسر عبد الله بن حذافة السهمي رضي الله عنه ، قال له ملك الروم : هل لك أن تتنصر وأعطيك نصف ملكي ؟ فقال : لو أعطيتني جميع ما تملك ، وجميع ملك العرب ما رجعت عن دين صلى الله عليه وسلم طرفة عين ؟ ، قال : إذاً أقتلك ، قال : أنت وذاك ؟ سير من أعلام النبلاء (2/14) .
إنها المواقف التي رجمها الزبيدي شعراً عاصفاً رائعاً فقال :
خذوا كل دنياكمُ واتركوا فؤادي حراً وحيداً غريباً
فإني أعظمكم دولة وإن خلتموني طريداً سليباً(57/284)
وصاغها الرافعي الأديب من قاموس الحكمة في كلمات في غاية القوة فقال : ((إذا رمتك المطامع بالحاجة التي لا تقدر عليها ، رميتها من نفسك بالاستغناء الذي تقدر عليه)) نقلاً من المنطلق )وتكررت بعد جيل الصحابة مرات ومرات جددها أئمة الدعاة من الثقات الأثبات فهذا عيسى بن يونس حدث الأمين والمأمون فأمر له المأمون بعشرة آلاف درهم فلم يقبلها ، فظن أنه استقلها "أي رآها قليلة"، فأمر له بعشرين ألفاً ، فقال عيسى : لا ولا إهليلجة ولا شربة ماء على حديث رسول ا صلى الله عليه وسلم ، ولو ملأت لي هذا المسجد ذهباً إلى السقف ، فانصرف من عنده)) الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع (1/357) .
وفي وقت اشتداد الأزمة إبان فتنة خلق القرآن دعي عفان بن مسلم للمحنة فلما حضر عُرض عليه القول ، فأبى أن يجيب ، فقيل له : يحبس عنك عطاؤك ، وكان يعطي في كل شهر ألف درهم ، فقال :]وفي السماء رزقكم وما توعدون[ الذريات [22] ، فلما رجع إلى داره عزله نساؤه ومن في داره ، قال الرواي : وكان في داره نحو أربعين إنساناً (نزهة الفضلاء (2/762).
وليس الأمر مقتصراً على الاستغناء عما في أيدي الأمراء بل هو كذلك بالنسبة للتعامل مع المدعوين والتلاميذ فقد وجه بعض مشايخ مرو إلى علي بن حجر بشيء من السكر والأرز وثوب فرد عليهم بقصيدة قال فيها :
جاءني عنك مرسل بكلام فيه بعض الإيحاش والإحشام
فتعجبت ثم قلت تعالى ربنا ذا من الأمور العظام
خاب سعيي لئن شريتُ خلاقي بعد تسعين حجة بحطام
أنا بالصبر واحتمالي لإخواني أرجِّي بحلول دار السلام
والذي سميته يزري بمثلي عند أهل العقول والأحلام
وأهدى أصحاب الحديث الأوزاعي هدية فلما اجتمعوا عنده ، قال لهم : أنتم بالخيار إن شئتم قبلت هديتكم ولم أحدثكم ، وإن شئتم حدثتكم ورددت هديتكم (الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع (1/357) .
وجمع الشيخ عاطف أفندي بين الموقفين مع أصحاب السلطان ومع عامة الناس ، فقد ((دعي إلى طعام الإفطار في رمضان مع السلطان وحيد الدين ، وتقدم السلطان بهدية للشيخ تقديراً له ورجاه أن يقبلها فاعتذر قائلاً : استسمحكم ألا تعودوني على تلقي الإحسان .
وذات يوم أهداه فرَّاش متقاعد ممن يحبونه ويجلونه بعضاً من الحلوى صنعها خصيصاً للشيخ فاعتذر منه وقال له : سامحني لأنني لم أستطع قبول هديتك ، سامحني فإن مهنتي والقضية التي أعمل لها حساسة للدرجة التي لا أستطيع معها تحمل مثقال وطأة المنفعة المادية)) العثمانيون في التاريخ والحضارة (ص:229-230) .
وبقدر أهمية الاستغناء تأتي أهمية العطاء الذي له أثره الأبلغ في النفوس لملامسته لمصالحهم ، وقضائه لحاجاتهم ، وقد كان الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم -كما قال أنس- ما سئل رسول ا صلى الله عليه وسلم على الإسلام شيئاً إلا أعطاه ، فجاءه رجل فأعطاه غنماً بين جبلين ، فرجع إلى قومه وقال : يا قوم أسلموا فإن محمداً يعطي عطاءً لا يخشى الفاقة (أخرجه مسلم في كتاب الفضائل ، باب ما سئل الرسو صلى الله عليه وسلم عن شيء قط فقال لا (عبد الباقي)(4/1806) .
وهذا صفوان بن أمية رضي الله عنه يقول : لقد أعطاني صلى الله عليه وسلم وإنه لأبغض الناس إلي ، فما زال يعطيني حتى إنه لأحب الناس إلي (الإصابة (2/187) .
وأبو بكر خرج من ماله كله بذلاً في سبيل الله ، ونصرة لدين الله ، وعمر أنفق في هذا السبيل شطر ماله ، وعثمان جهز جيش العسرة وكان رائداً للمنفقين ، وكذا كان عطاؤهم لدعوتهم ، ومثله عطاؤهم للناس عظيماً تقوى به الدعوة ، ويُتألف به المدعوين .
وليس العطاء محصوراً في المال ، بل هو أوسع من ذلك إذ يشمل كل عون يقدمه الداعية للمدعوين ، وكل معروف يسديه لهم ، فقد يعطيهم من وقته أو جهده أو فكره بل حتى من بشاشة وجهه وحسن استقباله ، وميدان العطاء بالنسبة للداعية فسيح ، وأثره كبير ، فينبغي أن يكون فيه مسابقاً ومنافساً ، ومحققاً لما أوصى به الشيخ البنا الداعية بقوله : ((أن تكون عظيم النشاط ، مدرباً على الخدمات العامة ، تشعر بالسعادة والسرور إذا استطعت أن تقدم خدمة لغيرك من الناس ، فتعود المريض وتساعد المحتاج ، وتحمل الضعيف ، وتواسي المنكوب ولو بالكلمة الطيبة وتبادر دائماً إلى الخيرات)) مجموعة رسائل البنا(ص:21) .
والدعاة ينبغي أن يحرصوا على الخدمات العامة ويخصصوا لها من أفرادهم وجهودهم ما يلائمها ، فلا بد أن يكونوا هم العاملين في الهيئات الإغاثية ، ومشاركة في اللجان الخيرية ، والمشاريع الصحية ونحو ذلك ، ليكونوا أكثر صلة بالناس وأشد قرباً منهم ، وليحوزوا من خلال الخدمة والعطاء استجابة المدعوين وتأثرهم ، إضافة إلى أنهم بذلك يبرزون صورة عملية لشمولية وتكامل الإسلام ، ولصدق وخيرية الدعاة .(57/285)
ولقد أشارت خديجة رضي الله عنها إلى أثر الخدمة العامة والعطاء الدائم عندما نزل الوحي وقال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم : لقد خشيت على نفسي ، فقالت له : ((والله لا يخزيك الله أبداً إنك لتصل الرحم ، وتصدق الحديث ، وتحمل الكل ، وتكسب المعدوم ، وتقري الضيف ، وتعين على نوائب الحق)) فيا سبحان الله تأمَّل هذه الصور المتنوعة من العطاء وقد تحلى بها الرسو صلى الله عليه وسلم قبل بعثته فكيف إذن كان بعدها ؟ .
المبحث الرابع : الاستمرار والابتكار
إن العمل المنقطع يتبدد أثره ، والعمل المتكرر يورث الملل ، ويفقد الحماس ، ثم إن توقف الداعية وعدم استمراريته في دعوته دليل خلل في فهمه ، أو ضعف في عزمه ، وتكراره وعدم ابتكاره يشير إلى قلة حيلته وضعف بصيرته ، وما هكذا يكون الداعية ، بل الداعية نشاط متدفق ، وتجديد متألق ، عمل لا يكل ، وتفكير لا يمل .
والدعاة لهم في هذا الباب مثل عظيم جداً في قصة نوح عليه السلام حيث لبث في قومه داعياً ]ألف سنة إلا خمسين عاماً[ العنكبوت [29] ، وكانت هذه الأعوام الطويلة عملاً دائباً ، وتنويعاً متكرراً ]قال رب إني دعوت قومي ليلاً ونهاراً ، فلم يزدهم دعائي إلا فراراً ، وإني كلما دعوتهم لتغفر لهم جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم وأصروا واستكبروا استكباراً ، ثم إني دعوتهم جهاراً ، ثم إني أعلنت لهم وأسررت لهم إسراراً[ نوح [5-9] ، رغم امتداد الزمن الطويل ، ما توقف عن الدعوة ولا ضعفت همته في تبليغها ، ولا ضعفت بصيرته وحيلته في تنويع أوقاتها وأساليبها ، قال الألوسي في تفسيره : ]رب إني دعوت قومي[ أي إلى الإيمان والطاعة ، ]ليلاً ونهاراً[ أي دائماً من غير فتور ولا توان ، ثم وصف إعراضهم الشديد، وإصرارهم العنيد ، ثم علق على قوله تعالى: ]ثم إني دعوتهم جهاراً ثم إني أعلنت لهم وأسررت لهم إسراراً[ فقال :أي دعوتهم مرة بعد مرة ، وكرة غبَّ كرة، على وجوه مختلفة وأساليب متفاوتة، وهو تعميم لوجوه الدعوة، بعد تعميم الأوقات، وقوله ]ثم إني دعوتهم جهاراً[ يشعر بمسبوقية الجهر بالسر، وهو الأليق بمن همه الإجابة لأنه أقرب إليها لما فيه من اللطف بالمدعو (تفسير الألوسي (10/89) .
فانظر إلى استمراريته في الدعوة رغم شدة الإعراض والعناد، لم يدفعه ذلك الإعراض إلى التوقف، ولا لممارسة الدعوة بصورة عادية لا روح فيها بل على العكس دفعه الإعراض ليواصل المحاولة مع تنويع الأساليب وابتكار طرق جديدة لتبليغ الدعوة، وتزيده حماسة على ((جعل دعوته مظروفة في زمني الليل والنهار للدلالة على عدم الهوادة في حرصه على إرشادهم وأنه يترصد الوقت الذي يتوسم أنهم فيه أقرب إلى فهم دعوته منهم في غيره من أوقات النشاط وهي أوقات النهار، ومن أوقات الهدوء وراحة البال وهي أوقات الليل)) التحرير والتنوير(29/194) ، ((وتوخي ما يظنه أو غل إلى قلوبهم من صفات الدعوة، فجهر حيث يكون الجهر أجدى مثل مجامع العامة، وأسرَّ للذين يظنهم متجنبين لوم قومهم عليهم في التصدي لسماع دعوته)) التحرير والتنوير(29/197).
ولنا مثل في قصة يوسف عليه السلام لما دخل السجن مظلوماً، حيث انتهز الفرصة ومارس الدعوة .
والاستمرارية خير كما قال عليه الصلاة والسلام ((أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قلَّ)) قال المناوي: ((أدومها : أي أكثرها ثواباً، وأكثرها تتابعاً ومواظبة))، وذكر منافع العمل الدائم فقال: ((لأن النفس تألفه فيدوم بسببه الإقبال على الحق، ولأن تارك العمل بعد الشروع كالمعرض بعد الوصل)) ثم قال : ((وفيه فضيلة الدوام على العمل)) فيض القدير(1/165-166)، ولقد خوطب عليه الصلاة والسلام بقوله تعالى ]واعبد ربك حتى يأتيك اليقين[ الحجر [99]، فظل يدعو إلى الله ويبلغ رسالة الله حتى وهو على فراش الموت يوصي أمته كما ورد عن عائشة رضي الله عنها قالت: ((قال صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي لم يقم منه :لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)) أخرجه البخاري في كتاب المغازي، باب مرض صلى الله عليه وسلم ووفاته (الفتح)(8/140) .
وبالنسبة للتنويع والابتكار فإن الرسو صلى الله عليه وسلم دعا سراً وجهراً ، وسلماً وحرباً، وجمعاً وفرداً، وسفراً وحضراً، كما أنه عليه الصلاة والسلام قصَّ القصص ، وضرب الأمثال ، واستخدم وسائل الإيضاح بالخط على الأرض ، وغيره ، كما رغَّب وبشَّر ، ورهَّب وأنذر ، ودعا في كل آن ، وعلى كل حال وبكل أسلوب مؤثر فعال .
والصحابة الكرام من الخلفاء الراشدين طبقوا قاعدتي الاستمرار والابتكار ونكتفي بالإشارة إلى بعض ذلك في عهد أبي بكر وعمر رضي الله عنهما ، فأبو بكر رضي الله عنه أعلن في كلمته العظيمة عند وفاة الرسو صلى الله عليه وسلم إنها استمرارية الدعوة وعدم ارتباطها بشخص الرسو صلى الله عليه وسلم بل هي دعوة لله مستمرة مدى الحياة ، ثم طبق هذا عملياً فأنفذ جيش أسامة وقاتل المرتدين بأحد عشر جيشاً ثم بعث الجيوش إلى الفرس والروم ، كما أنه أمر بجمع القرآن وخالفه الصحابة أول الأمر ثم أجمعوا على رأيه لما فيه من مصلحة الأمة .(57/286)
وعمر رضي الله عنه أتم فتوح الشام والعراق ثم فتح مصر وبيت المقدس . وفي شأن الابتكار والاجتهاد ورعاية مصالح الأمة ومنافع الدعوة كانت له آثار عظيمة فقد دوَّن الدواوين مثل ديوان الجند، وديوان العطاء ، وديوان الأعمال وديوان الإنشاء (أوليات الفاروق السياسية (ص:300-304)، وفي مجال الاجتهاد في المحافظة على تماسك الأسرة والمجتمع أمضى طلاق الثلاث ردعاً للمتساهلين (أوليات الفاروق السياسية (131-138)، وفي مجال التشجيع على التعليم قرر الجوائز للمشتغلين بحفظ القرآن الكريم (أوليات الفاروق السياسية (ص:116-119) ، كما قام بجعل أرض السواد وقفاً لجميع المسلمين فكان لذلك أثره في إنهاء نظام الطبقية والإقطاع ، كما أدى إلى دخول أهل تلك البلاد في الإسلام ، وقطع الطريق على عودة جيوش الروم والفرس ، وإضافة إلى إيجاد موارد مالية لتأمين الثغور وتجهيز الجيوش (الدعوة الإسلامية في عهد عمر بن الخطاب (ص:126-137) .
وفي واقعنا المعاصر تزداد الحاجة إلى الاستمرار والابتكار سيما مع كثرة العصاة والجناة من المسلمين إضافة إلى تطور أساليب التبليغ ووسائل الإعلام ، بما فيها من ترغيب وتشويق وتجديد وتنويع استغله أعداء الإسلام لبث الأفكار الشاذة ، وغرس السلوكيات المنحرفة، ولا ينبغي أن تبقى هذه الوسائل حكراً على المحاربين للإسلام ، يعرضون فيها بضاعتهم ، في قوالب براقة ، ويبقى الدعاة جامدين لا ينشطون ولا يجددون ، بل على الدعاة ((أن يبلغوا الناس ما يجب عليهم في أمور دينهم ودنياهم من كل الطرق كطريق الإذاعة والتلفاز والصحافة وطريق الخطابة في المجتمعات ، وفي الحفلات المناسبة ، ومن طريق التأليف ومن كل طريق يمكن منه تبليغ شرع الله )) مجموع فتاوى ابن باز (5/18) ، وهناك الكثير من الوسائل الإيضاحية التي يمكن الإفادة منها ، إضافة إلى وجود قنوات تأثير واسعة جاءت ضمن أنماط الحياة المعاصرة كالنقابات المهنية ، والمؤسسات الاجتماعية وغيرها مما لا بد للدعاة أن يحسنوا التعامل معها والاستفادة منها .
وكل وسيلة مؤثرة ليس فيها ما يخالف الشرع أو يعارض مصلحة الدعوة فالأخذ بها استمرارية وتوسيع لنشاط الدعوة مع ما فيه من التنويع الذي يزيد به الإقبال على الدعوة والتأثر بها .
الفصل الخامس : مقومات مفاهيم الداعية :
الفهم والتصور من الأمور المهمة التي تبنى عليها الأعمال ، وبعض ما مضى من المقومات الشخصية في فروعها كثير من المفاهيم ، غير أن إيجاز القول فيها جعلني أفرد هذه المفاهيم بالحديث استقلالاً ، إضافة إلى أن إفرادها والتركيز على المهم منها يفيد الداعية ويعينه على النجاح ، ويجنبه موجبات الفشل والإخفاق ، خاصة وأنها مفاهيم مرتبطة بالواقع المعاصر ، وبالنشاط الدعوي .
المبحث الأول : مفاهيم حول الإسلام
الفهم الصحيح للإسلام أمر في غاية الأهمية بالنسبة للداعية ، وهذه أسس لا بد منها هذا الجانب :
1. ربانية الإسلام :
الإسلام دين الله جل وعلا ]إن الدين عند الله الإسلام[ آل عمران [19]، وبالتالي مادام الإنسان عبداً لله فلا خيار له ، بل لا بد أن يدين بدين الله ]وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم[ الأحزاب [36] ، ومن ثم تتضح له غايته في الحياة ]وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون[ الذاريات [56]، ويعرف أن المقصد هو الله ]وأن إلى ربك المنتهى[ النجم [42]، وأن الطموح والاجتهاد والبذل والتضحية إنما هو النيل رضوان الله ]وعجلت إليك رب لترضى[ طه [84]]تراهم ركعاً سجداً يبتغون فضلاً من الله ورضواناً[ الفتح [29] ]الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلاً من الله ورضواناً[ الحشر [8] .
ويندرج تحت ربانية الإسلام الفهم والإيمان بكمال الإسلام ]اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً[ المائدة [3] ، فلا بحث إذن عن مناهج أرضية ، ولا مذاهب بشرية ، إذ هذا الكمال يغني عن ذلك ، ويبرز للإسلام مزية لا ولن تكون في غيره إذ النقص مقطوع به في مذاهب البشر ونحل أهل الهوى ، والتحريف في الرسالات السابقة مقطوع به ]يحرفون الكلم من بعد مواضعه[ المائدة [41] ، والمتاجرة بدين الله ثابتة ، والوقائع بها ناطقة ]ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمناً قليلاً[ البقرة [79] والكفر بحكم اتباع هذا التحريف والتلاعب لا يمكن الاختلاف عليه ، ولا الاجتهاد فيه ]وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله ذلك قولهم بأفواههم يضاهئون قول الذين كفروا من قبل قاتلهم الله أنى يؤفكون ، اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلهاً واحداً لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون[ التوبة [30-31] .
2. شمولية الإسلام :
الإسلام ((دين شامل ، يشتمل على مصالح العباد في المعاش والمعاد ، ويشتمل كل ما يحتاج إليه الناس في أمر دينهم ، ويدعو إلى مكارم الأخلاق ، ومحاسن الأعمال ، وينهى عن سفاسف الأخلاق وعن سيء الأعمال .
فهو عبادة وقيادة ، يكون عابداً ويكون قائداً للجيش .(57/287)
عبادة وحكم يكون مصلياً صائماً ، ويكون حاكماً بشرع الله، منفذاً لأحكامه .
عبادة وجهاد ، يدعو إلى الله ويجاهد في سبيل الله من خرج عن دين الله .
مصحف وسيف يتأمل القرآن ويتدبره وينفذ أحكامه بالقوة ، ولو بالسيف إذا دعت الحاجة إليه .
سياسة واجتماع ، فهو يدعو إلى الأخلاق الفاضلة ، والأخوة الإيمانية ، والجمع بين المسلمين والتأليف بينهم)) مجموع فتاوى ابن باز (1/147) .
((إنه دين يربط المخلوق بخالقه برباط متين ، كما يقيم أفضل علاقة بين الإنسان وأهله وأقاربه ، وبين الإنسان وأخيه سواء كان على دينه أو على غير دينه ، قائمة على العدالة والترابط والتسامح والتعاون على البر والتقوى، كما أوضح كيف يعامل الحيوان الأعجم بالرفق والرحمة والإحسان قبل أن تتظاهر أوروبا بالرفق بالحيوان من خلال جمعيات أنشأتها لهذا الغرض وهي لم ترفق بعد الإنسان ، ولم ترع حقوقه)) مجموع فتاوى ابن باز (2/299) .
وقد انحسر هذا المفهوم الشمولي للإسلام في أواخر القرن الماضي وبدايات هذه القرن مما حدا بكثير من العلماء والدعاة إلى تأكيده والتركيز عليه وتنويع أساليب وعبارات التغبير عنه فهذا الشيخ حسن البنا يقول : ((الإسلام نظام شامل يتناول مظاهر الحياة جميعاً، فهو دولة ووطن ، أو حكومة وأمة ، وهو خلق وقوة ، أو رحمة وعدالة ، وهو ثقافة وقانون ، أو علم وقضاء ، وهو مادة وثروة أو كسب وغنى، وهو جهاد ودعوة ، أو جيش وفكرة، كما هو عقيدة صادقة وعبادة صحيحة سواء بسواء)) مجموعة الرسائل للبنا (ص:7) ، ويقول عن رسالة الإسلام : إنها الرسالة التي امتدت طولاً حتى شملت آباد الزمن ، وامتدت عرضاً حتى انتظمت آفاق الأمم ، وامتدت عمقاً حتى استوعبت شئون الدنيا والآخرة (انظر الخصائص العامة للإسلام (ص:105) .
والسيد سابق في كتابه إسلامنا (إسلامنا (ص:11)يقول عن الإسلام : ((إنه استهدف تهذيب الفرد ، وتعاون الجماعة ، وإيجاد حكم أساسه الشورى ، وغايته حماية الدين وسياسة الدنيا)) .
ومع كثرة التذكير إلا أنه توجد أفهام قاصرة - نتيجة لبعض الظروف أو الضغوط - تنحو نحو فهم جزئي للإسلام يقصره على بعض جوانبه دون بعض ،ويركز على بعض أحكامه وتشريعاته دون بعضها الآخر، ولذا كان التحذير لازماً مع التذكير وليس هناك أعظم من التحذير الإلهي في قوله تعالى ]أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا[ البقرة [85].
ومن أبرز جوانب الإخلال بهذا المفهوم ترك الدنيا وأسباب القوة فيها رغبة في الآخرة وإيثاراً لها - حسب فهمهم- وهؤلاء لا بد أن يعلموا أن ((عبودية الله توجب على أهلها مع ذلك (أي التعبد) أن لا يفرطوا بنصيبهم من مقومات الحياة الدنيا كشأن أهل التصوف والدروشة ، بل لا بد من خوض معركة الحياة وتسخير جميع الماديات واكتساب ما أمكن منها بالطرق المباحة ليتمكن من أداء رسالته في الحياة بالإنفاق في سبيل الله من كافة الوجوه ، ويتماسك كيانه مع إخوانه المؤمنين ، فتكون لهم اليد الطولى التي يقدرون بها على الصلاح والإصلاح في الأرض ، لأن ما في الدنيا من مقومات المادية الهائلة سلاح خطير إذا سبق إليه أهل الضلال وظفروا به كان وسيلة فعالة للتحكم في الناس وإفساد دينهم ودنياهم)) صفوة الآثار والمفاهيم (1/79) ، إنه لا بد لنا أن نهتف بكل داعية (خذ الإسلام كله ، خذه عقيدة وعملاً وعبادة وجهاداً واجتماعاً وسياسة واقتصاداً وغير ذلك ، خذه من كل الوجوه كما قال سبحانه وتعالى ]يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين[ البقرة [143] مجموع فتاوى ابن باز(1/346،345) .
وهناك أعمال خيرية كثيرة ينتدب بعض الأخيار للقيام بها والرعاية لها لكنهم يخطئون عندما يظنون أن الإسلام هو هذه الأعمال التي يقومون بها ، وأن خدمة الدين تنحصر في الجهود التي يبذلونها ، ومن ثم يطلقون لسان النقد وربما الثلب في كل عامل في غير ميدانهم ، وكل منشغل بغير أعمالهم ، فهؤلاء مخطئون ونحن نقول لهم : على رسلكم فليس الأمر كما تفهمون ، ونقول لمن يخالف هذا الرأي ليطمئن ويفهم : ((إننا لا ننكر الخير الذي يذهب إليه بعضهم ، إنما ننكر فهمهم القاصر ، ويعدهم عن الشمول ، نخشى أن يحرفوا الدعوة عن شمولها إذا عملوا في داخلها ، إن خطتنا تشيع الفقه وتربي بالتعبد ، وتحث على التمسك بآداب السنة، وتتناول بعض العمل الخيري وتعتمد القوة ، ولكن بمقدار الحاجة ، أو بمقدار ما نملك من طاقة في توازن وتدرج ، وبحكمه وموعظة حسنة ، وفي جو من التآخي والتحاب)) المسار (ص:109) وتحت الضوابط الشرعية المستنبطة من آيات القرآن والسنة النبوية .
فلسنا نعيب العمل ما دام من أعمال الإسلام لكننا نعيب جعل هذا العمل هو الإسلام كله والدعوة كلها ، فالجهاد عمل إسلامي ، ولسنا مع من يرى أن حلول مشكلات الأمة الإسلامية ، وتحول أحوال المسلمين ، والصد لأعداء الدين كلها في الجهاد العسكري وحده ، وأن المنشغل بتعليم الكتاب والسنة أو تصحيح الانحراف والبدعة وغير ذلك من الأعمال لا أثر له ولا نفع فيه .(57/288)
3. وسطية الإسلام :
((ضاع هذا الدين بين الغالي فيه والجافي عنه)) هذه عبارة مشهورة تبين خطر البعد عن الوسطية التي هي أبرز سمات الأمة الإسلامية كما قال رب البرية ]وكذلك جعلناكم أمة وسطاً[ الإسلام وسط فلا إفراط ولا تفريط .
وسط فلا طغيان ولا نقصان .
وسط فلا تشدد ولا ترخص .
وسط بين رعاية حقوق الفرد على حساب الجماعة ، أو العناية بمصالح الجماعة على حساب الفرد .
وسط بين العقلانية الملحدة التي لا تؤمن بغيب ، وبين الغيبية المفرطة التي تؤمن بالخرافة وهكذا .
الوسطية تعني العدل فلا يظلم جانب على حساب جانب آخر ، والوسطية تعني التوازن فلا يختل أمر على حساب آخر .
والإسلام وسط بين اليهود الذين عرفوا الحق وجحدوه ، والنصارى الذين ضلوا عن الحق ولم يعرفوه ، لأن المسلمين عرفوا الحق فاتبعوه .
والإسلام وسط بين اليهود الذين قتلوا الأنبياء ، والنصارى الذين ألَّهوهم ، لأن المسلمين وقروا الرسل ولم يعبدوهم .
والإسلام وسط بين اليهود الذين أسرفوا في التحريم ، والنصارى الذين أسرفوا في الإباحة ، والمسلمون اتبعوا الشرع الإلهي الحكيم الذي بعث الله به الرسو صلى الله عليه وسلم ]يحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم[ الأعراف [157] .
وسطية الإسلام تعني بعمارة الدنيا لخدمة الآخرة ]ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار[ البقرة [201] ]وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا[ القصص [77] .
وهكذا وجه المصطفى صلى الله عليه وسلم سلمان الفارسي عندما قال : ((إن لبدنك عليك حقاً ، وإن لزوجك عليك حقا ، وإن لزورك (ضيفك) عليك حقا، فأعط كل ذي حق حقه)) أخرجه البخاري في كتاب الصوم ، باب من أقسم على أخيه يفطر في التطوع (الفتح 4/246) .
4. صلاحية الإسلام :
لابد للداعية أن يفهم هذه الحقيقة فهماً واعياً ، يستطيع معه أن يشيع هذه الحقيقة بين الناس فيجتهد في إبراز محاسن الإسلام وإثبات صلاحيته بالأدلة الشرعية ، والشهادات الواقعية .
فالإسلام حرم الربا كي لا يكون المال دولة بين الأغنياء ولكي لا يزداد الأغنياء غنىً والفقراء فقراً ، مما يكرس الطبقية ويزرع في النفوس بذور الشحناء والبغضاء .
والإسلام يحرم الزنا ويمنع من دواعيه فيحفظ المجتمع من ويلات الإباحية من ضياع الأنساب ، وشيوع الأمراض ، وانتشار الجرائم ، وشهادة واقع المجتمعات الغربية تشهد بذلك .
والإسلام يقيم الحكم المستمد من شرع الله ، المعتمد على الشورى ، القائم على العدل ، المستهدف سياسة الدنيا وصيانة الدين .
وهكذا في جوانب الحياة كلها ينبغي إدراك هذه الحقيقة وبيان الوجه المشرق للحياة في ظلال الإسلام ، وأنها ((حياة لا شرك فيها ولا وثنية بل فيها التوحيد الخالص والعبادة لله الذي تعنو له الوجوه .
حياة لا ظلم فيها ولا استبداد ، بل فيها حق وعدالة وحرية وإخاء .
حياة لا جهل فيها ولا أمية ، بل فيها علم ومعرفة وحكمة .
حياة لا رفث فيها ولا فسوق ، ولكن فيها طهارة ونظافة وعفاف .
حياة لا حسد فيها ولا حقد ، بل فيها محبة وتعاون ، وتآزر وتناصر .
حياة لا سرف فيها ولا ترف ، بل فيها بذل وكرم وإيثار .
حياة لا خمر فيها ولا قمار ، بل فيها كدح وعمل وطلب لما أحل الله (إسلامنا (ص:10-11) .
المبحث الثاني : مفهوم الدعوة :
مفاهيم الدعوة التي لا بد للداعية من استيعابها كثيرة ، وهي مفاهيم في غاية الأهمية والتأثير على تصرف الداعية وممارساته ، وارتباطه بالدعوة وإخلاصه لها ، واهتمامه بها ، واستمراره فيها ، وهذه خلاصة في أهم المفاهيم المتصلة بالدعوة :
1. مفهوم الحكم والحاجة :
1. ((إن الدعوة إلى الله تجب على كل مسلم)) ، لكنها فرض على الكفاية ، ((وكل واحد من الأمة يجب عليه أن يقوم من الدعوة بما يقدر عليه إذا لم يقم به غيره ، فما قام به غيره سقط عنه ، وما عجز لم يطلب به)) مجموع فتاوى ابن تيمية (15/166) ، وينبغي أن لا نفهم فرض الكفاية فهماً يدعوا إلى التقاعس أو التكاسل ، فالكفاية تحتاج أن نفهمها فهماً صحيحاً وذلك من جانبين :
الأول : فرض الكفاية يصح ((أن يقال إنه واجب على الجميع على وجه من التجوز لأن القيام بذلك الفرض قيام بمصلحة عامة ، فهم مطلوبون بسدها على الجملة فبعضهم هو قادر عليها مباشرة وذلك من كان أهلاً لها ، والباقون وإن لم يقدروا عليها قادرون على إقامة القادرين ، فمن كان قادراً على الولاية فهو مطلوب بإقامتها ، ومن لا يقدر عليها مطلوب بأمر آخر وهو إقامة ذلك القادر ، وإجباره على القيام بها)) الموفقات (1/114) ، وهكذا ففرض الكفاية يعم ويشمل ، ويتقسط ويتنزل حتى لا يكاد يبقي مسلم إلا وعليه ما يجب عليه بعينه من أمر الدعوة أو لواحقها وتوابعها .(57/289)
الثاني : حقيقة الكفاية على وجهها الشرعي غير متصَّور وجودها في الزمن المعاصر الذي كثرت فيه الفتن ، وعظم الانحراف ، واشتدت ضراوة الحرب على دين الله من أعدائه ، واستحكمت الجهالة به من أبنائه ، واتسع الخرق على الواقع ، هذا مع ما هو معلوم من أحوال بلاد المسلمين المغتصبة ، وأعراضهم المنتهكة ، وأموالهم المنتهبة دون أن يكون في مجموع الأمة من يرد هذا العدوان ويدفع عن إخوة العقيدة والإيمان ، فيبقى الأمر حينئذ ظاهر الوجوب شديد الحاجة .
2. الحاجة إلى الدعوة ملحة وشديدة بسبب تردي الأحوال في بلاد المسلمين أفراداً وجماعات وشعوباً وحكومات ، إذ أن أعداءهم حرصوا ((على أن تغمر موجة هذه الحياة المادية بمظهرها الفاسدة وجراثيمها القتالة جميع البلاد الإسلامية)) مجموعة الرسائل للبنا (ص:220) ، ((ومن الحق أن نعترف بأن موجة قوية جارفة وتياراً شديداً دفاقاً قد طغى على العقول والأفكار في غفلة من الزمن ، وفي غرور من أمم الإسلام وانغماس منهم في الترف والنعيم ، فقامت مبادئ ودعوات ، وظهرت نظم وفلسفات ، وتأسست حضارات ومدنيات ، ونافست هذه كلها فكرة الإسلام في نفوس أبنائها، وغزت أممه في عقر دارها ، وأحاطت بهم من كل مكان ، ودخلت عليهم بلدانهم وبيوتهم ومخادعهم ، بل احتلت قلوبهم وعقولهم ومشاعرهم)) مجموعة الرسائل للبنا (ص:306).
ونظراً ((لانتشار الدعوة النصرانية في الكثير من البلدان ، وغير ذلك من الدعوات المضللة ، نظراً إلى هذا فإن الدعوة إلى الله عز وجل اليوم أصبحت فرضاً عاماً وواجباً على جميع العلماء ، وعلى جميع الحكام الذين يدينون بالإسلام ، فرض عليهم أن يبلغوا دين الله حسب الطاقة والإمكان بالكتابة والخطابة وبكل وسيلة استطاعوا ، أن لا يتقاعسوا عن ذلك ، أو يتكلوا على زيد وعمرو ، فإن الحاجة بل الضرورة ماسة اليوم إلى التعاون والاشتراك والتكاتف في هذا الأمر العظيم ))وجوب الدعوة إلى الله وأخلاق الدعاة (ص:20-21) .
فليست الدعوة إذن حاجة عارضة ، أو مطلباً محدوداً بل هي أعلى وأسمى وأعظم أهمية من التصورات الساذجة والأفهام القاصرة ، وليس تركها والتخلي عنها أمراً هيناً بل ((ترك أهل العلم لتبليغ الدين كترك أهل القتال للجهاد ، وترك أهل القتال للقتال الواجب عليهم كترك أهل العلم للتبليغ الواجب عليهم ))مجموع فتاوى ابن تيمية (28/188) ، وتصور حال الأمة إذا تخلت الجيوش المدافعة عنها عن مهمتها .
هذا الفهم مهم جداً ((فإنه بقدر إيمان الداعية بدعوته ، وتفهمه لضرورتها وحاجة الناس إليها ينجح في دعوته ، وبقدر ضعف هذا الإيمان ، والنظر إليها بأنها مهمة ثانوية يتهاون فيها ، ويتكل فيها على غيره ، ويتعثر في طريقه ويعطيها من فضل وقته)) المدخل إلى علم الدعوة (ص:155) .
2. لوازم الدعوة : مستلزمات حمل الدعوة كثيرة ومنها :
1. فهم حقيقة الواقع المعاصر :
في الواقع المعاصر هجوم سافر، وعداء ظاهر، وتخطيط ماكر، ضد الإسلام والمسلمين ، وهناك وسائل عديدة تستخدم لإضعاف المسلمين واستمرار بعدهم عن أسباب القوة المادية .
هناك وسائل الإعلام وما يبث فيها ((من تمثيل الأخلاق السافلة ، والمرائي الفاتنة ، والصور الخليعة ، وشبه العاريات ، والخطب الهدامة ، والمقالات الكفرية ، والترغيب في مشابهة الكفار في أخلاقهم وأزيائهم ، والاحتقار لعلماء المسلمين وأبطال الإسلام وتمثيلهم بالصور المنفرة منهم ، والمقتضية لاحتقارهم ، والإعراض عن سيرتهم ، وبيان طرق المكر والاحتيال والسلب والنهب والسرقة وحياكة المؤامرات والعدوان على الناس )) مجموع فتاوى ابن باز (3/228) ونحو ذلك من العظائم والدواهي .
وهناك الآن البث المباشر الذي ينقل لنا عبر الفضاء الفضائح والفظائع وما يندى له الجبين من عري كامل ، وخلق سافل ، وفكر خبيث .
وهناك الغزو الفكري ((وهو داء عضال يفتك بالأمم ويذهب شخصيتها ، ويزيل معاني الأصالة والقوة فيها ... وهذا الغزو يقع بواسطة المناهج الدراسية والثقافة العامة ووسائل الإعلام والمؤلفات الصغيرة والكبيرة وغير ذلك )) مجموع فتاوى ابن باز (3/438) .
كل ذلك يصب على المسلمين ليخرجوا عن دينهم ، ويخرجوا من طاعة ربهم ، ومع ذلك نرى من يخدرهم ليألفوا ، ويخدعهم ليقبلوا ، ويدلس عليهم ليقتنعوا وينطلقوا غير شاعرين بإثم ، ولا مدركين لخطورة ، وهذا مكر اعظم وأخطر حيث ((نرى شياطين الإنس والجن يسمون الفساد إصلاحاً ، والمؤامرات والفتن ونقض العهود تحرراً ، وخيانة الله بنبذ ملة إبراهيم وطنية ، وارتكاب الفواحش مدنية ، والدياثة والقوادة حضارة وتطوراً، واطراح الدين ونبذ القرآن رقياً ومسايرة للزمن)) صفوة الآثار والمفاهيم (1/30)، فهم ذلك كله وتصوره يجعل الداعية مدركاً لعظمة مهمته، وأهمية دعوته.
2. التفاعل مع الدعوة :
إن إدراك حكم الدعوة والحاجة إليها ، ومعرفة الواقع ينتج عنه أمران مهمان :-
الأول : الحماسة والقوة في حمل الدعوة(57/290)
((إن الداعية يجب أن يشعر بأن دعوته حية في أعصابه ، متوهجة في ضميره ، تصيح في دمائه فتُعجله عن الراحة (الدعة) إلى الحركة والعمل ، وتشغله بها في نفسه وولده وماله ، وهذا هو الداعية الصادق الذي تحس إيمانه بدعوته في النظرة والحركة والإشارة ، وفي السمة التي تختلط بماء وجهه)) تذكرة الدعاة للخولي (ص:34) .
ويتذكر الداعية عظمة الأمانة في حمل الرسالة ]إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوماً جهولاً[ الأحزاب [72] ، وما تقوم الدعوات ولا تبلغ الرسالات بالضعف والتباطؤ فقد خاطب الله يحي عليه السلام فقال ]يا يحي خذ الكتاب بقوة[ مريم [12] ، و المصطفى صلى الله عليه وسلم خاطبه مولاه بقوله]إنا سنلقي عليك قولاً ثقيلاً[ المزمل [5] .
إن الدعوة ليست خطباً تلقي ، ولا مقالات تدبج ، ولا كتباً تؤلف ، إنها قبل ذلك همٌٌّ يؤرق وحماسة تدفع ، وهمة ترفع ، ووقود محرك لا ينفذ .
إنها جدٌّ لا يجتمع معه كسل كما أبى ذلك الداعية الحر عطاء بن أبي رباح حين قال : ((لأن أرى في بيتي شيطاناً خير من أن أرى فيه وسادة لأنها تدعو إلى النوم)) البداية والنهاية (9/308) .
إنها سفر نحو آفاق أرقى وأعلى ، وعمل وبذل طموحه أفضل وأسمى ، فالدعاة الحقيقيون ((مذ تيقظوا ما نالوا ، ومذ سلكوا ما وقفوا ، فهمُّهم صعود وترقٍّ ، كلما عبروا مقاماً إلى مقام رأو نقص ما هم فيه فاستغفروا)) صيد الخاطر (ص:355) ، وذلك لعلمهم أن ((الطريق الموصلة إلى الحق سبحانه وتعالى ليست مما يقطع بالأقدام ، وإنما يقطع بالقلوب)) صيد الخاطر (ص:355) .
إنها نفوس خالصها شعور بالمسئولية وجسامتها ، والمهمة وضخامتها ، فأبت على الأجساد أن تخلد إلى راحة ، وإلى النفوس أن تسكن إلى لهو ، ولله در ابن الخطاب عندما جاءه معاوية بن خديج مبعوثاً من عمرو بن العاص بخبر فتح الإسكندرية فقدم المدينة في الظهيرة ومكث في المسجد فرأته جارية لعمر ، ثم جاءته فقالت : أجب أمير المؤمنين ، فلما دخل وأكل قال له عمر : ماذا قلت يا معاوية حين أتيت المسجد ، قال : قلت : إن أمير المؤمنين قائل ، قال عمر : بئس ما قلت أو بئس ما ظننت لئن نمت النهار لأضيعن الرعية ، ولئن نمت الليل لأضيعن نفسي فكيف بالنوم مع هذين يا معاوية (الزهد لابن حنبل (ص:152) . تلك رعية عمر ما تركت له ليلاً ولا نهاراً ((والداعية مسئول عن رعيته ، فإذا غاب عنها فقد تخلى عن واجبه وعرض أمته لعبث المبطلين وغواية الشياطين)) تذكرة الدعاة(ص:210) .
لذا على الداعية أن يحمل الدعوة ((بهمة عالية وعزم قوي لا يثنيه عنه كثرة خصومه مهما تكالبت عليه قوى الشر إذ لا يعتبرها في جنب الله إلا كالفراش)) صفوة الآثار والمفاهيم (1/72) .
الثاني : التصدي والمواجهة :
ما دام قد أدرك الداعية واقعه ، وحمل دعوته بقوة ، واندفع إليها بحماسة فإنه لا بد أن يتصدى لأعداء دعوته ، وأن يواجه المتربصين بها الدوائر ، وأن لا يترك لهم ميداناً إلا نازلهم فيه ، ولا وسيلة إلا نافسهم عليها ، ولا بلداً إلا وجابههم فيها ، لقد تفنن الأعداء في حرب الإسلام والدعوة واعتمدوا ((سياسة محاربة المساجد بالمراقص ، ومحاربة الزوجات بالمومسات ، ومحاربة العقائد بأستاذة حرية الفكر ، ومحارة فنون القوة بفنون اللذة)) من وحي القلم للرافعي ، نقلاً عن المنطلق (ص:54) ، لذا يلزم الدعاة أن يدركوا أنه لا بد لهم في مواجهة تلك التيارات من محاربة علمية دقيقة شاملة لأن التيارات غزت الأدمغة باسم العلم والفن فمقابلتها بغيره شطط لا يجدي نفعاً ، فلا بد من تكريس جهودهم لمقاومة المذاهب الفكرية مقاومة علمية عميقة ، ونقدها نقداً مفنداً دامغاً ، وأن يقابلوا كل مؤسسة بمثلها مما يعارضها وينقضها ، فيقابلوا المدرسة بالمدرسة والجامعة بجامعة ، ودور التربية والحضانة بمثلها ، والمعاهد والمجامع العلمية المادية بما يقابلها من المعاهد الإسلامية ، ومعاهد التربية الحديثة المادية بمعاهد تربية روحية تفوقها ، ويقابلوا النوادي الثقافية الناشفة من الدين بنواد أخرى مشبعة بروح الدين ، ويقابلوا المكتبات المادية أو المكتبات المؤسس بعضها أو أكثرها لخدمة المذاهب الفكرية والمبادئ العصبية الجاهلية المجددة بمكتبات تخدم العقيدة الإسلامية وتروج كتبها بأحدث وسيلة وأرخص ثمن ، ويقابلوا الصحف المادية والمغرضة بصحف دينية فيها تركيز العقيدة وفضح الباطل ، وإظهار عورات أهله ، ويقابلوا الإذاعات المغرضة وسائر الإعلام من القصص والمجلات وأشرطة الأفلام وغيرها بإذاعات ووسائل إعلامية أخرى توجه الناس إلى الحق ، وتضبط عقولهم وأوقاتهم وتحفظها من سرقة شياطين الإنس والجن واختطافها ، وهكذا فليقابلوا كل وسيلة هدمٍ بوسيلة بناء (صفوة الآثار والمفاهيم (1/145-146) .
ج- التعاون على الدعوة :(57/291)
يقول الله تعالى ]وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان[ المائدة [2] ، ومن مستلزمات الإسلام التعاون مه أهل الإيمان ، ومن فهم ما أسلفناه من كيد الأعداء أدرك أن التعاون أمر لا بد منه في مجال الدعوة .
ولمزيد من لإيضاح أشير إلى عدد من المفاهيم التي تزيد القناعة بالتعاون وتبين الخسارة في تركه .
أولاً : تعدد المجالات
إن الدعوة ليست محصورة في مجال معين أو وسيلة واحدة بل هي ميدان رحب ، ووسائل شتى ، وذلك يعني أنه لا بد من بذل جهود عظيمة ولا بد من إدراك أن الداعية مهما تعددت مواهبه فإنها تقصر عن الإبداع والإتقان في كل مجال ، فهناك من يستطيع الخطابة ويجيدها ، وهناك من يحسن التأليف ويتقنه ، وهناك من ينشر العلم ويدرسه ،وثمة من يعرف العمل السياسي ، وآخر يبدع في العمل الخيري ، وهكذا ولا يتصور أن تغطى هذه المجالات إلا باستفراغ كل داعية جهده في مجال إتقانه ليحصل التكامل ، ورحم الله الإمام مالك أمام دار الهجرة الذي نصب نفسه في ميدان من أعظم ميادين الدعوة وهو نشر العلم الشرعي فكتب إليه من يدعوه إلى غير ذلك فقال : ((إن الله قسم العمال كما قسم الأرزاق فرب رجل فتح له في الصلاة ولم يفتح له في الصوم ، وآخر فتح له في الصدقة ولم يفتح له في الصوم ، وآخر فتح له في الجهاد ، فنشر العلم من أفضل أعمال البر وقد رضيت بما فتح الله لي فيه ، وما أظن ما أنا فيه بدون ما أنت فيه ، وأرجو أن يكون كلانا على خير وبر)) نزهة الفضلاء (2/625) .
ثانياً : قلة الإمكانيات
لا يشك أحد أن الأمة الإسلامية تعاني اليوم من قلة الدعاة وكثرة المنكرات ، وغلبة الجهل مما تحتاج معه إلى جهود ضخمة لإصلاح الأحوال وليس هناك الإمكانيات اللازمة الكافية لهذه الحاجات ، وإذاً فلا بد من التعاون لاستثمار هذه الإمكانيات بأقصى ما يمكن ، والإفادة من التجارب ، وتبادل الخبرات وما لم تكن نفسية التعاون موجودة فإن كثيراً من الخير يفوت .
ثالثاً : خذلان الأعداء
أعداء الإسلام من قديم الزمان كان من أعظم مقاصدهم بث أسباب الشقاق ، وزرع بذور النزاع بين المسلمين عموماً ، وأعيانهم من العلماء والدعاة خصوصاً ، وهذا يحقق لهم من الأهداف والغايات ما لا يستطيعون بلوغه بجهدهم وكيدهم ، ذلك أن الهدم من الداخل أشد فتكاً وأعظم ضرراً ، ولذا كان خطر المنافقين أكبر وأظهر ، وإن عدم إدراك هذه الحقيقة يجعل الداعية يخالف إخوانه من الدعاة لأي أمر عارض ، أو خلاف في أمر مما يسوغ فيه الخلاف ، أو تحمساً لفعل لم ير غيره أنه يناسب في هذا الوقت ونحو ذلك ، فيسعى حينئذ إلى مواجهة إخوانه الدعاة بدلاً من أعداء الله ، ويتفرغ لتسقط أخطائهم ، وتتبع عثراتهم ، فيفرح بذلك أعداء الله بل إنهم يسعون لذلك ويثيرونه ، فعلى الداعية الحصيف أن يفوت عليهم الفرصة وأن يخذلهم باتباع الحق ، وفهم حقيقة الاختلاف المبني على الاجتهاد وإحسان الظن بإخوانه ، والتماس العذر لهم ، والحرص على حماية أعراضهم ، وسمعتهم ، والحرص على التعاون ، وإشاعة الخير ، وله في ذلك نماذج من الأئمة والعلماء ، فهذا الإمام أحمد بن حنبل جاء في سيرته أنه إذا بلغه عن شخص صلاح أو زهد وقيام بحق واتباع لأمر سأل عنه ، وأحب أن يجري بينه وبينه معرفة ، وأحب أن يعرف أحواله .
وهذا الشافعي يناظر يونساً الصدفي فيختلفان ويفترقان ، قال يونس : فلقيني (أي الشافعي) فأخذ بيدي ثم قال : يا أبا موسى ألا يستقيم أن نكون إخواناً وإن لم نتفق في مسألة (نزهة الفضلاء (2/734) .
وهذا ابن المبارك سمع رجلاً ينال من آخر وينتقده فقال له ابن المبارك : هل قاتلت الترك ؟قال: لا، قال :فهل قاتلت الفرس؟قال :لا، قال:فهل قاتلت الديلم؟ قال:لا ، قال :أفيسلم منك الترك والفرس والديلم ولا يسلم منك أخوك المسلم ؟
إذا ما بدت من صاحب لك زلة فكن أنت محتالاً لزلته عذراً
أحب الفتى ينفي الفواحش سمعه كأن به عن كل فاحشة وقراً
سليم دواعي الصدر لا باسط أذى ولا مانع خيراً ولا قائلٌ هجراً
إن في أعدائنا كفاية لاستنفاذ جهودنا في حربهم ، ومواجهتهم فكيف نغفل عن هذا ونوجه سهامنا لبعضنا .
ولم أرَفى الخطوب أشد هولاً وأصعب من معاداة الرجال
وبعض المنتسبين إلى الدعوة إذا تعامل مع الدعاة كان فظاً غليظاً ، ومخالفاً عنيداً ، وإذا تعامل مع العصاة كان ليناً رفيقاً ، ومؤلفاً رقيقاً .
ومن أسباب امتناع التعاون وحصول ما يضاده ضعف الفقه لموضوع الاختلاف وما يسوغ منه وما لا يسوغ ، وما ينكر وما لا ينكر ، وما يسع المختلفين أن يتعاونوا وإن لم يتفقوا عليه وما لا يسعهم معه التعاون ولذا لا بد من العناية بهذا الجانب وفهمه .(57/292)
ومن الأسباب أيضاً التعصب للموافق ، والتحزب ضد المخالف ، وهذا لا يليق بالمسلم فضلاً عن الداعية ، لأن المطلوب منه ((أن يدعو إلى الإسلام كله ، ولا يفرق بين الناس ، وأن يكون متعصباً لمذهب دون مذهب ، أو لقبيلة دون قبيلة ، أو لشيخه ، أو رئيسه أو غير ذلك)) .((وليس للمعلمين أن يحزبوا الناس ويفعلوا ما يلقي بينهم العداوة والبغضاء بل يكونون مثل الإخوة المتعاونين على البر والتقوى، كما قال تعالى ]وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان[ وإذا اجتمعوا على طاعة الله ورسوله وتعانوا على البر والتقوى لم يكن كل أحد مع أحد في كل شيء ، بل يكون كل شخص مع كل شخص في طاعة الله ورسوله ، ولا يكونون مع أحد في معصية الله ورسوله ، بل يتعاونون على الصدق والعدل والإحسان والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ونصر المظلوم وكل ما يحبه الله ورسوله ، ولا يتعاونون لا على ظلم ولا عصبية جاهلية ، ولا اتباع الهوى بدون هدى من الله ، ولا تفرق ولا اختلاف)) مجموع فتاوى ابن تيمية (28/15) .
فعلى العاملين في مجال الدعوة أن يفطنوا لذلك فلا يقوموا بما يوهن صفوف الدعاة ويوغر صدورهم ، ويثير بينهم أسباب الفرقة .
د- الابتلاء وطول الطريق :
ليست طريق الدعوة مفروشة بالورود ، وليست سهلة الورود ، ولا قريبة المنتهى ، بل كما قال تعالى ]أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب[ البقرة [214] وقال تعالى ]أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ، ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين[ العنكبوت [2-3] ، وإنها سنة إلهية ماضية ]ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب[ آل عمران [179] .
وسئل الشافعي : أيما أفضل للرجل أن يمكن أو يبتلى ، فقال :لا يمكن حتى يبتلى ، فإن الله ابتلى نوحاً وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمداً صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين فلما صبروا مكنهم ، فلا يظن أحد أن يخلص من الألم البتة .
وطريق الدعوة طويل ((ومن استطال الطريق ضعف مشيه)) ، فلا بد من الصبر على البلاء وطول النفس ، وإدراك أن الزمن جزء من العل
==============(57/293)
(57/294)
إصلاح الشعوب أولا
عيد بطاح الدويهيس
مقدمة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد فقد حاولت أيها القارئ الكريم والقارئة الكريمة في هذا الكتاب الاستشهاد ببعض الأدلة الشرعية والتاريخية والمنطقية التي تثبت أن إصلاح الواقع يتطلب إصلاح الشعوب أولا وأن اي تغييرات تحدث في الحكومات لن تاتي بثمار طيبة كثيرة إذا كان الواقع الشعبي كما هو لم يتغير، وأن ما نشاهده بواقعنا من خير وشر هو في أغلبه ما زرعناه كشعوب وهو ما نستحقه.
ولقد ذكرت كثيرا من الأمثلة التي تثبت أن الانحراف عن المبادئ موجود فينا كأفراد وأسر وأحزاب وجماعات وقبائل وشعوب ونمارسه في عقائدنا وحياتنا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، فالتعصب العرقي بكافة أنواعه موجود، والمصالح الشخصية تؤثر فينا بدرجة كبيرة، وكثيراً ما تكون مناهجنا في تربية أبنائنا بعيدة عن المباديء الإسلامية، ولا يهتم كثير منا ببناء التعاون العربي... إلخ، وإذا لم ننجح بإصلاح أنفسنا وإيجاد أفراد صالحين وأسر سعيدة وعمال نشطين وتجار أمناء ومدرسين مخلصين وطلبة جادين وأحزاب وجماعات عادلة وجمعيات فعالة فإننا لن ننجح في إيجاد حكومات عادلة ومخلصة.
ولندرك أن من أصعب الأمور علينا كأفراد وجماعات وأحزاب وشعوب أن نعترف بأننا بحاجة إلى إصلاح، فنادراً جدا ما نقابل من يعترف بأنه أخطأ في حياته الشخصية أو السياسية أو الفكرية لأن هناك أعذار وأوهام كثيرة
نقدمها ونصدقها تبرر مواقفنا وعقائدنا وسلوكنا وحتى كسلنا
وصراعاتنا، كالزعم بأن الآخرين هم سبب الفشل والظلم والتعصب
والأنانية والتخلف سواء كان الآخرون حكومة أو فرداً أو حزباً أو شعباً.
ونحن اليوم بحاجة ماسة لتسليط الأضواء على السلبيات الشعبية ومطالبة أصحابها ونحن منهم بإصلاح أنفسهم، قال تعالى: ?إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم? فهذا هو المدخل الرئيسي لإصلاح الواقع، لأن الانحرافات الموجودة في واقعنا أغلبها شعبية المصدر كسبب أو نتيجة، أي هي انحرافات شعبية أو عقوبة على انحرافات شعبية، قال تعالى: ?وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا بما كانوا يكسبون? (129 سورة الأنعام) وهذا لا ينفي أن يكون للحكومات دور في سلبيات الواقع، ولكن هذا الدور يبقى ضعيفا وثانويا، ومن الخطأ أن نعطيه وضعا اكبر من حجمه فالحكومات يأتي منها خير وشر بحسب إيمانها وعلمها وإخلاصها، وهي مسئولة أمام الله سبحانه وتعالى عن أعمالها، ولكن قدرتها على تغيير الواقع واصلاحه تبقى محدودة لأن أغلب أوراق الإصلاح بيد الشعوب.
وقد يرى البعض في هذا الكتاب نوعا من جلد الذات أو معاقبة النفس أو نتيجة اليأس، أو انعكاساً لمرارة الواقع، وأقول إن الأمر ليس كذلك بل هو إن شاء الله بحث علمي أمين جاء نتيجة سنوات طويلة فيها معايشة واطلاع وتأمل وتفكير ونقاش في واقع شعوبنا وأمتنا. فحتى لا تضيع كثير من جهود الاصلاح بلا فائدة، وحتى لا تحمل حكومات مخلصة أكثر مما تستطيع، وحتى لا تتصارع القوى المخلصة في الشعوب والحكومات، فمن الضروري أن نقتنع بأن الإسلام والعقل يدعواننا إلى تبني شعار "إصلاح الشعوب أولاً"".
وفي الختام أجد من واجبي أن أشكر كل من ساعدني في إنجاز هذا الكتاب، واسال الله سبحانه وتعالى أن يجزيهم خير الجزاء وأن يجعل عملي خالصا لوجهه الكريم وأسال كل من انتفع بشيء منه أن يدعو لي، ولوالدي، والمسملين أجمعين.
عيد بطاح الدويهيس
الكويت 19 شعبان 1417
29 ديسمبر 1996
حتى يُغيروا ما بأنفسهم
نقرأ ونسمع آراء وأفكاراً حول تغيير الواقع، ومناهج الإصلاح، فهناك من قال إن تبني النموذج الغربي وتقليد الغرب هو الطريق إلى الإصلاح، وقال آخرون: إن الاصلاح لن يحدث إذا لم نؤمن بالأفكار الاشتراكية والتغييرات الثورية، وقال غيرهم: إن الاصلاح يبدأ بتغيير الحكومات ولا فائدة من إصلاح الأفراد، وقالوا إن الاخلاق ليس لها دور في البناء فالمهم هو الوعي السياسي وقالوا: إن العقائد لا دور لها في عالم الواقع، وأنها قضايا إيمانية نظرية وقالوا... وقالوا ... وبعد دراسة وبحث عرفنا أن العقائد بمفهمومها الشامل هي أساس كل بناء، وأن الاخلاق هي أحد أعمدة الإصلاح الرئيسية. وبدونها تزدهر اسواق النفاق والكذب والغدر والحسد والبخل والسرقات. قال أحمد شوقي رحمه الله:
وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإنما همو ذهبت أخلاقهم ذهبوا(57/295)
ولم ينتبه إلا قلة إلى أن معرفة الإصلاح وعلومه وحقائقه تتطلب الرجوع للقرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة حتى نعرف من أين يبدأ الإصلاح؟ وكيف يحدث التغيير؟... الخ. وذلك لأن معلوماتنا عن الأحداث السياسية القديمة والحديثة، وعن واقع الشعوب وما يجري في جوانبها المختلفة فيه كثير من التشويه، ونقص المعلومات، والجهل والآراء المتناقضة فالدعاية الإعلامية لبلد ما قد تجعلنا نعتقد أنه عندما تغيرت الحكومة انقلب الواقع رأسا على عقب ولكننا نكتشف بعد سنين أن هذا ليس صحيحاً، فتعالوا في بحث صغيرفي القرآن
والسنة النبوية لنتعلم أسس حدوث التغيير في المجتمعات من الفقر للغنى، ومن الذل للعز، ومن الكفر للإيمان، ومن التفرق للوحدة، ومن التعصب للإنتماء،
ومن الكسل للعمل، ومن الأنانية للتضحية، ومن المعاصي للطاعات،
وهذا التغيير حدث قديما وحديثا في أفراد وقبائل وشعوب وأمم فعندما اعتنق العرب الإسلام امتلأت نفوسهم بالإيمان وعقولهم بالعلم والحكمة، فاستطاعوا أن يبنوا بلادهم، وأن يحصدوا الثمار الطيبة في الدنيا والآخرة، وهذا هو الأساس لتحقيق العدل السياسي والسعادة الاجتماعية والتقدم الاقتصادي، فالتغيير ليس عموده الفقري هو تغيير الحكومات بل بتغيير ما بالنفوس وما بالعقول من عقائد وعلم ونوايا وأعمال، وقد ابتعد العرب عن الإسلام كثيراً في عصرنا هذا فتغير واقعنا إلى الأسوا نتيجة وجود انحرافات في النوايا والأعمال والعلم، وإليكم الأدلة الشرعية حول حقائق التغيير:
1- قال تعالى: ?إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وإذا أراد الله بقوم سوءاً فلا مرد له ومالهم من دونه من وال (11)? (سورة الرعد)، وقال تعالى: ?كدأب آل فرعون والذين من قبلهم كفروا بآيات الله فأخذهم الله بذنوبهم ان الله قوي شديد العقاب (52) ذلك بأن الله لم يك مغيراً نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وأن الله سميع عليم? سورة الأنفال.
فإذا غير القوم ما بأنفسهم إلى الأحسن فإن الله سيغير واقعهم للأحسن والعكس صحيح، وهذا هو قانون التغيير الأساسي في القرآن الكريم، وفي هذا اثبات واضح بأن التغيير الحقيقي هو الذي يحدث داخل النفوس، وبما أننا نعلم أن الحكومات لا تستطيع تغيير ما بالنفوس، وبما أننا نعلم أن الحكومات لا تسطيع تغيير ما بالنفوس لأن سلطاتها محدودة، وآمالها محدودة، ومعلوماتها محدودة، وقدراتها في الترغيب والترهيب محدودة وبالتالي فإن تاثيرها سيكون محدوداً في تغير الواقع وبناء على ذلك فقرار الاصلاح في أغلبه هو قرار شعبي، و80% كنسبة افتراضية من أوراق تغيير الواقع إيجابيا أو سلبيا هي بيد الشعوب، فإذا امتلأت النفوس إيمانا وعلماً وأخلاقاً وصدقا انعكس هذا في الواقع وإذا امتلأت كفراً ومعاصي ونفاقا وجهلا ظهر هذا في الواقع في أقوال
وأعمال وهزائم وليس صحيحاً ما يزعمه البعض أن في قلبه إيمانا في حين أننا نشاهد منه انحرافات كثيرة تتمثل في زنا أو ربا أو غير ذلك فالظاهر هو عنوان الباطن وصحيح ان البشر لهم ذنوبهم وانحرافاتهم، ولكن المسلمين الصادقين انحرافاتهم قليلة واستثنائية، أما أغلبية أعمالهم واقوالهم فهي خيرة وطيبة، ولكن كثيرون هم للأسف من يظنون أنهم مسلمون وهم ليسوا كذلك، قال تعالى: ?إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله وأولئك هم الصادقون (15)? سورة الحجرات فمن عمل هذه الأعمال فهو الصادق ولا عذر لمن علم ولم يعمل وقال ابن القيم "ومن تأمل أحوال الصحابة رضي الله عنهم وجدهم في غاية العمل مع غاية الخوف".
وامتلاء النفوس بالإيمان والعلم سيجعلها تتقن أعمالها الأخروية والدنيوية، وستأخذ بالأسباب المادية في الزراعة والصناعة والتجارة والسياسة، وفساد النفوس والضمائر سيؤدي إلى تحويل كثير من العناصر المادية المتوفرة من مال وقوة وبشر... الخ.. إلى مصائب وإنحرافات وخسائر، فتنتشر الرشاوي والاختلاسات والصراعات والتعصب العرقي ... الخ وقد ظننا أن الأماني ستتحقق بالاستقلال السياسي وحققناه في دول كثيرة، ولكن لم يحدث التغيير نحو الأحسن لأن كثيراً من النفوس كانت فاسدة، فعاثت في الأرض فساداً فزاد واقعنا سوءاً مع وجود نعمة الاستقلال. ولا شك أن للحكومات دورا جزئيا في تغيير الواقع،
فإذا صلحت كان لها تاثيرا طيباً، وإذا فسدت كان لها تأثير سيء، وكذلك للاستعمار والأعداء الداخليين والخارجيين تأثير سيء، ولكن التأثير الأكبر هو للشعوب، وما بنفوسها من خير وشر، فعندما ينتصر عدو خارجي فلا
تظن أن قوته مهما بلغت هي التي حققت لوحدها الانتصار، ولكن انظر ايضا إلى رصيد الأمة من إيمان وإخلاص وعلم وعمل، فستجد أن في نفوسها انحرافات
كثيرة هي التي كانت السبب الرئيس في هزيمة الأمة.
2- قال تعالى: ?فأستخف قومه فأطاعوه إنهم كانوا قوما فاسقين? (54) سورة الزخرف.(57/296)
أطاع قوم فرعون الظالم، ولو عصوه لما استطاع أن يفعل شيئا، ولما أطاعوه أغرقهم الله سبحانه وتعالى. فالفسق والمعاصي والشرك جعلت قوم فرعون يحصدون المصائب.. وحاور فرعون قومه فأقنعهم بوجهة نظره، فأقتنعوا لأن نفوسهم ملوثة بالذنوب، فالحاكم الظالم بدون تأييد من بعض القوى الشعبية وتخاذل من البعض الآخر لا يستطيع الإفساد في الأرض وضعف الإيمان أو غيابه هو المشكلة الرئيسية، ولا يوجد ابداً شعب يطيع أغلبيته الله ورسوله، ويضحون بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله ويلتزمون بالأخلاق الفاضلة ويدعون لدين الله فيستطيع أحد أن يضطهدهم، وقد قال قائلهم لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: "لو وجدنا فيك إعوجاجا لقومناه بسيوفنا"، أما الشعوب التي تلهث وراء الدينار والدرهم، وتحب تقليد الغرب وتتخلى عن دين الله، فإنها لا شك شعوب هالكة في الدنيا والآخرة، ويحق لنا أن نعجب من البعض عندما يقول إن الشعوب مغلوبة على أمرها، فلهذا تقبل بالظلم والمهازل العقائدية والسياسية، وتكون وقوداً للحروب. وقد يكون منطقياً أن تضطهد أغلبية أقلية، ولكن ليس من المعقول أن يحدث العكس أي أن تجد الملايين لا تستطيع عمل شيء امام من هم أقل منهم قوة إلا إذا كانت هذه الملايين متفرقة وانانية وكسولة... الخ. وعشرة في المئة من أي شعب إذا تمردت أضرت كثيراً، وسببت إزعاجاً كبيراً للأغلبية والحكومة، فكيف لو تمردت الأغلبية، ولنتذكر دائما أن ما نراه في واقعنا كشعوب هو ما نستحقه، وما زرعناه من خير وشر، فإن كان لا يعجبنا هذا فلنحسن من علمنا ونوايانا وأعمالنا، فسيتغير الواقع، فالمسألة ليست أماني وانقلابات أو ثورات أو اغتيالات لأن الله سبحانه وتعالى جعل لكل شيء سببا فالأسباب الإيمانية لها نتائج طيبة، وكذلك للأسباب المادية ولنعترف أن بعض شعوبنا وحتى حكوماتنا وأحزابنا وجماعاتنا إما تجهل انحرافاتها فتظن أنها تستحق أفضل مما هي عليه أو تريد أن ياتيها الخير من حرية وعدل وغنى وعلم وعزة دون أن تبذل جهداً أو اسبابا أو كلا السببين معا!! وقوة الدور الشعبي واضحة في الحديث التالي: عن ابن عباس رضي الله عنهما- أن معاذا قال. بعثني رسول الله فقال "إنك تأتي قوماً من أهل الكتاب فأدعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم فإن هم أطاعوا لذلك فاياك وكرائم اموالهم واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب"(1) وفي هذا الحديث دليل على أن الحاكم الجديد - معاذ رضي الله عنه - لا يستطيع تطبيق الإصلاح بدون تأييد شعبي فالإصلاح إذن قرار شعبي.
3- من البديهيات القرآنية أن الإيمان والعمل الصالح هما الطريق إلى العزة والقوة والغنى والوحدة قال تعالى: ?إننا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الاشهاد? (51) سورة غافر وأن الكفر والمعاصي هما الطريق للخسران والذل والفقر والتفرق في الدنيا والآخرة، قال تعالى: ?فكُلاً أخذنا بذنبه فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا ومنهم من أخذته الصيحة ومنهم من خسفنا به الأرض ومنهم من أغرقنا وما كان الله ليظلمهم ولكن كانو أنفسهم يظلمون? (40) سورة العنكبوت، والإيمان والكفر والأعمال الصالحة والمعاصي لها ارتباط وثيق بكل البشر أي بالشعوب في حين أن دور الحكومات في المحصلة النهائية للخير والشر هو أقل بكثير من دور الشعوب، وغالباً ما يأتي الخطاب القرآني، موجها للشعوب مثل يا أيها الناس ويا قوم، ويا بني أدم وقوم نوح، وعاد وثمود،... الخ. فإذا رأينا في واقعنا التفرق والاختلاف والذل والفقر فلنتذكر أن هذه نتائج لما في النفوس من انحرافات، وفي الحديث التالي ارتباط بين المعاصي ونتائجها، وفيه كذلك أدلة على أن أغلبية الانحرافات المذكورة شعبية المصدر تحدث من بشر عاديين فعن عبدالله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما أنه قال:
ـــــــــــــ
(1) ص 136 كتاب الزكاة مختصر صحيح مسلم - محمد ناصر الدين الألباني.(57/297)
"كنت عاشر عشرة رهط من المهاجرين عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فاقبل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بوجهه، فقال: "يا معشر المهاجرين، خمس خصال أعوذ بالله أن تدركوهن، ما ظهرت الفاحشة في قوم حتى أعلنوا بها الا ابتلوا بالطواعين والأوجاع التي لم تكن في اسلافهم الذين مضوا، ولا نقص قوم المكيال إلا ابتلوا بالسنين وشدة المؤونة وجور السلطان، وما منع قوم زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء، ولولا البهائم لم يمطروا، ولا خفر قوم العهد إلا سلط عليهم عدوا من غيرهم فأخذ بعض ما في أيديهم، وما لم تعمل أئمتهم بما أنزل الله في كتابه إلا جعل الله بأسهم بينهم" رواه ابن ماجة والحاكم وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير وفي الحديث دليل واضح أن جور أي ظلم الحكومات إنما هو نتيجة لذنب شعبي وهو المكيال قال سبحانه وتعالي: ?وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا بما كانوا يكسبون? (129) سورة الأنعام ولا شك أن شعوبنا قادرة على تنفيذ كثير من قضايا الإيمان والأعمال الصالحة، ولكنها لم تفعل، ولم تلتزم بمبادئها، فالأغنياء بإمكانهم إخراج زكاة أموالهم، والمتعاملين بالربا قادرون على الأمتناع، والأمهات قادرات على تربية أبنائهن تربية اسلامية صحيحة ... الخ ونستطيع أن نقول إن مسئولية تطبيق الشريعة الإسلامية تقع في أغلبها على الشعوب، ولا شك أن الإلتزام بالصلاة هو أحد أهم الأساسيات الإسلامية، كما أنها أحد المقاييس الرئيسية لقياس درجة إيمان وأعمال الشعوب، قال ابن مسعود رضي الله عنه "رأيتنا وما يتأخر عن صلاة الفجر إلا منافق عليم النفاق" وقال الإمام أحمد بن حنبل في كتابه رسالة الصلاة "وجاء الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: أول ما تفقدون من دينكم الأمانة وآخر ما تفقدون منه الصلاة، وليصلين أقوام لا خلاق لهم"(1) وجاء في الحديث
"إن أول ما يسال عنه العبد يوم القيامة من عمله الصلاة فإن تقبلت منه صلاته تقبل عمله وإن ردت عليه صلاته رد سائر عمله"
ــــــــــــــــــــــ
(1) لا خلاق لهم: لا نصيب لهم من الدين ولا من الخير والصلاح.
فصلاتنا آخر ديننا وهي أول ما نسأل عنه غدا من أعمالنا، فليس بعد ذهاب الصلاة إسلام ولا دين فإذا صارت الصلاة آخر ما يذهب من الإسلام فكل شئ يذهب آخره فقد ذهب جميعه".
4- يحكم كثيرا من الدول حكومات منحرفة، فتتذمر الشعوب، وتحدث تغييرات أو انقلابات في أنظمة الحكم، ولكن البديل يبقى سيئأ، فلا تتغير الأوضاع إلا في اتجاهات خاطئة من نوع جديد. فالانحراف الجديد لا يختلف عن الانحراف القديم إلا في الاتجاه والأفراد. وتبقى الشعوب تعاني، ويبقى الفشل والظلم ظاهرين للجميع. والنظرية الخاظئة التي تبني عليها كثير من حركات التغيير السلمية والعنيفة أعمالها هي أن الشعوب بريئة، والحكومات مجرمة، ونعتقد أن هذه النظرية غير صحيحة فالحكومات هي الصورة الحقيقية للشعوب، أي هي ليست نبتا شيطانيا، بل هي مجسم مثالي لعقائد وأخلاق وايجابيات وسلبيات الشعوب، قال الأمام ابن القيم رحمه الله في كتابه "مفتاح دار السعادة": وتأمل حكمته تعالى في تسليط العدو على العباد إذا جار قويهم على ضعيفهم، ولم يأخذ للمظلوم حقه من ظالمه، كيف يسلط عليهم من يفعل بهم كفعلهم برعاياهم وضعفائهم سواء، وهذه سنة الله تعالى منذ أن قامت الدنيا إلى أن تطوى الأرض ويعيدها كما بدأها، وتأمل حكمته تعالى في أن جعل ملوك العباد وأمراءهم وولائهم من جنس أعمالهم، بل كأن أعمالهم ظهرت في صور ولاتهم وملوكهم، فإن استقاموا استقام ملوكهم. وإن عدلوا عدلت عليهم، وإن جاروا جار ملوكهم وولاتهم، وإن ظهر منهم المكر والخديعة فولاتهم كذلك، وأن منعوا حقوق الله لديهم وبخلوا بها عليهم، وإن أخذوا ممن يستضعفونه ما لا يستحقونه في معاملتهم أخذ منهم الملوك ما لا يستحقونه، وضربت عليهم المكوس والوظائف، وكل ما يستخرجونه من الضعيف يستخرجه الملوك منهم بالقوة. فعمالهم ظهرت في صور أعمالهم، وليس في الحكمة
الألهية أن يولي على الأشرار الفجار إلا من يكون من جنسهم، ولما كان الصدر
الأول خيار القرون وأبرها، كان ولاتهم كذلك، فلما شابوا شاب لهم الولاة، فحكمة الله تأبى أن يولي علينا في مثل هذه الأزمان مثل معاوية، وعمر بن عبدالعزيز فضلا عن مثل أبي بكر وعمر، بل ولاتنا على قدرنا، وولاة من قبلنا على قدرهم، وكل الأمرين موجب الحكمة ومقتضاها، ومن له فطنه إذا سافر بفكره في هذا الباب رأى الحكمة الألهية سائرة في القضاء والقدر، ظاهرة وباطنة فيه، كما في الخلق والأمر سواء، فإياك أن تظن بظنك الفاسد أن شيئا من أقضيته وأقداره عار من الحكمة البالغة، بل جميع أقضيته تعالى واقعة على أتم وجوه الحكمة والصواب ولكن العقول الضعيفة محجوبة بضعفها عن إدراكها" ويبقى بعد هذه الكلمات الذهبية أن نقول إن إصلاح الحكومات مهم وضروري، ولكنه لن يحدث تغييرات كبيرة إلا إذا استند إلى قاعدة شعبية صالحة، فلنرفع جميعاً شعار "إصلاح الشعوب أولا".(57/298)
ومن يحتاج أدلة اكثر نقول له: تأمل في أحوال الشعوب، فالشعب العنيف تجد حكومته عنيفة، والشعب العنصري تجد حكومته عنصرية، والشعب المنافق تجد حكومته منافقة، وهكذا، فلتختر شعوبنا ما تريد من عقائد وأخلاق وقوانين ولتتأكد بأن ما تشاهده في حكوماتها هو فعلا ما اختارته وما تستحقه، ولا شك أن من يسمع إلى أقوال الشعوب. ولا ينظر إلى أعمالها ونواياها، أو ينظر نظرة جزئية وليست شاملة قد لا يرى أن الحكومات هي الصورة والشعوب هي الأصل فالقول الشائع بأن "الناس على دين ملوكهم" ليس حقيقة علمية بل الحقيقة هي أن "الحكومات على دين شعوبها"، فلنبدا البداية الصحيحة، أي بإصلاح أفراد الشعب وأحزابه وجماعاته وجمعياته وقبائله وأسره حتى يأتي البناء شامخاً قوياً.
ويحدث هذا الإصلاح إذا زدنا رصيدنا كأفراد وأحزاب ... الخ من العلم بكافة أنواعه ومن العمل كزيادة الإنتاجية والصلاة والأعمال الخيرية... الخ ونصلح نوايانا حتى يكون هدفنا هو رضى الله سبحانه وتعالى.
5- هذا يعض ما قاله أهل العلم:
أ- أخرج أبو الشيخ عن منصور بن أبي الأسود قال سألت الأعمش عن قوله "وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا" ما سمعتهم يقولون فيه؟ قال سمعتهم يقولون إذا فسد الناس أمر عليهم شرارهم، وأخرج أبن ابي حاتم وأبو الشيخ عن مالك بن دينار قال قرأت في الزبور أني أنتقم من المنافق بالمنافق ثم أنتقم من المنافقين جميعا وذلك في كتاب الله قول الله وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا بما كانوا يكسبون، وأخرج البيهقي عن الحسن أن بني إسرائيل سألوا موسى فقالوا سل لنا ربك يبين لنا علم رضاه عنا وعلم سخطه فسأله فقال يا موسى أنبئهم أن رضاي عنهم أن استعمل عليهم خيارهم وأن سخطي عليهم أن استعمل عليهم شرارهم.
ص 46ج3 الدر المنثور في التفسير بالمأثور للإمام جلال الدين السيوطي رحمه الله
ب- قال ابن تيمية: "إن مصير الأمر إلى الملوك ونوابهم من الولاة، والقضاة والأمراء، ليس لنقص فيهم فقط، بل لنقص في الراعي والرعية جميعا فإنه "كما تكونون: يول عليكم" وقد قال الله تعالى: ?وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا?.
ص20ج35 مجموع فتاوى شيخ
الإسلام أحمد بن تيمية
ج- قال حيلان بن فروة "يبعث على الناس ملوك بذنوبهم".
ص59ج6 حلية الأولياء
أبو نعيم الأصفهاني
د- قال الأستاذ أبو الأعلى المودودي رحمه الله: وغير خاف أن الأمة
التي تسمى اليوم بالمسلمين قد جمعت بين أحضانها كل رطب ويابس من
الأفراد والرجال فقد يوجد فيهم كل ما يوجد في الأمم الكافرة من أنواع الطبائع والأخلاق وهم يسابقون الكفار ويزاحموانهم بالمناكب في شهادة الزور في المحاكم، ويبارونهم في اخذ الرشي، وارتياد دور البغاء، وارتكاب السرقة والتجرؤ على غيرها من الأخلاق الذميمة"
ص22 منهج الانقلاب الإسلامي-
ابو الأعلى المودودي
هـ- قال الأستاذ جودت سعيد "وكذلك من المفارقات أن نتطلع بشوق إلى تغيير الواقع دون أن يخطر في بالنا ان ذلك لن يتم إلا إذا حدث التغيير قبل ذلك بما في الأنفس، ونحن مطمئنون إلى ما بأنفسنا، ولا نشعر أن كثيراً مما فيها هو الذي يعطي حق البقاء لهذا الواقع الذي نريد أن يزول. ونحن نشعر بثقل وطاته علينا، ولكن لا نشعر بمقدار ما يساهم ما في أنفسنا لدوامة واستمراره"!!!
ص 15 "حتى يغيروا ما بأنفسهم"
جودت سعيد
و- قال الدكتور أحمد كمال أبو المجد: "إنه مما تفرد به الإسلام ان يبدأ الإصلاح بالدوائر القريبة، ثم يتدرج حتى يصل للدوائر البعيدة"
وقال "إن أمامنا اكثر من معركة ... والمعركة الأولى بكل وضوح هي: معركتنا مع النفس، فالمؤسف أن المسلمين ساكنون، جامدون، حالمون، واهمون، منقسمون على أنفسهم ... ومنكر ذلك عليه البينة ولن يستطيع تقديمها"
جريدة الشرق الوسط
8/7/1994
ي- "كان الشيخ محمد عبده يقول لتلاميذه والأدباء أمثال الشيخ رشيد
رضا والشاعر الوطني حافظ إبراهيم "إن السياسة ضيعت علينا
أضعاف ما أفادتنا وان السيد جمال الدين كان صاحب اقتدار عجيب لو صرفه ووجهه للتعليم والتربية لأفاد الإسلام أكبر فائدة".
ص 141 كتاب محمد عبده تأليف عباس محمود العقاد
س- قال الدكتور أحمد كمال أبو المجد "إن الإصلاح لا يكون أبداً بالوثوب إلى السلطة".
ص11 جريدة القبس الكويتية 30/1/1996
ص- قال عمر بن عبدالعزيز رضي الله عنه "أيها الناس اصلحوا آخرتكم تصلح لكم دنياكم وأصلحوا سرائركم تصلح لكم علانيتكم".
ص 108 كتاب عمر بن عبدالعزيز
للأستاذ خالد البيطار
التاريخ وإصلاح الشعوب
قرأنا تاريخنا كأنه تاريخ لأنظمة الحكم، وليس كتاريخ متكامل لكل جوانب الحياة السياسية والعقائدية والاجتماعية والاقتصادية وعادة ما تربط كتب التاريخ بين الازدهار والتخلف وبين نظم الحكم، وصورت لنا أن الغنى مرتبط برضى الحاكم وصلاحه، والفقر مرتبط بسخط الحاكم وفجوره، وكل هذا بحاجة إلى إعادة دراسة، فالأدلة التاريخية القديمة والحديثة تثبت أن الشعوب الواعية تنتج قيادات واعية، وبهما معا يتحقق الازدهار، أما الشعوب الكسولة والعاصية فإنها تنتج الظلم والفقر والهزائم والقيادات الفاشلة، وإليكم الأدلة:(57/299)
1. عندما وجد الشعب المؤمن في المدينة المنورة أمكن تحقيق المعجزات البشرية، فالانتصارات لا تطغيهم، والهزائم لا تحطمهم، وكانوا أهل رحمة وعدل وجهاد وعلم وأخلاق، وهذه الصفات جعلتهم يبنون دول راقية. فحدث التقدم في عهد النبوة والخلافة الراشدة لوجود شعب صالح، وحكومة صالحة، ويجد من قرأ في تاريخ الصحابة النماذج الشعبية الرائعة، فهذا قدوة في علمه، وذلك قدوة في عبادته، والثالث في كرمه، والرابع في شجاعته، وهكذا وقد مدحهم الله سبحانه وتعالى بقوله: ?كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتهون عن المنكر? وقيل عنهم: "فرسان في النهار، ورهبان في الليل"، وهذا الإلتزام الشعبي بالمبادئ من الطبيعي أن يؤدي إلى بناء دولة عظيمة في عقائدها ونظمها وأخلاقها وقوتها العسكرية، فإذا مات عالم كان هناك غيره كثيرون، وإذا قتل جندي كان غيره آلاف يضحون. وحدث ضعف في عهد الخلافة الأموية وفي أيام الخلافة العباسية في عقائد واخلاق الشعوب، ولكن بقيت صفات كثيرة جيدة فبنوا دولا قوية وحضارة وثقافة وعدلا وانتشر الإسلام في دول كثيرة، ووجدنا كذلك صفحات سوداء فيها نزاعات وجهل وظلم ولكن المحصلة النهائية في هذه الفترة كانت جيدة وهي أفضل بكثير من واقعنا الحالي.
2- يروي أن رجلاً سأل الإمام على بن أبي طالب كرم الله وجهه: لماذا كان الناس في عهد أبي بكر وعمر في أمن واستقرار وفي عهدك اختلفوا وتفرقوا فقال الإمام على ما معناه "لأن رجالهم كانوا مثلي اما الآن فإن رجالي مثلك" فالإمام علي بين ان ضعف الدولة في عهده يرجع إلى عصيان الشعب وتمرده وقلة إيمانه وعلمه ولم يكن بسبب ضعف الحكومة أو جهلها، فالإمام على كان فوق الشبهات في علمه وعمله وقرارته السياسية كانت صائبة وحكيمة، ولكن جودة الحكم في عصره لم تؤده إلى النجاح والاستقرار بسبب الإنحرافات الشعبية الكبيرة، وخطب الإمام علي في هذه الفترة مشهورة، تبين خيبة أمله في كثير من مؤديه وأنصاره، أي في القواعد الشعبية. وقال عبدالملك بن مروان على المنبر "ألا تنصفوننا يا معشر الرعية؟ تريدون منا سيرة أبي بكر وعمر ولا تسيروا في أنفسكم ولا فينا بسيرة رعية أبي بكر وعمر أسأل الله ان يعين كلا على كل". وقد ثبت قديما وحديثاً أن المسلمين يختلفون من فترة إلى أخرى في درجة علمهم وإيمانهم، فقد يبتعدون عن الاسلام كثيراً، فيدخل بعضهم أو كثير منهم في الكفر والشرك والنفاق مع احتفاظهم بأسماء إسلامية وبعض العبادات والعقائد الإسلامية ولهذا نجد أحيانا صفحات سوداء من فتن وظلم وحقد وحسد وطمع دنيوي وقسوة .. الخ. والاسلام برئ من ذلك وكذلك المسلمون الملتزمون وصحيح أن الانحرافات والصراعات قد تحدث بين بعض المسلمين ولكن هذا هو الاستثناء لا القاعدة.
3- قال عثمان بن عفان رضي الله عنه "إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن" هذا القول ليس معناه أن أغلب اوراق الإصلاح بيد السلطان وأن من يحكم سينجح في فرض التغيير على الشعوب. فغاية ما نفهمه من هذه العبارة هو أن للسلطان قوة تردع بعض المنحرفين ممن لا يتأثرون بآيات القرآن لو سمعوها ونحن نؤمن بأن بعض أوراق الإصلاح هي بيد السلطان وأن في صلاح الحاكم والوزراء خير كثير ولكن نؤمن أن الخير الذي بيد الشعوب إذا أصلحت اكثر بكثير واحد الأدلة التي تثبت هذا هو إذا كان للسلطان قوة مالية فإن ما يملكه الشعب اكثر بكثير وإذا ثار الشعب فإن الأنظمة تسقط وهذا دليل اخر على قوة الشعب ومن لديه نصيب اكبر من المال والقوة هو القادر على إحداث التغيير الأكبر.(57/300)
4- قالوا لنا: "الناس على دين ملوكهم" وقالوا إن عمر بن عبدالعزيز رضي الله عنه غير الأمة الإسلامية في عهده ونقول ليس صحيح أن الناس سهل انقيادهم أو يريدون أن يكونوا نسخة من حكامهم، أو يتغيروا كلما تغير الحكام أو الحكومات، وهذا واقع مشاهد في عصرنا هذا، وقدوتنا نحن المسلمين هو الرسول صلى الله عليه وسلم والحاكم عندنا هو قائد له مكانته، وليس من أخلاق المسلمين تقليد حكامهم أو الغرب أو الشرق في سلوكهم أو أعمالهم أو عقائدهم. وقد كان عمر بن عبدالعزيز حاكما صالحاً، وزاد الخير والعدل في عهده، ولكن من الخطأ أن نعتقد أن الدولة الأموية انقلبت رأسا على عقب، أو أن تغييرات جذرية حدثت في شعوب الأمة الإسلامية فإذا وجدت حكومة مثالية فإنها في اعتقادنا لن تستطيع تغيير أكثر من 20% من الواقع نحو الخير، وأما إذا وجدت حكومة منحرفة عقائديا او اخلاقيا فإنها لن تستطيع تدمير وافساد أكثر من 20% من الواقع، أما إذا كان فيها خير وشر فإن تأثيرها سيكون مزدوجا أي أمور تبني فيها، وأمور تهدم فيها على قدر نسبة الخير والشر فيها، ولا شك أن وجود حاكم صالح أفضل من حاكم منحرف، ولكن وجوده سيؤدي إلى تحقيق بعض الانجازات الطيبة، ولن يؤدي إلى إنقاذ أمة فيها عشرات الملايين، وينقلهم من التخلف للتقدم، ومن الجهل للعلم ومن الاختلاف للوحدة... الخ .. قال عمر بن عبدالعزيز رضي الله عنه لابنه عبدالملك عندما طالبه بمزيد من الإصلاحات "والله ما استطيع أن أخرج لهم شيئا من الدين الا ومعه طرف من الدنيا أستلين به قلوبهم خوفا من أن ينخرق على منهم ما لا طاق لي به" وقال "أليس حسنا وجميلا الا تطلع الشمس على في يوم الا أحييت فيه حقا وأمت باطلا حتى يأتيني الموت وأنا على ذلك؟؟"(1) وفي هذين القولين دليل واضح أنه اذا رفضت الشعوب الإصلاح فلن يكون هناك إصلاح..
5- جاءت وذهبت ثورة 23 يوليو دون أن تحدث تغييرات جذرية في
ـــــــــــــــــــ
(1) ص 71، ص 81 كتاب عمر بن عبدالعزيز للأستاذ خالد البيطار.
الشعب المصري فلم يؤمن الشعب بكل شعاراتها وأفكارها، بل آمن بما يريد أن يؤمن به، ورفض ما لا يريد، ففشلت الدعاية الكبيرة للاشتراكية، ولم تستطيع الثورة تحقيق تقدم اقتصادي، ولم تستطع ضمان حتى النجاح في انتخابات حره نزيهة، وهذا وغيره يثبت أنه ليست للحكومات قدرات كبيرة لتفعل ما تريده ووجدنا قوى شعبية كالوفد والاخوان المسلمين يسخرون من شعارات الثورة وقرارتها. وحاولت الحكومة استخدام وسائل كثيرة لإحداث تغييرات جذرية ولكنها لم تنجح مع أنها أممت الصحافة، وألغت الأحزاب، وفتحت المعتقلات، فالتغيير داخل النفس لا يحدث لا بالترغيب ولا بالترهيب فالله سبحانه وتعالى خلق الإنسان حراً، ويبقى إذا شاء حراً حتى لو كانت قشرته الخارجية تتأقلم مع الظروف. وأي حكومة لا تدعمها قوى شعبية ستبقى ضعيفة، ولن تستطيع في الغالب تحقيق إنجازات كبيرة، ولهذا وجدنا ثورة 23 يوليو أضعف بكثير من أن تصمد أمام الأعداء، وإذا كان الشعب يذكر لها ايجابياتها في العدالة الاجتماعية، ومحاربة الاستعمار، ومجانية التعليم وبناء السد العالي فإنه لا ينسى سلبياتها في تدمير الديمقراطية، وحيادية القضاء، وموقفها من الإسلام وعلمائه والمتدينين. والشعوب ترى وتسمع، ولها تاريخ وآمال وعقائد أي ليست عجينة سهلة التشكيل، وكما لم يحدث الوصول إلى الحكم تغيير شعبي في المجتمع المصري، فكذلك لم تنجح الشيوعية في روسيا والصين مع أنهم حاولوا زراعتها بكل الوسائل ولفترات طويلة من الزمن، ولكنهم باؤا بالفشل الذريع ليس فقط لأنها نظرية فاشلة جدا بل لأن التغيير الشعبي لا يحدث بقرارات حكومية وحتى لو وجدت حكومة إسلامية فإنها لن تستطيع تغيير الشعب لا بالترغيب ولا بالترهيب ولا بالإقناع.
6- تعطي الحياة النيابية في الكويت مثالا واضحا على أن قرار
الإصلاح شعبي، فقد انتخب الناخبون لسنوات طويلة وخاصة فيما يسمى
بالمناطق الخارجية نوابا لم يكونوا بالمستوى المطلوب من حيث كفاءتهم
وعلمهم، وهؤلاء لم يأتوا من فراغ، بل جاؤوا كنتيجة طبيعية للمستوى
الثقافي والعلمي السائد في المناطق الخارجية، وعندما زاد الوعي السياسي وحرص شباب القبائل على اختيار الأفضل، والابتعاد عن التعصب القبلي، بدأت عملية التغيير تحدث في الواقع، وبدأنا نجد نواباً أكفاء من المناطق الخارجية. فالقرار الشعبي لا يختار دائما الرجل المناسب في المكان المناسب او أي قرار فيه مصلحة الوطن، بل هو قرار يتأثرها بما في الشعب من اخلاص ووعي، فالسلطة التشريعية هي فرع من الشعب، وكذلك الأمر بالنسبة للسلطة التنفيذية هي فرع من شجرة الشعب، حتى وإن لم تكن سلطة منتخبة، ولأن أغلب شعوبنا ليس لها دور في اختيار حكوماتها، فإننا نظن أن لو كان لها دور لاختارت أفضل الرجال، ونقول هذا لن يحدث في واقعنا الحالي لأننا نجد أعدادا هائلة تختار مرشيحها في المجالس النيابية بناء على الإنتماء القبلي، أو العلاقات الشخصية او الخدمات والمصالح التي يقدمها المرشح.
إصلاح الشعوب - الأدلة العقلية(57/301)
نحن نطالب بالتغيير الحقيقي وليس الظاهري، فتغيير الحكام والحكومات والشعارات والأفراد ليس دليلاً على أننا نجحنا في الإصلاح، فبعض الدول تكون منحرفة إلى اليسار بدرجة ثلاثين درجة، ثم بعد التغيير الظاهري نجدها تنحرف ثلاثين درجة إلى اليمين، فتختفي سلبيات الحزب الواحد، وتظهر سلبيات تعدد الأحزاب، وتختفي إيجابيات يسارية، وتظهر إيجابيات رأسمالية، والمحصلة النهائية هي :كأنك يا أبو زيد ما غزيت" فالتغيير الظاهري هو انتقال الحكم من مدنيين إلى عسكريين، أو مدنيين آخرين، أو العكس أو تغيير وزير أو مدير أو ناظر مدرسة أو رئيس حزب، والتغيير الحقيقي هو الذين يكون في عقائد الشعب وإنتاجية الموظفين وإخلاص المدرسين واجتهاد الطلاب... الخ ونحن الشعب والموظفين والمدرسين والطلاب فلنقنع أنفسنا بأن نتغير إلى الأفضل، ونقول للذين يطالبون بالإمام العادل، والحكومة العادلة، إن هذا لن يتحقق إلا إذا قمنا كشعوب بإنشاء أحزاب عادلة وجماعات عادلة، وقبائل عادلة وأسر عادلة، وأفراد عادليين وصحفيين موضوعيين... الخ. وإذا عجزت الشعوب عن حمل واجباتها ومسئولياتها، فإن الحكومات ليست لديها القدرة على تغيير نفوس الشعوب، وإليكم بعضا من الأدلة التي تثبت هذا الرأي:
1- جعل الله سبحانه وتعالى أمور الحياة الدنيا تسير حسب سنن إيمانية ومادية من أخذ بها نجح كليا أو جزئيا بحسب ما أخذ ومن هذه السنن أن الله لم يعط الحكومات قدرات هائلة، أو أقوى مما أعطى الشعوب، فكم حكومة حاولت أن تستمر في الحكم فلم تنجح، وكم حكومة واجهت مشاكل اقتصادية فلم تدر ما تفعل، وهذا الضعف والفشل والحيرة تثبت أن قدرتها محدودة، فالحكومات في
الغالب لا تزيد قوتها على تغيير الواقع نحو الأفضل أو الأسوأ عن نسبة 20% فكل سلطة سواء كانت حكومة أو مديراً أو ناظراً أو رب اسرة أو قائدا عسكرياً ستواجه الضعف أو الفشل إذا قال لهم مرؤسوهم "لا" فالضابط لا يستطيع أن يفعل شيئاً إذا تمرد الجنود. والأب لا يستطيع
فرض قناعاته على أبنائه الكبار.... الخ، وإذا وجدت مؤسسات أو تكتلات سياسية تتحكم بها الحكومات فأغلبها هي مؤسسات صورية غير شعبية. فالأبناء والأحزاب والجماعات... الخ يتحركون بناء على عقائدهم ومصالحهم واقتناعاتهم، وكثيراً ما تذهب نصائح الأب أدارج الرياح مع وجود الاقتناع بصدقه وإخلاصه، وكذلك تفعل الشعوب حتى مع الحكومات المخلصة، فكيف مع التي لا تكون كذلك؟ فالحكومات لا تصنع الشعوب. وحتى لو وجدت حكومات إسلامية وحاولت فرض الاقتناع والايمان على الشعوب فإنها لن تنجح، وليس صحيحا أن الشعوب ستلتزم بالإسلام إذا كان هناك إعلام إسلامي وقوانين إسلامية، فالشعوب إذا أرادت أن تنحرف عقائدياً أو أخلاقيا فإنها ستنحرف حتى لو حاولت الحكومات أن تردعها، فالانحرافات تحدث من الأفراد والشعوب لأن هناك ضعف إيمان، ومما يثبت هذا أن الفرد الملتزم يتمسك بدينه حتى في أوربا وامريكا حيث كل المغريات متاحة، ولا توجد قوانين إسلامية، فمن لا يعبد الله شكراً لنعمه ورغبة في جنته وخوفا من ناره، هل سيعبده لأن الحكومة أمرت بذلك خاصة وأن كل إنسان عاقل يعلم أن إمكانيات الحكومة في الترغيب والترهيب ضعيفة مهما كبرت.
2- يعلم من لديهم خبرة في العمل الحكومي أن صلاحيات الوزير
أو وكيل الوزارة محددة بحكم الدستور والقانون والتوزان الاجتماعي
والسياسي فبعض الوزارء لا يستطيع فصل موظف صغير مهمل إذا كان لهذا الموظف علاقات سياسية أو اقتصادية قوية، وما دام الوزير لا يستطيع أن يكافئ ويعاقب ويغير القوانين واللوائح كما يشاء فإنه لن يستطيع تغيير الواقع كما يشاء. والحكومات هي مجموعة من الوزارات، وكل وزارة
أو مؤسسة حكومية هي أفراد متنوعون في أفكارهم وعقائدهم ومصالحهم وأصولهم العرقية والطبقية، فهناك مراكز قوى تتنافس، وهناك تكتلات إدارية أو سياسية أو صداقات، وهناك اجتهادات مختلفة وصراع على المراكز، فالنوايا والأعمال والاجتهادات لا تسير كلها في مصلحة الوزير أو الحكومة. وهذا يثبت أن الجهاز الحكومي صورة مصغرة من واقع الشعوب، فموظفو الحكومة هم أبناء الشعب، تأثروا بعقائده وقيمه وأعرافه، فالتصور بأن لدى الوزارء من الصلاحيات والإمكانيات والجنود (الموظفين) ما يؤهلهم لإحداث تغييرات جذرية كثيرة في الواقع، أو حتى في وزاراتهم هو تصور خاطئ. ونجاح أي وزارة أو شركة هو أساساً في نوعية شعبها (الموظفين)، وهذا ما أدركه مدير شركة أجنبية ضخمة عندما وجد صعوبة في أن يؤدي كل الأعمال المطلوبة منه، فقد اقتنع أن أساس النجاح هوأن يحرص على توظيف المتميزين، وهؤلاء يتقنون أعمالهم، وبالتالي فستنجح الشركة، وكذلك الحكومات تنجح إذا كان الشعب وموظفوها متميزين. وقال مدرب كرة قدم: أعطني لاعبين متميزين أعطيك خططا ناجحة.(57/302)
3- يستطيع الإنسان إحداث تغييرات جذرية في علمه وأخلاقه وأعماله، ولكنه غالبا لا يستطيع إحداث تغيير جذري واحد في حياة ابنه أو أخيه أو زوجته، والأمر أصعب لو حاول إحداث هذا التغيير في جيرانه أو منطقته فكلما اتسعت الدوائرة ضعفت قدرة الفرد على إحداث التغيير لأن للآخرين آراهم ومصالحهم وتجاربهم الشخصية، وكذلك الأمر مع الحكومات، فقدرة الحكومة على تغيير بعض أجهزتها وموظفيها قد تكون ممكنة ولكن قدرتها على تغيير عقائد وبرامج واقتناعات أحزاب وجماعات وقبائل وطبقات اجتماعية هي قدرة محدودة، وحتى هذه القدرة المحدودة منطقياً وطبيعياً قد تضعف إذا عارض محاولة استخدام هذه القدرة أعداء خارجون أو أوضاع سياسية معينة. وكثير من الحكومات تقتنع بأفكار وقرارات سياسية أو اقتصادية ومع هذا لا تستطيع التصريح بها خوفا من الثورة الشعبية. وأغلب هذه الحكومات تحاول الحصول على تأييد شعبي لما تريد عمله فإذا نجحت طبقت أفكارها، وإذا فشلت تخلت عنها، وهذا يثبت أن قرارات الإصلاح أغلبها بيد الشعوب فإذا كانت الشعوب تخاف من الحكومات، فكذلك الحكومات تخاف من الشعوب!!
4- لم تأت القوة الاقتصادية الهائلة في الولايات المتحدة من عمل واجتهاد الحكومة وإنما جاءت من نشاط الشعب وشركاته، فالشعب الأمريكي شعب نشيط، والشركات والمؤسسات كلها تقريبا أهلية، وميزانية الحكومة الأمريكية تأتي مما تأخذه من الشعب من ضرائب، أى أن غنى الغرب مصدره شعبي، وليس حكومياً، فالشعب الأمريكي أدرك أن قوة الدولة هي في عضلاته لا عضلات الحكومة، وإدراكه لهذه الحقيقة جعله يحقق نتائج هائلة في كثير من المجالات، والواقع الأمريكي هو واقع واضح ومكشوف، تظهر فيه العلاقات واضحة بين الأسباب الحقيقية والنتائج، والشعب الأمريكي ليس فقط أغنى من الحكومة، بل هو أيضا أقوى منها، ويغير حكامه وحكوماته كما يشاء، ويعاقبهم إذا انحرفوا، ولو كانت الحكومة أقوى منه لما تخلت عن السلطة، ولكنها تعلم أنها أضعف بكثير من شعب متحد واع، فالتقدم السياسي والاقتصادي الامريكي هو من صنع الشعب، وكذلك ايضا بالنسبة للتقدم العلمي والتكنولوجي، وفي نفس الوقت التخلف العقائدي والاجتماعي الأمريكي هو أيضا من صنع الشعب، ولا زالت وللأسف أغلب شعوبنا تعتقد أن الغنى سياتي بقرارات حكومية، وتطالب الحكومات بأن توفر لها المأكل والمسكن والملبس والتعليم والعلاج والوظائف، والحكومات لا تستيطع أن تفعل كل هذا حتى الغنية منها، لأن الموارد المالية مهما كبرت فهي صغيرة جداً أمام احتياجات الشعوب.
5- لنفترض أن عندنا قريتين وكان أهل القرية الأولى نوعية متميزة من البشر، أخلاقهم عالية ويحبون بعضهم البعض ويشغلون أوقاتهم بالعلم والرياضة والعمل وتربية الأبناء في حين أن أهل القرية الثانية منحطون أخلاقياً،
وإنتاجيتهم ضعيفة، وينتشر فيهم الطمع والنفاق والحسد. ولنفترض أننا
أرسلنا حكومتين صالحتين لهاتين القريتين ثم زرناهما بعد عام،
فمن المتوقع أن نجد أن حكومة القرية الأولى وشعبها حققوا نتائج طيبة،
وإنجازات رائعة، في حين أن إنجازات حكومة القرية الثانية وشعبها
محدودة، هذا بالإضافة إلى منازعات وصراعات أو حروب أهلية، وسنجد وزيرا في الحكومة يشكو من انه لم يجد من يتبرع لمشروع مستوصف فأهلها بخلاء، وسنجد وزيراً آخر يشكو من أن الاختلاسات افقرت ميزانية وزارته، وهكذا في حين أن العكس حدث مع حكومة القرية الأولى، وإذا أضفنا على أهل القرية الأولى بعض الانحرافات وإلى أهل القرية الثانية بعض الفضائل حتى نجعلهم بشراً لا ملائكة، ولا شياطين، فإن توقع مثل هذه النتائج يثبت أن أغلبية الواقع من صنع الشعوب.
لماذا اتهموا الحكومات؟
إيماننا بأن الحكومة هي صورة في المرأة لجسم متحرك أمامها اسمه الشعب، فإذا كانت الصورة قبيحة فعلينا إصلاح الشعب لا تحطيم المرآة، لأن أي مرآة جديدة ستعطينا نفس الصورة السابقة، هذا الإيمان يكفر به كثيرون لأن الحكومات عندهم مذنبة ومسئولة عن كل سلبيات الواقع، والشعوب بريئة وواعية وصادقة، ونشيطة والاختلافات بيننا جاء في اعتقادنا للأسباب التالية:
1- تسلط الأضواء على أقوال وأفعال الحكومات مما يجعل إيجابياتها وسلبياتها معروفة للقريب والبعيد، وبما أن للسلبيات ثمناً كبيراً عند الشعوب، وخاصة عند من يحاكمون الواقع بمقاييس مثالية، فإن من السهل في كثير من الأحيان إثبات السلبيات والأخطاء والإنحرافات الحكومية أما سلبيات الأفراد والجماعات والأحزاب والقبائل والشعوب فنادراً ما تسلط عليها الأضواء لأسباب اجتماعية وسياسية وقانونية، وإذا سلطت فننسى أنها سلبيات شعبية، فالشجاعة الأدبية مفقودة، ونحن نعلم أن كثيراً من الحكومات لا تلتزم بالمبادئ، ونعلم أيضا ان كثيرا من الأحزاب والجماعات والشعوب يفعلون ذلك، فينحرفون نتيجة مصالح أو جهل أو ضعف أو كسل، وغير ذلك. ولو سلطنا الأضواء على بعض هذه السلبيات الشعبية لأصبحنا منبوذين. ألم يقولوا قديما "لوقلت الحق لأبغضوك" ورحم الله الإمام الشافعي الذي قال:
نعيب زماننا والعيب فينا وما لزماننا عيب سوانا(57/303)
ونهجوا ذا الزمان بغير ذنب ولو نطق الزمان لنا هجانا
وليس الذئب يأكل لحم ذئب ويأكل بعضنا بعضا عيانا(1)
ومما جعل هذه الحقائق تغيب عن كثيرين أن كثيراً من الحكومات لا
ـــــــــــــــــ
(1) عياناً: مشاهدة.
تنتقد شعوبها بل تمدحهم وتجاملهم، وتعتبر ذلك جزءا من السياسة الحكيمة والمفروض أن تقول لست وحدي المقصرة فأنتم مقصرون، ولكم أخطاؤكم وانحرافاتكم، فنوعية الأبناء التي نشاهدهم تثبت أنكم قصرتم كثيراً في تربيتهم، وكثير جدا من المدرسين والموظفين والعمال لا يؤدون حتى نصف المطلوب منهم ولا يتقنون أعمالهم ونسبة مرتفعة من التجار لا تدفع زكاة أموالها، ولا تهمها المصلحة الوطنية، أما أعداد المنافقين فحدث عنها ولا حرج!!! وقد كان أبو جعفر المنصور الخليفة العباسي يقول: "كلكم يمشي رويد كلكم يطلب صيد غير عمرو بن عبيد". وقد قال عبدالملك بن مروان على المنبر: "ألا تنصفوننا يا معشر الرعية؟ تريدون منا سيرة ابي بكر وعمر ولم تسيروا في انفسكم ولا فينا بسيرة رعية أبي بكر وعمر، أسأل الله أن يعين كلا على كل".
2- أدت عوامل سياسية وشخصية ونفاقية إلى إرجاع أي إنجاز طيب إلى مجهود الحكام والحكومات، وتهميش أو إلغاء الدور الشعبي مع أنه الأصل، فهم العمال والإداريون والمهندسون لهذه الأعمال، فالحكومات أضافت إلى رصيدها أكثر بكثير من حقها، وأضافت إلى عضلاتها عضلات وهمية كبيرة، فكسبت ثناء زائفاً، فكان من العدل ومن شؤم هذه المعصية أن ينسب كل انحراف أو خطأ أو فشل إلى الحكومات، وأدى الاستبداد كذلك إلى إيجاد بيئة ملوثة انتشرت فيها الإشاعات والحكايات التي تشوه الحكومات، قال الأستاذ حسين أحمد أمين: "ولا ريب عندي في أن ضخامة التوقعات التي تعلقها الرعية على كل عهد جديد مع افتقارها إلى كل من الواقعية والمنطق تنطوي على إجحاف شديد بالحاكم الوافد. والواقع أن الاستبداد والمركزية المفرطة في نظم الحكم في كثير من الدول الإسلامية هما المسئولان عن توهم الشعوب أن كافة شئون حكمهم منوطة بإرادة الحكم، وأن تغيير الحكومة لا بد أن يؤدي إلى تغيير في كافة هذه الشئون، وغالبا ما تنسى هذه الشعوب أن الحاكم إنما يرث عن سلفه تركة مثقلة بالدين، وأن الكثير من المشكلات قد لا يكون له علاقة بالحكومة ذاتها"(1).
3- الحكومة هي شيء واضح ومحدد له سلطاته ومجالسه وقراراته المعلنة، ولكن الشعوب وخاصة في الدول النامية غير ممثلة في مجالس نيابة إلا ما ندر، فكأنه لا حول لها ولا قوة وهذه الصورة الظاهرية ليست صحيحة، فالشعب هو الموظفون والجنود والأحزاب والجماعات والجمعيات فهو موجود، ويشارك في صناعة الواقع بأفعاله وأقواله وعقائده. فعدم وجود مؤسسات شعبية رسمية، أو عدم وجود قرارات شعبية معلنة ليس معناه أن الشعوب غائبة بل معناه أنها لم تطالب بحريتها وأن القوى الشعبية مختلفة لا تتفق على قرارات وكثير من أوضاع الدول النامية تثبت أن جزءاً من الشعب هو الذي يسيطر وينفرد في القرار، أي أن الحكومة ذات جذور شعبية سواء كانت هذه الجذور حزباً شعبياً أو عرقاً، أو طبقة أو طائفة، أو غير ذلك، ونادراً ما توجد حكومة لا تنال تأييد بعض القوى الشعبية. وعموما فالحكومات المخلصة والذكية هي التي تعطي دوراً كبيراً وبارزاً للشعوب في المناصب والمصالح والقرارات لأن في ذلك فوائد كثيرة لعل أهمها أن تُبعد بعض اصابع الاتهام الظالمة عنها.
4- غالبا ما تكون القوى الشعبية السياسية بعيدة عن السلطة والمال
والعمل وقريبة من الشعارات والكلام والخيال، ولا شك أن أغلب أو كثيراً من القوى الشعبية تجيد الخطب وإعطاء الوعود، والعزف على أوتار الإصلاح، ومصالح الشعوب ولكن هذا لا يعني أن كلها مخلصة وواعية وذكية ونشيطة، وانها لو وصلت إلى الحكم فسوف تحقق المعجزات، وهذا ليس تجنياً عليها، بل هو واقع شاهدناه مراراً، فكثير من القوى الشعبية
ــــــــــــــــــــ
(1) ص 137 دليل المسلم الحزين - الأستاذ حسين أحمد امين.
وصلت للحكم، ولكن تحول كثير من قادتها إلى مستبدين ومجرمين ولصوص، فالصورة المثالية للقوى الشعبية ليست صحيحة إذا سلطنا عليها نار المناصب والمال والشهرة. فالصورة المثالية للقوى الشعبية جعلتنا نراها أجمل مما هي عليه، وجعلتنا نرى الحكومات بأقبح مما هي عليه، فالأولى تشق طريقها من خلال الكلام الجميل، والثانية تصطدم في سيرها بواقع مرير وهذا جعل الكثيرين يظنون أن الحكومات هي العائق أمام التطور والتقدم. وندعو إلى تشجيع القوى الشعبية للانتقال من الحياة في عالم الشعارات الجميلة إلى عالم العمل والإنتاج والمواقف المحددة والتصورات الواضحة ونحن لا نريد أن نحرج أحداً أو ندعو للتشاؤم، ولكن نريد أن نرى الواقع بصورة صحيحة ونريد أن تتطور القوى الشعبية من خلال العمل ولنتذكر قول الشاعر:
ما أكثر الأصحاب حين تعدهم لكنهم في النائبات قليل(57/304)
5- كثير من السلبيات يتحملها اكثر من طرف، فهناك أكثر من مسئول عن السلبية الواحدة، وإذا كان هناك طرفان حكومي وشعبي، فإن كل طرف يحاول ان يلقي المسئولية على الطرف الآخر فإذا سألت طالبا فاشلا عن سبب فشله اتهم بعض مدرسيه أو الناظر، وإذا سألت امرأة مطلقة عن سبب فشل زواجها اتهمت زوجها بأنه السبب، وكذلك يفعل الزوج. ولو سألنا شعوبنا لماذا لا نجد التقدير المناسب للعلماء والمفكرين لألقوا اللوم على الحكومات بأنها لم تشجعهم معنويا وماديا، وقد يكون هذا صحيحا، وقد لا يكون، ولكن الصحيح أن كثيراً من
العلماء والمفكرين ينتقلون من بلد إلى بلد، فلا يعرفهم أحد، بل إن بعضهم مجهولون حتى في بلادهم، وكثير من كتبهم لا يقرأها إلا قلة، ولا تحقق ربحا في حين نجد أشرطة غنائية أو أفلاماً لممثلة تافهة تحقق أرباحاً طائلة، ونجد المعجبين يستقبلون الممثلة في المطار، والأسواق، ونجد تذاكر حفلة لراقصة تنفذ خلال ساعات ويحق لنا التساؤل لماذا هذا التأييد الشعبي ومن أجبر الشعوب على أن تتجاهل العلماء؟ وسنصل في النهاية إلى الاقتناع بأن كثيراً من أوراق الواقع هي بيد الشعوب.
6- هناك إرث تاريخي مشوه يربط بين التغيير نحو الأحسن وبين الثورات والانقلابات، وهذا التأثير التاريخي نابع من التاثر بالثورة الفرنسية وشعاراتها الجميلة، وبالثورة الروسية الشيوعية وبثورات وانقلابات قديمة وحديثة في تاريخنا وهذا جعل كثيراً من الشباب يقتنع بأن التغيير نحو الأحسن يجب ان يبدأ بالثورة والعنف، وحتى أصبحت هذه من البديهيات الإصلاحية، ولكن هل كانت الثورة الشيوعية تغييراً نحو الأحسن أم أنها كانت تغييراً نحو الأسوأ بعد أن ثبت فشلها بعد سبعين سنة من التطبيق في روسيا؟ أما الثورة الفرنسية فقد كانت لها ايجابيات كبيرة وكذلك سلبيات كبيرة فالثورة لا تؤدي بالضرورة للتغيير نحو الأحسن، ولو كانت كذلك لكانت أغلبية أنظمة الحكم في العالم عادلة ومثالية لأن التغييرات العنيفة موجودة في كثير من الدول، فالعنف قد يؤدي إلى التغيير نحو الأحسن أو الأسوا أو يبقى الأوضاع كما هي، ومن الملاحظات أن هناك اقتناع بأن إزالة نظام حكم ظالم ستؤدي حتما إلى إيجاد نظام أفضل، وقد يكون ذلك راجعا لفطرة الناس المتفائلة، لكنهم لو صبروا خمس أو عشر سنوات على الحكم الجديد لربما اقتنعوا أنه لم يكن تغييرا نحو الأفضل، فالحكم على تغيير عنيف أو سلمي بانه إيجابي أو سلبي عملية تتطلب التعرف على حقائق كثيرة عقائدية وسياسية واجتماعية واقتصادية قبل التغيير وبعده وهذه من الأمور الصعبة لأن هناك أسرار، ونادراً ما نجد الموضوعية والعلم فيما يكتب من آراء وكتب ودراسات، فكثير من التغييرات التي حدثت في عالمنا العربي لا زلنا مختلفين حول إيجابياتها وسلبياتها، ونحن بحاجة إلى رفض التسليم بأن هناك علاقة إجبارية بين التغيير نحو الأحسن وبين العنف والثورة، وبحاجة إلى تسليط الأضواء على التغيير نحو الأحسن الذي يحدث في أوضاع سلمية وهو موجود في كثير من الدول وأنتج أمناً واستقرارا وتقدماً اقتصادياً وحكمة، ونحن لا نتطرف في تبني المفهوم السلمي للإصلاح ولا ننفي أهمية الجهاد ولكننا نؤمن بأن الإصلاح السلمي هو القاعدة وأن الجهاد يجب أن يكون في مكانه الصحيح ونؤمن بأن البقاء في الحكم أو الخروج من يخضع كأي عمل آخر لأسباب إيمانية ومادية، فقد يبقى الله سبحانه وتعالى الحكومة الظالمة كجزء من الإمهال، أو كعقوبة لانحرافات شعبية، فالله سبحانه وتعالى هو المتحكم بالأمور، وقد رأينا أنظمة حكم تنهار في كثير من الدول في هذا القرن مع أخذها بكثير من الأسباب المادية، فأجهزتها الأمنية متطورة، وصرفت الكثير من المال في كسب الولاء العسكري والمدني، ومكرت في الإعلام والسياسة، ولكن عندما أذن الله سبحانه وتعالى بخرابها جاءها الدمار من عدو خارجي، أو مؤامرة عسكرية، أو ظروف سيئة، أو اغتيال أو مرض خطير، أو غير ذلك قال تعالى: ?قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير? (26) (سورة آل عمران).
التخلف العلمي الشعبي
نصيب أي أمة من التقدم والسعادة يعتمد على رصيدها من العلم والعمل والإخلاص. ولأننا من المقتنعين بأن ما نشاهده في واقعنا من خير وشر هو ما نستحق وهو مرتبط بما عندنا من علم وجهل، ومن عمل وكسل ومن إخلاص ونفاق كشعوب وكحكومات وبأن التأثير الأكبر في الواقع راجع للشعوب، فمن الواجب أن نقدم الأدلة التي تثبت بأن هناك تخلفاً علمياً شعبياُ ساهم بصورة كبيرة في جزء كبير من التخلف والشقاء والتفرق الذي نعيشه وإليكم الأدلة:(57/305)
(1)- لا شك أن أهم أنواع العلم هو معرفة عقائد الإسلام وأحكامه، وهناك جهل شعبي كبير في ذلك، ومع أنه لا يوجد ما يمنع الشعوب والأمم الإسلامية من التعرف على دينها، وزيادة رصيدها العلمي إلا أنها لم تفعل، فالكثير من المثقفين وغير المثقفين يجهلون أساسيات في علم التوحيد، فهم يظنون مثلا أن كل من يؤمن بوجود الله فهو مؤمن، مع أن كفار قريش كانوا يؤمنون بوجود الله أي أن معاني الشرك غير واضحة لهم، ولو سألتهم عن الاختلافات العقائدية التي حدثت للأمة الإسلامية لما عرفها كثير منهم، فبعضهم لا يدرك خطورة الصوفية وشطحاتهم في الكرامة والولاية والعبادة، وكثيرون هم الذين يجهلون الفرق بين الانتماء والتعصب العرقي، وبين الشورى والاستبداد وبين الأحاديث الصحيحة والموضوعة، وبين الالتزام والتطرف، وبين الزهد والتصوف، والجهل في الأحكام الاجتماعية والاقتصادية حدث عنه ولا حرج، وهذا التخلف تم استغلاله من اتجاهات علمانية وشيوعية ورأسمالية ومتطرفين سواء وجدوا في حكومات أو اتجاهات أو أحزاب أو جماعات، فصبغوا أفكراهم المنحرفة بصبغة إسلامية أو أوهموا الشعوب بأنها لاتعارض الإسلام فصدقت الشعوب ذلك، فأصبحت فريسة سهلة لأعداء الأمة، وأهل المصالح والبدع، بل وصل الجهل إلى أبعد من ذلك حيث استطاع هؤلاء تشويه سمعة علماء واعين
وصادقين، وشوهوا عقائد صحيحة وأنظمة صادقة، ففقدت الأمة قياداتها الفكرية والسياسية!!
وما دام الجهل بهذا الحجم، فمن الطبيعي أن يختلف المخلصون فالجهل يفرق والعلم يوحد، ومن الطبيعي أن تكون أحد القواعد الأساسية للواقع العربي هي. (اتفق العرب على ألا يتفقوا) وقد يظن البعض أننا نبالغ في ما نقول، وجوابنا هو احضروا مئة عربي مثقف من المخلصين وأسألوهم أسئلة محددة في موضوع العلاقة بين الإسلام والقومية، ثم قوموا بتصحيح إجاباتهم فستجدوا إجابات مختلفة ومتناقضة بصورة كبيرة، وهذا التناقض دليل قاطع على الرسوب والتخلف والجهل، ونحن لا نفترض هذه النتيجة بل هي حصيلة قراءات كثيرة ولقاءات ودراسة حول هذا الموضوع(1). ولو وجد الوعي العلمي الشعبي لما اختلف المخلصون. ولما استطاع الاعداء تشويه أفكارنا أو نشر أفكارهم والمسئولية كما قلنا في هذا التخلف تقع على الشعوب فلا أحد يمنعها من أن تتفقه في دينها وواقعها، ولكن الكثيرين منها انشغلوا في جمع المال أو في السعي نحو المناصب أو الشهوات أو فضلوا النوم والكسل أو في قراءة الجرائد والمجلات لا الكتب والمراجع والجهل بالإسلام ليس فقط عند عموم المسلمين بل هو موجود عند كثير من الملتزمين حيث نجد تعصباً لعلماء أو فهم مثالي وعاطفي للتاريخ، أو رفض للاجتهاد في الرأي، أو تضعيف لدور العقل!!
2- لا شك أن أفراد المجتمعات الغربية، ولا أقول الحكومات، هم متطورون في علوم التكنولوجيا، والإدارة والتخطيط والاقتصاد والتجارة والزراعة... الخ مقارنة معنا كأفراد، ونحن نعلم أن كثيرا من هذه العلوم متاح لنا، ونستطيع إكتسابه من خلال الدراسة والقراءة والتدريب، فهل
ـــــــــــــــــــ
(1) يمكن الرجوع إلى كتاب "الطريق إلى الوحدة الشعبية ... دعوة لبناء الجسور بين الاتجاهين القومي والإسلامي" لعيد الدويهيس.(57/306)
اجتهدنا في ذلك؟ الأجابة معروفة. فالظن بأننا نملك كفاءات علمية كثيرة ظن خاطئ، وعلى شعوبنا أن تدرك هذه الحقيقة، فالفرق بين شعوبنا والشعوب الغربية في المجال التكنولوجي يزيد عن قرنين على الأقل، أما في علوم الإدارة فعلى الأقل قرن واحد، وقد يكون الفرق أكبر من ذلك، والفرق هنا كما ونوعا، فزيارة واحدة لمعاهد بحثية غربية تكفي للاقتناع بذلك. ومن الأمثلة التي تصلح كدليل على صحة قولنا هو عمل دراسة لتقييم الرصيد الشعبي من علم التخطيط، هذا العلم الذي يعتبر أحد العلوم الرئيسية وإذا عملنا هذه الدراسة فسنجد ثقافتنا التخطيطية هزيلة، فالفرق بين الرسالة والتوجه والأهداف غير واضح، أما مفاهيم الاستراتيجية والسياسات والإجراءات فهي متناقضة، والتكامل بين الخطط الطويلة والقصيرة ليس عندنا به خبرة، ولا يوجد تقارب في تحديد المسئولين عمن يضعون الخطط، ودور وأهمية المعلومات والدراسات في العملية التخطيطية موضوع لم يسمع به كثيرون منا، أما الأدوات التخطيطية فلا ندري عنها شيئا، ومع هذا نخطط لمؤسساتنا ووزاراتنا ودولنا مع أن كثيراً منا لم يتخصصوا في علم التخطيط، وإصدار الفتاوى والآراء لا يحدث في هذا المجال فقط بل أيضا في مجالات كثيرة فنجد سياسيين وصحفيين يتحدوثون في قضايا إسلامية ولا علم كافياً لهم في العلوم الشرعية، ونجد علماء في الشريعة يتحدثون في السياسة، ومهندسين وأطباء يفتون في العلوم الإدارية، وأحزاباً، وجماعات وأفراداً يتخذون مواقف سياسية مع أو ضد دون معرفة بالواقع السياسي، فيكتشفون بعد سنوات طويلة أنهم كانوا مضللين، وهكذا تجد تصرفاتنا وآراءنا اشجاراً جذورها تمتد في بحيرات الظنون والانفعال والسذاجة والمعلومات المزورة والمثالية، وبإختصار إن رصيد شعوبنا من العلم بكافة أنواعه هو رصيد قليل لا يتناسب مع طموحاتنا وآمالنا، وإذا أدركنا ذلك سنقتنع أكثر بأن إصلاح الواقع يتطلب أولا إصلاح رصيدنا الشعبي من العلم والجهل والإخلاص، وبإمكاننا إذا أردنا أن نبذل كثيراً من الجهد في القراءة والتدريب والدراسة والعمل وحتى نختصر الطريق ونحقق قفزات علمية فإننا نقترح ما يلي:
أ- بناء ثقافة إسلامية صحيحة: يتطلب الوعي الفكري والسياسي دراسة الإسلام دراسة صحيحة، فالبحث عن الحقائق في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة هو طريقنا للعلم والنور والحقائق العقائدية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية وإذا فعلنا ذلك فسنسير على بصيرة وحكمة في علم التوحيد، وعلم العدل، وعلم الحرية، وعلم الشورى، وعلم السعادة وسنعرف صفات المخلصين، وصفات المنافقين، وسنعرف ما نأخذ من حضارة الغرب، أو من تراثنا، وما ندع وكيف نطبق الشريعة الإسلامية وما هي أولويات العمل الشعبي والحكومي؟ وسنعرف الفرق بين الشريعة والفقه وبين الحريات الشخصية والفوضى الأخلاقية، وبين الاعتدال والتطرف، وبين التفكير العقلي السليم والظلام العلماني، وبين حقوق المرأة وحقوق الرجل، وغير ذلك كثير. والقرآن والسنة هما دستور الأمة وقوانينها، وهما المرجع إلى حل كثير من الاختلافات الموجودة عن طريق استشارة وتحكيم مجالس للعلماء المخلصين الواعين وبدون ذلك ستتحكم الآراء الشخصية والمصالح، ولن نصل إلى تعاون واتفاق ونحن لا ندعو إلى تجميد عقولنا، وتسليم أمرنا للعلماء فالطاعة العمياء مرفوضة شرعا فالعلماء ليسوا معصومين ولكن العلماء هم ورثة الأنبياء واخلاصهم له دور كبير وأساسي في التقدم والاستقرار، والموضوعية والحكمة والصواب، ومن العلماء والمفكرين المتميزين في عصرنا هذا الدكتور أحمد كمال أبو المجد، والاستاذ عبدالرحمن عبدالخالق، والشيخ محمد الغزالي والدكتور عمر الأشقر، والدكتور يوسف القرضاوي، والشيخ محمد ناصر الدين اللباني، والاستاذ فهمي هويدي فلنبدأ من حيث انتهى هؤلاء ولنأخذ من اجتهاداتهم وآرائهم ما نقتنع به ولنحترم ما لا نقتنع به.
ب- العلوم المادية: الأخذ بالأسباب المادية واجب إسلامي، والأمة
تواجه اليوم تخلفاً شديداً في العلوم التكنولوجية والإدارية والتجارية... الخ.
وكما نحتاج إلى فقه في أمور الدين فنحن بحاجة إلى فقه وعلم في أمور
الدنيا، فمحمد الفاتح لم يفتح القسطنطينية بالتقوى(57/307)
والدعاء فقط بل أيضا بالفنون العسكرية المناسبة، وأمة لا تنتج غذاها ستبقى أمة ضعيفة، وجبهة العلوم المادية بحاجة إلى جنود كثيرين يتوزعون في المصانع والمزارع والمؤسسات والوزارات، وكثير من المعلومات والمهارات المطلوبة متاحة ويمكن الوصول إليها عن طريق الدراسة والقراءة والتدريب والشراء، وحتى ما هو ممنوع من أسرار تكنولوجية عسكرية أو مدنية يمكن الوصول لها بالعمل بالمستمر والصبر والمال والتجارب، وقد يقول قائل إن البيئة عندنا في العمل لا تشجع على اكتساب هذه العلوم، ونقول ان كثير من هذه العلوم متاح، ويباع في مكتبات وطنية أو أجنبية، فأقرأ وتعلم وشاور العلماء المتخصصين والخبراء الفنيين، أما بالنسبة للتطبيق فأنه بالإمكان تطبيق بعض الطموحات حتى في ظل الظروف التي تعيشها أكثر دولنا، فهناك شركات اسثمارية، وصناعية، وزراعية، بحاجة إلى خبرات متميزة ولا تجدها في السوق العربي والإسلامي، فإذا بحثت عن خبرات في التخطيط أو المواد البلاستيكية أو السياسات العلمية والتكنولوجية أو الاستثمار في السياحة أو غير ذلك فنادراً ما تجد المتميزين والسبب في قلة هؤلاء أننا نادراً جدا ما نجد مديراً أو مهندساً أو مزارعاً أو تاجراً يقرأ كتابا جديداً، وحتى قديماً في مجال تخصصه، أو يتابع المجلات العلمية المتخصصة، أو يحرص على المشاركة في مؤتمرات علمية أو دورات تدريبية متطورة فالكثيرون وللأسف كسالى ويائسون أو لا يحرصون على تطوير معلوماتهم ومهاراتهم، وانتهى علمهم عند حصولهم على شهادة جامعية، أو شهادة الدكتوراة مع علمنا أن التعليم والتدريب هو عملية مستمرة، وأن الاختراعات والنظريات والأفكار والتجارب والنجاح والفشل تحدث كل يوم، وتزداد خبرة البشر، ومن لايتقدم يتأخر، ومن لا يتطور يتخلف، وأحيانا نجد شباباً متدينا حريصا على العلم الشرعي واكتسابه ولكنه غير حريص على العلم المادي في مجال عمله فكأنه هذا ليس واجباً وكأن المسلمين لا يحتاجون لهذه العلوم المادية، وهذا من الجهل في الدين وفي الحياة، فالله يعزنا وينصرنا ويرزقنا إذا أخذنا بكل الأسباب الإيمانية والمادية.
جـ- إنشاء وتطوير المؤسسات العلمية المتخصصة: نحن بحاجة ماسة للعمل العلمي الجماعي من خلال معاهد ومراكز ومجالس بحثية متميزة ومتطورة، فلا مكان اليوم للعمل الفردي سواء في العلوم المادية أو الشرعية، فالدراسات العلمية تتم اليوم بجهود جماعية، فتحقق نجاحات تكنولوجية واقتصادية وفقهية، وهذه المؤسسات هي منارات إشعاع للعلم من خلال تأليف الكتب وإصدار المجلات، وعقد الندوات، وتنظيم الدورات التدريبية، وهي مراكز لنقل العلم والخبرة ممن يملكها لمن يحتاجها ولنتذكر أن الفارق الأساسي في العلوم التكنولوجية والإدارية بيننا وبين الغرب هو أساسا في المعلومات والمهارات في العقول البشرية حيث أن الآلات يمكن شراؤها بسهولة ويمكن تقليل هذا الفارق من خلال الدورات التدريبية وللمؤسسات العلمية المتخصصة دور كبير في الوصول إلى ذلك ونحن لا ندعو إلى مؤسسات نظرية أكاديمية بعيدة عن الواقع بل ندعو إلى إنشاء مؤسسات قريبة من احتياجات المجتمع، وتتعامل مع الواقع وتستخدم العلم ونظرياته وتطبيقاته في تطوير المجتمع من خلال أبحاث تطبيقية واستشارات ونقل التكنولوجيا المناسبة ولا شك أن هذه العلوم هي التي نحتاجها، ولهذه المؤسسات تاثير كبير في تطوير الوزارات والمؤسسات والشركات، والجمعيات المهنية والجامعات والمدارس، وتكلفة انشاء المعاهد المتخصصة كبيرة وتدريب العاملين فيها يحتاج أموالا طائلة، ولكن لا بد منها، فهي طلائع العلم والتكنولوجيا والخبرة، فالاستثمار فيها بشكل خاص وفي عقول البشر بشكل عام هو أهم أنواع الاستثمار، وأكثرها ربحية، ولنتذكر أن البشر المتميزين في علمهم وأعمالهم هم الثروة الحقيقية لأي شعب أو أمة.
د- قراءة الواقع: الواقع كتاب كبير فيه نجوم وكائنات وفيه حقائق
عقائدية وسياسية واجتماعية وإدارية كثيرة لابد أن ندرسها ونعرفها حتى
نستطيع ترشيد القرارت والخطط السياسية والإدارية والاقتصادية، ودراسة النظريات والمبادئ عملية مطلوبة وضرورية، وكذلك دراسة الواقع،(57/308)
وكثيرا ما يفشل السياسيون لأنهم لم يحسنوا قراءة واقع بلادهم السياسي فتجدهم يخالفون عقائد شعوبهم أو لا يقدرون حجم ونوع ردة الفعل الشعبي على قرار، أو تصريح، وكثير من العرب صدموا بهزيمة يونيو 1967 لأنهم لم يستطيعوا قراءة الواقع السياسي والعسكري والعقائدي للأمة ولو قرأوه لتوقعوا هذه الهزيمة الكبيرة. وقد قرأ الزعيم الهندي غاندي واقع الهند قراءة صحيحة ولهذا استطاع أن يطبق مبادئه وآماله بصورة صحيحة تحقق أكبر قدر من الايجابيات، وتمنع الفشل والخسارة، فاستقلال بلاده مبدأ لم يتنازل عنه ولكنه أدرك بعد قراءته للواقع أن هناك خطوات لابد من تحقيقها أهمها هو توحيد القوى الشعبية، وكسب ثقة المسلمين والهندوس، وإيجاد المؤسسات الشعبية المطلوبة، وليت كثيراً من سياسيينا يبذل جهودا في قراءة الواقع العربي من خلال القراءة والزيارة والسياحة والعمل حتى يستطيع التعامل مع هذا الواقع بصورة صحيحة فلا نتحدث من خلال النظريات فقط أو من خلال العواطف والظنون والمعلومات المشوهة أو المزورة حتى نتمكن من وضع أهداف واقعية تتناسب مع صفاتنا وعلمنا وعملنا واخلاصنا، وحتى نختار ما يناسبنا من نظم وأعمال ومجالس نيابية وغير ذلك، وقراءة الواقع مطلوبة كذلك في الجانب الإداري فمهما حصلت على دراسة وعلم في الإدارة فإنه لابد من قراءة واقع الوزارة أو المؤسسة أو الشركة بصورة صحيحة حتى نختار القرارات والأولويات الإدارية المناسبة، وقراءة الواقع لا يتم حسابها بالسنوات، بل بما فيها من خبرة ودراسة وعمل وتجارب، فقد تجد موظفا عمل عشرين عاما، ومع هذا لم يقرأ واقع وزارته بصورة صحيحة، والنجاح في قراءة الواقع يتطلب
الحوارات واللقاءات والندوات والاجتماعات وقراءة خريطة المصالح
ويتطلب المصارحة والمكاشفة والعلانية، وذكر الايجابيات والسلبيات ومن
الخطأ اخفاء نقاط الضعف والسلبيات سواء كانت في مؤسسة أو قبيلة أو
شعب أو إدارة أو حزب أو جماعة، فكثير من السلبيات يجب إعلانها
حتى يتم تصحيحها، وحتى نتعامل معها بصورة صحيحة، ولنتذكر أن الحقائق هي التي تحرك الواقع لا الغطاء الذي نضعه عليه، فهذا الغطاء لا يضر إلا من أردنا حمايته، ولا شك أن من يقرأ الواقع بصورة عميقة هو الأكثر نجاحا وصوابا وخبرة.
ر- الحوار المنظم الهادي: الحوار الذي ندعو إليه هو حوار بين عقلاء مخلصين لدينهم وعروبتهم لا يقوده علمانيون أو رأسالميون أو شيوعيون أو متطرفون وهو حوار بين من ثبت إخلاصهم ووعيهم في مواقفهم وأقوالهم. وهو حوار يعتمد على دراسات علمية وقراءات وثقافة وخبرة، وهو حوار بين قوى شعبية داخل الوطن الواحد وبين قوى شعبية داخل الأمة، وبين الحكومات والقوى الشعبية، وبين الإداريين والعلميين وبين أهل السياسة وأهل الدين، وبين العمال والتجار وبين المدراء والموظفين، ومع أننا شاهدنا حوارات كثيرة في مؤتمرات واجتماعات وصحف ومجلات ومحاضرات إلا أن أغلب هذه الحوارات ناقصة ومشوهة وسريعة وجزئية ولهذا نجد كثيراً من المواضيع تبقى معلقة، وكثيرين يبقون على اقتناعهم وأفكارهم القديمة فلا يتطورون. وإذا كان هدفنا الوصول إلى نتائج إيجابية ومفيدة فعلينا أن نرفض الجدل والتعصب، وأن ننظم حوارات هادفة لا سوقا للكلام، وتسجيل المواقف وإحراج الآخرين أو السخرية منهم أو التشويه والتنفيس ولنعمل على الاستفادة من علم الآخرين وتجاربهم، والوصول إلى حلول وسط كلما أمكن، وتقديم تنازلات منا لا انتزاع تنازلات من الآخرين، ولنعلم أن الكلمات الطيبة تقرب النفوس والعقول، أما الكلمات الخبيثة المشبعة بالعنصرية أو الحسد أو الانتقام أو التعصب أو الأنانية... الخ فهي قنابل تمزق النفوس، وتشعل الغضب والعداوة والكراهية. ولنعلم أن أهم مشاكلنا وخلافاتنا
كثيرة ومتشعبة، وهي بحاجة إلى حوارات كثيرة مستمرة وبحاجة إلى صبر
طويل جدا، ومحكمين من جهات محايدة، قال الدكتور أحمد كمال ابو المجد: "إن كثيرا من الساسة والقادة العرب يشفقون على أنفسهم وعلى الأمة العربية كلها من عواقب الحوار ويتصورنه مدخلا إلى مزيد من الخلافات، ويؤثرون لذلك أن يحافظوا على ما بقى من الود، وما بقى من مظاهر التعاون... إن هؤلاء يفضلون إستمرار أبواب الحوار مغلقة حتى تظل الفتنة نائمة لا يوقظها بالحوار أحد"(1) وقال "كذلك فإن اٌلاقدام على المفاتحة والمكاشفة والحوار يظل محفوفا بالمخاطر الكثيرة في غيبة الإتفاق على منهج له يؤمن موضوعيته، ويضمن استمراره، ويضبط أصول ممارسته ضبطا يستقر في التقاليد العربية"(2).(57/309)
و- المستشفى العلمي: أمراض الجسد بنيت لها المستوصفات والمستشفيات، وتخصص لها الأطباء والممرضات والفنيون والإداريون وأدركنا خطورتها على الحياة، ولكننا لم ندرك حتى الأن حاجتنا الماسة لإنشاء مستشفيات علمية لعلاج أمراض العقول والنفوس المتمثلة في انحرافات وتشوهات في عقائد واقتناعات وسياسات ومناهج وأساليب لحكومات أو جماعات وأحزاب واتجاهات وشعوب، وقبائل وعائلات وأفراد، مع أن هذه التشوهات تسبب فتناً ومشاكل وحروباً وخسائر وضياعاً ودمارا. فهناك من انحراف عن بعض بديهيات الإسلام، ومع هذا لا يدري أنه انحراف وهناك من لديه عنصرية ولا يشعر بها وهناك من هو متطرف في أقواله وأفعاله ويظن أنها جهاد وكفاح، ودور هذه المستشفيات هو تشخيص الحالة المرضية العلمية لفرد أو جماعة، او حزب أو حكومة، ثم بعد ذلك علاجها من خلال إعطاء وصفات علمية من كتب وحقائق ومعلومات يتم صرفها من معاهدة علمية متخصصة. ولعل من أهم العوائق أننا مقتنعون بأننا نعرف
كل شيء وأننا على صواب ولا توجد عندنا أمراض علمية، وأن عقولنا
كلها علم وخبرة ووعي، وأن الانتقادات التي توجه إلينا ليست حقائق
بل هي إشاعات مغرضة وراءها أعداء، أو مصالح شخصية أو جهلاء
أو حساد أو ملاحدة. والوصول إلى فكر إسلامي معاصر صحيح وواقعي
ــــــــــــــــــــ
(1) ص 24 حوار لا مواجهة د. أحمد كمال أبو المجد.
(2) ص 24 المصدر السابق.
يتطلب تشكيل لجان علمية محايدة تقوم بتشخيص أمراض حكومة أو حزب أو جماعة، ثم إعطاؤهم الوصفة العلمية المناسبة، فهذا يساهم كثيراً في اختصار الوصول للحقائق، لأن المريض لا يستطيع في أحيان كثيرة اختيار الدواء المناسب من الصيدلية العلمية، لأنه لا يدري ما هو مرضه؟ وما هو دواؤه؟ وعموما فالعقلاء هم من يطلبون تقييم أدائهم من جهات محايدة وخارجية واعية ومخلصة، ويقومون بتصحيح مسارهم، ومن يفعل ذلك هو الذي يستطيع أن ينمو ويكبر، لأن جذوره العلمية راسخة، ولأن للعلم والحقائق والصواب قوة هائلة ينجذب إليها المخلصون.
س- قد يتعجب بعضنا عندما يشاهد أفراداً وأحزاباً وجماعات وحكومات يرتكبون أخطاء كبيرة وواضحة في عقائدهم، أو أعمالهم أو أقوالهم، أو سياساتهم، أو لا يهتدون إلى حلول لمشاكلهم، فيفشلون في حياتهم الزوجية أو الوظيفية أو السياسية. لأن الإنسان يتساءل هل من المعقول ألا يرى هؤلاء الحقائق والصواب والمنطق السليم؟ وأين ذهب المستشارون والأهل والأصدقاء والعقول الكثيرة؟ والجواب: نعم، إنهم لا يرون الحقائق الواضحة لأن الله سبحانه وتعالى أعمى بصائرهم فلم تعد ترى النور، وذلك بسبب معاصيهم قال تعالى: ?إن الله لا يهدي القوم الفاسقين? وقال تعالى: ?إن الله لا يهدي القوم الظالمين? فالمعاصي والنور العلمي الفكري شيئان متنافران، قال ابن القيم: (لما جلس الإمام الشافعي بين يدي الإمام مالك وقرأ عليه أعجبه ما رأى من وفور فطنته، وتوقد ذكائه، وكمال فهمه، فقال: إني أرى الله قد ألقى على قلبك نوراً فلا تطفئه بظلمة المعصية). وقال الإمام الشافعي رضي الله عنه:
شكوت إلى وكيع سوء حفظي فأرشدني إلى ترك المعاصي
وأخبرني بان العلم نور ونور الله لا يُهدى لعاصي
وقال الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه عندما سئل: من نسأل
بعدك؟ فقال: سل عبدالوهاب. قيل: إنه ليس له اتساع في العلم فقال أبو عبدالله: انه رجل صالح، مثله يوفق لإصابة الحق (1). فالتقرب إلى الله بالطاعات، والابتعاد عن المعاصي من بديهيات النجاح في اكتساب العلم ومحاربة الجهل، وفي الختام فإنه من الضروري أن نقتنع كأفراد وكشعوب بأن العلم ثروة، وأنه ميراث الأنبياء وأنه أهم بكثير من المال، قالى تعالى: ?قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولو الألباب? (9) (سورة الزمر)، وقال ابن القيم رحمه الله: وفضل العلم على المال يُعلم من وجوه: أحدها أن العلم ميراث الأنبياء والمال ميراث الملوك والأغنياء، والثاني أن العلم يحرس صاحبه، وصاحب المال يحرس ماله، والثالث أن المال تذهبه النفقات، والعلم يزكو على النفقة، والرابع أن صاحب المال إذا مات فارقه ماله، والعلم يدخل معه قبره، والخامس أن العلم حاكم على المال والمال لا يحكم على العلم، والسادس أن المال يحصل للمؤمن والكافر والبر والفاجر والعلم النافع لا يحصل إلا للمؤمن، والسابع أن العلم يحتاج إليه الملوك فمن دونهم، وصاحب المال إنما يحتاج إليه أهل العدم والفاقة، والثامن أن النفس تشرف وتزكو بجمع العلم وتحصيله وذلك من كمالها وشرفها والمال لا يزكيها ولا يكملها ولا يزيدها صفة كمال بل النفس تنقص وتشح وتبخل بجمعه والحرص عليه، فحرصها على العلم عين كمالها، وحرصها على المال عين نقصها، التاسع أن المال يدعوها إلى الطغيان والفخر والخيلاء، والعلم يدعوها(57/310)
إلى التواضع والقيام بالعبودية، فالمال يدعوها إلى صفات الملوك، والعلم يدعوها إلى صفات العبيد، والعاشر أن العلم جاذب موصل لها إلى سعادتها التي خلقت لها، والمال حاجب بينها وبينها، والحادي عشر أن غنى العلم أجلُّ من غنى المال فإن غنى المال بأمر خارجي عن حقيقة الإنسان لو ذهب في ليلة أصبح فقيراً، وغنى العلم لا يخشى عليه الفقر بل هو في زيادة أبداً".
ـــــــــــــــــــ
(1) ص 10 كتاب الورع - للإمام أحمد بن حنبل دراسة وتحقيق محمد السيد بسيوني زغلول.
الانحرافات الشعبية في النوايا والأعمال
الواقع هو كتاب كبير بحاجة إلى قراءة، وإذا شاهدنا واقعا كله خير وحب وتعاون وعدل وشوري واجتهاد... الخ فإن هذه الثمرات الحلوة هي لبذور طيبة في النفوس والعقول، فبالتأكيد أن هناك ضمائر حية وإخلاص وعلم، وإذا شاهدنا واقعا كله شر وظلم واختلاف وكسل وحسد وتفرق فإن هذه الثمرات المرة دليل على أن النفوس والعقول ممتلئة بالنفاق والكسل والجهل والأنانية والقسوة، وعندما نعطي هذه الأمثلة المتطرفة فإننا نهدف إلى تقريب الصورة في العلاقة بين ما في النفوس والعقول، وما في الواقع، لأن الواقع فيه خير وشر، وعدل وظلم.. فإذا زادت نسبة الظلم أو الشر في واقع ما، فلنتذكر فوراً الارتباط الكبير بين النفوس والواقع، ولنتيقن أن ما نشاهده في واقعنا هو ما نستحقه، ومن الخطأ أن نظن أن الواقع سيء بدرجة كبيرة في حين أننا جيدون بدرجة كبيرة، وأن سبب هذا الواقع هو أن حكومة أو اتجاها أو حزبا هم المسئولون وحدهم عما وصلنا إليه، فالواقع هو حصيلة ما في نفوس المجتمع جميعا فرداً فرداً من خير وشر وهؤلاء الأفراد يتجمعون في أسر وقبائل ومناطق وحكومات وأحزاب وجماعات وشركات وجامعات، وإذا كان إثبات وجود ضعف (انحراف) علمي شعبي عملية سهلة، فإن إثبات وجود انحرافات كبيرة في النوايا والأعمال عند الشعوب عملية سهلة أيضاً، هذا إذا كان الإسلام بعقائده وعباداته وأحكامه وأخلاقه هو المرجع والمقياس الذي نحتكم إليه، فمن السهل أن نعمل دراسات حول نسبة المصلين أو أعداد الممتنعين عن الزكاة أو المتعاملين بالربا، وغير ذلك وهذه قضايا أساسية ومعروفة في الدين، ومع هذا نجد انحرافات شعبية هائلة فيها، أي أن الالتزام بالمبادئ ضعيف، فأبو بكر رضي الله عنه قاتل مانعي الزكاة، وبعض كبار العلماء كفروا تارك الصلاة، فهل أجبرت الحكومات الشعوب على ترك الصلاة، أو منع الزكاة، أو التعامل بالربا أم أنها أجبرتهم على الأهمال في العمل أو التبذير او الكسل أو النفاق أو الحسد أو التعصب العرقي؟! واغلب هذه الأمور هي أشياء
داخل نفوسنا لا تستيطع الحكومات فرضها أو تغييرها أو معرفة حقائقها، وإذا أردنا أن نعرف مزيداً من الانحرافات الشعبية فلنسأل بعض المقاولين عن كفاءة العمال ولنسأل العمال عن جشع بعض المقاولين، ولنسأل المدارء عن الموظفين والعكس ولنسال الزوجات عن الأزواج والعكس ولنسأل المدرسين والطلبة والمحامين والفقراء والتجار والشرطة.... الخ وسنجد انحرافات كثيرة تثبت أن ما نشاهده في واقعنا السياسي أو الاجتماعي أو غيرهما من شر وخير هو في غالبيته ذو مصدر شعبي، وسندرك أن الفرق بيننا وبين إيجابيات الغرب ليس فقط بين حكوماتنا وحكوماتهم، بل هو أيضا بين موظفينا وموظفيهم، ومعلمينا ومعلميهم، واحزابنا وأحزابهم، وطلبتنا وطلبتهم وعمالنا وعمالهم..... الخ. ألم يقل الشيخ محمد عبده رحمه الله قبل قرن عندما زار أوربا: "وجدت الإسلام ولم أجد المسلمين ووجدت هنا المسلمين ولم أجد الإسلام" وأحيانا تصل الانحرافات الشعبية في العقائد والأعمال والنوايا إلى حد إخراج أصحابها من الأسلام، فهناك حدود للانحرافات في الاسلام والانحرافات عموما هي الاستثناء لا القاعدة في حين أننا كثيرا ما نشاهد العكس. وعموما فلا يمكن أن نتغلب على ما نشاهده في واقعنا من فقر وحروب وتفرق وتخلف وظلم إلا إذا اقتنعنا بأن السبب الأول والرئيسي لكل هذا هو وجود انحرافات شعبية في العلم والعمل والاخلاص، وإليكم أمثلة واقعية تثبت أن الانحرافات التي نشاهدها في أغلبها ذات جذور شعبية:
1- قامت انقلابات عسكرية عديدة في الوطن العربي، وأغلبها فشل
في إصلاح الأوضاع، وأنتج أنظمة ظالمة ومستبدة، وعلى سبيل المثال
سيطرت على الجيش المصري خلال الفترة من 1962 إلى 1967 قيادات شعبية مئة في المئة في شعارتها وفي أفرادها وفي أصولها، فطغت
وتفرعنت، ولم تهتم بواجباتها العسكرية، ولم تطبق شعار الرجل المناسب
في المكان المناسب، وخانت إسلامها، ومصالح مصر، ففتنة السلطة
والمال عندما لامست نفوسها، وسمحت لهذه النفوس أن تظهر ما بها،(57/311)
ظهر الغرور والطمع والفساد الأخلاقي، وكان من الطبيعي جداً أن ننهزم شر هزيمة في يونيو 1967، وإذا كان هذا المثال قديماً نسبياً فتأمل في الحرب الأهلية الأفغانية، أو في القتال القبائلي في الصومال فهذا البلدان بلا حكومة فعلية حتى نتهمها بأنها السبب، وانظر في الواقع الشعبي العربي خلال الغزو العراقي للكويت لترى انحرافات شعبية كثيرة في الأعمال والأقوال والنوايا في حين أن أغلبنا كان يظن قبل هذا أن اختلافاتنا هي اختلافات حكومية، وأن شعوبنا واعية ومخلصة وشقيقة، وندعو لرؤية الصور الحقيقة لا الصور الظاهرية للأفراد والجماعات والقبائل والشعوب، ولنصدق الأعمال لا الأقوال والشعارات، قال الأستاذ أنيس منصور: "عندما نتكلم فكلنا أصحاب مبادئ، وعندما نعمل فكلنا أصحاب مصالح" فكثرة الاختلافات بيننا كأفراد ودول وجماعات وأحزاب حول قضايا رئيسة دليل على وجود "إنحرافات" في علمنا ونوايانا وأعمالنا. والاتفاق دليل على حرصنا على نفس العقائد والمصالح، وعلى صدقنا، فأهداف ومصالح الدين والأمة ضعيفة، وغير موجودة في نفوس كثيرة، قال الأستاذ أبو الأعلى المودودي رحمه الله: "ولكن قولوا لي أين الإسلام اليوم؟ إن المسلمين ليست فيهم السيرة الإسلامية، ولا الخلق الإسلامي، ولا الفكر الإسلامي. ولا شئ من الحماسة الإسلامية، إن الروح الإسلامية الخالصة لا توجد في مساجدهم، ولا في مدراسهم ولا في زواياهم"(1) وقال عبدالله ابن مسعود رضي الله عنه: "لقد رأيتنا وما يتخلف عن الصلاة إلا منافق قد علم نفاقه أو مريض، إن كان المريض ليمشي بين رجلين حتى يأتي الصلاة، وقال: إن رسول ا صلى الله عليه وسلم علمنا سنن الهدى، وإن من سنن الهدى الصلاة في المسجدة الذي يؤذن فيه"(2).
2- قياس التزام فرد أو أسرة أو شعب أو أمة بالمبادئ. هو بقراءة
ــــــــــــــــــ
(1) ص 49 نحن والحضارة الغربية، الأستاذ ابو الأعلى المودودي.
(2) ص 92 مختصر صحيح مسلم للألباني.
واقعه وأعماله وسلوكه وأخلاقه، ومن الأدلة الاجتماعية الواضحة على أن انحرافاتنا هي في غالبها شعبية الجذور هو ما نراه من تعصب عرقي لعائلة أو قبيلة أو شعب أو أمة، هذا التعصب الذي أنتج أعمالاً وسلوكاً أثرت في تطبيق القوانين، وفي تشريعات وانتخابات سياسية ومهنية، وفي الزواج وفي سخرية وعنصرية وأقوال، وفي ربط الانتماء العرقي بصفات الخير والتي عادة ما تكون صفاتنا وفي الشر والذي عادة ما يكون في الآخرين، فكثيرون منا لا يتحركون لتصحيح التعصب لعوائلهم وقبائلهم وشعوبهم، بل إن بعض هؤلاء ضمائرهم ليس فيها مثقال ذرة من الإيمان بأن التعصب جاهلية وظلم، فلا يأمرون بمعروف في هذا المجال، ولا ينهون عن منكر، بل يسيرون مع التيار، أو يصمتون، فليس عندهم استعداد للالتزام بالمبادئ الإسلامية، ونفوسهم على استعداد للتخلي عن حملها إذا ما تعارضت مع مصالح فئاتهم العرقية، فهم ينتخبون المرشح الذي ينتمي لهم عرقياً حتى لو كان أسوأ المرشحين، اي هم يمارسون الواسطة العلنية في المناصب التشريعية وسيمارسونها في المناصب التنفيذية لو استطاعوا وهذا فيه خيانة الإسلام والوطن، وبعض هؤلاء يعلمون أن هذا ظلم، ومع هذا يفعلونه بإرادة حرة لم تجبرهم حكومة، ولكن حتى يكونوا محبوبين من أصولهم العرقية، وحتى يصلوا إلى مناصب أو مصالح ولا شك أن المقياس للالتزام بالإسلام هو تطبيقه قدر ما نستطيع فيما نحب وفيما نكره وفيما يتعلق بمصالحنا وطموحاتنا، وفي أسرنا وقبائلنا وشعوبنا وفيما يخالف شهواتنا، وهذا الالتزام له تكاليف وله تضحيات وهو مسئولية وأمانة، إلا أن حبنا للعدل وللحق ولنبينا يجب أن يكون أكبر، وهذا ما فعله الرسو صلى الله عليه وسلم وبهذا الأسلوب صحح الانحرافات، وحقق الإصلاح، وحقق المكاسب الكثيرة لقبيلته وللعرب وللبشر، وقد يقول قائل إن الانحرافات في هذا الموضوع نتيجة الجهل، ونقول أحيانا تكون كذلك، ولكنها في الغالب تأتي ممن يعلمون سؤاء كانوا مثقفين أو غير مثقفين، وهذا واقع شاهدناه في عوائل وقبائل وشعوب.(57/312)
3- كثيراً ما نسمع تذمراً كبيراً من التخلف الإداري، ونرى مخرجات من التخلف في إهمال وظلم ونفاق وواسطات وتأخير... الخ. وقبل أن نظن أن أصحاب هذا التذمر ملائكة علينا أن نقرأ الواقع الإداري بصورة صحيحة، وعلينا أن نتاكد أن هؤلاء يتقنون أعمالهم، وأن مصالح الوزارة أو الشركة أو الدولة هي التي تهمهم، وأن هناك أدلة قاطعة على اجتهادهم في أعمالهم، أو على الأقل استعدادهم للاجتهاد إذا أعطيت لهم الفرصة، وإذا صدقنا الأعمال لا الأقوال سنجد أن السبب الرئيسي للتخلف الإداري هو نحن الشعوب، فقد علمتنا الأيام أن كثيراً ممن يتذمرون من التخلف الإداري هم سببه، فهم كسولون ولا رغبة عندهم في العمل، فكم من مهمة تم إعطاؤها لهم فجاءت النتيجة متواضعة جداً، أو فاشلة، ولو سألت رؤساءهم لأخبروك أنهم يتأخرون في إنجاز الأعمال، ويرفضون أداء أعمال مطلوبة، أو ليس عندهم اهتمام بتطوير علمهم في مجال تخصصهم، وكثير من هؤلاء الموظفين ينافقون لرؤسائهم، وليسوا على استعداد للمساهمة في التطوير الإداري، بل كثيراً ما يزرعون اليأس والتشاؤم أمام أي عمل أو أمل أو محاولة إصلاحية، وبعض هؤلاء المتذمرين يتخلون عن مسئولياتهم وواجباتهم حتى يسكت رؤساءهم عن إهمالهم أو حتى يضمنوا ترقيات ومناصب، أما مصلحة الوطن ومبادئ الإسلام فهي لا تهم وتجد من ينصحك بالنفاق والسكوت حتى تترقى، وبعض هؤلاء ليسوا مجبرين على ذلك، بل أن الأغلبية ليست مجبرة على هذا الإنحراف، ومع هذا تفعله باختيارها، وبعضها لديه المال والأمن المالي، ومع هذا ينحرف إهمالاً وكسلاً، أو رغبة في منصب أعلى. وتخلى الكثير منا عن واجباتهم في الجانب الإداري، وهو جانب ليس فيه خطر السجون والنفي والاضطرار وهذا دليل على ضعف أو غياب المبادئ في نفوسنا، وعموما فالبيئة الإدارية فيها صراعات وعداوات شخصية ومصالح وعقائد متناقضة، فلنحسن قراءتها حتى نكون واقعيين.
هذه الأمثلة تثبت أن كثيراً من العسكريين والإداريين وأهل التعصب العرقي هم أفراد منا، ولديهم انحرافات وأن هؤلاء وغيرهم على استعداد
للتمرد على المبادئ، متى ما وجدوا الفرصة، فالقابلية للانحراف موجودة عند تجار وفقراء وأحزاب وجماعات، فإذا وجد بعض التجار فرصة غش وزاد في السعر، والأمثلة كثيرة وزيادة التعليم والديمقراطية والغنى لن تغير الواقع بل يغيره ما في النفوس، فالغنى يتحول عند النفوس المنحرفة إلى تبذير وطغيان، ومظاهر ومخدرات وكماليات تافهة وهذا واقع مشاهد، والديمقراطية تصبح ساحة للتعصب والصراع والتنافس غير الشريف، وهكذا، قال الأستاذ أحمد بهجت: " إن الخراب الذي تفرزه الحياة، والظلم المدجج بالسلاح والمآسي التي تقع في عالمنا تعود أولاً وأخيراً إلى خراب النفوس. إن النفوس حين تصير كالأرض البور لا ترى في الحياة إلا مصالحها القريبة تغشى عيونها عن رؤية العدل، أو الإنصاف أو المصالح البعيدة، ولا ترى أبعد من أنفها، عندئذ تقع الكارثة"!!
وهناك ملاحظة هامة لا بد من ذكرها، وهي أن محاولة إصلاح الشعوب تصطدم بصعوبة كبيرة، وهي أن من اصعب الأمور على الفرد والحزب والجماعة والقبيلة والشعب الاعتراف بوجود انحرافات كبيرة. وحيث أننا ننظر بقدسية إلى نفوسنا وقبائلنا وشعوبنا وتكتلاتنا، وإذا انتقدنا أحد اتهمناه بأنه حاسد أو عدو أو جاهل أو حتى مؤامرة أجنبية، حتى لو جاء هذا النقد ممن ينتمي لنا وكثيراً ما نقابل النقد بهجوم على الآخرين، وعلى سبيل المثال فلا زالت كل شعوبنا العربية ترى أن ما أخذته من مواقف وأعمال ونوايا خلال الغزو العراقي للكويت صواباً سواء كان مع الغزو أو ضده، أو على الحياد أي نجد هذا التناقض الشديد في الاقوال والأعمال والنوايا والزلازل العقائدي والقومي والسياسي والعسكري ونظن جميعا أننا التزمنا بإسلامنا وبعروبتنا وبمبادئنا، وأن الآخرين هم الذين خانوا وانحرافوا وكفروا وظلموا، وجزء من العلاج هو في الحوار الهادئ، وفي تحكيم المخلصين الواعين لإسلامهم وعروبتهم من علماء وسياسين، وسنعرف انحرافاتنا وأخطاءانا، وسنعرف العالم من الجاهل والمخلص من المنافق، والصادق من الكاذب، حتى لا تتكرر مصائبنا، أو تأتي مصائب جديدة لشعوبنا دور كبير في إيجادها!!
أمثلة من الانحرافات الشعبية
أ- جنون العلمانية(57/313)
لسنا نبالغ عندما نقول إن العلمانية (اللادينية) هي العدو الأول للأمة العربية المسلمة، وأن العلمانية هي أحد الأسباب التي مزقت الأمة والبشرية شر تمزق، وذلك لأن مرض العلمانية يصيب العقول بالتلوث، فيفقدها القدرة على التفكير السليم، فتتخبط في عقائدها واقتناعاتها وأقوالها وأفعالها، فتقود الشعوب والأمم للتفرق والضعف والهلاك. فالعلمانيون كالمجانين لا يهتدون ويتناقضون في تصوارتهم وأقوالهم. والعلمانيون مقتنعون بأنهم بإمكانهم بعقولهم المجردة، وبدون الحاجة إلى نور الحقائق في القرآن والسنة الوصول إلى جميع الحقائق، فهم يجهلون قول الله سبحانه وتعالى: ?ومن لم يجعل الله له نوراً فما له من نور? (سورة النور: 40)، ويطالب العلمانيون باتباع العقل البشري، ونقول لهم أي عقل بشري نتبع؟ فالراسماليون لهم عقول، وكذلك الشيوعيون والبوذيون والنازيون وغيرهم، فكل هؤلاء استخداموا عقولهم وكلها عقول بشرية ولكنهم لم يتفقوا، ولم يصلوا إلى كل الحقائق، بل وصوا إلى اقتناعات فيها جهل وغباء وسخافة. ووجد الفكر العلماني تأييداً عند بعض الأنظمة الحكومية، وكذلك وجد تاييداً شعبياً وتبناه أحزاب وأفراد ومفكرون وأساتذة جامعيون وسكت عنه جهل أو علم كثير من المسلمين، ولا زال البعض وحتى يومنا هذا لا يدرك خطر العلمانية، وإذا أدركت شعوبنا شرها فلنعلم أننا حققنا تقدماً عقلياً وعلمياً هائلاً سيساهم في انقاذنا وإنقاذ البشرية من الضياع العلماني، وسنناقش في النقاط التالية موضوع العلمانية بشئ من التفصيل:
1- في كتاب الطريق إلى الوحدة الشعبية:
أ- قلنا " إنه ليس هناك تناقض بين العلم والإسلام، وأن الإسلام هو منبع الحقائق المتعلقة بالإلهيات والشرائع والإنسان، وأن الإسلام دين عقلي".
ب- وقلنا "إن إرضاء الأقليات غير الإسلامية لا يتم برفض النظام الإسلامي لأن تطبيق النظام الإسلامي واجب لا يمكن أن يتنازل عنه المسلمون، وأن المعادلة الصحيحة هي حكم الأكثرية وحقوق الأقلية".
جـ- وقلنا: قال الدكتور أحمد كمال أبو المجد: "أما قضية فصل الدين عن الدولة بمعنى إقصاء الدين عن أن يكون له دور في تنظيم أمور المجتمع فإنها المكون الرئيس من مكونات العلمانية الذي لا يسع مسلماً قبوله".
د- وقلنا: قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "ومعلوم بالاضطرار من دين المسلمين، وباتفاق جميع المسلمين أن من سوغ اتباع غير دين الإسلام، أو اتباع شريعة غير شريعة صلى الله عليه وسلم فهو كافر".
2- فكر الغرب بطريقة علمانية، فوصل إلى ان الرأسمالية هي العقيدة الصحيحة، وماركس ولينين فكرا بطريقة علمانية أيضا فوصلا إلى أن الشيوعية هي العقيدة الصحيحة، وغيرهم وصل إلى النازية والاشتركية ... الخ ولدى كل
هؤلاء " الحقائق والمبررات العلمية" التي تثبت من وجهة نظرهم أن ما توصلوا إليه هو الحق والصواب، وهذا دليل قاطع على خطأ الأسلوب العلماني لأن هذه "الحقائق" متناقضة، والحقائق لا تتناقض مع بعضها، وفكر هؤلاء وغيرهم من العلمانيين في القضايا العقائدية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية فوصلوا إلى آراء واجتهادات كثيرة ومتناقضة، فاختلفوا حول معاني الحرية والعدل
والشورى وقوانين الزواج والطلاق والميراث وأحكام التجارة والاقتصاد .... الخ. ومع هذا تظن كل فئة منهم أنهم مهتدون، وأن بقية العلمانيين ضائعون وضالون وجهلاء، فالعلمانيون كالفلاسفة في كل زمان ومكان يقرأون كثيرا، ويجادلون كثيرا، ويكتبون كثيرا، ولكنهم لا يتفقون على شيء والسبب ببساطة هو أنهم لم يصلوا إلى حقائق واضحة يتفقون عليها مع أنهم استخدموا عقولهم كثيراً. وقلد بعض المسلمين قديما نتيجة تأثرهم بالفلسفة اليونانية بعض المفاهيم العلمانية فيما يسمى بعلم الكلام، فتخبطوا وضلوا، قال الإمام الشافعي رحمه الله "لو يعلم الناس ما في علم الكلام لفروا منه فرارهم من الأسد" وقال "ما جهل الناس ولا اختلفوا إلا لتركهم لسان العرب وميلهم إلى لسان ارسطاطاليس"(1) وقال الرازي: "لقد تأملت الطرق الكلامية والمناهج الفلسفية فما رأيتها تشفي عليلا، ولا تروي غليلا"(2)
وقال:
ولم نستفد من بحثنا طول عمرنا سوى أن جمعنا فيه قيل وقالوا
وقال محمد بن عبدالكريم الشهرستاني:
لعمري لقد طفت المعاهد كلها وسيرت طرفي بين تلك المعالم
فلم أر إلا واضعا كف حائر على ذقن أو قارعا سن نادم(57/314)
وواجه العلمانيون على اختلاف مدراسهم قديما وحديثا صعوبة الوصول إلى الحقائق، وفي نفس الوقت لابد من اختيار عقيدة ودستور وقوانين ومناهج تربوية، فلم يعلنوا عجزهم وجهلهم بل أعطوا أي إجابات حتى لو كان بعضها سخيفا، فقال الشيوعيون مثلا (لا وجود لله) وسخروا من الدين، ومن قيم اجتماعية وحاجات نفسية... الخ. ولم يستطيعوا إقناع الناس بأن ما توصلوا له حقائق، فقد كان عند الناس أدلة وحجج كثيرة تثبت تفاهة التفكير العلماني الشيوعي، فكانت ردة الفعل الشيوعية هي الاستبداد السياسي والإعلامي والتربوي، وكلما كان الفكر هزيلا احتاج للبطش ليحميه، ومع هذا لم ينفع الاستبداد فقد سقطت الشيوعية سقوطا خياليا، وفشلت سياسيا وعقائديا واقتصاديا، فالقوة لا تستطيع حماية الجهل العلماني طويلا، فأين اليوم الشيوعيون المتشدقون بالعلمية والتقدمية بعد أن كفرت بها روسيا والصين وأوربا الشرقية؟ أما العلمانيون الرأسماليون فكانوا
ــــــــــــــــــــ
(1) ص 47 مواقف أهل السنة من المناهج المخالفة لهم - الأستاذ عثمان على حسن.
(2) ص 42 العقيدة في الله - الدكتور عمر سليمان الشقر.
أذكى بكثير فلم يتطرفوا في ادعاء العلمية، بل حرصوا على مصالحهم المادية، وشهواتهم الجنسية، وتركوا كثيرا من الأسئلة بدون إجابات، ولم يدعوا أن علمانيتهم توصلهم لكل الحقائق، فلم يحددوا الحق من الباطل، والصواب من الخطأ في كثير من العقائد أو العبادات أو الأمور السياسية والاجتماعية وقالوا أنت حر في عقائدك وعبادتك وحياتك الشخصية، فيجوز أن تعبد الله، أو تعبد صنماً، أو لا تؤمن بشيء، ولتختر كل دولة إلى درجة كبيرة ما تشاء من قوانين اجتماعية أو سياسية أو عقوبات أو غير ذلك، وهذا الهروب علق كثيرا من القضايا، وتركها بدون حل، والظاهر أنهم تعبوا من الجدل والنقاش، ولا شك أنهم وصلوا لبعض الحقائق بعقولهم المجردة، فقد اقتنعوا بالديمقراطية وآمنوا بحرية الرأي كقاعدة أساسية، وبحقوق الإنسان حتى لو طبقوها فقط على شعوبهم، ووصلوا إلى تقدم هائل في الحقائق التكنولوجية لأن الوصول لها يتم باتباع اسلوب عقلي بحت، وهو أسلوب التجربة والمشاهدة والاستنتاج، ووصولوا لبعض الحقائق الفكرية وكثير من الحقائق التكنولوجية، وفشل الرأسماليون العلمانيون في الوصول للحقائق العقائدية والاجتماعية... الخ هو أحد الأسباب الرئيسة التي جعلت بعض عقائدهم تافهة، وأنانية، وأدى إلى تفكك اجتماعي، وأمراض نفسية، وأدى إلى سيطرة المصالح، والشهوات على حياتهم، فمبادئهم ضعيفة لا تزرع الثقة والوعي والاقتناع، فالمرض العلماني الذي أصاب عقولهم جعلهم في حالة فوضوية متناقضة، وهذه الفوضى ليست حرية حتى لو أعتقدوا أنها كذلك. فالغرب لم يتبع العقل والعلم، بل اتبع مصالحه وشهواته وخاصة في القضايا التي عجزت عقولهم عن الوصول إلى حقائق واضحة فيها كحدود الحرية الشخصية ودور المال في الحياة والعلاقة مع الدول النامية.
3- أوصل التفكير العلماني الغرب للراسمالية، والشرق للشيوعية،
وآمن بعض مثقفينا العرب به فاقتنع بعضهم بالرأسمالية، واقتنع آخرون
بالشيوعية، واقتنعت فئة ثالثة بالاشتراكية، وفئة رابعة بخليط من قومية
واشتركية... الخ فتمزقت العقول في الأمة إلى اتجاهات واقتناعات وعقائد وقوانين ودساتير متناقضة، فيكف يتفق العرب وعقولهم مختلفة وعقائدهم متناقضة، وتصوراتهم متصادمة؟ ونحن نتكلم فقط عن المخلصين لا المتاجرين بالشعارات والمبادئ وما أكثرهم. وظن بعض المخلصين من العلمانيين أن زيادة العلم والمدارس والتجارب والثقافة ستجعلنا نتفق على حقائق عقائدية وسياسية... الخ ولم يحصل هذا ولن يحصل ابدا. واستمرت خلافاتنا حول كل شئ تقريبا فهل نتحالف مع الغرب أو الشرق أو نقف على الحياد؟ وهل نسمح بالربا أو نمنعه؟ وهل نشجع القطاع الخاص أو نحاربه؟ وما هي فلسفتنا التربوية؟ وما هي حدود الحرية الشخصية والإعلامية؟ ... الخ وأغلب هذه الاختلافات هي اختلافات جذرية، وليست اجتهادية، والاختلاف الجذري هو شر كله، وهو يؤدي إلى التفرق والضعف والعداوة والبغضاء فكل مخلص سيصر على ما يعتقد أنه حق وصواب ويعتبر ذلك مبادئ لا يقبل الانحراف عنها، ومن وصل من هؤلاء إلى السلطة طبق قناعته بالقوة، فظلم واستبد وانحرف، أما من لم يصل فلا يستطيع ان يلتقي مع الآخرين لأن الاختلافات جذرية، فالعلمانية هي التي جعلت الاختلافات الشعبية كبيرة، فزرعت الضعف والتفرق. فلا توجد قوة مخلصة سواء في السلطة أو خارجها قادرة على النمو وتكوين قاعدة شعبية كبيرة، أو حتى على الاتفاق حول بعض القضايا الرئيسة فالمبادئ والعقائد العلمانية كثيرة ومتناقضة. ولا يوجد نظام علماني متفق عليه، أو حتى خطوط عامة، فمن ناحية نظرية وواقعية أصبحت أمتنا بلا دستور، وبلا عقيدة وبلا نظام، وبلا رؤية، وبلا قوانين، وغياب كل هذا سيؤدي إلى سيطرة الأفراد والمصالح والانتماءات العرقية، واللصوص والخونة والفساق، فالعلمانية ترفض النظام الإسلامي، وفي نفس الوقت(57/315)
لا تطرح بديلا محددا، فيتلاعب المنحرفون بالشعارات والمبادئ العامة، ويقف المخلصون حائرين متفرقين بلا نظام، وبلا علم، وبلا حقائق، ورفض العلمانية للإسلام جعل كل مسلم عربي واع عدوا لها، فهي كفر وإلحاد فكيف نتوقع أن تقبل الأمة التي حملت راية التوحيد
للبشرية بالكفر في عقر دراها؟ والمسلمون لم يضيعوا كما ضاع العلمانيون، بل آمنوا بالحقائق العقائدية والسياسية والاقتصادية... الخ الموجودة في القرآن والسنة، فبالإسلام عرفوا العدل من الظلم، والبيع من الربا، والانتماء العرقي من التعصب، وعرفوا صفات المنافقين وحدود الحرية الشخصية، وحقوق وواجبات الحكومة، والحلال من الحرام، وحقائق أخرى كثيرة جداً، فلا داعي للاختلاف والجدل والتفرق، فالحقائق مكتوبة وواضحة، قال تعالى: ?ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شئ وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين? (سورة النحل: 89). وقال تعالى ?وما أنزلنا عليك الكتاب إلا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه وهدى ورحمة لقوم يؤمنون? (سورة النحل: 64). وقال تعالى: ?أفمن يمشي مكباً على وجهة أهدى أمن يمشي سويا على صراط مستقيم? (سورة الملك: 22)، وقال رسول ا صلى الله عليه وسلم "تركتكم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك" وعندما يختلف المسلمون (حكومات أو أحزاب أو جماعات أو أفراد) فإنهم يحتكمون إلى آيات القرآن وأحاديث الرسو صلى الله عليه وسلم وعلماء الإسلام، وأما العلمانيون العرب أو غيرهم فلا يوجد لديهم مراجع يحتكمون إليها، فتبقى اختلافتهم بلا حل مهما اجتمعوا، وتناقشوا وتحاكموا، وإذا وصلوا إلى حلول جزئية أو اتفاقات محدودة فستظل الأغلبية الساحقة من القضايا مختلف حولها، في حين أن المسلمين إذا ابتعدوا عن الأهواء والمصالح والشهوات أي هم من ناحية علمية متفقون على قضايا كثيرة جدا، وباختصار فالعلمانية في أمتنا العربية أشعلت نار الفتنة بين أنصارها، وكذلك أشعلتها بينهم وبين المسلمين، والعلمانية عقيدة ضعيفة لم تستطع هزيمة العقائد الدينية المنحرفة أو العنصرية أو المصلحية أو الشهوانية أو الفلسفية في حين أن العقيدة الإسلامية بما تملكه من حقائق وأدلة وحجج قادرة على هزيمة الضلال العقائدي، والتعصب العرقي، والمصالح الشخصية الضارة، والطبائع الشهوانية.. وتحرير الإنسان من كل ذلك.
4- يوصلنا التفكير العقلي/ ولا اقول العلماني إلى الحقائق المادية من خلال التجربة والمشاهدة والاستنتاج، ولهذا لا اختلاف بين الرأسمالين والشيوعيين والمسلمين حول حقائق الذرة والصاروخ والطب والزراعة.. الخ ولكنه لا يستطيع الوصول للحقائق الفكرية أي الحقائق العقائدية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية، فالإنسان ليس مادة تخضع للتجربة والمشاهدة والاستنتاج، فكل ماء يغلى عند درجة مئة مئوية، في حين أن ليس كل إنسان يزيد من إنتاجيته إذا حصل على ترقية، أو يعامل زوجته معاملة حسنة، أو يقابل الإحسان بالإحسان، أو غير ذلك، فكيف إذن نتعامل مع هذا الإنسان؟ وكيف نصل للحقائق الفكرية التي تحقق العدل والحق والصواب والخير والسعادة؟ والأسئلة الفكرية كثيرة منها هل لهذا الكون خالق؟ وما الهدف من خلق الإنسان؟ وهل الربا عدل أم ظلم؟ وهل هناك حقوق للفقراء على الأغنياء؟ وما هو موقعنا من اختلافتنا العرقية؟ وما هي العلاقة الصحيحة بين الزوج والزوجة أو الاباء والأبناء؟ وهل الإجهاض عمل مشروع؟ وهل الديمقراطية نظام صحيح أم نظام خاطيء؟ وهل الزنا فضيلة أم رذيلة؟ وغير هذه الأسئلة الكثيرة. ولو حاول العلمانيون الوصول إلى إجابة صحيحة في توزيع الميراث لاختلفوا فالبعض قد يرى أن الصواب هو توزيع الميراث بالتساوي بين الأبناء، في حين أن آخرين يرون أن للوالدين نصيب ومجموعة ثالثة ترى للأخوة نصيب كذلك، وسيختلفون في نسبة كل فئة من هؤلاء، فالآراء العلمانية كثيرة، ولكل منها مبرراته المنطقية، فأين العدل في هذه القضية؟! وستبقى الإجابة في الفكر العلماني متغيرة ومختلفة من فرد إلى آخر في حين أن الحقائق والصواب في موضوع الميراث وغيره واضحة من الفكر الإسلامي. ومهما ازداد العلمانيون علما وثقافة وخبرة فلن يصلوا إلى حقائق فكرية لأننا لا نعلم كثيرا من الحقائق المتعلقة بالإنسان، فنحن نجهل الكثير في مجال النفس والروح والانفعالات والأسباب والنتائج والدوافع وما يحدث خلف الجدران، وبالتالي سيصعب علينا التشريع لهذا الإنسان، فإذا عرفنا بعض الحقائق عن حياتنا الشخصية(57/316)
الزوجية فنحن نجهل ما يحدث في مئات الملايين من الروابط الزوجية، ومع هذا نجد العلمانيين يفتون في قضايا الزواج وغيره، ويشرعون ولكن أي كلام، فغرورهم مبني على الجهل، ولو كنا أهل علم لاعترفنا بجهلنا وعجز الإنسان عن إدراك كثير من الحقائق لصعوبة الوصول إليها مهما درس وتعلم، فالعلم البشري كله منذ أول إنسان إلى آخر إنسان، وفي كل فروع العلم المادية والفكرية هو قليل فما بالك بعلم فرد أو أفراد محدودين قال تعالى: ?وما أويتم من العلم إلا قليلا? وقال تعالى:?إن الله لا يهدي القوم الكافرين?، وليت العلمانيين وقفوا عند هذا الحد بل اعتبروا التشريع الإلهي تخلفا ورجعية، وهو اتهام لله سبحانه وتعالى بالجهل، وهذا كفر وزندقة، فأين العلمية عندما يتهم العلمانيون الله بالجهل وهم ليس لديهم العلم والمقدرة على خلق ذبابة واحدة والله هو خالق الكون والكائنات والإنسان ويعلم ما في السموات والأرض. والعلمانيون لا يتناقضون فقط في آرائهم بل حتى يغيروها من حين لآخر، فالاجهاض كان حراما، وعقوبة الإعدام اعتبروها عقوبة ظالمة، واليوم أصبح الاجهاض عندهم حلالاً وعقوبة الإعدام عادلة... فالعقل البشري عاجز لوحده، ولهذا أرسل الله سبحانه وتعالى الرسل لهداية الإنسان من خلال بيان كثير من الحقائق له، ثم مطالبته بالاجتهاد ضمن هذه الحقائق. فالعقل البشري يجهل الكثير بل إن كثيراً من البشر لا يستخدمون عقولهم، وإليكم الأدلة على ذلك:
أ- حتى يصبح المرء طبيباً عاماً عليه أن يدرس سبع سنوات، وحتى يتخصص في أمراض الجلد أو غيرها يحتاج عدة سنوات إضافية، وسيبقى هذا الطبيب يجهل حقائق كثيرة عقائدية وفقهية وتاريخية وهندسية وإدارية
وسياسية واجتماعية وعسكرية، وأخرى في علوم الكيمياء والميكانيكا
والتجارة والقانون... الخ. وكل تخصص من هذه التخصصات يحتاج
عدة سنوات للتعرف على أساسياته، فالعقل البشري غير قادر على
التعرف على كل الحقائق حتى يقتنع بها، ولهذا ارسل الله
سبحانه وتعالى الرسل حتى يعلموه الحقائق الأساسية في
العقائد والسياسة والحياة الاجتماعية والاقتصادية وأعطى الله سبحانه وتعالى الرسل المعجزات حتى يقتنع العقل البشري بصدقهم، وعموما فمساحة الجهل في عقولنا هي السائدة، قال تعالى: ?وما أوتيتم من العلم إلا قليلا? وسئل أبو يوسف عن شئ فقال: "لا أدري" فقيل له تأكل من بيت المال كل يوم كذا وكذا وتقول: "لا أدري"، فقال: "آكل منه بقدر علمي، ولو أكلت بقدر جهلي ما كفاني ما في الدنيا جميعاً".
