وشاهد هذا في تاريخ المسلمين كثير، فلا تكاد تجد دولة إسلامية استعانت بهؤلاء اليهود والنصارى في تدبير أمورها إلا كان عاقبة أمرها خسرا، والدكتور البشري لا شك خبير بما صنعه من تولى من النصارى بعض شئون البلاد المصرية عندما احتل نابليون مصر، حيث قلبوا ظهر المجن للمسلمين وأصبحوا عضدًا ونصيراً لإخوانهم في الملة ضد "مواطنيهم"! فكيف يقال بعد هذا بجواز توليتهم الوزارات والقضاء، بل رئاسة الدولة الإسلامية!!! إنَّ هذا لهو الضلال المبين.
3-لا يفرق البشري -كغيره من العصرانيين- بين إرادة الله الكونية وإرادته الشرعية، ولهذا يرى أن ما قضاه الله وأراده كوناً فإنه قد أراده شرعاً مما يستلزم محبة ذلك الشيء. ولهذا فهو يرى بأن وجود الفرق في تاريخ المسلمين مصدر فخر ودليل على سماحة الإسلام وقبوله للتعددية! غير مفرق بين "حق" و"باطل" أو "أهل سنة" وغيرهم من أصناف البدع؛ فالجميع سواسية!
يقول البشري مدللاً على سماحة الإسلام!: "إن وجود فرق إسلامية طوال هذا التاريخ، وبقاء الأمة الإسلامية إلى اليوم؛ دليل واضح على نجاح الواقع الإسلامي؛ لأنه استطاع أن يعطي فسحة قوية جدًا وواسعة لوجود تنوع في الرأي بين المسلمين…"(4).
4-ينقل البشري عن عبد الحميد متولي -مؤيدًا-: "وبالنسبة للإجماع كمصدر للتشريع الإسلامي يلاحظ الدكتور متولي أنه فيما يتعلق بالمسائل الدستورية فإن صدور الإجماع في عصر سابق لا يلزم في عصر لاحق؛ أي لا تكون له حجية شرعية، ولا يعتبر تشريعاً عاماً"(5).
وهذا كلام شنيع ينقض أصول الشريعة؛ وقد بيَّن العلماء أن مخالف الإجماع المعلوم يكفر(6)؛ فكيف بمن اعتقد هذا القول القبيح؟! وانظر للرد على موقف العصرانيين من الإجماع: رسالة "الاتجاه العقلاني لدى المفكرين الإسلاميين المعاصرين" للشيخ سعيد الزهراني، (2/606-617).
ختاماً: أسأل الله أن يهدي هؤلاء العصرانيين إلى التزام الحق، وترك ما هم عليه من انحرافات، وأن يجعل جهودهم مسددة لأعداء الإسلام: من صليبيين ويهود وعلمانيين.. وغيرهم؛ ويصرفهم عن أن يكونوا مطيةً لأولئك الأعداء.
والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم
__________
(1) … السابق، ص 33.
(2) … طارق البشري، القاضي والمفكر، ص 37.
(3) … منشور ضمن كتاب "الشرعية السياسية في الإسلام، مصادرها وضوابطها" إعداد وتحرير: عزام التميمي، نشر: "ليبرتي" للدفاع عن الحريات في العالم الإسلامي!
=========================(52/245)
(52/246)
نظرة شرعية في فكر (عبد الرحمن الشرقاوي)
قال الأستاذ محمد خير رمضان يوسف في كتابه (تتمة الأعلام للزركلي) (1/277-279) معرفاً بالشرقاوي: "شاعر، روائي، كاتب مسرحي، مفكر.
ولد في قرية الدلاتون في دلتا مصر عام 1339هـ وأتم دراسته للحقوق في جامعة فؤاد الأول. وتولى بعد قيام ثورة يوليو عدداً من المناصب والمراكز القيادية في مجالات الثقافة والنشر.
وتعتبر روايته "الأرض" التي صدرت عام 1374هـ من أشهر الروايات العربية التي صورت شقاء الفلاح المصري وحبه للأرض وقد ترجمت إلى لغات كثيرة.
تنبيه:…لم يتورط البشري في بحثه السابق فيما تورط فيه غيره من العصرانيين الذين لا يرون كفر اليهود والنصارى!! بل ذكر بعض الآيات الواردة في تكفيرهم، ثم قال: "حكم الله عليهم بالكفر في القرآن، ولا بد أن أطيعه في ذلك…" ولكنه أكد بأنهم مواطنون يستحقون ما يستحقه المسلم! وكما يقال: بعض الشر أهون من بعض!
(4) … المجلة العربية، عدد شعبان 1419هـ.
(5) … بين الجامعة الدينية والجامعة الوطنية..، ص 35.
(6) … يقول شيخ الإسلام: "الإجماع المعلوم يكفر مخالفه" (الفتاوى 19/270).
وهو كشاعر وكاتب مسرحي عالج في قصائده ومسرحياته الشعرية قضايا سياسية واجتماعية معاصرة، ولو أن بعضها اتخذ الشكل التاريخي، وكذلك مسرحياته المستمدة من التراث الإسلامي.
وهو وإن كان تخصصه في القانون فإنه كان عاشقاً للأدب، ويبدو أنه لقي مقاومة من أسرته لاتجاهه هذا الاتجاه(1).
قلت: أذكر أن رواياته والسير التي كان يكتبها عن الأئمة كانت تثير ضجة وعدم رضى بين علماء المسلمين، لانحيازه إلى الأفكار اليسارية (الاشتراكية).
ويقول رجاء النقاش في حديث عنه: "الشرقاوي كان صاحب فكر يساري، يدعو إلى التغيير ويؤمن به. وكان في الوقت نفسه من أصحاب الأسلوب الواقعي في معالجة المشكلات الدقيقة، ولذلك قرر أن يخوض محاولة، أو مغامرة كبرى للتوفيق بين الفكر اليساري والسلطة…
كان من أعلام المدرسة الأولى في تاريخنا الثقافي والفكري، وهي المدرسة التي تعمل وتحرص على "التفاهم مع السلطة" وخلق الجذور معها، حتى لا يتعرض فكره للقمع المستمر الذي يؤدي به في النهاية إلى عدم القدرة على الإنتاج والإنجاز.
على أنه لم يستطع أن ينجو بنفسه من كل العواصف، رغم جهوده الكبيرة التي بذلها للتوفيق بين الفكر اليساري والسلطة.
فهو لم يصطدم فقط بمشكلة "السلطة" التي حلها بطريقته، وهي التحالف والمهادنة، فقد اصطدم أيضاً بمشكلة أخرى خطيرة، هي مشكلة التوفيق بين الفكر اليساري والتراث العربي والإسلامي، وقد جاءته هذه الفكرة منذ وقت مبكر في أواخر الخمسينات، ولا شك في أنه كان يدرك أهمية هذه الفكرة بعمق موهبته وخصوبة شاعريته التي كانت تمتد بجذورها إلى الشعر العربي القديم، بما فيه من خطابة وقوة موسيقية ظاهرة وقدرة على الوصف والاستطراد..
كان يدرك بهذه المواهب كلها أن الفكر اليساري إذا انعزل عن التراث فسوف يبقى فكراً جافاً غريباً ضعيف التأثير، ولم يكن الشرقاوي يطيق لفنه وفكره أن يكون قطعة باردة معروضة في متحف يتفرج عليها الزائرون والسائحون، كان محباً لحرارة الحياة، عاشقاً لرؤية النتائج الفعلية للكلمة والفكرة واضحة جلية أمام عينيه في حياة الناس، وما كان شيء من ذلك يمكن أن تحقق إلا بالدخول القوي في عالم التراث، وأهم ما في هذا التراث هو التاريخ الإسلامي والفكر الإسلامي، وهنا دخل بأفكاره الجديدة إلى التاريخ الإسلامي والفكر الإسلامي، وقدم في السنوات الأخيرة من حياته أعمالاً بارزة في هذا المجال بدأت بكتابه "محمد رسول الحرية"، وتوقفت عند آخر أعماله "الصديق أبو بكر". واستطاع بهذه الأعمال … أن يصل إلى جماهير واسعة جداً من القراء، وأن يدخل بفكره إلى معظم بيوت العرب والمسلمين.
ولكن محاولته "التوفيقية" بين فكره اليساري والتراث الإسلامي جرت عليه الكثير من المعارك العنيفة التي مات وفي نفسه شيء منها… ولم يستطع أبداً أن يجد لها حلاً نهائياً حاسماً..
لقد ثار عليه الكثيرون .. ولم يتقبلوا منهجه في دراسة الإسلام وتراثه.
وكان من مظاهر هذه المعارك العنيفة أن مسرحيته "الحسين ثائراً وشهيداً"، وهي من جزأين، لم تر النور حتى (الآن) رغم ظهورها منذ حوالي عشرين عاماً، وذلك بسبب اعتراض المحافظين على المسرحية ورفضهم لمنهج الشرقاوي في تصوير التاريخ الإسلامي والتعبير عنه.
وكان من مظاهر هذه المعارك أن كتابه "محمد رسول الحرية" ما زال مصادراً في عدد كبير من بلدان العالمين العربي والإسلامي.
وكان من مظهر هذه المعركة العنيفة، ما دب بينه وبين الشيخ عبد الحليم محمود في السبعينات من خلاف بالغ العنف والحدة.. وكان من ذلك أيضاً ما دب بينه وبين الشيخ محمد الغزالي من خلاف صاخب عندما كان الشرقاوي يكتب دراسته الواسعة عن "علي إمام المتقين".
وهكذا فقد أراد الشرقاوي أن يحقق منهجه في "التوفيق" بين أفكاره اليسارية وبين التراث الإسلامي فخاض معركة بالغة الشراسة، ولم يخرج منها بغير جراح تركت آثارها واضحة على نفسه وقلمه"(2).(52/247)
وفي آخر حوار معه في مجلة "المصور"، أجراه معه المحاور مصطفى عبد الغني، وضمنه كتابه "الشرقاوي متمرداً"، وبعد أن قرأه الشرقاوي مكتوباً، قال له إنه يفضل نشر الحديث بعد وفاته. والذي فهمته من الحوار أنه كانت له ميول شيوعية، وأفكار اشتراكية، مجسدة في المنهج اليساري. ولكنه كان ينفي انتماءه لأي حزب. ومع ذلك عندما سئل: أين تضع نفسك في خارطة التصنيفات المألوفة: يمين، يسار، تقدمي، ماركسي، وسط… إلى غير ذلك؟
قال: أنا ضد مثل هذه التصنيفات، وأنا موقفي يتحدد في انحيازي للحق والحرية والشعب، ويتحدد أكثر بالانحياز الواضح والصريح إلى هذا المعسكر الأخير.. الشعب.
وإذا أردت التوقف عند التفكير الذي يتخذ سمة دينية فإنني أقول: إن الفكر الحقيقي يجب أن يكون دائماً لتحقيق الهدف الأسمى، وهذا الهدف الأسمى لا يخرج بأية حال عن تكوين (مجتمع فاضل) (3).
__________
(1) … عالم الكتب مج 9 ع 2 (شوال 1408هـ)
(2) … المصور ع 3293 - 28/3/1408هـ ص 37 - 38.
(3) … المصدر السابق، العدد نفسه، ص 60.
وفي الاحتفال بالذكرى الخامسة لرحيله تقرر إنشاء مدرسة وبيت ثقافة باسمة في قريته، وتنظيم مسابقة في القصة والرواية والشعر والمقال باسمه، كما أطلق اسمه على أحد الشوارع الهامة بمدينة شبين الكوم تخليداً لذكره(1).
ومن أعماله المتنوعة:
-ابن تيمية: الفقيه المعذب- القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1408هـ، 257ص. (مؤلفات عبد الرحمن الشرقاوي؛ 12).
-الأرض. القاهرة: مكتبة غريب، 1404هـ 429ص.
-أئمة الفقه التسعة. ط3. القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1407هـ، 2مج. (مؤلفات عبد الرحمن الشرقاوي؛ 14،15)
-الدراسات التاريخية؛ 4):
مج 1: الإمام زيد بن علي زين العابدين، الإمام جعفر الصادق، أبو حنيفة النعمان، مالك بن أنس، الليث بن سعد، الإمام الشافعي.
مج 2: الإمام أحمد بن حنبل.
مج 3: الإمام ابن حزم.
مج 4: العز بن عبد السلام.
-الحسين ثائراً: مسرحية في 13 منظراً. القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب.
-الحسين شهيداً: مسرحية شعرية في 6 مناظر. القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب.
-خامس الخلفاء: عمر بن عبد العزيز القاهرة: مكتبة غريب.
-الشوارع الخلفية. القاهرة: دار الشعب.
-الصديق: أول الخلفاء. القاهرة: مكتبة غريب.
-صلاح الدين: النسر الأحمر. القاهرة: دار المعارف.
-عرابي: زعيم الفلاحين: مسرحية شعرية. القاهرة: مركز الأهرام للترجمة والنشر، 1406هـ، 231ص.
-الفاروق عمر بن الخطاب. القاهرة: مركز الأهرام للترجمة والنشر، 1407هـ، 302ص.
-الفتى مهران: مسرحية شعرية. القاهرة: الدار القومية، 1385هـ
-الفلاح . القاهرة: عالم الكتب .
-قلوب خالية. القاهرة: الدار القومية.
-مأساة جميلة.
-محمد رسول الحرية. القاهرة دار الشعب. ط8 . القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب.
-وطني عكا". انتهى كلام الأستاذ محمد خير -وفقه الله-. (بتصرف يسير).
قلت: لقد تنبه العلماء لخطورة مسلك الشرقاوي في رواياته وكتبه، ومحاولته إسقاط فكره اليساري على الأحداث الإسلامية، فحذروا منها.
ومن ذلك: ما ذكره الأستاذ أنور الجندي في كتابه (جيل العمالقة والقمم الشوامخ في ضوء الإسلام)(ص 223-252).، حيث قال متحدثاً عن الهجمة على الإسلام: "ولكن الذي يلفت النظر أن تتوالى الأحداث هكذا في مهاجمة الإسلام؛ فيكتب لويس عوض في (المصور) عن مصر العلمانية وعن مصر الفرعونية فيخوض أوحالاً شديد السواد والقتامة ولا يستطيع أن يصل إلى شيء، ثم نجد تلك الصفحات التي وسمت باسم (الإمام علي) في جريدة الأهرام والتي كتبها عبد الرحمن الشرقاوي وكيف جدد خصومته القديمة للإسلام تحت أسلوب براق من الانتماء للإسلام، وغفل عن أن تاريخه لا يزال معروفاً ومذكوراً، وأن كتابه (محمد رسول الحرية) وتقرير الإمام أبو زهره ما يزال بين أيدي الناس، والأمانة التاريخية والمسئولية التاريخية فإن تقرير الأمام أبو زهره أول من حصل عليه الأستاذ محمد نعيم ونشرته الاعتصام 1975.
__________
(1) … الأهرام ع 38713 (8/6/1413هـ). وانظر مقال: "عبد الرحمن الشرقاوي يزور السيرة والتاريخ"/ أنور الجندي. المجتمع ع 873 (21/11/1408هـ) ص 36-37.وله ترجمة وقائمة بأعماله في : ببليوجرافيا الرواية في إقليم غرب ووسط الدلتا ص 231، وجيل العمالقة والقمم الشوامخ في ضوء الإسلام ص 203.(52/248)
فإذا تجاوزه قليلاً فرواية (الحسين شهيداً) قد دُمغت أيضاً من جماعة من العلماء، من بينهم الدكتور الطيب النجار بالظلم الشديد للمجتمع الإسلامي، على الذي افترى به طه حسين، على العصر الثاني للهجرة في كتابه (حديث الأربعاء) حين وصفه بأنه عصر شك ومجون وفيه جماعة التابعين والأعلام مثال أبو حنيفة والشافعي وأحمد بن حنبل والحسن البصري، وهو ما ذهب إليه عبد الرحمن الشرقاوي في رواية (الحسين شهيداً) الذي كشف عن أن كاتب الرواية كان حريصاً على تصوير المجتمع الإسلامي بعد وفاة الرسو صلى الله عليه وسلم بنصف قرن فقط في صورة بشعة، وكأن هذا المجتمع قد تدالى وتهاوى وصار مجتمع عربدة وفجور، ومجتمع شقاق ونفاق، ومجتمع جبن وضعف، ومجتمع خيانة ونكث للعهود! مع أن المجتمع كان لا يزال حافلاً بعدد كبير من صحابة رسول ا صلى الله عليه وسلم وفيه عدد ضخم من التابعين لهم بإحسان، وقد وسم علماء الأزهر المسرحية بأنها تشهر بجماعة من أصحاب رسول ا صلى الله عليه وسلم وهم قدوة لنا، وقد ترددت في المسرحية عبارات الاتهام بالكفر والخروج عن الإسلام وعبارات اللعن والتعريض والتشنيع بالحرمان، كما صورت المسرحية العصر الأموي تصويراً يجافي الحقيقة في بعض النواحي فوصفته بأنه عهد الإقطاع والأطماع وجردت الأمويين من كل خير وقدمت القصة شخصيات لم يعيشوا في مرحلتها التاريخية أمثال وحشي بن حرب الذي مات سنة 25 هجرية في خلافة عثمان رضي الله عنه، وهناك نوع من القسوة في الحكم على معاوية مع أنه صحابي ومن كتاب الرسو صلى الله عليه وسلم فقد ذكرت المسرحية أنه عطل أصلاً من القرآن وزيف قاعدة الشورى وأهدر أحكام السنة، وتردد في المسرحية أكثر من مرة التعريض بنظام الجواري حيث تناولت لأشخاص عبارات الاتهام باللهو والتمتع بالجواري على سبيل التعرض والتهكم كما تناثرت في المسرحية عبارات مأخوذة من جو غير إسلامي كقوله (ما جئت لألقي سلاحاً، لأملأ كل بيت بالمحبة، جئت لألقي موعظة الخ.
كتابات الشرقاوي:
فإذا أضفنا هذا التقرير إلى تقرير الشيخ أبو زهره حول كتاب (محمد رسول الحرية) أمكن أن تتكون لنا صورة ذات هدف واضح من كتابات عبد الرحمن الشرقاوي الذي قدم صلاح الدين الأيوبي في قصة (النسر الأحمر) في قالب غير كريم ومجاف لحقائق التاريخ، فهو يجعل منها دعوة مباشرة وصريحة للاستسلام والصلح مع الغرب وطلب السلام الخادع الكاذب، وما كان هكذا صلاح الدين يوماً في حياته ولكنها محاولة لاستغلال النصوص التاريخية لأهواء العصر، ولقد عاش صلاح الدين حتى آخر يوم من حياته مجاهداً مؤمناً يرفع راية الجهاد في سبيل الله، وهكذا تترابط أعمال عبد الرحمن الشرقاوي على طريق واحد وهدف واحد وهو يتابع مخطط طه حسين حول بشرية الرسو صلى الله عليه وسلم ، وكان كتابه (محمد رسول الحرية) حلقة رابعة لكتاب (على هامش السيرة) كذلك فقد كان كتابه عن (علي) هو الحلقة الثالثة من كتاب (الفتنة الكبرى) إنها نفس الأفكار والطريقة والغاية التي رسمها الاستشراق لإعادة كتابة التاريخ الإسلامي بمفاهيمه الباطنية والوثنية اعتماداً على مصدر غير مصادر أهل السنة والجماعة، والتوسع في الأساطير والخيال القصصي والاعتماد على كتاب الأغاني ومتابعة خصوم الشيخين أبي بكر وعمر، كل هذا لا يقدم عملاً تاريخياً أو أدبياً له قيمة ذاتية.
إن درجة الوعي الإسلامي اليوم في فهم تيارات التغريب في تحريف التاريخ الإسلامي وتفريغه من طوابعه الحقيقية بوصفه مصدراً من مصادر اليقظة الإسلامية قد أصبحت عالية، ودليل ذلك ما كتب في الرد على لويس عوض وما وصل الصحف من ردود على توفيق الحكيم وعبد الرحمن الشرقاوي، نعتقد أن هذه الأقلام لا تستطيع أن تكسب ثقة قارئ واحد من الذين عرفوا خلفيات هذه التيارات، وليعلم هؤلاء جميعاً أن خطط التخريب والغزو الثقافي قد كشفت تماماً مهما حاولوا تغيير جلودهم ومهما خلطوا أوراقهم، أما الصحف فإن مسئوليتها التاريخية كبيرة وفي إخفاء كلمة الحق في الرد على الباطل خيانة للأمة، وما كانت هكذا تدار المساجلات الفكرية في الماضي حيث يسمح لكل صاحب رأي أن يدلي بأية حتى تتبلور النتائج وينكشف الرأي الصحيح للجماهير التي تحترم صحفها وتثق بها، أما أن تحجب الآراء كلها ويتبنى الرأي الواحد المصر على جهة نظره فها ما لا يتفق مع أدنى أصول الحوار الصحفي.
إنها محاولة لتحطيم الصحوة والقضاء على الأصالة ولطرح مزيد من الشبهات والشكوك والسموم على الطريق الذي عبده المصلحون .. ليسلك عليه المسلمون إلى إقامة المجتمع الإسلامي الذي رسمه القرآن الكريم .
كتاب (محمد رسول الحرية)
إن المناقشة التي قام بها الشيخ أبو زهرة ركزت على السموم الناقعة في الكتاب، قال:
"لم يسلم الكاتب من الخطأ، أو بالأحرى كان له اتجاه غير إسلامي من البداية، فهو ما درسمحمدا صلى الله عليه وسلم على أنه رسول يوحى إليه، بل على أنه رجل عظيم له آراء اجتماعية فسرها الكاتب على هوى ما يريد، مدعياً أنه قصاص أديب يصوغ التاريخ في قالب قصصي فني.(52/249)
وقد تكون هذه الكتابة مفيدة لقوم يصغرون من شأنمحمد صلى الله عليه وسلم ، ويهونون من أمره فتزيل عنه ما يتوهمون، وتبين أن له شأناً ومقاماً في تفكيره ومنحاه، وإذا لم تكن الكتابة صادقة من كل الوجوه فهي في ذاتها تصوير حسن في الجملة لغير المسلمين، وفي هذا الحال فقط، لكن يفسدها طمس الحقائق الكبرى أو تجاهلها.
مقام النبي الرسول صلى الله عليه وسلم
أما نشر هذه الكتابة بين المسلمين الذين يعرفون مقام النبي صلى الله عليه سلم، عند الله، ومقام الرسالة الإلهية التي حملها النبي صلى الله عليه وسلم ، والتي هي مصدر علمه، فإنه لا فائدة فيها من جهة، وهي توهين للعقيدة الإسلامية من جهة ثانية، ثم هي غير صادقة من جهة ثالثة.
وإذا برر نشرها بين غير المسلمين لتقريب نفوسهم من مبادئمحمد صلى الله عليه وسلم ، فنشرها بين المؤمنين باعث على الفتنة ومنفر للقلوب ومضعف للإيمان.
وإن أول ما يلمحه القارئ من الكتاب بعد استيعابه جملة وتفصيلاً:
أن الكاتب يقطع صلى الله عليه وسلم عن الوحي، فكل ما كان من النبي صلى الله عليه وسلم من مبادئ وجهاد في سبيل الله إنما هي عنده، لا بوحي من الله تعالى، وهي فيه بمقتضى بشريته لا بمقتضى رسالته.
ولعل العنوان الذي اختاره للكتاب -مع إردافه بعنوان آخر صغير- أراد أن يشير به إلى بشرية صلى الله عليه وسلم مبتوته عن الوحي، وهذا العنوان: قوله تعالى معلماً نبي صلى الله عليه وسلم "إنما أنا بشر مثلكم" فقد اختار هذه الجملة القرآنية ليعلن أن ما وصل إليه صلى الله عليه وسلم من مبادئ جاهد لأجلها، إنما هو صادر من بشرية كاملة لا عن نبوة.
ولكي يتم له الاستشهاد، اقتطع الجملة اقتطاعاً عما قبلها وما بعدها، فإن هذه الجملة وردت في نصين من نصوص القرآن الكريم أولهما: في آخر سورة الكهف وهو قول الله تعالى: (قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداً).
وثانيهما: في سورة فصلت وهو قوله تعالى: (قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إليّ أنما إلهكم إله واحد فاستقيموا إليه واستغفروه وويل للمشركين).
ونرى النص الذي اختاره شعاراً لكتابة مقطوعاً عما قبله وما بعده، فما قبله هو قوله تعالى مخاطباً صلى الله عليه وسلم بقوله "قل" وهو يصرح بخطاب الله تعالى للنبي r، وما بعده هو قوله تعالى "يوحى إليّ"، قد أبعده ولم يأت به لأنه لا يتفق مع غرضه الذي يهدف إليه لأنه يريد نفي الوحي عن الحياة المحمدية.
وإن القارئ ليسير قليلاً في الكتاب، حتى يجد الكاتب ينفي الخطاب السماوي للرسو صلى الله عليه وسلم ، فلا يذكر أن جبريل خاطب صلى الله عليه وسلم في العيان، فهو يقول في أول نزول الوحي بالقرآن ما نصه.
ولكن في تلك الليلة من رمضان، أغفى قليلاً ثم نام، فرأى من يعرض عليه كتاباً ويطلب منه أن يقرأ، فقال ما أنا بقارئ، ولكنه ألح عليه أن يقرأ، فسأله ماذا أقرأ فقال له: (اقرأ باسم ربك الذي خلق، خلق الإنسان من علق، اقرأ وربك الأكرم، الذي علم بالقلم، علم الإنسان ما لم يعلم): وعندما استيقظ من نومه يحفظ ما سمعه من النوم ويستوضح حلمه فيما بينه وبين نفسه، فإذا به وهو بين اليقظة والنوم كأنه يسمع صوتاً بعيداً يقول له: أنت رسول الله وأنا جبريل؟ (من68،69).
وإن تصوير الوحي في هذا المقام بالحلم في النوم، يخالف ما أجمع عليه المسلمون من أن جبريل عليه السلام كان يخاطب صلى الله عليه وسلم بالعيان لا في المنام.
نعم قبل ذلك الخطاب بقوله -اقرأ- ونزول سورة القلم، كان إرهاص الوحي يجئ إليه فيما يجئ في رؤيا مناميه حتى إنه كان يرى الرؤيا تجئ في الصحو مثل فلق الصبح، كما صرح البخاري، ولكن لم تكن تعتبر خطاباً من السماء، حتى نزول الوحي ومخاطبة جبريل الأمين الذي تردد ذكره في القرآن على أنه رسول الله إلى الذين يصطفيهم من الأنبياء لتبليغ الرسالة الإلهية لأهل الأرض.
وإنه إذ يقطع الرسالة عن الرسو صلى الله عليه وسلم ، ويقطع الوحي عنه، ويتجه إلى القرآن فيذكر عباراته أحياناً منسوبة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، على أنها من تفكيره، ومن قوله، لا أنها قرآن موحى به وقائله هو الله سبحانه وتعالى، وأن ذلك لمبثوث في الكتاب بكثرة ولنضرب على ذلك بعض الأمثلة.
(1)إنذار عشيرته الأقربين:
ذكر في صفحة 80 ما نصه (رأى محمد أن يجمع أسرته من بني عبد الملطب إلى الإيمان بما جاء به فليس أحب إليه من عشيرته الأقربين) وتراه يذكر ذلك على أنه رأي إرتآه ويغفل الأمر القرآني الثابت وهو قوله تعالى: (وأنذر عشيرتك الأقربين، واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين)، فتراه في هذا الكلام الذي قاله ينسب كل ما يكون بوحي قرآني إلى أنه رأي رآه النبي صلى الله عليه وسلم .
(2)تبت يدا أبي لهب:(52/250)
وفي هذا المقام اعترض أبو لهب عم النبي صلى الله عليه وسلم ، فيذكر الكاتب في ذلك ما نصه: "فاسمع يا أبا لهب اسمع إذن، سمعت الرعد، تباً لك أنت، تبا لك سائر يومك وسائر حياتك (تبت يدا أبي لهب وتب) (ص 83) فتراه في هذا ينسب إلى صلى الله عليه وسلم قوله تعالى (تبت يدا أبي لهب وتب ما أغنى عنه ماله وما كسب، سيصلى ناراً ذات لهب وامرأته حمالة الحطب في جيدها حبل من مسد).
وبهذا نرى أنه ينسب هذه السورة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، لا إلى الله سبحانه وتعالى. ومثل ذلك جاء في (ص 87) من الكتاب، ففيها ما نصه: تباً لها (أي لامرأة أبي لهب) كما تبت يدا أبي لهب وتبت يدا أبي لهب وتب وامرأته حمالة الحطب.
(3)القتال في الشهر الحرام:
يذكر استنكار المشركين لأمر صلى الله عليه وسلم بأنه قاتل في الأشهر الحرم فيقول في صفحة 183 (إنها لكبيرة أن يقتل عبد الله (أي ابن جحش) أحداً في الشهر الحرام، ولكن الفتنة أكبر من القتل وصد الناس عن البيت العتيق وإخراج أهله منه أكبر).
يذكر هذا الكلام منسوباً إلى صلى الله عليه وسلم على أنه من عنده، مع أنه في القرآن الكريم والله تعالى يقول: (يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند الله والفتنة أكبر من القتل).
(4)أسرى بدر:
استشار صلى الله عليه وسلم بعد غزوة بدر أصحابه في شأن الأسرى، فأشار عمر بقتلهم وأشار أبو بكر بالعفو، وتوسط صلى الله عليه وسلم فاختار أن يفتدوا من أهلهم، وقد بين الله سبحانه لنبيه الحكم في أخذه أسرى، والمعركة دائمة مستمرة، لأنه لا أسرى إلا بعد أن يعجز العدو عن القتال، وقد نزل في ذلك قوله تعالى: (ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض، تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة والله عزيز حكيم، لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم فيه عذاب عظيم).
هناك في القضية عمل من صلى الله عليه وسلم ولوم وتوجيه من الله، لكن الكاتب يقول إن صلى الله عليه وسلم بعد تأمل وتدبر قرر خطأ الفداء، وهذا نص كلامه فقد أطلق كثيراً من الأسرى ولم يعد -أي لم يبق- غير القليل، فانقطع يفكر وخرج على أصحابه يقول: إنه أخطأ هو وأبو بكر حين لم يسمعا لنصيحة عمر، فما كان له أن يترك لقريش أسراها لتستعين بهم على حربه مرة أخرى (ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض). (ص 203/204).
وبهذا يتبين أنه يرى أن هذا ليس وحياً، ولكنه من تأملات النبي صلى الله عليه وسلم ، وأن القرآن من عند محمد لا من عند الله.
(5)إبطال التبني من النبي صلى الله عليه وسلم
ينسب إبطال التبني إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا ينسبه إلى الله، مع أن التبني حرم بأمر الله، فقد قال الله تعالى في سورة الأحزاب (وما جعل أدعياءكم أبناءكم ذلكم قولكم بأفواهكم والله يقول الحق وهو يهدي السبيل، ادعوهم لآبائهم هو أقسط عن الله، فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم، وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم وكان الله غفوراً رحيماً).
ويقول سبحانه في نفس السورة: (ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين) لكن المؤلف يذكر قصة زيد بن حارثة مع زوجه زينب بنت جحش، وشكواه منها، وقول صلى الله عليه وسلم له: أمسك عليك زوجك، ويبين أن الزوجين أصبحا لا يطيقان الاستمرار، ويذكر إشاعة أن صلى الله عليه وسلم طمع في جمالها، وما كان للنبي أن يتزوج زوجة متبناة لأنه ابنه، ثم يقول:
ولكنمحمدا صلى الله عليه وسلم خرج يقول أن المتبني ليس كالابن تماماً فالولد شيء آخر، وأنه إنما تزوج زينب لكي يدركوا هذا، وكيلا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم، فلا حاجة له بجمال زينب، ولديه عائشة وحفصة (ص 216).
فهو في هذا يدعي أن التحريم للتبني من صلى الله عليه وسلم ويدعي أن محمداً تزوج زينب من تلقاء نفسه، مع أنه فعل ذلك بأمر من الله تعالى في قوله من سورة الأحزاب (وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك واتق الله وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه فلما قضى زيد منها وطراً زوجناكها لكيلا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطراً وكان أمر الله مفعولاً).
فتراه ينسب التحريم إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وينسب الزواج لرأى إرتآه الرسول عليه الصلاة والسلام مع أنه ثابت بالقرآن، ولكنه ينسب ما جاء بالقرآن دائماً إلى النبي صلى الله عليه وسلم .
وإنا لنحمد له أنه لم يسر وراء المستشرقين في إدعائهم أخذاً بما جاء في رواية ضعيفة عن بعض التابعين، أن صلى الله عليه وسلم فتن بجمال زينب وكان الطلاق لذلك فله منا التقدير لهذا.(52/251)
-ذكر -بعد أن قص أخبار موقعة أحد- العبر فيها على أنها من قولمحمد صلى الله عليه وسلم ، مع أنها من قول الله تعالى، فهو يقول: (وأقبلمحمد صلى الله عليه وسلم - على الناس يحدثهم عن محنة أحد ويستخلص العبرة من أخطائهم عسى أن تضيئ التجربة القاسية طريق المستقبل).
وإن العبرة في أحد كانت بقول الله تعالى في آيات كثيرة من سورة آل عمران في مثل قوله تعالى: (ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسونهم بإذنه حتى إذا فشلتم وتنازعتم في الأمر، وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة ثم صرفكم عنهم ليبتليكم ولقد عفا عنكم والله ذو فضل على المؤمنين، إذ تصعدون ولا تلوون على أحد والرسولل يدعوكم في أخراكم فأثابكم غماً بغم لكيلا تحزنوا على ما فاتكم ولا ما أصابكم والله خبير بما تعملون) ولكنه دائماً ينسب ما جاء في القرآن إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، مما يدل على أنه يرى القرآن من قول النبي صلى الله عليه وسلم ، ولم يذكر في الصحيح من السنن أن صلى الله عليه وسلم بين العبر في أحد بغير تلاوة القرآن عليهم.
كذلك يذكر الكاتب أن تقسيم أموال بني النضير كان بقول صلى الله عليه وسلم ويقول في ذلك، قال لهم (..إن إخوانكم المهاجرين ليس لهم مال فإن شئتم قسمت أموال بني النضير وأموالكم بينكم جميعاً وإن شئتم أمسكتم أموالكم وقسمت هذه فيهم خاصة).
والحق أنه لا يوجد ذلك التخيير وأن النص القرآني في ذلك صريح يبين هذا، فالله سبحانه وتعالى يقول في سورة الحشر (للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلاً من الله ورضواناً وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون، والذين تبؤوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون).
ولكنه كمنهاجه ينسب ما جاء في القرآن دائماً إلى رأي النبي صلى الله عليه وسلم ! وزاد هنا حالة التخيير التي لا نعلم لها مصدراً تاريخياً (200).
وهكذا نجده يذكر كثيراً من معاني القرآن، وينسبها للنبي r فهو يذكر سورة (الكافرون) (قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون…، على أنها من كلام صلى الله عليه وسلم (ص108).
وينسب تحريم الخمر على أنه للنبي r، ويشير إلى تدرج التحريم في القرآن الكريم، ويترك الآيات المختلفة الدالة على ذلك.
ويذكر قصص القرآن على أنها نتيجة تجارب صلى الله عليه وسلم ويقول في ذلك.. (وقسم محمد لياليه بين زوجاته الثلاث: سودة وعائشة وحفصة، ولكنه مع ذلك كان يجمعهن عند صاحبة النوبة في الصباح ليعظهن وفي المساء ليسمر معهن، ويقص عليهن ما رآه في رحلاته، وكثيراً من الحكايات والأمثال).
وما كان قصص صلى الله عليه وسلم إلا من القرآن، وما كانت له رحلات في بلاد العرب، بل إنه لم يخرج من الحجاز إلا مرتين إحداهما وهو في الثانية عشرة والثانية وهو في الخامسة والعشرين؛ الأولى مع عمه والثانية في تجارة بمال خديجة رضي الله عنها.
أخطر ما يقدم الكتاب: التشكيك في (القرآن):
هذه أمثلة سقناها وإنها لكثيرة في الكتاب، وهي تدل على أنه يرى -أي الكاتب- أن القرآن من كلاممحمد صلى الله عليه وسلم ، وفي الحقيقة إنه لم يذكر قط أن الله سبحانه وتعالى منزل القرآن وباعث صلى الله عليه وسلم بالرسالة، بل إن ذكر الله تعالى يندر في الكتاب بل لا نجد له ذكراً قط (نسوا الله فأنساهم أنفسهم).
ولم يذكر القرآن إلا نادراً، بل إنك تقرأ الصفحات الكثيرة التي تبلغ مائتين أو أكثر فلا تجد ذكراً لكلمة القرآن الكريم، بل لكلمة القرآن قط، وإذا ذكر آية ذكر أنها همهمة نفس النبي صلى الله عليه وسلم ، ولنضرب لذلك مثلاً:
لقد ذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم ، أذن لبعض الناس بالعودة من حيث خرجوا، وكان ذلك في بعض الغزوات، ثم يقول: فأذن لمن يريد أن يعود إلى بيته أن يعود، فهذا خير من أن يبقى في الصفوف ليشيع الانهزام، ويثبت في الصفوف من يجد في نفسه القدرة على مواجهة الخطر، والرغبة الصادقة في الاستشهاد دفاعاً عما يؤمن به، وهمهم لنفسه وهو يتقدم الصفوف: (عفا الله عنك لم أذنت لهم) ولكنه عاد فرأى الخير في تخليص صفوفه من العناصر الخائرة ثم أخذ يتلو عليهم: (وإذ قالت طائفة منهم يا أهل يثرب لا مقام لكم فارجعوا، ويستأذن فريق منهم النبي يقولون إن بيوتنا عورة وما هي بعورة إن يريدون إلا فراراً… قل لن ينفعكم الفرار إن فررتم من الموت أو القتل وإذاً لا تمتعون إلا قليلاً) (ص 288).
وأكبر علامات التشكيك في آيات الله، أنه يذكر الهمهمة ثم يقرنها بآية على أنها من همهمته ثم يتلو آية أخرى غير ناسبها إلى الله تعالى ولا لأحد فهي بمنطقة من همهمة النبي أيضاً.
ثم يشير إلى نوع من التشكيك لأن الآيتين يبدو بينهما تعارض مع أن الآيتين مختلفتان من حيث موضع قولهما، فآية سورة التوبة (عفا الله عنك لم أذنت لهم) كانت في غزوة تبوك.(52/252)
وقوله تعالى من سورة الأحزاب (وإذ قالت طائفة منهم يا أهل يثرب) كانت في غزوة الأحزاب وهو لا يذكر كلمة القرآن على أنه منسوب لله في مقام يومئ بالتشكيك في صدقه.
واقرأ قوله في ص 354 (بالنسبة للمرتدين الذين قتلوا بعض المؤمنين غدراً الذين قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم ، يقتلون ولو تعلقوا بأستار الكعبة، وكان منهم رجل عهد إليهمحمد صلى الله عليه وسلم ، بكتابة القرآن، ولكن الرجل كان يغير في القرآن على هواه، يمليهمحمد صلى الله عليه وسلم ، (وهو السميع العليم) فيكتب وهو (الخبير الحكيم) ثم يذهب إلى المنافقين في المدينة، ويتندر بما يصنع، ظل يصنع هذا، حتى اكتشف محمد أمره فهرب إلى مكة، ويظل يهزأ بمحمد r، وبالقرآن ويؤكد للناس أنه حرف كثيراً من آياته ولم يكشفها صلى الله عليه وسلم بعد).
واقرأ قوله في صفحة 356 (أما الرجل الذي حرف في القرآن الكريم فيعلن توبته ويحرق النسخة المحرفة أمام الجميع)، وإن هذا البيان التاريخي يوهم بل يشير أن القرآن فيه تحريف وتبديل، بدليل أن أحد كتاب الوحي قال ذلك.
تلفيق الأخبار:
والخبر على هذا الوجه غير صحيح، ذلك أن الرجل كان يكتب الوحي أحياناً وليس دائماً، وما كان للنبي r كاتب واحد، بل كان يكتب الوحي من يكون بحضرته عند نزوله ممن يحسنون الكتابة، وعندما يملي عليه صلى الله عليه وسلم ما أوحي إليه، يقرأه ويحفظه من يكون بحضرته من الصحابة فما كان الرجل ملازماً له، وما كان الاعتماد على ما يكتب بل على ما يحفظ صلى الله عليه وسلم وحفاظ الصحابة.
وما تكونت في عصر النبي صلى الله عليه سلم نسخة مجموعة جمعاً نهائياً، ولكن كان محفوظاً في صدور كثيرين من الصحابة كأبي بن كعب وزيد بن ثابت، وعلي بن أبي طالب وغيرهم كثير رضي الله عنهم، فلا يقال: إن هناك نسخة كانت محرفة وحرقت، وما جاء ذلك في سياق تاريخي قط وما قاله أحد قط من علماء الإسلام.
وأخيراً فإن الردة التي وقع فيها ذلك الرجل، ما كانت نتيجة طرد صلى الله عليه وسلم له، بل إنه ارتد من تلقاء نفسه ثم أخذ يشيع هذه الأكاذيب، فما كانت حقيقة ولكنها إدعاء منه هو كاذب فيه.
فالنبي r، يحفظ ما ينزل عليه، وغيره يحفظ، وما كان من المعقول أن يستمر ذلك التحريف دقيقة واحدة وإنه عند جمع القرآن في مصحف، أي تكوين نسخة كاملة منه، في عهد الشيخين أبي بكر وعمر، وكان يُبحث عن المكتوب غير المجموع، إذ كانت الكتابة في قطع متناثرة عند الصحابة وفي بيوت النبي صلى الله عليه وسلم ، فيبين أن المكتوب كما حفظوا، فيثبتونه في المصحف .
توهين لتواتر القرآن:
إن في السياق الذي ذكره الكاتب توهينا لتواتر القرآن، لا يصح أن ينشر بين المؤمنين فضلاً عن أنه في أصله كاذب في ذاته.
ثم إنه ليوهن من شأن النصوص سواء أكانت قرآناً أم أحاديث، عندما يقرر أن الحكم في الإسلام بالقرآن والسنة أو الرأي على أنها متساوية والمسلم مخير بينها إلا أنها مرتبة.
ويقول في ذلك ص 275 (وفي رأي كل منهم ترسخ نصيحة صلى الله عليه وسلم فاحكم بالقرآن أو السنة أو اجتهد برأيك، والأمر شورى بينكم لا تختلفوا ولا تعلوا في الأرض مفسدين)
موقف الكتاب ومؤلفه من صلى الله عليه وسلم :
هذا موقف الكتاب من القرآن ذكرناه مع ضرب الأمثلة من الكتاب، لا نكتب عنه ما لم يكتب بل إننا نستمد البينات من كتابته.
فلنتجه بعد ذلك إلى موقفه من صلى الله عليه وسلم المبعوث من عند الله تعالى، فإن الكلام الذي كتبه عنه غير قائم على أسس صادقة، بل على ما ينافي كل الحقائق التاريخية تماماً.
أولاً: إدعاء خروج صلى الله عليه وسلم إلى اليمن:
ادعى المؤلف أن صلى الله عليه وسلم سافر إلى اليمن مع عمه الزبير بن عبد المطلب فقد جاء في ص 42 ما نصه:
(وها هو ذا محمد يضطر إلى أن يشتغل أخيراً في هذه القوافل، ليعيش مما كان يملك بالدينارين أو الدينار، ويخرج إلى اليمن مع عمه الزبير في رحلة الشتاء).
وهذا القول لم يذكر في الصحاح تاريخ النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد يذكره المستشرقون من غير سند تاريخي، بل بفرض يفرضونه ليتم لهم ما يبتغون من توهين شأن الدعوة الإسلامية، بإدعاء أن صلى الله عليه وسلم كان رحالة وأن ما جاء به نتيجة تجاربه لا بوحي من ربه.
ثانياً: يسترسل في إدعاء أنمحمدا صلى الله عليه وسلم كان رحالة معنياً بما عند الرومان والفرس.
فهو يقول في ص 62 (لم تكن الجزيرة العربية وحدها هي التي تعنيه، فقد طاف بالشمال والجنوب، وعرف كثيراً مما يحدث في بلاد الفرس والروم، وفكر في هذا كله، ففي كل مكان يهدد الإنسان، ويسيطر الغيظ أحياناً حتى لتمتد يد المرأة الحنون إلى قلب خصمها بعد أن يقتل، فتأكل منه القلب وتلعق الدم.
وما زال الملاك الكبار في بلاد الروم يصنعون بالرجال والنساء ما يصنعه المرابون الكبار في مكة، والرؤساء والدهاقين في بلاد الفرس، وهنا وهناك يقضى على الإنسان ما يقضى باسم قوى الخفاء التي لا تقاوم ولا ترد، وهي قوى لا تشبع من دم الضعفاء وتقتات بالهوان).(52/253)
ولا يهمنا من هذا الكلام إلا ما فيه من إدعاء أن النبي صلى الله عليه وسلم ، قد جاب البلاد العربية شمالاً وجنوباً، وأنه كان معنياً بمعرفة ما عند الرومان والفرس، مع أن ذلك كله لا يوجد ما يدل عليه في التاريخ الإسلامي والمصادر الصحيحة، بل لا يوجد شيء من هذا في أي مصدر عربي قديم، ولكنه خيال المستشرقين لحاجة في نفوسهم.
ثالثاً: ويذكر أن صلى الله عليه وسلم تعلم الكتابة من ملاحظته الحروف، وهذا نص قوله في ص 313 (فتناول محمد الصحيفة من علي ومحا ما كتبه علي، وكتب هو ديباجتها، كما أراد مندوب قريش، كانت هذه أول مرة يكتب فيها بعد أن تعود ملاحظة الحروف من طول ما أملى على كتبة القرآن).. وهذا تحريف للروايات، فإن الثابت أن علياً لما امتنع عن حذف كلمة الرسول أو محوها مد رسول ا صلى الله عليه وسلم يده ومحاها بنفسه بعد أن استفسر من علي عن موضعها، وأتم علي بقية الكتاب ولم يكتب صلى الله عليه وسلم بيده شيئاً.
رابعاً: إن هناك نزعة نصرانية نجدها في مواضيع كثيرة، نذكر منها أن صلى الله عليه وسلم ينادى بياولدي، ولا يذكر من المنادي، فقد جاء في ص 49 ما نصه: (غريب أنت في هذا التيه الذي يتنفس باللعنة والأكذوبة والمنكر، شارد حزين لا تنفك تتأمل في السماوات والأرض ووجوه الرجال والنساء والأطفال.
ما تكاد تضحك مستمتعاً بحياتك الجديدة المطمئنة مع المرأة الجميلة التقية الحكيمة التي اختارتك للحياة).
ولا تدري من الذي يناديه ذلك النداء وقد تكرر ذلك في عدة مواضع فقد جاء في ص 134 ما نصه:
(طريد أنت يا ولدي، مسكين معذب كالمبشرين الأوائل) فمن ينادي هذا النداء، إن الذي يمكننا أن نفسر به ذلك هو أن هذه نزعة نصرانية، كما يجري على ألسنة النصارى (أبانا الذي في السماء) وأنه يصح أن يكون ذلك صوت الله يناديه في زعم الكاتب، ولكن لا أحد في الدنيا يصح أن يكون ولداً لله تعالى: (قل هو الله أحد، الله الصمد، لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد).
هذا موقف الكتاب من القرآن والنبي r، بالإضافة إلى الخيال الروائي الذي يفتقر إلى الصدق التاريخي في بعض الروايات عن حمزة وغيره، والكتاب في الجملة يسيئ إلى الناس في دينهم".
حاشية: هذا التقرير الذي كتبه الشيخ محمد أبو زهرة عام 1962 وقد حصل عليه منه قبل وفاته الأستاذ محمد نعيم الصحفي الإسلامي وقد احتفظ به حتى أتيحت له فرصة نشره عام 1975م. وهذا الذي قام بتلخيصه على هذا النحو المنشور الآن.
(مسرحية الحسين شهيداً)
الأصابع الحمراء تشوه حقائق المعارك الإسلامية وتشهر بالصحابة الأجلاء (أحمد الشرباصي، محمد الطيب النجار، زكي البنهاوي) نشرت الاعتصام -مايو 1975 عن هذه الدراسة للمسرحية تحت عنوان: (مسرحية الحسين شهيداً).
المسرحية تظهر شخصية الحسين وشخصية السيدة زينب رضوان الله عليهما وهما من آل بيت الرسول الأعظم وقد تكررت الفتوى من العلماء المسئولين بمنع إظهار هذه الشخصيات الطاهرة.
تردد في المسرحية التشهير بجماعة من أصحاب رسول ا صلى الله عليه وسلم وهم قدوة لنا وقد نوه الرسول بمكانة أصحابه في أكثر من حديث شريف ومن واجبنا أن نبرز مفاخرهم ونركز عليها ونهتم بها وألا نطيل الوقوف أمام ما نسب إليهم من خلاف أو أخطاء.
ترددت في المسرحية عبارات الاتهام بالكفر والخروج عن الإسلام وعبارات اللعنة والتعريض الشنيع بالحرمان، وهذا كله بين مجموعة تنتسب إلى الإسلام وجاءت فيها ألفاظ خارجة مثل (أبناء الأمهات الزانيات، يا ابن الفاعلة، يا ابن البرصاء، الدعي ابن الدعي).
صورت المسرحية العصر الأموي تصويراً يجافي الحقيقة في بعض النواحي فوصفه بأنه عهد الإقطاع والأطماع وجردت الأمويين من كل خير ونحن لا ننكر أن هذا العصر فيه عيوب ومآخذ ولكن هذا العصر شهد أيضاً فتوحات إسلامية كثيرة وكان فيه جهاد ونضال، فكيف نجرده من كل حسنة ونبالغ في تصوير فساده كل هذه المبالغة ؟!
المسرحية تعرض شخصية الصحابي (وحشي بن حرب) عرضاً مخالفاً للسيرة والتاريخ فهي تعرض هذه الشخصية المسلمة التائبة في صورة سكير مخمور، قد شرب (خمر الأرض) مع أنه من صحابة رسول ا صلى الله عليه وسلم وروى عنه الحديث، وقد جاءت أحاديث مروية عنه في صحيح الإمام البخاري.
وتصور المسرحية مقابلته للرسول عند إسلامه تصويراً غير كريم وغير سليم لا تتفق مع التاريخ ولا يناسب المعروف عن مكارم الأخلاق التي تحلى بها سيد الإنسانية ورحمة الله للعالمين: رسول الله صلوات الله وسلامه عليه فالرسول قد قبل إسلام وحشي وقال له (يا وحشي اخرج فجاهد في سبيل الله كما كنت تقاتل لتصد عن سبيل الله).
والعجب كل العجب أن يوجد "وحشي بن حرب" بين شخصيات هذه المسرحية لأن أحداثها تدور في سنة ستين للهجرة ووحشي بن حرب قد مات سنة خمس وعشرين للهجرة في خلافة عثمان رضي الله عنه!! فوحشي إذن لم يدرك شيئاً من أحداث هذه المسرحية فكيف يضاف إلى أشخاصها ؟!(52/254)
هناك نوع من القسوة في الحكم على معاوية مع أنه صحابي ومن كتاب الرسو صلى الله عليه وسلم فقد ذكرت المسرحية أنه عطل أصلاً من القرآن وزيف قاعدة الشورى وأهدر أحكام السنة إلى غير ذلك من التهم الشديدة.
جاء على لسان الحسين رضي الله عنه وأرضاه أنه ذهب حينما اشتدت المحنة إلى قبر الرسول عليه الصلاة والسلام وقال يخاطب النبي: جدي، أنا لا أعرف ما أصنع فأعني "والحسين خير من يعرف أن العون إنما يلتمس من الله تبارك وتعالى، وجد الحسين هو نفسه القائل: إذا استعنت فاستعن بالله. فضلاً عن أن الواقعة لا نصيب لها من الصحة.
ذكرت المسرحية أن (يزيد) قد فرح بمقتل الحسين رضوان الله عليه وهذا يخالف الواقع؛ لأن التاريخ يذكر أن يزيد قد توجس شراً من قتل الحسين وأنه بكى حين رأى رأسه، ولسنا ندري لمصلحة من يظهر يزيد وهو حاكم المسلمين على أقل تقدير في مظهر حقير مثير لو كان أمراً واقعاً لما كان من الحكمة إبرازه.
فقد قدمته المسرحية عقب مقتل الحسين شخصاً يبدو مخموراً والجواري يمتطين ظهره وينخسنه فيسير بهن كالحمار، والتاريخ يذكر فيما يذكر أن يزيد كان متهماً بالانحراف عن الآداب الدينية قبل المبايعة له فلما تولى الحكم انصرف عن هذا الانحراف أو على الأقل لم يجاهر بمثل ما كان يجاهر به من قبل(1).
أن المسرحية مع الأسف كأنها تحرص على تصوير المجتمع الإسلامي بعد وفاة الرسول عليه الصلاة والسلام بنصف قرن فقط في صورة بشعة وكأن هذا المجتمع قد تداعى وتهاوى، وصار مجتمع عربدة وفجور ومجتمع شقاق ونفاق ومجتمع جبن وضعف، ومجتمع خيانة نكث للعهود، مع أن المجتمع كان لا يزال فيه عدد كبير من صحابة رسول ا صلى الله عليه وسلم وفيه عدد ضخم من التابعين لهم بإحسان.
تردد في المسرحية أكثر من مرة التعريض بنظام الجواري حيث تناول الأشخاص عبارات الاتهام والتمتع بالجواري، على سبيل التعريض والتهكم مثل هذه العبارات (ما تجيد سوى مصاحبة الجواري)، (تمتع بجواريك الأبكار الخرد)، (سوق الإماء).
تناثرت عبارات مأخوذة من جو غير إسلامي مثل هذه العبارات (ماجئت لألقي سيفاً) (جئت لألقى موعظة) (لأملأ كل بيت بالمحبة، جموع الفقراء) (يا مطفئ نور الحضارة).
اختير لون السواد لطائفة من الممثلين والممثلات وهذا السواد شعار طائفي مذهبي خاص(2)، فهل من المصلحة إثارة مثل هذه الطائفية، وكذا بدأ من قام بدور الحسين في ثياب تشعر بأنها إيحاء بشخصية غير إسلامية وإن كانت شخصية لها مكانها في نظر المسلم.
وكان هناك في نص المسرحية نواح وندب وتعديد، وقد طال هذا وامتد فما مدى اتفاق ذلك مع تعاليم الدين ؟!
كذلك جاء على لسان الأشخاص من أتباع الحسين رضي الله عنه ما يفيد أن قتال المعارضين للحسين خير من قتال المشركين فهل يحكم على عقائد الناس بمثل هذه السهولة ؟!
مآخذ على كتابات الشرقاوي: (حول الإمام علي)
أولاً: إن مصادر الكتابة عن الإمام علي ومنهج البحث في سيرة الصحابة تختلف عن المصادر ومنهج البحث في التاريخ العام، وهو لم يلتزم بهذا المنهج بل عمد لكتب التاريخ وغير كتب التاريخ فاستقى منها مادته وأخباره، فرجع إلى كتاب (الأغاني) وهو مرجع لمؤرخي الأدب في العصر العباسي يجمع أخبار الشعراء والأدباء والمغنين والمغنيات ومجالس الشراب والطرب، فإذا وجدت فيه معلومة عن صحابي أو تابعي فيجب الوقوف أمامها طويلاً، للبحث عما إذا كانت قد وردت في مصدر تاريخي أصيل مما تتكفل به أصول البحث العلمي، ومصطلح علم الحديث وأصول الرواية في معرفة حال الرواة وصحة المتن وطريق التحمل ولكن الشرقاوي سرى بين المصادر القديمة لقدمها ولم يفرق بينها ومن هنا وقع اللبس.
ومن مصادر الشرقاوي (الطبري) والطبري لا يشك أحد في صدقه ولكنه اعترف في كتابه أن الكتاب لا يخلو من الوقائع المكذوبة والأخبار المنحولة، فلما هوجم الشرقاوي في هذا دافع عن مصدره وأهمل هذا التحذير الخطير الذي سجله الطبري في صدر كتابه.
وهكذا فإن المصادر التي رجع إليها الشرقاوي لم تكن كلها كفئا للموضوع فوقع في ورطة لم تستجب لنصح الناصحين فيها.
ثانياً : تناول أشخاصاً لهم بلاء وغناء وسبق إلى الإسلام والجهاد في سبيل الله ووصفهم بما لا يليق بأمثالهم، فهم تلاميذ صلى الله عليه وسلم والشوامخ الذين هاجروا في الله بعد ما فتنوا وهاجروا وصبروا وقد قدم لنا الإمام علي في عماية فتنة وإعصار محنة، وقديماً قرر الفقهاء والعلماء والسلف الصالحون ممن أدركوا الفتنة وجاءوا بعدها الإمساك عن الخوض فيها، فإن الصحابة كلهم عدول بتعديل الله لهم ولكل منهم وجهة نظر واجتهاد، والمخطئ فيه له أجر والمصيب له أجران.
__________
(1) … يحسن بالقارئ الرجوع إلى مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- (4/381-488) حيث قال كلمة الفصل في يزيد بن معاوية وأثبت كذب كثير مما يُنقل عنه . (س)
(2) … أي أنه شعار الرافضة -قبحهم الله- (س).(52/255)
لم يتناول الكاتب دور اليهود في هذه الفتنة التي آثر الخوض فيها وما فعله عبد الله بن سبأ وأشياعه والمخدوعون به فهم أسبابها وما أشبه الليلة بالبارحة، ولم ينهج نهج المحدثين وأهل الأثر من نقدة الأخبار على مقتضى قوانين الرواية والجرح والتعديل الذي ميز الله به أمة صلى الله عليه وسلم وراح يسوق الأخبار ومنها الملفقة كأنها حقائق مسلمة، ويبني عليها اتهامات ويصدر أحكاماً قاسية وهي أخبار واهية لا تحل روايتها فضلاً عن اعتمادها في تقرير حكم أو توجيه لوم، خاصة إذا كانت تحمل في ثناياها دليل بطلانها ولم يشر إلى مرجع واحد من مراجعه التي اعتمد عليها، فإن كثيراً من أئمة المؤرخين قد ينقلون الشائعات والأخبار التي لا تصدق ولكن بأسانيدها اعتماداً على أن الناس سيبحثون الأسانيد فيقبلونها أو يرفضونها.
ثالثاً: إلحاحه في قوله: (ليس لبني إسماعيل فضل على بني إسحاق ولا لبني إسحاق فضل على بني إسماعيل) والحق أنني ألمح منها كيداً خفياً من عمل اليهود وإفكاً افتروه، بعد أن عزلهم الله عن قيادة البشر وجعلها في العرب من بني إسماعيل، فاليهود من يريدون إن يتساووا مع العرب والمسلمين ويستغلوا المبدأ ويقرروا أنهم يرتقون إلى مستوى المسلمين على ما بهم من بغي وكفر وقساوة قلب وعلى أخذهم الربا وقد نهوا عنه وأكلهم أموال الناس بالباطل وقولهم (ليس علينا في الأميين سبيل) ونحن نقول: (بل لبني إسماعيل اليوم فضل على بني إسحاق) وللعرب فضل على اليهود بعد ما أثبت اليهود ببغيهم وعداوتهم أنهم على مدى التاريخ وراء كل فتنة وسبب كل محنة وأنهم كالمشركين لا يرقبون في مؤمن إلاً ولا ذمة.
رابعاً: غرق عبد الرحمن الشرقاوي في أباطيل الرواة وفي الروايات الضالة فأجرى على لسان (الإمام علي) عبارات ما كان أن تجري على لسانه وتقول عليه أخباراً كاذبة كمثل ما نسب إليه من أنه قال أنه كان أولى من أبي بكر وعمر بالخلافة.
خامساً: انزلق عبد الرحمن الشرقاوي في أعراض الصحابة واندفع بهدف ونية مبيتة وليس من باب الخطأ أو عدم الإحاطة بالمصادر، وكان الواجب أن ينشر ما يقوم على احترامهم ومعرفة قدرهم وقد أشار صلى الله عليه وسلم إلى هذا حين قال: (أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم) (1) ويقول (لا تسبوا أصحابي، من سب أصحابي فقد سبني).
وقد بدأ القصد من سياق السرد وهو النيل من الآخرين ومن سابقته بالذات -أي علي- وهي نقطة مهمة كان لابد من إثارتها، وكانت عبارات الكاتب تستهدف التنقيص ممن قبله من الخلفاء رضي الله عنهم أجمعين.
-وقد قصد الكاتب إلى إثارة خلاف في هذه الآونة بين طائفتين أو أكثر من المذاهب الإسلامية وإيجاد بلبلة وتباغض بين تلك الأمم والمذاهب ومن هنا دخل في الخطر الكبير الذي جاء عنه التحذير في بعض الآثار: (الفتنة قائمة لعن الله من أيقظها).
-الأخطاء كثيرة وكأني بالرجل يرمي إلى شيء وراء هذه المغالطات غير العلم فابتعد عن الحقائق، وماذا يقصد بأوصافه التي أتى بها خياله عن ليلة زواج ذي النوريين عثمان رضي الله عنه من نائلة، وهو الذي كانت تستحي منه ملائكة الرحمن، ومن أين له هذا الوصف البعيد كل البعد عن العلم وعن التاريخ وأقرب ما يكون إلى روايات الجنس؟ أم كتاباته عن أم المؤمنين عائشة وعن الصحابة طلحة والزبير وغيرهم عندما وصفهم بغير أوصاف المؤمنين؟ وهم المؤمنون حقاً.
سابعاً: بدأ الشرقاوي خطته بأن ألف كتابه محمد رسول الحرية على أساس أن الإسلام مظهر للصراع بين الطبقات وأن الأصنام تم صبها حول الكعبة لأسباب مادية وتم هدمها كذلك لأسباب اقتصادية، ومضى في طريقه يفسر الوقائع بمعايير الفكر اليساري ويقرأ كتب التاريخ غير مميز بين حقيقة وشائعة، وبين صحيح وموضوع وغير مدرك لمكانة الرجال الذين يتحدث عنهم؛ فجاءت كتاباته بعيدة كل البعد عن المنطق العلمي، كما جاءت بعيد الأثر في الإساءة إلى الإسلام والصحابة وإلى الآمال المرجوة في الصحوة الإسلامية وجمع الشمل وقد ردد الشبهات والتقط النقاط المشكوك فيها التي تعينه على باطله ومنها الخطبة المنسوبة إلى علي بأنه أولى بالخلافة من أبي بكر وعمر وهي خطبة تعني أن الخلفاء الثلاثة كانوا مغتصبين حقاً ليس لهم وأنهم طلاب دنيا وعشاق رياسة، وأن جمهور الصحابة جبن عن مظاهرة صاحب الحق المقرر، وهذا النسق يرمي إلى فتح الباب للطعن في السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار.
-ودعواه أن بني النضير أسلموا باطل، فما أسلم بنو النضير يوماً، وأنهم حاولوا قتل النبي عليه الصلاة والسلام عندما كان بينهم في بعض الشئون
__________
(1) … حديث ضعيف. انظر السلسلة الضعيفة للألباني -رحمه الله- (1/78). (س).(52/256)
وهناك قضية وهب لها الشرقاري فكره ونشاطه ويريد أن يجر الإسلام إليها جراً دون هوادة، هل للمسلم أن يدخر أو يكنز بعد أن يؤدي الحق المقرر عليه في ماله، أم يجب ألا يمسك عنده شيئاً فوق حاجته، وهو يؤكد أنه لا يجوز استبقاء شيء لصاحبه فوق نفقته العادية، إن هذا هو ميل إلى نظرية كارل ماركس (لكل حسب حاجته) ولكنه يصور الرأي الذي ارتآه على أنه من الكتاب والسنة، وهو يحاول أن يجعل علي بن أبي طالب ضد رأس المال مهما أدى ما عليه من حقوق وهو يحاول أن يجعل عثمان كأحد الباشوات أو اللوردات الذين يشبعون شهواتهم ويرهبون المجتمع بفضول أموالهم، ومن المقرر أن كتابات عبد الرحمن الشرقاوي لا تحكي تاريخاً إسلامياً، فهو يساري يريد أن يجعل الإسلام وتاريخه مصبوغين باللون الأحمر والتفكير المادي، ويسوق الحوادث سوقاً لخدمة هذا الغرض.
فهل صحيح أن الصراع بين التوحيد والوثنية كان صراعاً طبقياً كما يقول الأغنياء يدافعون عن وجودهم والفقراء عن حقهم في الحياة الكريمة وعن أحلامهم في عالم أفضل؟ أي أحلام هذه؟ وهل صحيح أن موسم الحج كان "يستثمر هؤلاء الأغنياء أموالهم في البيع والشراء والربا فيربحون ويربحون، وهذه الأصنام هي التي تمنحهم كل سلطاتهم على الأجراء والمعدومين والعبيد وأبناء السبيل، وواجه محمد هذا كله بأن الأصنام ضلال مبين فهو يلعن الذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله… هكذا يقول الشرقاوي في تصوير الرسالة الإسلامية: صراع بين الغنى والفقر لا وجود له إلا في دماغ المؤلف.
وآية عدم اكتناز الذهب والفضة نزلت بعد اثنتين وعشرين سنة من بدء الرسالة ولا صلة لها بعبادة الأصنام أو الحرب التي شنها الإسلام على الوثنية من أول يوم.
حتى الهجرة إلى المدينة جعل لها الشرقاوي أسباباً اقتصادية، فإن المرابين في المدينة كان ضغطهم أقل، والهوان الذي يتعرض له المدنيون كان أخف، تأمل قوله: هنا مجتمع آخر أكثر تقدماً من مجتمع مكة، هنا علاقات اجتماعية أخرى أكثر قابلية لتعاليم محمد، فالمرابي اليهودي لم يكن قادراً على استعباد المدين العربي إذا عجز عن الوفاء كما كان يحدث في مكة، ولم يكن له الحق في أخذ امرأة المدين أو ابنته لإكراههما على البغاء كما كانت تفعل قريش، وأجير الأرض في المدينة أعلى درجة من عبيد مكة الذين كانوا يحرسون القوافل والمصارف الخ.
ليس في هذا الكلام كله ذرة من صدق والقول بأن العرب كانوا يسترقون المدين المعسر، ويستوفون ديونهم من استرقاق امرأته وابنته وإرغامهما على الزنى، كلام مكذوب، ما كان شائعاً لا في مكة ولا في المدينة وبالتالي فلا صلة للهجرة بهذه الأوضاع المختلفة.
إن هذا الكلام ليس تشويه تاريخ، بل هو تزوير تاريخ، أو كما يقال في مصر (سمك، لبن، تمر هندي) وليس في القرآن ولا في السنة المطهرة ولا في السير المؤلفة عن صاحب الرسالة ما يترك مثل هذا الانطباع الغريب عن الجو الذي بدأت منه (تعاليم محمد) كما يصف عبد الرحمن الشرقاوي الإسلام ونبيه وما نزل عليه من وحي وما تمحض عنه من حضارة.
أخطاء عبد الرحمن الشرقاوي
في كتابه السيرة والتاريخ
في كل كتاباته الإسلامية يظهر الغرض المبيت المدفون واضحاً:
(محمد رسول الحرية -مسرحية الحسين ثائراً- كتاباته عن الإمام علي) إن درجة الوعي الإسلامي الآن في فهم تيارات التغريب قد أصبحت عالية وما نعتقد أنها يمكن أن تخدع، وهذه الأسماء معروفة الهوية ولذلك فهي لا تستطيع أن تكسب ثقة قارئ واحد من المؤمنين باليقظة الإسلامية، ولعل هذا هو ما يزعج هؤلاء ومن ورائهم، إن خطط التغريب والغزو الثقافي قد كشفت تماماً فمهما حاولوا تغيير جلودهم ومهما خلطوا أوراقهم ومهما نشرت لهم الصحف الكبرى ومهما حالت بين مفترياتهم وبين تصحيحها، فلييأس هؤلاء تماماً وسيرتد الكيد إلى نحور أهله.
إنها محاولة لتحطيم الصحوة وللقضاء على الأصالة ولطرح مزيد من الشبهات والشكوك والسموم على الطريق الذي أصبح صالحاً ليسلك عليه المسلمون إلى إقامة المجتمع الرباني، إنها محاولات يائسة لإفساد الفكر ولتزييف التاريخ ولهدم القيم تحت أسماء إسلامية، ومن خلال صحف محتواه للتغريب والغزو الفكري.
في روايته الحسين شهيداً كان حريصاً على أن يصور المجتمع الإسلامي بعد أن اختار الرسول الرفيق الأعلى بنصف قرن في صورة بشعة، وكأن هذا المجتمع قد تداعى وتهاوى وصار مجتمع عربدة وفجور، ومجتمع شقاق ونفاق ومجتمع جبن وضعف خيانة ونكث للعود، مع أن المجتمع كان لا يزال يدخر بعدد كثير من صحابة رسول ا صلى الله عليه وسلم وفيه عدد ضخم من التابعين لهم بإحسان (وهذه متابعة لخطة طه حسين) التي جرى عليها في الهجوم على الصحابة وأتباعهم.
أما في دراسة عن الإمام علي فقد اعتمد على مراجع معنية أغلبها مشكوك في صحتها وفي مقدمتها الأغاني، وفي هذا تابع أهواء الدكتور طه وخطته حتى ليخيل إلي أنه امتداد حقيقي وتجديد استشراقي تغريبي لأفكار طه حسين المسمومة التي بثها في كتابه الفتنة الكبرى وعلي بنوه في الأربعينات يجددها الشرقاوي في الثمانينات.(52/257)
فقد جرى وراء القصص البراق، واعتمد على المصادر المضلة وساير خصوم الباطنية للشيخين أبي بكر وعمر وحاول أن يلحق الإساءة بالسيدة عائشة على هوى بعض الفرق.
ويمكن أن نقول بوضوح إن عبد الرحمن الشرقاوي القصاص الذي يغلبه الخيال والبريق والرواية المثيرة لا يصلح مؤرخاً ولا يمكن أن يقبل منه كل ما كتب على أنه تاريخ، وهو يمضي في سلك واحد مع جورجي زيدان أولاً وطه حسين أخيراً، ومن العجيب أن أحداً ممن نقدوه لم يشر إلى متابعته لخطا طه حسين في هذا المجال.
وفي الوقت الذي يأتي كتاب غربيون يشيدون بعظمة الإسلام ورسوله ورجاله ينحرف كتاب عرب لهم أسماء إسلامية عن هذا الخط ويخوضون إلى ما تحت ركبهم في الأعراض والقبائح.
ولقد تأكد ما قاله الشيخ الشعراوي من أن الأهرام أصبحت وكراً لأعداء الإسلام وأن موقف الأهرام من إغلاق الصحيفة على كتابها دون أن تسمح بوجهة النظر الأخرى هو من الآثام التي سوف تحاسب عليها الأهرام عندما يكتب تاريخ الصحافة، وما كانت هكذا تجري المعارك الأدبية في القديم حيث كان يسمح لكل طرف أن يعرض آراءه، وهاهي الأهرام تستخدم من قبل توفيق الحكيم وزكي نجيب محمود، والشرقاوي لخدمة أعداء الإسلام.
ولقد صدق الشيخ محمد الغزالي حين وصف الشرقاوي بأنه يجمع القمامات من كتب التاريخ ويصدق أيضاً ما وصف بأنها مؤامرة لضرب الإسلام لحساب المسيحية، ولضرب الصحوة التي أدخلت في الإسلام أعلاماً كباراً أمثال جارودي(1) وبوكاي.
ولعل أسوأ صفحات الشرقاوي هو أسلوبه في الحوار وإدخاله الإقذاع والسخرية فهو كاتب يمكن أن يوضع في صف الشعراء القدامى الذين تخصصوا في الهجاء المقذع الذي يرفضه الإسلام أسلوباً للحوار، فما بالك وصاحب الحق في الرد لا يُمَكن من أن يقول كلمته في نفس المكان، أي ظلم هذا ؟!". انتهى النقل عن الأستاذ أنور الجندي -رحمه الله-، بتصرف يسير.
وقال الأستاذ إسماعيل الكيلاني في كتابه (لماذا يزيفون التاريخ) (ص117-119): "والشرقاوي هذا كاتب تدثر بدثار التقدمية الماركسية، فلما وجد أن بضاعته مزجاة، وكتبه كاسدة لجأ إلى التاريخ الإسلامي ليقرأ حوادثه من خلال "المادية التاريخية" يدغدغ عواطف العامة ويستثير أحقاد القرون.. وهو صاحب قصة "الأرض" التي يهاجم الإسلام فيها من خلال مهاجمته الشيخ الشناوي "رجل الدين" بتعبيره حيث يقول عنه:
"لو كان يملك قيراطاً واحداً على الأقل لآمن أن الحكومة هي التي تحرم الفلاحين من الماء، ولتأكد أن الحكومة وحدها هي التي تصنع المصائب" "لم يكن الشيخ الشناوي يملك في كل أرض القرية إلا المقبرة" "إن الذين يملكون أرضاً في القرية يضعون أيديهم في النار، أما سيدنا فهو كخضرة -المومس- يده في الماء".
وفي مسرحيته "جميلة" بمناسبة انتصار ثورة الجزائر المسلمة على الصليبية الفرنسية، يؤكد أن مأساة الجزائر مأساة جزائرية، ليست عربية ولا مسلمة، وأن هدف المقاتلين الجزائريين "الحرية والإخاء والأمن والحب وحياة أفضل" أما العروبة والإسلام والعودة إلى صلى الله عليه وسلم فليست هي أهدافهم بزعمه، أما لحنهم الحبيب عند الاستقلال:
مبروك يا محمد عليك الجزائر رجعت إليك
فهذا لا يستحق أن يذكر عند هذا التقدمي!
__________
(1) … ثم تبين أن جارودي هذا لم يسلم! إنما هو باقٍ على عقيدته النصرانية، ولكنه ضم إليها الإيمان باليهودية وبالإسلام! مدعيًا أنه (ابراهيمي) المذهب لا يفرق بين الأديان الثلاثة! وقد رد عليه العلماء في حينها؛ كالشيح ابن باز-رحمه الله-وغيره. انظر كتاب:"فكر جارودي بين المادية والإسلام" للأستاذ عادل التل.(س).(52/258)
كما يؤكد على دور "سيمون" العاهرة الفرنسية في جيش التحرير الجزائري، ويجعل "جميلة" الجزائرية المسلمة تنطق بتقاليد "فرنسة" النبيلة، وبكرامة "فرنسة" التي يزري بها تعذيب الجلادين لها، ويشيد بمواقف فرنسيين يساريين تجاه ثورة الجزائر، والمعروف لكل ذي عينين أن اليسار الفرنسي لم يدافع عن الجزائر، بل غرق في عار الإستعمار، ولم يدافع عن "جميلة" العربية المسلمة إلا العرب المسلمون أبطال جيش التحرير الوطني الجزائري… وفي الوقت الذي يؤكد فيه على نصرانية "جان" وأنها تدفعه للسلوك الطيب المتعاون مع الثوار الجزائريين لم يشر أية إشارة إلى الدور الذي أداه الإسلام في الحفاظ على عروبة الجزائر، وفي أنه هو الذي قهر فرنسا، بل على العكس من ذلك فالصلاة والإسلام لا يذكره إلا الخونة عملاء الاستعمار "فالجاسوس هارون يقول: لم لا تقوم لكي تصلي، هل سهوت عن الصلاة؟" ووردت عبارة "الله أكبر" مرتين على لسان الجاسوس، ومرة على لسان المحامي الخائن عميل "فرنسة"، ومرّات على لسان "هند" بعد أن فقدت عقلها… ولا ينسى أن ينتقص المسلمين، فيقول في روايته هذه على لسان "هند" : "من يوم أن ذبح الحسين وأهله في كربلاء لم تأت غاشية كتلك" وكأنه يريد أن يعتذر عن المجازر الفرنسية، وأن المسلمين ارتكبوا أفظع منها ضد بعضهم بعضاً… هذا في الوقت الذي يعلن فيه "عمار أوزيجان" الوزير الجزائري بعد الاستقلال أن "رفض الأيديولوجية الإسلامية في بلاد مستعمرة، يضطهد دين أكثرية سكانها الساحقة، علامة تجدد أخرق، تنادي به فئة منفصلة عن الشعب، غريبة الحياة والفكر، امتصتها أو شلتها أيديولوجية المستعمر" وهذا الوصف ينطبق على الشرقاوي".
وقال الكيلاني -أيضاً- متحدثاً عن الدراسات التاريخية القاصرة، أن منها كتاب "علي إمام المتقين، وكأنه يريد لتلك الفتنة التي ذرت قرنها بين المسلمين، وبعد أن أفضى الجميع إلى ربهم، وطويت صفحاتها نهائياً، أن تعود من جديد ببعث أشخاصها من قبورهم، وجعلها مادة يصول فيها ويجول لتقطيع كل رابط يمكن أن يشد المسلم إلى أخيه، يوقظ أحقاد القرون، ويستدر عواطف المقهورين، ويثير ريح الكراهية نحو الجيل القدوة، وما في ذلك من تحقيق لأهداف أعداء الأمة، وكأنه يريد أن يقول للناس: هذا هو سلفكم، وهذا سلوكه وتصرفاته!! معتمداً في ذلك كله على مفتريات وأكاذيب أشاعها أصحاب الأهواء ممن أسلموا قيادهم لابن سبأ اليهودي؛ تابعهم فيها ولم يكلف نفسه عناء نقدها وتمحيصها، فضلاً عن أنه لم يذكر أي مصدر لأية رواية احتج بها، وهو يتهجم على صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم . وكان من جملة مفترياته:
أبو بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم بغاة (….جمع علي -رضي الله عنه على زعم الكاتب- كبار المهاجرين والأنصار وفتيان بني هاشم- في المدينة المنورة- وقال لهم: ويم الله ما زلت مبغياً عليّ منذ قضى رسول ا صلى الله عليه وسلم ).
عثمان رضي الله عنه ألعوبة بيد بطانة السوء، ومخادع غاش (… وكنت كلما نصحته يا علي تاب إلى الله وأزمع عزل بطانة السوء، فتجيئه تلك البطانة فتغير رأيه … لكم دافعت عنه، وهو يعدك ويستغشك).
عثمان رضي الله عنه أقطع بني أمية كثيرين من الصحابة رضي الله عنهم إقطاعات من بيت مال المسلمين، وأعطاهم أموالاً كثيرة من بيت المسلمين لا يستحقونها (ألا وإن كل ما أقطعه عثمان من مال الله مردود إلى بيت مال المسلمين).
مأساة عثمان رضي الله عنه جاءت نتيجة الجمع بين ورع الإمامة وأبهة الملكية (صنع -عثمان- مأساته ونهايته الفاجعة بنفسه منذ أصبح إماماً لنفسه وملكاً على الآخرين، أخذ نفسه بورع الإمامة والخلافة والسنة الشريفة، وأخذ المسلمين بسياسة الملك العضوض…وهو الذي نفى أبا ذر إلى الربذة لأنه جهر بتحريم الكنز، وأمر بالمعروف ونهى عنا المنكر!
عمر رضي الله عنه (ضرب أبا هريرة -رضي الله عنه- وقاسمه أمواله، واتهمه في صدقه، ومنعه من رواية الحديث الشريف، وأبدى عجبه كيف يروي أبو هريرة عن الرسو صلى الله عليه وسلم أضعاف ما روى عنه أبو بكر وعمر نفسه وعلي، وما كان أحد ألصق برسول ا صلى الله عليه وسلم ولا أكثر صحبة من هؤلاء الثلاثة…).
التشكيك بنفر من الصحابة منهم: عائشة رضي الله عنها أم المؤمنين، وطلحة والزبير رضي الله عنهما المبشران بالجنة، ويصفهم بالنفر الذين (انتفخت أجوافهم، وطمحت أبصارهم، وأحب كل امرئ منهم لنفسه.. هؤلاء الراغبون في أن تكون الولاية على الناس سطوة ملك عضوض..) واتهمهم بأنهم كانوا المحرضين على قتل عثمان رضي الله عنهم جميعاً.
بنو أمية أهل كيد وسوء (لا تعلمون أيها الناس كيد بني أمية ومكرهم السيئ، والله لا يزالون حتى لا يدعوا لله محرماً إلا استحلوه، ولا عقداً إلا أحلوه…)(52/259)
صراع الطبقات وتفسير التاريخ الإسلامي تفسيراً مادياً تبعاً لماركس (أيمكن لطلحة والزبير أن يعيدوا هذا المال إلى بيت المال، أم أن المصالح التي تربطهما بكبار بني أمية، كمعاوية وعصبته، هي الآن أقوى مما عسى أن يربطهما بالإمام.. سيلحق طلحة والزبير بمعاوية وعصبته بلا مراء…) لأن علياً رضي الله عنه (سيحرمهم من كل متاع ومن كل مآربهم في حياتهم الجديدة الرغيدة، وسينصر عليهم المساكين، ويظل حتى يفقدوا أبهة الملك وزخرف الغنى وسطوة الجاه…)
وهو في جميع مفترياته هذه لم يعز أية رواية اعتمدها إلى مصدرها، ولم يذكر أي مصدر من المصادر التي رجع إليها واستقى منها ما سوّد من صفحات، وتعمد هكذا أن يلقي الكلام على عواهنه حتى لا يُفْتَضح هدفه، وتنكشف غايته، وأكبر الظن أنه تستر عليها ولم يذكرها لكونها جاءت وصدرت عن أهل الأهواء والفتن" انتهى كلام الأستاذ الكيلاني (ص 117 - 122).
ويقول المستشار سالم البهنساوي في رده على الشرقاوي في كتاب (تهافت العلمانية في الصحافة العربية) : "لو كان الشرقاوي كاتباً إسلامياً يخدم الإسلام في كتبه، فليعلن توبته عن كتابه (محمد رسول الحرية) ، فالرسو صلى الله عليه وسلم في هذا الكتاب ليس رسول الله بل رسول الحرية! كماركس عند الشيوعيين… " (ص 173).
========================(52/260)
(52/261)
نظرة شرعية في فكر (الدكتور محمد أركون)
قال الأستاذ عبد السلام بسيوني في كتابه (العقلانية: هداية أم غواية؟) عن أركون "جزائري من مواليد 1928، أتم دراسته بباريس 1955 وحصل على الدكتوراه من السربون 1969 حول الإنسية العربية في القرن الرابع الهجري، وحاضر بالعديد من الجامعات الفرنسية والعربية.
معظم مؤلفاته بالفرنسية، وهو علماني يدعو إلى التعامل مع الإسلام -والقرآن والسنة بالذات- بالمقاييس الغربية وبالاستفادة من المعطيات التي خلفها ماركس ونيتشه وغيرهما، ويعتبر الدين الذي ينتهجه الناس مجموعة من المعطيات البطريركية التي خلفها الفقهاء وأسبغوا عليها صبغة القداسة.
ومن آرائه أيضاً أن مفهوم الدين لم يبلور بلورة كافية للقيام بقفزه نظرية لا نتردد معها أن نجزم بأن الأديان ما هي إلا أيديولوجيات (مجلة الوحدة: العدد 6-1985).
وأن المحتويات العلمانية التقديرية للفكر الإسلامي التقليدي ستبقى في غير متناولنا ما دمنا نريد البقاء متشبثين بإسلام لا يعدو أن يكون ديناً يأمر ويسجن العالم أجمع، ويرى الاتجاه إلى إقصاء جميع الخطب الأيديولوجية والتبريد الشرعي لمختلف إرادات القوة التي يشكل الاصطدام بها تاريخنا الماضي والحاضر(!!) الذي هو مجرد تاريخ أسطوري (!!) لا يزال يحكمنا إلى اليوم (المجتمع العالمي-1978) ويناقش -راداً- بعض نصوص القرآن المتعلقة بالمرأة معتبراً إياها شكلاً من أشكال التخسيس والزراية.
وننقل -للإيضاح- جزءاً من حوارٍ أجرته معه مجلة "لونوفيل أبسرفاتور" الفرنسية Nouvel Obse r vateu r فبراير 1986، يعكس جزءاً من طريقته في التفكير الذي يعتمد القفز والمغالطات واستغفال القارئ من خلال مصطلحات "خواجاتية" يحاول أن يخضع لها الفكر الإسلامي فيقول:
المجلة : باسم القرآن تقطع أياد، ترجم نساء، يفرض الحجاب، تقام حروب مقدسة.
أركون: هذه الأفعال تقام باسم القرآن ولكنها في الواقع خيانة له:
Ces acts sont commis au nom du Co r an, mais ils en sont la t r ahison
وإن السلطات السياسية (!!) تفسر النص القرآني بمفهومها الخاص. أما النص نفسه فهو مغطى، محرف أو منسيّ.
مثلاً في تعدد الزوجات، ماذا يقول القرآن، يمكنك أن تنكح اثنتين أو ثلاثاً أو أربعاً من النساء.. نعم، لكن: ماذا تقول بقية الآية؟ على شرط أن تعدل بينهن، العدل هنا لا يعني أن يكون لديهن نفس المتاع، لكن كذلك نفس الحنان والحب بالضبط، وتقول السورة: إذا لم تستطع أن تكون عادلاً فلك واحدة فقط، لكن من المستحيل أن يكون الإنسان عادلاً، فإذا القراءة المتأنية للقرآن لا يمكن أن تؤدي إلا إلى منع تعدد الزوجات (!!).
نفس الشيء يمكن أن يقال بخصوص قضايا أخرى. رمضان مثلاً: في يوم من الأيام دعا الرئيس بورقيبة أصدقاءه إلى تناول الطعام في رمضان، كل الناس صدموا وقتها، لكن قال لهم: إن النبي نفسه دعا صحابته إلى الأكل والشراب في رمضان. نعم هذا الاستثناء كان وقت حرب، ولكن نحن كذلك في حرب ضد التخلف. فكما ترين: القرآن تتوجب إعادة قراءته.. والتفكير فيه بشيء مختلف (!!)
المجلة: لكن هناك أشياء النص فيه واضح.
أركون: بالعقل القرآن يقول: (للذكر مثل حظ الأنثيين) في مثل هذه الحالة الحسابية لا يمكن فعل أي شيء إلا إعادة طرح مسألة التفسير القرآني. لا يمكننا أن نستمر في قبول ألا يكون للمرأة قسمة عادلة (!!)
فعندما يستحيل تكيف النص مع العالم الحالي.
عندما يكون علانيةً منبثقاً عن وضع اجتماعي لا يتناسب في شيء مع عالمنا الحاضر.
ينبغي العمل على تغييره.
إن التفسير يبقى دائماً جائزاً بشرط أن يعاد في مسألة التنزيل على ضوء التاريخانية.
الحجاب مثلاً -ككل ما يمت إلى الجنس وإلى وضع المرأة في الإسلام- ينتمي لقانون عربي سابق على الإسلام.
الإسلام صادق على تقاليد قديمة متعلقة بأسس قبلية، وأعطاها بعداً مقدساً (!!)
ويتعلق الأمر اليوم بإعادة التفكير في هذه المفاهيم على ضوء التاريخ.
وللأسف فإن هذا العمل في بدايته في الإسلام.. بحكم سيطرة الأيديولوجيا (انظر دراسة محمد بريش عن أركون، مجلة الهدى-1985)ومن آراء أركون رفضه للإسلام نظام حكم لأنه لم يكن كذلك لا تاريخياً ولا عقائدياً!!) ا.هـ كلام الأستاذ عبد السلام بسيوني (ص 126-128) (وانظر كتابه الآخر: اليسار الإسلامي خنجر في ظهر الإسلام، ص 38 وما بعدها)(52/262)
وقال الدكتور مفرح القوسي عنه: "الدكتور محمد أركون(1): أحد كبار العلمانيين الداعين إلى التعامل مع الإسلام -كتاباً وسنة بوجه خاص- بالمقاييس بالغربية، تجنى كثيراً في كتاباته واللقاءات العديدة التي أُجريت معه على السلف ومنهجهم. فهو -مثلاً- يتهم المنهج السلفي بأنه منهج أسطوري لا تاريخي مغرق في التجريد والمثالية، فنراه يقول تحت عنوان (الرؤية الإسلامية التقليدية): "إليكم كيف يلخص المفكر الحنبلي ابن تيمية هذه الرؤية كما فرضت نفسها انطلاقاً من القرن التاسع: (فهذه الطبقة -صحابة النبي- كان لها قوة الحفظ والفهم والفقه في الدين والبصر والتأويل، ففجرت من النصوص أنهار العلوم، واستنبطت منها كنوزها، ورزقت فيها فهماً خاصاً…، فهذا الفهم هو بمنزلة الكلأ والعشب الذي أنبتته الأرض الطيبة، وهو الذي تميزت به هذه الطبقة عن الطبقة الثانية، وهي التي حفظت النصوص، فكان همها حفظها وضبطها، فوردها الناس وتلقوها بالقبول، واستنبطوا منها واستخرجوا كنوزها) (2)، ويعلق أركون على ذلك بقوله مباشرة: "يتضح أكثر ما يتضح كيف يحذف تمجيد الجيل -الصحابي- الذي شاهد الوحي، يحذف المنظور التاريخي من الناحية العملية، فكل الحقيقة التي يمكن معرفتها، وكل التعاليم السنية في الإسلام، وكل نماذج السلوك الديني المحتذاة، ونماذج العمل الإنساني والتنظيم السياسي الاجتماعي، كل ذلك يتركز ويتحدد غاية التحديد في عصر التأسيس؛ في النصوص، الينابيع، النماذج (القرآن، الأحاديث النبوية المسماة سنة)، وهي مفهومة فهماً مثالياً وتحظى بتفسير الصحابة البارع، ثم إنها قد جُمعت ونُقلت بأمانة دقيقة من قبل التابعين وأجيال الفقهاء الورعين اللاحقين. وهذه السلسلة المتصلة من الشاهدين الذين لا يطالهم لوم؛ تجعل من الجائز أن يكون هناك مفهوماً إسلامياً صحيحاً معروفاً منذ أصوله، ومستمراً بواسطة المؤمنين ضد الانحرافات والالتواءات والتشوهات التي أقحمتها الفرق المبتدعة عبر العصور. وبالاستناد إلى حديث يُذكر دائماً أن محمداً نفسه قد أعلن أن أمته ستُقسم إلى ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا فرقة واحدة ناجية؛ لأنها هي التي اتبعت سنته بحذافيرها، أي: كل تعاليمه وكل ممارساته، وهذه
الجماعة من المؤمنين الحقيقيين تسمى (أهل السنة والجماعة). ومثلما يحدث في جميع الحركات الأيديولوجية الكبرى نهضت عدة جماعات في وجه المسلمين السنيين؛ احتجاجاً على دعواهم الانفراد بالإسلام الحقيقي والعمل على استمراره، ومن الجدير بالذكر أن نشير إلى أن كل فرقة تعلن عن نفسها أنها وحدها التي تستأثر بالسنة، ولكنها كلها تقيم الصلة ذاتها بعصر التأسيس، وذلك بوضع المصادرات التالية موضع التنفيذ:
أن الوحي القرآني يشتمل على كل ما ينبغي على الإنسان أن يعرفه حول مصيره الخاص وحول الآخرة والتاريخ والعالم والله.
لقد أبان محمد بقوله وعمله المعنى الدقيق للوحي، وأن حياته تؤلف على هذا النحو الأنموذج الكامل، الذي يترتب على كل مؤمن أن يسعى لمحاكاته.
أن حياة محمد وتعليمه يمكن أن يُعرفا عن طريق الرواية التي لا ينالها الشك، مما قام به الصحابة والتابعون والفقهاء. ومما يلاحظ أن الخلاف يتناول دروب الرواية والوضع الأخلاقي الديني للرواة، ولكنه لا يمس نماذج الرواية ولا تقنيتها (سلسلة الإسناد). وإن الفرق كافة تستعمل إذن النشاط الذي يضفي الأسطورية على الماضي، وتمارس عمل الإسقاط ذاته لمفاهيم شتى، وأوضاع تاريخية متغيرة على لائحة الدلالات المثالية التي أقيمت في ذلك الوقت.
__________
(1) … مفكر جزائري ولد عام 1928م بالجزائر، وبها بدأ دراسته، ثم أتمها بباريس عام 1955م، حصل على الدكتوراه من جامعة (السربون) سنة 1969م، حول (الإنسية العربية في القرن الرابع الهجري)، نشأ نشأة استشراقية ألقت بظلالها على نشاطه وإنتاجه الفكري، حاضر في العديد من الجامعات الفرنسية والعربية، ويعمل حالياً أستاذاً بجامعة (السربون) بباريس، من مؤلفاته: (الفكر العربي) و(الفكر الإسلامي نقد واجتهاد) و(تاريخية الفكر العربي الإسلامي) و(من الاجتهاد إلى نقد العقل الإسلامي).
(2) … نقض المنطق ص 79.
أن قيمة السلوك الإنساني، وبوجه أعم قيمة النمو التاريخي للشعوب بعد سنة 632 (سنة وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ) إنما تتبع بدقة وظيفة ترسخها في النصوص- الينابيع- النماذج، وفي الأشكال الرمزية المثالية (النبي، الصحابة، الأئمة)، وكل ابتعاد عن هذه النماذج لا يُعاش ولا يُطرح إلا بوصفه ضلالاً وانحطاطاً يصيب الأمة" (1).(52/263)
ويقول مؤكداً تهمة (اللا تاريخية) في المنهج السلفي: "إن الطريقة التي أجاب بها الإصلاحيون السلفيون عن الواقع التاريخي كانت تتضمن نظرة أسطورية تجاه أصول الإسلام أكثر من كونها نظرة تاريخية، وذلك لأن الإصلاحيين زعموا أن الإسلام الأولي بإمكانه أن يحل مشاكل القرن التاسع عشر، وأن يواجه تغلغل الحداثة الاقتصادية والسياسية التي سبقتها في أوروبا ثورات وتجارب ديمقراطية وبرلمانية، وأيضاً تغلغل الحداثة الفكرية التي سبقتها في أوروبا أيضاً وفي القرن نفسه حركات علمية ضخمة. هذا كان عبارة عن وقائع تاريخية إيجابية، ولمواجهتها أراد المسلمون أن يقدموا إجابات من نوع أسطوري وليس تاريخياً"(2)، ويقول: "أعتبر الموقف السلفي موقفاً ميتولوجياً، وذلك لكونه يريد العودة إلى ماضٍ موصوف بالمثالية"(3)، ويقول أيضاً: "إن صورة الإسلام في قرنه الأول للهجرة -وهي الصورة التي تناقلتها الحركات الإسلامية- ليست صورة تاريخية وإنما أسطورية"(4)، ويقول كذلك: "إن المسلمين ظلوا متعلقين بتصور هو أقرب إلى الأسطورية فيما يتصل ببواكير الإسلام، وإن الأسطورة هي أحد طرق التعبير عن الحقائق الإسلامية لدى الجماعات الإسلامية"(5).
ولذا نجده يدعو إلى إعادة قراءة وتشكيل الفكر والتاريخ الإسلامي مما يتعلق بالحوادث والأشخاص خلال القرنين الهجريين الأولين(6).
ولما سُئل: هل يوجد إسلام واحد صحيح مصير أصحابه الجنة، وأن بقية الفرق الأخرى في النار؟ .
أجاب : "هذا التصور رسخته الأدبيات البدعية (أي كتب الفرق الإسلامية وكتب الملل والنحل)، ومعظم الجهد الذي أقوم به الآن يتمثل في تجاوز هذه الأدبيات والخروج من موقعها الإيديولوجي الذي يخلع على نفسه غطاء الشرعية التيولوجية (أي اللاهوتية الإسلامية) دون أي حق أو برهان.. إن القول أن هناك حقيقة إسلامية مثالية وجوهرية مستمرة على مدار التاريخ وحتى اليوم ليس إلا وهماً أسطورياً لا علاقة له بالحقيقة والواقع… وسوف تنزاح الغشاوات عن عيون الناس وتسقط الأوهام الكبرى الشائعة التي تملأ وعي المسلمين بخصوص تاريخهم، فهم يتوهمون أن الإسلام السني كان موجوداً منذ البداية وعلى مستوى لحظة القرآن والخطاب القرآني، ولكن ذلك ليس إلا وهماً وسراباً…وأنا كمؤرخ نقدي يفتح عينيه جيداً لن أصدق هذا الزعم، لأني لو صدقته لما كنتُ مؤرخاً أو باحثاً، ولأصبحت عقائدياً متحيزاً"(7).
وينظر أركون إلى "الوحي" و"الحقائق الإسلامية الغيبية" و"الأصول التشريعية" نظرة بُعْديّة؛ منفلتة من مشاعر الاحترام والتقدير التي يحملها المسلم بداهة لكل ما يمس دينه ومعتقده. من ذلك -على سبيل المثال- قوله : "إن الفكر الإسلامي لا يمكنه أن يتهرب طويلاً، إن فعل الإيمان "الأرثوذوكسي" الأصيل الذي يصلح دوماً؛ يقوم على التأكيد بأن الدين يرتكز على الوحي الذي أنزله الله على الناس بواسطة الأنبياء، وبالتالي فإن الدين فوق المجتمع، ولكن الواقع العلمي الحديث ينزع إلى فرض الفكرة بأن الدين كله في المجتمع ومن المجتمع. الله بذاته بحاجة إلى شهادة الإنسان له"(8).
ومن ذلك: اعتقاده بأنه لكي نفهم ما سماه (الحادث القرآني) (9) وآثاره على الفكر العربي الإسلامي لابد -في نظره- من تحقيق "التاريخ الانتقادي للقرآن الكريم"، والذي -كما يقول- ليس "سوى إعادة بناء المجموع الصحيح لجميع النصوص التي نزلت على محمد باسم التنزيل والوحي"(10).
ومن ذلك أيضاً: ادعاؤه أن الحديث النبوي لم يصبح مصدراً ثانياً للتشريع بعد القرآن إلا بعد وضع الإمام الشافعي أصول الفقه ودّون أسسه في القرن الثاني الهجري(11).
__________
(1) … الفكر العربي ص 47 - 49 بتصرف يسير، ط الثالثة 1985م، دار عويدات، بيروت -باريس. وراجع كتابيه (من الاجتهاد إلى نقد العقل الإسلامي) ص 97-98، ط الثانية 1993م، دار الساقي، بيروت- لبنان وهما بترجمة: هاشم صالح.
(2) … حوار البدايات مع محمد أركون، وهو حوار أجراه معه محمد رفرافي، منشور في مجلة (الفكر العربي المعاصر) في عددها الصادر في سبتمبر (أيلول) 1989م، ص 87.
(3) … المرجع السابق ص 88.
(4) … المرجع السابق ص 90.
(5) … انظر: الفكر العربي ص 46.
(6) … راجع : المرجع السابق ص 45 وما بعدها.
(7) … الفكر الإسلامي -نقد واجتهاد ص 246 -247 بتصرف يسير.
(8) … الإسلام الأمس والغد ص 121 - 122، ط الأولى 1983م، دار التنوير للطباعة والنشر، بيروت-لبنان، ترجمة: علي المقلد. وراجع: الفكر العربي ص 153.
(9) … أي الظاهرة القرانية.
(10) … الفكر العربي ص 30.
(11) … انظر كلاً من : الفكر العربي ص 76، وتاريخية الفكر الإسلامي ص 75، ط الأولى 1986م، مركز الإنماء القومي -بيروت، ترجمة: هاشم صالح.
ومن ذلك أيضاً: قوله عن تحديد الإمام الشافعي في كتابه (الرسالة) لمصادر التشريع الإسلامي بأنها: الكتاب والسنة والإجماع والقياس؛ قوله عن هذا التحديد بأنه: "الحيلة الكبرى التي أتاحت شيوع ذلك الوهم الكبير بأن الشريعة ذات أصل إلهي"(1).(52/264)
ومن ذلك كذلك : قوله عن قاعدة الإجماع في أصول الفقه الإسلامي بأنها: بمثابة وجه آخر للقهر الفكري في التراث الإسلامي(2) .
ويصم أركون الحنابلة السلفيين -ولا سيما الإمامين أحمد بن حنبل وابن تيمية- بالتزمت واستعمال العقل استعمالاً أسطورياً(3)، وبالإلحاف على وجوب الإقرار بأركان الإيمان دون التساؤل عن براهينها(4). ويدعي أن الإمام الشافعي في كتابه (الرسالة) "قد أسهم في سجن العقل الإسلامي داخل أسوار منهجية معينة؛ سوف تمارس دورها على هيئة استراتيجية لإلغاء التاريخية"(5)، ويقول عن الإمام الطبري: "الطبري عندما كان يقول: يقول الله، ثم يُعطي تفسيره وكأنه مطابق تماماً لقول الله أو لمقصد الله، فإنه لم يكن يعرف أنه يتلاعب من غير وعي منه بالأنظمة التيولوجية"(6).
ويشن أركون هجوماً عنيفاً على الفقهاء والمفسرين، ويكيل لهم العديد من السباب والشتائم مما لا يتفق بحال مع الطابع التاريخي العلمي الموضوعي الذي يدّعي تقمصه في أبحاثه وكتاباته، ومن ذلك على سبيل المثال قوله: "الشيء الذي ينبغي أن يحظى باهتمامنا هنا وينبغي التركيز عليه هو ذلك الزعم المفرط والغرور المتبجح الذي يدّعيه الفقهاء بأنهم قادرون على التّماس المباشر بكلام الله(7)، وقادرون على الفهم المطابق لمقاصده العليا ثم توضيحها وبلورتها في القانون الديني"(8)، وقوله -واصماً إياهم بصفة (الانتهازية)-: "سوف نرى فيما بعد أن انتهازية المشرعين تصبح أكثر وضوحاً وجلاء عندما يتنطعون لتعيين الآيات
الناسخة والمنسوخة"(9). ويدعي أن الفقهاء كانوا يعتمدون في صدر الإسلام على آرائهم الشخصية في تقريرهم الأحكام الفقهية فيما يتعلق بالأحداث والوقائع المستجدة، ثم يُضفوا (يُسبغوا) عليها الصفة الشرعية(10). ويتهمهم بالتلاعب بالآيات القرآنية، فيقول: "إن المشرعين من البشر (أي الفقهاء) قد سمحوا لأنفسهم بالتلاعب بالآيات القرآنية من أجل تشكيل علم للتوريث يتناسب مع الإكراهات والقيود الاجتماعية الاقتصادية الخاصة بالمجتمعات التي اشتغل فيها الفقهاء الأوائل"(11).
ويُصرُّ في معظم كتبه على وصف منهجهم بـ (الأرثوذكسية) الذي يعني -في نظره- الجمود والانغلاق الفكري؛ وفرض تفسيرهم لنصوص الكتاب والسنة بالقسر والقوة وعده التفسير الوحيد الصحيح المستقيم، وما عداه هرطقة وضلالاً. ويدعي أنهم يمارسون رقابة أيديولوجية صارمة على كل الفئات الاجتماعية وعلى كل مستويات الثقافة في البلاد الإسلامية، مما حد كثيراً من حرية البحث والتعبير، وأدى بالتالي إلى تأخر الفكر الإسلامي(12).
ويمتدح -في المقابل- المستشرقين، ويطري مناهجهم في دراسة الإسلام، ويدعي أن الاستشراق الآن "هو وحده الذي يؤدي إلى تقدم الدراسات في مجال الثقافة الإسلامية والفكر العربي، كما كان عليه الحال أيام غولدزيهر وجوزيف شاخت"(13).
كما يمتدح علي عبد الرازق على ما أورده في كتابه (الإسلام وأصول الحكم)، ويدعي أنه لم يكن للخلافة الإسلامية أساس ديني، وأنها صنعت لنفسها وجهاً دينياً بواسطة الفقهاء(14)، ويدعو إلى تطبيق العلمانية وممارستها في البلاد الإسلامية، بحجة أنها أصبحت ضرورة ملحة لهذه البلاد في وقتنا الراهن(15)، وينكر على السلفيين قولهم أن "الإسلام دين ودولة"، واصفاً منهجهم بأنه منهج وثوقي (دوغمائي)، لأنه -في نظره- يفرض موقفاً من دون تحليله فكرياً وتبريره بدراسة تاريخية(16)". انتهى كلام الدكتور مفرح القوسي -وفقه الله-.
وقال الأستاذ محمد بن حامد الأحمري في مقال بعنوان ( محمد أركون ومعالم من أفكاره ) نشره في مجلة البيان ( عدد 35 ) :
__________
(1) … تاريخية الفكر العربي الإسلامي ص 297.
(2) … انظر: من الاجتهاد إلى نقد العقل الإسلامي ص 77 - 78.
(3) … انظر: الفكر العربي في الصفحات: 90، 128، 131، 153.
(4) … انظر: المرجع السابق ص 104.
(5) … تاريخية الفكر العربي الإسلامي ص 74.
(6) … الفكر الإسلامي - نقد واجتهد ص 219.
(7) … يعني فهم كلام الله، وهذا مدخل أساسي من مداخله لعزل القرآن عن الواقع الإسلامي، لأنه طالما ظل القرآن "طلسماً" لا يمكن ادعاء فهمه لأحد، فليس له قيمة علمية في الحياة على أية صورة.
(8) … من الاجتهاد إلى نقد العقل الإسلامي ص 15 - 16.
(9) … المرجع السابق ص 38.
(10) … راجع: الفكر العربي في الصفحات : 57، 58، 76، 107.
(11) … من الاجتهاد إلى نقد العقل الإسلامي ص 67.
(12) … انظر: المرجع السابق ص 27.
(13) … المرجع السابق ص 30.
(14) … انظر: حوار البدايات مع محمد أركون ص 89.
(15) … راجع كلاً من : تاريخية الفكر العربي الإسلامي ص 275 وما بعدها، والفكر الإسلامي -نقد واجتهاد ص 273 وما بعدها.
(16) … انظر: حوار البدايات مع محمد أركون ص 89.(52/265)
"تطورت في عصرنا هذا وسائل الدعاية لكل شيء بمقدار لم يسبق له مثيل، هذه الدعاية في قضايا الكماليات ووسائل الراحة قد تكون معقولة إلى حد ما، لكن الغريب من أصناف هذه الدعاية، الدعاية الفكرية لعامة الكتاب والشعراء والروائيين إلى درجة تدفع إلى السأم وعدم الثقة بأي شيء يشتهر من كتاب أو كاتب أو صحيفة، فيجعلك هذا لا تثق بالشهرة لأي عمل، إذ قد يكون في غاية الرداءة والفساد لكن جيوش الإعلام والترويج تحاصرك حتى تفقد بصيرتك. وقد حاصرتنا الدعاية في زماننا ورفعت في وجوهنا مجموعة من الكتاب والمفكرين والأدباء، وألصقتهم في وجوه ثقافتنا كرها، وألزمتنا بهم وحاصرتنا كتبهم في كل زاوية، وليس هذا الحصار فقط بين العرب، بل لقد شكت إحدى المستشرقات وقالت : إن أدونيس لم يقل شيئاً ولكن اللوبي الأدونيسي هو الذي أعطاه الأهميةً! هذا الجيش الدعائي من وراء كتاب صغار أو مغالطين كبار هو الذي أعطاهم أهمية كبرى في عالم الكتاب العربي.
قال أحد القراء: لقد رأيت كتب أركون ولفت انتباهي الدعاية الكبيرة لها، فذهبت مع القوم واشتريت منها وقرأت الأول والثاني فما أحسست بفائدة ولا ساعدني الفهم، وقلت: كاتب متعب، ولكن زادت الدعاية للرجل فقلت في نفسي: النقص في قدرتي على الدراسة والفهم، وسكت وخشيت أن أقول لأحد: لا أفهمه، حتى إذا كان ذات يوم جلست إلى قارئ وكاتب قدير وتناول كتاب "تاريخية الفكر العربي الإسلامي" وقال: لقد حاولت أن أفهم هذا الكاتب أركون فما استطعت، فكأنما أفرج عني من سجن وقلت: رحمك الله أين أنت فقد كنت أبحث عن قارئ له يعطيني فيه رأياً، لا الذين أكثروا من الدعاية له دون دراية.
وحتى لا تضر بنا المبالغة في هذا إليك نموذجاً للدعاية الأركونية: علق هاشم صالح مترجم أركون إلى العربية في آخر كتاب "الفكر الإسلامي نقد واجتهاد" يقول هاشم: بعد أن تركت محمد أركون رحت أفكر في حجم المعركة التي يخوضها بكل ملابساتها وتفاعلاتها، وهالني الأمر فكلما توهمت أن حدودها قد أصبحت واضحة محصورة، كلما اكتشفت أنها متشابكة معقدة، شبه لانهائية. هناك شيء واحد مؤكد على أي حال: هو أن محمد أركون يخوض المعركة على جبهتين: جبهة الداخل، وجبهة الخارج، جبهة أصوليي المسلمين، وجبهة أصوليي المستشرقين:
وسوى الروم خلف ظهرك روم فعلى أي جانبيك تميل(1)؟
هذا مثل مما يفعل هذا المترجم، وقد يفاجئك مراراً بالمدح في وسط الكتاب أو في المقدمة أو في الهامش(2) أو في لقاءاته مع أركون التي تمثل جزءاً كبيراً من أعماله، فهذه طريقة في الكتابة جديدة إذ يجري المترجم حواراً حول أفكار أركون بعد كل فصل أو في آخر الكتاب كما في "الفكر الإسلامي قراءة علمية"، أو "الفكر الإسلامي نقد واجتهاد".
أثناء قراءة أعمال أركون قد تصادفه ينقد مدرسة عقائدية أو فقهية، ويحاول أن يقول إنها خرافة، وأسطورة دغمائية كما يحلو له أن يكرر، وتقول: لعله ينصر المدرسة الأخرى، فهو إما شيعي أو خارجي، ثم يخرج عليك في صفحة أخرى وهو يعرض بعدم معقولية فكرة الإمامة لدى الشيعة(3)، ثم في مكان آخر لايتفق مع الإسلام السني المتزمت في نظره(4) علماً أن السني عنده هم الأشاعرة، وأما أحمد وابن تيمية فيدعوهما حنابلة متزمتين. وتحاول جاهداً أن تقف تماماً على مايريد فإذا هو متناقض لا يؤمن بشيء ولا يرى أن لهذا العلم أو التراث الإسلامي أي مكانة إلا في عين المدارس النقدية الغربية، فما أقرته فهو الحق والمحترم -كنص للدراسة ليس أكثر من نص بشري قابل للأخذ والعطاء -وما لا تقره المكتشفات الأسلوبية اللغوية الاجتماعية والنفسية المعاصرة فإنه لا يرى إقراره والاهتمام به لقدمه وتخلفه عن العصر.
ولعل كتاب "الفكر العربي" أول كتبه المترجمة إلى العربية وفيه تلخيص غامض لجل ما قال في الكتب الأخرى، وأشار فيه بكثير من التحفظ إلى آرائه في القرآن والسنة والشيعة والحداثة والتجديد.
عند أركون أهداف واضحة لمن يستقرئ أعماله ويصبر على التزوير والمراوغة واللعب بالكلمات في غير معانيها حتى يحصل على هدفه الكبير من كل مشروعه وسيأتي بيان الهدف بعد ذكر وسائله إليه.
الوسائل :
__________
(1) … الفكر الإسلامي فكر واجتهاد ص 335، "حقاً إن أركون أشد على الإسلام هجوماً من مفكري الروم وسيأتي بيان ذلك".
(2) … انظر الكتاب السابق ص 245 ومواقع عديدة في "الفكر الإسلامي قراءة علمية".
(3) … أركون، مقابلة مع أدونيس، مجلة "مواقف"، عدد رقم 54 -ربيع عام 1988، ص 10.
(4) … أركون، الفكر العربي، ترجمة عادل العوا، ص 128 والفكر الإسلامي نقد واجتهاد ص9، ولعل كتاب "الفكر العربي" أول كتبه المترجمة إلى العربية وفيه تلخيص غامض لجل ما قال بعد في الكتب الأخرى وفيه إشارة بكثير من التحفظ إلى آرائه في القرآن والسنة والشيعة والحداثة والتجديد.(52/266)
أول وسائله نقد الكتاب الإسلاميين الذين ليست لهم صلة بالمدارس الغربية في الفكر، والذين ليس لهم إلمام بعلوم اللسانيات والاجتماع والنفس والنظريات التي خرجت -فيما يرى -بعد الخمسينات من هذا القرن الميلادي، وبالتالي يطالبهم بالمشاركة والدراسة لمستجدات النظريات الإنسانية الغربية، ثم هو يستخدم نظريات ميشيل فوكوه في مسائل المعرفة والسلطة، ويرى تاريخية المعرفة وبكونها قابلة للتغيير والتطوير والشمول، وأهم جوانب المعرفة التي يتحدث عنها المعرفة الدينية بكل أبعادها، ويرى اعتبار المعرفة الإسلامية نموذجاً أسطورياً يزعج المسلمين ويهز إيمانهم، ولكن لابد -كما يرى -من بناء مفاهيم جديدة مستمدة من الاحتياجات الجديدة كما فعل السلف، ويرى أن هناك مناطق عديدة في الفكر الإسلامي لا تمس ولا يفكر فيها مثل مسألة عثمان -رضي الله عنه-وقضايا جمع القرآن، والتسليم بصحة أحاديث البخاري والموافقة على الأصول التي بناها الشافعي، ويرى أنه يضع أساساً للاجتهاد وعقلانية جديدة(1)، وهو يرى أن الوعي الإسلامي قد انشق فيما بين السنة والشيعة، والوسيلة عنده ليست بالتوفيق بين الجانبين ولا الانتقاء منهما إنما الوسيلة نقد الطرفين وهو يعتنق "النقدية الجذرية" للطرفين وإسقاط كل الحجج التي بأيدي الجميع، وبالتالي فإن النص السني مغلوط ومزور والنص الشيعي نص العدالة والعصمة مغلوط ومزور وأسطوري، والمطلوب أن يتحرر كل من الفريقين من نصه فيتوحدان(2).
الأهداف :
من أهم ما يهدف له أركون في كتاباته المكررة والمملة نزع الثقة من القرآن الكريم وقداسته واعتباره نصاً اسطورياً(3) قابلاً للدراسة والأخذ والرد. وهو يغالط كثيراً في معنى كلمة "أسطورة" ويقول : إنه يعاني من صعوبة هذه الكلمة على أسماع العرب الذين يربطون بين هذه الكلمة وبين الأكذوبة أو الخرافة، لكن ما هي الكلمة التي يستخدمها أركون في تعبيره عن القرآن باللغة الفرنسية التي يكتب كل كتبه بها.
إنه استخدم كلمة MYTHE وبالإنجليزية MYTH وكلتا الكلمتين تعني الخرافة أو الحكاية والكلمتان جاءتا من الكلمة الإغريقية MUTHIOS وهي تعني في جميع اللغات الأوربية حكاية خرافية شعبية تتحدث عن كائنات تجسد -بصورة رمزية -قوى الطبيعة والوضع الإنساني(4).
ثم إذا سلم بهذه الأسطورة -بزعمه -فإنها أولاً لم تصلنا بسند مقطوع الصحة، لأن القرآن -كما يقول -لم يكتب كله في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم-بل كتب بعض الآيات ثم استكمل العمل في كتابة القرآن فيما بعد(5) وهذه من المغالطات التي يسوقها أركون بكل سهولة ويخلط فيها مابين قضية الجمع وقضية الكتابة، وبزعم أن الظروف السياسية هي التي جعلت المسلمين يحافظون فقط على قرآن واحد ويتركون ماعداه(6).
ومن أجل أن يمهد لما يريد من إنكار القرآن سنداً في أول الأمر يدخل بعد ذلك إلى نصوص القرآن فيشكك في القصص والأخبار ويرى أن التاريخ الواقعي المحسوس هو الذي يحاكم إليه القرآن، فالأخبار والآثار التاريخية هي الموثوقة! ولنقرأ له هذا النص الذي يجد القارئ في كتبه كثيراً مثله يقول:
"ينبغي القيام بنقد تاريخي لتحديد أنواع الخلط والحذف والإضافة والمغالطات التاريخية التي أحدثتها الروايات القرآنية بالقياس إلى معطيات التاريخ الواقعي المحسوس"(7)
ويرى أن القرآن عمل أدبي لم يدرس كما يجب إلا من قبل ندرة أهمهم عنده "محمد أحمد خلف الله" عندما كتب عن القصص الفني في القرآن وقال إن القصة القرآنية مفتعلة، ويتحسر على عدم استمرار "خلف الله" ويذكر أن الأسباب التي لم تمكن "خلف الله" في عمله أنه راعى الموقف الإسلامي الإيماني أولاً، وثانياً لنقص المعلومات. إذن فقد آل الأمر إلى أركون الذي سيهاجم القرآن، لأنه لا يراعي الموقف الإسلامي الإيماني لأنه مطلع على الأبحاث الجارية. ومع زعمه أنه يعرف الأبحاث الجارية التي كتبها فوكوه والحاخام دريدا، فإنه يظهر للقارئ بشكل يجعله لا يثق في قدرة أركون ولا أنه فهم ما زعم فهمه من قضايا المعرفة ونقد اللاهوت ونظريات البنيوية وما بعدها(8)، ويعاني في عرضه للأقوال من عدم التوثيق أو القول الصحيح لما ينقل، إذ يقلب كل قضية قرآنية أو تفسيرية أو سياق لعلم حتى يفسد المعنى ويلويه إلى ما يريد كما مر معنا في مسألة كتابة القرآن، ومثال آخر يعرف الوحي بقوله: إنه يدعي بالتنزيل أي الهبوط من فوق إلى تحت"(9).
معاني القرآن:
__________
(1) … عيسى بلاطة، توجهات وقضايا في الفكر العربي المعاصر، ص 89-90.
(2) … رضوان السيد، الإسلام المعاصر، ص 190.
(3) … محمد أركون، الفكر الإسلامي قراءة علمية، ص 202 وما بعدها.
(4) … محمد العربي الخطابي، مقال بعنوان "الأسطورة الأصلية في رأي أستاذ جامعي"، جريدة الشرق الأوسط 26/2/1990.
(5) … محمد أركون الفكر، الإسلامي نقد واجتهاد، ص 85-86.
(6) … المصدر السابق، ص 86.
(7) … أركون، الفكر الإسلامي قراءة علمية، ص 203.
(8) … انظر مجلة الحوار، عدد 9، ص 117-118.
(9) … الفكر الإسلامي نقد واجتهاد، ص 79.(52/267)
لو تجاوزنا قضية شكه في القرآن ورده للسنة من باب فماذا يفسر به القرآن وكيف يفهمه؟ إنه يقول: "إن القرآن -كما الأناجيل -ليس إلا مجازات عالية تتكلم عن الوضع البشري، إن هذه المجازات لا يمكن أن تكون قانوناً واضحاً، أما الوهم الكبير فهو اعتقاد الناس -اعتقاد الملايين -بإمكانية تحويل هذه التعابير المجازية إلى قانون شغال وفعال ومبادئ محدودة تطبق على كل الحالات وفي كل الظروف"(1).
ويقول في موضع آخر:
"إن المعطيات الخارقة للطبيعة والحكايات الأسطورية القرآنية سوف تتلقى بصفتها تعابير أدبية، أي تعابير محورة عن مطامح ورؤى وعواطف حقيقية يمكن فقط للتحليل التاريخي السيولوجي والبسيكولوجي اللغوي -أن يعيها ويكشفهما"(2)
ويفصل أركون بين القرآن والشريعة، فالقرآن عنده خطاب مجازي يغذي التأمل والخيال والفكر والعمل ويغذي الرغبة في التصعيد والتجاوز، والمجتمعات البشرية لا تستطيع العيش طيلة حياتها على لغة المجاز"(3) ولكن هناك البشر المحسوسون العائشون -كما يقول -في مجتمع وهناك أمورهم الحياتية المختلفة التي تتطلب نوعاً من التنظيم والضبط وهكذا تم إنجاز الشريعة(4) ثم يعقب بأن هناك مجالاً أسطورياً مجازياً وهو مجال القرآن، ومجال آخر واقعي للناس هو مجال الشريعة ويقول: "إنه وهم كبير أن يتوقع الناس علاقة ما بين القرآن والشريعة التي هي القوانين الشرعية وأن المناخ الميثي (الأسطوري) الذي سيطر على الأجيال السابقة هو الذي أتاح تشييد ذلك الوهم الكبير، أي إمكانية المرور من إرادة الله المعبر عنها في الكتابات المقدسة إلى القوانين الفقهية (الشريعة) وحجته في ذلك ما يلي : في الواقع أن هناك أنواعاً مختلفة من الكلام (من الخطاب) وهناك فرق بين خطاب شعري أو ديني، وخطاب قانوني فقهي أو فلسفي، ولا يمكن لنا أن نمر من الخطابين الأولين إلى الخطابات الأخرى إلا بتعسف واعتباط"(5) ألا ترى أنك يا أركون قد استطعت أن تمرق من الخطابين ؟!
مكانة السنة عنده:
ليس هذا مجالاً لمتابعة هذه الأقوال والرد عليها، فيكفي هنا التعريف بمعالم فكره بما فيها جرأته على الشك في ثبوت وصول القرآن إلينا، وجرأته على نفي الحديث والزعم بأن الظروف السياسية وأوضاع المجتمعات التي انتشر فيها الإسلام احتاجت إلى أحاديث وقال: "إن السنة كتبت متأخرة بعد موت الرسول صلى الله عليه وسلم-بزمن طويل وهذا ولد خلافات لم يتجاوزها المسلمون حتى اليوم بين الطوائف الثلاث السنية والشيعية والخارجية، وصراع هذه الفرق الثلاث جعلهم يحتكرون الحديث ويسيطرون عليه لما للحديث من علاقة بالسلطة القائمة"(6). وهو يرى أن الحديث هو جزء من التراث جعلهم يحتكرون الحديث ويسيطرون عليه لما للحديث من علاقة بالسلطة القائمة". وهو يرى أن الحديث هو جزء من التراث الذي يجب أن يخضع للدراسة النقدية الصارمة لكل الوثائق والمواد الموروثة كما يسميها(7)، ثم يقول:"وبالطبع فإن مسيرة التاريخ الأرضي وتنوع الشعوب التي اعتنقت الإسلام -قد خلقت حالات وأوضاعاً جديدة ومستحدثة لم تكن متوقعة أو منصوصاً عليها في القرآن ولا في الحديث، ولكي يتم دمجها وتمثلها في التراث فإنه لزم على المعنيين بالأمر أن يصدقوا عليها ويقدسوها إما بواسطة حديث للنبي، وإما بواسطة تقنيات المحاجة والقياس"(8).
__________
(1) … تاريخية الفكر الإسلامي، ص 299.
(2) … الفكر الإسلامي قراءة علمية، ص 191.
(3) … تاريخية الفكر الإسلامي، ص299.
(4) … المصدر السابق، ص 299.
(5) … المصدر السابق، ص 299.
(6) … أركون، الفكر الإسلامي نقد واجتهاد، ص 103.
(7) … أركون، الفكر الإسلامي نقد واجتهاد ، ص 108.
(8) … أركون، الفكر العربي، ص 174 ترجمة عادل العوا.(52/268)
تلك هي مكانة الشريعة عنده وهذه مكانة أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم-إذ لا يرى أي تشريع جاء به القرآن، وأن القرآن خطاب أدبي عاطفي لا علاقة له بالحياة، والشريعة ضرورة اجتماعية أملتها ظروف المجتمع وحاجة الناس، وهي في مجموعها تراث إذا قابلت في الطريق ثقافة مجتمع آخر أو استجد شيء فإن هذا الجديد يدمج في هذا التراث بواسطة حديث أو قياس، وهو يناقض نفسه تماماً، إذ لو لم تكن الشريعة من غير هذين المصدرين كأساس لما سعى المعنيون بالأمر -كما يسميهم -لفعل ما كذبه عليهم. وهذا مثال واحد كبير من الغث والانحراف والكفر الذي يملأ به كتبه، كله يناقض بعضه بعضاً، وكفاه زوراً أو جرأة على كتاب الله قوله: "وليس في وسع الباحثين أن يكتفوا اليوم في الواقع بالتكرار الورع للحقائق الموحى بها في الجزيرة العربية في القرن السادس والتي طرحت منذئذ على أنها بآن واحد مما يمكن تعريفه واستخدامه وأنها متعالية(1)" وهو يرى أن الباحثين -يعني نفسه ومن تابعه -(إذ حتى كبار الكفار من المستشرقين لم يحملوا على القرآن والسنة والأمة كالحملة التي يقودها أركون ولم يستطيعوا القول بكل هذه الافتراءات في آن واحد)- لا يسعهم تطبيق القرآن لأنه نزل في الجزيرة في ذلك الزمن القديم، وهو لا يرى نفسه وهو يقدس ويستسلم لبقايا قوانين الرومان، بل ويحاسب الإسلام على أفكار فوكوه هل تتطابق معها أم لا، ويقول في نفس الوقت بأن القرآن حقائق، وقد سبق أن قال إنه مجازات عالية وقد أجمع القائلون بالمجاز على أن كل مجاز يجوز نفيه ويكون نافيه صادقاً في نفس الأمر(2)، علماً بأن المجاز بالأسلوب الذي يريده أركون أبعد بكثير من المجاز الذي حدث فيه الخلاف بين المسلمين والذي قال فيه الشنقيطي إن وروده في القرآن غير صحيح ولا دليل يوجب الرجوع إليه من نقل ولا عقل، ونحن ننزه القرآن على أن نقول فيه مجاز بل نقول كله حقائق(3).
ونقل الشنقيطي عن عدد من العلماء عدم جواز المجاز في اللغة أصلاً فضلاً عن القرآن، وهو -أي الشنقيطي -ممن يرى هذا، وأركون لا يرى أن آيات الأحكام هي المجاز، ولا آيات الصفات كما قال بعض السابقين المخالفين لأهل السنة، لكنه يرى كل القرآن مجازات عالية، ومرة يقول متعالية أي تكون بعيدة عن المجتمع سياسة واقتصاداً واجتماعاً، إنما تهذيب روحي لا علاقة له بالدنيا.
وليس هذا مكان الحديث عن المجاز ولا الخلاف فيه. لكن جاء بمناسبة خلط أركون وتناقضه، إذ يقول: القرآن حقائق نزلت قديماً ثم يرجع ويقول مجازات عالية. إن أركون يهدم كل شيء ولا يقيمك على سنن ولا يثق بأحد ولا بعلم أحد، فهو يسخر من كل من سبقه حتى يسخر من الطبري ومن طريقته في التفسير. ومادام قد اجترأ على كتاب الله وسنة رسوله كل هذه الجرأة فماذا يتوقع القارئ عن غيرها. وهناك جوانب عديدة يستنكرها كقضايا الثواب والعقاب والبعث بعد الموت(4). ويرى في آيات القرآن التي تحدثت عن الجنة وثوابها سياقات شعرية، وأيضاً يرى رمزية العذاب.
خلاصة :
__________
(1) … الشنقيطي، منع جواز المجاز، ص 8.
(2) … الشنقيطي، منع جواز المجاز ، ص 51.
(3) … للتوسع يراجع الفصل الأخير من كتابه "الإسلام أصالة وممارسة" ترجمة د.خليل أحمد، وأيضاً مواضع متعددة من "الفكر الإسلامي قراءة علمية".
(4) … رضوان السيد، الإسلام المعاصر، ص 190.
يرى أركون أن القرآن والكتب السابقة تعاني من سياق واحد، ويضع القرآن مع الأناجيل في مستوى من الثبوت والدراسة واحد، ويرى أهمية النقد والتجديد. وعمله هذا النقدي السلبي النافي -الذي يمسخ كل الحقائق وكل المعاني -لا يمكن بحال أن يكون مذهباً فكرياً بديلاً، بحيث يحل محل شيء من الفرق أو الجماعات التي وجدت على الساحة الإسلامية وليس بأسلوب يمكن قبوله من قبل السنة أو الشيعة، ذلك أنه يلغي الجميع ويرى العدمية(1) التي يقدمها هي البديل أو التجديد، فالشك والجحود بكل شيء لن يكون أبداً بديلاً للإيمان، إذ هذا العدم لا يكون ديناً ولا يبني خلقاً، وهو يرى -مع هذا -ضرورة النظام في حياة الناس ويرى أهمية القوانين وهذه القوانين عنده تنشئها الضرورة الاجتماعية، لكن أي مجتمع وأية قوانين؟ أما المجتمع فلا يرى أركون أن يكون للإسلام سلطة عليه؛ لذا فليس للإسلام أن يسن أي قانون في ذلك المجتمع إذ ليس للإسلام في نظره أي قانون ولا علاقة بالوجود، وهو قد بذل وعصر كل سمومه وآفات الملحدين في الغرب لينكر المصادر أولاً ثم لو افترض إثباتها فليس لها حقائق ولا معاني تمس الناس، ثم إذا فهم منها معاني فتلك المعاني جاءت للحاجة والضرورة؛ لأنه لم يكن هناك قوانين في المجتمع. وقد علق أحدهم على نمط تفكير أركون وأسلوب تعامله مع النصوص فقال: إن تجديدية أركون هي تجديدية عدمية ولا نحسب أن مسلماً عاقلاً يهتم لقراءة أركون النافية وهذا ملخص لبحث مطول يتناول كتب ومقالات أركون، ومع أن أعماله غير معقولة لكن -ويا للأسف!- إن الذي يتحكم في سلوك وأفكار العالم الإسلام اليوم هو (اللامعقول) لهذا يحتاج إلى بيان)) انتهى كلام الأستاذ الأحمري -وفقه الله-.(52/269)
وقال الدكتور أحمد إبراهيم خضر في مقال له بعنوان: (أبعاد التخريب العلماني: محمد أركون أنموذجاً) نشره في مجلة البيان (عدد123):
"بالأمس طلب خالد بن عبد الله القسري، أمير العراق الجعد بن درهم حتى ظفر به، فخطب بالناس في يوم الأضحى، وكان آخر ما قاله في خطبته: أيها الناس ضحوا، تقبّل الله ضحاياكم، فإني مضح بالجعد بن درهم، فإنه زعم أن الله لم يكلم موسى تكليماً، ولم يتخذ إبراهيم خليلاً، تعالى الله عما يقول الجعد علواً كبيراً ثم نزل فذبحه في أصل المنبر، فكان ضحية، ثم طفئت تلك البدعة فكانت كأنها حصاة رُمي بها(2)
واليوم.. المرعى الإسلامي غداً بابه مفتوحاً لكل (عرجاء) و(عوراء) لا يجزئ لحمها في الأضحية(3)
إنهم أهل التخريب العقدي، يحاربون الإسلام من داخله بإثارة شكوك المسلمين بما يؤمنون به، يهدفون عبر زعزعة الترابط العقدي تفكيك المجتمع الإسلامي برمته(4) يصفون أنفسهم بأنهم علماء مجتهدون متفرغون لتطوير المعرفة(5) ولا تخرج مقولاتهم عند كونها لوناً من ألوان (الرقاعة الثقافية) (6) يميزون أنفسهم عن المسلمين الآخرين (المقلدين)، أما هم فإنهم باحثون تحرروا مما أطلقوا عليه (المعارف الخاطئة) التي تعارف عليها كل المسلمين عن الإسلام، يدعون إلى العقلانية ويطالبون باتساع العقل وحرية البحث حتى في القضايا الدينية الحساسة التي ترتبط بما هو مقدس ولا يمس (كالوحي والقرآن والسنة)، يشجعون الإبداع الفكري الذي يصل عندهم إلى حد القول بأن الاعتقاد بأن الشريعة ذات أصل إلهي (وهم كبير) (7) ومع كل هذا الانحراف والضلال يطالبون الآخرين بالتسامح معهم والإقبال على مناظرتهم، وعدم الخلط بين العرض العلمي للقضايا ومواقف العوام، والتقيد بما يفرضه البرهان العقلي، يتهمون ما يسمى (بالخطاب الإسلامي) بأن خطاب ملئ بالنقائض والرذائل والثالب، يحمّل المفكرين (أمثالهم) ما لم يفكروا فيه،وما لم يدّعوه، وما لم ينطقوا به(8)
ماذا يريدون بالضبط؟
همهم الأول القضاء على الإيمان العقدي ومحوه من الأفق البشري: حتى لا يبقى هناك إلا الأفق الاجتماعي، يريدون منا أن ندخل تجربة الغرب التاريخية التي خاضها منذ أكثر من قرنين فتخلص من الأفق الديني القروسطي (نسبة إلى القرون الوسطى) .
__________
(1) … رضوان السيد ، الإسلام المعاصر، ص 190.
(2) … الجعد بن درهم مبتدع ضال قال بخلق القرآن وكان مؤدب مراون بن محمد قتله خالد بن عبد الله القسري سنة 118هـ يوم النحر، انظر ابن قيم الجوزية الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة تحقيق د.علي بن محمد الدخيل الله ج3 دار العاصمة الرياض 1412هـ حتى 1071.
(3) … سليمان بن صالح الخراشي، محمد عمارة في ميزان أهل السنة والجماعة دار الجواب الرياض 1413هـ-1993م ص 9.
(4) … أمين أبو عز الدين (نقلاً عن محمد وقيع الله أحمد) الدين والعلمنة في طروحات محمد أركون، الآداب عدد 5، مايو 1993م ص 29.
(5) … محمد أركون، أين هو الفكر الإسلامي المعاصر، ترجمه هاشم صالح، دار الساقي ص 7.
(6) … (الرقاعة الثقافية) تعبير استخدمه الدكتور عبد الصبور شاهين في كتابه قصة أبو زيد وانحسار العلمانية في جامعة القاهرة، الدار الذهبية، القاهرة ص 13.
(7) … أمين أبو عز الدين مرجع سابق ص 24.
(8) … محمد أركون مرجع سابق ص 3
لا يجهلون الإسلام وإنما يصرون على تحليله في ضوء النصرانية الكنسية والقرون الوسطى التي ارتبطت في أذهان الغرب بالتصور المظلم والمرعب عن الدين، أفقهم المعرفي لا يخرج عن حدود الفكر الغربي والثقافة الأوروبية، يتزلفون للغربيين حتى القسس منهم على حساب دينهم، ولهذا يضيقون ذرعاً بمطالبة الإسلاميين بخصوصية إسلامية وأصالة عقلية وعلمية مطلقة جعلتهم في غنى عما أبدعته انحرافات الفكر الغربي والبحث العلمي خارج دائرة المعارف الإسلامية المتأصلة في القرآن والمنطلقة منه، فراحوا يتصورون أن الإسلاميين كآباء الكنيسة يقتلون في الإنسان حس المبادرة والحركة ويدعون إلى الاستكانة والاستسلام ورفض الانخراط في العالم(1) .
أهل السنة والجماعة في نظر أهل التخريب العقدي (أورثوذكسيون)
لأنهم يجمعون على عقيدة إسلامية صحيحة ومستقيمة، ويبرزون معايير التفرقة بينها وبين البدع والاعتقادات الطارئة المنحرفة عن الإسلام (والأورثوذكسية) أصلاً مصطلح غربي نقله أهل التخريب إلى العربية ولا يربطونه بالمذهب الأورثوذكسي في النصرانية، لأنه مصطلح سابق على ظهور هذا المذهب، لا يروق لهم المعنى الحرفي للكلمة (وهو الطريق المستقيم أو الطريق الصحيح) إنما يأخذون معناها الاصطلاحي وهو (النواة العقائدية الصلبة والمغلقة على ذاتها لدين ما، أو لإيديولوجية ما ، أو اتجاه سياسي ما، والتي ترفض كل ما يقع خارجها باعتبار أنه ضلال وهرطقة ) .(52/270)
يقول أهل التخريب إنهم لم يستطيعوا ترجمة مفهوم (الأورثوذكسية) بكل أبعاده الأيديولوجية بالسنة؛ لأن أهل السنة والجماعة قد احتكروا المفهوم لصالحهم وعدلوا به عن معناه في القرآن(2) ، ولم يعط أهل التخريب العقدي دليلاً واحداً مقنعاً يبين صحة تأويلاتهم الفاسدة الخارجة أصلاً عن حدود القرآن والسنة.
وحتى لا يتهم أهل التخريب العقدي بالكفر، سارعوا إلى وضع مفهوم جديد للإيمان والكفر فهموا من الإمام الغزالي أن الكفر هو تكذيب الرسو صلى الله عليه وسلم في شيء مما جاء به، والإيمان هو تصديقه في جميع ما جاء به، فاليهودي والنصراني كافران لتكذيبهما الرسو صلى الله عليه وسلم والبراهمي كافر بالطريقة الأولى لأنه أنكر مع رسولنا سائر المرسلين.
هذا الذي يتبنى مفهوم الغزالي عن الكفر ويطبقه على (العلماء المجتهدين) أمثالهم رجل مقلد بلغ درجة من العمي والتعصب في أحكامه؛ لأن الإيمان والكفر في فلسفة أهل التخريب العقدي مرتبطان بالبحوث النفسانية واللغوية عن تكوين البنية الشخصية والجماعية التي ينشأ فيها كل فرد. ولم يكتف أهل التخريب العقدي بذلك بل ألقوا مسائل الحلال والحرام والمقدس والقصص الديني في أحضان العلوم الحديثة (علوم الإنسان والمجتمع) (3) التي تعطي لها تفسيراً خاصاً يخرج بها كلية عن ارتباطاتها العقدية. ومن المسلّم به في العلوم الاجتماعية أن نظرياتها التقليدية ترى أن الأفكار الدينية زيف ووهم، أما نظرياتها الحديثة فتتجنب مسألة حقيقة الدين، لكنها تغذي هذه التحليلات التي تحقر من أي رؤية جدية للأفكار الدينية وتنظر إليها على أنها غير حقيقية(4)
موقفهم من خاصية ثبات الأصول:
واجهت أهل التخريب العقدي مشكلة النظرة العقلية المستمرة والمتكررة التي ترى وجود إسلام صحيح يتطابق مع مفهوم الدين الحق لمكافحة البدع والرد على أهل الأهواء والنحل، وإبطال الملل الضالة المضلة، وإبعاد أو إخضاع جميع المنحرفين عن الصراط المستقيم والحق المبين فقالوا إن الإجماع بأن هناك إسلاماً جوهرياً لا يقبل التغير ولا يخضع (للتاريخانية) (5) هو كالأقنوم الإلهي يؤثر في الأذهان والمجتمعات ولا يتأثر بها ليس إلا تحجراً عقلياً وتطرفاً وتعصباً وإرهاباً، ودعوا إلى العدول عن هذه النظرة التقليدية والإقرار بضرورة التعددية العقائدية، ويسوّغون دعواهم الضالة والمضلة بأن النصوص القرآنية قد ألهمت ولا تزال تلهم (تأويلات) بتغير الزمان والمكان(6) .
__________
(1) … المرجع السابق ص 30، 66، ص 8.
(2) … المرجع السابق ص 16، 19.
(3) … المرجع السابق ص 5،7،6.
(4) … انظر: الأساس الإلحادي للنظريات المعاصرة في علم الاجتماع في كتابنا: علماء الاجتماع وموقفهم من الإسلام، المنتدى الإسلامي، لندن، 1413هـ -1993، ص 177-193
(5) … التاريخانية مصطلح طبقة أهل التخريب العقدي على الإسلام ويعنون به فهم الإسلام في حدود الحقبة الزمنية التي ظهر فيها وفي ضوء البيئة الاجتماعية والثقافية التي عمل عبرها مع التأكيد على نسبية وعدم اتساع قواعده ومفاهيمه لتطبق على حقب زمنية لاحقة.
(6) … محمد أركون مرجع سابق ص 4-17.
يؤمن أهل السنة والجماعة بأن التأويل الذي دلت عليه النصوص وجاءت به السنة ويطابقها هو التأويل الصحيح، والتأويل الذي يخالف ما دلت عليه النصوص وما جاءت به هو التأويل الفاسد، وكل تأويل وافق ما جاء به الرسو صلى الله عليه وسلم فهو المقبول وما خالفه فهو المردود، لكن أهل التخريب العقدي بعد أن طرحوا بعيداً ربط الكفر بتكذيب الرسو صلى الله عليه وسلم ردوا السنة برمتها إلى دائرة (البحث التاريخي) (1) وسعوا إلى إعادة قراءة النصوص الدينية تلك التي أسموها بالنصوص التأسيسية أو النص الأول (القرآن) والنصوص الثانية (السنة وغيرها) في ضوء العلوم الحديثة.
والتأويل عند أهل التخريب العقدي لا يخرج عما يقوله عنهم (ابن القيم) من أنه (استخراج معاني النصوص وصرفها عن حقائقها بأنواع المجازات وغرائب اللغات ومستنكر التأويلات، فأدى بهم هذا الظن الفاسد إلى نبذ الكتاب والسنة وأقوال الصحابة والتابعين وراء ظهورهم، فجمعوا بين الجهل بطريقة السلف والكذب عليهم وبين الجهل والضلال بتصويب طريقة الخلف. (والتأويل) إذا تضمن تكذيب الرسو صلى الله عليه وسلم فحسبه ذلك بطلاناً) وتأويلات أهل التخريب العقدي من هذا الطراز(2) .
القطعية المعرفية ماذا تعني؟
خرج علينا أهل التخريب العقدي بمصطلح جديد أسموه (القطعية المعرفية) ومن المعروف عنهم أنهم لا يأتون بجديد، وإنما يستخرجون أفكارهم بعد أن يدخلوا جحر كل ضب دخله قبلهم المفكرون الغربيون ثم يلوكون هذه الأفكار ويطبقونها على الإسلام.(52/271)
ومصطلح (القطعية المعرفية) طرحه أصلاً المفكر الإيطالي (فيكو) وكتب فيه الأمريكي (توماس كون) وعالم الرضيات الفرنسي (رينيه توم) تناول كل هؤلاء مسألة القطعية في تاريخ العلوم وكيفية تفسيرها متى تحدث القطعية في فكر ما؟ ما هي الشروط الموضوعية التي ينبغي توافرها لكي تحصل القطعية؟ أي : لكي يتوقف الناس فجأة عن التفكير بالطريقة التي كانوا يفكرون بها سابقاً منذ مئات السنين ولأن الحقد والغل يملأ قلوب أهل التخريب العقدي على الإسلام طبقوا هذا المفهوم على الإسلام، فدعوا إلى التوقف عن التفكير في الإسلام بالطريقة التي يؤمن بها الناس حالياً والتفكير فيه بطريقتهم التدميرية.
ويدعونا أهل التخريب العقدي إلى أن ندرك معنى القطعية المعرفية، أي أن نتخلى عن معارفنا التقليدية عن الإسلام التي يصفونها بأنها معارف (خاطئة أسطورية ذات معاني خيالية) وأن نفكر بالطريقة التي فكر بها الأوروبيون منذ القرن السادس عشر فنغير مثلهم نظرة العقل إلى المعرفة وطرق إدراكه للواقع وتعبيره عن تأويلاته لهذا الواقع.
هل نحن بحاجة إلى الفلسفة؟
وعبر إصرارهم المستميت على تخريب عقيدة الإسلام يزرعون الألغام الواحد تلو الآخر فتجدهم يدعون إلى الانفصال بين الحكمة والشريعة ويفسرون الحكمة بأنها (الفكر العلمي) ويسمون الشريعة (بالظاهرة الدينية) (3) مع أن الحكمة تعني العلم والفقه والمعرفة بالقرآن وخشية الله والفهم والبصر والعقل، كما جاء ذلك عن ابن عباس ومجاهد وابن مسعود وزيد بن أسلم وذلك في تفسير قوله تعالى (يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً وما يذكر إلا أولو الألباب) [البقرة: 269] وقوله تعالى (ولقد آتينا لقمان الحكمة) [لقمان: 12] (4) وتارة أخرى ينظرون إلى الحق على أنه خاضع (للتاريخانية) بمعنى أن وجوده ومظاهره تتغير بتغير نظرة العقل إليه كما يتغير العقل بدوره بتغير النتائج ووجوه الحق التي يستبينها ويتعقلها، كما يتبنون وظيفة الفلسفة لتسويغ الموجودات والأحكام إلى العقل في كل الممارسات والمعالجات بما في ذلك إثارة مسائل وقضايا ومواقف معرفية ما كان التفكير فيها ممكناً بل كان مستحيلاً، ولذلك تجدهم يرجعون انتشار المدّ الإسلامي إلى غياب الفلسفة إلا في غيبة نور الوحي الإلهي، أو في حالة خفوته أو في حالة جهل الناس بحقيقتها وجهلهم بالمنهج النبوي على وجهه الصحيح، وتملك الفلسفة القدرة على التلبيس بما تملكه من أدوات فهي تتزين بزي العقل حيناً وبزي العلم حيناً آخر، وتملأ الفراغ المخيف الذي تتركه غيبة الهداية الإلهية عن العقول(5).
وبينما اشتهر أهل التخريب العقدي في مصر وسوريا باستخدام مصطلحات (نقد الخطاب الديني) و(نقد الفكر الديني)، استخدم نظراؤهم المستوطنون في دول الغرب مصطلح: (نقد العقل الإسلامي).
__________
(1) … انظر التاريخانية .
(2) … ابن القيم (بتصرف) مرجع سابق ج1، ص 163، 187، 192.
(3) … محمد أركون مرجع سابق ص 4،7،11.
(4) … محمد رشاد خليل، الفلسفة وأثرها في أصول الدين، مجلة كلية أصول الدين جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية عدد 5، 1403-1404هـ ص 259.
(5) … المرجع السابق ص 260
يُعَرّف أهل التخريب العقدي (العقل الإسلامي) بأنه هذا العقل المتقيد بالوحي أو المعطى المنزل ويقر بأولوية المعطى لأنه إلهي وأن دور العقل ينحصر في خدمة الوحي أي فهم وتفهيم ما ورد فيه من أحكام وتعاليم وإرشاد، ثم الاستنتاج والاستنباط منه، فالعقل تابع وليس بمتبوع اللهم إلا بالقدر الذي يسمح به اجتهاده المصيب بفهم وتفهيم الوحي.
لا يقر أهل التخريب العقدي بذلك ويصبون كل انتقاداتهم على علاقة العقل بالمعطى المنزل وعلى رضاه بأن يبقى دائماً في الدرجة الثانية أي في حدود الخادم دون أن يجرؤ أبداً على مبادرة أو سؤال أو تأويل لا يسمح به الوحي المحيط بكل شيء، بينما العقل لا يدرك شيئاً إدراكاً صحيحاً إلا إذا اعتمد على الوحي المبين(1) .(52/272)
إنه ما عصي الله بشيء إلا أفسده على صاحبه ومن أعظم معصية العقل إعراضه كتاب الله وروحيه فأي فساد أعظم من فساد هذا العقل؟ إن علم الأنبياء وما جاؤوا به عن الله لا يمكن أن يدرك بالعقل ولا يكتسب وإنما هو وحي أوحاه الله إليهم بواسطة الملك أو كلام يكلم به رسوله منه إليه بغير واسطة كما كلم موسى وهذا متفق عليه بين جميع أهل الملل المقرين بالنبوة المصدقين الرسل ولا يخالفهم في ذلك إلا جهلة الفلاسفة وسفلتهم، ولكن أهل التخريب العقدي يريدون أن يعكسوا شرعة الله وحكمته فإن الله سبحانه جعل الوحي إماماً والعقل مؤتماً به وجعله حاكماً والعقل محكوماً عليه ورسولاً والعقل مرسلاً إليه وميزاناً والعقل موزوناً به وقائداً والعقل منقاداً له، فصاحب الوحي مبعوث وصاحب العقل مبعوث إليه والآتي بالشرع مخصوص بوحي من الله وصاحب العقل مخصوص ببحث عن رأي أو فكرة. الرسول يقول : معي كتاب الله وهم يقولون : معنا العقل. الرسول يقول: معي نور خالق العقل به أهدي وأهتدي ويقول قال الله كذا قال جبريل عن الله كذا وهم يقولون قال فيكو.. قال بيبر بورديو.. قال جاك دريدا.. قال فرانسوا إيوالد.. الخ .
بين العقل والوحي:
إن قضايا العقل تشتمل على العلم والظن والوهم، وقضايا الوحي كلها حق، فأي قضايا مأخوذة عن عقل قاصر عاجز عرضة للخطأ من قضايا مأخوذة عن خالق العقول وواهبها هي كلامه وصفاته(2) (العقل هو المصدر والعامل في كل ما يعبر عن الإنسان ويبلغه بلغة من اللغات وهو المسئول عن عملية تركيب المعاني في إنتاج جميع المنظومات) هكذا يقول أهل التخريب العقدي في دفاعهم
عن (فتنة خلق القرآن) وقد وصل بهم التبجح إلى القول بأنه (لو استمرت المناظرات بين العقل القائل بخلق القرآن والعقل الخادم الخاضع للقرآن غير المخلوق لكان الوضع المعرفي للعقل الإسلامي اليوم على غير ما هو عليه بمعنى أن الفسحة العقلية ما كانت لتصبح ضيقة محدودة تسودها الأرثوذكسية العقائدية المعروفة اليوم) (3) أي انتصار أهل السنة والجماعة الذين يقولون أن القرآن كلام الله تعالى منه بدأ فنزل غير مخلوق ألفاظه ومعانيه عن كلام الله سمعه جبريل من الله والنبي سمعه من جبريل والصحابة سمعوه من النبي وهو القرآن المكتوب بالمصاحف المحفوظ بالصدور المتلو بالألسنة القرآن عند أهل السنة والجماعة كلام الله تعالى بالحقيقة وليس بمخلوق ككلام البرية ومن سمعه وزعم أنه ككلام البشر فقد كفر وقد ذمه الله تعالى وعابه أو أوعده عذابه حيث قال (سأصليه سقر) [المدثر 26] التي أوعدها الله من قال (إن هذا إلا قول البشر) [المدثر: 25] (4).
البؤس الفكري لدى بعض المفكرين العرب:
وقد اعترف أهل التخريب العقدي بأن التوجه الإسلامي الصحيح قد كشف أزمة المجتمع في العمق وكشف في الوقت نفسه عن البؤس الفكري لمعظم المثقفين العرب ومراهقتهم الفكرية، كما أنه كشف كذلك عن التخلف المنهجي والمعرفي للفكر العربي المعاصر فالواقع في واد وهم في وادٍ آخر، فبؤسهم الفكري عاجز عن طرح أي مشكلة بشكل صحيح بل عاجز حتى عن رؤية المشكلة ذاتها.
أقر أهل التخريب العقدي بأن زميلهم (المثقف العربي) يقف أمام نظيره الغربي (كالفلاح الفقير الذي يقف خجلاً بنفسه أمام الغني الموسر) ويقولون في ذلك (يقف مثقفنا العربي أمام نظيره الغربي وهو يكاد يتهم نفسه ويعتذر عن شكله غير اللائق ولغته غير الحضارية ودينه المتخلف ويستحسن المثقف الغربي منه هذا الموقف ويساعده على الغوص فيه أكثر فأكثر حتى يكاد يلعن نفسه أو يخرج من جلده لكي يصبح حضارياً أو حداثياً مقبولاً) (5)
__________
(1) … محمد أركون مرجع سابق ص 15.
(2) … ابن القيم (بتصرف) مرجع سابق ص 880، 891.
(3) … محمد أركون مرجع سابق ص 15.
(4) … أبوجعفر الأزدي الطحاوي عقيدة أهل السنة والجماعة، تعليق محمد بن مانع، مكتبة المعارف الطائف ص8.
(5) … محمد أركون مرجع سابق ص 23-25.(52/273)
لقد أحسن أهل التخريب العقدي وأجادوا في وصف حال المثقفين العرب الذين هم أيضاً من دعاة هذا التخريب، لكن حال أهل التخريب العقدي أمام المثقفين ليس بأفضل من حال المثقفين العرب الذين يهاجمونهم، هاهم يقفون خجلين أمامهم من الخطاب الإسلامي الذي يتحدث عن التوحيد والصلاة والصيام والزكاة والحج والحجاب والجهاد، إنهم يقدسون لغة الغرب ويكتبون بها ويرونها مؤيدة للنقد الفلسفي والتاريخي والعلمي وأن لها أرضية خصبة من الجهاز المفهومي الداعي إلى المزيد من الدقة والتعمق في النقد، أما لغتهم (اللغة العربية) فلا تتحمل اقتران النقد بالعقل الإسلامي، هاهم يعتذرون عن شكلهم غير اللائق ولغتهم غير الحضارية ودينهم المتخلف فيحذرون الإسلاميين من أن خطابهم المتردد على ألسنة الخواص والعوام يمجه جميع الناس في الغرب وأنه لا يتيح إلا المزيد من الرفض والاستبعاد وسوء التفاهم، ويحذرون أيضاً بأن على الخطاب الإسلامي أن يغير من طريقته التي تثير ردود فعل وتحريض للغرب على الإصرار في الهيمنة واستراتيجية الإخضاع والتسيير التحكمي للعالم (الإسلامي) المتخلف ثم يدافعون عن الغرب ويقولون "بأن للغرب حق الحماية لقيم مدنيته والدفاع عن أمانته أمام قوى العنف والتجاهل وعدم التسامح"(1) .
يريد أهل التخريب العقدي خطاباً إسلامياً يتحدث للغرب بلغة ما وراء الحداثة(2) والديمقراطية ومفهومي الفرد والمواطن والتعاقد والتفاعل بين دولة القانون والمجتمع وأن يراعي الجانب الحقوقي والفلسفي للتجربة الديموقراطية وإلا فهو خطاب متخلف يستحق أن يمجه الغربيون ويرفضوه" انتهى كلام الدكتور أحمد خضر -وفقه الله-.
وقال الأستاذ نعمان السامرائي تحت عنوان (محمد أركون ينكر الصحوة الإسلامية):
"محمد أركون ينكر الصحوة ويراها شعاراً سياسياً يتخفى الإسلام والدين خلفه، ويرسم للصحوة صورة، فإذا لم تتحقق فليس هناك صحوة، وباعتباره "علماني" حتى العظم أو مخ العظم، لذا فالإسلام عنده شيء، والسياسة والحكم شيء آخر. بل هو يدعي أن القرآن فيه علمانية والتراث الإسلامي كذلك. ومع ذلك لنقرأ ما يقول: (3) (……وما دامت العلوم الإسلامية الأصلية مجهولة، ولم تدرس على الطريقة التاريخية، والإنسانية، والأنتربولوجية الحديثة، فلا يمكننا أن نقول إن الإسلام "تجدد". طبعاً نرى ملايين من الناس يعيشون بالقيم الإسلامية، يعيشون بالإيمان، لكن هذا لا يدل على أننا قد تمكنا من المعاني الحقيقية الأصلية للدين بصفة عامة، وللدين الإسلامي بصفة خاصة).
الذين تحدثوا عن الصحوة لا حظوا جانب "الالتزام" فمن لم يكن ملتزماً بالإسلام راح "يلتزم" ومن كان لا يعنى ولا يهتم، صار يعنى، ويسأل، ويقرأ، ويهتم. وكما قال البعض : إن طلبة الطب والهندسة من الدار البيضاء إلى جاكرتا، صاروا أكثر تديناً والتزاماً، وهذا لا علاقة له بما يريده (أركون) من الدراسة على الطريقة التاريخية…
فكل ما يطمح الرجل في نشره هو العلمانية، وقراءة القرآن قراءة جديدة غير مقيدة بقواعد اللغة (وقد ناقشت كل ذلك في كتابي: الفكر الاستشراقي والفكر العربي) وأرجو أن لا يُخدع القارئ بما يقوله هذا الرجل "ويغمغم" فيه.
__________
(1) … المرجع السابق ص 21.
(2) … في الوقت الذي يدعونا فيه أهل التخريب العقدي بالتعامل مع الغرب بعقل ما بعد الحداثة فإن هناك من المثقفين العرب من يؤجل دخول مجتمعاتنا الإسلامية هذه المرحلة على أساس أن ما بعد الحداثة نقد غربي يسوي حسابات غربية ولا يقدم لنا مشروعية تاريخية لأن مجتمعاتنا في نظرهم مجتمعات ما قبل الحداثة، وعلى كل فإن ما بعد الحداثة اتجاه ثقافي غربي يسدل الستار على الحداثة كمشهد عابر في العرض المسرحي الممتد للتقدم الثقافي ويرى أن الحداثة قد استنفدت أغراضها وأن قيمتها المعرفية بهتت أو ربما صارت أصباغاً على لوحة لم يعد لها ملامح أو هوية، وما بعد الحداثة مفهوم ينكر ثنائية الحداثة التقليدية ولا يقدم بالضرورة على القطيعة مع الماضي أو الميراث الثقافي ولا يقبل النموذج الارتقائي الذي يجعل المجتمع الأوروبي هو الصورة النموذجية للعالم المتخلف، انظر: محمد السعيد: ما بعد الحداثة ومصير التنوير، العربي عدد 413 إبريل 1993م ص 24-28 وهذا لا يعني أن أهل التخريب العقدي قد عدلوا بهذا المفهوم موقفهم من الإسلام ويكفينا لبيان ذلك أن نشير إلى أنهم أعطوا للوحي مفهوماً يخالف ما هو معروف عنه ونظروا إليه على أنه جملة من الإكراهات والقيود وتكرار الشعائر والطقوس والقيام والقعود وفرض القوالب النهائية الجامدة . (انظر: محمد أركون) مرجع سابق ص 75).
(3) … كل العرب ص 7(52/274)
والرجل بصفته "متغرب" أكثر من الغربيين، لا يريد مطلقاً أن يعترف بفشل الطروحات الغربية بشقيها اللبرالي والماركسي، ولذلك يظل يبحث عن أسباب أخرى للصحوة التي ينكرها، من ذلك كثرة المتعلمين(1): (فالأجيال الطالعة عددها كبير جداً، ولا بد لها من أن تطالب بحقوقها في التعليم المدرسي وفي العمل وفي الحياة المادية التي يعيشها الناس في مجتمعاتنا العصرية، هذه المطالبة لا بد أن تعبر عن نفسها من طريق العمل السياسي ولكن النظام السياسي في المجتمعات الإسلامية لا يسمح باستعمال الخطاب السياسي المحض، لأن هذه المجتمعات وهذه الدول الإسلامية الحديثة تقوم على نظام الحزب الواحد، وأنبتت على زعامة واحدة…).
هناك دول مثل مصر، تونس، تركيا، إندونيسيا، السودان، باكستان، بنغلادش، وغيرها، تسمح بتعدد الأحزاب، وبعضها سمح للحزب الشيوعي بمزاولة النشاط الرسمي، ومع ذلك، فأمر الشباب في هذه البلاد لا يختلف عن سواها، حتى اضطر بعضها لمنع ومصادرة النشاط الإسلامي، فلو كانت القضية "سياسية صرفة"… لتوجه الشباب إلى تلك الأحزاب ومارس من خلالها العمل السياسي.
وحتى في دولة "الحزب الطليعي الأوحد" بإمكان الشباب ممارسة العمل السياسي من خلاله، إذا كان المطلوب هو العمل السياسي لا غير.. وسيكون في أمان ورغد عيش، وأمل في تحقيق المطالب. لكن ذلك لم يحدث!..
إن نظرة أركون "العلمانية" هي التي توحي له بهذا التفسير، لذا لا أتفق معه في قوله: (2) (… ولذلك نرى أن الظاهرة الدينية طغت على مجتمعاتنا(3) -وهذا اعتراف صريح- لأن هؤلاء الشباب أجبروا على استعمال الواسطة الدينية، المعجم الديني، للتعبير عن حاجاتهم السياسية. والحقيقة أننا نستمع إلى خطاب سياسي، بعبارات دينية، وهذه الظاهرة مهمة جداً خصوصاً في مجتمعاتنا الإسلامية، لأننا لا نجدها في المجتمعات الغربية، حيث يسمح تعدد الأحزاب بالتعبير السياسي المباشر، من دون الحاجة إلى استعمال واسطة الدين للنضال، أو للتعبير عن حاجات المواطن في مجتمعه، ولذلك نرى في تلك المجتمعات انفصالاً بين الدين والسياسة).
هذا الانفصال هو "العلمانية" التي باتت مستقرة في الغرب، والتي وجدت في الأجواء المسيحية، حيث جفت ينابيع المسيحية وتصلبت كما يقول الناقد البريطاني "كولن ولسن" والتي تخلو من التشريع، والتي مارست الكنيسة في عصور خلت ألواناً من الإرهاب، لا مثيل له، وكل هذا وغيره لا وجود له في الإسلام، ولكن "هوس" أركون "بالعلمانية"، وإعجابه بالغرب، يجعله لا يرى في الصحوة الإسلامية إلا واجهة سياسية، يرفضها من منطلقه العلماني الضيق. بينما يدرك أساتذته المستشرقون أن الإسلام دين شامل يهتم بالدولة كما يهتم بالصلاة، ولا تفريق بين الدنيوي والأخروي (وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا).
فالعلمانية إيمان ببعض الكتاب، وكفر بأكثره، وهي بعيدة عن الإسلام، وقد نبتت في غير أرضه، وبين قوم ليسوا بمسلمين.
قضية أخرى وهي أن مندوب المجلة علماني، ولذلك فهو يوجه الحديث كذلك.
قضية ثالثة يشكو منها أركون ويطالب بها بإلحاح: أن يُفسح له مجال التوجيه. والرجل يُستقبل عادة استقبال الفاتحين، ويوصف "بالمفكر العربي الكبير وصاحب النظريات" وتوضع في خدمته الإذاعات وغيرها، ومع ذلك فهو يشكو، ويشكو، ويطالب الحكومات، أن تشجع على "الفكر النقدي"، وهذا الفكر يقول: بأن القرآن كتب إملائياً في القرن الرابع عشر للميلاد، وأن السُنّة جرى عليها الحذف والاختيار، وأن الإمام الشافعي هو الذي جعل منها مرجعاً، وأن التفسير الصوفي الإشاري وعلم الجفر الشيعي يشكلان حقيقة مكتومة مموهة، وهما أفضل من التفسير السني الحرفي!!…
هذا الفكر، أو "المراهقة الفكرية" يريد صاحبها نشرها اليوم، وهو يتصور نفسه "قائد عميان" !. لا يا أستاذ السوربون، ما كل بضاعة "نافقة" في السوربون، وفي مؤتمرات المستشرقين المظلمة العفنة، يمكن أو يجب أن تنشر في أوساط المسلمين، ولو منحتك السوربون ألف شهادة وألف لقب و"لمّعتك" بكل دهون العالم. ولقد حاول قبلك الدكتور طه حسين فلم ينجح، فلا تتعب نفسك! …
هناك كذبة يروجها الكاتب قائلاً: (4) (… ونسبة إلى القوة العظيمة التي تعمل على المستوى الدولي لإضعاف القوى المجددة عندنا، وتشجيع القوى التي تؤيد المواقف الرجعية، وعندما أقول الرجعية، أقصد على وجه التحديد الرجعية العقلانية، لأن هناك رجعية ثقافية عقلانية…)
أركون شيخ الرجعيين:
جلوس أركون على عرش السوربون، جعله يعتقد أن ذلك وحده يكفي لنفي صفة الرجعية عنه. والرجعية: صفة في العقل، ولوث في القلب، ومنهج في الفكر. وجلوس الإنسان في السوربون، أو الربع الخالي لا دخل له في ذلك. كما أن مدح "البعض" لا يعني أن الممدوح بعيداً عن الرجعية أو "الرجعة" الشيعية.
فلنجرب قراءة هذه النصوص لشيخ الرجعية الأركونية ثم نحكم بعد ذلك:
__________
(1) … كل العرب ص 7.
(2) … كل العرب ص 7.
(3) … الرجل مجاور في باريس من أيام الدراسة، وقد رفض العودة للجزائر قديماً وحديثاً.
(4) … كل العرب ص 8.(52/275)
يقول شيخ السوربون وهو يتحدث عن الشيعة: (1) (إن حركة المطالبة بالشرعية، التي سينشأ عنها "حزب الشيعة" تحقق كذلك دلالة محتملة في القرآن، والتجربة النبوية. إن "الإمام" شأنه شأن النبي، يحظى بتأييد الله، لمتابعة مهمة شاقة، هي مهمة التجسد الإلهي في الإنسان، تجسد الروحي في الزمني، والمقدس في العادي، ولكن هذه النظرية ستزداد وضوحاً بالتدريج…).
فإذا لم تكن هذه الإفكار "الحلولية" من الرجعية فما الرجعية إذن؟؟.
نتيجة تلاقح الفكر الشيعي بالإشراق التصوفي، سنحصل على فكر تقدمي في نظر أستاذ السوربون: (2) (الإمامية أو الإثنا عشرية، تجعل سلسلة الأئمة المعصومين من سلالة النبي تقف عند اثني عشر، بدءاً من "علي" .. وإن تعاليم هؤلاء الأئمة -وقد أهملها أهل السنة المسلمون- تؤلف السنة الحية، التي جمعها ونظمها "الكليني وابن بابويه" خاصة… وبالاتصال بالفلسفة الإشراقية، سيزدهر الفكر الإمامي بعد النهضة الصوفية في إيران…).
هناك أخبار تُسند إلى جعفر الصادق رضي الله عنه، بأن لديه علم اسمه "علم الجفر" مودع في كيس من جلد فيه، علم الأنبياء والأوصياء وعلم بني إسرائيل(3). ولا يشك عاقل في كذب الخبر، ومع ذلك لنقرأ هذا النص: (4) (من العسير علينا إعادة بناء العالم العلمي لشخص مثل "جعفر
الصادق" المتوفى سنة 765، وفيه يُرى التراث الإسلامي(5) بآنٍ واحد، وأنه رائد رمزي "علم الجفر" أو المعرفة الأخروية الخاصة بالأنبياء، ثم هي خاصة بورثة "علي" …. فإن الثابت أن فكراً علمياً جديداً، قد نشأ في المدينة من حول "جعفر" وقد طبقت تقنيات تحقيق روحي، متصلة بالرمزية السيميائية، على تفسير القرآن…) ا هـ.
وحتى يفهم القارئ "علم الجفر" لا بد أن يقرأ خبره في كتب الشيعة أولاً، ثم ليحكم بعد ذلك من هو الرجعي؟ .
فقد نقل "الكليني" وهو عند أركون في مستوى البخاري ومسلم. نقل أن رجلاً من الشيعة سأل جعفر الصادق رضي الله عنه عن هذا العلم فكان جوابه(6) (إن عندنا "الجفر"، وما يدريهم ما الجفر؟ وعاء من أدم(7)، فيه علم النبيين والوصيين، وعلم العلماء الذي مضوا من بني إسرائيل. وإن عندنا مصحف فاطمة عليها السلام، وما يدريهم ما مصحف فاطمة؟ فيه مثل قرآنكم ثلاث مرات، والله ما فيه من قرانكم حرف واحد).
وإذا فهمنا علم الأنبياء وعلم الأوصياء، فما هي علوم بني إسرائيل؟؟.
والرسولل عليه السلام وجد يوماً صحيفة من التوراة في يد عمر بن الخطاب، فغضب واحمر وجهه، وقال: "لو كان أخي موسى حياً لما وسعه إلا أن يتبعني" . فماذا في جلد "الديناصور" الذي يعجب به شيخ السوربون؟؟!!…
وما هو العلم الذي نشأ في المدينة حول "الصادق"؟ وما هي السيمياء التي يعشقها أستاذ السوربون؟ لماذا لا يُطلعنا عليها، فنزدد علماً أو جهلاً؟؟.
وأخيراً كان هناك جاسوس إسرائيلي، في بلد عربي اسمه "كوهين"، استلم الإذاعة، وكانت هوايته المفضلة شتم "الرجعية" صباح مساء، كما كان يؤمن بالفكر النقدي، ومارس هوايته سنوات ثم سقط، وله أخ في مصر كان يفعل الشيء نفسه، اسمه (ليفي)، واسمه العربي (وحيد السعداوي) كان يشرف على برامج إذاعية، وكان يسب الرجعية بلا انقطاع !
أركون والعلمانية :
حينما يكون المتحاوران علمانيين يعجب الإنسان كيف تحوّر وتموّه الحقائق. لنستمع أولاً للمندوب العلماني وهو يسأل أركون: (8) (من منطلق تفسيرك لموضوع الصحوة الإسلامية هناك استنتاج رئيسي مفاده: أن الأجيال والقوى الناهضة تحاول استغلال الدين كغطاء لحركتها السياسية، ألا ترى في ذلك تحميلاً للدين فوق طاقته، وتجاوزاً لرسالته؟ .
جواب أركون: إن هذا تزييف للدين وابتعاد عن المقصود الأسمى منه، لأن المقصود الأسمى من الدين معرفة الله، والديانة تكون مناجاة العبد لربه، وهذه المناجاة تكون: في الصلاة، في الحج، تكون في الصيام، تكون في الفروض الخمسة… أدافع عن التفريق بين مستوى الحياة الدينية -كما ذكرت- ومستوى الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية، أو ما يمكن أن نسميه الاتجاه أو الوضع العلماني الدنيوي، يجب أن نفصل بين هذين المستويين. هناك تيار قوي يقول إن الإسلام: دين، ودولة، ودنيا. وعندي أن هذا خلط بين مستويات مختلفة من المعاني، والقيم، ومن الوظائف… هناك -للأسف- خلط بين الدين والدنيا والدولة، مع أن الفكر المعاصر والنقد العلمي المعاصر يدلان على أن تلك الاتجاهات أو تلك الأوضاع بين الدين والدولة يجب أن تُميز…).
__________
(1) … الفكر العربي محمد أركون ص 62.
(2) … المرجع السابق ص 108.
(3) … وهذا يقتضي أن يكون جلد فيل أو "ديناصور" خصوصاً إذا تذكرنا أدوات الكتابة في تلك العصور!..
(4) … الفكر العربي ص 68.
(5) … التراث أم شيخ الرجعية والحلولية ؟
(6) … أصول الكليني ص 146.
(7) … جلد.
(8) … كل العرب ص 8-9.(52/276)
هذه هي العلمانية، والرجل يجاهر ويفاخر بها، ثم يعود ليصف نفسه بأنه المدافع عن الإسلام والمتحدث باسمه، والذي لا يفوت مؤتمر في مشرق الأرض أو مغربها إلا ويحضره، ثم يلوك مثل هذا الكلام، ويدعي بأن القرآن يحوي العلمانية ويشتمل عليها، لكنه لا يقول مطلقاً في أي آية من كتاب الله وجدها؟؟ !!.
وفي الختام يرفض الرجل أن يقر بأن تغيراً حدث في حال المسلمين، وعلى الناس أن يقنعوه بذلك، لأنه لا يتمنى ذلك ولا يريده، وهو عاجز عن التعليل)) ا.هـ كلام الدكتور السامرائي -وفقه الله- من كتاب: (الصحوة الإسلامية في عيون مختلفة، ص 49-56).
قلت: ومن أراد الزيادة عن فكر (محمد أركون) فليرجع إلى الدراسة القيمة التي عملها الأستاذ محمد بريّش عن فكره ونشرها على حلقات في مجلة (الهدى) المغربية:
الحلقة الأولى: مدخل الدراسة في العدد 13، جمادى الأولى، 1406هـ يناير فبراير 1986 (ص 28-33).
الحلقة الثانية: من هو محمد أركون، في العدد 14، رمضان ذو العقدة، 1406هـ ، ماي- يوليو 1986، ص 23-43.
الحلقة الثالثة: لماذا محمد أركون ؟ العدد 15، ربيع الثاني ، 1407هـ، 1986م، ص 42-64.
الحلقة الرابعة: ماذا يريد محمد أركون؟ أو (علمنة الإسلام -الجزء الأول- على عتبة المشروع). العدد 16/17/18، صفر -ربيع الأول- رجب ، 1408هـ ، أكتوبر 1987- 1988م، ص 20-36.
وليرجع أيضاً إلى كتاب (حوار مع علي حرب، نصر حامد أبو زيد، محمد أركون) للأستاذ عمر عبد الله كامل.
وإلى كتاب (الفكر العربي والفكر الاستشراقي بين د. محمد أركون ود. أدوارد سعيد) للدكتور نعمان السامرائي.
وليرجع -أيضاً- إلى مقال بعنوان "محمد أركون ومشروعه النقدي" للأستاذ محمد بوراس، منشور في مجلة البيان، العدد 179.
وإلى مقال "تناقضات مشروع محمد أركون الفكري" للدكتور عاصم حمدان. مجلة "أهلاً وسهلاً"، عدد أكتوبر 2001م، ص 14-16.
=======================(52/277)
(52/278)
نظرة شرعية في أدب الدكتورة سعاد الصباح
تعريف بالدكتورة سعاد الصباح وبمؤلفاتها ونشاطاته
هي الشاعرة الدكتورة سعاد بنت عبد الله المبارك الصباح من الأسرة الحاكمة بالكويت.
ولدت عام 1942م في مدينة البصرة بالعراق.
متزوجة من الشيخ عبد الله المبارك الصباح، الذي توفي بعد غزو العراق للكويت.
حصلت على بكالوريوس الاقتصاد من جامعة القاهرة عام 1972م.
حصلت على الدكتوراه في التنمية والتخطيط من جامعة ساري ببريطانيا عام 1981م.
عضوة في عدة مجالس ومراكز منها :
عضو مجلس أمناء اللجنة التنفيذية في منتدى الفكر العربي (عمان).
مؤسسة وعضو في مجلس أمناء اللجنة التنفيذية للمنظمة العربية لحقوق الإنسان، (القاهرة).
عضو اللجنة التنفيذية للمنظمة العالمية للنساء المسلمات!
عضو الاتحاد العالمي لاقتصاديات الطاقة.
عضو مؤازر لمركز دراسات الوحدة العربية (بيروت).
عضو اللجنة التنفيذية لجمعية (أوليف بادن) الدولية.
عضو في مركز الدراسات العبرية في جامعة اليرموك.
عضو مجلس إدارة مشروع بحوث الشرق الأوسط والمعلومات -واشنطن.
عضو اللجنة التنفيذية بالمجلس العربي للطفولة.
عضو المجلس الاستشاري لمنظمة تخطيط السكان في الوطن العربي التابعة للأمم المتحدة - لندن.
حاضرت في العديد من الجامعات العربية والأجنبية، وشاركت في المؤتمرات العربية والعالمية عن مشكلات الوطن العربي والشرق الأوسط.
متخصصة في اقتصاديات التنمية والنفط وتخطيط الموارد البشرية، ولها العديد من الدراسات والأبحاث والكتب في هذه المجالات، منها :
التخطيط والتنمية في الاقتصاد الكويتي ودور المرأة (لندن 1983).
الكويت: أضواء على الاقتصاد الكويتي (لندن 1985).
أوبك بين تجارب الماضي وملامح المستقبل، (لندن1986).
السوق النفطي الجديد، السعودية تسترد زمام المبادرة (لندن، 1986).
المرأة الخليجية ومشاركتها في القوى العاملة، (لندن، 1987م).
أزمة الموارد في الوطن العربي (بيروت، 1989م).
لها عدة دواوين شعرية منشورة أهمها:
أمنية: (القاهرة، 1971).
إليك يا ولدي: (القاهرة، 1982).
فتافيت امرأة: (بغداد، 1986).
في البدء كانت الأنثى: (لندن، 1988). (بيروت1994).
حوار الورد والبنادق: (لندن، 1988).
برقيات عاجلة إلى وطني.
قصائد حب: (القاهرة 1992).
امرأة بلا سواحل: (القاهرة 1994).
خذني إلى حدود الشمس: (القاهرة 1998 ط2).
القصيدة أنثى والأنثى قصيدة: (الكويت 1999).
-وقد صدر لها كتابان:
هل تسمحون لي أن أحب وطني (القاهرة 1992): وهو عبارة عن مقالات عن أزمة الخليج.
حقوق الإنسان في العالم المعاصر (الكويت 1999ط 3) (1).
نظراً لوجاهة الدكتورة وثرائها فإنها تملك داراً للنشر باسمها (دار سعاد الصباح) أقامتها في قصرها القديم بجاردن ستي بالقاهرة، وهي تنشر خلالها دواوينها ومؤلفاتها، إضافة إلى ما تستحسنه من مؤلفات الآخرين مما يوافق ميولها!(2).
ظاهرة تهييج النساء في شعر الدكتور سعاد الصالح :
من يقرأ دواوين الدكتور لا شك سيلاحظ تلك النغمة المتكررة التي تظهر بوضوح في مقدمات وقصائد تلك الدواوين عن قضية المرأة واضطهادها وظلمها في عالمنا العربي، حيث لا يُسمح لها ببث مكنونات نفسها، وأحاسيسها وعواطفها أمام الآخرين، وأن الشاعرة لأجل هذا تود التمرد على هذا الكبت من خلال التصريح بحبها ونشرها لقصائد الغزل بمن تحبه، بعيداً عن تسلط (القبيلة)! التي لا ترتضي مثل هذا إلا من (الذكور)!
وقد وقعت الدكتورة في الكثير من (التهويل) الذي لا يوافق الواقع، إضافة إلى أنها قد تجاوزت في عباراتها (الثورية) تلك إلى ما لا يجوز لها الوقوع فيه.
ولنستمع إلى شيء من أقوالها تبين ما قلته:
1-تقول الدكتور في مقدمة ديوانها (فتافيت امرأة) في قصيدة بعنوان (فيتو.. على نون النسوة)!
(يقولون: إن الكتابة إثم عظيم فلا تكتبي. وإن الصلاة أمام الحروف.. حرام فلا تقربي) (3).
إلى أن تقول: (وها أنذا.. قد كتبتُ كثيراً، وأضرمت في كل نجم حريقاً كبيراً، فما غضب الله يوماً عليَّ، ولا استاء مني النبي) (4).
وفي هذا النقل من الدكتورة تجاوزات كثيرة وانحرافات خطيرة:
أولاً: أنها اتهمت الآخرين بأنهم يقولون بأن الكتابة بالنسبة للمرأة (إثمٌ عظيم)، وفي هذا افتراء عليهم، حيث لم يقل بهذا القول، وهو منع النساء من الكتابة سوى أفراد من البشر ظنوا أن المرأة حين تتعلم الكتابة سينفتح أمامها باب عظيم من أبواب الفتنة، حيث ستقرأ وتكتب ما لا يجوز قراءته وكتابته، فلهذا قرروا منعها من الكتابة، واختاروا عدم جوازه لها، مخالفين بذلك سنة النبي صلى الله عليه وسلم .
وقد اشتهر في الباب كتاب الشيخ نعمان الآلوسي المسمى (الإصابة في منع النساء من الكتابة) (5)!
ولكن هذا الرأي الشاذ مخالف لسنة صلى الله عليه وسلم أمر بتعليم المرأة؛ وذلك بقول صلى الله عليه وسلم للشفاء بنت عبد الله -رضي الله عنها- التي كانت ترقي من النملة(6): "علميها حفصة، كما علمتيها الكتابة".
قال الشيخ الألباني -رحمه الله- معلقاً على هذا الحديث: (في هذا الحديث فوائد كثيرة، أهمها اثنتان:
الأولى: …(52/279)
والأخرى: مشروعية تعليم المرأة الكتابة. ومن أبواب البخاري في (الأدب المفرد) (رقم 1118): (باب الكتابة إلى النساء وجوابهن). ثم روى بسنده الصحيح عن موسى بن عبد الله قال: (حدثتنا عائشة بنت طلحة قالت: قلت لعائشة -وأنا في حجرها، وكان الناس يأتونها من كل مصر، فكان الشيوخ ينتابوني لمكاني منها، وكان الشباب يتأخوني فيهدون إلي، ويكتبون إليّ من الأمصار، فأقول لعائشة- يا خالة هذا كتاب فلان وهديته. فتقول لي عائشة: أي بنيّة! فأجيبيه وأثيبيه، فإن لم يكن عندك ثواب أعطيتك، قالت: فتعطيني).
قلت: وموسى هذا هو ابن عبد الله بن إسحاق بن طلحة القرشي، روى عن جماعة من التابعين، وعنه ثقتان، ذكره ابن أبي حاتم في (الجرح والتعديل (4/1/150) ومن قبله البخاري في (التاريخ الكبير (4/287) ولم يذكرا فيه جرحاً ولا تعديلاً، وقد ذكره ابن حبان في (الثقات)، وقال الحافظ في (التقريب): (مقبول). يعني عند المتابعة، وإلا فهو لين الحديث.
وقال المجد ابن تيمية في (منتقى الأخبار) عقب الحديث: (وهو دليل على جواز تعليم النساء الكتابة).
وتبعه على ذلك الشيخ عبد الرحمن بن محمود البعلبكي الحنبلي في (المطلع) (ق107/1)، ثم الشوكاني في (شرحه) (8/177)، وقال: (وأما حديث "لا تعلموهن الكتابة، ولا تسكنوهن الغرف، وعلموهن سورة النور" فالنهي عن تعليم الكتابة في هذا الحديث محمول على من يخشى من تعليمها الفساد).
__________
(1) … وهو كتاب يعرض بنود وثائق الإنسان في العالم، مع إحسان للظن بها! وقد وقعت الدكتورة في زلة عند عرضها (لحقوق الإنسان في الإسلام) عندما زعمت أن الإسلام يساوي بين الناس جميعاً: (دونما تفريق بينهم على أساس الانتماء الديني) (ص19) !! وهذا جهل بشريعة الله التي مايزت بين المسلمين والكفار في أحكام كثيرة - لا مجال لعرضها الآن، وهي مما لا تخفى على مسلم، قال تعالى (أم نجعل المتقين كالفجار) فدين الإسلام هو (دين العدل) الذي يضع كل إنسان في مكانه، لا (دين المساواة)، كما تزعم الدكتورة.
(2) … استفدت الترجمة من: مجلة الفيصل (العدد 206 ص 118)، وكتاب "الدكتورة سعاد الصباح" للدكتور مكي محمد سرحان، وكتاب "قراءات في نقد اليسار العربي" لحسين معلوم، وديوانها "قصائد حب"، و"معجم البابطين" (2/436)، و"أدباء وأديبات من الخليج العربي" لعبد الله الشباط (ص 246).
(3) … فتافيت امرأة (16).
(4) … فتافيت امرأة (16).
(5) … مخطوط في مكتبة الأوقاف ببغداد (انظر فهرس مخطوطاتها 1/383).
(6) … هي قروح تخرج في الجنب.
قلت (القائل الألباني رحمه الله): وهذا الكلام مردود من وجهين:
الأول: أن الجمع الذي ذكره يُشعر أن حديث النهي صحيح، وإلا لما تكلف التوفيق بينه وبين هذا الحديث الصحيح. وليس كذلك، فإن حديث النهي موضوع كما قال الذهبي. وطرقه كلها واهية جداً، وبيان ذلك في (سلسلة الأحاديث الضعيفة) رقم (2017)، فإذا كان كذلك فلا حاجة للجمع المذكور، ونحو صنيع الشوكاني هذا قول السخاوي في هذا الحديث الصحيح (إنه أصح من حديث النهي)! فإنه يوهم أن حديث النهي صحيح أيضاً.
والآخر: لو كان المراد من حديث النهي من يخشى عليها الفساد من التعليم لم يكن هناك فائدة من تخصيص النساء بالنهي، لأن الخشية لا تختص بهن، فكم من رجل كانت الكتابة عليه ضرراً في دينه وخلقه، أفينهى أيضاً الرجال أن يتعلموا الكتابة؟! بل وعن تعلم القراءة أيضاً لأنها مثل الكتابة من حيث الخشية!
الحق أن الكتابة والقراءة نعمة من نعم الله تبارك وتعالى على البشر كما يشير إلى ذلك قوله عز وجل: (اقرأ باسم ربك الذي خلق، خلق الإنسان من علق، اقرأ وربك الأكرم، الذي علم بالقلم) وهي كسائر النعم التي امتن الله بها عليهم، وأراد منهم استعمالها في طاعته، فإذا وجد فيهم من يستعملها في غير مرضاته، فليس ذلك بالذي يخرجها عن كونها نعمة من نعمة، كنعمة البصر والسمع والكلام والكلام وغيرها، فكذلك الكتابة والقراءة، فلا ينبغي للآباء أن يحرموا بناتهم من تعلمها شريطة العناية بتربيتهن على الأخلاق الإسلامية، كما هو الواجب عليهم بالنسبة لأولادهم الذكور أيضاً، فلا فرق في هذا بين الذكور والإناث.
والأصل في ذلك أن كل ما يجب للذكور وجب للإناث، وما يجوز لهم جاز لهن ولا فرق، كما يشير إلى ذلك قوله صلى الله عليه وسلم "إنما النساء شقائق الرجال"، رواه الدارمي وغيره، فلا يجوز التفريق إلا بنص يدل عليه، وهو مفقود فيما نحن فيه، بل النص على خلافه، وعلى وفق الأصل، وهو هذا الحديث الصحيح، فتشبث به ولا ترض به بديلاً، ولا تصغ إلى من قال:
ما للنساء وللكتابة …. والعمالة والخطابة .
هذا لنا ولهن منا…. أن يبتن على جنابة !
فإن فيه هضماً لحق النساء وتحقيراً لهن، وهن كما عرفت شقائق الرجال. نسأل الله تعالى أن يرزقنا الإنصاف والاعتدال في الأمور كلها) (1). انتهى كلام الألباني -رحمه الله-.
ثانياً: من الملاحظات على الدكتورة: قولها بأنها قد كتبت كثيراً (فما غضب الله عليها، ولا استاء منها النبي صلى الله عليه وسلم ).(52/280)
وهذا تألٍ على الله وعلى رسول صلى الله عليه وسلم ، فما أدراها بأن الله لم يغضب عليها؟!
فالدكتورة قد شابهت بقولها هذا قول من قال: (لن تمسنا النار إلا أياماً معدودةً) فرد الله عليهم بقوله: (قل أتخذتم عند الله عهداً فلن يخلف الله عهده أم تقولون على الله ما لا تعلمون).
أفتقولين -يا دكتورة- على الله ما لا تعلمين ؟!
إن كنت ظننت أن الله لم يغضب عليك بسبب توالي نعمه الدنيوية عليك من مالٍ وجاه، فهذا -والله- ظن من لم يعرف سنن الله في خلقه، لأن الله قد يُنعم على أعدائه النعم المتواترة استدراجاً منه لهم، كما قال سبحانه: (أيحسبون أنما نمدهم به من مالٍ وبنين، نسارع لهم في الخيرات بل لا يشعرون)، وقال تعالى: (كلا إن الإنسان ليطغى، أن رءاه استغنى).