ب- يجهل الإنسان كثيرا من الحقائق المحيطة به، فكم من رجل اختار زوجة ثم اكتشف أنها ليست مناسبة له، وكم طالب اختار تخصصا فعرف بعد ذلك أنه أخطأ في اختياره، فهناك من يعترف من الآباء أو الأمهات وبعد سنين طويلة أنهم اخطأوا في تربية ابنائهم وهناك من غيروا مبادئهم وعقائدهم أو مواقفهم السياسية والتي كانوا يرون في يوما ما أنها حق وصواب، فعقولنا ترتكب أخطاء كثيرة جداً في حياتنا الشخصية، فمن الخطأ أن نثق بها ثقة عمياء.
ج- لا يستخدم كثير من البشر عقولهم في البحث عن الحقائق، وأعداد هؤلاء بالمليارات!! فعقائد الاباء من أديان أو عقائد عنصرية أو خرافات يتوارثها الأبناء، فابناء المسيحيين واليهود والهندوس، وكثير من البشر يتأثرون ببيئتهم أكثر ما يتأثرون بعقلهم، وكثير من هؤلاء انشغلوا بأمور معيشتهم أو بشهواتهم أو جمع المال. وهؤلاء جميعا يؤلفون الكتب، ويتكلمون ويدافعون عن عقائدهم أو سلوكهم بحماس شديد، وهي عقائد اقتنعوا بها بدون دراسة وعقل وبحث أو لمصالح لهم وشهوات. وبعض البشر قد يقتنع بحقائق معينة، ولكنهم لا يتبعونها، وكثير من المسلمين يفعل ذلك، قال سفيان بن عيينة: "ليس العاقل الذي يعرف الخير والشر إنما العاقل الذي إذا رأى الخير اتبعه، وإذا رأى الشر اجتنبه".
د- يقدر العقل على اكتشاف بعض الحقائق مثل هل لهذا الكون خالق أم لا؟ وهل هؤلاء أنبياء أم لا؟ أما ما هي صفات الله سبحانه وتعالى؟ ولماذا خلقنا؟ وهل هناك جنة أو نار؟ وما هو تفسير كثير من الظواهر ذات العلاقة بالنفس البشرية وبالجن فإنه لا يستطيع إعطاء إجابات علمية، كما لا يستطيع الوصول إلى كل الحقائق الاجتماعية والاقتصادية، بدليل تناقض عقول الرأسماليين والشيوعيين والعنصريين ... الخ في هذه المواضيع.(57/317)
هـ- من سابع المستحيلات أن يستطيع الإنسان البحث عن الحقائق في العقيدة والأحكام المختلفة والعلوم المادية والطبية حتى يقتنع بها، فالعلم محيطات من المعارف والحقائق، ولهذا عليه أن يقبل ويستسلم ويثق فيما يقوله العلماء كل في مجال تخصصه، ولهذا يصدق الأطباء والعسكريين والاقتصاديين، وإذا كان هذا هو ما يحدث، أليس من العقل أن يصدق ويثق فيما يقوله الأنبياء من حقائق عقائدية وتشريعية، خاصة وأنهم مدعومون بالمعجزات العقلية التي تثبت صدقهم وعصمتهم، بل إن الثقة فيهم هي في حقيقتها ثقة بالله سبحانه وتعالى الذي خلق الكون، ويعلم كل ما فيه. والعلمانية تطالبه ألا يثق بشيء إلا إذا بحث عنه علمياً، واقتنع به، وهذا مستحيل لأن العلم محيطات من الحقائق، فالإيمان الحقيقي بالعلمانية يعني رفض كل ما يقوله الأطباء والمهندسون وغيرهم لأننا لم نتأكد من صواب علمهم، بل إن الحياة مستحيلة عندما تقول كطالب يجب أن أقتنع بالمناهج الدراسية قبل أن أدرسها، ثم تقول كموظف يجب أن اقتنع باللوائح قبل أن أطبقها، وتقول كمواطن لا تطبقوا على القوانين حتى اقتنع أنها صواب أولاً.
5- يحول الاقتناع بالعلمانية الإنسان إلى إنسان مادي لا يؤمن إلا بما يقوله العقل، ويكفر بكل ما في الدين ويعتبره رجعية، وتخلف، فتنقطع علاقته بالمسجد أو الكنيسة، وتضمحل أو تنعدم العقائد الدينية، والأخلاق والمبادئ، فتنقطع أو تضعف كثيرا علاقته مع الله سبحانه وتعالى، ويجهل سيرة الأنبياء والصالحين، ومن يبتعد عن الله سبحانه وتعالى فإنه يقترب من الشيطان والضلال والشهوات والماديات. والقرب من الله يزكي الإنسان، ويجعل في قلبه الرحمه، وحب الخير، ويدفعه للأعمال الصالحة من صلاة وصيام وصدقات، وصدق، وعفة، وعلاقات طيبة مع والديه وأسرته، وجيرانه، وأقاربه، ومعلوم أن أفضل البشر أخلاقاً وعلماً وحكمة ورحمة هم ممن التزموا التزاما واعيا وصحيحا بالدين، فهولاء لا يسرقون، ولا يقتلون، ولا يكذبون، ولا ينافقون، أما من ابتعد عن الدين، فتوقع منه كل أنواع الشر، فقد يقتل ظلما في سبيل مناصب أو أموال، وقد يعق والديه، أو يرجع لأسرته سكيراً فيضرها أو يخون زوجته أو يتعصب لعرق أو يغش في تجارته أو يكذب في حديثه وما ينطبق على الفرد العلماني ينطبق على الدولة العلمانية، فهي دولة تعيش بلا إيمان، ولا روحانيات، ولا راحة نفسية، وكل ما يهمها المال، وأسعار البورصة، ونسبة البطالة، فلا شيء يهم عندها إلا الأمور المادية، قال جون جونز في كتابه في داخل أوروبا "إن الإنجليز يعبدون بنك انجلترا ستة يام في الأسبوع، ويتوجهون في اليوم السابع إلى الكنيسة" وباختصار إن القرب من الله هو أساس كل خير، والبعد عن الله هو أساس كل شر والعلمانية هي فكرة شيطانية تدعونا للابتعاد عن الله لأنها تفصل الدين عن الدولة، وتفصله عن حياتنا، فابتعادنا عن الدين هو ابتعادنا عن الله، لأن الدين هو الذي يعرفنا بالله سبحانه وتعالى، ويعلمنا كيف نعبده ونطيعه، كأفراد وكدول.
6- وصلنا بالعقل وبالأدلة الفكرية إلى أن وجود الله سبحانه وتعالى حقيقة فكرية، وأنمحمدا صلى الله عليه وسلم رسوله بما جاء به من معجزة القرآن، وآمنا بأن القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة هما حقائق فكرية عقائدية واجتماعية وسياسية وبالعقل سنتمكن من فهم هذه الحقائق بصورة صحيحة بعيداً عن التعصب والجمود، وسنتعرف بالعقل على حقائق واقعنا، وسنستخدم كل هذه الحقائق في تحديد الحق من الباطل، والعدل من الظلم والصواب من الخطأ، والفقه الإسلامي هو عبارة عن اجتهاد بشري عقلي ضمن ضوابط وحدود وحقائق قرآنية تمنع العقل البشري من الضلال كما ضل العلمانيون، والاجتهاد قد يكون صوابا،(57/318)
وقد يكون خطأ، ولكن الخطأ، هو خطأ ثانوي أي اجتهادي، وهو اجتهاد في الفروع لا في الأصول، ولا يؤدي غلى التناقض والاختلافات الجذرية كما يحدث في الاجتهاد العلماني، فالالتزام بالمعلوم من الدين بالضرورة يمنع وجود الاختلافات الجذرية، ويحقق وحدة الأمة على القضايا الأساسية، أما القضايا الفرعية فيجوز فيها الاختلاف لاختلاف العقول والتجارب الشخصية والخبرة ودرجة العلم، وقد اختلف الأئمة الأربعة وغيرهم على قضايا فرعية، وكانوا يحبون بعضهم البعض لأنه هذه من أساسيات الإسلام، فلا مكان في الإسلام الصحيح للتعصب المذهبي، أو العدواة لاختلاف الاجتهادات الفكرية أو السياسية، وليس صحيحاً إطلاقاً ان الاجتهاد جعل المسلمين مختلفين حول كل القضايا، فهناك اتفاق إسلامي حول كثير من القضايا، ونحن نتحدث عن أغلبية العلماء المخلصين قديما وحديثاً، ولا نتحدث عن اجتهادات شاذة ومرفوضة لا تجد من يقف معها، أو اجتهادات لفرق إسلامية لم تلتزم بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية، وفي كل الأحوال فالمسلمون متفقون على قضايا كثيرة جداً أكثر من تلك التي يتفق عليها الشيوعيون أو الرأسماليون فالمسلمون الواعون تجدهم في كل مكان يحملون نفس الأفكار، ولهم نفس الأحكام والعبادات والعقائد والعادات، وتكونت مع مرور السنين ثروات عقلية هائلة من العلم والخبرة والاجتهادات والتجارب والحوارات الرفيعة والبحث العلمي والكتب القيمة، وهناك حاجة لزيادة هذه الثروات باجتهادات جديدة تناسب عصرنا، ونستفيد من خبرتنا الحياتية، وخبرة الشعوب الأجنبية، قال الدكتور أحمد كمال ابوالمجد: إن إقامة أحكام الإسلام في عصرنا تختاج إلى اجتهاد عقلي كبير، وللعقل سبيل إلى ذلك لا يسع عاقلا إنكاره، فالنصوص - قرآنا وسنة- محدودة متناهية، والحوادث متجددة غير متناهية، وحركة الزمن سنة من سنن الله، وحركة التشريع لملاقاة تلك الحركة أمر من أمر الله"(1) وكان علماؤنا المخلصون قديما
ــــــــــــــــــ
(1) ص 41 حوار لا مواجهة - الدكتور أحمد كمال أبو المجد.
وحديثا مدارس عقلية تبحث عن الحكمة والحقائق، فزيادة دور العقل بعد جمود فكري طويل عملية تصحيحية، أما العلمانية فهي عملية شيطانية، والظن بأن المسلمين لا يستخدمون عقولهم لوجود اجتهادات قديمة ظن خاطئ، فكثير من القضايا التي تواجه الحكومات والمجالس النيابية والقوى الشعبية والدعوة الإسلامية بحاجة إلى اجتهادات جديدة، وندعو إلى تشجيع الاجتهاد الجماعي متعدد التخصصات لتشعب كثير من القضايا، قال الدكتور أحمد كمال أبو المجد: "وحين يمارس الاجتهاد، وتعرض على المشرع والفقيه ورجل السياسة حلول متعددة تقبلها الشريعة، وتتسع لها، فإن الاختيار حينئذ لا بد أن يحكمه فهم الواقع الاجتماعي وتحليل حركته، لذلك وجب أن يستقر في ذهن دعاة الإسلام والمنادين بتطبيق الشريعة أن الجهد الفقهي الخالص لابد أن يتممه عمل اجتماعي واسع حتى تأتي ثمرته رحمة حقيقية للناس"(1).
7- من الأدلة الواضحة على ضياع العلمانيين وتخبطهم أن كثيرا من العلمانيين العرب كانوا مقتنعيين في بداية هذا القرن بالفكر الرأسمالي، أي الديمقراطية وسيادة القانون والحريات الصحفية وتعدد الأحزاب، ثم آمن أكثريتهم في منتصف القرن بالاشتراكية والحزب الواحد والمستبد العادل والإعلام المقيد، فالعلمانيون يؤمنون بالمبدأ وعكسه، ويعطون مبررات منطقية لكليهما فإذا أرادوا أن يقنعوك بالنموذج الغربي جاؤوا بأمثلة رائعة من تاريخه وواقعه وافكاره، وأصبح الغرب هو بلاد الحرية والعدل والمساواة، وإذا كرهوه جاؤوا بأمثلة سيئة من واقعه وأفكاره وتاريخه وأصبح الغرب بلاد الاحتكار والاستعمار وسيطرة الأغنياء، ونفس الأمر يفعلونه مع الشيوعية. ولقد دافع العلمانيون العرب عن الاستبداد والظلم والمعتقلات، وبرروا ذلك بحجج مختلفة لعل أهمها حماية الثورة، وعدم وعي الشعب، وفساد الأحزاب، وغير ذلك، فالعلمانية تستطيع تبرير كثير
ـــــــــــــــــــــ
(1) ص 94 حوار لا مواجهة - الدكتور أحمد كمال ابو المجد.(57/319)
من الانحرافات، ولهذا استغلها المنحرفون من زنادقة، وظلمة، وأصحاب المصالح، وهذه هي مصيبة العلمانية الكبرى لأن للعدل والحرية والديمقراطية.... الخ معان متناقضة بين علماني وآخر، فالمخلصون ضائعون، والمنحرفون وجدوا فيها المبررات التي يحتاجونها، فكل ما عند العلمانيين العرب هو شعارات عامة، وأهداف ضبابية تدعو للديمقراطية والعدل والحرية دون أن يعرفوا جوانب كثيرة من العدل والحرية، فالثقافات الغربية والشرقية نجحت في غزوها الفكري، فشوهت عقولهم، فضاعوا، ولا زال بعضهم يتهم الإسلام بأنه سبب تخلف الأمة مع أن وجود الإسلام كان ضعيفاً خلال المئتي سنة عند أغلبية الشعوب والحكومات، في حين أن العلمانية هي التي ساهمت في تمزيق الوحدة الإسلامية، والوحدة العربية، وزرع الخلافات حتى بين أبناء الوطن الواحد، فالدول التي حكموها أو كان لهم تأثير فيها لم يكن يجمعهم حزب، أو أتجاه، أو حتى فكر، بل تصارعوا فيما بينهم، فلم يستطيعوا أن يوحدوا دولتين مع بعض، في حين أننا بالإسلام وحدنا دولا وشعوباً وأمما كثيرة، وبنينا دولا عظمى يحسب لها الأعداء ألف حساب، وهذه حقائق تاريخية، وهذا لا يعني أنه لم تكن هناك صفحات سوداء في تاريخنا، بل هي موجودة ولكنها أقل بكثير من الصفحات السوداء الحالية، والتي ساهم في إيجاد بعضها العلمانيون، وكانوا من حيث يشعرون أو لا يشعرون أكبر أعوان الأعداء، ولم ينجح العلمانيون حتى في تطبيق الديمقراطية في دولة عربية واحدة، ونجحوا في اللف والدوران وبناء ديمقراطيات مزورة، وحريات صحفية كاذبة، وحتى يعرف العلمانيون وزنهم الحقيقي نطالبهم بعمل استفتاء شعبي ما داموا يؤمنون بالديمقراطية، وليتم استطلاع رأي الشعوب حول الاختيار بين الشريعة الإسلامية والعلمانية، وليقبلوا نتيجة الاستفتاء، وليرحلوا، وليتهم يقتنعون بأن المشروع العلماني فاشل علميا، ومرفوض شعبيا، فليوفروا أوقاتهم وجهودهم خاصة وأن العملاق الإسلامي بدأ يستقيظ، ولو حكم العلمانيون عقولهم لاقتنعوا بأن أحزابهم ضعيفة أو شكلية وبلا جذور شعبية قوية، وهذا جعل أثرهم الحقيقي في اصلاح الواقع العربي أو القرارات الهامة ضعيف أو غير موجود أما تاثيرهم الكبير فهو في هدم الأمة وزيادة اختلافها وحذر كثير من علماء المسلمين من خطر العلمانية وألفوا الكتب حتى يعود من انخدع ويعلم من جهل ويهتدي من ضل.
ولا يكفي إطلاقا رفض العلمانية نظريا فقط، فالمسألة بحاجة إلى إثباتات كثيرة علمية تثبت أن الدولة الإسلامية هي دولة مدنية لا دينية أي دولة لا تخضع ليسطرة علماء الإسلام بل هي تلتزم بالقرار الشعبي ضمن حدود الشريعة الإسلامية قال الشيخ محمد عبده رحمه الله "ليس في الإسلام ما يسمى عند القوم بالسلطة الدينية بوجه من الوجوه"(1). ولا بد من إثبات أن المبدأ الإسلامي يعطي مكانا واسعا للتفكير العقلي ولحرية الاعتقاد وحرية الرأي، فلا إكراه في الدين وفي الإسلام حقوق عادلة للأقليات. وأن النظام الإسلامي ينصف الفقراء والأغنياء والنساء والرجال والأطفال.... الخ فإثبات العقلانية والواقعية الإسلامية نظريا وعمليا في حياة الجماعات والأحزاب والأفراد والمؤسسات والدول الإسلامية هو الطريق المختصر للقضاء على العلمانية، وهو الطريق إلى نهضة الشعوب والأمم الإسلامية، سواء كانت هناك علمانية أو لم توجد، قال الدكتور أحمد كمال أبوالمجد "ولا أمل اليوم في صحوة، ولا رجاء في بعث، ولا جدوى من حديث عن تقدم أو تنمية، إلا إذا تحركت العقول في الرؤوس" فلنتحرك بسرعة فقد تأخرنا طويلاً.
ـــــــــــــــــــــ
1. ص 115 - حوار لا مواجهة - دكتور أحمد كمال أبوالمجد.
(ب) أرض النفاق
انتشار النفاق في الأوساط الشعبية قضية ثبتت بأدلة كثيرة وأصبحت حقيقة معروفة نشاهدها في كل مكان في العمل وفي الإعلام وفي العلاقات الاجتماعية وفي حياتنا السياسية. وقد يظن البعض أن المنافقين عاشوا في بداية وجود الدولة الإسلامية وانهم انقرضوا بعد أن دخل الناس في دين الله أفواجا وأنه لا يوجد في بقية العصور الإسلامية ومنها عصرنا هذا منافقون وأن كل من نشاهدهم مسلمين يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وهذا الظن ليس له اساس من الصحة فما أكثر المنافقين والنفاق في عصرنا وهذه بعض أنواعهم:(57/320)
1- ينقسم النفاق إلى قسمين نفاق عقائدي ونفاق عملي والمنافق العقائدي هو من يعلن الإسلام وهو كافر به امتلأ قلبه بالكراهية للأسلام وأهله ويمكر في الليل والنهار في سبيل أهدافه وهناك النفاق العملي مما لا يخرج من ملة الإسلام كأن إذا حدث كذب أو خاصم فجر والنفاق العقائدي موجود عند سياسيين ومثقفين وغيرهم يعلنون إيمانهم بالإسلام في حين أن عقائدهم الحقيقية هي مصلحتهم أو العلمانية أو الرأسمالية أو الشيوعية وقد تجد بعض هؤلاء يصلون وهدفهم إقناع الناس بأنهم مسلمون في حين ان قلوبهم وعقولهم لا تؤمن بالله ورسوله. قال تعالى: ?إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يرءاون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا? (سورة النساء: 142). وقال تعالى: ?إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيرا? 0سورة النساء:(145). وبعض بل كثير من هؤلاء، من السهل اكتشاف نفاقهم من أفكارهم وآرائهم ومواقفهم وأخلاقهم وتلونهم وعلاقتهم بالصالحين. وإذا كان بالإمكان المتاجرة بكثير من المبادئ والشعارات فمن الصعب المتاجرة بالمبدأ الإسلامي لأن له عقائد واضحة وأخلاق معروفة وأحكام محددة، فالمنافقون يعيشون في بيئة من الانحرافات العقائدية والأخلاقية والمالية... الخ. مبدؤهم هو دينهم دينارهم تقودهم المصالح وتلعب بهم الشهوات، وخطر هؤلاء المنافقين عظيم جداً فهم طابور خامس يثير الشبهات ويشجع الاختلافات ويتعاونون فكريا وسياسيا مع أعداء الإسلام والأمة ويستغلون تصادم المصالح واختلاف الانتماءات العرقية والاختلافات الطبقية وغير ذلك في سبيل تحقيق أهدافهم. وعندما يكون العدو داخلي فهو أخطر لأنه يعلم نقاط الضعف ويصدقه كثير من الناس لأن ولاءه الظاهري للدين والوطن. وقد وجدنا منافقين من أهل السياسة خدعوا الجماهير بالشعارات الوطنية والقومية وحتى الإسلامية لأنهم يجيدون فن الكلام الكاذب. قال تعالى: ?وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وإن يقولوا تسمع لقولهم كأنهم خشب مسندة يحسبون كل صيحة عليهم هم العدو فاحذرهم قاتلهم الله أنى يؤفكون? (سورة المنافقون:4).
وقد آن الأوان أن تكون شعوبنا أكثر وعيا وحذراً فالمؤمن لا يلدغ من جحر مرتين وليس بالإنسان الساذج الذي يسهل خداعه فمن يخون دين الإسلام فلا يجوز أن نثق به حتى لو كان عنده اخلاص لوطن أو قضية فخيانة الدين هي أكبر الخيانات وإذا كان من يخون وطنه يستحق الإعدام فإن من يخون دين الله أشد جرماً فلا يجوز أن يحتضن معسكر الإيمان جواسيس المنافقين فإذا كان الصراع العالمي أساسه المصالح والعنصرية والعلو في الأرض فإن الصراع الشرعي يجب أن يكون بين من يقف مع الله سبحانه وتعالى ورسله ومن يقف ضد ذلك ونعلم أن المنافقين موجودون ولكن نرفض أن يكونوا من القياديين أو يسمح لهم بتمزيق الجبهة الداخلية ويجب أن نسعى لأن يعيشوا أذلاء. قال رسول ا صلى الله عليه وسلم "أخوف ما أخاف على أمتى كل منافق عليم اللسان"(1). ولنتذكر أن الكذب هو العمود الفقري للنفاق الاعتقادي والعملي وقد قيل: أس النفاق الذي يبنى عليه النفاق الكذب". ولا شك أن النوايا والأعمال والأقوال والعلاقات والمعلومات والمواثيق المبنية على الكذب لن تأتي بخير لا للفرد ولا للمؤسسة ولا للدولة وإذا تحققت بعض المصالح فالأضرار أكثر بكثير وأضرار الكذب دنيوية وأخروية. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
ــــــــــــــــــ
(1) صحيح الجامع الصغير 1554 وسلسة الأحاديث الصحيحة 1013 للألباني.
"عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا وإياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار وما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا"(1).
2- الحكومات والمنافقون: مما يثبت انتشار النفاق في الأمة هو النظر والتأمل في كثير من المحيطين بالحكومات حيث نجد أنواعاً من المنافقين والنفاق ممن يمدحون الحكومات بالحق والباطل وهدفهم الحصول على مناصب أو أموال أو نفوذ اجتماعي أو سياسي وهذا المدح يكون بمقالات صحفية أو أشعار أو خطب بليغة أو كلام مزخرف.. فيظن المسئول أنهم مقتنعون بقيادته أو يحبونه لوجه الله تعالى أو أنه فلته زمانه ذكاء وحكمة .... الخ فيمتلئ غروراً وعجباً فيهلك.(57/321)
ونعلم أن هناك من الحكام والوزراء من لا يصدقون هؤلاء المنافقين ويرفضون مدحهم ويعلمون أن ولاء المنافقين هو لصاحب المنصب وأنهم متى زالت مناصبهم سيبتعد عنهم المنافقون وسيتقربون لمن يأتي بعدهم وهذا واقع شاهدناه قديما وحديثا فقد كان مجلس وزير في منزله لا يتسع لعدد المهنئين بالعيد فلما انتهى عمله كوزير لم يهنئه إلا فرداً واحداً وصحيح أن مثل هذا الوزير يلام لأنه قرب المنافقين ولم يقرب الصالحين ولكن هذا دليل على كثرة المنافقين فمنهم علماء في الإسلام وتجار وسياسيون ورؤساء أحزاب وقبائل وقادة عسكريين... الخ قال الخليفة العباسي المنصور: "كلكم يمشي رويد ... كلكم يطلب صيد... غير عمرو بن عبيد". وقيل "كلهم صيادون ولكن الشباك تختلف" وعن عبدالله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما أنه رأى الناس يدخلون في المسجد
فقال "من أين جاء هؤلاء؟" فقالوا من عند الأمير فقال: "إن رأوا منكراً أنكروه وإن رأوا معروفاً أمروا به؟" قالوا: لا. قال: "فما يصنعون؟" قالوا: يمدحونه، ويسبونه إذا خرجوا من عنده. فقال ابن عمر: "إن كنا لنعد النفاق على عهد
ــــــــــــــ
(1) حديث رقم 1809 مختصر صحيح مسلم للألباني.
رسول ا صلى الله عليه وسلم فيما دون هذا"(1) والغريب أن المنافقين لا يعطون الحكومات أي قوة حقيقية فهم أول من يتخلى عنها وقت الشدة كما أن ليست لديهم قوة شعبية لما يعرف الناس من كذبهم ونفاقهم ومع هذا نجد بعض الحكومات تقربهم وتعينهم في مناصب هامة. ومن الضروري أن تتبنى الشعوب والحكومات آلية فعالة تمنع وصول هؤلاء المنافقين لنفوذ حكومي أو شعبي. قال عمر بن عبدالعزيز رضي الله عنه: "من صحبنا فليصحبنا بخمس وإلا فلا يقربنا يرفع إلينا حاجة من لا يستطيع رفعها، ويعيننا على الخير بجهده، ويدلنا من الخير على ما لا نهتدي إليه، ولا يغتابن عندنا الرعية، ولا يعترض فيما لا يعنيه"(2) فليت هذه الكلمات يتذكرها ويطبقها كل حاكم ووزير ومدير ومسئول.
3- كثير من الناس مقتنعون أن النفاق هو الطريق الرئيس للمناصب أو المال أو الراحة ولهذا تجدهم ينافقون لرؤسائهم في العمل سواء كان رئيسهم مدير أو ناظر أو ضابط أو مدرس ... الخ وكثير من هؤلاء مقتنعون أن التمسك بالمبادئ نوع من المثالية أو الغباء.. وهؤلاء يخافون على مصالحهم من ترقيات ومناصب وأموال. ولهذا يسكتون عن الأخطاء والانحرافات ... وكم من كلام يدور بين الموظفين أو المدرسين حول بعض السلبيات فإذا دخل المدير أو الناظر اختفى هذا الكلام واختفت السلبيات وظهر النفاق أما إذا حدث - ونادراً ما يحدث - مناقشة الأوضاع بصراحة وصدق وجدنا الأغلبية الساحقة تقف مع وجهة نظر المسئول أو على الحياد ولا تقف مع الصدق والحق... ونقول لهؤلاء حدث في التاريخ أنه دخل هشام بن عبدالملك الخليفة الأموي الكعبة فإذا هو بسالم بن عبدالله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهم فقال له سلني حاجة قال: إني أستحي أن أسال في بيته غيره. فلما خرج قال: الآن فسلني حاجة قال: والله ما سألت
ـــــــــــــــــــ
(1) ص 32 صفة النفاق وذم المنافقين للإمام أبي جعفر بن محمد الفرياني.
(2) ص 79 كتاب عمر بن عبدالعزيز للأستاذ خالد البيطار.
الدنيا من يملكها فكيف أسألها من لا يملكها"(1). فقد علم هذا المسلم أن الحاكم لا يملك الدنيا وإن إمكانياته محدودة فإن أعطاك مالاً أو منصباً فهو ليس بقادر على حمايتك من المرض أو الحوادث أو الاغتيال أو الهم أو الخوف أو غير ذلك وليس بقادر على أن يزيد أو ينقص من عمرك دقيقة واحدة ولا يملك على الحقيقة أن يزيد في رزقك شيئا فالأرزاق قد كتبها الله سبحانه وتعالى كما أنه لا يستطيع أن يعطيك علما وبصيرة وحكمة ونوراً كما أن المناصب يؤتيها الله من يشاء وينزعها ممن يشاء والأدلة على كل هذا موجودة في القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة والواقع المشاهد فقد شاهدنا أنظمة حكم تزول وحكاما يتغيرون مع أنهم امتلكوا أقوى الجيوش وأفضل الأجهزة الأمنية ولكن المنافقين لا يعلمون وما ينطبق على الحاكم ينطبق على المدير والناظر.... الخ. فإذا كنت تريد الدنيا فمن الذكاء والحكمة أن تسألها ممن يملكها فقدرات المسئولين محدودة جداً ولا يكون لها مفعول إطلاقا إذا حكم الله بإلغائها في نفعك أو ضرك ومن يؤمن بذلك سيتقرب إلى الله بالصدق والأعمال الصالحة ويبتعد عن النفاق والكذب والانحرافات الأخرى لأنه يعلم أن فيها هلاكه وضياعه وتعاسته في الدنيا والآخرة ومن لم يقتنع بهذا الكلام فعليه أن يسلط الضواء المكثفة على حياة المنافقين ونهايتهم وسيجدهم يفتقدون السعادة مهما نالوا من أموال ومناصب ويفتقدون حب الناس واحترامهم وسيجد أن كثير من المنافقين لم توصلهم أدوات النفاق إلى مناصب وأموال وسيجد في المقابل أن الله سبحانه وتعالى أعطى المناصب والأموال لكثير من عباده الصالحين فقد أعطى سليمان عليه الصلاة والسلام ملكا لم يعطه أحدا من البشر وأعطى يوسف عليه السلام منصبا رفيعا مع كثرة المؤامرات ضده وغير ذلك كثير قديما وحديثاً. قال تعالى: ?ولله خزائن السموات والأرض ولكن(57/322)
ــــــــــــــــــــ
(1) ص 151 كتاب مناهج العلماء في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر للأستاذ فاروق عبدالمجيد السامرائي.
المنافقين لا يفقهون?. وتبقى نقطة أخيرة وهي أن فرح بعض المنافقين ببعض المكاسب هو أشبه بفرحة لص بمال سرقه لأن هذا الفرح سيصبح حزنا وندما إذا تم القبض عليه، والمنافق لا يستطيع أن يهرب من عقاب الله سبحانه وتعالى، فالنتيجة المؤكدة شرعاُ أن نهاية كل منافق سيئة جداً.
4- ارض النفاق: كتب الأستاذ يوسف السباعي رحمه الله سنة 1949 ميلادية رواية بعنوان "أرض النفاق" وهذا يثبت أن النفاق مشكلة قديمة وكبيرة وإليكم مقتطفات منها:
أ- "أجل ... إن الجريدة نفسها قد أصبحت بلا نفاق من يتصور هذا ؟! من يتصور صحافة بلا نفاق؟" ص 253.
ب- كيف يستطيع الناس أن يحيوا بلا نفاق؟ كيف يستطيعون أن يحتمل بعضهم بعضا...؟ كيف يستطيع الزوج أن يعيش مع زوجته لحظة بلا رياء ولا نفاق؟ كيف تستقيم الأمور وكيف تنقضي المصالح؟ كيف تنتظم الحياة ويتعامل الناس وقد خلوا من النفاق؟ كيف تنشأ الأحزاب... وتؤلف الوزارات؟ من ينادي بأمانينا الوطنية ... ومن يخطب ومن يكتب؟ ص276.
ج- "طبعا وزارة بلا نفاق... لابد أن تحل مجلس النواب ومجلس نواب بلا نفاق لا بد أن يسقط الوزارة" ص266.
د- "هذه قصة النفاق والمنافقين وأرض النفاق، قصة قد يكون فيها بعض الشطط وبعض الخيال... ولكن يخيل إلى أن ما بها من حقائق قد طغى على ما بها من خيال.... يا أهل النفاق تلك هي ارضكم وذلك هو غرسكم ما فعلت سوى أن طفت بها وعرضت على سبيل العينة بعض ما بها" ص286.
(جـ) تقليد الغرب
في نفوس أعداد كبيرة من شعوبنا عقائد واقتناعات غربية تبنوها في أفكارهم وأحزابهم وأعمالهم وسلوكهم وأقوالهم، هذه العقائد والاقتناعات تتعارض مع الإسلام، فقد وجدنا في بداية القرن العشرين أن أوروبا هي النموذج الذي نريد تقليده، ثم أصبح النموذجان الأمريكي والسوفيتي هما القدوة، فأنقسمنا إلى يمينيين ويساريين، وأصبحنا نعرف عن الثورة الفرنسية أكثر مما نعرف عن تاريخنا، وعن أفكار الغرب ونظمه أكثر مما نعرف عن ديننا، وأحكامه وليت شعوبنا نقلت أفضل ما عند الغرب من صناعة وزراعة وعلم مادي ولكنها في الغالب نقلت أسوأ ما عنده من تخلف عقائدي وانحرافات اجتماعية، قال كلوت بك: "ذلك لأن الشرقيين إذا هموا بتقليد غيرهم أظهروا في الغالب الغباوة والغشم... وهم لا يأخذون في الغالب من أخلاقنا كلما اختلطوا بنا سوى ما كان منها سيء العاقبة بعيدا عن الصواب"(1) ورفض كثير من مثقفينا حتى البحث عن نظام سياسي واقتصادي اسلامي، ولو كانت شعوبنا واعية لما قام هؤلاء بتجاهل الدين، أو اتهامه بأنه سبب تخلفنا، ولما صفقت لمفكرين وكتاب وأحزاب لديهم انحرافات عقائدية وتشريعية، فشعوبنا مسئولة عن تقصيرها في تبني فكر إسلامي عصري وفي نفس الوقت لم تقل للعلماني أنت علماني مرفوض وللشيوعي انت شيوعي ضال، ولأن البعض لا زال يقلد الغرب تقليداً أعمى، ولأن هذا الاقتناع أضرنا كثيرا، فمن الضروري أن نسلط الأضواء على جوانب من سلبيات
الحضارة الغربية، وهذا لا يعني أن ليس لها إيجابيات، بل إيجابياتها
كثيرة وخاصة في الصناعة والزراعة والديمقراطية والعدل والمساواة
والإدارة، وتسليط الضواء على السلبيات ليس معناه تبرير لسلبيات في
كثير من دولنا ورضاء بها فنحن نعلم أن عندنا مهازل
ـــــــــــــــ
(1) دليل المسلم الحزين ص 11 - للأستاذ حسين أحمد أمين.
سياسية وعقائدية وعلمية كبيرة، ولكننا مقتنعون بان علاجها هو من خلال تطبيق نظام إسلامي حديث يناسب واقعنا، وليس بتقليد الغرب تقليداً أعمى، ومن سلبيات الغرب ما يلي:-
1- تخلف الغرب في مجال العقائد كبير جدا، فهو لا يدري هل الله واحد أم ثلاثة؟ ولا يدري لماذا خلق الله الإنسان؟ وهذا من أهم الأسئلة، فالله سبحانه وتعالي لم يخلقنا لنأكل ونشرب ونتطور صناعيا واقتصاديا ونشبع شهوات الجسد، فالإنسان الغربي يجهل المهمة الرئيسية للإنسان في الوجود التي هي عبادة الله بطريقة صحيحة، ولهذا قسم حياته إلى قسمين: العمل والاستمتاع بالحياة وهذا انحراف كبير لا يقارن بالإيجابيات التي يحققها، فلو أرسل حاكم رجلا في مهمة خطيرة، فلم يهتم هذا الرجل بأداء المهمة بل إنشغل عنها في صناعة أو زراعة، وأدى فشله في مهمته دماراً كبيراً وقتلاً هل يشفع لهذا الرجل أن يكون قد استغل وقته في صناعة طائرة، أو زراعة قمح! فالإنشغال بغير الهدف الرئيس ضياع كبير، فالاهتمام بالزراعة أو الصناعة ضروري ولكن هناك أشياء أهم بكثير لابد من الأنشغال بها أولا، ويجهل الغرب حقائق أساسية أخرى عقائدية واجتماعية واقتصادية، بل حدث عنه في هذه القضايا ولا حرج، فهو لا يعرف قصص الأنبياء الصحيحة، ولا كيفية الوصول للحقائق الفكرية، فيظن أن البيع مثل الربا، ويعتقد أن الزنا حرية شخصية، وهو لايعرف الفرق بين العبادة الصحيحة والتصوف، ولا يستطيع أن يحدد الصواب من الخطأ في عقائد الشعوب المتناقضة القديمة والحديثة، وهو يجهل الحقوق والواجبات العادلة في الزواج والطلاق والميراث وغير ذلك كثير.(57/323)
وهذه الحيرة الغربية أصابت شاعر المهجر ايليا ابو ماضي، والذي عاش في أمريكا سنوات طويلة، فترجم هذا الضياع في قصيدته المشهورة "الطلاسم" وإليكم ابياتاً منها:
جئت لا أعلم من أين؟ ولكني أتيت
ولقد أبصرت قدامي طريقا فمشيت
وسابقى سائراً إن شئت هذا أم أبيت
كيف جئت؟ كيف أبصرت طريقي؟ لست أدري
قد دخلت الدير استنطق فيه الناسكينا
فإذا القوم من الحيرة مثلي باهتونا
غلب اليأس عليهم فهم مستسلمونا
وإذا بالباب مكتوب عليه: لست أدري
أوراء القبر بعد الموت بعث ونشور؟
فحياة فخلود أم فناء فدثور؟
آكلام الناس صدق أم كلام الناس زور؟
أصحيح أن بعض الناس يدري؟ لست أدري
إنني جئت وأمضي، وأنا لا أعلم
أنا لغز، وذهابي كمجيئي طلسم
والذي أوجد هذا اللغز لغز مبهم
لا تجادل... ذو الحجى من قال أني: لست أدري
2- تخلص الغرب من إنحراف الكنيسة وتعصبها، ولكنه وقع في ظلام العلمانية، حيث أوصله التفكير العلماني إلى عقائد متناقضة مثل الرأسمالية
والشيوعية والدنيوية والنازية، وهذا التناقض جعله يحصد الحروب العالمية والصراع والتنازع وأوصله التفكير العلماني إلى أن استعمار الشعوب
أمر جائز، وإلى أن الكذب سياسة، فالعالم الغربي يحترق من نارين: نار
المبادئ المتناقضة، ونار المصالح المتصادمة، وغالبا ما تسيطر المصالح على قراراته، فقرارات الأمم المتحدة لا تنفذ إلا إذا كانت
تخدم مصالح الدول الغربية، أو على الأقل لا تتعارض معها، أما تطبيق الديمقراطية وحقوق الإنسان والحرية فهو فقط داخل حدود الدول الغربية، أما بقية البشر فحقوقهم ومصالحهم تنتهي بعد أن يتم اشباع مصالح الغرب، وهي مصالح لا تشبع، وكيف نعتبر الغرب متقدما وهو مسئول عن تدبير المؤامرات والانقلابات في كثير من الدول النامية وأحيانا التدخل العسكري المباشر؟ الم تهاجم كل من فرنسا وبريطانيا واسرائيل مصر سنة 1956 مع أن هذا اعتداء واضح وهيئة الأمم المتحدة موجودة؟! ووجدنا فرنسا بلاد الحرية والجمال تكشر عن أنيابها ومخالبها وتحاول افتراس الجزائر، وترتكب الكثير من الجرائم، ووجدنا أمريكا تلقي قنلبتين نوويتين على اليابان، وتقتل الأطفال والمدنيين، ووجدنا روسيا تضطهد شعوبا إسلامية كثيرة، فتقتل وتدمر في سبيل مصالحها، بل وتتدخل عسكريا في افغانستان بصورة علنية وواضحة. وكل هذه الجرائم والانحرافات حدثت في ظل وجود حرية رأي، ومجالس نيابية في أمريكا وفرنسا وبريطانيا. والغريب أنهم يتهموننا بالهمجية مع أن المقارنة بين عدد القتلى في حروبنا وعلى مدى خمسة عشر قرنا هو أقل بكثير مما قتلوا في حروبهم. هذا مع الاختلاف حول أن هدف بعض حروبنا كان ساميا، أي لنشر العقيدة الصحيحة في حين أن أغلب حروبهم هدفها المصالح المادية، فمن هو الهمجي؟!!. قال الدكتور فؤاد زكريا: "فإن الأمريكيين لا يكونون صورتهم عن أي زعيم على أساس فضائله الداخلية أو الشخصية أو حتى طريقته السليمة في الحكم بل على أساس ما يمكن أن يجنوه منه من فوائد"(1).
3- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "من تشبه بقوم فهو منهم" رواه أحمد
ولو إلتزمت شعوبنا بهذا الحديث لما قلدت الغرب تقليداً أعمى أدى إلى
مصائب كثيرة مزقتها وفرقتها، فالتناقض الغربي العقائدي والسياسي
والفكري تم استيراده، فالاقتناع بالفكر القومي العلماني الغربي جعل
ــــــــــــــــ
(1) ص 174 كم عمر الغصب - الدكتور فؤاد زكريا.
الحرب تشتعل بين العرب والأتراك، وجعلنا نمزق الدولة العثمانية،وجعل العرب أنفسهم ينقسمون إلى مؤيدين ومعارضين للدولة العثمانية، فأختلفوا وتمزقوا أكثر، ثم استوردنا الفكر الرأسمالي والفكر الشيوعي، فأنقسمنا إلى شيوعيين ورأسماليين في الدولة الواحدة، فتصدع البنيان السياسي لكثير من دولنا، ونقل البعض سلوكيات اجتماعية غربية فتصادمت هذه مع مفاهيمنا الاجتماعية الإسلامية، فحصلت المشاكل واختل نظامنا الاجتماعي، ودافع البعض منا بحماس شديد عن نظام الحزب الواحد أو القطاع العام، أو فلسفة أفلاطون وسارتر وفرويد أو غير ذلك، ووجد العكس، وكل ذلك أنتج صراعات وعداوات وتمزق، فالغرب لم يكتف بضياعه العقائدي بل نقله إلى أجزاء كثيرة من العالم، فسبب للعالم مصائب كبيرة لأن ما صدره من أفكار لم يكن حقائق علمية، بل في الغالب أفكار ضائعة، لم تستطع إقناع عقلاء الشعوب النامية بصوابها وحكمتها، ولهذا مزق هذه الدول إلى أحزاب وتجمعات، (كل حزب بما لديهم فرحون) وليت الغرب إكتفى بذلك التصدير بل أخذ يرمى مزيداً من الحطب على هذه النيران طمعا في الحصول على مناطق نفوذ ومصالح، وبيع السلاح، حتى لو لم تملك المال فبالقروض يمتص ما عندك من ثروة أو موارد وإمكانيات حتى ولو كانت محدودة ولا يهمه ان يعاني شعبك من الفقر والجهل والمرض!!!
4- يُظهر الإعلام الغربي المرأة بصورة غير صادقة عندما يوهمنا أنها سعيدة لأنها تملك سيارة، ولديها وظيفة وشقة وعشيق... الخ. لأننا نعلم أن هذه الصورة ليست السائدة، وأن هناك أجزاء من الصورة مفقودة تحتاج أن نسلط عليها الأضواء، فالمرأة الغربية تعمل على الأقل ثمانية ساعات، والعمل في(57/324)
الغرب ليس مكانا لتمضية الوقت، بل هو عمل مكثف مرهق، وإذا رجعت المرأة من العمل فعليها أن تساهم في إعداد وجبة لنفسها، أو لعائلتها، وعليها أن تقوم بواجباتها نحو أبنائها وزوجها، فتهتم بتعليم الأبناء، وإذا كانت المرأة عانسة أو مطلقة - ونسبة الطلاق مرتفعة في الغرب فعليها أن تتحمل مسئوليات أكثر ولا بد أن تدبر المال الكافي لإيجار الشقة، ومصاريف الأبناء والمنزل، وتجد عشيقها يطلب متعة آنية لا
زواجا دائما وبالتالي فهو غير مستعد لتحمل بعض المصاريف، وإذا مرضت أو حصل لها حادث أو عاهة فلن تجد من يقف معها، وكل هذا يرهق المرأة نفسيا وجسديا، ونحن لا نتحدث عن حالات استثنائية بل هي الغالبة حيث أن في فرنسا لوحدها أكثر من سبعة ملايين أمراة تعيش لوحدها، ولا شك أن كثيرا من النساء لسن قادرات على الحصول على مرتبات مرتفعة تكفي لمصاريف السكن والمأكل والملبس... الخ ولذلك فإنه لا بد من تأجير حجرة بدلا من شقة واستخدام المواصلات العامة بدل السيارة الخاصة، وتحمل إرهاق ومشاكل العمل، فلا زوج ولا أب يحميها ويساعدها، فالمرأة الغربية كانت تجد زوجا يحميها، فأصبحت وحيدة وخائفة وكانت زوجة فأصبحت مطلقة أو عانساً، وكان المال يأتي إليها فأصبحت تركض وراءه، وكان العريس يبحث عنها فأصبحت تبحث عن العريس، وبعد أن كان حولها الزوج والأبناء أصبح حولها الكلاب والقطط، وكانت تجد أسرة مستقرة في طفولتها، وزوجا في شبابها، وأبناء في شيخوختها، فأصبحت أسرتها مفككة، وهي صغيرة، وتعيش حياتها وحيدة في شبابها وشيخوختها، وأنظر إن شئت في وجه المرأة الغربية فستجد القلق والحزن والضياع حتى لو حاولت أن تغطيه بالكبرياء والعناد والقوة، وهذه نتيجة منطقية لأنها مرهقة ومعذبة، فحياتها غير مستقرة، وتتلفت حولها فلا تجد طفلا تداعبه، أو زوجا يرعاها، بل تجد التليفزيون والفيديو فتمل من هذه الحياة الجافة القاسية فتصبح امرأة معقدة تعلم أن حياتها غير سعيدة، ولكنها لا تعرف أين الخطأ قال الدكتور فؤاد زكريا: "فالأمريكيون مصابون بهوس العقد النفسية، والتفسيرات السيكولوجية الرخيصة، وهم ينفقون على العلاج النفسي ما يغطي ميزانيات عدة دول من العالم الثالث دون أن يجنوا من ذلك إلا مزيداً من السلوك غير السوي"(1). وجزء من الخطأ كان في أن كل فرد يريد أن يعيش حياته كما يشاء، وهذا لا يتحقق، فلا بد من الأخذ
ـــــــــــــــ
(1) ص 55 - من كتاب كم عمر الغضب - للدكتور فؤاد زكريا.
والعطاء، ولا بد من التكامل في الواجبات والمسئوليات ولا بد من تقديم تنازلات طبيعية، فالحرية المزورة جعلت الأفراد لا يتحمل بعضهم بعضا حتى لو كان هذا البعض زوجا أو زوجة أو أبناء. ووجود المرأة في أسرة مترابطة كطفلة وفتاة وزوجة يحقق لها مصالح مادية ونفسية كثيرة، فتشجيعها على التمرد على الرجل، والثورة والعناد، واتباع الشهوات هو تحطيم لها، ولسنا ندعو إلى خضوعها إلى الرجل واستبداده بل ندعوها إلى الأقتناع بأنها ليست في معركة تحد مع الرجل وأنه ليس من معاني الحرية أن يفعل الإنسان ما يشاء فهذه فوضى ولكن المرأة الغربية جهلت هذه الحقائق البديهية، فحطمت مملكتها بيدها!!!
5- اقتناع الغرب بأن الفوضى الجنسية نوع من الحرية الشخصية خطأ علمي رهيب جر عليه مصائب كثيرة سنتطرق إليها لعل البعض يتعظ، وقبل أن نذكرها فإن من المهم أن نتذكر أن الغرب لم يتبع عقله عندما فتح الباب للفوضى الجنسية، بل اتبع شهواته، لأن العقل السليم سيدلنا وبسهولة على فوائد الأخلاق والعفة والزواج والمبادئ ومضار الزنا والتبرج، وإليكم بعضاً من الحصاد المر للفوضى الجنسية:
أ- أدت الفوضى الجنسية إلى تحطيم معاني الحب والوفاء والاخلاص والتضحية، فالارتباط بين الجسد والنفس ارتباط وثيق، فالرجل مستعد أن يعمل ليلا ونهاراً في سبيل زوجة وفية، أو فتاة مخلصة له، وهو يزهد في المرأة عندما يراها مع رجل آخر، والفوضى الجنسية جعلت الثقة شبه مفقودة في كثير من النساء، وكثير من الرجال، وكيف سيحب رجل أمراة يعلم أنها كانت على علاقة مع عدة رجال قبله؟! وهذا ليس تفكير رجل شرقي بل هو تفكير كل رجل سليم الفطرة، قال نابليون: "المرأة الشريفة هي أقوى الحصون" وهناك قول أوروبي بمعنى "من بين كل الثروات فإنها أثمنها هو أن يكون لك أمراة فاضلة وشريفة". ولهذا اصبح الحب في الغرب نزوة، أو شيئا مؤقتا، أو ضعيفا، فهو بلا جذور، وفي الغالب لا يستمر غير شهور، ونادراً ما يكون لمدة سنين، فهو أشبه ما يكون ضيفا لا يستطيع أن يعيش في البيئة الغربية الملوثة، ولهذا علينا ألا نستغرب إذا وجدنا عزوفا كبيرا من الرجال في الغرب عن الزواج، فكثير من النساء غير مستحقات للحب والزواج.(57/325)
ب- أنتجت الفوضى الجنسية ملاييناً من الأطفال غير الشرعيين، بعضهم مجهولو الأب وبعضهم مجهولو الأب والأم فأما الأطفال مجهولو الأب فتتحمل الأم مسئولية التربية وتعاني من ذلك الأمرين!! أو تتركهم للملاجئ، فيفقدوا الأم بعدما فقدوا الأب!! وتصورا حالة ملايين من البشر يجهلون آبائهم وأمهاتهم، كيف تكون حالتهم النفسية؟!! فهم بلا حنان أم، ولا رعاية أب، ولا أخوة، ولا أقارب، إن الحيوانات ترعى أبناءها حتى يكبروا، فكيف نرضى نحن البشر أن يصل فينا الظلم والشر إلى هذا الحد؟!! إن الطفل بحاجة إلى رعاية طويلة قد تصل إلى خمسة عشر سنة على الأقل، وليس مطلوب فقط الرعاية المادية بل الأهم هو الحنان والحب، فحنان الأم لا يعوضه اي شئ، فإذا لم يجد الطفل هذا الحنان فقد ينشأ قاسي القلب، وكارها للناس، ومجتمعه، وهذا شئ متوقع. فمن الصعب أن يؤمن المرء بشيء لم يحس به أو يره عند أم وأب وأخوة لأن هؤلاء ليسوا موجودين في حياته، ولا شك أن من أكبر الجرائم، ومن أشد أنواع التخلف أن يمارس الإنسان الجنس رجلاً كان أو امرأة ثم يرمي بعد ذلك طفلا رضيعاً في الشارع، لا أدري أي حرية هذه؟! فالحرية هي التي تبني الإنسان وتسعده، لا تلك التي تهدمه وتشقيه.
ج- مصائب الفوضى الجنسية كثيرة منها انتشار الخيانات الزوجية، وانتشار جرائم الاغتصاب، وارتفاع العنوسة والطلاق، وإزدياد حالات الاجهاض، وتفشي الأمراض الجنسية كالايدز وغيره، وانعدام أو ضعف الثقة في النساء والرجال، والشك والكراهية لجنس الرجال أو جنس النساء، وإزدياد جرائم القتل، واضعاف الدول لانشغال شبابها بالجنس والملذات، فينسون قضايا أوطانهم لأنهم أصبحوا مخدرين جنسياً، وهذا واقع مشاهد، فالشاب الفاسق والفتاة اللعوب تكون عادة. مساهمتهم في القضايا الوطنية والخيرية ضعيفة أو غير موجودة أصلاً وعموما ففي الإسلام حماية لنا من الفوضى الجنسية، قال تعالى: ?ولا تقربوا الزنى إنه كان فاحشة وساء سبيلا? (32) سورة الإسراء، ونبهنا الله سبحانه وتعالى أنه طريق هلاك وشقاء وضلالة وضياع. قال تعالى: ?إن الله يهدي القوم الفاسقين? وقال تعالى: ?إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة والله يعلم وأنتم لا تعلمون? (19) سورة النور، وقال رسول ا صلى الله عليه وسلم "ما تركت بعدي في الناس فتنة أضر على الرجال من النساء"(1) وقال رسول ا صلى الله عليه وسلم "صنفان من أهل النار لم أرهما: قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات، رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة، ولا يجدن ريحها وإن ريحها لتوجد من مسيرة كذا وكذا"(2) وقال ابن القيم رحمه الله، "ومن آفات النظر أنه يورث الحسرات والزفرات الحرقات فيرى العبد ما ليس قادراً عليه، ولا صابرا عنه، وهذا من أعظم العذاب"(3)!!
ــــــــــــــــــ
(1) حديث رقم 2067 مختصر صحيح مسلم للألباني.
(2) حديث رقم 1388 مختصر صحيح مسلم للألباني.
(3) ص 161 الجواب الكافي لابن القيم.
د. التعصب العرقي
كثيراً ما يقوم أصحاب العقائد الباطلة، والمصالح المشبوهة من داخل الأمة والشعب ومن القوى الاجنبية المعادية بتغذية التعصب العرقي، وذلك لتحقيق مصالحهم التي لن تتحقق إلا إذا تفرقنا بناء على أصولنا العرقية، أو أفكارنا، أو مواقفنا، وعندما ننشغل باختلافاتنا العرقية وغيرها ننسى أعداءنا، وسنعادي فئات من شعبنا، وبالتالي فرفض التعصب العرقي يفقد هؤلاء أحد أسلحتهم الرئيسة وعندما يحاول أعداؤنا وجهلاؤنا وسفهاؤنا إقناعنا بأن التعصب العرقي يحقق مصالح لنا، نقول بل هو شر كبير وإذا حقق مصالح فهي مصالح هزيلة ومحدودة ومصائبه أكبر بكثير، فالربا ظاهرياً فيه مصالح ولكن شره وآثاره الاقتصادية والشخصية سيئة، فالمال الحرام لا يأتي بخير وكذلك بالنسبة للتعصب العرقي فليس مهماً كم نائب ينجح من هذه القبيلة أو تلك، بل المهم جودة النواب، فالنائب الواعي المخلص يفيد المجتمع مهما كان انتماؤه العرقي، والنائب المنافق الضعيف يضر المجتمع وأبناء قبيلته حتى لو حقق مصالح محدودة للبعض، وقوة الأمة في تعاون شعوبها لا في تدمير بعضهم البعض، ومصالحنا تتحقق بتكاتفنا وإيجاد شعوب متماسكة، فجسد الأمة عندما يتمزق سيكون جسداً ضعيفاً حتى لو توهم من يملك اليد أن عنده عضلات أو من يملك الرأس أن عنده عقل، فقوة اليد الحقيقية هي عندما تكون جزءاً من جسد متماسك، ويستغل المنحرفون في عقائدهم وأعمالهم وأخلاقهم التعصب العرقي كشعار للوصول إلى المناصب والأموال، فيتباكون على مصالح القبيلة، أو الشعب أو العائلة، في حين أنهم لا تهمهم إلا مصالحهم الشخصية. ومن سلبيات التعصب العرقي أنه يزرع الكراهية بين افراد المجتمع، فلكل فعل رد فعل، فالناس يكرهون من يسعون للتميز عنهم، ومن يكسب محبة الناس فقد كسب الكثير، ومن يكسب عداوتهم فقد خسر الكثير.
والفاشل في عمله يتهم الآخرين بأنهم يتعصبون عرقيا ضده ليثير(57/326)
غضب جماعته، وحقيقة الأمر أن عدم ترقيته راجعة لفشله، لا لتعصب عرقي ضده، فالمتعصبون الفاشلون هم الذين يتاجرون بانتمائاتنا القبلية، والشعبية، والقومية، أما أهل الإيمان والوعي فهم أبعد الناس عن ذلك.
ومن جرائم التعصب العرقي أنه جعلنا نبالغ في مدح قبائلنا وشعوبنا وأمتنا حتى اعتقد بعضنا أننا ملائكة، وأتت كثير من الأحداث ففضحتنا، فكفر بعضنا بجنسانا العربي أو بشعوبنا أو بقبائلنا، فالتعصب العرقي يزور حقائق تاريخية وحديثة عنا، ويجعل إيجاباتنا كبيرة، وسلبياتنا صغيرة، فلا نرى واقعنا كما هو فتصيبنا الكوارث العسكرية والسياسية والاجتماعية، فالمعتصبون يجعلون دائما شعوبهم أفضل البشر في حين أن التقييم العلمي والمحايد سيثبت أن حساباتهم خاطئة بدرجة كبيرة، قال تعالى: ?ولا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى? 0سورة النجم: 32). وقال ابن مسعود رضي الله عنه: "إن المؤمن يرى ذنوبه كأنه في أصل جبل يخاف أن يقع عليه، وأن الفاجر يرى ذنوبه كذباب، وقع على أنفه فقال به هكذا فطار". فالصالحون من الأفراد والشعوب يحاسبون أنفسهم ويعتبرون إيجابياتهم قليلة، وسلبياتهم كبيرة، فيجتهدون أكثر، ولهذا يرتقون في سلم الرقي الإنساني، أما أصحاب التعصب العرقي فيفعلون العكس، فيخسرون الدنيا والآخرة.
ويجعلنا التعصب العرقي نتساهل مع المجرمين من أبناء قبائلنا وشعوبنا، فتزداد الانحرافات، ويتجرأ المنحرفون أكثر، ويتشجع غيرهم لأننا نغفر لهم، وهذا واقع مشاهد.
وجعلنا التعصب العرقي لا نرى من الآخرين إلا سلبياتهم، والآخرون ينظرون إلينا النظرة نفسها، فتصبح كل الملفات سوادء سواء على مستوى الشعب، أو الأمة، وإذا كان هناك اعتراف بإيجابيات وحسنات الآخرين فهو قليل، فأصبحت شعوبنا إما ملائكة، أو شياطين، وفقدنا العدل والموضوعية، وإذا حدث شر أو خلاف بين عرقين كالذي يحدث بين الأخ وأخيه، فمن الصعب عند أصحاب التعصب العرقي التسامح، والعفو لأنه قد يعتبر ضعفا أو جبنا، فالواجب العنصري أن ترد الصاع صاعين، وتزيد الشر والجروح في الأمة ولا تتنازل عن أي شيء حتى لو كان شبراً واحداً على الحدود.
وحطم التعصب العرقي الكفاءات والمؤهلات في العمل والإبداع والعلم، فلا أهمية إلا للانتماء العرقي في التوظيف والترقية والمناصب، فمن هو من العرق الأزرق لن يجتهد لأنه ضامن الوصول ومن هو خارجه لن يجتهد لأنه لا فائدة في اعتقاده من الاجتهاد، ولهذا تضعف أوطاننا وأمتنا، ونغرق جميعا، ولو نظرنا للولايات المتحدة الأمريكية لوجدنا تشجيع المتميزين علميا وعمليا من الأجانب، فيصبح كيسنجر وزيراً للخارجية مع أنه مولود بأوروبا فتستفيد أمريكا وتزداد قوة في حين أن التعصب العرقي يمنع في أحيان كثيرة شراء أرض، أو عمل مشروع استثماري في كثير من دولنا، فنحن لا نثق إلا في من ينتمي لعرقنا وهذا سبب رئيسي من أسباب هجرة أموالنا لدول أجنبية، فالمواطن العربي يشعر بالغربة من كثرة القوانين العرقية التي تمنعه من الإقامة، أو التجارة، أو التملك، أو الترقية!!.
ومن سلبيات التعصب العرقي أنه يقف حاجزاً كبيراً أمام النقد البناء، فإذا انتقدت مسئولا أو حكومة أو شعبا لخطأ أو انحراف فيتهموك بأنك تعادي "العرق" الذي ينتمي إليه المسئول أو الشعب، وهب أصحاب العرق ينتصرون لصاحبهم وهذا الحاجز يعوق تنفيذ فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كذلك يمنعنا التعصب العرقي من نقد عوائلنا وقبائلنا وشعوبنا لأننا نعتبر هذا من أنواع نشر الغسيل، وتشويه سمعتنا عند الآخرين، ومن الضروري أن نقتنع بأن تسليط الأضواء على سلبياتنا هو أحد أساسيات التقدم، ولكن لنحاول أن نبدأ بأنفسنا لا بالآخرين.
ومن سلبيات التعصب العرقي أن بعض أصحابه يظنون أنهم في
القمة، وذلك من خلال تسليط الأضواء الشديدة على عيوب الآخرين،
وسلبياتهم وأخطائهم القديمة والحديثة، فيسقط الآخرون من عيون هؤلاء،
فيظنون بأنفسهم أنهم أفضل البشر كرماً، وشجاعة، وأخلاقاً... الخ لا لسبب إلا أنهم تذكروا سلبيات الآخرين، ونسوا سلبياتهم بل بعضهم يبالغ فيجعل صعودهم للقمة هو فقط نتيجة انتمائهم العرقي في حين أن النسب لا علاقة له بالأفضلية، لا في الدين، ولا عند أهل العقول، وهذا من بديهيات الشرع والعقل والواقع.
وجعل التعصب العرقي شعوبا تضطهد شعوباً أخرى، ولغاتهم مما فتح المجال لثورة المضطهدين، وتعاونهم مع أعداء الأمة، وأصبحنا نواجه اليوم عقبات قوية من الحواجز السياسية والنفسية بين بعض شعوبنا.
ومن سلبيات التعصب أنك مهما حاولت أن تكون عادلاً وترضى عرقاً ما بمناصب وأموال، فإنه سيتهمك بأنك لست بعادل مهما فعلت، وهذا وضع تواجهه حكومات وقوى مخلصة، فالتعصب العرقي يريد أكثر من حقه، في حين أن القلوب المؤمنة تعطي أكثر مما تأخذ، ولا يحركها الطمع في المناصب والأموال!(57/327)
ومن سلبيات التعصب العرقي هو أنه جعل أصحابه يهتمون فقط بدوائرهم العرقية عل مستوى الأسرة أو القبيلة أو الوطن، فيتجاهلون آلام الآخرين ومصائبهم، وأعداؤنا يريدون منا ذلك حتى ينفردوا بنا، في حين أن واجبنا الشرعي أن ننصر المظلوم خاصة إذا كان غريباً أو فقيراً، وأن نردع الظلم خاصة إذا جاء من قبائلنا وشعوبنا، ولكن المتعصبين يعتبرون هذا نوعاً من المثالية، والغباء السياسي، أو حتى نوعاً من الخيانة للقبيلة والوطن في حين أنه انتصار حقيقي لأنه ردع عن الظلم.
وما ذكرناه أعلاه هو نماذج وألوان من التعصب العرقي الذي لا نحصد منه غير الكراهية، والتفرق، والاختلاف، والتكبر، والغرور، والكسل، وتزوير الحقائق، والحسد، وتحطيم الكفاءات والمعنويات... الخ فكيف تكون فيه مصالحنا كافرادا وقبائل أو شعوب أو أمة؟!! إن التمسك به يعني أننا ضد إسلامنا وضد أوطاننا، وما نراه من مصالح هي مصالح وهمية وسراب وأوهام.
وربط أحد علماء الإسلام بين التعصب العرقي لعائلة أو قبيلة أو شعب أو أمة وبين معصية إبليس عندما رفض السجود لآدم عليه السلام حيث قال إبليس: ?أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين? (سورة الأعراف: 12). أي استند إلى الأصل العرقي، فهو رفض العدل الإلهي، ورأى أنه ظُلم دون وجود منطق حكيم، كأن يقول أنا أقوى، أو أعلم من آدم. ويفرق التعصب بين بني آدم، وبين المسلمين، ليس بناء على العقيدة، أو الكفاءة، أو الأخلاق، بل بناء على الأصل العرقي، هذا الأصل الذي يعلم جميع العقلاء أنه لا يعني أي شيء إطلاقا في ميزان الحقيقة، فكلنا بنو آدم، وميزان التفاضل الشرعي الذي وضعه الله سبحانه وتعالى هو ?إن أكرمكم عند الله أتقاكم?، ولكن أصحاب إبليس يرفضون هذا الميزان، ويرفضون القاعدة الإسلامية التي تقول: (لا فرق بين عربي وأعجمي إلا بالتقوى) ولنثق كل الثقة بأنه كلما ضعف إيمان الإنسان، وتلاشي، زاد تعصبه، وكذلك كلما زاد جهله زاد تعصبه، وينطبق هذا على المثقف والجاهل، ويجهل كثير من العقلاء والمتعصبين أن محاربة التعصب هي أحد التغييرات الجذرية التي أحدثها الإسلام في القبائل العربية، فقد نقلهم من التعصب العرقي إلى الانتماء للعقائد، والمباديء والعدل، ومن (انصر أخاك ظالما) إلى اردعه عن الظلم، وعلمهم أن العدل هو الأساس، (ولو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها) مع أنها من ناحية عرقية أقرب الناس إلى الرسو صلى الله عليه وسلم ، ولكن أصحاب التعصب العرقي يرفضون ذلك، فإذا ارتكب فرد من خارج قبائلهم أو شعوبهم جريمة نظروا إليه بتعصب وقسوة، وعاقبوه بأكثر مما يستحق، أما إذا كان المجرم منهم سامحوه، أو خففوا العقوبة، فقوانين العدل تتأثر عندهم
بالانتماء العرقي وهذا ظلم ولهذا علينا ألا نستغرب عندما نجدهم يدفعون عن أصحاب الاختلاسات، والحروب الظالمة، أو عن عادات ومفاهيم اجتماعية منحرفة. ولا يعارض الإسلام الإنتماء لقبيلة، أو شعب، أو أمة، ولكنه ضد التعصب والظلم، وقاعدة أن الأقربين أولى بالمعروف ليس من معانيها أن نسكت عن انحرافات الأقربين، قال رسول ا صلى الله عليه وسلم "ليس منا من دعا إلى عصبية، وليس منا من قاتل على عصبية، وليس منا من مات على عصبية" رواه ابن داود. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لينتهين أقوام يفخرون بآبائهم الذين ماتوا، إنما هم فحم جهنم، أو يكونن أهون على الله من الجُعل الذي يدهده الخرء بأنفه، إن الله أذهب عنكم عبية الجاهلية، إنما هو مؤمن تقى، وفاجر شقي، الناس كلهم بنو آدم، وآدم من تراب" رواه الترمذي من حديث أبي هريرة، وقال أبو ذر إني ساببت رجلاً فعيرته بأمه فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم "يا أبا ذر أعيرته بأمه إنك امرؤ فيك جاهلية" وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من كبر" أخرجه مسلم، وقال الغزالي رحمه الله "التكبر بالحسب والنسب، فالذي له نسب شريف يستحقر من ليس له ذلك النسب، وإن كان أرفع منه عملاً وعلماً، وقد يتكبر بعضهم فيأنف من مخالطة الناس ومجالستهم وقد يجري على لسانه التفاخر به، فيقول لغيره من أنت؟ ومن أبوك؟ فأنا فلان بن فلان، ومع مثلي تتكلم"(1)؟!
وفي مواقف الرسو صلى الله عليه وسلم من قريش والعرب قدوة لنا، فقد كان عدواً لعمه أبي لهب، وحارب قريشاً وهي قبيلته، ولكن كثيراً من المسلمين اليوم ضيعوا دينهم، فهم يرون الظلم أمامهم، ولديهم القدرة على معارضته، ولا يفعلون شيئاً ولهذا ضاعوا وضاعت الأمة، قال تعالى: ?وما ظلمناهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون? (سورة النحل) ويسخر اليوم بعض المسلمين من بعضهم نتيجة أصولهم العرقية، أو طولهم أو قصرهم، بكلمات شريرة، وألفاظ قبيحة، تمحو الحسنات، وهذه ذنوب لو مزجت بماء البحر لأفسدته لما فيها من تعصب وكبر وغرور وإتهام لله سبحانه وتعالي بأنه غير عادل في المساواة بين البشر في خلقهم، فالناس لم يخلقوا أعراقهم أو أشكالهم، فليحذر كل مسلم حريص على دينه ليس فقط من
ــــــــــــــــــــــ
(1) ص 368 - من كتاب موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين.(57/328)
أقوال وأفعال فيها تعصب عرقي، بل حتى على تطهير نفسه من أي عقيدة أو اقتناع بأن الناس يختلفون بناء على أعراقهم، فلا فضل لعائلة عل عائلة، ولا قبيلة على قبيلة، ولا شعب على شعب، ولا أمة على أمة، ولا لون على لون، وعليه أن يحارب المفاهيم العنصرية وأصحاب التعصب لأنهم أحد أسباب ضعف المسلمين، وعن جابر رضي الله عنه، قال: كنا مع صلى الله عليه وسلم فكسع(1) رجل من المهاجرين رجلاً من الأنصار، فقال الأنصاري: يا للأنصار، وقال المهاجري يا للمهاجرين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بال دعوى الجاهلية؟" قالوا: يا رسول الله كسع رجل من المهاجرين رجلاً من الأنصار، فقال: دعوها فإنها منتنة"(2).
ومن بديهيات الواقع والعقول أنك لو قلت لرجل كان جده مجرماً عليك أن تتحمل ما فعله جدك، لقال بانه مسئول عن أعماله لا عن أعمال جده وأنه لا تزر وازرة وزر أخرى وهذا الكلام حق، ولكن البعض يريد أن يبني تعصبه على ما فعله الآباء والأجداد من المآثر والأعمال الطيبة ويتهرب من ذكر سلبياتهم وسيئاتهم. قال تعالى: ?تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسئلون عما كانوا يعملون? 0سورة البقرة: 134)، ولو كان النسب العرقي سببا كافياً للاستعلاء والتعصب العرقي لكان أولى أن يفتخر به بنو إسرائيل لأنهم بنو يعقوب عليه السلام، وفيهم كثير من الأنبياء، ولم ينفعهم ذلك بشيء، ولم ينفع النسب بني هاشم. قال تعالى ?فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم في جنهم خالدون? 0(سورة المؤمنون) كما ثبت عن الرسو صلى الله عليه وسلم أنه قال: "يا بني هاشم أنقذوا أنفسكم من النار، يا بني
ـــــــــــــــــ
(1) أي ضرب دبره وعجيزته بيد أو رجل أو سيف أو غيره.
(2) حديث رقم 1811 مختصر صحيح مسلم للألباني.
عبدالمطلب أنقذوا أنفسكم من النار، يا فاطمة أنقذي نفسك من النار، فإنني لا أملك لكم من الله شيئا"(1) وعموما فتاريخ كل القبائل والشعوب فيها خير وشر، ومن قرأ التاريخ عرف ذلك في مواقف وحكايات وانتصارات وهزائم، وفيه صفحات بيضاء، وصفحات سوداء، قال تعالى: ?وتلك الأيام نداولها بين الناس? فلا داعي لأن نجعل من أنفسنا أولياء وغيرنا شياطين، ولنأخذ من التاريخ درساً وعبراً لا مبررات وهمية وكاذبة للتعصب العرقي، ونقول للمتعصبين اقرأوا التاريخ، وإذا لم تقتنعوا فابحثوا عمن يقرأه لكم بموضوعية، ومن بديهيات التاريخ أن النسب فيه دائماً صفحات مجهولة، وروايات متناقضة وضعيفة، وأحيانا مزورة خاصة وأننا نتكلم عن صفحات تزيد عن ألفي سنة في حين أننا نعترف ونعرف أننا نجهل صفحات تاريخنا المعاصر مع ما نجده من مذكرات كثيرة يكتبها بعض من شاركوا بالقرارت الكبيرة، هذا إضافة إلى وجود مؤرخين وسياسيين يتابعون الأحداث بصورة يومية، قال الأستاذ حمد الجاسر: "وحسبنا الاكتفاء بالقول بأنه قل أن توجد قبيلة صريحة النسب لا يوجد من المطاعن في نسبها ما يدركه كل معني بدراسة أنساب القبائل من قبيلة قريش إلى دونها من القبائل"(2). ومعروف أن هناك اختلاط بين القبائل والشعوب والأمم نتيجة هجرات وصراعات ونسب وتجارة ومصالح وعقائد وقوة وضعف وغنى وفقر وهناك فترات زمنية مجهولة وهناك قبائل وشعوب اندمجت مع غيرها فغابت وضاعت بعض الأسماء المشهورة تاريخيا(3) والحقيقة الكبرى في الانتماء العرقي أنه لا توجد ميزة وأفضلية
عرقية لأي عرق بشري فكل البشر هم بنو آدم وحواء وأكرمهم عند الله أتقاهم وروي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه رأى رجلاً يقول: أنا ابن بطحاء مكة
ـــــــــــــــــــــ
(1) حديث رقم 98 من مختصر صحيح مسلم للألباني.
(2) حمد الجاسر، مجلة العرب - السنة الثالثة - ربيع الأول 1389هـ.
(3) راجع كتاب الألف سنة الغامضة من تاريخ نجد للأستاذ عبدالرحمن بن زيد السويداء.
فوقف عليه فقال: إن كان لك دين فلك شرف وإن كان لك عقل فلك مروءة وإن كان لك علم فلك شرف وإلا فأنت والحمار سواء(1). وذكر الفخر بالأنساب عند إسماعيل بن أحمد أمير خراسان وما وراء النهر فقال: إنما الفخر بالأعمال وينبغي أن يكون الإنسان عصامياً لا عظامياً. وقال الشاعر:
إن الفتى من يقول ها أنذا ليس الفتي من يقول كان أبي
ومن غرائب التعصب العرقي أن كثيرا من الأمم والشعوب والقبائل تعتبر نفسها أرقى وأفضل البشر، وهذا ينطبق حتى على قبائل افريقية متخلفة عقائدياً وعلمياً، فالبعض يصنع الأوهام، ويعيش فيها مع أنه لا دور له إطلاقاً في اختيار عائلته أو شعبه أو أمته.
ومن الطرائف التي تروى في هذا الموضوع: قال رجل انكليزي لرجل فرنسي: ولدت انجليزيا، وأعيش انجليزيا، وأتمنى أن أموت انجليزيا. فقال الفرنسي: هذا جميل، ولكن أليس لديك طموح؟! وقال رجل لآخر أنا ابن فلان ابن فلان... إلى أن أوصل نسبه إلى آدم عليه السلام فقال الآخر: كل هذا حتى تثبت لنا أنك تنتمي إلى بني آدم!!(57/329)
ومما يثبت تفاهة التعصب العرقي أن البشر يعتقدون بأنهم جميعا أبناء آدم وحواء، فلماذا يصر المتعصبون على أنهم يختلفون عن الآخرين؟ والمفروض ألا نقف طويلا عند إنجازات الآباء والأجداد، بل أن نركز جهودنا على ان نقدم إنجازات طيبة، ونطور علمنا وأخلاقنا وأعمالنا، فالرصيد التاريخي محدود الفائدة.
ومن مبررات أهل التعصب العرقي أنهم يفعلون ما يفعله الآخرون، أو أن تعصبهم رد فعل أي معاملة بالمثل، والحكم الشرعي أن انحراف الآخرين
ليس مبرراً أن يقابل بعنصرية وظلم خاصة عندما يكون الآخرون
ـــــــــــــــــــ
(1) ص51 ج1 - كتاب نوادر من التاريخ - للأستاذ صالح محمد الزمام.
مسلمين نريد أن نتعاون ونتكاتف معهم، فمن السهل أن نقابل التعصب بتعصب، ونردد قول الشاعر:
ألا فلا يجهلن أحد علينا فنجهل فوق جهل الجاهلينا
لا نفعل ذلك لأن حرصنا على مصالح ديننا وأوطاننا وأمتنا تجعلنا نقابل السفهاء بحلم وصبر، فلا تستفزنا تصرفاتهم، فلنبدأ بكسر الحواجز العرقية والسياسية، وكذلك ليس من المبررات الشرعية للتعصب أنه موجود في بعض الدول المتقدمة والديمقراطية، لأننا لا نقارن أنفسنا بالآخرين، بل بما أمرنا الله سبحانه وتعالى به.
ومن مبررات التعصب العرقي الارتباط بين الأرض والبشر، ونقول رداً على ذلك أن كل الشعوب تكونت من خلال هجرات قديمة وحديثة وانتقال من أرض إلى أخرى، فهي خليط من أعراق وخليط من انتماءات أرضية، فالإخلاص للأرض وللوطن ليس حكراً على عرق دون آخر، كما أن الأرض ليست ملكاً لعرق دون آخر، وغالباً ما تكون هناك شعوباً أو قبائل استوطنت الأرض التي تسكن اليوم من شعوب وأعراق أخرى فهل هذا مبرر أن يعود السكان الأوائل للمطالبة بها؟ ولو فعلنا ذلك لفتحنا أبواباً لا تنتهي من الفتن والصراعات بين الشعوب، بل حتى بين أبناء الشعب الواحد، فحبنا لأوطاننا من القيم السامية، ولكن لا يجوز أن يتحول هذا الحب إلى تعصب وعنصرية. وما يقال عن الأرض يقال كذلك عن اللغة والدم والتاريخ، فاللغات تتغير والدماء تختلط، والتاريخ لك وعليك.
من نتائج فلسفة إصلاح الحكومات أولاً
الاقتناع بأن إصلاح الواقع يتم من خلال تغيير الأنظمة اقتناع آمن به كثيرون، وآن الأوان أن ندرس نتائجه وآثاره، وسأركز في النقاط التالية على السلبيات اقتناعا مني أن الإيجابيات إذا وجدت فهي محدودة جدا، ومن أهم سلبيات الصراع الشعبي الحكومي ما يلي:
1- عندما يصبح استخدام العنف والتآمر على الأنطمة عقيدة وأعمالاً، فمن الطبيعي أن تقابل الحكومات العنف بالعنف والتآمر بالتآمر فالمسالة بالنسبة إليها صراع من أجل البقاء، وكل صراع من هذا النوع يعطي الأولوية، وعندما تقرر أغلب القوى الشعبية والحكومية أن تتصارع ولا تتعاون فقد زادت شقاءها ومصائبها شقاء ومصائب ويصبح نتيجة لذلك واقعنا أكثر تمزقاً ومرارة، والاقتناع بأن كل أو أغلب مفاتيح الإصلاح بيد الحكومات جعل حكومات تتآمر على حكومات، وقوى شعبية تتآمر على قوى شعبية حتى لا تصل إلى الحكم فتمسك بالمفاتيح "السحرية" لتغيير الواقع، وكل هذا أثمر العدواة والبغضاء والتعذيب والاغتيالات والسجون والخوف والشك والإنتقام، وأضعف الأمة أمام أعدائها الداخليين والخارجيين، وجعل كل طرف همه إفساد انجازات الطرف الآخر، وتشويه سمعته لأننا في حرب بل حروب دائمة فلم نعد نثق في حكومات، ولا قوى شعبية، ونرجوا أن يكون العقلاء فينا قد اقتنعوا بأن الصراع ليس طريقا للإصلاح وأن الجبهتين الحكومية والشعبية يجب أن تكونا جبهتين متكاملتين لا متصادمتين وأمتنا اليوم بحاجة إلى كثير من اللين والرفق والحلم والصبر والتسامح... وهذا ليس دليلا على ضعف. ولا هو تنازل عن المبادئ، بل هو من مبادئ الدين، ومن أساسيات الحكمة والعقل في مثل واقع أمتنا ولنا في رسول ا صلى الله عليه وسلم قدوة حسنة، فقد جقق انجازات عقائدية وسياسية هائلة بتسامحه وصبره وحلمه، ودعا بعض العلماء إلى اتباع منهج ابن آدم الثاني في إصلاح، وقد لا ينفع هذا المبدأ مع الكل ولكنه بالتأكيد ينفع مع الأغلبية، وفيه تفويت الفرصة على أهل المناصب والانتقام من المتاجرين بالشعارات الإسلامية والوطنية.
2- ركزت كثير من الحكومات جهودها وأموالها على الجوانب الأمنية، والأمن الداخلي قضية ضرورية، وهذا أخر إنجازات أولويات أخرى اقتصادية وسياسية وتعليمية وصحية. والمفروض أن تستند الشرعية إلى الشريعة الإسلامية، ويتم قبولها من القوى الشعبية ومن الحكومات وكلما اشتدت الصراعات غاب دور القوانين، ومن أجل توفير بعض ما يصرف على الجانب الأمني وإيجاد بيئة صالحة تلتزم بالقوانين وتقوية الجبهة السياسية للدولة فإننا ندعو إلى تطبيق شعار "إصلاح الشعوب أولا" ولنتذكر أن من فوائد هذا الشعار هو تشجيع النمو الاقتصادي، فبيئة قلقة سياسيا لا تصلح لهذا النمو لأن رأس المال كما يقولون جبان، وهذا أحد الأسباب الرئيسة لهجرة أموال وطنية وعربية عن أوطانها وأمتها.(57/330)
3- لعل أخطر نتائج شعار "إصلاح الحكومات أولا" أن كثيرا من العقول والأيدي ممن آمنت بأن الإصلاح هو قضية حكومية لا شعبية توقفت عن التفكير والعمل والإنتاج والإصلاح. فأخذوا يزرعون اليأس والأشواك أمام محاولات الإصلاح الإداري والاجتماعي والاقتصادي والتعليمي مع أننا بحاجة ماسة إلى إصلاحات هائلة صغيرة وكبيرة وفردية وجماعية في هذه المجالات، ولن تكون للأمة قوة سياسية وعسكرية إذا كانت مفاهيمنا الإدارية متخلفة. أو لأبنائها عقائد متناقضة أو كان اقتصادها ضعيفا، أو نظامها التعليمي ملوثا، بل لن ننجح في الإصلاح السياسي إذا لم نتمرن عليه في الإصلاحات الأخرى، وكأن هؤلاء يقولون لا فائدة من العلماء ولا فائدة من المصانع والمزارع، ولا
فائدة من المدارس والمعاهد، ولا فائدة من الكتب والأبحاث لأن عندهم
تعريف جديد للأعمال الصالحة والنافعة والناجحة، ألا وهو أن أي عمل
لا تكون نهايته الوصول إلى كراسي الحكم هو هباء منثور ونقول
لهؤلاء: إننا بحاجة إلى مصلحين، وأعمال صالحة في كل المجالات، فالإصلاح قضية شاملة أساسها الإصلاح العقائدي وقلبها الإصلاح الأخلاقي، وأعمدته الإصلاح السياسي والاجتماعي والاقتصادي.
4- فتح الصراع بين الحكومات والقوى الشعبية الباب واسعاً أمام أعداء الأمة الداخلييين والخارجيين لأن الأمة أصبحت ممزقة وضعيفة، وأخذ المنحرفون عقائديا وأخلاقيا وماليا يعيثون في الأرض فسادا، بل أن بعض هؤلاء متحالفون مع الحكومات أو القوى الشعبية، ويتم قبولهم ولو عوتب بعض هؤلاء لكان جوابه إنني أرى الشر والخطر في القوى الشعبية، أو في الحكومات أكثر مما أراه في المنافقين والمتطرفين والعلمانيين وأعداء الأمة الخارجيين، ونحن بحاجة ماسة أن نلغي شعار إصلاح الحكومات أولا لأنه يدمر القوى الشعبية، ويدمر الحكومات، وواهم من يظن أنه سينتصر لأن المنتصر سيكون ضعيفاً، مجروحاً، ومنهكاً، وفريسة سهلة للأعداء، ولن يكون قادراً على تحقيق إنجازات وتقدم فلنقفز فوق الثارات التاريخية، والحواجز النفسية، واختلاف الاجتهادات، وليتعاون المخلصون في الحكومات مع المخلصين في القوى الشعبية لأن هذا هو الطريق الوحيد للإصلاح والتطوير، وإذا تم هذا التعاون بعيداً عن المزايدات السياسية والاستبداد سنعرف فوائد هذا التعاون الكثيرة، وسنقتنع أننا تأخرنا كثيرا في معرفة طريق الإصلاح والتطوير.
شبهات حول تغيير الحكومات
تغيير الحكومات موضوع متشعب وله جوانب شرعية وواقعية، ونحن بحاجة ماسة لمعالجته بموضوعية بعيدا عن ردود الفعل والانفعال والاشاعات ومن النقاط التي نرى أنها اساسية في هذا الموضوع ما يلي:-
1- يجب أن ننتبه إلى أن هناك اختلافاً جذرياً بين "إصلاح الحكومات" وبين "تغيير الحكومات"، فالإصلاح هدفه زيادة الإيجابيات وتقليل السلبيات، في حين أن تغيير الحكومات هو تغيير أفراد أو أنظمة حكم، وقد يحدث هذا التغيير، ولكن الأوضاع قد تبقى كما هي، أو تتردى أكثر، وقد لا يكون هؤلاء الأفراد عائقا في وجه الإصلاح، وقد يشجع التغيير أفرادا أو أحزاباً أو جماعات أو اتجاهات أو أعراقاً بناء على ثارات تاريخية، أو مصالح سياسية أو عداوات شخصية، أو اختلاف عقائدي اي أمور لا علاقة لها بإصلاح الأوضاع. فتغيير الأفراد لا يجوز أن يكون هدفا بحد ذاته إلا إذا تعارض وجودهم مع الإصلاح، فباب التوبة كان ولازال مفتوحاً للأفراد إذا كانوا على استعداد أن ينتقلوا من معسكر الانحراف إلى معسكر الإصلاح، وهذا ليس سذاجة بل اسلوب طبقه الرسو صلى الله عليه وسلم وحقق نتائج ممتازة فالهدف هو إصلاح الحاضر والمستقبل لا محاكمة الماضي!!
2- بعض المتدينيين يعتقدون أن وجود إنحرافات وظلم سبب كاف للمطالبة بتغيير الأنظمة، وإعلان الحرب عليها ونقول: إن هذا غير صحيح، وقد بين الشيخ عبدالعزيز بن باز حفظه الله وعلماء آخرون في كتاب "مراجعات في فقه الواقع السياسي والفكري على ضوء الكتاب والسنة" للدكتور عبدالله بن محمد الرفاعي، متى يجوز الخروج على الحاكم؟ وننصح بقراءة هذا الكتاب الهام، وندعو الشباب المتحمس إلى التفقه في الدين والابتعاد عن العنف، فالجهاد يكون صحيحا عندما يعلنه علماء المسلمين لا شباب قرأ بعض الكتب، واختار منها فقرات، وتجاهل ما يخالف هذه الفقرات مما كتب العلماء ولقد وجدنا شبابا يتهمون علماء(57/331)
أجلاء بالمداهنة والجهل والضعف، وحقيقة الأمر أن عقول هؤلاء الشباب هي الجاهلة والضائعة، فتغيير المنكر بحاجة إلى علم وفقه ووعي سياسي، ومحاولة فرض الإصلاح بالقوة غالبا ما تأتي بنتائج سلبية في مثل واقعنا المعاصر، فعندما يتصرف بعض المتدينين كأنهم حكومة شرعية، فيحاولون تغيير منكر موجود بالقوة مما يجعل الحكومات تشعر أن هذا اعتداء على صلاحياتها وهيبتها، فتتحرك ليس بالضرورة تأييدا للمنكر، بل دفاعاً عن صلاحيتها فالقضية بالنسبة لها ليست إسلاماً أو غير إسلام والعلماء قالوا بأن تغيير المنكر بالقوة هو من اختصاص الحكومة، ولو ضرب بعض الشباب المتدين رجلاً سكيراً يسير في الشارع ويؤذي الناس لحاول هذا الرجل الانتقام، ولساعده أصدقاؤه وأقاربه، ولأصبحت مشكلة كبيرة، فتغيير هذا المنكر قد يؤدي إلى منكر أكبر منه، والواجب الإسلامي هو تبليغ الحكومة بوجود أي انحرافات اجتماعية أو عقائدية أو أخلاقية، وواجب المسئولين أن يمنعوا المنكر ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا، فمحاولة الإصلاح مع تجاهل الطرق الشرعية والقانونية هو انحراف بحد ذاته وطريق إلى الفوضى. ووجود انحرافات لا يبرر مقابلتها بانحرافات، ومن الضروري معرفة الواقع، فكثير ممن لهم آراء يمينية او يسارية أو علمانية هم ليسوا رأسماليين ولا شيوعيين، ولا علمانيين، بل هم مسلمون "يصلون ويصومون" ولكنهم يختلفون مع بعض الجماعات أو الاجتهادات، وكثير من التصنيفات التي كانت في الخمسينات والستينات من هذا القرن إلى يمين ويسار لم تكن صحيحة، أي هي توازن سياسي ومصالح لا مبادئ وعقائد، وفي كل الأحوال ليس من حق بعض المتدينيين فرض اجتهاداتهم في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على بقية المسلمين، فالاجتهادات تحتمل الصواب والخطأ ومن الخطأ التعصب لها فالآخرون لهم عقول وعلم وإخلاص وخاصة إذا كانوا من العلماء المخلصين، قال الدكتور أحمد كمال أبو المجد: "فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قاعدة دينية وأخلاقية يستحق أصحابها الثناء، ولكن المضي في ممارستها بغير حدود ولا ضوابط من شأنه أن يدفع بهؤلاء الآمرين والناهين إلى الاعتداء على حقوق ليست
لهم، وإلى تهديد أمن الأفراد وحرياتهم وحقوقهم(1)" وقال الشيخ محمد الغزالي رحمه الله "إن غلمانا سفهاء يحملون علما مغشوشا أو جهلاً مركبا هجموا على الصحوة الإسلامية وكادوا يوقفون مسيرتها بما ينشرون من ضلالات ويشيعون عن الإسلام من إفك"(2).
3- القاري لسيرة الرسو صلى الله عليه وسلم ، وللتاريخ يعلم أن القيادة السياسية والحكومية بحاجة إلى كثير من المرونة السياسية، وخاصة في التعامل مع القوى الخارجية، وخاصة عندما تكون الدولة ضعيفة عسكريا أو اقتصاديا وسياسيا، فمن الطبيعي أن يفرض هذا الضعف نفسه على قرارات ومواقف ولكن طبعا للضعف حدود. فمن الخطأ في أحيانا كثيرة أعلان الحرب على حكومة لأنها فعلت كذا وكذا في حين أنها قد تكون مضطرة لأن تفعل ذلك. وفي شرعنا (الضرورات تبيح المحظورات)، وهؤلاء ينسون القاعدة الإسلامية الهامة وهي ?فاتقوا الله ما استطعتم? وينسون أن الرسو صلى الله عليه وسلم وقع صلح الحديبية، ورأى فيه بعض الصحابة بنوداً ظالمة لا يجوز القبول بها ولكن الرسو صلى الله عليه وسلم قبل بها، وكذلك لم يقتل الرسو صلى الله عليه وسلم أبي بن سلول زعيم المنافقين مع استحقاقه للقتل لأن هذا سيؤدي إلى ضرر أكبر على المسلمين، حيث سيقول العرب، أن محمدا يقتل أصحابه، وفي هذا تشويه كبير للدعوة الإسلامية وعموما فالثقة بالقيادة عملية ضرورية لحياة الدول، ومن الخطأ أن يتصرف بعض العلماء أو الخطباء كأنهم قيادة سياسية فيتحدثون فيها كأنهم من أهلها، وهم يفتقدون الوعي السياسي، والمعلومات الصحيحة، ومع هذا يحاولون فرض آرائهم. ولا ندعو لفصل الدين عن الدولة، بل ندعو إلى إعطاء الحكومات المسلمة والسياسين المرونة الكافية. ومن واجب الحكومات اطلاع العلماء على حقائق الواقع، واستشارتهم، وتقبل الآراء المخالفة بصدر
ـــــــــــــــــ
(1) ص 52 حوار لا مواجهة - الدكتور أحمد كمال أبو المجد.
(2) جريدة القبس الكويتية 5/5/1996.
رحب، ومن المهم أن يدرك الشباب أن الإنحراف عن المبادئ ليس كله خيانة وكفر وظلم بل أحيانا يكون اضطراراً وأحيانا يكون عن جهل عقائدي أو تشريعي.(57/332)
4- الشباب المتدين هو ثروة شعبية هائلة، وهو العمود الفقري للإصلاح، فالمتدينون الصادقون لا ينافقون، ولا يتم شراؤهم بمال ولا بنساء وهم موجودن في المدن والقرى والمدارس والجامعات وداخل الأمة وخارجها، والأهم من ذلك أنهم أولياء الله سبحانه وتعالى وبالتالي فأضطهادهم والاعتداء عليهم من أكبر الكبائر، فحرمة المؤمن عندالله أشد من حرمة الكعبة الشريفة، نقول ذلك لأن بعض الحكومات تعادي كل المتدينيين كجزء من صراعها مع المتطرفين. ومن الطبيعي أن يقابل هذا برد فعل المتدينيين. فالعنف في هذه الحالة قد لايكون هدفه تغيير الحكومة أو الإصلاح، بل حماية النفس أو الانتقام، ولا شك أننا نطالب الحكومات بالالتزام بالشرع، وجعل القضاء سلطة مستقلة وحكما عادلاً، فبقاء الحكومات ومصلحتها هي مع العدل لا مع الظلم، قال ابن تيمية "إن الله يقيم الدولة العادلة وإن كانت كافرة، ولا يقيم الظالمة وإن كانت مسلمة"، وقال: "إن الدنيا تدوم مع العدل والكفر، ولا تدوم مع الظلم والإسلام"، والحرب على المتدينيين المعتدلين هي لا شك حرب على الإسلام نفسه، وهي كفر وإلحاد وزندقة، وكم من حكومة تجبرت وظلمت وظنت أنها سيطرت على الأوضاع واستخدمت التعذيب والسجون، وفكرت وخططت وصرفت الأموال، فلم ينفعها ذلك في شيء، فعقاب الله لا تستطيع أن تقف أمامه قوة، ولا تنفع معه حيلة، قال تعالى: ?قد مكر الذين من قبلهم فأتى الله بنيانهم من القواعد فخر عليهم السقف من فوقهم وأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون? (26) النحل وقال تعالى: ?فانظر كيف كان عاقبة مكرهم أنا دمرناهم وقومهم أجمعين? (51) سورة النمل. فالمتدينون هم جنود الله. وقد تعهد الله سبحانه وتعالى بالدفاع عنهم، والانتقام لهم، وإذا كان العقل يدعو لوضع حساب للقوى العظمى فإن العقل والإيمان يدعوان للخوف الكبير من الاعتداء على أولياء الله سبحانه وتعالى قال الله سبحانه وتعالى في الحديث القدسي: "من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب".
5- التطرف مرفوض سواء جاء من جماعات، أو أحزاب، أو حكومات، ومن الضروري أن نعرف ما هو التطرف؟ فالتمسك بالعقائد أو الاقتناع ببعض الاجتهادات أو الالتزام ببعض المظاهر الإسلامية ليس من التطرف، فالتطرف هو مخالفة علماء الإسلام، وتشجيع سفك الدماء والفتن، واستخدام سلطة الحكومات بصورة ظالمة. وتطرف بعض الجماعات الإسلامية بحاجة إلى جهد شعبي وحكومي للقضاء عليه بالحكمة والحوار واللين، وللعلماء دور كبير في ذلك، ومن الضروري أن يدرك المتدينون المعتدلون أن المتطرفين خطر كبير على الإسلام والدعوة حتى لو كانت نواياهم صادقة، وبعض ما يقولونه صحيحاً، ذلك لأن العنف يفتح على الأمة جروحاً جديدة، ويمنعها من الحوار والتفكير، ولعل من أهم أسباب التطرف ضعف الثقافة الإسلامية الصحيحة، واستبداد وظلم الحكومات، والفقر وضعف التزام المجتمع بالإسلام، ونقص علماء الإسلام الواعين، وقد فشلت عدة حكومات في مكافحة التطرف، وذلك لأنها في أغلب الأحوال استخدمت القوة في حين أن المطلوب القضاء على البيئة التي ينمو فيها، وقد فعلت بعض الحكومات ذلك، فكسبت استقراراً سياسياً واستفادت من إخلاص كثير من هؤلاء الشباب في عملية البناء، ولا شك أن كسب التأييد الشعبي ضروري للقضاء على التطرف، وأن هذا التأييد لن يتحقق إلا إذا اتبعت الحكومات سياسات عادلة فقوة الحكومات كثيراً ما تكون في حكمتها ولينها وصبرها وعفوها، وهذا واقع مشاهد وباختصار فإن كثيراً من أدلة المتطرفين وأفكارهم لا يستطيع أصحابها كسب تأييد شعبي لها، وسيؤدي ذلك إلى تخلي كثير منهم عن تطرفهم ولكن بعض الحكومات وللأسف تجهل حقيقة التطرف فتعالجه بطريقة خاطئة، فتزيده قوة وعنفا، بل وشعبية!!(57/333)
6- نسبة الخير والشر في الحكومة هي نفس النسبة الموجودة في الشعب، وكما نطالب الشعب بإصلاح نفسه فكذلك نطالب الحكومة بإصلاح نفسها، فالحكومات مسئولة أمام الله سبحانه وتعالى عن أعمالها من خير وشر، ولديها قدرة كبيرة على إصلاح كثير من الأمور، فمن الخطأ أن تلقى مسئولية الإصلاح على الشعوب وحدها، وإذا لم تفعل الحكومات ذلك فإن الأوضاع ستزداد سوءاً، والأمة اليوم بحاجة إلى القيام بتغييرات جذرية في كثير من حكوماتها حتى تواجه أخطاراً كثيرة، حتى يمكنها تحقيق إنجازات اقتصادية وسياسية فلا بد من إشراك القيادات الشعبية في اتخاذ القرارات سواء من خلال إيجاد مجالس نيابية، أو من خلال اختيارهم لمناصب قيادية كوزراء ووكلاء وهذا من شأنه أن يجعل الشعوب تشارك في البناء وتتقبل بعض القرارات المرة إذا كانت منها فوائد، ولا بد من الاستغناء عن خدمات المنافقين، وما أكثرهم، وهؤلاء لا يعطون الحكومات قوة حقيقية ولا يحققون لها إنجازات طيبة لأنهم يفكرون في مصالحهم الشخصية، بل يضعفون الحكومات لأن اختيار المنافقين يسبب نفوراً شعبياً ولعل من أهم ما يعطي الحكومات تاييداً شعبياً هو الحرص الكبير والصادق على تطبيق الشريعة الإسلامية، والأهم من ذلك أن هذا يقربها من الله سبحانه وتعالى، وهذا يسهل الأمور من حيث تدري ولا تدري، قال تعالى: ?ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز? (سورة الحج: 40).
وقد شاهدنا بأعيننا كيف أن الله سبحانه وتعالى سهّل الرزق لأهل دول الخليج مع أنهم كانوا يعيشون في صحراء قاحلة لا ماء، ولا تكنولوجيا، ولا زراعة كافية، بل ولا حتى مدن بالمفهوم العصري، فحتى الدول الاستعمارية لم تكن ذات أطماع بها، ومع هذا أخرج الله سبحانه وتعالى الثروة النفطية من باطن الأرض وله الحمد والمنة والثناء الحسن.
7- نعلم أن الدين حق، وأن من الواجب أن نلتزم بالإسلام كأفراد
وشعوب وحكومات ولكننا نعلم أننا لن نشاهد ثمرات الإسلام الطيبة في
واقعنا إذا لم يكن هناك اقتناع وقبول والتزام من أعداد كبيرة منا، أما إذا
التزمنا فنحن الرابحوان في الدنيا والآخرة، وإذا عصينا فنحن الخاسرون في
الدنيا والآخرة، ونعلم أن الله سبحانه وتعالى جعل الناس أحراراً في
اختيارهم بين الحق والباطل، وبين الإيمان والكفر وبين الطاعة والمعصية، والطريق السليم في نشر الدين هو في معرفة الإسلام، ودراسته بعيداً عن التعصب والجهل والظن، وفي الالتزام الصادق بما نؤمن قولاً وعملاً، وفي تبني دعوة سلمية تخاطب عقول الناس بالحجة والبرهان والعقل وفي جهاد صحيح ندفع به ظلم أعداء الدين، ونحمي عقيدتنا، وأراضينا وأموالنا. والدعوة السلمية ضرورية خاصة وإن المبدأ الإسلامي له تأييد شعبي كبير حتى لو كان هناك جهل وانحرافات، ونحن بحاجة إلى شباب ذوي أخلاق عالية، فلا ينتقمون، ولا يحرصون على مصالح شخصية أو مناصب ويريدون الخير للشعوب والحكومات، يكسبون قلوب الناس بالصدق واللين والحكمة والصبر، ويؤمنون بأسلوب ابن آدم الثاني، ويكرهون العنف والدماء والانفجارات. وما نشاهده الآن من صحوة إسلامية في كل مكان ما هو إلا دليلاً واضحاً على نجاح الدعوة السلمية، فأعمال العنف لا تحقق في الغالب غير الجروح والفشل والعدواة والبغضاء، وصحيح أن الدعوة السلمية بطيئة ولكن التغيير الحقيقي هو أيضاً بطيء فالسير خطوة خطوة يؤدي إلى اكتساب خبرات سياسية واقتصادية وعقائدية أما القفز فغالباً ما يؤدي إلى السقوط، وفهم الإسلام بحاجة إلى وقت وتطبيقه بحاجة إلى وقت، وكذلك إقناع الناس به، وبالتالي فالإصلاح ونشر الإسلام بحاجة إلى وقت خاصة وأن هناك أعداء كثيرون وغزو ثقافي، وجهل كبير، وطريق الدعوة السلمية ليس مفروشا بالورود، بل فيه معاناة وتضحية وصبر وتحمل للأذى، وبذل للوقت والمال، ولا يصبر في هذا الطريق إلا من يريد الأجر من الله، ويعلم أن واجبه الشرعي أن يستمر في الدعوة لآخر العمر سواء استجاب الناس أم لم يستجيبوا فالدعوة السلمية هي جهاد مستمر، فحمل المباديء، أي مباديء، هي عملية مرهقة ولهذا وجدنا كثيراً من العلمانيين والشيوعيين والرأسماليين يتخلون عن مبادئهم ويفضلون أن يهتموا بمصالحهم الخاصة أو شهواتهم. ومن أراد أن يقتنع بمرارة الدعوة السلمية وصعوبتها أن يحاول تحقيق بعض الإنجازات الإدارية في وزارته أو مؤسسته أو شركته، وعموماً فإن وجوب تطبيق الشريعة ليس معناه إجبار الشعوب والحكومات على الالتزام بها إذا كانوا لا يريدون ذلك، فهم أحرار في اختيارهم وهم مسئولون عن اختيارهم أمام الله، فلا داعي لإجبارهم بالقوة، أما إذا كانت الأغلبية تريد الإسلام، وظهر صدقها فإن التطبيق سيحدث، وسيخضع الجميع له من يريده ومن لايريده، وصحيح أن رفض الناس للإسلام وإعراضهم عنه شيء مؤلم، فالمسلم يريد الخير لشعبه وأمته، فإذا فشل فيسير في دعوته، ويتركهم لمصيرهم الأسود، قال تعالى: ?فتولى عنهم وقال يا قوم لقد ابلغتكم رسالة ربي ونصحت لكم ولكن لا تحبون الناصحين? (سورة الأعراف: 79).(57/334)
8- قضية الدين ودوره في المجتمع قضية جوهرية، وأساسية، ونحن جميعاً بحاجة ماسة إلى تحديد وتنظيم وترشيد هذا الدور حتى لا يتم استغلاله من جماعات أو حكومات، أو أهل المصالح والأهواء سواء بحسن نية، أو بسوئها، وهناك حقائق نؤمن بها، ونحن بحاجة إلى وضعها في نظم حديثة فمن الضروري وضوح الخطوط العريضة والحدود في دور علماء الإسلام، وصلاحيات الحكومات، وحقوق الأفراد، وما يجوز الاجتهاد به، وما لايجوز، وما يخضع للحلول الوسط، وما يعتبر مباديء وما هي حدود السياسيين؟ وما هي حدود الاختصاصيين؟ ومكانة القضاء وصلاحياته؟ وهذا غيره سيؤدي بإذن الله إلى ترشيد حركة المجتمع، وتطويرها، وحل قضايا كثيرة معلقة، لأننا نتحرك الآن في الغالب على رمال فكرية متحركة لا نستطيع أن نبني عليها بناء شامخا لأننا لا زلنا غير متفقين على الأساسيات والقواعد، وتحديد دور الإسلام في المجتمع يجب أن يتم من خلال اتفاق شعبي حكومي، ويترجم هذا الاتفاق في دستور وقوانين ووثائق واضحة تجعل القوى الشعبية المخلصة والحكومات الصادقة تتعاون، ولا تتصارع، وتتفق ولا تختلف، وإذا لم نتفق على دور الإسلام في المجتمع فلنعلم أننا مختلفون جداً، وإذا وجدت اتفاقات حول قضايا سياسية أو اقتصادية أو غير ذلك فهي اتفاقات جزئية، ومعرضة للضياع، لأن المتحكم الرئيسي في هذه الحالة معادلة توزان القوى والمصالح، والظروف المحيطة، وكلاهما يتغير مع الأيام.
إصلاح القوى الشعبية
اقتناعنا بأن للإصلاح جانب شعبي أولاً (اتجاهات، أحزاب، جماعات، جمعيات، قبائل، أسر، أفراد) وجانب شامل ثانيا (إداري، سياسي، اجتماعي، عقائدي، تكنولوجي) يفرض علينا القيام بدورنا فوراً في العملية الإصلاحية، فليس صحيحاً أن تحقيق إنجازات كثيرة في التعامل مع إيجابيات وسلبيات الواقع بحاجة إلى قرارات حكومية. وسنحاول أن نسلط الأضواء على إيجابيات وسلبيات القوى الشعبية، وسنرى أن بإمكاننا عمل الكثير، وسنترك الفئات الشعبية الأخرى والجوانب الشاملة لمن يريد أن يتحدث فيها. ومن السلبيات التي نجدها في أغلب القوى الشعبية ما يلي:
1- ضعف الوعي الإسلامي وخاصة في مجال العقائد والسياسة، وهذا الوعي لا يكتسب فقط بالقراءات الكثيرة والحوار، بل لا بد من أخذ العلم من علماء واعين، فبعض القوى الشعبية تريد أن تقود أمة عربية مسلمة دون أن تكون واعية إسلامياً!!
2- أغلب القوى الشعبية تعتبر نفسها الممثل الشرعي الوحيد للشعوب مع أن الشعوب لم تخترها ولم تحاول حتى أن تشاور الشعوب وتشاركها في صياغة الأهداف والأولويات والآراء، بل نجدها تحاول فرض آرائها وعقادئها على الشعوب، أي هي تريد أن تحكم الشعوب، ولا تريد للشعوب أن تحكم نفسها، فالدكتاتورية مرض شعبي.
3- غياب الحوار العلمي الهادف مع بعضها البعض، فلا توجد دراسات علمية محايدة، ويوجد تعصب للرأي والأفراد، وتوجد مزايدات سياسية
وفكرية، ولا يوجد صبر كاف لنقاش ودراسة القضايا المطروحة، ومن
لا يعرف الحوار العلمي لا يصلح بالتأكيد لأن يقود أمة، وكثير من
القوى الشعبية تعتبر نفسها الواعية والذكية والمخلصة، أما الآخرون فهم
ضائعون وأغبياء ومكابرون، ونقول لهؤلاء تواضعوا وابتعدوا عن الغرور، فللآخرين عقول فاحترموها.
4- غياب البرامج المحددة التي تعكس قناعات واجتهادات القوى الشعبية، فالأغلبية تتحدث عن شعارات وأهداف عامة لا يختلف عليها إثنان، وهي تبتعد عن طرح حلول لمشاكل محددة عقائدية أو سياسية أو اقتصادية، وتفضل أن تتحدث عن المباديء العامة، وتحاول أن ترضى الجميع، ولهذا تبتعد عن القضايا الساخنة، فلا توجد عندها حلول لصراعات عقائدية أو سياسية، أو مصالح متصادمة، أو تخلف إداري واقتصادي.
5- العمل بكافة أنواعه بحاجة إلى الالتقاء مع الآخرين، والتنازل عن بعض الاقتناعات والآراء، والوصول إلى حلول وسط في بعض القضايا، وهذا من بديهيات التعاون والوحدة والقوة، والملاحظ أن المكابرة والعناد والانفرادية في كثير من القضايا هو طبع متأصل في القوى الشعبية، بل إن البعض ليس على استعداد للالتقاء مع الآخرين أو التعاون معهم في قضايا متفق عليها مع أن حجم هذه القضايا يكون أحياناً كبيراً جداً، وتحقق مصالح كبيرة للإسلام والأوطان، ولا أدري لماذا لا نرى أين نحن متفقون؟ ونصر على أن نرى أين نحن مختلفون؟ ولماذا لا نقبل الاختلافات الاجتهادية؟ ليس لأن قبولها يحقق التقارب والتعاون، بل لأن وجودها شيء لا بد منه، ولا يمكن أن تزول، وكانت موجودة بين الصحابة، وبين علماء الإسلام، وبين سياسيين مخلصين، وأخيراً لماذا لا نرى إيجابيات الآخرين ونشكرهم عليها؟!
6- نشاط أغلب القوى الشعبية يتركز حول الجوانب السياسية،
وخاصة الانتخابات في حين أن العمل الشعبي يتطلب جهوداً كبيرة في
الأعمال الخيرية والاجتماعية والتربوية والعقائدية والإدارية، فالحسابات السياسية لن تكون صحيحة إذا كانت تعتمد على نظرة جزئية للواقع وحقائقه، فسعادة الشعوب وشقاؤها لا يعتمد فقط على الجانب السياسي،(57/335)
فالتقدم مطلوب في كل المجالات، وأي نجاح سياسي لا يرتكز على قواعد عقائدية واقتصادية وتكنولوجية واجتماعية فسيكون مصيره الفشل!!!
7- وجود التحزب الأعمى، وافتقاد العدل والموضوعية، وخاصة في الترشيح والاختيار للمناصب القيايدية، فكثيراً ما يتم تقديم أهل الانتماء الحزبي على غيرهم ممن هم أكفأ منهم من أبناء الشعب، ومع هذا نجدهم يرفعون شعار الرجل المناسب في المكان المناسب ونقول لا بد أن يدرك المخلصون أنهم إذا خسروا العدل والموضوعية فقد خسروا الكثير.
8- التساهل مع المنحرفين في داخل القوى الشعبية، حيث نجد هناك خلطاً بين المعتدليين والمتطرفين في الاتجاه الإسلامي واليمين الإسلامي باليمين الرأسمالي في الاتجاه الليبرالي، واليسار الإسلامي باليسار الشيوعي في الاتجاه الاشتراكي، والقومي الإسلامي بالقومي العلماني أو العنصري في الاتجاه القومي، وحل هذا التلوث ضروري جداً لتقارب المخلصين لإسلامهم وعروبتهم، والواقعية والعصرية، وهذا التلوث سبب إضعاف القوى الشعبية، وأحيانا تحطيمها. فلنخسر هؤلاء المنحرفين، وسنكسب بإذن الله الكثير جداً من الواعين المخلصين.
9- كثيراً ما تحاول القوى الشعبية تسييس الجمعيات المهنية، والاتحادات الرياضية، والمؤسسات الأكاديمية، ونقول يجب أن تبقى هذه المؤسسات مؤسسات عامة لكل الشعب، وأن تهتم بتحقيق إنجازات في مجال أعمالها حتى لا تفقد حياديتها وموضوعيتها.
10- عدم أو قلة مشاورة العلماء المخلصين وأهل الاختصاص قبل تبني القناعات والآراء والقرارات والمواقف، ولا شك أن للعلماء المخلصين الواعين وأهل الاختصاص دوراً كبيراً في تحقيق الاستقرار السياسي، والترشيد الفكري، وتقريب وجهات النظر، ليس فقط بين القوى الشعبية مع بعضها البعض، بل حتى بينها وبين الحكومات، وقد أدركت بعض الحكومات هذا فكسبت استقرارا سياسيا وتاييدا شعبيا.
والمتأمل في هذه السلبيات يدرك أن بعضها أو أغلبها موجود في كثير من الحكومات مما يثبت أن الحكومات هي صورة صادقة من أخلاق الشعوب وسلوكهم وعلمهم واقتناعاتهم وعقائدهم ودرجة إخلاصهم، وتعالوا بنا لنسلط الأضواء على سلبيات وإيجابيات لقوى شعبية(1) وهي:
أ- القوى الشعبية الإسلامية: من الضروري أن يبتعد بعض علماء الإسلام عن إصدار الفتاوى السياسية، أو اتخاذ مواقف سياسية إذا كانوا يفتقدون المعرفة السياسية المطلوبة، فقد وجدنا بعض العلماء والجماعات الإسلامية يتخذون مواقف سياسية دون أن يكونوا واعين سياسيا، أي دون دراسة وعلم وخبرة في الأمور السياسية، ولا نقول إن الاجتهاد السياسي ممنوع، ولكننا نقول إن الاجتهاد لا يحدث في غياب توفر دراسات سياسية وفي غياب أجهزة سياسية لجمع وتحليل المعلومات مثل تلك التي تتوفر في وزرات الخارجية والداخلية والدفاع. ومن الضروري أن يحدث الاجتهاد السياسي وحتى الفكري بصورة جماعية ومن خلال مجالس للعلماء بعد الاستعانة بأهل التخصص من سياسيين أو اقتصاديين أو أطباء. والقوى الشعبية الإسلامية بحاجة إلى زيادة علمها وأعمالها في علم الشورى وحقوق المرأة، وحقوق الأقليات، وسلبيات التعصب العرقي وعلم الحرية، فالإسلام ليس عقائد وعبادات فقط. ونجد عند القوى الإسلامية ضعفاً في الثقافة العالمية، وتعصبا لبعض العلماء والجماعات، ونجد بعضها تؤمن بالعنف، وتعيش في بيئة من الشك في النوايا والأفعال، وترفض التعددية الحزبية ويضيق صدرها من اختلاف وجهات النظر، ونجد عندها إهمالاً كبيراً لاكتساب شهادات وخبرات إعلامية وسياسية واقتصادية وإدارية، وعموما فالقوى الإسلامية بحاجة إلى تغييرات
ــــــــــــــــــــــ
(1) نقترح مراجعة كتاب "رؤية إسلامية معاصرة" إعلان مبادئ، للدكتور أحمد كمال أبو المجد لما فيه من فؤائد كبيرة للقوى الشعبية".
جذرية كثيرة، وقد أعجبتني كلمات قالها الشيخ محمد ناصر الدين الألباني حفظه الله: "نجحنا في التصفية، ولم ننجح في التربية" ولا زلنا ننتظر كثيراً من الاعترافات من الإسلاميين لأن معرفة المشكلة هي نصف الطريق إلى الحل.
وإيجابيات القوى الشعبية الإسلامية كثيرة لعل أهمها وجود نظام فكري صحيح، ووعي عقائدي إسلامي، ونشاطات كثيرة في الأعمال الخيرية، وارتفاع نسبة الإخلاص، والحرص على الأخلاق الفاضلة، والانتشار في مختلف الفئات الشعبية.
ب- القوى الشعبية القومية: لعل من اهم سلبيات هذه القوى غياب المنهج الفكري، وتجاهل أهميته، والتركيز فقط على القضايا السياسية، وهذا أدى إلى تحول بعضها إلى التكتل حول الولاءات العرقية والشخصية، فغاب دور الدستور والقانون والمبادئ، وشجعت هذه القوى بدعة المستبد العادل، وعارض بعضها التعدد الحزبي، والانتخابات الحرة، وحرية الصحافة، وأغلبيتها تفتقر إلى الوعي العقائدي الإسلامي، ولم تقم بواجبها الإسلامي، فلم تدافع عن العقيدة الإسلامية، ولم يكن لها دور يذكر في نشر الإسلام أو تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية، واتخذت بعضها مواقف متطرفة من بعض الجماعات الإسلامية، وسمحت للعلمانيين والشيوعيين أن يدخلوا ضمن صفوفها.(57/336)
ومن ايجابياتها حرصها الشديد على التعاون والوحدة بين الدول العربية، وتشجيع حركات التحرر العربية، ومحاربة التعصب الإقليمي، وتشجيع الاعتزاز بالهوية العربية، وباللغة العربية، والحرص على الاستقلال السياسي والانفتاح الثقافي، والاعتدال في الأطروحات الاقتصادية.
ج- القوى الشعبية اليسارية: لعل من أهم سلبياتها مواقفها المتخاذلة من الشيوعيين مما جعل الشيوعيين يسيطرون على بعض هذه القوى فأصبحوا كأنهم طابور خامس في بلادنا موالي للنظام الشيوعي، وهذا أدي إلى
تصادمهم مع القوى الشعبية الأخرى، وخاصة الإسلامية والقومية كما أدى إلى تصادمهم مع بعض الحكومات ولا شك أن كل مخلص يقف مع حقوق العمال والفلاحين والفقراء ولكن خلط هذه الحقوق بأفكار شيوعية عملية مرفوضة من أساسها وتأثر القوى اليسارية بالشيوعية جعلها تعيش في عالم من الجهل والغرور مما جعلها تصنف الناس بسهولة إلى امبرياليين، وخونة ورجعيين، وجعل أغلب المفكرين اليساريين يعيشون في بيئة فلسفية منعزلة عن الواقع مما جعل جذورها الشعبية محدودة وتقتصر على أعداد قليلة من المثقفين الساخطين تقريبا على كل شيء، وأول وأهم خطوات الإصلاح لهذه القوى هي فك التشابك بين اليساريين المسلميين واليساريين الشيوعيين وهذه الخطوة بديهية ليس لأن النظام الشيوعي انهار فقط، بل أيضا لأن وجود التلوث الفكري الشيوعي جعلها قوة ضعيفة مفككة تفتقد للجذور الشعبية حتى قبل أن ينهار النظام الشيوعي.
أما إيجابيات القوى اليسارية فلعل أهمها الحرص على مصالح الفقراء والعمال ومحاربتهم للتعصب العرقي سواء كان إقليميا، أو قوميا، ورفضهم للتبذير والإسراف والكماليات الزائدة، وحسن علاقاتهم مع الأقليات العرقية والدينية، ورفضهم للمواقف الانهزامية، وحرصهم على المساواة بين الأفراد.
د- القوى الشعبية اليمينية: لعل من أهم سلبيات هذه القوى هو تقليدها للغرب في أجزاء كبيرة من ثقافته وعاداته ونظمه ومصطلحاته، ومن عيوبها أنها أحيانا واقعية أكثر من اللازم، وهمومها في أغلبها هي هموم الأغنياء لا هموم كل فئات الشعب، وهي في الغالب تهتم بالجوانب التجارية والاقتصادية، وعندها تجاهل كبير للجوانب العقائدية والسياسية، ومواقفها متخاذلة مع الاحتكار والتبذير والترف والفسق. وسمحت بعض هذه القوى للرأسمالين والعلمانيين بالدخول فيها، والتأثير في أفكارها ومواقفها، وأغلبها تفتقد للجذور الشعبية وفي حاجة ماسة إلى بناء الجسور مع كل فئات الشعب، وعلى
المخلصين فيها أن يدركوا أهمية ذلك، فلا يمكن أن يكون لك تأثير في الشعب إن لم تكن فكرا وسلوكا وعملا فرد منهم، فالكفاح المترف خداع للنفس، والحرص على المناصب الشعبية واحتكارها من قبل أفراد وعائلات ليس له تأثير فعلي في هذا الواقع.
وأهم إيجابيات القوى الشعبية اليمينية هو إيمانها بالتعددية الحزبية، والحرية الصحفية، والاحتكام للدستور والقوانين، ولديها خبرة طويلة وكبيرة نسبيا في الاقتصاد والسياسة والثقافة الغربية، وتؤمن بالتدرج في البناء والحلول الوسط.
التعاون الشعبي العربي
يجب أن يكون التعاون العربي أحد الأهداف الرئيسة لشعوبنا وحكوماتنا ولا يفرض هذا التعاون فقط إيماننا بالإسلام وانتماؤنا العربي، بل تفرضه ايضا مصالحنا في عصر اضطرات فيه أوروبا للتعاون والوحدة لأن وجود الأسواق الضخمة هو أحد أسس النجاح الاقتصادي والتقدم التكنولوجي، والقوة السياسية والعسكرية، ولا شك أن من بديهيات العقول أن أمة متفرقة هي أمة ضعيفة، يسهل هزيمتها وابتزازها، وتحطيمها، وهذه حقيقة أدلتها التاريخية والعصرية كثيرة، وتنطبق على واقع أمتنا العربية، فكيف نصبح أمة قوية وجيوشنا تحارب بعضها البعض؟ وكيف نحقق تقدماً اقتصادياً كبيراً وأسواق أغلب دولنا صغيرة لا تشجع على إقامة المصانع الكبيرة والمزراع الضخمة؟! وكلنا يعرف أن هناك مئات البلايين من الدولارات العربية المهاجرة للغرب والشرق لا تجد أغلبها فرص الاستثمار المناسب داخل الوطن العربي لصغر حجم السوق، أو لاعتبارها أموالاً أجنبية أو لأسباب أخرى. وايجابيات التعاون كثيرة جداً، ولجميع الأطراف، ويمكن به تحقيق إنجازات عظيمة، وأكبر بكثير من تلك التي تحققها دول متفرقة، وهذه الإيجابيات في كل المجالات الاقتصادية والسياحية والعلمية والتكنولوجية والسياسية...الخ. وإلى متى نتمسك بالعوائق الموجودة من تعصب إقليمي، ووطني أو من قوانين متخلفة لا تشجع الاستثمار أو مصالح ضيقة واحتكارات، فإذا كنا مسلمين حقاً، واشقاء فلنتعامل على هذا الأساس قدر ما نستطيع، ونحن نستطيع الكثير، وإذا لم نفعل ذلك فالطوفان الحالي سيستمر في إضعافنا وتدميرنا، وسيغرق من يظن أنه سينجو لأنه إذا غرقت السفينة سيغرق كل من عليها حتى لو ظن بعض من عليها أنهم يجيدون السباحة، فالأمواج أعلى بكثير من مهارات أفضل السباحين!!!
إذا كان ما قلناه يؤيده الدين والعقل وحقائق الواقع فيحق لنا أن
نقول: إن مبادئ التعاون العربي والوحدة العربية شبه منقرضة في واقعنا(57/337)
الحالي، وأن السبب يرجع إلى اختفائها من نفوس كثير منا، فهي بعيدة عن تفكيرنا، وآمالنا ومطالبنا، فكأن لا أحد يهتم بزراعة بذورها، أي كأنها شعبيا مفروضة، وهذا هو السبب الرئيسي في أننا لا نشاهد ثمارها، وإصلاح هذا الواقع يتطلب أولا إصلاح ما بنفوسنا من أماني وأهداف وليكن التعاون العربي هدفاً أساسياً، ونستطيع أن نقول إنه نادراً ما سمعنا خلال العشرين سنة الماضية حديثاً جاداً في هذا الموضوع، فالجهل بأهمية التعاون مرض شعبي قبل أن يكون مرضاً حكومياً ونثر أشواك اليأس والسخرية من الداعين إليه يجعلك تظن في أحسن الأحوال أن ما تدعو إليه قضية هامشية لا أهمية لها في الدين، أو السياسة، أو الاقتصاد، والمفروض أن تأخذ هذه القضية اهتماما لا يقل عن اهتمامنا بالحفاظ على ديننا، ونشره، وعلى الديمقراطية (الشورى) وتطبيقها، ولعل من أهم معوقات التعاون العربي هو في نظرتنا الشعبية إليه لأنها نظرة أنانية تريد أن تأخذ ولا تعطي، وما دام الأغلبية يريدون أن يأخذوا، وقلة تريد أن تعطي فلا شك أنه لن تكون هناك ثمار كثيرة، وسيبقى التعاون وفوائده حلماً وسراباً ولكن لو حدث العكس فقمنا نحن بالعطاء والمساعدة، وفعل الآخرون ذلك لكثرت الثمار، وتنوعت، واستفاد الجميع، فعلينا أن نتعب ونزرع ونضحي ونصبر وبالتأكيد سنحصد، وهذا ما يفعله الفلاح في أرضه، والموظف في الشركة الناجحة، فإذا فتحت دولة أبوابها للأموال العربية، وشجعتها وساندتها علميا وإداريا وماليا، فإن ثمار النجاح والحصاد ستكون من نصيبها، وسيجد المستثمرون من أهل هذه الدولة فرصاً استثمارية مستقبلية في دول عربية أخرى، لأن المعاملة بالمثل ستفرض نفسها مع مرور السنين إذا تشابكت المصالح وسيجد العمال في هذه الدولة أو تلك فرص عمل كثيرة وسيتم تحقيق إنجازات عقارية وسياحية وصناعية وخدمية ... الخ. ونحن لا ندعو إل تعاون عاطفي وخيالي، ولا نطالب بالمستحيل، وندرك وجود صعوبات عديدة ومختلفة، ولكننا ندرك أن للصعوبات حلولا، وأن هدفنا في التعاون يجعلنا نأخذ المبادرة في تذليل كثير من الصعوبات حتى لوتقاعس الآخرون، ولنثق بأنه كلما زاد الإيمان في قلوبنا، والعلم في عقولنا شعرنا بأن كل فرد عربي هو مواطن، وكل شركة عربية هي شركة وطنية، وأن كل استثمار في أرض عربية أو إسلامية هو استثمار في وطننا، وهذا لن يتحقق من خلال طريق مفروش بالزهور، فهناك كثير من الأشواك علينا أن نسير عليها، ونتحمل آلامها، وننبه من يسيرون خلفنا على وجودها حتى يتجنبوها، وسأعطي مثالاً صغيراً تحقق فيه نجاح كبير، فقد كانت مميزات تركيا السياحية مجهولة، وأخذ بعض الشباب الخليجي المبادرة و "اكتشفوا" هذه الدولة سياحيا، وشجعوا السياح الخليجيين على زيارتها فازداد عددهم وتجاوبت الحكومة التركية بقيادة تورغوت أوزال رحمه الله فألغت تأشيرات الدخول (الفيزا) وشجعت توفير الشقق المفروشة، فازداد عدد السياح بدرجة كبيرة، وأقيمت علاقات تجارية وثقافية كبيرة، وقامت صداقات بين العرب والأتراك. فمن الإخلاص للدين والأوطان أن يتوجه السياح العرب إلى الدول العربية والإسلامية خاصة وأن بعضها لديها مؤهلات سياحية ممتازة.. ونتمنى أن يقوم التجار والعلماء والسياسيون والطلاب والمدرسون... الخ بأخذ المبادرة في التعاون التجاري والصناعي والعلمي والسياسي والتربوي والسياحي... الخ فلنبدأ من حيث انتهى اخواننا فلا نكرر نفس الأبحاث والدراسات، ولا نكرر نفس الأخطاء التجارية والعقارية، بل نزيد نجاحهم نجاحاً، وننقل إليهم تجاربنا الناجحة، فنحن أسرة واحدة، فنجاح أخيك هو نجاح لك ولأبنائك.
وقد يقول قائل: لماذا التعاون العربي، فكثير من مصائبنا مصدرها عربي، فهناك الغرور والطمع والحسد والتآمر، ونقول قد يكون كثير مما تقول صحيحاً ولكن أيضاً كثير من مصائبنا مصدرها أجنبي وكثير منها مصدرها وطني فهل نكفر بناء على ذلك بالتعاون الوطني ونمزق أوطاننا، أو ننعزل عن العالم ودوله؟ ولندرك أن تمزيق الأمة هو تمزيق للوطن، وهو ليس حلاً لأمراضها، بل هو يزيد أمراضها، ويضعف أوطاننا، ويجعل كل وطن منا فريسة سهلة للأعداء الداخليين والخارجيين، وعلينا أن نعرف أن الأخيار والأشرار موجودون في أوطاننا، كما هم موجودون في أمتنا، ومن(57/338)
اساسيات النجاح في التعاون هو البحث عن الأخيار في الوطن والأمة والتعاون معهم، فهؤلاء هم الصادقون في انتمائهم للإسلام والعروبة، أما أهل العقائد المنحرفة والمصالح الأنانية والمشبوهة فهم طابور خامس لا يريد الخير للإسلام والأمة، ولا للوطن، فالتعاون يبني على قاعدة فكرية إسلامية معاصرة بعيدة عن التطرف، وبعيدة عن الميوعة الفكرية، وإضاعة الدين، وهو مبني على قاعدة بشرية من المخلصين الواعين من أصحاب الاتجاهين القومي والإسلامي، أما غير هؤلاء فقد غرقوا في مستنقعات الضياع العلماني، والتعصب العرقي والوطني، وفتن المال والشهوات والمناصب، فالأخيار موجودون، وكذلك الأشرار، ومن الخطأ أن نرى واقعنا دائما من خلال نظارة سوداء لأن هناك إيجابيات كثيرة عند الآخرين والمهم أن ننتصر في تغيير أنفسنا، فإذا نجحنا فإن النصر على أعداء الوطن والأمة آت بإذن الله، وحتى ننجح في التعاون العربي فإننا ندعو أن ينشغل كل شعب بإصلاح سلبياته، وأن نبتعد قدر الإمكان عن محاولة إصلاح الشعوب الأخرى، فالآخرون عادة لا يقبلون إصلاح الغير لهم سواء كان الآخرون فرداً أو حزباً أو جماعة أو حكومة أو شعباً، وقد عانينا كثيراً من محاولات فرض الإصلاح على الآخرين سواء كان هذا الإصلاح لعقائد أو أفكار أومواقف أو سلوك، والواجب الشرعي أن نشتغل أولاً بإصلاح أنفسنا، وأسرنا وأحزابنا وجماعاتنا وشعبنا، وإذا بدأنا في ذلك في كل المجالات وجزء من هذه البداية هو إلقاء اللوم في ضعف تعاون الأمة علينا لا على الآخرين فقد بلغنا مرحلة متقدمة جداً من الوعي الإصلاحي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس" وقيل: إن أعظم المصلحين هم الذين بدأوا في إصلاح أنفسهم" فلنتذكر هذا ولنتذكر معه ما قاله أستاذنا الدكتور أحمد كمال أبو المجد: "وليس من شك في أن حال الأمة لا يبشر بخير في حاضر المسلمين ومستقبلهم وهو ما ينبغي أن يعيه المسلمون جيداً حتى يدركوا أهمية التعاون الجاد للتغلب على سلبيات الواقع وإنهاء أسباب ضعفهم واستضعافهم من الآخرين، ليعودوا أمة قوية متماسكة يهابها الآخرون ويحسبوا لها ألف حساب"(1) ولن يتحقق التعاون الجاد والكبير ونحن مختلفون عقائديا وفكريا وأعمالا ونوايا فلا بد من إحداث تغييرات جذرية في أنفسنا ولا شك أن سعي الأفراد والجماعات والأحزاب والحكومات للالتزام بالإسلام الصحيح سيحدث تجانسا بين النظم السياسية التي نتبناها والفلسفة العقائدية التي ننطلق منها والأهداف التربوية التي ندرسها لأبنائنا والأعراف والأخلاق التي نتعامل بها والمصطلحات التي نستخدمها وعندما نصل إلى هذا الوضع أي الوحدة الفكرية سيكون الحديث عن التعاون والتكامل والوحدة أكثر واقعية من أحلام اليقظة التي نعيشها الآن.
ــــــــــــــــــ
(1) د. أحمد كمال أبو المجد، جريجة الشرق الأوسط 8/7/1994م.
من معوقات إصلاح الشعوب
إذا أرادت شعوبنا أن تتقدم وتتطور وتتغلب على مشاكلها وتحقق كثيراً من طموحاتها وأهدافها فلا بد أن تزيد رصيدها في ثلاث مجالات: العلم بشقيه الفكري والتكنولوجي، والعمل بشقيه الإيماني والدنيوي، والإخلاص أي تكون أعمالنا خالصة لوجه الله سبحانه وتعالى، وهناك معوقات شعبية تمنع تحقيق إنجازات طيبة في هذه المجالات لابد من التعرف عليها، ومحاولة التخلص منها، أو على الأقل التقليل من آثارها، ومن هذه المعوقات ما يلي:
1- اليأس والتشاؤم: يجيبك كثير من المخلصين عندما تنصحهم بالجد والاجتهاد والعلم بأنه لا فائدة من العمل؟ أو ماذا نستطيع أن نعمل فالأوضاع ميئوس منها سياسياً أو إدارياً أو علمياً...؟! أو هل تريد أن تغير الكون؟ أو قالوها قديما "ما فيش فايدة يا صفية" والحل الذي يقترحونه هو ننام وننسى، ولأننا طبقنا هذا الحل، وانتظرنا طويلا، ولأنهم انتظروا، فلم تمطر السماء ذهبا ولا فضة، بل زادت مشاكلنا، فلا بد إذن أن نقتنع بأن الياس والتشاؤم لن يأتيا بخير، وأن الهزيمة النفسية (اليأس) هي أشد خطراً من الهزائم العسكرية الكبيرة، إن هؤلاء اليائسين هم أفراد من الشعب وهم من أكبر معوقات الإصلاح، والغريب أن بعضهم يظن أنهم قاموا بواجبهم، ولا ندري أي واجب هذا الذي قاموا به غير الكسل والهرب واللامبالاة، ونحن نعلم أنه لو يئس المسلمون لما فتحوا القسطنطينية، بعد محاولات فاشلة كثيرة، ولو يئس صقر قريش لما استطاع بناء الدولة الأموية في الأندلس خاصة وأنه كان فردا ضعيفاً هارباً بعد سقوط الخلافة الأموية في دمشق، ولو يئس الجزائريون لما تحرروا من فرنسا، ولو يئس الأفغان لما هزموا روسيا، ولو يئس الفيتناميون لما هزموا أمريكا، ولو يئس الشباب الكويتي لما تكونت لجنة مسلمي افريقيا، وقامت بإنشاء آلاف المساجد والآبار والمدارس والمستشفيات وتوزيع ملايين الكتب الإسلامية. وقد يقول قائل إن هناك صعوبات كثيرة، ونقول: نعم إن الصعوبات موجودة في(57/339)
كل زمان ومكان، فطريق العلم والعمل لم يكن يوما ما مفروشا بالورود، ولماذا ننظر فقط للصعوبات ولا ننظر للإمكانيات المتوفرة من ثروات بشرية ونفطية ومالية، وعقيدة صحيحة وأراض شاسعة... الخ؟! إن علينا أن نسعى لعمل أكبر عدد من الإيجابيات، وتقليل عدد السلبيات، وهذه عملية بحاجة إلى صبر واستمرارية، ووقت وتفكير ودراسة فالظن بأننا سنقوم بتغيير الواقع خلال سنوات قليلة وهمٌ كبير، فالتغيير دائما ما يكون بطيئاً وتدريجياً فشجرة الزيتون تحتاج سنوات من الرعاية حتى تثمر، وتربية الأبناء كذلك، ومحاولة إقناع البعض بفكرة معينة تحتاج سنوات طويلة، فلا توجد عصا سحرية تغير أوضاعنا العقائدية والسياسية والاقتصادية، فاليأس والإحباط من الطبيعي أن ينتج عندما تكون حساباتنا خاطئة، ولا أقول متفائلة، فالكثيرون يريدون أن يروا نتائج أعمالهم بسرعة، وهذا دليل على جهلهم، فالتغيير لا يحدث بسرعة، ليس فقط في مجتمعاتنا، بل في العالم كله، فلا الحكومات، ولا الأحزاب، ولا الجماعات، ولا العلماء ولا غيرهم، يملكون عصا سحرية فلا بد من السير في الحياة خطوة خطوة، ولكن لا شك في أن هذه الخطوات الصغيرة إذا انتشرت في كل مكان في المدارس والمنازل والحكومات والأحزاب والأفراد والوزارات والمؤسسات فإنها ستأتي بخير كثير إن شاء الله وسيمكن تجميعها لتحقيق واقع أفضل، ولعل من أهم العوامل التي أنتجت اليأس هي الربط بين العمل والنتيجة، أي نريد أن نرى نتائج أعمالنا في واقعنا، وبأعيننا، وإذا لم نرها فإننا نعتقد أنه لا فائدة من العمل فنتركه ونيأس، ونقول إننا شرعاً مطالبون بأن نعمل، وأن نتقن أعمالنا، وأن تكون أعمالنا صحيحة شرعياً وواقعيا، وإذا فعلنا ذلك فقد أخذنا الأجر كاملاً، ومنها فائدة سواء كان لها تاثير في الواقع، أو لم يكن، فكم من نبي دعا قومه، فلم يستجيب أحد أو استجاب القليل، ومع هذا أخذ أجره على عمله، وغير الأنبياء كثيرون، فتغير الواقع والبشر خارج سيطرتنا ولن يحاسبنا الله عليه، أما إتقان عملنا والاستمرارية فيه فهو ضمن سيطرتنا، ونحن محاسبون عليه، وصحيح أننا نحب النجاح، وأن نرى نتائج أعمالنا، ولكن عدم رؤية ذلك ليست مبرراً لأن نترك العمل، فاليأس لا مكان له في قلب المسلم، فهو دائما يعمل سواء كانت أمته في المقدمة أو المؤخرة، وسواء نجح أو فشل، والفشل عنده مدرسة يتعلم منها أخطاءه لا مقبرة لمعنوياته وأعماله، قال تعالى: "إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون" وقال ابن مسعود رضي الله عنه" الهلاك في اثنتين: العجب والقنوط (اليأس) وذلك أن السعادة لا تدرك إلا بالسعي والطلب، والمعجب بنفسه لا يسعى لأنه قد وصل، والقانط لا يسعى لأنه لا فائدة للسعي في نظره".
2- تقليل شأن الإنجازات الصغيرة: فقدنا وللأسف ملايين الانجازات الصغيرة المفيدة لأننا لم نقتنع حتى الآن بأن الأنهار العظيمة تكونت من قطرات مطر صغير، ولم نقتنع أن قيام الأم بتربية أبنائها تربية إسلامية عمل جبار يستحق كل تأييد وتشجيع، ولو فعلت ربع الأمهات ذلك لارتفعت نسبة الصدق والأخلاق في الأمة بدرجة كبيرة، قيل: "اليد التي تهز السرير هي اليد التي تحكم العالم". وإذا قام مدرس بإعطاء درس اسبوعي مجاني لطلاب الحي، فقد أضاف قطرات علمية نحتاجها للنهر العلمي، وإذا عمل أهل الحي ملعب كرة قدم متواضع فقد حققوا فوائد كثيرة لأبنائهم، والانجازات الصغير مطلوبة في الأفراد والأسر والمدارس والجماعات والأحزاب والحكومات، بل إن الانجازات الكبيرة هي فعلا مجموعة انجازات صغيرة منسجمة مع بعضها البعض، ولا شك أننا لن ننجح في تنفيذ الإنجازات الكبيرة إن لم ننجح في تنفيذ وإدارة الإنجازات الصغيرة. والأعمال المطلوب إنجازها كثيرة جداً وفي كل مجال، ولكن هناك
عوائق شعبية تستهتر بالإنجازات الصغيرة، بل لديها حب كبير للكلام وشبه معارضة وعداء لأي عمل فكأنها أعلنت تحالفاً دائما مع الكسل، لنتذكر أن أمة لا تعمل لا يمكن أن تتقدم، فإتقان العمل الرسمي والشخصي جزء لا يتجزأ من القوة، والغنى والسعادة، ومع هذا نجد عندنا ملاييناً من الموظفين لا يعملون أو انتاجيتهم متدنية جداً، وعندنا بلايين من الساعات تضيع في حياتنا الشخصية بلا فائدة علمية أو عملية ولدينا فلسفة تزرع الشوك في طريق العمل والإخلاص والتفاؤل، ويعتقد، بعضنا أنه عندما لا يعمل فإنه يرتاح، ونقول بل الراحة في العمل، ومن يتقن عمله في الحياة يكتسب علما وخبرة ويشق طريقه في الحياة بسهولة ويكون أكثر سعادة وثقة بل إن الراحة لا تكون جميلة إلا بعد التعب.(57/340)
3- السكوت عن الانحرافات الشعبية: هدم السلبيات أو تقليلها، وإنكار المنكر بحاجة إلى رجال ونساء لا تأخذهم في الحق لومة لائم، وهناك سلبيات شعبية كثيرة جداً منها عادات تافهة أو ظالمة، والتطرف السياسي والعقائدي، والتعصب القبلي والوطني، والانحرافات الاخلاقية، والسلوكية، وهذه السلبيات بحاجة إلى مواجهة علنية وصريحة، فلتعرف قبليتك بأنك لا تؤمن بالانتخابات القبلية، ولا تقبل المشاركة بها وتسعى لإلغائها فالهجوم على الانحرافات هو منهج الأنبياء صلوات الله عليهم وسلامه، سواء كانت هذه الانحرافات عقائدية أو سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أساسيات الاسلام ومن الفرائض التي تكاد أن تكون قد انقرضت عند الكثيرين. وللأسف إن الغالبية منا تجامل وتسكت حتى لا نفقد علاقتنا الاجتماعية أو السياسية، أو حتى لا نفقد مصالحنا أو نغضب من نحب والتساهل مع المنحرفين يضرنا ويضر المنحرفين فكم من أم تساهلت مع انحرافات ابنها فتمادى في انحرافاته من دلع وإهمال وكسل فخسر دينه ودنياه وفي المقابل نجد أمهات عاقبن أبناءهن على انحرافاتهم ونصحهم فتعلموا وأصبحوا مواطنين صالحين فالمبادئ والإصلاح هما من أهم ضحايا بالمجاملة والتساهل، ولا شك أن التمرد على الانحرافات الشعبية سيواجه بمقاومة شعبية فعندما يزوج الأب ابنته بمهر معقول سيجد معارضة من الأم أو الأبناء، وسيجد من يتهمه بالتقليل من قيمة ابنته أو بالحماقة، وهذا الأب وأمثاله هم من أعلنوا إيمانهم بالمبادئ وترجموا هذا الإيمان إلى أعمال وأقوال، وهم أمل الأمة في إصلاحات أكبر، لأنهم طبقوا هذه الإصلاحات في حدود سلطاتهم وإمكانياتهم، ولنتذكر بأن من يتخلى عن حمل المبادئ في دوائر نفسه أو أسرته أو قبيلته أو وظيفته أو حزبه أو جماعته لن يتمكن من حملها في دوائر أكبر، حيث الضغوط والمعارضة والخسائر أكبر، فلنبدأ بإصلاح أنفسنا وأسرنا وشعوبنا، وليس أنفس الآخرين وأسرهم وشعوبهم، فالساكت عن الحق وهو لديه القدرة على قوله شيطان أخرس، وقد نخسر أقارب وأصدقاء وجماهير لوقوفنا مع الحق والصواب، وقد يظهر بالموازين الدنيوية الظاهرية أننا أغبياء سياسيا، أو اجتماعيا أو تجاريا ولكن لا شك أننا بالموازين الأخروية والدنيوية الصحيحة رابحون لأن بنياننا الدنيوي والأخروي مبني على مبادئ صحيحة من العدل والحق والنور والحكمة، وإدراك هذه الحقيقة لا يتطلب غير أن نقرأ قول الله تعالى: ?إن تنصروا الله ينصركم? (7) سورة محمد. وقال تعالى: ?إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الاشهاد? سورة غافر (51) وقد فعل الرسو صلى الله عليه وسلم وغيره كثيرون ذلك، فحارب قريشاً بل العرب جميعا، ووقف مع الحق، وأمر بالمعروف ونهى عن المنكر، فأعزه الله ونصره ورجعت قريش والعرب عن انحرافاتهم وتحققت المصالح الكثيرة، وأعزهم الله في الدنيا والأخرة.
4- المتطرفون: من أهم معوقات العمل الشعبي وجود المتطرفين في كثير من الحكومات والشعوب والجماعات والأحزاب والقبائل، وهؤلاء المتطرفون يتصرفون وكأنهم هم المتمسكون بالمبادئ والمصالح والانتماء العرقي، بل كلما زاد تطرف هؤلاء في أفكارهم وأقوالهم وأعمالهم كلما زاد رصيدهم عند تكتلاتهم، وأصبحوا أهل الوعي والعلم والثقة والاخلاص، وجزء أساسي من الإصلاح الشعبي يتحقق بتطهير القواعد والقيادات الشعبية من هؤلاء المتطرفين حتى ولو كانوا مخلصين، لأن هؤلاء لهم أثر كبير في بقاء التفرق والاختلاف لأنهم ضد التعاون والتقارب والواقعية، ولا شك أن الأسرع تخلصا من المتطرفين
هو الأسرع نموا وقوة، فلنخسر عشرات ومئات المتطرفين، ولنكسب آلاف وملايين العقلاء. وكثير ما أضر المتطرفون كلا من الاتجاهين الإسلامي والقومي ومنعا تقاربهما، ويظن البعض أن هؤلاء المتطرفين هم الممثلون الحقيقيون للاتجاهين الإسلامي والقومي، ونقول: إنهم فعلياً أقلية لو نفخت عليها الشعوب لطاروا فالمتطرفون في الاتجاه الإسلامي أقلية، والعلمانيون في الاتجاه القومي أقلية، ولكن صراع الأقليات هذا جذب الأكثرية في كلا الاتجاهين له، فاستنزف طاقات الأمة وأدي إلى اعتبار أي دعوات مخلصة للتبصر والعقلانية واللين عبارة عن تنازل عن المبادئ، ودعوة لقبول الجمود والعنف، أو لقبول الإلحاد والانحلال، وعموما فكل من انحرف داخل الاتجاهي القومي والإسلامي أو خارجهما عن عقائد الإسلام، وأخلاقه وعبادته، فهو متطرف لا يصلح لأن يكون من القيادات الشعبية، ومن يعرف بديهيات الإسلام يعرف ذلك، ويرفض أن يقوده الضائعون.(57/341)
5- الإختلافات الوهمية: نحن قوم لا تنقصنا إختلافات حقيقية حتى نضيف لها اختلافات وهمية تزيدنا تفرقا وعداء وتشاؤما وضعفا، وتستنزف طاقات وجهود نحن بحاجة ماسة لها حتى نتقدم خطوات، فكثير ما نتصور أن عند الآخرين إنحراف عقائدي، أو خيانة الوطن أو تعصب عرقي، أو تطرف مذهبي، أو شبهات علمانية، وذلك بناء على مقال قرأناه أو قول سمعناه، أو إشاعة كاذبة، أو سوء فهم لحدث سياسي، أو لمصطلح لغوي، أو غير ذلك، والاختلافات الوهمية كثيرة جداً، فالبيئة الأعلامية ملوثة، والحوارات ناقصة أو غير موجودة وكفاءة الاتصالات ضعيفة، وهناك رغبة في تصديق ونشر الإشاعات، وعدم التبصر والتأكد من صحتها، وكل هذا جعلنا نتصور أن المسافة بيننا وبين الآخرين هي أكبر فعلا مما هي عليه فحتى في مجال العقائد نصدق العقائد الأكثر تطرفا وانحرافا عند الآخرين، ولا نصدق الأكثر اعتدالا وصوابا، مع أنها موجودة وهي السائدة، ولنعلم أن الله سبحانه وتعالى هدانا بالإسلام إلى أحكام وأخلاق تساهم في إلغاء موضوع الاختلاف الحقيقية والوهمية ولعل من أهمها الاحتكام للأسلام في موضوع الاختلاف وحسن الظن بالناس وأخذ أقوال وأفعال الناس بنية حسنة وبمعاني طيبة والحرص على صحة المعلومات والبحث عن الحقائق، وعدم الاستعجال، في التصديق أو في رد الفعل، وعدم تصديق كل ما يقال، وعدم الحكم على الأفراد من خلال مقال أو كتاب أو قول والتنبه إلى أن هناك أعداء داخليون (متطرفون ومنافقون) وخارجيون يريدون لنا أن نتفرق ونتصارع، ونتنازع، فيشوهون الحكومات والقوى الشعبية، ولو فكرنا قليلا فيما يقال أو بحثنا عن المصدر لاكتشفنا أنه جزء من الحرب على الأمة والشعوب.
6- المثالية: أغلب الحكومات والأحزاب والجماعات والأفراد ليسوا ملائكة. وليسوا شياطين، وسعينا للالتزام بالمبادئ والقيم لا يجوز أن ينسينا أننا نتعامل مع بشر ليسوا مثاليين، والتقدم هو شئ نسبي، فإذا كان يومنا أفضل من أمسنا فقد تقدمنا ولن نصل أبدا إلى واقع مثالي، فالفرق سيبقى كبيراً بين ما نريد وما نستطيع أن نصل إليه، خاصة في ظل واقعنا الحالي... والبعض يرفض أن يتعاون مع الآخرين لأن لهم آراء لا يتفق معها، أو مواقف يعارضها، وهذا السلوك أضاع فرصا كثيرة للتعاون في كثير من القضايا ليس حولها اختلاف أو يمكن الوصول إلى حلول وسط سواء بين القوى الشعبية، أو بينها وبين الحكومات. وصحيح أنه لا يجوز التساهل مع الانحرافات والسلبيات، ولكن الصحيح أيضا أننا بشر، والبشر لهم أخطأؤهم وانحرافاتهم، فلا بد من النظر في مصلحة الأمة، وتقديرها، واتخاذ القرار المناسب، ولنتذكر أن الله سبحانه وتعالى جعل باب التوبة مفتوحا. وعلينا أن نبقيه كذلك في تعاملنا مع الآخرين، وكثيرا ما تكون الخيارات المطروحة للسير في الواقع خيارين سيئاً أو أكثر سوءاً، قال عمرو بن العاص رضي الله عنه "ليس العاقل الذي يعرف الخير من الشر ولكن العاقل الذي يعرف خير الشرين". والبعد عن الواقعية جعلنا نرفض كثيرا من الحلول السياسية والإدارية لأن لبعضها سلبيات وننسى أن المقارنة الصحيحة بين الحلول هي في أكبر عدد من الإيجابيات، وأقل عدد من السلبيات، فلا يوجد حل بلا سلبيات، فلا بد من القبول بها وإلا فإن هذا معناه أن تكبر المشاكل، وتبقى بدون حل، والتعاون مع الآخرين ليس معناه موافقتهم على أخطائهم، والسكوت عن سلبياتهم، ولكنه تعاون على الخير ومصلحة الإسلام والوطن والأمة وهو طريق للتعرف على الآخرين وإصلاح مواقفهم وآرائهم، فالناس تتغير مع الزمن فكم من كافر أصبح مسلماً وفاسق أصبح متدينا وضال أهتدى، ومن الخطأ أن يكون مصيرنا هو مصير الشاب الذي يريد أن يتزوج فتاة مثالية لأنه لن يجدها. والمثاليون يفعلون نفس الشئ، فلا بد أن يكونوا واقعيين حتى يعيشوا في دنيا البشر. وجعلت المثالية البعض يطالب المخلصين من السياسيين والأداريين بالاستقالة كرد فعل لقرارات أو مواقف خاطئة منهم، أو من حكوماتهم، أو أحزابهم، أو مؤسساتهم ولو استقالوا لتركوا الساحة للمنحرفين، ونقول: الواجب الشرعي أن يستمر المخلصون في أعمالهم، ويحاولوا تقليل السلبيات قدر الإمكان إلا إذا كانت المصالح الشرعية تتطلب استقالتهم وما دمنا بشرا فلا توجد حكومات ولا أحزاب ولا جماعات معصومة، وحتى لو أتيح لنا فرصة تكوين الجماعات والأحزاب والحكومات، وأخترنا لها أفضل الكفاءات علما واخلاصا، فستكون لها أخطاء وانحرافات، ولو نظرنا لإيجابيات الآخرين لوجدنا أن هذه الحكومة حققت نتائج إيجابية كثيرة، وتلك الجماعة ساهمت كثيرا في نشر الوعي الإسلامي الصحيح، وهذا المفكر ساهم في نشر الفكر الإسلامي المعاصر حتى لو كان عنده بعض الأخطاء والمثاليون أدوا إلى تدمير حاضرنا ومستقبلنا لأنهم يحاكمون العالم بمقاييس مثالية فيرسب الجميع بل دمروا حتى ما ضينا فلا يرون في تاريخنا غير الصفحات السوداء مع أن به صفحات كثيرة بيضاء.(57/342)
وأخيرا المثاليون لا يجيدون غير الكلام وتشويه الآخرين والكسل، وهذه سلبيات كبيرة حتى لو ظنوا أنهم بلا سلبيات، أما إيجابياتهم فالمتوقع أن لا تكون موجودة، وإذا وجدت فهي صغيرة لأنهم يعيشون في الخيال ولا يؤثرون في الواقع ولنتذكر أن الالتزام بالمبادئ لا يتعارض مع القبول يحلول واقعية فيها سلبيات، وتعارض جزئيا مبادئنا لأن من القواعد الإسلامية ?فاتقوا الله ما استطعتم? و ?لا يكلف الله نفساً إلا وسعها? فهذا من الحكمة والبصيرة.
7- النظرة الجزئية: تعودنا على إتخاذ المواقف والآراء والأحكام والفتاوي ونحن لم نر إلا جزءا من الصورة، قال عمرو بن عبدالعزيز رضي الله عنه "إذا جاءك الرجل وقد فقئت عينه فلا تحكم له حتى يأتيك الآخر، فقد تكون عيناه قد فقئتا جميعا" والنظرة الجزئية مصيبة كبرى، وهي موجودة عند كثير من الحكومات والأحزاب والجماعات والأفراد، فأهل السياسة ينظرون عادة للأمور من ناحية سياسية وواقعية، في حين أنهم يتجاهلون أهمية المبادئ والقيم، في حين أن أهل المبادئ ينظرون للأمور في الغالب من ناحية المبادئ وبعيدة عن الخبرة بالواقع والحياة، وأهل الاقتصاد تجدهم يخططون للدولة من منظور اقتصادي أو شبه اقتصادي، ويتجاهلون أو يجهلون الجوانب الإدارية والعقائدية والتعليمية والسياسية، والثقافية، وينظرون لها فقط كأرقام، ولهذا تكون كثير من الخطط فاشلة أو ضعيفة التطبيق، وكذلك يفعل أهل العلم والتكنولوجيا أي يهتمون بالجانب الفني وينسون الجانب البشري والإداري والاقتصادي وأهميتهم في تحقيق إنجازات عملية والمطلوب هو أن نبتعد عن الحكم على قضايا كبيرة ومتشعبة من خلال نظرة سريعة وجزئية لها، وكثيراً ما نجد أفرادا مسئولين يحكمون على واقع وزاراتهم ومؤسساتهم وشركاتهم بناء على نظرتهم الجزئية، فيظنون أنهم يعرفون كل مشاكلها بل وكل الحلول، وليسوا بحاجة إلى استشارة أحد وأن من يخالفهم. في الرأي أما يجهل بعض الحقائق وأما صاحب مصلحة شخصية أو غير شخصية أو غير ذلك، وهذه نوع من الغرور وللخروج من هذا المأزق لا بد من تكوين فرق ولجان ومؤسسات تدرس المواضيع بصورة شاملة من خلال فرق متعددة التخصصات وأن يكون داخل هذه التخصصات تنوع في الآراء والأفكار حتى يتم تسليط أكبر كمية من الأضواء، وبهذه الطريقة ستأتي الدراسات شاملة
وبها إحصائيات وأرقام تحدد الأعمال والصعوبات، وكيفية التغلب عليها، وبدون ذلك سنصطدم بالنظرة الجزئية وستفشل كثير من المحاولات الإصلاحية، فإذا أردت ان تنظر إلى وزارة فابدأ بالنظر إلى الدولة وأهم الحقائق المتعلقة بها في الجوانب السياسية والاقتصادية والمالية والإدارية ثم انظر للوزارة، فدراسة البيئة المحيطة بوزارة أو إدارة أو عمل من بديهيات التخطيط وتجعلنا ندرك الفرص المتاحة والقيود الموجودة ونقاط القوة ونقاط الضعف، فنرتب أولوياتنا ثم نستطيع أن نسير بطريقنا على بصيرة وحكمة.
8- غياب العمل الجماعي: العمل الجماعي هو العمود الفقري لعمل الحكومات والأحزاب والجماعات والجمعيات الخيرية، ومع دعوتنا للعمل الفردي وعدم التقليل من إنجازاته وأهميتها، إلا أن انجازات العمل الجماعي هي أكبر وأكثر استمرارية وأصوب رأيا، وأكثر شمولية والعمل الجماعي مطلوب في كل المجالات الفكرية والسياسية والاجتماعية والرياضية والخيرية والعلمية، والعمل الجماعي مطلوب بين الدول وبين الحكومة والقوى الشعبية، فإمكانياتنا تزداد إذا تعاونا مع الآخرين، والفرص المتاحة تصبح أكبر، والأخطار الخارجية والقيود تصبح أقل، وأعداء الأمة والشعوب يحتارون عندما يشاهدوننا نعمل بصورة جماعية، لقد أدركت أوروبا أهمية العمل الجماعي، فسعت للوحدة والتعاون... ومن الضروري أن نقتنع بأن التعاون مع الآخرين في قضية أو موقف أو هدف يحقق خطوات عظيمة في الاتجاه الصحيح، واختلاف الاجتهادات والآراء لا يجوز أن يكون عائقا في سبيل العمل الجماعي، بل لا بد من ترشيد الاختلاف، وتقديم تنازلات وسنفعل ذلك إذا اقتنعنا بأننا مهما حققنا من إنجازات مفيدة ونحن منفردون ستكون أقل بكثير من الإنجازات التي نحققها بالتعاون مع الآخرين، والنجاح في العمل الجماعي يتطلب مرونة وتعاونا وضوابط وتنازلات وحوارات طويلة وصبر..... الخ. فالعمل الجماعي علم له أصوله، وفي الإسلام اهتمام كبير بالعمل الجماعي وله مواقف حازمة ورادعة لمن يحاول أن يفرق المسلمين سواء على مستوى الدولة أو على المستوى العقائدي والعبادي، فالتعصب للاجتهادات والآراء أو الأنتماء العرقي أو المصالح الطبقية كلها أشياء مرفوضة والالتزام بطاعة أولى الأمر في المعروف والنظام وكيفية تغيير المنكر واجبات إسلامية معروفة، ولا تقل أهمية عن العقيدة والصلاة والزكاة والصوم، فلا بد من(57/343)
زيادة الفقه كثيراً في أهمية العمل الجماعي وضرورة أن تكون مصالح الأمة والوطن فوق مصالح واقتناعات وآراء الأفراد والأحزاب والجماعات، وكم من فتن حدثت لأن كل شعب يريد أن يصل إلى مصالحه حتى لو أدى ذلك لحرق الأخضر واليابس، ولنتأكد أنه إذا تعاونا سيستفيد الوطن وسنستفيد جميعا وإذا عملنا متفرقين سيخسر الوطن، وسنخسر جميعاً، وندرك أن العمل الجماعي ليس سهلا، فهناك آراء مختلفة، واستعدادات متفاوتة للعمل، ومستويات مختلفة من الأخلاص والعلم والثقافة والذكاء ولكن كل هذا لا يجوز أن يجعلنا نيأس، لأن فوائد نجاحنا ستكون كبيرة في النهاية.
كتب للمؤلف
1- الطريق إلى الوحدة الشعبية:
"دعوة لبناء الجسور بين الاتجاهين القومي الإسلامي"
2. الطريق إلى السعادة
3. إصلاح الشعوب أولاً
4. لا للتعصب العرقي
5. عجز العقل العلماني
6. الكويت الجديدة
7. العلمانية في ميزان العقل
8. العلمانية تحارب الإسلام
9. تطوير البحث العلمي الخليجي (تحت الإعداد
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
الفهرس العام
الباب الواحد والعشرون ... 2
العقلانية ... 2(57/344)
(57/345)
العقلانية ... 2(57/346)
(57/347)
العقلانية ... 58(57/348)
(57/349)
ليسوا عقلانيين .. وإنما هم أهل أهواء ... 60(57/350)
(57/351)
العقلانية المبهمة ... 64(57/352)
(57/353)
بروتوكولات صهيونية جديدة لتدمير الشباب المصري ... 66(57/354)
(57/355)
العقلانية العوراء والليبرالية العرجاء!* ... 68(57/356)
(57/357)
المثالية ... 75(57/358)
(57/359)
نقض الجذور الفكرية للديمقراطية الغربية ... 78(57/360)
(57/361)
العقلانية العلمية في التراث العربي الإسلامي 2/1 ... 90(57/362)
(57/363)
العقلانية العلمية في التراث العربي الإسلامي 2/2 ... 97(57/364)
(57/365)
تجديد البعد العقلي ... 106(57/366)
(57/367)
المعتزلة ... 117(57/368)
(57/369)
الانطباعية (التأثرية) ... 131(57/370)
(57/371)
مهلا أيها الإستراتيجيون ... 134(57/372)
(57/373)
المعتزلة..ماهيتهم..عقائدهم..المعتزلة الجدد ... 139(57/374)
(57/375)
الفكر الاعتزالي يهدف إلى تفريق الأمة وتمزيقها ... 140(57/376)
(57/377)
الحوار مع الآخر خدعة عصرية ... 142(57/378)
(57/379)
تعديل مرمى الجمرات كشَفَهُمْ ... 146(57/380)
(57/381)
فلسفة الفكر السلفي ... 150(57/382)
(57/383)
تعقيب على مقال الأستاذ / زين العابدين الركابي ... 154(57/384)
(57/385)
لماذا لا يعجل الله تعالى بهلاك الكفار ؟ ولماذا المسلمون في تأخر ؟ ... 164(57/386)
(57/387)
مقاربة الحقيقة ... 171(57/388)
(57/389)
حصان طروادة ... 175(57/390)
(57/391)
ارتباط النفاق بالعقلانية والإصلاح ... 177(57/392)
(57/393)
أهانوا المصحف..؟ ... 183(57/394)
(57/395)
دكتور يطالب جهات حكومية بإيقاف أعمالها من أجل ..... ... 188(57/396)
(57/397)
نسوا الله فأنساهم أنفسهم ... 190(57/398)
(57/399)
مآلات الخطاب المدني ... 197(57/400)
(57/401)
مناهجنا .. آخر الحصون ... 343(57/402)
(57/403)
تطوير الخطاب الديني ... 351(57/404)
(57/405)
الإسلام وأمريكا ... 435(57/406)
(57/407)
العفيفة .. ... 446(57/408)
(57/409)
ومتى فقناهم عددا أو عدة؟ ... 470(57/410)
(57/411)
مقومات الداعية الناجح ... 484(57/412)
(57/413)
إصلاح الشعوب أولا ... 570
الفهرس العام ... 678(57/414)
موسوعة الرد على المذاهب الفكرية المعاصرة (22) قضية تحرير المرأة
الباب الثاني والعشرون
قضية تحرير المرأة
إعداد
الباحث في القرآن والسنة
علي بن نايف الشحود
الباب الثاني و العشرون
قضية تحرير المرأة(58/1)
(58/2)
قضية تحرير المرأة
فضيلة الشيخ : محمد قطب
المقدمة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
•…• السؤال الذي يطرح نفسه ونحن نتحدث عن قضية تحرير المرأة هو:هل للمرأة قضية في مجتمعنا؟ولماذا هذه الإثارة حول المرأة؟هل ضاعت هويتها لدرجة أن تطرح أسئلة عريضة مثل: أيتها المرأة أين هويتك؟أو هل هي مظلومة حتى تعلن المرافعة ضد الرجل؟
إن وضع المرأة ومهمتها في المجتمع قضية واضحة في دين الله، لذلك جاءت التشريعات الخاصة ببناء البيت المسلم والمجتمع المسلم وبالعلاقات بين الرجل والمرأة محددة وواضحة، بل إن الأصل الذي قام عليه مبدأ الذكر والأنثى في الكون هو الذي أصله الدين، وهو وضوح هوية المرأة ووضوح مهمتها في الحياة.
لقد تخصص كل من الرجل والمرأة بمهمة لا يستطيع الآخر أن يقوم بها بالصورة المطلوبة:
فالمرأة مشغولة في البيت، فالأصل بقاؤها فيه لتؤدي رسالتها إلا لحاجة تخرجها عن الأصل. والرجل يتولى أمور ما خارج البيت، وإذا اختلطت المهام بينهما حصل الاضطراب حتى يشمل المجتمع، ثم الحياة كلها.
ونقول بعد ذلك: إذا كانت لقضايا المرأة المطروحة ما يفسر أسباب إثارتها في مجتمعات معينة، نقول يفسرها ولا يبررها، فإننا لا نجد تبريرا بل ولا تفسيرا لطرح هذه القضايا وإثارتها في مجتمعنا، حيث تسود قيم الإسلام الضابطة لوضع المرأة في المجتمع.
لذلك يأتي تحذيرنا لكل الغيورين في مجتمعنا من مثل هذه الدعوات التي تريد إخراج المرأة عن بيتها وعن مهمتها ورسالتها وطبيعتها، وإذا حصل ذلك- لا سمح الله- فلا تسأل عن هلكة المجتمع.
•…• إن وضع المرأة في مجتمعنا لا يمكن أن تحلم به تلك المرأة الغربية سواء كانت بنتا أو زوجة أو أما.
وبنظرة موضوعية لوضع المرأة في الغرب: وهي بنت تتقاذفها أيدي الذئاب البشرية.
أو زوجة كادحة لا تأوي إلى بيتها إلا كالة مرهقة لتشارك الرجل حتى في دفع أقساط السيارة وإلا فلا قيمة لها.
وأما يقذفها أولادها بالنهاية في إحدى دور الرعاية الاجتماعية.
نقول بنظرة منصفة إلى حال المرأة المسلمة في مجتمعنا وهي بنت مصونة يحافظ عليها الرجل كجزء من حياته.
أو وهي زوجة مكفولة بواسطة الرجل حتى ولو ملكت ما ملكت من المال.
بل يظهر البون الشاسع وهي أم أو جدة تتحول إلى ملكة في كيان أولادها وأحفادها.
إن المرأة في الغرب مظلومة ومبتذلة حقا، إنها تستحق أن يرفع لها قضية ترافع بها الرجل الذي يبتزها، وذلك من أجل إنصافها.
فمهلا يا دعاة التغريب!! ويا دعاة البحث عن هوية المرأة!! الإنصاف والموضوعية والقيم.. الزموها!!
ويا دعاة الإصلاح وأصحاب الغيرة: اتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة، وتذكروا قول النبي صلى الله عليه وسلم ((... اتقوا الدنيا واتقوا النساء فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء)). وحديث: ((ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء)) وغير ذلك من التحذيرات من الذي لا ينطق عن الهوى.
•…• وكجزء من المشاركة في تحذير مجتمعنا وإنذاره من الخطر الذي أصاب الأم في دعوة ما يسمى ب "تحرير المرأة" من أن يحل بنا، لذا قمنا باستلال أحد فصول الكتاب القيم "واقعنا المعاصر" وهو فصل "تحرير المرأة" بعد إذن المؤلف والناشر.
وذلك لأن هذا الفصل يتحدث بصورة واعية عن مراحل إخراج المرأة من بيتها وإفسادها في النهاية فيما يسمى عند العلمانيين ب(( تحرير المرأة)) وذلك في المجتمع المصري.
ولأننا نعتقد أن تجربة المجتمع المصري عمت بها البلوى في المجتمعات الأخرى، لذا رأينا أن من واجبنا إيضاح الأمر وبيانه حتى لا تزل قدم بعد ثبوتها فتذوقوا السوء.
وهي رسالة نرجو أن يتبعها رسائل أخرى في هذا الميدان بل وفي ميادين أخرى وذلك لتوضيح جوانب من محاور هجوم التيار العلماني على دين الأمة وقيمها.
قضية تحرير المرأة [بطل] هذه القصة هو: قاسم أمين..
شاب نشأ في أسرة تركية مصرية- أي محافظة- فيه ذكاء غير عادي. حصل على ليسانس الحقوق الفرنسية من القاهرة وهو في سن العشرين. بينما كان هناك في عصره من يحصل على الشهادة الابتدائية في سن الخامسة والعشرين!
ومن هناك التقطه الذين يبحثون عن الكفاءات النادرة والعبقريات الفذة ليفسدوها، ويفسدوا الأمة من ورائها! التقطوه وابتعثوه إلى فرنسا.. لأمر يراد.
اطلع قبل ذهابه إلى فرنسا على رسالة لمستشرق يتهم الإسلام باحتقار المرأة وعدم الاعتراف بكيانها الإنساني. وغلى الدم في عروقه- كما يصف في مذكراته- وقرر أن يرد على هذا المستشرق ويفند افتراءاته على ا لإسلام.
ولكنه عاد بوجه غير الذي ذهب به! لقد أثرت رحلته إلى فرنسا في هذه السن المبكرة تأثيرا بالغا في كيانه كله، فعاد إلى مصر بفكر جديد، وعقل جديد، ووجهة جديدة..عاد يدعو إلى تعليم المرأة وتحريرها على المنهج ذاته الذي وضعه المبشرون وهم يخططون لهدم الإسلام!(58/3)
•…• يقول في مذكراته: إنه التقى هناك بفتاة فرنسية أصبحت صديقة حميمة له! وإنه نشأ بينه وبينها علاقة عاطفية عميقة، ولكنها بريئة،.. وإنها كانت تصحبه إلى بيوت الأسر الفرنسية والنوادي والصالونات الفرنسية، فتفتح في وجهه البيوت والنوادي والصالونات، ويكون فيها موضع الترحيب...
وسواء كان هو الذي التقى بها أم كانت موضوعة في طريقه عمدا ليلتقي بها، فقد لعبت هذه الفتاة بعقله كما لعبت بقلبه، وغيرت مجرى حياته، وجعلته صالحا للعب الدور المطلوب الذي قررت مؤتمرات التبشير أنه لابد منه لهدم الإسلام!
•…• ونحن نميل إلى تصديقه في قوله إن العلاقة بينه وبينها كانت [بريئة].. لا بالمعنى الإسلامي للبراءة بطبيعة الحال، ولكن بمعنى عدم وصول هذه العلاقة إلى درجة الفاحشة. فإنها- على هذه الصورة- تكون أقدر على تغيير أفكاره من العلاقة المبتذلة التي تؤدي إلى الفاحشة؛ لأن الفتاة ستكون حينئذ ساقطة في حسه غير جديرة بالاحترام، وغير جديرة بأن تكون مصدراً [إلهام]! وسواء كانت الفتاة قد [مثلت] الدور بإتقان، لتظل العلاقة بينه وبينها [روحية] و[فكرية] لتستطيع التأثير عليه، أم كانت تربيته المحافظة في الأسرة المنحدرة من أصل تركي هي التي وقفت بهذه العلاقة عند هذا الحد الذي يصفها بالبراءة.. فالنتيجة النهائية كانت انقلابا كاملا في كل كيانه.
•…• ولنحاول أن نتصور كيف حدث التغيير؟
هذا شاب عبقري، نعم، ولكنه قادم من بلاد محتلة، تحتلها إحدى الدول الأوروبية.. وهو قادم إلى أوروبا.. تلك التي يتحدث قومه عنها بانبهار المأخوذ، وتمثل في حسهم العملاق الضخم الذي يتضاءل الشرق أمامه وينزوي. فنستطيع عندئذ أن نتوقع أنه قادم إلى أوروبا وهو منخنس داخل نفسه، يحس بالضآلة والقزامة، ويتوجس أن يزدرى في بلاد العمالقة؛ لأنه قزم قادم من بلاد الأقزام، وأقصى ما يتمناه قلبه أن يجد الطمأنينة النفسية والعقلية في تلك البلاد الغربية التي لا يكاد يستوعبها الخيال!
•…• وبينما هو كذلك- منكمش متوجس- إذا هذه الفتاة تبرز له في الطريق فتؤنس وحشته بادئ ذي بدء، فيزول عنه انكماشه وتوجسه، ويذهب عنه توتر أعصابه، ويشعر بالطمأنينة في المهجر.
•…• ثم إن هذه الفتاة تبادله عواطفه- كما قص في مذكراته- فيشعر فوق الطمأنينة بالسعادة والغبطة، ويزداد استقرار نفسه فلا يعود يشعر بالغربة النفسية الداخلية، وإن بقيت الغربة بالنسبة للمجتمع الخارجي الذي لم يحتك به بعد.
غير أن الفتاة تنتقل معه- فتنقله- خطوة أخرى. فهي تصحبه إلى الأسر الفرنسية، فتفتح له تلك الأسر أبوابها وترحب به، وتصحبه إلى النوادي والصالونات فترحب به كذلك. وهنا تزول الغربة نهائيا، سواء بالنسبة لمشاعره الخاصة أو بالنسبة للمجتمع الخارجي، وينطلق في المجتمع الجديد واثقا من نفسه، واثقا من خطواته.
•…• كيف تصير الأمور الآن في نفسه؟!
•…• كيف ينظر إلى العلاقة بينه وبين هذه الفتاة؟
•…• وكيف ينظر إلى التقاليد التي تم عن طريقها كل ما تم في نفسه من تغيير؟! علاقة [بريئة].. أي لم تصل إلى الفاحشة.. نمت من خلالها نفسه نموا هائلا، فخرجت من انكماشها وعزلتها، واكتسبت إيجابية وفاعلية، مع نمو في الثقافة، وسعة في الأفق، ونشاط وحيوية.
ما عيب هذه التقاليد إذن؟ وما المانع أن تكون تقاليدنا نحن على هذا النحو البريء،؟!
هناك بلا شك- مهما أحسنا الظن- مجموعة من المغالطات في هذا المنطق،:
المغالطة الأولى: هي دعواه ! ببراءة، هذه العلاقة على اعتبار خلوها من الفاحشة المبينة. فحتى لو صدقناه- ونحن أميل إلى تصديقه كما قلنا- فهي ليست بريئة في الميزان الإسلامي الذي يقيس به المسلم أمور حياته كلها. فهي تشتمل على خلوة محرمة في ذاتها سواء أدت إلى الفاحشة أم لم تؤد إليها. وهي محرمة في دين الله لحكمة واضحة لأنها تؤدي في النهاية- حتما- إلى الفاحشة، إن لم يكن في أول مرة- ولا حتى في أول جيل- فإنه ما من مرة أباحت البشرية لنفسها هذه الخلوة إلا وصلت إلى الفاحشة في نهاية المطاف. لم تشذ عن ذلك أمة في التاريخ!
والمغالطة الثانية: هي تجاهله ما هو واقع بالفعل في المجتمع الفرنسي من آثار مثل هذه العلاقة، وقد علم يقينا بلا شك أن ذلك المجتمع يعج بألوان من العلاقات الأخرى [غير البريئة] ويسمح بها بلا رادع. فلم يكن ذلك سرا مخفيا عن أحد ممن يعيش في ذلك المجتمع، سواء من أهله أو من الوافدين عليه. فحتى لو صدقناه في أن علاقته هو الخاصة لم تصل إلى ما يصل إليه مثلها في ذلك المجتمع- لظروف خاصة مانعة في نفسه أو في نفسها- فليس ذلك حجة لإباحة تلك العلاقات، أو الدعوة إلى مثلها، وهو يرى بنفسه نتائجها الواقعية حين يبيحها المجتمع.
والمغالطة الثالثة: هي زعمه في كتابه الأول ((تحرير المرأة)) أن هذا التحرير لن ينتج عنه إلا الخير، ولن تنشأ عنه العلاقات الدنسة التي رآها بعينه في المجتمع الفرنسي..إنما سينشأ عنه تقوية أواصر المجتمع وربطها برباط متين!.
وأيا كان الأمر فقد عاد قاسم أمين من فرنسا داعيا لتحرير المرأة. داعيا إلى السفور ونزع الحجاب!(58/4)
•…• نفس الدعوة التي دعا بها رفاعة الطهطاوي من قبل عند عودته من فرنسا.مع فارق رئيسي،لا في الدعوة ذاتها ولكن في المدعوين! فإن أكثر من نصف قرن من الغزو الفكري المستمر كانت قد فعلت فعلها في نفوس الناس، فلم تقابل دعوة قاسم أمين بالاستنكار البات الذي قوبلت به دعوة رفاعة الطهطاوي، ولم توءد في مهدها، كما وئدت الدعوة الأخرى من قبل!
•…• ومع ذلك فلم يكن الأمر سهلا. فقد أثار كتاب ((تحرير المرأة)) معارضة عنيفة جعلت قاسم أمين ينزوي في بيته خوفا أو يأسا، ويعزم على نفض يده من الموضوع كله. ولكن سعد زغلول شجعه، وقال له: امض في طريقك وسوف أحميك!
•…• عندئذ قرر أن يعود، وأن يسفر عن وجهه تماما! فلئن كان في الكتاب الأول قد تمحك في الإسلام، وقال إنه يريد للمرأة المسلمة ما أعطاها الإسلام من حقوق، وفي مقدمتها التعليم، فقد أسقط الإسلام في كتابه الثاني ((المرأة الجديدة)) ولم يعد يذكره. إنما صار يعلن أن المرأة المصرية ينبغي أن تصنع كما صنعت أختها الفرنسية، لكي تتقدم وتتحرر، ويتقدم المجتمع كله ويتحرر! وهكذا سقط الحاجز المميز للمرأة المسلمة، وصارت هي والمشركة أختين بلا افتراق!
•…• بل وصل الأمر إلى الدعوة إلى السير في الطريق ذاته الذي سارت فيه الغربية من قبل، ولو أدى ذلك إلى المرور في جميع الأدوار التي قطعتها وتقطعها النساء الغربيات. وقد كان من بين تلك الأدوار ما يعلمه قاسم أمين- ولا شك- من التبذل وانحلال الأخلاق!
قال:
•…• ((.. ولا نرى مانعا من السير في تلك الطريق التي سبقتنا إليها الأمم الغربية، لأننا نشاهد أن الغربيين يظهر تقدمهم في المدنية يوما فيوما".
•…• ((.. وبالجملة فإننا لا نهاب أن نقول بوجوب منح نسائيا حقوقهن في حرية الفكر والعمل بعد تقوية عقولهن بالتربية، حتى لو كان من المحقق أن يمررن في جميع الأدوار التي قطعتها وتقطعها النساء الغربيات )).
•…• وكان آخر ما قاله في ليلة وفاته مخاطبا- بالفرنسية- مجموعة من الطلبة والطالبات الذين جاءوا من رومانيا في زيارة لمصر: ((.. أحيي هذه البعثة العلمية وأشكرها على زيارة نادي المدارس العالية. أحيي منها بصفة خاصة هاته الفتيات اللواتي تجشمن مصاعب السفر متنقلات من الغرب إلى الشرق حبا في الاستزادة من العلوم والمعارف. أحييهن وقلبي ملؤه السرور حيث أرى نصيبهن من العناية بتربيتهن لا يقل عن نصيب رفقائهن. أحييهن ولي شوق عظيم أن أشاهد ذلك اليوم الذي أرى فيه حظ فتياتنا المسلمات المصريات كحظ هاته الفتيات السائحات من التربية والتعليم. ذلك اليوم الذي ترى فيه المسلمات جالسات جنبا إلى جنب مع الشبيبة المصرية في اجتماع أدبي كاجتماع اليوم. فيشاركننا في لذة الأدبيات والعلوم التي هن منها محرومات. فعسى أن تحقق الآمال حتى يرتقين فيرتقي بهن الشعب المصري )).
•…• والآن وقد صار للمرأة [قضية] فلابد للقضية من تحريك. وتبني القضية فريق من النسوة على رأسهن هدى شعراوي، وفريق من الرجال المدافعين، عن حقوق المرأة. وأصبح الحق الأول الذي تطالب به النسوة هو السفور! وصارت القضية التي يدور حولها الجدل هي السفور والحجاب!!
•…• من أين جاءت القضية؟! حين قامت الحركة النسوية في أوروبا كان للمرأة بالفعل قضية! قضية المساواة في الأجر مع الرجل الذي يعمل معها في المصنع نفسه وساعات العمل نفسها، بينما تتقاضى هي نصف ما يتقاضاه الرجل من الأجر . وحين اتسعت القضية هناك وتعددت مجالاتها- تلقائيا أو بتخطيط الشياطين- فقد كان محورها الأول هو قضية المساواة مع الرجل في الأجر، ترجع إليه كلما طالبت أو طولب لها بحق جديد. حتى أصبحت القضية هناك في النهاية هي قضية المساواة التامة مع الرجل في كل شيء، ومن بين كل شيء [حق الفساد] الذي كان الرجل قد وصل- أو وصل- إليه، فصار حق الفساد داخلا بدوره في قضية المرأة، تحت عنوان [حق المرأة في اختيار شريك حياتها] في مبدأ الأمر، ثم تحت عنوان [حق المرأة في أن تهب نفسها لمن تشاء]!!
•…• أما في مصر- أو العالم الإسلامي- فلم تكن للمرأة قضية خاصة! إنما كانت القضية الحقيقية هي انحراف هذا المجتمع عن حقيقة الإسلام، مما سميناه [التخلف العقدي]، وما نتج عن هذا التخلف العقدي من تخلف في جميع مجالات الحياة. وما تحقير المرأة وإهانتها وعدم إعطائها وضعها الإنساني الكريم إلا مجال من المجالات التي وقع فيها التخلف عن الصورة الحقيقية للإسلام. وعلاجها- كعلاج غيرها من الحالات جميعا- هو العودة إلى تلك الصورة الحقيقية، والتخلي عن ذلك التخلف المعيب.
•…• تلك هي [القضية].. وهي ليست [قضية المرأة] ولا [قضية الرجل].. إنما قضية الأمة الإسلامية كلها، بجميع رجالها ونسائها وأطفالها وحكامها وعلمائها وكل فرد فيها. وتخصيصها بأنها [قضية المرأة] فضلا عن مجانبته للنظرة [العلمية] الفاحصة، فإنه لا يعالج القضية. لأنه يأخذ عرضا من أعراض المرض فيجعله مرضا قائما بذاته، ويحاول علاجه.. فلا يقدر لهذا العلاج أن ينجح، لأنه يتعامى عن الأسباب الحقيقية من ناحية، ويفتقر إلى الشمول من ناحية أخرى.(58/5)
•…• ولكن.. هل كان في ذهن أحد أن يبحث القضية بحثا جادا مخلصا فاحصا دقيقا ليتعرف على الأسباب الحقيقية فيعالجها؟!
أم هل كان أحد ممن تناول القضية في تمام وعيه ليناقشها مناقشة علمية موضوعية مبصرة؟!
أم هل كان أحد ممن تناول القضية سيد نفسه لينظر إليها بنظرته الخاصة، ويرى أيها ما يرى بمنظاره الخاص؟!
أم كانوا كلهم من العبيد سواء عبيد شهواتهم أو عبيد الغرب. الذين يساقون سوقا لتنفيذ مخططات أعدائهم وهم سادرون في الغفلة، غارقون في الضلال البعيد!
بلى! لقد كانوا كلهم كذلك رجالا ونساء، دعاة وأتباعا، مخططين ومنفذين!
وإذا كان لابد للقضية من موضوع، فقد جعلت القضية- فجأة وبلا مقدمات حقيقية- قضية الحجاب والسفور!
لقد كانت القضية في أوروبا [منطقية] في ظاهرها على الأقل. أو في بدايتها على الأقل.
•…• فحين تضطر المرأة إلى العمل- لظروف ليس هنا مجال تفصيلها ثم تعطى نصف أجر الرجل الذي يقوم بالعمل نفسه، فطلب المساواة في الأجر قضية حقيقية من جهة، وجيهة كل الوجاهة من ناحية أخرى.
•…• أما قضية الحجاب والسفور فما مكانها من المنطق، وما مكانها من الحق؟! لم يكن [الرجل] هو الذي فرض الحجاب على المرأة، فترفع المرأة قضيتها ضده لتتخلص من [الظلم] الذي أوقعه عليها، كما كان وضع القضية في أوروبا بين المرأة والرجل. إنما الذي فرض الحجاب على المرأة هو ربها وخالقها، الذي لا تملك- إن كانت مؤمنة- أن تجادله سبحانه فيما أمر به، أو يكون لها الخيرة في الأمر:{وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا}.
•…• ثم إن الحجاب في ذاته لا يشكل قضية.
فقد فرض الحجاب في عهد رسول ا صلى الله عليه وسلم ونفذ في عهده، واستمر بعد ذلك ثلاثة عشر قرنا متوالية.. وما من مسلم يؤمن بالله ورسوله يقول: إن المرأة كانت في عهد رسول ا صلى الله عليه وسلم مظلومة.
فإذا وقع عليها الظلم بعد ذلك، حين تخلف المسلمون عن عقيدتهم الصحيحة ومقتضياتها، فلم يكن الحجاب- بداهة- هو منبع الظلم ولا سببه ولا قرينه! لأنه كان قائما في خير القرون على الإطلاق، التي قال عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم ((خيركم قرني ))، وكان قرين النظافة الخلقية والروحية، وقرين الرفعة الإنسانية التي لا مثيل لها في تاريخ البشرية كله.
• ولكن المطلوب هو نزع الحجاب!
المطلوب هو السفور! المطلوب هو التبرج! المطلوب هو أن تخرج المرأة في النهاية عارية في الطريق! ذلك ما تطلبه مؤتمرات المبشرين، وما يطلبه الصليبيون الذين يخططون.. .
فلتكن القضية إذن هي قضية السفور والحجاب. وليوصف الحجاب بكل شر يمكن أن يرد على الذهن، وليوصف السفور بكل خير يخطر على البال.
ولتبدأ القضية من هنا.. ولتنته حيث يريد الشيطان!
•…• تلقفت [القضية]- كما قلنا- مجموعة من النسوة فطالبن بالسفور على أنه أحق، للمرأة سلبها إياه المجتمع، أو سلبها إياه الرجل الأناني المتحجر المتزمت الرجعي المتعفن الأفكار!.
وكانت زعيمة [ النهضة النسوية] هدى [هانم] شعراوي، التي اتخذت من بيتها [صالونا] تقابل فيه الرجال سافرة في غير وجود محرم.
•…• كانت هدى شعراوي بنت محمد باشا سلطان أحد باشوات ذلك العصر، ومن هنا فهي [هانم] بالوراثة!سافرت إلى فرنسا لتتعلم وسافرت محجبة. ولكنها حين عادت كانت سافرة. وكان أبوها يستقبلها في ميناء الإسكندرية ومعه مجموعة من أصدقائه، فلما نزلت من الباخرة احمر وجهه خجلا وغضبا، وأشاح بوجهه عنها وانصرف دون أن يحييها. ولكن ذلك لم يردعها عن صنيعها، ولم يردها عن غيها الذي عادت به من فرنسا.
•…• وتحلق حولها بعض النسوة. وبعض الرجال! الرجال الذين [يدافعون] عن قضية المرأة في الصحف والمجلات، بالنثر وبالشعر. لقاء جلسة [لطيفة] في صالون الهانم أو ابتسامة تخص بها أحدهم أو مبلغ من المال! تدسه في يد واحد من الصحفيين المرتزقة فيكتب مقالا في رقة الهانم ولطفها وابتسامتها العذبة وحسن استقبالها لضيوفها- الرجال- أو يكتب عن اجتماعاتها وتحركاتها. أو يكتب عن [القضية].
•…• وكانت قمة المسرحية هي مظاهرة النسوة في ميدان قصر النيل (ميدان الإسماعيلية) أمام ثكنات الجيش الإنجليزي سنة 1919 م. فقد كانت الثورة المصرية قد قامت وملأت المظاهرات شوارع القاهرة وغيرها من المدن تهتف ضد الإنجليز، وتطالب بالجلاء التام أو الموت الزؤام. ويطلق الإنجليز الرصاص من مدافعهم الرشاشة على المتظاهرين فيسقط منهم كل يوم قتلى بلا حساب.
•…• وفي وسط هذه المظاهرات الجادة قامت مظاهرة النسوة، وعلى رأسها صفية هانم زغلول زوجة سعد زغلول، وتجمع النسوة أما ثكنات قصر النيل، وهتفن ضد الاحتلال. ثم. بتدبير سابق، ودون مقدمات ظاهرة، خلعن الحجاب، وألقين به في الأرض، وسكبن عليه البترول، وأشعلن فيه النار. وتحررت المرأة!!!. ويعجب الإنسان الآن للمسرحية وخلوها من المنطق.
•…• فما علاقة المظاهرة القائمة للاحتجاج على وجود الاحتلال الإنجليزي، والمطالبة بالجلاء عن مصر. ما علاقة هذا بخلع الحجاب ! وإشعال النار فيه؟!(58/6)
•…• هل الإنجليز هم الذين فرضوا الحجاب على المرأة المصرية المسلمة من باب العسف والظلم، فجاء النسوة يعلن احتجاجهن على وجود الإنجليز في مصر، ويخلعن في الوقت ذاته ما فرضه عليهن الإنجليز من الحجاب؟!
•…• هل كان الإنجليز هم الذين سلبوا المرأة [حق] السفور منذ ذلك الزمن السحيق. فجئن اليوم [يتحررن] من ظلمهم، ويلقين الحجاب في وجههم تحديا ونكاية فيهم؟!
ما المنطق في المسرحية؟!
لا منطق في الحقيقة!
ولكن التجارب التالية علمتنا أن هذا المنطق الذي لا منطق. فيه، هو الطريقة المثلى لمحاربة الإسلام.
•…• إن الذي يقوم بعمل من أعمال التخريب والتحطيم ضد الإسلام ينبغي أن يكون [بطلا] لتتدارى في ظل [البطولة] أعمال التخريب والتحطيم!
كمال أتاتورك.. جمال عبد الناصر.. أحمد بن بيلا.. وعشرات غيرهم من [الأبطال] الذين حاربوا الإسلام بوسيلة من الوسائل.. كلهم ينبغي أن يكونوا [ أبطالا] وقت قيامهم بمحاربة الإسلام، وإلا انكشفت اللعبة من ورائهم، وانكشفت عمالتهم لأعداء الإسلام من الصليبيين واليهود.
•…• كمال أتاتورك الذي أطاح بالخلافة، وأراد أن يقطع ما بين الأتراك وبين إسلامهم، فمنع الأذان باللغة العربية، وكتب اللغة التركية بالحروف اللاتينية، وأمر بخلع الحجاب، وذبح عددا من علماء المسلمين.. كان [بطلا] صنعت له البطولات المسرحية الزائفة لتخفي يده التي تقطر بدماء المسلمين، وتخفي جريمته الكبرى في حرب الإسلام.
•…• جمال عبد الناصر الذي ذبح قادة الدعوة الإسلامية في مصر، وأنشأ للتنكيل بهم في سجون مصر ألوانا من التعذيب الوحشي لا مثيل لها في تاريخ البشرية كله، إلا في محاكم التفتيش التي أقامها الصليبيون في الأندلس للقضاء على الإسلام.. وألغى المحاكم الشرعية، وهم بإلغاء الأزهر.. وأضاف جرعات جديدة [لتحرير المرأة].. كان [بطلا].. أضيفت عليه البطولات المصطنعة لإخفاء الجريمة الهائلة التي ارتكبها ضد الإسلام.
•…• أحمد بن بيلا الذي جاء ليسرق الثورة الإسلامية، ويحولها إلى ثورة اشتراكية بعيدة عن الإسلام مناوئة له، والذي دعا المرأة الجزائرية إلى خلع الحجاب بحجة عجيبة حين قال: إن المرأة الجزائرية قد امتنعت عن خلع الحجاب في الماضي لأن فرنسا هي التي كانت تدعوها إلى ذلك ! أما اليوم فإني أطالب المرأة الجزائرية بخلع الحجاب من أجل الجزائر..! أحمد بن بيلا- يوم أن دعا تلك الدعوة- كان بطلا أضيفت عليه البطولة المصطنعة بخطفه من الطائرة وهو متوجه من فرنسا إلى الجزائر.. حتى إذا نضجت اللعبة.. لعبة [البطولة].. أطلق ليقوم بعمله ضد الإسلام...
•…• وعلى هذا الضوء نفهم مظاهرة النسوة في ميدان الإسماعيلية بالقاهرة سنة 1919م.
لابد من بطولة تضفى على كل عمل من أعمال التخريب ضد الإسلام، لتخفي ما وراءه من تدبير...
وأي بطولة للنسوة يومئذ أكبر من أن يقفن أمام قوى الاحتلال، يهتفن ضدها، ويفتحن صدورهن للرصاص..؟!
•…• يقول حافظ إبراهيم في شأن هذه المظاهرة:
خرج الغواني يحتججن ورحت أرقب جمعهنه
فإذا بهن اتخذن من سود الثياب شعارهنه
فطلعن مثل كواكب يسطعن في وسط الدجنة
وأخذن يجتزن الطريق ودار سعد قصدهنه
يمشين في كنف الوقار وقد أبن شعورهنه
وإذا بجيش مقبل والخيل مطلقة الأعنة
وإذا الجنود سيوفها قد صوبت لنحورهنهوإذا المدافع والبنادق والصوارم والأسنة
والخيل والفرسان قد ضربت نطاقا حولهنه
والورد والريحان في ذاك النهار سلاحهنه
فتطاحن الجيشان ساعات تشيب لها الأجنة
فتضعضع النسوان ليس لهن منة
ثم انهزمن مشتتات الشمل نحو قصورهن
•…• وتدريجيا.. في ظل البطولة المدوية.. سقط الحجاب!
وأصبح من المناظر المألوفة في العاصمة أولا، ثم في المدن الأخرى بعد ذلك، أن ترى الأمهات متحجبات، والبنات سافرات، وكانت الأداة العظمى في عملية التحويل هذه هي التعليم من جهة، والصحافة من جهة أخرى.
فأما التعليم فقد اقتضى معركة طويلة حتى تقرر.. على المستوى الابتدائي أولا، ثم المستوى الثانوي، ثم في المرحلة الجامعية.
•…• واستفاد أعداء الإسلام فائدة عظمى من الوضع الجاهلي الذي كان يسود المجتمع تجاه المرأة وتعليمها، فأثاروها قضية، ودقوا دقا عنيفا على الأوضاع الظالمة لينفذوا منها إلى ما يريدون.
ولسنا الآن في مجال تحديد المسئوليات، إنما نحن نتابع خطى التاريخ. وإلا فقد كان المسلمون على خطأ بين، وظلم بين للمرأة حين منعوا تعليمها، كما أمرهم رسول ا صلى الله عليه وسلم أن يعلموها، وحين أهانوها وحقروها في الأمر ذاته الذي كرمها الله به ورفعها، وهو الأمومة وتنشئة الأجيال. {ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير}.((الجنة تحت أقدام الأمهات )).
((من أولى الناس بحسن صحابتي؟ قال: أمك. قال: ثم من؟ قال: أمك. قال: ثم من؟ قال: أمك. قال: ثم من؟ قال: أبوك )).(58/7)
•…• ولكن الذين استغلوا هذا الوضع ليطلقوا دعوتهم لم يكن همهم الحقيقي رفع الظلم عن المرأة،إنما كان رائدهم الأول هو تحطيم الإسلام، وإخراج المرأة فتنة متبرجة في الطريق لإفساد المجتمع الإسلامي.. ولم تكن الفوضى الخلقية التي عمت المجتمع فيما بعد مفاجئة لهم، ولاشيء مستنكرا من جانبهم يشعرهم بالندم على ما قدمت أيديهم.. بل كانت شيئا محسوبا ومتوقعا ومرغوبا بالنسبة إليهم، وقد كانوا يرون تجربة الغرب ماثلة أمام أعينهم، ويعرفون ما يؤول إليه الأمر في المجتمع المسلم حين يتجه الوجهة ذاتها، ويسير على الخطوات ذاتها.
•…• ولا ينفي هذا بطبيعة الحال وجود مخدوعين مستغفلين يتلقفون الدعوة بإخلاص.. ولكنه إخلاص لا ينفي الغفلة! وهم بغفلتهم- أدوات معينة للشياطين، يستغلون موقفهم لتقوية دعوتهم، لأن الناس ترى إخلاصهم فتظن أنهم على خير فيتبعونهم، فيتم ما أراد الشياطين!
•…• وقد كان هناك بديل ثالث للمصلح المخلص، الذي يريد الله ورسوله، ويريد تصحيح الأوضاع في المجتمع المنحرف، ورفع الظلم عن المظلومين، وهو الدعوة- والجهاد- لإعادة المجتمع ا لإسلامي إلى صورته الصحيحة التي ينبغي أن يكون عليها. ولكن أحدا من المصلحين، القائمين يومئذ لم يدع إلى ذلك البديل الثالث.
وظل الخيار المعروض دائما هو إما الإبقاء على الأوضاع السيئة المتخلفة الجامدة الظالمة، وإما محو الإسلام ونبذه والانسلاخ منه، والاتجاه إلى أوروبا من أجل التقدم والتحضر والرقي.. بل إنه حين جاءت الدعوة إلى البديل الثالث في موعدها المقدور عند الله، وجدت أبشع الاضطهاد والتنكيل من الحكام، ووجدت الإعراض العنيف والمعارضة من المصلحين! مما يكشف عن الاتجاه الحقيقي لحركات [الإصلاح] التي قيمت في المجتمع الإسلامي، وأن هدفها لم يكن الإصلاح حقا، بقدر ما كان لو تحطيم الإسلام أولا.. وليكن بعد ذلك ما يكون!
•…• سقط الحجاب تدريجيا عن طريق [بنات المدارس]!
أو لم تقرر المؤتمرات التبشيرية في مخططاتها ضد الإسلام ضرورة العمل على تعليم المرأة المسلمة وتحريرها؟!
وفي مبدأ الأمر لم يكن التبرج والتهتك هو طابع بنات المدارس، بل لم يكن مقبولا أصلا في المدارس!
والحكمة في ذلك واضحة بطبيعة الحال! فلا المجتمع في ذات الوقت كان يسمح، ولا كشف الخطة كاملة منذ اللحظة الأولى كان يمكن من تنفيذها، بل كان قمينا بالقضاء عليها في مهدها!
•…• لو خرجت بنات المدارس عن تقاليد المجتمع المسلم دفعة واحدة ومن أول لحظة، هل كان يمكن أن يقبل أحد من أولياء الأمور أن يرسل بنته إلى المدرسة لتتعلم؟
كلا بالطبع!
إنما لابد من طمأنة أولياء الأمور تماما، حتى يسمحوا بإرسال بناتهم إلى المدارس. ولتكن الخطة على الأسلوب المتبع في عملية التحويل كلها: [بطيء ولكنه أكيد المفعول] ![منعا لإثارة الشكوك]!
بالتدريج..
الشعر في مبدأ الأمر مغطى بقبعة.. وتتدلى من الخلف ضفيرتان تربطهما شريطة من القماش. الضفيرتان مكشوفتان، أما الرأس فتخفيه القبعة! والوجه سافر.. نعم.. ولكن.. صغيرات يا أخي! لا بأس!
إن لهذا الأمر دلالته ولا شك..
نعم، كانت هناك جهود شيطانية لإفساد المجتمع المصري بالذات، لتصدير الفساد منه إلى بقية المجتمع الإسلامي، كما مر القول،وشاركت في هذه الجهود كل الوسائل الممكنة من صحافة وإذاعة وسينما ومسرح.. إلخ. وكان التركيز عنيفا والوسائل فعالة.. ولكن هل يكفي ذلك كله لتفسير ما حدث؟!
•…• لبيان ذلك نقول: إن كل هذه الوسائل لا تزال مستخدمة حتى هذه اللحظة، وبعنف أشد مما كان قبل خمسين عاما دون شك، وقد أحدثت هذه الوسائل في خلال ما يزيد على نصف قرن تيارا هائلا نافرا من الإسلام منسلخا منه.. ومع ذلك توجد اليوم فتيات محجبات، جامعيات مثقفات، لا يتنازلن عن حجابهن ولو دخلن من أجله السجون والمعتقلات. فما الفرق؟!
•…• بعبارة أخرى نسأل: هل كان الحجاب الذي سقط عقيدة أم هو تقاليد؟! والأخلاق التي سقطت.. هل كانت ذات رصيد إيماني حقيقي أم كانت تقاليد؟!
والرجل الذي ثار يوم كشف [بنات المدارس] عن وجوههن.. هل ثار للعقيدة أم ثار للتقاليد؟!
والرجل الذي ثار يوم نزلت المرأة إلى الشارع لتعمل.. هل كانت ثورته نابعة من عقيدة حقيقية، دينية أو غير دينية، أم كانت [عنجهية] الرجل هي المحرك، والمحافظة عليها هي الدافع إلى الثورة؟
•…• حين يكون الحجاب عقيدة فإنه لا يسقط.. مهما سلط عليه من أدوات التحطيم.
•…• وحين تكون الأخلاق ذات رصيد إيماني حقيقي، فليس من السهل أن تسقط- ولو سقطت عليها عوامل الإفساد- إلا بعد مقاومة شديدة وزمن مديد.
أما التقاليد الخاوية من الروح.. وأما العنجهية الفارغة.. فهي عرضة للسقوط إذا اشتد عليها الضغط، وقد كان الضغط عنيفاً بالفعل، بل كان شيطانيا لكل ما تحمله الكلمة من معان!
بدأت بنات المدارس يكشفن عن وجوههن ويسرن في الطريق على النحو الذي وصفناه، ولكن في ملابس طويلة تغطي الذراعين جميعا وتصل إلى القدمين، وفي أدب ظاهر و [استقامة] كاملة..
وهل كن يملكن غير ذلك؟!(58/8)
•…• إن الفتاة التي يحدثها شيطانها أن تلتفت فقط- يمنة أو يسرة- تضيع! تسقط في نظر المجتمع، وتكون عبرة لمن يعتبر! فمن التي في مبدأ الأمر تلتفت يمنة أو يسرة؟! إنما هو الأدب الكامل والانضباط الشديد!
•…• وحين افتتحت أول مدرسة ثانوية للبنات في القاهرة..[مدرسة السنية]كانت ناظرتها إنجليزية..وكانت [قمة]في المحافظة إلى حد التزمت! فهكذا ينبغي أن تكون الأمور في مبدأ الأمر!! حتى يكتب لهذه الخطوة الثبات في الأرض والتمكين، ويمكن مدها فيما بعد إلى آفاق جديدة! أما لو كشف المستور من أول لحظة فلن تدخل فتاة واحدة المدرسة الثانوية، ويبوء المخطط كله بالخسران!
•…• كانت هيئة التدريس نسوية خالصة، فيما عدا مدرس اللغة العربية لتعذر وجود مدرسات للغة العربية يومئذ. ولكنه كان يختار من الرجال المتقدمين في السن، المتزوجين، المشهود لهم حقا بالصلاح والتقوى، فهو بالفعل أب يرعى بناته، ويشعرن نحوه بما تشعر به الفتاة نحو أبيها الوقور، فتقدم له الاحترام والتوقير. وليس في المدرسة كلها رجل آخر إلا كاتب المدرسة، وهو منعزل عن المدرسة كلها في مكتب خاص لمقابلة أولياء الأمور، والقيام بالأمور الكتابية والحسابية للمدرسة وحارس الباب، وهو كذلك رجل وقور متقدم في العمر تقول له البنات [يا عم!] إذا حدث على الإطلاق أن وجهن له الكلام!
•…• وكانت الفتيات يحفرن إلى المدرسة في عربات مغطاة بالستائر، ويعدن إلى بيوتهن بالوسيلة نفسها. فأما إن كان أهل الفتاة لا يريدون أن يتحملوا نفقات العربة، فيأتي معها ولي أمرها يسلمها إلى المدرسة صباحا ويستلمها في نهاية اليوم المدرسي، لكي لا يتركها تسير وحدها في الطريق.
أي شيء يريد الآباء أكثر من ذلك؟!
بل إن [حضرة الناظرة] لهي أشد في تأديب البنات من أولياء أمورهن! إنجليزية يا أخي! الإنجليز حازمون في التربية! قل ما تشاء فيهم، ولكن في التربية..!
•…• وكانت المناهج في مدارس البنات رجالية في الحقيقة لأمر يراد فيما بعد.. ولكنها بعد مغطاة.. فالفتاة تدرس المناهج نفسها المقررة في المدارس الثانوية للبنين، ولكنها تدرس إلى جانبها مواد [نسوية] كالتدبير المنزلي ورعاية النشء.. وذلك للإيهام بأن المقصود من التعليم في هذه المدارس هو إعداد الفتاة لحياة الأسرة التي تنتظرها. إذ كانت أشد نقط المعارضة في تعليم البنات بعد المرحلة الابتدائية أن الدراسة الثانوية ستعطل الفتاة عن الزواج- وهي في سن الزواج- وتبعدها عن جو البيت الذي خلقت له، والذي ستقضي بقية حياتها فيه.
•…• فأما تعطيل الفتاة عن الزواج فقد واجهه أصحاب [القضية] بالمطالبة بإرجاء سن الزواج، وتحريم الزواج قبل سن السادسة عشرة (وصدر تشريع بذلك)، ومحاولة تزيين هذا التأخير بمختلف الحجج، حتى صار أمرا واقعا فيما بعد، لا عند السادسة عشرة؟ بل عند الثلاثين وما بعدها في بعض الأحيان!
•…• وأما إبعاد البنت عن جو البيت فقد واجهه أصحاب [القضية] بتلك الدروس المتناثرة في التدبير المنزلي ورعاية النشء، وفي مقابلها تزاد سنوات الدراسة الثانوية للبنات، فتصبح ست سنوات بدلاً من خمس للبنين.
•…• حتى إذا هدأت ثورة المعارضين، وصار التعليم الثانوي للبنات أمراً واقعا بعد المعارضة العنيدة التي كانت من قبل، أخذت هذه الدروس النسوية تتضاءل، حتى محيت في نهاية الأمر، وأصبح المنهج رجاليا خالصا في مدارس البنات.. وألغيت السنة السادسة، وأصبحت الفتاة تتخرج بعد خمس سنوات على المناهج ذاتها التي يتخرج عليها الفتى.. لتصبح للفتاه قضية جديدة.. قضية الدخول إلى الجامعة! ولكن.. لا نسبق خطى التاريخ!
•…• تعددت مدارس البنات الثانوية في القاهرة ثم في الإسكندرية ثم في غيرها من المدن.. وخفت قبضة الناظرة الإنجليزية فلم يعد يهمها إلا [النظام] الصارم في داخل المدرسة. أما [أخلاق] البنات فلم تعد تعيرها اهتماما، كما كانت من قبل. وجاءت بعدها ناظرات مصريات، أقل انضباطا من ناحية النظام، وأقل اهتماماً بقضايا الأخلاق.
وسارت الأمور فترة من الزمن سيرها الرتيب، وكثر الإقبال على مدارس البنات حتى ضاقت بهن، فقامت إلى جانبها مدارس أهلية تسير على المنهج ذاته، وتحقق الأهداف ذاتها. واطمأن الناس اليوم على بناتهم فلم يعودوا يصحبونهم في الذهاب والإياب.. وأصبحت أفواج البنات تذهب في الطرقات وحدها وتجيء.
•…• ولكن.. هل كان يمكن أن تستمر الأمور في داخل هذا النطاق المحدود؟!
يوجد دائما في كل مجتمع فتاة [جريئة] وفتى [جريء] يخرجون على تقاليد المجتمع ويتحللون منها..
وفي المجتمعات المتماسكة يكون نصيب هؤلاء هو الردع الفوري، الذي يمنع العدوى، ويقضى على الجرثومة قبل أن يستفحل أمرها. أما في المجتمعات المفككة فلا يحدث الردع المطلوب، أو لا يحدث بالقوة الحاسمة التي تؤتي أثرها، فتظل الجرثومة باقية، وتظل تنتشر حتى يحدث الوباء.
لذلك مدح الله خير أمة أخرجت للناس بقوله تعالى:{كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله}(58/9)
ولعن شر أمة أخرجت للناس بقوله تعالى:{لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داوود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون . كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون}.
•…• وفي المجتمعات التي تتحول فيها القيم والأخلاق إلى [تقاليد]خاوية من الروح، يحدث الإنكار، ويحدث الاحتجاج، ولكن لا يحدث الردع الحاسم الذي يقتل الجرثومة قبل أن تستفحل، فتبقى، ثم تنتشر في خطى بطيئة ولكنها أكيدة المفعول!
•…• وهذا هو الذي حدث في المجتمع المصري أمام الغزو الفكري الصليبي في القرن الرابع عشر الهجري، وفي المجتمع الإسلامي كله.. كانت هناك بقايا قيم وبقايا دين.. ولكنها كانت تقاليد خاوية من الروح، فلم تستطع أن تصمد طويلا أمام الغزو الكاسح، الذي يزين الفساد للناس باسم الرقي والحضارة والتقدم و[التحرر] من الرجعية والتحرر من الجمود.
•…• بدأت أول فتاة [جريئة] تلتفت برأسها حين يلقي إليها الفتى [الجريء] بألفاظ الغزل المستور أو المكشوف.
•…• وتسقط الفتاة الجريئة في نظر المجتمع من أجل هذه الالتفاتة، وتعتبر فتاة فاسدة الأخلاق، ولكنها لا تردع! ولا يردع الفتى الجريء الذي ألقى بألفاظ الغزل على قارعة الطريق.. فيتكرر النموذج من هنا وهناك.. وتتبلد أعصاب الناس على المنظر المكرور.. وتصبح ظاهرة [معاكسة][ بنات المدارس] ظاهرة مألوفة في المجتمع المصري، لا يتحرك لها أحد بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.. ويفرح الشياطين!
ورويدا رويدا تتغير ملابس بنات المدارس!
تقصر [المريلة] قليلا.. هل هناك مانع؟! الجورب يغطي ما كشفته [المريلة] فماذا يحدث؟!
ويقصر الكم قليلا.. هل هناك مانع؟! سنتيمترات قليلة لا تقدم ولا تؤخر.. ماذا يحدث؟! هل تخرب الدنيا إذا قصرت الأكمام قليلا أو قصر [الذيل]! لا تحبكوها أيها المتزمتون!
وتتبلد الأعصاب على المنظر المكرور، فتقصر الأكمام بضعة سنتيمترات أخرى، أو يقصر الذيل، أو يقصر الجورب.. وينكشف من المرأة ما أمر الله بستره بالمقدار نفسه!
•…• أف لكم أيها المتزمتون، تفتأون تذكرون الأخلاق وتنادون بالويل والثبور! ماذا حدث للأخلاق حين تراجعت الملابس بضعة سنتيمترات؟ هل تقاس الأخلاق بالسنتيمتر أيها الجامدون؟ الأخلاق قيم !!! ! والقيم محلها القلب (!!) وما دامت الفتاة [مقتنعة] بالقيم في داخل نفسها فلن تفسد ولو سارت عارية في الطريق.
•…• وحين تكثر الفتيات في الشوارع، حاسرات مقصرات، سواء من بنات المدارس الثانوية أو مدارس المعلمات، أو من خريجات المدارس الأخيرة اللواتي صرن معلمات، وصارت لهن رواتب خاصة يستطعن الإنفاق منها على حوائجهن.
عند ذلك تبدأ [الموديلات] في الظهور.. وتصبح هناك صحافة نسوية تتخصص في عرض [المودات] أو ركن في المجلات والصحف العامة يسمى [ركن المرأة] يقدم النصائح ويقدم [المودات].
فأما النصائح فتبدأ في غاية [العفة] وفي غاية الاتزان!
•…• كيف تحافظين على محبة زوجك؟!
وهل يكره الإسلام أن تتحبب المرأة إلى زوجها وتتجمل له وتتزين؟!
نحن فقط نقدم النصيحة مصورة! لأننا في زمن الصحافة المصورة التي توضح كل شيء بالرسم!!
وحين تستقر هذه الخطوة نتقدم خطوة أخرى إلى [الأمامٍ]! تمهيدا التحرير، المرأة من قيد آخر من قيود الدين والأخلاق والتقاليد!
لقد كان الزوج في المرحلة الأولى هو [المحلل]..
وانتهت مهمته فلنكن الآن صرحاء!
كيف تجذبين انتباه الرجل؟!
نعم! وماذا فيها؟!
ألا تتزين ليقع في شباكها [ابن الحلال]؟!
فإن لم يقع [ابن الحلال] فمزيدا من التزين..
هذا فستان يكشف [مفاتن الصدر] وهذا يكشف [مفاتن الظهر] وهذا يكشف [مفاتن الساقين]!.
وتتطور [المودة] العالمية وتتطور، حتى تكشف مفاتن الجسم كله بجميع أجزائه، وتتبعها الصحافة المصرية شبرا بشبر وذراعا بذراع. ((حتى إن دخلوا جحر ضب دخلتموه ))!.
•…• وجاء دور الجامعة كنتم أيها المتزمتون تعارضون في تعليم المرأة حتى في المرحلة الابتدائية! وكنتم تقولون إنها لا تصلح إلا للبيت، وليست لديها القدرة على التعليم.. واليوم تتحداكم الفتاة المتعلمة! هاهي ذي قد تعلمت على المناهج ذاتها التي يتعلم عليها الفتى، ووصلت إلى المرحلة الثانوية. وهي لم تلحق به فحسب، بل تفوقت عليه في كثير من الأحيان!.
•…• والآن صار من حقها أن تدخل الجامعة.. فماذا أنتم قائلون أيها الرجعيون؟! ودارت معركة طويلة بين المدافعين والمعارضين كتلك التي قامت في أوروبا من قبل...وقال المدافعون: إنه الدور نفسه! إن المرأة قضيتها واحدة في كل بلاد العالم. وستسير في الخطوات نفسها. ونتيجتها في النهاية واحدة.. هي النتيجة التي وصلت إليها أوروبا، التي سبقت العالم كله بقرن من الزمن أو أكثر، وخاضت المرأة فيها المعركة ذاتها، وخرجت منها منتصرة في النهاية. وفي ظاهر الأمر كان الذي يقوله المدافعون أمرا واقعا في كثير من بلاد الأرض. ولكنهم كانوا غافلين عن أمور..(58/10)
كانوا غافلين أولا عن أن القضية لم تأخذ شكلا واحدا في كل الأرض بسبب طبيعتها الخاصة كما توهموا، ولكن لأن الأجهزة العالمية التي تدير القضية لحسابها الخاص قد جعلتها تأخذ هذه الصورة لأمر تريده. وكانوا غافلين ثانيا عن أن قضية المرأة المسلمة ليست هي قضية [أختها] الأوروبية! [فأختها] الأوروبية- ولا أخوة في الحقيقة لأن المسلمة لا تؤاخي المشركة- قد صارت لها قضية لأنه ليس لمجتمعها منهج رباني يسير عليه، إنما يشرع فيه البشر لأنفسهم، فيظلمون أنفسهم ويظلمون غيرهم. وقد وقع الظلم هناك من تشريع- أو عرف- وضعه الشر، ثم اختاروا- أو اختار لهم الشياطين في الحقيقة- حلا ساروا فيه حتى أوصلهم في النهاية إلى الخبال، من تفكك الأسرة، وتحلل المجتمع، وشقاء الرجل والمرأة كليهما، وتشرد الأطفال، وجنوح الأحداث، وانتشار الشذوذ، والأمراض النفسية والعصبية والقلق والجنون والانتحار والخمر والمخدرات والجريمة.
•…• أما المرأة المسلمة فقضيتها أن الظلم قد وقع عليها من مخالفة المنهج الرباني الذي التزم به مجتمعها عميدة ولم يلتزم به عملا، وارتد في هذه النقطة بالذات إلى أعراف الجاهلية الفاسدة.
وقد يكون الظلم واحدا أو متشابهاً، ولكن العلاج يختلف لاختلاف الأسباب.
•…• فعلاج القضية بالنسبة للمرأة المسلمة هو الرجوع إلى المنهج الرباني الصحيح، والالتزام به عقيدة وعملا. وليس علاجه هو اتباع الخطوات التي سارت فيها القضية في الغرب، فخرجت من تخبط إلى تخبط ولا تزال..
•…• وحقيقة إن المنهج الرباني هو العلاج لكل مشكلات البشرية، ولو آمنت به أوروبا ونفذته كلت كل مشكلاتها. ولكن الذين ينفذونه بالفعل. أو المفروض أن ينفذوه- هم الذين التزموا به فعلاً- أي المسلمون- فإذا حادوا عنه فإن مهمة [المصلحين] هي تذكيرهم به، ودعوتهم إلى العودة إليه ليطيقوه في عالم الواقع، فتنحل مشكلاتهم ويصلح حالهم.
أما اتباع أوروبا،وسير المرأة المسلمة في الخطوات ذاتها التي سارت فيها[أختها]الأوروبية فلن يحل مشكلتها،كما لم يحل مشكلة[أختها] ، وسيصل بها وبمجتمعها- وقد وصل بالفعل- إلى المصير البائس ذاته الذي وصل إليه مجتمع [أختها] من قبل.
•…• ولكن المدافعين- يومئذ لم يكونوا يفقهون شيئا من ذلك كله.. وهم يومئذ أحد فريقين: فريق يعلم جيدا أن الطريق الذي تسير فيه [القضية] سيؤدي إلى انحلال أخلاق المجتمع وتفككه كما حدث في أوروبا، وهو يريد ذلك ويسعى إليه جاهدا لأنه من {الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا }.
وفريق آخر مخدوع مستغفل لأنه مستعبد للغرب، لا يرى إلا ما يراه الغرب، ويظن- في غفلته وعبوديته- أن سيده دائما على صواب!
وهذا وذاك مسخران معا لخدمة الصليبية في المجتمع الإسلامي، وخدمة اليهودية العالمية كذلك .
وقال هذا وذاك إن [قضية المرأة] تستلزم أن تدخل الفتاة الجامعة لتؤدي [رسالتها] على الوجه الأكمل!
وقضية التعليم- الجامعي أو غير الجامعي- ليست هي القضية بالنسبة للمرأة المسلمة، فلن يمنعها الإسلام من طلب العلم، وهو الذي يدعوها إليه بل يفرضه عليها. ولكن الإسلام يشترط في تعليمها- وفي نشاطها كله- شرطين اثنين: أن تحافظ على دينها وأخلاقها، وأن تحافظ على وظيفتها الأولى التي خلقها الله من أجلها، وهي رعاية الأسرة وتنشئة الأجيال. وفي حدود هذين الشرطين تتحرك حركتها كلها، وهي حدود واسعة سل عنها الصحابيات الجليلات رضوان الله عليهن.
ولكن عباد الغرب وشياطينه لم يكونوا يريدون شيئا من ذلك بطبيعة الحال وهم يطالبون للفتاة المسلمة بالتعليم الجامعي وما تبع ذلك من [قضايا]!
•…• فأما الشياطين فإنهم ما جاءوا يبتغون الإصلاح.. إنما جاءوا للتخريب بادي ذي بدء.
•…• وأما العباب فليس لهم إلا طريق واحد، لا يرود غيره، ولا يستطيعون رؤية غيره، لأنهم عبيد. والعبد لا يرى إلا ما يراه سيده له، بل يعتقد في دخيلة نفسه أن مجرد اتجاه فكره إلى شيء غير ما يراه السيد هو إثم غير مغفور!
•…• دارت المعركة، وطالب المدافعون عن قضية المرأة أن يسمح لها بدخول الجامعة أسوة بالرجل ومساواة له.
وقال المعارضون: إن الفتاة لا تصلح للتعليم الجامعي أصلا لأنه لا يناسب طبيعتها، وسيؤثر على أنوثتها، فضلا عن أنه سيشغلها عن الزواج ويعطلها عنه عدة سنوات، وسيصرفها عن الأسرة والبيت- مهمتها الأصلية- وفوق ذلك كله فهناك مشكلة الاختلاط الذي لابد أن يحدث في الجامعة، وهو أمر يخالف الدين والأخلاق والتقاليد.
واستغرقت المعركة ردحاً من الزمن غير قليل. وتقاذف الفريقان الاتهامات الحادة، وضاعت حقائق كثيرة في وسط المعركة كانت على الأقل تستحق دراسة متأنية ليتخذ فيها القرار على بصيرة.فأما المدافعون فالمسألة عندهم منتهية لا حاجة فيها إلى التوقف والدرس. فهم مدفوعون دفعا- بوعي منهم أو بغير وعي- إلى تخريب المجتمع الإسلامي وتدميره، بل مدفوعون دفعا إلى استخدام [قضية المرأة] بالذات لإحداث هذا التدمير.
•…• وأما المعارضون فمن أي منطلق ينطلقون؟(58/11)
كان ظاهر الأمر أنهم ينطلقون من منطلق إسلامي.. وقد كثر في كلامهم بالفعل ذكر الدين والأخلاق والتقاليد.. ولكن هل كانوا على وعي حقيقي بالإسلام؟
لقد كان وعيهم به ضئيلا في الحقيقة.. وكان إخلاصهم للتقاليد أعمق في حسهم من الإخلاص للدين! أو قل: إن التقاليد التي كانوا يحرصون عليها ويدافعون عنها كانت مختلطة في حسهم بالدين، ومن ثم كان يختلط عليهم الإخلاص للتقاليد بالإخلاص للدين!
ولكنها لم تكن في الحقيقة تقاليد إسلامية.. إنما كانت تقاليد جاهلية ارتدت إليها المرأة المسلمة في فترة تخلفها العقدي، ثم اختلطت في حسها بالإسلام، وظن المدافعون عنها بإخلاص أنهم يدافعون عن الدين! وكانت عنجهية الرجل ولا شك عنصراً من عناصر القضية..
كان يحب أن يتميز وينفرد بأشياء، سواء كانت مما ميزه الله به حقيقة أو مما ميزته به الجاهلية، ويختلط الأمران معا في حسه، فيعتقد أنهما- كليهما - من صميم الدين، وأنه حين يدافع عن مركزه المتميز، ويدفع المرأة عن اللحاق به، يدافع عن الدين!
ولم يفت المدافعين عن [قضية المرأة ] أن يستغلوا نقطة الضعف هذه في موقف المعارضين، وأن يستغلوها إلى آخر المدى.. فدعوا إلى إخراج الدين كله من القضية، والحديث عنها على أنها قضية تقاليد.. وحين تكون على هذه الصورة، فهي إذن تقاليد عتيقة بالية، ينبغي أن تحطم ويستبدل بها تقاليد جديدة.. عصرية تقدمية متطورة.
وبطبيعة الحال لم يرض المتدينون والحريصون على الأخلاق عن حصر القضية في محيط التقاليد وإخراجها من دائرة الدين، كما كان أعداؤهم يدعونهم كلما احتدمت المعركة بقولهم: لا تزجوا بالدين في كل الأمور! فالدين لا علاقة له بهذه الأمور!!
ولكنهم في النهاية انهزموا وتراجعوا.. ثم صمتوا.. وتقرر الأمر الذي خطط له المخططون، فأصبح [أمرا واقعا] رضي المتدينون أو كرهوا، وأعلنوا رأيهم أو صمتوا عنه.لماذا حدث ذلك؟!
لم يكن [التطور العالمي] كما توهم المتوهمون. ولم يكن ضغط الحضارة الغربية. ولم يكن [الحق] الذي كان مغلوبا، ثم انتصر كما أذاع المدافعون عن قضية المرأة. ولم تكن [طبيعة القضية] وكونها قضية عالمية لابد أن تأخذ مجراها في كل الأرض.. بل لم يكن الغزو الفكري في ذاته هو الذي جعل الأمور تأخذ هذه الصورة.
إنما كان قبل كل شيء: الهزيمة الداخلية الناشئة من الخواء الناجم بدوره عن التخلف العقدي، والانبهار بما عند الغرب، والظن بأنه لابد أن يكون صوابا ما دام آتيا من عند الأقوياء الغالبين!
نعم، إنها الهزيمة الروحية هي التي مكنت للغزو الفكري، وهي التي جعلت كل ما يخططه المخططون ينفذ كأنه أمر حتمي لا مرد له، ولا طاقة لأحد بالوقوف في طريقه!
وما كان شيء من ذلك ليحدث لو أن المسلمين كانوا على إسلام صحيح.
•…• فالعقيدة الحية المتمكنة من القلوب لا تقهر، ولا يتخلى عنها أصحابها مهما وقع عليهم من الضغوط.
•…• والاستعلاء بالإيمان يقي الناس من الذوبان في عدوهم ولو انهزموا أمامه في المعركة الحربية.
والغنى النفسي الذي يحدثه الإيمان الحق بالله، والغنى الواقعي الذي يحدثه التطبيق الصحيح للمنهج الرباني، يجعل المسلم- فردا وجماعة ومجتمعا ودولة- في غنى عن الاقتراض من عالم القيم والمبادئ- فضلا عن التسول!- وإذا احتاج لشيء من أمور الدنيا يفتقده عنده فإنه يأخذه في استعلاء المؤمن، ويطوعه لمنهجه الرباني، ويصبح مالكا له لا مملوكا له.
•…• وما كان الغزو الفكري ليتسرب إلى نفوس المسلمين- لو كانوا على إسلام صحيح- ولا إلى عقولهم وأفكارهم ومشاعرهم، حتى يزيلهم عن قاعدتهم، ويجرفهم في التيار.. غثاء كغثاء السيل، كما وصفهم رسول ا صلى الله عليه وسلم قبل أربعة عشر قرنا من الزمان.
•…• وما كان ضغط الحضارة الغربية ليجلي المسلمين عن مواقعهم، وهي حضارة زائفة ممسوخة في عالم القيم، على الرغم من كل التقدم العلمي والمادي والتكنولوجي الذي يشتمل عليه. وقد كان المسلمون قمينين أن يأخذوا كل التقدم العلمي والمادي والتكنولوجي الذي يحتاجون إليه- كما أخذوا من الروم والفرس أول مرة- دون أن يفقدوا إسلامهم، أو يتخلوا عن ذاتيتهم، أو تختلط القيم والموازين في حسهم.(58/12)
•…• وما كان [التطور العالمي] ليغلب المسلمين على أمرهم.. فهو ليس [حتمية] حقيقية كما خيل اليهود للبشرية ليدفعوها في المسار الذي جرفوها إليه. إنما انجرفت أوروبا في تيار التطور اليهودي لخوائها من العقيدة الصحيحة، ولأن عقيدتها الممسوخة لم تكن تصلح للحياة، ولا كانت تقدر على الصمود أمام كيد اليهود. ولكن المسلمين كانوا قمينين أن يصمدوا ولا ينهزموا أمام [التطور] المزعوم، الذي انتكس فيه [الإنسان] أكبر نكسة وقع فيها في تاريخه كله، في مجال القيم والأخلاق والمبادئ؛ بل في مجال [إنسانية الإنسان]ذاتها، بالرغم من البريق الخاطف، وعلى الرغم من كثرة ما قيل في هذا العصر عن [إنسانية الإنسان] ..! كان المسلمون قمينين أن يصمدوا ولا ينهزموا لأنهم يملكون العقيدة الصحيحة من جهة؛ ولأنهم هم المؤهلون أن يقفوا للكيد اليهودي من جهة أخرى، لأن الله وعدهم بالنجاة من ذلك الكيد إن استقاموا على الشرط: {وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا}.
بل كان المسلمون قمينين أن يصححوا أفكار البشرية الزائغة إزاء لوثة الداروينية، ولوثة التطور، ولوثة المادية، ولوثة التفسير الجنسي للسلوك البشري، والتفسير الآلي للحياة، ولوثة [التحرر] من كل القيم، ولوثة إخراج المرأة من بيتها ووظيفتها، لتكدح وتشقى من أجل لقمة العيش، وتتبذل وتفسد، وتفسد المجتمع كله معها في نهاية الأمر.
لو كانوا على إسلام صحيح!
•…• ولكنهم لم يكونوا.. فأصابهم ما أصابهم.. وبدلا من أن يصححوا للبشرية منهج حياتها، ويهدوها إلى المنهج الحق، تخلوا هم عن منهجهم الرباني، وراحوا يلهثون لهثا وراء الجاهلية الأوربية، ويستأذنونها في مذلة - أن تسمح لهم باللهث وراءها، ولا تحتقرهم ولا تستصغرهم إلى أن يتمكنوا من اللحاق بها في آخر الشوط!
وذلك هو التفسير الحقيقي لما حدث في قضية المرأة، وكل القضايا الأخرى التي ألمت بالمسلمين في أثناء [نهضتهم] المعاصرة.
•…• دخلت المرأة الجامعة لا [لتتعلم] فقط.. ولكن [لتتحرر]!
لتتحرر من الدين والأخلاق والتقاليد!!
فقد قيل لها- كما قيل للمرأة الأوروبية من قبل- إن التعليم..
والاختلاط.. والحرية.. و[التجربة] كلها [حقوق] للمرأة، كان الدين والأخلاق والتقاليد تمنعها من مزاولتها.. واليوم ينبغي أن تحطم الحواجز كلها لتحصل المرأة على مالها من حقوق.
وبطبيعة الحال لم تكن هناك طفرة.. إنما جاء كل شيء بالتدريج..
وما كان المخططون يتوقعون أن تحدث الطفرة- وإن تلهفت قلوبهم لمشاهدتها- ولا كان ذلك ممكنا في عالم الواقع.
•…• لقد دخلت أربع فتيات كلية الآداب في [الجامعة المصرية] مقتحمات كل الحواجز القائمة يومئذ، والمجتمع كله- بين مؤيد ومعارض- يرقب التجربة الجديدة، وما يمكن أن تسفر عنه.
وكان هناك- طبعا- قدر من الأدب، وقدر من الحياء، وقدر من الاحتشام، سواء من جانب الفتيات الأربع، أو من جانب الطلاب في مدرجات الجامعة وأفنيتها، والجو كله مملوء بالحذر والترقب.
ومع ذلك كله كتبت أمينة السعيد في مذكراتها التي نشرتها لها[الهلال]- وهي إحدى الفتيات الأربع اللواتي [اقتحمن] الحواجز، ليثبتن جدارة الفتاة المصرية بكذا وكذا مما أثبتن جدارتهن به!- كتبت تقول: إنه في الاختبار الشفوي في آخر العام كانت اللجنة- في اختبار اللغة الإنجليزية- مكونة من أستاذ إنجليزي وأستاذ مصري، وإن الأستاذ الإنجليزي ابتدرها في الاختبار بسؤالها عن رأيها في الحب!
تقول إنها من جانبها تلعثمت في بادئ الأمر. وإن الأستاذ المصري غضب حتى أحمر وجهه من الغضب، وغادر اللجنة، فقال لها الأستاذ الإنجليزي: لا عليك منه! استمري!
وتقول: إنها وجدت نفسها تنطلق في الحديث- عن الحب- بلا تلعثم ولا حياء! وهو المطلوب!
•…• لم تكن الجامعة المصرية- كما كانت جامعة القاهرة تسمى في ذلك الحين- قد أنشئت لترعى القيم الإسلامية، ولا لترعى تنشئة الشبان والفتيات تنشئة إسلامية.
إنما كانت قد أنشئت لتكون منبرا [حرا].. يهاجم منه الدين والأخلاق والتقاليد مهاجمة شفوية وعملية كلما أمكن، مع الحذر من الخروج السافر دفعة واحدة، حتى ترسخ أقدام الجامعة، وتصبح معلما ثابتاً من معالم الحياة المصرية.. فلا عليها بعد ذلك أن تفعل ما تشاء علانية بدون مواربة، فلن يصيبها يومئذ ما يقتلع جذورها بعد أن تثبت وتستقر.
كانت مدرسة المعلمين العليا- الدنلوبية- قد استنفذت أغراضها في تخريج المدرسين الذين سيوالون تعليم الأجيال فترة غير قصيرة من الزمن، يبثون فيهم ما بث فيهم من قبل من نفور من الدين وأهله، وانسلاخ من آدابه وقيمه، وعبودية مقنعة أو سافرة للغرب.
واليوم يراد توسيع الدائرة.. فالمدرسون مهمون نعم، ومطلوبون نعم، ولكن المدرس بطبيعة نشأته محدود الأفق، محصور في دائرته لا يغادرها، تتحول حياته بعد حين إلى رتابة مملة، فينغلق على نفسه، ويفقد حيويته وخصوبة فكره.. إلا النادر القليل.
ونريد اليوم أن يكون لدينا [مفكرون].. [أحرار] لينشروا[حرية الفكر] على مستوى المجتمع كله.. رجاله ونسائه وكل من فيه.(58/13)
ومدرسة المعلمين العليا بكل ما قدمت من [خدمات] عاجزة بطبيعة تكوينها عن أداء هذه المهمة الخطيرة. إنما الذي يقدر على ذلك هو الجامعة.
ومن هنا كانت الجامعة محددة الأهداف- عند مخططيها- من أول لحظة.
ولقد فرح الناس بها فرحا شديدا عند مولدها، وأقبل الشباب عليها بلهفة وتشوق، لأنها- في ظاهرها- كانت خطوة تعليمية وثقافية ضخمة، سدت ثغرة كانت موجودة في الحياة المصرية، بعد تجمد الأزهر، وانصراف الناس عنه، والعزلة التي فرضها عليه دنلوب.. ثم لأمر آخر كان يخالج تلك النفوس ويزيد من فرحتها: لقد صرنا الآن مثل أوربا.. صارت لدينا جامعة!
•…• ولم يكن كثيرون يتوقعون أن تصبح الجامعة منبرا لمهاجمة الإسلام، ولتخريج شباب يستخفون علانية بكل القيم الدينية، يستخفهم الغرور العلمي- أو الجهلي!- متكئين إلى أنهم [خريجوا الجامعة] أي [الطراز] الحديث!- فليس! لأحد أن يتصدى لهم أو يناقشهم أو يخطئهم.. وإلا فهو جاهل رجعي متخلف.. فهنا- في الجامعة- وهنا فقط، يوجد العلم الحق، والأفق الواسع، والفكر المتحرر، والنظرة التقدمية، والروح العلمية، وإرادة الحياة الحرة.. وفي كل مكان آخر- أيا يكن ذلك المكان- توجد الرجعية والجمود والتأخر، والعفن المنتن الذي خلفته عصور الانحطاط، والجهل الفاضح الذي يعيش في الظلمات، غير منفتح على تيار الحياة الحي.. ويكفي أهله سوءا وجهالة وتخلفا أنهم لا يعرفون [لغة أجنبية]!.
ولعل الناس فوجئوا- في أول الأمر- بالمستشرقين الذين يقدحون في الإسلام، ويشوهون صورته، ويهاجمونه جهرة، أساتذة في كلية الآداب يدرسون أفكارهم للطلاب، تحت إشراف طه حسين [عميد الأدب العربي] ورئيس قسم اللغة العربية يومئذ، ومن بينهم المستشرق اليهودي [مرجوليوث] الذي كان يقول: إن محمدا r مجهول النسب! فقد كانت العرب تطلق على من لا تعرف نسبه اسم عبد الله، ومن ثم فمحمد بن عبد ا صلى الله عليه وسلم هو ابن رجل مجهول النسب! وهي فرية لم يقلها أحد غيره من المستشرقين!.
•…• ولعلهم فوجئوا بطه حسين الذي قال في كتاب [الشعر الجاهلي]: لا للتوراة والإنجيل أن يحدثانا عن إبراهيم وإسماعيل، وللقرآن أن يحدثنا عنهما كذلك، ولكن هذا وذاك لا يثبت لهما وجوداً تاريخياً)) يصبح في مكان الصدارة في الجامعة الجديدة، ثم يقول في فترة لاحقة، في كتابه [مستقبل الثقافية في مصر]: إن مصر لم تكن قط جزءا من الشرق، وإنما كانت دائما جزءا من حوض البحر الأبيض المتوسط، وكل ما جاءها من الخير جاءها من حوض البحر الأبيض المتوسط، وكل ما جاءها من الشر جاءها من الشرق. ولعلهم فوجئوا بمن يقول: إن قصص القرآن الكريم قصص ((فني)).. يعني لا يتحدث عن حقائق تاريخية وأشخاص حقيقيين.. إنما هي قصص فنية، مبتدعة من الخيال لأغراض فنية!.
وفوجئوا.. وفوجئوا.. وفوجئوا.. وثارت ثائرة من ثار منهم.. ولكنها ثورة أضعف من أن تغير شيئا من الواقع. ومضى الواقع الجديد يثبت أركانه، يمد له المخططون من وراء الستار، وتتبلد عليه مشاعر الناس.. حتى جاء الوقت الذي أصبح [الناس] هم أنفسهم خريجي الجامعة (أو الجامعات فيما بعد).. فتجانست الأفكار والتصورات والدوافع وأنماط السلوك! ولم يعد شيء مما يجري في الجامعات يثير ما يسمى [الرأي العام]!
وإذا كانت كلية الآداب بالذات قد خصصت [لتفريخ] مثل هذه الأفكار والتصورات، وتخريج [مفكرين أحرار] يقومون [بواجبهم] في إزالة [العفن] و [النتن] من الأفكار والعقول، ليضعوا بدلا منها المفاهيم الغريبة عن الدين والأخلاق والتقاليد، ولينشئوا مجتمعا جديدا على هدى المخططين الذين يخططون من وراء الستار، قد تحرر أبناؤه وبناته وصاروا [طلقاء] يفعلون بالدين ما يراد منهم..
•…• فإن كلية الحقوق قد أنشئت لتخريج أجيال تدعو إلى القانون الوضعي- لأنه تخصصها الذي ربيت عليه، ولم تعلم غيره، فمن الطبيعي أن تتعصب له، وتعادي كل شيء غيره- وتبعد عن الأذهان نهائيا قضية تحكيم شريعة الله، لأنها غير واردة في أذهانهم أصلا.. ومن هؤلاء يكون رجال السياسة ورجال الحكم، والأسماء البارزة اللامعة في المجال الاجتماعي.
•…• أما الكليات العملية فهي تخرج الفنيين من أطباء ومهندسين وزراعيين وغيرهم.. ولكنها تخرجهم على الطريقة الغربية البحتة، أي [علمانيين] لا يطيقون الحديث في أمور الدين- فضلا عن أن يتدينوا هم أنفسهم- لأنهم طلاب [علم] والدين خرافة، ولأنهم [واقعيون] والدين أساطير، ولأنهم [عقول مفكرة] لا ينبغي لها أن تتدنى إلى مستوى العوام الذين لم يطلعوا على [الحقائق العلمية]. وفضلا عن ذلك فإنهم أيتميزون، عن أمثالهم من أ العلمانيين، في الغرب، بكونهم يحتقرون لغة بلادهم، لأنها لغة متخلفة لا تصلح للعلم، ويتحدثون- من ثم- بلغة السادة المتحضرين، ويرفضون أن ينظروا في أي كلام مكتوب بالعربية، لأن العربية أصلا هي لغة الجمود والتخلف، ولو كافي المكتوب بالعربية هو القرآن.. بل إن هذا الكتاب بالذات هو أشد ما ينفرون من قراءته أو النظر إليه!(58/14)
وهكذا تتواكب الكليات وتتواكب التخصصات.. لتخرج في النهاية الجيل المطلوب لأعداء الإسلام! الجيل المتجه بكليته إلى الغرب، النافر من [الرجوع] للإسلام.
•…• وكما كان من أهداف الجامعة تخريج الجيل الجديد من [الرجال المتحررين]- الذين أداروا ظهورهم للإسلام وولوا وجوههم شطر الغرب- سواء من كلية الآداب أو الحقوق أو الكليات العملية، فقد كان من أهدافها كذلك تخريج الجيل الجديد من [النساء المتحررات] اللواتي انسلخن من الدين والأخلاق والتقاليد.. فقد كانت [الفتاة الجامعية]..[المثقفة].. [المتحررة].. عنوانا للتغير المطلوب، ودافعا في الوقت ذاته إلى مزيد من [التحرر] المطلوب!
•…• ولكن هنا تأتي وسائل الإعلام الأخرى لتمد [قضية المرأة] باللهيب الدائم الذي لا يخبو أواره، حتى يتم المطلوب كله، وفي أقصى صورة ممكنة.
فلئن كان [اللهيب] قد ابتدأ- أو اشتعل- في مسرحية المظاهرة النسائية التي أحرقت الحجاب في ميدان الإسماعيلية أمام ثكنات الجيش الإنجليزي، فالصحافة المصرية- اللبنانية المسيحية المارونية- تواكب [القضية] وتدفعها دائما إلى الأمام.
•…• إن عدسة الصحافة تلاحق [الفتاة الجامعية] لترصد جميع تحركاتها.. وتختار- بطبيعة الحال- الوجوه الجميلة لتجعلها [إعلانا] عن القضية.. وتتنوع التعليقات، ولكنها كلها تبارك تلك الخطوة الجبارة التي خطتها الفتاة المصرية، والتي حطمت فيها القيود والحواجز، وأخرجت المرأة المصرية من سجن [التقاليد] المظلم، ومن عقلية القرون الوسطى المظلمة . لترى النور.. لتتحرر.. لتشارك في أمور المجتمع!
وفي ظل تلك التعليقات تسنح الفرصة وهي دائما سانحة لمهاجمة تلك [التقاليد]التي تجعل المرأة حبيسة البيت مستعبدة للرجل ناقصة الآدمية مهضومة الحقوق لا عمل لها إلا الحمل والولادة والرضاعة و[خدمة]الرجل وتربية الأولاد
•…• ولابد من وقفة هنا لبيان حقيقة، سبقت الإشارة إليها، ولكنها تحتاج إلى مزيد من الإيضاح.
إن المرأة كانت مظلومة بالفعل، وكانت تعامل معاملة سيئة بالفعل، وكانت تعير بأنها جاهلة، وبأن مهمتها هي أن تحمل وتلد ولا شأن لها بشيء آخر.. وكانت هذه نظرة [جاهلية] تسربت إلى المجتمع المسلم حتى تخلف عقديا، وفسد كثير من مفاهيمه الإسلامية، والجاهليات تجنح - غالبا- إلى تحقير المرأة وازدرائها،! لا أن تجنح- كالجاهلية الإغريقية الرومانية، ووريثتها الجاهلية المعاصرة- إلى تدليل المرأة!إفسادها خلقيا لتصبح مسرحا لشهوة الرجل.
وكان وضع المرأة في مصر- وفي العالم الإسلامي كله- في حاجة إلى تصحيح، لرد الكرامة الإنسانية إليها، ووضعها في المكانة اللائقة بها بوصفها [إنسانة] كرمها الله حين قرر الكرامة لكل بني آدم:{ولقد كرمنا بني آدم}وساواها في الإنسانية بالرجل حين قرر أنه {بعضكم من بعض}
وقرر لها احتراما وتوقيرا خاصا في وضع الأمومة من أجل ما تتكبده في الحمل والرضاعة: {حملته أمه كرها ووضعته كرها} وجعل الجنة تحت أقدامها على لسان رسول صلى الله عليه وسلم .
•…• وكان هذا الوضع المنحرف عن أوامر الإسلام وتوجيهاته هُو هو الذي فتح الثغرة للغزو الفكري، وهو هو الذي استغله الشياطين لينفذوا منه إلى المجتمع الإسلامي- في كل بلاد الإسلام- وينفذوا مخططاتهم فيه..
•…• ولو كان المجتمع الإسلامي يطبق الإسلام في صورته الصحيحة فمن أين كان ينفذ الشياطين؟
كانت أوروبا- في جاهليتها- ستصيح صيحتها، و[تحرر] نساءها من الدين والأخلاق والتقاليد، وتخرج المرأة هناك سافرة متبرجة عارية، وتملا الشوارع والمصانع والمكاتب والدواوين، وتغرق- هي والرجل- في علاقات دنسة، تدنس الجسد والروح، وتتفكك الأسرة، ويتشرد الأطفال، وتنتشر الجريمة والخمر والمخدرات والقلق والأمراض العصبية والنفسية والانتحار والجنون.. ويظل المجتمع الإسلامي في تماسكه، ورفعته ونظافته وتطهره، ينظر رجاله ونساؤه إلى كلك الجاهلية نظرة استنكار ونفور واستعلاء.
•…• وربما قال قائل: إن ما بدا اليوم من عوار الجاهلية المعاصرة لم يكن واضحا للعيان يوم بدأت[الحركة النسائية] في العالم الإسلامي، ومن ثم كان العالم الإسلامي عرضة للافتتان [بقضية المرأة] في وجهها [الإصلاحي]، قبل أن يظهر ما تحتويه في باطنها من الفساد.
•…• وهذا قول مردود..
ففي وقت مبكر نسبيا- عام 1929 م- كتب [ول ديورانت]، الكاتب الأمريكي، في كتابه [مباهج الفلسفة] هذه الكلمات:
((فحياة المدينة تفضي إلى مثبط عن الزواج، في الوقت الذي تقدم فيه إلى الناس كل باعث على الصلة الجنسية،. وكل سبيل يسهل أداءها. ولكن النمو الجنسي يتم مبكرا عما كان من قبل، كما يتأخر النمو الاقتصادي.. ولا مفر من أن يأخذ الجسم في الثورة، وأن تضعف القوة على ضبط النفس عما كان في الزمن القديم، وتصبح العمة التي كانت فضيلة موضعا للسخرية، ويختفي الحياء الذي كان يضفي على الجمال جمالا، ويفاخر الرجال بتعداد خطاياهم، وتطالب النساء بحقها في مغامرات غير محدودة على قدم المساواة مع الرجال، ويصبح الاتصال قبل الزواج أمرا مألوفاً، وتختفي البغايا من الشوارع بمنافسة الهاويات لا برقابة البوليس..،(58/15)
((.. وما يحدث من إباحة بعد الزواج فهو في الغالب ثمرة التعود قبله. وقد نحاول فهم العلل الحيوية والاجتماعية في هذه الصناعة المزدهرة، وقد نتجاوز عنها باعتبار أنها أمر لا مفر منه في عالم خلقه الإنسان. وهذا هو الرأي الشائع لمعظم المفكرين في الوقت الحاضر. غير أنه من المخجل أن نرضى في سرور عن صورة نصف مليون فتاة أمريكية يقدمن أنفسهن ضحايا على مذبح الإباحية وهي تعرض علينا في المسارح وكتب الأدب المكشوف، تلك التي تحاول كسب المال باستثارة الرغبة الجنسية في الرجال والنساء المحرومين- وهم في حمى الفوضى الصناعية- من حمى الزواج ورعايته للصحة )).
((... حتى إذا سئمت فتاة المدينة الانتظار، اندفعت بما لم يسبق له مثيل في تيار المغامرات الواهية. فهي واقعة تحت تأثير إغراء مخيف من الغزل والتسلية وهدايا من الجوارب وحفلات من الشمبانيا في نظير الاستمتاع بالمباهج الجنسية. وقد ترجع حرية سلوكها لي بعض الأحيان إلى انعكاس حريتها الاقتصادية، فلم تعد تعتمد على الرجل في معاشها. وقد لا يقبل الرجل على الزواج من امرأة برعت مثله في فنون الحب. فقدرتها على كسب دخل حسن هو الذي يجعل الزوج المنتظر مترددا، إذا كيف يمكن أن يكفي أجره المتواضع للإنفاق عليهما معا في مستواهما الحاضر من المعيشة؟ )).
((... ولندع غيرنا من الذين يعرفون يخبرونا عن نتائج تجاربنا.. أكبر الظن أنها لن تكون شيئا نرغب فيه أو نريده. فنحن غارقون في تيار من التغيير، سيحملنا بلا ريب إلى نهايات محتومة لا حيلة لنا في اختيارها. وأي شيء قد يحدث مع هذا الفيضان الجارف من العادات والتقاليد والنظم... )).
فإذا كان هذا قد كان واضحا عند رجل غير مسلم- بل رجل ملحد ساخر بكل القيم الدينية والأخلاقية- مثل ول ديورانت، قبل أكثر من نصف قرن من الزمان، فقد كان الأحرى أن يكون واضحا تماما عند المجتمع المسلم، الذي يهتدي ببصيرته الإيمانية، المستمدة من إيمانه بكتاب الله وسنة رسول صلى الله عليه وسلم ، والذي يرى حتمية السنن الربانية في الحياة البشرية حين يقدم الناس لها الأسباب، ويؤمن بالنتائج السيئة المترتبة على فساد الأخلاق في حياة الأمم وحياة الأفراد.
•…• ولكن القضية أن المجتمع الإسلامي كان بعيداً عن حقيقة الإسلام.
ومن هنا وجدت الثغرة التي ينفذ منها الشياطين.
وحين نفذوا فإنهم لم يقولوا إن المجتمع قد بعد عن الإسلام الصحيح وينبغي أن يعود إليه.. فما لهذا جاءوا، وما لهذا أطلقوا صيحاتهم! إنما هم كانوا يعملون- بجهدهم كله- ليخرجوا هذه الأمة من الإسلام، وليرسموا لها الطريق الذي يبعدها نهائيا عنه، ويمنعها- بكل سبيل- من العودة إليه.
•…• ولئن كانوا قد استخدموا الإسلام في بادئ حركتهم- كما استخدمه قاسم أمين وغيره- ليتترسوا به من قذائف المعارضين، الذين سيرمونهم- ولا شك- بالمروق من الدين، فإن هذه المرحلة سرعان ما استنفدت أغراضها، ووقفوا موقفهم الحقيقي من الإسلام، وهو موقف النبذ والمعارضة والهجوم، على مرحلتين متتابعتين- بحكم الظروف- الأولى هي مهاجمة [التقاليد].. والأخرى هي مهاجمة [الدين] باسمه الصريح. في مرحلة الهجوم الأولى هاجموا التقاليد التي كانت ظالمة بالفعل، من تأثير الردة الجاهلية التي كان المجتمع الإسلامي قد ارتد إليها نتيجة تخلفه العقدي، وعدم تطبيقه الإسلام على صورته الحقيقية، ولكنهم حرصوا على أن يدخلوا في دائرة الهجوم التقاليد الإسلامية الحقيقية التي قررها الله ورسوله، إلى جنب مع التقاليد الفاسدة، ويطلقوا عليها جميعا أنها تقاليد [بالية] ينبغي أن تحطم وأن تغير، كما حرصوا على أن يسموها كلها بأنها من تراث العصور الوسطى [المظلمة]، التي ينبغي لها أن تمحى من الوجود في العصر الحديث.. عصر النور.. والتحرر.. والانطلاق!
•…• وكان في هذا الهجوم- على هذا النحو- خبث ماكر ولا شك. فحقيقة إن كلا النوعين من التقاليد- الصحيح والفاسد- كان قائما في الحياة الإسلامية، بعضه إلى جانب بعض، ولكن كان من السهل- لو خلصت النيات- فرز هذه من تلك، والإبقاء على التقاليد الحقة، المستمدة بالفعل من كتاب الله وسنة رسول صلى الله عليه وسلم ، ومحاربة التقاليد الفاسدة، التي جاءت من الردة الجاهلية في شأن المرأة، حتى لو اقتضى الأمر خوض معركة مع المتمسكين بها، فإنما برز [العلماء] في حياة هذه الأمة بالمعارك الحادة التي خاضوها ضد انحرافات المجتمع، ولو كان المجتمع كله غارقا فيها، وتركوا بصماتهم الإصلاحية بمقدار ما بذلوا من جهد، وبمقدار ما كان هذا الجهد مخلصا متجردا لله.(58/16)
•…• لكن الخبثاء استغلوا ما غشي الإسلام من غبش في نفوس معتنقيه، فلم يعودوا يميزون بين الحق والباطل، واستغلوا بصفة خاصة جهالة [المثقفين]، فهاجموا الظلم البين الذي يأباه الله ورسوله، وأدخلوا معه تقاليد الإسلام الحقيقية على أنها من الظلم الذي ينبغي إزالته، وزعموا في بادئ الأمر- أنها ليست من الدين، إنما هي من وضع رجال متزمتين، اخترعوها من عند أنفسهم وألصقوها بالدين! حتى إذا زرعوا كرهها والنفور منها في قلوب أولئك [المثقفين]، وضمنوا لهذا النفور الثبات والرسولخ في قلوبهم، صارحوهم في المرحلة الأخيرة أنها من الدين! وقالوا لهم جهرة: إن [الدين]ذاته هو البلاء الذي ينبغي التخلص منه ونبذه وراء الظهور!
•…• هاجموا ترك المرأة جاهلة بلا تعليم.. وكان هذا بالفعل من التقاليد الفاسدة التي انزلق إليها المجتمع الإسلامي بعيدا عن تعاليم الإسلام.
•…• وهاجموا احتقارها وازدراءهما، وتعييرها بأنها تحمل وتلد ولا شأن لها بشيء آخر، وكان هذا بالفعل من التقاليد الفاسدة المضادة تماما لتعاليم الإسلام.
•…• وهاجموا تزويجها بغير إذنها وبغير رغبتها، وكان هذا كذلك من التقاليد الفاسدة المخالفة للنصوص الصريحة من أحاديث الرسو صلى الله عليه وسلم .
ولكنهم- إلى جانب ذلك- هاجموا حجابها، وهاجموا استقرارها في بيتها، وعدم خروجها إلا للضرورة، وصوروا ذلك بأنه سجن وضعها الرجل فيه أنانية منه وظلما، بينما هي أوامر صريحة من الله سبحانه وتعالى لأمهات المؤمنين ولنساء المؤمنين معهن. وطالبوا بخروجها إلى [المجتمع] سافرة [متحررة] بغير قيد، وهو أمر نهى الله عنه نهيا صريحا في آيات مبينات:
{وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى}.
{يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن}.
{وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن}.
•…• ولكن المهاجمين- في الجولة الأولى- خلطوا الحابل بالنابل- عن عمد- وجعلوا القضايا كلها تقاليد عتيقة بالية عفي عليها الزمن، ولم يعد يستساغ وجودها في عصر الحرية والنور!
أما في الجولة الثانية (وسيأتي الحديث عنها) فقد أصبح الدين ذاته هو الرجعية التي ينبغي أن ننبذها لنكون [تقدميين]!
•…• قلنا إن الصحافة- سواء اللبنانية المسيحية المارونية، أو المصرية الصميمة التي يشرف عليها من يحملون أسماء إسلامية- قد تابعت [قضية المرأة] باهتمام ملحوظ، وحرصت على تغذية المعركة بالوقود الدائم الذي لا يفتر، كما حرصت على متابعة[الفتاة الجامعية] وهي تشق طريقها [الصاعد] الذي تدوس فيه كل المقدسات لكي تصل إلى [النور]!
وكان من بين ما حرصت عليه تلك الصحافة- والمجلات الأسبوعية بصفة خاصة- إبراز [الروح الجامعية].
ولا يتبادر إلى ذهن أحد أن المقصود بالروح الجامعية هو روح البحث العلمي، والتعمق في أخذ الأمور، وعدم التسرع في إصدار الأحكام حتى يتثبت الباحث من أن لديه من الدلائل ما يسند الحكم الذي وصل إليه.. إلى آخر هذه المعاني التي تخطر على البال حين تذكر [الجامعة] وتذكر[الروح الجامعية].. والتي كان نصيب [الجامعيين] منها في غالبية الأحيان ضئيلا للغاية..! إنما [الروح الجامعية]- اعلم هداك الله- هي ممارسة الاختلاط في الجامعة بين البنين والبنات، ومقدار ما يقع في هذه الممارسة من تحرر وانطلاق، وانعتاق من سجن التقاليد البالية التي تفصل شقي المجتمع بعضهما عن بعض، وتضع بينهما الحواجز التي تعيق الأمة كلها عن التقدم والارتقاء..!
•…• وحذار أيتها الفتاة أن تنهزمي في المعركة! فالمجتمع كله ينظر إليك ويرقب نتيجة المعركة.
•…• حذار أن تغضي بصرك! فغض البصر معناه عدم الثقة بالنفس، وهو من مخلفات القرون الوسطى المظلمة، التي كانت تنظر إلى المرأة على أنها دون الرجل.. فتغض بصرها!
أما أنت يا حاملة الراية فارفعي رأسك عاليا، لتثبتي أنك مساوية للرجل في كل شيء، وأنك ند له في كل شيء.
شيئان ينبغي أن [تحرر] منهما الفتاة الجامعية.. غض البصر.. والحياء!
•…• وفتاة الجامعة ينبغي كذلك أن تكون رشيقة خفيفة الحركة! فإليك الأزياء.. انتقي منها ما يناسبك.. وما يظهر رشاقتك.. وأظهري من [زينتك] بقدر طاقتك!
لا حرج عليك.. ماذا تخشين؟!
أتخشين الدين؟ والأخلاق؟ والتقاليد؟
تعالي معا نحطم الدين والأخلاق والتقاليد، التي تريد أن تكبلك في حركتك فلا تكوني رشيقة كما ينبغي لك!
وينبغي كذلك أن تكوني جذابة!
فهكذا المرأة[المتحررة] من صفاتها أن تكون جذابة.. في مشيتها..في حركتها.. في حديثها!
ألا ترغبين أن [ينجذب] إليك فتى الأحلام.. شريك المستقبل؟!
إن لم ينجذب هذا، فلينجذب غيره.. المهم أن يكون هناك دائما من يتطلع إليك.. ويعجب بك.. ويرغب فيك!
وبدأت[الفتاة الجامعية]تتخلع في مشيتها وتتكسر، وتتخلع في حديثها وتتكسر، وأصبح هذا عنوان[المرأة الحديثة]أو[المرأة المتحررة] التي تملأ الشارع، فيعج الشارع بالفتنة الهائجة التي لا تهدأ ولا تستقر.. وهو المطلوب!(58/17)
أما البيت.. فآخر ما تفكر فيه الفتاة الجامعية..
لقد نعت لها بكل نعت مقزز منفر.. حتى أصبح البقاء فيه هو المعرة التي لا تطيق فتاة جامعية أن تلصق بها..
البيت هو السجن.. هو الضيق.. هو الظلام.. هو التأخر.. هو..الرجعية.. هو [عصر الحريم].. هو التقاليد البالية.. هو القرون الوسطى المظلمة.. هو دكتاتورية الرجل.. هو شل المجتمع عن الحركة، ودفعه إلى الوراء..!
إنما تتعلم الفتاة الجامعية لتعمل.. لا لتبقى في البيت كما كانت تصنع جدتها الجاهلة المتأخرة الرجعية القابعة في سجن التقاليد.. المستعبدة للرجل..
وحين تعمل تنمى شخصيتها.. تصبح إنسانة ناضجة!
أما حين تبقى في البيت.. فلأي شيء تبقى؟! لتطبخ وتغسل.. يا للعار!! أو تحمل وتلد وترضع.. إن هذا الأمر- حتى لو حدث- لا ينبغي
حتى أن يمنعها من العمل. فالمرأة [الحديثة] قد تغلبت على هذه المشكلة، ونسقت بين حياتها الزوجية وبين العمل، فلم يعد شيء يعوقها عن العمل بعد الزواج.. أما قبل الزواج فالعمل، ولا شيء غير العمل!
•…• ولسنا هنا نناقش هذه اللوثة.. ولا الآثار التي ترتبت على [ترجيل المرأة]في أوربا وإفساد فطرتها، وتنفيرها من أن تكون على فطرتها التي فطرها الله عليها، ودفعها دفعا إلى التنصل من كل ما يتعلق بأنوثتها من قيم وممارسات (وتركيز الأنوثة كلها في لحظة الجنس الدنسة المسعورة) ودفعها إلى التشبه بالرجل، وتعليمها على مناهج الرجل، وتوجيه مشاعرها إلى العمل لا إلى البيت!
لا نناقش هنا هذه اللوثة.. ويكفينا أن نشير إلى أن المرأة الأوروبية نفسها قد بدأت تتعب من لوثتها، وتحن إلى العودة إلى بيتها وفطرتها وبدأت تدرك أن اللعبة كلها لم تكن لصالحها...
إنما نتتبع فقط- في بلادنا- خط إخراج الأمة الإسلامية من الإسلام.. وتركيز المخططين على [قضية المرأة]،لعلمهم أنها من أفعل الوسائل في الوصول إلى الهدف المطلوب.
•…• لم تكن الصحافة وحدها هي التي تعمل.. وإن كانت من أهم الأدوات.. إنما القصة والمسرحية والسينما والإذاعة..كلها أدوات.
فأما القصة والمسرحية فقد بدأتا- كما كان متوقعا- بالترجمة، وانتهتا بالتأليف. وأما السينما فقد ظلت أجنبية فترة غير قصيرة من الوقت، قام ناس فقالوا: إن من العار علينا ألا تكون لنا سينما وأفلام [وطنية] أي متكلمة باللغة العربية (نقصد العامية) فقامت [الجهود] وتكاتفت حتى برزت تلك الأفلام إلى الوجود.
•…• فأما الإذاعة فقد جاءت متأخرة نوعا ما.. ولكنها سرعان ما لحقت الركب وشاركت في الموكب [الكبير]..
•…• لقد تكاتفت الأدوات كلها للوصول في النهاية إلى هدف واحد.. صرف هذه الأمة عن دينها وأخلاقها وتقاليدها. وإنشاء مجتمع [جديد] لا يحفل شيئا بالقيم الدينية، لا يجعلها نصب عينيه، ولا يستمد منها منهج حياته، ولا يلجأ إليها في تكوين أفكاره ولا اهتماماته ولا عاداته ولا أنماط سلوكه. لا بل إن ذكرها- في أي وقت- فهو ذكر السخرية والاستهزاء والاستخفاف. ولا نحتاج هنا أن نتحدث عن هذه الوسائل (خاصة بعد أن أضيف إليها التليفزيون والفيديو) وعن آثارها المدمرة في حياة الأمة، فهذا واقع مشهود، يشهده الناس كل يوم وكل لحظة، ويرون بأعينهم آثاره في أولادهم وبناتهم، ويرون بأعينهم كيف يعجزون عن صد آثاره المتلفة، ووقاية أولادهم وبناتهم من تلك الآثار.
إنما نذكر فقط [عينات] سريعة قد تعين في تصور التخطيط الذي يكمن وراء التنفيذ.
•…• كتبت [روز اليوسف] في مذكراتها- وكانت تقوم بالتمثيل على المسرح قبل اشتغالها بالصحافة وإصدار مجلتها التي تحمل اسمها- كتبت تقول: إنها طلبت إعانة لمسرحها من الحكومة، وكانت مصر إذ ذاك خاضعة للنفوذ البريطاني المباشر، فنصحها المندوب السامي البريطاني (وهو الحاكم الحقيقي في مصر في ذلك الحين) أن تذهب إلى الريف، وتعرض مسرحيتها هناك، فإن فعلت ذلك نالت الإعانة في الحال!.
والهدف واضح..
فالريف المصري في ذلك الوقت [مسلم] في عمومه، محافظ على بقايا من الدين والأخلاق، ومحافظ بشدة على [التقاليد] المستمدة من الإسلام (بصرف النظر عما غشاها في بعض الجوانب من الانحرافات) ومن أشد ما يحافظ عليه الريف من التقاليد- وفي الصعيد خاصة- قضية الحجاب وقضية العفة وقضية العرض.. وقضية صيانة المرأة بصفة عامة من التبذل والانحلال والانفلات!.وبقاء الريف على هذه الصورة عقبة ولا شك أمام المخططين، فالريف هو معظم مصر. ولن يؤتى المخطط ثماره كاملة إن فسدت العاصمة وحدها، وبقي الريف سليما حتى ولو في محيط التقاليد.. فإن هذا يطيل الأمر على المخططين، ويستنفذ من وقتهم وجهدهم شيئاً غير قليل (لم تكن الإذاعة قد أنشئت بعد، ولا التليفزيون بطبيعة الحال)فمن هنا يوجه المندوب السامي البريطاني [روز اليوسف]-وهو أعلم بحقيقتها، وحقيقة دورها- أن تذهب إلى الريف، لعل مسرحها ومسرحياتها أن تزحزحه قليلا عن تقاليده الصامدة، فيأخذ في حالة [الذوبان].. فتنفرج الأمور.(58/18)
•…• نجيب الريحاني ممثل فكاهي موهوب، وصاحب [مدرسة] في الثمثيل كما يقول نقاد المسرح. ولكنه صليبي لا ينسى صليبيته، هان غلفها [بالفن].. بل هي عن طريق أ الفن، تبلغ مداها الخبيث دون أن يحس الناس بالأمر، لأنهم مشدودون إلى البراعة الفنية المؤثرة، فيتلقون التأثير الخفي وهم في نشوة الإعجاب. فينساقون وراء التأثير.
له فيلم سينمائي يسخر فيه من مدرس اللغة العربية ومن اللغة العربية سخرية ماكرة- مقصودة بلا شك- فيصور مدرس اللغة العربية بائسا مسكينا تبعث كل مواقفه على السخرية به، ولا يثير الاحترام عند أحد، ويجعل فتاة مائعة تحاول أن تقرأ نصا عربيا في درس المطالعة فتخطئ أخطاء مضحكة- يضحك لها الجمهور الغافل- ولكنها تقدم في سياق الأحداث بالصورة التي توحي للمشاهد أن البنت معذورة.. فاللغة هكذا.. صعبة على الإفهام! لا يمكن للمتعلم أن يستوعبها مهما بذل المعلم من الجهد!
•…• جورجي زيدان هو أحد مؤسسي دار الهلال (والآخر هو أخوه إميل زيدان) وهما- كما أسلفنا- من اللبنانيين المسيحيين المارونيين الذين اتجهوا إلى تأسيس الصحافة في مصر. ولكن جورجي زيدان يزيد- على كونه صحفيا- أنه يكتب قصصا وروايات [إسلامية] تتناول أحداث التاريخ الإسلامي في ثوب فني.. وقد تناول في رواياته عدة أحداث تاريخية، وله قدر من البراعة الفنية- بالنسبة لوقته على الأقل- تجعل القارئ يتابع رواياته في شغف وتأثر.
فكيف تناول أحداث التاريخ الإسلامي؟!
إنه ما من مرة ينسى فيصور المسلمين في موقف [إسلامي] يبعث على الإعجاب بهم، أو تقديرهم واحترامهم، فضلا عن أن يبعث في المسلم الاعتزاز بأمجاد الإسلام..
إنهم أي المسلمون إما غارقون في الطرب واللهو، والجري وراء شهواتهم، سواء شهوة الجنس أو شهوة الملك أو شهوة المال.. وإما واقفون مواقف جادة تثير الإعجاب، لأن واحدا من [أهل الكتاب]- سواء كان يهوديا أو نصرانيا- هو الذي يشير عليهم ويخطط لهم، ويقف وراءهم يساندهم في التنفيذ! فإن لم يكن ذلك الواحد من أهل الكتاب حاضرا في الصورة، فالمسلمون في لهوهم وعبثهم، وخلافاتهم وشجاراتهم، ومؤمراتهم الهابطة.. يسلمون أنفسهم إلى الضياع.. وهذا متى؟ في أشد الأوقات التي كان المسلمون فيها ممكنين في الأرض، تدين لهم الدنيا بالطاعة والإذعان !!
تخصص مجموعة من القصصيين والمسرحيين والسينمائيين في موضوع معين، يتكرر بصورة مختلفة، خلاصته أن فتاة- جامعية في الغالب، ومتعلمة بصفة عامة- لها [صديق].. يقع بينهما ما يقع- على درجات مختلفة من الوقوع!- ثم يتقدم للزواج منها فيرفضه أبواها- الريفيان في الغالب، والرجعيان التقليديان بصفة عامة- إما لأنهما يرتبان لها زواجا معينا بعقليتهما المتخلفة، وإما لأنهما- حرصا منهما على [التقاليد]- يشعران بميل الفتاة له فيرفضانه من أجل هذا السبب بعينه.. ثم تمضي القصة أو المسرحية أو الفيلم بإصرار الفتاة على موقفها، بصورة مختلفة من الإصرار، أدناها رفض الخطيب الذي يقدمه لها والداها، وأشدها ترك البيت والهروب مع [الصديق].. وينتهي الأمر في كل حالة بتنفيذ ما أصرت عليه الفتاة، ورضى الوالدين، أو تسليمهما لأمر الفتاة التقدمية إذعانا للأمر الواقع، أو اقتناع الأم خاصة، ومحاولة إقناعها الأب بأنهما كانا مخطئين، وأن الفتاة على حق!.
•…• تخصص مجموعة من الكتاب- في وقت من الأوقات- في القول بأن المجتمع لم يكن نظيفا من الجريمة الخلقية وقت أن كان محافظا على التقاليد.. وأن الفاحشة كانت تقع تحت ستار الحجاب.. وذلك ردا على الذين كانوا يقولون: إن السفور والاختلاط سيؤديان حتما إلى التحلل الخلقي.
وكون المجتمع- أي مجتمع مهما كان محافظا- لا يخلو من وقوع جريمة فيه، فهذه حقيقة.. يكفي شاهدا لها أن الفاحشة وقعت في مجتمع رسول ا صلى الله عليه وسلم . ولكنه من التبجح الغليظ أن يقال إنه ما دامت الفاحشة تقع هنا وتقع هناك، فلا فائدة في الدين، ولا فائدة في الأخلاق، ولا فائدة في التقاليد، ولا قيمة لكل التوجيهات الخلقية! فهناك فارق ضخم بين مجتمع لا تقع فيه الجريمة إلا شذوذا يستنكر، وتنال عقوبتها الرادعة حين تقع، ومجتمع يعج بالفاحشة حتى تصبح العفة فيه هي الشذوذ المستنكر!
•…• كتب إحسان عبد القدوس في إحدى توجيهاته التي كان يبثها في مجلة[روز اليوسف]: إنني أطالب كل فتاة أن تأخذ صديقها في يدها، وتذهب إلى أبيها، وتقول له: هذا صديقي!
•…• كتب أنيس منصور في إحدى مقالاته في أخبار اليوم إنه زار إحدى الجامعات الألمانية ورأى هناك الأولاد والبنات أزواجا أزواجاً مستلقين على الحشائش في فناء الجامعة.. قال: فقلت في نفسي: متى أرى ذلك المنظر في جامعة أسيوط! لكي تراه عيون أهل الصعيد، وتتعود عليه!
هذا وغيره فضلا عن آلاف بل ملايين الصور العارية..والأغاني العارية.. والأفكار العارية.. والنكت العارية.. التي تملأ الصحف والمجلات والإذاعة والسينما والتليفزيون.. وآلاف بل ملايين الأجساد العارية في كل مكان: في الشوارع والمكاتب ووسائل المواصلات والشواطئ العارية في فصل الصيف..(58/19)
وفضلا عن التفاهة التي تشيعها السينما والإذاعة والتليفزيون في نفوس مشاهديها ومستمعيها.. التفاهة التي تجعل النفوس لا تتجه لشيء جاد.. فضلا عن أن تتجه لله واليوم الآخر، أو للجهاد في سبيل الله!
•…• ولم تكن [قضية المرأة] وحدها، وما نتج عنها من الفساد الخلقي، هي التي استخدمت في فك ارتباط المجتمع بجذوره الإسلامية، فقد كان الجهد المبذول شاملا لجميع الميادين بلا استثناء، وإن كانت [قضية المرأة] والفساد الخلقي الناشئ من [التحرر]، من أفعل الوسائل في فك ذلك الارتباط.
المصدر / موقع الدر المكنون
==================(58/20)
(58/21)
حركة تحرير المرأة .. تاريخ يعيد نفسه
د. مسفر بن علي القحطاني
يلحظ القاري لتاريخ الدعوات التحررية التي تبنت قضايا المرأة ومشكلاتها في بلادنا العربية البعد الزماني لنشأتها المبكرة إذ تعود البداية إلى منتصف القرن التاسع عشر الميلادي، وذلك بعد الاحتكاك الذي حصل بين الشرق والغرب واستعمار الغرب العلماني لدول الإسلام، وساعد على ظهور هذه الدعوات التحريرية حركة التنصير والاستشراق التي غزت الدول الإسلامية مبكراً من خلال التعليم والتوجيه الفكري؛ لأن تعلم المرأة المسلمة التعليم الغربي يؤثر في نفسها وينطبع في تربيتها لأولادها. ولهذا يقول المنصر (جب):
"إن مدرسة البنات في بيروت هي بؤبؤ عيني، لقد شعرت دائماً أن مستقبل سوريا إنما هو بتعليم بناتها ونسائها" فكانت أول مدرسة للبنات فتحها المنصرون في لبنان عام 1830م وتلتها مدارس أخرى في مصر والسودان والعراق والهند والأفغان (1)
ونتيجة عمل متواصل للمنصرين والمستشرقين لعدّة سنوات في البلاد الإسلامية ظهر الكثير من المثقفين الإسلاميين المتأثرين بالغرب وثقافته، ودعا بعضهم إلى إنصاف المرأة ودعم حقوقها في التعليم والعمل والمشاركة الاجتماعية. فكان رفاعة الطهطاوي الذي عاد من فرنسا سنة 1873م ووضع كتابه: (المرشد الأمين لتربية البنات والبنيين). إذ يعتبر الطهطاوي أول رائد لحركة تحرير المرأة وإن كان ينطلق من مرجعية إسلامية نادى من خلالها بحقوق المرأة الشرعية إلا أنه كان متأثراً للغاية بطبيعة الحياة الفرنسية التي بدأ يدعو إليها بكل ما فيها من اختلاط وسفور.
وبعد احتلال إنجلترا لمصر عام 1882م بدأ الترويج للأفكار التحريرية النسائية بالمفهوم الغربي، وكان أفضل مكان لترويج هذه الأفكار صالون الأميرة (نازلي) الذي كان يجمع طبقة المثقفين والنخبة الحاكمة، وفيه كانت تعقد مؤامرات خفية لغزو المرأة المصرية وهدم قيمها الإسلامية. ولا نستغرب أن تبدأ تلك الحركات التحريرية من مصر؛ إذ تشكل في حينها مركز الثقل الثقافي والسياسي للعالم العربي والإسلامي.
ولقد سخر الاستعمار في ذلك الوقت عدداً من المثقفين النصارى مثل: جورجي زيدان وماري عبده وسلامه موسى وغيرهم للدعوة الصريحة إلى تحرير المرأة، ومنهم صدر أول كتاب في قضية تحرير المرأة من تأليف رجل قبطي اسمه مرقص فهمي وكتابه هو: (المرأة في الشرق) صدر عام 1894 م. ونادى برفض الحجاب و الاختلاط ومنع التعدد، وتقييد الطلاق.
وبعد خمسة أعوام من صدور هذا الكتاب صدر كتاب قاسم أمين (تحرير المرأة)، ثم (المرأة الجديدة) والذي كان نقلة نوعية في مطالبات الحركة النسائية ومن مطالباته: رفع الحجاب، و منع التعدد، وتقييد الطلاق، وتعليم المرأة، والعمل المطلق للمرأة، فكان كتابه (المرأة الجديدة) دعوة صريحة لمحاكاة المرأة الأوربية في جميع أشكال حياتها زاعماً أن ذلك يحقق التقدم والتحضر للمرأة الشرقية.
وقد تدخل محمد عبده في دعم كتابات قاسم أمين وتدخل سعد زغلول في تنفيذها عملياً.
وكان أول نزع للحجاب عندما قدم سعد زغلول من منفاه سنة 1921م ونزع حجاب زوجته صفية زغلول، ثم تبعتها هدى شعراوي، وسيزا نبراوي، ونبوية موسى، فخلعن الحجاب ووطئته بالأقدام بعد ما عادوا من روما في مؤتمر دولي لتحرير المرأة سنة 1923م، وفعلوا ذلك في أكبر ميادين القاهرة والذي عُرف بميدان التحرير بعد ذلك.
و في نفس الفترة كانت أهم بؤر الإسلام وتمركزه في العالم وثقله موزعة في مصر وتركيا وإيران. ففي سنة 1925 م صدر قانون حظر الحجاب في تركيا!!. وفي نفس العام تقريباً أصدر الشاه رضا خان ملك إيران قانوناً يمنع المحجبات من دخول المدارس والمؤسسات الحكومية!!.
وفي النصف الأول من القرن العشرين كانت المرحلة الذهبية للحركات النسائية التحريرية التي انتشرت دعواتها في طول بلاد المسلمين وعرضها وذلك بمساعدة الاحتلال الأجنبي الذي أيدهم ودعمهم مالياً وسياسياً في جميع الدول الإسلامية التي احتلها عسكرياً، أو لم يحتلها ولكنه دخلها بالغزو الفكري والثقافي.
فمثلاً أفغانستان واليمن يعتبران بلدين مغلقين محافظين كثيراً على تعاليم الإسلام وتقاليده، ولم يتوطن الاستعمار في بلديهما طويلاً، ومع ذلك ففي أفغانستان سمح قانون في عام 1959 م للنساء بالخروج سافرات، وأحرق النساء العباءة والغطاء في تنانير بيوتهن، وأصبح الاختلاط سمَة واضحة، والسفور شيء ملاحظ في المدن والجامعات ودوائر الحكومة. مع العلم أنه قبل 32 سنة من هذا التاريخ خلع العلماء والناس الملك أمان الله خان الأفغاني لأنه سمح لعقيلته أن تخرج من شرفة القصر سافرة (2)!!.
وقريباً من ذلك كان الحال في اليمن يقترب نحو إخراج المرأة ومشاركتها للرجال في جميع الميادين.
وانتشرت بعد ذلك الحركات النسائية وبدأت تدعو للسفور والعمل والاختلاط دون قيد أو شرط على النمط الغربي. وفي نفس الفترة تأسست الكثير من الجمعيات النسائية في البلاد الإسلامية.
فنجد في مصر أن هدى شعراوي وحدها أسست أكثر من 25 جمعية نسائية.(58/22)
وفي النصف الثاني من القرن العشرين خفت الحركة النسائية في البداية ثم عادت للظهور في نهاية الستينات والسبعينات الميلادية لتشمل أكثر المناطق الإسلامية، وتغزو جميع المدن والأرياف العربية إلا القليل منها، فانتشرت بذلك مئات الجمعيات النسائية الداعية لتحرير المرأة في جميع تلك المدن والقرى لتمارس نشاطها المدعوم من هيئات دولية و إقليمية.
واليوم تواجه الأسرة والمرأة في جميع الدول الإسلامية نمطًا جديدًا من الدعوات التحررية لا تعرف الحدود الجغرافية ولا الخصوصيات الفكرية والثقافية التي تدعيها بعض الدول، وذلك من خلال المنظمات والهيئات الدولية، ولا يعنيها كثيراً الحجاب، أو خروج المرأة للعمل، أو دخولها المجال السياسي والقضائي، وإنما أصبح هدفها تغريب المرأة، ونشر الإباحية والشذوذ، والخروج عن كل تقليد مقبول ومبدأ مشروع وعُرف سليم؛ بالانفتاح نحو الجنس والمتع الشهوانية، وتعميم هذا الفكر المنحط لجميع شعوب العالم بل وفي كل طبقاته الاجتماعية و العمرية؛ من أجل إفساد الجذور الداخلية فضلاً عن القشور الظاهرية في الحياة الاجتماعية.
وبدأ ذلك الغزو المفسد للشعوب والأفراد من خلال عولمة الإعلام المرئي والمسموع والمقروء، و دعم منظمة الأمم المتحدة التي قامت بخطة مدروسة ومدعومة مالياً وسياسياً لتنفيذها بقوة النظام العالمي الجديد، فكانت المؤتمرات التالية للمرأة:
ابتداء من نيروبي عام 1985م ومروراً بقمة الأرض في ريودي جانيرو في البرازيل عام 1992م، ثم المؤتمر العالمي لحقوق الإنسان في فينا في النمسا عام 1993م، ثم مؤتمر السكان والتنمية في القاهرة بمصر عام 1994م، ثم المؤتمر العالمي الرابع للمرأة في بكين بالصين عام 1995م، ثم مؤتمر الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية في استانبول بتركيا عام 1997، وأخيراً مؤتمر المرأة في نيويورك عام 2000م الذي عقد على شكل جلسة استثنائية للجمعية العامة للأمم المتحدة ومعها منتدى للمنظمات غير الحكومية، وعرضت على المؤتمر توصيات ونتائج المؤتمرات السابقة بهدف الخروج بوثيقة دولية موحدة، يسعون لجعلها وثيقة ملزمة لدول العالم، وقد حفل مشروع الوثيقة المقدم للمؤتمر بما حفلت به وثائق المؤتمرات السابقة من دعوة صريحة إلى هدم الأسرة، وإطلاق الحرية الجنسية للشباب، ودعوة صريحة كذلك للشذوذ بكل أنواعه، والمطالبة بشل سلطة الأبوين على الأبناء وحرية الإجهاض، وإلغاء نظام الميراث في الإسلام، وغيرها من البنود التي تتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية؛ بل مع أبجديات الفطرة الإنسانية (3).
ومن هنا أصبحت حصوننا وبيوتنا مهددة من الداخل بسبب التيار التغريبي العولمي بما يبثه إلينا من خلال بعض الكتابات المغرضة في الصحف والمجلات العربية، و ما تبثه القنوات الفضائية، وما يدور في شبكات الإنترنت ومواقعها المختلفة من دعوات صريحة للسفور والاختلاط والمشاركة للرجال، وهدم الأسرة والقضاء على كرامة المرأة وعفتها.
ويكفي لبيان خطورة هذا الغزو الإعلامي النتائج التي قدمتها إحدى الدراسات في جامعة الملك عبد العزيز بجدة، وكانت عن أثر الأطباق الفضائية على الأسرة والمرأة خصوصاً، فجاءت نتائجها مذهلة حيث ظهر أنّ 85% من النساء يحرصن على مشاهدة قنوات فضائية تعرض موادًا إباحية، و53% قلت لديهن تأدية الفرائض الدينية، و32% قصّرن في تحصيلهن العلمي و 22% تعرضن للإصابة بأمراض نسائية نتيجة ممارسة عادات خاطئة (4).
كذلك نلحظ أن هذه النداءات والصيحات التحريرية يراد لها أن تظهر بصورة جماعية، وأنها تمثل قطاعاً واسعاً من النساء إلا أنها في حقيقتها الواقعية مجرد دعوات فردية وأحياناً خارجية وربما من الرجال أكثر من النساء، ولعل في ردة الفعل الغاضبة في مجتمعنا النسائي من هذه الدعوات شاهد على حقيقة هذا الرفض العام، وأن هذه الدعوات مجرد شعارات فارغة مدفوعة ومرفوضة من الناحية الدينية والحضارية والعقلية والفطرية وحتى من الناحية الإنسانية (5)..
أن تاريخ تحرير المرأة قد بدأ يعيد نفسه بأشكال وصور مختلفة في بعض الدول الإسلامية التي سلمت منه في البداية.. وقد لا تسلم منه في النهاية.. فما لم يكن هناك فكر رصين يقرع الفكر المضاد، وتخطيط واعٍ يفند مخططات أهل الأهواء؛ و إلا فالنهاية واحدة والمأساة سوف تعيد نفسها.. نعم مأساة أن تُرى المرأة ضحية لنزعات السوء والغواية عند الرجل المتهتك المستهتر، و مأساة أن تراها سائرة نحو مصير مظلم لا يرحم ضعفها ولا يراعي فطرتها.. ولا أدري لماذا تصمّ الآذان من سماع صيحات من جرب هذا الطريق وتجرع مراراته المتكررة.. هل مطلوب منا دائمًاً أن نبدأ من حيث بدأ الآخرين ولا نبدأ من حيث انتهوا.. ألا نقرأ التاريخ التحرري ونعرف ماذا حصدوا للمرأة غير الهوان والإذلال.(58/23)
جاء في إحدى الدراسات العلمية أن 80% من الأمريكيات يعتقدن أن الحرية التي حصلت عليها المرأة خلال الثلاثين عاماً الماضية هي سبب الانحلال والعنف في الوقت الراهن. و75% يشعرن بالقلق لانهيار القيم والتفسخ العائلي. و 80% يجدن صعوبة بالغة في التوفيق بين مسؤولياتهن تجاه العمل ومسؤولياتهن تجاه الزوج والأولاد. و 87% يقولن: لو عادت عجلة التاريخ للوراء لاعتبرنا المطالبة بالمساواة مؤامرة اجتماعية ضد الولايات المتحدة الأمريكية وقاومنا اللواتي يرفعن شعاراتها (6).!! فهل نعي دروس التاريخ ونعتبر بغيرنا من الأمم.. قبل أن نصبح لغيرنا عبرة. فالسعيد الناجي من وُعِظ بغيره..
----------------------------------------
(1) انظر: المرأة المسلمة بين الغزو والتغريب للرماني ص 56.
(2) الصراع بين الفكرة الإسلامية والفكرة الغربية في الأقطار الإسلامية لأبي الحسن الندوي ص 20-26.
(3) انظر: المؤامرة على المرأة المسلمة للسيد فرج ص 47 ــ 78، المرأة ماذا بعد السقوط لبدرية العزاز ص 31ـ57، المرأة المسلمة بين الغزو والتغريب للرماني ص41 ـ 81، مجلة المجتمع (1404)، الأسرة 1417هـ، المنار (32).
(4) جريدة المدينة 23 / 11 / 1420 هـ.
(5) انظر: كتابي (المرأة.. والعودة إلى الذات) ففيه مناقشة للشبهات المثارة على المرأة من الناحية الدينية و الحضارية والعقلية والفطرية والإنسانية.
(6) مجلة البيان ربيع الآخر 1420هـ.
10/4/1425
29/05/2004
http://www.islamtoday.net المصدر:
===========(58/24)
(58/25)
دروس من حركة تحرير المرأة المصرية
خالد أبو الفتوح
مع التحفظ على استخدام كلمة (تحرير) فإن الحركة التي عرفت بذلك الاسم في مصر ـ إضافة إلى الحركة نفسها في تونس ـ تعد من أهم الحركات ذات الأثر الاجتماعي التي عرفها عالمنا العربي في عصوره المتأخرة.
وبالنظر إلى سبق التجربة المصرية وإلى موقع مصر وثقلها في العالم العربي والإسلامي فإن حركة تحرير المرأة فيها تعد حركة خصبة جديرة بالدراسة والاستفادة منها لمعالجة آثارها من ناحية، ولأنها مرشحة للتكرار بشكل أو بآخر في مواطن أخرى من ناحية ثانية.وقبل أن أذكر بعض هذه الدروس ـ وهي عموماً ملحوظات أولية تحتاج إلى مزيد بحث ونقاش وبسط ـ أحب أن ألفت النظر إلى ملحوظتين عامتين:
الأولى: هي أن واقع المرأة المصرية ـ والمسلمة عموماً ـ آنذاك كان واقعاً يسوده الجهل والتخلف وأحياناً كثيرة القهر والظلم، وقد كان ذلك الواقع ينسب عند كثيرين من العامة إلى الدين والشرف والرجولة.. ولم تكن هذه الصورة منبتَّة الصلة عن واقع المسلمين عموماً الذي كان انحرافهم عن دينهم قد أدى إلى أمراض وتقهقرات (حضارية) كثيرة.
الثانية: عندما ظهرت حركة تحرير المرأة المصرية بدا أنه يتفاعل فيها ثلاثة تيارات: اثنان منها رئيسان، هما: التيار المحافظ، والتيار (الوسطي الإصلاحي) ـ بحسب النظر إلى الطرفين وليس إلى اعتداله ـ والتيار الثالث كان ثانوياً من حيث حجمه ولكنه كان خطيراً من حيث دوره، وهو التيار التحرري الغربي؛ فإضافة إلى كون هذا الأخير حاداً في هجومه واضحاً في تبعيته، فإنه لعب دور (الفزاعة) للتيار المحافظ وللرأي العام، فكان وجوده يدفع من لا يرضى عن واقع المرأة ـ وكان لا يرضي كثيرين من أصحاب الفكر والضمائر ـ إلى تيار الوسط الإصلاحي والالتفاف حوله والرضا به رغم كون أفكاره والقائمين عليه ليسوا فوق مستوى الشبهات، ومن هذا التيار (الوسطي الإصلاحي) خرجت الدعوة (العملية) لتحرير المرأة لتتفاعل في المجتمع وتسير به خطوة خطوة في عملية متدرجة متصاعدة صبت في النهاية باتجاه تيار (الفزاعة) الذي بات مألوفاً فيما بعد (التيار التحرري الغربي).
وقد كان لهاتين الملحوظتين أثرهما في مسيرة هذه الحركة.
وهاكم بعض الملحوظات التي نرى فيها دروساً ينبغي وعيها والاستفادة منها:
* تحرير المرأة كتلة ضمن بناء ضخم:
يشير أحد الباحثين إلى خطوط التماسِّ بين العرب والغرب، فيقول: «... أدى تسرب الثقافة الغربية إلى العالم العربي إلى قيام ثلاث حركات كبرى متداخلة بعضها في بعض:
أولاها: سياسية: وتتمثل في تزايد المطالبة بتقرير المصير.
وثانيتها: اقتصادية اجتماعية: وتظهر في زيادة الطلب على بضائع الغرب وفنونه واقتباس المعايير الغربية ـ بتعديلها أو بدون تعديل ـ في تنظيم المظاهر المادية والخارجية للحياة العربية. كما ظهرت أيضاً في المطالبة بتحرير المرأة، وإلغاء نظام تعدد الزوجات، والسفور، والمطالبة بتحسين أحوال العامة من الناس.
أما الحركة الثالثة: فثقافية وخلقية: فمن الجانب الخلقي أصبح أساس السلوك السليم هو الاقتناع الذاتي بسلامته والرغبة في المحافظة عليه، ومعنى هذا أن سلامة السلوك لم يعد أمراً تحتمه التقاليد أو النصوص المقدسة، بل أمر تقرره حرية الفرد وشعوره بدوره الاجتماعي... »(1).
وقد احتلت قضية تحرير المرأة مكاناً بارزاً في حركة الاختراق الغربي لعالمنا العربي والإسلامي، حتى إن المعتمد البريطاني (كرومر) يشير إلى أن «وضع النساء في مصر وفي البلاد الإسلامية يعد عقبة قاتلة تحول دون رفع المستوى الفكري والشخصي الذي يجب أن يصحب دخول الحضارة الأوروبية إلى هذه البلاد [مصر]، وإذا أرادت هذه الحضارة أن تحقق أفضل فائدة ممكنة فليس أمامنا إلا تعليم المرأة... ويذكر كرومر ما نصه: إن هناك سؤالاً مفتوحاً يحتاج إلى إجابة، ألا وهو: هل تعليم المرأة [حسب المنظومة الغربية] يمكن أن يترك آثاراً صحية وإيجابية على سلوك الرجال؟ كما أنه يناقش على المستوى التصوري النتائج التي قد تنشأ عن ضعف التأثير الأخلاقي لتعليم المرأة، وما قد يترتب عليه من يأس من متابعة جهود الإصلاح، كما أنه يشير إلى أن تعدد الأدوار الإصلاحية (توجيه وإرشاد وشرح ومناقشة) لن تحدث التأثير المرجو ما لم يكن المرء قادراً على رفع مستوى المرأة، فذلك هو المدخل الأساسي لتنمية الرجل المصري وفق قواعد التعليم الأوروبي»(2)، ولذلك نجد أن حركة تحرير المرأة تواكبت مع حركة اجتماعية وسياسية ووطنية قوية وشاملة. وعلى ذلك فمن الخطأ بمكان محاولة معالجة موضوع المرأة منفصلاً عن الأبعاد (الحضارية) الأخرى، فالمسألة مسألة رؤية شاملة للإنسان والحياة والكون، وليست مسألة امرأة تخرج من بيتها أو لا تخرج، تعمل أو لا تعمل، ترتدي زياً معيناً أو لا ترتدي...
كما أن (كتلة) تحرير المرأة تحتوي على محاور متعددة عمل عليها دعاة التحرير، فكان هناك محور فكري ثقافي عمل من خلال النشاط في الصحافة والإعلام والتعليم الملوث بالأفكار العلمانية والاتجاهات الغربية، ثم بعد ذلك من خلال الأعمال الفنية المتنوعة.(58/26)
كما كان هناك محور تشريعي عمل على تغيير التشريعات الخاصة بالمرأة والأسرة لتتوافق مع النظرة الغربية للمرأة وحقوقها، كأحكام الزواج والطلاق والقوامة والحضانة والميراث.
إضافة إلى ذلك كان هناك محور سياسي تمثل في إقحام المرأة إقحاماً في العمل السياسي، وفي التدخل بالضغوط السياسية بهدف التأثير على الأطراف المشاركة في الصراع حول القضية.
وقد كانت هذه المحاور متواكبة وإن أحرز بعضها تقدماً ملحوظاً عن غيره في فترات ما، ولكن أصحاب التوجه التغريبي والعلماني لم يكلُّوا عن استكمال الدائرة من جميع محاورها؛ فكما أننا يجب أن ننتبه إلى مكان (أو مكانة) الكتلة في البناء الكلي يجب أن ننتبه أيضاً إلى جميع العناصر التي تتكون منها هذه الكتلة، كما يجب أن ننتبه كذلك إلى المتغيرات والتطورات التي تطرأ دائماً عليها وعلى من يحملها وعلى المستهدفين منها.
* استغلال التباس الدين بالعادات والتقاليد:
التبست في الواقع آنذاك الأحكام الشرعية للمرأة بالعادات والتقاليد، فكان ينظر إلى بعض هذه الأحكام على أنها (عيب)، كما كان ينظر إلى بعض هذه العادات والتقاليد الخاصة بالمرأة على أنها (حرام) حتى ولو لم تكن كذلك في الحقيقة. وقد يكون هذا الالتباس مفيداً على المدى القصير؛ حيث يكون هناك أكثر من حائط صد ضد الهجمات المتوقعة، ولكنه على المدى البعيد له خطورته: ففضلاً عن كونه قد لا يقدم الدين في صورته الصحيحة فإن الارتباط بين هذين الحائطين يجعل سقوط أحدهما سقوطاً للآخر بشكل تلقائي، وهذا ما فعله دعاة تحرير المرأة الأوائل، فإنهم دعوا إلى تحرير المرأة في بادئ الأمر باعتبارهم مهاجمين لأوضاع اجتماعية شائنة يرفضها الدين وليسوا مهاجمين للدين، واستخدموا في هذا الهجوم آراء شرعية تحتمل الصحة والخطأ ولكنها عموماً قد يكون لها قبول فقهي للترويج لدعوتهم؛ فماذا فعل الرافضون لهذه الدعوة؟
الذي حدث أن معظمهم تخندق في موقع (المحافظين) فرفضوا هذه الآراء ـ رغم وجاهة بعضها ـ من منطلق أنها (عيب وحرام)، وليس أدل على ذلك من كون أبرز من ردوا على قاسم أمين عندما أخرج كتابه (تحرير المرأة) كان محمد طلعت حرب الذي ارتبط اسمه فيما بعد بتأسيس الاقتصاد الربوي في مصر، بل إن القبطي واصف بطرس غالي كان مع علي الشمسي ـ وهما عضوان في الوفد ـ ممن عارضوا أمر سعد زغلول لصفية زوجته بخلع (البرقع) ومواجهة مستقبليهم في مصر سافرة الوجه.. صحيح أنه قد يكون لواصف بطرس غالي أغراض أخرى من هذا الرفض، ولكن صحيح أيضاً أن هذا البرقع ارتبط بقيم معينة في أوساط طبقية واجتماعية معروفة بغض النظر عن دين صاحبته أو التزامها بهذا الدين.
والذي حدث أنه ـ رغم الردود على دعاة تحرير المرأة ـ فقد بقيت آراؤهم (الشرعية) يسعها الدين، وقد عزز هذه الآراء لدى الناس الواقع الذي كانت تعيشه المرأة، ومع طول الأمد، ومع المثابرة، ومع ضغوط القوى السياسية، ومع تغير تركيبة المرأة المصرية الفكرية والثقافية.. أصبحت آراء دعاة تحرير المرأة مقبولة، ومع قبولها انهارت المنظومة الاجتماعية الدينية الخاصة بالمرأة بأكملها.. وكان لا بد فيما بعد من تأسيس المنظومة من جديد على أسس صحيحة، وهي أن الأحكام الشرعية الخاصة بالمرأة (دين) يجب أن يلتزم به (كما هو) طاعة لله واستسلاماً له.
* سبق أصحاب الاتجاهات التغريبية في التأثير على المرأة وتبني قضاياها:
ويظهر ذلك جلياً في ظهور الصحافة النسائية وتعليم البنات:
فباكورة الصحافة النسائية كانت مجلة (الفتاة) التي أصدرتها عام 1892م هند نوفل التي تنتمي لأسرة لبنانية وخريجة إحدى مدارس الراهبات بالإسكندرية، وقد تولى والد هند اليوناني الأرثوذكسي ـ وكان كاتباً ـ إدارة مكتب (الفتاة) متناولين قضايا المرأة.
وفي يونيو 1896م ظهرت ثاني مجلة نسائية، وهي (الفردوس) للويزا حابلين التي نزحت عائلتها من قرية زوق ميخائيل بالشام.
وفي نوفمبر 1896م ظهرت مجلة (مرآة الحسناء) نصف الشهرية التي كان يصدرها (سليم سركيس) تحت اسم مستعار هو (مريم مظهر).
وفي 1898م أنشأت ألكسندرا أفيرينوه، وهي تنحدر من أسرة يونانية أرثوذكسية كانت تتمتع بالحماية الروسية قبل نزوحها من بيروت، ودرست في إحدى مدارس الراهبات بالإسكندرية.. أنشأت مجلة (أنيس الجليس) الشهرية.. وجدير بالذكر أن ألكسندرا هذه مثلت نساء مصر في مؤتمر اتحاد المرأة العالمي للسلام المقام بباريس عام 1900م رغم أنها كانت حاصلة على الجنسية البريطانية، كما كان لها نشاط اجتماعي وسياسي ملحوظ، وكانت تعقد صالوناً دورياً بمنزلها يلتقي فيه المفكرون والكتاب والشعراء من النساء والرجال، وقد عدها أحد المسئولين البريطانيين «ذات فائدة كبيرة لجهاز مخابراتنا في هذا البلد [مصر] في العديد من المواقف»(1).
وفي عام 1899م أنشأت إستر أزهري مويال ـ وهي يهودية من بيروت، ومتزوجة من شمعون مويال الماسوني ـ مجلة (العائلة) نصف الشهرية، والغريب أن إحدى الجمعيات الخيرية الإسلامية أسندت لهذه اليهودية إدارة مدرسة بنات تابعة للجمعية.(58/27)
ومع احتدام الجدل حول قضايا المرأة في مطلع القرن العشرين خاصة بعد ظهور كتابات قاسم أمين ـ بدأ في الظهور الصحافة النسائية (الإسلامية)، أي التي لا يملكها ويصدرها غير مسلمين، وإلا فإن الوعي الإسلامي الصحيح بمثل هذه القضايا لم يكن تبلور بعد: فظهرت مجلة (الهوانم) الأسبوعية عام 1900م، ويرأس تحريرها أحمد حلمي، وفي العام نفسه ظهرت مجلة (المرأة في الإسلام) نصف الشهرية، ويرأس تحريرها إبراهيم رمزي، وفي العام التالي ظهرت مجلة (المرأة) نصف الشهرية ورأست تحريرها أنيسة عطا الله ـ وهي في الغالب مسلمة من الشام ـ، وظهرت أيضاً مجلة (شجرة الدر) الشهرية، ورأست تحريرها سعدية سعد الدين زادة، وهي أول مصرية مسلمة تصدر مجلة نسائية.
وفي عام 1902م ظهرت (الزهرة) لمريم سعد، ثم في عام 1903م ظهرت (الموضة) لسليم خليل فرح، «وقد تراوحت موضوعاتها من النقد الاجتماعي إلى التسلية، ولكن معظم هذه المجلات كانت قصيرة الأجل لم تترك أثراً يذكر»(1). ثم عاود النصارى الشوام إصداراتهم، فصدرت مجلة (السعادة) برئاسة تحرير ريجينا عواد عام 1902م، وفي عام 1903م أصدرت روزا أنطون التي تنتمي لأسرة يونانية أرثوذكسية نزحت من بيروت، وهي أخت فرح أنطون صاحب مجلة الجامعة وزوجة نيقولا حداد الكاتب المعروف، وكلاهما من الداعين إلى الفكر الاشتراكي، أصدرت مجلة (السيدات والبنات).
وفي عام 1906م أصدرت لبيبة هاشم، وهي بيروتية مارونية درست في مدارس الإرساليات الإنجليزية والأمريكية، وكانت متزوجة من عبده هاشم الماسوني المعروف، أصدرت مجلة (فتاة الشرق) الشهرية، لتستمر في الصدور ثلاثة عقود بدون توقف، وهي أطول فترة صدور لمجلة نسائية آنذاك، وقد نشطت لبيبة على مستوى الجمعيات النسائية، وجابت أنحاء مصر وسورية لإلقاء محاضراتها.
وبعد ذلك صدرت عدة مجلات نسائية لمصريات قبطيات ومسلمات معظمهن صاحبات رؤية مشوشة وملتبسة عن المرأة والإسلام، وقد كانت مجلة (الريحانة) التي أصدرتها جميلة حافظ عام 1907م أول مجلة ترى في الإسلام طريقاً لتحسين أوضاع المرأة، مؤكدة أن العلمانيين والحداثيين لا يمكنهم احتكار الدفاع عن حقوق المرأة، ولكن هذه الخطوة جاءت متأخرة خمسة عشر عاماً استطاع فيها هؤلاء العلمانيون والحداثيون بذر أفكارهم في المجتمع المصري بشكل أو بآخر.
والأمر نفسه يمكن قوله عن التعليم؛ وفي هذا المجال يمكن الإشارة إلى الدور الخطير الذي لعبته إرساليات التنصير الأجنبية والحكومات والجاليات الأجنبية؛ فقد كان للمدارس التي أنشؤوها ثلاثة أهداف: هدف ديني يتمثل في التنصير ونشر مذاهبهم الدينية، وهدف طائفي يتمثل في تزويد أفراد الجاليات بثقافاتهم الخاصة، وهدف سياسي يتمثل في نشر الثقافات والدعاية السياسية الأجنبية.
وعلى هذه الأهداف أنشئت في عام 1835م أول مدرسة أجنبية للبنات على يد المستر ليدز أحد المبشرين الإنجليز، ثم جاءت راهبات المحبة وأسسن مدرسة لتربية البنات سنة 1846م، وحذا حذوهن الراهبات الفرنسيسكان وأنشأن مدرسة بالقاهرة سنة 1859م، ثم أسست مس وتلي سنة 1860م مدرسة إنجليزية، وقد نجحت بعد عشر سنوات من الدأب والمجاهدة في جذب كثير من الفتيات المصريات إليها، ثم أنشأت الراهبات الفرنسيسكان مدرسة أخرى ببولاق سنة 1868م، وغيرها بالمنصورة سنة 1872م.
ولمواجهة هذه الحملات (التبشيرية) المذهبية بدأ الأقباط في منتصف القرن التاسع عشر في إنشاء مدارس للبنات، فأسست الكنيسة القبطية مدرسة للبنات في حي الأزبكية عام 1853م، وأخرى في حارة السقايين بالقاهرة تحت إدارة البطريك سيريل الرابع، كما تم إنشاء مدارس قبطية أخرى بجهود أهلية.
وكان لليهود أيضاً مدارسهم الخاصة بهم، ففي عام 1840م افتتح أدولف كريميو ـ وهو أحد رجال الدولة اليهود بفرنسا ـ عدة مدارس في القاهرة والإسكندرية، ورغم أن هذه المدارس ما لبثت أن أغلقت أبوابها إلا أن الطائفة عادت فأنشأت مدرسة للبنات في الإسكندرية عام 1862م، ثم جاءت الدفعة اليهودية التالية لتعليم البنات في التسعينيات من القرن التاسع عشر، عندما افتتحت جماعة الأليانس الإسرائيلية العالمية ـ وهي مؤسسة خيرية يهودية فرنسية ـ مدارس تعليم مشترك بالقاهرة والإسكندرية وطنطا.
وبعد أن أخذت هذه الاتجاهات زمام المبادرة أنشئت أول مدرسة مصرية (غير طائفية) ـ بخلاف مدرسة الحكيمات التي أنشئت عام 1832م ـ برعاية إحدى زوجات الخديوي إسماعيل سنة 1872م هي المدرسة السيوفية، من أجل تعليم الجواري وبنات العائلة المالكة وكبار موظفي الدولة. وإضافة إلى الكتاتيب وبعض المدارس التي أنشئت بجهود فردية تعد جمعية تعليم البنات الإسلامية التي أنشئت عام 1901م باكورة العمل الموجه لتعليم البنات المسلمات.
ويمكن القول إن هذه المدارس كانت إسلامية الانتماء، وهناك علامات استفهام كثيرة حول المفاهيم والمناهج التي كانت تدرسها، وهو ما يدل عليه ما سبق ذكره من تسنم إحدى الناشطات اليهوديات الماسونيات إدارة مدرسة بنات تابعة لجمعية خيرية إسلامية.(58/28)
وفي حين أن مدارس البنات (الإسلامية) متأخرة النشأة كانت تتوجه إلى تقديم تعليم مجاني لبنات الطبقات الفقيرة والمحرومة مرتكزة على تبرعات المحسنين ـ وهو جهد تشكر عليه على أي حال ـ فإن شريحة الأغنياء وعلية القوم اتجهوا إلى المدارس الأجنبية «ليتعود أبناؤهم وبناتهم الحياة الأوروبية والتفكير الأوروبي، فيصبح بينهم وبين سواد الشعب حائل كثيف من حيث الأخلاق والعادات والتفكير»(1).
ويلاحظ في هذا المقام وجود نمو ملحوظ لتأييد الرأي العام لتعليم البنات على الوضع الذي كان قائماً، الأمر الذي رصده المعتمد البريطاني اللورد كرومر؛ حيث كتب عام 1898م: إنه بالرغم من بطء التقدم إلا أنه «لم يعد هناك وجود للامبالاة التامة التي كان الرأي العام يواجه بها قضية تعليم البنات في السنوات الماضية»، ثم عاد ليكتب بعد سنتين: «إن التغيير الذي حدث للرأي العام المصري في خلال السنوات القليلة الماضية بخصوص قضية تعليم النساء لهو تغيير مثير للانتباه»، وفي عام 1904م توصل إلى أن الرأي العام بالنسبة لتلك القضية قد «تحول تماماً».. وكتب جورست الذي خلف كرومر في عام 1907م: «أصبح لدى المصريين رغبة قوية في تعليم بناتهن تعليماً جيداً»..
وفي سنة 1913م كتب المستشار العام كتشنر: «إن المعارضة واللامبالاة التي كان المصريون يقابلون بها قضية تعليم البنات قد انتهت الآن تماماً»(2).
وقد صاحب هذا النمو في الرأي العام نمو آخر في نسبة البنات المسلمات الملتحقات بمدارس الإرساليات التنصيرية؛ فمع تراخي الدولة في الاستجابة للطلب المتزايد على تعليم البنات «وجدت الإرساليات التبشيرية المسيحية المجال واسعاً أمامها لإقامة مدارسها، وظلت لوقت طويل أكبر مركز لتعليم البنات في مصر من حيث عدد التلميذات، ففي عام 1892م كان عدد المدرسين بمدارس الإرساليات التبشيرية يبلغ 360 معلماً في أكثر من 50 مدرسة تولوا التدريس لحوالي 9 آلاف تلميذة، في حين عمل 200 مدرس في 40 مدرسة أهلية ضمت أكثر من 4 آلاف تلميذة. أما المدارس الحكومية فكان يعمل بها عشر مدرسين موزعين على ثلاث مدارس ضمت 242 تلميذة.
وإلى جانب ذلك فقد بدأت نسبة التلميذات المسلمات إلى نسبة التلميذات المسيحيات تتغير؛ ففي أوائل التسعينيات من القرن التاسع عشر كان من النادر وجود تلميذة مسلمة في إحدى مدارس الإرساليات التبشيرية، كما كان الالتحاق بتلك المدارس قاصراً على المسيحيات، وفي خلال العقدين التاليين أصبح 30% من التلميذات في المدارس التابعة للإرساليات التبشيرية من المسلمات. ويلفت النظر استعداد الأهالي ـ أو ربما اضطرارهم نظراً لانعدام البدائل ـ لإلحاق بناتهم من دون أبنائهم بمدارس الإرساليات التبشيرية.. »(3).
ثم كانت خريجات هذه المدارس وأضرابها هن طلائع حركة تحرير المرأة المصرية وحجر الزاوية فيها. يقول الدكتور رؤوف عباس أحمد بعد أن يذكر أن النخبة المثقفة المصرية التي احتضنت (الجامعة المصرية) في العقد الأول من القرن العشرين كانت تؤمن بتحرير المرأة وبحقها في التعليم، وضرورة أن يكون لها دور في بناء المجتمع، يقول تحت عنوان: (الجامعة والتعليم المختلط): «وما كان إنشاء القسم النسائي ـ في رأينا ـ إلا اختباراً من جانب القائمين على أمور الجامعة لمدى تقبل الناس لفكرة تلقي النساء العلم في الجامعة؛ فاللاتي انتسبن إلى القسم النسائي كن من سيدات الطبقة العليا في المجتمع اللائي نلن حظاً من التعليم في المدارس المصرية والأجنبية إلى جانب الأجنبيات المقيمات في مصر؛ فلم يكن الهدف إذن فتح أبواب التعليم الجامعي للمرأة المصرية بقدر ما كان اختباراً للنوايا والمواقف من تلك الفكرة»(4).
ولا شك أن التيارات التغريبية والعلمانية في حركة تحرير المرأة وجدت واقعاً يقتضي التغيير، وفي الوقت نفسه كان هذا الواقع خالياً من المعارض أو المقاوم ذي الشأن، فانطلقت هذه التيارات بحرية وقوة ترسم للمرأة المصرية معالم تحررها من هذا الواقع وتقودها نحو تغييره.. وفرق كبير لو انتبهت لهذا الواقع وخطورته قوى إسلامية أصيلة وواعية، وأخذت زمام المبادرة نحو التغيير في الاتجاه الصحيح.
* استخدام دعاة تحرير المرأة لحجج ضبابية:
فتحرير المرأة المصرية كانت دعوة أقرب إلى الدعوى منها إلى الحقائق العلمية الاجتماعية، وقد استخدمت في هذه الدعوى أساليب كثيرة من الدعاية الهادفة إلى التأثير على العقول والنفوس، ليس من ضمنها المنطق الهادئ الرزين، ونضرب على ذلك مثالين:(58/29)
الأول: ما ادعاه مروجو هذه الدعوة فيما يخص العلاقة بين تحرير المرأة ورفع الحجاب وبين تقدم الأمم، فقد ربط هؤلاء بين تقدم الأمم الأوروبية وتحرير المرأة هناك، باعتبار أن تحرير المرأة هناك كان أحد مقومات وأسباب تقدم هذه الأمم، ثم قارنوا ذلك مع واقع تخلف البلدان الأخرى (وعلى رأسها الإسلامية) ووضع المرأة فيها، باعتبار أن وضع المرأة في هذه البلدان هو أحد الأسباب الرئيسة في تخلف هذه البلدان، ثم رتبوا على ذلك أن تقدم هذه البلدان مرهون ـ إلى حد بعيد ـ بتحرير المرأة، ويقصدون من ذلك: خروجها من إطارها الاجتماعي الإسلامي ولحوقها بنموذج المرأة الأوروبية أو نموذج قريب منه.
فهل بالفعل كان تحرير المرأة الأوروبية سبباً في تقدم أوروبا، وعدم تحرير المرأة المسلمة (بمفهومهم) كان سبباً في تخلف البلدان الإسلامية؟
يشير الباحثون عادة إلى أن نقطة تحول المنحنى العمراني الأوروبي نحو الصعود كانت في الفترة ما بين 1450 ـ 1700م، وقد شهدت هذه الفترة وما تلاها تحولات دينية وثقافية وفنية وعلمية وصناعية عديدة أثرت بلا شك على بنية المجتمع الأوروبي فيما بعد، ولم تشهد هذه الفترة تقدماً يذكر في وضع المرأة في الغرب سواء من جهة النظرة إليها، أو من جهة حقوقها الاجتماعية ووضعها القانوني، أو من جهة تكوينها الثقافي ومساهمتها في نهوض المجتمع.
هذا في حين أن بداية الحركة النسائية في الغرب التي أخذت على عاتقها الكفاح من أجل حصول النساء على حقوق متساوية ووضع قانوني عادل، والتي أدت إلى تغيرات جذرية في وضعهن الاجتماعي والقانوني وأحدثت تغيراً هائلاً في المجتمع الغربي تمشياً مع قيمه المتطورة الجديدة.. هذه الحركة تؤرخ عادة بعام 1792م، عندما نشرت ميري ولستن كرافت (Ma r y Wollston C r aft) كتابها الذي بعنوان (دفاع عن حقوق النساء) في إنجلترا.
أي إن الحركة النسائية في الغرب كانت لاحقة لتقدم الغرب وقوته، ومن ثم فمن الصعب منطقياً قبول القول بأن هذه الحركة كانت السبب في تقدم الغرب وقوته، كما أن هذا التقدم شمل مجالات عديدة وساهمت فيه عوامل وظروف كثيرة، منها ما قد يعد إيجابياً يمكن اقتباسه أو محاكاته، ومنها ما قد يعد سلبياً ويعاب اقتباسه أخلاقياً أو إنسانياً.. فمن هذه العوامل والظروف: نقل علوم الأمم الأخرى (وخاصة المسلمين) والاستفادة منها وتطويرها، ومنها أيضاً: غزو هذه الأمم واحتلالها وإذلال سكانها ونهب خيراتها، فهل يستطيع أحد القول إن سبيل تقدمنا هو الاحتلال والنهب والاستغلال؟
ومن ناحية أخرى: فالناظر إلى واقع تخلفنا وعلاقته بواقع المرأة يرى أيضاً أن تردي أوضاع المرأة ـ من وجهة النظر الصحيحة ـ كان لاحقاً أو مصاحباً وليس متقدماً على واقع التخلف والضعف الذي نعيشه في واقعنا، وأن الأمة الإسلامية عندما كانت تتقدم الأمم كانت مكانة الأسرة والمرأة وواقعها فيها أقرب إلى تعاليم الإسلام منها إلى مكانتها وواقعها في حالة الضعف والتخلف؛ وقد كان لهذه الحالة أسباب وظروف عديدة أيضاً ليس من ضمنها تمسك المرأة المسلمة بتعاليم دينها، بل إن العكس هو الصحيح، وهو أن تخلي المرأة المسلمة عن هذه التعاليم كان أحد أسباب الضعف والتخلف ـ وخاصة في الجانب الأسري والاجتماعي ـ.
المثال الثاني للأساليب الضبابية لدعاة تحرير المرأة هو: قضية المرأة والعمل: فلقد بدأت الدعوة إلى خروج المرأة للعمل وإعدادها لذلك بالمقدمات التالية:
1 - المرأة نصف المجتمع وتعطيلها عن العمل تعطيل لنصف طاقات المجتمع.
2 - في المجتمع بعض النساء في حاجة للعمل لإعالة أنفسهن أو ذويهن.
3 - بعض النساء المصريات يعملن بالفعل لسد حاجاتهن، ولكن في أعمال شاقة أو مهينة أو غير أخلاقية؛ لأنها لا تحتاج إلى تعليم، والمجتمع لا يمنعهن من ممارسة تلك الأعمال.
4 - من الأفضل إعداد المرأة بتعليمها وتأهيلها لأعمال غير شاقة وغير مهينة ولا تعرضها لابتزاز أو تحرشات أخلاقية.
إلى هنا والكلام جيد ومنطقي، ولكن لأن هذه المقدمات كانت مبتسرة ومنتقاة فقد أدت إلى نتائج أكثر سوءاً من الواقع المراد علاجه، وهو أن المرأة أصبحت مبتذلة أمام جميع الأفراد، وأن المشقة التي لاحقتها أنستها تميزها النوعي الأنثوي، وأفقدتها وظيفتها الاجتماعية، ومن ثم أثر ذلك كله على المجتمع بكامله.
ولو أضيف إلى المقدمات السابقة المقدمات الأخرى (الساقطة عمداً) فلربما تغيرت النتائج نحو الأفضل، ومن هذه المقدمات:
1 - وجود خصائص تكوينية ونفسية للمرأة تقتضي تفردها وعدم الضغط عليها بأعمال لا تناسبها حتى وإن كانت أعمالاً شريفة أو تناسب الرجال.
2 - أن عدم أداء المرأة لعمل مهني لا يعني عدم أدائها لدور فعال في المجتمع.
3 - أن عمل المرأة لا يعني التفريط في هوية مجتمعاتنا أو تعاليم ديننا والتي منها: التكافل الاجتماعي، والتزام المرأة بحجابها الشرعي بالمفهوم الشامل، ونظام الأسرة في الإسلام.
4 - أن ما سبق كله يقتضي:
أ - إيجاد تعليم نوعي وإعداد خاص للمرأة يناسب طبيعتها، ولا يتعارض مع هوية مجتمعها وتعاليم دينها.(58/30)
ب - أن يكون القائمون على هذا التعليم والإعداد مؤتمنين ومهيئين لأداء هذه الرسالة.
ج - وجود إطار إسلامي عام تلتزم به المرأة المسلمة إذا خرجت للعمل.
د - البحث عن وسائل فعالة تساعد المرأة المتعلمة والعاملة على أداء رسالتها الاجتماعية الأساس.
فإذا أضيفت هذه المقدمات إلى المقدمات السابق ذكرها لاختلفت النظرة واختلف الاتجاه واختلفت النتائج.
* قوى تحرير المرأة والضرب تحت الحزام:
لم تكن دعوة تحرير المرأة نابتة في بلادنا نبتاً طبيعياً، بل كانت نتيجة وجود تطورات استثنائية استخدمت فيها أساليب قسرية لإعادة تشكيل مجتمعنا حسب رؤية جديدة.
ولم يتوان دعاة هذه الدعوة عن استخدام أساليب غير نظيفة والاستعانة بقوى غير بريئة وتحت مستوى الشبهات.
فقد كانت أول المحاولات لـ (تحرير) المرأة المصرية من إطارها الاجتماعي الإسلامي على يد زعيم الحرب الفرنسي نابليون بونابرت وعسكره أثناء حملتهم على مصر والشام، فكما يذكر الجبرتي فإن أعضاء هذه الحملة فتحوا المجال ـ وأحياناً حملوا ـ على تمرد بعض النساء؛ حيث يقول: «ومنها [أي: أحداث سنة 1215هـ] تبرج النساء وخروج غالبهن عن الحشمة والحياء، وهو أنه لما حضر الفرنسيس إلى مصر ـ ومع البعض منهم نساؤهم ـ كانوا يمشون في الشوارع وهن حاسرات الوجوه لابسات الفستانات والمناديل الحرير الملونة، ويسدلن على مناكبهن الطُرَح الكشميري والمزركشات المصبوغة، ويركبن الخيول والحمير ويسوقونها سوقاً عنيفاً مع الضحك والقهقهة ومداعبة المكارية [سائقي الحمير] معهم وحرافيش العامة، فمالت إليهم نفوس أهل الأهواء من النساء الأسافل والفواحش، فتداخلن معهم لخضوعهم للنساء وبذل الأموال لهن، وكان ذلك التداخل أولاً مع بعض احتشام وخشية عار ومبالغة في إخفائه؛ فلما وقعت الفتنة الأخيرة بمصر [القاهرة] وحاربت الفرنسيس بولاق وفتكوا في أهلها وغنموا أموالها وأخذوا ما استحسنوه من النساء والبنات صرن مأسورات عندهم فزيُّوهن بزي نسائهم، وأجروهن على طريقتهم في كامل الأحوال، فخلع أكثرهن نقاب الحياء بالكلية، وتداخل مع أولئك النساء المأسورات غيرُهُن من النساء الفواجر»(1).
ثم في عهد محمد علي وخلفائه انفتحت الدولة على الغرب فأرسلت البعثات إلى أوروبا وفتحت البلاد أمام نشاط الإرساليات التنصيرية تحت رعاية رجال الدولة، فبدأ تعليم البنات على يد هذه الإرساليات ـ كما سبق ذكره ـ، واستغل نصارى الشام وأصحاب الاتجاهات التغريبية هذه الفرصة فنشطوا في مجال الصحافة والفن محتمين ـ على وعي ـ بالقوى السياسية والمتنفذين في الدولة.
ثم كان الاحتلال الإنجليزي أكثر دهاءً من الفرنسيين، فأسند عملية التغريب ـ ومنها تحرير المرأة ـ إلى أيادٍ مصرية من الموالين له المتشربين لثقافته، فعملوا تحت حمايته بواجهة وطنية، فكان من هؤلاء: الشيخ محمد عبده، والقاضي قاسم أمين، والمحامي مرقص فهمي، ومنصور فهمي (والد صفية زغلول)، وأحمد لطفي السيد.
إلا أن سعد زغلول يعد أخطر هؤلاد دوراً؛ حيث كان على صلة وثيقة بالإنجليز، متشبعاً بأفكارهم، مقرباً إليهم، وفي الوقت نفسه كان أزهرياً، واستطاع بمقدرته الخطابية التي برز فيها وبألاعيبه السياسية أن يكتسب شعبية جارفة جعلت (الجماهير) المخدوعة تقبل منه ما لا تقبله من غيره.. ولم يترك سعد فرصة للترويج لـ (تحرير) المرأة إلا اغتنمها، فكان هو المنفذ العملي لهذه الدعوة، حتى إنه كان يشترط على السيدات اللواتي يحضرن لسماع خطبه أن يزحن النقاب عن وجوههن، ثم كان هو أول من نزع الحجاب عن المرأة المصرية عندما دخل بعد عودته من المنفى إلى سرادق المستقبلات من النساء، فاستقبلته هدى شعراوي بحجابها، فمد يده ونزع الحجاب عن وجهها وهو يضحك.
وما زالت هذه الأساليب (غير النظيفة) مستمرة عبر قوانين وقرارات سيادية تجبر المرأة قسراً على سلوك نهج معين هو النهج الغربي العلماني، وتصدها وتحاربها للحيلولة دون التحول إلى نهج دينها وشريعة ربها.
-------------------------
(1) حبيب أمين كوراني، تفاعل الفكر الإسلامي بالفكر الغربي في البلاد العربية، ضمن كتاب (الشرق الأدنى ـ مجتمعه وثقافته)، تحرير: ت. كويل رينج، ترجمة: الدكتور عبد الرحمن محمد أيوب، ص 206 ـ 207.
(2) أمنية شاكري، الأم المتعلمة واللعب المقنن..، ترجمة: خالد عبد المحسن، ضمن كتاب: الحركة النسائية والتطور في الشرق الأوسط، حررته بالإنجليزية: ليلى أبو لغد، ص 136- 137.
(1) النهضة النسائية في مصر، الثقافة والمجتمع والصحافة، تأليف: بث بارون، ترجمة: لميس النقاش، ص 24.
(1) المصدر السابق، ص 27.
(1) الإقطاع الفكري، الدكتور عبد الحي دياب، ص 26.
(2) انظر: النهضة النسائية في مصر، ص 122.
(3) المصدر السابق، ص 131.
(4) تاريخ جامعة القاهرة، ص 118.
(1) تاريخ الجبرتي، ج 2، ص 436.
شعبان 1423هـ *أكتوبر - نوفمبر 2002م
المصدر : http://albayan-magazine.com
================(58/31)
(58/32)
الأمم المتحدة دعت إلى تحرير المرأة من كل شيء
محمد جمال عرفة
هل تصدقون أن مؤتمر الأمم المتحدة للمرأة (بكين +10) الذي عقد في الفترة من 28 فبراير 2005 حتى 11 مارس الماضي، سمح للشواذ والمنحلات أخلاقياً بعرض مشكلاتهم والمطالبة بإجبار وعقاب الدول التي لا تلتزم بهذا، وبالمقابل رفض بشدة وتجاهل مطالب المنظمات الإسلامية بعرض وجهة النظر الإسلامية الصحيحة في قضية المرأة؟؟.
وهل تصدقون أن نساءً من عالمنا العربي والإسلامي وقفن أمام المؤتمر وهن يطالبن بإجبار الحكومات العربية والإسلامية على تطبيق مقررات بكين حرفياً بما فيها تعليم الفتيات الجنس منذ الصغر، والسماح بما يسمى ممارسة آمنة للجنس، والسماح بالإجهاض والحمل، ورعاية الدولة للفتيات اللاتي يحملن سفاحاً، وعدم مضايقة الشواذ جنسياً من الرجال أو النساء!!.
وهل تصدقون أيضاً أن معظم الدول العربية والإسلامية التي شاركت في مؤتمر (بكين+10) لم تعترض على أي فقرة من فقرات مقررات بكين بسبب حالة الجهل المتفشية بين الدبلوماسيين العرب والمسلمين عن تعاليم الإسلام تارة، والخشية من أن يقال إن الإسلام دين رجعي إن هم اعترضوا على الحرية الجنسية مثلاً تارة أخرى، وأن الدولة الوحيدة التي اعترضت هي أمريكا ومعها الفاتيكان!!.
المنظمة الدولية منعت الائتلاف الإسلامي للمنظمات الإسلامية من إلقاء بيانه أمام الوفود الرسمية رغم إدراجه في قائمة المتحدثين، والأغرب أنه تم استبدال ببيان منظمة نسوية من أمريكا اللاتينية به..طالب بإعطاء جميع أنواع الحريات للمرأة وضرورة التزام الحكومات بالتطبيق الكامل لوثيقة بكين!؟.
جلسات الاضطهاد!
لقد وصلت درجة التبجح في مؤتمر الأمم المتحدة الأخير إلى حد عقد عشرات الجلسات عن الجنس واضطهاد المرأة المسلمة مثل:
جلسة عن أن الامتناع عن الجنس يتعارض مع الحقوق الجنسية للإنسان وقد عقدته جمعية للشواذ تسمى لجنة الشاذين والشاذات العالمية لحقوق الإنسان.
جلسة ثانية بعنوان: رفع العنف عن المرأة في المجتمعات الإسلامية نظمته جمعية Women lea r ning pa r tne r ship)) (WLP) تحدثت فيها (سكينة ياكوبي) رئيسة مؤسسة تعليم الأفغان عن ضرورة أن تتعلم النساء كيف يفسرن القرآن لأنفسهن إعادة تفسير النص، وذلك حتى يتوصلن إلى مبادئ الديموقراطية وحقوق النساء!.
جلسة أخرى بعنوان: النساء العربيات يتكلمن، نظمتها جمعية عربية تسمى مركز قضايا المرأة المصرية دعت فيها للعمل على تغيير قوانين الأحوال الشخصية لتنفيذ مساواة الجندر.
والمشكلة الكبرى أن ائتلاف المنظمات الإسلامية الذي أعد دراسات مختلفة تبين البديل الإسلامي لمفهوم الجندر وتنتقد بعض بنود وثيقة بكين ومنها دراسة د. عبدالعظيم المطعني التي عرضتها المجتمع في عدد سابق حاول عرض هذه الدراسات التي تبين التحفظات الإسلامية وموقف الشريعة من بعض بنود الوثيقة، مع فتوى لمفتي مصر بشأن مفهوم الجندر، على رؤساء الوفود العربية مثل الوفد المصري والجزائري كي يشاركوهم التحفظ على هذه البنود فلم يهتم أحد، ووصل الأمر بمندوب البعثة الجزائرية الدائمة إلى القول إنه مقتنع بالتحفظات، لكنه حاول جاهداً أن يبين أن سكوتهم إنما هو لعدم مخالفة أمريكا، متجاهلاً بذلك النتائج الخطيرة التي يمكن أن تنعكس آثارها على المجتمعات الإسلامية، وكررت الكلام نفسه والتبريرات كل الوفود العربية والإسلامية!!.
ثقافة العفة!
وفي ظل تجاهل الأمم المتحدة لإعطاء ائتلاف المنظمات الإسلامية الكلمة رغم أنه كان مقرراً أن يلقي كلمته في المرتبة الثانية قام الائتلاف بتوزيع بيان رداً على هذا التجاهل يدعو فيه دول العالم لاحترام التعددية الدينية والثقافية والهوية الخاصة بالشعوب لأن مشكلات المرأة تختلف تبعاً للثقافات والمجتمعات، والحلول تختلف تبعاً لها، وطالب بتحقيق المساواة في إطار مفهوم العدالة والإنصاف، لأن المساواة المطلقة تفترض المماثلة الكاملة وتؤدي إلى النديّة والصراع.
وأكد الائتلاف في البيان الذي حصلت عليه المجتمع ضرورة وضع حلول جذرية تتعامل مع المشكلات برؤية متكاملة، وتأخذ في الاعتبار الحيلولة دون قيام المشكلة وليس الاقتصار على علاج آثارها مشدداً وسط جهود دولية لإباحة الإجهاض والاعتراف بالشذوذ الجنسي على أن الإسلام عالج مشكلات مثل الأمراض التي تنتقل جنسياً كالإيدز وحمل المراهقات عن طريق ترسيخ ثقافة العفة والابتعاد عن الممارسة (الجنسية) خارج إطار الزواج دون انتظار لتفشي تلك المشكلات ثم الانشغال بعلاج آثارها.
وأكد الائتلاف في بيانه ضرورة النظر إلى كل من المرأة والرجل في سياقهما الاجتماعي بما يحافظ على مصالح الأسرة والمجتمع وعدم الاستغراق في الفردية.
الأمر الواقع!(58/33)
وفي الجلسة الأخيرة للمؤتمر صادقت الدول جميعاً بما فيها الدول العربية والإسلامية والاتحاد الأوروبي على إعلان (بكين+10) الذي يؤكد الالتزام بإعلان بكين ومنهاج العمل و(بكين+5)، بينما أكدت أمريكا والفاتيكان على تمسكهما بتفسيرهما لوثيقة بكين بأنها لا تستحدث حقوقاً جديدة للإنسان (أي أنها غير ملزمة قانوناً) بما فيها حق الإجهاض، كما أكدا على تمسكهما بالتحفظات السابقة على بكين 1995. والغريب أن الاجتماعات تضمنت مطالب مغالى فيها من قبل المنظمات النسائية في ظل صمت عربي وإسلامي ودعوات لإجبار الحكومات على تنفيذ وثيقة بكين رغم مخالفة بعض بنودها للشريعة.
وقدمت المنظمات النسوية العربية التي شاركت في المؤتمر بياناً باسم المنظمات غير الحكومية العربية، طالبن فيه الحكومات بالالتزام الكامل بمنهاج عمل بكين على مستوى التشريعات السياسية والآليات المؤسسية، وضرورة التصديق على اتفاقية سيداو لمن لم يصدق عليها ورفع التحفظات عنها، كما طالبن الحكومات العربية بتبني مشروع الإعلان الصادر عن هذه الدورة (إعلان بكين +10) كما هو وبدون تعليق.
أخطار التصديق
وفي هذا الصدد أكدت المهندسة كاميليا حلمي مديرة اللجنة الإسلامية العالمية للمرأة والطفل ومنسق ائتلاف المنظمات الإسلامية أن: أخطر ما ورد في الإعلان أمران:
(الأول) تأكيد الدول والحكومات على الالتزام الكامل والفعال بتطبيق إعلان بكين ومنهاج العمل ووثيقة (بكين+5)، مع عدم الإشارة إلى التحفظات التي وضعتها الدول على بعض بنود الوثيقة.
(الثاني) ما ورد في البند الرابع من الإعلان من الربط بين وثيقة بكين، واتفاقية سيداو (القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة) في محاولة لإعطاء وثيقة بكين مزيداً من القوة والإلزامية، حيث إن اتفاقية سيداو هي اتفاقية ملزمة قانوناً لمن وقع عليها من الدول متجاوزة المرجعيات الدينية والثقافية للشعوب، بينما وثيقة بكين تضع سياسات وآليات تطبقها الدول بما لا يتعارض مع دساتيرها وثقافاتها وتقاليدها، والربط بين الوثيقتين يستمد من اتفاقية سيداو بعضاً من إلزاميتها ليضيفه إلى وثيقة بكين!.
خدمات تثقيفية: وأضافت أن أخطر ما في وثيقة بكين هو المطالبة بتقديم خدمات الصحة الإنجابية للأطفال والمراهقين والتي تشتمل على:
1- التثقيف الجنسي للأطفال والمراهقين من خلال التعليم والإعلام وذلك لتعليم الأطفال ما يسمى بالجنس الآمن أي كيفية ممارسة الجنس، مع توقي حدوث الحمل، أو انتقال مرض الإيدز.
2- توفير وسائل منع الحمل للأطفال والمراهقين في المدارس.
3- إباحة الإجهاض بحيث يكون قانونياً وبالتالي يتم إجراؤه في المستشفيات والعيادات.
وهناك أمر آخر لا يقل عن سابقه أهمية وخطورة كما تقول د. كاميليا هو المطالبة بإلغاء كافة الفوارق بين الرجل والمرأة، حتى البيولوجية منها، والوصول إلى التطابق والتماثل التام بينهما، بدعوى الارتقاء بالمرأة وضمان حصولها على حقوقها كاملة وذلك من خلال ما يعرف بمساواة الجندر Gende r Equality وهو ما يعني توحيد الأدوار التي يقوم بها الرجل والمرأة وفصل هذه الأدوار عن التكوين البيولوجي لكل منهما، وبالتالي فليس بالضرورة أن تقوم المرأة بدور الأمومة، أو أن يقوم الرجل بدور ريادة الأسرة (القوامة) مما يشكل خطراً جسيماً على استقرار الأسرة واستمراريتها، كما يستنبط من هذا المصطلح أيضاً الاعتراف بالشاذين والشاذات، ومنحهم نفس الحقوق التي يتمتع بها الأسوياء من زواج وإرث وغيرهما من الحقوق!.
فتاوى من مصر والمجلس الأوروبي
وكانت السيدة كاميليا حلمي قد سعت للحصول على فتاوى من مفتي مصر ومن المجلس الأوروبي للإفتاء قبل المؤتمر بشأن بنود الوثيقة وتعارض بعضها مع الإسلام؛ بيد أن هذه الفتاوي تجاهلتها معظم الوفود العربية الرسمية قبل الأجنبية.
لقد حرص ائتلاف المنظمات الإسلامية على تلخيص وجهة النظر الإسلامية في مسألة الجندر بأنه يجب التعامل مع جذور المشكلة وليس مع أعراضها، ولذلك دعا إلى التمسك بكل التحفظات على ما يتعارض مع الشريعة الإسلامية، وبخصوص الإجهاض أكد أنه لا يعتبره حقاً مطلقاً للمرأة خارج ما تجيزه الشريعة الإسلامية، ولكن جهل الوفود الرسمية العربية بشؤون دينها، وغلبة تيار الجمعيات النسوية الغربية والشرقية المنحلة في المؤتمر حسم الجولة لصالح هدم نظام الأسرة كما نعرفه، وسمح للشواذ والزناة بالجهر بمعصيتهم تحت حماية دولية!!.
http://muslema.com المصدر:
==============(58/34)
(58/35)
لماذا الخوف من تحرير المرأة ؟
دلت الأدلة الشرعية على حرمة الاختلاط بكافة صوره وأشكاله اتفق عليها العلماء بلا خلاف، و تناقض العقل السليم المبصر بالواقع و حاله مع دعاة التحرير و التبرج و السفور.
كان ذلك كافياً و مقنعاً لكل طالب حق، لكن البعض قد يستفيدون من كلام الغرب و يقبلونه أكثر من كلام الله و رسوله - عليه الصلاة والسلام - و أقوال علماء المسلمين، لهذا سوف أذكر بعض من دراساتهم و نتائج أبحاثهم و أقوالهم التي منها:
1. فوكوياما (ديلي تلغراف) تناول دور المرأة في انهيار النظام الاجتماعي الغربي بسبب الحرية المدمرة، حيث تحدث عن الفرق بين النظام الاجتماعي الغربي و النظام الاجتماعي في دول آسيا فيقول:
إن من أسباب عدم حصول المشكلات الاجتماعية في دول آسيا (أنها حدت بقوه من مساواة المرأة) و يضيف بأن الدول الغربية إذا أرادت أن تستحدث قوانين تبعد المرأة عن أسواق العمل و لم تسمح بإعطاء أجور مساوية للرجل، فإن ذلك سيؤدي إلى اعتماد المرأة على الرجل و بالتالي يساعد في إعادة الأسرة المكونة من أبوين.
أما السبب الذي قاد فوكوياما إلى هذه النظرة فهو أنه نظر إلى الأمراض الاجتماعية التي أصابت المجتمعات الغربية في الثلاثين سنة الماضية فوجد أنها ترجع إلى حصول المرأة على قدر كبير من الحرية، ويربط فوكوياما بين التطور الاقتصادي والبناء الأسري فيرى أن الزواج والأسرة يبنيان الرأسمال الاجتماعي وهو الذي تعتمد عليه المجتمعات وإن التراجع في الرأسمال الاجتماعي تبعه بلا شك تراجع في الأسرة.
2. أفاد تقرير الجمعية الأمريكية لعلم النفس أن الفتى أو الفتاة (في سن المراهقة) الذي يتناول وجبة واحدة مع كبير الأسرة (الأم أو الأب) يكون أقل عرضة للإدمان و الضياع و التشرد. (إذاعة صوت أمريكا)
3. نشرت الشرق الأوسط خبر صدور كتيب الإرشادات للمرأة و قدمت له قائلة (في الوقت تتصاعد فيه باستمرار جرائم الاغتصاب في بريطانيا ليس فقط ليلاً أو في الأماكن المهجورة بل أيضاً في وضح النهار و في الأماكن العامة) يحتوي الكتيب على نصائح كثيرة بخصوص ركوب المرأة في وسائل النقل العامة، أو السير في الشوارع و غيرها.
4. فيلب لاركن يرى أنه منذ عام 1963م بدأ التدهور الاجتماعي في الغرب بظهور التحكم في النسل والمساواة في الأجور بين الرجال والنساء، فحيث أن النساء يستطعن أن يسيطرن على خصوبتهن ويعلن أنفسهن وأولادهن، ومن هنا أصبح الطلاق وغياب الأب ممكناً بل أصبحت أمراً مرغوباً، وبالتالي تم التقليل من شأن الأبوة، وهكذا فالأطفال الذين عاشوا بلا آباء أنجبوا فيما بعد أطفالاً بلا آباء.
5. واكتشفت الدراسات الغربية مخاطر الاختلاط في التعليم على التحصيل العلمي -لم يذكروا الأخطار الأخلاقية- فسعت بعض المدارس البريطانية للفصل بين الذكور والإناث في بعض الدروس للرفع من مستوى الطلاب، وقد أثبت نتائج امتحانات الثانوية العامة في بريطانيا العام الماضي تفوق المدارس غير المختلطة، ولكن الغرب مبتلى بأن أصحاب القرار لم يعجبهم مثل هذه الخطوات فعدوها صورة من صور الرجعية، وهكذا فالعودة إلى الفطرة الصحيحة تعد رجعية.
6. قالت الكاتبة الإنجليزية اللادي كوك: إن الاختلاط يألفه الرجال ولهذا طمعت المرأة بما يخالف فطرتها وعلى كثرة الاختلاط تكون كثرة أولاد الزنا وهاهنا البلاء العظيم على المرأة.
إلى أن قالت علموهن الابتعاد عن الرجال أخبروهن بعاقبة الكيد الكامن لهن بالمرصاد.
7. قال شوبنهور الألماني: قل هو الخلل العظيم في ترتيب أحوالنا الذي دعا المرأة لمشاركة الرجل في علو مجده وباذخ رفعته وسهل عليها التعالي في مطامعها الدنيئة حتى أفسدت المدينة الحديثة بقوى سلطانها ودنيء آرائها.
8. قال اللورد بيرون: لو تفكرت أيها المطالع فيما كانت عليه المرأة في عهد قدماء اليونان لوجدتها في حالة مصطنعة مخالفة للطبيعة ولرأيت معي وجوب إشغال المرأة بالأعمال المنزلية مع تحسن غذائها وملبسها فيه وضرورة حجبها عن الاختلاط بالغير.
9. قال صامويل سمايلس الإنجليزي: إن النظام الذي يقضي بتشغيل المرأة في المعامل مهما نشأ عنه من الثروة للبلاد فإن نتيجته كانت هادمة لبناء الحياة المنزلية لأنه هاجم هيكل المنزل وقوض أركان الأسرة ومزق الروابط الاجتماعية، فإنه يسلب الزوجة من زوجها والأولاد من أقاربهم صار بنوع خاص لا نتيجة له إلا تسفيل أخلاق المرأة إذ وظيفة المرأة الحقيقية هي القيام بالواجبات المنزلية مثل ترتيب مسكنها وتربية أولادها والاقتصاد في وسائل معيشتها مع القيام بالاحتياجات البيتية ولكن المعامل تسلخها من كل هذه الواجبات بحيث أصبحت المنازل غير منازل وأضحت الأولاد تشب على عدم التربية وتلقى في زوايا الإهمال وطفأت المحبة الزوجية وخرجت المرأة عن كونها الزوجة الظريفة والقرينة المحبة للرجل وصارت زميلته في العمل والمشاق وباتت معرضة للتأثيرات التي تمحو غالبا التواضع الفكري والأخلاقي الذي عليه مدار حفظ الفضيلة.(58/36)
10. قالت الدكتورة ايد إيلين: إن سبب الأزمات العائلية في أمريكا وسر كثرة الجرائم في المجتمع هو أن الزوجة تركت بيتها لتضاعف دخل الأسرة فزاد الدخل وانخفض مستوى الأخلاق ثم قالت إن التجارب أثبتت أن عودة المرأة إلى الحريم هو الطريقة الوحيدة لإنقاذ الجيل الجديد من التدهور الذي يسير فيه. وقال أحد أعضاء الكونجرس الأمريكي: إن المرأة تستطيع أن تخدم الدولة حقا إذا بقيت في البيت الذي هو كيان الأسرة.
11. قال عضو آخر: إن الله عندما منح المرأة ميزة إنجاب الأولاد لم يطلب منها أن تتركهم لتعمل في الخارج بل جعل مهمتها البقاء في المنزل لرعاية هؤلاء الأطفال.
12. قال شوبنهاور الألماني أيضا: اتركوا للمرأة حريتها المطلقة كاملة بدون رقيب ثم قابلوني بعد عام لتروا النتيجة ولا تنسوا أنكم سترثون معي للفضيلة والعفة والأدب وإذا مت فقولوا: أخطأ أو أصاب كبد الحقيقة ذكر هذه النقول كلها الدكتور مصطفى حسني السباعي - رحمه الله - في كتابه المرأة بين الفقه والقانون.
27 - 03 - 2005
http://www.islamway.com المصدر:
=============(58/37)
(58/38)
مسيرة تحرير المرأة من خلال بعض دعاتها البارزين ( 1 )
عبد الله زقيل
الحمد لله وبعد؛
إن من الدعوات الخطيرة التي تنتشر في بلاد المسلمين، دعوة " تحرير المرأة ". هذه الدعوة الخبيثة بدأت في مصر من خلال دعاة لها تأثروا بما عند الغرب من حضارة وتقدم، والأدهى والأمر أنها بدأت من خلال أناس انتسبوا إلى العلم.
ومن خلال هذا الموضوع سنلقي الضوء على بعض دعاة تحرير المرأة، وما حملوا من أفكار لنشر هذه الدعوة الخبيثة.
لقد شخص الدكتور محمد محمد حسين سبب هذه الدعوة الخبيثة فقال في كتابه " الإسلام والحضارة الغربية " (ص 14):
...وأمام هذا الشعور بالخطر بدأ الإحساس بضرورة تعزيز الجيوش إلى البلاد الإسلامية، وتطلع المسلمون إلى الأخذ بأساليب البلاد الغربية في تنظيم جيوشها وتسليحا، وعزموا على نقل العلوم الغربية لتحقيق هذا الهدف.واتخذ هذا النقل طريقين:
* أُرسِلت بعثات إلى البلاد الأوربية في بعض الأحيان.
* واستُقدِمَ أساتذة وخبراء غربيون في أحيان أخرى للتدريس في المعاهد العلمية على اختلاف أنواعها ودرجاتها. ا. هـ.
وصدق - رحمه الله - فالذي ينظر إلى رؤوس هذه الدعوة يجد أنهم ممن تأثروا بما عند الغرب سواء ذهبوا إلى تلك البلاد، أو سمعوا بما عندهم من التقدم والمدنية الزائفة.
ولنأخذ بعضا من رؤوس دعاة تحرير المرأة في مصر وغيرها لكي نكون على حذر ممن يندسون في صفوف المسلمين من أمثالهم.
1 - رفاعة الطهطاوي (1216 - 1290هـ = 1801 - 1873م):
قال د/ البرازي في كتاب " حجاب المسلمة بين انتحال المبطلين وتأويل الجاهلين " (2/406):
هو واعظ مصري. صحب البعثة المصرية المتوجهة إلى فرنسا كإمام لها غير أنه فُتِنَ بأفكار الثورة الفرنسية، لِمَا كان عليه المجتمع الإسلامي - آنذاك - من ضعف ديني، وتخلف سياسي.
وحين عاد إلى مصر حمل معه الروح الجديدة المتأثرة بالفرنسيين وعاداتهم، خصوصا فيما يتعلق بالمرأة، فكتب ثلاثة كتب كانت بذور الدعوة الأولى لما يسمى: بـ " تحرير المرأة ".
وهذه الكتب هي:
1 - تلخيص الإبريز في تلخيص باريز.
2 - مناهج الألباب المصرية في مباهج الآداب العصرية.
3 - المرشد الآمين للبنات والبنين. ا. هـ.
وكتاب " تلخيص الإبريز في تلخيص باريز " كتبه الطهطاوي أثناء إقامته في فرنسا، وعرضه على أستاذه " جومار " قبل أن ينشره بعد عودته.
وقال د / محمد محمد حسين في كتاب " الإسلام والحضارة الغربية " عن دور رفاعة الطهطاوي:
وكان من أعضاء الجيل الأول لهؤلاء المبعوثين الشيخ " رفاعة الطهطاوي "، الذي أقام في باريس خمس سنوات " من 1826 - 1831م " تقريبا، وكان قد رافق البعثة المصرية كواعظ وإمام لها، وما أن عاد إلى مصر حتى بدأ يبذر البذور الأولى لكثير من الدعوات التي تحمل جراثيمها معه من فرنسا، مثل الدعوة إلى فكرة " الوطنية القومية " بمفهومها المادي المحدود المنابذ للرابطة الإسلامية بين المسلمين مهما تباعدات أوطانهم، وكذا استوحى من واقع الحياة الفرنسية أفكارا عن المرأة هي أبعد عن شرائع الإسلام وآدابه، وقد تجلى في مواقفه الجريئة من قضايا تعليم الفتاة، وتعدد الزوجات، وتحديد الطلاق، واختلاط الجنسين، حيث ادّعى في كتابه " تلخيص الإبريز في تلخيص باريز " (ص305) أن " السفور والاختلاط بين الجنسين ليس داعيا إلى الفساد "، وذلك ليبرر دعوته إلى الاقتداء بالفرنسين حتى في إنشاء المسارح والمراقص، مدعيا أن الرقص على الطريقة الأوربية ليس من الفسق في شيء بل هو أناقة وفتوة، وأنه لا يخرج عن قوانين الحياء، ودعا المرأة إلى التعلم حتى تتمكن من تعاطي الأشغال والأعمال التي يتعاطاها الرجال. ا. هـ.
وقال د / السيد أحمد فرج في كتاب " المؤمراة على المرأة المسلمة " (ص38):
وكانت دعوة جريئة من رفاعة لم يجد لها معارضا خاصة وأن حاكم البلاد قد بارك دعوته، وبارك أول كتاب وضعه رفاعة وهو " تلخيص الإبريز في تلخيص باريز " يبرز فيه تقدم الغرب، ويُحسن لمواطنيه الانتفاع بتقدمه، وأكثر من هذا فقد قرأ " محمد علي " الكتاب قبل نشره بناء على تزكية له من الشيخ حسن العطار شيخ الأزهر فأمر بطبعه، وأصدر أمره بقراءته في قصوره، وتوزيعه على الدواوين، والمواظبة على تلاوته، والانتفاع به في المدارس المصرية، بل إنه أمر بعد ذلك بترجمته إلى التركية. ا. هـ.
وقال الشيخ محمد بن إسماعيل المقدم في كتابه الرائع " عودة الحجاب " " القسم الأول " (ص 27):(58/39)
لقد كان رفاعة أول من وضع الأفكار النظرية موضع التنفيذ، وأول من أنتج عملا فكريا يمهد لخطة اجتماعية عملية، وتجلى ذلك في مؤلفيه " تلخيص الإبريز " و " المرشد الأمين " الذي ألفه بناء على أمر الخديوي إسماعيل وذلك عام (1872م) قبل افتتاح أول مدرسة للبنات ترعاها الحكومة بعام واحد، وقبل موت رفاعة بأعوام قليلة، ولما كان الخديوي إسماعيل يقود - في بداية تلك المرحلة - حركة التحديث في كل ميادين السياسية والفكرية والاجتماعية، فقد حاول بعد ذلك أن يقنع أهل الرأي بتأليف كتاب في الحقوق والعقوبات يطبقه في المحاكم، بحيث يكون سهل العبارة، مرتب المسائل على نحو ترتيب القوانين الأوربية، ولكن رفض أهل الرأي من مشايخ الأزهر هذه الدعوة، فطلب الخديوي من الشيخ رفاعة إقناعهم بقبول ذلك، ولكنه اعتذر عن ذلك على الوجه الذي وصفه الشيخ رشيد رضا في كتاب تاريخ الإمام محمد عبده على الوجه التالي:
قال الشيخ رشيد: حدثني علي باشا رفاعة بن رفاعة بك الطهطاوي قال: إن إسماعيل باشا الخديوي لما ضاق بالمشايخ ذرعا، استحضر والده رفاعة بك، وعهد إليه أن يجتهد في إقناع شيخ الأزهر وغيره من كبار الشيوخ بإجابة هذا الطلب، وقال له: إنك منهم، ونشأت معهم، وأنت أقدر على إقناعهم، فأخبرهم أن أوربا تضطرب إذا هم لم يستجيبوا إلى الحكم بشريعة نابليون فأجابه بقوله: إنني يا مولاي قد شخت، ولم يطعن أحد في ديني، فلا تعرضني لتكفير مشايخ الأزهر في آخر حياتي، وأقلني من هذا الأمر، فاقاله. ا. هـ. كلام رشيد رضا.
وكان أن انزوى الطهطاوي بعيدا عن مكان الصدارة، وانتأى بعيدا، ليحتل مكانه الشيخ محمد عبده الذي كان في ذلك الوقت في شرخ الشباب، يحدوه جرأة الشباب وإقدامه، وهنا تبدأ مرحلة جديدة من مراحل " تحرير المرأة ". ا. هـ. كلام محمد المقدم.
فهذا ملخص للبذرة الأولى من بذور دعاة تحرير المرأة على يد رفاعة الطهطاوي، وسنأتي على باقي الدعاة.
وليعلم أن هذا السرد التاريخي ليس الهدف منه مجرد الترف الفكري، بل أخذ العبرة والاستفادة من هذا التاريخ، فليتنا نحاول من خلال هذا السرد التاريخي أن نستخرج الدروس والعبر، وذلك من خلال ما لدى الرواد من طرح.
http://saaid.net المصدر:
================(58/40)
(58/41)
الدعوة إلى تحرير المرأة
موسوعة خطب المنبر - (ج 1 / ص 452)
عبد الرحمن بن عبد العزيز السديس
مكة المكرمة
جامع الفرقان
الخطبة الأولى
أما بعد:
فيا عباد الله: لا يزال المنافقون من أهل العلمنة والتغريب ومن اغتر بدعواهم يطالعوننا المرة بعد المرة بأقوال وآراء عبر صحفنا اليومية تخالف ثوابتنا الشرعية ومسلماتنا الإعتقادية يلبسون لبوس الغيرة على الدين أحيانا ولبوس النهضة بالاقتصاد أحيانا أخرى ويطرحون أفكارا خاوية لا تتفق وواقعنا المحافظ على دينه وما هم إلا حفنة قليلة من المتأثرين بالغرب اللاهثين خلف ما يفد منه ولو كان فيه حتفنا ولو كان الغرب قد ذاق مرارته ونادى بالويلات والثبور من جرائه فيصدق عليهم بذلك قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه، قالوا: يا رسول الله اليهود والنصارى؟ قال: فمن؟)) إن هؤلاء المسعورين من العلمانيين والمستغربين ومن سار في فلكهم ممن يتباكون على وضع المرأة في بلادنا هم أعداء المرأة حقا ولعلمهم بواقع مجتمعنا واختلافه عن سائر المجتمعات التي عانت من الاستعمار دهورا فإنهم يتسللون بأفكارهم التحررية ودعوتهم للانحلال من خلال قضايا شرعية يحاولون أن يجعلوها مجال نقاش وأخذ ورد فحين يطالب أحدهم مثلا بالبخنق الذي تلبسه نساء ماليزيا أترونه صادقا في مطالبته هل سيرضى بالوقوف عند هذا الحد أم أنها خطوات الطريق الطويل اللاحب الذي يراد جر المرأة إليه في بلادنا وهل قدوته ماليزيا حقا أم إن قدوته هناك حيث العري والاختلاط والعار والشنار وهل واقعه الآن يشهد بحسن سيرته وطيب طويته وسلامه مشربه أم هو بحاجة إلى إصلاح حاله ثم من نصبه وكيلاً لبنات آدم يطالب لهن بحقوقهن بزعمه ثم ينسف في طريقه مسلمات شرعية وثوابت عقدية بصريح العبارة أو بتلويحها ولحنها: أم حسب الذين في صدورهم مرض أن لن يخرج الله أضغانهم ولو نشاء لأريناكهم فلعرفتهم بسيماهم ولتعرفنهم في لحن القول والله يعلم أعمالكم لقد طار العلمانيون والمستغربون ومن انخدع بهم بكلمة قالها ولي العهد وعلق عليها مصدر لم يصرح باسمه نشر تعليقه في جريدة الشرق الأوسط وجريدة الحياة ومما جاء في تعليقه: إن الكلمة المشار إليها تعد الطلقة الأولى للحوار حول المرأة السعودية وتحريك دورها وتابع يقول: إن البعض يتناول قضايا هامشية وقشور مثل قيادة المرأة للسيارات وغطاء الوجه فالموضوع الأول تمت مناقشته في مجلس الشورى وهي قضية تقنية بحاجة مثلا لشرطة نسائية تتولى تنظيمها وأما الثاني فهي قضية خلافية هكذا يقول هذا المصدر الذي لم يصرح باسمه وتابع قائلا: وإذا أردنا مجتمعا دون اختلاط فإننا سنخلق مجتمعاً منقسماً وشاذاً وزاد: حان الوقت لمساهمة المرأة السعودية في المسيرة التنموية وحرص هذا المصدر على تأكيد أن الدين الإسلامي دين يخاطب الجميع وقال: لا وجود لكهنوتية في السعودية هكذا قال هذا المصدر المجهول ولنا مع تصريحه الذي قد جاء بيان يرد عليه بيان توضيحي لكلمة ولي العهد يتبرأ من كل التعليقات التي نسبت إليها والتي تعد نفسها شرحا لها لنا مع هذا التصريح عدة وقفات أولها يلمس أن هناك توجها لبحث قضايا محسومة في هذا البلد من قبل هيئة كبار العلماء تتعلق بالمرأة وطرحها للمفاوضة والنقاش والاعتراض ثانيا وصف القضايا الشرعية كالحجاب ونحوها بأنها قشور وأمور هامشية مما يدعو إلى التوجس والخوف من تلك الدعاوى وإن ألبست بلباس الدين. ثالثاً: الزعم بأن موضوع قيادة المرأة للسيارة تمت مناقشته في لجنة الشورى رغم أنه صدرت فيه فتوى شرعية رسمية وهذا الزعم باطل فقد صرح وزير الداخلية لجريدة اقتصادية بأنه لا توجد أي رغبة أو توجه لدى الدولة بشأن السماح للمرأة بالقيادة في السعودية وبأنه ليس هناك دراسة بهذا الخصوص وأن كل مجتمع له خصوصياته وكأي أمور أخرى تخضع لهذه الاعتبارات لكن أعود وأؤكد أنه لا توجد أي دراسة حول هذا الموضوع انتهى كلامه رابعا أن عمل المرأة الذي يدعى له ويراد فتح أبوابه هو عمل في محيط الرجال وميادينهم كما جاء في التصريح إننا إذا أردنا مجتمعا دون اختلاط فسنخلق مجتمعاً منقسماً شاذاً هكذا قال المصدر المجهول خامسا إلغاء دور المرجعية الدينية والرجوع في كل أمر إلى كتاب الله وسنة رسوله بقوله: لا كهنوتية في السعودية وفي ذلك نسف للثوابت الشرعية وقد تتابعت المقالات الصحفية من جملة من المستغربين من أبناء وبنات هذا المجتمع رغم صدور بيان يرد ويوضح كلمة ولي العهد ويتنصل من كل المقالات التي تعلقت بها رغم ذلك كله فقد تتابعت المقالات من المستغربين في الصحف ومما تضمنته هذه المقالات استغلال كلمة ولي العهد وتوجيهها حسب توجههم المنحرف وجعلها توطئة لعرض ما يريدونه ومن ذلك أن المقالات تضمنت الدعوة الصريحة لتحرير المرأة وتغريبها ورفع الظلم والضيم الذي تعانيه من مجتمعها حسب زعمهم حتى قال بعضهم: المرأة لا تملك الصلاحيات في اتخاذ أبسط القرارات وقال آخر من هؤلاء المستغربين: عمل المرأة كمعلمة بطالة مقنعة وهدر للأموال وقال ثالث : لن(58/42)
تتقدم أمة نصفها مصاب بالشلل شل الله يمينه ويلحظ تبرم واستياء تلك الفئة المنحرفة من حال مجتمعنا المحافظ والدعوة إلى تغيير أوضاعه حتى قال
بعضهم: حال المرأة يدعو إلى الرثاء وضع النساء في مجتمعنا لا يطابق المعايير التي يتفق عليها العقلاء النساء في مجتمعنا لا يحصلن على حقوقهن المرأة لا مكان لها في مجتمعنا نساؤنا في العالم العربي لا يتحدثن عن حقوقهن كي تعود المرأة إلى الإنتاج فإننا في حاجة إلى الكثير من الكلام الصريح اللهم أكفنا شر الأشرار وشر الفجار اللهم من أرادنا والمسلمين بسوء فاشغله بنفسه واجعل كيده في نحره واجعل تدبيره تدميره يا سميع الدعاء.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
-------------------------
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشانه وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى غفرانه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه أما بعد فيا عباد الله لقد بدأت حركة ما يسمى بتحرير المرأة قبل مائة عام أي في عام ألف وثمانمائة وتسع وتسعين للميلاد حيث خرج كتاب تحرير المرأة لقاسم أمين الذي دعا فيه المرأة إلى السفور ونبذ الحجاب واختلاطها بالرجال ولم يكن في ذلك الوقت في مصر امرأة تختلط بالرجال سوى امرأة واحدة هي ناظلي فاضل حفيدة محمد على باشا وفي تركيا دعا أحمد رضا عام ألف وتسعمائة وثمانية للميلاد أي قبل تسعين سنة إلى إفساد المرأة حيث قال ما نصه: ما دام الرجل التركي لا يقدر أن يمشي علناً مع المرأة على جسر غلطة وهو جسر في تركيا وهي سافرة الوجه فلا أعد في تركيا دستوراً ولا حرية فهكذا دعا هذا الأثيم إلى سفور المرأة قبل تسعين عاماً تقريباً ولكن انظروا ما يحدث الآن حيث وصل الحال إلى إنشاء المراقص وبيوت البغاء وكل أنواع الشرور كما هو مشاهد ومعلوم في بعض البلاد نسأل الله أن يحمي بلادنا وسائر بلاد المسلمين من كل سوء ومكروه وإن كثيرا من الكتابات التي نطالعها على صفحات جرائدنا إنما هي نسخة مستلة من دعوة قاسم أمين وهي طبق الأصل من كتاباته وأفكاره هو وأضرابه دعاة السفور والاختلاط وإن عمل المرأة بالصورة التي ينادون بها له من المفاسد الشيء الكثير فمما نذكره باختصار إهمال الأسرة وتمزيق أركانها وتضييع النشء وإفساد الأولاد وكثرة حالات الطلاق وكثرة حالات العنوسة في المجتمع وتحديد النسل إذ أن المرأة العاملة تضطر لإيقاف الإنجاب مراعاة للوظيفة والتضييق على الرجل في الحصول على الوظيفة وهذا مشاهد ملموس بل الواقع يشير إلى بداية ظهور البطالة في المجتمع في أوساط الرجال والرجل مطالب بالعمل لكونه مطالب بالنفقة على المرأة ومن ذلك كثرة السائقين والخادمات والمربيات ومن ذلك ما تحدثه من أثر نفسي على الأطفال نتيجة تنشأتهم في دور الحضانة ومنها أنه لا عائد مادي من عمل المرأة إذ أنه سيصرف في تبعات ذلك خادمة أو مربية أو سائق وسيارة وغيرها من المصاريف ومنها تسهيل اللجان بالفساد والانحراف الأخلاقي وما يتبع ذلك من هتك الأعراض وضياع الحرمات أما بالصورة المحافظة فإن الآثار تكاد تنعدم وبالجملة فمن أراد أن يعرف آثار عمل المرأة بالصورة التي ينادي بها العلمانيون فلينظر إلى المجتمعات التي سبقت إلى مثل هذا العمل وما حل بها من فساد وانحراف يوجب على العقلاء من أبناء هذا المجتمع السعي لكف هذا الشر عن المسلمين ويتعين على الجميع بذل الجهود لحفظ المجتمع وصيانة الأمة من خلال السعي على الحفاظ على خصوصية تعليم المرأة وعملها في هذه البلاد بمنع الاختلاط في التعليم والعمل والسعي الجاد إلى إقرار التقاعد المبكر للمرأة والعمل بنظام الساعة والعمل بهذين الأمرين سيغلق الباب أمام تلك المطالبات والخطوات إذ أن قلة الوظائف المطروحة للمرأة هي حجة أولئك في مطالباتهم ومن ذلك إعادة النظر في سنوات تعليم المرأة وعملها بما يتوافق مع طبيعتها ويتلاءم مع وظيفتها الأساسية كأم وزوجة ومن ذلك إنشاء مستشفيات نسائية خاصة تراعي حرمات المرأة ومن ذلك تعديل مناهج التعليم في المراحل كلها من الإبتدائية إلى الجامعية بما يوائم طبيعة المرأة ويخالف الرجال وفي الختام نسأل الله العلي العظيم بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يكفينا شر الأشرار وكيد الفجار.
===============(58/43)
(58/44)
دعاة تحرير المرأة
موسوعة خطب المنبر - (ج 1 / ص 1765)
حسين بن شعيب بن محفوظ
صنعاء
الخطبة الأولى
أما بعد:
إن أصدق الحديث كلام الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
فإن المرأة قبل الإسلام كانت في نظر الناس من سقط المتاع، هضموا حقوقها واعتبروها مجرد متعة لا غير، ولذلك كانوا يتبرمون إذا بشر أحدهم بالأنثى وَإِذَا بُشّرَ أَحَدُهُمْ بِالاْنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّا وَهُوَ كَظِيمٌ يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوء مَا بُشّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِى التُّرَابِ أَلاَ سَآء مَا يَحْكُمُونَ [النحل: 58، 59]، ولذلك كان العرب في الجاهلية من بغضهم للمرأة كانوا يئدون البنت وهي حية يحفرون لها حفرة وهي حية، ويدفنونها وهي حية، ولذلك قال تعالى في بيان أهوال القيامة وَإِذَا الْمَوْءودَةُ سُئِلَتْ بِأَىّ ذَنبٍ قُتِلَتْ [التكوير: 8، 9] فجاء الإسلام فاعتبر المرأة إنساناً لها مكانتها ورفع من شأنها وأعطاها حقوقها ما هضمها حقها قط، بل إنها عنصر فعال في المجتمع لا يمكن الاستغناء عنه ولذلك قال تعالى: وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِى عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ [البقرة: 228] أي مثل ما للرجال بالمعروف للمرأة كذلك لهن من المعروف وقال تعالى: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ [النساء: 19] والنبي يقول: ((استوصوا بالنساء خيرا فإن المرأة خلقت من ضلع أعوج))، والمراد هنا التشبيه باعوجاج لسانها، فإن المرأة خلقت من ضلع أعوج، ((وإن أعوج ما في الضلع أعلاه فإن أردت أن تقيمه كسرته وإن تركته لا يزال أعوج فاستوصوا بالنساء خيرا)) أخرجه البخاري ومسلم.
ولذلك جعل الإسلام المرأة الصالحة خير متاع في الدنيا إن المرأة الصاحلة خير من المال فخير متاع يتمتع به الإنسان في الدنيا وخير شيء يحوزه الإنسان من الفضيلة المرأة الصالحة قال الرسول (الدنيا متاع وخير متاعها المرأة الصالحة) أخرجه الإمام مسلم.
ولذلك يأتي في زماننا هذا دعاة يريدون أن يغيروا المرأة إلى الحالة التي كانت عليها في الجاهلية، فالمرأة قد كرمها الإسلام فهم يريدون أن يجعلوها أيضاً من سقط المتاع، يريدون أن يستمتعوا بها، ولذلك نجد اليوم من يدعو إلى أن تكشف المرأة حجابها تكشف عن سوأتها تتبرج وتمشي في المجتمع سافرة، ونسمع من يدعو بهذه الدعوة أن خروج المرأة من بيتها سافرة يعتبر نوعاً من التحضر، ولذلك سموها بدعوة تحرير المرأة وكذلك باسم إعطاء المرأة حقوقها أو المحافظة على حقوق المرأة، وكذلك نسمع من يرفع عقيرته بالصراخ ليقول لنا: إن المجتمع اليوم يتنفس برئة واحدة، لماذا لا نرى المرأة اليوم مزاحمة مع الرجال، وكذلك منهم من يقوم إن نصف المجتمع معطل هذه كلها دعوات لها أغراض خبيثة إنها ليست عفوية إنما هي مخطط لها من قبل أساطين الكفر واليهود والنصارى هكذا قال اليهود في بروتوكالاتهم التي سموها بروتوكولات حكماء صهيون فيقولون بالنص ما معناه قالوا: يجب أن نكسب المرأة يجب أن نكسب المرأة، أي في كل لعبة نلعبها في أي مجتمع يجب أن نكسب المرأة فإنها في أي يوم مدت إلينا يدها ربحنا القضية أي قضية إفساد الشعوب.