فالحذر الحذر يا دكتورة من مكر الله، (فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون). ولا تغتري بما أنت فيه من نعم دنيوية، وتنسبي ذلك إلى رضا الله عنك، وأنت ترتكبين التجاوزات في أشعارك. فإنه لا ارتباط بين الاثنين، كما سبق. بل على المرء أن يقيس أعماله بكتاب الله وسنة رسول صلى الله عليه وسلم ، فإن وافقتها فليحمد الله على فضله، وإن خالفتها فليراجع نفسه، ولينته عن ذنوبه.
2-تقول الدكتورة: (أنا الخليجية الهاربةُ من كتاب ألف ليله ووصايا القبيله وسُلطة الموتى) (2).
قلت: أما كتاب (ألف ليلة وليلة) فهو كتاب في الأدب والقصص الشعبي، قد ألفه صاحبه -أو أصحابه على خلاف في ذلك- زمن المماليك، وفيه الكثير من الكذب والافتراءات على خلفاء المسلمين- لا سيما هارون الرشيد-، خلاف ما فيه من المواقف والعبارات البذيئة، والإغراق في قصص الجن والسحرة(3).
ولكن يهمنا منه ما تُلمح إليه الدكتورة، وهو موقفه من المرأة، حيث صورها في صورة الجارية التي تزف إلى الرجل ليستمتع بها ثم يقتلها، وذلك في
القصة الرئيسة لهذا الكتاب، وهي قصة الملك شهريار الذي يقتل كل جارية تُزفُ إليه بعد ما يستمتع بها، ما لم تنفذ شرطه.
__________
(1) … سلسلة الأحاديث الصحيحة، للألباني (1/295-297)، وللشيخ محمد شمس الحق العظيم آبادي رسالة مطبوعة بعنوان (عقود الجمان في جواز تعليم الكتابة للنسوان).
(2) … ديوان فتافيت امرأة (51).
(3) … انظر (كتب حذر منها العلماء) لمشهور حسن سلمان (2/57-62).
فالدكتورة -هداها الله- قد اتخذت من شهريار رمزاً لكل الرجال في عصرها، وهذا مخالف للواقع، ومخالف لشرع الله الذي يعامل المرأة أكرم معاملة، ويحرص على أن تنال حقوقها كاملة، لأنها شقيقة الرجال كما أخبر بذلك r(1).
فحديث الدكتورة قد يصدق على بعض الشواذ من الرجال الذين اتخذوا من المرأة مجرد لعبة وجارية يقضون منها وطرهم ثم يُلقون بها ويلفظونها لفظ النواة، ولكنه لا يصدق على عامة الرجال، لا سيما الذي يعاملون المرأة كما أمرهم الله -عز وجل-
أما قولها: (وصايا القبيلة وسلطة الموتى) فلم تبين ما تقصد منها؛ لأن المسلم عليه أن يتبع كلام الله وكلام رسول صلى الله عليه وسلم في جميع أقواله وأفعاله، لا أن يتبع (وصايا القبيلة) أو (سلطة الموتى)!
فليت الدكتورة بينت مرادها لكي لا تذهب بالقارئ الظنون، فيظن السوء بالدكتورة.
3-تقول الدكتورة: (أنا الخنجر البحريُ الأزرق الذي لن يستريح حتى يقتل الخرافة…)(2)!
ونحن مثل الدكتورة لن نستريح حتى نقتل الخرافة! فالخرافة عندنا هي أن يُعَبَّد البشر لغير خالقهم، فيعظمون لأجل ذلك الأحجار، والأصنام، أو المخلوقات، ويصرفون لهم شيئاً من الأقوال أو الأفعال التي لا تجوز إلا لله -عز وجل-
هذه هي الخرافة التي أُنزلت الكتب وأُرسلت الرسل لقتلها وتحرير الناس من أسرها، وإخراجهم من ظلماتها إلى نور التوحيد.
فهل خرافة الدكتورة كخرافتنا ؟!
أم أن لها مفهوماً آخر عندها ؟!
المعنى في بطن (الشاعرة)!
4-وتقول: (أيها السيدُ.. إني امرأة نفطية تطلع كالخنجر من تحت الرمال تتحدى كتب التنجيم، والسحر..وإرهاب المماليك..) (3) .
قلت: نحن مثل الدكتورة نتحدى بل نحارب كتب التنجيم والسحر، لأنها من الشعوذة والخرافة التي جاء الإسلام بهدمها، بل كفَّر منتحليها(4).
ولكن: هل تعني الدكتورة ما نعينه من هذه الدلالات ؟! أم أنها تعني أمراً آخر؟! العلم في (بطن الشاعرة) كما سبق، لأنها اتخذت المذهب الرمزي منهاجاً لها في كثير من أقوالها التي لا تود البوح بها.
5-وتقول: (أخرج من بطن الخرافة وأسنان شيخ القبيلة.. وفناجين القهوة العربية، وأخلع الحذاء الصيني الضيق. من عقلي .. ومن قدمي..وأذهب معك إلى آخر الحرية..) (5).
قلت: قد سبق ترديد الدكتورة لمثل هذه الألفاظ (الخرافة) (القبيلة) ولكنها لا تبين ما تقصد بها، والمسلم يرفض أن يكون أسيراً (للخرافة) أو (شيخ القبيلة)، بل هو أسير التعاليم الإسلام؛ لأن الله قد أمره بذلك، وهو إنما يفعل هذا ابتغاء رضوان الله.
أما إن كانت الدكتورة تقصد (بالخرافة) و(شيخ القبيلة) تعاليم الشريعة الإسلامية فبئس ما أوحى به شيطانها حيث أوقعها في المهلكة، كما سبق.
ونحن لا نُلزم الدكتورة بما لم يصدر منها (تصريحاً).(52/281)
6-وتقول : (هذي بلاد لا تريد امرأةً تمشي أمام القافلة..) (6).
قلت: لا مانع أن تمشي المرأة أمام القافلة ما دامت ملتزمة بالحجاب الشرعي! أما إن عنت الدكتورة بأمام القافلة أن تكون رئيسة أو متصدرة لأهل القافلة، فقد قا صلى الله عليه وسلم "لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة"(7). (وما كان لمؤمن ولا مؤمنةٍ إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم).
7-وتقول الدكتورة: (قد كان بوسعي، -مثل جميع نساء الأرض- مغازلة المرأة.
قد كان بوسعي،
أن أحتسي القهوة في دفئ فراشي.
وأمارس ثرثرتي في الهاتف.
دون شعور بالأيام.. وبالساعات.
قد كان بوسعي أن أتجمل..
أن أتكحل.
أن أتدلل.
أن أتحمص تحت الشمس.
وأرقص فوق الموج.
ككل الحوريات .
قد كان بوسعي
أن أتشكل بالفيروز، وبالياقوت،
وأن أتثنى كالملكات.
قد كان بوسعي أن لا أفعل شيئاً
أن لا أقرأ شيئاً.
أن لا أكتب شيئاً
أن أتفرغ للأضواء .. وللأزياء.. وللرحلات..
قد كان بوسعي
أن أرفض
أن لا اغضب
أن لا أصرخ في وجه المأساة
قد كان بوسعي،
أن أبتلع القمع
وأن أتأقلم مثل جميع المسجونات
قد كان بوسعي
أن أتجنب أسئلة التاريخ
وأهرب من تعذيب الذات
قد كان بوسعي
أن أتجنب آهة كل المحزونين
وصرخة كل المسحوقين
وثورة آلاف الأموات
لكني خنت قوانين الأنثى
واخترت مواجهة الكلمات..) (8)
قلت: وهذا الكلام من الدكتورة لا يحتاج إلى تعليق، وقد سبق مثله مما يصب في موضوع تهييج النساء المسلمات بالكلمات العاطفية التي تضر ولا تنفع.
8-وتقول الشاعرة عن حبيبها (الرجعي)!
(يا هولاكو الأول.. يا هولاكو الثاني. يا هولاكو التاسع والتسعين.
__________
(1) … في قول صلى الله عليه وسلم "إنما النساء شقائق الرجال". أخرجه أحمد (25796)، والترمذي (113)، وأبو داود (236) وصححه الألباني في صحيح الجامع (2333).
(2) … ديوان فتافيت امرأة (55).
(3) … ديوان فتافيت امرأة (37) .
(4) … انظر حكم هذه الأعمال في: كتاب (تيسير العزيز الحميد شرح كتاب التوحيد) للشيخ سليمان بن عبد الله آل الشيخ -رحمه الله-. (ص333 وما بعدها)، ورسالة: (التنجيم والمنجمون وحكمهم في الإسلام) لعبد المجيد المشعبي.
(5) … ديوان قصائد حب (105).
(6) … ديوان خذني إلى حدود الشمس (7).
(7) … أخرجه البخاري.
(8) … ديوان في البدء كانت الأنثى (15-23).
لن تدخلني بيت الطاعة، فأنا امرأة .. تنفر من أفعال الأمر) (1).
9-وتقول أيضاً:
(ليست الديمقراطية أن يقول الرجل رأيه في السياسة دون أن يعترضه أحد الديمقراطية أن تقول المرأة رأيها في الحب.. دون أن يقتلها أحد !!) (2)
10-وتقول -أيضاً-: (كل شيء من حولنا يتساقط.. الفرح.. والطفولة..
ودفاتر الشعر،
وشجر الأحلام.
كل شيء يضيق.
حتى مساحة البحر.
ومساحة الحرية
حتى الشمس في هذا العصر الظلامي
أخذوها من بيتها ..
وحكموا عليها بالسجن خمسة عشر عاماً
بتهمة توزيع رسائلها الضوئية
على نوافذ المواطنين..
حتى ضوء القمر
ألصقوا صوره على كل جدران المدينة
وطلبوا إلقاء القبض عليه
حيا.. أو ميتا ..
حتى سنابل القمح
وضعوها في الإقامة الجبرية
ومنعوا العصافير من زيارتها
حتى كلامنا في المقهى .. أو على الهاتف ..
مسجل على أشرطة
ومحفوظ في أرشيف المباحث العامة ..
إنهم يحاولون أن يغتالوا القصائد
ويحرقوا غابات الحب الخضراء
ويستأصلوا رجولة الرجال
وأنوثة النساء
ولكننا ..
سنتحداهم بكل طاقاتنا عن الحب
لأن الحب وحده ..
هو الذي سيطرد جحافل البرابرة
ويوقف هجمة عصور الإنحطاط.. ) (3).
11-وتمارس الدكتورة في مقدمة ديوانها (خذني إلى حدود الشمس) مهمة تهييج النساء المسلمات ودعوتهن بالكلمات العاطفية الرنانة للتمرد على أوضاعهن لكي يتابعنها على ما هي فيه من تحرر مما تراه من قيود (الرجعية) التي تكبلها بالأوامر والنواهي، وقد صرحت الدكتورة -وهي قليلة التصريح!- بأن الحجاب الشرعي يعد من هذه القيود التي كبلت المرأة في زمان مضى !! -والعياذ بالله- إلى أن استطاعت التخلص منه بموجة التحرير التي هبت على معظم بلاد الإسلام في القرن الماضي.
وهذا مما تباركه الدكتورة وتطالب بالمزيد منه! تقول الدكتورة المتحررة من الحجاب: (هذه قصائد حب لا حدود لها.. إنها محاولة لهدم كل الحيطان الحجرية التي تفصل بين الأنثى وأنوثتها.. بين المرأة وبين حقها الطبيعي في أن تتنفس.. وتتكلم.. وتعيش.
وإذا كان حق المرأة في الكلام العادي حقاً مرفوضاً، ومكروهاً، ومستهجنا في المجتمعات المتضخمة الذكورة.. فإن الكلام عن الحب في تلك المجتمعات يعتبر فضيحة كبرى، وجريمة موصوفة.
فالصوت الأنثوي، كان خلال مراحل تاريخية طويلة مرتبطاً بفكرة العار، والعرض، والشرف الرفيع، حتى وصل الأمر ببعض الغلاة والمتزمتين إلى اعتبار صوت المرأة عورة لا يجوز كشفها للسامعين.
ولقد قاتلت المرأة طويلاً لاستعادة صوتها المحجوز عليه، والخروج من مرحلة الخرس الطويلة، حتى تمكنت من إعادة تشغيل حنجرتها بعدما غطاها الصدأ.. نتيجة لعدم التدريب، وقلة الاستعمال.(52/282)
إن الحجر على صوت المرأة.. ووضعه (تحت الحراسة).. جعل المجتمع العربي ينطق بصوت واحد.. هو صوت الرجل بكل خشونته، وملوحته، ونبرته المدنية.
وهكذا لم تعرف موسيقانا (نصف الصوت) أو (ربع الصوت) وظلت السمفونية التي عزفها كورس الرجال وحدهم، (سمفونية ناقصة).
في بدايات هذا القرن، بدأت المرأة تتخلص شيئاً فشيئاً من الحجاب المفروض على وجهها..
ولكن الحجاب المفروض على (صوتها).. لم يتزحزح سوى سنتمترات قليلة.. وظلت المرأة رغم انفتاح أبواب العلم والمعرفة أمامها، واتساع أفقها الثقافي، تعبر عما يدور بعالمها الداخلي بنصف لغة .. ونصف صوت.. ونصف حرية.
فالمجتمع العربي لا يزال، رغم التحولات التي طرأت على بنيته، يعتبر الصوت النسائي مؤامرة على دولة الرجال وسلطتهم.. ويعتبر المرأة (الفصيحة) ظاهرة شاذة أو مرضية.. لابد من معالجتها بالعقاقير والمضادات الحيوية.
وهكذا ظل فم المرأة مختوماً بالشمع الأحمر، وغير صالح إلا لارتشاف الماء، ومضغ الطعام.
ومثل هذا الامتياز تتمتع به جميع الحيوانات بشكل غريزي
إن لعبة الحب هي لعبة يقوم بها اثنان: رجل.. وامرأة.. فلماذا يلعب الرجل وحده بأوراق الحب.. دون أن يعطي الفرصة للمرأة لتشارك في اللعبة.. وتجرب حظها ؟..
لماذا يحق للرجل، حين تجتاحه عاصفة الحب أن يقول للمرأة: (أحبك).. ولا يحق لها، إذا بللتها أمطار الحب.. أن ترد عليه بلغة، ربما تكون أكثر حرارة وأعذب جرسا، وأشد صدقاً ؟؟
وإذا كانت المساواة البيلوجية غير ممكنة.. فلماذا لا نحقق المساواة (العاطفية) على الأقل، باعتبار الحب عاطفة إنسانية يشترك الذكر والأنثى.. ولا تحتمل الفصل العنصري أو الجنسي ؟
في هذه المجموعة الشعرية، أردت أن أحقق نوعا من (الاشتراكية العاطفية) بعيداً عن أي فكر إقطاعي.. أو قبلي.. أو احتكاري.. وأن استرد حقي الطبيعي كأنثى في نقل مشاعري إلى من أحبه.. تدون أي شعور بالنقص، أو بالاضطهاد، أو بالخروج على قواعد الأخلاق العامة(4)..
فالحب الكبير، لم يكن في يوم من الأيام مناقضاً للقيم العليا، والأخلاق العامة.
إنه حق مشروع لا يختلف عن حق الأمواج في التكسر.. وحق الرعود في التفجر.. وحق العصافير في الغناء والزقزقة..
__________
(1) … الديوان السابق (23).
(2) … الديوان السابق (53).
(3) … الديوان السابق (139-142).
(4) … هذا لا يكفي يا دكتورة ! بل نريدك أن لا تخرجي عن شريعة الله!
فلماذا لا يسمح لي أن أكون موجة.. أو رعداً أو عصفورة تغني على نافذة حبيبها.. دون أن تقتلها بواريد الصيادين؟
لقد تغزل الرجل بالمرأة منذ بدء التاريخ.. ولم يترك لها هامشاً صغيراً من الحرية يسمح لها بأن تتغزل به..
أي أن المبادة العاطفية كانت دائماً في يد الرجل.. بالإضافة إلى امتيازاته القانونية، والسياسية، والاقتصادية، والثقافية .
صحيح أن بعض النساء في تاريخنا الشعري قد كسرن هذا الاحتكار، كما فعلت الشاعرة الأندلسية ولادة بنت المستكفي، حين أعلنت أنها تعيش حالة عشق، وكشفت أوراقها الغرامية بكل شجاعة.
إلا أن الغزل النسائي بشكل عام، ظل غزلاً خجولاً، ومتردداً وخائفاً من لعنة المجتمع.. وخناجر القبيلة.
فالمجتمع العربي، رغم كل مظاهر الحداثة والانفتاح الثقافي والحضاري على العالم، لا يزال يضع (الفيتو) على المرأة العاشقة، ويعتبرها امرأة ناشزة يشكل كلامها عن الحب، خادشاً للحياء العام وخطراً على الأمن القومي.
والسؤال الذي أود أن أطرحه هنا هو:
ما هي علاقة الأمن القومي بقلب المرأة، وأشواقها وأحلامها، وأحاسيسها الأنثوية الطبيعية والمشروعة؟
ثم أود أن أسأل:
لماذا لا يكون الرجل العاشق خطراً على الأمن القومي وقصائد الحب التي يكتبها تهديداً للسلام والأمن الاجتماعي؟
وإذا كنا نؤمن بالديمقراطية أساساً لأنظمتنا السياسية(1)، فلماذا لا نطبق الديمقراطية على علاقتنا العاطفية أيضاً؟
ولماذا نطبق مبدأ التمييز الجنسي بين الرجل العاشق.. والمرأة العاشقة؟؟
وبعد، فهذه قصائد حب، أحاول بها أن أقيم (ديمقراطية عاطفية) يتساوى فيها الرجل والمرأة في حرية البوح، بحيث لا يحتكر الرجل وحده بلاغة الخطاب الأيروتيكي، ولا تبقى المرأة مجرد مستمعة لاسطوانة الحب التي يعزفها الرجل ليلاً ونهاراً.
إن لدى المرأة كلاماً عاطفياً مخزناً منذ آلاف السنين تريد أن تقوله…
فاسمحوا لها أن تفجر ينابيعها الداخلية، وتطلق آلاف العصافير المحبوسة في صدرها.
اسمحوا لها أن تنزع الأقفال عن فمها، وتقول للرجل الذي تحبه: (أحبك).. دون أن تذبح كالدجاجة على قارعة الطريق.
اسمحوا لها، ولو لمرة واحدة في التاريخ أن تعرف معنى المساواة في الحب وتستنشق رائحة الحرية"(2).
المصطلحات (النصرانية) في دواوين الشاعرة :(52/283)
من يطالع دواوين الشاعرة يجد أنها قد أكثرت من استخدام الرموز والمصطلحات المتعلقة بالنصارى، كألفاظ: (الصليب) و(الكنيسة) و(الناقوس) و(الأجراس) ونحو ذلك، وهذا مما يستغرب من شاعرة مسلمة أن تقع فيه وترضى لنفسها أن تتشبه بهؤلاء الكفرة في مصطلحات دينهم وعباداتهم، وهو أمر منكر ومحرم قد يهوي بفاعله في هاوية الكفر -والعياذ بالله- عندما يرتضي شيئاً من تلكم العبادات، أو يعتقدها -مع مخالفتها الصريحة للإسلام- كقضية صلب المسيح عيسى بن مريم -عليه السلام- مثلاً، وقد قال صلى الله عليه وسلم "من تشبه بقوم فهو منهم"(3) (4).
فالنصارى لما زاغوا عن شريعتهم وحرفوها، اخترعوا بعض المظاهر الوثنية التي أقحمت في ديانتهم وحملوا الناس عليها.
(ومن مظاهر تحريف النصارى لعقيدتهم: أنهم يعتقدون أن المسيح عليه السلام قتل مصلوباً، لتخليص البشر من الخطيئة التي ارتكبها أبوهم آدم عليه السلام بأكله من الشجرة التي نهاه الله عنها، وزعموا أن هذه الخطيئة انتقلت من آدم إلى بنيه من بعده، فأصبح البشر كلهم مغضوباً عليهم ومبعدين من رحمة الله تعالى ! ولكن الله تعالى في المقابل، وبمقتضى رحمته، دبر للبشر طريقاً للخلاص من هذه الخطيئة، فتجسد في ابنه المسيح، فنزل وقُتل وصُلب فداء عن البشر! وتكفيراً لخطيئتهم) (5).
ومن ها هنا انتشرت بين النصارى ألفاظ: (الخطيئة) و(التكفير) و(الصلب) و(الفداء) و(يسوع المخلص) وغيرها من الألفاظ المتعلقة بهذه العقيدة المحرفة.
ولكن: إن كان لأبناء النصارى عذر في التعلق بألفاظهم ومصطلحاتهم فما عذر الدكتورة (المسلمة) في تشبهها بهم، حتى وقعت فيما يعارض كتاب ربها معارضة صريحة -كما سيأتي- ؟!
في ظني -والله أعلم- أن الذي أوقع الشاعرة في هذا المضيق العفن هو متابعتها لأساطين الحداثة في البلاد العربية، الذين تتابعوا على هذا الأمر، لا سيما وكثير من متقدمي الحداثة هم ممن يدينون بالديانة النصرانية، كجبران خليل جبران، وميخائيل نعيمة، ويوسف الخال، وأنسي الحاج، وجبرا إبراهيم جبرا، وغالي شكري، وخليل حاوي، وتوفيق صائغ، وغيرهم.
__________
(1) … بل نؤمن بالإسلام! أما الديمقراطية فهي نظام جاهلي يقوم على تأليه البشر.
(2) … ديوان قصائد حب (7-14).
(3) … أخرجه أبو داود وجود إسناده شيخ الإسلام في (اقتضاء الصراط المستقيم) (1/236) وصححه الألباني في الإرواء (1269).
(4) … لبيان تفاصيل أحكام التشبه بالكفار: انظر: رسالة (من تشبه بقوم فهو منهم) للشيخ ناصر العقل -حفظه الله-.
(5) … رسالة (التدابير الواقية من التشبه بالكفار) للدكتور عثمان دوكوري (2/483).
ولا شك بأن هؤلاء الحداثيين النصارى قد نشروا مصطلحات ديانتهم (المحرفة) في ثنايا أشعارهم(1)، فجاء أغمار المسلمين كالدكتورة فتلقفوها عنهم دون تمحيص، ظانين بسذاجة وجهل أنها من شروط الحداثة!
ومن ذلك على سبيل المثال: قول الشاعر توفيق زياد: (على الصلبان منسية بلادي زهرة الدنيا وعود الند) (2)
وقول البياتي: (وكأن يسوع معكم يعود إلى الجليل بلا صليب) (3).
وقول السياب: (غنيت تربتك الحبيبة وحملتها، فأنا المسيح يجر في المنفى صليبه) (4).
وقول صلاح عبد الصبور: (شعرت بأنني أصبحت قريباً وأن رسالتي هي أن أقدسكم) (5).
والأمثلة على هذا كثيرة.
المصطلحات (النصرانية) في شعر الدكتورة:
فمن ذلك قولها: (يا زمان القبح.. من أين يجيئ المبدعون؟ في بلادي، وعلى أي صليب من دموع يولدون؟)(6).
وقولها: (أصبح شاي الساعة الخامسة نعمتي .. ولعنتي..
بسمتي .. ودمعتي..
واحتي .. وورطتي..
أصبح الصليب الذي أنزف عليه
والكرباج الذي يلسعني على ظهري) (7).
وقولها :
(فإن جرحوني
فأجمل ما في الوجود غزال جريح
وإن صلبوني. فشكراً لهم
لقد جعلوني بصف المسيح) (8).
قلت: وفي هذا المقطع وقعت الدكتورة في ماكنا نخشاه، وهو متابعة النصارى في عقيدتهم الباطلة التي ردها الله في كتابه، وهي قولهم بصلب المسيح -عليه السلام- وهو ما رده الله عليهم وكذبهم فيه، بقوله تعالى: (وما قتلوه وما صلبوه ولكن شُبه لهم وإن الذين اختلفوا فيه لفي شكٍ منه ما لهم به من علمٍ إلا اتباع الظن وما قتلوه يقينا، بل رفعه الله إليه وكان الله عزيزاً حكيماً) (9).
وقولها :
(أنا قصيدتك المكتوبة بحبر الأنوثة
أنا عصفورتك
أنا جزيرتك
أنا كنيستك
فاسمع أجراس حنيني) (10).
وقولها :
(أسميك .. حتى أغيظ النساء - "حبيبي"
وحتى أغيظ عقول الصفيح -
"حبيبي"
أعرف أن القبيلة تطلب رأسي وأن الذكور سيفتخرون بذبحي
وأن النساء سترقص تحت صليبي..) (11).
وقولها :
(أصرخ: أحبك
فتخرج المدينة برجالها ونسائها ..
وشيوخها وأطفالها ..
لاستقبالك .
وتنطلق الحمائم
وتعزف موسيقى الجيش
وتمتلئ راحات الأولاد
بأكياس الحلوى ..
وتضيئ المآذن
وتقرع أجراس الكنائس.
معلنة تتويجك
ملكاً على قلبي) (12)
ومن ذلك قولها :
(أصبح شاي الساعة الخامسة
ناقوساً يضرب في ضلوعي
وعبادة يومية أثابر عليها
ويوم لا يبقى من العبادات سوى أنت ..
ولا يبقى من المعابد سوى صدرك ..) (13) .(52/284)
والناقوس -كما نعلم- هو من شعارات النصارى الظاهرة، حيث يدقونه تنبيها للناس ليحضروا إلى الكنيسة.
ويؤكد هذا ما جاء في حديث ابن عمر -رضي الله عنه- في الصحيحين في حديث بدء الأذان قال: "كان المسلمون حينما قدموا المدينة يجتمعون فيتحينون الصلاة ليس ينادى لها، فتكلموا يوماً في ذلك، فقال بعضهم: اتخذوا ناقوساً مثل ناقوس النصارى، وقال بعضهم: بل بوقاً مثل قرن اليهود، فقال عمر -رضي الله عنه-: أولا تبعثون رجلاً ينادي بالصلاة؟ فقال صلى الله عليه وسلم قم يا بلال فناد بالصلاة"(14).
قلت: وقد وقعت الدكتورة في هذا المقطع في زلة عظيمة وانحراف فاحش حين زعمت أنها تعبد حبيبها! وأن صدره أصبح كالمعبد الذي لم يبق سواه!
والعبادة كما نعلم لا ينبغي أن تكون إلا الله وحده لا شريك له. ولكن الدكتورة كما سلف كثيراً تتابع في هذا شياطين الحداثة في بلادنا، الذين ابتذلوا مصطلح (العبادة) كثيراً، فعبدوا غير الله في قصائدهم.
فمن ذلك -مثلاً- قول نزار قباني الذي تأثرت به الشاعرة كثيراً! (15) :
إنني أعبد عينيك فلا تنبئي بهذا الخبر(16)
وقوله عن نفسه :
مارست كل عبادة وعبادة فوجدت أفضلها عبادة ذاتي(17)!
ومن ذلك قولها :
__________
(1) … بعض الباحثين يرى أن هؤلاء أخذوا ذلك عن شعراء الحداثة الغربيين، كأليوت، الذي أولعوا بالنقل عنه.
(2) … ديوانه (ص21).
(3) … ديوانه (1/213).
(4) … ديوانه (ص123).
(5) … ديوانه (ص178).
(6) … ديوان فتافيت امرأة (165).
(7) … المصدر السابق (118).
(8) … المصدر السابق (20).
(9) … النساء 175-158، وليت الدكتورة هداها الله تراجع تفسير ابن كثير للآية السابقة لتعلم عقيدة المسلمين في قضية صلب عيسى -عليه السلام- التي تسربت إليها من (النصارى).
(10) … المصدر السابق (59).
(11) … ديوان في البدء كانت الأنثى (28).
(12) … ديوان في البدء كانت الأنثى (118).
(13) … ديوان فتافيت امرأة (117).
(14) … أخرجه البخاري (597)، ومسلم (788).
(15) … حاولت الشاعرة نفي هذا التأثر بنزار، كما في المجلة العربية (عدد 126) و(عدد 133) ثم عادت لتقول في (العدد (137): (إن نزار مدرسة، ونصف الشعراء العرب نزاريون)! وقد رد عليها هذا التذبذب في الرأي الأستاذ أيمن ميدان في (العدد 143) بقوله: (إن القراءة النقدية الواعية لشعرها ترفض هذه النظرة التوافقية، وتقرر أن الشاعرة الكويتية سعاد الصباح ليست إلا عازف كمان في تخت نزار قباني الشعري)!
…قلت: وهذا ما يوضح سبب كثرة الحديث عن العلاقة بين الرجل والمرأة في دواوينها! وإن كانت على استحياء لم يفعله نزار.
(16) … الأعمال الشعرية له (1/266).
(17) … المصدر السابق (1/423).
(الأوربيون أحرار في اختيار قديسيهم
وأنا حرة في اختيار قديسي.
هم يمارسون عبادتهم على طريقتهم
وأنا أمارس عبادتي على طريقتي
هم مقتنعون بكرامات أوليائهم
وأنا مقتنعة بكراماتك..
هذا يوم قديسي الحب .. فالنتاين(1)
وسأذهب إلى معبدك أنت
لأقدم نذوري..
وأحرق بخوري..) (2).
وقولها :
(وتشهد روحي مصلوبة.. وذاتي مهيأة للفناء
فللحب عشت، وللحب مت، وللحب هان عليّ الفداء) (3).
قولها :
(وإذا القلب كعصفور جريح في الضلوع
صلبت آماله الحيرى على مرأى الجموع .
فبدا من يأسه يحمل آلام يسوع) (4).
وقولها على لسان حبيبها واصفاً ريق ثغرها! أو نافورتها كما تقول!:
(لو رنا الورد إلى أنفاسها الحرى تبخر
أو دنا الراهب منها .. نسي الَّدير ليسكر) (5).
انحرافات متنوعة (6):
1-من ذلك قول الدكتورة :
(لماذا كلما ذهبت إلى (خان الخليلي)
أشتري لك كل التعاويذ الفرعونية
وكل الحجابات الشعبية..
التي ترد عنك
زمهرير الشتاء
وصقيع الأعين الزرقاء؟..)(7)
قلت: لا يرد زمهرير الشتاء ولا صقيع الأعين الزرقاء! سوى الله جل جلاله القائل: (وإن يمسسك الله بضرٍ فلا كاشف له إلا هو) (8).
أما (التعاويذ الفرعونية) و(الحاجابات الشعبية) فهي أفعال شركية ابتدعها من آثر الدنيا على الآخرة ليبتز بها أموال الجهلة من الذين لا يفرقون بين الأسباب الشرعية لدفع الشر، كتلاوة القرآن أو الرقية، وبين الأسباب الشركية؛ كهذه التعاويذ والتمائم.
وقد قال صلى الله عليه وسلم "إن الرقى والتمائم والتِوَلة(9) شرك"(10).
2-ومن ذلك: قولها عن حبيبها :
و(تعاليمك -يا مولاي- أحلى ما قرأت كل أوراقي التي أحملها في سفري) (11).
قلت: بل كتاب الله عز وجل، ثم ذكره، هو أحلى وألذ ما يقرأه المسلم، وقد أمر الله المسلمين بتلاوة كتابه بقوله: (ورتل القرآن ترتيلا) (12).
وأثنى سبحانه على (الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم) (13)، وأمر بذكره في أشد الساعات كربا، وهي ساعة الحرب فقال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيراً) (14).
3-ومن ذلك: قولها :
(يا حبيبي :
إنني دائخة عشقاً
فلملمني بحق الأنبياء) (15).
قلت: إن كانت الدكتورة تعني بقولها (بحق الأنبياء) الحلف، فهو لا يجوز، لأنه حلف بغير الله تعالى، وقد قال صلى الله عليه وسلم "من حلف بغير الله فقد أشرك"(16).(52/285)
وقال: "من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت"(17).
وإن كانت الدكتورة تقصد التوسل بحقهم وجاههم -عليهم السلام- عند الله تعالى فهو -أيضاً- لا يجوز.
__________
(1) … وهو ما يُسمى (عيد الحب)، وقد افتتن به بعض المسلمين -هداهم الله-. انظر لمعرفة تاريخ هذا العيد وحكمه في الإسلام نشرة صادرة عن دار ابن خزيمة بالرياض (عام 1421هـ) عن هذا العيد من تأليف الأخ الفاضل الشيخ إبراهيم بن محمد الحقيل -وفقه الله-.
(2) … ديوان قصائد حب (138).
(3) … ديوان أمنية (74) .
(4) … المصدر السابق (114).
(5) … المصدر السابق (80).
(6) … أما ديوانها (أمنية) فقد أجاد الكاتب حمد القاضي في بيان ما فيه من انحرافات كثيرة، وذلك في مقاله عن الشاعرة في المجلة العربية (عدد شهر صفر 1414هـ) فليراجع.
(7) … ديوان قصائد حب (62).
(8) … سورة الأنعام، الآية: 17.
(9) … قال ابن مسعود -رضي الله عنه- راوي الحديث -في آخره-: (التولة شيء يصنعونه يزعمون أنه يحبب المرأة إلى زوجها والزوج إلى امرأته).
(10) … صحيح الترغيب والترهيب للألباني (3457).
(11) … ديوان فتافيت امرأة (39).
(12) … سورة المزمل، الآية: 4.
(13) … سورة آل عمران، الآية: 191.
(14) … سورة الأنفال، الآية: 45.
(15) … ديوان فتافيت امرأة (125).
(16) … أخرجه الترمذي، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (2952).
(17) … متفق عليه .
(فالتوسل بجاه صلى الله عليه وسلم أو بجاه الأنبياء، أو بحق النبي، أو بجاه فلان، أو بجاه علي، أو بجاه أهل البيت كل هذا من البدع، والواجب ترك ذلك لكن ليس بشرك، وإنما هو من وسائل الشرك فلا يكون صاحبه مشركاً، ولكن أتى بدعة تنقص الإيمان وتضعف الإيمان عند جمهور أهل العلم، لأن الوسائل في الدعاء توقيفية، فالمسلم يتوسل بأسماء الله وصفاته كما قال الله تعالى: (ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها) (1). ويتوسل بالتوحيد والإيمان كما جاء في الحديث عن صلى الله عليه وسلم أنه قال: "اللهم إني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت الأحد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد". فهذا توسل بتوحيد الله. وهكذا التوسل بالأعمال الصالحات كما في حديث أصحاب الغار الذين انطبقت عليهم صخرة لما دخلوا الغار من أجل المطر أو المبيت فانطبقت عليهم صخرة عظيمة فلم يستطيعوا دفعها، فقال بعضهم لبعض: إنه لن ينجيكم من هذه الصخرة إلا أن تدعوا الله بصالح أعمالكم، فدعوا الله بصالح أعمالهم، فتوسل أحدهم ببره لوالديه فانفرجت الصخرة بعض الشيء، ثم توسل الآخر بعفته عن الزنا وأنه كان له بنت عم يحبها كثيراً فأرادها لنفسه فأبت عليه ثم إنها ألمت بها سنة وحاجة، فجاءت إليه تطلبه العون فقال: إلا أن تمكنيني من نفسك فوافقت على أن يعطيها مائة وعشرين ديناراً من الذهب، فلما جلس بين رجليها قالت: اتق الله ولا تفض الخاتم إلا بحقه، فخاف من الله سبحانه وقام عنها ولم يأت الفاحشة وترك لها الذهب وقال: اللهم إن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه فانفرجت الصخرة بعض الشيء ولكن لا يستطيعون الخروج. ثم توسل الثالث بأدائه الأمانة وقال: إنه كانت عنده أمانة لبعض العمال تركها عنده فنماها وعمل فيها حتى صارت مالاً كثيراً من الإبل والبقر والغنم والرقيق فلما جاء صاحبها أداها إليه كلها كاملة فقال: يا ربي إن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه فانفرجت الصخرة وخرجوا) وهذا يدل على أن التوسل بالأعمال الصالحات من أسباب الإجابة.
أما التوسل بجاهمحمد صلى الله عليه وسلم ، أو بجاه فلان، أو بجاه الصديق، أو بجاه عمر، أو بجاه علي، أو بجاه أهل البيت، أو ما أشبه ذلك فهذا ليس له أصل بل هو بدعة، وإنما التوسل الشرعي أن يتوسل المسلم بأسماء الله وصفاته أو بإيمانه بالله فيقول: اللهم إني أتوسل إليك بإيماني بلك أو بإيماني بنبيك، أو بمحبتي لك، أو بمحبتي لنبيك عليه الصلاة والسلام فهذا طيب وهذه وسيلة شرعية طيبة، أو يتوسل بالتوحيد بأن يقول: اللهم إني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت الواحد الأحد. كل هذا طيب، أو يتوسل إلى الله ببره لوالديه، أو بمحافظته على الصلوات، أو بعفته عن الفواحش، كل هذه وسائل طيبة بأعمال صالحة، هذا هو الذي قرره أهل العلم وأهل التحقيق من أهل البصيرة، أما التوسل بجاه النبي، أو بجاه فلان، أو بحق فلان فهذا بدعة كما تقدم بيان ذلك والذي عليه جمهور أهل العلم أنه غير مشروع، والله ولي التوفيق) (2).
4-ومن ذلك قولها :
(أعطني سيفا
وخذ مني دواوين جميع الشعراء
أعطني عدلا..
وخذ مني تعاليم جميع الأنبياء.
أعطني خبزا..
فما يشبعني خبز السماء) (3).
قلت: نعوذ بالله من الضلال !
فالدكتورة تطالب محدثها بأن يعطيها (العدل) ويأخذ منها (تعاليم جميع الأنبياء)، أي أن الدكتورة حينما تحصل على (العدل) الذي تتصوره -ولو في غير تعاليم الأنبياء- سوف تأخذ وتستغني عن تلك التعاليم كلها!! لأنها حصلت على ما تريد، وهو (العدل).(52/286)
وأي عدل يكون إن لم يكن مأخوذاً من تعاليم الأنبياء(4) -عليهم السلام- التي أوحى بها إليهم خالق البشر الذي يعلم ما يكون به صلاحهم!!
قال سبحانه: (لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس) (5).
فهو سبحانه قد أرسل رسله وأنزل كتبه لينشروا العدل بين الناس، قال ابن كثير -رحمه الله- في تفسير هذه الآية: (يقول تعالى (لقد أرسلنا رسلنا بالبينات) أي بالمعجزات، والحجج الباهرات، والدلائل القاطعات (وأنزلنا معهم الكتاب) وهو النقل الصادق (والميزان)، وهو العدل، قاله مجاهد وقتادة وغيرهما،
وهو الحق الذي تشهد به العقول الصحيحة المستقيمة المخالفة للآراء السقيمة)(6).
وقد أخبر سبحانه بأن العدل يكون منه فهو تعالى: (لا يظلم الناس شيئاً)(7)، وقد "حرم الظلم على نفسه"(8).
__________
(1) … سورة الأعراف، الآية: 180.
(2) … مجموع فتاوى الشيخ ابن باز -رحمه الله- (7/129-131). نشر دار القاسم بالرياض.
(3) … ديوان فتافيت امرأة (158).
(4) … أقول (تعاليم الأنبياء) محاكاة لعبارة الدكتورة، وإلا فالمسلم يعلم أن تعاليم الأنبياء عليهم السلام إن هي إلا وحي يوحى من الله عز وجل.
(5) … سورة الحديد، الآية: 25.
(6) … تفسير ابن كثير (4/315).
(7) … سورة يونس، الآية: 44.
(8) … كما في قول صلى الله عليه وسلم حاكياً عن ربه عز وجل: "يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته محرماً بينكم" (أخرجه مسلم 6524).
5-ومن ذلك قول الدكتورة عن حبيبها :
(لست أفكر في تعليمك فن الحب
فأنت نبي الحب) (1)!
وفي هذا ابتذال وامتهان لكلمة (النبي) التي لا تطلق إلا على أنبياء الله عليهم السلام.
ولعل الدكتورة عندما رأت أن اليونان قد جعلوا إلها للحب أرادت هي أن تحاكيهم فتجعل للحب نبيا!
أو أنه أصابها شيء من لوثات الحداثيين الذين ابتذلوا لفظ (النبي) في أشعارهم، فصاروا يصفون به من يتميز بالشعر عندهم(2).
6-ومن ذلك قولها لحبيبها :
(يا ملك الملوك..
يا أكثر من حبيبي) (3)!
وملك الملوك هو الله عز وجل؛ لأنه ملك الدنيا والآخرة، قال سبحانه عن نفسه في سورة الفاتحة: (ملك يوم الدين) (4).
وقال صلى الله عليه وسلم "إن أخنع(5) اسم عند الله رجل يسمى ملك الأملاك، لا مالك إلا الله"(6).
قال الشيخ سليمان بن عبد الله آل الشيخ -رحمه الله-: (الذي تسمى ملك الأملاك أو ملك الملوك قد بلغ الغاية في الكفر والكذب) (7).
7-ومن ذلك قولها عن حبيبها :
(وأنا أصلي كي تظل حبيبي
فاقبل صلاتي) (8).
وقولها : (أعش للصلاة بين يديك) (9).
قلت: بعد أن عبدت الدكتورة حبيبها ها هي تصلي له!
والصلاة لا تجوز إلا لله، وهذا لا أظنه يغيب عن ذهن الدكتورة، ولكنها تجاوزات الشعراء الذين لا يلقون بالاً للضوابط الشرعية في أشعارهم، إنما هم يهيمون في كل واد وبكل لفظ، متبعة بذلك أبالسة الحداثة الذين امتهنوا لفظ (الصلاة) حتى تعبدوا به للمخلوقين(10).
8-ومن ذلك قولها في رثاء ولدها :
(إن هذا الحب لي أقرب من حبل الوتين
وله فيض حناني وله فرط يمني
وهو بعد الله ربي وهو بعد الدين ديني) (11).
9-ومن ذلك:اعتراضها على تقدير الله -عز وجل- موت ولدها، بقولها:
(يا رب هذا قدر ظالم
يا ليتنا نملك رد القدر) (12)!
وكل مؤمن يعلم أن الإيمان بالقدر من أركان الإيمان التي لا يتم إيمان العبد إلا بها، قال سبحانه: (ما أصاب من مصيبةٍ في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير) وقال: (ما أصاب من مصيبةٍ إلا بإذن الله ومن يؤمن بالله يهد قلبه والله بكل شيءٍ عليم).
وقال صلى الله عليه وسلم "إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله تعالى إذا أحب قوماً ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا ومن سخط فله السخط"(13).
فكان الأولى بالدكتورة أن ترضى وتسلم لأقدار اله ولا تتسخطها فيكون جزاؤها عند الله السخط(14).
10-ومن ذلك: قول الشاعرة مخاطبة (حبيبها):
(أمثقف؟؟
ويقول في وأد النساء..
فأي ثقافة هذي.. وأي مثقفين؟
أمثقف ؟؟
ويريد أن يبقي حبيبته بسرداب السنين؟
أتقدمي في كتابته؟
ورجعي بنظراته إلى الأنثى
فإن ضحكت له امرأة .
يخاف عذاب رب العالمين !) (15) !!
فالشاعرة تريد من حبيبها أن يكون (تقدميا) في أفعاله، غير (رجعي).
والتقدمي في نظرها هو الذي لا يئد النساء ولا يخاف عذاب رب العالمين إذا ضحكت له امرأة!
والرجعي بخلاف هذا
قلت: أما وأد النساء فقد حرمه الإسلام منذ أن أشرقت بنوره أرض الجزيرة -ولله الحمد- بل عنف وأزرى بمن يفعله، وأنه موقوف يوم القيامة ومساءل عن فعلته الشنعاء هذه .
قال تعالى: (وإذا الموءدة سُئلت) (16).
وقال سبحانه مزريا على أهل الجاهلية صنيع أحدهم عندما يبشر بالبنت: (وإذا بُشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسوداً وهو كظيم، يتواريئ من القوم من سوء ما بُشر به أيمسكه على هونٍ أم يدسُهُ في التراب ألا ساء ما يحكمون)(17).
فهذا حكم الله في وأد البنات (ساء ما يحكمون) فالمسلم الحق بريئ من هذا (الوأد).
__________
(1) … ديوان في البدء كانت الأنثى (37).(52/287)
(2) … يقول أحد هؤلاء الحداثيين -وهو جمال باروت- واصفاً (مجلة الشعر 69) الحداثية بأنه (تحول معها الشاعر إلى نمط آخر من الأنبياء)! (الحداثة الأولى ص 222).
…ويقول كاهن الحداثة أدونيس عن ديوانه (أغاني مهيار الدمشقي): (أخاله نبوياً)! (انظر كتاب: رأيهم في الإسلام ص 33 طبع دار الساقي).
(3) … ديوان في البدء كانت الأنثى (25).
(4) … هي قراءة صحيحة -أيضاً- انظر صفة صلاة صلى الله عليه وسلم للألباني (ص77).
(5) … أخنع أي أوضع .
(6) … أخرجه البخاري ومسلم .
(7) … تيسير العزيز الحميد (ص 548).
(8) … ديوان فتافيت امرأة (12).
(9) … ديوان أمنية (110).
(10) … من ذلك قول كاهن الحداثة: أدونيس: (أريد أن أصلي للكوكب المنشود)! (الأعمال الشعرية لأدونيس 1/97). وقول البياتي الهالك: (أكلت برتقالة الشمس وفي دمي توضأت وصليت إلى الصحراء)! (ديوانه 2/254).
(11) … ديوان أمنية (55).
(12) … ديوان أمنية (82).
(13) … صحيح الترغيب والترهيب للألباني (3407).
(14) … ليت الدكتورة تراجع (باب: من الإيمان بالله الصبر على أقدار الله) من كتاب (تيسير العزيز الحميد شرح كتاب التوحيد) للشيخ سليمان بن عبد الله آل الشيخ -رحمه الله- لتعلم خطورة ما فاهت به -هداها الله-.
(15) … ديوان فتافيت امرأة (73).
(16) … سورة التكوير، الآية: 8.
(17) … سورة النحل، الآيتان : 58، 59.
وأما خوف الرجل من عذاب رب العالمين عندما تضحك له امرأة أجنبية لا تحل له، فهذا مما يحمد لا مما يذم! لأن هذا الفعل لا يحل لها ولا له، والله قد أمر النساء عندما يخاطبن الرجال أن لا يخضعن بالقول، قال سبحانه (فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض) (1) فما ظنك بالضحك؟!
الحاصل: أن خوف هذا الرجل من عذاب رب العالمين عندما تضحك له امرأة أجنبية هو مما يشكر عليه لا مما يقدح فيه، ولو سمته الدكتورة (رجعية)! فإن (الرجوع) إلى الحق خير من (التقدم) إلى الباطل. والله الموفق.
11-ومن ذلك قولها:
(لا أحد يعرف شيئاً عن قبر الحلاج فنصف القتلى في تاريخ الفكر،بلا أسماء)(2).
قلت: (الحلاج) زنديق من كبار الزنادقة الذين مروا بعالمنا الإسلامي، وقد قتل على هذه الزندقة بعد أن كفره علماء عصره(3)، وقالوا عن مقالته: (إنها محض الكفر) (4).
فكيف ترضى الدكتورة لنفسها أن تجعله -بعد هذا- من أهل الفكر المظلوم؟!
أم تراها اغترت بصنيع أحد كهان الحداثة، وهو الشاعر صلاح عبد الصبور في مسرحيته (الحلاج) (5)! حيث امتدح فيها أفكار الحلاج الزنديق وأنه كان يقف مواقف نضالية في صف الكادحين حتى تعرض للقتل(6)!
هذا ما أظنه! لأنني اعتقد أن الدكتورة مجرد متابع ومردد لما ينعق به أساطين الحداثة، لعلها تحظى بشرف الانضمام إليهم، ولو على حساب دينها! هداها الله.
12-ومن ذلك : قولها :
(مشكلتك الكبرى يا صديقي
أنك تختزن في ذاكرتك كل الأفكار السلفية
وكل الكلمات المأثورة
وكل ما ورثته عن أجدادك
من نزعات التملك ..
والسيادة ..
والتعددية النسائية..) (7).
وفي هذا المقطع أبانت الدكتورة عما يكنه صدرها تجاه من يتخذ الكتاب والسنة مرجعاً له في كل أموره، وهم (السلفيون)، فلمزت (حبيبها)! بأنه لا يزال منهم! يؤمن (بكل الكلمات المأثورة) و(كل ما ورثه عن أجداده) ولم تبين لنا ما هي هذه الكلمات المأثورة والميراث الذي ورثه (السلفي)، إن لم يكن هو قول الله تعالى وقول رسوله صلى الله عليه وسلم
ويشهد لهذا انتقادها وتعريضها بجواز تعدد الزوجات الذي نزل به القرآن ولكنه لم يوافق هواها، وذلك بقولها: (والتعددية النسائية)، وفي هذا رد لحكم الله تعالى الذي أباح ذلك للرجال في قوله: (فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع) (8).
ولكنه الهوى وسوء الظن بحكم الله تعالى الذي لا زال يعشش في ذهن الدكتورة.
13-ومن ذلك قولها الشنيع :
(أريد أن أكتب لك..
أو لغيرك ..
أو لأي رجل في المطلق
ما لا أستطيع قوله للآخرين..
فالآخرون.
منذ خمسة عشر قرنا
يتآمرون ضد الأنوثة..) (9)!!
قلت: فمن تعني بالآخرين الذين يتآمرون على الأنوثة منذ خمسة عشر قرناً، إن لم تكن تعني بذلك الإسلام وشريعة الله عز وجل التي أنزلها في ذلك الزمان، لتخرج الناس من الظلمات إلى النور، وتنشر الحق والعدل بين الخافقين؟!
ومن -سوى الإسلام- أنصف المرأة وكرمها، بعد أن كانت مهانة في الديانات السماوية (المحرفة) أو الديانات والأفكار الأرضية؟!
فشريعة الله التي تلمزها الدكتورة زورا وبهتانا بأنها تآمرت ضد الأنوثة هي التي ساوت بين الذكر والأنثى المؤمنين في استحقاق الحياة الطيبة في الدنيا وفي الفلاح والفوز بالجنات عند الله سبحانه، فلم تفرق بين أي منهم لجنسه، إنما هو الإيمان والعمل الصالح، قال سبحانه: (من عمل صالحاً من ذكرٍ أو أُنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياةً طيبةً ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون) (10).
وقال سبحانه وتعالى: (ومن يعمل من الصالحات من ذكرٍ أو أُنثى وهو مؤمنٌ فأولئك يدخلون الجنة ولا يُظلمون نقيراً) (11).(52/288)
وقال تعالى: (ومن عمل صالحاً من ذكرٍ أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة يُرزقون فيها بغير حساب) (12).
وقال سبحانه: (فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عاملٍ منكم من ذكرٍ أو أُنثى بعضكم من بعضٍ) (13).
__________
(1) … سورة الأحزاب، الآية: 32.
(2) … ديوان خذني إلى حدود الشمس (125).
(3) … انظر هذا في ترجمته في: (تاريخ بغداد) (8/112) و(البداية والنهاية) (1/132) و(السير) للذهبي (14/313).
(4) … (السير) للذهبي (14/351).
(5) … أول من لفت النظر إلى (الحلاج) محاولاً بعثه: هو المستشرق (ماسنيون) في حديثه عن ما سماه (مأساة الحلاج)!
(6) … انظر: ديوانه (445-609) وليعلم أن بعث الحركات والشخصيات المنحرفة في تراثنا هو من أهداف الحداثيين في بلادنا، لصرف الناس عن الحق وتلويثهم بالزيغ، وتوافقهم مع أولئك، كما قال سبحانه: (تشابهت قلوبهم قد بينا الآيات لقومٍ يوقنون)، ومن أبرزهم في هذا المجال: الباطني الخبيث أدونيس الذي حاول بعث الملاحدة والزنادقة من أمثال ابن الراوندي ومهيار الديلمي وحركة الزنج وغيرها، كما في رسالته (الثابت والمتحول).
(7) … ديوان في البدء كانت الأنثى (53).
(8) … سورة النساء، الآية: 3.
(9) … ديوان قصائد حب (28).
(10) … سورة النحل، الآية : 97.
(11) … سورة النساء، الآية: 124.
(12) … سورة غافر، الآية: 40.
(13) … سورة آل عمران، الآية: 195.
فشريعة الرحمن ساوت بين الرجل والمرأة إذا تحقق منهم الإيمان والعمل الصالح في أمرين مهمين :
الحياة الطيبة الهنيئة في الدنيا .
الفوز بجنات النعيم في الآخرة.
أما الأحكام المتعلقة بجنس الرجل وجنس المرأة في الدنيا إنما تتفاوت لتفاوت ما بين الجنسين في الخَلق ولا دخل لهذا كله بالفضل عند الله تعالى -كما سبق-
فأين الامتهان المزعوم يا دكتورة ؟!!
أو أن المساواة في نظرك -وفي نظر المتحررات من أمثالك -لا تكون إلا بأن تتمرد المرأة على شريعة ربها وتشارك الرجل في خصائصه المتعلقة بجنسه، وتلهث جارية خلف زيف الغرب وسرابه الموهوم، ولو أداها إلى الحياة التعيسة في الدنيا وصِلى النار في الآخرة!
فهذه مساواة قاصري النظر، ممن لا يسيره سوى شهواته وأهوائه.
الحاصل: أن الدكتورة أساءت لنفسها بهذا القول، وهو قول (كفري) إن كانت تقصد به أن الإسلام امتهن المرأة، عليها التوبة منه والاستغفار، قبل أن تلاقي ربها بظن السوء. نسأل الله لها الهداية.
14-ومن ذلك : تأييدها للطاغوت الهالك جمال عبد الناصر الذي رفع من شأن القومية العربية على حساب الإسلام، وآذى عباد الله من الدعاة والصالحين في تجربة ثورية خاسرة، لم تجن منها الأمة سوى زيادة الانقسامات والتحزبات والبغضاء بين أفراد الأمة ودولها.
تقول الدكتورة في قصيدة لها بعنوان: (من امرأة ناصرية إلى جمال عبد الناصر) ممجدة الطاغوت الهالك، ومنزلة له المحل الأسمى في قلبها وعواطفها، بلغة تكاد ترفعه عن مستوى البشر! تقول:
(كنا كباراً معه في كتب الزمان
كنا خيولاً تشعل الآفاق عنفوان
كان هو النسر الخرافي الذي يشيلنا
على جناحيه، إلى شواطئ الأمان.
كان كبيراً كالمسافات،
مضيئاً كالمنارات،
جديداً كالنبؤات،
عميق الصوت كالكهان.
وكان في عينيه برق دائم
يشبه ما تقوله النيران للنيران
كنا شموساً معه.
توزع الضوء على مساحة الأكوان.
كنا جبالاً معه. من حجر الصوان
وكان يحمينا من الركوع والهوان
كنا نسمى باسمه ..
إذا نسينا مرة أسماءنا ..
كنا نناديه جميعاً، يا أبي
إذا أضعنا مرةً آباءنا ..
فهو الذي أطلقنا من رقنا
وهو الذي حررنا من خوفنا
وهو الذي
أيقظ في أعماقنا الإنسان ..
كان هو الأجمل في تاريخنا
والنخلة الأطول في صحرائنا
كان هو الحلم الذي يورق في أهدابنا
كان هو الشعر الذي يولد مثل البرق في شفاهنا ..
كان بنا يطير.. فوق جغرافية المكان
مستهزئاً من هذه الحواجز المصطنعة ..
من هذه الممالك المخترعة
من هذه الملابس الضيقة، المضحكة..
المرقعة ..
من هذه البيارق الباهتة الألوان .
كان على صورتنا ..
كنا على صورته
كان يرى التاريخ في نظرتنا
كنا نرى المستقبل الجميل في نظرته..
جبهتنا مرفوعة
تستلهم الشموخ من جبهته
فبضتنا قوية
تستلهم القوة من قبضته
أولادنا قد رضعوا الحليب من ثورته
كان هو القوة في أعماقنا
واللهب الأزرق في أحداقنا
والريح، والإعصار، والطوفان.
كان هو المهدي في خيالنا
وكان في معطفه يخبئ الأمطار
وكان إذا ينفخ في مزماره ..
تتبعه الأشجار
وكان في جبينه سنابل وحنطة ..
وفي رنين صوته ما يشبه الأذان(1).
وكان في قدرته أن يطلع السنابل
ويجمع القبائل
ويستثير نخوة الفرسان
ويرجع الملك إلى بيت بني عدنان..
كان هو النجمة في أسفارنا
والجملة الخضراء في تراثنا
كان هو المسيح في اعتقادنا(2)
فهو الذي عَمَّدنا(3)
وهو الذي وحدنا
وهو الذي علمنا
أن الشعوب تسجن السجان
وأنها حين تجوع،
تأكل القضبان ..
يا ناصر البعيد قد أوجعنا الغياب
نمد أيدينا إليك لما ..
حاصرنا الصقيع والضباب ..
نبحث عن عينيك في الليل..
ولا نمسك إلا الوهم والسراب
يا ناصر العظيم ..
أين أنت .. أين أنت(52/289)
بعدك لا شعر، ولا نثر، ولا فكر، ولا كتاب
بعدك نام السيف في قرابه
واستنسر الذباب ..
يا ناصر العظيم..
هل تقرأ في منفاك أخبار الوطن ؟
فبعضه مغتصب ..
وبعضه مؤجر ..
وبعضه مقطع ..
وبعضه مرقع..
وبعضه مطبع ..
وبعضه منغلق ..
وبعضه منفتح ..
وبعضه مسالم..
وبعضه مستسلم ..
وبعضه ليس له سقف .. ولا أبواب ..
يا ناصر العظيم،
لا تسأل عن الأعراب
فإنهم قد أتقنوا صناعة السباب
وواصلوا الحوار بالظفر والأنياب
وحاصروا شعوبهم بالنار والحراب .
يا ناصر العظيم..
سامحني .. فما لدي ما أقوله
في زمن الخراب) (4).
15-ومن ذلك أيضاً: تمجيدها الطويل لطاغوت العراق صدام حسين الذي تأملت فيه أن يكون خير موحد للعرب بعد جمال الهالك، متغافلة عن كونه ينتمي إلى (حزب البعث) الكافر(5)، ولكنها سرعان ما انقلبت عليه عندما (توحد) مع بلادها الكويت!!
__________
(1) … !!
(2) … !!
(3) … هذا مثال آخر على استخدام الشاعرة للمصطلحات النصرانية.
(4) … ديوان فتافيت امرأة (135-144) ولها قصيدة أخرى شبيهة بها في ديوان أمنية (12014).
(5) … لمعرفة شيء من كفريات هذا الحزب: انظر: (حزب البعث) للشيخ سعيد الغامدي، و(الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب المعاصرة) من إعداد الندوة العالمية للشباب الإسلامي (1/474).
تقول الدكتورة في مقدمة كتابها (هل تسمحون لي أن أحب وطني): (لم يغن أحد لمجد العراق كما غنيت أنا، ولم يسق أحد مياه دجلة بدموعه كما سقيتها أنا.
ولم يرشق أحد جنوده بالورود والريحان، كما رشقتهم أنا.
وأخيراً، لم تتمن امرأة عربية أن يكون جسدها (نخلة تشرب من شط العرب) إلا أنا..
لقد كنت دائماً متهمة بأنني عراقية الهوى، وأن كتاباتي، شعراً ونثراً، مبللة بأمطار العراق، ورطوبة أنهاره، ونضارة بساتينه.
وكنت دائماً أفاخر بهذه التهمة الجميلة، لأنني كنت أعتبر العراق الجناح العربي القومي الذي يغطينا، ويحمينا، ويدافع عن مستقبلنا ومستقبل أولادنا.
وبكلمة أخرى، فإن التزامي بالخط العراقي، كان التزاماً بالخط القومي الوحدوي.
كان العراق يمثل لي، تلك القوى الصاعدة، الواعدة، التي افتقدناها في السبعينات، كما كنت أرى فيه البديل القومي والاستراتيجي الذي سيصحح ميزان القوى بيننا وبين إسرائيل، وينهي حالة الهوان، والتخاذل والتشرذم والانفلات التي عصفت بدول المنطقة.. إلخ) (1).
أسأل الله أن يهدي الشاعرة، وأن يوفقها للتوبة النصوح.
والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين
=======================(52/290)
(52/291)
انحرافات المفكر التونسي : هشام جعيّط
هو أحد المفكرين التونسيين المعاصرين المختصين بالدراسات التاريخية، ولد عام 1935م، يكتب أبحاثه باللغة الفرنسية!
أهم مؤلفاته :
أوروبا والإسلام: صدام الثقافة أو الحداثة، دار الطليعة، بيروت 1995م.
الفتنة: جدلية الدين والسياسة في الإسلام المبكر، دار الطليعة، 1992م.
الكوفة: نشأة المدينة العربية الإسلامية، دار الطليعة، ط2، 1993م.
الشخصية العربية والإسلامية والمصير العربي، دار الطليعة، ط2، 1990م.
انحرافاته :
يعد هشام جعيط من أنصار الفكر العلماني (الصريح) وعزل الإسلام عن شئون الحياة في بلاد المسلمين، ويجاهر بهذا في كتبه، وإليك شيئاً من أقواله(2):
يقول في كتابه (أوربا والإسلام): "إن الإسلام لم يصبح عالمياً إلا بعد أن امحت خصوصية السياسي فيه"! (ص86)
ويقول مطالباً الحد من سلطة الإسلام على المجتمع!: "إن تخليص المجتمع من سيطرة الدين، أو بالأحرى من المحتوى المؤسساتي الإسلامي المرتبط بعصر مضى وتحديد علمانيته جديدة في أسلوبها تلك هي المهمة العاجلة الفردية"، (الشخصية العربية .. ، ص 10).
ويقول مبيناً أن علمانية تحترم الإسلام كدين له تاريخه!: "يجب على الإسلام البقاء كدين للدولة، بمعنى أن الدولة تعترف به تاريخياً وتهبه حمايتها وضمانها؛ لأن الدولة أساساً هي وعي التاريخ تجاه قوى النسيان، فليس للدولة أن تكون علمانية؛ بمعنى أنها لا تهتم بمصير الدين، معتبرة إياه مسألة خاصة" (السابق، ص 118).
ويرى أن دولته العلمانية المنشودة ينبغي أن توفر الحماية والضمانات لمن يريد الارتداد عن دين الإسلام!، يقول : "ستسمح الدولة بحرية الضمير وتضمنها داخل المجموعة الإسلامية ذاتها، وتضمن الخروج من الإسلام [بمعنى الردة] من حيث المعتقد خروجًا حرًا…" (السابق، ص 118).
بل إنه يذهب إلى أبعد من هذا ولا يمانع بسبب تجويزه للردة في دولته العلمانية المنشودة إلى أن "من الممكن أن يصبح الإسلام يوماً ما أقلية في مجتمعه" !! (السابق، ص118) ويستشهد بقوله صلى الله عليه وسلم "بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ.. الحديث" !!
ويقول جعيط بصراحة: "نحن لا نقبل أن يكون الإسلام الأس الوحيد للأخلاق والمجتمع، والمحرك الأساسي الفعلي للحياة الإجتماعية، فارضاً قواعده الدينية وما يرتبط بها من فروض في العادات والقضاء، كما كان الأمر في الدولة الخاضعة للحكم الإلهي…"! (السابق، ص103)
ويزعم أن الإسلام : "ورث … أغلب التقاليد اليهودية النصرانية، فيتضمن القرآن الملائكة، ورؤساهم، وإبليس وجيشه من الشياطين والجن، ويظهر أن هؤلاء اقتبسوا من الخرافات المحلية" ! (السابق، ص124). أي أن القرآن -والعياذ بالله- يحتوي على خرافات محلية لم يصدق بها عقل هذا العلماني.
ويقول لامزًا القرآن: "نجد في القرآن تصورًا معيناً للجنسين البشري قد لا يقبله العلم…" (السابق، ص 124).
ويصرح الرجل بإلحاده! في قوله : "ولكن التفكير المتسلح يمكنه التقدم خطوات أخرى، فيتساءل: كيف يقبل العقل الناقد العذاب الأبدي فضلاً عن كونه جسدياً بالنسبة لغير المؤمنين؟ وكيف للنزعة الإنسانية الكونية لعصرنا أن تسمح بذلك؟ أين يكمن الحل للتناقض بين الحرية ومسؤلية الإنسان التي يتضمنها مفهوم الحساب، وبين قدرة الله وظلمه أو يكاد، التي يترجم عنها القضاء والقدر؟ وهذا الإله ذاته الشخصي والمتعالي، أي لعبة يلعب؟ لماذا كان متخفياً؟ أولا ينكشف مرة واحدة وبوضوح للإنسان؟" !! (السابق، ص124) -تعالى الله عن قوله علواً كبيرًا-
__________
(1) … هل تسمحون لي أن أحب وطني (9-10).
(2) …نقلاً عن كتاب "مدارس الفكر العربي الإسلامي المعاصر" للدكتور عبدالرزاق قسوم، مع إضافات من عندي.
يقول الدكتور عبد الرزاق قسوم معلقاً: "إن من يقرأ مثل هذه الأحكام ويحلل مثل هذه الأفكار لا يخالجه شك في أن صاحبها يترجم بها عن قناعات علمانية إلحادية…" (مدارس الفكر العربي الإسلامي المعاصر، ص 232).
ويقول: "يذهب.. هشام جعيط إلى تبني العلمانية كمنهج وحيد لتجاوز ما يسميه بأزمة التدين وأزمة التخلف الناتجة عن ذلك" ! (المرجع السابق، ص 230).
قلت: لقد قامت تركيا -مثلاً- بتبني العلمانية قولاً وعملاً بما لا يحلم به جعيط وأمثاله من العلمانيين العرب، ومع هذا ارتكست في التخلف الدنيوي والتبعية الذليلة للغرب، فضلاً عن خسارتها لدينها. أفلا يكفي أن تكون تجربتها عبرة للعلمانيين العرب؟! أم أن الأمر لا يعدو أن يكون اتباعاً للشهوات والشبهات، وبغضاً لشرع الله ودينه الحنيف ؟!
ويقول جعيط -أخزاه الله-: "بما أن الدين مرتبط بالماضي، فإن عناصر كثيرة يتضمنها أو يتشكل منها لا يقبلها العقل إطلاقاً، ولا الفكر وحتى ذهنية الإنسان الحديث، فقد أبرز العلم والفلسفة والنقد التاريخي بديهيات تهاجم النواة الدينية ذاتها، أو على الأقل كساءها الأسطوري" (الشخصية العربية الإسلامية والمصير العربي، ص 108)(52/292)
ويقول -فُض فوه- طاعناً في رسول ا صلى الله عليه وسلم ! بكلام لا يشك مسلم في كفر قائله: "إن جريمة النبي لا تكمن فقط في استغلاله لسذاجة الجماهير، ولكنها تكمن أيضاً في تجسيده من خلال سيرته الذاتية مثالاً للشهوانية والعنف وعدم الأخلاق، هذه الخصائص التي طبع بها كل الشعوب التي اتبعته" !! (انظر: مدارس الفكر العربي الإسلامي المعاصر، ص238).
قلت: فتأمل بشاعة هذا القول الذي يُخرج صاحبه من الملة بلا شك ويُقتل صاحبه بلا استتابه؛ لطعنه في رسول ا صلى الله عليه وسلم . (انظر: الصارم المسلول لشيخ الإسلام).
أما أمهات المؤمنين رضي الله عنهن، وصحابة رسول رب العالمين رضي الله عنهم فلم يسلموا -أيضاً- من طعن هذا المفكر العلماني. (انظر المرجع السابق، ص 239).
وكذا طعن في الأحكام الشرعية، وأنها لا تناسب العصر؛ كتعدد الزوجات (السابق، ص 240). يقول الفاجر: "ينبغي تركيز الجهد على ميدان قانون الأحوال الشخصية الشاسع والذي ما زال خاضعاً لطبقة عنيفة وتنصيعات قرآنية، فينبغي تخليص ما يُعرف بقانون الميراث وتشريع الزواج، وحتى التشريع الجنسي من عبء الفقه، وإخضاعه لمقولات العقل العالمي" !! (الشخصية العربية…، ص115) ولا أدري ما هو هذا (العقل العالمي) الذي يريد إخضاع أحكام الشريعة له؟! لعله عقل أسياده الفرنسيين والغربيين.
أما عن موقفه من بلاد التوحيد؛ فإليك ما يقوله فيها : "إن البلدان النفطية الصرف -وأعني بها بالتخصيص العربية السعودية وإمارات الخليج- هي هامشية في حياة المجموعة العربية بحيث إن ما أتيح لها من ثروات هائلة تبدو كأنها انتقام من القدر(1). هي بلدان متأخرة وصمها عمق التأثير الديني، وهي قليلة التفتح على نداء الحداثة لأنها لم تعش استعماراً حقيقياً، ولا تملك وسائل ببشرية ولا قاعدة بيئية كافية لتحرير القوى المنتجة ولن تظهر ما تقدمه لإفادة التنمية العامة للعالم العربي إلا ضمن منظور مستقبل مدمج حيث تقوم بدور المناطق النفطية. أما حالياً فإنها في حاجة قبل كل شيء إلى تكوين الفنيين وتطوير التعليم والقيام بدفع قوي للزراعات السقوية على الصعيد الاقتصادي بفضل وسائلها المالية تحديداً. وتجتهد عدة دول نفطية حقيقية في مساعدة الدول الأخرى التي لم تجاملها الطبيعة(1). لكن الملاحظ بالخصوص أن أموالها مودعة في البنوك الغربية دون أي نفع لها أو لأشقائها العرب، علماً أن الطبقة المحظوظة تتجول بشهواتها في العالم الأجنبي، وترتع في النعيم واللذة فتمدد في بقاء صورة المشرق المحتقر الداعر. وعلى هذا فمن الضروري توزيع المداخيل من جديد باتجاه التخفيف من الفوارق. وبما أن الدولة هي التي تملك المنة النفطية فالواجب أن يقع إصلاحها قبل غيرها. لكن القاعدة العامة أنه على هذه الأقطار أن تخرج من العهد الوسيط القاتم والفاقد للثراء الفكري والبشري. أما على الصعيد المادي، وبسبب امتلاكها موارد استثنائية،
…ولأنها بلدان قليلة السكان، فلا يوجد حقاً وضع يتطلب حلاً عاجلاً. بل يكفي لحكومة متبصرة أن تضع حداً للتبذيرات وتنشئ مؤسسات ذات أغراض اجتماعية (الضمان الاجتماعي والضمان على المرض، الخ)، وتنمي إلى أقصى حد التجهيزات الجماعية، وتحد من نشاط المضاربين ورجال الأعمال، لكي تتحسن الأمور في العشرية القادمة. فلا حاجة إذا القيام بدعوة للثورة الكلامية وألا يتم شيء في واقع الحال، بل الأحسن خلافاً لذلك أن تحقق إصلاحات محدودة تقدر عليها الدولة النفطية التي حبتها العناية الإلهية، حتى يخرج المجال الصحراوي العربي من سباته" (الشخصية العربية….، 191-192)
قلت: فهذا العلماني يقطر حقدًا على بلاد التوحيد "المتخلفة" في نظره! ويغيظه جدًا ما حباها الله به من ثروات -وله الحمد والمنة- معترضاً على قضاء الله وقدره.
__________
(1) …! !
والطريف هو قوله عنها -متأسفاً!-: "لم تعش استعمارًا حقيقياً" !! فأصبح الاستعمار الكافر لبلاد المسلمين في نظر هذا العلماني مما يُفرح به ويُتأسف على فقده! نعوذ بالله من الذل والهوان :
ولا يقيم على ذلٍ يراد به
إلا الأذلان عَيْر الحي والوتد !
وخلاصة القول -كما يقول الدكتور عبد الرزاق قسوم- (ص246) : "أن هشام جعيط.. أقرب في طروحاته هذه إلى العلمانية الملحدة" .(52/293)
وقال الدكتور مفرح القوسي في رسالته: " المنهج السلفي والموقف المعاصر منه في البلاد العربية"(1) (2/654-656): "الدكتور هشام جعيط(2): وهو من أبرز المعادين للمنهج السلفي، والمتحمسين لتطبيق المبادئ العلمانية في البلاد الإسلامية، قدم -في سبيل ذلك- أفكاراً وطروحات عديدة، فنراه يقول -كاشفاً عن حقيقة انتمائه الفكري العقدي-: "نحن ندعي العلمانية؛ بمعنى أننا نعتقد ضرورة الفصل الجذري بين التشريع الديني والمؤسسات الاجتماعية والقانون والأخلاقية الممارسة"(3)، ويقول -داعياً إلى إقصاء الشريعة الإسلامية وإيقاف العمل بها في بلاد المسلمين-: "ينبغي على البلدان المتخلفة اللحاق في ميدان التشريع بالبلدان المتطورة، وأن يتوقف العمل بالتشريع غير الملائم القاسي المعروف بإقامة الحدود، والذي تخلى عنه الأمويون منذ ثلاثة عشر قرناً خلت…، وينبغي أن يُركز الجهد على ميدان قانون الأحوال الشخصية الشاسع، والذي ما زال خاضعاً لصبغة عتيقة وتنصيعات قرآنية، فينبغي تخليص ما يُعرف بقوانين الميراث وتشريع الزواج وحتى التشريع الجنسي من عبء الفقه وإخضاعه لمقولات العقل العالمي.. ويجب قبل كل شيء أن ينتهي العمل في كل مكان بطلاق المرأة حسب شهوة الرجل، وأن تُضمن لها المساواة في حقوق الإرث، وأن يقع العدول عن تعدد الزوجات، ويرتبط بهذه الأمور تدخل العقلنة في تشريع المواريث، حيث يجب القضاء على العناصر المتعلقة بالقبلية؛ بصفتها مخلفات للمجتمع العربي القديم"(4).
ويقول -مبرراً الدعوة إلى الانفصال بين الدين والدولة في الإسلام-: "كان لنزعة الإسلام الماضية إلى التدخل في نسق الكائن البشري ما يبرره، وهو منطق ديني صارم وطموح مثالي عميق. وبما أن هذا العمل التربوي التوحيدي قد تم، وحيث أن على الطبقة التحتية الماورائية الدينية أيضاً أن تتخلى عن احتكار الحقيقة على الأقل، فإن هذا الانفصال ممكن وضروري في آن واحد. وبذا يحافظ التشريع الديني في مثل هذا الأفق على كامل قيمته الإمكانية، أما المجتمع فإنه سينمو طبق مقاييسه الخاصة في المرحلة الراهنة من مصيره، لا عملاً برؤية مسبقة لآخرة تكون هي الحياة الحق"(5)، ليس هذا فحسب بل يرى أنه "ينبغي أن يشمل هذا الانفصال ميادين أخرى من الحياة الاجتماعية كالأخلاق… فلابد من الوصول إلى تحرير الأخلاق الملموسة من وطأة الأخلاق الدينية؛ من حيث ضيقها وتشددها"(6). ويرى "أن الرسول جمع في شخصه بين سلطة الرسالة وسلطة الدولة، لكن الخلافة الراشدة تطورت بعد موته إلى ملوكية عادية"(7).
ويدعي أن "السلفية" تحصر مفهوم "العلم" في العلم الشرعي فقط وتنكر ما عداه؛ ولا سيما العلم المادي الحديث الذي تُدينه وترفضه، لأنه -في نظرها- غير يقيني ويقود إلى الإلحاد، كما يدعي أنها ترى اشتمال القرآن على كل علم، وتقديم الدين إذا ما تعارض مع العلم. فنراه يقول مصوراً موقف السلفية -الماثل الآن في الصحوة الإسلامية- من العلم: "من منطلق إسلامي بما أن المتعالي وهو
__________
(1) …طُبعت أثناء إعدادي لهذا البحث المختصر عن دار الفضيلة بالرياض عام 1423هـ. وأنا أنقل من أصل الرسالة المحفوظ بمكتبة الملك فهد الوطنية.
(2) … باحث ومفكر تونسي معاصر، مختص بالدراسات التاريخية، من مؤلفاته: (الكوفة -نشأة المدينة العربية الإسلامية) نشرته مؤسسة الكويت للتقدم العلمي سنة 1986م، وكتاب (الشخصية العربية الإسلامية والمصير العربي) نشرته دار الطليعة في بيروت سنة 1990م.
(3) … الشخصية العربية الإسلامية والمصير العربي ص 112، ط الثانية 1990م، دار الطليعة للطباعة والنشر، بيروت - لبنان .
(4) … المرجع السابق ص 115.
(5) … المرجع السابق ص 115 - 116.
(6) … المرجع السابق ص 116.
(7) … المرجع السابق ص 119.
الله تجلى في التاريخ، وبما أنه يعلو على العالم المادي الذي هو زائل وفان وليس بذي قيمة في ذاته، فإن العلم الوحيد الحقيقي هو العلم بالله وبكلام الله وبسنة نبيه التي تكمله وتتممه، وإذا كانت هناك قوانين تسير العالم المادي فالله وحده يعلمها، وهو الذي سطرها ويطبقها، ولا حاجة للمؤمن بأن يهتم إذن باستكشافها؛ إذ العالم ليس إلا مجالاً لنشاط الله المستمر ولنشاط الإنسان المتعبد والذي خُلق لكي يعبد الله، ويجب التأكيد على أن مفهوم (العلم) كان يعني في القرنين الأول والثاني العلم بصفة نقلية بالنصوص المقدسة؛ أي بالقرآن والسنة وأكثر فأكثر بالسنة خاصة، وهو مفهوم يتجابه مع مفهوم الفقه الذي كان يعني جانباً من ممارسة (الرأي)، فعندما يتكلم ابن سعد في (الطبقات) عن فلان واصفاً إياه بأنه (غزير العلم)، فقد كان قطعاً يريد إشعارنا بأنه غزير المعرفة بالحديث الصحيح. ثم تطور المفهوم إلى أن أصبح يستوعب العلم بكل جوانب الشريعة من قرآن وحديث وفقه، ولا يضم غيرها من فروع المعرفة"(1).(52/294)
ويقول أيضاً: "إن الإسلام الأولي الصافي لم يشأ أن يهتم لا بالحكمة ولا حتى بغيرها من أصناف المعرفة، وإن كان حقاً أن أصحاب الصحوة الإسلامية إنما مطمحهم الرجوع إلى إسلام القرن الأول، فمن حقهم أن يعتبروا أن لا وجود لعلم إسلامي غير علم الشريعة"(2)، ويقول كذلك: "في خصوص العلم المادي الغربي الصحوة الإسلامية تدينه لكونه علماً مادياً يجسر إلى الإلحاد وأنه علم غير يقيني، وعلى كل حال فالقرآن يحوي كل علم، وإذا ما تغرب العلم والدين فكلام الله يعلو عليه"(3).
=======================(52/295)
(52/296)
نظرة شرعية في أدب فدوى طوقان
ترجمتها(4) :
ولدت في نابلس في فلسطين، عام 1917م.
تلقت تعليمها الابتدائي في نابلس، لكنها لم تتم تعليمها الثانوي، ولم تدرس دراسة أكاديمية لظروف اجتماعية، فتعهدها شقيقها إبراهيم بالرعاية والتثقيف الذاتي.
التحقت عام 1962-1963م بدورات تعليم اللغة الإنجليزية والأدب الإنجليزي، في أكسفورد بإنجلترا.
شاركت في عدد من المؤتمرات الأدبية، والمهرجانات الشعرية في الوطن العربي والخارج، مثل: مؤتمر السلام العالمي، ستوكهولم -السويد، مؤتمر الكتاب الإفريقيين الآسيويين، بيروت-لبنان.
عضو مجلس أمناء جامعة النجاح في نابلس، وهي التي وضعت نشيدها الرسمي.
آثارها الشعرية:
ديوان "وحدي مع الأيام" دار النشر للجامعيين - القاهرة 1952م.
ديوان "وجدتها" -دار الآداب - بيروت 1957م .
ديوان "أعطنا حبًّا" -دار الآداب -بيروت 1960م .
ديوان "أمام الباب المغلق" -دار الآداب -بيروت 1967م.
ديوان "الليل والفرسان" -دار الآداب- بيروت 1969م.
ديوان "على قمة الدنيا وحيدًا" -دار الآداب -بيروت 1973م.
ديوان "تموز والشيء الآخر" -دار الشروق - عمّان 1989م.
-ترجمت منتخبات من شعرها إلى اللغات الأخرى، كالإنجليزية، والفارسية، فقد ترجم لها الدكتور "إبراهيم داود" إلى الإنجليزية تحت عنوان: Selected Poems of Fadwa Tuqan، منشورات جامعة اليرموك الأردنية، 1994م، وترجم "علي رضا نوري" بعض قصائدها إلى الفارسية في كتابه "حماسة فلسطين" -(طهران 1349هـ)، وترجم الدكتور "غلام حسين يوسفي"، والدكتور "يوسف بكّار" قصيدة "وجدتها" إلى الفارسية في كتاب "مزيده أي أثر شعر عربي معاصر"، (مختارات من الشعر العربي الحديث) -منشورات سبرك- طهران 1991م.
آثارها العلمية والنثرية:
أخي إبراهيم (نشرته أولاً بالمكتبة العصرية في يافا عام 1946م، ثم أعيد نشره كتصدير لديوان إبراهيم بطبعاته المختلفة) .
رحلة جبلية.. رحلة صعبة: سيرة ذاتية (نشر دار الأسوار -عكا، 1985م، ونشرته دار الشروق، عمّان 1985م)، وترجم إلى الإنجليزية.
الرحلة الأصعب: سيرة ذاتية -دار الشروق- عمّان، 1993م.
انحرافاتها :
تعد فدوى طوقان واحدة من رؤوس المتحررات في بلاد الشام؛ حيث سخرت قلمها في سبيل الثورة على أحكام الشريعة التي تسميها مخادعة "بالعادات والتقاليد" كشأن أمثالها من المتمردين والمتمردات .
فأبرز ما يطالعه القارئ في حياتها هو تململها من حال المرأة المسلمة، وتذمرها من الأحكام الشرعية المتعلقة بها، مع الخلط بينها وبين العادات الجائرة التي ما أنزل الله بها من سلطان، حيث سلطت على الجميع نقدها وثورتها.
__________
(1) … بحث (الصحوة الإسلامية والثقافة المعاصرة) ص 286-287 بتصرف يسير، وهو بحث قدمه هشام جعيط إلى ندوة (الصحوة الإسلامية وهموم الوطن العربي) التي عقدها منتدى الفكر العربي بعمان بالأردن عام 1987م، ط الأولى 1988م.
(2) … المرجع السابق ص 287 بتصرف يسير.
(3) … المرجع السابق ص 287.
(4) … مستفادة باختصار من : "أعلام الأدب العربي المعاصر" لكامبل (848-851). و" موسوعة أعلام المبدعين العرب" للدكتور خليل أحمد خليل (2/717-722). وكتاب "فدوى طوقان: شاعرة أم بركان" لهيام الدردنجي (ص 43 وما بعدها). وكتاب "فدوى طوقان: نقد الذات، قراءة السيرة" لريم العيساوي (ص 115-117).
وليتها اكتفت بنقد العادات المخالفة لشريعة الإسلام مما كان يعج به العالم العربي زمن شبابها، لكانت أحسنت وأجادت، ولكنها لتشبعها بروح التمرد ثارت على الصالح والطالح، وأقحمت شرائع الإسلام بتقاليد وعادات أهل ذاك الزمان.
وحال فدوى طوقان ليس ببعيد عن حال أقرانها من الكتاب والأدباء الذين حين تفتحت أذهانهم بالعلم والثقافة وجدوا مَنْ حولهم غارقًا في الخرافة والجهل؛ حيث كان التصوف ضاربًا أطنابه في ديار الإسلام، صادًا للنبهاء والمثقفين عن الدين الحق، بما يمارسه أتباعه من شعوذات ودجل واستغلال لعامة الناس، فانصرفوا بسببهم عن كل ما يمت للدين بصلة، واستعاضوا عن ذلك بتبنيهم للأفكار القومية والثورية التحررية.
وأنا لا أقول هذا اعتذارًا لهم؛ لأن المسلم مطالب باتباع الكتاب والسنة أينما كان، لا يصرفه عن ذلك جهل من حوله وابتداعهم.
الحاصل: أن فدوى طوقان كانت من هذه الفئة التي انصرفت عن الدين لما رأت سلوك وجهل من يدعي التدين من أفراد أسرتها؛ كجدتها الصوفية! .
ولنستمع إلى شيء من أقوالها التي ذكرتها في سيرتها الذاتية "رحلة جبلية.. رحلة صعبة" تشهد بما ذكرته من تذمرها من حال المرأة، وبغضها لمن تسبب في كبتها -كما تزعم- .
أقوالها عن أسرتها وحياتها الأولى :
-تقول عن أمها: "ليس لي مكان في ذاكرتها .. هنا كنت أشعر بشعور غير مريح، ولكنني لم أكن أستطيع توضيحه" (ص21).
وتقول عنها مدعية أنها تعيش حالة من الشقاء: "حين كبرت عرفت مصدر ذلك الشقاء الخفي؛ إنه الحصار والقهر الاجتماعي المفروض على المرأة" (ص 25).(52/297)
وتقول عن جدتها: "كانت عندها مقاييس الحلال والحرام، اللائق وغير اللائق، عجيبة غريبة. لقد كانت تصرخ في وجهي إذا رأتني مرتدية ثوباً قصيرًا: هيا.. شمري عن فخذيك أكثر.. ستدخلين جهنم أنت وأمك التي خاطت لك هذه الملابس المشينة!
وكان هذا يشوش صفاء طفولتي وبساطتها. كما كان يبلبل عقلي الصغير.. أمن أجل ثوب قصير يدخلني الله جهنم مع أمي؟ وأتخيل الله ربًا قاسياً رهيبًا لا يرحم" !! (ص 37).
وتقول عن أبيها: "لم أكن أحمل لأبي عاطفة قوية، بل ظل شعوري تجاهه أقرب ما يكون إلى الحيادية …الخ" (ص 135)
وتقول عن أخيها لما رآها تغازل !: "أصدر حكمه القاضي بالإقامة الجبرية في البيت حتى يوم مماتي، كما هددني بالقتل إذا أنا تخطيت عتبة المنزل" (ص55) .
وتقول عن أبيها الذي اكتشفها وهي تدخن!: "العاصفة الغاضبة التي أثارها في وجهي ساعة دخل الغرفة ذات يوم ووجدني متلبسة بجرم تدخين السجائر" (ص 129).
أما تذمرها من حالها فتقول: "في الفترة ما بين الثلاثينات والأربعينات لم يكن يُسمح لي بالخروج من المنزل إلا بصحبة بعض أهلي -أمي مثلاً أو عمتي وأخواتي وبنات عمي- لم يكن هناك من متنفس غير الزيارات. ولم يكن هذا الجو يستهويني على الإطلاق" (ص 114).
"لقد كنت معزولة عزلة تامة عن الحياة الخارجية" (ص 132).
"كان والواقع المعاش في ذلك (القمقم الحريمي) مذلاً مهينًا، حيث تعيش الإناث وجودها الهزيل القاتم" (ص 129).
"في هذا البيت وبين جدرانه العالية التي تحجب كل العالم الخارجي عن جماعة (الحريم) المؤودة فيه انسحقت طفولتي وصباي وجزء غير قليل من شبابي" (ص 40).
"هذا العالم الذي كنت أعيش فيه ظل شديد الوطأة على نفسي، حتى لقد سيطر علي الشعور بالعبودية والقسر" (ص 95).
"إن المرأة القروية كانت تملك حرية الحركة بشكل أفضل وأكثر فعالية؛ بفضل سفورها…"! (ص133)
"ظل العزف والغناء بالنسبة لي تعبيرًا ومخرجًا رمزيًا لحاجاتي العاطفية المكبوتة… كنت أجد في الموسيقى والغناء -سواء في الاستماع إليها أو في ممارستها- تنفيسًا للتوتر الذي أعانيه" (ص 38).
"ظلت الموسيقى حتى اليوم تشعرني بالصفاء الروحي" (ص 67).
"عكفت على العزف على العود والغناء" (ص 81)، وفيها أيضاً أنها كانت تعزف العود بتشجيع من أخيها إبراهيم!
حياتها بعد التحرر:
تقول عن حياتها في القدس بعيدة عن أهلها: "كنت فرحة بعالمي الجديد، سعيدة ببعدي عن نظام الأسرة الصارم… إلى جانب هذا كله كانت هناك المكتبات العامرة، ودور السينما، والحفلات الغنائية العامة.. الخ" (ص 122).
"كان المجتمع المحيط بي مجتمعًا متحررًا" (ص122)
"النادي الثقافي المختلط الذي أسسه الدكتور وليد قمحاوي مع بعض الشباب الواعي (!) … كنت واحدة من أعضاء النادي" (ص 143).
مدحها للإنجليز وبلادهم :
ومما يحزن المسلم أن هؤلاء الإنجليز الذين تمدحهم فدوى هم من تولى كبر التمكين لليهود في بلادها !!
تقول فدوى: "ليس هناك أجمل من الشعور بالحرية والتحرر من المنغصات المحيطة، تلك المنغصات التي يستحيل الفكاك من براثنها إلا بالبعد الجغرافي. لقد عرفت في إنكلترا فرحة السجين بلحظة الخروج إلى الفضاء والنور"
وتقول (ص 194): "كان أكثر ما أحببته: ذلك الطابع الإنكليزي المتجسد في الصوت الخفيض في أثناء الحديث، وفي الصمت المخيم في الأماكن العامة؛ كالحافلات وصفوف الانتظار…أما الحب فعلى قارعة الطريق، في الحدائق، في السينما، في كل مكان، والقبلة بين الجنسين سهلة التناول.." !! الخ مديحها لمن احتلوا ديارها وأهانوا أهلها وإخوانها، فالحمد لله على نعمة الإسلام والاعتزاز به.
نظرتها للدين وشيء من أفكارها :
-تقول الباحثة هيام الدردنجي: "ظلت فدوى تنظر إلى الدين كمجموعة من الطقوس، ولم نر أي أثر للإيمان الديني في أشعارها"(1)
وتقول فدوى عن نفسها : "لست متدينة، ولا أهتم بالطقوس. صلتي بأمور الدين وكتبه ليست متينة الروابط" (ص 219).
"إن قوى الشر؛ سواء أكانت غيبية أم اجتماعية أم سياسية تقف دائماً ضد الإنسان وتعمل على تحطيمه" (ص 10).
"انجذبت بطبيعتي التشاؤمية إلى الشخصيات القلقة المتشككة"(ص 154).
"كان كتاب (العهد القديم) من الكتب التي أعود إليها بين حين وآخر" (ص155).
"كان سلامة موسى والعقاد والمازني من الكتاب الذين فتحوا ذهني وعلموني ما لم أعلم.." (ص 153).
"مع سقوط أنظمة الحكم الرجعية في مصر وسوريا تنامت الحركات الشعبية في مصر والعراق، وبدأ الفكر الاشتراكي والماركسي يوغل في ضمير الشعوب العربية موجهًا كفاح الإنسان العربي ضد السيطرة الاستعمارية من جهة، وضد مفاهيم المجتمع التقليدي من جهة أخرى" (ص 142).
"الرجعية العربية تزداد قوة يومًا بعد يوم بفضل انبثاق الثروة في بقع من الرمال… والتقدمية العربية (!) لم تزل طفلة تفتقر للأسلوب والنظام" (ص232).
-وأخيرًا تقول فدوى : "أحس بعبث الحياة وانعدام غايتها" (ص217).
"بدت لي الحياة اعتباطية" (ص213).
"لم أكن يومًا راضية عن حياتي أو سعيدة بها" (ص 9) .
ولهذا فقد حاولت الإنتحار مرتين ! (انظر: ص 57 و135 من سيرتها).(52/298)
وصدق الله القائل (ومن لم يجعل الله له نورًا فما له من نور).
انحرافات متنوعة في ديوانها(2) :
1-اعتراضها على القدر:
تقول (ص32):
أرحمة الله بعليا سماه تقول أن يكتظ جوف الثرى؟
ويحرم المعوز قوت الحياة في عيشه المضطرب الأعسر
وتقول (ص33):
أليس في قدرته القادرة أن يمسح البؤس ويمحو الشقاء!
أليس في قوته القادرة أن يغمر الأرض بعدل السماء!
وتقول (ص 56):
النور أين النور هل قطرة تسيل منه في دجى يأسها
من أين والأقدار قد جففت منابع الأضواء من نفسها
وتقول (ص 261):
عام قريب، كانت حياتي قبله، شبحًا يدب على جديب، متعثرا بالصخر، بالأشواك، بالقدر الرهيب..
2-تأثرها بالمصطلحات النصرانية :
وقد بينت في بحث سابق تأثر أدباء الحداثة بالرموز النصرانية؛ نظرًا للفراغ الروحي الذي يعيشونه بسبب انصرافهم عن الإسلام وضعف تأثيره في نفوسهم؛ إضافة إلى اتخاذهم من أدباء الغرب النصارى قدوة لهم.
تقول فدوى (ص173):
وراحت تعانق جرح الحمى حمانا المسمَّر فوق الصليب
وتقول (ص 359):
هناك وراء الوراء بأعماق ذاتي هنالك يرسب شيء خفي
يظل خفيًا ولا شكل له يظل قويًا ولا لون له
يوجه سيري يخط دروبي ويرفع بين يديّ صليبه
وتنشئ قصيدة تسميها (إلى السيد المسيح في عيده) (ص499-501) تتوسل فيها إلى المسيح عليه السلام أن يحل قضية فلسطين !!
3-التشاؤم :
تقول (ص 131):
ماذا أرى؟ هذاك بوم غريب منطلق، جهم المحيا، وقاح
يحوم في الروضة حومًا مريب غدوّه متهم .. والرواح
4-امتهانها للفظ العبادة:
تقول (ص460):
فمن أي الكهوف بزغتَ
يا وجهًا عبدناه ..
5-تأثرها بالقومية وبعرابها الهالك جمال (الخاسر) الذي دبجت في رثائه قصيدة طويلة سمتها: "مرثية الفارس" (ص 602-605).
ألفاظ وقصائد كفرية :
1-تقول فدوى في إحدى قصائدها (ص 589):
وتلعلع في طيات السحب الرعدية
ضحكات الرب !
2-وتقول عن ممدوحها (ص 361):
اسمك لي
يا كلمة ماتني
تجاور اسم الله في قلبي !
3-وتكتب قصيدة بعنوان: "الإله الذي مات" ! (ص391-394).
4-وتكتب قصيدة أخرى بعنوان "الباب المغلق" (ص 441-450) تملؤها بالألفاظ الشنيعة التي تخاطب بها الله عز وجل، موحية إلى القارئ بأنه تعالى لا يستجيب لها، وأنه "مغلق أبوابه" أمامها، فلا جدوى من عبادته حينئذٍ!! إن لم يكن في نظرها خرافة! وقد حق فيها قوله تعالى (نسوا الله فنسيهم) .
فتأمل بعض كلمات قصيدتها القبيحة لتعلم ما سبق: تقول:
يا ملك الدنيا والناس
فسّر لي معنى أفعالك
كنت حبيبي، ملكي الأوحد
لا ألزم إلاَّ أعتابكَ
لا غير رحابك لي معبد
كنت حبيبي في قلبي
أحضن وجهك كل مساء
فإذا رفَّ على عينيَّ جناح الصبحْ
ألفيتك تملأ في قلبي تجويف القلب
تغمره بالدهشة، بالفرحْ
لكن أنت تغيّرتْ
لكن أنت تغيّرتْ
فاهتزَّت أعمدة المعبد
وانهارت قبب الأجراس
مات الملك
هوى، هوى عرش الملك
ومات في أنقاضه الملك
ليسقط الملك
ليسقط الملك (!!)
إلى أن تقول:
هل تسمعُني يا ربَّ البيت
أنا بعد ضياعي في الفلوات
بعيداً عنك أعود إليك
لكنَّ رحابك مغلقةٌ
في وجهي، غارقة في الصمتْ
لكنَّ رحابك كاسية
بتراب الموت
__________
(1) …فدوى طوقان: شاعرة أم بركان؟، (ص 62).
(2) … الصادر عن دار العودة ببيروت .
إن كنت هنا فافتح لي بابك لا -
تحجب وجهك عني
وانظر يتمي وضياعي بين -
خرائب عالمي المنهار
وعلى كتفي أحزان الأرضِ -
وأهوال القدر الجبار
لا شيء هنا
عبثاً، لا رجع صدى لا صوت
عودي. لا شيء هنا غير الوحشة -
والصمتِ وظلّ الموت"
وبعد هذه الجولة في انحرافات هذه الشاعرة الحداثية المتحررة أيليق بإحدى الباحثات المسلمات أن تقول عنها :
"لقد أضاءت فدوى دروب الحياة للناس، وقدمت أنموذجًا كيف يمكن للذات أن تتجاوز العقبات والتحديات"(1) !!
لقد أساءت هذه الباحثة لنفسها، ولبست على الفتيات المسلمات وغررت بهن بترويج هذا النموذج المتحرر بينهن، وكان لها في الصالحات وعلى رأسهن أمهات المؤمنين غنية. وصدق الله تعالى (أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير)؟
أسأل الله الهداية والتوفيق لنساء المسلمين، وأن يصرف عنهن كيد الأشرار، وأن يسلك بهن سبيل الأبرار.
والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
========================(52/299)
(52/300)
نظرة شرعية في ثلاثية تركي الحمد
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده :
كنت قد كتبت قبل حوالي ثلاث سنوات رسالة مطولة عن فكر وأدب تركي الحمد، ولكن لم يتيسر طبعها في حينه، إنما وجدتْ الانتشار -ولله الحمد- على شبكة الإنترنت بناء على طلبٍ من إخوة كرام رأوا في ذلك حلاً مؤقتاً للتصدي لانحرافات هذا الرجل. ثم بعد ذلك اقترح البعض أن تُخْتصر تلك الدراسة ويُكتفى منها بما ذكرته عن "ثلاثيته" لسببين وجيهين؛ هما:
أن "ثلاثيته" هي سبب شهرته بين الناس، ولولاها لما راح ولا جاء.
أن تأثير القصص في الناس أشد من تأثير المقالات الفكرية التي يعسر فهمها على كثيرين.
لهذا قمت بالاقتصار في هذه الرسالة على الحديث عن "الثلاثية" وما فيها من مضامين خطيرة يُسْتغرب صدروها من رجل يدعي الإسلام.
أما فكر الرجل ففي ظني أنه لا يستحق مزيدًا من الاهتمام؛ لعدم ثباته على مبدأ واحد، بل هو يتقلب تقلب الليل والنهار! فبينا تراه بعثياً يعلي قيمة الفكر الاشتراكي، إذا بك تجده بعدها مفكرًا قومياً، ثم تفاجأ به عن قريب قد انقلب كاتباً ليبرالياً ! ثم رابعةً كاتباً نفعيًا يدور مع مصلحته الخاصة.. وهكذا؛ فهو كما قيل:
يوماً يمانٍ إذا لاقيت ذا يمن وإن لقيت معدياً فعدناني!
والله يقول عن أصحاب هذا التلون والتردد: "مذبذبين" لا يثبتون على رأي بل يدورون مع أهوائهم.
والملاحظ في كتابات الدكتور تركي الحمد -هداه الله- استكباره عن الحق، ومراغمته لأهله، ورضاه بأن يتقلب بين تلك المذاهب والمبادئ دون أن يكون لدعوة الكتاب والسنة نصيب من ذلك.
ومن يتأمل تلك الكتابات يجدها تدور حول هذه الأفكار التي تتردد عنده كثيراً:
أولها: تشنيعه على العاملين للإسلام في هذا الزمان، وتسميتهم -ظلماً وزورًا- "بالإسلامويين"، ومحاولة إقامة الحاجز بينهم وبين عامة المسلمين. وتصويرهم بأنهم لا يمثلون الإسلام الصحيح. وكان الأولى به أن يعترف بفضلهم وبجهودهم ويشكرها لهم، ويقبل ما عندهم من الحق. أما ما خالفوا فيه الكتاب والسنة فيُرَدُّ عليهم.
ثانيها : ادعاؤه المتكرر بأن الحق المطلق لا يمتلكه أحد! وهذا -في ظني- من تأثير "الذبذبة" التي لازمت مواقفه. لأن هذا التنقل بين أهواء البشر أورثه شكاً فيها جميعاً، بعد أن خبرها وعرف المآخذ عليها. ثم نظر إلى دعوة الكتاب والسنة نظرته لتلك الأهواء (2)!
ثالثها: أنه يخلط بين أمر "الدين" وأمر "الدنيا"، فمن كان متقدمًا في أموره "الدنيوية" كان عند الحمد المقدَّم في جميع الأمور ! وأصبحت "ثقافته" أو "حضارته" أولى بأن تحتذى من الآخرين.
وهذا الخلط جعله يهوي في دركات الضلال عندما فضل الثقافات الأخرى على دين "الإسلام" وإن كان يستر هذا الأمر العظيم بعدم استعماله كلمة "الإسلام" عند المفاضلة !
معارضاً بهذا حكم الله تعالى في قوله (ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يُقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين) وأنه تعالى قد ارتضى هذا الدين لعباده. وختم رسله بمحمد r، وكتبه بالقرآن فمن ارتضى غير ذلك فهو لا شك من أكفر الكافرين.
أما تخلف المسلمين في أمر الدنيا فلا شأن للإسلام به، إنما هو من عند أنفسهم عندما انصرفوا عن الأخذ بأسباب العلم والقوة وغرقوا في الخرافات والخزعبلات؛ حتى فاتهم الدين الصحيح والدنيا المتقدمة، إلا من رحم الله.
فأمر الدنيا كلأٌ مباح لجميع البشر؛ كما قال تعالى: (كلاً نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظوراً). فمن بذل أسبابها حصّلها بإذن الله، ولهذا تجد المتقدمين دنيوياً في عالمنا أصحاب أديان ومشارب شتى لا يختص الأمر بدين أو ثقافة محددة.
__________
(1) … "فدوى طوقان: نقد الذات، قراءة السيرة" للباحثة ريم العيساوي -هداها الله- طبع: أندية الفتيات بالشارقة!!
(2) … مقولة "الحق المطلق لا يمتلكه أحد" هي من المقولات "الكفرية" المعاصرة التي تسربت إلى عقول بعض المسلمين من مفكري الغرب، وقد وضحت ذلك في بحث بعنوان "أفكار عصرانية" أسأل الله أن ييسر نشره قريباً.
وليعلم الحمد بعد هذا أن التقدم الدنيوي لا يغني عند الله شيئاً ما لم يقترن ذلك بالدين الصحيح، وقد أهلك سبحانه كثيرًا من الأمم السابقة التي أعرضت عن الحق وكفرت به مع إخباره عنها بأنها قد بلغت شأناً عظيماً في أمور الدنيا. قال سبحانه لنبي صلى الله عليه وسلم : (وكأين من قرية هي أشد قوة من قريتك التي أخرجتك أهلكناهم).
الخلاصة: أن من أراد دراسة فكر الرجل ورغب في الرد عليه فلعله لا يغفل عن هذه الأمور الثلاثة التي ذكرتها، وهي ما يمثل معالم فكره .
والله أعلم ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه (أجمعين) .
تعريف بتركي الحمد (1)
…
…هو : تركي حمد التركي الحمد ، المشهور بـ( تركي الحمد ) من أسرة قصيمية انتقلت إلى المنطقة الشرقية ، وسكنت الدمام ، وكان والده يعمل في شركة (أرامكو ) .
ـ من مواليد 10 /3/1952م الأردن ، الكرك " العقيلات " .
ـ درس الإبتدائية والمتوسطة والثانوية في مدينة الدمام .(52/301)
ـ حصل على البكالوريوس في الاقتصاد والعلوم السياسية من جامعة الرياض عام 1975م .
ـ ثم سافر إلى الولايات المتحدة لمدة عشر سنوات كاملة ! حصل منها على الماجستير في العلوم السياسية من جامعة ( كلورادو ) عام 1979م .
ـ ثم حصل على الدكتوراه في العلوم السياسية ـ أيضاً ـ عام 1985م ، من جامعة جنوب كاليفورنيا .
ـ عمل أستاذاً للعلوم السياسية بجامعة الملك سعود منذ عام 1985م إلى عام 1995م.
ـ ثم طلب التقاعد المبكر ليتفرغ للكتابة. !(2)
مؤلفاته :
الحركات الثورية المقارنة عام 1986 م
دراسات أيدلوجية في الحالة العربية عام 1992م
الثقافة العربية أمام تحديات التغيير عام 1993م
عن الإنسان أتحدث 1995م
رواية ثلاثية بعنوان (أطياف الأزقة المهجورة )
…أ ـ العدامة .
…ب ـ الشميسي .
…ج ـ الكراديب .
كتاب ( الثقافة العربية في عصر العولمة ) .
رواية بعنوان ( شرق الوادي ) (3)
السياسة بين الحلال والحرام، (مجموعة مقالات).
( ) صدرت قريباً وهي رواية رمزية مغرقة في الغموض، ولأجل هذا لم يستطع الدكتور غازي القصيبي نفسه فهمها! كما صرح بذلك للمجلة العربية .- له العديد من المشاركات الصحفية عبر المقالات ، كمقالاته الأسبوعية في جريدة الشرق الأوسط ، أو مقالاته في جريدة الحياة ، أو مجلة الاتصال، وغيرها من المجلات السعودية وغير السعودية .
…
ثلاثية تركي الحمد
ثلاثية تر كي الحمد تسمى ( أطياف الأزقة المهجورة ) وهي من ثلاث حلقات متسلسلة تحكي قصة بطل واحد هو ( هشام العابر ) .
الحلقة الأولى : بعنوان ( العدامة )(3)
الحلقة الثانية : بعنوان ( الشميسي )(4)
الحلقة الثالثة : بعنوان ( الكراديب )(5)
1 ـ العدامة :
بطل هذه الثلاثية هو ( هشام بن إبراهيم العابر ) شاب صغير السن يعيش مع والديه في مدينة الدمام في فترة الثمانينات الهجرية . وأما اصلهم فيعود إلى القصيم! .
وكان هذا الفتى الصغير مولعًا بالقراءة ومتابعة مايدور حوله من أحداث وأفكار في تلك الفترة الصاخبة بالشعارات ، فاعتنق لأجل هذا الفكر القومي الماركسي الذي كان متوهجاً ساحراً لكل متفتح على الحياة ، لا سيما بعد نجاح هذا الفكر ( على اختلاف درجاته ) في الاستيلاء على البلاد العربية، مما زاد من رصيد معتنقيه الذين رأوا فيه خير موحد للأمة العربية التي مزقها الاستعمار .
…لهذا : اعتنق هشام هذا الفكر وآمن به ، ثم استطاع أفراد تنظيم ( حزب البعث بالسعودية !! ) أن يضموه إليهم كعضو جديد في الحزب بعدما أعجبوا به وبأفكاره .
…استمر هشام يحضر اجتماعات الحزب ( السرية ) ، ويشارك في نقاشاتهم وفي إعداد التقارير لهم عن الأحوال السياسية الجارية .
__________
(1) نقلاً عن المقابلة التي أجرتها معه قناة اقرأ الفضائية في يوم 13/8/1419هـ ، ومجلة "فواصل "( العدد 50 ) وقد وصفته هذه المجلة ـ هدى الله القائمين عليها ـ بأنه " أحد الذين بنور أفكارهم تستضيئ العقول ، وأحد الذين بلمعان جواهرهم تنير الآفاق " !!! ومن كتب هذا الكلام حريّ به أن يقرأ هذا الكتاب الذي يبين له حقيقة هذا المفكر المنير للعقول ! لعله يتراجع عن مدحه السابق امتثالاً لقوله تعالى : { لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوآدون من حآد الله ورسوله }
(2) سألت مجلة "فواصل " تركي الحمد عن سبب طلبه للتقاعد المبكر من الجامعة وتفرغه للكتابة ، فقال : "لأني شعرت أنني أستطيع أن أنتج فكرياً خارج الجامعة أكثر مما لو بقيت داخل الجامعة ، وأنا أقول لكم بصراحة شديدة جداً : إن الجامعات العربية بشكل عام تحولت إلى نوع من القيد على الفكر … " !! فما هو هذا ( الفكر المقيد) الذي يريد تركي التفرغ له ونشره بين الناس !؟ هذا ما ستعرفه ـ إن شاء الله ـ.
(3) وسأعتمد على الطبعة الثانية الصادرة عام ( 1998م ) عن دار الساقي بلبنان . والعدامة حي مشهور من أحياء مدينة الدمام .
(4) وسأعتمد على الطبعة الأولى ، الصادرة عام ( 1997م )عن دار الساقي بلبنان . والشميسي شارع وحي مشهور في مدينة الرياض .
(5) وسأعتمد على الطبعة الأولى ، الصادرة عام ( 1998م ) عن دار الساقي بلبنان ، والكراديب رمز للسجن .
…كما أنه استطاع أن يضم صديقه ( عدنان العلي ) إلى هذا الحزب ، إلا أنه برغم كل هذا يود التخلص من الارتباط بعضوية الحزب ، مع البقاء على أفكاره دون أن يشعر بأي تقييد .
…سافر هشام إلى الرياض لتقديم أوراقه إلى كلية التجارة مؤملاً أن يدرس شيئاً عن الأفكار والأنظمة السياسية المختلفة . فاضطر للسكن في بيت خاله (المتدين ) .
…كان أولاد خاله يختلفون عنه كثيراً في أسلوب حياتهم وطريقة عيشهم ، حيث كانوا مقبلين على اللهو والتمتع بالحياة، ولم تكن الأفكار الفلسفية والأحداث السياسية تستهويهم لا سيما ( عبدالرحمن ) الذي تميز عنهم بحبه للمغامرات (النسائية) مع شربه للخمر ( أو العَرَق ) .(52/302)
…تغيرت أحوال هشام بسبب ابن خاله عبدالرحمن الذي أغراه بالتمتع بشبابه ومعاقرة الخمر والنساء، فانساق هشام معه تدريجياً إلى أن سقطت جميع المثل التي كان يراها في السابق من عينيه بفضل رعاية والديه له في الدمام . فأقبل على حياته الجديدة بنهم شديد وبعلاقات نسائية متتالية .
…كان هشام قد سافر من قبل مع أهله إلى بلدهم الأصلي ( القصيم ) لزيارة جده وجدته .
…وهناك تعرف هشام على (عبد المحسن التغيري ) الذي عرَّف هشاماً على بقية زملائه من خلال ( كشتات ) البر . وهم ( محمد الغبيرة ) و( دعيس الدعيس ) و(سليم السنور ) و ( صالح الطرثوث ) و( مهنا الطعيري ) وكانوا جميعاً من المهووسين بجمال عبد الناصر وبقوميته لا سيما ( مهنا الطعيري ) .
…عاد هشام إلى الدمام مواصلاً ترقب أخبار الاعتقالات التي حدثت لأفراد الحزب والأحزاب والتنظيمات الأخرى المعارضة ( للحكومة السعودية ) ومواصلاً أيضاً غزله المتبادل مع بنت الجيران ( نورة ) .
…وبهذا انتهت الرواية الأولى من ثلاثية تركي الحمد .
…لتبدأ بعدها أحداث الرواية الثانية ( الشميسي ) .
2 ـ الشميسي :
…تكاد تكون أحداث رواية الشميسي مخصصة لحال هشام في مدينة الرياض، وهذا مايوحي به اسمها ( الشميسي ) الذي هو اسم شارع شهير في مدينة الرياض .
…سجل هشام في كلية التجارة وانتقل إلى السكن عند خاله في الرياض ، وكثرت ملابسته للمحرمات من شراب ونساء بواسطة ( عبد الرحمن ) ابن خاله.
…ثم ارتبط بعلاقة غير شرعية مع جارة خاله ( سارة ) أو ( سوير) وأصبح يتردد عليها .
…تفاجأ هشام بالتزام صديقه عدنان ، الذي اختار سبيل الخير مسلكاً له وارتبط مع شباب صالحين أثناء قدومه للدراسة الجامعية في الرياض ـ أيضاً ـ.
…انتقل هشام للسكن في عزبة مع ( عبد المحسن التغيري ) الذي قدم الرياض من القصيم لكي يأخذ ـ أي هشام ـ حريته الكافية التي كانت مقيدة نوعاً ما في منزل خاله .
…انتهت امتحانات نصف العام فذهب هشام إلى الدمام لزيارة أهله مواصلاً علاقته العاطفية مع ( نورة ) بنت الجيران بعد أن علم بزواجها .
…رجع هشام إلى الرياض مواصلاً ـ أيضاً ـ مغامراته النسائية لا سيما مع (سوير ) التي حملت منه !
…جاء والده فجأة لزيارة الرياض لإخباره بأنه مطلوب من قبل رجال الأمن (المباحث ) .
…وبعد أخذ ورد قرر الوالد إخفاءه عن أعين الأمن عند أحد زملائه إلى حين استصدار جواز مزور له لكي يتمكن من الهرب إلى بيروت(1) عن طريق البحرين ، ولكن رجال الأمن كانوا له بالمرصاد حيث قبضوا عليه وحققوا معه ثم قرروا ترحيله إلى جدة لمواصلة التحقيق ( الجاد ! ) معه .
…بهذا الحدث انتهت رواية الشميسي وهي الحلقة الثانية من ثلاثية تركي الحمد ، لتبدأ بعدها أحداث الحلقة الأخيرة من الثلاثية وهي رواية ( الكراديب).
3ـ الكراديب :
هذه الرواية مخصصة لبيان أحوال هشام في السجن في جدة بعد أن حُقق معه ولكنه أبى الاعتراف بانتسابه إلى تنظيم ( حزب البعث ) ، فقرروا أن يلبث في السجن إلى حين ، حيث تعرف من خلال السجن على الشيوعي ( عارف)، فبدأت بينهما نقاشات حول أفكار بعضهما مع شد وجذب ، لأن كل واحد منهما يؤيد فكرته لتصحيح الأوضاع.
…اعترف هشام بما يريده السجانون فنقلوه من مكانه إلى مكان آخر أفضل منه. حيث تعرف ـ أيضاً ـ على ( وليد ) الذي يؤمن بالقومية كحل لأفراد الأمة ، و (عبد الله ) الذي ينتمي إلى ( الجبهة الديمقراطية ) وهي جبهة منفصلة عن حزب البعث ، ( ولقمان ) الذي ينتسب إلى الإخوان المسلمين ! .
…استمرت النقاشات بين هؤلاء الأربعة ، وكلٌ منهم يحاول أن يبين صحة نظرة واختياره هذا المسلك الذي سلكه ، وارتضاه دون غيره .
…بعد مدة من الزمن تم الافراج عن هشام الذي عاد فوراً إلى الدمام ، ولكنه وجد كل شيء حوله قد تغير ولم يعد يحمل ذكرى الماضي لا سيما وأبوه قد انتقل إلى بيتٍ جديد بدل بيتهم القديم الذي عاش فيه سنيه الأولى .
__________
(1) كانت ملجأ للمعارضين ذاك الزمان
…بعد أخذ ورد قرر أهله أن يعود إلى مواصلة دراسته في الرياض ، فعاد إليها مندهشاً لمدى تغيرها عن عهده القديم بها ، في مبانيها وفي أفرادها ( وهو ينظر بعينين فقدتا بريقهما ، إلى أزقة كانت مأهولة ، فلم تعد إلا أزقة مهجورة تجوبها أطياف لاحياة فيها ، ولكنها لا تريد أن تموت ) (1)، وبهذا انتهت أحداث الحلقة الأخيرة من ثلاثية تركي الحمد .
ملامح بطل الثلاثية : هشام العابر :
لنتبين ملامح ( هشام العابر ـ أو تركي الحمد ) في هذه الرواية سأقتطف بعض العبارات من الثلاثية تُكون لنا صورة متكاملة لشخصيته (صفاته وطموحاته):
1ـ هو شاب يحب القراءة : لاسيما قراءة الكتب ( المحرَّمة ) الفلسفية والماركسية .
( لقد خرج إلى الدنيا وهو لا يعرف إلا هواية واحدة ، ولذة واحدة هي القراءة، ويقرأ أي شيء ، وكل شيء تقع عليه يده ) (2)(52/303)
( أخذت القراءات الفلسفية والسياسية تجذبه كثيراً منذ أن أهداه أحد أصدقاء والده كتاب "طبائع الاستبداد ومصارع الإستعباد " لعبد الرحمن الكواكبي ، حتى أنه كان يقضي ليالي بطولها في قراءة النصوص الماركسية والقومية والوجودية وغيرها من التيارات الفلسفية والسياسية مما تقع عليه يده في المكتبات المحلية ، أو يحصل عليه مما هو غير متاح في المكتبات ) (3)
…( في المرحلة الثانوية أهمل الدراسة إهمالاً تاماً ، ولولا خشيته من جرح كبرياء والده وقلب أمه لما درس إطلاقاً ، وتفرغ لعالمه الجديد من القراءة واكتشاف النصوص المحرمة )(4)
…( لم تعد الكتب المتوفرة في المكتبات المحلية ترضي شغفه بالعالم الجديد الذي اكتشف ، فكان في كل رحلة مع والديه إلى الدول المجاورة ، الأردن أو سوريا ولبنان يجلب معه بعضاً من تلك الكتب الممنوعة والمحرمة ، والتي تكون زاده المعرفي طوال الفترة اللاحقة ) (5) .
…( كان ينفق كل مصروفه على الكتب الماركسية غير المتاحة في بلده ، وخاصة مؤلفات آرنستوتشي غيفارا ، وريجس دوبريه ، وفرانز فانون ، بالإضافة إلى مؤلفات ماركس وانجلز وبليخانوف ولينين وترو تسكي وستالين ، التي تشكل الزاد الفكري الرئيسي .أما ما كان يهزه من الداخل فعلاً ، فقد كانت مؤلفات غيفارا التي كانت تدغدغ شيئاً ما داخل ذاته . كانت هذه الكتب ، بالإضافة إلى الأعمال الأدبية والروائية العالمية الخالدة ، تباع بأرخص الأسعار على أرصفة الشوراع في عمان ودمشق وبيروت ، وعلى عربات أشبه بعربات الخضار . التهم خلال رحلاته ، وبعد العودة ، كل روايات مكسيم غوركي خاصة ، وأهم الروايات الخالدة في الأدب الروسي عامة . قرأ " آنا كرنينا " و " البعث " لليو تولستوي ، " والجريمة والعقاب " "والأخوة كارامازوف " لفيدور دوستويفسكي ، و"الدون الهاديء" لميخائيل تشولوكوف . وقد أثارت فيه رواية " الأم " لغوركي أحاسيس وانفعالات عنيفة متداخلة ، من الغضب إلى الحماس إلى البكاء إلى العطف إلى القسوة إلى الرقة ، مما جعله يعيد قراءتها مرات ومرات. بكى عدة مرات مع العم توم في كوخه ، وعاش مع لانغ وزوجته في أرضهما الطيبة ، وتعاطف كثيراً مع مدام بوفاري بنفس القدر الذي حنق فيه على سكارليت أوهايرا . وكان يختلس لحظات طويلة يقرأ فيها ألبرتو مورافيا وبلزاك واميل زولا ، لا حباً في ذات هذه الأعمال دائماً ، ولكن بحثاً عن مشهد جنسي هنا ، أو وصف لعلاقة حميمة هناك ويتصور في لحظة حلم يقظة أنه البطل في كل هذه العلاقات. أما ذلك الوصف الأخاذ للحياة الاجتماعية في هذه الأعمال ، فلم يكن يهمه كثيراً ، إذ كان يعتقد أن الأدب الروسي لا يعلى عليه في هذا المجال كما قرأ بعض روايات تشارلز ديكنز ، وأعجبته خاصة " قصة مدينتين " ، التي اعتبراها ، مع " الأم" أفضل أعمال يمكن كتابتها . كان ينفق مصروفه على هذه الكتب ) (6).
2ـ هو يريد أن يكون مفكراً طليقاً ، لا يتقيد بأي دين أو مذهب سوى (العلم!) .
…( يذكر ذات مرة أنه دخل في مجادلة مع مدرس الدين حول نظرية النشوء والإرتقاء لدارون ، حين شتم هذا المدرس النظرية واصفاً إياها بالفكر والإلحاد ، وشتم صاحبها واصفاً إياه باليهودية والمؤامرة اليهودية على الإسلام والمسلمين . يذكر يومها أنه قال للمدرس إن هذه النظرية إنتاج علمي ، والعلم هو سيد العصر شئنا أم أبينا . قد يخطىء دارون وقد يصيب بشأن أصل الإنسان وأصل الأنواع ولكن التطور حقيقة تفرض نفسها ، كما أن دارون ليس يهودياً لا أباً ولا أماً . يومها اتخذ منه مدرس الدين موقفاً عدائياً ، واصبح لا يناديه إلا بالفاسق . ولكن ذلك لم يكن يهمه كثيراً بل لم يكن يهمه على الإطلاق، مع ذلك الحماس وذلك الإنطلاق الذي وجده في عالمه الجديد )(7).
…( أريد أن أكون مفكراً طليقاً ، لا مناضلاً سياسياً في تنظيم ) (8).
3ـ هو ماركسي المذهب ، ليس كالماركسيين ، بل يحب المزج بين الماركسية والقومية العربية :
__________
(1) الكراديب ( ص288)
(2) العدامة ( ص9 ) .
(3) العدامة ( ص9 ).
(4) العدامة ( ص10) .
(5) العدامة (ص12)
(6) العدامة ( 12-13) .
(7) العدامة (ص 14-15)
(8) العدامة ( ص26) .(52/304)
…( أعجبته كتابات ياسين الحافظ وكذلك المنطلقات ، إذ وجد فيها مزيجاً أخاذاً ومثيراً من الماركسية والقومية . وجد فيها شيئاً كان يشعر أنه ينقص الكتابات الماركسية التي قرأ ، وكذلك الكتابات القومية على اختلافها . فقد سبق له أن قرأ " في سبيل البعث" لميشيل عفلق ، وبعض كتابات منيف الرزاز وصلاح البيطار ، والكتابات الناصرية القليلة مثل فلسفة الثورة ، لجمال عبد الناصر ، وكتابات أنور السادات حول ثورة يوليو وعبد الناصر ، وكذلك " بصراحة " محمد حسنين هيكل التي ينشرها في جريدة الأهرام كل يوم جمعة ، ويستمع إليها من خلال إذاعة "صوت العرب " من القاهرة ، فقد كانت الأهرام ممنوعة من الدخول في بلده . كانت الكتابات الماركسية تركز على المسألة الاجتماعية والأممية ، وبقدر ما كان متحمساً للمسألة الاجتماعية ومؤمناً بها ، بقدر ما كان متردداً بشأن المسألة الأممية .إنه يشعر أنه قومي حتى النخاع ، والقومية تسري في عروقه . وتهزه خطابات جمال عبد الناصر ، وتثمله الشعارات القومية التي يطلقها البعثيون والناصريون والقوميون العرب . لكن رغم ذلك ، كان يحس أن هنالك شيئأ ناقصاً ، كان يشعر أن هؤلاء لم يعطوا المسألة الاجتماعية حقها من الإهتمام، وخاصة قضايا مثل الصراع الطبقي والإشتراكية العلمية والحتمية التاريخية . ولذلك اعتقد أن الفكر الماركسي ، رغم بعض التحفظات ، هو الذي من الممكن أن ينير الطريق ويعطي فلسفة متكاملة للحياة . أعجبته كتابات الحافظ والمنطلقات لأنها تمزج المسألة القومية بالإجتماعية . جامعة ما يشعر بميل إليه في فلسفة واحدة )(1)
…( لا تعجبني أفكار عفلق والبيطار والرزاز . أعتقد أنها عاطفية أكثر من اللزوم ، رغم إيماني بإطارها العام . نحن بحاجة إلى فلسفة متكاملة . وأعتقد أن الماركسية هي الحل رغم النواقص التي من الممكن إكمالها ) (2)
…( إذا كان ما في المنطلقات هو فكر البعث ، فإني أجد نفسي فيه ، فهو يمزج القومية بالماركسية . . . وهذه هي قناعاتي ) (3)
…( أحس بالهلع والنفور من كل ما يمت إلى التنظيم وفكره بصلة . وبقيت علاقته الحميمية بالماركسية )(4)
…هو يتبنى فكراً ماركسياً لا يعتقد بدور البطل في التاريخ ، بل هي التناقضات المادية والاجتماعية التحتية ، وانعكاساتها الفوقية السياسية والثقافية)(5)
( الماركسية . . . هي الفكر العلمي الشامل القادر على منحنا مفاتيح التاريخ والمجتمع والسياسة ، ومن لديه هذه المفاتيح لا خوف عليه ولا هو يحزن ) (6)
( الحقيقة أني ميال إلى الفكر الماركسي )(7)
( سوف يتعلم الماركسية على أصولها )(8)
( من قال لك إني شيوعي ؟ . . . أنا اشتراكي )(9) .
( أنا أميل إلى الماركسية ، ولكني لست شيوعياً )(10).
…ولكن هشاماً برغم هذا الحسم (الماركسي) لتوجهه إلا أنه بقي متردداً متحيراً في أمره تصارعه أفكار شتى حول هذا الكون ، وخالقه ، وأحداثه ، مما لم يستطع أن يستوعبه فأصبح ينادي بتفاهة هذه الحياة وأهلها ، وعبثية أحداثها وأقدارها ، مع ترقب وتوجس لهجوم الموت (الغادر!) عليه :
…(ليست الحياة إلا حفلة ماجنة يُدخن فيها الحشيش ويؤكل الخبز مغموساً بالنبيذ والعرق الراشح من أجساد أدمنت الجنس ، وأدماها الهوى ، ومزقت نفسها بوحشة أخلاقية .نحاول أن نضفي المثال والجمال على هذه الحفلة العابثة ، ولكن كل شىء ينكشف ولو بعد حين ، وتقف الحقيقة عارية من جديد ، كما ولدت عارية من قديم … العدم يقف بالمرصاد ، والمجهول يتربص من بعيد ، والعجز يقيد المجتمع ) (11)
…(الموت قادم لا محالة .. إنه مصير ملموس ، وليس كمصير الأمة أو الطبقة، مشكوك فيه بقدر ما هو مشكوك في الأمة والطبقة ذاتهما . فلماذا الإحتياط ، ولماذا الخوف ؟ … ولماذا هذه اللعبة السمجة ، لعبة القط والفأر … ما نحن إلا ممثلون في مسرحية ، وسواء طال دور أحدنا في هذه المسرحية أم قصر ، فإنه لايلبث أن ينتهي ، وتنتهي كل المسرحية في النهاية …
…ثم بعد تردد طفيف .
ـ ولو كان لي من الأمر شيئاً (12) في البداية ، لما اخترت الاشتراك في المسرحية من الأساس )(13).
…( هل ما يجري هو حكمة خافية لاندريها ، أو أنه مجرد عبث اعتدنا عليه فأصبح نظاماً ، أم هو مزيج منهما ، أم لا هذا ولا ذاك ؟ أين المعنى في كل ذلك وما هو النظام ؟ لا أحد يدري ، ولن يدري أحد )(14).
__________
(1) العدامة ( 61-62) .
(2) العدامة ( 63 ).
(3) العدامة ( ص64 ) .
(4) العدامة ( ص 224 )
(5) العدامة ( ص 278 )
(6) العدامة ( 283)
(7) العدامة (ص 57 )
(8) العدامة ( ص105)
(9) الشميسي (ص123) .
(10) الشميسي (ص24) .
(11) الكراديب (ص186)
(12) هكذا ! والصحيح : شيءٌ .
(13) الكراديب (ص193) .
(14) الكراديب (ص215) .(52/305)
…( يالهذا الموت الجبان الغادر … إنه يأخذ أجمل ما في الحياة ويضحك ويهجرنا حين نريده ، ويحل ضيفاً ثقيلاً حين لانريده … ليت موسى لم يفقأ عين عزرائيل حين أتى لقبض روحه ، ولكنه قصم ظهره أو دق عنقه … ولكن حتى لو مات عزرائيل ، هل يموت الموت ؟ ويقلع عن أفكاره هذه ويقتنع بأهمية الموت لا ستمرار الحياة ، ولكنه يكرهه ، ولا زال يعتقد بجبنه وغدره )(1).
…(عليك الرحمة ياابن آدم . ظننت نفسك أكرم الكائنات ، الذي طرد من أجله عابد الأزل من الرحمة والملكوت ، فاكتشفت أنك أتفه من ذبابة وأحقر من بعوضة، يا لك من معتوه يا ابن آدم ، أردت أن تكون إنساناً كما أراد لك من أنسنك ، ولكنك وجدت نفسك في عالم تداس فيه كصرصار تائه ، وتسحق فيه كذبابة وقحة ) (2).
…قلت : هذه أبرز ملامح (هشام العابر) : فهو يحب القراءة منذ صغره في الكتب (المحرّمة) الفلسفية والماركسية ، التي كانت ممنوعة ـ لضررها ـ في بلاده (السعودية) ولهذا كان يحرص على تحصيلها من عدة منافذ .
…ولأجل قراءته هذه فقد تعلق قلبه بالفكر الماركسي والفكر القومي الذي كان عالياً صوته شديداً هيجانه في تلك الفترة ، فحاول أن يمزج بين (القومية والماركسية) متأثراً ببعض قيادات ومنظري (حزب البعث) .
…ولأجل هذا انضم (هشام) ـ على كرهٍ وتمنع ـ إلى هذا الحزب ، لأنه يود أن يكون مفكراً طليقاً ، بدلاً من حصره في صرامة التنظيمات .
…وكانت نظرته إلى الحياة سوداوية تشاؤمية ، لأنه لم يعرف لها هدفاً ، ولم يفقه حكمة الله من خلقها ، وجعل الخلق يتوارثونها ، لم يعد يرى منها سوى أنها حياة لا قيمة لها ، تجري أحداثها وأقدارها بعبثٍ لا حكمة فيه .
ويتضح بعد هذا الموجز عن هشام العابر (أو تركي الحمد !) وأفكاره أن الحديث ـ دون تطويل ـ سيكون حول :
6 ـ بيان تنقص الحمد في ثلاثيته :
أ ـ لله .
ب ـ وملائكته .
جـ ـ وكتبه . …
د ـ ورسله .
هـ ـ ودينه .
و ـ وعباده الصالحين .
7 ـ مباحث أخرى .
تركي الحمد يتنقص في ثلاثيته :
الله وملائكته وكتبه ورسله ودينه وعباده الصالحين
تنقص الحمد لله ـ عز وجل ـ :
…لم يقدر تركي الحمد الله ـ عز وجل ـ حق قدره ولم يعظمه كما يعظمه عباده المؤمنون ، بل تحدث عنه في روايته وكأنه يتحدث عن بشرٍ مثله حديث الند للند بعبارة مملوءة بالتحدي والسخرية ـ والعياذ بالله ـ ، وإن كان قد أخفى أشدها بالأسلوب الرمزي الذي عهدناه من هذا الصنف من البشر عندما يخوضون في مثل هذه الأمور .
…فالحمد جاء في روايته بلهجة غريبة شاذة عن أهل هذا المجتمع في حديثهم عن ربهم ـ سبحانه وتعالى ـ حيث تجرأ في ذلك بصورة وقحة فاجرة .
…وهو مشابه في هذه الجرأة لتيار الحداثة في ديار المسلمين الذين كانوا أول من ترددت هذه الظاهرة ( الكفرية ) في أشعارهم وأحاديثهم ، حيث لم يتورعوا عن الحديث عن الله ـ عز وجل ـ بألفاظ سوقية بشرية ، فمن ذلك على سبيل المثال :
…قول صلاح عبد الصبور في قصيدته ( الناس في بلادي )
( يا أيها الإله ،
كم أنت قاسٍ موحش
يا أيها الإله ) (3).
…وقول الشاعر (الماركسي) البياتي :
( الله في مدينتي يبيعه اليهود
الله في مدينتي مشرّد طريد )(4) !!
…وقول معين بسيسو :
( وطرقت جميع الأبوا ب
أخفتني عاهرة
ووشى بي قديس
كان الله معي
لكن الله هناك
يدلي بشهادته .. في مركز بوليس ) (5) !!
…وقول توفيق زياد :
( ومداخن الأفران
…قائمة .. كآلهة المنايا )(6)!!
…وقول محمود دريش :
( نرسم القدس
إلهً يتعرى فوق خطٍ داكن الخضرة
أشباه عصافير تهاجر ) (7)!!
…وهكذا .. في عبارات (كفرية) كثيرة تتناثر في أشعارهم القذرة (8)
…وفي ظني أن هذه الظاهرة السيئة قد وفدت إلى ديار المسلمين عبر شعراء اليهود والنصارى وكتابهم ، الذين تُرجمت أشعارهم وعباراتهم وكانت مصدراً رئيساً لشعراء المسلمين .
…وأولئك اليهود والنصارى ـ كما هو معلوم ـ لا يعظمون الله حق تعظيمه ، ولا ينزهون اسمه عن لغوهم وباطلهم .
…وسبب ذلك ـ والعلم عند الله ـ هو تأثرهم بما جاء في كتبهم الدينية المحرّفة (لا سيما التوراة) عند الحديث عن الله ـ عز وجل ـ وصفاته حيث تتحدث تلكم الكتب ( المقدسة !) عن الله وصفاته كحديثها عن الخلق وصفاتهم، فجعلوا ( المولى سبحانه وتعالى في صورة بشر حقود ، سريع الغضب، كثير الندم ) (9).
…فمن ذلك قولهم في ( سفر التكوين ، الإصحاح الثاني ) عن الله ـ عز وجل ـ : ( وفرغ الله في اليوم السابع من عمله الذي عمل ، فاستراح في اليوم السابع من جميع عمله الذي عمله … )(10)!
__________
(1) الكراديب (242) . وسيأتي خطاً تسمية ملك الموت بعزرائيل .
(2) الكراديب ، (252) .
(3) ديوانه (ص30ـ31) .
(4) ديوانه ( ص 526 ).
(5) ديوان ( ص 440 ) .
(6) ديوانه (ص184) .
(7) ديوانه (ص398) .
(8) انظر لفضح شعراء الحداثة كتاب (الحداثة : مناقشة هادئة لقضية ساخنة ) للدكتور محمد خضر عريف . وكتاب (الحداثة في ميزان الإسلام) للشيخ عوض القرني .
(9) الله جل جلاله والأنبياء عليهم السلام في التوراة والعهد القديم )) للدكتور محمد البار ، (ص5) .
(10) المصدر السابق (ص21) .(52/306)
…ومن ذلك إخبارهم عن الله ـ عز وجل ـ بأن اليهود عندما تاهوا نزل الله ـ عز وجل ـ فهداهم إلى طريق الخروج ! (جاء في سفر الخروج "وارتحلوا من سكوت ، ونزلوا في إيثام في طرف البرية . وكان الرب يسير أمامهم نهاراً في عمود سحاب ليهديهم في الطريق ، وليلاً في عمود نار ليضيء لهم …)(1).
…ومن ذلك زعمهم أن الله يبكي ويلطم وجهه ـ تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً ـ (2)وأنه ـ تعالى ـ يصارع يعقوب عليه السلام ـ (3)!! وأنه ـ تعالى ـ اعترف بخطئه أمام كبير الأحبار(4)!! وأنه ـ تعالى ـ يندم ويحزن وينسى(5)!!
…إلى آخر تلك الصفات السيئة التي ألصقها اليهود ـ لعنهم الله ـ برب العالمين ـ سبحانه وتعالى ـ
…يقول الدكتور محمد البار بعد أن ذكر هذه الافتراءات :
(ومما تقدم نخلص إلى أن صفات الله سبحانه وتعالى في التوراة والتلمود ، لا يمكن أن تكون صفات الله خالق الأكوان ومدبرها .. بل لا يمكن أن تكون إلا من صفات أراذل البشر .
…هذا قليل من كثير من هذه الافتراءات والغثاء والكذب ، والتجديف في وصف المولى سبحانه وتعالى .. والتوارة والعهد القديم والتلمود كلها مليئة بهذه الأوصاف المنكرة والسجايا الخبيثة التي لا يمكن أن يوصف بها إلا أحط البشر وأراذلهم ، فكيف يمكن أن يوصف بها المولى سبحانه وتعالى؟!)(6) .
…وقال الدكتور سعود الخلف ـ حفظه الله ـ بعد أن أورد شيئاً من تلكم الأكاذيب :
… (فهذه الأمثلة من أوضح الأدلة على التحريف ، فإن الله عز وجل موصوف بصفات الكمال المطلق وكل ما يشعر بالنقص فالله عز وجل منزه عنه، فتضمين اليهود كتابهم صفات تشعر بوصف الله بصفات لا تليق بمقام الألوهية والربوبية والكمال المطلق ، دليل واضح على التحريف والتبديل إذ لا يمكن أن يتضمن الكتاب الذي نزل من عند الله ما يطعن فيه جل وعلا .
…وبأمثال هذه الافتراءات من قبل متقدميهم تجرأ متأخروهم على الافتراء على الله ، واعتقادهم أنهم أبناء الله وأحباؤه ، وأن الله لا يعذبهم، وفي هذا يقول الله عز وجل: {وقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إلا أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ} (7)) (8).
…قلت : فهذه العقيدة الفاسدة قد أخذها كتاب وشعراء أهل الكتاب من كتبهم ( المحرفة ) فأضحوا يرددونها في نثرهم وأشعارهم دون أي خوف أو خجل من رب العالمين ، لأن كتبهم ( المقدسة !) قد جرأتهم على نقل وترديد هذا الاستخفاف والطعن بربهم ـ عز وجل ـ وأسقطت هيبته من نفوسهم .
…ثم جاء من بعدهم ( نصارى ) العرب (9) فنقلوا تلك العقيدة في كتاباتهم ونظمهم .
…وعن هؤلاء الكفرة أخذها كتابنا وشعراؤنا الذين ( يدعون ) الإسلام ، فخاضوا فيها تقليدا لأولئك دون أن يعصمهم عن هذا الخوض المنكر رهبة من الله ـ عز وجل ـ
…فأصبحنا نسمع ونقرأ عبارات لبعض الشعراء ( المسلمين ! ) تضاهي في كفرها عبارات اليهود والنصارى ، ويندى لها جبين المسلم الموحد ، ويأسى على حال إخوانه الذين تابعوا الكافرين في طعنهم برب العالمين ، مصداقاً لقول صلى الله عليه وسلم في هذا الصنف " لتتبعن سنن الذين كانوا قبلكم حذو القذة بالقذة . حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه " قيل : اليهود والنصارى ؟ قال صلى الله عليه وسلم " فمن ؟ "(10) أي ليس إلا هم .
…وقد دخل شرذمة من كتابنا وشعرائنا هذا الجحر الذي أخبر عنه الرسول صلى الله عليه وسلم بل زادوا عليه بأن طعنوا في خالقهم ـ عز وجل ـ متابعة لمن هم شر البرية ـ كما سبق
…يقول الدكتور أنس داود في كتابه ( الاسطورة في الشعر العربي الحديث):
… (لجأ شعراؤنا إلى الكتب المقدسة وبخاصة التوراة والإنجيل وقلما استفادوا من القرآن في هذا السبيل ، ربما لأنهم يعيشون في أمة إسلامية لا تستسيغ مثل هذه النظرة الفنية إلى أقدس مقدساتها الدينية ، ولأن الكتاب المقدس كان مصدر استلهام فني في الشعر الأوربي بمثل ما استلهم هؤلاء الشعراء أساطير الأقدمين . ولأن ثمة نسباً ـ كما نرى ـ بين كتاب كالتوراة ومجموعات الأساطير المتوارثة في قوة تصويرها لنوازع الإنسان ، وتجسيدها للأهواء البشرية حتى حين تتحدث عن الأنبياء لا تتحدث عنهم هذا الحديث المتطهر الذي تجده في القرآن ، بل نجد لديهم فيضاً من الغرائز ، وغلبة للشهوات أحياناً ولجوءً إلى الحيل والخديعة ، وغير ذلك مما نجده في الحديث عن داود وعن سليمان وغيرهما من الأنبياء مما يقربهم من الشخصيات الأسطورية في نوازعها الجارفة وسلوكها كل مسلك)
…قلت : ثم جاء ( الحمد ) منضماً إلى هذا الركب ومتحدثاً في ثلاثيته عن ربه عز وجل بعبارات بشعه لا تصدر عن مؤمن فمن ذلك :
__________
(1) المصدر السابق (ص23) .
(2) المصدر السابق (27) .
(3) المصدر السابق ( 30 ) .
(4) المصدر السابق (30)
(5) المصدر السابق ( 31) .
(6) المصدر السابق (41)
(7) سورة آل عمران ، الآية 24.
(8) دراسات في الأديان : اليهودية والنصرانية ( ص93 ) .
(9) كيوسف الخال ، وجورج شحاده ، وجبرا إبراهيم جبرا ، وإيليا حاوي وغيرهم .
(10) أخرجه البخاري ومسلم .(52/307)
…قوله على لسان هشام : (أراد أن يتحدث مع عارف ، لكنه فقد الرغبة في الحديث . الله ، الحتمية ، الجبرية ، العلم .. كلها أشياء يتعلق بقشة منها . يريد الخروج ، فمن يوفر له ذلك ، فهو الله)(1).
…وقوله عنه : (يحس أنه هنا منذ أن حشر الإله الروح في جسد آدم) (2).
وقوله : (دائماً المستقبل الذي لا يجئ ، والتاريخ الذي لا نعيه ، والله الذي لا نراه، يقفون وراء كل شيء ، ويبررون كل شيء) (3).
وقوله : (واستسلم لحلم يقظة جميل … تصور نفسه من بني إسرائيل أو سام ، وود لو كان أسيره إلى الأبد . تصور أنه يوشع نفسه ، أو سوبرمان ذاته . قادر على إيقاف الزمن ذاته . لا شيخوخة ولا موت ولا ألم ولا … تحقيق . تصور أنه الله ذاته … ولم لا … ما فرقه عن الحلاج والسهروردي وابن العربي ؟ (4) نحن الله والله نحن … كانت تلك رسالة موسى والمسيح ومحمد ، ولكن أكثر الناس لا يدركون ، فجعلوه ابن الله إنه ذات الله الآن ، فماذا يفعل ؟ هل يجعل الكون أكثر راحه ، وينشر السعادة بين البشر ؟ ولكن … ما هي السعادة ؟ ! سعادة سقراط أم أفلاطون أم أرسطوا أم ديوجين أم أبقور أم زينون أم كونفيشيوس أم بوذا أم وأم ، وأم … جملة أمَّات لا نهاية لها . كالحياة ذاتها . ثم لو نشر السعادة وقضى على الألم ، فهل يكون للسعادة نقيض الشقاء أو نقيض الألم ، فكيف يمكن إدراك السعادة إذا ختفى الألم ؟ حتى الجنة بدت له عديمة اللذة في تلك اللحظة كما بدت جهنم عديمة الألم . الخمرة لا تسكر ذاتها ، والجمرة لا تحرق نفسها … البراز لا يتأذى من رائحة نفسه ، والفل لا يستمتع بريح ذاته . لابد من البراز لاكتشاف لذة الفلة ، ولا بد من الفلة لاكتشاف قذارة البراز . ولذلك كان هناك جنة ونار معاً ، الله وشيطان ، نبي وفرعون ، وكل في قدر يسبحون… تحقيق السعادة وحدها ، يعني توحيد الألوان . وعندما تتوحد الألوان ، تختفي … المعنى في الاختلاف ، والعماء في التجانس . مشكلة … وجود الحياة بشكلها الحالي مشكلة … وجعلها أجمل وأحلى وأعدل مشكلة، لم لا تكون ذات الحياة هي المشكلة ؟ لو كان ذات الله ، لألغى الحياة ذاتها . لألغى هذه المسرحية المملة ، وصرف ممثليها وألغى تلك الأدوار المقررة المعروفة . لا حرية مع الوجود ، فكل الحرية في العدم …) (5).
…وقوله : (الله أعلم ! مسكينٌ أنت يالله … دائماً نُحَملك مانقوم به من أخطاء) (6).
وقوله على لسان ( الشيوعي ) عارف : (إن الانتحار هو تحد للإله نفسه .
…ثم وهو يضحك بسرعة :
ـ هذا إن كان هناك إله … الانتحار يا صديقي يعني أني قد اخترت الجحيم ورفضت النعيم بملء إرادتي … فالنعيم الحق هو ما أختاره أنا ، لا ما يختاره لي ما ليس أنا … الجحيم هو النعيم حين أختاره أنا ، والنعيم هو الجحيم حينما بختاره غيري لي أنا .
…ويضحك عارف مرة أخرى ، ثم يعتدل في جلسته ، وقد اتسعت عيناه ، وبرقت عينه السليمة ، وقال وهو ينظر إلى هشام وقد اكتسى وجهه بعلامات نصر ما :
ـ الانتحار نصر على الله . ففي الانتحار تفوت الفرصة على الله أن يختار لك مصيرك . فأنت تدخل النار بإرادتك حين تنتحر وتعلم أن مصيرك هو النار . ليس الله هو من أدخلك النار ، بل أنت من فعل …
…وابتسم هشام وهو يقول :
ـ ولكن افرض أن الله أدخلك الجنة بالرغم من انتحارك ، ألا يكون قد فوت عليك الفرصة واختار لك بالرغم منك ؟
…وضحك عارف بحبور وهو يقول :
ـ كلا … فإذا دخلت النار فبإرادتي ، وإذا أدخلني الله الجنة فأكون قد فرضت إرادتي عليه … لقد توعدني بالنار فيما لو انتحرت ، ولكنه أدخلني الجنة برغم الوعيد . لقد فرضت إرادتي عليه ، وجعلته يغير وعيده ، لقد أصبحت نداً له . أبعد هذا الانتصار انتصارا؟ …
ـ ولماذا لا يكون هو قَدَّر عليك الاختيار منذ البدء ؟
ـ أكون قد فضحت اللعبة كلها حينذاك .
…وعاد عارف إلى الاسترخاء وهو يردد :
ـ الانتحار هو النصر النهائي على كافة أشكال السلطة وأنواعها) (7).
الحمد يصرف ( العبادة ) لغير الله :
…ومن تنقصه لخالقه ـ عز وجل ـ أنه امتهن لفظ ( العبادة ) وجعلها في غير موضعها ، وهو عبادة الله وحده لا شريك له ، وإنما جعلها في عبادة البشر بعضهم لبعض .
…حيث قال على لسان ( عشيقته !) سويّر :
…( أنا أعبدك يا هشام ، والعبد لا يشرك مع معبوده شيئاً .
…وبدون هدف أو غاية أوقصد قال بشيء من المزاح ، وقد أحس بالزهو يسيطر عليه من الداخل :
…ـ ولكن الشرك لا يكون إلا بالله . هو المعبود الوحيد .
…وكنمرة متوحشة ، نظرت إليه بعينيها المبللتين ، وقد زادتا اتساعاً على اتساعهما ، وهي تقول :
…ـ إذا أنت ربي … ترحمني وتعذبني .وكل شيء منك مقبول ومحمود .
…ولم يستطع الإحتمال فعلاً ، فقال بتلقائية :
…ـ أستغفر الله العظيم … أستغفر الله العظيم .
__________
(1) الكراديب ( ص154) .
(2) الكراديب ( 213).
(3) الكراديب ( ص 130 ).
(4) الصواب ( ابن عربي ) بدون ( أل ) وهو الصوفي الملحد المشهور ، أما ( ابن العربي ) فهو الفقيه المالكي صاحب كتاب " العواصم " .
(5) الكراديب ( ص137ـ 138) .
(6) الكراديب ( ص62 ) .
(7) الكراديب ( ص 78ـ 79 ) .(52/308)
ردّد ذلك وشعور من الزهو وشيء لا يعرفه ، أشبه ما يكون بالذنب ، يمتزجان في داخله . كانت يدها قابضة على يده ، فمدَّ يده الأخرى وأخذ يربت على خدها ويتحسسه بلذَّة ، فيما ارتمت هي في أحضانه بعنف ، وأخذت تشمه بصوت مسموع ، وهي تردد :
ـ أحبُّك … أحبُّك يا هشام … أعشقك … أعبدك ) (1).
تنقص عظيم :
…ومن تنقصه لله ـ عز وجل ـ
قوله متحدثاً عن هشام وهو يحلم في منامه :
( وأخذ يسير على غير هدى في الصحراء ، وقشعريرة البرد تستولي عليه . كل شيء يوحي أنه لا يسير ، رغم أنه يسير . النجوم هي النجوم ، والصحراء والظلام عديمة الأبعاد لا يريد أن تنجلي ، واختفت البداية ، وتلاشت النهاية، فلا يدري أهو يسير أم يهيأ له أنه يسير . ولاح له بصيص نور من بعيد ، وأحس بالفرح الغامر رغم أنه يعلم أنه يحلم . وأخذ يغذ السير ، فيما النور يزداد سطوعاً وتتعدد ألونه ، أخضر وأحمر و أصفر ، ويتخللها لون أزرق باهت . وأخيراً وصل إلى حيث النور ، ثم فجأة أشرقت الشمس وهي تضحك بشكل هستيري لم تكن ذات الشمس التي يعرف ، فقد كانت شديدة الحرارة عديمة النور ، فرغم سطوعها ، إلا أن الظلام الحالك ما زال سائداً . وأخذ دماغه يغلي من الحرارة الشديدة ، إلا أن جسمه كان يرتعش برداً ، وأخذت النجوم ترسل سهاماً فضية في كل مكان ، حيث تتكسر بصوت أقرب إلى الرنين على صخور لا يراها ، ولكنه يعلم أنها هناك .
وفي خضم كل ذلك ، كانت نسمات هواء منعش تأتي من واحة وارفة الظلال تنبعث منها تلك الأضواء التي رآها من بعيد .كانت محاطة بأسلاك شائكة من كل جوانبها ، فلم يستطع الدخول . وأخذ يحوم حولها ، حتى تبين له الباب من بعيد .أتجه إليه ، وأراد الدخول بعجلة ، إلا أنه في اللحظة تلك ، برز له شخص من حيث لا يدري ، يحمل سوطاً طويلاً ، وملامح غريبة ، فقد كان له وجه ثور ، في رأس وجسم بشريين ، له مخالب في يديه ورجليه أشبه بمخالب الكلب ، وفي مؤخرته يبرز ذيل لولبي أشبه بذيل الخنزير ، استوقفه هذا الكائن وهو يخور قائلاً :
ـ إلى أين أيها الإنسان ؟
ـ أريد المأوى والطعام والسلام … هل هذا كثير ؟
ـ وهل تعتقد أن الدخول بهذه البساطة ؟ … الواحة واحتي ، ولا يدخلها إلا من يدفع الثمن . وثمنها بخس جداً … قبول شروطي .
ـ واحتك ؟ … شروطك ؟ … من أعطاك إياها ؟
ـ قوتي هي من أعطاني إياها … إنها لي وحدي .
ـ القوة لا تصنع حقاً.
ـ الحاجة أساس الحق .
ـ ونخر الكائن الغريب ، ثم قال بنفاد صبر :
ـ قوتي هي الحق هنا ، وإن كنت في شك من ذلك ، فحاول الدخول رغماً عني.
…ولم يجد بداً من الاستسلام ، فقد كانت الحرارة والبرودة والظلام والصحراء لا تطاق ، فقال :
ـ حسنا … وما هي شروطك ؟
…وافتر وجه الكائن عن بسمة رضا واسعة ، وأخذ اللعاب اللزج يسيل من بين أسنانه الضخمة ، فيما تحول أنفه إلى اللون الأرجواني وهو يقول :
ـ الآن أصبحت عاقلاً وحكيماً .
…ثم استطرد :
ـ ليس لي إلا شرط واحد لا غير … أن تطيعني في كل ما آمرك به ، ولك أن تتمتع بالماء والهواء والثمار والسلام .
ـ ياله من سعر باهظ !
ـ ويالها من ثمار طيبة !
ـ وإن رفضتُ؟
ـ ليس لك إلا الصحراء والجوع والعطش وكلاب الطريق .
ـ ولكني لا أستغني عن الحرية …
ـ ونخر الكائن مرة أخرى وهو يقول :
ـ الحرية … ماهي الحرية ؟ مجرد كلمة .
ـ ولكن في البدء كان الكلمة .
ـ وما نفع الكلمة مع الجوع والقلق .
ـ وما نفع الشبع والسكينة مع العبودية ؟
…وأخذ الكائن ينخر ويهز سوطه في الهواء ، وهو يقول :
ـ دعك من هرائك هذا … أمامك خياران ، إما أن تقبل شرطي وتدخل واحتي ، أو أن تعود إلى الضياع في الصحراء .
…وأخذ يفكر في الخيارين وهو يختلس النظرات إلى داخل الواحة لقد كانت مظلمة مثل الصحراء حوله ، رغم الألوان التي كانت تحيط بها ، وتلك الأضواء التي يراها من هو بعيد ، ولكنها تختفي حالما يصلها أحدهم . ومن الداخل كانت تتراءى أشباح أهل الواحة رغم الظلام … وجوه حمراء ، وكروش منتفخه ، وأعين فقدت بريق الحياة ، وهم يأكلون طوال الوقت . وهيئ له أن وجوههم قد بدأت تتحول إلى شيء أقرب إلى وجه الكائن الذي يقف أمامه .
ـ ولكن قل لي …
…قال هشام موجها حديثه للكائن :
ـ لماذا الظلام دامس في الواحة رغم الألوان والأنوار التي تتراءى من بعيد ؟
…وضحك الكائن ، وهو يمتص بعض لعاب سال من جانب فمه ، قال :
ـ الظلام في كل مكان ، ولكن الطعام هنا فقط .
ـ ولكني أرى بصيص نور في الأفق يوحي بانبلاج الفجر في الصحراء ، ولا أرى ذلك البصيص في الواحة !
ـ النور مزعج للعين ، ونحن لا نحبه هنا فهو مفسد للسكينة والطمأنينه . ليس ألذ وأجمل من هدوء الليل ، وصمت الظلام .
ـ لم لا تقول إنك أنت من يكره النور ، كي لا يرى أحد وجهك المسخ .
وهناك ثار الكائن ، وأخذ ينخر بشدة ، ورفع السوط في الهواء يريد أن يهوي به على جسد هشام ، الذي فر من أمامه وهو يقول :
__________
(1) الشميسي ( ص169) .(52/309)
ـ سأضرب في الصحراء غير آبه بالشقاء … فلابد للصحراء من نهاية ، ولا بد لليل من فجر ، ولا بد أني واجد واحتي مهما طال الزمان … واحتي سوف تكون بلا سياج ولا ظلام ، ولا أمساخ بشر … وإن مت قبل ذلك ، فسوف أموت وأنا حر .
…وتابع طريقه إلى عمق الصحراء فيما الشمس توقفت عن ضحكها ، وانكفأت على نفسها ، والكائن يضحك من بعيد ويقول بصوت كالرعد :
ـ لن تجد أفضل من واحتي هذه ، كل الواحات مثل واحتي … سوف تعود إلي مهما طال بكل التجوال ، طالباً الصفح والغفران ، مستجدياً أن أقبلك عبداً من عبيدي ، وساعتئذ … ستعرف من أنا .
…وصاح هشام من بعيد :
ـ كلا … كلا لن أعود إلى واحتك إلا بعد أن يشرق فيها النور ويخلع السياج وتعود إلى الناس وجوههم .
…وابتلعته الصحراء ، وقهقهة الكائن تدوي وراءه كالرعد ، والشمس عادت إلى ضحكها وحرقتها ، ولكنه يسير وهو يرى خيوط الفجر من بعيد)(1).
…قلت : تأمل ـ أخي المسلم ـ هذا الحلم الذي صاغه الحمد على لسان هشام جيداً ، ثم تساءل معي كما تساءلت :
ـ ماهي هذه الواحة المحاطة بالأسلاك الشائكة ؟
ـ من هو هذا الشخص ( البشع !) الذي ساومه هشام على دخول الواحة ؟
…لقد صاغ الحمد فكرته التي يريد إيصالها للقارئ بأسلوب رمزي شأنه في ذلك شأن أهل الرمزية الذين يروجون لفكرهم بتلك العبارات الغامضة خوفاً من عاقبة التصريح ( بالكفر) لا سيما في ديار التوحيد . وقد تابع الحمد هنا (شيخه) نجيب محفوظ في كفره عندما تحدث في روايته الشهيرة ( أولاد حارتنا ) عن الله ـ عز وجل ـ وعن أنبيائه بأسلوب رمزي(2) قاء من خلال بما يحمله قلبه من كفر وحقد تجاه رب العالمين ـ تبارك وتعالى ـ وتجاه أنبيائه ـ عليهم الصلاة والسلام ـ
…فجاء الحمد يهرع من ورائه مستعرضاً قدراته في ( تمرير ) كفرياته في مثل هذا الحلم .
…فالشخص البشع في نظر الحمد ـ هو الله ـ عز وجل ، وتعالى عن قول الحمد علواً كبيراً ـ . !!
…والواحة المحاطة بالأسلاك الشائكة هي الجنة ومافيها من سعادة واطمئنان .
…فالحمد يريد أن يقول لنا بأن من أراد دخول الجنة فليلتزم بعبودية الله ـ عز وجل ـ وطاعة أوامره ، وأما من أنف من هذه العبودية واختار الحرية ! كما يزعم الحمد فلا بد أن يزهد في هذه الجنة ( أو الواحة ) ويضرب في أعماق الصحراء لعله يجد مصدراً آخر للسعادة لا تكون ضريبته فقدان الحرية !
…وقد اختار الحمد الطريق الثاني وهو الاستنكاف عن عبادته سبحانه وتعالى، وقد قال تعالى في كتابه الحكيم عن هذا الصنف من البشر : {وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعًا(172)فَأَمَّا الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا}(3).
…فمن استنكف عن عبادة الله وفرَّ منها طالباً الحرية كما يزعم ! فإنه لن يجد من دون الله ولياً ولا نصيراً ، فالمرد ـ وإن طال الزمان ـ إلى الله الذي : {إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} (4).
…ونحن نقول للحمد : من لم يرض بعبادة الله سبحانه وتعالى فإنه لا شك سيعبد غيره؛ لأن الإنسان لا يخرج عن العبودية بأي حال . فمن لم يعبد الرحمن عبد الهوى والشيطان ، ولذلك قال تعالى : {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ} (5).
…قال ابن كثير : ( أي إنما يأتمر بهواه ، فما رآه حسناً فعله ، وما رآه قبيحاً تركه ) -(6).
…فهو وإن ادعى أنه قد ترفع عن ( عبودية ) الله المستحق لها فإنه قد جعل تلك العبودية في غير محلها باتخاذه إلهه هواه .
…وقال تعالى{أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَابَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ}(7) .
فمن لم يعبد الله عبد الشيطان ، وعبادته ـ أي الشيطان ـ تكون باتخاذ الشيطان نفسه إلها (8)، أو بعبادة ما يزين عبادته من الأصنام والأحجار والصور و… الخ ، حتى وصل بأتباع الشيطان أن يعبدوا فرج المرأة ـ والعياذ بالله ـ
…الحاصل : أن من تكبر عن عبادة الله أذله الله بأن صيره عبداً لهوىً أو شيطان أو مخلوق مثله .
__________
(1) الكراديب ( ص22ـ 26) .
(2) حيث رمز إلى الله ـ عز وجل ـ بالجبلاوي ، وإلى آدم عليه السلام بأدهم ، وإلى موسى عليه السلام بجبل ، وإلى عيسى عليه السلام برفاعة ، وإلى محمد صلى الله عليه وسلم بقاسم ، إلى ( العلم ) الذي يدعو إليه نجيب محفوظ بديلاً عن الدين ! بعرفة . انظر : ( دراسة المضمون الروائي في أولاد حارتنا ) لعبد الله المهنا .
(3) سورة النساء ، الآيات : 172-173 .
(4) سورة الأنعام ، الآية 72 .
(5) سورة الجاثية ، الآية 23 .
(6) تفسير ابن كثير ( 4/ 162 )
(7) سورة يس ، الآية : 60 .
(8) كعبدة الشيطان الذين ظهر أمرهم قريباً .(52/310)
…قال ابن القيم ـ رحمه الله ـ : ( وكذلك من رفه بدنه وعرضه وآثر راحته على التعب لله وفي سبيله ، أتعبه الله سبحانه أضعاف ذلك في غير سبيله ومرضاته ، وهذا أمر يعرفه الناس بالتجارب .
…قال أبو حازم : " لما يلقى الذي لا يتقي الله من معالجة الخلق أعظم مما يلقى الذي يتقي الله من معالجة التقوى "
…واعتبر ذلك بحال إبليس . فإنه امتنع من السجود لآدم فراراً أن يخضع له ويذل ، وطلب إعزاز نفسه ، فصيره الله أذل الأذلين ، وجعله خادماً لأهل الفسوق والفجور من ذريته ، فلم يرض بالسجود له ، ورضي أن يخدم هو وبنوه فساق ذريته.
…وكذلك عباد الأصنام ، أنفوا أن يتبعوا رسولاً من البشر ، وأن يعبدوا إلهاً واحداً سبحانه ، ورضوا أن يعبدوا آلهة من الأحجار .
…وكذلك كل من امتنع أن يذل لله ، أو يبذل ماله في مرضاته ، أو يتعب نفسه وبدنه في طاعته ، لابد أن يذل لمن لا يسوى ، ويبذل له ماله ، ويتعب نفسه وبدنه في طاعته ومرضاته ، عقوبة له ، كما قال بعض السلف " من امتنع أن يمشي مع أخيه خطوات في حاجته أمشاه الله تعالى أكثر منها في غير طاعته")(1).
…وقال ـ رحمه الله ـ مبيناً أهمية عبادة الله وحده للعبد :
…( اعلم أن حاجة العبد أن يعبد الله وحده لا يشرك به شيئاً في محبته ولا في خوفه ولا في رجائه ، ولا في التوكل عليه ، ولا في العمل له ، ولا في الحلف به ، ولا في النذر له ، ولا في الخضوع له ، ولا في التذلل والتعظيم والسجود والتقرب؛ أعظم من حاجة الجسد إلى روحه والعين إلى نورها بل ليس لهذه الحاجة نظير تقاس به ، فإن حقيقة العبد روحه وقلبه ولا صلاح لها إلا بإلهها الذي لا إله إلا هو ، فلا تطمئن في الدنيا إلا بذكره ، وهي كادحة إليه كدحاً فملاقيته ، ولا بد لها من لقائه ، ولا صلاح لها إلا بمحبتها وعبوديتها له ورضاه وإكرامه لها ، ولو حصل للعبد من اللذات والسرور بغير الله ما حصل لم يدم له ذلك ، بل ينتقل من نوع إلى نوع ومن شخص إلى شخص إلى شخص ويتنعم بهذا في وقت ثم يعذب ولا بد في وقت آخر ، وكثيراً ما يكون ذلك الذي يتنعم به ويلتذ به غير منعم له ولا ملذ بل قد يؤذيه اتصاله به ووجوده عنده ويضره ذلك . وإنما يحصل له بملابسته من جنس ما يحصل للجرب من لذة الأظفار التي تحكه ، فهي تدمي الجلد وتخرقه وتزيد في ضرره ، وهو يؤثر ذلك لما له في حكها من اللذة ، وهكذا ما يتعذب به القلب من محبة غير الله هو عذاب عليه ومضرة وألم في الحقيقة لا تزيد لذته على لذة حك الجرب ، والعقل يوازن بين الأمرين ويؤثر أرجحهما وأنفعهما ، والله الموفق المعين ، وله الحجة البالغة كما له النعمة السابغة)(2).
…وقال شيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ مفصلاً هذا المعنى :
…( " العبادة " هي اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه : من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة ، فالصلاة والزكاة ، والصيام ، والحج ، وصدق الحديث ، وأداء الأمانة ، وبر الوالدين ، وصلة الأرحام ، والوفاء بالعهود ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر . والجهاد للكفار والمنافقين ، والإحسان إلى الجار واليتيم والمسكين وابن السبيل والمملوك من الآدميين والبهائم .والدعاء والذكر والقراءة ، وأمثال ذلك من العبادة .
…وكذلك حب الله ورسوله ، وخشية الله والإنابة إليه وإخلاص الدين له والصبر لحكمه ، والشكر لنعمه ، والرضا بقضائه ، والتوكل عليه ، والرجاء لرحمته ، والخوف لعذابه ، وأمثال ذلك هي من العبادة لله .
…وذلك أن العبادة لله هي الغاية المحبوبة له والمرضية له ، التي خلق الخلق لها، كما قال تعالى : {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ} وبها أرسل جميع الرسل كما قال نوح لقومه : {اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} .
…وكذلك قال هود وصالح وشعيب وغيرهم لقومهم وقال تعالى : {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ}(3) وقال تعالى {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلا رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى}(4) وقال تعالى {وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون}(5) كما قال في الآية الأخرى {يَاأَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ }(6) وجعل ذلك لازماً لرسوله إلى الموت كما قال {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ}(7) .
__________
(1) إغاثة اللهفان ( 2/ 194ـ 195) وقد قال ـ رحمه الله ـ في نونيته عن مدعي الحرية !
……فروا من الرق الذي خلقوا له
……… وبلوا برق النفس والشيطان
(2) طريق الهجرتين ( ص103ـ 104 ) .
(3) سورة النحل ، والآية : 36.
(4) سورة يوسف ، الآية : 109
(5) سورة الأنبياء ، الآية : 92 .
(6) سورة المؤمنون : الآية 51
(7) سورة الحجر ، الآية 99(52/311)
…وبذلك وصف ملائكته وأنبياءه فقال تعالى : {وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ(19)يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ}(1)وقال {إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ}(2)وذم المستكبرين عنها بقوله : {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ}(3)ونعت صفوة خلقه بالعبودية له فقال تعالى : {عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا}(4)وقال {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا} (5)الآيات ولما قال الشيطان {قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} قال الله تعالى {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ}(6).
…وقال في وصف الملائكة بذلك : {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ(26)لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ} إلى قوله {وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ}(7). وقال تعالى : {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا(88)لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا(89)تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا(90)أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا(91)وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا(92)إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ إِلا ءَاتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا(93)لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا(94)وَكُلُّهُمْ ءَاتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا} (8).
وقال تعالى عن المسيح ـ الذي ادعيت فيه الإلهية والنبوة { إِنْ هُوَ إِلا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ} (9)، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح : ((لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى بن مريم فإنما أنا عبد فقولوا : عبد الله ورسوله )(10).
…وقد نعته الله " بالعبودية " في أكمل أحواله فقال في الإسراء : {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلا}(11)قال في الإيحاء:{ فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى}(12). وقال في الدعوة :{وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا}(13). وقال في التحدي :{وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ } (14). فالدين كله داخل في العبادة .
…وقد ثبت في الصحيح (15)أن جبريل لما جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم في صورة أعرابي وسأله عن الإسلام قال : " أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلاً". قال : فما الإيمان ؟ قال : " أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله والبعث بعد الموت وتؤمن بالقدر خيره وشره " . قال : فما الإحسان ؟ قال : " أن تعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك " ثم قال في آخر الحديث " هذا جبريل جاءكم يعلمكم دينكم " فجعل هذا كله من الدين .
…" والدين " يتضمن معنى الخضوع والذل . يقال : دنته فدان أي : ذللته فذل ويقال يدين الله ، ويدين لله أي : يعبد الله ويطيعه ويخشع له ، فدين الله عبادته وطاعته والخضوع له .
…و" العبادة " أصل معناها الذل أيضاً ، يقال طريق معبد إذا كان مذللاً قد وطئته الأقدام .
…لكن العبادة المأمور بها تتضمن معنى الذل ومعنى الحب ، فهي تتضمن غاية الذل لله بغاية المحبة له ، فإن آخر مراتب الحب هو " التتيم " وأوله " العلاقة " لتعلق القلب بالمحبوب ، ثم " الصبابة " لانصباب القلب إليه ، ثم " الغرام " وهو الحب اللازم للقلب ، ثم " العشق " وآخرها " التتيم " يقال : تيم الله أي : عبد الله ، فالمتيم المعبد لمحبوبه .
__________
(1) سورة الأنبياء ، الآية 20 .
(2) سورة الأعراف ، الآية 206
(3) سورة غافر ، الآية 60 .
(4) سورة الأنسان ، الآية 6
(5) سورة الفرقان ، الآية 63
(6) سورة الحجر ، الآيتان ، 39، 40 .
(7) سورة الحجر ، الآية 42 .
(8) سورة مريم ، الآيات 88ـ 95
(9) سورة الزخرف ، الآية : 59 .
(10) أخرجه البخاري ومسلم .
(11) سورة الإسراء ، الآية ، 1.
(12) سورة النجم ، الآية : 10 .
(13) سورة الجن ، الآية : 19 .
(14) سورة البقرة ، الآية : 23 .
(15) أخرجه البخاري ومسلم .
…ومن خضع لإنسان مع بغضه له لا يكون عابداً له ، ولو أحب شيئاً ولم يخضع له لم يكن عابداً له ، كما قد يحب ولده وصديقه ، ولهذا لا يكفي أحدهما في عبادة الله تعالى ، بل يجب أن يكون الله أحب إلى العبد من كل شيء ، وأن يكون الله أعظم عنده من كل شيء ، بل لا يستحق المحبة والذل التام إلا الله .(52/312)
…وكل ما أُحب لغير الله فمحبته فاسدة ، وما عُظم بغير أمر الله كان تعظيمه باطلاً ، قال الله تعالى : {قُلْ إِنْ كَانَ ءَابَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} (1)، فجنس المحبة تكون لله ورسوله ، كالطاعة فإن الطاعة لله ورسوله ) (2).
…قلت : وأما ادعاء الحمد بأن عبودية الله وجنته ليس فيها نور ، وإنما النور والفجر ! في حريته ( المزعومة ) فهو من تلبيس الشيطان عليه ، ومن انتكاس قلبه حتى أصبح يبصر الأشياء على خلاف حقيقتها فغدا النور عنده ظلاماً ، والظلمة نوراً، وهذا حال أهل الباطل الذين يرون باطلهم حقاً والحق باطلاً منذ العهود القديمة . ولا أملك أن أقول للحمد في هذا المقام إلا ما قاله ابن القيم ـ رحمه الله ـ : ( فأهل الأرض كلهم في ظلمات الجهل والبغي إلا من أشرق عليه نور النبوة ، كما في المسند وغيره من حديث عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله خلق خلقه في ظلمة وألقى عليهم من نوره فمن أصابه من ذلك النور اهتدى ومن أخطأه ضل " (3) فكذلك أقول : ولذلك بعث الله رسله ليخرجوا الناس من الظلمات إلى النور ، فمن أجابهم خرج إلى الفضاء والنور ، ومن لم يجبهم بقي في الضيق والظلمة التي خلق فيها ، وهي ظلمة الطبع وظلمة الجهل والهوى وظلمة الغفلة عن نفسه وكمالها وما تسعد به في معاشها ومعادها .
…فهذه كلها ظلمات ، خلق فيها العبد ، فبعث الله رسله لإخراجه منها إلى نور العلم والمعرفة والإيمان والهدى الذي لا سعادة للنفس بدونه البته . فمن أخطأه هذا النور أخطأه حظه وكماله وسعادته ، وصار يتقلب في ظلمات بعضها فوق بعض ، فمدخله ظلمة ومخرجه ظلمة وقوله ظلمة وعمله ظلمة وقصده ظلمة، وهو متخبط في ظلمات طبعه وهواه وجهله ، ووجهه مظلم وقلبه مظلم، لأنه مبقى على الظلمة الأصلية ، ولايناسبه من الأقوال والأعمال والإرادات والعقائد إلا ظلماتها ، فلو أشرق له شيء من نور النبوة لكان بمنزلة إشراق الشمس على بصائر الخفاش .
بصائر غشاها النهار بضوئه
ولاء مها قطع من الليل مظلم
يكاد نور النبوة يلمع تلك الأبصار ، ويخطفها لشدته وضعفها ، فتهرب إلى الظلمات لموافقتها لها ، وملاءمتها إياها .
…والمؤمن علمه نور وقوله نور ، ومدخله نور ومخرجه نور وقصده نور ، فهو يتقلب في النور في جميع أحواله ، قال الله تعالى : { اللَّهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} (4)) (5).
الحلف بغير الله في روايته :
…ومن تنقصه لله ـ عز وجل ـ أنه استهان بالحلف بغيره ـ عز وجل ـ فذكره في روايته متغافلاً عن قدحه في عقيدة الإنسان وأنه من الشرك الأصغر(6)، مصداقاً لقوله صلى الله عليه وسلم : "من حلف بغير الله فقد أشرك " (7)وقال صلى الله عليه وسلم : " من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت" (8).
…قال الحمد على لسان عبد الرحمن مخاطباً ابن عمته هشام ( أخبره أن ما يشعر به شيء طبيعي لشخص يشرب لأول مرة ، وأنه سوف يعتاد الشراب ولن يفعل به شيئاً بعد ذلك .إلا أن هشام صاح : " أول وآخر مرة ورأس أبوك…")(9).
الحمد يعتقد أن الله في كل مكان !!!
__________
(1) سورة التوبة ، الآية : 24 .
(2) الفتاوي (10/ 149ـ 153 ) .
(3) أخرجه الإمام أحمد في مسنده : ( 2/176 ـ 197 ) ، وأخرجه الترمذي في كتاب الإيمان : ( ص18) .
(4) سورة النور ، الآية : 35 .
(5) هداية الحيارى ( ص591ـ 593) .
(6) قال الشيخ ابن باز -رحمه الله-: "الحلف بغير الله من الشرك الأصغر .. ، وقد يكون شركاً أكبر إذا قام بقلب الحالف أن هذا المحلوف به يستحق التعظيم كما يستحقه الله" . ( فتاوى ابن باز ـ 2/ 727 ـ ط دار الوطن .
(7) أخرجه أبو داود والترمزي . قال الشيخ ابن باز في فتواه السابقة "بإسناد صحيح" .
(8) أخرجه البخاري ومسلم .
(9) الشميسي ( ص45 ) .(52/313)
…ومن طوام تركي الحمد في روايتة أنه -وهو الذي درس عقيدة السلف في بلاد التوحيد- يعتقد عقيدة الأشاعرة في أن الله موجود في كل مكان ! ! ! وهذا من أغرب الأمور التي مرت علي أثناء دراستي لثلاثيته . مما جعلني أتفكر كثيراً في كيفية تسرب هذه البدعة الغريبة على بلادنا إلى ذهن الحمد وروايته ، ثم اكتشفت أنه قد نقلها ـ بغباء ـ من ثلاثية نجيب محفوظ ، دون أي تفكير بمدى صحتها !!! وهذا من الأدلة على أن الحمد مجرد ببغاء لنجيب محفوظ يردد ما يقوله في ثلاثيته ولو كان مخالفاً للنقل والعقل كهذه المسألة .
…قال الحمد متحدثاً عن والد هشام :
…( وضحك أبوه إحدى ضحكاته النادرة ، ثم عاد إلى وقاره وهدوئه المعتادين وهو يقول بحزم : اسمع يا ولدي … إن الله موجود في كل مكان ، والتقوى في النية الطيبة والسلوك الطيب مع الناس ، … ) (1)
…قلت :هذه عقيدة باطلة يدين بها متأخرو الأشاعرة ، والذي عليه سلف الأمة أن الله مستوٍ على عرشه فوق سماواته ، كما قال تعالى : { الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (2) وقال : {ءَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ}(3) وقال:{ يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ } (4)… والأدلة على هذا كثيرة ليس هذا موضع التوسع فيها . فانظرها في كتاب ( العلو ) للذهبي و (مختصره ) اللألباني ، و( علو الله على خلقه ) للدكتور موسى الدويش ، و(إثبات علو الله … ) للشيخ حمود التويجري ـ رحمه الله ـ ، و ( الرحمن على العرش استوى ) للشيخ عبد الله السبت ، و( الرحمن على العرش استوى بين التنزيه والتشويه ) للدكتور عوض منصور.
…أما أن الحمد قد أخذ هذه العقيدة البدعية من نجيب محفوظ فلأن هذا الآخر قد ذكرها في ثلاثيته ـ التي هي عمدة الحمد ـ على لسان أحمد عبد الجواد .
…حيث قال له الحمزاوي : ( ربنا موجود ) فرد عليه أحمد عبد الجواد : (نعم! -ومشيراً إلى الجهات الأربع- في كل مكان ) (5).
الحمد يرى أن عبودية الله كالأغلال !!
…من تنقص الحمد لله عز وجل ، أنه لم يرض بعبوديته ، وإنما آثر عليها (الحرية) كما يدعي ! وهي في حقيقتها ليست ( حرية ) وإنما ( عبودية ) من نوع آخر ، إما للهوى أو الشيطان كما سبق .
…يقول الحمد متحدثاً عن هشام : ( وطافت في ذهنه تجربته الدينية العميقة حين ذهب إلى المسجد مع ا لفجر ، وصلى بعمق غريب ولذيذ لأول مرة في حياته ، بعد تجربته الجسدية مع رقية فقد كانت صلواته السابقة مجرد حركات جسدية لا روح فيها ، ومجاملات اجتماعية بعض الأحيان . ورغم أنه يشعر بالضآلة حين يجامل في مثل هذه الأمور ، إلا أنه لا يستطيع إلا أن يجامل ، فالله غفور رحيم ، ولكن عباده لا يعرفون الرحمة والغفران ، لقد أحس بعد تلك التجربة العنيفة بتمزق لم يستطع إحتماله ، فكان بحاجة إلى أب رؤوف رؤوف يلقي بحمله عليه … أب ليس ككل الآباء . أب يسامح على الخطأ والخطيئة ، ويأخذ بيده إلى الراحة بعد العذاب ، والصفاء بعد القلق وذاك الوخز المؤلم في الداخل … ولكن شتان بين حاله مع رقية ، وهذا الإنقلاب العجيب في حال عدنان … كل إنسان يبحث عن أب رحيم قادر ، وأم حنون في الأزمات والملمات، والكل يبحث عن كتف عطوف عطوف قوي يبكي عليه ويلقي عليه بأحماله ، ولكن القليل هو من يريد أن يبقى باكياً على ذلك الكتف ، فهو لذيذ حقاً ، ولكن الألذ منه أن تخطئ وتصيب، فاللذة في وجود نقيضها وليس في مجرد وجودها .شيء لذيذ وجميل أن تجد من يكون مسؤولاً عنك طوال الوقت ، ولكن السعر باهظ جداً … إنه الحرية ذاتها . الطفل وحده من يدفع هذا السعر بالرغم منه ، ولكن من يريد أن يبقى طفلاً طوال الوقت ؟! الكل يجد الدفء في حضن الأم ، والقوة في الأب ، ولكن قلةً من يريدون البقاء في ذلك الحضن وعلى الكتف … ويبدو أن عدنان واحد من هؤلاء ) (6).
…قلت : ومقصوده واضح لا يحتاج إلى إعمال ذهن ، وهو دليل استكباره عن عبادة ربه ـ كما سبق ـ وقد قال تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ) (7) .
تنقصه للملائكة الكرام :
…أما تنقص الحمد واستخفافه بالملائكة المكرمين؛ فمن ذلك قوله متحدثاً عن هشام في السجن :
…( ثم نظر إلى النافذة ، وتلك النجوم التي تتبدى من ورائها على استحياء ، وهو يتصور أن يأتي ملاك رحمة من هنا أو هناك فينقله على جناحيه إلى حيث نسمة هواء طليقة . ولكن حتى الملائكة اختفت في هذه اللحظة ، ويبدو أنها نفسها تخاف الدخول إلى هذا المكان ، وليس إلا الرعب والسكون والانتظار)(8)!!
…قلت : كيف تخاف الملائكة الدخول في هذا المكان أو غيره ، وهي معك أينما سرت . قال تعالى عن الإنسان : (مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ)(9).
__________
(1) الشميسي ( ص 136 ) .
(2) سورة طه ، الآية : 5 .
(3) سورة الملك ، الآية : 16 .
(4) سورة النحل ، الآية : 50 .
(5) بين القصرين ( ص448 ) .
(6) الشميسي ( ص70 ـ 71 ) .
(7) سورة غافر ، الآية : 60 .
(8) الكراديب ( ص19) .
(9) سورة ق ، الآية :18 .(52/314)
…وقال سبحانه : (لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ) (1).
…وقال تعالى : (أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ )(2) .
…فالملائكة المكرمون قد خُصََّ بعضهم بأنه لا يفارق الإنسان في جميع أحواله ـ كما سبق ـ ولكن الحمد لا يفقه هذا بعد أن اعتاد لسانه على الجرأة عند حديثه عن كل شيء مقدس، متأثراً بالكفرة الفجرة ـ ولا حول ولا قوة إلا بالله ـ .
تنقص الحمد للقرآن :
…أما سخريته بالقرآن ، وبآيات الله ، فهو أنه يضعها في غير موضعها ، بأسلوب هازل .
…فمن ذلك قوله :
…( حانت التفاتة من عبد الرحمن نحو الكيس الذي يحمله هشام ويشد عليه بقوة ، فقال وهو يضحك : " ما تلك بيمينك يا هشام ؟ " وابتسم هشام …)(3) فهو يشير إلى قوله تعالى لموسى ـ عليه السلام (وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَامُوسَى) (4)
…وقوله : ( وهز هشام رأسه وهو يبتسم محيياً ، فيما أخذ الآخرون يتضاحكون ويتغامزون فيما بينهم ويقولون : "شرَّفت الكراديب " "وما منكم إلا واردها " ) (5).
…وهو يشير إلى قوله تعالى عن النار : ( وإن منكم إلا واردها ) (6).
…قلت : لا يجوز أن يُنزل القرآن في غير منزله الذي أراده الله له ، وأن يُسْتدل به بهذه السخرية (7).
…وقد سئلت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والافتاء عن ( استعمال بعض آيات القرآن في المزاح ما بين الأصدقاء ؟ ) فأجابت بأنه ( لا يجوز استعمال آيات القرآن في المزاح ) (8).
…
بغضه للقرآن :
…يقول الحمد متحدثاً عن ذكريات هشام ، وصديقه عدنان : ( كانا في الصف الرابع الابتدائي ، وكانت مادتي القرآن الكريم والتجويد أصعب وأبغض المواد عند التلاميذ ) (9)!!
…قلت : أما ( أصعب ) فقد قال تعالى : (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) (10).
…وأما ( أبغض ) فهذه التي يريد الحمد ! والسؤال : لماذا كان كلام الله الذي فيه الهدى والنور أبغض المواد !؟ وكان الحب كله للكتب الفلسفية والماركسية و(المحرَّمة ) ؟!
…وصدق الله إذ يقول : (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلا خَسَارًا) (11).
تنقصه للأنبياء ـ عليهم الصلاة والسلام ـ :
…لقد أسرف الحمد على نفسه كثيراً واقتحم لجة الكفر والضلال عندما تعرض لأنبياء الله تعالى ـ عليهم الصلاة والسلام ـ واصفاً إياهم بكل منقصة جرياً وراء أكاذيب اليهود والنصارى التي استولت على ذهنه عند حديثه عنهم ـ عليهم السلام ـ فقد نسخت قراءاته لكتب اليهود والنصارى والملاحدة كل تعظيم غرسه القرآن في صدره حول الأنبياء والرسل .
…ولنستمع إلى ( هرائه ) مع التعليق عليه بما تيسر .
…قال الحمد على لسان هشام :
…( قتل قابيل هابيل من أجل المرأة ، وخرج آدم من الجنة من أجل المرأة ، وأذنب من أجل المرأة ، وسخر سليمان الجن من أجل المرأة ، وقال رسولنا الكريم (12):" حُبب إليَّ من دنياكم الطيب والنساء وجُعلت الصلاة قرة عيني " ومزامير داود كلها عن المرأة ، وسكر لوط في التوراة من أجل المرأة ، وأبطل المسيح حد اليهود من أجل مريم المجدلية ، وخاف إبراهيم من فرعون مصر من أجل المرأة ، وكانت المرأة وراء مباركة يعقوب بدلاً من عيسو … )(13) .
…قلت : لقد تضمن هذا النص من الحمد عدة فتراءات على أنبياء الله ـ عليهم السلام ـ حيث لم يتورع ـ هداه الله ـ عن متابعة اليهود والنصارى في تلفيق التهم والنقائص لخير البشر ـ عليهم السلام ـ ولتفنيد ذلك أقول :
ـ أما قابيل وهابيل فإنهما لم يكونا من الأنبياء، هم بشر كغيرهم ، فلا شأن لنا بهما . ومع هذا فإن تركي الحمد لم يذكر إلا قولاً واحداً في قصتهما ولم يذكر القول الثاني .
…فهو ألمح إلى القول الأول الذي يفيد بأن قابيل قتل أخاه هابيل بسبب المرأة فقررا أن يتقربا إلى الله بقربان فمن تقبل منه كانت المرأة من نصيبه فتقبل من هابيل ولم يُتقبل من قابيل ، فقام قابيل بقتل هابيل .
…والقول الثاني الذي لم يذكره الحمد هو أنهما قررا أن يقوما بتقديم قربان إلى الله ـ عز وجل ـ فعمد قابيل إلى أسوأ ماله فقدمه قرباناً ، وعمد هابيل إلى أحسن ماله فقدمه ، فتقبل منه ولم يتقبل من أخاه قابيل ، فحسده قابيل وقام بقتله .
__________
(1) سورة الرعد ، الآية ، 11 .
(2) سورة الزخرف ، الآية : 80 .
(3) الشميسي ( ص39 ) .
(4) سورة طه ، الآية : 17 .
(5) الكراديب ( ص 37 ) .
(6) سورة مريم ، الآية : 71 .
(7) للسيوطي رسالتان حول هذا الموضوع بعنوان ( تنزيه الأغبياء عن تسفيه الأنبياء ) و( رفع البأس وكشف الالتباس في ضرب المثل من القرآن والاقتباس ) انظرها في ( الحاوي ) ( 1/309) و ( 1/344) . وهي في من اقتبس من القرآن جاداً لا هازلاً .
(8) فتاوى اللجنة ( 4/ 56) .
(9) الشميسي ( ص( 68) .
(10) سورة القمر ، الآية : 17 .
(11) سورة الإسراء : الآية ، 82 .
(12) لا لزوم لهذه المخادعة بعد الذي خطته يمينك !