وقد قال أحد اليهود قديماً من الذين تخصصوا وتفننوا في إفساد الشعوب الإسلامية ماذا قال: إن مكسبنا في الشرق لا يمكن أن يتحقق إلا إذا خلعت الفتاة المسلمة حجابها، فإذا خلعت الفتاة المسلمة حجابها كسبنا القضية واستطعنا أن نستولي على الشرق.(58/45)
وقال أحد قادة الماسون قال: كأس وغانية يفعلان بالأمة المحمدية ما لا يفعله ألف مدفع ودبابة فأغرقوها، أي أمة محمد أغرقوها في حب المادة والشهوات. واليوم أساطين الكفر العالمي في كل بلد إسلامي وفي كل بلاد وجد فيها مسلمون ماذا يقولون؟ يقولون: إنه لا يمكن بناء التنمية الاقتصادية في البلاد إلا إذا حررنا المرأة، ولا ديمقراطية إلا بتنمية، ولا تنمية إلا بتحرير المرأة، هذه هي دعوة اليهود والنصارى ينادي بها أقوام من جلدتنا، يتكلمون بألسنتنا تعرف منهم وتنكر، دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها ولذلك حتى نتدارك الأمور لا بد أن نعلم ما هي الدعوة التي ينادي بها هؤلاء لإفساد المرأة كي نضع النقاط على الحروف وتجري الأمور لتعلموا بأن الهدف من وراء ذلك أولاً إفساد المجتمع الإسلامي عن طريق إفساد المرأة لأن المرأة هي الأم وهي الزوجة وهي البنت وهي الأخت وهي التي تربي الأجيال فمتى ما فسدت فسد المجتمع لأنها بفسادها تصطاد الشباب بحبائل الشيطان ماذا يريد هؤلاء من دعوتهم لتحرير المرأة أو بما يسمونه زوراً وبهتاناً وكذباً وافتراء بإعطائها حقوقها؟ ماذا أرادوا من هذه الدعوة؟ أرادوا من المرأة أن تكون متاعاً، أرادوا من المرأة أن تكون سافرة خلعت ربقة الحياء من عنقها، أرادوا من المرأة أن تكون عارية كاشفة مائلة مميلة رأسها كسنام البخت تمشي بين الناس لتصطاد شباب الإسلام بحبائل الشيطان فتغريهم بمظهرها الفاتن فإن الله سبحانه وتعالى قد جعل الميل بين الجنسين بالتكوين الحيوي عميقاً جداً ولذلك الإسلام وضع للمرأة قيوداً حتى لا يفسد المجتمع إنهم يريدون منها انتهاك عرضها ويريدون منها أن تكون متاعاً رخيصاً في سوق الدعاية نخاسة العصر تباع بأرخص الأثمان كما يباع الرقيق والعبيد في سوق النخاسة ولذلك هم إلى جانب هذه الأمور يتبنون إفسادها عن طريق الإعلام الفاسد هذه الصحف التي تدخل كل البلاد التي فيها المسلمون والتي يعيش فيها المسلمون صحف كثيرة تعد بالمئات بالآلاف إذا ما عدت على مستوى البلاد التي يعيش فيها المسلمون صحف تدخل حتى السياسية منها فالهدف منها إفساد المرأة وإفساد المجتمع تجد على كل غلاف صورة امرأة فاتنة يختارون أجمل امرأة توفرت فيها مواصفات الإغراء والإثارة الجنسية كاشفة شعرها ونحرها وجيدها ووجهها وكذلك أيضاً شيء من مفاتنها المغلظة فيعدونها لكي يفسدوا المجتمع.(58/46)
والأقلاك كذلك إنما سخرت لهذه المهمة، والمسلسلات كذلك سخرت لهذه المهمة ففي دراسة أجريت على 500 فيلم تبين أن موضوع الحب والجنس يشكل اثنين وسبعين بالمئة حتى الأفلام التي صمموها للأطفال سخروها لإفساد الأطفال عن طريق المرأة في دراسة أجريت على الأفلام التي تعرض في كل القنوات العربية الفضائية اليوم تبين أن تسعة وعشرين وستة من عشرة في المئة من هذه الأفلام أي أفلام الأطفال حتى الكرتونية منها تتناول موضوعات جنسية وخمس عشرة في المئة تدور حول الحب الشهواني العصري، يريدون كذلك أن يفسدوا أبناء الأمة الإسلامية من الصغر ولذلك أكثر الشباب المراهق والفتيات المراهقات تعلمن سوء الأدب وقلة الحياء وتعلمن الممارسة الجنسية عن طريق هذه الأفلام الداعرة والمسلسلات الهابطة والتمثيليات المبتذلة، والتي ليس هدفها إلا إفساد الشباب المسلم، وكذلك أيضاً فنون الدعارة والتقبيل، وكذلك الحب والمغازلة والإثارة الجنسية التي يشكو منها المصلحون والمنتشرة بين أوساط الشباب الجامعي على وجه الخصوص، من أين تعلمها؟ من هذه هذه الأفلام التي تقدم النساء الداعرات الفاسقات الفاجرات لإفساد شباب الإسلام، وكذلك الدعاية وما أكثرها في كل قناة من القنوات المتلفزة العربية، تجد أن نسبة ثلاثين في المئة منها للدعاية في الإعلانات التي تقدم لإفساد الشباب لأن 90 من هذه الإعلانات إنما تقدمها المرأة بكل إثارتها الجنسية، والهدف المقصود من وراء ذلك معلوم، فقام أحد الباحثين بدراسة حول أحد البرامج المتلفزة فتوصل إلى النتائج الآتية: ثمانية وتسعون وستة من عشرة في المئة من الأطفال يشاهدون من الإعلانات التي تقدمها النساء بإثارة جنسية، يشاهدون أطفال المسلمين بصفة دائمة ويجدون استمتاعاً ولذة على مرأى ومسمع من الوالدين، ستة وتسعون في المئة من الأطفال يحبون الإعلانات التي فيها حركات المرأة المثيرة بحركات مقصودة جنسية، بل يحفظون نفس النصوص التي تقدمها هذه المرأة المثيرة جنسياً، وأحد الباحثين اعتمد على تحليل يتضمن 356 إعلاناً تلفزيونياً من كثير من القنوات العربية بلغ إجمالي تكرارها أي تكرر على مدار تسع مرات في اليوم من خلال تسعين يوماً فقط، أي على مدار ثلاثة أشهر كررت هذه الإعلانات المثيرة جنسياً في كل القنوات العربية بمعدل 3409 مرة، إذ الهدف المقصود مخطط رهيب من قبل اليهود والنصارى لإفساد أجيال الأمة الإسلامية، وتوصل إلى الآتي استخدمت صور المرأة وصوتها في 300 إعلان من بين 356 إعلان، 42 من الإعلانات التي قدمتها المرأة لا تخصها، مثال على ذلك إطار سيارات تقدمه امرأة، جزمة من جزمات الرجال تقدمه امرأة، عمامة أو شماع أو ثوب رجالي تقدمه المرأة، هل يخصها هذه الأشياء؟ لا يخصها، إنما القصد من وراء ذلك استخدامها سقط متاع لكي تصطاد الرجال بحبائل الشيطان.
51 من الإعلانات تعتمد على حركة جسد المرأة المثيرة بحركة تنم عن خبث لا تفعله إلا العاهرات الفاجرات.
12 من الإعلانات استخدمت فيها ألفاظ خبيثة مبتذلة القصد منها كذلك نشر الإباحية والفوضى الجنسية بين أوساط المسلمين.
هذه هي دعوة تحرير المرأة فهل نعيها ونتنبه لها؟ إننا إن سكتنا عن هذه الدعوات ولم نقاومها، ولم نتصدى لها بقوة فإن النتيجة الحتمية ستكون معروفة كما قال تعالى واتقوا فتنة لا تصدَّ الذين ظلموا منكم خاصة واعلموا أن الله شديد العقاب [الأنفال: 25].
أقول ما تسمعون وادعوا الله واستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
-------------------------
الخطبة الثانية
أما بعد:(58/47)
فإن هذا الداء الذي يسري في الأمة الإسلامية كسريان النار في الهشيم داء عضال، وسم زعاف قاتل لا بد أن نبحث عن العلاج الناجع لهذا الداء ومثله من الأدواء، حتى نكون على حصانة من أمرنا وبينة من أمر ديننا، حتى لا نؤخذ على غرة من أمورنا فإن المحافظة على الدين واجب على كل مسلم آمن بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد نبياً ورسولاً، إن العلاج لمقاومة هذه الدعوات الماجنة التي تأتينا بعبارات مبهرجة وبألفاظ براقة، وكشعائر مزيفة، هذه الدعوات إنما يكون علاجها وعلاج تلك الظواهر السيئة في المجتمع يكون بالعودة الصادقة إلى الإسلام إن المرأة كما قال الله سبحانه وتعالى مبيناً علاجها في القرآن حفاظاً لها وصوناً لكرامتها وعفتها حتى لا يخدش حياءها قال تعالى آمراً للمرأة وَقَرْنَ فِى بُيُوتِكُنَّ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الاْولَى وَأَقِمْنَ الصلاةَ وَءاتِينَ الزكاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ [الأحزاب: 33]. ويقول الله لنبيه يأَيُّهَا النَّبِىُّ قُل لاِزْواجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذالِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلاَ يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً [الأحزاب: 59]. ويقول الله سبحانه وتعالى يانِسَاء النَّبِىّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مّنَ النّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلاَ تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِى فِى قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفاً [الأحزاب: 32] يطمع الذي في قلبه مرض أي مرض الشهوة بفساد القلب فإذا فسد القلب وتعلق بالمرأة فإنه لا ينظر إلى أي شيء إلا عن طريق المرأة الماجنة الفاسدة، ولذلك صيانة للمجتمع وضع الإسلام بعض القيود التي تحصن المجتمع من عوامل التخريب والفساد منها:
غض البصر من الجنسين قُلْ لّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّواْ مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُواْ فُرُوجَهُمْ ذالِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ وَقُل لّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ ءابَائِهِنَّ أَوْ ءابَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِى إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِى أَخَواتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِى الإِرْبَةِ مِنَ الرّجَالِ أَوِ الطّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُواْ عَلَى عَوْراتِ النّسَاء وَلاَ يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُواْ إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [النور: 30، 31]. وليضربن بخمرهن على جيوبهن أي محتجبات محتشمات لا يخرجن من بيوتهن إلا لضرورة وقال تعالى وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْئَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذالِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ [الأحزاب: 53]. أطهر للجميع الرجال والنساء هذه القيود التي وضعها رب العالمين، خلقنا وهو أعلم بأنفسنا من أنفسنا أعلم بما يصلحنا من أنفسنا والله يعلم وأنتم لا تعلمون، الإنسان بطبيعته لا يعلم ما ينفعه وما يضره إنما جاء الإسلام ليبين له النفع والضرر أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ [الملك: 14]. ءأَنتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ [البقرة: 140]. ثم بعد ذلك يأتي أفراد ممن هم امتسخوا عن الدين فيرفعون هذه الشعارات فيجدون بعد ذلك رواجاً وتأييداً لهم من بين المسلمين أو الذين ينتسبون إلى الإسلام إنها والله لكارثة فادحة ومصيبة عظمى وما نملك إلا أن نقول: إنا لله وإنا إليه راجعون.
لكن المسؤولية تقع على الجميع.
أولاً:تقع على الآباء والأمهات فإنهم الذين يرعون أبناءهم، الطفل سواء كان ذكراً أو أنثى رعايته يجب أن يكون من البيت ولذلك قال : ((كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته.الإمام راع وهو مسؤول عن رعيته.والإمام المراد به الحاكم والرجل راع في بيته وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها وهي مسؤولة عن رعيتها، والخادم راع في مال سيده وهو مسؤول عن رعيته، ألا فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته)).أخرجه البخاري ومسلم.(58/48)
الثاني:كلنا أفراداً وجماعات مسؤولون فإننا إذا لم نأمر بالمعروف ولم ننه عن المنكر عمنا الله بعقاب من عنده مهما دعوناه لا يستجاب لنا، فلذلك الاستجابة لله ورسوله فيما فيه نفع لنا وحياة لنا وخير لنا أمر مطلوب كما قال تعالى يأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْء وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ [الأنفال: 24، 25].
الثالث: مسؤولية العلماء النصح والتوجيه والصدع بالحق وإرشاد الناس إلى الدين وتبصيرهم بما أمر الله به حتى يقفوا عند الحدود التي أمر بها الله ورسوله، كي يعيش الناس جميعاً يتفيّؤون تحت ظلال رحمة الكتاب والسنة، هذه هي مسؤولية العلماء لو سكتوا عنها أي جناية تلحق البشرية بسكوت العلماء
…يا معشر القراء يا ملح البلد .. ما يصلح الملح إذا الملح فسد
الرابع : إليك أيتها الأخت المسلمة أوجه ندائي، فإنك أنت المعنية، أنت الهدف، أنت المقصد الذي من ورائه يصيب عدونا أكباد أجسامنا، بهذه السهام الخبيثة يستطيع أن يقضّ من مضاجع الأمة الإسلامية العدو عن طريقك أيتها الفتاة المسلمة، صوني عرضك، ولا تكوني مغفلة يخدعونك بكلمات معسولة، هؤلاء الذئاب البشرية هدفهم أن يخرجوك من بيتك لكي تكوني متعةً لهم يستخدمونك حتى تكوني وسيلة من وسائل هدم الدين الإسلامي والأسرة والمجتمع في كل مجتمع طاهر نظيف.
خدعوها بقولهم حسناء……والغواني يغرهن الثناء
فلا تغتري بالثناء.فإن الثناء كل الثناء أن تكوني بحشمتك وعفافك، وصوني عرضك واحتجابك واحتشامك وتمسكك بكتاب ربك وسنة نبيك ، هذا هو الخير لك، واعلمي أيتها الأخت المسلمة أنك أم لأجيال، زوجة للرجال الأفذاذ، أخت للعظماء، كذلك أنت بنت للصالحين في كل مجتمع فإن من السوء والعار عليك أن تكوني أمة للفساق وزوجاً للمفسدين في الأرض فأنت كما قال الشاعر:مجلة البيان - (ج 149 / ص 70)
ماذا يريدون من المرأة..؟!
حركة تحرير المرأة بمصر وحصاد
مائة وثلاثين عاماً
محمود بن محمد المختار الشنقيطي
لم يكن عفواً ولا من قبيل المصادفة أن يبدأ أعداء الإسلام من صليبيين ويهود وعلمانيين ومتفرنجين وعبّاد الشهوة والجنس ـ أن يبدؤوا حربهم ضد المرأة بمصر؛ ذلك أن أرض الكنانة هي قبة الإسلام، وقلعته ومركز ثقله، ولتبوُّؤ أزهرها الصدارة والريادة العلمية والفكرية لأمة الإسلام منذ أن تسلمت مصر زعامة العالم الإسلامي في القرن السادس الهجري على يد الفاتح صلاح الدين الأيوبي ـ رحمه الله ـ.
فلا غرو إذاً أن يلمس الحاقدون على الإسلام ـ حتى عهد الاستعمار ـ نزوع المصريين الفطري إلى التديُّن وتمسكهم بعرى الدين؛ لا غرو من اعتبار هذه الظاهرة مصدر قلق لهم جعلتهم يبدؤون بها، حتى إذا ما انتصروا في معركتهم ضد المرأة بمصر سهل بعدئذٍ سقوط حصونها وقلاعها في سائر بلاد المسلمين.
احفظوها؛ إنَّ مصر إنْ تَضِعْ ضاع في الدنيا تراث المسلمين
وبين يديك ـ أخي القارئ ـ بعض نتائج حركة تحرير المرأة وحصادها(1) بمصر باعتبارها أول حركة تحرير في العالم الإسلامي قامت على إثْر حركات التحرير في الغرب، وإنما وقع الاختيار على هذه الحركة لأسباب أهمها:
1- عامل السبق الزماني وطول الفترة الزمنية لفصول حركة التحرير بمصر؛ حيث استغرقت مائة وواحداً وثلاثين عاماً من حين عودة رفاعة الطهطاوي من باريس عام 1831م ـ وهو الذي بذر البذرة الأولى ـ إلى صدور الميثاق الوطني عام 1962 في عهد جمال عبد الناصر، وقد احتوى هذا الميثاق على أكبر ما يعدونه تتويجاً للمرأة، ونص على أنه لا بد أن تتساوى بالرجل، ولا بد أن تسقط بقايا الأغلال التي تعوق حركتها الحرة حتى تستطيع أن تشارك بعمق وإيجابية في صنع الحياة(2).
2- اكتمال تجربة حركة التحرير بمصر ونضجها؛ حيث كانت الوسائل فعّالة والتركيز عنيفاً.
3- توافر أسباب التدوين وكثرة المراجع والمصادر التي تحدثت عن هذه الحركة من النشأة إلى النهاية.
وفي هذا المقال أسلط الضوء على أهم ما حصدوه من المكاسب وما حققوه من المطامع، وفق الأهداف التي رسموها مقتصراً على تعدادها، دون العناية بتحليلها ونقدها من منظور شرعي؛ فعندما يكون الخير صرفاً، أو يكون الشر واضحاً لا يكاد يختلف الناس في تحديد مواقفهم، وأحسب أن القارئ الكريم لن يجد عناءاً في التحليل والربط بين حصاد حركة تحرير المرأة بمصر الذي سنذكره ـ إن شاء الله ـ وبين نتائج ما تبعها من الحركات وحذا حذوها في مختلف أصقاع عالمنا الإسلامي. وما ألصقَ مقولةَ الفاروق عمر بما نحن فيه لمَّا كتب لأبي موسى الأشعري ـ رضي الله عنهما ـ: "اعرف الأشباه والأمثال، وقس الأمور".
هل حصاد الحركة نتائج متقدمة أم متأخرة في طريق إصلاح المرأة المسلمة؟(58/49)
ليس ثمة شك في أن حركة تحرير المرأة بمصر قد نجحت نجاحاً باهراً في ضوء الأهداف المتوخاة منها، بل حققت هذه الدعوة المضللة أعظم ما كانت تهدف إليه في مدة وجيزة، وبسهولة غير متوقعة؛ نظراً لسياسة تكسير الموجة، واتباع سياسة (بطيء ولكنه أكيد المفعول) وتفادي التصادم المباشر مع الإسلاميين الذين يمثلون الغالبية العظمى في المجتمع المصري، واستدراج بعض المشايخ المعمَّمين والعلماء ليكونوا في بداية الزحف... إلخ وسائلهم وخططهم(3).
وليس غريباً أن ننظر ـ نحن الإسلاميين ـ إلى هذه النتائج على أنها حقوق سُلِبَتْها المرأة، ووسائل شقاءٍ جُرّت إليها(4).
بينما يراها السفوريون التحرريون نتائج متقدمة في طريق الإصلاح، وتعزيزاً للدفاع عن حقوق المرأة، بل إن اتساع امتياز النساء من أهم الأبعاد الحضارية التي يمكن أن تقاس وتصنَّف المجتمعات والشعوب من خلاله، كما ذكر ذلك الكاتب الفرنسي روجيه جارودي في كتابه: "تتم التطورات الاجتماعية وتبدلات الزمن وفقاً لتقدم النساء نحو الحرية. إن اتساع امتيازات النساء يشكل الأساس العام لجميع التطورات الاجتماعية"(5).
ويمكن أن نلخص نتائج هذه الحركة في النقاط الآتية:
أولاً: إيجاد القابلية وتهيئة الجو أمام الغزو الثقافي الغربي. ونقصد بالغزو الفكري والثقافي: (الاستلاب الحضاري، وأشكال التفسخ الأخلاقي، مع التهاون بالواجبات والرقة في الدين، فأوجدت جهود دعوة تحرير المرأة عبر منابرها الإعلامية ووسائلها الفعالة التي طالت الريف المصري ـ وهو يشكل معظم مصر(6) ـ، أوجدت لدى الناس شروط الهزيمة والانكسار، مع تغيب دور الإسلام الفاعل وتجريد تيار دعاة الفضيلة والحجاب من الإمكانات فاخترق الفكر الأجنبي والعدوّ الحاقد الصفوف، ليفتك كيف شاء، دون وجود مقاومة وحصانة قوية تذكر، وفعلت جهود أكثر من مائة عام فعلها في الناس "فالمسألة لم تكن قاصرة على تحرير المرأة كما يتوهم المتوهمون، وإنما كانت إرادة التغيير الجذري والشمولي باقتلاع المجتمع من جذوره"(7).
ثانياً: قبول المجتمع وإذعانه للتعليم المختلط، وقد كان السَّبْقُ في ذلك على يد مَن يسمُّونه: أستاذ الجيل!! (لطفي السيد)، فهو أول من أدخل الطالبات في قسم الطلاب سافرات الوجوه ولأول مرة في تاريخ الجامعة المصرية يسانده في ذلك طه حسين وكامل مرسي، وتحت الضغط الخارجي رضيت وزارة المعارف بالأمر الواقع واعتبار هذا من حقوق الفتيات(8).
قالت التحررية درية شفيق(9): "في سنة 1932م ظهرت صورة للدكتور طه حسين بك في نادي الجامعة وعلى يمينه ويساره الطلبة والطالبات جلوساً يتساءلون ويتناولون الشاي، وقامت القيامة لهذه الصورة البريئة التي تضرب المثل للأبوة في وجود العميد والإخوة في جلسة الطلبة والطالبات، واتُّخذت الصورة تكأةً يتخلص بها الرجعيون من (طه حسين) و(لطفي السيد)، ووقف الرجعيون في مجلس النواب يحملون على الجامعة ورجالها وفكرة تعليم البنات فيها، ويرون ذلك فضيحة من الفضائح يجب أن تحول دونها الحكومة"(10) (11).
ثالثاً: إخضاع الثوابت من الدين والمسلَّمات من الأحكام الشرعية لاجتهاد العلماء وتناول الباحثين ومناقشة الجاهلين والمبطلين، فاستغلها السفوريون وميَّعوها، ولبّسوا على العامة والدهماء وجه الحق فيها.
فالأمر الرباني بغضّ البصر عن العورات، وهو أمر من الواجبات الشرعية والعدالة والنزاهة، هذا الأمر صوَّروه بأنه عدم ثقة في النفس، ومن مخلّفات القرون الوسطى المظلمة التي كانت تنظر إلى المرأة على أنها دون الرجل فتخفي بصرها!!(12).
وقوامة الأب والزوج التي اشترطها الشرع لصحة بعض عقود المرأة وتصرفاتها اعتبروها ممارسات تعكس اضطهاد المرأة وظلمها، وتجسِّدُ ارتهانها لأبيها وأخيها أو زوجها، وهي ظاهرة استغلال الجهات الأقوى اقتصادياً لامتلاك يمين المرأة، وإخضاعها لعملية القهر التاريخية(13) (14).
وقاعدة قرار المرأة في بيتها وأنها الأصل نوزعت، وجُعِل الأصل هو العمل دون شروط أو قيود أو ضوابط(15).
وسفرها دون محرم لبلاد الكفر ألبسوه لباس الابتعاث وطلب العلم والدراسة، وصار من المفاخر الاجتماعية وسمات الأسر المتحضرة والطبقات الراقية.
وإبداء الزينة للرجال الأجانب ـ الذي هو كسابقه محرّم ومعصية ـ صار عند دعاة التحرر من تمام الرشاقة والجاذبية لفتى الأحلام وشريك المستقبل!!(16).
ووجوب نسبة الابن لأبيه وحرمة انتسابه لغيره لم تعد موافقة لروح التقدم والفرنجة، فغيَّرن أسماءهن وانتسبن لأزواجهن فصرن: هدى شعراوي بدلاً من هدى بنت محمد سلطان باشا، وصفية زغلول بدلاً من صفية محمد فهمي... إلخ.
أما البيت فهو السجن ودكتاتورية الرجل، وشل للمجتمع عن الحركة، وأما الحجاب فهو كفن من اختراع المتشددات المتطرفات وعادات القرون البدائية، ثم تأتي (سيزا نبراوي) سكرتيرة هدى شعراوي، فتتزوج من الفنان مصطفى نجيب، بشرط نقل العصمة إليها، وكتب لها المأذون بذلك في العقد، ونُشِرَ للناس(17).(58/50)
رابعاً: تسخرُ بعض العلماء (المعممين أدعياء العلم) واستخدامهم لصالح حركتهم الضالة، واصطياد الأدلة لباطلهم، وليُّ أعناق النصوص لإضفاء الصبغة الشرعية والتأصيل الفقهي على أفكارهم.
فالشيخ محمد عبده الذي ثبت أنه كتب فصولاً من كتاب قاسم أمين "تحرير المرأة"، هو الذي خذل أهل الإسلام يوم أن قاموا بموجة عارمة من المعارضة ضد القضايا التي أثارها كتاب قاسم أمين، وطلبوا منه فتوى في الكتابين "تحرير المرأة" و"المرأة الجديدة"، ولكن الأستاذ ظل ملازماً للصمت إزاء هذه القضية التي كانت شغل الناس والعامة ـ آنذاك ـ فضلاً عن العلماء والخطباء والفقهاء والدعاة، فكان لامتناعه أعظم الأثر في تمرير أفكار قاسم أمين، مما جعل بعض علماء عصره يرميه بالاتهامات لتواطئه مع دعاة الإباحية والفجور، وما أوضح مواقف أستاذه جمال الدين الأفغاني الذي كان له أعظم الأثر والدور في إخراج الدين من المعركة تحت دعوى أن الحجاب تقاليد قديمة ضد تقاليد حديثة عصرية تقدمية! حتى قال: "وعندي أنه لا مانع من السفور إذا لم يُتخذ مطيةً للفجور"(18).
ومن مكاسبهم استخدامهم لشيخ الأزهر حسن العطار الذي شجع رفاعة وبارك فكرته، وكذلك كسبهم للشيخ علي عبد الرازق، والشيخ سليم البشري شيخ الأزهر الذي أيّد قانون الأحوال الشخصية الوضعي عام 1319هـ، حتى إن رفاعة الطهطاوي مفتي البعثة المصرية إلى فرنسا كان يقول: "إن مراقصة النساء للرجال نظير المصارعة في موازنة الأعضاء، وإنه نوع من الأناقة والفتوة لا الفسق"(19)!!
خامساً: الحصول على بعض القرارات الرسمية الوضعية التي أصدرتها الحكومة المصرية وعممتها إرضاءاً للتحرريين ومنها:
1- تقييد عدد الطلاق ومنع وقوعه إلا بعد موافقة الحكومة.
2- منع تعدد الزوجات إلا في ظروف توافق عليها الحكومة.
3- تأخير سن زواج الفتاة إلى السادسة عشرة فما فوق.
4- المساواة بين الرجل والمرأة في الميراث.
5- منح حق الطلاق للمرأة كالرجل.
6- إعطاء ما يسمونه الحق السياسي (20) للمرأة بدءاً بحق الانتخابات ومروراً بعضوية المجالس البلدية والنيابية وكافة الأعمال والحرف كالرجل سواءاً بسواء، وانتهاءاً بحق التمثيل النيابي(21).
سادساً: حصول التحرريين على الاعتراف الدولي العالمي بالحركة؛ فأول امرأة مصرية تحررية تعترف بها الحكومة لتمثيلها في المؤتمرات الدولية هي مَلَك حفْني ناصف في حكومة رياض باشا عام 1911م.
ثم مثلت هدى شعراوي، ونبوية موسى، وسيزا نبراوي المرأة المصرية في مؤتمر روما الدولي للمرأة عام 1932م والتقت سيزا نبراوي بالزعيم الهندي غاندي عام 1931م في مصر(22).
والتقت هدى شعراوي على هامش مؤتمر روما بالقائد الاستعماري موسوليني ثلاث مرات وتبادلا العواطف والمشاعر الحارة، وكان مما صرح لها به قوله: "إنني أراقب باهتمام حركات التحرير بمصر"(23).
وفي عام 1935م التقت هدى شعراوي أيضاً بالزعيم الروحي للتحرريين أتاتورك، كما استضافت الحركة الدكتورة (ريد) رئيسة الاتحاد النسائي العالمي التي مهدت للمؤتمر العربي الدولي للمرأة عام 1944م، وأقيم على شرفها وسط استنكارات الشعوب العربية واحتجاج العلماء، وأرسلت زوجة الرئيس الأمريكي روزفلت رسالة تبارك فيها المؤتمر(24).
سابعاً: حصول بعض أعضاء الحركة على مناصب حسّاسة في المجتمع المصري رغم مهاجمة المجتمع لهم.
فقاسم أمين ترقى في مناصب المحاكم حتى صار مستشاراً في محكمة الاستئناف وظل بمنصبه حتى مات بالسكتة القلبية في ليلة 23 إبريل عام 1908م.
سعد زغلول 1273 ـ 1346هـ ظل بعد تخرجه من الأزهر في المحاماة، وبعد اتصاله بحزب تركيا الفتاة لمع نجمه في صالون الأميرة نازلي فاضل، واشتهر حتى تعرف على اللورد كرومر، فأسند إليه نظارة وزارة المعارف في الحكومة المصرية في ظل الاحتلال.
هدى شعراوي أصبحت وكيلة الاتحاد النسائي الدولي بجهود حركات التحرير الأوروبية والمحافل الماسونية ومنظمات الصهيونية العالمية(25).
ومنذ نشأة الحركة وحتى اليوم ورئاسة الاتحاد النسائي المصري لا تخرج عن تلميذات هذه الحركة(26) والزعيمة الحالية للاتحاد هي د. نوال سعداوي من أنشط المنظرات للتحلل والسفور.
ثامناً: صبغ القضية بالصبغة القومية لكسب جميع العرب من مختلف الأديان والملل، واستنفار طاقاتهم من الصليبيين الحاقدين أمثال: فهمي مرقص، وجرجي زيدان، وسلامة موسى.(58/51)
وبعدُ ـ أخي القارئ ـ فما أشبه الليلة بالبارحة! ففي كل عصر ومصر تطل من جديد حركة تحرير المرأة مكرِّرة فصولها، وأدوارها، مع تغيير للافتات والأسماء والوسائل، أما الأهداف والغايات والنتائج والمنطلقات فهي هي، ومن هنا كان لا بد أن نقصد البحر وندع السواقي، ونعيد فتح ملف الحركة الأولى التي آتت أكلها بعد مائة وثلاثين عاماً من العمل الدؤوب والتخطيط المدروس... نعيد فتح ملفها لنقرأه قراءة ناقدة باصرة تساعدنا في إبطال المؤامرة على المرأة المسلمة وحجابها، ووأد الفكرة في مهدها، والذب عن الحدود والمحارم، ونفي تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين السفوريين ((واللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ ولَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ)) [يوسف:21].
__________
(1) عقد الأستاذ محمد قطب فصلاً بعنوان: (هل للمرأة قضية أصلاً؟) في كتابه: "قضية تحرير المرأة"، ص3، وانظر أبعاد الحركة النسوية للدكتور محمد يحيى، في مجلة البيان عدد 83، ص 102.
(2) المؤامرة على المرأة المسلمة تاريخ ووثائق، للدكتور السيد أحمد فرج، دار الوفاء مصر، الطبعة الثانية، 1407هـ ، ص 116.
(3) عودة الحجاب، ج 2، ص 160، وسبل العفة وخطورة الانحراف وأسبابه، مريم خميس، الطبعة الأولى، دار الوفاء مصر، 1416هـ، ص 46، والمرأة وكيد الأعداء، د. عبد الله وكيل الشيخ، دار الوطن، السعودية، الطبعة الأولى عام 1412هـ ، ص 17.
(4) من المراجع ـ وهي كثيرة والحمد لله ـ التي حللت ونقدت هذه النتائج:
- عودة الحجاب، محمد أحمد إسماعيل.
- قضية تحرير المرأة، للأستاذ محمد قطب.
- ماذا يريدون من المرأة، عبد السلام بسيوني.
- المرأة وكيد الأعداء، عبد الله بن وكيل الشيخ.
(5) في سبيل ارتقاء المرأة، ص 41.
(6) ذكرت (روز اليوسف) أم الكاتب إحسان عبد القدوس في مذكراتها خبر إرسالها من قِبَلِ المندوب البريطاني السامي للريف المصري واشترط في مدّها بمساعدات أن تعرض مسرحيتها في الريف. من (قضية تحرير المرأة، ص 84).
(7) المؤامرة على المرأة المسلمة، د. السيد أحمد فرج، ص 72.
(8) عودة الحجاب، ج 2 ، ص 75.
(9) لمعرفة تزاحم رجال ونساء حركة التحرير، راجع موسوعة الندوة العالمية الميسرة، وحجاب المرأة بين انتحال المبطلين، د. محمد البرازي.
(10) المصدر السابق، ص 187.
(11) انظر حول فكرة توحيد المناهج بين الجنسين، كتاب المرأة وكيد الأعداء، ص 32.
(12) قضة تحرير المرأة، ص 77.
(13) المرأة والحياة الاجتماعية، تغاريد ييضون، دار النهضة العربية، بيروت، 1405هـ، ص 27، 40.
(14) تقول أمينة السعيد: (القوامة لا مبرر لها، لأنها مبنية على المزايا التي كان الرجل يتمتع بها في الماضي، في مجال الثقافة والمال، وما دامت المرأة استطاعت اليوم أن تتساوى مع الرجل في كل المجالات فلا مبرر للقوامة) من عودة الحجاب، ص 142.
(15) حول عمل المرأة كتب إبراهيم النعمة بحثاً مفيداً في مجلة الحكمة، عدد 8 شوال 1416هـ، بعنوان (عمل المرأة بين الإسلام والغرب).
(16) قضية تحرير المرأة، محمد قطب، ص 78 ـ 79.
(17) سبل العفَّة، ص 45.
(18) دعوة جمال الدين الأفغاني في ميزان الإسلام، مصطفى فوزي آل غزال، دار طيبة الرياض، الطبعة الأولى، 1403هـ، ص 270، وحجاب المرأة المسلمة للبرازي، ص450، وقد أسهب في مناقشة قضية اشتراك الشيخ محمد عبده في كتاب قاسم أمين.
(19) سبل العفة، ص 42، عودة الحجاب، ص 77، المؤامرة على المرأة المسلمة، ص 52.
(20) هذا المصطلح غربي له مقاصد تصادم شرع الله جملةً وتفصيلاً، راجع كتاب "المرأة والحقوق السياسية في الإسلام"، مجيد محمود أبو حجير، مكتبة الرشد الرياض، الطبعة الأولى 1417هـ، فقد أجاد في كشف أبعاد حقيقة هذا المصطلح ومفاهيمه.
(21) المؤامرة على المرأة المسلمة، ص 99، 107، احذروا الأساليب الحديثة في مواجهة الإسلام، د. سعد الدين السيد صالح، دار الأرقم بمصر، الطبعة الثالثة، 1413هـ، ص 239، 252، قضية تحرير المرأة، ص 37، والمرأة والحياة الاجتماعية، ص 130.
(22) عودة الحجاب، ص 112، 117.
(23) المؤامرة على المرأة المسلمة، ص 84.
(24) الحركات النسائية في الشرق وصلتها بالاستعمار، محمد فهمي عبد الوهاب، دار الاعتصام، مصر، ص 23، 27.
(25) مدى علاقة الحركة بالمحافل الماسونية، انظر كتاب "تحديات أمام المرأة المسلمة" للأستاذ أحمد الحصين، ص 272، 290.
(26) عودة الحجاب، ص 38، الطبعة الخامسة، دار البخاري، السعودية.
==============(58/52)
(58/53)
حركة تحرير المرأة
سليمان بن صالح الخراشي
دار القاسم
التعريف :
حركة تحرير المرأة: حركة علمانية، نشأت في مصر في بادئ الأمر، ثم انتشرت في أرجاء البلاد الإسلامية. تدعوا إلى تحرير المرأة من الآداب الإسلامية والأحكام الشرعية الخاصة بها مثل الحجاب، وتقييد الطلاق، ومنع تعدد الزوجات والمساواة في الميراث وتقليد المرأة الغربية في كل أمر … ونشرت دعوتها من خلال الجمعيات والاتحادات النسائية في العالم العربي.
التأسيس وأبرز الشخصيات:
قبل أن تتبلور الحركة بشكل دعوة منظمة لتحرير المرأة ضمن جمعية تسمى الاتحاد النسائي .. كان هناك تأسيس نظري فكري لها .. ظهر من خلال كتب ثلاثة ومجلة صدرت في مصر.
- كتاب: المرأة في الشرق، تأليف مرقص فهمي المحامي، نصراني الديانة، دعا فيه إلى القضاء على الحجاب وإباحة الاختلاط وتقييد الطلاق، ومنع الزواج بأكثر من واحدة، وإباحة الزواج بين النساء المسلمات والنصارى.
- كتاب: تحرير المرأة، تأليف قاسم أمين، نشره عام 1899م، بدعم من الشيخ محمد عبده وسعد زغلول، وأحمد لطفي السيد. زعم في أن حجاب المرأة السائد ليس من الإسلام، وقال إن الدعوة إلى السفور ليست خروجاً على الدين.
- كتاب: المرأة الجديدة، تأليف قاسم أمين أيضاً - نشره عام 1900م يتضمن نفس أفكار الكتاب الأول ويستدل على أقواله وادعاءاته بآراء الغربيين.
- مجلة السفور: صدرت أثناء الحرب العالمية الأولى، من قبل أنصار سفور المرأة، وتركز على السفور و الاختلاط.
سبق سفور المرأة المصرية، اشتراك النساء بقيادة هدى شعراوي ( زوجة علي شعراوي ) في ثورة سنة 1919م فقد دخلن غمار الثورة بأنفسهن، وبدأت حركتهن السياسية بالمظاهرة التي قمن بها في صباح يوم 20 مارس سنة 1919م.
وأول مرحلة للسفور كانت عندما دعا سعد زغلول النساء اللواتي تحضرن خطبته أن يزحن النقاب عن وجوههن. وهو الذي نزع الحجاب عن وجه نور الهدى محمد سلطان التي اشتهرت باسم: هدى شعراوي مكونة الاتحاد النسائي المصري وذلك عند استقباله في الإسكندرية بعد عودته من المنفى. واتبعتها النساء فنزعن الحجاب بعد ذلك.
تأسس الاتحاد النسائي في نيسان 1924م بعد عودة مؤسسته هدى شعراوي من مؤتمر الاتحاد النسائي الدولي الذي عقد في روما عام 1922م .. ونادى بجميع المبادئ التي نادي بها من قبل مرقص فهمي المحامي وقاسم أمين.
مهد هذا الاتحاد بعد عشرين عاماً لعقد مؤتمر الاتحاد النسائي العربي عام 1944م وقد حضرته مندوبات عن البلاد العربية. وقد رحبت بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية بانعقاد المؤتمر حتى أن حرم الرئيس الأمريكي روزفلت أبرقت مؤيدة للمؤتمر.
ومن أبرز شخصيات حركة تحرير المرأة:
الشيخ محمد عبده، فقد نبتت أفكار كتاب تحرير المرأة في حديقة أفكار الشيخ محمد عبده. وتطابقت مع كثير من أفكار الشيخ التي عبر فيها عن حقوق المرأة وحديثه عنها في مقالات الوقائع المصرية وفي تفسيره لآيات أحكام النساء. ( التفاصيل في كتاب المؤامرة على المرأة المسلمة د. السيد أحمد فرج ص 63 وما بعدها. دار الوفاء سنة 1985م كتاب عودة الحجاب الجزء الأول، د.محمد أحمد بن إسماعيل المقدم ).
سعد زغلول، زعيم حزب الوفد المصري، الذي أعان قاسم أمين على إظهار كتبه وتشجيعه في هذا المجال.
لطفي السيد، الذي أطلق عليه أستاذ الجيل وظل يروج لحركة تحرير المرأة على صفحات الجريدة لسان حال حزب الأمة المصري في عهده.
صفية زغلول، زوجة سعد زغلول وابنة مصطفى فهمي باشا رئيس الوزراء في تلك الأيام وأشهر صديق للإنكليز عرفته مصر.
هدى شعراوي، ابنة محمد سلطان باشا الذي كان يرافق الاحتلال الإنكليزي في زحفه على العاصمة وزوجة علي شعراوي باشا أحد أعضاء حزب الأمة ( حالياً الوفد ) ومن أنصار السفور .
سيزا نبراوي ( واسمها الأصلي زينب محمد مراد )، وهي صديقة هدى شعراوي في المؤتمرات الدولية والداخلية. وهما أول من نزع الحجاب في مصر بعد عودتهما من الغرب إثر حضور مؤتمر الاتحاد النسائي الدولي الذي عقد في روما 1923م.
درية شفيق، من تلميذات لطفي السيد، رحلت وحدها إلى فرنسا لتحصل على الدكتوراه، ثم إلى إنكلترا، وصورتها وسائل الإعلام الغربية بأنها المرأة التي تدعوا إلى التحرر من أغلال الإسلام وتقاليده مثل: الحجاب والطلاق وتعدد الزوجات.
- لما عادة إلى مصر شكلت حزب ( بنت النيل ) في عام 1949م بدعم من السفارة الإنكليزية والسفارة الأمريكية .. وهذا ما ثبت عندما استقالت إحدى عضوات الحزب وكان هذا الدعم سبب استقالتها. وقد قادت درية شفيق المظاهرات، وأشهرها مظاهرة في عام 19 فبراير 1951م و 12 مارس 1954م بالتنسيق مع أجهزة عبد الناصر فقد أضربت النساء في نقابة الصحافيين عن الطعام حتى الموت إذا لم تستجب مطالبهن. وأجيبت مطالبهن ودخلت درية شفيق الانتخابات ولم تنجح. وانتهى دورها. وحضرت المؤتمرات الدولية النسائية للمطالبة بحقوق المرأة - على حد قولها.
سهير القلماوي، تربت في الجامعة الأمريكية في مصر، وتخرجت من معهد الأمريكان، وتنقلت بين الجامعات الأمريكية والأوربية، ثم عادت للتدريس في الجامعة المصرية.(58/54)
أمينة السعيد، وهي من تلميذات طه حسين، الأديب المصري الذي دعا إلى تغريب مصر .. ترأست مجلة حواء. وقد هاجمت حجاب المرأة بجرأة - ومن أقوالها في عهد عبد الناصر: " كيف نخضع لفقهاء أربعة ولدوا في عصر الظلام ولدينا الميثاق ؟ ". تقصد ميثاق عبد الناصر الذي يدعو فيه إلى الاشتراكية - وسخرت مجلة حواء للهجوم على الآداب الإسلامية .. وهي لا تزال تقوم بهذا الدور ..
د . نوال السعداوي، زعيمة الاتحاد المصري حالياً.
الأفكار والمعتقدات:
نجمل أفكار ومعتقدات أنصار حركة تحرير المرأة فيما يلي:
تحرير المرأة من كل الآداب والشرائع الإسلامية وذلك عن طريق:
- الدعوة إلى السفور والقضاء على الحجاب الإسلامي.
- الدعوة إلى اختلاط الرجال مع النساء في كل المجالات في المدارس والجامعات والمؤسسات الحكومية، والأسواق.
- تقييد الطلاق، والاكتفاء بزوجة واحدة.
- المساواة في الميراث مع الرجل.
- الدعوة العلمانية الغربية أو اللادينية بحيث لا يتحكم الدين في مجال الحياة الاجتماعية خاصة.
- المطالبة بالحقوق الاجتماعية والسياسية.
- أوروبا والغرب عامة هم القدوة في كل الأمور التي تتعلق بالحياة الاجتماعية للمرأة: كالعمل، والحرية الجنسية، ومجالات الأنشطة الرياضية والثقافية.
الجذور الفكرية والعقدية:
بعد تبلور حركة تحرير المرأة على شكل الاتحادات النسائية في بلادنا خاصه والدول عامة، أصبحت اللادينية أو ما يسمونه ( العلمانية ) الغربية هي الأساس الفكري والعقدي لحركة تحرير المرأة. وهي موجهة وبشكل خاص في البلاد الإسلامية إلى المرأة المسلمة؛ لإخراجها من دينها أولاً. ثم إفسادها خلقياً واجتماعياً .. وبفسادها، يفسد المجتمع الإسلامي وتنتهي موجة حماسة العزة الإسلامية التي تقف في وجه الغرب الصليبي وجميع أعداء الإسلام وبهذا الشكل يسهل السيطرة عليه.
ومن الأدلة على أن جذور حركة تحرير المرأة تمتد نحو العلمانية الغربية مايلي:
- في عام 1894م ظهر كتاب للكاتب الفرنسي الكونت داركور ، حمل فيه على نساء مصر وهاجم الحجاب الإسلامي، وهاجم المثقفين على سكوتهم.
- في عام 1899م ألف أمين كتابه تحرير المرأة أبدا فيه آراء داركور.
- وفي نفس العام هاجم الزعيم الوطني المصري مصطفى كامل ( زعيم الحزب الوطني ) كتاب تحرير المرأة وربط أفكاره بالاستعمار الإنكليزي.
- ألف الاقتصادي المصري الشهير محمد طلعت حرب كتاب تربية المرأة والحجاب في الرد على قاسم أمين ومما قاله: " إن رفع الحجاب والاختلاط كلاهما أمنية تتمناها أوروبا ".
- ترجم الإنكليز - أثناء وجودهم في مصر - كتاب تحرير المرأة إلى الإنكليزية ونشروه في الهند والمستعمرات الإسلامية.
- الدكتورة ( ريد ) رئيسة الاتحاد النسائي الدولي التي حضرت بنفسها إلى مصر لتدرس عن كثب تطور الحركة النسائية.
- اغتباط الدوائر الغربية بحركة تحرير المرأة العربية وبنشاط الاتحاد النسائي في الشرق وتمثلت ببرقية حرم رئيس الولايات المتحدة الأمريكية للمؤتمر النسائي العربي عام 1944م.
- صلة حزب ( بنت النيل ) بالسفارة الإنكليزية والدعم المالي الذي يتلقاه منهما - كما رأينا عند حديثنا عن درية شفيق.
- ترحيب الصحف البريطانية بدرية شفيق زعيمة حزب ( بنت النيل ) وتصويرها بصورة الداعية الكبرى إلى تحرير المرأة المصرية من أغلال الإسلام وتقاليده.
- برقية جمعية ( سان جيمس ) الإنكليزية إلى زعيمة حزب بنت النيل تهنئها على اتجاهها الجديد في القيام بمظاهرات للمطالبة بحقوق المرأة.
- مشاركة الزعيمة نفسها في مؤتمر نسائي دولي في أثينا عام 1951م ظهر من قرارته التي وافقت عليها أنها تخدم الاستعمار أكثر من خدمتها لبلادها.
- إعلان ( كاميلا يفي ) الهندية أن الاتحاد النسائي الدولي واقع تحت زيادة الدول الغربية ولاستعمارية واستقالتها منه.
- إعلان الدكتورة نوال السعداوي رئيسة الاتحاد النسائي المصري عام 1987م أثناء المؤتمر أن الدول الغربية هي التي هيأت المال اللازم لعقد مؤتمر الاتحاد النسائي والدول الإسلامية لم تساهم في ذلك.
هذه بعض الوقائع التي تدل دلالة لا ريب فيها على صلة حركة تحرير المرأة بالقوى الاستعمارية الغربية.
ويتضح مما سبق:
أن حركة تحرير المرأة هي حركة علمانية، نشأت في مصر، ومنها نشرت في أرجاء البلاد الإسلامية، وهدفها هو قطع صلة المرأة بالآداب الإسلامية والأحكام الشرعية الخاصة بها كالحجاب، وتقييد الطلاق ومنع تعدد الزوجات والمساواة في الميراث وتقليد المرأة الغربية في كل شيء. ويعتبر كتاب المرأة في الشرق لمرقص فهمي المحامي، وتحرير المرأة والمرأة الجديدة لقاسم أمين من أهم الكتب التي تدعوا إلى السفور والخروج على الدين، وتمتد أهداف هذه الحركة لتصل إلى جعل العلمانية واللادينية أساس حركة المرأة والمجتمع. ...
موقع كلمات
http://www.kalemat.o r g
عنوان المقال
http://www.kalemat.o r g/sections.php?so=va&aid=33 ...
=============(58/55)
(58/56)
حركة تحرير المرأة
التعريف - التأسيس وأبرز الشخصيات - الجذور الفكرية والعقدية
حرصت ما تسمى ب "حركة تحرير المرأة العربية"، منذ نشأتها،على فصل قضية تحرير المرأة عن الدين والوطن وربطها بقضية تحرير المرأة في العالم، فربطت بذلك بين قضية المرأة المسلمة وقضايا المرأة النصرانية والمرأة اليهودية والمرأة المشركة والملحدة، وذلك في محاولة لفصل قضية المرأة عن قضية الوطن والأمة، والأهم من ذلك فصل قضية تحرير "المرأة" المسلمة عن قضية تحرير "الوطن المسلم"، وفصل قضية الظلم الواقع عليها عن قضية الظلم الواقع على الرجل المسلم، وهكذا تتجزأ القضية الواحدة وتتفتت في مسارات متباينة متعارضة بل متصارعة، و"لم يقف الأمر عند هذه التجزئة بل تعداه إلى جَعْل المرأة المسلمة تقف خصماً أمام الرجل المسلم وأمام الوطن المسلم... تقف خصماً ضد شريعتها، تمتلئ رعباً وهلعاً كلما قيل لها: هناك من يطالب بتطبيق حُكم شريعتك، وتنفرج أساريرها فرحة كلما وُجِّهَت ضربة إلى الشرع الحنيف عن طريق سن المزيد من القوانين العلمانية المستمدة من قوانين الغرب.
وأكبر دليل على علمانية هذه الدعوة ذلك الاهتمام من قِبَل الخارج بقضية تحرير المرأة المسلمة، والتي تجلّت في الهجمة الشرسة المباشرة وغير المباشرة من قبل الغربيين على الشريعة الإسلامية، وتشجيعهم للمرأة على الخروج على تعاليم دينها التي التزمت بها طوال أربعة عشر قرناً، وقد تجلى هذا التشجيع والدعم في نواح عدة:
1- الدعم الفكري: تجلى في الكتابات الغربية التي تهجمت على وضع المرأة في الإٍسلام ودافعت عن حقوقها المسلوبة، وأبرز من كتب في هذا المجال هو "الكونت دراكور" الفرنسي الذي كتب في عام 1894م. كتاباً تناول فيه نساء مصر، "وهاجم الحجاب الإسلامي وهاجم المثقفين على سكوتهم".
كما تجلى هذا الدعم في الناحية الإعلامية، وخاصة المكتوبة منها، فانبَرت الصحف الغربية تدافع عما يسمى ب "قضية تحرير المرأة" المسلمة، وتفتح صفحاتها لدعم المرأة العربية، ومن نماذج هذا الدعم، ما قامت به الصحف البريطانية من ترحيب ب"درية شفيق" زعيمة حزب "بنت النيل" وتصويرها بصورة الداعية الكبرى إلى تحرير المرأة المصرية من أغلال الإسلام وتقاليده".
2- الدعم المعنوي: في تشجيع الدوائر الغربية لحركة ما يسمي ب"تحرير المرأة العربية" ومدحهم الدائم لنشاط الجمعيات النسائية في الشرق، وكان البعض يأتي مباشرة إلى مصر للتهنئة بنشاط الحركة، والبعض الآخر كان يكتفي بإرسال بطاقات تهنئة، ومن نماذج هذا النوع من الدعم:
أ- الدعم المعنوي الذي تلقته "هدى شعراوي" لدى حضورها المؤتمر الدولي الأول للمرأة في روما عام 1923م، وذلك إثر اللقاء بموسوليني الذي أخبرها باهتمامه بحركات التحرير في مصر.
وقد كان من نتائج هذا المؤتمر العملية تأسيس هدى شعراوي "الاتحاد النسائي المصري" سنة 1923م، مباشرة بعد عودتها من المؤتمر. وقد كان من أهم أهدافه تعديل قوانين الطلاق ومنع تعدد الزوجات، علاوة على المطالبة للمرأة بالحقوق الاجتماعية والسياسية المزعومة، التي وصلت أخيراً إلى حد المطالبة بالمساواة في الميراث.
ب- حضور الدكتورة (ريد) رئيسة الاتحاد النسائي الدولي إلى مصر لتدْرس عن كثب تطور الحركة النسائية.
ج- إرسال حرم الرئيس روزفلت رئيس الولايات المتحدة الأمريكية برقية تأييد للمؤتمر النسائي عام 1944م..
د- وصول برقية جمعية (سان جيمس) الإنجليزية إلى زعيمة حزب بنت النيل تهنئها على نجاحها الجديد في القيام بمظاهرات للمطالبة بحقوق المرأة.
3 الدعم المادي: في الأموال التي كانت ترسلها بعض الدول الغربية إلى الجمعيات العربية، وقد فُضح كثير من هذه الممارسات على العلن، ومنها فضيحة أخذ "حزب النيل" الأموال من الدول الغربية، التي انكشفت "حين قدمت إحدى عضوات مجلس إدارة الحزب استقالة مسببة، ما لبثت أن قبلتها الرئيسة دون عرضها على مجلس الإدارة، وكم كانت الدهشة كبيرة حين عُلم أنه قد حيل بين كثير من الصحف وبين نشر سبب الاستقالة حتى فوجئ الشعب المصري بأن السبب هو أن السفارة الإنجليزية والسفارة الأمريكية تمدان الحزب بألفين من الجنيهات سنوياً، عدا الورق المصقول وغيره، فضلاً عن تقديم المشورة والتوجيه".
مطالب الحركة النسائية العربية:
لم تختلف مطالب الحركة النسائية في مراحلها الأولى عما هي عليه الآن، فمن خلال قراءة أهداف المؤتمرات النسائية التي عُقدت في تلك الفترة يتبين بأنها ركزت على تعليم المرأة بشكل عام، ويمكن حصر أهم مطالب الحركة النسائية العربية في الأمور التالية:
1- الدعوة إلى السفور: ترافقت الدعوة إلى السفور التي شهدها القرن التاسع عشر مع الدعوات الفكرية والتصرفات العملية، فإضافة إلى دعوات "قاسم أمين" ورفاقه، عرفت الساحة الفكرية اللبنانية كتابين أثارا ضجة كبيرة، كون كاتبتهما امرأة هي "نظيرة زين الدين" مؤلفة كتابي "السفور والحجاب" 1928م. و"الفتاة والشيوخ" 1929م. الذي ألفته رداً على مهاجمي الكتاب الأول، وعلى رأسهم الشيخ مصطفى الغلاييني.(58/57)
وتدّعي "نظيرة زين الدين" في كتابها الأول أن الحجاب ليس من تعاليم الإسلام!!! وفي كتابها الثاني "الفتاة والشيوخ" تدافع عن السفور وإظهار حسناته، بل ضرورته، وتخطو في مطالبتها بالسفور خطوة أبعد، إذ تدعو إلى اختلاط الجنسين!
أما التصرفات العملية لخلع الحجاب، فإضافة إلى مسرحية خلع الحجاب التي قامت بها هدى شعراوي في مصر، خلعت "عنبرة سلام" في لبنان حجابها بعد رحلة لها لمدة سنتين إلى لندن سنة 1928م، وإلقائها المحاضرات في الأماكن العامة ويضاف إلى ذلك الدور الذي لعبته نظيرة جنبلاط، لاسيما بعد وفاة زوجها.
2- الدعوة إلى التعليم: بدأت قضية التعليم تطرح نفسها بعد أن رأت المرأة أن العلم هو السبيل الوحيد للدفاع عن الذات واستعادة الحقوق المهضومة، وذهب بعض النسوة إلى حد اعتبار أنفسهن في معركة مع الرجل، يَرَوْن العلم سلاحهن فيها.
هذا وقد تصدى كثير من المفكرين والمفكرات لقضية تعليم المرأة، وأوضحوا ضرورة التفريق بين العلوم الدينية والعلوم الغربية.
وكانت باحثة البادية أول امرأة تطرح خطورة مدارس الراهبات والمدارس التنصيرية فانتقدت أسلوب ومناهج التعليم في تلك المدارس التي اعتبرتها تقوم بدور تنصيري في مجتمع، اعتبرته هي، أشد ما يجب أن يكون محافظاً على الاسلام وتعاليمه.
وقد حذر "محمد رشيد رضا" من تربية المرأة المسلمة على الطريقة الغربية، مؤكداً أن لا تربية إلا بالدين وآدابه وفضائله، لأن المرأة لا تبلغ كمالها إلا بالتربية الإسلامية، أي بما جاء به الإسلام، لا بما هو عليه حال المسلمين لاندهاشهم بالحضارة الأوروبية، وتلقنهم كل شيء غربي بلا تمييز بين ما يلائم طبائعهم ويوافق معتقداتهم أو ما يخالف ذلك.
3- الدعوة إلى خروج المرأة إلى العمل: بدأت الدعوة إلى خروج المرأة إلى العمل مع "هدى شعراوي" التي رأت أن العلم غير المقرون بالعمل يذهب هباء، فإذا لم تتلقفه مؤسسات المجتمع يتحول إلى عبء، وأن عدم إقبال المرأة على العمل يرجع إلى ما رسخ في أذهاننا من أن "الشغل مختص بالرجل".
هذا ويعود تاريخ اشتراك المرأة في العمل "إلى عام 1933م، عندما تخرج في جامعة القاهرة أول فوج نسائي، وبتوالي الأفواج توسع الزحف على المجالات المختلفة، واشتغلت المرأة بالمحاماة والهندسة والتجارة والاقتصاد السياسي والبحوث العلمية".
4- الدعوة إلى المشاركة السياسية: شهدت الفترة الممتدة من عام 1926م. حتي عام 1950م. تحركاً ملموساً من قبل الجمعيات والشخصيات النسائية للضغط بغية كسب الاعتراف بإدخال المرأة في المشاركة السياسية. وكانت النتيجة أن أصبح من حق المرأة اللبنانية الانتخاب والترشح عام 1953م، في عهد الرئيسين كميل نمر شمعون والدكتور عبدالله اليافي، ولم تنل المرأة اللبنانية هذا الحق "بموجب قانون عادي صادر عن السلطة التسشريعية بل بموجب مرسوم صادر عن السلطة التنفيذية إثر بروز تكتلات سياسية معارضة عطلت الحياة البرلمانية العادية في أواخر عهد الرئيسين بشارة الخوري وسامي الصلح".
أما في مصر فقد تم إدخال المرأة المصرية الميدان السياسي عام 1956م، "وبمقتضى الدستور المؤقت الذي وضع في تلك السنة بات في مقدورها الإدلاء بصوتها في الانتخابات، وأن ترشح نفسها في الانتخابات النيابية".
5- الدعوة إلى تعديل القوانين: لقد كان من أهم نتائج تحرير المرأة على الصعيد القانوني في الدول العربية، إدراج معظم الدول العربية مبدأ المساواة بين المواطنين كافة، نساءً ورجالاً، في دساتيرها، وأخرجت بالتالي المساواة إلى حيز التنفيذ في مختلف المجالات وعلى مستويات متعددة.
إضافة إلى ذلك بدأت المرأة تتعلم "حقوقها" في مدارس قانونية، فافتتحت أول مدرسة قانونية وطنية في القاهرة عام 1925م.، وكان عدد التلميذات فيها بجميع الصفوف لا يزيد على أربعين فتاة، وقع عليهن الاختيار، لكونهن يملكن القدرة المالية على تحمل نفقاتها الباهظة.
هذا وقد لخصت "أمينة السعيد" مشكلات المرأة في المجال القانوني في تلك الفترة بالنقاط التالية:
1- "شيوع الجهل في المجموعة النسائية، وما يترتب عليه من عجز المرأة عن استرداد حقوقها.
2- أثر المنطق الزراعي المتخلف في إعاقتها عن ممارسة الحقوق المعطاة لها.
3- عدم المساواة بين الجنسين في القانون.
4- ضعف المفاهيم الدينية وسيطرتها على تشريعات الأسرة".
أخيراً... لا تختلف المراحل الأولى لحركة تحرير المرأة عن المراحل المتقدمة من حيث ولائها للمجتمع الغربي، وما زالت إلى الآن تنفذ توصيات مؤتمرات الأمم المتحدة، التي تبناها عدد كبير من الأنظمة العربية والإسلامية.وتأتي في هذا السياق تعديلات قوانين الأحوال الشخصية بدءاً من مصر، ثم مشروع قانون "الخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية"، كما سُمِّيَ، في المغرب وعدد من الدول، وأخيراً، وليس آخراً، تعديل قانون الأحوال الشخصية في تركيا الذي أنهى سيادة الرجل على الأسرة، وفرض مطالب "تحرير المرأة" كاملة، وقد بدأ تنفيذه مطلع سنة 2002م. حسبما أُعلن.
==============(58/58)
(58/59)
أقوال واعترافات دعاة تحرير المرأة
محمد بن عبدالله الهبدان
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد ،،
فهذا الاعتراف للكاتبة المشهورة ( غنيمة المرزوق ) رئيسة تحرير مجلة تحرير مجلة أسرتي تتحدث لبنات جنسها بصراحة فتقول : ( عيب أنتِ بنت ) كلمة سمعناها كثيرا في طفولتنا ..ورددتها ( أغلب العجائز ) آنذاك .
كنا نرى الولد يحظى بكل أنواع المتعة من مأكل وملبس ولعب وسيارات ..كان قلبنا يحترق ..نريد أن نلعب بـ الفريج ولكن الحكارة لنا بالمرصاد وكلمة عيب ..عيب .. كان كل شيء عيبا ، ولا نعرف ما معنى عيب ..وببراءة الطفولة سألت جدتي ( كيف أصبح رجلاً ) ؟ فردت بدهاء ( حِبي كوعك ) والكوع هو العظم الذي يفصل الذراع عن الزند ..حاولنا مراراً مع بنات الفريج دون جدوى ..كبرنا وكبرت آمالنا وتطلعاتنا ، نلنا كل شيء ..نهلنا من العلم والمعرفة ما يفوق الوصف ..أصبحنا كالرجال تماما ..نقود السيارة !! نسافر إلى الخارج !! نلبس البنطلون !! ..ارتدينا الماكسي الشبيه بالدشداشة ، والحجاب الشبيه بـ الغترة ..أصبح لنا رصيد في البنك ..أصبح لنا رجل يحمينا ويعطينا كل شيء دون قرقة أو نجرة ..وصلنا إلى المناصب القيادية واختلطنا بالرجال ، ورأينا الرجل الذي أخافنا في طفولتنا .أصبحنا ـ نحن النساء ـ رجالا وبدأت تعتري أجسادنا الأمراض ، وأصبنا كما يصاب الرجل نتيجة تحمل المسؤولية بـ السكر وتصلب الشرايين ..بدأ الشيب يغزو الشعر الأسود ..وبدأ الشعر الكثيف الذي كأنه ليل أرخى سدوله بالسقوط ..وبدأت الصلعة تظهر نتيجة التفكير والتأمل والذكاء !! الرجل كما هو ..والمرأة غدت رجلا تشرف على منزلها وتربي أطفالها وتأمر خدمها ..وتقف مع المقاولين وتقابل الرجال في العمل ..وكثرت هذه الأيام ظاهرة العقم عند النساء ، وعن سؤال وجه لاختصاصي كبير في الهرمونات قال : إن هناك تزايدا في هرمونات الذكورة عند النساء في الكويت وقد يكون سببها البيئة !! ..هذه حقيقة ذكرها طبيب عريق في مجال العقم وبعد أن نلنا كل شيء ..وأثلجت صدورنا انتصاراتنا النسائية على الرجال في الكويت أقول لكم بصراحتي المعهودة : ( ما أجمل الأنوثة ) وما أجمل المرأة ..المرأة التي تحتمي بالرجل ، ويشعرها الرجل بقوته ، ويحرمها من السفر لوحدها ويطلب منها أن تجلس في بيتها ..تربى أطفالها وتشرف على مملكتها وهو السيد القوي ..نعم أقولها بعد تجربة ..أريد أن أرجع إلى أنوثتي التي فقدتها أثناء اندفاعي في الحياة والعمل ..إن الذكاء نقمة في بعض الأحيان ، وأغلب الأمراض الحديثة نتيجة ذلك ..وما أجمل الوضع الطبيعي لكل شيء ..لقد انفتح المجال أمامنا بشكل أتعبنا جميعا ..والآن ..لو تيسر لنا فعلا وبالآلات الحديثة ( حبة الكوع ) فلن أفعل هذا العمل إطلاقا ..ولن أخبركم بالسر ، ولكن ساحتفظ به لنفسي
وهذا اعتراف آخر للأديبة الكويتية ( ليلى العثمان ) حيث كتبت تقول : سأعترف اليوم بأنني أقف في كثير من الأشياء ضد ما يسمى بحرية المرأة ..تلك الحرية التي تكون على حساب أنوثتها ..وعلى حساب كرامتها ..وعلى حساب بيتها وأولادها ..سأقول : إنني لن أحمل نفسي ـ كما تفعل كثيرات ـ مشقة رفع شعار المساواة بينها وبين الرجل ..نعم أنا امرأة ..ثم تقول : هل يعني هذا أن أنظر إلى البيت ـ الذي هو جنة المرأة ـ على أنه السجن المؤبد ، وأن الأولاد ما هم إلا حبل من مسد يشد على عنقي ..وأن الزوج ما هو إلا السجان القاهر الذي يكبل قدمي خشية أن تسبقه خطوتي ؟ لا ..أنا أنثى أعتز بأنوثتي ..وأنا امرأة أعتز بما وهبني الله ..وأنا ربة بيت ..ولا بأس بعد ذلك أن أكون عاملة أخدم خارج نطاق الأسرة ..ولكن ـ ويا رب أشهد ـ بيتي أولا ..ثم بيتي ..ثم بيتي ..ثم العالم الآخر )
وهذا اعتراف آخر لأحد دعاة التحرير يقول كلمة حق في القضية ذاتها ..إنه أنيس منصور يقول في كتابه ( يوم بيوم ) : ( إن اليتيم ليس هو الذي مات أبوه أو أمه ..ولكن اليتيم هو الذي له أب وله أم ولكنه لا يشعر بهما ..يريانه ولكن لا يلمسانه ويلمسانه ولكن بلا حنان ..فلا هما موجودان بالنسبة له ولا هو موجود بالنسبة لهما ..لأن الرجل يعمل والمرأة تعمل وليس عندهما متسع من الوقت لتربية الأطفال )(58/60)
ثم يأمل أنيس منصور : ( أن يجيء ذلك اليوم الذي تعود فيه المرأة إلى البيت لكي تكون أماً ولكي تساهم في إنقاص عدد الأيتام ) وهاهو ذا الكاتب الروائي الشهير إحسان عبد القدوس الذي أغرق السوق الأدبية برواياته الداعية إلى خروج المرأة من البيت والاختلاط بالرجال ومراقصتهم في الحفلات والنوادي والسهرات ، يقول في مقابلة أجرتها معه جريدة الأنباء الكويتية في عددها الصادر بتاريخ 18/1/1989 : ( أعتبر أن أساس مسؤولية أي امرأة هو البيت والأولاد ، وهذا ينطبق عليّ بالدرجة الأولى ، فلولا زوجتي ما كنت أستطيع تحقيق الأسرة والاستقرار والنجاح لأنها متفرغة للبيت والأولاد ) وهذا تصريح آخر من أحد دعاة إفساد المرأة وهو قاسم أمين يقول : ( لقد كنت أدعو المصريين قبل الآن إلى اقتفاء أثر الترك بل الإفرنج في نحو تحرير نسائهم ، وغاليت في هذا المعنى حتى دعوتهم إلى تمزيق ذلك الحجاب ، وإلى اشتراك النساء في كل أعمالهم ومآدبهم وولائمهم ..ولكني أدركت الآن خطر هذه الدعوة بما اختبرته من أخلاق الناس ..فلقد تتبعت خطوات النساء في كثير من أحياء العاصمة والإسكندرية لأعرف درجة احترام الناس لهن ، وماذا يكون شأنهم معهن إذا خرجن حاسرات ، فرأيت من فساد أخلاق الرجال بكل أسف ما حمدت الله على ما خذل من دعوتي ، واستنفر الناس إلى معارضتي ..رأيتهم ما مرت بهم امرأة أو فتاة إلا تطاولوا إليها بألسنة البذاء ، ثم ما وجدت زحاما في طريق فمرت به امرأة إلا تناولها الأيدي والألسن جميعا .)
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
وكتبه
محمد بن عبدالله الهبدان
إمام جامع العز بن عبد السلام
18/4/1425هـ
=============(58/61)
(58/62)
تجارب دعوية نافعة في تحرير المرأة .. من رجس الشيطان
أبو أحمد
1- حسن العلاقة بالمرأة زوجة أو بنتا أو أختا وبالطبع الأم
2- التنبيه في الأحاديث والمناقشات على محاسن الإسلام واهتمامه بالمرأة
3- تعليمهن الأحكام الشرعية
4- ربط النساء بكتاب الله تعالى وتشجيعهن على تعلم القرآن الكريم تلاوة وحفظا و تفسيرا وفهما (ونركز على : فهما)
5- التنبيه من عداء أعداء الإسلام وأنهم يستهدفون المرأة بالأدلة المؤثرة
6- التنبيه من عداء المنافقين وكشف ألاعيبهم وكيفية استغلالهم بعض أهل الخير ليعبروا من خلالهم إلى أهدافهم الشهوانية
7- ذكر القصص والأحداث والتجارب المؤلمة والتي وقعت إثر اتباع خطوات الشيطان في هذا المجال
8- ذكر الإحصاءات والأرقام المخيفة من حالة الغرب وأثر انحلال المرأة في انهيار المجتمع
9- ذكر قصص التائبات واللاتي أسلمن حديثا
10- شراء المجلات الإسلامية والتشجيع على قراءتها والتي تهتم بربط القراء بهموم الأمة وبهموم المرأة المسلمة خصوصا
11- عمل الزيارات للمكتبات والتسجيلات الإسلامية معهن إن أمكن وشراء المناسب منها
12- توفير مكتبة ولو مصغرة في المنزل تحتوي على ما يشتاقون إلى قراءته وسماعه أو مشاهدته مما ينفع
13- الاستفادة من بعض المواقع النافعة في الإنترنت أو تنزيل بعض المواقع النافعة والمؤثرة على الكمبيوتر أو تخزينها في أقراص cd وإعطائها للبنات لكي يطلعن عليها
14- إعطائهن الثقة في أنفسهن وأنهم قادرات على عمل الكثير فهن مربيات الجيل وهن داعيات النساء إلى الله وهن معينات الأزواج في دعوتهم كما كانت أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها .
15- إشراكهن في الدعوة إلى الله بقدر استطاعتهن في المكان المناسب من مركز أو اجتماع نسائي أو عائلي .
16- إشراكهن في هموم الأمة والتحدث إليهن بآخر ما نصر الله به الأمة وخذل الشرك وأهله وإخبارهن بما يناله المستضعفين من الرجال والنساء والولدان في أقطار الأرض .
17- إشراكهن في همّ فلسطين وإشعارهن بما عليهن من مسئولية في تربية الجيل القادم .
18- اختيار الصديقات الصالحات المناسبات للقريبة ابنة كانت أم زوجة أم غيرها .
19- اختيار المدرسة المناسبة حتى يمكن الحد من الشر وتنمية الخير لدى البنت
20- تشجيع المدرسات اللاتي يقمن بدور التربية والنصح للبنات في المدارس وتنبيه المدرسات الأخريات في حالة الزلل في الحديث عن الجوانب الأخلاقية والإسلامية عن طريق الأم .
21- الانتباه للتصرفات والأخطاء واستغلالها لتعديل السلوك بالأساليب المناسبة
22- لا تجعل الأفكار فرضا تفرضه على من حولك بل أوصله إليهم وكأنهم هم أصحابه واجعلهم يتبنونه قلبا لا أن يعملوه أمامك فقط .
23- كون علاقات جيدة وأنشئ المحبة العائلية وتفرغ قليلا لبيتك وأهلك حتى تمنع الانحراف
24- تشجيعهن على كتابة مقالات ونشرات وكلمات في هذا الموضوع تحت إشرافك وتوجيهك
25- لا تنس الدعاء فهو خير سلاح للمؤمن
هذه بعض التجارب والتي رأينا لها أثراً بعد إعانة الله .. وأرى أن يكون هناك مجال مفتوح للتجارب النافعة حتى يمكن الاستفادة في هذا المجال .. والله المستعان والقادر على أن يبدل خوف المسلمين أمنا ويمكن لنا ديننا والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
================(58/63)
(58/64)
أنصح كل فتاة بقراءة الكتب التالية
1- كتاب: (.. مذاهب فكرية معاصرة..) للأستاذ محمد قطب: وأخص منه: ( فصل: دور اليهود في إفساد أوربا)....
هذا الفصل يحتوي:
- مقدمة..
- مبحثا عنوانه: النظريات العملية: دارون ونظرية التطور، ماركس، فرويد، دور كايم.
- مبحثا عنوانه: واقع المجتمع الصناعي.. ومن أهم محتوياته: قضية عمل المرأة وتعليمها...
وقراء الفصل كاملا هو الأحسن:... حيث يبين جذور الإفساد في الغرب من خلال المرأة، بالنظريات المسماة زورا "علمية"، ثم بالعمل على تحقيق الأهداف تطبيقيا، بسن قانون تعليم البنات وعمل المرأة... وما رافقه من انحلال وإفساد متعمد ومقصود... حيث جعل التعليم والعمل ستارا... كعادة المفسدين، الذين يقولون عن أنفسهم، وهم يفسدون: {إنما نحن مصلحون}.. وهم يعلمون أنهم مفسدون، لكنهم يسترون فسادهم بأشياء في ظاهرها جميلة، لتمرير ما يريدون..؟؟؟ .. ولو كشفوا سترهم من أول مرة، لبطل سحرهم..
2- كتاب: .. (واقعنا المعاصر) للأستاذ محمد قطب:
وأخص منه فصل: "حركة تحرير المرأة في مصر"..
حيث يظهر كيفية تحرير المرأة في هذا البلد الإسلامي الكبير... وهي نسخة من طريقة تحرير المرأة في أوربا.. وتكرار للتجربة...
فقراءة هذا الفصل مهم، لمعرفة كيفية إدارة المستغربين لعلمية تحرير المرأة في بلاد الإسلام..
والمقصود من ذلك معرفة الأخطاء التي أودت بالمرأة، وحطمت المجتمع، وحققت أحلام المستغربين المفسدين... واجتناب تكرارها..
فالمؤمن لا يلدغ من جحر مرتين.. فإن لدغ فليس بمؤمن..
3- كتاب: ( عمل المرأة في الميزان ).. للدكتور محمد علي البار..
والكتاب رائع في بابه، كونه كاتبه طبيب متخصص، عالج القضية من قبل الطب، ثم من حيث الواقع، قبل أن يعالجه من قبل الشرع، وأثبت خطأ مساواة المرأة بالرجل في التعليم والعمل، وبيّن تجربة المرأة الغربية في العمل، وما جنته من كوارث...
وهو في الحقيقة يصلح لكافة الفئات، فهو سلس في أسلوبه، مشوق في جمله وعبارته، لا يبدأ فيه القاريء إلا ويعزم على إتمامه كاملا...
والكتاب مهم في المجتمعات التي دخلها قضية المرأة من قبل العمل أولاً، قبل التعليم... فإن تحرير المرأة إما أن يبدأ من خلال التعليم.. أو العمل...
-------
أنصح بهذه الكتب الثلاثة..
لا أنصح بقراءتها فحسب، بل بنشرها، ودعوة الجميع إلى قراءتها، من الأقرباء، والأصدقاء، والأساتذة، والأستاذات، والمعلمين والمعلمات، والطلاب والطالبات، والآباء والأمهات... وغيرهم...
------------
إضافات: ....................
1- ............................( المرأة بين الفقه والقانون ).... ............................
للدكتور : مصطفى السباعي .. وهو مهم في بابه... ومصدر لكثير من الكتاب في شأن تحرر المرأة ...
2-....((.... عودة الحجاب......)).........
للشيخ محمد إسماعيل المقدم... وهو موسوعة شاملة من ثلاثة أجزاء، لكثير من قضايا المرأة..
3- .......((.......من أجل تحرير حقيقي للمرأة.....)).......
محمد رشيد العويد.... وهو من المبدعين في الكتابة فيما يتعلق بقضية المرأة...
4- ........((..... الحجاب......)).............
للأديب الكبير: مصطفى لطفي المنفلوطي... وهو من روائعه.........
5-.......((....... حصوننا مهددة من داخلها......))............
للدكتور: محمد محمد حسين .. رحمه الله.. فصل: .....التنظيم الاجتماعي..............
تطرق إلى قضيتين هامتين:
- المجتمع المختلط..
- الجنس الثالث..
وأهمية ما كتب تأتي من حيث إنه من المعاصرين لحركة تحرير المرأة في مصر....
لذا أوصي بقراءة هذا الفصل....
6- ....... (((....... قولي في المرأة..........)))..........
للشيخ: مصطفي صبري... شيخ الإسلام في الدولة العثمانية...
وأهمية الكتاب تأتي من كونه يناقش مسائل المرأة من تبرج واختلاط نقاشا عقليا في المقام الأول...
فيبطل بحجة بالغة حجج دعاة الاختلاط والسفور...
والشيخ رحمه الله عاصر الدعوة إلى تحرير المرأة في تركيا ومصر التي لجأ إليها....
فهو كتاب يتضمن شهادة وردود معاصر للقضية.......
وعدد صفحاته 70 صفحة... فلا يفوتكم...
أبو سارة
=================(58/65)
(58/66)
الرد على .. [ الماجن (*) ] الذي أوصى بقراءة كتب قاسم أمين !
سليمان بن صالح الخراشي
قامت إحدى الفضائيات مؤخرًا باستضافة أحد ( المجان ) للحديث عن قضايا المرأة المسلمة ! فأوصى الجميع بقراءة كتب شيخه قاسم أمين !! وكتاب " تحرير المرأة في عصر الرسالة " للهالك عبدالحليم أبوشقة !
فكان لقومه .. كالغراب الذي يدل على الخراب ..
ليبوء بإثمه ، وإثم من يضل بسبب نصيحته .
ولو كان الرجل يعيش في عصر قاسم لالتمسنا له بعض العذر ؛ حيث لم تتبين له حقيقة الدعوة الإفسادية بعد .... ولكنه للأسف يعيش بعد ( 100 ) عام أو أكثر على تلك الدعوة المخربة .
وقد شاهد - كما شاهد الجميع - آثارها وماجنته على البلاد المصرية ؛ حيث كانت فاتحة شر على أهلها .. وسببًا رئيسًا في إيهان قوتها ، وترويضها للمحتل الإنجليزي - حينذاك - .
ولكن - ولله الحمد - قد لفظها أهل مصر فيما بعد لما تيقنوا ضررها ، وأنها مجرد شعارات فارغة .. لا يوجد تحتها سوى الفساد الأخلاقي العريض الذي صدقه الواقع .
فهل يريدنا هذا ( الماجن ) ومن يُمَكن له من توجيه نسائنا : أن نبدأ من حيث بدأ الآخرون ، فلا نستفيد من التجارب ؟!
تخيل : لو كنت تسير خلف إنسان فعثر في حجر أو سقط في حفرة .. هل تعثر أوتسقط خلفه ؟!
ماذا سيقول عنك العقلاء حينئذ ؟!
أما كتب قاسم أمين : فقد قرأها المسلمون ، ولم يجدوا فيها سوى محاولة مسخ المرأة المسلمة ، وجعلها تابعة ذليلة لنساء الغرب الوضيعات .
وتحدثوا وأطالوا في كشف باطلها .
فمابال هذا ( المريض ) ومن معه يصمون آذانهم ؟! ويحاولون إحياءها من جديد ؟!
وأنصح القارئ أن يعود إلى كتاب ( عودة الحجاب ) للشيخ محمد بن إسماعيل - وفقه الله - ، ومذكرة بعنوان ( المشابهة بين قاسم أمين ودعاة تحرير المرأة ) في موقع صيد الفوائد .
وأما كتاب ( أبوشقه ) الذي فتن به ( الماجن ) ؛ فقد كتبت مذكرة قديمة في نقده تجدها في الموقع السابق . ثم اطلعت - فيما بعد - على مقال جميل عنه للأستاذ جمال سلطان - وفقه الله - نشره في كتابه ( ثقافة الضرار ، ص 71 - 74 ) .
أسوقه للقارئ فيما يلي :
تحرير المرأة في عصر الضلالة !
بقلم / جمال سلطان
( لا تزال قضية ما يسمى بتحرير المرأة تمثل محوراً أساسياً في حوارات المثقفين والمثقفات العرب، تخفتُ حيناً لتعود إلى الظهور مرة أخرى، مواكبة لحركات المد والجزر في تحولات الصحوة الإسلامية في أقطار العرب المختلفات من المحيط إلى الخليج.
وقد تابع الكثيرون تظاهرات نسائية جزائرية حشدتها بعض الأحزاب العلمانية والتجمعات النسائية المضبوطة على موجات البث الفرنسي، وكان الداعي العصبي لهذه التظاهرات الغاضبة هو الرفض الحاسم من قبل "أحرار نساء الجزائر" للتوجهات الظلامية والأفكار الإرهابية التي تصدر عن الجبهة الإسلامية للإنقاذ، والتي تهدد مستقبل المرأة الجزائرية وحريتها وكرامتها.
الجدير بالذكر هنا، أن هذه التجمعات النسوية وحلفاءها من الأحزاب العلمانية من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين، لم تحشد مثل هذه التظاهرات أو نصفها أو عشرها للدفاع عن "كرامة" الإنسان الجزائري، وحريته، وحقوقه الإنسانية الأولية، ولم تحشد مثل هذه التظاهرات ضد "الحكومة الجزائرية" -مثلاً- بوصفها صاحبة السلطات والقوة القاهرة التي تمارس بها تنفيذ سياساتها الاقتصادية والتربوية والإعلامية التي تُهدّد مستقبل الإنسان الجزائري برمّته، في حين برزت التظاهرات العصبية ضد حزب معارض، لم يكن يملك -حينها- سلطة الحسم والتوجيه لمستقبل دولة، بل كان واضحاً تماماً للمراقبين الدعم الإعلامي والتنظيمي الذي تقدمه الحكومة لهذه التظاهرات من خلال أجهزتها الإعلامية المختلفة.
لقد كان واضحاً أن مثل هذه التظاهرات "التحررية" مجرد "خطوط دفاعية أولى" لقوى التغريب والتبعية السياسية والثقافية في الحكومة وغيرها، لإعاقة المد الإسلامي أو تفتيت جهوده حتى يصل إلى معركة "الحسم" منهك القوى، مثخناً بالجراح.
الظاهرة نفسها تكررت بوجه آخر في "الأردن"، حيث دفعت العلمانية بخطوط دفاعها الأولى لمواجهة النمو المتزايد لنفوذ القوى الإسلامية في البلاد . فاستعملت القضيتين التقليديتين: أمن الدولة، وأمن النساء، وظهرت زعامات تحرير المرأة، التي تتحدث عن اضطهاد المرأة في الخطاب الإسلامي ، وأثيرت قضية "الفصل بين الجنسين"، حين أصدرت وزارة التعليم الأردنية -وزير إسلامي في الحكومة السابقة- قراراً تنظيمياً بهذا الخصوص، لتلاشي الآثار الأخلاقية السيئة التي يفرزها الاختلاط الجنسي، فما كان من "زعماء تحرير المرأة" إلا أن أعلنوا الحرب على "الإجراء التنظيمي"، وكان أمراً عجباً، أن تقف امرأة أردنية "زليخة" على مرمى حجر من القدس الملتهبة، لترى أن معركتها الأولى والمصيرية هي في الدفاع عن حقها في مخالطة الرجال !(58/67)
الظاهرة ذاتها متكررة في مصر، وبين الحين والآخر تدفع "القوى الظلامية" ببعض الوجوه المعروفة لإثارة زوبعة حول "المرأة المضطهدة"، وكثير من هذه التجمعات النسوية في مصر، انفضح أمرها في غمرة جهادها التحرري! وتكشفت أبعاد دورها عندما كشف النقاب عن "نفق الدولارات" الذي ينساب في جيوب المتنفذات من زعماء تحرير المرأة، على النحو الذي تكشفت فيه فضيحة "نوال السعدواي" وتلقيها أموالاً "سرية" من مؤسسة "فورد فونديشن" الأمريكية، وغيرها من المؤسسات الإنجليزية والهولندية.
اللعبة واضحة، والأسلوب شبه متطابق في تنفيذه في مختلف ديار الإسلام ، الأمر الذي يستدعي من الإسلاميين منهجية جديدة في التعاطي مع هذه الظاهرة وحيلها وتكتيكاتها، فالأمر لم يعد يحتمل أن يتصدى معه الإسلاميون لهذه الهجمات التافهة والمأجورة بالمنطق نفسه الذي استعمله "محمد عبده" و"قاسم أمين"، كأن أضع نفسي في قفص الاتهام بمحض إرادتي، ثم أبدأ في طرح "دفاعي المجيد" عن براءتي، ثم تبدأ نشوة الفصاحة الثقافية في دغدغة مشاعر القضاة وممثلي الادعاء بتقديم بعض التنازلات التي تبيض وجه المسلمين والإسلام، دون أن ندري أننا قد فتحنا "الثقب" في جدار القيم الإسلامية الأصيلة، ليبدأ سيل التخريب والتدمير يأتي على "منظومتنا" من أطرافها حتى يصل إلى التذويب الكامل.
ولكننا -مع الأسف- مازلنا نجد بعض الإسلاميين يتخذون المواقع القديمة نفسها، كأن الهزيمة النفسية أصبحت قدراً مقدوراً في فكرنا الإسلامي المعاصر، مازلنا ننطلق مع مواقع الدفاع، وما زلنا نقدم شهادات البراءة لمن ؟ لمجموعة من المتهوكين والفسقة -بمنطق الشرع- لا يملك أي منهم أو منهن أي مصداقية أخلاقية أو علمية، ناهيك عن أن يملك القداسة، التي تبيح له تبوأ مقام المرجعية لبيان الحق والباطل، والرشد والضلال، في القيم والمفاهيم والأفكار.
لقد عنى أحد الباحثين المصريين مؤخراً بإصدار "موسوعة" ضخمة سماها "تحرير المرأة في عصر الرسالة" تقوم بكاملها وفق ذلك المنهج الدفاعي، منهج الخذلان، الذي اختطه الشيخ "محمد عبده"، والتقط الخيط الكاتب الصحفي "فهمي هويدي" الذي عرض للكتاب عرضاً مثيراً في مقال له بجريدة الأهرام المصرية، وتوقف فيه طويلاً عند الكشف الكبير الذي أبرزه الكاتب، وهو "حق المرأة في المبيت وحدها خارج بيتها" ؟! والتأكيدات والمستندات الشرعية التي قدمها الباحث لهذا الحق المبدئي المقدس، وبطبيعة الحال ليس مثل "فهمي هويدي" بالمغفّل حتى يجهل الأبعاد الاجتماعية المعاصرة التي يوظّف في سبيلها هذا الكلام، ولكنها الاندفاعية المتهورة في "مزلق" تمدين الإسلام، وغياب التصور الشامل لأبعاد المعركة .
لقد كتب "فهمي هويدي" مهاجماً الحركة الإسلامية في فلسطين لأنها طرحت في برنامجها التأكيد على "الهوية الإسلامية" لفلسطين المحررة، ورأى أن تلك قضية جانبية لا ينبغي أن تفتت الصفوف وتشغل الجهود، ثم هو يعود ليتحدث -في أوسع منبر إعلامي بالشرق- عن القضية المصيرية للمرأة المسلمة، وهو "حقها في أن تبيت خارج بيتها"!
أخشى أن يكون مثل ذلك البحث لا يبحث عن معنى "تحرير المرأة في عصر الرسالة" وإنما يبحث عن ثوب إسلامي مزيف يكسو به دعوى " تحرير المرأة في عصر الضلالة " ! ) . انتهى مقال الأستاذ جمال .
تنبيهان :
الأول : للدكتور محمد فؤاد البرازي كتاب بعنوان ( حجاب المرأة المسلمة .. ) تعرض فيه لكتاب ( أبوشقه ) وتعجب من عده انتشار الحجاب من إحدى المصائب !! ( انظر : ص 16 وما بعدها ) .
الثاني : أن العاقل يتساءل : لماذا طرح مثل هذه الدعوة الفاسدة الآن ؟! وبلادنا يتربص بها العدو ويضغط عليها بكل مااستطاع ؟!
فهل خلف الأكمة ما وراءها ؟!
وهل نلام إذا ما عددنا هذا ( الماجن ) وأمثاله ، ومن يُمكنون لهم من ضمن ( الطابور الخامس ) الذي يهدد حصوننا من الداخل ؟!
أخيرًا : ألا يستحق هذا الطابور المتواطئ مع العدو - شاء أم أبى - وقفة حازمة من ولاة الأمر - وفقهم الله - تجتث جذوره ، وتقي المسلمين شروره ؟! قبل أن يتمدد فيكون قاعدة صلبة للعدو الرابض قريبًا منا ؟!
-------------------------
(*) أقصد بالماجن : كل من يوصي بقراءة رائد التغريب كتب قاسم أمين وهو يعلم مافيها من انحراف وإفساد ..
ومن ذلك : قوله : ( فأول عمل يعد خطوة في سبيل حرية المرأة هو تمزيق الحجاب ومحو آثاره ) !!!! ( المرأة الجديدة ، ص 442 ضمن أعماله الكاملة )
وتنبه إلى أنه لايعني بالحجاب هنا تغطية الوجه ؛ لأن هذا قد فرغ منه في كتابه الأول ( تحرير المرأة ) ! بل يقصد كل مايسميه المسلمون حجابًا !
وللفائدة : فالماجن في اللغة هو قليل الحياء .
وفق الله الجميع للخير ، وجنبهم خطوات الشيطان ، أو الدفاع عن حزبه .
=============(58/68)
(58/69)
قصة نزع الحجاب
ـ لفتات من كتاب الشيخ بكر أبو زيد ( حراسة الفضيلة )
فهد بن سعد أبا حسين
تعيش هذه البلاد موجة من الهجمات الفكرية الخطيرة . أعدها أعداءها ومن تربى في أحضان أعدائها . تربى في أحضانهم الفكرية والعقدية .
حتى صارت الصحف والقنوات تنضح بكلمات هؤلاء في موجة من العفن المتسلط على أهل هذه البلاد ، كل ذلك سخر لحرب الإسلام على خطط محكمة والمسلمون أكثرهم غافلون.
يجدُّ أعداؤهم ويهزلون ، ويسهر خصومهم وينامون .
وكان من أخطر ما أفرزته علينا تلك الهجمات فتنة الاختلاط التي سرت في العالم الإسلامي .
لقد بدأت الدعوة لها بعد دخول الاستعمار الغربي الكافر على المسلمين وكانت أول شرارة قُدحت لضرب الأمة الإسلامية هي في سفور نسائهم عن وجوههن ، وذلك على أرض الكنانة في مصر .
حيث بُذِرت البذرة الأولى للدعوة إلى تحرير المرأة ، على يد رفاعة رافع الطهطاوي .
ثم تتابع على هذا العمل عدد من المفتونين المستغربين وقد تولى كبر هذه الفتنة داعية السفور قاسم أمين الهالك الذي ألف كتابه "تحرير المرأة" ووقف أمامه العلماء .
ثم ظهرت الحركة النسائية في القاهرة لتحرير المرأة برئاسة هدى شعراوي .
وهكذا تتابع دعاة الفساد ، وهرول معهم الكتاب الماجنون بمقالاتهم الفاسدة ، التي تدعو للسفور والفساد ، والهجوم على الفضائل والأخلاق ، من خلال وسائل شتى نشر صور النساء الفاضحة ، والدمجُ بين الرجل والمرأة في المناقشة والدعوة إلى المساواة بينهما ، وتسفيه قيام الرجل على المرأة .
يساند ذلك الهجوم الخطير أمران :
إسنادهم من الداخل .
وضعف مقاومة المصلحين لهم بالقلم واللسان ، والسكوت عن فحشهم ، وعدم نشر مقالاتهم ، أو تعويقها ، وإلصاق تُهم التطرف والرجعية بهم ، وإسناد الولايات إلى غير أهلها من المسلمين الأمناء الأقوياء.
هكذا صارت البداية المشؤومة للسفور في هذه الأمة .
ثم أخذت تدب في العالم الإسلامي في ظرف سنوات ، كالنار الموقدة في الهشيم .
حتى آل الأمر إلى وضع قوانين ملزمة بالسفور .
ففي تركيا أصدر الملحد أتاتورك قانوناً بنزع الحجاب وفي ألبانيا وتونس وغيرها صدرت القوانين بذلك .
وفي العراق تولى كبر هذه القضية ـ المناداة بنزع الحجاب ـ الزهاوي والرُّصافي ، نعوذ بالله من حالهما فسقط الحجاب في العراق.
وفي الجزائر قصة نزع الحجاب ... قصة تتقطع منها النفس حسرات ـ ذلك أنه سُخِّر خطيب جمعة بالنداء في خطبته إلى نزع الحجاب ، ففعل المبتلى ، وبعدها .
قامت فتاة جزائرية فنادة بمكبر الصوت بخلع الحجاب ، فخلعت حجابها ورمت به ، وتبعها فتيات ـ منظمات لهذا الغرض ـ نزعن الحجاب ، فصفق المسخَّرون ومثله حصل في مدينة وهران ، ومثله حصل في عاصمة الجزائر الجزائر ، والصحافة وراء هذا إشاعة وتأييداً .
وفي المغرب الأقصى وفي الشام وما أدراك مالشام . إنه أعظم معقل للإسلام أمام اليهود فكيف لا تسلط عليه الأضواء ، وكيف يترك بلا طعنات مسمومة انتشر السفور والتبرج والإباحية على أيدي القومية تارة ، وعلى دعاة البعث تارة أخرى .
أما في الهند وباكستان فكانت حال النساء المؤمنين على خير حال من الحجاب ـ دَرْعُ الحشمة والحياء ـ وفي عام 1950 م بدأت حركة تحرير المرأة والمناداة بجناحيها : الحرية والمساواة ، وتُرجم كتاب قاسم أمين "تحرير المرأة" ثم من وراء ذلك الصحافة في الدعاية للتعليم المختلط ونزع الخمار ، حتى بلغت هذه القارة من الحال ما لا يُشكى إلا إلى الله تعالى منه .
وكان سعاة الفتنة ينادون بالنداء إلى تحرير المرأة وباسم الحرية والمساواة.
فباسم الحرية والمساواة :
• أخرجت المرأة من البيت تزاحم الرجل في مجالات حياته .
• وخُلع منها الحجاب وما يتبعه من فضائل العفة والحياء والطهر والنقاء .
• وغمسوها بأسفل دركات الخلاعة والمجون ، لإشباع رغباتهم الجنسية .
• ورفعوا عنها يدَ قيامِ الرجال عليها ؛ لتسويغ التجارة بعرضها دون رقيب عليها .
• ورفعوا حواجز منعَ الاختلاط والخلوة ، لتحطيم فضائلها على صخرة التحرر ، والحرية والمساواة.
• وتم القضاء على رسالتها الحياتية ، أمّا وزوجة ، ومربية أجيال ، وسكناً لراحة الأزواج، إلى جعلها سلعة رخيصة مهينة مبتذلة في كف كل لاقط من خائن وفاجر .
إلى آخر ما هنالك من البلاء المتناسل ، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم : {وَاللّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ }
واليوم تُعاد المطالب المنحرفة ؛ لضرب الفضيلة ، في آخر معقل للإسلام ، وجعلها مهاداً للجهر بفساد الأخلاق : إن البداية مدخل النهاية ، وإن أول عقبة يصطدم بها دعاة المرأة إلى الرذيلة ، هي الفضيلة الإسلامية : "الحجاب لنساء المؤمنين" فإذا أسفرن عن وجوههن ، حسرن عن أبدانهن وزينتهن التي أمر الله بحجبها وسترها عن الرجال الأجانب عنهن ، وآلت حال نساء المؤمنين إلى الانسلاخ من الفضائل إلى الرذائل ؛ من الانحلال والتهتك والإباحية ، كما هي سائدة في جل العالم الإسلامي ، نسأل الله صلاح أحوال المسلمين .(58/70)
واليوم يمشي المستغربون الأجراء على الخطى نفسها ، فيبذلون جهودهم مهرولين ؛ لضرب فضيلة الحجاب في آخر معقل للإسلام ، حتى تصل الحال ـ سواء أرادوا أم لم يريدوا ـ إلى هذه الغايات الألحادية في وسط دار الإسلام الأولى والأخيرة ، وعاصمة المسلمين ، وحبيبة المؤمنين : "جزيرة العرب" التي حمى الله قلبها وقبلتها ، منذ أسلمت ، فنسأل الله جل وعلا أن يرد كيدهم في نحورهم .
==============(58/71)
(58/72)
معركة تحرير المرأة السعودية..موثق بالأدلة
المُقَدِّمَةُ
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :
فإن المرأة سلاح ذو حدين فإن هي صلحت فتأثيرها في المجتمع يكون قوياً وذو بال ، وهي كذلك إن فسدت .
وحيث إن المرأة ضعيفة في تحديد توجهاتها أياً كانت فقد جعلها الإسلام تحت قوامة الرجل سواءً كان أباً أو أخاً أو غير ذلك فالرجل المتصف بصفات الرجولة لا يقبل على محارمه الفساد ، ويعتبر ذلك خدشاً بل سقوطاً لرجولته حتى ولو كان في نفسه مقصراً لذلك كان من كمال الإسلام أن جعل المرأة تحت قوامة الرجل فاكتملت بذلك مقومات صلاح الأسرة والمجتمع .
وأعداء الدين من المنافقين الذين يظهرون الإسلام ويبطنون بغضهم لتعاليمه ويحاولون إلغائها والتمرد عليها بحجة أنه غير مناسب للعصر ، ومن خلفهم إخوانهم من اليهود والنصارى الذين يجعلون من المرأة الحدَّ الفاصل الذي إذا نجحوا في إسقاطه فقد سهل لهم بقية الأمر كيفما شاءوا لأنهم يعلمون أن من أقوى أسلحة المؤمنين سلاح الأخلاق والفضيلة .
أما لماذا هذا الأسلوب ؟ وما هذه الطريقة ؟ فأقول : هي ليست لإثارة الفتنة ، بل هي للبيان والحقيقة ومدافعة الباطل .
والحق أنني لم أجد وسيلة إعلامية لا يترتب عليها عوائق أو مصاعب لأسلكها إلا هذه الوسيلة ، ذلك لأن الإعلام بأيديهم والسبب الآخر هو أن أجهزة القمع لا زالت تعمل بقوة ، فكان هذا الأسلوب .
وأما قولنا إنها معركة فذلك لأسباب منها :
1- أن محاولة تغريب المرأة المسلمة قديمة بقدم ظهور الماسونية وهيئة الأمم ، وقد نجحت في كثير من البلاد العربية والإسلامية .
2- أنها تدار من الدول الأجنبية .
3- أنها نجحت في السعودية في ميادين ، وأخفقت في ميادين أخرى ، والحرب سجال .
4- أنها قد تتسبب في إشعال معركة حقيقية ، إذ إن المعارك مبدأها الكلام .
والهدف من هذا الجمع :
أولاً : تنبيه المسئولين بأن يعودوا إلى رشدهم ، وأن يتمسكوا بإسلامهم ، فإنهم إنما خلقوا ونحن لعبادة الله تعالى ، وتولوا أمر هذه البلاد للحكم بشريعة الله.
ثانياً : مطالبة العلماء وهم ورثة الأنبياء بالتصدي لهؤلاء المنافقين بشكل أكبر ، وإننا لنعلم أن فشل تحرير المرأة السعودية في بعض الميادين إنما كان بفضل الله ثم بجهدهم .
ونأمل منهم استخدام الإعلام أكثر وأكثر ، وإظهار فتاواهم العلمية في هذه المجالات ، فإن فتوى الشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله - التي سأذكرها لاحقاً ضد صحيفة عكاظ في هذا الخصوص كانت في عام 1397هـ ، ونشرت في مجلة البحوث العلمية في عام 1412هـ ، وحسب علمي فإنها لم تنشر في غير ذلك مما جعل كثيراً من الناس لا يعرفها .
ثالثاً : تشجيع النساء المسلمات المقصودات بهذه الحرب اللاتي وقف كثير منهن كالسد العالي في وجه هؤلاء ، وكن الدرع الواقي في هذه المعركة ، ونريد المرأة المسلمة أن تظهر - من وراء حجاب - لتطالب بكل ما يحفظ لها عفتها ويبعدها عن ميادين الاختلاط .
رابعاً : هذا الجمع لكل مسلم في هذا البلد ، وفى أى موقع من مواقع العمل ، ونقول له : إياك إياك أن يؤتى الإسلام من قبلك سواء عبر أهل بيتك، أو بقرار من توقيع يدك في موقع رسمي ، أو بسكوت يجعل منك شيطاناً أخرساً ليس لك دور .
وأخيراً هي للتأريخ .
وقد سلكت في هذه المذكرة طريقة الجمع لكلام دعاة تحرير المرأة التي من خلالها يعرف المقصود ، وقد جعلت كلامهم بين قوسين ثم أذكر الصحيفة أو المجلة التي ذكرت هذا الكلام مع ذكر رقم العدد وتاريخه.
هذا مبدؤنا
لا شك أن للإمام عبد العزيز بن عبد الله بن باز - رحمه الله - قبول كبير عند أغلب المسلمين على اختلاف مشاربهم ، وعلى أقل تقدير فهو مقبول عند حكام هذه البلاد حيث كان - رحمه الله - هو المفتي العام للبلاد وعليه فإن فتاواه وآراءه الشرعية تعتبر رسمية وهنا نذكر كلام له في موضوع تحرير المرأة هو المنطلق الذي ننطلق منه مدعِماً كلامه بالأدلة الشرعية ، كما أن فيه الحكم على من اعترض على حكم الله ومن ذلك مسألة قوامة الرجل على المرأة .
قال الإمام - رحمه الله - : (( ومعلوم أن الذي جعل الرجال قوامين على النساء هو الله عز وجل في قوله تعالى في سورة النساء {الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبمآ أنفقوا من أموالهم} .
فالطعن في قوامة الرجال على النساء اعتراض على الله سبحانه ، وطعن في كتابه الكريم وفى شريعته الحكيمة ، وذلك كفر أكبر بإجماع علماء الإسلام كما نص على ذلك غير واحد من أهل العلم منهم القاضي في كتابه (الشفاء).
كما أن الذي وصف النساء بنقصان العقل والدين هو الرسو صلى الله عليه وسلم ، وذكر عليه الصلاة والسلام أن من نقصان عقلها أن شهادة المرأتين تعدل شهادة الرجل الواحد ، وذكر أن من نقص دينها أنها تمكث الليالي والأيام لا تصلى ، وتفطر في رمضان بسبب الحيض .
وإذا كان هذا النقص ليس عليها فيه إثم ، ولكنه نقصان ثابت معقول لا شك فيه ولا اعتراض على الرسو صلى الله عليه وسلم في ذلك ، لأنه أصدق الناس فيما يقول ، وأعلمهم بشرع الله ، وأحوال عباده .(58/73)
فالطاعن عليه في ذلك طاعن في نبوته ورسالته ، ومعترض على الله سبحانه في تشريعه ، وذلك كفر وضلال لا ينازع فيه أحد من أهل العلم والإيمان .
والأدلة العقلية والنقلية والشواهد من الواقع ومن معرفة ما جبل الله عليه المرأة وميزها به عن الرجل ، كل ذلك يؤيد ما أخبر الله به سبحانه من قوامة الرجال على النساء وفضلهم عليهن ، وما أخبر به صلى الله عليه وسلم من نقصان عقل المرأة ودينها بالنسبة للرجل .
ولكن لا يلزم من ذلك أن يكون كل فرد من أفراد الرجال أفضل ولا أعقل من كل فرد من أفراد النساء ، وكم لله من امرأة أفضل وأعلم وأعقل من بعض الرجال ، وإنما المراد بتفضيل الجنس على الجنس وبيان أن هذا أكمل من هذا ، والأدلة القطعية شاهد بذلك كما سبق )) .
مجلة البحوث العلمية عدد 32 سنة 1412هـ .
الهدف من الدعوة إلى تحرير المرأة السعودية
ذكر الشيخ عبد الرحمن آل فريان هدفين للعلمانيين في سعيهم الحثيث لمشاركة المرأة في العمل بجانب الرجل فقال :
(( الأول : حتى تقوم بالعمل معهم وتقوم ببعض النفقة عنهم ، فهم مادّيّون . الثاني : أن يشبعوا رغبتهم الجنسية منها ، فتكون ألعوبة في أيديهم )) .
(الدعوة 693 في 12/2/1420هـ) .
كما أن وراء هذه الأهداف قوى خارجية أخبر الله عنهم بقوله { ود كثير من أهل الكتب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفاراً حسداً من عند أنفسهم } [ البقرة 109] .
وقال أيضاً { ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم قل إن هدى الله هو الهدى ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم ما لك من الله من ولى ولا نصير } [البقرة120] .
وأهل الكتاب الآن هم المتصرفون والقائمون على هيئة الأمم المتحدة والتي لها نشاط كبير في مجال عولمة العلمانية .
ويوجد بها ما يسمى اتفاقية التميّز في الاستخدام والمهنة ، وقعت عليها السعودية ضمن (120) دولة من دول العالم ، تعهدت فيها الدول الموقعة بالقضاء على أي تميّز ، وتشجيع المساواة في الاستخدام والمهنة .
(المدينة عدد 13161 في 16/1/1420هـ) .
ويقول رئيس المجلس العربي للطفولة ورئيس برنامج الخليج العربي لدعم منظمات الأمم المتحدة الإنمائية طلال بن عبد العزيز آل سعود في معرض استعراضه لبعض المشروعات التي تحققت :
(( وقد بدأنا منذ عام 1997م الإعداد في تنفيذ مشروع آخر للنهوض بالأسر العربية ، وهو مكمل للمشروع السابق للنهوض بالطفل العربي .
وقد أسسنا رياض الأطفال حيث بدأنا هذه المشروعات التربوية بالمملكة العربية السعودية ثم البحرين والإمارات وعمان واليمن ، وطلبت الكويت المساعدة في إنشاء رياض الأطفال فوافقنا على طلبها وكذلك لبنان ومصر .
إلى جانب ذلك أسسنا مراكز لتدريب معلمات لرياض الأطفال ، وكذلك أنشأنا مركز المرأة العربية للتدريب والبحوث ، ومقره تونس ، ويهدف هذا المركز إلى النهوض بأوضاع المرأة العربية في كافة الميادين .
فوضع المرأة العربية يشبه وضع المرأة في أيّ منطقة في العالم ، مع الفارق ، وهنالك تحرك عربي تجاه المرأة ، ونشكر هؤلاء الذين قاموا بهذا التحرك .
ولكن هذا لا يكفى ، لأنه من وجهة نظرنا لا يجوز أن نترك نصف المجتمع عاطلاً، فيجب أن تشارك المرأة الرجل في كافة نشاطاته … فمشروعاتنا للمرأة العربية كثيرة ، وقد ساعدنا عدة جمعيات عربية تعنى بالمرأة سواء بالمال أو بالخبرة ، وأسسنا منذ زمن وجيز شبكة عربية للجمعيات الأهلية …)) .
(المدينة عدد13300 في 8/6/1420هـ)
قضية تحرير المرأة السعودية
البداية بافتتاح مدارس للبنات:
عارض العلماء فكرة افتتاح مدارس البنات في بدايتها ورفضوها ، ولم يقبل بها إلا من وضع لها شروطاً ، وعلى أن تكون تحت نظر العلماء ، بأن يتولوا هم مسئولية (رئاسة تعليم البنات ) حيث كان سماحة المفتى الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ هو أول رئيس لها .
لكنه مع مرور الوقت نُقضت الشروط ونُسخت القرارات ووقع التساهل كثيراً في تطبيق التعليمات الصارمة ضد هذا التحرير ، حتى فَتَحَت الجامعات ووزارة الصحة ومعهد الإدارة العامة أقساماً للنساء لا تخضع لتعليمات الرئاسة العامة لتعليم البنات مما جعل المرأة مع الوقت تنافس الرجل في اختصاصاته ، وتركت هي وظيفتها الأساسية .
وكان لاستحداث مناهج دراسية جديدة - مثل الرياضيات والعلوم من كيمياء وفيزياء وجيولوجيا وأحياء واللغة الإنجليزية وعلم النفس - أكبر الأثر في تخريج كثير من المدرسات في هذه التخصصات ، مع عدم الحاجة أصلاً إلى تعليمها ، مما جعل المجتمع مع مرور الوقت يعتاد على وجود الموظفة ، هذا فضلاً عما حصل بعد ذلك من فتح المعاهد الصحية والأقسام الطبية ومعهد الإدارة العامة و أي هي أكثر انفتاحاً وخروجاً على الشريعة .
وكان المصلحون من العلماء ينادون بأنه يكفى لتعليم المرأة : التوحيد والطهارة والصلاة وأحكام الحيض والنفاس ، وأمور دينها الواجب عليها ، وتربية أولادها وتدبير منزلها ، وغير ذلك من الأمور النافعة ، ورفضوا إدخال مواد الحساب والهندسة والجغرافيا في سنة1380 هـ بمناهج مدارس تعليم البنات.(58/74)
ولم يكن هذا الرفض لتعليم المرأة دعوة إلى احتقار المرأة أو عدم تعليمها ، كلا ، ولكن رفضوا التعليم الذي مؤداه ونهايته هو التبرج والانحلال وترك الأخلاق والفضيلة .
وقد أدرك المصلحون بثاقب نظرهم ، بعد توفيق الله أن هذا التعليم بهذه الصورة : إنما المقصود منه هو مشاركة المرأة للرجل في المكاتب والمعامل والمدارس ، كما صرحوا به في عدة مقالات في حينها . ( انظر بعض مقالاتهم ورسائلهم في ذلك في كتاب الدرر السنية في الأجوبة النجدية )
لذلك فنحن الآن نتجرع ما كانوا يخافونه ويحذرون منه ، وصدقوا والله ، وظهر ما كان البعض ينتقدهم فيه ، فلقد قال هؤلاء العلمانيون بأنفسهم إن ((مجال تعليم المرأة هو الذي غرس هذه البذرة التي أثمرت التعدد المعرفي وما أنجزته المرأة السعودية )) .( مجلة المجلة عدد 1003 في 2-8/5/1999م) .
وينتقد عضو مجلس الشورى د/النبي داغستانى الوضع الحالي من عدم فتح مجال العمل للمرأة السعودية بحجة أن المرأة أصبحت متعلمة بدون عمل، يقول ( لقد فتحنا للمرأة أبواب التعليم .. ثم أوصدنا أمامها فرص العمل )) . (عكاظ 11927 في 7/1/1420هـ ) .
وتقول الجوهرة العنقري نائبة رئيس الجمعية الخيرية النسائية بجدة صاحبة عمود ( ودي نكون ) في عكاظ ، داعية لعمل المرأة في جميع الدوائر الحكومية :
(( اليوم المرأة السعودية بعد التعليم والتأهيل .. عملت وتعمل في مجالات عديدة .. حتى وصلت إلى مرتبة وكيل وزارة )) .
(عكاظ 11931 في 11/1/1420هـ) .
ولذلك لما طالب بعضهم بإنشاء أندية نسائية رياضية كان مما طُرح قديماً وحديثاً أن تكون البداية هي بإدخال التربية البدنية في مدارس البنات ، لأن التعليم هو أحد أهم استراتيجيتهم لتحرير المرأة ، وفى ذلك قال : د/عبد الله بن ناصر الفوزان :
(( أرجو من الأطراف التي كانت ولا تزال تعارض إدخال التربية البدنية في مدارس البنات أن تعيد النظر في آرائها ومواقفها )) .
(الجزيرة 9704 في 8/1/1420هـ) .
وقد توسع تعليم المرأة في الوقت الحاضر بشكل لافت للنظر في أغلب التخصصات ، وأصبح هناك تركيز كبير في مجال الحاسب الآلي ( لغة العصر ) ودراسة اللغة الإنجليزية ، اللذان أصبحا مطلوبَين على المستوى الحكومي والأهلي، مع ملاحظة جهود الجمعيات النسائية الخيرية المشبوهة بداء التحرير وغيره ، يقول حماد بن حامد السالمى في مقالته الهجومية والعنيفة :
(( إن السنوات القادمة سوف تشهد انفجاراً في قائمة طالبات العمل .. والتوجه نحو حل هذا الإشكال لا بد وأن يأتي سريعاً ، وبحلول راسخة لا تقبل الجدل أو العودة إلى عنق الزجاجة الذي طالما راهن عليه أعداء الحقوق المشروعة للمرأة )) . (الجزيرة 9713 في 17/1/1420هـ) .
فكلما علموها علماً أرادوا منها أن تمارسه ، وهذه هي ثمرة العلم ، فلماذا إذاً تتعلم من الأصل هذه العلوم التي لا توافق طبيعتها ، ولا تستفيد منها في مجال عملها الأصلي بين أسرتها وفى بيتها .
ولم يقفوا عند هذا الحد بل إنهم يريدون أن يخطوا خطوة أخرى أكثر جراءة ، وهى تغيير المناهج الحالية رغم ما فعلته بنا في السنين السابقة ، أو تغيير ما تبقى منها على المنهج الشرعي الصحيح .
يقول كبيرهم هاشم عبده هاشم : (( طالبت يوم أمس بإلغاء المناهج الدراسية الحالية بالنسبة للبنين والبنات حتى نتمكن من توفير البيئة العلمية الصالحة لاكتشاف المواهب )). (عكاظ 11783 في 6/8/1419هـ) .
ثم وصف المناهج الحالية في نفس المقال بأنها عقيمة !
وقال في عنوان ( أزمة هذا الجيل "1" ) : (( ومن أبرز العيوب التي لا يجب أن ننكرها ونحن نتأمل حياتنا : … ثانياً : تأثيرات التعليم التقليدي على تكوين الشخصية)) .
والآن هم يحاولون وضع قنابل موقوتة تنفجر بعد حين مع مرور الوقت ، فبالإضافة إلى التعليم الرسمي الذي وصلت فيه نسبة الطالبات بالنسبة للطلاب في مراحل التعليم العام والجامعي إلى 47% أى إلى ما يقارب النصف ، وذلك في عام 96م . (الاقتصادية 2180 في 1/6/1420هـ) .
إضافة إلى ذلك فتحت في مدينة جدة جامعة أهلية للبنات من أهم تخصصاتها الحاسب الآلي .
وبنظرة سريعة على الإعلانات المنشورة في الصحف اليومية نجد مدى الاهتمام بتعليم النساء اللغات والحاسب الآلي خاصة في العطل الصيفية .
ويوجد الآن إعلانات لخريجات الثانوية للتسجيل في دبلوم علوم الحاسب يقول : ( يؤهلك للعمل بدرجة عالية من الكفاءة والقدرة العلمية ) حيث إنه لمدة عامين دراسيين ، ويقوم بهذه الدورات معهد العالمية للحاسب والتقنية بالتعاون مع الجمعيات النسائية في إحدى عشرة مدينة ، عبر ثلاث عشرة جمعية نسائية وخيرية . ( الرياض 11395 في 25/5/1420هـ ، والمدينة 13289 في 27/5/1420هـ) .
نعم إنهم يخططون
كما أن الدعوة إلى الاختلاط في المجتمع لا بد أن تمر ابتداءاً من بوابة التعليم ، وفى هذا يقول د/ أيمن حبيب نائب رئيس تحرير صحيفة عكاظ :
(( هناك نقص حقيقي في استثمار طاقات النساء في بعض التخصصات التي هي من طبيعة دور المرأة وتكوينها ، مثل التعليم للأطفال ذكوراً وإناثاً في المراحل المتقدمة )). (عكاظ 11928فى 8/1/1420هـ) .(58/75)
طموحاتهم ممزوجة بالسخرية من الإسلام وشرائعه
طموحاتهم لا تتوقف عند حد معين ، بل يريدون أن يحيوا حياة الإباحية (الحرية ـ كما يزعمون ـ ) في بلاد الحرمين بدون تحفظ ، وكلما حققوا خطوة في ذلك سعوا إلى إنجاز خطوة أخرى ، وتباكوا على ظلم المرأة ، حتى يحققوا تقدماً آخر ، ولكن إلى الوراء .
وهذه الطموحات ( غير العليّه ) مُزجت بشيء من السخرية بالإسلام ، و أي أخرجتها فلتات أقلامهم ، كما أخبر الله عنهم بقوله { ولتعرفنهم في لحن القول }[ محمد 30] .
وكلامهم واضح وصريح ، وليس بحاجة إلى تعليق ، ففي تحقيق صحفي عن مساهمة المرأة السعودية الحالية في مجال العمل أوصت الدراسة بافتتاح أقسام نسائية بكافة الوزارات بما تسهل معه الإجراءات والمعاملات التي تحتاج المرأة إلى متابعتها بدون الاستعانة بوسيط .
وفى نفس الدراسة تهكم بالشرع ونظامه ، حيث ذكرت ما نصه : ((وبدراسة الغرفة التجارية بالرياض لهذه المعوقات ( أى معوقات مساهمة المرأة السعودية في مجال العمل ) اتضح أن أبرزها في الآتي :
1- مشكلة وجود الوكيل الشرعي .
2- العادات والتقاليد . )) .
(عكاظ 11930 في 10/1/1420هـ) .
ويقول عبد الله أبو السمح : (( علينا إذاً تحرير المرأة من كثير من قيود العادات والتقاليد ، وكثير منها لا أصل شرعي لها ، بل جاءتنا من عهود السلاجقة والعثمانيين … وعلى سبيل المثال فإن كشف الوجه مسألة خلافية … )) . ( عكاظ 11921 في 1/1/1420هـ) .
ويتباكى توفيق السيف - رافضي من المنطقة الشرقية وله كتاب يتهجم فيه على معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه - على وضع المرأة في المجتمع الإسلامي فيقول : ((ربما يصعب علينا الإقرار بأن وضع النساء في مجتمعنا لا يطابق المعايير التي يتفق عليها العقلاء )) .
وقال : (( وأظن أن كثيراً مما يكتب أو يقال في عدد من المجتمعات الإسلامية حول حقوق المرأة في الإسلام ليس سوى تبرير لحرمانها من هذه الحقوق )) . (عكاظ 11924 في 4/1/1420هـ) .
ووصل الحال بعبد العزيز مؤمنة إلى أن يدعو إلى أن يكون للمرأة حق تطليق الرجل !!! وينكر قوامة الرجل على المرأة في كلام يدعو للضحك ، فيقول:
(( ليس هناك أي فرق بين حرية المرأة وحرية الرجل في الإسلام )) إلى أن قال (( … وهل يجوز أن تبقى المرأة تابعة للرجل بعد أن حررها الإسلام من عبودية الجاهلية، وأعطاها حتى حق تطليق نفسها ، وبذلك تكون العصمة في يدها )) .
ثم يسخر بأمة الإسلام قائلاً : (( ولن تتقدم أمة نصفها مصاب بالشلل )) .
(عكاظ 11926 في 6/1/1420هـ) .
والجوهرة العنقرى تقول في مقال بعنوان ( حان وقت الحوار ) : (( فما هي المجالات التي يمكن أن تشرع بدون مخالفة للتعاليم الدينية .. وعلى سبيل المثال لا الحصر تمكينها من الحصول على بطاقة هوية منفصلة وخاصة بها .. تمكينها من الصلاحيات .. ثم الضمان الاجتماعي يفتح الباب أمام توظيف الأخصائيات الاجتماعيات .. وفى مجال العمل والعمال فتح أقسام لاستقبال المراجعات من النساء والباحثات عن العمل .. والبلديات .. والمحاكم الشرعية .. حتى الشرطة ، فطالما حافظت على حجابها والتزامها فهي تستطيع تسهيل كثير من المهمات المتعلقة بالمرأة )) .
(عكاظ 11931 فى11/1/1420هـ) .
فكل هذه الأعمال التي تريد أن تقحم المرأة فيها وسط الرجال تقول أنها: (( دون مخالفة للتعاليم الدينية .. حتى الشرطة )) .
ومن هنا نعلم أن إقحامهم بعض الألفاظ التي تقيد هذا التحرر بالدين إنما هو صبغة وألفاظ برّاقة ، هي في حقيقتها تناقض كلامهم .
كما أنهم يستدلون بالأقوال المرجوحة من فتاوى العلماء التي توافق منطقهم والمعقول - عل حد زعمهم - لتمرير أهدافهم في المجتمع المسلم الذي لا يثق إلا في كلام العلماء ، وفى ذلك يقول حماد السالمى : (( إن كثيراً من دول العالم الإسلامي قد سبقنا في الوصول إلى حلول جذرية في مسألة الحجاب وكشف الوجه وميادين عمل المرأة وقيادتها للسيارة ، ولا أرى بأساً من الاستفادة من تجارب الآخرين ، والأخذ بما هو مقنع وفى حكم المنطق والمعقول )) . ( الجزيرة 9713 في 17/1/1420هـ) .
حربهم في معركة التحرير ضد الإسلام
إن حربهم في معركة التحرير ليست إلا ضد الإسلام ، والإسلام وحده فقط، ومن يمثلون الإسلام الصحيح ، وإن ذكروا العادات والتقاليد ولم يصرحوا باسم الإسلام .
ذلك لأن المجتمع العربي قبل الإسلام لم يوجب الحجاب ويمنع الاختلاط ، بل كان من أمور الجاهلية ما يعدونه الآن حضارة كالطواف حول بيت الله الحرام عراة ، والعرىّ الآن من أبلغ مقامات الحضارة بدعوى الحرية الشخصية .
والمقصود أن دعوى التقاليد والعادات التي يريدونها أن تزول ، إنما هي عادات وتقاليد الإسلام ، وبمعنى أصح تعاليمه .
وهذه بعض أقوالهم في التهكم بالإسلام إن صرحوا بذلك - وقد فعلوا - أو بالعادات والتقاليد التي هي في حقيقتها تعاليم الإسلام .
يقول د/عبد العزيز بن محمد الدخيل : (( دور المرأة في المجتمع الحديث لا يمكن أن يكون استمراراً لدورها الذي كانت تمارسه في العصور القديمة قبل الإسلام وبعده )) .(58/76)
وقال : (( لقد تطور دور المرأة في المجتمع الإنساني ، وبقيت المرأة السعودية أسيرة قيود اجتماعية أُلبست لباساً دينياً أو أخلاقياً ، والدين والأخلاق من هذه القيود براء)) !! (مجلة المجلة 1003 في 2-8/5/1999م ) .
ويقول د/عبد العزيز السبيل ( أستاذ في جامعة الملك عبد العزيز بجدة وانتقل مؤخراً إلى جامعة الملك سعود بالرياض ) :
(( جزء كبير من المجتمع يريد للمرأة ألا تنظر إلا من خلال نافذة الرجل ، سواء كان الأب أو الزوج أو حتى الابن )) . ( مجلة المجلة العدد السابق ) .
وتقول بدرية البشر ( كاتبة صحفية بجريدة الرياض ) :
(( و يأتي فتح الحوار لوضع تصور جديد يتناسب مع متطلبات الواقع الجديد المتغير كضرورة ، لكن نجاحه يشترط تجاوز المفاهيم الاجتماعية التقليدية التي تخلط بين الثوابت الدينية والعادات الاجتماعية )) . (الرياض 11264 في 11/1/1420هـ) .
وتأمل أيضاً كلام ( عبد الله أبو السمح ) المتقدم الذي لا يخرج عن التهجم على تعاليم الإسلام باسم قيود العادات والتقاليد ، وجاء بمثال : كشف الوجه الذي هو من صميم تعاليم الشريعة لا العادات والتقاليد .
ومن ذلك تلك الحملة التي يقوم بها رسام الكاريكاتير محمد الخنيفر في آخر صفحة من صحيفة الجزيرة كما في العدد (9906 في 4/8/1420هـ) والتي تهدف إلى محاربة تعاليم الإسلام وإلا فإن التخلي عن عادات وتقاليد بلد أو زمن لا بد أن يحل محلها عادات وتقاليد أخرى ، وهذه الحملة توافق عولمة الأفكار والعادات التي تتبناها الولايات المتحدة الأمريكية عبر منظمة هيئة الأمم المتحدة والمؤسسات الإعلامية مع التنبيه أصلاً على شدة حرمة التصوير وأن هذا الرسم المسمى بالكاريكاتير من كبائر الذنوب إذا كان الرسم لذي روح كما قا صلى الله عليه وسلم : (( أشد الناس عذاباً يوم القيامة الذين يضاهئون بخلق الله )) أخرجه البخاري ومسلم ، ومعنى الحديث : أي أن من أشد الناس عذاباً ، وقد نص أهل العلم أن من أنواع التصوير رسم ذوات الأرواح ، ذكره النووي في المجموع وابن قدامة في المغنى وغيرهم .
تحقيق بعض طموحاتهم
لقد تحققت لهم بعض طموحاتهم ، ويرون أنهم لا زالوا في بداية الطريق ، وليس لطموحهم حد معين كما تقدم بل يرون أنهم متأخرون .
تقول شريفة الشملان ( أديبة - ولكن قليلة أدب - وكاتبة صحفية من الشرقية ) عندما سئلت عن قيادة المرأة للسيارة :
(( سؤالك متأخر جداً جداً يا سيدي ، ولنتدارك ما يمكن تداركه )) .
ويقول د/عبد الله بن محمد الفوزان ( أستاذ علم الاجتماع بجامعة الملك سعود وكاتب صحفي بعكاظ) : (( طموحنا لا يتوقف عند قيادتها للسيارة )) .
ومن هذا الطموح الذي تحقق على مستوى قطاع الحكومة تقول نورة بنت عبد العزيز الفايز ( مديرة الفرع النسوي بمعهد الإدارة العامة في الرياض ) :
(( إن نسبة الموظفات السعوديات بالفرع بلغت 100% والوظائف التدريبية 70% )) .
وتقول الطبيبة آمال بدر الدين : (( هناك نهضة طبية كبيرة في دولتنا ، ونسبة وجود المرأة وعملها فيه مساوية للرجل )) .
(جميع ما تقدم في مجلة المجلة عدد 1003 في 2-8/5/1999م ) .
وأما على مستوى القطاع الخاص فتقول نوف الدبيخي مديرة القسم النسائي في البنك السعودي البريطاني :
(( اتجه البنك السعودي البريطاني للتوسع في أقسام السيدات ، فلم يعد العمل مقتصراً على الفروع النسائية ، بل تعداها إلى توظيف السيدات في الإدارة العامة والإدارات الإقليمية ومركز البطاقات )) .
(مجلة المجلة 1003 فى2-8/5/1999م) .
وعندما طالب عبد الله المالكي ود/عبد الله الفوزان (( بإيجاد أندية نسائية تمارس فيهات النشاطات البدنية والثقافية والاجتماعية ، وهى خير ملجأ للترفيه البريء )) وذلك لأن (( الحاجة للرياضة لا تقتصر على الرجال وحدهم ، وأنها مشروعة ومطلوبة للمرأة )) . ( الجزيرة عدد 9711 في 15/1/1420هـ وعدد 9731 في 6/2/1420هـ ) .
فقد بدأ (( في الآونة الأخيرة الاتجاه لإقامة أندية رياضية خاصة بالسيدات فقط ، و أي أخذت بالانتشار منذ ما يقارب الخمس سنوات أو ما يزيد ، وعلى الرغم من أنها كانت تقتصر في البداية على مزاولة التمارين الرياضية لإنقاص الوزن الزائد ، إلا أن هذه الأندية أدخلت في الفترة الأخيرة العديد من الأنشطة الرياضية، و أي تناسب الشابات مثل السباحة والتنس بأنواعه وكرة السلة بالإضافة إلى الايروبكس )) .
وفى ذلك تقول إحداهن : (( ما زالت النوادي النسائية في طريق البداية ، حيث تعتمد على التمارين الرياضية التي تمارسها السيدات لإنقاص أوزانهن ، إلا أن البعض منها أدخلت خدمات جديدة ، مثل الحمامات التركية ورياضة السباحة ولعبة التنس الأرضي والمعادى وغيرها، ولكن أعتقد أن مثل هذه النوادي ستكون أكثر تطوراً في المستقبل ، بحيث تتيح للعديد من الشابات والسيدات مزاولة الأنشطة الرياضية مثل كرة السلة أو كرة القدم ، ولن تستغرب أن تكون هناك بعض المسابقات والدوريات بين هذه النوادي )) .
أما هذه النوادي فإنها تنطوي تحت لواء المستشفيات الخاصة والفنادق وصالونات التجميل والجمعيات النسائية .(58/77)
( مجلة الجديدة عدد 682 فى21/7/1999م ) .
وبعد فهذه بعض طموحاتهم ، ممزوجة بالسخرية من الإسلام ، ونسبة الحجاب الشرعي وتحريم الاختلاط ولزوم البيت للمرأة المسلمة إلى العادات والتقاليد الموروثة ، و التي يجب التحرر منها .
كما ذكرنا بعض ما حققوه من تقدم نحو الهاوية ، وإنما ذكرنا إشارات وخطوطاً عريضة .
الطموحات السياسية
ورد في كلامهم ما يدل على أن لهم طموحات سياسية بعيدة المدى ، كقول د/عبد العزيز الدخيل :
(( المرأة تتمتع بأهلية قانونية مدنية كاملة كمواطن … وتأسيساً على مبدأ الأهلية المدنية يصبح عمل المرأة حقاً ، وقيادتها السيارة حقاً )) .
وتقول شريفة الشملان : (( إما أن تكون المرأة إنساناً كامل الأهلية ، لها كافة الحقوق أو لا تكون )) . (مجلة المجلة عدد 1003 فى2-8/5/11/1999م) .
ولنتأمل القول بأن للمرأة كامل الأهلية من الناحية القانونية ، ولها كافة الحقوق ، فهذه العبارة المتداولة بينهم - وهى عبارة كبيرة مطاطة وجذابة - تدخل جميع ما يطالب به مدعى حقوق المرأة ، ومن هذه الحقوق المزعوم حرمان المرأة منها في المجتمع البشرى الحقوق السياسية ، وغالباً ما تكون هي آخر المطالب .
وقد صرح بهذا المطلب الكبير حماد السالمى بقوله : (( من الحقائق التي ينبغي التوقف عندها ونحن نخوض في شأن المرأة السعودية ما يلي : ….
3- في قانون الدولة للمرأة صفة قانونية كاملة كمواطن ، وهذا يترتب عليه ما للرجل من حقوق لها أو عليها ، سواء كانت اجتماعية أو سياسية أو اقتصادية )) . (الجزيرة عدد 9713 في 17/1/1420هـ) .
نعم إنهم ينظرون إلى السياسة ولكن لأن المطالبة به بصورة واضحة فيه حرج فلا بد لهم من التدرج وإظهار حسن النوايا مع إخفاء هذا المطلب بين السطور .
تقول الجوهرة العنقرى : (( فما هي الأبواب التي يمكن أن تشرع بدون مخالفة للتعاليم الدينية ، وعلى سبيل المثال لا الحصر … نكوّن لجنة (نسائية) في كل منطقة أو مدينة بمثابة قنوات تساعد مجالس المناطق … )) .
(عكاظ عدد 11931 فى11/1/1420هـ) .
ولهم مطالبة لا تخفى لانضمام المرأة لمجلس الشورى الحالي ، وبداية هذا الأمر حدثت وذلك بحضور (20) مواطنة سعودية لجلسة من جلسات مجلس الشورى اللاتي تابعن وقائعها من شرفة مطلة على قاعة الجلسات .
( الحياة عدد 13358 في 25/6/1420هـ والدستور الأردنية 11548فى 25/6/1420هـ) .
وقد طرح في مقابلة صحفية مع رئيس مجلس الشورى الشيخ محمد بن جبير سؤال هذا نصه : (( الأمير عبد الله بن عبد العزيز ، كان له كلام جيد عن المرأة السعودية في إحدى المناسبات … وأنتم تعرفون أن هناك كفاءات وقدرات نسائية سعودية مؤهلة ومتخصصة في هذا البلد مثل الرجال .. فهل نتوقع دخول المرأة مستقبلاً عضوية مجلس الشورى ، خاصة في ظل عدم وجود نص صريح في نظام المجلس يحدد جنس العضوية ؟ )) .
(الشرق الأوسط 7628 في 17/10/1999م) .
ومعلوم أن هذا السؤال لا يقصد به الاستفسار بقدر ما يقصد به المناورة وجس النبض والدعاية الإعلامية ، رغم أن الشيخ ألقمهم حجراً عندما ذكر أن عضوية مجلس الشورى ولاية عامة في التشريع الإسلامي ، ولا يجوز للمرأة تولى هذه الولاية بأي شكل من الأشكال .
رغم أن حضورها جلسات المجلس بداية شر ، حيث صرح هو نفسه بأنه لا مانع من حيث المبدأ أن تحضر المرأة جلسات المجلس .
(الرياض 11424 في 24/6/1420هـ ) .
وقد علق طلال بن عبد العزيز مرحباً بهذا العمل ، بقوله : (( أعتقد أنها خطوة من الخطوات التي اتخذت من قبل القيادة السعودية لتحريك موضوع المرأة في السعودية ، إنها خطوة مباركة ، وإن شاء الله ستكون هناك خطوات بعد ذلك لمصلحة الإنسان في السعودية ، والمرأة وحقوقها )) .
( الدستور الأردنية 11548 في 25/6/1420هـ) .
ومع ما ذكر من قانون أهلية المرأة الكاملة كمواطن أنه قانون الدولة فهو بذرة شر في المستقبل ، حيث يمكن الولوغ في كثير من دعاوى تحرير المرأة عبر هذا القانون المزعوم ، ولنا في جارتنا الكويت المثل الواضح في هذا الأمر ، فلأنه يوجد في دستور الدولة ما نصه :
(( الناس سواسية في الكرامة الإنسانية ، وهم متساوون لدى القانون في الحقوق والواجبات العامة ، لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين )) .
واعتماداً على هذا النص طالب العلمانيون بمنح المرأة حقوقها السياسية ، وذلك طبقاً لمبدأ توسيع قاعدة المشاركة الديمقراطية لأبناء الوطن .
وعليه فقد صدر قرار مجلس الوزراء المتعلق بمنح المرأة حق الانتخاب والترشيح المبنى على أمر أمير دولة الكويت بمنح المرأة الكويتية كامل الحقوق السياسية في الانتخاب والترشيح للمجالس النيابية .
( القبس 9305 ، 9307 في 2/2 ،4/2/1420هـ) .
وعليه فإذا كان في قانون الدولة كما ذكر سابقاً من كلام حماد السالمى أن المرأة تتمتع بأهلية قانونية كاملة كمواطن ، فإن هذا القانون عام ومطاط ، يندرج تحته مطالب العلمانيين للحقوق المزعومة للمرأة ، ويوافق القوانين الوضعية، ولا بد من تقييده بالحقوق الشرعية التي كفلها الإسلام للمرأة ، وليس سواه .(58/78)
أهم محاور العمل لديهم في معركة التحرير
1) تكرار الطرق لهذا الموضوع بين حين وآخر : فما دام الإعلام بأيديهم فهم الذين يقودون الحوار كيفما شاءوا .
يقول عبد الوهاب الفايز في ذلك : (( هذه قضايا وطنية علينا أن نطرقها باستمرار ، وقد يكون التكرار مملاً ، إلا أنه ضروري لأن القضايا الأساسية لا يمكن أن تحل بيوم وليلة )) . (الرياض11267 في 14/1/1420هـ) .
وتقول بدرية البشر : (( لكنى أود القول بأن الحوار لو تعثر في البدايات فلا يستغرب أحد … لذا فنحن نحتاج فرصاً متعددة لبداية صحيحة ، سيكون فيها الكثير من الأخطاء ، إلا أن التجربة هي طريق التعلم الحقيقي ، ووحدها التجربة التي ستعلمنا أخطاءنا فلنبدأ )) .
( الرياض 11264 في 11/1/1420هـ) .
2) التركيز في قضية تحرير المرأة السعودية على عمل المرأة والوظيفة :
يقول عبد الوهاب الفايز : (( يجب أن نعود لطرح هذا الموضوع مرة أخرى ، والموضوع القضية هو وظائف المرأة )) .
( الرياض 11267 في 14/1/1420هـ) .
ويقول د/وحيد حمزة هاشم تحت عنوان ( المرأة ) : (( لا بد من البحث والتدقيق ، ومن ثم النقاش والحوار في العمق والجوهر ، بدلاً من التعلق والاهتمام بالقشور والمظهر الذي من شأنه أن يبعدنا عن هدف الحياة ونواميسها التي لا مفر لنا منها )) والعمق والجوهر يقصد به عمل المرأة .
(عكاظ 11940 في 20/1/1420هـ) .
وذكر قبلهم د/أيمن حبيب ذلك بقوله : (( كلما تركز الحوار على جوهر قضية عمل المرأة ومشاركتها الوطنية أثمر الحوار )) .
(عكاظ 11928 في 8/1/1420هـ) .
بعض وسائلهم في تحرير المرأة
أولاً/ وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون :
من العجيب أن كثيراً من مطالبهم لتحرير المرأة السعودية تغلف بحرصهم على خصوصيتها وعدم تعريضها للرجال ، ومثال واحد على ذلك رغم كثرة الأمثلة من هذا النوع ما ذكره عبد الله الجفري في صحيفة البلاد حيث قال : (( حداق في صحيفة اليوم ، اصطاد في سنارته ملاحظة خص بها ((مكاتب الإشراف التربوي بإدارات تعليم البنات )) والتي يكون معظم كوادرها من الرجال الذين يتابعون ويشرفون على مدارس البنات إشرافاً مباشراً ، وعدد من المعلمات والإداريات يجدن إحراجاً ، خاصة إذا تعلق الأمر بالتقارير الطبية الخاصة بهن ، لأنها ( دقيقة وخاصة جداً ) وهن دائمات الاتصال بـ (( هم )) للاستفسار أو التعقيب !!
وهذه إشارة أخرى نرفعها لولى الأمر تذكيراً بما طرحناه عن : من يتولى الإشراف وإدارة الأجهزة والإدارات التي تعمل بها المرأة وتخصها ، مثل : تعليم البنات )) . ( البلاد 15777 في 20/6/1420هـ) .
وتعقيباً على مثال واحد فقط من هذا النوع الذي يطالب بتحرير المرأة بحجة العفاف ، وحتى لا يرى موظفو تعليم البنات تقارير المعلمات ، لأن ذلك ربما يكون محرماً مع أن هذا المتباكي نسي أن يوجه حديثه إلى وزارة الصحة التي تعالج المعلمات فيها عند أطباء رجال ، وتخرج تلك التقارير من عندهم بالصوت والصورة المباشرة ، فهذا ليس فيه حرج ، إنما الحرج أن يقرأ التقارير موظفو الرئاسة العامة لتعليم البنات .
وهذه واحدة ضمن حملة إعلامية شرسة تمارس ضد الرئاسة العامة لتعليم البنات - التي ذكرنا في البداية أنها كانت تحت إشراف العلماء ، ولا يزال كثير مما أسسوه من تعليمات مشددة ضد تبرج النساء باقياً ، ويختلف كلياً مع ما هو معمول به في المعاهد الصحية والكليات التابعة للجامعات ومعهد الإدارة - تمارس عبر المقالة والكاريكاتير ، وحتى المشاهد التمثيلية في الشاشة الفضية ، والسبب هو ما ذكرناه في بداية هذا الجمع .
وقد شرق هؤلاء الزنادقة بهذه الرئاسة ، وأصبحت شوكة في حلوقهم ، وصدق الشاعر القائل :
أختاه كيف ظننت أن معربداً *** يسعى بمؤمنة لأمر سام ؟
قد يدعى معنى العفاف مخادع *** ويصوغ فلسفة الأمان حرامي
" ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون ".
ومثل ذلك أيضاً ما يذكرونه من الأسباب التي تدعوا إلى قيادة المرأة السيارة بنفسها حيث إنهم يدّعون أن الهدف هو العفاف ، حتى لا تخرج المرأة مع سائق أجنبي ، يقول طلال بن عبد العزيز : (( قناعتي أن المرأة تقود سيارتها بنفسها بدلاً من الاعتماد على السائق الأجنبي الذي أصبح جزءاً من بيوتنا حتى لو اختلف معنا في العادات والتقاليد )) . ( الهدف بتاريخ 29/5/1999م ) .
ثانياً/ الشيطان يعدكم الفقر :
يقول الله عز وجل :{ الشيطن يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشآء والله يعدكم مغفرة منه وفضلاً والله واسع عليم }[ البقرة 268] .
قال ابن كثير في تفسير هذه الآية : {الشيطن يعدكم الفقر} أى يخوفكم الفقر { ويأمركم بالفحشآء} أى يأمركم بالمعاصي والإثم {والله يعدكم مغفرة منه } أى في مقابلة ما خوفكم الشيطان من الفقر . انتهى مختصراً .
( تفسير ابن كثير2/643 ط/دار ابن حزم ) .
ومناسبة ما سبق في معركة التحرير ، أن دعاته أتباعٌ للشيطان في الأمر بالمعاصي والإثم ، من التبرج والسفور واختلاط الجنسين وخروج المرأة إلى ميادين الرجال ، متذرعين بالحالة الاقتصادية ، وبخطر الفقر على المجتمع .(58/79)
ونذكر مثالاً واحداً من الأمثلة التي تعدنا الفقر بحجة تعطيل وتهميش المرأة، يقول نائب رئيس اللجنة الاقتصادية والمالية بمجلس الشورى د/عبد العزيز داغستانى : (( المرأة نصف المجتمع ، نصف الاقتصاد ، نصف قادر على العمل والعطاء نصف ندفع ثمناً باهظاً إذا ظل معطلاً ومهمّشاً ، نصف تتركز وتتزايد فيه معدلات البطالة مما ينذر بوضع قد يتحول إلى مشكلة اجتماعية إذا لم نتدارك الأمر )) . ( عكاظ 11927 في 7/1/1420هـ) .
وقد تناسى الخبير الاقتصادي أن المشكلة ليست في عدم عمل المرأة ، بل إن ذلك يزيدها تعقيداً ، حيث انتشرت البطالة بين الشباب مما ينذر بمشاكل اجتماعية وأمنية بسبب بطالة الرجال ، وليس النساء ، حيث إنهن مكفولات في التشريع الإسلامي ولله الحمد .
لكن هؤلاء لا يهتمون لانتشار البطالة بين الرجال بل هاجسهم الوحيد هو إخراج المرأة من بيتها تمهيداً لإفسادها حيث دعا أحدهم وهو عبد الوهاب الفايز إلى تقديم النساء في العمل على الرجال ، حيث قال :
(( … أيضاً الديوان العام للخدمة المدنية مطالب بأن يبدأ بإعداد القطاع العام لإحداث التغيير الذي يوسع مجالات فرص عمل المرأة ، ومثل هذه التغييرات المطلوبة لاستيعاب الباحثات عن العمل ما تعنيه بشكل مباشر هو إعطاء أولوية التوظيف للمرأة ، ولا تعنى حجب فرص التوظيف عن الرجال بل تعنى إعطاء الأولوية للمرأة ، لأن خياراتها محدودة لتجاوز معوقات الزمان والمكان ، هذا من ناحية .
ومن ناحية أخرى فإن هناك أعداداً كبيرة من النساء سوف يكن جاهزات للإنتاج كقوة رئيسية في سوق العمل ، وليس من مصلحتنا اجتماعياً وإنسانياً وحتى اقتصادياً تجاهل ضرورات توظيفها واستثمارها بالصورة التي تساعد استقرار المجتمع وإعادة تدوير الثروة )) . (الرياض 11267 في 14/1/1420هـ) .
ثالثاً / بطاقة للمرأة السعودية :
ومن وسائلهم في تحرير المرأة السعودية مطالبتهم بإصدار بطاقة شخصية للمرأة السعودية ، ومن ذلك ما ذكرته عزيزة المانع ( المشاركة في مسيرة قيادة السيارة في الرياض عام 1411هـ ) حيث قالت :
(( أما بالنسبة لسؤالك عن رأيي في مسألة إصدار بطاقة أحوال مدنية للمرأة فإني لا أرى فيه ما يخالف الحق ، فعلى رسلك يا أخي ولا تتعجل الاعتراض فالبطاقة يراد بها تأكيد وتحديد انفصال شخص المرأة عن أي أحد آخر.. أم أنك تقصد أن البطاقة ستجعل المرأة تتصرف في شؤونها الخاصة دون الرجوع إلى الزوج أو غيره من المحارم ؟ إن كان هذا ما تقصده فأظن من حقها فعل ذلك طالما أنها لم ترتكب محرماً )) .
(عكاظ العدد 11957 في 8/2/1420هـ) .
ولا يخفى ما في كلامها من الإشارة إلى رفضها قوامة الرجل على المرأة .
وطالبت فوزية أبو خالد ( الحداثية ) فقالت : ((كلمة صاحب السمو الملكي الأمير عبد الله بن عبد العزيز العادلة في حق المرأة المواطنة بما يفتح الباب للمرأة لتحدد أمام هذا الحس المسؤول مطالبها المشروعة البسيطة كمواطنة ، ومن ذلك مطلب استصدار بطاقة تثبت مواطنها كمواطنة سعودية وأخت الرجال..))
( الجزيرة عدد 9706 في 10/1/1420هـ ) .
وأخيراً فقد صرح نائب وزير الداخلية الأمير أحمد بن عبد العزيز بأنه لم يبق على إصدار بطاقة هوية خاصة بالمرأة السعودية إلا إجراءات روتينية ، لمن ترغب ( وهذه دائماً هي خطة البداية للأمر بأن يكون اختيارياً ) كما هو موجود في آخر صفحة من صحيفة الجزيرة ليوم الخميس الموافق 10/8/1420هـ .
وتناسوا بيان هيئة كبار العلماء المؤرخ في 25/1/1420هـ بأن إصدار بطاقة للمرأة وسيلة لكشف الحجاب .
رابعاً / استغلالهم المناسبات الوطنية وغيرها لتحرير المرأة :
لقد استغلوا ظروف أزمة الخليج وفرحوا بوجود الجيش الأمريكي على أرض الجزيرة في عام 1411هـ ، فنظموا المسيرة الشهيرة لقيادة النساء للسيارات في حي العليا ، وكن أثناء القيادة يرددن شعارات الحرية ، ووقف العلماء - رحم الله الميت منهم والحي - بالمرصاد لهذه الحركة ، وندم القوم أشد الندم على تنظيمها ، فقد كشفت تهورهم واستعجالهم .
كما أنهم يخططون لاستغلال انتصارات الجيش ( عفواً ) الفريق السعودي لكرة القدم لإقامة نفس المسيرة ، ولهم في ذلك تجربة فاشلة أيضاً قبل عامين .
كما استغلوا الاحتفالات ( بالمئوية ) وخاصة ( مهرجان الجنادرية ) في ذلك العام ، واستطاعوا تقديم أول مسرحية نسائية بممثلات سعوديات ومخرجة سعودية وطاقم من الرجال المشرفين على الموسيقى والألحان والديكورات وغير ذلك من التفاهات . ( الحياة عدد13138 في 9/11/1419هـ ) .
ثم استغلوا كلمة ولي العهد الشهيرة في شأن المرأة التي قالها في ( الشرقية ) في بداية العام الهجري 1420هـ وانفجروا يتباكون على وضع المرأة الحالي ، وأخرجوا ما في صدورهم من غل ، حتى قال (الرافضي) توفيق السيف مستغلاً هذه الكلمة :
(( وأعرف من مقابلات شخصية ومتابعة لتصريحات الأمير عبد الله أنه يعني تماماً ما يقول وأن هناك بالتأكيد مناسبة لاختيار هذا الموضوع على وجه التحديد … ( إلى أن قال ) … لقد فتح سمو ولي العهد هذا الملف وحري بنا أن نقرأ ما فيه )) . ( عكاظ 11924 في 4/1/1420هـ ) .(58/80)
ثم جاءوا الآن ليستغلوا مناسبة اختيار الرياض عاصمة الثقافة العربية عام 2000م ، فقد قامت صحيفة الرياض بإصدار قرار تفريغ عدد من السعوديات يبلغ عددهن ست نساء وواحدة مقيمة للعمل صحفيات متفرغات ، قالت الصحيفة : (( نجزم أن هذا الإجراء هو خير ما يتلاءم صحفياً مع تأكيد تفوق الرياض المدينة باضطلاعها مهمة عاصمة الثقافة العربية مع بداية عام جديد وقرن جديد )) . ( الرياض 11453 في 24/10/1420هـ ) .
ومن ذلك أيضاً ما صرح به الأمين العام لبرامج الرياض عاصمة الثقافة العربية خلال لقاء صحفي سُئل فيه عن غياب المسرح والسينما في الثقافة السعودية ، فقال : (( بالنسبة للمسرح فهناك عدة مشكلات تجعل من حركته في المملكة بطيئة نفتقر إلى الكاتب والمخرج وإلى العنصر الغائب عن النشاط المسرحي … هناك ظروف اجتماعية معينة تحتاج إلى معالجة وإلى عامل الوقت قبل أن نطالب هؤلاء المسرحيين أن يقدموا ما يستحيل عليهم تقديمه لا بد من تهيئة بعض الظروف ولا بد من الدراسة )) .
( الجزيرة عدد9977 في 16/10/1420هـ ) .
ولعله معلوم أن المقصود بالعنصر الغائب هو العنصر النسائي ، فهناك إذن استغلال لهذه المناسبة لإثارة هذا الموضوع ، وهناك تأكيد من أحد المسئولين عن هذه المناسبة بأن هناك عنصراً غائباً وأنه لا بد من تهيئة الظروف والوقت كفيل بأن يحضر العنصر الغائب حتى يكتمل الدور .
وهناك حملة قوية بهذه المناسبة ( مناسبة اختيار الرياض عاصمة للثقافة العربية ) للمطالبة بنوادي أدبية نسائية ، وفروع نسائية للجمعية الثقافية السعودية كخطوة من خطوات تحرير المرأة ، فلم تعد تكفيهم الجمعيات الأهلية ولا مركز الأمير سلمان بالرياض وغيره ، بل يريدون أن يصلوا إلى كل منطقة عبر النوادي الأدبية والجمعية الثقافية السعودية ، بل إنهم قد أقاموا ما يسمونه بالصالونات الأدبية في ثلاث مدن ( في الرياض صالون سلطانة السديري ، وفي الدمام صالون سارة الخثلان ، وثالث في جدة ) . (الجزيرة 9977 في 16/10/1420هـ).
وقد نفذت هذه المهمة في منطقة المدينة المنورة حيث تم افتتاح قسم نسائي للنادي الأدبي في المدينة المنورة عاصمة الإسلام الأولى ، كما حثت الأندية الأدبية الأخرى بالمملكة بتبني هذه الفكرة .
(صحيفة المدينة عدد 13513 في 17/1/1421هـ )
خامساً/ مهمة الاقتصاد في عصر العولمة أحدث أسلحتهم في المعركة :
مع الانفتاح الاقتصادي الأخير وسيطرة الرأسمالية في نظام العولمة الجديد وتدخل التجارة في تحديد مسار السياسة فقد اهتم أنصار تحرير المرأة في الداخل والخارج باستغلال نظام التجارة الحالي في دعم هذه القضية .
فقد تجاوز (( مجال عمل الشركات التجارية الميدان الاقتصادي إلى العمل على التأثير على القرارات السياسية وثقافة الناس وطرائق عملهم وهو نوع من الاستعمار بأسلوب يناسب وعي الشعوب وتطورها )) .
وبالتالي فقد قامت هنا وهناك بعض النشاطات المتعاقبة في سرعة مذهلة عبر الغرف التجارية والشركات والجمعيات والمؤسسات الاقتصادية تعمل على دفع تحرير المرأة بسلاح الاقتصاد .
يقول د/النبي الدخيل رئيس المركز الاستشاري للاستثمار والتمويل في مقالة بعنوان ( دور المرأة في الاقتصاد السعودي ) وهو يحاول دفع المرأة للتحرر من بوابة الاقتصاد حتى ولو كان ذلك على حساب الربح فالمهم هو الوصول للهدف المنشود وهو تحرير المرأة .
يقول : (( الهدف الغالب اقتصادياً هو الربح ولكن قد تكون هناك أهداف اجتماعية تشاطر الربح شيئاً من موقعه في المعادلة الاستثمارية ، المهم أن يكون هناك وضوح في الرأي لأن الهدف تحدده الوسائل وأسلوب العمل )) .
( مجلة عالم الاقتصاد عدد 84 يناير 1999م ) .
وذكر بعض الوسائل التي يجب اتخاذها في هذا المضمار ، وهي كما يقول: (( أذكر ولو بشيء من العجالة بعض القضايا التنظيمية التي يمكن أن تعطى دفعة لنمو الحركة الاقتصادية النسائية ، ومنها :
- دعم وتطوير اللجنة النسائية في الجمعية الاقتصادية السعودية فهي باب صغير في جدار كبير يمكن أن يكبر ويصبح مدخلاً هاماً للتغيير وتحسين أوضاع المرأة الوظيفية والاقتصادية .
- العمل على إنشاء قسم أو إدارة لسيدات الأعمال في الغرف التجارية الصناعية ، ويبدأ بشكل بسيط لينطلق بعدها إلى مستويات أعلى من التنظيم يعنى بشؤون ومشاكل سيدات الأعمال ويضع قضاياهن أمام أصحاب القرار من خلال القنوات المتاحة للغرف التجارية .
- إنشاء الجمعيات المهنية للسيدات في الطب والهندسة والاقتصاد وغيرها ، فجميعها روافد تصب في اتجاه تطوير ودعم الحركة النسائية في المملكة العربية السعودية .
- شحذ الأقلام وذلك للكتابة في هذا المجال كلما سنحت الفرصة وأتيح المجال)) . ( مجلة عالم الاقتصاد عدد84 يناير1999)) .
وعليه فقد قامت الغرف التجارية ممثلة القطاع الحكومي والشركات والمؤسسات التي تمثل القطاع الخاص بدفع حركة تحرير المرأة من خلال بعض النشاطات ، ومن ذلك :
1- افتتاح معهد فندقي لتدريب الشباب والفتيات في أعمال الفندقة والسياحة والمشاريع الترفيهية . ( الاقتصادية 2073 في 12/2/1420هـ ) .(58/81)
2- قيام الجمعية الفيصلية الخيرية النسوية بجدة وبدعم الغرفة التجارية الصناعية بجدة بتنظيم مهرجان جدة 99 للمرأة والطفل وما تخلل المهرجان من اختلاط وتبرج وسفور وغيره . (عكاظ 11996 في 17/3/1420هـ ) .
3- وجود قسم نسائي بمركز جدة للتدريب يتبع للغرفة التجارية الصناعية بمحافظة جدة تقام به الدورات النسائية . (عكاظ 12006 في 27/3/1420هـ ) .
4- أبرمت شركة المركز التجاري المحدودة ( المالكة لمشروع مركز المملكة ) في الرياض اتفاقاً مع شركة ريبجس تفتتح بموجبه الشركة مكتباً لإدارة وتشغيل مركزين بالرياض أحدهما لرجال الأعمال والآخر لسيدات الأعمال وسيتم توظيف طاقم من النساء المتخصصات لإدارة وتشغيل مركز سيدات الأعمال في القسم النسائي في مركز التسوق المعروف باسم ( المملكة ) . (الاقتصادية عدد2133) .
5- افتتاح قسم نسائي بغرفة تجارة الطائف . (عكاظ بتاريخ 11/4/1420هـ) .
6- إقامة تسع عشرة دورة تدريبية خاصة بالفتيات بالقسم النسائي بغرفة تجارة الطائف . ( الجزيرة 9817 في 4/5/1420هـ ) .
وأما ماذا يجري في هذه الدورات وفي هذه المجالس النسائية فقد ذكروه تفصيلاً حيث أطلقت الغرفة التجارية بجدة مشروعاً يستهدف تأهيل خريجات الجامعة للعمل في الشركات والمؤسسات الأهلية وذلك بإقامة دورة في البحث عن وظيفة تتعلم فيها الفتاة (( الاستعداد للمقابلة الشخصية ، التأهيل الذهني والفكري ، اللغة الملفوظة في المقابلة الشخصية ، تعابير الوجه أمام لجنة القبول ، طريقة الجلوس ونوع اللبس ، نوع العطور التي تستخدمها الملتحقة بالعمل ، أخلاقيات العمل وأسراره ، طريقة إعداد السيرة الذاتية للمتقدمات في المسابقات الوظيفية بالقطاعين الخاص والعام )) ( الاقتصادية 1763 في 14/3/1420هـ )
سادساً / خدمة الوطن مهمة الجميع :
إذا كان تحرير المرأة باسم الوطن والمشاركة الفعالة في خدمته فإن الجميع قد يسكت حتى لا يتهم في وطنيته وولائه ، لذلك فإن المناورة في نقل المعركة إلى هذا الموقع يعد انتصاراً آخر ، وعليه فقد تم التوجيه بإنشاء كلية عسكرية للعلوم الطبية المساعدة تتبع الحرس الوطني يبدأ القبول بها بعد سنتين لتخريج ممرضين وممرضات وأخصائيين للأشعة والمختبرات والعلاج الطبيعي . ( الشرق الأوسط 7598 في7/6/1420هـ) .
ومن الطبيعي أن تتم الدراسة في موقع واحد بين الجنسين وذلك لأمور فنية واقتصادية ومن ثم فإن هؤلاء الممرضات هن لتمريض أفراد الحرس الوطني في مواقع عملهم كالجبهات ومواقع التدريب ، وبرتب عسكرية طبعاً مثل زملائهن الرجال .
وعملاً بالتدرج في معركة التحرير تم البدء في تنفيذ قرار تعيين السجانات في قطاع السجون على رتب عسكرية حسب المؤهلات والخبرات التي حددها القرار . ( عكاظ 12078 في 11/6/1420هـ ) .
ولأن النظام العسكري صارم فلا بأس أن يقوم رجل برتبة صغيرة ليحيي زميلته الأعلى منه رتبة وينفذ أوامرها ، لأن المقصود هو مساواتهن بالرجال فقط، وإذا لم يعمل مثل هذه الأمور في بداية الأمر فإنه في المستقبل يكون الأمر قد تهيأ أكثر ، لأنه إذا لم يكن القصد من ذلك هو المساواة المطلقة مع الرجال فلماذا لم يتم استحداث مراتب ومستويات لهن غير الرتب العسكرية ؟!!
سابعاً / طلب المواجهة بالقوة :
رغم قلة عددهم وعدتهم في هذا البلد إلا أن قلوبهم تموت غيظاً بتمسك الناس بدينهم في الجملة ، رغم التقصير الحاصل .
ويتبعون في ذلك إخوانهم العسكر في تركيا الذين واجهوا الحجاب بالقوة وفرضوا السفور فرضاً على المسلمات حتى باتت عداوتهم لتعاليم الدين أكثر من الدول الكافرة نفسها .
وتبعاً لذلك يقول حماد السالمى - من أهل الطائف وكاتب في صحيفة الجزيرة - : (( والتوجه نحو حل هذا الإشكال لا بد وأن يأتي سريعاً وبحلول راسخة لا تقبل الجدل أو العودة إلى عنق الزجاجة الذي طالما راهن عليه أعداء الحقوق المشروعة للمرأة .. )) . (الجزيرة 9713 في 17/1/1420هـ) .
ويقول د/عبد الله بن محمد الفوزان - أستاذ علم الاجتماع بجامعة الملك سعود - : (( التوسع في مجالات عمل المرأة يقتضى تغيير القيم الاجتماعية البائدة التي تسيطر على بعض العقول .. وتغيير كهذا يستدعى المجابهة والمواجهة )) .
(مجلة المجلة 1003 في 2-8/5/1999م) .
وقال مصدر سعودي مطلع - تعليقاً على خطاب ألقاه الأمير عبد الله بن عبد العزيز ولى العهد ونائب رئيس مجلس الوزراء الذي قال : (( إننا لن نسمح لكائن من كان أن يقلل من شأن المرأة السعودية ، أو يهمش دورها الفاعل في دينها وبلادها )) والذي وصف هذا الخطاب بأنه الطلقة الأولى للحوار حول المرأة السعودية ، وتحريك دورها - قال المصدر المسؤول :
(( إن الحساسية في التعامل مع المرأة في المجتمع السعودي لن يكون إلا بالمواجهة)). (الشرق الأوسط 7449فى 5/1/1420هـ)
متفرقات من هنا وهناك
الدور الأمريكي في المعركة ( وما خفي كان أعظم ) :
لا شك أن هناك دوراً أمريكياً في هذه المعركة بحكم اهتمامها بمواقع النفط وهيمنتها على المنطقة وإن كان هذا الأمر خفياً إلا أنه ظهرت بعض الأمور التي توضح وتؤكد هذا الدور .(58/82)
فقد نظمت القنصلية الأمريكية بجدة لقاءاً بين سيدات الأعمال السعوديات مع نائبة مساعد وزير التجارة الأمريكية بمقر القنصلية وتقرر أن يكون هذا الاجتماع بصفة دورية بمعدل كل شهر .
( البلاد عدد 15065 في 24/5/1418هـ ) .
وقد أثمرت هذه الاجتماعات بإعلان مركز الخدمات التجارية التابع للقنصلية الأمريكية بجدة أثناء اللقاء النسائي الشهري تنظيم برنامج زيارة أول وفد تجاري نسائي سعودي إلى الولايات المتحدة .
( الحياة 12708 في 15/8/1418هـ ) .
وإذا قالوا إن الموضوع تجارى اقتصادي لا دخل له بتحرير المرأة وإن الأمريكان هدفهم المادة فقط : فما هو الهدف إذن من أن تقوم الملحقية الثقافية الأمريكية بجدة بتنظيم ندوة تدعو لها الكاتبات والأديبات السعوديات للمشاركة فيها ؟
تقول إحدى المشاركات في الندوة في مقال لها : (( جاءت الدعوة من مكتب الإعلام والثقافة الأمريكي ، ولا نستطيع إلا أن نتقدم إليهم بالشكر الجزيل على ما بذلوه من جهد للترتيب والاستعداد لهذه الندوة حيث قد وجهت لي الدعوة من 5/9/1999م لحضور الندوة في 2/11/1999م أي قبل شهرين والملاحظ أن قنصل الشؤون الثقافية في القنصلية الأمريكية السيدة لورابيرغ قد بذلت جهداً لتعطي الندوة ثمارها من حيث التنظيم والفائدة )) !!
( البلاد بتاريخ 28/7/1420هـ) .
و ها هي أمريكا من واقع القوة المهيمنة في منطقة الخليج بوجود القواعد العسكرية المتناثرة في جميع دول المجلس تدعو رسمياً الدول إلى تحرير المرأة ومن ذلك ما قامت به وزارة الخارجية الأمريكية من حث دولة الكويت على منح النساء حق الانتخاب بعد رفض مجلس الأمة مرسوماً يمنحهن حقوقاً سياسية كاملة بحلول عام 2003م وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية في مؤتمر صحفي ( إن الولايات تؤكد مجدداً المساندة القوية لتوسيع المشاركة السياسية في الكويت بما في ذلك منح النساء حقوقهن السياسية الكاملة وأننا نشجع ونحث الحكومة والبرلمان الكويتي على منح هذه الحقوق وأن مشاركة المرأة في العملية السياسية كانت دائماً أحد أعمدة السياسة الأمريكية )) .
(صحيفة الوطن الكويتية عدد 8543 في 17/8/1420هـ)
وزارة الإعلام :
معركة تحرير المرأة السعودية في دهاليز مبنى وزارة الإعلام في الرياض انتهت لصالح العلمانية ، وبانتصار ساحق .
فالمذيعة تجلس بجانب المذيع ، لتقديم برنامج أمام الجميع بعد أن تجملت بالأصباغ ، وأظهرت شيئاً من شعرها ، وتحررت من القيود الشرعية التي تمنع الاختلاط والتبرج والسفور .
ولئن كان ( التلفزيون ) شراً فإن الإذاعة أشر منه ، إذ إن بداية التحرر تكون أولاً في الإذاعة ، ثم تطبق في ( التلفزيون ) حيث إن التمثيل موجود من قبل سعوديات ، وفيها برامج تسمع فيها الضحكات والمداعبات الكلامية بين الرجل والمرأة ، على مسمع من الجميع ، كبرنامج ( أفراح وتهاني ) و ( أهلاً بالمستمعين ) وغيره من البرامج التي تحاول استدراج الفتيات إلى الخروج عبر الهاتف بإلقاء تهانيهن لمن يحبين ، وإلقاء مقالات شاعرية تتحدث في الغالب عن الحب ، وكذا ما ظهر في الآونة الأخيرة من مناقشات حول المرأة وحقوقها ، وما حققته المرأة السعودية من تقدم .
وسنرى المرأة السعودية على الشاشة الفضية علانية ، ترتدى ملابس المنزل، وتتبادل كلام الغرام بحجة التمثيل والفن ، حيث شاركت ممثلات سعوديات في بعض المسلسلات ، كمسلسل (( آخر رسالة حب )) بطولة محمد حمزة ، ومريم الغامدي ، وإخراج عامر الحمود ، ومسلسل (( قلوب خرساء )) بطولة بكر الشدي ، و مريم الغامدي ، ومسلسل (( طاش ما طاش )) وغيرها ، والتي شاركت فيها جميعاً الممثلة السعودية فوزان الحسن .
وهذه الأخيرة قالت في مقابلة صحفية : (( أتمنى التعامل مع المخرج عامر الحمود )) وقالت أيضاً : (( وليعلم أنه مهما عمل من أعمال ناجحة لن تنجح إلا بالتكامل مع العنصر النسائي المحلى ! وأرجو أن يخرج من دائرة البحرين والكويت ، بالرغم من أنه عمل معي مسلسل (( آخر رسالة حب )) وعرف قدراتي التمثيلية والفنية ، ولكن لا أعلم لماذا هذا التجاهل ولمجموعة من الفنانات القديرات ، أمثال مريم الغامدي ، وسعاد السلطان ، ونحن أولى بمخرجنا القدير ، وليس غيرنا )) .
وعن سؤال أخر عن رؤيتها لمستقبل الإنتاج السعودي قالت : ((ولله الحمد في تقدم كبير وملحوظ ، بدعم وزير الإعلام الذي يسهل كل الأعمال الجيدة ، وليس هناك تقصير من قبل ( التلفزيون ) السعودي ، على المنتجين الاهتمام بالإنتاج المحلى )) .
( عكاظ 12097 في 1/7/1420هـ ) .
دمعة في وزارة الصحة :
من الظلم أن نتحدث عن تحرير المرأة في المستشفيات لأن ذلك قد يوهم القارئ بأن هناك بعض التجاوزات أو التخطيط المتدرج لتحرير المرأة ، إلا أن الواقع المؤلم في المستشفيات أكثر بكثير من أن يقال فيه شيء من ذلك وعلى من أراد معرفة نتائج المعركة التوجه إلى أحد المستشفيات وسيرى بمجرد الدخول فيه أنه في بلد آخر .
ولولا جهود فردية بعد الله عز وجل من قبل بعض منسوبي الصحة لطمست الهوية الإسلامية في المستشفيات .(58/83)
بل إن أمر كشف الحجاب وحصول الاختلاط لم يقتصر على الفئات غير المتمسكة بالدين بل تعداه إلى الفئات المتدينة حيث يتم كشف الحجاب قسراً أمام الفريق الطبي من الرجال تحت وطأة المرض .
والأمر هنا لا يحتاج إلى تحسينات بقدر ما يحتاج إلى حلول جذرية غير قابلة للمساومة ، وذلك بإقامة المستشفيات النسائية بجميع طاقمها النسائي في كل مدينة وقرية كحق عام من حقوق المرأة الحقيقية ، والتي تجد العفيفة الحرج الكبير إذا هي مرضت أو احتاجت إلى المستشفى .
ومن العجيب أن هناك دولاً إسلامية لا تُحكّم الشريعة ودولاً أخرى غير مسلمة لديها مستشفيات خاصة بالنساء فقط ، وبطاقم نسائي وليس مقصودهم طاعة الله ولكنهم يحترمون خصوصية المرأة .
طلال بن عبد العزيز :
لقد أطلت علينا الماسونية الصهيونية بشعارها الثلاثي الجذاب ( الإخاء - الحرية - المساواة ) متلبسة بالبشت ( المشلح ) والعقال ، ومسبوقة بكلمة الأمير لتجاور اسم طلال بن عبد العزيز آل سعود ، ولا يخفى على متابع انتماءات الرجل القومية والعلمانية .
وأصبح يطل علينا بين فينة وأخرى مدافعاً عن الديمقراطية وحقوق المرأة ، وأصبح وصياً على المسلمين لينقلهم من النور إلى الظلمات ، ويدافع عن حقوق المرأة حتى في الدول التي لا تقيم للإسلام وزناً ، تحت رعاية هيئة الأمم ، وباسم رئيس المجلس العربي للطفولة ، ورئيس برنامج الخليج العربي لدعم منظمات الأمم المتحدة الإنمائية ، والذي بدأ ظهوره يقوى إعلامياً ، وسنستعرض بعض أقواله وجهوده في سبيل تحرير المرأة :
1- التحاكم إلى القوانين الوضعية والرضا بها :
حيث يقول : (( القوانين الوضعية الديمقراطية أوضحت من خلال دساتيرها أن للمرأة حقوقاً كاملة ، لا تقل شأناً عن حقوق الرجل )) .
وقال : (( هناك العديد من المواثيق التي تم إصدارها في دول العالم والوطن العربي ، ولا بد من احترامها لكي نواكب سير الركب الحضاري والتطورات الدولية )) .
وقال بمناسبة المرسوم الأميري الكويتي بمنح المرأة حقوقها السياسية :
(( الكويت تتبع المنهج التشريعي المتمثل في مجلس الأمة ، الذي يشرع ويراقب كل ما يخص شؤون المجتمع ، فكيف يتم استبعاد المرأة عن هذا المجلس الذي يشرع العديد من القوانين الخاصة بها )) .
( جميع ما سبق في الوطن الكويتية 8492 في 25/6/1420هـ) .
2- الاهتمام بموضوع حقوق المرأة ، والمشاركة الفعلية في ذلك على مستوى العالم العربي :
اهتمامه بموضوع المرأة قديم ، وليس حديثاً ، بل يسعى إلى إخراجها من بيتها ، بل ويتدخل حتى في لباسها ، وفى ذلك قال :
(( في الحقيقة يهمنا في المقام الأول أن تتطور المرأة العربية ، في كل المجالات ، فمثلاً منذ سنوات وجدنا أن لباسها العربي تثار حوله علامات استفهام ولذلك منذ سنوات في عام 79م طلبنا من دور الأزياء الفرنسية في مساعدتنا في تصميم زي تقليدي جديد للمرأة العربية ، وبالفعل تم التوصل إلى زي إسلامي عربي جديد ، ولكنه للأسف قوبل بالرفض ، وهذا الزي لا يزال موجوداً في محلات الأزياء بباريس )) .
( المدينة 13300 في 8/6/1420هـ) .
ويقول منتقداً وضع المرأة في لبنان ، إذ لا يرضيه إلا أن يلتقي مع الغرب في جميع قوانينهم ، وأن تأخذ المرأة جميع حقوقها المزعومة ، فيقول :
(( أتساءل لماذا لا يوجد وزيرة في لبنان مثلاً ، ولبنان سبّاقة في عدة ميادين )) . ( المدينة 13300 فى8/6/1420هـ) .
وبعد أن جلس بجانب نساء سافرات من العائلة الحاكمة الكويتية احتفالاً بالمرسوم الأميري الكويتي بمنح المرأة حقوقها السياسية ، قالت مديرة مركز دراسات الخليج والجزيرة العربية ونائبة رئيس الاتحاد الكويتي للجمعيات النسائية د/ميمونة الصباح :
(( يطيب لمركز دراسات الخليج والجزيرة العربية أن يرحب بكم أخوات و إخوة كراماً يشاركون في هذه الندوة ، وهى الأولى من نوعها عن المرسوم الأميري الخاص بمنح المرأة الكويتية حقوقها السياسية ، واستشراف دورها المأمول وتحدياته في المستقبل .
وإنه لشرف عظيم أن يكون ضيف الشرف لهذه الندوة صاحب السمو الملكي الأمير طلال بن عبد العزيز آل سعود ، وتشارك فيه أخوات برلمانيات عربيات ، وأخريات خليجيات ، سائرات على دربهن نحو المشاركة السياسية )) .
( الوطن الكويتية 8492 في 25/6/1420هـ) .
3- الشعور بالنقص والتطلع إلى ما عند الغرب :
وهو ما نتج عن الهزيمة النفسية والتنكر للماضي ، ويجسدها قوله : (( لقد قلتها في أحاديث سابقة قبل أن أقرأ مذكرات ( نيكسون ) : يهم الأمريكان أمران ، البترول وإسرائيل ، والباقي يعتبروك مثل دولة البيرو وبنجلاديش ، فإذا كان الأمر يهمنا يجب أن نتقابل معهم في نفس السكة )) .
( المدينة 13300فى 8/6/1420هـ) .
4- الكذب والافتراء على الإسلام :(58/84)
فهو يكرر أن الإسلام راعى حقوق المرأة ، بالمفهوم الذي يريده هو ، بكلام يدل على خبث مقصده ويقول كلاماً لا يعرف معناه ، وإنما هو للتمرير على الجهلاء ، كقوله : (( أثبت رجال الدين أن المرأة تعمل مع الرجل منذ القدم ، وهناك وثائق تم اكتشافها في مكة الشريفة تؤكد أن المرأة قد مارست القضاء في الإسلام ، وفى عهد عمر بن الخطاب كانت هناك امرأة قاضية بالحسبة ، موضحاً أن الشريعة الإسلامية منفتحة ، وغير منغلقة ، ولا تعتبر الشريعة العقبة التي تقف أمام التطور )) . (الوطن الكويتية 8492 في 25/6/1420هـ) .
ويقول : (( يجب استبدال كلمة العلمانيين التي تطلق على البعض بكلمة المدنيين، وذلك لأن مصطلح العلماني أصبح يطلق على الخارج على الدين ، مؤكداً أنه لا يجوز تكفير أى شخص إلا بأمر من القضاء )) . (الوطن العدد السابق ) .
فهو يفتى ويقرر في أمور محسومة في القرآن والسنة ، ويريد إسلاماً على مزاجه الشخصي ، يفصله حسب أهوائه ، ويلبسه بدون مراعاة لدليل شرعي ، ويلقى بكلام عائم ، لو نوقش فيه لما عرف الإجابة عنه ، وهذا التحدث باسم الإسلام ليس إلا من باب التقية .
ويظهر في لحن قوله ضيق صدره بالإسلام ، لأن جميع ما يدعو إليه مخالف للدين ، ولما جاء به سيد المرسلين r ، ويدل على ضعف انتمائه للدين أو عدم انتمائه ، كقوله :
(( التراث والقيم العربية والإسلامية موجودة بيننا ولا داعي للخوف عليها أو المبالغة في الحفاظ على التراث ، وذلك كون العولمة قد فرضت نفسها )) .
( الوطن 8493 في 26/6/1420هـ) .
5- ضيق صدره من هذه البلاد وانتقاد ما فيها من خير :
حيث ينتقد تدريس المواد الدينية في التعليم ، ويطالب بالتعديل فيها ، ويعنى التعليم في المملكة العربية السعودية ، حيث يقول :
(( العلاج يبدأ بتعديل وتطوير المناهج الدراسية في دول الخليج ، وهناك بعض الدول 35% من مناهجها تدرس الفقه والحديث والمقررات المقتصرة على الدين ، ويتم تلقينها للطلبة )) . ( الوطن العدد السابق ) .
ولا شك أن الوصف الذي وصف به بعض الدول كما يقول لا ينطبق إلا على التعليم في المملكة العربية السعودية .
وفى كلام آخر يقول : (( بصراحة لا أجد مساغاً لهذا الاختلاف بيننا وبين أقرب المجتمعات الخليجية إلينا ، لأنه فيما نحن نختلف حول هل تقود المرأة السيارة أم لا تقود ، نجد الكويت تعطيها حقوقها في الانتخاب والترشيح )) .
( الهدف الكويتية بتاريخ 29/5/1999م ) .
وأخيراً شهد شاهد من أهله وهو أحد أبنائه ، حيث قال : (( إن آراء الأمير متطورة ، وتتعدى في كثير من الأحيان المكان والزمان الذي عاشه ويعيشه )) .
( الجزيرة 9878 في 6/7/1420هـ) .
وبمعنى أوضح فإن آراء الأمير تعدّت حدود الشرع .
صحيفة عكاظ :
هذه الصحيفة - خاصة - أخذت على عاتقها محاربة الإسلام والسخرية من القرآن وأهله ، ولا شك أنهم لا يستطيعون إظهار هذه الحرب بل يخفونها ، وهذا هو النفاق .
وهذا الرأي ليس برأي متطفل على العلم ، بل هذا ما أفتى به الإمام عبد العزيز بن باز - رحمه الله - ومن أراد الرجوع إلى فتواه كاملة فهي منشورة في مجلة البحوث الإسلامية في عددها الثاني والثلاثين المنشورة سنة 1412هـ .
وسبب هذه الفتوى قيام امرأة بالكتابة في صحيفة عكاظ في عام 1397هـ انتقدت من يعتقد أن المرأة ناقصة عقل ودين وأن الرجال قوامون على النساء ، وعلى هذا الكلام رد الشيخ النبي بقوله :
(( ولقد دهشت لهذا المقال الشنيع ، واستغربت جداً صدور ذلك في مهبط الوحي ، وتحت سمع وبصر دولة إسلامية تحكّم الشريعة الإسلامية وتدعو إليها ، وعجبت كثيراً من جرأة القائمين على هذه الجريدة ، حتى نشروا هذا المقال الذي هو غاية في الكفر والضلال والاستهزاء بكتاب الله وسنة رسول صلى الله عليه وسلم ، والطعن فيهما )) .
ثم ذكر الإمام - رحمه الله - وصفاً لهذه الجريدة فقال : (( وليس هذا ببدع على القائمين على هذه الصحيفة ، فقد عُرفت بنشر المقالات الداعية إلى الفساد والإلحاد والضرر العظيم على المجتمع ، كما عُرفت بالحقد على علماء الإسلام والاستطالة في إعراضهم والكذب عليهم )) .
ثم ذكر السبب الذي جعل هؤلاء يتطاولون على دين الله بقوله : (( لأنه ليس لدى القائمين عليها وازع إيماني ، ولم تردع بوازع سلطاني ، فلهذا أقدمت على ما أقدمت عليه من الكفر والضلال في هذا المقال الذي لا يقوله ولا ينشره من يؤمن بالله واليوم الآخر ، ولا يقوله وينشره من يحترم كتاب الله وسنة نبي صلى الله عليه وسلم )) .
وقال : (( ولم تعلق الصحيفة شيئاً في إنكار هذا المقال ، فعلم بذلك رضاها به وموافقتها عليه )) .
وبعد أن ذكر الأدلة من الكتاب والسنة في هذه المسألة ، اختتم كلامه بقوله : (( إن هذه الصحيفة قد تجاوزت الحدود ، واجترأت على محاربة الدين والطعن فيه بهذا المقال الشنيع ، جرأة لا يجوز السكوت عنها .(58/85)
ولا يحل لوزارة الإعلام ولا للحكومة الإغضاء عنها ، بل يجب قطعاً معاقبتها معاقبة ظاهرة ، بإيقافها عن الصدور ، ومحاكمة صاحبة المقال والمسئول عن تحرير الصحيفة ، وتأديبهما تأديباً رادعاً ، واستتابتهما عن ما حصل منهما ، لأن هذا المقال يعتبر من نواقض الإسلام ، ويوجب كفر وردة من قاله أو اعتقده أو رضى به ، لقول الله سبحانه { قل أ بالله وءايته ورسوله كنتم تستهزءون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم..} الآية،فإن تابا وإلا وجب قتلهما لكفرهما وردتهما )) .
وبالرجوع إلى مجلة الدعوة في عددها الصادر يوم الاثنين الموافق 27/1/1397هـ - حيث إنها أول من انتقد هذه الصحيفة ، وانتقدت المقال الماضي في ذلك الوقت - تبين أن رئيس تحرير هذه الصحيفة هو إياد مدني وزير الحج الحالي .
مع العلم بأنه يشترط لعضو مجلس الوزراء أن يكون من المشهود لهم بالصلاح والكفاية ،كما في الفقرة (ب)من المادة الثالثة من نظام مجلس الوزراء الصادر بالمرسوم الملكي رقم أ/13 في 3/3/1413هـ .
ولكن هذه الدولة - هداها الله للحق - النظام لديها شيء والواقع شيء آخر ، وتجمع بين الشيء ونقيضه ، وهذا كله من عدم الجدية في تطبيق النظام في جميع الأجهزة .
فهذه فتوى الشيخ رحمه الله في مقالة واحدة ، فماذا نقول لصحيفة عكاظ وغيرها بعد أن نشرت المقالات والتحقيقات والتعليقات التي تعترض على القرآن، وتسخر من أهله المتمسكين به ، بشكل شبه يومي كما قالوا لتشهد السنوات القادمة انفجاراً في قائمة طالبات العمل .