(13) الكراديب ( ص122) .(52/315)
…وفي هذا يقول ابن جرير الطبري ـ رحمه الله ـ : ( عن ابن عباس قال : كان من شأنهما أنه لم يكن مسكين يتصدق عليه وإنما كان القربان يقربه الرجل، فبينما ابنا آدم قاعدان إذ قالا : لو قربنا قرباناً ! وكان الرجل إذا قرب قرباناً فرضيه الله عز وجل أرسل إليه ناراً فأكلته ، وإن لم يكن رضيه خبت النار ، فقربا قرباناً . وكان أحدهما راعياً وكان الآخر حراثاً ، وإن صاحب الغنم قرب خير غنمه وأسمنها . وقرب الآخر أبغض زرعه ، فجاءت النار فنزلت بينهما ، فأكلت الشاة وتركت الزرع . وإن ابن آدم قال لأخيه : أتمشي في الناس وقد علموا أنك قربت قرباناً فتقبل منك ورد عليّ ؟ فلا والله لاتنظر الناس إلي وإليك وأنت خير مني فقال : لأقتلنك ! فقال أخوه : ماذنبي ؟ إنما يتقبل الله من المتقين)(1) .
…قلت : فهذا القول الثاني لم يشر إليه الحمد هو الذي يشهد له القرآن العظيم عندما تحدث عن قصة ابني آدم حيث قال تعالى : ( وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لاَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ(27)لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لاَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ(28)إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ(29)فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ(30) فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ قَالَ يَاوَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْأَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ(31) ) (2).
…ولذا قال ابن كثير ـ رحمه الله ـ بعد سياقه الأثر السابق عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ : (فهذا الأثر يقتضي أن تقريب القربان كان لاعن سبب ولا عن تدارئ في امرأة كما تقدم عن جماعة ممن تقدم ذكرهم ، وهو ظاهر القرآن )(3) .
…فالحمد لم يسق إلا القول الذي يتماشى مع هواه ، علماً بأن هذه الروايات جميعها لم تصح مرفوعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وإنما هي تنقل عن أهل الكتاب الذين أمرنا بعدم تصديقهم أو تكذيبهم إلا ما عارض شرعنا فإننا نكذبهم فيه ـ ولا كرامةـ.
…بل إن القرآن والسنة الصحيحة لم تذكر ( قابيل وهابيل ) وإنما ذكرت بأن القصة حدثت لابني آدم فقط دون تفصيلات . كما في سورة المائدة ، وكما في قوله صلى الله عليه وسلم في الصحيحين : " لا تُقتل نفس ظلماً إلا كان على ابن آدم الأول كِفْل من دمها ، لأنه أول من سنَّ القتل " .
ـ أما قول الحمد بأن آدم ـ عليه السلام ـ قد خرج من الجنة من أجل المرأة فالذي في القرآن أن ( الشيطان ) قد وسوس لآدم وحواء جميعاً بالأكل من الشجرة ، وفي آيات أخرى يخبر الله بأن الشيطان قد وسوس لآدم بذلك دون ذكر لحواء .
…قال تعالى : (وَقُلْنَا يَاآدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ(35)فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ)(4).
…وقال سبحانه : (قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَدْحُورًا لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ(18)وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظالمين) (5).
…وقال عز وجل : (وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا(115)وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلا إِبْلِيسَ أَبَى) (6).
__________
(1) تفسير الطبري ( 10/ 203 شاكر ) .
(2) سورة المائدة ، الآيات : 27-31 .
(3) تفسير ابن كثير ( 2/ 45) .
(4) سورة البقرة ، الآية 35، 36 .
(5) سورة الأعراف ، الآية : 18-19 .
(6) سورة طه 115، 116 .
…فهذه الآيات فيها أن الشيطان وسوس لهما جميعاً (فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ) (فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ)؛ وفي سورة طه أنه وسوس لآدم أولاً (فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ) .فهي تشهد لمن قال بأن الوسوسة كانت لهما جميعاً حيث أغراهما الشيطان بنيل الخلد في الجنة وأن يكونا كسائر الملائكة . ولم يذكر فيها أن حواء هي التي أغرت آدم على الأكل من الشجرة كما تقول ذلك الروايات الإسرائيلية. ولهذا قال الشيخ أحمد شاكر ـ رحمه الله ـ : ( دأب الكتاب والأدباء في عصرنا هذا على فرية أن آدم عليه السلام خدعته حواء حتى أكل من الشجرة ، يصطنعون قول الكاذبين المفترين من أهل الكتاب ، بما حرفوا وكذبوا)(1).(52/316)
…قلت : ولكن من يقول بأن حواء أكلت من الشجرة قبل آدم ، أو أنها سهلت له الأكل منها يستشهد بحديث رواه البخاري في صحيحه ويحمله على هذه القصة ، وهو أنه صلى الله عليه وسلم قال : " لولا حواء لم تخن انثى زوجها " . قال الحافظ ابن حجر في شرحه لهذا الحديث : ( وقوله " لم تخن انثى زوجها " فيه إشارة إلى ما وقع من حواء في تزيينها لآدم الأكل من الشجرة حتى وقع في ذلك ، فمعنى خيانتها أنها قبلت ما زين لها ابليس حتى زينته لآدم ، ولما كانت هي أم بنات آدم أشبهنها بالولادة ونزع العرق فلا تكاد امرأة تسلم من خيانة زوجها بالفعل أو بالقول وليس المراد بالخيانة هنا ارتكاب الفواحش حاشا وكلا ولكن لما مالت إلى شهوة النفس من أكل الشجرة وحسنت ذلك لآدم عد ذلك خيانة له ، وأما من جاء بعدها من النساء فخيانة كل واحدة منهن بحسبها ، وقريب من هذا الحديث " جحد آدم فجحدت ذريته " وفي الحديث إشارة إلى تسلية الرجال فيما يقع لهم من نسائهم بما وقع من أمهن الكبرى ، وأن ذلك من طبعهن فلا يفرط في لوم من وقع منها شيء من غير قصد إليه أو على سبيل الندور ، وينبغي لهن أن لا يتمكن بهذا في الاسترسال في هذا النوع بل يضبطن أنفسهن ويجاهدن هواهن ، والله المستعان ) (2).
…وقال ابن كثير ـ رحمه الله ـ : ( وكانت حواء أكلت من الشجرة قبل آدم وهي التي حدته على أكلها ، والله أعلم ، وعليه يحمل الحديث الذي رواه البخاري …) ثم ذكر الحديث السابق(3) .
…قلت : ومع هذا فلا يحسن أن يقال بأن آدم خرج من الجنة بسبب المرأة ، وإنما يقال بأنه ـ عليه السلام ـ خرج من الجنة بسبب مخالفته لنهي الله ـ عز وجل ـ بوسوسة من الشيطان مما ترتب عليه ابتلاؤه وذريته من بعده . وكان هذا قبل أن يتوب الله عليه ، ويصطفيه كأول نبي على وجه الأرض .
ـ أما قول الحمد بأن داود ـ عليه السلام ـ أذنب من أجل المرأة فهذا من افترائه متابعة لأشياخه اليهود الذين افتروا على داود ـ عليه السلام ـ في توراتهم المحرفة بأنه عليه السلام قتل أحد قواده بواسطة الخدعة حيث جعله في مقدمة الجيش لكي يتزوج بامرأته التي أُعجب بها داود ـ عليه السلام ـ بعد أن رآها عريانه !!! كما جاء في ( سفر صموئيل الثاني ، الاصحاح 11) .
…وقد تسللت هذه الكذبة الشنيعة من اليهود إلى تفاسير المسلمين عبر الاسرائيليات التي أخذوها منهم دون تمحيص لها .
…حيث تذكر هذه القصة المكذوبة في تفسير قوله تعالى : (وَظَنَّ دَاوُدُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ )(4) .
…وقد أجاد ابن كثير ـ رحمه الله ـ عندما قال عند هذه الآية : ( قد ذكر المفسرون ها هنا قصة أكثرها مأخوذ من الإسرائيليات ، ولم يثبت فيها عن المعصوم حديث يجب اتباعه ) (5) ثم ضعف القصة السابقة بأن في سندها ( يزيداً الرقاشي ) أحد الضعفاء في الحديث عند الأئمة .
…وقبله قال شيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ :
…( قد عرف كلام اليهود في الأنبياء وغضهم منهم ، كما قالوا في سليمان ما قالوا ، وفي داود ما قالوا )(6) .
…وقال القاضي عياض: ( لا تلتفت إلى ما سطره الإخباريون من أهل الكتاب ، الذين بدلوا وغيروا ، ونقله بعض المفسرين ولم ينص الله تعالى على شيء من ذلك في كتابه ، ولا ورد في حديث صحيح ) قال: ( وليس في قصة داود وأوريا خبر ثابت ) (7).
…وقال الشيخ محمد أبو شهبه في كتابه ( الإسرائيليات والموضوعات في كتب التفسير ) : ( والمحققون ذهبوا إلى ما ذهب إليه القاضي . قال الداودي : ليس في قصة داود وأوريا خبر يثبت ، ولا يظن بنبي محبة قتل مسلم )(8) .
…وقال الدكتور البار بعد أن ذكر هذه القصة المكذوبة : ( يالها من جريمة بشعة حقيرة تزعم التوراة ( المحرفة ) أن داود عليه السلام ارتكبها ، وهو لاريب منها برئ)(9).
__________
(1) عمدة التفسير ( 1/ 136) .
(2) فتح الباري ( 6/ 424) .
(3) البداية والنهاية ( 1/ 78) .
(4) سورة ص ، الآية : 24 .
(5) تفسير ابن كثير ( 4/ 34 ) .
(6) الفتاوى ( 15/ 149 ) .
(7) الشفا ( 2/158)
(8) ص 268 .
(9) الله جل جلاله والأنبياء عليهم السلام في التوراة ( ص361) .
…قلت : شتان بين هذه القصة التي تصف نبي الله داود ـ عليه السلام ـ بالقتل والمخادعة في سبيل امرأة ، وبين قول الله تعالى عنه (اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُدَ ذَا الأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ(17)إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالإِشْرَاقِ(18)وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ(19)وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ)(1) .
فقد وصفه تعالى بالقوة في العلم والعمل وأبان ذلك صلى الله عليه وسلم بقوله عنه بأنه " كان يصوم يوماً ويفطر يومأ ، ولا يفر إذا لاقى "(2). وقال عنه " أحب الصلاة إلى الله صلاة داود ، كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه ، وينام سدسه " (3)
…فأين هذا الوصف العالي من و صف التوراة المحرفة التي استساغ الحمد أن يتأثر بها وينقلها تشويهاً لصورة نبي الله ـ عليه السلام ـ !؟(52/317)
ـ أما قول الحمد بأن سليمان ـ عليه السلام ـ قد سخَّر الجن من أجل المرأة ، فهذا من كذبه الذي يعرفه صغار المسلمين الذي يقرأون القرآن .
…فسليمان ـ عليه السلام ـ لم يسخر الجن بنفسه ، وإنما الذي سخرها الله ـ عز وجل ـ .
…قال تعالى عن سليمان : (قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ(35)فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ(36)وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ(37)وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الأَصْفَادِ(38)هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ(39)وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ) (4).
…وأما قصته ـ عليه السلام ـ مع ( بلقيس ) ملكة اليمن التي يلمح إليها الحمد فهي أن سليمان غضب منها ومن قومها عندما أرسلوا له المال والهدايا لعله يكف عنهم . فأمر من حوله من الجن والإنس بأن يحضروا له عرش بلقيس الذي لا يكاد يوجد مثله في عظمته ، فقال : (قَالَ عِفْريتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ) ولكن سليمان لم يقنع بهذا ، فقال (الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ ) وهو كاتبه آصف بن برخيا كما يُروى عن ابن عباس : (أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ) أي : أن تنظر مد بصرك فلا تكل إلا والعرش عندك : (فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ) أي سليمان : (هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي ءأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ )(5) .
…أما سبب احضار العرش فليس لأجل المرأة كما يزعم الحمد ـ كذباً وافتراءً ـ وإنما لأجل أن يظهر سليمان عظمة ملكه لها ، وأنه نبي من عند الله ، قد سخر له الإنس والجن فتستجيب لدعوته لها إلى دين التوحيد بعد أن كانت تسجد هي وقومها للشمس .
…قال ابن كثير ـ رحمه الله ـ : ( إن سليمان أراد باحضار هذا السرير إظهار عظمة ما وهب الله له من الملك وما سخر له من الجنود الذي لم يعطه أحد قبله ولا يكون لأحد من بعده وليتخذ ذلك حجة على نبوته عند بلقيس وقومها لأن هذا فارق عظيم أن يأتي بعرشها كما هو من بلادها قبل أن يقدموا عليه )(6).
…ـ أما قول الحمد بأن نبينا قد حُبب إليه النساء ، فهذا صحيح ، وقد ورد في هذا قوله : (( حبب إليّ من دنياكم النساء والطيب وجعلت قرة عيني الصلاة ))(7).
…وليس معنى هذا ما قد يظنه الحمد أو غيره من الجهلة أن هذه المحبة لأي امرأة ولو لم تحل له ـ والعياذ بالله ـ وإنما هذا خاص بزوجاته وما ملكت يمينه، وليس في هذا أي نقص لمرتبته ـ عليه الصلاة والسلام ـ بل هو بيان لكمال رجولته .
__________
(1) سورة ص ، الآية : 17-20
(2) أخرجه البخاري ( 3419) .
(3) أخرجه البخاري ( 3420) .
(4) سورة ص ، الآيات : 35-40 .
(5) سورة النمل ، الآيتان : 39-40 .
(6) تفسير ابن كثير (3/376) .
(7) أخرجه أحمد والنسائي ، وصححه الألباني في صحيح الجامع (3124) .
…قال ابن القيم ـ رحمه الله ـ : ( أما محبة الزوجات فلا لوم فيها ، بل هي من كماله ، وقد امتن سبحانه على عباده فقال : (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)(1).فجعل المرأة سكناً للرجل يسكن قلبه إليها ، وجعل بينهما خالص الحب ، وهو المودة المقرونه بالرحمة ) قال : ( ولا ريب أن صلى الله عليه وسلم قد حُبب إليه النساء ، كما في الصحيح عن أنس عن النبي : "حبب إلي من دنياكم النساء والطيب ، وجعلت قرة عيني في الصلاة" قال : ( فمحبة النساء من كمال الإنسان ، قال ابن عباس : خير هذه الأمة أكثرها نساء ) قال : (فعشق النساء ثلاثة أقسام : قسم هو قُربة وطاعة ، وهو عشق امرأته وجاريته ، وهذا العشق عشق نافع ، فإنه أدعى إلى المقاصد التي شرع الله لها النكاح ، وأكف للبصر والقلب عن التطلع إلى غير أهله ، ولهذا يُحمد هذا العاشق عند الله، وعند الناس )(2).
…ـ أما قول الحمد بأن مزامير داود ـ عليه السلام ـ كلها عن المرأة ، فهذا كذب منه ، يريد به التهويل. قال الدكتور محمد البار ـ حفظه الله ـ وهو ممن اعتنى بدراسة المزامير :
…( تنسب المزامير إلى مجموعة من أنبياء بني اسرائيل وأدبائهم وشعرائهم ، وتشتمل على 150 مزموراً ، منها 73 منسوبة إلى داود عليه السلام ، والأخرى منسوبة إلى موسى وسليمان ـ عليهما السلام ـ وإلى آساف وبني قورع وراجح وهيمان وأتيان ويدوتون )
…وقال : ( رغم أنه لم تثبت نسبة أي من هذه المزامير الموجودة لداود أو غيره، إلا أنها أصبحت جزءً من الفولكلور الشعبي اليهودي )(3).
…وقال : ( تُقسم المزامير إلى ثلاث مجموعات أساسية تندرج تحتها مجموعات أصغر . وهذه المجموعات الثلاث هي :
1 ـ مجموعة التسابيح .(52/318)
2 ـ مجموعة صلوات الاستغاثة .
3 ـ مجموعة التعليم )(4) .
…قلت : يتضح من هذا أن المزامير كلها عن دين اليهود وتسابيحهم وصلواتهم، وليست كما يزعم الحمد بأنها ( كلها عن المرأة ) !!!
…والذي نعتقده ـ كمسلمين ـ هو ماجاء في القرآن الكريم أن الله قد آتى داود ـ عليه السلام ـ كتاباً مقدساً هو ( الزبور ) قال تعالى : (وَآتَيْنَا دَاوُدَ زَبُورًا) (5).
…ونعتقد أن داود ـ عليه السلام ـ قد وهبه الله صوتاً جميلاً يترنم به عند تسبيحه الله فتردد الجبال والطير معه .
…قال تعالى : (إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالإِشْرَاقِ)(6)، وقال: (يَاجِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ)(7)، وأما قوله لأبي موسى الأشعري ـ رضي الله عنه ـ : "يا أبا موسى ، لقد أوتيت مزماراً من مزامير آل داود"(8).
…فقد قال الخطابي : ( قوله (آل داود ) يريد داود نفسه ، لأنه لم ينقل أن أحداً من أولاد داود ولا من أقاربه كان أعطي من حسن الصوت ما أعطي)(9) وقال الحافظ ابن حجر : ( المراد بالمزمار الصوت الحسن ، وأصله الآله ، أطلق اسمه على الصوت للمشابهة )(10).
…ـ أما قول الحمد ( وسكر لوط في التوراة من أجل المرأة ) !!
…فهذا من أقبح تشنيعاته على أنبياء الله ، والتعريض بهم بخُبثٍ وسوء طوية ، حيث لم يُعقب على هذا الكذب بما يبينه ، وإنما ساقه متأثرًا به متابعةً لأحفاد القردة .
…ثم أعاده في موضع آخر من روايته مبيناً قصده ، حيث قال على لسان هشام ـ كما سيأتي ـ ( وزنت بنات لوط مع أبيهم )!!
…وهذا الكذب الفاحش قد أخذه الحمد من التوراة ( المحرّفة ) حيث جاء فيها ـ كما في سفر التكوين ، الاصحاح 19: 30ـ 38 ـ أن ابنتي لوط ـ عليه السلام ـ قامتا بإسقائه خمراً حتى سكر ، ثم اضطجعتا معه ، فحبلتا منه !!!
…وهذه الكذبة لا يُستغرب صدورها من قوم قد قال الله ـ تعالى ـ عنهم: ((أَفَكُلَّمَا جَاءكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ ))(11) فمن كذب بعض الرسل وقتل بعضهم الآخر لا يستغرب عليه أن يفتري الكذب عليهم .
قال ابن حزم ـ رحمه الله ـ بعد أن ذكر هذه القصة المفتراة: ( هذه فضائح الأبد، وتوليد الزنادقة والمبالغين في الاستخفاف بالله تعالى وبرسله عليهم السلام)(12)
…وقال ابن القيم رحمه الله ـ:
__________
(1) سورة الروم ، الآية : 21.
(2) الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي ( ص393ـ395 ـ 399 ) .
(3) المصدر السابق (ص386) .
(4) المصدر السابق (ص388 ـ 392 ) .
(5) سورة الإسراء ، الآية : 55 .
(6) سورة ص ، الآية :18 .
(7) سورة سبأ ، الآية : 10 .
(8) أخرجه البخاري (5048) .
(9) فتح الباري (8/ 711) .
(10) فتح الباري ( 8/ 712) .
(11) سورة البقرة ، الآية : 87.
(12) الفصل في الملل والأهواء والنحل (1/ 224 ) .
…( ومن قدحهم (1)في الأنبياء : ما نسبوه إلى نص التوراة ، أنه لما أهلك الله أمة لوط لفسادها ، ونجى لوطاً بابنتيه فقط ، ظن ابنتاه أن الأرض قد خلت ممن يستبقين منه تسلاً . فقالت الصغرى للكبرى : إن أبانا شيخ ، ولم يبق في الأرض إنسان يأتينا كسبيل البشر ، فهلمي نسقي أبانا خمراً ونضاجعه ، لنستبقي من أبينا نسلاً ، ففعلتا ـ بزعمهم ـ فنسبوا لوطاً النبي عليه السلام إلى أنه سكر حتى لم يعرف ابنتيه ثم وطئهما وأحبلهما وهو لا يعرفهما … )(2).
…ـ أما قول الحمد بأن المسيح ـ عليه السلام ـ أبطل حد اليهود من أجل مريم المجدلية ، فلعله يشير إلى اتهام اليهود لمريم ـ رضي الله عنها ـ بالزنا من أجل حملها بعيسى ـ عليه السلام ـ دون زوج ، ومن ثمّ تكلم عيسى في المهد مبرئاً أمه من هذه التهمة الشنيعة التي وبخ الله اليهود لأجلها بقوله ـ تعالى ـ (وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا)(3) فما دخل هذه الحادثة بما يتحدث عنه الحمد ؟!
…ـ أما قول الحمد ( وخاف إبراهيم من فرعون مصر من أجل المرأة ) فيشير إلى ما ما أخرجه البخاري في صحيحه عن النبي صلى الله عليه وسلم متحدثاً عن إبراهيم ـ عليه السلام ـ : (( بينما هو ذات يوم وسارة إذ أتى إلى جبار من الجبابرة ، فقيل له : إن ها هنا رجلاً معه امرأة من أحسن الناس ، فأرسل إليه فسأله عنها فقال : من هذه ؟ قال : أختي . فأتى سارة قال : ياسارة ليس على وجه الأرض مؤمن غيري وغيرك ، وإن هذا سألني عنك فأخبرته أنك أختي ، فلا تكذبيني . فأرسل إليها ، فلما دخلت عليه ذهب يتناولها بيده فأُخذ : فقال : ادعي الله لي ولا أضرك ، فدعت الله فأطلق . ثم تناولها الثانية فأُخذ مثلها أو أشد ، فقال : ادعي الله لي ولا أضرك ، فدعت فأطلق . فدعا بعض حجبته فقال : إنكم لم تأتوني بإنسان ، إنما أتيتوني بشيطان ، فأخدمها هاجر. فأتته وهو قائم يصلي ، فأومأ بيده : مهيم ؟ قالت : رد كيد الكافر ـ أو الفاجر ـ في نحره ، وأخدم هاجر )) (4)
…قلت : وفي هذا الحديث بيان عصمة الله لابراهيم وزوجه أن تمسهما يد ظالم ، حيث كف سبحانه كيد هذا الملك عنهما .(52/319)
…ـ أما قول الحمد بأن المرأة كانت ( وراء مباركة يعقوب بدلاً من عيسو) فيشير إلى ما جاء في الإسرائيليات التي دخلت علينا من أهل الكتاب وقد ذكرها المؤرخون في قصة يعقوب ـ عليه السلام ـ
…قال ابن كثير ـ رحمه الله ـ في البداية والنهاية :( ذكر أهل الكتاب أن اسحق لما تزوج رفقا بنت بتواييل في حياة أبيه كان عمره أربعين سنة وأنها كانت عاقراً فدعا الله لها فحملت فولدت غلامين توأمين أولهما سموه عيصو وهو الذي تسميه العرب العيص وهو والد الروم ، والثاني خرج وهو آخذ بعقب أخيه فسموه يعقوب وهو إسرائيل الذي ينتسب إليه بنو إسرائيل .
…قالوا : وكان اسحق يحب العيصو أكثر من يعقوب لأنه بكره وكانت أمهما رفقا تحب يعقوب أكثر لأنه الأصغر .
…قالوا : فلما كبر اسحق وضعف بصره اشتهى على ابنه العيص طعاماً وأمره أن يذهب فيصطاد له صيداً ويطحنه له ليبارك عليه ويدعو له ، وكان العيص صاحب صيد فذهب يبتغي ذلك فأمرت رفقا ابنها يعقوب أن يذبح جديين من خيار غنمه ويصنع منهما طعاماً كما اشتهاه أبوه ويأتي إليه به قبل أخيه ليدعو له ، فقامت فألبسته ثياب أخيه وجعلت على ذراعيه وعنقه من جلد الجديين لأن العيص كان أشعر الجلد ويعقوب ليس كذلك ، فلما جاء به وقربه قال : من أنت ؟ قال : ولدك . فضمه إلى وجهه وجعل يقول : أما الصوت فصوت يعقوب وأما الجس والثياب فالعيص ، فلما أكل وفرغ دعا له أن يكون أكبر إخوته قدراً وكلمته عليهم وعلى الشعوب بعده وأن يكثر رزقه وولده .
…فلما خرج من عنده جاء أخوه العيص بما أمره به والده فقربه إليه فقال له: ما هذا يا بني ؟ قال : هذا الطعام الذي اشتهيته فقال : أما جئتني به قبل الساعة وأكلتُ منه ودعوتُ لك ؟ فقال : لا والله . وعرف أن أخاه قد سبقه إلى ذلك)(5).
…قلت : فهذه من أحاديث أهل الكتاب ، لاتصدق ولا تكذب ، وإن صحت ففيها بيان محبة الأم لابنها وحرصها على أن يكون محظياً عند والده ، ولاحرج في هذا.
تنقصات أخرى :
…وقال الحمد في موضع آخر من روايته : ( رحماك يارب الكون … لماذا
خلقت حام طالما أن سام هو الحبيب ؟ ولماذا فضلت سام وصببت اللعنة على حام ؟ ما ذنبه إذا سكر نوح ، وزنت بنات لوط مع أبيهم ، في كتاب يقولون إنه كلماتك وإرادتك ؟ )(6).
…وفي قول الحمد مخاطباً ربه ( لماذا خلقت حام ؟ ) سوء أدب ، ووقاحة ، وعدم تعظيم له سبحانه ، حيث وجه إليه سؤاله تعنتاً واعراضاً ، وقد قال تعالى : (لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ)(7).
__________
(1) أي اليهود عليهم لعنة الله .
(2) إغاثة اللهفان (2/ 342ـ 343 ) .
(3) سورة النساء ، الآية : 156 .
(4) أخرجه البخاري (3358) .
(5) البداية والنهاية (1/194) .
(6) الكراديب (ص137) .
(7) سورة الأنبياء ، الآية : 23 .
…وهو يشير بقوله : ( لماذا فضلت سام وصببت اللعنة على حام ؟ ما ذنبه إذا سكر نوح ؟ ) إلى ما ورد في التوراة ( المحرّفة )(1) التي هي عمدة الحمد في قدحه بأنبياء الله ! من أن نوحاً ـ عليه السلام ـ شرب من الخمر فسكر وتعرى داخل خبائه ، فأبصره ابنه حام ( أبو كنعان ) ، وأخبر أخويه ( سام ويافث ) ، فأخذ ( سام ويافث ) الرداء وسترا عورة أبيهما دون أن ينظرا إليها ، فلما أفاق نوح وعلم بذلك لعن حاماً وابنه كنعان ، ودعا أن يكون عبداً لأخويه، ودعا لسامٍ بالبركة من الله .
…وهذه احدى كذبات اليهود وتشويههم لصورة الأنبياء في كتبهم المحرفة ، التي نقل منها الحمد دون تورع أو خجل ، ولكن بمكرٍ وخبث ، ومحاولة منه لا سقاط المثل والرموز ـ كما سبق ـ بأسلوب حقير يناسب طبعه وعقليته التي لا تقيم وزناً لأي شيء مقدس ـ كما يحاول أن يدّعي ـ !
…قال الدكتور سعود الخلف ـ حفظه الله ـ بعد إيراده هذه القصة المكذوبة على نوح ـ عليه السلام ـ : ( وهذا محض كذب وافتراء ، فإن الله عز وجل قد وصف عبده نوحاً في كتابه المهيمن بقوله : ( ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا)(2))(3).
…ـ وأما قوله القبيح ( وزنت بنات لوطٍ مع أبيهم) فقد بينت كذبه ـ فيما سبق ـ وأنه مُتلقىً عن أبناء القردة ، من الذين جعلهم الحمد قدوته ، واتبع آثارهم في تعريضه بأنبياء الله ـ عليهم السلام ـ دون خوف من الله ـ عز وجل ـ الذي قال عن أنبيائه ـ عليهم السلام ـ (أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ)(4).
…ـ وقال الحمد على لسان هشام في السجن: ( يحس أنه هنا منذ أن حشر الإله الروح في جسد آدم . إنه يحس في داخله أنه كان معاصراً لقابيل وهو يقتل أخاه ، ولنوح وهو يصارع أمواج الطوفان ، وليونس وهو يصيح في بطن الحوت، ولأيوب والدود ينخره ، وليوسف في الجب ، والمسيح هو يصيح مصلوباً ، والنبي الأمي وهو يشكو )(5).(52/320)
…قوله ( حشر الإله الروح في جسد آدم ) هو من سوء أدبه مع ربه، وفيه اعتراض خفي على خلق آدم _ عليه السلام _ وكان الأولى به أن يقول : (نفخ الإلة الروح في آدم ) كما أخبر القرآن : (إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ(71)فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ) (6).
الحمد يعتقد صلب المسيح ـ عليه السلام ـ !!!
…وكل هذا يهون أمام الطامة العظمى التي فاه بها الحمد ، وهي قوله : (والمسيح وهو يصيح مصلوباً ) !!! فهو يخالف بقوله هذا نصوص الشريعة واجماع المسلمين من أن المسيح ـ عليه السلام ـ لم يصلب بل رفعه الله إليه وألقى شبهه على غيره ممن صلب ، قال تعالى : ( وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ) (7).
…والذي دعا الحمد إلى هذه الزلة العظيمة هو ـ كما سبق ـ متابعته لليهود والنصارى الذين يزعمون أن المسيح ـ عليه السلام ـ قد صلب ، وقد رد الله عليهم قولهم هذا في القرآن الذي يفترض أن يكون الحمد قد قرأه وآمن به! قال تعالى عن اليهود : (وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ ) (8). وهذه العقيدة وهي عدم صلب المسيح ـ لا يخالف فيها أي مسلم ، عامياً كان او عالماً ، وإنما خلاف بعضهم في أنه هل رفع ـ عليه السلام ـ بجسده كما عليه الجمهور وهو الصحيح لأنه موافق لقوله تعالى : (بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ )(9).
…أم أنه تعالى توفاه بالنوم ثم قبض روحه كما يقبض أرواح البشر ، كما يختاره بعض العقلانيين من أمثال محمد عبده ومدرسته (10).
…أما أنه عليه السلام قد صلب فهذا لم يفه به سوى المغضوب عليهم والضالين (وأذنابهم ! ) لأنه مصادم لما علم بالضرورة من دين الإسلام ، وهو تكذيب لله ـ عز وجل ـ
…فهل يعي الحمد خطورة قوله هذا ؟! أم يتمادى في تجاوزه كل ما هو قطعي تحت دعاوى ( الحرية ! )؟ عندها نقول له : (يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ)(11).
تنقص آخر لأنبياء الله :
…قال الحمد على لسان هشام :
( نحن نحاول أن نفهم سر ما يجري ، ولكننا ننتهي إلى صخرة سيزيف ، ويبقى السر طلسماً قاتلاً من طلاسم سليمان الحكيم ، وتعويذات وزيره آصف بن برخيا العابثة … ) (12).
__________
(1) سفر التكوين ـ الإصحاح 9 : 20 ـ 27 ) ، وانظر ( الفِصَل … ) لابن حزم ( 1/ 211 ) .
(2) سورة الإسراء ، الآية : 3 .
(3) دراسات في الأديان : اليهودية والنصرانية (ص94) .
(4) سورة الأنعام ، الآية : 90 .
(5) الكراديب (ص213) .
(6) سورة ص : الآية : 71، 72 .
(7) سورة النساء ، الآية : 157 .
(8) سورة النساء ، الآية : 157 .
(9) سورة النساء ، الآية : 158 .
(10) انظر : تفسير المنار ( 6/ 18) .
(11) سورة المائدة ، الآية : 41 .
(12) الكراديب ( ص214 ).
قلت : أما صخرة سيزيف فهي أسطورة يونانية لا شأن لنا به ولا بصخرته التي يحاول الصعود بها .
ـ أما قوله : ( ويبقى السر طلسماً قاتلاً من طلاسم سليمان الحكيم ) ! فهو افتراء منه تابع فيه اليهود الذين اتخذهم قائده ودليله في روايته ، فالقول ما قالوا ، والرأي ما رأوا ، والرواية مارووا ، وإن كان فيها تنقص أو شتيمة لأنبياء الله ورسله ، فكل هذا لا يهم ( التوراتي ) تركي الحمد ! الذي شابه قلبه قلوبهم في حملها الغل على أكرم الخلق فأصبح يهذي بما تهذي به يهود .
…ومن ذلك متابعته لهم في اتهام سليمان ـ عليه السلام ـ بأنه ساحر !!! وقد رد الله هذا الكفر بقوله تعالى مدافعاً عن نبيه سليمان : (وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا)(1) .
…قال ابن كثير ـ رحمه الله ـ : ( ان سحرة اليهود ـ فيما ذكر ـ كانت تزعم أن الله أنزل السحر على لسان جبريل وميكائيل إلى سليمان بن داود ، فأكذبهم الله بذلك واخبر نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم أن جبريل وميكائيل لم ينزلا بسحر ، وبرأ سليمان ـ عليه السلام ـ مما نحلوه من السحر ، وأخبرهم أن السحر من عمل الشياطين ) (2).
ـ وأما قوله( وتعويذات وزيره آصف بن برخيا العابثة ) ! فلا أدري ما الداعي لكلمة ( العابثة ) ! أم أن الحمد أصبح لا يرى في كل شيء إلا العبث ؟
…والذي ورد في تفسير قوله تعالى: ( قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ ) (3)??أن آصف بن برخيا وكان يعلم اسم الله الأعظم دعا الله به فاستجاب دعاءه، وليس ذلك تعويذات عابثة كما يزعم (العابث) تركي الحمد .
سخرية الحمد وتنقصه شعائر الإسلام :
…أما سخريته بشعائر الدين ، وتهوينه من أمرها؛ فمن ذلك أنه أخبر عن هشام بأنه ( صلى الفجر مع خاله دون اغتسال ) (4)!!(52/321)
…وقوله مهوناً أمر الصلاة : ( حتى والده لم يكن يؤدي الفروض في المسجد أكثر الأحيان ، كأكثر أهل الدمام ، بل كان يؤديها في المنزل غالباً ، وذلك على عكس أهل الرياض والقصيم .. ) (5) .
…وقوله : ( وبقي هشام وحيداً لا يدري ما يفعل ، هل يلحق خاله إلى المسجد ، أم يواصل النوم مثل أبناء خاله .. وأخيراً عزم على مواصلة النوم ، فلا ريب أن الأبناء أدرى بحال الدار ، واستلقى على فراشه ، وأخذ النسيم البارد ورطوبة السحر يداعبان أجفانه . وعندما كان المؤذن ينادي : " الصلاة خير من النوم … الصلاة خير من النوم " ، كان قد أغفى تماماً) (6).
…وقوله : ( إنه لا يحب القصيم كثيراً . ففي الدمام أصحابه والأجواء التي اعتاد عليها والبحر ، وفي القصيم لا أصداء ولا بحر ، وفوق كل ذلك صلاة الفجر التي لا بد أن يؤديها جماعة في المسجد مع جده .عندما يلذ للعين الرقاد)(7).
سخريته وتنقصه أحاديث صلى الله عليه وسلم :
…فمن ذلك قوله على لسان وليد مخاطباً هشاماً :
…( أنت تتحدث عن الموت وكأنه كائن مجسد ، وليس حادثه أو حالاً .
…وضحك هشام باقتضاب وهو يقول :
ـ وما أدراك أنه ليس كائناً ؟ .. ألا يقولون إن الملاك عزرائيل هو قابض الأرواح ؟ أوليس ذاك الهيكل العظمي الأسود هو الموت بعينه ؟ ألا يقولون إنه بعد انتهاء الحساب يوم القيامة يؤتى بالموت على شكل خروف فيذبح على الحدود بين الجنة والنار ؟
ثم وهو يضحك :
ـ لقد ذكرتني بنزار وقصائده المتوحشة .
…ثم وهو يعتدل في جلسته :
ـ ولكن أتدري ما يحيرني يا وليد … هل يمكن للموت أن يموت ؟ كيف يموت من هو ميت أصلاً ؟ وإذا كان الموت يميتنا ، فمن يميت الموت ؟ … الله ؟ .. هو الحياة ذاتها فكيف يمكن للحياة أن تميت ؟ .. حقاً يا لها من حيرة ) (8).
قلت : أما تسميته ملك الموت بعزرائيل فهو من جهله ، لأنه لم تصح هذه التسمية في أي من الأحاديث الصحيحة (9)، و الله ـ عز وجل ـ سماه في القرآن ملك الموت ولم يذكر له اسماً غيره .
…قال تعالى : (قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ) (10).
__________
(1) سورة البقرة ، الآية : 102 .
(2) تفسير ابن كثير ( 1/ 141) .
(3) سورة النمل ، الآية : 40 .
(4) الشميسي ( ص 44 ) .
(5) الشميسي ( ص 136 ).
(6) العدامة ( ص93 ) .
(7) العدامة ( ص 252 ) .
(8) الكراديب ( ص192) .
(9) قال الشيخ الألباني في ( أحكام الجنائز ـ ص156) : "أما تسميته ـ أي ملك الموت ـ بعزرائيل فمما لا أصل له ، خلافاً لما هو المشهور عند الناس ، ولعله من الإسرائيليات !" وقال الشيخ بكر أبو زيد في ( معجم المناهي اللفظية ـ ص238) : "لا يصح في تسمية ملك الموت بعزرائيل حديث".
(10) سورة السجدة ، الآية : 11 .
…وأما قوله : ( ألا يقولون إنه بعد انتهاء الحساب يؤتى بالموت على شكل خروف …الخ ) فهو من سخريته بأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم ، وإلا فإنه يعلم أنهم لا يقولون ، وإنما القائل هو محمد صلى الله عليه وسلم (1)، الذي قال في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري ومسلم : " يجاء بالموت كأنه كبش أملح ، فيوقف بين الجنة والنار فيقال : يا أهل الجنة! هل تعرفون هذا ؟ فيشرئبون وينظرون ويقولون : نعم ، هذا الموت . ثم يقال : يا أهل النار ! هل تعرفون هذا ؟ فيشرئبون وينظرون ويقولون : نعم هذا الموت . قال : فيؤمر به فيذبح ، ثم يقال :يا أهل الجنة خلود فلا موت ، ويا أهل النار خلود فلا موت " ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم : (وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ ) (2).
…أما تحيره : كيف يموت الموت ؟ فقد أجاب عنه العلامة ابن القيم ـ رحمه الله ـ بقوله تعليقاً على الحديث السابق : ( وهذا الكبش والاضجاع والذبح ومعاينة الفريقين ذلك حقيقة لا خيال ولا تمثيل ، كما أخطأ فيه بعض الناس خطأ قبيحاً وقال : الموت عرض والعرض لا يتجسم ، فضلاً عن أن يذبح .
…وهذا لا يصح ، فإن الله سبحانه ينشئ من الموت صورة كبش يذبح ، كما ينشئ من الأعمال صوراً معاينة يثاب بها ويعاقب ، والله ينشئ من الأعراض أعراضاً ومن الأجسام أجساماً ، فالأقسام الأربعة ممكنة مقدورة للرب تعالى ، ولا يستلزم جمعاً بين النقيضين ولا شيئاً من المحال ، ولا حاجة إلى تكلف من قال: إن الذبح لملك الموت! فهذا كله من الاستدراك الفاسد على الله ورسوله والتأويل الباطل الذي لا يوجبه عقل ولا نقل ، وسببه قلة الفهم لمراد الرسول صلى الله عليه وسلم من كلامه ، فظن هذا القائل أن لفظ الحديث يدل على أن نفس العرض يذبح ، وظن غالط آخر أن العرض يعدم ويزول ويصير مكانه جسم يذبح ، ولم يهتد الفريقان إلى هذا القول الذي ذكرناه ، وأن الله سبحانه ينشئ من الأعراض أجساماً ويجعلها مادة لها ، كما في الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم " تجي البقرة وآل عمران يوم القيامة كأنهما غمامتان " الحديث ، فهذه هي القراءة التي ينشئها الله سبحانه غمامتين ) (3).
بغض الحمد لعباد الله الصالحين :(52/322)
…كما أن الحمد أبغض ربه ـ عز وجل ـ وملائكته ، وأنبياءه وكتبه ، وشرائعه ، فإنه حتماً سيبغض عباده الصالحين ، وسيبغض ما يصدر عنهم من أقوال أو كتابات .
…وإليك ما يشهد لهذا :
…يقول الحمد متحدثاً عن هشام :
…( أخذ يقلب الكتاب الذي أعطاه إياه عدنان ، " المنقذ من الضلال " للغزالي كان لا يحب هذا النوع من الكتب )(4) .
…وهذا النوع من الكتب يعني به الكتب الإسلامية التي تقربه من الخير ، وتباعده من الشر فهو لا يطيقها ، ولا يحبها ، بل يهرع إلى كتب أحبابه من الفلاسفة والماركسيين الذين يجد عندهم ما يروي ظمأه ، ويوافق طبعه فالطيور على أشكالها تقع.
…ويقول الحمد على لسان مهنا :
…( أرجو أن لا تتحدث عن البعثيين أو القوميين العرب أو حتى الدراويش من الاخوان المسلمين … كل هؤلاء سذج ومزيفون ) (5).
…ويقول على لسان والد هشام متحدثاً مع ابنه :
…( ولكن ما لقيت إلا البعثيين كي تصبح منهم … أطقع ناس … ولا أخرط منهم إلا الشيوعيين والإخوان )(6) !!
…ويقول عن ( الاخواني ) لقمان :
…( يا لك من منافق يالقمان … تخدم ألف إله وإله ، ثم تقول لا إله إلا الله … قاتل الله الحياة ، فهي النفاق بعينه قاتل الله الحياة فهي التي تجعلنا عبيداً دون أن نريد ، وأسياداً ونحن نريد ولا نريد . قاتل الله حياة تذلنا فيها لقمة ، وتأسرنا كلمة ، وتستعبدنا شهوة ، ويموت فيها الطيبون .. ثم نقول لا إله إلا الله )(7) .
__________
(1) ومن جهله بحديث النبي صلى الله عليه وسلم أنه يعزو إليه حديثاً لا أصل له وهو قوله : " السلام سنة ورده واجب " !!! وهذا من أقوال ( بعض ) الفقهاء ، وليس هو من حديث النبي صلى الله عليه وسلم كما يتوهم الحمد !
(2) سورة مريم ، الآية : 39 .
(3) حادي الأرواح ( ص344ـ 345) .
(4) الشميسي ( ص66 ) .
…وليعلم أن كتب الغزالي عليها مؤخذات كثيرة من إسراف في علم الكلام ، وترغيب في التصوف ، واستشهاد بالضعيف . وقد بين هذا العلماء المحققون ، ( انظر : أبو حامد الغزالي لعبد الرحمن دمشقية ، والعقيدة السلفية في مسيرتها التاريخية للشيخ محمد المغراوي ) ،والحمد لا يفرق في بغضه للكتب الإسلامية بين الغث والسمين، فهو يعمم حكمه ذلك دون أي تفريق كما قد يفهم ( البعض ) .
(5) العدامة ( ص283 ) .
(6) الشميسي ( ص385ـ 386 ) .
(7) الكراديب ( ص184 ) .
…قلت : جماعة الإخوان إحدى الجماعات الإسلامية الشهيرة التي يعرفها معظم الناس، نشأت في مصر ثم امتدت إلى معظم بلاد العالم . وهي جماعة عليها مؤاخذات كثيرة من عدم اهتمام بنشر العقيدة السلفية ، أو تعليم للعلم الشرعي النافع ، وإنما همها ( التجميع ) والوصول إلى الحكم بأي طريقة(1).
…ومع هذا فلا نؤيد ( الماركسي ) ( البعثي ) تركي الحمد في طعنه بها ، فشتان بين جماعة إسلامية ( مقصرة ) وبين جماعات ومذاهب ( كافرة ) عدوة للإسلام والمسلمين .
…هذا عن نقده واستهزائه بجماعة الإخوان المسلمين، أما غيرهم من عباد الله ( الملتزمين ) فقد نالهم ما نال أولئك من سخرية لاذعة بأسلوب مبطن . يقول الحمد عن ( عدنان العلي ) صديق هشام : ( لم يكن عدنان يأتي إلى المقصف وحده ، فغالباً ما كان يرافقه زميلان من ذوي اللحى المتروكة وشأنها دون تهذيب ، وبعض الأحيان يزدادون إلى خمسة ، يشربون الشاي ويتحدثون بهمس لا يكاد يسمع ، وكان أكثر ما أثار استغراب هشام هو أنهم لا يبتسمون أبداً ، وإذا حدث ذلك من أحدهم ، غطى فمه بطرف غترته وكأنه يعتذر ، ثم يعود إلى تلك الملامح التي لا توحي بشيء ) (2).
…قلت : تأمل هذه السخرية المتكلفة التي أراد الحمد إيصالها إلى ذهن قارئه، بأن كل من التزم بدين الله ، فهو لا شك سيكون متجهماً لا يبتسم ، وإذا ابتسم فإنه سيعتذر من ابتسامته !! ونسي أن هؤلاء الملتزمين هم أول من يعمل بحديث النبي صلى الله عليه وسلم ، " تبسمك في وجه أخيك لك صدقه " (3) ولا يجدون غضاضة في هذا التبسم لأنه سنة نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم ، فلماذا تعمد الحمد قلب الحقائق ، الأجل أنهم لم يبتسموا في وجه ( ماركسي ) ( بعثي ) !؟ أم أنه الحقد الذي يحمله في صدره على كل ( ملتزم ) فأراد تفريغ بعضه في روايته هذه عبر هذا الأسلوب المبطن ؟ ثم تأمل ـ أخي القارئ ـ سخريته بسنة محمد صلى الله عليه وسلم ( اللحية ) بهذا الأسلوب الحقير( اللحى المتروكة وشأنها دون تهذيب ) !! وهو تهويل منه ومبالغة ، لأن الجميع لا يكاد يجد مثل هذا الصنف المتخيل ، فلماذا تقليل الكثير وتكثير القليل يا تركي !؟ ولم يكتف الحمد بهذه السخرية السابقة باللحية لأنها لم تشف غيظه من أهل الإسلام ، فرددها مرة أخرى عندما قال متحدثاً عن هشام :
…( ثم فتح الباب عن وجه أحد زملاء عدنان بلحيته الكثه ، ورأسه الحليقة تماماً) (4).(52/323)
…فزاد على سخريته باللحية اتهام الصالحين بأنهم يرون السنة حلق الرأس ، ولهذا هم يحلقون رؤسهم اتباعاً لها ، وهذا كذب عليهم وهو اتهام قديم قال به أعداء دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب ـ رحمه الله ـ عندما اتهموه وأتباع دعوته بأنهم يحلقون رؤسهم ، ويأمرون من اتبعهم بحلق رأسه ! ، ولهذا فهم من الخوارج الذين قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم : "سيماهم التحليق " (5)! ثم جاء الحمد مردداً هذه التهمة الباطلة متابعة منه لأعداء الدعوة التي شرق بها العلمانيون والملحدون.
…وهذا الاتهام باطل ، لأن الشيخ محمد بن عبدالوهاب وعلماء الدعوة وأتباعها يتبعون في هذه المسألة أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم التي تجعل أمر الشعر من أمور العادات التي يتبع فيها المرء عادة بلده في ابقاء الشعر أو حلقه . وإنما ينهى عن القزع ، وهو حلق بعض الشعر وترك بعضه لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك .
…قال الشيخ عبد الله بن الشيخ محمد بن عبدالوهاب ـ رحمه الله ـ راداً على من ادعى بأن علماء الدعوة يكفرون من لم يحلق شعر رأسه !! : (إن هذا كذب وافتراء علينا ، ولا يفعل هذا من يؤمن بالله واليوم الآخر ، فإن والردة لا تكون إلا بإنكار ما علم بالضرورة من دين الإسلام ، وأنواع الكفر والردة من الأقوال والأفعال معلومة عند أهل العلم ، وليس عدم الحلق منها ، بل ولم نقل أن الحلق مسنون ، فضلاً عن أن يكون واجباً ، فضلاً عن أن يكون تركه ردة عن الإسلام !
…والذي وردت السنة بالنهي عنه هو القزع ، وهو : حلق بعض الرأس وترك بعضه ، وهذا الذي نهينا عنه ، ونؤدب فاعله)(6) .
مباحث أخرى
…ـ تنقص الحمد قبيلة النبي صلى الله عليه وسلم
…ـ حقده على حكومة المملكة العربية السعودية
…ـ محبته للرافضة .
…ـ المواقف الجنسية في ثلاثيته .
…ـ العبارات الوقحة .
تنقص الحمد قبيلة صلى الله عليه وسلم :
لم تسلم قبيلة قريش ـ وهي أفضل القبائل ـ من لمز الحمد في روايته حيث قال على لسان عارف:
__________
(1) انظر للزيادة : ( دعوة الإخوان المسلمين في ميزان الإسلام ) لفريد الثبيت ، و وقفات مع كتاب للدعاة فقط ) لمحمد العجمي و ( حوار هادئ مع إخواني ) لأحمد الشحي .
(2) الشميسي ( ص73) .
(3) أخرجه الترمذي ( 1/ 354) وصححه الألباني في الصحيحة ( 572) .
(4) الشميسي ( ص194 ) .
(5) أخرجه مسلم
(6) الدرر السنية ( 10/275ـ 276 ) ط 5.
( طز في قريش يا صاحبي … ولماذا يجعل نزار قريشاً مثلاً أعلى ؟.. ألأنها قبيلة النبي ؟ … والنعم بأبي القاسم ولكن قريشاً لا .. لقد جعلوا كل تاريخنا تاريخاً لقريش . ألم يكن هناك غير قريش في الساحة ؟ ) (1).
قلت : قبحك الله وأخزاك ! فقبيلة قريش التي تطعن فيها هي قبيلة محمد صلى الله عليه وسلم (الذي تدعي الفخربه !!) (2) هي القبيلة التي كان منها أفضل الخلق بعد الأنبياء ـ عليهم السلام ـ وهم صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، من أمثال أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وسعد وطلحة وعبد الرحمن والزبير … وغيرهم ـ رضوان الله عليهم ـ وهي القبيلة التي قال فيها صلى الله عليه وسلم : "إن الله اصطفى كنانة من ولد اسماعيل ، واصطفى قريشاً من كنانه ، واصطفى من قريش بني هاشم ، واصطفاني من بني هاشم " (3).
وأما ادعاؤك بأنهم جعلوا تاريخنا تاريخاً لقريش ، فكأنك تعرض بتوليهم أمر الأمة منذ الخلفاء الراشدين مروراً بالدولة الأموية وانتهاء بالعباسيين ، وهذا ليس مغمزاً فيهم وإنما فخر لهم أن قادوا الأمة ، ونشروا الإسلام ـ على تفاوت بينهم في ذلك ـ متبعين قول الرسول صلى الله عليه وسلم : " إن هذا الأمر في قريش ، لا يعاديهم إلا كبه الله على وجهه ، ما أقاموا الدين " (4).
قال الإمام أبو عمرو الداني حاكياً أقوال أهل السنة :
( ومن قولهم إن الإمامة في قريش مقصورة عليهم دون غيرهم من سائر العرب والعجم ، لقوله صلى الله عليه وسلم : " الأئمة من قريش ، ولا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي في الناس اثنان " ولإجماع المسلمين بعده صلى الله عليه وسلم على أن ولوا قريشاً ) (5) .
…أي ما أقاموا الدين كما في الحديث الذي قبله .
حقد الحمد على حكومة المملكة العربية السعودية :
…لم يعد خافياً على أحد أن التيارات الماركسية والشيوعية وما سار في ركبها هي جميعها حاقدة على الدولة السعودية المسلمة ، حيث كانوا يعدونها ـ في زمن الشعارات ـ أم الدول المتخلفة الرجعية !! لأنها لا زالت تحكم بالإسلام. فكانوا يُسَخرون كل طاقاتهم في سبيل محاربتها أو تغيير حكومتها إن استطاعوا . ولذا فقد سخروا إعلامهم للنيل منها ، والسخرية بها وبحكامها ، وسخروا كوادرهم لمحاولة تجنيد عملاء لهم فيها ( كهشام العابر !! ) لعلهم يقومون بانقلاب فيها ويسقطون حكومتها ، كما فعلوا في بعض الدول العربية .(52/324)
…كل هذا فعلوه لكن الله ـ عز وجل ـ رد كيدهم في نحرهم ، وأرجعهم خائبين خاسرين بفضله تعالى ثم بفضل جهود الملك فيصل ـ رحمه الله ـ وإخوانه الذين حاربوا ( شراذم ) الشيوعيين والبعثيين والقوميين ، وشردوهم ، ومزقوهم شرَّ ممزق ، واستماتوا في سبيل حماية دينهم وبلادهم من عبث العابثين وإن غلفوا ذلك بدعوى ( التقدم ) و ( والتحضر ) .
…ثم دار الزمان دورته ، فإذا بهذه الدولة ( الرجعية ) ـ عند هؤلاء المنحرفين ـ ـ أعني السعودية ـ تصبح أعز دولة في عالمنا ديناً ودنيا ، حيث جمعت بين الدين الصحيح وهو (الدعوة السلفية ) وبين التطور الدنيوي (المتواصل ) (6).
…أما تلكم الدول ( التقدمية ) ! ـ في نظر الحمد ـ فإنها حين أفاقت من سكرة الشعارات ، وجدت نفسها بلادين ( صحيح ) ولا دنيا ( متقدمة ) ، فدينها التقليد والخرافة(7)، ودنياها البؤس ، والشقاء . كما هو مشاهد لكل أحد. فبدأ الذين اساؤا للسعودية يعيدون النظر في حساباتهم ويتراجعون عن مواقفهم الخاطئة معها بعد أن انقشعت غشاوة الغوغاء والشعارات عنهم .
…ولم يبق منهم على طريقته الأولى سوى ( حزب البعث ) الذي لا زال يعيش أسيراً لتلك الفترة السابقة ، ولا زال يحاول النيل بما استطاع من الدولة السعودية : (حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ) (8) .
…كل هذا أقوله مقدمة لما جاء في ثلاثية الحمد من نيل من الدولة السعودية، حيث صاغ كيده بأسلوب غير مباشر لأنه يعلم أنه لا يستطيع (المواجهة!).
…يقول الحمد متحدثاً عن أحد اجتماعات ( حزب البعث ) في السعودية !
…( ثم فجأة قال منصور بهدوء ودون أن ينظر إليه :
…ـ ما رأيك في الحكومة يا هشام … ؟
…سؤال مباغت لم يكن يتوقعه ، مثل قنبلة ألقيت فجأة . لم يحر جواباً ، أحسّ بالاضطراب ، ولاذ بالصمت . غير أن منصور عاود إلقاء قنابله ، موجهاً عينيه الثاقبتين إلى عين هشام مباشرة وهو يقول :
__________
(1) الكراديب ( ص125 ).
(2) ولولا الخوف لطعن فيه !!!
(3) أخرجه مسلم ( 2276 ) .
(4) أخرجه البخاري ( 3500) .
(5) الرسالة الوافية لمذهب أهل السنة .. ( ص 134 ) .
(6) ونسأل الله أن يستمر هذا الجمع بين ( الدين والدنيا ) وهو سهل على من اتقى الله . وأن نتخلص مما يخالف شرع الله ـ ولو كان قليلاً ـ ليستمر تألقنا.
(7) إلا بقية من المخلصين في تلك البلاد الذين ساروا على طريقة السلف الصالح في دينهم ، وهم الآن في ازدياد ـ بحمد الله ـ
(8) سورة البقرة ، الآية : 109 .
…ـ لا داعي للإجابة . . . أنا أجيب عنك . . . إنها حكومة فاسدة لا هم لها إلا مصلحتها ، ونهب خيرات الشعب الذي لا حقوق له . . . إن الشعب مجرد عبيد أو رعايا على أفضل الأحوال ليس إلا . . . )(1).
…قلت : لا يستطيع الحمد أن يطعن في ( الحكومة السعودية ) صراحة ، ولذا فقد صاغ طعنه ـ بهدف إيصاله إلى القراء ـ على لسان منصور (البعثى) .
…فحكومتنا عند الحمد ( حكومة فاسدة لا هم لها إلا مصلحتها ، ونهب خيرات الشعب الذي لا حقوق له . . إن الشعب مجرد عبيد أو رعايا على أفضل الأحوال) !
…ولهذا فالمطلوب ليس مناصحتها، إنما إسقاطها واستلام ( حزب البعث ) للسلطة بدلاً منها، حيث سيقوم هذا الحزب ( العادل ! ) بإقامة حكومة (ديمقراطية ! ) تساوي بين الناس دون نظرٍ إلى ( أديانهم ! ) ، وتوزيع الثروة بينهم بالتساوي !!
…وسوريا والعراق خير شاهد على هذا !!!
…وقال الحمد في روايته على لسان ( الرفيق حديجان ! )
…( يا رفيق فهد . . . لقد تحدثنا عن الأمة كثيراً ، ولكن ماذا بشأن قطرنا هذا ، كيف السبيل إلى تحرره ؟ )(2)
…فالهدف هو تحرير ( السعودية ) واسقاط راية التوحيد ، ورفع راية (البعث) بدلاً منها ! (تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ)(3).
محبة الحمد للرافضة :
…من أغرب الأمور في ثلاثية الحمد أنه يدعي أن الشيعة ( الرافضة) كانوا على الحق ! ويوافق الروافض ـ الذين تربى في أحضانهم ـ في زعمهم أن أبا بكر وعمر عثمان ـ رضي الله عنهم ـ قد غصبوا الخلافة من على ـ رضي الله عنه ـ !! رغم أنه ـ كما يقول ـ لا يهتم بهذه المسألة التاريخية .
…يقول الحمد : ( قال منصور وهو يضحك بعصبية ، ثم أضاف : على فكرة ! ما رأيك في مسألة السنة والشيعة ؟
…وبدون تردد أجاب : الحقيقة لا تهمني المسألة كثيراً ، ولا حتى قليلاً ، أنا أعتقد أنها شيء من مخلفات الماضي . مالنا ولعلي وعثمان ومعاوية . نحن أبناء اليوم ، ولدينا من الهموم ما يكفي )(4).
…ويقول في موضع آخر : ( نظر إلى راشد قائلاً :
…ـ على فكرة يا أستاذ راشد . . . هل أنت شيعي ؟
…وانتفض راشد ، وكأن ماساً كهربائياً أصابه ، قائلاً بحدة :
…ـ كلا . كلا ، لماذا ؟
…ـ لاشيء .لا شيء . أرجو المعذرة …
…وندم على طرحه مثل هذا السؤال ، وحاول الاعتذار مرة أخرى قائلاً:
…ـ أرجو ألا تفهمني خطأ . لا فرق عندي بين هذا المذهب أو ذاك . بل إني لا أهتم بكل المذاهب الدينية ) (5).
ويقول على لسان ( الشيوعي ) عارف :(52/325)
( كان الشيعة مع الحق . كانوا مع علي بن أبي طالب ، في مواجهة عمر وأبي بكر وعبيدة ، أصحاب المؤامرة لنزع الحق من أهله . عليك بمناقشات السقيفة وأنت تعلم أين الحق
ـ معك حق .
قال هشام :
ـ معك حق من الناحية التاريخية )(6) !!
فالحمد لا يهتم بمسألة الخلاف بين السنة والشيعة ، وإن تحدث فيها فإنه سيؤيد (الرافضة ) !
فما أجمل أن نقول له : ( الصمت حكمة ) !! (7) .
…وأنا لم أطل في دحض هذه المقولة من الحمد ، لأنه يكفي ذكرها للناس لبيان بطلانها ، وبيان ما يكنه الحمد نحونا ( أهل السنة ) من شنآن .
المواقف الجنسية :
…من الأمور التي تلفت الأنظار في ثلاثية تركي الحمد هو طغيان المواقف (الجنسية ) فيها ، فهي تزكم أنف القارئ بتكرارها وتتاليها ، بل وتكلفها الواضح من قبل الحمد ، ولهذا فقد أخذت حيزاً كبيراً من الثلاثية ! فمن ذلك :
1ـ إبراز موقف ( عبد الرحمن ) ابن خال ( هشام ) وكأنه لا هم له في الدنيا إلا شرب الخمر والزنا بالمومسات وعلى رأسهن المومس (رقية). حيث تكررت أحاديث عبد الرحمن مع هشام حول مغامراته معهن هادفاً استدراجه إلى الوقوع في شباكهن كما وقع هو ، وهذا ما حدث .
2ـ قيام ( عبد المحسن التغيري ) رفيق هشام في العزبة بالزنا بإحدى جاراته واكتشاف هشام لهذا الحدث بعد مراقبته للعزبة حيث رأى إحدى النساء تخرج من عند عبد المحسن ، وتدخل ( أحد المنازل المقابلة )(8) .
3ـ تصوير هشام في الرياض بعد وقوعه في المحرمات وكأنه ( زير) نساء ، فهو قد زنا برقية ، ثم أتبعها بإحدى جارات خاله وهي سارة أو سويَّر ! ثم مثلثاً ببنت جيرانهم في الدمام : نورة !! وهذه المواقف مع تفاصيلها الدقيقة ! قد استهلكت صفحات كثيرة من رواية الشميسي.
4ـ تصوير علاقة هشام ببنت خاله ( موضي ) بأنها علاقة إعجاب من جانبها ثم نفاجأ بأن موضي المتحجبة ، العاقلة ، الرصينة . . . . الخ الصفات المثالية تقوم بحركة (غريبة) مع ابن عمتها بعد أن علمت بعلاقته مع سويِّر ، بعد أن قرر الذهاب إلى الدمام ، فلنستمع إلى الحمد وهو يقول متحدثاً عن موضي :
__________
(1) العدامة (ص23) .
(2) العدامة ( ص120) .
(3) سورة البقرة ، الآية : 111 .
(4) العدامة (ص37 ـ 38 ) .
(5) العدامة ( ص 51 ) .
(6) الكراديب ( ص125ـ 126) .
(7) الكتب التي تحدثت عن بطلان مذهب ( الرافضة ) كثيرة جداً . من أبرزها كتاب ( منهاج السنة ) لشيخ الإسلام ابن تيمية، الذي فند شبهاتهم العقدية و( التاريخية ) المزعومة ، التي يرددها المعاصرون منهم وممن وافقهم !
(8) الشميسي ( ص34) .
…( ثم نهضت وهي تمسح عينيها بطرف غدفتها ، واتجهت إلى الباب وهي تقول : " المهم أن تعود إلينا سالماً … ليحفظك الله … " ، وأسرعت في الخروج . ولكنها ما لبثت أن عادت مرة ثانية ، ووقفت عن الباب وهي تقول :
ـ هشام … هل لو كشفت لك وجهي أكون قد تجاوزت حدودي ؟
ـ ليس بيننا حدود يا موضي … ستبقين موضي العزيزة سواء تحجَّبت أو كشفت…
…وبحركة مفاجئة ، أزالت موضي غدفتها كاشفة عن وجهها ، ثم تقدمت منه ، وطبعت قبلة سريعة على خدَّه ، ونظرت إليه بعينين حمراوين مبتلتين ، وغادرت بخطوات مرتبكة )(1) .
…قلت : فحتى موضي التي صُورت في الثلاثية وكأنها محافظة وابنة عائلة تسقط في مقدمات الرذيلة مع ابن عمتها ، حيث كشفت له عن وجهها ، ثم تجرأت ـ ( لاحظ : هي لا هو !!) بتقبيله ! ولا نعلم ماذا سيحدث لو بقي هشام … أو تبعها !! .
5ـ الوصف الدقيق منه للمواقف ( ا لجنسية ) السابقة بشكل مقزز ، كما في وصفه لزنا عبد الرحمن وهشام بالمومس ( رقية ) في طريق خريص !
…وكما في وصفه لرؤية هشام لعليان زوج سوير وهو يجامعها !
6ـ تصويره لأفراد شلته بأنهم أصحاب تمرس بالعلاقات النسائية ، يقول تركي عنهم: ( كانوا يتحدثون عن مزنة وبدرية وهيلة وعائشة وعواطف وابتسام ومنى، وهو لا يجد ما يقول … كان يود الحديث عن نورة وعن رقية ، وقصص عن موضي يؤلفها… ولكن شيئاً كانت يمنعه ، فكان يصمت ، ويغرق نفسه في مبادئ القانون والإقتصاد ، حتى أصبح يسمى بفأر الكتب ، أبو أربع عيون … ورغم الوصف الذي كان يضايقه ، فقد كان محل ثقة الجميع وحبهم . كانوا يقصدونه لفهم ما استغلق عليهم فهمه من مواد ، أو في حل مشاكلهم العاطفية ، وكانوا يستشيرونه في جمال فتياتهم وهم يجلبون صورهن في الجيوب …)(2) .(52/326)
7ـ وصفه لنساء شارع ( الحب ) في الدمام ، حيث يقول: ( ولفت نظره إحداهن ، كانت تسير الهوينا وقد التفت بعباءتها ، ووضعت حجاباً رقيقاً على وجهها لا يستر شيئاً منه .لم تكن جميلة الوجه ، ولكنها كانت ممتلئة إلى حد البدانة ، بردفين ضخمين يفرِّق بينهما فج واضح وعميق ، يجعلهما في حالة من التأرجح الدائم . وأثار منظر عجيزتها المترجرجة جوارح هشام ، وارتفعت حرارته وأخذ ينظر إليها بشبق ، وهو يدخن سيجارة بعمق ، وأحست المرأة بنظراته ، فنظرت إليه بدورها وابتسمت بإغراء ، ولكنه عدل عن مغازلتها في آخر لحظة ، وسار في طريقه على عجل . لكم غيرته الرياض … لقد عاش في الدمام طوال حياته ، وجاء إلى شارع الحب أكثر من مرة ، ولكنه لم يلاحظ ما لا حظه اليوم ، ولم يدر في خلده ما دار )(3) .
8ـ قوله في وصف رؤية هشام لموضي ابنة خاله :
…( وعادت موضي مرددة : " زين … زين … اتبعني " واخذت في صعود درجات السلم المقابل للمجلس وهو يتبعها … لم يستطع إلا ملاحظة استدارة عجيزتها وهي تصعد الدرج أمامه … أثاره المنظر ولكنه أشاح بوجهه عن ردفيها اللذين كانا في حالة اهتزاز شديد مع كل درجة تصعدها ، فحاول تشتيت ذهنه ) (4).
…قلت : فهذه المواقف ( الجنسية ) الكثيرة ، مع محاولة تضخيمها وتكلفها (أحياناً ) توحي للقارئ بأحد أمرين متلازمين :
الأمر الأول : أن تركي الحمد يتكلم عن واقع عاشه أو رآه خلال حياته الماضية فانطبع في ذهنه ومخيلته فارتبط كل حديث عن الماضي بتلك الأحداث والمغامرات (الجنسية ) لأن الإنسان لا يستطيع مهما فعل أن ينفصل كلياً عن ماضيه بل تبقى صور كثيرة ( يراها مهمة ) تتخايل بين عينيه عند كل ذكرى ماضية .
…فإذا قلنا بهذا الأمر فإن الحمد لم يعد يرى أثناء دراسته في الرياض سوى هذه المواقف ( الجنسية ) التي أثرت فيه، واستهلكت منه وقتاً ( وجهداً ! ) .
الأمر الثاني : الذي يهدف إليه الحمد من خلال تضخيم هذه المواقف ، وإبرازها، وتكلف بعضها ـ كما سبق ـ هو محاولةٌ لا سقاط جميع المثل التي يعتقدها الناس ، وأن الإنسان مهما ادعى الصلاح أو المثالية فإنه مجرد حيوان يجري خلف شهواته مهما حاول اضفاء هالة الشرف والعفة على شخصيته ، وما هذه الهالات المفتعلة التي يعيشها الناس مع بعضهم إلا ستار وقناع يخفون وراءه ألواناً عديدة من الآثام والسقوط ، فلو تأملنا الثلاثية جيداً للمحنا فيها هذا الهدف الذي يسعى إليه الحمد، بل تجرأ فيه كثيراً .
…نلمح ذلك في التالي :
1ـ سقوط هشام في الإثم خلال عيشته بالرياض بعد أن كان يعيش مثاليات زائفة في الدمام مع والديه .
2ـ سقوط سوير زوجة عليان في الرذيلة مع هشام .
3ـ سقوط نورة ابنة جيرانهم في الدمام في الرذيلة معه .
4ـ سقوط موضي ابنة خاله في أول درجات الرذيلة .
5ـ عبارات كثيرة يطلقها الحمد في ثلاثيته تنبئ عن هذا الهدف ، ومن ذلك :
أ ـ قول الحمد على لسان عبد الرحمن ابن خال هشام بعد أن وصف له زناه بإحدى النساء : ( من قال لك إن كل من تسكن عند أهلها عذراء ) (5).
ب ـ قوله واصفاً حال هشام في الرياض : ( وفي الرياض سقطت باقي المثل التي زرعتها أمه في ذاته) (6).
__________
(1) الشميسي ( ص202ـ 203 ) .
(2) الشميسي ( ص 72 ) .
(3) الشميسي ( ص 129 ) .
(4) العدامة ( ص107 ) .
(5) العدامة ( ص79) .
(6) العدامة (ص167).
ج ـ قوله واصفاً مدينة الرياض على لسان عبد الرحمن : (كل شيء ممكن في الرياض) (1) بعد أن قال هشام : ( كنت أظن أن الخمر غير موجود في الرياض).
د ـ قوله ـ على لسان عبد الرحمن موجهاً خطابه إلى هشام : ( سأجعلك تكتشف الرياض كما لم تكتشفها من قبل . ساريك رياضاً غير الرياض ) (2).
هـ ـ قوله ـ أيضاً ـ : ( في الرياض كل شيء ممنوع ، وكل شيء مباح)(3).
و ـ وقوله ـ أيضاً ـ على لسان عبد الرحمن : ( ديرة عجيبه فعلاً … كل شيء حرام وممنوع . وكل شيء مباح بشكل لا يتصور ) (4).
ز ـ قوله على لسان هشام متحدثاً مع نفسه : ( عليك الرحمة يا ابن آدم . ظننت نفسك أكرم الكائنات ، الذي طرد من أجله عابد الأزل من الرحمة والملكوت ، فاكتشفت أنك أتفه من ذبابة ، وأحقر من بعوضة ) (5).
ح ـ قوله : ( لقد مات أبوك آدم ، ولم يبق إلا إبليس ذو الصولجان ، كلهم اليوم لإبليس ساجدون ، ومن أجله يسعون ) (6).
…إذن فتركي الحمد يريد أن يقول لنا بأن جميع البشر سقطة منحرفون فاسدون فلا نغتر بالمثاليات الزائفة والأقنعة المخترعة يخفون وراءها حقيقتهم ، فهو يريد منا أن لا نتمسك بأي فضائل أو مثاليات .
…فهي فلسفة ( معرّية ) (7) شابه بها رهين المحبسين حينما يقول :
… …… وزهدني في الخلق معرفتي بهم
………… وعلمي بأن العالمين هباء
فالفكرة واحدة وهي عدم الاغترار بأي فضيلة أو مثاليات يتنكر الناس وراءها ، لأننا إذا دققنا في الأمر لم نجد إلا شياطين وأبالسة في مسوح بشر ، مما ينتج عنه أن تسقط من أعيننا كل الصور الجميلة والمثالية والشريفة والعالية التي رسمناها في مخيلتنا عن أفضل البشر سواء أكانوا من الأنبياء أم من أفضل القرون بعدهم ، أي الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ وأخزى من أبغضهم ! ـ(52/327)
…فإذا سقطت صور الأفراد المثالية من أعيننا سقطت تبعاً لها مجتمعاتهم التي كنا نظنها فاضلة !! حتى جاء الدكتور الفيلسوف ليحذرنا من الاغترار بهذا الوهم ، ويبين لنا أن لا فضيلة ترجى من ( بني آدم ) ! فهم ما داموا من أبناء آدم لا شك مخادعون منافقون يخفون حقيقتهم خلف حجاب من الفضيلة والمثالية المزيفة .
…إذن : لا تطالبونا بأن نترسم خطى القرون الثلاثة المفضلة التي أثنى عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تنخدعوا بمظاهر الصلاح التي يبديها بعض الناس لكم سواء أكانوا من العلماء أو الدعاة أو الصالحين ، فإنها قد تتكشف عن انحرافات ومفاسد لا تتخيلونها .
…ومما يثير العجب تركيزه على إظهار مدينة ( الرياض) وكانها من مدن الفجور والفاحشة أمثال: بانكوك أو .. أو .. من المدن التي يعرفها أهل الفساد ! وكأنه يقول لنا بأن هذه المدينة التي هي قاعدة بلادنا وعاصمتها ومنبع الخير فيها بما تضمه بين جنباتها من رجال ونساء صالحين إن هي إلا مدينة كغيرها من المدن ( الفاسدة ) التي يعرفها الناس ويزدرونها .
…فكما أسقط الحمد الرموز البشرية من أفراد ومجتمعات من مخيلتنا فهو سيتبع ذلك باسقاط مثاليات المكان … ليخبرنا بأن لا مكان مقدَّس أو مطهَّر . ويضرب لذلك مثلاً بمدينة الرياض،…التي نحسن الظن فيها وفي أهلها .
…قد يقول قائل بأن سياق الثلاثية هو الذي اضطر الحمد إلى ذلك ، لأن هشاماً لم يتعرف على حياة المعصية إلا في الرياض ، فهو في الدمام صغير ، وفي جدة في السجن ، فلم يبق إلا الرياض .
…قلت : قد: قال هذا فنعذر الحمد لو كان موقفاً واحداً أو عبارة واحدة ذم فيها الرياض. أما وهو قد كرر هذا الذم وألح عليه بشكل غريب ومفتعل فإن وراء الأكمه ما وراءها ، وحق لمدينة الرياض أن تقول له :
……ولو كان سهماً واحداً لا تقيته
……… ولكنه سهمان ثانٍ وثالث
__________
(1) العدامة ( ص88) .
(2) العدامة ( ص 100 ) .
(3) العدامة ( ص169) .
(4) الشميسي ( 39) .
(5) الكراديب ( ص252) .
(6) الكراديب ( ص253) .
(7) نسبة إلى أبي العلاء المعري أعمى القلب والبصر ! الذي ألح على هذه المسألة في أشعاره التشاؤمية .
الحاصل : أن الحمد قد هوَّن جانب الانحراف ، والسقوط في الرذيلة ، وجعله يهيمن على أبرز شخصيات ثلاثيته ، شأنه في ذلك شأن نجيب محفوظ في ثلاثيته ـ كما سبق ـ (1) لأنهما جميعاً يصدران من مصدر واحد هو مصدر (الماركسية!) الذي لا يقيم معتنقوها أي وزن للأخلاق ، بل يسعون إلى هدمها في نفوس الناس ، حتى يتساوى ـ في نظرهم الزنا بالنكاح ـ ، والفضيلة بالرذيلة . يقول الشيخ عبد القادر شيبة الحمد : ( الخُلُق الوحيد الذي آمن به الشيوعيون هو وجوب مخالفة سائر الأنظمة الأخلاقية ، ومحاربة عموم أنواع الآداب المرعية في المجتمعات الإنسانية ، وبخاصة ما كان منها نتيجة للأوامر الإلهية، وقد قادهم هذا الشذوذ الخلقي إلى هتك الأسرة ، ومحاربة ناموس الزواج، ورأوا أن هدم ذلك من أقوى دعائم الشيوعية فتساوي الزواج والزنا في نظامهم ) (2).
…نسأل الله العفو والعافية ، أن لا يجعلنا ممن قال فيهم : (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ) (3)
العبارات الوقحة :
…استخدم الحمد في ثلاثيته عبارات ( وقحة ) لم تتعود آذاننا على سماعها ممن تأدب بآدبنا .
…فمن ذلك أنه يتحدث عن مخلوقات الله ـ وهي الشمس ـ واصفاً إياها بالوقاحة ! وهو أولى بهذا الوصف ، لأن الشمس مخلوق مسخَّر في جو السماء يسير بانتظام ويدل على عظمة الخالق ـ سبحانه ـ فكان الأحرى بالحمد أن يتفكر في خلقها ، ويستدل به على عظمة ربه ، لا أن يتفاحش بهذا الكلام البذيء .
…يقول الحمد :
…( عندما كانوا يهبطون طلعة ديراب على خط الحجاز ، كانت الشمس قد بدأت تبزغ على استحياء ، وعندما وصلوا إلى مرات كانت قد بدأت في ممارسة وقاحتها وإرسال تلك الأشعة النارية الرهيبة ) (4)!
…ويقول :
…( وأخذت الشمس في ممارسة وقاحتها ، وتتحول إلى جحيم لا يُطاق)(5)!(52/328)
…ومن وقاحة الحمد أنه تحدث عن أمه ( أي أم هشام !) في روايته بحديث لا يصدر عن عاقل .. فتأمله وتعجب من سخافته حين يقول : ( وصب هشام ربع البيالة عَرَقاً ، ثم أضاف إليه الكولا ، وأخذ رشفة سريعة استطعمها في فمه ، ثم تجرع ربع البيالة تقريباً ، ولم يحس إلا وقد اشتعل حلقه بالنار انتقلت إلى جوفه ، وأخذ اللعاب ينساب بشدة في فمه ، والرغبة في التقيؤ ، ولكنه تمالك نفسه ، وازداد إفراز اللعاب في فمه ، ثم أحس ببعض الراحة في جوفه ، ودوار في غاية اللذة يغزو رأسه من الداخل . وشرب ربعاً آخر فأحس أن نهراً يجري في فمه ، لم يكن الحريق بالشدة الأولى . دفع البيالة إلى عبد الرحمن ، ولكنه رفض قائلاً : " السجائر أقصى ما يمكن أن أصل إليه " فتجرع هشام بقية البيالة ، دون أن يحس بأي حريق هذه المرة ، وأخذ ينظر إلى رقية . لقد كانت في غاية الجمال والفتنة ، بل كان كل شيء في غاية الجمال . ذهب الذنب وأحاسيسه المؤلمة ، وانتفى الخجل ، وكان وجه أمه يبدو له واضحاً ، ولكنه كان ينظر إليها ببلادة ولا مبالاة ، وكان يود لو كان قادراً علىصفعها ، لكنه يشعر بمغص في الداخل ، فيزيح صورتها ويغرق في رقية)(6)!!
…فهل يقول عاقل عن أمه ـ ولو كان على سبيل القصص ـ مثل هذا الكلام البذيء الذي يدل على تمردٍ دفين في نفس الكاتب على كل من يستحق (الطاعة ) ولو كان أمه !؟
…نسأل الله العافية .
أوجه التشابه بين ثلاثية تركي الحمد
و
ثلاثية نجيب محفوظ
عندما تطلق ( الثلاثية ) في الرواية العربية فإنها تنصرف حتماً إلى ثلاثية نجيب محفوظ المشهور ( بين القصرين ـ قصر الشوق ـ السكرية ) فقد أصبحت علماً عليها ، وهي ـ تقريباً ـ التي شهرته على مستوى العالم ، وعرفتهم به ، نظراً لتفردها وتميزها عن رواياته الأولى .
…وعندما أصدر تركي الحمد ثلاثيته انصرفت الأنظار والأذهان إلى المقارنة بين الثلاثيتين لمعرفة أوجه التشابه والتمايز بينهما . وكنت أحد هؤلاء الذين اهتموا بهذا الأمر عند دراستي لفكر تركي الحمد ، فعدت إلى أوراقي القديمة التي دونت فيها الخطوط الرئيسة لثلاثية نجيب محفوظ لمقارنتها بثلاثية الحمد ، لمعرفة هل جاء بجديد عليها ، أم أنه يقول مكرراً من القول ؟
…فاتضح لي بالمقارنة أن الحمد قد سار في ثلاثيته مقتفياً أثر نجيب محفوظ في أمور رئيسة وجزئية من الثلاثية ، نظراً لتشابه فكريهما ـ كما سيأتي ـ ومما أكد لي هذا أن الحمد قد أكثر من ذكر قصص نجيب محفوظ في ثلاثيته ، وجعلها جزءً من ثقافة هشام العابر .. فمن ذلك :
__________
(1) مع فارق واحد بينهما ، هو أن محفوظاً يتعذر عن مومساته ، بأن الظروف الاقتصادية أجبرتهم على ذلك ، فلا تلوموهنَّ ، شأنه في ذلك شأن الماركسيين الأقحاح !
(2) مقال بعنوان ( الشيوعية ) في مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة السنة الثانية ( عدد3 ) .
(3) سورة النور ، الآية : 19 .
(4) العدامة ( ص 254 ).
(5) العدامة ( ص258) .
(6) الشميسي ( ص42 ) .
1ـ أنه ذكر ثلاثية نجيب محفوظ نفسها في قوله عن أحلام هشام : ( يأتيه صوت سي السيد أحمد عبد الجواد زاجراً وزبيدة تقهقه أمامه ، وكمال يرقص بينهما ، فيما ياسين يعض أرداف زنوبه )(1) .
…ومعلوم أن هذه الأسماء هي الشخصيات الرئيسة لثلاثية محفوظ .
2ـ قوله عن هشام : ( هو الفتى المثقف الذي يقرأ لماركس وماوتسي تونع ودوستوفيسكي ونجيب محفوظ … )(2) .
3ـ قوله عن هشام : (كان يذاكر ذات يوم هو وعدنان كعادتهما كل عام قبل الامتحانات بفترة ، ويختلس بعض اللحظات ليقرأ فيها رواية نجيب محفوظ الجديدة " أولاد حارتنا " ) (3).
4ـ قوله عن هشام عند سفره إلى الدمام : ( وعندما تحرك القطار أخيراً ، كان بدأ في قراءة " الطريق " لنجيب محفوظ )(4) .
5ـ قوله عن هشام في السجن : ( أخذ ينظر إلى حركة الأشباح من حوله وهو يفكر ولا يفكر . وطاف بذهنه جحيم دانتي وأبي العلاء . وباربوس ، وغريب كامو ، وذباب سارتر ، وشحاذ محفوظ ) (5)
…ولكي نعرف مدى التشابه بين الثلاثيتين وكيفية استفادة الحمد من محفوظ لابد من عرض موجز لأحداث ثلاثية نجيب محفوظ ، ثم ذكر نقاط التشابه بينهما، لكي يتضح أن الحمد قد صاغ ثلاثية محفوظ بنفس مناسب لبلادنا ـ كما سيأتي ـ .
أحداث ثلاثية نجيب محفوظ .
1ـ بين القصرين :
…-يعيش أحمد عبد الجواد في بيته بشخصية قوية متسلطة ـ كما سبق ـ أمام زوجته الضعيفة (أمينة) وأولاده ، ولكنه خارج البيت يمارس أنواع المحرمات من شرب خمر وزنا دون أن يعلم أولاده ، بحيث تبقى هيبته بينهم . يذهب أحمد عبدالجواد لدكانه الذي يشرف عليه وكيله (الحمزاوي) فيأتيه الشيخ الصوفي ! (متولي عبد الصمد ) صاحب الكرامات !! الذي يعمل الحجب والتمائم للناس ، لينصحه عن ولعه بالنساء .
ـ كمال يدرس ويحب درس ( الديانة ) الذي يشارك فيه لأنه يراجع الدروس مع أمه ، الذي يلتقي معها في حب ( الحسين ) .
ـ فهمي يحب بنت الجيران ( مريم )، يتفرج عليها من السطح .(52/329)
ـ ياسين يدور في الشوارع ويلتهم النساء بنظراته الشهوانية يتفرج على العالمة زبيدة وربيبتها زنوبة ويتأمل محاسنها ويتذكر خيانة أمه لأبيه مع ( الفاكهاني ) !
ـ أحمد عبد الجواد يتأمل جسد ( زبيدة ) العالمة عندما جاءته إلى الدكان . يحاول استدراجها ،ثم لا يدعها تدفع ( الحساب ) وفي المساء ذهب لزيارتها مع رفاقه .
ـ أحمد عبد الجواد يخبر ابنه ياسين بأن أمه ـ أي أم ياسين ـ ستتزوج من صاحب مخبز صغير السن . يغضب ياسين ، لأنه يطمع في فلوسها ، ذهب ياسين إليها ولامها وغضب عليها .
ـ فهمي يريد الزواج من ( مريم ) لكن والده يرفض بشدة .
ـ عائشة تغازل أحد الضباط من النافذة فتراها خديجة ، فتطلب منها عائشة أن لا تخبر أحدًا .
ـ ( حسن أفندى ) ضابط الجمالية يخطب عائشة ، فيرفض الأب !
ـ سافر أحمد عبد الجواد إلى ( بور سعيد ) في مهمة عمل ، فاستغل أهل البيت الفرصة ليتمتعوا بالحرية قليلاً ، خرجوا بأمهم لزيارة ( الحسين ) الذي تهيم به ، صدمتها سيارة ، فعادوا بها .
ـ عندما عاد أحمد عبد الجواد اعترفت له زوجته بما حصل بعد أن ألح عليها فطردها من المنزل ، فذهبت لبيت أمها .
ـ أم مريم تقوم بزيارة العائلة لتتشفع في إرجاع ( أمينه ) ، فيشعر أحمد عبد الجواد بأنها تهواه وتستدرجه لإقامة علاقة معها .
ـ حرم ( شوكت ) تزور أحمد عبد الجواد وتخطب عائشة لابنها ، فيوافق .
ـ عادت ( أمينة ) إلى البيت بعد أن عفا عنها زوجها .
ـ ياسين يقيم علاقة ( غير شرعية ) مع ( زنوبة ) فلما دخل عندها أخبرته بأن هناك رجلاً مع ( زبيدة ) هو أحمد عبد الجواد ! فتفاجأ ياسين لهذا الخبر ، وقد كان عهده بأبيه أنه جاد وصارم .
ـ ذهبت العائلة إلى بيت ( آل شوكت ) لزواج عائشة. ( جليلة ) العالمة تحضر الحفل وتسلم على أحمد عبد الجواد مع تضايقه منها خشية انكشاف علاقته السابقة بها . ياسين يخبر فهمي بحال أبيه ، فيندهش فهمي .
ـ ياسين يحاول اغتصاب ( أم حنفي ) الشغالة وهو سكران، فيغضب أبوه عليه، ثم يقرر أن يزوجه .
ـ زواج ياسين من ( زينب )
ـ آل شوكت يخطبون ( خديجة ) لابنهم ( إبراهيم ) فيوافق أحمد عبد الجواد.
ـ مات ( محمد رضوان ) والد ( مريم ) فعزاهم أحمد عبد الجواد .
ـ أحمد عبد الجواد يتحدث مع رفاقه في الدكان عن ( سعد زغلول ) زعيم الأمة ! وجهوده ضد الاحتلال .
ـ ياسين يعود للخمر والنساء .
ـ أم مريم تزور أحمد عبد الجواد في الدكان لتستشيره .
ـ فهمي يشارك في ( المظاهرات ) ضد الانجليز المحتلين لمصر .
ـ ياسين يقيم علاقة ( غير شرعية ) مع الخادمة السوداء ( نور ) ! التي تعمل عند زوجته . فتكتشفهما الزوجة وتغضب وتهجره .
ـ أحمد عبد الجواد ينصح فهمي بعدم الاشتراك في المظاهرات ، أو توزيع المنشورات . خوفاً عليه .
ـ أم ياسين تتوفى .
ـ أحمد عبد الجواد يعود من بيت ( أم مريم ) فيوقفه جندي انجليزي فيجعله يساعد المصريين المسخرين لردم الحفر التي يحفرها المتظاهرون ، فتكون إهانة قاسية له .
__________
(1) العدامة ( ص90) .
(2) العدامة ( ص106 ).
(3) العدامة ( ً224 ) .
(4) الشميسي ( ص122).
(5) الكراديب ( ص181 ) .
ـ عائشة تنجب .
ـ فهمي يشارك في مظاهرة ( سلمية ) ، ولكنه يقتل برصاص الانجليز .
…بهذا الحدث ، وهو موت فهمي انتهت أحداث الحلقة الأولى من حلقات ثلاثية نجيب محفوظ .
2ـ قصر الشوق (1):
ـ كمال يصاحب ( فؤاد الحمزاوي ) ابن وكيل والده ، مع شعوره بالاستعلاء عليه .
ـ كمال يقيم علاقة غيرشرعية مع ( قمر ) ابنة ( أبو سريع ) صاحب المقلى ! مع شعوره بتأنيب الضمير .
ـ أحمد عبد الجواد يعود إلى اللهو بعد موت ابنه ( فهمي ) ، ويقيم علاقة مع (زنوبة) التي تستعلي عليه .
ـ ياسين يقرر الزواج من ( مريم ) .
ياسين يقيم علاقة غير شرعية مع أم مريم !!
ـ الحمزاوي ينصح أحمد عبد الجواد بعدم تبذير أمواله على اللهو .
ـ كمال يحب ( عايدة ) أخت زميله ( حسين شداد ) وهي من طبقة عالية متحررة ، ويغلو في حبها إلى حد العبادة !
ـ ياسين يتزوج مريم .
ـ ( بهيجة ) تتزوج ( بيومي الشربتلي ) ، ثم تموت بعد أسبوع !
ـ خديجة تسبب مشاكل لأهل زوجها ، فيصلح بينهم أحمد عبد الجواد .
ـ عائشة تنساق مع حياة زوجها المتحررة ، فتدخن .
ـ ( عايدة ) يخطبها أحد زملاء أخيها ( حسين ) واسمه ( حسن ) فيتفاجأ كمال بهذا الخبر !
ـ ياسين يطلق ( مريم ) بعد أن اكتشفت علاقته بزنوبة .
ـ زنوبة تطلب الزواج من أحمد عبد الجواد ، فيرفض أن يتزوج من عاهرة !
ـ كمال يحضر حفل زواج عايدة .
ـ ياسين يتزوج زنوبة ، فيطلب منه أبوه أن يطلقها .
ـ كمال يغرق في الخمر والنساء .
ـ أحمد عبد الجواد يحاول اقناع ياسين بطلاق زنوبة فيخبره ياسين بأنها حامل منه .
ـ زوج عائشة وولدها يصيبهم المرض .
ـ موت سعد زغلول .
وبهذا الحدث انتهت الحلقة الثانية من ثلاثية نجيب محفوظ .
3ـ السكرية (2) :
ـ كمال يحب القراءة في الفلسفة ، ومجتهد في دروسه .
ـ الحمزاوي يطلب اعفاءه من العمل مع أحمد عبد الجواد لأنه تعب .
ـ زبيدة تدمن الكوكايين ، وتفتقر بعد العز !(52/330)
ـ متولي عبد الصمد يصبح شيخاً رثاً وسخاً يدور على الناس .
ـ فؤاد يرغب الزواج من نعيمة ابنة عائشة .
ـ أحمد عبد الجواد هجر الخمر بسبب نصيحة الطبيب .
ـ شداد أفلس ثم انتحر .
ـ ياسين مستمر على عادته في الخمر والنساء .
ـ احمد ابن خديجة يعتنق الماركسية، وأما أخوه عبد المنعم فهو من جماعة (الإخوان المسلمين ) ! وتحصل بينهما مناقشات ومشادات . برغم أنهما جميعاً لا يحبان (الطغاة!) .
ـ عبد المنعم ( الإخواني ! ) يقع في الزنا بجارته !!
ـ أحمد يشارك في تحرير مجلة ( الإنسان الجديد ) ، ويحب السكرتيرة في المجلة (سوسن حماد )
ـ أحمد يتعرف على الكاتب ( رياض قلدس ) الذي يوافقه في الميول .
ـ كمال مستمر في الشهوات .
ـ عبد المنعم يتزوج نعيمة ابنة عائشة .
ـ حوارات فكرية وسياسية بين أحمد وخاله كمال ، لتوافقهما في الهوى !
ـ أحمد عبد الجواد يبيع دكانه .
ـ حوارات فكرية بين كمال وقلدس .
ـ نعيمة تموت .
ـ احمد يخطب ( علوية صبري ) فتطالبة بمصروف يومي ، فيرفض مشروع الخطبة .
ـ رفاق أحمد عبد الجواد يموتون واحداً إثر الآخر ، وهو يتفكر في حال الدنيا .
ـ موت أحمد عبد الجواد .
ـ عبد المنعم يخطب كريمة ابنة ياسين مع معارضة والدته خديجة لأن كريمة تكون ابنة زنوبة .
ـ زبيدة تتحول إلى شحاذة ، بعد العز !
ـ أحمد يتزوج سكرتيرة المجلة ( سوسن حماد ) .
ـ عبد المنعم يتزوج كريمة ويجعل من بيته بيتاً إسلامياً .
ـ كمال يعلم بموت ( عايدة ) .
ـ القبض على أحمد ( الماركسي ) ، واخوه عبد المنعم ( الإخواني ) ووضعهم في السجن بتهمة المعارضة .
ـ أمينة تصاب بالشلل فتنتظر الوفاة .
…وبهذا الحدث انتهت الحقلة الثالثة من ثلاثية نجيب محفوظ .
شخصيات ثلاثية نجيب محفوظ :
1ـ احمد عبد الجواد : أحد أفراد الطبقة المتوسطة يتميز بشخصية متسلطة داخل بيته ، ويد حديدية يحكم بها أسرته . مع تدين تقليدي يحافظ من خلاله على أداء الصلوات في ( البيت ! ) ، دون أن يؤثر هذا ( التدين !) على سلوكه الخارجي ، أو أن ينهى زوجته عن الانجراف وراء البدع والشركيات ـ كما سيأتي ـ .
…وهو في الجانب الآخر ، أي خارج بيته ، يتصف بصفة أوصفات أخرى تختلف عن تلك الأولى ، فهو يحب اللهو والشهوات ، والسهرة مع الغواني والمومسات ، في جلسات طرب وأنس .
…ولكن هذا التناقض وإخفاء الشخصية الأخرى عن أولاده سرعان ما انكشف ، ولكنه لم يؤثر في سقوط هيبته الأولى .
أسرة ( أحمد عبد الجواد ) تتكون من :
1ـ زوجته ( أمينه ) الخاضعة له ، التي هي على النقيض من زوجها ، حيث تتميز بالسماحة والطيبة مع أولادها ، ولكنها غارقة حتى أذنيها في البدع والشركيات التي تعتقدها ديناً ! ، حيث أدمنت على زيارة قبر الحسين (المزعوم!) في القاهرة (3) ودعائه من دون الله (4) ، بل والطواف بقبره (5)!!
__________
(1) وهو اسم الشارع الذي يسكنه ياسين بعد زواجه .
(2) وهو اسم الشارع الذي يسكنه آل شوكت .
(3) بين القصرين ( ص36 ) .
(4) بين القصرين ( ص162 ) .
(5) السكرية ( ص11) .
…وقولها لابنتها عائشة : ( تعالي معي إلى الحسين ، ضعي يدك على الضريح واتلي الفاتحة ، تتحول نارك إلى برد وسلام كنار سيدنا إبراهيم ) (1)!!
…وكانت تلقن كل هذا ابنها الصغير ( كمال ) بطل الرواية .
وأما أبناؤه فهم :
1ـ ياسين : وهو الابن الأكبر من زوجة سابقة ، انتقل إلى العيش مع أبيه وزوجة أبيه ( أمينة ) ، وقد ورث عن أبيه ولعه بالملذات والشهوات ، ولكنه لم يستطع أن يكون كأبيه يعب من تلك الملذات ويحظى باحترام الناس !! مثلما كان أبوه .
2 ـ فهمي : الابن الأوسط لأحمد عبدالجواد ، وهو طالب بمدرسة الحقوق ، يجمع بين خصال أمه من رقة ومودة ورحمة لذويه ، إلى جانب وطنيته وثوريته ، التي انتهت به إلى الموت في مظاهرة وطنية .
3 ـ عائشة : الابنة الصغرى لأحمد عبدالجواد ، تتميز بجمال ورقة ومودة ، مما حببها إلى ذويها . بعد زواجها انساقت مع حياة زوجها المتحررة ، وبعد وفاة زوجها وابنيها ساءت أحوالها وأصبحت تُكثر من الاعتراض على القدر .
…فمن ذلك : قولها عند وفاة ابنتها ( نعيمة) : ( ما هذا يا ربي ؟ ما هذا الذي تفعله ؟ لماذا ؟ لماذا ؟ أريد أن أفهم )(2).
…أو قولها عندما تذكرت أولادها : ( الرحمة ! أين الرحمة أين؟)(3).
4 ـ خديجة : الابنة الكبرى لأحمد عبدالجواد ، وكان حظها من الجمال ضئيلاً، وقد ورثت عن أبيها سلاطة لسانه وقوة شخصيته . كثيرة المتاعب مع زوجها ، وكان لأولادها نصيبهم الأكبر من أحداث الرواية .
5 ـ كمال : وهو ( بطل الثلاثية ) ، الابن الأصغر لأحمد عبدالجواد ، عاش في أحضان أمه ، التي لقنته البدع والخرافات والشركيات منذ صغره ، حيث لم يتعرف على الدين إلا من خلال أحاديثها وقصصها ، فانطبع الدين في ذهنه بتلك الخرافات .(52/331)
…فهو ـ مثلاً ـ يقول عن ضريح الحسن : ( كم وقف حيال الضريح حالماً مفكراً ، ويود لو ينفذ ببصره إلى الأعماق ليطلع على الوجه الجميل الذي أكدت له أمه أنه قاوم غِيَر الدهر بسره الإلهي ، فاحتفظ بنضارته ورونقه ، حيث يضيء ظلمة المثوى بنور غرته ، ولما يجد إلى تحقيق أمنيته سبيلاً قنع بمناجاته في وقفات طويلة ، مفصحاً عن حبه ، شاكياً إليه متاعبه الناشئة من تصوراته عن العفاريت وخوفه من تهديد أبيه ، مستنجداً به على الامتحانات التي تلاحقه كل ثلاثة أشهر ، ثم خاتماً مناجاته عادة بالتوسل إليه أن يكرمه بالزيارة في منامه)(4)!!
…نشأ كمال متحيراً كثير الاضظراب الفكري ، لم يستقر على قرار ثابت ، كان وفدياً(5)?ثم ما لبث أن مال ميلاً شديد إلى ( الماركسية ) التي تقتلع الطبقات التي أبغضها عندما أحب ( عايدة ) التي تنتمي إلى طبقة عليا .
…تكثر في أحاديثه الشكوك والطعن في الدين وعبارات الإلحاد والادعاء بأن (العلم ) سوف يحل مشاكلنا جميعاً . ولهذا كان من أقرب الناس إلى ابن أخته (أحمد ) الذي كان ( ماركسياً ) متحمساً .
…فمن أقواله ـ على سبيل المثال ـ :
…ـ ( إن مطلبي الأول الحقيقة : ما الله ؟ ما الإنسان ؟ ما الروح ؟ ما المادة؟ الفلسفة هي التي تجمع كل أولئك في وحدة منطقية مضيئة كما عرفت أخيراً)(6).
…قوله : ( لفه شعور بأنه ضحية اعتداء منكر تآمر به عليه القدر وقانون الوراثة ونظام الطبقات )(7).
…( طالما نازعته النفس إلى النقيضين وكر الشهوات والتصوف ، ولكنه لم يكن ليطيق حياة خالصة للدعة والشهوات ، ومن ناحية أخرى كان ثمة شيء في أعماقه ينفر من فكرة السلبية والهروب ) (8).
6ـ عبد المنعم ابن خديجة :
من جماعة الإخوان المسلمين ، يحمل أفكارهم وينافح عنها أمام أخيه أحمد (الماركسي ) ولكنه يتسم بالعنف في الجدال !! وهكذا أراد له نجيب محفوظ أن يكون !! فمن ذلك أنه قال لأخيه : ( صه يازنديق ) (9) !! وقال له أيضاً ( يا عدو الله ) (10).
ولكنه برغم هذا ( الإيمان ) و ( الحماس ) يقيم ـ كما سبق علاقة غير شرعية مع بنت الجيران !! وهذا من التناقض المفتعل لتشويه جماعة الإخوان المسلمين من نجيب محفوظ ـ هداه الله ـ .
7ـ أحمد ابن خديجة :
…شاب متحمس للماركسية ، يدخل مع أخوه ( الإخواني ) عبد المنعم في مجادلات متتالية دون نتيجه .
…من أقواله التي تدل على توجهه :
ـ أنه بعد أن تزوج سأله خاله كمال هازئاً : ( هل تزوجت على سنة الله ورسوله ؟) قال : ( طبعاً ، الزواج والدفن على سنن ديننا القديم ، أما الحياة فعلى دين ماركس)(11)!!
ـ قوله في التحقيق : ( إني اشتراكي ) (12).
__________
(1) السكرية ( ص197 ).
(2) السكرية (ص159) .
(3) السكرية (ص197) .
(4) بين القصرين (ص49) .
(5) حزب الوفد الذي أنشأه سعد زغلول ، حزب علماني لا يقوم على الإسلام ، يدعو إلى مساواة المسلم بالكافر، والدعوة إلى انسياق البلاد الإسلامية نحو تقليد الغرب الكافر (في كل شيء ) ، وخاصة في مجال ( تحرير المرأة)، انظر (الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة ) للندوة العالمية للشباب الإسلامي (1/ 454 ) .
(6) قصر الشوق (ص242 ) .
(7) قصر الشوق ( ص369) .
(8) السكرية ( ص194) .
(9) السكرية ( ص32) .
(10) السكرية ( ص 76 ) .
(11) السكرية ( ص271).
(12) السكرية ( ص320 ) .
أوجه التشابه بين الثلاثيتين :
1ـ أن الثلاثيتين كلتيهما تتكونان من ثلاثة أجزاء أو حلقات بأسماء مختلفة (بين القصرين ـ قصر الشوق ـالسكرية ) ،( العدامة ـ الشميسي ـ الكراديب ).
2ـ أن البطل في الثلاثية شخص واحد تدور الأحداث من حوله .ففي ثلاثية محفوظ تدور الأحداث حول (كمال) وفي ثلاثية الحمد تدور حول ( هشام ) .
3ـ أن ( كمال عبد الجواد ) هو نفسه مؤلف الثلاثية ، أي هو نجيب محفوظ ، وهذا أمر لا ينكره نجيب محفوظ ، الذي يردد دائماً : "أنا كمال عبد الجواد في الثلاثية"(1) ويقول : "الأزمة الخاصة بكمال هي أزمتي" (2).
…أما تركي الحمد فقد اعترف بهذا في مقابلة له مع جريدة اليوم (3) عندما قال عن ثلاثيته بأنها " فيها الكثير مني … فالبطل أنا من صنعه وأنا من وضع له العواطف والتجارب " .
…وقد أكد الدكتور غازي القصيبي أستاذ الحمد في الجامعة ! هذه الحقيقة . فقال في كتابه ( حياة في الإدارة ) : ( كان المفكر السعودي البارز (!!) الدكتور تركي الحمد أحد طلبتي . وعلى الذين يرغبون أن يعرفوا رأي الطلبة فيَّ أن يعودوا إلى رواية تركي (الشميسي)، ماكتبه عن ( الدكتور محارب الخيزراني)(4)
…فهذا تأكيد من غازي أن هشام العابر لم يكن إلا تركي الحمد .(52/332)
وليس معنى أن كمال عبد الجواد هو نجيب محفوظ وأن هشام العابر هو تركي الحمد أن يكون كلاً منهما قد نقل ( جميع ) تفاصيل حياته بجميع أشخاصها إلى القراء دون نقص أو زيادة ، فهذا مالا يقوله عاقل ، بل المقصود أن كلاً منهما كان يحكي عن ماضيه ، وتفكيره ، وتطلعاته ، وآماله ، وآلامه ، وبعضاً ممن عاصروه في اختلاف توجهاتهم . ولكن تبقى الفكرة الرئيسة التي تدور حولها الثلاثية هي ما كانت تقلق بال مؤلفها في فترة مضت ، أولا زالت!، كالحيرة والاضطراب ، أو اعلاء شأن الماركسية ، وهكذا .
4ـ أن كلاً من ( كمال عبد الجواد ) و ( هشام العابر ) ماركسي التوجه ، أو يميل إليها على أقل تقدير ـ .
5ـ أن كلاً منهما ـ برغم هذا الميل ـ متردد ، متحير ، مذبذب. يقول رياض قلدس أحد أصدقاء كمال في الثلاثية عن كمال بأنه : ( الذي دار حول نفسه كثيراً حتى أصابه الدوار ) (5).
ويقول هشام العابر عن نفسه بعد أن ذكر توجهات زملاء السجن : ( أما هشام فلم يعد يدري ما هو ) (6).
6 ـ تكثر الطعون في الله ـ عز وجل ـ وملائكته وكتبه ورسله وعباده الصالحين في كلا الثلاثيتين، ولعل للتوجه الماركسي لصاحبيها دوراً في ذلك ، حيث لا ترى الماركسية في الأديان والمقدسات إلا أفيوناً للشعوب يجب أن يهدم، وإن لم نستطع الهدم فلا أقل من اللمز والسخرية وإسقاط هيبة الدين ومحتوياته (أي الإسلام !) من نفوس الناس . ولا حول ولا قوة إلا بالله .
…أما طعون الحمد فقد قرأناها سابقاً ، وأما طعون نجيب محفوظ ، فإليك شيئاً منها بالأرقام ، لكي لا أطيل ولكي لا أتهم بالتجني عليه : ( بين القصرين : ص 122، 227) ( قصر الشوق : 90، 91، 119، 153، 216، 229، 236، 260، 294، 314، 428، 434 ) ( السكرية : 88 ،253 ، 260، 275، 280) .
7ـ تكثر في الثلاثيتين ألفاظ ومعاني الاعتراض على القدر ، واتهام الحياة والموت والقدر بالعبث .
…أما في ثلاثية الحمد فقد علمنا ذلك سابقاً ، وأما في ثلاثية نجيب محفوظ ، فهذه بعض المواقف والعبارات تؤكد هذا :
ـ اعتراض خديجة على زواج عائشة قبلها: ( إني أحافظ على الصلاة أما هي فلم تُطق المحافظة عليها … ) (7) أي : لماذا تتزوج قبلي ؟
ـ اعتراض عائشة على وفاة زوجها وأبنائها . وقولها ـ مثلاً ـ : ( ما هذا يا ربي ؟ ما هذا الذي تفعله ؟ ) (8)
ـ قول كمال عن نفسه : ( لفه شعور بأنه ضحية اعتداء منكر تآمر به عليه القدر)(9) .
ـ قوله : ( هذا الموت عبث ) (10).
8ـ تكثر في الثلاثيتين المواقف الجنسية بكافة أنواعها ! أما الحمد فقد علمنا شيئاً من مواقفه ( البطولية !! ).
…وأما نجيب محفوظ فيكفينا من ثلاثيته شخصية أحمد عبد الجود ، والغواني، وشخصية ياسين .
وهاهنا ملاحظة : هي أن تركي الحمد اقتصر في مواقفه الجنسية على ( الزنا) وتوابعه ، أما نجيب محفوظ فقد تجاوز ذلك إلى ( اللواط )!!
…كما في علاقة ( رضوان بن ياسين ) مع عبد الرحمن باشا عيسى(11) .
…وسبب ذلك ـ والله أعلم ـ أن محفوظاً تميز في ثلاثيته بالجرأة أكثر من الحمد ، الذي لا زال يحمل بقية من الحياء !
9ـ أن المتمسكين بأحكام الإسلام في الثلاثيتين :
…إما مخرف ساذج ، أو من الاخوان المسلمين ،ولا ثالث لهما .
__________
(1) المنتمي ، للنصراني ! غالي شكري ( ص17 ) .
(2) أتحدث إليكم ، نجيب محفوظ ( ص34) .
(3) بتاريخ 8/ 8/ 1419هـ.
(4) ص ( 53 ) من الطبعة الثانية : وعند عودتنا لكلام تركي في ( الدكتور محارب ) وجدناه يكيل له المديح ، فعلمنا سر هذه الإحالة !
(5) السكرية ( ص191) .
(6) الكراديب ( ص 180 ) .
(7) بين القصرين ( ص 230 ) .
(8) السكرية ( ص159).
(9) قصر الشوق ( ص369 ).
(10) قصر الشوق ( ص485).
(11) السكرية ( ص 66) .
…فالدين عند محفوظ : إما أن يتمثل في شخصية ( متولي عبد الصمد ) الصوفي ، المخرف ، الوسخ ! ، صاحب البدع والشركيات ، أو في شخصية (عبد المنعم ) الإخواني .
…والدين عند الحمد :
…إما أن يتمثل في شخصية خال هشام المتدين الساذج الذي يقول عنه ابنه :
…( خالك لا يشك بوجود الخمر أصلاً في هذا البلد ، فكيف في بيته وابنه .. حتى لو رأى حمد مترنحاً فهو لن يشك بمثل هذه الأمور )(1) .
…ويقول عنه هشام : ( ياله من رجل طيب تخدعه المظاهر ) (2).
…ولم يجعله الحمد مخرفاً كمتولي عبدالصمد لأنه يعلم أن لامكان للخرافة في بلاد التوحيد ـ ولله الحمد ـ .
أو في شخصية ( لقمان ) الإخواني (3).
فإن كان محفوظ معذوراً في تجسيد شخصية ( الإخواني ) التي كان يعج بها مجتمع مصر تلك الأيام ، فكانت آراؤهم مطروحة في الساحة المصرية ، ولم تكن خافية على أحد .
فالحمد لا يعذر في تجسيده لهذه الشخصية الغريبة على مجتمعنا ، إلا أن تكون ـ وهو ما أراه ـ تقليداً لمحفوظ ، كما تعودنا من الحمد !
قد تقول : ولكن الاخوان موجودون في السعودية ، وقد وفدوها بعد اضطهادهم في دولهم .
فأقول : نعم هم موجودون ، وقد يكون قلائل من السعوديين تأثروا بهم ، ولكن هذا لا يجيز للحمد أن يصور بلادنا بهذه الصورة الحزبية التي عرفتها مصر وغيرها من الدول العربية .(52/333)
ثم يجعل (الاخوان ) هم الممثلين للتيار الإسلامي ! وكأننا في بلد علماني النزعة لايمثلنا فيه سوى الإخوان !!
فهل نسي الحمد أننا ـ بحمد الله ـ نعيش في دولة إسلامية سلفية منذ نشأتها (4)، لم تعرف الأحزاب يوماً ما ؟ وهل من العقل أن يُجْعل أفراد قلائل مستخفون هم الممثلين للتيار الإسلامي ؟! وننسى الكثرة الغالبة من أهل البلاد الذين لا يعرفون سوى الإسلام ديناً لهم ، على تفاوت بينهم في الالتزام به .
أقول: إن كان محفوظ معذوراً ، فالحمد لايعذر في هذا ، لأنه كثر القليل وقلل الكثير .
وأنا لا أقول هذا بخساً لجهود جماعة الإخوان المسلمين في العالم العربي والإسلامي ، فهي جماعة قد اجتهدت في الدعوة إلى الإسلام ، ولكن شاب جهودها شيء من الأخطاء ، منها :
1ـ أنها جماعة تعنى بالتجميع كيفما كان ، فتجد فيها البدعي والسني جنباً إلى جنب .
2ـ وهي جماعة لا تحرص على نشر عقيدة السلف الصالح بل تجد من أفرادها الكثير ممن يعتقد عقيدة الأشاعرة ، ويزعم انها عقيدة السلف !
3ـ وهي جماعة حرصت على الدولة أكثر من حرصها على التربية والدعوة .
4ـ وهي جماعة يقل فيها الالتزام بالسنن النبوية الظاهرة .
5ـ وهي جماعة لا تراجع نفسها ، بل ظلت مأسورة في شخصية ( حسن البنا ) ـ رحمه الله ـ الذي كانت شخصيته تطغى على غيره من الإخوان ، ولا زالت!
6ـ أخيراً : هي جماعة لا مبرر لقيامها في بلادنا ( السعودية ) لأننا ـ ولله الحمد ـ مسلمون قبل قيامها ، فالذي نحتاجه هو الجد في نشر الدعوة ، والالتزام الصادق بالإسلام(5) .
إذن : أخطأ الحمد خطأ فاحشاً عندما لم ير في الملتزمين بالإسلام سوى :
1ـ الرجل الساذج .
2ـ الاخواني .
3ـ المتشدد .
…وبقي صنف رابع لم يذكره ، أو لم يرد أن يذكره ! ، وهو الشاب المسلم الملتزم بدينه ، صاحب العقيدة السلفية ، والخلق الحسن في التعامل ، والمبرز في دراسته الشرعية أو العلمية ، قاصداً خدمة بلاده الإسلامية ورفعتها من هذا التخلف الذي تعيش فيه .
…فبالعقيدة السلفية نرفع التخلف ( الديني ) ـ بدعاً وشركيات ـ الذي يعج في أوطاننا ، ويفرق بيننا ويضيع كثيراً من طاقاتنا .
…وبالعلم الدنيوي النافع نرفع من شأن بلاد الإسلام ونجعلها تنافس الآخرين، بل تفوقهم ، وما ذلك على الله بعزيز .
…كنت أود للحمد لكي يكون عادلاً أن يذكر هذا الصنف في ثلاثيته ، ولكن (وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا) (6).
10 ـ يبرز في الثلاثيتين جانب خبيث؛ هو محاولة إفحام الدين ، أو التشكيك في بعض مسائله بأسلوب ماكر ، كما في تحير هشام في مسألة : كيف يموت الموت؟
__________
(1) العدامة ( ص 99).
(2) الشميسي ( ص51 ).
(3) وزاد الحمد نوعية ثالثة للملتزمين وهي شخصية أصدقاء زميله عدنان ، حيث اللحى غير المسرحة والرؤس المحلوقة!!
(4) والكمال لله وحده ، وكل تقصير يزول بالتناصح .
(5) انظر لبيان هذا : ( الدعوة إلى الله في جزيرة العرب ) للشيخ الحصين و( حكم الانتماء ) للشيخ بكر أبو زيد .
(6) سورة البقرة ، الآية : 148 .
…أما نجيب محفوظ فقد صاغ تشكيكه وتحيره على هيئة سؤال وجهه كمال إلى مدرسه ، حيث يقول عن الجن ( وسألت الشيخ : هل يدخل المسلمون منهم الجنة ؟ فقال : نعم . فسألته مرة أخرى : كيف يدخلونها بأجسام من نار !؟ فأجابني بحدة قائلاً : أن الله قادر على كل شيء ) (1) ولا حظ قوله ( بحدة )! تفهم مقصده . مع أن جواب شيخه مقنع ، وهو أن الذي خلقهم ـ سبحانه ـ قادر على أن يجعل مسلميهم يدخلون الجنة ،إما بطبيعتهم أو بطبيعة أخرى ، كما أنه سبحانه قد أخبر عن النار بأن فيها شجرة الزقوم ، فهل يقول : كيف لا تحرقها النار ؟ فهل هذا إلا سؤال متعنت، يحاكم ربه بعقله القاصر . كما كان مشركو الجاهلية يفعلون مع محمد صلى الله عليه وسلم .
…ولهذا جعل الله ـ سبحانه ـ الإيمان بالغيب أحد الصفات الرئيسة للمؤمنين فقال : (آلم(1)ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ(2)الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ) (2).
…لأنه سبحانه يعلم أن مسائل الغيب قد لايستوعبها عقل الإنسان في الدنيا، فلهذا جعل الفارق بين المؤمنين والمذبذبين المرتابين هو الإيمان بالغيب، فعلى المسلم إذا جاءه الدليل من القرآن أوالسنة الصحيحة بأمر من أمور الغيب أن يؤمن ويسلم دون اعتراض أوتشكيك كما فعل ( تركي ) أو ( نجيب ) !
11ـ يكثر الحلف بغير الله في الروايتين ، أما في ثلاثية تركي فقد مضي التدليل عليه . وأما ثلاثية محفوظ فإليك المثال :
ـ ( ورسول الله ) ( بين القصرين ص 253 ) .
ـ ( ورأس أمي ) ( بين القصرين ص 257 ) .
ـ ( حلفتك بالحسين ) ( بين القصرين ص257 ) .
ـ ( وحياة أمك ) (بين القصرين ص 268 ) .
ـ ( وحياتك ) ( بين القصرين ص 435 ) .
ـ ( والنبي ) ( بين القصرين ص 439 ) .(52/334)
…أخيراً : ما سبق هو أبرز المتشابهات في ثلاثيتي ( محفوظ والحمد ) وهي تبين أن الحمد قد بنى ثلاثيته على أعمدة سابقة كان قد أقامها نجيب محفوظ ، فلم يكن له في ثلاثيته سوى صياغتها لتناسب طبيعة وظروف الشاب السعودي بدلاً من المصري .
…وإلا فإنهما قد اجتمعا على :
ـ الماركسية .
ـ والاجتراء على الله ـ عز وجل ـ وملائكته وكتبه ورسله وعباده الصالحين .
ـ والاعتراض على القدر ، وتصويره في صورة العدو المتربص أو العابث .
ـ والنظر إلى الحياة والموت بنظرة عباثة .
ـ والإغراق في الجنس .
ـ والشك والحيرة والاضطراب .
…فكلاهما ـ ثلاثية محفوظ والحمد ـ مجرد رواية ( هدم ) لا ( بناء )، و (تشكيك ) لا ( يقين ) ، فمن قرأها ثم فرغ منها لم يحصل سوى الحيرة التي لا تقود إلى ثبات واطمئنان .
…ثم يكتشف أن راويها لم يقدم له أي بديل لما قد تم هدمه في هذه الثلاثية . فهي شبيهة بأدب الحداثيين الذين حملوا معاولهم لهدم الإسلام والمعاني السامية دون أن يقدموا لها بديلاً سوى الحيرة والشكوك والبؤس والشقاء ، زاعمين أنهم سوف يقدمون لبني قومهم كل جميل ، وكل مبهج، ولكن بعد أن يفرغوا من هدمهم !
…قال تعالى : (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ) (3)، وقال سبحانه : (وَلا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا) (4).
…وقد أصلح الله بلادنا بدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب ـ رحمه الله ـ التي ناصرها آل سعود ، فلا مستقر فيها لكل مفسد هادم مهما غلَّف هدمه ذاك بشعارات ( التطور) و( التحضر ) و( التقدم ) … الخ زخارف الشيطان :
…وليتق الله ربه وليتب من ( هدمه ) ، وليشارك إخوانه في ( البناء ) فإن خير الخطآئين التوابون .
…(يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) (5).
…
خاتمة موجزة
…بعد هذه الجولة العجلى في أبرز مؤلفات تركي الحمد وفي ثلاثيته يتبين لنا:
1 ـ أن الحمد يدعو إلى " الشك " و " الريبة " في كل شيء ، ولو كان نصاً من الكتاب أو السنة الصحيحة (6)، وهو لم يبين لقرائه ما هو الميزان الذي سيحتكم إليه بعد أن " يشك " و " يرتاب " ليقضي لنا بصحة القضية المطروحة أو بطلانها ، هل هو " عقله " ام " عقلي " أم " عقل فلان من البشر " أم ماذا ؟ كما سبق .
2ـ أنه عندما " شك " و " ارتاب " ودعا المسلمين إلى هذا ، لم يقدم لهم أي بديل واقعي ( واضح ) يأخذون به بعد أن يهدموا ( كل شيء حولهم ) بالشك والريب . ففكر الحمد ( هدمي ) ليس ( بنائياً ) ـ كما سبق ـ لأنه يهدم ويهدم ويهدم تحت دعوى ( الشك ) و( الارتياب ) الذي يدعو إليه ، دون أن نجد عنده ما يبنى أو يشيد لنفع أمته(7).
__________
(1) بين القصرين ( ص64 ) .
(2) سورة البقرة ، الآية : 1-3.
(3) سورة البقرة ، الآية 11.
(4) سورة الأعراف ، الآية : 56 .
(5) سورة التوبة ، الآية : 119 .
(6) وهو لا يستطيع التصريح بهذا ( بحرفية ) كما قد يتوهم حسنو النية ، فكتاباته الماضية خير شاهد لهذا عند عقلاء الناس.
(7) بل لنفع نفسه التي أشرفت على الرحيل
3ـ أن الحمد يتظاهر في كتبه ( بالعقلانية ) التي تخفي وراءها نفساً طافحة بالشهوات الحقيرة ـ كما رأينا ذلك في ثلاثيته التي تعبر عن شخصه(1) ـ
4 ـ أن شخصية الحمد ـ كما يظهر من مؤلفاته وثلاثيته ـ شخصية قلقة مضطربة لا تريد أن تركن إلى شيء يسندها في هذه الحياة ، وهي شخصية (شاكة) (مرتابه) تحقد على كل من لم يكن مثلها في شكها وحيرتها وارتيابها ، كما قد رأينا في حقده وحمله الظغينة على رسل الله ـ عليهم السلام ـ وعباده الصالحين ، وبلاد التوحيد (السعودية) . . . الخ .
5 ـ أن الحمد يدعو إلى عدم ثبات الحق ، فما كان بالأمس حقاً قد يصبح اليوم باطلاً، وما يحمله فلان من الحق قد ينقلب باطلاً في حق فلان . . . في دائرة لا تنتهي ، تهرباً من قيام الحجة عليه ، أو توهمه أنه بهذه الدعوى يُفحم أهل الحق .
6 ـ أن الحمد يدعو إلى مساواة ( الإسلام ) بغير من الأديان والثقافات الأخرى، بل هو يُفضلها عليه ـ والعياذ بالله ـ، وهذا من أعظم ( الكفر ) الذي يُستتاب صاحبه ، فإن تاب وإلا ضُربت عنقه(2).
7 ـ أنه من دعاة ( تحرير )(3) المرأة في بلادنا ، وذلك بدعوته إلى سفرها ، واختلاطها بالرجال في الدراسة والعمل ، وقيادتها للسيارة . . . الخ جزئيات هذه الدعوة التي تجرعت مرارتها المجتمعات الإسلامية الأخرى ، فنبتت عندنا نابتة ـ من ضمنهم الحمد ـ يرددون في بلادنا ما ردده شياطين هذه الفكرة الغربية في البلاد الأخرى في مقالات وكلمات متكررة بين الحين والآخر من دعاة وداعيات ( الشهوة ) و(نبذ حكم الإسلام ) .
…فنسأل الله أن يقضي على هذه الفتنة في مهدها ، كما قد قضى على غيرها ، وأن يسلط ولاة أمر هذه البلاد لا جتثاث عروق الفساد من وسائل إعلامنا لكي لا تتجذر هذه الدعوة المفسدة في بلاد التوحيد .(52/335)
8 ـ أنه عدو لدود للحكم السعودي الذي قام على تحكيم شرع الله ، والدفاع عنه ضد أعدائه من أصحاب التيارات ( الكافرة ) من ديمقراطيين وشيوعيين ومنحلين . وقد سبق نقل ما يُكنه صدره ضد ولاة أمرنا .
9 ـ أنه يسرق جُلَّ أفكاره من كتابات وجهود الآخرين عرباً كانوا أم عجماً . كما في ثلاثيته التي بناها على ثلاثية نجيب محفوظ ، وكما في ( عقلانيته ) التي اكتسب أفكارها من الجابري والعروي .
10ـ أنه بعد هذا البيان عن الفكر ( الهدمي ) للدين والدولة من هذا الرجل ؛ فإنه لا يجوز شرعاً لوسائل إعلامنا أن تحتفي به ، أو أن تُسهل له مهمة بث هذا الهدم بين المسلمين ، عبر مقالات أو برامج مسموعة أو مرئية ؛ لأن الشريعة قد جاءت بالحجر على السفهاء، فكيف بمن يكيدون لدين الله وللفضائل ولهذه الدولة المسلمة !؟
…ختاماً : أسأل الله أن يحمي بلادنا من شرور الحاسدين والحاقدين الذين لا يرتضون لها أن ترفع راية لا إلة إلا الله محمد رسول الله في هذا الزمان ، والذين يتربصون بها الدوائر ممن ارتضوا ما في زبالات الغرب بديلاً للهدى والنور الذي جاءهم به خير الرسل محمد صلى الله عليه وسلم ، وأسأله تعالى أن يُعجل بكبتهم وتشريدهم وتمزيقهم كلَّ ممزق ، وأن يوفق ولاة أمرنا للقضاء عليهم كما هو دأب حكام المسلمين على مرّ الأزمان (4) ، فإن الله قال في هذه الشرذمة من رجال ونساء (هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ )(5).
…وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم
. __________
(1) وراء ( الفكر ) و ( العقلنة ) .
(2) كما نص على ذلك علماء الإسلام فيمن لم يكفر الكافر أو شك في كفره أو فضل دينه على دين الإسلام، انظر : مجلة البحوث (العدد 49، ص126).
(3) بل تدمير المرأة ، وقد صرَّح بذلك ـ على حذر ـ في مقابلته مع قناة ( اقرأ )، وفي مقاله الشهير "وخلق الله المرأة".
(4) اقرأ إن شئت سيرة من رفع الله ذكرهم من حكام المسلمين ؛ كهارون الرشيد أو المعتصم أو المتوكل أو محمود بن سبكتكين أو يوسف بن تاشفين وابنه أو المهدي العباسي الذي جعل رجلاً مسؤلاً عن أمر الزنادقة يتتبعهم ويقوم بتنفيذ حكم الله فيهم ، تعظيماً لشرع الله ، وحفاظاً على وحدة المسلمين و((أمنهم الفكري )) . . . لتعلم كيف كانت سيرة ولاة الأمور مع ( الزنادقة ) و ( مبغضي ) شرع الله .
(5) سورة المنافقون ، الآية : 4 .
=================(52/336)
(52/337)
نظرة شرعية في أدب (إيليا أبو ماضي)
ترجمته(6) :
(6) …عن (الجامع في تاريخ الأدب العربي) لحنا الفاخوري (الأدب الحديث، ص 590 - 591) .
ولد إيليا أبو ماضي في قرية المحيدثة من قضاء المتن بلبنان، وكانت مدرسة القرية أول بيت علم دخله ونال من علمه ما استطاع نيله؛ وفي سنة 1902 حدثته نفسه بالمهاجرة إلى أمريكا، فترك قريته وتوجه أولاً إلى الإسكندرية حيث كان له عم يتعاطى بيع السجاير! قال أبو ماضي في ذلك: "وفي الإسكندرية تعاطيتُ بيع السجاير في النهار في متجر عمي، وفي الليل كنتُ أدرس النحو والصرف تارة على نفسي، وتارة في بعض الكتاتيب". وهكذا راح يحصّل من العلم ما استطاع التحصيل، إلى أن كانت سنة 1911 فأصدر ديوانه الأول بعنوان "تذكار الماضي" .
إلا أن الحياة في مصر لم تقدّم له كل ما كان يصبو إليه، وفي سنة 1912 يمم الولايات المتحدة التي جذبت الألوف من أبناء وطنه، واستقر في مدينة سنسناتي إلى جانب أخيه مراد يعمل في التجارة ويملأ أوقات فراغه بالدرس والمطالعة ونظم الشعر.
وفي سنة 1916 انتقل إلى نيويورك وإلى حياة الصحافة والأدب، فعُهد إليه في تحرير "المجلة العربية" .
وفي سنة 1918 عُهد إليه في تحرير مجلة "مرآة الغرب" لصاحبها نجيب دياب.
وفي سنة 1929 أنشأ مجلة "السمير" وقد حوّلها سنة 1936 إلى جريدة يومية.
وكان في سنة 1920 قد اشترك في تأسيس "الرابطة القلمية" .
توفي عام 1957م.
لمحة عنه :
-تميز إيليا أبو ماضي من بين شعراء عصره بأنه شاعر التفاؤل والأمل، يقول زهير ميرزا عنه: "التفاؤل نزعة إنسانية عميقة الجذور في نفس الشاعر" (إيليا أبو ماضي شاعر المهجر، ص:ب ،ص)، وألف عنه د. عبد المجيد الحر كتاباً سماه (إيليا أبو ماضي باعث الأمل ومفجر ينابيع التفاؤل)، وقال عنه خليل بوهومي :"لقد علمنا إيليا أبو ماضي كيف يكون الشباب المتجدد الطامح بالأمل، الطامح إلى نيل السؤدد والعلى" (إيليا أبو ماضي شاعر السؤال والجمال، ص4-5).
وقال أيضاً (ص78) :"شاعر الابتسامة والأمل والتفاؤل" .
وقال عنه طالب زكي طالب بأنه "ينظر إلى الحياة نظرة إيجابية، لا ترى إلا الجانب الجميل فيها" (إيليا أبو ماضي بين التجديد والتقليد، ص 151).
قلت: والقصائد التفاؤلية لإيليا أبو ماضي كثيرة، حبذا لو استثمرها المسلم واستفاد من معانيها الجميلة، وسخرها لمعانٍ إسلامية سامية .
فمن ذلك قصيدته الشهيرة:
فلسفة الحياة
-
أيهذا الشاكي وما بك داء
- ... كيف تغدو إذا غدوت عليلا؟
- إن شر الجناة في الأرض نفسٌ
- ... تتوقى، قبل الرحيل، الرحيلا
- وترى الشوك في الورود ، وتعمى
- ... أن ترى فوقها الندى إكليلا
-
هو عبءٌ على الحياة ثقيل
- ... من يظن الحياة عبئاً ثقيلاً
- والذي نفسه بغير جمالٍ ... لا يرى في الوجود شيئاً جميلاً
- ليس أشقى ممن يرى العيش مراً ... ويظن اللذات فيه فضولا
- أحكم الناس في الحياة أناسٌ ... عللوها فأحسنوا التعليلا
- فتمتع بالصبح ما دمت فيه
- ... لا تخف أن يزول حتى يزولا
- وإذا ما أظل رأسك هم
- ... قصِّر البحث فيه كيلا يطولا
- أدركتْ كنهها طيور الروابي
- ... فمن العار أن تظل جهولا
- ما تراها والحقل ملك سواها
- ... تخذت فيه مسرحاً ومقيلاً
- تتغنى، والصقر قد ملك الجو
- ... عليها، والصائدون السبيلا
- تتغنى، وقد رأت بعضها يؤ
- ... خذ حياً والبعض يقضي قتيلا
- تتغنى، وعمرها بعض عام
- ... أفتبكي وقد تعيش طويلاً؟
- فهي فوق الغصون في الفجر تتلو
- ... سور الوجد والهوى ترتيلا
- وهي طوراً على الثرى واقعات
- ... تلقط الحب أو تجر الذيولا
-
كلما أمسك الغصون سكونٌ
- ... صفقت للغصون حتى تميلا
- فإذا ذهب الأصيل الروابي
- ... وقفت فوقها تناجي الأصيلا
- فاطلب اللهو مثلما تطلب الأطيار
- ... عند الهجير ظلا ظليلا
- وتعلم حب الطبيعة منها
- ... واترك القال للورى والقيلا
- فالذي يتقي العواذل يلقى
- ... كل حين في كل شخصٍ عذولا
- أنت للأرض أولاً وأخيراً
- ... كنت ملكاً أو كنت عبداً ذليلاً
- لا خلودٌ تحت السماء لحي
- ... فلماذا تراود المستحيلا؟
- كل نجم إلى الأفول ولكن
- ... آفة النجم أن يخاف الأفولا
- غاية الورد في الرياض ذبول
- ... كن حكيماً واسبق إليه الذبولا
- وإذا ما وجدت في الأرض ظلاً
- ... فتفيأ به إلى أن يحولا
- وتوقع، إذا السماء اكفهرت
- ... مطراً في السهول يحيي السهولا
- قل لقوم يستنزفون المآقي
- ... هل شفيتم مع البكاء غليلا؟
- ما أتينا إلى الحياة لنشقى
- ... فأريحوا، أهل العقول، العقولا
- كل من يجمع الهموم عليه
- ... أخذته الهموم أخذاً وبيلاً
- كن هزاراً في عشه يتغنى
- ... ومع الكبل لا يبالي الكبولا
- لا غراباً يطارد الدود في الأرض
- ... ويوماً في الليل يبكي الطلولا
- كن غديراً يسير في الأرض رقراقاً ... فيسقي من جانبيه الحقولا
- تستحم النجوم فيه ويلقى
- ... كل شخص وكل شيء مثيلا
- لا وعاء يقيد الماء حتى
- ... تستحيل المياه فيه وحولا
- كن مع الفجر نسمة توسع الأزهار
- ... شمساً وتارة تقبيلا
- لا سموماً من السوافي اللواتي
- ... تملأ الأرض في الظلام عويلا(52/338)
- ومع الليل كوكباً يؤنس الغابات
- ... والنهر والربى والسهولا
- لا دجى يكره العوالم والناس
- ... فيلقي على الجميع سدولا
- أيهذا الشاكي وما بك داء
- ... كن جميلاً تر الوجود جميلاً
وقصيدته الأخرى :
-
قال : "السماء كئيبة!" وتجهما
- ... قلت: ابتسم يكفي التجهم في السما
- قال: الصّبا ولى ! فقلت له: ابتسم
- ... لن يرجع الأسف الصبا المتصرّما
-
قال: الليالي جرعتني علقما
- ... قلت: ابتسم ولئن جرعت العلقما
- فلعل غيرك إن رآك مرنّما
- ... طرح الكآبة جانباً وترنما
…. الخ القصيدة الجميلة : تجدها في ديوانه (الخمائل)
انحرافات أبو ماضي :
أول انحراف للشاعر أبو ماضي هو نصرانيته ! ؛ لأنه ليس بعد الكفر ذنب كما هو معلوم .
ورغم أن الكثيرين يعتقدون أن أبا ماضي لا يأبه بالأديان كلها، بل يدين بمذهب اللا أدرية -كما سيأتي- ومذهب اللذة الدنيوية، إلا أننا نجد تعصبه لنصرانيته لا يخفى في بعض قصائده !
فمن ذلك: قوله بعد احتلال الفرنسيين لسوريا مادحاً قائدهم(1):
-
"ألا نبي"، لو طبعنا الشمس يوماً
- ... وقلدناكها سيفاً صفيحاً
- ورصعناه بالشهب الدراري
- ... لما زدناك فخراً أو مديحاً
- لأنك أشجع الأبطال طرأ
- ... وأعظم قادة الدنيا فتوحا
- إذا ما مر ذكرك بين قوم
- ... رأيت أشدهم عياً فصيحا
- فكم داويت سوريا مريضاً
- ... وكم أسقمت تركيا صحيحا
-
وكم قد صنت في بيروت عرضا
- ... وكم أمنت في الشهباء روحا
- غضبت على "الهلال" فخر ذعراً
- ... ولحت له فحاذر أن يلوحا
- عصفت بهم فأمسى كل حصن
- ... لخيل النصر ميداناً فسيحا
- مشت بك همة فوق الثريا
- ... فزلزلت المعاقل والصروحا
- من الوادي إلى صحراء سينا
- ... إلى أن زرت ذياك الضريحا
- إلى بحر الجليل إلى دمشق
- ... تطارد دونك التركي القبيحا
- فكان الجند كلهم يسوعا
- ... وكانت كل سوريا "أريحا"
- فإن يكن المسيح فدى البرايا
- ... فإنك أنت أنقذت المسيحا!
قلت: فانظر إلى مدى حقد الشاعر على الإسلام وأهله !
ومن ذلك قوله عندما احتلوا القدس! :
-
لله ما أحلى البشير وقوله
- ... سقط الهلال إلى الحضيض ومالا!
ويرمز بالهلال إلى الإسلام !
3- ومن انحرافاته: اعتناقه لمذهب (اللا أدرية) الشكاك الذين لا يدرون للحياة معنى ولا هدف، ولأجل هذا قال قصيدته الشهيرة (الطلاسم) ، جاء فيها:
-
جئت لا أعلم من أين ولكني أتيت
- ... ولقد أبصرت قدامي طريقاً فمشيت
- وسأبقى ماشياً إن شئت هذا أم أبيت
- ... كيف جئت؟ كيف أبصرت طريقي لست أدري!
- أجديد أم قديم أنا في هذا الوجود
- ... هل أنا حر طليق أم أسير في القيود
- هل أنا قائد نفسي في حياتي أم مقود
- ... أتمنى أنني أدري ولكن لست أدري!
إلى أن يقول ملمحاً إلى أنه لم يجد سعادته وبغيته في الدين (ويعني به الدين النصراني المحرّف! فلا تثريب عليه!):
-
قد دخلت الدير عن الفجر كالفجر الطروب
- ... وتركت الدير عند الليل كالليل الغضوب
- كان في نفسي كرب، صارفي نفسي كروب
- ... أمن الدير أم الليل اكتئابي؟ لست أدري!
- قد دخلت الدير أستنطق فيه الناسكينا
- ... فإذا القوم من الحيرة مثلي باهتونا
- غلب اليأس عليهم، فهم مستسلمونا
- ... وإذا بالباب مكتوب عليه… لست أدري!
4- ومن ذلك: تصريحه بأنه لا يؤمن بالبعث بعد الموت، وسخريته من ذلك! بقوله في الجداول (ص34):
-
فقلت: أينهض من في القبور
- ... وفوقهم التراب والجندل؟
- أجاب الصدى ضاحكاً ساخراً
- ... إلى كم تحار وكم تسأل؟
- فمن حسب العيش دنيا وأخرى
- ... فذا رجل عقله أحول!
وقوله (2):
-
غلط القائلون إنا خالدون - ... كلنا بعد الردى هيُّ بن بيّ
5- ومن انحرافاته إنكاره لجهنم ! كما في قوله في الخمائل (ص52):
-
عبدوا الإله لمغنمٍ يرجونه
- ... وعبدت ربك لست تطلب مغنما
- كم روَّعوا بجهنمٍ أرواحنا
- ... فتألمت من قبل أن تتألما
- زعموا الإله أعدها لعذابنا
- ... حاشا؛ وربك رحمة، أن يظلما
- ليست جهنم غير فكرة تاجر
- ... الله لم يخلق لنا إلا السما !
6- ومن انحرافاته أنه شابه إخوانه من أدباء المهجر في اعتناقه لمبدأ التناسخ! ، يقول أبو ماضي:
-
لا تجزعي فالموت ليس يضيرنا
- ... فلنا أياب بعده ونشور
- فسترجعين خميلة معطارة
- ... أنا في ذراها بلبل مسحور
- أو جدولا مترقرقا مترنما
- ... أنا فيه موج ضاحك وخرير
- أو ترجعين فراشة خطارة
- ... أنا في جناحيها الضحى الموشور
-
أو نسمة أنا همسها وحفيفها
- ... أبداً تطوف في الربى وتدور(3)
7- ومن انحرافاته: أخذه بمبدأ اللذة ، كما في قوله(4) :
-
قم بادر اللذات قبل فواتها
- ... ما كل يومٍ مثل هذا موسمُ
أخيراً : فقد صرح أبو ماضي في مقابلته مع الأديب محمد قرة علي عندما زار لبنان عام 1947م بأنه "لم يؤمن يوماً واحداً "(5) !!
والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين
__________
(1) … كما في (إيليا أبو ماضي شاعر المهجر الأكبر، لزهير ميرزا، ص 341-342).
(2) … إيليا أبو ماضي شاعر السؤال والجمال، لخليل بوهومي، ص 85.
(3) … الجداول ( ص 181)(52/339)
(4) … انظر: (إيليا أبو ماضي بين التجديد والتقليد) لطالب زكي طالب، ص 154.
(5) … إيليا أبو ماضي شاعر السؤال والجمال ، ص 109 - 112.
===================(52/340)
(52/341)
نظرة شرعية في أدب (يوسف إدريس)
ترجمته(6):
هو: يوسف إدريس علي، كاتب قصص، مسرحي، وروائي.
ولادته: 1927 في البيروم (قرب دمياط)، مصر.
وفاته: 1/8/1991، عن 64 سنة .
ثقافته: حائز على بكالوريوس في الطب، 1947-1951؛ تخصص في الطب النفساني.
(6) … نقلاً عن (أعلام الأدب العربي المعاصر) لروبرت كامبل (2/233-237)
حياته في سطور: طبيب بالقصر العيني، القاهرة، 1951-1960؛ حاول ممارسة الطب النفساني سنة 1956، مفتش صحة، صحفي محرر بالجمهورية، 1960، كاتب بجريدة الأهرام، 1973 حتى عام 1982. حصل على كل من وسام الجزائر (1961) ووسام الجمهورية (1963 و 1967) ووسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى (1980). سافر عدة مرات إلى جل العالم العربي وزار (بين 1953 و 1980) كلاً من فرنسا، إنجلترا، أمريكا واليابان وتايلندا وسنغافورة وبلاد جنوب شرق آسيا. عضو كل من نادي القصة وجمعية الأدباء واتحاد الكتاب ونادي القلم الدولي. متزوج وله ثلاثة أولاد.
السيرة:
ولد يوسف إدريس في 19 مايو 1927 وكان والده متخصصاً في استصلاح الأراضي ولذا كان متأثراً بكثرة تنقل والده وعاش بعيداً عن المدينة وقد أرسل ابنه الكبير (يوسف) ليعيش مع جدته في القرية.
ولما كانت الكيمياء والعلوم تجتذب يوسف فقد أراد أن يكون طبيباً. وفي سنوات دراسته بكلية الطب اشترك في مظاهرات كثيرة ضد المستعمرين البريطانيين ونظام الملك فاروق. وفي 1951 صار السكرتير التنفيذي للجنة الدفاع عند الطلبة، ثم سكرتيراً للجنة الطلبة. وبهذه الصفة نشر مجلات ثورية وسجن وأبعد عن الدراسة عدة أشهر. وكان أثناء دراسته للطب قد حاول كتابة قصته القصيرة الأولى، التي لاقت شهرة كبيرة بين زملائه.
ومنذ سنوات الدراسة الجامعية وهو يحاول نشر كتاباته. وبدأت قصصه القصيرة تظهر في المصري وروز اليوسف. وفي 1954 ظهرت مجموعته أرخص الليالي. وفي 1956 حاول ممارسة الطب النفسي ولكنه لم يلبث أن تخلى عن هذا الموضوع وواصل مهنة الطب حتى 1960 إلى أن انسحب منها وعين محرراً بجريدة الجمهورية وقام بأسفار في العالم العربي فيما بين 1956-1960.
وفي 1957 تزوج يوسف إدريس.
وفي 1961 انضم إلى المناضلين الجزائريين في الجبال وحارب معارك استقلالهم ستة أشهر وأصيب بجرح وأهداه الجزائريون وساماً إعراباً عن تقديرهم لجهوده في سبيلهم وعاد إلى مصر، وقد صار صحفياً معترفاً به حيث نشر روايات قصصية، وقصصاً قصيرة، ومسرحيات.
وفي 1963 حصل على وسام الجمهورية واعترف به ككاتب من أهم كتّاب عصره. إلا أن النجاح والتقدير أو الاعتراف لم يخلّصه من انشغاله بالقضايا السياسية، وظل مثابراً على التعبير عن رأيه بصراحة، ونشر في 1969 المخططين منتقداً فيها نظام عبد الناصر ومنعت المسرحية، وإن ظلت قصصه القصيرة ومسرحياته غير السياسية تنشر في القاهرة وفي بيروت. وفي 1972، اختفى من الساحة العامة، على أثر تعليقات له علنية ضد الوضع السياسي في عصر السادات ولم يعد للظهور إلا بعد حرب أكتوبر 1973 عندما أصبح من كبار كتّاب جريدة الأهرام.
مؤلفاته:
قصص:
أرخص الليالي، القاهرة، سلسلة "الكتاب الذهبي"، روز اليوسف، ودار النشر القومي، 1954.
جمهورية فرحات، قصص ورواية قصة حب، القاهرة، سلسلة "الكتاب الذهبي" روز اليوسف، 1956. مع مقدمة لطه حسين. صدرت جمهورية فرحات بعد ذلك مستقلة، ثم مع ملك القطن، القاهرة، دار النشر القومية، 1957. وفي هذه المجموعة رواية: قصة حب التي نُشرت بعدها مستقلة في كتاب صادر عن دار الكاتب المصري بالقاهرة.
البطل، القاهرة، دار الفكر، 1957.
حادثة شرف، بيروت، دار الآداب، والقاهرة، عالم الكتب، 1958.
أليس كذلك؟، القاهرة، مركز كتب الشرق الأوسط، 1958. وصدرت بعدها تحت عنوان: قاع المدينة، عن الدار نفسها.
آخر الدنيا، القاهرة، سلسلة "الكتاب الذهبي" روز اليوسف، 1961.
العسكري الأسود، القاهرة، دار المعارف، 1962؛ وبيروت، دار الوطن العربي، 1975 مع رجال وثيران والسيدة فيينا.
قاع المدينة، القاهرة، مركز كتب الشرق الأوسط، 1964.
لغة الآي آي، القاهرة، سلسلة "الكتاب الذهبي" ، روز اليوسف، 1965.
النداهة، القاهرة، سلسلة "رواية الهلال"، دار الهلال، 1969؛ ط2 تحت عنوان مسحوق الهمس، بيروت، دار الطليعة، 1970.
بيت من لحم، القاهرة، عالم الكتب، 1971.
المؤلفات الكاملة، ج 1:القصص القصيرة، القاهرة، عالم الكتب، 1971.
ليلة صيف، بيروت، دار العودة، د.ت. والكتاب بمجمله مأخوذ من مجموعة: أليس كذلك؟
أنا سلطان قانون الوجود، القاهرة، مكتبة غريب، 1980.
أقتلها، القاهرة، مكتبة مصر، 1982.
العتب على النظر، القاهرة، مركز الأهرام، 1987.
روايات:
الحرام، القاهرة، سلسلة "الكتاب الفضي"، دار الهلال، 1959.
العيب، القاهرة، سلسلة "الكتاب الذهبي"، دار الهلال، 1962.
رجال وثيران، القاهرة، المؤسسة المصرية العامة، 1964.
البيضاء، بيروت، دار الطليعة، 1970.
السيدة فيينا، بيروت، دار العودة 1977. (انظر رقم 5 أعلاه) .
نيويورك 80، القاهرة، مكتبة مصر، 1980.
(ج) مسرحيات:(52/342)
ملك القطن (و) جمهورية فرحات، القاهرة، المؤسسة القومية. 1957 مسرحيتان.
اللحظة الحرجة، القاهرة، سلسلة "الكتاب الفضي"، روز اليوسف، 1958.
الفرافير، القاهرة، دار التحرير، 1964. مع مقدمة عن المسرح المصري.
المهزلة الأرضية، القاهرة سلسلة "مجلة المسرح" 1966.
المخططين، القاهرة، مجلة المسرح، 1969. مسرحية باللهجة القاهرية.
الجنس الثالث، القاهرة، عالم الكتب، 1971.
نحو مسرح عربي، بيروت، دار الوطن العربي، 1974. ويضم الكتاب النصوص الكاملة لمسرحياته: جمهورية فرحات، ملك القطن، اللحظة الحرجة، الفرافير، المهزلة الأرضية، المخططين والجنس الثالث.
البهلوان، القاهرة، مكتبة مصر، 1983.
(د) مقالات:
بصراحة غير مطلقة، القاهرة، سلسلة "كتاب الهلال" ، 1968.
مفكرة يوسف إدريس، القاهرة، مكتبة غريب، 1971.
اكتشاف قارة، القاهرة، سلسلة "كتاب الهلال"، 1972.
الإرادة، القاهرة، مكتبة غريب، 1977.
عن عمد اسمع تسمع، القاهرة، مكتبة غريب، 1980.
شاهد عصره، القاهرة، مكتبة مصر، 1982.
"جبرتي" الستينات، القاهرة، مكتبة مصر، 1983.
البحث عن السادات، طرابلس (ليبيا)، المنشأة العامة. 1984.
أهمية أن نتثقف .. يا ناس، القاهرة، دار المستقبل العربي، 1985.
فقر الفكر وفكر الفقر، القاهرة، دار المستقبل العربي، 1985.
خلو البال، القاهرة، دار المعارف، 1986.
انطباعيات مستفزة، القاهرة، مركز الأهرام للترجمة والنشر، 1986.
الأب الغائب، القاهرة، مكتبة مصر، 1987.
عزف منفرد، القاهرة، دار الشروق، 1987.
الإسلام بلا ضفاف، القاهرة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1989.
مدينة الملائكة، القاهرة، الهيئة المصرية…، 1989.
الإيدز العربي، القاهرة، دار المستقبل العربي، 1989.
على فوهة بركان، محمود فوزي، القاهرة، الدار المصرية اللبنانية، 1991. حوار.
ذكريات يوسف إدريس، القاهرة، المركز المصري العربي للنشر والصحافة والتوزيع، 1991.
لمحة عنه:
يعد يوسف إدريس أحد كتاب القصة من أصحاب التوجه (الشيوعي) (الاشتراكي)، من الذين يرون الحل الأمثل للبلاد الإسلامية أن تقوم بتطبيق (الشيوعية الاشتراكية)، ولهذا فقد سخر فنه لنشر هذا الكفر الخبيث، من خلال تركيزه في رواياته وقصصه على الجانب الاقتصادي، وأنه هو الأساس لما عداه، وشحن تلكم القصص والروايات بالجنس والترويج له، والتعاطف مع البغايا والمومسات والتماس الأعذار لهن، وفق فلسفته الاشتراكية.
يقول الدكتور عبد الحميد القط: "إن يوسف إدريس كان شيوعياً منذ التحق بالجامعة، وذاك قبل سنة 1952" (يوسف إدريس والفن القصصي، ص 129).
أما الدكتور أحمد هيكل فيصفه بأنه "اشتراكي يعالج هموم الطبقات الكادحة" (المرجع السابق، ص131).
ويقول صاحب كتاب "الإبداع القصصي عند يوسف إدريس" بأن إدريس "يؤمن بأن الهدف النهائي هو خلق المجتمع الاشتراكي" (ص 78).
ويقول الدكتور شاكر النابلسي عنه: "كان شيوعياً" (مباهج الحرية في الرواية العربية، ص237).
وبين أن انفصاله عن الشيوعيين بعد عام 1958 لا يعني تخليه عن الاشتراكية، بل "ظل يؤمن بالاشتراكية" (المرجع السابق، ص238).
وتقول الدكتور نادية فرج "نشأ يوسف إدريس في الفترة السابقة على ثورة عبد الناصر، ومثل معاصريه ثار إدريس ضد مظالم الإدارة الاستعمارية والأرستقراطية الفاسدة، وعلى رأسها الملك فاروق. وكما ذكرنا آنفاً، اشترك يوسف إدريس وهو طالب في المظاهرات، سنة 1951، وكان يومئذ سكرتير لجنة الطلبة. فأسهم بنصيب ملحوظ في ثورة الطلبة، ونشر بالمجلات مقالات تعبر عن آرائه. ولما نجحت ثورة عبد الناصر ابتهج بنجاحها ورحب بقيامها، ولكنه -كان شأنه شأن جميع الثوريين والمثقفين (بما فيهم عبد الناصر نفسه)- كان ينشد العثور على أيديولوجية جديدة تلائم احتياجات وطنه وتصلح المظالم التي يقاسي منها الشعب.
وبدت الاشتراكية الجواب الشافي من كل هذه الآلام والشرور التي سادت الفترة السابقة على الثورة. وفي مسرحية يوسف إدريس الأولى" ملك القطن" صور كفاح الفلاحين ضد مالك الأرض. ورسم العذاب الذي عاناه الفلاحون باحترام عميق، بحيث لا يسع المتفرج إلا المشاركة في هذا الألم الإنساني. وفي هذه المسرحية تبدو الاشتراكية الحل لما ابتلي به الفلاحون.
وفي سنة 1956 نجد دعوة أخرى إلى تحطيم الرأسمالية وانتصار الاشتراكية في مسرحية يوسف إدريس "جمهورية فرحات". وفيها يروي البطل "فرحات" حلمه بجمهورية كاملة يتشارك الجميع. تحت ظلالها في الصحة والصحة والثروة والتعليم، فهو حلم بيوتو بيار ومانسية.
وفي ذلك الحين بدأ معروفاً في مصر أن يوسف إدريس يبحث عن نظام جديد، وحلم باشتراكية يتسنى في إطارها الحصول بسرعة على المساواة والديموقراطية والحرية والازدهار واحترام الذات والكرامة. وذهب إلى حد الانخراط في الحزب الشيوعي، ظناً منه أن هذه أسرع وسيلة لتحقيق حلمه" (يوسف إدريس والمسرح المصري الحديث، ص 139-140) .(52/343)
قلت: ولأجل هذا فقد اصطبغت روايات وقصص يوسف إدريس بالصبغة الاشتراكية (في معظمها) ؛ من حيث ادعاء الوقوف مع الطبقة الكادحة والمظلومين، والإغراق في قصص الجنس ومحاولة ترويجه، والتعاطف مع البغايا والمومسات والواقعين في الحرام بأنواعه.
-مما لاحظه المتابعون على يوسف إدريس (تلونه) و (تقلبه خلف المصلحة). ومما يشهد لهذا :
أنه "في الخمسينيات والستينيات كان أحد رموز اليسار ثم وجدناه في عهد السادات الذي عادى اليسار وقصص جوانحه وجدناه يغير اتجاهه فكان أقرب ما يكون للتأييد.. لكنه بعد موت السادات ألف كتابه المصادر: (البحث عن السادات) ولا أدري لماذا لم ينشره في عهد (الرئيس) حتى ولو خارج مصر إن كان يؤمن بما قاله في كتابه!، وبعد عودة الأحزاب وجدناه يعود إلى ركاب (حزب الوفد) مؤيداً! (المجلة العربية، العدد 149).
ومن ذلك: أنه حينما يزور السعودية يكيل المديح لها كيلاً، لكننا نفاجأ أحياناً بتهجمات منه عليها، بلا مبرر، كما في كتابه (فقر الفكر وفكر الفقر) وكتاب (عزف منفرد) وكتاب (جبرتي الستينات، ص124 وما بعدها)
وقد اعترف هو بهذا التلون؛ وإن كان قد ادعى أنه يدور مع الحق !!، فهو لما سئل عن ما يلاحظ عليه من تقلب بين اليسارية والرأسمالية قال :"أنا أدافع عن الحق، ولو أن الرأسمالية معها حق فأنا بالتالي معها، ولو أن الاشتراكيين معهم حق فأنا معهم" ! (مجلة أكتوبر، العدد 658، نقلاً عن المجلة العربية، العدد 149).
انحرافاته:
1-أعظم انحرافاته: أنه اتخذ من (الفكر الشيوعي الاشتراكي) أيدلوجية له في أعماله، ومعلومٌ الحكم الشرعي لهذه النحلة الخبيثة المعادية للإسلام وأهله، والداعية إلى أنواع كثيرة من المحرمات، على رأسها الكفر بالله، والاستهزاء بشرعه .
2-من انحرافاته: إغراقه الفاحش في الجنس وتصويره في قصصه ورواياته في صورة نظيفة أو مدافع عنها، مع التماس العذر للبغايا والمومسات والساقطات في قصصه.
يقول الدكتور عبد الحميد القط بأن إدريس :"يتخذ الجنس أداة لهدم كل قداسة تحيط بالقيم الاجتماعية السائدة التي يراها تتنافى مع روح العصر" ! (يوسف إدريس والفن القصصي، ص 154-155) .
ويقول :" نرى الكاتب كثيراً ما تصطبغ أعماله -وبخاصة القصصية- صبغة جنسية صارخة، حيث يتخذ من عنصر الجنس محوراً أساسياً تدور حوله القصة" (المرجع السابق، ص155) .
ويوسف إدريس يصور -كما سبق- سقوط البغايا والفاجرات بأنه سقوط حتمي نتيجة للظروف الاقتصادية ! مدافعاً عنه أشد الدفاع، ومتعاطفاً مع أصحابه.
يقول الدكتور القط: "إننا يجب أن نتوقف قليلاً عند موضوع "السقوط" عنده، لأنه موضوع متكرر، نراه في "قاع المدينة" 1958 وفي "الحرام" 1959، وفي "حادثة شرف" 1959 وفي "السيدة فينا" مجموعة "العسكري الأسود" 1962 وفي رواية "العيب،1962 وفي "الستارة" و"الغريب" مجموعة آخر الدنيا، و"في هذه المرة" في مجموعة "لغة الآي آي" وفي "النداهة"، و" العملية الكبرى"، و"دستور. . يا سيدة" مجموعة النداهة 1969، وفي "بيت من لحم" ، و"أكان لابد ياليلى أن تضيئي النور" ويلاحظ أن السقوط عنده يمثل حتمية طبيعية في بعض الأحيان مما يقربه من زولا ويبعده عن اتجاه الواقعيين إلى حد ما. وتتضح هذه الحتمية في قصة "النداهة" حيث تشعره المرأة أنها ستسقط لا محالة. فهي رغم تجنبها للأفندي تشعر بأن لحظة السقوط آتية لا ريب فيها. مما لا يتيح لها فرصة الحركة الحرة. ومما يجعلها تستسلم للأفندي، وإن كان ذلك الاستسلام يتم رغماً عنها. ولا تسقط المرأة عنده بإرادتها، إلا نادراً، بينما يغلب على السقوط أنه نوع من الاغتصاب. يظهر ذلك في قاع المدينة حيث تسقط "شهرت" مكرهة بعد أن حاول المستشار إغواءها: مراراً. ولكنها تحترف الدعارة بعد ذلك ، من تلقاء نفسها تحت وطأة الظروف الاقتصادية السيئة التي تمر بها.
وتسقط "عزيزة" في رواية "الحرام" مصادفة، ورغم إرادتها، بين أحضان محمد بن قمرين الذي تقاومه مقاومة عنيفة، عندما أراد العدوان عليها أول مرة، ولكنها تستسلم له في المرة الثانية. وتقاوم فاطمة في "حادثة شرف" غريب، ولكن المجتمع الفضولي المتطفل المحيط بها يهدر كرامتها، ويدفعها إلى السقوط. وتكون "سناء" في "العيب" شخصية متماسكة ومثالية. ولكن الظروف المحيطة بها تدفعها إلى السقوط دفعاً، أو بعبارة أدق تدفعها إلى الارتشاء دفعاً، فما تعيشه من أزمة اقتصادية، وعلاقة غير طبيعية في العمل مع زملائها، وزميلاتها، يدفعها في النهاية إلى الارتشاء ثم السقوط. لأنها تريد أن تتشبه بهم في فسادهم وسقوطهم وانحرافهم وتتضح الحتمية الطبيعية في سقوطها، وكأن المؤلف يقرر أن مثل تلك الظروف تؤدي حتماً إلى السقوط.
وفي "بيت من لحم" نلاحظ أن سقوط الفتاة "الوسطى" يعد سلوكاً طبيعياً في مثل ظروفها الاقتصادية والاجتماعية" (المرجع السابق، ص 152-153)
قلت: ومن ذلك أنه في رواية (الحرام) يهدف -كما يقول الدكتور القط- إلى أن "البشر جميعاً يرتكبون الحرام، فإن ظل سراً خفياً فلا جناح عليهم من ارتكابه، أما إذا ظهر فلا بد من تجريم مرتكبيه" (المرجع السابق، ص6).(52/344)
ويقول أيضاً:" تتناول رواية (العيب) أثر العامل الاقتصادي على سلوك الأفراد بخاصة المرأة، فالبطلة "سناء" تتحول من إنسان نظيف له مبادئه وقيمه التي يعتز بها، إلى مجرد ساقطة. وقد كان موقفها من الرشوة يعتبر مؤشراً على مدى قبولها لمداعبات "الجندي" المبتذلة، والتي تمثل الجنس بكل وضوح، فعندما ترفض الرشوة، ترفض في الوقت نفسه محاولاته لإقامة علاقة عاطفية معها، وعندما تتورط في الارتشاء تعرض نفسها على الجندي عرضاً رخيصاً". (المرجع السابق، ص6)
أما رواية (قصة حب) فيصور فيها إدريس المرأة المتحررة من الشرع، بأجمل صورة وأبهاها، في شخصية (فوزية) المتحررة.
وكذلك فعل في روايته (البيضاء) عندما صور (سانتي) اليونانية الأصل مثالاً بهياً للمرأة العصرية المتحررة التي ينبغي على النساء محاكاتها في تصرفاتها العصرية مع صاحبها الطبيب (يحي)، حيث كانت وهي المتزوجة! "تذهب معه إلى شقته وتتحدث معه، وتشرب معه القهوة والسجائر، وتسمع منه ما يكتب لها من خطابات عاطفية، أو تقرأ هي ما كان يكتب لها من خطابات عاطفية، وتستمع معه إلى مقطوعات (موزارت) و(رحمانوف) وتناقشه في أمور كثيرة عامة، وهي واثقة من نفسها، دون خوف أو وجل، كأي صديق آخر" !! (مباهج الحرية في الرواية العربية، د. شاكر النابلسي، ص249).
ومع هذا كله -كما يزعم إدريس- حمت نفسها من السقوط مع صاحبها!!.
فهي دعوة إلى تهييج النساء على الاختلاط المحرم والتبذل مع الأجانب، بدعوى أن شخصية المرأة القوية وإرادتها هي التي تحميها من السقوط ومن أرادت عكس هذا، فلن تنفعها الاحتياطات التي يعملها المتشددون!!
وهو في روايته هذه -كما يقول شاكر النابلسي- :"يربط بين ضرورة الحرية الجنسية وبين الحرية العامة، كشرط من شروط الحرية الإنسانية العامة، ومنها حرية الوطن والمواطن في مختلف مجالات الحياة" (المرجع السابق، ص 252).
3-ومن انحرافاته: رده للأحاديث الصحيحة بعقله القاصر، فمن ذلك أنه رد حديث: "إذا وقع الذباب في إناء أحدكم" الذي رواه البخاري، وقال عنه: "هذا حديث غير علمي" !! (يوسف إدريس على فوهة بركان، محمود فوزي، ص44).
4-ومن انحرافاته: قوله "إنه لا يرى تطبيق الشريعة الإسلامية" ! ثم يقول معللاً "لكون من سيطبقها بشر، حتى ولو كانوا فقهاء فهم عرضة لأخطاء البشر وأهوائهم" !! (المجلة العربية، العدد 149).
5-ومن انحرافاته : قوله : في كتاب "جبرتي الستينات" :"أظننا جمعياً نعرف الأسطورة التي تقول إن سيدنا سليمان مات وهو واقف مرتكز على عصاه، ومع هذا بقيت الجن والإنس والحيوانات تعمل خوفاً منه واعتقاداً منها أنه لا يزال حياً" !! (ص 96).
وما يسميه أسطورة هو ما ذكره الله في كتابه العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه! قال تعالى عن سليمان عليه السلام (فلما قضينا عليه الموت ما دلهم على موته إلا دابة الأرض تأكل منسأته، فلما خر تبينت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين).
6-ومن انحرافاته : زيارته لما يسميه "العتبات المقدسة في النجف وكربلاء والكوفة" !! (المرجع السابق، ص 145). يفعل هذا مداهنة للرافضة، وتعاطفاً معهم. وسيأتي تعاطفه ومداهنته للنصارى! ، مما يشهد بخفه دين الرجل، وأنه لا يعرف ولاءً ولا براءً، إنما يسير خلف أهوائه وعقله.
7-ومن انحرافاته: ترحمه على النصراني (الكافر) سلامة موسى!! (كما في المرجع السابق، ص 68).
8-ومن انحرافاته: استجابته للنصراني "الأب!! ميخائيل زيادة" عندما كان يعالج في أمريكا، لما دعاه "للذهاب إلى الكنيسة المصرية يوم الأحد …. لكي يدعو لي الرب أن يأخذ بيدي" !! (مفكرة د.يوسف إدريس: الإرادة، ص28). ثم اعترف بأنه صلى صلاتهم ! ولكنه قرأ فيها "قل هو الله أحد" !! -نعوذ بالله من حاله-.
9-ومن انحرافاته : تشنيعه وذمه للجماعات الإسلامية، (كما في كتابه السابق، ص 161-162).
10-ومن انحرافاته: حزنه الشديد على وفاة الشيوعي الصيني الشهير (ماوتسي تونج)، وقوله عنه :"إن ماوتسي تونج كان أستاذي، أعظم أساتذتي على الإطلاق" !! (المرجع السابق، ص 195) .
بل إنه من جنونه بهذا الشيوعي نشر مقالاً في جريدة الأهرام بتاريخ 17/9/1976م بعنوان "المسلم … ماوتسي تونج" !! وقد ردت عليه مجلة المجتمع الكويتية -جزاهم الله خيراً- (انظر: المجتمع، عدد 320).
11-ومن انحرافاته : قوله :"التراث سخيف، وليس فيه شيء للقراءة" "يجب أن نحرق كتب التراث؛ لأنها كلها تخريفات وزخارف لغوية" !! (مقابلة مع مجلة البلاغ البيروتية، نقلاً عن مجلة المجتمع، العدد 183، وقد ردت عليه مشكورة).
12-ومن انحرافاته : قوله في المقابلة السابقة: "إن الكاتب هو نبي العصر الحديث، وكل الأنبياء كانوا كتاباً" !!
ملحق في رد البهنساوي عليه:
قال المستشار سالم البهنساوي في كتابه (تهافت العلمانية في الصحافة العربية) (ص 231-233): "نشرت جريدة الأهرام مقالاً للدكتور "يوسف إدريس" بعنوان "جولة في عقول القراء" وذلك بتاريخ 5/1/1985.(52/345)
وهذا المقال ذكر فيه لب الخلاف حول تطبيق الشريعة الإسلامية فقال: (لب الموضوع أن أحداً لا ينادي أبداً بعدم تطبيق الشريعة الإلهية الإسلامية، إنه يكون مجنوناً لو فعل ذلك، فالشرائع السماوية كلها وعلى رأسها الإسلام؛ فوق أنها أمر الله سبحانه وتعالى، إلا أنها لم تأت إلا لتقيم العدل السياسي بمبدأ الشورى، والعدل الاقتصادي بمبدأ الزكاة، والعدل الاجتماعي بالمساواة التامة بين البشر. من هو المجنون الذي يعترض على شريعة الله؟ ).
ثم قال (إنما المشكلة أن الشريعة حقاً وصدقاً شريعة الله ولكن من يطبق تلك الشريعة؟ أليسوا هم البشر) وانتهى إلى أن نقد أقوال هؤلاء لا تعني الاعتراض على شريعة الله؛ لأن هؤلاء بشر يخطئون ويصيبون ليست لهم عصمة.
ولقد ضرب مثلاً لذلك بالخلاف في تطبيق مبدأ الشورى أو الديمقراطية، فقال الدكتور يوسف إدريس:
يرى الأستاذ "خالد محمد خالد" حتمية تطبيق الديمقراطية حتى تكون الأمة هي مصدر السلطات.
وقال: يجيء شيخنا الكبير الأستاذ "عمر التلمساني" ليعطي تفسيراً مختلفاً باعتبار أن فكرة الديمقراطية نفسها فكرة غير إسلامية.
ثم قال: إن الأستاذ "عمر عبد الرحمن" يرى شيئاً ثالثاً مختلفاً تماماً فيقول إن الأمة ليست مصدر السلطات.
وانتهى الدكتور يوسف من ضربه لهذه الأمثال ولما يعرض في البرامج الدينية في التلفزيون والإذاعة، انتهى إلى أنه اكتشف أن غسيلاً يجري للمخ العربي والمصري حول المفاهيم الشرعية، ونادى بعلاج هذه الظاهرة ونقدها لأن البشر الذين يطبقون الشريعة لا يتنزل عليهم الوحي من السماء حتى يكون رأيهم هو حكم الله الذي لا اعتراض عليه.
الخلاف الرفيع وتحديد المفاهيم(1) :
لهذا وإذا قمنا نساهم في هذا الحوار فيجب أن نحدد سبب الخلاف، وأن نقبل جميعاً الحوار العلمي ورحم الله الإمام الشافعي إذ يقول: رأينا صواب يحتمل الخطأ ورأى غيرنا خطأ يحتمل الصواب.
إن الخلاف القائم بين العلماء المعاصرين حول موقف الإسلام من النظام الديمقراطي، ليس نابعاً في حقيقته من عدم وضوح الحكم الإسلامي في هذه المسألة، بل نبع الخلاف من اختلاف هؤلاء في أمر الديمقراطية نفسها، ولهذا يُقرر فقهاء الأصول في الفقه الإسلامي قاعدة هامة هي أن الحكم على الشيء فرع من تصوره.
لهذا فمن تصور الديمقراطية من جانب واحد هو أنها تخول أغلبية النواب الحق في إصدار التشريع الذي يرونه، حتى لو أباح الزنا والشذوذ كما هو كائن في بعض العواصم الأوروبية من تصور ذلك قال: إن الديمقراطية تتعارض مع الإسلام حيث أن أحكام الحلال والحرام وردت قطعية في القرآن والسنة ولا يحل التغيير والتبديل فيها حيث قال الله تعالى (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم)(2).
أما من تصور الديمقراطية من جانبها الآخر، وهو أنها تخول الشعب عن طريق نوابه حق تعيين الحاكم ومحاسبته وعزله وحق إصدار القوانين فيما لا يتعارض مع الدستور الإسلامي، فقال إن الديمقراطية نظام إسلامي واستند في ذلك إلى قول الله تعالى (وأمرهم شورى بينهم) (3) وإلى قول صلى الله عليه وسلم "لا يحل لثلاثة نفر يكونون بأرض فلاة إلا أمروا عليهم أحدهم"(4)
وهذا الخلاف لا وجود له في ظل الدستور الذي ينص على أن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع؛ لأن من قواعد النظام الديمقراطي، قاعدة دستورية القوانين، ومن مقتضاها عدم جواز إصدار قانون يخالف الدستور، وعدم جواز إصدار لائحة أو قرار يخالف القانون ولا يخفى على أولي الفقه والرأي أن كل أمة وكل شعب يضع لنفسه مقومات أساسية، ليتضمنها دستور هذه الأمة الذي يلتزم به النواب والحكام والقضاة، فلا يجوز إصدار ما يخالفه، ولهذا فالدول التي اختارت الماركسية مذهباً اجتماعياً يحظر دستورها إصدار قانون يخالف هذا المذهب. والدول التي اختارت المذهب الرأسمالي، يتضمن دستورها نصاً يحظر إصدار قوانين تخالف هذا المذهب أي تغير المجتمع ليصبح شيوعياً.
__________
(1) … نشر هذا المقال في جريدة اللواء الأردنية بتاريخ 26/5/1987 بعد أن ظل لدى الدكتور يوسف إدريس أكثر من عام وبعد أن رفضت بعض الصحف الكويتية نشره، ولكن الدكتور يوسف إدريس في مقاله المنشور بالأهرام يوم 8/2/1988 ذكر أنه كان يعترض على الآراء المؤدية إلى نبذ العلم والتكنولوجيا، وأن ما شاهده من أعمال شباب الجماعات الإسلامية يجعله يقول: اللهم إن كان التيار الإسلامي هكذا، فأنا أول المنضمين إليه، فإذا شئتم حزباً يبشر بهذا ويعمل به، يخاطب العقل فينا وينهرنا عن الغوغائية فخذوني معكم" .
(2) … الأحزاب (36).
(3) … الشورى (38).
(4) … سنن أبي داود الحديث 2608، 2609.(52/346)
وعلى هذا الأساس فاختيار الديمقراطية في المجتمع الإسلامي يكون مسبوقاً بدستور ينص على أن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع، ويحدد حقوق الأمة وحقوق الحاكم وواجباته بما لا يخرج عن القواعد المجمع عليها بين فقهاء المسلمين، ومن بينها أن المال في الإسلام وظيفة اجتماعية فليس لأصحابه الحق المخول لنظرائهم في النظم الرأسمالية ولهذا فرض الإسلام الزكاة وحرم الاحتكار، وحمى حقوق الفقراء والمستضعفين في المال العام، وهذا ما عبّر عنه صلى الله عليه وسلم بقوله "لا حمى إلا لله ولرسوله"، كما جعل الإسلام في المال حقوقاً أخرى غير الزكاة حسبما فصله الفقهاء المسلمون.
ومن هذه القواعد أن تطبيق الإسلام لا يبدأ بالحدود وإنما يسبقه توفير المأكل والملبس والمسكن للمواطنين، وتوفير سبل تكوين الأسرة، ولهذا لم يقم أمير المؤمنين عمر بن الخطاب بإقامة الحد على اثنين من العمال سرقا من مال مخدومهما لأنه لم يوفر لهما سبل العيش مما اضطرهما للسرقة.
وأمير المؤمنين لم يوقف حد السرقة كما يفهم البعض خطأ، بل طبق الشروط والموانع الشرعية بالتالي إعمالاً لهذه الموانع لم يطبق الحد على هؤلاء" انتهى.
===================(52/347)
(52/348)
نظرة شرعية في فكر (نوال السعداوي)
هي نوال السيد السعداوي: أبرز داعيات تحرير المرأة في عالمنا اليوم .
ولدت عام 1931م بالقاهرة.
تعلمت في مدرسة منوف الابتدائية 1939-1943م فمدرسة حلوان الثانوية 1943-1948م.
دخلت كلية الطب في قصر العيني بالقاهرة 1949-1954م.
ثم في جامعة كولومبيا، نيويورك، 1965-1966م.
أبرز مناصبها :
طبيبة في مستشفيات القاهرة والريف المصري 1956-1967م.
مديرة عامة للصحة العامة في وزارة الصحة بالقاهرة 1967-1972م.
خبيرة في الأمم المتحدة في أفريقيا والمنطقة العربية 1978-1980م.
عضو كل من نقابة الأطباء المصرية، واتحاد الأدباء في مصر، والجمعية الأدبية المصرية، وجمعية الثقافة الصحية بمصر، والاتحاد الدولي للدفاع عن حقوق المرأة، والاتحاد الدولي للثقافة الصحية، واتحاد خريجات الجامعة في مصر، والاتحاد الدولي لخريجات الجامعة.
متزوجة ولها: ابن وابنة.
مقيمة في المنفى حالياً . ومتفرغة للكتابة.
مؤلفاتها:
قصص:
تعلمت الحب، القاهرة ، مكتبة النهضة، 1961.
حنان قليل ، القاهرة، روز اليوسف، 1961.
لحظة صدق، القاهرة، روز اليوسف، 1962.
الخيط والجدار، وقصص أخرى، القاهرة، دار الشعب، 1972. مع مقدمة لعلي الراعي.
كانت هي أضعف، بيروت، دار الآداب، 1979؛ ط2، القاهرة، مكتبة مدبولي، 1983.
موت معالي الوزير سابقاً، بيروت، دار الآداب، 1980، القاهرة مكتبة مدبولي؛ ط2،1983.
روايات:
مذكرات طبيبة، القاهرة دار المعارف، 1965.
الغائب، القاهرة، المؤسسة المصرية للكتاب، 1967؛ ط2، بيروت، دار الآداب، 1980.
الباحثة عن الحب، القاهرة، المؤسسة المصرية للكتاب، 1970. ونُشر أيضاً بعنوان امرأتان في امرأة، بيروت، دار الآداب، 1977.
موت الرجل الوحيد على الأرض، بيروت، دار الآداب، 1976.
امرأة عند نقطة الصفر، بيروت، دار الآداب، 1977
أغنية الأطفال الدائرية، بيروت، دار الآداب، 1978.
الخيط وعين الحياة: روايتان قصيرتان، القاهرة، مكتبة مدبولي، 1983.
سقوط الإمام، القاهرة، دار المستقبل العربي. 1978.
مذكرات طفلة اسمها سُعاد، القاهرة، منشورات تضامن المرأة العربية، 1990.
الحب في زمن النفط: القاهرة، مكتبة مدبولي، 1992.
دراسات، مسرحيات، مذكرات:
المرأة والجنس، بيروت، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 1971.
الأنثى هي الأصل، بيروت، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 1974.
المرأة والصراع النفسي، بيروت 1977. القاهرة مكتبة مدبولي، 1983.
الوجه العاري للمرأة العربية، بيروت، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 1977.
قضية المرأة المصرية السياسية والجنسية، القاهرة، دار الثقافة الجديدة، 1977.
الرجل والجنس، القاهرة، مكتبة مدبولي، 1977.
الإنسان: اثني عشر امرأة في زنزانة واحدة، القاهرة، مكتبة مدبولي، 1983. مسرحية.
مذكراتي في سجن النساء، القاهرة، دار المستقبل العربي، 1984.
دراسات عن المرأة والرجل في المجتمع العربي، بيروت، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 1986.
ايزيس، مسرحية من فصلين، القاهرة، دار المستقبل العربي، 1986.
رحلاتي حول العالم، القاهرة، دار الهلال، 1986.
عن المرأة، القاهرة، دار المستقبل العربي، 1988.
عن تضامن المرأة العربية، القاهرة، منشورات تضامن المرأة العربية، 1989.
معركة جديدة في قضية المرأة، القاهر' سينا للنشر، 1992.
عن المؤلفة:
الحوادث، 18/10/1985، ص 85-86 مقابلة.
الأدب من الداخل، لجورج طرابيشي، دار الطليعة، 1978. دراسات في أدب نوال السعداوي.
أنثى ضد الأنوثة، لطرابيشي أيضاً، بيروت، دار الطليعة، 1985(؟) دراسة نقدية في أعمال نوال السعداوي.
ملخص فكرها: تدور جميع كتبها وقصصها ومقالاتها على فكرة (تحرير) المرأة من حدود الشريعة، والدعوة إلى مساواتها (في جميع الأمور) بالرجل، بل إنها تغلو في ذلك غلواً عظيماً يستنكره عليها متحررو الرجال قبل غيرهم! .
وتلجأ في سبيل الوصول إلى فكرتها هذه إلى الكذب والتهويل والدعاوى العريضة . وخطواتها في ذلك كالتالي:
تمجيد الفراعنة والإدعاء بأنهم قد سبقوا الأديان السماوية !! ولذلك فقد وصلت المرأة عندهم إلى أن تكون (إلهةً) (الوجه العاري. ص16-22) وأن الدين نشأ من عندهم ! (الوجه العاري. ص28)
ثم جاءت الأديان السماوية -بزعمها- واستفادت مما قبلها ! إلا أنها حطت من شأن المرأة وأعلت من سلطة الذكور (ص 27).
وساعد على ذلك كما تقول السعداوي : (أن المرأة البدائية انشغلت بولادة الأطفال في تلك الفترات التي تطلبت زيادة كبيرة في النسل.. الخ) الهراء (الوجه العاري ص 33) .
لهذا فإنه يكثر في كلامها تمجيد الفراعنة، والطعن في الأديان السماوية وعلى رأسها الإسلام -كما سيأتي- مدعية بأن الأديان قد خفضت من مكانة المرأة -والعياذ بالله-.
كفريات نوال السعداوي:
وهي -قبحها الله- من أشد المنحرفين والمنحرفات تصريحاً بكفرها وزندقتها. فتجدها تطعن وتسخر من الله -عز وجل- بصراحة عجيبة، وتنتقد أحكام الإسلام المتعلقة بالمرأة وترفضها بوضوح. وإليك شيئاً من كفرياتها وبذاءاتها .(52/349)
1-تقول في مقال لها (طويل) في مجلة (إبداع!) (عدد شعبان 1419هـ) تحت عنوان (رواية السيرة الذاتية)(1):
"منذ علمتني أمي الحروف عرفت تكوين كلمة ذات معنى هي اسمي، بدأت أكتبها كل يوم، أربعة حروف متشابكة "نوال"، أحببت شكل الاسم ومعناه النوال أو العطاء، ارتبط بي أصبح جزءاً مني، عرفت اسم أمي "زينب" كتبته إلى جوار اسمي فوق كراستي الصغيرة، أحببت شكل الاسمين معاً ومعناهما كما أحببت نفسي وأمي. أكبر حب في حياتي منذ ولدت كان لنفسي ولأمي، بعد ذلك يأتي الآخرون، منهم أبي، شطب على اسم أمي، وضع اسمه إلى جوار اسمي، ثم وضع اسم أبيه "السعداوي"، رجل مات قبل أن أولد.
ودار في عقلي السؤال: لماذا يشطب أبي اسم أمي؟ ولدتني أرضعتني علمتني الكتابة ترعاني كل يوم؟! يضع مكانه اسم رجل غريب لم أره في حياتي مات قبل أن أولد؟ كرهت اسم الرجل "السعداوي" يلغي اسم أمي من الوجود، سألت أبي عن السبب فقال لي إنها إرادة الله.
كلمة "الله" سمعتها لأول مرة في حياتي من أبي، عرفت أنه يسكن السماء، هو المسئول عن شطب اسم أمي، لم يكن لي أن أحب من يشطب أمي واسمها زينب، أحبها باسمها، جسمها، شكلها، أصابعها الحانية الدافئة تداعب وجهي كشعاع الشمس، صوتها يناديني في الصبح، كل يوم جديد تعلمني كلمات جديدة.
كان لي أخ أكبر مني بعام واحد، كان بليداً في المدرسة وفي البيت، لا يفعل شيئاً إلا اللعب والصراخ والنوم والأكل، لا يرتب سريره ولا يغسل صحنه، أنا أصغر منه مع ذلك أرتب له سريره وأغسل صحنه، أتفوق عليه في واجبات المدرسة وأعمال البيت.
أبي كان يحبه أكثر مني، يدلله ويشتري له طيارة بزنبلك، وبسكليته. في العيد يعطيه ضعف ما آخذ من قروش أو ملاليم، حين أسأل أبي: لماذا؟ يقول: الله قال في كتابه الكريم "البنت نصف الولد"(2).
أصبح الله هو المسئول عن التفرقة بيني وبين أخي دون وجه حق، كما أصبح المسئول عن شطب اسم أمي دون وجه حق أيضاً. قال أبي: إن الله هو الحق، لم أفهم هذه العبارة فكتبت رسالة إلى الله أسأله، كانت أول رسالة أكتبها في حياتي، بدأت كالآتي: يا ربي إذا كنت أنت الحق فلماذا تفرق بيني وبين أخي ولماذا تفرق بين أبي وأمي؟
قالت أمي: إن الله لا يقرأ ولا يكتب، كنت أظن أنه كتب القرآن، أبي يسميه كتاب الله، لم أرسل إلى الله رسالة أخرى، أصبحت أوجه الرسائل إلى أبي، كنت أدرك الصلة بينه وبين الله. كانت رسائلي إلى أبي لا تصل إليه أحرقها قبل أن أرسلها، كما حرقت رسالتي الأولى إلى الله. بدأت أدرك أن الله يملك ناراً حمراء تحرق جلود الناس، تتجدد الجلود بعد الحرق لتحرق مرة أخرى، يستمر الحرق إلى مالا نهاية، عرفت أن مصيري النار لأني أسأل الله، المفروض أن الله لا يسأل عن شيء، فهو يفعل ما يشاء دون أن يحق لمخلوق أن يوجه إليه سؤالاً.
__________
(1) … وأنا قد اخترت -عمداً- هذا المقال؛ لأنه يحتوي على كفريات كثيرة صريحة وقعت من الدكتورة لا يمكن لمسلم يفقه دينه أن يفوه بها. فأعتذر مسبقاً عن إزعاج أسماعكم وأبصاركم بهذه البذاءات والكفريات؛ فإن ناقل الكفر ليس بكافر؛ ولكي يفيق بعض من قد ينخدع بزخارفها من المسلمات اللواتي لا يعلمن كفرياتها عندما يرين ذلك، فيعلمن أيَّ مهوىً سحيق تهوي بهن فيه الدكتورة.
(2) … تشير الفاجرة إلى قوله تعالى (للذكر مثل حظ الأنثيين)، وهو اعتراض على حكم الله الذي لم تفقه حكمته بأسلوب ساخر.
قال أبي: إن الله هو الخالق الكامل، جميع أعماله كاملة، خلق أجسادنا على أحسن تقويم، وجاءت الداية بالموس في ليلة مظلمة وأنا في السادسة من العمر، قطعت عضواً من جسدي قالت إنه أمر الله، لم أستطع أن أسأل الله كيف يأمر بقطع عضو خلقه في أجسادنا، سألت أبي فقال: إن عملية الختان سنة عن رسول الله وليست فرضاً لأنها لم ترد في كتاب الله، ولم أعرف ما الفرق بين السنة والفرض، ورقدت في الفراش أنزف بعد انصراف الداية صاحبة الموس، نزفت أكثر من أسبوعين، الألم كالنار التي تحرق بعد الموت، شفيت بعد ثلاثة أسابيع، نسيت الحادث ربع قرن من الزمان، حتى تخرجت في كلية الطب واشتغلت طبيبة في الريف، بدأت أرى الدايات بأمواسهن الملوثة تقطع في أجساد البنات الأطفال، ينزف الجرح حتى الموت أو ينز الدم والصديد، يترك في جسد كل طفلة عاهة مستديمة.
لم نتعلم في كلية الطب شيئاً عن الختان. لم تكن أعضاء المرأة الجنسية ضمن المقرر، فقط الأعضاء التناسلية والمجاري البولية، أما تلك الأعضاء التي تتعلق باللذة الجنسية أو الرذيلة فهي غير موجودة في كتب الطب الإنجليزية أو العربية.
في طفولتي المبكرة لم أعرف ما هي الرذيلة، قال أبي إن الشيطان مسئول عنها واسمه إبليس، أصبحت أراه في الحلم على شكل رجل يهمس في أذني باللذة المحرمة، التي تحولت إلى ألم يرتبط على نحو ما بالعضو المبتور بالموس في جسدي. كنت أرى الله أيضاً في أحلامي على شكل رجل يحذرني من إبليس، لم أعرف كيف أفرق بين الله وإبليس، كلاهما أراه في الحلم على شكل الرجل.(52/350)
في التاسعة من عمري وقع لي حادث آخر مؤلم، نزيف دموي أصابني من حيث لا أدري، أشد خطراً من حادث الختان، لأنه يتكرر لمدة أربعة أيام كل شهر. لا ينقطع عني إلا بعد أن يبلغ عمري نصف قرن، ورد ذكره في كتاب الله إنه "أذى" بمعنى النجاسة، على الرجال أن يهجروا النساء في هذه الأيام حتى يطهرن .
كنت أنكمش في الركن بعيداً عن الناس أخفي الألم في ذاكرتي، لم يكن لي أن أسأل سؤالاً دون أن أمس المقدس، الله في سمائه العلياء، أما إبليس فقد قرأت قصته في المدرسة. أمره الله بالسجود لآدم فرفض، قصة لا علاقة لها بالختان أو المحيض أو آلامي الجسدية والنفسية. أدركت وأنا في العاشرة من العمر أن إبليس برئ على نحو ما)!
وتقول: (في الثالثة عشر من عمري كنت تلميذة بالمدرسة الثانوية في حلوان. طلب منا أحمد أفندي مدرس اللغة العربية أن نكتب شيئاً من الذاكرة في كراسة الإنشاء، كانت ذاكرتي الطفولية قد اندثرت تحت اسم المحرم، الجنس أو الدين، نسيتهما مع أحداث طفولتي بما فيها الحب الأول وأنا في العاشرة من العمر، ومفهوم الشرف يتعلق بغشاء خلقه الله في أجساد البنات فقط، لم يخلقه في أجساد الأولاد لأن الذكور ليس لهم شرف يتعلق بشيء في أجسادهم.