===============(58/86)
(58/87)
نقد كتاب "تحرير المرأة في عصر الرسالة" لمؤلفه عبد الحليم أبو شقه
إعداد
سليمان بن صالح الخراشي
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعد :
يعد كتاب "تحرير المرأة في عصر الرسالة" جامعاً لآراء ما يسمى بالمدرسة العصرانية أو التيار المستنير أو تيار التيسير الفقهي في موضوع المرأة، وقد دشنه وروج له اثنان من أساطين هذا التيار -كما سيأتي- .
ولم أكن لأحفل بهذا الكتاب الذي كنت أراه خاصاً بهذه الفئة المتبعة لأهوائها سواء في هذا الموضوع أو غيره؛ خاصاً بها دون سواها من متبعي الكتاب والسنة، فكنت أراه قاصراً عليهم لا يتعداه إلى غيرهم من دعاة الإسلام ممن سيعلم بطلان كثير مما جاء فيه بداهة؛ لكونه يخالف آيات الكتاب وأحاديث المصطفى صلى الله عليه وسلم وعمل الصحابة رضي الله عنهم، مهما ادعى مؤلفه ومروجوه خلاف ذلك. إلا أنني تفاجأت عندما قرأت مقالاً لأحد الفضلاء يتحدث فيه عن المرأة وأنها إنسان !! وأنها تعيش "تحت وصايات مشددة -دينياً واجتماعياً وسياسياً- لا تتناسب مع حجم الطاقات والقدرات والإمكانات التي منحها الله للمرأة" !! وأننا نخلط "العادات بالعبادات وتقديس الموروثات الآبائية" في موضوع المرأة! وأننا مع الانفتاح أصبح الواحد منا يفاجأ "بأن كثيراً مما كان يملى عليه بكرة وأصيلاً ما هو إلا رؤى مذهبية في أحسن أحوالها" !!ثم نقد هذا الفاضل من "يحرسون الفضيلة" بتركيزهم على الحجاب ! مع نسيان الأمور الأخرى!…الخ مقاله الذي يذكرك (بغمغمة) الحداثيين والتغريبيين ! الذين يلجئون إلى مثل هذه الرموز التي لا توصل القارئ إلى ما يريده الكاتب (بوضوح). إنما تفيدك بأن الكاتب مغتاظ وناقم من وضع المرأة !! لكن: من أي شيء هو مغتاظ وناقم؟ هذا ما لا تستفيده من كلماته !
ليت هذا الفاضل بدلاً من هذه (الغمغمة) والأسلوب الغامض -الذي لا يلجأ له غالباً إلا أصحاب الهدم- لجأ إلى الوضوح شعار الأنبياء والعلماء والمصلحين. فقال مثلاً: أنا أؤيد كذا وكذا والدليل كذا وكذ.. لكي يعلم القارئ ماذا يريد الرجل، فإن كان حقاً أخذنا به وإن كان غير ذلك رددناه عليه وناقشناه علمياً في اختياره. هذا هو المنهج الصحيح المنتج النافع للأمة.
لكن الذي أظنه أن الرجل أراد أن يجعل للمرأة (قضية)، أو هو توهم ذلك؛ لكثرة ما يقرأ من كتابات من نشأوا في بلاد كانت خياراتها الواضحة: التغريب أو التقاليد المخالفة للشرع. فظن بجهل أو سذاجة أن بلاد التوحيد تحتاج إلى هذه (القضية) الموهومة !
ونسي أو تناسى أن الأمور لدينا (جلية) ولا تحتاج إلى (غمغمات) الآخرين !، وأننا في أمور المرأة لا نصدر -وعلماؤنا معنا- إلا من خلال الأدلة الشرعية -ولله الحمد- فما وافقها أخذنا به ونشرناه، وما خالفها رددنا عليه وحذرنا منه.
وتوضيح ذلك: أننا أخذنا بوجوب ستر المرأة لوجهها عن الأجانب نظراً لأن الأدلة الشرعية أوجبت ذلك -كما سبق-، لا لأنها من العادات كما يحاول الرجل أن يستغفل قارئه. وأخذنا بتحريم الاختلاط للأدلة الشرعية الدالة عليه… الخ
وفي المقابل أنكرنا أن تُحرم المرأة ميراثها، أو أن تجبر على نكاح من لا تريد، أو أن تُحرم من أن يراها خطيبها الرؤية الشرعية.. وهكذا، كل هذا اتباعاً للأدلة.
يتبقى بعض الأمور التي ليس فيها نص شرعي واضح، فهذه ينظر في مصلحتها ومفسدتها، فإن كان نفعها أكثر من إثمها أخذ بها وإلا لا.(1)
هذه مجرد أمثلة توضح لك أن الرجل قد أخطأ الطريق، وأنه لا مكان في بلادنا لأي (قضية) موهومة للمرأة .
وما أجمل ما قاله الدكتور محمد محمد حسين في كتابه (حصوننا مهددة من داخلها) (ص93): "عاشت المرأة ما عاشت مكرمة معززة مدللة حاكمة على زوجها من خلف ستار، ولم تحس يوماً أنها مهضومة الحق أو أنها مضطهدة أو سجينة أو مهددة الكرامة والشخصية، حتى ظهر ذلك النفر من الكتاب، فأحل الصراع والتنازع بين الجنسين محل التواد والتراحم. ومن عجب أن الذين حملوا اللواء إلى ما يسمونه (حقوق المرأة) كانوا من الرجال، ولم يكونوا من النساء، ولم يكن من صنيعهم إلا إفساد الحياة على المرأة والرجل كليهما" ! إلى آخر كلامه، وهو كلامٌ نفيس، وكلامُ خبير بألاعيب القوم وتاريخهم .
ثم جاءت الطامة عندما أحال هذا الفاضل على كتاب "تحرير المرأة في عصر الرسالة" ! فآلمتني هذه الإحالة من هذا الفاضل أيما ألم، وجعلتني أسترجع قراءتي القديمة لهذا الكتاب البائس. وتساءلت في نفسي: هل كان هذا الفاضل يعلم ما يحتوي عليه الكتاب المشار إليه من انحرافات؟ أم كان لا يعلم، وإنما هو ناقل لبعض ما فيه عن غيره اغتراراً ببعض المواضع منه؟ فإن كانت الأولى فهي مصيبة؛ لأنها دليل على أن الرجل يتبنى (جميع) ما فيه؛ ودليل على أن "حصوننا مهددة من داخلها" ! وأن الفكر العصراني الإنهزامي بدأ يتسلل إلى عقول بعض من لا زلنا نحسن بهم الظن ونراهم على الجادة. وإن كانت الأخرى فلا أقل بعد أن يقرأ هذه التنبيهات أن يتراجع عن هذه الإحالة؛ لئلا يكون ممن قا صلى الله عليه وسلم فيهم : "ومن دعا إلى ضلالة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة" أخرجه مسلم .(58/88)
فيا أيها الفاضل: الله الله أن تكون (قنطرة) للآخرين ليعبروا من خلالها -وأنت صاحب المحاضرات- إلى نساء هذه البلاد، لأنهم يعلمون أنهم إنما يغزونها ببعض أهلها.
ولا تكن معيناً لدعاة تغريب المرأة في هذه البلاد فتتولى القيام بالمهمة بدلاً منهم.
فإن قلت: شتان بيننا ! فنحن ندعو إلى الإسلام وإلى أن تلتزم النساء به، أدباً وسلوكاً، وسنضع الضوابط والشروط لذلك.
فأقول: لو تأمل النبيه حالكم ومطالبكم وقارنها بحال أهل التغريب ومطالبهم لوجدها هي هي، ولكن المسوح تختلف ! والعبرة بالمعاني لا الأسماء :
أما الخيام فإنها كخيامهم
وأرى نساء الحي غير نسائها !
بل والله إن التغريبين -عندنا- لا يطمعون أن يجنوا ربع ما دعا إليه صاحب الكتاب الذي أحلت عليه، الذي سيقطعون به شوطاً بعيداً في التغريب ما كان لهم أن يقطعوه دون هذا الكتاب وهذا الفكر، وسيأتيك نبأ ذلك.
فالحذر الحذر يا هذا، واعلم أن الأمر: إما حق أو ضلال، لا ثالث بينهما؛ كما قال تعالى (فماذا بعد الحق إلا الضلال)، فمن التزم في أمر النساء ما جاء به الكتاب والسنة وعمل الصحابة فقد اهتدى إلى الحق، ومن خالف ذلك إما بعدم التزامه أو بتحميل نصوص الوحي ما لا تحتمل -كصاحب الكتاب- فقد ضل وأضل، وإني أربأ بك أن تكون منهم.
ولو تأملت نصوص الكتاب والسنة في أمر المرأة لرأيت طغيان ووضوح جانب القرار والستر والعفة والبعد عن فتنة الآخرين؛ فهذا هو الأصل، وما خالفه فهو يقدر بقدره ولا يُضخم على حساب الأصل السابق.
أما دعاة التغريب والعصرنة فقد عكسوا الأمر، فجعلوا الفرع أصلاً والأصل فرعاً وحمّلوا النصوص ما لا تحتمله من المعاني الباطلة؛ اتباعاً لشهواتهم وأهوائهم(2) .
__________
(1) … قال شيخ الإسلام: "ففي الجملة أهل السنة يجتهدون في طاعة الله ورسوله بحسب الإمكان، كما قال تعالى (فاتقوا الله ما استطعتم) وقال النبي صلى الله عليه وسلم "إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم" ويعلمون أن الله تعالى بعث محمدًا r بصلاح العباد في المعاش والمعاد، وأنه أمر بالصلاح ونهى عن الفساد، فإذا كان الفعل فيه صلاح وفساد رجحوا الراجح منهما؛ فإن كان صلاحه أكثر من فساده رجحوا فعله، وإن كان فساده أكثر من صلاحه رجحوا تركه" (منهاج السنة، 4/527).
(2) … يقول الدكتور محمد محمد حسين -رحمه الله- وهو الخبير بدعاة تغريب المرأة: "مصدر الخطأ والخلط في ذلك كله ناشئ عن وضع الاستثناء والشذوذ موضع القاعدة والأصل، واتخاذ أعمال الأفراد حجة على الشرع نفسه" (حصوننا مهددة من داخلها، ص95). ثم بين -رحمه الله- أن حالهم كحال من أباح للناس أكل الميتة لأنه رأى آية أباحتها وقت الضرورة !
وأيضاً فلو تأملت جيداً لعلمت أن (اللون الرمادي) لا نصيب له في موضوع المرأة؛ بل في غيره من المواضيع التي يكثر فيها الجدل. وأن التيار العصراني الذي سيتبنى هذا اللون دائماً سرعان ما يلحق بأحد اللونين (الأبيض أو الأسود). وشاهد ذلك ما وقع في مصر عند ظهور هذا التيار العصراني (الرمادي!) بقيادة شيخه الشهير محمد عبده، الذي أراد أن يكون وسطاً بين طرفين -كما يزعم-، فأخذ يتأرجح يميناً ويساراً في مسيرته، إلى أن انضم بعضه إلى الأبيض والبعض الآخر إلى الأسود بعد وفاة الشيخ عبده.
وبعد: فهذه ملحوظات كنت أقيدها أثناء قراءتي لكتاب "تحرير المرأة في عصر الرسالة" أحببت أن أنشرها بعد أن رأيت الإحالة السابقة؛ لعلها تكون عوناً لهذا الأخ الفاضل وغيره للتنبه إلى خطورة مسلك هذا الكتاب والتقائه مع مسالك مبغضي الشريعة من دعاة التغريب، إن لم يفقها أحياناً. ويشهد لهذا أن أحد مقدمي الكتاب وهو محمد الغزالي قد قال -يوماً ما- في جريدة الأهرام المصرية(1): "فهذا الزي المبرقع أو المنقب ليس إلا زياً من صميم الأزياء الجاهلية البائدة التي عفى عليها الزمن، ولم يعد لها اليوم مكان إلا في بعض البلاد المتخلفة أو النامية، ولن يبقى فيها طويلاً أمام التطور الوثاب الذي يؤكد ما قاله داعية تحرير المرأة الأول في مصر والشرق العربي : قاسم أمين" !!
(كبرت كلمة تخرج من أفواههم)
إذاً: فهذه الكلمة من هذا الشيخ تدلك على أن الفريقين (التغريبي العلماني والعصراني) يسيران نحو هدف واحد، وأن الفروق بينهما يسيرة -كما سبق-، ولهذا نجدهما كثيراً ما يلتقيان ويلمع بعضهما بعضاً! مصداقاً لقوله تعالى (تشابهت قلوبهم).
أسأل الله أن يجنبنا الشرور والفتن، وأن يبصر دعاتنا بحقيقة الأمور، وأن لا ينساقوا خلف الأوهام التي لا حقيقة لها، وأن لا يجعلهم سلماً ومتكأ لغيرهم من أعداء الإسلام.
هذا، وقد جعلت عدة تنبيهات في مقدمة هذه الرسالة، أتبعتها بالملحوظات على كتاب أبي شقة ثم شيء من تناقضاته.
والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين
تنبيه (1) :
قد يقول قائل: بأن هذا الأخ الفاضل إنما يلمح في مقاله إلى جواز كشف المرأة لوجهها أمام الأجانب، فلا تثريب عليه، لاسيما وهو رأي "الجمهور" كما يزعم.(58/89)
فأقول: إن كان ما تقولون فالتثريب على هذا الأخ يكون أشد!، لأنه ينبغي عليه وقد اختار هذا الرأي أن يقوم بالخطوات التالية لكي لا يصبح من متبعي الشهوات ومثيري الفتن:
الخطوة الأولى: أن يعمل بهذا الرأي في خاصته، مع زوجته وبناته مثلاً.
فإن قال: أخشى من نقد المجتمع وكلامهم، فأقول: كيف تخشى من ذلك وأنت هنا لا تكتفي باتباع هذا الرأي بل تُسَفه ما خالفه وتدعو إليه (ولو بالتلميح). كان الأولى أن تخاف هنا لا هناك.
الخطوة الثانية: أن لا يحاول نشر ما اختاره بين نساء المسلمين المتسترات ممن يغطين وجوههن في هذه البلاد؛ لأنه كما هو معلوم أن ستر وجه المرأة أفضل وأولى حتى عند القائلين بجواز كشف وجهها. فهذا هو الألباني -مثلاً- وهو عمدة القائلين بالكشف يقول: "نلفت نظر النساء المؤمنات إلى أن كشف الوجه إن كان جائزاً، فستره أفضل، وقد عقدنا لذلك فصلاً خاصاً في الكتاب"(2) ويقول عن ستر الوجه واليدين: "ذلك ما نستحبه لهن، وندعو إليه"(3) وتأمل قوله "وندعو إليه" وقارنه بحال هذا الفاضل !
إذاً فستر الوجه أفضل من كشفه عند من يقول بجواز الكشف، فكيف يرضى هذا الفاضل أن يدعو نساء المسلمين في هذه البلاد -خاصة- أن يتنازلوا عن الأفضل !! فيكون ممن قال الله فيهم (أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير).
الخطوة الثالثة:أن يُسَخر جهوده ودعوته لنشر الحجاب الذي اختاره بين المتبرجات، وهن يملأن ديار المسلمين-إلا ما رحم الله-، وهن يفعلن (المحرم) بالاتفاق. فما باله تركهن وسلط دعوته على المتسترات؟! فحاله كحال من رأى قوماً لا يصلون وآخر يصلي الفروض ويتطوع بالسنن فاستشاط غضباً على هذا الرجل ودعاه إلى ترك السنن لأنها ليست بواجب!! وفي المقابل ترك من لا يصلون!
لو فعل الفاضل هذه الخطوات السابقة لما ثربنا عليه، وأما وهو لم يفعلها فلا لوم علينا إن ناصحناه وحذرناه من أن يكون ممن قال فيهم شيخ الإسلام: "إن كثيراً من أهل المنكر يحبون من يوافقهم على ما هم فيه، من لا يوافقهم، وهذا ظاهر في الديانات الفاسدة"(4)
تنبيه (2) :
إن هذا الفاضل إن كان يدعو إلى جواز كشف وجه المرأة للأجانب فقد أخطأ وأساء لنفسه عندما زعم أن القول الآخر، وهو قول من يرى ستر وجهها عن الأجانب هو من "العادات" أو أنه "رؤى مذهبية" !
__________
(1) … بتاريخ2فبراير1982م. انظر:"الردود الخمسة الجلية على أخطاء كتاب السنة النبوية" للأخ أحمد الديب، ص8.
(2) … جلباب المرأة المسلمة ( ص 28).
(3) … السابق (ص 32)
(4) … الاستقامة (2/256).
فهل هذا إلا مغالطة إن لم تكن كذباً بواحاً ؟! ألا يعلم هذا الفاضل أن من يرى ستر وجه المرأة له من الأدلة (الصريحة) أضعاف أضعاف ما لدى الآخرين(1)، إضافة إلى أنه يجيب عن أدلتهم المتهافتة وهم لا يستطيعون أن يجيبوا عن الكثير من أدلته(2). وليتك اطلعت عليها في مؤلفاتهم قبل أن تفوه بكلمتك السابقة.
تنبيه (3) :
إن من يزعم بأن جواز كشف وجه المرأة لوجهها عند الأجانب هو رأي "الجمهور" قد أخطأ خطأ بيناً ولم يأت بدليل على هذا، وإنما هي أقوال متفرقة لبعض الفقهاء المتأخرين، أداهم إليها ظنهم أن عورة المرأة في الصلاة كعورتها في
النظر، وليس هذا موضع الإطالة في هذه القضية(3). وكذلك مثلهم من زاد فادعى بأن هذا القول يقول به الأئمة الثلاثة أبو حنيفة ومالك والشافعي، ورواية عن الإمام أحمد !! وما هذا إلا محض افتراء عليهم، إنما زعمه من رأى بعض من ينتسب إليهم من المتأخرين يختار هذا القول الضعيف فظن الأئمة يقولون به! وما مثله إلا كمثل من ينسب لهؤلاء الأئمة عقائد فاسدة لأنه رأى بعض أتباعهم المتأخرين وقعوا فيها(4) .
وتوضيح هذا بالتفصيل يأتي في بحث قادم -إن شاء الله-.
تنبيه (4) :
قال الشاطبي -رحمه الله- في (الاعتصام، 1/134): "لاتجد مبتدعاً ممن ينتسب إلى الملة إلا وهو يستشهد على بدعته بدليل شرعي، فينزله على ما وافق عقله وشهوته"!
تنبيه (5) :
قال الشيخ أبو بكر الجزائري -وفقه الله- وهو الذي عركته السنون واطلع على أحوال ديار المسلمين وتقلباتها الاجتماعية، قال:
"وختاماً، فهذه رسالة (فصل الخطاب في المرأة والحجاب) قد أوحاها الواجب وأملاها الضمير ونشرتها الرغبة الصادقة في تجنب هذه البلاد شر الِغيَر وإبعادها من ساحة الخطر، إذ هي بلاد أنعم الله تعالى عليها بعظيم النعم؛ نعم الدين والدنيا، والأولى والأخرى، وكل ذي نعمة محسود، وذو الحسد لا يقف في الإضرار عند حد، فلذا وجب تنبيه أبنائنا وإخواننا في هذه الديار ديار الله إلى ما يكيده المحسدة لهم وما يمكرونه بهم.
إنهم يريدون أن يهدموا البناء من أساسه ويقوضوا البيت من أركانه.
يريدون أن ترمي فتاة الإيمان وغادة الإسلام النقاب والحجاب وتخرج عارية كاليهودية أو النصرانية وقد فارقها الحياء والإيمان، إذ هما صنوان إذا ذهب أحدهما ذهب الثاني، وبذلك ينطفئ النور ويعتم ظلام الفسق والفجور، ويتخلى الله عمن تخلى عن الإيمان به والإسلام له، والإحسان فيه والحياء منه، ومن تخلى الله عنه لا يدري في أي واد يرمى به فيهلك مع الهالكين.(58/90)
فيا معشر الأبناء والإخوان اقبلوا نصيحة مجرب طال ركوبه على متن الحياة فعرف حلوها ومرها وصالحها وفاسدها وطيبها وخبيثها. وعرف سنن الله تعالى فيها، تلك السنن التي لا تحابى أحداً من خلق الله بل تجرى وفق ما سنها الله تعالى له؛ فالطعام يُشبع، والماء يُروي، والنار تُحرق، والحديد يقطع، والسفور يقود إلى الفجور، والفجور خروج عن نظام الحياة، والحياة من خرج عن نظامها فارقته وفارقها ومن فارق الحياة مات، ومن مات فات، والفائت لا يطلب لاستحالة إدراكه، واستواء حياته بمماته.
فأبقوا يا أبنائي على حجاب نسائكم فجنبوهن الاختلاط، وأبعدوهن من أي ارتباط لم يكن ارتباط زوج بزوجة أو أم بأولاد، فذلك خير، والخير مرغوب ومطلوب، فاطلبوه بصيانة الأعراض، وطهارة الأعراق والأنساب، وإياكم ورغبات الشباب الجامحة، وتطلعات الفتيان والفتيات الطامحة، فإن الانسياق وراءها والجري في مجراها يؤدي بكم إلى هدر كرامتكم وسلب عزكم وضياع مجدكم، ويومئذ تندمون وتبكون وهل ينفع الندم أو يجدي البكاء ؟ لقد ذهب الفسق عن أمر الله ورسول الله بجنة العرب -الأندلس الخضراء- وذهب الكفور والفجور بالجمهوريات الإسلامية وحولها إلى أقاليم سوفياتية.
__________
(1) … انظر أدلة القائلين بوجوب ستر المرأة لوجهها أمام الأجانب في هذه الكتب: "عودة الحجاب" لمحمد بن إسماعيل، "إبراز الحق والصواب في مسألة السفور والحجاب" للمباركفوري، "فصل الخطاب في المرأة والحجاب" لأبي بكر الجزائري، "رسالة الحجاب في الكتاب والسنة" للسندي، "أضواء البيان" للشنقيطي (تفسير سورة الأحزاب والنور).
…وليعلم أن جميع المؤلفين السابقين ليسوا من أهل هذه البلاد! لكي لا يتهمنا الأخ الفاضل باتباع (الرؤى المذهبية") !!
(2) … مثال ذلك - والأمثلة كثيرة - : أن الله تعالى يقول ( يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ......... ) الآية ، والقائلون بكشف وجه المرأة متفقون بأن الواجب على نساء صلى الله عليه وسلم أن يسترن وجوههن للأدلة الكثيرة على هذا ، ولكنهم يرونه خاصًا بهن ! ، فكيف يكون ذلك والخطاب في هذه الآية للجميع ؟! ، ولماذا أدخلهن الله في هذه الآية وهي حسب زعمكم لا تدل على وجوب ستر الوجه ؟؟!! أليس هذا من التناقض الذي ينزه عنه كتاب الله ؟!
(3) … أفضل من تكلم عن هذه القضية وأوضحها: شيخ الإسلام في حديثه عن الحجاب. وقد طبع مفرداً.
(4) … انظر: رسالة "براءة الأئمة الأربعة من مسائل المتكلمين المبتدعة" للدكتور عبد العزيز الحميدي.
فالله الله يا أبنائي، وإني لكم ناصح أمين، في دولتكم، فشدوا من أزرها وقووا من دعائمها وأركانها بإقامة الصلوات وترك الشهوات، فإن أقواماً أضاعوا الصلوات واتبعوا الشهوات قد خسروا في الحياة والممات، فاربأوا بأنفسكم أن تكونوا مثلهم والله معكم ولن يتركم أعمالكم"(1)
كتاب: "تحرير المرأة في عصر الرسالة" :
مؤلف الكتاب هو : عبد الحليم محمد أبو شقة .
قدم لكتابه: محمد الغزالي ويوسف القرضاوي، وهذا له دلالته في اختيار المؤلف منذ البداية خط من يسمون بفقهاء التيسير أو فقهاء ضغط الواقع(2).
قال القرضاوي عن المؤلف في تقديمه (ص19) "لقد نشأ في حركة الإخوان المسلمين منذ شبابه المبكر".
قلت: من المعلوم للمتابعين الآن أن جماعة الإخوان فقهياً تنقسم قسمين:
1-قسم السائرين على المنهج الأول: وهو فقه أهل السنة والجماعة القائم في مجمله على الدليل الشرعي دون التعصب لأي مذهب من المذاهب الأربعة، وعمدتهم الكبرى في هذا: كتابهم الشهير "فقه السنة".
2-قسم فقهاء التيسير ممن تأثروا بالعقلانيين ومن يسمون بأصحاب التيار المستنير، وهؤلاء فقههم يقوم على الأيسر مهما خالف ذلك الأدلة الصحيحة، ويقوم على تطويع الإسلام للواقع بدلاً من العكس، إضافة إلى أن (معظمهم) لا يستعين بفقه أهل السنة والجماعة، بل لا مانع عنده أن يأخذ من غيرهم. وفقهاء هذا القسم هما محمد الغزالي ويوسف القرضاوي، وإن كان الثاني أضلع وأمكن من الأول(3).
ومؤلف كتاب "تحرير المرأة.." من ضمن أفراد هذا القسم -كما سيأتي- ولهذا قال القرضاوي في تقديمه له (ص 20): "كان له اليد الطولى في إخراجها إلى حيز الوجود، بل كان هو صاحب فكرتها، الداعي إليها" أي مجلة "المسلم المعاصر"، وهي من أبرز مجلات التيار المستنير.
-الكتاب مكون من خمسة أجزاء(4)، هي كالتالي:
الجزء الأول: (معالم شخصية المرأة المسلمة).
الجزء الثاني: (مشاركة المرأة المسلمة في الحياة الاجتماعية).
الجزء الثالث: (حوارات مع المعارضين لمشاركة المرأة في الحياة الاجتماعية)
الجزء الرابع: (لباس المرأة المسلمة وزينتها).
الجزء الخامس: (مكانة المرأة المسلمة في الأسرة).
-حشد المؤلف في كتابه ما استطاع من نصوص البخاري ومسلم مما يتعلق بموضوع المرأة وقام بتصنيفها وعنونتها والتعليق على بعضها. مع ملاحظة أن الحديث الواحد يكرره في مواضع مختلفة يرى أنه يدل عليها .
الملحوظات :(58/91)
وقد سردتها دون ترتيب معين؛ مع الإشارة إلى موضعها من كتابه، ودون إطالة في التعليق عليها؛ لأن أكثرها لا يستحق ذلك؛ لتهافتها الواضح لكل من قرأ أو سمع القرآن والسنة .
1-تقريره الاختلاط بين الرجال والنساء، وتسميته ذلك الاختلاط بالاختلاط "المشروع" ! تلبيساً على القارئ .
يقول أبو شقة (2/16) "إن لقاء النساء والرجال بآدابه الشرعية هو ما يمكن أن نطلق عليه حسب التعبير الشائع الآن (الاختلاط المشروع) وهو ظاهرة صحية" !!
ولا أدري كيف تعامى أبو شقة عن الأدلة الكثيرة التي هي في الكتاب وفي الصحيحين تحرم الاختلاط الذي يدعو إليه ومن يتابعه من المستنيرين؟ ومن ذلك: قوله تعالى (وإذا سألتموهن متاعاً فاسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن) وإن زعم أن هذه الآية خاصة بزوجات صلى الله عليه وسلم فقد أوقع نفسه في زلة عظيمة؛ إذ كيف تكون زوجات صلى الله عليه وسلم محتاجات لهذا الحجاب لطهارة قلوبهن، ولا يحتاجه غيرهن من النساء؟! وهل هذا إلا دليل على تفضيل النساء الأخريات على زوجات صلى الله عليه وسلم ؟! فهل يقول بهذا أبو شقة ومن معه ؟ ثم إنه من المعلوم أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
ومن الأدلة الصريحة على تحريم الاختلاط الذي يدعو إليه أبو شقة وأحزابه: حديث أبي أسيد مالك بن ربيعة رضي الله عنه أنه سمع رسول ا صلى الله عليه وسلم يقول وهو خارج من المسجد وقد اختلط الرجال مع النساء في الطريق: "استأخرن فليس لكن أن تحققن الطريق، عليكن بحافات الطريق" أخرجه أبو داود بسند صحيح(5). ومعنى " تحققن " أي : تتوسطن .
__________
(1) … "فصل الخطاب في المرأة والحجاب" (ص 226-227).
(2) … للشيخ محمد المنجد شريط عن هذا الفقه بعنوان (ضغط الواقع). وللأخ عبد الله البطاطي سلسلة مقالات رائعة عن هذا الفقه نشرت في مجلة الجندي المسلم .
(3) … ولتعلم ما بين فئتي الإخوان من خلاف، انظر: كتاب "العصريون معتزلة اليوم" ليوسف كمال، فهو رد من الفئة الأولى "المنضبطة" على الفئة الثانية "التنويرية"، وقد قدم له عمر التلمساني مرشد الإخوان سابقاً.
…فواجبٌ على فضلاء جماعة الإخوان مواصلة التصدي لتيار العصرنة الذي اخترق صفوفهم، بل أطاح ببعض رؤسهم؛ كالقرضاوي مثلاً، وأن لا يجعلوه يتسيد الساحة، فيفسد على المسلمين دينهم، وأن لا يكتفوا بالانزواء والاستكانة أمام توهج الطائفة العصرانية التي يؤزها العلمانيون أزًا. فعسى أن يكون ذلك قريباً.
(4) … ذُكر في الغلاف الخارجي للكتاب أنه يتكون من ستة أجزاء، ولم أجد سوى خمسة، فالله أعلم.
(5) … وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (856)، وله شاهد بلفظ "ليس للنساء وسط الطريق" .
وقد كان من سنت صلى الله عليه وسلم أنه يمكث قليلاً عند انتهاء الصلاة هو وأصحابه حتى تذهب النساء، أخرجه البخاري.
قال الحافظ ابن حجر في الفتح (2/336): "وفي الحديث .. كراهة مخالطة الرجال للنساء في الطرقات فضلاً عن البيوت"
والعاقل لو تأمل لعلم أنه ليس هناك شيء اسمه (اختلاط مشروع) وآخر (غير مشروع)! كما يتوهم أبو شقة ومن معه؛ مهما جعل له من الضوابط الموهومة التي لا حقيقة لها على أرض الواقع، بل يدرك سذاجتها وسخفها عامة الناس قبل علمائهم.
2-من انحرافاته في كتابه أنه -كما سبق- يضخم ويهول من دلالة بعض الأحاديث ويلويها لتدل على أمور عظيمة لا يقول بها مسلم يعظم شرع الله.
أ-ومن أمثلة ذلك ما ذكره في كتابه (2/65) تعليقاً على حديث أمر صلى الله عليه وسلم أن يحضر النساء والفتيات والحيّض صلاة العيد ليشهدن الخير ودعوة المسلمين، بعد أن ذكر هذا الحديث ضمن أحاديث (الترويح)!، قال: "نعم يخرجن؛ لأن الأمر ليس أمر صلاة وحسب، إنما هو احتفال إسلامي كبير يقام في مكان فسيح يتسع لأكبر عدد ممكن من أهل المدنية" !! فالأمر عند أبي شقة ليس أمر صلاة كما هو عند المسلمين، إنما هو ترويح واحتفالات! بل لا تستغرب إن قال حضور مباريات ومهرجانات رياضية وفنية!! فكلامه تمهيد لمثل هذه الأمور، نعوذ بالله من مرض القلوب.
ب-ومن أمثلة ذلك -أيضاً- أنه جاء إلى حديث رؤية عائشة وهي في بيتها، وبيتها يطل على المسجد، والنبي يسترها، إلى الحبشة وهم يلعبون بالحراب،
جاء إلى هذا الحديث وطوعه لهواه قائلاً (2/65) : "نحسب أنه من الطبيعي أن يكون بعض فتيات ونساء المدينة قد شاهدن تلك الألعاب" !! واستنبط بعقله وخياله الواسع ! "هل يبعد والأمر كذلك أن يصل إلى سمع بعض نساء المؤمنين خبر هذا اللعب؟ وهل يبعد وقد وصلهم الخبر أن يسعين للنظر إلى لعب الأحباش ويشتركن في هذا الاحتفال الكبير؟" !
فانظر كيف أقام الخيالات والأحكام على نظر عائشة إلى الحبشة من نافذة بيتها المطل بالمسجد والنبي مع ذلك يسترها ؟!
جـ- اختار أبو شقة للمرأة أن تكون عاملة نظافة !!(2/347) محتجاً بحديث المرأة السوداء التي كانت تنظف مسجد الرسو صلى الله عليه وسلم وهي متسترة تطوعاً واحتساباً.
3-اختار للنساء أن تستقبل إحداهن في بيتها "العمال الذين يقدمون لإصلاح أو صيانة بعض أدوات المنزل" (2/70).(58/92)
ولا أدري أين ذهبت أحاديث تحريم الخلوة بالأجنبية ؟!
4-اختار للرجل أن يصافح النساء (2/92-93). رغم أنه قد ذكر حديث "لأن يُطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له"(1) وحديث: "لا أمس أيدي النساء"(2) ! ولكنه تأولهما وألغى دلالتهما كشيخه القرضاوي(3). نعوذ بالله من مشاقة رسول صلى الله عليه وسلم .
5-ومن أعجب اختيارات الرجل: اختياره (2/258) جواز أن تفلي المرأة رأس الضيف !!! واسمع قوله -متعجباً- "إن هذا المستوى من الرعاية الحانية وما يتخلله من قرب ولمس للبدن مشروع ما دامت الفتنة مأمونة. ولا تؤمن الفتنة هنا عادة إلا في حالات خاصة كما هو واضح من النصوص. وهذه الحالات تندرج تحت ظاهرة اجتماعية مشهودة تعين على أمن الفتنة وتشجع على قبول هذا المستوى من الرعاية الحانية. هذه الظاهرة تشير إلى أن طول العشرة بين المسلمين الصالحين تولد في نفوس المتعاشرين مشاعر خاصة نبيلة تَضْمُرُ معها الشهوة، وما كان لهذه المشاعر أن تولد لولا طول العشرة…ومع هذه المشاعر تخف الشهوة الفطرية نحو الجنس الآخر حتى تكاد أن تنمحي" !
قلت: فلا أدري هل يقول بهذا من يتابع أبا شقة ويثني على كتابه؟!!
قد يقال: إن الرجل احتج بحديث أم حرام التي كانت تفلي رأس النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو في البخاري . فأقول: قال النووي في شرح مسلم (13/57): "اتفق العلماء على أنها كانت محرماً ل صلى الله عليه وسلم " ! فهل غاب هذا الاتفاق عن أبي شقة حتى ذهب يتصيد من الأقوال الشاذة ما يحلل به ما حرم الله، اتباعاً لهواه وتساهله في أمر النساء والغيرة؟! ويشهد لهذا الاتفاق ما سبق من النصوص الصريحة في عدم جواز مس المرأة.
6-اختار أبو شقة للنساء أن يعملن "مضيفات" ! (2/348) متجاهلاً أحاديث تحريم سفر المرأة إلا مع ذي محرم. وهي في الصحيحين، أي على شرطه!
7-أما في أمور السياسة فقد توسع أبو شقة توسعاً فاحشاً كشيخه القرضاوي؛ (ففرض) ! على المرأة حق الانتخاب (2/442). و(فرض) عليها (2/443) "الانضمام إلى الأحزاب والقوى السياسية" !! ولا أدري إلى ماذا تدعو هذه الأحزاب والقوى ؟! إن كانت تدعو إلى حكم الإسلام، فما بالها أصبحت (أحزاباً) ولم تصبح (حزباً) واحداً كما أراد الله ؟!
و(فرض) عليها أبو شقة (2/445) "المشاركة في التعبير عن الرأي في القضايا العامة سواء بالكتابة أو التظاهر أو الإضراب" !!
و(فرض) عليها (2/446) "قبول الترشيح للمجالس النيابية" !
__________
(1) … صحيح الترغيب والترهيب للألباني (1910).
(2) … صحيح الجامع (7177) .
(3) … كما في فتاوى معاصرة له (2/293 وما بعدها)، وانظر (القرضاوي في الميزان) (ص 322 وما بعدها).
ثم نقل عن شيخه القرضاوي ما يؤيد به مفاسده السابقة، ليبوء الاثنان بإثم من يتابعهما من النسوة المغرر بهن(1).
8-لكي يهون أبو شقة معصية (الاختلاط)، ولكي يشجع المرأة ويغريها على ملاقاة الرجال، قال -وبئس ما قال- (3/21): "نحب أيضاً أن نلفت الانتباه إلى أهمية دور الإلف والعادة في الصلات الاجتماعية؛ فإن الإلف يعين على تخفيف الحساسية عند رؤية الجنس الآخر. وذلك مما يجعل الأمر هيناً نوعاً عند الطرفين. فالمرأة إذا لم تتعود وتألف لقاء الرجال فلابد أنها تشعر بحساسية وحرج بالغ إذا دعت الحاجة إلى لقاء الرجال؛ وسيشعر بالحرج أيضاً زوجها أو أبوها أو أخوها، وعندها يفضل الجميع -دفعاً للحرج- التضحية بالحاجة وما وراءها من خير مهما كانت أهمية تلك الحاجة ومهما كان قدر الخير الذي وراءها، سواء للمرأة أو للمجتمع. وكذلك الحال مع الرجال فالذي تعود منهم وألف لقاء النساء والاجتماع بهن عند الحاجة بين حين وآخر لن يحس في دخيلة نفسه ما يمكن أن يحسه رجل آخر لم يألف ذلك ثم دعته الحاجة إلى لقاء النساء".
قلت: صدق الله إذ يقول (ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلاً عظيماً).
9-اعترف أبو شقة على استحياء بأن لقاء المرأة بالرجال قد يحدث ميلاً للجنس الآخر لا مفك من ذلك. ولكنه هوّن من هذا الأمر وعده أمراً فطرياً لا حرج منه !
يقول أبو شقة (3/54): "إن قدراً من الميل والأنس والاستراحة للحديث والكلام يحدث عادة بصورة عفوية نتيجة لقاء الرجل المرأة، أي أنه يحدث دون قصد لأنه أمر فطري ابتلى الله به بني الإنسان. فإذا لم يسترسل كل
منهما في مشاعر الميل والأنس وشغلهما الأمر الجاد الذي التقيا من أجله، عندئذ فلا حرج على المؤمن والمؤمنة، ولكن عليهما ضبط مشاعرهما وتوجيه اهتمامهما إلى تحقيق الهدف من المشاركة واللقاء" !!
قلت: ولا أدري ما هو هذا الأمر الجاد الذي التقيا عليه ؟!
10-يسخر أبو شقة كثيراً في كتابه من الحجاب الذي أمر الله به النساء، ويحاول -كغيره من مثيري الفتن- أن ينفرهن منه، وكفى بهذه السخرية بأحكام الله وشرائعه إثماً مبيناً.
-يقول أبو شقة (3/203) بأن المسرفين: "ألزموا المرأة بستر وجهها دائماً، وفي ذلك تضييق على ما منحها الله من قوة الإبصار وتضييق حريتها في تنفس الهواء" !(58/93)
قلت: تأمل قوله (دائماً) ! والذي يعرفه كل مسلم أن المرأة لا تستر وجهها إلا عند الرجال الأجانب، وهذا الأمر لمن تأمله لا يمثل سوى جزءٍ يسير من حياتها، فكيف يكون (دائماً) ؟!
ثم -وهذه هي الطامة- أنت تقر في (4/295) بأن نساء صلى الله عليه وسلم من الواجب عليهن تغطية وجوههن، وهو إجماع، فيلزمك أن تقول بأن الله قد "ضيق عليهن قوة الإبصار التي منحهن وتنفس الهواء" ؟!! ألا ما أعظمه من قول ؟!
11-هون أبو شقة كثيراً من أمر غيرة المؤمنين على محارمهم، ولامهم على ذلك، وأحاله إلى "مزاجهم الشخصي" ! يقول أبو شقة (3/207): "زاد طغيان الغيرة حتى وصل الأمر في بعض المجتمعات المسلمة إلى أن يغار الرجل من مجرد رؤية الناس وجه أمه أو أخته أو زوجه" !!
12-تابع أبو شقة الألباني في اختياره للمرأة أن تكشف وجهها أمام الأجانب إلا أنه لم يرضه رأي الألباني بل زاد عليه انحرافاً وألغى بعض شروط الحجاب الشرعي التي ذكرها الألباني بأدلتها؛ لأنها لم توافق هواه.
وتوضيح ذلك : أن الألباني جعل للحجاب الشرعي هذه الشروط(2):
استيعاب جميع البدن إلا ما استثني .
أن لا يكون زينة في نفسه .
أن يكون صفيقاً لا يشف.
أن يكون فضفاضاً غير ضيق .
أن لا يكون مبخراً مطيباً .
أن لا يشبه لباس الرجل .
أن لا يشبه لباس الكافرات .
أن لا يكون لباس شهرة .
أما أبو شقة (4/30) فاختزل هذه الشروط في خمسة ! وهي:
"1- ستر جميع البدن عدا الوجه والكفين والقدمين.
التزام الاعتدال في زينة الثياب والوجه والكفين والقدمين .
أن يكون اللباس والزينة مما تعارف عليه مجتمع المسلمين .
أن يكون اللباس مخالفاً -في مجموعه- للباس الرجال.
أن يكون اللباس مخالفاً -في مجموعه- لما تتميز به الكافرات".
فليته إذ اختار كشف الوجه التزم بالشروط الأخرى للحجاب القائمة على الأدلة(3) ولم يخترع شروطاً من عنده ليضل بها النساء ويفتن بها أبناء المجتمع.
فمعنى قوله : أن للمرأة أن تلبس الثياب الشفافة، والثياب الضيقة، و الثياب المطيبة أمام الرجال !، لأنه حذف جميع هذه الشروط !
وقد صرح ببعض هذا (4/77) بقوله: "لا حرج على المرأة أن تلبس ما يصف بعض أعضائها ذات العظام البارزة؛ كالرأس والكتفين والقدمين والكعبين وما جاورهما من أسافل الساقين" !
__________
(1) … انظر لبيان الحق في هذه المسألة رسالة "المرأة والحقوق السياسية في الإسلام" لمجيد أبو حجير. وكتيب "فتاوى وكلمات لعلماء الإسلام قديماً وحديثاً حول تمكين المرأة من الترشيح والانتخاب" للدكتور عبد الرزاق الشايجي.
(2) … انظر: "جلباب المرأة المسلمة " للألباني، ص 37.
(3) … راجع أدلتها في كتاب الألباني السابق .
13-ليت أبا شقة عندما اختار كشف وجه المرأة اكتفى بأدلة الألباني ولم يتحفنا بخيالاته الواسعة واستنباطاته العجيبة ! ومن ذلك: قوله (4/103) تعليقاً على حديث فاطمة بنت قيس التي أمرها صلى الله عليه وسلم أن تعتد في بيت ابن أم مكتوم: "وبالتأمل يبدو أن المرأة جاءت سافرة الوجه فرأى رسول ا صلى الله عليه وسلم من جمالها ما جعله يعجل بترشيحها لتكون لحبه أسامة بن زيد" !! فالرجل (تخيل) ثم (حكم) !
ومثله: قوله تعليقاً على حديث المرأة التي مر عليها صلى الله عليه وسلم وهي تبكي عند قبر ولدها (4/117): "والظاهر أنه إنما عرفها من سفور وجهها" !!
ومثله : قوله تعليقاً على حديث من نذرت أن تحج صامتة (4/119): "نحسب أن المرأة كانت سافرة الوجه ورآها الصديق صامتة" !!
ومثله: قوله تعليقاً على استفتاء إحدى النساء لعمر رضي الله عنه (4/119): "نحسب أنه -أي الراوي- عرف ذلك -أي أنها شابة- بسبب سفور وجهها" !!
إلى غير هذا من الاستنباطات العجيبة القائمة على خيال واسع لم يحظ به أحدٌ من العلماء !
14-يقول أبو شقة (4/152) مروجاً لكشف الوجه بين المسلمات: "كشف الوجه يعين على تعارف الأقارب وذوي الأرحام وتواصلهم: فيتعرف الشاب على بنات الأعمام والعمات والأخوال والخالات. وتتعرف الفتاة على أبناء أعمامها وعماتها وأخوالها وخالاتها. وأيضاً يتعرف الشاب على زوجات الأعمام والأخوال وتتعرف الفتاة على أزواج العمات والخالات، وكذلك يتعرف الرجل على أخوات زوجته وتتعرف المرأة على إخوة زوجها. أما إذا عم ستر الوجه وتبعه الاحتجاب من كل الرجال غير المحارم فكيف يتواصل ويتواد الأقارب وذوو الأرحام؟ كيف يعود بعضهم بعضاً عند المرض؟ كيف يودع بعضهم بعضاً أو يستقبل بعضهم بعضاً عند السفر؟ هل يذهب الرجل ليصل ابنة عمه أو خاله المتزوجة فيلقى زوجها ويجالسه ويتبادل معه المشاعر النبيلة، ولا يلقى ابنة خاله وهي المقصودة بالزيارة والصلة والمودة؟"!!
وكأن المقصود بصلة الرحم -عند أبي شقة- هو تأمل وجوه الأجنبيات ليتحقق ذلك ! أما السلام والسؤال عن الحال فلا يكفي !
15-ويستمر أبو شقة في ترويج (سفوره) بين نساء المسلمين، ولكن هذه المرة بكذبة كبرى لا تخفى على أحد .(58/94)
يقول (4/156) : "إنه مع كشف الوجه يظل الإنسان -سواء أكان قوياً أو ضعيفاً- مرتبطاً من حيث الشهوة بالجنس الآخر. أي يظل الميل الفطري الذي خلقه الله يجري في مجراه الطبيعي ولا ينحرف هذا الميل إلى الجنس نفسه. وإذا كان الأقوياء -مع المجاهدة- يكونون في الحالين في أمان من الزلل فهم قلة عادة، والكثرة هم الضعفاء، وهؤلاء في حال كشف الوجه قد يقعون في شيء من اللمم، وقد يصل الأمر إلى فعل الفاحشة في أحيان قليلة، لكنهم يظلون مع الفطرة دائماً.
أما في حال ستر الوجه حيث تسد كل السبل لرؤية الجنس الآخر، فإنهم يتجهون غالباً إلى الجنس نفسه، إذ كل السبل مفتوحة دون قيود. وهذا أمر مشاهد معروف في عصرنا وفي كل العصور، وقد أدركت ذلك بنفسي فقد خالطت نوعين من المجتمعات، أولهما: حيث المرأة مكشوفة الوجه وتشارك بأقدار في الحياة الاجتماعية، كان عدد الشباب المنحرف إلى الجنس نفسه قلة نادرة. وثانيهما: حيث المرأة ساترة الوجه منعزلة تماماً عن مجتمع الرجال، كانت كثرة من الشباب منحرفة إلى الجنس نفسه" !!!
قلت: تأمل هذه الفرية ما أعظمها، فلا أدري كيف يستغفل أبو شقة قارئه ويدغدغ عواطفه بهذه الأكاذيب؟ وإلا فإنه يعلم -وأصبح الجميع يعلم ولله الحمد- أن المجتمعات الإباحية التي لا تكتفي بكشف الوجه فقط ينتشر بينها الشذوذ أكثر من غيرها، حتى إنها اضطرت إلى أن تسن قوانين وشرائع لهذا الشذوذ. ومن أراد أن يعرف شيئاً عن الأرقام والحقائق المروعة التي يعيشها الغرب فليرجع إلى كتب محمد رشيد العويد، وكتاب "عندما اعترفت أمريكا بالحقيقة" ترجمة الدكتور محمد البشر، وغيرها من الكتب والمجلات التي كشفت هذا الأمر.
بل لو قيل بأن السفور والإباحية هما سبب الشذوذ لكان هذا القول أولى بالقبول؛ لأن الرجال يكونون قد ملوا من النساء ورؤيتهن حتى ثملوا، فلجئوا إلى غيرهن. وما مجتمع قوم لوط عنا ببعيد. ولكنها الأكاذيب والأضحوكات لترويج السفور، ونشر الفتنة. نسأل الله العافية.
تناقضات أبي شقة :
من الأمور المستقرة عند العلماء أنه ما من إنسان يأتي بقول مخالف للكتاب والسنة إلا وتجد التناقضات في قوله ذاك، فهذه سنة مطردة في كل من خالف الحق. يقول شيخ الإسلام ابن تيمية عن هؤلاء(1) : "ولست تجد أحداً من هؤلاء إلا متناقضاً … بخلاف ما جاء من عند الله فإنه متفق مؤتلف، فيه صلاح أحوال العباد في المعاش والمعاد، قال تعالى (ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً)"
قلت: وهذا ما وجدته في كتاب أبي شقة مصداقاً لذلك الأمر المستقر والسنة المطردة، وإليك شيئاً منه :
التناقض الأول :
1-أنه -كما سبق- قرر بأن الاختلاط (المشروع!) وكثرة لقاء المرأة بالرجل يزيل الحرج عنهما ويجعل الأمر عادياً لا فتنة فيه .. الخ .
__________
(1) … درء تعارض العقل والنقل (5/318).
ثم تجده (3/33) يعلق على حديث : "خير صفوف النساء آخرها وشرها أولها"(1) الذي أحرجه به علماء الأمة ممن ينكر الاختلاط، علق بقوله: "ابتعاد النساء عن الرجال مما يعين على خلوص القلب للعبادة والذكر" !!
فنقول : كيف يكون الاختلاط في خارج العبادة مرغباً فيه ولا يثير شيئاً، وأما في العبادة فإنه يشغل الإنسان بالوساوس والخطرات ؟! كان العكس أولى، ولكنه التناقض.
التناقض الثاني:
أنه في (4/66-70) ذكر نصوصاً تفيد وجوب ستر ساقي المرأة. فاختار أن المرأة تستر سوقها لا أقدامها ! ثم ذكر في (4/71) حديث أم سلمة المشهور: "من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة" فقالت أم سلمة: فكيف يصنع النساء بذيولهن ؟ قال: "يرخينه شبراً". فقالت: إذاً تنكشف أقدامهن؟ قال: "فيرخينه ذراعاً لا يزدن عليه" . فلما رأى أنه يخالف رأيه المنكوس قال: "هذه الأحاديث تشير إلى ستر القدمين، ولكن إذا تأملناها في ضوء حديث هاجر وأسماء اللذين سبق ذكرهما تبينا أن المقصود ستر ما فوق القدمين من أسافل الساقين" !!
فتأمل هذا التناقض والفقه العجيب ! الرسو صلى الله عليه وسلم وزوجه أم سلمة من أفصح العرب وهي تقول له "إذاً تنكشف أقدامهن" وأبو شقة يقول: بل ما فوق أقدامهن !
والغريب أن ذراعاً من الثياب يُسْحب على الأرض لا يستر أسفل الساقين عند أبي شقة !!
التناقض الثالث :
أنه يتبجح في مقدمة كتابه بأنه سيعتمد على نصوص الصحيحين فقط، وأنه يدعو إلى "أن تكون الفتوى مصحوبة بالدليل من كتاب أو سنة" (1/50).
ثم تجده في (4/772) عند اختياره جواز أن تلبس المرأة ما يصف حجم بعض أعضائها -كما سبق- يقول مستدلاً : "إن عامة الصالحات من نساء الأتراك في عصرنا يبدو شيء من أسافل سوقهن مما يلي الكعبين، لكنه مغطى بجوارب سميكة، وذلك دون إنكار من العلماء" !! فأين الدليل من الكتاب والسنة؟!
التناقض الرابع:
أنه يقول في (4/295): "نحن لا ننكر وقوع ستر الوجه بنقاب من بعض المؤمنات على عهد النبي صلى الله عليه وسلم "(58/95)
ثم تراه -كما سبق- يسخر من الحجاب وستر الوجه، وأنه يمنع المرأة من التنفس !! فلا أدري أأنت أرفق بالنساء من رسول ا صلى الله عليه وسلم ، الذي -بحسب اعترافك- قد أقر المؤمنات على تغطية الوجه ؟! لا مفر لك إلا أن تعترف بتناقضك، أو أن تصرح بأن صلى الله عليه وسلم قد أقر المرأة على العنت والظلم لنفسها !
أسأل الله أن يجعلنا مفاتيح خير لا مفاتيح شر على أمتنا، وأن يجنبنا الفتن، ما ظهر منها وما بطن.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وآله وصحبه أجمعين .
===================(58/96)
(58/97)
ما خفي من قضية المرأة ..؟!!
قضية المرأة!!.
تلك القضية التي صيّرت قضية!!...
ونسج حولها كثير من الأوهام والتخرصات، وطوي فيها كثير من الحقائق، وانساق وراءها أكثر الناس، فعاشوا هاجس المرأة، ومشاكل المرأة، وحقوق المرأة.. ؟؟!.
فقل أن تجد من يسأل بروية وحكمة: هل حقا نعاني مشكلة المرأة؟، وهل المرأة تجد نفسها مظلومة مضطهدة؟.. هل هذه الضجة لها أساس من الصحة، أم ماذا؟.
وسائل الإعلام المسؤول الأول عن إثارة قضية المرأة، وخلق ضجة حولها!!.
وعندما تكون هذه الوسائل برمتها أو جلها بيد فئة ذات اتجاه معين متحد، فبإمكان هذه الوسائل أن تحدث ضجة حول قضية تريد لها أن تطفو على السطح، لتخلق منها مشكلة تستدعي حلا، ولو كان الأمر لا يستحق كل ذلك، ولو لم تكن في الحقيقة ثمة مشكلة!!..
فتشغل الرأي العام بالقضية المقصودة، ويكثر الكلام حولها، وتتعدد الآراء حولها، وتكون الغلبة في النهاية للرأي الذي تتبناه هذه الوسائل، لأن صوتها هو المسموع، وهو الأصخب، والأكثر طرقا وإثارة، إلا في حال تنبه الناس لهذه اللعبة!!.
هذا هو السر الخطير في وسائل الإعلام، إنها السلطة الخفية، التي تعيد صياغة آراء الناس وتوجهاتهم وقناعاتهم، لتجعل منهم ببغاوات تردد ما يختار لها، وتلقن من الأنباء والآراء ما يراد لها، وأخطر ما يكون إذا اجتمعت واتفقت على هدف متحد.
ونظرة عابرة على هذه الوسائل المرئية والمسموعة والمكتوبة: صحفا، ومجلات، وروايات، وقصصا، وإذاعات، وقنوات فضائية. تبين للمرء اتفاقها جميعا على قضية واحدة، ولو اختلفت في غيرها، هي: قضية تحرير المرأة، وخلق جيل من النساء لا حواجز بينه وبين الرجال.!!.
فقد أجمع أصحاب هذه الوسيلة الخطيرة على قلب وجه المجتمع المسلم بإحداث هزة عنيفة، تزيح كل الحواجز التي تفرق بين الجنسين الذكر والأنثى، ولكي تنجح الخطة فلا بد من طعم، يُصطاد به عقول وقلوب الغافلين والذين جعلوا الإعلام مصدر علومهم وأفكارهم، وهم عامة الناس وأكثرهم.
ذلك الطعم شيء حقيقي غير مزيف، لكنه صغير، صغير جدا، وهذا ما لم يفطن إليه كثير من الناس، فهم ضحايا الطعم، ولولاه ما خدعوا، لكنهم خدعوا، ونجح الخداعون؟!!.
أول ما يطرحه القاصدون تحرير المرأة من القيود الشرعية: أن المرأة مظلومة.
__________
(1) …أخرجه مسلم .
والمطلوب: العدل والمساواة، بإعطاء المرأة حقوقها.. وهذا شعار جميل، فالكل يحب العدل، فهذا الشعار لترويج القضية، وكسب تعاطف الناس، لكن العقلاء يتساءلون: لا بد من دليل يثبت ظلم المرأة.
الدليل جاهز، ولا مشكلة في إيجاده، فالأمثلة على ظلم المرأة كثيرة:
- فهذا الأب عضل بناته..
- وآخر استولى على أموالهن..
- وثالث يزوج صغيرة من شيخ هرم..
- وزوج يهين زوجته ويضربها..
- وامرأة ضاعت حقوقها لأنها لا تملك هوية، وأولياؤها يرفضون عونها..
... وهكذا.
هذه الحوادث المتعلقة بالمرأة تعلن وتبرز، وتصاغ في صورة مشكلة اجتماعية متجذرة، سببها تسلط الرجل المطلق على المرأة، وإهانة المرأة جراء ذلك.!!.
هكذا يطرحون القضية، وهكذا يوجهونها، فكيف لنا أن نبين الحقيقة، ونفضح المتسترين خلفها؟.
إن نقض دعاوى هؤلاء من أيسر ما يكون، بشرط أن تكون العقول هي الفاعلة في النفوس، فلا تغطى عليها الكلمات المزخرفة، بل الدليل والبرهان:
- إن ما ذكروه من أمثلة موجودة، وهي من ظلم المرأة، لكن صياغاتها في صورة المشكلة المتجذرة الغالبة الراسخة في المجتمع، وهو ما تتكفل بها وسائل الإعلام، ولو كان خلاف الحقيقة: هو محل النزاع والنقد.
فهذه الأمثلة هي الطعم، والتي يبتلعها كثير من الناس، وينساقون وراء هذه التضليلات، فيظنون أن لدينا مشكلة اسمها: المرأة، وحقوقها.
معتمدين على صدق الأمثلة، فيعطون أصواتهم للمنادين بتحرير المرأة، دون أن يدركوا أن الحكم على الشيء بأنه مشكلة وظاهرة لا يكون إلا بعد ثبوت شيوعه وكثرته.. لا بالاعتماد على مجرد أمثلة؟!!..
فوجود أمثلة على الظلم هنا وهناك ليس دليلا على أنها ظاهرة، فمثل هذا النوع من التجاوزات موجودة في كل زمان ومكان، حتى إنه وجد في أحسن الأزمان وأفضل البقاع، في عهد النبوة، فقد أتت المجادلة إلى صلى الله عليه وسلم تشتكي زوجها إلى الله تعالى، فهذه الأفضلية لم تمنع من وجود هذه الشكوى من الظلم، فوجود الظلم بحد ذاته لا يثبت وجود مشكلة ظاهرة، فالخير والشر موجودان، إنما القضية تكون مشكلة إذا ثبت شيوعها وكثرتها، فأين الدليل؟.
فالمسألة ليست كما يصوره هؤلاء، فإن ظلم المرأة وفق الأمثلة السابقة ليست مشكلة اجتماعية سائدة وغالبة.. كلا، ومن زعم أنها كذلك فليأت بالدليل..
وفي الدليل لابد من إجراء استبيان لشريحة كبيرة مختلفة من النساء، للتحقق من هذه الدعوى التي أطلقت جزافا.
- بل للمعارض أن يقول بعكس ذلك، أن يقول: إن المرأة عندنا مكرمة، معززة، تنال حقوقها وزيادة، ولاترجو شيئا أحسن مما هي عليه، بل هي ترفض أن يتكلم أحد على لسانها مطالبا باختلاطها وتحريرها.(58/98)
ويأتي بالأمثلة الكثيرة على ذلك، ولو فعل لكان محقا، فقد أجري استبيان على عينة من طالبات الجامعة بلغت سبعا وسبعين، بالإضافة إلى بعض طالبات المرحلة الثانوية والمتوسطة، وبعض المتزوجات، حول: القوامة، وعمل المرأة، والحجاب، والاختلاط. فكانت الإجابات، كما وقفت عليها، ما يلي:
1- ثلاث فتيات فقط، من عدد سبع وسبعين، هن المعترضات على قوامة الرجل على المرأة.
2- تسع فتيات، من عدد سبع وسبعين، هن المطالبات بعمل المرأة، واستقلاليتها المالية.
3- سبع وخمسون أعلن رفضهن الصريح لنزع الحجاب والاختلاط، وعشرون لم يصوتن بشيء، اكتفاء بما قلنه في كلمات عبرت عن رفضهن أن يكون الحجاب سبب ظلم المرأة، وأظهرت نفورهن من مجتمعات التبرج والسفور والاختلاط، وفي العموم لم يطالب أحد بالاختلاط، ولم يعترض أحد على الحجاب، إلا واحدة اشترطت ألا تكون المرأة مغصوبة على لبس الحجاب.
فهذه حقيقة هذا المجتمع، والمنادون يعلمون ذلك، لكنهم يبتغون التغيير، بإرادة المجتمع إن تيسير، وإلا فبالحيلة، وإن لم يمكن فبالقوة والإرهاب. والمشكلة هنا كما ذكرنا: أنهم يذكرون أمثلة على ظلم المرأة، هي صحيحة في نفسها، لكن ليست القضية في هذه، إنما القضية في إثبات أنها مشكلة وظاهرة اجتماعية شائعة ومنتشرة.
هذا هو موضع النزاع!!. فمن أين لهم أنها ظاهرة؟، وأين دليلهم؟!!.
- ثم أمر آخر: لم الانحياز الكامل مع المرأة، والنظر في حقوقها دون النظر في حقوق الرجل؟.
هل نعلم أن كثيرا من الرجال قد سلبوا حقوقهم كرجال من قبل نسائهم؟.
فكم سمعنا رجلا يشتكي عجزه أمام زوجته، وضعفه عن إيقافها عند حدها..
وكم سمعنا رجالا يعطون ما يملكون لزوجاتهم صاغرين، ثم ينتظرون حسناتهن..
وكم من الأزواج يخافون من غضب وتمرد زوجاتهم، فيتزوجون خفية، دون إعلان..
وكم من نساء يضربن أزواجهن، عدى السب والشتم، فهذا كثير، ولا يملك الرجل إلا الصبر.
وكم رجال هم بين يدي زوجاتهم كالعبيد والخدم، لا يقدرون على رفض طلباتهن!!.
هل يستطيع أحد أن ينكر وجود هذه المشكلة؟.
وهاهم الشباب بأعداد كبيرة يهيمون على وجوههم لا يجدون عملا، في الوقت تفتح فيه المجالات لتوظيف الفتاة، وينادى بتوسيع نطاق عمل المرأة..
وربما لو أجرينا استبيانا لوجدنا أن ظلم الرجل لا يقل عن ظلم المرأة.. فما ينال المرأة ينال الرجل .. فلم التركيز على قضية المرأة؟.
كيف لنا أن نصدق دعوى أن المرأة عندنا مظلومة، وهذه أعدادهن الهائلة في الشوارع، والمدن، والمتنزهات، وخارج البلاد، يسرحن ويمرحن، حتى خالفن أمر الله؟.. وهل هذا إلا بسبب الحرية الزائدة المعطاة لهن؟.
كيف لنا أن نصدق أنها مظلومة، ونسبة البنات المتعلمات توازي على نسبة البنين؟.
كيف لنا أن نصدق ذلك، وهن يعلمن بمئات الألوف في وظائف شتى، حتى الاختلاط المحرم لم يمنعن منه؟. هل كل هذا لها، وغيره مما لم أذكره، ومع ذلك كله هي مظلومة؟. فما هو هذا الظلم المزعوم إذن؟.
أما الأمثلة السابقة فقد بينا بطلان دلالتها على هذه الدعوى، وتلك الأمثلة ما هي إلا طعم يصطاد به، فلا يروج باطل إلا إذا ألبس لباس الحق، وهكذا فعلوا..!!. إذن ما هو حقيقة أمرهم؟ .
حقيقة دعوتهم هو محو وإلغاء أحكام الله في المرأة، يظهر ذلك من أمثلة أخرى، يسوقونها للتدليل على ظلم المرأة في هذا المجتمع، فمن صور انتهاك حقوق المرأة في زعمهم: أن تكون المرأة تحت قوامة الرجل، وأن تمنع من السفر إلا بمحرم، وأن لا تخرج إلا بإذن وليها، وأن لا تملك ما يحقق استقلاليتها في كل شيء.
هذه الأمور التي يذكرونها وينكرونها إنما هي أحكام الله في عباده:
فالقوامة حكم الله: { الرجال قوامون على النساء، بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم}..
والذي منع من سفر المرأة بمحرم هو النبي صلى الله عليه وسلم ، حتى إنه منع رجلا من الجهاد، وأمره باللحاق بزوجته التي خرجت إلى الحج، ومنعها من الخروج إلا بإذن الولي، فهي أحكام شرعية ثابتة، فالمعترض عليها هو معترض على الإسلام..؟!.
فهذه الأمثلة تكشف حقيقة نوايا هؤلاء، وحقيقة دعوتهم، إنهم يريدون تعطيل أحكام الله تعالى في المرأة..
وكما رأينا يوردون أمثلة في نفسها صحيحة للترويج لمسألة حقوق المرأة، ثم يعلنون رفضهم لمسألة القوامة، وإذا ما قيل لهم: إن هذا حكم شرعي.
قالوا: الإسلام ليس حكرا على أحد، لنا الحق أن نفهم النص الشرعي بفهمنا الخاص، وليس لكم الحق أن تلزمونا بفهمكم؟؟!!.
والحق أنه ليس فهمنا، بل فهم من أمر الله تعالى ورسوله باتباعهم، وجعل ذلك علامة على اتباع الحق، وهم السلف، فلا يسع أحد أن يفسر النص الشرعي بما يناقض تفسيرهم، وفي تفسيرهم لن يجد هؤلاء ما يثبت دعاويهم في قضية المرأة: في حجابها، وفي إزالة الحواجز بين الجنسين، وفي رفع القوامة.
إذا أخذنا بالعموم والسائد، فالمرأة ليست مظلومة، كلا، بل هي مكرمة معززة، تخدم في كل شيء، وهذا الحكم للأعم الأغلب، ولها منزلة في هذا المجتمع ليست للرجل:
انظر كيف يعامل الرجال المرأة إذا جاءت تشتري شيئا، الكل يقدمها لتأخذ ما تريد أولاً.(58/99)
وإذا جاءت امرأة لتجلس قام الرجال لها، فجلست مكانهم، ورضوا بالوقوف.
وإذا استغاثت هب الناس لعونها، وتخليصها.
مثل هذا لا يحدث في المجتمعات المتحررة، بل تعامل معاملة أدنى من الرجل، وهذا أمر أشهر من أن يذكر، فقد تواترت الأخبار، وعاينها كثير من الناس: أن النساء في البلدان المتحررة يعانين مشاكل كثيرة، جراء احتكاكهن بالرجال، وافتقادهن لخصوصية الانعزال والبعد عن الرجال؟..
وهل كان يتوقع غير هذا؟.
ونظرة عابرة على ما تتعرض له امرأة تلبس عباءة مخصرة مزينة، قد أبدت عينيها وجبهتها، من تحرشات كثير من مرضى القلوب، تبين لنا مآل ما يدعو إليه هؤلاء من تحرير المرأة، فإذا كان هذا حالها وهي لم تخلع حجابها بعد، لما أنس الرجال منها الزينة والتبرج افتتنوا بها، فتطلعت نفوسهم إلى العدوان، فكيف إذن إذا صارت بلا حجاب، وفي أتم زينة، تخرج وتلج، وتقود السيارة، كما نشاهد في بلدان كثيرة؟.
وإذا كانت المرأة تتعرض لهذه المضايقات، بسبب غياب محرمها عنها لساعات، فكيف إذا غاب بالكلية، فلم يعد له ولاية عليها، وصارت مستقلة بالكلية، ليس لها محرم؟.
فهؤلاء المدعون تحرير المرأة من الظلم، هم المتسببون في إهانتها وظلمها، وحرمانها مما تميزت به.
ودعوى أن هذه المشاكل التي تتعرض لها المرأة بسبب اختلاطها بالرجال وتبرجها مرده أن المجتمع لم يعتد هذا الأمر، وأن التعود كفيل بالقضاء على السلبيات. دعوى قديمة، تكرر دائما، يكررها هؤلاء وكأن الناس لا يفهمون، ولا يقرؤون، ولا يسمعون، فهذه الدول التي اعتادت على التحرر منذ عقود وقرون، هي إلى اليوم تعاني من تزايد نسب التحرش والاغتصاب، فأين هم من التعود؟!!. لم لم يهذب غرائزهم؟!!.
لن يعز المرأة ويكرمها ويرفع الظلم عنها إلا التزامها بحجابها وبعدها عن الرجال، وخضوعها لقوامة محرمها..
أما غير المحارم فهم طامعون فيها ظالمون، وأمثلهم طريقة من يجاهد نفسه ألا يفتتن بها، هذه هي حال الغريزة الجنسية، ومن زعم أنه ليس كذلك، فهو إما أنه به علة خربت غريزته، أو أشغلته عنها، أو أنه مخادع، فإذا تبرجت لهم، وتزينت، وتركت حجابها، واختلطت بهم، وخرجت عن قوامة وليها فلن تجد إلا الإهانة والظلم، واسألوا نساء الغرب، وجمعيات حقوق النساء.. اسألوهن يخبرنكم بما هن عليه من إهانة وظلم.
أبو سارة
=============(58/100)
(58/101)
الفتاة المسلمة في عيون أمريكي متحرر
من أجمل ما قرأت ...........من أمريكي غاية في التحرر يبدي إعجابه
بتستر الفتاة المسلمة رغم اختلاف الديانات والتوجهات
وشكر للإعلامي المسلم المدون اسمه أسفل المقال
سارة
البرقع مقابل البكيني فسوق المرأة الأمريكية
"البرقع مقابل البكيني فسوق المرأة الأمريكية" عنوان لمقال سطره د.هنري ماكوو يبدي من خلاله تقديره للحياء كصفة ملازمة للفتاه المسلمة كما لا يخفي إحترامه للمرأة المسلمة التي تكرس حياتها لأسرتها وإعداد النشئ وتربيتهم. وعلى الوجه الآخر يبوح بما يضمره من إستياء نتيجة اللإنحطاط القيمي والهياج الجنسي الذي تعيشه الفتاة الأمريكية .
د. هنري ماكوو- أستاذ جامعي ومخترع لعبة (sc r uples) الشهيرة ومؤلف وباحث متخصص في الشؤون النسوية والحركات التحررية .المقال يعكس مدى إعجاب بعض المنصفين من دعاة التحرير في الغرب بقيمنا الإسلامية رغم إختلاف الإيدلوجيات والتوجهات . وقد أثار مقال د.هنري ردود أفعال في الشارع الامريكي بين مؤيد ومعارض .
* صورتان متناقضتان
يقول د. هنري في مقاله ( على حائط مكتبي صورتان ، الأولى صورة إمرأه مسلمة تلبس البرقع - النقاب أو الغطاء أوالحجاب - وبجانبها صورة متسابقة جمال أمريكية لا تلبس شيئأ سوى البكيني ، المرأه الأولى تغطت تماماً عن العامة والأخرى مكشوفة تماماً )هكذا كانت مقدمة المقالة واللتي تعتبر مدخلاً لعرض نموذجين مختلفين في التوجهات والسلوكيات .
حرب متعددة الأهداف
يشير الكاتب إلى الدوافع الخفية لحرب الغرب على الأمة العربية والإسلامية موضحاً أنها حرب ذات أبعاد سياسة وثقافية وأخلاقية، إذ أنها تستهدف ثروات ومدخرات الأمة، إضافة إلى سلبها من أثمن ما تملك: دينها، وكنوزها الثقافية والأخلاقية. وعلى صعيد المرأة فإستبدال البرقع وما يحمله من قيم بالبكيني كناية عن التعري والتفسخ. يقول الكاتب ( دور المرأة في صميم أي ثقافة، فإلى جانب سرقة نفط العرب فإن الحرب في الشرق الأوسط إنما هي لتجريد العرب من دينهم وثقافتهم وإستبدال البرقع بالبكيني)!!
دفاعاً عن القيم
يمتدح د.هنري القيم الأخلاقية للحجاب أو البرقع ، أو ما يستر المرأة المسلمة فيقول ( لست خبيراً في شئون النساء المسلمات وأحب الجمال النسائي كثيراً مما لايدعوني للدفاع عن البرقع هنا ، لكني أدافع عن بعض من القيم التي يمثلها البرقع لي ) ويضيف قائلاً( بالنسبة لي البرقع ( التستر) يمثل تكريس المرأه نفسها لزوجها وعائلتها ، هم فقط يرونها وذالك تأكيداً لخصوصيتها). وكأن د.هنري يتفق هنا مع ما ذهبت إليه السيدة عائشة رضي الله عنها لما سئلت: أي النساء أفضل؟ قالت ( التي لاتعرف عيب المقال ولا تهدي لمكر الرجال، فارغة القلب إلا من الزينة لزوجها والإبقاء على رعاية أولادها) أو كما قالت رضي الله عنها.
المسلمة مربية أجيال
ويشيد الكاتب بمهمة ورسالة المسلمة والمتمثل في حرصها على بيتها وإهتمامها بإعداد النشئ الصالح فيقول ( تركيز المرأة المسلمة منصب على بيتها ، العش حيث يولد أطفالها وتتم تربيتهم ، هي الصانعة المحلية ، هي الجذر الذي يُبقي على الحياة الروح للعائلة .......تربي وتدرب أطفالها .......تمد يد العون لزوجها وتكون ملجأ له) .
وماذا عن المرأه الأمريكية ؟
بعد الإنتهاء من شرح الصورة الأولى التي على مكتبه وهي صورة المرأة المسلمة ينتقل د. هنري إلى الصورة الثانية فيقول (على النقيض ، ملكة الجمال الأمريكية وهي ترتدي البكيني فهي تختال عارية تقريباً أمام الملايين على شاشات التلفزة....وهي ملك للعامة... تسوق جسمها إلى المزايد الأعلى سعراً ....هي تبيع نفسها بالمزاد العلني كل يوم)
ويضيف ( في أمريكا المقياس الثقافي لقيمة المرأة هو جاذبيتها ، وبهذه المعايير تنخفض قيمتها بسرعة ...هي تشغل نفسها وتهلك أعصابها للظهور)
الجنس والعواطف الفارغة
ينتقد د. هنري فترة المراهقة الشاذة التي تعيشها الفتاة الأمريكية حيث التعري والجنس والرذيلة فيقول ( كمراهقة قدوتها هي بريتني سبيرز المطربة التي تشبه العرايا ، من شخصية بريتني تتعلم أنها ستكون محبوبة فقط إذا مارست الجنس ... هكذا تتعلم التعلق بالعواطف الفارغة بدلاً من الخطوبة والحب الحقيقي والصبر ).
الفتاة المسترجلة
ثم يعرج الكاتب إلى الأثار السلبية لتلك الحياة الماجنة التي تعيشها الفتاة الأمريكية فيقول (العشرات من الذكور يعرفونها قبل زوجها...تفقد براءتها التي هي جزء من جاذبيتها .. تصبح جامدة وماكرة ..غير قادرة على الحب )
ويشير إلى أن المرأة في المجتمع الأمريكي تجد نفسها منقادة إلى السلوك الذكوري مما يجعلها إمرأة عدوانية مضطربة لاتصلح أن تكون زوجة أو أماً إنما هي فقط للإستمتاع الجنسي وليس للحب أو التكاثر .
النظام العالمي يكرس العزلة(58/102)
وينتقد د. هنري نظام الحياة في العالم المعاصر حيث التركيز على الإنعزالية والإنفراد فيقول (الأبوة هي قمة التطور البشري، إنها مرحلة التخلص من الإنغماس في الشهوات حتى نصبح عباداً لله ...تربية وحياة جديدة ) ويضيف قائلاً ( النظام العالمي الجديد لا يريدنا أن نصل إلى هذا المستوى من الرشد .. حيث يريدوننا منفردين منعزلين.. جاعئين جنسياً ويقدم لنا الصور الفاضحة بديلاً للزواج )
إحذروا خدعة تحرير المرأة
ويكشف د. هنري زيف إدعاءات تحرير المرأة ويصفها بالخدعة القاسية اذ يقول ( تحرير المرأه خدعة من خدع النظام العالمي الجديد ، خدعة قاسية أغوت النساء الأمريكيات وخربت الحضارة الغربية )
ويؤكد الكاتب أن تحرير المرأه يمثل تهديداً للمسلمين فيقول (لقد دمرت الملايين وتمثل تهديداً كبيراً للمسلمين ).
وأخيراً يقول د. هنري [ لا أدافع عن البرقع ( أو النقاب - أو الحجاب ) لكن إلى حد ما بعض القيم التي يمثلها ، بصفة خاصة عندما تهب المرأه نفسها لزوجها وعائلتها والتواضع والوقار يستلزم منى هذه الوقفة ].
- أليس هذا الكاتب و أمثاله أكثر صدقاً وجرأة وقولاً للحق من الكثير من دعاة العلمانية في بلادنا؟!
- ألا يكفي المرأة المسلمة فخراً بأن يشيد بمكارم أخلاقها من ليسوا على دينها ؟
محمد الكندري
إعلامي وباحث في شؤون المنظمات الخيرية
mkanda r i@hotmail.com
===============(58/103)
(58/104)
المرأةُ بين الإسلامِ ودعاةِ تحريرها
إن المتأمل في تاريخ الاستعمار الصليبي لكثير من بلاد المسلمين يجد أن من أهدافه المهمة تحرير المرأة المسلمة من حجابها ، وجعلها سلعة رخيصة تباع وتشترى كما يحصل في الغرب ، وبنظرة سريعة لأقوالهم ندرك حقيقة ما أرادوا .
هذا القسيس زويمر يوصي في مؤتمر القاهرة التبشيري عام 1906م الحاضرين بقوله : ( أن لا يقنطوا إذ من المحقق أن المسلمين قد نما في قلوبهم الميل الشديد إلى علوم الأوربين ، وإلى تحرير نسائهم ) ، وهذا جلادستون رئيس وزراء انجلترا يقول : ( لن تستقيم حالة الشرق ما لم يرفع الحجاب عن وجه المرأة ، ويغطى به القرآن ) ، وهذا جول بول رو يقول في كتابه الإسلام في الغرب : ( إن التأثير الغربي يظهر في كل المجالات ، ويقلب راساً على عقب المجتمع الإسلامي ، لا يبدو في جلاء أفضل مما يبدو في تحرير المرأة ) ، والنصوص عنهم كثيرة ، وبعد هذه التصريحات بدأ التخطيط لتحرير المرأة المسلمة وتغريبها ، فعلم أعداء الإسلامِ أن المواجهة الحربية لا تكون في صالحهم فخرج المستعمر من بلاد المسلمين ، وعملوا على تنفيذ ما خططوا له وذلك عن طريق أبناء جلدتنا الذين تربوا على أعين الغرب ، يقول الحصين في ( المرأة ومكانتها في الإسلام ) : ( لكن من المؤسف أن يسير في هذا الخط المدمر أناس من أبناء المسلمين ، أضلهم الشيطان على علم ، وعميت أبصارهم عن الحقيقة ، فكانوا خُداماً لأسيادهم وأولياء نعمتهم من الفرنج ) .
وفي الأزمان المتأخرة صارت حملة تحرير المرأة وتغريبها أَنْكَى وأقوى من قبل ، ضغط خارجي من أعداء الإسلام ، ومكرٌ داخلي من المنهزمين والمنبهرين بتلك الدعوة ، فاستقلال الدول العربية والإسلامية من المستعمر لم يكن نهاية المؤمراة ، بل ظهر استعمار اجتماعي جديد هو ( العولمة الاجتماعية ) ، يقول عنها الدكتور فؤاد العبد الكريم في ( المرأة بين موضات التغيير وموجات التغرير ) : ( هذا الاستعمار الاجتماعي وهذه العولمة تتزعم قضايا المرأة وحقوقها - بالمفهوم الغربي - في الدول الإسلامية والعربية من خلال مؤتمرات وأجندة واتفاقيات عالمية ، تعقدها الدول الغربية تحت لواء هيئة الأمم المتحدة ، ومرة تتم هذه المؤتمرات والاتفاقيات من طرف واحد بينها وبين الدول الإسلامية والعربية ، وفي الغالب يحمل لواء مناصرة المرأة المسلمة - المزعوم - الولايات المتحدة الأمريكية ) . ويقول أيضاً : ( وبعد أحداث 11/9/2001م ... حدثت تحولات عالمية كبيرة بقيادة الولايات المتحدة حيث سعت إلى إحداث تغييرات واسعة ... واستلمت زمام الترويج لما يسمى حقوق المرأة ، وأخذت تبشر دول المنطقة وشعوبها بالديمقراطية الأمريكية ، والتي تقوم - في جانبها الاجتماعي - على المساوة بين الجنسين ، والتحرر الجنسي ، والمثلية الجنسية - الشذوذ الجنسي - ، وإباحة الإجهاض كما أشار إلى ذلك رونالد إنغلهارت في مقال بعنوان ( الصدام بين الحضارات ) .
وبهذا تعلم المرأة المسلمة في بلاد المسلمين بعامة وبلادنا بخاصة أنها مستهدفة ، وينبغي عليها أن تعرف ما يحاك لها ويمكر بها ، ولكن الله يقول : '' وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ '' ] الأنفال : 30 [ ، فكوني أختي المسلمة فطنة عارفة بما يريدون منكِ ، واحرصي على تحذير من حولكِ من المغترين بدعاوى التحرر . أسأل الله أن يحفظ المرأة المسلمة من كيد الكائدين ومكر الماكرين .
كتبه
عَبْد اللَّه بن محمد زُقَيْل
===============(58/105)
(58/106)
المرأة بين التحرير والتغرير
د. نهى قاطرجي
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ، وبعد ،
لقد أخذت قضية تحرير المرأة حيزاً مهماً من تفكير الناس في العصر الحالي حتى عُقدت من أجل هذه القضية المؤتمرات والندوات التي تطالب برفع الظلم عن المرأة وإعطائها حقوقها التي حرمتها منها الأديان والأعراف والتقاليد .
وقد استفحل هذا الأمر حتى خرج عن إطار اللهو والتسلية لبعض النساء الفارغات عن أي عمل لتنعكس آثاره الخطيرة على المرأة بالدرجة الأولى ، وإذا كنَّا في لحظة من اللحظات أُعجبنا بامرأة شابة تعمل شرطية على الطريق أو جندية تحمل السلاح ووجدنا في هذا الأمر قوة إرادة وتحدٍّ عند من فعلن هذا ، فإن الأمر خرج عن إطار التسلية عندما أصبحنا نرى امرأة أخرى عجوزاً تبحث في القمامة أو تجوب الشوارع تجر عربتها الثقيلة لتؤمن رغيف خبزها .
إن الأمر ، لم يعد لعبة ومزحة تتسلى بها الفتاة التي تخرجت من الجامعة لتثبت للناس أنه لا فرق بينها وبين الرجل في الذكاء والعطاء فتنافس الرجل في وظيفة وتتساوى معه في أجر أو حتى تسلبه وظيفة بأجر أقل لتنفق ما تقبضه على الزينة والتبرج والترف بينما يكون الرجل الذي نافسته مسؤولاً عن أسرة ، أو على الأقل يسعى لبناء أسرة .
إن العمل بالنسبة للفتاة يبقى في إطار تمضية الوقت وإثبات الذات فترة طويلة من الزمن ، حتى تصبح ذات يوم فتجد أن الوظيفة التي كانت تتسلى بها أصبحت تأخذ منها كل وقتها (من الفجر إلى النجر ) فلا حياة اجتماعية ولا أصدقاء ولا فرصة حتى للتعرف على فتى الأحلام ، فهي تعود من العمل متعبة فتنام كالقتيل ، هذا الأمر لم يعد يرضي أحداً ! كيف ستمضي بقية عمرها ! وكيف ستتعرف على فتى أحلامها الآتي على حصان أبيض ! الأمر قد يطول على هذه الحالة ! ولكن لا بديل آخر ، فهي لا تستطيع أن تترك العمل وقد اعتادت أن تجد المال بين يديها ولا تستطيع أيضاً أن تعيش الفراغ في المنزل تنتظر فارس الأحلام الذي قد يتأخر في المجيء أو حتى لا يجيء ! أما إذا جاء فانه يجيء بشروط ، ففيما كان هو الذي يأتي على حصان أبيض لينقذ المرأة من وضعها الأسري، اختلف الوضع اليوم فأصبحت المرأة هي التي تأتي على حصان أبيض لتقدم للرجل حلولاً لمشاكله المادية ، فيعملان معاً ( من الفجر إلى النجر ) لكي يصبح العمل بالنسبة للمرأة واجباً وليس تطوعاً .
ما ورد كان نموذجاً عن وضع من أوضاع المرأة المتحررة اليوم ، ذكرتها كمقدمة للحديث عن قضية تحرير المرأة .
أصل القضية
بدأت القضية مع المرأة الغربية ، وهذا لا يعني أن المرأة المسلمة لم تكن تعاني من المشاكل والهموم ، فلو كان هذا الأمر صحيحاً لما وجد هؤلاء الغربيون ثغرة يدخلون بها إلى مجتمعاتنا، ولكن الفرق بين الشرق والغرب شاسع ، ذلك أن المرأة في العالم الإسلامي لم يكن لها قضية خاصة إنما كانت القضية الحقيقية هي تخلف المجتمع وانحرافه عن حقيقة الإسلام ،" وما نتج عن هذا التخلف في جميع مجالات الحياة ، وما تحقير المرأة وإهانتها وعدم إعطائها وصفها الإنساني الكريم إلا مجال من المجالات التي وقع فيها التخلف عن الصورة الحقيقة للإسلام " .
إن الصورة الحقيقية للإسلام ممكن أن تُقرأ واضحة في كتب السِّيَر والتاريخ الإسلامي التي ذكرت كيف كان للمرأة في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام كيان مستقل عن الرجل تطالب بحقها الذي أعطاها إياه الإسلام بكل جرأة ، فها هي تقف في وجه عمر بن الخطاب رضي الله عنه تطالب بحقها في صلاة الجماعة في المسجد كما فعلت عاتكة بن زيد ، وها هي تمارس حقها بإدارة أموالها بمعزل عن زوجها كما فعلت ميمونة أم المؤمنين بجاريتها دون علم رسول الله صلى الله عليه وسلم وكما فعلت أم سليم بنت ملحان التي أهدت رسول ا صلى الله عليه وسلم يوم عرسه هدية باسمها لا باسم زوجها ، فقالت : " يا أنس ، اذهب بهذا إلى رسول ا صلى الله عليه وسلم فقل: بعثت بهذا إليك أمي ، وهي تقرؤك السلام وتقول : إنّ هذا منّا قليل يا رسول الله " .
هذا في الإسلام أما في الغرب فإنه كان للمرأة بالفعل قضية ومعاناة ، إذ أنها كانت " في اعتقاد وعقيدة الأوروبيين حتى مئتي سنة مطيّة الشيطان، وهي العقرب الذي لا يتردد قط عن لدغ أي إنسان ، وهي الأفعى التي تنفث السم الرعاف ... في أوروبا ( أيتها الأخوات ) انعقد مؤتمر في فرنسة عام 568م ، أي أيام شباب صلى الله عليه وسلم ، للبحث هل تعدّ المرأة إنساناً أم غير إنسان ؟ وأخيراً قرروا : إنها إنسان خلقت لخدمة الرجل فحسب !
والقانون الإنكليزي حتى عام 1805 م كان يبيح للرجل أن يبيع زوجته بستة بنسات فقط، حتى الثورة الفرنسية التي أعلنت تحرير الإنسان من العبودية والمهانة لم تشمل المرأة بحنوِّها ، والقاصرون في عرفها : الصبي والمجنون والمرأة ، واستمر ذلك حتى عام 1938 م ، حيث عُدِّ لت هذه النصوص لصالح المرأة " .(58/107)
إن أصل القضية في الغرب يعود لاحتقار الكنيسة النصرانية للمرأة احتقاراً جعل رجالها يبحثون إذا كان ممكناً أن يكون للمرأة روح ، وهذا ما حصل " في مؤتمر " ماكون Macon " وما شفع بالمرأة آنذاك هو كون مريم أم يسوع امرأة ولا يجوز أن تكون أم يسوع بلا روح " .
إن أصل القضية إذاً بدأ من الديانة النصرانية حيث أساءت الكنيسة كمؤسسة في فهم الدين المسيحي في روحيته وأخذت تطبقه وفقاً لذهنية القائمين عليها ، ومن هؤلاء القديس بولس الذي قال : إن المرأة خُلقت للرجل، والقديس توما الأكويني الذي ذهب إلى أبعد من ذلك إذ صنّف المرأة بعد العبيد .
ولقد استمرت الكنيسة النصرانية في تغيير التعاليم الدينية وَفْقاً للمفاهيم والاعتبارات السائدة في البلدان التي كانت تريد السيطرة عليها فقدّست " مفهوم الأمومة مثلاً عندما أرادت السيطرة على الحضارة اليونانية ، وألغت هذا التقديس عندما انتقلت إلى السيطرة على الحضارة الجرمانية ، واستبدلته بالاعتبارات المعمول بها في هذه الحضارة حيث كان التقديس للملكية الخاصة ولاعتبار المرأة ملك الرجل وفي مصاف القاصرين " .
من هنا يمكن أن نستشف أن الفرق بين المرأة الغربية والمرأة المسلمة يعود إلى الجذور ، ومن هنا عدم صحة إسقاط الحلول الغربية على الوضع الإسلامي ، فالوضع بين الحضارتين مختلف ، والمرأة هنا غير المرأة هناك ،وقد أكدت الراهبة "كارين أرمسترونغ "هذا الاختلاف بين ماضي المرأتين بما يلي: " إن رجال الغرب النصراني حين حبسوا نساءهم ومنعوهم من مخالطة الرجال ووضعوهن في غرف منعزلة في جوف البيوت إنما فعلوا ذلك لأنهم يكرهونهن ويخافونهن ولا يأمنون لهن وَيَرَوْنَ الخطيئة والغواية كامنة فيهن ، فهم يخرجوهن من الحياة بهذا الحبس إلى خارجها أو هامشها ، بينما حجز المسلمون نساءهم في البيوت ولم يخرجوهن إلى الشوارع تقديراً لهن ولأنهم يعتبرون زوجاتهم وأمهاتهم وبناتهم حَرَماً خاصاً وذاتاً مصونة وجواهر مقدسة يصونونهن ويحملون عنهن عبء الامتهان في الأسواق والطرق " .
إن هذا الاختلاف لم يفهمه دعاة التحرر الذين حاولوا إسقاط حلول المجتمع الغربي على المجتمع الإسلامي ، فلم يفهموا حرص الرجل على زوجته وحمايته لها بل اعتبروا أن حجاب المرأة وعدم اختلاطها بالرجل يعود إلى عدم ثقة الرجل بالمرأة وخوفه منها ، الأمر الذي جعلهم يرون أن المرأة مظلومة قد ظلمها الرجل عندما فرض عليها الحجاب وحرمها من إنسانيتها وقد تناسوا أنه " لم يكن الرجل هو الذي فرض الحجاب على المرأة فترفع المرأة قضيتها ضده لتتخلص من الظلم الذي أوقعه عليها ، كما كان وضع القضية في أوروبا بين المرأة والرجل ، إنما الذي فرض الحجاب على المرأة هو ربها وخالقها الذي لا تملك إن كانت مؤمنة أن تجادله سبحانه فيما أمر به ، ويكونَ لها الخِيَرَةُ من الأمر " .
تطور القضية
ساعدت الثورة العلمية التي حصلت في أوائل القرن الماضي الإنسان بشكل عام والمرأة بشكل خاص على المطالبة بالتحرر من الظلم الذي وقع عليها من الكنيسة ، حيث كان لاستعانة الثورة الصناعية بالنساء من أجل التحرر من مطالب الرجال المالية دور مهم في خروج المرأة من قمقمها وسعيها لتغيير واقعها المعاش ، فلم تجد عدواً تواجهه وتعتبره سبباً مباشراً لمعاناتها إلا الكنيسة التي كانت تحمي الرجال وتحثهم على ظلم النساء ، مما جعل عدو النساء الأول هو الدين ، فالمرأة هي التي " تدفع ضريبة الانتماء الديني في هذا الواقع وتتحمل مآسيه أكثر من الرجل" . ومن هنا جاءت ضرورة نبذ الدين وتأييد النظريات العلمانية الحديثة التي تعتبر أن " الدين هو أفيون الشعوب"، وأن السبيل للنهوض بالأمم يكون بفصل الدين عن الدولة ، هذا الأمر الذي دعا إليه المسيح عليه السلام نفسه عندما قال : " دع ما لقيصر لقيصر وما لله لله " .
فالعلمنة إذاً هي نبذ الدين و " إحلال العلم ، في نموذجه الطبيعي ، محل النص والإله في تفسير كل ما يختص ويتصل بالإنسان " ، وقد بالغ كثير من العلماء في تقديس العلم إلى حد أَن اعتبروه ديناً جديداً ، فقال أحدهم : " العلم الحديث هو إنجيل الحضارة الحديثة " ، وقال آخر : "العلم الصحيح ، أي العلم الاختياري ، دين أيضاً" .
وهكذا وجاءت نظرية التطور لـ " دارون " لتقول أن أصل الإنسان قرد تطور مع الزمن إلى أن وصل إلى الحالة التي هو عليها الآن ، لتعتمد على إيحاءين خطيرين كان لهما أثر في نصر نظرية المرأة الغربية الداعية إلى نبذ الدين ، وهذان الإيحاءان هما :
1- الإيحاء بالتطور الدائم الذي يلغي فكرة الثبات .
2- الإيحاء بحيوانية الإنسان وماديته وإرجاعه إلى الأصل الحيواني وإغفال الجانب الروحي إغفالاً تاماً .
وهكذا أصبح الإنسان الغربي بعد هذه النظرية العلمانية " لا يستطيع تجنب اعتبار نفسه حيواناً " كما أصبح " التفسير التطوري لكل شيء هو العقيدة الجديدة للغرب " .(58/108)
وقد استفادت المرأة ومن تبعها من دعاة التحرر من الرجال من هذه العقيدة الجديدة استفادة كبيرة ،فاعتبرت أن النصوص التشريعية التي تختص بها لم تعد تصلح لهذا الزمن المتطور ، وقالوا بنسبية القوانين والتشريعات والأخلاق مما يعني عدم صلاحية هذه التشريعات للتطبيق في هذا الزمن ، لذلك كانت الدعوة من أجل الثورة ، هذه الثورة التي وإن كانت ممكنة بالنسبة للمرأة النصرانية التي تدرك تماماً أن التشريع الكنسي تابع لأقوال العلماء إلا أنها صعبة بالنسبة للمرأة المسلمة التي تدرك أن التشريعات الإسلامية مستمدة من النصوص القرآنية ، لذلك دعا أنصار تحرير المرأة إلى رفع راية التطور التاريخي في حال أرادت المرأة مهاجمة النصوص الدينية ، تقول إحدى دعاتهن : أنه " إذا ثارت المرأة اللبنانية وتعاونت المرأة المسيحية مع المرأة المحمدية استطاعتا رفض الدين الأولى باسم الدين نفسه والثانية بموجب الإيمان بسنة التطور التاريخي " .
وهذه الدعوة إلى الإيمان بالتطور التاريخي لوضع المرأة ذكره أحد دعاتهم وهو سلامة موسى مخاطباً المرأة : " أنت ثمرة ألف مليون سنة من التطور " .
وبناء على ذلك كان " طبيعياً أن يفسر حجاب المرأة وعدم مخالفتها للرجل بأنه أثر من آثار الأمم الوحشية ونتيجة لتطور وظهور نظام العائلة ودخول المرأة فيه ، ووقوعها بذلك تحت سيطرة الرجل ، وهو التفسير الذي ذكره كل من تكلم من رواد تحرير المرأة " .
قضية تحرير المرأة المسلمة
هبط الغرب على العالم الإسلامي بجيوشه وعساكره وهو يعلم بتجربة الحروب الصليبية أن تطويع هذا العالم لن يكون بالحروب بل يكون بإيجاد جيل جديد ينتمي إليه فكراً وعقيدة ، فعمدوا من أجل ذلك إلى إنشاء المدارس الغربية التي تدرِّس اللغة والتاريخ والثقافة الغربية ، وبعد ذلك عمدوا إلى إرسال خريجي هذه المدارس في بعثات خارجية إلى الجامعات التي تكفلت بما بقي من العقول الإسلامية كما تكفل الفساد المنتشر في البلاد التي سافرت إليها العقول بتضييع البقية الباقية من جيل شباب عاد ليخرب الأمة ويعمل على تحويل المجتمعات العربية الإسلامية إلى صورة من المجتمعات التي عاد منها .
وكان من بين الخريجين "قاسم أمين" المخرب الأول الذي عاد من الغرب بكل مفاهيمه ليطبقها على مجتمع لا يمت إليه بصلة ، فطالب بتعليم المرأة وتحريرها على المنهج ذاته الذي وضعه الغرب لهدم الإسلام ،" وقاسم أمين شاب نشأ في أسرة تركية مصرية فيه ذكاء غير عادي ، حصل على ليسانس الحقوق الفرنسية من القاهرة وهو في سن العشرين ... ومن هناك التقطه الذين يبحثون عن الكفاءات النادرة والعبقريات الفذة ليفسدوها ، ويفسدوا الأمة من ورائها ! التقطوه وابتعثوه إلى فرنسا ... اطلع قبل ذهابه إلى فرنسا على رسالة لمستشرق يتهم الإسلام باحتقار المرأة وعدم الاعتراف بكيانها الإنساني ، وغلى الدم في عروقه ، كما يصف في مذكراته ، وقرر أن يرد على هذا المستشرق ويفند افتراءاته على الإسلام . ولكنه عاد بوجه غير الذي ذهب به ! لقد أثرت رحلته إلى فرنسا في هذه السن المبكرة تأثيراً بالغاً في كيانه كله ، فعاد إلى مصر بفكر جديد ووجهة جديدة ، عاد يدعو إلى تعليم المرأة وتحريرها على المنهج ذاته الذي وضعه المستشرقون وهم يخططون لهدم الإسلام " .
عاد ليطالب بنزع حجاب المرأة ...
عاد ليطالب بتعليم المرأة وخروجها من بيتها...
عاد ليطالب باختلاط المرأة بالرجل...
لقد أدرك قاسم أمين أن الوصول إلى الغاية لن تأتي مرة واحدة ، لذلك عمد هو ومن تبعه إلى أسلوبين :
1- أسلوب التدرج حيث أنه لم يطالب في البداية بنزع حجاب الرأس كلياً ، بل نادى بسفور الوجه فقط ، ولم يطالب بتعليم المرأة لتصل إلى مستوى جامعي بل نادي بالتعليم الابتدائي ، ولكنه كان حريصاً في كل ما يكتب على أن يضع كلمة "الآن" التي تعني الاكتفاء بهذا الحد من المطلب وقت مطالبته به إلى آن آخر فيقول: " ربما يتوهم ناظر أنني أرى ( الآن ) رفع الحجاب بالمرة .. إنني لا أقصد رفع الحجاب (الآن ) دفعة واحدة والنساء على ما هن عليه اليوم.. وإنما أطلب (الآن ) ولا أتردد في الطلب أن توجد هذه المساواة في التعليم الابتدائي " .
وهكذا تتطور الدعوة مع الزمن فمن المطالبة " بالمساواة في التعليم إلى المطالبة بالمساواة في الميراث ، ومن المطالبة بحريتها في الدخول والخروج والتنزه إلى المطالبة بحريتها في السفر وقضاء السنوات الطوال منفردة ، وافق زوجها أو لم يوافق ، ومن المطالبة بتقييد حق الرجل في التعدد إلى المطالبة بحقها هي في التعدد ثم حقها أن يكون لها الصديق التي ترتضيه " .(58/109)
2- التشكيك بالنصوص القرآنية والدعوة إلى اللحاق بركب التطور ومن هنا كانت دعواهم إلى إعادة قراءة النصوص قراءة جديدة مراعين مبدأ تاريخية النصوص ونسبيتها ، حيث أن كثيراً من الأحكام لم تعد تلائم العصر المتطور الحالي ، فكما كان هناك رجال فقهاء اجتهدوا وفهموا النصوص القرآنية فهماً يوافق عصرهم يوجد في عصرنا الحالي رجال " بل ونساء " ممكن أن يجتهدوا بالنصوص اجتهاداً معاصراً ، لذلك كثيراً ما رفع هؤلاء شعار " هؤلاء رجال ونحن رجال " لرفض اجتهادات مثل اجتهاد الشافعي ومالك وغيرهما من الفقهاء واعتماد فتوى معاصرة مثل فتوى محمد شحرور الذي يرى أن الجيب الذي ورد في القرآن هو شِقُّ الإبط .
ومن النماذج المعاصرة عن هجومهم على النصوص القرآنية قول أحدهم : " اعتبرت الشريعة المرأة نصف إنسان ، فشهادة امرأتين بشهادة رجل ونصيب الرجل من الميراث نصيب امرأتين ، كان ذلك طفرة في العصر الذي نزلت فيه الشريعة الإسلامية ، بل إنه أكثر من طفرة ، غير أن 15 قرناً من الزمان كافية في الواقع أن تهيئ العقلية الإنسانية إلى خطوات أخرى في التشريع للمرأة " .
هذا باختصار السبيل الذي سلكوه من أجل الوصول إلى ما سَمَّوْهُ تحرير المرأة تحريراً كاملاً يجعلها متساوية مع الرجل في كل المجالات دون مراعاة للفروقات البيولوجية بين الإثنين ، ودون مراعاة لشرع أو دين ، لأن الشرائع تتطور أحكامها كما سبق أن أسلفنا .
أما أبرز ما دعا إليه هؤلاء فيكمن في نبذ كل ما يمنع هذه المساواة بين الجنسين ويكرس التفرقة على أساس الجنس ، لهذا رَأَوْا في بنود المساواة رفع حجاب المرأة ، اختلاطها بالرجال ، وتعليمها .
مفهوم المساواة
إن أصل هذا المطلب بدأ أيضاً مع الثورة النسوية في أوروبا حيث كان للمرأة بالفعل قضية، قضية المساواة في الأجر مع الرجل الذي يعمل معها في المصنع نفسه وفي ساعات العمل نفسها بينما تتقاضى هي نصف ما يتقاضاه الرجل من الأجر .
هذا المطلب كان في البداية يمثل منتهى العدل ، وهذا أمر لا يختلف عليه اثنان ، أما بعد ذلك فقد تطور هذا المطلب ليشمل المساواة في كل شيء ، وهذا أمر ، كما تعلمون ، مستحيل هذا ببساطة لأن بينهما اختلافات حقيقية جسمية ونفسية ، حتى ولو نجحت بعض النساء في تبوء المراكز العالية وفي القيام بأعمال جسدية شاقة إلا أن هذا لا يعني أن كافة النساء يمكنهن أداء ذلك العمل أو يرغبن فيه . فمهما ارتقت " المرأة في مستواها العلمي والثقافي ومهما كانت دوافعها النفسية أو الاقتصادية للخروج إلى العمل ، تبقى رغبة المشاركة في تكوين أسرة إحدى أهم مكونات فطرتها الأصلية ، كما يشير الاستبيان الذي أُجْرِي بين الفتيات في بعض الدول العربية " .
وقد أكدت الدكتورة إلهام منصور، إحدى مناصرات تحرير المرأة ، على هذا الأمر فقالت : " إن الثقافة كما لم تفعل بعد في الرجل اللبناني فهي كذلك لم تفعل بعد في المرأة اللبنانية التي تعتبر مثقفة لأن أغلب النساء المثقفات هن راضيات بوضعهن ، ويعملن على ترسيخه ، وينادين بوجوب إعطاء حقوق للرجل تفوق حقوق المرأة ، وهذا الواقع يدلنا دلالة مباشرة واضحة أن العلم بالنسبة للمرأة اللبنانية ليس سوى وسيلة للحصول على الزوج الأفضل وذلك لأن أغلب الشبان قد أصبحوا اليوم مثقفين ويفضلون الزوجات المثقفات ، والثقافة هنا تأخذ طابع الزيادة الخارجية عند المرأة فهي لا تنصهر مع شخصيتها كي تغيرها من الداخل " .
هذه الحقيقة في تباين أهداف المرأة والرجل أكد عليها الفيلسوف " أوجست كونت" أحد فلاسفة الغرب المعاصرين حيث يقول : " إن الرجل والمرأة يهدفان إلى آيات متباينة في الحياة ، فمرمى الرجل هو العمل وآية المرأة الحب والحنان " ، ويقول الفيلسوف أيضاً : " حتى في الزواج لا يوجد مساواة بين الرجل والمرأة ، لأن لهما حقوقاً وواجبات مختلفة فالرجل قَوّامٌ على البيت وهو الذي يعول المرأة ، لأن المرأة يجب أن تجرّد من هموم المادة " .
هذا الكلام الذي ورد على لسانهن ولسان فلاسفتهن يعتبر أكبر دليل على أن ما يطالبون به مخالف لفطرة الله سبحانه وتعالى ، والإسلام إنما جاء ليثبت هذه الحقيقة لا ليدعُوَ إلى أمر لا أساس له من الصحة ، فالإسلام كدين لا يهتم بمصالح فرد دون آخر ، وهو عندما بيَّن للمرأة حقوقها وواجباتها فرض على الرجل أيضاً حقوقاً وواجبات مغايرة تتناسب مع تركيب كل منهما البيولوجي والنفسي والجسدي ، كما تتناسب مع قواعد العدل والتوازن لا المساواة المطلقة ، فالمساواة المطلقة كما قلنا عدوة الفطرة ، "بينما العدل هو الذي يضع الموازين القسط لكل شيء ، ولكل علاقة ، فيعطي لكل شيء حقه ، حسب فطرته وأهليته ووظيفته التي وجد من أجلها .
فللمرأة إذن وظيفة تتناسب مع فطرتها التي فطرها الله عليها ، " وعناصر تكوينها أنها ذات بطن يلد وحضن يربي ، ومكانتها الفذة هي فيما فُطرت عليه فقط ، ومن الممكن توفير المساواة المطلوبة بينها وبين الرجل .. ولكن ذلك يكون على حساب امتيازاتها .. والنتيجة تحويلها إلى نوع جديد من الرجال ".(58/110)
ويمكن أن أختم فكرة المساواة بلطيفة وردت في القرآن الكريم تدل على قمة المساواة والعدل وعدم التفرقة بين المرأة والرجل حيث وردت كلمة رجل مفردة 24 مرة ، ووردت كلمة امرأة مفردة 24 مرة أيضاً ، قمة المساواة .
حجاب المرأة
إن أول حاجز حاول الغربيون وأتباعهم من أنصار تحرير المرأة اختراقه هو حاجز الحجاب ، إذ اعتبروا أن في ستر الرأس إهانة للمرأة ولكرامتها الإنسانية وعائقاً يمنعها من مشاركة الرجل في نهضته الفكرية والثقافية والاجتماعية ، ودعموا مزاعمهم بحالة التخلف الفكري والثقافي عند المرأة المتحجبة اليوم في بعض أقطار الجزيرة العربية والخليج العربي ، والواقع أنه لا تلازم بين الاثنين فلا مجال للربط بين حجاب المرأة وتخلفها لأن ما حصل لهؤلاء النسوة ليس سببه الإسلام بل يعود إلى "ظروف استعمارية وفكرية معينة ، وليس أسهل على المصلحين إذا أرادوا الإصلاح الحقيقي من أن يفصلوا بين الواقعين بوعي إسلامي سديد ، يؤيد الستر والاحتشام ويدفع إلى التزود من العلوم والثقافة النافعة ، ويجعل من كل منهما عوناً للآخر " .
وأكبر دليل على هذا الفصل هو تفوق كثير من فتياتنا الجامعيات المتحجبات بحجاب الإسلام، المستمسكات بحكم الله عز وجل ، وهنّ مع ذلك " أسبق إلى النهضة العلمية والثقافية والنشاط الفكري والاجتماعي من سائر زميلاتهن المتحررات ... وإن كل مُطَّلِع على التاريخ يعلم أن تاريخنا الإسلامي مليء بالنساء المسلمات اللواتي جمعن بين الإسلام أدباً واحتشاماً وستراً ، وعلماً وثقافة وفكراً ، وذلك بدءاً من عصر الصحابة فما دون ذلك إلى عصرنا الذي نعيش فيه " .
أما ثاني مزاعمهم فهو رفضهم الربط بين الحجاب والعفة ، فيقولون : إن عفة الفتاة حقيقة كامنة في ذاتها ، وليست غطاء يلقى ويسدل على جسمها ، وكم من فتاة متحجبة عن الرجال في ظاهرها هي تمارس معهم البغي والفجور في سلوكها ، وكم من فتاة حاسرة الرأس سافرة الوجه لا يعرف السوء سبيلاً إلى نفسها وسلوكها . إن هذا الكلام فيه شيء من الصحة فما كان للثياب أن تنسج لصاحبها عفة مفقودة ، ولا أن تخلق له استقامة معدومة ، وربّ فاجرة سترت فجورها بمظهر سترها ، ولكن من هذا الذي زعم أن الله إنما شرع الحجاب لجسم المرأة لتخلق الطهارة في نفسها أو العفة في أخلاقها ؟ ومن هذا الذي يزعم أن الحجاب إنما شرعه الله ليكون إعلاناً بأن كل من تلتزمه فهي فاجرة تنحط في وادي الغواية مع الرجال ؟
إن الله عز وجل إنما فرض الحجاب على المرأة محافظة على عفة الرجال الذين قد تقع أبصارهم عليها ، لا حفاظاً على عفتها من الأعين التي تراها … .
فالمرأة عندما تستر زينتها بالحجاب ولا تتبرج تبرج الجاهلية تكون بذلك قد سدَّت باب الفتنة من ناحيتها ويكون لغض بصر الرجل دور في إخماد الفتنة ومنع تأجج الشهوات التي تؤدي إلى ارتكاب الفواحش والمنكرات ، ثم لنتساءل : هل المرأة التي لا تلتزم بالشرع وتخرج من بيتها سافرة قد غطت وجهها بالمساحيق ، هل هي حقاً حرة ؟" أم أنها أسيرة من حيث لا تدري ، وإلا فبماذا نفسر عدم قدرتها على مغادرة المنزل إلا بعد أن تسحق بشرتها بأنواع السحوق ..." .
وبماذا نفسر العري الإباحي الذي يأبى أن يستر إلا مساحة قليلة من الجسد ، هل يدل تصرف مثل هذا على التحرر الفكري لمن تمارسه ، أم يدل على سعي حثيث للفت نظر شباب يجدون في اتباع موضة رخيصة تحرراً وعصرنة ؟ ويعتبرون من تحافظ على حشمتها مثالاً للرجعية والتخلف ؟
إن مثل هذا النوع من النساء نوع جاهل إذ تعتقد الواحدة منهن أن ما تفعله من تبرج وزينة يمكن أن يجلب إليها الأنظار أو يجلب لها الأزواج ، لا ، إن الواقع غير هذا تماماً ، فالرجل الشرقي قد يعجب بالشكل واللباس الإباحي لمتعة النظر واللمس أحياناً أما عند الزواج فإن الأمر يختلف ، وقد وصف د. محمد سعيد رمضان البوطي حال رجل اليوم بقوله : إن الرجال اليوم " نظروا فوجدوا فرص المتعة الخلفية المستورة قد كثرت أمامهم بفعل بحث النساء عن أزواج لهن في المجتمع ، وأعجبهم الوضع .. فازدادوا تثاقلاً وزهداً في الزواج ، لتزداد النساء بحثاً عنهم وسعياً وراءهم ، وهكذا كان سعي المرأة في البحث عن الزوج أهم سبب من أسباب فقدها له " .
الاختلاط
كلمة اختلاط لفظ مستحدث في عصرنا ، فهذه الكلمة لم تستعمل في أي موضع من القرآن الكريم سواء بلفظها أو مدلولها ، ولم ترد في أي حديث نبوي ولا في أي كتاب من كتب الفقه والتشريع ، ولكن بدأ الكلام يكثر عن الاختلاط بعد أن رأى رجال الإصلاح من المسلمين ما هي عليه المرأة الأوروبية من زينة وتجمل " وحرية في الحركة والجولة ونشاط زائد في الاجتماع الغربي ، ولما رَأَوْا كل هذا بعيون مسحورة وعقول مندهشة تمنوا بدافع الطبيعة أن يجدوا مثل ذلك في نسائهم أيضاً ، حتى يجاري تمدنهم تمدن الغرب ، ثم أثّرت فيهم النظريات الجديدة من حرية المرأة وتعليم الإناث ومساواة الصنفين " .(58/111)
إن المطالبين بحرية المرأة واختلاطها بالرجل هم فريقين، " فريق يعلم جيداً أن الطريق الذي تسير فيه القضية سيؤدي إلى انحلال أخلاق المجتمع وتفككه كما حدث في أوروبا ، وهو يريد ذلك ويسعى إليه جاهداً لأنه من الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا ، وفريق آخر مخدوع مستغفَل لأنه مستعبَد للغرب لا يرى إلا ما يراه الغرب … وهذا وذاك مسخران معاً لخدمة الصليبية في المجتمع الإسلامي ، وخدمة اليهودية العالمية كذلك " .
إن مخطط الغرب في تدمير الإسلام ليس مخططاً حديثاً ، فقد شرح " شكيب أرسلان" في مقالة نشرتها المنار 1925 م. هدف دعاة الحرية والمساواة المطلقة بين المرأة والرجل بقوله : "عند إعلان الدستور العثماني سنة 1908 م قال أحمد رضا بك من زعماء أحرار الترك : ما دام الرجل التركي لا يقدر أن يمشي علناً مع المرأة التركية على جسر " غلطة " وهي سافرة الوجه فلا أعد في تركيا دستوراً ولا حرية " .
لقد عمل هؤلاء منذ تلك الفترة على تنفيذ مخططاتهم التدميرية فنجحوا ، بعد أن أبعدوا المسلم عن دينه وعقيدته، في بث الشكوك والتساؤلات حول القضايا الاجتماعية مستعينين بالنصوص الإسلامية من ناحية وبالجدل من ناحية أخرى .
أما النصوص الإسلامية فقد اعتبروها حجة على المعارضين للاختلاط بحجة أن الإسلام أباح للمرأة الخروج للصلاة في المسجد كما سمح لها بالجهاد مع الرجال ومداواة الجرحى ، إن الرد على هذا الأمر بسيط ، ذلك أن مفهوم الاختلاط المباح في الإسلام هو ذلك الاختلاط " المأمون ، وهو الذي يكون لأسباب طبيعية . وتتحقق خلاله مصالح اجتماعية أو اقتصادية ، وقد كفل الإسلام للمرأة حقوقها في طلب هذه المصالح في ظل الآداب والأخلاق ، وليس هو الاختلاط العابث الماجن المستهتر الذي من شأنه مضيعة الوقت والعبث بالفضيلة والانطلاق العابث بغير حدود وقيود " ، فإن مثل هذا النوع من الاختلاط لا يقره أي دين مهما بلغت درجة تقدمه وانفتاحه .
أما أسلوب الجدل فاستخدموه لإثبات نظرياتهم النفسية الجنسية الحديثة التي لا ترضى عنها الشرائع ولا الأخلاق ، فيقولون :" إنه إذا شاع الاختلاط بين الرجل والمرأة تهذبت طباع كل منهما وقامت بينهما بسبب ذلك صداقات بريئة لا تتجه إلى جنس ولا تنحرف نحو سوء ! أما إذا ضُرب بينهما بسور من الاحتجاب فإن نوازع الجنس تلتهب بينهما وتغري كُلاًّ منهما بصاحبه ! فتُشيع في ذلك الكبت في النفوس والسوء في الطباع .
و( الجواب على هذا القول ) : إنه صحيح أن مظاهر الإغراء قد تفقد بعض تأثيراتها بسبب طول الاعتياد وكثرة الشيوع ، ولكنها إنما تفقد ذلك عند أولئك الذين خاضوا غمارها وجنوا من ثمارها خلال فترة طويلة من الزمن ، فعادوا بعد ذلك وهم لا يحفلون بها ، وبديهي أن ذلك ليس لأنهم قد تساموا بها بل لأنهم يشبعون كل يوم منها .
من هنا نؤكد على أهمية اجتناب الاختلاط بغير سبب خاصة في الحفلات العامة والحفلات الخاصة ، والابتعاد عن مواطن الشبهات ومزالق الشهوات خاصة أن كثيراً من حفلات الاختلاط تشوبها الخلوات ، والإسلام لا يجيز أن تخلو المرأة برجل أجنبي عنها ولو كانت محتشمة في لباسها ومظهرها ، وفي ذلك جاء الحديث الشريف " ما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما ".
علم المرأة وعملها
لم يكن الذين يدعون إلى تحرير المرأة في بداية القرن يحلمون بالوصول إلى ما وصلت إليه المرأة اليوم من العلم ، بل إنهم كانوا يعترفون أن أقصى ما يطالبون به هو تعليم المرأة العلم الابتدائي الذي يساعدها على تربية أولادها ومساعدتهم على التعلم ، أما ما وصلت إليه المرأة الآن من الثقافة والعلم فهذا أمر لم يكن بالحسبان ، خاصة أن طموح المرأة لا يقف عند حد ، فهي تسعى لإزالة كل ما يمكن أن يؤدي إلى التفرقة في المساواة بينها وبين الرجل ، لهذا ليس من المستغرب أن نجد في بنود الاتفاقيات الدولية الخاصة بالمرأة بنوداً تتعلق بواجب الدول الموقعة على الاتفاقيات في إيجاد المساواة بين الرجل والمرأة عبر تهيئة " نفس الظروف للتوجيه الوظيفي والمهني ، وللوصول إلى الدراسات والحصول على الدرجات العلمية في المؤسسات التعليمية في جميع الفئات ، في المناطق الريفية والحضرية على السواء " .
والواقع أن هذه الاتفاقيات إذا كان يمكن أن تتماشى مع المجتمعات الغربية الأخرى فإنها لا تتماشى مع المجتمعات العربية التي لا زالت الفطرة تغلب على شريحة كبيرة من نسائها ، حيث لازالت الفتاة تتعلم لمجرد أن تنال شهادة ما تؤمن لها الزوج المناسب وتقيها عثرات الأيام ، هذا ما تؤكد عليه الدكتورة إلهام منصور حيث تقول عن المرأة اللبنانية : " إذا سألنا الأهل عن فائدة العلم بالنسبة للفتاة نسمع ، في أغلب الأحيان ، الجواب التالي : إن واجب المرأة الأول هو الزواج ، وإن لم توفق المرأة بزوج كما تريد ، أو إذا افتقر هذا الزوج أو إذا انقطع عن العمل لسبب من الأسباب فالمرأة المثقفة تستطيع العمل لتأمين العيش فقط ، فالعلم والعمل عند المرأة اللبنانية هما قوة احتياطية أكثر الأحيان لا تُستغل" .(58/112)
لقد أنكر دعاة التحرر رغبات المرأة وحاجاتها الفطرية إلى تكوين الأسرة وإنجاب الأولاد ، وحاولوا الإثبات أنه ليس هناك فروق بيولوجية تمنع المرأة من العلم والعمل وإثبات الذات ، إنما الموانع هي موانع خارجية تتمثل في الإسلام الذي يقف حاجزاً في سبيل تعلم المرأة ، مع أن هذا مناف للحقيقة ، فالإسلام "لن يمنع المرأة من طلب العلم ، فهو الذي يدعوها إليه بل يفرضه عليها، ولكن الإسلام يشترط في تعليمها وفي نشاطها كله شرطين اثنين : أن تحافظ على تربيتها وأخلاقها ، وأن تحافظ على وظيفتها الأولى التي خلقها الله من أجلها ، وهي رعاية الأسرة وتنشئة الأجيال ، وفي حدود هذين الشرطين تتحرك حركتها كلها " .
هذا هو المطلوب فقط ، المطلوب التعامل مع الأولويات ومع حاجات المرأة بصراحة لا كبتها كما تطلب إحداهن من زميلاتها المتحررات حيث تقول : " المتحررة حقاً هي التي تستطيع أن ترفض أي تدبير يتنافى مع اكتمال شخصيتها وتحقيق استقلالها ، وبين الاستقلال والزواج تختار المرأة المدركة الواعية الاستقلال حتى ولو ضحت بحياتها الاجتماعية ، لأنها تعلم أن حياتها الحالية في حياة لا تحمل مقومات استمرارها إلا من حيث الناحية الحيوانية فقط " .
هل هذا الكلام مقبول ، لا ، إن الإصلاح لابد أن يراعي حاجات الإنسان والمجتمعات ، ولا يفكر في مصلحة فرد دون آخر ، فما ينفع النساء إن حصلن على الشهادات العالية وحُرمن من نعمة الأمومة ، التي لا تكتمل كيان المرأة إلا بها ، وصَدَقت يمان السباعي حين قالت : " ويل لأمة تفخر بنسائها في كليات الهندسة ورجالها على الأزقة لا يجدون عملاً ، ولا يفكرون في قضية ، ولا يحملون مسؤولية ، ويل لأمة أهانت رجالها لتثبت ذاتية نساء ضائعات " .
الخاتمة
أسئلة لا بد من الإجابة عليها : ما هو مفهوم الحرية ؟ ومن هو الإنسان المتحرر ( رجلاً كان أم امرأة ) ؟ هل هو ذلك الإنسان الذي أطلق العِنان لنفسه وشهواته يفعل ما يشاء متى شاء وفي أي وقت شاء ؟ وهل الحرية تعني تفلت الإنسان من المسؤوليات والواجبات كي يصبح كالحيوان هدفه من الحياة إشباع غرائزه وشهواته؟
لا ، إن معنى التحرر هو ذلك " التفكير العقلي والمنطقي في التخطيط للحياة بعيداً عن غول المؤثرات الخارجية مثل الأجواء والبيئة والعادات والتقاليد ومتطلبات العصر وغيرها ، أو الداخلية مثل النفس ، والشهوات والغرائز وما شابه ، والتحرر أيضاً يعني العمل قدر الإمكان والمستطاع لإعطاء كل ذي حق حقه فللنفس حق.. وللغرائز حق .. وللمجتمع حق .. وحدود كل ذلك هو عدم تجاوز حقوق النفس والآخرين ، وعدم الإسراف في ذلك " .
هذا المعنى لم يفهمه بعض دعاة التحرر من المسلمين الذين اعتبروا التحرر إطلاق العِنان للغرائز والشهوات دون اعتبار لمصلحة المرأة أو مصلحة عائلتها ، لقد فهموا التحرر بأنه التهجم على القيم والأخلاق والإسلام الحامي لهذه القيم ، لذلك اعتبروه العدو الأول للمرأة دون تفكير أو دراسة لتاريخه وتشريعه مكتفين بترداد ما نقله المستشرقون الحاقدون دون تمحيص ، مما يسهل على المطلعين على أقوالهم انتقادهم بسهولة لما فيها من كذب وتدجيل ، من هؤلاء أتباع الحركة النسوية العربية حيث تقول إحداهن : أن المرأة في الجاهلية كانت تتمتع بمزايا وحقوق سلبها منه الإسلام (السعراوي، 1982 ) وتقول أخرى أن السيدة خديجة رضي الله عنها منحت الرسول أول عمل له ليتاجر في دمشق وكان عمره 12 عاما ( الحبري ،82) .
إن المشكلة التي تعاني منها المرأة العربية المعاصرة هي الفجوة الزمنية التي تفصلها عن العالم الغربي حيث تخطت الحركة النسوية العالمية feminism مرحلة تحرير المرأة والمطالبة بمساواتها بالرجل لتصل إلى مرحلة جديدة تسمى " مرحلة ما بعد الفمنزم " تحول فيها عمل المرأة العالمية إلى معالجة المشاكل الاجتماعية التي تسببت بها خروج المرأة إلى العمل وإهمالها لأسرتها .
لقد كان من آثار اتجاه المرأة نحو العمل ذلك التفكك الأسري الكبير الذي ترك بصماته على وضع المرأة بشكل خاص والمجتمع بشكل عام ، فكان أول هذه النتائج غياب نموذج الأسرة التقليدية التي تشير الإحصائيات الغربية إلى أن نسبتها المئوية في تناقص كبير ، فنسبة الأسر التي يعمل الأب فيها بينما تبقى الأم في البيت لرعاية الأطفال ، أصبحت تمثل 30% من العوائل في أميركا و 11% في بريطانيا ، كما ارتفع في الوقت نفسه نسبة الذين يعيشون حياة زوجية دون رابطة قانونية ، ففي بريطانيا ازدادت نسبة النساء اللاتي يعشن مع رجل دون رابطة رسمية من 8 % علم 1981 إلى 20% عام 1988 .
وكان من هذه النتائج أيضاً تقليل معدلات الولادات ، ورفع نسبة الطلاق وانتشار ظاهرة الأمومة المنفردة والعنف المنزلي الذي كثيراً ما يستدعي تدخل الدولة لتخليص المعنفة ، وظهور مشكلة المسنين التي أصبحت أحدث مظهر من مظاهر تحلل روابط الأسرة التي لا تكن للمشاعر العائلية أي اعتبار .(58/113)
أخيراً ، المرأة عندنا متخلفة ؟ نعم ،قد يكون ذلك واقعاً جزئياً وليس وهماً ، المرأة عندنا مهضومة الحقوق ؟ نعم ، فإنه في مجتمعات ابتعدت بصورة أو بأخرى عن هدي الإسلام لا بد أن يحدث مثل ذلك ، ولكن هل هي وحدها التي تعاني ؟ والرجل ما شأنه ؟ إنه أيضاً متخلف في عديد من مجالات الحياة ، إنه أيضاً مهضوم الحقوق في كثير من الصور ( ويعاني )... فليست مشكلة المرأة عندنا في حجابها ... ولا في قضية عملها ، ولا في قضية التزامها ببيتها وزوجها وأولادها ... إن مشكلة المرأة ومشكلة المجتمع بعامة عندنا تتلخص بأنه من الضروري أن يتنور كل من الرجل والمرأة وأن يتعلّما ، وينفّذا قواعد الإسلام ، وعندئذ يستطيع المجتمع المؤلَّف من الرجل والمرأة تحديد ما يريد بناء على بصيرة ونور من هدي رب العالمين " .
==============(58/114)
(58/115)
من عبدالله بن محمد الداوود إلى قاسم بك أمين - رحم الله أموات المسلمين -
سليمان بن صالح الخراشي
أكتب لك بعد مائة سنة من رحيلك عن الحياة، حينما رأيت وجهك على غلاف مجلة صدرت عام (1928م) ، وتحتها مكتوب أنهم أقاموا احتفالاً بمرور عشرين عاماً على وفاتك.
لقد علمتُ من كاتبة المقال (هدى شعراوي) أنك عشت ثلاثاً وأربعين سنة -فقط-، كان هذا الرقم سبباً لكي يقشعرَّ جلدي، لقد أهلكت شبابك حتى اللحظة الأخيرة في محاربة الحجاب، وتزيين السفور، والدعوة للاختلاط بين النساء المسلمات، لكن قطع الموتُ عليك الطريق، فلم تستمتع ولم تذق من اللذات والشهوات ما يكفي، فصرت أول من دعا لإفساد المرأة المسلمة، وأنت أقلُ من استمتع بها، وجاء بعدك زمان صار (الإنسان العفيف) يرى من الأجساد العارية، ويسمع من الأصوات الماجنة، ما لم تره أنت في عصرك أو تسمعه، وإن عدد ما استمتعت به من رؤية النساء أقلُّ مما يراه المتعففون الآن؛ لفساد الحال، وأبشِّرك بالذي يسوؤك في قبرك، ويخلع القلب رهبة، أن آراءك تبعها أناس حملوا لواء الإفساد في أمة صلى الله عليه وسلم ، وجعلوا من كتبك ومن سيرتك قدوة لهم، فأنت مثلهم الأعلى في التمرد على شرع الله -عز وجل-.
لقد شاعت الفاحشة في الذين آمنوا بسببك، فبعد موتك بسنين انتشر الخنا، وأبيح الزنا، وشاع الفساد، واستمتع الناس ببعضهم في الحرام، فهل ذقت من الشهوات ما ذاقوه؟! بل لعلك الآن تلاقي في قبرك أوزاراً مع أوزارك، ولا تدري من أين أتاك كل هذا؟، ولعلك الآن تُحاسب عن لذاتٍ لم تذقها، فغيرك ذاق واستمتع أضعاف ما ذقته، وأنت تحاسب عن جميع ما أجرموه بسببك.
قالت عنك (هدى شعراوي) إنك رحلت للدراسة في أوروبا بعدما أكملت من عمرك عشرين سنة، وحين أنهيت الدراسة في بلاد النصارى، جئت فخوراً بشهادة التخرج بين يديك، ولكنك أيضاً جئت وبين جوانحك عزماً أكيداً على أن تصنع من بلادنا، ومن أهلنا، ونسائنا ، أنموذجاً أوروبياً، فهل كان هذا هو أقصى أمانيك؟! بئست الأماني وقبحها الله من أهداف!!، ألم يؤلمك ما في أوروبا من سبِّ لله -سبحانه وتعالى-؟!؛ حيث كنت ترى الصليب منتصباً في كل مكان يهتف بأن لله ولداً، وأنه ثالث ثلاثة؟! تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً؛ ألم يحترق قلبك؛ لأن الملايين من الناس يسجدون لغير الله، ويعبدون سواه بالليل والنهار؟!، تركت هذا كله ونظرت -فقط- لواقع نسائهم واختلاطهم.
وحين زيَّنه الشيطان لك، وأعجبك جئت لتنقله إلينا؛ كما فعل عمرو بن لحيِّ الخزاعي حين أُعجب بالأصنام، ونقلها إلى مكة؟!، وأنت صنعت مثله، فنقلت أصنام الكفر والفكر إلى بلد المسلمين.
كنتَ تستدل على قضيتك ومطالبتك بأدلة من الكتاب والسنة، فعن أي دين كنت تتحدث؟، وفي أي مكان تعلَّمت ذلك الدين؟!، هل أتيتنا تحدثنا عن إسلام لا نعرفه، وجلبته لنا من أوروبا بعدما تعلمته هناك؟! يؤسفني أن أوروبا جاءتنا بعد موتك بست سنوات فقط عام (1914م) معلنة علينا الحرب العالمية الأولى؛ جاءت بخيولها، ودبَّاباتها، وجيوشها، بعد أن أرسلت أفكارها، ومفاهيمها، وتصوراتها قبل ذلك ، معك ومع أمثالك، فمزَّقت دولتنا، وسلبت خيراتنا، وذبَّحت أبناءنا، وهتكت أعراضنا، وسامتنا سوء العذاب، وهؤلاء هم الذين أعجبوك، وانبهرت بهم، وطالبتنا أن نجعل منهم قدوةً لنا.
لقد أكمل اليهود مسيرتك في إفساد المرأة، وتحبيب السفور والاختلاط لها، ومحاربة حجابها الشرعي؛ فالبداية المخادعة جاءت من كتبك، والخاتمة انفضحت على أيدي أناس لعنهم الله، وغضب عليهم؛ حيث جاء سفاح منهم وهو (مصطفى كمال أتاتورك)؛ ليقتل (خلافة المصطفى صلى الله عليه وسلم ) بعد موتك بستة عشر عاماً فقط عام (1924م) ، فأسقط الخلافة الإسلامية، وألغى الشريعة، وأمر بخلع الحجاب، وطاف أنحاء تركيا مع زوجته سافرةً، وهذا بالضبط ما كنت تنادي به وتتقطع حسرات على نشره، حقاً لقد أشعرت اليهود (بنشوة الانتصار) وسكرة الفوز، حينما أرسلوك جندياً لهم في بلادنا، فصار إرسال أبنائنا للتعلُّم من أوروبا واقعاً ملموساً حتى وقت رسالتي هذه إليك.
أطالع ملامحك الكردية، وأتذكر القائد الإسلامي الكردي (صلاح الدين الأيوبي) ؛ الذي حرر فلسطين من أيدي الصليبيين، وأنت تجرُّ المرأة المسلمة؛ لتكون أسيرةً في أيدي الصليبيين، ويراودني سؤال لك ولكن الزمان لا يعود، فلا أدري هل كنت مغفلاً مخدوعاً، واستعملوك لأهدافهم، فرجعت إلينا لتقوم بأداء الدور بسذاجة؟!، أم أنك كنت تعقل وتدرك أنك تقوم بإفساد أمةٍ سعى إلى صلاحها صلى الله عليه وسلم ، فقدَّم روحه، وماله، ووقته، وكل ما يملك؛ من أجل أن يصلح الناس ويهتدوا، فجئت بعده بأكثر من ألف سنة لتفسد ما أصلحه، والله -سبحانه وتعالى- يقول: ( ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها...) .(58/116)
يا قاسم بك أمين ! كبرت مصيبتك من بعدك، فللأسف لم تفسد مصر وحدها بسببك وأمثالك؛ بل إن إفسادك استشرى بعد موتك من حيث لم تحتسب، فالتابعون لك والمؤيدون لفكرتك علوا في الأرض، وأنفقوا أموالهم وجهودهم في محاربة الفضيلة والعفاف، وساهموا في ترويج الرذيلة إلى بلاد الشام وإلى بلاد المغرب، والعراق، والخليج، وأنحاء العالم الإسلامي، فها أنا من بلاد الحرمين أرى بيننا ألف قاسم وقاسم.
يا قاسم بك أمين ! كان أولى لنا أن ننصب من موتك عبرةً في قلوبنا، وفي إعلامنا، بدل الاحتفال بمرور عشرين سنة على وفاتك، حتى تكون لحظاتك الأخيرة زاجراً لمن أراد الفساد والإفساد، ففي ليلة الثالث والعشرين من أبريل في نادي المدارس العليا، كنت تقوم بتقديم فتياتٍ رومانياتٍ كما يكتبه عنك أحمد لطفي السيد، فأصابتك السكتة القلبية في ذلك النادي وعلى تلك الصفة، فهل ستبعث يوم القيامة وأنت ممسك بأيديهنّ للتحرُّر وبغض الحجاب؟!، والإنسان يُبعث على ما مات عليه، ما أتعس هذه الخاتمة، وما أظنُّ عاقلاً يشتاق لمثل هذه الميتة؛ (سكتة قلبية في حفلة رقصٍ ماجنةٍ مختلطة) .
وأعوانك يحتفلون ويمتدحون ويمجِّدون تاريخك وتمرّدك، لكنهم لن يغنوا عنك من الله شيئاً، ولن يقدِّموا لك في قبرك من الأعمال خيراً، لقد ضل سعيهم في الحياة الدنيا، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً.
مضى قرن من تاريخ أمة صلى الله عليه وسلم بعد موتك، مائة سنة أصاب الأمة فيها الكثير من الفجور والانحلال والخور لم يسبق له مثيل، فنحن في قرن ضاع فيه أقصانا، وبقي في يد اليهود أكثر من نصف قرن ونحن صامتون، واغتصبوا أعراض بناتنا، ونسائنا، وأمهاتنا، ونحن صامتون، واستباحوا دماءنا وذرياتنا ونحن صامتون، ونهبوا ثرواتنا، واحتلّوا أراضينا ونحن صامتون، فهل ترى يا قاسم بك أمين في كل هذه الأحوال أننا فقط ينقصنا تحرير المرأة؟!، ولماذا لم ينادِ أتباعك من العلمانيين، والشهوانيين، بتحرير القدس ولو في سطرٍ يتيم من كتاباتهم الكثيرة، تلك الكتابات التي قتلوا أنفسهم في الحديث عن تحرير المرأة؟!، أم أن تحرير القدس يُغضب أسيادهم اليهود؟!
بل فات عليكم جميعاً، أن تنادوا ولو بحرف واحدٍ عن تحرير العبيد الأرقاء حقيقة، الذين كانوا ينتشرون من حولكم في كل العالم الإسلامي آنذاك، أليست مناداتكم بتحريرهم من (الرق والاستعباد) ، هو من المطالب الشرعية المستحبَّة، وخصوصاً أنه يطيب لكم أن ترتدوا مشلح التقوى، عند حديثكم عن تحرير المرأة؟!.
لقد أصبحت أجساد المسلمات المؤمنات تتراقص عارية متمايلة يستمتع برؤيتها الفاسق والفاجر، والمسلم والكافر؛ وأدهى من هذا فظاعة وحسرة أن يتهافت المسلمون على رؤية المسلمات بقلوب باردة، وتسابق مخمور بالغفلة، فلا تتحرك نفوسهم بالغيرة، ولا يستشعرون أنها مسلمة عبث بعقلها اليهود، وأن هذه المرأة وقعت ضحيَّة حرب مؤلمة تنهش في جسد الأمة بغير سلاح، فهل أتباعك يا قاسم بك أيضاً في كل هذه الأحوال يرون أننا لا ينقصنا إلا تحرير المرأة في البلاد الوحيدة التي بقيت صامدة أمام خلع الحجاب؟!.
أكلت جسدَك الأرضُ، وبقيت تحت ترابها أضعاف الزمن الذي مشيته فوقها، فهل تطاول عليك العمر؟! وهل -فعلاً- وجدت أن حماسك العنيف لقضية التحرير يستحق كل ما فعلته؟!
يا قاسم بك أمين ! عاشت مبادؤك وأفكارك بعدك في صراع مع الدين وأهله، وللأسف طغى أصحابك وعلوا في الأرض؛ حتى صار (البغاء الرسمي) معلنا تدعمه بعض الحكومات في أرض الإسلام، وابتعد الناس عن الدين والتمسك بالإسلام، ولكن الصراع باقٍ بين الخير والشر، فأكرم الله -سبحانه وتعالى- أناساً حين أكرمهم بالدفاع عن دينه وسنّة نبيه، فنالهم ما نالهم من الأذى، وسيكرمهم الله بكرمه وهو أكرم الأكرمين، وماتوا ولم تمت صحوتهم، ومات أتباعهم أو قتلوا؛ لتحيا دعوتهم ويخرج الله -سبحانه وتعالى- النور من بين الظلمات، فأصابت أصحابك صفعةٌ أليمةٌ في رجوع الناس إلى الدين المتأصِّل في النفوس، وعاد الحجاب الذي نذرت نفسك لحربه، وكانت روعة رجوعه من نساء تمسَّكن به، وقد عشن في بلاد الكفار؛ ليرسموا لنا قدوةً في صبرهنَّ وانتصارهن رغم كل المعوقات، ثم كانت صفعةٌ أخرى لك ولمن تبعك؛ في توبة أنصارك من الفنانين والفنَّانات؛ ليصبحوا مشاعل للنور؛ يضيئون ما خسفته، ويدفنون ما حفرته، ويبنون ما هدمته، ( كتب الله لأغلبنَّ أنا ورسلي إن الله قوي عزيز ) .
يا قاسم بك أمين ! في الختام أقيمت مدرسة تحمل اسمك لتمجيدك، وتخليد ذكراك، فيكون في طالباتها للمؤمنين عبرةٌ، وابتسامة البداية للفوز والغلبة؛ حيث تروي الأخبار الموثوقة أن جميع الطالبات في مدرسة قاسم أمين الإعدادية للبنات لبسن الحجاب عام (1992م)؛ مقتنعات بفريضته، مؤمنات أن الحجاب صيانةٌ، وتكريم، وتشريع، بل إن قلوبنا تخفق طرباً حينما وصلت نسبة المحجبات في مصر إلى 80%، فالحجاب هو الأصل، وليس الاستثناء؛ بل وأزيدك وأعوانك غيظاً بأن نسبة المحجبات في الجامعة الأمريكية بالقاهرة تصل إلى نحو 30%، وهذه بداية النهاية لواحدة من معارك الإسلام مع خصومه، والعاقبة للتقوى ".
تعليق(58/117)
ماسبق منقول من كتاب صدر حديثًا بعنوان " هل يكذب التاريخ ؟ - مناقشات تاريخية وعقلية للقضايا المطروحة بشأن المرأة " ، للأستاذ الأديب : عبدالله بن محمد الداوود - حفظه الله - ، صاحب الكتاب الشهير " مُتعة الحديث " . وقد حشد - وفقه الله - مجموعة من الوثائق والصور التي توضح بدايات حركة تغريب المرأة المسلمة ، وتطورها في البلاد العربية ، ثم ناقش أهم دعاوى متبعي الشهوات في بلادنا ، تاريخيًا وعقليًا . فالكتاب جدير بالاقتناء ،
================(58/118)
(58/119)
خطبة جمعة ( تعليق عما نشر في مجلة قطوف )
التاريخ : 1/11/1421هـ
عبدالرحمن بن محمد بن علي الهرفي
الداعية بمركز الدعوة بالمنطقة الشرقية
إنِ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ :
" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ"
" يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا "
" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا ، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا " أَمَّا بَعْدُ :
فَإِنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ وَخَيْرُ الْهُدَى هُدَى مُحَمَّدٍ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ ـ وَشَرُّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٌ
أيها المسلمون :
إني قبل عامين تقريبا وقفت على هذا المنبر وألقيت خطبةً عن سماحة شيخنا العلامة عبدالعزيز ابن باز ـ رحمه الله وغفر له ـ وكان مما قلته في حينها ومَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ فَسَيَرَى اخْتِلافًا كَثِيرًا وسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ وها قد رأينا الاختلاف الكثير فهذه المنكرات تترا والمصائب على الأمة تتلاحق ولا عالم يقوم بحق الله تعالى فيأمر بالمعروف وينهى عن المنكر كقيام الشيخ ـ رحمه الله ـ .
وكلما مات عالم ظهر جاهل وفاسق والله هو حسبنا ونعم والكيل .
أيها المسلمون :
لعل كثيرا منكم اطلع على ما نشر في مجلة قطوف في عددها الثاني والثلاثين حيث نشرت تحقيقا تدعو فيه لإقامة مسابقة ملكة الجمال في المملكة العربية السعودية وقامت هذه المجلة بعمل لقاءات مع عدد من النسوة من مختلف مناطق المملكة ووصفت بنات كل منطقة فبنات المنطقة الفلانية أجمل شعور وتلك أجمل نحور وتلك أجمل عيون وهكذا .
وهذا الجريدة وإن كانت تطبع في قبرص ولكنها سعودية فكل محرريرها من أهل هذه البلاد أفتقبل يا عبدالله أن توصف بنتك ويوصف جسدها ويطالب مجموعة من الفسقة بأن تقف بناتنا على الحلبة كأنهن بهائم تعرض حتى يتلذذ بهن من شاء ؟؟؟
وإن من المغالطات والكذب على الذقون قول المحرر أن أول شرط لملكة الجمال في السعودية أن تكون ذات دين !!!!!!! ذات دين !!!!!!
أي دين تتكلم ؟؟ دين عباد الشيطان ؟؟ أو دين عباد الأوثان ؟ أو دين عباد النار ؟
أنا أسألك أيها المحرر عن أي دين تتكلم عن دين محمد بن عبدالله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ ـ الذي قال لأصحابه " أَتَعْجَبُونَ مِنْ غَيْرَةِ سَعْدٍ لَأَنَا أَغْيَرُ مِنْهُ وَاللَّهُ أَغْيَرُ مِنِّي "
إن كلمة متدينة تشبه تماما علبة السمك التي كتب عليها ذبح حلال .
كل شيئ يريدونه موافقا للشريعة ولكن شريعة من ؟؟؟ هنا السؤال
وسبق وأن نشرت جريدة الشرق الأوسط خبر اختيار أجمل توأم في جدة في العدد رقم : ( 7905 ) الصفحة ( 18 ) وكان مما جاء في الخبر : وتقدم لها الكثير من الأسر ولم تقف المشاركة على سن معينة بل شاركت فيه جميع الفئات العمرية !!!! . وكانت الصورة المنشورة لفتاتين بالغتين .
إن هؤلاء يجبون نشر الفساد ويصدق عليهم قول الله سبحانه وتعالى : " إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ ءَامَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ "
وقضية محاولة أفساد المرأة السعودية بشكل خاص وكل المسلمات بشكل عام مازالت قائمة على قدم وساق ويسمونها بغير اسمها يقولون تحرير المرأة كما يسمون الخمر بالمشروبات الروحية والربا بالفوائد البنكية والعبرة بالحقائق لا بالأسماء .
ولنسمع مقولات بعضهم لنرى كيف يفكر هؤلاء وليلاحظ كل واحد منا انهم يعنون بكلامهم إخراج المرأة من عصمة الرجل حتى تكون بلا ولي والمطالبة بكشف وجهها الذي يتبعه كشف جسدها .
قال أحدهم : (( لقد تطور دور المرأة في المجتمع الإنساني ، وبقيت المرأة السعودية أسيرة قيود اجتماعية أُلبست لباساً دينياً أو أخلاقياً ، والدين والأخلاق من هذه القيود براء))(58/120)
وقال الآخر : (( علينا إذاً تحرير المرأة من كثير من قيود العادات والتقاليد ، وكثير منها لا أصل شرعي لها ، بل جاءتنا من عهود السلاجقة والعثمانيين … وعلى سبيل المثال فإن كشف الوجه مسألة خلافية … )) فمسألة تغطية الوجه جاءت من السلاجقة ! والله سبحانه يقول : " يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا "
وقال ثالث : (( … وهل يجوز أن تبقى المرأة تابعة للرجل بعد أن حررها الإسلام من عبودية الجاهلية ، وأعطاها حتى حق تطليق نفسها ، وبذلك تكون العصمة في يدها )) .
وهم مستعدون لإفساد بناتنا ولو بالقوة ويطالبون بهذا :
قال أحدهم : (( التوسع في مجالات عمل المرأة يقتضى تغيير القيم الاجتماعية البائدة التي تسيطر على بعض العقول .. وتغيير كهذا يستدعى المجابهة والمواجهة )) .
وقال آخر : (( إن الحساسية في التعامل مع المرأة في المجتمع السعودي لن يكون إلا بالمواجهة)) .
وكل ما نقلته كان من خلال صحف سيارة تصدر من بلدنا وهذا سماحة الشيخ العلامة إمام أهل السنة في زمانه يقول عن مقالة نشرت في صحيفة من صحفنا :
(( ولقد دهشت لهذا المقال الشنيع ، واستغربت جداً صدور ذلك في مهبط الوحي ، ….. ، وعجبت كثيراً من جرأة القائمين على هذه الجريدة ، حتى نشروا هذا المقال الذي هو غاية في الكفر والضلال والاستهزاء بكتاب الله وسنة رسول صلى الله عليه وسلم ، والطعن فيهما )) .
ثم ذكر الإمام - رحمه الله - وصفاً لهذه الجريدة فقال : (( وليس هذا ببدع على القائمين على هذه الصحيفة ، فقد عُرفت بنشر المقالات الداعية إلى الفساد والإلحاد والضرر العظيم على المجتمع ، كما عُرفت بالحقد على علماء الإسلام والاستطالة في إعراضهم والكذب عليهم )) .
وقال ـ رحمه الله ـ : (( ولم تعلق الصحيفة شيئاً في إنكار هذا المقال ، فعلم بذلك رضاها به وموافقتها عليه )) .
ثم قال : (( إن هذه الصحيفة قد تجاوزت الحدود ، واجترأت على محاربة الدين والطعن فيه بهذا المقال الشنيع ، جرأة لا يجوز السكوت عنها . ولا يحل … الإغضاء عنها ، بل يجب قطعاً معاقبتها معاقبة ظاهرة ، بإيقافها عن الصدور ، ومحاكمة صاحبة المقال والمسئول عن تحرير الصحيفة ، وتأديبهما تأديباً رادعاً ، واستتابتهما عن ما حصل منهما ، لأن هذا المقال يعتبر من نواقض الإسلام ، ويوجب كفر وردة من قاله أو اعتقده أو رضى به ، لقول الله سبحانه " قل أ بالله وءايته ورسوله كنتم تستهزءون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم.." الآية ،فإن تابا وإلا وجب قتلهما لكفرهما وردتهما )) .
لم تقف عملية افساد المرأة على أهل الأهواء في بلادنا فقط بل تحركت دول خارجية لدعمهم ونصرتهم فما زال أهل الفساد ينصر بعضهم بعضا فهذا تقرير للبيبي سي تقول فيه :
تشير التقديرات إلى أن عشرة بالمئة من الشركات السعودية الخاصة تديرها نساء ، وهي ظاهرة لم تكن موجودة على الإطلاق منذ بضعة عقود وقد ساهمت شبكة الإنترنت في تمكين النساء السعوديات من العمل غير أن التقاليد المحافظة للمجتمع السعودي لا تزال تضع الكثير من العراقيل أمام عمل المرأة ومن الأمثلة على بنات الجيل الجديد من سيدات الأعمال الذي بدأ في الظهور في المملكة سيدة تدعى حصة …. ، ويضم فريق العمل الذي ترأسه حصة رجالا ونساءً رغم مناقضة ذلك للتقاليد السائدة في المملكة العربية السعودية ، وتقول حصة : إنها بعد أن أمضت سنوات عديدة في الدراسة والعمل في الولايات المتحدة الأمريكية تجد نفسها غير قادرة على الالتزام بتقاليد الفصل بين الجنسين في العمل ، وذكرت أن أسلوب العمل الذي اعتادت عليه في الولايات المتحدة يجعلها لا تفرق بين الرجال والنساء عند اختيارها لموظفيها، وأن المعيار الوحيد في اختيارها لعناصر فريق عملها هو الكفاءة .
إن كل هؤلاء يدعون أن الحجاب عادات وتقاليد بائدة ويردون أنهم دعاة قضية تحرير المرأة من قيود الرجل وحماية المرأة من تعسف الرجل وهم يريدونها سلعة يلعبون فيها كما قال أحدهم ( إننا وإن كنا نتمنى أن نرى المرأة تسبح في الشواطيء فإن خروجها متنقبة يعد تقدم بالنسبة لنا ) فهم يريدونها عارية قابلة لكل خبيث مثلها ، وأولئك النفر الذي خططوا لتمزيق حجاب المرأة المسلمة في المملكة وما زالوا يخططون "وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ "(58/121)
قال تعالى : " يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ(64) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَءَايَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ(65) لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ(66) الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ(67) وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ (68) كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلَاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلَاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلَاقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ "
الخطبة الثانية
الحمد لله نحمده ونستعينه ونصلى على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه أما بعد :
فالواجب علينا عباد الله أن نقف من هذه المجلة وقفة حازمة وموقف رائد حتى تقف هي وغيرها عن مثل هذه المهازل وعن نشر الفسق والفساد بين عباد الله جل وعلا وأرى أن يكتب لهم عبر البريد ويتصل بهم عبر الهاتف ويكتب لمعالى وزير الاعلام لمنع صدروها وبيعها في المملكة . وهذا واجب كل مسلم غيور على دينه ولو كان شابا في الخامسة عشر أو شيخا في السبعين .
وأهمس في أذن من يهمه الأمر فأقول لهم : إن استمرار الأمر على هذا المنوال ليس في صالح أحد من أهل هذه البلاد بل من صالح من يريد خرابها وبوراها وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِنْ لا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ .
وليعلم كل أحد إن اللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ .
استفدت كثيرا من بحث تحرير المرأة في السعودية
http://mypage.ayna.com/alha r fi/TH r E صلى الله عليه وسلم zip
======================(58/122)
(58/123)
دور المرأة المسلمة في مواجهة التغريب
تمر أمتنا الإسلامية في الوقت الحاضر بمرحلة في غاية الخطورة هي محاولة إرساء التغريب في أرضها وإحكام الهيمنة عليها من قِبَلِ أعدائها. والتغريب هنا هو تحويل الثقافة العربية والإسلامية من عقيدة وسلوك، وعادات وتقاليد إلى ثقافة وعادات وتقاليد تابعة للغرب مخالفة تماماً لعقيدتنا وتراثنا الإسلامي، ومن ثم تصبح الهيمنة على أمتنا والسيطرة عليها واحتواؤها سهلاً ميسوراً؛ بحيث تخضع خضوعاً تاماً لما يريده الغرب، الذي يحاول جاهداً دون كلل أو ملل بث أفكاره وثقافته بكل السبل التي يستطيع الدخول من خلالها.
وهذا التغريب قائم على أبحاث ودراسات حشدت لها كل الطاقات والإمكانات لكي تطبق على المسلمين، منها ثقافية وفكرية، ومنها نظم سياسية واقتصادية بعيدة كل البعد عن الإسلام وتشريعاته، مما يؤدي في النهاية بالمجتمع الإسلامي إلى أن يتشبع بالفكر الغربي وثقافته وحضارته المعادية للإسلام، فيقضي على شخصية المجتمع وولائه لدينه وأمته، ويصبح من السهل قيادته وتنفيذ كل ما يطلب منه. والأمثلة على ذلك كثيرة، ومن أهمها ما يتعلق بشؤون المرأة.
ولما كان للمرأة المسلمة أهمية كبيرة في تربية الأجيال ولها تأثيرها المباشر في تنشئتهم على الإسلام عقيدة وسلوكاً، فقد أعطى أعداء الإسلام أهمية قصوى لمحاولة تغريبها والتركيز عليها؛ وذلك من خلال الدعوات البراقة الكاذبة التي انخدع بها كثير من أبناء وبنات أمتنا... تلك الدعوات المسماة بالتحرر وانتزاع الحقوق، وطلب المساواة بينها وبين الرجل!
فإذا استجابت المرأة المسلمة لدعوتهم تلك فسيؤدي ذلك حتماً إلى إفسادها ثم إلى فساد المجتمع وتدميره بأقصر الطرق وأسرعها؛ لما لها من تأثير فعال في ذلك، مما لا يستطيع أن ينكره عاقل.
ومن المؤسف حقاً أن نجد فئة من نسائنا قد انجذبت وانساقت لتلك الأباطيل، فتبنت أفكارهم المضللة تلك، والدعوة لها، وعشن بتبعية كاملة لهم فكرياً واجتماعياً وسلوكياً، مقلدات المرأة الأوربية تقليداً أعمى دون إدراك أو تفكير بحيث ينطبق عليهن حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (لتتبعن سنن من كان قبلكم شبراً بشبر وذراعاً بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه، قيل: يا رسول الله! اليهود والنصارى؟ قال: فمن؟)(1).
ولقد غاب عن وعي أولئك النسوة أن الظروف الاجتماعية والقانونية والتاريخية التي واجهت المرأة الأوربية مختلفة تماماً عمّا واجهته المرأة المسلمة؛ فالمرأة هناك تعيش مجتمعاً قائماً على قوانين من وضع البشر وليست شرائع ربانية؛ فكان هناك انتهاك وهضم لحقوق المرأة مما جعلها تثور وتتمرد لتحصل على حقوقها.
أما المرأة المسلمة فقد أعطاها الإسلام حقوقها كاملة منذ أربعة عشر قرناً؛ فيحق لها أن تفخر وترفع رأسها عالياً بتلك الحقوق التي لم تحصل عليها كثير من النساء في أكثر البلدان التي تدعي الحضارة والتقدم إلى الآن.
لقد كرم الإسلام المرأة أحسن تكريم، ورفع مكانتها ووضعها في المكان اللائق بها، ولم يفرق بينها وبين الرجل، بل ساوى بينهما في الحقوق والواجبات، والثواب والعقاب. ولا أدري ـ والله ـ ما هي الحقوق التي تطالب بها المرأة المسلمة؟ وقد أعطاها الإسلام كامل حقوقها الدنيوية والأخروية.. أما الدنيوية: فمنها حق التعلم والعمل، وحق التملك والتصرف بملكها وتجارتها دون تدخل من زوج أو أب. كما أعطاها حق اختيار الزوج؛ وحق الخلع إذا لم توفق بزواجها. ومن حقها أيضاً المحافظة على اسم عائلتها بعد الزواج؛ وذلك بعكس المرأة الأوربية التي تحمل اسم عائلة زوجها بعد الزواج. وأيضاً أُعطيت المسلمة حق الإرث فهي ترث وتورث، يقول ـ تعالى ـ: (لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الوَالِدَانِ والأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَّفْرُوضاً) [النساء: 7].
وأما حقوقها ومساواتها مع الرجل في الأجر فقد بينه قوله ـ تعالى ـ: ((فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى)) [آل عمران: 195]. وقوله ـ تعالى ـ: (إنَّ المُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ والْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً) [الأحزاب: 35]. وبعد ذلك: ماذا تريد المرأة أكثر من هذا؟
وهنا سؤال يطرح نفسه: ما هو المطلوب من المرأة المسلمة أن تفعله؟(58/124)
المرأة المسلمة اليوم مطالبة أكثر من أي وقت مضى أن تكون سلاحاً في وجه أعدائها؛ وذلك من خلال رفضها لكل الدعوات الكاذبة والخادعة التي ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب، متمثلة قوله ـ تعالى ـ: (قُلْ يَا أَيُّهَا الكَافِرُونَ(1)لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ) [الكافرون: 1، 2].
فعلى المرأة المسلمة أن تقف سداً منيعاً إلى جانب الرجل المسلم في وجه ما يخطط للأمة الإسلامية من خلالها، فلا تكون عوناً لأعدائها وأعداء أمتها؛ بل يجب عليها أن تعي وتدرك ما يدور حولها من خطط لإبعادها عن دينها ورسالتها في هذه الحياة وتهميش دورها في بناء مجتمعها الإسلامي، وإشغالها بتوافه الأمور، وإضاعة وقتها في تتبع ما تبثه الفضائيات، وما تنشره المجلات الهابطة من عروض للأزياء وآخر الموديلات من مكياج وعطورات، ومتابعة أخبار الفنانين والفنانات!
إنه من المؤلم حقاً أن نرى إلحاح الإعلام المرئي والمقروء على جعل تلك الشخصيات الفنية قدوة لأخواتنا وبناتنا المراهقات.. وما كثرة استضافتهن على شاشات التلفزيون وصورهن على أغلفة المجلات وداخلها، غير تأكيد على ذلك؛ وكأن الدنيا قد خلت إلا من هؤلاء!
إن أكثر ما يغيظ الغرب هو تمسك هذه الأمة بدينها؛ فدعوتهم إلى تحرر المرأة المسلمة والمتمثل عندهم بخلعها الحجاب واختلاطها بالرجال حتى يعم الفساد في المجتمع الإسلامي ما هو إلا دليلاً كبيراً على ما يكنه الغرب لنا من عداء؛ فلن يهنأ لهم بال ولا يستقر لهم حال حتى نترك ديننا ونعيش بتبعية كاملة لهم منفذين رغباتهم وأمانيهم التي لا تنتهي إلا باتباع ملتهم كما أخبرنا به ـ سبحانه وتعالى ـ بقوله: (وَلَن تَرْضَى عَنكَ اليَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ) [البقرة: 120].
فالواجب على المرأة المسلمة أن تعود إلى إسلامها وتتمسك به بكل قوة، وتعيش تعاليمه كلها منهجاً وسلوكاً، وتطبقها على نفسها أولاً ثم على من هم تحت رعايتها. فلا بد أن تعلم المرأة المسلمة قبل كل شيء أن الإسلام كلّ لا يتجزأ؛ عقيدة، وعبادة، ومنهج حياة؛ فإذا أرادت أن تأخذ منه ما يطابق هواها وتترك ما يغايره فإن هذا ينقض العقيدة وسلامتها. يقول ـ تعالى ـ: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ) [الأحزاب: 36]. لذلك يجب عليها أن تلتزم التزاماً كاملاً بما أمرها الشرع من حقوق وواجبات، والبعد عن كل ما نهاها عنه قبل أن يستشري الداء ويزيد البلاء، فيعمنا الله بعقابه في الدنيا من قبل أن نلقاه. كما قال ـ تعالى ـ: (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَذِينَ ظَلَمُوا مِنكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ العِقَابِ) [الأنفال: 25].
ومن الواجب على المرأة المسلمة أيضاً أن تعمل على تثقيف نفسها والتسلح بالعلم الشرعي، وذلك من خلال حضورها لبعض الدروس الشرعية المتاحة في مجتمعها، وسماعها للأشرطة المأمونة المتوفرة في السوق، وكذلك تلاوتها للقرآن وتدبر آياته وحفظ ما تيسر منه، وخصوصاً آيات الأحكام، وكذلك الآيات الكونية، والاطلاع على كتب التفسير والسيرة حتى يساعدها ذلك على أداء مهمتها في الدعوة لهذا الدين العظيم، ذلك الدين الذي جعلنا خير أمة؛ لأنها تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر كما قال ـ تعالى ـ: (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَاًمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ المُنكَرِ) [آل عمران: 110] فإن وجدت في نفسها الكفاءة والقدرة للدعوة لهذا الدين العظيم في محيط مجتمعها فينبغي ألا تدخر جهداً في ذلك؛ فهذا واجب عليها. فإن لم تستطع فبإمكانها الدعوة بين أقربائها وجيرانها، فإن لم تستطع فيكفيها أن تنشئ أبناءها على العقيدة السمحة، وتربيهم التربية الصالحة، وتبث في نفوسهم حب هذا الدين والولاء له والبراء من أعدائه، وأن تشرح لهم معنى قوله ـ تعالى ـ: (لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ...) [المجادلة: 22] لأننا اليوم في أمسّ الحاجة لكي يعلم أبناؤنا ما يخططه لنا الغرب الصليبي واليهود الحاقدون ومن شايعهم في محاولتهم الخبيثة لتذويب شخصية شبابنا المسلم في بوتقة الانحراف، وإبعادهم عن هويتهم الإسلامية الصحيحة؛ ففي هذه الظروف التي نراها الآن وتعيشها الأمة الإسلامية وقد تداعت عليها الأمم كما تداعت الأكلة على قصعتها، نرى أمتنا وقد هانت على أعدائها وتكالبوا عليها لتضليل أبنائها ونهب ثرواتها وخيراتها.. فهم كما نرى يصطنعون الأحداث في بلادنا ويضعون لها الحلول.. يخططون وينفذون ما يريدون؛ ففي مثل هذه الظروف يجب أن تتكاتف الأيدي جميعاً.(58/125)
فلتكن المرأة المسلمة عوناً للرجل تسانده وتشجعه بالدعوة لهذا الدين والذود عنه، فلا تضيع وقتها فيما لا يعود عليها ولا على أمتها بالخير؛ فالعمر هو الوقت، والمسلم سوف يسأل عن عمره فيما أفناه، يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (لا تزول قدما ابن آدم يوم القيامة حتى يُسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وعن رزقه من أين اكتسبه وفيما أنفقه، وعن علمه ماذا عمل به)(2).
فعلى المرأة المسلمة الحذر كل الحذر من أن تقع في شراك أدعياء تحرير المرأة؛ فإنهم يهدفون من وراء ذلك الطعم اصطيادها وتحللها من دينها وقيمها وأخلاقها؛ وحينها تكون ذيلاً لهم وتابعة ذليلة لمناهجهم.
إن الأمر جد خطير؛ فلا بد من تعبئة كل القدرات وتهيئتها وتضافر الجهود وبذل الطاقات من أجل صحوة دينية نسائية صادقة هادفة تقوم على أسس هذا الدين ومبادئه؛ فقد آن الأوان لكي نرد لهذا الدين عزته، وللمؤمنين كرامتهم؛ فنحن أحق بأنفسنا من التبعية للأجنبي الغريب، بل نحن أحق بقيادة هذا العالم؛ لأن ديننا صالح لكل زمان ومكان، وهو ينشر العدل والأمن والسلام بين البشر وميزانه: (إنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) [الحجرات: 13] و (لا فضل لعربي على أعجمي ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى).
فللّه العزة ولرسوله والمؤمنين... ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز.
الهوامش :
(1) البخاري: كتاب الأنبياء، حديث (50) وكتاب الاعتصام، حديث (14). ومسلم: كتاب العلم، حديث (6).
(2) الترمذي: كتاب القيامة، حديث رقم (1).
=============(58/126)
(58/127)
استجيبوا لربكم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له واشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له واشهد أن محمد عبده ورسول صلى الله عليه وسلم
أما بعد
أخواتي أحييكن بتحية الإسلام ، تحية أهل الجنة فالسلام عليكن ورحمة الله وبركاته ..
يقول عز وجل .
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ) [ سورة الأنفال ، الآية : 24]
ويقول تعالى : (قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِّنْ عِندِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَا أَتَّبِعْهُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ) [سورة القصص ، الآية : 49-50 ] ما معنى هذه الاستجابة التي يدعونا الله والرسولل إليها إنها بلا شك تعني الانقياد لما أمر الله ورسوله والمبادرة إلى ذلك والدعوة إليه ، والاجتناب لما نهيا عنه والانكفاف عنه والنهي عنه " (1)
هذه هي الأركان الأربعة التي لا بد من توفرها في أمر الاستجابة وإلا كان الشخص ناقص الاستجابة . إن الاستجابة تعني الاستسلام فالمستسلم له ولغيره والمعرض عن الاستجابة مستكبر .
" إن هذه الخطايا ما سلمنا منهما ولن نسلم ، ولكن الخطر إن تسمح للشيطان إن يستمر ذنبك ويرابي في خطيئتك أتدري كيف ذلك ؟!!
يلقي في روعك إن هذه الذنوب خندق يحاصرك فيه لا نستطيع الخروج منه يلغي في روعك إن هذه الذنوب تسلبك أهلية العمل للدين والاهتمام به .. وهكذا يضخم هذا الوهم في نفسك حتى يشعرك انك فئة والمتدينون فئة أخرى وهذا .. حيلة إبليس ينبغي أن يكون عقلك اكبر وادعس من أن تمرر عليه .." (2)
أختي المسلمة لو كان الأمر كذلك ما انتصر الدين ، ومن منا لا يسلم من الذنوب والخطايا لكن المذنب ينبغي أن لا يتمادى في ذنبه وليعلم أن عليه مسئولية عظيمة تجاه دينه .
ما هي هذه الحياة التي دعانا إليها ربنا سبحانه عز وجل إنها العقيدة التي تحي القلوب والعقول وتخلصها من ظلمات الجهل والشرك إنها دعوة إلى الشريعة ربانية تحرر الإنسان وتكرمه دعوة إلى منهج حياة متكامل دعوة إلى القوة والعزة والاستعلاء بعقيدة الإسلام ومنهجه .
" لأنه لا نافع إلا الله ولا ضار إلا الله وهو المحي المميت وهو صاحب الحكم والسلطة والسيادة ومن ثم ينزع من القلب كل خوف إلا منه سبحانه فلا يطاطيء الرأس أمام احد من الخلق ولا يتضرع إليه ولا يتكفف له" .. باختصار من كتاب مبادئ الإسلام نقلا عن الولاء والبراء ص 51.
" أما المشركون والكفار فإنهم يقضون حياتهم على أماني كاذبة فمنهم من يقول نحن أبناء الله وأحباؤه فلن يعذبنا بذنوبنا ومنهم من يقول : إنا سنستشفع عند الله بكبرائنا واتقيائنا ومنهم من يقدم النذور والقرابين إلى آلهته زاعما انه قد نال بذلك رخصة في العمل بما يشاء . أما الملحد الذي لا يؤمن بالله فيعتقد انه حر في هذه الحياة الدنيا غير مقيد بشرع الله وإنما إلهه هواه و شهوته وهو عبدهما " المرجع السابق ص 52 .
لقد عانت المجتمعات المعاصر الكثير من الفوضى والشقاء لأنها فصلت بين الدين والمجتمع وها هي ذي صورة لما أصاب المجتمعات المعاصرة من تنكرها لدين الله الصحيح فقد سجلت الإحصائيات والدراسات أرقاما مفزعة عن حوادث السقوط والانهيار الفردي والجماعي .. ندون منها ما يلي :
- جريمة كل ثلاثين ثانية في نيويورك .
- تتعرض 9 فتيات للعصب والاختطاف من أصل كل 12فتاة في بريطانيا وان رجال الأمن تمكنوا من القبض على 13% من الجناة فقط .
- الجرائم ارتفعت بنسبة 84% خلال سنوات قليلة ..
- مجموعات من الشبان والفتيات - دون العشرين - يقفون يومياً أمام المحاكم بتهمة ارتكاب أبشع الجرائم ...
وإذا كانت هذه الأرقام الناطقة تقدم لنا حقائق مذهلة عن أوضاع الحضارة المادية الأخلاقية والاجتماعية فان أرقاما أخرى ترسم لنا صورة المأساة الاقتصادية ... فقد شهدت الإحصائيات الدولية بما يلي : أن في العالم الآن أربعمائة إنسان يعانون الموت البطيء بسبب الجوع .. وان أكثر من خمسة ملايين إنسان يموتون كل عام من الجوع .. وفي نفس الوقت يؤكد كافة الخبراء والباحثين إن الولايات المتحدة الأمريكية وحدها قادرة على إطعام هذه الملايين التي يهددها الموت البطيء .. ولعل اصدق دليل على ذلك التصريح ما أدلى به وزير الزراعة الأمريكية في احد أحاديثه حين قال : " إذا قتلنا نصف عدد الكلاب أو القطط التي عندنا فان ما نوفره من طعام من جراء ذلك في إمكانه إن يسد حاجة جميع الأفواه الجائعة في العالم "(1)(58/128)
نشرت مجلة الأسرة في عددها 51 جمادى الآخرة 1418 تقريرا بعنوان " إذا الإيمان ضاع " ذكرت فيه أرقام مذهلة للتحلل اللاخلاقي التي أصبح يعيشه العالم الغربي حتى أصبح أكثر من ثلث المواليد الجدد يأتون من الزنا وان نسبة حالات الولادة الناجمة عن الزنا بلغت في السويد 52.5% وفي أمريكا 49.9% وفي فرنسا 34.9% وفي بريطانيا 33.6% ..
" وحسب آخر الإحصاءات فان أكثر من 60% من الامريكين تحت سن الخمسين لا يرون إن الزواج ضرورة في هذا العصر بل يرون إن للعيش الحيواني فوائد ، وانه أمر محمود ، بينما يرى قطاع أوسع إن الارتباط الحيواني يقلل من المسئولية الاقتصادية تجاه الأزواج .. هذا الرأي يستند إلى حقيقة فرعية وهي أن أكثر من ثلث الامريكين اليوم يعيشون تحت سقف الفاحشة " (2)
وكان لهذا الوضع المأساوي نتائج وخيمة منها :
1- انحدار مستوى الأطفال البائسين اجتماعيا وارتفاع مستوى الأمراض النفسية.
2- ارتفاع نسبة الإجهاض .
3- شيوع الايدز بين النساء .
4- انخفاض مستوى الإنجاب لا سيما بين البيض وانحسار ظاهرة الزواج المبكر.
5- ارتفاع مستوى العنف الداخلي بين المتعاشرين حيوانيا.
6- ارتفاع مستوى تعاطي الكوكاين والكحوليات والسجائر .
7- صعوبة السيطرة على المراهقين في الأجواء التي يتحلل فيها الكبار من الفضيلة (1)
تلك صورة لهذه المتجمعات التي بعدت عن منهاج ربها ، فهل يغتر بهم أبناء المسلمين ويتخذونهم قدوة لهم بحالهم هذه ولكن حقا .. ليس بعد الكفر ذنب .
يقول تعالى : ( واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه ... ) الآية أي " فإياكم أن تردوا أمر الله أول ما يأتيكم فيحال بينكم وبينه إذا أردتموه بعد ذلك ، وتختلف قلوبكم فان الله يحول بين المرء وقلبه ويقلب القلوب حيث شاء ويصرفها أنى شاء فليكثر العبد من قول ( يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك ) (2)
عن انس بن مالك قال كان رسول ا صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول : " يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك " قالوا : يا رسول الله آمنا بك وبما جئت به فهل تخاف علينا؟ قال : " القلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف شاء "
يقول المستشرق شاتليه في كتابه ( الغارة على العالم الإسلامي )
"إذا أردتم أن تغزوا الإسلام وتحصدوا شوكته وتقضوا على هذه العقيدة التي قضت على كل العقائد السابقة واللاحقة والتي كانت السبب الرئيسي لاعتزاز المسلمين وشموخهم وسبب سيادتهم وغزوهم للعالم ، فعليكم أن توجهوا جهود هدكم إلى نفوس الشباب المسلم بإماتة روح الاعتزاز بماضيهم وتاريخهم وكتابهم وتحويلهم عن ذلك بنشر ثقافتكم وتاريخكم ونشر روح الإباحية وتوفير عوامل الهدم المعنوي وحتى لم نجد إلا المغفلين منهم والسذج والبسطاء فانه يكفينا ذلك لان الشجرة يجب أن يتسبب قطعها احد أغصانها " (1)
أمثلة للاستجابة من حياة السلف :
لقد ضرب الصحابة الكرام والسلف الصالح أروع الأمثلة في الاستجابة لأمر الله وتقديم رضا الله عز وجل على هوى النفس وشهواتها ومن تلك الأمثلة الرائعة :
1- قصة زواج جليبيب رضي الله عنه أخرجها الإمام احمد في المسند وابن حبان عن انس قال : "خطب صلى الله عليه وسلم على جليبيب امرأة من الأنصار إلى أبيها ، فقال حتى استأمر أمها فقال النبي : فنعم إذن قال : فانطلق الرجل إلى امرأته فذكر ذلك لها فقالت : لا ها الله ( لا والله ) إذن ما وجد رسول ا صلى الله عليه وسلم إلا جليبيبا وقد منعناها من فلان وفلان . وقال والجارية في سترها تستمع . قال : فانطلق الرجل يريد أن يخبر صلى الله عليه وسلم بذلك فقالت الجارية : أتريدون إن تردوا على رسول ا صلى الله عليه وسلم أمره ؟ إن كان قد رضيه لكم فانكحوه ، فكأنها جلّت عن أبويها ( أي كشفت وأوضحت أمرا خفي عليهما ) وقالا : صدقت . فذهب أبوها إلى صلى الله عليه وسلم فقال : إن كنت قد رضيته فقد رضيناه قال: فاني رضيته فزوجها بينما الني r في مغزى له وأفاء الله تبارك وتعالى عليه ، فقال صلى الله عليه وسلم " هل تفقدون احد " قالوا نفقد فلانا ونفقد فلانا ، فقال صلى الله عليه وسلم " لكني افقد جليبيبا فانظروه في القتلى " فنظروه فوجدوه إلى جنب سبعة قد قتلهم ثم قتلوه. قال : فوقف صلى الله عليه وسلم فقال : قتل سبعة ثم قتلوه هذا مني وأنا منه " ثم حمله رسول ا صلى الله عليه وسلم على ساعديه ، ماله سرير غير ساعدي رسول ا صلى الله عليه وسلم حتى حفر له ثم وضعه في لحده . وحدث اسحق بن عبد الله بن أبي طلحة ثابتا قال : هل تعلم ما دعا لها رسول ا صلى الله عليه وسلم يقصد زوجة جليبيب قال : اللهم صب عليها الخير صبا ، ولا تجعل عيشها كداكدا " قال : فما كان في الأنصار أيم انفق منها ".
2- قصة زينب بنت جحش رضي الله عنها وزواجها من زيد بن حارثة رضي الله عنه وكان مولى .
3- موقف الصحابة رضي الله عنهم عند تحريم الخمر .
4- موقف الصحابيات رضي الله عنهن عند نزول آية الحجاب .
5- ابتلاء أصحاب صلى الله عليه وسلم بالصيد .
تنبيهات :(58/129)
يقول البعض إذ أمر بأي أمر من أمور الشريعة أنا لم اقتنع لا بد من القناعة في ذلك الأمر ثم استجب له . والرد على هذه الدعوى أن نقول لهؤلاء الأشخاص أن الإسلام قد أمرنا بأعمال العقل وذم الذي لا يستعملون عقولهم في آيات كثيرة من القرآن تصل إلى قرابة الخمسين آية . ولكن لا يعني ذلك أعمال العقل بلا حدود لان هناك أمور لا مجال لأعمال العقل فيها . والإنسان إذا دخل في الإسلام واقر بان لا اله إلا الله وان محمدا رسول الله ومعنى ذلك انه استسلم وخضع لجميع ما تقضية ( لا اله إلا الله وان محمد رسول الله ) فإذا ردَّ شيئا مما تقضيه هذه الكلمة كان معنى ذلك انه يناقض مضمون ما عقده مع الله . نضرب مثالاً ولله المثل الأعلى لو أن هناك عبدا يقر بالعبودية لسيده ثم إذا كلفه ذلك السيد بأي أمر من أموره لم يخضع ولم يقبل ذلك الأمر وقال لسيده برره لي ولماذا طلبته ولو حصل ذلك لكان ذلك موجباً للعقاب له من سيده .
وهكذا شهادة المرء على رضاه بأن محمداً رسول الله معناه قبول أي أمر يأتي به ذلك الرسول عن مبلغه وفقه الله جل وعلا (1)
موانع الاستجابة
1- شبهات
2- شهوات
قال ابن القيم رحمه الله - ( الفتنة نوعان : فتنة الشبهات وهي أعظم الفتنتين وفتنة الشهوات وقد يجتمعان للعبد . وقد ينفرد بإحداهما)
والشبهات تتلخص في :
1- ترك الحق
2- الجهل به
3- عدم إصابة الحق بسبب فهم فاسد أو تأويل فاسد .
وأما الشهوات فمنشأها
عدم الصبر على الطاعة لغلبة هوى (1) ويعلل الكثير ارتكابه لكثير من المحرمات والمحظورات الشرعية بحجة أن هذا ضرورة شرعية وان الضرورات تبيح المحظورات ، وهذا جهل منهم فالضرورة هي تلك الحاجة التي يتعرض فيها الإنسان إلى الخطر في دينه أو نفسه أو عقله أو عرضه أو ماله فيلجأ لكي يخلص نفسه من هذا الخطر إلى مخالفة الدليل الشرعي الثابت "(2) وما عدا ذلك فلا يعد ضرورة .
قال تعالى : (فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ) [القصص، الآية:50]
" أي فاعلم إن تركهم إتباعك ، ليسوا ذاهبين إلى حق يعرفونه ، ولا إلى هدى ، وإنما مجرد إتباع لأهوائهم ( ومن ا ضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله ) فهذا من أضل الناس حيث عرض عليه الهدى والصراط المستقيم الموصل إلى الله والى دار كرامته فلم يلتفت إليه ولم يقبل عليه " (3)
3- تقليد الإباء والأجداد وان كانوا على ضلال ونجد أن في القرآن الكريم كثيرة تنهى وتحذر من تقليد الإباء والأجداد والتكرار يفيد الأهمية ومن ذلك قوله تعالى : (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللّهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ ) [البقرة ، الآية:170] وقوله تعالى : (وَإِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً قَالُواْ وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءنَا وَاللّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء أَتَقُولُونَ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ) [الأعراف، الآية : 28] ومن التقليد تقليد المترفين من أصحاب الأهواء قال تعالى : ( وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ) [الزخرف ، الآية : 23] وقال تعالى : ( وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَن نَّكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَندَاداً وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَجَعَلْنَا الْأَغْلَالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ كَافِرُونَ )[سبأ، الآية : 33-34]
4- التقليد :
ومن ذلك 1- تقليد الكفار من يهود ونصارى وغيرهم مع منافاة ذلك لعقيدة الولاء والبراء التي توجب بغضهم وذمهم وكراهيتهم . قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله "إن المشاركة في الهدي الظاهر تورث تناسيا وتشاكلا بين المتشابهين يقود إلى موافقة ما في الأخلاق والأعمال وهذا أمر محسوس فان اللابس لثياب أهل العلم مثلا - يجد في نفسه نوع انضمام إليهم واللابس لثياب الجند المقاتلة مثلا يجد في نفسه نوع تخلق بأخلاقهم ويصير طبعة متقاضيا لذلك " (1)
" فالمسلم الذي يتشبه بالكفار ، بأي نوع من أنواع التشبه الظاهر في لباسه أو عاداته أو حركاته فان ذلك في الغالب يدل على انه لديه شعور باطني - إن لم يجاهر به - صورة من يتشبه بهم ، فان التشبه إنما يصدر عن إعجاب ، وإحساس بتفوق الآخرين عليه " (1)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله -(58/130)
" فإذا كانت المشابهة في أمور دنيويه ، تورث المحبة والمولاة فكيف بالمشابهة في أمور دينية فان إفضاءها إلى نوع من الموالاة أكثر واشد والمحبة والموالاة لهم تنافي الإيمان " (2)
" وهذا الأمر كذلك ندركه الآن بين المتفرنجين الذين يعشقون الحياة الغربية فأكثرهم يحمل أفكارا واعتقادات غربية عن الإسلام بل قد تكون هدامة تنافي العقيدة الإسلامية الصحيحة فاعتقادهم أن القوانين الغربية متفوقة على الشريعة الإسلامية ثم تطبيقهم لهذا اعتقادهم أن الإسلام دين عبادة فحسب ، ولا صلة له بحياة الناس وعلاقاتهم وازدرائهم للمتمسكين بالإسلام "(3)
ومن الأدلة على تحريم التشبه بهم قوله تعالى : ( ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّهُمْ لَن يُغْنُوا عَنكَ مِنَ اللَّهِ شَيئاً وإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ ) [الجاثية، الآية : 18-19]
وقوله تعالى : ( وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ ) [البقرة، الآية:120]
وفي الحديث : "من تشبه بقوم فهو منهم " رواه أبو داود وصححه الألباني .
وعن عبد الله بن عمرو : " من بنى بأرض المشركين وصنع نيروزهم ومهرجانهم وتشبه بهم حتى يموت وهو كذلك حشر معهم يوم القيامة "
وفي الحديث الصحيح " لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرا شبرا وذراعا ذراعا حتى لو دخلوا جحر ضب تبعتموهم " قلنا يا رسول الله : اليهود والنصارى " قال : فمن؟
قال الشيخ إبراهيم الدويش حفظه الله " وحدثتني بعض الأخوات فتبين لي العجب العجاب من الضياع والحرمان الذي تعيشه بعض بنات المسلمين وللأسف تقول احدهم وقد كانت احد العابثات بالهاتف فتقول ان أعيش في محنة كبيرة شديدة لا يعلمها إلا الله فأنام وأصحو وأنا ابكي أحس أن الدنيا ضيقة وأخاف أن يكون هذا الإحساس قنوط من رحمة الله وان لا أريد ان أكون كذلك تقول وان أحقق صدق توبتي بالصبر والثقة بالله وانه سينجيني من هذه المعصية ويخلفني خير منها وأنا حتى كتابة هذه الكلمات ابكي من شدة ما أجد من ضيق وكل شيء يذكرني بالماضي ولا أجد الراحة والطمأنينة إلا في الصلاة والدعاء وتلاوة القرآن وهذه من الصعوبات التي تواجهني في هذه الفترة واسأل الله تعالى ان يغفر ذنوبي .. إلى ان قالت كنت أقول في نفسي أمعقول ان يعود واحد إلى الله بسبب محاضرة أو شريط سمعه أو موقف بسبط .. "أ.هـ وقد تابت هذه الأخت بعد سماعها لمحاضرة ألقتها احد الأخوات في كليتها ز. وختمت رسالتها بقولها دموع ساخنة من أخت تائبة " (1)
قال ابن كثير رحمه الله في تفسير قوله تعالى : (ومن اعرض عن ذكري فان له معيشة ضنكا ..) "أي في الدنيا فلا طمأنينة له ولا راحة لان صدره ضيق حرج لضلاله وان تنعم ظاهره وإن أكل ما شاء ولبس ما شاء وسكن ما شاء لان قلبه ان لم يخلص إلى الهدى واليقين فان قلبه في حيرة وشك وهو مازال يتردد في ريبة فهذا من ضنك العيش . "أ.هـ كلامه رحمه الله .
من ثمرات الاستجابة :
للاستجابة ثمرات كثيرة منها ما هو في الدنيا ومنها ما هو في الآخرة ، فإنما ثمراتها العاجلة فمنها :
1- الحياة الطيبة وانشراح الصدر وطمأنينة :
" ان من خصائص الإيمان انه يثمر طمأنينة القلب وراحته وقناعته بما رزق الله وعدم تعلقه بغيره وهذه هي الحياة الطيبة فان أصل الحياة الطيبة : راحة القلب وطمأنينة وعدم تشوشه مما يتشوش منه الفاقد للإيمان الصحيح " (1) وفي الحديث "عجبا لأمر المؤمن ان أمره كله خير ان أصابته سراء شكر فكان خيرا له وان أصابته ضراء صبر فكان خيرا له وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن "
" لان المؤمن بالله الإيمان الصحيح المثمر للعمل الصالح .. معهم أصول وأسس يتلقون فيها جميع ما يرد عليهم من أسباب السرور والابتهاج ، وأسباب القلق ولهم والأحزان يتلقون المحاب والمسار بقبول لها وشكر عليهما واستعمال لها فيما ينفع فإذا استعملوها على هذا الوجه احدث لهم من الابتهاج بها و الطمع في بقائها وبركتها ورجاء ثواب الشاكرين أمورا عظيمة .
أسامة الراضي ذكر في محاضرة له وهو مدير المستشفى الأمراض النفسية يقول طوال مدة بقائي في المستشفى لم يأتني عالم يقول إني مريض نفسي
2- لذة العبادة :
في الحديث الصحيح ( ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان ان يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما وان يحب المرء لا يحبه إلا لله وان يكره ان يعود في الكفر كما يكره ان يقذف في النار )
" اخبر r في هذا الحديث ان للإيمان حلاوة في القلب إذا وجدها العبد سلته عن المحبوبات الدنيوية وعن الأغراض النفسية وأوجبت له الحياة الطيبة فان من أحب الله ورسوله لهج بذكر الله طبعا - فان من أحب شيئا أكثر من ذكره - واجتهد في متابعة الرسول وقدم متابعته على كل قول وعلى إرادة النفوس وأغراضها .. " (1)(58/131)
ما الذي جعل سمية وعمار وصهيب يصبروا تحت وطأة التعذيب ..؟
لاشك إنها لذة الإيمان وعزة المؤمن وتمسكه بإيمانه .
" مالنا نحن لا نعتز بإيماننا هذا الاعتزاز ؟ مالنا لا نثق به هذه الثقة ؟ مالنا تهتز قلوبنا لأدنى حركة للريح ؟ هل هذا الإيمان الذي نعيشه الآن هو الإيمان نفسه الذي عاشوه وأحبوه ؟ هل البلاء في الأشخاص أو في الزمان أو في الإيمان ؟
إن الإيمان هو الإيمان والزمان هو الزمان والأشخاص هم الأشخاص لم يتغير شيء لكن الذي اختل فقط هو العلاقة بين الشخص والإيمان أنهما لم يلتقيا بعد اللقاء الحقيقي المطلوب " (2)
احتضرت نفيسة بنت الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب وهي صائمة فألزموها بالفطر والحوا وابرموا فقالت " وأعجبا منذ ثلاثين سنة أسال الله تعالى ان ألقاه وأنا صائمة افطر الآن ! هذا لا يكون ثم قرأت سورة الأنعام وكان الليل قد هدأ فلما وصلت إلى قوله تعالى ( لهم دار السلام عند ربهم وهو وليهم بما كانوا يعلمون ) غشي عليها ثم شهدت شهادة الحق وقبضت إلى رحمه الله " (3)
وكانت زجلة ذات صلاح وعبادة محدثة " كلمها نفر من القراء لما رأوها تجهد نفسها بالعبادة فقالوا أرفقي بنفسك فأجابتهم : مالي وللرفق بها إنما هي أيام مبادرة فمن فاته اليوم شيء لم يدركه غدا والله لأصلين لله ما افلتتني جوارحي ولاصومن لله أيام حياتي ولأبكين له ما حمل الدر عيني " (4)
3- الاعتباط بولاية الله الخاصة التي هي أعظم ما تنافس فيه المتنافسون واجل ما حصله الموفقون ( ألا ان أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون الذين امنوا وكانوا يتقون ) (5)
4- الثبات على دين الله
5- الانتفاع بالمواعظ والتذكير بالآيات قال تعالى ( وذكر فان الذكرى تنفع المؤمنين) : وقوله تعالى ( ان في ذلك لآية للمؤمنين )
6- الإيمان الصحيح يمنع العبد من الوقوع في الموبقات المهلكة كما ثبت في الصحيح " لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن "
وفي الآخرة دخول الجنة خالدين فيها أبدا .. " ( وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُواْ فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ عَطَاء غَيْرَ مَجْذُوذٍ)(1)
{مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِّن مَّاء غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاء حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعَاءهُمْ }محمد15
{وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاء فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ }الزمر73-74 .
{وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ }الزمر 71-72 .
رزقنا الله وإياكن الاستقامة على دينه والاستجابة لأوامره ، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المراجع :
1- تفسير ابن سعدي
2- رسائل إلى الأحبة للطريري
3- الإسلام وحاجة البشرية إليه .
4- اعترافات متأخرة .
5- الاستقامة لشيخ الإسلام ابن تيمية .
6- إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان لابن القيم .
7- اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أهل الجحيم لابن تيمية .
8- أصول وضوابط في مجانبة الكافرين .
9- التوضيح والبيان لشجرة الإيمان لابن سعدي .
10-الوسائل المفيدة في الحياة السعيدة لابن سعدي
11-في بناء الشخصية الإسلامية .
12-أعلام النساء .
13-مجلة البيان العدد 117 .
14-الوقت عند المرأة .
15-مجلة الأسرة العدد 51 .
(1) تفسير ابن سعدي ( 3/156)
(2) رسائل إلى الأحبة للطريري 7-8 .
(1) الإسلام وحاجة البشرية إليه 12-19.
(2) مجلة الأسرة العدد 51 جمادى الآخرة 1418هـ .
(1) انظر المرجع السابق ص 33.
(2) تفسير ابن سعدي (3/156)
(1) اعترافات متأخرة (2/70)
(1) انظر في بناء الشخصية الإسلامية ص 17-24 .
(1) انظر الاستقامة (1/39) وانظر إغاثة اللهفان (1/165-167) ، وانظر مجلة البيان العدد 117 .
(2) انظر الموافقات للشاطبي ، (2/8) نقلا عن مجلة البيان العدد 102.
(3) تفسير ابن سعدي (6/32)(58/132)
(1) اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أهل الجحيم ص 81 .
(1) أصول وضوابط في مجانبة الكافرين ص 24 .
(2) اقتضاء الصراط المستقيم ص 222
(3) المرجع السابق ص 27
(1) شريط المحرمون .
تقول إحدى الفتيات التي ذاقت مرارة الحرية المزعومة واسمها مارلين مونرو قبل انتحارها وهي أشهر ممثلة إغراء في رسالتها التي أودعتها صندوق الأمانات في احد البنوك . نصيحة للفتيات جاء فيها : " .... احذري المجد .. احذري كل من يخدعك الأضواء .. إني أتعس امرأة على هذه الأرض .. لم استطع ان أكون أما إني امرأة أصبحت أفضل البيت الحياة العائلية الشريفة على كل شيء .. ان سعادة المرأة الحقيقة في الحياة العائلية الشريفة الطاهرة، بل ان هذه الحياة العائلية لهي رمز سعادة المرأة بل الإنسانية لقد ظلمني الناس وان العمل في السينما يجعل المرأة سلعة رخيصة "
ومن اجل هذه الحرية الموهومة والمساواة المزعومة طالبت حركة تحرير المرأة في بريطانيا ليلة تتويج ملكة الجمال هناك : بإحراق هذا العالم الذي صنعه الرجل وحملت أكثر من ثلاثمائة امرأة لافتات كتب عليها :
نحتج على سوق اللحم البشري ، ولقد أصبحت المرأة لعبة الرجل " دليل الطالبة المؤمنة ص 23-24 .
* للتأمل ذكر ابن بطوطة ان احد الحلفاء العباسيين قد غضب على أهل بلخ فبعث إليهم من يغرمهم الغرم فأرسلت إلى الخليفة امرأة غنية بثوب لها مرصع بالجواهر صدقة عن أهل بلخ نصف حالهم فذهب به الموفد إلى الخليفة وألقاه بين يديه وقص عليه القصة فخجل الخليفة وقال : ليست المرأة بأكرم منا وأمر برفع الغرم عن أهل بلخ ، ويرد ثوبها عليها فلما رجع إليها الموفد بثوبها سالت : أوقع بصر الخليفة على هذا الثوب ؟ قال : نعم قالت لا البس ثوبا أبصر غير ذي محرم مني وأمرت ببيعه فبني منه المسجد والزاوية ورباط في مقابلته وفضل من ثمن الثوب مقدار ثلثه فأمرت بدفنه تحت بعض سواري المسجد ليكون هناك متيسرا ان احتيج إليه ان اخرج . رحالة العرب ص 100 .
(1) التوضيح والبيان لشجرة الإيمان لابن سعدي ص 76 .
(1) التوضيح والبيان لشجرة الإيمان ص 21-22 .
(2) في بناء الشخصية الإسلامية 14-15 .
(3) انظر أعلام النساء (5/189) .
(4) الوقت عند المرأة (14-15) .
(5) يونس : آية 62-63 .
() هود : آية 108 .
===============(58/133)
(58/134)
مفرقعات كلامية
بسم الله الرحمن الرحيم
الخطبة الأولى
( الم . غلبت الروم . في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون . في بضع سنين لله الأمر من قبل ومن بعد ، ويومئذٍ يفرح المؤمنون . بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم )
إن أمتكم أيها المسلمون أمة منصورة ، أمة كتب الله لها البقاء ، أمة كتب الله لها الظهور على مر العصور ، إنها موعودة بوعد رباني ، و عهد نبوي ، يقول الله جل الله : ( ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز ) ويقول سبحانه ( والعاقبة للمتقين ) ويقو صلى الله عليه وسلم : " لا تزال طائفة من أمتي على الحق منصورة لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم "
ولما قام أسلافنا الأوائل بعوامل النصر ، و أوجدوها على أرض الواقع ، نصرهم الله في فترة وجيزة ، لقد كانوا يترجمون مثاليات الإسلام إلى واقع عملي ، فأصبحوا كأنهم قرآن يمشي على الأرض ، يروي الصحابة عن أنفسهم يقولون : لم يكن أحدنا يستكثر من القرآن ، إنما كنا نتعلم عشر آيات لانزيد عليهن حتى نعمل بما فيهن ، فتعلمنا القرآن والعمل جميعاً (1) .
فقد كانت كلمات القرآن وجمله بالنسبة لهم المنهج اليومي الذي يتلقاه المسلمون ليعملوا به فورا ، لا يتخلف منهم أحد ولا يتباطأ إنسان ، بل يتسابقون إلى ذلك ويتلقونه كما يتلقى الجندي في ثكنته ، أو في ميدانه ،أمر القائد فيعيه ويفهمه ويقوم مباشرة إلى التنفيذ .
ولذا برز جيل الصحابة رضي الله عنهم عندما أدركوا هذه القضية ، قضية الاهتمام بالعمل والمبادرة إليه وإن كان قليلا ، ورسخت في قلوبهم ، ولذلك حملوا على كواهلهم أعباء هذا الدين ودعوة الناس إليه ، واستعذبوا في سبيله أسمى آيات الصبر والتضحية ، وواصلوا ليلهم بنهارهم ، حتى حققوا لهذا الدين انتشاره ، ولهذا الدين انتصاره ، فما بين عشية وضحاها ، قامت للمسلمين دولة ، وتأسست لهم قيادة ، وأخضعوا لحكمهم المملكتين العظيمتين فارس والروم ، وامتد ظِلهم إلى بلاد السند شرقا ، وبلاد الروس شمالا ، ودخلت في عهدهم بلاد الشام ومصر وأفريقيا ، وذلك كله في خمس وثلاثين سنة ، وفي عهد بني أمية استبحر ملكهم ، وامتد سلطانهم ، وقد استطاع خليفة من خلفاء المسلمين أن يصور للعالم بسطة العالم الإسلامي ، فلم يجد غير أن يخاطب السحابة التي تمر به ولا تمطره ، فيقول هارون الرشيد : "أمطري حيث شئت فإن خراجك سيُحمل إلينا "
أيها الأفاضل :
إذن فيوم قام المسلمون بنصرة دينهم ، وجاهدوا أعداءهم بالحجة والبيان ، والسيف والسنان ، عزوا وسادوا ، و أذل الله تعالى لهم أعداءهم ،وكبت عدوهم ، وصارت العاقبة لهم ، وفتحت لهم الدنيا ، فحازوا كنوز كسرى وقيصر .
لابد أن ندرك أيها الأكارم أن هذه الأمة تمتلك مقومات السيادة والريادة ،فأي دين أعظم من دينها ، وأي شريعة أكمل من شريعتها ، وأي منهاج أكمل من منهاجها ، وأي نبي أكرم من نبيها ؟! وأي كتاب أعظم من كتابها ؟! وأي لغة أسمى من لغتها ؟!!
وإذا أتينا إلى العوامل الأرضية ..فإذ أرضها أفضل الأراضي ، وإذا بثرواتها أكثر الثروات ، وإذا بأعدادها تفوق المليار !! فلماذا إذن أمة المليار ذليلة مهينة ؟!! لماذا أمة المليار أصبحت أقل الأمم شأنا ، وأحقرها مكانا ، لماذا أصبحنا في مؤخرة الركب ، وفي ذيل القافلة ؟!!
أيها المسلمون :
ألا إن من أسباب ذلك والذي ستكون وقفتنا معه هذا اليوم ؛ أننا أصبحنا أمة صاحبة مفرقعات كلامية ، وظاهرة صوتية ، يطلقها الواحد منا في المجالس والمنتديات ، ثم يعود إلى حياته اليومية ، وكأن شيئا لم يكن !! لقد تخلى بعضنا عن العمل وأصبح همه القول والكسل .فماذا يجدي الكلام بلا عمل مدروس ؟! هل يعيد الكلام حقا ضائعا ، وحمى مستباحا ؟!! وهل يرد غازيا ؟! لقد كان الإمام مالك بن أنس رحمه الله يعيب كثرة الكلام ويقول : "لا يوجد إلا في النساء أو الضعفاء" وصدق القائل :
دقّ العدوّ من الحروب طبولا … لكنْ قذفناه صدىً وعويلا
ماذا عسانا لو أثرنا ضجةً … أتعيد موتى أو تردُّ قتيلا
لم تُرجع الأقوالُ حقاً ضائعا … أو أسرجتْ يوم الجهاد خيولا
ما أكثرَ الندّابَ عند مصابنا … صاروا إذا اشتد البلاءُ فلولا
إنا اكتفينا من صراخٍ لم يكنْ … عند النوائب باترا مسلولا
الفعل والتخطيط أصدقُ همةً … وأجلُّ مقدارا وأحسنُ قيلا
أيها المسلمون :
لقد امتلأت الساحة بالكلام ، لكن أين الذين يعملون ؟ أين الذين يتحركون بصمت ؟أين الذين ينظمون و يخططون ويفكرون ؟ أين الذين يعملون بهدوء وروية ؟ أين الذين يسهرون في الأسحار لمعالجة أوضاع الأمة الكبار ؟ إننا لا ننكر وجود طائفة لكن كم نسبتهم ؟
إلى متى يظل هم الواحد منا الكلام في المجالس والمنتديات ولكن إذا جاء المحك ، وطلب منه العمل إذا به يتراجع ويتخاذل ، ويتعذر بأعذار واهية ، وحجج تافهة ؟
إننا نرى أُناسا فضلاء ؛ يتبرمون في مجالسهم من عورات المجتمع ونقائصه ، ولكن هل ترجموا تلك الأحاديث إلى برامج عملية لإصلاح الأوضاع ، والتغير بالجهد المستطاع ؟!!(58/135)
هل استفادوا من الجهد الذي بذلوه في حديثهم عن الأوضاع المأساوية لطرح الحلول الناجعة ، وتقاسم الأدوار فيما بينهم ، أم أنها أحاديث تنتهي بانتهاء المجالس فحسب ؟!!
لله درك يا فتى … لو كنت تفعل ما تقول
إننا أيها الأخوة نعمل..ولكن هذه الأعمال لا معنى لها ، فأحدنا يعمل في الوظيفة ليسدد أقساط البيت ويسكن في البيت لينام ويأكل ويشرب ، ويشرب ويأكل وينام ليستقوي على أداء العمل .... !، دوامة آلية ليس لها روح ، ولكن الغارق فيها قد يلهو حتى عن إدراك الخلل ... بل الخواء الذي يكتنفه .
أيها الأخ المبارك : سرح طرفك في كتاب الله تعالى لتقف على نماذج فذة ، وصورٍ رائعة من المبادرة إلى العمل ، دون التواني والكسل ،لقد ذكر القرآن قصة الرجل الذي جاء يسعى ليخبر موسى عليه السلام بما هم فرعون به فقال تعالى: (وجاء رجل من أقصى المدينة يسعى) لقد جاء هذا الرجل من أقصى المدينة فالمسافة بعيدة ، وجاء وهو يشتد ساعياً لضيق الوقت وخشية من تمكن العدو من موسى عليه السلام ، فهذا الرجل لم توهن إرادته العقبات ، ولم تثن عزيمته العوائق ، فلم يبق مكتوف اليدين ، ولم يقل لعل غيري يقوم بهذه المهمة ، ولم يقل أين دور العلماء ؟ أين عمل الأمراء ؟ بل قام هو بمبادرة من نفسه لتحذير موسى عليه السلام من كيد فرعون وبطشه .
وإبراهيم عليه السلام إمام الحنفاء ، خرج في أمة عم الشرك فيها وطم ، وعثت فيهم الوثنية وعبادة الأصنام ، فهل اكتفى بالشكوى ؟ هل اكتفى بالحوقلة ؟ كلا ؛ بل دعا وأنذر ، ووعد وحذر ، وحطم الأصنام بيده (وتالله لأكيدن أصنامكم بعد أن تولوا مدبرين ) .
وسألنا التاريخ هل في جعبته مواقف أخرى لأئمة الهدى ..فحدثنا قائلا كيف تنسون مواقف شيخ الإسلام ابن تيمية ، الذي جاهد المبتدعة بالحجة والبيان ، وجاهد التتار بالسيف والسنان ، لقد كان زمن شيخ الإسلام زمناً سيطر عليه الجمود ، وارتفعت فيه أصوات أهل الباطل ، مع هزائم متتابعة أمام التتار ، ولكنَّ شيخ الإسلام لم يسكت عن واقعه ؟ ولم يكتف بعيب الزمان ، وإلقاء اللائمة على غيره من المسلمين ، ولذا حفظ لنا التاريخ مواقف لشيخ الإسلام لا تنسى فرحمه الله رحمة واسعة .
أيها الفضلاء :
وإذا فتحنا صفحة أخرى لنطالع ما عليه أعداء الملة المحمدية ؛ إذ بنا نفاجأ بأنهم يترجمون أقوالهم عملياً ، ويخرجون من لقاءاتهم واجتماعاتهم بتوصيات تطبق على أرض الواقع .
قولوا لي أيها الناس أي أمة هي أحقر وأذل وأصغر وأقل من أمة يهود ؛ أعدادهم لا تتجاوز السبعة ملايين ومع ذلك استطاعوا أن يسيطروا على أقوى الأسلحة في العالم فأي دولة تمتلك رؤوساً ننووية كيهود ؟وأي دولة تملك السلاح الإعلامي كيهود ؟ وأي دولة تملك الأرصدة الفلكية كيهود ؟ فكيف وصلوا إلى ما وصلوا إليه ؟ هل وصلوا إليه بالمهاترات الكلامية ، والحوارات الفلسفية ؟
وكم يتعجب المرءُ عندما يرى أمة وثنية ؛ اتخذت من الشدائد منطلقاً لرقيها ومزاحمتها لأشد أعدائها,دون أن تستسلم للهزيمة النفسية ، والإحباط المعنوي .
فهذه اليابان جعلت من حطام قنبلتي ( هيروشيما , وناجازاكي ) وقوداً سريع الإنضاج , لما وصلت إليه من رقى, وتحضر في أمور الدنيا ؛ حتى أصبحت رقماً مهماً في المعادلة الاقتصادية الدولية ، ولم تجعل من تلك الهزائم, والفواجع وسيلة للبكاء , واستدرار عطف الآخرين .
وصدق عمر رضي الله عنه : "عجبا لجلد الفاجر وعجز المؤمن" ، أهل الشهوات يسعون بكل ما يملكون لتحقيق مآربهم ونحن نتقاعس عن نصرة ديننا ، وتحقيق مبادئنا ، هذا أحد دعاة تحرير المرأة المزعوم يقول "بأنه زار إحدى الجامعات الألمانية ، ورأى هناك من أوضاع الطلاب ما يندى له الجبين ، ثم قال : قلت في نفسي : متى أرى ذلك المنظر في جامعة أسيوط !! لكي تراه عيون أهل الصعيد ، وتتعود عليه ! ، وما زال هذا الخبيث الهالك بمساعدة إخوانه الساقطين في إصرار عجيب على الترويج للفحشاء وتبريرها(2) حتى حصل لهم ما أرادوا ولا حول ولا قوة إلا بالله" .
ونوال سعداوي .." تلك المرأة التي كانت تقول في مذكراتها بأنها إذا رأت امرأة متحجبة أثارت اشمئزازها ، وحركت أشجانها ، وهل تكتفي بذلك ؟ كلا ؛ بل كانت تقول عن نفسها :إنها لا تنام تلك الليلة التي رأت فيها تلك المشاهد حتى تعد محاضرة أو تكتب مقالا أو تهيأ كلمة !! لقد قالوا عنها : إنها كانت داعية لتحرير المرأة ،تستعمل الصوت والصورة ، والقلم والخطاب ، والمنبر والجريدة ، وكرسي الجامعة ، والندوة والسياسية ، ومعارضة الحكام ، ومساندة المحكومين ، والجمعيات النسائية والرجالية ، ومنابر الأمم المتحدة ، وكل الأبواق التي تتيسر أمامها لإيصال القضية التي تدافع عنها إلى أوسع شريحة من الجماهير" (3)هكذا يتحركون ، وهكذا يعملون ؟!! ونحن نرى في كل يوم ما يفطر الأكباد ، ويفتت الكبود ، ومع ذلك بعضنا لا يحرك ساكنا ، وكأن الأمر لا يعنيه لا من قريب ولا من بعيد ، فلا حول ولا قوة إلا بالله .(58/136)
ألم تعلم يا رعاك الله أن جنس الإنسان في خسار وبوار إلا من اتصف بصفات أربع ، وذكر منها العمل ، يقول الله تعالى :( والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر)
ولقد عاتب الله تعالى الذين يقولون ما لا يفعلون ، فقال سبحانه : ( يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون . كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون ) فأي قلب لا يتأثر بعد هذا العتاب ؟ وأي شعور لا يتمزق بعد هذا التأنيب ؟!!
وأقول لك كما قال الجنيد رحمه الله : "هب أنك لا تخاف ، ويحك ..ألا تشتاق ) هب أنك لا تريد العمل ، وتكتفي بالكلام ، ألا تشتاق ، ألا تشتاق أن تكون مباركا لهذه الأمة ؟ ألا تشتاق أن تكون عضوا فاعلا في مجتمعك ؟! ألا تشتاق أن تكون سبباً لتخفيف الشرور ؟! إذن كفى كلاماً وبدأ وقت العمل !!"
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم
الخطبة الثانية
أيها الأفاضل :
لقد جاء دور العمل ..العمل الذي يراد به وجه الله تعالى ، الموافق لسنة النبي صلى الله عليه وسلم . قال تعالى : (ليبلوكم أيكم أحسن عملاً ). فحسن العمل يدور على هذين القطبين ، أي : أكثر إخلاصاً لله ، وأكثر إصابة للشريعة ، والتزاماً بالمنهج ، قال الفضيل بن عياض في تفسير آية الملك : ( أحسن عملاً)0 :أي : أخلصه وأصوبه ؛ فإن العمل إذا كان خالصاً ، ولم يكن صواباً لم يقبل وإذا كان صواباً ولم يكن خالصاً لم يقبل ، فلا يقبل حتى يكون خالصاً صواباً .
أيها الأخوة الأكارم :
لقد سمعنا كثيرا ، وتكلمنا كثيرا ، فلنعمل ولو قليلا ..نعم جاء دور العمل المدروس ..جاء دور التطبيق ..وليبدأ كل منا بنفسه أولاً فيغير من واقعها ..ويصحح من مسارها ، فيؤدي الواجبات ، ويجتنب المحرمات (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ) ثم عليه أن يلاحظ المنكرات اليومية والتي ينبغي إزالتها من المجتمع ، فيساهم بكتابة الموضوعات النقدية في الصحافة ، ويقوم بإرسال رسالة ترد على موضوع ،أو يؤيد موقفاً ، أو يستنكر مقالة ، أو أن تقوم بإرسال برقية إلى جهة ، أو ترفع سماعة الهاتف مستنكراً برنامجاً سيئا ، أو مؤيداً لمحاضرة موفقة ، أو أن يقوم بالكتابة إلى وزير أو مسؤول يدعم رأيه الجيد في موقف ، أو يستنكر منه الموقف السيئ ، وهكذا يحاول أن يكون عملياً ، ولو كان العمل صغيرا فلا يكلف الله نفسا إلا وسعها ، ولو عمل كل الناس بهذا المنهج ، وأدى كل واحد واجبه ، لأدى هذا الأمر إلى خير كثير ، إذ سوف يستلم الصحفي والإعلامي والمدير والوزير ، مئات بل ربما الآلاف من الردود أو المعارضة لموقف الشر ، فيقود إلى الامتناع ؟ أو على الأقل للتوقف عن المزيد ، ولا يستغرب هذا الموقف ، فحتى الفاسق من الناس ـ مهما كان سيئا ـ فهو بشر ، إذا لم تمنعه الاعتراضات خشية من الله ، فإنه سيمتنع خوفاً على مركزه ، أو حرصا على سمعته ، أما سكوت الجميع عن الشر ، فسيقود إلى شر أكبر ، وعدم تشجيع المعروف ، يقود إلى الزهد في إتيانه .
ولا تنس يا رعاك الله :أن الله تعالى سيضاعف لك الأجر والثواب جزاء على أعمالك التي قدمتها لنصرة دينه يقول الله تعالى : (ليجزيهم الله أحسن ما عملوا ويزيدهم من فضله) ويقول سبحانه ( وتلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون) [الزخرف:72]
ولا تنظر يا رعاك الله إلى تقصير المقصرين فكلا سيجازى بعمله (ووفيت كل نفس ما كسبت ) ويقول ( كل نفس بما كسبت رهينة ) فاعمل الصالحات قبل أن تحل الزفرات .
اعمل ولو كان العمل يسيرا ، ولو كان العمل حقيرا ، فإن الإسلام لا يحتقر من الأعمال ولو كانت كمثقال ذرة، فهو عمل له أثره وإن صغر في عينك ، يقول الله تعالى : ( فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره )
وأخيراً أيها المسلمون :
إن اقتصارنا على الكلام في مجالسنا دون العمل لنصرة ديننا معناه انحسار ظل الفضيلة ، وانتشار الرذيلة .
إن اقتصارنا على كلام المجالس معناه أن نجم الباطل في صعود ، ونجم الحق في أفول ،فأهل الباطل يتكلمون ويعملون ليلا ونهارا ، سراً وجهارا .
إن اقتصارنا على كلام المجالس معناه ضياع أعمارنا في أماني التغيير ، والتحسر إذا حصل المخطط الكبير من أهل العلمنة والتدمير .
إن اقتصارنا على كلام المجالس يا مسلمون معناه ضعف إيماننا ،فليس الإيمان بالتمني ولا بالتحلي ، ولكنَّ الإيمان ما وقر في القلب وصدقه العمل .
فهل آن الآوان لأن نبدأ العمل ؟اللهم اجعلنا من أنصار دينك ، وحماة عقيدتك ، وحراس ملتك ، اللهم اجعلنا عاملين بكتابك ، مهتدين بسنة نبيك ، اللهم اجعلنا مباركين لأمة صلى الله عليه وسلم ، اللهم اجعلنا سلما لأوليائك ، حربا على أعدائك .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المراجع:
(1) الآداب الشرعية لابن مفلح (1/37) .
(2) انظر : عودة الحجاب (1 / 143) .
(3) كتاب حجاب المسلمة بين انتحال المبطلين وتأويل الجاهلين ص 509 .
==============(58/137)
(58/138)
ماذا قدم الإسلام للمرأة؟
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً }هذه الآيات افتتح الله بها سورة النساء، وفيها من عجيب خلقه وإتقان صنعه ما لا يدركه إلا أهل العقول السلمية والفطر المستقيمة.خلق الله آدم من تراب، وزوجه منه، فسكن إليها وسكنت إليه، كل منهما يكمل صاحبه، الرجل والأنثى أصلهما واحد ولكل منهما خصائصه وما خلق له، ثم تكاثر الجنس بعد ذلك رجالاً ونساء، من زوجين اثنين ثم بعثهم في الأرض لينظر كيف يعملون وهو عليهم سبحانه رقيب حفيظ. صنع الله الذي أتقن كل شيء، فيكيف إذا علم أنه وضع لهم نظاما وسن لهم أحكاما يناسب خلقهم وما طبعوا عليه. وقد سمعنا بعض ما ورد عن تكريم للمرأة بصفتها إنسانا، فماذا عن أنوثتها؟ وكيف كرمها الإسلام وصانها؟ هذا ما سأشير إليه في الوقت المتبقي.إن المرأة نصف الجنس البشري بل هي أكثره لأنها تلد الذكور والإناث، وهي لا تماثل الذكر من كل وجه، أليس خلق قبلها وخلقت بعده، وخلقت منه ولم يخلق منها. وهذا الفارق الكوني الخلقي بين الذكر والأنثى ترتب عليه أحكام خاصة بكل منهما بحسب ذلك الفارق. وتلك الفروق الكونية القدرية والحكميةوالشرعية لا يمكن إلغاؤها وتحطيمها. وقد قال سبحانه {وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ اللّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُواْ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ} (النساء: من الآية32) فلا يتمنى الإنسان ما فضل الله به غيره من الأمور الممكنة، وغير الممكنة فلا تتمنى النساء خصائص الرجال التي بها فضلهم على النساء، ولا صاحب الفقر والنقص حالة الغنى والكمال .ونهى عن تشبه أحد الجنسين بالآخر فقا صلى الله عليه وسلم : "لعن الله الرجل يلبس لبسة المرأة، والمرأة تلبس لبسة الرجل". وفي حديث آخر: "لعن رسول ا صلى الله عليه وسلم المتشبهين من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال". فما كان من خصائص الرجال وصفاتهم التي خلقهم الله عليها فلا يصح تشبه النساء بهم وكذا الرجال.إن الذكر خلق الذكر والأنثى علم ما يناسب كل منهما من أحكام ونظم {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ }.إن الإسلام قد صان هذه الأنثى وحفظها مما يفسدها ويفسد المهمة التي خلقت لها. وقبل أن ندخل في مظاهر تكريم الإسلام للمرأة وصيانتها لا بد أن نقف وقفات:
الأولى: إن المرأة تملك مجموعة من المواهب الضخمة والجديرة بأن تبني أمة أو تهدم أمة. فكيف إذا كانت مصنع الأفراد لهذه الأمة. إن أعداء الإسلام لما علموا ذلك وجهوا سهامهم نحوها وجعلوها هدفا وغرضا. وقد كان رسول ا صلى الله عليه وسلم وهو أرحم الناس بأمته وأشفقهم عليها يحذر من ذلك فيقولك "اتقوا الدنيا واتقوا النساء". ولما اتخذ أعداء الله المرأة غرضاً، كان لزاما أن يبين للنساء بعض أساليبهم وخططهم لإفساد نصف المجتمع، مع تذكير للمسلمات بما تميزن به من أحكام جعلتهن في منزلة يحسدهن عليها من حرم من نور الهداية.
الثانية: قبل طرح أي موضوع للبحث والمناقشة لا بد من الاتفاق على مرجع يكون حكما عند الاختلاف، تورد عليه الأقوال وتصدر منه الحلول وأسباب الوفاق والاتفاق وإلا كان الشقاق والاختلاف.ولما كان الحديث مع المسلمات فمن المعلوم أن القرآن والسنة معا مرجع المسلمين، وهما الحكم الفصل، أليس الله يقول: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ } وقال: {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً }. إن الكتاب والسنة همل حبل الله المتين، وهما المحجة البيضاء التي لا يزيغ عنها إلا هالك.أي ذلك ومن يسمع من أعداء دينهم الكفرة وأتباعهم، ممن يصورون أحكام الإسلام بصور تشمئز منها القلوب والعقول. وخاصة الأحكام الخاصة بالمرأة والأسرة.فتارة يجعلون الحق باطلا فيقولون: إن المجتمع بعد المرأة للعبودية فتبدأ من إعداد البنت للزواج التقليدي، والمجتمع يفصلها عن الصبيان، وتعطى ملابس مميزة، وتحاط رغبتها الجنسية بسور وحماية منيعة.وتارة يخلطون الحق بالباطل فيظن الجاهل أن الجميع باطل، فيخلطون أحكام الشرع العادلة بتصرفات الناس وأقوالهم الظالمة، يصورون تسلط بعض الرجال وظلمه للمرأة بالقوامة المذكورة في نصوص الشرع، وقرأت لبعضهم كلاماً يذكر فيه وضع المرأة في الإسلام وما يخصها من أحكام فيسوق الأقوال التالية:(58/139)
إنما أموالكم وأولادكم فتنة، لم يفلح قوم اسندوا أمرهم إلى امرأة، تعاهدوا نسائكم بالسبب وعادوهن بالضرب، دفن البنات من المكرمات، ما للنساء والعمالة والخطابة، هذا لنا ولهن منا أن يبتن على جنابة، خلقت المرأة من ضلع أعوج، وهكذا يخلطون الحق بالباطل.وتارة يزينون الباطل المقيت حتى يراه الجاهل حقاً. فيصورون الزنا حرية شخصية، ولعب البنات والأولاد المراهقين مع بعضهم البعض نموا صحياً، وعلامات نضج سليمة، وأن من أساليب التربية الخاطئة أن يقال هذا عيب وهذا حرام، فلا بأس أن يبدو الأبوان عراة أمام أطفالهم حتى يبدو الأمر طبيعياً ولا يشعر الطفل بعد ذلك بالخجل والإحراج إذا نظر أحد عورته فينشأ واثقاً من نفسه سليما من العقد وتأنيب الضمير.وهم مع ذلك فجرة فسقه جهال بأحكام الإسلام، يزعمون الصلاح والإصلاح وهم أبعد الناس عن ذلك فيا ترى كيف يصدر من ورد عليهم وحط ركاب عقله ببالهم.
الثالثة: أذكرك ببعض ما نعتقده وندين الله به ولا نقبل به مساومه ولا مناقشه:
1- أنه لا أحد أحسن حكما من الله في جميع الأمور ومن ذلك أحكام المرأة. {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ }.
2- أن الله سبحانه {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ } لأنه حكيم عليم خلق فسوى، وقدر فهدى ولا يكمل الإسلام التسليم والرضا.
3- إن اليهود والنصارى كفرة لا يرضيهم إلا أن نكون مثلهم في كفرهم قال سبحانه: {وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ } ولذا نهينا عن التشبه بهم لئلا نكون مثلهم أو معهم. وقال تعالى: {وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَاء } ألم يعقدوا المؤتمرات إلى تطالب بأنه لا يلزم الإنسان بدين، وأن تترك له حريته في علاقاته الجنسية، وما المانع من الزنا إذا كان برضى الطرفين، وما المانع من زواج الجنس الواحد، وهكذا فوضى لا حد لها وبعد ذلك يقال: إن التوازن الذي تميزت به أحكام الشرع بخصوص أحكام المرأة يحسم كل خلاف ونقاش يدور حولها، وما يجد من قضايا المرأة وافتعال مشاكل لا حل لها في أحكام الشرع - كما زعموا - نابع ممن يتربص بالمسلمين الدوائر. وإلا فأحكام الشرع لم تدع صغيرة ولا كبيرة إلا جاء الحكم الأحسن لها، والمنصف العاقل الخالي من مرض الشهوة والشبهة يعجب من تلك الأحكام التي تراعي كل فرد بنوعه ما يحيط به من ظرف، ولو أعمل فكره ليجد أنسب منها لم يجد، والإسلام ينظر إلى المرأة على أنها جزء من المجتمع المكون من النساء والأطفال والرجال، لا ما ينادي دعاة أنصار المرأة وكأنها في عالم ليس فيه غيرها. وقد عجزت الأمم المتقدمة في معظم شئون حياتها أن تضع نظاماً محكما فما من قانون يوضع في شأن إلا ويفسد في شأن آخر وهكذا، والأمثلة من واقع الدول العلمانية شاهد على ذلك وسأتحدث عن الأنوثة في المرأة من جانبين:الأول: مظهر الجمال والرقة والجاذبية في خلقة الأنثى وصيانة الإسلام له. الثاني: مظهر الضعف والنقص الطبيعي في الأنثى واحترام الإسلام للأنثى من خلاله. وسأقتصر على هذين المظهرين من مظاهر الأنوثة لأمور:
1- لأن هذين المظهرين هما أبرز مما في الأنثى وأظهر ما يميزها لرجل.
2- لأن مثار الجدل ومعترك النقاش المحتدم هذه الأيام يدور حول هذين المظهرين. إن من تكريم الإسلام للمرأة الاعتناء بأنوثتها وصيانتها من آفتين هما الابتذال والامتهان والترجل. إن مظاهر الابتذال الذي أصيبت به بعض نساء المسلمين لا ينكره إلا مكابر، إنها أصبحت هناك متعة وسلعة رخيصة تتقاذفها الأيدي، وتلسعها الأعين الجاحظة في مواطن الزينة منها، فخرجت لطلب العلم بين الرجال فخالطتهم وزاحمتهم، وعملت معهم في مكاتبهم، واستقبلتهم في دارها في غياب زوجها أو حضرته باسم الزمالة والصداقة البريئة الطاهرة - كما يزعمون - بل زعموا أن إشاعة الفاحشة ومقدمتها سبيل للرقي والحضارة.
إن للأنوثة مظاهر وصفات خاصة تطلبتها المهمة التي خلقت من أجلها، فمن ذلك الفروق الجسيمة الظاهرة المعروفة، من جمال الخلق، ورقة البشرة، ونعومة الصوت وحلاوته، ومواطن الفتنة في جسدها مع وجود ميل فطري جلبت عليه تجاه الرجل.ولهذه المعاني وغيرها جعل في طبع الرجل الميل إلى الأنثى، يجذبه نحوها كل حركة منها وابتسامة نظرة ورائحة زكية تدل عليها. فصان هذه الأنوثة بأمرين:الأول: أمر كوني خلقي طبع عليه بنو آدم، فأودع الله في قلب الرجل الغيرة على أنثاه وهذا ما نلحظه في كثير من الذكور من غير بني آدم. والغيرة بمعناها الواسع هي السياج الذي يحمي الحمى، جاء في الحديث: "إن الله يغار وإن المؤمن يغار وإن من غيرة الله أن يأتي المؤمن ما حرم عليه". متفق عليه وقا صلى الله عليه وسلم : "أتعجبون من غيرة سعد، والله لأنا أغير منه، والله أغير مني، ومن أجل غيرة الله حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن" متفق عليه.الثاني: أمر شرعي حكمي ويتضح من خلال بعض الأمثلة:(58/140)
1- لما كان ميل كل منهما للآخر أمر حيوي به يتم التقاء النصفين، واكتمال الأصل لينشأ منهما رجالاُ كثيراً ونساء، نظم الإسلام هذا الميل وهذبه ليؤدي الغرض منه بلا شطط قال سبحانه {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } (الروم:21).فالسكن والمودة والرحمة هي ما ينشده الرجل والمرأة بدافع الخلقة التي خلق عليها ولن يهدأ لأحدهما بال حتى يلتقيا.فشرع الزواج وحددت أحكامه، وكذا نظم في الشرائع السابقة لأهميته. إن تنظيم الإسلام وتكريمه للمرأة باحترام أنوثتها لا يدركه إلا ذووا العقول السليمة، والفطرة المستقيمة التي لم تطمسها الشهوات وتلعب بها الشبهات.ولنتتبع بعض أحكام الإسلام الخاصة، والمناسبة لطبيعة المرأة وللحياة البشرية عامة.- منع الاختلاط بين الرجال والنساء، لأن في كثرة اختلاط الجنسين وقرب أحدهما للآخر والخلوة به كل من أسباب انفراط صمام الأمان، الذي يضبط غريزة ميل كل من الجنسين للآخر. جاء في الحديث: "لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها محرم" متفق عليه. وقال: "لا يخلون رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما" ونهى r عن التقارب بين الرجال والنساء في الأسواق والطرقات، فعن أبي أسيد الأنصاري أنه سمع رسول ا صلى الله عليه وسلم يقول وهو خارج من المسجد فاختلط الرجال مع النساء في الطريق فقال رسول ا صلى الله عليه وسلم للنساء: استأخرن فأنه ليس لكن أن تحققن الطريق عليكن بحافات الطريق. فكانت المرأة تلتصق بالجدار حتى أن ثوبها ليتعلق بالجدار من لصوقها به".وجعل خير صفوف النساء في الصلاة آخرها وشرها أولها. وجعل لين باب خاص يخرجن منه، وكان الصحابة يتأخرون بعد الصلاة حتى تنصرف النساء، ويروى عن علي صلى الله عليه وسلم "بلغني أن نساءكم ليزاحمن العلوج في الأسواق، أما تغارون إنه لا خير فيمن لا يغار" والنصوص في حفظ هذا المطلب كثيرة لا ينكرها إلا مكابر. فرض الحجاب: فأمر المرأة بالحجاب لستر الزينة عمن لا تمنعه طبيعته من الميل إليها كالأجانب، وأباحها للأقارب. وضابط الحجاب أن يحجب زينة المرأة التي خلقت عليها، وما تزينت به من غير خلقتها، وأما مفاتنها وما يجذب الرجل إليها فوجب ستره حتى عن أقاربها، وقصره على الزواج فقط. والحجاب وستر الزينة كان معروفا منذ القدم، وكان في شرع قبلنا، وجاء في شرعنا ما يؤكده، تكريما للمرأة وصيانة لها من أذى المفسدين والبطالين. وآيات الحجاب كثيرة والأحاديث كذلك كقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ }.كفان الحجاب من أوائل أساليب تطهير المجتمع وعلامة رقيه. ومنع الدخول على غير المحارم والخلوة بهن، قا صلى الله عليه وسلم : "أياكم والدخول على النساء فقالوا: أرأيت الحمو: قال الحمو الموت" متفق عليه. التحذير من أسباب إثارة طبيعة ميل الرجل للأنثى، فإنه لما كان جنس المرأة مما يميل إليه الرجل بفطرته وخلقته، وكذلك المرأة أمرها أن لا تحاول لفت نظره إليها وإلى زينتها كالخلخال أو الكعب المثير، أو نحو ذلك مما قد يشير إلى شيء من زينتها قال سبحانه: { وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ }.وكذا العطر فإن النفوس بطبيعتها تميل إليه، فكيف إذا كان عطر امرأة. وفي الحديث: "أيما استعطرت فمرت على قوم ليجدوا ريحها فهي زانية وكل عين زانية". إن الزنى فوضى النفوس الجنس الذي لا تقبله العقول والفطر، وحرمته الأديان السماوية لضرره على الحياة العامة.ولذا كان كل طريق موصل إليه محرما كالنظرة إلى الجنس الآخر، فمن وضعت العطر إنما دعت إلى النظر، الذي يمهد للزنى.- وصوت المرأة بطبعه وخلقته رقيق ناعم، جذاب يلذ للرجل، فإن زينته المرأة بنبرة من الخضوع والضحك، والتبسط طمح ضعيف الإيمان مريض القلب وسار مع ميله الفطري بلا تهذيب، فيحدث ما لا تحمد عقباه. فكان ذلك باب يجب سده وإحكامه. قال سبحانه: {فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ }.- فما أحسن أحكام الإسلام، وضع سياجا من الغيرة في قلب الرجل المؤمن الذي يغار من الفواحش ومقدماتها، ثم أحكم السياج فسد الطرق والأبواب الموصلة للمحرم من الفواحش والقبائح. وصدق الله القائل: { وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ } إن هذا التنظيم الذي لا نجد للخلل مكانا فيه، ولا للتناقض مدخلا ولو كان غير الله نظمه لرأيت فيه اختلافا وتناقضا كثيراً. "عن الله إذا حرم شيئاً حرم الأسباب والطرق الموصلة إليه تحقيقاً لتحريمه، ولو حرم أمرا وأبيحت المسائل الموصلة إليه لكان ذلك نقضاً للتحريم، وحشا شريعة رب العاملين من ذلك" فلما حرم الخمر حرم عصرها واعتصارها وحملها وثمنها.ولذا لم تستطيع الدمل المتقدمة - ماديا - وضع نظم لمنع(58/141)
مفاسد الخمر والمخدرات مع الأذن باستخدامها.وسد الطرق الموصلة إلى المحارم قاعدة مهمة استنبطها العلماء من نصوص الشرع وحكمة الشارع الحكيم الخبير. وقاعدة سد الذرائع يعلمها العقلاء بل في أمور الناس وحياتهم العادية يعملون بها. فهذه أنظمة الدول المتقدمة وغيرها. تضع سياجا حول الأنظمة مما لا يظهر لبعض الناس أهميته. ولزيادة بيان هذه الحكمة في الأحكام سنعرض لمن تركت الأنوثة متعة مشاعة لكل عابر ممن يدعون تبذل المرأة وسفورها واختلاطها بالرجل.وما نذكر هذا الشذوذ في طبائع الشعوب المتحضرة إلا كما قال القائل:الضد يظهر حسنه الضدوبضدها تتبين الأشياءفما ضد تلك الشريعة الحكيمة، لنرى موقف الضلال من أنوثة المرأة، نجد فوضى لا نهاية لها.
1- إنهم يريدون المرأة متعة مبذولة يلعقها كل من مر عليها وينشئها من صاحبها يريدونها ملكا مشاعا لكل رجل وعابر سبيل.أخرجوها من بيتها وعروها من ملابسها وخدعوها بقولهم حسناء جميلة، شريكة الرجل وصديقته، عملت مع الرجل وخالطته، تلفقتها دور الفن والسينما الأفلام فزادت عريها فسقاً وعهراً، وأصبحت مصيدة لكل بضاعة لتجذب إليها الزبائن الذكور،وجاورتهم في مكاتبهم سكرتيرة لمدرائهم، وفي كل ذلك يشترطون امرأة حسناء متناسقة الجسم، مثيرة في حركاتها وسكناتها، مهتمة بزينتها وملابسها تبدي مواضع الزينة وتبرز أماكن الفتنة.
2- زجوا بها في أعمال لا تناسب طبيعتها وتهين أنوثتها فعملت مضيفة تخدم المسافرين، ونادلة في مطعم، وموظفة استقبال في فندق وشركة، ولكن بشرط الجمال والشباب والزينة والإثارة، إن أسواق النخاسة التي نسمع عنها في الماضي، وتباع فيها الجواري للمتعة الجنسية الخاصة لم تصل إلى ما وصلت إليه الحضارة الغربية التي تدعي تكريم للمرأة والعناية بها. أين المرأة المسنة والدميمة والسوداء والمحتشمة في لباسها من عملكم وصداقاتكم وسكرتيراتكم.
هذه هي أنوثة المرأة عند الكفرة وهذه هي منزلتها، وليس بعد الكفر ذنب، ولكن العجب أن ينعق أناس من أبناء جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا يصورون تلك الفوضى الإباحية على أنها السعادة للمرأة وتحررها من الأحكام ربها الموافقة للفطرة والعقول، وينادون المرأة المسلمة بان تلحق بتلك العاهرة لتنال ما نالت من تشتت وضياع وتهميش لكل جوانب شخصيتها وإنسانيتها، بل بلغ بعضهم أن يصور المجون والعهر أدبا وطهارة، فإنه لما كان الغرب الماجن يفعله فلا بد من يحسنه ويمدحه، يقول واصفا الرقص عند الفرنسيين رجالا ونساء: أما في باريس فإنه نمط مخصوص لا يشم منه رائحة العهر أبداً، وكل إنسان يعزم امرأة يرقص معها فإذا فرغ الرقص عزمها آخر. ويصف هذا الرقص بأنه نوع من الرياضة وضبط الحركات لا نوعا من الفسق والفجورويصرخ الآخر بوجوب رفع المستوى الثقافي للمرأة بالرقص والغناء وأنهما نوع التحرر الشخصي للمرأة. وينقل ما يؤيد ذلك من أ؛دهم قائلاً: أنادي أساتذة جامعاتنا، علموا شبابنا وفتياتنا الرقص حتى تكفل به لهم الصحة الجنسية وحتى يتهيئوا للحب الجميل أوجدوا لنا فيق البالية، أمتعونا وصححوا غرائزنا .بل يصل الأمر ببعضهم أن يطالب بعودة دور البغاء المرخص رسميا بحجة فرض الرقابة الصحية عليه. وذلك بعد إعلان بعض الدول العربية إلغاء البغاء الرسمي . إنهم في دعوتهم وزعمهم تحرير المرأة وجعلها مكرمة، يبدؤون بتعرية جسد المرأة ويجعلونه أول قنطرة للوصول إلى التحرير المزعوم.
3- إن دعاة الفوضى والانحلال يطلبون ما لا تقبله العقول والفطر، وهو أن تبرز المرأة بكامل زينتها الطبيعية والمفتعلة، ويفترض أن ينظر الرجل إليها ويجاورها ويخلو بها كإنسان مكمل بلا صفات أنثوية مثيرة له. ولذا يجب عليه أن يغلق صمام الميل الفطري. ثم تقنع تلك المسكينة بأنه لا ضير عليها من زميلها لأن زميلها مثقف ومؤدب والمكان مكان عمل!! والدول المتقدمة إنما تقدمت بعمل المرأة والرجل سواء بسواء في مكان واحد. هكذا هم يريدون المرأة مبذولة لهم في كل وقت، منذ خروجهم إلى أعمالهم مرافقة لهم في وسائل النقل، ومقابلة لهم في أماكن عملهم وعشقه لهم في ليلتهم، إن المرأة قد مر عليها عصور من الظلام والظلم والامتهان، عند كثير من الشعوب والأمم، ولكنها لم تصل إلى هذا الحد من الامتهان والمذلة. أهكذا يكون تكريم المرأة؟ واحترامها وإعطاؤها حقوقها التي حرمت منها كما يزعمون. ومن أساليب لتمرير مكرهم:(58/142)
1- إنهم يزعمون أن الاختلاط بين الذكور والإناث منذ الصغر، يوجب تهذيب الغريزة الجنسية والميل الفطري الفاحش، وأن طول التجاور والتقارب يولد في نفوسهم ونفوسهن شيئاً من الإلفه لا تثور معه الرغبة في الاستمتاع.هذا كله في الكلام النظري والفرضيات الجدلية، فهل واقعهم كذلك؟ إن من يصدق هذا ويغمض عينيه عن تلك الفوضى الجنسية والعلاقات المتضررة لهو شبيه بمن يسمون السفوسطائية الذين ينكرون المحسوس. وهم أقرب الناس إلى المجانين.فإذا أغفلنا ذاك كله وتناسينا ما دعت ليه الشرائع السماوية، من تنظيم وضوابط للعلاقة بين الرجل والمرأة، فانظروا واسمعوا إلى نتائج تلك المجتمعات الفوضوية في علاقات أفرادها الذكوروالإناث.جاء في تقرير لمكتب العدل الأمريكي أن التحرشات الجنسية والاعتداءات على الإناث من الأفراد المحيطين والقريبين منها (أقارب، زملاء العمل، الزبائن) يمثل نسبة 68% من التحرشات عامة. أما الغرباء فيمثل تحرشهم نسبة 32% وهذا التقرير إلى عام 1999 ميلادية.وهناك إحصائيات كثيرة معلومة تدل على خطورة الاختلاط وارتفاع نسب الإجرام بسببه، وفي ندوة المرأة المسلمة والتحديات المعاصرة القادمة ستسمعون إحصائيات مهولة عن تلك الفوضى. فأين القائلين بإمكانية الخلط دون سلبيات تذكر.وليس العجب منهم فإنهم يعلمون ذلك، ولكن الهوى والشهوة طمست عقولهم وخلت قلوبهم من نور الإيمان. وإنما العجب ممن تساق إليه الحقائق والتحذيرات من رب العالمين ورسله الكرام الأطهار، ومع ذلك يشكك فيها أو يتعامى عنها، حقا إنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور. إن المرأة التي لا تصدق هذا الكلام المتناقض، امرأة تحمل إسلاما مرقعا ترقيعا غير مناسب لا بد أن يسقط لأن الإسلام والفوضوية نقيضان لا يجتمعان . أو تكون كمن قال الله فيهم: {مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لاَ إِلَى هَؤُلاء وَلاَ إِلَى هَؤُلاء }.
2- ومن أساليبهم زعمهم أن العم والأدلة والتجارب تصحح نظرياتهم وأقوالهم. إن أعداء الإسلام قعدوا بأطرقة ليصدوا عن سبيله ويميلوا الناس عنه بالشهوات المنحطة { وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيماً }. إنهم لا يعدمون وسائل الضلال. فهذه كثير من نظريات علم النفس وتفسيرات علم الاجتماع تعطي أربابها من الفسقة ما يريدون من تزيين الباطل، وتصوير ذلك الابتذال والحرية بالنمو الطبيعي، والسلامة من العقد وتأنيب الضمير.إن تلك النظريات في الغالب بنيت على تجارب محدودة، معرضة للخطأ البشري إذا سلمت من التحيز لأفكار أصحابها السياسية والاقتصادية والدينية". "إن تلك النظريات والتجارب التي يسميها أربابها علوما غاية أمرها أن تسمي فرض علمية، يحاول مفترضوها أن يعللوا بها بعض الظواهر النفسية والاجتماعية". ولذا يلاحظ كثرة تغير نتائجها وتعددت مذاهب أصحابها وآرائهم، وتسفيه بعضهم بعضا، فمن المجازفة الخطرة أن تترك النصوص الشرعية الثابتة المسلمة إلى هذه الفروض والتفسيرات لأناس خلوا من العلم النافع، بل غالبهم من اليهود الذين عرفنا في الكتاب العزيز وصفهم.ثانياً: الضعف والنقص الطبيعي:خلق الله الأنثى على صفة خاصة مختلفة عن الرجل، فالحمل والولادة يتطلبان تركيباً خاصاً وأجهزة خاصة وهذا معلوم، ولكن الذي قد يخفى على بعض الناس وذكره الأطباء أن المبيض يفرز أنواعاً من الهرمونات، تحدث تغييرات متنوعة في جسم المرأة ليتهيأ للمهمة التي خلق لها. وهذه التغيرات داخلية غير ظاهرة، وتغيرات ظاهرية جسيمة ونفسية وعصبية، تجعل من المرأة مخلوقاً ضعيفاً في أوقات كثيرة لانشغال الجسم بعمليات حيوية خاصة.يقول - أليسك كارل - في كتاب الإنسان ذلك المجهول: "إن الاختلاف بينهما ليس في الأعضاء التناسلية وحدها، ولا في وجود الرحم والحمل، بل هو اختلاف ثابت ومتين في الأنسجة، وتلقيح الجسم كله بواد كيميائية محددة يفرزها المبيض، وكذلك الشأن في تكوينها العصبي المختلف عن الرجل.. وقد أخطأ الجاهلون بهذه الحقيقة الجوهرية في تكوين الأنثى في الاعتقاد بأنه يجب أن يتلقى الجنسان تعليما واحداً وأن يمنحا سلطات واحدة، ومسئوليات متشابهة".حقا أنهما مختلفان قطعا، ولا على أحدهما من هذا الاختلاف، إذ أنهما متكاملان وإن لم يتساويا، متكافئان وإن لم يتماثلا". ومن مظاهر ذلك ميلها إلى الزينة والتزين وهو شيء فطرت عليه ولهذا لو فعل الرجل نحوا من زينتها لعد نقصا وعيبا فيه ويسمى المخنث والمتشبه بالنساء.أوليس الذي خلقها هو القائل سبحانه: {أَوَمَن يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ } (الزخرف:18) يقول ابن كثير:"المرأة ناقصة يكمل نقصها بلبسها الحلي منذ تكون طفلة، إذا خاصمت فلا عبارة لها بل هي عاجزة عييبه، أو من يكون هكذا ينسب لجناب الله عز وجل .فالأنثى ناقصة الظاهر والباطن، في الصورة والمعنى فيكمل تقص ظاهرها بلبس الحلي وما في معناه ليجبر ما فيها من نقص كما قال بعض العرب:
وما الحلي إلا زينة من نقيصة
…
يكمل به حسن إذا الحسن قصر(58/143)
إن مهمة المرأة ليست في مزاحمة الرجال، ومكابدة مصائب الحياة لجلب الزرق ولذا لم تحتاج إلى ما يحتاج إليه الرجال من قوة الحجة وشدة المخاصمة، وهي خلقت لغرض يتطلب أن تكون رقيقة ضعيفة، يليق عليها الحلي والتزين، فالغرض الذي خلقته له المرأة يتطلب ذلك فيكون من هذه الجهة كمالا فيها، ونقصاً إذا قورنت بالرجل، ألا ترى الرجل الذي يولد له أكل من العقيم، وإن كان طلب الولد في الحقيقة نقص وضعف تنزه الله سبحانه عنه فقال: {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ}.فضعف المرأة ونقصها كمال لها ألا نرى المرأة المسترجلة الجزلة في الكلام، قوية الحجة كثيرة الخصام قوية الجسم التاركة للزينة المترفعة عنها، غير مرغوب فيها بالنسبة للرجال والنساء.انظر إلى قول الشاعر:
قتلننا ثم لم يحيين قتلانا
…
إن العيون التي في طرقها حور
وهن أضعف خلق الله أركانا
…
يصرعن ذا اللب حتى لاحراك به
ويقول الآخر:
ببعض الأذى لم يدر كيف يجيب
…
بنفسي وأهلي من إذ أعرضوا له
به سكته حتى يقال مريب
…
فلم يعتذر عذر البريء ولم تزل
فالأول يتغزل في بضعفهن والثاني يعجزهن عن الإبانة فسبحان من جعل قوتها في ضعفها.
ألا إن تقويم الضلوع انكسارها
…
هي الضلع العوجاء لست تقيمها
أليس عجيبا ضعفها واقتدارها
…
أتجمع ضعفا واقتدارا على الهوى(58/144)
جاء في الحديث "ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم منكن" رواه البخاري.وجاء توضيح نقص عقلها أن شهادتها على النصف من شهادة الرجل، ونقص دينها تركها الصلاة والصيام عند حيضها ونفاسها. ومهما قيل في سبب نقص شهادتها من تفسيرات علمية، فنحن نعرضها للاستئناس، أما اليقين فهو قول الخالق العليم اللطيف ورسوله الذي لا ينطق عن الهوى.ومع ذلك فهو ليس بعيب تعاب عليه، ولا تهضم حقوقها بسببه ولذا جاءت وصيت صلى الله عليه وسلم عند موته بالنساء والصلاة.وحديث "رويديك يا أنجشة رفقا بالقوارير" رواه البخاري. دليل على الأمر بالرفق واللين والشفقة، ولا يكون ذلك إلا بسبب الضعف. وسواء قيل أن المراد من الحديث سرعة تأثر النساء بصوت الحادي لرقة عواطفهن وعدم القدرة على ضبط أحاسيسهن. أو كان السبب ضعف أجسامهن وعدم تحملها سرعة الإبل وهن على ظهور المراكب، فالنتيجة واحدة، النساء أضعف تحملا من الرجل في كلا الأمرين.ولهذا وغيره شرع الله القوامة للرجل على المرأة، حماية لها من شقاء الحياة ونكدها وصيانتها من استغلال ضعفها وعجزها. وليست القوامة تسلط وظلم، ولكنها تكليف الأولى بالولاية، ولا يكون عمل مشترك إلا ولا بد له من مدير يدير دقة الأمور ويرجع إليه عند الحاجة.فالولايات العظمى لا تصلح إلا بحاكم والجماعات إلا بأمير، بل في الصلاة لا بد من إمام لكل اثنين فأكثر. نعم قد يستبد الرجل ويستغل ما أعطاه الله من تلك القوة والقدرة، فيظلم المرأة ويتسلط عليها، ولكن هذا خروج منه من شرع الله، لكونه ذو نفسيه خسيسة، وسوء طبع. ذكر صلى الله عليه وسلم أن من يسيء إلى امرأته ليس من الخيار الفضلاء، وقال: "خيركم خيركم لأهله".إن مهمة الأمومة وتربية الأبناء حمل ثقيل ولكن الله أقدر عليه هذا المخلوق الضعيف، ولذا وضع عنها الجهاد، وحضور الجمعة والجماعات، وأعطاها نصف ما أعطى الرجل من الميراث، وقصرها على زواج أحد، وكل يعلم أن حلم المرأة ومناها أن تنعم برجل واحد محب شفيق، يلبي حاجتها ويحقق رغباتها وتجده عنده السكن والرحمة والمودة. بعكس ذلك الرجل الذي أعطى من الرغبة والقدرة والقوة على أكثر من امرأة، فشرع له من الأحكام ما يناسبه، كما شرع لها من الأحكام ما يناسبها فما أحسن حكمه سبحانه وما ألطفه بعباده.وهنا أمر يجب التفطن له ولزم التنبيه عليه وهو أنه من الجهل والنقص في العقل أن يعالج الخطأ بخطأ آخر، كأن يعالج خطأ الرجل باستغلاله الحقوق التي أعطاها الشارع له، بخطأ آخر وهو إلغاء حكم من أحكام الشرع كقوامة الرجل على المرأة ونحوه. والصواب إلزام كل من المرأة والرجل بحكم الشرع، ولا يسوغ خروج أحد من الناس على أحكام الشرع خروج الآخر، فالأم التي أساءت تربية أبنائها لا يصح لأبنائها عقوقها، والسارق لا يصحح أحد سرقته، والإمام الظالم لا يصح معصيته وإسقاط حق الطاعة له. أبعد هذه الفروق الخلقية يقال بمساواة الرجل بالمرأة. إنها وإن زاحمت الرجل، وأبرزت عضلاتها ورفعت الأثقال، ولبست البنطال مع العمال في إنشاء الطرق وحمل البضائع، وترجلت واسترجلت، هي أنثى تحمل ضعفها بين جنبها وتحمل نفسها ما لا تحمل. إنها على ضعفها رضيت بحمل أثقال الرجل ولم يحمل من ثقلها شيء. أين المساواة والعدل يا من تنادون بذلك، حقا رحم الله أمرأً عرف قدر نفسه، والله سبحانه أحرم بنا من أنفسنا ولذا لم يحملنا ما لا نطيق.إن المطالبين بإلغاء تلك الفروق يطالبون تغير الخلقة وتبديل وظائف الحياة بين أفراده، تقول إحدى الداعيات لذلك سيمون دون بوفوار في كتابها الجنس الآخر الذي حرك قضية المرأة في العالم: "المرأة لا تولد امرأة ولكنها تصبح كذلك" وتعلق الكتابة بقولها: أي أن ثقافة المجتمع تعيد تشكيلها وتعدد صفاتها ودورها وموقعها فتصبح بالتالي امرأة أي سلبية وجنساً آخر". أهكذا يريدون؟ ولهذا يخططون؟ ، ولكن خاب ظنهم وبطل كيدهم. والله يقول: { فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ}.هذا بعض ما استطعت ذكره في هذه العجالة، وإلا فالموضوع طويل ومتشعب وذو شجون، وفي كتب الحديث أبواب النساء ما يعجب منه القارئ الذي يرى كيف كرم الله هذا المخلوق، وكيف صانه، فأحليكم عليه لتتم الفائدة. والله أعلم.وصلى الله على محمد وسلم تسليماً كثيراً.
==============(58/145)
(58/146)
المرأة المسلمة والتحديات المعاصرة بين حديث القرآن والواقع (1- 3)
فإنّ هناك نماذج من التحديات التي تتعرض لها المجتمعات المسلمة في هذا العصر، وهناك أفكارٌ تُطرح وتمثّل تلوثاً فكرياً خطير الأثر على مجتمعات المسلمين، ذلك أن الإنسان مجهز لاستقبال المؤثرات من حوله والإنفعال بها والاستجابة لها، وكمّا أنّه مستعد بحسب تكوينه الذاتي للرقي والارتفاع، فإنه مستعد كذلك لأن ينحطّ إلى أدنى من دركات الحيوان البهيم، يقول الله تعالى فيمن حادوا عن طريق الهدى وتنكبوا الصراط المستقيم: (أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلّ). الأعراف 179.
ومن العوامل المؤثرة في ارتفاع أو هبوط الإنسان ما يتلقى من تربية، وما تشيع البيئة حوله من مؤثرات، وما يشتغل به، ويوجه عبره غرائزه.
ومن أخطر ما يواجهنا في هذا العصر هذه الملوثات الفكرية التي تشكّك في الدين، وتهز الثوابت، وتفسد الأخلاق، وتنشر الرذيلة عبر وسائل الاتصال في وقتنا الحاضر، والتي أُسئ استخدامها أيما إساءة.
وما الحديث عن قضية المرأة التي تثار هنا وهناك، والمطالبة بحريتها المزعومة ونفيها عن أسباب الصيانة إلا أحد الأبواب الواسعة لإشاعة الرذيلة في المجتمع.
المرأة أمام التحديات:
إنّ المرأة تمثّل ثغراً من ثغور الفضيلة؛ ففي حفظها حفظٌ للفضيلة، وصيانة للنشء، وفي إفسادها إفسادٌ وتضييعٌ للمجتمع.
وإن مما يؤسف له أن كثيراً من هذه الدعوات صار يحمل لواءها بعضُ أبناء المسلمين، وهذا نتيجة للغزو المبكر لبلاد المسلمين، والذي سعى منذ البداية إلى تخريج جيل بعيد عن الدين، قد أُشربَ الولاء للغرب وقيمه وأنماط حياته، وذلك عن طريق المدارس الأجنبية (التنصيرية) التي تفتح في بلاد المسلمين.
جاء في تقرير إحدى اللجان التابعة للمؤتمر التبشيري الذي عقد عام 1910م:
"إن معاهد التعليم الثانوية التي أسسها الأوروبيون كان لها تأثيراً على حل المسألة الشرقية يرجح على تأثير العمل المشترك الذي قامت به دول أوروبا كلها".
وفي هذه المدارس تخرجت أجيال من أبناء المسلمين أو بالأحرى من متعلميهم ومثقفيهم متأثرة بضرب هذا الغزو المنظم، متطلعة إلى الأفق الغربي تستلهمه الرشد وترى فيه النموذج والمثل الأعلى، وتتشرب في نهم أنماط حياته سلوكاً وفكراً، بلا فحص، ولا بصيرة، ولا رأي سديد" .
وإذا أضفنا إلى ذلك البعثات التي كانت تتقاطر على الدول الأوروبية من أبناء المسلمين الذين يستكملون تعليمهم العالي، كانت هذه نهاية المطاف في الإجهاز على بقايا الإسلام في نفوسهم وطباع الشرق وعاداته، حيث لا يرجعون في الغالب إلا وقد تأثروا بوجهة الغرب وفلسفته، وبذلك أصبحوا رصيداً في حساب أعداء الإسلام بالسلوك والتربية والعادات الجديدة.
وقاسم أمين يُعدُّ واحداً من رواد تحرير المرأة في مصر، وهو نموذج لهذا الغزو، يقول د. عبدالستار فتح الله: "قاسم أمين كان نموذجاً لما يمكن للغزو الفكري وللتعليم الأجنبي أن يفعلاه في النفوس من خلع ولائها لأصلها، وفصل مشاعرها عن ظروف أمتها".
والتعليم كان أحد أخطر ميادين الغزو الفكري وأعمقها أثراً، إلا أن ميادين الغزو الفكري تعددت بأسلحته المتنوعة: "الفكرة والكلمة، والرأي والحيلة، والشبهات والنظريات، وخلابة المنطق، وبراعة العرض، وشدة الجدل، ولدادة الخصومة، وتحريف الكلام عن مواضعه" والقصة والصورة والقيم.
ولقد كان لهذا الغزو من الآثار السيئة في زعزعة المسلمين عن دينهم ما لم يستطعه الغزو العسكري على مدى قرون عديدة. وقال سبحانه: (وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ).البقرة 217 .
ومعنى الفتنة في الآية على ما نقل القرطبي عن الجمهور: "فتنة المسلمين عن دينهم حتى يهلكوا". "وكان المشركون يفتنون المسلمين عن دينهم بإلقاء الشبهات وبما علم من الإيذاء والتعذيب" .
ولهذا عقّب تعالى على هذا بقاعدة تمثل قانوناً من قوانين الصراع بين الإسلام والجاهلية على مر العصور فقال تعالى: (وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا).البقرة217.
والقتال المذكور هنا عام يراد به ما وقع فعلاً من أساليب المشركين في محاولة صد المسلمين عن دينهم بالتعذيب والإيذاء أو التضييق عليهم في أرزاقهم أو تشريدهم في البلاد أو ضربهم بالشبهات وأنواع التشكيك، وما هو محقّق الوقوع في الغد القريب من الحرب المسلحة التي شنها المشركون على المسلمين بعد نزول الآيات، ثم ما يشابه ذلك ويشاكله إلى يوم القيامة .
فهذه التحديات التي يُجابه بها المسلمون في هذا العصر طرف من المعركة التي تركت آثار في بلاد المسلمين.
بعض آثار التحديات التي تواجه المرأة المسلمة:
وسأقف هنا مع بعض الآثار البارزة لتلك التحديات:
1- فقدان الهوية:
لكل أمة شخصيتها المميزة التي تتفرد بها عن غيرها، وهذه الشخصية تنبع من العقيدة التي تدين بها الأمة وما يتبع ذلك من خلق ومنهج وسلوك. وكل أمة واعية تحرص على هذا التفرد، وتنأى بنفسها عن أن تكون عرضة لفقد عناصر تميزها، وأن تصير تابعاً ذليلاً لغيرها.(58/147)
والغزو الفكري وعملية التغريب هدفها أن تستسلم الأمة المسلمة للثقافة والحضارة الغربية، فتذوب الشخصية المسلمة وتقبل الفناء والتلاشي في بوتقة أعدائها "بحيث لا ترى إلا بالمنظور الغربي، ولا تعجب إلا بما يعجب به الغرب، ولا تعتنق من الأفكار والمناهج إلا ما هو مستورد من الغرب، وتبتعد عن قيمها وعقائدها وأخلاقها المستمدة من شريعة الإسلام وتتنق هذه الديانة الجديد التغريبية" .
والناظر إلى حال المجتمعات المسلمة يجد وللأسف أن عملية التغريب والغزو الفكري الموجه إلى المجتمعات المسلمة نجحت إلى حد بعيد في محو ملامح تلك الشخصية والعبث بمقوماتها.
والناظر في حال المرأة المسلمة - خاصة - مربية الأجيال وحصن الفضيلة يروعه "فقدان المرأة المسلمة لهويتها الإسلامية وتمييز شخصيتها، وسحب قدر كبير من انتمائها لدينها" . حتى ضمر الفارق في الاهتمامات والممارسات في كثير من بلاد المسلمين بين المرأة المسلمة والمرأة الغربية . ولو أردنا أن نعقد مقارنة بين الملامح البارزة لشخصية المرأة المسلمة في ضوء الضوابط الشرعية، وبين ما آل إليه حال المرأة المسلمة في كثير من بلاد المسلمين لهالنا الفرق وبعد الشقة بين المثال والواقع.
فشعار المرأة المسلمة الظاهر هو الحجاب بالصفة التي حددها الشرع، يقول الله تعالى: (وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ). النور 31.
وهذا أمر من الله لنساء المؤمنين أن يلقين بالخمار إلقاءاً محكماً على المواضع المكشوفة؛ وهي الرأس والوجه والعنق والنحر والصدر، خلافاً لما كان عليه نساء الجاهلية من سدل الخمار من ورائها وتكشف ما هو قدامها.
ونهاها تعالى - لكمال الاستتار - عن الضرب بالارجل حتى لا يصوّت ما عليها من حلى فتعلم زينتاه بذلك فيكون سبباً للفتنة بها. قال تعالى: (وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنّ). النور: 31. ونهاها الله تعالى عن التبرج فقال سبحانه: (وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى).الأحزاب 33.
والتبرج يكون بعدة أمور:
• يكون التبرج بخلع الحجاب، وإظهار المرأة شيئاً من بدنها أمام الرجال الأجانب عنها.
• ويكون التبرج بأن تبدي المرأة شيئاً من زينتها المكتسبة.
• ويكون التبرج بتثنّى المرأة في مشيتها وتبخترها وترفّلها وتكسّرها أمام الرجال.
• ويكون التبرج بالخضوع بالقول والملاينة بالكلام.
• ويكون التبرج بالاختلاط بالرجال وملامسة أبدانهن أبدان الرجال، بالمصافحة والتزاحم في المراكب والممرات الضيقة ونحوها .
ونهى صلى الله عليه وسلم عن الخلوة والسفر بغير محرم: "لا يخلونّ أحدكم بامرأة إلا مع ذي محرم" . "لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تسافر مسيرة يوم وليلة إلا مع ذي محرم لها" .
فما نصيب المرأة المسلمة من هذه الضوابط التي أوجبها الله تعالى عليها؟!.
إن أكثر النساء المسلمات بعيدات كل البعد عما شرع الله تعالى وأوجب عليهن.
لقد صارت المرأة تخرج في كثير من بلاد المسلمين حاسرة الرأس، مكشوفة الصدر والساقين، متزينة متعطرة متبرجة، تخالط الرجال، وتزاحمهم في كل مكان وميدان.
بل قد بلغ ببعضهن النأي عن أوامر الله سبحانه والإمعان في تقليد المرأة الغربية الكافرة إلى حدّ العري على الشواطئ بلا حياء، والأعتى من ذلك والأمرُّ أن بعض النساء تفخر بهذه التبعية والانسلاخ عن أوامر الله وتعدّه تقدماً ومدنية، تقول إحداهن - وهي فتاة تركية - في بعض الموانئ الإنجليزية: "إننا نعيش اليوم مثل نساءكم الإنجليزيات، نلبس أحدث الأزياء الأوروبية، ونرقص وندخن ونسافر وننتقل بغير أزواجنا".
ومن لم تصل إلى هذه الدرجة ولا يزال المكر بها في أول الطريق فقد تدخلت الموضة في عباءتها وحجابها حتى أفقدتها غايتها من الستر والحشمة "وأصبحت العباءة رمز لإبداء الزينة وإظهار الفتنة وإبراز المفاتن والمحاسن. فهناك تفنن في إدخال بعض النقوش والزخارف والتطريزات، وهناك شفافية في نوع القماش وظهور ألوان متعددة على جوانب العباءة وأطرافها، وهكذا أصبحت العباءة رمزاً للموضة والفتنة" . وهذا التدرج في الإخلال بشروط الحجاب طريق إلى نزع الحجاب كما حدث في كثير من بلاد المسلمين، حتى انسلخت المرأة عن دينها وفقدت هويتها الإسلامية.
سئل حذيفة رضي اله عنه: "في يوم واحد تركت بنو إسرائيل دينهم؟! قال: لا، ولكنهم كانوا إذا أمروا بشيء تركوه، وإذا نهوا عن شيء ركبوه حتى انسلخوا عن دينهم كما ينسلخ الرجل من قميصه).
إن الحجاب جاء ستراً وشعاراً للمرأة المسلمة، وهو أوضح مظاهر الطاعة والتسليم لأمر الله تعالى وأمر رسول صلى الله عليه وسلم .(58/148)
عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: " إن لنساء قريش لفضلاً، وإني والله ما رأيت أفضل من نساء الأنصار؛ أشد تصديقاً لكتاب الله، ولا إيمانا بالتنزيل؛ ولقد أنزلت سورة النور: (وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ) انقلب رجالهن إليهن يتلون عليهن ما أنزل الله إليهن فيها، ويتلو الرجل على امرأته، وابنته، وأخته، وعلى كل ذي قرابته، فما منهن امرأة إلا قامت إلى مرطها(1) المرحل فاعتجرت(2) به، تصديقاً وإيماناً بما أنزل الله من كتابه، فأصبحن وراء رسول ا صلى الله عليه وسلم متعجرات كأن على رؤسهن من الغربان"(3).
وعنها رضي الله عنها قالت: "يرحم الله النساء المهاجرات الأول، لما أنزل الله: (وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ) شققن أكثف مروطهن فأختمرن به" (4).
هذا حال المسلمات الأُوَل، أمّا اليوم فقد وصلت كثير من المسلمات إلى حال يرثى لها في فقد الصلة بدينها، فلم يعد هو الموجه لما تمارسه، بل إنها تتلقف كل ما يأتيها من الغرب الكافر، وكأنه ليس لها مرجع ترد إليه أمورها، وإليك هذه الصورة المزرية من التقليد الأعمى وفقدان الهوية:
نشرت مجلة الأسرة (عدد 81 ذو الحجة 1420هـ) ما يلي: "لفيف من البنات دخلن قاعات المحاضرات يوم 14 فبراير وقد ارتدت كل واحدة منهن ثوباً أحمر، وألصقت على وجهها رسوماً لقلوب حمراء بعد أن وضعت مساحيق التجميل الحمراء على وجهها، وبدأن يتبادلن الهدايا ذات اللون الأحمر مع القبلات الحارة، هذا ما حدث في أكثر من جامعة في بلد إسلامي، بل وفي جامعة إسلامية احتفالاً بعيد الحب، أو بالأحرى عيد القديس فالنتاين" .أ.هـ.
إن التقليد وفي هذه الأمور - فضلاً عن تحريمه - فهو صورة للتبعية الذليلة التي ينبغي أن يرغب عنها.
وملامح التبعية في أقطار كثيرة من أقطار المسلمين واضحة جليّة سواءاً في ملايين المسلمات الكاسيات العاريات ومحترفات اللهو والمجون وفي الألوف المؤلفة الذين يعبون عبئاً من فكر الحضارة المادية الملحدة ويستقون من مستنقعات ثقافتها وتصوراتها، ثم يقذفون بها أمتهم في كل ميدان (5).
"وإذا كانت الأمم تحرص على استقلالها الفكري والاجتماعي بدافع من العزة القومية أو الكرامة الوطنية أو غيرهما فإن المسألة عندنا تختلف تماماً، لأن استقلالنا في هذه الأمور هو قضية عقيدة ودين، ومسألة وجود ومصير، ومسئولية رسالة ودعوة، وضرورة بعث وإنقاذ لأنفسنا وللعالمين، ثم هي مهمة قيادة وهداية، وتمكين لخط الوعي المشرق، وتمييز له عن المناهج والنماذج البشرية التي سيطرت على الأرض وملأتها ضلالاً وإلحاداً وعناداً.
وهذا كله يأبى علينا التبعية كل الإباء، بل إن التبعية هنا تصبح خيانة لرسالتنا وجناية على أمتنا، وشروداً بالقافلة عن طريق ربها الواحد القهار" (6).
2- الفراغ الفكري والروحي والإغراق في التوافه:
لقد اعتنى الإسلام بما يقود النفوس إلى الخير ويعمل على تزكيتها من العلم النافع والأدب الحسن، يقول الشيخ السعدي في تفسير قول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً).] التحريم: 6 :"وقاية الأهل والأولاد بتأديبهم وتعليمهم وإجبارهم على أمر على أمر الله" (7).
وجعل صلى الله عليه وسلم العلم فريضة على كل مسلم(8). وأرشد إلى فضيلة تعليم المرأة: "أيما رجل كانت عنده وليدة، فعلمها فأحسن تعليمها، وأدبها فأحسن تأديبها، ثم اعتقها وتزوجها فله أجران"(9).
وخصّ النساء بالحديث "جاءت امرأة إلى رسول ا صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، ذهب الرجال بحديثك، فاجعل لنا من نفسك يوماً نأتيك فيه، تعلمنا مما علمك الله، فقا صلى الله عليه وسلم : اجتمعن يوم كذا وكذا، في مكان كذا وكذا. فاجتمعن فأتاهن فعلمهن مما علمه الله" (10).
وفي هذا الجو حرصت النساء المسلمات على التفقه في الدين، فعن أم المؤمنين رضي الله عنها، قالت: "نعم النساء نساء الأنصار لم يمنعن الحياء من التفقه في الدين" (11).
ولا شك أن تربية المرأة هو مجال إصلاح الأسرة وإنشاء جيل صالح، ولذا حرص الإسلام على تعليمها وتأديبها لما لها من دور عظيم في بناء الأسرة، إلا أن المرأة في ظل هذه الدعوات الفاسدة والإعلام الموجه للمرأة أبعدت كثيراً من أن تكون محضناً صالحاً للأجيال، حيث مارست هذه الوسائل تهميشاً واضحاً لفكر المرأة وتعاملت معها على أنها جسد وحسب، سيل من البرامج الترفيهية التافهة وصفحات تعج بالغث من الموضوعات التي تحصر اهتمامات المرأة بالشكل والجمال وكيفية جذب الأنظار إليها(12).
"وهذا كله جعل المرأة نفسها تعيش خواء فكرياً وفراغاً روحياً، وخلجاً عجيباً بين الغايات والوسائل" (13). "ففي الوقت الذي يتبلور المفهوم الإسلامي المعتدل للجمال على أنه وسيلة تأخذ من المرأة قدراً معيناً تحقق به أنوثتها، يزرع الإعلام في حسّ المرأة أن الجمال المظهري غاية تستحق أن تبدد المرأة جهدها ووقتها ومالها لأجله"(14).(58/149)
وفي حين نجد النماذج الحرية بالأسوة من أزواج رسول ا صلى الله عليه وسلم أمهات المؤمنين كان لهن قصب السبق في العلم والعمل، فهذه أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها عالمة عاملة.
عن أبي موسى قال: "ما أشكل علينا أصحاب صلى الله عليه وسلم حديث قط فسألنا عائشة إلا وجدنا عندها منه علما"(15).
وعن عروة قال: "لقد صحبت عائشة فما رأيت أحداً قط كان أعلم بآية أنزلت، ولا بفريضة، ولا بسنّة، ولا بشِعر، ولا بقضاء، ولا طبّ منها" (16).
وتقول عائشة عن أم المؤمنين زينب بنت جحش رضي الله عنها: "ولم أرَ امرأة قط خيراً في الدين من زينب، وأتقى لله، وأصدق حديثاً، وأوصل للرحم، وأعظم صدقة وأشد ابتذالاً لنفسها في العمل الذي يتصدق به ويتقرب إلى الله عز وجل" (17).
إلا أن المرأة في وقتنا الحاضر قُدم لها نموذجٌ للأسوة من الفارغين والفارغات، بل في أحيان كثيرة من الساقطين والساقطات من أعلام الفن ورائدات السفور.
ولذا صار من المألوف في هذا الوقت أن تجد المرأة والفتاة - خاصة - تعرف من أسماء ماركات الأزياء العالمية وأسماء الفنانين والفنانات، بل تفاصيل حياتهم الخاصة الشيء الكثير، لكن لو سئلت عن بعض أحكام الطهارة والصلاة لوجدت جهلاً فاضحاً، فضلاً عن أن تعرف سير الصحابيات ومعالم نهجهن، ولا يقتصر هذا الفراغ والخواء على الفتيات بل يشمل الشباب من الجنسين.
وفي بحث قامت به مجلة الأسرة (العدد 83، صفر 1421هـ) عن طريق استبانة وزعت على (1000) شاب وفتاة من طلاب الجامعات في الرياض، والدمام، وجدة، حول ما هو معلوم بالضرورة من الدين والجغرافيا والتاريخ والأدب والفن والرياضة، كانت أعلى نسبة في معدل الإجابات الصحيحة هي:للفن 88%، ثم الرياضة 87%.
وفي أدنى القائمة كانت الثقافة الإسلامية، فالتاريخ، بنسبة 58% للثقافة الإسلامية، و57% للتاريخ!.
وأشارت المجلة في العدد نفسه إلى استطلاع قامت به صحيفة الرأي العام الكويتية على (100) طالب وطالبة من كليات مختلفة عُرضت عليهم قائمة تضم 32 اسماً لشخصيات وأحداث عامة، كانت الشخصية الوحيدة التي عرفها الجميع ولم يخطئ فيها أحد مطربةٌ إماراتية تُدعى (أحلام).
إنّ هذا الخواء وتفاهة الاهتمامات للأسرة دورٌ فيه، وهو يدل على مدى قصور المرأة علميا ودينياً عن الوفاء بتوجيه الأبناء إلى ما يدلهم على الخير ويرفعهم فكرياً وروحياً، حتى يكاد ينطبق على كثير من أبناء المسلمين اليوم قوله تعالى: (يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ). ]الروم:7 [.
ولا شك أن كثيراً من انحرافات ومشكلات الشباب والفتيات تتصل بهذا الجانب وتنبع منه، فافتقاد العلم النافع، والموعظة التي توقظ القلوب والتوجيه إلى النماذج الحرية بالاقتداء يفرغ معه القلب عن ما يعين على الخير.
3- الجرأة على الدين:
أصل الدين يقوم على تعظيم الله وتعظيم رسول صلى الله عليه وسلم ، والتسليم لحكم الله وحكم رسوله، يقول الله تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِم). ]الأحزاب: 36[.
يقول ابن كثير: "فهذه الآية عامة في جميع الأمور، وذلك أنه إذا حكم الله ورسوله بشيء فليس لأحد مخالفيه ولا اختيار لأحد ها هنا، ولا رأي ولا قول، كما قال تعالى: (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً)" (18). ] النساء: 65 [.
... يُتبَع إن شاء الله تعالى،،،،،،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) المرط: كساء.
(2) الاعتجار: أن يلف الكساء على الرأس ويرد طرفه على الوجه.
(3) رواه أرو داود.
(4) رواد أبو داود.
(5) انظر الغزو الفكري ص272.
(6) المرجع السابق ص270 باختصار وتيسير.
(7) تفسير السعدي ص809.
(8) في حديث رواه ابن ماجه.
(9) متفق عليه.
(10) رواه البخاري.
(11) رواه البخاري.
(12) انظر البيان ع149 ص79.
(13) المرجع السابق.
(14) المرجع السابق.
(15) الترمذي عن سير أعلام النبلاء (2/179).
(16) أبو نعيم في الحلية. عن سير أعلام النبلاء (2/183).
(17) رواه مسلم. ش
(18) تفسر ابن كثير (6/423).
----------------
إنّ مما ابتلى به كثيرٌ من الناس في هذا العصر اقتحام كثير منهم لسياج الدين وحرماته، وتعدّيهم على قاعدة التسليم لكتاب الله وسنة نبي صلى الله عليه وسلم .
فالسمة البارزة لكثير من الكتابات والأقوال التي تناولت موضوع المرأة مثلاً؛ السمة البارزة لها: الجرأة على النصوص، والتطاول على أحكام الله وسنة رسول صلى الله عليه وسلم ، والاستخفاف بالدين القيّم، هذه حال كثير ممن يسمون المتنورين (المستغربين) الذين تتلمذوا على مدارس الفكر الغربي وعبوا من مناهجه وأصوله.(58/150)
ولو لا الحاجة من جهة لمعرفة الخطر الذي يتهدد المجتمعات المسلمة - وفئة الناشئة خاصة - من مثل هذا المنهج، ثم من جهة أخرى تلمس ما أحدثه التغريب في أبناء المسلمين لكنت أربأ عن نقل أقوالهم لما فيها من جرأة صارخة على الدين، واستهانة برموزه.
فهذا باحث مغربي يُدعى (عبد الصمد الديميالي) يقول في مؤتمر نسوي عقد في اليمن وأشارت لما ورد في هذا المؤتمر مجلة الأسرة (العدد 81 ذو الحجة 1420هـ): " إن الدين ظلمَ المرأة حينما لم يسوّ صراحة بينها وبين الرجل ". ويقول وبكل صفاقة ما نصه: " إذا لم تكن النصوص القرآنية صريحة وواضحة في المساواة بين الرجل والمرأة فلنلق بها في مزبلة الأيدلوجية ".
واختتم ورقته التي أثارت غضب المسلمين في اليمن بالدعوة صراحة إلى الحرية الجنسية بعيداً عن نظام الأسرة التي وصفها بأنها نظام برجوازي.أ.هـ.
وتتضح علة هذا الرجل عندما ننظر إلى الثقافة التي استقاها حيث يقول عن نفسه: " إنني شخصياً وحينما كنت في الثالثة والعشرين من عمري تأثرت بكتاب (الحرية الجنسية) لريشين الذي يهاجم نظام الأسرة ".أ.هـ.
وطالبت نوال السعداوي في مؤتمر صحفي عقدته ودعت إليه الوكالات الغربية العاملة في مصر وحدها مطلع هذا العام طالبت: " بتشريعات نسوية علمانية لا يكون فيها أي سلطان أو حق على حد تعبيرها " (1).
وسبحان الله ما أحلمه على خلقه!.
وينقل عبد السلام بسيوني في كتابه (ماذا يريدون من المرأة)، ينقل عن إحداهن مناقشتها ربها - عز وجل - وردّ أحكامه، ودفعها لأراء الفقهاء الذين عمقوا - كما تقول - دونية المرأة، منطلقين من تركيبها البيولوجي، وينقل عنها قولها: " لا أفهم - كامرأة - علاقة الحيض والإنجاب أو عدمه بتخصيص، أو عدم تخصيص جنس دون آخر بالرسالات والتنبؤات، وقيادة الحروب، ولا سبب نقصان الثواب ".(2).
وللمزيد من هذه الأقوال الفجة يُراجع ما نقله البسيوني عن أمثال هؤلاء، وكذلك ما نقله المقدم في (عودة الحجاب) وغيرهما.
إنّ هؤلاء المتطاولين الناقمين على الدين وأهله هم ثمرة من ثمار التغريب، وحملات التشكيك والهجوم على الدين وأحكامه، وهذه السموم والأقوال التي يبثونها في الصحف والندوات والمنابر الإعلامية المختلفة لها أثرها السيئ الظاهر في المجتمعات الإسلامية.
فها نرى أكثرهم يسلّم بكلام الطبيب والفيزيائي وغيرهم، أمّا أحكام الشرع وأحاديث الرسو صلى الله عليه وسلم فتناقش وترد ويتطاول عليها.
4- ضعف عقيدة الولاء والبراء
إنّ الحب في الله والبغض في الله هو أوثق عرى الإيمان كما بين الرسو صلى الله عليه وسلم لأبي ذر حيث قال: " يا أبا ذر، أيّ عرى الإيمان أوثق؟! قال: الله ورسوله أعلم: قال: الموالاة في الله والحب في الله والبغض في الله " (3).
إنّ هذه الشعيرة التي لها هذا القدر العظيم في ميزان الإيمان ذابت ملامحها في حس كثير من المسلمين في هذا الوقت، وسأعرض هنا لمظاهر بارزة من ذلك عبر النقاط التالية:
أ- هذا التمجيد للنموذج الغربي وعرضه عرضاً مغرياً عبر وسائل الإعلام المختلفة قربه إلى النفوس وكسر حاجز الشعور بفوارق العقيدة وعداوة الكفار.
تقول د. زينت حسن أستاذة الاجتماع بكلية البنات بجامعة عين شمس وهي تتحدث عن أثر السينما في مصر خلال فترة الاحتلال الإنجليزي:
" من ناحية فقد سعت إلى كسر حاجز الرفض الشعبي ضد الاحتلال الإنجليزي وضد الدول ذات الأطماع الاستعمارية الأخرى مثل فرنسا وأمريكا، وبناء علاقة أخرى تقوم على أساس القبول والإعجاب، وهي علاقة كانت تجد رفضاً من بعض المشتغلين بالسياسة باعتبار أن هذا القبول يعد نوعاً من التطبيع مع المستعمر، وبذلك أفادت السينما هذه الدول الاستعمارية، فيكفي أن يحب الجمهور ممثلة إنجليزية أو ممثلاً فرنسياً لتنكسر حدة العداء المستحكم بينه وبين هذه الدول "(4).
هذه وسيلة واحدة أثرت هذا التأثير في فترة احتلال، فما بالك بأنواع الوسائل المبثوثة في هذا الوقت؟!.
ب- من آثار هذا التمجيد والفرض للنموذج الغربي مع عقدة النقص التي يستشعرها المغلوب دائماً دفعاً للتقليد والمشابهة، فالمغلوب "مولع أبداً بالاقتداء بالغالب" كما يقول ابن خلدون.
ومعلوم أن المشابهة تورث التقارب والمودة.
يقول شيخ الإسلام رحمه الله: ( المشاركة في الهدى توجب أيضاً مناسبة وائتلافاً بعد المكان والزمان)(5). ويقول أيضاً: ( المشابهة في الظاهر تورث نوع ومودة، ومحبة، وموالاة في الباطن ) (6).
ت- ربط قضية المرأة بالمرأة، وهذا فيما يمكن أن يسمى قومية نسائية لا تفرق بين يهودية ولا نصرانية ولا وثنية، فلا عجب أن نجد امرأة مسلمة ممن تولين إدارة تحرير مجلة سيدتي في فترة مضت تجري مقابلة مع الهندوسية أنديراً غاندي في إجلال وإعظام، وتذكر أنها سعت لهذه المقابلة العظيمة شهوراً حتى قابلتها، وتقول هذه الدكتورة المسلمة: " بدأ اختيار مدخل الحديث عن السيدة إنديراً غاندي أمراً محيراً وليس سهلاً "(7).
وكل هذا الإعظام لهندوسية تعبد البقر وقتلت آلافاً مؤلفة من المسلمين!.
لكن ليست هذه قضيتهم! فجُل ما يعنيهم أنها رئيسة وزراء (امرأة)!.
5- الانحلال الأخلاقي(58/151)
يقول الله تعالى: (يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً).
العفة وطهارة المجتمع يمزقهما الاختلاط والسفور، وهذا أمرٌ ظاهر في حياة المجتمعات، فمنهج الله تعالى سبيل حفظ المجتمع من الانحلال والفساد الأخلاقي، ومنهج دعاة التحرير هدم الأخلاق والأعراض.
يقول محمد فريد وجدي : " إن دعوة قاسم أمين قد أحدثت تدهوراً مريعاً في الآداب العامة، وأحدثت انتشاراً مفزعاً لمبدأ العزوبة، أصبحت المحاكم غاصّة بقضايا الأعراض، وهربت الشابات من دور أهلهن " (8).
ولو نظرنا إلى حال المجتمعات الغربية - التي هي النموذج الأعلى للمستغربين، والتي يسعون سعياً حثيثاً إلى أن تحذو المرأة المسلمة حذو نسائها - لوجدنا فساداً أخلاقياً مريعاً، وهذه نظرة عجلى على بعض الشواهد من واقع تلك المجتمعات، وعبر بعض الإحصائيات والدراسات المنشورة عن أحوال تلك المجتمعات، والصادرة عن مؤسسات عالمية أو جهات محلية في تلك البلاد، وهي بهذا تكسب قيمة خاصة، لأنها تنبع من معاناة هؤلاء القوم أنفسهم، وليست انطباعات لدى من يخالفهم الاعتقاد والمنهج.
** هناك دراسة علمية أجراها باحثان أمريكيان حول المجتمع الأمريكي وشملت الدراسة عينة كبيرة من المواطنين الأمريكيين الذين شاركوا بآرائهم في القضايا المطروحة للدراسة ونشر الكتاب عام 1991م تحت عنوان: (يوم أن أعترفت أمريكا بالحقيقة).
وردت في هذا الكتاب حقائق خطيرة عن واقع هذا المجتمع، ومن ذلك مشكلة الاغتصاب المنتشرة هناك، فقد ذكر الكاتبان ما نصه: "20% من النساء اللاتي تحدثنا معهن أخبرتنا بأنهن قد اغتصبن في لقاء مع أحد أصدقائهن!، وعندما نتصور هذا الرقم على المستوى الوطني فإنّ هذه المسألة تعني ما يقارب من تسعة عشر مليونا من النساء في أنحاء الولايات المتحدة كن ضحايا الاغتصاب ".
ويشير الكاتبان إلى أن الإحصاء الرسمي لا يعبر عن حجم المشكلة، لأن 3% من ضحايا الاغتصاب يبلغن الشرطة ويسجل الحادث رسمياً وفق ما ورد في دراسة قامت بها إحدى الجامعات الأمريكية.
وفي إيطاليا ذكر تقرير حديث صدر هناك، وأشارت إليه مجلة الأسرة في (العدد 7، محرم 1420هـ) أن:" 40% من نساء إيطاليا من أعمار (14) إلى (59) من ضحايا الاغتصاب." .
وتوصل التقرير إلى: إن 14 مليون امرأة في إيطاليا يخشين السير بغير رفقة في الشوارع المظلمة، أو في الأماكن المهجورة، في أي وقت من أوقات النهار، وأن عمليات الاغتصاب تجري في المنازل وأماكن العمل بلا تمييز، وأن كثير من عمليات الاغتصاب تمر دون الإبلاغ عنها.
وفي جنوب أفريقيا ذكرت صحافية جنوب أفريقية أنه في كل نصف دقيقة تغتصب امرأة في ذلك البلد.
وتقدر الجهات الأمنية عدد حالات الاغتصاب التي يتم البلاغ عنها بأنه لا يتجاوز (2,8%) من إجمالي حالات الاغتصاب التي تحدث بالفعل في جنوب أفريقيا مما يرفع العدد الإجمالي للنساء المغتصبات كل سنة إلى مليون امرأة. وقد نشرت ذلك مجلة الأسرة (العدد 73، ربيع الآخر 1420هـ).
أما عن المضايقات غير الأخلاقية:
فقد ذكرت التقارير إن: " 42% من النساء الأمريكيات يتعرضن لتحرشات غير أخلاقية في أماكن العمل والدراسة، والمنتديات، وفي الشوارع.
أما في بريطانيا فالنسبة (4,7%) " .
وفي ألمانيا اضطرت 6% من النساء الألمانيات سنة 1990م إلى هجر وظائفهن بسبب تطاول زملائهن عليهن، والتحرش بهن جنسياً. نشر ذلك في مجلة الأسرة (العدد 80، ذو القعدة 1420هـ).
ونشرت جريدة الرياض في عدد الجمعة 29 صفر 1421هـ خبراً حول تفاقم مشكلة التحرش بالنساء في اليابان والذي بلغ درجة القتل، وأن القضية أثيرت بقوة بعد مقتل فتاتين من قبل صديقين سابقين أصرّا على ملاحقة الفتاتين. وقالت: هيرومي شيراهاما خبيرة القضايا القانونية في الحزب الديمقراطي: " إن حوادث التحرش تكاثرت جداً في السنوات الأخيرة، وبات من الضروري وضع قانون وطني لمكافحتها ". أ.هـ.
وجاء في الخبر أن التحرش في القطارات متفاقم إلى درجة أن المسئولين في شركة القطارات الأرضية يفكرون بتخصيص عربات خاصة بالنساء.أ.هـ.
وسبحان الله، صيانة المرأة وإبعادها عن أن تكون موطن فتنة أمرٌ شرعه الله العالم بطبيعة النفوس، وها هو الواقع يضطرهم إلى إبعادها عن مخالطة الرجال. هذا حال المجتمعات المتحللة. والعاقل يبدأ من حيث انتهى الآخرون.
6- انقلاب قائمة الأولويات عند المرأة
إنّ هذه الدعوات التي لا تقيم وزناً لدور المرأة العظيم في المنزل - أمّا وزوجة ومربية أجيال - أثّرت في حس المرأة، وقلصت من اهتمامها بذلك ولم تعد رسالتها الأولى لها الأولوية في حياتها، وصارت تبحث عن نفسها - كما يقولون - خارج المنزل وتلقي بكثير من مسئوليات المنزل على عاملة مستقدمة غير مؤهلة لهذه المهمة، بل قد تكون سبباً لإفساد الأسرة والأولاد.(58/152)
والتهاون بهذا الدور - دور المرأة داخل المنزل - يمثّل أثراً واضحاً لهذه الدعوات التي صورت البيت على أنه سجن ظلمت المرأة بقرارها وبقائها فيه، وأنّه تعطيل لنفعها، فهي عضو غير منتج ، وغاب عن شعور الكثيرات عظم هذا الدور في حياة المجتمعات، ثم عظم الأجر الذي تناله المرأة بالإحسان في هذا الجانب.
أتت أسماء بنت يزيد رضي اله عنها صلى الله عليه وسلم فقالت: " إني رسول من ورائي من جماعة نساء المسلمين، فهن يقلن بقولي، وعلى مثل رأيي: إن الله تعالى بعثك إلى الرجال والنساء، فآمنا بك، واتبعناك، ونحن معاشر النساء مقصورات مخدرات قواعد بيوت، وإن الرجال فضلوا بالجمعات وشهود الجنائز والجهاد، وإذا خرجوا للجهاد حفظنا لهم أموالهم وربينا أولادهم، أفنشاركهم الأجر يا رسول الله؟. فألتفت رسول ا صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه فقال: " هل سمعتم مقالة امرأة أحسن سؤالاً عن دينها؟! فقالوا: بلى يا رسول الله. فقا صلى الله عليه وسلم : " انصرفي يا أسماء، وأعلمي من وراءك من النساء أن حسن تبعل إحداكن لزوجها وطلبها مرضاته، واتباعها لموافقته يعدل كل ما ذكرت للرجال "(9).
هذا ما تيسّرت الإشارة إليه من آثار هذه الهجمة الشرسة على المرأة المسلمة والمجتمع المسلم في هذا الزمن.
وهذا الحديث محاولة لتلمس جوانب الداء، لندرك الأثر السيئ لمثل هذه الدعوات، فنسعى للنأي بمجتمعنا عن تلك المنزلقات.
والله أسأل أن يحفظ علينا - في بلدنا هذا خاصة وفي بلاد المسلمين عامة - ديننا وأمتنا وعفافنا، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وأخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
تمّ بحمد الله تعالى،،،،،،
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) البيام العدد 149 ص60.
(2) ماذا يريدون ص21، والقاتلة هي سلوى حماش.
(3) حسن بشوهده كما نقل المقدم في عودة الحجاب من محقق شرح السنة للبغوي.
(4) الأسرة عدد 72 ربيع الأول 1420هـ.
(5) اقتضاء السراط المستقيم ص220.
(6) المرجع السابق ص221.
(7) عن المرأة المسلمة أما التحديات ص322-323.
(8) عن المرأة المسلمة أمام التحديات ص294.
(9) رواه أحمد وصحح الألباني إسناده
==============(58/153)
(58/154)
الجمعيات النسوية والدور المشبوه
إنما دخل البلاء لديار الإسلام بسبب دعوات فاجرة ظهرت وتدرجت بالمسلمين شيئاً فشيئاً، ولبست لباس الزور وهم لا يعرفون حقيقتها، إلى أن وصل بهم الحال إلى ما ترون، بل إن هذه الدعوات لربما دخلت عن طريق بعض الجمعيات النسوية، لكونها ذريعة لخروج المرأة من بيتها، ولأنها يتسلل إليها عناصر مشبوهة، فتنشر أفكارها من خلالها، وتقوم بنشاطات مخالفة للإسلام، إما عن طريق ما تقوم به وتنظمه من محاضرات، أو ندوات أو دروس، أو عن طريق ما تنشره من كتيبات، أو نحو ذلك[1]، وتكمن خطورة هذه الجمعيات في صعوبة مراقبتها لكونها أماكن مغلقة، فلا يدري ما يدور في داخلها، وهي إحدى الوسائل التي استعملت لإفساد المرأة في بلاد المسلمين، ولنأخذ مثلاً على ذلك مصر، لكونها من أوائل البلدان الإسلامية التي مرت بهذه التجربة، والتي كانت عاقبتها وخيمة جداً يراها كل مبصر: فحينما كانت الدول العربية تخوض حربها الأولى مع اليهود، تكون حزب نسائي اسمه حزب بنت النيل عام 1949م، ولم يمضي قليل حتى أصدر ذلك الحزب الناشئ مجلة بنت النيل باللغة العربية، والمرأة الجديدة باللغة الفرنسية، ثم أصدر مجلة البلبل للأطفال، وبعد أشهر قليلة من تكوين ذلك الحزب سافرت رئيسته إلى بريطانيا، فقوبلت بحفاوة عظيمة، ورحبت بها الصحف البريطانية، ونشرت عنها الأحاديث العديدة التي تصورها بصورة الداعية إلى تحرير المرأة المصرية من الأغلال التي تثقل كاهلها، وتعوقها عن التقدم، أغلال الحجاب والطلاق وتعدد الزوجات، وقد ازدادت صلة هذا الحزب بالاستعمار وضوحاً، حينما نشرت مجلة روز اليوسف بعد ذلك مقالاً جاء فيه قولها: استقالت عضوة في إحدى الهيئات النسائية، وأرسلت استقالة مسببة إلى رئيسة الهيئة، تتهمها فيها بأخذ إعانات مالية من إحدى السفارات الأجنبية، وقد قبلت الرئيسة الاستقالة دون عرض الخطاب على مجلس الإدارة، ولم يمض إلا قليل حتى أكدت للجمهور المصري في عددها (24) هذا النبأ، وزادته وضوحاً حيث قالت: تشترك كل من السفارة البريطانية والأمريكية بمبلغ ألف جنيه سنوياً في بعض المجلات التي يصدرها حزب بنت النيل، هكذا كشف الغطاء، فظهر المستور، وعرف الناس سر هذه القوة الجبارة التي استطاعت إصدار ثلاث مجلات مختلفة في آن واحد، وعلى ورق مصقول، وبدأ نساء هذه الجمعيات في الاتجاه إلى المظاهرات، مطالبات بالنغمة نفسها، إلغاء الطلاق وتعدد الزوجات، وأبرقت جمعية سان فرانسيسكو النسائية بانجلترا، تهنئ الهيئات النسائية المصرية على كفاحها من أجل الحقوق السياسية، وتعلن تأييدها لها، اهتمام عجيب من كل ناحية، لا يفسره إلا اتفاق هذه النواحي في موقفها من مصر، وقد وجدت بعض القرارات التي اتخذت في مؤتمر أثينا، الذي حضرته رئيسة بنت النيل سنة 1951م، كشفت سر اهتمام الهيئات النسائية الدولية بحركات الأحزاب النسوية في مصر، حينما أيدت مندوبة الحزب المصري سياسة التسلح الدفاعي، التي يتذرع بها الاحتلال البريطاني للبقاء في أرض الوطن ورفض الجلاء، ومثل هذا الحزب النسائي امتداد لتلك الحركة التي قامت بها نازلي فاضل وهدى شعراوي.(58/155)
أما نازلي فاضل هذه فجدها هو إبراهيم باشا، الذي هدم الأخلاق، وفعل أفاعيله المعروفة، ونازلي هذه كانت أداة في يد الانجليز، وذلك أن الصليبي الحقود مرقص فهمي حينما أصدر كتابه (المرة في الشرق)، الذي دعا فيه صراحة للقضاء على الحجاب الإسلامي، ودعا الإباحية واختلاط المرأة المسلمة بالأجانب عنها، ولتقييد الطلاق، وإيجاب وقوعه أمام القاضي، ومنع الزواج بأكثر من واحدة، وإباحة الزواج بين المسلمات والأقباط النصارى، فقد أحدث هذا الكتاب ضجة عنيفة، فبدأ الاستعمار الانجليزي إثر هذه الضجة يبحث عن وسيلة لشد أزر مرقص فهمي، فلجأ إلى الأميرة نازلي فاضل، ليستعجلها على عمل شيء يساند مرقص فهمي، من خلال صالونها الذي افتتحته آنذاك، ليكون مركزاً تبث منه الدعوة إلى التغريب عامة، وإلى تحرير المرأة خاصة، وكان من نتيجة تعاونها مع الإنجليز على شد أزر مرقص فهمي، أن ضغطت على قاسم أمين الذي ألف كتابه تحرير المرأة، وما بعده من كتب، وأما هدى شعراوي فهي ابنة محمد باشا سلطان، الذي كان يرافق جيش الاحتلال البريطاني في زحفه على القاهرة، ويدعو إلى تقديم كافة المساعدات المطلوبة له، وقد سجل له التاريخ تقدمه مع فريق من الخبراء بهدية من الأسلحة الفاخرة، إلى قادة جيش الاحتلال شكراً لهم على إنقاذ البلاد، وقد قوبلت خدمات سلطان باشا هذه من الإنجليز بالإنعام عليه، بألقاب تخوله للقب سير، وأشاروا على الخديوي فمنحه عشرة آلاف من الجنيهات الذهبية، ولذلك فغير مستغرب أن ينتج هذه الأفعى تلك العقرب هدى شعراوي، فهي ذرية بعضها من بعض، فهدى هذه هي التي كونت الاتحاد النسائي المصري عام 1923م، الذي أصبح يمارس نشاطه حتى استطاع أن يمهد لعقد المؤتمر النسائي العربي عام 1944م، وقد حضره مندوبات عن الأقطار العربية المختلفة، واتخذت فيه القرارات المعتادة، وفي مقدمتها: تقييد الطلاق، وتعدد الزوجات، والمساواة التامة مع الرجل، وزاد على ذلك المطالبة بحذف نون النسوة.
والمرحلة التي مرت بها مصر هي التي تمر ببعضها هذه البلاد، فالصحف تعمل دوماً على طرق مواضيع المرأة، من وجهة نظر تخالف الشرع، ولم يعد الآن مستغرباً أن تجد كاتباً يكتب عن ذلك، فدعاة الشر كثير، ويملكون الوسائل التي تساهم في نشر فكرهم، وبروز نساء على الساحة يطالبن بمثل ما كانت تطالب به نازلي فاضل وهدى شعراوي، وأصبح الآن موجوداً، ولهن دوى يعرفه جميع من كان يتابع هذه الأمور، ووجود جمعيات نسائية أصبح الآن موجوداً كما كان في مصر موجوداً، غير أن الفرق في جرأة هذه الجمعيات على إعلان المبادئ التي يريدها، والأمر إذا كان متخفياً قد يكون ضرره أشد، فهل فتك بالأمة سوى الدعوات الباطنية؟ وليس أدل على ذلك من التحقيق الذي نشرته مجلة الجغرافيا الوطنية التي تصدر في أمريكا، في عددها الصادر في أكتوبر عام 1987م، ففي هذا العدد تذكر الكاتبة أنها كانت قبل ما يقرب من ثمان وأربعين سنة زوجة لأحد السعوديين، حين كانت المرأة السعودية معتزة بالحجاب وعدم الاختلاط بالرجال، وتذكر في تحقيقها أنها قابلت إحدى المغنيات السعوديات، وتحدثت معها عن ماضي المرأة السعودية فقالت: نعم، كانت تلك الأيام أياماً ضيقة، ولكن ليس الآن وخاصة بالنسبة لي، وتواصل بقولها: نحن النساء استطعنا التخلص من أكثر المعوقات والعقبات إلى أبعد حد، وتضيف أنها تغني حيث لم يستطع الرجال فعل ذلك قبل عشرين سنة، وهذه الكاتبة قد دعّمت تحقيقها هذا بالصور لتدلل على ما تقول، وقد نشرت أشياء تدل على تغلغل هؤلاء الإفرنج في مجتمعنا، ومن قبله ما نشرة صوراً لبعض نساء البادية وهي تقود سيارة، فهذه الكاتبة تركز على إعطاء صورة عن مستقبل هذه البلاد، فكما أنه في الماضي كان فيه كذا وكذا فقد زال كله أو بعضه الآن، وكما أنه لا يستطيع أحد في الماضي أن يفعل كذا وكذا ويستطيع أن يفعله الآن، كذلك ما ينتظر في المستقبل أكثر مما قد تحقق، ومن ذلك قيادة المرأة للسيارة، حيث بدأ نساء البادية يفعلن ذلك، فنسأله سبحانه أن يخلف عنها وغيرها، وأن يصلح أحوالنا من حسن إلى أحسن، غير أن ذلك لا يتحقق إلا باليقظة التامة، والحذر عن الشر، وقد نشرت هذه الكاتبة صورة فاضحة لإحدى الفتيات السعوديات وهي شبه عارية، وهي تتلقى تمارين تخفيف الوزن ولا أريد ذكر اسمها، فتذكر أنها درست في الجامعة في أمريكا، ورجعت إلى جدة حيث تدرس النساء التمارين الجسمية، اللياقية المصحوبة بالموسيقى، (يعني الرقص)، وذلك في الجمعية الفلانية النسائية الخيرية.(58/156)
ولا أريد أن أذكر اسم هذه الجمعية، لكن أي خير في تعليم نسائنا التحلل والرقص كما عند الغرب؟ فهذه من مهمات هذه الجمعيات التي يجب علينا أن نحذرها، وأن لا نسمح لنسائنا بارتيادها، وأن لا ندعمها بقليل ولا كثير، فالفقراء معروفون، من طلبهم وجدهم، كما أن علينا أن نحرص على نشر الوعي فيما بيننا، فإلى متى نبقى على هذا الجهل المخيم، وليتق الله كل منا فيمن ولاه الله أمره، ليجنبهم أسباب الردى من أفلام وغيرها، فإن الله سائل كل راع عما استرعاه، فتفكر يا أخي فيما أنت قادم عليه من أهول يوم القيامة.
[1] مما تنشره في صفوف النساء اللاتي يضعف الوعي الإسلامي عندهن وبخاصة عوام النساء الفارغات وقت ذهاب الرجال للعمل.
=============(58/157)
(58/158)
النوادي الرياضية النسائية.. بين المصلحة والمفسدة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد :
فقد تباينت وجهات النظر في مسألة النوادي الرياضية النسائية ، وأصبحنا على مفترق طرق في هذه القضية ،وحيث كثر الجدل فيها ومدى شرعيتها ، رأيت أن أكتب للقراء ما يجلي لهم حكمها وقد قسمت الموضوع إلى تمهيد وخمسة فصول وملحق :
التمهيد يتناول : تحرير محل البحث
الفصل الأول : واقع النوادي الرياضية الموجودة حالياً .
الفصل الثاني : المصالح المرجوة من إنشاء النوادي النسائية
الفصل الثالث : المفاسد المتوقعة من النوادي النسائية .
الفصل الرابع : البدائل المناسبة .
الفصل الخامس: الحكم الشرعي لإنشاء النوادي النسائية .
وأخيراً .. ملحق بفتاوى أهل العلم .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه .
تمهيد
تحرير محل البحث
هذه قاعدة معرفية مهمة وهي قبل أن نحكم على مسألة ما ؛ لابد أن نتصورها جيدا حتى نطلق الحكم الشرعي المناسب فيها ، وبحثنا هذا سنتعرض فيه إلى مسألة ( النوادي الرياضية النسائية) دون النظر إلى حكم ممارسة الرياضة للنساء ، وإن جاء الحديث عنها عرضا فليست هي المقصودة في هذا البحث .
وقبل هذا كله وبعده لابد أن يكون هدف كل إنسان البحث عن الحق ، والسعي لتحقيق المصلحة العامة ، لا التعصب للرأي ولا النظر إلى مصلحة محدودة بأشخاص أو فئات .
الفصل الأول
واقع النوادي الرياضية الموجودة حالياً
لقد قرأت تحقيقاً قامت بنشره مجلة ( أسرتنا ) المباركة كشفت فيه عن حقائق يحسن الوقوف عليها ، وقد كررت الكاتبة الزيارة لعدة نوادي ، وأجرت عدة اتصالات بأندية أخرى .. فمما ذكرته المجلة : ( توجد الأندية النسائية في المستشفيات الأهلية والمراكز الطبية الخاصة ، وعيادات التجميل ومشاغل الخياطة والمقاهي .. أما أقسامها فهناك الأجهزة الرياضية ، مسابح سونا ، جوكوزي ، ومنها المشي ، والمدربات إما أجنبيات أو عربيات ، أما الأسعار فهي تتفاوت حسب مستوى النادي ونوعية خدماته المقدمة وهذه نماذج للأسعار المعمول بها في محال مختلفة :
ـ الايروبكس المائي ـ ثلاث مرات ـ 1500 ريال .
ـ تعليم السباحة لمدة شهر 1200 ريال .
ـ اشتراك شهر بالأجهزة : 825ريال .
ـ جلسة تدليك رياضي واحدة : 230 ريال .
ـ جلسة تمارين الحمل وما بعد الولادة : 230 ريال .
ـ جهاز 196 ( 16جلسة ) بمعدل نصف ساعة : 3800 ريال .
ـ اشتراك سنوي بجميع الخدمات : 4500 ريال . )
وتقول المجلة أيضا : ( توجد داخل الأندية سلع للبيع : ملابس ، عبايات ...وغالباً تكون الرياضة هي سبب القدوم وسرعان ما تجتذبها جوانب النادي الأخرى ، مبيعات ومشاغل ومطاعم فيصيبها هلع الشراء فتدمن الارتياد وتغري بدورها صديقاتها وهكذا والعجلة تدور تلقي بشباكها والفرائس كثر والبدء كانت رياضة !! )
وتقول المجلة أيضا : ( العاملات بتلك الأندية بدءاً بموظفة الاستقبال وانتهاء بالمدربات والإداريات وحتى عاملات المقهى والمطعم تجدهن يرتدين بنطلونات ضيقة لاصقة وبلايز مخصرة تكاد تتفجر من ضيقها ، عموما يخيل إليك وكأنك في صالة لعرض الأزياء ، كل شيء وجد بشكل خاص وطريقة توحي بالدعاية المنظمة والدقيقة لاجتذاب الزبائن ، وكلها في النهاية تجارة وشطارة !! )
وتقول المجلة أيضا : ( النادي في حركة دائبة لا تتوقف وإغراءات متتالية لجذب أكبر عدد وتوفير الجو المهيأ لهن : دوام يومي متواصل يبدأ في الصباح الباكر ويتواصل في ساعات الظهيرة ، وينتهي ليلا ، للمشتركة الحق في تحديد الوقت المناسب لها ...و لا ننسى العرض الخاص بمن أحضرت زبونة جديدة ..)
وتقول أيضا : ( لا يوجد نادٍ واحد بلا موسيقى وقد سألت القائمات على جميع الأندية وبلا استثناء هل يمكنني الاشتراك بالنادي وممارسة الرياضة بلا موسيقى ؟ وتأتي إجاباتهن مسبوقة بدهشة كبيرة ..بالطبع لا يمكن ..فالطلب غريب لم يصل آذانهن من قبل " كما قلن " !! ولكن ..أليس من استثناء ؟ واحدة فقط ..قالت : إذا اشتركت بجهاز رياضي ـ ليس عندهم سواه ـ نتيح لك فرصة اختيار ما تودين سماعه ، قرآن كريم ، أو أغاني موسيقية ، فحرية الاختيار متاحة للجميع !! وهناك ما هو أشد وأنكى ..شاشات تلفزيونية كبيرةجدا في القاعات تعرض أغاني مصورة تثير طرب المدربات والمتدربات سويا !!
وتقول المجلة : ( أقولها بصراحة متناهية وبلا تردد أن أسوأ ما في تلك الأندية هو اللباس الذي ترتديه عاملات وعضوات النادي ، فهو في أبسط صوره ، عارٍ للغاية ، وهي صفة عامة لكل الموجودات ، بنطلونات ضيقة وخفيفة وبلايز عارية وضيقة كذلك ، أما في المسابح والسونا فالأمر أشد وطأة ، غياب تام ..تام ..تام للحياء والستر !!(58/159)
كل شيء باللباس يشير إلى الاشمئزاز ويستنفز النفس السوية ويخدش الحياء !! لا أخفيكم سرا أنني في بدء جولتي الميدانية دخلت ناديا وشاهدت منظر النساء وهن يسبحن فلم أستطع إكمال الجولة بنفس اليوم لعظم ما رأيت !! ومما يحز في النفس ويضاعف معدل الأمر أن بعضها تضع لوحات تؤكد على مسألة الاحتشام والالتزام بالستر داخل النادي فإذا دخلت علمت أن القضية مجرد تغطية وتضليل ليس إلا ..فالكلام في واد والواقع في واد بعيد كل البعد !!)([1][1])
الفصل الثاني
المصالح المرجوة من إنشاء النوادي النسائية
من خلال إطلاعي على ما كتب تبين أن هناك عدة مصالح في نظر المؤيدين من خلالها طالب من طالب بإنشاء نواد للنساء ، فمن تلك المصالح :
المصلحة الأولى : إن إقامة هذه النوادي تقضي على وقت الفراغ لدى الفتيات .
والجواب :
أولاً : إن كانت الفتاة تعمل أو تتعلم فأين وقت الفراغ الذي تملكه فالموظفة تجلس في عملها ثمان ساعات في مقر عملها أو قريبا من ذلك وكذا الطالبة فإذا عدن إلى المنزل فالموظفة تعود لرعاية بيتها وأسرتها وهو من أعظم الأعمال الشاقة على المرأة ، وإن كانت طالبة فهي تقضي وقتها في مراجعة دروسها والإعداد لها .
ثانياً : هناك مجالات يمكن من خلالها أن تقضي المرأة وقتها مع الفائدة العظيمة فمن تلك الأعمال :
ـ المشاركة في دور تحفيظ القرآن الكريم ..تتعلم فيها كتاب الله تعالى ، وسنة رسوله × ، وتتربى فيها على موائد القرآن فتخرج امرأة صالحة ترعى زوجها ، وتربي أولادها ، وتزداد إيمانا على إيمانها .
ـ فتح المجال لإنشاء الجمعيات الخيرية النسائية لإقامة البرامج النافعة والدورات المختلفة كدورات الحاسب الآلي والخياطة والطبخ ونحوها .
ـ المشاركة في المؤسسات الخيرية ـ الأقسام النسائية ـ إقامة البرامج المتنوعة للنساء .
ـ المشاركة في مكاتب الدعوة التعاونية ـ الأقسام النسائية ـ في التنسيق لأقامة الدروس والدورات والمحاضرات ونحوها من الأعمال الخيرية .
ـ حث أصحاب الأموال لإقامة أسواق نسائية خاصة لتزاول المرأة مهنة البيع والشراء وعرض منتجاتها على صاحبات المحلات التجارية في تلك الأسواق .
ـ إقامة مسابقات ثقافية متنوعة ( بحوث ، حفظ ، أسئلة ..)وترصد لها جوائز قيمة .
/ / /
المصلحة الثانية : إزالة الترهل الذي جرى للكثير من بنات المسلمين والسمنة التي طغت عليهن .
والجواب :
أولاً : لماذا لا يبحث عن أسباب ذلك الترهل ليتم علاج الموضوع بجدية ..أليس وجود الخادمات من أسباب الترهل ؟! أليس الترف والدلال من أسباب الترهل ؟!! فلماذا لا تقام حملات إعلامية في بيان أثر ذلك وإقناع الناس بالاستغناء عن الخادمات في البيوت ليتم القضاء على السمنة.
ثانياً : ولماذا لا يطالب الناس بالتخفيف من الطعام استجابة للأوامر الربانية والتوجيهات النبوية ، فالله تعالى يقول : } وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ { [ الأعراف :31]ويقول النبي × : ( ما ملأ آدمي وعاء شراً من بطنه ، فإذا كان لا محالة فاعلا ، فثلث لطعامه ، وثلث لشرابه ، وثلث لنفسه ) رواه أحمد ([2][2])
ثالثاً : الواقع يثبت ارتفاع نسبة السمنة في صفوف الشباب مع وجود النوادي الرياضية لهم فقد ذكرت ( إحدى الدراسات أظهرت أن 52% من البالغين في المملكة يعانون من البدانة، ويعاني منها أيضا 18% من المراهقين و15% من الأطفال دون سن المدرسة!!!) ([3][3]). فإذا كانت النوادي لم تنفع في الشباب مع حبهم الشديد للرياضة فهل ستنفع مع النساء ؟!!
ومن المعلوم أن أمريكا وهي البلاد المبيحة لكل شيء تعاني من السمنة ولم تنفع النوادي في تقلصيها وإليك هذه الأخبار :
ـ ( ينفق الأميركيون 93 مليار دولار سنويا لمواجهة الأمراض الناجمة عن زيادة الوزن، ويعاني 13% من الأطفال، و60% من البالغين في الولايات المتحدة من السمنة ) [ الأهرام العدد: 42530 ] .
ـ ( يعانى ثلث الرجال فى الولايات المتحدة من الزيادة المفرطة فى الوزن، كما تشير الإحصاءات إلى أن نسبة البدانة فى الولايات المتحدة قد زادت بنحو 8% خلال الأحد عشر عاماً الماضية.
كما أن أكثر من 58 مليون رجل أمريكى يعانون من البدانة وتواجههم احتمالات الإصابة بأمراض القلب والسكر، وعلى الرغم من حدوث ظاهرة ارتفاع متوسط أوزان شعوب أخرى، على سبيل المثال المملكة المتحدة، تبين من خلال الأبحاث أن الأمريكيات من ذوات الأصل الأفريقى وذوات الأصل الأسبانى من الأكثر ميلاً للسمنة، وأن 32% من النساء البيض سمينات مقابل 47% من الأصل المكسيكى و49% من النساء ذوات الأصل الأفريقى، ولهذا تكثف وزارة الصحة الأمريكية حملاتها الدعائية وبرامج التوعية من أجل خفض نسبة السمنة فى المجتمع الأمريكى.
ويقول خبراء معهد الأغذية الأمريكى إن نمط حياة الأمريكيين هو السبب وراء انتشار السمنة فيما بينهم، فالعمل المتواصل داخل المكاتب بما لا يتيح وقتاً لممارسة الرياضة، وأيضاً انخفاض أسعار الغذاء وسهولة الحصول عليه، وانتشار محلات للأكلات السريعة والبيتزا.. تسبب فى حدوث تلك المشكلة )([4][4])(58/160)
رابعاً : يمكن إزالة الترهل بغير هذه النوادي والتي ثبت من خلال التجربة أنها لا تفيد كثيرا في إزالة الترهل فمن تلك الدراسات : ـ
ـ قال الباحث موئيل سيرز : ( لقد أظهر البحث الذي أجريناه أنه على المدى البعيد النساء اللواتي يبدأن ممارسة التمارين الرياضية في أجوائهن المنزلية لكون ذلك يناسبهن أكثرهن أكثر احتمالا للاستمرار ببرنامج التمارين والمحافظة على خفة الوزن ، من اللواتي يتجهن إلى الأندية الرياضية ) وقد تناولت الدراسة التي أجراها الباحثون في جامعة فلوريدا (49) امرأة سمينة وغير نشطة بحدود (190) رطلا و (49) سنة من العمر ، وطلب من النساء ممارسة المشي المعتدل لمدة ساعة كل يوم ولخمسة أيام في الأسبوع ، وقدمت للنساء مشورة حول تخفيف الوزن وخطة للحمية الغذائية الوزن وخطة للحمية الغذائية مع التشجيع على المواظبة على التمارين…وتم في الدراسة تقسيم النساء المشاركات إلى مجموعتين تمرن أعضاء المجموعة الأولى على أجهزة المشي في أحد الأندية ، فيما مارس أعضاء المجموعة الثانية بالمشي في الطرق . وبعد ستة أشهر كانت نسبة تخفيف الوزن متساوية تقريبا في المجموعتين وكذلك نسبة المشاركة في التمارين والحالة الصحية العامة .
ولكن بعد مضي سنة كاملة كانت المجموعة التي تمارس التمارين في المنزل متقدمة كثيرا وبعد (15) شهرا كان أعضاء هذه المجموعة قد خففوا وزنهم أكثر بكثير مما خففه أعضاء الفريق الآخر ، حيث بلغ متوسط الخسارة (25) رطلا في المجموعة الأولى و 15 رطلا في الثانية . وبعد 12 شهرا كانت سبع أعضاء قد انسحبن من ممارسة التمارين فيما انسحبت امرأة واحدة من مجموعة التمارين المنزلية . وقال الخبير الفيزيولوجي ريتشارد كوتن الناطق باسم ( مجلس الأمريكي للتمارين ) إن المغزى القوي للدراسة هو أن ممارسة التمارين في المنزل لها قيمتها فعلا ، وأن الذهاب إلى النادي الرياضي يجده كثيرون غير مناسب )([5][5])
فإذا إزالة الترهل يمكن أن تقوم به المرأة في بيتها من خلال إطلاعها على كتب التمرينات الرياضية المناسبة فتمارسها وهي في بيتها وبين أولادها دون الحاجة إلى الخروج من منزلها.
خامساً : إن من التناقضات الموجودة في النوادي وجود مطاعم تنسى المرأة نفسها إذا رأتها ، تقول مجلة أسرتنا : ( وجبات شهية من كل ما لذ وطاب ، مشروبات حارة وباردة ، عصيرات من كل الأنواع بجميع الأشكال ، فطائر شطائر ، حلويات ، شكولاته بسويكت ..كلها تعرض بطرق مغرية عبر شاشات زجاجية وقد هيأت الكراسي والطاولات بطريقة ساحرة ..!! فتجد المرأة تنتهي من حصتها الرياضية ثم تتجه نحو إحدى الطاولات وتبدأ في التهام الأطباق المختلفة لتعوض ما فقدته من سعرات حرارية ..) ([6][6]) فهل ستزيل المرأة سمنتها في مثل تلك النوادي التي يتم عرض تلك الوجبات أمامها ؟
المصلحة الثالثة : إقامة هذه النوادي لتوفير المكان المناسب للتدريب ، والبعد عن التعرض للمعاكسات ونحوها .
والجواب :
أولاً : من خلال إطلاعنا على حال الأندية الموجودة في بلاد الحرمين وفي خارجها في عالمنا الإسلامي يتبين للمنصف أن الأندية تعتبر بؤرة فساد هي أيضا ؟ ألا يمكن أن تتعرض المرأة إلى تصويرها عبر كاميرات الفيديو ينظر إليها كل سافل من الناس ؟ ألا تلبس المرأة في تلك الأندية ملابس فاضحة تبرز مفاتن المرأة وأماكن الجمال فيها مما يثير غيرها من النساء فيها ؟ وإن ظاهرة الإعجاب في صفوف النساء لتشكل خطرا عظيما لا تخفى على كل ذي لب .
ثانياً : يمكن أن تقوم المرأة بمزاولة الرياضة من خلال الآلات الخاصة لهذه الغاية وهي ولله الحمد تملأ الأسواق .
ثالثاً : لا يخفى أن المرأة مطالبة بأعمال كثيرة جدا في بيتها حتى أن عمل المرأة في بيتها يصنف في ضمن الأعمال الشاقة فهو يتطلب مجهودا كبيرا ..([7][7]) وهذه الأعمال تعد وسيلة لتفريغ الطاقات الزائدة وقد ( أكد فريق من الباحثين الأمريكيين أن الأعمال العادية التي يقوم بها الشخص يوميا في منزلة كالكنس والغسيل والعمل بالحديقة والمشي ..لها فوائد التمارين الرياضية ، فهي تقي من انسداد الشرايين والإصابة بأمراض القلب .)([8][8])
بل إن ممارسة التمرينات الرياضية في المنزل أكثر فائدة منها بالأندية ، وقد ( أظهرت دراسة أن ممارسة التمارين الرياضية في المنزل قد يكون أكثر فائدة من التمرين في ناد رياضي . وقد اكتشف الباحثون أن النساء اللواتي يمارسن الرياضة في المنزل يفقدن وزنا أكثر ويصبح شكلهن أحسن من النساء اللواتي يمارسن التمارين في النوادي الخاصة ، وقد جاء في الدراسة التي نشرت في مجلة ( الاستشارات ) التي تصدر عن الجمعية الأمريكية لعلم النفس أن النساء السمينات الخاملات بوسعهن مباشرة وتنفيذ برنامج للتمارين الأيروبية في المنزل .
وقال العلماء أن الدراسة تحمل أنباء طيبة للنساء اللواتي لا يجدن الوقت الكافي أو يجدن صعوبة في الذهاب إلى الأندية الصحية )([9][9]).(58/161)
وقد ( أكد استفتاء أمريكي أجري في ست ولايات أن 34 % من الفتيات والنساء لا يفضلن ممارسة الرياضة بشكل منتظم اعتقاداً منهن أنها تؤثر على أنوثتهن ، وتؤكد التقارير الصحية أن أعمال المنزل العادية أفضل أنواع الرياضة التي تناسب تكوين المرأة )([10][10]) .
المصلحة الرابعة : إن إيجاد هذه النوادي الرياضية يفتح فرص عمل جديدة للمرأة
والجواب :
أولاً : أن تكاليف الأنفاق عليها سيكون أضعاف مضاعفة من الموارد المنتظرة منها ، ولا أدل على ذلك من الأندية الرياضية التي أنشتأتها الدولة لرعاية الشباب حيث تعيش تحت وطأت الديون المتراكمة ، مع أنها تعيش على دعم الدولة وهبات أعضاء الشرف التي تتجاوز عشرات الملايين ومع ذلك لم تنجح في أداء ما أنيط بها على الوجه السليم .
وهذه بعض النماذج على صحة ما نقول :
ـ يقول عيسى الحكمي : ( بدأ النصراويون ترتيب أوراق تسليم جزء من المستحقات المالية المتأخرة للاعبين والعاملين بالنادي حيث ينتظر دخول خزينة النادي إعانة الرئاسة العامة لرعاية الشباب في الأيام المقبلة )([11][11]) ويقول أيضا في مقال آخر ( ينتظر تسلم لاعبي النصر نهاية الأسبوع القادم جزءا من من مستحقاتهم المتأخرة لأكثر من خمسة أشهر ..)([12][12])
ـ وهذا نادي آخر يعد من النوادي الكبيرة في البلد ومع ذلك يعاني من أزمات مالية ، يقول سطام النفيسة : ( يبحث الهلاليون اليوم موضوع ميزانية النادي حتى نهاية الموسم والتي قدرت بأكثر من عشرة ملايين ريال ، وسيتناول الهلاليون جوانب تفعيل قرارات أعضاء الشرف في اجتماعهم الأخير حيث سيتم الاتصال بأعضاء الشرف وكذلك مخاطبتهم للايفاء بماالتزموا به إذ ستواجه إدارة النادي مشكلة كبيرة في حالة استمر الوضع كما هو عليه ذلك أن الايفاء بمتطلبات النادي وتسيير أموره حتى نهاية هذا العام يحتاج لمبالغ تتجاوز العشرة ملايين ريال كان آخر المتبرعين منها الأمير عبدالرحمن بن مساعد بمبلغ مليون ريال ..)([13][13])
ثانياً: كم ستنفق الدولة لإعمار هذه النوادي في كافة مدن المملكة ؟ وهل إجريت دراسة في مدى الجدوى الاقتصادية من مثل هذا العمل ؟ وكم نسبت العاملات في مثل هذا القطاع ؟!! وهل تناسب هذه النسبة مصروفات الدولة التي تنفقها على تلك المراكز ؟!!وما مدى الإنتاجية العائدة على البلد من مثل هذه النوادي ؟!!
ثالثاً: هناك مجالات عديدة يمكن من خلالها فتح فرص وظائفية جديدة لعمل المرأة دون الحاجة إلى تكليف الدولة مبالغة طائلة لا ثمرة عظيمة منها ، فمن تلك المجالات:
أ ـ فتح مجال العمل عن بعد ، بحيث تعمل المرأة وهي في بيتها أعمال كثيرة وتستلم راتباً على ذلك العمل كأن تعمل مدخلة بيانات أو لترجمة الخطابات أو نحوها من الأعمال التي يمكن أن تقوم بها المرأة داخل بيتها دون الحاجة إلى اللقاء المباشر ، وهذا المجال عمل به في كثير من الدول الصناعية في العالم وقد اثبت نجاحه ، ولذا قمتُ بدراسة الموضوع وجمع الدراسات الغربية لجدوى هذا العمل .
ب ـ إعداد مراكز لتدريب النساء على مهن مختلفة تناسب المرأة كالخياطة والطبخ وفن التجميل والحاسب الآلي ونحوها من الأعمال .
ج ـ إقامة مستشفيات خاصة بالنساء يكون كافة طاقم التشغيل فيه نساء ، فسيحقق فرص عمل وظائفية كبيرة للنساء .
د ـ دعم دور تحفيظ القرآن الكريم النسائية لما لها من الأثر الفعال في تربية النساء وفيها فرص وظائفية جديدة .
وهذه الأعمال وغيرها من الأعمال تقضي على الفراغ لدى الفتاة وفيها منفعة تعود على الفتاة وعلى المجتمع ككل بخلاف الأندية الرياضية التي تكالف المبالغ الطائلة ولكن دون جدوى اقتصادية من جراءها .
الفصل الثالث
المفاسد المتوقعة من النوادي النسائية
من خلال الوصف الدقيق الذي وصفته مجلة أسرتنا لحال النوادي الموجودة في بلاد الحرمين يتبين أن مفاسدها عديدة منها :
أولاً : من أشد المخالفات التي أكدت عليها كاتبة التحقيق قضية اللباس فهي تقول : ( أقولها بصراحة متناهية وبلا تردد أن أسوأ ما في تلك الأندية هو اللباس الذي ترتديه عاملات وعضوات النادي ، فهو في أبسط صوره ، عارٍ للغاية ، وهي صفة عامة لكل الموجودات ، بنطلونات ضيقة وخفيفة وبلايز عارية وضيقة كذلك ، أما في المسابح والسونا فالأمر أشد وطأة ، غياب تام ..تام ..تام للحياء والستر !! ) والنبي × يقول : ( ما من امرأة تخلع ثيابها في غير بيتها إلا هتكت ما بينها وبين الله تعالى )([14][14]) ولباس المرأة لمثل هذه الملابس يعرضها للوعيد الشديد الذي جاء في صحيح مسلم عن أبي هريرة قال قال رسول ا صلى الله عليه وسلم : ( صنفان من أهل النار لم أرهما ... ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات رؤوسهن كأسنة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا ) .
ثانياً : ذهاب حياء المرأة والذي هو سر جمالها ورونقها ، كما جاء في التحقيق : ( أما في المسابح والسونا فالأمر أشد وطأة ، غياب تام ..تام ..تام للحياء والستر !! )
وأي قيمة للمرأة إذا ذهب حياؤها الذي هو رونقها وجوهرها ولبها ؟(58/162)
ثالثاً : كثرة خروج المرأة من بيتها لتمارس الرياضة في هذا النادي وعدم استقرارها في منزلها ؟ وهل الشرع يستحث خروج المرأة من بيتها ؟! والجواب جاء في القرآن فقال سبحانه : } وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى { [ الأحزاب :33] وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي × قال: " المرأة عورة فإذا خرجت استشرفها الشيطان ) رواه الترمذي ([15][15])..قال القرطبي ـ رحمه الله ـ: (معنى هذه الآية الأمر بلزوم البيت وإن كان الخطاب لنساء صلى الله عليه وسلم فقد دخل غيرهن فيه بالمعنى ، هذا لو لم يرد دليل يخص جميع النساء كيف والشريعة طافحة بلزوم النساء بيوتهن و الإنكفاف على الخروج منها إلا لضرورة )([16][16]) وقال الإمام أبو بكر الجصاص ـ رحمه الله ـ : ( وفيه الدلالة على أن النساء مأمورات بلزوم البيوت منهيات عن الخروج ) ([17][17]) وقال المودودي ـ رحمه الله : ( إن مقام المرأة ومستقرها هو البيت ، وما وضعت عنهن واجبات خارج البيت إلا ليلازمن البيوت بالسكينة والوقار ويقمن بواجبات الحياة العائلية ، أما إن كان بهن حاجة إلى الخروج فيجوز لهن أن يخرجن من البيت بشرط أن يرعين جانب العفة والحياء ..)([18][18]) وإذا كانت المرأة مأمورة أن تؤدي أعظم فرائض الدين بعد الشهادتين في بيتها وهي الصلاة ولا تخرج فكيف نطالب بإقامة نوادي للنساء !! عن أم حميد امرأة أبي حميد الساعدي أنها جاءت صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله إني أحب الصلاة معك ، قال : ( قد علمت أنك ن الصلاة معي وصلاتك في بيتك خير لك من صلاتك في حجرتك وصلاتك في حجرتك خير من صلاتك في دارك وصلاتك في دارك خير لك من صلاتك في مسجد قومك وصلاتك في مسجد قومك خير لك من صلاتك في مسجدي ) قال فأمرت فبني لها مسجد في أقصى شيء من بيتها وأظلمه فكانت تصلي فيه حتى لقيت الله عز وجل . رواه أحمد بإسناد صحيح ([19][19]).و أُعفيت أيضا عن الجهاد في سبيل الله تعالى ، كما جاء في حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال : جئن النساء إلى رسول ا صلى الله عليه وسلم فقلن يا رسول الله : ذهب الرجال بالفضل بالجهاد في سبيل الله أفما لنا عمل ندرك به عمل المجاهدين في سبيل الله فقال رسول ا صلى الله عليه وسلم ( مهنة إحداكن في البيت تدرك به عمل المجاهدين في سبيل الله ) ([20][20])
وأُعفيت عن النفقة فيلزم وليها أن ينفق عليها ، قال تعالى } الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ { [النساء:34]
فكيف نقول لها الآن اخرجي لمزاولة الأعمال الرياضية في الأندية النسائية ؟!!
وينبغي أن تدرك المرأة المسلمة جيدا أنها مستهدفة لإفسادها ومن ثم إفساد غيرها ولا وسيلة لإفساد الأمم كلها أسرع من ( تحرير المرأة ) أي إخراجها إلى طريق الرجل لتفتنه وتفسد أخلاقه .
فقالوا : ينبغي أن تخرج المرأة بأي ثمن إلى الطريق ..تخرج بحجة الاستقلال الاقتصادي ..تخرج بحجة ممارسة حقها في الحياة ! تخرج بحجة التعليم أو العمل ..تخرج لمزاولة الرياضة ..المهم أن تخرج ..ولكن أهم من ذلك أن تخرج في صورة إغراء ، لأنها إن خرجت محتشمة متحفظة محافظة على أخلاقها ..فلا فائدة إذن من كل التعب الذي تعبناه في إفساد البشرية ..ينبغي أن تخرج المرأة في صورة تفتن الرجل وتغرية رابعاً : من سيتولى شؤون المنزل والأولاد إذا ذهبت الأم إلى النادي ؟ وكم سيستغرق التدريب ؟ وتأمل معي حتى تعلم صدق ما أقول وأن هدف هؤلاء ليس إعطاء المرأة حقوقها وأن تعمل ويجعل لها ناد ونحوه ولكن هدفهم خروج المرأة من بيتها بأي وسيلة ، المهم أن لا تبقى حبيسة بيتها وطهرها وعفافها .
لو حسبنا كم سيستغرق الطريق ذهابا وعودة ؟ وكم سيستغرق التدريب ـ علماً أن الذين يطالبون بخروج المرأة من سترها وعفافها يطالبون لها بالعمل والنادي والقيادة والأسواق والملاهي والحدائق و المطاعم العائلية ..فلو حسبنا الوقت حسابا عقليا كم تحتاج المرأة لتزاول ذلك كله ؛ العمل سبع ساعات ، النادي أربع ساعات على الأقل ([21][21])، قيادة السيارة والازدحام في الطرق ساعتان ، العشاء في مطعم ساعتان مع الطريق ذهابا وإياباً ..غير ما تبقى من المطالب المشبوهة ، يصبح مجموع الساعات خمس عشرة ساعة ، وهذا يستدعي بقاء المرأة خارج منزلها إلى ما بعد العشاء ـ فما أن تعود إلا والأولاد قد ناموا ليتأهبوا لدراستهم الصباحية المبكرة ، وهي كذلك معذبة مرهقة لا تريد إلا النوم ، فما هو نصيب أولادها منها خلال ذلك اليوم ؟ وما هو نصيب زوجها منها ؟ وما هو نصيب أعمالها المنزلية ؟ وما هو نصيب أقاربها وأرحامها ؟ بل وما هو نصيبها هي من الراحة النفسية الآمنة داخل عش الزوجية ؟ بل أكبر من ذلك كله ما هو نصيبها من طاعة ربها حيث قال } وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى { [ الأحزاب :33] .(58/163)
خامساً : ليس ممتنعا اطلاع الأجانب على عورات النساء في مثل هذه الأماكن ، لا سيما والحقل الصناعي اليوم يوفر وسائل متطورة وحديثة للتجسس والرصد من بعد .( وقد شهدت مدينة الدار البيضاء في أحد حماماتها العمومية الخاصة بالنساء في أوائل التسعينات ما يشهد بصحة هذا التوقع )([22][22]) .
وإذا كانت صور النساء بدأت تظهر الآن في المدارس والجامعات من خلال كميرات الجوال فهل سيكون حال النوادي أكثر أمنا من المدارس والجامعات ؟!! وإذا كان وضع الفتاة في المدرسة أشد تسترا فماذا لو التقطت صورتها وهي في المسبح أو السونا أو بالبنطال ؟!!
سادساً : هل سيقف الأمر عند حد إنشاء نواد نسائية فقط ؟ أم هذه خطوة أولى تتبعها خطوات ، من وجود مباريات مختلطة ، ونواد مشتركة ، فلا حاجة في إنشاء نواد مستقلة ؟!وما الداعي لها ؟! وهكذا حتى يختلط الحابل بالنابل !!
وهل لم يبق من مشاكلنا وحاجتنا إلا أن ننشئ النوادي ؟ أم هناك ما هو أهم من ذلك.. فكم من المدارس نحتاجها ؟ وكم من الضروريات نريدها ونحن إليها أحوج بكثير من هذه النوادي .يقول أحدهم : ( هناك مناسبات قيمة في جهات عدة مساهمة من دول الخليج كأندية الفتيات في الشارقة تنظم دورات مهمة وبطولات أهم بين الفتيات والغائبة الوحيدة فيها عن التمثيل الفتاة السعودية المليئة بطاقات الإبداع والابتكار والمهارات عالية المستوى ؟ لماذا هذا التغيب لتجمعات الفتيات حيث الحاجة الاجتماعية الماسة منهن لذلك ؟!! )([23][23])
سابعاً : من المعلوم لدى الجميع حاجة الأسرة المسلمة ـ في مثل هذا الوقت ـ إلى الاقتصاد في الإنفاق فإذا فتحنا لها بوابة أخرى من أبواب استنزاف الأموال فإن الأمر سيزداد سوءاً ، وهاهو أحدهم يصرح بذلك ويقول : ( هي كذلك فرصة استثمارية ناجحة ومضمونة مادامت مرتبطة بالمرأة ، بادروا بانتهازها بأسرع وقت ممكن ) وقد تقدم في كلام التحقيق الذي أجرته مجلة أسرتنا والأسعار الباهضة في قضايا يمكن الاستغناء عنها ..إذاً النادي لن يكون مجانيا والملابس الخاصة بالنادي كذلك وأجرة النقل وتكاليفه ونحو ذلك من الأمور التي تستنزف أموال الأسرة بلا حاجة ملحة .وهذا يعد من الإسراف الذي نهينا عنه قال تعالى : } وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ { [ الأعراف :31] وقال تعالى : } إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا { [ الإسراء :27].
ثامناً : ومن المفاسد أيضا التعرف على بعض الزميلات التي تؤثر على أخلاقها وسلوكها ودينها ، فإن مما لا مرية فيه أن هذه النوادي يرتادها الصالح والطالح ،والطالح أكثر ؛ لأن الصالح مشغول بما هو أهم من هذا وأجدر ، والمرء على دين خليله ...تقول مجلة ( أسرتنا ) : ( العاملات بتلك الأندية بدءاً بموظفة الاستقبال وانتهاء بالمدربات والإداريات وحتى عاملات المقهى والمطعم تجدهن يرتدين بنطلونات ضيقة لاصقة وبلايز مخصرة تكاد تتفجر من ضيقها ، عموما يخيل إليك وكأنك في صالة لعرض الأزياء )
وإذا كان حضورها لهذا النادي سيترتب عليه مفاسد في دينها وأخلاقها فهل الأولى حضورها أو تركها لمثل هذه النوادي ؟!! فإنها إذا حضرت شاهدت ما يسبب قسوة في قلبها ، وضعفا في دينها ..فهي ترى تلك النساء الكاسيات ..وتشاهد الملابس الفاضحة ..وتسمع الأغاني الصاخبة ..فأي قيمة للصحة إذا ضعف الإيمان وزال ، ولقد صدق القائل :
يا خادم الجسم كم تسعى لخدمته
اتعبت نفسك فيما فيه خسران
أقبل على النفس واستكمل فضائلها
فأنت بالروح لا بالجسم إنسان
تاسعاً : ومن المفاسد : إصابة المرأة بالعين ، لأن المرأة تظهر في النادي رشاقتها واعتدال قوامها وحسن جسمها فتراها امرأة أخرى أقل منها جمالاً ورشاقة فتغار منها فربما أصابتها بالعين ، و صلى الله عليه وسلم يقول : " أكثر من يموت من أمتي بالعين " رواه أحمد بإسناد حسن . وفي حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " الْعَيْنُ حَقٌّ " رواه البخاري وغيره .يقول النووي في الحديث : ( إثبات القدر وصحة أمر العين وأنها قوية الضرر ) نسأل الله السلامة والعافية .(58/164)
عاشراً : روى الترمذي عن جابر رضي الله عنه أن صلى الله عليه وسلم قال :" من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدخل حليلته الحمام" ([24][24]) .وفي هذا الحديث دليل على وجوب أن يمنع الولي أهله من دخول الحمام ..وإنما منع النساء من دخول الحمام لعدة علل منها لأنها مظنة لكشف ما يحرم عليهن كشفه فمنعهن من ذلك سداً للذريعة إلى المحرم . والمراد بالحمامات المنهي عن دخولهن ما يجتمع فيه مجموعة للاغتسال ، وسميت حمامات لما يكون فيها من الاغتسال بالحميم وهو الماء الحار ، فأما مواضع الاغتسال في البيوت وهي التي يخلو فيها الإنسان وحده ويسمونها الحمامات أيضا فليست من الحمامات المنهي عن دخولها لأنه ليس فيها اختلاط ولا كشف عورات عند الناس ، والنوادي فيها مسابح ويحصل فيها من التفسخ والتكشف ما يلزم الرجال منع نسائهم من إدخالهن في مثل تلك النوادي لئلا يقعن فيما حرم الله تعالى.
الحادي عشر : وجود الأغاني المسموعة والمرئية في تلك النوادي ، جاء في التحقيق الصحفي الذي قامت به مجلة أسرتنا : ( لا يوجد نادٍ واحد بلا موسيقى وقد سألت القائمات على جميع الأندية وبلا استثناء هل يمكنني الاشتراك بالنادي وممارسة الرياضة بلا موسيقى ؟ وتأتي إجاباتهن مسبوقة بدهشة كبيرة ..بالطبع لا يمكن ..فالطلب غريب لم يصل آذانهن من قبل " كما قلن " !! ولكن ..أليس من استثناء ؟ واحدة فقط ..قالت : إذا اشتركت بجهاز رياضي ـ ليس عندهم سواه ـ نتيح لك فرصة اختيار ما تودين سماعه ، فرآن كريم ، أو أغاني موسيقية ، فحرية الاختيار متاحة للجميع !!
وهناك ما هو أشد وأنكى ..شاشات تلفزيونية كبيرة جدا في القاعات تعرض أغاني مصورة تثير طرب المدربات والمتدربات سويا !! )
واحتوى هذا الكلام على قضيتين :
الأولى : سماع الأغاني ومعلوم كلام أهل العلم وفتاويهم في بيان حرمته وأنه بوابة من بوابات الزنى . يقول الله تعالى : } وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ { [ لقمان: 6 ] .قال الواحدي وغيره : أكثر المفسرين على أن المراد بلهو الحديث الغناء قاله ابن عباس و عبدالله بن مسعود . قال أبو الصهباء سألت ابن مسعود عن قوله تعالى: } وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ { فقال : والله الذي لا إله غيره هو الغناء يرددها ثلاث مرات .
ويقول الفضيل بن عياض : الغناء رقية الزنى .وقد قال يزيد بن الوليد : ( يا بني أمية ..إياكم والغناء ..فإنه يذهب الحياء ..ويزيد الشهوة ..ويهدم المرؤة ..وإنه لينوب عن الخمر ..ويفعل ما يفعل السكر ..فإن كنتم لابد فاعلين ..فجنبوه النساء ..فإن الغناء داعية الزنا ) ([25][25]).
والثاني : عرض صور المغنين والمغنيات على النساء ومعلوم ما يفعله أولئك من تغنج وتفسخ في اللباس مما يثير تقليد ضعيفات الإيمان لهم في كلامهم ولباسهم ، وهذه الفتنة ـ فتنة تقليد المغنيات ـ موجودة عند شريحة ليست بالقليلة عند نساء المسلمين.
الثاني عشر : إذا كنا نرى النوادي الرياضة للشباب يعتريها ما يعتريها من التجاوزات سواء على مستوى الشكل أو على مستوى المضمون فلماذا تعاد التجربة نفسها مرة أخرى ؟!! وكما يقال ؛ التجربة خير برهان .
الثالث عشر : من سيتولى تدريب النساء ؟ هل ستكون من أهل هذا البلد ؟ وإن كان كذلك ؛ فما مدى خبرتها ؟!!وربما سببت مضاعفات خطرة على المرأة بسبب الجهل ببعض آليات التدريب ؟!! وإن وجدت المدربات ..فهل عندنا العدد الكافي للقيام بهذه المهمة ؟!! وإن كانت من بلد آخر فما مدى تمسكها بآداب الإسلام وشعائره خاصة ونحن ندرك وضع المجتمعات الأخرى ومدى التساهل في قضية العورات وكشفها فهل من الأمانة أن يتولى بنات المسلمين أمثال تلك النسوة ؟!! ونحن لم نصل إلى حد الضرورة في مثل هذه القضية .
الرابع عشر : أن خروج الفتاة إلى النادي فرصة للفساد حيث يمكنها ضرب المواعيد مع من تريد من الشباب أو الفتيات والذهاب معهم بدون علم الأهل ، فالأهل يظنونها في النادي !! وقد تابعت مراكز هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وقبضت على حالات من مثل هذا عند أبواب النوادي النسائية الرياضية .
الخامس عشر : لن يتوقف إنشاء النوادي على الجهات الحكومية بل سيتعدى إلى القطاع الأهلي وعند ذلك سيكون التنافس وحدث ولا حرج عن الفساد الحاصل حينئذ . ولا يقل قائلا سيكون هناك ضوابط وشروط ..فالواقع يثبت عدم الالتزام بها .
الفصل الرابع
البدائل المناسبة .
1ـ القيام بالأعمال الرياضية داخل المنزل والمكتبات الإسلامية تزخر بالكتب التي يمكن الاستفادة منها في بعض التمارين الرياضية المهمة للمرأة .
وقد أجرت مجلة أسرتنا في عدد (40) استفتاء جاء فيه :
ـ ما رأيك : إذا كانت المرأة حريصة على الرياضة فهل يمكنها ممارستها في بيتها بنجاح ؟ فأجاب 91% بنعم ، و7% لا ، 2% ربما .
فيمكن للمرأة التي تعاني من هذه السمنة أن تمارس الرياضة في بيتها .(58/165)
و إذا كانت المرأة ترغب في رياضية المشي فيوجد الآن في الأسواق الآت للمشي عليها يمكن للمرأة الاستفادة منها ووضعها في المنزل فتحقق بذلك رغبتها وهي في قعر بيتها بدون مضايقات المعاكسين ولا أضرار الشمس ولا غير ذلك وهي في أثناء ذلك يمكن لها أن تستمع إلى شريط هادف فتجمع بذلك بين مصلحتين التربية البدنية والتربية العقلية والنفسية .أو يمكن أن مزاولتها في المنتزهات البرية البعيدة عن المدينة ، والبعيدة عن مضايقة الفضوليين .
2ـ الاستغناء عن الخادمات والقيام بالأعمال المنزلية ومزاولتها لما لها من الأثر الفعال على جسم المرأة كما تقدم إثبات ذلك من خلال الدراسات التي أجريت .
3 ـ الاعتدال في الطعام والشراب فتصيب منهما ما تقيم به صلبها ، ويحفظ عليها صحتها ونشاطها ولياقة جسمها ، مستهدية بقول الله تعالى : } وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ { [ الأعراف :31] وبقول صلى الله عليه وسلم وهديه في الاعتدال بالطعام والشراب : " ما ملأ آدمي وعاء شراً من بطنه ، فإذا كان لا محالة فاعلا ، فثلث لطعامه ، وثلث لشرابه ، وثلث لنفسه " رواه أحمد ([26][26]) وبقول عمر رضي الله عنه : إياكم والبطنة في الطعام والشراب ، فإنها مفسدة للجسد ، مورثة للسقم ، مكسلة عن الصلاة ، وعليكم بالقصد فيهما ، فإنه أصلح للجسد ، وأبعد عن السرف ، وإن الله تعالى ليبغض الحبر السمين ، وإن الرجل لن يهلك حتى يؤثر شهوته على دينه " ([27][27])
4ـ الإكثار من نوافل الصيام : إذا كانت بلا زوج ، وإذا كانت ذات زوج فلا تصوم وهو شاهد إلا بإذنه .
5 ـ الإكثار من نوافل الصلاة ([28][28])..وهذه وصية صلى الله عليه وسلم لربيعة بن كعب حين طلب من صلى الله عليه وسلم مرافقته في الجنة فقال ل صلى الله عليه وسلم : " عليك بكثرة السجود " رواه مسلم
وقا صلى الله عليه وسلم : " اعلم أنك لن تسجد لله سجدة إلا رفع الله لك بها درجة وحط بها عنك خطيئة " رواه أحمد عن أبي أمامة ([29][29])
الفصل الخامس
الحكم الشرعي لإنشاء النوادي النسائية
إذا علم ما تقدم تبين أن إنشاء النوادي النسائية لا يجوز لما يلي :
1ـ روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول ا صلى الله عليه وسلم : ( صنفان من أهل النار لم أرهما ..وذكر : ( ونساء كاسيات عاريات ، مميلات مائلات ، رؤسهن كأسنمة البخت المائلة ، لا يدخلن الجنة ، ولا يجدن ريحها ، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا )([30][30])
ووجه الدلالة من الحديث : أن الفتيات في تلك النوادي سيرتدين ملابس إما أن تكون ضيقة تحدد حجم الأعضاء أو تكون قصيرة أو شفافة فتدخل في هذا الوعيد الشديد الذي أخبر عنه صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث ،والواقع الموجود في بعض الأندية القائمة في بعض المستشفيات والمراكز الطبية ومشاغل الخياطة ([31][31]) ونحوها تؤكد هذه القضية ، كما تقدم بيانه ، يقول الإمام النووي رحمه الله : ( هذا الحديث من معجزات النبوة ، فقد وقع هذان الصنفان وهما موجودان ، وفيه ذم هذين الصنفين ، قيل معناه : كاسيات من نعمة الله عاريات من شكرها ، وقيل معناه تستر بعض بدنها وتكشف بعضه إظهارا لحالها ونحوه . وقيل معناه تلبس ثوبا رقيقا يصف لون بدنها . وأما (مائلات ) فقيل معناه عن طاعة الله وما يلزمهن من حفظه ، ( مميلات ) أي يعلمن غيرهن فعلهن المذموم . وقيل ( مائلات ) يمشين متبخترات مميلات لأكتافهن . وقيل ( مائلات ) يمشطن المشطة المائلة وهي مشطة البغايا . ( مميلات ) يمشطن غيرهن تلك المشطة . ومعنى رؤسهن كأسنمة البخت : أن يكبرنها ويعظمنها بلف عمامة أو عصابة أو نحوها.
2ـ ما رواه أبو داود عن أبي المليح رحمه الله قال : دخل نسوة من أهل الشام على عائشة رضي الله عنها فقالت : ممن أنتن ؟ قلن من أهل الشام ، قالت : لعلكن من الكورة التي تدخل نساؤها الحمامات ؟ قلن : نعم ، قالت : أما أني سمعت رسول ا صلى الله عليه وسلم يقول : ( ما من امرأة تخلع ثيابها في غير بيتها إلا هتكت ما بينها وبين الله تعالى )([32][32])
ولا شك أن المشاركة في النادي لا يمكن أن تكون بملابسها الساترة بل تحتاج إلى نزع ثيابها لأداء الحركات بخفة وسهولة ، وهذا ما يحدث بالفعل في تلك النوادي .(58/166)
3ـ القاعدة الشرعية تقول : ( درء المفسدة الراجحة مقدم على جلب المصلحة المرجوحة ) وهي من مقاصد الشريعة ، وصورتها : إذا رجحت المفسدة على المصلحة في الشيء الواحد يجب تقديم درء المفسدة ، وتغليب حكمها على جلب المصلحة ، وهذه القاعدة متفق عليها بين أهل العلم دون خلاف ، والأصل فيها قول الله تعالى :] يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا [ [البقرة:219] فالله تعالى ذكر في هذه الآية أن في الخمر منافع إلا إن الحكمة الإلهية والمصالح الشرعية تحرمها ، لأنها تشتمل على مفاسد وآثام أضعاف تلكم المنافع اليسيرة ،ولو سلمنا بوجود مصالح في النوادي للفتيات إلا أننا بالنظر إلى ما يترتب عليها من مفاسد نجده أضعافا مضاعفة بالنسبة لتلكم المصالح القليلة النسبية التي لا تكاد تذكر ، لأن مفاسدها قد بلغت من الخطورة ما لا ينكره عاقل ممن يستطيع أن يفرق بين التمرة والجمرة !! خاصة مع وجود البدائل المناسبة .
4ـ ومن الأدلة قاعدة ( سد الذرائع ) وقد أجمعت الأمة على سد الذرائع ، والذريعة ما أفضى إلى الحرام ، وكذلك ما كان مظنة للحرام ، ودليلها قوله تعالى :] وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ فَيَسُبُّواْ اللّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ[[الأنعام :108] فمنع من سب الأصنام عند من يعلم أنه يسب الله تعالى حينئذ ، وقد استدل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله على سد الذرائع بـ أربعة وعشرين وجهاً ([33][33])، وكذا ابن القيم رحمه الله بتسعة وتسعين دليلا([34][34]) ، وكذا نقل الإجماع عليها الإمام الشاطبي([35][35]) وغيره من أهل العلم .
ولا يخفى ما عليه واقع النوادي النسائية في المجتمعات المسلمة ، ولذا يقال بالمنع سداً للذريعة المفضية إلى الحرام ..فمن يضمن أن يتوقف الأمر على هذه النوادي فقط ؟!! ، ومن يضمن أن هذه النوادي خالية من المحاذير الشرعية ؟ ومن يضمن ألا تصور بنات المسلمين وهن يلبسن ملابس الرياضة وتنشر صورهن في مجامع الفجار وأراذل الخلق ؟ وقد جاءت النصوص الشرعية في بيان أن المرأة فتنة للرجل بل هي أضر الفتن ، يقول صلى الله عليه وسلم :( ما تركت فتنة أضر على الرجال بعدي من النساء ) متفق عليه ([36][36]).
وقا صلى الله عليه وسلم : ( إن الدنيا حلوة خضرة ، وإن الله مستخلفكم فيها ، فناظر كيف تعملون ؟ فاتقوا الدنيا ، واتقوا النساء ، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء ) رواه مسلم ([37][37]).
فإذا ثبت ذلك فإن من الحكمة والتعقل أن يتريث الإنسان فيما يتعلق بقضايا المرأة وأن يتريث فيما يتعلق بها من أحكام سداً لكل ذريعة مفضية للحرام .
5ـ من القواعد الشرعية قاعدة : ( يتحمل الضرر الخاص لدفع الضرر العام ) فيجوز للإمام أن يجبر من أحدث في الطريق العام ما يضره بإزالته وإن كان فيه ضرر عليه دفعاً للضرر العام ، وكذا يقال في النوادي النسائية ..يتحمل الضرر الخاص وهو عدم الحركة لدى شريحة محدودة من النساء لدفع الضرر العام وهو ما سيحصل من مفاسد في إنشائها ، علما أنه لن يكون هناك حتى الضرر الخاص لأن المرأة يمكن أن تمارس الحركة والتمارين المناسبة في بيتها.
ملحق بفتاوى أهل العلم
* سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز ـ رحمه الله ـ :
ما رأى سماحتكم بنوادي النساء التي لا يدخلها الرجال ، وهل على المرأة من ضرر في حضورها ؟
فأجاب : سئلت عن هذه المسألة ، سألني مندوب الجزيرة في أيام مضت عن مسائل منها النوادي التي للنساء ، فقلت له : لا أرى مانعا من نوادي النساء إذا كانت مصونة لا يغشاها إلا النساء فلا بأس بهذه الشريطة ، وهي أن تكون بين النساء وأن لا يغشاها إلا النساء ، ثم بلغني أنها حملت على النوادي الني اعتادها الشباب ـ النوادي الخارجية ـ التي يذهبون إليها ، فأعقبت المقال بمقال آخر نشر في الجزيرة أيضا بينت مرادي بالنوادي ، وأنه ليس مرادي بالنوادي نوادي الرجال أو ما يجانسها من النوادي ، التي يكون فيها الاختلاط بين الرجال والنساء أو كشف العورات أو غير ذلك من المنكرات ، وإنما أردت بالنوادي النوادي التي تقيمهما بعض المدارس للخطب والمذاكرة بين النساء مع المدرسات والطالبات ،فكون مديرة المدرسة تقيم ناديا للمحاضرة أو المناقشة بين الطالبات أو بين المدرسات فهذا هو المقصود.([38][38])
% %
وسئل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين عن النوادي الرياضية النسائية ، فأجاب :(58/167)
نصيحتي لإخواني ألا يمكنوا نساءهم من دخول نوادي السباحة والألعاب الرياضية ؛ لأن النبي × حث المرأة أن تبقى في بيتها فقال وهو يتحدث عن حضور النساء للمساجد وهي أماكن العبادة والعلم الشرعي : ( لا تمنعوا إماء الله مساجد الله وبيوتهن خير لهن ) وذلك تحقيقاً لقوله تعالى : } وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ { [ الأحزاب :33] ثم إن المرأة إذا اعتادت ذلك تعلقت به تعلقاً كبيرا لقوة عاطفتها وحينئذ تنشغل به عن مهماتها الدينية والدنيوية ويكون حديث نفسها ولسانها في المجالس ، ثم إن المرأة إذا قامت بمثل ذلك كان سببا في نزع الحياء من المرأة فلا تسأل عن سوء عاقبتها إلا أن يمن الله عليها باستقامة تعيد إليها حياءها الذي جبلت عليه ، وإني حين أختم جوابي هذا أكرر النصيحة لإخواني المؤمنين أن يمنعوا نساءهم من بنات أو أخوات أو زوجات أو غيرهن ممن لهم الولاية عليهن من دخول هذه النوادي ، وأسأل الله تعالى أن يمن على الجميع بالتوفيق والحماية من مضلات الفتن إنه على كل شيء قدير والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
[ مجلة الدعوة ، العدد (1765) ص 54 ].
[1][1] ـ مجلة أسرتنا عدد 40 ، شهر رجب 1424 هـ .
[2][2] ـ رواه أحمد (4/132 ) والترمذي 4/18)
[3][3] ـ جريدة الرياض ، الخميس 03 شوال 1424العدد 12942
[4][4] ـ http://www.gn4me.com
[5][5] ـ جريدة الرياض عدد (10883)
[6][6] ـ عدد (40 ) ص 34 .
[7][7] ـ تأملات في عمل المرأة ص26 عبدالله بن وكيل الشيخ .
[8][8] ـ مجلة الأسرة عدد50 ص21 .
[9][9] ـ جريدة الرياض عدد ( 10883 ) 14 /12/1418هـ .
[10][10] ـ انظر : كتاب " دنيا " ص 30 مالك الأحمد .
[11][11] ـ جريدة الجزيرة عدد ( 11500) .
[12][12] ـ جريدة الجزيرة عدد (11507) .
[13][13] ـ جريدة الرياضة عدد ( 13073) .
[14][14] ـ رواه أبو داود ورقمه (4010) من حديث عائشة رضي الله عنها .
[15][15] ـ ورقمه (1173) وقال الترمذي : حسن غريب .
[16][16] ـ تفسير القرطبي 14/179
[17][17] ـ أحكام القرآن (5/229-230)
[18][18] ـ الحجاب ص313 . وانظر للفائدة كتاب "عودة الحجاب "(3/252) وما بعده .
[19][19] ـ رواه أحمد (6/371) وابن خزيمة (1689) وقال الحافظ في الفتح (2/350) إسناده حسن .
[20][20] ـ أخرجه المروزي في ( السنة) ورقمه ( 123 ) . قال في المجمع (4/304) : (رواه أبو يعلي (3415، 3416) والبزار (1475) وفيه روح بن المسيب وثقه ابن معين والبزار وضعفه ابن حبان وابن عدي ) قال ابن الجوزي في العلل المتناهية (1041) : هذا حديث لا يصح .
[21][21] ـ وفي أحد المراكز النسائية فترة العمل من الساعة الثامنة صباحا وحتى الثانية عشر ظهرا ، ومن الرابعة عصرا وحتى العاشرة مساء ، فما هو نصيب الزوج والأولاد والمنزل من وقت المرأة ؟
[22][22] ـ قضايا اللهو والترفيه بين الحاجة النفسية والضوابط الشرعية ص 315
[23][23] ـ انظر : مجلة أقرأ : (208) تاريخ 13/1/1420هـ .
[24][24] ـ رواه الترمذي (2801) .
[25][25] ـ سير أعلام النبلاء (5/376) .
( [26][26] ) رواه أحمد (4/132 ) والترمذي (4/18)
[27][27] ـ كنزل العمال 15/433) .
[28][28] ـ انظر : كتاب ( الصلاة والرياضة والبدن ) تأليف / عدنان الطرشة . ط / المكتب الإسلامي . فقد ذكر حقائق عن هذا الموضوع تهم القارئ الكريم.
[29][29] ـ رواه أحمد وصححه الألباني في السلسلة 1488 .
[30][30] ـ رواه مسلم ورقمه (2128) .
[31][31] ـ هذه داخل بلاد الحرمين والله المستعان .
[32][32] ـ رواه أبو داود ورقمه (4010) من حديث عائشة رضي الله عنها .
[33][33] ـ انظر : الفتاوى الكبرى (3/256) .
[34][34] ـ انظر : إعلام الموقعين (3/147ـ171) .
[35][35] ـ انظر : الموافقات (4/194ـ201) .
[36][36] ـ رواه البخاري ورقمه (4808) ومسلم ورقمه (2740) من حديث أسامة بن زيد رضي الله عنهما .
[37][37] ـ رواه مسلم ورقمه (2742) .
[38][38] ـ انظر : مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (9/383) .
=============(58/168)
(58/169)
المرأة المسلمة.. ماذا يريدون منها
وجه الكفار كل إمكاناتهم المادية والمعنوية لمحاربة الإسلام ؛ وذلك ببث أفكارهم الإلحادية ،التي تمحق القيم والأخلاق ، وقد شاركهم في
هذا المضمار أناس محسوبون على الإسلام وعلى أهله من المنافقين ، وهنا يكمن الخطر، حيث تأثر هؤلاء المفتونون بأفكار الكفار، وآمنوا بها وسيلة للرقي والتقدم ، واتخذوا من حالة المسلمين الراهنة وما هم عليه من تأخر وركود ، وسيلةً للطعن في الإسلام، وعدم صلاحيته نظامًا للحياة ، وإن لم يقولوا ذلك صراحة ، وإنما يظهر ذلك باعتراضهم على بعض شرع الله تعالى .
من ذلك : اتهامُهم الإسلام بظلم المرأة المسلمة ، ومنعِها من حقوقها ، وباحتقارها، وإثارتُهم الفتن بين المسلمين، ودعوتُهم إلى تحرير المرأة والمطالبةِ بحقوقها . فمتبعوا الشهوات في الحقيقة يريدون ذهاب الحياء من النساء ليستمتعوا بفتنتهن ، ويكرهون استقامتهن على الخير والستر ، ولذلك يسعون في تحقيق ما يريدون بشتى الوسائل بتحريضها على التمرد من قيود الرجل ، والمطالبة بالاستقلالية والمشاركة في الأعمال .
إن غرض المنافقين من حثهم المرأة على المشاركة في شتى المجالات هو إخراجها من بيتها لتخالط الرجال، وتظهر زينتها ، وإن استجابة المرأة لذلك فيه فساد الدين والأخلاق، وظهور الفتن ، كما هو الحاصل في كثير من بلاد العالم، وقد كتبت إحدى الصحف الغربية تقريرًا عن ارتفاع نسبة الجريمة بين النساء المتبرجات، أو بعبارة أخرى بين ما يسمى بالنساء المتحررات، فقالت الصحيفة : إن ارتفاع نسبة الجريمة بين النساء يوجد بكثرة في حركات التحرر النسائية ، ثم قالت : إن منح المرأة حقوقًا متساوية مع الرجل يشجعها على ارتكاب نفس الجرائم التي يرتكبها الرجل ، بل إن المرأة التي تتحرر تصبح أكثر ميلاً لارتكاب الجريمة [1].
ولتحذر المسلمة من المنحدر الذي تردت فيه المرأة في بلاد الكفر باسم الحرية ، فبسبب هذه التسمية الزائفة استخدم الرجال المرأة مصيدة لجمع المال ، ومطية لتحصيل المتعة واللذة ، وبعد أن يستنفذوا منها أغراضهم يتخلوا عنها ، وتبقى هي وحدها تعاني من مرارة الذل والمهانة .
إن المرأة إذا انهارت أخلاقها ، وشذ سلوكها ، وآثرت حياة التبرج والسفور والعبث والاختلاط ، على حياة الطهر والعفاف ، وانخدعت بالأبواق الماكرة والأصوات الناعقة ، فقد انهارت من ورائها الأمة ، وانحلت الأسرة ، وانتشر الفساد ، وعمت الفتن ، وضاعت الفضائل ، وحلت النكبات ، وكثرت الجرائم والموبقات ، لأن أكثر ما يفسد الأخلاق ؛ تبرج النساء، وإظهار مفاتنهن أمام الرجال ، عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال : قال رسول ا صلى الله عليه وسلم : (( ما تركت بعدي فتنة هي أضر على الرجال من النساء)) رواه البخاري ومسلم [2].
[1] المرأة بين دعاة الإسلام وأدعياء التقدم ( الطبعة الرابعة 1407 هـ ) للدكتور / عمر بن سليمان الأشقر (ص 27) نقلاً عن صحيفة (النيويورك تايمز) في إبريل 1975 م .
[2] صحيح البخاري ، كتاب النكاح ، باب : ما يتقى من شؤم المرأة ، حديث رقم : 4808 . وصحيح مسلم ، كتاب الذكر والدعاء ، باب : أكثر أهل الجنة الفقراء ، وبيان الفتنة في النساء ، حديث رقم : 2740 .
=============(58/170)
(58/171)
تغريب المرأة المسلمة, كيف بدء ؟
ولدت حركة تحرير المرأة ونشأت وترعرعت في مصر وذلك بعد أن قدم من أوفدهم محمد علي باشا إلى فرنسا لاكتساب الخبرات الفنية والصناعية فبعد أن عاد هؤلاء وقد تشعبت أفكارهم بالحياة الفرنسية واغتروا بها جاءوا ليقطفوا الحياة الفرنسية على المجتمع المصري ، وكان واعظ البعث رفاعة الطهطهاوي [1].
أكثر من نشر مبادئه وأفكاره المشبعة بالوحل الفرنسي نشرها في مجتمعه الذي كان ينتظر منه الخبرات الفنية والزراعية والاقتصادية التي تساعد في تقدم البلاد ، وبذلك يكون رفاعة الطهطهاوي هو أول من أثار قضية تحرير المرأة في مصر في القرن التاسع عشر .
ثم يأتي بعد ذلك قاسم أمين [2] الذي رد على الدوق داركير عندما اتهم المصريين
وفي كتابه الذي رد به على داركير رفع من شأن الحجاب وتنقص من السافرات التي يتشبهن بالأوروبيات فجاش غيظ الأميرة نازلي [3] فهدأها محمد عبده وسعد زغلول وقربوا قاسم أمين إلى الأميرة نازلي فعفت عنه وتردد على صالونها واعتلت مكانته عندها ثم بعد ذلك نشر كتابه الذي دعا فيه إلى تحرير المرأة ( ولا يمتاز قاسم أمين عن رفاعة الطهطهاوي إلا بأنه عقد صداقة مع أقطاب الماسونية المصرية ومن رواد صالون نازلي فاضل )[4].
وتوفي قاسم أمين بعد أن عدل عن رأيه عام 1906 وبين أنه كان على خطأ [5].
ولكن وحتى بعد وفاة قاسم أمين لم تهدأ الحركة .
وفي أعقاب الثورة التي حدثت سنة 1919م اتسع نطاق حركة تحرير المرأة في مصر وتسلمت قيادتها هدى شعراوي .
ثم بعد هدى شعراوي تأتي سيزا نبراوي [6] لتكون في مقدمة مستشارات هدى شعراوي .
وإلى قيام الثورة عام 1919م كانت الدعوة إلى تحرير المرأة ضعيفة حتى أن بعض المتظاهرات كن يخرجن للمظاهرة وهن يرتدين البراقع .
وبعد انتهاء الثورة دعيت هدى شعراوي إلى حضور مؤتمر الاتحاد النسائي الدولي في روما عام 1922م ، وكونت هدى شعراوي الاتحاد النسائي المصري عام 1923م ومن أهدافه :
1- القضاء على الحجاب الإسلامي .
2- إباحة الاختلاط للمرأة المسلمة بالأجانب عنها .
3- تقييد الطلاق ووجوب وقوعه أمام القاضي .
4- منع الزواج بأكثر من واحدة .
ثم في عام 1944م عقد المؤتمر النسائي العربي، فاستاءت الأوساط الإسلامية استياءً شديداً حتى إن ملك شرق الأردن أصدر منشوراً قال فيه [ وإني أعلنكم بأنني لا أتساهل مدة حياتي بما فيه الاعتداء على شرف الإنسانية وما جاء به الدين الحنيف، وإن اللاتي يخرجن متبرجات غير مستترات فإنهن قد عصين الله عمداً ، ومن يعص الله عمداً فلا دين له ، وقد قال الله تعالى : (( وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ)) فلا يحل لامرئ مؤمن أن تكون ربة بيته على هذا الطراز ] إ .هـ[7].
ثم تكون عام 1945 م الحزب النسائي وهو حزب جديد له الأهداف نفسها ثم في عام 1949م تكون حزب بنت النيل برئاسة درية شفيق [8].
ومن أهدافه :
1- منح المرأة حق الانتخاب ودخول البرلمان .
2- إلغاء تعدد الزوجات والأخذ بالقوانين الأوروبية في الطلاق وتطبيقها في مصر .
وفي عام 1951م وبالتحديد في 19 فبراير خرجت مظاهرة من قاعدة ايوارث بالجامعة الأمريكية في القاهرة، وهذه المظاهرة تكونت من عشرات من الفتيات دخلن البرلمان وهن يهتفن بالمطالبة بالحقوق السياسية، ثم بعد أيام قامت مظاهرة أخرى لبضع عشرات من طالبات المدارس في مصر واتجهن إلى قصر عابدين في مصر وقدمن عريضة بمطالبهن .
واعترفت درية شفيق بأن وزيرة الشئون الاجتماعية في انجلترا ( سمر سيكل) هي التي حرضتهن على هذا العمل .
وانهالت رسائل التشجيع والترحيب من الدوائر الأجنبية فأبرقت رئيسة الاتحاد الدولي إلى رئيسة حزب بنت النيل ودعتها لحضور الجمعية العمومية للاتحاد .
وفي أثينا أرسلت رئيسة الاتحاد الدولي في الوقت نفسه إلى وكيلة الاتحاد المصري تطلب بياناً عن مظاهرة 19 فبراير ونتائجها والقرارات التي اتخذت بعدها.
وأبرقت جمعية سان جيس النسائية بانجلترا تهنئ الهيئات النسائية المصرية على كفاحها ويعلن عن تأييدها لها، وفي الوقت نفسه وصلت إلى مصر رئيسة الحقوق الاقتصادية بالاتحاد الدولي إلى مصر في 30 مارس 1951م لتتصل بالجمعيات النسائية وتقف على مدى نشاطها واتجاهاتها[9].
وهكذا حتى جاءت ثورة سنة 1952م ( فتوسعت للدعوة إلى تحرير المرأة قاعدة التعليم المختلط فشملت المدارس الإعدادية والثانوية بعد أن كانت قاصرة على التعليم الجامعي ).
وهكذا بذرت البذرة الأولى المسمومة في مصر الإسلامية ، ثم حملت المصريات لواء هذه الدعوة ونشرتها في المجتمع المصري بكامله ، ثم انتشرت الدعوة إلى التحرر إلى البلاد الإسلامية الأخرى ، وساعد على انتشارها الوضع السائد في البلاد الإسلامية ، ذلك الوضع السيء الذي تعيشه المرأة المسلمة نتيجة للتطبيق الخاطئ لتعاليم الإسلام والبعيدة كل البعد عن منهج الإسلام .