كتبت لأحمد أفندي في كراسة الإنشاء سيرة ذاتية لطفلة اسمها سعاد. غيرت اسمي واسم أبي وجدي السعداوي حتى لا يدرك أحمد أفندي أنني أكتب عن نفسي، تفاديت المحرمات الكبيرة التي تتعلق بالرءوس الكبيرة مثل أبي والله وجدي وعمي الشيخ محمد وخالي يحيي وزكريا وغيرهم من الذكور.
إلا أن ذاكرتي اللاإرادية كانت تتسرب من بين السطور، في المساحات الخالية بين السطر والسطر، كنت أكتب على سطر وأترك سطراً خالياً يتسع لأي شيء، وقد سألت سعاد أباها سؤالاً لم أسأله لأبي، وهو كيف ينفذ الله من خلال الجدران ويراها في دورة المياه؟ كانت سعاد تخجل من رفع ملابسها، تتصور أن الله رجل يطل عليها من السقف، قال لها أبوها إن الله ليس ذكراً أو أنثى وهو روح بلا جسد، كان أبوها يخاطب الروح بصيغة المؤنث فيقول الروح لا يعلمها أحد، وبدأت سعاد تخاطب الله بصيغة المؤنث باعتباره روحاً، غضب أبوها، أمرها أن تشطب على صيغة المؤنث، مع ذلك كان يؤكد لها أن الله روح فقط يختلف عن الإنسان الذي يملك الروح والجسد، تصورت سعاد أن الإنسان يملك أكثر مما يملكه الله، لأن عنده الجسد أيضاً بالإضافة إلى الروح) .
وتقول: (بدأت في تلك الفترة من شتاء 1059 أكتب سيرتي الذاتية تحت عنوان "مذكرات فتاة غير عادية". كنت أشتغل طبيبة جراحة في مستشفى الصدر بالجيزة، وعيادتي الطبية في ميدان الجيزة، أتحمل في البيت مسئولية لا يتحملها الرجال، في المستشفى والعيادة أعالج الرجال والنساء، أنقذ أرواحهم وأجسادهم من الموت، إلا أن القانون والشرع يراني نصف رجل، لا أستطيع أن أدلي بشهادة المحكمة كإنسانة كاملة، ليس لي حق الولاية على أخواتي القاصرات، لا يمكن لي السفر دون إذن مكتوب من زوجي، يملك حقوقاً لا أملكها منها الطلاق، تعدد الزوجات، ما يسمى "قوامة الرجل" على المرأة رغم أنني أتحمل مسئولية الإنفاق.
رفضت كل هذا كان معي المنطق والعدل والحق. إلا أن الشرع والدين لم يكن معي، هنا اصطدمت بالمقدس. بدأت أبحث كيف نشأ هذا المقدس في التاريخ. وصلت إلى الحضارة المصرية القديمة، كانت الإلهة الأنثى رمز المعرفة والعدل والصحة، الإلهة "سخمت" نقيبة الأطباء في مصر منذ سبعة آلاف عام، "معات" هي رئيسة القضاء وإلهة العدل، لا يمكن للمرأة أن تكون قاضية اليوم.
في طفولتي سمعت أبي يقول: الجنة تحت أقدام الأمهات، أحد النصوص المقدسة بعد موت أمي رأيتها في الحلم تعاني الوحدة والحزن في حياتها الجديدة بالجنة. كان أبي مخلصاً لها طوال حياته، في الجنة تخلى عن هذا الإخلاص تركها وحيدة وانشغل بالعذروات والحوريات، يشف بياضهن من تحت الساق، له منهن اثنين وسبعين حورية، تعود الواحدة منهن عذراء تمزق الغشاء، ليتمزق من جديد كالجلود المحروقة في النار تتجدد.
كان أبي رقيق الطبع فهل يتحول بعد الموت إلى آله ذكورية شديدة القسوة والغباء لا عمل لها إلا تمزيق أغشية العذروات؟ أمي حكت لي آلامها ليلة الزفاف، هذا الألم تعرفه كل امرأة فكيف تتكرر هذه المأساة كل ليلة؟
ألا تكون النار أفضل للنساء من الجنة؟ وكيف تتحول أمي إلى عذراء بعد أن ولدت تسعة من العيال؟)
ومن أقوالها الكفرية - أخزاها الله-:
(لتذهب وزارة الصحة إلى الجحيم، لا أريد أن أبقى فيها ولا أريد السفر، كل ما أريد هو أن أحاجج الرب كما حاججه سيدنا أيوب، عندي من الصبر ما كان عنده ويزيد…) (أوراقي حياتي 2/160).
(في الليل تحوطني أختي بذراعيها، تنشج بصوت مكتوم، وتحكي قصة أمها. زارها الله في الحلم وحملت منه مثل مريم العذراء..) (سقوط الإمام،23).
(لم يكن لجسد أمي عورة إلا الثدي الواحد، كالإله ذو الثدي الواحد..). ((السابق،166)
(أصحو من النوم والدنيا ظلام. جسمي مبلل بالعرق وله رائحة الله). (السابق، 23)
(أغمضت عيني لأنام، رائحة الله في أنفي). (السابق، 23-24).(52/351)
وفي حوار لها مع صاحبها النصراني ! قال لها : (أتؤمنين بالله يا دكتورة نوال؟)
قالت: (منذ الطفولة يدور السؤال في رأسي، أخاف أن أقول: لا أؤمن، وإذا قلت: أؤمن، أخشى ألا أكون صادقة) (أوراقي حياتي 2/154).
طعونها في الإسلام وشرائعه:
تقول : (كان المجتمع العربي كغيره من المجتمعات الإنسانية يتحول تدريجياً من النظام الأموي إلى النظام الأبوي بازدياد سلطة الرجل واحتكاره للأنشطة الاقتصادية، وبانحسار دور المرأة خارج البيت أو في أعمال الإنتاج، وبمساندة الدين الإسلامي للنظام الأبوي). (الوجه العاري، 65).
(وقد ظهر الإسلام أيضاً في مجتمع أبوي قائم على الملكية الفردية، ونظام الطبقات والأسياد والعبيد؛ فأصبحت السلطة في الإسلام للرجل). (السابق،51).
(استمدت الأديان السماوية مبادئها الخاصة بالمرأة من الأنظمة الأبوية الطبقية القائمة على الأسياد والعبيد والجواري). (السابق، 47).
(إن قانون الزواج والطلاق والنسب والإرث والولاية لا زال يعطي الرجل السيادة على المرأة) . . (السابق، 211).
(إن قانون الزواج والطلاق في مجتمعنا العربي ليس إلا أحد بقايا قوانين الإقطاع الأبوية التي تجعل الزوجة كقطعة الأرض يمتلكها الرجل ملكية تامة، يفعل بها ما يشاء…) (السابق، 235).
(من أهم المشاكل التي لا تزال تعترض المرأة العربية بالنسبة للعمل هو قوانين الزواج المتخلفة، التي لا تزال تعطي الزوج حق منع زوجته من العمل أو السفر أو الخروج من البيت حينما يريد). (السابق، 194).
(يتضح لنا من هذا القانون أن الزوج أيضاً يستطيع ألا يعترف بشرعية طفله لمجرد استخدامه لكلمات اللعان، رغم صحة عقد الزواج وصحة مدة الحمل، ورغم أن زوجته تقسم بأنه هو الأب) (السابق، 297).
(إن الثقافة الإسلامية أو العربية ليست هي الثقافة الوحيدة التي حولت المرأة إلى سلعة أو عبدة) (السابق، 7).
(هكذا ظلت المرأة العربية المسلمة جزءً من ممتلكات الرجل، ولا زالت معظم البلاد العربية بما فيها مصر تحكم على نسائها بهذه القوانين الجائرة في الزواج حتى اليوم) (السابق، 57).
(الإسلام أعطى المرأة حقوقاً جديدة، وسلبها من حقوق قديمة) (السابق،8).
(تتضمن الأديان الكبرى في العالم مبادئ متشابهة من حيث تبعية المرأة للرجل، وتمتع الإله بصفات ذكورية، وتثبيت القيم الطبقية، وسلطة الذكر في البيت والمجتمع) (السابق، 7)
طعونها في الرسو صلى الله عليه وسلم :
تقول المجرمة: (لولا كتاب التوراة ما عاش النبي موسى أو اليهودية. لولا كتاب الإنجيل ما عاش المسيح أو المسيحية. لولا كتاب القرآن ما عاش النبي محمد أو الإسلام.
ألهذا السبب كانت الكتابة محرمة على النساء والعبيد؟!) (أوراقي حياتي 2/7).
(إن النبي نفسه محمد رسول الله لم يستطع أن يعدل بين زوجاته، إذ كان يقضي منه أن يقسم ليله بالتساوي بين زوجاته، بحيث لا تجور واحدة على ليلة الأخرى، إلا أن محمداً كان بشراً، ولم يكن في وسعه دائماً أن يحقق هذا التقسيم العادل، فقد كان يفضل زوجته عائشة) (الوجه العاري 219).
(لم يكن محمد يُرغم الزوجة أن تعيش مع زوجها إذا رغبت الانفصال عنه. وقد أعطى محمد زوجاته حرية البقاء معه أو الانفصال عنه بعد أن حالت ظروف حياته في فترة من الفترات أن يوفي حاجتهن الجنسية) (السابق 69).
قدحها في النبي (لوط) عليه السلام:
حيث تتابع أحبابها اليهود في اتهامه بالزنا !! والعياذ بالله:
تقول - قاتلها الله-:
(برغم القيود على المرأة فقد كان الرجل متعدد الزوجات يمارس الجنس مع زوجاته وإمائه، بل وبناته أحياناً ، فقد اضطجعت ابنتا "لوط" مع أبيهما نفسه، وحملتا منه)!! (السابق 48).
طعنها في الصحابي الجليل عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-
تقول: (من هنا يتضح كيف ترك عمر بن الخطاب وأمثاله من رجال العرب من ذوي النزعة الأبوية المتسلطة بصماتهم على كثير من الأحكام التي تُفرض على النساء العربيات اليوم باسم الإسلام) (السابق 68).
(لا شك أن أغلبية الرجال العرب قد نهجوا منهج عمر بن الخطاب في التسلط على المرأة) (السابق 67).
ادعاؤها التناقض في شريعة الله !
تقول: (ولأن أحاديث وآيات القرآن لم تصدر كلها في يوم وليلة وإنما صدرت في ظروف ومناسبات متعددة ومختلفة، ومن أجل أن تتناسب مع المجتمع العربي في زمن معين، كل ذلك جعل هذه الأحاديث والآيات تشتمل أحياناً على أوامر متناقضة، وبالذات فما يختص بالمرأة). (السابق 216).
سخريتها من الشريعة:
تقول: (كل أربعاء كانت الندوة تنعقد في عيادتي بميدان الجيزة، يحضرها عدد من الأدباء والشعراء، كانت هناك نهضة أدبية في نهاية الخمسينات وبداية الستينات مع النهضة السياسية، كنا في ربيع العمر نتغنى بمبادئ الاشتراكية) (أوراقي حياتي 2/174).
وتقول لصديقها: (لم نكن نؤمن بالمؤسسة الزوجية، نسخر معاً من قانون الزواج، العقد المكتوب يشبه عقود تأجير الدكاكين، كنا نعيش في مدينة القاهرة بدون ختم الدولة النسر لا يلتقي الرجل والمرأة إلا وثالثهما الشيطان) (السابق 2/9-10).
آدم وحواء أسطورة عند الدكتورة !!(52/352)
تقول: (لا تختلف أسطورة آدم وحواء كثيراً عن أسطورة أزيس وزيوس، اللهم إلا أن أسطورة آدم وحواء جاءت في الكتب السماوية المقدسة، فاكتسبت بذلك قدسية تبعد الكثيرين عن مناقشتها مناقشة عقلية موضوعية) (الوجه العاري 18).
إيمانها بنظرية دارون !
تقول: (إن تاريخ الإنسان الأول الذي تطور عبر ملايين السنين من فصيلة معينة من القرود يحتوي على حقائق هامة….. الخ) (السابق 25).
دعوتها إلى تعدد الأزواج !!
تقول: ( إن فرض زوج واحد على المرأة لم يكن يُشبع حاجاتها الجنسية، بالإضافة إلى أن هذا الزوج لم يكن لها وحدها، وإنما كانت تشترك معها فيه رغبة نساء أخريات، فقد أصبح نصيب المرأة من الجنس ضئيلاً جداً، لا يزيد عن جزء من نصيب 44 رجل، وهو أمر كان يتعارض بطبيعة الحال مع إشباع رغبة المرأة البدائية القوية.
وقد قاومت المرأة بالضرورة هذا القيد لتمارس حياتها الطبيعية، قاوم الرجل بالطبع مقاومة المرأة بقوانين أشد صرامة منها القتل للخيانة الزوجية …الخ) (السابق 44).
تهييجها النساء المسلمات على التمرد !
تقول : (لكن الحرية لها ثمن، تدفعه المرأة المتحررة من صحتها وراحتها، ونظرة المجتمع المعادية لها. لكن المرأة أيضاً تدفع ثمن العبودية والخضوع من صحتها وشخصيتها ومستقبلها، والأفضل للمرأة أن تدفع الثمن وتكون حرة، على أن تدفع الثمن وتظل عبدة) (السابق 250).
الفراعنة هم أول من اكتشف التوحيد !!
تقول: (الفراعنة المصريون هم أول من اكتشف الدين، هم سادة التوحيد والروحانية… ) (أوراقي حياتي 2/12).
وهذا -كما هو معلوم- مناقض لقوله تعالى (كان الناس أمة واحدة) أي على التوحيد الخالص لله، كما هو حال أبويهم آدم وحواء، إلى أن حدث الشرك قال ابن عباس -رضي الله عنه- في تفسير الآية السابقة:
(كانوا من آدم إلى نوح على التوحيد) .
وكلام الدكتورة الكاذبة مناقض لحال الفراعنة الذين كانوا مشهورين بعبادة فرعون! كما في قصة موسى -عليه السلام- ، ومشهورين بالشرك كما في قصة يوسف -عليه السلام- ودعوته لهم إلى التوحيد.
ولكنه الكذب والتعصب من الدكتورة لأسلافها الفراعنة ! حشرها الله معهم !
الدكتورة تدعو إلى الاشتراكية:
تقول: (التاريخ يدلنا على أن الثورات الاشتراكية وحروب التحرير تُسرع بعملية تحرير المرأة في الشرق) . (الوجه العاري 8).
وتقول: (إن تحرير المرأة لن يتم إلا في ظل مجتمع اشتراكي) (السابق 181).
وانظر: (ص 158، 206،209، 253) من كتابها (الوجه العاري).
الخلاصة : أن الدكتورة:
من (غلاة) الداعيات إلى تحرير المرأة المسلمة من الشريعة .
أنها تسخر من الإسلام وشرائعه ولا تأخذ بها.
أنها تُصدر الكلمات القبيحة في حق الله -تعالى- وحق أنبيائه -عليهم السلام- .
أنها من الداعيات إلى الاشتراكية المعارضة للدين.
أنها تؤمن بنظرية دارون الباطلة .
أنها مهووسة جنسياً !! بدعوتها إلى تعدد الأزواج ، أو الاستخفاف بالزواج ومساواته بالزنا !
أنها تكذب وتغالط في سبيل دعوتها .
فالواجب على من ولاه الله أمر المسلمين أن تأخذه الحمية والغيرة له ولدينه ولرسول صلى الله عليه وسلم ، بأن ينفذ في هذه (المرتدة) حكم الله، في أمثالها، وهو القتل.
وليتق الله أصحاب القنوات الفضائية من الترويج لفكرها المنحل المنحرف؛ لئلا يحملوا وزر من يضل من نساء المسلمين بسببها كما قال سبحانه (ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم ألا ساء ما يزرون) وليتذكروا قوله تعالى : (ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار).
أسأل الله أن يهدينا صراطه المستقيم ، وأن يُفرح قلوبنا بتنفيذ حكم الله في المرتدين والمرتدات ، وأن يُسلط عليهم ولاة أمور المسلمين .
=====================(52/353)
(52/354)
نظرة شرعية في فكر (فرج فوده)
ترجمته(1) :
هو : فرج بن علي فوده
من مواليد الزرقاء -دمياط، في 20 أغسطس 1945م.
حصل على بكالوريوس الزراعة عام 1967، ثم الماجستير عام 1975م.
حصل على دكتوراه الفلسفة في الاقتصاد الزراعي من جامعة عين شمس عام 1981م.
عمل مدرساً بزراعة بغداد، ثم خبيراً اقتصادياً في بعض بيوت الخبرة العالمية.
ثم أصبح يملك ويدير (مجموعة فودة الاستثمارية)
انضم إلى حزب الوفد ثم انفصل عنه -كما يأتي- فأصدر كتاباً بعنوان (الوفد والمستقبل) شنع فيه على الحزب ودعا قارئه إلى عدم الانضمام إليه!
(اغتيل إثر مناقشة علنية بين طرفين: أحدهما إسلامي، والآخر علماني. وكان هو من الطرف العلماني.
وكانت البداية في صراعه مع الشيخ صلاح أبو إسماعيل، عندما كانا في حزب الوفد عام 1984، حيث أصر فرج فوده على علمانية -أي لا دينية- الوفد، بينما أصر الشيخ صلاح أبو إسماعيل على إسلامية الوفد. ولحسابات كثيرة أعلن رئيس حزب الوفد إسلامية الحزب. فخرج فوده من الحزب، وأسس مع أحد المارقين عن الإسلام حزباً جديداً أسماه"حزب المستقبل"، ووضع غالبية مؤسسيه من الأقباط، بالإضافة إلى الدكتور أحمد صبحي منصور، الأزهري الذي فصلته جامعة الأزهر لاتهامه بالاعتقاد بعدم ختم النبوة، وإنكار السنة النبوية الشريفة.
وقد رشح نفسه في انتخابات مجلس الشعب عام 1987 بصفته مستقلاً، وفي دائرة شبرا التي يوجد فيها نسبة كبيرة من الأقباط، وبها أكثر من 150 ألف صوت، لم يحصل منهم إلا على 200 صوت فقط!
وكان يدعو إلى التعايش مع إسرائيل، وبدأ هو بنفسه في التعامل بالاستيراد والتصدير -حيث كان يملك شركة تعمل في هذا المجال- وكان يعترف بأن السفير الصهيوني في القاهرة صديقه.
وكان ضيفاً ثابتاً في التلفزيون والإذاعة التونسية. وفي أخريات مقالاته بمجلة أكتوبر المصرية وصف المجاهد التونسي علي العريض بالشذوذ الجنسي، كما تهجم على الشيخ الداعية عبد الفتاح مورو، ودعاة آخرين .
ووضع نفسه أمام الرأي العام أنه ضد إقامة الدولة الإسلامية، وضد تطبيق الشريعة الإسلامية.. وكان ذلك واضحاً في مناظرته الأخيرة التي عقدها والدكتور محمد أحمد خلف الله في معرض الكتاب (يناير 1992) في مواجهة الشيخ محمد الغزالي والمستشار مأمون الهضيبي والدكتور محمد عمارة، وهي المناظرة التي أثارت حنق الكثيرين وعامة الشعب، وأصحاب الاتجاه الإسلامي على وجه الخصوص . (انظر مجلة المجتمع، عدد 1005).
واستمعت المحكمة على مدى 34 جلسة إلى أقوال 30 شاهد إثبات.. بينهم اثنان اعتبرا صاحبي أخطر شهادة، هما الدكتور محمود مزروعة، والشيخ محمد الغزالي.
والأول رئيس لقسم العقائد والأديان بكلية أصول الدين في جامعة الأزهر، ووكيل وعميد سابق لها، وأستاذ في جامعة بنغازي، وجامعة الملك سعود، والجامعة الإسلامية بإسلام آباد، وجامعة قطر.. وحاور مستشرقين في الهند والصين وإيطاليا. وأعلن أمام المحكمة أن "فرج فوده" مرتد، ويجب على آحاد الأمة تنفيذ حد الردة في القاتل إذا لم يقم ولي الأمر بتنفيذ ذلك.. واعتبر بذلك في نظر كثير من المفكرين والأدباء محرضاً على القتل.
وقال الشاهد: إن فرج فودة كان يحارب الإسلام في جبهتين.. وزعم أن التمسك بنصوص القرآن الواضحة قد يؤدي إلى الفساد إلا بالخروج على هذه النصوص وتعطيلها.. أعلن هذا في كتابه "الحقيقة الغائبة" . وأعلن رفضه لتطبيق الشريعة الإسلامية، ووضع نفسه وجندها داعية ومدافعاً ضد الحكم بما أنزل الله.. وكان يقول: لن أترك الشريعة تطبق ما دام فيَّ عرق ينبض! وكان يقول: على جثتي! ومثل هذا مرتد بإجماع المسلمين، ولا يحتاج الأمر إلى هيئة تحكمُ بارتداده. (لقاء مع الدكتور مزروعة في جريدة العالم الإسلامي ع 1370 تاريخ 15/3/1415هـ)
-وشهادة الشيخ محمد الغزالي في قضية الاغتيال هذه أثارت ردود فعل عنيفة، داخل مصر وخارجها.
واعتبرها العلمانيون المصريون بمثابة 100 قنبلة! في حين أكد المتهمون باغتياله أن شهادة الشيخ تكفيهم ولو وصل الأمر لإعدامهم بعد ذلك! (تنظر هذه الشهادة في جريدة العالم الإسلامي ع 1321 (21- 27/2/1414هـ). وانظر الرد في مجلة المصور ع 3586 (12/1/1414هـ)، وتنظر كذلك: الرسالة الإسلامية ع 131 ص 65).
__________
(1) …انظر: تتمة الأعلام للزركلي، للأستاذ محمد خير يوسف ( 2/10-11).
وبعد إدلاء هاتين الشهادتين ثارت زوبعة حول حد الردة في الإسلام، حيث أنكر العلمانيون والشيوعيون أن تكون عقوبة المرتد هي القتل، وأعد الدكتور عبد العظيم المطعني -الأستاذ بجامعة الأزهر- دراسة للرد عليهم بعنوان: "عقوبة الارتداد عن الدين بين الأدلة الشرعية وشبهات المنكرين" نشرتها مكتبة وهبة بالقاهرة.
والكتاب الأكثر إثارة في القضية كان بعنوان "أحكام الردة والمرتدين من خلال شهادتي الغزالي ومزروعة" لمؤلفة الدكتور مزروعة نفسه.(52/355)
ومما كُتب فيه أيضاً، كتاب "محاكمة سلمان رشدي المصري: علاء حامد: مسافة في عقل رجل أم طعنة في قلب أمة؟ مع نص شهادة فرج فودة في المحكمة للدفاع عن علاء حامد" حيث اعتبر فرج فودة زعيم العلمانيين في مصر (ص125)، ونقل قوله في المحكمة: "غير المسلمين مثل النصارى واليهود ينكرون بداهة الدين الإسلامي فهل إنكارهم يعد جريمة؟" (ص26). وقد وضع اسمه بين المدافعين عن علاء حامد مع أحمد صبحي منصور، وأحمد عبد المعطي حجازي، ومحمد فايق -أمين عام المنظمة المصرية لحقوق الإنسان-، وإسماعيل صبري عبد الله، ومحمد عودة، ونبيل الهلالي، وعبد الوارث الدسوقي، ويوسف القعيد، ونوال السعداوي. ورواية علاء حامد فيها "إلحاد وتطاول على الذات الإلهية، وسخرية من الأنبياء والرسل، واستهزاء بالجنة والنار، وتكذيب صريح للكتب المنزّلة وهجوم عليها" (ص61).
وقد صودر الكتاب، وأعدمت النسخ، وصدر الحكم عليه بالسجن ثماني سنوات، ورفض رئيس مصر إلغاء الحكم وقال: "لا أستطيع إلغاء حكم قضائي لشخص أهان الدين" وقال: "إن الحفاظ على العقيدة شيء مقدس" (ص71).
-كان اغتيال فرج فودة في شهر ذي الحجة، الموافق لشهر حزيران (يونيو)، أثناء خروجه من مكتبه بمدينة نصر.
مؤلفاته:
الملعوب: قصة شركات توظيف الأموال. القاهرة: دار مصر الجديدة.
قبل السقوط. 1405هـ وقد رد عليه في كتاب بعنوان: "تهافت قبل السقوط وسقوط صاحبه" تأليف عبد المجيد حامد صبح. -المنصورة، مصر: دار الوفاء، 1405هـ، ورد عليه أيضاً بكتاب "بين النهوض والسقوط: رد على كتاب فرج فودة" منير شفيق. -ط2- تونس: دار البراق، 1411هـ.
الحقيقة الغائبة، -ط3- القاهرة: دار الفكر للدراسات والنشر.
حتى لا يكون كلامنا في الهوا.
الطائفية إلى أين؟ (بالاشتراك مع آخرين).
النذير.
الإرهاب). (انتهى النقل من تتمة الأعلام للزركلي، للأستاذ محمد خير يوسف (2/10-11) بتصرف يسير
انحرافاته :
يعد كتابه (قبل السقوط) -الذي أثار الضجة عليه- شاهداً لانحرافه بل ردته -والعياذ بالله-، حيث دعا في هذا الكتاب إلى عدم تطبيق الشريعة الإسلامية، لأن ذلك لا يأتي بخير لمصر! ويطالب بفصل الدين عن الدولة.
ومن أقواله في هذا :"إن فصل الدين عن السياسة وأمور الحكم إنما يحقق صالح الدين وصالح السياسة معاً" (قبل السقوط،ص23) (وانظر أيضاً: كتابه (الحقيقة الغائبة) ص 133،142)
ويقول:"إن تطبيق الشريعة الإسلامية لابد أن يقود إلى دولة دينية، والدولة الدينية لابد أن تقود إلى حكم بالحق الإلهي" (قبل السقوط، ص52).
ويتهجم في كتابه (الحقيقة الغائبة) على فترة حكم الخلفاء الراشدين زاعماً أنها فترة حروب واغتيالات وعدم أمن !! مفضلاً العلمانية عليها ! (ص140-141).
قلت: وقد فند ما جاء من شبهات في هذا الكتاب حول تطبيق شرع الله، الأستاذ عبد المجيد صبح في كتابه (تهافت قبل السقوط وسقوط صاحبه)، فليراجع.
نتيجة لانحرافه السابق فإن فودة يدعو إلى موالاة ومحبة المصري للمصري دون نظر إلى دينه!
يقول :"خليق بمثلي أن يشعر بالحزن والأسى وهو يقرأ للدكتور أحمد عمر هاشم تلك العبارة العنصرية (الإسلام لا يمنع من التعامل مع غير المسلمين، ولكن يمنع المودة القلبية والموالاة ؛ لأن المودة القلبية لا تكون إلا بين المسلم وأخيه المسلم، لا يا سيادة الدكتور: المودة القلبية تكون بين المصري والمصري، مسلماً كان أو قبطياً لا فرق، والقول بغير هذا تمزيق للصفوف" (قبل السقوط، ص83)
يخصص كتاباً كاملاً (نكون أولا نكون) للنيل من كل ما هو إسلامي، لا سيما في بلاده مصر. بلهجة ساخرة.
4- قال الأستاذ أنور الجندي عن (حزب المستقبل) الذي أسسه فرج فودة في مصر: "أصدرت ندوة العلماء بالأزهر بياناً تضمن رأيها في تأسيس حزب المستقبل قالت: اعترضت لجنة العلماء في بيانها على تأسيس حزب المستقبل في أول سابقة من نوعها بعد قيام الأحزاب الستة في مصر والتي تتولى لجنة الأحزاب السياسة دون غيرها البت في قيامه من عدمه طبقاً للقانون.
حذر بيان لجنة العلماء من قيام حزب المستقبل الذي يؤسسه فرج فودة، وقال البيان: إن الحزب يمثل خطراً على أمن الأمة واستقرارها ووصف أعضاء الحزب بأنهم أعداء لكل ما هو إسلامي، وأن هدفهم المعلن هو عدم تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية بدعوى تفوق القانون الوضعي، إن أعضاء الحزب دأبوا على الهجوم على التاريخ الإسلامي والتطاول على بعض أصحاب النبي سيدنا صلى الله عليه وسلم وعلى الرموز الإسلامية وعلماء الأمة، كما دأبوا على الهجوم على التيار الإسلامي واستعداء النظام وتحريضه على ضرب الأمة.
وقال بيان ندوة العلماء : إن الدولة الثيوقراطية أو الدولة الدينية لا يعرفها الإسلام ولا يطالب بها، والعلمانية والإسلام نقيضان لا يجتمعان، ومحاورة الدولة الدينية والدولة المدنية فيه مغالطة فلا هي الدولة الدينية في الإسلام ولا هي الدولة العلمانية في الفكر الغربي.
وأشار بعض الباحثين إلى أن حزب المستقبل يعمل في هدفه المعلن:
أولاً: على منع تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية بدعوى تفوق القانون الوضعي .(52/356)
ثانياً: الدأب على الهجوم على التاريخ الإسلامي والتطاول على بعض أصحاب صلى الله عليه وسلم وعلى الرموز الإسلامية وعلماء الأمة.
ثالثاً: الهجوم على التيار الإسلامي واستعداء النظام وتحريضه على ضرب الأمة.
والمعروف أن فرج فودة يستقي معلوماته عن التاريخ الإسلامي من "ألف ليلة" و "الأغاني" .
وكان فرج فودة قد أصدر كتاباً ضم إليه مجموعة أفكاره التي تتلخص في المناداة بتنحية الدين عن قيادة الحياة وتضمن مجموعة من الأفكار المسمومة أهمها:
إنكار كثير مما علم من الدين بالضرورة، الأمر الذي يخرجه من جماعة المجتهدين إلى جماعات أخرى.
رفضه المطلق لتطبيق الشريعة الإسلامية بما يدعو إليه جهاراً من محاصرة كافة مظاهر الدين في مختلف أجهزة الدولة.
تشويه أعلام الإسلام وتزييف تاريخه وتحريض الأمة بمختلف فعالياتها السياسية والفكرية على التنكر للإسلام (معتدلين ومتشددين).
ما قدم من أفكار نشرها في كتبه وبعض الصحف وعرضها من خلال وسائل الإعلام خرج بها على مقياس الاعتدال وخالف العرب وخالف القانون الذي حدد لمصر هويتها الإسلامية وضرورة المحافظة على القيم والأخلاق.
وأد الفكر المعارض له وتحريض الدولة على القضاء على أصحابه.
الدعوة إلى منع علماء الأمة من أداء واجبهم نحو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
تشويه تاريخ الخلفاء الراشدين كبار الصحابة رضي الله عنهم واتهامهم بتهم لا يصح أن يتهم بها عامة الناس والتطاول على (ابن عباس) رضي الله عنهما واتهامه بالاستيلاء على أموال المسلمين بالباطل، واتهامه للعشرة المبشرين بالجنة رضي الله عنهم ونقدهم نقداً لاذعاً.
فعل ذلك ليصل إلى إغلاق ملف الشريعة فيما يتصل بالدولة وسياسة الحكم.
وكان أخطر أعماله التركيز على موضوع الشريعة الإسلامية وتشويه صورة الإسلام ورموزه حتى إنه وصل إلى تأويل بعض آيات القرآن الكريم وإنكار الكثير من أحاديث صلى الله عليه وسلم الصحيحة والتأكيد على قصر العمل بكثير من أحكام الشريعة على عصر صلى الله عليه وسلم بمقولة باطلة أن الأوامر التي كانت تصدر من خلال القرآن كانت أوامر شخصية لا يطالب بها إلا من نزلت في شأنهم أو قيلت في حقهم.
يعتمد في كتاباته على آراء وضعية روتها بعض كتب التاريخ وأثبت المتخصصون أنها من المدسوسات على تاريخنا الإسلامي وألفت فيها كتب تدلل على تلفيقها وكذبها إلى حد أنه كان يستخلص من هذه الآراء الضعيفة والمردودة ما يدفعه إلى الهجوم على كبار الصحابة كأبي بكر وعثمان وعلي وابن عباس وغيرهم من كبار الصحابة رضي الله عنهم جميعاً الذين اتهمهم في ذمتهم وشرفهم وأراد أن يمحو الحب والتقدير لأقرب الناس إلى رسول ا صلى الله عليه وسلم وبخاصة العشرة المبشرين بالجنة رضي الله عنهم جميعاً الذين كان يتهكم عليهم تهكماً شديداً.
وقد وصل فرج فودة في تشويه صورة الإسلام ورموزه إلى حد تأويل بعض آيات القرآن الكريم وإنكار الكثير من أحاديث صلى الله عليه وسلم الصحيحة والتأكيد على قصر العمل بكثير من أحكام الشريعة على عصر النبي صلى الله عليه وسلم
كان يتهجم على الإسلام بصورة غاية في الابتذال والوقاحة ونحن نعلم أن أي مسلم يرد آية واحدة من القرآن فإن ذلك يخرجه من ملة الإسلام.
هذا إلى سفاهات تتعدى على مقدسات 50 مليون مصري ويصف عقيدتهم بالرجعية والظلامية والإرهاب ولا شك أن السخرية والتهكم والكلمات اللاذعة لا تكون أبداً في أسلوب كاتب يحترم نفسه.
ولم يكتف بمعارضة تطبيق الشريعة في مصر وإنما يعارض تطبيقها في أي بلد إسلامي.
يعلن فرج فودة تعاطفه مع المرتدين الذين حاربهم أبو بكر رضي الله عنه ويخطئ أبا بكر رضي الله عنه في قتاله لمانعي الزكاة.
كان يجالد بآرائه في مقاومة تطبيق الشريعة وجعل هذا الاتجاه بضاعته بوضوح كامل مع الإخوة المسيحيين(1) ومع الصهيونية والماسونية وأنه ذهب للجمعية المصرية القبطية في كندا وأمريكا وأعطى ندوات في الكنائس هناك.
وكان يرى أن إسرائيل لابد أن تصبح جزءاً من نسيج المنطقة وعنصراً من عناصر تكاملها". (انتهى من: كتاب العصر تحت ضوء الإسلام، ص 273-275).
قال الدكتور مفرح القوسي في رسالته (المنهج السلفي والموقف المعاصر منه في البلاد العربية).
__________
(1) …عفا الله عن الأستاذ أنور الجندي، فالنصارى ليسوا بإخوة للمسلمين، قال تعالى (إنما المؤمنون إخوة)، وقال صلى الله عليه وسلم (المسلم أخو المسلم).
"الدكتور فرج فودة: أحد أقطاب العلمانية المعاصرين ، اشتهر بحماسه الشديد لفصل الدين عن الدولة، وبمعاداته للاتجاهات الإسلامية المعاصرة عامة وللاتجاه السلفي خاصة، وبرفضه للشريعة الإسلامية ومنع تطبيقها في البلاد الإسلامية ولا سيما في بلده مصر. ويمكن تحديد أهم ملامح المنظومة الفكرية والسياسية التي يتبناها في النقاط التالية:(52/357)
أولاً: فصل الدين عن الدولة وجعل الإسلام ديناً روحياً فقط، حيث يقول: "إن الإسلام كما شاء له الله دين وعقيدة وليس حكماً وسيفاً"(1)، "وأن هناك فرقاً كبيراً بين الإسلام الدين والإسلام الدولة، وأن انتقاد الثاني لا يعني الكفر بالأول أو الخروج عليه"(2) ، ويقول :"أنت هنا تملك أن تفصل بين الإسلام الدين والإسلام الدولة حفاظاً على الأول حين تستنكر أن يكون الثاني نموذجاً للاتباع، أو حين يعجزك أن تجد صلة واضحة بين هذا وذاك، فالأول رسالة، والثاني دنياً… دع عنك إذن حديث الساسة عن الدين والدولة وسلم معهم بالدين، أما الدولة فأمر فيه نظر، وحديث له خبئ ، وقصد وراءه طمع، وقول ظاهره الرحمة وباطنه العذاب"(3).
وادعى تأكيداً لهذا الفصل أن "الخلافة الإسلامية" التي استمرت في عهود الخلفاء الراشدين والأمويين والعباسيين ليست خلافة إسلامية بل خلافة عربية قرشية، وأنها لم تحمل من الإسلام إلا الاسم فقط، وأن الدولة الإسلامية كانت على مدى التاريخ الإسلامي كله عبئاً على الإسلام وانتقاصاً منه وليست إضافة إليه(4)، وأن وقائع التاريخ الإسلامي تنهض دليلاً دامغاً على ضرورة الفصل بين الدين والسياسة، وعلى خطورة الجمع بينهما، وعلى سذاجة المنادين بعودة الحكم الإسلامي(5). وادعى أيضاً أن هذا "الفصل هو السبيل الوحيد للحفاظ على الوحدة الوطنية"(6)، وأن فيه تحقيقاً لصالح الدين وصالح السياسة معاً، كما أن قصر رسالة المسجد على تعميق مفاهيم الدين وغرس القيم الدينية فيه تحقيق لقصد الذاهبين للصلاة، بل واحترام لحريتهم الفكرية(7).
ثانياً: رفض تطبيق الشريعة الإسلامية رفضاً باتاً وبأي صورة من الصور، فهو يُعلن ذلك في كتبه ولقاءاته الفكرية بلا مواربة(8) ، ويصم المنادين بتطبيقها بالتطرف والجمود والتخلف؛ مدعياً ما يلي:
أن تطبيق الشريعة يؤدي إلى قيام دولة دينية، وهذه تقود إلى الحكم بالحق الإلهي الذي لا يتم إلا من خلال رجال الدين؛ وتنقسم الدولة بسببه إلى حزبين هما: حزب الله -ويدخل فيه كل من وافقهم-، وحزب الشيطان -ويدخل فيه كل من خالفهم(9)-. وكثيراً ما يردد فودة هذه الدعوى ويُلح عليها، ومن ذلك على سبيل المثال قوله: "إن تطبيق الشريعة الإسلامية لابد أن يقود إلى دولة دينية، والدولة الدينية لابد أن تقود إلى حكم بالحق الإلهي لا يعرفه الإسلام، أو قل عرفه في عهد الرسول. والحكم بالحق الإلهي لا يمكن أن يقام إلا من خلال رجال دين إما بصورة مباشرة أو غير مباشرة"(10).
أن تطبيق الشريعة ينافي الحضارة والتطور ويهدد أمن الوطن ووحدته بإثارة الفتنة الطائفية، حيث يقول: "إنما أنا مواطن مصري يندب مصير مصره حين تنساق بحسن النوايا في اتجاه حاشا لله أن أسميه مستقبلاً، فما أبعد المستقبل عن دولة دينية لا أحسب أن العمر يتسع لها، أو أن الوطن يمكن أن يسعها دون أن تتهدد وحدته، وينهدم ما تعلق به من أهداب الحضارة أو درجاتها"(11) ، ويقول: إن تطبيق الشريعة يؤدي إلى قيام دولة دينية، "والدولة الدينية التي يحكمها رجال الدين بصورة مباشرة أو غير مباشرة… سوف تكون مدخلاً مباشراً للفتنة الطائفية، بل ربما تمزيق الوطن الواحد"(12).
أن المناداة بتطبيق الشريعة إنما هو رد فعل لمؤثرات خارجية، وأن هدف الداعين إلى تطبيقها هو الاستيلاء على الحكم بطريق مباشر -بتولي مناصبه- أو بطريق غير مباشر -بفرض الوصاية عليه(13)-.
__________
(1) … الحقيقة الغائبة (ص 139)، ط عام 1992م، الهيئة المصرية العامة للكتاب ، القاهرة.
(2) … قبل السقوط ص 14. وانظر : حوار حول العلمانية ص 17.
(3) … قبل السقوط ص 14 - 15.
(4) … انظر كلاً من : الحقيقة الغائبة ص 133، وإقبال بركة -قضايا إسلامية ص 178.
(5) … انظر: الحقيقة الغائبة ص 145.
(6) … المرجع السابق.
(7) … انظر: قبل السقوط ص 18، 35.
(8) … راجع في هذا على سبيل المثال: حوارات حول الشريعة -لأحمد جودت ص 14.
(9) … راجع: قبل السقوط ص 51-58.
(10) … المرجع السابق ص 42-43. وراجع ص 51-58-، 68 من المرجع نفسه. وحوارات حول الشريعة -لأحمد جودت ص 14-15، 80، 96.
(11) … قبل السقوط ص 41 - 42.
(12) … المرجع السابق ص 68، وراجع الصفحات : 41 - 50 من المرجع نفسه.
(13) … راجع: المرجع السابق ص 42 - 48، 59-63.
تفوق القوانين الوضعية على الشريعة الإسلامية، حيث يقول: "إن القانون الحالي يعاقب على جرائم يعسر على الشريعة أن تعاقب عليها، ويعكس احتياج المجتمع المعاصر بأقدر مما تفعل الشريعة"(1). ويقول في حوار أجري معه: "إن حجم الانحلال الموجود في المجتمع المصري أقل بكثير اليوم على مدى التاريخ الإسلامي كله، ورأيي أن القانون الوضعي يحقق صالح المجتمع في قضايا الزنا مثلاً أكثر مما ستحققه الشريعة لو طبقت"(2).
"أن قواعد الدين ثابتة، وظروف الحياة متغيرة، وفي المقابلة بين الثابت والمتغير لابد وأن يحدث جزء من المخالفة ، وذلك بأن يتغير الثابت أو يثبت المتغير، ولأن تثبيت واقع الحياة المتغير، مستحيل، فقد كان الأمر ينتهي دائماً بتغيير الثوابت الدينية"(3).(52/358)
ثالثاً: تشويه وتحطيم الصورة المثلى الراسخة في أذهان المسلمين لعصر الخلفاء الراشدين بخاصة والسلف بعامة ولحكوماتهم الإسلامية التي جمعوا فيها بين الدين والدولة، ليثبت في النهاية استحالة إقامة حكم إسلامي في الوقت الحاضر يجمع بين الدين والدولة، وعقم الدعوة إلى التأسي بالصحابة رضي الله عليهم واتباع منهجهم في ممارسة الإسلام وتطبيق شريعته في مناحي الحياة، فقد صوَّر هذا العصر بأنه عصر الاعتراض حيناً والانقسام أحياناً، والاقتتال غالباً، وماكان فيه من استقرار فمرده لانشغالهم بالفتح الخارجي(4)، وبأنه عصر استبداد وظلم يُضطهد فيه الصحابة والعلماء، وتُستباح فيه الأموال وتُزهق فيه الأرواح بغير حق، فقد أطار السيف من رؤوس المسلمين أضعاف ما أطار من رؤوس أهل الشرك(5).
ويتخذ فودة هذه الصورة الشوهاء لعصر الخلفاء الراشدين ذريعة لرفض الحكم الإسلامي، والأخذ بمبدأ الفصل بين الدين والسياسة، فيقول: "لعلك متسائل معي الآن، ولك الحق في كل تساؤلاتك: إذا كان هذا هو ما يحدث بين رجال الصدر الأول للإسلام والمبشرين بالجنة، فكيف يكون المصير على يد من هم أدنى منهم مرتبة وأقل منهم إيماناً وأضعف منهم عقيدة؟ "(6) .
هذا فيما يخص عهد الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم، أما العهود الإسلامية بعد عهدهم فيدعي فودة أن معظمها عهود فساد وطغيان وخروج على العقيدة، ولا صلة لها بالإسلام إلا بالاسم فقط، فنراه يقول مخاطباً علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "لا تحزن يا أبا الحسن ولا تغضب فزمانك لا شك أعظم من زمن من يليك، وحسبك أن عهدك كان فيصلاً أو معبراً إلى زمان جديد، لا ترتبط فيه الخلافة بالإسلام إلا بالاسم، ولا نتلمس فيها هذه الصلة بين الإسلام والخلافة إلا كالبرق الخاطف، يومض عامين في عهد عمر بن عبد العزيز، وأحد عشر شهراً في عهد المهتدي، وخلا ذلك دنيا وسلطان، وملك وطغيان، وأفانين من الخروج على العقيدة لن تخطر لك على بال، وربما لم تخطر للقارئ على بال، لأن ما نقلوه(7) إليه كان ابتساراً للحقيقة، وإهداراً للحقائق، وانتقاصاً من الحق"(8).
رابعاً: التجني على الصحابة رضوان الله تعالى عليهم، والتطاول عليهم بالتخطئة والسب الشتم والوقيعة في أعراضهم والقدح في أمانتهم وحسن إسلامهم، وذلك حطاً من قيمتهم وإقلالاً من شأنهم، وبالتالي منع الاقتداء بهم وابتاع منهجهم، وسنكتفي بإيراد نماذج من ذلك فيما يلي:
يذكر عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه بقتاله مانعي الزكاة قد شرع القتال بين أهل القبلة، وأن موقفه هذا يُعد البداية الحقيقية لقتال المسلمين للمسلمين، ويُعلن تعاطفه مع المرتدين، ويستشهد بمعارضة عمر لأبي بكر في البداية، ويضرب الذكر صفحاً عن إجماع الصحابة على هذا القتال؛ بل عن تأييد عمر نفسه لهذا القتال(9).
ويعد أسلوب عهد أبي بكر بالخلافة لعمر رضي الله عنهما أسلوباً بعيداً عن الديمقراطية(10).
يزعم أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه اجتهد مع وجود النص، وأن اجتهاده لم يكن قاصراً على التفسير، بل امتد إلى المخالفة والتعطيل، فأفتى بمخالفة نص قرآني مع علمه به، فألغى سهم المؤلفة قلوبهم الذي هو أحد مصارف الزكاة المنصوص عليها في سورة التوبة(11)، وعطل حداً من الحدود الثابتة وهو حد السرقة، وعطل التعزير بالجلد في شرب الخمر في الحروب، وخالف السنة في تقسيم الغنائم فلم يوزع الأرض الخصبة على الفاتحين، وقتل الجماعة بالواحد مخالفاً المساواة في القصاص(12).
__________
(1) … الحقيقة الغائبة ص 121.
(2) … قضايا إسلامية معاصرة ص 185.
(3) … الحقيقة الغائبة ص 70.
(4) … راجع: قبل السقوط ص 9 - 14.
(5) … راجع: المرجع السابق ص 14-15، 19-21، 93. وللاطلاع على نص كلامه بهذا الخصوص راجع كتابه (الحقيقة الغائبة) في الصفحات : 22-31، 139-141.
(6) … قيل السقوط ص 21.
(7) … يعني المؤرخين كتّاب السير.
(8) … الحقيقة الغائبة ص 57 - 58.
(9) … راجع: المرجع السابق ص 42 - 44.
(10) … انظر: قبل السقوط ص 97.
(11) … وذلك في قوله تعالى: (إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل) التوبة 60.
(12) … راجع: الحقيقة الغائبة ص 45 - 51.
يرى أن عثمان بن عفان رضي الله عنه لم يعدل في حكمه، وأنه أقام نظام حكمه على ثلاث قواعد خاطئة هي:
خلافة مؤبدة.
لا مراجعة للحاكم ولا حساب أو عقاب إن أخطأ .
لا يجوز للرعية أن تنزع البيعة منه أو تعزله، ومجرد مبايعتها له مرة واحدة تعتبر مبايعة أبدية لا يجوز لأصحابها سحبها وإن رجعوا عنها أو طالبوا المبايع بالاعتزال. ولأن أحداً لا يُقر ولا يتصور أن تكون هذه هي مبادئ الحكم في الإسلام قتله المسلمون"(1).
يتهم عبد الله بن عباس رضي الله عنه بخيانة الأمانة، والتمرد والعصيان لخليفة المسلمين وولي أمرهم، والاستيلاء على أموال المسلمين وأكلها بالباطل والإصرار على ذلك. ويصفه بأنه: يأكل حراماً ويشرب حراماً(2).(52/359)
هـ- يتهم المغيرة بن شعبة رضي الله عنه بالزنا في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ويدّعي أن عمر لم يقم الحد عليه رغم تيقنه من إقدامه عليه(3).
يتهم خمسة من كبار الصحابة ومن العشرة المبشرين بالجنة، وهم: عثمان بن عفان، والزبير بن العوام، وسعد بن أبي وقاص، وطلحة بن عبيد الله، وعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهم، يتهمهم بالتكالب على الدنيا والإقبال عليها وجمع الأموال الطائلة بعد هجرتهم إلى المدينة، وأنهم انصرفوا بذلك عن دينهم، وهجروا حياة الزهد والعبادة التي كانوا عليها قبل الهجرة"(4) انتهى النقل من رسالة الدكتور مفرح القوسي-وفقه الله-.
والله أعلم ، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم
=================(52/360)
(52/361)
نظرة شرعية في فكر (الدكتور فؤاد زكريا)
مفكر عربي معاصر، انتقل من مصر إلى الكويت أستاذاً في جامعتها مدة طويلة(5)
مؤلفاته:
خطاب إلى العقل العربي.
الحقيقة والوهم في الحركة الإسلامية.
التفكير العلمي . (وقد رد عليه الدكتور عبد المجيد المحتسب في كتابه: 3كتب في ميزان الإسلام).
العرب والنموذج الأمريكي .
-يقول الأستاذ محمد أبو راس: "يعتبر الدكتور فؤاد زكريا أحد أقطاب الفكر العلماني وأحد التغريبيين في العصر الحديث الذين ركزوا جهودهم لضرب الحصون الفكرية للإسلام بشتى الأساليب وفي كل المناسبات" (مجلة منار الإسلام، السنة 17، العدد2)
انحرافاته:
أعظم انحراف له، وعليها تدور معظم أطروحاته، دعوته إلى (العلمانية) -الكفرية- التي تفصل الإسلام عن أمور الحياة، والتزامه ما يترتب على هذه الدعوة من اعتراض على تطبيق الشريعة الإسلامية، وسخريته بالمسلمين الداعين إلى ذلك، وتثبيطه لهم.
فمن أقواله في هذا: مقاله في جريدة الأهرام بتاريخ (7/8/1414هـ) بعنوان (الثقافتان) يشتكي فيه من عدم تقبل المسلمين للعلمانية التي يبشر بها، والتي يزعم بأنها (محايدة) ! . يقول الدكتور: "كيف تم بالتدريج، تحويل صفة العلمانية التي تطلق على الدعوة إلى الفصل بين الدين والسياسة من صفة محايدة لا تدل على أكثر من الوضع القائم بالفعل في معظم البلاد الإسلامية -وضمنها مصر- طوال القرن الأخير على الأقل، إلى صفة قبيحة مخيفة، لا ينقص صاحبها سوى قرنين صغيرين على جانبي رأسه كي ما يصبح شيطاناً رجيماً".
وقد رد على مقاله هذا : الدكتور إبراهيم عوضين -جزاه الله خيراً- في مجلة (الأزهر)، (عدد ذي الحجة، 1414هـ).
وقد رد على دعوته إلى العلمانية كثير من الباحثين؛ من أشهرهم القرضاوي في كتابه (وجهاً لوجه… الإسلام والعلمانية -رد علمي على د.فؤاد زكريا وجماعة العلمانيين) وكذا رد عليه غيره. وسأدع المجال الآن لبعض الباحثين ليقولوا قولتهم في دعوة هذا (الخبيث):
-يقول الأستاذ محمد أبو راس: "فالفكرة المترسبة لدى جماعة العلمانيين تقضي بأن الحضارة الغربية هيكل متكامل من العلم والثقافة يفرضه الواقع المعاصر ومن ثم يلزم شعوب العالم الثالث تمثله والخضوع لسلطانه والسير في ركابه، بل من الضروري التجرد من كل إرث حضاري سابق. والجدير بالذكر أن هؤلاء العلمانيين -ومن ضمنهم فؤاد زكريا بالطبع- حين تأخذهم الحماسة في الدفاع عن الحضارة الغربية يكاد يغيب عنهم أن هذه الحضارة رغم ما تحمله من مقومات يكفلها لها تقدمها العلمي والتقني لا تملك الصلاحية الكافية لقيادة البشرية لكونها تفتقر إلى عناصر الامتداد والتوافق والشمول.
ولعل الخطأ الذي يقع فيه هؤلاء، أنهم يحاولون أن يجعلوا من أنفسهم قائداً ودليلاً للإسلاميين يرسم لهم المناهج ويضع لهم الخطط في سبيل تحقيق الأهداف التي يرمون إليها " (مجلة منار الإسلام، السنة 17، العدد 2)
__________
(1) … المرجع السابق ص 29.
(2) … راجع: المرجع السابق ص 58 - 62.
(3) …راجع المرجع السابق ص 117 - 119.
(4) … راجع: المرجع السابق ص 53 - 56.
(5) …لم أعثر إلى الآن على ترجمة مفصلة لحياته، فمن كان لديه مزيد علم في هذا فليبعثه إليَّ مشكوراً.
ويقول الأستاذ أبو راس -أيضاً- : "والملاحظ أن العلمانيين يحاولون دائماً أن يوجدوا تعارضاً وصراعاً مختلفاً بين الإسلام والعلم، وبذلك يزعجهم وضع نظرية علمية ما في ميزان النصوص الدينية. وفي هذا الإطار نجد ما يتناول به الدكتور فؤاد زكريا مقالاً كان قد نشره الدكتور محمد عمارة بعنوان "الداروينية في ميزان الإسلام"، حيث يقول معبراً عن غيظه وحنقه: "إن عنوان المقال ذاته يثير إشكالاً: الداروينية في ميزان الإسلام، أي أن نظرية علمية نشأت أصلاً في ميدان البيولوجيا تتعرض للاختبار والنقد بمقياس دين سماوي.
ولا شك أن هذا العنوان وحده يوحي بوجود منافسة بين الاثنين …" ويستمر في مناقشته المتعصبة ليصل في النهاية إلى خلاصة كان من المنتظر أن يشير إليها في أية لحظة مفادها: أن محاكمة الداروينية -أو أية نظرية أخرى- بميزان الإسلام ليست سوى صورة طبق الأصل لما حدث في أوربا في عصر نهضتها من الصراع بين "الدين" والعلم، حينما حاكمت الكنيسة نظرية "كبرنيكوس" بميزان الحقائق الأنجيلية !!!!
ولا يخفى على أحد أن هذا الأسلوب من المقارنة لا يهدف سوى لتبرير الدعوة العلمانية في البلاد الإسلامية. حيث يقول بجرأته المعهودة: "….ولكن ألسنا نرى الآن أن وضع الداروينية في مواجهة الإسلام، وقياسها بميزان لا يختلف عن قياس الكبرنيكية بميزان المسيحية، وما ترتب عليه من اضطهاد وتعسف؟ أليس المبدأ واحداً في الحالتين، وهو مواجهة نظرية علمية بدين سماوي؟ فكيف نصدق إذن أن العلمانية لم يكن لها ما يبررها إلا في ظروف أوربا وحدها، إذا كان الإسلاميون المعاصرون يكررون الأساليب نفسها التي قامت العلمانية من أجل تجنبها وتصحيحها".(52/362)
وفي خضم هذه المداورة العجيبة والدفاع المكشوف نجد أن كاتب المقال يتغاضى عن الفارق الشاسع بين الإسلام والمسيحية من جهة، وبين الداروينية والكوبرنكية من جهة أخرى، فالإسلام دين دعا إلى العلم والبحث وشجع عليه منذ بداية عهده، فلا يعرف ذلك الصراع الذي كدسته المسيحية المحرفة على مدى تاريخها الدامي، وهذا بشهادة أبناء الغرب أنفسهم، حيث يقول "موريس بوكاي" -صاحب كتاب (القرآن والإنجيل والعلم)- :"إن الإسلام قد اعتبر دائماً أن الدين والعلم توأمان متلازمان"… لذلك فلا دليل لمن يستغل ما يعرفه من تاريخ أوربا في عهودها المظلمة ليقوم بعملية إسقاطه بشكل عشوائي على الواقع الإسلامي دون مراعاة للفروق والاختلافات الواضحة في هذا المجال، إذ لا قياس مع وجود فارق -كما يقول المنطق الذي يدعي فؤاد زكريا انتسابه إلى أهله-، ومتى انتفى القياس كانت النتيجة باطلة، ومن ثم تتداعى الادعاءات العلمانية، هذه النحلة الغريبة التي يحاول أصحابها أن يجعلوها بدلاً للدين لأنها بزعمهم تعمل على تفادي الأخطاء التي يقع فيه حينما يقف في وجه النظريات العلمية!!.." (المرجع السابق).
ويقول الدكتور مفرح القوسي في رسالته (المنهج السلفي والموقف المعاصر منه في البلاد العربية، دراسة وتقويماً) (ص 657-666): "الدكتور فؤاد زكريا: أحد رموز الاتجاه العلماني المتطرف، صاحب المقال المعروف (العلمانية هي الحل) رداً على دعوة (الإسلام هو الحل)، وصاحب النظرية القائلة: إن الغزو الثقافي الغربي خرافة لا وجود لها(1)، وأحد أبرز المعادين للمنهج السلفي ومنتقديه، فقد سخر من الاتجاهات الإسلامية المعاصرة الملتزمة بهذا المنهج، وادعى أنها بالتزامها به تُركز على التمسك بشكل الإسلام دون مضمونه، فهي -كما يقول- : "تركز كفاحها على الجوانب الشكلية من العقيدة، أعني: تلك الجوانب التي تتعلق باستكمال الشروط الشعائرية للدين والاستجابة لبعض الأوامر والنواهي التي لا تمس في الأغلب الحياة العامة في المجتمع، فكلنا نرى من حولنا أولئك الشبان أو الشابات الذين يركزون كفاحهم الديني على ميدان الملابس وأداء الفروض ومنع كافة أشكال الاختلاط بين الجنسين، وهم يحاربون في هذا الميدان بلا هوادة، ويعتقدون أنهم أرضوا ضمائرهم وأرضوا ربهم لو نجحوا -مثلاً- في قطع اجتماع من أجل إقامة صلاة المغرب، أو في فصل الطلاب عن الطالبات في قاعة المحاضرات، أو في الدعوة إلى ملابس تُخفي كافة معالم جسم المرأة باستثناء العينين في قيظ الصيف، أو في إثارة ضجة إعلامية هائلة تدافع عن تربية اللحى لدى الرجال"(2). كما ادعى أنها في ظل أيديولوجيتها السلفية تفتقر إلى برنامج اجتماعي محدد المعالم يقدم خطة نهضوية قابلة للتطبيق في المجتمع الحديث، وتغفل معالجة المشكلات الحقيقية التي - كما يقول- يتعرض لها الإنسان المسحوق في معظم أرجاء العالم الإسلامي، كمشكلة العدالة الاجتماعية أو نوع التحالفات الدولية التي تخدم قضايا المسلمين أو أسلوب الحكم في البلاد الإسلامية، وكل ما لديها إنما هو: عبارات إنشائية ومبادئ هلامية شديدة العمومية والغموض، واستشهاد بحكم ومبادئ تفصلنا عنها مئات السنين(3).
-ويرى أن دعوة هذه الاتجاهات الإسلامية إلى التمسك بالمنهج السلفي والأخذ به ما هي إلا دعوة سلبية رجعية شديدة التخلف؛ تريد العودة بالمسلمين إلى الوراء وتثبيت الأوضاع المتخلفة التي تعاني منها البلاد الإسلامية، وأنه لا يجوز عد هذه الاتجاهات ضمن (اليقظة الإسلامية) أو (الصحوة الإسلامية) التي قامت مؤخراً في البلاد الإسلامية، لأن هذه الاتجاهات في دعوتها تلك ما هي إلا نوم لا يقظة، وموات لا بعث، ونكسة وغيبوبة تنسب إلى نفسها القدرة على البعث زوراً وبهتاناً، ولا هدف لها إلا إرجاع الزمان إلى الوراء والوصول بالمسلمين باسم (الصحوة) إلى حالة من التخدير؛ لن يصحوا منها إلا بعد فوات الأوان(4).
-ويدعي أن الاتجاه السلفي المعاصر إنما يمثل العودة إلى ما كان عليه العرب في عصر سالف حسب طريقتهم الخاصة في فهم ذلك العصر، وأنه يفتقر إلى القدرة على مسايرة العصر، ولم ينجح في تقديم التراث الإسلامي بصورة فيها حيوية أو تجديد أو قدرة على التحدث بلغة العصر ومخاطبة العقول بلغة قريبة إلى فهمها وحسها وذوقها، وأنه في طريقة عرضه للتراث الإسلامي إنما ينتقي منه ما يناسب أفكاره الجامدة -على حد تعبير زكريا- ويحجب كل ما يتعارض معها ويقدمه بوصفه الممثل للتراث(5).
__________
(1) … انظر: جمال سلطان -دفاع عن ثقافتنا ص 16، ط الأولى 1412هـ، دار الوطن للنشر- الرياض.
(2) … الصحوة الإسلامية في ميزان العقل ص 15، ط الأولى 1989م، دار الفكر للدراسات والنشر والتوزيع القاهرة.
(3) … انظر: المرجع السابق ص 16، 18، 25.
(4) … انظر: المرجع السابق ص 14 - 15.
(5) … انظر: خطاب إلى العقل العربي 46 - 47 ، ط عام 1990م، مكتبة مصر - القاهرة .(52/363)
-كما يزعم أن الاتجاه السلفي ينظر إلى التاريخ نظرة ارتدادية، وأن الاعتقاد السلفي في قضايا الدين والإيمان والقدر والرسالة والوحي هو الذي أدى بالعقل العربي الإسلامي إلى تجنب الاقتراب من منطقة المستقبل وتركيز كل جهوده فيما هو وقتي مباشر، وترك الميدان المستقبلي للظروف دون محاولة للتدخل المسبق فيه. ومما قاله بهذا الشأن قوله: "حين نتأمل جيداً موقع العقيدة الإسلامية والوحي القرآني في التاريخ العام للبشر كما تحدده وجهة النظر الدينية؛ يتكشف لنا أحد الأسباب الهامة التي تحول دون سيادة الاتجاه المستقبلي في الفكر الإسلامي، ذلك لأن الإسلام هو آخر الرسالات التي بعثت للبشر، ورسول الإسلام هو خاتم الأنبياء، والوحي الذي كان يهبط على البشرية منذ أقدم عهود الأنبياء قد اكتمل بنزول القرآن، وبمجيء الإسلام تكون البشرية قد بلغت سن الرشد واستُكمل كل ما كان ينقص الرسالات السابقة. وهكذا ينطوي الإسلام على عقيدة أساسية هي أنه دين البشرية التالية كلها، وتعاليمه هي أعلى قمة للتشريع والأخلاق والحكمة يمكن أن يهتدي بها الإنسان. في وضع كهذا كيف يمكن أن يوصف التاريخ التالي للبشرية، أعني: تاريخها الذي أعقب وصولها إلى تلك القمة؟ لن يكون هذا التاريخ في واقع الأمر سوى شروح على متن هو الوحي في صورته المكتملة … وفي إطار وجهة نظر كهذه كيف يمكن أن يكون للمستقبل دور جوهري في فكر الإنسان المسلم؟ إن مسار التاريخ بعد الإسلام إما أن يكون تدهوراً، وإما أن يكون - على أحسن الفروض- محاولة دائمة للعودة إلى الإشعاع الأول، وفي كلتا الحالتين لا ينطوي المستقبل على جديد، ولا يمثل تطور البشرية خطاً صاعداً إلى أعلى. وربما تصور المؤمن المتمسك بحرفية عقيدته أن الأمل في مستقبل أفضل من أي شيء عُرف في الماضي ينطوي على نوع من التجديف، إذ يتضمن الاعتقاد بأن التاريخ سيبلغ يوماً ما نقطة تعلو على المستوى الذي بلغه عند نزول الوحي، وهو أمر ممتنع بالنسبة إلى عقيدة اكتمل بها رشد الإنسان، أعني : عقيدة يستحيل -بحكم تعريفها ذاته- أن يتم تجاوزها في أية لحظة لاحقة من تاريخ البشر"(1). وقوله: "لقد كان من الطبيعي أن تؤدي النظرية التي ترى في الوحي أعلى قمة بلغتها الحكمة والشريعة في أي عصر -تؤدي إلى فلسفة للتاريخ ترى في مسار البشرية بعد عصر الوحي الأول تدهوراً، وتُعلق أقصى الآمال على التشبه بهذا العصر الأول، أما تجاوزه فمحال. تلك هي الصورة التي اتخذتها فكرة "العصر الذهبي المجيد" في العالم الإسلامي، مع ملاحظة أن هذا العصر الذهبي ليس عصر أمجاد بشرية، بل هو ذلك الذي تحققت فيه أرقى صورة من اتصال الألوهية بالإنسانية، في وحي يمثل كلمة الله الحرفية والمباشرة. وعندما يكون المستقبل بالضرورة أدنى مستوى من الماضي، وعندما يكون قصارى الأمل هو أن نكرر في المستقبل لحظة معينة من لحظات الماضي، فعندئذ يفقد المستقبل قيمته بوصفه غاية يتجه إليها نشاط الإنسان، ومن ثم لا تعود هناك حاجة إلى جعله موضوعاً أساسياً للتفكير… ولو قفزنا عبر الزمان قفزة كبرى لنصل إلى الوضع السائد في العصر الحاضر لوجدنا أن عدداً غير قليل من الجماعات الدينية المعاصرة في العالم العربي تلخص فلسفتها الإصلاحية في عبارة واحدة هي: (لقد كان المسلمون الأوائل منتصرين في جميع الميادين، وهزموا أعظم دول العالم في زمانهم عندما كانوا يتبعون تعاليم دينهم، ثم تدهورت أمورهم لما انصرفوا عن الدين، وإذن فلنعد إلى حظيرة الدين كيما نصبح مرة أخرى أعظم أمم العالم)، قد تختلف التعبيرات من جماعة إلى أخرى، ولكني أعتقد أن هذه العبارة تُلخّص الدعوة الفكرية لعدد من أهل الجماعات الإسلامية الحالية. وإذا لم يكن من مهمتنا أن ندخل في جدل يكشف عما في هذه (الوصفة) من سذاجة وقصور -يتمثل قبل كل شيء في تجاهل الفوارق النوعية الهائلة بين عصر الدعوة الإسلامية والعصر الحاضر وإسقاط كل التغيرات التي طرأت على العالم كله في الفترة الواقعة بين الحقبتين - فإننا نستطيع أن نكتشف بسهولة في هذه المعادلة المبسطة التي تقتنع بها أعداد هائلة من العرب المعاصرين نفس السمة التي كنا نشير إليها منذ قليل، وهي أن أقصى حلم يتمناه هذا الفكر للمستقبل هو أن يتخذ شكل الماضي البعيد، وأن الإحياء والتجديد هو الأمل الأكبر، أما التجاوز فمستحيل"(2).
__________
(1) … الصحوة الإسلامية في ميزان العقل ص 85 - 86.
(2) … المرجع السابق ص 87 - 89.(52/364)
-ويعدُّ فؤاد زكريا الاقتداء بالسلف الصالح والالتزام بمنهجهم اغتراباً زمانياً وقفزاً فوق الزمن، ويرى أنه لا يصح الربط بين الأصالة وذلك الاقتداء والالتزام، لانقطاع الخيط الذي يصلنا بزمن السلف الصالح، ولأن منهجهم لم يطبق -في نظره- إلا فترة زمنية محددة هي فترة صدر الإسلام. فنراه يقول -بعد أن تحدث عن دعوة البعض إلى محاكاة النموذجين الغربيين الرأسمالي والاشتراكي- :"… غير أن هناك نوعاً آخر من المحاكاة يوصف بأنه لا يتضمن أي خروج عن الأصالة، بل يقال إنه هو نفسه التعبير الحقيقي عن الأصالة، وأعني به: محاكاة أسلافنا والعودة إلى نموذج الحياة الذي كان سائداً إبان انتشار دعوتهم وازدهار دولتهم، وقد يتخذ هذا النموذج شكلاً إسلامياً، فيقال: إن صيغة التقدم الوحيدة المتاحة لنا هي أن نعود إلى إسلام السلف الصالح، مادام هؤلاء قد تمكنوا بفضل إيمانهم من تثبيت دعائم دولة كبرى؛ وقهر أعظم امبراطوريات التاريخ القديم… هذا النوع من محاكاة الأجداد، أو -حسب العبارة التقليدية- الاقتداء بالسلف الصالح يُعد في نظر الكثيرين الحل الأمثل لمشكلة الأصالة، فنحن في هذه الحالة نعود إلى جذورنا ونرتد إلى أصولنا، ومن ثم فإننا في واقع الأمر لا نحاكي أحداً، لأن المحاكاة إنما تكون بين طرفين متغايرين، وهو مالا ينطبق على العودة إلى الذات في منابعها الأصلية. ولكن هل تكمن الأصالة في مثل هذه العودة إلى الماضي بحق؟… إن أنصار الاقتداء بالسلف الصالح يركزون دعوتهم على فترة معينة من التاريخ، هي على وجه التحديد فترة صدر الإسلام، والنموذج الذي يدعون إلى الاقتداء به هو نموذج الإسلام الأول؛ إسلام الدعوة والكفاح والانتصار وبناء الحياة الجديدة، أي: عصر النبي والخلفاء الراشدين، وربما توسع بعضهم فامتد إلى نهاية القرن الأول والثاني من الهجرة، ولكن المهم في الأمر أن بؤرة الاهتمام ومركز الإشعاع هو أقدم عصور الإسلام. ويعترف أنصار هذه الدعوة أنفسهم بأن الفترة التي تلت ذلك، أعني: الفترة التي تفصلنا عن عصر الانتصار الأول كانت في معظم الأحيان فترة تدهور وتراجع وخروج عن الخط القويم؛ وعن النموذج الرائع الذي ضربه لنا المسلمون الأوائل، وبعبارة أخرى: فإن معظم فترات التاريخ الإسلامي كانت -باعتراف أنصار هذا الرأي- انقطاعاً عن المسار الذي بدأ بداية مجيدة؛ وخروجاً أو انحرافاً عن الاتجاه القويم، أي أننا حين يراد منا أن نعود اليوم إلى هذا النموذج لابد أن نقفز قفزة هائلة فوق الجزء الأكبر من التاريخ العربي الإسلامي ونعود إلى أول فتراته، ونُسقط من حسابنا جزءاً كبيراً من الزمن الذي يفصل بيننا وبين هذا العصر الأول. هذا الانقطاع وهذه القفزة فوق فترة زمنية طويلة تُسقط شرطاً أساسياً من شروط الأصالة وهو "الاستمرار"، فصحيح أن العصر الذي يُراد منا أن نقتدي به ينتمي إلى جذور تاريخنا البعيد، ولكنه لم يظل ممتداً على نحو متصل حتى وقتنا الراهن، فنحن في حالة النموذج الإسلامي نعترف صراحة بالانقطاع؛ حتى نقول إننا تنكبنا طريق السلف الصالح منذ القرون الأولى، أي: أن معظم فترات تاريخنا كانت خروجاً على النمط الأول، ونحن نعلم أن الأصالة في نسب إنسان أو فرس إنما تعني أن يكون هذا النسب مستمراً أو متصلاً من فترة معينة في الماضي حتى الوقت الحاضر، ولو حدث أي انقطاع في النسب خلال هذا المسار لما عاد هذا أو ذاك أصيلاً. وهكذا نجد لزاماً علينا أن نعيد النظر في موقف أولئك الذي يحددون الأصالة بأنها العودة إلى جذورنا الضاربة في أعماق الماضي، فحدوث انقطاع أساسي بين الحاضر وهذا الماضي البعيد يؤدي إلى الإحساس بنوع من "الاغتراب" بين الإنسان وجذوره البعيدة، وكما أننا في محاكاة النماذج الأجنبية المعاصرة نشعر باغتراب "مكاني" لأن هذا النماذج دخيلة علينا تنتمي إلى بقاع تفصلنا عنها مسافات مادية ومعنوية كبيرة، فكذلك نشعر باغتراب "زماني" حين يُطلب إلينا أن نقفز فوق الزمن قفزة هائلة ونتجاهل معظم فترات تاريخنا، ونقتدي بنموذج قديم في ظروف أصبحت مختلفة عنه كل الاختلاف، وفي عالم لا تربطه بعالم الأسلاف أية صلة، في الوقت الذي نعترف فيه صراحة بأن الخيط الذي كان مفروضاً أن نظل ممسكين به من ذلك العصر الذهبي القديم قد انقطع منذ أمد بعيد"(1).
-ويصور فؤاد زكريا موقف أصحاب المنهج السلفي -الماثل الآن في الصحوة الإسلامية- من العلم المعاصر بصفة خاصة كما يلي:
أنهم يرون تضاداً وعداءً بين العلم الحديث ومتطلبات الإيمان كما يتصورونها هم(2)، وأنهم لم يستطيعوا أن يقيموا التعايش بين العلم والإيمان، ولذا فهم يلجأون إلى جعل العلم ينبثق عن الدين، أو إعطائه مكانة بمقاييس دينية(3).
أنهم ينكرون السببية ويطعنون في مبدأ الحتمية(4)، لأن القول بها يعني -في نظرهم- الحد من القدرة الإلهية.
__________
(1) …المرجع السابق ص 99 - 100.
(2) …انظر: خطاب إلى العقل العربي في الصفحات : 58،59، 64، 65،69.
(3) …انظر: المرجع السابق ص 70.
(4) …انظر: المرجع السابق في الصفحات: 59، 60، 64، 65.(52/365)
أنهم يُدينون العلم الحديث، لأنه -في نظرهم- مادي وغير يقيني ويتعارض مع روحانية الإسلام(1).
أنهم "يلجأون إلى استغلال أية ضعف في العلم سواء في منهجه أم في بنائه أم في نتائجه من أجل تأكيد ضرورة الاقتصار على الإيمان الديني الذي هو المصدر الوحيد لليقين أمام حقائق علمية مهتزة وغير مؤكدة"(2) .
هـ- أنهم يقعون -دون وعي- في موقف شديد التناقض، حيث يرفضون العلم الغربي الحديث، ثم لا يجدون أية غضاضة من استخدام أحدث منتجات هذا العلم في حياتهم اليومية(3) .
-أما علاقة "السلفية" بالتاريخ وارتباطها بالواقع البشري، ففؤاد زكريا من "الذين يصفون (السلفية) باللاتاريخية من حيث مذهبيتها التي تتعالى على الواقع البشري تفاعلاً معه وانفعالاً به، بحكم كمالها وشمولها، أو من حيث وقوفها عند نمط تاريخي واحد تريد أن تفرضه على مسيرة التاريخ المغايرة لذلك النمط، مما يعني إنكار حركة الزمن وتغير الأحوال"(4)، حيث نراه يصف الداعين إلى تطبيق الشريعة وإقامة حقوق الإنسان في العصر الحديث استمداداً من الشريعة التي وجدت قبل أربعة عشر قرناً بأنهم يقدمون "تصوراً يؤدي بالفعل إلى إلغاء التاريخ…، بل إن دعوة أن النصوص المقدسة المتعلقة بحقوق الإنسان صالحة لكل زمان ومكان هي في ذاتها فكرة تعبر عن اتخاذ موقف لا تاريخي منذ البداية"(5). ويصف النظرة السلفية إلى التراث بأنها نظرة لا تاريخية، حيث يقول: "إن السمة التي تنفرد بها العلاقة بين الماضي والحاضر في الثقافة العربية هي أن الماضي ماثل دائماً أمام الحاضر، لا بوصفه مندمجاً في هذا الحاضر ومتداخلاً فيه، بل بوصفه قوة مستقلة عنه منافسة له، تدافع عن حقوقها إزاءه، وتحاول أن تحل محله إن استطاعت. ولو شئتُ أن أُلخص هذه السمة في كلمة واحدة لقلت: إن نظرتنا إلى الماضي لا تاريخية… فالماضي في ثقافتنا العربية يقطع صلته بعصره بالتدريج ويفقد طابعه النسبي، ويخرج عن الإطار الزمني الذي كان مرتبطاً به ليصبح قوة دائمة الحضور، ولابد أن يتصادم ما هو دائم الحضور مع الحاضر، إن العلاقة بينهما بإيجاز علاقة قوتين متعارضتين، مع أن الماضي والحاضر ليسا سوى قوة واحدة يتغير طابعها خلال الامتداد الزمني بالتدريج، وفي اعتقادي أن هذه النظرة "اللاتاريخية" إلى الماضي هي المسئولة عن قدر كبير من التخلف الفكري الذي يعاني منه العالم العربي، وعن ذلك التخبط والاضطراب الثقافي الذي يظهر أوضح ما يكون في الطرق التي تُعالج بها مشكلة موقفنا من التراث ودوره في حياتنا الحاضرة، أو مشكلة الأصالة والمعاصرة كما يشيع تسميتها"(6) .
__________
(1) …انظر: المرجع السابق ص 61، 65، 68.
(2) …المرجع السابق ص 68.
(3) …انظر: المرجع السابق ص 70.
(4) …د. عبد الرحمن الزنيدي -السلفية وقضايا العصر ص109.
(5) …الصحوة الإسلامية في ميزان العقل ص 112 - 113 بتصرف يسير.
(6) …المرجع السابق ص 27 - 28. وانظر : ص 42 من المرجع نفسه.(52/366)
-ويفترض فؤاد زكريا مأزقاً يقع فيه السلفيون نتيجة لإيمانهم المطلق بـ(صلاحية الشريعة لكل زمان ومكان) وإمكانية تطبيقها بحذافيرها على الحياة البشرية المعاصرة، ذلك أن الشريعة ثابتة، بينما الحياة البشرية متغيرة متطورة، فإذا أُريد تطبيق الشريعة على الحياة فإما أن تتغير الشريعة تبعاً لتغير مجال تطبيقها فينتقض الحكم بثباتها وتكون متطورة مسايرة للزمن في تحولاته -وهذا ما يرفضه السلفيون- وإما أن تجمد الحياة عند صورة واحدة وتُرفض صورها المستجدة التي حدثت بعد اكتمال التشريع. حيث يقول ما نصه: "إن فكرة (الصلاحية لكل زمان ومكان) تبدو متعارضة مع التغير الذي لا يستطيع أن ينكره أحد في أحوال البشر، مما يجعل إطلاق هذا الوصف على الأمور المتعلقة بالظواهر الإنسانية أمراً شديد الصعوبة من الوجهة العقلية"(1)، ويقول كذلك عن السلفيين: "هناك فئة من المفكرين الدينيين لا تدرك هذه المشكلة على حقيقتها وتتجاهلها إلى حد الإصرار على صيغة (الصلاحية لكل زمان ومكان) بلا قيد ولا شرط. والمأزق الذي تواجهه هذه الفئة هو أنها إذا تمسكت بحرفية النصوص دون تصرف- هذا إذا افترضنا أن هناك إنساناً قادراً على التمسك بحرفية النصوص- كان عليها أن تتجاهل أوضاع الواقع وظروف العصر، أما إذا أرادت أن تعمل حساباً لهذه الأوضاع- وهو أمر لا مفر منه في حياتنا المعاصرة- فلا بد لها من أن تقصر دور النصوص على المبادئ والتوجيهات العامة. ويُمكن التعبير عن هذا الإشكال من خلال مقارنته بصيغة أخرى تُتداول بدورها دون تحليل متعمق، وهي (الإسلام دين ودنيا)، ذلك لأن مفهوم (الدنيا) في هذه الصيغة يشمل السياسة وتنظيم المجتمع والمعاملات الخ، وكلها أمور يسري عليها التغير والتطور الذي يتسارع مُعدّله يوماً بعد يوم، فإذا شئنا أن نعمل حساباً لهذه (الدنيا) السريعة التغير التي تزداد المسافة تباعداً بينها وبين (الدنيا) التي نزل فيها الوحي؛ وجدنا تعارضاً لا مفر منه بين هذه الصيغة والصيغة السابقة (الصلاحية لكل زمان ومكان)، بحيث يبدو لنا أننا لو أخذنا بالأولى اضطررنا إلى التنازل عن الكثير مما في الثانية، والعكس بالعكس. أما حين يجمع الفكر الديني المعاصر بين الصيغتين معاً دون أية محاولة لفهم العلاقة العكسية بينهما، أو لبيان الطريقة التي يمكن بها الجمع بينهما دون تناقض في ظروف عصر دائم التغير، فإنه يتجاهل بذلك مشكلات كثيرة لا يملك العقل الحديث ترف الهروب منها"(2).
-وينافح فؤاد زكريا كثيراً عن "العلمانية" محاولاً الرد على جميع الانتقادات الموجهة إليها، ومدعياً أنها ضرورة حضارية اجتماعية وسياسية ومبدأ أصيل تحتاج إليه جميع المجتمعات الإسلامية في مرحلتها التاريخية الراهنة(3)، وأنها "مهما تعمقت في التراث تظل تضعه في إطاره التاريخي وتربطه بظروف الزمان والمكان التي حددت معالمه، ولا تقع أبداً في خطأ الاستعاضة عن الحاضر مهما كان هزيلاً بالماضي مهما كان مجيداً، ولذا كان موقفها من التراث جامعاً بين الحفاظ عليه وتجاوزه، بل إنها ترى أن التراث لا يُصان ولا يُحفظ إلا من خلال عملية النقد والتجاوز"(4). انتهى كلام الدكتور القوسي -وفقه الله-.
ويقول الدكتور نعمان السامرائي : (قرأت أخيراً كتاب (الصحوة الإسلامية في ميزان العقل) للدكتور فؤاد زكريا، الصادر عن دار الفكر المعاصر، وقد توقعت دراسة علمية، ولكني أصبت بخيبة أمل، فهو كالدكتور "أركون" يشن الغارة على الصحوة وأهلها، ويدافع عن اللبرالية وثمارها".
وسأحاول ذكر آراء الدكتور زكريا حرفياً، تاركاً للقارئ أن يقارن بينه وبين الذين ساهموا في الحديث عن "الصحوة" إبتداءً بالمرحوم حامد ربيع، وجاك شيراك، وفيليب روندو، وجيمس بيل، وغيرهم، وليصل إلى ما شاء من حكم على الأفكار وأصحابها من خلال النصوص.
موقف الدكتور زكريا من النص الإسلامي:
اختار الدكتور عدم مناقشة رأي الإسلام، وتوجه إلى مناقشة آراء المسلمين فيما يكتبون، وعلل هذا التوجه، بأنه غير مؤهل لذلك(5).
وهو يرجو "أن لا يحاكم إلى النص" ثم يختم مقدمته بأن كتابه موجه إلى عقول الناس لا إلى عواطفهم(6).
وفي الفصل الأول يقول: (7) (في الوقت الذي لا يكف فيه الدعاة الإسلاميون عن الزهو بأمجاد الإسلام والعروبة، نرى الدول الإسلامية -على الصعيد الدولي- في ذيل المجتمع العالمي. إنها وحدها التي تعيش بلا أمل). اهـ.
والسؤال : أين الإشكالية التي عنون بها للبحث؟؟.
لقد طبقنا الإسلام يوماً فتقدمنا، وهجرناه أو ابتعدنا عنه فتأخرنا، ونحن نريد أن نعود إليه على أمل أن نتقدم، فأين الإشكال؟
__________
(1) …المرجع السابق ص 172.
(2) …المرجع السابق ص 173. وراجع كذلك : الحقيقة والوهم في الحركة الإسلامية المعاصرة ص 12-14.
(3) …راجع: الصحوة الإسلامية في ميزان العقل في الصفحات : 63 - 80.
(4) …المرجع السابق ص 74.
(5) …الصحوة في المقدمة ص 4 -5.
(6) …الصحوة في المقدمة ص 4 - 5 .
(7) …الصحوة ص 9.(52/367)
لقد اتسعت صدورنا لتطبيق جميع النظم، فلنطبق الإسلام -ولو مرة واحدة- فإن نهضنا… وإلا أضفنا تجربة إلى عشرات التجارب التي مضت دون جدوى ولا فائدة، أم أن "السادة" يضعون "فيتو" على الإسلام وحده ؟؟!!.
الدكتور زكريا وتعميماته:
يقول علماؤنا: ما من عامٍ إلا وخُصص. وما زلنا نلوم طلبتنا على التعميم. وأفاجأ بالدكتور يقول: (1) (الكل في بلاد العالم الثالث ينهضون، وإن لم ينهضوا يقاومون، وتنتفض قلوبهم بروح الثورة والسخط على الأوضاع، ويتملكهم الأمل في مستقبل يتغير فيه مجتمعهم وإنسانهم إلى الأفضل، إلا العالم الإسلامي. فكل شيء فيه هامد خامد، وكل شيء فيه مبعثر منقسم، وكل روح فيه منطفئة مكدودة، وأما الأمل فقصاراه أن يدوم الحال ولا يطرأ "مكروه" يقلب الأوضاع ويعكر الهادئ ويغير المستقر). اهـ.
والسؤال : هذه الأحكام العامة عقلية أم عاطفية؟؟.
لا صحوة ولا يحزنون:
يشارك الدكتور زكريا "أركون" بأنه لا صحوة، ولا أمل، ولا حركة، ولا يحزنون(2). بل تخلف في تخلف. فهو يقول: (3) (…ولكن الواقع أن كل ما يقال عن هذه الصحوة خارج البلاد الإسلامية وداخلها، يؤكد فكرة "التخلف" ولا ينفيها، والمسألة في رأيي هي: أن في العالم الإسلامي المعاصر موارد نفطية هائلة، ذات أهمية بالغة لاستمرار الحياة في العالم الصناعي الغربي المتقدم، وهو يمثل موقعاً استراتيجياً عظيم الأهمية في الصراع بين المعسكرين الرأسمالي والشيوعي(4)، وهذا العالم كان يتم التعامل معه حتى الآن بأساليب يسيره، لا تتضمن تعقيدات كثيرة، ولكنها تحقق تدفقاً منتظماً للموارد النفطية، وتضمن وضعاً مريحاً للمعسكر الغربي بالذات في الصراع الاستراتيجي العالمي، ويكفي كأسلوب مضمون للتعامل مع هذا العالم، أن تُزرع فيه إسرائيل لكي تهدد أي نظام يسعى إلى تحقيق التقدم في بلاده، وأن يُنشر الخوف من الشيوعية لكي يرغم النظم الطبقية والعشائرية على الاستسلام الدائم لرغبات الغرب… ولكن ظهور اتجاهات جديدة غير الاتجاهات التقليدية، يمكن أن يحدث خلخلة في الخطة بأكملها، ويدفع إلى السطح بعوامل غير منظورة وغير متوقعة، تقتضي تعديلات، قد تكون طفيفة أو أساسية في خطة التعامل، ولهذا السبب أعتقد أن كل ما يقال عن اهتمام العالم "باليقظة الإسلامية" إنما هو محاولة لاستيعاب أي اتجاه فكري أو سياسي جديدة في إطار أساليب التعامل التي أثبتت فعاليتها طوال العقود الثلاثة الماضية، ولامتصاص أي تغيير تفكر المجتمعات الإسلامية في إدخاله على حياتها… هذا هو التفسير الحقيقي -في رأيي- لذلك الاهتمام المحموم الذي يبديه العالم "باليقظة الإسلامية" فهو ليس اهتماماً مقصوداً لذاته، ولا يعبر عن موقف اتجاه الإسلام ذاته، وإنما هو محاولة لإعادة وضع "النبيذ الجديد في الزجاجات القديمة"…) اهـ.
وأنا أسأل الدكتور زكريا أن يفسر لي لماذا غزا السوفيت أفغانستان وليس فيها نفط ولا دبس، وهي في يد عملائهم ؟؟!!.
ولماذا جمع "كارتر" حوله فريق عمل، لدراسة أمر الصحوة والمتطرفين؟ ولمذا يدعو شخص مثل "بريجنسكي" لاستعمال القوة ضد الصحوة ورموزها؟.
ولماذا يهتم يهودي مثل "كيسنجر" بهذه الصحوة ويقدم النصائح بالدس على رموزها وتفريق صفوفهم؟؟.
ولماذا يُزعج الغرب فوز بضعة نواب إسلاميين في بلد فقير؟؟.
وأخيراً كيف يفسر لي الدكتور زكريا تصريح رئيس جمهورية فرنسا إنه سيتدخل في الجزائر إذا فاز الأصوليون في الانتخاب؟؟.
ثم كيف يفسر لنا الدكتور ذلك التضامن الكامل بين الشرق الشيوعي والغرب الرأسمالي، على إقامة إسرائيل والاعتراف بها لحظة ولادتها، ثم مدها بالرجال والمال، وحراستها "بالفيتو" وغيره؟؟.
وأخيراً ماذا سيقول الدكتور بعد "وفاة" الشيوعية واستجداء الروس المعونات من أعداء الأمس؟ .
نحن والله يسعدنا أكبر سعادة أن يكف الغرب عن حربنا، وأن يتركنا نختار الطريق كما تفعل شعوب الأرض أو الكثير منها.
إن الغرب هو الذي يشن الحرب ضدنا، ويحاول إذلالنا بكل ما يستطيع من حيلة، سواء في ذلك أن نصادقه، أو نعاديه، نحالفه ونحارب إلى جانبه، أو نقف على الحياد. فإذا كان الدكتور لا يعي ذلك أو لا يهتم به فتلك قضية أخرى.
لقد كره الغرب اليهود واضطهدهم، بل قتلهم أحياناً، ثم صالحهم، بل تحول نحوهم إلى عاشق، يعجبه حتى سفك اليهود لدماء جيرانهم، وراح يمدهم بالمال والتأييد والعتاد والرجال، وبكل ما يريدون، فلماذا بقي الإسلام والمسلمون وحدهم الأعداء الألدّاء ؟؟ ليتوسط الدكتور زكريا بيننا وبينهم عساه يقنعهم بفتح صفحة جديدة، كتلك التي فتحوها مع اليهود!!
الدكتور زكريا واللبرالية:
الدكتور زكريا عاشق للبرالية، يتحدث عنها كأي عاشق مُتيَّم، بل هي كحُمَّى شاعرنا التي وصفها بقوله:
عرضتُ لها المطارف والحشايا فعافتها ونامت في عظامي !
__________
(1) …الصحوة ص 9.
(2) …تعبير شائع، للدلالة على عدم وجود ما يستحق الاهتمام.
(3) …الصحوة ص 11.
(4) …لقد سقط الصراع في يوم وليلة.(52/368)
ولا اعتراض لدي على عشق الدكتور، ولكني أعترض على قوله: (1) (ذلك أن اللبرالية بمفهومها المعروف في الغرب، والذي طبق في بعض البلاد الإسلامية خلال فترات معينة من تاريخها، أصبحت في الوقت الراهن معرضة لحملات كاسحة من التشويه وسوء الفهم، ونجحت أجهزة الإعلام في البلاد التي تسيطر عليها نظم عسكرية أو عشائرية "أعني في مجموعة من أهم البلاد الإسلامية وأقواها تأثيراً" في تلطيخ سمعتها وإدانتها لأسباب لم تكن اللبرالية ذاتها في واقع الأمر، مسؤولة عنها في معظم الأحوال، وهكذا تتهم التجربة الحزبية المحدودة النطاق، القصيرة الأجل، التي مرت بها بعض البلاد الإسلامية بأنها كانت فاسدة، فاشلة، وتأخذ الأجيال الجديدة الشابة هذا الاتهام على أنه قضية مسلّم بصحتها…) اهـ.
لقد صارت بلاد المسلمين حقل تجارب لجميع النظم، ونحن حين نتكلم عن هذه النظم فكلامنا عن تجاربنا أولاً، ويشاركنا في ذلك بعض من تقدم ذكرهم: جاك شيراك، وفيليب روندو، وجيمس بيل، وغيرهم كثير.
وهذا فرنسوا شاتليه يذهب لأبعد من ذلك، فيقرر أن بعض المثقفين في البلدان ذات الثقافة الفرنسية، يسعون لتبني أفكار ومفاهيم قد تخلى عنها الفرنسيون أنفسهم وتخلصوا منها(2) !!!
الدكتور زكريا يمنعنا من الحديث عن أمجاد الإسلام، مع أنه طُبق في بلادنا، وفي الوقت نفسه لا يستهجن الحديث عن التجارب الفاشلة في بلادنا، لأنها لم تكن كذلك في موطنها. فهل هذا الموقف مقبول وعلمي؟؟!.
وأختم هذا الحديث بشهادة للدكتور علي الشامي، فقد يكون مقبولاً لدى الدكتور زكريا، إذ هو ليس من المعروفين "بالتخلف" ولا المعدودين على الصحوة الإسلامية! فهو يقول: (3) (انتقل الغرب، عبر الحضارة من الحالة الصليبية إلى الحالة الاستعمارية،… ولم تكن الحضارة بشكل عام تطوراً في سياق تبديل العلاقة، بقدر ما كانت جهداً متواصلاً للحفاظ عليها، وِفق تراتيبة، أراد جهابذة الغرب أن يجعلوها أزلية، وهي: "غلبة الغرب ودونية الإسلام" .
وفي الحقيقة إن الذي تغير ليس إطلاقاً مبدأ السيطرة، وإنما تحديداً، تقنيتها، فلم يكن الانتقال من الصليبية إلى الاستعمار تجاوزاً لرغبة السيطرة على الشرق الإسلامي، كما لم تكن منتجات الحضارة الحديثة سوى عامل مساعد على تكرار المحاولة، لقد تغير الغرب ولم تتغير نظرته إلى الإسلام. أما الاختلاف في الزمن والفكر والبنية، فإنه لم يُدخل على الإطلاق تعديلاً في المنهج والأيديولوجية، رغم التنويعات الظاهرة في الشكل). اهـ.
هذه شهادة أرجو أن تكون مقبولة لدى الدكتور وتلاميذه. وللمرة الألف أرجو أن يراجع الغرب ضميره -إن كان قد بقي لديه ضمير- فيعلن انتهاء الحرب ضد الإسلام والمسلمين، ومن التشجيع على سفك دمائهم ونهب خيراتهم، والمساهمة في إذلالهم وإفقارهم، وإعانة عدوهم عليهم، وأن يتوقف من مطاردتهم في الهيئات والمحافل الدولية، ومن التآمر عليهم في الليل والنهار، والسر والعلن، وأن يتوقف عن الهمس في آذان حكامهم. والأخير مطلب مُلحٌ عاجل…!) انتهى كلام الأستاذ السامرائي من كتابه (الصحوة الإسلامية في عيون مختلفة ص 63 - 69).
ويقول المستشار سالم البهنساوي: (بتاريخ 18/7/86 نشرت الأهرام أقوالاً للدكتور فؤاد زكريا، تتعلق بالإسلام والعلمانية ورد فيها أنه لا يوجد تعارض بين الإسلام والعلمانية، فهي كتعبير تعرضت لسوء فهم شديد يسيء إلى سمعتها بإظهارها على أنها نقيض للإسلام، واستدل بأن مصر في الأربعينات كانت تسير في طريق علماني، وليس معنى ذلك أنه لم يكن زعماء مصر يؤدون فرائض الإسلام، وأن أوروبا اتجهت إلى العلمانية كرد فعل على التفكير الذي يتمسك بأقوال أرسطو ورجال الكنيسة، بينما كانت أوروبا تسعى للتوسع والسيطرة والتصنيع والعلوم وكان العائق هو التمسك بأفكار أرسطو والكنيسة، فلا يقال إن هذا التفكير الأوربي ليس عندنا فلا داعي إذاً للعلمانية.
لما كان ذلك وكانت هذه القضية تتردد بين الحين والآخر في كثير من المجتمعات العربية فتناولتها أقلام بهذا المفهوم الذي طرحه الدكتور "فؤاد زكريا" في ندوة نقابة الأطباء في مصر، من ذلك ما نشر في صحيفة الوطن بالكويت بتاريخ 19/11/82، 18/3/83، 23/5/84 وكذلك ما نشر بصحيفة الوفد بتاريخ 12/6/86 للدكتور وحيد رأفت، كل هذا كان يخلط بين الحكومة الإلهية في باريس وبين الإسلام، ثم استحدث الدكتور فؤاد زكريا تعريفاً للعلمانية لم ينسبه لأي مصدر من المصادر، وينطوي على إضفاء صفة العلم عليها، ومن ثم وجب أن نرد ما اختلف فيه إلى مصادره الأصلية وذلك على النحو التالي وبإيجاز شديد:
العلمانية هي ترجمة كلمة SECULA r ISM ومعناها كما جاء في المورد صـ 827 هو عدم المبالاة بالدين وبالاعتبارات الدينية، أي فيما يتعلق بالقواعد والنظم الاجتماعية فقد جاء في قاموس "وستر" ص 1444 أن العلمانية هي قواعد غير مرتبطة بالقواعد ذات العلاقة بالكنيسة أو الأنظمة الدينية.
__________
(1) …الصحوة ص 14.
(2) …مجلة الفكر العربي العدد 41 ص 372 لعام 1986.
(3) …المرجع السابق ص 48.(52/369)
وعلى هذا الأساس فالعلمانية تعني رفض القوانين التي يكون مصدرها الوحي الإلهي، فهي تحل الفواحش والربا ولحم الخنزير وسائر المحرمات الواردة بالقرآن الكريم، وفي الكتب السماوية الأخرى كالإنجيل والتوراة؛ لمجرد أن مصدرها الدين طبقاً لما استقر عليه النظام العلماني بقاعدة فصل الدين عن الدولة.
ليس صحيحاً أن العلمانية تعني التفكير العلمي أو تقتصر على التقدم الصناعي والمعماري، فالعالم قد أثبت أن أكل لحم الخنزير يضر بالإنسان ويكفي أنه يولد الدودة الشريطية التي يصل طولها بأمعاء الإنسان إلى ثمانية عشر متراً، كما أثبت العلم أضرار الفواحش وتمثل ذلك في أمراض الزهري والسيلان ثم أخيراً مرض الإيدز، ومع هذا فالتشريعات العلمانية في أوروبا تبيح هذه الأمور والعلم يوجب خطرها.
أما أن الفكر الديني يناهض العلوم والتصنيع ولهذا لجأت أوروبا إلى المذهب العلماني فإن ذلك قاصر على أوروبا وحدها ولا ينبغي أن نتبع أوربا في مشاكلها وأمراضها أو في علاج المشاكل والأمراض التي ليست في مجتمعاتنا، فالإسلام يطلق الحرية الكاملة في البحث العلمي وفي كل شيء يتعلق بالصناعة وغيرها مما يخضع للتجارب البشرية، ف صلى الله عليه وسلم قد قال: "أنتم أعلم بشئون دنياكم" . والأحاديث والآيات القرآنية في هذا لا نكاد نحصيها.
إن ما عرف في أوروبا باسم الحكم الثيوقراطي أو الحكومة الإلهية، أمر لم يوجد في المجتمعات العربية ولن يوجد فيها، فإذا كان لرجال الدين في أوروبا في القرون الوسطى ما عرف باسم الحق الإلهي، الذي يخول لهم التصرف في الناس وفي التشريعات وفي أمور الحلال والحرام ثم يقولون إن هذا من الله، وبالتالي كانوا يملكون صكوك الغفران والحرمان، كما قاموا بسجن أو حرق من بحث في العلوم الطبية أو غيرها من العلوم التجريبية فإن كل ذلك لا وجود له في الإسلام فهو لا يخول أحداً من الناس في هذه الخصائص أو غيرها، كما أنه لا يفوض أشخاصاً بأعيانهم لتولي السلطة في الأرض أو لممارسة السلطة الدينية على الناس بل إن القرآن الكريم قد نزل لإبطال هذه المغالطات المنسوبة إلى الدين وإلى الله تبارك وتعالى، فقد أعلن ذلك إلى الناس جميعاً، قال الله:(تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئاً ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله).
إن تأدية بعض الزعماء للصوم والصلاة في النظم العلمانية ليس معناه أن هذه النظم لا تتعارض مع الدين، لأن التعارض بين الدين والعلمانية يكون فيما يتعلق بالتشريعات الاجتماعية والاقتصادية والقانونية؛ لأن العلمانية لا تعني إنكار وجود الله والديانات كما هو الحال في الشيوعية، وقد سجل القرآن موقف أهل مدين في هذا الشأن من نبيهم شعيب في قوله عز وجل: (قالوا يا شعيب أصلاتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء إنك لأنت الحليم الرشيد)) انتهى كلام البهنساوي من كتابه (تهافت العلمانية في الصحافة العربية، ص229، 230).
وقال الأستاذ محمد إبراهيم مبروك في كتابه (علمانيون أم ملحدون؟) (ص112-119). (في كتاب الدكتور فؤاد زكريا (أستاذ الفلسفة الطبيعية) (نظرية المعرفة والموقف الطبيعي للإنسان) يعدد مصادر المعرفة المختلفة (وطبعاً لا يذكر من بينها الوحي) ثم ينكرها جميعاً باستثناء الإدراك الحسي الذي يعتبره المصدر الوحيد للحقائق. ويرفض الدكتور فؤاد المنهج العقلي الذي يتخذ البرهان العقلي على وجود الأشياء رفضاً شديداً حيث يقول: "إن المعيار الحاسم لوجود الأشياء هو إدراكها (يقصد إدراكها بإحدى الحواس الخمس) لا البرهنة عليها".
وينقل قول لوك مؤكداً لموقفه: "إن معرفتنا بوجود الأشياء لا ينبغي أن ترد إلى الذهن لأن الوسيلة الوحيدة لهذه المعرفة هي الإحساس ولا يمكن عن طريق الأفكار الذهنية وحدها إثبات وجود موضوع لفكرة ما".
ومن هذا المنطلق فإنه ينتقد آراء ديكارت وباركلي في الإيمان بوجود أشياء ميتافيزيقية (غيبية) على البرهان العقلي.
ويقول عن الآثار العملية الضارة لهذه الطريقة في التفكير: "عندما كان الناس يؤمنون بأن محاصيلهم هبة من إله الزرع أو الخصب كانوا يركزون جهودهم في الصلاة لذلك الإله ويتركون زرعهم تحت رحمته أما عندما أصبحوا يؤمنون بأن جودة محاصيلهم تتوقف على ما يبذلونه فيها من جهد فإن نشاطهم تحول من الصلاة لإله الزرع إلى رعاية الأرض وتعهد النبات وهكذا يؤدي تغيير طريقة التفكير النظري في الأشياء إلى تغيير في طريقة التعامل مع هذه الأشياء".
وهذا الموقف الحاسم والمعروف عن الدكتور فؤاد زكريا (والذي نقدر له ثقافته العلمية الواسعة وقدرته الموضوعية الكبيرة وكذلك موقفه السياسي في رده على كتاب الأستاذ حسنين هيكل خريف الغضب) حيث أكد في كتابه (كم عمر الغضب) أن الأخطاء التي وقع فيها الرئيس السادات يجب أيضاً أن يتحملها بالتبعية الرئيس عبد الناصر الذي عينه في منصب النائب وهو يعلم من هو.(52/370)
ونقدر له في كتابه (التفكير والمنهج العلمي) موقفه الموضوعي من الحضارة الإغريقية والتي اعتبرها ذات إنجازات علمية متواضعة وكذلك موقفه الموضوعي من الحضارة الإسلامية التي أشاد بإنجازاتها العلمية وقدرتها على تفجير الطاقات الفكرية النابغة وكذلك تفريقه بين الإسلام فإننا أمام دين يختلف كل الاختلاف عن الدين الذي كان يواجه رواد النهضة فالإسلام دين يدعو إلى العلم وإعمال العقل في التفكير بشكل قاطع وإن كان يؤخذ عليه في هذا الكتاب أنه أسقط هجومه على التفسيرات الغيبية بوجه عام.
إلا أن الموقف الفكري الحاسم والمعروف عن الدكتور فؤاد زكريا والذي أشرنا إليه في الحديث عن نظريته في المعرفة بدأ يأخذ شكلاً آخر في كتبه التي يتحدث فيها عن الصحوة الإسلامية وموقفه منها. فبدت آراؤه تأخذ طابعاً بعيداً عن الموضوعية وتتجه نحو التأويل والتعميم والمراوغة .
ويرى الدكتور فؤاد زكريا في كتابه: "الحقيقة والوهم في الحركات الإسلامية" أنه ما زالت تسيطر على الإسلاميين الفكرة الساذجة بمعاداة الغرب للإسلام بوجه خاص (ولا أعرف كيف يمكنه تأويل الأقوال الصريحة الدالة على ذلك لقادتهم السياسيين والمفكرين والتي أشرنا إليها في الباب السابق؟!).
ويرى أنه بالنسبة للمعتدلين الذي يؤمنون بالتطبيق التدريجي للشريعة الإسلامية (والتي يكاد يختزلها في الحدود!) ويشترطون لتطبيقها توفير حد أدنى من الكفاية الاجتماعية قد فاتهم أن يسألوا أنفسهم وكيف يمكننا أن نصل إلى تلك المرحلة إلا بتحقيق الإصلاح الاقتصادي والاستقلال السياسي والحياة الديمقراطية وعلى ذلك فعلينا أن تشغلنا هذه الأمور أولاً -وذلك بالترتيب السليم للأولويات -ثم تأتي بعد ذلك مسألة تطبيق الشريعة.
فهل فات الدكتور فؤاد وقد يكون السبب في ذلك هو بعده عن الحركة الإسلامية أو رؤيته لها بمنظوره الخاص أنه ليس هناك بين الإسلاميين (سواء المعتدلين أو غير المعتدلين) من يطالب بتطبيق الشريعة الإسلامية بمعناها المحدود بل إن المطالبة بتطبيق الشريعة عندهم تمثل رمزاً لقيام الدولة الإسلامية المنشودة بل إن تطبيق الشريعة يكاد يكون مرادفاً عندهم لقيام الدولة الإسلامية: وهذا أمر مبدئي لدى الحركة الإسلامية لا يمكن التشكيك فيه لأنه من البديهيات الإسلامية التي يعوقها أن الإسلام دين شمولي لا يقبل التجزيء وأن تجزيء الإسلام لا يعني شيئاً سوى تشويهه.
وليس باستطاعتي أن أقتنع أن الدكتور فؤاد زكريا -بكل ثقله الفكري- من الممكن أن يجهل ذلك مهما كان موقفه من الحركة الإسلامية.
أما ما يطرحه الدكتور فؤاد عن ترتيب الأولويات فإنه يدور حول الحلقة دون أن يحاول اقتحامها لأن المسألة تتعلق بالمنهج المطبق في كل المراحل وليست المسألة مجرد تطبيق الإسلام في مرحلة ما، لكن الدكتور فؤاد أراد بطرحه لفكرة تطبيق الشريعة والرد عليها بترتيب الأولويات التي تستوجب الخروج من الأزمة التي نعانيها أولاً سياسياً واقتصادياً واجتماعياً ملتمسين النجاة داخل دائرة الحلول العلمانية، وطبعاً أقول أراد بذلك أن يؤجل نقاش فكرة تطبيق الإسلام لأجل غير مسمى ومحاولة تسويغ فرض التفكير في المشاكل المطروحة بالأساليب العلمانية في التفكير التي يريد أن يخلص إليها .
ولا أكاد أقتنع (مرة أخرى) أن الدكتور فؤاد لا يعي حكاية المنهج هذه، فأيا كانت المرحلة المطلوبة أولاً وأياً كانت المشكلة المطروحة فإن السؤال البديهي هو هل نلتمس الحل لها من داخل الإسلام أم من غيره؟ هل تعترفون بأن هناك حلاً إسلامياً لمشكلتنا الاقتصادية أم لا؟ وهل تعترفون بأن هناك حلاً إسلامياً لمشكلتنا السياسية أم لا …؟ إلخ. أي أن المسألة المطروحة هي هل أنتم ترون الحلول من داخل الإسلام أم لا ؟ وأكررها في أكثر من مناسبة المسألة هي إسلام أم لا إسلام.
وإذا كان جيب بموقفه الاستعماري يسخر من المفكرين الإسلاميين في أوائل القرن الماضي متسائلاً لأي جمع من الناس يوجهون حواراتهم(1)؟ فإننا من دورنا نسأل الدكتور فؤاد بقدرته الموضوعية الكبيرة -ودون سخرية- لأي جمع من الناس توجه كلامك الذي يعني -ولو بشكل تمويهي- أنك تقبل تطبيق الشريعة بضماناتها الاجتماعية ولكن توفير هذه الضمانات يستوجب حلول مشاكلنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية داخل نطاق الحلول العلمانية أو في قول أقرب إلى أسلوبكم بالطرق الموضوعية المجردة التي لا شأن للإسلام بها.
ويقول إن الشريعة الإسلامية شديدة العمومية ولابد من تدخل بشري كبير لكي تصير واقعاً يمكن تطبيقه في ذلك العالم البالغ التعقيد.
ضع هذا القول نصب عينيك جيداً وضع أمامه قول إن النص الإلهي يفسر ويطبق بواسطة حكام بشر وأن التجارب المريرة التي خاضها عالمنا الإسلامي قد أثبتت أن أمثال هؤلاء الحكام الأكثر دموية والأشد استخفافاً بمصائر البشر. إنه يخلص من هذين القولين إلى أن الشريعة الإسلامية ليست قانوناً إلهياً له حق التفضيل على القوانين الموضوعية!
__________
(1) …تحديد الفكر الإسلامي.(52/371)
وفي هذا الكلام عدة تجاوزات لا أعتقد أبداً أنها تفوت الدكتور فؤاد زكريا، فكون الشريعة الإسلامية بكليات شديدة العمومية أمر لا يعيبها وإنما هو ما يمنحها المرونة اللازمة التي تكسبها صلاحية الملاءمة مع تطور الأزمان والظروف والأحوال وهو ما يقتضيه كونها الشريعة الخالدة خلود الزمان ولكن هذا لا يجعلنا نتغاضى كما فعل الدكتور زكريا عن أن هناك الكثير من الأحكام التفصيلية أيضاً التي جاء بها الإسلام في كل شئون الحياة
ولتناقض الادعاءات العلمانية والتي لا تعني في حقيقتها أي شيء له معنى موضوعي بل وليست إلا محاولات تمويهية لإخفاء الأفكار المعادية للدين وراءها فإن الجانب الأكبر من العلمانيين يستغلون هذه الأحكام في اتهام الإسلام بالتعقيد الشديد.
ولكن الدكتور فؤاد لم يفعل ذلك لأنه أراد أن يخلص نتيجة أخرى معادية للإسلام ومترتبة على هذا القول هي أن من يقوم بتفسير هذه الأحكام العمومية حكام بشر أثبتت التجارب المريرة مدى ظلمهم وفسادهم، وأظهر إدعاء باطل في هذا الكلام هو أن ما يفسر هذه الأحكام هم الحكام فمن المعلوم بالضرورة أن الذي يقوم بذلك هم العلماء وليس الحكام ولا يعيب بعض هؤلاء العلماء -من أمثال عمر وعلي- أن يكونوا حكاماً وكيف من الممكن أن تؤدي عملية التفسير إلى سحب الصفة الإلهية من هذه الأحكام وكأن هؤلاء المفسرين يعملون في الهواء الطلق دون الالتزام بأية قواعد أو مناهج، فعمومية الأحكام التي تكسبها الصلاحية والمرونة لمواجهة ما يقتضيه التطور الاجتماعي ومتغيرات السلوك الإنساني من أحكام لا يفقدها مقوماتها الخاصة بها لأن هذه العملية التوليدية المستمرة من الأحكام الإسلامية تخضع في تطورها لإطارات خاصة وأهداف محددة تعكس تصورات العقيدة الإسلامية للعالم والغايات الإسلامية من حركة تطور المجتمع ويخضع هؤلاء المفسرون لقواعد أصولية ثابتة في عملية التفسير واستخلاص الأحكام الجديدة وعلى قدر التزامهم بهذه القواعد على قدر ما ينسحب على آرائهم من شرعية إسلامية.
وحكاية عمومية أحكام الشريعة هذه واتخاذها ذريعة لتفريغ الإسلام من محتوياته تتردد كثيراً في كتابات الدكتور زكريا حتى تكاد تشك أن لديه إعوازاً شديداً في مواده الفكرية التي يستخدمها في محاولاته في إزاحة الإسلام وتثبيت دعائم الأنماط العلمانية في التفكير (والماركسية منها بالذات) على الساحة الفكرية مكانه وذلك في رده على كتاب الدكتور مصطفى محمود الماركسية والإسلام يقول(1) : "إذا كانت الأحكام الدينية تقتصر على العموميات وتترك التفاصيل والجزئيات لاجتهاد العقل البشري وفقاً لظروف الإنسان المتغيرة فمن أي مصدر نستمد هذه التفاصيل؟ لابد أن يكون ذلك من مصدر دنيوي ولابد أن يملأ الناس ذلك الإطار العام الذي تحدده الأحكام الدينية، بمضمون أو بمحتوى مستمد من واقع حياتهم المتغيرة ومستلهم من فكر إنساني واجتهاد بشري". ونعود لكي نسأل مرة أخرى: هل عملية الاجتهاد في التفاصيل هذه تحدث هناك في الهواء الطلق دون أي تأثير من القواعد العمومية؟ ثم يأخذ على الدكتور مصطفى محمود هجومه على الماركسية ويتهمه بأن ذلك يعني أنه يريد أن يملأ الفراغات التي تركتها الأحكام العمومية بالرأسمالية.
والحقيقة أن كلام الدكتور فؤاد هو الذي يريد أن يوحي للقارئ الساذج (لأني لا أعرف مَن مِن الممكن أن يقتنع بهذا لكي يوجه إليه الدكتور فؤاد كلامه) أن الأوفق أن تمتلئ هذه الفراغات بالماركسية بل إنه يصرح بهذه الفكرة في كتاب آخر حديث له فيذهب إلى أن عمومية الأحكام الدينية تترك للاجتهاد وللتفسير وبذلك لا يجد المفكر مفراً لسد هذا الفراغ إلا إلى الرجوع إلى الأيديولوجيات المعاصرة، بحيث يؤدي العداء للاشتراكية على نحو آلي إلى خدمة الرأسمالية ويرى أن الأوفق إلى الإسلام أن يرجع في ذلك إلى الاشتراكية وذلك لأن "جوهر القيم الاشتراكية، ومضمونها الفعلي متفق مع الجوهر الحقيقي للإسلام اتفاقاً أساسياً".
__________
(1) …الصحوة الإسلامية في ميزان العقل.(52/372)
وهكذا يتضح الآن السبب الخطير الذي يقف وراء إصرار الدكتور زكريا على ترديد حكاية عمومية الأحكام هذه في الكثير من كتاباته: إنه يريد أن يتخذها ذريعة لوضع الماركسية مكان الإسلام (على أساس أنها الأيديولوجية ذات الحلول المعاصرة) ولا يحتفظ من الإسلام إلا بغلاف للزينة فقط يعمل على تسويغ موقفه. ومازلت أردد يتخذ ذلك ذريعة عند من ؟! لمن يوجه الدكتور فؤاد كلامه ؟! إنه يريد أن ينتقل بمسألة عمومية الأحكام من حالة التميز بالمرونة والمعاصرة إلى حالة وصمها بالحياد والجدب والعجز بل واللا وجود تماماً، فهل بلغ الإسلام هذا الحد من الفراغ الذي يجعله في حاجة إلى ملئه تماماً إما بالماركسية أو الرأسمالية؟! إن مسألة مثل المسألة الاقتصادية والتي كثيراً ما يشار إليها في هذا الموضوع نرى أن الإسلام له مواقفه الخاصة الأصولية في مختلف فروعها تلك المواقف التي تميزه من ناحية الأيديولوجية الاقتصادية كمذهب مستقل يقف في موضوعية كاملة في مواجهة الماركسية والرأسمالية معاً. أليس للإسلام موقفه الخاص من الملكية الخاصة وملكية الدولة والربا والاحتكار واستزراع الأرض ومختلف العقود التجارية والاقتصادية واتجاه الإنتاج والضرائب وتحقيق الكفاية الاجتماعية وغير ذلك من المسائل . لكن الدكتور زكريا يدعي بهذه الأقوال أن الإسلام (خيال مآته) يشير إلى العدل ولكنه لا ينطق بشيء .
فهل يجهل الدكتور زكريا هذه المواقف الخاصة للإسلام؟! من السذاجة أن نعتقد ذلك. ولكن ماذا يفيد الدكتور زكريا إذن تجاهله لهذه الأمور؟! ومع هذا فإن أسوأ المنزلقات التي وقع فيها الدكتور فؤاد تحت ضغط أهدافه العلمانية هي محاولة تأويله لقول كارل ماركس "الدين أفيون الشعوب" فهو يندد بالذين يفهمون المعنى الظاهر لهذا القول ويستغلونه في ترويج مفهوم العداء بين الماركسية والدين فيذهب إلى أن ماركس لم يقصد بذلك "إبعاد الناس عن الدين مثلما يبتعدون عن مخدر ضار كالأفيون ولكنه كان يقصد "أن الدين مهم ما دامت المظالم الاجتماعية قائمة، وبرغم اعترافه أن آراء ماركس في الدين لن ترضي رجال الدين إلا أنه لم يذهب في موقفه إلى الدعوة إلى محاربة الأديان. وكل هذا الكلام يثير لديك الشفقة على محاولات الدكتور زكريا في التمرير وما يستتبعه ذلك من سقطات ما كان لكاتب مثله على علم كبير وقدرة موضوعية عالية أن يقع فيها؛ لأن كارل ماركس نفسه أتبع عبارته: "الدين أفيون الشعوب" مباشرة (تفصل بين العبارتين نقطة فقط) عبارته التالية: "إذن فنقد الدين هو الخطوة الأولى ضع ألف خط تحت كلمة الأولى"
إذن فماذا من الممكن بعد هذه العبارة أن تفيد محاولات الدكتور زكريا في تأويل عبارة ماركس الأولى!؟ وأعود لأكرر إلى من يتوجه الدكتور زكريا بهذا الكلام ؟!
هل للعلمانيين؟ لا أعتقد فهم يفهمون جيداً (خصوصاً الماركسيين منهم) مواقفك الفكرية في غير حاجة لمثل هذا الكلام .
هل للإسلاميين؟ لا أعتقد لأنهم يفهمون ما يفهمه العلمانيون
هل من الممكن أن يكون كل هذا المجهود موجهاً إلى السذج؟ نحن ننأى بمفكر يملك القدرات العلمية التي يملكها الدكتور زكريا عن أن يفعل ذلك) انتهى.
3-ومن انحرافات هذا الخبيث (الكفرية) -والعياذ بالله-: إنكاره للجن!! "زاعماً بأنه لا يؤمن إلا بما هو علمي"! (انظر مجلة المجتمع الكويتية، العدد 323).
والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
===================(52/373)
(52/374)
نظرة شرعية في فكر (أمينة السعيد)
ترجمتها:
قال الدكتور محمد فؤاد البرازي في كتابه (مؤامرات على الحجاب): (في أسرة ميسورة الحال من "المنصورة"، ولدت "أمينة السعيد" بـ"أسيوط" عام (1914)م(1)، حيث كان والدها "أحمد السعيد" يعمل طبيباً في هذه البلدة، إلى أن عاد إلى "القاهرة" ليُلحق أبناءه بالمدارس الأجنبية، لأنه كان مُحباً للحضارة الأوربية.
وقد التحقت "أمينة" في طفولتها بـ"مدرسة الحلمية للبنات"، فكانت في غاية التمرد والشقاوة، حتى إنها رسبت في جميع مواد السنة الدراسية الأولى، لأنه وقتها كان للهو واللعب.
وتروي "مجلة حواء" على لسان "أمينة السعيد" أحد مواقفها في طفولتها الشقية، فتقول :"أغضبني مرة أحد المدرسين في الفصل، فشعرتُ بالظلم الفادح الذي وقع عليّ، فكان تركيزي طوال وقت الحصة في كيفية الانتقام منه، وردّ هذا الظلم. وعندما انتهى وقت الحصة، وغادر المدرس الفصل متوجهاً لحجرته، لاحقتُهُ وضربتُه بقبضة يدي الصغيرة في ظهره.. ثم أطلقتُ قدميّ للريح خوفاً منه"(2).
وبعد إتمامها للمرحلة الثانوية، كانت ضمن أول دفعة من الفتيات ينتسبن إلى "كلية الآداب" التي كان عميدها المستغرب: "طه حسين"، فاختارت "قسم اللغة الإنجليزية"، واستمرت فيه حتى تخرجها.
__________
(1) … وفي كتاب "مصريات رائدات ومبدعات !" (ص 65) أنها ولدت عام 1910م.
(2) … انظر: مجلة "حواء" ، العدد (2030)، تاريخ 19 آب - أغسطس 1995م.
وبعد تخرجها من الجامعة أصبحت من هُواة "الأدب الإنجليزي"، حتى إنها -في إحدى مراحل حياتها- ألفت كتاباً عن الشاعر الإنجليزي "بيرون"، وتزوجت في عام (1937)م من الدكتور "عبد الله زين العابدين"، الذي شجعها على العمل في الصحافة، ووقف إلى جانبها في جميع الأزمات والمحن التي نزلت بها من جراء ذلك.
وحين كان الصحفي "مصطفى أمين" نائباً لرئيس تحرير مجلة "آخر ساعة"، عرض عليها أن تعمل معه في المجلة، فقبلت بذلك على أن تخفي اسمها حتى لا يعرف أبوها وأمها أنها تعمل في الصحافة، وهو عمل غير مستساغ في المجتمع آنذاك. لكنهما علما بذلك فيما بعد.
ثم انتقلت إلى مؤسسة صحفية متخصصة بنشر السموم ضد الإسلام ودعاته، تدعى: "دار الهلال" ، التي أسسها الصليبي الهالك: "جورجي زيدان" 1287-1332هـ = 1861-1914م، الذي وقف حياته على تشويه التاريخ الإسلامي، وخلفائه الميامين، بأكاذيب صاغ بها قصصه المتعددة، التي كتبها بدافع من الحقد الدفين على الإسلام والمسلمين. ومن "دار الهلال" بدأت "أمينة" تكتب عن شؤون المرأة في مجلة "المصور"، ومجلة "الاثنين" من وجهة نظر المستغربين، فلفتت نظر "أميل زيدان" أحد صاحبي "الهلال"، فاختارها "رئيسة تحرير" لإصدار مجلةٍ نسائيةٍ شهرية باسم: "حواء" . وصدر العدد الأول منها في أول كانون الثاني يناير عام (1954)م.
ومن خلال هذه المجلة انطلقت "أمينة السعيد" تكتب عن المرأة، وتطالب بما تعتبره حقوقاً لها.
وفي عام (1962)م اختيرت عضواً في مجلس إدارة "دار الهلال"، فكانت بذلك أول امرأة مصرية تُعيّنُ في مجلس إدارة مؤسسة صحفية.
ثم عينها "أنور السادات" رئيسة لمجلس الإدارة، واستمرت في هذا المنصب إلى أن أقالها "السادات" نفسه منه، ومن رئاسة تحرير مجلة "المصور" ((مؤامرات على الحجاب، للدكتور محمد فؤاد البرازي، ص 122-124).
وانظر ترجمتها -أيضاً- في "مصريات رائدات ومبدعات! "لمجموعة من الكاتبات (ص 65 وما بعدها).
-هلكت بعد إصابتها بمرض السرطان -والعياذ بالله- عام 1995م.
-تعد أمينة السعيد من أبرز داعيات تحرير المرأة في العالم العربي، فقد كانت ترأس تحرير مجلة (حواء) المصرية، ومن خلالها كانت تدعو إلى هذه الفكرة الخبيثة.
-يقول الشيخ محمد المقدم عنها : "تلميذة وفية لطه حسن، ترأس تحرير مجلة حواء، ومن خلالها تحرض نساءنا على النشوز، وفتياتنا على التهتك والانحلال، وقد تواتر لدى الجميع أنها تهاجم الحجاب الإسلامي بكل جرأة، وهي -وإن كانت تلقفت الراية من "الزعيمات" السابقات- إلا أنها تفوقت على كل اللاتي سبقنها في باب التجرد من الآداب والأخلاق الأساسية، إذ إنها لا تألو جهداً في الصد عن سبيل الله، والاستهزاء من شرعه عز وجل، حتى وصل بها الأمر إلى أن قالت: (كيف نخضع لفقهاء أربعة ولدوا في عصر الظلام ولدينا الميثاق؟)، وقالت : (إنني لا أطمئن على حقوق المرأة إلا إذا تساوت مع الرجل في الميراث) (عودة الحجاب 1/65).
ويقول الدكتور محمد فؤاد البرازي: (كانت "أمينة السعيد" تلميذة للمستغرب المأفون، وعميد الأدب المزعوم: "طه حسين"، فتأثرت به أشد التأثر، وترك فيها من بصمات التغريب، ونوازع التقليد، والافتتان بحضارة الغرب، ما سترى أثره في مقالاتها التي كانت تنشرها.(52/375)
ولا شك أن نشأتها في أحضان أبٍ غير ملتزم، حريصٍ على تعليم أبنائه في المدارس الأجنبية، وتشجيعه إياها على لعب "التنس" بملعب "جامعة القاهرة" مع المدرب، إضافة إلى تشكيل عقلها على يد أستاذها "طه حسين" ، وترددها على "هدى شعراوي" وتأثرها بها، ثم استعدادها الخاص لذلك، كل ذلك قد صاغها صياغة "متحررة" ، جعلتها متمردة على أحكام الإسلام، وقيمه العليا) (مؤامرات على الحجاب ، ص125).
وقد ذكرت هي نفسها بأنها تلميذة لداعية التحرير الأولى (هدى شعراوي)، تقول أمينة السعيد: "قبل اشتغالي بالصحافة ودخولي الجامعة وتخرجي منها، كنت أقوم بتمثيل بعض المسرحيات في الحفلات الخيرية التي كانت تقيمها الزعيمة ! هدى شعراوي لصالح الأعمال الخيرية التابعة لجمعيتها" (انظر: مقابلتها مع مجلة الجديد، العدد 38).
وتقول تلميذتها ايفلين رياض : "اختارتها الزعيمة ! هدى شعراوي من بين مجموعة من الشابات الصغيرات! لتعدها للقيادة في مجال الخدمة الاجتماعية(1) عندما وجدت لديها الحماس والقدرة على العمل والكفاح" (مصريات رائدات ومبدعات! ص 66).
انحرافاتها:
1-من أعظمها : دعوتها إلى "تدمير" المرأة المسلمة، وتهييجها لكي لا تلتزم بشريعة ربها . حيث يصدق عليها قوله تعالى (إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب شديد في الدنيا والآخرة).
__________
(1) … بل مجال تحرير المرأة ! ولكنها عادتهم في إلباس الفساد لباس الصلاح .
2-ومن انحرافاتها : أنها "اتخذت من مجلة "حواء" منبراً للتطاول على الأحكام الإسلامية الخاصة بقانون "الأحوال الشخصية" و"حجاب المرأة المسلمة"؛ بل راحت كما قال الأستاذ "محمود محمد الجوهري": "تحرضُ نساءنا على النشوز، وفتياتنا على الانحلال. وهي التي جعلت الفسق والبغاء الرسمي في شارع الهرم نوعاً من كرم الضيافة عندنا (!!!) في ردّها على "القذافي"، عندما ندد بمخازي "شارع الهرم" في أحد مواقفه العنترية، من خلال ندوة عقدت بالقاهرة، طالب فيها بنظافة "شارع الهرم"، وإغلاق محال الدعارة السياحية، وعُلبِ الليل"(1).
وكتبت ذات يوم في مجلة "المصور" : "إنني لا أطمئن على حقوق المرأة إلا إذا تساوت مع الرجل في الميراث"
فهل تعتبر هذه في عداد المسلمين، وهي تعارض قول الله رب العالمين: (يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين) (النساء: 11)؟ !!
وقالت أيضاً: "كيف نخضع لفقهاء أربعة ولدوا في عصر الظلام، ولدينا الميثاق" ؟ !!! أي الذي أصدره "جمال عبد الناصر" ! وفيه من المخالفات لدين الله عز وجل ما فيه…" (انظر : مؤامرات على الحجاب ، ص 126).
3-ومن انحرافاتها : أنها "بعد أن امتدت يد ثورة 23 تموز -يوليو 1952م إلى قانون "الأحوال الشخصية" بالتعديل، رضوخاً لرغبات دعاة "تحرير المرأة" !!! راحت تطالب بتعديلات أخرى؛ وكانت تريد بذلك إصدار تشريعٍ يمنعُ " تعدد الزوجات" ، و"مساواة المرأة بالرجل في الميراث" ، إلى غير ذلك من هذه المخالفات الصريحة لشريعة الله عز وجل" (المرجع السابق، ص 126-127)
4-ومن انحرافاتها: استهزاؤها بالحجاب الشرعي وقولها : "ما نراه اليوم شائعاً بين الفتيات والسيدات مما يسمونه "الزي الإسلامي" فالإسلام منه براء، لأنه تقليد حرفي لزي الراهبات المسيحيات" (مؤامرات على الحجاب، ص127).
وتقول أيضاً: "هل من الإسلام أن ترتدي البنات في الجامعة ملابس تغطيهن تماماً، وتجعلهن كالعفاريت (!!!) وهل لابد من تكفين البنات بالملابس وهن على قيد الحياة، حتى لا يُرى منها شيء وهي تسير في الشارع" !! (مجلة حواء، 18، نوفمبر 1972).
وقالت : "إن هذه الثياب الممجوجة قشرة سطحية لا تكفي وحدها لفتح أبواب الجنة، أو اكتساب رضا الله. فتيات يخرجن إلى الشارع والجامعات بملابس قبيحة المنظر، يزعمن أنها "زي إسلامي"، لم أجد ما يعطيني مبرراً منطقياً معقولاً لالتجاء فتيات على قدر مذكور من التعليم إلى لف أجسادهن من الرأس إلى القدمين، بزي هو والكفن سواء" (مجلة المصور، 22 يناير 1982).( وانظر: عودة الحجاب، للشيخ محمد المقدم، (1/65-67).
5-ومن انحرافاتها العجيبة : أن فتاة مسلمة ! أرسلت لها بأنها تحب شاباً غير مسلم، وتريد أن تتزوجه !! ولكن دينها يمنعها من ذلك.
فأجابتها أمينة السعيد بأن "تتزوجه زواجاً مدنياً" !!! (انظر: مجلة لواء الإسلام، عدد 8، ربيع الثاني 1384هـ).
6-ومن انحرافاتها : قولها "إن أمر الرجل لزوجته بارتداء الحجاب مرفوض؛ لأنه يدخل تحت قوله تعالى (لا إكراه في الدين) " !! (انظر: المجلة العربية، العدد 129). وهذه فتيا جريئة يعلم كل مسلم مخالفتها لدين الإسلام، ستبؤ بإثمها هذه العجوز الهالكة.
-يقول الدكتور السيد رزق الطويل عن أمينة السعيد: "كانت في وقت من الأوقات تتصدى للإفتاء في إحدى المجلات الأسبوعية حول قضايا البشر الاجتماعية والغرامية والنفسية، وكانت ترتكز في فتاواها على اجتهادات قائمة على قدر كبير من التجربة والتصور الشخصي والمزاجي، وعلى قدر قليل من العلم، وبمعزل تام عن هدي الدين الحق وهداه " (مجلة منبر الإسلام، 2 صفر 1411هـ).(52/376)
7-ومن انحرافاتها: دعوتها للاختلاط المحرم، وادعاؤها بأن "حرية الاختلاط هي أقوى سياج لحماية الأخلاق"!! (مقابلتها مع مجلة الجديد، العدد 38).
وصدق الله (وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون) فهي ترى المنكر معروفاً ، والمعروف منكراً.
ختاماً: يقول الدكتور محمد فؤاد البرازي في كتابه (مؤامرات على الحجاب) (ص 129) متحدثاً عن أمينة السعيد:
"استبدّت بها آلام نفسية نتيجة فشلها بدعوتها المتحررة بعد عودة النساء إلى الله، والتزام الكثيرات بالحجاب؛ بل بالنقاب، فعبّرت عن ذلك قبل موتها بأربعة أيام، حين قالت بحسرة وألم لصحفية من مجلة "المصور" (العدد 3697) وهي تجري معها مقابلة: "أمينة السعيد كانت ملكة الصحافة النسائية. لقد أفنيتُ عمري كله من أجلها. أما الآن فقد هدني المرض، وتنازلت النساء عن كثير من حقوقهن. المرأة المصرية صارت ضعيفة.. الإرهابيون وسَّخوا مخّهم…" تعني بذلك: أن الإسلاميين قد أقنعوهن حتى التزمن بالإسلام. فالإسلاميون في نظرها: إرهابيون، وقيامهم بإقناع النساء بالالتزام بالحجاب "توسيخ" لعقولهن. (كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذباً) (الكهف:5).
اللهم جنبنا الردى، واكفنا شر العدا، ولا تضلنا بعد الهدى.
وحين سألتها الصحفية عن رؤيتها للحركة النسائية، أجابت : "هبطت كثيراً، بل انتهت … لم تعد لدينا حركة نسائية".
__________
(1) … انظر: (الأخوات المسلمات وبناء الأسرة القرآنية ، ص 98).
وتفسر عودة المرأة المسلمة إلى دينها وحجابها تفسيراً غريباً (استكباراً في الأرض ومكر السيئ ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله) (فاطر: 43) فتقول: "السيدات ملأهن الرعب من الإرهابيين والمتطرفين، وصمتن عن حقوقهن التي تُسحب منهن، وارتضين آراء بعض المتخلفين الذين يتمسحون في الدين ورجال الإرهاب، وكلاهما من أغبى الناس.
وضاعت الجهود التي بذلتها "هدى شعراوي" ثم جهودنا نحن طوال خمسين عاماً، وعاد الحجاب ثانية" ..
قلت: الحمد لله الذي لم يهلكك حتى أكمدك بعودته، (ولعذاب الآخرة أشد وأبقى)
والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
=================(52/377)
(52/378)
نظرة شرعية في فكر (أحمد لطفي السيد)
ترجمته(1): هو أحمد لطفي بن السيد أبي علي، ولد سنة 1870م، كان رئيساً لمجمع اللغة العربية في القاهرة. وينعت بأستاذ الجيل! ولد في قرية "برقين" بمركز "السنبلاوين" بمصر، وتخرج بمدرسة الحقوق في القاهرة (1889) وعمل في المحاماة. وشارك في تأليف حزب "الأمة" سنة 1908 فكان أمينه، وحرر صحيفته "الجريدة" يومية إلى سنة 1914 وكان من أعضاء "الوفد المصري" وتحول إلى "الأحرار الدستوريين" وعين مديراً لدار الكتب المصرية فمديراً للجامعة عدة مرات، ثم وزيراً للمعارف، والداخلية والخارجية (1946) فعضواً بمجلس الشيوخ (1949) وكان تعيينه رئيساً لمجمع اللغة العربية سنة 1945 واستمر فيه إلى أن توفي بالقاهرة. تأثر بملازمة جمال الدين الأفغاني مدة في استنبول، وبقراءة كتب أرسطو، ونقل منها إلى العربية: "علم الطبيعة -ط" و"السياسة-ط" و"الكون والفساد-ط" و"الأخلاق-ط".
وجمع إسماعيل مظهر مقالاته في "صفحات مطوية من تاريخ الحركة الاستقلالية-ط" و"المنتخبات-ط" جزآن و"تأملات في الفلسفة والأدب والسياسة والاجتماع- ط"
- يعد لطفي السيد أحد التلاميذ النجباء ! للمدرسة العصرانية الحديثة، التي أنشأها جمال الدين الأفغاني وتلميذه محمد عبده، وهي المدرسة التي تقوم على تقديس العقل مقابل النقل، ومحاولة مزج المسلمين بغيرهم، والسير وراء الحضارة الغربية ونقلها إلى المجتمع المسلم، دون تفريق -للأسف- بين منافعها وأضرارها، ولهذا فقد انطبع لطفي السيد بسمات هذه المدرسة في تفكيره، بل زاد عليها شوطاً بعيداً في الانحراف.
يقول الدكتور حسين النجار عن لطفي السيد بأنه "تتلمذ على الشيخ محمد عبده في مدرسة الحقوق، واتصل به وعرفه بعد ذلك في سويسرا" [أحمد لطفي السيد: أستاذ الجيل 193]
ويقول ألبرت حوراني: "التقى لطفي السيد بمحمد عبده وأصبح صديقه وتلميذه، كذلك تعرف إلى الأفغاني في أثناء زيارة قام بها إلى استنبول، فأعجب به كثيراً" [الفكر العربي في عصر النهضة 210].
أما الأستاذ أنور الجندي فله رأي أخر في هذا؛ حيث يرى بأن لطفي السيد قد تنكر لمبادئ مدرسة محمد عبده -التي لا زال الجندي يثني للأسف عليها!- وأنه انحرف عنها إلى تأييد المستعمر الإنجليزي والسير في ركابه. يقول الجندي: "قد بدأ ظاهر الأمر أن سعد زغلول ولطفي السيد هما من تلاميذ جمال الدين ومحمد عبده، ولكن الأمور ما لبثت أن كشفت عن تحول واضح في خطتهما نحو منهج التغريب الذي قاده كرومر والذي وضع للصحافة والثقافة والتعليم منهجاً جديداً مفرغاً من الإسلام وهو المنهج الذي صنع ذلك الجيل الذي دخل الجامعة وكليه الآداب في أول افتتاح الجامعة المصرية 1925 (وقد قام بالدور الأكبر فيه الدكتور طه حسين) ومدرسة السياسة (هيكل وعلي عبد الرازق ومحمود عزمي) وغيرهم.
ولا ريب أن كتابات لطفي السيد ومخططات سعد زغلول تكشف عن تجاوز كبير للنبع الذي صدرا منه . وعن مفاهيم جمال الدين ومحمد عبده ومهما كانت كتابات كرومر عن محمد عبده وحزبه فإنه ما كان يقر هذا التحول الذي وصل إليه الرجلان الذين أسلمهما كرومر مقادة الصحافة (لطفي السيد) والتربية (سعد زغلول) ومفاهيمهما هي مفاهيم كرومر وخطتهما هي خطته" [عقبات في طريق النهضة: ص 76-77].
قلت: والحق خلاف ما ذكره الجندي! الذي أحسن الظن كثيراً بمحمد عبده وشيخه، وتغافل أنهما -لا سيما الأخير- قد راهن عليهما المستعمر كثيراً، ومكن لمدرستهما، ورحب بها، لتكون خليفة له بعد رحيله عن مصر؛ نظراً لأنها تحقق له أهدافه.
نعم قد يكون لطفي السيد وسعد زغلول قد زادا في الانحراف عن الإسلام أكثر من شيخيهما، إلا أن هذا أمر متوقع لكل من تأثر بهذه المدرسة التي كانت تعاليمها أول ممهد لمثل هذا الانحراف، وهكذا البدع والانحرافات تبدأ صغيرة ثم لا تلبث أن تكبر وتتسع وتزداد، لأن القاعدة التي انطلقت منها تسمح بذلك.
انحرافاته :
أعظم انحراف له، بل هو من الكفريات -والعياذ بالله- أنه -كما يقول ألبرت حوراني- :" لم يكن مقتنعاً كأساتذته! بأن المجتمع الإسلامي أفضل من المجتمع اللا إسلامي" !! [الفكر العربي في عصر النهضة، ص211] وتوضيح هذا كما يقول حوراني : أن "الدين -سواء كان الإسلام أو غيره- لا يعنيه إلا كأحد العوامل المكونة للمجتمع" .
__________
(1) انظر للتوسع: (أحمد لطفي السيد: أستاذ الجيل !) للدكتور حسين فوزي النجار. والترجمة من أعلام الزركلي.(52/379)
كان يرى أن ليس باستطاعة بلد له تقاليد -كمصر- أن يقيم حياة الفرد وبناء الفضائل الاجتماعية إلا على أساس الإيمان الديني، وأن الإسلام-كدين لمصر- لا يمكن إلا أن يكون هذا الأساس. لكنه رأى أن أدياناً أخرى قد تصلح لبلدان أخرى، وبتعبير آخر، كان لطفي السيد مقتنعاً بأن المجتمع الديني خير من المجتمع اللاديني (على الأقل في مرحلة معينة من التطور)، لكنه لم يكن مقتنعاً كأساتذته بأن المجتمع الإسلامي أفضل من المجتمع اللا إسلامي. وفي هذا يقول: "لست ممن يتشبثون بوجوب تعليم دين بعينه أو قاعدة أخلاقية معينة. ولكني أقول بأن التعليم العام يجب أن يكون له مبدأ من المبادئ يتمشى عليه المتعلم من صغره إلى كبره. وهذا المبدأ هو مبدأ الخير والشر وما يتفرع عنه من الفروع الأخلاقية. لا شك في أن نظريات الخير والشر كثيرة التباين. ولكن الواجب على كل أمة أن تعلم بنيها نظريتها هي في هذا الشأن. فعندنا (في مصر) إن مبدأ الخير والشر راجع إلى أصل الاعتقاد بأصول الدين، فعليه يجب أن يكون الدين من هذه الوجهة الأخلاقية هو قاعدة التعليم العام" [المرجع السابق :ص211-212نقلاً عن صفحات مطوية، لطفي السيد، (1/118)] .
قلت: فلطفي السيد إذاً لا يفرق بين الإسلام وغيره من الأديان أو النِحل! فجميعها -في نظره سواء- ما دامت تجعل معتنقها يحب الخير ويفعله، ويكره الشر ويبتعد عنه! فنعوذ بالله من خلط الكفر بالإسلام،
دعوته إلى (العلمانية) وعزل الإسلام عن أن يكون مرجعاً لسلوك الفرد والمجتمع إلى كونه مجرد علاقة بين العبد وربه يحتفظ بها في ضميره!!.
يقول مجيد خدوري في كتابه (عرب معاصرون) :"إن تأكيد لطفي السيد على العلمانية وإحالة الدين إلى ضمير الفرد أثار النقاد الذين نددوا به واتهموه بالإلحاد" [ص 329].
إلحاده !! -إن صح النقل عنه- فقد قال مجيد خدوري في كتابه (عرب معاصرون) :" أخبرني عبد الرحمن الرافعي المحامي المؤرخ مرة أن لطفي السيد كان شيخ الملحدين . ولكن عبد الرزاق السنهوري الذي سمع هذه الملاحظة قال: إن شيخ الملحدين هو شبلي شميّل وليس لطفي السيد، على الرغم من أن لطفي نفسه من الملحدين!! وقال الرافعي إن لطفي كمدير للجامعة المصرية دافع عن ملحدين آخرين ؛ كطه حسين ومنصور فهمي وحسين هيكل " [ص329] .
"وقال لي السنهوري -وهو صديق حميم للطفي السيد- إن لطفي أثار شكوكاً جدية في المعتقدات الدينية التقليدية" وأنه "أعرب عن شكوك خطيرة فيها، وقد ظل مشككاً حتى آخر حياته" !! [ص330].
طعنه في الشريعة الإسلامية بأنها غير صالحة لهذا العصر!! يقول مجيد خدوري في كتابه (عرب معاصرون) : "قال لي -أي لطفي السيد- مرة في سياق الحديث: إن الشريعة الإسلامية وهي في حالة ركود منذ زمن بعيد لم تعد تتفق والأوضاع الجديدة للحياة"!! [ص330].
دعوته إلى الوطنية الضيقة التي رفعت شعار "مصر للمصريين" ! فأعادت النعرة الجاهلية من جديد، حيث استبدل لطفي السيد رباط الأخوة الإسلامية بهذا الرباط الجاهلي.
يقول ألبرت حوراني في كتابه (الفكر العربي في عصر النهضة) : "كان لطفي كغيره من المفكرين المصريين لا يحدد الأمة على أساس اللغة أو الدين، بل على أساس الأرض، وهو لم يفكر بأمة إسلامية أو عربية، بل بأمة مصرية: أمة القاطنين أرض مصر" [ص216].
وأن "لمصر في نظره ماضيان: الماضي الفرعوني والماضي العربي، ومن المهم أن يدرس المصريون الماضي الفرعوني، لا للاعتزاز به فحسب! ، بل لأنه يلقنهم قوانين النمو الارتقاء" [ص 216-217] .
وقد ذهب لطفي السيد في غلوه الجاهلي إلى القول بأن "القومية الإسلامية ليست قومية حقيقية، وأن الفكرة القائلة بأن أرض الإسلام هي وطن كل مسلم إنما هي فكرة استعمارية تنتفع بها كل أمة استعمارية حريصة على توسيع رقعة أراضيها ونشر نفوذها" !! [ص 218].
ويقول -أيضاً- : "أما الأمة الإسلامية فكادت تقع خارج نطاق تفكيره" [ص 224] .
ويقول مجيد خدوري في كتابه (عرب معاصرون) : "كانت فكرته -أي لطفي- في الأمة -كما استقاها من الفكرة الأوروبي ! إقليمية، لا إسلامية" [ص328]
ويقول -أيضاً- : "نادى بهوية مصرية وطنية تستند إلى تاريخها المتواصل، الذي لم يكن الحكم الإسلامي فيه إلا مجرد فصل واحد" [ص328].
"الدعوة إلى العامية: وقد سار في هذا التيار مؤيداً الخطوات التي كان قد قطعها المستشرقون والمنصرون قبله، وكان أبرز ما دعا إليه:
إبطال الشكل وتغييره بالحروف اللينة.
تسكين أواخر الكلمات.
إحياء الكلمات العامية المتداولة، وإدخالها في صلب اللغة الفصحى" [انظر: رجال اختلف فيه الرأي، لأنور الجندي، ص 4، بتصرف].
قلت: وانظر للتدليل على ما سبق من كلام لطفي السيد، كتاب (قمم أدبية) للدكتورة نعمات أحمد فؤاد.
دعوته إلى مذهب (المنفعة) دون ضوابط شرعية لهذه المنفعة، وقد استقى هذا المذهب كما يقول الدكتور حسين النجار من الفيلسوف الإنجليزي (جون ستيوارت مل) .(52/380)
قال الدكتور: " فمذهب المنفعة هو القاعدة في تفكيره السياسي والاجتماعي، فالمنفعة هي الحافز الأصيل للعلاقة بين الدول بعضها ببعض، وبين الحكومة والأفراد، أو بين الأفراد فيما بينهم" [أحمد لطفي السيد، للنجار، ص202-203]
قلت: وتطبيقاً لهذا المذهب الغربي فقد عارض لطفي السيد "مساعدة المصريين لجيرانهم في طرابلس الغرب أثناء الغزو الإيطالي الاستعماري عام 1911، وكتب في هذا المعنى تحت عنوان (سياسة المنافع لا سياسة العواطف)! مقالات متعددة دعا فيها المصريين إلى التزام الحياد المطلق في هذه الحرب الإيطالية التركية وإلى الضن بأموالهم أن تبعثر في سبيل أمر لا يفيد بلادهم" [رجال اختلف فيهم الرأي، للجندي، ص5]
دعوته للديمقراطية: ولم يعد يخفى على عاقل مخالفة هذا المذهب للإسلام، وأنه مذهب يحوي الكثير من الكفريات، بداية بتحكيم ما لم ينزل الله، وانتهاء بنقض مبدأ الولاء والبراء الشرعي… الخ.
يقول الدكتور حسين النجار: "أما لطفي السيد وأضرابه من المثقفين فقد استهوتهم الديمقراطية كمذهب" [أحمد لطفي السيد، ص 82].
ويقول عنه بأنه : " بهرته الحياة السياسية للدولة القومية في الغرب، فكانت وحياً لفلسفته السياسية التي أخذ يبشر بها المصريين" [المرجع السابق، ص199]
دعوته لمذهب (الحرية) بالمفهوم الغربي، دون أي ضوابط شرعية لهذه الحرية!
يقول الدكتور النجار: "الفكرة في عقيدة لطفي السيد هي الحرية، الحرية في كل صورها ومعانيها" [أحمد لطفي السيد، ص 331].
ويقول -أيضاً- : "أما مذهب الحرية الذي نادى به جون ستيوارت مل أساساً للنظام الاجتماعي فقد اتخذه لطفي السيد أساساً لما أسماه "مذهب الحريين" للدولة" [المرجع السابق، ص 203].
ويقول مجيد خدوري : "ازداد حب لطفي السيد للحرية بدراسته للفكر الأوروبي" [عرب معاصرون، ص 326].
ويقول ألبرت حوراني: "كان مفهوم لطفي السيد للحرية -كما يعترف هو نفسه باعتزاز - مفهوم ليبراليي القرن التاسع عشر" [الفكر العربي في عصر النهضة، ص 213].
أنه كان مهادناً للاستعمار الإنجليزي لمصر، بل كان صنيعة لهم؛ ليحقق هو وأضرابه أهدافهم بعد الرحيل عن مصر.
يقول الأستاذ أنور الجندي: "لقد كان الاستعمار حريصاً على صنع طبقة خاصة من المثقفين، عمل كرومر على إعدادها، ووعدها بأن تتسلم قيادة الأمة بعد خروج الإنجليز، ووفى لها، وكان أبرزها: لطفي السيد" [عقبات في طريق النهضة، ص 59].
ويقول -أيضاً-: "إن حزب الأمة الذي أنشأه لطفي السيد كان بإجماع الآراء صناعة بريطانية أراد بها اللورد كرومر أن يواجه الحركة الوطنية بجموع من الإقطاعيين والثراة والأعيان (الذين وصفهم بأنهم أصحاب المصالح الحقيقية) وقد كان هدف حزب الأمة والجريدة بقيادة الفيلسوف الأكبر لطفي السيد تقنين الاستعمار والعمل على شرعية الاحتلال والدعوة إلى المهادنة مع الغاصب، وتقبل كل ما يسمح به دون مطالبته بشيء" [رجال اختلف فيهم الرأي ، ص 7].
ويقول مجيد خدوري :" وكان اللورد كرومر قبل مغادرته مصر بقليل، قد أعجب باعتدال هذه الكتلة -أي مدرسة محمد عبده- وراح يشجعها على تأسيس حزب الأمة، بغية مجابهة نفوذ أتباع مصطفى كامل من الوطنيين" [عرب معاصرون، ص315].
ويقول عنه -أيضاً- :" كثيراً ما لام الوطنيين لمعارضة بريطانيا" !! [المرجع السابق، ص 331].
ويقول فتحي رضوان: " إنك لتقرأ كل ما كتب لطفي السيد في الجريدة في موضوع علاقة مصر ببريطانيا، وفي موضوع علاقة مصر بتركيا، فإذا به في الموضوع الأول لطيفاً، كأنه مر النسيم، يخاف أن يخدش خد الاستعمار، أما في الموضوع الثاني فهو متحمس غضوب فما سر هذا، وما تفسيره؟ " [عصر ورجال، ص 443].
قلت: ولأجل هذا نفهم تمجيده ومدحه للورد كرومر الحاكم البريطاني الذي أذل المصريين لمدة ربع قرن!! حيث قال يوم خروجه من مصر:" أمامنا الآن رجل عظيم، من أعظم عظماء الرجال، ويندر أن نجد في تاريخ عصرنا نداً له يضارعه في عظائم الأعمال" !! نشر هذا في "الجريدة" في نفس اليوم الذي ألقى فيه كرومر خطاب الوداع، فسب المصريين جميعاً وقال لهم: إن الاحتلال البريطاني باقٍ إلى الأبد !! [انظر : رجال اختلف فيهم الرأي، لأنور الجندي، ص 5-6].
دعوته ومؤازرته لحركة تحرير المرأة التي قادها صاحبه قاسم أمين -عليه من الله ما يستحقه-
يقول الدكتور حسين النجار: "حظيت دعوة قاسم أمين لتحرير المرأة من تأييد لطفي السيد بما لم تحظ به من كاتب أو صحفي آخر" [أحمد لطفي السيد، ص 243]
وقال -أيضاً- :" ويقيم لطفي السيد من دار "الجريدة" منتدى للمرأة تقصده محاضرة ومستمعة" [المرجع السابق، ص248]
قلت: ولذا فقد كتب في جريدته مقالات بعنوان: "قاسم أمين القدوة الحسنة" !! يقول فيها مخاطباً الشباب المصري: "ليعتنق كل عامل منهم أنماط قاسم في حُسن تفكيره" [المنتخبات (1/11)]
وأثنى كثيراً على دعوته الفاجرة، [انظر:المنتخبات، (1/268 وما بعدها)](52/381)
وتطبيقاً من لطفي السيد لهذه الحركة التحريرية للمرأة المسلمة قام (عندما كان مديراً للجماعة المصرية) هو وأصحابه بخطة ماكرة أقروا فيها دخول (البنات) لأول مرة في الجامعة المصرية واختلاطهم في الدراسة بالبنين! فكانوا أول من فعل ودعا إلى هذه الضلالة التي لا زالت تعيشها الجامعة المصرية إلى اليوم، فعليه وزرها ووزر من عمل بها. قال الزركلي في ترجمته: "هو أول من سهَّل للفتيات دخول الجامعة في بدء إنشائها"
وانظر تفاصيل هذه الخطة الخبيثة في كتاب: "أحمد لطفي السيد" للدكتور حسين النجار، ص 317 وما بعدها.
دعوته إلى دراسة الفكر اليوناني، والاقتباس منه، وتشجيع تلاميذه على ذلك.
يقول الأستاذ مجيد خدوري: "رأى لطفي السيد من الضروري إعادة تعريف أبناء بلده بأرسطو الذي كان لطفي نفسه يدين إليه بكثير من آرائه في السلطة والحرية؛ مما جعله يشجع تلاميذه على دراسة الفكر اليوناني. لقد نشر خلال عشرين سنة ترجمات لكتاب "علم الأخلاق" في سنة 1924 وكتاب "الكون والفساد" في سنة 1932 وكتاب "علم الطبيعة" في سنة 1935 وكتاب "السياسة" في سنة 1940.
وهكذا فإن دراسة الفكر اليوناني لم يكن لها أثرها في تفكيره العلماني فحسب، بل في تفكير تلاميذه" [عرب معاصرون، ص 335-336].
قلت: ولكن بقي أن تعلم ما قاله الأستاذ أنور الجندي في هذه الترجمات التي قام بها لطفي السيد .
قال الأستاذ أنور: "تبين أن مترجمات لطفي السيد عن أرسطو (التي ترجمت من الفرنسية) (السياسة. الكون والفساد. الأخلاق) وهي منسوبة إليه، تبين أنه ليس مترجمها وأن مترجمها الحقيقي هو قسم الترجمة في دار الكتب المصرية!! وذلك بشهادة عديد من معاصري هذه الفترة" [رجال اختلف فيهم الرأي، ص6]
====================(52/382)
(52/383)
نظرة شرعية في فكر (جبران خليل جبران )
هو جبران بن خليل جبران بن ميخائيل بن سعد، نزح جده من دمشق إلى بعلبك ومنها إلى بشعلا ومنها نزح يوسف مع أخويه موسى وميخائيل إلى بشري.
حياته: ولد في قرية لبنانية قرب نبع قاديشا هي بشري، عام 1883م، عائلته فقيرة وبيئته متأخرة. هاجر مع أمه وأخيه الأكبر بطرس وأختيه ماريانا وسلطانة عام 1895م إلى بوسطن في الولايات المتحدة الشمالية. ونزل حي الصينيين الفقير. وهو في سن الثانية عشرة ولما يكمل دروسه الابتدائية. فأرسله أخوه بطرس رب العائلة الصغيرة إلى المدرسة ليتعلم اللغة الإنجليزية ثم أعاده بعد ذلك إلى لبنان ليدرس العربية. فدرسها في مدرسة الحكمة مدة أربع سنوات. ثم عاد إلى بوسطن ليرى أن داء السل قد فشا في بيت العائلة وحصد أخته الصغيرة سلطانة في غيبته وبعد عام واحد انتزع من ذراعيه أمه ثم أخاه بطرس. وبقيت له أخته ماريانا تشتغل بالإبرة لكي توفر له القوت. وفي العشرين شرع جبران في الإنشاء والرسم. وتعرف على "ماري هاسكل" في معرض من معارض رسومه فغيرت مجرى حياته بعطفها عليه وعنايتها بمستقبله. وفي عام 1908م سافر إلى باريس على نفقة ماري هاسكل للتخصص في فن الرسم وتتلمذ على أشهر رسام معاصر هو "رودان" ثم عاد إلى بوسطن. وفي عام 1912م انتقل إلى نيويورك واستقر فيها. وأثرت الحرب العالمية الأولى على نفسه تأثيراً كبيراً إذ اجتمع عنده الفقر والمصيبة وقلة رواج كتبه التي ألفها باللغة العربية حتى ذلك الحين. ولكنه منذ عام 1920م وبعد أن تأسست الرابطة القلمية انصرف إلى التأليف باللغة الإنجليزية فأصدر ثمانية كتب في ثمانية أعوام درّت عليه أرباحاً طائلة .
مات جبران عام 1931 بأحد مشافي نيويورك ثم نقل جثمانه إلى لبنان في العام ذاته حيث دفن في بلدته "بشري"
آثاره : باللغة العربية:
كتاب " الموسيقى" صدر عام 1905م، وهو كتيب عبارة عن تأملات في الموسيقى وطاقاتها التعبيرية!
كتاب "عرائس المروج" صدر عام 1906م، يحتوي على ثلاث قصص: "رماد الأجيال والنار الخالدة" و "مرتا البانيّة" و "يوحنا المجنون" .
كتاب "الأرواح المتمردة" صدر عام 1908م، يحتوي على أربع قصص: "السيدة وردة الهاني" و"صراخ القبور" و"مضجع العروس" و"خليل الكافر"
أما الأولى فقصة فتاة أُكرهت على الاقتران برجل غنيّ متقدّم في السن فما لبثت أن كرهت الزوج يوم التقت بالفتى الذي أثار كوامن نفسها. والقصة شكوى وتظلُّم، وثورة على السلطة التي تُكره على الزواج إكراهاً، لأن الزواج زواج أرواح قبل أن يكون زواج أجساد.
وأما الثانية فقصة ثلاثة أشخاص -رجلين وامرأة- حكم عليهم الأمير بالقتل ظُلماً وطغياناً، وفيها ثورة على الشريعة والإقطاعية!
وأما الثالثة فقصة فتاة غشّها رجل غنيّ ففصلها عن حبيبها حتى يقترن بها، وفي ليلة الزفاف عرفت الحقيقة وقد طعنت حبيبها ونفسها بخنجر كانت تخبئه في ثيابها. وفي القصة ثورة على التقاليد وعلى الدين!!
وأما الرابعة فقصة رجل اختصم مع الرهبان، وهي ثورة على ظلم الحكّام وعلى الرهبان، ودعوة إلى الحرية الشاملة!
"الأجنحة المتكسّرة: "كتاب صدر سنة 1912م، واحتوى على قصة جبران في حبّه الأول وكيف حالت التقاليد وسلطه رجال الدين النصراني! دون اقتران الحبيبين، فاقترنت الفتاة بابن أخي المطران عن غير حبّ وكان في ذلك شقاؤها.
كتاب: "دمعة وابتسامة" صدر سنة 1914م وفيه مقالات في المحبة التي تشدّ الأكوان بعضها إلى بعض، وفي ألوهية الإنسان!! وغير ذلك من الموضوعات.
المواكب: قصيدة طويلة ظهرت سنة 1919م، وفيها نظرات فلسفية في أهم شؤون الحياة البشرية كالخير والشر والدين والحق والعدل وما إلى ذلك. قال ميخائيل نعيمة: "انجرف جبران بتيار نيتشه وما برحت معتقداته السابقة تشده إلى الوراء. فكانت "المواكب" نتيجة لتلك الحالة القلقة التي أحسها جبران ما بين قوتين تتجاذبانه: قوة الإيمان بحكمة الحياة وعدلها وجمالها في كل ما تأتيه، وقوة النقمة التي أثارها فيه نيتشه من جديد على ضعف الناس وخنوعهم وتواكلهم وكل ما في حياتهم الباطنية والخارجية من قذارة وبشاعة. وانتصر نيتشه في النهاية! ولكن إلى حين".
كتاب" العواصف": صدر سنة 1920م وفيه مقالات عنيفة على المقدسات، كمقالات "حفّار القبور" و"العبودية" و"يا بني أمي"، و"نحن وأنتم"، و"الأضراس المسوّسة" .
ب- المؤلفات الإنجليزية:
كتاب: "المجنون" صدر سنة 1918م، واحتوى على أمثال وتأملات في موضوعات شتى.
كتاب: "السابق" : صدر سنة 1920م، واتخذ فيه جبران أسلوب الأمثال أيضاً، وجعله تمهيداً لكتاب "النبي" .(52/384)
كتاب: "النبي": صدر سنة 1923م، وهو كتاب جبران وهدف حياته احتوى على ضلالات وكفريات كما سيأتي -حيث جعل جبران من نفسه نبياً، وسمى نفسه في الكتاب "المصطفى" !! وهو يقع في 28 فصلاً في المحبة، والزواج، والأبناء، والعطاء، والغذاء، والعمل، والفرح والترح، والمساكن، والثياب، والبيع والشراء، وما إلى ذلك. وهكذا تناول جبران في كتابه علاقة البشر بعضهم ببعض، وكان يهدف في كتابه "حديقة النبي" الذي ظهر سنة 1933م، أن يعالج علاقة الإنسان بالطبيعة، كما كان ينوي أن يضع كتاباً في "موت النبي" ويعالج فيه علاقة الإنسان بالله!
والظاهر أن جبران كان يفكر في هذا الكتاب منذ حداثته، وأنه بدأه باللغة العربية ثم عدل عنها إلى الإنجليزية، وأنه ظل خمس سنوات يكتبه ويعيد كتابته إلى أن استقام له معنى ومبنى. وقد ترجم الكتاب إلى نحو عشرين لغة.
كتاب:"رمل وزبد" صدر سنة 1926م وفيه مجموعة من الآراء منثورة في غير نظام.
كتاب: "يسوع ابن الإنسان" صدر سنة 1928م، ويسوع جبران يختلف تماماً عن يسوع الإنجيل.
كتاب "آلهة الأرض" ، صدر عام 1931م، وهو آخر كتاب له صدر في حياته.
كتاب " التائه"، صدر بعد وفاته عام 1932م، ويحتوي على خمسين قصة من قصص التائه.
من تمعن جيداً في حياة وآثار جبران خليل جبران علم بلا شك أن الرجل قد أعطي أكبر من حجمه الحقيقي، سواء في مجال الفكر أو الأدب ! فأعماله الكاملة يحتويها مجلد واحد !! وهي في معظمها قصص قصيرة وخلجات نفس حائرة مضطربة تنزع إلى التشاؤم والشكوى، ولكن لعل مبالغة البعض في هذا الرجل تنبع من أمرين:
رئاسته للرابطة القلمية في المهجر، وهذا لا يدل على إبداع، إنما يخضع لاعتبارات كثيرة -لا تخفى على أحد-.
ثورته العارمة الهادمة ضد المقدسات والتقاليد !! فهي التي تميز المبدعين عن غيرهم في نظر القوم ! ولو ترووا لعلموا أن ليس كل ثائر يكون مبدعاً -ولو على حسب نظرتهم.
ذكر كثير من مترجمي سيرته أنه بعد حرمان الكنيسة له وهو في العشرين من عمره على إثر قصيدته التي هاجم بها الأديان، اندفع في طريق إحياء أمجاد (فينيقية) وحضارة ! الكلدانيين .
ثم وجدناه في حياته بعد نبذه للشرائع (كلها) قد تأثر بالزرادشتية المجوسية، وأفكار الفليسوف نيتشه في تمجيده للإنسان وتصويره بصورة (السوبرمان) مدعياً جبران بأنه هو هذا (السوبرمان) ! وذلك في كتابه "النبي" حيث صور نفسه نبياً -كما سبق- ! وهكذا يفعل الكِبْر والغرور بصاحبه-والعياذ بالله-.
يقول الأستاذ أنور الجندي: "لقد حاول جبران كما حاولت مدرسة المهجريين إحياء الفينيقية الوثنية، ومهاجمة قيم العروبة والإسلام، فأعادت وأحيت كل ما رددته فلسفات زرادشت والمجوسية ووثنية اليونان والرومان، هرباً وراء فرويد ونيتشه وغيرهما، وكان هذا كله مصاغاً في إطار التوراة وأسلوبها" (إعادة النظر في كتابات العصريين في ضوء الإسلام ،ص 168).
ويقول الدكتور نذير العظمة: "جبران يحتفل بالعقائد الوثنية" (مجلة الموقف العربي، العددان 151-152، ص42).
انحرافاته:
أعظم انحراف له هو "نصرانيته" ! وليس بعد الكفر ذنب.
ثورته العنيفة ضد الأديان (ومن ضمنها الإسلام!) والتقاليد، ومحاولته هدم ما جاءت به، أو التقليل من شأنه. وهو في هذا لا ينبع من تصرف فردي، إنما يتابع أهداف مدرسة المهجر التي أنشأها مع مجموعة من النصارى؛ كميخائيل نعيمة وإيليا أبو ماضي وغيرهما.
يقول الأستاذ أنور الجندي: "الواقع أن الأدب المهجري قد اعتمد على مصدر أساسي، هو الحملة العنيفة على الدين واللغة، ومقومات المجتمع العربي الإسلامي، والثورة على كل القيم والعقائد والإفراط في الإباحية ومهاجمة القيم الأخلاقية في الحب والزواج من إدخال أسلوب جديد مستغرب يصادم الحس الإسلامي ويعارض مفاهيم البلاغة، ويعلي من صيغة التوراة والمجاز الغربي" .
قال: "ويمكن القول بأن المدرسة المهجرية الشمالية التي كونها جبران، ورأس ناديها كانت ثمرة من ثمار الإرساليات التبشيرية التي وردت لبنان وسيطرت على وحدة التعليم والثقافة فيه". (إعادة النظر في كتابات العصريين في ضوء الإسلام، ص 166)
قلت: ولو كانت ثورة جبران على الخرافات والأغلال النصرانية لكنّا له من المؤيدين، لكنه كان يثور على الأديان جميعاً وينشر الإلحاد والإباحية والفوضوية، وهذا مكمن الخطر على قرائه من المسلمين الذين قد يتأثر بعضهم بانحرافاته، ويتابعه في ثورته الإلحادية تلك التي يقول عنها جبران نفسه في رسالة له لإميل زيدان :"إن فكري لم يثمر غير الحصرم" ! (المرجع السابق، ص167) .
وقد صدق فيما قال! فهل يثمر الإلحاد والفوضى غير الحيرة والشك والاضطراب؟! .
ومما يشهد لثورة الرجل على الأديان (جميعاً) وعلى التقاليد والمقدسات كتبه (الأجنحة المتكسرة) و(عرائس المروج) و(الأرواح المتمردة) و(المواكب) و(العواصف) .
يقول حنا الفاخوري :" وهكذا ترى جبران في كتبه "الأجنحة المتكسرة" و"الأرواح المتمردة" و"المواكب" و"العواصف" يحمل معول الهدم في ثورة انفعالية شديدة" (الجامع في تاريخ الأدب العربي-الأدب الحديث - ص236) .(52/385)
ويقول جبران عن نفسه في رسالته لصديقه (نخله) : "إن القوم في سوريا يدعونني كافراً، والأدباء في مصر ينتقدونني قائلين: هذا عدو الشرائع القديمة، والروابط القديمة، والتقاليد القديمة، وهؤلاء الكتاب يا نخلة يقولون الحقيقة ! لأني بعد استفسار نفسي وجدتها تكره الشرائع" (إعادة النظر…، ص 167) .
فمن أقواله التي تعبر لك عن شيء من تمرده:
قوله: "كيف نستطيع أن نعبد الله، وهو الذي يثير البراكين ويتموج مع البحار، ويسير مع العاصفة" !! (عقيدة جبران ، لجان دايه، ص289).
قوله: "لكم فكرتكم ولي فكرتي، لكم من فكرتكم قواميسها الاجتماعية والدينية ومطالبها الفنية والسياسية، ولي من فكرتي أوليات قليلة بسيطة.
تقول فكرتكم: "امرأة حسناء قبيحة، فاضلة عاهرة، حاذقة بليدة"، أما فكرتي فتقول: "كل امرأة والدة كل رجل، كلُّ امرأة أخت كل رجل، كل امرأة ابنة كل رجل".
وتقول فكرتكم: "لصٌ، مجرم، قاتل، خبيث، عقوق". أما فكرتي فتقول: "إنما اللص صنيعة المحتكر، والمجرم خليقة الظالم، والقاتل حليف القتيل، والخبيث ثمرة العربيد، والعقوق نتيجة الصارم".
وتقول فكرتكم: "شرائع، محاكم، قضاة، عقوبات". إذا كان ثمَّ من شريعة وضعية فكلنا يخالفها أو كلنا يخضع لها. وإن كان من ناموس أساسي فكلنا واحد أمام ذلك الناموس، فمن يتأفف من الساقطين كان منهم، ومن يلمُّ أذياله كيلا تلامس المنطرحين على الأوحال كان مغموراً بالأوحال. أما الذي يفاخر بترفعه عن العثور والزلل فإنما يفاخر بترفع الإنسانية جمعاء، والذي يتبجح بعصمته إنما يتبجح بعصمة الحياة نفسها".
وتقول فكرتكم: "الماهر، المتفنن، الأستاذ، النابغة، العبقري، الفيلسوف، الإمام" أما فكرتي فتقول: "الودود، المحب، الحليف، الصادق، المستقيم، المضحي، المستشهد".
وتقول فكرتكم: "الموسوية، البرهمية، البوذية، المسيحية، الإسلام". أما فكرتي فتقول: "ليس هناك سوى دين واحد مجرّد مطلق تعدّدت مظاهره وظل مجرّداً، وتشعَّبت سبله ولكن مثلما تتفرّع الأصابع من الكف الواحدة".
وتقول فكرتكم: "الكافر، المشرك، الدهري، الخارجي، الزنديق" أما فكرتي فتقول: "الحائر، التائه، الضعيف، الضرير، اليتيم بعقله وروحه".
وتقول فكرتكم: "الغني، الفقير، الواهب، المستعطي". أما فكرتي فتقول: "كلنا فقيرٌ ولا غنيٌ سوى الحياة، كلنا مستعطٍ ولا واهبٌ إلا الحياة". (المجموعة الكاملة لمؤلفات جبران، نصوص خارج المجموعة، ص88 وما بعدها).
قوله في (العواصف) : "أنا متطرف حتى الجنون، أميل إلى الهدم ميلي إلى البناء، وفي قلبي كرهٌ لما يقدسه الناس، وحب لما يأبونه، ولو كان بإمكاني استئصال عوائد البشر وعقائدهم وتقاليدهم لما ترددت دقيقة" ! (ص 394، ضمن الأعمال الكاملة له).
ومن انحرافاته : تصويره نفسه بصورة (النبي) كبراً وعلواً في الأرض حيث وضع كتاباً بهذا العنوان -كما سبق- مدعياً فيه أن هناك نبياً مختاراً اسمه (المصطفى) كان يُعلم أبناء مدينة "أورفليس" بعد أن مكث عندهم 12 سنة منتظراً عودة سفينته التي ستقله إلى جزيرته التي أتى منها .
فكانوا يسألونه وهو يجيب.
يقول حنا الفاخوري: "المصطفى هو جبران نفسه، والجزيرة هي وطنه لبنان " (الجامع في تاريخ الأدب العربي -الأدب الحديث، ص232).
ومن انحرافاته: دعوته إلى وحدة الأديان، فهو بعد نبذه لجميع الشرائع مدعياً بأنها تفرق البشر، دعا إلى فكرته الباطلة هذه -كما سبق-. يقول حنا الفاخوري مبيناً أن جبران وصحبه المهجريين اعتنقوا ما يُسمى (التيوصوفية) التي ظهرت في القرن الخامس عشر، قال: "والتيوصوفية ترفض من أجل ذلك التقاليد والأنظمة التي تتوارثها الأجيال، ولا تجد فرقاً بين الأديان، فهي جميعها في نظرها واحدة" (المرجع السابق، ص 238).
ومن انحرافاته : إيمانه بوحدة الوجود! الفكرة الصوفية الشهيرة! (انظر: المرجع السابق، ص 239).
ومن انحرافاته : إيمانه بتناسخ الأرواح! (انظر بحث الدكتور نذير العظمة: جبران خليل جبران وعقيدة التقمص، مجلة الموقف الأدبي، العددان 151-152، ص 39 وما بعدها).
يقول الدكتور محمد عبد المنعم خفاجي عن جبران :"كان يؤمن بتناسخ الأرواح" وذلك تعليقاً على قول جبران: " قريباً ترونني ؛ لأن امرأة أخرى ستلدني" ! (قصة الأدب المهجري، ص 89).
والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين
================(52/386)
(52/387)
نظرة شرعية في أدب (أبي القاسم الشابي)
ترجمته :هو أبو القاسم بن محمد بن أبي القاسم الشابي. وُلد في الشابيّة إحدى ضواحي توزر سنة 1909بتونس.
لم يمكث الشابي في مسقط رأسه إلا قليلاً، فقد اضطر أن ينتقل مع أبيه القاضي من مكان إلى مكان، وأن يضرب في الديار التونسية من بيئة إلى بيئة، وفي سنة 1920 التحق بجامع الزيتونة، فأتقن القرآن والعربية وتمرّس بالأدب، وكان له ميل شديد إلى المطالعة، فحصّل بها وبنشاطه ثقافة واسعة جمع فيها ما بين التراث العربي القديم ومعطيات الفكر الحديث والأدب الحديث، وغذّى مواهبه بأدب النهضة في مصر ولبنان والعراق وسورية والمهجر، كما نمى طاقاته الأدبية والشعرية بمطالعة ما تُرجم إلى العربية من آداب الغرب، ولا سيمّا أدب الرومنطيقية الفرنسية. وقد ظهر نبوغه الشعري وهو في الخامسة عشرة من عمره.
على أثر تخرّجه من جامع الزيتونة التحق بكلية الحقوق التونسية، وكان تخرجه منها سنة 1930. في هذه الأثناء توفّي والده وترك له عبء الحياة ثقيلاً، فحاول أن ينهض بالعبء ومسؤولية العيلة، ولكنه أصيب بداء تضخّم القلب وهو في الثانية والعشرين من عمره فنهاه الأطباء عن الإرهاق الفكري فلم ينتهِ، وواصل عمله وفي نفسه ثورة على الحياة، وفي قلبه تجهم قتّال.
وفي صيف 1934 جمع ديوانه "أغاني الحياة" ونوى أن يطبعه في مصر، ولكن الداء اشتدّ به وألزمه الفراش، فنُقل إلى المستشفى الإيطالي بالعاصمة حيث فارق الحياة في التاسع من شهر تشرين الأول سنة 1934. ونقل جثمانه إلى مسقط رأسه ودُفن في الشابيّة".
(الموجز في الأدب العربي وتاريخه (4/699-700) لحنا فاخوري) و(الجامع في تاريخ الأدب العربي) (ص554 وما بعدها) لحنا فاخوري.
- يعد أبو القاسم الشابي -بحق- شاعر الاكتئاب والتشاؤم في العصر الحديث، فمعظم شعره يدور حول كرهه للحياة أو التحدث عن مآسيها، وكثرة الاعتراض على أقدار الله، إضافةً إلى تشاؤمه الواضح لكل مطلع على آثاره.
يقول الباحث أبو القاسم محمد كرو، وهو الخبير بالشابي- :"الشيء الذي يلاحظ في شعر أبي القاسم عامةً هو رفضه للحياة البشرية على أنها مظلمة مزيفة، يصيب الإنسان فيها الشقاء والألم" .(آثار الشابي ، ص 10) .
ولعل المرض الذي أصابه كان سبباً في هذه الظاهرة المقارنة لشعره. يقول الدكتور عمر فروخ: "كان للمرض الذي عاناه الشابي أثر بالغ في اتجاهه في الحياة وفي الشعر، وسنجد شعره مملوء بالتشاؤم وبالنقمة على الناس وعلى أحوالهم".
ويقول :"لا خلاف في أن الشابي كان متشائماً كئيب النفس، فقد قال هو عن نفسه :" إنني في كثير من الأحيان .. تطغى على نفسي كآبه الملل المبهم، فأصرف عن الكتب والناس، ويوصد قلبي عن جمال الوجود"
ويقول الدكتور عمر فروخ: "فالشابي متشائم ناقم على الناس، كاره للحياة". ( الشابي شاعر الحب والحياة ، ص : 116-117 ، 119 ، 124).
وقد قيل -أيضاً- بأن موت والده وتحمله أعباء الحياة مبكراً كان السبب الرئيس لهذا التشاؤم والاكتئاب والحزن.
ومهما قيل من أسباب فقد كان الواجب على الشاعر وهو مسلم أن يرضى بأقدار الله وأن يلتجئ إليه سبحانه في كشف ما يصيبه من ملمات وأن يسارع في التزام عبودية الله -سبحانه- واتباع أوامره وترك نواهيه لكي يعثر على السعادة والاطمئنان النفسي اللذين طالما بحث عنهما كما يتبين ذلك من أشعاره.
ولكن الشاعر اختار الطريق الآخر الذي لا يجدي شيئاً ولا يغير من أحوال الكون أو يرد أقدار الله، وهو طريق التشاؤم والنظرة السوداوية للحياة.
وإليك شيئاً من أشعاره التي تبين مدى إغراقه في الحزن والضجر من الحياة:
يقول في قصيدة (الكآبة المجهولة):( ديوانه ، ص 90-91) "
أنا كئيب
أنا غريب
كآبتي خالفت نظائرها
غريبة في عالم الحزن
كآبتي فكرة
مغردة مجهولة من مسامع الزمن"
ويقول ( 115):
"إن الحياة كئيبة مغمورة بدموعها"
ويقول (122):
"سئمت الحياة وما في الحياة"
ويقول (156):
"الاكتئاب الكافر"
أما اعتراضه على (القدر) فيكفيك منه قصيدته الرنانة(406):
إذا الشعب يوماً أراد الحياة
فلابد أن يستجيب القدر
ويقول(340):
ولكن هو القدر المستبد
يلذ له نوحنا ، كالنشيد!
ويقول(478):
وقهقه القدر الجبار سخرية
بالكائنات تضاحك أيها القدر!
ويقول في أحد خطاباته( كرو ، 156):
(هاهي الأقدار العاتية تعبث بنا نحن البشر الضعاف، وترمينا بما لا نستطيع احتماله…. الخ) .
انحرافاته :
تشككه في وجود الله !!
سبق أن علمنا أن الشابي قد أصابه المرض مبكراً، وتحمل أعباء الحياة بعد موت والده، ولكونه لم يلتجئ إلى الله -عز وجل- في محنته، إنما تبرم وتسخط الأقدار، وغاص قلبه في الاكتئاب والتشاؤم، كل هذا أداه إلى أن يشطح شطحة لا تصدر عن مسلم، وهي تشككه في وجود الله -سبحانه وتعالى- !! .
يقول الدكتور عمر فروخ(139):" لما أفاق الشابي من النوبة الشديدة التي انتابته، عام 1930، نظم قصيدته "إلى الله" (ديوانه 98-101 = 239-245) فشطح فيها شطحة هي الإلحاد قال:
خبّروني هل للورى من إلهٍ راحم-مثل زعمهم -أواه!
إنني لم أجده في هاته الدنيا فهل خلف أفقها من إله؟(52/388)
ويدرك الشابي الزلق الخطر الذي وضع قدمه عليه، قبل أن يرتد نفَسه عن البيت الثاني فيقول بعده مباشرة:
ما الذي قد أتيت، ياقلبي الباكي، وماذا قد قلتِه، ياشفاهي؟
يا إلهي، قد أنطق الهم قلبي بالذي كان، فاغتفر، ياإلهي!"
2- امتهانه لاسم (الله) !
يقول في إحدى قصائده(78) :
إن هذي الحياة قيثارة الله
وأهل الحياة مثل اللحون
ويقول مخاطباً الله -تعالى- ! في قصيدة بعنوان (إلى الله) : يعترض على الله في أقداره
يا إله الوجود ! هذي جراح
في فؤادي تشكو إليك الدواهي
أنت أنزلتني إلى ظلمة الأرض
وقد كنتُ في صباحٍ زاه
أنت أوقفتني على لجة الحزن
وجرعتني مرارة " آه "
…. إلى آخر اعتراضاته.
3- إيمانه بوحدة الوجود:
يقول الدكتور عمر فروخ(124-125): "يمكن أن تلمح شيئاً من آراء محيي الدين بن عربي عند الشابي.
لابن عربي مقطوعة يرى فيها أن جميع مظاهر هذا الوجود تدل على هذا التجلي أو على ذلك التجلي من الألوهية.
يقول ابن عربي:
كلما أذكره من طلل أو ربوع أو مغان، كلما..
وكذا السحب إذا قلت: بكت وكذا الزهر إذا ما ابتسما،
أو بروقٍ أو رعود أو صبا أو رياح أو جنوب أو شما
أو نساءٍ كاعباتٍ نهد طالعات أو شموس أو دمى
صفة قدسية علوية أعلمت أن لمثلي قدما
فاصرف الخاطر عن ظاهرها واطلب الباطن حتى تعلما
ويغلب على الظن أن الشابي قد رأي هذه المقطوعة لمحيي الدين ابن عربي قبل أن يقول مقطوعته التالية:
كل ما هب وما دب وما قام أو حام على هذا الوجود:
من طيور وزهور وشذا وينابيع وأغصان تميد،
وبحار وكهوف وذرى وديار وبراكين وبيد،
وضياء وظلال ودجى وفصول وغيوم ورعود ،
وثلوج وضباب عابر وأعاصير وأمطار تجود،
وتعاليم ودين ورؤى وأحاسيس وصمت ونشيد،
كلها تحيا بقلبي حرة غضة السحر كأطفال الخلود "
4- ثورته على الدين !:
يقول الدكتور عمر فروخ(136-137): "إذا نحن تأملنا بيئة الشابي العامة في تونس ثم بيئته الخاصة -فهو ابن قاض شرعي وخريج الجامعة الزيتونية- عجبنا لإمحاء الأثر الإسلامي في ديوانه. ثم نزيد تعجباً إذا رأينا الأثر الوثني شديد البروز في شعره. إن أول ما نلاحظه أن الألفاظ الدينية قد خسرت في شعر الشابي قدسيتها ودلالاتها المألوفة، فالله والنبي والصلاة والجحيم أصبحت عند الشابي كلمات عامة كسائر الألفاظ القاموسية الدائرة في الاستعمال اليومي.
من ذلك كله قوله: لتعس الورى شاء الإله وجودهم، صانكن الإله من ظلمة الروح، وتشدو كما شاء وحي الإله، فالنور ظل الإله". ومثل ذلك قوله (ديوانه 25=137، 170=413):
أيها الليل : يا أبا البوس والهول ويا هيكل الزمان الرهيب
فيك تجثو عرائس الأمل العذب تصلي بصوتها المحبوب
ورن نشيد الحياة المقدس في هيكل حالم قد سحر
وأكثر ما يقف الشابي ألفاظ الدين ورهبة العبادة والمعبود على المرأة في سياق وثني (ديوانه 160 = 397):
في فؤادي الرحيب معبد للجمال
شيدته الحياة بالرؤى والخيال
فتلوت الصلاة في خشوع الظلال
وحرقت البخور وأضأت الشموع
وأشد إيغالاً في التحلل من الوحدانية الإسلامية ما نجده في قصيدته "صلوات في هيكل الحب". ديوانه 122-123=303-314)، قال يخاطب محبوبته ويقيمها مقام الالوهية في القدس والعبادة والقدرة والإرادة، وفي الشفاعة والزلفى!!
أنت أنشودة الأناشيد غناك إله الغناء رب القصيد
أنت قدسي ومعبدي وصباحي وربيعي ونشوتي وخلودي
يا ابنة النور ، إنني أنا وحدي من رأى فيك روعة المعبود
فدعيني أعيش في ظلك العذب وفي قرب حسنك المشهود
وارحميني فقد تهدمت في كون من اليأس والظلام مشيد
وحرام عليك أن تسحقي آمال نفسٍ تصبو لعيش رغيد
فالاله العظيم لا يرجم العب د إذا كان في جلال السجود"
5- سخريته من (أئمة) المسلمين:
يقول الشاعر في إحدى قصائده :
ملئ الدهر بالخداع، فكم قد
ضلل الناس من إمامٍ وقس !
( الشابي شعب وشاعر ، للدكتورة نعمات فؤاد ، 79 )
فهو يقارن بين (قساوسة) النصارى و(أئمة) المسلمين في أنهم جميعاً قد ضللوا الناس !! فإذا كان هذا صحيحاً في (قساوسة) النصارى الذين وصفهم الله بالضلال في كتابه العزيز، فهل يصح هذا ويصدق في (أئمة) المسلمين؟ !! الذين قال الله عنهم (وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا، وكانوا بآياتنا يوقنون) فهم أئمة يهدون الخلق إلى الصراط المستقيم الذي إن ساروا عليه أنجاهم في الدنيا والآخرة، فكيف يجعلهم الشابي من الضالين؟! ويقارن بينهم وبين النصارى؟!
ألا إنه الحقد الأعمى على أهل الإسلام الصادقين
وبعدُ، فهذا هو أبو القاسم الشابي شاعر الحزن والاكتئاب والتشاؤم وشاعر الاعتراض على أقدار الله -سبحانه-، وهذه شيء من انحرافاته التي وقعت في شعره، من طالعها وطالع ديوان الشاعر علم كذب ما فاه به أخو الشاعر (محمد الشابي) عندما قال في خاتمة ديوان أخيه( ص 554 ) : "كان رحمه الله صادق التقى، قوي العقيدة، لا يخشى في الحق لومة لائم، له غيرة على شئون المسلمين والإسلام" !!!
قلت : بل كان الشابي عكس هذا تماماً! فهو متشكك العقيدة، ضعيف التقوى، كثير الاعتراض على ما قدره الله.(52/389)
ومثل هذا المدح الكاذب ما ذكرته الدكتورة نعمات فؤاد في كتابها السابق عن الشابي، عندما دافعت عنه دفاعاً حاراً ، وردت ما وجهه له الدكتور عمر فروخ من اتهامات موثقة، مؤولة ما صدر عنه من انحرافات بالتأويلات الباردة.
والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
====================(52/390)
(52/391)
نظرة شرعية في فكر (محمد سعيد العشماوي)
ترجمته:
هو المستشار محمد سعيد العشماوي، رئيس محكمة الجنايات ومحكمة أمن الدولة العليا بمصر.
تخرج من كلية الحقوق عام 1955، ثم عمل بالقضاء الوضعي بمحاكم القاهرة والإسكندرية .
عمل بالتدريس محاضراً في أصول الدين والشريعة والقانون في عدة جامعات؛ منها : الجامعة الأمريكية بالقاهرة، وجامعة توبنجن بألمانيا الغربية، وأوبسالا بالسويد، ومعهد الدراسات الشرفية بليننجراد بروسيا، والسوربون بفرنسا.