ثم نأخذ بلداً آخر غير مصر وهو الكويت :(58/172)
تأسست في الكويت عام 1963م جمعية النهضة الأسرية برئاسة نوريه السداني وأخذت على عاتقها مع زميلتها الجمعية الثقافية النسائية برئاسة لولوه القطامي حركة تحرير المرأة الكويتية ، وحاولت نورية السداني جاهدة لقيام يوم المرأة الكويتية ، وبالفعل بعد صبر دام سبع سنوات تحقق لها ما تريد وأقيم يوم المرأة الكويتية عام 1969م .
وكان من نتائجه أن وجهت بعض النساء لنورية السداني السؤالين الآتيين :
* لماذا لم يطالب يوم المرأة الكويتية بالاختلاط .
* لماذا لم يطالب يوم المرأة الكويتية بالحقوق النسائية في السياسة من ناحية الانتخابات والترشيح .
وردت نورية السداني بما يلي :
قالت : قبل أن ابدأ بالإجابة أريد أن أبدي ملاحظتين :
الملاحظة الأولى : باعتقادي أن الاختلاط ليس مشكلة بنائية ولكنها مشكلة اجتماعية لأن المرأة الكويتية حينما تطالب بالاختلاط فالهدف من ذلك هو خدمة مجتمعها وتخليصه من العقد التي تسيطر على الشاب والفتاة في الحياة نتيجة عدم التقاء عنصري الوجود الرجل والمرأة وخصوصاً في المجالات العلمية الشريفة .. وكذلك الاقتصاد بنفقات الجامعة وتحويل المصاريف الانعزالية هذه إلى خدمات اجتماعية بحاجة لهذه المصاريف .. كل ذلك بحشمة وجدية تقتضيها أوضاعنا وعاداتنها العربية والإسلامية الأصيلة[10].
ثم ذكرت الملاحظة الثانية[11].
ثم تقول نورية السداني : ( وقد فكرت كثيراً حول دوري المرتقب الذي أريد أن أقوم به فترة قصيرة من تاريخ الكويت حيث سأفجر وضعاً خاطئاً في الكويت هو وضع يعاني منه نصف سكان الكويت من الإناث) .
وبالتالي عقد المؤتمر النسائي الأول في الكويت في 15 ديسمبر عام 1971م .
وحضرته مائة سيدة من مختلف الطبقات ، وخرج المؤتمر بالتوصيات الآتية :
1- المطالبة بمساواة المرأة في جميع الميادين أسوةً بالرجل .
2- المطالبة بحق المرأة في ممارسة عملية الانتخاب غير المشروط .
2- المطالبة بضرورة انخراط المرأة في السلك الدبلوماسي .
4- الحد من تعدد الزوجات . وغيرها من المطالب [12].
ثم في عام 1974 وبالتحديد في 16/12/1974 م تكون الاتحاد النسائي الكويتي بعد الاتفاق بين جمعية النهضة الأسرية والجمعية الثقافية النسائية
ثم في 16/12/1974 تكون الاتحاد النسائي الكويتي بعد الاتفاقية بين جمعية النهضة الأسرية والجمعية الثقافية النسائية .
ثم في 12/6/1976م انسحبت من الاتحاد الجمعية الثقافية النسائية وانحل الاتحاد.
ثم رفعت الوثيقة النسائية الكويتية إلى جابر الأحمد الصباح ولي العهد آنذاك في 2/7/1977م، وهذه الوثيقة وقع عليها ثلاثمائة وخمس وتسعون امرأة نستخلص مما سبق أن النساء اللاتي تولين قيادة المرأة الكويتية في ذلك الوقت كن يطالبن بما يلي :
* منع الطلاق بشتى الوسائل إلا إذا كانت هناك أسباب قاهرة ويكون الطلاق أمام القاضي وبأسباب يقتنع بها القاضي .
* الحد من تعدد الزوجات .
* منح المرأة فرص التعلم الممنوحة للرجال دون تميز .
* عدم حرمان الطالبات من التعليم في دول أخرى .
* تطبيق الاختلاط في جامعة الكويت .
* فتح المجال أمام المرأة في الكليات العسكرية وكليات الشرطة . وغير ذلك من المطالب [13].
واتخذت الحركة التحريرية للمرأة وسائل متعددة في العالم الإسلامي ، مثل :
* التطبيق الحرفي لكلمة مساواة بين الرجل والمرأة دون النظر إلى الفرق بينهما .
* حث المرأة على الخروج للعمل وإشعارها بأن البيت للخادمات .
* القضاء على الحجاب الإسلامي .
* إباحة الاختلاط .
* ربط الحشمة بالتخلف الصناعي .
وللحركات أهداف عديدة منها :
* تفكيك الأسرة .
* تدمير المجتمع الإسلامي وإفساد أخلاقه .
* تحطيم الوازع الديني والروحي للمسلمين وقطع صلة المسلمين بربهم.
* إخراج المسلمة عن عقيدتها وخلقها وكرامتها .
* ربط المجتمع المسلم بالمجتمعات الكافرة يستقى من أفكارها وأخلاقها .
[1] هو الشيخ رفاعة رافع الطهطهاوي رافق البعثة المصرية في باريس بمثابة مواعظ البعثة أقام في باريس من 1826م - 1831م .
[2] هو الشخصية الهامة في قضية تحرير المرأة حصل على إجازة الحقوق سنة 1884م وأخرج كتابه تحرير المرأة سنة 1889م توفي سنة 1906م .
[3] الأميرة نازلي داعية التحرر الأولى حفيدة إبراهيم باشا وزوجة الملك فؤاد وأم الملك فاروق ارتدت في آخر حياتها عن الإسلام .
[4] الأخوات المسلمات ص 245 .
[5] الأخوات المسلمات ص 252 .
[6] سيزا نبراوي إمرأة تلقت تربيتها في فرنسا تجيد اللغة الفرنسية عادت من فرنسا عندما بلغت الثامنة عشرة ، كانت متمردة متحسسة رفضت لبس البرقع وأصرت على لبس القبعة قامت بدور السكرتيرة الخاصة لهدى شعراوي .
[7] انظر المرأة ماذا بعد السقوط ص 35 .
[8] درية شفيق سافرت وحدها إلى فرنسا للحصول على الدكتوراه .
[9] انظر الحركات النسائية وصلتها بالاستعمار لمحمد عطية خميس من 73 - 96 .
[10] تاريخ المرأة الكويتية ج2 نورية السداني ص 568 .
[11] تاريخ المرأة الكويتية ج2 نورية السداني ص 36 - 37 .
[12] تاريخ المرأة الكويتية جـ 2 نورية السداني ص 348 - 349 .
[13] المرأة ماذا بعد السقوط ص 46 .
==============(58/173)
(58/174)
(58/175)
حقيقة تحرير المرأة
الحمد لله أنعم وتكرم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحد لا شريك له، إنه أرحم وأعلم، وأحكم وأحلم، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بشر وأنذر، وحذر وعلم،صلى الله عليه وآله وأصحابه ومن سار على دربه الأقوم وسلم تسليما أما بعد:
فيا أيها المسلمون:
الله ربكم، فإنه من يتق الله يجعل له من أمره يسرا.
نذر وربك بالمصائب تنذر *** وخطى على درب الهوى تتعثر
فتن كليل مظلم يندى لها *** منا الجبين فنارها تتسعر
ما كنت أحسبني أعيش لكي أرى*** بنت الجزيرة بالمبادئ تسخر
جهلت بأنا أمة محكومة *** بالدين يحرسها الإله وينصر
جهلت بأنا أهل دين ثابت *** في ظله لا يستحل المنكر
أختاه يا بنت الجزيرة هكذا *** وخنادق الباغين حولك تحفر
أو هكذا والملحدون تجمعوا *** من حولنا والطامعين تجمهروا
أجل لقد جاؤوا يركضون يبغونكم الفتنة، ويتربصون بكم الدوائر بإعلامهم وأعمالهم، بمؤامراتهم ومؤتمراتهم، بأقوالهم وأفعالهم، في خطوات ماكرة، ودعايات مضلله تستهدف المرأة المسلمة في آخر معاقل الإسلام وأمنعها.
إنهم يعملون على تدجين المجتمع وتوجيهه إلى حياة الفوضى الفكرية والأدبية والأخلاقية.
لقد تجاوزا بمنظارهم الأسود وتفكيرهم السقيم مقام الشرع الأعظم، حينما وصفوا المرأة العفيفة بأنها متخلفة ومتعصبة، وبأن التقاليد والأعراف تتحكم فيها، والتي في نظرهم تعرقل المرأة عن التفاعل مع المجتمع، وهم في هذا يمتهنون من شأن المرأة الملتزمة، ويحاولون إبعادها عن السلوك السوي وسحق القاعد الأخلاقية والأدبية لها.
لقد دفع أدعياء التحرر دفعوا المرأة إلى أحط المواقف، وزجوها في أشد المخاطر، وقادوا إلى أسوء حال فلم يحسنوا خلقا ولم يهذبوا نفسا، ولم يقوموا اعوجاجا، وإنما كل الذي عملوه أو صاغوه نساء مستهترات ضائعات، يسخرن من المقدسات، ولا يبالين بأصالة ولا بأعراض، وويل لأمة تفخر بنسائها ورجالها على الأزقة، لا يفكرون في قضية، ولا يحملون مسؤولية، وويل لأمة أهانت رجالها لتثبت ذاتية نساء ضائعات،
لقد نادى أدعياء التحرر بتحرير المرأة، لكن تحريرها من الفضيلة والشرف والحياء، وهتفوا بالعطف عليها، لكنهم قسوا عليها أشد من وائدي البنات في الجاهلية الأولى، وأعلنوا مساواتها المطلقة فكلفوها مالا تطيق.
زعموا تحريرها فاستبعدوها، وادعوا العطف عليها فأهلكوها، وزعموا إكرامها فأهانوها، سجنوها بأيديهم ثم وقفوا على باب سجنها يبكون ويندبون شقاءها.
إن المرأة اليوم في بلادنا مستهدفة بمؤامرة نفذت فصولها في بلاد مسلمة، فأنتجت فوضى أخلاقية، وأخلاقا منهارة، وتجرعت المرأة هناك غصصا وآلاما، فبدأت تفكر في أمرها وتسعى للعودة لفطرتها، لقد أصبحنا ننام ونستيقظ على خطوات عملية تصحبها حملة إعلامية، هدفها إخراج المرأة من بيتها ولو بلا هدف، وزجها في مجتمعات الرجال تحت أي شعار، والغاية أن تتجرد من حيائها وحجابها لتصبح ألعوبة بأيديهم، وأداة لتحقيق مآربهم، فتنهار القيم وتسقط الأخلاق ليسقط بعدها كل شيء.
لقد بدأت مؤامرة السفور: بالدعوة إلى كشف الوجه، وهذا هو ما تحاول وسائل الإعلام فرضه وجعله واقعاً من خلال المجلات والأفلام والبرامج، ومن خلال المؤتمرات الاقتصادية وغيرها، ثم امتدت المؤامرة إلى الجلسات المختلطة المحتشمة، ثم إلى السفر من غير محرم؛ بدعوة الدراسة في الجامعة أو حضور المؤتمرات والندوات، ثم زينت الوجوه المكشوفة بأدوات الزينة، وكل هذه الخطوات أصبحنا نراها في واقع نسائنا، وتعرض صحفنا ومجلاتنا، ثم بدأ الثوب ينحسر شيئا فشيئا حتى تقع الكارثة؛ فتخرج المرأة سافرة عن مفاتنها، كاشفة عن المواضع التي أمر الله بسترها، وهذه المرحلة التي تترقبها إن نأخذ على أيدي السفهاء،
وحينما تقع هذه الخطوة سيروح أهل الكيد يتلذذون بالنظر إليها، وستدرجونها للإيقاع بها، وحينئذ تفسد الأخلاق وتكثر محلات البغاء، وينتشر اللقطاء، وإن تعجبوا فأسالوا المتورطين.
وإعذاراً إلى الله ونصحاً للأمة رجالها ونسائها، واستمرارا في منهج التحذير والبيان أواصل الحديث، وإن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب.
إن أول ما يجب أن تعلمه الأمة رجالها ونساؤها: إن الذي شرع الشرائع ووضع الحقوق وحد الحدود هو الله جل جلاله بحكمته وعدل، وهو القائل: (( لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُواْ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُواْ اللّهَ مِن فَضْلِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً)) [النساء: 32] .
والقائل: (( وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكُيمٌ)) [البقرة: 228].
وهو القائل: (( وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ)) [المائدة:50]
وإن هذه الحقوق كفيلة بتحقيق السعادة الدنيوية والأخروية للفرد، وتحقيق الأمن والاستقرار للمجتمع.(58/176)
وإن أي دعوة لمخالفة هذه الحقوق، أو استيراد حقوق لطرف لم يأذن بها الله هو اتهام لله في عدله وحكمته، وانتقاص لشريعته، ((مَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)) [البقرة: 229]
إن واجب المسلم والمسلمة إزاء الحقوق والواجبات هو الرضا والتسليم تحقيقا لمعنى الإسلام، والذي يعنى الاستسلام لله والانقياد له، والخضوع لحكمه، (( وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ )) [النساء: 125].
(( إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ )) [النور: 51]
إن حكم الله هو الحكم الوحيد المبرأ من مظنة الحيف، لأن الله هو العادل الذي لا يظلم أحدا، وموقف المؤمن والمؤمنة من أحكام الله هو السمع والطاعة بلا تردد ولا جدال ولا انحراف، السمع والطاعة المستمدان من الثقة المطلقة في أن حكم الله ورسوله هو الحكم، وما عداه فهو الهوى، النابعان من التسليم المطلق لله واهب الحياة، ومن الاطمئنان إلى أن ما يشاء الله للناس خير مما يشاءونه لأنفسهم، فالله الذي خلق أعلم بمن خلق، ((وَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ)) [فصلت: 53].
فأي إسلام لمن يعترض على حكم الله أو يتضايق مما شرع الله، ((فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً)) [النساء: 65] .
ثم ليعلم كل مسلم ومسلمة أن المؤامرة على المرأة المسلمة كانت بدايتها على أيدي غير المسلمين الذي خططوا في خفاء، ونفذوا في دهاء، وجندوا له هذه الأمة من فقد اعتزازه بعقيدته، وتمسكه بدينه، وانتماؤه لأمته.
وإذا كان هذا حالهم وأن ولاءهم لأعداء الإسلام، وارتباطهم بالحاقدين على الدين، فهل يحتاج الأمر منا إلى كثير تدبر فيما ينبغي أن يكون عليه موقف كل مسلم ومسلمة من دعوتهم الآثمة.
أليس هؤلاء ممن قال الله فيهم: (( إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ)) [النور: 19]
وإذا كان القوم أشربت قلوبهم حب الكافرين، وأولعوا بما هم عليه من الضلال المبين، فأين أنت أيتها المسلمة من قول الحق: (( لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُوْنِ الْمُؤْمِنِينَ )) [آل عمران: 28].
وقوله: (( وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ )) [هود: 113].
قال مفسرون: فالنهي متناول للانحطاط في هوتهم، والانقطاع إليهم ومصاحبتهم، ومجالستهم وزيارتهم ومداهنتهم، والرضا بأعمالهم والتشبه بهم، والتزين بزيهم، ومد العين إلى زهرتهم، وذكرهم بما فيه تعظيم لهم، والركون هو الميل اليسر.
كيف إذن نصدق هؤلاء الأفاكين، وننقاد لأولئك المغررين من أعداء ديننا وأمتنا، الذين أخبرنا سبحانه عما في قلوبهم: (( قدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ )) [آل عمران: 118]
يا ابنة هذه البلاد إن أيديهم الماكرة الخبيثة الخادعة قد امتدت إليك في هذه الفتنة، لتنزلك من علياء كرامتك، وتهبط بك من سماء مجدك، وتخرجك من دار سعدك، فاقطعيها بسرعة وقوة، فإنها يد مجرمة ظالمة، لقد نهج دعاة التدمير نفس منهج إمامهم الأول إبليس، إذ ما كان من إبليس إلا أن زيف للأبوين الحقيقة، وألبس الحق لباس الباطل والباطل لباس الحق وزيادة في الضلال، وإمعاناً في التغرير أقسم لآدم وزوجه أنه لهما من الناصحين، وهكذا تذرع الشيطان إلى الفجور الذي نراه اليوم ونعاني ويلاته بالسفور كخطوة أولى، يستنزل المرأة المسلمة من عليائها وعفتها، وما كان للمسلمة أن تطيعه أبدا إذا دعاها صراحة وهي في قمة الاحتجاب والتعفف، إذا ما دعاها إلى ما وصلت إليه في بلاد مسلمة من تهتك وتعري.
لكن الخبيث تدرج معها: ابتداء بأن السفور وكشف الوجه جائز شرعاً، وانتهاء بأن خير الهدي هدي أوربا وأمريكا.
يا ابنة الإسلام: أتظنين أن أولئك المأجورين الذين يستميتون في دعواتهم الآثمة لإخراجك من بيتك وإقحامك في عالم الاختلاط، ودفعك إلى التمرد وقيادة السيارة، وتورطك في أعمال لا تتناسب مع قدراتك وطبيعتك، أتظنين أنهم لك من الناصحين ؟
لا والله وأقسم برب الفلق أنهم يكيدون لك كيداً، ويمكرون بأمتك مكرا، وإلا فماذا يضيرهم لو بقيت آمنة في سربك، مخدومة من أهلك وزوجك، محفوظة بحيائك وسترك، عابدة لربك مربية لأولادك ؟
ولكن صدق الله: ((وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيماً)) (النساء:27 ).
إنك يا ابنة هذه البلاد في نعمة والقوم قد حسدوك عليها، وودوا لو تضيعين كما ضاعوا، فاحمدي الله على نعمة الدين والعفة والفضيلة.(58/177)
يقول مراسل صحيفة أمريكية: إن لغز الحجاب الذي يثير حفيظة الغرب غير مطروح للتساؤل هنا في السعودية، إن الحجاب لم يقف حائلا أما تطور المرأة، فالسعوديات مؤهلات للتعامل مع أحدث برامج الحاسوب والإدارة ونظريات التعليم، بل إن القطاع الواسع من النساء السعوديات المتعلمات يدافعن عن الحجاب كمنظومة تحكم علاقة المرأة بالرجل في إطار واسع، وإن النساء العاملات في السعودية يشعرن بأمان حقيقي بعيداً عن المضايقات أو الأخلاق السيئة، ويؤكد: أن الحجاب والبعد عن الاختلاط كانا سببين لتميز الأداء الذي لا تخطئه العين.
وينقل عن إحدى السيدات من الطبقة الثرية قولها: إن الحجاب نعمة عظيمة ،والمرأة هنا تحظى بمعاملة راقية لا تحظى بها امرأة أخرى لا تقود السيارة، لكن هناك من يقوم بخدمتها دائماً، نحن أميرات في بيوتنا وأزواجنا يبذلون جهداً رائعا لإسعادنا.
كما ينقل كلمة لإحدى السيدات السعوديات قائلة: لو سألتني هل أريد الحرية الغربية فإن إجابتي ستكون بثلاث كلمات: لا ، ثم لا ، ثم لا ، إن الدين هو الذي يحكم تصرف الإنسان، ومن كان مفلسا في دينه فإنه يفقد الضابط الذي يحرك مساره.
يا كل مسلم ومسلمة: إن مستنقع الانحلال الأخلاقي الذي يراد أن نساق لخوضه قد خاضته أمم غيرنا، فكشفت المرأة وجهها، وزاحمت الرجال وقل حياؤها، وقادت السيارة وأصبحت مضيفة وطيارة، وشاركت الرجال في الوظائف والأعمال.
فماذا كانت النتيجة ؟ لقد فقدت المرأة السعادة التي كان يلوح لها أنصارها بسعادة التحرر والتطور، ليس فقط سعادتها بل فقدت وجودها كامرأة ذات قيمة في المجتمع ووزن فيه، لقد قبضت فيما مضى على دينها فقبض الله عنها السوء، وبسط لها الحلال حتى لم تكن تينع الثمرة في بيت أبيها إلا وتمتد يد الحلال لتقطفها، فلا تفتح عينها إلا على حليلها.
ولكنها وقد ابتذلت وأهينت على يد أصدقائها وأنصارها الزائفين، كان أول من زهد فيها أنصارها المخادعون، ولم تعد كما كانت تتمتع باحترام الآباء والأزواج.
ولم تعد تحاط بهالة من التقدير والتعظيم، وإنما أصبحت في نظر الجميع أشبه بمحترفة تطلب العيش وتقرع كل باب للعمل لعلها تحصل على وظيفة.
وهذا هو المنحدر الفظيع والهاوية السحيقة، والمصير الأسود القاتم الذي انتهت إليه المرأة في كثير من بلاد المسلمين.
والآن وقد خلعت المرأة حجابها، وغادرت حصنها، وعصت ربها، فهل جنينا حقا التقدم والحضارة والرخاء.
إننا لن نطيل في وصف الهاوية التي تردت إليها المرأة المتحررة بفضل أنصارها الموتورين؛ لأن الواقع حولنا يكفينا مؤونة هذه الإطالة، إنه حقا واقع مرير تستطيع أن تدرك عواقبه وآثاره حيثما وقعت عينك في كل بيت، في كل طريق، وفي كل وظيفة، فلماذا لا نأخذ العبرة ؟ ولماذا نخضع لدعوات لتكرار المأساة ؟
لقد أطلقتها صحفية أمريكية دعوة للمسلمين قائلة: امنعوا الاختلاط وقيدوا حرية الفتاة، بل ارجعوا إلى عصر الحجاب، فهذا خير لكم من إباحية وانطلاق ومجون أوربا وأمريكا، إن الاختلاط والإباحية والحرية قد هددت الأسرة وزلزلت القيم والأخلاق.
وهذه مسلمة ألمانية تقول: كم يؤلمني أن أرى أخواتي وإخواني المسلمين يركضون إلى المكان الذي هربت منه، بعد أن كاد أن يقتلني ويخنقني، ورغم أني من تلك البلاد فلن أعود إليها حتى أعي ديني جيدا، فالدنيا دون إسلام جحيم دائم .
وهذه كاتبة انجليزية مشهورة تعلن قائلة: إذا اشتغلت بناتنا في البيوت خوادم أو كالخوادم فهو خير وأخف بلاء من اشتغالهن في المعامل، حيث تصبح البنت ملوثة بأدران تذهب برونق حياتها إلى الأبد، يا ليت بلادنا كبلاد المسلمين، حيث فيها الحشمة والعفاف والطهر، حيث المرأة تنعم بأرغد عيش وبصيانة العرض والشرف.
هذه شهادتهن من واقع التجربة، وإن في حقائق الإسلام لذكرى لقوم يوقنون.
إن على المرأة المسلمة: أن تستعلي على هذه المؤامرة الرهيبة، وأن تدرك الثمن الكبير الذي تدفعه هي وأمتها إن استجابت لذلك السعار المجنون، الذي تغذيه أيد صليبية وأخرى يهودية، ويقوم بالدعوة إليه أنذال من بلاد مسلمة، وإن عليها أن تتسلح بالعقيدة الراسخة والأخلاق القويمة والوعي الكبير.
لا يخدعنك أختي المسلمة هؤلاء المتآمرون، ولا يصرفنك عن الحق أولئك الكائدون، وضعي نصب عينيك قوله تعالى: (( فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ)) [الروم : 60]
تعرفي وافهمي والواقع المحيط بك كي تدركي ما يحاك ويدبر لك، ولكي تعي الطريقة المثلى للتصدي لأي دعوة تريد زعزعة إيمانك بعقيدتك وسلب شخصيتك الإسلامية.
إن على المرأة المسلمة أن تعطي النموذج الإسلامي المتميز في مجال القدوة، بأن تكون شريفة في أخلاقها، جادة في شخصيتها، متفاعلة مع قضاياها في إطار من الأدب والالتزام الشرعي.
إن حقوق المرأة التي يطالب بها أنصارها من دعاة الإسلام، ليست مجرد خطابة وكتابة ومقابلات وسفرات وحفلات، وإنما حقوق قررها الخالق ورسختها الشريعة، هي حقوق تخرج لنا نساء يبنين الأجيال فيصنعن بهم التاريخ.(58/178)
إنها حقوق تخرج المرأة التي تشعر بآلام الأمة وأمالها، المرأة التي تدفع من مالها وتنفق مما أعطاها الله.
لا نريد الحقوق الزائفة التي تجعل من المرأة مجرد دمية تقف في المجامع والمحافل، وتظهر على صفحات الصحف متعطرة متزينة، فيشد الحاضرين جمالها، ولا يفقهون مما تقوله شيئا.
لا نريد حقوقاً مستوردة تجعل من المرأة مجرد ببغاء تردد ما يقال، وتلبس كل ما صنع لها، وتملأ فكرها بكل ما يكتب، وتنساق وراء كل نزوة، وتجري وراء كل بريق خادع .
إننا ننشد الحقوق التي تخرج لنا المرأة المسلمة التي تزن الأمور بميزان السماء، وتنظر إلى الحياة من خلال القرآن، وتنظر وهي في الدنيا إلى الدار الآخرة، وتتخذ من الإسلام منهجا ومن رسول الله قدوة وأسوة، ((وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ)) [آل عمران : 85].
الخطبة الثانية :
((إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً وَأَكِيدُ كَيْداً )) [الطارق :15-16] .
((وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ)) [آل عمران: 54] .
((فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ )) [الرعد : 17] .
ذلك مثل الحق والباطل في هذه الحياة، فالباطل يطفو ويعلو وينتفخ ويبدو رابيا طافيا ولكنه بعد زبد أو خبث ما يلبث أن يذهب جفاء مطروحا لا حقيقة له.
والحق يظل هادئا ساكنا، وربما يحسبه بعضهم قد انزوى أو غار أو ضاع أو مات، ولكنه هو الباقي في الأرض ينفع الناس، كذلك يضرب الله الأمثال، وكذلك يقرر مصائر الدعوات ومصائر الاعتقادات ومصائر الأفكار والأعمال والأقوال، ويحق الله الحق بكلماته ولو كره المجرمون.
لقد خيل إلى أعداء الإسلام أن الأمة مجتمعة قد استجابت لجهودهم، ورضخت لدعواتهم، واستسلمت لأفكارهم، وإذا بالأمة تؤوب إلى دينها وترجع إلى فطرتها.
وإذا بشباب الأمة وفتياتها يرددون: (( رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُواْ بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأبْرَارِ)) [آل عمران: 193] .
وراحوا ينهلون من كتاب الله وسنة رسوله، وقد وجهوا قلوبهم ووجوههم من جديد بعد حيرة واغتراب شطر البيت العتيق، وولوا ظهورهم للقليس قبلة الضرار التي أقامها إبرهة روسيا وإبرهة أمريكا في موسكو وواشنطن، والتي قام على سدانتها وتسيير الوفود نحوها أبا رغال عصرنا.
إن من بشائر النصر في أيامنا، والتي بدأت تظهر في ديار المسلمين ما تراه من عودة الفتاة المسلمة إلى إسلامها، معتزة بشخصيتها، عادت تهتدي وتقتدي باللواتي أنزل الله فيهن قرآنا.
إن السفور والاختلاط حالة طارئة بدأت على استحياء منذ أكثر من خمسين عاما، وبلغت أوجهها منذ ثلاثين عاما، ثم بدأ صعودها البياني في التوقف ثم الهبوط، ولا يزال آخذا في الهبوط السريع والمؤشرات تؤكد أن السفور يكاد يلفظ أنفاسه الأخيرة، وجولة في شوارع دولة مسلمة كمصر تؤكد هذه الحقيقة، وستبقى السيادة بإذن الله لشرع الله وأمره بالحجاب وكلمة الله هي العليا.
لقد فعل الموتورون شتى الحيل ليصدوا المسلمة عن دينها، ويوقعوها في شراكهم، ويذبحوا على أعتاب جامعاتهم ومصانعهم ومتاجرهم حياءها قربانا لأغراضهم، فاستجاب لهم تائهات ومخدوعات، ولكن خرج في أمتنا فتيات عفيفات رفعن نداء: (رضينا بالله ربا وبالإسلام دينا و صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا)، فبددت أطماعهم وانقلبوا خاسئين.
يا ابنة الإسلام: في هذه البلاد إنك اليوم مستهدفة، ويراد لك أن تخوضي بحر الظلمات الذي خاضته مسلمات فتهوين في دروبه وصارعن أمواجه، ثم أدركن المؤامرة فعدن إلى بحور النور والهدى.
إن أقوى رد يفند أباطيل دعاة الاختلاط ومروجي الانحطاط هو تخلي المرأة المسلمة عنهم بعد أن انخدعت بهم زمنا طويلا، وخلعت الحجاب وخالطت الرجال، وذاقت ويلات جاهلية القرن العشرين، وجرت في دروب المفسدين، فما وجدت عندهم إلا الشقاء والضنك، فعادت المسلمات زرافات ووحدانا، مستغفرات تائبات شعارهن: ((سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ)) [البقرة : 285].
لقد اغتاظ أدعياء التحرر وصارت عودة الحجاب غصة في حلوقهم، حتى إنهم اعترفوا بهزيمتهم في المعركة الحقيقية، وعللوا ذلك بأن الفتيات يتحجبن عن اقتناع كامل متحديات كل ما وضع في طريقهن من عراقيل وعقبات.
وهذا أحد رموزهم يقول: أصابت المرأة المصرية في أيامنا نكسة ارتدت بها إلى ما قبل، هناك اليوم عشرات الألوف من النساء المرتدات ينزلقن طوعا إلى هوة الماضي، والمأساة أن المرأة اليوم تتبرع سلفا بحجاب نفسها قبل أن يأمرها بالحجاب والدها أو زوج، انتهى كلامه أهلكه الله أو هداه.
وهذه صحيفة في صيحيفة تقول: إن الفتيات المصريات يبدين اهتماما متزايدا بالإسلام، وفي جامعة القاهرة يزيد عدد الطالبات الملتزمات بالزي الشرعي، وقد يأتي يوم لا تبقى فيه طالبة مصرية واحدة إلا وقد ارتدت الزي الشريعي الإسلامي.(58/179)
ألا فاعلمي يا ابنة هذه البلاد أن أعداء الحق في كل عصر وفي كل مكان على وتيرة واحدة، وقلوبهم متشابهة فيما يرد عليها من الخواطر والشؤون، وعلى المسلمة الصادقة أن توقن أن المعركة بين الحجاب والسفور، بين الحق والباطل لا تنقطع، فإن التاريخ يعيد نفسه، وإن هذه سنة الله في خلقه ولن تجد لسنة الله تحويلا.
فطوبى لمن تنزع عنها غلالة الرجعية الجاهلية وتعود من غربتها واغترابها، وتأتي اليوم وغداً بالحجاب ومعها العلم والوعي والبصيرة والحرية الحقة من عبودية العبيد، قائلة لشياطين الإنس الذين يزينون لها تعدي حدود الله: (( إِنِّيَ أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ)) [الأنعام: 15] .
يا ابنة هذه البلاد:
إن التزامك بالحجاب تمسك *** والسعي في نزع الحجاب تدهور
إن التزامك بالحجاب تقدم *** والسعي في نزع الحجاب تأخر
إن عدت الفتن العظام فإنما *** فتن النساء أشدهن وأخطر
أخشى على أوطاننا من فتنة *** فتن البلاد أمامها تستصغر
فبلادنا بين البلاد تميزت*** بالدين يمنحها الثبات ويعمر
فالنار تأكل كل شيء حولها *** والقدر من فوق الأسافي تطفر
قد تهدم السد المشيد فأرة *** ولقد يحطم أمة متهور
أخشى على الأخلاق كسرا بالغا*** إن المبادئ كسرها لا ي
=============(58/180)
(58/181)
لا للسكرتيرة.. نعم للمعلمة والطبيبة
الأصل أن تقر المرأة في بيتها وألا تخرج إلا لحاجة، هذا ما أراده الله تعالى للمرأة ، ونحن نؤمن بأن الله أحكم الحاكمين، والله أعلم بما يصلح حالها، ويناسب شأنها؛ لأنه خالقها وفاطرها قال تعالى: ((هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ)) ( النجم: 32) .
ولذا أمرها بالقرار، وعدم الخروج فقال تعالى: (( وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى )) ( الأحزاب: 33).
قال القرطبي: ( في هذه الآية الأمر بلزوم البيت، وإن كان الخطاب لنساء صلى الله عليه وسلم فقد دخل فيه غيرهن بالمعنى، هذا لو لم يرد دليل يخص جميع النساء، فكيف والشريعة طافحة بلزوم النساء بيوتهن والانكفاف عن الخروج منها إلا لضرورة ).
ودعاة تحرير المرأة يخالفون هذه السنن الربانية بالمطالبة بخروجها من بيتها، لتمارس مهناً مبتذلة، كأن تكون سكرتيرة للرجال في الشركات والمؤسسات - وكأن الرجال - قد انقرضوا من الأرض ولم يبق إلا النساء.. ولا يعني ذلك أننا نحتقر المرأة لكننا نرفض أن تهان المرأة بمثل هذه الأعمال.
إننا نقول بملء أفواهنا :
لا.. أن تكون المرأة سكرتيرة للرجال، فكم من حوادث الزنا والتحرش الجنسي قد وقعت.. حتى أدرك الكفار هذا وعملوا الدراسات والإجراءات لمعالجته بلا فائدة واضحة، لأن الأصل فاسد وهو السماح بالاختلاط بين الجنسين، وحوادث طلاق المدراء والرجال من زوجاتهم لأجل علاقاتهم بسكرتيراتهم مشهورة جداً، وحوادث الزنا داخل المكاتب مشهورة في أماكن الاختلاط، بل إن السكرتيرة تُتخذ في بعض الشركات وسيلة ترفية للمدير والمسؤول ونحوهما، نسأل الله العافية .
ونعم ..لأن تكون المرأة معلمة في جو نسائي محافظ.. تعلم بنات جنسها العلم والإيمان وما تحتاجه بلادها من علوم دنيوية مناسبة لفطرة المرأة وتكوينها.
ونعم .. لأن تكون المرأة طبيبة تُطبب بنات جنسها، وتداوي المريضات، وتعالج المحتاجات في جو آمن بعيداً كل البعد عن الاختلاط في الدراسة والعمل؛ رافضة معالجة الرجال والاختلاط بهم.
فيا ولاة الأمر.. امنعوا أولئك الرجال الذين يستغلون حاجة المرأة ليوظفوها سكرتيرة - والله أعلم بما يريدون.
يا ولاة الأمر - صونوا نساء هذا البلد من الابتذال في مهن لا تليق بهن كالبائعة والسكرتيرة ونحوها.
يا ولاة الأمر.. احفظوا نساء هذا البلد كي لا تستغل حاجاتهن في قضايا لا أخلاقية.
إنها مسؤولية الجميع للوقوف أمام تيار التغريب.. الذي يهدم ولا يبني، ويفسد ولا يصلح، والله لا يصلح عمل المفسدين
==============(58/182)
(58/183)
وقفات مع دعاة تحرير المرأة
حديث يتكرر، لأن باعثه يتجدد، فخفافيش الظلام بدأت تعمل وتظهر في النهار، والفتوى تجاوزت الأئمة الأعلام، ليتطاول عليها المذيعون وصبيان الإعلام، والدين رقّ، والالتزام لان، وكل مسألة فيها قولان، وإن ناقشت مفتيا وعندك دليل مفحم وأثر قال: هذه وجهة نظري ، وحينما غابت الأسود نطقت القرود ، فالمنافقون في أوقات الأزمات ينبحون، وعلى صفحات الصحف يتقيئون، وشجرتهم لا تنبت إلا حنظلا من شبهات، وزقوما من الشهوات، بضاعتهم السخرية والاستهزاء بالدعاة والعلماء، والتهكم على الأبطال النجباء من رجال الهيئات، ومبشراتهم بذور السفور والانحلال، وآخر إنتاجهم بشارة بأول فتاة سعودية تتدرب على الطيران، تنشر صورتها ويجعل منها رمزا لفتاة جزيرة الإسلام فأينك يا درة عمر من هؤلاء الأقزام 0
لم يعد خافيا على أحد ما تشهده مجتمعات المسلمين اليوم من حملة محمومة، مِن الذين يتبعون الشهوات على حجاب المرأة وحيائها، وقرارها في بيتها، حيث ضاق عطنهم، وأخرجوا مكنونهم، ونفذوا كثيرا من مخططاتهم في كثير من مجتمعات المسلمين، وذلك في غفلة وقلة إنكار من أهل العلم والصالحين، فأصبح الكثير من هذه المجتمعات يعج بالسفور والاختلاط والفساد المستطير ، الأمر الذي أفسد الأخلاق والأعراض 0
وبقيت بقية من بلدان المسلمين لازال فيها بحمد الله يقظة من أهل العلم والآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، حالت بين دعاة السفور وبين كثير مما يرومون، وهذه سنة الله عز وجل في الصراع بين الحق والباطل، والمدافعة بين المصلحين والمفسدين 0
ومن كيد المفسدين في مثل المجتمعات المحافظة، وبسبب وجود أهل العلم والغيرة، أنهم لا يجاهرون بنواياهم الفاسدة، ولكنهم يتسترون وراء الدين، ويلبسون باطلهم بالحق واتباع ما تشابه منه، وهذا شأن أهل الزيغ والضلال، (( َأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ)) (آل عمران :7)
وهم أول من يعلم أن فساد أي مجتمع إنما يبدأ بإفساد المرأة واختلاطها بالرجال ، وقد ثبت عن النبي- صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ( ما تركت بعدي فتنة هي أضر على الرجال من النساء ).
وهذه حقيقة لا يماري فيها أحد، وملل الكفر أول من يعرف هذه الحقيقة، حيث إنهم من باب الفتنة بالنساء دخلوا على كثير من مجتمعات المسلمين وأفسدوها، وحققوا أهدافهم البعيدة، وتبعهم في ذلك المنهزمون من بني جلدتنا، ممن رضعوا من لبان الغرب وأفكاره، أو ممن يسعون إلى الشهرة من أوسخ أبوابها، ولأنهم يعيشون في بيئة مسلمة، ولازال لأهل العلم والغيرة حضورهم، فإنهم لا يتجرءون على طرح مطالبهم التغريبية بشكل صريح، لعلمهم بطبيعة تدين الناس، ورفضهم لطروحاتهم، وخوفهم من الافتضاح بين الناس 0
ولذلك دأبوا على اتباع المتشابهات من الشرع، وإخراج مطالبهم في قوالب إسلامية، وما فتئوا يلبسون الحق بالباطل، وهم كما قال الله: (( وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ )) ( البقرة:11) .
ومن هذه الطروحات التي أجلبوا عليها في الآونة الأخيرة، مطالبتهم في مجتمعنا المحافظ وفي بلدنا الذي يأرز إليه الإيمان، وتهوي إليه أفئدة الصالحين، ومنه نبعت الفضيلة ودعاتها، مطالبتهم بكشف المرأة وجهها، والسماح لها بقيادة السيارة، معتمدين بزعمهم على أدلة شرعية، وأقوال لبعض العلماء في ذلك، وهم يعلمون ونحن نعلم أن تلك هي الشرارة الأولى، والخطوة الأولى نحو فساد المرأة وذهاب حيائها 0
ولئلا يلتبس الحق بالباطل، ولكيلا ينخدع بعض الناس ببريق دعوتهم ، وصيانة لأخلاق الأمة، ومساهمة في تحقيق الأمن الأخلاقي للبلاد، نقف مع هذه الدعوة الآثمة وقفات :
أولاها: أن هناك فرقا في تناول قضية الحجاب وكشف الوجه، بين أن يقع اختلاف بين العلماء المخلصين في طلب الحق، المجتهدين في تحري الأدلة، الدائرين في حالتي الصواب والخطأ بين مضاعفة الأجر مع الشكر، وبين الأجر الواحد مع العذر، وبين من يتتبع الزلات ويحكم بالتشهي ويرجح بالهوى، لأن وراء الأكمة ماوراءها، فيؤول حاله إلى الفسق ورقة الدين، ونقص العبودية، وضعف الاستسلام لشرع الله عز وجل 0
وهناك فرق بين الفتاوى العلمية المؤصلة، المبنية على التحري والاجتهاد، وأخرى محلولة العقال، مبنية على التجري لا التحري، والتي يصدرها قوم لا خلاق لهم من الصحفيين ومن أسموهم المفكرين، وأهل التزوير المسمون ظلما بأهل التنوير، يفرقون من تغطية الوجه لا لأن البحث العلمي المجرد أوصلهم إلى أنه مكروه أو جائز، أو بدعة كما يرجفون، ولكن لأنه يشمئز منه متبوعهم من كفار الشرق والغرب 0
ولك أن تقدر شدة مكر القوم الذين يريدون من جانبهم أن يتبعوا التمدن الغربي، ثم يبررون فعلهم هذا بقواعد النظام الإسلامي الاجتماعي 0(58/184)
وثاني الوقفات: لابد أن ينظر إلى قضية الحجاب اليوم، وما يدور بينها وبين السفور من معارك، إلى أنها لم تعد قضية فرعية ومسألة خلافية فيها راجح ومرجوح بين أهل العلم، ولكنها باتت قضية عقدية مصيرية، ترتبط بالإذعان والاستسلام لشرع الله عز وجل في كل صغيرة وكبيرة، وعدم فصلها عن شئون الحياة كلها، لأن ذلك هو مقتضى الرضا بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد نبيا 0
إن التشنيع على تغطية المرأة وجهها، والتهالك على خروجها من بيتها، واختلاطها بالرجال ليست اليوم مسألة فقهية فرعية، ولكنه مسألة خطيرة لها ما بعده، لأنها تقوم عند المنادين بذلك على فصل الدين عن حياة الناس، وعلى تغريب المجتمع، وكونها الخطوة الأولى أو كما يحلو لهم أن يعبروا عنها بالطلقة الأولى .
وإذا كان علماؤنا يوردون مسألة المسح على الخفين في كتب العقيدة، باعتباره من خصائص أهل السنة في مقابل شذوذ الرافضة، فلا لوم على من يجعل قضية الحجاب اليوم قضية أصولية مصيرية، وذلك لتشنيع مبتدعة زماننا ومنافقيه عليه، ولحملتهم المحمومة لنزعه، وجر المرأة بعد ذلك لما هو أفسد وأشنع 0
وثالثها: أن بداية السفور والتبرج الجاهلي الذي عليه طائفة من نساء المسلمين اليوم في بعض ديار المسلمين، إنما بدأ من كشف الوجه بإزالة الغطاء والحجاب عنه ، حتى أصبح وبات وأضحى وظل وأمسى من المعلوم بالضرورة أن من كشفت من الفتيات وجهها اليوم ، ستكشف غدا حتما عن رأسها وصدرها، وساقيها وحتى فخذيها، ولا يجادل في هذا إلا ساذج مخدوع0
لقد بدأت مؤامرة السفور بالدعوة إلى كشف الوجه، وامتدت إلى الجلسات المختلطة المحتشمة، ثم على السفر من غير محرم بدعوى الدراسة في الجامعة، ثم زينت الوجوه المكشوفة، وبدأ الثوب ينحسر شيئا فشيئا حتى وقعت الكارثة، فخرجت المرأة سافرة عن مفاتنها، كاشفة عن المواضع التي أمر الله بسترها، حتى أضحت شبه عارية، وراح أهل الكيد يتلذذون بالنظر إليها، ويستدرجونها للإيقاع بها، حتى كان لهم ما أرادوه منها، ففسدت الأخلاق، وكثرت محلات البغاء، وانتشر اللقطاء، وتفسخ المجتمع، ومن هنا، وبناء على هذا فإن اليد التي تحاول أن تحسر الحجاب عن وجوه فتياتنا اليوم ينبغي أن تبتر ، وإن اللسان الذي يدعو فتياتنا إلى نزع الحجاب ينبغي أن يقطع 0
أو يسركم يا أهل الغيرة والكرامة أن تصبح بلادكم مقصداً لرواد البغاء ، وأهل الخنا، أو أن تصبح نساؤكم مزابل وإماء في سوق النخاسة، يصحبن كل زان ، ويصادقن كل سافل 0
لابد أن تعلم المرأة المسلمة أنهم اليوم لا يطلبون منها أكثر من كشف وجهها، وبحجة أن كشف الوجه مختلف فيه بين أهل العلم ، غير أنهم يعلمون علم اليقين، ونحن نعلم، وبحكم التجارب الطويلة العديدة أنها يوم أن تكشف وجهها ويذهب ماؤه وحياؤه، ستكشف لهم عما سوى ذلك، وصدق القائل :
رفع الحجاب وسيلة إن حُبّذت ضمت إليها للفجور وسائل
فالاختلاط ، فمرقص ، فتواعدٌ فالاجتماع ، فخلوة ، فتواصل
ورابع الوقفات: لو أن المنادين اليوم بكشف وجه المرأة أمام غير المحارم، كانوا في مجتمع يعج بالسفور والتعري الفاضح ، لأحسنا بهم الظن وقلنا: لعل قصدهم ارتكاب أهون المفسدتين، والتدرج بالنساء في ردهن إلى الحجاب الشرعي، والحياء والحشمة شيئا فشيئا .
أما وإن الذين ينادون اليوم بنزع الحجاب عن الوجه، إنما يوجهون نداءهم إلى مجتمعات محافظة لم تعرف نساؤه إلا الحشمة و الحياء، وتغطية الوجه والبعد عن الرجال الأجانب، فإن هذا مما يثير العجب ويحير العقل، ويضع استفهاماتِ كثيرة على مطالبهم تلك، فماذا يريدون من ذلك ، وماذا عليهم لو بقيت نساؤهم وبناتهم، وأخواتهم ونساء المسلمين على هذه الحشمة والعفة والحياء، ماذا يضيرهم في ذلك ؟ ألا يشكرون الله عز وجل على هذه النعمة العظيمة، ألا يعتبرون بما يرونه في المجتمعات المختلطة المتبرجة، حيث ضاعت قوامة الرجل، وظهر الفساد، وهتكت الأعراض، وأصبحت تلك البلدان مقصد كل فاجر، وملاذ كل طالب للرذيلة، إن زماننا اليوم زمن العجائب، و إلا فعلام يشرق قومنا بالفضيلة والطهر والعفاف، ولكن صدق الله: (( وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيماً )) (النساء: 27).(58/185)
و خامس الوقفات : أن الأدلة الموجبة لستر وجه المرأة وكفيها عن الرجال الأجانب، ووجوب الابتعاد عنهم أدلة كثيرة، وصحيحة وصريحة، ويمكن الرجوع إليها في فتاوى ورسائل أهل العلم الراسخين، ولكن يحسن أن نشير إلى أن علماء الأمة قديماً وحديثا من أجاز منهم كشف الوجه ومن لم يجزه، كلهم متفقون ومجمعون على وجوب ستر وجه المرأة وكفيها إذا وجدت الفتنة، وقامت أسبابها، بل حكى الإجماع على ذلك أكثر من خمسين عالما، فبربكم أي فتنة هي أشد من فتنة النساء في هذا الزمان، حيث بلغت وسائل الفتنة والإغراء بهن مبلغاً لم يشهده تاريخ البشرية من قبل، وحيث تفنن شياطين الأنس في عرض المرأة بصورها المثيرة في كل شئ، في وسائل الأعلام المقروءة والمسموعة والمرئية، وأخرجوها من بيتها بوسائل الدعاية والمكر والخداع، فمن قال بعد ذلك ، إن كشف المرأة عن وجهها أو شئ من جسدها لا يثير الفتنة، فهو والله مغالط مكابر، لا يوافقه في ذلك من له مسكة من دين أو عقل، أو مروءة، وإذا تبين ذلك فلنعلم أيضاً أن هذا القدر من الخلاف بين العلماء بقي خلافاً نظرياً إلى حد بعيد، حيث ظل احتجاب النساء هو الأصل في الهيئة الاجتماعية خلال مراحل التاريخ الإسلامي، كما قال شيخ الإسلام: (كانت سنة المؤمنين في زمن النبي- صلى الله عليه وسلم - أن الحرة تحتجب).
و قال الإمام الغزالي: (( لم يزل الرجال على مر الزمان مكشوفي الوجوه والنساء يخرجن متنقبات )) 0
إن كثرة الكلام وهن هذه القضية ، وعلى أصعدة متعددة ، بل إن وسائل الإعلام تحاول ترسيخ هذا المفهوم من خلال الدعايات الإعلانية، حينما تصور الرجل حالقاً لحيته والمرأة كاشفة وجهها، ومن خلال نشر صور النساء في الصحف، حتى بلغت في صحيفة واحدة في عدد واحد أكثر من ثلاثين صورة، ومن خلال الكتابات التي يتقيؤها غلمان الأهواء وصبيان الصحافة .
إن ذلك لأمر يثير الريبة ، فلم يحدث في تأريخ الأمة أن اجتمع العلماء المجيزين لكشف الوجه ليخرجوا على الأمة مجتمعين، يدعون النساء إلى إزالة غطاء الوجه بدعوى أن المسألة خلافية 0
كانوا يذكرون ذلك في كتبهم من باب التفقيه فحسب، أما أن يرتقوا المنابر، ويتصدروا المجالس والمنتديات ليقرروا ما ترجح لديهم، بإصرار وإلحاح لا ينقطع، ليحملوا نساء الأمة على كشف الوجه، فذلك لم يفعلوه، ولم يحصل في تأريخ الأمة مع أنهم هم الأحق بذلك إن كان في ذلك خير ، فهم مجتهدون ينطلقون من الشرع ومقصدهم نصرته 0
أما ما يفعله هؤلاء المستغربون من الدعوة بإلحاح، وعلى كافة المستويات، مع التلفيق والتلاعب بأقوال العلماء، فليس له إلا تفسير واحد، هو أنهم كرهوا ما أنزل الله فسحقا لهم ، وأولى لهم طاعة وقول معروف ، ولو صدقوا الله لكان خيراً لهم 0
يا صالحون ويا مصلحون، يا أهل الشرف والحياء و المروءة ، كونوا يقظين لما يطرحه الظالمون لأنفسهم وأمتهم من كتابات و حوارات، مؤداها إلى سفور المرأة واختلاطها بالرجال، فما دامت المدافعة بين المصلحين والمفسدين فإن الله عز وجل يقذف بالحق على الباطل فإذا هو زاهق.
ينبغي أن لا ننسى في خضم الردود على ما يكتبه المفسدون من الشبهات والشهوات، ذلك السيل الهادر الذي يتدفق من وسائل الأعلام المسموعة و المرئية في بلاد المسلمين، وذلك بما تبثه من دعوات للمرأة إلى السفور، ومزاحمة الرجال في الأعمال و الطرقات، عبر القصة و المسلسل، والبرامج الحوارية والمقابلات، والبرامج الغنائية، ولقد ضربت هذه الوسائل بأطنابها في بلاد المسلمين، فكان لزاماً على كل غيور محاربتها وإبعادها عن بيته قدر الاستطاعة .
ربوا نساءكم وبناتكم على حب الحجاب والتعلق به منذ الصغر ومن وسائل ذلك تحصينهن الحصانة الفكرية والأخلاقية، بأن تعلم المرأة المسلمة أوضاع المرأة الغربية، والإسفاف النفسي الذي وصلت إليه، وتعتيم الغزو لأوضاعها، وأحياناً قلب مفاسدها وانحرافاتها إلى فضائل وتكريم0
إننا لا نريد المرأة المتحجبة تقليداً وعادة ، تشعر مع الحجاب بالضيق والحرج ، وتتخلى عنه لأدنى شبهة أو شهوة.
نريد المرأة المسلمة التي ترى في الحجاب عزاً وشرفاً، وترى في الحياء سلوكاً وخلقاً، نريد المرأة التي تتحجب استسلاماً لله ، ورضا بشريعته، وخضوعاً لحكمه وتتمثل قول الحق: ((وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُّبِيناً)) (الأحزاب:36) 0
لا نريد المرأة المتحجبة المتخلفة، فإن الدعوة إلى فريضة الحجاب والعودة إليه، لا بد أن تواكبها دعوة القائمين بأمر المرأة إلى أن يؤدوا لها فريضة تحرير عقلها من حجب التضليل والجهل، والتخلف، وتِلكم مسئوليتكم أيها الأولياء، فاتقوا الله وقوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة.
إننا نتطلع أيها المسلمون إلى أن تكون غيرتكم جبلاً تتحطم عليه كل نصال دعاة الضلال، وأن لا تكون غيرتكم جداراً من ورق، ينهار عند أدنى طمع دنيوي أو شهوة مادية .(58/186)
نحن لا نريد المجتمع الذي يقتل الحسين ويسأل عن دم البعوضة، لا نريد الجيل الذي يأنف أفراده من ذكر أسماء نسائهم في المجالس، ويتقبلون أن تصبح وجوههن معرضا مكشوفا لكل راء ومتفرج 0
وإلى أختنا بنت هذا البلد، وإلى كل مسلمة تخشى الله وتتقيه ، طوبى لمن تفاخر بحجابها، وتتمسك بعفافها، ومعها العلم والوعي والبصيرة والحرية الحقة، من عبودية العبيد قائلة لشياطين الإنس: (( إِنِّيَ أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ )) (الأنعام:15).
=============(58/187)
(58/188)
الاختلاط وأثره في التعليم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد :
فلم يكن ما يسمى بالتعليم النظامي، على النحو المعروف الآن في كافة البلدان من اجتماع كافة الفتيات في مدارس خاصة، معروفا أو معمولا به، بل كان التعليم له طرق أخرى، في البيت، في القصور، في المساجد، هذا بالنسبة للمسلمين، أما غيرهم فكانت نسب التعليم ضعيفة جدا، تبعا للنظرة المهينة التي كان ينظر بها الجاهليون إلى المرأة، بعكس المسلمين الذين يعظمون المرأة ويقدرونها، فتاريخهم حافل بكثير من الشخصيات النسائية المتعلمة، كالمحدثة والفقيهة والشاعرة والقارئة.
ابتدأ التعليم النظامي في أوربا، منذ نحو من قرنين، ومع أن تاريخ المسلمين طويل في تعليم النساء، وهم أسبق في هذا، إلا أنهم لم يفكروا في تنفيذ مشروع كهذا المشروع(التعليم النظامي )، والغالب أن ذلك مرده إلى رسوخ الأمر الإلهي للنساء: (( وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ)) (الأحزاب:33) في الذهنية الإسلامية، وحرصها عن البعد عن أسباب الفتن، والعمل على صون الفتاة، التي هي أمانة عند وليها، من أن تلجأ للخروج للتعلم مع إمكانية توفير ذلك لها في البيت، من خلال أحد محارمها أو إحدى النساء ..
والمتأمل في تاريخ تعليم المرأة في هذا العصر يعلم أن الغرض لم يكن التعليم في ذاته، إنما كان الغرض إخراج المرأة، لغايات محددة سلفا، معروفة لكل من يفهم، وهو الزج بالمرأة في مجتمع الرجال، لتحقيق التبرج والاختلاط ، وما يتبعه من إفساد الأخلاق، وما يترتب عليه من استعباد المجتمع.. ([1]) بطبيعة الحال، لم يكن تمرير هذه الخطة يسيرا، فقد لقي معارضة كبيرة، لكنها تبددت وتلاشت، ليس لأجل إصرار المناصرين للقضية، بل لأن المعارضين ما كانوا ينطلقون من عقيدة وقناعة صحيحة، نعم ربما كان منهم من يرى أن وظيفة المرأة هو بيتها، ويخشى أن يتبع خروجها فساد الأخلاق، إلا أن هؤلاء أيضا لم يكونوا يرون أية أهمية في تعليمها، حتى ولو لم يعارض وظيفتها الأصلية..
تلك المعارضة كانت سببا في تحرز المناصرين للقضية، والذي يبتغون غايات من وراء إخراج المرأة، حملتهم على تأخير ما يريدونه من التعليم زمنا، بل ومن باب التزيين والخداع، وضعوا الضمانات التي تطمئن أولياء الأمور على بناتهم، حتى حصل ما حصل في غالب الدول الإسلامية .
وفي هذه الورقات سنستعرض آثار الاختلاط على التعليم وستكون المحاور على نحو مما يلي :
المبحث الأول : نتائج الدراسات الغربية .
المبحث الثاني : نتائج الدراسات الإسلامية .
المبحث الثالث : أقوال أهل العلم .
المبحث الرابع : آثاره على الطلاب والطالبات .
المبحث الخامس : الفصل بين الجنسين رغبة الغالبية العظمى .
ـ ملحق بفتاوى العلماء .
أسأل الله تعالى التوفيق والسداد وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
وكتبه
محمد بن عبد الله الهبدان
7 /3 /1425هـ
المبحث الأول
نتائج الدراسات الغربية .
تؤكد معظم الدراسات الحديثة بأن الفصل بين الجنسين في المدارس والجامعات والفصول الدراسية يؤدي إلى نتائج إيجابية أفضل من مثيلاتها المختلطة ، ولهذا السبب سنستعرض بعض نتائج الدراسات الحديثة المتعلقة بهذا الموضوع لعلها تساهم في تصحيح المفاهيم .
منذ ظهور دراسة اليزابيث تيدبال في العام 1973م التي أكدت فوائد التعليم غير المختلط ونادت به ، فإن الدراسات حول هذا الموضوع تكاثرت بشكل كبير جدا ومؤيده في معظمها نفس نتائج تيدبال ، ولقد خلصت إحدى الدراسات الحديثة من جامعة هارفرد بأن المدارس النسائية وبمقارنتها بالمختلطة تحقق الآتي :
ـ أهداف تربوية أعلى .
ـ يحقق الطلبة فيها درجة أعلى من القيم الذاتية ودرجة أفضل لنوعية الحياة .
ـ درجة أفضل في العلوم والقراءة .
ـ التخلص من النظرة النمطية التقليدية تجاه العلاقة بين الجنسين.
ـ درجة أقل من التغيب الدراسي ومشاكل عدم لانضباط السلوكي .
ـ مراجعة منزلية أفضل ودرجة أقل من ضياع الوقت في مشاهدة التلفزيون .(58/189)
كما أن الباحثة بوني فير ـ بويست من جامعة غرب أونتارو في كندا تقول بأن التعليم المختلط يغش النساء بشعارات المساواة ، بينما الحقيقة تؤكد أن المساواة الحقيقة هي بالفصل وذلك لتمتع الجنسين بخصائص وامتيازات متباينة لا تركز عليها المدارس والجامعات المختلطة أكثر من التركيز على الخصائص والإمكانيات التي يتمتع بها الطلبة دون الطالبات ، وبعد مراجعة الكثير من الدراسات التي تؤكد على مثل النتائج التي توصلت إليها تقول بأن الجامعات والمدارس النسائية تحقق درجة أفضل في شتى العلوم وخاصة العلوم والرياضيات والتكنولوجيا ويصل إلى نفس النتيجة العديد من الباحثين والباحثات مثل الأستاذة ليزا رايرسون رئيسة جامعة ولز والتي تزيد على النتائج السابقة بقولها إن الجامعة النسائية تزيد الثقة بالنفس والطموح عند طلبتها بعكس الجامعات المختلطة ، وتضيف البروفيسوره نانسي بيدي في دراستها المقارنة لمصادر النجاح في أكاديميات القرن التاسع عشر والمنشورة في المجلة الأمريكية للتربية في العام 1999م بأن سر النجاح يكمن في وجود المدارس غير المختلطة وبناء عليه تقترح زيادة الدراسة في إمكانية قيام مدارس على هذا النمط في الوقت الراهن بناء على معطيات متطلبات السوق .
ولعل مثل هذه الدراسات قد فتحت آفاقا جديدة في أساليب التعليم ما حدا بحاكم كاليفورنيا بت ولسون بأن يخصص خمسة ملايين دولار لإنشاء عشر مدارس غير مختلطة كنوع من التجربة العملية للتحقق من النتائج ، ولقد شجعت هذه النتائج على قيام العديد من المدارس الحكومية والخاصة على أساس عدم الاختلاط في الأعوام السابقة في العديد من مناطق الولايات المتحدة الأميركية مثل نيويورك ، فيلادلفيا ، بالتيمور ، ديترويت وكاليفورنيا .
وعلاوة على ذلك فإن بحوثا كثيرة منذ الثمانينات قد أكدت إيجابية ومنفعة الجامعات النسائية على وجه الخصوص ، فلقد ذكرت البروفيسورة ليزا ويندل من جامعة كنساس بالولايات المتحدة الأميركية في بحثها القيم ( الوصول إلى القضايا في الجامعات النسائية) العديد من البحوث الحديثة التي تؤكد النتائج السابقة والتي تربو على الخمسين بحثا وكتابا ، وتحققا من نتائج تلك الدراسات فقد قامت بدراسة فريدة من نوعها تقوم على أساس الزيارة والمشاهدة الميدانية حيث خرجت بنتائج باهرة مفادها أن المدارس النسائية تحقق التركيز على العلم أكثر وتحقق درجة أفضل من التوقعات والطموحات عند الطلبة وتحسسهم بأهميتهم الاجتماعية والروح القيادية العالية ، بالإضافة إلى التسلح الأفضل لمواجهة الحياة العملية بعد التخرج ، ولعله من المفيد أيضا الإشارة إلى دراسة البروفيسورة أميلي لانجدون من جامعة نور برت التي قامت بدراسة إحصائية كمية مقارنة بين الجامعات المختلطة والنسائية .
وأهمية دراسة ( لانجدون ) تكمن في تفنيدها أحجية المناصرين للمدارس والجامعات المختلطة الذين يقولون إن سبب تحقيق نتائج أفضل في المدارس والجامعات النسائية يرجع إلى الخلفية الاجتماعية والاقتصادية الأفضل التي تتمتع بها طالبات الجامعات النسائية دون غيرهن من الجامعات المختلطة ، فبعد القيام بعمليات استبيانيه وإحصائية تبين بأن ليس هناك فروق في الخلفيات الاجتماعية والاقتصادية بل على العكس فإن رواد الجامعات المختلطة أعلى بقليل في الدخول الاقتصادية وعندما بحثت في الأسباب الحقيقية الكامنة لاختيار الجامعات غير المختلطة من قبل الطالبات فقد تبين بأنها ترجع إلى درجة الطموح والسمعة الأكاديمية الأفضل ، وعندما سألت الذين أمضوا خمس سنوات على تخرجهم من كلا النوعين في الجامعات فيما إذا ودوا بالرجوع إلى الجامعة نفسها ، فقد استجاب خريجو الجامعات غير المختلطة بنسبة 52 % بينما استجاب خريجو الجامعات المختلطة بنسبة 38،7 % ، وهذا يؤكد حقيقة أن الجامعات غير المختلطة تؤهل خريجيها إلى الانخراط في الحياة العملية بصورة أفضل من الجامعات المختلطة ، والدليل على ذلك أن نسبة الذين يواصلون دراستهم العليا والذين يحصلون على وظائف أرقى وأداء أفضل في الحياة العملية أعلى في الجامعات النسائية من الجامعات المختلطة .
وهناك الكثير من الدراسات الأخرى التي أجريت في دول متعددة تكاد النتائج نفسها مثل دراسة مارش ورو المنشورة في دورية aust r aliian jou r nal education في العدد الثاني لسنة 1996م ودراسة أما نويل جيمنز ومار لين لوكهيد المنشورة في دورية Educational evalunation and policy analisis . في العدد الثاني لعام 1989 والتي طبقت في تايلاند ، ولا يسع المجال لذكر العدد الهائل من الدراسات الحديثة التي تؤكد إلى ما ذهبنا إليه . ولا أدعي بأن هناك من الدراسات التي تشير إلى الرأي الآخر مثل دراسة وندي كامينر المعنونة ( بمعضلة التعليم غير المختلط ) ولكن معظمها لا يتطرق إلى سلبيات التعليم غير المختلط أكثر من التشكيك في إيجابيات هذا النوع من المدارس والجامعات ، إضافة إلى المناداة بالمساواة وهو عذر قد فقد محتواه العملي والعقلي عندما تبينت حقائق فوائد التعليم غير المختلط ([2]) .(58/190)
وصدق الرئيس الأمريكي جورج بوش أخيراً على مشروع قرار يقضي بمنع الاختلاط في المدارس العامة ، وتشجيعاً لهذا القرار الذي يقضي على وضع قائم منذ ثلاثين عاما، قرر إعطاء معونة مادية أكبر للمدارس التي تلتزم بتنفيذ هذا القرار وبالتأكيد فإن الرئيس الأمريكي لم يوافق على هذا القرار إلا بعد أن قدمت له دراسات علمية وعملية تربوية شاملة تبين صحة قراره ، البروفيسور الأمريكي ( اميليو افيانو ) وهو رجل القانون المتخصص في النظام التربوي في أميركا ذكر أن العديد من الدراسات تؤكد أن الفصل بين الجنسين في المجال الدراسي يساعد على اجتياز الفتيان والفتيات بصورة أفضل ، وأن الأولاد يفضلون الفصل في الدراسة حتى لا يتحتم عليهم الالتزام ببعض التصرفات أمام الفتيات ، وكذلك الفتيات يفضلن هذا الأمر حتى لا تضطررن إلى التزين قبل الذهاب إلى المدرسة ؛ لأنه يضيع وقتهن ويعرقل تقدمهن الدراسي .
الجمعية الوطنية لتشجيع التعليم في أميركا أيضا عرضت الدراسات التي قامت بها جامعة ( ميتشغان ) و التي تؤكد أن الفصل بين الجنسين في المدارس يعطي نتائج أفضل في المستوى التعليمي للبنات وللأولاد ([3]) .
و بدأ التربويون في أمريكا يميلون بشكل متزايد إلى تعليم الجنس الواحد. وقد دفعت نتائج بعض الأبحاث في هذا المجال التربويين لاتخاذ مثل هذا التوجه، خاصة تلك القائلة بأن أدمغة الأولاد تتعامل مع بعض أنواع المعلومات بشكل يختلف عن تعامل البنات معها.
تقول « لورا استيب » الباحثة التربوية في دراسة نشرت مؤخراً: " في مرحلة الستينات والسبعينات لم يكن هناك صوت سوى ذلك الداعي إلى التحلل و التفلت من القيود ، فقد انتهز العلمانيون فرصة سيطرتهم على مقاليد التوجيه في البلاد ليذبحوا التجارب التربوية الناجحة مثل كليات البنات والتعليم غير المختلط ، رغم أن الدراسات والواقع اليوم يدحض ويفضح التخبطات العلمانية بعد ارتفاع أسهم كليات البنات في أمريكا ، حيث شهدت هذه الكليات نمواً مطرداً وبلغ عددها 289كلية .
وأضافت: لكن بعد أن بدأت الحرب ضدها بإصدار قوانين تهدف إلى قطع الإعانات الحكومية عنها، لإرغام المجتمع على خوض تجربة التعليم المختلط استجابة لضغوط دعاة تحرير المرأة ، كادت كليات البنات أن تحتضر خصوصاً بعد صدور القانون التعليمي رقم (9) الذي فرض على الجامعات قبول نسبة كبيرة من الطالبات ليتساوى الجنسان في الجامعات الشهيرة مما قلص عدد كليات البنات إلى (124 )كلية عام 1988م .
غير أنه لم يمض عقد من الزمن حتى انقلبت الصورة أو بالأحرى اعتدلت ، فالإقبال على التعليم النسائي يتعاظم منذ عشر سنوات حيث تؤكد « ايلانور ساسفو » الموجهة التربوية باتحاد الكليات الوطنية أن فكرة التعليم غير المختلط تنتشر بسرعة انتشار النار في الهشيم.
وفي عام 1996م تحدثت « كريس ما يكل » الخبيرة التربوية ورائدة التعليم المنفصل في « فينتورا » عن تجربة تعليمية جديدة تجتاح الولايات المتحدة ، وهي تجربة تطبيق الفصول الدراسية المنفصلة في المدارس الثانوية الأمريكية ؛ فقالت : "بعد عامين من التجربة أثبت التطبيق الواسع لهذا النظام أن الطالبة في الفصول المتماثلة أكثر قدرة على التفكير وأسرع استجابة لتقبل المعلومة فضلاً عن أنها أكثر تركيزاً واستيعاباً للمادة بدلاً من الانشغال الذهني بزميلها المجاور .
وفي بعض المدارس بولاية فرجينيا أكد المسؤولون أن التجربة أثبتت نجاحها واعترف الطلاب بأنهم يشعرون بالارتياح وهم يدرسون في غياب زميلاتهم ، بينما اعترفت الطالبات أنهن يفضلن الدراسة وإجراء التجارب المعملية في غياب زملائهن، كما أثبتت الأبحاث أن طالبات المدارس غير المختلطة يتميزن بالثقة في النفس والحصول على أعلى الدرجات لا سيما في المواد العلمية.
وتقول الخبيرة التربوية «كريس ما يكل » : لقد نجحت التجربة بصورة أفضل بكثير مما كنا نتوقعه مما يغري المزيد من المؤسسات التعليمية الأمريكية بتبني هذا النمط من التعليم، وهو ما حدث بالفعل؛ فلغة الأرقام تشير إلى أن (12) ولاية أمريكية تتبنى سياسة الفصل بين الطلاب والطالبات، والعدد مرشح للزيادة بعد أن اكتوى الأمريكيون بنيران التعليم المختلط ([4]).
واعترف عدد من الدول الأوربية بفشل سياسة التعليم المختلط ، صرح « كينش بيكر» وزير التعليم البريطاني ، أن بلاده بصدد إعادة النظر في التعليم المختلط بعد أن ثبت فشله ، قال أحد أعضاء لجنة التعليم بالبرلمان الألماني ( البوندستاج ) انه يجب العودة بالأخذ بنظام التعليم المنفصل ـ الجنس الواحد ـ .
وأثبتت مجموعة من الدراسات والأبحاث الميدانية التي أجريت في كل من ألمانيا الغربية وبريطانيا انخفاض مستوى ذكاء الطلاب في المدارس المختلطة ـ بنين وبنات ـ واستمرار تدهور هذا المستوى ، وعلى العكس من ذلك تبين أن مدراس الجنس الواحد يرتفع الذكاء بني طلابها ، وقد ذكرت الدكتورة « كارلي شوستر » خبيرة التربية الألمانية أن توحد نوع الجنس في المدارس يؤدي إلى اشتعال المنافسة بين التلاميذ وبعضهم البعض أو بين التلميذات .(58/191)
أما اختلاط الاثنين معا فيلغي هذا الدافع وأضافت أن الغيرة تشتعل بين أبناء الجنس الواحد عنها إذا اختلط أبناء الجنسين .
وأكدت دراسة أجرتها النقابة القومية للمدرسين البريطانيين أن التعليم المختلط أدى إلى انتشار ظاهرة التلميذات الحوامل سفاحا وعمرهن أقل من(16) عاما ، كما تبين أن استخدام الفتيات في المدارس لحبوب منع الحمل تزايد كمحاولة للحد من الظاهرة دون علاجها واستئصال جذورها .
كما أوضحت دراسة نقابة المدرسين البريطانيين تزايد معدل الجرائم الجنسية والاعتداء على الفتيات بنسب كبيرة ، وقالت الدراسة إنه يوجد تلميذ مصاب بالإيدز في كل مدرسة ، كما أشارت إلى ازدياد معدل السلوك العدواني عند فتيان المدارس المختلطة .
وذكرت دراسة أخرى أجرها معهد أبحاث علم النفس الاجتماعي ببون أن تلاميذ وتلميذات المدارس المختلطة لا يتمتعون بقدرات إبداعية ، وهم دائما محدودو المواهب قليلو الهوايات على العكس من ذلك تبرز محاولات الإبداع واضحة بين تلاميذ مدارس الجنس الواحد .
وأوضح بحث ميداني أذاعته إحدى قنوات التليفزيون البريطاني أن تلميذات وتلاميذ المدارس المختلطة يعجزون عن التعامل مع العالم الخارجي وأنهم انطوائيون ينتابهم الخجل دائما ولا يحسنون إقامة علاقات اجتماعية مع أقرانهم ([5]) .
المبحث الثاني
نتائج الدراسات الإسلامية
قامت عدة دراسات ميدانية في عدة دول عربية وأفريقية لدراسة آثار الاختلاط وقد وقفت على بعضها فمن تلك الدراسات :
الدراسة الأولى : قامت الباحثة فاطمة محمد رجاء مناصرة بدراسة أثر مشكلة الاختلاط على تعليم الفتاة المسلمة في الجامعات الأردنية فخرجت بالنتائج التالية ([6]) :
السؤال الأول : هل يعد الاختلاط في الدراسة بنظرك مشكلة ؟
ـ أجاب 77 % من الطلاب والطالبات بنعم .
السؤال الثاني : إذا كان الاختلاط مشكلة ، أذكر أهم السلبيات التي تعانيها بسببه ؟
فذكرت المشكلات التالية :
أ ـ مشكلات أخلاقية :
1ـ إثارة الفتنة .
2ـ التصنع في التصرفات من قبل الجنسين .
3ـ تعرض الفتيات لمضايقات الشباب .
4ـ ضعف الوازع الديني بسبب تعود الطلبة على الممارسات الخاطئة واستباحة المنكرات لكثرة تكرارها .
5 ـ انتشار ظاهرة السفور ، بسبب تبرج الطالبات ولباسهن المخالف للزي الإسلامي ، فطالبات الجامعة اللاتي يرحن ويرجعن بين البيت والجامعة سافرات متبرجات يلبسن ثياب رقيقة قصيرة ..
6 ـ انتشار الجرائم الأخلاقية مثل الزنا ، فإن كثرة المخالطة مع وجود عوامل الفتنة تؤدي إلى ارتكاب الفاحشة .
7 ـ فساد الأخلاق عند الطرفين .
ب ـ مشكلات أكاديمية :
1 ـ عدم الحرية في النقاش أثناء المحاضرات ، وهذا يظهر في عدم رغبة الطلاب والطالبات بالمشاركة في الدرس خيفة أن يخطئ أحدهم فيخرج أمام الجنس الآخر ، فتشوه صورته أمام من يود كسب رضاه من الجنس الآخر .
2 ـ تعاطف المدرسين مع الطالبات وذلك على حساب الطلاب.
3 ـ التغيب عن المحاضرات وعدم الالتزام بحضورها بسبب انشغال كل جنس مع الآخر .
4 ـ صعوبة ممارسة النشاطات الجادة والفاعلة وخاصة التي تمارس في ساحات الجامعة .
5 ـ تحويل الجامعة عن الغاية الأساسية التي وجدت من أجلها .
6 ـ فيه قتل للوقت لكثرة التفكير بالجنس الآخر .
6 ـ ضعف التحصيل العلمي .
ج ـ مشكلات اقتصادية
وقد حددها الطلبة بما يلي :
1 ـ محاولة إظهار كل من الجنسين كرمة وسخاءه أمام الجنس الآخر ، وبذلك يتحمل كل منهما مسؤوليات مادية كثيرة قد تضطره لإرهاق نفسه بالديون ، أو اللجوء إلى تصرفات غير مرغوب بها لتحصيل المال .
2 ـ المبالغة في النفقات على اللباس والمظهر الخارجي من قبل الجنسين وخاصة الطالبات .
د ـ مشكلات اجتماعية :
وتتلخص آراء الطلبة فيما يلي :
1 ـ التقليل من قدر المرأة في المجتمع حيث تصبح عارضة أزياء تلفت الأنظار ، فتعتبر نفسها كسلعة قابلة للعرض .
2 ـ له آثار سلبية في الحياة الأسرية للطلاب والطالبات المتزوجين ، فقد يكون سببا في دمار هذه الأسرة وتشتيت شملها بسبب تعرف الشاب على فتاة أخرى غير متزوجة مثلا !
3 ـ عزوف الشباب عن الزواج والاكتفاء بالعلاقات غير المشروعة .
وهذه المشكلات هي جزء من معاناة الشباب ، والضغوطات التي يسببها الاختلاط لهم والمآسي التي تترتب على ذلك .
هـ مشكلات نفسية :
ولقد ذكر الطلبة بعضاً من المشكلات النفسية منها :
1 ـ القلق والاضطراب والخوف من الجنس الآخر نتيجة ما يرى من ممارسات خاطئة .
2 ـ الصراع الداخلي في نفس الشاب .
السؤال الثالث : اذكر أهم المعوقات التي يسببها الاختلاط على تحصيلك العلمي ؟
هناك من اعتبر أن للاختلاط معوقات ، ومنهم من يرى أن ليس للاختلاط معوقات وكانت النسب على النحو التالي :
ـ أجاب 75 % بأن للاختلاط معوقات .
ـ وأجاب 25 % ليس للاختلاط معوقات .
ويبدو أن أهم المعوقات في نظر هذه المجموعة التي تعتبر أن للاختلاط معوقات هي :
1ـ الخوف من السؤال بصراحة خوفاً من التعرض لسخرية الآخرين واستهزائهم .
2 ـ تكرار التغيب عن المحاضرات للانشغال بالجنس الآخر .
3 ـ عدم المشاركة في المحاضرة خوفا من الوقوع في الخطأ.(58/192)
4 ـ تعرض الأستاذ للحرج وعدم توضيح الكثير من القضايا لوجود الطالبات .
5 ـ إعطاء الأستاذ أكبر قدر من الاهتمام للطالبات على حساب الطلاب .
6 ـ إذا كان المعلم أنثى ، فهذا يؤثر على نفسية الطلاب ولا يقبلون تلقي العلم من امرأة .
وبالتالي فإن كل هذا يؤدي إلى انخفاض مستوى التحصيل العلمي عند الطلبة .
السؤال الرابع : يدعي البعض أن العلاقة التي تنشأ بين الجنسين تحفز على زيادة التحصيل العلمي لكونها باعثاً للتعلم ، فما رأيك في ذلك ؟
ـ فأجاب 90 % : ليس للاختلاط حافز على التعليم.
ـ أجاب 10 % : الاختلاط يشكل حافزاً باعثاً على التعليم .
السؤال الخامس : هل وجود الجنسين في قاعة واحدة يعيق حرية الأستاذ في إيضاح عناصر الموضوع ؟
ـ أجاب 86 % يعيق .
ـ أجاب 14 % لا يعيق .
السؤال السادس : ما الآثار التي يسببها الاختلاط على حياتك الاجتماعية ؟ أذكرها ؟
ـ أجاب 86 % أن له آثارها سلبية .
فمن تلك الآثار :
1 ـ عدم الثقة الشباب بالفتيات وبالتالي العزوف عن الزواج .
2 ـ تفكك الروابط الاجتماعية وبروز المشكلات الأسرية.
3 ـ عدم قدرة الشباب على الزواج وبالتالي يتعرضوا للانحراف والفساد .
4 ـ كثرة التفكير في الجنس الآخر وإثارة الشهوة في النفس وتحررها من القيود التي يجب أن يلتزم بها .
5 ـ البعض يحبذ عند ذلك الانعزال والوحدة والابتعاد عن الآخرين حتى من بني جنسه لقلة ثقته بهم .
6 ـ قد يؤدي إلى الخجل والخوف من التعامل مع الجنس الآخر. 7 ـ آثار سلبية على علاقاتهم مع أهلهم في البيت ومع الآخرين في المجتمع .
الدراسة الثانية : قام عبد الحليم محمود السيد وآخرون بدراسة المشكلات النفسية والاجتماعية لدى عينة من طلاب جامعة القاهرة حجمها( 3987) طالباً وطالبة ، وكشفت نتائج هذه الدراسة فيما يتعلق بالمشكلات مع الزملاء من الجنس الآخر عن أن أكثر مشكلات الطلبة أهمية مع زميلاتهم تتمثل :
ـ المبالغة في الملبس .
ـ عدم الالتزام بتعاليم الدين .
ـ والتحرر من السلوك .
ـ والاختلاط الزائد عن الحد بين الجنسين .
ـ والخروج عن العادات والتقاليد .
أما بالنسبة إلى المشكلات التي تعاني منها الطالبات في علاقتهن بزملائهن من الطلبة الذكور فتتمثل في :
ـ عدم الالتزام بتعاليم الدين .
ـ والتحرر في السلوك .
ـ والاختلاط الزائد عن الحد بين الجنسين .
ـ وعدم مراعاة مشاعر الزملاء .
ـ وسوء الفهم المتبادل ( [7]) .
الدراسة الثالثة : ( قام فهد الثاقب بدراسة هدفت إلى الكشف عن موقف الكويتيين من مكانة المرأة ، وقد أجريت عام 1975م على عينة حجمها (431) أسرة كويتية ، منها 48% ربات أسر ، و 52 % أرباب الأسر ، وأوضحت نتائجها أن معظم المتعلمين ـ فيما عدا الجامعيين ـ يفضل عدم الاختلاط ، مقابل 36 % أبدوا رغبتهم في هذا الاختلاط ) ( [8] ) .
ومن يتتبع أقوال أهل التربية والتعليم يلحظ أن أقوالهم تكاد تتفق على خطورة الاختلاط على مستوى دين وثقافة الطالب والطالبة ، فمن تلك الأقوال :
ـ يقول الأديب الأريب علي الطنطاوي رحمه الله : ( إني لا أرى الاختلاط بين الجنسين في المدارس، ولا في كليات الجامعة، لا لموانع الدين فقط، فقد يكون من القراء من لا يحرص مع الأسف على تتبع أوامر الدين ونواهيه ، بل لأنَّ هذا الاختلاط إذا قلَّت نتائجه السيئة في فرنسا وانجلترا وأمريكا لطول اعتياد أهلها عليه، فإنَّ خطره شديد في بلاد خرجت رأساً من الحجاب السابغ إلى هذا الاختلاط، على قوة الغريزة، وشدة الرغبة، وطول الحرمان. وهذه مصر جرَّبت الاختلاط في الجامعة قبلنا ولا تزال إلى اليوم تشعر بأضراره، وقد ظهرت فيها رغبة طوية من الطالبات أنفسهن في الانفصال عن الشباب، ومن شاء فليقرأ خبر ذلك في جرائد مصر، وفي آخر عدد وصل إلى الشام من (أخبار اليوم).وأنا مستعد للمناقشة في هذا الموضوع بلسان الواقع والعلم لا بلسان الدين، فمن شاء فليناقشني. أمَّا التسرع إلى الرد عليّ بأنَّ هذه رجعية وجمود، فلا ينفع شيئاً، لأنَّه لو كان كل جديد نافعاً، وكان كل قديم ضاراً، لكان أشدّ الأشياء ضرراً العقل؛ لأنَّ العقل أقدم من التسرع، وكان أنفع الأشياء في هذا الباب مذهب العري وأن نمشي في الجامعة وغيرها مثل الحيوانات ؛ لأنَّ مذهب العري أحدث المذاهب!! ) ([9]) .
ـ ويقول رئيس الاتحاد الوطني لطلبة جامعة الكويت محمد الرشيد ( إن الأبحاث العلمية أكدت أن الاختلاط ما بين الجنسين يؤثر سلبا على تحصيل الطلبة دراسيا ..) ( [10]) .
ـ وقال الدكتور جاسم العمر ـ مرشح الدائرة الانتخابية العاشرة للانتخابات التكميلية ـ : ( إن الاختلاط بجامعة الكويت يعتبر سبباً رئيسيا لتراجع مستوى المخرجات التعليمية من مدرسين ومدرسات ذات تخصصات علمية حيث مازال أولياء الأمور يسعون إلى إدخال بناتهم في كليات التطبيقي كونها بعيدة عن الاختلاط الأمر الذي أدى إلى تكدس الطالبات في كلية التربية الأساسية فأصبحت المخرجات التعليمية للمدرسين من الإناث ) ([11]) .(58/193)
ـ و يقول الأستاذ أحمد مظهر العظمة وقد أوفدته وزارة التربية السورية إلى بلجيكا في رحلة علمية زار فيها المدارس البلجيكية ، وفي إحدى الزيارات لمدرسة ابتدائية للبنات سأل المديرة : لماذا لا تخلطون البنين مع البنات في هذه المرحلة ؟ فأجابته : قد لمسنا أضرار اختلاط الأطفال حتى في سن المرحلة الابتدائية . ([12]) .
ـ تقول الدكتورة أسماء الحسين الأستاذ المساعد بكلية التربية : ( إن الاختلاط بين الجنسين لا يستند على قاعدة شرعية أو اجتماعية وهو فكرة غير سائغة. فالمرأة لم تسلم من المشاكسات وهي تحت الحجاب فكيف بالاختلاط ! ) ([13]) .
المبحث الثالث
أقوال أهل العلم .
لقد تتابع أهل العلم والفكر في التحذير من الاختلاط عامة ومن الاختلاط في التعليم خاصة ، وذكروا النصوص الشرعية المانعة منه ومن آثاره الخطيرة على الجوانب الدينية والتعليمية لدى الطالب والطالبة . فمن تلك الأقوال :
ـ قالت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في المملكة : ( اختلاط الطلاب بالطالبات والمدرسين بالمدرسات في دور التعليم محرم لما يفضي إليه من الفتنة وإثارة الشهوة والوقوع في الفاحشة ، ويتضاعف الإثم، وتعظم الجريمة ، إذا كشفت المدرسات أو التلميذات شيئا من عوراتهن ، أو لبسن ملابس شفافة تشف عما وراءها ، أو لبسن ملابس ضيقة تحدد أعضاءهن ، أو داعبَّن الطلاب أو الأساتذة ومزحن معهم أو نحو ذلك مما يفضي إلى انتهاك الحرمات والفوضى في الأعراض ) ([14]) .
ـ وقال الشيخ حمود بن عبد الله التو يجري رحمه الله : ( أقبح من ذلك ما يفعله بعض المنتسبين إلى الإسلام من خلط النساء بالرجال الأجانب في المدارس وصنوف الأعمال بحيث يجعل لكل رجل وامرأة أجنبية منه مجلس واحد لتتم العلاقة بينهما من قريب وتحصل الفتنة والفاحشة بينهما بأدنى وسيلة . وهذا مما دب إليهم من قبائح الإفرنج ورذائلهم فالله المستعان ) ([15]) .
ـ وقال الشيخ العلامة بكر بن عبد الله أبو زيد : (حُرِّم الاختلاط، سواء في التعليم، أم العمل، والمؤتمرات، والندوات، والاجتماعات العامة والخاصة، وغيرها ؛ لما يترتب عليه من هتك الأعراض ومرض القلوب، وخطرات النفس، وخنوثة الرجال، واسترجال النساء، وزوال الحياء، وتقلص العفة والحشمة، وانعدام الغيرة.) ([16]) .
المبحث الرابع
آثاره على الطلاب والطالبات ([17])
للاختلاط آثاره الخطيرة على الطلاب والطالبات ..فمن تلك الآثار :
1 ـ تفكير كل الجنسين بالآخر .
عندما يجلس الطالب بقرب الطالبة فإن جل تفكيره سيكون في الأساليب والطرق التي يكسب بها تلك الطالبة خاصة إذا كانت جميلة ، لقد نشرت مجلة ( المصور) بتاريخ 30مارس 1956م استفتاء أجرته بين طلبة الجامعات المصرية وطالباتها ..جاءت نتيجته أن 65% منهم قرروا أن تفكيرهم في الجنس الآخر أثناء الاختلاط يؤثر على دراستهم ، إذ أن ثلاثة أرباع وقت فراغهم يضيع بحثاً عن الحب واللهو ، لذلك يرون إنشاء جامعات خاصة بالبنات ) ([18]) .
وتقول ( أسماء فهمي ) التي كانت تعمل بوزارة المعارف بمصر على إثر رجوعها من رحلتها إلى أمريكا : ( إن الأمريكيين يرون الآن أن الاختلاط يشغل الفتيات عن الجد والنشاط العلمي بالملابس والزينة وما إلى ذلك ، مما لا يفكرون فيه عندما يفتقدون الفتيان) ([19]) .
وتقول (دير در ماك كان) البالغة من العمر 15 عاماً أنها تحب مدرسة الفتيات فقط التي تدرس فيها. وتضيف (دير در): كنا نشعر بالخوف عندما كان معنا أولاد... كان علينا أن نرتدي ملابس جميلة ونظهر أنيقات... إننا نشعر بالراحة أكثر الآن بوجودنا في محيط كله بنات ([20]) .
2 ـ تخنث الرجال واستر جال النساء .
فعندما يختلط الجنسان في المدارس والجامعات يأخذ كل جنس من صفات وأخلاق الآخر فيتخنث الرجال ويستر جل النساء، وهذا ما لاحظه المسؤولون عن التعليم في الفلبين؛ حيث أعلن وزير التعليم الفلبيني أنه يرغب في تعيين عدد أكبر من المدرسين لتدريس التلاميذ حتى يتحلوا بصفات الرجولة بدلاً من الصفات الأنثوية التي يكتسبونها من مدرساتهم .
يقول الأديب على الطنطاوي رحمه الله : ( إن من تشرف علي تربيته النساء يلازمه أثر هذه التربية حياته كلها ، يظهر في عاطفته ، وفي سلوكه ،في أدبه ، إذا كان أديباُ ، ولا تبعد في ضرب الأمثال ، فهاكم الإمام ابن حزم يحدثكم في كتابه العظيم الذي ألفه في الحب «طوق الحمامة » حديثاً مستفيضاً في الموضوع . خلق الله الرجال والنساء بعضهم من بعض ، ولكن ضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب . فمن طلب الرحمة والمودة واللذة والسكون والاطمئنان دخل من الباب ، والباب هو الزواج . ومن تسور الجدار أو نقب السقف ، أو أراد سرقة متعة ليست له بحق ، ركبه في الدنيا القلق والمرض وازدراء الناس ، وتأنيب الضمير ، وكان له في الآخرة عذاب السعير) ([21]) وقد ذكرت الطالبة عزة سيد ـ في كلية الآداب ـ : ( أن الاختلاط في الجامعة ...يؤدي إلى تشبه النساء بالشباب والشباب بالنساء ، فأصبحنا لا نستطيع أن نفرق بين الفتى والفتاة ..) ([22]) .
3 ـ انخفاض مستوى الذكاء .(58/194)
(( أثبتت مجموعة من الدراسات والأبحاث الميدانية التي أجريت في كل من ألمانيا وبريطانيا انخفاض مستوى ذكاء الطلاب في المدارس المختلطة، واستمرار تدهور هذا المستوى، وذكرت خبيرات التربية الألمانية الدكتورة (شوستر) أن توحد نوع الجنس في المدارس يؤدي إلى اشتعال المنافسة بين التلاميذ بعضهم البعض، وبين التلميذات بعضهن البعض. أما اختلاط الاثنين معاً فيلغي هذا الدافع، إضافة إلى أن الغيرة تشتعل بين أبناء الجنس الواحد إذا اختلط أبناء الجنسين)) ([23]).
وهذه الحكومة البريطانية تعتزم تشجيع المدارس الحكومية المختلطة على إجراء دروس منفصلة للجنسين؛ من أجل تحسين مستويات التعليم لدى الصبيان، ويعتقد الوزراء البريطانيون أن الصبيان يحرزون نتيجة أفضل، إذا أقامت المدارس صفوفاً منفصلة للصبيان والبنات.
وتطالب الحكومة المدرسين بمحاولة إعادة إحياء الاهتمام الأكاديمي لدى الصبيان، باللجوء إلى وسائل مختلفة، وجعل أداء الصبيان له الأفضلية؛ وذلك بعد أن أظهرت نتائج الامتحانات الثانوية تراجع الصبيان خلف الفتيات؛ حيث حقق 53,2 % من الفتيات في إنجلترا وويلز خمس نتائج جيدة - على الأقل -، بالمقارنة مع 42,6 % في الصبيان ([24]).
كما حققت سبع مدارس فقط من بين (75) مدرسة بريطانية أفضل النتائج خلال العام الأكاديمي (1412/1413هـ -1992/1993م) ؛ لأن هذه المدارس كانت مختلطة تضم بنين وبنات.
وهذه الأرقام المذهلة جعلت العديد من الأشخاص يفكرون بالرجوع إلى النظام التعليمي السابق، الذي كان قائماً على الفصل بين مدارس البنين والبنات، حتى بلوغ مستوى الجامعة.
وكمثال على هذا الاتجاه قرر مدير مدرسة (شنفيلد) بمقاطعة (إيسكس) في بريطانيا - بعد أن لاحظ النتائج الجيدة التي حققتها المدارس غير المختلطة -، قرر الفصل بين البنين والبنات ابتداء من العام الأكاديمي (1413/1414هـ- 1993/1994م)، في مبان منفصلة.
وأكد مدير هذه المدرسة بأن كلاً من الجنسين سوف يحقق نتائج أفضل؛ حيث لن يكون هناك تشتيت للانتباه بوجود جنس آخر في غرفة الدراسة.
ويدرك مدير هذه المدرسة - كما تقول هذه الصحيفة - بأن قراره يجري في اتجاه معاكس لما يجري حالياً في المجتمع البريطاني.
وأضاف بأنه يعتقد أن العديد من الآباء يرغبون في فصل التعليم، وأنه يود أن يتيح لهم هذه الإمكانية، التي لا تعد شيئاً سهلاً في بريطانيا اليوم ([25]) .
ولأجل ما سبق فقد دعت مديرة كلية (تشليتنهام) للسيدات في بريطانيا الأستاذة (إينيد كاسل) ، بتفضيل التعليم غير المختلط الذي يدرس فيه الأولاد والبنات كل على حدة، كما جاء ذلك في مقال نشرته بصحيفة (التايمز) اللندنية، حيث قالت فيه: (( إن على الآباء أن يأخذوا في اعتبارهم التعليم غير المختلط عند إلحاق بناتهم بالدراسة، وإن أكثر النساء نجاحاً اليوم هن اللائي تعلمن في مدارس مخصصة للبنات، وهناك أدلة متزايدة، منها: أن نتائج الامتحانات تدل على أن البنات والأولاد يحصلون على نتائج أفضل، إذا تعلم كل منهم على حدة )) ([26]) .
(( كما طالبت ((الحركة النسائية في ألمانيا الغربية)) بعودة التعليم غير المختلط ؛ حيث الفتيات يتعلمن أفضل بدون وجود الذكور.
وحسب دراسات أجريت في الولايات المتحدة، والسويد، وألمانيا، تبين أن اللواتي درسن في مدارس غير مختلطة أفضل من اللواتي درسن في مدارس مختلطة)) ([27]).
4 ـ ضعف الإبداع ومحدودية المواهب :
(ففي دراسة أجراها معهد أبحاث علم النفس الاجتماعي في "بون" بألمانيا، تبين أن تلاميذ وتلميذات المدارس المختلطة لا يتمتعون بقدرات إبداعية ومواهبهم محدودة وهواياتهم قليلة، وعلى العكس من ذلك تبرز محاولات الإبداع واضحة بين تلاميذ مدارس الجنس الواحد ) ([28]) والسبب في ذلك انشغال كل جنس بالآخر مما يلهيه عن الإبداع والابتكار .
وقال رئيس الاتحاد الوطني لطلبة جامعة الكويت محمد الرشيد : ( إن الأبحاث العلمية أكدت أن الاختلاط بين الجنسين يؤثر سلبيا على تحصيل الطلبة دراسيا ) ([29]) .
5 ـ إعاقة التفوق الدراسي :(58/195)
حيث أظهرت دراسة أجريت بمعهد (كيل) بألمانيا أن البنين عندما تم فصلهم عن البنات حققوا نتائج أفضل في شهادة الثانوية العامة، وارتفعت درجاتهم بنسبة تزيد أربع مرات عما كان الحال عليه عندما كان الفصل مختلطاً. وكذلك الأمر بالنسبة للبنات . وفي دراسة أخرى لمجلة « نيوزويك » الأمريكية أرقام وإحصاءات تفيد أنَّ الدارسات في الكليات النسائية (غير المختلطة) هن الأكثر تفوقاً ونجاحاً في الدراسة وفي حياتهن العملية بعدها.وقد ثبت بعد التحقيق الذي أجرته مجلة (الإثنين ) المصرية ([30]) أن الاختلاط في الجامعة مشغلة للفتيان والفتيات عن الدراسة الفعالة ، والتحصيل العلمي .. ([31]) ويقول مراقبون إن المبالغة في السفور والاختلاط بين الشباب والفتيات على مقاعد الدراسة كان السبب الرئيس في تردي مستويات التعليم ومخرجاته على مستوى الجامعات المصرية ([32]). وقال البر فسور « اميليو فيانو» وهو رجل قانون متخصص في النظام التربوي في الولايات المتحدة أن " العديد من الدراسات التي أجريت بمساهمة طلاب وطالبات أظهرت انه في بعض مراحل نموهم، ينجز الفتيان والفتيات دراستهم بطريقة أفضل حين لا يكونون مختلطين" .
( توجد حالة من الاستياء العام باتت تتزايد في المجتمع الفرنسي إزاء تواجد الذكور والإناث سويا حيث تبين أن مثل هذا الأمر يؤثر بشكل كبير على التركيز بين الفتيان بصفة خاصة ، لذا جرى في الوقت الحالي تجارب في إحدى الأكاديميات حيث يتم تنظيم الدروس الخاصة بالتربية الجنسية في شكل مجموعات غير مختلطة وذلك لتفادي الإحراج الذي قد ينجم عن الانزلاق اللفظي أو بسبب ما تثيره مثل هذه المواضيع من انزعاج طبيعي ) ([33]) .
( وقد تبين من الإحصاءات أن الطالبات يتفوقن أكاديمياً في الكليات التي يقتصر فيها الدراسة على البنات وحدهن ) ([34]) .
وذكرت الطالبة عزة سيد ـ في كلية الآداب ـ (أن الاختلاط في الجامعة يشغل الفتيان والفتيات عن الدراسة الفعالة والتحصيل العلمي) ([35]) .
6 ـ التعرض للكآبة والحزن :
في دراسة أمريكية صادرة عن الوكالة التربوية الوطنية، أفادت نتائج البيانات الإحصائية بأنَّ الفتيات الأمريكيات في الفصول المختلطة أكثر عرضة للقلق والاكتئاب والانتحار !
وفي دراسة أخرى لمجلة "نيوزويك" الأمريكية أرقام وإحصاءات تفيد أنَّ الدارسات في الكليات النسائية (غير المختلطة) هن الأكثر تفوقاً ونجاحاً في الدراسة وفي حياتهن العملية بعدها.
7 ـ قتل روح المنافسة :
ذكرت الدكتورة (كارلي شوستر) خبيرة التربية الألمانية أن توحد نوع الجنس في المدارس يؤدي إلى اشتعال روح المنافسة بين التلاميذ وبعضهم البعض أو بين التلميذات ، أما الاختلاط فيلغي هذا الدافع ) ([36]) .
( ولذا لاحظ معظم أساتذة في مدرسة ( أوزانام ) الكاثوليكية المتوسطة بمدينة ليموج أن أداء البنات في الفصول المدرسية غير المختلطة يكون أسرع في غياب الأولاد ) ([37]) .
8 ـ التحرشات الجنسية بالطالبات :
إذا كانت حالات الاغتصاب متزايدة في المدارس المختلطة ..فهل يتصور أن تقل حالات التحرشات الجنسية بين الطلاب والطالبات من خلال الحركات أو الكلمات البذيئة أو عرض الصور الماجنة للإثارة أو نحو ذلك .
ولذا أصدرت جامعة ((اكسفورد)) نظاما جديداً يعد الأقسى عقوبة والمعمول به في الجامعات البريطانية لمكافحة التحرش غير الأخلاقي داخل الجامعة .وإن دل هذا فإنما يدل على انتشار هذا الأمر في جامعاتهم المختلطة .
وقد بدأت هذه الجامعة العمل بقانون السلوك الجديد، بعد أن أوضح مسح أجري أن الطالبات أكثر عرضة للتحرش من قبل الطلاب منه من قبل الأساتذة.
وكانت (6من كل 10من400) طالبة شاركن في المسح قد ذكرن بأنهن تعرضن لتحرشات غير أخلاقية تتراوح بين النظرات غير المرغوب فيها، وبين التصرفات اللفظية وغير اللفظية.
وسيكون الفصل من الجامعة العقوبة القصوى التي توقع على الطالب الذي يدان بتهمة التحرش، وأقامت الجامعة نظاماً استشارياً لتلقي شكاوى ضحايا التحرش داخل الجامعة.
وتفكر جامعة ((كمبريدج)) في اتخاذ خطوات مماثلة، بعد أن طالبت [لجنة إدارات الجامعات] بتبني سياسات حول التحرشات غير الأخلاقية، ووضع عقوبات رادعة ([38]).
وهذه التحرشات غير الأخلاقية ليست مقتصرة على المدارس الأوربية، بل هي - أيضاً - في المدارس الأمريكية : (( فقد أوضحت دراسة بأن التحرشات غير الأخلاقية في مدارس الولايات المتحدة المختلطة، ربما تكون أكبر مما كان يتصوره الناس؛ حيث أوضحت مجلة (سفنتيز) الأمريكية ([39]) - التي أجرت الاستطلاع، أن أعداداً كبيرة من الفتيات يتعرضن لتحرشات غير أخلاقية ليست فقط في المدارس الثانوية، وإنما تبدأ - أيضاً - من المدارس الابتدائية؛ حيث يتعرضن لهذه المضايقات من التلاميذ الذكور، وكذلك من المعلمين!!.
وقالت المجلة بأن ما لا يقل عن 89 %من الفتيات المراهقات أوضحن بأنهن تعرضن لمعاملات غير مهذبة من زملائهن الطلاب.(58/196)
وقالت فتيات المدارس المختلطة أن المضايقات غير الأخلاقية أصبحت الآن تحدث بشكل يومي للعديد من الفتيات، وأضحت سبباً في قلق البنات طيلة العام الدراسي.
وقالت كاتبة التقرير الأمريكية (نان أستين). : إنه أمر مفزع تماماً في اكتشاف حقيقة أن هذا السلوك غير الأخلاقي أصبح جزءاً لا يتجزأ من الحياة اليومية ) ([40]).
( وفي استفتاء في جامعة كاليفورنيا في بركلي عام 1977م ظهر أن خمس الطالبات قد تعرضن لنوع من الاعتداء الجنسي من الأساتذة والمشرفين على الدراسات العليا ) ([41]) .
( ونشرت جريدة الأخبار في عددها الصادر بتاريخ 15/9/1975م الخبر الآتي :
نظام الاختلاط في المدارس سيتم إلغاؤه في مدينة مغاغة بمحافظة المنيا ، قررت المنطقة التعليمية عزل الطلبة عن الطالبات في مدارس خاصة بكل جنس ، اتخذ القرار بعد أن ضج الأهالي بالشكوى من المعاكسات التي يتعرض لها الطالبات .
بدأت المشكلة في مدرسة التجارة الثانوية التي كانت تسير على النظام المختلط ، فبالبرغم من وجود أخصائين اجتماعيين بالمدرسة فإن المشاكل كانت تحدث يوميا من جراء الاختلاط بين الطلبة والطالبات بالإضافة إلى معاكسات الطريق ، فبدأت شكاوى أولياء الأمور تطالب بوضع حد لمتاعب الطالبات ، وزادت الشكاوى حدة بعد أن امتدت المعاكسات لتشمل كل طالبات المدارس بالمدينة ، وبحثت المنطقة التعليمية المشكلة فقررت القيام بعمل عزل بين الجنسين وقامت بإعداد مدرسة ثانوية للبنات تجمع الطالبات في الثانوي العام والتعليم التجاري الذي كان ملحقا بالبنين .
كما خصصت مدرسة التجارة بنين بجوار الثانوي العام بنين ، كما تقرر أن يمتد نظام منه الاختلاط ليشمل المرحلة الإعدادية في المستقبل ، وقد قوبل القرار بجانب الارتياح من المواطنين . ) ([42]) .
9 ـ اغتصاب الطالبات :
من أبرز الحقائق التي أظهرتها دراسة رابطة الجامعات الأمريكية للنساء انتشار جرائم الاعتداء الجنسي على الفتيات بشكل واسع من قبل الأساتذة والطلاب؛ فالإحصاءات تشير إلى أن واحدة من كل أربع طالبات تتعرض للاغتصاب.
وفي جامعة هارفارد قالت إحدى الباحثات في بحث نالت به درجة الدكتوراه : إن الاغتصاب صار هستيريا تعم السكن الجامعي، الأمر الذي جعل التيار الليبرالي الداعي إلى التحلل الأخلاقي يتراجع، مما دفع الكثير من الآباء والأمهات - الذين أصبحوا اليوم أكثر محافظة عن ذي قبل - إلى المطالبة بإيجاد فصول منفصلة لبناتهم لتحسين وضعهن العلمي وتحصينهن من العبث بهن .
إن أكثر حوادث الاغتصاب تحدث في المدارس المختلطة، حيث يترصد الذكور الإناث في دورات المياه، وهناك ملتقى النجاسات الحسية والمعنوية؛ ولأجل ذلك أصدرت إحدى المدارس في نيويورك بلاغاً عممته على جميع المدرسات والطالبات، حذرتهن فيه من الذهاب إلى دورات المياه منفردات؛ وذلك بعد أن تعددت حوادث الاعتداء عليهن من قبل الطلاب الذكور في المدرسة. وعلى إثر ذلك قامت صيحات تنادي بفصل الإناث عن الذكور ([43]).
ويقول مسؤول شرطة مدينة ((ستيت كولج)) الجامعية الأمريكية، عن أماكن حوادث الاغتصاب في المدينة الجامعية: (( إن المناطق الخطيرة في الجامعة غير محدودة، وأكثر الحوادث وقعت في أماكن السكن الداخلي، وفي غرف الدراسة، وفي مواقف السيارات، وتدل الإحصاءات على أن 87 % من المجرمين هم من أصدقاء وأقرباء الضحايا ) ([44]).
ولعل من أشهر حوادث الاغتصاب الجماعية في المدارس المختلطة الداخلية ما وقع في مدرسة (سان كيزيتو) بمنطقة (ميرو) وسط كينيا؛ حيث أقدم مئات من الطلاب على اقتحام المسكن الذي تقيم به الفتيات - اللاتي تتراوح أعمارهن ما بين (15 و 18) عاماً - بعد منتصف الليل، وقاموا باغتصاب حوالي (71)طالبة ، ولقيت ( 19) طالبة مصرعهن، وأصيبت (75) طالبة من عدد الطالبات البالغ عددهن (271) طالبة.
وقد زار الرئيس الكيني هذه المدرسة، وأمر بإلقاء كل الأضواء على ما أسماه ( الجريمة المجنونة )، بينما أغلقت هذه المدرسة لمدة غير محددة.
كما هاجم - قبل أشهر من هذه الحادثة - عدد من طلبة مدرسة (كيرياني) الواقعة - أيضاً - في (ميرو) خمس فتيات واغتصبوهن، قبل أن يشعلوا النار في المبنى([45]).
انتشار الاغتصاب للطالبات بالكليات؟ ([46]) .
جدول يوضح انتشار الاغتصاب بعدد الضحايا وعدد الحوادث وأنواع الحوادث:
الضحايا
…
الحوادث
نوع الاعتداء
…
عدد الضحايا في العينة
…
النسبة المئوية في العينة
…
العدد بين 1000 طالبة
…
عدد الحوادث
…
العدد بين 1000 طالبة
اغتصاب كامل
…
74
…
1.7
…
16.6
…
86
…
19.3
محاولة اغتصاب
…
49
…
1.1
…
11
…
71
…
16
الجملة
…
123
…
2.8
…
27.7
…
157
…
35.3
من منظور السياسات بالكليات، قد ينزعج الإداريون كثيراً لحقيقة أنَّ بين كلّ 1000 امرأة في معهدهم التعليمي، قد تحدث 35 حالة اغتصاب في فصل دراسي (وفقاً لما ورد في البيان). وهذا يعني أنَّ أعداد الاغتصاب في حرم جامعي به ( 10.000 ) امرأة سيرتفع إلى أكثر من 350 طالبة.(58/197)
( ونشرت وكالة CNN بأنه يدرس حالياً في مدينة ( نيوجرسي ) الأمريكية كيفية إجبار الطالبات على تعلم مقاومة الاغتصاب وذلك بعدما كشفت دراسة بأن نصف الطالبات الجدد يتم اغتصابهن في الفصل الأول من الالتحاق بالدراسة وهذا يدل على مدى الانحراف الذي أصاب المجتمعات الغربية كما يدل على خطورة الاختلاط بين الجنسين حيث تم الاغتصاب في مراحل التعليم وفي أماكن العلم التي يفترض بها التجرد والموضوعية !!
وهذا الذي يحدث في أمريكا وهي كما يشاع عنها دولة من دول العالم الأول!! العالم المتقدم المتحضر ؟؟ التي تحترم حقوق الإنسان وترعى المساواة بين البشر ، ولقد تزايدت في الآوانة الأخيرة المطالبة بفصل الإناث عن الذكور بل ذكرت تقارير صادرة عن منظمات حماية الطفولة أن سبب الانحراف هذا يرجع إلى فترة الطفولة حيث يتعرض البنات الإناث إلى ثلاث مرات للاغتصاب أكثر من الأطفال الذكور .
حيث إن الجرائم الأخلاقية التي تحدث في الغرب اليوم نتيجة طبيعية للانحراف عن الفطرة البشرية ودافع الغريزة ذلك ؛ لأن الذكر يميل بطبعه إلى الأنثى والعكس صحيح ، ولا يمنع من وقوع الجريمة كونهم في مجتمع تعليمي كالجامعة والمدرسة وجرائم الاغتصاب التي ارتفعت معدلاتها ارتفاعا ملحوظا في الآونة الأخيرة لم تقع في مجتمع يسود فيه الكبت ومنع الحريات بل تأتي في مجتمع يموج بالفوضى الخلقية والانفلات السلوكي والفكري ومع ذلك فمعدلات الجريمة في تزايد مستمر ) ([47]).
وقد وصل الاغتصاب حتى للمستويات العليا الذي يقال أنهم قد بلغوا مستوى من الإدراك والعلم وهي مرحلة الدكتوراة ، تقول الأستاذة المساعدة لعلم النفس في ولاية نيويورك والتي حصلت على درجة الدكتوراة بعد التضحية بعرضها لرئيسها المباشر ، تقول : ( وقد كنت أول امرأة تدخل إلى هذه الوظيفة ..ولولا رضوخي ذلك لما كانت هناك امرأة في هذه الدرجة !!) ([48]) .
ودعاة السفور والاختلاط يعرفون هذه الحقيقة ولكن يا ترى ما جوابه في ذلك ، يقول الدكتور محمد إسماعيل المقدم : ( لما وقعت فتنة الاختلاط بالجامعة المصرية ، كان ما كان من حوادث يندى لها الجبين ، ولما سئل طه حسين عن رأيه في هذا ، قال : لابد من ضحايا ، ولكنه لم يبين بماذا تكون التضحية ؟ وفي سبيل ماذا ؟ لابد من ضحايا ؟! وأي ثمرة يمكن أن تكون أغلى وأثمن من أعراض المسلمين ؟!! ) ([49]) .
10 ـ التمييز على أساس الجنس .
ففي المدارس المختلطة يكون الاهتمام، وتكون الحظوة عند المعلمين - في الغالب - للطلاب على حساب الطالبات، وفرص المشاركة في الإجابات، والحصول على المنح، وغيرها من الأمور التي تأتي لصالح الطلاب. ونذكر هنا مثالين من بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية، للتأكيد على هذا التحيز الجنسي :
- ففي بريطانيا: ( أكدت الباحثة في صحيفة التايم (جانيت ديلي). ، أن اعتماد الاختلاط بين الجنسين في المدارس ما هو إلا مؤامرة معادية للإناث، وذلك في دراسة أشارت فيها إلى عدة أمور، منها:
أ - أن المراقبة المنتظمة على المدرسين في الفصول المختلطة، أظهرت أنهم يعطون قدراً من الوقت والاهتمام لتلاميذهم الذكور، أكثر مما يعطونه للإناث.
ب - في المواد الرياضية والعلمية التي تتطلب استعمالاً مشتركاً للأجهزة، تبين أن الذكور يسيطرون على فرص استخدام الأجهزة، أكثر من الإناث اللاتي يجبرن على التفرج فقط. ويساعد على هذا ميل الإناث إلى الإذعان، وخوفهن من ازدراء الذكور لهن، أو بسبب قابليتهن لإشباع غرور الذكور .
ج - يلاحظ أن العائلات الآسيوية في بريطانيا، تصر على أن تدرس بناتها في مدارس غير مختلطة، استناداً إلى خلفيات دينية - حسب تعبير الباحثة -؛ لذا فإنه ليس من قبيل المصادفة أن تكون الفتيات الآسيويات، أفضل البنات درجات وخيرهن نتائج آخر العام الدراسي.
د - إن تجربة مدرسة (شينفيلد) في مقاطعة (إيسكس) - التي لا يختلط فيها الطلاب من الجنسين - تعتبر تجربة مشرفة، ومع نجاحها فقد هاجمها (الاتحاد الوطني للمعلمين)، الذي قال: إن المدرسة تسهم في إيجاد مناخ مصطنع لا يتواءم وطبيعة المجتمع البريطاني.
ثم تؤكد هذه الباحثة إدانتها للمدارس المختلطة، وتقول: (إن المدارس غير المختلطة أقدر على استخراج الذكاء والفطنة من البنات والبنين ، وتريحهم من التكلف التافه في الاختلاط) ([50]).(58/198)
- وفي الولايات المتحدة: ( يواجه الأولاد والبنات توقعات متناقضة حول موضوع تشجيعهم للرياضيات، أو ممارسات الألعاب الرياضية، أو على تعلم الحاسب الآلي، ولكنهم يختلفون - أيضاً - في كمية ونوعية التعليم الذي يتلقونه في المدارس العامة، وذكر التقرير - الذي صدر عن دراسة أجريت على 3000 طالبة من كل أنحاء أمريكا حول هذا الموضوع في عام (1410هـ (1990م ) - أن الأولاد والبنات يدخلون المدارس العامة متساوين تماماً من حيث القدرات، ولكن البنات يظهرن متأخرات 12 عاماً عن زملائهن من الأولاد الذين معهن في نفس الفصل الدراسي، في الرياضيات والعلوم، وحتى على احترام الذات!. وأضاف التقرير يقول: إن الأولاد الذكور يسترعون انتباه مدرسيهم أكثر من البنات، وأن إمكانية حصولهم على منح دراسية جامعية أكثر من اللائي يتساوين معهم في الدرجات العلمية، أو أحسن منهن بقليل.
فقد أشار هذا التقرير إلى أن الاحترام الذاتي لدى البنات انخفض بحوالي 40% فيما بين مرحلتي التعليم الابتدائي والتعليم العالي، مقارنة بنسبة انخفاض 20% لدى الأولاد.
كما أشار هذا التقرير إلى أن البنات يتلقين اهتماماً من مدرسيهن أقل بصورة واضحة مما يتلقاه الأولاد. فالمدرسون - مثلاً - ينصتون عندما يصيح الأولاد في المدارس الابتدائية والمتوسطة بصوت عال، وبلا استئذان، ولكنهم - في المقابل - يوجهون اللوم للبنات إذا فعلن ذلك!!.
كما أشار التقرير إلى ارتفاع المتوسط للمستوى العلمي في الرياضيات لدى الأولاد بالمدرسة العليا من 2,61 إلى 3,04 من عام (1402هـ /1982م إلى عام 1407هـ/1987م)، ولكن ارتفع المتوسط نفسه لدى البنات من 2,46 إلى 2,93 .
وذكر التقرير أن المنح الدراسية عندما تمنح على أساس حصر اختبارات الجدارة الدراسية، نجد أن الأولاد أكثر جدارة للحصول على المنح الدراسية من البنات اللائي يحصلن على درجات دراسية مساوية، أو أحسن بقليل من الأولاد.
وذكرت رئيسة الاتحاد الأمريكي للاتحاد التعليمي النسائي الجامعي (إليس مكي) ، أن ما تضمنه هذا التقرير من حقائق تعتبر هائلة، فهو يمثل حقيقة دامغة على أن البنات لا يتلقين نفس النوعية والكمية من التعليم التي يتلقاها إخوانهن من الأولاد.
كما أن التحالف الوطني لمدارس البنات قد أشاد بهذا التقرير بقوله: لقد أظهر التقرير - مرة أخرى - أن البنات يعاملن - على الصعيد التعليمي - كمواطنات من الدرجة الثانية في بيئات التعليم المختلط.
وأخيراً فقد ذكرت مجموعة المدارس السبعة والخمسين من المدارس الحكومية والأهلية - التي جميع تلاميذها من البنات فقط - (أن الأبحاث أوضحت أن البنات اللواتي يلتحقن بالمدارس المخصصة للبنات فقط، يكسرن الأفكار المقولبة التقليدية، ويتفوقن على البنات اللواتي يتلقين تعليمهن في مدارس مختلطة) ([51]).
11 ـ ترك الدراسة :
قد يصل ببعض الفتيات إلى ترك الدراسة من جراء ما قد يصيبها من تحرشات جنسية أو اغتصاب أو اجحاف في الحقوق ونحو ذلك ، قالت شبكة [سي.إن.إن ] الإخبارية الأمريكية: إنه بسبب كثرة تعرض الفتيات لعمليات اغتصاب، فإن الكثيرات منهن يرفضن الذهاب إلى المدرسة مرة أخرى؛ لأن المئات من هذه الحالات - أي حالات الاغتصاب - توجد الآن في جنوب إفريقيا.
وأوردت صحيفة المدينة ([52]) خبراً جاء فيه: (( إن بعض طالبات إحدى المدارس الثانوية بغرب باريس، رفضن الدراسة في فصول مختلطة مع الشباب، وقررن الانقطاع عن الدراسة؛ حتى يتم تلبية مطالبهن، بإبعادهن عن الاختلاط، ووجهة نظرهن أنه غير مجد.
وقد رضخت السلطات للأمر، وأمرت بإبعاد الطالبات عن الطلبة مؤقتاً؛ ريثما يتم البحث عن حلول كفيلة تجاه المشاكل التي جلبها الاختلاط غير المشروع)).
12 ـ ضعف الحياء أو زواله لدى الطالبات :
يقول الطالب أحمد مصطفى بتقنية المعلومات بالكلية : ( ..إن أهم سلبياته ـ الاختلاط في التعليم الجامعي ـ من وجهة نظري إن «البنت فيه تفقد حياءها» وهذا أهم ما يميز الفتاة: الحياء والخجل لكنك في الاختلاط تجد الفتيات يضحكن ويقهقهن بصوت عال ويتحدثن مع الشباب في كل الموضوعات: الحب والعمل والزواج والطلاق وبشكل صريح وهذا يجعل الفتيات أكثر جرأة وقد تكون أكثر إقبالا على حياة اللهو أو لا قدر الله الانحراف الأخلاقي حيث إنني شاهدت في كليات كثيرة داخل وخارج الإمارات مشاهد لا تليق بالعادات والتقاليد والقيم العربية نتيجة لهذا الاختلاط الذي أحيانا ما يزيد عن حده ولذلك ترفضه الكثير من الأسر في الإمارات، وباختصار فإن للاختلاط الكثير من السلبيات والتي تتصل مباشرة بالأخلاق! ([53]) .
13 ـ الحرج من طرح بعض الموضوعات المهمة ([54]) .
يحتاج المعلم أو المعلمة أحيانا من طرح موضوعات خاصة بكل جنس مما يجد الحرج من طرحها إذ الجميع في مكان واحد ، مما يثير حياء بعض الطالبات ونظرات بعض الطلاب أو ضحكاتهم ونحو ذلك من التصرفات المريبة .
14 ـ العنف بكافة صوره وأشكاله .
من آثار الاختلاط الاعتداء على الطالبات إما بالضرب أو القتل وهذا يحدث كثيرا فمن تلك الحقائق :(58/199)
سبب الاختلاط مخاطر كثيرة تتعرَّض لها الطالبات،ولذا أصدر مجلس النوَّاب الأمريكي قرار حقوق الطلاب لعام 1990م الذي يتضمَّن أمن الكليات والجامعات. وفي عام 1992م عدّل مجلس النواب القرار ليشمل ضحايا الاعتداءات الجنسية، والذي يتطلَّب من الجامعات والكليات أن تشتمل تقاريرهم السنوية، سياساتهم المتعلقة بالتعريف بالاعتداءات الجنسية وكيفية منعها وتوفير الحقوق الأساسية لضحايا الاعتداءات الجنسية.
وعُدِّل القانون مرة أخرى ليشمل الالتزامات بتقديم تقارير إضافية تشمل زيادة الإجراءات الأمنية بالحرم الجامعي ومتطلبات سجل يومي بالجرائم. وفي عام 1999 م قدَّمت وزارة العدل 8.1 مليون دولار إلى 21 كلية وجامعة لمنع ومقاومة الاعتداء الجنسي والعنف والمطاردة، وفي عام 2000م تمّ منح جامعات وكليات أخرى 6.8 مليون دولار ([55]) .
ومما يدل على ذلك أن المجتمع الأمريكي ضاعف الإجراءات الأمنية بالحرم الجامعي ، ففي عام 1999م قدَّمت وزارة العدل 8.1 مليون دولار إلى 21 كلية وجامعة لمنع ومقاومة الاعتداء الجنسي والعنف والمطاردة، وفي عام 2000م تمّ منح جامعات وكليات أخرى 6.8 مليون دولار.
( ولعل الحادث المأساوي الذي وقع في يوم 26 مارس 1998 حين قام صبيان أمريكيان بإطلاق النار على عشرات التلاميذ في مدرسة إعدادية بولاية أركنسو الأمريكية مما أدى إلى مقتل 4 تلميذات ومعلمة وإصابة 10 آخرين بجروح ..وأوضحت التقارير الأخبارية أن أسباب إطلاق النار ؛ هو أحدى الفتيات التي تركت صديقها ، فقام بالانتقام منها بهذه الطريقة الوحشية ) ([56])
(( وأقدم طالب أمريكي يبلغ من العمر 19 عاماً على إطلاق النار على أستاذه، داخل إحدى قاعات الدروس - في إحدى المدارس - في كاليفورنيا فأرداه قتيلاً على الفور، وذكر بيان لرجال الشرطة أن خلافاً قديماً كان قد نشب بين الطالب وأستاذه بسبب التنافس على حب إحدى الطالبات )) ([57]).
15 ـ دراسة موضوعات تكون مناسبة لجنس دون الآخر والعكس .
من المعلوم أن هناك فروقا بين الرجال والنساء فهناك موضوعات مهمة للمرأة لا تناسب الرجل والعكس أيضا ، وإذا صار التعليم مختلطا تولدت هذه المشكلة ، جاء في كتاب ( جنس الدماغ ) : ( عن النساء يتم التحكم باللغة والمهارات المكانية بواسطة مراكز موجودة في كلا الجانبين من الدماغ ولكن أماكن هذه المهارات عند الرجال تكون أكثر تحديدا في موقعها ، فالجانب الأيمن للمهارات المكانية والأيسر للمهارات اللفظية ..ففي النساء يمكن تقسيم وظائف الدماغ بين الجانبين الأيمن والأيسر أقل وضوحا وتمركزاً فكلا جانبي الدماغ يشتركان في القدرات اللفظية والبصرية ..وأدمغة الرجال أكثر تخصصا في وظائفها ) وتؤكد الدراسات بأن ( الفروق في تنظيم الدماغ عند الرجال والنساء يؤدي إلى فروق في الفاعلية التي يستطيعون بها أداء مهمات معينة ) [ص61] ، وكثيرة هي الفروق التي ذكرها المؤلفان في هذا الكتاب ، ثم يؤكدان بأن من مشاكلنا ( نعمد فعليا إلى تعليم الفتيات والأولاد بأسلوب متطابق.........) [ص 144 ] ([58])
16 ـ انتشار الزواج العرفي بين الطلاب والطالبات .
( الزواج العرفي بين طلبة الجامعات أصبح قضية الساعة وأصبح أيضا ظاهرة اجتماعية مفزعة تسئ إلى سمعة الأسر المصرية وتسئ إلى سمعة الجامعات والكليات المختلفة وتزلزل بنيان الأخلاق والفضيلة ؛ لأن الزواج في هذه الحالات ما هو إلا نزوة عابرة تتم دون أخذ رأي الأهل أو الوالدين أو ولي الأمر ويتم دون مهر أو توفير مسكن ودون توفير متطلبات الحياة ؛ لأن الزواج مازال طالبا بالجامعة !! وفي حالة الحمل يتم الإجهاض أو يرمي الطفل في ملاجئ اللقطاء وتكون الضحية هي الفتاة المراهقة التي سلمت نفسها لذئب غادر .
إنها لجريمة أخلاقية ونذير شؤوم بانحلال المجتمع فالظاهرة المفزعة تنتشر كانتشار النار في الهشيم والإحصائيات التي بين يدي تبين أن ما يقرب من 175 ألف طالبة تم زواجهن عرفيا فإلى متى ننتظر ؟!! هل ننتظر إلى أن يبلغ السيل الزنى؟!! ...إن القضاء على هذه الظاهرة الاجتماعية الخطيرة يتمثل في إعادة النظر بالنسبة للتعليم المختلط في الجامعات المصرية فاختلاط الجنسين في الجامعات وفي سن المراهقة واشتعال الغرائز هو أصل الفساد فلا يمكن أن نضع الزيت بجانب النار ونضمن السلامة أو نضع الذئب بجانب الشاة ونضمن السلامة ، والدليل على صحة كلامي أن الزواج العرفي يكاد ينعدم بين طلاب جامعة الأزهر لعدم الاختلاط ) ([59]) .
17 ـ الجوع الجنسي لدى الطلاب والطالبات .
( نقلت جريدة الأحد اللبنانية في العدد [650] عن الفضائح الجنسية في الجامعات والكليات الأمريكية ، ماذا قالت الجريدة بالحرف الواحد ؟ ( الفضائح الجنسية في الجامعات والكليات الأمريكية بين الطلبة والطالبات تتجدد وتزداد كل عام ..وقال عميد الجامعة معقبا على حدث جنسي شاذ قائلا : إن معظم الطلاب والطالبات يعانون جوعاً جنسيا رهيبا ، ولا شك أن الحياة العصرية الراهنة لها أكبر الأثر في تصرفات الطلاب الشاذة )(58/200)
ونقلت الجريدة عن المربية الاجتماعية ( مرغريت سميث ) حديثا قالت فيه : ( إن الطالبة لا تفكر إلا بعواطفها ، والوسائل التي تتجاوب مع هذه العاطفة ، إن أكثر من ستين بالمائة من الطالبات سقطن في الامتحانات ، وتعود أسباب الفشل إلى أنهن يفكرن في الجنس أكثر من دروسهن وحتى مستقبلهن ..... وأن 10 % منهن ما زلن محافظات ) ([60]) .
18 ـ تقيد حرية الطالبة .
مما لا شك فيه إن ( إحساس المرأة بالحرية وهي وسط مجموعة من بنات جنسها ..واضح لا يحتاج إلى حديث طويل ، وبيان مسهب ، ويلاحظه أي رجل يدخل مجتمعاً نسائيا ، حيث تتوقف النسوة عن الحديث ، ويفتقدن الحرية التي كن يشعرن بها .
ويظهر جلياً إحساسهن بأن دخول الرجل عليهن ..أوجد ما يشبه القيد على حرية تبادلهن الحديث ..بل وجلوسهن ..وضعهن عامة وهذا ما عبرت عنه قاضية سويدية اسمها ( بر يجيدا أولف هامر ) طافت عواصم الشرق ومدنه وقراه ، ودرست ـ لحساب الأمم المتحدة ـ مشاكل المرأة الشرقية العربية على الطبيعة ، فقد قالت هذه القاضية : إن المرأة الشرقية في قطاعات كثيرة من الحياة ، أكثر حرية من المرأة السويدية ، لأن الحرية ـ كما تقول ـ هي أن يكون للإنسان عالمه الخاص المستقل ، على العكس من حال المرأة السويدية ..التي ليس لها عالم لم يشاركها فيه الرجل ) ([61]) .
19 ـ انتشار الأمراض الجنسية بين الطلاب والطالبات .
الاختلاط في التعليم أصبح سبباً لانتشار مرض الإيدز، (( ففي سوازيلاند قرر المسؤولون إلقاء اللوم على التنورات القصيرة في انتشار مرض الإيدز. ويدعي هؤلاء المسؤولون أن فتيات المدارس اللاتي يرتدين هذه التنورات القصيرة، يعملن على إغواء مدرسيهن؛ مما يعرض المزيد من الناس لخطر مرض الإيدز. ويقول متحدث باسم وزارة التعليم في سوازيلاند: نحن نعيش في زمن صعب؛ بسبب تفشي فيروس مرض الإيدز، ونحتاج - كذلك - إلى معالجة مسألة اللبس وسط الطلاب والطالبات؛ لأن مرض الإيدز بدأ من هناك ([62]).
وبدءاً من العام القادم سيطلب من الطالبات فوق سن العاشرة ارتداء تنورات تغطي الركبتين )) ([63]).
المبحث الخامس
الفصل بين الجنسين رغبة الأغلبية العظمى
مما يلاحظ رغبة الطلاب والطالبات بانعزال كل واحد منهما عن الآخر ، فقد قال ( البروفيسور أميليو أفيانو ) : ( أن الأولاد يفضلون الفصل في الدراسة حتى لا يتحتم عليهم الالتزام ببعض التصرفات التي يرونها ضرورية في حضور الفتيات ، والأمر نفسه صحيح بالنسبة للفتيات حيث يعتبرن الاختلاط معرقلا لتقدمهن الدراسي ويضيع ويهدر كثيرا من وقتهن في التزين) ([64]) .
وأوردت صحيفة المدينة ([65]) خبراً جاء فيه: (( إن بعض طالبات إحدى المدارس الثانوية بغرب باريس، رفضن الدراسة في فصول مختلطة مع الشباب، وقررن الانقطاع عن الدراسة؛ حتى يتم تلبية مطالبهن، بإبعادهن عن الاختلاط، ووجهة نظرهن أنه غير مجد.
وقد رضخت السلطات للأمر، وأمرت بإبعاد الطالبات عن الطلبة مؤقتاً؛ ريثما يتم البحث عن حلول كفيلة تجاه المشاكل التي جلبها الاختلاط غير المشروع)).
كما أوردت وكالات الأنباء العالمية أن ثورة بدأت في معهد ((ميلز أوكلند)) النسائي، الخاص بولاية كاليفورنيا، حيث ترفض الغالبية العظمى من الطالبات القبول بانضمام شبان إلى المعهد ابتداء من العام المقبل.
وكانت هذه المؤسسة الجامعية المعروفة بهدوئها، والمتخصصة في الدراسات الفنية، تعج بالمظاهرات، في وقت بدأ فيه إضراب شامل عن الدروس، واستقبلت رئيسة الجامعة بالاعتراضات وصرخات الاحتجاج.
وسوغ مجلس الإدارة قراره - بوضع حد لسياسة عدم الاختلاط بين الجنسين التي يتبعها منذ 138عاماً - بضرورة رفع عدد الطلاب المسجلين في المعهد، ولا توجد - حالياً - سوى( 777 ) طالبة، في حين أن المطلوب هو( 1000) طالبة على الأقل؛ لتغطية كلفة المعهد.
وقالت إحدى الطالبات -التي عبرت عن معارضتها للقرار بحلق شعرها-: (لم أكن قادرة على التفكير بأنهم سيتجاهلوننا إلى هذا الحد). وأعرب الكثير من الفتيات عن رغبتهن في مغادرة الجامعة )) ([66]).
(( وما دامت تغطية تكاليف المعهد هي المبرر الذي ذكر مجلس الإدارة أنه وراء إصداره قرار قبول الطلبة الذكور، فقد استنفرت الطالبات، وبدأن في جمع التبرعات للمعهد، ونجحن خلال أسبوعين من جمع ثلاثة ملايين دولار للجامعة. وكسبن الجولة مع إدارة الجامعة، وعدل مجلس الإدارة عن قراره بفتح أبواب الجامعة أمام الذكور؛ لترجع الجامعة غير مختلطة، مقتصرة على الطالبات فقط.
وهذه الحادثة تشير إلى قوة الدافع في نفوس الطالبات برفض اختلاط الطلبة الذكور بهن في الجامعة. وتتأكد قوة الدافع الفطري في أمور هي:
- الإضراب الشامل عن الدروس.
- تظاهرات احتجاج شديدة وعنيفة.
- بذل جهود كثيفة لجمع ثلاثة ملايين دولار في زمن قياسي.
- إعراب كثير من الفتيات عن رغبتهن في مغادرة الجامعة ([67]).
ويوجد في كاليفورنيا معهدان نسائيان آخران، في حين أن عدد المعاهد والكليات المماثلة في كل الولايات المتحدة تبلغ المئات، وتلقى إقبالاً كبيراً من الفتيات في متابعة دراستهن فيها ([68]).(58/201)
( وتقدمت الطالبات في أربع كليات في جامعتي أوكسفورد وكامبردج الشهيرتين في إنجلترا يطلبن المحافظة على وضع الكليات وعدم السماح للطلبة الالتحاق بها ) ([69]) .
وفي دولة عربية شقيقة ( الكويت ) جرى فيها حوارات ولقاءات في هذه القضية وكان ( معظم طلبة الجامعة يعارضون الاختلاط ما بين الجنسين وأكبر دليل على ذلك نتائج الانتخابات السنوية التي يصوت فيها الآلاف من الطلبة تجاه ممثليهم من معارضي الاختلاط موضحا أن نتائج التصويت البرلماني على قانوني منع الاختلاط في جامعة الكويت والجامعا الخاصة أكبر دليل على أن التوجه الشعبي مع منع الاختلاط ) ([70]) .
ويقول الدكتور بسام خضر الشطي : ( أجري في الجامعة أكثر من استبيان حول الجامعات المختلطة فكانت النتائج أن 93 % لا يرغبون في الاختلاط ، ولو أتيحت لهم فرصة وخيار آخر لجامعة غير مختلطة للجأوا إليها ) ([71]) .
وفي دراسة الأستاذة فاطمة مناصرة جاء فيها :
( السؤال الأول : هل يعد الاختلاط في الدراسة بنظرك مشكلة ؟
ـ أجاب 77 % من الطلاب والطالبات بنعم . )
وأخيرا ..وبعد هذا العرض ...أيليق أن يبقى أناس يجرون الأمة إلى مستنقع الاختلاط القاتل للقيم والمبادئ والأخلاق ..وهذه تجارب أقوام ..واعترافاتهم ، فلماذا لا نتعظ من هذا الدرس العملي الذي رأيناه من خلال الدراسات والاعترافات .
نسأل الله تعالى أن يهدي ضال المسلمين وأن يكفينا شر أنفسنا وصلى الله وسلم على نبينا محمد و على آله وصحبه .
ملحق بفتاوى العلماء
حكم الاختلاط في التعليم([72])
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فقد اطلعت على ما نشرته جريدة السياسة الصادرة يوم 24 / 7 / 1404 هـ بعددها 5644 منسوبا إلى مدير جامعة صنعاء عبد العزيز المقالح, الذي زعم فيه أن المطالبة بعزل الطالبات عن الطلاب مخالفة للشريعة.
وقد استدل على جواز الاختلاط بأن المسلمين من عهد الرسو صلى الله عليه وسلم كانوا يؤدون الصلاة في مسجد واحد، الرجل والمرأة وقال (ولذلك فإن التعليم لا بد أن يكون في مكان واحد)، وقد استغربت صدور هذا الكلام من مدير لجامعة إسلامية في بلد إسلامي يطلب منه أن يوجه شعبه من الرجال والنساء إلى ما فيه السعادة والنجاة في الدنيا والآخرة فإنا لله وإنا إليه راجعون ولا حول ولا قوة إلا بالله.
ولا شك أن هذا الكلام فيه جناية عظيمة على الشريعة الإسلامية؛ لأن الشريعة لم تدعُ إلى الاختلاط حتى تكون المطالبة بمنعه مخالفة لها، بل هي تمنعه وتشدد في ذلك كما قال الله تعالى (( وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى )) (الأحزاب:33) ، وقال تعالى (( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا )) (الأحزاب:59)
وقال سبحانه (( وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ )) (النور:31) إلى أن قال سبحانه (( وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ))
وقال تعالى (( وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ )) (الأحزاب:53) ، وفي هذه الآيات الكريمات الدلالة الظاهرة على شرعية لزوم النساء لبيوتهن حذرا من الفتنة بهن، إلا من حاجة تدعو إلى الخروج، ثم حذرهن سبحانه من التبرج تبرج الجاهلية، وهو إظهار محاسنهن ومفاتنهن بين الرجال،
وقد صح عن رسول ا صلى الله عليه وسلم أنه قال (( ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء )) متفق عليه من حديث أسامة بن زيد رضي الله عنه وخرجه مسلم في صحيحه عن أسامة وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل رضي الله عنهما جميعا،(58/202)
وفي صحيح مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن صلى الله عليه وسلم أنه قال (( إن الدنيا حلوة خضرة وإن الله مستخلفكم فيها فناظر كيف تعملون فاتقوا الدنيا واتقوا النساء فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء )) ولقد صدق رسول ا صلى الله عليه وسلم فإن الفتنة بهن عظيمة، ولا سيما في هذا العصر الذي خلع فيه أكثرهن الحجاب، وتبرجن فيه تبرج الجاهلية، وكثرت بسبب ذلك الفواحش والمنكرات وعزوف الكثير من الشباب والفتيات عما شرع الله من الزواج في كثير من البلاد، وقد بين الله سبحانه أن الحجاب أطهر لقلوب الجميع فدل ذلك على أن زواله أقرب إلى نجاسة قلوب الجميع وانحرافهم عن طريق الحق، ومعلوم أن جلوس الطالبة مع الطالب في كرسي الدراسة من أعظم أسباب الفتنة، ومن أسباب ترك الحجاب الذي شرعه الله للمؤمنات ونهاهن عن أن يبدين زينتهن لغير من بينهم الله سبحانه في الآية السابقة من سورة النور، ومن زعم أن الأمر بالحجاب خاص بأمهات المؤمنين فقد أبعد النجعة وخالف الأدلة الكثيرة الدالة على التعميم وخالف قوله تعالى (( ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ )) فإنه لا يجوز أن يقال، إن الحجاب أطهر لقلوب أمهات المؤمنين ورجال الصحابة دون من بعدهم ولا شك أن من بعدهم أحوج إلى الحجاب من أمهات المؤمنين ورجال الصحابة رضي الله عنهم لما بينهم من الفرق العظيم في قوة الإيمان والبصيرة بالحق فإن الصحابة رضي الله عنهم رجالا ونساء ومنهن أمهات المؤمنين هم خير الناس بعد الأنبياء وأفضل القرون بنص الرسو صلى الله عليه وسلم المخرج في الصحيحين، فإذا كان الحجاب أطهر لقلوبهم فمن بعدهم أحوج إلى هذه الطهارة أشد افتقارا إليها ممن قبلهم ولأن النصوص الواردة في الكتاب والسنة لا يجوز أن يخص بها أحد من الأمة إلا بدليل صحيح يدل على التخصيص فهي عامة لجميع الأمة في عهد صلى الله عليه وسلم وبعده إلى يوم القيامة لأنه سبحانه بعث رسول صلى الله عليه وسلم إلى الثقلين في عصره وبعده إلى يوم القيامة كما قال عز وجل (( قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا )) وقال سبحانه (( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا )) وهكذا القرآن الكريم لم ينزل لأهل عصر صلى الله عليه وسلم وإنما أنزل لهم ولمن بعدهم ممن يبلغه كتاب الله كما قال تعالى (( هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ ))
وقال عز وجل (( وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ )) الآية وكان النساء في عهد صلى الله عليه وسلم لا يختلطن بالرجال لا في المساجد ولا في الأسواق الاختلاط الذي ينهى عنه المصلحون اليوم ويرشد القرآن والسنة وعلماء الأمة إلى التحذير منه حذرا من فتنته بل كان النساء في مسجد صلى الله عليه وسلم يصلين خلف الرجال في صفوف متأخرة عن الرجال وكان يقو صلى الله عليه وسلم (( خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها ))
حذرا من افتتان آخر صفوف الرجال بأول صفوف النساء وكان الرجال في عهد صلى الله عليه وسلم يؤمرون بالتريث في الانصراف حتى يمضي النساء ويخرجن من المسجد لئلا يختلط بهن الرجال في أبواب المساجد مع ما هم عليه جميعا رجالا ونساء من الإيمان والتقوى فكيف بحال من بعدهم وكانت النساء ينهين أن يتحققن الطريق ويؤمرن بلزوم حافات الطريق حذرا من الاحتكاك بالرجال والفتنة بمماسة بعضهم بعضا عند السير في الطريق وأمر الله سبحانه نساء المؤمنين أن يدنين عليهن من جلابيبهن حتى يغطين بها زينتهن حذرا من الفتنة بهن، ونهاهن سبحانه عن إبداء زينتهن لغير من سمى الله سبحانه في كتابه العظيم حسما لأسباب الفتنة وترغيبا في أسباب العفة والبعد عن مظاهر الفساد والاختلاط،
فكيف يسوغ لمدير جامعة صنعاء هداه الله وألهمه رشده بعد هذا كله، أن يدعو إلى الاختلاط ويزعم أن الإسلام دعا إليه وأن الحرم الجامعي كالمسجد، وأن ساعات الدراسة كساعات الصلاة، ومعلوم أن الفرق عظيم، والبون شاسع، لمن عقل عن الله أمره ونهيه، وعرف حكمته سبحانه في تشريعه لعباده، وما بين في كتابه العظيم من الأحكام في شأن الرجال والنساء، وكيف يجوز لمؤمن أن يقول إن جلوس الطالبة بحذاء الطالب في كرسي الدراسة مثل جلوسها مع أخواتها في صفوفهن خلف الرجال، هذا لا يقوله من له أدنى مسكة من إيمان وبصيرة يعقل ما يقول، هذا لو سلمنا وجود الحجاب الشرعي، فكيف إذا كان جلوسها مع الطالب في كرسي الدراسة، مع التبرج وإظهار المحاسن والنظرات الفاتنة والأحاديث التي تجر إلى فتنة،
فالله المستعان ولا حول ولا قوة إلا بالله قال الله عز وجل (( فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ ))(58/203)
وأما قوله : ( والواقع أن المسلمين منذ عهد الرسول كانوا يؤدون الصلاة في مسجد واحد الرجل والمرأة ولذلك فإن التعليم لا بد أن يكون في مكان واحد )
فالجواب عن ذلك أن يقال : هذا صحيح ، لكن كان النساء في مؤخرة المساجد مع الحجاب والعناية والتحفظ مما يسبب الفتنة ، والرجال في مقدم المسجد ، فيسمعن المواعظ والخطب ويشاركن في الصلاة ويتعلمن أحكام دينهن مما يسمعن ويشاهدن ، وكان صلى الله عليه وسلم في يوم العيد يذهب إليهن بعد ما يعظ الرجال فيعظهن ويذكرهن لبعدهن عن سماع خطبته ، وهذا كله لا إشكال فيه ولا حرج فيه وإنما الإشكال في قول مدير جامعة صنعاء- هداه الله وأصلح قلبه وفقهه في دينه- : ( ولذلك فإن التعليم لا بد أن يكون في مكان واحد ) فكيف يجوز له أن يشبه التعليم في عصرنا بصلاة النساء خلف الرجال في مسجد واحد ، مع أن الفرق شاسع بين واقع التعليم المعروف اليوم وبين واقع صلاة النساء خلف الرجال في عهد صلى الله عليه وسلم ، ولهذا دعا المصلحون إلى إفراد النساء عن الرجال في دور التعليم ، وأن يكن على حدة والشباب على حدة ، حتى يتمكن من تلقي العلم من المدرسات بكل راحة من غير حجاب ولا مشقة؛ لأن زمن التعليم يطول بخلاف زمن الصلاة؛ ولأن تلقي العلوم من المدرسات في محل خاص أصون للجميع وأبعد لهن من أسباب الفتنة ، وأسلم للشباب من الفتنة بهن ، ولأن انفراد الشباب في دور التعليم عن الفتيات مع كونه أسلم لهم من الفتنة فهو أقرب إلى عنايتهم بدروسهم وشغلهم بها وحسن الاستماع إلى الأساتذة وتلقي العلم عنهم بعيدين عن ملاحظة الفتيات والانشغال بهن ، وتبادل النظرات المسمومة والكلمات الداعية إلى الفجور .
وأما زعمه- أصلحه الله- أن الدعوة إلى عزل الطالبات عن الطلبة تزمت ومخالف للشريعة ، فهي دعوى غير مسلمة ، بل ذلك هو عين النصح لله ولعباده والحيطة لدينه والعمل بما سبق من الآيات القرآنية والحديثين الشريفين ، ونصيحتي لمدير جامعة صنعاء أن يتقي الله عز وجل وأن يتوب إليه سبحانه مما صدر منه ، وأن يرجع إلى الصواب والحق ، فإن الرجوع إلى ذلك هو عين الفضيلة والدليل على تحري طالب العلم للحق والإنصاف . والله المسئول سبحانه أن يهدينا جميعا سبيل الرشاد وأن يعيذنا وسائر المسلمين من القول عليه بغير علم ، ومن مضلات الفتن ونزغات الشيطان ، كما أسأله سبحانه أن يوفق علماء المسلمين وقادتهم في كل مكان لما فيه صلاح البلاد والعباد في المعاش والمعاد ، وأن يهدي الجميع صراطه المستقيم إنه جواد كريم ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين .
الاختلاط بين الرجال والنساء ([73])
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى من يراه ويطلع عليه من إخواني المسلمين وفقني الله وإياهم لفعل الطاعات وجنبني وإياهم البدع والمنكرات . السلام عليكم ورحمة الله وبركاته . . أما بعد :
فمن واجب النصح والتذكر أن أنبه على أمر لا ينبغي السكوت عليه بل يجب الحذر منه والابتعاد عنه وهو الاختلاط الحاصل من بعض الجهلة في بعض الأماكن والقرى مع غير المحارم لا يرون بذلك بأسا بحجة أن هذا عادة آبائهم وأجدادهم وأن نياتهم طيبة فتجد المرأة مثلا تجلس مع أخي زوجها أو زوج أختها أو مع أبناء عمها ونحوهم من الأقارب بدون تحجب وبدون مبالاة .
ومن المعلوم أن احتجاب المرأة المسلمة عن الرجال الأجانب وتغطية وجهها أمر واجب دل على وجوبه الكتاب والسنة وإجماع السلف الصالح ، قال الله سبحانه وتعالى : (( وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ )) وقال تعالى : (( وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ )) ، وقال تعالى : (( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا )) والجلباب هو الرداء فوق الخمار بمنزلة العباءة . قالت أم سلمة رضي الله عنها : ( لما نزلت هذه الآية خرج نساء الأنصار كأن على رءوسهن الغربان من السكينة وعليهن أكسية سود يلبسنها ) .
وفي هذه الآيات الكريمات دليل واضح على أن رأس المرأة وشعرها وعنقها ونحرها ووجهها مما يجب عليها ستره عن كل من ليس بمحرم لها وأن كشفه لغير المحارم حرام . ومن أدلة السنة (( أن صلى الله عليه وسلم لما أمر بإخراج النساء إلى مصلى العيد قلن يا رسول الله إحدانا لا يكون لها جلباب فقال صلى الله عليه وسلم (( لتلبسها أختها من جلبابها )) رواه البخاري ومسلم . فهذا الحديث يدل على أن المعتاد عند نساء الصحابة ألا تخرج المرأة إلا بجلباب . فلم يأذن لهن رسول ا صلى الله عليه وسلم بالخروج بغير جلباب .(58/204)
وقد ثبت في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت : « كان رسول ا صلى الله عليه وسلم يصلي الفجر فيشهد معه نساء متلفعات بمروطهن ثم يرجعن إلى بيوتهن ما يعرفهن أحد من الغلس » وقالت : لو رأى رسول ا صلى الله عليه وسلم من النساء ما رأينا لمنعهن من المساجد كما منعت بنوا إسرائيل نساءها فدل هذا الحديث على أن الحجاب والتستر كان من عادة نساء الصحابة الذين هم خير القرون وأكرمها على الله عز وجل ، وأعلاها أخلاقا وآدابا وأكملها إيمانا وأصلحها عملا ، فهم القدوة الصالحة لغيرهم .
وعن عائشة رضي الله عنها قالت : « كان الركبان يمرون بنا ونحن محرمات مع رسول ا صلى الله عليه وسلم فإذا حاذونا سدلت إحدانا جلبابها على وجهها من رأسها فإذا جاوزونا كشفناه » رواه أحمد وأبو داود وابن ماجة ففي قولها ( فإذا حاذونا ) تعني ( الركبان ) سدلت إحدانا جلبابها على وجهها دليل على وجوب ستر الوجه؛ لأن المشروع في الإحرام كشفه فلولا وجود مانع قوي من كشفه حينئذ لوجب بقاؤه مكشوفا .
وإذا تأملنا السفور وكشف المرأة وجهها للرجال الأجانب وجدناه يشتمل على مفاسد كثيرة منها الفتنة التي تحصل بمظهر وجهها وهي من كبر دواعي الشر والفساد ومنها زوال الحياء عن المرأة وافتتان الرجال بها . فبهذا يتبين أنه يحرم على المرأة أن تكشف وجهها بحضور الرجال الأجانب ويحرم عليها كشف صدرها أو نحرها أو ذراعيها أو ساقيها ونحو ذلك من جسمها بحضور الرجال الأجانب ، وكذا يحرم عليها الخلوة بغير محارمها من الرجال ، وكذا الاختلاط بغير المحارم من غير تستر ، فإن المرأة إذا رأت نفسها مساوية للرجل في كشف الوجه والتجول سافرة لم يحصل منها حياء ولا خجل من مزاحمة الرجال ، وفي ذلك فتنة كبيرة وفساد عظيم .
وقد خرج صلى الله عليه وسلم ذات يوم من المسجد وقد اختلط النساء مع الرجال في الطريق فقال صلى الله عليه وسلم : (( استأخرن فإنه ليس لكن أن تحققن الطريق عليكن بحافات الطريق )) فكانت المرأة تلصق بالجدار حتى أن ثوبها ليتعلق به من لصوقها . ذكره ابن كثير عند تفسير قوله تعالى : (( وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ )) فيحرم على المرأة أن تكشف وجهها لغير محارمها بل يجب عليها ستره كما يحرم عليها الخلوة بهم أو الاختلاط بهم أو وضع يدها للسلام في يد غير محرمها وقد بين سبحانه وتعالى من يجوز له النظر إلى زينتها بقوله : (( وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ))
أما أخ الزوج أو زوج الأخت أو أبناء العم وأبناء الخال والخالة ونحوهم فليسوا من المحارم وليس لهم النظر إلى وجه المرأة ولا يجوز لها أن ترفع جلبابها عندهم لما في ذلك من افتتانهم بها فعن عقبة ابن عامر رضي الله عنه أن رسول ا صلى الله عليه وسلم قال : (( إياكم والدخول على النساء فقال رجل من الأنصار يا رسول الله أفرأيت الحمو؟ قال الحمو الموت )) متفق عليه . والمراد بالحمو أخ الزوج وعمه ونحوهما؛ وذلك لأنهم يدخلون البيت بدون ريبة ولكنهم ليسوا بمحارم بمجرد قرابتهم لزوجها وعلى ذلك لا يجوز لها أن تكشف لهم عن زينتها ولو كانوا صالحين موثوقا بهم؛ لأن الله حصر جواز إبداء الزينة في أناس بينهم في الآية السابقة وليس أخ الزوج ولا عمه ولا ابن عمه ونحوهم منهم وقا صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه : (( لا يخلون رجل بامرأة إلا مع ذي محرم )) والمراد بذي المحرم من يحرم عليه نكاحها على التأييد لنسب أو مصاهرة أو رضاع كالأب والابن والأخ والعم ومن يجرى مجراهم " .
وإنما نهى رسول ا صلى الله عليه وسلم عن ذلك لئلا يرخي لهم الشيطان عنان الغواية ويمشي بينهم بالفساد ويوسوس لهم ويزين لهم المعصية . وقد ثبت عن صلى الله عليه وسلم أنه قال : (( لا يخلون رجل بامرأة فإن الشيطان ثالثهما )) رواه الإمام أحمد بإسناد صحيح عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه .(58/205)
ومن جرت العادة في بلادهم بخلاف ذلك بحجة أن ذلك عادة أهلهم أو أهل بلدهم فعليهم أن يجاهدوا أنفسهم في إزالة هذه العادة وأن يتعاونوا في القضاء عليها والتخلص من شرها محافظة على الأعراض وتعاونا على البر والتقوى وتنفيذا لأمر الله عز وجل ورسول صلى الله عليه وسلم ، وأن يتوبوا إلى الله سبحانه وتعالى مما سلف منها وأن يجتهدوا في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ويستمروا عليه ولا تأخذهم في نصرة الحق وإبطال الباطل لومة لائم ولا يردهم عن ذلك سخرية أو استهزاء من بعض الناس فإن الواجب على المسلم اتباع شرع الله برضا وطواعية ورغبة فيما عند الله وخوف من عقابه ، ولو خالفه في ذلك أقرب الناس وأحب الناس إليه . ولا يجوز اتباع الأهواء والعادات التي لم يشرعها الله سبحانه وتعالى؛ لأن الإسلام هو دين الحق والهدى والعدالة في كل شيء ، وفيه الدعوة إلى مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال والنهي عما يخالفها والله المسئول أن يوفقنا وسائر المسلمين لما يرضيه وأن يعيذنا جميعا من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا إنه جواد كريم . وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
س/ : قام المركز الإسلامي في مدينتنا بتنظيم محاضرة للنساء ، وقام المحاضر بإلقاء المحاضرة مباشرة من دون حاجز أو حجاب رغم معارضة بعض النساء لذلك وعدم رضاهن ، ورغم وجود نساء كاشفات وجوههن وأيديهن ، وكان بالإمكان إلقاء المحاضرة من وراء ستار ونتيجة لذلك حدث نقاش طويل بين بعض المسلمين عندنا ، خصوصاً وان إدارة المسجد ممثلة في اللجنة المنظمة رفضت أن يقوم أحد طلبة العلم في نفس اليوم بإلقاء محاضرة من وراء حجاب ، وقد زاد من الخصومة أن المحاضر قال : ( إن آية (( وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ)) خاصة نزولاً وحكماً بزوجات الرسو صلى الله عليه وسلم ولا يجوز تطبيقها على غيرهن ؟ وقال أيضاً إجابة على سؤال حول الاختلاط : ( إن المحرم شرعاً هو الخلوة فقط ولذلك لا مانع من استضافة المرأة للرجل الأجنبي في حال عدم الخلوة ؟ وقال أيضاًًً : ( أنه لا يرى أن تنتقب المرأة في البلاد الغربية حتى لا تعطي صورة غير مقبولة عن الإسلام )؟
وسؤالنا يا فضيلة الشيخ :
ما رأيكم فيما حدث ؟ وهل يجوز ذلك شرعاً ؟ وما رأيكم فيما قاله المحاضر حول الاختلاط والنقاب ؟ وهل يجوز الإنكار عليه ؟
ج: لا شك أن ما فعله هذا المحاضر لا يجوز في الإسلام فإن وقوف الرجل أمام النساء المتبرجات من أعظم أسباب الفتنة ولو أمنه هذا الرجل لم يأمنه غيره ومتى فتح الباب لهم توصلوا إلى المحظور من النظر المحرم وما يجره من الفواحش ، وقد نهى الله تعالى نساء صلى الله عليه وسلم عن التبرج بقوله (( وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى)) (الأحزاب:33) وهذا الخطاب يعم كل المؤمنات لأن الوجه هو مجمع محاسن المرأة وبه تحصل الفتنة ويحصل التقارب ، فإن بقية جسدها قد لا يحصل به تفاوت بين النساء ولا شك أن النساء فتنة لكل مفتون ولذلك قال صلى الله عليه وسلم : (( اتقوا النساء فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء )) ولما أذن لهن في الصلاة في المسجد قال : (( وليخرجن تفلات )).(58/206)
وقال : (( وبيوتهن خير لهن )) وذكرت عائشة أنه يشهد صلاة الفجر نساء متلفعات بمروطهن وقالت عائشة « لو شهد رسول ا صلى الله عليه وسلم ما أحدثه النساء لمنعهن المساجد كما منعت نساء بني إسرائيل » ولما أمرهن بالخروج لصلاة العيد قلن : (( إحدانا ليس لها جلباب )) قال : (( لتلبسها صاحبتها من جلبابها)) والجلباب هو الرداء الذي تلتف به امتثالاً لقوله تعالى (( يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ )) (الأحزاب:59) فالمرأة إذا تسترت واحتشمت عرف بصفتها وحيائها ودينها فلا يتجرأ أحد أن يؤذيها معاكسة أو مكالمة أو ممازحة ولذلك نهيت المرأة عن السفر بدون محرم حتى لا تتعرض لأذى من ذوي النفوس الرديئة وأما قوله تعالى (( فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ)) (الأحزاب:53) فهو وإن كان خطاباً لزوجات صلى الله عليه وسلم فإن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ، وذلك لوجود العلة التي في قوله تعالى (( فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ )) (الأحزاب:32) فإذا كان هذا الطمع في أمهات المؤمنين فلا بد أن يكون في غيرهن بطريق الأولى ، فإن الله اختار لنبيه أفضل النساء وأعفهن ومع ذلك أمرهن بالحجاب ونهاهن عن الخضوع بالقول صيانة لهن ،فغيرهن أولى بالصيانة والتحفظ والبعد عن أسباب العهر والفتنة وعلى هذا فيحرم أن تستضيف المرأة رجلاً أجنبياً ولو كان معه رجال أو معها نساء إذا كان هناك سفور وتبرج وعدم محرم للمرأة ، وقد وردت الأدلة على النهي عن خلوة الرجل بالمرأة إلا مع ذي محرم ، ولم يفرق بين وجود النساء أو الرجال الأجانب ، وعلى هذا فإذا احتيج إلى إلقاء محاضرة للنساء فلا بد من حاجز وستار قوي يمنع من النظر حتى لا تحصل الفتنة ويلزم المرأة أن تستر جميع بدنها بما في ذلك الوجه واليدان أمام الرجال الأجانب ، ولو كانت في بلاد الكفار حتى تظهر شعائر الإسلام وذلك يعطي صورة حسنة عن الإسلام وأهله ولا عبرة بمن استغرب ذلك و أنكره ممن قد يرون المنكر معروفاً والمعروف منكراً والله أعلم .([74])
خطر الاختلاط بين الجنسين في المدارس والجامعات
سئل فضيلة الشيخ محمد الصالح العثيمين حفظه الله : شاب يقول إنه من أسرة غنية يدرس في مدرسة مختلط مما ساعده على إقامة علاقات شائنة مع الجنس الآخر وقد غرق في المعاصي . فماذا يفعل حتى يقلع عما هو فيه ؟ وهل له من توبة فماذا يفعل حتى يقلع عما هو فيه ؟ وهل له من توبة ؟ وما شروط هذه التوبة .
فأجاب : في هذا السؤال مسألتان :
الأولى : ما ينبغي أن نوجه للمسئولين في الدول الإسلامية حيث مكنوا شعوبهم من الدراسة في مدارس مختلطة لأن هذا الوضع مخالف للشريعة الإسلامية وما ينبغي أن يكون عليه الملمون .
ولقد قا صلى الله عليه وسلم (( خير صفوف النساء آخرها وشرها أولها )) وذلك لأن الصف الأول قريب من الرجال والصف الآخر بعيد منهم فإذا كان التباعد بين الرجال والنساء وعدم الاختلاط بينهم مرغباً فيه حتى في أماكن العبادة كالصلاة التي يشعر المصلي فيها بأنه بين يدي ربه بعيداً عما يتعلق بالدنيا فما بالك إذا كان الاختلاط في المدارس ؟ أفلا يكون التباعد وترك الاختلاط أولى ؟ إن اختلاط الرجال بالنساء لفتنة كبرى زينها أعداؤنا حتى وقع فيها الكثير منا .
وفي صحيح البخاري عن أم سلمة رضي الله تعالى عنها قالت : كان رسول ا صلى الله عليه وسلم إذا سلم قام النساء حين يقضي تسليمه وهو يمكث في مقامه يسيراً قبل أن يقول قالت - نرى والله أعلم - أن ذلك كان لكي ينصرف النساء قبل أن يدركهن الرجال .
إن على المسئولين في الدول الإسلامية أن يولوا هذا الأمر عنايتهم وأن يحموا شعوبهم من أسباب الشر والفتنة فإن الله تعالى سوف يسألهم عمن ولاهم عليه وليعلوا أنهم متى أطاعوا الله تعالى وحكموا شرعه في كل قليل وكثير من أمورهم فإن الله تعالى سيجمع القلوب عليهم ويملؤها محبة ونصا لهم وييسر لهم أمورهم وتدين لهم شعوبهم بالولاء والطاعة .
ولتفكر الأمة الإسلامية حكاماً ومحكومين بما حصل من الشر والفساد في ذلك الاختلاط وأحلى مثال لذلك وأكبر شاهد ما ذكره هذا السائل من العلاقات الشائنة التي نحاول الآن التخلص من آثارها وآثامها .
إن فتنة الاختلاط يمكن القضاء عليها بصدق النية والعزيمة الأكيدة على الإصلاح وذلك بإنشاء مدارس ومعاهد وكليات وجامعات تختص بالنساء ولا يشاركهن فيها الرجال .(58/207)
وإذا كان النساء شقائق الرجال فلهن الحق في تعلم ما ينفعهن كما للرجال لكن لهن علينا أن يكون حقل تعليمهن في منأى عن حقل تعليم الرجال . وفي صحيح البخاري عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : جاءت امرأة على رسول ا صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله ذهب الرجال بحديثك فاجعل لنا من نفسك يوماً نأتيك فيه تعلمنا مما علمك الله فقال: (( اجتمعن في يوم كذا وكذا في مكان كذا وكذا)) فاجتمعن فأتاهن رسول ا صلى الله عليه وسلم فعلمهن مما علمه الله ..الحديث وهو ظاهر في إفراد النساء للتعليم في مكان خاص إذ لم يقل لهن ألا تحضرن مع الرجال . أسأل الله تعالى أن يوفق المسلمين عموماً للسير على ما كان صلى الله عليه وسلم وأصحابه لينالوا بذلك العزة والكرامة في الدنيا والآخرة .
أما المسألة الثانية : فهي سؤال السائل الذي ذكر عن نفسه أنه غارف في المعاصي بإقامة العلاقات الشائنة بالجنس الآخر ، ماذا يفعل وهل له من توبة وما شروطها فإني أبشره أن باب التوبة مفتوح لكل تائب وأن الله يحب التوابين ويغفر الذنوب جميعاً لمن تاب منها قال الله تعالى (( قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)) (الزمر:53).
فإذا تبت عن هذا العمل الذي جرى منك فإن الله تعالى يبدل سيئاتك حسنات يقول الله تعالى (( وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً * إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً * وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَاباً)) (الأحزاب:68-71)
وأما شروط التوبة فهي خمسة :
الشرط الأول : أن تكون التوبة خالصة لله عز وجل لا رياء فيها ولا خشية أحد من المخلوقين وإنما تكون ابتغاء مرضاة الله تعالى لأن كل عمل يتقرب به الإنسان إلى ربه غير مخلص فيه فإنه حابط باطل قال الله تعالى في الحديث القدسي " أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملاً أشرك فيها أحداً غيري تركته وشركه "
الشرط الثاني : أن يندم على ما فعله من الذنب ويتأثر ، ويرى نفسه خاطئا في ذلك حتى يشعر أنه محتاج لمغفرة الله وعفوه .
الشرط الثالث : الإقلاع عن الذنب إن كان متلبساً به لأنه لا توبة مع الإصرار على الذنب فلو قال المذنب إني تائب من الذنب وهو يمارسه لعد ذلك من الاستهزاء بالله عز وجل . إنك لو خاطبت أحداً من المخلوقين وقلت له إنني نادم على ما بدر مني لك من سوء الأدب وأنت تمارس سوء الأدب معه فكأنك تستهزئ به والرب عز وجل أعظم وأجل من أن تدعى أنك تبت من معصية وأنت مصر عليها .
الشرط الرابع : العزم على ألا يعود إلى المعصية في المستقبل .
الشرط الخامس : أن تكون التوبة في وقتها الذي تقبل فيه من التائب بأن تكون قبل أن يعاين الإنسان الموت وقبل أن تطلع الشمس من مغربها فإن كانت بعد طلوع الشمس من مغربها لن تنفع لقوله تعلى : (( هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن تَأْتِيهُمُ الْمَلآئِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لاَ يَنفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً قُلِ انتَظِرُواْ إِنَّا مُنتَظِرُونَ)) (الأنعام:158) وهذا البعض هو طلوع الشمس من مغربها كذلك عند حضور الموت لأن الله تعالى قال : (( وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلاَ الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً )) (النساء:18).
هذه الشروط الخمسة إن تحققت فيك فإن توبتك مقبولة إن شاء الله.
الاختلاط بين الرجال والنساء فتنة كبيرة
س/ سئل فضيلة الشيخ محمد الصالح العثيمين حفظه الله :
في الجامعات عندنا بمصر اختلاط شديد بين الطلبة و الطالبات فماذا نفعل ونحن في حاجة لهذه الدراسة لخدمة الإسلام والمسلمين في بلدنا وعدم ترك هذه الأماكن لغير المسلمين يتحكموا بعد ذلك في شئون المسلمين الهامة مثل الطب و الهندسة وغيره ؟
الاختلاط بين الرجال والنساء فتنة كبيرة فتحرزوا منه ما أمكن وأنكروه ما استطعتم نسأل الله لنا ولكم السلامة .([75])
* * *
س / هناك مدارس في بعض البلاد تدعوا إلى التوحيد وإلى الكتاب والسنة غير أن هناك مشكلة وهي أن مدرسي هذه المدارس يعلمون الفتيات والنساء بدون أي حجاب بينهم وبعضهم كاشفات للوجوه . فما نصيحتكم لهؤلاء ؟ وهل يجوز لهم أن يعلموا أولئك الفتيات والنسوة على هذه الصورة ؟ أفيدونا بارك الله فيكم .(58/208)
ج/ لا يجوز الجمع بن الفتيان والفتيات في محيط واحد ولو كن صغيرات ولا يجوز جمعهم للدراسة مع كون الفتيات متكشفات إذا وصلن إلى سن البلوغ أو نحو ذلك فإن جمعهن مع الصبيان في محيط واحد وسيلة إلى الفتنة وإلى وقوع الفاحشة و المنكر ونحو ذلك .
ونحن نقول : مادام إن هذه المدارس تعلم التوحيد وتعلم القرآن والسنة وتعلم الدين الصحيح فإن كانت هذه المدارس حكومية بخاصة فإن على القائمين بها أن يسعوا عند الحكومة في الفصل بينهم ولا يتخلون عنها ويقولون : لا نتولاها وهي على هذه الحلة . أو يقولون لأولياء الأمور .لا تدخلوا بناتكم فيه واقتصروا على تعليمهم التوحيد في منازلهن وفي بيوتهن .
وأما إذا كانت هذه المدارس أهلية يقوم عليها الأهالي بتبرعات ، منهم من يتبرع بعمله ومنهم من يتبرع بماله ونحو ذلك فإن تغييرها سهل يسير بأن يتفق الأهالي على أن يجعلوها قسمين كأن يكون العلوي للذكور والسفلي للإناث أو يحجزوا بينهم بحاجز ويفصلوا بينهم بفاصل . ويتولى البنات نساء مأمونات ويتولى الذكور رجال مأمونون.وبذلك تتم المصلحة ويزول المنكر إن شاء الله.([76])
س / ما حكم اختلاط الطلبة والطالبات في الدراسة الجامعية في الوقت الحاضر ، وبيان الإضرار التي تنجم عن الاختلاط ؟ ([77])
وقد أجاب على هذا السؤال العديد من أهل العلم فمنهم :
ما قاله فضيلة الشيخ علي بن حسن البولاقي ـ عضو هيئة تحرير الموسوعة الفقهية بوزارة الأوقاف بالكويت ـ : ( لا ينبغي أن يشك مسلم في أن الاختلاط المذكور حرام شرعاً لأنه من محركات الشهوات وعوامل إغرائها وتهييجها .
فليس هو أقل من الأمور التي حرمها الإسلام قصداً إلى تطهير الوسط الاجتماعي كالنظر واللمس والخلوة والتكشف وإظهار الزينة والتطيب والخضوع بالقول وإظهار صوت الخلخال ..) إلى أن قال : ( فاختلاط الطلبة والطالبات في الجامعة في الوقت الحاضر ليس كهذا الاختلاط المأذون فيه ، وقد علم بالتجربة أنه لو فتح هذا الباب لم يكن تقييده بالزام الطالبات الملابس الشرعية والأماكن الخلفية ولا بعدم السير مع الطلبة في ساحة الجامعة وبين طرقاتها وفي الصعود والهبوط على درجات السلم ولا بغير ذلك من القيود .
فالذي يفتي بجواز الاختلاط ويقيد فتواه بالقيود التي تجعله متفقاً مع مبادئ الإسلام لا يكون في فتياه ناظراً إلى الواقع لأن هذا الباب متى فتح ضرب بهذه القيود عرض الحائط ، فالفتيا بهذا خيانة لله والرسولل والأمانة وقد قال الله تعالى (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ )) ( الأنفال:27)
وأما النقطة الثانية وهي بيان الأضرار التي تنجم عن الاختلاط على ضوء تجارب الجامعات المختلطة فهي :
أن يروج في الأمة مستقبلا ما هو رائج في أمم الغرب الآن من فقد الحياء وزوال العفة وغلبة الفواحش فتقع الأمراض السرية كالأوبئة ويتبدد نظام العائلة والبيت ويكثر الطلاق والتفريق ويتربى الشبات والشابات على قضاء الشهوات أحراراً من كل قيد ويضيع الفتية والفتيات خير ما أوتوا من قوة العمل وصحة الجسم في شهواتهم المجاوزة لحدود الاعتدال . )
وقال فضيلة الشيخ أبو الأعلى المودودي ـ رئيس الجماعة الإسلامية في باكستان ـ : ( ..التعليم المختلط قد أسفر في أمريكا وأوربا عن نتائج سيئة تكاد تدمر المجتمعات فيها ، وقد بلغ الأمر فيهما إلى أن ما بين ستين بالمائة وسبعين في المائة من مجموع الفتيات اللواتي يدرسن في المعاهد المختلطة مارسن التجارب الجنسية قبل الزواج ، ونسبة اللواتي يحملن منهن أثناء التعليم مرتفعة جدا ، وكل ذلك بسبب التعليم المختلط ، ونرى الصحف الأمريكية والأوربية تصدر مملوءة بالتقارير والدراسات عن هذه الأحداث ..)
وقال فضيلة الشيخ محمد بن نمر الخطيب ـ رئيس جمعية الرابطة الإسلامية في لبنان ـ : ( إن الاختلاط بهذه الكيفية التي جاء شرحها في السؤال لا يختلف في حرمتها اثنان من المسلمين ولا ينكر مساوئها ومفاسدها من له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد ، وكان ينبغي على إخواننا في الكويت أن يعتبروا بما حصل ويحصل في العالم العربي والإسلامي من فوضى خلقية ومفاسد متعددة لم تترك بيتاً ولا مكانا مما سبب هذا التأخير وهذه النكسات المتواصلة وهذا الذل المخيم على بلاد العرب والمسلمين من جراء مخالفتهم لله عز جل ، ومن أشد هذه المخالفات إثما عند الله هذه الفوضى الخلقية الناشئة من الاختلاط ومن ارتداء النساء للألبسة المغرية تقليدا لفجور الأجانب وانحرافا عن دين الله سبحانه وتعالى ..)(58/209)
وقال فضيلة الشيخ نجم الدين الواعظ ـ مفتي الديار العراقية ـ ( لقد وردنا سؤالكم ...يتضمن إرادة البعض جواز اختلاط الإناث الذكور الذي لا يجوزه دين من الأديان السماوية ولا سيما دين الإسلام دين الغيرة والشهامة والمروءة والإنصاف ..إني لأعجب من العربي الأبي المسلم المملوء غيرة وشهامة أن يتساهل في أمر الاختلاط بين الجنسين وماذا يحدث عند تقارب النار مع البنزين وهذا لا ينكره منصف ولو بلغ من العمر الثمانين سنة ولقد جائتنا هذه العدوى من الأجنبي .
لا تربط الجرباء حول صحيحة خوفي على تلك الصحيحة تجرب فماذا دهاكم وأنتم عرب خلص معزولون عن الأغيار ..)
وقال فضيلة الشيخ عبدالله القلقيلي ـ مفتي المملكة الأردنية سابقا ـ : ( الاختلاط الذي يكون بجلوس الطالب إلى جانب الطالبة في المقاعد التي يستمع فيها الطلاب الدروس وفي الساحات والذي يتمكن فيه الطلاب من خلوة بعضهم ببعض ، هذا الاختلاط مما لا يبيحه الشرع الإسلامي بل يحظره ويكرهه وينكره ، وذلك لما يؤدي إليه من الفساد وذهاب الفضائل وهتك الحرمات وإنمحاء الآداب ومس الكرامات كما أنه يؤدي إلى امتناع الطلاب عن الدرس والجد في سبيل كسب العلوم والمعارف والانقياد إلى هوى النفس وذلك مما لا نزاع فيه ولا ينكره إلا كل مكابر للباطل منقاد ومناصر ، وأن ما كان كذلك فإن الشرع الإسلامي يمنعه ويحاربه ويمقته كما أنه من المعلوم من الإسلام بالضرورة أن من قواعده سد الذرائع إلى الشرور والمفاسد ..)
وقال فضيلة الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله : ( إن من الغريب أن يوجد في أمة مسلمة عربية اختلاط الجنسين في الجامعات والمدارس مع أن دين الإسلام الذي شرعه الخالق السموات والأرض على لسان سيد الخلق r يمنع ذلك منعاً باتا والشهامة العربية والغيرة الطبيعية العربية المملوءة بالأنفة تقتضي التباعد عن ذلك وتجنبه بتاتاً وتجتنب جميع الوسائل المفضية إليه ...)
فهرس الكتاب
المقدمة .....................................................
…
1
المبحث الأول : نتائج الدراسات الغربية ...................
…
6
المبحث الثاني : نتائج الدراسات الإسلامية ................
…
17
المبحث الثالث : أقوال أهل العلم .........................
…
28
المبحث الرابع : آثاره على الطلاب والطالبات ..............
…
30
المبحث الخامس : الفصل بين الجنسين رغبة الغالبية العظمى
…
65
ملحق بفتاوى العلماء ......................................
…
70
(1) أول شرارة قدحت للاختلاط على أرض الإسلام من خلال: المدارس الاستعمارية الأجنبية والعالمية، وتبدأ من رياض الأطفال إلى التعليم الجامعي ، و أول ما فتحت هذه المدارس في بلاد الإسلام في: (لبنان) بإنشاء مدرسة للبنات في الإمبراطورية العثمانية سنة 1830م ؛ لأن البنات سيكن أمهات فإذا تربين في هذه المدارس النصرانية أثرن على أولادهن .. وكانت تُعنَى ببنات الأسر والبيوت الكبيرة اللاتي ستكون لهن السيطرة على الجيل المقبل ، ولهذا قال بعض دعاتهم : إن مدرسة البنات في بيروت هي بؤبؤ عيني . وفي الكويت ، أول مدرسة فُتحت عن طريق الإرسالية الأمريكية للتبشير سنة 1917م ، وقد تولت التدريس فيها مزميلرا ولكن قُوبلت بمعارضة شديدة من قبل الكويتيين مما أضطر إلى إغلاقها ، ثم فُتحت أول مدرسة للبنات سنة 1937م ، وفي عام 1956م انطلقت أول بعثة للطالبات الجامعيات للالتحاق بكليات جامعة القاهرة .( حراسة الفضيلة )
(1) جريدة الرأي العام 22/يونيو /2000 م مقال للدكتور عبد الله بن يوسف سهر ، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة الكويت .
(1) جريدة الرأي العام الكويتية /29/07/2002م . محمد الصديقي ، كاتب كويتي . وانظر : مجلة المعرفة ص 149 . 01/10/2002م .
(1) انظر :موقع لها أون لاين تقرير كتبته سحر الأمير و نوال المجاهد بعنوان : ( التعليم المختلط ) .
(1) جريدة الوطن الكويتية 12/ يوينو /2000م .
(1) انظر : رسالة ماجستير بعنوان ( أثر مشكلتي الاختلاط والمنهاج التعليمي على تعليم الفتاة المسلمة في الجامعات الأردنية ) ص 32 إلى ص 46 .
(1) انظر : المجلة العربية للتربية المجلد السادس عشر ـ العدد الأول 1417هـ بحث بعنوان ( الاتجاه نحو الاختلاط بين الجنسين لدى عينة من طلاب جامعة الكويت ) د . عبد اللطيف محمد خليفة .
(2) المرجع السابق .
(1) موقع لها أون لاين بعنوان : ( المرأة والتعليم المختلط ) ..وقد نشرت في مجلة المرأة. دمشق. 1948م
(1) جريدة السياسة 2 /أكتوبر /2001م .
(2) جريدة السياسة /20/نوفمبر /2000 م .
(1) انظر : مكانك تحمدي ص 89 ـ 90 .
(2) موقع لها أون لاين : مقال بعنوان : ( التعليم المختلط ) .
(1) فتاوى النظر والخلوة والاختلاط ص 25 . جمع محمد المسند .
(1) الصارم المشهور ص 91 .
(2) حراسة الفضيلة ص 97 .
(1) استفدت في هذا المبحث من رسالة د . فؤاد آل عبدالكريم الموسومة بـ ( قضايا المرأة في المؤتمرات الدولية ) ص 542 وما بعده .
(2) مكانك تحمدي ص 91 .
(3) مكانك تحمدي ص 87 .
(1) انظر : جريدة الوطن (595) .(58/210)
(1) ذكريات الشيخ علي الطنطاوي ( 5/268 - 271 ) .
(2) آفاق عربية 28 / أكتوبر /1999م .
(1) انظر: إلى غير المحجبات أولاً/ محمد سعيد مبيض ص91.
(2) جريدة الرياض - العدد (( 11447 )) بتاريخ 18/7/1420هـ، الموافق 27/10/1999م.
(1) انظر: جريدة الرياض - العدد (( 9254 )) بتاريخ 10/5/1414هـ الموافق 25/10/1993م.
(2) جريدة المسلمون - العدد (( 411)) بتاريخ 24/6/1413هـ الموافق 18/12/1992م.
(1) مجلة المجتمع - العدد (( 916 )) بتاريخ 29/7/1411هـ.
(2) جريدة الوطن الكويتية 12/يونيو /2000 م .
(3) جريدة السياسة :2/ أكتوبر /2001 .
(1) يناير 1956م .
(2) انظر : مكانك تحمدي ص 89 ـ 90 .
(3) انظر : موقع لها أون لاين ...عنوان المقال / مصر: نائب إخواني يطالب بمنع الاختلاط .
(1) جريدة الرياض 27/9/2003 .
(2) جريدة المساء 29/10/2003م .
(1) آفاق عربية /28/أكتوبر /1999م .
(1) جريدة الوطن الكويتية 12/يونيو /2000م .
(2) جريدة القبس الكويتية/ 03ـ 03 ـ 2004 ، عن صحيفة لوفيغارو الفرنسية
(1) المرجع السابق.
(1) انظر: جريدة الرياض - العدد (9150) بتاريخ 26/1/1414هـ الموافق.
(2) المرجع السابق.
(1) عمل المرأة في الميزان ص 191 . د . محمد علي البار .
(1) كتاب الاختلاط بين الجنسين . ص 41 .
(1) مجلة المجتمع الكويتية - العدد (340) - 7/6/1400 - ص11.
(1) أفول شمس الحضارة الغربية/ مصطفى فوزي غزال ص156.
(2) انظر:جريدة الرياض عدد( 8425 ) بتاريخ 8/1/1412.
(1) بحوث حول: الاعتداءات الجنسية على الطالبات بالكليات فريق البحث :مايكل جي تيرنز ، فرانسيس تي كولن ص5 .
(1) جريدة الوطن الكويتية 21/يناير /2000 م . مقاله كتبه الدكتور / عبد الرحمن الجيران .
(2) عمل المرأة في الميزان ص 192 . د . محمد بن علي البار .
(1) عودة الحجاب (3/59) .
(1) جريدة المسلمون - العدد (( 480 )) بتاريخ 4/11/1414هـ الموافق 15/4/1994م.
(1) جريدة الرياض - العدد (( 8637 )) بتاريخ 13/8/1412هـ الموافق 16/2/1992م.
(1) في عددها رقم (( 9250 ))، بتاريخ 14/3/1413هـ.
(1) www.albayan.co.ae/albayan جريدة البيان الإماراتية /الثلاثاء 24 شوال 1422 هـ
(1) وهذا ما أكدت دراسة فاطمة محمد رجا مناصرة وقد تقدم ذكرها في مبحث الدراسات الإسلامية .
(1) بحوث حول: الاعتداءات الجنسية على الطالبات بالكليات فريق البحث :ما يكل جي تيرنز ، فرانسيس تي كولن.ص3 .
(1) جريدة البيان 2 فبراير 1999 م .
(2) جريدة الشرق الأوسط - العدد 147 - بتاريخ 4/12/1978م.
(1) جريدة الوطن الكويتية 12 ، يونيو ، 2000 م .
(1) جريدة الوفد 2 /يونيو /2000 مقال كتبه / محمد سعيد القارح .
(1) انظر : كتاب إلى كل أب غيور ص 29 . عبد الله علوان .
(1) من أجل تحرير حقيقي للمرأة . ص 169ـ 170 .
(1) لم يتطرق هؤلاء المسؤولون إلى أن الاختلاط بين الجنسين في التعليم، كان السبب في هذه المشاكل.
(2) جريدة الرياض - العدد 11794 - بتاريخ 11/7/1421هـ، الموافق 8/10/2000م.
(1) مجلة المعرفة /1/10/2002 .
(2) في عددها رقم (( 9250 ))، بتاريخ 14/3/1413هـ.
(1) مجلة الدعوة - العدد رقم (( 1274 )) بتاريخ 24/6/1411هـ الموافق 10/1/1991م.
(1) من أجل تحرير حقيقي للمرأة/ محمد رشيد العويد ص 168،169.
(2) المرجع نفسه ص 168.
(3) جريدة المساء 29/10/2003 م .
(4) جريدة السياسة /2/اكتو بر /2001 .
(1) جريدة الأنباء 26 /يونيو /2000 م .