يقول عن نفسه بأنه نشأ نشأة صوفية! حيث كان يرتاد مسجد السيدة زينب والسيدة نفيسة ومسجد الحسين! .
بدأ التأليف بعد تخرجه من الحقوق بأربع سنوات بكتابات إنسانية عامة، مثل: (رسالة الوجود) عام 1959م، و(تاريخ الوجودية في الفكر البشري) عام 1961م، و(ضمير العصر) عام 1968م، و(حصاد العقل) عام 1973م.
بدأت كتاباته الإسلامية بكتابه (أصول الشريعة) عام 1980م، ثم كتاب (الربا والفائدة في الإسلام) ، ثم توالت كتبه الأخرى: (الإسلام السياسي) (جوهر الإسلام) (الخلافة الإسلامية) (الشريعة الإسلامية والقانون المصرية) (شئون إسلامية) (معالم الإسلام) .
يعد العشماوي من دعاة فصل الدين عن الدولة، وتحوي كتبه -كما سيأتي- التشنيع على نظام الحكم الإسلامي، والتهجم على دعاة تطبيق الشريعة. ولا غرابة أن يصدر هذا ممن يحكم بطاغوت القانون الوضعي منذ تخرجه -والعياذ بالله- .
يزعم العشماوي أنه من المجتهدين !! يقول :" وأعتقد أنه يوجد الآن تياران إسلاميان وليس واحداً، التيار الأول: عقلي تنويري، بدأ بمحمد عبده، ويسير فيه بعض المجتهدين من أمثالي….." !! (حوار حول قضايا إسلامية، إقبال بركة، ص 199).
انحرافاته:
من أعظم انحرافاته: زعمه نجاة اليهود والنصارى في الآخرة وإن لم يؤمنوا بالإسلام !! وعدم تكفيره لهم!(1) .
يقول العشماوي: "وكل من آمن بالله إيماناً صحيحاً واستقام في خلقه فهو عند الله (وبلفظ القرآن) مسلم لا خوفٌ عليه ولا حزن (إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون) سورة البقرة 62:2.
__________
(1) وهو ما يدندن حوله كثير من العصرانيين في زماننا، اللهم سلم سلم!
غير أن بعض الفقهاء يرون أن هذه الآية منسوخة (ملغاة) بالآية (ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه) ويرتبون على ذلك -وعلى الظن بأن الإسلام مقصور على شريعة محمد عليه الصلاة والسلام- إن أي إيمان بالله لا يؤجر وأي عمل صالح لا يثاب إلا إذا كان فاعله من المؤمنين بدعوة النبي الكريم وبرسالته. والواقع أن من يرى هذا الرأي إنما يراه وقد غاب عنه المعنى الحقيقي للإسلام، وخفيت عليه خطة الله في البشر، واضطرب في ذهنه معنى النسخ في القرآن. فالإسلام هو الدين الذي أوحى به الله إلى الأنبياء جميعاً والرسل كلهم فدعوا إليه. وكما قالت الآية الكريمة فإن من آمن بالله وعمل صالحاً من المؤمنين أو اليهود أو النصارى فأجره عند الله، لا خوف عليه ولا حزن. وكل من كان صحيح العقيدة قويم الخلق فهو عند الله- وفي معنى القرآن- مسلم. والمقصود من آية (ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه) من يبتغ غير دين الإسلام الذي دعا إليه كل الأنبياء والرسل والذي اعتنقه أتباعهم. والقرآن يفرق بين المشركين والكفار الذين لا يؤمنون بالله ولا بالرسل ولا يعملون صالحاً وبين أهل الكتاب من اليهود والنصارى، ومن هؤلاء من يؤمن بالله ويعمل الصالحات، وهو المقصود بالآية الكريمة التي تبشر بأن لا خوف عليه ولا حزن…الخ هرائه " !! (جوهر الإسلام، ص 110) (وانظر أيضاً: ص 111،112، 124 من الكتاب السابق، وجريدة أخبار اليوم المصرية، 9 ديسمبر 1979: نقلاً عن : العصريون معتزلة اليوم، ليوسف كمال).
ومن انحرافاته: زعمه، أن الحكم بالقوانين الوضعية التي يحكم بها في بلاده لا يُعد كفراً، إنما هذه القوانين "متوافقة مع الشريعة الإسلامية" !!
يقول العشماوي: "والقول بأن القوانين المصرية كفر بواح، ومن يطبقها أو يخضع لها كافر، قول فيه تجاوز شديد، وتدنٍ أشد، فضلاً عن أنه دعوة سافرة للخروج على الأمة والمجتمع… فالقوانين المصرية -كما سلف- وكما لابد أن يدرك كل دارس واعٍ متوافقة مع الشريعة الإسلامية" !!(الإسلام السياسي، ص51).
ويقول:" إن القانون المدني المصري مطابق كله! للتشريع وللفقه الإسلامي" (حوار حول قضايا إسلامية، إقبال بركة، ص 188)
ومن انحرافاته: إسقاطه حد شرب الخمر في كتابه (الإسلام السياسي) ! يقول العشماوي: "لا توجد أية عقوبة على شربها أو بيعها، لا في القرآن الكريم ولا في السنة النبوية" ثم يقول هذا الفاجر مستدركاً على الحكم الشرعي: "إن العقوبات تزيد من عدد الجرائم، ولا تجتث الجريمة أصلاً" !! (الإسلام السياسي، ص51) ، (وانظر: حوار حول قضايا إسلامية، إقبال بركة، ص191).(52/392)
ومن انحرافاته: زعمه "أن تطبيق الشريعة يهدف إلى تفتيت وحدة الشعب وإلى إظهار الإسلام بصورة سيئة" ثم يزعم "أن الشريعة تعني الطريق والسبيل، ولا يلزم الأخذ بنصوصها؛ لأن مبنى الشريعة يقوم على الخلق والروحانيات! وللناس أن يطبقوا ما يشاءون" ! (الشريعة والقانون المصري، مجلة أكتوبر، العدد 706، نقلاً عن : المجلة العربية مقال: العشماوي بين حرية الفكر وحرية الكفر، للأستاذ أحمد أبو عامر، شعبان 1412هـ).
ومن انحرافاته: ادعاؤه أن (الأحوال الشخصية) -وهي البقية الباقية من الأحكام الشرعية!- تهضم حقوق المرأة، وأن الزواج عقد مدني لا ديني!، وأنه لابد من تقييد الزواج بواحدة، (المرجع السابق) ، (وانظر: حوار حول قضايا إسلامية، إقبال بركة، ص190-191).
ومن انحرافاته: إسقاطه لحد الردة! (المرجع السابق) .
ومن انحرافاته: تخصيصه كتابه (الإسلام السياسي) للدعوة إلى فصل الدين عن الدولة، مدعياً "أن الرسو صلى الله عليه وسلم حينما ساس أمور الإسلام في عهده إنما كان ذلك بالوحي" بخلاف ما سيأتي بعده من الحكومات التي ينبغي أن لا تكون دينية!! (المرجع السابق) .
ومن دعاواه في هذا الكتاب : أن تاريخ الإسلام تاريخ دموي قمعي! وأن الفقه الإسلامي يخلو من أي نظرية سياسية أو نظام سياسي، وأن الغالب على اعتناق الناس الآن (إسلام البداوة) ! لا (إسلام الحضارة)!، إضافة إلى تهجمه المتكرر على دعاة تطبيق الشريعة الإسلامية (انظر: العقلانية هداية أم غواية، لعبد السلام البسيوني، ص125) .
ولقد قام مجموعة من العلماء والكتاب الغيورين بنقد هذا الكتاب وتبيين زيفه؛ من أبرزهم: الدكتور صلاح الصاوي في كتابه (تحكيم الشريعة ودعاوى العلمانيين) ، فليراجع.
ومن انحرافاته: تخصيصه كتابه (الخلافة الإسلامية) للنيل من الخلافة الإسلامية، وتصويرها للقارئ بأبشع صورة، هادفاً من ذلك إلى أن يتخلى المسلمون عن الدعوة إلى تطبيق الشريعة الإسلامية ما دامت هذه صورة الخلافة التي ينشدونها ! .
فهو في هذا الكتاب:
يستنكر على من يدعي نقاوة الخلافة الإسلامية (المقدمة) .
يهون من شأن الخلافة، وأننا يمكن أن تسير أمورنا دون حاجة إليها (ص 25-27) (ص30).
يزعم "أن صلى الله عليه وسلم لم يحكم الناس كملك أو أمير أو رئيس أو سلطان وإنما حكمهم كنبي من الله" (ص 90) أي أن الحكومة ينبغي أن لا تكون دينية؛ لأن ذلك خاص ب صلى الله عليه وسلم !، ويؤكد هذا في (ص 102) بقوله: "فالخلافة الإسلامية من واقع نشأتها.. ظهرت كرياسة دنيوية وإمارة واقعية لا تؤسس على نص ديني ولا تقوم على حكم شرعي"!!.
طعنه في أبي بكر -رضي الله عنه- بأنه اغتصب حقوق صلى الله عليه وسلم عندما طلب من المرتدين أداء الزكاة (التي يسميها العشماوي الإتاوة أو الجزية !!ص 106) ، وأن طلب الزكاة من المسلمين -في زعم العشماوي- خاص ب صلى الله عليه وسلم مقابل صلاته عليهم !! (ص 16-107)
وقد لمز وتهجم العشماوي لأجل هذا على أبي بكر -رضي الله عنه- متهماً إياه بالديكتاتورية والتسلط … الخ (ص 107) بل قال هذا السفيه: "وقد سوَّغ تصرف الخليفة الأول أبي بكر الصديق لكل خليفة وأي حاكم أن يستقل بتفسيره الخاص لآيات القرآن، ثم يفرضه بالقوة والعنف على المؤمنين، ويجعل من رأيه الشخصي حكماً دينياً، ومن فهمه الفردي أمراً شرعياً" ! (ص 108). ثم قال -قبحه الله- : "لقد قنن الخليفة الأول بحروب الصدقة إشهار سيوف المسلمين على المسلمين" ! (ص 108).
هـ- ولم يقتصر العشماوي على الطعن في أبي بكر -رضي الله عنه- بل تعداه إلى الطعن في عثمان وعلي -رضي الله عنهما-، حيث قال: " ولم يقتصر الفساد على عهد عثمان وعلى الأمويين وحدهم، بل حدث كذلك في عهد علي بن أبي طالب" ! (ص 113). وقال: "وفي عهد عثمان بن عفان حدث فساد كثير" (ص 119) .
زعمه أن الصحابة -رضي الله عنهم- كان هدفهم الملك والرياسة (ص 121).
ز- ذمه لمعاوية -رضي الله عنه- (ص 144).
هذه أبرز الانحرافات التي وردت في كتاب (الخلافة الإسلامية) للعشماوي، وقد رد عليه الشيخ الشعراوي في كتاب بعنوان (الأنوار الكاشفة لما في كتاب العشماوي من الخطأ والتضليل والمجازفة) فليراجع
ومن انحرافاته : زعمه " أن أحكام الشريعة في المعاملات مؤقتة، لا استمرار لها ولا خلود" ! يقول العشماوي : "إن المؤبد في أحكام القرآن ما تعلق منها بالعبادات، أما أحكام المعاملات فهي وقتيه" (حوار حول قضايا إسلامية إقبال بركة، ص190). (وقد رد عليه رأيه هذا الدكتور محمد عمارة في مجلة المنهل، صفر، 1417هـ فليراجع) .
ومن انحرافاته : إباحته للربا في كتابه (الربا والفائدة في الإسلام)، يقول العشماوي : "الفائدة ليست ربا" ! (حوار حول قضايا إسلامية، إقبال بركة، ص 188) (وانظر كتابه الآخر: على منصة القضاء، ص 178 وما بعدها)
قلت: وقد رد عليه رأيه هذا الدكتور علي السالوس في كتابه (أجرؤكم على الفتيا أجرؤكم على النار) فليراجع
قال الأستاذ أحمد أبو عامر في خاتمة نقده لآراء العشماوي: "من خلال إطلاعي على معظم ما كتبه المذكور تبين أن سمات فكرة ما يلي:(52/393)
لنشأته الصوفية دور في ترسيخ التوجه العلماني الذي تنامى بدراساته وتخصصه القانوني.
ثقافته الغربية وإطلاعه على تراثها ولا سيما دور الكنيسة وتسلطها جعله يرى الإسلام كالنصرانية وهذا وهم وخطل .
تبنى الفكر العلماني والترويج له حتى صار من أبرز رموزه ممن يحاولون هدم الإسلام من الداخل.
يتظاهر بالفقه في العلوم الشرعية ويدعي أنه عالم مجتهد وهو في ذلك مدّع والدليل مصادمة آرائه للشرع وأدلته.
يهاجم مخالفيه في الفكر بأسلوب هابط ولا يتورع عن الطعن في الصحابة والعلماء واتهامهم بالجهل والغباء والخداع.
عدم موضوعيته وبعده عن المنهج العلمي في دراسته إذ جلُ آرائه بعيدة عن الصواب ومخالفة للصحيح وابتداع لا يعضده دليل معتبر.
يستغل معرفته وتجاربه في القضاء والمحاكم وما يقابله من صور اجتماعية للمسلمين ويزعم أنها تمثل الإسلام، ويدعو بكل صفاقة إلى عدم تطبيق الشريعة الإسلامية ويتهم الدعاة لها بالإرهاب وأنهم دعاة فتنة.
يتبنى الطروحات الاستشراقية ضد الإسلام وشريعته ويلبسها ثوباً محلياً. ومن أخطر مزاعمه المنقولة عن غيره أن الشريعة الإسلامية متأثرة بالقانون الروماني، وهذا كذب صراح وادعاء باطل ناقشه العلماء المسلمون بل بعض المستشرقين وبينوا بطلانه، ويمكن الرجوع إلى كتاب (هل للقانون الروماني تأثير على الفقه الإسلامي؟) مجموعة دراسات نشرتها (المكتبة العلمية في بيروت)، بل إن الأبحاث العملية أشارت إلى تأثر الفقه الغربي بالإسلام، ويمكن الرجوع إلى بيان ذلك فيما كتبه د/ محمد يوسف موسى في كتابه (التشريع الإسلامي وأثره في الفقه الغربي) .
وفي الختام أرجو أن يثوب الرجل لرشده وأن يتقي الله في آرائه؛ لأنه باتجاهه العلماني المتطرف هذا إنما ينكر كمال الإسلام وينكر عالميته وينكر بقاءه إلى قيام الساعة كما أخبر بذلك الصادق المصدوق r وما ذاك إلا الردة بعينها فهل يهتدي ويتراجع ويعود للصواب أم تأخذه العزة بالإثم؟ ونذكره بأن الرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل" (المجلة العربية، شعبان، 1412هـ)
===================(52/394)
(52/395)
نظرة شرعية في فكر الروائي (عبد الرحمن منيف)
ترجمته: (1)
ولد في عمان (الأردن) عام 1933
والده من نجد (السعودية) والأم عراقية .
أنهى دراسته الثانوية في عَمّان .. وبعدها التحق بكلية الحقوق في بغداد عام 1952.
في العراق، وخلال فترة الدراسة، خاض غمار النشاط السياسي خلال مرحلة هامة من تاريخ العراق.. وبعد توقيع "حلف بغداد" طُرد منيف من العراق مع عدد كبير من الطلاب العرب، عام 1955.
واصل دراسته في جامعة القاهرة.
عام 1958 سافر إلى يوغسلافيا حيث تابع الدراسة في جامعة بلغراد.
أنهى دراسته عام 1961، وحاز دكتوراه في العلوم الاقتصادية، وفي اختصاص: اقتصاديات النفط/ الأسعار والأسواق.
مارس النشاط السياسي الحزبي زمناً، ثم أنهى علاقته السياسية التنظيمية عام 1962، بعد "مؤتمر حمص" .
عمل في مجال النفط: في الشركة السورية للنفط (دمشق) شركة توزيع المحروقات، مكتب توزيع النفط الخام.
عام 1973 غادر سوريا إلى لبنان حيث عمل في مجلة "البلاغ" وكان قد بدأ الكتابة الروائية برواية (الأشجار واغتيال مرزوق) .
عام 1975 سافر إلى العراق، وتولى تحرير مجلة "النفط والتنمية".. وظل هناك حتى العام 1981.
عام 1981 غادر العراق إلى فرنسا، حيث تفرغ نهائياً لكتابة الرواية.
عام 1986 عاد إلى دمشق، حيث يقيم فيها حتى الآن.
متزوج وله ثلاثة أبناء وابنة .
مؤلفاته:
الروايات حسب تاريخ صدورها أول مرة:
الأشجار واغتيال مرزوق (بيروت) 1973.
قصة حب مجوسية (بيروت) 1974.
شرق المتوسط (بيروت) 1975.
حين تركنا الجسر (بيروت) 1976.
النهايات (بيروت) 1977.
سباق المسافات الطويلة (بيروت) 1979.
عالم بلا خرائط بالاشتراك مع : جبرا إبراهيم جبرا (بيروت) 1982.
مدن الملح - خماسية:
التيه (بيروت) 1984.
الأخدود (بيروت) 1985.
تقاسيم الليل والنهار ( بيروت) 1989
المنبت (بيروت) 1989
بادية الظلمات (بيروت) 1989
الآن.. هنا أو : شرق المتوسط مرة أخرى (بيروت )1991.
مؤلفات في الاقتصاد والسياسة:
البترول العربي: مشاركة أو التأميم (بيروت) 1975.
تأميم البترول العربي (بغداد) 1976.
الديمقراطية أولاً .. الديمقراطية دائماً (بيروت) 1992.
بين الثقافة والسياسة ، بيروت 1998.
في فن الرواية:
الكتاب والمنفى
هموم وآفاق الرواية العربية (سلسلة الكتاب الجديد- بيروت) 1992.
يشارك حالياً في هيئة تحرير "قضايا وشهادات" (كتاب ثقافي دوري يصدر فصلياً) .
أبرز أعماله هي خماسيته الطويلة ( مدن الملح) ، وهي تتمحور حول تغير البلاد العربية باكتشاف النفط فيها ، يقول منيف : "وهذا التغيير لا يزال مستمراً، ولم يقتصر على بلدان النفط وحدها، ولكنه امتد إلى البلدان الأخرى العربية غير النفطية" (الكتاب والمنفى، ص 149).
ويقول أيضاً: "مدن الملح تعالج مشكلة العلاقة بيننا وبين الآخر؛ بيننا كعرب وبين الغرب منذ بداية هذا القرن، فالاستعمار الغربي كان يحاول على الدوام الحصول على المواد الأولية، كما كان يحاول الهيمنة على الأسواق واستغلال الشعوب بشكل أو آخر..
…. عندما اكتشف النفط فقد أصبحت المنطقة هدفاً وأصبحت أرضاً مهمة " (المرجع السابق، ص335)
قلت: وانظر وصفاً لهذه الخماسية وفكرتها في : (مدار الصحراء، دراسة في أدب عبد الرحمن منيف، لشاكر النابلسي، ص59، 308) .
و(قراءة في أعمال الدكتور عبد الرحمن منيف، لمؤمنة بشير العوف، ص 390) .
- يعد عبد الرحمن منيف أحد أبرز الروائيين الماركسيين في عالمنا العربي، ولا زال يؤمن بهذه الفكرة البائدة !! وهو لا يخفي هذا، بل يجاهر به، فهو يقول مثلاً:
"أعتبر نفسي واحداً من الذين بدؤا التفتح على الماركسية في وقت مبكر نسبياً" (الكاتب والمنفى، ص 259) .
ويقول:
"إن الفكر الاشتراكي ما يزال هو فكر المستقبل" (المرجع السابق، ص349) .
ويقول :
"إنني واحد من الكثيرين أعتبر الاشتراكية أسلوباً للحياة أكثر ملاءمة، خاصة لبلداننا" ! (المرجع السابق، ص 394).
وانظر أيضاً: (مدار الصحراء) لشاكر النابلسي، ص 371 وما بعدها، و(القومية والهوية والثورة العربية) مقال لمنيف في مجلة المستقبل العربي، عدد 95، ص85.
- يقول منيف عن سقوط الاتحاد السوفيتي محضن الماركسيين في العالم العربي، والموجه الأول لهم:
"لا شك أن سقوط التجربة السوفيتية خسارة كبيرة للاتحاد السوفيتي وللمنظومة الاشتراكية أولاً، وخسارة للعالم الثالث الذي فقد حليفاً مهماً ثانياً، وخسارة للعالم بأسره" ! (بين الثقافية والسياسة ، ص97) .
ولكن برغم هذا السقوط المدوي للماركسية نظراً لتعارضها مع الفطرة، فإن عبد الرحمن منيف الذي تشبع بهذا الفكر لا يريد أن يصدق هذا !! بل يصر على أن الماركسية سيكون لها جولات وصولات في المستقبل ! فاعجب لهذا المفتون الواله الذي لم يصدق إلى الآن موت معشوقته !! .
يقول منيف :
__________
(1) ترجمته مستفادة من كتاب "الكتاب والمنفى" (ص400-402)، ومن كتاب "أعلام الأدب العربي المعاصر" لكامبل (2/1273-1275) . وانظر للمزيد عنه : (قراءة في أعمال الدكتور عبد الرحمن منيف الروائية) لمؤمنه بشير العوف، ص419 .(52/396)
"إن ما سقط أو فشل في التجربة الأولى لتطبيق الاشتراكية هو شكل محدد من أشكال التطبيق، ولم تسقط الفكرة أو احتمالات تطبيقات مختلفة لها" ! (المرجع السابق، ص103) .
ويقول عن المشروع الماركسي والقومي في البلاد العربية، الذي فشل بشهادة العقلاء ! فشلاً ذريعاً : "أياً كان وصف أو تقييم المرحلة السابقة- وهذا ما يجب أن يكون عنواناً أساسياً لحوار مفتوح وجاد بين جميع القوى والعناصر، ويفترض أن يتسم الحوار بالشجاعة والصراحة والمسؤولية، لتحديد أخطاء ونواقص المرحلة الماضية- فإن من جملة الظواهر والنتائج البارزة الآن:
أولاً: عجز المشروعين القومي والماركسي، بالصيغ والحيثيات والشعارات والأولويات، كما قدّما، منذ الاستقلال وحتى الآن. أي أن هذين المشروعين، نتيجة سوء التقديم والتطبيق، أو بسببهما، لم يعودا قادرين، بصيغتهما القديمة، على مواجهة تحديات المرحلة، وليسا مؤهلين، ضمن منطقهما وأسلوبهما السابقين، لكي يكونا أفقاً للمستقبل. لا يعني ذلك، بالضرورة، أن الأفكار القومية والماركسية عاجزة، ولا بد من البحث عن أفكار أخرى، ولكنه يعني بالتأكيد أن تلك الأفكار بالطريقة التي قدمت بها من حيث الصيغ والأشكال، أو من حيث الفهم، ومن ثم الترجمة في الواقع العملي، وأيضاً العلاقة بين القوى والمراحل والمفاهيم، كانت قاصرة وعاجزة، ويكمن السبب في ذلك، كما نعتقد، في الفهم الرومانسي أو الصنمي والحرفي الذي أُعطي لتلك المفاهيم، ولانعدام آلية تحقيقها، ولعجز القوى التي تبنتها عن تحقيق نتائج ملموسة، ولذلك ظلت هذه الأفكار أقرب إلى الشعارات العامة، أو اكتسبت دلالات ليست من طبيعتها، وظلت أسيرة نماذج طوباوية أو غير مقنعة.
يضاف إلى ذلك أن القوى التي تبنت تلك الشعارات والأفكار كانت عاجزة عن تحليل الواقع بموضوعية واستنباط المهمات والصيغ الملائمة لحركة هذا الواقع والتغيرات التي تفعل فيه. أكثر من ذلك، أن بعض القوى، حين وصلت إلى السلطة، أعطت بسلوكها وعلاقاتها مثلاً سلبياً، الأمر الذي انعكس على الفكر الذي تحمله أو تبشر به.
المأزق، إذن الذي وصل إليه المشروعان، القومي والماركسي، كل بطريقته، وبنسب متباينة، وأيضاً نتيجة أسباب تختلف من واحد لآخر، يجب ألا يقود إلى الاستنتاج أن المشروعين عاجزان بطبيعتهما، أو غير مؤهلين لدور في المستقبل. إن استنتاجاً من هذا النوع، بالإضافة إلى خطئه، هو ما يريد الخصم أن يوصلنا إليه، لقناعته أن الصيغ الأخرى أكثر عجزاً عن مواجهة المشاكل العملية أولاً. (بين الثقافة والسياسة، ص42-43) .
قلت: صدق الله إذ يقول (تلك أمانيهم) وصدق من قال: "إن المنى رأس أموال المفاليس" !
فهذا الماركسي العجوز لم يقتنع إلى الآن -رغم الحقائق- بفشل المشروعين اللذين آمن بهما منذ مراهقته، وهما الماركسية والقومية، وتمنى لو أن بيده بعثهما من جديد، ولكن هيهات ، فقد أفاقت الأمة وعرفت أن هذين الطريقين لم يؤدياها إلا إلى البوار .
فهل يفيق العجوز من سكرته قبل أن يفجأ الموت وهو على هذه الحال؟!
- يعتقد منيف أنه لم يبق أي شيء مقدّس لديه، والعياذ بالله!؛ لأنه كغيره من الماركسيين الماديين لا ينظرون إلى الإسلام كوحي إلهي، على البشر تقديس نصوصه والالتزام بها .
يقول منيف:
"أما موقفي من المقدّس الذي تسألني عنه، فأكاد أقول دون خشية كبيرة: لم يبق شيء مقدس! "! إلى أن يقول: "نحن الذين أعطينا للمقدس قدسيته" (الكاتب والمنفى، ص 382،383).
- كثيراً ما يتهجم عبد الرحمن منيف على الإسلام وأهله، واصفاً إياه بالأصولية، منتقصاً ثقافته وتعاليمه، كشأن غلاة الماركسيين العرب الذين تشبعوا بالفكر الشيوعي الماركسي المخاصم للدين، وإن قبله جعله أمراً (روحياً) بين العبد وربه. فهم قد جمعوا بين الماركسية والعلمانية، كما سيأتي في أقوال الماركسي عبد الرحمن منيف: فإليك شيئاً منها:
يقول منيف ساخراً من الكتب الإسلامية خالطاً بينها وبين كتب السحر والتنجيم والخرافات!
"ويجدر لفت النظر هنا إلى نوعية المواد التعليمية المقررة في المدارس، والتي من شأنها الحد من استعمال العقل، وتغليب النظرة الغيبية، ومراكمة المواد الحفظية، وعدم إفساح المجال أمام الأسئلة المختلفة، الأمر الذي يلغي المحاكمات العقلية والمقارنة، (فالخطان المستقيمان لا يلتقيان إلا بمشيئة الله) والأرض لا يمكن أن تكون كروية، كما يؤكد رجال الدين. وضمن الدروس التي تُعطى للأطفال، وهم دون سن العاشرة: كيفية غسل الموتى! .(52/397)
إن مواداً تعليمية من هذا النوع، إضافة إلى المناخ المسيطر، يعطيان فكرة عن نوع الثقافة السائدة، وعما يمكن أن يواجهه أي فكر تنويري أو مختلف.." إلى أن يقول: "هذا في الوقت الذي يتقلص دعم الأنظمة الحاكمة للكتاب الجاد والمسرح والسينما الهادفين. إذ يضيق أو يمنع استيراد الكتب الجدية والعقلانية، ويفسح المجال واسعاً أمام الكتب الغيبية والاستهلاكية. ونظرة سريعة لمعرفة نوعية الكتب الأكثر انتشاراً تثير حالة مأساوية، فكتب السحر والتنجيم وقراءة الطالع، ثم الكتب الغيبية والدينية، هي الأكثر رواجاً لأنها تلاقي الدعم بأكثر من أسلوب ومن أكثر من جهة" . (بين الثقافة والسياسة ، ص 117، 123) .
- ويقول منتقصاً ومسفهاً ومثبطاً من يدعو الدول العربية إلى تحكيم الشريعة والعودة إلى الإسلام:
"أما الخيار الثاني الذي يطرح فهو الخيار الديني أي الرابطة الدينية، بالتحديد الأخوة الإسلامية التي تتجاوز الحدود القومية.
إن الرابطة الدينية حتى على فرض إمكانية قيامها، لا يمكن أن تتجاوز الرابطة القومية أو أن تكفيها؛ لأن الرابطة القومية هي الأساس في قيام المجتمعات، بخاصة في العصور الحديثة. إن الرابطة الدينية، إضافة إلى استحالة تحققها في الواقع الراهن إلا كرابطة معنوية، لا تتعدى التقارب والتعاطف. وهي تنطلق من معطيات متفاوتة ومن واقع مختلف، كما أنها غير قادرة، وغير مؤهلة للإجابة عن مشكلات العصر الحديث اعتماداً على تجارب ماضية وجزئية"
إلى أن يقول: "فالدين رابطة معنوية واعتقاد مبني على الاختيار الخاص، وهو أمر شخصي تماماً" ! (الديمقراطية أولاً، ص 134-137) .
قلت: يقول هذا بناءً على نظرته (العلمانية)، التي تجعل الإسلام منزوياً في الشعائر التعبدية فقط، أما شئون الحياة فلا دخل له بها، إنما الذي يفصل فيها وينظمها هو الفكر الماركسي!!
- ويدعي منيف أن من أسباب تأخرنا:
"تراجع العقلانية في الثقافة والعودة إلى الغيبية" (الديمقراطية أولاً،ص16) ونسي هذا الماركسي (المادي) أن الغيب نصف الدين !وأنه من شروط إيمان المؤمن، قال سبحانه في وصف المؤمنين بأنهم (الذين يؤمنون بالغيب) ، فلا يتم إيمان عبد حتى يؤمن بما ورد من أمور الغيب الكثيرة الواردة في الكتاب والسنة، وعلى رأسها اليوم الآخر.
وأما بدون هذا الإيمان فإن العبد يكون كافراً، قد شابه إخوانه المشركين الدهريين الذين لا يؤمنون إلا بالماديات زعموا .
- ويزعم منيف كثيراً أن الحركات والتوجهات الإسلامية ما كان لها أن تنتشر لو كان الفكر الماركسي قائماً !! وإنما انتشرت بعد سقوط هذا الفكر الذي أخلى لها الساحة! فهو يحيل انتشار الالتزام بشرع الرحمن وعودة الكثيرين إلى الهداية إلى هذا السبب، لا أن الإسلام يحمل قوته في ذاته ؛ لأنه الدين الحق المستمر إلى قيام الساعة.
يقول منيف:
"إن الدول الغربية، في مراحل متعددة، ولا تزال إلى الآن، تتبنى وتدعم أنظمة واتجاهات أصولية في المنطقة العربية. فأنظمة الخليج العربي، وأنظمة أخرى أيضاً، تحظى برعاية وحماية الدول الغربية، خاصة الولايات المتحدة، رغم ما تتصف به هذه الأنظمة من أصولية ورجعية، ورغم دعم هذه الأنظمة لمجموعة من الحركات الأصولية في أمكنة متعددة من العالم .
إن الأصولية بشكل عام، والأصولية الإسلامية تحديداً، رغم أنها موجودة منذ وقت مبكر، إلا أنها الآن أقوى من أي وقت مضى. ومن جملة ما يفسر ذلك: ضعف أو غياب التيارات الأخرى، والمصاعب والعراقيل التي وضعت في وجهها، وكان الغرب، خلال مراحل متعددة، يقود حرباً بشكل مباشر، أو من خلال دعم الحكومات الرجعية والديكتاتورية، لمحاربة التيارات الديمقراطية والتقدمية، مما أفسح المجال أمام التيارات الأصولية لأن تقوى وتسيطر، ومثَل السادات في مصر مثال ساطع.
ولقد تعززت هذه الحالة بسقوط الاتحاد السوفييتي، وما رافق هذا السقوط من حملة إعلامية غربية تقول باستحالة وجود فرص أو إمكانية للتيار الديمقراطي التقدمي كي يكون حلاً بديلاً للنظم الرجعية القائمة، مما يفسح المجال لأن يعتبر التيار الأصولي نفسه بديلاً وحيداً.
في مواجهة وضع مثل هذا وجدت الأصولية مناخاً ملائماً لأن تعمل وتؤثر وتزداد قوة، خاصة وأن سياسة الدول الغربية طوال عقود متواصلة، اتسمت بضيق الأفق والأنانية، وأيضاً مناوء ة الطموحات المشروعة لشعوب المنطقة، ولعل موقفها المتحيز والظالم تجاه القضايا الأساسية، كالنفط والقضية الفلسطينية والتحرر الاقتصادي، أفسح المجال واسعاً أمام الحركات الأصولية لأن تطرح نفسها كأفق واحتمال للتحرر السياسي والاقتصادي، بغض النظر عن إمكانية ذلك لاحقاً.
إن جزءاً كبيراً من الحرب الدائرة الآن في أنحاء متعددة من العالم حرب شعارات لكسب مواقع، ولو مؤقتاً، من أجل اصطفاف جديد. وهذه الحرب تمارسها، تقريباً كل الأطراف، بغض النظر عن وجود استراتيجية بعيدة الأمد أم لا. إذ المهم قهر الخصم الآن، أو تجريده من أهم الأدوات والوسائل التي يملكها أو يلجاً إليها، دون حساب للنتائج التي يمكن أن تترتب عليها في فترات لاحقة.(52/398)
ومن جملة ما يعزز موقف التيار الأصولي في الوقت الحاضر، ويكسبه شعبية واسعة، السياسة والشعارات التي يرفعها في مواجهة الغرب، خاصة الولايات المتحدة، لأن هذه الأخيرة لم تكف عن اللجوء إلى القوة والقهر والاستغلال في التعامل مع شعوب المنطقة، كما لا يخفى تبنيها لسياسةٍ تجرح كبرياء وطموحات شعوبها، هذا عدا عن التمييز في الموقف والمعاملة بين العرب وإسرائيل. والذاكرة العربية، والإسلامية، مثقلة بكم الوقائع التي تُظهر التحيز والقسوة والعنف الغربي، خاصة الأميركي، تجاه القضايا التي تهم شعوب هذه المنطقة.
هذه إشارات ضرورية من أجل فهم الظاهرة الأصولية ووضعها في سياقها. أما إذا عزلت عن هذا السياق، وعن فهم الدوافع الكامنة وراء نهوضها وقوتها وعنفها، فسوف يؤدي ذلك إلى المزيد من الأخطاء" . (بين الثقافة والسياسة، ص 137-139) .
ويقول :
"إن الحركة الدينية قوية وموجودة كحركة سياسية بقدر عجز وغياب القوى الوطنية التقدمية" (الديمقراطية أولاً، ص44).
قلت : نسي هذا الماركسي أن أصحابه الشيوعيين قد أفسح لهم المجال في أماكن عديدة من العالم الإسلامي تحت نظر الغرب وسمعه ، ورعايته ، ولكنهم فشلوا في قيادة الأمة ، بل أورثوها النكبات ، مما لم يعد يخفى على عاقل يحترم نفسه .فهلا تنحوا قليلا ، وأفسحوا المجال لأهل الإسلام ؟! ( طلع الصباح فأطفئ القنديلا!) .
- كما سبق فإن عبد الرحمن منيف من غلاة الماركسيين الذين يعادون الدين فإن قبلوه بسبب ضغط الواقع فإنهم يحصرونه في الشعائر التعبدية فقط، وقد صرح منيف بهذا وأفصح عن علمانيته بقوله:
"إن الدين، أي دين، يفترض أن يبقى في إطار الاعتقاد الشخصي، أما إذا تحول إلى عمل سياسي فيصبح عندئذٍ ذريعة لسلب حرية الإنسان، ولإرغامه على الامتثال، كما يصبح وسيلة لقهر الآخر" . (بين الثقافة والسياسة ، 148 ).
- ويقول عن أسباب اختيار الماركسيين وغيرهم من أهل الضلال للعلمانية :
"العلمانية في البلاد العربية كانت بالدرجة الأولى في مواجهة الدولة القومية المتستترة بالدين " (الديمقراطية أولاً، ص 95) .
- يتأفف منيف كثيراً ما يسميه (رقابة المجتمع) ! ويتمنى لو أنه يستطيع البوح بما في نفسه دون خوف منها.
فهو باختصار يريد أن يكفر ويفوه بالمنكرات دون أن يحاسبه أحد، وهذا ما لا يُقره الإسلام لأبنائه؛ لأنه يربأ بهم عن الكفر .
يقول منيف: "أما كيف أتعامل مع رقابة المجتمع والدولة فإن الإشكالية الأساسية التي تثير حيرتي هي رقابة المجتمع. الدولة تدافع عن نفسها، تحصّن نفسها، ولذلك تلجأ إلى القسوة والتمويه والمخادعة، وربما هذا "حق" من حقوق الدفاع عن النفس، ضمن منطق الدولة وأسلوبها. ولكن ماذا بخصوص رقابة المجتمع المقموع، المضطهد، والذي يمارس أيضاً كل المحرمات سراً، ويتمتع بها إلى أقصى حد في الحياة اليومية، من خلال الشتائم والنميمة والصور العارية والفضائح، وفي نفس الوقت، يمنع أن يُكتب ذلك.
إن المجتمع العربي من أغرب المجتمعات قاطبة، لأنه يمارس كل شيء سرياً، ويخشى أن تقال كلمة، ولو غير مباشرة، عن هذه الحياة السرية.
الله كم تحت قشرة العفة والطهارة والتقوى المدّعاة من الفضائح والوساخات والزنى بالمحرمات ! مجتمع يمارس العادة السرية. يعمل كل شيء، وبشجاعة سرية فائقة، لكنه يخشى أي شيء، ولو كان بريئاً وسمحاً، أن يظهر إلى الخارج! ليس ذلك فقط. إنه يلاحق ويعاقب من يقول جزءاً من الحقيقة!" (الكاتب والمنفى، ص 380) .
قلت: كون أحد من الناس يمارس الأخطاء والمحرمات وسواء علناً أم سراً، هل يبيح هذا لنا أن نُقر هذه المحرمات والأخطاء ولا ننكرها؟! لا يقول هذا مسلم يعرف دينه.
ومن ارتكب المحرمات والأخطاء فحسابه على الله، وهو ليس حجة على شرع الله.
- ويرى منيف أن الإسلام يعوق بين الأديب وحريته! ويقصد بالحرية ما لا يقره الإسلام من التفوه بالكفريات والضلالات، فهو يريد -كما سيأتي- إسلاماً لا دخل له بالمجتمع كله، بل ينحصر في المسجد وبين المرء وربه، كما في النصرانية الآن.
يقول منيف: "الهم الرابع: المحرمات: ما أود أن أشير إليه هنا، ومجرد إشارة، هو موضوع المحرمات في السياسة والدين والجنس، وهذه عوائق أو تحديات أمام نمو الرواية وتطورها" (الكاتب والمنفى، ص51).
- دائماً ما يحمل منيف -كغيره من الماركسيين- على الدول النفطية وعلى رأسها السعودية ! بأنها قد استغلت النفط لنشر التخلف والرجعية!! ويعني بهما الإسلام السلفي، وهذه شنشة معهودة من غلاة الماركسيين في فترة مضت، فما بال منيف لا زال يرددها إلى اليوم ؟!
يقول منيف :
"إن ثروة النفط ظهرت سلبياتها أكثر من إيجابياتها في أحيان كثيرة، بما في ذلك تشجيع المد السلفي" (الديمقراطية أولاً، ص 220).(52/399)
ويقول: "إن حجم التخريب الذي ولدته الفورة النفطية، في مجالات شتى، بما فيها الثقافة، والتي طالت عدداً من "المثقفين" في الغرب أيضاً، ترك تأثيرات سلبية مدمرة على الأفكار والقيم والعلاقات والمقاييس، وقد أبرزت أزمة الخليج بعضاً من ذلك، حيث حُشدت أعداد من الكتبة المستأجرين، واستخرجت الفتاوى لإدانة أية أصوات تعارض التدخل الأميركي أو الحرب الهمجية التي شُنّت على شعب العراق، وزيفت الوقائع أو أُخفيت، وساد جو قاسٍ من الإرهاب والتعبئة، بحيث لم يظهر إلا صوت واحد: الصوت الرسمي.
ومما زاد في خلق هذا المناخ حالة الضياع التي سادت بعد الزلزال الذي وقع في المعسكر الاشتراكي، إذ سقط الكثير من الأفكار والمقاييس، وطغت موجة سلفية جديدة في المنطقة، كما عمت حالة من القلق وعدم اليقين" . (الديمقراطية أولاً، ص 280-281) .
- من أطرف ما مر بي أثناء دراستي لفكر (الماركسي) عبد الرحمن منيف أنني وجدت له تصريحاً جديداً بأنه يؤمن بالليبرالية !! وهي نقيض الماركسية! لتعلم بعدها أن القوم أصحاب أهواء، مستعدون للتنقل بينها ولو كانت متعارضة ما دامت مخالفة للإسلام ولا تؤدي إليه ! ، يقول منيف:
" لا أخفي : في المرحلة الحالية أميل إلى الليبرالية " !! (الكاتب والمنفى، ص308) .
قلت : صدق من قال :
يوماً يمانٍ إذا لاقيتَ ذا يمنٍ
وإن لقيتَ معِّدياً فعدناني !
فأنتم لما هوى صنمكم القديم الماركسية، هرعتم إلى تمجيد صنمٍ آخر هو الليبرالية، ومن لم يرض بعبودية الرحمن رضي بعبودية النفس والشيطان.
فروا من الرِّق الذي خُلقوا له
وبُلوا برق النفس والشيطان.
- كلمات منيف عن المرأة قليلة جداً حتى في رواياته ، وهذا مما يستغرب على روائي ماركسي!؛ لأن أدباء الماركسية اشتهروا في الأدب بجنوحهم إلى نشر الرذيلة والدفاع عنها، وعذر أصحابها من المومسات ونحوهن، وتحميل الظروف الاقتصادية جميع خطاياهن… الخ، وهذا تجده على سبيل المثال في روايات: نجيب محفوظ ويوسف إدريس وغيرهما من رؤس الأدباء الماركسيين العرب .
فالله أعلم عن سبب قلة هذا الأمر عند منيف ، هل هو بسبب أسرته أم بيئته؟!
لكنه إذا تعرض في مقابلاته لسؤال حول المرأة فإنه لا يعدو نظرة المتحررين نحوها! يقول منيف :
" لا شك أن المرأة في الواقع، وفي مجتمعنا تحديداً ، خاصة في المرحلة الراهنة تعاني الكثير لكونها امرأة.
ففي مجتمع متخلف ويخضع إلى القمع المتدرج ، من الطبيعي أن يكون استعباد المرأة أو وضعها في مرتبة أدنى أمراً طبيعياً. هذه حالة وصفية، خاصة وأن هذا المجتمع يمتلك إرثاً من ناحية الدين والتقاليد يعزز مثل تلك النظرة، ويعطيها من المبررات الكثير" (بين الثقافة والسياسة ، ص 152-153).
فهذا الماركسي يرى أن الشرع قد جاء بانتقاص واستبعاد المرأة ! وهذا كفر لا شك فيه، والعياذ بالله، وهو ليس بغريب على من يدين بدين الماركسية.
أسأل الله أن يهدينا صراطه المستقيم ، وأن ينصر الإسلام والمسلمين ، ويكبت المنافقين والكافرين ، والله أعلم ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين .
====================(52/400)
(52/401)
نظرة شرعية في فكر (عبد الله العروي)
-قال الدكتور مفرح القوسي عن العروي: "كاتب مفكر مغربي معاصر، ومن أشهر الماركسيين العرب، مختص بالدراسات التاريخية"
وقال عن كتابه (العرب والفكر التاريخي): "الذي تبنى فيه الماركسية، واجتهد في الدعوة إلى الأخذ بها، بوصفها نظاماً فكرياً متكاملاً، يزود معتنقيه بمنطق العالم الحديث ! -على حد تعبيره- ويتناسب مع كل فئات المجتمع المسلم"!! (انظر: رسالة المنهج السلفي والموقف المعاصر منه في البلاد العربية -دراسة وتقويماً، لم تطبع بعد، ص161).
وقال عنه أيضاً: "عبد الله العروي: الذي تبنى الماركسية واجتهد في الدعوة إلى الأخذ بها، بوصفها نظاماً فكرياً، يزود معتنقيه بمنطق العالم الحديث -على حد تعبيره- ويلائم متطلبات الأمة العربية الإسلامية، واجتهد في بيان أفكار ماركس ونظرياته، والرد على الاعتراضات التي وجهت إليها، ودعا إلى تفسير أحداث التاريخ الإسلامي تفسيراً ماركسياً، ووقف من السلفية موقفاً معادياً. فنراه -على سبيل المثال- يقول ممجداً الماركسية ومؤكداً ضرورتها، وشاناً الهجوم على المنهج السلفي؛ متهماً إياه بالعقم والسلبية: "الماركسية -بالنسبة للعرب- مدرسة للفكر التاريخي، وهذا الأخير هو مقياس المعاصرة، بدونه تغرق كل فكرة في بحر الحاضر الدائم، أي ترجع إلى أرضية الفكر السلفي. إن السلفية والانتقائية -وهما المميزين لذهنيتنا الحاضرة -تسبحان في الحاضر الدائم، وهذا هو سبب عدم انتفاع المجتمع العربي بمثقفيه منذ عقود. إن المثقف عندنا لا يتحرر فعلاً، فلا يعين مجتمعه على التحرر، لأنه ينفصل دائماً عن المحيط الذي يعيش فيه، وينتقل إلى عالم ماض يجعل منه الحقيقة المطلقة . ورغم تبجحه بالعمل السياسي، فإنه لا يؤثر إطلاقاً في الأوضاع ويترك التأثير لدعاة الاستمرار. إن السلاح الوحيد ضد اللاتأثير هو كسب الفكر التاريخي الذي لا يُتعلم من دراسة التاريخ كما يتبادر إلى الذهن، بل يتطلب الاقتناع بنظرية في التاريخ، وهذه لا توجد اليوم بكيفية شاملة ومقنعة إلا في الماركسية… إن الأمة العربية محتاجة في ظروفها الحالية إلى تلك الماركسية بالذات، لتُكَوّن نخبة مثقفة قادرة على تحديثها ثقافياً وسياسياً واقتصادياً، ثم بعد تشييد القاعدة الاقتصادية يتقوى الفكر العصري ويغذي نفسه بنفسه"(1) .(52/402)
-ونراه يتهم الفكر السلفي بأنه فكر لا تاريخي عاجز عن إدراك الواقع وفهم التكنولوجية المعاصرة والأنظمة الاقتصادية والاتجاهات الفكرية والتيارات الاجتماعية، وبأنه يؤدي إلى تعميق واستمرار التأخر التاريخي وإلغاء الحرية الذاتية، حيث يقول تحت عنوان (الوضع الثقافي) ما نصه: "إن المثقفين يفكرون حسب منطقين: القسم الأكبر منهم حسب الفكر التقليدي السلفي، والقسم الباقي حسب الفكر الانتقائي، وإن الاتجاهين الاثنين يوصلان إلى حذف ونفي العمق التاريخي، لكن إذا لم يكن التاريخ في ذهن المثقف، هل يعني هذا أنه محذوف من الواقع؟ طبعاً لا ، التاريخ كماض وكحاضر يُكوّن واقع العرب اليومي، وواقع خصوم وأعداء العرب. كل ما يؤدي إليه الفكر اللاتاريخي هو العجز عن إدراك الواقع كما هو، إذ يمحو منه بُعداً من أبعاده المكونة له. وإذا ترجمنا هذه الجملة إلى الواقع السياسي نقول: نتيجة الفكر اللاتاريخي هي التبعية وعلى كل المستويات، فمن طبيعة الانتقائية أن تفتح الأبواب لكل المؤثرات الخارجية. والفكر التقليدي لا يقل عنها خضوعاً وتسامحاً، رغم ما يعتقد وما يدّعي، كيف يقف في وجه التكنولوجية المعاصرة والأنظمة الاقتصادية والاتجاهات الفكرية والتيارات الاجتماعية وهو غير قادر على فهمها، فضلاً عن إبداع تيارات وأنظمة مضادة بديلة لها. والتبعية الظاهرة والخفية لا تعني فقط عدم الاستقلال والاستغلال، أي: إنها لا تخدش فقط الكرامة القومية والمصالح المادية، بل تعني كذلك تعميق واستمرار التأخر التاريخي. هذه نتيجة استخلصناها واستخلصها معنا المؤرخون الغربيون من تطور الاستعمار الحديث ومن تجارب الدول المتخلفة… ورغم هذا الواقع المر ما زال أغلب المثقفين عندنا يميلون إلى السلفية أو الانتقائية، والغريب أن هذين الاتجاهين يخدعان المثقف ويغريانه بنوع من الحرية الذاتية، يظن أنه يملك حرية الاختيار، وأنه قادر على أن ينتخب من إنتاج الغير أحسنه، وهذه حرية شبيهة بحرية الرواقيين الذين كانوا يظنون أنهم إن حرروا القلب والذهن من تأثير الإنسان والكون جاز لهم أن يهملوا الأغلال التي تشد الأيدي وتقيد الأرجل"(2) ، ويصف طريق الخلاص من الفكر السلفي فيقول: "إن الطريق الوحيد للتخلص من الاتجاهين معاً هو الخضوع للفكر التاريخي بكل مقوماته… إن أحسن مدخل وأحسن مدرسة للفكر التاريخي يجدهما العرب اليوم في الماركسية في تأويلها التاريخاني. إن الكثير من المثقفين العرب يشعرون أنهم سيفقدون حريتهم إذا خضعوا لهذا الفكر؛ سيكونون مسيرين ويعلمون مسبقاً إلى أي هدف يسيرون؛ إنهم سيبقون دائماً في طور التلمذة؛ إذ لم يتعد عملهم تدارك التأخر، وأنهم سينسلخون عن شخصيتهم إذا اعترفوا أن التاريخ فيهم. والعجيب أن تأتي مثل هذه الانتقادات من السلفي الذي يعتقد بالقدر، وينحل في شخصيات السلف الصالح"(3) .
__________
(1) العرب والفكر التاريخي ص 68.
(2) المرجع السابق ص 205 - 206.
(3) المرجع السابق ص 206 - 207.
ويرفض العروي قيام المؤرخ المسلم في تفسيره للتاريخ بربط وقوع الحوادث بمشيئة الله وإرادته، ويصفه بأنه عمل فج وممل، فنراه يقول تحت عنوان (ماهية الأنماط التعليلية): "لا نتكلم هنا عن الفكرة التي نجدها في كثير من الكتب التاريخية الإسلامية وخاصة المتأخرة منها : أي تفسير كل حادثة بالإرادة الربانية، لأن التاريخ يصبح حينئذ قسماً من علم الكلام. الحقيقة هي أن لا فرق بين استعارة الإرادة الإلهية من علم الكلام واستعمالها في التاريخ وبين استعارة القانون الطبيعي من علوم الفيزياء أو الاجتماع أو الاقتصاد وتوظيفه لنفس الغرض، إلا أن الاستعمال الأول فج ومملّ إذا كان كل حادث يقع بمشيئة الله. ما الفائدة من سرد الحوادث في ظروفها الخاصة؟ . أما الاستعمال الثاني فإنه أكثر تنوعاً ودقة"(1).
ويرى أنه لا يمكن للمسلمين أن يحققوا التقدم المنشود إلا بتخليهم عن معتقداتهم الدينية، ويستشهد بتركيا الكمالية التي يرى أنها أكثر استعداداً للحياة الحديثة من غالبية المجتمعات الإسلامية، وذلك لنبذها موروثاتها العقدية الإسلامية، فنراه يقول: "إن معظم البلاد العربية اليوم تتقدم قليلاً أو كثيراً على طريق التنمية والتصنيع، وهو تقدم لا يواكبه تغيير ملموس في اللغة والثقافة والأنظمة العائلية والعشائرية، وأحياناً حتى في النظام السياسي. تجري الأمور وكأنه من البديهي أن يفصل التغيير الاقتصادي عن الظروف الاجتماعية والسياسية، ثم تؤثر هذه الحالة حتى في الميدان السياسي، فينادي الكثيرون بضرورة تحقيق العدل والمساواة بدون اعتبار للأوضاع الثقافية، والسؤال هو: هل يصح تصور مجتمع عصري بدون أيديولوجيا عصرية؟ هل يمكن تصور تنظيم سياسي ثوري بدون ثقافة حديثة؟ .
والاعتراض التقليدي هو : واليابان؟ وإسرائيل؟ ألم نشاهد في كلتا الحالتين تقدماً اقتصادياً وتقنياً مع المحافظة على التقاليد العتيقة، وهناك اعتراض آخر وهو: ماذا نفعهما التغيير الثقافي حيث لم تواكبه ثورة اقتصادية واجتماعية؟ .(52/403)
هذه الاعتراضات تبدو وجيهة لكنها غير مبنية على بحوث ودراسات مستفيضة إذا وجب الحكم من خلال ارتسامات عابرة، إني أعتقد أن المجتمع التركي رغم كل الظواهر أكثر استعداداً للحياة الحديثة من غالبية المجتمعات العربية، وإن الأيديولوجيات التقليدية في اليابان وإسرائيل لا تلعب دوراً حاسماً في الحياة الثقافية"(2) .
ويدَّعي "أن الفكر العربي أيام ابن خلدون كان أكثر علمانية مما كان عليه في القرون اللاحقة، ومما هو عليه اليوم في كثير من الأوساط"(3).
ويضع العروي (الفكر السلفي) على رأس قائمة المشكلات والعقبات التي تعيق تطور المجتمعات العربية الإسلامية، والتي تستلزم من هذه المجتمعات وضع برنامج شامل لاجتثاثها والتخلص منها لكي يتحقق التقدم والرقي المنشودين(4)،
ويَعُدُّ المنهج السلفي منافياً للموضوعية واستلاباً حقيقياً يضاهي الاستلاب الحاصل بالتغريب أو التفرنج، حيث يقول تحت عنوان (الاغتراب والاعتراب) ما نصه: "إن الاغتراب بمعنى التغريب أو التفرنج استلاب، لكن الاعتراب استلاب أكبر، والتركيز على الخطر الأول ما هو إلا تغطية لوضع ثقافي واجتماعي معين. إن السياسة الرسمية في الأغلبية الساحقة من البلاد العربية تحارب الاغتراب بوسيلتين:
تقديس اللغة في أشكالها العتيقة.
وإحياء التراث.
وفي هاتين النقطتين تتلخص السياسة الثقافية عندنا.
ومن الأمور الواضحة وضوح النهار أن تقديس اللغة، أي : تحجيرها في مستوى معين وأخذ الثقافة العتيقة كسمة تمييزية للقومية العربية، هما تشجيع
__________
(1) ثقافتنا في ضوء التاريخ ص 29-30، ط الثالثة 1992م، المركز الثقافي العربي -بيروت .
(2) العرب والفكر التاريخي ص 23.
(3) المرجع السابق هامش ص 54.
(4) راجع: المرجع السابق في الصفحات : 220 - 226.
الاستمرار في الفكر الوسطوي(1) ونفي موضوعية التاريخ. إن السلفي يظن أنه حر في أفكاره، لكنه في الواقع لا يفكر إلا باللغة العتيقة وفي نطاق التراث، بل إن اللغة والتراث هما اللذان يفكران من خلال فكره. هذا واقع لا يعيه ولا يمكن أن يعترف به السلفي مُحَققٌ، ولم يعد في استطاعة أي شخص له أدنى اطلاع على العلوم اللسنية الحديثة أن ينكره .. على الملاحظ المنصف أن يعترف أن الاستلاب الحقيقي هو الضياع في تلك المطلقات التي ذكرناها: في اللغة، في التراث، في التاريخ القديم. يفنى فيها المثقف العربي بكل طواعية واعتزاز، ويعتبر الذوبان فيها منتهى حرية الاختيار والتعبير الصادق عن هويته القارة الدائمة. هذه هي الأوزار والسلاسل ولن نتحرر منها إلا بكسب وعي تاريخي"(2).
ويصف الفكر السلفي بأنه فكر رجعي لمحافظته على الثوابت الإسلامية، ورفضه الانسياق خلف الأفكار الوافدة من الغرب، فنراه يقول -مؤكداً حقه في مواجهة هذا الفكر- :" كان من المنطقي أن أفتتح المواجهة مع الفكر المحافظ الرجعي السائد، خاصة وأن التقدميين(3) كانوا وما يزالون يخافون من النظرية والأيديولوجيا رضوخاً للضغط، وتأثراً بالذهنية التقليدية المحافظة التي تدعو إلى عدم أخذ أية فكرة من الخارج… وهذا الفكر يطلع علينا من حين إلى حين بترديد اسطوانة واحدة لا تتجدد أبداً ضد الأفكار المستوردة، والغزو الفكري والروحي والاكتفاء بالأيديولوجيات التقليدية (التراث العربي الإسلامي) التي تُكَوّن نظاماً عقائدياً كافياً وشافياً قادراً على توزيدنا بكل ما نحتاج إليه من حلول لكل مشكلات العصر، مدنية، عائلية، سياسية، اقتصادية، ثقافية، فنية، فلسفية، الخ"(4) .
ويقول -مدعياً انقطاع ارتباط المسلمين بتراثهم -: "يرفض السلفي كل الأفكار المستوردة، لاقتناعه بأن الوفاء للتراث شرط لازم وكاف للحفاظ على الشخصية…،
ومن يدعو إلى رفض الأفكار المستوردة اليوم بعد مرور أكثر من قرن على (النهضة) وعجز جميع المصلحين عن السباحة في غير محيط الأفكار والنظريات الغربية، يفوه بكلام فارغ إذن، كلام لا معنى له إطلاقاً، لا يعود عليه بشيء ملموس، ومستحيل منطقياً وتاريخياً واختيارياً، لأن رباطنا بالتراث الإسلامي في واقع الأمر قد انقطع نهائياً وفي جميع الميادين. وإن الاستمرار الثقافي الذي يخدعنا لأننا ما زلنا نقرأ المؤلفين القدامى ونؤلف فيهم إنما هو سراب، وسبب التخلف الفكري عندنا هو الغرور بذلك السراب وعدم رؤية الانفصام الواقعي، فيبقى حتماً الذهن العربي مفصولاً عن واقعه؛ متخلفاً عنه بسبب اعتبارنا الوفاء للأصل حقيقة واقعية، مع أنه أصبح حنيناً رومانسياً منذ أزمان متباعدة، ومن المحقق أن الفكر السلفي سينفي وجود الانفصام المذكور على أساس تجربته الوجدانية، لكن باستشهاده بالوجدان يعترف ضمنياً بصحة ما نقول، لأن التجربة الوجدانية لا تعمم نظرياً وتحليلياً، وإنما تتطلب اعتقاد الكشف"(5) . وعاد ليؤكد "أن الرجوع إلى نظريات الماضي والحفاظ على أصالة فارغة وهم يعوق التطور، وأن الماركسية هي ذلك النظام المنشود الذي يزودنا بمنطق العالم الحديث"(6) .(52/404)
-يقول العروي: "الأفضل لنا نحن العرب في وضعنا الثقافي الحالي أن نأخذ من ماركس معلماً ومرشداً نحو العلم والثقافة…" !! (محاورة فكر عبد الله العروي، ص19) .
ويقول هذا الماركسي : "المطلوب إذن هو أن نعيد ماركس نفسه، ماركس الهيجلي الشاب، لنبدأ أولاً بالنقد الأيدلوجي، لنصفي حسابنا مع الفكر السلفي مثلما صفى ماركس حساباته مع الأيدلوجية الألمانية" !! (المرجع السابق، ص106) .
فالرجل بينه وبين المسلمين (السلفيين) تصفية حسابات !! .
ويواصل قائلاً: "لابد إذن من أن نعود القهقرى لنسلك الطريق نفسه الذي سلكته الماركسية" ! (المرجع السابق).
-يقول الأستاذ بسام الكردي: "الحقيقة أن المشروع الأيدلوجي الذي يقترحه الأستاذ العروي موجه كله ضد الفكر السلفي:
__________
(1) أي الفكر الإسلامي السلفي، وسماه بالوسطوي لأنه -كغيره من الماركسيين العرب- يعتمد في تأريخه للفكر العربي الإسلامي التقسيم الزمني الشائع لدى المؤرخين الأوروبيين، الذي يبدأ بالتاريخ القديم ثم الوسيط وينتهي بالحديث أو المعاصر. وهذا التقسيم مرتبط بتصورات أوروبية حول العصور الوسطى باعتبارها عصور الظلام والتخلف، أما بالنسبة لنا فهي عصور القوة والازدهار، حيث كانت بداية ظهور الإسلام وانتشاره والإبداع في التأليف فيه.
(2) المرجع السابق ص 207 - 208.
(3) ويعني بهم الماركسيين.
(4) المرجع السابق ص 58 - 59.
(5) المرجع السابق ص 60 - 61.
(6) المرجع السابق ص 63.
فاستيعاب الفكر الليبرالي من أجل اجتثاث الفكر السلفي، والماركسية تميع عبر تاريخانية مثالية وبراجماتية مبتذلة من أجل محاربة الفكر السلفي، وأخيراً فإن المهمة الأساسية والمستعجلة معاً للنخبة المثقفة هي تحديد موقف قارّ من الفكر السلفي… إلى أن يقول الأستاذ بسام -: هل صحيح أن الفكر السلفي خطير إلى هذه الدرجة ؟ هل صحيح أنه وحده العائق الوحيد أمام التقدم والتحديث؟ وهل موقف العروي من الفكر السلفي خاصة ومن التراث عامة موقف علمي؟" (محاورة فكر عبد الله العروي، ص122).
-ومن أساليب هجوم هذا الماركسي على الإسلام أنه كثيراً ما يردد بأن الإسلام لا يناسب العصر !! .
مثال ذلك قوله: "إن من يقول إن تطبيق الأيدلوجيا الإسلامية كما تفصل اليوم يؤدي إلى نظام ديمقراطي يعكس مضامين الكلمات، لكل واحد الحق أن يسمي النظام الذي يتمناه بأي اسم أراد، إلا أن ذلك النظام لا يمكن أن يكون، عصرياً" ! (محاورة فكر عبد الله العروي ، بسام الكردي ، ص 31 وانظر ص65).
=================(52/405)
(52/406)
نظرة شرعية في فكر(محمد أحمد خلف الله)
يقول الأستاذ عبد السلام بسيوني عنه: "من أركان الفكر القومي المتطرف، الذي يعتمد المعايير الماركسية أسساً وضوابط له" (العقلانية هداية أم غواية؟ ص 134)
ويقول محمد إبراهيم مبروك عنه: "يهدف الدكتور خلف الله من كتاباته على نحو ما هو مطروح فيها إلى إقامة نهضة إصلاحية ماركسية لتطبيق الاشتراكية العلمية (الشيوعية الماركسية)، وعلى ذلك يجب تطويع بعض المفاهيم الإسلامية التي قد تتقارب في بعض أوجهها مع المفاهيم الماركسية في سبيل إقامة ذلك المشروع، أما المفاهيم الإسلامية الأخرى التي تتناقض تناقضاً بيناً مع المفاهيم الماركسية فإنها يجب تأويلها أياً كان شكل هذا التأويل أو تزيينها في صورة جديدة، أو اختزالها إلى مفاهيم أخرى بالطريقة التي يمكن بها إزاحتها من أمام مواصلة المضي في إقامة ذلك المشروع، فإذا لم ينفع معها أي مما سبق، فإنه يجب نقضها وهدمها تماماً"! (تزييف الإسلام وأكذوبة المفكر الإسلامي المستنير، ص 105-106).
قلت: وقد ابتدأت الضجة حول الدكتور خلف الله عندما أصدر أطروحته للدكتوراه عام 1947م عن "القصص الفني في القرآن" التي ادعى فيها أن قصص القرآن إنما جاءت للموعظة لا لتقرير الحقائق !! أي أنها قد تكون أساطير وخرافات !! وقد أحدث هذا موجة من الاستهجان والاستنكار من العلماء والكتاب .
ومنذ ذلك الحين والدكتور خلف الله يلقي بين الحين والآخر بآرائه المستهجنة - كما سيأتي-.
انحرافاته :
كما سبق فإن من أهم وأوائل انحرافاته المشينة زعمه في رسالته للدكتوراه التي أشرف عليها شيخه أمين الخولي(1) بأن الصدق التاريخي لم يكن من مقاصد القرآن الكريم فيما عرض من وقائع وقصص تاريخية !!
يقول خلف الله "إن الصنيع البلاغي للقرآن الذي يقوم على تخليص العناصر القصصية من أحداث وأشخاص وأخبار من معانيها التاريخية، وجعلها صالحة كل الصلاحية لاستثارة العواطف والانفعالات حتى تكون العظة والعبرة، وتكون البشارة والإنذار، وتكون الهداية والإرشاد، ويكون الدفاع عن الدعوة الإسلامية والتمكين لها حتى في نفوس المعارضة -إن هذا كله لهو الدليل القوي على أن القرآن الكريم لا يطلب الإيمان برأي معين في هذه المسائل التاريخية" (الفن القصصي، ص254).
ثم يقول : "ومن هنا يصبح من حقنا، أو من حق القرآن علينا، أن نفسح المجال أمام العقل البشري ليبحث ويدقق، وليس عليه من بأس في أن ينتهي من هذه البحوث إلى ما يخالف هذه المسائل -أي ما ذكر في القصص القرآني!-، ولن تكون مخالفة لما أراده الله أو لما قصد إليه القرآن، لأن الله لم يرد تعليمنا التاريخ، ولأن القصص القرآني لم يقصد إلا إلى الموعظة والعبرة وما شابههما من مقاصد وأغراض.
إن المخالفة هنا لن تكون إلا مخالفة لما تتصوره البيئة ولما تعرفه عن التاريخ. ولم يقل قائل بأن ما تعرفه البيئة العربية عن التاريخ هو الحق والصدق. ولم يقل بأن المخالفة لما في أدمغة العرب من صور عن التاريخ هي الكفر والإلحاد. بل لعل هذه المخالفة واجبة حتى يكون تصحيح التاريخ وخلوه من الخيالات والأوهام"!! (القصص القرآني، ص 254-255)
قلت: وهذا قول كفري -لاشك فيه- ؛ حيث نسب الكذب إلى القرآن الكريم -والعياذ بالله-.
__________
(1) … انظر لبيان انحرافاته وتأثيره على تلاميذه؛ كخلف الله: رسالة الأستاذ أنور الجندي -رحمه الله-: (إعادة النظر في كتابات العصريين في ضوء الإسلام، ص126-130).
ولهذا فقد استهجن واستنكر المسلمون صنيعه هذا -على مختلف مشاربهم- فرد عليه منهم : أحمد أمين وعبد المتعال الصعيدي وعبد الفتاح بدوي ومحمد الغمراوي ومحب الدين الخطيب، أما الشيخ شلتوت فقد حُولت له الرسالة لفحصها وإبداء رأيه فيها، فذكر في تقريره بأن هذه الرسالة: "قامت على أسس فاسدة، لأنها غارقة في تكذيب القرآن، ولأن كاتبها جاهل لا يفهم النصوص" وختم تقريره بأن تُطهر الجامعة من هذه الدراسة. كما أفتى أكثر من مائة عالم من الأزهر بأن هذه الرسالة "مفكرة يخرج بها صاحبها عن الدين الإسلامي"؛ (انظر: مؤلفات في الميزان لأنور الجندي ص72، والعقلانية هداية أم غواية لعبد السلام البسيوني، ص 135).
قلت: ومن أواخر من فنَّد ما جاء في هذه الأطروحة الكفرية -فقرة فقرة- الدكتور محمد بلتاجي في مقالته الطويلة حولها بعنوان "التفسير البياني للقصص القرآني بين الحق والمذهب الفني، دراسة وتقويم لمنهج باطل في التفسير" نشر في مجلة (أضواء الشريعة، مجلة تصدرها كلية الشريعة بالرياض، العدد السادس، جمادى الثانية، سنة 1395هـ الصفحات 99-182).
يقول الدكتور بلتاجي تعليقاً على مقولة خلف الله السابقة : "إذن فنظرية خلف الله التي ستحل -كما قال- مشكلات التفسير واعتراضات المستشرقين والمبشرين: هي أن القرآن الكريم استخدم الأساطير والأكاذيب التي كانت في أذهان العرب عن الوقائع التاريخية، فنزل بها، ولم يصححها أو ينص على كذبها، خدمة لأغراضه في العظة والاعتبار، ومجاراة لعقائد القوم الذين نزل فيهم"!! (ص 112). (ومن أراد الزيادة فليراجع مقالة الدكتور بلتاجي -أثابه الله-).(52/407)
وهذا القول من خلف الله -كما سبق- قول كفري، يكفر به إن لم يتب إلى ربه، ويعتقد أن كلامه سبحانه وتعالى منزه عن الكذب.
ومن انحرافاته: "الاقتصار على القرآن الكريم فقط في الاستدلال دون السنة؛ لكي يفلت من تحديدات السنة لمعاني القرآن وأغراضه وأحكامه وتعاليمه، ولكي يفلت من مقررات السنة نفسها، ولا يصطدم اصطداماً بيناً مع أحد نصوصها المتعددة" ، ومع هذا فإنه "لا يستند على أي مرجع من مراجع التفسير المعتمدة إلا (مفردات القرآن الكريم) للراغب الأصفهاني! وهو كتاب تفسير لغوي، وعلى بعض التفسيرات والأقوال التي يشتمل عليها تفسير المنار، التي يستخدمها استخدامه الخاص ويؤولها بالطريقة التي تخدم أهدافه. ليس هذا فقط؛ فإن الدكتور خلف لا يستند على مراجع من أي نوع وبذلك يتحرر تماماً من التفسيرات والمفاهيم والأفكار التي يجمع عليها المسلمون والتي من الطبيعي أن تعوق تقدمه في خطته التأويلية التحايلية التلفيقية التي يقوم بها. أما بعض الأفكار العامة التي تهدف إلى التجديد فلا بأس بها عنده فقد تكون مبرراً لادعائه بأن ما يقوم به هو تلبية لما نادى به مفكرو العالم الإسلامي من ضرورة التجديد" . (انظر: تزييف الإسلام، ص 106-108).
ومع هذا فإنه يقول "إن النص القرآني إن لم يكن قادراً على تحقيق المصلحة تركناه ولجأنا إلى الفكر البشري"!! (عن اليسار الإسلامي، ص 34).
ومن انحرافاته : أنه يذهب إلى "أن الإسلام دين عربي لا يعدو جنساً معيناً من البشر، ولا يجوز اعتباره رسالة للعالمين" (عن: العقلانية هداية أم غواية، ص 134).
ومن انحرافاته: أنه يرى أن المعايير الإسلامية قاصرة لا تصلح لهذا الزمان، يقول: "لقد فعل الزمان فعلته في المعايير القديمة فعلاها الصدأ وتآكلت منها الجوانب، وخفت موازينها إلى الحد الذي أصبحت فيه عاجزة عن أن تكون أداة من أدوات الحق والعدل" (مجلة الطليعة المصرية الماركسية، نوفمبر، 1975عن: غزو من الداخل، لجمال سلطان، ص 35).
ولذا يتعجب هذا (المستنير) ممن لا زالوا يتبعون النصوص الشرعية!، يقول: "ومن الغريب أن المسلمين اليوم لا يعنيهم أمر من هذه الأمور، بقدر ما يعنيهم الاستمساك بهذه القيم، ويكون استمساكهم أشد عندما يكون المعيار القديم نصاً من النصوص" !! (المصدر السابق).
ومن انحرافاته: قوله: "إن خروج المعاملات من نطاق الشرع إلى نطاق القانون، قد حقق لها ألوانا من الحرية والانطلاق لم يكن لها بهم عهد من قبل" !! (مجلة الطليعة الماركسية، فبراير 1976).
ويقول: "القرآن لكل العصور ولكل الأزمنة فيما يخص المعتقدات الدينية والعبادات، وليس فيما يخص المعاملات" !! (حوار حول قضايا إسلامية، إقبال بركة، ص 102).
ومن انحرافاته: قوله بأن "شرع المتقدمين علينا حضارياً شرع لنا" !! (مجلة الطليعة، مايو، 1976).
ومن انحرافاته الخطيرة تطبيقاً لما سبق: ادعاؤه "أن هناك أشياء وردت في القرآن الكريم ولا نستطيع أن نعمل بها الآن؛ لأن العمل بها ضار بمصلحة المسلمين" !! ومن هذه الأشياء -في زعم الدكتور- :
تقسيم الغنائم، وحد الزنا، وحد السرقة، وحد شرب الخمر! (انظر مقابلته مع مجلة روز اليوسف، عدد 3177).
(وقد رد عليه تخاريفه هذه الأستاذ مصطفى علي محمود في المجلة العربية، العدد 159).
ويقول هذا الزائغ: "موقف القرآن الكريم من المرأة كان موقفاً في عصر معين ووضعت تلك القواعد لعصر معين، ومن الممكن جداً أن مثل هذه الأشياء قد لا يسمح العصر الذي نعيش فيه بتطبيقها. وأعطيك مثلاً: حد الزنا الذي يطالب البعض بتطبيقه، له شروط ولابد من أربعة شهود على واقعة الزنا.. اليوم في العصر الحديث توجد مبان ولا توجد خيام كما كان الحال وقت نزول الآية.. وبالتالي أصبح من المستحيل تحقيق الشروط، فالمساكن الحديثة في العمارات والشقق تجعل توافر الشروط مستحيلاً. كذلك لم يعد أحد يجرؤ على اقتحام بيوت الناس، والعلاقات الاجتماعية أصبحت مختلفة تماماً. فهل نترك الزنا بلا عقاب أم نفكر في عقاب جديد وفي شروط جديدة تتفق مع العصر!
صحيح أننا سنبتعد عن التطبيق الحرفي للنص القرآني الواضح، ولكننا نفعل ذلك إحياء للإسلام وليس العكس" !! (حوار حول قضايا إسلامية، إقبال بركة، ص102).
ومن انحرافاته: ادعاؤه "أنه لا مانع من تزويج المسلمة بالنصراني واليهودي! إذ لا يوجد نص قرآني مانع من ذلك -في رأيه-" !! (مجلة المسلمون، فبراير1991) (العقلانية هداية أم غواية، ص 134).
ومن انحرافاته : غلوه في العقل وتقديمه على النقل. يقول خلف الله :"إن البشرية لم تعد في حاجة إلى من يتولى قيادتها في الأرض باسم السماء، فلقد بلغت سن الرشد، وآن لها أن تباشر شئونها بنفسها" (مجلة الطليعة، نوفمبر 1975م) .
ويقول هذا العقلاني: "لقد حرر الإسلام العقل البشري من سلطان النبوة، من حيث إعلان انتهائها كلية وتخليص البشرية منها" !! (الأسس القرآنية للتقدم، ص 44).
ومن انحرافات هذا السفيه : قوله بأن :" الإسلام حرر الإنسان من سلطان الرسل والأنبياء" !! (مشكلات الحياة في القرآن الكريم، نقلاً عن : تزييف الإسلام، ص 114).(52/408)
ومن انحرافاته: ادعاؤه أن "الإسلام دين فقط وليس ديناً ودولة" (تزييف الإسلام، ص 115). وهو يتابع في هذا رأي علي عبد الرزاق وأضرابه ممن أرادوا فصل الدين عن الدولة في الإسلام. (انظر للرد عليه: إعادة النظر، لأنور الجندي، ص 302-307).
ومن انحرافاته: دعوته الملحة للديمقراطية الغربية، التي يقول عنها بأنها: "وفدت إلينا كعنصر حضاري من عناصر الثقافة الأوربية" (مجلة اليقظة العربية، العدد الأول، السنة الأولى).
ومن انحرافاته: زعمه أن المسلمين "إذا أرادوا التنعم بمعطيات الحضارة الغربية المادية فعليهم أن يعطوا ولاءهم لهذه الحضارة خيرها وشرها، حلوها ومرها، صحيحها وسقيمها، حقها وباطلها" !! (انظر: كتاب: الذين يحرثون في البحر، للأستاذ عبد الرحمن علي فلاح، ص 26).
ومن انحرافاته: دعواه "أن القرآن الكريم لم يحرم -في أي نص من نصوصه- التزاوج بين الأديان السماوية الثلاثة التي تقول بالتوحيد! -اليهودية والمسيحية والإسلام" (تزييف الإسلام، ص 121). فهو من دعاة وحدة الأديان والتقارب والتعايش السلمي فيما بينها.
ومن انحرافاته: قوله "يجب الإيمان بأن القرآن والاشتراكية يلتقيان معاً في الأرض التي تمهد باسم العلم" (تزييف الإسلام، ص 122-123).
يقول الأستاذ محمد إبراهيم مبروك: "ينظر الدكتور خلف الله إلى الإسلام من منظور مادي صرف وهو يتعامل معه على أنه أحد المكونات الأساسية لتلك الأمة، وأنه مادة تراثية من نتاج شعوبها، وعلى هذا فإنه يكاد يكون من المستحيل تجاهله، بل يجب التعامل معه كفكر له تجاوبه العقلي والنفسي الراسخ في ضمير تلك الشعوب، ولكن لا يعني ذلك قبول مواد هذا الفكر كما هي وإنما هو يحاكمها إلى المعايير الغربية (الماركسية بوجه خاص) والذي يكون مقبولاً لدى تلك المعايير يكون مقبولاً عنده وما ترفضه يرفضه هو أيضاً" (تزييف الإسلام، ص105).
قلت: فثبت بما سبق أن الدكتور خلف الله: اشتراكي، علماني، ديمقراطي، قومي، لا يعتمد القرآن والسنة مصدراً للتشريعات، بل صدرت منه الآراء والأقوال التي لا يشك مسلم في كفر من قال بها -نعوذ بالله من حاله-.
ملحق فيه رد المستشار سالم البهسناوي عليه:
قال المستشار في كتابه (تهافت العلمانية في الصحافة العربية): وقفة موضوعية مع الدكتور محمد خلف الله:
في يوم الجمعة الماضي نشر للدكتور محمد أحمد خلف الله تصريحات خطيرة زعم فيها أن صلى الله عليه وسلم لم تقم له حكومة أو حكم بل إدارة أعمال، وأن من يطالب بحكم الإسلام إنما يطالب بحكومة دينية لا وجود لها بعد النبي، وأن ما لم يرد في القرآن فلا نلتزم به، أي لا يلتزم المسلم بالسنة النبوية، ثم عاد وادعى أن السنة لا يعمل بها، إلا إن كانت مبينة للنصوص القرآنية، غير قطعية الدلالة.
إنه من التحريف البين لنصوص القرآن الكريم وأحداث السيرة النبوية ما زعمه الكاتب المجتهد في قوله:
"لا نستطيع أن نسمي ما قام به رسول ا صلى الله عليه وسلم بالحكومة فما قام به هو شيء من إدارة الأعمال أكثر منه حكومة، ولو كان حكومة في ذلك الوقت لكان ملكاً وهذا مرفوض من وجهة نظر النبي ، ففي حياته عرض عليه الملأ من قريش أن يكف عن أعمال الرسالة ويعطوه الملك إن أراد حيث قالوا له: "إن كنت تريد ملكاً ملكناك، فأبى إلا أن يكون رسولاً".
هذا القول فيه تحريف ومغالطة وذلك على النحو التالي:
أولاً: صحيح أن الكفار قد طلبوا من صلى الله عليه وسلم أن يجعلوه ملكاً أو حاكماً عليهم ورفض ذلك، ولكن سبب الرفض هو أنهم أرادوا أن يترك رسالة الإسلام مقابل الحكم، فليس صحيحاً أن الرفض سببه أن النبي ما جاء ليحكم، فقد قال الله تعالى لنبيه (وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم)(1) وقال الله لنبيه داود (يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق) (2).
ثانياً: إن أحداث السيرة النبوية تؤكد أن صلى الله عليه وسلم قد أقام دولة في المدينة المنورة، وليس صحيحاً أن ما قام به من هذا الشأن هو إدارة أعمال فقط، ف صلى الله عليه وسلم أقام دولة وحكومة بكل المقومات الحديثة للدولة.
فإذا رجعنا إلى القواعد الدستورية الحديثة نجد أن الدولة لها مقومات ثلاثة:
الأول: شكل الحكومة ودعامتها: والإسلام حدد ذلك من قول الله تعالى (وأمرهم شورى بينهم) (3).
الثاني: السلطات ومصدرها ومن يتولاها: والإسلام يجعل التشريع هو القرآن والسنة .
الثالث: حقوق الأفراد وحرياتهم: والإسلام قد كفل هذه الحقوق، قال الله تعالى: (ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقاً من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون) (4).
و صلى الله عليه وسلم قد ضمن حقوق الإنسان في إعلانه بحجة الوداع إذ قال: "إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام كحرمة يومكم هذا" .(52/409)
كما أن صلى الله عليه وسلم بصفته رئيساً للدولة وضع القانون الذي ينظم العلاقة بين المسلمين وغيرهم، وهذا الكتاب قد جاء به "بسم الله الرحمن الرحيم. هذا كتاب من محمد النبي بين المؤمنين والمسلمين من قريش ويثرب ومن تبعهم فلحق بهم وجاهد معهم، أنهم أمة واحدة من دون الناس، المهاجرون من قريش على ربعتهم يتعاقلون بينهم، وهم يفدون عانيهم بالمعروف والقسط" كما جاء بهذا الدستور "وكل طائفة تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين" إلى أن قال: "وإن المؤمنين لا يتركون مفرحاً(5) بينهم أن يعطوه المعروف في فداء وعقل… وأنه لا يجير مشرك مالا لقريش ولا نفساً ولا يحول دونه على مؤمن … وأنه لا يحل لمؤمن أقر بما في هذه الصحيفة وآمن بالله واليوم الآخر أن ينصر محدثاً ولا يؤويه … وإنكم مهما اختلفتم فإن مرده إلى الله عز وجل وإلىمحمد صلى الله عليه وسلم "(6) .
ثالثاً: المبادئ القانونية والتشريعية:
ففي نطاق القوانين المحلية بين المؤمنين وغيرهم. والتي لم تصل إليها الدول إلا بعد أربعة عشر قرناً. وتعرف باسم القانون الدولي الخاص. فإن الكتاب الذي وضعه النبي كدستور لحكومته بالمدينة تضمن أن المؤمنين أمة من دون الناس وأنهم متضامنون في الحياة الاجتماعية وفي أداء الديات. وأن هذه المعاهدة مفتوحة لمن أراد الانضمام إليها من غير المسلمين .
وفي مجال تنازع القوانين حسم النبي الأمر فقرر r أنه عند اختلاف الديانات فالقانون الواجب التطبيق هو شريعة الإسلام إذا اختلف أصحاب هذه الديانة ولجأوا إلى محاكم المسلمين.
أما في نطاق اتصال الدولة بغيرها من الدول وهو ما يعرف حالياً بالقانون الدولي فالإسلام نظام عالمي تضمن المعاهدات الداخلية والمعاهدات بين الدول في السلم والحرب. قال تعالى (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون) (7) وقال تعالى: (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين) (8) وقال تعالى : (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل) (9).
رابعاً: وأخيراً تعلل الباحث بأمر آخر فقال "لقد نص القرآن الكريم على أن محمداً عليه السلام هو آخر النبيين والمرسلين، ومعنى ذلك أن استمداد الحاكم السلطة من الله لن يكون بعد وفاة النبي ، فكل من جاء بعده وتولى الخلافة كان يستمد سلطته من الناس وليس من الله" وقال: "ونستطيع أن ننظر في الخلافة فنرى الخليفة يستمد سلطته من الناس عن طريق البيعة، فإن كانت الحكومة الإسلامية التي تطالب بها الجماعات الدينية، هي الحكومة التي تستمد سلطتها من الناس فلا فرق كبير بينهما وبين ما تمارس به الحكومة اليوم من سلطات. وأما إذا كانوا يدعوننا إلى سلطة دينية فإن السلطة الدينية لا تكون إلا من الله، وقد أعلن القرآن الكريم أن محمداً عليه السلام آخر الأنبياء وخاتم المرسلين، أي آخر الناس الذين يستمدون سلطتهم في إدارة شؤون الحياة من الله".
__________
(1) … المائدة (49).
(2) …سورة ص (26).
(3) … الشورى: (38).
(4) … البقرة (188).
(5) … المفرح: المثقل بالدين الكثير العيال.
(6) … البداية والنهاية 3/ 224.
(7) … آل عمران (104).
(8) … الحجرات (9).
(9) … النساء (58).
إن هذا القول يخلط بين حكم الإسلام وبين الحكومة الدينية التي ظهرت في أوروبا وكانت تدعي أنها ظل الله في الأرض، وبالتالي فما يصدر عنها يكون تشريعاً من الله لأنها جاءت بسلطان من الله تعالى.
وهذا الأمر يرفضه الإسلام جملة وتفصيلاً، والقاصي والداني يعلم ذلك، فالقرآن الكريم قد حذر من هذا السلطان الديني الكاذب وعده من أنواع الشرك بالله، وهذا ما قاله صلى الله عليه وسلم لعدي بن حاتم عندما جاء يعلن إسلامه وكان يحمل صليباً من ذهب حيث قال له النبي : (ألق عنك هذا الوثن وقرأ عليه قول الله تعالى : (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله والمسيح ابن مريم) قال عدي: ما عبدناهم . قال النبي : ألم يحلوا لكم الحرام ويحرموا عليكم الحلال فتبعتموهم؟ قال عدي: بلى يا رسول الله . قال: فتلك عبادتكم إياهم" .
ولقد نص القرآن على أن الرسول هو خاتم النبيين وذلك ليمنع قيام مثل هذا السلطان الديني. فلا يملك أحد بعد النبي أن يشرع للناس بخلاف ما جاء في القرآن والسنة. وهذا هو الفيصل بين حكم الإسلام وبين ما يسمى بالحكومة الدينية، فحكم الإسلام هو تطبيق نصوص القرآن والسنة والتزام الحاكم والمحكوم بها، وليس إعطاء قدسية لبعض الحاكم يحلون ويحرمون من دون الله. فذلك هو الشرك مع الله كما جاء في القرآن وبينته السنة النبوية(1).
وحسبنا ما كتبه الأستاذ الشيخ خالد محمد خالد في كتابه (الدولة في الإسلام) حيث اعترف بخطئه الفاحش فيما كتبه عن الحكم الإسلامي وأنه نوع من الحكومة الدينية في أوروبا وكان ذلك عام 1950 في كتابه "من هنا نبدأ" .(52/410)
وقد بين أسباب انحرافه في هذا الفهم وساق الأدلة على أن الإسلام لا يعرف ما يسمى بالحكومة الوثنية وهذا ما نتناوله في المقال القادم إن شاء الله(2).
وقفة أخوية مع الدكتور خلف الله
بين الإسلام وحكومة الكهنوت
بتاريخ 19/11/1982 نشرت جريدة الوطن حديثاً للأستاذ محمد خلف الله تضمن أموراً منها:
أ-لا نستطيع أن نسمي ما قام به رسول ا صلى الله عليه وسلم بالحكومة فما قام به هو شيء من إدارة الأعمال أكثر منه حكومة.
ب-إن كل ما لم يرد في القرآن يكون غير ما أنزل الله، فنحن نفكر ونتعامل بعقولنا مع كل ما هو ناجم عن الفكر البشري وليس له أساس من كتاب الله، أي أنه لم ينزل من عند الله.
ج-الحكم يجب أن يكون بما أنزل الله إذا كان ما أنزل الله قطعي الدلالة أو ما بينه الرسول كان من القرآن الكريم غير قطعي الدلالة.
لهذا .. وبتاريخ 20/11/1982 أرسلت إلى رئيس التحرير رداً من ثلاث مقالات :
الأولى : تضمنت أن النبي أقام دولة وحكومة شملت جميع مقومات الدولة والحكومة في الأنظمة الدستورية المعاصرة.
الثانية: تضمنت أن ما أنزل الله يشمل القرآن والسنة النبوية معاً وأن قصر ما أنزل الله على القرآن وحده إنكار للسنة النبوية. كما أن ما جاء في القرآن غير قطعي الدلالة لا يتوقف العمل به على ورود حديث نبوي قطعي الدلالة.
الثالثة: تضمنت بيان الحكومة والسلطة في الإسلام والفرق بينها وبين الحكومة الدينية التي ظهرت في أوروبا. وأوضحت أن الإسلام لا يعرف هذا المفهوم الكنسي للحكومة.
ولقد قامت الوطن بنشر المقالة الأولى في الصفحة الدينية يوم الجمعة 26/12/1982 مصحوباً بكلمة من الوطن بعنوان: الدكتور خلف الله لم ينكر السنة لأن ما ورد في حديث الدكتور يشير إلى أن الدين من عند الله ورسوله الكريم. وإن العبارة الواردة أن الدين لا يكون إلا من عند الله فالمغزى منها واضح إذ يتجه القصد إلى اجتهادات المجتهدين والفقهاء وليس إلى أحاديث الرسو صلى الله عليه وسلم .
وفي اليوم المحدد لنشر المقال الثالث الخاص بالحكومة الدينية نشر بدلاً منه رد للدكتور محمد خلف الله عن الموضوع الخاص بهذا المقال الذي لم ينشر. فإن كان هو حرية الدكتور خلف الله في الرد فإن ذلك يكون بعد انتهاء المقالات التي سيرد عليها أو نشر مقالي ورده معاً.
لما كان ذلك وكان الدكتور خلف الله في رده قد طلب مني أن أجيب على أسئلة طرحها وطلب مني أن أهتدي بهدي القرآن الكريم لأخرج من الظلمات إلى النور وأهتدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم.
فإنني أوضح الحقائق التالية:
أولاً: حقيقة أقوال الفقهاء:
إن جريدة الوطن ليست وكيلاً عن الدكتور خلف الله، ولا تملك أن تعبر عنه قصده، فعبارته "إن كل ما لم يرد في القرآن يكون غير ما أنزل الله" هذه العبارة في ظاهرها تفيد أن السنة النبوية ليست ما أنزل الله. وبالتالي تسري بشأنها القاعدة التي وضعها وهي أن نتعامل معها بعقولنا فنقبل منها ما تقبله هذه العقول التي تختلف باختلاف الزمان والمكان والأفهام والتأثيرات اليمينية واليسارية.
__________
(1) … راجع السنة المفترى عليها، والحكم وقضية تكفير المسلم للمؤلف.
(2) … نشر بالوطن في 26/11/1982.
وإذا كان الدكتور خلف الله يقصد أن أقوال ابن تيمية وابن القيم والمودودي وسائر الفقهاء ليست بذاتها من عند الله، وبالتالي لنا أن نجتهد فيها وأن نتعامل معها بعقولنا فهذا ما يقوله الصغير والكبير في الجماعات الإسلامية التي أشار إليها الدكتور. فأقوال الفقهاء تعرض على القرآن والسنة النبوية ولا تطاع إلا في حدود موافقتها لهما.
ولكن سياق عبارة الدكتور خلف الله تشمل السنة النبوية كما تشمل أقوال الفقهاء. فكان عليه الإيضاح إن كان ما يقصده هو ما أجابت به جريدة الوطن.
ثانياً: طبيعة الحكومة الإسلامية:
أورد الدكتور في رده أن الخلفاء لا يخلفون الله من حيث أن الله لم ينص على ذلك كما نص في خلافة داود. ومن حيث أن الخليفة يخلف غيره حين يغيب لمرض أو سفر أو وفاة وليس يصح شيء من ذلك بالنسبة إلى الله.
وتساءل الدكتور: هل أملك أن أعين خليفة لله في أرض الله من غير أن يأذن الله . وأين هو الإذن ؟ ولن أجيب على ذلك بما أوردته في المقال الثالث عن الحكومة الدينية التي كانت ظل الله في الأرض؛ لأن هذا قد أوقفت الوطن نشره.(52/411)
وإنما أحيل الجميع إلى المقال الأول المنشور يوم 26/11/1982 حيث جاء به بالحرف "إن قول الدكتور خلف الله يخلط بين حكم الإسلام وبين الحكومة الدينية التي ظهرت في أوروبا وكانت تدعي أنها ظل الله في الأرض، وبالتالي فما يصدر عنها يكون تشريعاً من الله؛ لأنها جاءت بسلطان من الله تعالى. وهذا الأمر يرفضه الإسلام جملة وتفصيلاً، والقاصي والداني يعلم ذلك. فالقرآن الكريم قد حذر من هذا السلطان الديني الكاذب وعده من أنواع الشرك بالله، وهذا ما قاله صلى الله عليه وسلم لعدي بن حاتم حين جاء يعلن إسلامه، فقد قرأ عليه النبي قول الله ( اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله) فقال عدي: ما عبدناهم: قال النبي ألم يحلوا لكم الحرام ويحرموا عليكم الحلال فتبعتموهم؟ قال عدي: بلى يا رسول الله. قال فتلك عبادتكم إياهم". انتهى .
ثالثاً: بين النبوة والحكومة الدينية:
قال الدكتور: "لقد كان محمد -عليه الصلاة والسلام - يستمد سلطته من الله. فهل أمده الله بسلطة غير سلطة النبوة والرسالة. وهل أمد الله سبحانه وتعالى خلفاء محمد عليه السلام بمثل هذه السلطة؟ وطلب مني الدكتور أن أجيب.
وجوابي أشرت إليه في المقال الأول على النحو السالف ثم قلت "ولقد نص القرآن على أن الرسول هو خاتم النبيين وذلك ليمنع قيام مثل هذا السلطان الديني فلا يملك أحد بعد النبي أن يشرع للناس بخلاف ما جاء في القرآن والسنة. وهذا هو الفيصل بين حكم الإسلام وبين ما يسمى بالحكومة الدينية" وأما سلطة الحكم ففي البند التالي:
ثم قلت: "الإسلام لا يعرف ما يسمى بالحكومة الدينية وهذا ما نتناوله في المقال القادم إن شاء الله" ولكن المقال لم ينشر.
رابعاً: الحكم الإسلامي والحكومة الدينية:
يقول الدكتور خلف الله "أعتقد أن ما بيني وبين الأستاذ سالم البهنساوي قريب جداً وأن الاختلاف يمكن أن يقضى عليه عندما نقف عند المفاهيم القرآنية ولا نتجاوزها إلى مفاهيم أخرى عصرية، لم يقصدها القرآن الكريم أبداً. وأول هذه المفاهيم هو معنى الحكم الذي أشار إليه الأستاذ البهنساوي، وقدم الدليل عليه من القرآن الكريم حين أورد قول الله تعالى: (وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم) (1) ووقوف الأستاذ البهنساوي عند هذا الحد من الآية الكريمة هو الذي حال بينه وبين مفهوم كلمة الحكم من حيث أن كل الآيات التي وردت في القرآن الكريم لا تعني من هذه الكلمة الحكومة أو السلطة وإنما تعني بها القضاء بالعدل" ثم أورد آيات الحكم بما أنزل الله وعلق عليها بقوله "إن الحكم في هذه الآيات جميعها وفي كل آية وردت فيها هذه الكلمة لا يعني أبدا غير الفصل في الخصومات بالأحكام الشرعية التي وردت في التوراة والإنجيل والقرآن، الحكم في القرآن الكريم كله لا يعني غير القضاء والفصل في المنازعات. والحكم في القرآن الكريم لا يعني أبداً الحاكم الذي يستمد سلطته من الناس وينشئ الحكومة التي تدير شئون الحياة في المجتمعات" .
جوابنا على ذلك هو:
أ-لقد تضمن مقالي الأول أن السلطان الديني والحكومة الدينية بالمفهوم الكهنوتي لا يقول به مسلم. وقلت في نهاية المقال "فحكم الإسلام هو تطبيق نصوص القرآن والسنة والتزام الحاكم والمحكوم بها. وليس إعطاء قدسية ما لبعض الحكام يحرمون ويحلون من دون الله. فذلك هو الشرك مع الله كما جاء في القرآن وبينته السنة النبوية" .
ب-لم يقل علماؤنا أن القرآن والسنة قد نصا على أشخاص يستمدون سلطتهم من الله في حكمهم للناس، فذلك هو المفهوم الكنسي للحكومة الدينية وهو ما يبطله الإسلام ويعده شركاً مع الله.
__________
(1) … المائدة (49)
ولكن قيام الحكومة من الناس واستمدادها السلطة من الأمة لا يعني أن هذه الحكومة تملك أن تصدر التشريع الذي يخالف القرآن والسنة النبوية. فهذا أمر مقبول في المجتمعات الغربية وله قواعد دستورية أهمها نظرية السيادة التي تجعل الشعب هو صاحب السيادة في التشريع. وفي المجتمعات الشيوعية يتولى الحزب الشيوعي نصب الحكومة التي لا تملك الخروج على مبادئ ماركس ولينين.
أما الإسلام فالحكومة فيه تستمد سلطتها من الأمة ولكنها مقيدة في أعمالها وتصرفاتها، فلا تملك أن تخالف القرآن والسنة النبوية فإن فعلت كان قرارها باطلاً لا شرعية له. قال الله تعالى: (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم) (1).
خامساً: الإسلام والدين والدولة :
يقول الدكتور خلف الله: إن النبي لم تكن له وظيفة أخرى غير النبوة والرسالة، وإذا كان الأستاذ البهنساوي يريد أن يؤكد للناس أن الإسلام قد كان له دولة فإنه عليه أن يقدم الدليل من القرآن الكريم.
والجواب على ذلك هو:
أ-لماذا يقتصر الدليل على ما ورد في القرآن؟ فالدكتور لا ينكر السنة وعليه أن يطلب الدليل منها. وإلا كان منكراً لها حسب ظاهر أقواله.(52/412)
ب-أوضحت في المقال الأول أن الدولة الحديثة لها مقومات ثلاثة هي: شكل الحكومة والسلطات الثلاثة وحقوق الأفراد. وكل ذلك قد جاء به القرآن. وقدمت الدليل عليه من كتاب الله. كقول الله (وأمرهم شورى بينهم)(2) وقوله عز وجل (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفئ إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا) (3) وأود أن يعلم الجميع أن الآية 25 من سورة الحديد قد نصت على أن رسول الله كانت له مهمة رئيسة هي إقامة الدولة والحكم بين الناس بالقسط، قال تعالى: (لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس) فهذا النص قد وضح أن الرسل جاءوا للبشرية لإقامة حكم فيه:
1-سلطة تشريعية هي الكتاب الذي دل على السنة.
2-سلطة قضائية رمز إليها بالميزان.
3-سلطة تنفيذية رمز إليها بالحديد.
وقدمت الدليل من السنة النبوية، ومن ذلك الدستور الذي وضعه النبي في أول حكمه بالمدينة ليحكم العلاقات بين المسلمين وبينهم وبين غير المسلمين، وأن هذا الدستور يتضمن القانون الدولي العام والخاص.
ج-إن لم يكن الرسول حاكماً، وأمر المسلمين بإقامة حكم إسلامي. فما معنى قول الله (وأن احكم بينهم بما أنزل الله) وقوله سبحانه (ليقوم الناس بالقسط)؟
د-إن كانت وظيفة النبي هي النبوة والرسالة فقط -أي مجرد تبليغ الدين- فالحروب والغزوات التي قام بها لا تدخل ضمن ما حدده له بها ولا تدخل ضمن ما حدده له الدكتور من عمل الرسالة. وكذلك إعداده الجيوش والقواد لغزو الروم ثم التحرك بهم حتى وصل إلى تبوك وعقده صلحاً مع زعماء جرياء واذرج وأيلة. وهل تعيينه معاذا حاكماً على اليمن من أعمال النبوة؟ وهل غزوة مؤتة المتجهة نحو الروم من أعمال النبوة؟ وهل تعيينه أمراء لجمع الزكاة جبراً من أعمال النبوة؟ أم أن ذلك من أعمال الدولة فقام بها الخلفاء؟
سادساً: جعل الدكتور خلف الله رده بعنوان:
"هل يجوز أن يكون الدين من عند غير الله" وساهمت الوطن في نشر ذلك في صفحتها الأولى وهذا يوحي أنني أجيز ذلك ولا أحب أن أقول: أذلك قد ورد في مقالتي الأولى الذي نشرته الوطن يوم 26/11/1982 ومقالي الثاني المنشور يوم 3/12/82 وكلاهما تضمن أنه لا يحل لمسلم أن يقتصر على ما جاء في القرآن فالدين يشمل القرآن والسنة معاً. والنبي يقول: "إني أوتيت القرآن ومثله معه"، والله تعالى يقول عن النبي عليه الصلاة والسلام (وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى) (4).
أما ما ختم الدكتور به رده في قوله "بقي أن أهمس في أذن الأستاذ البهنساوي بأن الدين غير التشريع، وأن مصدر الدين هو الله سبحانه وتعالى، أما مصدر التشريع فيكون القرآن الكريم وسنة سيد المرسلين والإجماع والقياس وما إلى ذلك مما عده علماء أصول الفقه من مصادر التشريع والتي وصلت إلى تسعة عشر مصدراً".
فالجواب عليه:
1-أنه لو صح أن الدين غير التشريع لكان مصدر الدين هو القرآن والسنة وليس القرآن فقط، فإن الله تعالى يقول (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) (5).
2-إن مصدر التشريع ينحصر في القرآن والسنة النبوية، لأن الإجماع والقياس وغيرهما مما عده علماء الأصول مصادر هي في حقيقتها ليست مصدراً مستقلاً. فلا حجة لها إلا إذا كان لها مستند من الكتاب والسنة. وهذا هو الذي يفرق بين الاجتهاد البشري وبين التشريع المنزل من عند الله والمتمثل في القرآن والسنة.
3-لقد ورد لفظ الدين في القرآن الكريم بمعنى التشريع والقانون في قول الله تعالى: (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله) (6).
__________
(1) … الأحزاب (36)
(2) … الشورى (38)
(3) … الحجرات (9)
(4) … النجم (3،4).
(5) … الحشر (7).
(6) … البقرة (193).
وورد الدين بمعنى العقيدة في قول الله تعالى (لا إكراه في الدين) (1) وورد بمعنى المناسك التعبدية في قول الله (شرع لكم من الدين ما وصى به نوحاً والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيها) (2).
وقد فصلت ذلك في كتابي "الحكم وقضية تكفير المسلم" المتضمن الرد على انحرافات بعض الشباب.
4-ولا يوجد أحد من المسلمين يقول: إن الإنسان أو الحاكم خليفة الله بمعنى أنه ينوب عن الله ويتولى سلطاته؛ لأن هذا ما أخبر النبي أنه شرك مع الله، في قوله لعدي بن حاتم عن الأحبار والرهبان (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله).(52/413)
أما قول الله تعالى (إني جاعل في الأرض خليفة) (3) فليس معناه خليفة عن الله بل يفسره قول الله (وهو الذي جعلكم خلائف الأرض) (4) أي يخلف بعضهم بعضاً. فقد جاء في معاجم اللغة: خلف فلان فلاناً أي جاء بعده. ومنه قول الله (وقال موسى لأخيه هارون اخلفني في قومي) (5) كما قال الله : (وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكوراً) (6) فهذا خلف هذا أي جاء بعده. أما قول الله (وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه) (7) أي أنفقوا من المال الذي أنتم عليه أمناء ويدكم عليه يد عارضة سيخلفكم فيه غيركم من الورثة وسيؤول إليهم .
وختاماً نرجو أن يدرك الجميع أن ما نقلناه وذكرناه ليس جدالاً ولا مراء(8).
وقفة نهائية مع الدكتور محمد خلف الله
النبي والدولة.. والاجتهاد والنص
لقد نشر الدكتور محمد خلف الله كلاماً يتعلق بالحكم الإسلامي والسنة النبوية، تناولته بالحوار لكنه في 17-12-1982 ادعى أنني في حواري معه نقلت عنه غير الحقيقة بل أوهاماً توهمتها إذ لم أقرأ النصوص قراءة سليمة ولم أتفهمها فهماً دقيقاً، وانتهى إلى أن ما يقوله هو الحق وما قلته هو الباطل وطلب أن أهتدي معه إلى هذا الحق وأترك الجدال.
ولما كان دفاعي لا يتعلق بشخصي بل ينصب حول وظيفة الرسو صلى الله عليه وسلم ومنزلة السنة النبوية مع الدين والتشريع وهذا أمر لا يملك أحد منا أن يبتدع فيه حكماً كما أن ما قاله كل منا ليس سراً لم يطلع عليه أحد بل قد نشرته الصحف اليومية ويمكن الاحتكام إليه دون تراشق بالألفاظ أو تحوير الكلمات.
فأضع صاحبي والقراء أمام الحقائق التالية:
أولاً: السنة وقيام دولة في عصر النبي :
لقد قال بالحرف في مقاله يوم 19 نوفمبر الماضي:
"لا نستطيع أن نسمي ما قام به رسول ا صلى الله عليه وسلم بالحكومة، فما قام به هو شيء من إدارة الأعمال أكثر منه حكومة" .
وفي رده يوم 17 ديسمبر طلب مني:
أ-ألا أخلط بين شؤون الدولة والحكم، وبين شؤون النبوة والرسالة.
ب-أن يكون سندي في كل ما أرغب في الوصول إليه هو القرآن الكريم.
ج-الا أنكر ولا غيري صحة قوله "إن ما لم يرد في القرآن يكون غير ما أنزل الله" .
وأضاف أن القارئ قد فطن إلى أن قوله هذا لا يتصل بقريب أو بعيد بعنوان مقالي الثاني "السنة بين المستشرقين وعلماء السلطان" .
والجواب على ذلك هو:
1-أن تكرار طلبه أن يكون دليلي هو القرآن لهو أكبر دليل على عدم أخذه بالسنة النبوية.
2-أن عبارته التي يدعي أنني لم أفهمها وهي "أن ما لم يرد في القرآن يكون غير ما أنزل الله" لا تحتاج إلى إعمال نظر في الفهم، فهي صريحة أن كل ما لم يرد في القرآن ليس من عند الله، يدخل في ذلك السنة النبوية وهو حتى اليوم لم يصرح باحتكامه إلى هذه السنة.
3-إن المسلم لا يملك أن يقول: إن السنة النبوية غير ملزمة بدعوى أنها لم ترد في القرآن أو أن يقول أنه لا يأخذ من السنة إلا ما كان بياناً لما في القرآن، وهذا هو إجماع المسلمين لما يأتي:
الأول: لتبين أن القرآن أمرنا بطاعة الرسول فيما أمر به أو نهى عنه (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) (9).
وقطعاً فهذا أمر آخر غير القرآن، فمن قال: غير القرآن لا يكون من عند الله دون أن يستثني السنة النبوية، يدخل هذه السنة في الفكر البشري الخاضع للاجتهاد وهذا ما يحاوله صاحبنا.
الثاني: أن قول الله (وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم) (10) يخول الرسول بيان ما جاء في القرآن، وهذا البيان يشمل أيضاً كل حكم جديد ليس في القرآن كتحريم لحم الحمر الأهلية وهذا ما فصلته في المقال الثاني مع مزيد من الأمثلة والأدلة من القرآن والسنة، وكذلك تحريم زواج العمات والخالات، وهذا ما عليه إجماع المسلمين، وصاحبنا يقول بخلافه، وهو ما يقول به المستشرقون وبعض الحكام سواء من غير المسلمين أو مسلمين نكسوا على رؤوسهم.
فهل ما أجمع عليه المسلمون بشأن السنة النبوية وهو ما نتمسك به هو الضلال، والبدعة التي ينادي بها الدكتور خلف الله هي الحق الذي يجب أن نهتدي إليه؟
ثانيا: النبي والدين والدولة:
__________
(1) … البقرة (256).
(2) … الشورى (13).
(3) … البقرة (30).
(4) … الأنعام (165).
(5) … الأعراف (142).
(6) … الفرقان (62).
(7) … الحديد (7).
(8) … نشر بالوطن يوم 17/12/82.
(9) … الحشر (7).
(10) … النحل (44)
كرر صاحبنا أن صلى الله عليه وسلم لم ينشئ حكماً ولا دولة بل قام بإصلاح إداري، ولم يبين الدولة والحكومة التي أسندت إلى صلى الله عليه وسلم الإصلاح الإداري المزعوم، والغريب أن الإسلام في رسالته الخاتمة قد تميز بتنظيمه للدولة في شؤونها الداخلية والخارجية، وقد أوضحت في المقال الأول أن هذا من مهام الرسل استناداً إلى الآية 25 من سورة الحديد، التي أشارت إلى مقومات الدولة والسلطة التشريعية والقضائية والتنفيذية.(52/414)
ولكن صاحبنا قد تجاهل ذلك وادعى أن قول الله تعالى (يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق) (1) أمر خاص بنبي الله داود ولا ينطبق على خاتم المرسلين، ويزعم أنه لم يرد في القرآن نص بذلك.
وبهذا المنطق المعكوس يستطيع كل جاهل أو محرف لدين الله يقول إن صلاة الصبح أو صلاة الظهر لم ترد في القرآن فلا نلزم بها أو إن زكاة المعادن لم ترد في القرآن فلا نلزم بها.
ومع عدم تسليمنا له أن يكون الدليل من القرآن فقط لأن في هذا إنكاراً للسنة النبوية.
فإن القرآن الكريم قد قال لنبيه والمؤمنين معه: (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله) (2) وقال الله تعالى : (واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول) (3) كما قال الله لنبيه في شأن أسرى معركة بدر (وما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض) (4) فهذه الآيات وغيرها مما أوردته في المقال الأول متعلقة بأمور السلم والحرب، لا يمكن أن ينفذه صلى الله عليه وسلم إلا من خلال حكومة ودولة.
فهل كانت المدينة المنورة تحت حكم اليهود أو الوثنيين من العرب ونفذوا للنبي r هذه الآيات القرآنية لأنه قام بإصلاح إداري لحسابهم!
ثم كيف ينكر مسلم أن أول شيء فعله صلى الله عليه وسلم في المدينة هو أن وضع وثيقة ودستوراً يحكم العلاقة بين أفراد الدولة التي أقامها سواء من المسلمين أو اليهود أو غيرهم، وقد جاء في ديباجة هذا الدستور أو هذه الوثيقة أو هذه الصحيفة "هذا كتاب من محمد النبي رسول الله بين المؤمنين والمسلمين من قريش وأهل يثرب ومن تبعهم بالحق ولحق بهم"، وجاء بهذه الوثيقة عن اليهود أن اليهود يتفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين.
وقد حدد هذا الكتاب حدود الدولة وسماها النبي بحرم المدينة.
وهذا الكتاب يقع في 47 مادة أو بنداً فما حكم من أنكره؟ لقد حصر الدكتور محمد حميد الله الوثائق السياسية في عهد صلى الله عليه وسلم فبلغت 244 وثيقة، منها هذا الدستور وصلح الحديبية، الذي تضمن وضع الحرب 10 سنين والذي جاء ذكره في القرآن الكريم في سورة الفتح، فهل هذه ليست دليلاً على الدولة؟ وهل المشورة في الحروب التي قادها صلى الله عليه وسلم ليست إلا لجاناً من أولي الأمر ولا تدل على وجود دولة؟ ولم يقم بها الرسول الكريم، كما يدعي الدكتور خلف الله؟
وإذا كانت مشورة النبي في الحروب "ليست دليلاً على الدولة وخصوصاً عندما تكون هذه اللجان من أولي الأمر إلى جانب النبي" ، وهو ما ادعاه الدكتور خلف الله. فمن هم أولو الأمر الذين شكلوا هذه اللجان بجانب صلى الله عليه وسلم ؟
وإذا قلنا ذلك نكون محرفين للنصوص أو لم نفهمها فهماً دقيقاً ونكون قد قلنا الباطل؟
وإلى من يتوجه الخطاب في قول الله تعالى: (يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به) (5) ، لقد نزل هذا على النبي في عصره فهل التحاكم في هذا النص وغيره موجه إلى أفراد ليس لهم سلطان الدولة التي تحتكم إليها وإلى مؤسساتها الدستورية؛ لأن القرآن لا يحكم هو بين الناس بل يحكم به الحكام ومن يسندون إليهم هذا الأمر من القضاة والأمراء؟ العالم في أي جانب من الجوانب الكونية إذا ما حمل بين جوانحه قلباً مؤمناً بالدين، يستحيل ألا يزداد إيمانه؛ لأن علمه بأسرار الكائنات هو في الوقت نفسه علم بعظمة من خلق تلك الكائنات، وبدأها وسواها وأجراها على سنن منظومة، هي التي يكشف عنها العلماء ويطلقون عليها اسم "القوانين العلمية" . "ومن أبرز الفوارق بينهما، أي الدين والعلم، مما لابد أن نكون على وعي شديد به. هو أن مبادئ الدين ثابتة عند المؤمنين بهذا الدين؛ لأنها معايير يقاس بها السلوك، ولابد للمعيار أن يحتفظ بمعنى واحد، وإلا فقد معياريته، وأما العلم فهو متغير مع تقدمه في تعاقب العصور..".
ج-وفي مقاله المنشور في الأهرام والوطن يوم 5/4/88 يقول : العقيدة مدارها التوحيد والقيم الضابطة للسلوك، ويرجع في ذلك إلى الأصلين، القرآن الكريم وسنة صلى الله عليه وسلم إذا ما أشكل أمر لم يرد عنه نص في هذين الأصلين، فمرجع المسلم فيه العقل، ولا فرق بين أن نقول إنه العقل أو إنه إجماع الرأي عند الثقات. والنضج العقلي يكون بالقدرة على تمثيل المبادئ التي نزل بها دين الإسلام، والتزامها في استدلالاته العقلية بعد ذلك، كلما أراد لنفسه هداية في دنيا السلوك" .
لا ينكر أحد أن الرسل يحكمون؛ لقول الله تعالى:
__________
(1) … ص (26).
(2) … الأنفال (39).
(3) … الأنفال (41).
(4) … الأنفال (67).
(5) … النساء (60).
(ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عباد لي من دون الله) (1) ويقول الله تعالى: (إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله) (2) وإن كان فهمي هذا باطلاً مع أنه إجماع فقهاء الأمة فمن من الفقهاء فهم مثل فهم الدكتور خلف الله وادعى أن مصلحة الناس تقدم على النص وهو القرآن أو السنة أم أن الإجماع أن المصلحة تقدم إذا لم تتعارض مع القرآن أو السنة(3) .(52/415)
وأخيراً فأحيل القارئ إلى مقالي التالي والذي نشر بالأهرام حيث قد عرى الدكتور خلف الله من تمسحه بالقرآن الكريم .
القومية والقرآن العصري بين خلف الله وسيف الدولة
نشر الأستاذ الدكتور "محمد أحمد خلف الله" مقالاً في صفحة الحوار القومي تناول موضوع القومية العربية والإسلام، تطرق فيه إلى مقال للأستاذ "محمد حامد أبو النصر" ، ومقال للمرحوم الأستاذ "عمر التلمساني"..
وقد علل الدكتور "خلف الله" رده بقوله "مقال المرشد العام، قد أفسد الجو بين القومية العربية والإسلام إلى الحد الذي لا يصح معه السكوت أبداً".
كما وصف مقال المرشد الراحل الأستاذ عمر التلمساني بقوله: "إنه الأقرب إلى مفهوم وحدة الأمة الذي جاء به القرآن الكريم" وبقوله "إنه يرفع التناقض بين العروبة والإسلام" وكما قدم الدكتور خلف الله نفسه للقراء في قوله: وعلاقة الإسلام بالعروبة إنما تتحدد بما حدده القرآن الكريم لهذه العلاقة وليس أبداً بما نفرضه نحن على هذه العلاقة، فهل جعل الدكتور خلف الله الإسلام هو الفيصل فيما اختلف فيه؟ إنه لم ينزل إلى حكم الإسلام في مقاله هذا، وفي فكره القومي بصفة عامة، في الوقت الذي يقول فيه إن القرآن هو الذي يحدد علاقة الإسلام بالعروبة لهذا ودفاعاً عن الإسلام نركز على الآتي:
علاقة الإسلام بالعروبة:
ذكر أن القرآن الكريم حين يحدد العلاقة بين العروبة والإسلام، يجعل العروبة هي الأصل ويجعل الإسلام هو الفرع، ثم يذكر أن الثقافة الإسلامية تؤكد ما جاء به القرآن من أن الإسلام مرتبط بالعروبة ارتباطاً عضوياً، وأن الأصل العروبة وليس الإسلام، وهذا الذي يذكره الدكتور خلف الله لا يوجد أي دليل عليه من القرآن الكريم الذي جعل العقيدة هي الأصل وليست العروبة أو غيرها.. قال تعالى : (قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين) (4).
وهاهو المفكر القومي الدكتور عصمت سيف الدولة في كتابه "عن العروبة والإسلام" يصحح هذا الخطأ فيقول: (لا مجال إذن للخلط بين علاقة الانتماء إلى العروبة وعلاقة الانتماء إلى الإسلام، لا في الأشخاص ولا في المضمون…. إن الإسلام علاقة انتماء إلى دين خالد في الزمان بحكم أنه خاتم الرسالات والأديان وخالد في المكان بحكم أنه رسالة إلى كل البشر، أما العروبة فعلاقة انتماء مقصورة على شعب معين) (5) ويقول: (وإن من المنافقين من أبناء أمتنا العربية من يناهضون الإسلام باسم العروبة) كما يقول: (ولا نتتبع هنا كل صور النفاق الذي يخفي مناهضة الإسلام بالعروبة ومن أشكال هذا النفاق ما هو ظاهر السذاجة).
من ذلك الاستعلاء على الإسلام باسم العروبة، فالاستعلاء استئصال يمهد للاستغناء .
حيث يفاخر بعض العرب بأن الرسول قد كان منهم، وكان القرآن بلغتهم وبأن في ذلك آيتين على أن الإسلام دين العرب وفضلهم على الناس كافة، وأنهم استحقوا أن توضع الرسالة فيهم فوضعت. إنهم ينافقون الشعب العربي يبغون مرضاته، ربما ليقبلهم في موقع القيادة منه، ولكنهم يجعلون من الإسلام ثمرة من ثمار حضارة ينسبونها إلى أمة عربية لم توجد قط، كأن العروبة هي الأصل وما كان الإسلام إلا فرعاً، ونشهد أننا لم نقرأ ولم نسمع شيئاً أكثر جهالة من هذا الذي اختاره بعض العرب أسلوباً لمناهضة الإسلام باسم العروبة)(6).
لا جدال أن الإسلام مثلما جاء للعرب وبلغتهم، فإنه جاء للناس كافة فكما قال الله تعالى: (إنا أرسلنا إليكم رسولاً شاهداً عليكم) (7)، قال تعالى: (يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم..) (8) وقال الله تعالى: (وأرسلناك للناس رسولاً) (9) وقال تعالى: (وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيراً ونذيراً) (10).
الإسلام والقومية:
يقول الدكتور: (يخطئ المرشد العام "أبو النصر" لأنه قد ذهب إلى أن العروبة هي اللسان واللغة وليست القومية).
__________
(1) … آل عمران (79).
(2) … النساء (105).
(3) … نشر بالوطن في 24/12/82.
(4) … التوبة (24) ، وهذا الرد قد نشر بتاريخ 10/6/1987.
(5) … كتاب العروبة والإسلام ص 24.
(6) … نفس المصدر ص 182.
(7) … المزمل (15).
(8) … المائدة (19).
(9) … السناء (79).
(10) … سبأ (28).
والدكتور لا ينكر أن القومية مذهب يؤمن به الإنسان عند إدراكه، أما العروبة فهي انتساب إلى وطن والأصل فيه اللغة، ولهذا قال المفكر القومي الدكتور "عصمت سيف الدولة" (إن الإسلام علاقة انتماء تنشأ بالتمييز فالإدراك فالإيمان : أما العروبة فعلاقة انتماء إلى وضع تاريخي تدرك العربي منذ مولده وتصاحبه حتى وفاته ولو لم يكن مميزاً) (1).
فإذا أريد بالقومية تفضيل العرب على غيرهم ف صلى الله عليه وسلم قال "من بطأ به عمله لم يسرع به نسبه" وقال : "يا فاطمة بنت محمد أعملي فإني لن أغني عنك من الله شيئاً" .(52/416)
وإذا أريد بالقومية، رابطة تناهض الإسلام فالله يقول: (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم) (2) أما إذا كانت القومية أن يصبح العرب أمة واحدة تتفاعل فيما بينها للدفاع عن أرضها وشعبها وتعمل من أجلهم وتجاهد من أجل عقيدتهم المشتركة فهذا لا ينازع فيه أحد من العرب والمسلمين، -إن كانوا عرباً أو مسلمين- وهذا ما أوضحه الدكتور "عصمت سيف الدولة" الذي أشاد برأي الإمام "حسن البنا" مؤسس جماعة الإخوان في ذلك.
ويقول خلف الله : (حين دعا صلى الله عليه وسلم العرب إلى إفراد الله بالعبادة، كان يعتبر ذلك البديل للشرك العربي الممثل في اللات والعزى وما إلى ذلك.. ثم ترتبط الصلاة بالأرض العربية ويرتبط الحج بالأمكنة العربية والأزمنة العربية وكذلك الصوم يراه مرتبطاً بالشهور العربية، فهل يستطيع المسلم أن يؤدي فرائض دينه في غير مقوماتها العربية، وإن كل الذين دخلوا في الإسلام سواء تعربوا أم لا ، إنما يمارسون حياتهم الدينية من حيث الفروض والواجبات على أساس من العروبة وليس يصلح لغير العربية أن يقيم الدين الإسلامي إلا على أساسه العربي وإلا كان ما سيؤديه إسلاماً آخر).
ولسنا ندري ما هو النص سواء الآية القرآنية الكريمة، أو الحديث النبوي الشريف الذي يجعل إسلام الأوروبي إسلاماً آخر إذا صلى بغير اللغة العربية!
ثم ما هو النص الشرعي الذي يجعل إفراد الله بالعبادة بديلاً عن الشرك العربي، فعبادة الله وحده ليست بديلاً عن الشرك فهي أصل والشرك عارض وطارئ.
الهدف من الإسلام:
إن القرآن الكريم قد حدد الهدف من رسالة الإسلام في آيات لا نكاد نحصيها منها قول الله تعالى: (وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقاً لما بين يديه من الكتاب ومهيمناً عليه فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق) (3).
ولكن الدكتور يقول : (إن الهدف من الرسالة الإسلامية أولاً وقبل كل شيء هو الارتفاع بالمستوى الحضاري للأمة العربية، وذلك عن طريق الرسول الذي يعلمهم الكتاب والحكمة).
وأين هذا من الآيات القرآنية التي تحدد رسالة الإسلام بإخراج الناس من الظلمات إلى النور عن طريق اتباع تشريع الله الممثل في القرآن والسنة، إذ قال الله تعالى: (ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به…)(4). وقال الله تعالى: (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم …)(5).
إقليمية الرسالة:
يحاول الدكتور "خلف الله" أن يجعل من العروبة رسالة يصبح الإسلام تابعاً لها كما جعل العروبة هي الأصل والإسلام هو الفرع، فيقول: (وعروبة القرآن أو اختيار المولى سبحانه وتعالى للغة العربية لتكون لغة الوحي إنما كان بسبب أن الرسالة الإلهية موجهة إلى الأمة العربية أولاً وقبل كل شيء).
وسبق أن ذكرت رد الدكتور "عصمت سيف الدولة" من أن الإسلام رسالة للناس كافة، أما العروبة فانتماء إلى شعب معين. وقد ختم هذه القضية بقوله: (كانت خلاصة ما تقدم من تخريب وتغريب أن نشأت في كل قطر عربي طبقة قومية الانتماء إقليمية الولاء، مادية الباطن إسلامية الظاهر فردية البواعث، نفعية الغايات، رأسمالية النشاط، اجتماعية الأرباح، يتعلق بها وتتغذى عليها شخوص من الفلاسفة والمفكرين والكتاب والأساتذة والتلاميذ… وهي طبقة نشأت مع الاستعمار؛ لتؤدي بالنيابة عنه ولحسابه نقض الحضارة العربية من بناء شخصية الإنسان العربية) (6) . إنه لا يجهل أحد أن الإسلام جاء للعرب، ولكنه أيضاً جاء للناس كافة وهذا ما يدركه الدكتور خلف الله الذي لا نعنيه بالاقتباس الأخير .
حقيقة فكر الدكتور "خلف الله" :
إن الدكتور خلف الله يستشهد بالآيات القرآنية الكريمة؛ ليوهم القارئ أن العروبة هي الأصل والإسلام هو الفرع، ويرتب على ذلك نتائج خطيرة لم يذكرها صراحة في مقاله، ولكنه نشرها في مقالات وكتب وهذه أهمها:
__________
(1) …المصدر السابق ص 23.
(2) … الأحزاب (36).
(3) … المائدة (48).
(4) … النساء (60).
(5) … النساء (65).
(6) … المصدر السابق ص 429.
1-بحوث الندوة الفكرية التي نظمها مركز دراسات الوحدة العربية المنشورة في كتاب باسم "القومية العربية الإسلام" والمنشور 1981. وفي هذه البحوث يرد الدكتور "محمد خلف الله" على المفكرين الذي يربطون بين الإسلام والقومية العربية فيقول: يطلب للربط بين الإسلام والقومية العربية التنازل عن العلمانية، وهو ما لا يمكن أن تتخلى عنه القومية العربية ؛ لأن ممارسة الحياة على أساس من العلمانية يمنح المجتمع حرية وانطلاقاً في تحقيق المصلحة العامة، على أساس من الحضارة العلمية أكثر مما يمنحه الإسلام(1).
2-وكتابه الأسس القرآنية للتقدم، يصرح بأكثر من ذلك فيقول: (تبقى بعد ذلك عملية تحرير العقل البشري من السلطة الدينية المتمثلة في نظام النبوة)(2).(52/417)
ويقول : (لقد حرر الإسلام العقل البشري من سلطان الآلهة فيما عدا سلطان الله) (3) ولكنه يقول: (أرجو أن يطمئن القارئ إلى الأساس الذي بني عليه التوحيد وكيف كان تحرير العقل البشري من سلطان الآلهة بما فيهم سلطان الله)(4).
لما كان ذلك كذلك فليس للدكتور "خلف الله" أن يلبس هذا الفكر اللاديني ثوب القرآن الكريم، وله إن شاء أن يكون علمانياً أو لا دينياً ولكن ليس له صلاحية تحويل نصوص القرآن الكريم، هذا ما نبه عليه الدكتور "عصمت سيف الدولة" في فصل النفاق وفصل العلمانية بكتابه سالف الذكر(5).
براءة القرآن من أركسة القوميين :
بتاريخ 17/6/1987 نشر الدكتور محمد خلف الله مقالاً عن عروبة الإسلام ذكر فيه أنني ممن يعيشون في الوهم الذي صنعته القومية الفارسية، وأن وهما آخر يرسخ في ذهني، وهو أن عروبة الإسلام ضد عالميته، وعالميته تقتضي فصله عن عروبته، وذلك على الرغم من أنني لم أكتب ذلك ولم أقله.
وكنا نود أن يذعن الدكتور "خلف الله" لحكم الإسلام في تحديد العلاقة بين الإسلام والعروبة والقومية، وخصوصاً وأنه يكرر أن الحقائق القرآنية لا يمكن أن تكون موطن الجدل ومحل الشك والارتياب.
غير أنه تعصب لفكره القومي العلماني، وحاول أن يجعل القرآن الكريم وسيلة لتأييد هذا الفكر مع مناهضته للإسلام حسبما فصله مقالي السابق.
فهاهو قد كتب في ذات الصفحة مقالين تناولا كلامي وكلام الدكتور عبد الصبور شاهين" نشر الأول في 17/6 بعنوان "عروبة الإسلام" والآخر في 24/6 بعنوان "القومية حقيقة قرآنية".
وقد وضح، أنه يحاول إيهام القارئ أن الحوار كان يدور حول مسمى المقالين، بينما القضية الرئيسة في الحوار تمثلت في سؤال صريح بدأت به مقالي السابق وهو (هل جعل الدكتور "خلف الله" الإسلام هو الفيصل فيما اختلف فيه)؟ ثم أجبت بقولي: (إنه لم ينزل على حكم الإسلام في مقاله هذا وفي فكره القومي بصفة عامة).
وقد استندت في إجابتي المذكورة إلى فقرات كاملة من أقواله، كما استشهدت على بعد فكره عن القرآن الكريم بآيات عديدة منه، وبفقرات من كلام الدكتور "عصمت سيف الدولة" .
فما كان من الدكتور "خلف الله" إلا أن أغفل هذه الحقيقة .
والحقيقة التي لا يختلف عليها اثنان أن الدكتور "خلف الله" هو الذي حدد عقيدته لنفسه، وهي التي تباعد بينه وبين الدكتور "سيف الدولة" وغيره من الملتزمين بحكم الإسلام، بل ومن المنصفين من الباحثين غير المسلمين، وما كان دوري إلا أن أظهرت هذه الحقيقة، وما زال الأمر بيده إن شاء ترك فكره الذي يناهض الإسلام بالعروبة والقومية، وإن شاء أصر على موقفه السابق، غير أنه لا يوجد باحث منصف يقره على نسبه هذا الفكر إلى الإسلام.
أما أنه يوهم القارئ أن الحوار كان يدور حول مسمى مقاليه سالفي الذكر، يتضح من قوله (تلك هي القضية الأساسية التي لم تستوعبها الجماعات الدينية بعد، التي يثور بشأنها الجدل والحوار ويقع ذلك على الرغم من أن عروبة الإسلام حقيقة قرآنية..).
كما تتضح هذه المحاولة من عبارات أخرى له منها قوله: (إن القرآن الكريم لم يتخذ موقفاً معادياً للقومية) وبهذه المحاولات يتجاهل أن مقالي محل رده هذا، قد ورد به (إذا كانت القومية أن يصبح العرب أمة واحدة… فهذا لا ينازع فيه أحد من العرب أو المسلمين).
كما تجاهل أن الدكتور "عصمت سيف الدولة" وهو من كبار المفكرين القوميين، قد حدد موقف كبرى الجماعات الإسلامية من العروبة والقومية بقوله: (إن الأمة العربية هي أمة الإسلام وإنجاز ثورته، وحاضنة حضارته، وحاملة رسالته إلى كل شعب يقبلها بدون إكراه، في أي دولة من دول الأرض، وهذا ما فطنته جماعة الإخوان المسلمين بإرشاد قائدها الشهيد "حسن البنا" (ص 165).
__________
(1) … كتاب القومية العربية والإسلام ص 55.
(2) … الأسس القرآنية للتقدم ص 41.
(3) … المصدر السابق ص 44.
(4) … المصدر السابق ص 36.
(5) … نشر بالأهرام بتاريخ 10/6/87 في صفحة الحوار القومي.
ولعل الدكتور محمد خلف الله قد اطلع على رسالة المؤتمر الخامس للشهيد حسن البنا الذي حدد الموقف من الوحدة القومية والعربية والإسلامية فقال (إن هذا الإسلام الحنيف نشأ عربياً ووصل إلى الأمم عن طريق العرب، وجاء كتابه الكريم بلسان عربي مبين وتوحدت الأمم باسمه على هذا اللسان يوم كان المسلمون مسلمين، وقد جاء في الأثر: إذا ذل العرب ذل الإسلام..) ص 176.
ولعل الدكتور "خلف الله" لا ينكر أنه قد اقترن بالدعوة إلى القومية العربية تياران: أحدهما: عَلماني يحاول أن يجعل من القومية مذهباً يناهض الإسلام وهو ما قال عنه الدكتور "سيف الدولة" ((إن الاستعلاء على الإسلام بالعروبة مناهضة وأركسة) أي قلب للحقائق (ص 185) (ويجعلون من الإسلام ثمرة من ثمار حضارة ينسبونها إلى أمة عربية لم توجد قط، كأن العروبة هي الأصل وما كان الإسلام إلا فرعاً منها. ونشهد أننا لم نقرأ ولم نسمع شيئاً أكثر جهالة من هذا الذي اختاره بعض العرب أسلوباً لمناهضة الإسلام باسم العروبة) (ص182 من كتابه عن العروبة والإسلام).(52/418)
أما التيار الآخر، فيضع القومية العربية في موضعها الطبيعي داخل النظام الإسلامي، ولهذا نادى "الكواكبي" بانتقال الخلافة إلى العرب وأن تتكون جامعة إسلامية يتم توزيع وظائفها وفقاً لأهليات وخصال الأقوام المسلمين.
وحقيقة فكر الدكتور خلف الله أنه يتبنى اتجاه التيار الأول، ولقد برهنت على ذلك في مقالي السابق فنقلت عنه إصراره على أن تظل القومية العربية إسلامية، لكن بشرط أن لا تتخلى عن العلمانية. كما نقلت عنه ادعاءه أن الأساس الذي بني عليه التوحيد هو تحرير العقل البشري من سلطان الآلهة بما فيهم سلطان الله) (1).
ولقد حاول الدكتور "خلف الله" أن ينقل القارئ إلى موضوع آخر يبعدنا عن الحوار سالف الذكر فحشد الآيات القرآنية التي تدل على الصلة بين الإسلام والعربية والقومية، ثم قال: إن مصر تحركت بعد زوال الخلافة العثمانية وطالبت بالخلافة للملك "فؤاد" وقال: (إن المرحوم الأستاذ "حسن البنا" كان من الذين يتظاهرون من أجل عودة الخلافة في مصر "ولأحمد فؤاد" ).
ولكن مذكرات "البنا" ورسائله لا تتضمن ذلك، ولم يسند الكاتب هذا إلى أي مصدر تاريخي، والمصادر تثبت أن "البنا" كان آنذاك طالباً بدار المعلمين بدمنهور، والملك "فؤاد" لا يجرؤ في التفكير بالخلافة الإسلامية فضلاً عن أن يرشح نفسه حتى تقوم مظاهرات بتأييده، فهذا الملك كان أحد أدوات بريطانيا التي أسقطت الخلافة الإسلامية وخدعت العرب بوعد ونفذت وعداً آخر لليهود، وفي سبيل ذلك قسمت بلاد العرب بينها وبين فرنسا طبقاً لاتفاق "سايكس بيكو".
وأخيراً يؤيد الكاتب فكره بأن كلمة الناس في أكثر آيات القرآن الكريم تعني العرب، أو المشركين منهم، من ذلك قول الله تعالى: (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا) (2) وقال الناس هنا هم العرب فالقبائل توجد فيهم إلى اليوم ولا توجد بمصر مثلاً، وقد نسي أن أصول اللغة العربية تقتضي أن اللفظ العام يظل على عمومه ما لم تدل القرائن على أنه خاص، والعموم هنا لا دليل على تخصيصه بالعرب؛ لأنه إن كانت القبائل فيهم فهي توجد أيضاً في أفريقياً بل وأوروبا، كما أن الذكورة والأنوثة والشعوب ليست خاصة بالعرب بل للناس كافة.
وفي الختام فإن لكل شخص أن يعتقد ما شاء من العقائد والأفكار، ولكن ليس له أن يفرض على القرآن الكريم مذهباً قد ظهر على أيدي غير المسلمين، ثم تبناه بعض من أعلنوا العلمانية التي تختلف مع الإسلام، والقرآن منها براء كل البراءة، ولكن "خلف الله" يريد أن يفرض على القراء مذهبه اللاديني، وينسب هذا الباطل إلى القرآن الكريم، وبهذا يستخف بعقول القراء ويستخدم أسلوباً من النفاق الذي حذر منه الدكتور عصمت سيف الدولة(3)). انتهى رد الأستاذ سالم البهنساوي -وفقه الله للخير-.
=======================(52/419)
(52/420)
نظرة شرعية في فكر (محمد عابد الجابري)
ترجمته(4):
كاتب مفكر مغربي معاصر. ولد بالمغرب عام 1936م، وحصل على دبلوم الدراسات العليا في الفلسفة عام 1967، وعلى دكتوراه الدولة في الفلسفة عام 1970م من كلية الآداب بالرباط.
يعمل حالياً أستاذاً للفلسفة والفكر العربي الإسلامي في كلية الآداب بجامعة محمد الخامس بالرباط.
له مجموعة مؤلفات، ومشاركات في الصحف والمجلات.
مؤلفاته :
أضواء على مشكلة التعليم بالمغرب، 1973م.
__________
(1) … كتاب الأسس القرآنية للتقدم ص 36 للدكتور خلف الله.
(2) … الحجرات (13).
(3) … أرسل هذا المقال في 28/6/1987 بالبريد المسجل إلى جريدة الأهرام كرد على مقالي خلف الله ولكن المسئول عن صفحة الحوار وهو الأستاذ لطفي الخولي، لم ينشر المقال، كما لم ينشر رد شيخ الأزهر!
(4) … انظر: مجلة الجديد في عالم المكتبات، العدد 17، وكتابه حفريات في الذاكرة، وغلاف كتابه (الخطاب العربي المعاصر) في طبعته الخامسة عام 1994م، مركز دراسات الوحدة العربية-بيروت. ورسالة الدكتور مفرح القوسي (المنهج السلفي والموقف المعاصر منه في البلاد العربية) (2/561).
مدخل إلى فلسفة العلوم -بيروت-دار الطليعة- 1982م.
من أجل رؤية تقدمية لبعض مشكلاتنا الفكرية والتربوية، 1977م.
نحن والتراث -المغرب- المركز الثقافي العربي 1983م .
تكوين العقل العربي -بيروت- مركز دراسات الوحدة العربية .
المنهاج التجريبي وتطور الفكر العلمي بيروت -دار الطليعة- 1982م.
فكر ابن خلدون، العصبية الدولة -المغرب- دار النشر المغربية - 1984م.
إشكاليات الفكر العربي المعاصر، 1986م.
وحدة المغرب العربي -بيروت - مركز دراسات الوحدة العربية -1987م.
التراث والحداثة: دراسات ومناقشات، 1991م.
الخطاب العربي المعاصر -بيروت- مركز دراسات الوحدة العربية - 1994م.
وجهة نظر: نحو إعادة بناء قضايا الفكر العربي المعاصر، 1992م.
المسألة الثقافية ، 1994م.
الديمقراطية وحقوق الإنسان ، 1994م.
مسألة الهوية: العروبة والإسلام والغرب، 1995م.
المثقفون في الحضارة العربية: محنة ابن حنبل ونكبة ابن رشد، 1995م.
الدين والدولة وتطبيق الشريعة، 1996م.
المشروع النهضوي العربي: مراجعة نقدية، 1996م .
قضايا في الفكر المعاصر، 1997م.
-أصدر الجابري مجلة (نقد وفكر)، وهي شهرية.
تنبيه :
حيث أنه قد سبقني مجموعة من الباحثين الفضلاء في دراسة فكر هذا الرجل، فقد رأيت الاكتفاء بنقل دراساتهم للقارئ؛ نظراً لعمقها وتحقيقها للمراد، خشية أن تتكرر الجهود .
والدراسات هي :
مقال للأستاذ أحمد أبو عامر بعنوان (كتَّاب يجب أن نحذرهم: محمد عابد الجابري) نشره في المجلة العربية، العدد 165، بتاريخ شوال 1411هـ .
مقال للأستاذ عبد العزيز الوهيبي بعنوان (قراءة في فكر الدكتور محمد عابد الجابري) نشره في مجلة البيان (العدد71).
جزء من رسالة الدكتور مفرح القوسي (المنهج السلفي والموقف المعاصر منه في البلاد العربية) (1) خصصه للحديث عن الجابري (2/561-569).
-قال الأستاذ أحمد عبد العزيز أبو عامر في مقال له عن الجابري نشره في المجلة العربية (العدد 165): (تمهيد: تعاني جامعاتنا العربية ضمن ما تعانيه من الضعف أن جل أساتذتها الذين تخرجوا من الجامعات الأجنبية وبخاصة في العلوم الإنسانية عادوا بتصورات أجنبية فعلاً تتنكر غالباً للأصول الإسلامية لفقدانهم الأسس الإسلامية الصحيحة، وفاقد الشيء لا يعطيه.
ولذا وجدناهم مختلفي المنطلقات الفكرية، ويمكن إجمالهم على النحو التالي:
الدعاة لمركسة الفكر العربي وأبرزهم عبد الله العروي .
الدعاة لعلمنة الفكر العربي وأبرزهم محمد أركون.
الدعاة لعقلنة الفكر العربي وأبرزهم محمد عابد الجابري، مدار المناقشة في هذه الحلقة وهو من المبشرين بما يسمى بالمذهب الانتقالي، والذين يزعمون أن العلم شيء والعقيدة شيء آخر.
ما حقيقة هؤلاء:
وهؤلاء الكتاب يزعمون أنهم يناقشون قضايا المجتمع العربي الإسلامي من منظور علمي مع أنهم في الحقيقة يحاولون عمداً هدم الإسلام من الداخل ويسمي الباحث القدير (د/يوسف نور عوض) هذا الاتجاه الجديد في علم الاجتماع. (اتجاه النقل المقصود به الهدم) ذلك أن معظم الكتاب العرب الذين بدأوا يستخدمون هذا المنهج، لم يحاولوا في الواقع نقد المنهج ذاته بل استخدموه بأقصى درجات التطرف من أجل تفتيت كيان الأمة الثقافي. تارة تحت اسم (سوسيولوجيا المعرفة) وأخرى تحت اسم (سوسيولوجيا النقد) (2) ومعظم الذين يعملون في هذه الاتجاهات الخطيرة قد عملوا في إطار التنظيمات الأيدلوجية المشبوهة وغرضهم إسقاط أفكارهم على الواقع الاجتماعي دون الدخول مباشرة في المواجهة، ونعود لصاحبنا الجابري.
نبذة عن حياته(3) :(52/421)
ولد عام 1936م في قرية (فكيك) المغربية على الحدود الجزائرية ودرس بها ثم غادرها إلى (الدار البيضاء) حيث انخرط في خلايا العمل الوطني في بداية الخمسينات، وفي عام 1958م انتقل إلى دمشق للحصول على الإجازة في الفلسفة. بعد أن حصل على البكالوريا كمرشح حر ولم يتم دراسته الجامعية وعاد للمغرب لينتسب إلى الجامعة المغربية الفتية. وفيها يكمل مشواره الأكاديمي، وفي 1964م يحصل على (الليسانس) في الفلسفة وفي عام 1967م نال الماجستير بعد مناقشة رسالته (منهجية الكتابات التاريخية المغربية) والتي عن طريقها اكتشف عالم الاجتماع المسلم (عبد الرحمن بن خلدون) حيث قرر أن يكون بحثه لنيل شهادة الدكتوراه عام 1971م (العصبية والدولة: معالم نظرية خلدونية في التاريخ العربي الإسلامي). وهو الآن أستاذ الفلسفة والفكر العربي والإسلامي في كلية الآداب بجامعة الملك محمد الخامس بالرباط، وله العديد من الكتب من أشهرها: (نحن والتراث) و(نقد العقل العربي) وقد صدر في أجزاء ثلاثة هي (تكوين العقل العربي) و(بنية العقل العربي) و(العقل السياسي العربي) و(الخطاب العربي المعاصر) وغيرها. وقد شارك في العديد من المؤتمرات العلمية والثقافية وطرح بعض الآراء التي سيتم مناقشة بعض منها فيما بعد.
__________
(1) … لم تُنشر بعد. وهي موجودة لدى مكتبة الملك فهد بالرياض.
(2) … الندوة العدد 8778
(3) … الشرق الأوسط العدد 3395 بتصرف.
والملاحظ أن كثيراً من الكتاب المغاربة المشهورين اختطوا طريقاً فكرياً ينحو المنحى الفلسفي بما يسمونه (قراءات التراث) وهي اتجاهات شتى يمكن الرجوع لمعرفتها في كتاب (التراث والهوية) لعبد السلام بن عبد العالي الذي تطرق فيه إلى كل من العروي والخطيبي والجابري وغيرهم.
ومحمد عابد الجابري والحق يقال: إنه من أنزه هؤلاء الكتاب وإن كان عليه مآخذ سأوضحها فيما بعد، وهذا التعريف السريع به وبفكره ينطلق من عنوانه من ما يعرف بالبستمولوجيا وهي النظم المعرفية التي اشتهر في كتاباته عنها، في دراسته عن (نقد العقل العربي) وكيف انحدر إلى ما أسميه (بالهذرلوجيا)(1) وأعني به السقوط في الرأي، حينما عرض وجهة نظره في أزمة الخليج والتي هي أقرب ما تكون للهذر من التحليل العلمي الذي عرف به وكيف أنه ناقض نفسه في مفهومه للوحدة العربية والذي سبق أن أدلى به في عدة مقابلات صحفية كما سأوضحه إن شاء الله.
قراءات في التراث:
للجابري صلة قوية بدراسة التراث العربي الإسلامي ومن خلال قراءاته تلك يعرف بفكره وطروحاته حول التراث والتحديث، وقد وضع منطلقاته الفكرية هذه في مدخل كتابه (نحن والتراث).. فحينما ذكر اتجاهات الفكر العربي المعاصر في دراسة التراث وضعها في ثلاث فئات (السلفية الدينية) و(القراءة الاستشراقية) و(القراءة اليسارية) وقال: إن تلك القراءات كلها (سلفية) وإن اختلفت منطلقاتها. وإنما الفرق بينها هو نوع السلف الذي يتحصن به كل تيار، فالقراءة الاستشراقية سلفها مفكرو أوروبا واليسارية سلفها الماركسية.. ومن خلال إطلاعي على بعض من كتب عن الجابري وجدت أن ما ذكره المفكر المغربي (سعيد بن سعيد) عن ملامح منهجه الفكري هو أقرب ما يكون له، حيث وضع منهج الجابري متمثلاً في ثلاثة أبعاد.
بين درسين اثنين درس الفلسفة الهيجلية الماركسية ودرس الابستمولوجيا التكوينية كما نجدها عند (جان بياجي) من جهة ثانية.
الدرس البنيوي حيث يأخذ فيه من البنيويين وعلى وجه الخصوص من الفرنسيين (التوسر) و(فوكو) بصفة خاصة.
البعد البستمولوجي الفرنسي ونجد تأثره بالمفكر الفرنسي (باشلار) أكثر من غيره(2)، ولقد صاغ الجابري في هذه الأخلاط المتعددة قراءاته للتراث والتي سنرى نموذجاً لها، ومما يتميز به الجابري أنه لم يصادم الإسلام مباشرة، ولا يرى التغيير في ترك التراث كالعروي مثلاً لكن له آراء عجيبة وغريبة، ومما جاء في (بنية العقل العربي) قوله: (اللغة والشريعة والعقيدة والسياسة في الماضي والحاضر تلك هي العناصر الرئيسية التي تتكون منها المرجعية التراثية التي قلنا: إنه لا سبيل إلى تجديد العقل العربي إلا بالتحرر منها) !!
ماذا قال في دراسته عن نقد العقل العربي:
هذه الدراسة صدرت في أجزاء ثلاثة سبق ذكرها وهي دراسة مركزة وتحليلية للثقافة العربية والإسلامية تحتاج إلى كبير تأمل ومراجعة حتى يستوعبها القارئ لها، وسأقف معك أخي القارئ في الجزء الأول منها وهو (تكوين العقل العربي) وقد ذكر في كتابه (الخطاب العربي المعاصر) والذي يعتبر تمهيداً لهذه الدراسة، ذكر أن الذاتية العربية الراهنة تفقد استقلالها لكونها تنطلق من مرجعيتين متعارضتين منفصلتين عنها إحداها (تنتمي إلى الماضي العربي الإسلامي) والأخرى تنتمي إلى (الحاضر والمستقبل الأوروبي). وسبيل تحقيق الذات العربية هو التحرر من ذلك النموذج (الإسلامي والغربي) !!
تكوين العقل العربي:(52/422)
تتبع الجابري مراحل تكوين الثقافة الإسلامية التي دونت وصنفت وأعيد بناؤها خلال عصر التدوين وامتداداته فوجد نفسه أمام ممارسة نوع من التاريخ للثقافة العربية يقوم على إعادة ترتيب العلاقات بين أجزائها، فبدلاً من تصنيف ضروب المعرفة إلى علوم نقلية وأخرى عقلية.. أدى به رصد الأساس (البستمولوجي) لإنتاج المعرفة داخل الثقافة العربية إلى تصنيف آخر لا يؤخذ فيه بعين الاعتبار سوى البنية الداخلية للمعرفة (آلياتها ووسائلها ومفاهيمها الأساسية) حيث وضعها في ثلاث مجموعات:
علوم البيان: من نحو وفقه وعلم كلام وبلاغة ويؤسسها نظام معرفي واحد يعتد قياس الغائب على الشاهد كمنهاج في إنتاج المعرفة سماه (المعقول الديني العربي).
علوم العرفان: تصوف وفلسفة وباطنية وسحر وتنجيم ويؤسسها نظام معرفي يقوم على (الكشف والوصال) و(التجاذب والتدافع) كمنهاج وسماه (اللامعقول العقلي).
علوم البرهان: من منطق ورياضيات وطبيعيات وإلهيات ويؤسسها نظام معرفي واحد يقوم على الملاحظة التجريبية والاستنتاج العقلي كمنهج وسماه (المعقول العقلي) وقال بأن العقل العربي إنما تكون من خلال تشييده لعلوم البيان التي أبدع فيها أيما إبداع، فإن كانت الفلسفة معجزة اليونان فإن العلوم العربية هي معجزة العرب!! وإذا كانت معجزة اليونان قد جعلتهم يتعاملون مع الكون لمحاولة فهمه فإن معجزة العرب قد جعلتهم يتعاملون مع النص وينغلقون من داخله بعد أن أغلقوا المعرفة التي تنتمي إليه. فماذا يا ترى يريد قوله بهذا الكلام الملفوف؟
__________
(1) … مع الاعتذار للأستاذ (سليمان الفليح) صاحب زاوية (هذرلوجيا).
(2) … الشرق الأوسط، العدد 4093
وهكذا صار يحلل البقية على ذلك المنوال، ثم ذكر أن تأخر المسلمين راجع لكون العقل قدم استقالته استناداً إلى المشروعية الدينية، ففي حين بدأ الأوروبيون يتقدمون باستيقاظ العقل بينما المسلمون في صراع حول الخلافة وصراع الفرق وأن تقدم غير المسلمين حينما فصل الدين عن الدولة.
وهكذا يدس السم في الدسم بطريق غير مباشر ولذا صدق د/يوسف نور عوض(1) بقوله عن هذا الكتاب: إنه نوع من الكتب التي يوهم القارئ بأنه يتحدث في أمور خطيرة ويتناولها بطريق علمية وموضوعية ولكن المتأمل فيه يدرك أن الكتاب فارغ المضمون وأنه مليء بالمغالطات والآراء غير العلمية بعكس الدعاية الكبيرة له، ومن ملاحظاته ما يلي:
أن السياسة وحدها ليست هي السبب الجوهري في تخلف المسلمين لأنه ليس هناك مجتمع في العالم لا يهتم بالسياسة فضلاً عن أن علومنا الإسلامية هي الأساس للنهضة الأوروبية كما اعترف بذلك منصفو الغرب أنفسهم كجوستاف لوبون في (حضارة العرب) وأن الاختلاف في التفاوت بين أوروبا والعالم العربي ليس في طبيعة العقل ذاتها وإنما لكون أوروبا اكتشفت الطاقة قبلنا واستطاعت عن طريق استثمار ثرواتها أن تنمي نهضتها الصناعية، واستطاعت عن طريق الاستعمار أن تثبت أركان نفوذها وقوتها.
إن الجابري يموه بمفهومي النص والبيان وإن ما يعنيه هو القرآن الكريم إذ يريد أن يقول: إن الثقافة الإسلامية كلها قد انحصرت في معرفة النص القرآني وهكذا أصبحت من وجهة نظره معرفة مغلقة، ولم يدع أحد حتى الآن في الغرب أن دراسة اللغة مثلاً قد أصبحت غير مجدية، ودليلنا تطور علم اللغة الحديث لهم بطريقة مذهلة.
وحينما قال الجابري: إن العقل البياني العربي استقال من خلال ما يعرف بالتصوف السيئ أكد د. يوسف بأنه لا يعترف بأن التيار الصوفي كان في أي مرحلة من مراحله قوياً بحيث يحجب الشريعة ويكون بديلاً عنها بحيث نصف العقل الإسلامي بأنه عقل مستقيل.
دعواه أن العلم العربي ظل خارج الحياة ولم يدخل في احتكاك مع الدين كما هو الشأن في الغرب ولم يبرر ذلك بموقف الإسلام الإيجابي من العلم وإنما برره بسلبية العرب واهتمامهم بالسياسة أكثر من اهتمامهم بالعلم. وأقول: كيف تقدم العلم العربي الإسلامي في عصور ازدهاره مع الاهتمام الكبير بالسياسة آنذاك والصراع حولها؟ لكن الحقيقة أن العلم والعلماء لم تتح لهم من الإمكانات والدعم ما كان موجوداً آنذاك، وفي نظري أن تقسيمه الجديد عقد العلم وفروعه وجعله مستعصياً عن الفهم عند الآخرين، ثم كيف تقدم أسلافنا في التقسيم التقليدي وكانوا غرة في جبين الزمان؟! فنهضتنا وتقدمنا ليس في تقسيم للعلم جديد بدلاً للتقسيم القديم فحسب. بل لا بد من إعادة النظر في المناهج والتوجهات والخطط التنموية والعمل الجاد من كافة فئات الأمة بعد وضع الرجل المناسب في المكان المناسب.
من آرائه العجيبة:(52/423)
أولاً: في الوقت الذي يقول فيه: إن تطبيق الشريعة مبدأ لا يحتمل النقاش كمبدأ يقول: إن الشريعة في الإسلام مجال مفتوح وأن هناك مبادئ وجوانب معينة وتطبيقها فيه مجال للاجتهاد، ثم يقول: إن (حد الزنا) كان من الممكن تطبيقه في مجتمع البادية أما المجتمع الجديد فلا يمكن تطبيقه كما اشترط الفقهاء(2) ولا شك فهذه الدعوى ساقطة من أساسها؛ لأن إجماع العلماء بأنه لا اجتهاد مع النص معروف ولا خلاف حوله، وتبقى الملابسات والظروف والتحديد العقلي، وهذا ما يقرره العلماء والجابري ليس منهم، والإسلام دين شامل لكل زمان ومكان وتعاليمه السماوية لم تكن مؤقتة كما يزعم هؤلاء بلا علم (أأنتم أعلم أم الله).
ثانياً: يقول في إحدى المقابلات معه (المستقبل العربي عدد 45/5): إن التمزق الذي يعيشه عالمنا العربي ليس في الحقيقة فشلاً لمفهوم القومية العربية كبديل عن المجتمع القديم، بل نتيجة لغياب الديمقراطية عن مشروع القومية العربية!!
والحقيقة أن مأساة الأمة العربية في مشاريع الوحدة الكثيرة ليس لغياب الديمقراطية فحسب بل لكونها لم تتم على الأسس المفروضة المنطلقة من الإسلام ذاته، ولو آمن المتحدون بالإسلام عقيدة وشريعة ومنهج حياة لما حصلت أي خلافات أو تعثر. لكن مشكلة المشاريع الوحدوية أنها قامت لمصالح ومن ورائها ذوو اتجاهات حزبية متناقضة لا يأمن بعضهم جانب بعض فما تلبث إلا أن تسقط بين عشية وضحاها، إن الأمة بحاجة إلى منطلقات إيمانية وإلى معالم شورية وحينها لن يحدث ما يحصل من تشرذم وسقوط، فهل نعي ذلك أم على قلوب أقفالها؟ وليس هناك أكبر دليل على سقوط (القومية) من واقعنا اليوم وكيف أصبحت المفاهيم القومية مصلحية ونفعية ولا تمت للمصالح العليا للأمة بصلة(3).
__________
(1) … الندوة، العدد 9071
(2) … الحوار القومي الديني
(3) …للمزيد: انظر دراسة د. صالح العبود عن القومية العربية في ضوء الإسلام، ولمعرفة حقيقة الديمقراطية التي دائما ما يطنطن حولها انظر (نقض النظام الديمقراطي) د. محمود الخالدي.
ثالثاً: في حوار ثقافي بين الجابري وحسن حنفي على صفحات مجلة اليوم السابع (225/5) حول ما دعته المجلة (بالتخلي عن منطق الفرقة الناجية) تطرق الجابري إلى حديث (افتراق الأمة إلى ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة) وذكر بأن حصر الفرق الضالة كما جاء في الحديث وكما يفعل علماء الشرع وتعيين الطائفة الناجية عمل فيه تحكم وتعسف لا يقبله العقل ولا الشرع مستنداً إلى ما ورد عن رأي لبعض علماء المغرب والأندلس.. والحقيقة أن الحديث صحيح كما أخرجه علماء الحديث قديماً وحديثاً وقد جمع الباحث (سليم الهلالي) طرق الحديث ورواياته وتقويم علماء الجرح والتعديل له وبيان صحته والرد على بعض المعاصرين في طعنهم فيه وتأويل معناه بدون فهم في رسالة له بعنوان (نصح الأمة في فهم أحاديث افتراق الأمة) وختم الرسالة بست حقائق علمية في فقه الحديث جديرة بالإطلاع أكد فيها على وجود الطائفة المنصورة القائمة على نهج صلى الله عليه وسلم متبعة سنته حتى يأتي أمر الله بالنصر والتأييد، وقد فصل الباحث الهلالي أوصاف هذه الطائفة في كتابه (اللآلئ المنثورة بأوصاف الطائفة المنصورة).
مقالته في الهذرلوجيا:
قلت: إن الهذرلوجيا أعني بها الكلام غير الموزون وغير القائم على أسس علمية وقد طرح الجابري رأيه حيال أزمة الخليج في (مجلة اليوم السابع) حيث يرى أن خلاف العقيدة (العراق) مع (الغنيمة) الكويت وضع عربي متسلسل عن صراع التكوينات العربية والاشتراكية في الستينات مع التقليدية والأمبريالية. انكمشت في الماضي زمن تطاول الاشتراكية ثم تجاسرت على الخروج فكان الصدام الذي جعل البترول الكويتي غنيمة يستحقها العراق نتيجة خوضه الحروب القومية!! فأدى تراكم الديون إلى بحثه عن حقه في الغنيمة.. وأتساءل مع الأستاذ (تركي السديري) (1) في تعليقه على الجابري فيما ذكر: أي أمل لنا في فكر من هذا النوع من الكتاب الذي يتجاهل تشريد شعب بكامله وسطو على حقوق غيره ثم يسمي ذلك بأنه رد فعل طبيعي، متحللاً تماماً من صفته كمفكر ليتحول إلى كاتب إعلامي.
والجابري ينطلق في توهمه هذا على ما بنى عليه كتابه (العقل السياسي العربي) حينما قال: إن القبيلة والغنيمة والعقيدة محدودات ثلاثة حكمت العقل السياسي العربي الماضي وما زالت تحكمه، وبعد أن احتككنا بالحضارة المعاصرة وظهرت الأيدلوجيات النهضوية من سلفية وعلمانية وليبرالية وقومية واشتراكية.. تعرضت تلك المحدودات إلى نوع من القمع والإبعاد فشكلت المكبوت وبعدما تعرضنا له من نكسات واحباطات فتحت الباب على مصراعيه لعودة المكبوت وأن المطلوب هو تجديد مهام الفكر العربي اليوم بتجديد العقل السياسي ويتمثل في رأيه فيما يلي:
تحويل القبيلة إلى مجتمع منظم مدنياً وسياسياً واجتماعياً.
تحويل الغنيمة إلى اقتصاد (ضريبة) أو اقتصاد منتج .
تحويل العقيدة إلى مجرد رأي.. ومن ثم التعامل بعقل اجتهادي ونقدي.(52/424)
والذي يعرفه الجميع أن تلك التحولات الجديدة حصلت في كثير من أنحاء العالم العربي بالفعل، لكن السؤال المهم على أي أساس ينظم المجتمع المنشود. وعلى أي أساس يقوم الاجتهاد النقدي؟! لقد جربت الأمة العديد من المناهج الكثيرة من قومية واشتراكية ورأسمالية وما زالت تدور في حلقة مفرغة ويبقى أن تجرب الإسلام الفعال الإسلام الحق القائم على الشورى. لا الإسلام الانتقالي الذي يريده (الجابري) وأمثاله.. ومما يؤسف له أن الجابري نسي أو تناسى جوابه عن الطريقة المعقولة للوحدة العربية في مقابلة معه في صحيفة القبس الكويتية العدد (5884) الصادر في 29/9/1988م حينما قال: (والوحدة في أية حال لا يمكن أن تتم أو تكون دون ديمقراطية، ودون تراضي الدول العربية المرشحة لأن تتحد إما كمجموعات إقليمية أو كوطن عربي ككل. لا طريق آخر للوحدة العربية إلا طريق التراضي الديمقراطي بين هذه الدول، إلى أن يقول.. وبالتالي ستكون الوحدة عبارة عن مراحل وتعاون متدرج وليس وحدة شاملة من خارج المحيط..) أي دعوى تلك التي زعمها في رأيه بأزمة الخليج وقد قال ما قال وناقض رأيه السابق في الموضوع بلا مبرر معقول؟
حقاً إن الجابري لم يقدم إضافة مفيدة ولكنه خسر نفسه كمفكر) انتهى كلام الأستاذ أحمد أبو عامر -وفقه الله-.
وقال الأستاذ عبد العزيز الوهيبي في مقال له بعنوان (قراءة في فكر الدكتور محمد عابد الجابري) نشره في مجلة البيان (العدد 71) : (هل يمكن بناء نهضة بعقل غير ناهض.. عقل لم يقم بمراجعة شاملة لآلياته، ومفاهيمه، وتصوراته ورؤآه… ؟ !
ثم لماذا لم تتطور أدوات المعرفة (مفاهيم، مناهج، رؤى..) في الثقافة العربية (الإسلامية) خلال نهضتها في (القرون الوسطى) إلى ما يجعلها قادرة على إنجاز نهضة فكرية وعلمية مطردة التقدم، على غرار ما حدث في أوربا ابتداءً من القرن الخامس عشر (الميلادي)؟!
__________
(1) … الرياض العدد 8224 زاوية لقاء .
تلك هي الإشكالية التي شغلت ذهن المفكر المغربي د/ محمد عابد الجابري، ودفعته إلى إصدار دراساته المتنوعة حول كثير من قضايا الفكر الإسلامي التي منها : (نحن والتراث) صدر عام 1980هـ و(الخطاب العربي المعاصر) صدر عام 1982م و(نقد العقل العربي) الذي بدأ صدور أجزائه عام 1986م. ولعل أهم هذه الدراسات وأكثرها ثراءً: الدراسة الأخيرة التي جاءت في ثلاثة أجزاء، كان الأول منها عن (تكوين العقل العربي)، والجزء الثاني عن (بنية العقل العربي) والجزء الثالث عن (العقل السياسي) .
والجزء الأول والثاني، أكثر أهمية في نظري من الجزء الثالث الذي درس نشأة الدولة في الإسلام، وتطورها… وحاول المؤلف فيه إبراز ما أسماه المحددات التي بقيت تحكم هذه الدولة في مختلف مراحل سيرتها الطويلة، هذه المحددات حصرها المؤلف من وجهة نظره في ثلاثة جوانب لا تتجاوزها وهي: العقيدة، والقبيلة، والغنيمة… وأحسب أنه لا يزال في هذا الموضوع العقل السياسي زيادة لمستزيد ولم يكن تناول المؤلف لهذا الموضوع كافياً ولا شافياً.
لاحظ الجابري، عندما درس (بينة العقل العربي) أن التصنيف الشائع القديم للعلوم الإسلامية بتقسيمها إلى علوم نقلية وأخرى عقلية، أو علوم دين وعلوم لغة، أو علوم العرب وعلوم العجم، لاحظ أن هذه التصنيفات لا تقوم إلا على اعتبار المظاهر الخارجية وحدها، والتي تذكرنا بالتصنيف القديم للحيوانات حسب مظاهرها الخارجية وحدها: إلى حيوانات برية ومائية وبرمائية، لكننا بحاجة إلى تصنيف جديد للعلوم الإسلامية كما ظهر التصنيف الجديد للحيوانات إلى فقريات ولا فقريات؛ الأمر الذي فتح أمام علم البيولوجيا آفاقاً جديدة خصبة وعميقة.
لقد كان عمل الجابري في هذا البحث (نقد العقل العربي) محاولة للكشف عن هذا التصنيف الجديد، محاولة لدراسة البنية الداخلية للفكر الإسلامي، وإعادة التصنيف على أساس لا يؤخذ فيه بعين الاعتبار سوى البنية الداخلية للمعرفة: آلياتها ووسائلها ومفاهيمها الأساسية.
من هذا المنطلق جاء التقسيم الجديد عند المؤلف للعلوم الإسلامية وتيارات التفكير الإسلامي إلى ثلاثة علوم أساسية هي:
علوم البيان: وتشمل الفقه وأصوله وعلم الكلام وعلوم اللغة.
علوم البرهان: وتشمل الفلسفة وخصوصاً فلسفة أرسطو !
علوم العرفان: وتشمل التشيع والتصوف والفلسفة الإشراقية.(52/425)
كان الإمام الشافعي هو المؤسس للمنهج في العلوم البيانية وكتابه (الرسالة) يعتبر (قواعد المنهج) للفكر الإسلامي، كما وضع ديكارت (قواعد المنهج) للفكر الفرنسي والأوروبي الحديث، وقد لخص رحمه الله تلك القواعد بقوله: (ليس لأحد أبداً أن يقول في شيء حل ولا حرم إلا من جهة العلم، وجهة العلم: الخبر في الكتاب أو السنة، أو الإجماع، أو القياس (الرسالة: 39) فجهة العلم بناء على هذا النص محصورة في أحد سبيلين: النص (من كتاب أو سنة أو إجماع) أو القياس (الذي هو إلحاق فرع بأصل لاتحادهما في العلة) فقياس التمثيل إذن هو الآلية المفضلة عند الفقهاء، وهو الأسلوب الذي يحكم منهجهم في التفكير.. وعن الفقهاء انتقل المنهج إلى المتكلمين وعلوم النحو والبلاغة مُشكّلاً بذلك مدرسة البيانيين.
أما علوم العرفان وهي العلوم التي يقدم فيها العقل استقالته فتبدأ مع بداية الترجمة، عندما أمر خالد بن يزيد بن معاوية (ت 85هـ) بترجمة كتب الكيمياء، والتنجيم، وكتب الطب اليونانية والقبطية، تلك الكتب التي تقدم رؤية هرمسية غنوصية للكون والإنسان، ثم كان لجابر دور في نشر هذه النظرة الهرمسية، وشاركه في مثل هذا الدور الطبيب الرازي، أما في المجال العقائدي فقد كان الشيعة أول من تهرمس في الإسلام، ولم تسلم الجهمية هي الأخرى من هذا التلوث وكذا الصوفية، ثم جاء بعد ذلك دور التيارات الباطنية ممثلة في إخوان الصفا وفلسفة ابن سيناء، التي تزعمت التيارات الباطنية الإشراقية، ثم غدت بعد ذلك طابعاً عاماً لكثير من التيارات المنحرفة التي كان مدار التفكير فيها والمنهج المفضل للوصول إلى المعرفة قائماً على أساس الكشف والعرفان والإشراق الذوقي الباطني، وبخلاف كثير من الباحثين يرى المؤلف أن هذا الاتجاه لم يكن رد فعل ضد تشدد الفقهاء، ولا ضد جفاف الاتجاه العقلي عند المتكلمين، كلا، لقد ظهر هذا النظام قبل أن تتطور تشريعات الفقهاء، ونظريات المتكلمين إلى ما يستوجب قيام رد فعل من هذا القبيل، لقد كان هذا التيار نتيجة لمحاولة عناصر معادية للفكر الإسلامي وللدولة الإسلامية قادته عناصر من الزنادقة وأتباع الديانات الوثنية؛ من أجل تقويض البناء الفكري والسياسي للدولة الإسلامية.
هذا عن البيان والعرفان… أما عن البرهان فيذكر المؤلف تبعاً لما يراه المستشرق كارل بروكلمان أن المأمون (198-218هـ) إنما أمر بترجمة الفلسفة اليونانية لمواجهة العرفان المانوي الغنوصي الذي اعتمده الشيعة والزنادقة لمواجهة الدولة الإسلامية، لقد كان الكندي (185-252هـ) هو أول فيلسوف عربي حيث أكد على أن المعرفة إنما تكون حسية أو عقلية أو إلهية أداتها الرسل المبلغة عن الله، وهو بذلك يرفض العرفان الشيعي الصوفي، ثم جاء بعده الفارابي (260-339هـ) الذي حاول (الجمع بين الحكيمين)، أرسطو وأفلاطون محاولاً (التوفيق) بين تيارات الفلسفة اليونانية المختلفة، متوصلاً بذلك إلى أن العرفان إنما هو ثمرة للبرهان.
لقد بقيت مدرسة بغداد كما يرى المؤلف من المأمون وحتى الخليفة القادر (381-422هـ) مركزاً علمياً مخلصاً لاستراتيجية المأمون الثقافية القائمة على الارتكاز على أرسطو ومنطقه وعلومه في الحرب ضد الإسماعيلية العرفانية الهرمسية، ثم تسلم بعد ذلك ابن رشد الراية عنهم، وهو المفكر الذي احتفظ بصورة فلسفة أرسطو نقية كما جاءت عنه، رافضاً إضافات الفارابي وابن سينا إلى هذه الفلسفة. هكذا تشكلت الدوائر الثلاث البيانية والعرفانية والبرهانية في الفكر الإسلامي، لكنها لم تدم مستقلة بعضها عن بعض طوال الوقت، لقد حصل تدريجياً تداخل بين هذه التيارات… فلقد حاول ابن سينا تأسيس (العرفان) على (البرهان)، وذلك بالبحث في الفلسفة عن أسانيد للرؤية الهرمسية للكون والإنسان وعلاقتهما بالإله.
كما حاول الغزالي تأسيس (البيان) على (العرفان)، وذلك بالتشكيك في كل قيمة للمعرفة الحسية والتجريبية والعقلية، متوصلاً بذلك إلى تفضيل طريقة (الكشف) والإلهام باعتبارها طريق اليقين الوحيد.
بينما حاول ابن حزم تأسيس (البيان) على (البرهان) وذلك برفض قياس الفقهاء التمثيلي، ومحاولة اعتقاد البرهان المنطقي الأرسطي المبني على مقدمتين ينتج عنهما نتيجة ضرورية يقينية، وتابعه على ذلك الشاطبي بعض المتابعة في محاولته لتأسيس فقه المقاصد.
أما ابن رشد، فقد سن محاولات الخلط بين هذه الحقول، ورأى أن الشريعة صنو الحكمة وأختها الرضيعة، وأن لا سبيل للبرهنة من أحدهما على الأخرى.. وهي نتيجة توصل إليها أبو سليمان المنطقي من قبل، لكن كان لابن رشد فضل بلورتها وتوضيحها.(52/426)
المؤسف كما يرى الجابري أن محاولة ابن رشد جاءت متأخرة فلم تلق أذناً صاغية ممن جاء بعده من المفكرين، بل كان النصر (للعقل المستقيل) في الحركة الصوفية والشيعية، كما كان النصر حليفاً لاختلاط الأنهر عند المتكلمين الذي ظهر بظهور الرازي حيث قام تلميذه (الإيجي) بعد ذلك بوضع الصورة النهائية لعلم الكلام في كتابه (المواقف) حيث يختلط فيه (البيان) بـ(البرهان) بـ(العرفان) وبذلك ظهرت أزمة الأسس في الفكر الإسلامي، وتشقي الحقيقة ثم ساد بعد ذلك الجمود والتقليد، وتحريم الاجتهاد والنظر العقلي.
هذا عرض سريع لموضوع كتابي (بنية العقل العربي) و(تكوين العقل العربي) نأتي بعده إلى سؤال مهم: تُرى ما هي المدرسة التي يتبناها الجابري بين هذه المدارس المختلفة، والتي يبشر بها ويدعو إليها؟! ثم ما هو المقياس الذي اعتمده في قبول أو رفض هذه التيارات، وما هي الخلفيات الفكرية والاعتقادية التي كانت تحكم نظرته نحو مختلف المدارس الفكرية…؟!
قبل الشروع في الإجابة على هذه الأسئلة، لابد من الإشارة إلى ظاهرة لا تخفى على القارئ لمختلف الإصدارات التي كتبها الجابري؛ ألا وهي رغبته الدائمة في عدم الكشف عن توجهاته الفكرية بشكل سافر.. اتضح هذا جلياً في حواره مع (حسن حنفي) في كتاب (حوار المشرق والمغرب) حيث سود صفحات في بيان رغبة القراء في كشف القناع عن الخلفيات الأيديولوجية التي تحكم من يقرؤون له، ومع ذلك فلم يحدد توجهاته بوضوح..!!
الذي يظهر لي أن حرص الكاتب على عدم إظهار توجهه الفكري يرجع إلى أحد سببين هما:
إما أنه لا يزال في مرحلة التأمل والبحث والنظر، فلم يحدد بعد توجهاته الفكرية.
أو أن الباحث يرغب في نشر إنتاجه الفكري بين مختلف الأوساط دون عوائق تصنيفية تلحق به الضرر عند من لا يوافق على توجهه الفكري.
على أي حال، فإنه يمكن من خلال التتبع لمختلف دراساته تبين خطوط رئيسية في خياراته الفكرية نشير إلى شيء منها هاهنا :
بادئ ذي بدء، لا يخفي الكاتب انحيازه للعقلانية حيث يقول:
(نحن نصدر عن موقف نقدي ينشد التغيير، من التحرك من موقع أيديولوجي واعٍ، أي لابد من الصدور عن موقف تاريخاني؟ ، موقف يطمح ليس فقط في اكتساب معرفة صحيحة بما كان، بل أيضاً إلى المساهمة في صنع ما يتبقى أن يكون، وهو بالنسبة للمجال الذي نتحرك فيه: الدفع بالفكر العربي في اتجاه العقلنة، اتجاه تصفية الحساب مع ركام -ولا نقول رواسب- اللامعقول في بنيته.
(تكوين العقل العربي: 52).. (لأن موضوعنا هو العقل، ولأن قضيتنا التي ننحاز لها هي العقلانية) (التكوين: ص7).
تبني العقلانية، والدفاع عنها، والتنويه برموزها كان هدف الجابري الذي لا يخفيه في عامة دراساته التي أصدرها.. لكن العقلانية بأي معنى…؟!
إنه لا يوجد صراحة من يعلن الحرب على العقل والعقلانية(1) لكن الاختلاف يظهر عندما يتحدد المقصود بالعقلانية.. فما هي يا ترى العقلانية التي يدعو إليها الباحث، وينافح عنها..؟ من خلال الرموز الذين دافع عنهم الجابري يمكن تلمس ملامح تلك العقلانية، وسماتها الأساسية.
لقد عرض الباحث فكر أرسطو في (بنية العقل العربي) (ص 384) دون أن يتحفظ على شيء مما جاء فيه، كما اعتبر الفارابي الذي يسمى (المعلم الثاني) اعتبره هو الذي أعاد تأسيس العقلانية في الإسلام، نظراً لكونه أول من درس المنطق الصوري كاملاً، وقد تغافل الباحث عن الجوانب الغنوصية في فكره ولم يعطها وزنها الذي تستحقه، نظراً لأنه كما يقول جعل (العرفان) ينتج عن (البرهان)، كما تبنى هجوم ابن حزم على القياس باعتباره منهجاً في البحث لا يفضي إلى اليقين، واعتبر المنهجية الظاهرية الحزمية في الأصول أمتن من منهجية البيانيين وأقوم، وكذا أعجب بمنهجية الشاطبي في الموافقات، حيث بنى الأصول على المقاصد التي تعرف باستقراء أدلة الشرع..
لكن الشخصية الإسلامية التي تحتل قيمة لا منازع لها عند الجابري هي شخصية ابن رشد.. إن الخطاب الرشدي يبنى كله على النظر إلى الدين والفلسفة كبناءين مستقلين، يجب أن يبحث عن الصدق فيهما داخل كل منهما وليس خارجه، والصدق المطلوب هو صدق الاستدلال، وليس صدق المقدمات، ذلك أن المقدمات في الدين كما في الفلسفة، أصول موضوعة يجب التسليم بها دون برهان: فإذا كانت الصنائع البرهانية، في مبادئها المصادرات والأصول الموضوعة، فكم بالحري أن يكون ذلك في الشرائع المأخوذة من الوحي والعقل. (تهافت التهافت 2/869)، ولذلك (فإن الحكماء من الفلاسفة لا يجوز عندهم التكلم ولا الجدال في مبادئ الشرائع، وذلك أنه لما كانت لكل صناعة مبادئ، وواجب على الناظر في تلك الصناعة أن يسلم لمبادئها، ولا يتعرض لها بنفي ولا إبطال؛ كانت الصناعة العملية الشرعية أحرى بذلك..) (التهافت 2/791).
علام تدل هذه الكلمات؟! اعتبار الشريعة نسقاً مغلقاً لا يمكن الاستدلال عليه من خارجه؛ ألا يعني هذا أن الدين تسليم دون استدلال؟! وإذا صح هذا فكيف يمكن التمييز بين الدين الصحيح والزائف؟! ألا تحمل هذه الكلمات بذوراً علمانية خطيرة؟!(52/427)
-يعلق الجابري على منهج ابن رشد بقوله: (كانت الرشدية قادرة على طرق آفاق جديدة تماماً، وهذا ما حدث بالفعل، ولكن في أوروبا حيث انتقلت وليس في العالم العربي حيث اختنقت في مهدها، ولم يتردد لصيحتها الأولى صيحة الميلاد أي صدى إلى اليوم..) (بنية العقل العربي: ص323) أي صدى تردد في أوروبا، إنه الصدى الذي تبنى العلمانية منهاجاً، وجعل من الدين مواضعات اجتماعية وأخلاقية خاصة، فمن تبنى العلمانية منهاجاً وجعل من الدين مواضعات اجتماعية وأخلاقية خاصة، فمن شاء أن يلتزم بها فله ذلك ومن لم يشأ فلا جناح عليه !! أما أن يتدخل الدين في صياغة المنهج السياسي أو الاقتصادي، أو العلاقات الخارجية، فكلا، ليس ذلك للدين وإنما هو للعقل البشري المجرد..!!
هل يريد الجابري هذه النتيجة..؟! من العدل أن نقول إنه لم يصرح بهذا في هذه الكتب…لكن القارئ بسوء نية يمكنه أن يفهم ذلك..
ملاحظات ومراجعات:
رغم الجهد الضخم الذي بذله الجابري في إعداد هذا المشروع الفكري مستفيداً في ذلك ممن سبقه من الباحثين، مسلمين كانوا أو مستشرقين أو ماركسيين.. الخ؛ فإن المرء لا يسعه إلا أن يتبنى موقفاً مغايراً لما تبناه المؤلف في كثير من المواضع في تلك الكتابات، نقف في هذا العرض عند بعض منها:
من الملفت للنظر في هذا المشروع النقدي، أنه في غمرة حماسته للفلسفة الأرسطية، قد غض الطرف عن النقد الجوهري المتين الموجه قديماً وحديثاً لهذه الفلسفة، سواء أكان ذلك في المنطق الذي يحكمها أو في النتائج والرؤية التي تنتج عنها، حتى أن العلم الحديث لم يتمكن من تحقيق فتوحاته العظيمة حتى تحرر من أسرها، والمؤلف خبير بالمنهج العلمي الحديث في البحث والتفكير، حيث وضع فيه كتاباً في جزأين تحت عنوان (فلسفة العلوم)، ظهر له من خلالهما البون الشاسع بين التفكير العلمي الحديث والمنهج الأرسطي القاصر فلماذا يا تُرى جعل الباحث المنهج الأرسطي معياراً للحكم على فكر هذا العالم أو ذاك بالتقدم أو التخلف، بالعقلانية أو عدمها؟!
حقيقة.. لا يظهر لي سبب واضح وراء هذه الحماسة والاندفاع.
__________
(1) …مما يؤسف له حقاً أن من بين المتمسكين بالنص في الإسلام من يتصور أن الإسلام ضد العقلانية، وأن مقتضى الوفاء للنص يعني الحرب والعداء للعقل، ولذلك يصفون المخالفين لهم (بالعقلانيين). وهذا خطأ مركب، فعلماء السلف لم يكونوا يسمون أهل البدع إلا بأهل "الأهواء" لا أهل العقول، ولم يكونوا يحاربون العقل أبداً، كيف والله تعالى يبين في كتابه الكريم أن هلاك الهالكين إنما كان بسبب ترك النص والعقل (وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير)، وهذه العجالة لا تكفي لتوفية هذا الموضوع حقه.
-رغم أن الجابري لم يبد عداءً نحو منهج البيانيين (فقهاء وأصوليين ولغويين) فهو في ذات الوقت لم يحدد موقفاً واضحاً من القضايا التي أثاروها ولم يبد انحيازاً مع تلك الطروحات أو ضدها، وهو موقف غريب غير مبرر. ومن المسائل ذات الدلالة في هذا الموضوع أن ابن تيمية رغم مساهمته الثرية والعميقة في كل القضايا التي أثارها المؤلف في كتاباته، لم يلق أي اهتمام يستحق الذكر مقارنة بغيره من الشخصيات التي برزت في علم الأصول أو علم الكلام أو الفلسفة… الخ.
ورغم عدم تحيزنا للأشخاص، فإنه يمكن اعتبار هذه الظاهرة ذات دلالة لا تخفى، حيث أن ابن تيمية يشكل ربما الصورة الأخرى لابن رشد… فرغم إطلاعه الواسع على الفلسفة بمختلف تياراتها، ودخوله في جدل عميق مع مختلف طروحاتها، إلا أنه ظل على إيمان عميق لا يتزعزع بأن العقل لا يعارض النقل ولا يُضادّه، وأن أكمل مناهج التفكير العقلي، إنما هي تلك التي دعى إليها النقل وحث عليها.
فهو بخلاف ابن رشد يؤمن بأن مبادئ الشرائع يمكن فحصها والاستدلال لها بالعقل، كما أن مقدمات الفلسفة هي الأخرى تخضع للفحص العقلي والنقلي؛ وذلك هو الموقف العلمي الصحيح، وإلا كيف لمسلم أن يتورط بالقول بأزلية العالم؟، وذلك مخالف لمسلمة قطعية من مسلمات الدين وهي الاعتقاد بأن هذا العالم مخلوق بعد أن لم يكن؟!
كيف لمفكر يحترم نفسه أن يسلم بالرؤية الفلكية الأرسطية، ويبقى في ذات الوقت محترماً للنص الشرعي مؤمناً بما فيه، بحجة أن هذه مقدمة فلسفية وتلك مقدمة كلامية شرعية؟!
أليس في ذلك تغييباً مقصوداً للوعي؟! وعودة لا تخفى إلى التناقض؟!
-أشار المؤلف إلى أن منهجية البيانيين المفضلة هي الاستدلال بالشاهد على الغائب، وهي دعوى غير مسلم بها، فلقد كان للأصوليين المتقدميين كلام في الاستحسان، والمصالح، والاستقراء، والاستنباط، وهي طرائق في الفهم والاستدلال مغايرة لقياس الشاهد على الغائب.
كما أن للعلماء المسلمين في مجال العلوم الطبيعية، منهجياً تجريبياً متقدماً حتى أن المسلمين يعتبرون بحق وبشهادة الباحثين الغربيين أنفسهم سباقين إلى اكتشاف المنهج التجريبي، وعنهم أخذته أوروبا في عصر النهضة، وهي قضية لم يعطها الكاتب حقها من الاهتمام والتقدير الكافيين.(52/428)
هذه مسألة…. والمسألة الأخرى في هذا الصدد حول قيمة المنهج في الوصول إلى الحقيقة… إن التقدم العلمي الهائل الذي تشهده العلوم التجريبية المعاصرة، ليس في الحقيقة ناتجاً عن تقدم المنهج إطلاقاً… إنما هو في الواقع ناتج عن الإمكانات الهائلة التي أودعها الله في هذا الكون… إنها عظمة الله تتبدى في عظمة خلقه، وليس ذلك ناجماً عن عظمة المناهج البشرية. إن العلم يكشف الطبيعة (الخلق) وقوانينها (السنن) ولا يخلقها من عدم… بل إن لبعض علماء الفيزياء المرموقين المعاصرين وهو بول ديفيس البريطاني كتاباً سماه "ضد الطريقة Against Method" يذكر فيه أن المنهج لم يكن في يوم من الأيام رائداً للبحث العلمي، بل كان دوماً متخلفاً وتابعاً للبحث العلمي!!
فالدور الضخم الذي يعطيه الجابري للمنهج يحتاج إلى مراجعة وتدقيق.
-في حديث المؤلف عن مرحلة التدوين في العصر العباسي، أشار إلى ما كتبه ابن المقفع في رسالته التي سماها "رسالة الصحابة" حيث يرى فيها كما يرى محمد أركون إنها ذات نفس علماني واضح…! وحجتهم الوحيدة على ذلك: هو أنه لم يستشهد في هذه الرسالة بالقرآن، ولا بالحديث ولا بأي عنصر آخر من الموروث الإسلامي…! والحقيقة أن القارئ لهذه الرسالة لا يجد ذلك النفس العلماني المزعوم، وإنما غرض ابن المقفع الدعوة لتنظيم الدولة، وتوحيد القضاء، منعاً للاختلاط والاضطراب، وذلك باستخدام سلطة الخليفة دون أي دعوة ظاهرة أو خفية إلى تنحية الشريعة، أو تقديم بديل عنها، وهو مطلب لا يوجد أي غبار عليه، ولا يعتبر مطعناً في صاحبه!
-يركز الجابري في دراساته المختلفة على البعد العربي لمناهج التفكير والمدارس التي يحلل إنتاجها، وهو بعد ليس له مبرر، ذلك أن هذا التراث شاركت في بنائه وتكوينه عقول مختلفة من شتى الشعوب الإسلامية، ولم ينفرد العرب في تكوينه ولا تدوينه، وإنما هو ثمرة لتضافر جهود آلاف من الباحثين المسلمين في شتى التخصصات، فلعل الكاتب خشي من سوء الفهم عند نقد العقل المسلم، إذ يفهم بعضهم ذلك بأنه نقد "للمنهج الإسلامي" وليس لمناهج "المفكرين المسلمين" والفرق بعيد بين الأمرين.
ورغم وجاهة هذا الاحتمال، فإنه لا يكفي مبرراً لإضفاء صفة "قومية" على التراث الإسلامي، ويمكن تلافي مثل هذه المخاطر بالتنبيه عليها في مطلع أو خاتمة مثل هذه الدراسة .
-وأخيراً… رغم النجاح الواضح الذي حالف المؤلف في تعرية تيارات الغنوص، والعرفان الرافضي والباطني والفلسفي والصوفي، وكذلك في الكشف عن مناطق الضعف والخلل عند بعض التيارات الأخرى، إلا أنه في ذات الوقت لم يبلور للقارئ الملامح النهائية للمشروع النهضوي المنشود الذي تتبناه هذه الدراسة وتدعو إليه … فظاهر أن المؤلف لا يقف موقف الموتور المعادي للموروث الإسلامي، لكنه في ذات الوقت لم يبشر به، ويعتبره المخرج مما نعانيه من أزمة على شتى الصُعُد.
-إن الحلول التي قدمها المؤلف في نهاية كتابه عن العقل السياسي وهي:
تحويل القبيلة إلى تنظيم مدني سياسي اجتماعي: لأحزاب أو نقابات..الخ، وفتح الباب لقيام مجال سياسي حقيقي، تمارس فيه السياسة ويصل بين سلطة الحاكم وامتثال المحكوم.
تحويل الغنيمة إلى اقتصاد ضريبة في إطار اقتصادي إقليمي جهدي وفي إطار سوق عربية مشتركة تفسح المجال لقيام وحدة اقتصادية عربية تنموية.
تحويل العقيدة إلى مجال يسمح بحرية التفكير وحق الاختلاف والتحرر من سلطة الجماعة المغلقة والتحرر من سلطة عقل الطائفة والتعامل مع عقل اجتهادي نقدي" (العقل السياسي: ص37) هذه الحلول لا تمثل برنامجاً كافياً مبلوراً للخروج من أزمة التخلف والتبعية والتشرذم… ولذلك فإنني أدعو الباحث وغيره من الجادين في الرغبة بنهوض هذه الأمة، ومحاولة استئناف مسيرتها القيادية لذاتها وللناس أدعوهم إلى مراجعة موقفهم من الحل الإسلامي، واتخاذ موقف أكثر علمية من الموقف الهلامي الذي يتخذه كثير منهم.. لابد لهم لكي يكونوا واقعيين مع أنفسهم أن ينحازوا للخيار الذي لا تقبل الأمة عنه بديلاً… ألا وهو رفع شعار الحل الإسلامي، والتبشير به والدعوة إليه والسير الحثيث والفعلي لإنجازه…(عسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين) (المائدة:25)… (صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة ونحن له عابدون) (البقرة:138)… (ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول شهيداً عليكم وتكونوا شهداء على الناس) (الحج:78) والحمد لله رب العالمين). انتهى كلام الأستاذ عبد العزيز الوهيبي -وفقه الله-.(52/429)
وقال الدكتور مفرح بن سليمان القوسي في رسالته (المنهج السلفي والموقف المعاصر منه في البلاد العربية) (2/561-569): (الدكتور محمد عابد الجابري : الذي قدم في كتبه ما يمكن أن يُسمى مشروعاً تحديثياً لتجديد الشريعة كي تبدو موافقة للتطور وموائمة لظروف العصر، والتجديد الذي يدعو إليه ليس هو التجديد بمفهومه السلفي الضيق -على حد تعبيره- بل تجديد بمفهوم عصري واسع يقوم على العقل وحده، فنراه يقول: "والتجديد بالنسبة للرؤية الإسلامية جزء من الحياة نفسها بدليل الحديث النبوي المشهور (إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها)، وبما أن الإسلام لا يفصل بين الدين والدنيا، بل بالعكس من ذلك يربط صلاح أمور الدين بصلاح أمور الدنيا، فإن تجديد أمور الدين يعني في ذات الوقت تجديد أمور الدنيا. وبما أن أمور الدنيا تتغير من زمان إلى آخر، فإن مفهوم التجديد ومتطلباته لابد أن يتغير حسب الظروف والأعصار. وهكذا فإذا كان بعض الفقهاء القدامى قد فسروا "التجديد" على أنه كسر للبدعة والعودة بالمسلمين إلى سيرة السلف الصالح، فينبغي ألا نقف عند حدود هذا المعنى تقليداً لهم وتقيداً بالتعريف الذي أعطوه للبدعة، والذي استمدوه من ظروف عصرهم ومعطيات واقعهم"(1) .
ويقول كذلك محدداً (التجديد) الذي يحتاج إليه المسلمون اليوم:"والحق أن ما يحتاج إليه المسلمون اليوم هو "التجديد" وليس مجرد "الصحوة"، إن التحديات التي تواجه العالم العربي والعالم الإسلامي تتطلب ليس فقط رد الفعل بل الفعل، والفعل في العصر الحاضر هو أولاً وأخيراً فعل العقل… لأن العصر يقوم كل شيء فيه على الفعل العقلاني"(2) .
ويتمثل المشروع التحديثي الذي قدّمه الجابري لتجديد الشريعة فيما يلي:
__________
(1) … وجهة نظر نحو إعادة بناء قضايا الفكر العربي المعاصر ص40-41، ط الثانية 1994م، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت -لبنان. وانظر: التراث والحداثة ص 10-11، ط الأولى 1991م، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت -لبنان.
(2) … وجهة نظر ص 40.
أولاً: إعادة تأصيل الأصول ولا سيما أصول الفقه، وإعادة بناء منهجية التفكير في الشريعة، وفي هذا يقول: "إن المطلوب اليوم هو إعادة بناء منهجية التفكير في الشريعة انطلاقاً من مقدمات جديدة ومقاصد معاصرة، وبعبارة أخرى: المطلوب اليوم تجديد ينطلق لا من مجرد استئناف الاجتهاد في الفروع، بل من إعادة تأصيل الأصول؛ من إعادة بنائها"(1) ، ويقول أيضاً: "إنما نريد أن يتجه تفكير المجتهدين الراغبين في التجديد حقاً والشاعرين بضرورته فعلاً إلى القواعد الأصولية نفسها، إلى إعادة بنائها بهدف الخروج بمنهجية جديدة تواكب التطور الحاصل، سواء على صعيد المناهج وطرق التفكير والاستدلال أو على صعيد الحياة الاجتماعية والمعاملات الجارية فيها التي تفرضها مستجدات العصر وضروراته وحاجاته. إن القواعد الأصولية التي ينبني عليها الفقه الإسلامي لحد الآن ترجع إلى عصر التدوين (العصر العباسي الأول)، وكثير منها يرجع إلى ما بعده. أما قبل عصر التدوين هذا فلم تكن هناك قواعد مرسمة تؤطر التفكير الاجتهادي بمثل ما حدث بعد، والفقهاء الذين وضعوا تلك القواعد قد صدروا في عملهم الاجتهادي ذاك عن النظام المعرفي السائد في عصرهم، وعن الحاجات والضرورات والمصالح التي كانت تفرض نفسها في ذلك العصر، وبما أن عصرنا يختلف اختلافاً جذرياً عن عصر التدوين ذاك، سواء على مستوى المناهج أو المصالح، فإنه من الضروري مراعاة هذا الاختلاف والعمل على الاستجابة لما يطرحه ويفرضه"(2)، ويقول كذلك: "إننا نريد أن نؤكد في هذا السياق أن الدعوة إلى تحقيق الأصالة والمعاصرة، وهي دعوة ما فتئت تتردد على ألسنتنا وفي كتاباتنا منذ أكثر من قرن ودون جدوى ستبقى مجرد دعوة تتقاذفها أمواج التغير والتبدل الذي يفرض نفسه على الحياة المعاصرة ما لم ترتفع تلك الدعوة إلى المستوى الذي يجعل منها دعوة إلى التكيف الواعي مع المستجدات قصد السيطرة عليها ارتكازاً على تأصيل جديد للأصول"(3) .
ويقول كذلك مبرراً دعوته إلى تغيير أصول الفقه :"القواعد الأصولية هذه ليست ما نص عليه الشرع لا الكتاب ولا السنة، إنها من وضع الأصوليين، إنها قواعد للتفكير، قواعد منهجية، ولا شيء يمنع من اعتماد قواعد منهجية أخرى إذا كان من شأنها أن تحقق الحكمة من التشريع في زمن معين بطريقة أفضل"(4).(52/430)
ومن القواعد الأصولية التي يريد الجابري تغييرها كي تبدو الشريعة مواكبة للعصر ومسايرة للتطور ما قرره معظم الفقهاء من دوران الحكم الشرعي مع علته في عملية الاجتهاد، ومعلوم أن العلة وصف منضبط في الشيء الذي صدر فيه الحكم؛ وبهذا الوصف يُعرف وجود الحكم فإذا وجد وُجد الحكم. ويريد الجابري تغيير ذلك بأن يكون دوران الحكم الشرعي مع الحكمة والمصلحة لا مع العلة، فإذا وُجدت الحكمة والمصلحة وُجد الحكم، وإذا عُدمت أُلغي الحكم، ويضرب لذلك مثالاً وهو : الحكم بإباحة الفوائد المترتبة على بعض المعاملات المالية التي هي نوع من شهادات الاستثمار وسندات البنوك وذلك لعدم وجود الاستغلال في هذا النوع من المعاملات، ويقول: "ومعلوم أن منع الاستغلال هو الحكمة من تحريم الربا" (5).
__________
(1) … المرجع السابق ص 57. وانظر : التراث والحداثة ص 10-11.
(2) … وجهة نظر ص 63.
(3) … المرجع السابق ص 66.
(4) … المرجع السابق ص 62.
(5) … المرجع السابق ص 61.
ويحتج الجابري على ما ذهب إليه من ضرورة أن يكون دوران الحكم مع الحكمة والمصلحة لا مع العلة بقوله: "وإذا كان عمر بن الخطاب قد عمل باجتهاده واجتهاد الصحابة الذي استشارهم في مسألة فيها نص، فوضع الخراج عن الأراضي المفتوحة عنوة بدل تقسيمها بين المقاتلين مراعياً في ذلك المصلحة؛ مصلحة الحاضر والمستقبل، وإذا كان قد عدل عن قسمة الغنائم بالسوية كما كان يفعل النبي وأبو بكر، وارتأى أن "العدل" يقتضي قسمتها على أساس السبق في الإسلام والقرابة من الرسو صلى الله عليه وسلم ، إذا كان عمر بن الخطاب -المشرع الأول في الإسلام بعد الكتاب والسنة- قد اعتبر المصلحة ومقاصد الشرع فوضعهما فوق كل اعتبار فلماذا لا يقتدي المجتهدون والمجددون اليوم بهذا النوع من الاجتهاد والتفكير بدل الاقتداء بفقهاء عصر التدوين والترسيم؟ لماذا نضيق على أنفسنا ونسجن اجتهادنا في قواعد كانت تفي بالمصلحة والمقاصد قليلاً أو كثيراً في زمان إذا لم تعد تفي بنفس الغرض اليوم على أكمل وجه، والحال أنها قواعد مبنية على ظن المجتهد، وليس فيها شيء من القطع واليقين باعتراف أصحابها أنفسهم؟. أما دوران الأحكام مع المصالح فشيء يفرض نفسه ما دمنا نقرر أن المصلحة هي الأصل في التشريع، وأعتقد أن هذا المبدأ هو الذي صدر عنه الخليفة الفاروق عمر بن الخطاب، وإذن فالاجتهاد يجب أن يكون لا في قبول هذا المبدأ أو عدم قبوله بل في نزع الطابع الميكانيكي عن مفهوم الدوران، والعمل من أجل الارتفاع بفكرة المصالح إلى مستوى المصلحة العامة الحقيقية كما تتحدد من منظور الخلقية الإسلامية، إنه بدون هذا النوع من التجديد سيبقى كل اجتهاد في إطار القواعد الأصولية القديمة اجتهاد تقليد وليس اجتهاد تجديد حتى ولو أُتي بفتاوى جديدة"(1) .
ثانياً: تأسيس معقولية الأحكام الشرعية، وذلك باتخاذ المقاصد والمصالح أساساً للتشريع، وربط الأحكام الشرعية بأسباب نزولها، وفي هذا يقول الجابري: "عملية تأسيس معقولية الأحكام هي العملية التي بدونها لا يمكن تطبيق الشريعة على المستجدات، ولا على الظروف والأحوال المختلفة المتباينة، ولما كان مقصد الشارع الأول والأخير هو مصلحة الناس (فالله غني عن العالمين) (2)، فإن اعتبار المصلحة هو الذي يؤسس معقولية الأحكام الشرعية، وبالتالي فهو أصل الأصول كلها، وواضح أن هذه الطريقة تتحرك في دائرة واسعة لا حدود لها؛ دائرة المصلحة وبالتالي فهي تجعل الاجتهاد ممكناً ولدى كل حالة"(3).
__________
(1) … المرجع السابق ص 63 - 64.
(2) … لعله يقصد هنا الآية الكريمة وهي قوله تعالى : (ومن كفر فإن الله غني عن العالمين) آل عمران 97.
(3) … المرجع السابق ص 58.(52/431)
ويقول أيضاً داعياً إلى ربط الأحكام بأسباب نزولها كي تبدو الشريعة أكثر طواعية وأشد مسايرة لظروف العصر وأحواله المتغيرة: "لا سبيل إلا باعتبار المقاصد والمصالح أساساً للتشريع، ذلك لأنه في هذه الحالة يتجه المجتهد بتفكيره لا إلى اللفظ (الحقيقة، المجاز، الاستعارة، الخصوص، العموم)، بل إلى (أسباب النزول)، وهذا باب عظيم واسع يفتح المجال لإضفاء المعقولية على الأحكام بصورة تجعل الاجتهاد في تطبيقها وتنويع التطبيق باختلاف الأحوال وتغير الأوضاع أمراً ميسوراً"(1) ، ويقول :"بناء معقولية الحكم الشرعي على (أسباب النزول) في إطار اعتبار المصلحة يُفسح المجال لبناء معقوليات أخرى عندما يتعلق الأمر بـ(أسباب نزول) أخرى، أي بوضعيات جديدة، وبذلك تتجدد الحياة في الفقه، وتتجدد الروح في الاجتهاد، وتصبح الشريعة مسايرة للتطور قابلة للتطبيق في كل زمان ومكان"(2) ، ويضرب الجابري لذلك مثالاً وهو: ضرورة ربط عقوبة القطع في السرقة في الشريعة الإسلامية بأسباب نزولها؛ وهي: ما كان عليه العرب قبل الإسلام وزمن البعثة النبوية من حيث إقامتهم في مجتمع بدوي صحراوي، واعتمادهم على التنقل والترحال طلباً للكلأ مما يلزم معه قطع يد السارق، وأما في وقتنا الحاضر وقت التطور العمراني والصناعي فقطع يد السارق غير ملائم لردعه عن تكرار السرقة، بل الملائم هو السجن بدل القطع، فنراه يقول ما نصه: "إذا تحررنا من سلطة القياس والانشداد إلى الألفاظ، وانصرفنا باهتمامنا بدلاً من ذلك إلى البحث عن (أسباب النزول)، وهي هنا الوضعية الاجتماعية التي اقتضت نوعاً ما من المصلحة وطريقة معينة في مراعاتها، فإننا سنجد أن قطع يد السارق تدبير مبرر ومعقول داخل تلك الوضعية، وهكذا فبالرجوع إلى زمن البعثة المحمدية والنظر إلى الأحكام الشرعية في إطار الوضعية التي كانت قائمة يومئذ سنهتدي إلى المعطيات التالية: أولاً: أن قطع يد السارق كان معمولاً به قبل الإسلام في جزيرة العرب. ثانياً: أنه في مجتمع بدوي ينتقل أهله بخيامهم وإبلهم من مكان إلى آخر طلباً للكلأ؛ لم يكن من الممكن عقاب السارق بالسجن، إذ لا سجن ولا جدران ولا سلطة تحرس المسجون وتمده بالضروري من المأكل والملبس…. الخ، وإذن فالسبيل الوحيد هو العقاب البدني. وبما أن انتشار السرقة في مثل هذا المجتمع سيؤدي حتماً إلى تقويض كيانه، إذ لا حدود ولا أسوار ولا خزائن، فلقد كان من الضروري جعل العقاب البدني يلبي هدفين: تعطيل إمكانية تكرار السرقة إلى ما لا نهاية، ووضع علامة على السارق حتى يُعرف ويحتاط الناس منه، ولا شك أن قطع اليد يلبي هذين الهدفين معاً، وإذن فقطع يد السارق تدبير معقول تماماً في مجتمع بدوي صحراوي يعيش أهله على الحل والترحال، ولما جاء الإسلام وكان الوضع العمراني الاجتماعي زمن البعثة لا يختلف عما كان عليه من قبل احتُفظ بقطع اليد كحد للسرقة من جملة ما احتُفظ به من التدابير والأعراف والشعائر التي كانت جارية في المجتمع العربي قبل الإسلام، مع إدراجها في إطار خلقية الإسلام"(3) .
ثالثاً: التوسع في تحديد مقاصد الشريعة، وعدم الاقتصار فيها على ما ذكره فقهاء الأمة واتفقوا عليه فيما يدخل ضمن الضروريات، والحاجيات، والتحسينات، حيث يقول: "إن الأمور الخمسة التي حصر فيها فقهاؤنا القدامى (الضروريات) كانت وما تزال وستبقى أموراً ضرورية بالفعل، أي مقاصد أساسية لكل تشريع يستهدف فعلاً خدمة (مصالح العباد)، غير أن (مصالح العباد) اليوم لم تعد مقصورة على حفظ الدين والنفس العقل والنسل والمال، بل إنها تشمل بالإضافة إلى الأمور الخمسة المذكورة أموراً أخرى نعتقد أنه لابد من أن ندرج فيها: الحق في حرية التعبير وحرية الانتماء السياسي، والحق في انتخاب الحاكمين وتغييرهم، والحق في الشغل والخبز والمسكن والملبس، والحق في التعليم والعلاج.. إلى غير ذلك من الحقوق الأساسية للمواطن في المجتمع المعاصر. أما الحاجيات فبالإضافة إلى ما ذكره فقهاؤنا القدامى؛ هناك حاجيات جديدة مثل الحاجة إلى توفير الصحة والوقاية من الأمراض بإعداد ما يكفي من مستشفيات وغيرها، والحاجة إلى مالابد منه لتنشيط الإبداع الفكري في مختلف المجالات العلمية والفنية والنظرية، والحاجة إلى ما لابد منه لاكتساب معرفة صحيحة بالواقع والأحداث… أما التحسينات التي يتطلبها عصرنا فحدّث ولا حرج"(4) . ويختم كلامه بهذا الخصوص بقوله: "إذا كانت هناك ضرورات عامة خالدة كتلك التي أحصاها فقهاؤنا بالأمس، فإن لكل عصر ضرورياته وحاجياته وتكميلياته، وهكذا فعندما ننجح في جعل ضروريات عصرنا جزءاً من مقاصد شريعتنا فإننا سنكون قد عملنا ليس فقط على فتح باب الاجتهاد في وقائع عصرنا المتجددة المتطورة؛ بل سنكون أيضاً قد بدأنا العمل في تأصيل أصول شريعتنا نفسها بصورة تضمن الاستجابة الحية لكل ما يحصل من تغيير أو يطرأ من جديد"(5) .
__________
(1) … المرجع السابق ص 59. وانظر: التراث والحداثة ص 10-11.
(2) … وجهة نظر ص 61.
(3) … المرجع السابق ص 60 - 61.
(4) … المرجع السابق ص 67.
(5) … المرجع السابق ص 68.(52/432)
رابعاً: إسقاط الحد في جرائم السرقة والزنا وشرب الخمر والقذف، والاكتفاء فيها بالسجن، لأن الحدود -في نظره- ليست غاية في ذاتها وإنما هي وسيلة لردع وزجر النوازع الذاتية الفردية الهدامة، أي التي تمس مصلحة الجماعة أو الأمة.
ويستدل الجابري على إسقاط الحدود بحديث (ادرأوا الحدود بالشبهات) مدعياً أن شبهات عصرنا كثيرة ومتفرعة بسبب تعقد الحياة المعاصرة وتنوع الحوافز فيها، بالإضافة إلى وجود الشبهات الراجعة إلى السياسة التي تجعل تنفيذ الحدود يلتبس بالأغراض والدوافع السياسية، وتلك -كما يقول- شبهة وأية شبهة(1).
ويدّعي أن الشريعة الإسلامية لم تطبق تطبيقاً كاملاً في كل مراحل التاريخ الإسلامي بما فيها المرحلة الأولى في عصر الرسو صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين، فنراه يعلنها صراحة في قوله: "أنا لا أجد حرجاً لا في ديني ولا في وجداني ولا في عقلي إذا قلتُ إن الشريعة الإسلامية لم تطبق قط كاملة في يوم من الأيام"(2) !!
ويرى الجابري أن "السلفية" التي تعني -كما يقول- استقامة السلوك والتجديد في الدين والعمل من أجل المستقبل من خلال الدعوة إلى الرجوع إلى سيرة السلف الصالح؛ لا تناسب الأمة الإسلامية في العصر الحاضر للحفاظ على وجودها واستمراريتها، لأن "السلفية" -في رأيه- "نوع من المقاومة الذاتية لأمراض داخلية ذاتية المنشأ، وقد كانت كافية وناجعة عندما كانت الحضارة العربية الإسلامية هي حضارة العالم لعصرها، أعني غير مزاحمة ولا مهددة بحضارة معاصرة لها على صعيد الزمن"(3) . ويرفض نموذج السلف، ويرى أن النموذج الذي يجب استلهامه من أجل إعادة بناء الذات تجربتان: أولاهما جماع التجربة التاريخية لأمتنا بغض النظر عمن صدرت عنهم هذه التجربة وعن موافقتها للحق والصواب من عدمه. والثانية: التجربة التاريخية لمختلف الأمم الأخرى، فنراه يقول ما نصه: "النموذج الذي يجب استلهامه من أجل إعادة بناء الذات؛ ذاتنا نحن وتحصينها وتلقيحها ضد الذوبان والاندثار والاستلاب ينبغي ألا يكون من نوع "النموذج -السلف" الذي يُقدّم نفسه كعالم يكفي ذاته بذاته، بل يجب أن يشمل جماع التجربة التاريخية لأمتنا مع الاستفادة من التجربة التاريخية للأمم التي تناضل مثلنا من أجل الوجود والحفاظ على الوجود، وأيضاً من التجربة التاريخية للأمم التي أصبحت اليوم تفرض حضارتها كحضارة للعالم أجمع. لقد كانت السلفية كافية وفعالة وإجرائية يوم كنا وحدنا في بيت هو بيتنا وبيت لنا في نفس الوقت، أما وقد أصبحنا جزءاً في كل فإن الطريق الوحيد لإثبات وجودنا والحفاظ على خصوصيتنا داخل هذا الكل هو طريق التعامل معه بالمنطق الذي يؤثر فيه؛ منطقه هو ولكن من مواقعنا لا من مواقع غيرنا، ومنطق الكل الذي ننتمي إليه اليوم - أعني منطق الحضارة المعاصرة- يتلخص في مبدأين: العقلانية، والنظرة النقدية. العقلانية في الاقتصادي والسياسة والعلاقات الاجتماعية، والنظرة النقدية لكل شيء في الحياة؛ للطبيعة والتاريخ والمجتمع والفكر والثقافة والإيديولوجيا. هذا في حين أن منطق سيرة السلف الصالح -التي تُمثل "المدينة الفاضلة" في التجربة التاريخية للأمة العربية الإسلامية- كان شيئاً آخر، كان منطقه يقوم على المبدأ التالي: الدنيا مجرد قنطرة إلى الآخرة، وقد أدى هذا المنطق وظيفته يوم كان العصر عصر إيمان فقط وليس عصر علم وتقنية وأيديولوجيات"(4)). انتهى كلام الدكتور القوسي -سلمه الله-.
====================(52/433)
(52/434)
نظرة شرعية في فكر (الدكتور أحمد البغدادي)
دكتور كويتي معاصر، وأستاذ بجامعة الكويت .
له مشاركات في صحف الكويت، إضافة إلى هذه المؤلفات :
تجديد الفكر الديني: نشر دار المدى بسوريا، الطبعة الأولى عام 1999م .
الدولة الإسلامية بين الواقع التاريخي والتنظير الفقهي، دار قرطاس بالكويت، الطبعة الأولى عام 1994م.
حزب التحرير ، دار قرطاس بالكويت، الطبعة الثانية عام 2001م.
لمحة عنه:
يعد البغدادي أحد أبرز العلمانيين الكويتيين، وأكثرهم جرأة في الطرح، وفي مهاجمة الإسلام وأهله.
وقد ذاع صيت الرجل بالسوء! عندما أطلق مقولته الكفرية التي اتهم فيها الرسولمحمدا صلى الله عليه وسلم بأنه قد "فشل" في دعوته!!
وقد قام بعض الغيورين في الكويت برفع أمره للمحكمة التي حكمت عليه بالسجن، إلا أنه سرعان ما خرج أو أُخرج !!
لهذا الكاتب كتاب بعنوان (تجديد الفكر الديني)! كشف فيه عن وجهه القبيح دون استحياء ، وعن دعوته للعلمانية بتصريح دون تلميح . وسيكون التركيز عليه في ذكر انحرافات الرجل
انحرافاته:
أول انحراف للبغدادي -كما علمنا- هو تصريحه بفشل الرسو صلى الله عليه وسلم في دعوته ! وهذه عبارة كفرية يستتاب منها فإن تاب وإلا قُتل ردةً. (انظر مجلة المجتمع الكويتية، عدد 1373، ص 16-17).
__________
(1) … انظر: وجهة نظر ص 68-72.
(2) … المرجع السابق ص 73. وراجع ص 72-76 من المرجع نفسه.
(3) … المرجع السابق ص 45.
(4) … المرجع السابق ص 45 -46.
ومنها: تهجمه على أحكام الشريعة الإسلامية بقوله -أخزاه الله- : "ما السبب الكامن وراء تبني المسلمين حكاماً ومحكومين المفاهيم العلمانية عملياً لا فكراً، دون حرج، أو لنقل دون تفكير؟ الإجابة بسيطة، لقد أصبحت هذه المفاهيم جزءً من متطلبات المجتمع المدني الذي أخذ المسلمون يقطفون خيراته من خلال دولة القانون. هذه الدولة التي ألغت -دون إعلان- معظم المفاهيم الدينية في العقوبات وأنواع العلاقات الجنسية غير العقلانية (ملك اليمين والتسري) وأبقت على الزواج فقط، وألغت الرق، وهجرت الزكاة مقابل تبني الاقتصاد الربوي الغربي، واستبدلت بكل ذلك العقل الذي أسس الدولة المعاصرة" ! (تجديد الفكر الديني، ص 40).
قلت: فهذا العلماني يُفضل حكم الكفر والطاغوت على حكم الإسلام، بل يتهم حكم الإسلام بأنه لا يناسب العصر، وهذه ردة عظيمة عن دين الإسلام -والعياذ بالله-.
ومن ذلك : قوله مصرحاً بعلمانيته: "من المعروف أن أسس الإيمان لا تتضمن السياسة" (المرجع السابق 46).
ومن ذلك: قوله : "إن من الطبيعي عجز رجل الدين عن اللحاق بإنجازات المجتمع المدني في المجال الفكري؛ لأن رجل الدين يعلم كل العلم أن ذلك يقتضي التخلي عن الكثير من آرائه البالية التي لم تعد صالحة للعصر الحديث وللمستقبل، وأنه ليس أمامه سوى أن يعترف بكونية العلمانية، وأن المستقبل لها" ! (المرجع السابق، ص47).
ومن ذلك : قوله ساخراً بمجتمع الرسو صلى الله عليه وسلم : "لنبحث في العلاقة المزعومة بين الإسلام والتنمية التي يدعيها التيار الديني، ولكن لنعلم أولاً وقبل كل شيء حقيقة مهمة هي أن المدينة المنورة مركز الدين وانطلاق الدعوة كانت أكثر المناطق الإسلامية فقراً" !! (المرجع السابق، ص291).
قلت: فالرجل علماني ينظر إلى الأمور بنظرة (مادية) (دنيوية)، وعنده أن من كان أكثر رخاء ونعيماً فإنه الأفضل! دون نظرٍ إلى دينه، وهذه نظرة كثير من العلمانيين المعاصرين الذين ينظرون بهذه النظرة (الدهرية)، متناسين سنن الله التي قضت بأن يمد هؤلاء وهؤلاء من عطائه، وأنه قد يبتلي المؤمن بالضراء. قال سبحانه (فأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه فيقول ربي أكرمن وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه فيقول ربي أهانن كلا) أي ليس الأمر كما تظنون، وليس إنعام الله على العبد بالنعم الدنيوية دليلاً على رضاه عنه، وهكذا ليس تضييقها عليه دليلاً على سخطه عليه.
والأدلة الشرعية كثيرة في توضيح هذا، ليس هذا موضعها.
ومن ذلك قوله: "من استعراض تاريخ دار الإسلام والخلفاء وكتب الأحكام السلطانية والسياسة الشرعية يتبين فشل الدين في ضبط وتوجيه السياسة" !! (المرجع السابق، ص301).
فانظر إلى هذا العلماني الماكر كيف يستغل أخطاء البشر وانحرافاتهم عن الحق في تشويه صورة الإسلام وأنه غير قادر على سياسة الناس ! والإسلام كما هو معلوم حجة على الناس وليس الناس حجة عليه. وما مثل هذا الرجل إلا كمثل من رأى من يشرب الخمر فطعن في حكم الإسلام القاضي بتحريمها؛ لأنه لم يردع هذا الشارب !!(52/435)
ومن ذلك : قوله "نعلم مسبقاً بالتعارض القائم بين مفاهيم الديمقراطية كحقوق الإنسان وبعض النصوص الدينية على سبيل المثال اختلاف الأديان يمنع التوارث، وعدم حق المرأة بتولي الإمارة، وعدم حقها في الزواج ممن يخالف دينها وما إلى ذلك من نصوص، وهذا يستدعي من الفقهاء جرأة جديدة وقوية وغير عادية، خاصة أن هناك بعض العلماء المعاصرين الذين يمتازون بهذه الروح، ونضرب على ذلك مثلين، الأول كتاب خليل عبد الكريم، الجذور التاريخية للشريعة الإسلامية، والثاني كتاب العالم الإسلامي عبدالله العلايلي(1): أين الخطأ: تصحيح مفاهيم ونظرة تجديد، ويمكن أن نضيف إلى هذه الكتابات الإبداعية الجريئة كتاب إبراهيم فوزي: تدوين السنة، وهناك بعض المحاولات التي تتم على استحياء لكنها تتراجع في بعض الأوقات مثل كتابات الشيخ محمد الغزالي الذي يستشعر القارئ له ميوله الدفينة نحو الغرب، بل لا نبالغ إذا قلنا إنه يحسد الغرب على ما وصل إليه في المجال السياسي وحقوق الإنسان" ! (المرجع السابق، ص408).
فهذا العلماني الأصل عنده أنه إذا تعارض الواقع العلماني الديمقراطي المزعوم مع نصوص الشريعة فإن الواجب أن تؤول هذه النصوص أو تُدفع وترد ويُقدم عليها هذا الواقع الكفري، -والعياذ بالله- !! ولا مانع عنده من تسمية هذا العمل اجتهاداً ! ما دام يوصل إلى مقصوده أخزاه الله.
ومن ذلك: سخريته بحديث صلى الله عليه وسلم المحذر من خروج المرأة من بيتها متعطرة ، وقوله: "نورد حديثاً نبوياً يردده معظم المتدينين، والقاضي بأن خروج المرأة من منزلها متعطرة حرام، والبعض يتشدد ويصف المرأة التي يُشتم منها الرجل رائحة عطرها بالزنا والعياذ بالله، لست مختصاً بعلم النفس، لكنني قرأت أن بعض الرجال تستثار غرائزهم عند شم رائحة العرق !!" ! (المرجع السابق، ص18-19)
__________
(1) … سيأتي بيان انحرافات هذا (العالم الإسلامي)! ضمن إحدى مجموعات هذه السلسلة -إن شاء الله-.
ومن ذلك : زعمه أن الاقتصاد لا يقوم بدون ربا، وطعنه في حكم تحريم الربا، بقوله: "هل يمكن للاقتصاد المعاصر أن يستغني عن الأسلوب التجاري المستخدم في البنوك العادية والمرتبطة بالاقتصاد العالمي، وتعطيل مصالح الناس الاقتصادية بسبب مفهوم غير حاسم وهو الربا" ! (المرجع السابق، ص 19).
ومن ذلك : طعنه في حكم قتل المرتد وقوله: "هل يمكن تطبيق مفهوم الردة وهو تبديل الدين، والدعوة لقتل المسلم الذي يعتنق الديانة المسيحية أو اليهودية أو يرفض اعتناق أي دين؟ لا شك أنه من المستحيل تطبيق ذلك عملياً" (المرجع السابق، ص 19). (وانظر : ص 82، 123 وما بعدها، 345، 388).
وقال -قبحه الله- في (ص 105): "هناك أيضاً أحاديث خطرة على حياة الإنسان؛ مثل حديث : (من بدل دينه فاقتلوه) " !
ومن ذلك : زعمه "أن ليس هناك ما يسمى بالحقيقة الدينية المطلقة"! (المرجع السابق، ص7). ولا أدري هل يدخل في هذا: وجود الله سبحانه؟! أو اليوم الآخر؟! أو …. الخ لأن الرجل يهرف بما لا يعرف.
ومن ذلك: دعوته الملحة إلى تطبيق الديمقراطية (المزعومة!)، وتفضيلها على حكم الشريعة الإسلامية! (انظر كتابه السابق، ص 120، 408).
ومن ذلك : تهجمه الدائم على أهل الإسلام، كقول هذا السفيه عنهم: "لقد قلت سابقاً وأكرر : إن التيار الديني لا عقل له" ! (المرجع السابق، ص345).
قلت: الخلاصة أن الرجل ليس ذا فكر، إنما هو مردد لما يقوله غيره من غلاة العلمانيين في بلادنا الإسلامية، مع جرأة في الطرح وعلو صوت. وأفكاره التي يجترها في مقالاته وكتبه هي: الدعوة إلى العلمانية ومحاربة حكم الله ومن يطالب به.
نسأل الله أن يهديه ، أو يُكمد قلبه ويُسِخْن عينه بتحكيم شرع الله في جميع بلاد المسلمين.
====================(52/436)
(52/437)
نظرة شرعية في فكر (فرح انطون)
ترجمته(1):
هو فرح بن أنطون بن إلياس أنطون.
نصراني لبناني.
ولد في مدينة طرابلس بلبنان عام 1874م، ودرس في مدرسة (دير بكفتين) اشتغل بالتجارة، ثم تولى إدارة مدرسة (نصرانية) أهلية في طرابلس أنشأتها جمعية خيرية للروم الأرثوذكس.
كان يراسل الصحف الصادرة بمصر لنشر أفكاره .
سافر إلى الإسكندرية ليستقر في مصر عام 1897م، ويكتب في عدد من صحفها.
وأنشأ فيها مجلة (الجامعة) سنة 1899م.
يقول الدكتور جورج نخل : (بقيت "الجامعة" المنبر الرئيس لنشر أفكار "أنطون" ومبادئه العلمية والعلمانية، وميوله الاشتراكية) (فرح أنطون، ص9).
أنشأ مجلة أخرى بعنوان (السيدات) وجعل أمرها بيد أخته "روز أنطون".
سافر "فرح" إلى أمريكا عام 1906م، وواصل إصدار المجلات هناك.
عاد بعد سنتين إلى مصر ليتابع نشر مجلة "الجامعة" فترة قصيرة إلى أن احتجبت.
لم يتوقف عن الكتابة في الصحف ، إضافة إلى كتابة المسرحيات .
توفي عام 1922م عن عمر يناهز (48) سنة.
آثاره :
1-الجامعة : مجلة شهرية أصدرها لمدة سبع سنوات. ضمنها آراءه الاجتماعية والسياسية، وسير الرجال العظام والمفكرين والأدباء… والمقالات العلمية والفلسفية، وهي مركز الثقل في كل كتاباته.
2-فلسفة ابن رشد: نشره على شكل مقالات في مجلته، ودار حوله جدال عنيف، بينه وبين الشيخ "محمد عبده" .
3-أورشليم الجديدة أو فَتحُ العرب بيت المقدس: وهي قصة فلسفية اجتماعية.
4-الحب حتى الموت: قصة يُظهرُ فيها الأمانة والإخلاص عند المرأة.
5-مريم قبل التوبة: قصة اجتماعية، مات ولم يُكملها.
6-الوحش، أو سياحة في أرز لبنان: قصة أخلاقية تدور أحداثها في لبنان.
7-الدين والعلم والمال أو المدن الثلاث: قصة مدن وهمية يُضمنِّها معظم ما جاء في العالم العربي الحديث من أفكار، كالطبقية وفوارقها، والرأسمالية والعمال، والملكية وزوالها، والصراع الاشتراكي، كما يبحث فيها قضية الدين ورجاله، ومسألة الحب، وتنازع البقاء، وفيها رجوع إلى آراء "روسّو" التربوية.
ترجماته:
بولس وفرجيني : لبرناردان دي سان بيار .
الكوخ الهندي: لبرناردان دي سان بيار.
أتلا: لشاتوبريان.
رواية ديماس عن الثورة الفرنسية وقد قسّمها إلى ثلاثة أقسام: "نهضة الأسد" ويقصد بهذا الاسم نهوض الشعب الفرنسي في ثورته الكبرى إلى طلب حقوقه، وتذكير الحكام بواجباتهم . "وثبة الأسد" ويريد بذلك وثوبه لاقتحام المظالم وكسر نير الاستعباد والاستبداد، عندما لم يجد في اللين والمسالمة نفعاً. "فريسة الأسد" ويقصد بذلك افتراس الثورة الفرنسية الملك لويس السادس عشر والملكة ماري أنطوانيت قرينته مع جميع النبلاء.
تاريخ المسيح: لأرنست رينان، وقد لخصه تلخيصاً.
ولقد ألف وترجم روايات تمثيلية عديدة أهمها:
البرج الهائل .
ابن الشعب .
الساحرة .
أوديب الملك.
المتصرف في العباد.
صلاح الدين.
وقد مثّلها جميعها الممثل النصراني المشهور: جورج أبيض.
كرمن .
كرمنينا.
روزينا.
تاييس.
وقد مثّلت هذه الروايات الأربع المقتبسة، فرقةُ منيرة المهدية.
مصر الجديدة.
بنات الشوارع وبنات الخدور.
وهما روايتان غنائيتان مثلتهما فرقةٌ أخرى.
__________
(1) … انظرها موسعة في كتاب الدكتور جورج نخل (أعلام من لبنان: فرح أنطون)، وفي (الجامع في تاريخ الأدب العربي) لحنا الفاخوري.
أبو الهول يتحرك: رواية غنائية.
رواية ذات الورد: لديماس.
انحرافاته:
نصرانيته، وليس بعد الكفر ذنبٌ!
يعد فرح أنطون أحد نصارى الشام (لبنان خصوصاً) الذين نزحوا إلى بلاد مصر في القرن الماضي لنشر أفكارهم المخالفة للإسلام، والمساهمة في تضليل المسلمين وصرفهم عن دينهم بشتى أنواع الانحرافات، فكرية كانت أو فنية(1)، وكان من نصيب فرح أنطون الأمور الفكرية؛ حيث ساهم في الدعوة إلى الاشتراكية والعلمانية بين أبناء المسلمين، وتزهيدهم في دينهم، ومحاولة فصله عن أمور الحياة؛ ليسهل له ولأمثاله من الكفرة الانغماس بين صفوف المسلمين في مساواة وطنية تمكنهم من قيادة المجتمع المسلم إلى حيث يريدون، دون أن يشعر بمخططاتهم أحد؛ لغياب النظرة الإسلامية التي تمايز بين المسلم والكافر، وتضع الكافر في مكانه الذي أراده الله له ذلة ومهانة وعدم تمكين من أمور المسلمين.
-يقول الكاتب فتحي القاسمي في رسالته (العلمانية وطلائعها في مصر) (ص346) عن فرح أنطون وصاحبيه سلامة موسى وشبلي شميّل: (اعتبروا إقصاء الدين شرطاً أولياً وحيوياً لعلمنة الشرق).
ويؤكد بأن الذي كان يشغلهم هو : (الدعوة إلى جعل الدين ممارسة فردية، وعزله عن الحياة السياسية) (ص 311).
ومن أقواله المهمة الخاصة بفرح أنطون: (ظل متحمساً لمبادئ الاشتراكية ومعرفاً بها في مقالاته ورواياته؛ لأنه وجد فيها بديلاً) (ص 300).
-(ما انفك ينادي بضرورة الإقلاع عن كل مقدس ثابت ؛ لأنه تجديف ضد التيار. ويوجد في روايته "أورشليم الجديدة" ما يدل على إيمانه بتغير كل شيء وتحوله باطراد) (ص 202)(52/438)
-(إنه من خلال عنوان روايته "أورشليم الجديدة" يبشر بقدسية العلم الجديدة، التي أرادها ناسخة لقدسية الدين القديمة، فكأن العلم سحب البساط من تحت الدين) (ص 210)
-(إن المتتبع لفكر فرح أنطون يتبين شدة التعلق بالعلم إلى درجة التقديس) (ص 211)؛ مما جعله يقول (ليس لنا أمل بعد الله إلا فيك أيها العلم المقدس) (ابن رشد وفلسفته، فرح أنطون، ص 217).
قلت: وصاحب كتاب (العلمانية وطلائعها في مصر) (2) فتحي القاسمي متأثر بدعوة هؤلاء النصارى ! ومدافع عنهم ! ولكنه أفادنا بالكثير من أقوالهم وأفكارهم وتاريخهم بالتوثيق العلمي الدقيق، مما جعلني أكثر من النقل عنه، والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
=====================(52/439)
(52/440)
نظرة شرعية في فكر (شبلي شميّل)
ترجمته(3) :
-هو شبلي بن إبراهيم شميّل، ولد في (كفر شيما) بالقرب من بيروت عام 1853م.
-أحد نصارى الشام.
-درس الطب في (الكلية السورية الإنجيلية) التي أسسها البروتستانت الأميركيون. وتخرج طبيباً عام 1871م.
-في عام 1875م سافر إلى باريس لمواصلة دراسته في الطب.
-عاد إلى مصر ليمارس فيها الطب، وأصدر مجلة اسمها (الشفاء) لينشر من خلالها أفكاره، لا سيما فكرة (التطور) لداروين، التي آمن بها شميّل إيماناً كاملاً، وتطرف في مناصرتها والدعوة إليها .
-كان يكتب في عشرات المجلات المصرية
-توفي في القاهرة عام 1917م عن عمر يناهز الرابعة والستين.
آثاره:
1-كتاب "فلسفة النشوء والارتقاء" طُبع لأول مرة في عام 1885، ثم أصدرت "المقتطف" الطبعة الثانية، في القاهرة عام 1910. وهو كتاب يشمل مقدمة الطبعة الثانية ومقدمة الطبعة الأولى، وكتاب "شرح بخنر على مذهب داروين" ، ورسالة "الحقيقة" التي يرد فيها على من انتقدوه، "وملحق في مباحث الحياة لتأييد الرأي المادي فيها" و"خاتمة الكتاب".
2-"الجزء الثاني من مجموعة الدكتور شبلي شميّل" ويضم 69 مقالة، نشرها في صحف ومجلات عديدة. نُشر هذا الكتاب في عام 1909 في القاهرة.
3-رسالة بعنوان "شكوى وأمل"، وجّهها إلى السلطان "عبد الحميد"، يشرح فيها وجهة نظره في ما كانت تفتقر إليه الدولة العثمانية .
4-رسالة "المعاطس"، وهي صغيرة على نسق رسالة "الغفران" للمعرّي.
5-رسالة "آراء الدكتور شميّل".
6-رسالة "سورية ومستقبلها".
7-شروح وتعليقات على كتب طبّية قديمة، تولى نشرها؛ كفصول "أبقراط"، وأرجوزة "ابن سينا"
-له نظم وليس بشاعر.
-كان يُجيد الفرنسية، ويُعدّ من الكتّاب فيها.
انحرافاته:
نصرانيته.
هو أحد النصارى الشاميين القادمين إلى بلاد مصر لإفساد أبناء المسلمين، كشأن صاحبه فرح أنطون -كما سبق- وكان من نصيب هذا النصراني: الدعوة إلى العلمانية مع التركيز الشديد على نقل نظرية (دارون) الإلحادية ونشرها بين أبناء المسلمين، بواسطة الكتب والمقالات.
__________
(1) … حيث كان هؤلاء النصارى أول من أسس الصحافة في بلاد مصر وأول من أسس الفن والمسرح في مصر، ومنها انتقلت إلى بلاد المسلمين. فليت أحد الباحثين يكتب رسالة في الجهود الخبيثة لهؤلاء النصارى المهاجرين إلى مصر.
(2) … ركز اطروحته على ثلاثة من رموز العلمانية ؛ وهم : فرح أنطون، وشبلي شميّل، وسلامة موسى.
(3) … انظرها موسعة في كتاب الدكتور جورج نخل: (أعلام من لبنان: شبلي شميّل)، وفي (الجامع في تاريخ الأدب العربي) لحنا الفاخوري.
-يقول فتحي القاسمي: (لقد كان شبلي شميّل أول من بشر بالنظرية التطورية (أي نظرية دارون) في الشرق العربي منذ سنة 1876م غداة عودته من أوربا) (العلمانية وطلائعها في مصر، ص 158).
-ويقول : (لقد كان تعلق شبلي شميل بمذهب التطور شديداً إلى درجة أنه اعتبر مبادئه أوليات ينبغي أن لا تخفى عن كل متعلم) (ص 193).
-ويقول : (سعى إلى ترويج هذا المذهب بواسطة مقالات متتالية نشر بعضها في الجرائد وأكثرها في مجلة المقتطف) (ص 189)
-ثم واصل شميّل -بخبث- نقل فكرته عن التطور إلى مجال الدين !! هادفاً بذلك (تقويض الفكر الثبوتي في الشرق باسم الدين) (المرجع السابق، ص 194) أي أنه يدعو إلى عدم ثبات شيء باسم الدين؛ بل كل شيء فيه قابل للتطور !!
يقول الهالك: (اعلم أن مذهب داروين كما يصح على الأنواع يصح على الديانات أيضاً) !! (فلسفة النشوء والارتقاء (2/132) ) .
-إذاً فالهدف من الدعوة إلى نظرية دارون- سواء من شميّل أو غيره- هو سحبها إلى مجال الدين (الإسلام طبعاً!!) ليتم لهم إيهام الناس بأن لا شيء ثابت -بناء على نظريات العلم الحديث-، ولو كان من أمور الدين.
-لقد كان شميّل يريد استبدال الدين بالعلم زاعماً التناقض بينهما ! دون تفريق بين نصرانيته المحرفة والإسلام؛ ليسهل له العبث بعقول أبناء المسلمين هو وطائفة بعد أن (يتساووا) معهم في العلم إذا أقصيت الفروقات الدينية.
-يقول شميّل: (الدين الحق هو العلم الصحيح) (فلسفة النشوء والارتقاء، (2/9))
-ويقول القاسمي عنه: (إن تقديسه للعلم حمله على انتقاص شأن الديانات؛ لأنها في نظره ليست قادرة على الصمود أمام تحديات الحاضر والمستقبل) (العلمانية.. ص208).
-ويقول : (كان شبلي شميّل من أشد المثقفين المسيحيين العلمانيين تحمساً للحضارة الغربية، وقد اتصل إعجابه بذلك إلى آخر رمق في حياته) (المرجع السابق، ص 293)
-ويقول : (لقد حاول شبلي شميل أن يدعو الشرق إلى طرح كل ما يربطه بالقديم باعتبار ذلك جموداً) (المرجع السابق، ص 296).
أسأل الله أن يبصر المسلمين بكيد أعدائهم، وأن ينصرهم عليهم، والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
======================(52/441)
(52/442)
نظرة شرعية في فكر (سلامة موسى)
ترجمته(1) :
قال الزركلي في الأعلام عنه: سلامة موسى القبطي المصري: كاتب مضطرب الاتجاه والتفكير . ولد عام 1304هـ في قرية كفر العفي بقرب الزقازيق. وتعلم بالزقازيق وباريس ولندن. ودعا إلى الفرعونية. وشارك في تأسيس حزب اشتراكي، لم يلبث أن حله الإنجليز واعتقلوه وسجنوه مدة. وجحد الديانات في شبابه وعاد إلى الكنيسة في سن الأربعين، وأصدر مجلة "المستقبل" قبل الحرب العامة الأولى وتعطلت بسبب الحرب. وعمل في التدريس، ثم رأس تحرير مجلة الهلال وكل شيء، حتى عام 1927، وقام بحملة على الصحافة اللبنانية بمصر، فنشرت دار الهلال رسائل بخطه تثبت أنه كان عيناً عليها لحكومة صدقي .
وصنف وترجم ما يزيد على 40 كتاباً ، طبعت كلها. منها: "حرية الفكر وأبطالها في التاريخ" و"نظرية التطور وأصل الإنسان" و"غاندي والحركة الهندية" و"أشهر قصص الحب التاريخية" و"التجديد في الأدب الإنجليزي الحديث" و"اليوم والغد" مقالات من إنشائه. و"التثقيف الذاتي" و"فن الحياة" و"العقل الباطن أو مكنونات النفس" و"المرأة ليست لعبة الرجل" و"تاريخ الفنون وأشهر الصور".
وجمع الناشرون مقالات له، بعضها مترجم، في كتب منها "اليوم والغد" و"مختارات سلامة موسى" و"في الحياة والأدب" .
وكتب في مجلات وصحف متعددة لم يكن يستقر في الانقطاع إلى إحداها، إلى أن مات عام 1378هـ في أحد مستشفيات القاهرة. وكان كثير
التجني على كتب التراث العربي، يناصر بدعة الكتابة بالحرف اللاتيني(2).
ملخص فكره:
تدور أفكار النصراني سلامة موسى حول نشر الاشتراكية والعلمانية في بلاد المسلمين؛ كشأن صاحبيه فرح أنطون وشبلي شميّل ، إلا أنه فاقهم في ذلك؛ بحكم كونه مصري النشأة، مما جعله أجرأ منهم في نشر انحرافاته، وأكثر إنتاجاً.
ولقد تميز سلامة موسى عن صاحبيه -أيضاً- بتطرفه في الدعوة إلى تحرير المرأة، وتسهيل السبل أمامها للسفور والتبرج.
انحرافاته:
نصرانيته؛ فهو أحد أقباط مصر.
بغضه للإسلام وأهله، ومحاولة تزهيد الشباب عن التمسك به، وتصويره بأقبح الصور
يقول الهالك عن أمنياته وهو في سن الستين :
(لن أكف عن تأليف الكتب المقلقة، مثل: نظرية التطور، أو حرية الفكر. خمائر صغيرة أبعثها في أنحاء الوادي وغيره إلى الأقطار العربية؛ كي أزعزع التقاليد السوداء، وأحرق العفن الذي تركته على العقول المطموسة) (تربية سلامة موسى، ص 291).
ويقول: (ربما كان الأزهر أكبر ما عاق تفكيري الحر) (المرجع السابق، ص 338).
__________
(1) … نقلاً عن الأعلام للزركلي (بتصرف يسير)، والعلمانية وطلائعها في مصر، لفتحي القاسمي (ص 170 وما بعدها).
(2) … أحمد أبو كف، في مجلة الكتاب العربي : العدد 28 وإبراهيم التيوتي، في جريدة العلم بالرباط 15/8/1958 والعهد الجديد 13/8/58 والأهرام 10/8/58.
و(نادى بأن تتكاتف الجمعيات الخيرية القبطية لمواجهة أعدائها)! (العلمانية وطلائعها.. ، ص175-176).
3-دعوته إلى العلمانية في بلاد المسلمين؛ فهو أحد طلائعها.
يقول: (إذا خرج الدين من دائرة علاقة الإنسان بالكون، وأخذ يقرر أصول المعاملة بين الناس، من تجارة وزواج وامتلاك وحكومة ونحو ذلك، فإنه عندئذٍ يقرر الموت لكل من يؤمن به) (مقدمة السبرمان، ضمن المؤلفات الكاملة لسلامة موسى 1/23).
ويقول : (الرابطة الدينية وقاحة. فإننا أبناء القرن العشرين أكبر من أن نعتمد على الدين جامعة تربطنا) (اليوم والغد، ضمن المؤلفات الكاملة لسلامة موسى، (1/661).
-يقول فتحي القاسمي: (ما انفك سلامة موسى يدافع عن مشروعه العلماني على امتداد خمسة عقود من الزمن) (العلمانية ..، ص305)
-ويقول : (كان كتابه "مقدمة السبرمان" 1910م دعوة مبكرة للعلمنة -التي تواتر ذكرها فيه مراراً- ) (السابق، ص178)
-ويقول عنه أيضاً-: (كان يطمح إلى بناء مجتمع علماني) (السابق، ص217-218).
4-دعوته إلى الاشتراكية:
حيث (كان طبعه لكتاب "الاشتراكية" بمصر 1913م دعوة ملحة من أجل قيام مجتمع اشتراكي فكراً وممارسة) (السابق، 178).
يقول سلامة: (إني أعتقد بالمستقبل الاشتراكي للعالم كما لمصر، وأعمل له) (تربية سلامة، ص 319).
ويقول : (ليس في العالم من تأثرت به وتربيت عليه مثل كارل ماركس) (السابق، ص 313).
-ويقول عنه موسى صبري: (هو في مقدمة العقول التي دعت إلى الفكر الاشتراكي في مصر) (أبي، لرؤف سلامة موسى، ص25،26).
-ويقول القاسمي في كتابه (العلمانية وطلائعها في مصر):
(لقد استمر سلامة موسى يدعو إلى الاشتراكية على امتداد نصف قرن) (ص 253) .
وقال عنه -أيضاً-: (أُشْرب قلبه حب الاشتراكية والمبادئ التي نادى بها ماركس) (السابق، ص172)
وألف في ذلك كتاباً بعنوان (الاشتراكية) -كما سبق-.
5-دعوته إلى وحدة الأديان: وهذه الفكرة من أخطر الأفكار وأخبثها في صرف المسلمين عن دينهم، أو ترويج الكفر بينهم ورضاهم به، وخلط الحق بالباطل(1).
وقد غلف الهالك دعوته تلك بالترويج لفكرة (الإنسانية) التي اقتبسها من إخوانه نصارى الغرب ؛ لتمرير فكرة (وحدة الأديان) بين المسلمين.(52/443)
يقول فتحي القاسمي: (كان سلامة موسى قد تربى منذ شبابه على حب الإنسانية، وظل تعلقه شديداً بآراء "نيتشه" الذي مجَّد قوة الإنسان، واعتبر سلامة موسى ثاني من عرّف بآراء "نيتشه" في الشرق، وذلك منذ سنة 1909م. وقد كان إفراطه في الاعتداد بالإنسان، والإيمان بتفوقه شديداً لما كان طالباً بلندن، وهو ما حفزه على تأليف باكورة إنتاجه "مقدمة السبرمان" الذي بدا فيه نيتشياً إلى النخاع) (العلمانية.. ص239).
-ويقول سلامة عن نفسه: (إني أؤمن بالمسيحية والإسلام واليهودية) (تربية سلامة موسى، ص 317).
ويقول : (إن جميع الأديان سواء، حيث إنها تنشد الحياة الطيبة) (السابق، ص254).
وقال معلقاً على أبيات الملحد ابن عربي:
وقد صار قلبي قابلاً كل صورة فمرعىً لغزلان ودَير لرهبان
وبيت لأوثان وكعبة طائف وألواح توراة ومصحف قرآن
أدين بدين الحب أنى توجهت ركائبه فالحب ديني وإيماني
(من الحسن أن تذاع مثل هذه الأبيات الذهبية وتُعلق في بيوتنا على الجدران)!! (السابق، ص 258).
6-دعوته إلى تحرير المرأة: (حيث كان من المعجبين بمظاهر تحرر المرأة الفرنسية، وخصوصاً الإنجليزية، وكان من المتأثرين بالحركة النسائية في العالم) (العلمانية..، ص 260).
و(كان متحمساً للاختلاط بين الجنسين، ومعتبراً التحرر الجنسي عند الفرنسيين -مثلاً- سعادة) (السابق، ص 263)
7-دعوته إلى (الدارونية) : ثم التدرج منها -كما فعل أصحابه- إلى تطور الأديان؛ لمحاولة صرف المسلمين عند دينهم.
-يقول سلامة موسى عن نظرية دارون بأنها : (غرست في نفسي مزاج الكفاح ؛ لأنها تصدت للعقائد والتقاليد) !! (تربية سلامة موسى، ص176)
-ويقول : (التطور ناموس عام يشمل جميع الجهود الإنسانية الأدبية والمادية والاجتماعية لا تستثني في ذلك الأديان والمذاهب) (مختارات سلامة موسى، ص59).
-بل وصل به تطرفه في الدعوة إلى نظرية دارون إلى أن قال بأن على : (أبناء الشعوب العربية أن يجعلوا من التطور عقيدة، بل عقيدة دينية، إذا كفر بها إنسان فإنه لن يعاقب على كفره بجهنم بعد الموت، ولكنه يعاقب بالموت أو الفقر والذل وهو حي في هذا العالم)! (الإنسان قمة التطور، سلامة موسى، ص 137).
-وقد (أصدر كتابه "نشوء فكرة الله" 1912م لبيان أن التوحيد سابق للأديان السماوية !! وقد اعتمد في ذلك على آراء "جرانت إلين") (العلمانية..، ص178).
8-دعوة المسلمين إلى الامتزاج بأوروبا والغرب، موهماً إياهم بأن ذلك السبيل الوحيد للنجاح والفلاح، يقول سلامة:
__________
(1) … انظر لمعرفة خطر هذه الفكرة الكفرية: كتاب (الإبطال لنظرية الخلط بين دين الإسلام وغيره من الأديان) للشيخ بكر أبو زيد -وفقه الله-.
(الرابطة الحقيقية التي تثبت على قاعدة وترسخ ولا تتزعزع، هي رابطة الحضارة والثقافة، هي رابطتنا بأوربا التي أخذنا عنها حضارتنا الراهنة، ومنها تثقفنا ثقافتنا الجديدة) (اليوم والغد، ضمن المؤلفات الكاملة لسلامة موسى(1/662).
9-دعوته إلى محاربة اللغة العربية والانتقال عنها إلى اللاتينية!، يقول الهالك : (لن يكون في بلادنا نهضة علمية، ولن ترقى الصناعة إلا حين تتخذ الحروف اللاتينية أي لن تستعرب العلوم إلا إذا "استلتن" الهجاء العربي) (البلاغة العصرية واللغة العربية، سلامة موسى ، ص165).
هذه أبرز انحرافات النصراني القبطي سلامة موسى على عجل، تكشف مدى مساهمته في حمل لواء التغريب في بلاد المسلمين، حيث ضلل الكثيرين من أبناء الإسلام ممن رأوا فيه (طليعة) حضارية ! وعقلاً متقدماً ، فتربوا على أفكاره وتراثه ، فكان لهم المرشد إلى الشر، كما سيأتي مثال ذلك عند الحديث عن (نجيب محفوظ) -إن شاء الله-.
أسأل الله أن يبصر المسلمين بأعدائهم ، وأن يُحبط كيد اليهود والنصارى، وينصر دينه، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
====================(52/444)
(52/445)
اعترافات .. محمد عابد الجابري ..!
سليمان بن صالح الخراشي
سبق أن كتبت مقالا بعنوان : ( اعترافات محمد أركون ) تجده على هذا الرابط : هنا
وفي هذا المقال سأنقل اعترافًا من نوع آخر لمفكر آخر : هو : محمد عابد الجابري ، يكشف فيه بإيجاز عن الهدف الذي يسعى إليه من خلال كتبه ومشاريعه النقدية لما يسميه العقل العربي .. ، وكما هو معلوم للمتابعين فإن الجابري يعد على قائمة الرموز الذين تأثر بهم قلة من شبابنا المرضى بما يسمى ( العصرنة ) التي انتقلوا إليها من الطرف الآخر ( الغلو والتشدد ) !
. حيث عكفوا على كتبه وتأثروا بها ، فصبغتهم بأفكارها وألفاظها ، فأصبح مايهمه يهمهم ، مما أدى بهم إلى تحقيق شيئ من أمنياته على أرض الواقع كما سيأتي - إن شاء الله - .
سئل أحد هؤلاء المرضى عن الكتب التي أثرت في عقله ( القروي ) فقلبته 180 درجة !! فقال - بالنص - : ( أماالكتب المعاصرة فساذكر لك عناوين عابرة ربما تفيد :تكوين العقل العربي ، وبنية العقل العربي كلاهما لمحمد عابد الجابري) .
هذا الاعتراف للجابري ورد في مقابلة أجراها معه الكاتب ( عبدالإله بلقزيز ) في مجلة : المستقبل العربي ، العدد 278. أبان فيه عن سعيه إلى تحقيق الحداثة ( ! ) من خلال التراث لا من خارجه كما يفعل ( العلمانيون ) الفاشلون ! الذين لم تنجح دعوتهم لتغريب المجتمع المسلم؛ لأنها أتت من خارجه . أما هو فسوف يلجأ إلى أسلحة التراثيين ! ويجعلها ترتد في نحورهم ! في محاولة خبيثة لإعادة تشكيل العقل والتاريخ والتراث حسب ما يريد . ومن هنا تأتي الخطورة !
وقد تابعه على هذا المعجبون به لدينا ، وحاولوا نقل مشروعه .....
يقول تركي الربيعو في كتابه ( المحاكمة والإرهاب ، ص 32 ) : ( الخطاب العربي المعاصر هو خطاب محكوم بسلف ، والمطلوب تحريره من ربقة السلف . هذا ما قادنا إليه الجابري ) .
يقول بلقزيز في سؤاله :
( مع كل هذا العطاء العلمي في ميدان الدراسات التراثية ، مقرونا بإطلالة غير منقطعة على أسئلة العصر وأسئلة الفكر الحديث ، هل ما زلت مقتنعا بأن الطريق إلى كسب مطالب العقلانية والحداثة والتقدم تمر حتما عبر تبيئتها وتأصيلها وعبر ربط الجسور باللحظات الحية والتقدمية في تراثنا ؟ أم انك أفسحت مجالا آخر ؟ أو تتفهم ذاك المجال الذي يمكن أن يكون ساحة لمنافذ أخرى قصد طلب هذه القيم والمبادئ ، طبعا دون المرور بمسائل التراث ؟
فيرد الجابري : إن وجهة نظري في هذا الموضوع تعبر عن اقتناع شخصي ليس فقط من خلال تجربتي منذ البداية ، وأنا على اتصال بالطلاب والمثقفين ، بل أيضا لأن هذا الاقتناع تكون لدي أساسا كنتيجة النظر في تاريخ النهضة العربية . أنت تعرف أنه كانت هناك ثلاثة تيارات معروفة ؛ هي التيار السلفي والتيار الليبرالي و التيار التوفيقي أو التلفيقي ، وأنت تعرف أن تجربة مائة سنة قد أسفرت عن جمود الحركة في هذه التيارات ، فلا أحد منها تطور وحقق أهدافه ، بل كل ما حدث هو اجترار وعود على بدء مستمر . لقد استنتجت من ذلك تلك القضية الأساس التي أدافع عنها وهي أن التجديد لا يمكن أن يتم إلا من داخل تراثنا باستدعائه واسترجاعه استرجاعا معاصرًا لنا ، وفي الوقت ذاته بالحفاظ له على معاصرته لنفسه ولتاريخيته ، حتى نتمكن من تجاوزه مع الاحتفاظ به (!) وهذا هو التجاوز العلمي الجدلي .
هذا هو اقتناعي إذا كنا نفكر في الأمة العربية و الإسلامية كمجموع ، وليس كنخبة محصورة العدد متصلة ببعض مظاهر الحداثة ، تنظرالى نفسها في مرآتها وتعتقد أن الوجود كله هو ما يرى في تلك المرآة . هذا في حين أن هذه النخبة صغيرة ، قليلة ، ضعيفة الحجة أمام التراثيين . والمطلوب منا في ما يخص الحداثة ليس أن يحدث المحدثون أنفسهم ، بل أن ينشروا الحداثة على أوسع نطاق ، والنطاق الأوسع هو نطاق التراث . فإذا لم نكن على معرفة دقيقة وعامة بالتراث وأهله فكيف يمكن أن نطمع في نشر الحداثة فيه ، أن نجدد فيه ، أن ندشن عصر تدوين في مجالاته ) .
ويقول في نفس المقابلة عن إحدى أمنياته :
( لو كان لدي ، وكان لدي مثل هذا الميل نحو مشروع إصلاحي ؛ لكان في برنامجي الاشتغال على ابن تيمية أيضا ، ولقدمت للقراء وجهًا آخر عنه ، يختلف عن الوجه السائد والمؤدلج ..) !
قلت : وقد وعدنا بعض تلاميذ الجابري عندنا بأنه سيقوم بهذه المهمة ، وسوف يبين لنا جهلنا بالشخصية الحقيقية لشيخ الإسلام - رحمه الله - !
ولا تعجب من هذا ..
فقد حرفت نصوص نبوية ..
وتؤلت آيات قرانية ..
فما ظنك بابن تيمية .. ؟!
الخلاصة : أن خطة القوم تقوم على التغيير من داخل البيت الإسلامي ، لا من خارجه من خلال العبث بالنصوص الشرعية بتأويلها وتفريغها من محتواها ( الحقيقي ) ، واستبداله بالمحتوى الذي يريدون ..
فيا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم ...
ولاتغتروا بتلبيسات مدعي ( الإصلاح ) و ( تجديد الخطاب الديني ) ........... ولو كانوا من ذوي ( اللحى ) !
تنبيه : من أراد معرفة انحرافات الجابري والرد على أفكاره فليرجع مكرما إلى رسالة ( نظرات شرعية في فكر منحرف )
================(52/446)
(52/447)
أدونيس وقبره الذي يحلم به
بقلم الدكتور عدنان علي رضا النحوي
اختيار سليمان بن صالح الخراشي
نشرت جريدة الشرق الأوسط في عددها ( 7611 ) يوم الخميس 25/6/1420هـ ـ الموافق 30/9/1999م حديثاً مع " علي أحمد سعيد إسبر " مسمى " أدونيس " جاء فيه أنه بلغ الثامنة والستين من عمره في يوم لا يعرفه من كانون الثاني ( يناير ) الماضي . وجاء فيه كذلك أنه أوصى أن يكون قبره في " قصّابين " ، الضيعة التي ولد فيها في سوريا ، في حديقة منزله هنالك ، بعيداً ثلاثمائة متراً عن قبري والديه ، وأنه أوصى أن تدفن زوجته خالدة فقط في الحديقة ، وأنه اختار الموقع في زاوية في الحديقة فيها أشجار الصنوبر والسنديان والجوز والرمان ، وأنه سيكون على قبره لوحة أفقية تعلو شيئاً فشيئاً إلى ثلاثين أو أربعين سنتيمتراً ، بعرض خمسين سنتيمتراً ، بلون رمادي أو أبيض ، يكتب عليها اسمه وسنة ميلاده ووفاته وبيت من الشعر . وهو يبحث عن مهندس يتقن هندسة القبور …. إلى غير ذلك .
فأوحى لي هذا الحديث بهذه القصيدة .
أدونيس
وقبره الذي يحلم به
بقلم الدكتور عدنان علي رضا النحوي
" أدُنيس " مَهْلَكَ ! حيثُ شِئتَ فَعَلِّمِ * * * قْبراً يلمُّكَ مِنْ شَتاتِك ، وارسُمِ
إِنْ كُنْتَ مِتَّ كما حييتَ فيا له * * * موتاً يذيقُكَ مِنْ عذابٍ أعْظَمِ
وإذا قَضَيْتَ ألمْ تَكُنْ مَيْتاً دُفِنْـ * * * ـتَ معَ الحياةِ بَغْيهَبٍ لك مُعْتِمٍ
فالكفْرُ مَوْتٌ في الحَياةِ وظُلْمةٌ * * * والهَدْيُ إشراقُ الحَياةِ لمُسْلِمِ
فاخْترْ لنفسِكَ موضِعاً تُلْقى بِهِ * * * وتُرَدُّ من بَلْوى الظلامِ لأظْلمِ
واجْمعْ كما تَهْوى الزّخارفَ كلَّها * * * لِتكونَ عِبْرَةَ ناظِرٍ مُتَوَسِّمِ
وَمِنَ الحَدائِقِ والظِّلالِ ومِنْ رُؤى * * * حُلُمٍ وفتْنَةِ شاعرٍ مُتَوَهِّمِ
واجْمع أمانيّ الحَياةِ فكُلُّها * * * وَهْمٌ يَغيب ولهفةُ القَلْبِ العمي
إِنْ كنتَ مِتّ كَمَا حَيِيْتَ فذُقْ إذاً * * * هولاً يُمزِّقُ في الحَشَا والأَعْظُمِ
كم كُنْتَ تهزَأ ، يا شَقيُّ ، بآيَةٍ * * * ومَضَيْتَ تُنكرُ كُلَّ حَقٍّ مُعْلَم
كم كنتَ تَهْزَأُ ، يا شَقيُّ ، بخالِقٍ * * * أعطاكَ من نِعَمٍ ! فيا لَلْمُنْعِمِ
وكَفرْتَ بالله الذي سَوّاك مِنْ * * * عَلَقٍ ! فَيا لِلْجاحِدِ المتَبرِّمِ
وكفرْتَ بالرحمن ! كَمْ مِنْ آيةٍ * * * تُجْلىَ وَكَمْ مِنْ نَاظِرٍ لم يُسْلِمِ
أدُنيسُ ! مَهْلَك ! فابْنِ قبرَك ! هل ترى * * * أيْنَ المصيرُ مَعَ القضاء المُبْرَم ؟!
هل كُنْتَ تَدْري أين تُنْزَعُ منك رُو * * * حُك أو متى؟! جهلٌ وفتنةُ مَزْعَمِ !
الله قَدَّر للعِبادِ مَصِيرَهُمْ * * * كُلٌّ إلى أجَلٍ يَسِيرُ مُحَتَّمِ
شَيِّدْ كَما تَهْوى القبورَ فربَّما * * * تُلْقَى لمُفْتَرِسِ الوحوشِ وقشْعَمِ
أو في فلاةٍ أقْفَرَتْ ساحاتُها * * * بَيْنَ الرّمالِ وَبَيْنَ تيهٍ مُظْلِمِ
أو في البِحارِ تَغيبُ في أَمْواجها * * * أو في حَنَايَا مَوْقِعٍ مُتَهَدِّمِ
أَنّى سقطتَ فَرُبّما لَفَظَتْكَ تِلْـ * * * ـكَ الدّارُ من رجْسٍ عَليْكَ و مأثمِ
فَتَدُورُ لا تَلْقى مكاناً بَعْدَها * * * يُؤْويكَ أو ساحًا عَلَيْها ترْتمي
فالحقُّ أبْلجُ ، لو عَلِمْتَ ، وآيةٌ * * * فمصيرُكَ المحتومُ قَعْرُ جَهنَّمِ
إِنْ لمْ تَتُبْ للهِ تَوْبَةَ صادقٍ * * * وَتَعُدْ إِلى الإِيمانِ عَوْدَةَ مُسْلِمِ
فهناكَ يُجلى الحق ! عُضَّ يدَ الندا * * * مَةِ أو أسِرَّ من الندِامةِ واكْتُمِ
واشْربْ مِنَ الماء الحَميمِ وكُلْ مِن * * * الزَّقُّوم ،كمْ أنكرْتَهُ ؟! وتَنَعَّمِ !
وانظر يمينَك أو شِمالَك هلْ تَرَى * * * من منْجِدٍ تأوي إليهِ ومُكرِمِ
أو مِن شفيعٍ مُقْبلٍ أو مِنْ حميمٍ * * * أو وليٍّ بالشفاعَة مُسْهِمِ
كُلُّ الذين عبدتَهُمْ مِنْ قَبلُ قَد * * * سقَطوا هنالك في عذابٍ أشْأَمِ
فَارْجعْ لِربِّك قَبْلَ مَوْتِك واسْتَقِمْ * * * والجأْ إلى الله الأبَرِّ الأرْحَمِ
للتّائِبين لَدَيْهِ بابٌ واسعٌ * * * مَنْ تَابَ تَوْبَةَ صَادقٍ لم يُظْلَمِ
فَعَسَاكَ أنْ تَلْقَى النَّجاةَ و إنّما * * * تُوفَى النَّجاةُ مَعَ السَّبيل الأَقْومِ
الله بَيَّنَ للعِبَادِ سَبيلَهُ * * * حَقّاً وفَصَّل في الكِتابِ المُحْكمِ
فارْجعْ لربّكَ ! قَدْ وُلِدْتَ بِفِطْرةٍ * * * حقٍّ على دينِ الحنيفةِ مُعْلِمِ
وحَبَاكَ مِنْ سَمْعٍ ومن بَصَر هُدى * * * لِتَرَى الحَقِيقَةَ بالفُؤاد المُعصِمِ
وأَتَتْ لنا رُسُلٌ بِدينٍ واحد * * * تترى بكلِّ مُبَلِّغٍ ومُعَلِّمِ
خُتِموا بأحْمَد كُلُّهم وكتابِه * * * فانْهضْ له ! أسلمْ لِربِّكَ والْزَمِ
الرياض
28 / جمادى الآخرة / 1420هـ
8 / أكتوبر / 1999م
----------
* رسالةٌ وصلتني من الدكتورِ عدنانَ النحوي
============(52/448)
(52/449)
محمود درويش غرمٌ وليس غُنمًا
د / محمد بن خالد الفاضل
اختيار سليمان بن صالح الخراشي
( عجبت من الكاتب حسن المصطفى حديثه باسم الشعراء ومحبي الشعر في السعودية، ونيابته عنهم في الترحيب بمحمود درويش والتلهف على تشريفه لنا، ومبالغته عندما قال: "قد يكون أحد أحلام الشعراء وجمهور الشعر في السعودية أن يحل الشاعر العربي محمود درويش ضيفاً عليهم ولو لمرة واحدة في العمر، قارئاً ما تيسر من شعره وسط أناس طالما ظلوا يحسدون من حولهم على نعمة وجود هذا الشاعر بينهم، خصوصاً أن يوم الشعر العالمي مر عليهم وكأنهم أيتام ثكلوا أمهم وأباهم" !! (صحيفة "الاقتصادية" الثلاثاء 2/2/1425)، إلى آخر ما دبجه الكاتب في مقاله من عبارات الوجد والشوق والهيام، التي يخيل إليك عند قراءتها أنها قيلت في رجل سيكون خلاص الأمة من ضعفها وهوانها وتأخرها على يديه، مع أن الحقيقة أن هذا الشاعر وأمثاله سبب رئيس من أسباب تأخر الأمة وهزائمها في كل الميادين.
وما دام الكاتب الكريم قد سمح لنفسه أن يتكلم باسم شعراء المملكة ومثقفيها ومحبي الشعر فيها، فليسمح لي أن أتكلم أيضاً باسمهم جميعاً، وعندي مستند قوي للحديث باسمهم، وليس عنده ذلك المستند، فأقول: أجزم أن الكاتب الكريم يتفق معي في أن شعب المملكة شعب مسلم بكل فئاته من مثقفين وعامة، وأن المسلم مهما كانت درجة التزامه وتدينه لا يرضى أن يسب أحد دينه أمامه أو خلفه، ولا يسمح بأن يتطاول أحد على ربه أو نبيه أو قرآنه حتى ولو كان بعيدا عنه، فكيف سيحلم بأن يحتفي به أو يستضيفه ؟!
كما أن المسلم كيفما كان وحيثما كان لن يفتح صدره وقلبه وبيته لشخص قد وضع يده في يد عدوه، وكيف يجرؤ على ذلك والله سبحانه يقول في آية صريحة واضحة محكمة: (لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه...) فانظر أخي حسن في هذه الآية الواضحة واعرض نفسك عليها وكل من يحلم معك بالتشرف بالجلوس تحت منصة يسخر فيها من الله ورسول صلى الله عليه وسلم ، وأذكرك ونفسي والقراء بأن الإيمان ليس بالتحلي ولا بالتمني، ولكن ما وقر في القلب وصدقه العمل ؛كما قال الحسن، وبقول الرسول صلى الله عليه وسلم "أوثق عرى الإسلام -وفي رواية الإيمان- الحب في الله والبغض في الله" رواه أحمد والطبراني وغيرهما وصححه الألباني.
فهل بعد هذه النصوص وغيرها كثير يهون علينا ديننا وربنا ونبينا وقرآننا، فنجلب بأموالنا من يسب ذلك كله في ديارنا ؟! ووالله إننا لا نحسد من حولنا على استضافة هذا الرجل وأمثاله كأدونيس وغيره، وإنما نشفق عليهم ونرثي لحال شبابهم الذين سيتربون على شعر الإلحاد والزندقة الذي خدر الأمة وضيعها، واحتفى به أعداؤها الصهاينة، ولعلك قد قرأت كما قرأ غيرك أن وزير التربية الإسرائيلي قد كافأ محمود درويش على نضاله وكفاحه بتضمين المناهج الإسرائيلية نصوصاً من شعره في المقاومة! ولا أدري أي مقاومة كافأه عليها اليهود؟! هل هي مقاومة الاحتلال، أو مقاومة الانتفاضة؟!
ولعلك قد قرأت أيضاً أن السفير الإسرائيلي في باريس قد سلم قبل عامين تقريباً محمود درويش وأدونيس وبعض زملائهما خطاب شكر على البيان الذي وقعوه ونشرته صحيفة اللوموند الفرنسية يستنكرون فيه المؤتمر الذي كان سيعقد في بيروت لفضح الصهيونية (الهولوكست)، وأحيلك على تفصيل القضية في المقال الذي كتبه الأستاذ محمد رضا نصر الله في جريدة "الرياض" 14/1/1422هـ وعلى مقال قبله للأستاذ نصر الله في الصحيفة نفسها 30/12/1421هـ، كشف فيه حقيقة الشاعر سميح القاسم -زميل درويش في النضال- ورد عليه سخريته بالمملكة ودول الخليج في ندوة عقدها نادي الصحافة العربية في باريس.
وإن العجب لا ينقضي منا نحن أهل الخليج، فما رأيت شعباً يحتفي بمن يحتقره ويزدريه ويسبه في أقدس ما لديه ويراه ما زال بدوياً متخلفاً لا يحسن التصرف في هذه الثروة التي هبطت عليه فجأة : مثلنا؟
متى سنصحو ونعرف الصديق من العدو؟
متى سنميز الشريف من الخائن؟
متى سنفرق بين المناضل والعميل؟
لا أدري : هل أخي حسن قد قرأ ما كتبه الأديب رجاء النقاش في كتابه (محمود درويش شاعر الأرض المحتلة) -وهو غير متهم بالتجني عليه لأنه من المعجبين به- فقد ذكر في صفحة 133: أن محمود درويش قد عمل في جريدة الاتحاد، ومجلة الجديد، وهما من صحف الحزب الشيوعي الإسرائيلي، وعلاقة درويش بهذا الحزب وعضويته فيه ثابتة لا شك فيها، وقد أفاض فيها النقاش في كتابه المذكور، وأكدها حسين مروة في كتابه: "دراسات نقدية" حينما قال على لسان درويش: "وصرنا نقرأ مبادئ الماركسية التي أشعلتنا حماساً وأملاً، وتعمق شعورنا بضرورة الانتماء إلى الحزب الشيوعي الذي كان يخوض المعارك دفاعاً عن الحقوق القومية"؟ ثم أسأله أين الحقوق القومية عند شاعر يحتفي اليهود بشعره في مناهجهم وتأتيه رسائل الشكر من سفرائهم على مواقفه القومية؟!(52/450)
وإن أردت شواهد على سخرية الرجل بديننا ومقدساتنا، فاقرأ قوله: "رأيت الأنبياء يؤجرون صليبهم واستأجرتني آية الكرسي دهراً ثم صرت بطاقة للتهنئات" !!
وقوله: "وتناسل فينا الغزاة تكاثر فينا الطغاة، دم كالمياه وليس تجففه غير سورة عم وقبعة الشرطي وخادمه الآسيوي" !!
وقوله: "ونمت على وتر المعجزات ارتدتني يداك نشيداً إذا أنزلوه على جبل كان سورة ينتصرون" !! وهي مقاطع من ديوانه.
ثم اقرأ قوله عن أخته: "أبي من أجلها صلى وصام وجاب أرض الهند والإغريق إلها راكعاً لغبار رجليها، وجاع لأجلها في البيد أجيالاً يشد النوق، أقسم تحت عينيها قناعة الخالق بالمخلوق، تنام فتحلم اليقظة في عيني مع السهر فدائي الربيع أنا وعبد نعاس عينيها وصوفي الحصى والرمل والحجر فاعبدهم لتلعب كالملاك وظل رجليها على الدنيا صلاة الأرض للمطر"!!
وإني بعد هذه النصوص القليلة جداً من شعر هذا الرجل لأسأل أخي حسن: هل يعجبك هذا الاستهزاء بآية الكرسي وسورة عمَّ وسورة ينصرون؟ وابتذال ألفاظ الصلاة والصيام والعبادة والإله بهذه الصورة الساقطة المهينة، وتحويل الإله من معبود يسجد له الناس ويركعون إلى عبد حقير يركع لغبار رجليها؟
تعالى الله علواً كبيراً عما يقول الظالمون الجاحدون.
ثم لو حاولنا أن نصرف النظر جانباً عن المضامين الإلحادية التي في شعر هذا الرجل، وحاولنا أن نمعن النظر فيه من الناحية الفنية والبيانية والصور الشعرية الجميلة، لما وجدنا فيه شيئاً يفهم، ولرأيناه أقرب إلى سجع الكهان وهلوسة المجانين منه إلى أخيلة الشعر وصوره الجميلة، إلا إن كان يقرأ أو يُفهم بلغة غير اللغة العربية التي درسناها وعشنا معها العمر كله وحصلنا فيها على أعلى الدرجات العلمية، وهذا ليس شعوري وحدي بل شعور كل زملاء التخصص في جامعات المملكة، الذين لم تسحرهم الآلة الإعلامية الضخمة المشبوهة التي تروج لهذا الأدب المشبوه، وليس أهل الحداثة وجمهورها بأكثر علماً وفهماً من فحول أساتذة اللغة العربية، وإنما هم تحت تأثير مخدر لعبت فيه الحزبية والشللية دورها، وقد بدأ الأمر ينكشف عندما انفض سامرها وبطل سحرها، وصرنا نقرأ هذه الأيام في الصحف تراشقاً بين أبطالها واتهامات وهجوماً عليها وعلى قصيدة النثر ورموزها، وكل هذا من بركات كتاب "حكاية الحداثة" وصاحبه، وليست هذه أولى بركاته، فمن بركاته التي كشفت الموضوع للمبصرين في وقت مبكر إشادته البالغة بكلمة (تَمّتْ) التي خُتمت بها إحدى القصائد، وجعلها بيت القصيد في هذه القصيدة العظيمة، ثم يتبين أنها ليست من القصيدة وإنما زيادة من الناسخ الباكستاني الذي طبع القصيدة !! فأي فهم هذا، وأي عبقرية هذه؟ ) .
----------
* رسالة وصلتني من الدكتور محمد بن خالد الفاضل ..
================
موسوعة الرد على المذاهب الفكرية المعاصرة - الباب الثامن والعشرون - الرد على ضلالات عمرو خالد(52/451)
(52/452)
وقفات مع عمرو خالد
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على نبينا محمد عليه وعلى آله وصحبه أفضل الصلاة وأتم التسليم .
أمَّا بعد :
فقد روى الإمام مسلم أنَّ رسول ا صلى الله عليه وسلم قال : ((الدينُ النصيحة ، قُلنا : لِمَنْ ، قا صلى الله عليه وسلم : لله ، ولكتابه ، ولرسوله ، ولأئمةِ المسلمينَ ، وعامَّتهم)) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى : ( وكذلك بيانُ من غلط في رأي رآه في أمر الدين من المسائل العلمية والعملية فهذا إذا تكلَّم فيه الإنسانُ بعلمٍ وعدلٍ ، وقصدَ النصيحة فالله تعالى يُثيبه على ذلك ، لا سيِّما إذا كان المتكلَّمُ فيه داعياً إلى بدعة فهذا يجبُ بيان أمره للناس ، فإنَّ دفع شرّه عنهم أعظم من دفع شرِّ قاطع الطريق ) منهاج السنة ج5/146 .
وفي هذه الرسالة أذكرُ بعضَ ما خالفَ فيه عمرو خالد كتاب الله وسنة نبي صلى الله عليه وسلم ، وذلك عبر النقاط التالية :
أولاً : قوله بعدم كفر إبليس ؟! .
قال عمرو خالد في شريط الأخلاق : ( في هنا معنى تاني الحقيقة جميل إن إحنا نقوله .. خلِّي بالكو يا جماعة، إبليس كفر بربنا ولا مكفرش ؟ لا مكفرش ، إبليس مكفرش !! بص إبليس بيقوله إيه : ((خَلَقْتَنِي)) (الأعراف: 12) . يبقى هو اعترف بالله إن هو خلق ولا لأ ؟ مش كده ؟ قال ((خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ)) ؟ ((وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ))، فإنت خلقتني، وأنت اللِّي خلقته ، وفى آية تانية بيقوله إيه : ((قَالَ فَبِعِزَّتِكَ)) (ص82). يبقى مدرك عزة الله عز وجل ولا لأ ؟ وفي آية تالتة يقوله إيه:((قَالَ أَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ)) (الأعراف : 14) . ما هو مش بيدي ، بيدك إنت فـ .. أنكر إبليس أن الله هو الخالق ؟! أنكر إبليس أن الله هو الرب ؟! لأ ... أُمَّال أنكر إيه ؟ مشكلة إبليس إيه ؟ رفض الطاعة .. آه ، دي نقطة مهمة جداً ، جداً ، إنت إله ، إنت رب آه .. لكن إله تقوللِّي أعمل كذا ومعملش كذا ، لأ ) انتهى .
خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ }الأعراف12
قوله بحرية الأديان ؟ .
قال عمرو خالد في محاضرة ألقاها بتاريخ 11/3/2002م في المدينة الرياضية في بيروت وهي مسجلة على شريط فيديو قال إنَّ الإنسان له حريَّة العقيدة وبلهجته قال : (يعبد اللِّي هو عايزه) وقال : (الصحابة كفلوا حرية العقيدة) ، وقال : (الإسلام رحمة مع الأديان الأخرى) انتهى كلامه .
وصفه لله تعالى بما لا يليق ؟
قال عمرو خالد في شريط رسالة إلى أهل اليمن : (جاء في الأثر : أنَّ الله تبارك وتعالى نادى داوود : يا داوود لو يعلم المدبرون عني شوقي لهم وحبي لهم ورغبتي في عودتهم إليَّ لطاروا شوقاً إليَّ ، يا داوود هذه رغبتي بالمدبرين عني فكيف حُبِّي للمقبلين عليَّ) .
قوله بخلق القرآن ؟ .
قال عمرو خالد في شريط : خواطر قرآنية من سورة يونس : (وحاشا لله أن يظلم الذي خلق السماوات والحق وهذا الكتاب الحكيم) .
وقال في شريط (الحياء) معلِّقاً على حديث : ((إنَّ مما أدرك الناس ...)) الخ : يعني الخلق الوحيد الذي لم ينفك من الأنبياء السابقين الخلق الوحيد اللِّي كل الأنبياء اجتمعوا عليه وأجمعوا عليه : ((إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستحي فاصنع ما شئت)) .
قوله بعدم استطاعة النبيِّ صلى الله عليه وسلم لتحمُّل الرسالة وحده ؟ .
قال عمرو خالد : (إن صلى الله عليه وسلم قال لأوائل الصحابة : أنا مش قادر أحمل الرسالة وحدي، فقالوا له ولكنك نبي آخر الزمان، فقال لهم : نعم أنا النبي ولكني مش قادر على حمل الرسالة وحدي، تحملوها معي ؟ قالوا : نعم )
سوء الأدب مع بعض الأنبياء عليهم السلام ؟ .
ومن ذلك قوله في برنامجه الرمضاني: (إنَّ موسى نبي الله استسقى، فقال الله له : اضرب بعصاك الحجر، فقال : يا رب أنا أُريد المطر، فقال الله : يا موسى خلِّ عندك ثقة) !! .
إشادته بالبناء على القبور في المساجد والتقرب إلى الصالحين الأموات ؟ .
حيث ذكر عمرو خالد أنَّ أبا أيوب رضي الله عنه تُوفي في تركيا وأن مسجده وقبره يُصلِّي إليه آلاف المسلمين، فعدَّ ذلك كرامة له من الله، لأنه ضيَّفَ الرسو صلى الله عليه وسلم فكان هذا جزاءه .
وفي قصة يحكيها عمرو بعد وفاة صلى الله عليه وسلم وهي من الخرافات وفيها عقيدة شركية يقول :(أحد الصحابة كان عايش في المدينة ووالدته تعيش في قبيلة خارج المدينة برَّا المدينة فمرضت أمه فأراد أن يزورها كل يوم يطلع الصبح عايز يزور أمه وبعدين يرجع ، ثاني يوم يطلع أول ما يطلع برَّا المدينة يرجع ثالث يوم أول ما يطلع برَّا المدينة يرجع مازرتهاش ليه ، قال : أخاف أن أترك المدينة فتُقبض روحي فأموت بعيداً عن عين النبي !! شوف التعلق و شوف الحب و شوف الارتباط و شوف إحنا مش مرتبطين إزاي ) .
دعوته لشدِّ الرحل لزيارة قبر النبيِّ صلى الله عليه وسلم ؟(52/453)
قال عمرو خالد في شريط : الحج : (عادة الناس أول ما تنزل المدينة عادة فخلُّونا نبدأ الرحلة كدا أنت الآن متجه إلى المدينة الحقيقية يا ترى هاه مشاعرك حتبقى إيه، تعالوا نتكلم أول ما نتكلم عن المدينة يبقى نتكلم عن زيارة صلى الله عليه وسلم أنت رايح تقابل رسول ا صلى الله عليه وسلم ، على فكرة أقول حاجة لطيفة وأنت طالع من هنا خذ نية زيارة النبي أصل كل الناس تأخذ نية إيه ؟ الحج أو العمرة ماشي صح رقم واحد، الحج والعمرة فاكرين في الدرس اللِّي فات لَمَّا قلنا نبقى تجار نيّات، نمرة اثنين آخذ نية إيه ؟ رايح عند لقاء رسول ا صلى الله عليه وسلم رايح أزور صلى الله عليه وسلم تأخذ النية دِيَّن في حديث صلى الله عليه وسلم : ((من جاءني يزورني كان حق على الله سبحانه أن أكون له شفيعاً....) إلى أن قال : ( يقول العلماء : أصول الدين ثلاثة ، أصول الدين ، أصول دينَّا إنك تعرف ثلاث حاجات : الأولى الأصل الأول : معرفة الله ، الأصل الثاني : من أصول الدين معرفة صلى الله عليه وسلم حققتها فين ؟ حنْحَقِّقها في الزيارة دي ، الأصل الثالث من أصول الدين : معرفة الشريعة ، يبقى ثلث الدين إيه : معرفة صلى الله عليه وسلم ) .
وقال عن رجل جاء بعد إغلاق المسجد النبوي فنام قبل أن يزور القبر : ( اللطيف إنه كان ناوي يعني قال : الباب ينفتح متى قلنا له : الساعة اثنين ونصحا الصبح فراح عليه نومه ، فصحي الساعة أربعة، والله قام بيبكي ليه ؟ بتبكي ليه ؟ حقول له إيه ؟ حقول له اتأخرت عليك ليه ؟ أنتم متخيلين عمق العلاقة ؟ حقول للرسول إيه ؟ أنا تأخرت عليك ساعتين ليه كنت نائم فتخيلوا شوق العلاقة لمقابلة صلى الله عليه وسلم ) انتهى.
قوله بالتوسُّل بذوات العباد ؟ .
قال عمرو خالد في شريط الوفاء : (يا ربِّ يا ذا الجلال والإكرام يا مجيب الدعاء يا رب تسمع أصواتنا يا رب اغفر لنا بأتقى واحد فينا !!! الآن اغفر لنا بأخلصنا لك !!! الآن اغفر لنا بأتقانا لك !!! الآن اغفر لنا بامرأة جاءت تريد أن تغفر لها و ترحمها !!! اغفر لنا يا مولانا اغفر لنا يا كريم اغفر لنا يا حنان ) .
تكذيبه واستخفافه ببعض الأحاديث ؟ .
قال عمرو خالد في ضمن محاضرة له في برنامج صناع الحياة : ( خلُّوا بالكم النساء ناقصات عقل ودين إمتى النبي قال الحديث ده ؟! يوم العيد الصبح وهو خارج من صلاة العيد أول ما قابل السِّتَّات اللِّي طالعين من صلاة العيد ... بالله عليكم ! يوم العيد الصبح ! والسِّتَّات حضروا صلاة العيد مش ما حضروش ! حضروا صلاة العيد !! النبي الحكيم الرحيم أول ما يقابل السِّتَّات أول ما يقابل السِّتَّات يقول لهم أنتم ناقصات عقل ودين ؟! يوم العيد اللِّي هو يوم الفرحة ! أنا عايز أقول لكم إن الموضوع مش ماشي !! يوم العيد اللِّي هو يوم الفرحة يوم العيد اللِّي صلى الله عليه وسلم السِّتَّات طلعوا جزاهم الله خيراً حضروا صلاة العيد ... والنبي ... الحكمة ... والرحمة ... يُقابلهم يقول لهم انتو ناقصات عقل ودين ؟! مش ممكن يكون المفهوم ده !!! مش يمكن كان بيهزَّر معاهم ؟!؟!؟! على فكرة أحد العلماء أو كتير من العلماء قالوا كده : لعله كان يُداعب النساء !! واتاخدت واتلوت !! وبقي كل واحد عايز يشتم واحدة سِتِّ يقول لها إنت ناقصة عقل ودين ، والمعنى ما كانش كده ) !! .
طعنه في مشروعية الحجاب وأنه ظلم للمرأة ؟ .
حيث قال في برنامجه - رفع الظلم عن المرأة - أنَّ الحجاب الشرعي وغطاء الوجه ظلمٌ لها و عقَّب بـ : ( ممكن أنتم مش فاهمين ) .
قوله : بأنَّ سبب قتال الكفار هو عدم احترامهم لحقوق المواطنة ؟ .
يقول عمرو خالد في برنامجه الرمضاني في قناة اقرأ - ذكرَ أنَّ الرسو صلى الله عليه وسلم حارب اليهود ، لأنهم لم يحترموا حقوق المواطنة وليس كراهية ولا انتقاماً منهم .
قوله : بأنَّ شرط قبول الأعمال : الأخلاق ؟ .
يقول عمرو خالد في شريط : الأخلاق : ( ده أنا حأولك حاجة تانية عجيبة جداً ! إنت قد تظن ... يعني بس أنا متخيل إن العبادات أولى ، يعني إنت عاوز تأولِّي إن الأخلاق أهم من الصلا والصوم والذكر والدعاء والحج ؟ آه ، الأخلاق أهم ، إزاي ؟ كيف ؟ يا إخوانَّا ، كل حاجة من العبادات اللِّي إحنا أولناها ديَّة ، هدفها الأسمى : ضبط أخلاقك ، الهدف الأسمى لكل عبادة : إن خلق حضرتك يبأى سوي ، يبأى منضبط ، ولا قيمة في عبادة من العبادات لا تؤدي لانضباط الأخلاق ، تبأى تمارين رياضية ... طيب يبأى اللي مابتنهاهوش صلاته عن الفحشاء والمنكر صلَّى والاَّ ما صلاش ؟ عمل تمارين رياضية ! لكن صلَّى ؟ ما استفدش من الصلا في حاجة ، قيمة الصلا الأساسية : أخلاءك حصل فيها إيه ... ) انتهى .
قوله بعدم قبول توبة التائب إلاَّ إذا تاب بعد الذنب مباشرة ؟ .
قال في محاضرة له بعنوان : التوبة ، بُثت على قناة الشارقة الفضائية يقول : ( إنَّ الذين يستحقون التوبة هم فقط الذين يتوبون بعد الذنب مباشرة) !! .
قوله بأنَّ الفنَّ هو طريق الأنبياء ؟ .(52/454)
قال في قناة المستقبل اللبنانية : (إنَّ صلى الله عليه وسلم ما زعلش لَمَّا استقبلوه أهل المدينة بالأغاني : طلع البدر علينا، لأنه كان يؤمن أنَّ الفن يساهم في النهضة ) .
ويقول : (إنَّ الفن الذي يصنع نهضة هو طريق الأنبياء) !!!! .
ويقول : (اللِّي أنا بقوله إن الحاجة اللِّي مفيهاش حاجة حرام هِيَّا اسم مسرح دي كلمة مسرح دي كلمة حرام ؟ لأ هِيَّا كلمة سينما دي كلمة حرام ؟ لأ يا جماعة كلمة فن دي كلمة حرام كل ده كلام حلال ده النبي كان بي ........ الشعراء اللِّي هما فناني العصر في ذلك الوقت كان النبي بيكرمهم ) .
متابعته ومدحه لأفلام الفسقة ؟ .
ومن ذلك قوله في قناة المستقبل اللبنانية : (على فكرة أنا في مسرحيات للأستاذ عادل إمام مقدرش أقوم من قدامها بموت من الضحك، وفي مسرحيات للأستاذ محمد صبحي مقدرش أقوم من قدامها) .
ويقول : ( لو في مسرحية أو في فلم بيعرض حاجة هادفة ، الفن في حدِّ ذاته يعني أنا مش مكسوف إني أنا أقولك أروح فلم أو مسرح إيه المشكلة ، بس إيه اللِّي بيتعرض ، لو اللِّي بيتعرض حاجة جيدة يعني مسرحية زي مسرحية الأستاذ عادل إمام شاهد ما شافش حاجة مين مضحكش عليها ، ومين متفرجش عليها ) .
دعوته للاختلاط ؟ .
قال عمرو خالد : إن الصحابة كانوا يجتمعون رجالاً ونساءً في دار الأرقم ويؤكد ذلك بقوله : (خلِّي بالك ... رِجَّالة وسِتَّات مفيش حاجز بينهم) !!!!! .
مجالسته للنساء المتبرجات والتحدُّث إليهنَّ بالابتسامات والضحكات والتعليقات ؟ .
كما شريط فيديو بعنوان: (كلام من القلب عمرو خالد يستضيف سهير البابلي)، فيه لقاء استضاف فيه عمرو خالد، الممثلة السابقة (سهير البابلي) في جزئين ، وصورته وصورتها على غلاف الشريط .
هذا غيض من فيض هداه الله ، وقيَّض ولاة الأمر والعلماء لمناصحته وإصلاحه ، ومنع إلقاءه لمحاضراته في مدينة النبيِّ صلى الله عليه وسلم خاصة ، إنَّ الله سميعٌ مجيب .
وللاستزادة مما عليه هذا الداعية يُنظر : مقال شيخنا الدكتور محمد بن رزق طرهوني وفقه الله (ماذا تنقمون على عمرو خالد) وكتابتي هذه تلخيص للمقال المذكور .
وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد وآله وسلم .
=============(52/455)
(52/456)
عمرو خالد داعية الإسلام الأمريكي
محمد إبراهيم مبروك - القاهرة
24- 5- 2007م
أخطأ الفتي المسكين، أو استدرج، أو اجتهد فخالفه التوفيق.
هكذا يقول مريدو عمرو خالد أو أولياؤه أو مستثمروه كلما وقع في مصيبة من مصائبه.
ولكن قد يكون هذا مقبولاً في حالة واحدة هي أنه قد أخطأت المخابرات الأمريكية المسكينة، وأخطأت المخابرات البريطانية الغبية، وأخطأ الإعلام الإسرائيلي العبيط؛ لأن كل هؤلاء هم المحتفون به، والمروجون له عالمياً، والذين منحوه مؤخراً جائزة أحد أهم مئة شخصية في العالم سواء كان ذلك عن طريق جريدة التايم أم غيرها، وهؤلاء هم المتهمون بأنهم الذين كانوا يقفون وراء صناعة ظاهرته من الأساس عن طريق رجالهم في المنطقة، وأجهزة الإعلام المسيطرة التي لا يستطيع أحد التشكيك في تابعيتها لهم.
فلماذا إذن يدور الصخب الثائر حول تصريح الرجل في الأوربت بأنه: "لو تعرض لموقف يدفعه لمصافحة تسيبي ليفني وزيرة خارجية إسرائيل وزميلته في الجائزة الممنوحة فإنه لن يتردد في مصافحتها"، فالرجل كما يصفه مكرموه رجل سلام ومحبة وتسامح، يدعو لهداية أمريكا وليس لانهيارها حتى لو كانت تقتل الرجال والأطفال، وتغتصب النساء في العراق، ويلتجئ إليه الشباب يسألونه:
- ماذا نصنع بالنسبة لما يحدث لإخواننا في العراق؟
يجيبهم في بيان شهير ما خلاصته:
- عليكم أن تدعو لهم الله، وأن تمدوهم بالمساعدات إذا سمحت السلطات الرسمية، وأن تتصلوا بهم تليفونياً بشكل عشوائي تسألون عن صحتهم.
فالذي يصدر مثل هذا الكلام في مثل هذه الظروف في بيان علني للناس دون خجل كيف يوجه إليه اللوم على عدم تردده في مصافحة ليفني أو غيرها، ثم لماذا نذهب بعيداً أليست ليفني هذه وزيرة الدولة (دولة إسرائيل) التي منحها هذا الوسام الفريد (إنها صاحبة المسجد الأقصى)، حين روي للناس (بناء على رواية تلمودية) أن المسجد الأقصى بناه سيدنا داود - عليه السلام - على أرض بيت اشتراه من رجل يهودي، فأخذ الإعلام الإسرائيلي حديث عمرو هذا وبثه ثلاثة أيام متوالية على قناته الفضائية.
ثم هل كل ما سبق يعني شيئاً تجاه استهانته بإهانة الرسول صلى الله عليه وسلم نفسه من قبل أوليائه في الغرب حتى لا يفقد رضاهم، إنها ثالثة الآثافي التي يهون بعدها أي فعل أو أي حديث.
فبعد واقعة الرسوم المسيئة للرسول صلى الله عليه وسلم أصر على حضور مؤتمر أقامته الدنمارك للحوار بين الأديان على الرغم من تنبيه علماء الإسلام له وعلى رأسهم الدكتور يوسف القرضاوي - الذي احتمى في مظلته سنوات طويلة - بخطأ حضوره هذا المؤتمر، ومخالفته للإجماع - بحسب الدكتور القرضاوي - بل وبعد مناشدة الجالية الإسلامية نفسها له بعدم الحضور إلا بعد تقديم الحكومة الدنماركية الاعتذار المناسب، لكنه ضرب بكل ذلك عرض الحائط، وأصر على الحضور، وهذا أمر جدير بالانتباه، وهو أن طالبي الرضاء الغربي يقفون في تصرفاتهم عند حدود معينة في تعرضهم لانكشاف أمرهم عند اتخاذ المواقف الفجة التي يدينها الجميع، أما العملاء المباشرون فإنهم يكسرون هذا الحاجز، ولا يقفون عند حد من الحدود، وذلك لسبب بسيط للغاية هو أن أمرهم ليس بأيديهم.
فهل بعد كل ما سبق تكون مصافحة عمرو خالد لوزيرة خارجية إسرائيل أمراً غريباً وشاذاً؟!
لكن تُرى ما ذنب الداعية المسكين؟ إن مريديه يقرون على الرجل بالجهل، ولكنهم يقولون: يكفيه النوايا الحسنة.
أي جهل؟وأية نوايا حسنة؟ ومن يضحك علي من؟ وآية خديعة تلك يراد لها أن تستمر ويروج لها مستثمروه؟ (ألم يتعاقد الرجل مع شركتي إعلام ليتوليا الدفاع عن فوزه بالجائزة؟ (الفجر عدد 15 مايو) إذن المسألة: (بزنس إذ بزنس).
إن الرجل تتعدد أخطاؤه في تفسيراته وأحكامه عن الإسلام إلى الدرجة التي قال معها العالم الجليل الشيخ أبو إسحاق الحويني:
-أعتقد أن هذا الرجل لم يقرأ كتاباً شرعياً أبداً.
لكن ذلك لم يدفع الرجل للإحجام عن تقديم الإجابات على كل الأسئلة التي توجه إليه بنفس الطريقة المتبعة في جرأة كاملة على الله ورسوله، حيث تحول لمريديه إلى مرجعية كاملة لأنه لا يحيلهم إلى مرجعية أخرى.
إذن المسألة ليست مسألة أخطاء وإنما منهج كامل، يقوم على وعي تام، ويقدم نموذجاً جديداً للإسلام، هذا النموذج يتعمد عدم تقديم أي إزعاج لأعداء الإسلام أو أصحاب السلطة والنفوذ أو أصحاب الثروات والطبقة العليا مادياً من المجتمع، حيث يتم اختزال الإسلام إلى مصدر تكميلي للواقع القائم الذي يجب على الداعية الصادق التنبيه على أسسه المخالفة للإسلام.(52/457)
أما التعامل مع المجتمع على أنه متدين أصلاً، وأن المسألة هي مجرد تحول في الدرجة، وأن خطاب الداعية لا يرمي إلا إلى تقديم مادة دينية استكمالية لهذا المجتمع القائم فهذا حديث مزيف عن الإسلام، وحديث يتوافق تماماً مع الرؤية البراجماتية للدين، فالبراجماتية تنظر إلى الدين مثله مثل أي شيء آخر بمنظور ما يمكن أن يحققه من مصلحة عند تجريبه عملياً، من ثم فهي تنشد منه ذلك الدور التخديري الذي يؤدي إلى إكساب المستعينين به الطمأنينة والسكينة التي يحتاجون إليها لاستكمال حياتهم التي تمضي إلى أي اتجاه.
وهذا تحديداً ما يفسر التفاف الطبقات الغنية والمتنفذة ورواد النوادي الأرستقراطية والبرجوازية حول عمرو خالد لأن تلك الطبقات التي تغلغلت فيها بوجه خاص المفاهيم البراجماتية الأمريكية تحتاج إلى الجمع بين مكتسباتها وبين الطمأنة بأن مخالفاتها الأخلاقية لن تفضي بها إلى الجحيم، فيمكنها بذلك بحسب ما تتوهم أو تريد أن تتوهم الجمع بين نعيمها الدنيوي والنعيم الأخروي المنشود.
إذن المسألة ليست مسألة عمرو خالد فقط، ولا أقول أن المسألة تتعلق بجمع كبير من المخدوعين لأن هذه المواقف والأحداث قد غدت أكبر من أن تتجاهل، وأن تكون قادرة على إيقاظ أشد المستغرقين في الغفلة.
والواقع نفسه يؤكد ذلك فأنا رجل - كما يعرف القريبون مني - أعيش بين الناس، وأتابع بدقة اهتماماتهم، وحين استرعتني ظاهرة عمرو خالد في أول أمرها سألت أصدقائي من باعة أشرطة الكاسيت والسيديهات عن مدي توزيع أعمال عمرو خالد فقالوا لي:
- أنه في مقابل مائة شريط أو سي دي يباع لعمرو خالد يباع خمسة أشرطة أو سيديهات لكل الدعاة الآخرين معاً.
ولكن قبل كتابة هذا المقال مباشرة عدت فسألت أصدقائي من الباعة نفس السؤال فكانت إجابتهم كالتالي:
- لا شيء على الإطلاق.
قلت: ما الذي يعنيه هذا الكلام، هل غدت نسبته في البيع أقل من بعض الشيوخ؟
قالوا: ولا حتى عكس النسبة السابقة.
قلت: أتريدون أن تقولوا لي أن الناس انتبهوا للخديعة؟
فقال لي أحدهم: لقد أدركت الناس أنه يقدم ديناً جديداً ليس الإسلام وإنما الاستسلام للهوى.
أما أغرب ما قيل لي في هذا الصدد فهو:
- إن أشرطته تباع الآن في الجملة بنصف ثمن الأشرطة الأخرى.
إذن المسألة الآن لا تتعلق بمسألة خديعة يقع فيها الجماهير، أما القول بأن صاحب الشأن نفسه مسكين مخدوع بعد كل الذي ذكرناه فهي مسألة تغدو خارجة عن المنطق القابل للمناقشة.
إن المسألة هي مسألة طبقة تغلغلت فيها المفاهيم البراجماتية الأمريكية منذ أواسط التسعينات، طبقة تعلمت كيف تتعامل مع كل الأمور بما يجلب لها المصلحة والمنفعة حتى مع الدين نفسه، ولذلك فهي تتعامل مع الإسلام على أساس تحديد مصالحها أولاً، ثم قبول الإسلام بالطريقة التي تتكيف بها مع هذه المصالح، وهذه الطبقة كان لابد أن تجد لها غطاء شرعياً ولو ظاهرياً يمكنها أن تتستر وراءه، ومن الطبيعي أن تجد بغيتها في أمثال عمرو خالد.
أما المسألة برمتها (عمرو خالد وأتباعه) فإنها تتمثل تماماً في النموذج الأمريكي المنشود للإسلام الليبرالي الذي يجب أن يسود في المنطقة، ويجب أن يكافأ أصحابه بأعلى الجوائز.
h رضي الله عنه رضي الله عنهp://islamicnews.ne رضي الله عنه:المصدر
=============(52/458)
(52/459)
: ماذا وراء مؤتمر عمرو خالد في الدنمارك؟!
نوفل المعاوي ـ كاتب تونسي مقيم في النرويج
07- 3- 2006 م
لا تزال الحكومة الدنمركية مصرة على الاستكبار والصلف والتجاهل لمطالب المسلمين في الدنمرك والعالم, وسياسة الهروب إلى الأمام, مشددة على أن الأزمة التي أحدثتها الرسوم المسيئة لمقام النبي صلى الله عليه وسلم هي أزمة مختلقة افتعلها من تسميهم بالأئمة المتطرفين في الدنمارك, وتعني بذلك الأئمة المنضوين تحت "اللجنة الأوروبية لنصرة خير البرية" ومقرها الدنمارك، وتشن عليهم الصحف الدنمركية حملة شعواء متهمة إياهم بالإساءة إلى مصالح الدنمارك، فيما تتعالى الدعوات بطردهم من البلاد من داخل الائتلاف الحاكم نفسه, الذي صرح بعض أعضائه بأنه سيتم إعادة النظر في إقامة هؤلاء الأئمة بعد أن يعود الهدوء.
وإمعاناً في المغالطة قامت الحكومة بتشجيع جمعية "شبكة المسلمين الديمقراطيين" التي يقودها النائب في البرلمان الدنماركي، وعضو حزب اليسار الراديكالي؛ ناصر خضر - السوري الأصل - الذي عرف بتبرئه من الإسلام مفتخراً بإنكاره لأحكام الشريعة، وقد ضمت هذه الشبكة مجموعة من العلمانيين من ذوي الأصول المسلمة ممن يجمعهم الحقد على الإسلام, ومن عجائبها أن أغلب المنخرطين فيها هم من الدنماركيين المعادين للإسلام، الذين انضموا للجمعية بدعوى مساندة المسلمين الديمقراطيين، ولقطع الطريق على أية محاولة قد يقوم بها المسلمون لاختراق الجمعية، وتحويلها عن هدفها في محاربة الإسلام باسم المسلمين، وقد صرح ناصر خضر: "لقد اشترطنا على من يريد الانضمام إلينا،التوقيع على حقوق الحرية، وأن يعترض على حكم الإعدام، وبالتالي لا يؤيد أي عضو من الأعضاء الشريعة الإسلامية كقانون, بينما يحق له أن يعترف بها كدين لا دنيا"! كما تؤكد الجمعية على حرية التعبير والفن كما تراها، وتعني حرية نشر الرسوم المسيئة, وعلى حقوق الأفراد الجنسية وتعني حقوقهم في الدعارة وممارسة الشذوذ.
هذا وقد سارع رئيس الحكومة إلى مقابلة قيادات هذه الجمعية التي يراد فرضها ناطقة باسم المسلمين في الدنمارك لأنها تمثل الإسلام المطلوب, في حين لا يزال يرفض مقابلة القائمين على "اللجنة الأوروبية لنصرة خير البرية"، التي تمثل أغلب المسلمين في الدنمارك أي أغلب الجمعيات والجاليات المسلمة الكبيرة فيها وخاصة العربية والتركية، والباكستاية والصومالية, ويرأسها الشيخ رائد حليحل، فيما يشغل إياد عكاري الناطق الرسمي باسمها إلى جانب الشيخ أحمد أبو لبن الذي يعد أهم رمز إسلامي في الدنمارك، وأحد أهم الرموز الإسلامية في أوروبا الغربية, فيما تعد الجمعية التي يرأسها وهي "الوقف الإسلامي في الدنمارك" أكبر جمعية إسلامية في كوبنهاغن, وأنشط جمعية في البلاد الاسكندينافية في مجال الدعوة الإسلامية.
وفي إطار النفخ في ما يسمى "شبكة المسلمين الديمقراطيين"، فقد صرحت "ركي فلسهوي" وزيرة الاندماج في الدنمرك بأنه: "ما كان من المتوقع ظهور فريق من المسلمين المعتدلين على الساحة, فهذه فرصة يجب أن نغتنمها"، ثم أضافت: "لقد أعددت لهم 4 ملايين كرونة - ما يعادل 650 ألف دولاراً - وهناك المزيد إن استطاع هؤلاء الناشطون دفع عملية الاندماج إلى الأمام"، ويعرف كل من يعيش في الدنمارك أو له اطلاع على الوضع فيها أن عملية الدمج والاندماج التي يطالب بها ائتلاف اليمين الحاكم لا تعني غير التذويب والانصهار.
وفيما الساحة الدنماركية تشهد هذا الغليان والاحتقان بسبب عنجهية الحكومة اليمينية المتطرفة المصرة على عدم الاعتذار للمسلمين هي والجريدة الآثمة؛ التي وصل بها التطاول والوقاحة وازدراء المسلمين إلى نشر تكذيب للإعلان الذي قام به بعض رجال الأعمال الدنماركيين باسمها في بعض الصحف العربية، وزعموا فيه أنها تعتذر للمسلمين عن نشر الرسومات المهينة, بل هددت الصحيفة بمقاضاة هؤلاء الذين تحدثوا باسمها، ونسبوا إليها اعتذاراً لم يصدر عنها!.
في هذا الوقت صرح طارق رمضان المعروف بدعوته لما يسميه بـ"الإسلام الأوروبي" لبعض الصحف الدنماركية - حسبما أبلغني به للشيخ رائد حليحل رئيس "اللجنة الأوربية لنصرة خير البرية" - قائلاً: "أحمل الأئمة مسؤولية كل ما جرى لأنهم حولوا القضية من شأن داخلي في الدنمارك إلى قضية عالمية"، وقد كانت تصريحات طارق رمضان تلك طعنة لأئمة المسلمين في الدنمارك, في الوقت الذي يتعرضون فيه إلى حملات التشويه الشعواء, والمعلوم أن طارق رمضان يرى أن من سمات "الإسلام الأوروبي" المنشود الابتعاد عن قضايا العالم الإسلامي التي تُظهر المسلمين أنهم مزدوجو الولاء، والانخراط في القضايا الأوروبية لضمان اندماجهم في مجتمعاتهم الأوربية، وتقبل الآخرين لهم, وقد سبق أن تعرض إلى انتقادات قوية من الشيخ يوسف القرضاوي في بريطانيا على بعض توجهاته المغالية في تفلتها فضلاً عن انتقادات غيره من العلماء.(52/460)
لكن يبدو أن الرجل مصر على منهجه, وخاصة أن بعض الغربيين ينفخون فيه، ويكتبون أنه من المتوقع أن يلعب في المستقبل بين المسلمين الدور الذي لعبه لوثر بين النصارى، أي أنه تجسيد "للبروتستانتية الإسلامية" المطلوبة, وعند زيارته إلى العاصمة النرويجية أوسلو في شعبان المنصرم بدعوة من الجامعة أوسلو لتقديم محاضرات عن الإسلام كما يراه كان محل اهتمام كبير جداً من الإعلام النرويجي بما فيه التلفزيون الرسمي الذي عرض مشاهد من محاضراته التي ألقاها في مسجد "الرابطة الإسلامية", حيث جلس الشباب والفتيات جنباً إلى جنب في قاعة الصلاة المخصصة للرجال, بمن فيهم غير المسلمات من الفتيات النرويجيات, وكانت هذه فرصة للتعريف بنموذج من "الإسلام الأوروبي" المنشود, وقد وصفته الرابطة في إعلاناتها بأنه "أحد أبرز العلماء التقدميين في أوروبا"!, منوهة بأنه "أحد من عينهم توني بلير في مجلس مقاومة التطرف الإسلامي".
وجاءت تصريحات طارق رمضان هذه لتحرج أئمة المسلمين في الدنمارك أكثر, وتذكي نار الحملة عليهم بأنهم متطرفون لا يمثلون المسلمين المعتدلين حسب توصيف الحكومة الدنمركية, وبالتالي الإصرار على رفض التحاور مع هؤلاء الأئمة في القضايا التي تمس الإسلام والمسلمين في الدنمارك باعتبارهم متطرفين وليسوا أهلاً للحوار, رغم التفاف أغلب الجاليات المسلمة في الدنمارك حولهم كما أسلفنا.
وفي هذا الخضم طلع علينا ما يسمى بمؤتمر الحوار الذي يعتزم الداعية عمرو خالد إقامته في الدنمرك بالتنسيق مع الحكومة الدنمركية, وبتجاهل تام لأئمة المسلمين في الدنمارك، بل ويصرح: "لن ألتقي بالمتطرفين من الجهتين"، وهو انحياز شبه تام للحكومة الدنمركية التي تصف الأئمة بالتطرف, لأنهم قاموا واستنكروا الإساءة إلى مقام النبي صلى الله عليه وسلم ، ورغم أنهم لم يوصلوا الأمر إلى البلاد العربية والإسلامية إلا بعد أن فشلت كل محاولات الحوار مع الحكومة الدنمركية التي عمت وصمت ورفضت حتى مقابلة أعضاء السلك الدبلوماسي الممثل للدول الإسلامية.
ولم تكن احتجاجات الأئمة ومن وراءهم المسلمين تحت لواء "اللجنة الأروبية لنصرة خير البرية", إلا ردود فعل سلمية, وفي إطار مراعاة القوانين الدنماركية, وهو حق تخوله لهم الديمقراطية التي تتشدق بها الحكومة, ولا ننسى أن الحكومة النرويجية قد سارعت إلى الضغط على رئيس تحرير الصحيفة النصرانية المتصهينة حتى يعتذر إلى المسلمين على الهواء في مقر وزارة العمل والاندماج وبدعوة من الوزارة, فضلاً عن الأوامر التي أصدرها وزير الخارجية النرويجي منذ بدايات الأزمة إلى البعثات الدبلوماسية في العالم الإسلامي لإظهار الأسف، وعدم رضا الحكومة النرويجية عما صدر, ولا نريد بهذا تزكية الحكومة النرويجية ولا الدعاية لها, فلا تزال عليها مؤاخذات وخاصة على "حزب العمال" الذي يصر - رغم اعتراض حزب اليسار الاشتراكي شريكه في الائتلاف الحاكم, على عدم سحب القوات النرويجية من أفغانستان -, ولكننا بصدد بيان الفارق الهائل بين موقفي الحكومتين الاسكندنافييتين, مما يدل على مدى الصلف والتطرف الذي تتسم به الحكومة الدنماركية الحالية والتي تتعرض هذه الأيام إلى انتقادات كبيرة من أحزاب المعارضة وخاصة "الحزب الديمقراطي الاشتراكي" على مواقفها الرعناء في أزمة الرسوم المسيئة إلى مقام النبي صلى الله عليه وسلم ، وهكذا نجد مواقف المعارضة الدنماركية أفضل من مواقف طارق رمضان، وعمرو خالد!
ولاستجلاء حقيقة المؤتمر الذي تموله وتدعمه الحكومة الدنماركية، والذي من المقرر افتتاحه يوم الثامن من مارس الحالي, ودور عمرو خالد فيه, ووصفته الآلة الدعائية للحكومة الدنمركية بأنه "مؤتمر كبير للتهدئة والاعتدال في الثقافة والدين", اتصلت بفضيلة الشيخ رائد حليحل رئيس "اللجنة الأوروبية لنصرة خير البرية" المقيم في مدينة "أوغوس" في الدنمارك فوجدته في غاية الحزن من الطعنة التي وجهها لهم عمرو خالد، وفشل كل محاولات ثنيه عن صنيعه, سواء عبر اتصالهم به مباشرة، أو عبر الغيورين من العلماء والدعاة في أوروبا والعالم الإسلامي, وقد ذكر لي الشيخ رائد حليحل أنهم اتصلوا بجملة ممن ادعى عمرو خالد اعتزامهم المشاركة في مؤتمر الحكومة الدنماركية؛ فنفوا ذلك نفياً قاطعاً مثل: الشيخ سلمان العودة، والشيخ محمد سعيد رمضان البوطي، والمفتي علي جمعة, وقد أوجز لي الشيخ رائد حليحل نقاط الاعتراض على هذا المؤتمر فيما يلي:
1ـ أنها مبادرة متأخرة قامت على فكرة أن الحكومة الدنماركية ترغب فعلاً في الحوار, في حين أن الواقع غير ذلك.
2ـ أن مبادرة عمرو خالد ليس فيها تنسيق مع العالم الإسلامي ومرجعياته الدينية، لأن القضية تهم أمة المسلمين جمعاء, وأن قضية بهذا الحجم لا يكفي فيها جهد فردي مهما كان تميزه.
3ـ تغافله عن مسلمي الدنمارك وعدم تنسيقه معهم, أو لقائه بهم, خاصة أن الحكومة الدنمركية لم توجه لهم دعوة للحضور.
4ـ هذا المؤتمر مناورة من الحكومة الدنماركية لضرب المسلمين في الدنمارك، وتكريس تهميشهم أكثر, والالتفاف على القضية الأساسية والأم.(52/461)
كما ذكر لي الشيخ رائد ما هو معلوم عن العلاقة الوطيدة التي تربط عمرو خالد بطارق رمضان داعية "الإسلام الأوروبي" أثناء إقامته في بريطانيا التي يكثر طارق رمضان من التردد عليها, وخاصة وأنه عضو في "لجنة توني بلير لمحاربة التطرف".
هذا وحسب موقع "اللجنة الأوروبية لنصرة خير البرية" فإن عمرو خالد لا يزال حتى الآن غير مكترث بالتحذيرات التي وجهت له, وقد صرح أشرف الكردي الناطق باسمه "إن عمرو خالد مدرك لهذه التحذيرات, ولكنه يتجاهلها"، كما صرح بأن "عمرو خالد لا يريد أن يملي عليه أحد خصوصاً جدول أعمال هذه المجموعة"، مضيفاً بأن "الحكومة الدنمركية هي التي وجهت لنا الدعوة إلى الدنمارك, و لهذا سوف ننسق الزيارة بناءاً على أجندة السلطات الدنماركية"!
كلمتي الأخيرة في هذا المقال هو نداء موجه إلى أهل العلم ودعاة الإسلام الصادقين والمتبعين لهدي النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن يبذلوا الجهد في المحافظة على إسلام الأجيال الجديدة من المسلمين المقيمين في أوروبا إسلاماً موافقاً لهدي النبي صلى الله عليه وسلم , في مواجهة دعوات التذويب التي تحقق تقدماً كبيراً، وتسوق حتى من داخل الصف المسلم للأسف الشديد تحت دعاوى شتى أقلها المحافظة على صورة الإسلام والمسلمين حتى لا يقال عنا أننا متطرفون، وانعزاليون نرفض الاندماج!
h رضي الله عنه رضي الله عنهp://www.alas صلى الله عليه وسلم ws:المصدر
=============(52/462)
(52/463)
سلمان العودة بين عمرو خالد و ستار أكاديمي
14/12/1425
25/01/2005
بسم الله الرحمن الرحيم
إلى الأستاذ الشيخ : سلمان بن فهد العودة المحترم.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد :
قبل عرض سؤالي عن برنامج الداعية عمرو خالد أحب أن أستعرض لك بعض الآراء التي قيلت حول برنامج (ستار أكاديمي ) لعمل مقارنة بينه وبين برنامج ( صناع الحياة ) لمعرفة ما هو سر إقبال الناس على هذا البرنامج وبرامج المسابقات الغير هادفة يقول أحد -المواطنين وهو متابع جيد لستار أكاديمي - بأنه برنامج مسلٍ وممتع ويساعد على قضاء وقت الفراغ وهدفه صناعة النجوم العرب والكشف عن مواهبهم وقدراتهم الفنية المبدعة على الهواء مباشرة حيث تشاهد حياتهم اليومية.
ويقول رأي آخر أنا لا أعتبر متابعة برنامج ستار أكاديمي مضيعة للوقت إلا إذا بالغ المشاهد في متابعته وهذا البرنامج ترفيهي والإنسان بطبيعته يحتاج للترفيه عن نفسه بين الحين والآخر.
وتؤكد مشاهدة أخرى : لا مانع من أن أتابع هذا البرنامج فهو يعلم عادات صائبة كالاعتماد على النفس وبعض السلوكيات في التعامل والغذاء والرياضة ويمنح الشهرة للمشاركين ويحقق عائداً مجزياً للشركات الفنية ( أرجو من أستاذنا الشيخ التركيز على مسألة الشهرة والعائد المادي لأنه سيكون أحد أسباب قلة مشاهدي برنامج عمرو خالد).
وتقول أحد المشاهدات: برنامج ستار أكاديمي يعلم أحد المجالات العملية وهو الفن بواسطة أفضل الكفاءات التدريسية في المجال الفني على مستوى الوطن العربي .
ويقول أستاذ في علم التاريخ : أنه برنامج غايته السامية مادية حيث استطاع استقطاب عدد ضخم جداً من المشاهدين العرب.
من كل الردود التي ذكرتها والتي قرأتها في مختلف المجلات والصحف عن البرنامجين تؤكد حقيقة واحدة وواضحة وهي أن برنامج ( صناع الحياة ) له فائدة وهدف بناء في بناء نهضة الأمة العربية والإسلامية على خلاف (ستار أكاديمي ) الذي يفتقر إلى الهدف ويعتبر مضيعة للوقت ولا يعدو كونه أشبه بفقاعات الهواء في الماء.
أولاً : ما رأيك في كل ما قيل ؟
والسؤال هنا : لماذا هذا الإقبال على مثل تلك البرامج التافهة حيث وصل عدد الاتصالات اليومية إلى ( 100 مليون ) متصل .
بينما برنامج عمرو خالد على الرغم من نجاح فكرته إلا أنه تجاوز ( 54.000 ) من المشاهدين
هل لغياب الحافز المادي والمغريات الأخرى كالشهرة والأضواء والاحترام من الحكومات والشعوب لأصحاب الشهرة والمال أم كون البرنامج لم يلق ترويجا له ( الدعاية والإعلان ) كما يجب.
السؤال الثاني : إذا كان لم يلق ترويجا كافيا له فهناك برامج مسابقات أخرى لم تلق ترويجا ولكن وصل عدد متصليها إلى أكثر من ( 100.000 ) متصل في اليوم.
يقول أستاذ في علم النفس بجامعة الملك سعود : إن الإنسان يبحث عن الوسائل التي تشبع حاجاته وغرائزه, والمال إحدى هذه الغرائز, فلا يكفي مجرد الدعوة إلى شيء, ووضع الأهداف النبيلة يجعل الناس تتبعك, لا بد من وجود محفزات تشجع الشباب على الإقبال الشديد والمشاركة الفعالة.
هذه هي أسئلتي وأرجو منك الإجابة عليها بالإضافة لرأيك في شخص الداعية عمرو خالد في معاناته لإنجاح فكرة برنامجه، وما هي الرؤية المستقبلية للبرنامج وما يصنعه مع الشباب والأمة . أرجو إرسال إجاباتك على رقم الفاكس ( .............. ) .
ولك جزيل الشكر والتقدير.
أحتكم د. سهام الصالح
أختي الكريمة/د. سهام الصالح وفقها الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد :
تحدثت في رسالتك الرائقة عن برنامج ( استار أكاديمي ) وصناعة النجوم - كما تسمى -، وسر إقبال الناس عليها؛ مقارنة بالبرامج الهادفة كبرنامج الأستاذ عمرو خالد وغيره.
ولعل من اللافت أن الدورة الثانية لهذا البرنامج العابث ( استار أكاديمي ) قد بدأت هذا الأسبوع (يوم الجمعة الموافق ل31 ديسمبر 2004) وفي الوقت الذي يستعد فيه الطلاب والطالبات هنا لاختباراتهم، وتجاوز الفصل النصفي الأول من الدراسة.
ولي تعليقات على ما ذكرت تتمثل في :
أولاً : البرامج الجادة لها جمهور عريض، وعريض جداً؛ ولكن ليس جمهور الصراخ والتصفيق، وإنما جمهور المتابعة، والفهم، والحوار، والعمل؛ بينما هذه البرامج الهابطة ذات استفزاز وإثارة وقتية ليس لها دوام { فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ } (الرعد: من الآية17).
إن الأرقام والإحصائيات تؤكد هذا، فلو دخلت على المواقع الإلكترونية الخاصة بهذه البرامج لرأيت المشاركة والتفاعل والإيجابية على أشدها، وهكذا التقارير المعتمدة توحي بذلك.
فقناة (المجد) على حداثة سنها سجلت تفوقاً كبيراً ليس في السعودية فحسب، بل في الخليج، والمغرب، وغيرهما.
وقناة (اقرأ) هي الأولى في مصر من القنوات التي تستقبل من خارج القطر المصري، بشهادة إدارة الإذاعة والتلفزيون .
يجب أن ندرك أن ثمت ارتباكاً مقصوداً في بعض الأرقام، فحين يقال مثلاً :(52/464)
إن ثمت ( 100مليون اتصال يومي ) ببرنامج استار أكاديمي أو غيره، فهذه معلومة مغلوطة، وقد كنت سمعتها قبلاً أن عدد الاتصالات خلال فترة بث البرنامج كاملة هو ( 80 مليون ) وسألت فلم أجد معلومات دقيقة، وأخشى أن يكون ثمت فئتان معنيتان بتصعيد الأرقام:
الأولى : أصحاب البرامج الذين يريدون أن يسوقوا لبرامجهم، ويثبتوا نجاحها، وإقبال الناس عليها.
الثانية: بعض الخيرين الذين يريدون أن يدقوا نواقيس الخطر من هذا الشر القادم.
وأرى أن قراءة الواقع بشفافية هي الأفضل لهؤلاء وهؤلاء.....
وقد حدثنا أحد الإعلاميين الثقات: أن أعلى نسبة مشاهدة في شهر شعبان، ورمضان في السعودية هي لبرامج الإفتاء على القنوات، وأن القنوات التي تسوق المتعة الرخيصة قد تأخرت إلى الدرجة السادسة أو السابعة.
أما عن ( 54 ألف مشاهد ) لبرامج عمرو خالد؛ فأجزم بأنه غير صحيح، بل المتابعون بالملايين، وإن كان الرقم الدقيق غير متوفر.
وثمت مناطق شاسعة في أفريقيا، وآسيا، وأوروبا، وغيرها تعنى بالقنوات ذات الصبغة الإسلامية حفاظاً على هويتها.
ويعلم هذا الذين يذهبون إلى هناك ويلاحظون الحضور الإعلامي الإسلامي الكبير لها.
ثانياً : الشهرة فطرة؛ وإشعار الإنسان بكينونته، وذاته، وأهميته مطلوب في الحدود المعتدلة، وبرامج صناعة النجوم تعطي شهرة مؤقتة عارضة سريعة الانطفاء، وتعرض صاحبها للصدمة النفسية، فضلاً عن أنها شهرة في غير خير.
وقد تغري الفتى أو الفتاة بما لم يكن في حسابه من قبل، فيغير خطته ومسار حياته، ويناقض رغبة أسرته وقرابته ومجتمعه، بل وإحساسه العميق داخل نفسه.
والبرامج الإسلامية يجب أن تفطن لهذا، وتعطي مشاهديها وهجاً ومشاركةً وحضوراً بقدر المستطاع.
وقد حاول القائمون على برنامج ( أول اثنين ) في قناة (المجد) شيئاً من هذا ونجحوا فيه بحمد الله كما يشهده البرنامج الفضائي وموقعه الإلكتروني:
www.awale رضي الله عنهhnain.com
ثالثاً : الحافز المادي والمعنوي مهم أيضاً ، وأجزم بأن القنوات الرديئة تنفق بسخاء على برامجها، وهذا واضح تماماً من الديكور، إلى الاستضافة، إلى الجوائز، والحوافز.
وهنا أتساءل : أين الموسرون والتجار الذين يفترض أن يحافظوا على أسرهم وأولادهم من خلال دعم البرامج الجادة، والقنوات الجادة ؟!
رابعاً : ذكرت د. سهام في صدر مداخلتك بعض أقوال المشاهدين، وهي صحيحة، ولكنني أشير إلى انتقائية تحدث أحياناً لبعض وسائل الإعلام، وكأن المجتمع الشبابي هو شريحة واحدة من الضائعين والكسالى، بينما تغيّب هذه التقارير والاستطلاعات شريحة عريضة، وأؤكد أنها عريضة جداً من المتلقين - سماعاً ورؤية وقراءة - وهم الجادون المهتمون بإصلاح الحاضر وصناعة المستقبل، والمعنيون بشؤون أمتهم، والمهمومون ببناء شخصياتهم العلمية والأسرية والوظيفية، وليس شبابنا جميعاً هم أولئك الذين استغرقتهم المتعة، أو حتى الترفيه غير البريء.
بل تجمع الدوائر المعنية ، على أن الاتجاهات الإسلامية في العالم العربي والإسلامي هي الأكثر شعبية، بغض النظر عن التسبيب والتعليقات التي تصاحب هذا الاعتراف.
ليقولوا مثلاً : بساطة المعالجة وعفويتها وسذاجتها سبب لتقبل الناس لها.
أو ليقولوا : إن الحيلولة دون الصوت الإسلامي أحياناً تصنع له رواجاً وجاذبية .. أو لأنهم لم يجربوا هؤلاء .. ليكن ..
المهم ألا نقبل أن مجتمعاتنا الإسلامية تخلت عن هويتها الحضارية والثقافية، واستسلمت لإغراءات الحرب الأمريكية في عولمة الثقافة والإعلام؛ فلدينا بحمد الله قدرة على الممانعة والاستعصاء، وإن كانت النفس البشرية معرضة للضعف والتأثر.
تأملي مثلاً : التعليقات التي يبثها الشباب في مواقع الإنترنت ، أو في الأشرطة المصاحبة للبث الفضائي تجدين مشاركات محدودة من العيار الهابط جداً، بالقياس إلى كم هائل من المشاركات الجادة.
وأنا هنا لا أتحدث فقط عن : إسلامي وغير إسلامي، بل أتحدث عن البرامج المفيدة، طبية كانت، أو تقنية، أو اقتصادية، أو اجتماعية ، أو تربوية ، أو شبابية، أو ترفيهية ، أو سياسية.
مما هو نافع يمكث في الأرض فهذا كله يصب في مصلحة الأجيال حاضرها ومستقبلها وبناء فكرها وسلوكها في مقابل برامج غثائية تعتمد على الصورة والإيحاءات الجنسية والتهييج العاطفي والإغراء الجسدي والمتعة الوقتية.
خامساً : يجدر بالذكر أن جانب الترفيه مهم، ومهم جداً في حياة الناس ، وقد كان صلى الله عليه وسلم يداعب أصحابه، ويمزح ولا يقول إلا حقا، وهذا شأن يطول شرحه.
والشباب اليوم - ذكراناً وإناثاً محتاجون لبرامج تدخل في هذا الباب وتخاطبهم بهذه اللغة ، وتحرص على الانضباط الأخلاقي، مع التوسع في المباح، واستخدام الترفيه للتربية والبناء والتعليم ، وتعزيز شخصية الشاب أو الفتاة وتدريبه على المهارات المختلفة والضرورية لبناء الحياة.(52/465)
حتى لو وجد قناة متخصصة للشباب، لا تلتزم بالوعظ المباشر، ولا يلزم أن يكون فيها برامج مما توصف بأنها ( دينية ) لكن فيها التزام وانضباط وأمانة ومسؤولية وحضور جيد لصوت الشباب في العالم العربي والإسلامي لكانت هذه القناة متنفساً جيداً ومحضناً للمواهب والطاقات والكفاءات .. فأين أين من يتحمس لمثل هذه الفكرة ويسعى في تحقيقها ونقلها من عالم الأفكار إلى ميدان الواقع ؟!
نأمل ونرجو وننتظر ..
وفي داخلي صوت يقول : قد يطول الانتظار؛ لأن الوعي الإعلامي عند أصحاب رؤوس الأموال ضعيف، وكثير منهم لا يدرك أهمية عمل كهذا في الحفاظ على شبابنا وصياغة عقولهم وضبط سلوكهم !
سادساً : تسألين د. سهام، عن رأيي في الأستاذ الداعية عمرو خالد ، فأرفق لك إجابات سابقة أظنها كافية في هذا الجانب.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أخوكم
سلمان بن فهد العودة
الخميس، 25 ذي القعدة 1425هـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الكريم حفظه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد ،
بخصوص الأستاذ عمرو خالد فقد استمعت إلى بعض أشرطته، ووجدت فيها عاطفة صادقة وعناية بالنصوص، وله تأثير كبير على عامة الناس ، وهذا مما يفرح به، وليس المقصود تطلب الكمال، فكل يؤخذ منه ويترك، ووجود النقص في مظهر الرجل وبعض المؤاخذات عليه لا يمنع من الانتفاع به والثناء عليه بما يظهر من حاله، مع تجنب ما لا يوافق السنة من قوله أو فعله .
ولا أعلم عن الرجل إلا خيراً ، وأثره ملموس ليس في مصر فحسب ، بل حتى في الخليج والسعودية ، خصوصاً الحجاز .
أما أقاويل الناس فمن ذا الذي يسلم منها !!
ومن خصال المؤمن وخاصة طالب العلم عفة اللسان وحسن العبارة
" وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوّاً مُبِيناً"
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
كتبه
سلمان بن فهد العودة
=============(52/466)
(52/467)
عمرو خالد !
موسى محمد هجاد الزهراني
تحت ذريعة الحوار مع الآخر _ ولست أعلم من هذا الآخر الذي طأطأنا رؤوسنا له ليرضى عنا _ تحت هذه الذريعة .. أزكمت أنوفنا أطروحاتٌ سيئةٌ جداً تبناها أناسٌ سطحيون ليس هدفهم واضحاً ، لا من جهة تعديل السلوك ولا إصلاح العقائد ..بل أهدافٌ مائعة ضبابية غير واضحة .. عبر وسائل إعلامية مشبوهة _ أقلُّ ما يقال عنها أنها كذلك - و إلاَّ فماذا نسمي تهافت القنوات الفضائحية ! على اختلاف مشاربها ورؤاها على تبني الدعاة التنويريين الجدد أمثال الداعية المشهور الأستاذ المحاسب / عمرو خالد ! الذي خرج لنا فجأة عبر أشرطة الكاسيت قبل سنوات بكلام ساذج حول سيرة صلى الله عليه وسلم _ أخطر [1] سيرة لأعظم رجل عرفه التاريخ _ خرج لنا عمرو خالد بطرحٍ جديد ، قوامه الاعتماد الكلي على استدرار العواطف ، والصراخ ، والعويل ، وقتل اللغة العربية والأساليب البلاغية التي تعارف عليها العرب منذ أن عرف اللسانُ اللغةَ العربيةَ .. وحتى من قبل أن تدّون قواعدُها ونحوُها وصرفُها !
... وقوام دعوة الأستاذ عمرو خالد هو البعد عن الدعوة إلى المحافظة على الثوابت العقدية .. مثلاً ..
أسأله بكل صراحة .. ماذا قدمت يا أستاذ عمرو لمحاربة عبّاد القبور والأضرحة في مصر عبر تاريخك الدعوي كله ؟ أم أنك لا تعلم أن مئات الألوف من المصريين يعفرون جباههم على أعتاب الأضرحة المنتشرة في طول مصر وعرضها _ إنْ جهلاً من كثيرٍ منهم وإن كفراً من بعضهم الآخر _ ماذا قدمت لاستنقاذهم من كفرهم وشركهم ؟ أم أنك لا تعلم أن في مصر أضرحةً يُعمل لها موالدُ سنوية تقدر بملايين الجنيهات ؟ ويحج إليها آلاف مؤلفة من البشر ؟ أنت مصري والمصري ذكي بطبيعته فلا بد أنك تعلم إذا أردت أن تعلم ! ، أم أنك لا تعلم أن عبادة القبور واعتقاد النفع والضرِّ في أصحابها كفرٌ أكبر يخرج من الملة ؟! ، أم أن منهجكم _ وأنت تعلم ما أعنيه جيداً _ يحّرم عليكم الكلام في العقائد ! ولو تكلمت فيها لنبذوك وأقصوك وأغلقوا في وجهك _ حسب تهديداتهم _ قنواتهم ! .
ماذا فعلت يا عمرو للدعوة إلى تطبيق سنة صلى الله عليه وسلم في كل شيء .. في كل شيء .. وليس مجرد التباكي عند ذكرك طرفاً من سيرته أمام المتبرجات في القنوات ! .
ألا تستحي يا أخي ! تعلم علم اليقين أن كثيراً مما تفعله لا يقرّه رسول ا صلى الله عليه وسلم ومع ذلك تتبجح بادعائك حُبِّه... ومن ذلك تبرج النساء .. وكشف الوجه _ ولا تقل لي جائزٌ لأنك أبعد الناس عن معرفة الخلاف الفقهي الذي ما حدث إلاَّ بعد وفاة صلى الله عليه وسلم بقرون _ وإذا سلمنا بكشف الوجه تنزلاً عند أقوالٍ لا يُعتد بها نسألك :
ماذا قال العلماء عن وضع المرأة للزينة على وجهها أو بلسان عصركم .. للمكياج _ حتى تفهم _ على وجهها وأحمر الشفاة والكحل أمام الرجال الأجانب ، وأعني بالأجانب هنا غير محارمها كما هي لغة فقهاء الإسلام ؟! أجبني بإجابة طالب علم لا إجابة عامي مليئة بالصراخ والعواطف والدموع بهذا الصوت الأنثوي الذي شنفتَ آذاننا به .. أترك الإجابة لك ! .
فإذا أردت أن أريحك من عناء البحث فأني أخبرك بأن الفقهاء اتفقوا جميعهم على تحريم ذلك ! ولم يخالف فيه أحدٌ إطلاقاً .
والسيرة أخطر الفنون على الإطلاق .. لأنها تصلح لكل لداعية إلى منهجٍ فيجد فيها بغيته حسب تأويلاته فالحركي .. والتبليغي .. وطالب العلم .. والفقيه .. والمحدث وغيرهم .. كلٌ يجد فيها ما يوافق منهجه ، ولذا فهي بحاجة إلى عالمٍ يعرف كيف يتعامل معها من خلال القواعد العلمية الرصينة ، ومعرفة ناسخها من منسوخها .. وصحيحها من سقيمها .. وخاصها من عامها وهكذا ..(52/468)
ثم ما هي الدروس المستفادة من طروحاتك في السيرة النبوية إلاَّ الدعوة للتسامح مع الآخر ! عدنا إلى الآخر ! وتمييع قضايا الإسلام العظام .. والإتيان بكلام أكثر الهدف منه " رضى الناس " .. مع أنك لم تقصر في لمز المتشددين أمثالنا حتى بعد أن قدمت أراضي المتشددين أعني المدينة المنورة في رمضان 1426هـ وإلقائك دروسك في الفندق ! فضلاً عن خلوّها من الروح العقدية .. فقد تضمنت كثيراً من الأغاليط .. ليس هذا محال سردها ! أبرزها الاستشهاد بأحاديث لم يدرجها العلماء في قائمة الأحاديث الموضوعة فضلاً عن الضعيفة التي لا يعلم عمرو خالد ما شروط الاستشهاد بها ؟ ومتى يكون ذلك ! أعني الأحاديث الضعيفة _ ومنها كذلك .. قلب الحقائق وإنزال أحداث السيرة على وقائع تخدم المنهج الحركي الذي تمثله أكبر جماعة حركية إسلامية في العالم اليوم أعني الإخوان المسلمين ! ثم لماذا يا عمرو ! .. تستفزز مشاعر الموحدين في آخر حلقاتك عن وفاة صلى الله عليه وسلم بقولك " أنا رايح يا أخونا أسلم على الرسول _ هكذا دون ذكر الصلاة والسلام _ عايزين أقول له حاجة يا أخونا .. حد منكم عنده حاجة عايزين أبلغها له .. " واعتذر عن ذكر كلامك باللهجة العامية لكنك استبدلته باللغة العربية جميع حلقاتك ! ثم .. تتحدى كل أصحاب العقيدة الصحيحة أمام جمع من الصوفية الذين كانوا معك تلك الليلة أبرزهم داعية الشركيات المشهور / الحبيب الجفري الذي أعجبه كلامك جداً فراح يبتسم ابتسامة عريضة ! طوال الحلقة ! .
على إنني إن أنس لا أنسى أن أذكر أن الطائفة التي تنسجم كثيراً مع طرحك _ غير فئة الشباب والثبات المغيبة عقولهم _ هم الصوفية الذين يعجبون بمثل هذا الكلام الذي يخرجون منه بعدم التطبيق للتكاليف الشرعية ؟ وماذا يطبقون .. إذا كنت ترى جواز حلق اللحية وكشف وجه المرأة .. والأغاني .. والموسيقى .. والتمثيل وعيد الحب وعيد الأم ووو ... إلخ .. فما هذا الإسلام الذي تدعو إليه ؟!
ثم ما هذا الاعتداء في الدعاء ؟! وما هذا الصراخ والعويل والعبارات التي لا تليق في جانب الله تعالى .. لو شئت لنقلت لك دعاءك كاملاً حتى تتمتعن فيه فتعلم أنك أسأت الأدب مع الله تعالى .. لو كنت أمام رئيس دولة ترجوه أمراً كالحياة بالنسبة لك وخاطبته بهذا الأسلوب الذي سمعناه منك تلك الليلة .. لطردك من مكتبه وأقصاك وربما فعل أكثر من ذلك .. فما بالك بربك ؟!
ثم تأتي بما يشبه كلام جمال عبد الناصر في خطبة المخدرة فتتباكى على الإسلام .. وأننا أضعناه وأن حكومات الإسلام جعلته في قفص الاتهام ! وتطالب جمهورك بالسير على نهج صلى الله عليه وسلم دون أن توضح لهم ما معالم هذا النهج وكيفيه سلوكه ، وأدلة ذلك من القرآن والسنة التي تدرّسها !
تريد أن تقول للناس أنكم أنتم فقط _ أنت و د / طارق السويدان _ وإن كان أقربكم إلى منهج الحق وأرجحكم عقلاً _ والحبيب الجفري ود / أحمد الكبيسي وبعض من على هذا المنوال .. أنتم فقط الذين تحبون الرسو صلى الله عليه وسلم بدليل الكلام عن سيرة !! وهل حب صلى الله عليه وسلم يقتصر على الكلام فحسب ؟ ألم يدعِ قومٌ أعظم من ذلك فأكذبهم الله بآية الامتحان " {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }آل عمران31" ؟!
ولا تقصر في لمزنا بعدم محبة صلى الله عليه وسلم بأساليبك المعتادة .. أيعقل هذا يا عمرو ؟!
نحن والله نحب الرسو صلى الله عليه وسلم حباً عظيماً لكننا نحبه كما يريد هو لا كما تريده أهواؤنا أو جماهيرنا التي تخلط بين الحب والغلو .. نحن يا عمرو ننزله منزلته التي أنزلها ربه عز وجل .. كما أمرنا هو صلى الله عليه وسلم " لا تطروني كما أطرت النصارى المسيح ابن مريم .. فإنما أنا عبد ه ورسوله فقولوا عبد الله ورسوله " [2].. نحن لا نعمل له الموالد .. لأنها بدعة منكرة ما عملها أبو بكر وعمر وعثمان وعلي ..
نحن نحرّم مصافحة النساء الأجنبيات ولو كان ذلك بحجة دعوتهم .. لأنه هو r لم يصافحهن في أعظم بيعة لهن في الإسلام .. وقال في الحديث الصحيح " لأن يضرب أحدكم بمخيط في رأسه خيرٌ له من أن يمس يد امرأة لا تحل له " .
نحن يا عمرو .. لا نرى جواز الاختلاط بالنساء لأن صلى الله عليه وسلم حرّم علينا ذلك .. وحرم علينا النظر إلى المتبرجات ، فضلاً عن أن نقرهنّ على ما هن فيه من التفسخ باسم الفن ، أو أي مسمى آخر .
نحن لا نحلق لحانا لورود أحاديث صحيحة صريحة تحرم حلقها .. قالها هو صلى الله عليه وسلم وأنت ماذا فعلت ؟
نحن يا عمرو .. محرّمٌ علينا سماع الطبول والمعزف والأغاني .. والتمثيل .. أتعلم من حرمّها ؟! حرمها شرعه صلى الله عليه وسلم(52/469)
يا عمرو .. نحن _ نحاول جاهدين _ أن نطبق ما دقَّ وجلَّ من سنته صلى الله عليه وسلم . لأن الله حذرنا من مخالفة أمره ..( فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ )النور63 ولأنه هو r قال " من رغب عن سنتي فليس مني " ..
نحن يا عمرو .. بعد ذلك كله نستغفر الله تعالى أن نكون من الذين يكون خصمهم يوم القيامةمحمدا صلى الله عليه وسلم ونخاف من ذلك أشد الخوف ..
لأنه خوّفنا من ذلك بقوله " ليختلجن من دوني أناس على الحوض ... الحديث ... "
وليس هدفي في هذه العجالة تتبع الأخطاء فما منَّا أحدٌ إلاّّ وله هفوات .. ولكني أرجو أن يجعل الله لهذه الكلمات صدى في نفسك ولو كانت قاسية .. " فما رأيت كالأخوين .. كاليدين تغسل إحداهما الأخرى " ....على أني لا أنكر مالك من التأثير وأحسبك والله حسيبك مخلصاً .. ولديك أسلوب جميل في عرض الموضوع .. بل استدرار الدموع من أعين المستمعين والمشاهدين فعلاً ..
لكنك بحاجة إلى التتلمذ من جديد على أيدي العلماء الربانيين الذين هم نبراسٌ فعلاً يضيء الطريق لأمثالنا حتى نعلم كيف نسير وإلى أين ؟! .
اقرأ كتب شيخ الإسلام ابن تيميه وابن القيم .. وغيرهم من علماء السلف اقرأها بتوسع .. اقرأ كتب الشيخ / ابن باز .. والعثيمين وصالح الفوزان اقرأ .. واتصل بعلماء بلدك .. اتصل بأبي إسحاق الحويني العالم الجليل .. جوهرة مصر .. وخليفة الإمام الألباني في هذا الزمان .. هل تعرفه ؟!
اتصل بالشيخ / محمد حسن يعقوب .. والشيخ / مصطفى العدوي والشيخ الدكتور / محمد إسماعيل المقدم ، والشيخ الدكتور / سيد حسين العفاني والشيخ / محمد حسان .. اتصل بمحمد حسان إسأله عن تجربته واستفد منها ، إسأله كيف أنه لم يجد نفسه إلاَّ بعد أن جلس أمام العالم الرباني الشيخ / ابن باز رحمه الله .. إنهض يا عمرو .. وفكر فيما ذكرته لك ..
ستكون أعظم داعية والله لو أنك نهلت من كتب السلف وخلعت عنك ربقة الانسياق خلف الأساليب الحركية التي لا تسمن ولا تغني من جوع !!
أسأل الله العظيم .. رب العرش العظيم .. أن يأخذ بيدك لكل خير وأن يوفقك لما فيه الخير وأن ينير بصيرتك ويعلمك علماً نافعاً وأن ينفع بك الإسلام والمسلمين وأن يجعلك من علماء الأمة الذين ينصرونها قولاً وعملاً ..
هذا عتابُك إلاَّ أنه مِقةٌ *** قد ضُمّن الدرَّ إلاَّ أنه كلمٌ
موسى بن محمد بن هجاد الزهراني
القاهرة 11/شوال / 1426هـ
--------------------
(1) ستعلم بعد قليل توضيح ذلك .
(2) رواه البخاري 3445 .
=================(52/470)
(52/471)
عَمرو خالد وبرنامَجُه " صُنَّاعُ الحياة "
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد.
فقد لفتت نظري هذه الدعاية المكثفة والواسعة لبرنامج عمرو خالد " معاً نصنعُ الحياة "، مما شدني لمتابعة بعض حلقاته والمنشورة في موقعه على الإنترنت .. فوجدت نفسي ـ من قبيل النصح الواجب وبيان الحق ـ مشدوداً لتسجيل بعض الملاحظات والتنبيهات العامة ذات العلاقة بموضوع البرنامج .. وهي:
1- من الإيجابيات التي تُذكر للبرنامج تناوله بعض المصطلحات والمفاهيم العامة بشيء من الشرح وبأسلوب تشويقي فيه تحفيز للهمم: كمصطلح الإرادة، والجدية، والإتقان، والإيجابية، وتذوق الفن والجمال، وأن يكون للمرء هدف يسعى إليه .. وغيرها من المصطلحات التي تناولها .. وهذا جانب يُشكر عليه.
2- لكنه قيد ثمار ونتائج هذه المفاهيم والمصطلحات بثمار ونتائج قاصرة ومتواضعة جداً لا تناسب الشعار المرفوع " صناع الحياة " .. فهو كان بعد كل مصطلح يشرحه ويتناوله يؤكد على التفوق في المجالات التالية: الكمبيوتر .. والكرة والرياضة .. والدراسة .. والعمل الوظيفي أو المهني .. والاهتمام بالشوارع .. والنظافة .. وإدارة البيت ونحو ذلك .. وكأنه يقول للسامعين: فأنا إذ أتناول لكم هذه المفاهيم والمصطلحات .. وأدعوكم لكسر القيود .. فلا أريد منكم أبعد من ذلك .. فأنا لا أريد منكم تكسير القيود لتكسروا عروش الطواغيت الظالمين الجاثمين على صدوركم .. وصدور الأمة ومقدراتها وخيراتها .. فهذا عنف وإرهاب .. فأنا لا أريده ولا أدعو له ولا أقصده .. ولا ينبغي أن تنصرف أذهانكم وهممكم إليه!
فأنا إذ أدعوكم للانطلاق .. وتكسير القيود .. وصناعة الحياة .. لا أريد منكم الأهداف العامة .. التي لا حياة ولا عزة ولا نجاة للأمة من دونها .. كالعمل من أجل استئناف حياة إسلامية وقيام خلافة راشدة .. ودولة إسلامية .. تسوس الدنيا بالدين .. وتحكم البلاد بشريعة رب العالمين!
لا أريد منكم تكسير القيود لتنطلقوا لتحرير الأمة من طواغيت الحكم الخونة والعملاء .. الذين باعوا البلاد والعباد للمستعمر الأجنبي بثمن بخس!
لا أريد منكم تكسير القيود لتحرروا بلاد المسلمين من أيدي الغزاة المحتلين .. فهذا المعنى لا أريده .. ولا أريد أن تستشرف أنظاركم إليه!
وهذا لا يتناسب مع الشعار الضخم المرفوع " صناع الحياة " .. مما يجعلنا نضع عشرات إشارات التعجب والاستفهام .. حول البرنامج .. وشعاره .. وأهدافه .. ونتائجه!
3- استثنى من خطابه الأنظمة الحاكمة .. وحكوماتها .. وطواغيت الحكم .. بل والأحزاب والجمعيات .. والمنظمات .. على أنها هيئات رسمية مصانة .. لا يجوز الاقتراب منها .. وليس من سياسة ومنهاج الأستاذ الاقتراب منها بشيء من النقد والتوجيه ..!!
بل هو ما إن يقترب من ساحة أي مسؤول حكومي ـ مهما كان صغيراً ـ إلا وتراه يبجله ويزكيه، ويُطريه بما ليس فيه؛ كقوله مثلاً عن محافظ الإسكندرية:" هو شخصية عظيمة وجديرة بالاحترام "، ولا ندري ما الذي عظَّم الرجل وجعله يستحق التعظيم .. وهو ركن من أركان نظام طاغٍ وفاسد!
لا أدري كيف سيصنع الحياة .. ويعيد للأمة مجدها وعزها وحياتها .. وهو يستثني من خطابه العناصر الفاعلة والمؤثرة والموجِّهة من حكام، ووزراء، وقادة .. وحكومات .. وهيئات .. وغيرهم من العناصر المتنفذة .. ويتجاهل أثرهم البليغ على الأمة .. وعلى حياتها وتقدمها!
كيف سيصنع الحياة .. وهو يتجاهل طواغيت الحكم الجاثمين بظلمهم وكفرهم وأنظمتهم الفاسدة على صدر الأمة ومنذ عدة عقود .. كعقبة كأداء أمام أي عملية تغيير أو إصلاح أو نهوض أو تقدم؟!
فإن قيل: لا يستطيع أن يذكرهم وأنظمتهم بسوء .. وإلا فسوف يُمنع من الحديث عبر الشاشة الصغيرة!
نقول له: إذاً لا ترفع شعاراً كبيراً وضخماً كشعار " صنَّاع الحياة "، لا طاقة لك به .. ولم ترق إلى مستواه .. وارفع شعاراً آخر يليق بالمقام، وبظروفك وإمكانياتك، وقدراتك .. فمن أراد أن يُعالج داء من الأدواء العضال ـ كهذا الذي استشرف له الأستاذ ـ لا بد له أولاً من أن يملك الشجاعة على تحديد الداء ومكمنه .. وأسبابه .. ثم ينظر في العلاج ووسائله!
ونقول له كذلك: أنت تحتاج إلى أن تتحرر من قيود الخوف من طواغيت الحكم والظلم .. فهلاَّ تحررت من قيودك التي تمنعك من الصدع بالحق في وجوه الطغاة الظالمين ـ وما أكثرهم ـ قبل أن تعمل على تحرير الآخرين من قيودهم؟!
ونقول كذلك: لا بد للداعية إلى الله تعالى من بلاء يواجهه وهو في طريقه نحو الدعوة إلى الله يصبر عليه .. يُميز الله فيه الخبيث من الطيب، ويُظهر فيه الحق من الباطل .. كما لا بد له من أن يضع نصب عينيه دائماً مبدأ يقول: مرضاة الله تعالى مقدمة على مرضاة الناس .. أمَّا لا هذه ولا تلك .. فليراجع المرء حينئذٍ نفسه، ولينظر أين هو من دين الله .. وأين هو مما ينبغي أن يكون
عليه الدعاة إلى الله!(52/472)
4- أكد أكثر من مرة أن المعني من خطابه، وبرنامجه المذكور، هم:" الشباب، والأمهات، وربات البيوت؛ وأعني بالشباب الشباب المسلم والمسيحي .. هذا البرنامج للمسلمين والمسيحيين[ ]". هذا نص كلامه!
ونحن نقول: الجزء الأكبر من المشكلة .. بل ومن مشاكل الأمة .. ليست صادرة من الشباب، ولا من الأمهات وربات البيوت .. حتى يتوجه لهم الخطاب .. وإنما من طواغيت الحكم الذين يوجهون الشعوب ـ وبخاصة منها الشباب ـ ويُسيسونها وفق أهوائهم ومصالهم .. وشهواتهم .. وسياساتهم الباطلة الظالمة والفاسدة .. وليس للشعوب إلا أن تسير في القناة التي يحددها لهم الطاغوت .. وإلا فويل السجون .. وقطع الأعناق والأرزاق ينتظرهم!!
ثم هذا الإصلاح الجزئي والمتواضع الذي يقوم به الناس خلال سنة .. والذي يعنيه صاحب البرنامج من برنامجه .. تدمره وتزيل أثره وفاعليته الأنظمة الطاغية الحاكمة الفاسدة بسويعات .. لما تملكه من وسائل ضخمة وواسعة التأثير!
هاهم الإصلاحيون الذين لا يتناولون المشكلة من جميع جوانبها وأبعادها .. وإنما يُعالجون الأمراض المستعصية بمسكنات سرعان ما يذهب أثرها .. لهم أكثر من خمسين سنة وهم عاكفون على منهجهم الإصلاحي هذا .. لكن الفساد وكذلك الظلم والكفر والفجور .. مستشرٍ في الأمة وفي ازدياد .. وتوسع .. حتى أصبح ـ في نظر كثير من الناس ـ الحقُّ باطلاً والباطل حقاً .. وأصبح المسلم غريباً في بلده وبين أهله .. يتنكره كل من حوله .. وسبب ذلك كله يعود لما يملكه الطاغوت الحاكم ونظامه الفاسد من وسائل فتاكة واسعة الانتشار .. وسريعة التأثير .. تهدم بسويعات بل بدقائق ما يبنيه هؤلاء الإصلاحيون بعشرات السنين!!
نحن لا نقلل من دور عامة الناس في عملية التغيير والإصلاح المنشود .. ولا من دور هؤلاء المصلحين .. ولكن كذلك لا يجوز أن نقلل من أهمية ودور الأنظمة الطاغية الحاكمة .. أو نتجاهلها .. كعقبة كأداء ـ لا بد من استئصالها ـ أمام أي عملية تغيير نحو الأفضل تنشدها الأمة .. وينشدها الشباب المسلم!
تباكى الأستاذ على الطاقات والموارد المهدرة للأمة .. لكنه لم يجرؤ أن يُحدد أو يُشير إلى المسؤول الأول عن هذا الهدر للطاقات وللموارد .. وعن ماهية هذه الطاقات والموارد المهدرة؟!
من المسؤول ـ يا عمرو خالد ـ عن مئات الآلاف من الطاقات العلمية والنادرة للأمة .. والمهجرة تهجيراً قصرياً خارج أوطان المسلمين .. الأمهات وربات البيوت .. أم طواغيت الحكم وأنظمتها الظالمة الفاسدة ..؟!
هذا الشاب العبقري الذي تكلمت عنه .. والذي اكتُشفت عبقريته منذ وقت مبكر .. والذي تحرص اليابان أو غيرها من البلدان على التعاقد معه .. من المسؤول عن هجرته من وطنه وهو لا يزال في أول شبابه وعطائه .. وما أكثر شباب الأمة من مثل هذا الشاب .. الأمهات .. وربات البيوت .. أم طواغيت الحكم والفساد والجهل والظلم في بلادنا ؟!
من الأولى بأن يوجه إليهم الخطاب: الأمهات وربات البيوت .. أم طواغيت الحكم والظلم؟!
الأمة ـ يا عمرو خالد ـ لا ينقصها العلماء والعباقرة .. وإنما ينقصها الأنظمة السياسية التي تحترم وتقدر الإنسان؛ وبخاصة العلماء، وذوي الكفاءات المميزة!
من الذي يروج لهذه المخدرات والمسكرات .. وغيرها من السموم التي سميتها " بالمكيفات الخمس " .. والتي تفتك بعقول الناس وأجسادهم .. ويحميها بقوة القانون .. الأمهات وربات البيوت .. أم طواغيت الحكم والكفر والظلم .. ليشغلوا شعوبهم بها عما هم فيه من غي وإسراف، وفجور، وخيانة، وعمالة؟!!
من الذي يهدر طاقات وأوقات الشباب المسلم بالمسلسلات التافهة الساقطة .. والأفلام الداعرة الماجنة .. والتي تعمل على مدار الساعة والوقت .. الأمهات وربات البيوت .. أم طواغيت الحكم .. وأنظمتهم الفاسدة العميلة؟!
أشار الأستاذ وفي أكثر من حلقة من حلقات برنامجه المذكور .. عن ضرورة وأهمية جمع الثياب المستعملة كمورد من الموارد المهدرة لتوزيعها على الفقراء .. وكذلك جمع فضلات الطعام التي تُترك وراء المتخمين من أغنياء الأمة .. بدلاً من أن تُهدر وتُلقى في القمامة .. وهذا شيء جيد لا ننكره عليه .. ولكن الذي ننكره عليه أشد الإنكار ـ ما دام يتكلم عن الطاقات والموارد المهدرة ـ لماذا لا يتكلم عن موارد البترول ومشتقاته .. عصب الصناعات كلها .. بل وعصب الحياة .. الذي يُهدر بثمنٍ بخس على أيدي مبذري ومسرفي طواغيت الأمة ..؟!
لماذا لم يتكلم الأستاذ عن المليارات من الدولارات من أموال الأمة التي ينفقها ويهدرها الحكام والملوك والأمراء على شهواتهم ونزواتهم .. في ميادين الميسر وبارات الكفر والعهر في بلاد الغرب وغيرها .. بينما الشعوب المقهورة تشكو الفقر والجوع؟!
بلادنا بثرواتها وخيراتها ومواردها العظيمة كلها .. ضاعت بأيدي الغزاة المحتلين .. على أيدي عملائهم من الطواغيت المرتدين .. والأستاذ عمرو يعرض عن هذا كله .. ليكلمنا عن الثياب المستعملة .. وفضلات الطعام التي تُرمى من وراء المترفين!!(52/473)
يهدر طاقات الشباب .. بالبحث عن الثياب المستعملة .. وفضلات الطعام .. بدلاً من أن يهدرها ويوجهها إلى ميادين الجهاد والتحرير .. من ظلم وطغيان المغتصبين لحقوق البلاد والعباد .. عسى أن تُعيد الأمة بعض حقوقها المغتصبة والمسلوبة .. ومنذ زمن!
يتكلم عن هدر الطاقات .. ثم نراه يهدر الطاقات في غير مكانها المناسب!!
5- تجاهل صاحب البرنامج مصطلحات ومفاهيم هامة لا صناعة للحياة من دونها: كمصطلح ومفهوم العدل والعدالة؛ إذ لا حياة مع الظلم .. ومفهوم الحرية بضوابطها الشرعية؛ إذ لا حياة ولا تقدم ولا عطاء مع القهر، والخوف، والكبت، وكتم الأنفاس .. ومفهوم ومصطلح الشورى؛ إذ لا حياة صحيحة وراقية مع التصرف الفردي والديكتاتوري، وبخاصة عندما تكون القرارات على مستوى الأمة ومصالحها .. ومفهوم وأهمية الحكم بما أنزل الله؛ إذ لا حياة سوية بغير الحكم بما أنزل الله، كما قال تعالى: { وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } البقرة:179.
فإن قيل: علامَ الأستاذ لم يتناول هذه المصطلحات والمفاهيم .. ولم تُدرج في خطة برنامجه .. رغم أهميتها في صناعة الحياة .. بل لا حياة من دونها؟!
الجواب أصبح معلوماً للجميع؛ وهو أن هذه المصطلحات والمفاهيم لها مساس مباشر بالحكم والحكام .. فلا يمكن تناولها من دون الاقتراب من جنابهم المصان .. وهذا الذي قطع الأستاذ على نفسه أن لا يقترب منه .. وأن لا يحوم حول حماه .. ولو بمجرد التلميح!!
لكن من حقنا وحق جميع المراقبين أن يسألوا: كيف ينشد الأستاذ شعاراً ضخماً بحجم شعاره " صناع الحياة "، ثم هو لا يريد أن يقترب من ساحة طواغيت الحكم وأنظمتهم الفاسدة بشيء من النقد والتقييم والنصح .. رغم أنها وراء كل فساد .. وكل تخلف؟!
ونحن نقول له للمرة الثانية والثالثة .. والعاشرة: تحرر يا عمرو .. من قيود الخوف
وسلاسله .. قبل أن تتحرك لتحرير الآخرين من سلاسلهم وقيودهم!!
لا تسع لأمر أنت لا تملكه .. ففاقد الشيء لا يُعطيه!
6- أكثر من الحديث عن ظاهرة تفشي البطالة .. والتخلف الاقتصادي الذي تُعاني منه الأمة .. وأحزن قلوبنا بالأرقام الضخمة التي تدل على تخلف الأمة وواقعها المتردي .. وكعادته إذ حدد الداء فإنه لم يجرؤ على تحديد المسؤول عنه .. ولا الأسباب المؤدية إليه .. ولا الدواء الذي يؤدي إلى علاجه واستئصاله!
ونحن نساعده في تحديد ذلك:
أما المسؤول عن ذلك: فهم الحكام الخونة والعملاء الفاسدين .. الذين لا يهمهم من شؤون الحكم والملك إلا مصالحهم الخاصة .. وسلامة عروشهم .. ومكاسبهم .. ولو ماتت شعوبهم جوعاً وفقراً!
هم الحكام الذين ولوا وجوههم نحو الشرق أو الغرب .. بعد أن كفروا بشرع الله وحكمه!
هم اللصوص من المسؤولين الذين لا يُسألون عما يفعلون .. من ذوي الجيوب المخرومة .. والبطون المنتفخة بالحرام .. والتي لا تشبع .. ولا يُملئها إلا التراب!
أما الأسباب المؤدية إلى هذا البطالة والتخلف الاقتصادي: إضافة إلى ما تقدم ذكره عن المسؤول .. هي ظاهرة تفشي الربا .. والعمل به .. والتقنين له .. على مستوى الأمة كلها، والله تعالى يقول: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ . فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ } البقرة:278-279.
هو تنحية شرع الله تعالى عن ميادين الحكم .. واستبدالها بالقوانين الوضعية التافهة .. القوانين الجاهلية، والله تعالى: { أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ } المائدة:50. فنتج عن ذلك هذا التخلف المشار إليه!
لا يُمكن أن تستقيم الحياة .. أو نصنع الحياة التي نحلم بها وندعو إليها .. مع تغييب شرع الله عن ميادين الحكم والتوجيه .. واستبدالها بالذي هو أدى؛ بالقوانين الوضعية؛ صنيعة البشر التي ينتابها الضعف والنقص والجهل من كل حدَب وصوب!
أما الدواء فهو يكمن بإزالة أسباب الداء المؤدية إليه والمشار إليها أعلاه .. والإتيان بضدها .. ولا أحسب عمرو خالد يجرؤ على التصريح بذلك لأنه مكبل بقيود وسلاسل الخوف .. وقيود وسلاسل حب الظهور عبر الشاشات الصغيرة .. يحتاج إلى من يحرره منها!
7- هذا الذي يطرحه عمرو خالد .. وورشات العمل التي يشجع على العمل بها .. ويُتابع نتائجها بحماس عبر حلقات برنامجه أولاً بأول .. لا تعدوا كونها مسكنات .. تُسكت وخذ الضمير وعتابه المتلاحق .. لواقع مستعصٍ مريض مرير ومستحكم في المرض .. لا علاج له سوى الاستئصال ومن جذوره، وملاحقة أسبابه البعيدة والقريبة .. وليس مجرد ردم الحفر في الطرقات .. أو جمع أكياس من الثياب المستعملة!
ما الذي حصل .. ؟!(52/474)
هذا الشاب الذي فهم الإيجابية بردم حفرة في الطريق .. أو جمع كيس من الثياب المستعملة أو نحو ذلك من الأعمال التي كان عمرو خالد يكثر من الدندنة حولها .. ثم هو قام بأي عمل من تلك الأعمال .. تراه استراح من وخذ الضمير .. ومن ملاحقة الشعور بالتقصير عما يجب عليه القيام به نحو أمته .. فهو بعد اليوم لا يمكن أن يوصف بالسلبية أو التقصير، أو عدم الإيجابية؛ لأنه فعل هذا الذي أشار إليه عمرو خالد ..؟!
وأنا هنا لا أبخس من فضل ردم الحفر .. أو جمع الثياب المستعملة من أجل الفقراء .. لا .. وإنما أريد أن أقول للشباب المسلم: مهمتك لا تنتهي عند ردم الحفر .. وجمع الثياب المستعملة .. فحذار ثم حذار أن تتوقف الهمم عند هذا الحد .. أو يتوقف وخذ الضمير ومحاسبة النفس عند القيام بأي عمل من تلك الأعمال .. فالأمة مصابة بجرح عميق وكبير .. وهي بحاجة منك إلى بذل الكثير الكثير ليلتئم جرحها!
الأمة عطشى .. وهي منذ زمنٍ ـ ليس بالقليل ـ تستغيث ولا مُغيث .. ولا يرويها إلا دم أبنائها الطهور .. عسى أن تطهر مما علق بها من رجس الطواغيت الظالمين!
إن رضيت نفسك منك أي شيء دون الشهادة في سبيل الله .. فاعلم أنها ضَعف في الهمة .. وزَلَّة نفسٍ .. وضحكة من ضحكات إبليس قد ضحكها عليك ..!
8- تعمد صاحب البرنامج عدم ذكر السبيل الشرعي الذي به تُصنع الحياة .. والذي دلت عليه عشرات النصوص الشرعية .. ألا وهو الجهاد في سبيل الله!
فالأستاذ لم يتطرق لذكر الجهاد في سبيل الله في جميع حلقات برنامجه .. مع علمه المسبق أن لا عزة .. ولا وجود .. ولا حياة للأمة من دون الجهاد في سبيل الله.
قال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ } الأنفال:24. قال المفسرون: أي إذا دعاكم للجهاد في سبيل الله الذي فيه حياتكم وعزكم، وبه تُصان حرماتكم.
وقال تعالى: { وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } البقرة:179.
وقال تعالى: { إِلاّ تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئاً وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } التوبة:39. والعذاب المراد هنا هو عذاب الدنيا والآخرة، والسؤال: أي حياة ننشدها مع ترقبنا لنزول عذاب الله ونقمته وسخطه بنا ..؟!
وفي الحديث فقد صح عن صلى الله عليه وسلم أنه قال:" من لم يغز، أو يجهز غازياً، أو يخلف غازياً في أهله بخير، اصابه الله بقارعة قبل يوم القيامة "[ ].
وقال صلى الله عليه وسلم " ما ترك قوم الجهاد إلا عمهم الله بالعذاب "[ ]. فأي حياة ينشدها عمرو خالد للأمة مع هذا العذاب الذي يتهدد الله به المتخلفين عن الجهاد ..؟!
وقال صلى الله عليه وسلم " إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم "[ ]. أي حتى ترجعوا إلى جهادكم .. وتتحرروا من معوقات الجهاد في سبيل الله الوارد ذكرها في الحديث ..!
وقال صلى الله عليه وسلم " يوشك الأمم أن تداعى عليكم ـ أي تجتمع وتتكالب ـ كما تداعى الأكلة إلى قصعتها، فقال قائل: ومن قلة نحن يومئذٍ؟ قال: بل أنتم يومئذٍ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفنَّ في قلوبكم الوهن. فقال: يا رسول الله وما الوهن؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت "[ ]. أي كراهية الموت في سبيل الله في ساحات الإقدام والجهاد!
وغيرها كثير من النصوص الشرعية الدالة على أن لا عزة ولا حياة ولا وجود للأمة من دون الجهاد في سبيل الله .. وأيما خيار غير خيار الجهاد .. أو يتغاير مع خيار الجهاد؛ فهذا يعني مزيداً من الذل، والعذاب، والضياع، والهوان في أعين الأعداء!
فإن قيل علام تعمَّد الأستاذ إخفاء هذه الحقيقة الشرعية الساطعة .. رغم أنه ظل يعد لموضوع برنامجه أشهراً .. ولم يدع شيئاً ذا صلة بموضوعه ـ حتى في كتب غير المسلمين ـ إلا واطلع عليه .. كما ذكر ذلك عن نفسه؟!
أقول: الجواب تعرفه في النقطة التالية:
9- وهي أن عمرو خالد يطرح نفسه .. وبرنامجه المذكور كخيار بديل عن طرح الجهاد والمجاهدين .. وهو يريد أن يقول وبكل وضوح: تُصنع الحياة المُثلى والمطلوبة على طريقتي هذه التي أبينها لكم .. وليست على طريقة الجهاد والمجاهدين .. وما يرتكبونه من أعمال .. فمن كان متشوقاً للعمل من أجل حياة أفضل .. فبرنامجي " صناع الحياة "، هو البرنامج الأفضل، وطريقته هي الطريقة المثلى .. وهذا أخطر ما يرمي له عمرو خالد من برنامجه!
لذا كان طيلة حلقات البرنامج متحرجاً أشد الحرج من أن يبين أن مما تُصنع به الحياة الجهاد في سبيل الله .. وأن صانع الحياة أو من صانعيها المجاهد في سبيل الله!!
فإن قيل: كيف تحكم على قصد الرجل وأنه يرمي لهذا المعنى .. وهو لم يُصرح به لفظاً وصراحة ؟!
أقول: هذا المعنى وإن لم يُصرح به لفظاً إلا أنه دلت عليه قرائن عدة:(52/475)
منها: أنه لم يقترب طيلة عدد حلقات البرنامج من ذكر دور الجهاد والمجاهدين في صناعة الحياة، رغم تعلق موضوع الجهاد والمجاهدين بمادة برنامجه تعلقاً مباشراً.
ومنها: أنه لم يقترب من ذكر طواغيت الحكم وأنظمتهم الفاسدة بسوء .. فهو يدعو المسلمين لصناعة حياتهم المثلى .. ولكن في ظل حكم هؤلاء الطواغيت .. وظل أنظمتهم العميلة الفاسدة .. لذا لقي البرنامج وصاحبه منهم كل رعاية وعناية .. وصنعوا له من الدعاية ما لم يُصنع لغيره!
ومنها: أنه في كثير من المواضع والمواقف يصف الجهاد والمجاهدين بالعنف والإرهاب والإرهابيين للتنفير منهم .. يتبع في ذلك أسلوب ومصطلحات أعداء الإسلام والمسلمين!
ومنها: أن شاباً حائراً بين رغبته في التطوع للجهاد وبين موقف والديه الرافض تماماً لذلك .. هل يذهب للجهاد .. ولو ذهب هل هو مخطئ أم على صواب .. يسأل هذا السؤال لعمرو خالد كما هو منشور في موقعه؟
فجاء ملخص جواب عمرو خالد له بأنه لا يجوز أن يذهب .. ولا أن يخسر حياته في معركة خاسرة .. وأنه إذا أراد أن يجاهد فعليه أن يجاهد من أجل الحياة .. وأن يكون متفوقاً وناجحاً في عمله ودراسته .. كما ونصحه بأن ينتظر برنامجه " صناع الحياة " حيث سيجد في البرنامج إجابة شافية عما سأل عنه .. وعما يجب عليه القيام به .. والسؤال والإجابة منشوران في موقعه على الإنترنت يمكن لمن شاء مراجعتهما!!
إذاً برنامجه " صناع الحياة " ما هو إلا إجابة .. لمن يسأل عن الطريق والسبيل .. وهو بديل آخر لمن يريد أن يقوم بواجب الجهاد في سبيل الله .. فمن أراد أن يُجاهد فعليه أن يُجاهد على طريقة عمرو خالد .. وعلى طريقة برنامجه " صناع الحياة " .. وهذه النية من عمرو خالد مبيتة قبل عرض ونشر برنامجه المذكور!!
ومنها: أن مما يؤكد هذا المعنى هو ما نشرته القناة العربية في موقعها على الإنترنت تحت عنوان " لندن تحارب التطرف بعمرو خالد "، ونقلت عن تقارير محلية كيف يُعد الرجل لهذه المهمة ومعه ثلاثة ممن هم على طريقته ومنهجه وأسلوبه ..!!
ولا يخفى اللبيب أن التطرف الذي يعنونه .. ويريدون أن يواجهوه هو كل إسلام لا يرضونه ولا يريدونه .. وهذه المهمة ليس لها إلا الفارس المقدام عمرو خالد .. فتأمل!!
ومما جاء في التقرير قولهم:" أن المظهر الأنيق لعمرو خالد؛ الذي يرتدي بذلة وربطة عنق، ولا يظهر كما هم الأئمة والدعاة الإسلاميون عادة حيث يرتدون جلابيب، بالإضافة إلى أن عمرو خالد يبدو حليق الذقن، يمكن أن يُعزز إسلاماً منفتحاً يواجه المد المتطرف .. والتمدد الأصولي "ا- هـ.
هذه هي مهمته التي يعدونه لها .. والتي عزم لها ورضيها منذ زمن .. ولا نشكوه إلا لله!
10- استدلاله بأعلام زنادقة وملحدين وإظهاره لهم على أنهم من علماء المسلمين، كاستدلاله بابن سينا وإطرائه له .. وهذا فيه تضليل لعامة الناس حول حقيقة هؤلاء الملحدين!
قال ابن تيمية في كتابه منهاج النبوة 3/287-482: ومن دخل في أهل الملل منهم كالمنتسبين إلى الإسلام؛ كالفارابي وابن سينا ونحوهما من الملحدين ..!
ومن بقايا هؤلاء الملاحدة الذين كانوا بخراسان والشام وغيرهما، وكان بيت أهل ابن سينا من المستجيبين لدعوتهم زمن الحاكم ..ا- هـ.
لذا فابن سينا يُعد من كبار أئمة الدروز .. وليس من أئمة وعلماء الإسلام!
11- ومما يؤخذ عليه كذلك تكراره عشرات المرات لمقولته ـ والتي عدها من جملة القواعد المتفق عليها! ـ:" مفيش حد بيحط في دماغه فكرة ويعيش علشانها .. ويبذل جهده علشانها .. إلا لازم يحققها قبل أن يموت " .. ومن دون أن يقول ـ ولا في مرة واحدة ـ إن شاء الله، والله تعالى يقول: { وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَداً . إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ } الكهف:23-24. وقال تعالى: { وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ } الإنسان:30.
أكتفي بتسجيل هذا القدر من التنبيهات والملاحظات .. فأنا ما أردت منها استقصاء كل ما يؤخذ على الرجل وبرنامجه المذكور .. فهذا أمر يطول لو قصدناه .. ثم أني لا أملك الوقت لأجله .. وإنما أردت تدوين ما تقدم ذكره من ملاحظات وتنبيهات .. ناصحاً لصاحب البرنامج عساه أن يستفيد أو أن يُصحح من مساره ومسار برنامجه .. قبل حلول ساعة الندم، ولات حين مندم .. ومحذراً ومنبهاً القراء وكل من يتابع برنامج الرجل وحلقاته ـ وبخاصة من فُتن به من الشباب والشابات ـ من زلاته وأخطائه .. ومقصده ومراميه .. وأحسب أني ـ فيما ذكرته ـ
قد وفيت هذا المطلب حقه.
{ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ } هود:88.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
22/5/1425 هـ. عبد المنعم مصطفى حليمة
9/7/2004 م. أبو بصير الطرطوسي
www.abubasee صلى الله عليه وسلم com
==================(52/476)
(52/477)
عمرو خالد وبرنامج صنّاع الحياة هل يصنعان نهضة ؟
h p://al-ommah.o r g/
لماذا الحديث عن الداعية عمرو خالد وهو الذي استطاع أن يجمع مليوناً ونصف مليون من أكياس الثياب المستعملة لتوزّع على الفقراء؟
لماذا الحديث عن عمرو خالد وهو الذي استطاع أن يحقّق تقدّماً جيّداً في محاربة بعض الآفات كالتدخين والشيشة والقات والمخدّرات، وحصل على شهادة تقدير من منظّمة الصحة العالمية؟
لماذا الحديث عن عمرو خالد وهو الذي استفاد من تقنيات العصر وحقّق تواصلاً كبيراً مع جمهور المسلمين من خلال التلفزيون والانترنت؟
لماذا الحديث عن عمرو خالد وهو يملك كل تلك النجاحات؟
الحديث عن عمرو خالد له عدّة أسباب:
أوّلها: أنه استهدف إقامة نهضة من خلال برنامج "صنّاع الحياة" الذي تبثّه قناة "اقرأ" أسبوعياً، وهذا يقتضي منّا دراسة تجربته وتقويمها، ورصد سلبيّاتها وإيجابيّاتها، ومعرفة هل تملك أطروحاته إمكانية إحداث نهضة في الأمّة؟؟؟ وهل ترتقي أساليبه إلى مستوى أهدافه؟
ثانيها: أن مرجعيّته الإسلام كما صرّح أكثر من مرّة، وأن غالب جمهوره من المسلمين الذين مرجعيّتهم الإسلام أيضاً، لذلك نملك فرصة أن نحتكم نحن وإيّاه إلى الإسلام لنرى إلى أيّ حدّ كان موفّقاً في استلهام الإسلام، وفي وعي رؤاه، واستكناه طرائقه في معالجة قضايا الأمّة ومشاكلها.
في بداية برنامج "صنّاع الحياة" تحدّث عمرو خالد عن التجربتين الألمانية واليابانية وبيّن كيف أنهما انطلقتا بعد الحرب العالمية الثانية عام 1945م، أي بعد التدمير الكامل لهما، وأنهما استطاعتا خلال ثلاثين عاماً أن تبنيا البلد، ولا أريد أن أتعرّض لمدى صحّة تقويمه للتجربتين، لأن ذلك ليس مجال اهتمامي الآن على الأقلّ، وقدّم كلاماً عاماً عن نجاح التجربة الإسلامية بقيادة الرسو صلى الله عليه وسلم في المدينة والجزيرة العربية.
تحدّث عمرو خالد عن الفرد أثناء حديثه عن النهضة، وهذا أمر جيّد، فلابدّ من الحديث عن الفرد المسلم: واقعه وكيفيّة بنائه، وهو تحدّث في هذا الصدد عن بعض أمراضه كالسلبيّة وعدم الجدّية وضعف الإرادة وعدم إتقان الأعمال إلخ...، كما دعا إلى أن يكون المسلم إيجابياً وجادّاً وذا إرادة ومتقناً لأعماله إلخ...، وسأتناول في دراستي هذه بعض الأمراض التي أشار إليها عمرو خالد وكيفيّة معالجته لها، وإلى أيّ حدّ كانت معالجته مصيبة، ومتوافقة مع الإسلام.