([72]) مجلة البحوث الإسلامية العدد 15 ص 6 إلى 11 .
[73])) مجموع فتاوى ومقالات_الجزء الخامس
[74])) النخبة من الفتاوى النسائية لابن جبرين 44-49(37)
([75]) فتاوى المرأة المسلمة :573-574.
([76]) فوائد وفتاوى تهم المرأة لابن جبرين :ص165-166.
([77]) هذا السؤال وجهته ( جمعية الإصلاح الاجتماعي في الكويت ) إلى عدد من أهل العلم ننقل طرفا من كلامهم ومن أراد الاستزادة فليرجع إلى الأصل وهو بعنوان ( حكم الإسلام في الاختلاط ) ط/1389هـ .
==============(58/211)
(58/212)
تحرير المرأة
كانت كثير من الأمم تستعبد المرأة وتذلها، ومنهم العرب في الجاهلية، ولست أريد الإفاضة في الحديث عن ذلك فالأمر يطول، وإنما نكتفي بمثال عن عدة المتوفى عنها زوجها، فإن المرأة إذا توفي عنها زوجها تعتد حولاً كاملاً، وتحد عليه شر حداد وأقبحه، فتلبس شر ملابسها، وتسكن شر الغرف، وهو ما يسمى بالحفش وهو بيت صغير مظلم داخل البيت، وتترك الزينة والتطيب والطهارة، فلا تمس ماء، ولا تقلم ظفراً، ولا تزيل شعراً، ولا تظهر للناس في مجتمعهم طيلة عام كامل، فإذا انتهى العام خرجت بأقبح منظر، وأنتن ريحه، فتؤتى بدابة حمارٍ أو طير فتقتفي به- أي تمسح به قبلها- فلا يكاد يعيش ما تقض به، بل يموت من شدة نتنها وريحها، ثم تنتظر مرور كلب لترمي عليه بعرة احتقاراً لهذه المدة التي قضتها، وتعظيماً لحق الزوج عليها، ففي الصحيحين عن أم سلمة- رضي الله عنها- قالت: جاءت امرأة إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم - فقالت: يا رسول الله، إن ابنتي توفي عنها زوجها، وقد اشتكت عينها، أفنكحلها؟ فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: (( لا.. مرتين أو ثلاثاً، كل ذلك يقول: لا، ثم قال- صلى الله عليه وسلم -: (( إنما هي أربعة أشهر وعشر، وقد كانت إحداكن في الجاهلية ترمي بالبعرة على رأس الحول)).(58/213)
فقالت زينب: كانت المرأة إذا توفي عنها زوجها دخلت حفشا، ولبست شر ثيابها، ولم تمس طيباً ولا شيئاً حتى تمر عليها سنة، ثم تؤتى بدابة حمارٍ أو طيرٍ أو شاةٍ فتقتفى به، فقلما تقتفى بشيء إلا مات، ثم تخرج فتعطى بعرة فترمي بها، ثم تراجع بعد ما شاءت من طيب أو غيره، فهذه صورة من صور العنت والشقاء، الذي كانت تلاقيه المرأة، وهو مما رفعه عنها الإسلام، لكن لم يرض الإسلام للمرأة أن تسلك مسالك الجاهلية في التبرج والاختلاط بالرجال كما هو حال الجاهلية في كثير من العصور، ولا أظنها بلغت في عصر مضى مبلغ جاهلية هذا العصر، الذي اتخذ من المرأة سلعة ولعبة يلهوا بها، فإذا ملها رماها في سلة المهملات، فقد استغلوا المرأة في كل شيء. ولم يصنعوا شيئاً، وإنما نقلوها من استعباد إلى استعباد آخر، فباسم الحرية للمرأة استخدم الرجال المرأة مصيدة لجمع المال،ومطية لتحصل المتعة واللذة، وإنما يحظى بذلك الجميلات فقط، وفي سن معينة فقط، فإنها إذا وصلت إلى سن الخامسة ولأربعين تقريباً تكون قد انتهى دورها، وانتهت وقضي عليها، ولذا نجد المرأة في السويد أخذت تطالب بمنع استغلال المرأة في الدعاية التجارية، ونحن نرى اليوم كيف تستغل المرأة في الدعاية للمنتوجات والسلع المختلفة، وقد استعان منتجو السيارات، استعانوا بفتيات وهن شبات عاريات، وذلك بقصد تنشيط حركة الشراء، وقد بدأت حتى أفجر الممثلات في الغرب يشعرن بسقوط المرأة أمام قدمي الرجل ونفسيته الجشعة، فقد نشرت صحف العالم قبل ما يقرب من عشر سنوات أن ممثلة فرنسية بينما كانت تمثل مشهداً عارياً أمام الكاميرا، ثارت ثورة عارمة وصاحت في وجه الممثل والمخرج قائلة: أيها الكلاب أنتم الرجال لا تريدون منا النساء إلا أجسادنا، حتى تصبحوا من أصحاب الملايين على حسابنا، ثم انفجرت باكية، فهذه المرأة قد استيقظت فطرتها في لحظة واحدة، بالرغم من الحياة الفاسدة التي مرت فيها، وأعظم منها قضية أشهر ممثلة في العالم في الإغراء، والتي أحدثت ضجة في وقتها، حينما انتحرت وتركت رسالة وجد على غلافها كلمة تطلب فيها عدم فتح هذه الرسالة قبل وفاتها، وفتح المحقق الذي يحقق في القضية الرسالة، فوجدها مكتوبة بخط هذه الممثلة نفسها واسمها (مارلين مونرو)، وهي موجهة إلى فتاة تطلب نصيحة مارلين عن الطريق إلى التمثيل، فردت مارلين في هذه الرسالة التي وجهتها إلى هذه الفتاة وإلى كل من ترغب بالعمل في السينما فتقول: احذري المجد، احذري كل من يخدعك بالأضواء، إني أتعس امرأة على هذه الأرض، لم أستطع أن أكون أماً، إني امرأة أفضل البيت،الحياة العائلية الشريفة على كل شيء، إن سعادة المرأة الحقيقية في الحياة العائلية الشريفة الطاهرة، بل إن هذه الحياة العائلية لهي رمز سعادة المرأة، بل الإنسانية، ثم تقول في نهاية الرسالة: لقد ظلمني كل الناس، وإن العمل في السينما يجعل من المرأة سلعة رخيصة تافهة مهما نالت المجد والشهرة الزائفة، إني أنصح الفتيات بعدم العمل في السينما وفي التمثيل، إن نهايتهن إذا كن عاقلات كنهايتي. ويكاد يجمع كل من زار الغرب، ومن المسلمين بخاصة على أن المرأة هناك في وضع مؤلم لا تحسد عليه لما تعانيه من الشقاء والابتذال في سبيل لقمة العيش أو رغبتها في أن تكون مثل الرجل تماماً، وقد استطع الرجل الغربي أن يستغل ضعف المرأة في هذه الناحية فسخرها إلى أقصى الحدود في سليل منافعه المادية وشهواته الجنسية وقليل من النساء هناك يحتللن مراكز مرموقة، بينما تعيش ملايين النساء هناك حياة شقية مضنية أوقعتها في رق من نوع جديد لم تعرفه المرأة في أي عصر مضى، بل تعدى ذلك الشقاء إلى الأسر والعائلات، فلم يعد الزوج يطيق من الزوجة الحياة معها على تلك الحال، وبدلاً من أن تكون الزوجة هي التي تهرب من الزوج كما هو معهود في كل مجتمع، فقد تغير الوضع هناك في الغرب وأصبح الرجل هو الذي يهرب، وقد أنشئت منذ زمن هيئة في نيويورك مهمتها البحث عن الزوجات والأزواج الهاربين من بيوتهم، وأعلنت هذه الهيئة أنه قد اتضح من العمليات التي قامت بها في عام 1952م أن في الولايات المتحدة سبعين ألف زوج هارب من زوجته مقابل 15 زوجة فقط هاربات من أزواجهن. وأصبح الغرب الآن يرغب في الرجوع إلى حياة الأسرة الهادئة، فقد جاء في كتاب (فتاة الشرق في حضارة الغرب) لمحمد جميل بيهم قوله: وجدير بالذكر الإشارة إلى أنه حتى النساء اللواتي قضي عليهن بمغادرة المنزل وراء الكسب، غلب عليهن الأسى والندامة لهذا المصير، وأكبر دليل على ذلك: الاستفتاء الذي قام ب معهد غالوب في أمريكا وهو معهد مهمته الاستفتاءات العامة لتحديد اتجاهات الرأي العام، فقد قام هذا المعهد باستفتاء عام في جميع الأوساط في الولايات المتحدة بصدد تعيين رأي النساء الكاسبات في صدد العمل، وإذا هو ينشر الخلاصة الآتية: إن المرأة الآن متعبة، ويفضل 65% من نساء أمريكا العودة إلى منازلهن- كانت المرأة تتوهم أنها بلغت أمنية العمل، أما اليوم فقد أدمت عثرات الطريق قدمها، واستنزفت الجهود قواها، فإنها تود الرجوع إلى عشها والتفرغ لاحتضان فراخها.(58/214)
فلا شك بأنكم ترون بأعينكم ما وصلت إليه أمتنا من تقليد الغرب في نواحي شتى، ومن ذلك في قضية المرأة، فإضافة إلى ما سبق أن ذكرناه، فإنا نجد أن المرأة أيضاً في بلدان العالم الإسلامي قد استغلت استغلالاً تجارياً ليتمتع الرجال بجسدها ومنظرها، وهذا كثير، ومن أمثلة ذلك: استغلالها في الدعاية التجارية كما يشاهد في التلفاز، وفي السلع التجارية كالصابون وأنواع الشامبو، والألبسة، والعطورات وغير ذلك كثير من البلاء الذي داهمنا، ونجد أنها اتخذت سلعة في الطائرات كمضيفات، وفي المستشفيات والمستوصفات، وغير ذلك. وتأخذ منك الدهشة مأخذها حينما تتساءل ما السر وراء جعل من يقوم بهذا العمل، هذه المرأة التي انتقيت بسبب جمالها، وأضافت إليه أنواعاً من الزينة المصطنعة، كل ذلك لأجل أن تقدم إلى كأساً من العصير أو الشاي؟ كل ذلك لأجل أن تناول الطبيب الأداة الفلانية، أو تأخذ درجة حرارة المريض ومقياس ضغطه، أفلا يستطيع الرجل أن يقوم بكل ذلك؟ وتبقى المرأة مصونة مكرمة عن الابتذال للرجال بهذه الصفة التي تدعوك للوقوع في سخط الله؟ فتنظر إلى ما حرم الله عليك؟ أو لستم تدعوننا بلسان الحال للوقوع في الفاحشة؟ إننا أصبحنا كالفارس في وسط الميدان، وقد وجهت له السهام من جهات عدة، فإن ذهب يصد هذا فلا يؤمن عليه أن يصيبه ذاك، فإن حماه الله بحماه وإلا فيا لضعفه، إننا نجد أن مجتمعنا الإسلامي المحافظ قد رمي بما ذكرنا، وما لم نذكر أكثر، فقد كثرت الأجواء الموبوءة التي يختلط فيها الرجال بالنساء، وكلنا يرى تلك الحدائق[1] التي يرتادها الرجل عديم الغيرة بنسائه ليتبادل مع الآخرين النظرات، ولقد رأيت بنفسي ما يحزن قلب كل مؤمن، فما السر وراء انتشار الحدائق بهذه الكثرة؟ وإن كان هناك عذر يعتذر به، فلماذا لا يكون للنساء حدائق خاصة بهن أو أيام؟ ولقد توفرت الأسواق والمجمعات التجارية التي يختلط فيها الرجال بالنساء، ويأتيها الرجل الفاسق عن أمر ربه لا لقصد الشراء، وإنما لقصد التصيد لفاسقة مثله، أو لظفر بالنظر على الأقل، مع أن واجبنا نحن المسلمين أن نعمل على كل ما من شأنه إبعاد المجتمع عن الوقوع في المعاصي والآثام، ولقد توفرت وسائل النقل بالأجرة وكثر السائقون، وأصبح من الميسور للمرأة أن تذهب مع السائق إن وجد لأي مكان شاءت، وإذا لم يوجد السائق فسيارات الأجرة (الليموزين) موجودة في كل بقعة، ويمكن استدعاءه عن طريق الهاتف، وأصبح الكل يرى من المناظر المخزية ما يجعله يتوقع نزول العقوبة عما قريب.
وليس أدل على هذا مما يشاهد في هذه الأيام من قيام هؤلاء المستهترين بالأمن والقيم والأخلاق في حال النشوة والسكر بالكرة، والافتتان بها، من إيذاء الناس في طرقاتهم، واعتراض محارمهم، وقيام بعض الفتيات بالذهاب مع السائقين لمجارات هؤلاء المجانين في هوسهم، فقد اعترض هؤلاء المفتنون سيارة أجرة (ليموزين) في نفق من الأنفاق، في ساعة متأخرة من الليل، وفيها نساء، فاستوقفوها، وأخذوا يطلبون من النساء النزول منها أمام جمهرة من الناس وازدحامهم، وكأنهم قد رفع عنهم القلم ما دام ذلك في نشوة النصر[2]، معركة من أشرس المعارك التي استطعنا بها افتتاح قلاع وحصون الأعداء، فيا له من نصر؟!!
وليس اللوم على هؤلاء الشبان فقط، بل اللوم على الجميع، إذا يجب على كل منا أن يحرص على صون محارمه من الذهاب وحدهن مع هؤلاء السائقين، وأن يحرص على صونهن أيضاً من الانسياق وراء هذه المتاهات والمزالق بحجة تشجيع النادي أو الفريق الفلاني، ويجب على المسئولين أن يتقوا الله في شباب المسلمين، وإن يتقوا الله في بنات المسلمين، فإنهم سيسألون عنهم يوم القيامة، وإن هذه الحوادث التي تحدث من مجانين الرياضة لهي نذير شؤم، وطالع خطر يهدد بفقدان الأمن الذي ننعم به، وإنه سيؤدي حتما إلى استفحال الداء، وتعسر الدواء، فإنهم اليوم يفعلون ما يفعلون بحجة الانتصار في الكرة، وسيأتي لهم يوم يستخفون فيه برجال الأمن كما استخفوا بهم في هذه اللحظات، ثم تكون النتيجة مروعة، فهل ما يحدث الآن أمر عفوي، وزلة من الزلات؟ أو هي مكيدة لإغراق شبابنا وشاباتنا في فتنة نارها تتأجج، ولا يعلم مداها إلا فاطر الأرض والسماء.
[1] الملاهي والمنتزهات.
[2] المزعومة، وكأننا قد خفنا.
============(58/215)
(58/216)
تنبيه الغيور على تهافت شُبه دعاة السفور
الحمد لله, وأصلي وأسلم على رسول الله وبعد,
فقد أثار دعاةُ السّفور عدداً من الشُبه تأييداً لرأيهم في السّفور وكشف الوجه وهي شُبه ضعيفة الحجة ، واهية الأساس ، لا يعسر على كلّ منصف دحضها بسهولة ، ودمغها بطرفة عين .
الشبهة الأولى :
- يقول بعضهم لو أنّ الدين الإسلامي أمر بستر وجه المرأة لما كان هناك حاجة لأمر الرجال بغض البصر ، فعن أي شيء يغضون أبصارهم ما دامت النساء يرخين الحجاب على الوجوه ؟! .
يقول الشيخ محمد الغزالي[1] - سامحه الله - : (إذا كانت الوجوه مُغطاة فممّ يغض المؤمنون أبصارهم ؟ كما جاء في الآية الشريفة : ((قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبير ٌ بِمَا يَصْنَعُونَ)). (النور:30) .
أيغضون عن القفا والظهر ؟ الغضُّ يكون عند مطالعة الوجوه بداهة ، وربّما رأى الرجل ما يستحسنه من المرأة فعليه ألا يعاود النظر عندئذ كما جاء في الحديث قال رسول ا صلى الله عليه وسلم لعلي - رضي الله عنه - : (( يا علي لا تتبع النظرة النظرة ؛ فإنّ لك الأولى وليست لك الآخرة )) .
الجواب من وجوه :
1- أنّ الدعوى والشبهة المذكورة حجة عقلية لا ينبغي أن تُقدم على الأدلة النقلية الشرعية الثابتة ، ولو كان الدين يؤخذ وفق هذه المسالك العقلانية ، لاضطرب نظامه وتهدّمت أركانه ، واختل توازنه ، وحار أتباعه ! ولكنّه تنزيلٌ من حكيم حميد ، نزل به الروح الأمين .
2- أنّ الأمر بغض البصر لا يبرر كشف النساء لوجوههن لأنّ العليم الخبير ، يعلم أنّ المجتمعات الإنسانية لن تخلو من كافرات سافرات ، ومشركات عاهرات وكتابيات متبرجات ، ومسلمات فاسقات فلزم غض البصر عمن لم يلتزمن الحجاب من هؤلاء وأشباههن .
3- لا أحد يدّعي أنّ الأمر بغض البصر يكون عن المسلمات فقط بل هي عامة والنصوصُ المستفيضة في الكتاب والسُنّة لم تفرق بين مسلمة وكافرة . فكان غضّ البصر مقاماً راسخاً من مقامات السلوك الإسلامي الشريف .
4- إنّ الاحتجاج بآية غض البصر على جواز سفور الوجه منهج غير منضبط ، ومسلك غير محكم وإلا لأبحنا كشف الشعر والنحر بل واليدين والساقين والركبتين لأنّ الرجال ملزمون بغض الأبصار ؟! .
5- أنّ المرأة مهما بالغت في التستر فإنّه قد يحدث في بعض الأحيان أن ينكشف شي رغماً عنها ، كأن تعصف الريح فتكشف شيئاً من أعضائها أو يفاجأ الأجنبي برؤيتها أو تحتاج للكشف ( للخطبة ، أو العلاج أو الشهادة ) فيكون نظر الرجل إليها بقدر الحاجة وما زاد عن ذلك فيكون منهياً عنه .
( الشهب والحراب على من حرّم النقاب ص (111) .
أقوال المفسرين في معنى الآية .
قال ابن كثير (التفسير 6/ 43) : ( هذا أمر من الله تعالى لعباده المؤمنين أن يغضوا من أبصارهم عمّا حرّم عليهم فلا ينظروا إلا ما أباح الله لهم النظر إليه ، وأن يغضوا أبصارهم عن المحارم ، فإن اتفق أن وقع البصر على مُحَرم من غير قصد فليصرف بصره عنه سريعاً ) .
الشبهة الثانية:
قالوا في قوله تعالى : ((لَا مِن بَعْدُ وَلَا أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ)) . (الأحزاب: 52 ).
فلو كانت الوجوه محتجبة لما أمكنه معرفة حُسن وجوههن ومن ثم الإعجاب بتلك الوجوه الحسناوات !! .
يقول الدكتور يوسف القرضاوي[2] : ( وهذه الآية تقرر أنّه لا يحل للنبي r الزواج من بعد ولو أعجبه حسن بعض النساء ، والإعجاب يكون نتيجة الرؤية ، والرؤية تقتضي كشف الوجه ، والمقصود بالرؤية : الرؤية العابرة عند اللقاء بالرجال أو المرور أمامهم .. فمن أين يعجبه حُسْنهن إذا لم يكن هناك مجال لرؤية الوجه الذي هو مجمع المحاسن للمرأة باتفاق ..) .
الجواب عن هذه الشبهة :
1- وكما تقدم في الجواب عن الشبهة الأولى فإنّ المجتمعات الإنسانية لن تخلو من نساء سافرات أما بسبب الديانة كالكتابيات أو الجهل كالأعرابيات أو بسبب صغر السن أو غير ذلك .
فالمحتج بالآية على السفور موغل في تصور وافتراض المثالية في المجتمعات البشرية ، يظن أنّ كلّ المجتمع في شقه النسائي على قلب امرأة واحدة تقوى وورعاً والتزاماً .
وقد غاب عن ذهنه أنّ مجتمع المدينة كان يغصُّ بالكتابيات من قبائل اليهود المشهورة آنذاك كبني النضير وقريظة وقينقاع .
2- إنّنا نتساءل ألا يوجد وسيلة لمعرفة حُسن المرأة إلا برؤيتها المباشرة سافرة ؟ ألا يمكن أن يعرف حسن المرأة بالوصف ، وبواسطة النقل أو الاشتهار والتواتر ؟!
ألم يصح عن صلى الله عليه وسلم من حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قوله ( ولا تنعت المرأة المرأة لزوجها كأنه يراها ..
3- قال السيوطي في الإكليل (ص 213) : قوله تعالى : ((ولو أعجبك حُسنهن )) (الأحزاب:52) .
قال ابن الفرس فيه دليل على جواز النظر من الرجل إلى التي يريد نكاحها ) .
الشبهة الثالثة :
أنّ السفور كذلك ضروري في معرفة شخصية المرأة عند الإدلاء بالشهادة أو في حالة الكشف عن الجنايات !
الجواب :(58/217)
إنّ مسألة تعميم حكم شرعي لعامة الناس لا ينبغي أن يخلط مع مسألة خاصة وحالات خاصة .
فكوننا نحتاج احتياجاً لا مفر منه للكشف عن شخصية امرأة ما للإدلاء بالشهادة أو التحقيق في جناية لا يُخوِّل لنا أن نفتي بجواز سفور كل النساء من أجل حادثة عين ، وخصوصية شخصية !!
والشارع الحكيم لم يُغفل إيجاد الرُّخص عند الحاجة وإباحة المحظورات عند الضرورات فالله يقول : ((وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ)) . (الأنعام:119) .
ومن ذا الذي يمنعُ من القائلين بوجوب ستر وجه المرأة من كشفه عند الحاجة من شهادة أو خطبة أو تحقيق جناية ؟! .
في صحيح البخاري قال سعيدُ بن أبي الحسن للحسن : إنّ نساء العجم يكشفن صدورهن ورؤوسهن ؟ قال : اصرف بصرك عنهن ، يقول الله عز وجل : (( قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ)) (النور:30) .
الشُبهة الرابعة :
أن كشف الوجه يزيل[3]المشقة في التغطية لا سيما في المناطق الحارة فيكون النقاب رهقاً وعناءً !!
بل إنّ عبد الحليم أبا شقة ليعتبر الحجاب وإن كان للرأس فقط دون الوجه والكفين مصيبة تتطلب الصبر والرضا بالقضاء والقدر .
ففي كتابه تحرير المرأة ( 4/ 229) يقول : ( إن كان في الستر الشرعي لجميع البدن عدا الوجه والكفين والقدمين بعض مشقة على المرأة في الأجواء الحارة فهذا أمر قد كتبه الله على بنات آدم ، وعلى المرأة الصبر والرضا بقضاء الله)!!!
والجواب عن هذه الشبهة
أن نقول : ولنا أن نعكس القضية ؛ فما ذا عساه تكون الحال في البلاد الباردة ألا يكون دفئاً وراحة ؟!!
ثم هل في أحكام الشريعة مشقة والله يقول : ((طه مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى))
ويقول : (( ماجَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ)) . (طه:1) .
ويقول عن نبيه عليه الصلاة والسلام : (( يَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)) (الأعراف: 157) .
وغير ذلك من الآيات الكثيرة .
ثم لو كانت القضايا الشرعية تُعامل بهذه الصورة الفوضوية لساغ لنا أن نهجر المساجد في شدة الحر ونؤجل الحج في المواسم الحارّة وغير ذلك ممّا يؤدي بنا إلى الانسلاخ من شرائعنا ، والتخلص من شعائرنا عياذاً بالله .
الشبهة الخامسة:
ومن الشُبه كذلك بل من الدعاوى الجريئة :
(إنّ تغطية الوجه بالنقاب أو البرقع للطالبات تطرف لا يقره الشرع الإسلامي ، ولا ترتاح إليه اللوائح والتعليمات المدرسية أو الجامعية ، وما هو إلا شذوذ مظهري مريب ) [4] .
بل بالغ أحدهم [5] إلى أبعد من ذلك فزعم أنّ تغطية الوجه بدعة ، وأن من حجبت وجهها آثمة تستوجب العقوبة من الله عز وجل ، ووضع في ذلك كتاباً أسماه : (تذكير الأصحاب بتحريم النقاب) !! .
الجواب عن هذه الفرية :
إنّ هذه الدعوى الجريئة ، والفرية الخطيرة لو صدرت عن شخص مجهول لقلنا جازمين إنّه لم يشم للعلم رائحة ولم يطلّع من التفسير على كتاب واحد ، ولم يتأمل من السُنّة أي حديث ولو كان ضعيفاً أو موضوعاً !! لكن أن يتصدى لهذه الدعوى الغليظة شخص كالغزالي فهو أمر غاية في العجب ، ونهاية في الغرابة !!
فكيف يكون تغطية الوجه بالنقاب أو البرقع للطالبات تطرف لا يقره الشرع الإسلامي ؟!!
دعونا من إعادة ذكر الأدلة التي تناهز الخمسين دليلاً على وجوب تغطية الوجه لعموم النساء ، ونكتفي فقط بما يدّعيه كلُّ مبيحي السفور بأنّ النصوص الواردة في حجاب الوجه خاصة بأزواج صلى الله عليه وسلم فنقول فهل كان تغطية عائشة رضي الله عنها التي مات رسول ا صلى الله عليه وسلم وهي ذات ثمان عشرة سنة فقط - أي أصغر من كثير من طالبات الجامعات التي يشير إليهن الغزالي - أقول هل كان تغطية عائشة لوجهها تطرفاً لا يقره الشرع الإسلامي ؟! أليس حجاب أمهات المؤمنين - على الأقل - محلّ إجماع بين علماء الإسلام كافة ؟! .
أفيجتمعون على تطرف لا يُقرِّه الشرعُ الإسلامي ؟! وهل كانت أمهات المؤمنين - رضي الله عنهن - متطرفات ؟! وهل كان نبيُ الرحمة والشفقة والعدل والوسط متطرفاً ؟!
ثم قوله : ( ولا ترتاح إليه اللوائح ، والتعليمات المدرسية أو الجامعية ) فأقول متى كانت اللوائح والتعليمات المدرسية أو الجامعية حاكمة على شريعة صلى الله عليه وسلم ؟
وهل ارتاحت تلك التعليمات واللوائح يوما ما إلى شريعة الإسلام ؟ وهي التي استوردت بعجرها وبجرها من لوائح وتعليمات وقوانين أوربا ؟!(58/218)
أليس الذي استورد تلك التعليمات واللوائح والقوانين هو طه حسين وشرذمته إبان توليه منصب وزير المعارف في مصر وهو القائل بالحرف الواحد : ( السبيل أن نسير سيرة الأوربيين ونسلك طريقهم لنكون لهم أنداداً ، ولنكون لهم شركاء في الحضارة خيرها وشرها ، حلوها ومرها ، وما يحب منها وما يكره وما يُحمد منها وما يُعاب ) (الاتجاهات الوطنية 2/ 229)
ثم هل الطالبات في مدارس وجامعات مصر اكتفين بكشف الوجه والكفين أم حسرن عن الشعور والنحور، والأذرع والسيقان ؟!
وهل هذا هو ما يقره الشرع الإسلامي ؟!
أم تتفق فقط مع التعليمات واللوائح الغربية المستوردة ؟! .
ثم قوله : (وما هو إلا شذوذ مظهري مريب ) !!
فسبحان الله ! أيكون التستر والتصون والعفاف شذوذاً مظهرياً مُريباً ؟!
أيكون حجاب الوجه عن النظرات الجائعة ، واللحظات الخائنة شذوذاً مظهرياً مريباً ؟!
أيكون قول صلى الله عليه وسلم : (لا تنتقب المحرمة ولا تلبس القفازين ) أي حال إحرامها كما رواه البخاري إقرار لغير المحرمة بالشذوذ المظهري المريب ؟!
ومن العجيب المحير أن يجترئ الغزالي على التصريح بكلام مثل هذا في وقت أجمع العلماء كلهم - حتى مبيحو السفور على مشروعية النقاب وأنّه مستحب على الأقل !
فهل كلُّّ هؤلاء دعاة شذوذ مظهري مريب ؟!
رحم الله الشيخ وغفر له فقد شطح قلمه بما أثلج صدور قوم لم يذرفوا عليه دمعة واحدة بعد موته أو يدعوا له بدعوة صادقة تنفعه في قبره !
أما مناقشة صاحب تحريم النقاب فهي مضيعة وقت مع دخيل على العلم ، متطفل على موائده ، لا يعرف له أصولاً ، ولم يشم له رائحة ، وحسبنا أنّه قول شاذ منحرف لم يُسبق إليه ولم يتابعه عليه أشد المتحمسين إلى السفور من علماء أو علمانيين!!
الشبهة السادسة:
ومن الشُبه أنّ الحجاب الشرعي عادة وعرف وليس تشريعاً !!
يقول د/عبد الحليم أو شقة في ( تحرير المرأة 4/ 229) : ( صحيح أنّ الشارع حين وجد بعض النساء يلبسن النقاب ويألفنه ، وأصبح عرفاً لهن لم ينكر عليهن ، لكنه أيضاً لم يشرع استحسانه ولم يندب إليه ويحض عليه بل تركه تقديراً للعرف والإلف وتوسعة على الناس فيما ألفوه وتعارفوا عليه) بواسطة حجاب المسلمة فؤاد البرازي ص 17 .
قلت : وهي امتداد [6] لافتراءات قاسم أمين القائل: ( إنّ الشريعة ليس فيها نصٌ يوجب الحجاب على الطريقة المعهودة ، وإنّما هي عادة عرضت لهم من مخالطة بعض الأمم فاستحسنوها وأخذوا بها ، وبالغوا فيها ، وألبسوها لباس الدين كسائر العادات الضارة التي تمكنت في الناس باسم الدين والدين براء منها) .
الجواب عن هذه الفرية والإفك المبين من وجوه :
الوجهُ الأول :
الزعم بأنّ الشارع لم يشرع للنساء النقاب لا استحساناً ولا ندباً ولا حضاً زعمٌ غير مسبوق لا نعرف عالماً معتبراً قال به قبل أبي شقة ، وهي من أشد أنواع الافتراءات فجاجة وجراءة!!
وقائله إما جاهل بعشرات النصوص من الكتاب والسُنّة الآمرة بحجاب الوجه أو مكابر لا يريد أن يعترف بخطأ مذهبه في السفور فيريد تمريره بطريقة تفتقد منهج البحث العلمي ، وأصالة الحوار الفقهي الرصين .
وإلا فأين هو عن قوله تعالى : (((وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ)) (الأحزاب:53) .
أليس في هذه الآية أمرٌ بالحجاب التام ، فضلاً أن تكون استحساناً أو ندباً أو حضاً عليه ؟! وأين هو من قوله تعالى : ((يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ)) (الأحزاب: 59) .
الآية أليس لفظة (يدنين) أمراً دالاً على الوجوب والإلزام فضلاً عن أن تكون استحساناً أو ندباً أو حظاً ؟
وإذا زعم أنها غير دالة على الحجاب فليجب عمّا ذكره في مواضع من كتابه بأنّ أزواج صلى الله عليه وسلم مأمورات بتغطية الوجه بدلالة هذه الآية ؟! .
ولا داعي لسوق عشرات الأدلة التي تفرض حجاب الوجه فرضاً لا مجرد استحسان أو ندب أو حض في هذا المكان مرة أخرى .
الوجه الثاني :
أنّه في قوله هذا ، خالف حتى القائلين بجواز السفور ؛ فإنّ أشهر المعاصرين من العلماء المعتبرين وهو علّامة الشام ناصر الدين الألباني يرى استحباب حجاب الوجه ، وإن لم يقل بوجوبه ، فمن العجيب أن يستند أبو شقة إلى كثير من آراء الألباني حين توافق مزاعمه لكنه يتجاهلها تماماً حين تصطدم بآرائه الشاذة وفيما يلي نصّ كلام الألباني والذي يرى أن ستر الوجه ليس مجرد سائغ وجائز بل هو أفضل من كشفه فيقول : (لم يفتنا أن نلفت نظر النساء المؤمنات إلى أنّ كشف الوجه وإن كان جائزاً فستره أفضل ) جلباب المرأة المسلمة ص 28 .
قلت : وقد ساق الألباني ثمانية أدلة شرعية صحيحة ثابتة تدل على أن حجاب الوجه ،رغم إنكاره لوجوب الحجاب فلتراجع في جلباب المرأة المسلمة [7] .
الشبهة السابعة:(58/219)
ومن الشُبه والدعاوى المريرة ما ذكره الشيخ محمد الغزالي بقوله : ( فهذا الزي المبرقع أو المنقب ليس إلا زيا من صميم الأزياء الجاهلية البائدة ، التي عفا عليها الزمان ، ولم يعد لها اليوم مكان إلا في بعض البلاد المتخلفة أو النامية ولن يبقي فيها طويلاً أمام التطور الوثاب الذي يؤكد ما قاله داعية تحرير المرأة الأول في مصر والشرق العربي قاسم أمين) .[8] .
الجواب عن هذه الدعوى والفرية العظيمة من وجوه :
الوجه الأول :
هل المرأة في الجاهلية كانت متصونة أم متبرجة ؟
لنستمع إلى القرآن وهو يحذر نساء الأمة من مشابهة نساء الجاهلية بقوله : ((وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى)) (الأحزاب:33) .
فأيهما نُصّدق القرآن الكريم ، كلام رب العالمين ، أم كلام الغزالي ؟!
صحيح أنّ النساء في الجاهلية كان يُوجد منهن من تنتقب بل وتغطي وجهها عادة وتقليداً لكنّ السمة الغالبة هي السفور والتبرج ولذا نزل قوله تعالى: (( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا)) (سورة الأحزاب: 59) .
وهي آية الحجاب كما قال ابن كثير وغيره ، فإذا بمجتمع المدينة تنقلب نساؤه كالغربان من لبس الأكسية السوداء السابقة فهل كان فعل نساء الصحابة بعد نزول الحجاب يعد من أفعال الجاهلية البائدة ؟!
ثم ما بال الشيخ ينتقد المرأة الجاهلية هنا لأنّها متنقبة متصونة ثم تراه ينبري مدافعاً عنها، مادحاً لها في مقالته التي هي بعنوان : (الجاهلية العربية أشرف) حيث يقول : ( إنّ الجاهلية العربية الأولى كانت أشرف من جاهليات اليونان والرومان،لا سيما في الوضع الاجتماعي للمرأة .. إلى أن قال : (أما النظرة إلى المرأة والتشرف بصونها والاستقتال في حمايتها فخلق عربي لا يكاد الرومان أو اليونان القدامى يعرفون شيئاً عنه !! وتدبر قول عمرو بن كلثوم في معلقته
على آثارنا بيضٌ حسانٌ نحاذرُ أن تقسَّم أو تهونَا
إذا لم نحمهنّ فلا بقينا لشيءٍ بعدهنّ ولا حيينا .
الوجه الثاني :
قوله : ( ولم يعد لها اليوم مكان إلا في بعض البلاد المتخلفة أو النامية ) فأقول
وهل الميزان في الحكم على شرعية المظاهر والتصرفات هو مدى تطبيقها أو إهمالها في أرض الواقع ؟!
لنأخذ الشريعة برمتها ونسأل أليست قد غُيّبت بكلّ أحكامها وشرائعها عن بلاد المسلمين كلها إلا ما رحم الله فهل هذا مُسوِّغ للقول بعد صحتها والجزم ببطلانها ؟!
ثم هل النقاب - فعلاً _ لا يوجد إلا في بعض البلاد المتخلفة أو النامية ؟!
ألم يعلم الشيخ أنّ الجماهير المسلمة قد عادت تطالب بصوت جهير يبلغُ الآفاق بتطبيق كل أحكام الشريعة في كل ديار الإسلام وليس الحجاب فقط ؟!
ألم ير الشيخ العودة الجماعية المباركة لفتيات الإسلام إلى الحجاب في كل أنحاء المعمورة حتى أغاظ دعاة الإباحية من أمثال الهالك مصطفى أمين القائل متباكياً على عودة الحجاب في الجامعات المصرية : ( حارب الأحرار في هذا البلد سنوات طويلة لتحصل المرأة على بعض حقها ويظهر أنّ بعض الناس يريدون العودة بنا إلى الوراء ، وقد يحدث هذا في أي مكان ، ولكن لا نفهم أن يحدث في الجامعة مهد التقدم والفكر الحر ) [ أخبار اليوم / نوفمبر 1997 نقلا عن عودة الحجاب ] .
ويقول العلماني المحترق زكي نجيب محمود : ( أصابت المرأة المصرية في أيامنا هذه نكسة ، ارتدت بها إلى ما قبل .. وهناك اليوم عشرات الألوف من النساء (المرتدات !) ينزلقن تطوعاً إلى هوة الماضي ، والمأساة أنّ المرأة تتبرع سلفاً بحجاب نفسها قبل أن يأمرها بالحجاب والد أو زوج) نقلاً عن الولاء والبراء لسيد عبد الغني ص 421 .
ثم ما بالنا نذهب بعيداً لندلل على مدى التشابه بين كلام الشيخ الغزالي ودعاة الإباحية ،والشيخ نفسه يُصرّح باستبشاره وابتهاجه بإمكانية شيوع السفور وفق ما بشر به قاسم أمين داعية تحرير المرأة في مصر والشرق العربي !! (فلا حول ولا قوة إلا بالله ) .
الشبهة الثامنة :
ومن الشبه أنّ حجاب الوجه خاص بأزواج صلى الله عليه وسلم :
وهذه الشبهة تشبث بها أكثر القائلين بالسفور من غير بينة ولا هدى ولا كتاب منير والله المستعان .
الجواب عن هذه الشبهة
قال شيخ الإسلام رحمه الله - (والحجاب مختص بالحرائر دون الإماء كما كانت سنة المؤمنين في زمن صلى الله عليه وسلم وخلفائه أن الحرة تحتجب والامة تبرز .[9]
قلت:وكلام الشيخ رحمه الله - صريح بأن الحجاب مختص بالحرائر وهذا يدل على دخول عموم الحرائر من نساء الأمة وليس مقصوراً على أزواج صلى الله عليه وسلم وهذا واضح بحمد الله .
ثم إن دعوى خصوصية أزواج صلى الله عليه وسلم بحجاب الوجه مردودة من وجوه :(58/220)
أنه لا دليل البتة على هذه الخصوصية فإنّ غاية ما عند القائلين بهذا القول ظواهر نصوص لا تدل على ما ذهبوا إليه ولا تقوم بها حجة كمثل حديث ابن ساعدة حين تزوج صلى الله عليه وسلم ابنته وأمره صلى الله عليه وسلم أن يقدم بها فذهب إليه فأمرت بالدخول فقال : إن أزواج صلى الله عليه وسلم لا يراهن الرجال ..الحديث .
فنقول : وهذا هو قولنا إن أزواج صلى الله عليه وسلم لا يراهن الرجال!
لكن هل في قول هذا الصاحب تصريح بأن ما سوى أزواج صلى الله عليه وسلم يجوز رؤيتهن ؟!
أفتعطل عشرات النصوص لعبارة كهذه من غير معصوم أو حجة ؟!!
إن تخصيص أحد من أفراد الأمة بحكم دون باقي الناس يحتاج إلى أدلة صريحة لا محتملة أو متكلفة لأنّ الأصل هو عموم الأحكام الشرعية لكل أفراد الأمة.
سيما في مسألة كهذه دلت عشرات الأحاديث على عدم اختصاص أزواج صلى الله عليه وسلم بالحكم بمفردهن .
فليس من التحقيق العلمي ولا من الأمانة العلمية بمكان إلغاء كل تلك النصوص والتشبث بقول محتمل لصاحب أو غيره .
2- إن حاجة نساء الأمة للاحتجاب دفعاً للفتنة ، وقطعاً لبواعث الشر والريبة أولى من حاجة أمهات المؤمنين الطاهرات العفيفات . فلقد نص الله تعالى في آية الحجاب بأن الحجاب أطهر لقلوب أصحاب صلى الله عليه وسلم وقلوب أمهات المؤمنين فأيهم أحوج إلى الحجاب ؟ نساء صلى الله عليه وسلم الطاهرات المطهرات ؟ أم نساء الأمة الأضعف إيماناً والأقل خُلُقاً والأرق ديانة ؟
ومن الأولى بأن يُحتجب عنه أهو أبو بكر وعمر ، وعثمان وعلي ، وطلحة والزبير وغيرهم من سادات الأولياء ، وشيوخ العفة والنزاهة أم هم رجال هذه الأزمان ممن أشربت قلوبهم الفتن، واستوطنت المحن ديارهم وأرضهم ؟! .
3- إن جملة من الأحاديث التي سردناها صريحة باحتجاب نساء أخريات لسن زوجات للمصطفى عليه السلام فما جواب المتمحلين عنها بموضوعية وتجرد ؟!
بل ما جوابهم عن قوله تعالى : ((يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا} (سورة الأحزاب: 59) .
[1] السُنة النبوية بين أهل الفقه وأهل الحديث ص 45.
[2] انظر : النقاب للمرأة بين القول ببدعيته والقول بوجوبه ص 36 .
جاء في كتاب المرأة في الإسلام ريم الخياط ص 47-48.
يقول بعضهم ( لو أنّ الدين الإسلامي أمر بستر وجه المرأة لما كان هناك حاجة لأمر الرجال بغض البصر فعن أي شيء يغضون أبصارهم مادامت النساء يرخين الأغطية على الوجوه ؟ وهو عين ما قاله القرضاوي في( النقاب للمرأة بين القول ببدعيته والقول بوجوبه) ص36
[3] انظر : النقاب للمرأة ص 36 ، د يوسف القرضاوي .
[4] جريدة الأهرام المصرية 2/ فبراير 1981م ، محمد الغزالي عن عودة الحجاب لمحمد المقدم .
[5] انظر : الكتاب لمؤلفه إسماعيل جودة ، أستاذ الطب الشرعي والسموم البيطرية فقد ملأ كتابه سموماً قاتلة !
[6] تحرير المرأة - قاسم أمين _ قبحه الله بواسطة الردود الخمسة ص 7 قلت : وقد تابع أبا شقة غيره من الكّتاب المتعالمين انظر على سبيل المثال : مكانة المرأة ص 92 للدكتور محمد بلثاجي
[7] انظر : ص 104 - 114.
[8] الأهرام المصرية 2/ فبراير 981م بواسطة الردود الخمسة لأحمد محمد الديب ص 7 .
[9] مجموع الفتاوى ( 15/ 372) .
===============(58/221)
(58/222)
من يظلم المرأة ؟!!
أيها المسلمون : حرم الله الظلم على نفسه وجعله بين العباد محرماً، والله لا يحب الظالمين ، ولا تحسبن الله غافلاً عما يعمل الظالمون، وكم في هذا الكون من ظلم وظلمات ، ودعونا نقف اليوم على جانب من الظلم يقع على فئة كبيرة في المجتمع.. وهذا الظلم قديم يتجدد ، لكن بصور وأنماط تختلف في شكلها وربما اتفقت في مضمونها .. إنه ظلم المرأة .. فقد ظلمتها الجاهليات القديمة ، وتظلمها الجاهليات المعاصرة .. تُظلم المرأة من قبل الآباء ، والأزواج وتُظلم من قبل الصويحبات والحاسدات ، بل وتُظلم المرأة من قبل نفسها أحياناً .. تظلمها الثقافات الوافدة ، والعادات والتقاليد البالية ، تُظلم المرأة حين تمنع حقوقها المشروعة لها ، وتُظلم حين تعطى من الحقوق ما ليس لها.. إنها أنواع وأشكال من الظلم لابد أن نكشف شيئاً منها، ونخلص إلى عظمة الإسلام في التعامل معها وضمان حقوقها، والاعتدال في النظرة إليها..
أجل إن ظلم المرأة قديم في الأديان والشعوب والأمم المختلفة فهي عند الإغريق سلعة تباع وتشترى في الأسواق، وهي عند الرومان ليست ذات روح، فهم يعذبونها بسكب الزيت على بدنها، وربطها بالأعمدة ، بل كانوا يربطون البريئات بذيول الخيل ويسرعون بها حتى تموت ، والمرأة عند القدماء من الصينيين من السوء بحيث يحق لزوجها أن يدفنها وهي حية ولم تكن المرأة عند الهنود ببعيد عن ذلك، إذ يرون الزوجة يجب أن تموت يوم موت زوجها، وأن تحرق معه وهي حية، على موقد واحد، وكذا الفرس فللرجل حق التصرف فيها بأن يحكم عليها بالموت أو ينعم عليها بالحياة .. ولم تكن حال المرأة بأسعد من ذلك عند اليهودية المحرفة وكذا النصرانية، فهي عند اليهود لعنة لأنها أغوت آدم، وإذا أصابها الحيض فلا تُجَالس ولا تُؤاكل، ولا تلمس وعاءً حتى لا يتنجس! ، كما أعلن النصارى أن المرأة باب الشيطان وأن العلاقة معها رجسٌ في ذاتها .. (ظلم المرأة /محمد الهبدان21-24)
أيها الأخوة في الله : ومن جاهليات العجم إلى جاهلية العرب، حيث كانوا يتشائمون بمولدها حتى يتوارى أحدهم من القوم من سوء ما بشر به أيمسكه على هون أم يدسه في التراب ، بل شهد القرآن على وأدُهُن وهن أحياء ((وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ)) (التكوير:8،9 ) .
كانت تُظلم وتُعضل في ميراثها وحقوقها، وكانت ضمن المتاع الرخيص للأب، أو الزوج حق التصرف فيها..
ومن الجاهليات القديمة إلى الجاهليات المعاصرة حيث ظُلمت المرأة باسم تحريرها، سُلبت العبودية لخالقها واستعبدها البشر، واعتدوا على كرامتها، وفتنوها وأخرجوها من حضنها الدافئ، وحرموها لذة الأمومة وعاطفة الأبوة، فهامت على وجهها تتسول للذئاب المفترسة، وربما كدحت وأنفقت حتى تظل مع عشيقها.. وربما سارع للخلاص منها لينظم إلى معشوقة وخادنة أخرى..؟!
جاء الإسلام لينصف المرأة ويصلها بخالقها ، ويرشدها إلى هدف الوجود وقيمة الحياة , وليصف لها حياة السعادة في الدنيا والآخرة ((مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ )) (النحل:97 ) .
ونزل القرآن ليعلن ضمان حقوق المرأة ((فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ )) (آل عمران195 ) .
وأكد المصطفى صلى الله عليه وسلم بل حرّج على حقوق المرأة فقال: (( اللهم إني أحرج حق الضعيفين اليتيم والمرأة )) رواه ابن ماجه 3678/والبيهقي5/363 وصحح إسناده النووي
وقام المسلمون بأرقى تعامل عرفته البشرية مع المرأة .. بل أشرقت حضارتهم على الأمم , وتعلمت منهم الشعوب الأخرى كرامة المرأة ، ويعترف أحد الغربيين (كوغوستاف لوبون)بذلك حين يقول" إن الأوروبيين أخذوا عن العرب مبادئ الفروسية وما اقتضته من احترام المرأة ، فالإسلام إذن, لا النصرانية هو الذي رفع المرأة من الدرك الأسفل الذي كانت فيه، وذلك خلافاً للاعتقاد الشائع , وإذا نظرت إلى نصارى الدور الأول من القرون الوسطى رأيتهم لم يحملوا شيئاً من الحرمة للنساء .. وعلمت أن رجال عصر الإقطاع كانوا غلاظا ًنحو النساء قبل أن يتعلم النصارى من العرب أمر معاملتهن بالحسنى"(قالوا عن الإسلام د.عماد الدين خليل/431)
أخوة في الله : وإذا تشدق المبهورون اليوم بحضارة الغرب وقيمه ، وحطوا من قيم حضارتهم جاءت شهادة المنصفين من الغرب تكذب هذا الإدعاء وتثبت أن إصلاح المرأة في الغرب إنما تم بعد احتكاك المسلمين في أسبانيا(الأندلس) بالغرب .. وفي هذا يقول (مارسيل بوازار) "إن الشعراء المسلمين هم الذين علموا مسيحي أوروبا -عبر أسبانيا-احترام المرأة " (قالوا عن الإسلام/409)(58/223)
إننا في فترات المراهقة الثقافية ننسى أصولنا، وننبهر بما عند غيرنا، ولكن اعترافات القوم تعيد إلى بعضنا التوازن، نعم لقد ظُلم ديننا، من بعض أبناء جلدتنا ، وزهد البعض في ثقافتنا وقيمنا ، وشوه وضع المرأة عندنا من قبل أعدائنا.. وشاء الله أن يُقام الشهود المنصفون من القوم على أنفسهم ومن سار في ركبهم ، فهذه امرأة غربية تكشف الحقيقة بممارسة سلوكية واقعية حين تقول زوجة السفير الإنجليزي في تركيا:يزعمون أن المرأة المسلمة في استعباد وحجر معيب ، وهو ما أود تكذيبه، فإن مؤلفي الروايات في أوروبا لا يحاولون الحقيقة ولا يسعون للبحث عنها، ولولا أنني في تركيا اجتمعت إلى النساء المسلمات ما كان إلى ذلك من سبيل .. فما رأيته يكذب كل التكذيب أخبارهم عنها .. إلى أن تقول ولعل المرأة المسلمة هي الوحيدة التي لا تعنى بغير حياتها البيتية، ثم إنهن يعشن في مقصورات جميلات ..(السابق/425/426)
هكذا وتظل المرأة المسلمة معززة مكرمة موقرةً لها الحقوق ما بقي الإسلام عزيزاً، ويظل المسلمون أوفياء للمرأة ما داموا مستمسكين بالإسلام.. وكلما تغرَّب الإسلام ، أو انحرف المسلمون .. عاد الظلم للمرأة بصورةٍ أو بأخرى .. لا فرق بين هضم حقوقها.. أو تلمس حقوقاً ليست لها لتشغلها عن حقوقها ووظائفها النسوية الأساسية.
وهذه صور من ظلم المرأة للوعي بها واجتنابها , فهي تُظلم حين تُستخدم سلعةً رخيصة للدعاية والإعلان , وتُظلم المرأة حين تُزجُّ في عمل لا يتلائم مع أنوثتها .. أو يُزجُّ بها في مجتمع الرجال ، تُظلم المرأة حين تُضرب بغير حق, أو تعضل لأدنى سبب, أو يتحرش بها جنسياً, أو تغتصب, أو تستغل في التجارة الجسدية, أو بحرمانها من الحياة الزوجية السعيدة, تُظلم المرأة حين يسلب حياؤها ويُعتدى على قيمها ويستهان بروحها وأشراقها .. وتخدع بزينة عابرة, وأشكال وأصباغ زائلة، وتُظلم المرأة حين يُقَصِّر الولي أو المجتمع في تربيتها, وتُظلم المرأة حين تعرض للأمراض المختلفة كالزهري والسيلان والإيدز.. ونحوها .
تُظلم المرأة حين يتأخر زوجها فتنعس, أو تمنع من الحمل والولد فتفلس, أو تزوج بغير إذنها وبمن لا ترغب, تُظلم المرأة حين يُسخط منها حين تولد, أو تُلعن وتسب حين تكبر، تُظلم المرأة حين يغالى في مهرها فيتجاوزها الُخطَّاب إلى غيرها أو تلزم بزوج لا ترغبه , وقد تجبر على زوج فاسد الدين أو سيئ الخلق , تُظلم المطلقة في ولدها , وقد تُظلم المرأة من أقرب الناس لها, تُظلم المرأة بضرتها , وتُظلم المرأة بإفشاء سرها لاسيما في أمر الفراش (( وإن من شر الناس عند الله منزلة يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه ثم ينشر سرها)) (رواه مسلم /1437) .
تُظلم المرأة حين يعتدى على مالها بغير حق أو يعتدى على حجابها وحيائها باسم التحضر، وثمة صور أخرى لظلم المرأة حين تقصر في طاعة الله , وترتكب المحرمات .. وتضيع الأوقات وتسفل في همتها .. وتكون الأزياء والموضة غاية مرادها .. تُظلم المرأة حين تختزل حقوقها في قيادة .. أو يٌزجُّ بها في خلطةٍ بائسة ، أو تجد نفسها في كومة من الفضائيات الساقطة .. أو تجر لمواقع عنكبوتية مشبوهة .. تُظلم المرأة حين تهمش رسالتها الخالدة وتُصرف عبوديتها عن الخالق الحق إلى عبادة الأهواء والشهوات, وكم هو وأدٌ للمرأة حين يوحى لها أن نماذج القدوة ساقطاتُ الفكر, عاشقات الشهوة والشهرة .
وإن من أعظم ظلم المرأة أن يُلبس عليها الحق بالباطل ويستبدل الحسن بالقبيح, ويصور لها الحياة والعفة بالرجعية والتطرف على حين يصور لها السفور والاختلاط بالمدنية والانفتاح والتحضر؟
وكم تُظلم المرأة حين يقال لها أن من العيب أن يكفلها أبوها ، أو ينفق عليها زوجها , ويلقى في روعها أن ( القوامة ) القرآنية ضعف وتبعية, وإن عليها أن تكد وتكدح لتتخلص من نفقة الآخرين وقوامتهم .. نعم لقد أصبح العامل الاقتصادي كلّ شيء في ذهن أدعياء تحرير المرأة ولذا تراهم يطالبون لها بأي عمل ويقحمونها في كل ميدان فتظل المسكينة تلهث متناسية أعباءها الأخرى وواجباتها الأسرية المقدسة فلا هي أمٌّ حانية ولا مربيةٌ ناجحة .. حتى إذا ذبلت الزهرة والتفتت الكادحة في - العمل بلا حدود - إلى المحصلة النهائية وجدت نفسها في العراء فلا هي أفلحت في التربية وبناء الأسرة ولا هي خلَّفت جاهاً يذكر وحشمة تشكر , وعادت تندب خطها كما ندبت نساء الغرب والشرق قبلها ، وإذا أمكن قبول ظروف الغارقات في الوحل فلا يمكن بحال قبول ظروف امرأة مسلمة قال لها خالقها ((وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ً)) (الأحزاب:33).
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم
الخطبة الثانية(58/224)
أيها المسلمون : ومن الظلم الواقع على المرأة إلى الظلم الملبس المرأة, فثمة دعوى وشبهات يخيل لبعض النساء أنهن مظلومات فيها وليس الأمر كذلك.. لكنه تشويه وتزوير وتضليل وخداع ومن ذلك :
1-الدعوى بأن بقاء المرأة في بيتها ظلم لها ، وهذه مغالطة تكشفها نصوص الوحيين فمن القرآن قوله تعالى (( وقرن في بيوتكن)) ومن السنة قال عليه الصلاة السلام: (( قد أذن الله لكن أن تخرجن لحوائجكن)) (رواه البخاري/5237) .
فدل قوله قد أذن لكن على أن الأصل البقاء في البيت ، والخروج إنما يكون لحاجة , ويشهد بجدواها الغربيون ويقول أحدهم (جاك ريلر) :"مكان المرأة الصحيح هو البيت , ومهمتها الأساسية هي أن تنجب أطفالاً"(قالوا عن الإسلام/ 415)
2- الإدعاء بقصر مسمى عمل المرأة خارج منزلها , وعدم اعتبار عملها في منزلها عملاً يستحق الإشادة والتقدير ، وليس الأمر كذلك بل اعتبر الشارع الحكيم عملها في بيتها شرفاً وكرامة , وكم نغفل عن مدونات السنة ومصطلحاتها , وفي صحيح البخاري في كتاب النفقات باب عمل المرأة في بيت زوجها ثم ساق البخاري نموذجاً عالياً لهذا وساق الحديث عن علي- رضي الله عنه- قال : (( إن فاطمة عليه السلام أتت النبي- صلى الله عليه وسلم - تشكو إليه ما تلقى في يدها من الوحي .. )) الحديث(536) الفتح 9/506) .
وفي الرواية الأخرى (عند أبي داود) عن علي رضي الله عليه وسلم قال : كانت عندي فاطمة بنت النبي- صلى الله عليه وسلم - فجرَّت بالرحى حتى أثرت بيدها , واستقت بالقربة حتى أثرت في عنقها , وقَمَّت في البيت حتى اغبرت ثيابها , وخبزت حتى تغير وجهها .. (انظر :المرأة بين البيت والعمل /سليمان العودة/43) فهل تستطيع امرأة أن تقول أنها خير من فاطمة ؟ .. أو يقول رجل أنه خير من علي ؟ وتاج ذلك إقرار النبي- صلى الله عليه وسلم - لهذا العمل النسوي البيتي حتى إذا سألاه الخادم أرشدهما إلى ما هو خير من ذلك ملازمة الذكر , لاسيما إذا أوى إلى فراشهما قائلاً ((فهو خير لكما من خادم )).
3- ومن دعاوى الظلم على المرأة القول بأن التعدد ظلم لها , وكم شوهت وسائل الإعلام بمسلسلاتها الهابطة , وأعمدتها الجانحة, صورة التعدد المشروع , والتعدد فوق أنها شرع رباني ليس لمؤمن ولا مؤمنة أن يكون لهم الخيرة من أمرهم فيه , فهو مضبوط بالعدل ((فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً )) (النساء:3) .
والتعدد عوض عن الطلاق في حال عقم المرأة أو مرضها, أو عدم قناعة الزوج بها .. فلا خيار في هذه الحالات أو نحوها.. إلا الطلاق أو التعدد؟
على أن أمر التعدد الإسلامي عاد مطلباً لجمعيات الغرب, وفي أمريكا أكثر من جمعية يجوب أعضاؤها نساء ورجال مختلف الولايات الأمريكية داعين في محاضراتهم للعودة لنظام التعدد .(عن ظلم المرأة /محمد الهبدان/78)
وعاد نساء الغرب يدعين للتعدد , وتقول : أستاذة في الجامعة الألمانية : إن حل مشكلة المرأة في ألمانيا هو في إباحة تعدد الزوجات ( ظلم المرأة /محمد الهبدان/78)
ويعترف أحد الغربيون الذي هداهم الله للإسلام بأن التعدد في البلاد الإسلامية أقل إثماً وأخف ضرراً من الخبائث التي ترتكبها الأمم المسيحية تحت ستار المدنية , فالنخرج الخشبة التي في أعيينا أولاً , ثم نتقدم لإخراج القذى من أعين غيرنا .( قالوا عن الإسلام /427)
وفي الوقت الذي يؤيد فيه غربي آخر تعدد الزوجات عند المسلمين معتبراً إياه قانوناً طبيعيا وسيبقى ما بقي العالم , هو في المقابل ينتقد النظام الغربي ويبين الآثار المترتبة على الإلزام بزوجة واحدة .
ويقول (إيتين دينيه) : إن نظرية التوحيد في الزوجة التي تأخذ بها المسيحية ظاهراً , تنطوي تحتها سيئات متعددة ظهرت على الأخص في ثلاث نتائج واقعية شديدة الخطر جسيمة البلاء , تلك هي : الدعارة ، والعوانس من النساء، والأبناء غير الشرعيين . (قالوا عن الإسلام/عماد الدين خليل/413)
فهل من مدكر , وإذا اعترف بهذا عاقل غربي , فماذا يقول مسلم يقرأ القرآن ((إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ)) (الأنعام:57 ) .
((وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ )) (الأحزاب:36).
4-ويدعي الموتورون والجاهلون ظلماً وعدوانا أن شهادة المرأة تعدل نصف شهادة الرجل ظلم على المرأة والذي خلق الزوجين قال في تعليل ذلك ((أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى)) (البقرة:282 ) .
لاسيما في القضايا المالية الواردة في الآية على أن أهل العلم قرروا قبول شهادة المرأة أحيانا لوحدها وذلك في أمور هي أدرى بها من الرجل قال ابن قدامة رحمه الله في المغني (10/161): لا نعلم بين أهل العلم خلافا في قبول شهادات النساء المفردات في الجملة , قال القاضي: والذي تقبل فيه شهادتهن منفردات خمسة أشياء :
الولادة والاستهلال , والرضاع , والعيوب تحت الثياب كالرتق والقرن والبكارة والثيابة والبرص , وانقضاء العدة"(58/225)
5-ويزعمون كذلك أن دية المرأة نصف دية الرجل حيفٌ عليها، وينسون ويتناسون حكمة العليم الخبير بحاجة الرجل فوق حاجة للمال للنفقة الواجبة عليه دون المرأة ، فـ ((الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ)) النساء34.
ومع ذلك فهذه الدية للمرأة في حال قتل الخطأ .. أما إذا كان العمد فإن الرجل والمرأة سواء ((وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً)) (النساء:93) .
وقد قيل حكمة ذلك، كذلك لما كانت الدية مواساة لأهل المقتول وتعويضاً لهم ، فالخسارة المادية في الأنثى أقل منها عند الرجل ، إذ الرجل يعمل ويوفر دخلا لأسرته أكثر ، فخسارته أعظم من المرأة فكانت الدية في حقه أعظم ( المرأة بين الجاهلية والإسلام / 161 عن ظلم المرأة للهبدان 81)
هذه نماذج لدعاوى ظلم المرأة في الإسلام لا يقول بها إلا جاهل أو مغرض أو في قلبه مرض ، وإلا فشهادة الأبعدين والأقربين أن ليس ثمة نظام أنصف المرأة كما أنصفها الإسلام ، وليس ثمة شعوب أحسنت معاملة المرأة وضمنت حقوقها كما أحسنها المسلمون ، وأختم بهذه الشهادة التي أعلن فيها ( مارسيل ) القول : أثبتت التعاليم القرآنية وتعاليم محمد- صلى الله عليه وسلم - أنها حامية حقوق المرأة التي لا تكل . ( قالوا عن الإسلام /410).
هذا وصلوا وسلموا على نبيكم ...
=============(58/226)
(58/227)
دعاة التحرر قد نبأنا الله من أخباركم
في القرن التاسع عشر خرج ( النسويون ) ـ أو دعاة تحرير المرأة كما يسمون أنفسهم ـ على الناس يَعِدُونهم ويمنونهم، يقدمون لهم النموذج الغربي كنموذج للتطور والرقي.
كانت الأمة غارقة في مستنقع الجهل الآسن يخيم عليها ظلام الإرجاء البهيم الذي أقعد الناس عن الجهاد ضد عدوهم وعن الاجتهاد من أجل تحصيل النافع لهم ومنع الضار بهم.
أتفهمُ ـ وليس أقبلُ ـ أن ينجح الخطاب (النسوي) قبل قرنين من الزمن في وسط الشعوب الأوروبية التي عانت حينا من الزمن من ظلم الدين الكنسي، الذي أكل أموالهم باسم الدين، وسامهم سوء العذاب باسم الدين، ووقف حجر عثرة في طريق عمارة الأرض باسم الدين.
أتفهم هذا ولكني لا أقبله.
فهي مبررات تصلح لتنحية الدين الكنسي... دين بولس (شاؤول) اليهودي، مبررات تصلح لأن يقال للنصرانية: لستِ من عند الله، وكتابك المحرف لا يصلح أن يُقيم الناس بالقسط، ولكن ما شأن هذا بالدين الإسلامي؟!
إنه عجب عجاب.
جاءنا الإسلام (ونحن على أسوأ حال، جوعنا لم يكن يشبه الجوع؛ كنا نأكل الخنافس والجعلان والعقارب والحيات، ونرى ذلك طعامنا وأما المنازل فإنما هي ظهر الأرض، ولا نلبس إلا ما غزلنا من أوبار الإبل وأشعار الغنم، ديننا أن يقتل بعضنا بعضا وأن يبغي بعضنا على بعض وإن كان أحدنا ليدفن ابنته وهى حية؛ كراهية أن تأكل من طعامه)، كان هذا حالنا قبل مجيء الإسلام ـ كما وصف المغيرة بن زرارة بين يدي كسرى ـ، ثم بالإسلام أصبحنا مِشعل النور الذي أضاء الكون كله ودخل كل البلدان واستضاء بنوره البار والفاجر.
فكيف القياس؟!
أتَخَلَّفْنَا حين التزمنا بالإسلام كي نتركه طلباً للتحضر والرقي؟!
لا والله. بل لا سبيل للتحضر والرقي إلا بالإسلام (( وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ)) (الأعراف: 96) .
والبُعْدُ عن منهج الله هو سبب كل بلاء (( وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ)) (النحل: 112) .
ومن أصدق من الله قيلاً ؟! ومن أصدق من الله حديثاً؟!
قل أأنتم أعلم أم الله ؟!
والتاريخ والواقع يشهدان، ولكنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور.
قرنان من الزمان وزمام الأمة في أيديكم، فإلى أين سرتم بها؟
أين التحضر وأين الرقي؟!
دعاةَ (التحرر!)
قد نبأنا الله من أخباركم، أنتم الذين تحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا، وإنا نبشركم بعذاب أليم في الدنيا والآخرة. قال _تعالى_: ((إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ)) (النور : 19) .
فلا نفهم من دعوة التحرر إلى أنها دعوى للعري والتفسخ ومخالطة الرجال، تنزعون عن المرأة لباس الطهر والعفاف لتشيع الفاحشة في الذين آمنوا، وتعترضون على التعدد ـ تعدد الزوجات ـ وأنتم تعلمون أنه الحق، إذ النساء أكثر من الرجال، كي تشيع الفاحشة في الذين آمنوا، وتُخْرِجون المرأة من بيتها ليفتتن بها الرجل في الطريق والزميل في العمل وتتهدم الأسرة وتشيع الفاحشة في الذين آمنوا.
دعاة (التحرر!)
قد نبأنا الله من أخباركم. أنتم الذين كرهوا ما أنزل الله... أنتم الذين اتبعوا ما أسخط الله وكرهوا رضوانه.
ما أفهمه من حملة (تحرير) المرأة، والدعوة إلى المساواة بينها وبين الرجل في كل شيء، أنها في جوهرها حملة على العقيدة الإسلامية، حملة تشكيك في أحكام الإسلام ، وحملة من أجل زحزحة الشريعة من حياة الناس.
وأراه هدفكم الرئيس، وما المرأة إلا سبيل تعبرون منه لشريعتنا كي تنالوا منها.
فماذا يعني قولكم (تحرير) المرأة وإعطائها حقوقها؟
أظلمَهَا ربها ـ سبحانه وتعالى وعز وجل ـ وجئتم تنصفوها ؟!
وماذا تعني مناداتكم بالمساواة بين الرجل والمرأة في الميراث؟
أليس تعديلا لثوابتنا الشرعية يستبطن اتهاما لها؟!
وماذا يعني جرأتكم على (التعدد) ودعوى أنه ظلم وهضم لحق المرأة؟!
وماذا تعني السخرية من حجاب المرأة الذي ارتضاه أحكم الحاكمين العليم الخبير لها؟
وماذا يعني تلبيسكم على عوام الناس بما ترددونه عن الملتزمين بشرع ربهم؟!
كله ينطق صراحة بأنكم تحبونهم ولا تحبوننا، وتتمنون أن لو كانت ديار الإسلام كديار الغرب والشرق.
ولكن: إن كيد الشيطان كان ضعيفاً، وإن الباطل كان زهوقاً، وإن العاقبة للمتقين، وعد الله القدير، وهاهي بشائر النصر تلوح في الأفق فالحجاب قد عاد حتى أصبح ظاهرة في كثير من بلدان المسلمين التي بدأ فيها التغريب، وإنا نرى حرقة أكبادكم فيما تسودنه بأقلامكم، وما يحدث الآن من مؤتمرات ما هي صحوة الموت.(58/228)
قال الله تعالى: (( يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ)) (التوبة: 32) .
============(58/229)
(58/230)
قف فالإشارة خضراء !!
في جميع بلدان العالم وضعت الإشارات المرورية لتنظيم السير وأتفق دولياً على أن تكون الإشارة الحمراء علامة الوقوف وأما الخضراء فهي إذن بالعبور !!
ولكن في بلادنا لم يعد لهذه الإشارات الضوئية قيمة ذات بال بفضل رعونة كثير من السائقين وتهور كثير من الشباب بل والكهول !!
وإن من البلاهة بمكان, أن يعتمد السائق الحصيف على الإشارة الضوئية الخضراء؛ فيتقدم للأمام قبل أن يلتفت يمنة أو يسره ويتأكد من خلو الاتجاهات الأخرى من متهور قاطع للإشارة بكل استخفاف وحماقة !!
وهذه المسألة التي نعاني منها واحدة من عشرات بل مئات القضايا المشابهة التي تدل على تخلفنا الحضاري وانحدارنا الأخلاقي !!
ولست هنا بصدد معالجة لهذه المشكلة المرورية؛ لأني أدرك جيداً أنه لا حياة لمن تنادي فكم سُودت الأوراق, وكم بُحت الأصوات من قبل الغيورين دون جدوى !!
ولكن ما أريد الحديث عنه أن هذه القضية وأمثالها لا أهمية لها لدى كتابنا العلمانيين !!
فرغم رحلاتهم الكثيرة لباريس ولندن وجنيف ونيويورك وإعجابهم الشديد بما لدى أسيادهم من الخدمات الفائقة والتقدم المذهل في كل القطاعات التقنية والعسكرية والاقتصادية والبلدية إلا أنّ واحداً من هؤلاء الكتاب لم يكتب يوماً ما بجدية مطالباً باللحاق بركب القوم ومحاكاتهم في دقة أنظمتهم المرورية, أوفي صلابة صناعاتهم الحربية أو في وفرة منتجاتهم الإستهلاكية أو في براعة تقدمهم في قطاعي الإتصالات والمواصلات أو على الأقل في نظافة الشوارع !!
لأنّ كلّ ما لدى الغرب من المفيد النافع أُقصي جانباً وجُعل في أدنى سُلّم اهتمامات كُتابنا (الأفذاذ !!) وتفرغوا لقضية واحدة وهي فسادُ الغَرْبِ وانحلاله، وامتهانه المرأة بشكل خاص !! .
نعم ليس في صُحفنا دعوات جادة لبناء ترسانة عسكرية رادعة !!
وليس في صحفنا دعوات جادة لصناعة طائرات وسيارات وقطارات !!
وليس في صحفنا دعوات جادة لإنشاء سكك حديدية لربط أجزاء البلاد !!
وليس في صحفنا دعوات جادة لتنظيف الشوارع التي تراكمت فيها النفايات المخجلة !!
ولكنك ستصاب بالغثيان من كثرة ما تقرأه من الدعوات الماكرة الخبيثة لتحرير المرأة وتوظيف المرأة وقيادة المرأة !!
ومن دعوات أخبث لفتح دور سينما, ومسارح مختلطة ,ونواد نسائية ماجنة !!
إذاً فالقضية ليست حضارة تُنشد ، أو قوة تُبنى أو استقلالاً يُستهدف!!
ولكن القضية بإختصار أعراض تُنتهك ، وفواحش تشيع, وخمور تُشرب ومن لم يرض فليشرب من البحر !!
أليست هذه الحقيقة أيها الصحافيون الدجالون ؟!
=============(58/231)
(58/232)
بين الإصلاح والإفساد
الحمد لله ؛ أمر بالإصلاح، وامتدح المصلحين، ونهى عن الفساد، وذم المفسدين ، نحمده على ما منَّ به علينا من دين الإسلام، وبعثة خير الأنام، عليه الصلاة والسلام، ونشكره على تمام الدين، وكمال الشريعة، وأشهد ألا إله الله وحده لا شريك له ؛ خلق عباده فكلفهم ، وبدينه وشريعته ابتلاهم، وهو أعلم بما يصلح لهم ويصلحهم ( والله يعلم وأنتم لا تعلمون ) وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، وصفيه وخليله؛ حذر أمته من دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها ، ووصفهم بأنهم من جلدتنا، ويتكلمون بألسنتنا، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ؛ أتقى هذه الأمة ، وأسرعهم امتثالا لتعاليم الملة ، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين0
أما بعد: فاتقوا الله تعالى وأطيعوه، وكونوا صالحين مصلحين (ولا تطيعوا أمر المسرفين، الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون )0
أيها الناس: الصلاح غير الفساد، والإفساد مناقض للإصلاح ومعايير الفساد والإفساد، والصلاح والإصلاح، ومفهوم ذلك ومعناه وحقيقته تختلف باختلاف الديانات والمبادئ والأفكار التي يحتكم الناس إليها، ويصدرون عنها، فما تراه أمة من الأمم صلاحا وإصلاحا، قد يراه غيرها فساداً وإفسادا، لاختلاف الديانة التي يدينون بها، والشريعة التي ينتهون عندها، والفكرة التي يعظمونها0
وفي السنوات الأخيرة دعا كثير من الكتاب والمفكرين، والسياسيين والصحفيين في الدول الإسلامية إلى الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وكل داعية منهم يصدر في دعوته تلك عن أفكار يعتقدها، ومناهج يعتنقها، ربانية كانت أم بشرية، ويرى أن الفساد فيما يخالف دعوته، وأن من يعارضها فهو المفسد، ومع كثرة الاختلاف، وغزارة ما يلقى على الناس في شأن الإصلاح أضحى أكثر الناس في حيرة من أمرهم، لا يعلمون المفسد من المصلح، ولا يميزون الصادق من الكاذب في دعواه، وقضايا المرأة أنموذج حيٌّ لهذا التجاذب والاختلاف، فأقوام يدعون إلى تحرير المرأة من كل القيود، ومساواتها بالرجال من كل وجه، مدعين أن ذلك سبيل صلاح الأمة المسلمة، وطريق انتشالها من تخلفها وجهلها، وآخرون يرون أن هذه الأطروحات لا تريد الخير بالأمة، وإنما تغرقها في مستنقعات الإثم والفساد، وتجردها من أقوى سلاح يمتلكه المسلمون أمام الغرب، وهو الأسرة السوية في مقابل الأسرة الغربية المفككة0
والذي يجب أن يعلم، وأن يُسلِّم به كل مسلم يدين بالإسلام: أن الصلاح والإصلاح هو فيما جاء عن الله تعالى، وبلغته رسله عليهم السلام، وأن الفساد والإفساد هو ما عارض ذلك أيَّاً كان مصدره، ومهما كان وزن قائله، فشريعة الله تعالى فوق كل أحد؛ إذ إن الله تعالى هو خالق الخلق، ومدبر الكون، وإليه يرجع الأمر، وكل العقلاء يتفقون على أن صانع الصنعة أعلم بها من غيره، والله سبحانه أعلم بخلقه من كل أحد (( أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ)) (الملك:14).
وهو أدرى بأحوال عباده، ((وَاللّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ)) (البقرة:220).
إن الصلاح والإصلاح هو فيما جاءت به الرسل عن الله تعالى، فالرسل عليهم السلام وأتباعهم هم المصلحون، ويدعون إلى الصلاح، ويحاربون الفساد؛ ولذلك قال شعيب عليه السلام في دعوته لقومه: ((وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا )) (الأعراف:56).
وأخبرهم أنه لا ينهاهم عن الفساد ويأتيه بل يجانبه صلاحا وإصلاحا، ((وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ)) (هود:88).
وأعداء الأنبياء عليهم السلام، المستكبرون عن اتباعهم، المعارضون لدعوتهم من الكفار والمنافقين، هم الفاسدون المفسدون؛ إذ أخبر الله تعالى عن كبار ثمود الذين كذبوا صالحا عليه السلام بأنهم: ((يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ )) (النمل:48).
وأوصى موسى أخاه هارون عليهما السلام بالإصلاح لمَّا استخلفه على قومه: ((وَقَالَ مُوسَى لأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ)) (الأعراف:142).
ولكن أعداء الرسل عليهم السلام من الكفار والمنافقين لا يُقِرُّون بأنهم فاسدون مفسدون، بل يزعمون أنهم صالحون مصلحون، ويرمون الأنبياء وأتباعهم بالفساد والإفساد، كما فعل وزراء فرعون؛ إذ قالوا له: ((أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ )) (الأعراف:127).
وإخوانهم في هذا العصر يخاطبون الملوك والساسة في الدول الإسلامية قائلين لهم بلسان الحال أو المقال: أتذرون هؤلاء العلماء والدعاة ليفسدوا الناس، ويعرضوا المشاريع التغريبية في المرأة والأسرة التي كلها صلاح، وتقدم إلى شريعة قديمة لا تناسب هذا العصر0(58/233)
وأَعْرَضُ دعوى الفرعون الأول في البشر سوَّغ معارضته لموسى عليه السلام، ومحاربته إياه، والتنكيل بأتباعه والسعي لقتله، بالخوف على الناس من فساده، ((وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ)) (غافر:26).
وما نفعت فرعون دعواه العريضة إذ حكم الله تعالى عليه بالفساد، فقال سبحانه فيه: ((إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ)) (القصص:4).
وفي سورة أخرى ((وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ )) (الفجر:12،11،10).
وهكذا المنافقون يدَّعون الإصلاح لكن الله تعالى حكم عليهم بالإفساد ((وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِن لاَّ يَشْعُرُونَ )) (البقرة:12،11).
فليس مصلحا كلُ من ادعى الإصلاح، وليس مفسدا كلُ من رُمي بالفساد، بل يعرض ذلك على الكتاب والسنة حتى ينجلي الأمر، ويبين الحق للمؤمنين، وأما المستكبرون من الكفار والمنافقين فإنهم لا يرضون عن الحق مهما بسط لهم من الأدلة والبراهين، ((وَمَا تُغْنِي الآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَن قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ)) (يونس:101).
وفي الآية الأخرى ((وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ آيَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا)) (الأنعام:25).
ومن قبل قال فرعون وملأه لموسى عليه السلام: ((وَقَالُواْ مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِن آيَةٍ لِّتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ )) (الأعراف:132).
فما يعنينا في هذا المقام هو بسط الحق بأدلته لأهل الإيمان واليقين، وإلا فالمستكبرون لن يصدقوا مهما قيل لهم، والقضية المتنازع عليها في هذه الأيام هي توسيع عمل المرأة في المحلات التجارية بزعم القضاء على البطالة تارة، وتارة أخرى بزعم المحافظة على خصوصية النساء في شراء ملابسهن، وتعالوا لنعرض هذا المشروع الإصلاحي الإنقاذي على ما جاء في الكتاب والسنة لنرى، هل هو إصلاح كما يروج لذلك أصحابه أم أنه ضرب من ضروب الفساد في الأرض؟!
لقد قررت شريعة الله تعالى أن الضرب في الأرض، والصفق في الأسواق، والإنفاق على الأسرة هو من خصائص الرجال، وبه خوطبوا في نصوص الشريعة، ((وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ اللَّهِ)) (المزمل:20).
((الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ)) (النساء:34).
((لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ)) (الطلاق:7) .
وقال النبي- عليه الصلاة والسلام-: (( ولستَ تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت بها حتى اللقمة تجعلها في فَّي امرأتك )) رواه الشيخان0 ولم يأت في هذا الشأن خطاب واحد للنساء، بل أُمر النساء بالقرار في البيوت، ((وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى)) (الأحزاب:33).
يقول القرطبي رحمه الله تعالى: والشريعة طافحة بلزوم النساء بيوتهن، والانكفاف عن الخروج منها إلا لضرورة، وروى ابن مسعود- رضي الله عنه- عن النبي- صلى الله عليه وسلم - قال: (( المرأة عورة فإذا خرجت استشرفها الشيطان وأقرب ما تكون من ربها إذا هي في قعر بيتها)) رواه الترمذي وصححه ابن خزيمة وابن حبان.
وفي حديث آخر قال- عليه الصلاة والسلام-: (( ما تركت بعدي فتنة أضرَّ على الرجال من النساء)) رواه الشيخان.
وروى محمد بن سيرين- رحمه الله تعالى- فقال: نبئت أنه قيل لسودة زوج النبي صلى الله عليه وسلم مالك لا تحجين ولا تعتمرين كما يفعل أخواتك ؟ فقالت: قد حججت واعتمرت، وأمرني الله تعالى أن أَقرَّ في بيتي، فو الله لا أخرج من بيتي حتى أموت. قال ابن سيرين: فو الله ما خرجت من باب حجرتها حتى أُخرجت جنازتها.
فالأصل أن الرجل ينفق على أهله، والأصل أن المرأة مكفولة من قبل ذويها منذ ولادتها إلى أن تموت، فإن قصروا أُخذ لها حقها بالقضاء ، فإن لم يكن لها قريب فالإمام وليها، وجماعة المسلمين يقومون على حاجاتها، وإن عملت لكفاف نفسها فذلك استثناء وليس أصلا، ويكون بشروط تحقق المصلحة لها، وتدرأ الفتنة بها، ولكن هذا الأصل المقرر في الشريعة قد قُلب في هذا الزمن رأساً على عقب بسبب سيطرة المذاهب الغربية الإلحادية على أكثر البشر، وصار الأصل وهو قرار المرأة في بيتها استثناء، وأضحى الاستثناء وهو خروجها للعمل أصلا0
وانقلاب الموازين لا يضفي الشرعية على الباطل، ولا يقلبه إلى حق، ولا يجعل الفساد إصلاحا؛ لأن الشريعة دائمة باقية حاكمة بين الناس، فالواجب تعديل الموازين، ورد الحق إلى نصابه، ومن الإفساد تسويغ هذا الباطل بالمسوغات السامجة، وتعليله بالتعليلات الباردة0(58/234)
ثم رأينا هذا المشروع المنقذ للنساء من البطالة قد تُعمَّد فيه الاختلاط بين البائع والبائعة، تنظر إليه وينظر إليها، وتخاطبه ويخاطبها، وربما مازحته ومازحها، فمائة ألف وظيفة وقد تزيد تنتظر نساء المجتمع في جو من الاختلاط البريء، كما يقوله من اخترعوا البراءة في اجتماع رجل بامرأة، معارضين شريعة الله تعالى، التي يخبر عنها المبلغ عنه عليه الصلاة والسلام بقوله: (( إياكم والدخول على النساء، فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله، أفرأيت الحمو؟ قال:الحمو الموت )) .
فإذا كان الشارع الحكيم يحذر من قريب الزوج وهو يغار على عرض قريبه، فأيُّ براءة في اجتماع رجل بامرأة لا رابط بينهما إلا العمل0
ثم هو سيخلو بها حتماً في الأوقات الميتة التي لا بيع فيها وهي غالب الأوقات، وأيام الجرد السنوي حيث تغلق المحلات، وتحسب البضائع، بل قد تصحبه في دورة لتطوير الأداء الوظيفي، وتعلم المزيد من فنون التسويق، وتضطر للسفر بلا محرم إلا زميلها الذي أصبح محرمها بجامع العمل والزمالة، وهذا يقع كثيراً في البنوك والشركات الكبرى، فكيف سيصير الحال لو وسع ذلك بهذا المشروع الآثم، والشارع الحكيم يقول لنا: (( لا يخلون رجل بامرأة إلا مع ذي محرم، فقام رجل فقال: يا رسول الله ، امرأتي خرجت حاجَّة، واكتتبت في غزوة كذا وكذا ، قال: ارجع فحج مع امرأتك)) رواه الشيخان0
فرده النبي- صلى الله عليه وسلم - عن الجهاد وهو أفضل الأعمال ليكون رفيقاً لامرأته في سفرها، وليس سفرها سفر ريبة أو تجارة أو عمل، بل هو أشرف سفر لامرأة ؛ إذ هو سفر حجها الذي هو من أعظم العبادات، فحالها وحال من معها أبعدُ ما يكون عن الريبة والفساد لأنهم في عبادة، ومع ذلك لا بدَّ من المحرم في شريعة الله تعالى، فكيف بمكان موبوء تحيط به شياطين الجن والإنس، وشر البلاد إلى الله أسواقها0
وقد يستلزم العمل أن تتحلى البائعة بكامل زينتها حتى تكون دعاية للمتجر، ولتجذب الزبائن إليه، فيُسوَّق التاجر بضاعته بأجساد بنات الناس، وهذا واقع في البلدان التي سبقت في هذا المجال، ومن يسافرون ويتاجرون يعرفون ذلك تمام المعرفة، وكم يعلن في صحفهم عن وظائف لبائعات يشترط فيهن من الصورة والهيئة أكثر مما يشترط في الشهادة والخبرة، ونعيذ بالله العظيم بناتنا وبنات المسلمين أن يكون هذا حالهن0
وإذا كان زميلها ذئباً أغبر، يجيد التلاعب بالعواطف ، ويعرف نقاط الضعف في المرأة كال لها من المديح والثناء ما يصطادها به، فيفترس عفافها، ولا خير في وظيفة تلك نهايتها، ولا عزاء لمجتمع يرضى لبناته أن يتأكلن بأجسادهن0
وجماعة المسلمين من حكام ومحكومين ليسوا مسؤولين أمام الله تعالى عن توفير الوظائف للنساء، وإنما هم مسؤولون عن رعايتهن، والإنفاق عليهن وهن قارات في بيوتهن، كل ولي بوليته، ومن لا ولي لها فواليها الإمام أو نائبه0
هذا هو حكم الشريعة في الرجال والنساء، وتلك هي مفاسد بعض هذا القرار، الذي بان لكل ذي بصيرة أنه معارض لشرع الله تعالى، وما عارض الشريعة فهو إفساد لا إصلاح، وإن سماه أصحابه إصلاحا، إما عن جهل بسبب ما يعانونه من الأمية والتخلف في فهم أحكام الإسلام، وإما عن هوى بسبب أنهم مؤد لجون بأفكار منحرفة، ومسيسون لتحقيق أهداف الأعداء من يهود ونصارى، نسأل الله تعالى لنا ولهم الهداية والرشاد، والتزام الشريعة الغراء، كما نسأله سبحانه أن يكبت كل مفسد ومفسدة، وأن ينصر كل مصلح ومصلحة، إنه سميع قريب مجيب، وأقول ما تسمعون وأستغفر الله تعالى لي ولكم...
الخطبة الثانية
الحمد الله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، ولا أمن إلا للمؤمنين، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله النبي الأمين، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين0
أما بعد : فاتقوا الله - عباد الله - وراقبوه ، والزموا طاعته ولا تعصوه ((وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ)) (النور:52).
أيها المسلمون: تنطلق هذه المشاريع التخريبية في بلاد المسلمين من أفكار تغريبية لا تمت لهذه الأمة بصلة، بل هي نتاج موجات الإلحاد والفساد التي اجتاحت بلاد الغرب فأفسدت نساءهم، وحطمت أسرهم، وفرقت مجتمعاتهم، ويستميت المفسدون من الكفار والمنافقين والشهوانيين في تصدير هذا الفساد إلى بلاد المسلمين بالرضا أو بالقوة، تحت دعاوى الإصلاح في دول العالم الثالث، مع أن الغرب لا زال يعاني من آثار هذا الإفساد، ومجتمعاته مهددة بالانقراض، وتعاني من كثرة الشيوخ، وقلة الشباب والأطفال.
وأجدني في هذا المقام مضطراً لنقل بعض المقولات لمفكرين غربيين يبرزون حجم الفساد الناجم عن إخراج المرأة من منزلها وإقحامها في ميادين الرجال، من باب ( وشهد شاهد من أهلها )، وإلا فالمسلم مستسلم لأمر ربه، تكفيه نصوص الكتاب والسنة قائداً وإماما.(58/235)
تقول كاتبة إنجليزية: إن الاختلاط يألفه الرجال، ولهذا طمعت المرأة بما يخالف فطرتها، وعلى قدر كثرة الاختلاط تكون كثرة أولاد الزنا.
وتقول باحثة أخرى: إن الاعتداءات الجنسية بأشكالها المختلفة منتشرة انتشاراً سريعاً في أمريكا وأوربا، وهي القاعدة وليست الاستثناء بالنسبة للمرأة العاملة في أي نوع من الأعمال تمارسه مع الرجال.
ونشرت مجلة نيوزويك الأمريكية تحقيقا بعنوان: سوء استخدام الجنس في المكاتب قالت فيه: إن مضايقة الرئيس لمرؤوسيه أمر قد خرج عن دورة المياه، أي خرج عن السرية وصار علنا.
ومن قالوا هذا الكلام قد عاشوا في مجتمعاتهم، ووقفوا على مشكلاتها، وخبروا عللها، وليسوا أميين في حضارتهم بل مثقفون ومفكرون، وليسوا كذلك مؤد لجين ومسيسين لصالح المسلمين، بل يحكون أمراض مجتمعاتهم.
إن أي مشروع يسعى لجعل خروج المرأة من منزلها هو الأصل، وقرارها فيه هو الاستثناء، فهو مشروع معارض لصريح القرآن والسنة، ومخالف لما كان عليه سلف الأمة ، فكيف إذا انضم إلى ذلك جملة من المفاسد الكبرى، كالاختلاط والتبرج والسفور، والخلوة والسفر بلا محرم، ولا يدعي مدع أنه يمكن الحد من هذه المفاسد بشروط وضوابط ؛ فإن التجارب السابقة أثبتت أن هذه الضوابط تتبخر مع الزمن كما يتبخر الماء الراكد، وانظروا كم في سياسة الإعلام بصحفه ومجلاته، وشاشاته وإذاعاته من شروط وضوابط تكتب بماء الذهب، فهل طبقت أم لا ؟! والأبواب إذا فتحت قليلا أمكن إشراعها على مصاريعها، بل أمكن خلعها، ولا تخلع الأبواب إذا كانت موصدة، فإياكم يا عباد الله أن يخدعكم مصدرو الرذيلة، وناشرو الفساد، بتلبيس الكلام، ولحن القول، والواجب على كل مسلم أن ينكر هذا المنكر العظيم الذي يطل بشره وفساده على المجتمع، ويكون إنكاره بالطرق المأذون بها شرعاً، التي لا تسبب إثما أكبر، ولا تحدث فتنة أعظم، والمسؤولية الكبرى، والأمانة العظمى تثقل كاهل كبار القوم من الأمراء والعلماء والمسؤولين، أن يقفوا أمام موجات الإفساد هذه، وإلا تحملوا وزر المجتمع كله، وبماذا سيقابلون ربهم إذا سئلوا عن ذلك في يوم لا تغني عنهم مناصبهم من الله تعالى شيئا، وواجب على من أعطاه الله تعالى جاها، وكلمته لها وقعها أن يبادر بالإنكار؛ براءة للذمة، وانتصارا للملة، وحفاظاً على بنات المسلمين ومجتمعهم من الرذائل، وعلى صاحب كل قلم وبيان من الرجال والنساء أن ينكروا ذلك أشد الإنكار، ويبينوا للناس مفاسد مثل هذا القرار.
ونعيذ بالله تعالى كل مؤمن ومؤمنة أن يكونوا عوناً لأهل الباطل على باطلهم بالاعتذار للباطل وتسويغه، أو الدعاية له وترويجه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت، ((وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ)) (هود:117).
جعلنا الله تعالى هادين مهديين، صالحين مصلحين، ومنَّ على ولاة أمرنا بالصلاح والرشاد، ودلهم على ما فيه صلاح البلاد والعباد، وجنبهم طرق أهل الضلال والإفساد، آمين يا رب العالمين.
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
============(58/236)
(58/237)
توبة حداثية لماذا وكيف ؟
أرسلت إحدى التائبات - ثبتنا الله وإياها على الحق - أرسلت برسالة تكشف فيها عن الخير التي صارت إليه بعد أن خلصها الله من فتنة أولئك القطاع - وسأكتفي ببعض ما جاء فيها لعل فيها عبرة .
تقول فيها: الحمد لله حمدا يليق بأنعمه الحمد لك ربي حتى ترضى والحمد لك إذا رضيت والحمد لك بعد الرضا وصلى الله وسلم على نبينا وحبيبينا محمد بن عبد الله عدد قطرات المطر وبعد
اليوم أقلد قلمي شرف هتك الأسرار ، أسرار الضياع لم تكن توبتي نتيجة ظروف قاسية ، أو محنة عارضة ، بل كنت أنعم بكل أشكال الترف ، وحرية في كل شيء ، وكنت أجسد العلمنة بمعناها الصحيح، وكانت أفكار الحداثيين وخططهم نهجي ودستوري ، وكتبهم مرصوصة في مكتبتي ، وقلمي تتلمذ على أشعار نزار قباني ، ورمي الحجاب حلم يداعب خيالي ، وقيادة السيارة قضيتي الأولى أنادي بها في كل مناسبة ، واستغل ظروف من هم حولي لإقناعهم بضرورتها ، تمنيت أن أكون أول من تترجم فكرة القيادة إلى واقع ملموس، ولطالما سهرت الليالي أخطط فيها لتحقيق الحلم ، أما تحرير المرأة السعودية من معتقدات وأفكار القرون البالية وتثقيفها وزرع مقاومة الرجل في ذاتها فلقد تشربتها وتشربتها خلايا عقلي، وسعيت جاهدة لتسليط الضوء على جبروت الرجل السعودي وأنانيته ، وقدمت الرجل المتحرر على طبق من ذهب على أنه يفهم المرأة وقد استخرج كنوز أنوثتها وقدمها معه جنبا إلى جنب، وشوهت صورة الرجل المتدين على أنه اكتسب الخشونة والرعونة من الصحراء وتعامل مع الأنثى كما تعامل مع نوقه وهو يسوقها بين القفار ، كانت الموسيقى غذاء الروح كما كنت أسميها هي نديمي من الصباح إلى الفجر، أما الرقص بكل أنواعه فقد جعلته رياضة تعالج تخمة الهموم ، ونظريات فرويد كنت أدعمها في كل حين بأمثلة واقعية، وأنسب المشاكل الزوجية إلى الكبت ، والعقد من آثار أساليب التربية القديمة التي استعملها أهلنا معنا، وكانت أفكاري تجد بين المجتمع النسائي صيتا عاليا ومميزا ؛ سرت على هذا النمط سنين عديدة، وفي يوم من الأيام وأنا في إحدى الأسواق كنت جالسة في ساحته لفت نظري شاب متدين بهيئته التي تدل على التدين ، ثوب قصير وسير هاديء وعيون مغضوضة أظنه في سن ما بعد العشرين وبدأ عقلي الضال يعمل أعجبني هدوؤه وراودتني بعدها أفكار غريبة - غريبة علي جدا، علامات الرضا بادية على محياه خطواته ثابته رغم أن قضيته في نظري خاسرة هو والقلة التي ينتمي إليها يتحدون ماردا جبارا تقدم وحضارة ، ولا يزالون يناضلون سخرت بداخلي منه ومنهم ، لكني لم أنكر إعجابي بثباتهم، فقد كنت أحترم من يعتنق الفكرة ويثبت عليها رغم الجهود المتواضعة وقلة العدد وصعوبة إقناع البشر بالكبت كما كنت أسميه حاولت أن أحلل الموضوع فقلت في نفسي ربما هؤلاء الملتزمين تدينوا نتيجة الفشل فأخذوا الدين شعارات ليشار إليهم بالبنان ، لكن منهم العلماء والدكاترة وماضي عريق قد ملكوا الدنيا حينا من أقصى الشرق إلى أقصى المغرب أو ربماهو الترفع عن الرغبات ؛ وعند هذه النقطة بالذات اختلطت علي الأمور - الترفع عن الرغبات معناه الكبت - والكبت لاينتج حضارة حاولت أن أتناسى هذا الحوار مع نفسي لكن عقلي أبى علي ولم يصمت ومنذ ذلك الوقت وأنا في حيرة فقدت معها اللذة التي كنت أجدها بين كتبي ومع أنواع الموسيقى والرقص ومع الناس كافة علمت أنني فقدت شيئا ، لكن ماهو ؟؟ لست أدري اختليت بنفسي لأعرف علتي وطرقت أبواب الطب النفسي دون جدوى فقدت الإحساس السابق بل لا أشعر بأي شيء كل شيء بلا طعم وبلا لون ورجعت مرة أخرى لنقطة البداية متى كان التغير ؟؟ إنه بعد ذلك الحوار تساءلت كل ما أتمنى أستطيع أخذه ما الذي يحدث لي إذاً أين ضحكاتي المجلجلة ؟؟ وحواراتي التي ما خسرت فيها يوما ؟؟ جلسات السمر والرقص ؟؟ كيف ثقل جسدي بهذا الشكل ؟؟ وكلما حاولت أن أكتب أجدني أسير بقلمي بشكل عشوائي لأملأ الصفحة البيضاء بخطوط وأشكال لا معنى لها غير أن بداخلي إعصاراً من حيرة بدأت أتساءل هذه الموسيقى المنسابة إلى مسمعي لم أعد أشعر بروعتها لو كانت غذاء الروح لكانت روحي الآن روضة خضراء ، أو تلك الكتب التي احترمت كتابها وصدقتهم لِمَ تخذلني الآن كلماتهم ولا تشعل حماسي كما كانت ، وهنا لاح سؤال صاعق هل هم فعلا أفضل منا - -تقصد الغربيين -- ؟؟ هل هم فعلا أفضل منا ؟؟ وبماذا أفضل ؟؟ تكنلوجيا ؟؟ وبماذا خدمت التكنلوجيا المرأة عندهم ؟؟ خدمة الرجل الغربي ، والمرأة أين مكانها ؟؟ معه في العمل !! وأخرى في المرقص تتراقص على أنغام الآلات التي اخترعها الرجل !! وأخرى ساقية للخمر الذي صنعه الرجل ونوع في أسمائه !! اكتشفت حقيقة أمرّ من العلقم الرجل تقدم وضمن رفاهيته وتملص من الحقوق والواجبات، حتى في جنونه جعل المرأة صالة عرض لكل ما يطرأ على خياله ، اخترع لها رقصات بكل الأشكال، رقصت وهي واقفة ، جالسة ، نائمة ، مقلوبة كمارقصت الراقصة كما اشتهاها العازف، اشتهاها ممثلة؛ مثلت كل الأدوار التي تحاكي رغباته من اغتصاب، إجرام، حب، شذوذ ، أي دور وكل دور!! اشتهاها عارية على(58/238)
الشاطيء تعرت !! اكتشفت الخديعة الكبرى في شعار حرية المرأة، فإن نادى بها رجل فهو ينادي بحرية الوصول إلى المرأة ، ثم من ماذا يريدون تحرير المرأة، من الحجاب ؟؟ لماذا ؟؟ ماهو الحجاب ؟؟ إنه عبادة كالصلاة والصوم؛ كنت سأحرم نفسي منه لولا أن تداركتني رحمة الله ، يريدون أن يحرروني من طاعة الأب والزوج إنهم حماتي بعد الله ، الأب والزوج حماتي بعد الله يريدون أن يحرروني من الكبت، كيف سميتم
العفة والطهارة كبتا ؟؟ كيف ؟؟ ما الذي جنوه من الحرية الجنسية ؟؟ أمراض ضياع !! حرروا المرأة كما يزعمون أخرجوها من بيتها تكدح كالرجل وضاع الأطفال !! واليوم اليوم يتدارسون ضياع الأطفال تباً لهم وتباً لعقلي الصغير كيف صدقهم ؟؟ كيف لم أرَ تقدمنا والمرأة متمسكة بحجابها ؟؟ كيف كنت أنادي بالقيادة ؟؟ فمع قيادة المرأة للسيارة يسقط الحجاب ةتسقط المرأة بعده عرفت علتي وعلة الشباب جميعا أولا : مشكلتنا الأساسية أننا لانعرف عن الإسلام إلا اسمه وعادات ورثناها عن أهلنا كأنه واقع فرض علينا وثانيا : لم ندرك طريقة الغزو الحقيقية خدرونا بالرغبات شغلونا عن القرآن وعلوم الدين ، فهي خطة محكمة تخدير ثم بتر ، ونحن لانعلم ؛ اتجهت إلى الإسلام من أول نقطة من كتب التوحيد إلى الفقه ومع كلمات ابن القيم عدت إلى الله ، ومع إعجاز القرآن اللغوي والتصويري والعلمي والفلكي ووو.. ندمت على كل لحظة ضيعتها أقلب فيها ناظري في كتب كتبتها عقول مسخها الله وطمس بصيرتها كانت معجزة أمامي هو القرآن الكريم لم أحاول يوما أن أفهم ما فيه أو أبحث في تفسيره ؛ أخرجت من منزلي ومن قلبي كل آلات الضياع والغفلة ، وعندها خرج اللحن من قلبي ، ووجدت حلاوة الشهد تنبع مع قراءة آيات القرآن ، وعرفت أعظم حب : أحببت الله تعالى، أحببت الله لبست الحجاب الإسلامي الصحيح بخشوع وطمأنينة واقتناع بعد تسليم أشعر معه رضا الله عني ، وعرفت معنى قوله تعالى : ((وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون)) في سكناتي وحركاتي وطعامي وشرابي استشعر معناها العظيم بت أنتظر الليل بشوق إلى مناجاة الحبيب أشكو إليه أشكو إليه شدة شوقي إلى لقائه ، وإلى لقاء رسول الله المصطفىمحمد صلى الله عليه وسلم ، وحنينا إلى صحابته الكرام ، ونسائه الطاهرات وأخيرا كلمة إلى كل من سمع قصتي لاترفضوا دينكم قبل أن تتعرفوا عليه جيدا لإنكم إذا عرفتموه لن تتخلوا عنه فداه الأهل والمال والبنون والنفس لا تنسوني ووالدي من صالح دعائكم
أختكم في الله المشتاقة إلى الله.
===============(58/239)
(58/240)
الإسلام أعطى المرأة حقوقاً لم تحصل عليها في الغرب
يزعم الغربيون أنهم حريصون على تحرير المرأة، وخصوصاً المرأة المسلمة، وقد حرصت حركات تحرير المرأة المسلمة - كما أطلقوا عليها - على جعل المرأة المسلمة تقف خصماً أمام الرجل المسلم، وتقف خصماً ضد شريعة الإسلام الغراء، وتمتلئ تلك المنظمات الداعية إلى تحرير المرأة المسلمة رعباً وهلعاً كلما قيل هناك من يطالب بتطبيق حكم الشريعة، وتنفرج أساريرها فرحاً وسروراً كلما وجهت ضربة إلى الشرع الحنيف عن طريق سن المزيد من القوانين الوضعية العلمانية المستمدة من قوانين الغرب.
وتجلّى الاهتمام الغربي بقضية تحرير المرأة في الهجمة الشرسة المباشرة وغير المباشرة من قبل الغربيين على الشريعة الإسلامية، وتشجيعهم للمرأة على الخروج على تعاليم دينها التي التزمت بها طوال أربعة عشر قرناً، ويزعمون ان المسلمين يسيئون إلى المرأة، ويكبتونها، ويجبرونها على الالتزام بزي معين وهيئة معينة وهو ما يتعارض مع حقوق المرأة - كما يدّعون -.
والمتتبع لهذه التخرصات التي تنبع من الغرب، وتجد من يروج لها بين المسلمين لا يجد مشقة في الرد عليها، حيث كرّم القرآن الكريم المرأة ووضعها في أعلى منزلة.. وبشهادة المنصفين من مثقفي الغرب فقد أعطى الإسلام للمرأة حقوقاً لم تحصل عليها المرأة في الغرب، ولو قاس المنصفون ما كانت عليه المرأة في الجاهلية، وما صارت إليه بعد بزوغ شمس الإسلام الساطعة لعلم أن الإسلام أنصف المرأة ووضعها في مكانها الذي يجب أن تكون فيه من غير إفراط ولا تفريط وليس أدل على ذلك من اعتراف الإسلام للمرأة بحق النسب إلى أبيها بعد زواجها بعكس المرأة في ظل الحضارة الغربية التي لا زالت حتى اليوم تنسب لزوجها وليس لأبيها، كما أقر الإسلام مساواة المرأة بالرجل في الثواب والعقاب فقال تعالى (( فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثي بعضكم من بعض )) الآية والشواهد في هذا السياق متعددة وكثيرة.. و صلى الله عليه وسلم عرف للمرأة مكانتها فقد رد r عن الصحابي الذي سأله « من أحق الناس بحسن صحابتي فقال له صلى الله عليه وسلم أمك، قال ثم من، قال: أمك، قال ثم من، قال: أمك، قال: ثم من، قال: أبوك» وقول صلى الله عليه وسلم «الجنة تحت أقدام الأمهات".
ولهذا لو قارنت الفرق الشاسع بين أكرم المسلمين للمرأة خاصة الأم لوجدت الاحترام والمودة والبر أما تعامل الغرب مع المرأة خاصة الأم لوجدت أن المرأة عندهم إذا كانت شابة فهي سلعة يباع لحمها وشرفها بأرخص الأثمان وإذا كبرت في السن القى بها ابنها في الملجأ ان هذا التعامل الغربي الجواني مع المرأة يقابله تعامل الملتزمين بالإسلام مع المرأة المتمثل في بر الأم وإكرام الزوجة والإحسان إلى القريبات في تعامل حضاري راق ومع ذلك تجد أن العالم الغربي الحيواني يشن حرباً شرسة على المرأة المسلمة ويريدها أن تخرج من سترها وشرفها وعفافها وتكون سلعة مبتذلة رخيصة ويدعون أنهم يريدون أن يحرروا المرأة من شرفها وكرامتها وعفتها وزمر لهم وطبل دسائس الماسونية بين المسلمين ومع ذلك فإن الله ناصر لدينه ومعز للمتمسكين بالإسلام ولو كره الكافرون هذا والله أعلم وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم
=============(58/241)
(58/242)
الإختلاط فساد وانحطاط
الخطبة الأولى
الحمد لله الذي جلَّت قدرته وعظمت حكمته وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له كملت نعمته ووسعت كل شيء رحمته ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله المحمودة سيرته صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً أما بعد.
فيا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين أغمِض عينيك وأصم أذنيك واصرف قلبك عما يتفوّه به المجرمون ويسطِّره الكَتَبة الكاذبون من رموز النفاق وأرباب العلمنة وغلمان الأهواء أدعياء العقلنة من مصادمة للحقائق ومعارضة لحكمة الخالق ولبس للحق بالباطل وكتم للحق وتزيين للباطل كي تميل الأمة ميلاً عظيماً0
لا تُطِع الكافرين والمنافقين ودَع أذاهم وتوكَّل على الله ، وقف هيبة واستسلاماً وخضوعاً وانقياداً بقلبك وجوارحك لحقائق القرآن الذي أنزله من هو أعلم بمن خلق وهو اللطيف الخبير وتقبل بتصديق ويقين كلام سيد المرسلين الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى.
استمع إلى حقائق القرآن والسنة واقبلها غير متردد ولا متحرج {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ} الأحزاب 36
استمع إلى الحقائق التي تكلَّم بها رب العالمين {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ قِيلاً }النساء 122
{وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ }المائدة50 ،وأعلنها خاتم المرسلين r ولن تجد لسنته مثلاً ولا بديلاً.
اسمعها وارضَ بها ولا يستخفنَّك الذين لا يوقنون.
الحقيقة الأولى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} الأحزاب 33
إنَّ البيت هو مثابة المرأة التي تجد فيها نفسها على حقيقتها كما أرادها الله تعالى غير مشوَّهة ولا منحرفة ولا مُلوَّثة ولا مكدودة في غير وظيفتها التي هيَّأَها الله لها بالفِطرة.
وإن الأم المكدودة بالعمل للكسب المرهقة بمقتضيات العمل لا يمكن أن تهب للبيت جوه وعطره ، ولا يمكن أن تمنح الطفولة النابتة فيه حقها ورعايتها،
وإنَّ خروج المرأة لتعمل كارثة على البيت قد تبيحها الضرورة ، أما أن يتطوع الناس بها وهم قادرون على اجتنابها فتلك هي النكسة التي تصيب الأرواح والضمائر والعقول في عصور الإنتكاس والضلال
فأما خروج المرأة لغير العمل ...خروجها للاختلاط وأماكن الملاهي والتسكُّع في النوادي و المجتمعات وحضور الحفلات والمهرجانات فذلك هو الإرتكاس في الحماة الذي يرد البشر إلى مراتع الحيوان.
لقد كان النساء على عهد رسول ا صلى الله عليه وسلم يخرجن للصلاة غير ممنوعات شرعاً ولكن كان في زمن عفّة وتقوى وكانت المرأة تخرج إلى الصلاة متلفعة لا يعرفها أحد ولا يبرز من مفاتنها شيء ..ومع هذا فقد كرهت عائشة رضي الله عنها لهن أن يخرجن بعد وفاة رسول ا صلى الله عليه وسلم 0
في الصحيحين أن عائشة رضي الله عنها قالت : كان نساء المؤمنين يشهدن الفجر مع رسول ا صلى الله عليه وسلم ثم يرجعن متلفعات بمروطهن ما يعرفن من الغلس ، وفي الصحيحين أنها قالت :(لو أدرك رسول ا صلى الله عليه وسلم ما أحدث النساء لمنعهن من المساجد كما منعت نساء بني إسرائيل) فماذا أحدث النساء في عهد عائشة ؟ وماذا كان يُمكن أن يحدثن حتى ترى أن رسول ا صلى الله عليه وسلم كان مانعهن من الصلاة ؟ . ماذا بالقياس إلى ما نراه في هذه الأيام حيث الخروج لاإلى الصلاة بل لمخالطة الرجال وإبداء الزينة وإثارة الفتنة .
أما الحقيقة الثانية: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ }الأحزاب53
هكذا يقول اللطيف الخبير. أما المنافق الحقير فينعق : نصف المجتمع معطل والمجتمع يتنفس برئة واحدة0
فلا يقل أحد غير ما قال الله ، لا يقل أحد إن الاختلاط وإزالة الحجاب والترخص في الحديث واللقاء والجلوس والمشاركة بين الجنسين أطهر للقلوب وأعف للضمائر وأعون على تصريف الغريزة المكبوتة وعلى إشعار الجنسين بالأدب وترقيق المشاعر والسلوك إلى آخر ما يقوله نفر من خلق الله الضعاف المهازل الجهَّال المحجوبين 0
لا يقل أحد شيئاً من هذا والله يقول {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ}الأحزاب53 يقول هذا عن نساء النبي الطاهرات أمهات المؤمنين وعن رجال الصدر الأول من صحابة رسول ا صلى الله عليه وسلم ممن لا تتطاول إليهم وإليهن الأعناق ...وحين يقول الله قولاً ويقول خلق من خلقه قولاً فالقول لله سبحانه وكل قول آخر هراء لا يردده إلا من يجرؤ على القول بأن العبيد الفانين أعلم بالنفس البشرية من الخالق الباقي الذي خلق هؤلاء العبيد
والواقع العملي الملموس يهتف بصدق الله وكذب المدعين غير ما يقوله الله والتجارب المعروضة اليوم في العالم مصدقة لما نقول وهي في البلاد التي بلغ الاختلاط الحر فيها أقصاه أظهر في هذا وأقطع من كل دليل وأمريكا أول هذه البلاد التي آتى الاختلاط فيها أبشع الثمار.(58/243)
والحقيقة الثالثة: {إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ}الأحزاب32 من هنَّ اللَّواتي يحذرهن الله هذا التحذير ؟ إنهنَّ أزواج صلى الله عليه وسلم وأمهات المؤمنين اللاتي لا يطمع فيهن طامع ولا يرف عليهن خاطر مريض ، وفي أي عهد يكون هذا التحذير؟ في عهد صلى الله عليه وسلم وعهد الصفوة المختارة من البشريَّة ولكن الله الذي خلق الرجال والنساء يعلم أن في صوت المرأة حين تخضع بالقول وتترقق في اللفظ ما يثير الطمع في قلوب ويهيج الفتنة في قلوب وإن القلوب المريضة موجودة في كل عهد وفي كل بيئة وتجاه كل امرأة ولو كانت هي زوج النبي الكريم وأُم المؤمنين ، فكيف بهذا المجتمع الذي نعيش فيه اليوم في عصرنا الذي هاجت فيها الفتن وثارت الشهوات... كيف بنا في هذا الجو الذي كل شيء فيه يثير الفتة ويُهيِّج الشهوة ويُنبه الغريزة ؟ كيف بنا في هذا العصر في هذا الجو ونساء يتكسَّرن في نبراتهن ويتميَّعن في أصواتهن ؟
هل بعد هذا نجد مبرراً أن تقرأ المرأة أمام الرجال وتلقي كلمة أمام الرجال وتخاطب الرجال خاضعة في القول فيطمع فيها مرضى القلوب ويتغنى بجمال صوتها ضعاف النفوس. هذه هي الحقيقة لكن أرباب الشهوات لا يفقهون.
والحقيقة الرابعة: يعلنها صلى الله عليه وسلم قائلاً :"المرأة عورة فإذا خرجت استشرفها الشيطان وأقرب ما تكون بروحة ربها وهي في قعر بيتها"وقال:"ما تركت بعدي فتنة هي أضر على الرجال من النساء"، وحينما خرج رسول ا صلى الله عليه وسلم من المسجد وقد اختلط الرجال مع النساء في الطريق قال للنساء:"استأخرن فليس لكُنَّ أن تَحقُقْن الطريق عليكن بحافات الطريق"فكانت المرأة تلصق بالجدار حتى إن ثوبها ليتعلق بالجدار من لصوقها به ... فواعجباً من زمن أصبحت فيه النساء يمشين بكل زهو وتبختر أمام الرجال 0
وحرصاً من صلى الله عليه وسلم على هذا المبدأ فقد أفرد باباً خاصاً للنساء يدخلن منه للمسجد ويخرجن منه لا يخالطهن ولا يشاركهن فيه الرجال ..ومن ذلك تشريعه للرجال أن لا يخرجوا فور التسليم من الصلاة إذا كان في الصفوف الأخيرة نساء حتى يخرجن وينصرفن إلى دورهن قبل الرجال. فقد كان r إذا سلم مكث قليلاً وكانوا يرون أن ذلك كيماًينفذ النساء قبل الرجال 0
إنَّه في أقدس الأماكن وفي أطهر الأعمال وهي الصلاة كان الإسلام يحرص على انفصال النساء عن الرجال كما قال الرسو صلى الله عليه وسلم :( خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها وشر صفوف النساء أولها وخيرها آخرها) وهذا ابن عباس رضي الله عنه يقول شهدت العيد مع صلى الله عليه وسلم ولولا مكاني من الصغر ما شهدته حتى أتى العلم الذي عند دار كثير بن الصلت فصلى ثم خطب ثم أتى النساء ومعه بلال فوعظهن وذكّرهن 0
قال بن حجر : قوله : ثم أتى النساء يشعر بأن النساء كنَّ على حِدة من الرجال غير مُختلطات بهم ، وقوله : ومعه بلال فيه أن الأدب في مخاطبة النساء في الموعظة أو الحكم أن لا يحضر من الرجال إلا من تدعو الحاجة إليه من شاهد ونحوه فالله المستعان من هذا الزمان.
بل قد حرصت الصحابيات على عدم الاختلاط حتى في أشد المساجد زحاماً وفي أشد الأوقات زحاماً في موسم الحج بالمسجد الحرام.
جاء في البخاري :كانت عائشة رضي الله عنها تطوف حجرة من الرجال لا تخالطهم ودخلت على عائشة رضى الله عنها مولاة لها فقالت لها: يا أم المؤمنين طفت بالبيت سبعاً واستلمت الركن مرتين أو ثلاثاً، فقال لها عائشة : لا آجرك الله، لا آجرك الله، تدافعين الرجال ؟ ، ألا كبرت ومررت ، ونهى عمر أن يطوف الرجال مع النساء ، فرأى رجالاً معهن فضربه بالدرة 0
هذه هي الحقيقة يعلنها r في مقاله وفعاله ويقرر فيها للأمة أن الأنثى هي أنثى مهما استرجلت ، والجمل هو جمل مهما استنوق وأن العواطف والهواتف في أجسادهما تشدهما شطراَ إلى شطر مهما كان الجو الذي يسودهما مفعماً بجد أو هزل، وبفرح أو ترح ، وإنما يخفف من ذلك الشد أو يستره الحياء والدين وما أقلهما في عالم الاختلاط.
وأما الحقيقة الخامسة: فقد نطق بها الواقع وشهد عليها شاهد من أهلها قد أثبتت الإحصائيات المعلنة أن نسبة الحبالى من تلميذات المدارس الثانوية الأمريكية بلغت في إحدى المدن 48% ودلت الإحصاءات في أحد الأعوام على أن 120000 طفل أنجبتهم فتيات بصورة غير شرعية لا تزيد أعمارهن عن العشرين وأن كثيرات منهن من طالبات الكليات والجامعات.(58/244)
وهذه كاتبة إنجليزية تشعر بالخطر فتقول: إن الاختلاط يألفه الرجال ولهذا طمعت المرأة بما يخالف فطرتها وعلى قدر كثرة الاختلاط تكون كثرة أولاد الزنا وهنا البلاء العظيم على المرأة ..ثم تقول : أما آن لنا أن نبحث عما يخفف إذا لم نقل عما يزيل هذه المصائب العائدة بالعار على المدينة الغربية أما آن لنا أن نتخذ طرقاً تمنع قتل الآلاف من الأطفال الذين لا ذنب لهم بل الذنب على الرجل الذي أغرى المرأة المجبولة على رقة القلب ... ثم قالت : أيها الوالدان لا يغرنَّكم دريهمات تكسبها بناتكم باشتغالهن في المعامل ونحوها ومصيرهن إلى ما ذكرنا علموهنَّ الابتعاد عن الرجال وأخبروهنَّ بعاقبة الكيد الكامن لهنَّ بالمرصاد. ثم تقول :لقد دلتنا الإحصاءات على أنَّ البلاء الناتج من حمل الزنا يعظم ويتفاقم حين يكثر اختلاط النساء بالرجال. ولقد أدت بنا هذه الحال إلى حد من الدناءة لم يكن تصورها في الإمكان وهذا غاية الهبوط في المدينة ) اهـ كلامها.
إنَّ الاختلاط داء ووباء وشر وبلاء بكل صوره ومظاهره ... اختلاط الذكور والإناث في المضاجع ولو كانوا إخوة ...اتَّخاذ الخدم الرجال واختلاطهم بالنساء وحصول الخلوة بهم ...اتَّخاذ الخادمات بلا محرم ... استقبال المرأة أقارب زوجها الأجانب ، الاختلاط في دور التعليم والجامعات ، الاختلاط في الوظائف والأندية والمواصلات والمستشفيات والزيارات وحفلات الأعراس ، الاختلاط في الأعياد والمهرجانات والمناسبات ، الاختلاط في الأماكن الترفيهية والحدائق والأسواق ، حيث في أجواء التسوق والترفيه وتسكع بعض الشباب اللاهث وراء المتعة تحدث ظاهرة خطيرة وهي ظاهرة التعرُّف السريع والإعجاب من النظرة الأولى التي تعقبها خطوات الانحراف.
الاختلاط بكل أشكاله محرم وتعدٍ على حدود الله وانتهاك لمحارمه {وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ }البقرة229الاختلاط بكل صوره نتائج مرللدعوات الآثمة التي ينفثها أرباب الشهوات في كتاباتهم وزواياهم وينادون من خلالها بالمساواة بين الذكر والأنثى في كل شيء اعتراضاً منهم على فطرة الله ومخالفة لهديه وشريعته0
لقد وُلدت هذه الدعوى جُرأة عند المرأة في إقدامها على غشيان مجتمعات الرجال والاتصال بهم ومحادثتهم بل ومغازلتهم بلا تحفظ ولا حياء ... وولدت هذه الدعوى الظالمة جُرأة عند المرأة فأقدمت على تأليف الجمعيات النسوية واللِّجان النسائية وإصدار الصحف والمجلات وإعلان المسيرات لا في سبيل إصلاح ما فسد من شؤونهنّ وتقويم مااعوجَّ من سلوكهنَّ وإنَّما في سبيل المُطالبة بحق المرأة بالمساواة مع الرجل... تخرج كما يخرج ..وتلبس كما يلبس بل أفضح مما يلبس وتصادق من تشاء وتعمل ما تريد وتغشى الأندية العامة كما يغشاها الرجال وتنادي بتبني قضايا سياسيَّة أو اقتصاديَّة أو بيئية ليس من شأنهن أن يتصدَّين لها وليس في قدرتهنَّ الفكرية والعملية أن يفلحنَّ في حلِّها ومعالجتها ..وإنَّما النيَّة الخفية من وراء ذلك هي أن يتكشَّفن ويبدين زينتهن ولتذكرهن الصحف وتردد الإذاعات أسماءهن بأنهن المتحضرات المتحررات.وليتهن إذ فعلن ذلك كان حفلهن مستقلاً عن الرجال 0
إن جعبة الباحثين والدارسين لمستنقع الاختلاط حافلة بالمآسي المخزية والفضائح المشينة التي تمثل صفعة قوية في وجه كل من يجادل في الحق بعدما تبين ..وإن الإحصائيات الواقعية في كل البلاد التي شاع فيها الاختلاط ناطقة بل صارخة بخطر الاختلاط على الدين والدنيا ..لخصها العلامة أحمد وفيق العثماني عندما سأله بعض الساسة الأوربيين : لماذا تبقى نساؤكم محتجبات في بيوتهن مدى حياتهن من غير أن يخالطن الرجال ويغشين مجامعهم ؟ فأجاب في الحال قائلاً: (لأنهن لا يرغبن أن يلدن من غير أزواجهن) ولما وقعت فتنة الاختلاط من جامعة مصرية كان ما كان من حوادث يندى لها الجبين ولما سُئل عميد قلة الأدب العربي طه حسين عن رأيه في هذا قال: ( لابد من ضحايا) ولكنه لم يبين بماذا تكون الضحية ؟ وفي سبيل ماذا لابد من ضحايا وأي ثمرة يمكن أن تكون أغلى وأثمن من أعراض المسلمين ؟ 0
والآن نعلن وبكل قوة ونجزم بحقيقة لا مراء فيها وهي أنك إذا وقفت على جريمة فيها نهش العرض وذبح العفاف وأهدر الشرف ثم فتشت عن الخيوط الأولى التي نسجت هذه الجريمة وسهلت سبيلها فإنك حتماً ستجد أن هناك ثغرة حصلت في الأسلاك الشائكة التي وضعتها الشريعة بين الرجال والنساء ومن خلال هذه الثغرة دخل الشيطان وصدق الله {وَاللّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيماً }النساء27أقول هذا القول ..
الخطبة الثانية(58/245)
أما بعد،،، إنَّنا وكأي أمة مسلمة وكغيرنا من مجتمعات المسلمين يوجد من بيننا دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها ، إنَّهم قوم من بني جلدتِنا ويعيشون بين أظهرِنا ويتكلَّمون بألسنتنا يلبسون لباس الإصلاح ويزينون باطلهم بدثار الصلاح {أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِن لاَّ يَشْعُرُونَ }البقرة12إنهم أرباب الشهوات ودعاة الشبهات المتهوكون في أودية الباطل أولئك المنهزمون الذين لم يجدوا سبيلاً لرفع رؤوسهم إلا بالتقليد المطلق لكل غربي فهو المحور الذي يدورون فيه واستعلوا بانهزاميَّتهم وتطاولوا بسقوطهم وعدَّوا ذلك باباً من أبواب التَّزين يتبخترون به على غيرهم
إنَّهم فئة تمتد جذورهم الفكرية في فكر أعداء الإسلام تشرب منه وتستمد من تعاليمه ومناهجه ...يدعون الإيمان والإسلام ويزعمون أنَّهم على الهدى والصلاح فإذا ما تكشفت خبيئتهم وجدنا نُفوساً مريضة أسَّرها الهوى وغلبت عليها الشهوات وأحاطت بها الشكوك والشُبُهات يقول قائلهم: كان الرعيل الأول - ويعني بهم دعاة تحرير المرأة - قناديل تغوص ذبالاتها بدرجة أو بأخرى في الفكر الغربي المتقدم..
إن هذه الفئة بكتاباتها وأقوالها وطرحها تسعى إلى جر الأمة لمستنقع الاختلاط ووحل الانحطاط الذي غاصت فيه المسلمات في بلاد أخرى فجنت منه المصاب والعلقم.
إن المأزق الذي يتساقط فيه هؤلاء يوماً بعد يوم هو أنهم لايملكون مشروعاً حضارياً جاداً لنهضة الأمة وإنما غاية ما يملكون أنَّهم يريدون أن يزجوا الأمة في المُستنقع الغربي الآسن ليكون أبناؤها عبيداً يتمرغون تحت أعتابهم 0
حينما رأوا هذه البلاد تعتز بدينها وتحافظ على قيمها ويقف أهلها بإيمانهم وشرفهم صخرة تتحطَّم عليها أفكارهم ورأوا أن ولاة أمرها يؤكِّدون في كلماتهم وقراراتهم على خُطورة الاختلاط ومنعه بدءاً بالكلمة المشهورة للملك عبدالعزيز رحمه الله ...
حينما رأوا ذلك التميز سعوا إلى جر الأمة لويلات الاختلاط عبر سياسة تكسير الموجة وبشعارات برَّاقة وتحت رايات مشبوهة ... تارة تحت مسمى الاقتصاد وتارة تحت غطاء المعارض الثقافية وأخرى تحت ستار حماية البيئة ورابعة بستار الاختراع والمخترعين. ومرة عبر مهرجان الزهور وهكذا إلى أن تتقبل الأمة فكرة الاختلاط وتخضع للأمر الواقع .. ولا بأس عندهم أن تظهر المرأة متحجبة تارة ومتكشفة تارة أخرى حسب البيئة والمجتمع ...وإذا نجحوا في مرحلة تقدموا إلى غيرها إلى أن تتحول الأمة في النهاية إلى مُستنقع من الفساد والانحلال 0. هذا في الوقت الذي ترتفع فيها صيحات العُقلاء في الغرب والشرق منادية المرأة بالعودة إلى بيتها والحِفاظ على كرامتها وفي الوقت الذي تتجه فيه الدول الغربية إلى حماية أخلاقها فأنشأت مستشفيات خاصة بالنساء ومواصلات خاصة بالنساء ومنحت منحت مزايا للمرأة التي تعكف على تربية أولادها0
رُبَّ قائلٍ : ما هذا التهويل وتلك الإثارة ، ولماذا هذه المُبالغة وكأن نساءنا سيظهرن على الشواطىء عرايا أو أن المسارح سُتنصَب في الزوايا ؟
ولهؤلاء أقول : ولِمَ لا يُمكِن أن يكون الأمر كذلك ؟ أولم يخبرنا ربنا أن للشيطان خطوات وحذرنا منها {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ}النور21
أوليس الاختلاط أصبح أمراً واقعاً في كثير من ميادين حياتنا ؟ فهل كان مجتمعنا كذلك قبل سنوات، أليس من نسائنا من تمردن على الفطرة وخلعن جلباب الحياء فنافسن الرجال في قيادة الطائرات وسباق الفروسية والعمل في الشركات والظهور مع الكبراء متبرجات ؟ أوليس الاختلاط واقعا في المستشفيات والمستوصفات وفي وسائل الإعلام وفي الحدائق والمتنزهات وفي بعض الشركات ؟ بل وفي الأجواء على الطائرات ؟ . فكيف حدث هذا ؟ أليس بخطوات خطوات ؟ أفليس إذا تواصلت الخطوات بلا إنكار ولا استنكار سنصل إلى ما يشتهون ؟
أولم تقرأوا كتاب ( تحرير المرأة) والذي يصور المرأة في بلاد مسلمة كانت أكثر تحشماً وتستراً منا فمازالت يد التغريب تعمل حتى سقطت النساء في درك الاختلاط والانحطاط الخُلقِي الذي تسمعون به وربما تُبصرون ..ألا فلتعلموا أن فصول تلك المسرحية تطبق اليوم حذو القذة بالقذة فخذوا حذركم فوالله إن رضينا وسكتنا فسنجد أنفسنا يوماً ما في الدرك الذي سقط فيه غيرنا غارقين في الوحل الذي غرق فيه من حولنا.
إن السعي إلى فرض الاختلاط في مجتمعنا أو الدعوة إليه أو الرضا أو السكوت عليه هو سعي لجر الأمة إلى السقوط والانهيار حينما تخسر أعظم مقوماتها وهي الدين والأخلاق والمثل 0
وإن من يسعى لهذه النتيجة فهو ظالم لنفسه وأمته 0
إننا نناشد المسؤولين المخلصين في بلادنا والغيورين على دينهم وقرآنهم والحريصين على أمن بلادهم أن يقفوا في وجه هذه التيارات ويصدوها فبلادنا أمانة في أعناقهم فليتقوا الله في هذه الأمانة 0(58/246)
وننادي دُعاة الاختلاط والانحطاط : رُويدكم يا أدعياء التقدم والتحضر.. رُويدكم فقد طفح الصاع وطفح الكيل وجاوزتم حدكم وخرجتم عن طوركم ..من أنتم حتى تطاولوا السماء بأعناقكم ..ومن أنتم حتى تنازعوا الله في حكمه ؟ أنتم تقولون قولاً والله يقول قولاً وقولكم مصادمة لقول الله ...أفتريدون أن نصدق كلامكم ونتبع أهواءكم ونُخالف قول ربنا ؟ تالله لن نؤمن لكم قد نبأنا الله من أخباركم
إننا ننادي دُعاة الاختلاط من كان جاهلاً بآثار دعوته ونتائجها أن يستغفر ربه ويتقي الله في مقولاته وممارساته قبل أن يأتي يوم يرى فيه نتائج دعوته في أقرب الناس إليه ...يراه في أخواته أو زوجته أو بناته ..ونقول لهم إنَّ المسلم الحقيقي لن يسكتَ ولن يصمت لأنَّه يُدرك تمام الإدراك أن حضارته في إسلامه واستقراره في التزامه وعظمته بإيمانه ..فهو يرفض كل دعوة تصادم إسلامه ويُناهِض كل فِكرة تُعارض التزامه.
إنَّ الشخصية المسلمة ستقف لكم بالمرصاد لأنَّها تُدرك أهداف الدعوات الهابطة وألوان المشاعر المتردية 0
وإننا لنناشد كل مسلم ومسلمة في بلادنا بأن يقف أمام تيار اختلاط ..ندعوه إلى أن يكون أصيلاً وقوياً فلا يتقاعس عن المواجهة بالتي هي أحسن وإنَّ الساكت أمام هذا الخطر شيطان أخرس وسيحمل إثمه وإثم الأجيال القادمة إن فسدت {ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ }الأنفال51 وإنَّ على علماء الأمة ودُعاتها ووُجهائها الكفل الأعظم في مواجهة تيار التغريب باحياء شعار (الدين النصيحة ، لله ولرسوله وللأئمة المسلمين وعامتهم) 0
وأمام هذه الموجة القاتلة من ريح التغيير وأعاصير التدمير فإنَّ على الدُعاة وعلى الأولياء والآباء مسئولية ودوراً سأسطره في جمعة أخرى بإذن الله
وختاماً: يا فتاة هذه البلاد وربِّ السماء والأرض إني لكِ من الناصحين ..اقرأى حتى لا تنخدعي واحذري قبل أن تقعي ولا تكرري المأساة التي تورطت بها أختك في بلاد مسلمة وهي الآن تعود إلى رشدها وتؤدب إلى عقلها بعد أن ذاقت مرارة التحرر من عُبودية الله وتجرَّعت ذل العبودية لعباد الله وانكشف لها زيف المفسدين فخذي العبرة من الساقطين السابقين ولا تكوني عبرة للاحقين..
ويقيننا : أن قرون الوعول النفاقية ستتحطم على صخرة الإيمان والثبات والوعي والإدراك ، وإن الله لا يصلح عمل المفسدين.
اللهم صل وسلم على النبي المختار r تسليماً كثيراً ...
===========(58/247)
(58/248)
لماذا عزفت النساء عن العمل ؟
تعزف الكثير من النساء عن العمل وسبب ذلك الاختلاط وقد ( أظهر مسح القوى العاملة بالعينة الصادرة من الأمانة العامة لمجس التخطيط أن عدد القطريات العاطلات عن العمل قد بلغ (3049) قطرية منهن (985) قطرية حاصلة على الشهادة الجامعية فأعلى و69 حاصلة على دبلوم أقل من الجامعة وألف و91 قطرية حاصلة على الثانوية و421 حاصلة على الإعدادية و295 حاصلة على الابتدائية و 188 قطرية يجدن القراءة والكتابة وحسب المسح فإن ألفاً و998 قطرية يرفضن العمل في القطاع الخاص لأسباب :
جاء في مقدمتها الاختلاط بواقع ألف و 516 قطرية .
يأتي ثانياً الوضع الاجتماعي بواقع ألف و 55 قطرية ، وقلة الأجر بواقع 361 قطرية ثم ساعات الدوام بواقع 313 قطرية . ) [1].
والسؤال لماذا يفرض الاختلاط على نساء المجتمع ؟!!
يا ترى ..لو كان هناك مستشفيات خاصة بالنساء ..ألا يكون هناك إقبال كبير من النساء على العمل فيها ؟!!
ولماذا الذين ينادون بعمل المرأة لا يوفرون لها الأجواء المحافظة كي تعمل المرأة ؟!!
هاهي المرأة تتحدث عن رغبتها..وأنها لا تريد الاختلاط .. فأين دعاة تحرير المرأة المزعوم عن هذه الحقائق ؟!!
ولكن ..هي الأدلة والحقائق والبراهين تكشف للناس حقيقة ما يريدون ؟!فهل يتنبه أناس إلى خطورة هؤلاء ؟!!
نسأل الله أن يكفينا شرهم بما يشاء ؟
[1] جريدة الوطن القطرية 21/09/2003م .
============(58/249)
(58/250)
أخطاء في مقاومة تغريب المرأة
كتب الأديب الأريب علي الطنطاوي كتابات عديدة في موضوع تغريب المرأة في بلاد الشام، وقد جمعت كلامه في ذلك في كتاب أسميته ( تجربة المرأة المعاصرة ) كي ينتفع منه أهل الرأي في هذه البلاد وغيرها، ومن الأمور التي ذكرها ما وقع فيه الدعاة إلى الله تعالى في وقته في مقاومة دعاة التغريب وقد حصرتها لك أخي الكريم لتعلمها ومن ثم تتلافها، فنسأل الله تعالى التوفيق والسداد.
فمن الأخطاء التي ذكرها ـ رحمه الله ـ
الخطأ الأول: الاحتساب على المنكر بدون مشاورة أهل العلم:
يقول رحمه الله: ( إن أقوى الطاقات في الدنيا ما يسمونه « رد الفعل » فأنت حين تكبس بيدك على كفة الميزان، لا يظهر الأثر في الوسط، وإنما يظهر في الكفة المقابلة، هذا الانطلاق وراء اللذات وهذا التحلل من قيود الدين والأخلاق، دفع جماعة من الشباب من العامة ومن الطلاب إلى إنكار هذا المنكر, ولكنهم لم يرجعوا إلى مشورة أهل العلم، ولم يقفوا عند آداب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وحسبوها فوضى يصنع كل ما يشاء، مادام يريد بينه وبين نفسه الخير، فانطلقوا يتعرضون في الطريق للسافرات المتكشفات، وهجموا مرة على سينما في وسط البلد ليس فيها إلا نساء، لأن دور السينما يومئذ كانت عندها بقية من حياء، فهي تخصص أياماً للنساء، وأياماً للرجال, دخلوا عليهن فروعوهن، فأعطوا بذلك أعداءنا وأعداء ديننا حجة علينا، ولذلك قالت العرب في أمثالها:( عدو عاقل خير من صديق جاهل ) .(ذكريات 5/236-242)
? وقال أيضا ـ رحمه الله ـ في سياق كلامه عن كلمة ألقها وذكر فيها أثر الإنكار بدون مشاورة أهل العلم ، يقول:
ـ جاء في عنوانها، أنها كلمة صريحة لله ثم للوطن, شرحت فيها ما كان من عمل الشباب الذين هالهم ما رأوا من فشو التبرج والاختلاط بعيد الجلاء في دمشق، البلد العربي المسلم، فقاموا يدافعون عن الفضيلة المغلوبة، ويردون إليهم الناس لأن ديار الشام لا تزال متمسكة بدينها، ولا يزال نساؤها بالحجاب الساتر، ومشت الأمور في طريقها، وكادت تصل إلى غايتها، ودعاة الفجور ينظرون ويتحركون, لولا أن دفعت الغيرة على الأخلاق الإسلامية والسلائق العربية مع الجهل بأحكام الدين، والبعد عن استشارة العلماء المخلصين، بعض العامة إلى الدخول على النساء في السينما وإخراجهن منها، وإلى التجوال في البلد ونصح كل متبرجة ووعظها وزجرها, وقد أنكر العلماء والعقلاء ذلك عليهم فكفوا عنه وأقلعوا، ولكن دعاة الفجور لم يرضهم أن تنتصر دمشق للفضيلة، وأن تهدم عليهم عملهم على رفع الحجاب، وإباحة الاختلاط، فاستغلوا عمل هؤلاء العوام وأعلنوا إنكاره وكبروه، وبالغوا في روايته وذهبوا يقيمون الدنيا، ويبرقون البرقيات، ويرعدون بالخطب، وما أهون الإبراق والإرعاد، وما أسهل إثارة الشبان الفاسقين على الستر والحجاب باسم « الحرية الشخصية » التي تمتعهم بما وراء حدود الفضيلة من لذائذ محرمة , أيخرجون النساء من السينما ؟ أيعرضون بالنصح للمتبرجات الكاشفات؟ يا للحدث الأكبر، يا للعدوان على الحرية الشخصية التي ضمنها الدستور, أليست المرأة حرة ولو خرجت عارية ؟ أليس الناس أحراراً ولو فسقوا وفجروا ؟ أليس كل امرئ حراً ولو نقب مكانه في السفينة فأدخل إليها الماء فأغرقها وأهلها ؟ كذلك فهم الحرية هؤلاء الجاهلون، أو كذلك أراد لهم هواهم، أو شاءت لهم رغباتهم وميولهم أن يفهموها، ودفعوا أكثر الصحافيين فلبثوا أياماً طوالاً لا كلام لهم إلا في الدفاع عن الحرية... وأثاروا بعض النواب في المجلس، فجرب كل واحد منهم أن يتعلم الخطابة في تقديسها، ثم عمدوا إلى فئة من خطباء المساجد، حاموا عن الفضيلة فساقوهم إلى المحاكم سوق المجرمين ، وأدخلوهم السجون من غير مستند إلى قانون من القوانين ، وجرعوهم كؤوس الذل حتى صار من يذكر السفور بسوء، أو يدعو إلى الفضيلة والستر كمن يدعو إلى الخيانة العظمى, وتوارى أنصار الفضيلة من هذه العاصفة الفاجرة الهوجاء, وحسب أولئك أن الظفر قد تم لهم، وأن أهل الدين قد انكسروا كسرة لا تجبر، فكشفوا القناع، وانطلقوا يسرحون وحدهم في الميدان ويمرحون، وكانت النتيجة أن انحطم السد فطغى سيل الرذيلة وعم، وامتد في هاتين السنتين أضعاف ما امتد أيام حكم الفرنسيين ، وازدادت جرائم التعدي على العفاف واستفحلت، حتى رأت المحاكم من يعتدي على عفاف بنته أو أخته أو على طفل رضيع ، وماذا يصنع هذا الوحش الذي أثارت « الحرية الشخصية »غرائزه فلم يجد إلا البنت والأخت أو الطفل الرضيع ؟
ثم ازدادت الجرأة حتى رأينا بعض مجلات دمشق تقلد نظيراتها في مصر، فتنشر صور العرايا فيشتريها الشباب لهذه الصور، لأنه ليس فيها ما يقرأ فتشترى من أجله.(58/251)
ثم امتد الشر حتى رأيناهم يعملون من الطالبات كشافات ، يمشين في الطرقات بمثل لباس المجندات في الجيش الأمريكي « ولم يكن قد عرفنا الجيش الإسرائيلي، ولا كانت إسرائيل أزال الله عنا رجس إسرائيل » بعد أن كانت دمشق لا تحتمل أن ترى الكشافين الشباب بلباس يرتفع عن الركبتين، وحتى رأيناهم يقيمون معرضاً لأدوات تحضير الدروس التي صنعها المعلمون, فتترك مدارس البنين، ومنها الثانوية المركزية ببنائها الضخم وأبهائها الواسعة، وهي أصلح مكان للمعارض ، وهي التي أقيم فيها معرض دمشق الكبير سنة 1936 ،وتختار مدرسة البنات في طريق الصالحية , ثم يفتتح المعرض بدعوة الرجال لمشاهدة فرقة من البنات ( الكشافات ) يغنين على المسرح، ويأتين بحركات رياضية تبدي للأعين الفاسقة المفتحة أكثر ما يخفى عادة من أجساد فتيات نواهد، قد انتقين عمداً أو مصادفة من جميلات الطالبات .
ثم امتد الشر حتى رأيناهم يفتحون نادياً في قانونه أن العضو يجيء مع زوجته أو ابنته غير المتزوجة، وحتى شهدنا النفر الشيوعيين العزاب المستهترين الساكنين في المقاهي الخبيثة والخمارات، أصحاب تلك البرقية الوقحة المعروفة، يتسلمون شؤون المعارف، ويسلطون على الشباب والشابات، فيبتدعون نظام المرشدات, وإنه لنظام الضالات والمضلات, ويسنون الاختلاط في الحفلات، وينقلون دار المعلمات من مكانها القديم المستور إلى دارة ( فيلا) جديدة في شارع محدث في ظاهر البلد مكشوفة من جهاتها الأربع، لها طنف وشرفات دائرة بها، وأسرة الطالبات تظهر من الطريق، فإذا نهضن من النوم رآهن من يمشي في الشارع بثياب المنام, ثم يدفعون خريجات دور المعلمات فيعملن حفلة خيرية، فلا يجدن لها مكاناً في دمشق إلا مرقص العباسية ! ويطبعن في البطاقة أنه سيغني فيها فلان من فسقة المغنين ، وترقص فلانة الراقصة المحترفة رقصاً بلدياً , ثم ماذا ؟ الله وحده يعلم ماذا يكون أيضاً ، وإلى أين نسير ـ وإلى أين المصير .
( ذكريات 5/ 247-250)
الخطأ الثاني : السلبية بطريقة الرفض والإبقاء على القديم:
يا سادة إن السيل إذا انطلق دمر البلاد، وأهلك العباد، ولكن إن أقمنا في وجهه سداً، وجعلنا لهذا السد أبواباً نفتحها ونغلقها، صار ماء السيل خيراً ونفع وأفاد.
وسيل الفساد، المتمثل في العنصر الاجتماعي، مر على مصر من خمسين سنة وعلى الشام من خمس وعشرين أو ثلاثين، وقد وصل إليكم الآن[1]، فلا تقولوا نحن في منجاة منه ولا تقولوا ، نأوي إلى جبل يعصمنا من الماء, ولا تغتروا بما أنتم عليه من بقايا الخير الذي لا يزال كثيراً فيكم، ولا بالحجاب الذي لا يزال الغالب على نسائكم، فلقد كنا في الشام مثلكم ـ إي والله ـ وكنا نحسب أننا في مأمن من هذا السيل لقد أضربت متاجر دمشق من ثلاثين سنة أو أكثر قليلاً وأغلقت كلها، وخرجت مظاهرات الغضب والاحتجاج ؛ لأن مديرة المدرسة الثانوية، مشت سافرة ـ إي والله ـ فاذهبوا الآن فانظروا حال الشام!!
دعوني أقل لكم كلمة الحق، فإن الساكت عن الحق شيطان أخرس, إن المرأة في جهات كثير ة من المملكة، قريب وضعها من وضع المرأة المصرية يوم ألف قاسم أمين كتاب تحرير المرأة فلا يدع العلماء مجالاً لقاسم جديد.
هذا الخطر لا يحارب بالأسلوب السلبي، بطريقة الرفض والإبقاء على القديم، إن بنت بنتي وهي الآن على عتبة الزواج ، لا أستطيع إلزامها بالزيّ الذي كانت تتخذه أمي، ولا الشرع ألزمها به ذاته، بل منعها من كشف العورات وترك لها اختيار الزيّ الذي يسترها، ولا نستجلب الأنظار ويوافق الزمان، أي الزي الساتر الأنيق, إنني لا أستطيع أن أسيرها على خطى أمي تماماً ، ولكن عليّ ألا أدعها تخالف الشرع .
إن ما يتعلق بالمرأة من الحضارة المعاصرة, هو الثغرة الكبرى الذي دخل علينا منها العدو، ولقد كان نصره علينا ساحقاً, نعم هذه هي الحقيقة, فلماذا لا نعترف بها ؟
إن الاعتراف بالهزيمة دليل على بقاء القوة في أعصاب المهزوم، وعلامة على أنه قادر على استرجاع النصر إن خاض المعركة من جديد.
لقد نالوا منا جميعاً، لم ينج منهم تماماً قطر من أقطار المسلمين.
إنه لا يستطيع أحد منا أن يقول إن حال نسائه اليوم، كما كانت حالهن قبل أربعين أو ثلاثين سنة.
ولكن الإصابات كما يقال، ليست على درجة واحدة، فمن هذه الأقطار ما شمل السفور والحسور نساءه جميعاً، أو الكثرة الكاثرة منهن، ومنها ما ظهر فيه واستعلن وإن لم يعمّ ولم يشمل، ومنها ما بدأ يقرع بابه ، ويهم بالدخول، أو قد وضع رجله في دهليز الدار كهذه المملكة، ولا سيما جهات نجد وأعالي الحجاز.
فإذا كان علينا مقاومة المرض الذي استشرى، فإن عملكم أسهل وهو التوقي وأخذ (اللقاح )الذي يمنع العدوى.
أعود فأقول بأن السلبية لا تفيد، والجمود في وجه السيل الطاغي لا يجدي بل لا يمكن, فادرسوا أوضاع البلاد الأخرى، كيف دخل هذا التكشف وهذا الانحلال إليها .(58/252)
لديّ رصيد لا يكاد ينفذ من الأمثلة عما يجري في بيوت بعض من ينتسب إلى الإسلام من التكشف والاختلاط، في جامعاتهم التي وصلت إلى حد إقامة مسابقات لانتخاب ملكة جمال الكلية، والحكام الطلاب، إلى أن تنشر الجرائد من أيام أن معركة وقعت بين فريقين من الطلاب كلهم دون الثامنة عشرة، في ثانوية مختلطة, وسبب المعركة نزاع على إحدى الطالبات، إلى أن مجلة مشهورة في بلد معروف قد وضعت على غلافها عنوان مقالة فيها، وهذا العنوان هو « ثلاثة تقارير لثلاثة أطباء كبار ثبت أن أربعين في المئة من الجامعيات فقدن العذرية !».
إن علينا أن نفهم الفتاة العربية أو المسلمة ، حقيقة لا نزاع فيها ، سمعنا عنها من الثقات ، ورأيناها ، رأيتها أنا في أوربة رأي العين ، وهي : أن المرأة في أوربا ليست سعيدة ولا مكرمة ، إنها ممتهنة ، إنها قد تكرم مؤقتاً ، وقد تربح المال ، مادام لديها ـ الجمال ـ ، فإذا فرغوا من استغلال جمالها ، رموها كما ترمى ليمونة امتص ماؤها .
فكيف نفهم المرأة عندنا هذه الحقيقة ؟ كيف نقنعها بأن الإسلام أعطاها من الحق ، وأولاها من التكرمة ، ما لم تنل مثله المرأة الأوربية أو الأمريكية ، وأنه صانها عن الابتذال ، ولم يكلفها العمل والكسب ؟ كيف؟ أنا أقول لكم كيف ؟ بالفعل لا بالقول ، بأن نعاملها المعاملة التي يرتضيها لنا ديننا ، بأن نعتبر الخير فينا ، من كان يعامل امرأته وبناته بالخير ، أن تكون المرأة المسلمة اليوم ، كما كانت في صدر الإسلام ؛اقرؤوا إذا كنتم لا تعرفون ، تروا أنها لم تكن تعامل كما يعامل كثير منا نساءهم. (فصول إسلامية:ص 96-97-98 - 99)
الخطأ الثالث : التنازع بين العلماء والانشغال بالفروع عن الإصلاح:
ـ ازداد الانحدار وتتالت المصائب، وضعف أهل الدين بتنازعهم واختلافهم، واشتغال علمائهم بفروع الفروع من أمر دينهم، وغفلتهم عن الأصول التي لا تقوم الفروع إلا عليها، وخلا الميدان للذين يريدون أن يطبقون فينا قانون الشيطان، قانون إبليس.. ( ذكريات5/236-242)
ـ لم يبق في الميدان إلا المشايخ، والمشايخ لم يكونوا صفاً واحداً إلا أياماً قليلة, ولا يزالون مختلفين, وهذه حقيقة يقطع ذكرها القلب أسفاً وحزناً، ليس المشايخ على قلب رجل واحد، منهم الصوفي والسلفي وأتباع المذاهب، والآخذون رأساً من الكتاب والسنة ، والإخوان المسلمون وخصوم الإخوان المسلمين، وأتباع كل شيخ يتنكرون للشيخ الآخر, هؤلاء هم الإسلاميون العاملون، هذه حالهم، أما المشايخ الذين ينظرون كل حاكم ماذا يريد، فيفتشون له في الكتب عما يؤد ما أراده ، ويجعلون ذلك ديناً، وأما المشايخ الموظفون الذين أهمتهم وظائفهم ( أي رواتبهم ) فلا يحرصون إلا عليها، ولا يبالون إلا بها، هؤلاء وأمثالهم لا أتكلم عنهم , ولا أمل لي فيهم , كان المشايخ الباقون في الميدان ،يجتمعون فيتشاكون ويتباكون ثم لا يجدون ( وأنا واحد منهم ، يقال عني كل ما أقوله عنهم ) لا يجدون إلا أن يجمعوا صفوفهم ، فيراجعوا الرئيس أو الوزير ، فلا تنفعهم المراجعة شيئاً ,ويعلنون النصح للناس ، ويجهرون بكلمة الحق من فوق المنابر فيخرج الناس من صلاة الجمعة فيتحدثون بما سمعوه ،ويثنون على الخطيب ويدعون له ، ثم ينغمسون في حمأة الحياة فينسون ما قال وما سمعوا . (ذكريات 5/ 268-274)
الخطأ الرابع : سكوت العلماء عن الاضطهاد الذي يمارس تجاه المرأة:
لو أن علماء المسلمين دعوا إلى ( تحريرها )باسم الإسلام، وضربوا لها المثل الكامل بالمرأة المسلمة، لما تركوا لقاسم أمين، ولا لغيره مجالا ً لمقال ، ولكن سكتوا وكأنهم رضوا ، فبرز أولئك فتكلموا وأنكروا ، وقالوا بتحريرها باسم الغرب، وجعلوا قدوتها المرأة الغربية ، فجروا علينا هذا البلاء كله ، ولكن علماء المسلمين بسكوتهم يحملون قسطاً من هذه التبعة .
(فصول إسلامية:ص 96-97-98 - 99 ) .
الخطأ الخامس: غفلة الآباء عن متابعة بناتهم:
ـ فأين حراس هذا الجمال المعروض ؟ أين الآباء والأولياء لهؤلاء البنات ؟ لو جاؤوا يسرقون منهم أموالهم لغضبوا لأموالهم ، وهبوا يدافعون عنها ، يستميتون في سبيلها ، فمالهم لا يغضبون لأعراضهم ، ولا يعملون على حمايتها . (ذكريات 5/ 268-274)(58/253)
ـ بعض الآباء يغفلون ويقصرون، الأب هو الذي يقفه الله يوم الحساب ليسأله عن بنته، فلا يدعها تذهب وحدها إلى السوق ،فلقد سمعت أن من الفساق من يتحرش بالنساء في الأسواق ،ولا تدعها تكشف للبياع عما أمر الله بستره، وليُفهما أن سائق سيارة الأسرة وخادم دارها، كل أولئك أجانب شرعاً عنها، وليست منهم وليسوا منها، فلا تنبسط إليهم، ولا ترفع الكلفة معهم، وأن الطبيب له أن يرى من المرأة ما لابد من رؤيته، إن كانت مريضة حقاً، ولم يكن في البلد طبيبة أنثى تقوم مقامه، وتحسن عمل ما يعمله، فلطالما عرفت أطباء يتخذون العيادة شبكة لصيد الغافلات، وغرفة الفحص للمرض الجسمي مخدعاً لري الظمأ الجنسي، ولست أقصد أحداً بذاته، ولا أعين بلداً، ولست أقول مع ذلك إلا حقاً، فإذا لقيت المرأة الطبيب في غير ساعة « الفحص » فإنها تلقى رجلا ً أجنبياً ،ككل رجل يمشي في الطريق لأن كشفها أمامه ضرورة أو حاجة، والضرورات تقدر بقدرها، ولا يدع الأب بنته تذهب إلى رحلة مدرسية، أو حفلة كالحفلات التي تكون في ختام العام ، فلقد رأيت فيما رأيت من أيامي التي عشتها، أن هذه الرحلات وهذه الحفلات من أعظم الأسباب التي تؤدي إلى البلايا والطامات . (ذكريات 8/280- 283 ).
[1] أي : في المملكة .
============(58/254)
(58/255)
بدعة المساواة بين الجنسين
الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده...
أما بعد :
فإن من عظيم نعم الله تعالى على عباده أن كرمهم على سائر الحيوان بالعقول ، وفتح لهم بعقولهم كثيرا من مغاليق العلوم كما قال سبحانه : ((وَاللّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ الْسَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ )) ( النحل : 78) .
والعقل مأخوذ من عقال الإبل ؛ ذلك أنه يمنع صاحبه مما لا يحسن به ، قال عامر بن عبد قيس رحمه الله تعالى : إذا عقلك عقلك عما لا ينبغي فأنت عاقل [1]
والعقل حجر يحجر العاقل عن كثير من الأقوال والأفعال التي تكون سببا في هلاكه، ومن هذا المعنى قول الله تعالى: ((هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِّذِي حِجْرٍ )) (الفجر: 5) .
أي: لذي لب وعقل ، قال ابن كثير رحمه الله تعالى :وإنما سمي العقل حجرا لأنه يمنع الإنسان من تعاطي ما لا يليق به من الأفعال [2].
فالعقل إذا قيد يقيد صاحبه ، يهتدي في هذا التقييد بشرع منزل ، أو بعرف ساد في الناس ، ومن رفض هذا القيد فهو يريد إلغاء العقل لصالح الشهوة بحيث لا يكون ثمة فرق بين الإنسان والحيوان إلا النطق بكلام مفهوم.
والعقل لا يستقل بمعرفة كل حسن وقبيح ، ولا كل نافع وضار ، ولا كل خير وشر؛ ولذا أنزل الله تعالى الشرائع لتكمل ما في العقل من نقص ، وتسد ما فيه من عجز عن إدراك ذلك ؛ فكانت الشريعة نعمة أخرى يهتدي بها العباد لتحصيل مصالحهم العاجل منها والآجل.
بين العقل والشرع: إن الله تعالى هو خالق البشر ، وهو سبحانه واهب العقول ، ومنزل الشرائع ، فمصدر العقل والشريعة واحد فلا تعارض بينهما ، وإذا وقع التعارض عند بعض الناس فهو لخلل في عقولهم وطرائق تفكيرهم ، أو في ما نسب إلى الشريعة وليس منها ، وشرع الله تعالى هو الحاكم ، والعقل تبع لذلك ، ولا يقضى بالعقل على الشرع ؛ لقصور العقل عن إدراك كل شيء ، ولشمول الشريعة كل شيء كما قال الله تعالى : ((وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الأَلْوَاحِ مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ )) (الأعراف : 145)
هذا في شريعة موسى عليه السلام ، ودين الأنبياء واحد كامل من رب العالمين ، شامل لكل ما يحتاجه الناس من أول الزمان إلى آخره ، وفي خصوص القرآن قول الله تعالى : ((وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ)) (النحل : 89) .
ومن عارض ذلك فهو مصادم للعقل والفطرة ، متبع لهواه ، مستنكف عن عبادة مولاه، وقد سمى الله تعالى الهوى إلها يعبد من دونه فقال سبحانه : ((أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً)) (الفرقان : 43) .
وفي الآية الأخرى : ((أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ)) (الجاثية : 23) .
ومن صور اتخاذ الهوى إلها من دون الله تعالى : معارضة الشريعة المنزلة من حكيم حميد بأفكار البشر ونظرياتهم وتخبطاتهم ، وتقديم أقوالهم على أقوال الله تعالى وأقوال رسول صلى الله عليه وسلم ، وقد استشرى ذلك في البشر في كثير من المجالات بعد انتشار موجات الإلحاد وإنكار الغيب في دول الغرب، ولم تسلم من شره دول أهل الإسلام، ولا سيما فيما يتعلق بشؤون الأسرة والمرأة ؛ فقد أجلب المنافقون والشهوانيون في ديار المسلمين بخيلهم ورجلهم على أحكام الله تعالى في شأن المرأة يريدون تغييرها، ويرفعون عقيرتهم بتبديلها، مدعين أنهم يحطمون الأغلال التي غلتها، ويرفعون وصاية الرجل عنها ؛ لينقلوها لو استطاعوا من عبادة الله تعالى إلى عبادة المبادئ الغربية الإلحادية.
حقيقة العلاقة بين الرجل والمرأة: إن هذه القضية بين الرجل والمرأة قد كثر القول فيها ، وسودت فيها ألوف الكتب والمقالات ، وأفردتها بالبحث والنقاش مئات الصحف والمجلات، وتناظر فيها المتناظرون ، واختصم من أجلها المختصمون، وعقدت لبحثها المؤتمرات، وشكلت لها عشرات اللجان والجمعيات، والبشر من الشرق إلى الغرب منذ مئة عام وزيادة وهم يدوكون فيها، ويناقشون تفاصيلها، وتالله لهي أيسر من هذا كله لولا الضلال والهوى ، والتقليد على غير هدى.
إن القضية بكل يسر واختصار تتلخص في أن الله تعالى خلق الذكر ، ومن الذكر خلق الأنثى ، وجعلهما سبحانه جنسين مختلفين في التركيب البدني والعقلي والنفسي ، وفي خلقهما جنسين مختلفين يقول الله عز وجل: ((وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى*مِن نُّطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى)) (النجم : 45-46) .
((أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى* أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِيٍّ يُمْنَى* ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى*فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى)) (القيامة : 36- 39) .(58/256)
فبين سبحانه اختلاف كل جنس منهما عن الآخر ، فسمى أحدهما ذكرا ، وسمى الآخر أنثى، ولو كانا واحدا لما سماهما زوجين ، ولما أفرد كل واحد منهما بوصف يختص به، وأخبر سبحانه أن كل جنس منهما يكمل الجنس الآخر ، وهو محتاج إليه، ولا تكتمل سعادته إلا به كما قال عز وجل : ((هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ)) (البقرة : 187) .
وقال سبحانه : ((هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا)) (الأعراف: 189) .
وفي آية أخرى: ((وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)) (الروم : 21) .
ولو كانا متماثلين لما احتاج أحدهما إلى الآخر ، ولجاز أن يستقل بنفسه عن زوجه، بل إن من دلائل توحيد الله تعالى أن كل شيء خلقه الله تعالى فهو محتاج إلى زوجه كما قال سبحانه: ((وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)) (الذاريات : 49) .
فلا أحدا صمدا يحتاج الخلق إليه وهو غني عنهم إلا الله تعالى.
ولا أدل على هذا التفريق بين الذكر والأنثى من النص على ذلك صراحة في القرآن العظيم؛ إذ حكى الله تعالى عن امرأة عمران أنها قالت : ((وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى)) (آل عمران : 36) . .
وأقرها الله تعالى على مقولتها تلك ، ولم ينكرها منها ، أو يعقب عليها.
وجاءت شرائع الله تعالى في كتابه العزيز ، وعلى لسان رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم ، موافقة لهذه الحقيقة التي دل عليها الوحي والعقل والفطرة والحس ؛ فثمة أحكام يشترك فيها الجنسان وهي أغلب شرائع الإسلام ، وأحكام يختص بها جنس دون الآخر، كاختصاص الرجال بالجهاد والجمع والجماعات، واختصاص النساء بالرضاعة والحضانة، ولم يسو الله تعالى بينهما في الميراث والنفقة ولا في الولاية والقوامة: ((لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ )) ( النساء : 11) . ((الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء )) ( النساء : 34) . (( وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ )) ( البقرة : 228) .
والرجل ينفق على المرأة أمًا كانت أم زوجة أم بنتا، ولو كان أفقر الناس وهي أغناهم.
ولغات البشر على اختلاف بلدانهم وأديانهم وأجناسهم منذ القدم قد ميزت الذكر عن الأنثى ، وخصت كل جنس منهما بخصائص في التسمية والخطاب والضمير والنداء، وعلى هذه الفطرة السوية في التمييز بين هذين الجنسن المختلفين عاش البشر قرونا تباعا إلى أن جاء ملاحدة هذا العصر ببدعة المساواة بين الجنسين، والقضاء على كل أشكال التمييز بينهما مهما كان مصدره، ولو كان قرآنا منزلا من عند الخالق سبحانه وتعالى، أو كان حكما ممن لا ينطق عن الهوى r، ويريدون فرض هذا الضلال على كل البشر بالبطش و القوة ، وأعانهم بعض المتعاونين على الإثم والعدوان من المنافقين والشهوانيين بتسويق هذا الفساد والإلحاد في أوساط المسلمين ، والدعاية الفجة له ، ومخادعة المغرورين به ، وإرهابِ كل من يعارضه أو ينتقده أو يناقشه ، وتهديدِه بقوة الأعداء.
لازم لا بد منه : إن الذين ينادون بالمساواة بين جنس النساء وجنس الرجال من أولاد المسلمين، والقضاء على كل أشكال التمييز بينهما ولو كان مصدر هذا التمييز شريعة الله تعالى يلزمهم أولا أن يلحدوا، وينكروا أن الله تعالى خالق الذكر والأنثى ، على غرار ما يدين به ملاحدة الغرب الذين ابتدعوا نظرية المساواة بين الجنسين ؛ إذ هم ينكرون الخالق جل وعلا، ويجعلون الحياة مادة أوجدتها الصدفة، أو أفرزتها الطبيعة.
فإن كان المسوقون لهذه البدعة النكراء بين المسلمين يؤمنون بأن الله تعالى خالق الذكر والأنثى، فليخضعوا إذا لشريعته ، وليرضوا بحكمه، وليقبلوا تمييزه بين خلقه ، إذ إن من المتقرر عند العقلاء أن الصانع أدرى بصنعته من غيره ، فالخالق كذلك أعلم بخلقه منهم ((أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ )) ( النحل : 17) .
((أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ )) ( الملك : 14) .
فإن أبو إلا علوا واستكبارا، وأصروا على خطئهم وضلالهم ؛ فليخلقوا خلقا آخر غير خلق الله تعالى، وليعبثوا فيه ما شاءوا ، وليجعلوه جنسين متماثلين لا تمايز بينهما، أما وإنهم لا يستطيعون ذلك ، فليدعوا الخلق للخالق سبحانه يحكم فيه بما شاء، ويميز بينه كيف يشاء فيجعل للذكر ما له وللأنثى ما لها، فلا راد لأمره، ولا معقب لحكمه جل في علاه، وليتركوا للمسلمين دينهم الذي ارتضاه الله تعالى لهم، وما لهم ولأناس قد ارتضوا شريعة الله تعالى فلا يبغون عنها بديلا، وليبحثوا لهم عن بلاد أخرى غير بلاد المسلمين ليسوقوا إلحادهم فيها ؛ كفى الله تعالى العباد والبلاد شرهم، ورد كيدهم إلى نحورهم ، وأذاقهم ذل الدنيا قبل خزي الآخرة، إنه سميع مجيب .(58/257)
حقوق المرأة بين الإسلام ودعاة الإلحاد: شأن المرأة في الإسلام كبير ، وقد أكرمها الله عز وجل بما كلفها به من أحكام ، وأوجب عليها من حقوق وواجبات تجاه زوجها وأسرتها وأمتها ، وحفظ لها حقها ، وصان لها كرامتها وعفتها بما لم يكن لها قبل الإسلام ، ولكن مرضى القلوب يأبون إلا إهانتها بمزاحمتها للرجال، والصدام معهم صداما تخسر فيه نفسها ودينها وبيتها وزوجها وولدها، ويخسرها المجتمع كأم حانية، وزوج فاضلة ، وبنت غافلة محصنة.
لقد كان المنافقون ومرضى القلوب من دعاة تحرير المرأة يراهنون على نجاح المرأة إن تمسكت بحجابها وعفافها، ويزعمون أن دينها وأخلاقها أغلال قد غلتها عن الرقي والتقدم، ويجعلون مثلها الأعلى في ذلك عرايا بني الأصفر اللآئي ابتذلن أعظم ابتذال ثم ألقين على قارعة الطريق كما يلقى المتاع القديم؛ لتواجه الواحدة منهن صخب الحياة ومشكلاتها لوحدها، فلا أب يحنو عليها، ولا زوج يرعاها ويصونها، ولا ولد يرحم شيبتها إن بلغت من الكبر عتيا .
فلما خسر رهان هؤلاء المنافقين والشهوانيين، وأثبتت المرأة قدرتها على الجمع بين دينها وحجابها وبين دراستها وعملها، وأبدعت في ذلك أيما إبداع، وحازت شهادات عليا، وأثبتت عمليا أن المرأة تستطيع أن تجمع بين واجبات دينها ومتطلبات دراستها وعملها، إذا تم فصلها كليا عن مجالات الرجال وأعمالهم ومدارسهم، وكانت هذه البلاد المباركة أنموذجا يحتذى في ذلك ولا سيما في تعليم البنات. فلما نجحت في ذلك ، وأغاضت المنافقين والشهوانيين راح الأبالسة منهم يضيقون مجالات عمل المرأة المنفصل عن الرجال ، ويوسعون مجالات الاختلاط ، ولا يقبلون من النساء إلا من كانت على شاكلتهم ، ومن تمسكت بحجابها رغم ما يفعلون تتم مضايقتها والتسلط عليها لتترك عملها ؛ لأن منظرها يزعجهم، ويجعل أخريات يقتدين بها.
يفعلون ذلك وهم يصيحون بأعلى أصواتهم مطالبين بمجالات أكثر لعمل المرأة، ولقد بان للناس ماذا يريدون ، وعرف ماذا يقصدون؟!
إنهم يريدون مجالات أوسع للاختلاط والخلوة، ونشر السوء والرذيلة، والقضاء على العفاف والفضيلة ، وإزاحة القيود الدينية والأخلاقية التي تقيدهم في ذلك، وتعيقهم عن تنفيذ مشاريعهم التخريبية في المجتمع التي يسمونها زورا وبهتانا بالمشاريع التقدمية، وحجتهم التي ملَّ الناس تكرارها : أن العالم سبقنا ولا زلنا نتأخر، ولا تقدم في مفهومهم إلا بالفساد والإفساد ، ولقد حرموا نساء كثيرات من العمل لأنهن لم يجدن إلا مجالات ملوثة بالاختلاط والسفور.
وفي الوقت الذي ثبت فيه للعالم بشرقه وغربه ما خلفه اختلاط الرجال بالنساء من مشكلات لا علاج لها إلا بالفصل بين الجنسين لا يزال كثير ممن هم في غيهم يعمهون يصرون على المكابرة والإفساد ؛ ففي أمريكا التي يحتذونها في التقدم والقوة والصناعة صرح رئيسها بوش بلزوم فصل الطلاب عن الطالبات في الدراسة بعد أن أثبتت الدراسات التربوية أن اختلاط الجنسين أدى إلى ضعف التحصيل في الدراسة.
وفي دول الاتحاد الأوربي صدرت دراسات ميدانية وأبحاث جادة تثبت أن أعظم وبال منيت به الحضارة المعاصرة هو اختلاط الرجال بالنساء.
وفي الشرق الوثني عملوا على الفصل بين الرجال والنساء في الحافلات والقطارات بسبب كثرة شكاية النساء من تحرش الرجال بهن.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم .
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين .
أما بعد أيها المسلمون : كل هذا - وغيره كثير - يثبت ما تنعم به بلادنا- ولله الحمد - من خير عظيم بالفصل بين الجنسين في الدراسة والعمل، ولكن فئاما من بني قومنا من المنافقين والشهوانيين لا يزالون على ما هم عليه من أفكار قديمة متخلفة تلقوها قبل خمسين سنة، فاستقرت في عقولهم ، وتغير العالم ولم تتغير عقولهم بعد ، بل شابوا على ضلالهم وسفاهتهم، ولا حيلة في سفه الشيخ؛ إذ لا حلم بعده.
يشتكون من الاستبداد ويمارسونه:حين تعقد المؤتمرات والمنتديات الفكرية التي تعنى بشأن المرأة لا يرشحون لها من يمثل نساء المجتمع من النساء المتعلمات المهذبات، وإنما يعمدون إلى عجائز ليبراليات أضعن أعمارهن في الأفكار الضائعة، وشربن من المستنقعات الآسنة حتى ثملن، ولا يعرفن عن مجتمعات المسلمين إلا أقل القليل، فيطالبن بما يعارض شرع الله تعالى، ويرفضه الكثرة الكاثرة من نساء ورجال المجتمع المسلم، في الوقت الذي تشتكي فيه هذه الفصيلة من المخلوقات من تأخر ثقافة الحوار، وعدم قبول الآخر، وهم وهن لا يحاورون إلا أنفسهم ولا يقبلون إلا من كان على شاكلتهم، فأي حوار يدعون إليه ؟! وأي آخر يقبلونه ؟!(58/258)
إنهم فئة قليلة في الناس لا تمثل إلا نفسها ومع ذلك يريدون خرق سفينة المجتمع وإغراقه في لجج من الرذائل والشهوات المحرمة لا عافية منها، وما البلاد الإسلامية التي سبقت إلى إفساد المرأة وتحريرها من قيود الدين والأخلاق إلا أمثلة شاهدة على ما يريد هؤلاء المفسدون والشهوانيون أن يوصلوا مجتمعنا ونساءنا إليه، وواجب على كل مسلم أن يجاهدهم بما يستطيع من فضح مخططاتهم، وكشف عوراتهم، وتحذير المسلمين من خطر أفكارهم وطروحاتهم، مع تحصين نساء المسلمين وفتياتهم من أفكارهم الضالة التي يزورونها بزخرف القول، ويروجونها بشعارات براقة تنطلي على كثير ممن لا يعرف حقيقتهم، وحقيقة ما يدعون إليه من فساد وانحلال ، ولا أجد وصفا أدق فيهم من أنهم : دعاة على أبواب جهنم من أجابهم قذفوها فيها، أسأل الله تعالى أن يكفي المسلمين شرورهم، وأن يحبط كيدهم، وأن يريهم ما يسوؤهم من تمسك المسلمين رجالا ونساء، وفتيات وفتيانا بتعاليم دينهم، إنه سميع مجيب، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
[1] العقل وفضله لابن أبي الدنيا35
[2] والأقوال0تفسير ابن كثير4\508 .
=============(58/259)
(58/260)
التحذير من سبل المفسدين في شأن المرأة المسلمة
الحمد لله جعل العزةَ والسعادةَ لمن أطاعه واتقاه، وجعل الذلةَ والشقاءَ على من خالف أمرَه وعصاه، وأشهد أن إلا إله إلى الله وحده لا شريك له، جعل المغفرةَ والأجرَ لمن يخشاه، وأشهد أن محمد عبده ورسوله، صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه ومن والاه .
أما بعد : فيا أيها المسلمون : اتقوا الله تعالى، وتوكلوا عليه ، فأن من اتقى الله وقاه، ومن توكل عليه كفاه .
معشر المسلمين : إن دينَ الإسلام دينٌ مستهدفٌ من قبل أعدائه في كل زمان ومكان، فأعداءُ الله ورسولِه والمؤمنين لا يألون جهدًا في تشويه الإسلام ، وإفسادِ أعماله في المسلمين، بشتى الطرقِ والوسائل ، ويتربصون بالمؤمنين والمؤمنات الدوائرَ بين حينٍ وآخر .
ولقد وجه الكفارُ كل إمكاناتهم الماديةِ والمعنويةِ لمحاربةِ الإسلام ؛ وذلك ببث أفكارهمُ الإلحاديةِ ، التي تمحق القيمَ والأخلاقَ، وقد شاركهم في هذا المضمارِ أناسٌ محسوبون على الإسلام وعلى أهله من المنافقين، وهنا يكمن الخطرُ، حيث تأثر هؤلاء المفتونون بأفكار الكفار، وآمنوا بها وسيلةً للرقي والتقدمِ، واتخذوا من حالة المسلمين الراهنةِ وما هم عليه من تأخرٍ وركودٍ، وسيلةً للطعن في الإسلام ، وعدمِ صلاحيته نظامًا للحياة ، وإن لم يقولوا ذلك صراحةً ، وإنما يظهرُ ذلك باعتراضهم على بعض شرعِ الله تعالى .
من ذلك : اتهامُهمُ الإسلامَ بظلم المرأةِ المسلمة، ومنعِها من حقوقها ، وباحتقارها وإثارتُهمُ الفتنَ بين المسلمين ، ودعوتُهم إلى تحرير المرأة والمطالبةِ بحقوقها.
فمتبعوا الشهوات في الحقيقة يريدون ذهابَ الحياءِ من النساء ليستمتعوا بفتنتهن ويكرهون استقامتهن على الخير والستر، ولذلك يسعون في تحقيقِ ما يريدون بشتى الوسائل بتحريضها على التمرد من قيودِ الرجل، والمطالبةِ بالاستقلالية والمشاركةِ في الأعمال .
أيها المسلمون: إن غرضَ المنافقين من حثهم المرأةَ على المشاركةِ في شتى المجالات هو إخراجُها من بيتها لتخالطَ الرجالَ، وتُظهرَ زينتَها، وإن استجابةَ المرأةِ لذلك فيه فسادُ الدينِ والأخلاق ، وظهورُ الفتن، كما هو الحاصلُ في كثيرٍ من بلادِ العالم، وقد كَتَبتْ إحدى الصحفِ الغربيةِ تقريرًا عن ارتفاعِ نسبةِ الجريمة بين النساءِ المتبرجات ، أو بعبارةٍ أخرى بين ما يسمى بالنساءِ المتحررات ، فقالت الصحيفةُ : إن ارتفاعَ نسبةِ الجريمة بين النساء يوجد بكثرةٍ في حركاتِ التحرر النسائية، ثم قالت : إن منحَ المرأةِ حقوقًا متساويةً مع الرجل يشجعها على ارتكابِ نفس الجرائم التي يرتكبها الرجل، بل إن المرأةَ التي تتحررُ تُصبحُ أكثرَ ميلاً لارتكابِ الجريمة[1].
ولتحذر المسلمةُ من المنحدر الذي تردت فيه المرأةُ في بلادِ الكفر باسم الحرية ، فبسبب هذه التسميةِ الزائفة استخدم الرجالُ المرأةَ مصيدةً لجمعِ المال ، ومطيةً لتحصيلِ المتعةِ واللذة ، وبعد أن يستنفذوا منها أغراضَهم يتخلوا عنها، وتبقى هي وحدَها تعاني من مرارةِ الذُلِ والمهانة.
أيها المسلمون : إن المرأةَ إذا انهارتْ أخلاقُها، وشذَ سلوكُها ، وآثرت حياةَ التبرج والسفور والعبث والاختلاط ، على حياةِ الطُهر والعفاف، وانخدعت بالأبواق الماكرةِ والأصوات الناعقة ، فقد انهارت من ورائها الأمةُ، وانحلت الأسرةُ ، وانتشر الفسادُ ، وعمت الفتنُ ، وضاعت الفضائلُ، وحلت النكباتُ، وكثرت الجرائمُ والموبقات ، لأن أكثر ما يفسد الأخلاقَ ؛ تبرجُ النساءِ، وإظهارُ مفاتنهن أمام الرجال، عن أسامةَ بنِ زيدٍ رضي الله عنهما قال : قال رسول ا صلى الله عليه وسلم :(( ما تركتُ بعدي فتنةً هي أضرُ على الرجال من النساء ))[2].
أيها المسلمون : إن الواجبَ على المسلمين وخاصةً ولاتَهم ومسئوليهم هو منعُ أسباب الفساد قبل استفحاله ، والنهيُ عن المنكر ، والأخذُ على أيدي السفهاء ، ومنعُهم من خرق سفينة المجتمع، قبل أن تصيبَ الفتنُ والعقوباتُ الظالمين وغيرَهم .
قال الله تعالى : ((وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)) (الأنفال: 25)..
نسأل الله تعالى أن يعيذنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن ، وأن يعيذنا من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا .
أقول قولي هذا ، وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب ، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية
الحمدُ لله رب العالمين، والعاقبةُ للمتقين، ولا عدوانَ إلا على الظالمين ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، نَزَّلَ الكتابَ وهو يتولى الصالحين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، سيد المرسلين، وإمام المتقين ، صلوات الله وسلامه عليه، وعلى آله وأصحابه أجمعين ، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
أما بعد : فيا أيها المسلمون اتقوا الله تعالى ؛ بفعل أوامره واجتناب نواهيه ، واشكروا لله إن كنتم إياه تعبدون .(58/261)
معشرَ المسلمين : من الجوانب التي تولاها الإسلام بالعناية والرعاية ، وأحاطها بسياج منيع من الصيانة والحماية ، الجانبُ المتعلق بالمرأة وشئونها، ومسؤوليتِها في الأمة ، ومكانتِها في المجتمع ، وما لها من حقوق ، وما عليها من واجبات، لأن المرأةَ هي التي يقوم عليها عمودُ الأسرة ، فإذا طابت نشأتُها ، واستقامت تربيتُها، وصلح حالُها، كانت الأمةُ رفيعةَ المكانة عاليةَ القدر، لأن المرأةَ هي الأمُ الرؤوم المشفقة ، والزوجةُ المؤنسة، والأختُ الكريمة السارة، والبنتُ اللطيفة البارة .
أيها المسلمون : لقد أعطى الإسلامُ المرأة حقوقَها كاملةً ، وهي مكرمةٌ معززة ، مصونةٌ من الابتذال ، ومحفوظةٌ أنوثتها من الاستغلال ، فالإسلام لا يستغل أنوثة المرأة في التخلي عن عفتها وطهارتها ، مقابل تشغيلها في الأعمال والوظائف، كما هو الحال في الحضارة الغربية .
إن المرأة في المجتمعات الغربية بل وفي بعض الدول العربية مع الأسف
إذا تزوجت فإنها تفقد اسم أبيها وعائلتها الذي هو عنوانُ هويتها ، واستقلالُ شخصيتها ، وتُلحق بعائلة زوجها، وهذا أمر بالغ الدلالة على حقيقة تبعية المرأة وذلتها عند الكفار وعند أتباعهم الموالين، أما في الإسلام فالمرأة لها هويتُها المتميزة، وشخصيتُها المستقلة سواء قبل الزواج أو بعده .
أيها المسلمون : إن المساواةَ المطْلَقَةَ بين الرجل والمرأة جمعٌ بين مختلفين ، ولقد فرق الله بينهما في قوله :((وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأنْثَى)) ( آل عمران : 36).
فتحميلُ المرأة أعمالاً هي من خصائص الرجال يعتبر مصادمةً للفطرة ، وإفسادًا للمرأة ، وجنايةً على المجتمع .
إذ للرجل من الوظائف والخصائص ما يليق به ، وللمرأة كذلك .
فمواهبُ الرجل واستعداداته الفطرية لا تماثل مواهب المرأة ، ولا تطابق استعداداتها الفطرية ، فالرجل في الغالب يمارس مهنتَه خارجَ المنزل ،
وهو مكلف في السعي لطلب الرزق، وعمارة الأرض، لينفق على أهله، ويوفر لهم كل مطالبهم واحتياجاتهم الدينية والدنيوية من التعليم والإرشاد، وإيجاد السكن، وتوفير اللباس والغذاء والدواء، بينما المرأة معفاة من هذه المطالب والتكاليف لتتفرغ لمهمتها الأساسية وهي رعاية البيت، والعناية بالشئون الداخلية من تربية وتوجيه وخدمة ، ليكون البيت سكنًا وراحة، مع ما تتحمله من حمل وإرضاع ، وعناية بالأطفال . وغير ذلك مما يتعلق بها مما لا يقوم به غيرها.
فعلى المرأة المسلمة أن تحذر مما يكتبه متبعوا الشهوات ، ومثيروا الشبهات الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا، وعليها أن تستمسك بالدين الحق ، وأن تعتصم بالله تعالى، وأن تأخذ العبرة من أحوال الكفار والكافرات ، يقول أحد الكتاب الكفار لما رأى من تبرج النساء عندهم وما حصل من الشرور والمشاكل من جراء ذلك وماعلمه عند المسلمين من سلامة من ذلك بسبب تحفظ المسلمات ، قال : إني أغبط المسلمين على صونهم لنسائهم .
نسأل الله أن يحفظنا ونساءنا من كل بلاء وفتنة ، وأن يوفقنا للعلم النافع والعمل الصالح وشكر كل نعمة .
عباد الله : ((إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)) (الأحزاب:56) .
اللهم صلِ وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد وارض اللهم عن الصحابة أجمعين ، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وإحسانك ورحمتك يا أرحم الراحمين. اللهم أعز الإسلام وانصر المسلمين ، وأذل الشرك واخذل المشركين ، ودمر أعداءك أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمنا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين، اللهم أصلح ولاة أمرنا وولاة أمور المسلمين، ووفقهم لعمل الخير وجلساء الخير،
وأعذنا اللهم وإياهم من سوء الفتن ما ظهر منها وما بطن ، اللهم اصرف عنا وعن المسلمين نزول الداء والبلاء ، وكف عنا شرور الأعداء ، ونسألك اللهم خشيتك في الغيب والشهادة، وكلمة الحق في الغضب والرضا، والقصد في الفقر والغنى، اللهم وأصلح أحوال المسلمين، ويسر أمورهم، وأرخص أسعارهم، واشف مرضاهم وعاف مبتلاهم ، وارحم موتاهم، واقض الدين عن مدينهم .
اللهم اجعل لنا ولكل مسلم ومسلمة، من كل هم فرجا ومن كل ضيق مخرجا، ومن كل بلاء عافية، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين .
[1] المرأة بين دعاة الإسلام وأدعياء التقدم (الطبعة الرابعة 1407 هـ ) للدكتور / عمر بن سليمان الأشقر(ص 27) نقلاً عن صحيفة (النيويورك تايمز) في إبريل 1975 م .
[2] صحيح البخاري، كتاب النكاح ، باب : ما يتقى من شؤم المرأة ، حديث رقم : 4808 . وصحيح مسلم ، كتاب الذكر والدعاء، باب : أكثر أهل الجنة الفقراء ، وبيان الفتنة في النساء ، حديث رقم : 2740 .
==============(58/262)