أولاً: الإيجابية:
الإيجابية في الفرد من أبرز الأمور التي تحدّث عنها عمرو خالد والتي تطلّع أن يبنى عليها الفرد من أجل تحقيق النهضة، واعتبر السلبية نقيضاً لها، وقد خصّص حلقتين لهذه الصفة، الأولى: سرد فيها أمثلة توضّح المقصود بالإيجابية، كما نقل قصصاً عن أشخاص إيجابيين من الصحابة وغيرهم، وتحدّث في الحلقة الثانية عن معوّقات الإيجابية فذكر أربعة معوّقات هي:
1- الخجل من الناس.
2- الخوف من الخطأ.
3- اليأس السريع عند فشل المحاولات الأخرى.
4- الشعور باستحالة مواجهة المعوّقات الخارجية.
لم يذكر عمرو خالد الطريقة والأساليب التي يمكن أن نتّبعها للتغلّب على هذه المعوّقات،، بل ذكر أمثلة للتغلّب على الخوف من الفشل بتجربته الخاصة في الدعوة، كما قدّم أمثلة من عرض الرسو صلى الله عليه وسلم نفسه على ستة وثلاثين قبيلة ولم يقبلوه، ثم نجح في المرّة الأخيرة، وضرب كذلك مثلاً بأديسون إذ قام ب 9999 محاولة فاشلة قبل أن يخترع المصباح الكهربائي، ثم ضرب مثلاً بيوسف u في تغلّبه على المعوّقات الخارجية، وهو في كل الأحوال السابقة دعا المسلم إلى أن لا يخاف من الخطأ، وأن لا ييأس، وأن لا يهاب من المعوّقات الخارجية، وهذا ليس كافياً لحل المشكلة عند المسلم، إذ لا يكفي أن تدعو إنساناً بمثل هذا الكلام لكي يتغلّب على مثل تلك العقبات، بل لابدّ من رسم الآليّة التي تساعده على ذلك، ولم يتعرّض عمرو خالد للآليّة التي رسمها الإسلام للتغلّب على تلك المعوّقات، فما هي الآليّة التي وجّهنا الإسلام إليها من أجل حلّ تلك المشاكل، والتي أغفلها عمرو خالد؟
لقد تحدّث الإسلام عن نوعين من الخوف:(52/478)
الأول: يظهر عند مواجهة العبد بعض المشاكل، واعتبره خوفاً فطريّاً يرافق الإنسان مرافقة دائمة، لذلك قال تعالى: "إنّ الإنسان خلق هلوعاً . إذا مسّه الشرّ جزوعاً . وإذا مسّه الخير منوعاً" (المعارج،19-21), وأشار القرآن الكريم إلى أنه خوف اعترى الأنبياء والرسل، فقال تعالى عن موسى u عندما أمره الله أن يذهب إلى قوم فرعون: "إني أخاف أن يكذّبون" (القصص،24)، وقال على لسان هارون وموسى: "قالا ربنا إنّنا نخاف أن يفرط علينا أو أن يطغى" (طه،45)، وقال تعالى مخبراً عن حال ابراهيم u عندما جاءته الملائكة بصورة بشرية: "فأوجس منهم خيفة قالوا لا تخف وبشّروه بغلام عليم" (الذاريات،28)، وقد بيّن القرآن الكريم أن التغلّب على هذا الخوف يكون باستشعار معيّة الله، فقال تعالى مبيّناً لموسى وهارون كيفيّة التغلّب على خوفهما: "قالا ربنا إنّنا نخاف أي يفرط علينا أو أن يطغى . قال لا تخافا إنّني معكما أسمع وأرى" (طه،45-46)، كما قال القرآن الكريم في موضع آخر: "قال كلاّ فاذهبا بآياتنا إنّا معكم مستمعون" (الشعراء،15).
الثاني: الخوف الناتج من تخويف الشيطان: قال تعالى: "إنما ذلكم الشيطان يخوّف أولياءه فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين" (آل عمران،175)، وقال تعالى: "الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه وفضلاً والله واسع عليم" (البقرة،268)، وينتج من هذا التخويف خوف العبد خوفاً موهوماً على نفسه وماله وولده ومستقبله وصحّته ومتاعه إلخ...، وهو خوف غير حقيقي، ويتغلّب المسلم عليه بأن يذكر الله، قال تعالى: "وإما ينزغنّك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه سميع عليم" (الأعراف،200)، وقال ابن عباس رضي الله عنه في قوله تعالى "الوسواس الخنّاس": "الشيطان جاثم على قلب ابن آدم فإن سها وغفل وسوس وإذا ذكر الله خنس" (الدر المنثور، ج8، ص694)، وقال تعالى: "أَلاَ بذكر الله تطمئنّ القلوب" (الرعد،28).
أما اليأس الذي يصيب الفرد بعد الفشل في تحقيق هدف ما فقد عالجه الإسلام بالإيمان بالقضاء والقدر، فالمسلم عندما يتوجّه إلى تحقيق هدف ما سواء أكان مادياً أم معنوياً، يأخذ بالأسباب ثم يسلّم أمره لله، لأنه ما من شيء سيحدث له أو سيصيبه إلا وهو مسجّل في اللوح المحفوظ، قال تعالى: "ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إنّ ذلك على الله يسير" (الحديد،22)، "قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا هو مولانا وعلى الله فليتوكّل المؤمنون" (التوبة،51)، وقال الرسو صلى الله عليه وسلم : "واعلم أنّ الأمّة لو اجتمعوا على أنْ ينفعوك لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أنْ يضروك لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك رُفِعت الأقلام وجَفَّت الصُحُف" (مسند الإمام أحمد بن حنبل، ج1، ص293).
إن هذا الاستسلام للقضاء والقدر هو الذي يبعد اليأس عن قلب المسلم، وهذا الاستسلام يأتي نتيجة امتلاء القلب بتعظيم الله، ونتيجة اليقين بأنّ ما حدث هو إرادة الله، وأنّ الاستسلام له والصبر عليه سيعظم له الأجر وسيعلي مرتبته يوم القيامة.
أمّا الشعور باستحالة مواجهة المعوّقات الخارجية الذي يصيب الفرد فهو منافٍ لأبسط قواعد بناء نفسية المسلم، فالبناء النفسي للمسلم يقوم على أساس أنّ الله هو القوي الغني الوهّاب السميع البصير القادر المحيي المميت إلخ...، وبالتالي هو لا يواجه أيّ مشكلة خارجية بقوّته إنما يواجهها بقوّة الله سبحانه وتعالى والله لا يعجزه شيء سبحانه وتعالى، وعليه فقط أن يكون مع الله في عبادته واستقامته وتقواه ليكون الله معه، يذلّل له العقبات، ويسهّل له كل ما يواجهه، فهناك ثلاث خطوات مطلوبة من المسلم كي يتغلّب على أيّة معوّقات خارجية:
الأولى: أن يأخذ بالأسباب المادية والدنيوية لتحقيق الهدف.
الثانية: أن يتّقي الله حقّ التقوى فهذه التقوى تسبّب تأييد الله له، قال تعالى: "ومن يتّق الله يجعل له مخرجاً . ويرزُقْهُ من حيث لا يحتسب" (الطلاق،2-3)، وقال تعالى: "ومن يتّق الله يجعل له من أمره يُسْراً" (الطلاق،4)، وقال تعالى: "واتّقوا الله واعلموا أنّ الله مع المتقين" (البقرة،194).
الثالثة: أن يتّجه بالدعاء إلى الله بأنْ يعينه على تحقيق هدفه، قال تعالى: "وقال ربكم ادعوني أستجب لكم" (غافر،60)، وقال تعالى: "وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعان" (البقرة،186)، ويستمرّ العبد في التقرّب إلى الله بالنوافل حتى يحبّه الله ويجيبه على كل دعواته، ويحقّق له كلّ أمانيه، ويصبح قَدَراً من أقدار الله، قال الرسو صلى الله عليه وسلم : "مَنْ عادى لي ولياً فقد آذَنْتُه بالحرب وما تقرَّب إليَّ عبدي بشيء أحبّ إليَّ مما افترضت عليه وما يزال عبدي يتقرَّب إليَّ بالنوافل حتى أحبّه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها وإن سألني لأعطينّه ولئن استعاذني لأعيذنّه وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن يكره الموت وأنا أكره مساءته" (صحيح البخاري، ج5، ص2384).(52/479)
الخلاصة: جاء حديث عمرو خالد عن المعوّقات التي تواجه المسلم من خوف ويأس وتضخيم للعقبات الخارجية حديثاً يقتصر على دعوته إلى التغلّب عليها، كما جاء خالياً من تحديد أيّة آليّة للتغلّب عليها، مع أنّ تعاليم الإسلام غنيّة في رسم آليّات للتغلّب عليها كما وضّحنا سابقاً، لذلك فوّت عمرو خالد فرصة كبيرة في معالجة هذه المعوّقات معالجة حقيقيّة عندما لم يبرز دور الإسلام في كيفيّة معالجتها.
ثانياً: عدم الجدّية:
أشار الداعية عمرو خالد إلى أن شبابنا بشكل خاص ومجتمعنا بشكل عام يعاني من عدم الجدّية، وذكر بصورة أدقّ أنه يعاني من "التفاهة" و"الهيافة"، ودعا إلى التخلّص من هذا المرض، وتحدّث عن أشخاص يمثّلون الجدّية في أبهى حالاتها، فتحدّث عن بعض المواقف الجادّة لأبي بكر الصدّيق وسعد بن أبي وقّاص وعمر بن العزيز رحمه الله أجمعين، واعتبر أن الإعلام يستغلّ جسد المرأة لترويج الميوعة، واعتبر أن مثل هذا الاستغلال احتقار للمرأة، واعتبر أنّ مثل هذه التصرّفات إشاعة للفاحشة، وأنّ احترام المرأة يكون بعدم استغلال جسدها.
نلاحظ من خلال استعراضنا السابق لكلام الداعية عمرو خالد عن فقدان شبابنا للجدّية أنه لم يحدّد الأسباب التي أدّت إلى ذلك، وإنما قدّم خلال الحلقة كلّها أمثلة عن وجود الجدّية عند بعض الشخصيات التاريخية. إنك لا تستطيع أن تحدّد العلاج للخروج من دائرة عدم الجدّية إلا إذا حدّدت الطريق الذي تبني به الجدّية، وليس من شكّ بأنّ ديننا الإسلامي خير من يبني الجدّية في النفس الإنسانية، فكيف بناها الإسلام؟
نفى القرآن الكريم اللعب واللّهو عن الله تعالى عند استهدافه الخلق، فقال تعالى: "وما خاقنا السماوات والأرض وما بينهما لاعبين . ما خلقناهما إلا بالحق ولكنّ أكثرهم لا يعلمون" (الدخان،38-39)، كما نفى العبث عن خلق الله تعالى للإنسان: "أفحسبتم أنّما خلقناكم عبثاً وأنكم إلينا لا ترجعون . فتعالى الله الملك الحق لا إله إلا هو ربّ العرش الكريم" (المؤمنون،115-116)، وأشارت الآيات القرآنية إلى الحكمة في كل ما خلقه الله، فقال تعالى: "سبّح اسم ربّك الأعلى . الذي خلق فسوّى . والذي قدّر فهدى" (الأعلى،1-3)، وبيّن أن كل شيء مخلوق بقَدَر لحكمة عرفها من عرفها وجهلها من جهلها، فقال تعالى: "إنا كل شيء خلقناه بقدر" (القمر،49)، بعد نفي العبث عن خلق الكون يأتي نفي العبث عن خلق الإنسان ويكون ذلك بمحاسبته وسؤاله، قال تعالى: "أيحسب الإنسان أن يترك سدى" (القيامة،36)، وقال تعالى: "فلنسألنّ الذين أُرسل إليهم ولنسألنّ المرسلين" (الأعراف،6)، وبيّن الله تعالى أن نتيجة المحاسبة تكون بإدخال الطائعين المحسنين الجنّة، وإدخال العاصين النار، فقال تعالى عن الجنّة: "إنّ المتقين في جنات وعيون . آخذين ما آتاهم ربهم إنهم كانوا قبل ذلك محسنين . كانوا قليلاً من الليل ما يهجعون . وبالأسحار هم يستغفرون" (الذاريات،15-18)، وقال تعالى أيضاً عن نعيم أهل الجنّة: "وأصحاب اليمين ما أصحاب اليمين . في سدر مخضود . وطلح منضود. وظلّ ممدود . وماء مسكوب . وفاكهة كثيرة . لا مقطوعة ولا ممنوعة . وفُرُش مرفوعة . إنّا أنشأناهنّ إنشاءاً . فجعلناهنّ أبكاراً . عُرُباً أتراباً . لأصحاب اليمين . ثُلَّة من الأولين . وثُلَّة من الآخرين" (الواقعة،27-40)، وقال تعالى عن عذاب أهل النار: "وأصحاب الشمال ما أصحاب الشمال . في سموم وحميم . وظلّ من يحموم . لا بارد وكريم . إنهم كانوا قبل ذلك مترفين . وكانوا يصرّون على الحِنْث العظيم . وكانوا يقولون أئذا متنا وكنّا تراباً وعظاماً أئنّا لمبعوثون . أَوَآباؤنا الأولون . قل إنّ الأولين والآخرين . لمجموعون إلى ميقات يوم معلوم . ثم إنكم أيها الضالّون المكذّبون . لآكلون من شجر من زقوم . فمالئون منها البطون . فشاربون عليه من الحميم . فشاربون شرب الهيم . هذا نزلهم يوم الدين" (الواقعة،41-56)، وقال تعالى عن النار أيضاً: "إنّ جهنم كانت مرصاداً . للطاغين مآباً . لابثين فيها أحقاباً . لا يذوقون فيها برداً ولا شراباً إلا حميماً وغسّاقاً . جزاءاً وفاقاً . إنهم كانوا لا يرجون حساباً . وكذّبوا بآياتنا كِذّاباً . وكل شيء أحصيناه كتاباً . فذوقوا فلن نزيدكم إلا عذاباً" (النبأ،21-30).
تتولّد الجدّية عندما يوقن الإنسان أن هناك محاسبة دقيقة، وأن هناك سؤالاً، وأن هناك ناراً، وأن هناك جنّة، عندما يتأكّد من وجود الحساب تبدأ الجدّية. ويمكن أن نمثّل بتلاميذ المدرسة، فلولا الامتحان ويقينهم بأن هناك أسئلة ستأتيهم لما جدّوا في الحفظ والاستيعاب والسهر، إنّ يقينهم بالرسوب والنجاح هو الذي ولّد عندهم الجدّية في التعامل مع المواد الدراسية.(52/480)
وقد ملأت الشخصيّات الجادّة أُفُق التاريخ الإسلامي على مدار أربعة عشر قرناً في كل المجالات العلمية والاجتماعية والعسكرية والسياسية والفنّية بسبب اليقين بوجود الحساب والسؤال في الآخرة عن نعم الله المتعدّدة التي وهبها الله للإنسان، قال تعالى: "ثمّ لتُسألنّ يومئذ عن النعيم" (التكاثر،8). ومن هنا يمكن أن نشير إلى أنّ الآيات الكثيرة التي تحدّثت عن الجنّة والنّار، وفصّلت في وصف نعيم الجنّة، وأطنبت في الحديث عن عذاب النّار لم تأت عبثاً إنما جاء القصد منه توليد الجدّية في شخصية المسلم، وإيقاظه من غفلته، وتوعيته إلى أنّ هناك أحد مصيرين: إما الجنّة وإما النّار، لذلك عليك أن تكون جادّاً في الاستفادة من صحّتك وجسمك وعقلك ومالك ووقتك وعلمك فيما يرضي الله تعالى، وفيما يعود عليك بالخير وعلى مجتمعك، لأنك ستسأل عن كل تلك النعم، وستحاسب عليها حساباً وثيقاً.
لذلك كان على الداعية عمرو خالد أنْ يبرز ركن الإيمان باليوم الآخر، ويوجّه قلوب مستمعيه إلى الخوف من نار الله وإلى رجاء جنّة الله، وإلى أنْ يركّز على الحساب الدقيق الذي سيتعرّض له العبد، إنّ كل هذا سيولّد الجدّية في أروع صورها كما ولّدها هذا الركن على مدار مئات السنين السابقة، وهو ما لم يقم به عمرو خالد لذلك نستطيع أن نقرّر أنه لم يعالج الموضوع معالجة سديدة ومفيدة.
عمرو خالد وبرنامج "صنّاع الحياة": هل يصنعان نهضة ؟(الحلقة الثانية)
تحدّثت في الحلقة الماضية عن مرضين منتشرين بين المسلمين تعرّض لهما عمرو خالد وهما: السلبية، وعدم الجدّية، وبيّنت أنه تحدّث عن المعوّقات والأسباب التي تجعل المسلم سلبيّاً، ودعاه إلى أن يكون إيجابيّاً دون أن يحدّد أيّة خطوات في في هذا الصدد، وبيّنت أنّ تعاليم الإسلام غنيّة في تقديم آليّات للتغلّب على تلك السلبيّة، لذلك وضّحت أنّ عمرو خالد فوّت فرصة كبيرة عندما لم يبرز دور الإسلام في كيفيّة معالجة أسباب السلبيّة.
أمّا حديث عمرو خالد عن مرض عدم الجدّية فقد بيّنت أنه ذكر وجوده بين شبابنا اليوم، ثم تحدّث عن بعض الشخصيّات التي اتسمت بالجدّية في تاريخنا الإسلامي وهي كثيرة بالفعل، لكنّه لم يبيّن كيفيّة توليدها، وشرحت أنّ هناك منهجاً متكاملاً لتوليد الشخصية الجادّة في الإسلام وأبرز عناصره اليوم الآخر لم يستفد منه عمرو خالد، لذلك قرّرنا أنه لم يعالج الموضوع معالجة سديدة ومفيدة.
والآن سأنتقل إلى مناقشة خُلُقين آخرين مهمّين في بناء الشخصية المسلمة وهما: الإتقان، والإرادة. ومن الطبيعي أنّ حديث عمرو خالد عنهما جاء نتيجة الخلل الموجود في التعامل معهما من جهة، ولأهمّيتهما في بناء الحياة الاجتماعية من جهة ثانية, وسأتناول حديثه عن عدم الاتقان وعن الإرادة، وسأُبيّن مدى الصواب ومدى النقص في معالجته لهذين الخُلُقين.
ثالثاً: الإتقان:(52/481)
جاء حديث عمرو خالد عن الإتقان بعد حديثه عن الإيجابية، وبيّن أننا نعمل لكن لا نتقن أعمالنا، ويشمل عدم الاتقان كلاً من الميكانيكي والمدرس والطبيب والمحاضر والرياضي إلخ...، ثم تحدّث عن نظرة الغرب إلى المسلمين بسبب عدم إتقانهم لأعمالهم ووصفهم لهم بأنهم شعوب شعارات وكلام، وقد اعتبر عمرو خالد أنّ الإحسان يرادف الإتقان، وأورد عدداً من الآيات والأحاديث التي تحتوي على أحد مشتقّات كلمة الإحسان وفسّرها على أنها تعني الإتقان، وهو أخطأ في هذا حيناً، وابتعد عن المعنى الشرعي في أحيان كثيرة، والحقيقة إنّ الإحسان أوسع معنى من الإتقان، فهو يأتي أحياناً بمعنى: التصدّق، أو الصفح، أو التجاوز عن الأخطاء إلخ...، وأبرز معنى شرعي له هو كونه المرتبة العليا في الدنيا بعد الإسلام والإيمان كما وضّح ذلك الرسو صلى الله عليه وسلم في حديث جبريل الذي جاءه وسأله عن الإسلام والإيمان والإحسان، فقد نقل البخاري في صحيحه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: "بينما نحن عند رسول ا صلى الله عليه وسلم ذات يوم إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر لا يُرى عليه أثر السفر ولا يعرفه منا أحد حتى جلس إلى صلى الله عليه وسلم فأسند ركبتيه إلى ركبتيه ووضع كفيه على فخذيه وقال: يا محمد أخبرني عن الإسلام. فقال رسول ا صلى الله عليه وسلم : الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول ا صلى الله عليه وسلم وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا. قال: صدقت. قال: فعجبنا له يسأله ويصدقه. قال: فأخبرني عن الإيمان. قال: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره. قال: صدقت قال: فأخبرني عن الإحسان. قال: أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك. قال: فأخبرني عن الساعة. قال: ما المسؤول عنها بأعلم من السائل. قال: فأخبرني عن إمارتها. قال: أن تلد الأمة ربتها وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان. قال: ثم انطلق فلبثت ملياً ثم قال لي: يا عمر أتدري من السائل؟ قلت: الله ورسوله أعلم. قال: فإنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم" (متفق عليه واللفظ لمسلم). وربما كانت ذروة الخطأ عند عمرو خالد تسميته أشياء ذات مسمّيات شرعية بغير أسمائها من مثل: "أقيموا الصلاة" فسمّاها إتقان الصلاة مع أنّ المقصود بالأمر بإقامة الصلاة هو الإتيان بأركان الصلاة وواجباتها وسننها، واعتبر "إسباغ الوضوء" هو إتقان الوضوء، مع أنّ الإسباغ سنّة من سنن الوضوء وهناك أركان للوضوء لابد من إتيانها من أجل أن يصحّ الوضوء.
ثم أبرز عمرو خالد بعض النماذج التاريخية التي أتقنت في بعض أعمالها من مثل عمل خالد بن الوليد رضي الله عنه في غزوة مؤتة، ومن مثل عمل الرسو صلى الله عليه وسلم في في الهجرة النبوية إلخ... ثم ذكر فتح القسطنطينية مثالاً بارزاً على الإتقان، ثم ذكر مرحلة أخرى نماذج من عدم الإتقان، ثم عدّد أسباب عدم الإتقان، وهي:
1- تعمّد عدم الإتقان ليحقّق مكاسب مادية.
2- الجهل.
3- الإهمال والتكاسل.
4- عدم إدراك لذّة الإتقان.
ثم ذكر في فقرة ثانية من حديثه عوامل الإتقان فعدّدها وهي:
1- أن يكون عندك هدف في الحياة.
2- إرادة قوية.
3- الصبر.
4- العلم والخبرة.
إذا تفحّصنا الأسباب السابقة التي ذكرها عمرو خالد للإتقان وعدمه نجد أنها أسباب ثانوية في غالب الأحيان، وليست أسباباً رئيسية لأنها أسباب مرتبطة بحالات فردية، فهو قد ذكر أنّ عدم الإتقان مرتبط بتحقيق مكاسب مادية، أو بالجهل، أو بالإهمال والتكاسل، لكن الحقيقة أنّ شخصاً يمكن ألاّّ يتقن عمله دون تحقيق أيّة مكاسب مادية، وكذلك يمكن للعالم في أمر ما ألاّ يتقن عمله، ويمكن للشخص النشيط أن لا يتقن عمله. أمّا الأسباب التي ذكرها عمرو خالد في صدد الحديث عن أسباب إتقان العمل وهي: أن يكون عندك هدف في الحياة، وتمتلك إرادة قوية وصبراً وعلماً وخبرة، فهي ليست مرتبطة ارتباطاً خاصاً بالإتقان، بل هي مطلوبة لأداء أي عمل مهما كان المستوى الذي يُؤدّى فيه العمل، فلابد لكل عمل من هدف له قبل أدائه، ولابد له من إرادة من أجل إنجازه، ولابد من صبر أثناء إنجازه، ولابد من علم وخبرة قبل بداية إنجازه.
والآن: بعد أن فنّدنا الأسباب التي ذكرها عمرو خالد كأسباب عدم الإتقان والأسباب المباشرة للإتقان، نسأل: ما العامل الرئيسي الذي يولّد الإتقان في نظر الإسلام؟ العامل الرئيسي الذي يولّد الإتقان في نظر الإسلام عند المسلم هو مراقبة الله أو مراقبة الناس، ، وقد حرص الإسلام على أن تكون الأولوية لمراقبة الله، لذلك وجّه المسلم إلى توليد اليقين بمراقبة الله له: فهو -تعالى- يسمع أقوالنا، ويرى -تعالى- أعمالنا، ويعلم -تعالى- إسرارنا ووسوسة صدورنا.(52/482)
إنّ هذا اليقين هو الذي يولّد الإتقان، أمّا عن سمعه -تعالى- فقال عزّ من قائل: ]مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلاَثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَلاَ خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سَادِسُهُمْ وَلاَ أَدْنَى مِن ذَلِكَ وَلاَ أَكْثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ[ (المجادلة،7)، وقال تعالى: ]وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ . إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ . مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ[ (ق،16-18)، وقال تعالى: ]وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ . أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ[ (الملك،13-14)، وأمّا عن رؤيته -تعالى- لما نفعل، فقد قال: ]وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِن قُرْآنٍ وَلاَ تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ[ (يونس،61)، أمّا عن علمه -تعالى- بما نعمل فقد قال: ]وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ . وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُم بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُّسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُون[َ (الأنعام،59-60)، أمّا عن مراقبة الناس فقد وضعها القرآن الكريم في مرتبة تالية بعد مراقبة الله فقال تعالى: ]وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ[ (التوبة،105).
الخلاصة إنّ عمرو خالد أخطأ في تفسير بعض ألفاظ القرآن الكريم والحديث الشريف حيناً، وابتعد عن المعنى الشرعي لها حيناً آخر، كما أخطأ في تحديد العوامل التي تؤدّي إلى عدم الإتقان، كما أخطأ في تحديد الأسباب التي تؤدّي إلى الإتقان، ووضّحنا أن الإسلام يربط بين الإتقان وبين مراقبة الله، لذلك تعدّدت الآيات القرآنية التي تحدّثت عن سمع الله تعالى، ورؤيته وعلمه -تعالى- بأقوالنا وأسرارنا وإظهارنا إلخ... وكان على عمرو خالد أن يعمّق هذا الإحساس بمراقبة الله -تعالى- عند المسلم كي يولّد الإتقان عنده.
رابعاً: الإرادة:
اهتمّ عمرو خالد بالإرادة واعتبرها الأصل في المرحلة الثانية لمشروع "صنّاع الحياة" التي سيتم فيها فكّ قيود بلاد المسلمين، بعد أن تمّ في المرحلة الأولى فكّ قيد المسلم الشخصي، وعرّف عمرو خالد الإرادة فقال: "الإرادة قوّة خفيّة وهائلة إذا خرجت تعمل العجائب، والإرادة تحبو وتكبر"، ثم تساءل في موضع آخر من برنامجه فقال: "كيف نبني الإرادة؟" فأجاب:
1- بالقدرة على تخيّل الهدف.
2- ملء العقل بتفاصيل الهدف ونتائجه.
3- تخيّل الجنّة.
والحقيقة إنه لم يستطع أن يُعرّف الإرادة تعريفاً دقيقاً، فهو قد تحدّث عن بعض أعمال الإرادة ونتائج وجودها، كما لم يستطع أن يحدد كيفيّة بنائها، فالإرادة قوّة نفسية تتولّد نتيجة تربية معيّنة تجعل الإنسان قادراً على التحكم بذاته، وتأتي نتيجة مجاهدة الشهوات والتحكم فيها وإخضاعها وعدم الخضوع لها، فهناك حبّ الطعام والشراب، وهناك حبّ النساء والمال إلخ... فهذه الشهوات هي التي تستعبد الإنسان، وتضعف إرادته، ومجاهدتها هو الذي يقوّي الإرادة، لذلك فالإنسان مخيّر بين طريقين إما أن يُعَبِّد ذاته لشهواته فيصبح ضعيف الإرادة، وإما أن يُعَبِّد ذاته لله فيصبح قوي الإرادة، لذلك فإنّ حديث عمرو خالد عن بناء الإرادة بتخيّل الهدف وملء العقل بتفاصيل الهدف ونتائجه وتخيّل الجنّة ليس حديثاً صحيحاً عن كيفيّة بناء الإرادة، بل هو خاطئ، فتخيّل الهدف وملء العقل بتفاصيل الهدف وتخيّل الجنّة لا يولّد إرادة، بل هي أعمال عقلية وتخيّلية بعيدة عن الإرادة وهي تبني في أحسن الأحوال الخيال والعقل، والحقيقة إنّ تعامل المسلم مع الجنّة يجب أن يكون ليس بتخيّل الجنّة بل برجاء الجنّة ونعيمها، والخوف من النار وجحيمها، هذا ما يبني الإرادة ويساعد على تقويتها والتغلّب على سيطرة الشهوات.(52/483)
ومن أغرب الأمور التي دعا عمرو خالد المشاهدين إليها الجري كل يوم لمسافة ستة كيلومترات ويصبح الجري في الأسبوع لمسافة (42) كيلومتر، وهي تعادل مسافة سباق الماراثون المشهور عالمياً، واعتبرها الوسيلة الرئيسية التي تبني الإرادة وتقوّيها، ويمكن أن تكون مثل هذه الدعوة مقبولة من شخص غير مسلم لا يملك منهجاً ولا وسائل تساعده على بناء إرادة مَنْ حوله، لكن أن تأتي هذه الدعوة من عمرو خالد الذي أعلن أنّ مرجعيّته الإسلام، وهذا الإسلام يمتلك عشرات الوسائل لبناء الإرادة وتقويتها وشحذها في اليوم والليلة، وأبرزها العبادات التي تشمل الصلاة والصيام الزكاة والحج والذكر وتلاوة القرآن إلخ...، ويبدأ بناء الإرادة منذ أذان الفجر حيث يكون المسلم مشدوداً إلى فراشه، فكان على عمرو خالد أن يحثّ هذا المسلم على القيام إلى الصلاة في أول وقتها، وفي الذهاب إلى المسجد، لأنّ مكابدة شهوة النوم والذهاب إلى المسجد من أول الوسائل التي تبني الإرادة، ثم كان على عمرو خالد أن يطاب من المسلم أن يعقل ما يقرأه في صلاته، أو ما يسمعه من الإمام لأن ابن عباس -رضي الله عنهما- يقول: "ليس لك من صلاتك إلا ما عقلت" وهذا العقل لما يقرأ أو لما يسمع من أهم الوسائل التي تقوّي الإرادة وتجعل صاحبها قادراً على التركيز وعدم التشتّت الذهني، وعلى التحكّم
-في النهاية- بذاته. ثم كان على عمرو خالد أن يدعو المسلم إلى الالتزام بصيام شهر رمضان، وأن يدعوه إلى أن يصوم بعض الأيام متنفّلاً في الأشهر الأخرى لأنّ هذا الصيام يُقوّي الإرادة، إذ يمتنع المسلم في هذا الصيام عن شهوات محبوبة لصيقة بذاته وهي شهوات الطعام والشراب والنساء من أجل محبوب أعظم هو الله تعالى. وكان على عمرو خالد -أيضاً- أن يدعو المسلم إلى الالتزام بأداء الزكاة وإخراج الصدقات مع توجيه قلبه إلى نيل رضوان الله تعالى، لأنّ عمل ذلك ينمّي الإرادة، فأداء الزكاة وإخراج الصدقات فيه تعظيم لأمر الله على تعظيم المال، والتعلّق به، والبخل في إنفاقه الذي هو مغروس في أصل الفطرة البشرية. وكان على عمرو خالد بعد ذلك أن يحثّ المسلم على أداء فريضة الحج، لأنّ عمل ذلك يرتقي بالإرادة، فالقيام بالحج خضوع لأمر الله بتحمّل أعباء السفر ومشاقّه وتعريض النفس للأهوال والمتاعب والابتعاد عن الأهل، وإنفاق الأموال، وعدم الخضوع لحظوظ النفس في الراحة والسلامة والبخل وعدم الإنفاق.
هذه بعض الوسائل التي تقوّي الإرادة، وهي عبادات لا يتمّ إسلام المسلم ولا إيمانه إلا بأدائها، والتي كان على عمرو خالد أن يتعمّق فيها ويبيّن لمشاهديه وسامعيه كيفية بنائها لإرادتهم عندما يؤدّونها في صورتها الشرعية السليمة، ناهيك عن العبادات الأخرى كالأذكار وتلاوة القرآن والقيام والاستغفار وصلاة الضحى إلخ...
الخلاصة إنّ عمرو خالد لم يُعرّف الإرادة تعريفاً صحيحاً كما لم يصب في حديثه عن عوامل بنائها، ولم يتحدّث عن دور العبادات من صلاة وصيام وزكاة وحج في بنائها وتنميتها وتطويرها والارتقاء بها، مع أنه هدف أصيل في فرضها على المسلم.
استعرضنا في سبق أربعة أخلاق تعرّض لها عمرو خالد في مشروعه النهضوي من أجل بناء الإنسان المسلم، وهي: الإيجابية، الجدّية، الإتقان، الإرادة، لكنّنا وجدنا في النهاية أنّ معالجته لها تتراوح بين السطحية والخطأ، والأهمّ من ذلك عدم التوجّه إلى استلهام الإسلام والاستفادة من آليّاته ورؤاه وطروحاته في تطوير الشخصية المسلمة ودفعها إلى التعافي من كل ما تعانيه.
==================(52/484)
(52/485)
عمرو خالد وأحلامه الوردية في صناع الحياة
بسم الله الرحمن الرحيم
علي بن نايف الشحود
أيها الأحباب
إن الداعية الإسلامي عمرو خالد لا يشك أحد أن له تأثيرا كبيرا على كثير من الناس
وكذلك عنده أسلوب مؤثر وجذاب يجعل الناس تسمع له ، وتستفيد من بعض نصائحه وأطروحاته
ولكن يجب علينا أن نعلم أن الداعية عمرو خالد هو داعية وليس عالم متخصص بالشريعة
ومن ثم فكثيرا ما يصدر منه أثناء كلامه كلاما غير منضبط بضوابط الشريعة أو يعتمد على قصص وحكايات غير صحيحة خاصة عندما يتحد بالسيرة النبوية أو قصص الأنبياء عليهم السلام أو قصص الصحابة رضي الله عنهم
ولست الآن بمعرض تفصيلها ، وقد رد عليه الكثيرون في منتديات عدة
وآخر هذه السحبات أحلامه التي يطلب من الجمهور أن يصوتوا عليها
واهتمام مثل هذا المنتدى بتلك الأحلام والدعوة للتصويت عليها
وسأضرب لكم بعض الأمثلة مما ورد في الصفحة الأولى على موقعه
وهو حول المرأة
ولنزنه بميزان الشريعة لنرى هل هو يوافقها أم يخالفها
فهو يقول :
كود الحلم الحلم
23004 انشاء منشآت رياضية خاصة بالنساء
تفاصيل الحلم: أن يوجد منشات رياضية خاصة بالنساء ليكون للمرأة الحق في ممارسة نشاطها بحرية بدون قيود
فيقال له :
كيف يطلب من المرأة أن تمارس نشاطها دون قيود وعلى أي أساس هذا النشاط ؟
وهل هو مما يبيحه الإسلام أم لا ؟؟
وهل يتناسب مع طبيعتها أم لا ؟
وهل يجوز أن يمارسه الرجل نشاطه الرياضي مثلا دون قيود وحدود ؟؟
فإن كان يتكلم عن مجتمعات لا علاقة لها بالإسلام ، فهو حر فيما يتكلم
وإذا كان يتكلم عن المرأة المسلمة فليس له هذا فالقيود في المجتمع المسلم لا بد وهي مستقاة من الكتاب والسنة وليست بالتشهي
وكثيرا ما تكون هذه النوادي وكرا للمعاصي والموبقات أو نشر الإلحاد بسبب القائمات عليها
وأما قوله :
كود الحلم الحلم
23006 ان يزال الخطر عن محجبات تونس
تفاصيل الحلم: ان تتمكن كل محجبة من الخروج في شوارع تونس دون التخفي من اعين الرقباء، و دون ان تحس بنفسها و كانها مجرمة يتم تتبعها. و احلم بان يجف دمع كل فتاة تتمنى الحجاب في تونس، و يمنعها الرعب، هذه هي الحرية الحقيقية للمراة.
لماذا لم يبين حضرة الداعية الكبير من الذي يمنع محجبات تونس من الحجاب ؟
لماذا لا يتحدث عن الداء ؟؟
أليست الحكومة التونسية والتي باعت نفسها للشيطان هي التي تمنع المسلمات من لبس الحجاب وتحاربه ؟؟
أليست هي التي تنشر جميع الموبقات في المجتمع التونسي ؟؟
وكيف يتحقق حلم الداعية الكبير في تونس يجف دمع كل فتاة تتمنى الحجاب في تونس، و يمنعها الرعب، هذه هي الحرية الحقيقية للمراة. ؟؟
لماذا لم يقل :
إن القوم يحاربون الله ورسول صلى الله عليه وسلم عمدا لإرضاء أسيادهم من شياطين الإنس والجن ؟؟؟
بل لن يتحقق هذا الحلم حقيقة حتى يزول الطغيان والفساد ؟
لن يتحقق هذا الحلم بغير منهج الله تعالى يا أيها الداعية الكبير ؟؟
وكل من يحيد وينحرف عن منهج الله تعالى ويفرض على الناس مناهج الجاهلية والتي ما أنزل الله بها من سلطان لهو من ألد أعداء الإنسانية لأنه حرمها من الخير والسعادة التي تتفيأ بظلالها في ظل منهج الله تعالى
وهذا الأحلام هي كأحلام الناس عندما مر عليهم قارون بماله ومتاعه فقالوا :
يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون إنه لذو حظ عظيم
وأما حلمه :
كود الحلم الحلم
23007 قيادة المرأة للسياره
تفاصيل الحلم: أن يكون للمرأة الحق في قيادة السياره دون قيود لسهولة التنقل
بأي منطق يتكلم هذا الداعية ؟؟
وهل المرأة كالرجل في هذا المجال ؟؟
ألم يقل النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - « لاَ يَحِلُّ لاِمْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أَنْ تُسَافِرَ مَسِيرَةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ لَيْسَ مَعَهَا حُرْمَةٌ ». أخرجه البخاري
فكيف يسمح للمرأة المسلمة بنتا وزوجة وغيرها أن تقود السيارة دون قيود ؟
حتى لو كنا في وسط مجتمع إسلامي يتحاكم إلى الإسلام عقيدة وعبادة ومنهج حياة فلا يجوز ذلك إلا بقيود كثيرة
فكيف ونحن نعيش في ظل مجتمعات تحارب دين الله جهارا ؟ وتفتح مصراعيها لجميع الموبقات ؟ وقد تخلت عن منهج الله تعالى ، حتى غدا الدين عندها رسوما وأشكالا دون مضمون
ومن ذهب لبعض الدول العربية والتي تسمح للمرأة بقيادة السيارة دون قيود ولا حدود فلينظر وليدقق ماذا يحدث من بلاوى ومصائب وجرائم
وكأن الأخ عمرو خالد لا يسمع ولا يرى !!!
وأما كود الحلم الحلم
23014 تتساوى فرصة حصول المرأة على عمل مع فرصة الرجل
تفاصيل الحلم: تتساوى فرصة حصول المرأة على عمل مع فرصة الرجل فى الحالات الآتية ليس لها عائل، هى العائل الوحيد لأسرتها، عبقرية متفردة فى مجالها وبالطبع مع مراعاة أن يكون مناسب لطبيعتها كإمرأة
***************
قلت :
أولا - إذا لم يوجد للمرأة عائل فيجب أن تعطى راتبا من بيت المال يكفيها ويكفي من تعول ، حتى تستطيع أن تربي أولادها التربية المثلى والتي يرضاها الله تعالى
ثانيا- يجب علينا أولا أن نؤمِّن العمل للرجال ثم بعد ذلك ننظر في أمر النساء
بل الذي يجري عليه العمل اليوم(52/486)
هو أن النساء تعمل والرجال لا يجدون عملا فانقلبت الموازين
ثاثا- هناك شروط كثيرة يجب أن تتوفر حتى يصح للمرأة المسلمة أن تعمل
ومنها أن لا يكون على حساب عمل الرجل
ومنها أن نكون بحاجة ماسة لعملها
ومنها أن تستطيع التوفيق بين عملها الأصلي داخل المنزل وبين عملها الاستثنائي خارج المنزل وأن تعارضا قدم الأول قولا واحدا
ومنها أن يوافق أبوها على عملها أو زوجها
ومنها أن تحافظ على كرامتها وعفتها وحشمتها أثناء العمل
ومنها أن يكون مناسبا لطبيعتها وبعيدا قدر الإمكان عن الرجال
فهل يا ترى هذه الشروط متحققة اليوم ؟؟
قطعا لا وألف لا
وكل من ينظر إلى حال النساء اللاتي يعملن يجد أنهن في غير المكان المناسب إلا نادرا ويزاحمن الرجال ، وينفقن القسم الأكبر من راتبهن على اللباس والجمال والمظهر وكذلك لا يعملن إلا القليل ، حيث يمضين جزءا كبيرا من وقت العمل بأشياء لا علاقة لها بالعمل بتاتا ، بل ثلاث نسوة لا تسد مسد رجل واحد في أكثر الأمكنة
وهذا في جميع الدول العربية من المحيط إلى الخليج
ولذا فإننا نلاحظ أنها أطروحات غير منضبطة بضوابط الشريعة فلا تقبل
وأما كود الحلم الحلم
23024 رفع الظلم الاجتماعي عن المرأة
تفاصيل الحلم: إقامة برامج ودورات تدريبية ومواد فيلمية لتوعية المجتمع العربي كله لرفع الظلم الاجتماعي عن المرأة المتمثل في:
الحرمان من حرية اتخاذ القرار في الزواج، حرمان المرآة من المشورة، حرمان من المرأة من بعض الوظائف في العمل،حرمانها من الخروج للمساجد،حرمانها من الاطفة والحنان.
قلت :
بل الظلم الاجتماعي واقع على الرجل وعلى المرأة على السواء
ولكن من هو الذي يظلم الناس أيها الداعية الكبير ؟؟
وهل المرأة وحدها محرومة من اتخاذ القرار في الزواج ؟؟
أم الرجل كذلك ؟؟
ثم كيف تستطيع البنت اتخاذ القرار بالزواج دون موافقة أهلها على ذلك ؟؟
وهل المسألة هي بيعة وتنتهي ؟؟
أم سيكون من ورائها نسبا وصهرا وآثارا دائمة ؟؟؟
وهل تستطيع البنت أن تحدد مستقبلها بشكل صحيح دون معزل عن الأهل ؟؟
بل الذي ثبت أن المرأة التي تعمل علاقة حب وغرام وغير ذلك بحجة الزواج ثم تتزوج على هذا الأساس يفشل هذا الزواج ويؤدي في الأغلب إلى الطلاق
لأن كلا من المرأة والرجل كان يخدع الآخر ويضحك عليه ، ويظهر أمامه بغير وجهه الحقيقي
وهل نحن وسط مجتمع إسلامي أم مجتمع تهيمن عليه الشهوات والأكاذيب والخدع ؟؟
وهل الحل بإعطائها الحرية الكاملة وبمعزل عن الأهل في اختيار شريك حياتها ؟؟
وأما قوله حرمان المرأة من المشورة فلا أدري ماذا يقصد ؟؟
هل يعني في موضوع اختيار شريك حياتها ؟؟
فإن كان هذا فقد أمر الإسلام بمشورتها في ذلك
ففي مسند أحمد عَنْ عَدِىِّ بْنِ عَدِىٍّ الْكِنْدِىِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « أَشِيرُوا عَلَى النِّسَاءِ فِى أَنْفُسِهِنَّ ». فَقَالُوا إِنَّ الْبِكْرَ تَسْتَحِى يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « الثَّيِّبُ تُعْرِبُ عَنْ نَفْسِهَا بِلِسَانِهَا وَالْبِكْرُ رِضَاهَا صَمْتُهَا ».
وأما إن كان حرمانها من المشورة في داخل الأسرة فهذا لا ينبغي
فعند أبي داود عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « آمِرُوا النِّسَاءَ فِى بَنَاتِهِنَّ ».
وإن كان يقصد ما هو أكبر من ذلك فكلاهما محروم من المشورة
وأما قوله حرمان من المرأة من بعض الوظائف في العمل
فيقال :
هذا أمر طبيعي فللمرأة طبيعتها وللرجل طبيعته ، فليس من المعقول أن تزاحم المرأة الرجل في كل عمل بحجة أنها نصف المجتمع ؟؟
بل يجب أن يكون العمل مناسبا لطبيعتها فقط وليس كل عمل أيها الداعية الكبير
وأما قوله : حرمانها من الخروج للمساجد
فهذا في أكثر الأمكنة غير موجود ومع هذا فخروجها للمساجد ليس فرضا باتفاق وإذا ترتب عليه مفسدة أكبر من المصلحة منعت من الذهاب للمسجد
ففي البخاري عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ كَانَتِ امْرَأَةٌ لِعُمَرَ تَشْهَدُ صَلاَةَ الصُّبْحِ وَالْعِشَاءِ فِى الْجَمَاعَةِ فِى الْمَسْجِدِ فَقِيلَ لَهَا لِمَ تَخْرُجِينَ وَقَدْ تَعْلَمِينَ أَنَّ عُمَرَ يَكْرَهُ ذَلِكَ وَيَغَارُ قَالَتْ وَمَا يَمْنَعُهُ أَنْ يَنْهَانِى قَالَ يَمْنَعُهُ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « لاَ تَمْنَعُوا إِمَاءَ اللَّهِ مَسَاجِدَ اللَّهِ ».
وعند أبي داود عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « لاَ تَمْنَعُوا إِمَاءَ اللَّهِ مَسَاجِدَ اللَّهِ وَلَكِنْ لِيَخْرُجْنَ وَهُنَّ تَفِلاَتٌ ».
وفي مسلم عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « أَيُّمَا امْرَأَةٍ أَصَابَتْ بَخُورًا فَلاَ تَشْهَدْ مَعَنَا الْعِشَاءَ الآخِرَةَ ».
وأما قوله ،حرمانها من اللطف والحنان.
فيقال : السبب في ذلك إن حصل هو الجهل بالدين وتعالميه فعلينا أن نعلم الدين الحق للرجال والنساء وعندئذ يعود اللطف والحنان(52/487)
قال تعالى :{ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} (21) سورة الروم
وأما كود الحلم الحلم
23025 رفع الظلم المالي عن المرأة
تفاصيل الحلم: إقامة برامج ودورات تدريبية ومواد فيلمية لتوعية المجتمع العربي كله لرفع الظلم المالي عن المرأة المتمثل في:حرمانها من الميراث،عدم تفرقة الأب وهو حي ببن ابنته وأولاده،حرمان المطلقات من النفقة، عدم المساواه بينها وبين الرجل في المرتبات
نلاحظ أولا - أنه دائما يتحدث دائما مجتمع عربي فليس هناك مجتمعا إسلاميا
ومتى كان المجتمع العربي له قيمة بغير رسالة الإسلام ؟؟
قال تعالى :{ وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ } (103) سورة آل عمران
وفي المستدرك [ 207 ] أخبرنا أبو جعفر محمد بن محمد البغدادي ثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي ثنا علي بن المديني ثنا سفيان ثنا أيوب بن عائد الطائي عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب قال خرج عمر بن الخطاب إلى الشام ومعنا أبو عبيدة بن الجراح فأتوا على مخاضة وعمر على ناقة له فنزل عنها وخلع خفيه فوضعهما على عاتقه وأخذ بزمام ناقته فخاض بها المخاضة فقال أبو عبيدة يا أمير المؤمنين أنت تفعل هذا تخلع خفيك وتضعهما على عاتقك وتأخذ بزمام ناقتك وتخوض بها المخاضة ما يسرني أن أهل البلد استشرفوك فقال عمر أوه لم يقل ذا غيرك أبا عبيدة جعلته نكالا لأمة صلى الله عليه وسلم إنا كنا أذل قوم فأعزنا الله بالإسلام فمهما نطلب العزة بغير ما أعزنا الله به أذلنا الله هذا حديث صحيح على شرط الشيخين لاحتجاجهما جميعا بأيوب بن عائد الطائي وسائر رواته ولم يخرجاه وله شاه من حديث الأعمش عن قيس بن مسلم [ 208 ] حدثنا علي بن حمشاذ العدل ثنا محمد بن عيسى السكري الواسطي ثنا عمرو بن عون ثنا أبو معاوية ثنا الأعمش عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب قال لما قدم عمر الشام لقيه الجنود وعليه إزار وخفان وعمامة وهو آخذ برأس بعيره يخوض الماء فقال له يعني قائل يا أمير المؤمنين تلقاك الجنود وبطارقة الشام وأنت على حالك هذا فقال عمر إنا قوم أعزنا الله بالإسلام فلن نبتغي العزة بغيره
وثانيا - حرمان المرأة من الميراث مسالة دينية بحتة ولن تحل بغير التوعية الدينية الصحيحة والتخويف بالله تعالى الذي خلق الزوجين الذكر والأنثى
وثالثا- أما موضوع التفرقة بين الأود فهي تدل قلة الدين ولا حل لها إلا بغرس القيم الدنية الحقة في نفوس الآباء
ففي سنن أبي داود عَنْ حَاجِبِ بْنِ الْمُفَضَّلِ بْنِ الْمُهَلَّبِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « اعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلاَدِكُمْ اعْدِلُوا بَيْنَ أَبْنَائِكُمْ ».
ورابعا - وأما حرمان المطلقات من النفقة فهذه مسالة فقيهة بحتة فيها خلاف بين الفقهاء ولا يحل هذا الخلاف سوى ولي الأمر المسلم الذي يحكم بمنهج الله تعالى فهو يمكن أن يرجح قولا على قول ولكن هناك حالات ليس لها نفقة فهل نغير النصوص الشرعية من أجل أن يتحقق حلم الداعية الكبير ؟؟!!!
وخامسا- قوله : عدم المساواه بينها وبين الرجل في المرتبات
أقول :
المعروف أن راتبها وراتب الرجل سواء إذا كانت الوظيفة واحدة والمؤهل واحدا
ولكن قل لي بالله عليك هل يمكن أن نساوي بين الرجل المسئول عن نفسه وأسرته وبين المرأة التي ا تعتبر في الشرع حتى غير مسئولة عن نفسها ؟؟
كما أن المسألة يجب أن تكون كذلك بقدر الإنتاج والإبداع والحاجات وغير ذلك
وأما كود الحلم الحلم
23026 رفع الظلم السياسي عن المرأة
تفاصيل الحلم: إقامة برامج ودورات تدريبية ومواد فيلمية لتوعية المجتمع العربي كله لرفع الظلم السياسي عن المرأة المتمثل في:حرمان المرأة من التصويت ، حرمانها من الوظائف العليا في الدولة
فيقال له :
أولا - هل المرأة وحدها هي المظلومة سياسيا ؟؟؟ أم كلاهما ؟؟
أم أن الداعية الكبير يعيش في كوكب آخر ؟؟
ثانيا- دائما يتحدث عن المجتمع العربي ليس إلا ؟!!!
ولعل الحديث عن غيره داخل ضمن الدوائر الحمراء
ثالثا- قوله لرفع الظلم السياسي عن المرأة المتمثل في: حرمان المرأة من التصويت
فهل يوجد في العالم الثالث تصويت حقيقي حتى يكون لصوتها قيمة ؟؟
أليست جميع الانتخابات التي تجري في بلاد الإسلام كلها تزوير بتزوير ؟؟
وهذا لم يعد خافيا حتى على الجهال من الناس
فلا قيمة لهذا التصويت لا لها ولا للرجل حتى يكون هناك حرية حقيقية ينعم بها الناس أولا وعندها نطالب أن تشترك المرأة في التصويت
رابعا- أما قوله حرمانها من الوظائف العليا في الدولة(52/488)
ما شاء الله كأن الداعية الكبير يريد نسخ الشريعة الإسلامية لتتحقق أحلامه الخلبية ؟؟!!!
فهل يجوز أن تناط بالمرأة كل الوظائف أيها الداعية الكبير ؟؟
فما رأيك أن نسلمها قيادة الجيش وخلافة المسلمين وقاضي القضاة حتى لا تبقى المسكينة محرومة من الوظائف العليا في الدولة !! !!
وهاهي قد استلمت القيادة في بنغلادش وباكستان وأندونوسيا فما الذي حدث ؟؟ هل غيرت التاريخ ؟
أم كانت ألعوبة بيد أعداء الإسلام ؟؟
وهاهي تصبح قاضيا فهل تحقق العدل على يديها ؟؟
المشكلة يا داعيتنا الكبير
أن الجميع مظلومون من قبل حفنة من قطاع الطرق والمأجورين والذين جاءوا بالحديد والنار وبدعم من أئمة الكفر
فهل ستنعم المرأة أو الرجل بالأمان والطمأنينة في ظل هذه الأوضاع المأساوية التي يعيشها الناس اليوم ؟؟
بل الذي ينظر في منتداه يجد أنه يكرس الدعوة إلى العامية المصرية والتي دعا لها طه حسين عليه من الله ما يستحق من قبل والابتعاد عن لغة القرآن الكريم
ولن أذكر جميع أحلامه لأنها بعيدة عن الحصر
ومع الأسف فإنه يستغل سذاجة الناس والشباب والشابات خاصة من أجل الحديث عن هذه الأحلام التي سوف يصنع بها صناع الحياة !!!!
فمتى نصحو من هذا السهاد ؟؟!!!
ومتى نأتي البيوت من أبوابها ؟؟
زهرة المدائن
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
أخي الكريم ، أرحب بك في منتديات بلاد الشام بداية، ثم استميحك عذرا في الرد على ما كتبته ، فلقد وضع هذا الموضوع تأييدا منا للاستاذ عمرو خالد و لمشاريعه في صناع الحياة و ليعمل أعضاء المنتدى فيها، لا لمهاجمة أحلامه كما تفضلت، مع العلم أنها لم تكن أحلامه و انما أحلام شباب أمتنا و فتياتها.
بصراحة ليس لدي الوقت للرد على كل كلمة ذكرتها و لكني سأفعل ذلك قريبا، و لكن باختصار أقول اذا لم تعجبك الأحلام فلا تصوت عليها و لا تعمل لها ، و ان لم يعجبك عمرو خالد فهنالك الكثير من الشباب و الناس الذين يدينون بكثير من الفضل له، و أنه الأحرى بنا أن نرى اجابيات كلامه و أثرها العظيم على شباب الأمة بدلا من الترصد لكلامه و تفسيره على غير معناه، فان لم يعجبك برنامج صناع الحياة ببساطة غير القناة.
و رأيك يبقى رأيا نحترمه و لكن نحن في هذا المنتدى نؤيد الأستاذ عمرو خالد و نبارك خطواته كما بارك لنا انشاءنا لهذا المنتدى و شجعنا على مواصلة مسيرنا، و لن أسمح أنا شخصيا بمهاجمته بهذه الطريقة في هذا المنتدى.
الأخت الفاضلة زهرة المدائن
جزاك الله خيرا
ولكن شرع الله تعالى عندنا أغلى من جميع الخلق
فمن خالفه يرد قوله كائنا من كان
وليست الغاية التنقيص من الداعية الإسلامي عمرو خالد (( معاذ الله ))
بل الغاية هو أن يكون منطلقنا في صناعة الحياة هو شرع الله تعالى وحده وليس ما يخطر ببالنا من خواطر وأحلام
وإن كان قولي مخالفا للكتاب والسنة وأقوال أهل العلم المعتبرين فأنا أتراجع عن خطئي فلست بمعصوم
فحبذا لو بينت ذلك لنا بالأدلة الصحيحة والمعتبرة فنحن لك من الشاكرين
وأما التعصب للأشخاص فليس هذا من طبيعة المسلم الذي يقول الله تعالى له :
{ قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} (108) سورة يوسف
والواجب علينا أن نتناصح في الله كما قال سيد الخلق r
ففي صحيح مسلم عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِىِّ أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « الدِّينُ النَّصِيحَةُ » قُلْنَا لِمَنْ قَالَ « لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ ».
------------------
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الأخت الفاضلة زهرة المدائن
الحمد لله على العودة الميمونة , أتمنى أن تكونين بأفضل حال
وأرى أن المنتدى يزداد جمالا وبهاء كلما انضم إليه فرد من أعضاءه ...
ولئن أردت المداخلة فلا أملك أشياء كثيرة تقال ..
غير أني أحاول إن سمح لي الأخ الحق المبين أن أضم صوتي لصوته ,
مادمنا في سياق التصويت
وكما يلاحظ من خلال ما كتب لم يقل شيئا غريبا أو خرافة
تستدعي السرعة بالرد راضين كل الرضا , بل بالعكس هو أشار إلى أن الحياة
تصنع بإقامة شرع الله كاملا غير منقوص وفق الكتاب والسنة الشريفة بلا طموح شخصي
فأرجو من أخواتنا المسلمات خاصة أن لا يفهم من هذا بأنه ظلم للمرأة الشريفة أو تقصير
في حقها ..
بل الحق ,أنه لا ينكر إلا جاحد أن العدل كل العدل في تكريم المرأة وحفظ كل حقوقها
هو بالرجوع لمن لا يظل بالتمسك بهما أبدا ...
وأعتقد تماما أن المفروض على الأمة اليوم التجند بكل المستطاع لإعادة الخلافة الإسلامية
المغتصبة واسترجاع العز الضائع الذي كنا فيه أرقى وأفضل الأمم برجالنا ونساءنا حيث
حكم شرع الله , وهو كله قادم بإذن الله والخلافة وخليفتها لا محالة يوشك ظهورهما
واليوم صناعة الحياة في أمتنا هي :
إقامة شرع الله الذي ارتضاه لنا
وذلك بـ:
- دعم عز هذه الأمة وهيبتها بالجهاد بالمال والنفس واللسان .
- إزالة الأنظمة العميلة المرتدة من أي بلد مسلم , لا مداهنتها واحتضانها ,(52/489)
- استرجاع كل أراضي الإسلام التي فتحت أيم الفتوحات المباركة , ومواصلة طريق الفتح في سبيل الله
فيا إخوان ضعوا هدفا وحيدا نصب أعينكم هي التمكين لدين الله ومن ثم يأتي العز من حيث لا ندري
( قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِين)
أما أخونا الأستاذ عمرو خالد جزاه الله خيرا فيؤخذ منه ويرد , وكلنا يؤخذ منه ويرد , وكله يؤخذ منه ويرد
إلا كتاب الله الكريم وسنة نبيه عليه وعلى آله أفضل الصلاة وأزكى التسليم ..
الأخ الفاضل elhadj khemissa
جزاك الله خيرا
فنسأل الله تعالى أن يفكر الإخوة الكرام والقائمين على هذا المنتدى الطيب أن يفكروا مليا بما نقول
ولا ينساقوا وراء العواطف
وفي الكفاية للحافظ البغدادي :
عن بن عمر عن صلى الله عليه وسلم انه قال يا بن عمر دينك دينك إنما هو لحمك ودمك فانظر عمن تأخذ خذ عن الذين استقاموا ولا تأخذ عن الذين مالوا
أخي الغالي
نحن ننظر للشيء من محاسنه ومساوؤه فإن غلبت المحاسن المساوء فهو جيد و إن كان العكس فهو سيئ
لذلك أرى أن حتى الإحلام التي تنبع من الشباب المسلم ماهي إلا خطوات جيدة إلى الأمام
و جزى الله خيرا عبدا هم بإحياء أمة نيام همها التفاهة بشتى أنواعها
أليس ما أقوله صحيح أخي الكريم
وشكرا لك على المشاركة
أخي الحبيب أمين هذه الأمة
جعلك الله أمينا لهذه الأمة على قيمها وعلى منهجها
يجب أن ننظر إلى هذه المسألة من منظار شرعي بحث
فإن كان صاحب هذا الطرح ينطلق من منطلقات الإسلام فحي هلا به وبمنطلاقاته
وإن كان ينطلق من أي منطلق آخر فهذا مرفوض شرعا بصرف النظر عن حسن نية قائله أو عدم حسن نيته
فلا يقبل الله تعالى عملا إلا بشرطين :
الإخلاص والصواب
قال تعالى :
{ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} (110) سورة الكهف
ونحن لسنا مطلعين على القلوب لنرى الإخلاص من عدمه فهذا لله وحده
وأما الصواب فنحن مطلعون عليه
وأما قولك أخي الحبيب :
أرى أن حتى الإحلام التي تنبع من الشباب المسلم ماهي إلا خطوات جيدة إلى الأمام
فنقول لك :
لا يجب أن تنبع هذه الأحلام من الإسلام وإلا ردت على صاحبها كائنا من كان
فالمطلوب منا أن نأخذ بيد الشباب المسلم نحو الحق ونبصره بالحق
لا أن نميع قضايا الأمة المصيرية بأحلام وردية لا قيمة لها في تغيير بنية الواقع المر والأليم
لأنها لم تضع يدها على الداء الحقيقي فكيف ستصف له الدواء ؟؟!!!
بل في هذه الأحلام توجيه وصرف لطاقات الشباب (( الذين هم عمدة هذه الأمة ورأسمالها )) في غير ما خلقت له
وأما قولك أخي الحبيب :
و جزى الله خيرا عبدا هم بإحياء أمة نيام همها التفاهة بشتى أنواعها
فنقول لك :
إحياء أمة الإسلام لا يكون بغير الإسلام
لن يحييها الترقيع ولا التمييع
ولا مناهج الشرق ولا مناهج الغرب
ولا أنصاف الحلول
فإما أن نكون على مستوى هذه المرحلة والتي تحارب فيها أمة الإسلام على كل الأصعدة وإما فلا نستحق الحياة
قال تعالى :{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} (24) وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (25) وَاذْكُرُواْ إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُون أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (26) سورة الأنفال
إن رسول ا صلى الله عليه وسلم إنما يدعوهم إلى ما يحييهم . .
إنها دعوة إلى الحياة بكل صور الحياة , وبكل معاني الحياة . .
إنه يدعوهم إلى عقيدة تحيي القلوب والعقول , وتطلقها من أوهاق الجهل والخرافة ; ومن ضغط الوهم والأسطورة , ومن الخضوع المذل للأسباب الظاهرة والحتميات القاهرة , ومن العبودية لغير الله والمذلة للعبد أو للشهوات سواء . .
ويدعوهم إلى شريعة من عند الله ; تعلن تحرر "الإنسان" وتكريمه بصدورها عن الله وحده , ووقوف البشر كلهم صفا متساوين في مواجهتها ; لا يتحكم فرد في شعب , ولا طبقة في أمة , ولا جنس في جنس , ولا قوم في قوم . . ولكنهم ينطلقون كلهم أحراراً متساوين في ظل شريعة صاحبها الله رب العباد
ويدعوهم إلى منهج للحياة , ومنهج للفكر , ومنهج للتصور ; يطلقهم من كل قيد إلا ضوابط الفطرة , المتمثلة في الضوابط التي وضعها خالق الإنسان , العليم بما خلق ; هذه الضوابط التي تصون الطاقة البانية من التبدد ; ولا تكبت هذه الطاقة ولا تحطمها ولا تكفها عن النشاط الإيجابي البناء .(52/490)
ويدعوهم إلى القوة والعزة والاستعلاء بعقيدتهم ومنهجهم , والثقة بدينهم وبربهم , والانطلاق في "الأرض" كلها لتحرير "الإنسان" بجملته ; وإخراجه من عبودية العباد إلى عبودية الله وحده ; وتحقيق إنسانيته العليا التي وهبها له الله , فاستلبها منه الطغاة !
ويدعوهم إلى الجهاد في سبيل الله , لتقرير ألوهية الله سبحانه - في الأرض وفي حياة الناس ; وتحطيم ألوهية العبيد المدعاة ; ومطاردة هؤلاء المعتدين على ألوهية الله - سبحانه - وحاكميته وسلطانه ; حتى يفيئوا إلى حاكمية الله وحده ; وعندئذ يكون الدين كله لله . حتى إذا أصابهم الموت في هذا الجهاد كان لهم في الشهادة حياة .
ذلك مجمل ما يدعوهم إليه الرسو صلى الله عليه وسلم وهو دعوة إلى الحياة بكل معاني الحياة .
إن هذا الدين منهج حياة كاملة , لا مجرد عقيدة مستسرة . منهج واقعي تنمو الحياة في ظله وتترقى . ومن ثم هو دعوة إلى الحياة في كل صورها وأشكالها . وفي كل مجالاتها ودلالاتها . والتعبير القرآني يجمل هذا كله في كلمات قليلة موحية:
(يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم) . .
استجيبوا له طائعين مختارين ; وإن كان الله - سبحانه - قادراً على قهركم على الهدى لو أراد:
(واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه) . .
ويا لها من صورة رهيبة مخيفة للقدرة القاهرة اللطيفة . .
(يحول بين المرء وقلبه) فيفصل بينه وبين قلبه ; ويستحوذ على هذا القلب ويحتجزه , ويصرفه كيف شاء , ويقلبه كما يريد . وصاحبه لا يملك منه شيئا وهو قلبه الذي بين جنبيه !
إنها صورة رهيبة حقاً ; يتمثلها القلب في النص القرآني , ولكن التعبير البشري يعجز عن تصوير إيقاعها في هذا القلب , ووصف هذا الإيقاع في العصب والحس !
إنها صورة تستوجب اليقظة الدائمة , والحذر الدائم , والاحتياط الدائم . اليقظة لخلجات القلب وخفقاته ولفتاته ; والحذر من كل هاجسة فيه وكل ميل مخافة أن يكون انزلاقا ; والاحتياط الدائم للمزالق والهواتف والهواجس . . والتعلق الدائم بالله - سبحانه - مخافة أن يقلب هذا القلب في سهوة من سهواته , أو غفلة من غفلاته , أو دفعة من دفعاته . .
ولقد كان رسول ا صلى الله عليه وسلم وهو رسول الله المعصوم يكثر من دعاء ربه:" اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك " . . فكيف بالناس , وهم غير مرسلين ولا معصومين ?!
إنها صورة تهز القلب حقا ; ويجد لها المؤمن رجفة في كيانه حين يخلو إليها لحظات , ناظرا إلى قلبه الذي بين جنبيه , وهو في قبضة القاهر الجبار ; وهو لا يملك منه شيئا , وإن كان يحمله بين جنبيه ويسير !
صورة يعرضها على الذين آمنوا وهو يناديهم:
(يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم) . .
ليقول لهم:إن الله قادر على أن يقهركم على الهدى - لو كان يريد - وعلى الاستجابة التي يدعوكم إليها هذه الدعوة , ولكنه - سبحانه - يكرمكم ; فيدعوكم لتستجيبوا عن طواعية تنالون عليها الأجر ; وعن إرادة تعلو بها إنسانيتكم وترتفع إلى مستوى الأمانة التي ناطها الله بهذا الخلق المسمى بالإنسان . .
أمانة الهداية المختارة ; وأمانة الخلافة الواعية , وأمانة الإرادة المتصرفة عن قصد ومعرفة .
(وأنه إليه تحشرون) . .
فقلوبكم بين يديه . وأنتم بعد ذلك محشورون إليه . فما لكم منه مفر . لا في دنيا ولا في آخرة . وهو مع هذا يدعوكم لتستجيبوا استجابة الحر المأجور , لا استجابة العبد المقهور .
ثم يحذرهم القعود عن الجهاد , وعن تلبية دعوة الحياة , والتراخي في تغيير المنكر في أية صورة كان:
(واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة , واعلموا أن الله شديد العقاب) .
والفتنة:الابتلاء أو البلاء . .
والجماعة التي تسمح لفريق منها بالظلم في صورة من صوره - وأظلم الظلم نبذ شريعة الله ومنهجه للحياة - ولا تقف في وجه الظالمين ; ولا تأخذ الطريق على المفسدين . .
جماعة تستحق أن تؤخذ بجريرة الظالمين المفسدين . .
فالإسلام منهج تكافلي إيجابي لا يسمح أن يقعد القاعدون عن الظلم والفساد والمنكر يشيع [ فضلا على أن يروا دين الله لا يتبع ; بل أن يروا ألوهية الله تنكر وتقوم ألوهية العبيد مقامها ! ] وهم ساكتون . ثم هم بعد ذلك يرجون أن يخرجهم الله من الفتنة لأنهم هم في ذاتهم صالحون طيبون !
ولما كانت مقاومة الظلم تكلف الناس التكاليف في الأنفس والأموال ; فقد عاد القرآن يذكر العصبة المسلمة - التي كانت تخاطب بهذا القرآن أول مرة - بما كان من ضعفها وقلة عددها , وبما كان من الأذى الذي ينالها , والخوف الذي يظللها . .
وكيف آواها الله بدينه هذا وأعزها ورزقها رزقا طيبا . . فلا تقعد إذن عن الحياة التي يدعوها إليها رسول الله . ولا عن تكاليف هذه الحياة , التي أعزها بها الله , وأعطاها وحماها:
(واذكروا إذ أنتم قليل مستضعفون في الأرض , تخافون أن يتخطفكم الناس فآواكم , وأيدكم بنصره , ورزقكم من الطيبات لعلكم تشكرون) . .
اذكروا هذا لتستيقنوا أن الرسول يدعوكم لما يحييكم ; واذكروه كي لا تقعدوا عن مكافحة الظلم في كل صوره وأشكاله . .(52/491)
اذكروا أيام الضعف والخوف , قبل أن يوجهكم الله إلى قتال المشركين , وقبل أن يدعوكم الرسول إلى الطائفة ذات الشوكة وأنتم كارهون . .
ثم انظروا كيف صرتم بعد الدعوة المحيية التي انقلبتم بها أعزاء منصورين مأجورين مرزوقين . يرزقكم الله من الطيبات ليؤهلكم لشكره فتؤجروا على شكركم لفضله !
ويرسم التعبير مشهدا حيا للقلة والضعف والقلق والخوف:
(تخافون أن يتخطفكم الناس) . .
وهو مشهد التربص الوجِل , والترقب الفزع , حتى لتكاد العين تبصر بالسمات الخائفة , والحركات المفزَّعة , والعيون الزائغة . .
والأيدي تمتد للتخطف ; والقلة المسلمة في ارتقاب وتوجس !
ومن هذا المشهد المفزع إلى الأمن والقوة والنصر والرزق الطيب والمتاع الكريم , في ظل الله الذي آواهم إلى حماه:
(فآواكم , وأيدكم بنصره , ورزقكم من الطيبات) . .
وفي ظل توجيه الله لهم ليشكروا فيؤجروا:
(لعلكم تشكرون) . .
فمن ذا الذي يتأمل هذه النقلة البعيدة , ثم لا يستجيب لصوت الحياة الآمنة القوية الغنية . . صوت الرسول الأمين الكريم . .
ثم من ذا الذي لا يشكر الله على إيوائه ونصره وآلائه , وهذا المشهد وذلك معروضان عليه , ولكل منهما إيقاعه وإيحاؤه ?
على أن القوم إنما كانوا يعيشون هذا المشهد وذاك . .
كانوا يذكرون بما يعرفون من حالهم في ماضيهم وحاضرهم . .
ومن ثم كان لهذا القرآن في حسهم ذلك المذاق . .
والعصبة المسلمة التي تجاهد اليوم لإعادة إنشاء هذا الدين في واقع الأرض وفي حياة الناس ; قد لا تكون قد مرت بالمرحلتين , ولا تذوقت المذاقين . .
ولكن هذا القرآن يهتف لها بهذه الحقيقة كذلك . ولئن كانت اليوم إنما تعيش في قوله تعالى:
(إذ أنتم قليل مستضعفون في الأرض تخافون أن يتخطفكم الناس) . .
فأولى لها أن تستجيب لدعوة الحياة التي يدعوها إليها رسول الله ; وأن تترقب في يقين وثقة , موعود الله للعصبة المسلمة , موعوده الذي حققه للعصبة الأولى , ووعد بتحقيقه لكل عصبة تستقيم على طريقه , وتصبر على تكاليفه . .
وأن تنتظر قوله تعالى:
(فآواكم وأيدكم بنصره , ورزقكم من الطيبات لعلكم تشكرون) .
وهي إنما تتعامل مع وعد الله الصادق - لا مع ظواهر الواقع الخادع - ووعد الله هو واقع العصبة المسلمة الذي يرجح كل واقع !
وأما قولك الأخير أخي الحبيب :
أليس ما أقوله صحيح أخي الكريم ؟؟
فنقول لك :
بصراحة لا
فالصحيح ما طابق شرع الله ومنهجه
فإذا خالفه أنى تكون له الصحة ؟؟!!!
أخيراً :
أخي الحبيب :
نؤكد مرة أخرى أن الغاية ليست الانتقاص من الداعية عمرو خالد بتاتا
وإنما الغاية النصح وقول كلمة الحق التي أمرنا بها
ففي مسند أحمد عَنْ أَبِى ذَرٍّ قَالَ أَمَرَنِى خَلِيلِى - صلى الله عليه وسلم - بِسَبْعٍ أَمَرَنِى بِحُبِّ الْمَسَاكِينِ وَالدُّنُوِّ مِنْهُمْ وَأَمَرَنِى أَنْ أَنْظُرَ إِلَى مَنْ هُوَ دُونِى وَلاَ أَنْظُرَ إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقِى وَأَمَرَنِى أَنْ أَصِلَ الرَّحِمَ وَإِنْ أَدْبَرَتْ وَأَمَرَنِى أَنْ لاَ أَسْأَلَ أَحَداً شَيْئاً وَأَمَرَنِى أَنْ أَقُولَ بِالْحَقِّ وَإِنْ كَانَ مُرًّا وَأَمَرَنِى أَنْ لاَ أَخَافَ فِى اللَّهِ لَوْمَةَ لاَئِمٍ وَأَمَرَنِى أَنْ أُكْثِرَ مِنْ قَوْلِ لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ فَإِنَّهُنَّ مِنْ كَنْزٍ تَحْتَ الْعَرْشِ.
فمن الذي يمنع الداعية عمرو خالد من أن يتفقه بالدين ويتعمق فيه ؟؟!!
فنحن لا نحصر فهمه على طبقة معينة من الناس
ولكن لكل علم أصوله وأبوابه يجب أن تطرق من مظانها وإلا كان ما نخربه أكثر بكثير مما نعمره
وكذلك أخي الحبيب :
فقد رد علماء كثر على الداعية عمرو خالد في منتديات عدة فيجب علينا أن نكون على بصيرة وأن ننظر بكلام هؤلاء العلماء بعين البصر والبصيرة
لا أن يأخنا الحب له أو لغيره فيصرفنا عن رؤية الحق الأبلج
وقد ورد في الأثر الذي أخرجه الترمذي
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أُرَاهُ رَفَعَهُ قَالَ « أَحْبِبْ حَبِيبَكَ هَوْنًا مَا عَسَى أَنْ يَكُونَ بَغِيضَكَ يَوْمًا مَا وَأَبْغِضْ بَغِيضَكَ هَوْنًا مَا عَسَى أَنْ يَكُونَ حَبِيبَكَ يَوْمًا مَا ». قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لاَ نَعْرِفُهُ بِهَذَا الإِسْنَادِ إِلاَّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ. وَقَدْ رُوِىَ هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ أَيُّوبَ بِإِسْنَادٍ غَيْرِ هَذَا رَوَاهُ الْحَسَنُ بْنُ أَبِى جَعْفَرٍ وَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ أَيْضًا بِإِسْنَادٍ لَهُ عَنْ عَلِىٍّ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - وَالصَّحِيحُ عَنْ عَلِىٍّ مَوْقُوفٌ قَوْلُهُ.
إن أكبر مهلكة للإنسان عندما يحمل شيئا فوق طاقته فيضيع نفسه ويضيع غيره
ونحن نريد لهذا المنتدى (( على قلة المنتديات النافعة عندكم في الشام )) أن يكون منارة وضاءة للأجيال
ونورا يهتدي به أهل الشام وغيرهم في ظلمات الليل البهم الأليل
قال تعالى :{الَر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} (1) سورة إبراهيم(52/492)
وإلا أخي الحبيب فلن تستطيعوا الوقوف على أرجلكم أمام منتديات ضخمة جدا وروادها كثر
فلا تقلدوا فلانا أو علانا من الناس لشهرته ، بل فيما نعلم أنه عندكم في الشام طاقات هائلة ولكنها تحتاج إلى توجيه صحيح منطلق من دينها وقيمها
لأن الناس قد ملوا الأطروحات التي تأخذ بهم شمالا ويمينا
وتبعدهم عن النبع الصافي الفياض
- - - - - - - - - - - - - - - -
الفهرس العام(52/493)
كفى عبثاً يا دعاة البرمجة العصبية المزعومة
الدكتور صالح بن علي أبو عرَّاد
أستاذ التربية الإسلامية بكلية المعلمين في أبها
ومدير مركز البحوث التربوية بالكلية
الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ، وبعد :
فقد اطلعت على ما نُشر في الصفحة الأخيرة من مُلحق " الرسالة " بتاريخ 11 / 3 / 1425هـ لفضيلة الشيخ / يوسف القرضاوي الذي وصف ظاهرة " البرمجة اللغوية العصبية " بأنها أحدث أسلوبٍ تغريبي يُمارسه الغرب ضد المسلمين . وهنا أحمد الله تعالى الذي أجرى الحق على لسان فضيلته ؛ حيث إن هذه النوعية من البرامج دائماً ما تتزيا بزي العلم والمعرفة ، وهي في واقع الأمر كذبٌ وخداعٌ وزيفٌ لا فائدة منه ولا نفع فيه لا سيما وأن بعض الكتابات المعنية بهذا الشأن تُشير إلى أن هذه البرامج على اختلاف أنواعها مما يمتزج فيه الشرك بالوثنية من الفلسفات القديمة في الصين والهند ؛ فهي بذلك ذات جذورٍ فلسفيةٍ شرقيةٍ قديمة تعتمد على فكرٍ فلسفيٍ ماديٍ يقوم على كثيرٍ من المغالطات التي تُعظم شأن الإنسان ، وتعمل على تضخيم قدراته العقلية بصورةٍ مُبالغٍ فيها حتى أنها قد تصل إلى إعطاء الإنسان كما يزعم بعض دعاة هذه البرامج قدراتٍ حتميةٍ يمكن له من خلالها تحقيق النجاح في كل شأنه متى ما عرف ما يُسمى بوصفة النجاح التي يُمكنه من خلالها تحقيق كل ما يريد من أهدافٍ ومقاصد مهما كانت عظيمةً أو مستحيلة ، اعتماداً على تلك القُدرات المزعومة التي يأتي من أبرزها عندهم ما يُسمى بالقوة المعجزة والفاعلة للعقل الباطن الذي يجعل منه أصحاب هذه البرامج ركيزةً أساسيةً تصنع المعجزات وتُحقق المستحيل في حياة الإنسان .
وعلى الرغم من انتشار هذه البرامج بطريقةٍ لافتةٍ للنظر حتى ضج بها المجتمع ، وانتشرت فيه انتشار النار في الهشيم لتكون بمثابة الموضةً العصريةً التي تدَّعي وتزعم أنها علمٌ يطور مهارات الإنسان ويزيد من جودة الأداء في مختلف المجالات الحياتية ؛ إلا أن هناك العديد من المآخذ التي يمكن للجميع ملاحظتها على هذه البرامج المزعومة ، والتي يأتي من أبرزها ما يلي :
( 1 ) أن تسمية هذه البرامج بـ " البرمجة اللُغوية العصبية " أو " برمجة الأعصاب لُغوياً " تدل دلالةً واضحةً على الغموض الذي يكتنفها والضبابية التي تحول دون معرفة حقيقتها لاسيما وأن عملية نقل المصطلح من لغةٍ أو ثقافةٍ إلى أُخرى لا بُد وأن يكون متلائماً مع البيئة المنقول إليها لأن اللفظ قد يكون مشحوناً - كما يُشير إلى ذلك بعض الكُتَّاب – بدلالاتٍ غير مناسبة في هذه البيئة ، أو أن يكون غامضاً وغير واضح المعنى ، وهو ما يتوافر ويتحقق بوضوح في هذا المصطلح المشوه .
( 2 ) أن هذه البرامج المزعومة أصبحت عند الكثيرين ممن فُتنوا بها تُمثل الحل الأمثل والمخرج الوحيد لجميع مشكلات الناس على اختلاف مستوياتهم وفئاتهم الاجتماعية ، وأنها بمثابة السبيل الذي لا بديل عنه لتحقيق آمالهم وزيادة نجاحاتهم .
( 3 ) أن هذه البرامج عبارةٌ عن خليطٍ من العلوم المختلفة التي تقوم على التخيل والإيحاء والمنطق وغيرها من العلوم التي لم يُنزل الله بها من سلطان ، ولذلك فهي تُشكِل في مجموعها تلاعباً بالعقل وعبثاً بالمشاعر والأحاسيس عند الإنسان .
( 4 ) أنها تعتبر الإنسان في كثيرٍ من الحالات مجرد آلةٍ صماء يمكن إعادة برمجتها حسب الطلب ، ومن ثم تشغيلها وفقاً لتلك البرمجة ؛ ولذلك فإن كثيراً من المهتمين بها يعدونها برامج لهندسة النفس الإنسانية ، أو هندسة النجاح الإنساني على حد تعبيرهم .
( 5 ) أن هذه البرامج تعتمد في المقام الأول على طرائق التفكير وأنماطه عند الإنسان حيث تعد التفكير بمثابة الموجِّه الوحيد للإنسان ، وعندما يختل التفكير فإن الإنسان كله يختل معه .
وهنا أغتنم هذه الفرصة وعبر منبر ملحق " الرسالة " الإعلامي المبارك لدعوة مختلف الجهات المعنية والمسؤولة في مجتمعاتنا الإسلامية للتنبه الواعي لخطر هذه البرامج التي لا تقل في خطورتها عن غيرها من المظاهر والدعوات التغريبية التي أفرزتها العولمة ، والتي تعمل بهدوء على سلب هوية الأمة ، ومسخ فكرها ، والطعن بطريقةٍ مباشرةٍ أو غير مباشرة في عقيدتها ومبادئها وقيمها ومنطلقاتها الرئيسة .
وفق الله الجميع لصالح القول وجميل العمل ، والله نسأل التوفيق والسداد ، والهداية والرشاد ، والحمد لله رب العباد .
===================(52/494)
مجموعة مقالات في الرد على المرتدة وفاء سلطان
أبوحسام الدين الطرفاوي
مقدمة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ (102)[آل عمران آية: (102)]
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً (1)[النساء آية: (1)]
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً(71)[الأحزاب آية: (70،71)]
أما بعد
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى ، وخير الهدي هدي محمد r وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.
فهذه مجموعة مقالات كنت قد كتبتها ونشرتها على صفحات الإنترنت في بعض المنتديات الحرة والمنتديات الإسلامية في الرد على أحد أذناب الغرب ممن تنصلوا من عروبتهم وموطنهم ، وسلخوا جدلهم ، ولبسوا جلود غيرهم ، وخلعوا ربقة الإسلام من أعناقهم ظنا منهم أنهم بهذا العمل يصفق لهم الناس ، وينالوا الشهرة والمال ، وأن هذا هو التحضر والتمدن ، وأمثال هؤلاء تراهم مصابين بأمراض مزمنة من الصعب التخلص منها .
منها : أمراض الحقد والغل على المسلمين
ومنها : مرض حب الشهرة
ومنها : مرض حب المال والجاه
ومنها : مرض حب المخالفة
ومنها : مرض الجهل المركب (التعالم )
ومنها : مرض الخوف من الغير فيعمل على ما يوافقه ويعتقد أنه يعمل حقا .
وغير ذلك من الأمراض التي تؤدي بالإنسان إلى الهلاك .
وهذا هو المنهج الذي اتخذه العلمانيين العرب الذين هاجروا إلى بلاد الكفر ، ليس لنشر عقيدتهم الإسلامية الصحيحة ، أو الدفاع عن أوطانهم ، أو ابتغاء العلم الذي ينفع بلادهم !! وإنما لغرض في نفوسهم ومرض هم يعيشون فيه .
فالعلمانية في بلاد الإسلام تتخذ عقيدة التقية ، فه يحاولون أن يرهنوا للناس أنهم مسلمون ومتمسكون بإسلامهم ؛ ويحاولون أن يغيروا مفاهيم الإسلام الصحيحة بما يوافق هواهم ، دون اللجوء إلى الطعن المباشر ، إلا إذا سنحت لهم الفرصة فإنهم ينقضون انقضاض الضبع الخائن الذي يحوم حول طعام غيره ، فإذا سنحت له الفرصة لم يدعها طرفة عين .
أما إذا تركوا بلادهم وهاجروا إلى بلاد الكفر التي تحمي كفرهم ! فإنهم ذئاب جوعى لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة .
ولكن كما قال الله تعالى : (يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ) (التوبة:32)
ومثل هؤلاء ذباب لا يضر شيئا ، وإنما يزعج فقط ، ولأجل ذلك الرد عليهم من باب تنظيف الأفنية منهم ، وحتى لا يظن مريض أنهم على حق في ذلك . ولو عاشر من يسمع لهؤلاء أو تقرب منه لرآه على حقيقته البغيضة . وحقارته وانتهازيته وفراغه الداخلي .
فكانت هذه السلسلة التي ابتدئها بهذه المهووسة الصرصارة .
فأسأل الله تبارك وتعالى أن يوفقني إلى ما يحب ويرضى إنه ولي ذلك والقادر عليه .
أبوحسام الدين الطرفاوي
سيف النصر علي عيسى
المنيا ـ سمالوط ـ طرفا
هاتف : 0867741213
بريد الكتروني : saefnaser@yahoo.com
مشرف موقع التصفية السلفي : www.altasfia.com
المقالة الأولى
وفاء سلطان وسرطان الحقد على الإسلام
أبوحسام الدين الطرفاوي
لقد سمعت في برنامج قناة الجزيرة المسمى "بالاتجاه المعاكس " والذي يديره الدكتور فيصل القاسم . وكانت الحلقة عن الإرهاب وعلاقة الإسلام بالإرهاب ، وكانت طرفي الحوار الدكتور محمد بن أحمد الجزائري ، والدكتورة وفاء سلطان السورية الأصل الأمريكية المشرب والعقيدة .
وفي الحقيقة كان كلام الدكتور محمد رصينا ، ويحمل في طياته دماثة الخلق والأدب في الحوار ، لكن كان موقف وفاء سلطان يحمل في طياته الحقد كل الحقد على الإسلام وأهله ، ليس الأمر عندها يتوقف على محاربة الإرهاب ؛ بل محاربة الإسلام ، رغم أنه تكذب وتقول : أنا لا أحارب الإسلام ولكن أحارب الإرهاب ؛ ثم هي تقول : إن الذي صنع صدام حسين هي الخمس سنوات الأولى من حياته التي تربي فيها على الإرهاب وتعاليم الإرهاب .
وهي بذلك تقصد أنه أبوه وأمه أشرباه تعاليم الإسلام ، وهذا بالطبع واقع كل مسلم يولد بين أبوين مسلمين أن يربياه على حب الإسلام وعلى شعائر الإسلام .فإذا كان هذا هو حال صدام حسين فأيضا هذا هو حالها فهما سواء ، فكيف صار صدام حسين إرهابيا ـ على حد قولها ـ وصارت هي قديسة في محراب السلام ـ أيضا على حد فهما ـ أهي صارت حمامة السلام عندما ارتمت في أحضان أمريكا !! وهي تبذل قصارى جهدها حتى ترضي الإدارة الأمريكية ، وليس إلا على حساب الإسلام ـ وصار صدام حسين عدوا إرهابيا عندما عاند الأمريكيان وخرج عن طاعتهم ؟!! ألا يكفيها تصريحات الفيل الأمريكي كولن بول أخيرا أن حربهم على صدام لأجل أسلحة الدمار ارتكز على معلومات خاطئة !!
ولقد وقعت الدكتورة وفاء عن قصد أو جهل في تناقض وهل مركب خطير ، لقد قلبت عندها الحقائق فصار الصحيح خطأ والخطأ صحيح ، وصار الباطل حقا والحق باطل ، ولا عجب في ذلك فقد أخبر نبينا صلى الله عليه وسلم بمثل ذلك فقال يأتي على الناس سنوات خدَّاعات يخون فيها الأمين ويؤتمن فيه الخائن ، ويصدق فيها الكاذب ويكذب الصادق وينطق فيها الرويبضة . قيل وما الرويبضة يا رسول الله ؟
قال : السفيه يتكلم في أمر العامة .(52/494)
فها هي تصدق الكاذب وتخون الأمين وتهرف بما لا تعرف . لقد تكلمت وفاء سلطان عن الفتوحات الإسلامية على أساس أنها مثال للعنف والإرهاب ، ونست أن هذه الفتوحات قد رحب بها المظلومون في شتى البقاع . نست أن هذه الفتوحات لم تقم يوما على الغدر ؛ وإنما قامت على الصدق وإعطاء العدو حقه في الدفاع عن نفسه ، فكان الجيش لا يغير على بلد إلا بعد أن ينذر أهلها ثلاثة أيام ، وكان يعرض عليهم عروضا ، فكان العرض على الوثني إما أن يدخل في هذا الدين طواعية وباختيار فله ما للمسلمين وعليه ما عليهم ، وإما الحرب دفاعا عن عقيدته ودينه بشرف . وأما أهل الكتاب فكان هناك عرض ثالث ، ألا وهو الجزية ويترك يمارس شعائره ، وهذه الجزية هي أقل بقليل من الضرائب التي تفرض على الشعوب اليوم قهرا وظلما ، هي جزية مقابل أن لا يدخل في صفوف الجيش ، مقابل حمايته وحماية أمواله وأهله وأرضه ، فهل الضرائب اليوم فيها نفس المميزات ، والله إن الكثير من المسلمين يتمنون مميزات الجزية عن قهر الضرائب .
وكان قتال المسلمين لأعدائهم لا يكون إلا لمن يرفع السلاح عليهم ممن يقدر على ذلك ، فلا يقتل شيخا كبيرا ولا امرأة ولا طفلا صغيرا ، ولا عابدا ، ولا مسالم .
هذا هو شأن الفتح الإسلامي . فقولي لي : هل فعل الصليبيون في المسلمين في الأندلس مثل ما فعل بهم المسلمين ؟ التاريخ يذكر أنه شتان بين هؤلاء وهؤلاء ، فالمسلمون جعلوها حضارة ، أما هؤلاء فمحاكم التفتيش خير شاهد عليهم .
هل فعل الأسبان والبرتغال بالهنود الحمر مثلما فعل المسلمون بأهل البلاد التي فتحوها . شتان بين ذلك وإليك هذه الحقائق :
((يقول المؤرخ الفرنسي الشهير (( مارسيل باتييون )) أن مؤلف كتابنا ((برتولومي دي لاس كازاس )) أهم شخصية في تاريخ القارة الأمريكية بعد مكتشفها (( كر يستوف كولومبوس )) وأنه ربما كان الشخصية التاريخية التي تستأهل الاهتمام في عصر اجتياح المسيحيين الأسبان لهذه البلاد. ولولا هذا المطران الكاهن الثائر على مسيحية عصره وما ارتكبه من فظائع ومذابح في القارة الأمريكية لضاع جزء كبير من تاريخ البشرية. فإذا كان كولومبوس قد اكتشف لنا القارة , فان برتولومي هو الشاهد الوحيد الباقي على أنه كانت في هذه القارة عشرات الملايين من البشر الذين أفناهم الغزاة بوحشية لا يستطيع أن يقف أمامها لا مستنكرا لها , شاكا في إنسانية البشر الذين ارتكبوها ))
ولد (( برتولومي دي لاس كازاس )) عام 1474 م في قشتالة الأسبانية , من أسرة اشتهرت بالتجارة البحرية. وكان والده قد رافق كولومبوس في رحلته الثانية إلى العالم الجديد عام 1493 م أي في السنة التالية لسقوط غر ناطة وسقوط الأقنعة عن وجوه الملوك الأسبان والكنيسة الغربية. كذلك فقد عاد أبوه مع كولومبوس بصحبة عبد هندي فتعرف برتولومي على هذا العبد القادم من بلاد الهند الجديدة. بذلك بدأت قصته مع بلاد الهند وأهلها وهو ما يزال صبيا في قشتاله يشاهد ما يرتكبه الأسبان من فضائع بالمسلمين وما يريقونه من دمهم وإنسانيتهم في العالم الجديد. لقد جرى الدميان بالخبر اليقين أمام عيني هذا الراهب الثائر على أخلاق أمته ورجال كنيستها , وبعثات تبشيرها : دم المسلمين ودم الهنود , سكان القارة الأمريكية.
كانوا يسمون المجازر عقابا وتأديبا لبسط الهيبة وترويع الناس, كانت سياسة الاجتياح المسيحي : أول ما يفعلونه عندما يدخلون قرية أو مدينة هو ارتكاب مجزرة مخيفة فيها.. مجزرة ترتجف منها أوصال هذه النعاج المرهفة)).
وانه كثيرا ما كان يصف لك القاتل والمبشر في مشهد واحد فلا تعرف من تحزن : أمن مشهد القاتل وهو يذبح ضحيته أو يحرقها أو يطعمها للكلاب , أم من مشهد المبشر الذي تراه خائفا من أن تلفظ الضحية أنفاسها قبل أن يتكرم عليها بالعماد , فيركض إليها لاهثا يجرجر أذيال جبته وغلاظته وثقل دمه لينصرها بعد أن نضج جسدها بالنار أو اغتسلت بدمها , أو التهمت الكلاب نصف أحشائها.
إن العقل الجسور والخيال الجموح ليعجزان عن الفهم والإحاطة , فإبادة عشرات الملايين من البشر في فترة لا تتجاوز الخمسين سنة هول لم تأت به كوارث الطبيعة. ثم إن كوارث الطبيعة تقتل بطريقة واحدة . أما المسيحيون الأسبان فكانوا يتفننون ويبتدعون ويتسلون بعذاب البشر وقتلهم . كانوا يجرون الرضيع من بين يدي أمه ويلوحون به في الهواء, ثم يخبطون رأسه بالصخر أو بجذوع الشجر , أو يقذفون به إلى أبعد ما يستطيعون. وإذا جاعت كلابهم قطعوا لها أطراف أول طفل هندي يلقونه , ورموه إلى أشداقها ثم أتبعوها بباقي الجسد. وكانوا يقتلون الطفل ويشوونه من أجل أن يأكلوا لحم كفيه وقدميه قائلين : أنها أشهى لحم الإنسان.
رأى لاس كازاس كل ذلك بعينيه , وأرسل الرسائل المتعددة إلى ملك أسبانيا يستعطفه ويسترحمه ويطالبه بوقف عذاب هؤلاء البشر. وكانت آذان الملك الأسباني لا تسمع إلا رنين الذهب. ولماذا يشفق الملك على بشر تفصله عنهم آلاف الأميال من بحر الظلمات ما دامت جرائم عسكره ورهبانه في داخل أسبانيا لا تقل فظاعة عن جرائم عسكره ورهبانه في العالم الجديد؟ كان الأسبان باسم الدين المسيحي الذي يبرأ منه المسيح عليه السلام , يسفكون دم الأندلسيين المسلمين الذين ألقوا سلاحهم وتجردوا من وسائل الدفاع عن حياتهم وحرماتهم . وكان تنكيلهم بهم لا يقل وحشية عن تنكيلهم بهنود العالم الجديد. لقد ظلوا يسومون المسلمين أنواع العذاب والتنكيل والقهر والفتك طوال مائة سنة فلم يبق من الملايين الثلاثة والثلاثين (حسبما ذكر الكتاب) مسلم واحد , كما ساموا الهنود تعذيبا وفتكا واستأصلوهم من الوجود. كانت محاكم التفتيش التي تطارد المسلمين وتفتك بهم , ورجال التبشير الذين يطاردون الهنود ويفتكون بهم من طينة واحدة
إن أحدا لا يعلم كم عدد الهنود الذين أبادهم الأسبان المسيحيين , ثمة من يقول انه مائتا مليون, ومنهم من يقول انهم أكثر . أما لاس كازاس فيعتقد أنهم مليار من البشر , ومهما كان الرقم فقد كانت تنبض بحياتهم قارة أكبر من أوروبا بسبعة عشر مرة , وها قد صاروا الآن أثرا بعد عين.
أما المسيحيون فعاقبوهم بمذابح لم تعرف في تاريخ الشعوب. كانوا يدخلون على القرى فلا يتركون طفلا أو حاملا أو امرأة تلد إلا ويبقرون بطونهم ويقطعون أوصالهم كما يقطعون الخراف في الحظيرة. وكانوا يراهنون على من يشق رجلا بطعنة سكين , أو يقطع رأسه أو يدلق أحشاءه بضربة سيف.
كانوا ينتزعون الرضع من أمهاتهم ويمسكونهم من أقدامهم ويرطمون رؤوسهم بالصخور . أو يلقون بهم في الأنهار ضاحكين ساخرين. وحين يسقط في الماء يقولون: ((عجبا انه يختلج)). كانوا يسفدون الطفل وأمه بالسيف وينصبون مشانق طويلة , ينظمونها مجموعة مجموعة , كل مجموعة ثلاث عشر مشنوقا , ثم يشعلون النار ويحرقونهم أحياء . وهناك من كان يربط الأجساد بالقش اليابس ويشعل فيها النار.
كانت فنون التعذيب لديهم أنواعا منوعة. بعضهم كان يلتقط الأحياء فيقطع أيديهم قطعا ناقصا لتبدو كأنها معلقة بأجسادهم, ثم يقول لهم : (( هيا احملوا الرسائل)) أي : هيا أذيعوا الخبر بين أولئك الذين هربوا إلى الغابات. أما أسياد الهنود ونبلاؤهم فكانوا يقتلون بأن تصنع لهم مشواة من القضبان يضعون فوقها المذراة, ثم يربط هؤلاء المساكين بها, وتوقد تحتهم نار هادئة من أجل أن يحتضروا ببطء وسط العذاب والألم والأنين.
ولقد شاهدت مرة أربعة من هؤلاء الأسياد فوق المشواة. وبما انهم يصرخون صراخا شديدا أزعج مفوض الشرطة الأسبانية الذي كان نائما ( أعرف اسمه , بل أعرف أسرته في قشتاله) فقد وضعوا في حلوقهم قطعا من الخشب أخرستهم , ثم أضرموا النار الهادئة تحتهم.
رأيت ذلك بنفسي , ورأيت فظائع ارتكبها المسيحيون أبشع منها. أما الذين هربوا إلى الغابات وذرى الجبال بعيدا عن هذه الوحوش الضارية فقد روض لهم المسيحيون كلابا سلوقية شرسة لحقت بهم, وكانت كلما رأت واحدا منهم انقضت عليه ومزقته وافترسته كما تفترس الخنزير. وحين كان الهنود يقتلون مسيحيا دفاعا عن أنفسهم كان المسيحيون يبيدون مائة منهم لأنهم يعتقدون أن حياة المسيحي بحياة مائة هندي أحمر.
هذا غيض من فيض ، وهل الفظائع التي ارتكبها الصرب في حق المسلمين في البوسنة لا تعد جرائم حرب وليس إرهابا فحسب ، وهل الذي فعله استالين النصراني بالمسلمين في دول الكمنولث من تشريد وقتل وإبادة وتهجير يعد سلاما ؟
وهل الذي فعل الأمريكان باليابانيين العزل في هيروشيما ونجزاكي لا يعد جريمة عظمى وقد كانوا قهروا أمام الجيش ؟
وهل الذي فعله الأمريكان في فيتنام لا يعد إرهابا أو جريمة ؟
وهل الذي فعله الأمريكان بالأفغان فلم يفرقوا بين طفل وامرأة وشيخا كبيرا لا يعد جريمة ، مع العلم أنهم لم يستطيعوا مواجهة الأسود الكاسرة .
هل ما فعله الأمريكان في العراق لا يعد من أكبر الجرائم ؟ وهذا لا يخفى على أحد وقد اعترفوا أنهم كانوا مخطئين في ذلك ، ومع هذا يصروا . وفضيحة سجن أبو غريب وغيرها من الفضائح ، أهذا كله لا يكفي أم أن قلبك قد طمس عليه فأصبحت لا تري إلا من يطعمك خبزا .
لماذا تحملين الإسلام وتاريخ الإسلام أخطاء أفراد قد انحرفوا عن تعاليم الإسلام كما انحرفت أنت وأمثالك ، فهم ظالمون لشعوبهم ، فتخرج الشعوب ظالمة لدينها أمثالك أنت . إن الحكومات العربية والإسلامية اليوم هي مثلك تربت على موائد الغرب وأفكار الغرب ، فأصبحوا يتملقوا الغرب كما تتملقينه أنت ، ويقبلون الأقدام كما تقبلينها أنت نظير أن يبقوا في كراسيهم ، ومن أجل أن تبقي أنت وأمثالك في ترف وبذخ على حساب الكرامة والخلق والدين .
إن التاريخ النصراني تاريخ أسود مملوء بالدماء والظلم ، ولو كانوا أهل علم لما عاشوا في ظلام في حين أن الدولة الإسلامية تعيش في حضارة وازدهار .
إن وصفك للدكتور أحمد أنه وحش كاسر ، وصف حق يراد به باطل ، فهو إنسان مع من بقي على إنسانيته حتى ولو خالفه في دينه ، ووحش كاسر ـ ليث قاهر على من فقد إنسانيته لأجل فتات من الخبز العفن ، الذي لا يسمن ولا يغني من جوع .
لقد وقعت في التناقض حتى في مقالك ، في حين أنك تعتذري عن كلمتك في اللقاء "اخرس" وربما نلتمس لك عذرا لكن في مقالك كلمات : همجي ، وحش ، أحمق ، ونباح ، وزعيق ، جنونه ،أهذه هي الدمنة ؟!! سبحانك ربي على الانتكاسة العمياء
نحن نقول لك أيتها الدكتورة : عودي إلى حظيرة الإسلام فإن الله سبحانه وتعالى واسع المغفرة ، وهو يقبل توبة التائبين كما قال تعالى : (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) (الزمر:53)
وأخيرا : إن دين الله سيسود الأرض رضي الناس أم أبوا ، فعلينا أن نكون مع الحق ، ولا نكون مع الباطل . والله الموفق .
وكتبه : أبوحسام الدين الطرفاوي
saefnaser@yahoo.com
وفاء سلطان جاهلة
أبوحسام الدين الطرفاوي
إن الجهل داء خطير إذا استحكم في الإنسان ، وخاصة لو صار هذا الجهل مركبا ، وهو المفهوم من قلب الحقائق ، وكما قيل في أنواع الناس : رجل يدري ويدري أنه يدري فهذا عالم فاسألوه
ـ ورجل يدري ولا يدري أنه يدري فهذا غافل فنبهوه
ـ ورجل لا يدري ويدري أه لا يدري فهذا جاهل فعلموه
ـ ورجل لا يدري ولا يدري أنه لا يدري فهذا أحمق فتركوه .
وفاء سلطان من القسم الأخير . ولذلك هي تكرر دائما اسمها في مقالاتها ، والعالم لا يقول عن نفسه أنه عالم ، وإنما يقول عنه الناس ذلك ؛ لكنها تحاول أن تفرض نفسها في أكثر من مقولة :
(أنا خبيرة بالتعاليم الإسلامية)
وتقول : (وقد استجاب الله لدعواه وأرسل له وفاء سلطان لكي تريه الحق حقا والباطل باطلا بإلقائها الضوء على بعض تلك الأمور التي قد تهمّ هؤلاء الشيوخ.) ـ وهذا طرف من مقال كتبته عن علماء السعودية ـ
وغير ذلك من الألفاظ التي تعظم نفسها وترفع من شأن نفسها كما الحشرة التي لا يراها الناس فتحدث صوتا مزعجا لتقول أنا هنا !
في أحداث لندن كتبت مقالا تهاجم فيه الإسلام والمسلمين فقالت :
(براين روداك قائد شرطة لندن ردّ على الحدث بتصريحه:
"لا يمكن ربط الانفجارات بالمسلمين، إنّ الإسلام والإرهاب كلمتان لا تلتقيان لأن مبادئ الدين الإسلامي ضدّ الإرهاب وقتل الأبرياء. من يؤمن بالإسلام لا يؤمن بالإرهاب . نحن نعتبر هذه الانفجارات إرهابية وليست إسلامية ".
لا أستطيع أن أتصور السيّد روداك كقائد شرطة أشهر مدينة في العالم بنظامها البوليسي من حيث الدقّة وحسن التأهيل، لا أستطيع أن أتصوره معتوها إلى الحدّ الذي يعقل أن يعني عنده ما صرّح به!)
سبحان الله العظيم حتى إنصاف الناس للإسلام تعتبره عته !
لهذا الحد وصلت درجة الحقد والغل على الإسلام ؟
ثم تقول :
( لا نعتقد أن السيّد روداك جاهلا إلى الحدّ الذي يمكن أن ننعته بالأميّة عندما نحاول أن نقيّم مدى إلمامه واطلاعه على مصادر الفكر الإسلامي والقرآن.
ولا نعتقد أنه غبيّا إلى الحدّ الذي لا يفهم عنده ما تتضمنه الآية القرآنية التي تقول:
"فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب.." (محمد 47 : 4) أو الأخرى التي تقول : "قاتلوهُمْ يعذِّبْهُمُ الله بأَيديكُم وَيُخْزِهِمْ ويَنصُرْكُمْ عليهِمْ ويَشْفِ صدورَ قومٍ مؤْمنين" التوبة 9 : 14) أو تلك التي تقول : "فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم وأحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد.."(التوبة 9 : 5) )
ونقول : هذا هو الجهل بعينه ؛ لأنها لو كانت تعلم حقا ، أو خبيرة بالتعاليم الإسلامية لعلمت أن هذه الآيات تشريعية لها ضوابط ولها وضع تطبق فيه :
فالقتال شرع في الإسلام على ثلاث مراحل :
المرحلة الأولى : وهي مرحلة الصفح والعفو عندما يكون المسلم مغلوبا على أمره ، فعليه أن يتحمل أذى الأعداء ، وهذا التشريع في منتهى الحكمة ، حتى لا تهلك الأنفس هباء منثورا دون فائدة ، ولا تصل دعوة الإسلام إلى أكبر عدد من الناس ، وهذه هي الغاية من الجهاد .(52/495)
قال تعالى : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلاً) (النساء:77)
المرحلة الثانية وهي مرحلة الدفاع عن النفس ضد من يغير عليهم من أهل الكفر : وهذا هو الحق الطبيعي لكل إنسان ، ولا يختلف على ذلك من البشر اثنان ولا ينتطح فيه عنزان ، ولا يختلف عليه حتى الحيوانات . فكل يملك وسيلة للدفاع عن نفسه خلقها الله فيه .
قال تعالى : (وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) (البقرة:190)
وقال تعالى : ( وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ)(التوبة: من الآية36)
وقال تعالى : ( فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ)(البقرة: من الآية194)
وقال تعالى : ( وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)(المائدة: من الآية2)
فهذا هو جهاد الدفع وهو مشروط بعدم الاعتداء ، فهل تجدين دستورا في الدنيا فيه مثل هذه الحكمة حتى في القتال ، وإن الإنسان مسؤول
عن تصرفاته ، ولا يعلق تصرفاته الخاطئة بالشرع إن وقع منه اعتداء .
المرحلة الثالثة : وهي جهاد الطلب :
وهذه المرحلة لها هدفان :
الهدف الأول : تأمين الحدود الإسلامية من طغيان الطاغيين
والهدف الثاني : نشر دين الله في الأرض ، وإخراج الناس من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده دون إكراه في الدين قال تعالى : (لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (البقرة:256)
وتخليص الناس من ظلم الطاغين من البشر الذي يسمونهم سوء العذاب .
ومن أجل ذلك قبل كل الناس دعوة الإسلام ودخلوا فيه طواعية ، وقاتلوا في صفه ونشروه في الآفاق .
ولذلك لم يكن في التاريخ وقعة واحدة حدث فيها تذمر على المسلمين ولا الإسلام ، ومن يقول غير ذلك فعليه بالدليل .
ـ أما عما يدور بعقلها الفاسد في الآيات الأخرى فهي تبع لهذه المراحل الثلاثة .
أما في كيفية القتال فهناك شروط :
الشرط الأول : دعوة أهل الكتاب من اليهود والنصارى ( وادخل العلماء المجوس في حكمهم ) إلى ثلاث خصال : إما الإسلام وحينئذ لهم ما للمسلمين وعليهم ما عليهم .
والثانية : دفع الجزية نظير ترك على دينه وحماية أهله وماله وعرضه .
والثالثة : إذا لم يقبل بواحدة من الاثنتين فالحرب ، وفي الحرب ينذر ثلاث أيام حتى يستعد
الشرط الثاني : أن لا يأتي الناس على حين غرة ؛ فالغدر محرم بالإسلام حتى ولو كان كافرا .
الشرط الثالث : يحرم على المسلمين قتل طفل أو امرأة أو شيخا عجوز أو عابد أو من لا يحمل سلاحا .
الشرط الرابع : يحرم على المسلمين أن يقطعوا شجرة ولا يفسدوا زرعا ، ولا يقتلوا حيوانا إلا إذا كان يعوقهم دون الوصول إلى أعدائهم .
قال تعالى : (قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ) (التوبة:29)
روى مسلم في صحيحه (1731) عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَمَّرَ أَمِيرًا عَلَى جَيْشٍ أَوْ سَرِيَّةٍ أَوْصَاهُ فِي خَاصَّتِهِ بِتَقْوَى اللَّهِ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ خَيْرًا ثُمَّ قَالَ : اغْزُوا بِاسْمِ اللَّهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ اغْزُوا وَلا تَغُلُّوا وَلا تَغْدِرُوا وَلا تَمْثُلُوا وَلا تَقْتُلُوا وَلِيدًا وَإِذَا لَقِيتَ عَدُوَّكَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ فَادْعُهُمْ إِلَى ثَلاثِ خِصَالٍ أَوْ خِلالٍ فَأَيَّتُهُنَّ مَا أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى الإِسْلامِ فَإِنْ أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى التَّحَوُّلِ مِنْ دَارِهِمْ إِلَى دَارِ الْمُهَاجِرِينَ وَأَخْبِرْهُمْ أَنَّهُمْ إِنْ فَعَلُوا ذَلِكَ فَلَهُمْ مَا لِلْمُهَاجِرِينَ وَعَلَيْهِمْ مَا عَلَى الْمُهَاجِرِينَ فَإِنْ أَبَوْا أَنْ يَتَحَوَّلُوا مِنْهَا فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّهُمْ يَكُونُونَ كَأَعْرَابِ الْمُسْلِمِينَ يَجْرِي عَلَيْهِمْ حُكْمُ اللَّهِ الَّذِي يَجْرِي عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَلا يَكُونُ لَهُمْ فِي الْغَنِيمَةِ وَالْفَيْءِ شَيْءٌ إِلا أَنْ يُجَاهِدُوا مَعَ الْمُسْلِمِينَ فَإِنْ هُمْ أَبَوْا فَسَلْهُمْ الْجِزْيَةَ فَإِنْ هُمْ أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ فَإِنْ هُمْ أَبَوْا فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَقَاتِلْهُمْ وَإِذَا حَاصَرْتَ أَهْلَ حِصْنٍ فَأَرَادُوكَ أَنْ تَجْعَلَ لَهُمْ ذِمَّةَ اللَّهِ وَذِمَّةَ نَبِيِّهِ فَلا تَجْعَلْ لَهُمْ ذِمَّةَ اللَّهِ وَلا ذِمَّةَ نَبِيِّهِ وَلَكِنْ اجْعَلْ لَهُمْ ذِمَّتَكَ وَذِمَّةَ أَصْحَابِكَ فَإِنَّكُمْ أَنْ تُخْفِرُوا ذِمَمَكُمْ وَذِمَمَ أَصْحَابِكُمْ أَهْوَنُ مِنْ أَنْ تُخْفِرُوا ذِمَّةَ اللَّهِ وَذِمَّةَ رَسُولِهِ ، وَإِذَا حَاصَرْتَ أَهْلَ حِصْنٍ فَأَرَادُوكَ أَنْ تُنْزِلَهُمْ عَلَى حُكْمِ اللَّهِ فَلا تُنْزِلْهُمْ عَلَى حُكْمِ اللَّهِ ؛ وَلَكِنْ أَنْزِلْهُمْ عَلَى حُكْمِكَ فَإِنَّكَ لا تَدْرِي أَتُصِيبُ حُكْمَ اللَّهِ فِيهِمْ أَمْ لا .
وروى البخاري (3014) عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ امْرَأَةً وُجِدَتْ فِي بَعْضِ مَغَازِي النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَقْتُولَةً فَأَنْكَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَتْلَ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ .
ـ أما قوله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ) (التوبة:123)
فهي تضاف على حسب المراحل الثلاثة ، ولها أحكامها .
وبعد ذلك أن تعاليم الإسلام لا تقتصر على هذه الآيات ، فالقتال جزء من الجهاد ، والجهاد مراتب :
جهاد النفس وله أربعة مراتب :
جهادها في تعلم العلم ، ثم جهادها في العمل بهذا العلم ، ثم جهادها في الدعوة إلى هذا العلم ، ثم جهادها في الصبر على كل ذلك وأذى الناس .
والمرتبة الثانية : جهاد الشيطان سواء في الاعتداء على الغير أو في الانغماس في الذنوب والمعاصي ، أو في الكفر بالله . وسد كل الطرق التي تخدم أغراضه.
والمرتبة الثالثة : جهاد المنافقين والعصاة والمنحرفين من هذه الأمة وهذا خاص بكل صاحب سلطة في مكانه ، فمدير المدرسة يقوم بمقاومة الانحراف من الطلاب ، ومن التقاعس عن العمل من العمال والمدرسين ، ومدير المصنع يفعل ذلك ، ومدير أي مصلحة حكومية عليه أن يمنع ما هو مخل بالنظام العام والرشاوي والفساد ، وكذلك الوزير والغفير وكل في مكانه ، وكذلك المرأة في بيتها والرجل في بيته ، وهكذا . وأظن أن الشرطة وقوات الأمن في كل البلاد لأجل ذلك ، والقوانين وضعت لأجل منع الفساد .
وكذلك جهاد المنافقين الذين ينتهكون حرمات الدين باللسان والقلم والقلب هو من سلطات كل مسلم .
والمرتبة الرابعة : وهي جهاد الكفار وهو بحسب ما ذكرنا من المراتب ، وكل الحكومات له جيش يدافع عنها ضد أي غزو خارجي .
فلإسلام لم يكن نشاذا عن الطبيعة العامة ؛ ولكنه هذب كل ذلك بحيث لا يقع ظلم على أحد . أما كون البعض أو الأكثر يتركون ما هو حق من الشرع ويتبعون هواهم سواء كان في ظلم آخرين أو غير ذلك فلا يجعل ذلك ذريعة في الطعن في الإسلام .
كل هذه الأحكام أنا متأكد لو أن وفاء سلطان تعلمها جيدا لما تفوهت بكلمة واحدة ضده . لكن قاتل الله الجهل فإنه يقتل صاحبه .
ـ كلام أهل الغرب في الإسلام
ومما يثبت جهل هذه الفاجرة أنها خالفت كل المنصفين من الأوربين والأمريكان للإسلام وهو علماء في شتى المجالات ، وكثير منهم قد دخل في هذا الدين عن طواعية منه دون إجبار من أحد .
وإليك جملة من أقوال هؤلاء :
1 ـ يقول برناردشو الفيلسوف المعروف :
إن الرجل العالم يميل بطبعه إلى الإسلام ، لأنه الدين الوحيد الذي ينظر إلى أمور الدنيا والآخرة سواء .
وقال أيضا :
إني اعتقد أن رجلا كمحمد لو تسلم زمام الحكم المطلق في العالم أجمع لتم له النجاح في حكمه ، ولقاده إلى الخير ، ولحل مشاكله على وجه يكفل للعالم السلام والسعادة المنشودة .(52/495)
2 ـ وقال المؤرخ الكبير "جوستاف لوبون " عن القرآن :
حسب هذا الكتاب جلالة ومجدا أن الأربعة عشر قرنا التي مرت عليه لم تستطع أن تجفف ولو بعض الشئ من أسلوبه الذي لا يزال غضا . كأن عهده وعهد رسالته بالوجود أمس .
وقال : إن العرب هم سبب انتشار المدنية في بلاد أوربا .
3 ـ قال الشاعر لامارتين :
إن محمدا أقل من إله واعظم من إنسان عادي ، أي إنه نبي .
4 ـ ويقول الشاعر الألماني جيته :
إذا كان هذا هو الإسلام فنحن جميعا ندين بالإسلام
5 ـ يقول المستشرق جيبون :
إن الشريعة المحمدية تشمل الناس جميعا في أحكامها ، من أعظم ملك إلى أقل صعلوك . فهي شريعة حيكت بأحكم منوال لا يوجد مثله قط في العالم .
6 ـ وقال لوتروب الأمريكي :
إن دين الإسلام دين العدل والمساواة .
7 ـ وقال نابليون بونابرت :
الإسلام شعب حديث السيرة بالمدنية
8 ـ وقال المؤرخ ديكنز :
إن الإسلام ساد لأنه خير نظام اجتماعي وسياسي استطاعت الأيام تقديمه .
9 ـ يقول مرسيل بوازار الفرنسي :
إن الإسلام يخاطب الرجال والنساء على السواء ويعاملهم بطريقة (شبه متساوية) وتهدف الشريعة الإسلامية بشكل عام إلى غاية متميزة هي الحماية ، ويقدم التشريع للمرأة تعريفات دقيقة عما لها من حقوق ويبدي اهتماما شديدا بضمانها . فالقرآن والسنة يحضان على معاملة المرأة بعدل ورفق وعطف , وقد أدخلا مفهوما اشد خلقية عن الزواج , وسعيا أخيرا إلى رفع وضع المؤمنة بمنحها عددا من الطموحات القانونية . أمام القانون و الملكية الخاصة الشخصية , والإرث .
10 ـ ويقول لويس سيديو الفرنسي
إن القرآن, وهو دستور المسلمين , رفع شأن المرأة بدلا من خفضه..فجعل حصة البنت في الميراث تعدل نصف حصة أخيها مع أن البنات كن لا يرثن في زمن الجاهلية .."وهو" و إن جعل الرجال قوامين على النساء بين أن للمرأة حق رعاية والحماية على زوجها. وأراد ألا تكون الأيامى جزءا من ميراث رب الأسرة فأوجب أن يأخذن ما يحتجن إليه مدة سنة وان يقيض مهورهن وان ينلن نصيبا من أموال المتوفى .
11 ـ وقال مارش الأمريكي :
لقد لاحظت أن المشكلات (العائلية التي يعانى منها الغرب ) لا وجود لها بين الأسرة المسلمة التي تنعم بالسلام والهناء وكذلك الحب فلا الزوج ولا زوجته في ظل الإسلام يعرفان شيئا عن موعد العشاق ومودة الصديقات السائدين هذه الأيام في الأقطار غير الإسلامية . لقد أحببت هذا الجانب من الحياة الإسلامية حبا كثيرا , لأنه يمنح الزوج والزوجة والأبناء ما لا بد لهم عنه من حب وإخلاص وسلام يعمر حياتهم . وليس ذلك فحسب بل بفضل هذا الإخلاص في العلاقات الزوجية بين المسلمين , هم واثقون أن أبناءهم حقا من صلبهم غير دخلاء عليهم . وهذا مفقود في المجتمعات الأخرى .
هذا غيض من فيض ولو تتبعنا كلام النصفين من الغرب عن الإسلام لجاء في مجلدات .
ووفاء سلطان بالطبع تجهل كل هذا ، وهم بحسب قولها في البريطاني أنهم معتوهون ! فأين العقول ؟
التعاليم النصرانية التي تحض على القتل وتجهلها هذه الفاجرة :
1 ـ في إنجيل متي :
34لاَ تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لأُرْسِيَ سَلاماً عَلَى الأَرْضِ. مَا جِئْتُ لأُرْسِيَ سَلاَماً، بَلْ سَيْفاً. 35فَإِنِّي جِئْتُ لأَجْعَلَ الإِنْسَانَ عَلَى خِلاَفٍ مَعَ أَبِيهِ، وَالْبِنْتَ مَعَ أُمِّهَا، وَالْكَنَّةَ مَعَ حَمَاتِهَا. 36وَهَكَذَا يَصِيرُ أَعْدَاءَ الإِنْسَانِ أَهْلُ بَيْتِهِ.
فأين المحبة والسلام التي يدعو إليها أصحاب هذا الدين ، فإن هم فعلوا ذلك فقد خالفوا تعاليم المسيح .
2 ـ في سفر حزقيال :
5 و قال لاولئك في سمعي اعبروا في المدينة وراءه و اضربوا لا تشفق اعينكم و لا تعفوا
الشيخ و الشاب و العذراء و الطفل و النساء اقتلوا للهلاك و لا تقربوا من انسان عليه السمة و ابتدئوا من مقدسي فابتداوا بالرجال الشيوخ الذين امام البيت 7 و قال لهم نجسوا البيت و املاوا الدور قتلى اخرجوا فخرجوا و قتلوا في المدينة
3 ـ وفي سفر العدد
فالان اقتلوا كل ذكر من الأطفال و كل امرأة عرفت رجلا بمضاجعة ذكر اقتلوها (عد 31 : 17)
4 ـ وفي سفر صمويل :
فالان اذهب و اضرب عماليق و حرموا كل ما له و لا تعف عنهم بل اقتل رجلا و امراة طفلا و رضيعا بقرا و غنما جملا و حمارا (1صم 15 ـ توجد لفظة أقتل واقتلهم بيصغة الأمر في الكتاب المقدس عندهم أكثر من خمسة وعشرين مرة ،
16 ـ توجد كلمة قاتل في الكتاب المقدس مائة وخمس عشرة مرة كلمة قاتلوا ومشتقاتها
17 ـ وفي سفر عاموس
رايت السيد قائما على المذبح فقال اضرب تاج العمود حتى ترجف الاعتاب و كسرها على رؤوس جميعهم فاقتل اخرهم بالسيف لا يهرب منهم هارب و لا يفلت منهم ناج (عا 9 : 1)
وتعترف وفاء سلطان بجهلها وهي تدافع عن اليهود والنصارى ، وتاريخهم أسود بينهم وكلها تحمل طابع الدين .
فكيف تحكم على شئ تجهله ؟! فأين العقول ؟
وللحديث بقية
أبو حسام الدين الطرفاوي
----------------(52/495)
وفاء سلطان مريضة نفسيا
أبو حسام الدين الطرفاوي
ونواصل سلسلة طحن مفتريات المرتدة وفاء سلطان ، السورية الجنسية الأمريكية الصنع ، فنثبت لكل القراء أنها مريضة نفسيا وتحتاج إلى علاج روحي ، لذلك هي تعيش نوعا من الهلوسة ، فلا تدري ما تقول ، ولا تستطيع أن تفرق بين الحبيب وبين العدو إلا من خلال لقمة العيش ، تماما كالكلب الغير وفي الذي يترك صاحبه لأجل أنه وجد عند آخر طعاما أفضل ، فهي تعيش لجسدها وشهواتها وملذاتها وليس لعقلها وذكاء روحها ، ضحك الرجل الغريب على الكلب ببضع لقيمات زيادة ليستخدمه فيما بعد في نهش صاحبه القديم وعضه .
نست هذه الدكتورة أنها أتمت تعليمها في سوريا مجانا ، وعاشت أكثر حياتها في كنف هذا البلد وتربت على ترابه ، ومن أجل زيادة في الطعام والحرية ، ونست أن المحن هي التي تصنع الإنسان القوي الذي يتغلب على الصعاب ، وليس الهروب هو الحل ، إذا كان النظام في سوريا نظاما طاغيا استبداديا ـ على حد قولها ـ وقد ظلمها في بعض الحقوق فهل تنسى أنها تربت على تراب هذا الوطن وأكلت من خيراته ؟ ! أتجحده لأجل موقف أو موقفان أو مواقف فعل بها ، وإليك أخي القارئ القصة التي روتها وتحتج بها على ظلم عشرة ملايين نسمة فقالت :
الأمريكيّ لا يعرف "عيد الضبعة" أمّا أنا فأعرفه جيدا!
ولذلك لا يعرف الأمريكي قيمة الحياة بعيدا عن هذه الضبعة. وفاء سلطان تعرفها!
من هو عيد الضبعة؟
إنه اسم حقيقي لوحش بشريّ حقيقي!
كان في أوائل الثمانينيات رئيسا للديوان في وزارة الصحّة في مدينة دمشق.
نعم اسمه عيد الضبعة! وكان في حقيقة الأمر ضبعة من العيار الثقيل!
كنت زمنها طبيبة أشتغل بعقد عمل مع مديريّة الصحة في مدينة اللاذقية . وكان علينا نحن الأطباء العاملين بعقود أن نسافر مع انتهاء كل عام إلى دمشق كي نقوم بتجديد العقد في الوزارة. وكان السفر يكلّفني ـ على الأقلّ ـ راتب شهر.
فأجور الطريق، ناهيك عن المبيت يوم أو يومين في العاصمة وثمن طوابع العقد تلتهم راتبا بكامله.
تركت طفليّ يوما بحضانة أمي وسافرت مع زوجي إلى العاصمة كيّ نجدد العقد قبل نهاية العام وإلاّ سيتوقف الراتب.
ورغم ضآلة هذا الراتب، كأعلى راتب شريف في المجتمع، كان يسدّ بعض الرمق ويحمي من الموت جوعا.
وصلنا العاصمة ومكثنا هناك ثلاثة أيام ننتظر حضرة الوزير كي يعود من إحدى سفراته إلى الخارج. في اليوم الثالث وفي نهاية الدوام تكرّم حضرته بالتوقيع على العقد فركضت به كالمجنونة إلى الديوان كي أسجله قبل أن ينتهي الدوام، لأفاجئ برئيسه يقول: تحتاجين إلى طوابع بقيمة ثلاثمائة ليرة سورية!ـ ومن أين باستطاعتي شراء تلك الطوابع؟
ـ من كشك الطوابع في مبني الوزارة ولكنّه مغلق الآن وعليك أن تعودي غدا!
ـ دخيلك طفلتي لم تبلغ بعد شهرها الثالث ومضى على غيابي عنها ثلاثة أيام. أنا في أشدّ القلق!
رقّ قلب الضبعة على هذه الأمّ المضّطربة فردّ: اسمعي! شفقة عليك، ليس إلاّ، سأسمح لك أن توقعي العقد بعد أن تدفعي قيمة الطوابع وسأشتريهم لك غدا وألصقهم بنفسي!
كدّت من شدة فرحتي وامتناني أن أقبّل يده.
عدت أدراجي إلى أولادي وأنا أدعو إلى الله بأن يوفق كلّ الوحوش إكراما لتلك الضبعة التي أكرمتني .
لم تنته المأساة بعد عودتي بل ، على العكس، كانت في بدايتها!
انتهى الشهر الأول من العام ولم يصل راتبي الهزيل من العاصمة!
لا أحد في مديريّة صحّة اللاذقيّة يعرف السبب، لكنّ المحاسب واساني ناصحا بضرورة الانتظار شهرا آخر فرواتب الأطباء المتعاقدين تتأخر أحيانا.
مضى الشهر الثاني ثم الثالث ثم الرابع وأنا على أحرّ من الجمر!
شحّت ثلاجتنا واهترأ حذاء مازن ، ولم نعد قادرين أن ندفع تكاليف السفر مرّة أخرى إلى العاصمة كي نعرف السبب!
بعت خاتما ذهبيا كانت أمي قد قدمته لي كهديّة في عرسي، وتوجهّت على الفور إلى محطة باصات دمشق لأتعلق بإحداها.
ـ أستاذ عيد! رواتبي لمدة أربعة أشهر لم تصل!
رمقني بنظرة ازدراء من تحت نظارتيه الغليظتين ثم راح يبحبش في أرشفه متظاهرا بالجديّة.
سحب أوراق عقدي متسائلا : لم تلصقي عليه الطوابع المطلوبة ولذلك لم نتمكّن من تصديقه!
ـ أستاذي الكريم! ألا تذكرني؟ لقد وقعت العقد منذ أربعة أشهر ودفعت لك ثمن الطوابع!
تجهّم وجهه: أنا لست بائع طوابع يا سيدتي ، أنا رئيس الديوان!
وخوفا من أن أنتظر أربعة أشهر أخرى قابلته بابتسامة: يبدو أن ذاكرتي قد خانتني هذه المرّة!
ثمّ عدت إلى مكتبه بعض قليل وبحوذتي طوابعا بقيمة ثلاثمائة ليرة سوريّة.
لقد ألتهمت الضبعة خاتمي الذهبي وراتبا آخر من رواتبي!
في طريقي من دمشق إلى اللاذقية، توقفت في منطقة "العريضة" حيث تكثر مواد التهريب القادمة من لبنان ويكثر المهرّبون واشتريت بما تبقى من هديّة أمي علبة حليب نيدو لفرح وصندوق راحة حلقوم لمازن.
نمت وزوجي تلك الليلة على الطوى .
في أمريكا لا يوجد ضباع تلتهم رواتب الناس لذلك لا يعرف الأمريكيّ الفرق. وفي العالم العربي الإٍسلامي تنهش الضباع لحوم البشر ولذلك تعرف وفاء سلطان الفرق.
ألا يحق لها أن تكون أمريكيّة أكثر من الأمريكيّ نفسه؟!! انتهى كلامها .
ونسأل بالله عليكم : ألا يوجد في شتى بقاع العالم أمثال هذا الضبعة ؟ الذي تحدثت عنه لا يحوي غير قلب قاسي ، وأكل أموال الناس بالباطل ، ألا يوجد في أمريكا ملايين مثل هذا الضبعة ؟! وأفلامهم السينمائية وصحفهم القومية تعج بالشكوى من فساد كبار المسؤولين في البلاد ، أفلامهم التسجيلية تتحدث عن فساد هنا وهناك ، وعن ظلم هنا وهناك ، هل يقول قادة الأمريكان الحقيقة للأمريكان في الحروب الطاحنة الغير شرعية دوليا ، جثث الأمريكان بالآلف ومع ذلك حقيقة ممنوع تدوالها .
لماذا يمنع الأمريكان محطات الفضائيات ورجال الصحافة من نقل أحداث العراق وأفغانستان كما هو الواقع ؟ أليس هذا حجب الحقيقة عن العالم ؟ ! أليس هذا حجب حقيقة القتل والإرهاب التي يمارسها الأمريكان ضد المدنيين العزل ؟
موقف أو موقفان وقع معها في أكثر من ربع قرن يغير مواقف الإنسان تجاه أمة بأسرها ؟ أليس هذا مرض عضال ؟ تحتاج وفاء سلطان أن تشفى منه ؟
ـ امرأة تحب الشهرة وتحب العظمة والتعالي على خلق الله لكنها لم تجد هذا بلدها فشنت أبشع حروب الظلم على كل المسلمين والإسلام .
ووالله لو قامت السلطات السورية بعمل تكريم لهذه المرأة وإعطائها منصب في الوزارة لقالت شعرا في سوريا والحكومات العربية والإسلامية ؟ ولو حبوها ببعض المال تكريما ؛لكن شفاء من مرضها ؛ ولكن حكومة سوريا لم يكن لديهم حنكة النبي صلى الله عليه وسلم حين تعامل مع المنافقين وأعطاهم المال كي يكف شرهم عن المسلمين
وفاء سلطان متناقضة الشخصية :
فهذه المرأة تعيش بأكثر من شخصية ، وهذا بالطبع في علم النفس مرض ، بل ومرض خطير ؛ لأن به المريض يقلب الحقائق ، فمرة يجعل الحق باطلا والباطل حقا ، ومرة يتردد بين هذا وذاك ، ومرة لا يعرف الحق من الباطل فيحتار .
وإليك أمثلة :
1 ـ وفاء سلطان تدعو إلى المدنية والتحضر والأخلاق فتقول :
(لم تكن كلمة "اخرس" التي تفوّهت بها في نهاية اللقاء من شيمي.)
انظر يرحمك الله إلى هذا التناقض ؛ فإذا كان المرأ ليس من شيمته شئ فكيف يأتيه ؟ سبحان الله الذي تكفر به خائنة سلطان .
ثم تزيد هذا التناقض فتقول : (ولكنّها خبطة حذاء اضطررت ، غصبا عنّي ، أن أهرس بها ذبابة أصرّت حتى اللحظة الأخيرة على إزعاجي!)
وكما يقولون : اعتذار أقبح من ذنب .
إن كلمة اخرس أهون من خبطة حذاء وكلمة ذبابة ، هل هذه هي تعاليم أمريكا يا أصحاب التنوير ؟
ثم تقول بعدها مباشرة وترجع في تناقضها : (أعتذر من جميع المشاهدين الذين أزعجتهم كلمتي هذه فالإنسان ليس إلها!)
فهل تعتذر من القراء على هذه الألفاظ التي كتبتها بعيدا عن الانفعال ؟
وإذا كانت تعتبر كل مسلم إرهابي ؛ فلماذا تعتذر ؟ أم هي تعتذر لليهود والنصارى والهندوس والشيوعيين أمثالها ؟
وهي تصف الإله بالتقديس والنزاهة من الخطأ ، ومع ذلك تطعن فيه ؛ فكيف ذلك ؟
أنا أقول لكل قارئ : اعرض هذه السطور على طبيب نفسي خبير وسوف تأتيك النتيجة أن صاحب هذه السطور مريض مرض عضال .
2 ـ قالت هذه الواهمة عن الدكتور أحمد : (لم يتعلم هذا الوحش في حياته أن يحاور إلاّ بالسيف، ولذلك عندما وجد نفسه مجردا أمام الناس منه لجأ إلى لسانه الداشر كي يقوم مقامه! )
أليس هذا مرض آخر من أمراض الوهم ، هل رأت الدكتور أحمد يمسك سيفا في يوم ما ثم نسيه عندما تحاور معها فاستعمل لسانه ؟
أم أنها توهمت ظلما ـ كما هي عادتها ـ بيده سيفا يقتل هنا وهناك ؟
هذا ضرب آخر من التخبط ومحاولة اللعب بالألفاظ لكن للأسف لا تجيد هي هذا الشأن فتحاول أن تكون ، كالطفل الذي يحاول أن يستعجل البلوغ فيعمد إلى خط شارب في وجهه فيشوه منظر نفسه بنفسه !
3 ـ قالت وهي تحاول أن تداري خيبتها : (حتى جاءت نتائج الاستطلاع لتفاجئني بأنّ 36% من المشاهدين صوّتوا لصالحي!
هل يدري هذا المعتوه وأمثاله ما معنى أن يصوّت لصالحي 36% من سكان العالم العربي خلال الدقائق الأولى التي سمعوني بها؟ّ!!
هل يستطيع أن يعي الرسالة التي حملتها له تلك النتيجة؟!!
حتّى الأمس القريب كان العالم العربيّ، بأغلبيته الساحقة المسلمة، يعيش داخل زجاجة. وكان إنسان هذا الوطن يؤمن بأنّ القرضاوي أكثر علما من انشتاين!!
في لحظة مواجهة مع الحقيقة انقلب 36% من ناسه على تعاليمهم وكفروا بكتبهم وصرخوا بأعلى صوتهم: صدقت وفاء سلطان!
إنّه تطور، في اعتقادي، أسرع من سرعة الصوت!)
فإن الذي أبدوا بآرائهم من كلا الطرفين هم مسلمون يحترمون الإسلام ، ويأبوا أن تكون الهمجية له بديلا . لكنها وجهات نظر لا علاقة لها بكفر ولا إيمان ، فإذا كنت اعتقد أن ما يجرى من بعض المسلمين هنا أو هناك بسبب دوافع دينية فلأني أعتقد أنه جهاد ضد طغيان أمريكا والأعداء شرقا وغربا .
وإذا كنت اعتقد أن وراء ذلك دوافع سياسية فلأن العالم صار مسرحا القوى صاحب الكلمة فيحاول هؤلاء أن تكون لهم كلمة .
ـ وأمر آخر ما علاقة القرضاوي بأنشتاين هذا ؟ فهذا له مجال وذاك له مجال ، ولا يمنع الإسلام الاستفادة من الكافر إذا كان عنده خير ، لكنها تحاول أن تداري خيبتها ؛ لأن الجميع الذين صوتوا ليسوا في صالحها ، وكلهم يمقتونها . فهي تطعن في دينهم الذي هو حياتهم .
وهذا أيضا نوع من مرض الوهم الذي خلفه الجهل المركب الذي تعيش فيه هذه المرأة .
4 ـ تقول هذه المعتوهة : (نعم أنا أمريكيّة أكثر من الأمريكيّ نفسه!
فالذي يولد في النار يعرف قيمة الجنة أكثر مما يعرفها الذي ولد فيها!
أنا أعرف قيمة أمريكا أكثر مما يعرفها أيّ مواطن أمريكي آخر.)
وهذا دلالة أكيدة على المرض الذي تعيش فيه هذه المرأة ؛ لأن الذي ينكر بلده الذي تربى فيه أكثر من ربع قرن ولا يحن إليه لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يكون له مبدأ ولا كرامة ولا كلمة لأي بلد آخر وإن ادعاه .
كونها تعرف أمريكا أكثر من أي أمريكي هذا نوع من الخيال الذي تعيش فيه هذه المرأة ؛ لأنه لا يصدقها حتى الحيوانات في ذلك ففي أمريكا ملايين يعرفون أمريكا أكثر منها بكثير .
فهل يكفي هذا في مقال واحد إثبات مرض وفاء سلطان ؟ وأنها تحتاج إلى سنوات من العلاج كي تشفى منه ، أم انه مرض عضال لا يخرج ؟
5 ـ وإليك أخي القارئ هذه الصاعقة من مقال لها بعنوان (الوطن ليس أرضاً وذكريات.. بل هو الإنسان! (4) ) : (خطورة المرض التي ينطوي عليها هذا الاضطراب النفسي تكمن في أن المصاب به يبدو طبيعيّا أثناء الحديث وفي تصرفاته وسلوكه إلى درجة لا تثير لدى الآخرين أية رغبة لمواجهة المريض وإحالته إلى الجهات المعنيّة بعلاجه.
تتشكّل لدى المريض قناعة مطلقة بأنّه عظيم وبأنّ الآخرين يسعون لإيذائه والحطّ من عظمته. ويدافع عن قناعته هذه حتى عندما تواجهه بكلّ البراهين التي تثبت عدم صحّة تلك القناعة.
عدم الثقة بالآخرين يدفع المريض لتركيز كلّ حواسه على تصرفات الناس من حوله وتفسير كل حركة لهم بطريقة تخدم قناعاته. يبني من الحبة الصغيرة جبلا كبيرا كأن يدّعي عندما يرى شخصا يلوح يده عن بعد بأنّ هذا الشخص يشير اليه ويتكلم للآخرين عنه، وقد يذهب أبعد من ذلك فيدّعي أنه يخطط لقتله.
هذه الأوهام التي يعيشها المصاب بالبارانويا تجعل منه شخصا شكّاكا عنيدا غاضبا عدوانيّا وناقما على الآخرين.
تؤكّد معظم الدراسات في الطبّ النفسي وعلم النفس على أن العوامل التي تلعب دورا في الإمراضيّة هي عوامل نفسيّة واجتماعية تتعلق بنشأة المريض والطريقة التي تربّى عليها، أكثر مما هي أسباب بيولوجيّة تتعلق بجسده من الناحيّة التشريحيّة والكيمائيّة والوظيفيّة.)
فقل لي بربك من الحاقد الناقم على الآخرين ، إنها هي تنفث جام حقدها وحسدها وغضبها على الإسلام وأهله ؛ لأنها فقدت الثقة فيمن حولها كما صرحت هي بذلك بكلامها عن الضبعة ؛ لذلك تراها عدوانية شرسة ناحية المسلمين والإسلام ، ولو كانت سليمة صحيحة لكانت إيجابية متفاهمة تذكر الحسنات كما تذكر السيئات ، لكنها امرأة كما ذكر رسولنا الكريم : إذا أحسنت إلى إحداهن الدهر كله ثم رأت منك شيئا قالت : لم أرى منك خيرا قط ) فهي شخصية شكاكة وعنيدة غاضبة عدوانية على الإسلام والمسلمين .
فهي تشخص مرضها وتبحث له عن دواء وأسأل الله تبارك وتعالى أن تجده حتى يكفينا شرها ومرضها الخبيث .
وللحديث بقية
أبو حسام الدن الطرفاوي
-------------------(52/495)
وفاء سلطان مرتدة
أبوحسام الدين الطرفاوي
الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين ، وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمد عبده ورسوله
وبعد :
لقد قرأت مقالي الدكتورة الخارجة عن وطنها ودينها المنكرة لهما ، وتلبس ثوب الإلحاد رغبة في رضى أسيادها من الأمريكان اليهود والنصارى ، هذان المقالان هما ردا على هزيمتها النكراء أمام الدكتور أحمد بن محمد الجزائري الذي سحقها رغم أن طفلا صغيرا في بلاد الإسلام يسحق أمثالها ، ولقد غضبت جدا ، فما كان لعملاق مثل الدكتور أحمد أن يناقش حشيرة مثل هذه حتى لا يكون لها شأن ، وهي تخالف بدهيات يوافق عليها المسلم وغيره ، أرادت أن تستعمل العقل في الطعن في الإسلام فوقعت في مخالفة العقل ، بل ومخالفات بدهية يضحك منها المجنون .
سبحان الله : هكذا كل من انحرف عن الحق واتبع هواه يجد نفسه يتخبط يمينا وشمالا ليس له مبدأ يقف عليه . وهو يتناقض مع نفسه بين حين وآخر .
قال تعالى : (فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ) (الأنعام:44)
إن أسيادها من اليهود والنصارى لهم دين يؤمنون به ، ولهم رب يلجأون إليه ، ولهم كتاب يتبعون تعاليمه ، فنحنا نحترم لهم هذه الوجهة ، ومن أجل ذلك فرق الشرع الإسلامي بينهم وبين سائر الكفار ، فأحل لنا ذبائحهم ، ونكاح نسائهم العفيفات ، وفي عقد الذمة لا نتعرض لهم بأي أنواع الأذى .
رغم أنا نختلف معهم في صلب العقيدة ، وخلافنا معهم يفتح بيننا وبينهم دائرة الحوار حول معرفة الحق من الباطل في جو يسوده الاطمئنان والأمان . وكان هذا شرطا من ربنا سبحانه وتعالى قال تعالى : (وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) (العنكبوت:46)
وبالطبع أن الظالم لا يسكت عنه سواء كان مسلما أو كافرا . هل هناك كلمات أعدل من هذه الكلمات ؟؟ ، هل يستطيع بشر أن يؤلف كلمات فيها هذا الانضباط العظيم ؟!!
وقال تعالى : (الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَنْ يَكْفُرْ بِالأِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) (المائدة:5)
فقد جعل الله تبارك وتعالى طعام الذين أوتوا الكتاب من الطيب الذي يؤكل ، وسوى بين المحصنات المؤمنات ، وبين المحصنات من أهل الكتاب في النكاح ، وحرم اتخاذ الخليلة التي لا ليس لها حق تطالب به ، ودائما ما تهدر كرامتها بعد الاستمتاع بها .
وقال تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) (المائدة:8)
هل في ميثاق أمريكا أو أوربا مثل هذه الآية التي تحمل وحدها دستورا من العدل ، لو أراد مخلوق أن يصنع من هذه الآية دستورا تقوم عليه دولة لا يظلم فيها أحد لفعل .
وقد جمع الله تبارك وتعالى كل مواثيق العدل في هذه الآية الأخرى : قال تعالى : (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) (النحل:90)
وهذه الآية الأخرى قال تعالى : (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً) (النساء:58)
فخبرونا يا أصحاب الضمير والإنسانية والقيم والسلوك والأخلاق ومحرري النفس البشرية : أي دستور في العالم يحمل هذه الكلمات ؟ !! أي قانون في العالم فيه مثل هذا الحكم الشامل العظيم ؟!! حقا : ( فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ)(الحج: من الآية46)
-----------------(52/495)
1 ـ وفاء سلطان تسب القرآن
تقول وفاء سلطان في مقالها الثاني :
(نحن المسلمون لم نشوّه الإسلام ، بل هو الذي شوّهنا)
ولا شك أن هذه الجملة عند علماء المسلمين قاطبة ؛ بل عند العامة أنها تعني أن المرأة قد خرجت عن الإسلام ، وهذا حق ؛ لأنها تقول ذلك بلسانها وتتبرأ من الإسلام .
وتقول أيضا : (عندما تتلو على طفل لم يتجاوز بعد سنواته الأولى الآية التي تقول: أن يُقتلوا أو يُصلبوا أو تُقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف .."(المائدة33) تكون قد خطوت الخطوة الأولى في صناعة إرهابيّ كبير! أنا كطبيبة ملمّة بعلم النفس والسلوك، اؤمن بأنّ أيّ رجل مسلم في العالم عاجز أن يشوّه هذه الآية أكثر مما هي مشوّهة! هي نفسها التي ساهمت في تشويه هذا الرجل! )
فهل بعد هذا الكلام عذر في إثبات الكفر على هذه المسترجلة ؟!
إذًا كلامنا مع مثل هؤلاء الناس في ناحية إثبات هل هناك دين يدين به الناس ؟ أم أن الدين أفيون الشعوب كما يقول الملاحدة .
هذه تؤمن بعقيدة لينين وماركس وستالين الذين لا يعتقدون أن لهذا الكون إله خالق له . فحينئذ هي على النقيض من الأمريكان والأوربيين الذين يدافعون عن عقيدتهم ويرتمون تحت أرجل باب الفاتيكان على أساس أنه خليفة الرب في الأرض .
ولو كانت منصفة لعلمت أن هذه الآية حم عدل على كل من يقطع الطريق على الناس يسلب أموالهم ويهتك أعراضهم ويروع الآمنين ويرسل طائراته تضرب في المدن قال تعالى : (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ) (المائدة:33)
لو أن أمريكا طبقت هذه الآية لما وجدت امرأة تغتصب كل أربعة دقائق ، وما وجدت سطوة على المنازل كل دقيقة ، ولم وجدت سيارة يقتل صاحبها وتؤخذ منه ، وهكذا الشعب الأمريكي . لكني أرى أنك جاهلة لأنك لو عرضت هذه الآية على علماء القانون والنفس في أمريكا والعالم لأقروا أنه لا يوجد أعدل منها في مقاومة الجرائم اليومية .
2 ـ وفاء سلطان تسب الله وتسخر منه
قالت هذه المرتدة المرتزقة عن الشيخ الشعراوي :
(يقول الله في كتابه العزيز " ويسألونك عن الجبالِ فقل ينسفها ربّي نسفاً "!.. لقد أبدع سماحته في تفسير تلك الآية! سبحانه وتعالى تتجلّى دوما عظمته في قدرته على النسف!! لم يستطع الظواهري أن يثبت عظمته ببناء برج، لكنه أثبتها بنسفه لهذا البرج!! لقد أبدع شيخه في تلقينه هذا الدرس! .)
ولو أنها على بصيرة لعلمت أن في الشدة أحيانا إصلاحا .
فالحديد يصهر في النار ويدق عليه ويطوع يمينا وشمالا بعنف وقوة لماذا ؟ لأنه عمل إرهابي مع الحديد !! ما هذا العته والسفه الذي تتلطخ به هذه المرأة ؟
قال تعالى : (وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفاً * فَيَذَرُهَا قَاعاً صَفْصَفاً * لا تَرَى فِيهَا عِوَجاً وَلا أَمْتاً)(طه:105 ـ 107)
والقاع الصفصف : الأرض المستوية الملساء
عوجا ولا أمتا : أي ارتفاعا وانخفاضا .
وهذه الآية من خصائص يوم القيامة الذي لا تؤمن به (الخائنة السلطة ) وهذا هو عدل الله تبارك وتعالى حتى لا يكون لأحد فضل على أحد في ارتفاع مكان ، الكل يرفعه العمل الصالح ويخفضه العمل السئ .
فالآية لا علاقة لها بالعنف ولا الإرهاب ، فما هذا إلا وساوس في رأس المرأة التي هوست بسبب حقدها وحسدها على الإسلام .
3 ـ وفاء سلطان تسب نبي الإسلام
وإذا كانت هذه الفاجرة تجرأت على الله فليس ببعيد أن تتجرأ على سب النبي صلى الله عليه وسلم . فقالت هذه الفاجرة وهي تتهكم من رجل يرس ابنه السيرة النبوية :
(ويجد الشيخ محمّد نفسه مرّة أخرى، ليس في قفص الإتهام الذي وضعته به وفاء سلطان، وإنّما تحت سيل من الأسئلة التي واجهه بها ابنه الذي تشّرب، ولو قليلا، من أخلاقيّة المجتمع الذي يعيش فيه وتعلم كيف يطرح السؤال: يا أبتي! بأيّ حق يقتل نبيّ الله أحد اسراه ويتزوج امرأته في نفس اليوم الذي قتله فيه؟! يا أبتي بأيّ حق يسبي نبيّ الله النساء؟ وكيف يبيح لنفسه الزواج من تلك النساء؟! يا أبتي كيف يختار نبي الله المرأة التي يريد أن يتزوّجها؟ يا أبتي لقد حاولتم إقناعنا بأنّ النبي تزوج الكثير من النساء كي يساعدنه في نشر الدعوة إلى الإسلام، كيف يعرف أنّ تلك المرأة وبمجرد النظر إلى جسدها الجميل ـ على حدّ وصف أم أنس بنت مالك لها عندما قامت بتزينها له ـ قادرة فكريا ولديها من الملكات العقليّة ما يمكنها من القيام بتلك المهمّة؟!! يا أبتي! هل يعقل أن امرأة تعتنق وتنشر دين رجل قتل زوجها وسباها، ثم اغتصبها في نفس الليلة؟!! يا أبتي! هل هذا هو الإسلام؟ هل هذا هو دين الله؟! يا أبتي اتقوا الله فيما تقولون وتفعلون!! )
ونقول لهذه المعتوهة :
إذا أراد الإنسان يأتي بسيرة شخص لينتقضه فلابد وأن يأتي بالحقيقة وليس بالتزييف ، ومن المعلوم أن فرق ما بيننا وبين النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من ألف وأربعمائة عام ، فهناك أشياء دست من الأعداء وليس لها أساس من الصحة ، غير خبر بوش وهو يرسل الأسلحة المحرمة على المدنيين العزل من أهل العراق هنا وهناك . هذا خبر ووقع شاهدنا بأم أعيننا ، أما خبر النبي صلى الله عليه وسلم فهذا يحتاج إلى بحث ودراسة هذه المعتوهة لا تعرف فيه كما يقول المصريون (الألف من كوز الدرة)
1 ـ نص الحديث كما في صحيح مسلم :
عَنْ أَنَسٍ قَالَ : كُنْتُ رِدْفَ أَبِي طَلْحَةَ يَوْمَ خَيْبَرَ وَقَدَمِي تَمَسُّ قَدَمَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فَأَتَيْنَاهُمْ حِينَ بَزَغَتْ الشَّمْسُ وَقَدْ أَخْرَجُوا مَوَاشِيَهُمْ وَخَرَجُوا بِفُؤُوسِهِمْ وَمَكَاتِلِهِمْ وَمُرُورِهِمْ فَقَالُوا مُحَمَّدٌ وَالْخَمِيسُ قَالَ : وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : خَرِبَتْ خَيْبَرُ إِنَّا إِذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ
قَالَ : وَهَزَمَهُمْ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَوَقَعَتْ فِي سَهْمِ دِحْيَةَ جَارِيَةٌ جَمِيلَةٌ فَاشْتَرَاهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَبْعَةِ أَرْؤُسٍ ثُمَّ دَفَعَهَا إِلَى أُمِّ سُلَيْمٍ تُصَنِّعُهَا لَهُ وَتُهَيِّئُهَا قَالَ : وَأَحْسِبُهُ قَالَ : وَتَعْتَدُّ فِي بَيْتِهَا وَهِيَ صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيٍّ قَالَ وَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِيمَتَهَا التَّمْرَ وَالْأَقِطَ وَالسَّمْنَ فُحِصَتْ الْأَرْضُ أَفَاحِيصَ وَجِيءَ بِالْأَنْطَاعِ فَوُضِعَتْ فِيهَا وَجِيءَ بِالْأَقِطِ وَالسَّمْنِ فَشَبِعَ النَّاسُ قَالَ وَقَالَ النَّاسُ لَا نَدْرِي أَتَزَوَّجَهَا أَمْ اتَّخَذَهَا أُمَّ وَلَدٍ قَالُوا إِنْ حَجَبَهَا فَهِيَ امْرَأَتُهُ وَإِنْ لَمْ يَحْجُبْهَا فَهِيَ أُمُّ وَلَدٍ فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَرْكَبَ حَجَبَهَا فَقَعَدَتْ عَلَى عَجُزِ الْبَعِيرِ فَعَرَفُوا أَنَّهُ قَدْ تَزَوَّجَهَا فَلَمَّا دَنَوْا مِنْ الْمَدِينَةِ دَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدَفَعْنَا قَالَ فَعَثَرَتْ النَّاقَةُ الْعَضْبَاءُ وَنَدَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَدَرَتْ فَقَامَ فَسَتَرَهَا وَقَدْ أَشْرَفَتْ النِّسَاءُ فَقُلْنَ أَبْعَدَ اللَّهُ الْيَهُودِيَّةَ قَالَ قُلْتُ يَا أَبَا حَمْزَةَ أَوَقَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِي وَاللَّهِ لَقَدْ وَقَعَ )
1 ـ فهنا أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يدخ بها حتى تستبرأ بحيضة كما هو حال السبي .
2 ـ لم يقتل النبي صلى الله عليه وسلم أسيره كما كذبت هذه المعتوهة ، ولو فعل لكان محقا ؛ لأن هناك أسير يستحق القتل وأسير يستحق العفو وهذا منوط بالحاكم . وهي مسألة فقهية لا دخل لك بها . لأنك أمية في هذا الشأن .
3 ـ أما بأي حق يسبي النساء : فهذا هو الشرع الذي لم يصل فهمه بعد إليك ، لأنك تحتاجين إلى سنين في الفهم .
ولقد كان هذا شائعا في كل مكان وزمان من هذه العصور وحتى عصور متأخرة في أوربا وفعل الأمريكان والأوربيين بالأفارقة السود .
لكن هناك فرق بين سبي وسبي ، فهؤلاء الأوباش وهم قدوتك يسبون ليذلوا الناس ويستعبدونهم .
أما المسلم فقد شرع الله تبارك وتعالى عتق الرقاب وجعله من القربات ، وهذا بالطبع قضى على ظاهرة الرقيق ، وعندما تفتح أمريكا بأذن الله وتكونين من السبي سترين ذلك بأم عينك حتى تفهمين القضية .
4 ـ أما كيف يبيح لنفسه الزواج من النساء فهذا شئ فطري موجود في كل نفس بشرية ، وعندما تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم لم يجبرها على ذلك ؛ بل خيرها بين العتق والزواج به ، وبين أن تظل هكذا ولا تزوج ، وهذا حق إنساني . وكان لها الشرف أن تتزوج بأعظم رجل عرفته البشرية ، وفضلا عن ذلك أنها لم تشكو من ذلك في يوم من الأيام بل كانت في تمام الرضى .
5 ـ أما كيف يختار ؟ فهذا لا يقوله عاقل فضلا عن طفلة عجوز مثل هذه الشمطاء ، لأن الزواج رغبة بشرية فيه إيجاب وقبول ، فكما للمرأة حرية الاختيار فكذلك الرجل .
6 ـ أما كيف تعتنق دين رجل قتل زوجها : فهذه حقائق التاريخ فكيف يغير الإنسان فيها ، هل عندما اختارت وفاء سلطان الكفر وهي تدعو إليه فيه غرابة كلا : فإن الله تبارك وتعالى يقول : (وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُر)(الكهف: من الآية29)
فصفية رضي الله عنها عرفت أن دين الإسلام أفضل من دين اليهودية الذي يحوي المكر والخداع والقتل والغدر وكل ما هو شر مستباح فيه .
بعكس الإسلام الذي يأمر بالخير والإحسان وترك الغدر والخيانة وكل ما هو شر .
هذا ما أردت قوله وللحديث بقية
أبوحسام الدين الطرفاوي
-----------------(52/495)
وفاء سلطان إرهابية
أبوحسام الدين الطرفاوي
أردت في مقالاتي فضح هذه المنحلة وفاء سلطان التي ربما تطمع أن تدخل سوريا على دبابات أمريكية كما دخل خونة العراق عليها وراح ضحيتها أبرياء كثر . هي رسخت نفسها في نقد الإسلام والطعن فيه ، ولكن هيهات هيهات ، فالإسلام دين الواحد الأحد الفرد الصمد ، الذي لا يعجزه شئ في الأرض ولا في السماء . القادر على كل شئ ، الرؤوف الرحيم ، والودود ، الذي يمهل عبده الشارد ولا يهمله . ولذلك تتكلم هذه الخبيثة عن الإسلام أنه دين يحض على إرهاب الآمنين ، وهذا محض افتراء ، والمفتري لن يفلح أبدا ، والعاقبة للحسنى ، للمصلحين ، للعادلين . وأسأل الله تبارك وتعالى في عليائه أن لا يميت هذه الخبيثة إلا بعد أن ترى العذاب ألوان على يد من تدافع عنهم اليوم .
بمفهوم وفاء سلطان إن الذي يحض على رفض الآخر ، وقتل الآخر يسمى إرهابيا ، وإن الإسلام يحمل نفس المعني .
ونحن نقول : إن الجهل والحقد الذي تعيش فيه هذه المرأة يجعلها كالسكران يتخبط يمينا وشمالا دون وعي لكلامه .
وكنا قد بينا في مجموعة مقالات أن المرأة جاهلة ، مريضة ، حقودة ، تتكلم بأباطيل لا وجود لها ، ظالمة ، غاشمة ، مرتدة عن الإسلام الذي نشأت عليه .
وفي هذه السطور نبين أن المرأة إرهابية كبيرة .
1 ـ في مقال لها بعنوان (متى يكون الغرب آمنا ) تتهم مفتي السعودية بالإرهاب عندما أنكر حوادث لندن وتقول :
أسلوبك الجحاويّ أسلوب مرفوض ، وعلى العالم المتحضر في كلّ مكان أن يشهر عصاه الغليظة في وجهك ملزما إياك أن تقرأ كتابك وتشرحه للملأ!! )
فها هي تدعوا العالم المتحضر للإمساك بعصاه الغليظة للتخلص من مثل الشيخ ومن يدين بدينه ، وما أدراك ما العصا الغليظة ؟
كيماوي ، نابلم ، أم القنابل ، صواريخ سكود ، طائرات الشبح ، الأسلحة الذكية ، مقابر جماعية ، وغير ذلك مما يستخدمه الأمريكان للمسلمين العزل . هذه هي العصا الغليظة التي تقصدها هذه المجرمة
ـ وفاء سلطان تدعو إلى قتل أكثر البشر على وجه الأرض
فتقول : ( عندما تساهم تعاليم شيطانيّة في تشويه هذا المخلوق وقتل كلّ ملكاته التي تؤهله ليصبح انسانا، يجب أن تسقط عنه هويتّه!)
فالتعاليم الشيطانية هي التي لا تكون مثلها دارسة علم النفس ، فإما أنها تريد قتل ما يقرب من ربع سكان العالم من المسلمين لأن تعاليمهم شيطانية على حد قولها ، وفي الوقت ذاته أن باقي العالم يؤمن بدين فهذا نصراني وهذا يهودي وهذا بوذي وهذا هندوسي وغير ذلك وكل هؤلاء يعتزون دينهم فلذلك يجب أن تلغى هويتهم .
تخيل لو أعطت سلطة بلد في يد فاجرة مثل هذه فلن تبقي مخلوقا إلا قتلته ؛ لأنه لا يوجد من يعتنق هذه السخافات في بلد واحد .
ـ وفاء سلطان تبارك ضرب أمريكا لليابان بالذري والنووي
قالت هذه المخرفة : في أعقاب ضرب أمريكا لليابان بالقنبلة الذريّة صرّح الرئيس ترومان: (عندما تواجه وحشا عليك أن تتعامل معه على أساس أنّه وحش. هذا مؤلم لكنّه الحقيقة!
متى سيعي الغرب تلك الحقيقة ويتعامل مع هؤلاء الوحوش على أساس أنّهم وحوش؟!!)
فهل تأتي معتوهة تعكس ثقافة بوش المنحلة في حربه على الإرهاب بإرهاب أكثر ضراوة منه . يتخذ الإرهاب طريقا لضرب الشعوب الآمنة بحجة أنه يحارب الإرهاب !! سبحانك ربي من هذا ، يا عقول العالم اسمعوا واعو وقولوا لنا أين منطقية هذا الكلام .؟؟
ـ تحكم على الأمة الإسلامية بالقتل
قالت هذه المجنونة : (ألف وخمسمائة عام وهذه الأمّة غارقة في تسابيحها ، لا تعرف أيّة محطّة وصلت ولا إلى أيّة محطّة هي ذاهبة! تحلم بالمهدي المنتظر كي يهزّها من كتفها، ويعلن وصولها!
إنّ أمّة تنتظر رجلا واحدا كي ينقذها ، هي أمّة لن تعيش ، والأكثر من ذلك لا تستحق أن تعيش !!)
فقولوا لي بربكم إن بوش ولا أحد من رؤساء العالم لا يستطيع أن يجرؤ أن يتكلم بمثل ذلك ، ولا أي عاقل على وجه البسيطة ، وإذا قلت ولا المجانيين فإني صادق . فهذه امرأة لا عاقلة ولا مجنونة فمن تكون ؟!
وبمنطوق هذه الخرفة : أن التربية التي نشأ عليها الإنسان هي التي تحدد هويته .
وهذا بحق صحيح : ولكن الذي لا تفهمه وفاء سلطان أن الإنسان يولد على فطرة سليمة ؛ لكن البيئة هي تجعل بيئته تتغير إلى الأسوأ أم يظل على الصحيح صفحة بيضاء ، لا يحمل حقدا ولا حسدا ولا تناقضا .
وهذا ما قاله سيد البشر صلى الله عليه وسلم : كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه .
إذًا ولدت وفاء سلطان على فطرة سليمة لكن البيئة والتنشئة التي تربت عليها غير من هذه الفطرة السليمة إلى انتكاسة ومرض عضال ، لأجل ذلك ربت على لغة سلبية فكانت النتيجة بمعيارها هي أنها إرهابية .
لأن الإنسان لا يمنى الموت إلا لمن يذبح في البشر بغير وجه حق مثل بوش وتوني بليرومن شايع هؤلاء من الأوباش أمثال هذه المنحلة .
=============(52/495)
هل سمح النبي صلى الله عليه وسلم لنصارى نجران بالصلاة في المسجد النبوي ؟
لي سؤال ... وأمل من أهل العلم الاجابة عليه،
تناقشت مع أحد الاحبة في مسألة الولاء والبراء وتطرقنا للتعامل مع الكفار.. فقال أن النبي صلى الله عليه وسلم سمح لنصارى نجران بالصلاة في مسجده .!!!
حاولت البحث عن الحديث المتضمن مسألة الصلاة فلم أجده ، ولكن وجدت من أشار الى وجوده في مسند ابي شيبة وهو منقطع ، وقد ذكره بن كثير في تفسير أية المباهلة. وذكره ابن القيم في كتاب الزاد في المجلد الثالث عندما تحث عن عام الوفود. وبين ابن القيم جواز صلاتهم في مساجد المسلمين على أن لا يتخذوها عادة !!
ووجدت أن القرضاوي يستدل بكلام ابن القيم هذا ليدلل على حسن التعامل مع النصارى.
السؤال ... ما مدى صحة الحديث؟ و كيف يحمل فعل النبي أنصح الاستدلال بهذا الحديث؟
وجزاكم الله خيراً
الجواب :
الأخ الهاجري .
أورد ابن كثير عند تفسير قوله تعالى : " فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ " [ آل عمران : 61 ] الحديث الذي ورد فيه صلاة وفد نجران في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم :
قَالَ اِبْن إِسْحَاق : وَحَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن جَعْفَر بْن الزُّبَيْر قَالَ : قَدِمُوا عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَة فَدَخَلُوا عَلَيْهِ مَسْجِده حِين صَلَّى الْعَصْر عَلَيْهِمْ ثِيَاب الْحِبَرَات جُبَب وَأَرْدِيَة مِنْ جَمَال رِجَال بَنِي الْحَارِث بْن كَعْب قَالَ : يَقُول مَنْ رَآهُمْ مِنْ أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا رَأَيْنَا بَعْدهمْ وَفْدًا مِثْلهمْ وَقَدْ حَانَتْ صَلَاتهمْ فَقَامُوا فِي مَسْجِد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " دَعُوهُمْ " فَصَلَّوْا إلَى الْمَشْرِق قَالَ : فَكَلَّمَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُمْ أَبُو حَارِثَة بْن عَلْقَمَة وَالْعَاقِب عَبْد الْمَسِيح وَالسَّيِّد الْأَيْهَم وَهُمْ مِنْ النَّصْرَانِيَّة عَلَى دِين الْمَلِك مَعَ اِخْتِلَاف أَمْرهمْ يَقُولُونَ : هُوَ اللَّه وَيَقُولُونَ : هُوَ وَلَد اللَّه وَيَقُولُونَ : هُوَ ثَالِث ثَلَاثَة تَعَالَى اللَّه عَنْ قَوْلهمْ عُلُوًّا كَبِيرًا . وَكَذَلِكَ النَّصْرَانِيَّة فَهُمْ يَحْتَجُّونَ فِي قَوْلهمْ هُوَ اللَّه بِأَنَّهُ كَانَ يُحْيِي الْمَوْتَى وَيُبْرِئ الْأَكْمَه وَالْأَبْرَص وَالْأَسْقَام وَيُخْبِر بِالْغُيُوبِ وَيَخْلُق مِنْ الطِّين كَهَيْئَةِ الطَّيْر فَيَنْفُخ فِيهِ فَيَكُون طَيْرًا وَذَلِكَ كُلّه بِأَمْرِ اللَّه وَلِيَجْعَلهُ اللَّه آيَة لِلنَّاسِ وَيَحْتَجُّونَ فِي قَوْلهمْ بِأَنَّهُ اِبْن اللَّه يَقُولُونَ : لَمْ يَكُنْ لَهُ أَب يُعْلَم وَقَدْ تَكَلَّمَ فِي الْمَهْد بِشَيْءٍ لَمْ يَصْنَعهُ أَحَد مِنْ بَنِي آدَم قَبْله . وَيَحْتَجُّونَ عَلَى قَوْلهمْ بِأَنَّهُ ثَالِث ثَلَاثَة بِقَوْلِ اللَّه تَعَالَى فَعَلْنَا وَأَمَرْنَا وَخَلَقْنَا وَقَضَيْنَا فَيَقُولُونَ : لَوْ كَانَ وَاحِدًا مَا قَالَ إِلَّا فَعَلْت وَأَمَرْت وَقَضَيْت وَخَلَقْت وَلَكِنَّهُ هُوَ وَعِيسَى وَمَرْيَم - تَعَالَى اللَّه وَتَقَدَّسَ وَتَنَزَّهْ عَمَّا يَقُول الظَّالِمُونَ وَالْجَاحِدُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا - وَفِي كُلّ ذَلِكَ مِنْ قَوْلهمْ قَدْ نَزَلَ الْقُرْآن . فَلَمَّا كَلَّمَهُ الْحَبْرَانِ قَالَ لَهُمَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أَسْلِمَا " قَالَا قَدْ أَسْلَمْنَا قَالَ " إِنَّكُمَا لَمْ تُسْلِمَا فَأَسْلِمَا " قَالَا : بَلَى قَدْ أَسْلَمْنَا قَبْلك قَالَ " كَذَبْتُمَا يَمْنَعكُمَا مِنْ الْإِسْلَام اِدِّعَاؤُكُمَا لِلَّهِ وَلَدًا وَعِبَادَتكُمَا الصَّلِيب وَأَكْلكُمَا الْخِنْزِير " قَالَا : فَمَنْ أَبُوهُ يَا مُحَمَّد ؟ فَصَمَتَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهُمَا فَلَمْ يُجِبْهُمَا فَأَنْزَلَ اللَّه فِي ذَلِكَ مِنْ قَوْلهمْ وَاخْتِلَاف أَمْرهمْ صَدْر سُورَة آل عِمْرَان إِلَى بِضْع وَثَمَانِينَ آيَة مِنْهَا ثُمَّ تَكَلَّمَ اِبْن إِسْحَاق عَلَى تَفْسِيرهَا إِلَى أَنْ قَالَ : فَلَمَّا أَتَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْخَبَر مِنْ اللَّه وَالْفَصْل مِنْ الْقَضَاء بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ وَأُمِرَ بِمَا أُمِرَ بِهِ مِنْ مُلَاعَنَتهمْ أَنْ رَدُّوا ذَلِكَ عَلَيْهِ دَعَاهُمْ إِلَى ذَلِكَ فَقَالُوا : يَا أَبَا الْقَاسِم دَعْنَا نَنْظُر فِي أَمَرْنَا ثُمَّ نَأْتِيك بِمَا نُرِيد أَنْ نَفْعَل فِيمَا دَعَوْتنَا إِلَيْهِ ثُمَّ اِنْصَرَفُوا عَنْهُ ثُمَّ خَلَوْا بِالْعَاقِبِ وَكَانَ ذَا رَأْيهمْ فَقَالُوا : يَا عَبْد الْمَسِيح مَاذَا تَرَى ؟ فَقَالَ : وَاَللَّه يَا مَعْشَر النَّصَارَى لَقَدْ عَرَفْتُمْ أَنَّ مُحَمَّدًا لَنَبِيّ مُرْسَل وَلَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْفَصْلِ مِنْ خَبَر صَاحِبكُمْ . وَلَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّهُ مَا لَاعَنَ قَوْم نَبِيًّا قَطُّ فَبَقِيَ كَبِيرهمْ وَلَا نَبَتَ صَغِيرهمْ وَإِنَّهُ لِلِاسْتِئْصَالِ مِنْكُمْ إِنْ فَعَلْتُمْ فَإِنْ كُنْتُمْ أَبَيْتُمْ إِلَّا إِلْفَ دِينكُمْ وَالْإِقَامَة عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ الْقَوْل فِي صَاحِبكُمْ فَوَادِعُوا الرَّجُل وَانْصَرِفُوا إِلَى بِلَادكُمْ . فَأَتَوْا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا : يَا أَبَا الْقَاسِم قَدْ رَأَيْنَا أَنْ لَا نُلَاعِنك وَنَتْرُكك عَلَى دِينك وَنَرْجِع عَلَى دِيننَا وَلَكِنْ اِبْعَثْ مَعَنَا رَجُلًا مِنْ أَصْحَابك تَرْضَاهُ لَنَا يَحْكُم بَيْننَا فِي أَشْيَاء اِخْتَلَفْنَا فِيهَا فِي أَمْوَالنَا فَإِنَّكُمْ عِنْدنَا رِضَا قَالَ مُحَمَّد بْن جَعْفَر : فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " اِئْتُونِي الْعَشِيَّة أَبْعَث مَعَكُمْ الْقَوِيّ الْأَمِين " فَكَانَ عُمَر بْن الْخَطَّاب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ يَقُول : مَا أَحْبَبْت الْإِمَارَة قَطُّ حُبِّي
إِيَّاهَا يَوْمئِذٍ رَجَاء أَنْ أَكُون صَاحِبهَا فَرُحْت إِلَى الظُّهْر مُهَجِّرًا فَلَمَّا صَلَّى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الظُّهْر سَلَّمَ ثُمَّ نَظَرَ عَنْ يَمِينه وَشِمَاله فَجَعَلْت أَتَطَاوَل لَهُ لِيَرَانِي فَلَمْ يَزَلْ يَلْتَمِس بِبَصَرِهِ حَتَّى رَأَى أَبَا عُبَيْدَة بْن الْجَرَّاح فَدَعَاهُ فَقَالَ " اُخْرُجْ مَعَهُمْ فَاقْضِ بَيْنهمْ بِالْحَقِّ فِيمَا اِخْتَلَفُوا فِيهِ " قَالَ عُمَر : فَذَهَبَ بِهَا أَبُو عُبَيْدَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُ .
وهذا إسناد مرسل ، محمد بن جعفر بن الزبير بن العوام الأسدي ثقة ولكنه لم يلق أحدا من الصحابة ولذلك عده الحافظ ابن حجر من الطبقة السادسة ، وقد قال عنها الحافظ في " مقدمة تقريبه " : طبقة عاصروا الخامسة ، لكن لم يثبت لهم لقاء أحد من الصحابة .ا.هـ.
وقال ابن كثير أيضا : وَقَدْ رَوَى اِبْن مَرْدُوَيه مِنْ طَرِيق مُحَمَّد بْن إِسْحَاق عَنْ عَاصِم بْن عُمَر بْن قَتَادَة عَنْ مَحْمُود بْن لَبِيد عَنْ رَافِع بْن خَدِيج : أَنَّ وَفْد أَهْل نَجْرَان قَدِمُوا عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ نَحْوه إِلَّا أَنَّهُ قَالَ فِي الْأَشْرَاف : كَانُوا اِثْنَيْ عَشَر وَذَكَرَ بَقِيَّته بِأَطْوَلَ مِنْ هَذَا السِّيَاق وَزِيَادَات أُخَر.
وهذ إسناد ظاهره الصحة إذا سلم من تدليس بن إسحاق صاحب السيرة فقد قال الإمام أحمد فيه : هو كثير التدليس جداً ، إلى جانب أن الإسناد قبل محمد بن إسحاق ليس بين أيدينا . والله أعلم .
كتبه
عَبْد اللَّه بن محمد زُقَيْل
===============(52/495)
مسألة هدم الأوثان وكسر الأصنام
خالد بن عبدالله الغليقة
إن الأوثان التي في أفغانستان تترك بحجة أنها لا تعبد؛ فالحكم يدور مع علته وجودًا وعدمًا ثم إن الإسلام جاء باحترام الأديان الأخرى ولا يعرف عن المسلمين أنهم إذا استولوا على بلد هدموا تماثيله.
هذه باختصار أقوى حجج من رأى ترك هدم الأوثان وكسر التماثيل والأصنام في هذا الزمن والرد عليهم من وجوه:
الوجه الأول: الرد على قولهم: (إن هذه الأوثان الضخمة في أفغانستان لا تعبد)، فهذا كلام شخص لم يسمع في حياته بقوله تعالى: ( وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُوَاعًا وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا) [نوح: 23] ولا يعرف تفسيرها مع أنها آية من كتاب الله مصدر التشريع وتفسيرها في صحيح البخاري كما جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (هذه أسماء رجال صالحين من قوم نوح، فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون فيها أنصابًا وسموها بأسمائهم ففعلوا فلم تعبد حتى إذا هلك أولئك ونسخ العلم عبدت).
فهذا هو سبب الشرك في الناس وهذه بدايته فلم تكن تلك التماثيل تعبد أبدًا، بل كانت للذكرى والتذكر لكن لما تركت جاء في المستقبل من يعبدها.
الوجه الثاني: أن تركها يسبب عبادتها، فمن المعلوم تاريخيًّا أن أهل الجزيرة التي هي مهبط الوحي وسكانها أقرب الناس إلى الحق فقد نزل القرآن بلسانهم والنبي أرسل من جنسهم ومع ذلك راجت فيهم عبادة الجمادات ورجعت إليهم الجاهلية الأولى، بل أعظم منها كما ذكر ذلك المؤرخون لتلك الحقبة؛ ففي الجاهلية الأولى كانوا إذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين بخلاف الأخرى إذا ركبوا في الفلك دعوا فلانًا وعلانًا فلا يلجئون إلى الله ويخلصون له لا في السراء ولا في الضراء فدل على أنها أشد جاهلية وأكثر رجعية.
الوجه الثالث: يدل على عدم صحة هذا الكلام: أن الرسول صلى الله عليه وسلم لما دخل مكة كسر جميع الأصنام والتي كان عددها ثلاثمائة وستين صنمًا حول الكعبة فلم يحترم أديان أهل تلك الأصنام ولم يوقر معبوداتهم ولم يبال بآلهتهم ولا برموزهم ولم يكتف عليه الصلاة والسلام بذلك، بل أرسل الصحابة رضي الله عنهم إلى جميع أقطار الجزيرة ليهدموا الأصنام ويكسروا الأوثان.. وهنا سؤال يطرح نفسه واستفهام في محله يقول: إذا كان هذا فعل الرسول عليه الصلاة والسلام، فهل يقال إن الرسول لم يحترم الأديان الأخرى ولم يوقر معبودات الآخرين ولم يبال بطقوسهم ورموز آلهتهم! أو هل يقال: إن الرسول عليه الصلاة والسلام لم يعتد بالتراث الإنساني؟!.
الوجه الرابع: الرد على زعمهم (إنها كانت تعبد) أي قبل فتح مكة لكن أثناء تكسيرها وما بعد ذلك هل يتوقع أحد بأنها كانت تعبد والرسولل صلى الله عليه وسلم حي وبين ظهرانيهم؟ وقد قال عن الدجال وهو أعظم فتنة وأكبر ضررًا «إن يخرج وأنا فيكم فأنا حجيجه» فالصحابة رضي الله عنهم كانوا في مأمن من فتنة الدجال وكذلك في مأمن من الشرك أكثر من غيرهم لوجود الرسول عليه الصلاة والسلام بينهم ثم الذين يلونهم أقل أمنًا وأكثر عرضةً للفتن ثم الذين يلونهم إلى عصرنا هذا كما قال ابن مسعود رضي الله عنه: «هذا العام خير من الذي بعده».
فزمن الصحابة والحالة كانت آمنة ورجعة عبادة الأصنام مستبعدة جدًّا وعودة الجاهلية أكثر بعدًا من زمننا هذا ومع ذلك استمر الصحابة رضي الله عنهم في هدم الأصنام وكسر الأوثان آخذين بوصية الرسول صلى الله عليه وسلم، بل كانوا يتواصون بها كما في حديث أبي الهياج الأسدي رضي الله عنه قال: قال لي علي بن أبي طالب رضي الله عنه: (ألا أبعثك على ما بعثني به رسول الله صلى الله عليه وسلم «أن لا تدع وثنًا إلا كسرته ولا صورة إلا طمستها ولا قبرًا إلا سويته»).
مع العلم أن الرسول عليه الصلاة والسلام وصف قرنه بأنه خير القرون وأنه لا يمكن أن يأتي قرن خير منه فقال: «خير القرون قرني ثم الذي يليه ثم الذي يليه...». والخيرية هنا تشمل الخيرية في العقيدة والثبات على الدين الصحيح والإخلاص لله وعدم الشرك. وبلا شك أنها خير من قرننا هذا ومع ذلك كسر عليه الصلاة والسلام الأصنام وأمر بهدمها.. فهل يقال: إن الرسول صلى الله عليه وسلم تناقض كيف يصف قرنه بذلك الوصف ومع ذلك يكسر الأصنام ويهدم الأوثان خشية على الصحابة من الشرك وشفقته على عقيدتهم من الكفر، فهل يقال: إن الرسول صلى الله عليه وسلم أقواله تناقض أفعاله؟!
الوجه الخامس: وهو أكثر صراحة وأقوى في الدلالة على دحض شبهة القول بأن هذه الأصنام وتلك التماثيل لن تعبد وذلك أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يأمر الصحابة بهدم الأصنام وكسر التماثيل كما سبق مع أنه قال للصحابة: «أيس الشيطان أن يعبد في جزيرة العرب» ومع ذلك لم يرو عن أحد من الصحابة الاعتراض على الأمر بهدم الأصنام وتكسير الأوثان, ولم يرد عن صحابي واحد أنه قال: ما دام الشيطان لن يعبد في جزيرة العرب فلماذا إذن تكسير الأصنام وهدم التماثيل فلتترك لأنها من التراث الإنساني؟!
وأيضًا لا يعرف عن صحابي أو من سار على نهج الصحابة من التابعين ومن تبعهم إلى يوم الدين أنه قال: إن هذا تناقض من الرسول صلى الله عليه وسلم كيف يأمر الصحابة بهدم الأصنام وتكسير الأوثان مع أن الله أوحى إليه (بأن الشيطان أيس من أن يعبد في جزيرة العرب)، فهذا يدل على أن الشرع الصحيح والقول الصواب أنه لا يلتفت إلى هذه الشبهة ولا يقال بأن هذه الأصنام وتلك التماثيل لا تعبد.
الوجه السادس: إن هذه الأصنام وتلك التماثيل على فرض أنها لا تعبد في الحاضر أو المستقبل فهي في نفسها منكر يجب إزالته؛ لأنها آلهة عبدت من دون الله في الماضي فكيف يرضى المسلم أن يراها منصوبة ويتركها؟ وآلهة ضاهت الله في خلقه وزاحمته في ألوهيته وتدبيره فكيف يراها غير منكر لها؟ وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان» ولهذا قال العلماء أن من لا ينكر المنكر بقلبه فهو على خطر عظيم وعلى جرف هارٍ، بل إن هناك من العلماء من نهى عن النظر إلى التماثيل والصور خشية أن يراها فلا ينكرها بقلبه أو بلسانه أو بيده وقد يكون مستطيعًا؛ فيقع في النهي الوارد في هذا الحديث، قال المروذي: قلت للإمام أحمد رحمهما الله: الرجل يدعى فيرى سترًا عليه تصاوير؟ قال الإمام أحمد: لا ينظر إليه، قلت له: قد نظرت إليه كيف أصنع، أهتكه؟ قال: تخرق شيء الناس؟ ولكن إن أمكنك خلعه اخلعه. فقلت له الرجل يكتري البيت يرى فيه تصاوير ترى أن يحكه؟ قال: نعم فقلت له: إن دخلت حمامًا فرأيت فيه صورة ترى أن أحك الرأس قال: نعم) (1).
وقال الشيخ عبد الله الغماري المالكي: (إن القاعدة الشرعية المستمدة من الأحاديث وإجماع العلماء أن كل ما حرم الشرع فعله تحرم مشاهدته ـ على وجه الرضا والاستحسان ـ والمساعدة عليه بأي نوع من أنواع المساعدة فالذي يشاهد عملية الزنى آثم، والذي يشاهد التماثيل المجسمة في الميادين آثم؛ لأن عمل التماثيل حرام فالنظر إليها حرام...) (2).
قد يقول قائل أين كلام أهل العلم في رد شبهة (أن هذه الأصنام والتماثيل لا تعبد الآن؟).
الجواب: قال العلامة ابن دقيق العيد الشافعي: «قد تضافرت دلائل الشريعة على المنع من التصوير والصور. ولقد أبعد غاية البعد من قال: «أن ذلك محمول على الكراهة، وأن هذا التشديد كان في ذلك الزمان، لقرب عهد الناس بعبادة الأوثان. وهذا الزمن حيث انتشر الإسلام، وتمهدت قواعده لا يساويه في هذا المعنى، فلا يساويه في هذا التشديد» وهذا القول عندنا باطل قطعًا؛ لأنه قد ورد في الأحاديث الإخبار عن أمر الآخرة بعذاب المصورين، وأنهم يقال لهم: أحيوا ما خلقتم. وهذه علة مخالفة لما قاله هذا القائل. وقد صرح بذلك في قوله عليه الصلاة والسلام: «المشبهون بخلق الله» وهذه علة مستقلة مناسبة لا تخص زمانًا دون زمان. وليس لنا أن نتصرف في النصوص المتظاهرة المتضافرة بمعنى خيالي يمكن أن يكون هو المراد مع اقتضاء اللفظ التعليل بغيره، وهو التشبه بخلق الله). قال الصنعاني اليماني تعليقًا على كلام ابن دقيق العيد: (قد أصاب ابن دقيق العيد في قوله: (إنه قول باطل قطعًا)(3) .
قد يقول قائل: إن هذا الكلام في التصوير؟
الجواب: إن الشبهة هي نفسها، ومبدأ الاعتراض واحد، والقصد من الإتيان بكلام ابن دقيق العيد هو أنه ليس لأحد أن يعترض على النصوص الشرعية المتظاهرة والمتضافرة بعلل معلولة وكما سماها ابن دقيق العيد (خيالية) وهذا الكلام من ابن دقيق والمؤيد من الصنعاني في الوسيلة ينسحب على الغاية عقلاً والغاية داخلة فيه من باب أولى فمن الشذوذ أن يقبل شخص كلام ابن دقيق والصنعاني في الوسيلة ويعترض على الغاية بنفس الشبهة وبنفس الإراد .
وهناك من المشايخ المعاصرين من رد شبهة (أن هذه التماثيل لا تعبد الآن) نذكر منهم:
1 ـ الشيخ أحمد الشرباصي: قال في جوابه على السؤال التالي: ما حكم إقامة التماثيل الكاملة المجسمة للإنسان والحيوان بقصد تزيين حديقة المنزل؟
الجواب: إن كانت التماثيل أو التصاوير المتخذة، لغير ذي روح، كالأشجار والأزهار والبحار، فلا مانع شرعًا من اتخاذها، وإن كانت التماثيل مجسمة ولذوي أرواح، كالإنسان والحيوان، كان اتخاذها حرامًا، كما يذكر الفقهاء، واستثنوا من ذلك لعب الأطفال والبنات.
وإذا كانت التصاوير غير مجسمة، فهناك من يحرمها، وخصوصًا إذا كانت الصورة كاملة الأعضاء، ويستند هؤلاء المحرمون في قولهم إلى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم القائل: «إن أشد الناس عذابًا يوم القيامة المصورون». وكذلك يقول النبي عليه الصلاة والسلام: «إن الذين يصنعون هذه الصور يعذَّبون يوم القيامة، يقال لهم: أحيوا ما خلقتم».
وجاء في الحديث أيضًا: «من صوَّر صورة في الدنيا كُلِّف يوم القيام أن ينفخ فيها الروح وليس بنافخ».
ويقول العلماء: إن الإسلام قد حرَّم هذه الصور سدًّا لذريعة الإشراك بالله، وإغلاقًا لباب عبادة الأصنام والتماثيل، وخاصة إذا كانت هذه التماثيل والتصاوير مجسمة وموضوعة موضع التكريم والتوقير. وأما إذا كانت الصورة موضوعة موضع التحقير، كما إذا كانت في سجادة تداس، فإن ذلك جائز.
ونصَّ المتأخرون من الفقهاء على أن الصور الشمسية جائزة، لأنها غير مجسمة، ولأنها بعيدة عن مظنة التعظيم.
ومن هذا البيان نعرف أنه لا يجوز شرعًا إقامة تماثيل كاملة مجسمة لإنسان أو حيوان بقصد تزيين حديقة المنزل(4).
2 ـ الدكتور يوسف القرضاوي: قال في جوابه على السؤال التالي: ما حكم التماثيل في الإسلام؟ إن لدي تماثيل لقدماء المصريين، وأريد وضعها زينة في البيت، فاعترض البعض وقالوا: إنها حرام، فهل هذا صحيح؟
ج: حرم الإسلام التماثيل.. كل الصور المجسمة، ما دامت لكائن حي مثل الإنسان أو الحيوان فهي محرمة، وتزاد حرمتها إذا كانت لمخلوق معظم، مثل ملك أو نبي كالمسيح أو العذراء، أو إله من الآلهة الوثنية مثل البقر عند الهندوس، فتزداد الحرمة في مثل ذلك وتتأكد حتى تصبح أحيانًا كفرًا أو قريبًا من الكفر، من استحلها فهو كافر.
فالإسلام يحرص على حماية التوحيد، وكل ماله مساس بعقيدة التوحيد يسد الأبواب إليه.
بعض الناس يقول: هذا كان في عهد الوثنية وعبادة الأصنام، أما الآن فليس هناك وثنية ولا عباد للأصنام.. وهذا ليس بصحيح.. فلا يزال في عصرنا من يعبد الأصنام.. من يعبد البقرة ويعبد المعز. فلماذا ننكر الواقع؟ هناك أناس في أوربا لا يقلون عن الوثنيين في شيء.. تجد التاجر يعلق على محله (حدوة حصان) مثلاً، أو يركب في سيارته شيئًا ما.. فالناس لا يزالون يؤمنون بالخرافات، والعقل الإنساني فيه نوع من الضعف ويقبل أحيانًا ما لا يصدق.. حتى المثقفون، يقعون في أشياء هي من أبطل الأباطيل ولا يصدقها عقل إنسان أمي.
فالإسلام احتاط وحرم كل ما يوصل إلى الوثنية أو يشتم فيها رائحة الوثنية.. ولهذا حرم التماثيل.
فتماثيل قدماء المصريين من هذا النوع.
ولعل بعض الناس يعلقون هذه التماثيل بوصفها نوعًا من التمائم، كأن يأخذ رأس «نفرتيتي» أو غيرها ليمنع بها الحسد أو الجن أو العين.. وهنا تضاعف الحرمة. إذ تنضم حرمة التمائم إلى حرمة التماثيل.
لم يبح من التماثيل إلا ألعاب الأطفال فقط، وما عداها فهو محرم.. وعلى المسلم أن يتجنبه (5).
3 ـ الشيخ حسن مراد مناع (المستشار الشرعي في دار الفتوى في الكويت) فقد قال في جوابه على السؤال التالي: مدرس تربية فنية يقول: اختلفنا في موضوع قيام النشاط المدرسي بعمل تمثال لشخصية تاريخية تخليدًا لذكراها وليكون نوعًا من وسائل الإيضاح التعليمية فما الحكم؟
الجواب: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، يا أخي الفاضل ينبغي ألا تضيق نفسك لو كان الحكم ليس معك ويجب أن تعرف أن التماثيل محرمة ونسوق إليك حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«إن الملائكة لا تدخل بيتًا فيه تماثيل». يعني المكان الموجود فيه تمثال سواءً أكان بيتًا أم مدرسة أو ناديًا أو ملعبًا مثلاً تبتعد عنه الملائكة، بل تحريم الإسلام على من يعملها للمسلمين من باب أولى.
وسبب التحريم، البعد عن مشابهة الوثنيين في احترام الأوثان التي يصنعونها ثم يقدسونها ويقفون أمامها خاشعين.
رب قائل يقول: هذا المعنى بعيد عن عقيدة المسلمين. نعم هو بعيد الآن ولكن الإسلام لا يشرع لعصر أو عصرين إنما يشرع للأجيال كلها, وفي أرجاء الدنيا إلى قيام الساعة, فاحتاط بشدة حتى لا يتسرب إلى العقول في عصر من العصور نوع من أنواع الشرك ولو بحسن نية. خاصة وأن ما يعتبر مستحيلاً في عصر قد يصبح واقعًا مألوفًا في عصر آخر سواء كان قريبًا أم بعيدًا, الأصنام التي كان يعبدها المشركون أصلها صور للموتى والصالحين اتخذوها تخليدًا لذكراهم, وبعد زمن طويل عبدوها من دون الله ولهذا فالإسلام على حق حين يسد هذا الباب نهائيًّا. أما تبرير هذا العمل بأنه تخليد للعظماء والأبطال، فنحن لا ننكر خدماتهم للدولة والتاريخ ولكن التخليد لا يكون بأمر محرم وإنما بالكتابة عنهم مثلاً وتأليف كتب سيرتهم بدراسة تاريخهم. والرسولل صلى الله عليه وسلم وهو أكرم الخلق لم يخلد بصور مادية وكذلك الصحابة رضوان الله عليهم ما نحت المسلمون لهم تماثيل ولكن سيرته صلى الله عليه وسلم وسيرة أصحابه محفوظة في الصدور مسطورة في الكتب منذ خمسة عشر قرنًا من الزمن. لا تتخذوا المحرم وسيلة إيضاح وربوا الشباب تربية إسلامية رشيدة، ساعدوهم على سلامة العقيدة وحسن العبادة والله معكم في أداء هذه الرسالة. والله أعلم(6).(52/496)
فهذه فتاوى لعلماء متقدمين ومشايخ معاصرين صريحة في رد هذه الشبهة وهذه الفتاوى موافقة لصحيح المنقول وصريح المعقول ولا يعرف عن أحد من العلماء المتقدمين أو المعاصرين اعتراض ولهذا حكى بعض العلماء (الإجماع والاتفاق) على تحريم اتخاذ التماثيل ولو لم تعبد بل التحريم منصب على ذاتها فمن ذلك:
1 ـ العالم أبو بكر بن العربي المالكي حيث قال: (وحاصل ما في (اتخاذ) الصور أنها إذا كانت ذوات أجسام فحرام (بالإجماع) (7).
2 ـ العلامة النووي الشافعي: قال: (ذهب السلف أن الممنوع ما كان له ظل). ثم قال في رده على الحنابلة في قولهم: (إن ما لم يكن له ظل فلا بأس باتخاذه). قال: وهذا المذهب باطل، فإن الستر الذي أنكره النبي صلى الله عليه وسلم كانت الصورة فيه بلا ظل بغير شك ومع ذلك أمر بنزعه) (8).
يلاحظ أن النووي يرى إزالة الصورة التي ليس لها ظل وأنه يحرم اتخاذها كما يحرم اتخاذ التماثيل ولا فرق.
3 ـ العلامة الطاهر بن عاشور المالكي: حيث قال: (اتفق الفقهاء على تحريم اتخاذ ما له ظل من تماثيل ذوات الأرواح) (9).
4 ـ الشيخ عبد القادر أحمد عطا: قال: (أما اتخاذ التماثيل ـ المجسمة ـ فهي كبيرة من الكبائر بالإجماع) (10).
الوجه السابع: إن من القواعد الشرعية المتفق عليها قاعدة (سد الذرائع) الموصلة للشرك.
فمن الجناية على الشريعة أن يقال: إنها حرمت تعليق التميمة؛ لأنها تفضي إلى الشرك ولم تحرم نصب الأصنام والتماثيل التي أفضت بالتجربة إلى الشرك ودل التاريخ الإنساني على أنها عبدت مرة أخرى كما في قصة قوم نوح وما كان من العرب قبل بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم وما كان من أهل الجزيرة العربية قبل دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، بل إن الشارع حرم وسائل أقل خطرًا على المسلم وأخف ضررًا عليه ولا تفضي إلى الشرك فقد قال سبحانه وتعالى: « وَلاَ تَقْرَبُوا الزِّنَا» فنهى عن القرب من الوسائل التي تجر إلى الزنا، وكذلك حديث: «لا يخلون رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما» فالشارع لم ينه عن الزنا فقط، بل نهى عنه وعن أسبابه والوسائل المفضية إليه. ولما حرم الله الخمر سكب الصحابة رضي الله عنهم جميع ما عندهم في الأسواق ولم يبقوها بين أيديهم وأمام أعينهم. فغريب أن ينهى أب أبناءه عن شرب الخمر ويتركها بين أيديهم وأمام نظرهم بحجة أنها الآن لا تشرب. ولهذا قال الطاهر بن عاشور المالكي رحمه الله: (إن قصد كثير من العلماء في قولهم بنجاسة الخمر الحسية تقريرًا لكراهيتها في النفوس والبعد عنها).
وقال ابن عقيل الحنبلي: (ريح الخمر كصوت الملاهي، حتى إذا شم ريحها، فاستدام شمها كان بمثابة من سمع صوت الملاهي وأصغى إليها، ويجب سد المنخرين والإسراع كوجوب سد الأذنين عند الاستماع).
وقصد في ذلك البعد عن الخمر ومكان وجودها خشية الوقوع في شربها. يقول الشيخ محمد أبو زهرة المصري: (... وأخيرًا فإن سد الذرائع المؤدية إلى الشر توجب وضع العقوبات الزاجرة لمن يشرب الخمر, لأن رؤية المسلم غيره يشرب الخمر يغريه بها، فكان سدًّا للذريعة أن يعمم العقاب على كل من يشربها. وإذا رجعنا إلى كتب التاريخ، نجد أن المسلمين لما اختلطوا بغيرهم، وأبيح لغير المسلمين أن يشربوا، وقامت الحانات كان ذلك إغراء للشباب المسلم بالشرب، فشرب غير متحرج ولا آثم, ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم)(11).
بل إن هناك من العلماء من حرم التشبه بمتعاطي الخمر؛ لأن التشبه في الظاهر دليل على الرغبة في الباطن، قال الشيخ أحمد الشرباصي: (إن الطيور على أشكالها تقع, وبهذا نستطيع أن نحكم على أن شرب الشيء المباح بصورة شرب الشيء المحرم أمر لا يليق بالمسلم أن يأتيه, وتعجبني هنا عبارة للعلامة الغزالي ـ المتقدم ـ يقول فيها: (لو اجتمع جماعة وزينوا مجلسًا، وأحضروا آلات الشرب وأقداحه وصبوا فيها شرابًا (يحل تناوله) ونصبوا ساقيًا يدور عليهم ويسقيهم، فيأخذون من الساقي ويشربون، ويحيي بعضهم بعضًا بكلماتهم المعتادة بينهم حرم ذلك عليهم، وإن كان المشروب مباحًا في نفسه، لأن في هذا تشبهًا بأهل الفساد) (12).
ومما يدل على ذلك حديث «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يجلس على مائدة يدار فيها الخمر»(13). فإذا كان هذا التشديد في وسيلة تفضي إلى أمر محرم لا يتجاوز ذلك فالتشديد في الوسيلة المفضية إلى الشرك بالله من باب أولى وأليق بالشرع وأحكم.
الوجه الثامن: وصية الرسول صلى الله عليه وسلم لعلي بن أبي طالب «أن لا تدع وثنًا إلا كسرته, ولا صورة إلا طمستها, ولا قبرًا إلا سويته»، فلما تساهل المسلمون في بناء الأضرحة والقباب على القبور ولم يعملوا بهذا الحديث, ولم يأتمروا بأمر الرسول كانت النتيجة أن جاء من يعبدها, وجاء من يعظمها ويتوسل بأصحابها ويستغيث بهم ويذبح لهم؛ فوقع الشرك الذي خشيه الرسول صلى الله عليه وسلم, وكان مشفقًا على أمته منه، وكان حريصًا على قطع دابره.
ولا يشك عاقل في هذا العصر بوجود الشرك عند القبور وسببه هو:عدم العمل بهذا الحديث وترك الائتمار بأمر الرسول صلى الله عليه وسلم وعدم تفعيل مبدأ (سد الذرائع) المفضية إلى الشرك. وأكبر سبب لترك العمل بمضمون هذا الحديث هو الاعتقاد السائد في عصر من العصور بأن تسوية القبور وكسر الأوثان وهدم الأصنام حكم خاص ببداية الإسلام, أما بعد ذلك فلا يعمل به؛ لأن الإسلام انتشر فلا يتوقع أن يرجع الشرك في الناس, ولا يتصور أن يصرف شخص عبادة لغير الله, فكانت نتيجة هذا الاعتقاد المعارض لاعتقاد الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته ومن سار على نهجهم أن صرفت العبادة لغير الله، وكان أثر هذا الظن المخالف لظن الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته في ترك الأوثان وعدم كسرها وعدم تسوية القبور في الأرض أن وقع الشرك فهذه تجربة قوية وبرهان واضح ودليل جلي على خطأ هذا الفهم تجاه حديث: «أن لا تدع وثنًا إلا كسرته، ولا صورة إلا طمستها، ولا قبرًا إلا سويته».
أما بالنسبة لأصنام بوذا في أفغانستان، فقد صرح رئيس المحكمة العليا في حكومة طالبان: (14) (بأنه ثبت يقينًا أن هناك بعض الأجانب يأتون إلى تلك الأصنام لكي يتعبدوا عندها، ويسجدون لها، وأن لديهم شهودًا على هذا الواقع) (15).
الحجة الأخرى لمن يرى ترك التماثيل والأصنام في هذا الزمن: أن الصحابة رضي الله عنهم دخلوا مصر زمن عمر بن الخطاب ولا يعرف عنهم هدم الأصنام وتكسير الأوثان الفرعونية.
الجواب على هذه الشبهة:
أولاً: لا يعارض صريح القرآن وظاهر السنة بعمل صحابي ولو كان أبو بكر أو عمر رضي الله عنهما، ولهذا قال ابن عباس رضي الله عنهما للصحابة عندما اعترضوا عليه بقول أبي بكر وعمر قال: (توشك أن تقع عليكم حجارة من السماء، أقول قال الله وقال الرسول، وتقولون قال أبو بكر وعمر).
ثانيًا: أن هذا الكلام من الناحية التاريخية فيه عدة أخطاء وملاحظات وهي كالتالي:
1 ـ لم يثبت من الناحية التاريخية أن الصحابة رضي الله عنهم تركوا هدم هذه التماثيل وليس هناك دليل على الترك، فالأصل أنهم مؤتمرون بأمر الله وأمر الرسول صلى الله عليه وسلم في كسر الأوثان وهدم الأصنام هذا هو الأصل فيهم، ومما يدل على أن هذا الأصل فيهم وصية كبار الصحابة لأتباعهم بذلك كما في وصية علي بن أبي طالب لأبي الهياج الأسدي، فهذا هو الأصل والناقل عنه يحتاج إلى دليل.
2 ـ أن هذه التماثيل الفرعونية الموجودة الآن بمراجعة ما كتب عنها وما كتب عن تاريخ اكتشافها يتبين أنها لم تكن موجودة في وقتهم قطعًا بل إن تسعة وتسعين بالمائة منها لم يعثر عليه ولم يكتشف إلا على أيدي الرحالة الغربيين وفرق التنقيب والاستكشافات منذ قرنين فقط؛ يتضح هذا بمراجعة كتب الآثار الفرعونية وكتب تاريخ مصر القديم فعلى كل تمثال تاريخ استكشافه. وهذا واضح جدًّا جدًّا.
ولهذا لما سئل المؤرخ الزركلي: هل رأى الصحابة الأهرامات وأبا الهول عندما دخلوا مصر قال: (كان أكثرها مغمورًا بالرمال ولا سيما أبا الهول).
أما النسبة المتبقية من التسعة والتسعين بالمائة لا نستطيع الجزم بنفيه نفيًا قاطعًا وهو وجود رأس أبو الهول فهناك احتمال أنه كان ظاهرًا زمن الفتح الإسلامي؛ فممن ذكره المؤرخ التجيبي السبتي المتوفى سنة (730هـ) في كتابه (مستفاد الرحلة والاغتراب) فقد قال تحت عنوان «أبو الهول»: (وبمقربة من هذه الأهرام الثلاثة رأس صورة من حجر جعله هائل المنظر على صورة رأس الإنسان، غير أنه غاية في الكبر قد قام كالصومعة العظيمة...) (16).
وممن ذكره من المؤرخين ابن فضل العمري المتوفى سنة (749هـ) في كتابه (مسالك الأبصار) قال: (أما أبو الهول فهو صنم بقرب الهرم الكبير في وهدة منخفضة وعنقه أشبه برأس راهب حبشي) (17).
وممن ذكره كذلك المؤرخ المقريزي المتوفى سنة (845 هـ) (18).(52/496)
والرد على وجود رأس أبو الهول زمن دخول الصحابة رضي الله عنهم مصر من ثلاثة وجوه:
أولاً: ليس هناك دليل قاطع يدل على أنهم رأوه وتركوه وكما سبق الأصل فيهم الاقتداء والاتباع والاستجابة لمطلب الشريعة؛ فالظن بهم أنهم لو رأوه لما تركوه، فمن خالف هذا الأصل فهو مطالب بالدليل. والقول بأنهم رأوه وتركوه احتمال؛ لأنه لم يثبت تاريخيًّا ويقابله احتمال آخر بأنهم لم يروه.. وإذا قام الاحتمال بطل الاستدلال، فضلاً عن مخالفته للأصل في الصحابة وهو الاستجابة والإتباع لأمر الشارع بالهدم والكسر.
ثانيًا: تنزلاً مع القول بهذا الاحتمال أنهم (رأوا هذه التماثيل وتركوها) أنه لا يلزم من هذه الرؤية أنهم كانوا يستطيعون تكسيرها أو هدمها، فعدم الاستطاعة مانع، والأحكام الشرعية منوطة بالاستطاعة كما قال سبحانه: « فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ »، فعدم الاستطاعة مانع فإذا كانت حركة طالبان لم تستطع هدم تمثالي (بوذا) بسهولة ويسر في هذا العصر عصر التقنية المتطورة، فمن ألف وأربعمائة سنة من باب أولى وأولى بالعجز وعدم القدرة.. ودليل ذلك أن الخليفة هارون الرشيد لم يستطع هدم (إيوان كسرى) وكذلك الخليفة المأمون لم يستطع هدم (الأهرام) مع أن أدوات الهدم والتكسير في عهدهما أكثر تطورًا واستطاعة.
ثالثًا: بما أن القول بأن (رأس أبو الهول) كان ظاهرًا زمن الفتح احتمال يقابله احتمال بعدم ظهوره وهذا الاحتمال أقوى وأرجح تاريخيًّا؛ ودليل ذلك أن المؤرخ (هيرودت المتوفى سنة 430 قبل الميلاد لم يذكر (أبا الهول) في رحلته الشهيرة ألبتة، بل ذكر (الأهرام) في الجيزة ووصفها ووصف المنطقة، وحلل كثيرًا مما شاهده ولم يذكر (أبو الهول) ورحلته عمدة في دراسة المنطقة، فهذا يدل على أنه كان مطمورًا بالرمال في زمنه ويدل على هذا ويقويه أن كثيرًا ممن تكلم عن المنطقة التي يقع فيها (أبو الهول) وصفوها بأن رمالها متحركة جدًّا وبين زمن المؤرخ (هيرودوت) 430 قبل الميلاد وزمن الفتح الإسلامي لمصر سنة 636 ـ 642م ما يقارب ألف سنة، فمعنى هذا أن رأس (أبو الهول) قد يظهر في زمن ويختفي في زمن آخر بسبب الرمال المتحركة، فيحتمل أنه في زمن الفتح الإسلامي كان مغطى بالرمال أيضًا؛ ولهذا لما ظهر ذكره المؤرخون المسلمون وجاء من يرى في رأس (أبو الهول) أنه منكر يجب إزالته فقد ذكر المقريزي: (ففي زمننا ـ القرن التاسع ـ كان شخص يعرف بالشيخ محمد صائم الدهر من جملة صوفية الخانقاه الصلاحية سعيد السعداء قام نحو من سنة ثمانين وسبعمائة لتغيير أشياء من المنكرات وسار إلى الأهرام وشوه وجه (أبي الهول) وشعثه فهو على ذلك إلى اليوم ومن حينه غلب الرمل على أراضٍ كثيرة من الجيزة وأهل تلك النواحي يرون أن سبب غلبة الرمل على الأراضي فساد وجه (أبي الهول) ولله عاقبة الأمور)(19).
وهذا الاعتقاد من أهل تلك النواحي من الشرك الأصغر والتي قامت دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم على النهي عنه والتحذير منه فقال «إن الشمس والقمر لا يخسفان لموت أحد أو حياته» ونهى عن القول (مطرنا بنوء كذا وكذا بل مطرنا بفضل الله ورحمته) لكن يستفاد من هذه الحكاية أن رمال المنطقة متحركة، ويستفاد أيضًا أن أهل تلك المنطقة لم يكونوا على عقيدة راسخة تعرف أن دين الأنبياء وخاصة خاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم قائم على محاربة وسائل الشرك والتي منها التماثيل والأصنام. بل هذه العقيدة المخالفة ليست مقتصرة على أهل تلك المنطقة، بل هناك من شابههم في العالم الإسلامي لم يكونوا بدرجة واعية تجاه هذه التماثيل الموجودة.. ودليل ذلك انتشار الأضرحة والعقائد الشركية فهذه الأزمان بهذه الانحرافات ليست حجة، وعدم الوعي العقدي عند بعض المسلمين ليس دليلاً شرعيًّا نعارض به قوله تعالى حكاية عن إبراهيم عليه الصلاة والسلام: « وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ » [الأنعام: 74] وقوله تعالى « وَتَاللَّهِ لأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ » [الأنبياء: 57] وقوله تعالى: « فَرَاغَ إِلَى آلِهَتِهِمْ فَقَالَ أَلا تَأْكُلُونَ مَا لَكُمْ لا تَنْطِقُونَ فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ » [الصافات: 91-95] وقوله تعالى حكاية عن موسى عليه الصلاة والسلام في قصته مع السامري: « قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَنْ تَقُولَ لا مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا لَنْ تُخْلَفَهُ وَانْظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا» [طه: 97] وكيف يعارض احتمال أن الصحابة رأوا هذه التماثيل وتركوها بالأمر اليقين من قوله صلى الله عليه وسلم لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه: «أن لا تدع وثنًا إلا كسرته، ولا صورة إلا طمستها، ولا قبرًا إلا سويته» وقوله عليه الصلاة والسلام لعمرو بن عبسة حين سأله بأي شيء أرسلك الله؟ قال: «بصلة الأرحام، وكسر الأوثان، وأن يوحد الله لا يشرك به شيئًا» (20).
وقوله عليه الصلاة والسلام: «إن الله بعثني رحمة للعالمين، وأمرني ربي عز وجل بمحق الأوثان» (21).
بل لو ثبت يقينًا أن عمرو بن العاص ومن معه من الصحابة الذين دخلوا مصر تركوا كسر الأوثان والأصنام فلا يعارض هذا بتكسير الرسول صلى الله عليه وسلم التماثيل عندما دخل مكة ولا يعارض وصيته بذلك.
فالله سبحانه وتعالى أمرنا بالاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم،
فقال سبحانه: «لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا»(21) [الأحزاب: 21]،
وقال: { وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ » [الحشر: 7] والله سبحانه وتعالى لن يسأل الناس عن استجابتهم لأحد يوم القيامة غير الرسول صلى الله عليه وسلم كما قال سبحانه: « مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ » [القصص: 65].
---------------------
(1) الآداب الشرعية لابن مفلح 10/219.
(2) الحاوي في فتاوى الغماري، ص66.
(3) إحكام الأحكام لابن دقيق العيد بحاشية الصنعاني 3/321.
(4) يسألونك في الدين والحياة 4/437.
(5) فتاوى معاصرة 1/697.
(6) فتاوى وتوجيهات ص94-95.
(7) إحكام الأحكام بحاشية الصنعاني 3/322.
(8) أحكام الإحكام 3/322.
(9) تفسير التحرير والتنوير 22/162.
(10) هذا حلال وهذا حرام، ص188.
(11) الجريمة والعقوبة في الفقه الإسلامي، ص30.
(12) يسألونك عن الدين والحياة 2/296.
(13) أخرجه الترمذي وحسنه الألباني.
(14) تصريح قديم قبل سقوط الدولة.
(15) صحيفة الشرق الأوسط العدد (8150).
(16) مستفاد الرحلة والاغتراب ص167.
(17) تحفة الكرام بخبر الأهرام للسيوطي ص16.
(18) المواعظ والاعتبار، 1/122.
(19) المواعظ والاعتبار للمقريزي 1/123.
(20) أخرجه مسلم في صحيحه.
(21) أخرجه أحمد في المسند.
=================(52/496)
نظرات في كتابات د . القرضاوي
الحمد لله وحده, والصلاة والسلام على نبينا محمد عليه وعلى آله وصحبه أفضل الصلاة وأتم التسليم.
فقد روى الإمام مسلم أنَّ رسول الله- صلَّى الله عليه وسلَّم- قال: (( الدينُ النصيحة, قُلنا: لِمَنْ، قال صلَّى الله عليه وسلَّم: لله, ولكتابه, ولرسوله, ولأئمةِ المسلمينَ, وعامَّتهم )).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: ( وكذلك بيانُ من غلط في رأي رآه في أمر الدين من المسائل العلمية والعملية، فهذا إذا تكلَّم فيه الإنسانُ بعلمٍ وعدلٍ, وقصدَ النصيحة فالله تعالى يُثيبه على ذلك, لا سيِّما إذا كان المتكلَّمُ فيه داعياً إلى بدعة فهذا يجبُ بيان أمره للناس, فإنَّ دفع شرّه عنهم أعظم من دفع شرِّ قاطع الطريق ) منهاج السنة ج5/146
وفي هذه الرسالة أذكرُ بعضَ ما خالفَ فيه الشيخ الدكتور / يوسف بن عبد الله القرضاوي كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم, وذلك عبر خلاصة ما كتبته عنه في النقاط التالية مع عدم التعليق عليها إلاَّ نادراً لمعرفة بطلانها من الدين .
* سوء الأدب مع الله تعالى: قال: ( أُحبُّ أن أقول كلمة عن نتائج الانتخابات الإسرائيلية: العرب كانوا مُعلِّقين كل آمالهم على نجاح بيريز, وقد سقط بيريز, وهذا مما نَحمد لإسرائيل , نتمنَّى أن تكون بلادنا مثل هذه البلاد ؟ من أجل مجموعة قليلة يسقط واحد, والشعب هو الذي يحكم, ليس هناك التسعات الأربع, أو التسعات الخمس النسب التي نعرفها في بلادنا 99. 99% ما هذا: إنها الكذب والغش والخداع, لو أنَّ الله عرض نفسه على الناس ما أخذ هذه النسبة ؟! نُحيِّي إسرائيل على ما فعلت ) جزء من خطبة الجمعة التي ألقاها بعد فوز نتنياهو بالانتخابات في دولة يهود, وكانت الخطبة بعنوان: تحريم التدخين وقتل الرهبان بجامع عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- بدولة قطر, من إصدار تسجيلات الأمة للصوتيات والمرئيات.
* الترحُّم على الكفار: حيث جاء في كلمته عن بابا النصارى يوحنا بولس الثاني بابا الفاتيكان والكنيسة الكاثوليكية: ( ومن حقنا أو من واجبنا أن نُقدِّم العزاء إلى الأمة المسيحية وإلى أحبار المسيحية في الفاتيكان وغير الفاتيكان من أنحاء العالم, وبعضهم أصدقاءٌ لنا.. نُقدِّم لهؤلاء العزاء في وفاة هذا الحبر الأعظم.. نُقدِّم عزاءنا في هذا البابا الذي كان له مواقف تُذكر وتُشكر له.. وإخلاصه في نشر دينه ونشاطه حتى رغم شيخوخته وكبر سنه.. فكان مُخلصاً لدينه, وناشطاً من أعظم النشطاء في نشر دعوته, والإيمان برسالته, وكان له مواقف سياسية يعني تُسجَّل له في حسناته.. لا نستطيع إلاَّ أن ندعو الله تعالى أن يرحمه ويُثيبه بقدر ما قدَّم من خير للإنسانية, وما خلَّف من عمل صالح, أو أثر طيِّب, ونُقدِّم عزاءنا للمسيحيين في أنحاء العالم، ولأصدقائنا في روما وأصدقائنا في جمعية سانت تيديو في روما, ونسأل الله أن يعوِّض الأمة المسيحية فيه خيراً ) بُثَّت هذه الكلمة بصوت القرضاوي في أكثر مواقع الانترنت, وهي مسجَّلة عندي .
* القول بعدم حرمة موالاة كل مشرك : قال عن قول الله تعالى: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء )) (المائدة:51).
( هذه الآيات ليست على إطلاقها, ولا تشمل كل يهودي, أو نصراني, أو كافر ) الحلال والحرام ص307.
وقال: ( إنَّ مودَّة المسلم لغير المسلم لا حرج فيها ) غير المسلمين في المجتمع الإسلامي ص68.
* إماتة عقيدة الولاء والبراء: قال: ( أنا أقول عنهم إخواننا المسيحيين، البعض يُنكر عليَّ هذا كيف أقول إخواننا المسيحيين (( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ )) (الحجرات:10) .
نعم نحن مؤمنون, وهم مؤمنون بوجه آخر) برنامج الشريعة والحياة حلقة بعنوان غير المسلمين في ظل الشريعة الإسلامية بتاريخ 10/6/1418هـ.
وقال: ( إنَّ العداوة بيننا وبين اليهود من أجل الأرض فقط لا من أجل الدين ) الأمة الإسلامية حقيقة لا وهم. ص70.
وقال: ( المعركة بيننا وبين اليهود ليست معركة من أجل العقيدة بل من أجل الأرض ) الشريعة والحياة: في ذكرى الإسراء والمعراج بتاريخ 23/7/1418هـ.
وقال: ( لا نُقاتل الكفار لأنهم كفار, وإنما نُقاتلهم لأنهم اغتصبوا أرضنا وديارنا وأخذوها بغير حقٍّ ) مجلة الراية عدد 4696 تاريخ 24/8/1415هـ.
وقال: ( أُريد أن أقول لبعض الناس كيف يفهموا الآية: (( لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ )) (المائدة:82) .
أنَّ هذا بالنسبة للوضع الذي كان أيام الرسول صلى الله عليه وسلم ) الشريعة والحياة: الصراع بين المسلمين واليهود 7/8/1418هـ.
* الدعوة للسلام العالمي : قال: ( بعض الناس يقولون: تريدون أن تُحاوروا المسيحيين وغيرهم وصولاً إلى ما تُسمُّونه السلام العالمي ؟ نقول لهم: نعم, لماذا لا، يقولون: إنَّ الأصل في علاقة المسلمين بغيرهم هو الجهاد والحرب وليس السلام, وهذا رأي موجود ولكن لا نلتزمه ) الإسلام والغرب ص16 .
* الدعوة للتقارب بين الأديان: قال:( من جهتنا نحن المسلمين مستعدون للتقارب, المهم أيضاً أن يكون عند الآخرين مثل هذه الروح فيعاملوننا بمثل ما نعاملهم به, ويقتربون منا بقدر ما نقترب منهم ) الإسلام والغرب ص16 .
* الثناء على الديمقراطية والتي هي حكم الشعب بالشعب: قال: ( الديمقراطية فيها ضمانات للحرية، وأساليب لقمع الحكَّام المستبدِّين, وهي سياسة شرعية بابها واسعٌ في الفقه الإسلامي, فالشورى والديمقراطية وجهان لعملة واحدة ) جريدة الشرق عدد 2719 تاريخ 19/3/1416هـ
* تحريف معنى الإسلام إلى إسلام عقيدة وإسلام حضارة وثقافة : قال: ( أهل الذمة من أهل الكتاب لهم وضع خاص, والعرب منهم لهم وضع أخص لاستعرابهم وذوبانهم في أمة العرب, وتكلمهم بلغة القرآن, وتشربهم للثقافة الإسلامية, واشتراكهم في المواريث الثقافية والحضارية للمسلمين بصورة أكبر من غيرهم , فهم مسلمون بالحضارة والثقافة, وإن كانوا مسيحيين بالعقيدة والطقوس ) فتاوى معاصرة ج2/671 .
* القول بأنَّ الجهاد إنما هو للدفاع عن كلِّ الأديان: قال: ( القتال للدفاع عن كلِّ الأديان، فالمساجد للمسلمين، والبيَع والصلوات لغير المسلمين ) الشريعة والحياة حلقة بعنوان العلاقات الدولية بتاريخ 10/11/1418هـ.
* مُخالفة الكتاب والسنة والإجماع في زعمه أنَّ الجهاد للدفاع فقط: قال: ( إنَّ الجهاد في الإسلام للدفاع عن الدين والدولة والحرمات والأرض والعرض.. وليس لغزو العالم كما يُصوِّره بعض الناس ) الإسلام والغرب ص19 .
* مخالفة ما اتفق عليه الفقهاء من تحريم تهنئة الكفار بشعائر دينهم : حيث سُئل الدكتور عن: ( المشاركة في حفلات الأقسام المختلفة في المستشفى بأعياد الميلاد ورأس السنة ؟ ما حكم حضور هذه الحفلات ؟ أو إرسال بطاقات معايدة للرؤساء والزملاء, أو حتَّى ردّ التحية على سنة سعيدة, أو عيد ميلاد جديد ) فأجاب: ( يكفي المجاملة بالبطاقة ونحو ذلك, ولا داعي للحضور إلاَّ إذا كان في ذلك مصلحة للإسلام والمسلمين) فتاوى معاصرة ج2/617 .
* القول بأنَّ الجزية تسقط بالخدمة العسكرية: قال : ( المطلوب هو أن يشاركوا في دفع شيء للدولة، كان المسلمون واليهود وأهل الذمة في الماضي مسرورين بالجزية لأنها كانت مزية لهم لأنهم يُعفون بالمقابل من الخدمة العسكرية ) برنامج الشريعة والحياة : حلقة بعنوان غير المسلمين في ظل الشريعة الإسلامية بتاريخ 10/6/1418هـ .
* تسمية من قُتل دون وطنه من المشركين شهيد ؟ : قال: ( وقد كان الأقباطُ مضطهدين قروناً قدَّموا فيها آلاف الشهداء لاختلاف المذاهب فقط ) الشريعة والحياة: غير المسلمين في ظل الشريعة الإسلامية بتاريخ 10/6/1418هـ.
* تسوية الرافضة بأهل السنة : قال: ( الشيعة يا أخي مسلمون حتى وإن كان لهم بعض البدع والأشياء التي نُنكرها عليهم، ولكنهم مسلمون يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ويُؤمنون بالله, وملائكته, وكتبه, ورسله, واليوم الآخر, ويُقيمون الصلاة، ويُؤتون الزكاة, ويصومون رمضان, ويحجون البيت, وإن كانت لهم بعض الاعتقادات والأفكار نُنكرها عليهم، كما يُوجد في أهل السنة أُناس لهم بدع وأشياء ) حلقة مفتوحة لأسئلة المشاهدين في قناة الجزيرة في 15/12/1418هـ .
* الدفاع عن الرافضة في إجماع علمائهم بتحريف القرآن: قال: ( ولهذا لا يوجد عند الشيعة مصحف غير مصحف المسلمين, فهو الذي يطبعونه.. ويُفسِّرونه في كتبهم, ويحتجُّون به في كتبهم العقائدية والفقهية, وهم مجمعون على أنَّ ما بين دفتي المصحف كلام الله بيقين ) المرجعية العليا في الإسلام ص14 .
* مخالفة هدي السلف في التحذير من المبتدعة والرد عليهم: قال : ( ليست معركتنا مع الذين يقولون عن الله تعالى: ليس له مكان... ليست معركتنا مع الذين يُؤوِّلون صفات الله بل الذين يجحدون الله بالكلية, وأي تحويل للمعركة عن هذا الخط يُعتبر توهيناً للصف, وفراراً من الزحف, وإعانة للعدو ) وجود الله ص7-8 .
* القول بعقيدة الأشاعرة في الأسماء والصفات : قال: ( إنَّ مذهب السلف في الآيات والأحاديث التي تتعلق بصفات الله تبارك وتعالى أن يُمِرُّوها على ما جاءت عليه ويسكتوا عن تفسيرها أو تأويلها ) مجلة المجتمع عدد 1370 تاريخ 25/5/1420هـ .
قال الإمام الحافظ الذهبي: ( المتأخرون من أهل النظر قالوا مقالةً مُولَّدةً ما علمتُ أحداً سبقهم بها, قالوا: هذه الصفات تُمَرُّ كما جاءت ولا تُأوَّل مع اعتقاد أنَّ ظاهرها غير مراد ) العلو للذهبي ص183.
* التزكية المطلقة لمذهب الإخوان المسلمين: قال: ( بريئين من الشرك كلِّه أكبره وأصغره, جلِيِّه وخفيِّه ) مجلة المجتمع عدد 1370 تاريخ 25/5/1420هـ
* الاحتفال ببعض الأعياد البدعية: قال: ( أنا أُحبُّ كل ما له علاقة بزوجتي, وأحتفل بعيد زواجنا سنوياً... لا يمنع من أن يأتي الزوج في ميلاد زوجته ويقولها: كل سنة وأنت طيِّبة ) جريدة الراية عدد 5969 تاريخ 20/5/1419هـ.
* حضور احتفال ذكرى رحيل الخميني: قال: ( شهد الحفل عدد من الضيوف تقدَّمهم فضيلة الدكتور الشيخ يوسف القرضاوي، وتضمن الحفل بعض الخطب الدينية والقصائد في رثاء الإمام الخميني.. ) الشرق الأوسط 17/1/1417هـ .
* ردُّ وتأويل بعض الأحاديث الصحيحة: ومن ذلك قوله فيما رواه مسلم من قوله- صلى الله عليه وسلم-: (( إنَّ أبي وأباك في النار )).
قال القرضاوي: ( قلتُ: ما ذنب عبد الله بن عبد المطلب حتى يكون في النار وهو من أهل الفترة , والصحيح أنهم ناجون ) كيف نتعامل مع السنة النبوية ص97 .
وقال عن قوله- صلى الله عليه وسلم- فيما رواه البخاري: (( يُؤتى بالموت كهيئة كبش أملح )).
قال: ( من المعلوم المتيقَّن الذي اتفق عليه العقل والنقل أنَّ الموت ليس كبشاً, ولا ثوراً, ولا حيواناً من الحيوانات ) كيف نتعامل مع السنة النبوية ص 162.
وقال عن قوله- صلى الله عليه وسلم- فيما رواه البخاري: (( لن يُفلح قوم ولَّوا أمرهم امرأة )).
قال القرضاوي : ( هذا مُقيَّدٌ بزمان الرسول صلى الله عليه وسلم الذي كان الحكم فيه للرجال استبدادياً ، أمَّا الآن فلا ) برنامج في قناة art بتاريخ 4/7/1418هـ .
وقال الشيخ عن قوله- صلى الله عليه وسلم- فيما رواه البخاري ومسلم: (( ما رأيتُ من ناقصات عقل ودين أذهب لِلُبِّ الرجل الحازم من إحداكنَّ)).
قال القرضاوي-: ( إنَّ ذلك كان من الرسول على وجه المزاح ) برنامج في قناةart بتاريخ 4/7/1418هـ .(52/496)
وقال الشيخ عن قوله- صلى الله عليه وسلم- فيما رواه البخاري: (( لا يُقتل مسلمٌ بكافر )).
قال القرضاوي: بعد أن قرَّر أنَّ المسلم يُقتل بالكافر خلافاً للحديث: ( إنَّ هذا الرأي هو الذي لا يليق بزماننا غيره.. ونحن بترجيح هذا الرأي نُبطل الأعذار ونُعلي راية الشريعة الغراء ) الشيخ الغزالي كما عرفته ص168 .
* تقليد العصرانيين في تقسيمهم للسنة النبوية إلى سنة تشريعية وغير تشريعية : ومن ذلك ردُّه للطب النبوي فقال: ( لم يُبعث عليه الصلاة والسلام ليقوم بطبِّ الأجسام , فذلك له أهله, وإنما بُعث بطب القلوب, والعقول, والأنفس, ومهما يكن اعتزازنا بما سمَّاه العلماء: الطب النبوي, فمن المتفق عليه أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم لم يدَّع العلم بالطب, ولا بُعث لذلك ) السنة مصدراً للمعرفة والحضارة ص66-67
* تنقُّص دعوة شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله : قال : ( وربما يعترض معترض بالحركة الوهابية, فهي حركة سلفية, تستمد من تراث المدرسة التيمية, ولكنها لم تُعرف بالتجديد والاجتهاد.. ولعلَّها هي التي أثَّرت في كثير ممن ينتمون إلى السلفية في عصرنا من المعادين للتجديد, وقد يكون عذر هذه الحركة أنها نشأت في مجتمع بسيط بعيد عن معترك الحضارة تغلب عليه حياة البداوة ) الصحوة الإسلامية وهموم الوطن العربي والإسلامي ص46-47 .
* حثُّ الشباب الملتزم بالعمل في البنوك الربوية: قال: ( أُفتي الشباب الملتزم ألاَّ يدع عمله في البنوك وشركات التأمين ونحوها ) أولويات الحركة الإسلامية في المرحلة القادمة ص32 .
* الدعوة للاختلاط بين الرجال والنساء: قال: ( في الثمانيات حضرتُ عدداً من المؤتمرات في أمريكا وأوروبا فوجدت فصلاً تاماً بين الجنسين... وقد أنكرتُ هذا... وقلتُ: إنَّ الأصل في العبادة ودروس العلم هو الاشتراك ) أولويات الحركة الإسلامية ص65.
وقال: ( مع أنَّ مثل هذه المؤتمرات تُعتبر فرصة لرؤية شاب فتاة فيُعجب بها، ويسأل عنها ويفتح الله قلبيهما ) حلقة تحديات المرأة المسلمة في الغرب من برنامج الشريعة والحياة 26/5/1418هـ .
* تحليل الأغاني والسينما, والدعوة لاشتراك المرأة في التمثيليات والمسلسلات, والإنكار على التائبين من الفنَّانين: قال: ( وأستمعُ بحبٍّ وأتأثر بشدَّة بصوت فائزة أحمد وهي تُغنِّي الأغنيات الخاصة بالأسرة: ستِّ الحبايب, ويا حبيبي يا خُويا ويا بوعيالي, وبيت العزِّ يابتنا على بابك عنبتنا, وهذه أغنيات لطيفة جداً.. ) مجلة الراية عدد 5969 تاريخ 19/5/1419هـ.
وقال: ( اشتراك المرأة في التمثيل أمرٌ ضروري لا بُدَّ منه ) مجلة المجتمع عدد 1319 ص44, وقال: ( وأنا قد أنكرتُ على كثير من الفنانين أنهم اعتزلوا ) أسئلة المشاهدين بتاريخ 15/12/1418هـ .
* مصافحته للمرأة الأجنبية: قال: ( .. قد نكون جالسين عند مدير الجامعة وتأتي بعض الدكتورات وتُسلِّم على الموجودين، فأُسلِّم عليها وانتهينا ) أسئلة المشاهدين في قناة الجزيرة في 15/12/1418هـ .
* القول بأنَّ رجم الزاني الْمُحصن راجعٌ لرأي ولي الأمر: ( حاشية القرضاوي على فتاوى الشيخ مصطفى الزرقا ص394 ) .
* القول بعدم قتل المرتد عن الإسلام: إلاَّ إذا صاحب ردَّته عنفٌ ضد المجتمع ( الخصائص العامة للإسلام ص240).
أسأل الله تعالى أن يُلهمنا والدكتور القرضاوي رشدنا, وأن يُعيذنا من شرِّ أنفسنا, وصلَّى الله وسلَّم على عبده ورسوله محمد.
=================(52/496)
جدير بالشيخ القرضاوي أن يعود عن مدح البابا والترحم عليه
[الكاتب: محمد مصطفى المقرئ] أجل... جدير بمن كان في مثل مكانة الشيخ القرضاوي - حفظه الله وأحسن عملنا وعمله - أن يعود، بل أن يكون أسرع الناس أوبة إلى الحق، أجرأهم تصويباً لخطأ نفسه، ولا سيما إن كان هو وحده الذي تتوفر له فرصة التصحيح، أعني الفرصة السانحة والمكافئة من خلال نفس المنبر الذي جرى فيه الخطأ.
ففي ذلك إعفاء لنفسه من تبعة أن يُتبَعَ في غير صواب، ومسؤولية أن لا يضرب من نفسه القدوة والمثل، فيما يجب على من يدركه خطأ أو زلل، وأهل العلم - لا جرم - منوط بهم التعليم والتربية جميعاً.
وقديماً قالوا: "العود أحمد"، وفي خطاب عمر إلى أبي موسى رضي الله عنهما يوصيه بالتراجع عن الخطأ، فيقول: (ولا يمنعك قضاء قضيت فيه اليوم فراجعت فيه رأيك فهديت فيه لرشدك أن تراجع فيه الحق، فإن الحق قديم لا يبطله شيء، ومراجعة الحق خير من التمادي في الباطل) [1]. وهذا النصح والتبيين مني - وإن وقع متراخياً عن صدور الزلة المعنية - مقصوده: أن أصوب ما استطعت من خلال هذا المنبر الموقر، وعبر مقال واحد بزاوية فيه، على أن ذلك قد لا يكافئ برنامجاً بحجم "الشريعة والحياة" أو لا يغطي نفس مجاله ومداه... آملاً أن يصدر التصويب من الشيخ الموقر نفسه، وعبر منبر "الجزيرة" نفسه.
لقد ورد على لسان الشيخ الموقر كلام يتصل بأحكام لا مجال فيها للاجتهاد، لأنها معدودة من مسائل العقيدة، والأمر فيها نصي لا يحتمل التأويل، توقيفي لا يسوغ إعمال الرأي فيه.
وسأنقل - فيما يلي - كلام الشيخ بنصه وحرفه، قبل أن أشرع في بيان وجوه الخطأ فيه، مستعيناً بالله تعالى أن يوفقني لصياغة الرد عليه في أرق عبارة ممكنة، وأخفها وقعاً على آذان محبي الشيخ، وألطفها نزولاً على نفوسهم.
قال - غفر الله لنا وله -: (نقدم عزاءنا في هذا البابا - يعني باب الفاتيكان - الذي كان له مواقف تذكر وتشكر له، ربما يعني بعض المسلمين يقول أنه لم يعتذر عن الحروب الصليبية وما جرى فيها من مآسي للمسلمين كما اعتذر لليهود وبعضهم يأخذ عليه بعض أشياء ولكن مواقف الرجل العامة وإخلاصه في نشر دينه ونشاطه حتى رغم شيخوخته وكبر سنه، فقد طاف العالم كله وزار بلاد ومنها بلاد المسلمين نفسها، فكان مخلصا لدينه وناشطا من أعظم النشطاء في نشر دعوته والإيمان برسالته وكان له مواقف سياسية يعني تُسجل له في حسناته مثل موقفه ضد الحروب بصفة عامة.
فكان الرجل رجل سلام وداعية سلام ووقف ضد الحرب على العراق ووقف أيضا ضد إقامة الجدار العازل في الأرض الفلسطينية وأدان اليهود في ذلك وله مواقف مثل هذه يعني تُذكر فتشكر... لا نستطيع إلا أن ندعو الله تعالى أن يرحمه ويثيبه بقدر ما قدَّم من خير للإنسانية وما خلف من عمل صالح أو أثر طيب ونقدم عزاءنا للمسيحيين في أنحاء العالم ولأصدقائنا في روما وأصدقائنا في جمعية سانت تيديو في روما ونسأل الله أن يعوِّض الأمة المسيحية فيه خيراً).
راجع نص كلام الشيخ مفرغاً كتابة على موقع "الجزيرة نت" نقلاً عن برنامج "الشريعة والحياة"، الأحد الموافق 3/4/2005م.
وسأكتفي - هنا - بما ورد في قوله: (لا نستطيع إلا أن ندعو الله تعالى أن يرحمه ويثيبه بقدر ما قدَّم من خير للإنسانية وما خلف من عمل صالح أو أثر طيب)!!
فهل يجوز شرعاً؛ أن ندعوا الله لمن مات على الكفر، سواء كان له دين أو لا دين له أو كان مرتداً عن دين الإسلام بالرحمة والمثوبة؟
والجواب على هذا تراه فيما يلي من خلال مسألتين:
المسألة الأولى: لا يجوز أن يدعى للكافر - الذي يموت على الكفر - بالرحمة.
ذلك أن الكافر الذي يموت على الكفر مطرود من رحمة الله، ونحن مأمورون بأن نأخذ الناس بظواهرهم، فمن مات على الكفر وجب أن يجري عليه أحكام الكفار، ومن مات على الإسلام؛ وجب أن يجري عليه أحكام أهل القبلة، ولا يسعنا أن نفترض في هؤلاء أو أولئك خلاف ما دل عليه ظاهر أمرهم.
ومطلق الرحمة لا يحق إلا في حق من مات على الإيمان... قال تعالى - والخطاب في حق المؤمنين -: {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ}... إلى قوله تعالى: {أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} [البقرة: 155 - 157]، وقال: {أَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ بِاللّهِ وَاعْتَصَمُواْ بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِّنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً} [النساء: 175]، وقال: {وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [آل عمران: 107]، ولم يزل دعاء المؤمنين ربهم ورجاؤهم إياه {رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ} [آل عمران: 8]، وأيضاً ما حكاه القرآن عن أصحاب الكهف: {إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَداً} [الكهف: 10].
فالرحمة المطلقة لا حظ فيها للكافر، هذا مع سعة رحمة الله التي وإن شملت الكفار في الدنيا من بعض الوجوه لا تشملهم في الآخرة... قال تعالى: {فَإِن كَذَّبُوكَ فَقُل رَّبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ} [الأنعام: 147].
ولذلك فإن ما أثبته القرآن من رحمة في حق عموم الناس أو في حق المشركين منهم إنما هي رحمة نسبية أو جزئية، مقيدة...
• مقيدة بالدنيا؛ كما قال تعالى: {وَآيَةٌ لَّهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ* وَخَلَقْنَا لَهُم مِّن مِّثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ* وَإِن نَّشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلَا صَرِيخَ لَهُمْ وَلَا هُمْ يُنقَذُونَ* إِلَّا رَحْمَةً مِّنَّا وَمَتَاعاً إِلَى حِينٍ} [يس: 41 - 44].
• أو مقيدة بتوفير أسباب الهداية إلى الآخرة؛ كما قال تعالى: {أَوْ تَقُولُواْ لَوْ أَنَّا أُنزِلَ عَلَيْنَا الْكِتَابُ لَكُنَّا أَهْدَى مِنْهُمْ فَقَدْ جَاءكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَّبَ بِآيَاتِ اللّهِ وَصَدَفَ عَنْهَا سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آيَاتِنَا سُوءَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُواْ يَصْدِفُونَ} [الأنعام: 157]، وفرق بين رحمة توفير أسباب الهداية وبين رحمة مآل الاهتداء وعاقبته... قال تعالى: {وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيِقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَّكُمْ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ آمَنُواْ مِنكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [التوبة: 61]، وقال تعالى: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَاراً} [الإسراء: 82]، وقال تعالى: {وَمَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلاَّ لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [النحل: 64]، وقال تعالى: {وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِم مِّنْ أَنفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيداً عَلَى هَؤُلاء وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} [النحل: 89]، وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ} [يونس: 57]، وقال: {هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّقَوْمِ يُوقِنُونَ} [الجاثية: 20].
• أو بتخفيف العذاب عن بعضهم لمعنى مختص بذلك البعض؛ كما الحال مع أبي طالب عم النبي صلى الله عليه وسلم. أما فيما سوى ذلك فلا يناله الله برحمة...
وبهذا التقسيم نفهم قول الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 107]، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما يرحم اللهُ من عباده الرحماءَ) [2] .
فالرحمة المذكورة في نحو هذا من النصوص هي من جهة ثبوتها في حق المؤمن غيرها في حق الكافر، أي من جهة وجوهها ومقدارها... لأنها في حق هذا الأخير مقيدة بهذه الدار، وبأحكام جاء بها النبي صلى الله عليه وسلم فيها تخفيف عن المشركين ورحمة، وبأخلاق راقية في معاملتنا لهم، وبأسباب للهداية والبيان، ورفع الإصر والأغلال التي كانت عليهم، كما في قوله الله تعالى - في صفة النبي صلى الله عليه وسلم -: {يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الأعراف: 157].
أما رحمة الله عباده في الآخرة فالكافر مطرود منها لا ريب... ومقتضى الطرد من رحمة الله أن لا يغفر الله للمطرود وهو الذي يموت على الكفر.
ذلك أن مغفرة الذنوب مظهر من أعظم مظاهر الرحمة، بل أعظمها... قال تعالى: {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً} [النساء: 48]، وقال تعالى: {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيداً} [النساء: 116]، وقد دلت هذه الآية وسابقتها على أن من لم يتب من الشرك حتى مات عليه غير مغفور له، مقطوع بذلك غير معلق على المشيئة، وإنما يدخل في المشيئة من مات على التوحيد مع ما ألم به من ذنب دون الشرك... {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ}، وقال تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر: 53]، فهذه في حق العموم بشرط الإيمان، فالله يغفر الذنوب جميعها بما في ذلك الشرك إن تيب منه.
لا رحمة ولا مغفرة لم مات على الكفر:
والدعاء بالرحمة للكافر متضمن لطلب المغفرة له ولا ريب، ولا سيما إن اقترن بطلب المثوبة، وحمله على ما هو دون ذلك - كرجاء تخفيف العذاب مثلاً - بعيد، وقد جاءت الصياغة في كلام الشيخ القرضاوي مطلقة غير مقيدة، بل اقترن بها ما يتعين معه حملها على الإطلاق كما تقدم. ولو فرض - جدلاً - جواز حملها على غير ذلك لكان فيها من التلبيس والاشتباه على السامع والقارئ ما يوجب تركها واستبدال بها صياغة تسلم من الالتباس والشبهة.
والشيخ - لا ريب - يعلم أنه لا يجوز الاستغفار للكافر الذي مات عل الكفر، ولكن عبارته تضمنت هذا المعنى أو اقتضته، وإن لم يذكر ذلك بصريح لفظه.
والشيخ يعلم أن الكلام إنما يصاغ على ما يفهمه سامعه، وفي المشاهدين من يتعذر عليه استكناه المقاصد والنيات، أو حمل الكلام على غير ظاهره. ولذلك وجب التنويه إلى أن من مات على الكفر لا يغفر له، ولا يستغفر له...
قال تعالى: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُواْ أُوْلِي قُرْبَى مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ* وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلاَّ عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأوَّاهٌ حَلِيمٌ} [التوبة: 113، 114].
قال الإمام الطبري - في تفسير الآية -: (يقول تعالى ذكره: ما كان ينبغي للنبي محمد صلى الله عليه وسلم والذين آمنوا به أن يستغفروا, يقول: أن يدعوا بالمغفرة للمشركين, ولو كان المشركون الذين يستغفرون لهم أولي قربى, ذوي قرابة لهم. {من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم}؛ يقول: من بعد ما ماتوا على شركهم بالله وعبادة الأوثان تبين لهم أنهم من أهل النار; لأن الله قد قضى أن لا يغفر لمشرك فلا ينبغي لهم أن يسألوا ربهم أن يفعل ما قد علموا أنه لا يفعله) [3].
وفي سبب نزول الآية روى الشيخان في صحيحيهما، عن سعيد بن المسيب، عن أبيه قال: لما حضرت أبا طالب الوفاة جاءه رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجد عنده أبا جهل وعبد الله بن أبي أمية بن المغيرة, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا عم قل لا إله إلا الله كلمة أشهد لك بها عند الله)، فقال أبو جهل وعبد الله بن أمية: يا أبا طالب أترغب عن ملة عبد المطلب. فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرضها عليه ويعيد له تلك المقالة حتى قال أبو طالب آخر ما كلمهم: هو على ملة عبد المطلب، وأبى أن يقول لا إله إلا الله. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أما والله لأستغفرن لك ما لم أنه عنك)، فأنزل الله عز وجل: {ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم}، وأنزل الله في أبي طالب، فقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: {إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين} [القصص: 56].
فالآية على هذا ناسخة لاستغفار النبي صلى الله عليه وسلم لعمه فإنه استغفر له بعد موته على ما روي في غير الصحيح. وقال الحسين بن الفضل: وهذا بعيد؛ لأن السورة من آخر ما نزل من القرآن، ومات أبو طالب في عنفوان الإسلام والنبي صلى الله عليه وسلم بمكة [4].
وفي زيادة للطبري، أوردها العسقلاني في "الفتح": (قال: أي عم، إنك أعظم الناس عليَّ حقاً، وأحسنهم عندي يداً، فقل كلمة تجب لي بها الشفاعة فيك يوم القيامة)، وفيه أنه مع عظيم ما قدم أبو طالب للنبي صلى الله عليه وسلم لا ترجى له شفاعة إلا أن يؤمن.
وقد بوب مسلم لهذا الحديث بقوله: باب الدليل على صحة إسلام من حضره الموت، ما لم يشرع في النزع، وهو الغرغرة، ونسخ جواز الاستغفار للمشركين. والدليل على أن من مات على الشرك، فهو من أصحاب الجحيم. ولا ينقذه من ذلك شيء من الوسائل.
قال الإمام النووي رحمه الله: (وأما قول الله تعالى: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ}، فقال المفسرون وأهل المعاني: معناه: ما ينبغي لهم. قالوا وهو نهي).
قال: (أما قوله عز وجل: {إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين} [القصص: 56]، فقد أجمع المفسرون على أنها نزلت في أبي طالب، وكذا نقل إجماعهم على هذا الزجاج، وغيره، وهي عامة؛ فإنه لا يهدي ولا يضل إلا الله تعالى) [5].
وقد حقق الحافظ ابن حجر رحمه الله المسألة تحقيقاً رصيناً كعادته في التدقيق والاستقصاء؛ فقال: (قوله : " فأنزل الله : {ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين}"؛ أي ما ينبغي لهم ذلك، وهو خبر بمعنى النهي هكذا وقع في هذه الرواية .
وروى الطبري من طريق شبل عن عمرو بن دينار قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : "استغفر إبراهيم لأبيه وهو مشرك، فلا أزال استغفر لأبي طالب حتى ينهاني عنه ربي" . فقال أصحابه : "لنستغفرن لآبائنا كما استغفر نبينا لعمه، فنزلت". وهذا فيه إشكال، لأن وفاة أبي طالب كانت بمكة قبل الهجرة اتفاقاً، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى قبر أمه لما اعتمر فاستأذن ربه أن يستغفر لها فنزلت هذه الآية، والأصل عدم تكرر النزول .
وقد أخرج الحاكم وابن أبي حاتم من طريق أيوب بن هانئ عن مسروق عن ابن مسعود قال : "خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً إلى المقابر فاتبعناه، فجاء حتى جلس إلى قبر منها فناجاه طويلا ثم بكى، فبكينا لبكائه، فقال : إن القبر الذي جلست عنده قبر أمي، واستأذنت ربي في الدعاء لها فلم يأذن لي، فأنزل علي : {ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين}، وأخرج أحمد من حديث ابن بريدة عن أبيه نحوه وفيه " نزل بنا ونحن معه قريب من ألف راكب"، ولم يذكر نزول الآية .
وفي رواية الطبري من هذا الوجه؛ "لما قدم مكة أتى رسم قبر" ومن طريق فضيل بن مرزوق عن عطية: " لما قدم مكة وقف على قبر أمه حتى سخنت عليه الشمس رجاء أن يؤذن له فيستغفر لها فنزلت"، وللطبراني من طريق عبد الله بن كيسان عن عكرمة عن ابن عباس نحو حديث ابن مسعود وفيه "لما هبط من ثنية عسفان" وفيه نزول الآية في ذلك .
فهذه طرق يعضد بعضها بعضا، وفيها دلالة على تأخير نزول الآية عن وفاة أبي طالب، ويؤيده أيضا أنه صلى الله عليه وسلم قال يوم أحد - بعد أن شج وجهه -: "رب اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون" لكن يحتمل في هذا أن يكون الاستغفار خاصاً بالأحياء وليس البحث فيه، ويحتمل أن يكون نزول الآية تأخر وإن كان سببها تقدم، ويكون لنزولها سببان : متقدم، وهو أمر أبي طالب. ومتأخر، وهو أمر آمنة .
ويؤيد تأخير النزول ما تقدم في تفسير براءة من استغفاره صلى الله عليه وسلم للمنافقين حتى نزل النهي عن ذلك، فإن ذلك يقتضي تأخير النزول وإن تقدم السبب، ويشير إلى ذلك أيضا قوله في حديث الباب : "وأنزل الله في أبي طالب : {إنك لا تهدي من أحببت}؛ لأنه يشعر بأن الآية الأولى نزلت في أبي طالب وفي غيره، والثانية نزلت فيه وحده، ويؤيد تعدد السبب ما أخرج أحمد من طريق أبي إسحاق عن أبي الخليل عن علي قال : "سمعت رجلا يستغفر لوالديه وهما مشركان، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فأنزل الله : {ما كان للنبي... الآية} ". وروى الطبري من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد قال : وقال المؤمنون: ألا نستغفر لآبائنا كما استغفر إبراهيم لأبيه ؟ فنزلت. ومن طريق قتادة قال : "ذكرنا له أن رجالاً" فذكر نحوه ) [6].
ثم إن قول الله تعالى: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ} تضمن قطع موالاة الكفار حيهم وميتهم؛ فإن الله لم يجعل للمؤمنين أن يستغفروا للمشركين فطلب الغفران للمشرك مما لا يجوز.
شبهة وردها:
فإن قيل: فقد صح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال - يوم أحد حين كسروا رباعيته وشجوا وجهه -: (اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون)، فكيف يجتمع هذا مع منع الله تعالى رسوله والمؤمنين من طلب المغفرة للمشركين.
قيل له: إن ذلك القول من النبي صلى الله عليه وسلم إنما كان على سبيل الحكاية عمن تقدمه من الأنبياء، والدليل عليه: ما رواه مسلم عن عبد الله قال: كأني أنظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم يحكي نبيا من الأنبياء ضربه قومه وهو يمسح الدم عن وجهه ويقول: (رب اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون)، وفي البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر نبياً قبله شجه قومه فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يخبر عنه بأنه قال: (اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون).
قال الإمام القرطبي: (وهذا صريح في الحكاية عمن قبله, لا أنه قاله ابتداء عن نفسه كما ظنه بعضهم. والله أعلم. والنبي الذي حكاه: هو نوح عليه السلام).(52/496)
وقال الطاهر بن عاشور في قوله تعالى: {ما كان للنبي...}: (وجاءت صيغة النهي بطريق نفي الكون مع لام الجحود مبالغة في التنزه عن هذا الاستغفار) [7].
وقيل: إن المراد بالاستغفار في الآية الصلاة.
قال بعضهم: ما كنت لأدع الصلاة على أحد من أهل القبلة ولو كانت حبشية حبلى من الزنا; لأني لم أسمع الله حجب الصلاة إلا عن المشركين بقوله: {ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين... الآية}، قال عطاء بن أبي رباح: (الآية في النهي عن الصلاة على المشركين، والاستغفار هنا يراد به الصلاة).
قلت: وحمل الآية على أن المراد بالاستغفار الصلاة لا ينفي دلالة ما سواها من الأدلة على حرمة الاستغفار للكافر.
وللآية جواب ثالث أورده الإمام القرطبي: وهو أن الاستغفار للأحياء جائز; لأنه مرجو إيمانهم ويمكن تألفهم بالقول الجميل وترغيبهم في الدين. وقد قال كثير من العلماء: لا بأس أن يدعو الرجل لأبويه الكافرين ويستغفر لهما ما داما حيين. فأما من مات فقد انقطع عنه الرجاء فلا يدعى له.
قال ابن عباس: (كانوا يستغفرون لموتاهم فنزلت؛ فأمسكوا عن الاستغفار، ولم ينههم أن يستغفروا للأحياء حتى يموتوا) [8].
ثم قال تعالى - بعد هاتين الآيتين -: {وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُم مَّا يَتَّقُونَ إِنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [التوبة: 115].
قال ابن جرير: (يقول الله تعالى: وما كان الله ليقضي عليكم في استغفاركم لموتاكم المشركين بالضلال بعد إذا رزقكم الهداية ووفقكم للإيمان به وبرسوله حتى يتقدم إليكم بالنهي عه فتتركوا. فأما قبل أن يبين لكم كراهة ذلك بالنهي عنه ثم تتعدوا فيه إلى ما نهاكم عنه فإنه لا يحكم عليكم بالضلال؛ فإن الطاعة والمعصية إنما يكونان من المأمور والمنهي، وأما من لم يؤمر ولم ينه فغير كائن مطيعاً أو عاصياً فيما لم يؤمر به ولم ينه عنه) [9].
وقال الحافظ ابن كثير: (يقول تعالى - مخبراً عن نفسه الكريمة وحكمه العادل - إنه لا يضل قوماً إلا بعد إبلاغ الرسالة إليهم حتى يكونوا قد قامت عليهم الحجة كما قال تعالى: {فأما ثمود فهديناهم... الآية}، وقال مجاهد في قوله تعالى: {وما كان الله ليضل قوما بعد إذ هداهم... الآية}، قال: بيان الله عز وجل للمؤمنين في ترك الاستغفار للمشركين خاصة، وفي بيانه لهم في معصيته وطاعته عامة فافعلوا أو ذروا) [10].
وقال الطاهر بن هاشور: (وفيه تسجيل أيضاً لكون أولئك المشركين أحرياء بقطع الاستغفار لهم لأن أنبياء الله ما قطعوه عنهم إلا بعد أن أمهلوهم ووعدوهم وبينوا لهم وأعانوهم بالدعاء لهم فما زادهم ذلك إلا طغياناً) [11].
المسألة الثانية: لا يجوز أن يدعى للكافر - الذي يموت على الكفر - بالمثوبة.
أما الدعاء لمن مات على الكفر بالمثوبة فلا يصح ولا يستقيم، ذلك أن الكافر لا مثوبة له في الآخرة... قال الله تعالى: {مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ* أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} [هود: 15، 16]، وقال تعالى: {مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ} [الشورى: 20].
وقد اختلف العلماء في تأويل هذه الآية على آراء [12]:
فقيل: نزلت في الكفار; قاله الضحاك, واختاره النحاس; بدليل الآية التي بعدها {أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار} [هود: 16]. أي من أتى منهم بصلة رحم أو صدقة نكافئه بها في الدنيا, بصحة الجسم, وكثرة الرزق, لكن لا حسنة له في الآخرة.
وقيل: المراد بالآية المؤمنون; أي من أراد بعمله ثواب الدنيا عجل له الثواب ولم يُنقَص شيئاً في الدنيا, وله في الآخرة العذاب لأنه جرد قصده إلى الدنيا, وهذا كما قال صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات)، فالعبد إنما يعطى على وجه قصده, وبحكم ضميره; وهذا أمر متفق عليه في الأمم بين كل ملة.
وقيل: هو لأهل الرياء; وفي الخبر أنه يقال لأهل الرياء: (صمتم وصليتم وتصدقتم وجاهدتم وقرأتم ليقال ذلك فقد قيل ذلك)، ثم قال: (إن هؤلاء أول من تسعر بهم النار)، رواه أبو هريرة, ثم بكى بكاء شديداً، وقال: صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم: {من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها}، وقرأ الآيتين [خرجه مسلم في "صحيحه" بمعناه، والترمذي أيضاً].
وقيل: الآية عامة في كل من ينوي بعمله غير الله تعالى, كان معه أصل إيمان أو لم يكن; قاله مجاهد وميمون بن مهران, وإليه ذهب معاوية رحمه الله تعالى. وقال ميمون بن مهران: ليس أحد يعمل حسنة إلا وُفّيَ ثوابَها; فإن كان مسلماً مخلصاً وُفّيَ فِي الدنيا والآخرة, وإن كان كافراً وُفّيَ في الدنيا. وقيل: من كان يريد "الدنيا" بغزوه مع النبي صلى الله عليه وسلم وُفِّيَهَا, أي وُفِّيَ أجرَ الغزاة ولم ينقص منها; وهذا خصوص والصحيح العموم.
وحكى ابن الجوزي هذه الآراء الأربعة في تفسيره مختصرة [13].
وأورد ابن كثير نحوها، وإن كان يميل إلى أن الآية في أهل الرياء عامة، فإنه لا ثواب لهم في الآخرة [14].
وكذلك أوردها ابن العربي، وقال: (أخبر الله سبحانه أن من يريد الدنيا يعطى ثواب عمله فيها، ولا يبخس منه شيئا. واختلف بعد ذلك في وجه التوفية؛ فقيل في ذلك صحة بدنه أو إدرار رزقه).
قال سعيد بن جبير: (أعطوا ثواب ما عملوا من خير في الدنيا. وقال مجاهد: (من عمل عملاً من صلة، أو صدقة، لا يريد بت وجه الله، أعطاه الله ثواب ذلك في الدنيا، ويدرأ به عنه في الدنيا) [15].
فتقرر - على آرائهم جميعاً -: أن لا ثواب للكافر في الآخرة.
وقد ذهب أكثر العلماء إلى أن هذه الآية مطلقة; وكذلك الآية التي في " الشورى": (من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها... الآية} [الشورى: 20]، وكذلك: {ومن يرد ثواب الدنيا نؤته منها} [آل عمران: 145] [16].
ومن ذهب إلى هذا قيد هذه الآيات بآية الإسراء؛ {مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاء لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُوماً مَّدْحُوراً} [الإسراء: 18]، كما نقله من سبق ذكر أقوالهم.
وبوب الإمام مسلم في "صحيحه": باب الدليل على أن من مات على الكفر لا ينفعه عمل.
وأورد تحته: عن عائشة، قالت: قلت: يا رسول الله! ابن جدعان كان في الجاهلية يصل الرحم، ويطعم المسكين. فهل ذاك نافعه؟ قال: (لا ينفعه. إنه لم يقل يوماً: رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين) [17].
قال الإمام النووي: (أي لم يكن مصدقاً بالبعث، ومن لم يصدق به كافر ولا ينفعه عمل.
قال القاضي عياض رحمه الله تعالى: وقد انعقد الإجماع على أن الكفار لا تنفعهم أعمالهم ولا يثابون عليها بنعيم ولا تخفيف عذاب لكن بعضهم أشد عذاباً من بعض بحسب جرائمهم. هذا آخر كلام القاضي.
وذكر الإمام الحافظ الفقيه أبو بكر البيهقي - في كتابه "البعث والنشور" - نحو هذا عن بعض أهل العلم والنظر، قال البيهقي: وقد يجوز أن يكون حديث ابن جدعان وما ورد من الآيات والأخبار في بطلان خيرات الكافر إذا مات على الكفر ورد في أنه لا يكون لها موقع التخلص من النار وإدخال الجنة، ولكن يخفف عنه من عذابه الذي يستوجبه على جنايات ارتكبها سوى الكفر بما فعل من الخيرات) [18].
وفي إحباط عمل الكافر - إن مات على الكفر - نصوص كثيرة... منها: قول الله تعالى: {ذَلِكَ هُدَى اللّهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُواْ لَحَبِطَ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} [الأنعام: 88].
فهذا شرط - كما يقوله ابن كثير [19] - والتوحيد شرط كذلك في قبول الأعمال وسلامتها من البطلان والإحباط.
وقال الإمام القرطبي - في تفسير الآية -: (أي لو عبدوا غيري لحبطت أعمالهم) [20].
وقال تعالى: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الزمر: 65].
قال ابن كثير في التفسير: (هذه كقوله تعالى؛ {ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون}) [21].
قال القاضي ابن العربي: (هذا وإن كان خطابا للنبي صلى الله عليه وسلم فقد قيل: إن المراد بذلك أمته، وكيفما تردد الأمر فإنه بيان أن الكفر يحبط العمل كيف كان، ولا يعني به الكفر الأصلي؛ لأنه لم يكن فيه عمل يحبط، وإنما يعني به أن الكفر يحبط العمل الذي كان مع الإيمان؛ إذ لا عمل إلا بعد أصل الإيمان، فالإيمان معنى يكون به المحل أصلا للعمل لا شرطا في صحة العمل، كما تخيله الشافعية؛ لأن الأصل لا يكون شرطا للفرع؛ إذ الشروط أتباع فلا تصير مقصودة؛ إذ فيه قلب الحال وعكس الشيء، وقد بين الله تعالى ذلك بقوله: {ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون}).
وقال تعالى: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُوراً} [الفرقان: 23].
قال ابن كثير: (هذا يوم القيامة حين يحاسب الله العباد على ما عملوه من الخير والشر فأخبر أنه لا يحصل لهؤلاء المشركين من الأعمال التي ظنوا أنها منجاة لهم شيء وذلك لأنها فقدت الشرط الشرعي إما الإخلاص فيها وإما المتابعة لشرع الله فكل عمل لا يكون خالصاً وعلى الشريعة المرضية فهو باطل فأعمال الكفار لا تخلو من واحد من هذين وقد تجمعهما معا فتكون أبعد من القبول حينئذ) [22].
وقال الإمام القرطبي: ({وقدمنا}: قصدنا في ذلك إلى ما كان يعمله المجرمون من عمل بر عند أنفسهم، {فجعلناه هباء منثوراً}: أي لا ينتفع به; أي أبطلناه بالكفر).
وقال تعالى: {وَالَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَلِقَاء الآخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} [الأعراف: 147].
قال ابن كثير: (أي من فعل منهم ذلك واستمر عليه إلى الممات حبط عمله) [23].
وقال الطاهر بن عاشور - في تفسير هذه الآية -: (لا تخلوا جماعة المتكبرين من فريق قليل يتخذ سبيل الرشد عن حلم وحب للمحمدة، وهم بعض سادة المشركين وعظماؤهم في كل عصر، كانوا قد يحسب السامع أنْ ستنفعهم أعمالهم، أزيل هذا التوهم بأن أعمالهم لا تنفعهم مع التكذيب بآيات الله ولقاء الآخرة، وأشير إلى أن التكذيب هو سبب حبط أعمالهم بتعريفهم بطريق الموصولية - أي الذين - دون الإضمار) [24].
ونحو ذلك من الآيات كثير...(52/496)
ومهما كان للكافرين من أعمال نافعة وآثار مفيدة فهم الأخسرون أعمالاً... قال تعالى: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً* الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً * أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْناً} [الكهف: 103 - 105].
قال أبو بكر بن العربي: (أجاب الله عما وقع التقرير عليهم بقوله: {أولئك الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه فحبطت أعمالهم فلا نقيم لهم يوم القيامة وزناً}، لكن العلماء من الصحابة ومن بعدهم حملوا عليهم غيرهم، وألحقوا بهم من سواهم ممن كان في معناهم، ويرجعون في الجملة إلى ثلاثة أصناف: الصنف الأول: الكفار بالله، واليوم الآخر، والأنبياء، والتكليف؛ فإن الله زين لكل أمة عملهم، إنفاذاً لمشيئته، وحكما بقضائه، وتصديقا لكلامه. الصنف الثاني: أهل التأويل الفاسد للدليل الذين أخبر الله عنهم بقوله: {فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله}، كأهل حروراء والنهروان، ومن عمل بعملهم اليوم، وشغب الآن على المسلمين تشغيب أولئك حينئذ، فهم مثلهم وشر منهم. قال علي بن أبي طالب يوما، وهو على المنبر: لا يسألني أحد عن آية من كتاب الله إلا أخبرته، فقام ابن الكواء، فأراد أن يسأله عما سأل عنه صبيغ عمر بن الخطاب، فقال: ما الذاريات ذروا؟ قال علي: الرياح. قال: ما الحاملات وقرا؟ قال: السحاب. قال: فما الجاريات يسرا؟ قال: السفن. قال: فما المقسمات أمرا؟ قال: الملائكة. قال: فقول الله تعالى: {هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا}، قال: ارق إلي أخبرك. قال: فرقى إليه درجتين قال: فتناوله بعصا كانت بيده، فجعل يضربه بها. ثم قال: أنت وأصحابك. وهذا بناء على القول بتكفير المتأولين. وقد قدمنا نبذة منه، وتمامها في كتب الأصول. الصنف الثالث: الذين أفسدوا أعمالهم بالرياء وضيعوا أحوالهم بالإعجاب).
وعلى الجملة فإنه لا وزن ولا قيمة لأعمال الكافرين وآثارهم في الآخرة...
قال تعالى: {مَّثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لاَّ يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُواْ عَلَى شَيْءٍ ذَلِكَ هُوَ الضَّلاَلُ الْبَعِيدُ} [إبراهيم: 18].
وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأذَى...}، إلى قوله: {لاَّ يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِّمَّا كَسَبُواْ} [البقرة: من الآية: 264].
وقال تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاء حَتَّى إِذَا جَاءهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ اللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ} [النور: 39].
قال الحافظ ابن كثير: (وذلك أنهم عملوا أعمالاً اعتقدوا أنها على شيء، فلما عرضت على الملك الحكم العدل الذي لا يجور ولا يظلم أحداً إذا إنها لا شيء بالكلية، وشبهت في ذلك بالشيء التافه الحقير المتفرق الذي لا يقدر صاحبه منه على شيء بالكلية) [25].
فالكافرون ضالون ضل سعيهم وهم يحسبون أنهم يحسنون، وأن أعمالهم ذات وزن موزون، وأنهم على شيء... وقد خيب الله ظنهم في أعمالهم، أفيليق بأهل الإيمان أن يكون ظنهم بأعمال أهل الضلال كظن أولئك بها، مع ما قطع به القرآن ببوارها؟! قال تعالى: {إنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ اللّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ} [الأعراف: من الآية: 30].
قال الطاهر بن عاشور - في تفسير آيتي سورة هود: {من كان يريد الحياة الدنيا... الآية}، إلى قوله: {أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار... الآية} -: (وفيه تنبيه للمسلمين أن لا يغتروا بظاهر حسن حال الكافرين في الدنيا، وأن لا يحسبوا أيضاً أن الكفر يوجب تعجيل العذاب فأوقظوا من هذا التوهم، كما قال تعالى: {لاَ يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُواْ فِي الْبِلاَدِ* مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ} [آل عمران: 196، 197]) [26].
غاية ما يستفيده الكافر في الآخرة:
غاية ما يستفيده الكافر في الآخرة مما قدم من عمل في دنياه، ولم يستوف أجره فيها... أن يخفف به عنه من عذابه يوم القيامة، وهذا لا يعلم في حق معين إلا بنص، كما وقع لأبي طالب عم النبي صلى الله عليه وسلم.
روى مسلم في "صحيحه": عن العباس بن عبد المطلب، أنه قال: يا رسول الله! هل نفعت أبا طالب بشىء؟ فإنه كان يحوطك [27] ويغضب لك. قال: (نعم، هو في ضحضاح [28] من نار ولولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار) .
وفي رواية: قال: (نعم، وجدته في غمرات من النار فأخرجته إلى ضحضاح).
وفي رواية: فقال: (لعله تنفعه شفاعتي يوم القيامة. فيجعل في ضحضاح من نار، يبلغ كعبيه، يغلي منه دماغه) [29].
وقد تقدم من كلام الإمام النووي ما نقله عن الإمام البيهقي، قال: (وما ورد من الآيات والأخبار في بطلان خيرات الكافر إذا مات على الكفر ورد في أنه لا يكون لها موقع التخلص من النار وإدخال الجنة، ولكن يخفف عنه من عذابه الذي يستوجبه على جنايات ارتكبها سوى الكفر بما فعل من الخيرات) [30].
هذا غاية ما يمكن أن يحصله كافر في الآخرة، أما أن يثاب - لتطلب له المثوبة - فلا.
وبقطع النظر عما أنجزه بابا الفاتيكان من عمل "صالح"، وأثر "طيب" على حد وصف الشيخ القرضاوي... فإن كلامنا هنا في بيان حرمة الدعاء للكافر بالرحمة والمثوبة كائناً من كان، وإن فاق عمله وأثره عمل وأثر أبي طالب - الذي نُصَّ على تخفيف العذاب عنه - أضعافاً مضاعفة.
إنجازات بابا الفاتيكان...
ولكن تجدر الإشارة - هنا - إلى بعض إنجازات الرجل، كي لا يغتر بما قيل فيه مسلم...
أولاً: هو البابا الأكثر ولعاً بالتنصير:
وشهد شاهد من أهلها: (في أول تعليق لها بعد تأكد نبأ وفاة "يوحنا بولس الثاني" زعيم الكنيسة الكاثوليكية الرومانية بالفاتيكان، وصفت وكالة ميسنا الكنسية "البابا" بأنه كان "البابا المولع بالتنصير".
وفي معرض ثنائها على "بولس" الذي هلك يوم أمس السبت قالت الوكالة: إن البابا أخذ على نفسه تبليغ "رسالة الإنجيل" في القارات الخمس أثناء فترة "حبريته".
وأضافت الوكالة أن فترة مكث يوحنا بولس على سدة الفاتيكان، كانت إحدى أطول الفترات في التاريخ، حيث استمرت أكثر من ستة وعشرين عامًا، بدأت بتوليه "البابوية" عام 1978.
وعلى الصعيد ذاته ذكرت الوكالة التنصيرية أن يوحنا بولس الذي مات بعد بلوغه 84 عامًا قام بأكثر من مائة رحلة تبشيرية قابل فيها ملايين الحجاج في نحو 129 دولة.
كما ذكرت الوكالة أن الزعيم السابق للكنيسة الكاثوليكية الرومانية بالفاتيكان كان قد عقد نحو 737 اجتماعًا ومقابلة مع رؤساء دول العالم خلال ستة وعشرين عامًا، كما أجرى مقابلات تصل إلى 245 مقابلة مع رؤساء وزراء دول العالم.
وتجدر الإشارة إلى أن "بولس" كان قد حذر الكاثوليك من التخلي عن التنصير قائلاً: "إن التبشير لازم وحتمي على كل مسيحي، والويل والجحيم لمن لم يبشر) [31].
وقد اعترف "البابا" ذات مرة باختراق النشاط التنصيري للمنظمات الإغاثية مؤكدًا أن: "مهمة "التبشير" ملازمة للكنيسة طالما ظلت قائمة، وأن المنظمات "الخيرية" تسعى إلى القيام بـ "واجباتها" من خلال الأعمال الإغاثية والمساعدات الإنسانية بالمناطق المنكوبة حول العالم لإرواء العطشى إلى "دم المسيح"... على حد زعمه.
ثانياً: وضع أساسًا متينًا للعلاقة الجديدة بين الكنيسة الكاثوليكية و"إسرائيل":
صرح المسؤول الكاثوليكي الفرنسيسكاني "ديفيد جايجير" عضو وفد الفاتيكان الذي تفاوض نيابة عن "يوحنا بولس الثاني" في اتفاقية عام 1993 مع الكيان الصهيوني بأن بولس وضع أساسًا متينًا للعلاقة الجديدة بين الكنيسة الكاثوليكية و "إسرائيل"، وأعطى أملاً عظيمًا لتأثير الكنيسة في الدولة اليهودية.
وقال "جايجير": إن تأثير "البابا" على إدراك اليهود كان قد اتضح في استطلاع رأي أجري عام 2000 حيث أظهر أن غالبية "الإسرائيليين" يعتقدون أنه كان مرشحهم المفضل.
وزعم المسؤول الكاثوليكي بالفاتيكان أنه: "بعد أيام قليلة من ظهوره على شاشات التلفزيون "الإسرائيلي"، استطاع هذا الكاهن -المعين من قبل السيد المسيح - تحويل أنظار غالبية الشعوب الإسرائيلية نحو الكنيسة وزعمائها " - حسب تعبيره -(52/496)
وعلى الصعيد ذاته قال "جايجير": إن يوحنا بولس - في الواقع - قدم الجمهور "الإسرائيلي" إلى مفهوم جديد من الإيمان.
ووصف "جايجير" تأثير بولس على اليهود بقوله: إن الأغلبية العلمانية "الإسرائيلية" رأت في بولس شيئًا جديدًا، فهو زعيم ديني لم يكن يعظ بالقومية أو التطرف أو الخوف، بل بالعدالة والمساواة.
وحسب وكالة آسيا نيوز قال "جايجير": إن بولس أسس علاقات جيدة للكنيسة مع الشعب اليهودي حيث وقع المعاهدات مع دولة "إسرائيل"، وبوفاة يوحنا بولس؛ يكون قد بدأ عملاً عظيماً ما زال بحاجة إلى من يكمله.
وكان يوحنا ومسؤولو الفاتيكان قد ساعدوا في التغلب على "معاداة السامية" في مناطق نفوذ الكنيسة الكاثوليكية الرومانية [32].
بدأت أولى خطوات بولس نحو التعاون المشترك مع اليهود بتأكد تأييده لتبرئتهم من القتل المزعوم للمسيح - عليه السلام - خلال لقاءاته بمؤسسي الدولة الصهيونية وإنشاء مكتب للفاتيكان داخل الكيان الصهيوني.
ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل إن زعماء الصهاينة يكلفونه بأدوار تخدم مصالحهم، ويتضح ذلك من لقائه بثمانية عشر قياديًا من الرابطة اليهودية التي تطلق على نفسها "ضد التشهير", وهي إحدى أبرز المنظمات الأمريكية المتخصصة فيما يسمى بـ "مكافحة معاداة السامية".
وقد طلب "إبراهام فوكسمان" رئيس الرابطة وأحد قادة اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة من يوحنا ومسؤولي الفاتيكان المساعدة في التغلب على "معاداة السامية" في مناطق نفوذ الكنيسة الكاثوليكية الرومانية.
وفي هذا الإطار أعرب الرئيس الصهيوني "موشية كاتساف" عن أسفه العميق لوفاة "بولس" وقال في برقية عزائه: "إن الشعب اليهودي سيتذكر يوحنا بولس الثاني الذي ساهم في تغيير أفكار المسيحيين تجاه اليهود بعد فترة من الكراهية من أتباع الكنيسة الكاثوليكية لليهود".
ثالثاً: أبرأ اليهود من دم المسيح عليه السلام:
يشار إلى أن الفاتيكان كان قد برأ اليهود من القتل المزعوم للمسيح منهيًا بذلك قرونًا من الكراهية من أتباع الكنيسة الكاثوليكية واليهود.
رابعاً: سعيه الحثيث لتوحيد الكنائس العالمية تحت قيادة كنيسته، حتى بات ذلك يمثل القضية الثانية على قائمة اهتماماته بعد التنصير:
وكانت القضية الثانية في حياته هي توحيد الطوائف النصرانية تحت زعامة كنيسته، وينضم إلى ذلك دعوته إلى ما يعرف بـ "الحوار بين الأديان" والتي كانت دأبه وديدنه، وكان يرسل نوابه لعقد المؤتمرات تلو المؤتمرات لتلك "الحوارات" في أماكن متفرقة من العالم "لاسيما العالم المسلم".
ولا يخلو الأمر من محاولاته المتعددة تحسين الصورة المشوهة التي حاقت بكنيسته وكرادلته بعد تفشي الفضائح الأخلاقية بين القساوسة، فضلاً عن الاعتداءات التاريخية للكاثوليك ضد الأرثوذكس والطوائف الشرقية، ولن نتحدث عن الحملات الصليبية التي تعد علامة سوداء بارزة من تاريخ مرير للكنيسة الكاثوليكية الرومانية والتي أعلن عنها جورج بوش في خطابه الشهير عند سقوط بغداد وسماها حرب الصليب...
قضى "بولس الثاني" عمره لاهثًا وراء حلم توحيد جميع كنائس العالم تحت الكنيسة "الأم" بالفاتيكان – حسب تعبيره - وبذل الاعتذارات المتعددة على الفظائع التي ارتكبها أجداده في حق تلك الكنائس، ورغم ذلك فقد رفض الأرثوذكس مجددًا قيادة "كنيسة روما".
وبسبب قيام الكاثوليك بأعمال تنصيرية بين الأرثوذكس في أوكرانيا ومناطق رعايا الكنيسة الأرثوذكسية رفض رئيس الكنيسة الأرثوذكسية الروسية البطريرك "أليكسي الثاني" زيارة "يوحنا" لروسيا.
وانتقد أليكسي الثاني الفاتيكان مرات عديدة للعداء التاريخي بينهما بعد أن اقتحم الكاثوليك الموالين للفاتيكان الكنائس الأرثوذكسية في العديد من المدن الروسية عقب سقوط الشيوعية؛ فنهبوها وتركوها خرابًا...
وبذل "البابا" الأموال الطائلة من أجل استرضاء الأرثوذكس سواء في روسيا أو في مصر واليونان، وقد اشترط شنودة الثالث للغفران للكاثوليك الاشتراك في الإيمان الكامل أولاً قبل الحديث عن العمل تحت راية واحدة الأمر الذي جعل رأسي الكنيسة العالميين "بولس" و "شنودة" في نزاع شبه دائم ظهر بعضه وخفي أكثره.
خامساً: تحذيره الملح وتوعده بالجحيم لمن يترك التبشير – التنصير -:
شهدت الحركة التنصيرية في عهد يوحنا بولس توسعًا غير مسبوق، فهو لم يفتأ يرسل منصري الكنيسة الكاثوليكية الرومانية إلى مناطق متفرقة حول العالم لاسيما إلى أفريقيا وآسيا وشرق أوروبا.
وقد عقد مجمع "تبشير الشعوب" الذي أسسه بولس التابع للفاتيكان لقاء ضم رؤساء الأساقفة الأمريكيين مع أساقفة أفريقيا الكاثوليك حول أهمية التجديد في وسائل التنصير، وحينئذٍ أعلن "البابا" - في إطار ترهيبه من ترك النصارى "للتبشير"-: (إن التبشير لازم وحتمي على كل مسيحي، والويل والجحيم لمن لم يبشر، ولا بد أن تشكل كلمات "بولس الرسول" شعارًا لكل منهم، فلا تفتخروا أعزائي الأساقفة بأعمالكم "التبشيرية" إذا "بشرتم" فإنه ليس مجالاً للفخر).
وقد عقد "بولس" عشرات المؤتمرات من أجل "إحياء" التنصير في أفريقيا وشرق أوروبا مستفيدًا بالميزانيات الأمريكية والأوربية الضخمة الخاصة بالحملات التنصيرية.
سادساً: نشاطه في الحرب على "الإرهاب" وتفعيل فكرة "حوار الأديان":
التقى الزعيم السابق للكنيسة الكاثوليكية خلال الأعوام الستة والعشرين الماضية بنحو 737 رئيس دولة من رؤساء دول العالم و 245 مقابلة مع رؤساء وزراء الدول، وقد تركزت حواراته مع هؤلاء الرؤساء في السنوات الأخيرة حول ما يعرف بالحرب على "الإرهاب".
فعندما قابل رئيس الحكومة الأسبانية "ثاباتيرو" بالفاتيكان مع وفد من الأساقفة الأسبان أعلن على مسامعهم: "أكرر ما قلته لكم سابقًا من ضرورة تعاونكم مع الفاتيكان من أجل خدمة قضية السلام وحرب الإرهاب وتنمية الحوار بين الأديان".
وعلى سبيل المثال تباحث بولس مع الرئيس اليمني "علي عبد الله صالح" حول أهمية وضرورة مكافحة "الإرهاب"، بل ووجه حديثه إلى اليمنيين قائلاً: ("إنني أحث جميع الرجال والنساء في منطقتكم على محاربة "الإرهاب" والعمل من أجل "السلام").(52/496)
ثم انتقل بولس في حديثه للرئيس اليمني إلى مسألة حوار الأديان حيث قال: (إن العمل من أجل السلام لا يتأتى إلا بعد استقرار "التسامح" في القلوب؛ لذا فعليكم أن تحتضنوا لقاءات للحوار بين الأديان والشعوب في مناطقكم لا سيما الجزيرة العربية).
سابعاً: لقاؤه بعلاوي والمطالبة بحماية نصارى العراق:
عندما التقى "بولس" رئيس الحكومة العراقية المعين إياد علاوي وزوجته في الفاتيكان حثه على إشراك نصارى العراق في "إرساء دعائم الديموقراطية" – على حد وصفه- وشدد على حتمية توفير الحرية الدينية للمسيحيين.
وعن الشأن العراقي أشاد يوحنا بأعمال مجمع الكنائس الشرقية "الإغاثية" بالعراق وفلسطين والتي تتضمن مساعدة الهيئات الكنسية هناك، كما تشمل "التبشير بالإنجيل" في الشرق الأوسط.
وهذا يكشف أن استنكاره الهزيل غزو العراق هو من قبيل المناورة السياسية، والحيل الدعائية، وللإستهلاك الإعلامي.
ثامناً: دوره في خدمة المصالح الأمريكية والغربية:
وفي هذا الشأن أماطت مصادر أمريكية مقربة من الرئيس الأمريكي الأسبق رونالد ريجان اللثام عن دور يوحنا بولس الثاني بابا الفاتيكان في "الحرب الباردة" وفي إسقاط الاتحاد السوفيتي.
وأدلى إدوارد راوني - مستشار الرئيس ريجان بشأن محادثات الأسلحة النووية - بتصريحات نشرتها وكالة الأنباء الكاثوليكية الأمريكية مفادها أن "بولس الثاني" شارك "ريجان" عن كثب فيما عرف تاريخيًا بالحرب الباردة التي أسقطت الاتحاد السوفيتي السابق، ويؤكد "راوني" على أن البابا قدم كل ما يستطيع لإسقاط المطرقة والمنجل سواء من ناحية تقديم المعلومات أو تحريك عناصره داخل الجمهوريات السوفيتية.
تاسعاً: حزنه وشجونه على النصرانية أن لا تحكم أوروبا:
لم يُخفِ "يوحنا بولس الثاني" شجونه حين أطاحت أوروبا بحلمه باعتماد القيم النصرانية كدستور للاتحاد الأوربي على الرغم من تأييد بعض الدول مثل إيطاليا وبولندا وأيرلندا.
وظل "بولس" يحذر من سيطرة العلمانية على أوربا الموحدة حيث كتب رسالة إلى كنيسة بولندا وأساقفتها يحثهم فيها على الوقوف ضد الأصوات الداعية إلى سيطرة العلمانية على القارة الأوربية، محذرًا من انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوربي مذكرًا بدورها التاريخي في نشر الإسلام في القارة، ومذكرًا بضرورة تنصير شرق أوروبا كي تتنفس القارة برئتين - حسب وصفه -
عاشراً: عصر بولس عصر فضائح القساوسة:
عندما تفجرت الفضائح الخلقية الشاذة لأساقفة الكاثوليك في أمريكا اعتذر "البابا" لأُسر الأطفال الذين اعتُدِي عليهم من قبل القساوسة، ولم تمض أسابيع حتى تفجرت الفضائح من جديد؛ فلم يُطِق "البابا" الاعتذار لمئات المنتهَكين داخل الكنائس من "رجال الدين".
ويكفي القارئ أن يعلم أن نحو 65 أبرشية تابعة أمريكية أشهرت إفلاسها نظرًا للأزمة المالية الحادة التي تمر بها نتيجة دفعها تعويضات كبيرة لضحايا اعتداءات القساوسة، من بينها أسقفية "بوسطن" التي تعد هي الأكثر غُرمًا من بين الأسقفيات الكاثوليكية في الولايات المتحدة حيث اضطرت لدفع مبلغ 85 مليون دولار لما يزيد عن 550 ضحية اعتداء جنسي وشذوذ قام بها القساوسة! [33].
حادي عشر: آخر أعماله... اهتمامه بالتنصير في الدول العربية!:
وقد كان البابا يوحنا واضحًا حين أعلن عن رغبته فى توسيع دائرة التنصير في الشرق الأوسط واتخذ في سبيل ذلك خطوات على المستويات المختلفة وصارت تحمل لقب "تاريخية"، بمعنى أنها حدثت للمرة الأولى في تاريخ الكنيسة الكاثوليكية الذي يمتد إلى قرابة ألفي سنة.
فالبابا يوحنا كان أول بابا على الإطلاق يدخل مسجدًا حين زار المسجد الأموي في دمشق في مايو من عام 2001. وهو أول رئيس للكنيسة الكاثوليكية في التاريخ يزور مصر، التي تضم أكبر مجتمع مسيحي في الشرق الأوسط من حيث العدد، وإن كانت أقلية ضئيلة للغاية فيه تدين بالولاء لكنيسة روما.
وفي عهده أقيمت علاقات دبلوماسية قوية جدًا بين إسرائيل والفاتيكان عام 1994، بعد أن كان – أيضًا - أول بابا يلتقي مباشرة بالحاخام الأكبر في إسرائيل قبل ذلك بسنة على ملأ من الصحافة والإعلام العالميين، وأول بابا يزور معبدًا يهوديًا، عام 1986, كما يعلم اهتمام البابا بالعملية الإرسالية التنصيرية في العراق, وبكلمته المشهورة بعد سقوط بغداد أن الأجواء في العراق مهيأة للتنصير كأفضل ما يكون... كما قام البابا يوحنا قبيل تدهور حالته الصحية بتعيين نائب جديد له على شبه الجزيرة العربية، كرئيس لما يسمى ب"إدارة شؤون النيابة الرسولية" والتي تشمل البحرين والسعودية والكويت وقطر والإمارات العربية المتحدة وعمان واليمن.
وكان بولس قد قبل صباح يوم الاثنين 21/3/2005 استقالة المطران "جوفاني بيرناردو جريمولي" الذي كان يشغل هذا المنصب وعين مكانه المطران "بول هيندر" الذي كان أسقفًا لمنطقة شبه الجزيرة العربية.
وقالت الإذاعة السويسرية: إن بول هيندر حاصل على دكتوراه في القانون الكنسي.
وتم إنشاء ما يسمى بـ "إدارة شؤون النيابة الرسولية" في شبه الجزيرة العربية - التي تتخذ من العاصمة الإماراتية "أبو ظبي" مقرًا لها - في 28 من يونيو من عام 1889، ويعتبرها الفاتيكان إحدى المقاطعات الكنسية الأكثر أهمية وامتدادًا في العالم، ويعمل فيها نحو: 40 كاهنًاً، و70 راهبة [34].
هذا هو بابا الفاتيكان مجرداً من هالات الإعلام وأغلفة السياسة ومجاملات المعزين.
ثُمَّ بقيت ملاحظة تعَجُبٍ لا بد فيها من المعاتبة:
ذلك أننا - من أسف - لم نر، ولم نسمع، ولم نقرأ مثل هذا العزاء والتأبين لرموز منا - نحن الإسلاميين - فقدتهم الأمة، ممن يخالف نهج الشيخ وكثيراً من آرائه وفتاواه، بدءاً بالدكتور علاء محيي الدين - المتحدث الرسمي باسم الجماعة الإسلامية بمصر، وكان رجلاً إعلامياً لا دور له فيما كان من أحداث - ومروراً بالعلامة حمود العقلا، وليس انتهاء بالقائد خطاب وخلفه أبي الوليد، وغير هؤلاء كثير، رحمهم الله جميعاً برحمته، وإن لم يترحم عليهم المترحمون على البابا.
وكتب؛ محمد مختار مصطفى المقرئ
________________
[1] "إعلام الموقعين" لابن قيم الجوزية: (86/1) ط: دار الجيل - بيروت 1973م.
[2] صحيح مسلم - كتاب الجنائز - باب ما يقال عند المريض والميت - ح: (923).
[3] "جامع البيان": (7/50) ط أولى - 1421هـ / 2001م.
[4] فتح - كتاب التفسير - (16) باب (ما كان للنبي..) ح/4679، ومسلم شرح النووي: (1/294) - كتاب الإيمان - (9) باب الدليل على صحة إسلام من حضره الموت: (ح/39).
[5] "مسلم بشرح النووي": (1/297) ط ثانية - مؤسسة قرطبة 1414هـ / 1994م.
[6] "فتح الباري": (8/367 - 377) ط ثالثة - دار الفكر - 1407هـ.
[7] "التحرير والتنوير": (11/44) ط دار سحنون بتونس - بدون رقم وبدون تاريخ.
[8] الجامع لأحكام القرآن": (4/586 - 590) ط: دار الحديث - القاهرة - 1423هـ / 2002م. بدون رقم.
[9] "جامع البيان": (7/65) ط أولى - 1421هـ / 2001م.
[10] "تفسير القرآن العظيم": (2/296) ط: دار الفكر - 1404هـ / 1984م.
[11] "التحرير والتنوير": (11/44) ط دار سحنون بتونس - بدون رقم وبدون تاريخ.
[12] الجامع لأحكام القرآن": (5/16 - 18) ط: دار الحديث - القاهرة - 1423هـ / 2002م. بدون رقم.
[13] "زاد المسير": (4/84) ط رابعة - 1407هـ / 1987م.
[14] "تفسير القرآن العظيم": (2/440) ط: دار الفكر - 1404هـ / 1984م.
[15] "زاد المسير": (4/84) ط رابعة – 1407 هـ / 1987م.
[16] هذه الآية قيدها وفسرها آية "الإسراء": {من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد} [الإسراء: 18] إلى قوله: {محظورا} [الإسراء: 20] قال القرطبي: (فأخبر سبحانه أن العبد ينوي ويريد والله سبحانه يحكم ما يريد , وروى الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {من كان يريد الحياة الدنيا} أنها منسوخة بقوله: {من كان يريد العاجلة} [الإسراء: 18]. والصحيح ما ذكرناه؛ وأنه من باب الإطلاق والتقييد؛ ومثله قوله: {وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان} [البقرة: 186] فهذا ظاهره خبر عن إجابة كل داع دائما على كل حال , وليس كذلك؛ لقوله تعالى: {فيكشف ما تدعون إليه إن شاء} [الأنعام: 41] والنسخ في الأخبار لا يجوز; لاستحالة تبدل الواجبات العقلية , ولاستحالة الكذب على الله تعالى فأما الأخبار عن الأحكام الشرعية فيجوز نسخها على خلاف فيه , على ما هو مذكور في الأصول؛ ويأتي في "النحل" بيانه إن شاء الله تعالى). وانظر "الجامع لأحكام القرآن": (5/16 - 18) ط: دار الحديث - القاهرة – 1423 هـ / 2002م. بدون رقم.
[17] "مسلم بشرح النووي": (3/107) - كتاب الإيمان - (92) باب الدليل على أن من مات على الكفر لا ينفعه عمل: (ح/365).
[18] "مسلم بشرح النووي": (3/108).
[19] "تفسير القرآن العظيم": (2/156) ط: دار الفكر - 1404هـ / 1984م.
[20] الجامع لأحكام القرآن": (4/34) ط: دار الحديث - القاهرة - 1423هـ / 2002م. بدون رقم.
[21] "تفسير القرآن العظيم": (4/62) ط: دار الفكر - 1404هـ / 1984م.
[22] "تفسير القرآن العظيم": (3/315) ط: دار الفكر - 1404هـ / 1984م.
[23] "تفسير القرآن العظيم": (2/248) ط: دار الفكر - 1404هـ / 1984م.
[24] "التحرير والتنوير": (9/107، 108) ط دار سحنون بتونس - بدون رقم وبدون تاريخ.
[25] "تفسير القرآن العظيم": (2/315) ط: دار الفكر - 1404هـ / 1984م.
[26] "التحرير والتنوير": (12/22 - 23) ط دار سحنون بتونس - بدون رقم وبدون تاريخ.
[27] قال أهل اللغة: حاطه يحوطه حوطاً وحياطة إذا صانه وحفظه وذب عنه وتوفر على مصالحه.
[28] الضحضاح فارق من الماء على وجه الأرض إلى نحو الكعبين، واستعير في النار.
[29] "مسلم بشرح النووي": (3/104) - كتاب الإيمان - (90) باب شفاعة النبي ص لأبي طالب والتخفيف عنه بسببه: (ح/357).
[30] "مسلم بشرح النووي": (3/108).
[31] "مفكرة الإسلام": الأحد 23 صفر 1426هـ الموافق: 3/4/2005م.
[32] "مفكرة الإسلام": الثلاثاء 25 صفر 1426ه الموافق: 5/4/2005م.
[33] الفقرات من 2 - 10 منقولة عن مقال كتبه للمفكرة نجاح شوشة: الأحد 23 صفر 1426هـ الموافق: 3/4/2005م.
[34] عن تقرير نقلته المفكرة: الأحد 23 صفر 1426ه الموافق: 3/4/2005م.
==============(52/496)
د. يوسف القرضاوي زلّةُ عالِمٍ أم عَالَمٌ من الزللِ
بقلم/الدكتور طارق عبد الحليم
د. يوسف القرضاوى رجل علم غني عن التعريف، لمع اسمه في العقد الأخير خاصة، وإن عُرف له جهده في الدعوة منذ ردح من الزمن، وأصبح وجهاً تليفزيونياً شهيراً تتهافت المحطات الفضائية على استضافته، وتخصص بعضها وقتا مرصودا له على الهواء لطرح آرائه وتعميم فتاواه.
وقد كنت، كغيرى ممن يعيشون في نطاق الدعوة الإسلامية وينتمون لأرضها الخصبة المباركة، أتتبع أخبار الشيخ، وفتاوى الشيخ، وأقول لمن حولي - إن أحسن -؛ أحسن والله هذا الشيخ الجليل، أو أقول في نفسي - إن أساء -؛ هنّة من هنّات البشر، سامحه الله فيها. إلا أن الأمر قد طفح في الآونة الأخيرة عن الحد المقبول من التجاوزات، حتى بلغ السيل الزبى، وجاوز الحزام الطبيين، وخرج علينا الشيخ مؤخرا بالعديد من الفتاوى، التي لا ينتظم لها محل في المنظومة المنهجية لأهل السنة والجماعة، ولا تجد لها سند من أصول فقه أو مقاصد شريعة! بله المصلحة العامة المعتبرة من الشرع، إلا ما كان من قبيل فقه العوام وتعريفهم للمصلحة بالهوى والتشهى.
ولو كان غير الشيخ القرضاوى، لما اهتزت لشحذ أقلامنا مبراة، ولكن الرجلَ منظور اليه من عوام الناس في الشرق والغرب على حدّ سواء. ولو أن الأمر أمر زلة عالم لما كان لنا أن نتهجم على مقامه أو أن نترصد لمقالاته، فكما قال الشاطبي في الموافقات أن لكل عالم هفوة و لكل جواد كبوة، ولكن الكبوات صارت عادة الحصان حتى ظن الناس أن الكبو هو الأصل في سير الخيل! وتكاثرت هفوات الشيخ وما خرج به عن منهج العدل من الفتاوى والآراء مما جعل التعريف بها واجب لمن قدر على التصدى له، إذ أنه لم يتصد له أحد غير القليل، وحتى هذا القليل، قد آثروا المحاورة الهادئة فلم يسمع لهم صوت، وكيف يسمع صوت الحق في عالم غشيه التضليل وعمّت فيه الفوضى وصار العالم جاهلا والجاهل عالما، وحتى اشتبهت فيه البزاة بالرخم، وناطح الثرى فيه الثريا، فلا حول ولا قوة إلا بالله.
وما سنتعرض له في هذا المقال هو مما نُشر للشيخ - سامحه الله - على صفحات الإنترنت، من فتاوى في بنوك الفتاوى! وهي عديدة اخترنا منها أبعدها عن المنهج السوي وتركنا منها ما له وجه محتمل وإن كان مرجوحاً. ثم لا ننسى ما للرجل من فضل بل فضائل في كثير من آرائه وفتاواه الأخرى.
وقبل عرض هذه الفتاوى، أحب أن أنبه على أن الفتوى تتركب من حدّين: الحكم الشرعيّ + مناط الحكم، أو الواقع الذي ينزّل عليه الحكم. ثم إن هذ الفتوى قد تكون فتوى عامة، فيمكن أن تجرى مجرى الحكم لما هو أخصّ منها مناطاً. مثال ذلك أن يقال:
الخمر حرام، وهذا المشروب خمر فهو حرام.
ثم؛ الخمر الحرام في حالة المضطر حلال والضياع في الصحراء حالة إضطرار، فالخمر الحرام في حالة الضياع في الصحراء حلال.
ثم؛ فلان ضائع في الصحراء، وفلان وجد خمرا حراما، ففلان يمكن أن يشرب من الخمر الحرام بما يقيمن أوده لأنها له حلال.
فهذه ثلاث مستويات من الفتوى، آخرها خاص يتنزل على حالة بعينها.
وما أطلت في ذكر هذا المثل إلا لأنني أحسب أن من أشد الخطر وأفحش الخطأ هو ما يقع فيه بعض علمائنا من قبيل الخلط في هذه النقطة، فهم يصدرون فتاوى عامة من قبيل المستوى الثاني من الفتوى غير عابئن بما قد يجره ذلك من بلاء حين يتناول العامة هذه الفتوى ويجتهدون في تنزيلها على مناطاتهم الخاصة وهي لا تنتمى لها بحال فتعم الفوضى[[1]].
1) فتوى تعدد الأحزاب:
جاء عن الشيخ القرضاوى: (ثم تحدث عن حكم الدين في إنشاء أحزاب على أسس دينية، فأكد أنه " لا مانع من إنشاء أحزاب سياسية على أسس دينية، وهذا الأمر ينطبق على المسيحيين؛ فمن حقهم أيضا إنشاء أحزاب سياسية بشرط أن تكون جميعا خاضعة للدستور والقانون الذي يجب أن يحترمه الكل ".
وأشار إلى أنه لا يعارض حتى " ظهور أحزاب شيوعية على أن تحترم مشاعر الأغلبية والمقدسات والرموز الدينية... وهذه هي الديمقراطية التي يخشى الحكام العرب الاقتراب منها ".
وحول الموقف من مشاركة المرأة في الانتخابات البرلمانية، أوضح أن " المرأة والرجل متساويان في الحقوق والواجبات حتى السياسية وغيرها طالما تعلمت - المرأة - ووصلت إلى المراكز المرموقة ") [[2]]
ولا ندرى والله من أين أتي فضيلته بمثل هذه الفتوى؟! لا في جزئها الأول ولا في الثاني. فتعريف الحزب السياسي أنه تجمع على منهج محدد وطريقة مفضلة تكون عقيدة أو بمثابة العقيدة لمتبعيه ومنتسبيه للوصول إلى سدّة الحكم وإتخاذ آرائهم ومذاهبهم قوانينا للبلاد.
هذا في عرف الديموقراطية التي اشتط فضيلته في فتاوى أخرى للدفاع عنها ونسبتها للإسلام [[3]] وخلطه بينها وبين الشورى في الإسلام! وماذا عن " مشاعر الأغلبية " وما هو حكم المحافظة على هذه المشاعر و " المقدسات "؟ من أين أتى الشيخ بهذه التعبيرات " المشاعر! المقدسات "؟ أين تقع هذه التعبيرات في قاموس الفقه؟ وهل يرضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن يتمالأ في دولة الإسلام مجموعة ممن يكفرون بالله ويرجعون الخلق إلى الطبيعة، فيظهرون عقائدهم ويدعون الناس إلى إتباع برامجهم؟ الإسلام لا يقبل بأن يقوم جمع ممن يحادّ الله ورسوله بالدعوة إلى برامج إلحادية وخروج عن الشريعة على أرضه وبين أبنائه! هذا من المسلمات، ولا يكفى أن نقول: ولكننا نصنا لهم أن لا يخدشوا مشاعرنا!! كأنني والله أردد كلمات عذراء مخدّرة لا تملك دفع الشرّ عن لنفسها! وما هكذا الإسلام يا شيخ قرضاوى، بارك الله فيك.
ثم ترى هل يجوّز الشيخ أن تتولى المرأة رئاسة مجلس النواب؟! ومن ثم، ومتابعة لهذا الخطّ من الخلط، هل يجوز لها إذن أن تتولى رئاسة الدولة، وهو من المراكز المرموقة بلا شك؟! روى البخارى والترمذي عن أبي بكرة قول رسول الله صلى الله عليه وسلم " لن يفلح قوم ولوا أمرهم إمرأة ". فيا ترى أين يذهب القرضاوى من هذا الحديث؟ وكيف يتأوّله ويلتوى به ليطوعه للديموقراطية الجديدة؟ لقد ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمة " قوم " منكرة تفيد الإطلاق، ونفى الفلاح عمن فعل هذا " إن ولوا أمرهم إمرأة "، فهل هناك ما يقيّد هذا الإطلاق؟! أم أنه حكم خاص بقوم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا عمل له في الأقوام الحديثة المتحضرة من المسلمين؟! أم أن الشيخ لا يرى أنّ أحاديث البخاري صحيحة على إطلاقها، متابعة لمن رأى ذلك من المعتزلة أو غيرهم من المبتدعة؟ أي مذهب ترى ذهب اليه الشيخ القرضاوى لإلغاء هذا النصّ؟ وما هو دخل المساواة بين الرجل والمرأة في هذا الأمر؟ الرجل والمرأة في الإسلام متساويان في التكليف أمام الله سبحانه، ولكن كلّ فيما هيأه الله له، فما هذا الخلط والخبط والتمويه؟
ونحن لا نعارض أن تدلى المرأة برأيها في القيادة المرتقبة للدولة في الإسلام، ولكن أن تكون بهذه الصيغة وأن توحى بمشاركتها مشاركة لا قيود عليها في إدارة شؤون البلاد هو مما يضاد ما استقر عليه الرأي في الشريعة من أن المرأة لها دورها المتميز في إنشاء الجيل وتربية الناشئة.
2) الأخوة القومية والإنسانية:
جاء عن الشيخ القرضاوى: (فهؤلاء - إذا كانوا من أهل وطنِك - لك أن تقول: هم إخواننا، أي إخواننا في الوطن، كما أن المسلمين - حيثما كانوا - هم إخواننا في الدّين. والفُقهاء يقولون عن أهل الذمة: هم من أهل الدار، أي دار الإسلام. فالأُخُوّة ليست دينيّة فقط كالتي بين أهل الإيمان بعضِهم وبعض، وهي التي جاء فيها قول الله تعالى: {إِنَّمَا المُؤمِنونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات: 10]. بل هناك أُخُوّة قوميّة، وأخوة وطنيّة، وأُخوة بشريّة.
والقرآن الكريم يحدِّثنا في قَصص الرُّسل مع أقوامِهم الذين كذَّبوهم وكفروا بهم، فيقول: {كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ المُرْسَلِينَ. إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلا تَتَّقونَ} [الشعراء: 105،106]. {كَذَّبَتْ عَادٌ المُرْسَلِينَ. إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلا تَتَّقُونَ} [الشعراء: 123،124]) [[4]].
الأخوة هنا معناها " الإنتساب إلى "، قال الألوسي: أخوهم نوحاً: " أي نسيبهم "، فالأخوة التي أرادها الله سبحانه هنا هي في نطاق محدود بالإنتساب، ليس بينها وبين معاني الأخوة التى أنشأها الله بين المؤمنين نسب، فالإيحاء بأن هناك " أخوة " بما في الكلمة من ظلال في هذا الموضع خلط متعمد للتمويه على الناس، والله سبحانه استعمل كلمة " أخوهم " كما تقول العرب " أخا تميم " أي قريبهم، ولا يحمل هذا أي مدلول آخر إلا بقرينة، ولذلك افتخر الشاعر بأن قبيلته تنصر من كان من أقربائها في أي ظرف حتى لو لم يكن هناك داع آخر للنصر فقال:
لا يسألون أخاهم حين يندبهم في النائبات على ما قال برهانا
ولم يذكر الله سبحانه لفظ الأخوة، إذ هو مصدر والمصدرية توحي بتعدد الحقوق، وهو غير مراد هنا.
ثم إن استنطاق الآيات بغير مرادها فحش وخطل، فليس هذا محل استنباط فقه الأقليات، أو أحكام أهل الذمة من هذه الايات التي تقص حكايات الأنبياء، فهذا من اتباع استعمال المتشابه [[5]] وترك المحكم الذي ثبت في الشريعة بنص أو ظاهر في حقوق الأقليات.
وليس هناك خلاف في أن أهل " الديانات الأخرى " لهم حقوق في ظل " الدولة الإسلامية "، ولكن هذا لا يستدعى أن تكون هناك " أخوة " مصدرية عامة، بل هو الإحسان والبر بغير المحارب أو الذمي كما في الآيات، والله سبحانه لم يقل في محكم كتابه أنه لا ينهاكم عن الذين لا يقاتلونكم ولا يخرجوكم من دياركم أن تتخذونهم إخوانا أو أن تكون بينكم أخوة، وكان من اليسير عليه سبحانه أن يقول ذلك، ولكنه عبّر عن الواجب الشرعي بتفصيله إلى البر بهم والقسط لهم، وهو ما لا يستدعي بذاته أخوة من أي نوع. قال تعالى: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ}.
فأين الأخوة القومية هنا! بله الإخوة الإنسانية! هي كلها سياسية يقال أنها شرعية، وهي لا تمت للشرع بصلة، يراد بها تنزيل الأحكام الشرعية على مقتضى الواقع لتناسبه وتبرر ما فيه من اعوجاج، لا أن تقرر الصحيح من الفتاوى في مناطاتها فتعيد الحق إلى نصابه وترجع الناس إلى رب الناس.
3) مبادئ للتقريب بين المذاهب الإسلامية [[6]]:
مرة أخرى، شط فيها الشيخ بما لا مزيد عليه بغية التقرّب، ولا أقول التقريب، من الشيعة وما يستتبع ذلك من فتح الأبواب أمام البدع لتخترق صفوف تالسنة أكثر مما هي عليه الآن!
و الداعي للشيخ القرضاوى على هذا الأمر هو ذلك الكيان الذي أعلن عن إنشائه وجدّ في البحث عن مقر له ثم جدّ في تبرير انتمائه لكل من خالف السنة باسم الوحدة حتى ولو كانوا هم أصل التفرقة والبعد عن السنة! وقد اتخذ الشيخ نائبا للرئيس شيعيا إثني عشريا ومقررا من الشيعة الإباضية! ولا شك أن هذه المحاولات التي ترى في التقرب غاية في ذاته وليس وسيلة لنصر دين الله وسنة نبيه، هي محاولات تهدم ولا تبني وتخرّب ولا تعمر، وهي محكوم عليها بالفشل، إذ أن القوم يؤمنون بالتقية، هذا جزء من دينهم، أما علمت يا شيخ يوسف، بارك الله في عمرك [[7]]، كم من الناس من حاول هذا التقارب من قبل فكان فيه مضيعة للعمر ومأسفة لأهل السنة. لقد تقوّل هؤلاء الشيعة على أهل السنة من العلماء أمثال الشيخ سليم البشرى شيخ الجامع الأزهر في مطلع القرن العشرين بما هو معروف مما نشروه في ما أسموه "المراجعات" وفيها يكذبون على الشيخ البشري، وهو أيامها من أجل علماء السنة وعميد الفقه المالكي، ويصورونه أنه جلس مجلس المتعلم من الشيعي شرف الدين الحسيني، الذي زعم أنها مما جرى بينه وبين الشيخ البشري في الخفاء! ولم ينشرها لسبب لا يعلمه إلا الله إلا بعد وفاة البشري!! وهو كذب صريح وترخص وضيع أظهر تهافته كثير من علماء السنة وقتها. فهل يؤمن لمثل هؤلاء الذين يسبون الصحابة ويكفرون أمهات المؤمنين أن نتواصل معهم وأن نمد يد الحب والمودة لهم، اللهم إلا في موضع القتال دفاعل عن الإسلام ضد من يهاجمهم ويهاجمنا في الحال لا في المآل. وحتى في هذه الحالة، فقد بيّن التاريخ أنهم يأخذون جانب العدو كما في حادث سقوط بغداد في أيدى التتار وخيانة نصير الدين الطوسي الذي ساعد التتار وقتل أهل السنة وقضاتهم بعد سقوط بغداد، وهو من يسميه هؤلاء الخواجه! ويثنى عليه أمثاله كالخميني. فلا أعتقد، ولا يعتقد الكثير معي أن الشيخ القرضاوى ينحدر إلى هذا المهوى ليثبت قضية أثبت الزمان عكسها، وهي إمكانية تقريب الشيعة من السنة، ورحم الله بن تيمية ومالك وبن القيم وغيرهم ممن كشف كذب الشيعة وتلاعبهم، و والله الذى لا إله إلا هو لن نحمل لمن يكفر صحابة رسول الله وأمهات المؤمنين ودّا ولا حبا ولا قربا ما تردد في صدورنا نفس، على رغم ما يقول القرضاوى، فإن مصلحة الإسلام، وأهل الإسلام هي في اتباع السنة لا فى إتباع من يقوضها ويقوّض مصادرها، وليست كل فتوى غريبة مخالفة للأوائل من العلماء مما تدل على علم صاحبها، فشتان بين موقف بن تيمية حين خالف المقلدين من علماء عصره في الإفتاء بالطلقات الثلات في مجلس واحد وكونها طلقة واحدة، وبين هذا التقرب الذليل لإثبات أمر لا يجنى على السنة إلا الخراب.(52/496)
4) قضية الحاكم بغير ما أنزل الله:
يقول يوسف القرضاوي: (التكفير قضية لها خطرها، ويترتب عليها آثارها، ولا يجوز التساهُل فيها، وإلقاء الأحكام على عواهِنها دون الاعتماد على الأدِلّة القاطعة، والبراهين الناصعة. فإنّ الذي نحكم عليه بالكفر: نخرجه من المِلّة، ونسلَخه من الأمّة، ونفصِله عن الأسرة، ونفرِّق بينه وبين زوجه وولده، ونَحرِمه من مُوالاة المسلمين، ونجعله عدُوًّا لهم، وهم أعداء له. وأكثر من ذلك: أن جمهور فقهاء الأمّة يحكمون عليه بالقتل، فهو محكوم عليه بالإعدام الأدبي بالإجماع، وبالإعدام المادِّي بالأكثرية.
لهذا قال الأستاذ البَنّا في آخر أصل من أصوله العشرين: "لا نُكفِّر مسلمًا أقرَّ بالشهادتين، وعمل بمُقتضاهما برأي أو بمعصية، إلا إذا أنكر معلومًا من الدين بالضرورة، أو كذَّب صريح القرآن، أو فسَّره تفسيرًا لا تحتمله أساليب اللغة العربية بحال، أو عمِل عملاً لا يحتمل تأويلاً غير الكُفر".
والتضيِيق في التكفير هو اتجاه المحقِّقين من علماء الأمة، من جميع المذاهب.
ولنا رسالة موجَزة حول "ظاهرة الغُلُوِّ في التكفير" بَيَّنّا فيها حقائق مُهمّة حول هذا الأمر الخَطير، الذي أسرفت فيه بعض الجماعات في عصرنا، فكَفَّرت الأمة أو كادت. كفَّرت الحكّام؛ لأنَّهم لم يحكموا بما أنزلَ الله، وكفّرت الجماهير، لأنهم سكتوا على الحكّام! بدعوَى أن مَن لم يكفِّر الكافر فهو كافر، وجهِل هؤلاء أن هذا إنما هو في الكافر الأصلي المعلوم كُفره بالضرورة، مثل الملاحِدة والوثنيّين والمحرِّفين من أهل الكِتاب وغيرهم.
وقد عرضَ الإمام ابن القيِّم لتكفير الحكام في كتابه "مدارج السالكين" ونظر في قوله تعالى: {ومَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الكَافِرونَ} [المائدة: 44]. وكان مما قاله في تأويلها: " فأمّا الكفر فهو نوعان: كفر أكبر، وكفر أصغر: فالكفر الأكبر هو الموجِب للخلود في النار، والأصغر: موجِب لاستحقاق الوعيد دون الخلود.. كما في قوله - صلّى الله عليه وسلم - في الحديث: " اثنتان في أمّتي، هما بهم كُفر: الطّعن في النّسب، والنِّياحة "، وقوله في السُّنَن: " مَن أتى امرأة في دُبُرها فقد كفر بما أُنزِل على محمد "، وفي الحديث الآخَر: " مَن أتى كاهِنًا أو عرّافًا، فصدَّقه بما يقول، فقد كفر بما أَنزَل الله على محمد "، وقوله: " لا تَرجِعوا بعدي كفّارًا يضرب بعضكم رِقاب بعض ".
وهذا تأويل ابن عبّاس وعامّة الصّحابة في قوله تعالى: {ومَنْ لَمْ يَحكُمْ بِمَا أَنْزَلَ فَأُولَئِكَ هُمُ الكَافِرونَ} [المائدة: 44]. قال ابن عباس " ليس بكُفر ينقل عن المِلّة، بل إذا فعله فهو به كُفر، ولَيس كمَن كفَر باللهِ واليوم الآخر "، وكذلك قال طاووس. وقال عطاء: " هو كفرٌ دون كفر، وظلم دون ظلم، وفِسق دون فِسق ".
ومنهم: مَن تأوّل الآية على ترك الحكم بما أنزل الله جاحِدًا له. وهو قول عِكرمة. وهو تأويل مَرجوح. فإنّ جُحوده كُفر، سواء حَكَم أو لم يحكُم.
ومنهم: من تأوّلها على ترك الحكم بجميع ما أنزل الله. قال: ويدخل في ذلك الحكم بالتوحيد والإسلام. وهذا تأويل عبد العزيز الكِناني. وهو أيضًا بعيد؛ إذ الوَعيد على نفي الحكم بالمُنَزَّل. وهو يتناول تعطيل الحكم بجَميعه وببعضه.
ومنهم: مَن تأوَّلها على الحكم بمُخالَفة النصِّ، تعمُّدًا من غير جهل به ولا خطأ في التأويل. حكاه البَغوي عن العلماء عمومًا.
ومنهم: مَن تأوّلها على أهل الكتاب. وهو قولُ قتادةَ والضَّحّاك وغيرهما. وهو بعيدٌ، وهو خلاف ظاهر اللفظ فلا يُصارُ إليه.
ومنهم: مَن جعله كفرًا ينقل عن المِلّة.
والصحيح: أن الحُكم بغير ما أنزل الله يتناول الكُفرَيْن، الأصغر والأكبر بحسَب حال الحاكم. فإنّه إن اعْتقَد وجوب الحكم بما أنزل الله في هذه الواقعة، وعدَل عنه عصيانًا، مع اعترافه بأنه مستحِقٌّ للعقوبة، فهذا كفر أصغر. وإن اعتقد أنّه غيرُ واجبٍ، وأنه مُخَيَّر فيه، مع تيقُّنِه أنه حكم الله، فهذا كُفرٌ أكبرُ. وإن جهِله وأخطَأه فهذا مُخطِئ له حكم المُخطئين ".
قال ابن القيم: " والقَصد: أن المعاصِي كلها من نوع الكفر الأصغر، فإنّها ضدّ الشكر، الذي هو العمل بالطاعة. فالسعي إما شكر، وإما كفر، وإمّا ثالث، لا من هذا ولا من هذا. والله أعلم ") [[8]].
ومنطلق القرضاوى هو منطلق الإخوان بشكل عام، جرثومة إرجاء تسعى بين جنبيهم، شفاهم الله تعالى منها. والأمر ليس أمر تكفير أو غيره، وإنما هو أمر التوحيد وفهم حدوده ومعانيه ومستلزماته. فلا علينا إن كان فلانا من الحكام كافرا أو غير كافر، ولكن المسألة هي مسألة ثبوت معنى الطاعة والإتباع لله وحده في ذهن المسلم، وأنّ الخروج العام على شريعة الله في كافة حدودها ونصوصها ووضع تشريع مواز مخالف، هو خروج عن حدّ لا إله إلا الله، ليس كالمخالف في قضية بعينها أو واقعة بذاتها، وهو الفارق الذي ظهر لنا عجز الذهن الإخواني عن فهمه وتصوره إذ أن تركيبة الذهن الإخواني قد بدأت على مرض، استقر وعشش وفرّخ، وهو فصل الإيمان عن العمل، وأن لا ردة لمسلم أبدا بعمل إلا إن كان جحوداً.
وحسن البنا رحمة الله عليه، كما بيّنا في مقالنا المنشور عن فكر الإخوان [[9]]، لم يذهب إلى ما ذهب اليه تابعوه وتلامذته من غلو في الظاهرة الإرجائية، ولو تأملت ما نقله عنه تلميذه القرضاوى حيث يقول: (أوعمِل عملاً لا يحتمل تأويلاً غير الكُفر). والأمر هنا أن القرضاوى ومن ابتلي مثله بجرثوم الإرجاء اقتصر على الجزء الأول من قول البنا، وجعل الكفر لا يكون إلا جحوداً باللسان، وهو من أقوال عتاة المرجئة قديما، وتابعوهم من أمثال أتباع الجامي والحلبي حديثاً، فهل ينضم القرضاوى لهذا الموكب غير المبارك؟
ثم ما قاله البغوي مما نقله القرضاوى، من أنه فيمن ترك النص عمدا دون تأويل ولا جهل! وهو ما عليه عامة العلماء. وسبحان الله العظيم! أليس يعنى " العلماء عموما " أنه قول الجمهور؟! فلم تعداه القرضاوى إلى غيره؟! ولم حكي القول الرابع أنه كفر أكبر ناقل عن الملة؟ وكيف يختلف هذا عن القول الثاني؟! ولم هذه المغالطة والملاوعة؟!
وقول القرضاوى: (والصحيح: أن الحُكم بغير ما أنزل الله يتناول الكُفرَيْن، الأصغر والأكبر بحسَب حال الحاكم. فإنّه إن اعْتقَد وجوب الحكم بما أنزل الله في هذه الواقعة، وعدَل عنه عصيانًا، مع اعترافه بأنه مستحِقٌّ للعقوبة، فهذا كفر أصغر. وإن اعتقد أنّه غيرُ واجبٍ، وأنه مُخَيَّر فيه، مع تيقُّنِه أنه حكم الله، فهذا كُفرٌ أكبرُ. وإن جهِله وأخطَأه فهذا مُخطِئ له حكم المُخطئين).
خطأ ظاهر. بل الصحيح أن الحكم بغير ما أنزل الله يتناول الأصغر والأكبر، بحسب الحاكم نفسه: إن كان حاكما بمعنى أنه مكلف حكم في أمر نفسه بغير ما أنزل الله، فهو العاصى، ومن حمله على الكفر الأكبر فهو من الخوارج الذين يكفّرون بالمعصية، وإن كان الحاكم بمعنى ولي الأمر ومن بيده الحكم وإنفاذ التشاريع، فيكون بحسب ما حكم به الحاكم، فإن كان الحاكم يحكم في مسألة مفردة بعينها أو حتى عشرة بظلم أو نهب أو سلب من غير أن يبدّل القوانين ويجعل المرجع لأحكام وأوضاع غير ما أنزلها الله سبحانه، فهو عاصٍ كذلك ويجب اتباعه ولا يصح الخروج عليه لما صحّ في ذلك من السننس، وإن كان حال ما حكم به هو شرع مواز مخالف لشرع الله يعبّد له الناس ويجبرهم على اتباعه ويعاقب مخالفه فهذا كفر أكبر ناقل عن الملة. هذا عين ما تتنزل عليه أقوال بن القيم التي نقلها القرضاوى واستخدمها في غير موضعها ومناطها، إذ هو يتحدث عن المعاصي، ومحل النزاع هو في كون التشريع المطلق من المعاصى فلا يصح استخدام هذا القول في هذا الموضع لعدم التسليم بمقدمته.
ولنا قول من هم أجلّ وأعلم من القرضاوى، ممن ينتمون لطبقة العلماء حقيقة ثابتة لهم لا التصاقاً وتمحكاً، ونعنى بهم الأجلاء من القدماء، على سبيل المثال لا الحصر، مثل بن تيمية شيخ الإسلام حيث يقول فيما يعضد ما بيناه: " ولا ريب أن من لم يعتقد وجوب الحكم بما أنزل الله على رسوله فهو كافر فمن استحل [[10]] أن يحكم بين الناس بما يراه هو عدلاً من غير اتباع لما أنزل الله فهو كافر فإنه ما من أمة إلا وهي تأمر بالحكم بالعدل، وقد يكون العدل في دينها ما يراه أكابرهم، بل كثير من المنتسبين إلى الإسلام يحكمون بعاداتهم التي لم ينزلها الله كسواليف البادية (أي عادات من سلفهم) والأمراء المطاعون ويرون أن هذا هو الذي ينبغي الحكم به دون الكتاب والسنة وهذا هو الكفر، فإن كثيراً من الناس أسلموا ولكن لا يحكمون إلا بالعادات الجارية التي يأمر بها المطاعون. فهؤلاء إذا عرفوا أنه لا يجوز لهم الحكم إلا بما أنزل الله فلم يلتزموا ذلك بل استحلوا أن يحكموا بخلاف ما أنزل الله فهم كفار ". و الإمام بن كثير في تفسيره لآية المائدة: " ينكر تعالى على من خرج عن حكم الله المحكم المشتمل على كل خيرٍ الناهي عن كل شر، وعدل عما سواه من الآراء والأهواء والإصطلاحات التي وضعها الرجال بلا مستند من شريعة الله وكما يحكم به التتار من السياسات الملكية المأخوذة عن ملكهم جنكيز خان الذي وضع لهم الياسق، وهو عبارة عن كتاب مجموع من أحكام اقتبسها من شرائع شتى من اليهودية والنصرانية والملة الإسلامية وغيرها، وفيها الكثير من الأحكام أخذها من مجرد نظره وهواه فصارت في بنيه شرعا متبعا يقدمونها على الحكم بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فمن فعل ذلك فهو كافر يجب قتاله حتى يرجع إلى حكم الله ورسوله فلا يحكّم سواه في قليل أو كثير " كما أن بن كثير قد ذكر نفس الكلام في تاريخه عن موضوع الحكم بالياسق وأمثاله قال: " فمن ترك شرع الله المحكم المنزل على محمد بن عبد الله خاتم الأنبياء وتحاكم إلى غيره من الشرائع المنسوخة - كفر، فكيف بمن تحاكم إلى الياسق وقدمها عليه؟ من فعل ذلك كفر بإجماع المسلمين ".(52/496)
ثم من أجلاء المحدَثين الشيخ محمد بن إبراهيم الذي يقول في فتاواه: " وأما الذي قيل فيه أنه كفر دون كفر إذا حاكم إلى غير الله مع اعتقاد أنه عاص وأن حكم الله هو الحق فهذا الذي صدر منه المرة ونحوها، أما الذي جعل قوانين بترتيب وتخضيع فهو كفر وإن قالوا أخطأنا وحكم الشرع أعدل، فهذا كفر ناقل عن الملة " [[11]].
ثم الشيخ المحدث المحقق أحمد شاكر والعلامة الجليل محمود شاكر في شرحهما وتحقيقهما على بن كثير والطبري، قال أحمد شاكر في بيان حكم من يتلاعب بآثار بن عباس وأبي مجلز من فروخ العلماء: " الله إني أبرأ إليك من الضلالة، وبعد، فإن أهل الريب والفتن ممن تصدوا للكلام في زماننا هذا، قد تلمس المعذرة لأهل السلطان في ترك الحكم بما أنزل الله وفي القضاء في الدماء والأموال والأعراض بغير شريعة الله التي أنزلها في كتابه وفي اتخاذهم قانون أهل الكفر شريعة في بلاد الإسلام. فلما وقف على هذين الخبرين، اتخذهما رأيا يرى به صواب القضاء في الدماء والأموال والأعراض بغير ما أنزل الله وأن مخالفة شريعة الله في القضاء العام لا تكفر الراضي بها والعامل عليها. والناظر في هذين الخبرين لا محيص له من معرفة السائل والمسئول، فأبو مجلز - لاحق بن حميد الشيباني الدوسي - تابعي ثقة وكان يحب عليا وكان قوم أبي مجلز وهم بنو شيبان من شيعة علي يوم الجمل وصفين، فلما كان أمر الحكمين يوم صفين، واعتزلت الخوارج، كان فيمن خرج على علي طائفة من بني شيبان ومن بني سدوس بن شيبان بن ذهل، وهؤلاء الذين سألوا أبا مجلز ناس من بني عمرو بن سدوس وهم نفر من الإباضية... هم أتباع عبد الله بن إباض من الحروروية – الخوارج - الذي قال: إن من خالف الخوارج كافر ليس بمشرك! فخالف أصحابه...
ومن البين أن الذين سألوا أبا مجلز من الإباضية إنما كانوا يريدون أن يلزموه الحجة في تكفير الأمراء لأنهم في معسكر السلكان، ولأنهم ربما عصوا أو ارتكبوا بعض ما نهاهم الله عنه، ولذلك قال في الأثر الأول: فإن هم تركوا شيئا منه عرفوا أنهم قد أصابوا ذنبا، وقال في الخبر الثاني: إنهم يعملون بما يعملون وهم يعلمون أنهم مذنبون.
وإذن، فلم يكن سؤالهم عما احتج به مبتدعي زماننا من القضاء في الدماء والأموال والأعراض بقانون مخالف لغير شرع الإسلام، ولا في إصدار قانون ملزم لأهل الإسلام، بالإحتكام إلى حكم غير الله في كتابه وعلى لسان نبيه صلى الله عليه وسلم فهذا الفعل إعراض عن حكم الله ورغبة عن دينه وإيثار لأحكام الكفر على حكم الله سبحانه وتعالى، وهذا كفر لا يشك أحد من أهل القبلة على اختلافهم في تكفير القائل به والداعي له.
والذي نحن فيه اليوم، هو هجر لأحكام الله عامة دون استثناء وإيثار أحكام غير حكمه، في كتابه وسنة نبيه، وتعطيل لكل ما في شريعة الله... فإنه لم يحدث في تاريخ الإسلام أن سن حاكما حكما جعله شريعة ملزمة للقضاء بها.
وأما أن يكون كان في زمان ابي مجلز أو قبله أو بعده حاكم حكم بقضاء في أمر جاحدا لحكم الله أو مؤثرا لأحكام أها الكفر على أهل الإسلام (وهي حال اليوم من آثر أحكام الكفر علىأحكام الإسلام) فذلك لم يكن قط، فلا يمكن صرف كلام أبي مجلز والإباضيين إليه، فمن احتج بهذين الأثرين وغيرهما في بابهما، وصرفها عن معناها، رغبة في نصرة السلطان، أو احتيالا على تسويغ الحكم بما أنزل الله وفرض على عباده، فحكمه في الشريعة حكم الجاحد لحكم من أحكام الله، أن يستتاب، فإن أصر وكابر وجحد حكم الله ورضي بتبديل الأحكام، فحكم الكافر المصر على كفره معروغ لأهل هذا الدين ". ويقول أخوه العلامة المحدث أحمد شاكر: " إن الأمر في هذه القوانين الوضعية واضح وضوح الشمس، هي كفر بواح، لا خفاء فيه ولا مداورة، ولا عذر لأحد ممن ينتسبون إلى الإسلام - كائنا من كان - في العمل بها أو الخضوع لها أو إقرارها، فليحذر إمرؤ لنفسه " وكل إمرئ حسيب نفسه ".
ألا فليصدع العلماء بالحق غير هيابين، وليبلغوا ما أمروا بتبليغه، غير متوانين ولا مقصرين.
سيقول عني " عبيد هذا الياسق الجديد " وناصروه أني جامد وأني رجعيّ وما إلى ذلك من الأقاويل، ألا فليقولوا ما شاؤوا، فما عبأت يوما بما يقال عني ولكني أقول ما يجب أن أقول " [[12]].
ويقول الشيخ الجليل بن باز رحمة الله عليه فيما نشر في مجلة الدعوة العدد (963) في [5/2/1405هـ]: " الحكام بغير ما أنزل الله أقسام، تختلف أحكامهم بحسب اعتقادهم وأعمالهم، فمن حكم بغير ما أنزل الله يرى أن ذلك أحسن من شرع الله فهو كافر عند جميع المسلمين، وهكذا من يحكِّم القوانين الوضعية بدلاً من شرع الله ويرى أن ذلك جائزاً، حتى وإن قال: إن تحكيم الشريعة أفضل فهو كافر لكونه استحل ما حرم الله " [[13]]. فهذا بيّن في رأي بن باز أن مجرد الحكم يدل على الإستحلال.
مثل هؤلاء العلماء هم الذين قال الله تعالى فيهم: " أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده " (الأنعام: 90). أمثال هؤلاء هم الذين يجب اتباعهم والحرص على فتاواهم لا متابعة رويبضات [[14]] العلم.
إذن، فإن فتوى الشيخ القرضاوى في هذا الأمر ليس مما يعتد به، بل هي مما يزكم الأنوف بما تحمله من روائح الإرجاء الذي درج عليه منتسبو الإخوان.(52/496)
5) جمع الصلوات بلا عذر:
جاء في بنك الفتاوى [[15]]: سؤال: ما حكم من لم يستطع أداء الصلاة في وقتها؟
" هذه لها حل شرعي وهو ما جاء في حديث ابن عباس رضي الله عنه الذي رواه الإمام مسلم في صحيحه " أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء في المدينة في غير سفر ولا مطر " وفي رواية " في غير خوف ولا سفر " يعني لا خوف ولا سفر ولا مطر، إنما جمع في المدينة، قالوا لابن عباس ماذا أراد بذلك؟ قال أراد ألا يحرج أمته، يعني أراد رفع الحرج عنها وهذا الحديث في الواقع يعطينا الحل والمفتاح لحل هذه المشكلات التي تتفاوت فيها الأوقات، فيجوز للمسلم إذا كان العشاء يتأخر جداً في الصيف أن يجمع العشاء مع المغرب جمع تقديم، وفي الشتاء يكون الظهر والعصر الوقت ضيق جداً والإنسان في عمله فهنا يجمع إما يجمع العصر مع الظهر جمع تقديم أو يجمع الظهر مع العصر جمع تأخير، حسب المتيسر له، فهذا كله فيه حرج والنبي صلى الله عليه وسلم كما ذكر راوي الحديث وحبر الأمة ابن عباس أراد ألا تُحرج أمته، أراد أن يرفع عنها الحرج والضيق ويوسع عليها، فهذه الفتوى قال بها الإمام أحمد قال ابن سيرين من التابعين أن أي ضيق وأي حاجة وأي حرج الإنسان يجمع بين الصلاتين ".
والفتوى بهذا القدر ليست صحيحة على الإطلاق، فإن مبدأ الرد على السائل في مثل هذا الأمر بهذه الصيغة أن نذكّره أن الصلاة " كانت على المؤمنين كتابا موقوتا " وأنه مما علم من الدين بالضرورة ومما تقعّد من أصول الدين وتمهّد من قواعد الفقه أن الصلاة لها مواقيت محدودة لا يصح الإستهانة بها ولا محاولة تعدّيها، بل الأوجب والأصل أن يلتزم المسلم بالمحافظة عليها. أليس هذا ما يبدأ به العالم إن كان ربانيا، لا أن يبحث عن " الحلّ الشرعي " لكل مخالفة شرعية؟!
ولكن الشيخ قد أصلح بعض ما أفسد في رده على سائل آخر في فتوى أخرى بقوله: " فإذا كان هناك حرج في بعض الأحيان من صلاة كل فرض في وقته، فيمكن الجمع، على ألا يتخذ الإنسان ذلك ديدنًا وعادة، كل يومين أو ثلاثة.. وكلما أراد الخروج إلى مناسبة من المناسبات الكثيرة المتقاربة في الزمن. إنما جواز ذلك في حالات الندرة، وعلى قلة، لرفع الحرج والمشقة التي يواجهها الإنسان " [[16]].
هذا ما ذكره القرضاوى، وهو صحيح لا غبار عليه فبارك الله فيه، وسنزيد الأمر بيانا إذ أن ذلك مما يحتاجه هذا المقام خاصة وفتوى الشيخ القرضاوى الأولى مبهمة لا تشفى غليلا بل تسهّل على السائل تفويت الأوقات وإهمال الصلوات.
ونص الحديث الذي يشير اليه القرضاوى هو ما رواه الجماعة عن بن عباس: " أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بالمدينة سبعا وثمانيا الظهر والعصر والمغرب والعشاء " وفي لفظ الجماعة إلا البخاري وبن ماجة " قيل لإبن عباس: ماأراد بذلك؟ قال: أراد أن لا يحرج أمته ".
إن قول الجمهور [[17]] في هذه المسألة هو أن الجمع بغير عذر لا يجوز. واليك بيان ما ذكره العلماء في هذا الحديث، فقد اختار النووي أن ذلك كان بسبب المرض لأن الثابت هو رواية " من غير خوف ولا سفر " والرواية الأخرى " من غير خوف ولا مطر " فالمرض هو العذر الذي جمع فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم لئلا يحرج أمته، وله شاهد من تأجيل الصيام وغيره من أحكام المرض. وقوّى الحافظ بن حجر قول أنها كانت بسبب الغيم. وقد رجح القرطبي وبن الماجشون وإمام الحرمين الجويني والطحاوى وبن سيد الناس وغيرهم أنه جمع صوري، أي أنه صلى بأصحابه في آخر الظهر ثم في أول العصر فكانت صورة جمع لا جمع حقيقي. ومما يقوى هذا الوجه هو ما رواه النسائي عن بن عباس - راوى الحديث الأول - أنه " صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم الظهر والعصر جميعا والمغرب والعشاء جميعا أخّر الظهر وعجّل العصر وأخّر المغرب وعجّل العشاء ". فهذا راوى الحديث الأول بن عباس يروى ما يقوى هذا الوجه ويبين مغلقه. كذلك فإن ما يؤيد الجمع الصورى ما رواه الشيخان عن عمرو بن دينار أنه قال لأبي الشعثاء - راوى الحديث الأول عن بن عباس: يا أبا الشعثاء أظنه أخر الظهر وعجل العصر وأخر المغرب وأخر العشاء، قال أبو الشعثاء: وأظنه. كذلك ما رواه بن جرير الطبري عن بن عمر " خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان يؤخر الظهر ويقدم العصر فيجمع بينهما ويؤخر المغرب ويقدم العشاء فيجمع بينهما ". كلّ هذا يدل على أن الجمع كان صوريا لا حقيقيا لكل هذه الآثار ولما هو من قبيل عدم معارضة الأصول الثابتة في مواقيت الصلاة التي هي أرسخ من هذا الحديث. وهذا بلا شك فيه تخفيف على الأمة من أن يكون تكون الصلاة دائما في أول الوقت وهو ما فيه مشقة فبين صلى الله عليه وسلم أنه يمكن أن تكون متأخرة حتى نهاية الوقت للحاجة. وقد أجمع العلماء على أن ذلك لايجب أن يتخذ عادة مستقرة بل يكون لحاجة مؤقتة. فإن كان هناك حرج في وقت من الأوقات على فرد من الأفراد فهذا أمر يقدّر بقدره، ولكن أن يفتح الباب على مصراعيه بصفة دائمة لحاجة العمل، فإن في هذا اعتداء على الشريعة وتجرؤ على دين الله لا يغتفر!! ثم إن هذا الأمر مما يلتحق بعموم البلوى وما ينشأ عن ذلك من النظر في قاعدة المشقة تجلب التيسير، وهل هو مما يعمّ كل المكلفين في كل الأوقات أم بعض المكلفين في بعض الأوقات أو بعض المكلفين في بعض الأوقات، ثم ما هي درجة الخصوصية في هذا الأمر بالنسبة للمكلف، ثم تحديد معنى المشقة المرعية، وهل هي مما ينفك عن العبادة أم مما لاينفك عنها عادة، وهي أمور يرجع فيها الناظر إلى مظانها من كتب الأصول والقواعد.
وللشيخ عطية صقر [[18]] فتوى في هذا الباب مما يستحسن الرجوع اليه إذ هي فتوى تدل على علم وفقه، لا محاولة التخفيف واتباع أهواء الناس.
ثم بعد هذا البيان، نتوجه للشيخ القرضاوى بأن يلمّ شعث نفسه وأن يتقى الله فيما يصدر عنه من أقوال وفتاوى، فإنه لا سند لكثير مما يدّعى في منهجية أهل السنة وأصولها، وليحقق أقواله بدلا من إلقائها على عواهنها فليس هذا بسمت العلماء، وهو منهم. ثم يعترى النفس حزن وأسى على الكثير من أبناء هذا الجيل الذين لا يعرفون من قمم العلم إلا الشيخ القرضاوى، على فضله، أطال الله عمره وأصلح مسيرته، فحين نتصفح إنتاجه في مجال البحث نجد أن كلها [[19]] كتب تحمل الطابع الدعوى، ليس فيها نصيب لتحقيق علمي أو إضافة تجديدية! فعلى سبيل المثال، أين في أعمال الشيخ كتاب في المصطلح ككتاب " الباعث الحثيث " للعالم المحدث أحمد شاكر؟! أو " المتنبي " للعالم اللغوي محمود شاكر، بل أين في أعمال الشيخ الدعوية مثل أعمال الشيخ الغزالي رحمة الله عليه؟! أو بحث تاريخي مثل " الإتجاهات الوطنية " للعلامة الدكتور محمد محمد حسين؟! ونحن لا نقلل من قدر القرضاوى وأعماله، ولكن الأمر آل إلى هذا المستوى بعد غياب القمم التي ترهق الأعناق في التطلع إلى فلكها وتغشى الأبصار في النظر إلى أضواء علمها.
ونبرء إلى الله من كل معصية، ونتعتذر إليه عز وجلّ من كل زلل.
د. طارق عبد الحليم
===============(52/496)
القرضاوي والمذهب العقلاني
(الجزء الأول)
لن نصرخ ونصخب على القراء ببيان الموقف الصحيح من القرضاوي ، بل سنترك أهل العلم الربانيين يحكمون على ذلك من خلال تتبع بعض فتاواه واجتهاداته الفقهية والمنهجية والعقدية!
في العقيدة :
1 - يرى الشيخ القرضاوي أن اليهود والنصارى هم إخواننا في الإنسانية ؛ وعليه فيمكننا أن نقول : أخونا اليهودي فلان ! وأخونا النصراني علان ! ( نحو وحدة فكرية للعاملين للإسلام ) ص81 بل وإخواننا المجوس والبوذيين باعتبار أنهم جميعاً عباد الله تعالى !
2- يرى الشيخ القرضاوي أن الجزية مصطلح ينبغي تغييره إذا كرهه ( إخواننا اليهود والنصارى ) 0 ( أولويات الحركة الإسلامية ) ص162
3– يرى الشيخ القرضاوي أن الله تعالى لا يشاء إلا ما فيه الخير والحكمة ؛ ولهذا فهو يتفق مع ابن عربي الذي قال بأن الله قضى : أي شاء وقدر أن لا يعبد إلا هو سبحانه ! .
فعابد المسيح وعابد العزير وعابد الله تعالى كلهم قد حكم الله بمشيئته ألا يعبدوا إلا إياه ؛ فهذه إرادة الله تعالى فينبغي لنا أن نرضى بتعدد الديانات والمعبودات ؛ لأن هذه هي مشيئة الله تعالى عند الشيخ القرضاوي ! فهو سوى بين المشيئة القدرية الكونية ، وبين المشيئة الشرعية الدينية . ومن المعلوم عند علماء السلف الصالح أن الله تعالى وإن أراد أن يكون هذا الاختلاف والتعدد قدراً ؛ فإنه سبحانه لا يرضاه لهم شرعاً ، بل لا يرضى سبحانه للناس جميعاً إلا الإسلام ديناً 0
( فتاوى معاصرة ) 2 / 677 – 678
ومن المقطوع به عند أهل السنة من السلف الصالح أن قوله تعالى ( وقضى ربك ) أي أمر لا حكم ؛ وإلا لقلنا بقول أصحاب وحدة الوجود كابن عربي وجلال الدين الرومي والصدر القونوي وغيرهم ممن يصحح الديانات كلها ؛ وأن الطرق إلى الله تعالى بعدد الأنفاس !!
- يرى الشيخ القرضاوي أن غرس العقيدة ليس من الضروري أن نظل ندعوا الناس إليه ثلاثة عشر عاماً ؛ لأننا بين أناس مسلمين يؤمنون بأن لا إله إلا الله ، وأن محمداً رسول الله ، فليسوا محتاجين أن نعلمهم العقيدة مثل هذه المدة !! ( أولويات الحركة الإسلامية ) ص128 ولا أدري ما هو رأي القرضاوي في دعاء الأموات والطواف حول القبور والضلالات والبدع التي تعج بها البلاد الإسلامية في مشارق الأرض ومغاربها و من أناس يقولون ليل نهار : لا إله إلا الله محمد رسول الله !!
– يرى الشيخ القرضاوي أن عقيدة الأشاعرة في تفويض معاني الصفات الإلهية هو المذهب الحق الواجب اتباعه ضارباً عرض الحائط مذهب السلف الصالح من الصحابة والتابعين وأتباعهم في أن الصواب هو أن هذه الصفات معروفة معانيها وإنما الواجب تفويض كيفياتها 0 ( المرجعية العليا في الإسلام ) ص 301 ، 302 0
-يرى الشيخ القرضاوي أن عداء المسلمين لليهود ليس من أجل عقيدتهم الكفرية ، بل من أجل قطعة الأرض التي اغتصبوها من الفلسطينيين ! ( مجلة البيان ) العدد 124
- يرى الشيخ القرضاوي أن أعداء الصحابة ومتهمي الصديقة عائشة رضي الله عنها وعنهم أجمعين والقائلين بتحريف القرآن الكريم لا يختلفون عن المسلمين في شيء كبير ؛ وإنما هي خلافات في الفروع والمسائل الفقهية ! ( الخصائص العامة للإسلام ) ص209 ، و( ملامح المجتمع المسلم ) ص41 ، و ( العبادة في الإسلام ) ص170 ، و ( الإسلام والعلمانية ) ص 178
وهناك أمور لا يتسع المقال لها جميعاً ، ولعلها لو جمعت لأتت في مجلد !
القرضاوى والمذهب العقلانى (الجزء الثانى)
في الحديث والسنة النبوية :
- لم يخطئ المحدث صالح اللحيدان عندما وصف الشيخ القرضاوي بما وصفه به ؛ بل لعله قد لين حفظه الله تعالى القول فيه ؛ فلو تيسر له ولغيره من أهل العلم سبر كثير من كتب القرضاوي لوجد فيها الطامات من استدلال بالضعيف والواهي والمكذوب ، ومن تقديم العقل على النقل عند التعارض بزعمه ، ومن لي أعناق النصوص - ولو كانت غير صحيحة وغير صريحة - لتتوافق مع مذهبه الذي يدعو إليه في الأخوة الإنسانية المزعومة !
وهذا مثال من أمثلة كثيرة تقطع بجهل القرضاوي في علم الحديث والسنة عموماً :
))القرضاوي وجهله بالحديث : ما النتيجة ؟ ))
ذكر د. يوسف القرضاوي في كتابه ( ملامح المجتمع المسلم الذي ننشده ) ص139 أن العباد كلهم إخوة في الإنسانية ؛ سواءً كانوا مسلمين أو نصارى أو ..... إلخ !!
واستدل لذلك بحديث رواه الإمام أحمد في ( المسند ) 4 / 396 من حديث زيد بن أرقم رضي الله عنه قال : ( كان نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول في دبر صلاته : اللهم ! ربنا ورب كل شيء أنا شهيد أنك أنت الرب وحدك لا شريك لك – مرتين – ربنا ورب كل شيء أنا شهيد أن محمداً عبدك ورسولك ، ربنا ورب كل شيء أنا شهيد أن العباد كلهم إخوة ... ) .
وقد ذكر مثل هذا الضلال الآخر- الأجهل – المدعو فهمي هويدي في كتابه ( مواطنون لا ذميون ) ص85 .
وأقول : الحديث لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؛ ففيه : داود بن رشاد الطفاوي قال ابن معين : ليس بشيء .
وذكره ابن حبان في ( الثقات ) على قاعدته المعروفة في توثيق الضعفاء والمجاهيل ! ولهذا جزم الحافظ بضعفه فقال : لين الحديث .
( التقريب ) 1793 .
وفيه علة أخرى وهي : جهالة عين أبي مسلم البجلي ؛ فإنه لم يرو عنه إلا الطفاوي ، وقد تقدم أنه لين الحديث ؛ وهو قريب في الجهالة أيضاً من البجلي !
فالحديث لا تجوز نسبته إلى النبي عليه الصلاة والسلام ؛ فكيف بمن استدل به على إثبات الأخوة المزعومة بين المسلمين وغيرهم من اليهود والنصارى !!
وقد سود القرضاوي كتابه ( فقه الزكاة ) 2 / 1020 بهذا الحديث غير الصحيح غير الصريح في تأييد مذهبه في الأخوة الإنسانية !
وقد أورد الشيخ القرضاوي حديثاً منكراً لطالما نافح عنه العصرانيون ودعاة التقريب بين الأديان ، وذلك في كتابه ( الحلال والحرام ) ص329 ألا وهو : ( من آذى ذمياً فأنا خصمه ، ومن كنت خصمه خصمته يوم القيامة ) فقد زعم أنه حديث حسن رواه الخطيب بإسناد حسن !!
وهذه وحدها تكفي لبيان مدى معرفة القرضاوي بالحديث ؛ فإنه مع كون سنده ضعيفاً جداً فيه متروك الحديث ، فقد استنكره الخطيب نفسه في ( تاريخ بغداد ) 8 / 370 فقال : ( وهذا حديث منكر بهذا الإسناد ، والحمل فيه عندي على المذكر ( العباس بن أحمد ) فإنه غير ثقة ) ! وقد أورده صاحب ( تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأخبار الشنيعة الموضوعة ) في كتابه 2 / 181 – 182(52/496)
وهذا مثال آخر يزيل الغشاوة عن أعين المغرورين بعلم الشيخ :
(( القرضاوي والطعن في الأحاديث الصحيحة ))
ظهر في الأسواق كتاب جديد للدكتور يو سف القرضاوي بعنوان : ( نحو موسوعة للحديث الصحيح مشروع منهج ٍ مقترح ) 0
والقرضاوي معروف بمنهجه العقلاني كبقية العقلانيين من أمثال الغزالي الذي ينكر صحة حيث : ( ما أفلح قوم ولو أمرهم امرأة ) مع علمه بأنه في ( صحيح البخاري ) !
فكيف استخدم القرضاوي عقله في هذا الكتاب لدعم منهجه العقلاني ؟
لقد ضرب القرضاوي مثالاً للحديث الذي يتوقف فيه العقل بزعمه ، فقال :
( وقد تبين لي من خلال البحث والممارسة : أن كل متن يتوقف فيه العقل المعاصر ( !! ) لا يخلو سنده من كلام فيه ، ومن ثغرة يمكن الناقد ( كذا) أن يدخل منها ، وخصوصاً إذا رجع إلى الأئمة النقاد القدامى ، مثل ابن المديني وابن معين وابن مهدي وأبي حاتم الرازي والبخاري وأمثالهم 0
ولنضرب مثالاً لذلك ، فالمثال ( كذا ) يتضح المقال حديث : ( بعثت بين يدي الساعة بالسيف 00000 ) 0
ثم أخذ القرضاوي بسرد تحقيقات بعض الأعلام المعاصرين للحديث من أمثال الشيخ أحمد شاكر ، والألباني 000
وأخيراً وصل إلى النتيجة التالية :
( وبهذا تبين لنا أن الحديث لم يأت من طريق واحدة صحيحة متصلة سالمة من النقد ، وإنما صححه من صححه بطرقه ، وكلها لا تسلم من مقال ، ولم تكثر إلى درجة يقال : يقوي بعضها بعضا ً ( ! ) 0
على أن التصحيح بكثرة الطرق - وإن لم يكن معروفاً عند المتقدمين من أئمة الحديث ( !! ) – إنما يُعمل به في القضايا اليسيرة ، والأمور الجزئية البسيطة ( ! ) لا في مثل هذا الحديث الذي يعبر عن عنوان الإسلام واتجاهه : هل بُعث الرسول بالرحمة أو بعث بالسيف ؟ ) 0
ثم عظم القرضاوي الشيخ شعيباً الأرناؤوط وتحقيقه الذي مال فيه إلى تضعيف السند ( عندما أصبح على حد قول القرضاوي : أكثر نضجاً واستقلالاً من ناحية ، وحيث غدا يشاركه خمسة آخرون من العلماء ، فهو عمل جماعي له قيمته 0000 ) 0
ويعني القرضاوي تحقيق شعيب لـ( مسند أحمد ) في الجزء السابع الذي اشترك فيه مع الشيخ شعيب : محمد نعيم العرقسوس وإبراهيم الزئبق !!
وسوف أختصر الرد على القرضاوي في نقاط مركزة :
1- قوله : كل متن يتوقف فيه العقل المعاصر 000 إلى آخر هذا الهراء هو نفسه الباب الذي أُتِيَ منه العقلانييون حديثاً ومن قبلهم أجدادهم المعتزلة قديماً 0
فما أنكر من أنكر أحاديث الصفات إلا من باب المعارضة للعقل العفن عند أولئك الضالين 0
وما أنكرت المعتزلة معجزات الرسول عليه الصلاة والسلام الحسية وغيرها سوى القرآن الكريم إلا من هذا الباب ؛ لأنها لا تتماشى مع عقول أهل العصر !
أليس الغزالي هو الذي أنكر الأحاديث في ( الصحيحين ) المصرحة بالاستواء على العرش ؛لأنها تعارض العقل لما فيها من التجسيم بزعمه!؟
وعندي في هذا الموضوع عشرات الأمثلة التي تنادي بأعلى صوت بأن هؤلاء العقلانيين قد ألهوا العقل ، فأصبح معبودهم ، كما قال تعالى : ( أرأيت من اتخذ إلهه هواه أفأنت تكون عليه وكيلاً ) الفرقان آية 25 0
2 – زعمه التفريق بين منهج المتقدمين ومنهج المتأخرين من علماء الحديث في مسألة تقوية الحديث بالطرق والمتابعات مذهب فاسد ضال اتبع فيه القرضاوي بعض الضالين وعلى رأسهم المليباري والسعد وأذنابهما !
3 - تعظيمه للأرناؤوط ومن معه من المحققين الذين لا يعرف لهم كبير شيء في هذا الفن الشريف يدل بوضوح على اعتبار أن الألباني وشاكر دون هؤلاء !
4 - الإسلام كما أنه دين الرحمة ونبيه نبي المرحمة ، فهو دين الملحمة ونبيه نبي الملاحم ( كما ثبت في شمائل الترمذي برقم 360 ، وعند البغوي في ( شرح السنة ) برقم ( 3631 ) 0
5 - ومن جهل القرضاوي بهذا الفن قوله : ( ولم تكثر - يعني طرقه - إلى درجة يقال : يقوي بعضها بعضاً ) !0
فالمعروف عند المبتدئين في هذا العلم أن طريقين ليسا بشديدي الضعف كافيان لإثبات كون الحديث حسناً ، فكيف ,
وأحد طرقه حسنة لذاتها ، فإذا انضمت إليها طريق فيها ضعف محتمل ارتقى الحديث لدرجة الصحة 0
وقد ذكر العلماء ومنهم الخطابي رحمه الله وجه كونه عليه الصلاة والسلام نبي الرحمة وبين كونه نبي الملاحم ، فقد نقل البغوي عنه نقلاً طيباً يدل على بعثته عليه الصلاة والسلام كانت رحمة بالنسبة لبعثة غيره من الأنبياء الذين استأصلت أممهم بالعذاب بعد قيام حجج الله عليهم والمعجزات التي معهم ، لكن نبي الرحمة بحق هو الذي بعث بالسيف لردع الكفار ومجاهدة الذين يصدون عن سبيل الله مع عدم استئصالهم بالسيف بل للسيف بقية لمن بعدهم من الناس ؛ بخلاف العذاب العام الذي لا بقية معه 0
ثم أيد البغوي كلام الخطابي بأن ملك الجبال عندما أراد أن يطبق الأخشبين على أهل مكة إن شاء عليه الصلاة والسلام ؛ فما كان من نبي الرحمة بحق إلا أن قال : ( بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئاً ) 0
5 – قال ابن كثير في تفسير قوله تعالى : ( وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس 000 ) الآية 25 من سورة الحديد 00000( وجعل الحديد رادعاً لمن أبى الحق وعاند بعد قيام الحجة عليه (( ولهذا أقام رسول الله صلى الله عليه بمكة بعد النبوة ثلاث عشرة سنة توحى إليه السور المكية ، وكلها جدال مع المشركين ، وتبيان وإيضاح للتوحيد ، وتبيان للدلائل ، فلما قامت الحجة على من خالف ، شرع الله الجهاد ، وأمرهم بالقتال بالسيوف ، وضرب الرقاب ،والهام ، لمن خالف القرآن وكذب به وعانده 0 ) 0 ( تفسير ابن كثير ) 8 /53 0
ثم أورد ابن كثير بهذه المناسبة حديث ( بعثت بالسيف بين يدي الساعة حتى يُعبد الله وحده لا شريك له ، وجُعل رزقي تحت ظل رمحي ، وجُعل الذل والصغار على من خالف أمري ، ومن تشبه بقوم فهو منهم ))0
ومما تقدم يُدرك كل منصف أن القرضاوي جاهل بالحديث ، بل هو جاهل بمقاصد الشريعة التي يدندن في كلامه وكتاباته بأنه من أفقه الناس فيها !
هذا من ناحية الدراية والمتن والذب عن الحديث من تلك الجهة 0
وأما صحة الحديث بمجموع طرقه رواية : فهذا لا يكابر فيه إلا رجلان : جاهل أو متعصب لمذهب شيوخه العقلانيين إرضاءً لأهواء الغربيين والمستشرقين الذين قال الله عنهم : ( ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم 000) البقرة آية 120 0
فائدة : جود شيخ الإسلام ابن تيمية هذا الحديث في ( الفتاوى ) 25 / 331 مختصراً ؛ بل صرح بذلك في كتابه القيم ( اقتضاء الصراط المستقيم ) 1 / 269 - بتحقيق العقل - فقال : ( هذا إسناد جيد ؛ فإن 000000 وأما عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان فقال ابن معين ، وأبو زرعة ، وأحمد بن عبد الله : ليس به بأس ) 0
اللهم اجعلنا هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين
القرضاوي والمذهب العقلاني (الجزء الثالث)
ومن الأمثلة على هذه العقلانية أو مذهب المعتزلة الجدد ما صرح به الشيخ القرضاوي من تقسيم للسنة إلى ( سنة تشريعية ) و ( سنة غير تشريعية ) !
فالأولى هي الواجبة على المسلم ، وأما الثانية فهي غير ملزمة للمسلم – عياذاً بالله من الهوى – كأحاديث الطب النبوي جميعها ؛ بل ذهب إلى أبعد من هذا فقال بأن أحاديث نصاب البقر في الزكاة ، والعفو عن زكاة الخيل مما قاله النبي عليه الصلاة والسلام بوصفه إماماً ، فلا يلزمنا الأخذ بها !! ( السنة مصدراً للمعرفة والحضارة ) ص48 ،60 ،65 ، 66 ، 79
ووالله ! إنها لإحدى الكبر : هذه البدعة التي ابتدعها العقلانيون والمعتزلة الجدد لضرب السنة ضربة لم يفلح فيها المستشرقون وأعداء الإسلام ؛ فقدمها هؤلاء العصرانيون العقلانيون لهم لقمة هنيئة مريئة !!
ولا أدري ما هو موقف هؤلاء القوم من حديث : ( اكتب فوالذي نفسي بيده ما خرج من بينهما إلا حق - يعني شفتيه - )
انظر تخريجه في ( السلسلة الصحيحة ) لشيخنا محدث العصر الألباني رحمه الله تعالى برقم ( 1532 ) 0
في الفقه والاجتهاد :
يرى الشيخ القرضاوي أن اللحية ليست واجبة على المسلم ! ( الحلال والحرام ) ص92
يرى الشيخ إباحة الأغاني ! ( الحلال والحرام ) ص273
يرى الشيخ إباحة أكل الحيوانات التي ماتت بطريق الصعق الكهربائي !
ولمزيد من البيان والفوائد راجع ( الإعلام بنقد كتاب الحلال والحرام ) للعلامة الفوزان حفظه الله 0(52/496)
في المنهج والدعوة :
يتفق الشيخ القرضاوي مع القائلين بالقاعدة الباطلة ( نتعاون فيما اتفقنا عليه ، ويعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه ) !
فهو في سبيل هذه القاعدة لا يرى بأساً من التعاون مع أصحاب البدع المكفرة من الفرق الضالة وأصحاب الخرافات والشركيات ، وما عدا فرقتي البهائية والقاديانية - فقط - فيجب علينا أن نطبق هذه القاعدة ( الذهبية ) على حد تعبيره معهم !
ولهذا فالشيخ مشغول بالأصول عن الفروع ، وبالكليات عن الجزئيات !! ( الصحوة الإسلامية وهموم الوطن العربي والإسلامي ) ص185 ، و ( أولويات الحركة الإسلامية ) ص3
لكن ما هي الأصول عند الشيخ القرضاوي ؟ أهي العقيدة الصحيحة ودعوة الناس للتوحيد الخالص أم هي ملاحقة العلمانيين والماركسيين والصهاينة ولو كان ذلك على حساب التوحيد بحجة الجمع والتكتيل ، وأن أعداء الأمة يتربصون بها فلا داعي الآن لبيان التوحيد ونشر السنة ، فهي عند الشيخ من الفروع لا الأصول ، ومن الجزئيات لا الكليات !! ( الصحوة الإسلامية بين الجحود والتطرف ) ص71
يقول الشيخ العلامة الفقيه ابن عثيمين رحمه الله تعالى في ( الصحوة الإسلامية : ضوابط وتوجيهات ) ص171 : ( رأينا في هذه الكلمة أن فيها إجمالاً :
أما أن نجتمع فيما اتفقنا فيه ؛ فهذا حق 0
وأما أن يعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه ؛ فهذه فيه تفصيل :
فما كان الاجتهاد فيه سائغاً ؛ فإنه يعذر بعضنا بعضاً فيه ، ولكن لا يجوز أن تختلف القلوب من أجل هذا الخلاف 0
وأما إن كان الاجتهاد غير سائغ ؛ فإننا لا نعذر من خالف فيه ، ويجب عليه أن يخضع للحق ، فأول العبارة صحيح ، وأما آخرها فيحتاج إلى تفصيل ) 0
فهل الخلاف مع أولئك المنحرفين عن الإسلام من أصحاب البدع المغلظة سائغ عند الشيخ القرضاوي ؟!
رد : القرضاوي والمذهب العقلاني ...... منقول
ملاحظة لجميع الأخوة الأكارم نحن هنا ننقض فكر خرج من فم الرجل ولا يفهم احد أننا نتهجم على شخصه الكريم ب علينا ان نقول للرجل قف وفكر دين الله لا يؤخذ حسب الأمزجة والعقول دون الإستناد إلى الشرع
وبارك الله فيك أخى مهدى بو صالح لفتحك هذا الموضوع لحرصك على دين الله نقى من شطحات وزلل العابثين بدين الله
فتاوى تتجرأ على دين اللّه
صدرت في بلاد المسلمين وأميركا وغيرها من بلاد الغرب فتاوى مستنسخة عن بعضها بأسماء مختلفة تجيز مشاركة الجنود الأميركيين المسلمين في القتال ضد المسلمين في أفغانستان. وعمدة هذه الفتاوى فتوى وقَّعها السادة: (الشيخ يوسف القرضاوي، محمد سليم العوَّا، طارق البشري، هيثم الخياط، فهمي هويدي). وقد ذكر السيد فهمي هويدي الفتوى والموقعين عليها، في مقاله المنشور في جريدة "الشرق الأوسط" الصادرة بتاريخ 08/10/2001م. وقد نشرت المقال المذكور، أيضاً، جريدة "المحجة" المغربية الصادرة بتاريخ 20/10/2001م.
واعتماداً على الفتوى المذكورة، مع بعض الحذف اليسير، صدرت فتوى باسم السيد طه جابر العلواني رئيس ما يسمى بالمجلس الفقهي لأميركا الشمالية والشيخ محمد الحانوتي عضو المجلس المذكور، وقد أعلنا ذلك في مؤتمر صحفي عقداه في واشنطن بتاريخ 11/10/2001م. وحيث إنّ هذه الفتاوى تتعلق بأمر خطير وكبير عند الله وهو قتال المسلم للمسلم، فإن « الوعي» ستتناول ما سمّاه أصحاب الفتاوى (أدلة) أجازوا بموجبها قتال الجندي الأميركي المسلم للمسلم في أفغانستان وغيرها من البلاد الإسلامية، ثم بعد ذلك تبين الحكم الشرعي في المسألة لتتضح الصورة، فيهلك من هلك عن بينة ويحيى من حيّ عن بينة:
============================================
[B]تقول الفتاوى في أبرز جوانبها:
(الواجب على المسلمين كافةً أن يكونوا يداً واحدةً ضد الذين يروعون الآمنين ويستحلون دماء غير المقاتلين بغير سبب شرعي... فمن خالف النصوص الإسلامية الدالة على ذلك فهو عاصٍ مستحق للعقوبة... ولو أن الأحداث الإرهابية التي وقعت في الولايات المتحدة عوملت بمقتضى نصوص الشريعة وقواعد الفقه الإسلامي لكان الذي ينطبق عليها هو حكم جريمة الحرابة الوارد في سورة المائدة... وهذا كله من واجب المسلمين المشاركة فيه بكل سبل ممكنة تحقيقاً لقوله تعالى: ]وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان[ (المائدة/2). ولكن الحرج الذي يصيب العسكريين المسلمين في مقاتلة المسلمين الآخرين مصدره أن القتال يصعب أو يستحيل التمييز فيه بين الجناة الحقيقيين المستهدفين به وبين الأبرياء الذين لا ذنب لهم في ما حدث وأن الحديث النبوي الصحيح يقول: «إذا تواجه المسلمان بسيفيهما فقتل أحدهما صاحبه فالقاتل والمقتول في النار قيل هذا القاتل فما بال المقتول قال قد أراد قتل صاحبه»... وهو، أي الحديث الشريف، لا يتناول الحالة التي يكون المسلم فيها مواطناً وجندياً في جيش نظامي لدولة يلتزم بطاعة الأوامر الصادرة إليه وإلا كان ولاؤه لدولته محل شك مع ما يترتب على ذلك من أضرار عديدة. يتبين من ذلك أن الحرج الذي يسببه نص هذا الحديث الصحيح إما أنه مرفوع وإما أنه مغتفر بجانب الأضرار العامة التي تلحق مجموع المسلمين في الجيش الأميركي بل وفي الولايات المتحدة بوجه عام إذا أصبحوا مشكوكاً في ولائهم لبلدهم الذي يحملون جنسيته... وأما الحرج الذي يسببه كون القتال لا تمييز فيه فإن المسلم يجب عليه أن ينوي بمساهمته في هذا القتال أن يحق الحق ويبطل الباطل وأن عمله يستهدف منع العدوان على الأبرياء أو الوصول إلى مرتكبيه لتقديمهم للعدالة وليس له شأن بما سوى ذلك من أغراض للقتال قد تنشئ لديه حرجاً شخصياً لأنه لا يستطيع وحده منعها ولا تحقيقها والله تعالى لا يكلف نفساً إلا وسعها... والقواعد الشرعية تقرر أنه إذا اجتمع ضرران ارتكب أخفهما، فإذا كان يترتب على امتناع المسلمين عن القتال في صفوف جيوشهم ضرر على جميع المسلمين في بلادهم، وهم ملايين عديدة، وكان قتالهم سوف يسبب لهم حرجاً أو أذىً روحياً ونفسياً فإن الضرر الخاص يتحمل لدفع الضرر العام كما تقرر القاعدة الفقهية).
ثم تختم الفتوى: (والخلاصة أنه لا بأس ـ إن شاء الله ـ على العسكريين المسلمين من المشاركة في القتال في المعارك المتوقعة ضد من يظن أنهم يمارسون الإرهاب أو يؤوون الممارسين له ويتيحون له فرص التدريب والانطلاق من بلادهم مع استصحاب النية الصحيحة على النحو الذي أوضحناه دفعاً لأي شبهة قد تلحق بهم في ولائهم لأوطانهم ومنعاً للضرر الغالب على الظن وقوعه وإعمالاً للقواعد الشرعية التي تنص على أن الضرورات تبيح المحظورات وكذلك التي توجب تحمل الضرر الأخف لدفع الضرر الأشد والله تعالى أعلم وأحكم).
إن المتدبر لهذه الفتاوى يجد أن أصحابها قد لووا عنق النصوص وحرفوا الكلم عن أحكام الله، وكأنهم يريدون بذلك إرضاء أميركا وبريطانيا وحلفائهم في عدوانهم على المسلمين في أفغانستان، وهؤلاء الكفار لن يرضوا إلا كما قال سبحانه: ]ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم[ (البقرة/120) .
لقد قال أصحاب الفتوى إن حديث الرسول صلى الله عليه وسلم : «إذا تواجه المسلمان بسيفيهما» لا ينطبق على الجندي في الجيش النظامي كالجندي المسلم الأميركي في الجيش الأميركي عند مقاتلته للمسلم الأفغاني، وقالوا إن وعيد الرسول صلى الله عليه وسلم للقاتل بأنه في النار إما أنه مرفوع (لا ينطبق على الجندي النظامي) وإما أنه مغفور له، علماً بأن النص ليس خاصاً بل عاماً لم يستثنِ فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول: «فالقاتل والمقتول في النار» فهو ينطبق على الجندي النظامي وغير النظامي. وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم «في النار» للدلالة على عظم الجريمة.[/b](52/496)
رد : القرضاوي والمذهب العقلاني ...... منقول
ومن تحريف الكلم عن مواضعه كذلك ما ذكرته الفتوى عن حد الحرابة وأن الذين قاموا بالأعمال الإرهابية في أميركا ينطبق عليهم حد الحرابة وطلبوا من المسلمين المشاركة في إيقاع حد الحرابة وجعلوا ذلك من باب التعاون على البر والتقوى. أليس هذا النفاق بعينه وترضية لرؤوس الكفر؟ أإذا وقع حادث قتل في أميركا وجب على المسلمين أن يشاركوهم في إقامة الحد على القاتل؟ ومن باب التعاون على البر والتقوى؟ وهل الحدود لها واقع عند أعداء الله الكفار في بلاد الكفار؟ أيعقل أن من أصدروا الفتوى ضلّوا في هذه على غير علم؟ إنها لإحدى الكبر. والكبيرة الأخرى ما جاء في الفتوى من أن الجندي المسلم الأميركي الذي يشترك في قتال المسلمين الأفغان عليه أن ينوي، وهو يقاتل المسلمين، ينوي أنه يقاتل ليحق الحق ويبطل الباطل وبعد هذه النية لا شيء عليه في ما ينتج عن القتال. أي أن النية الحسنة، بمفهوم أصحاب الفتوى، تكفي لجعل العمل المحرم حلالاً. أليست هذه مغالطة؟ إن النية الصالحة في الإسلام طريق لجعل العمل الصالح مقبولاً عند الله ولكنها ليست طريقاً لجعل العمل المحرم مقبولاً، فالمسلم الذي يذهب لقتال المسلمين، وهو يعلم أنهم مسلمون، يكون قد ارتكب إثماً عظيماً ولا يبرئ ذمته أن ينوي أنه يقاتل لإحقاق الحق ما دام يعلم أنه ذاهب لعملٍ باطلٍ وليس لعملٍ حقٍّ.
أما ما ذكرته الفتوى من استدلال بالقاعدتين (الضرورات تبيح المحظورات)، و(أخف الضررين) فهو استدلال في غير محله.
إن (الضرورات تبيح المحظورات) استنبطها واضعوها لحالة الاضطرار الملجئ للحفاظ على الحياة، فمن كان لا يجد طعاماً حلالاً يأكله للحفاظ على حياته فإنه يجوز له أن يأكل من الشيء الذي يحرم أكله كالميتة مثلاً وبالتالي فهذه القاعدة لا علاقة لها بجواز قتال المسلم للمسلم.
ولا يقال إن عدم مشاركة الجندي المسلم الأميركي في أفغانستان سيجعل ولاءه لبلده الذي يحمل جنسيته مشكوكاً فيه، وبالتالي قد تتأثر مواطنته في أميركا، وإن حاجته للعيش في أميركا دون مضايقة أو ارتياب تدخل في حالة الاضطرار وتطبق عليها قاعدة (الضرورات تبيح المحظورات)، لا يقال ذلك لأن المسلم إذا كان مجبراً على فعل الحرام في بلد فإن عليه أن يتركه إلى بلد آخر يأمن فيه على عدم الإجبار على فعل الحرام، فقد توعد الله سبحانه أولئك الذين تذرعوا بمثل هذه الأعذار ]إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيراً إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلاً[ (النساء) فمن فعل الحرام متذرعاً بأنه مجبر على فعله في بلده وهو قادر على تركه فإنه داخل في وعيد الله.
وأما (أخف الضررين) فقد اشترط واضعوها لاستعمالها تزاحم الضررين على الشخص بحيث لا مندوحة له عن استعمال أحد الضررين، فأجازوا له، في هذه الحالة، أخذ الضرر الأخف ليمنع عن نفسه الضرر الأثقل. فما هما الضرران اللذان تزاحما على الجندي المسلم الأميركي حتى أجاز أصحاب الفتوى له أن يشترك في القتال ضد المسلمين في أفغانستان؟
إن أصحاب الفتوى اعتبروا الضرر الأثقل هو الأذى المتوقع حدوثه من الحكومة الأميركية على الجندي الأميركي المسلم إذا رفض الاشتراك في القتال، واعتبروا الضرر الأخف هو مشاركته في القتال لقتل المسلمين وتدمير بلادهم لمصلحة الكفار، فأجازوا له المشاركة (الضرر الأخف بزعمهم) ليدفع عن نفسه (الضرر الأثقل بزعمهم) وهو أذى الحكومة الأميركية بسجنه وطرده من وظيفته المتوقع نتيجة عدم المشاركة في القتال والشك في ولائه لأميركا. فكيف برروا لأنفسهم هذا القول؟ إن مشاركة المسلم في قتل المسلم لهو من أعظم الأمور وأشدها حرمة:
يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : «لزوال الدنيا أهون عند الله من قتل رجل مسلم» ويقول صلوات الله وسلامه عليه مخاطباً الكعبة: «والذي نفس محمد بيده لحرمة المؤمن أعظم منك ماله ودمه وأن لا نظن إلا خيراً» .
إن تطبيق قاعدة (أخف الضررين)، كما استنبطها واضعوها، يؤدي إلى الصبر على أذى الحكومة، وهو الأخف، وعدم الذهاب للمشاركة في قتل المسلمين وهو الأثقل.
وعليه فإن القاعدتين المذكورتين كما استنبطها واضعوها لا تجيزان قتال المسلم للمسلم.(52/496)
هذا مع العلم أنه إذا ورد نص صريح في المسألة فإن الحكم يؤخذ من النص ويوقف عنده. فما هي النصوص المتعلقة بقتال المسلم للمسلم؟
إن تحريم قتال المسلم للمسلم هو أمر معلوم من الدين بالضرورة، أدلته كثيرة مستفيضة:
l يقول تعالى: ]إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم[ (الحجرات/10) أي أوقفوا القتل بين المسلمين، وامنعوه بينهم فهم إخوة.
l ويقول صلى الله عليه وسلم : «سباب المسلم فسوق وقتاله كفر» وهذا قرينة على عظم جريمة اقتتال المسلمين.
l ويقول صلى الله عليه وسلم : «إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار قالوا هذا القاتل فما بال المقتول قال كان حريصاً على قتل صاحبه» وهو نص صريح في التحريم الشديد للاقتتال بين المسلمين.
l ويقول صلى الله عليه وسلم : «المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره» فكيف بمن يقتله؟
l ويقول صلى الله عليه وسلم في وثيقة المدينة: «وإن سلمهم واحدة وحربهم واحدة» فهم معاً في الحرب والسلم، وليسوا حرباً على بعضهم. فتحريم قتال المسلم للمسلم أمر مؤكد معلوم من الدين بالضرورة، فكيف إذا كان قتال المسلم للمسلم تحت راية الكفار ولمصلحة الكفار فهو آكد وأشد، لأن تحريم قتال المسلم للمسلم، في هذه الحالة تشمله الأدلة المذكورة بالإضافة إلى أدلة تحريم موالاة الكفار، والقتال لمصلحة الكافر هو من أعظم صور الموالاة للكفار:
l يقول سبحانه: ]يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين[ (النساء/144).
l ويقول سبحانه: ]يا أيها الذين ءامنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم[ (المائدة/5).
l ويقول سبحانه: ]والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض[ (التوبة/71).
l ويقول سبحانه: ]والذين كفروا بعضهم أولياء بعض[ (الأنفال/73).
l ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم في وثيقة المدينة: «ولا ينصر مؤمن كافراً على مؤمن».
فقتال المسلم للمسلم حرام، وقتال المسلم للمسلم نصرةً للكافر وموالاةً له أغلظ وأشد تحريماً، وكل قول على جوازه اتباع للشيطان وقول بالهوى وجرأة على دين الله.
وعليه فإن الواجب على الجنود المسلمين الأميركيين أن يرفضوا المشاركة في قتال إخوانهم المسلمين في أفغانستان مهما تحملوا من أذىً حتى لا يقعوا في الحرام فعذاب الآخرة أشد، وقد سبق أن رفض بعض الجنود الأميركيين القتال في فيتنام وتحملوا ما نتج عن ذلك بسبب قناعاتهم الشخصية فكيف بالمسلم الذي يعلم أن المشاركة حرام؟ فليصبر على الأذى في سبيل الله، والله سبحانه سيجعل له مخرجاً ]ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب[ (الطلاق/2ـ3).
وكلمة أخيرة نقولها لأولئك الذين أفتوْا ويفتون بجواز مشاركة الجندي المسلم الأميركي في قتال المسلمين في أفغانستان، أن يتقوا الله ويتوبوا إليه ويرجعوا عما قالوا ويعلنوه على الملأ، وإلا باؤوا بوزر فتواهم ووزر من أخذ وعمل بها.
هذه نصيحة والدين النصيحة «قلنا لمن يا رسول الله قال لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم»
وهنا بعض المواضيع التي يحب ( ويقدر ) ان يرد عليها الاخ حميد / نزولا عند رغبته في النقاش بالدليل ، لنرى ماذا تتفتق ذهنيته بالرد ( غير الزنا والربا طبعا ) وكلها من موقع الشيخ ( الارداوي ) بلهجة اهل الخليل :-
الاول : موقف قطر من القضية الفلسطينية بقعة ضوء في جبين التاريخ
وهي شطبنالك الولاء والبراءة في الاسلام و نسينا امريكا ونسينا القواعد العسكرية من اجل عيون فلسطين ، فلا مانع من شطب ما هو اكبر من ذلك !
ثانيا : يقول لك هنا ان الاقوام الذين كنا نرد عليهم لم يعودوا يشكلون اي مشكلة لدينا(52/496)
... دراسة العقيدة من خلال القرآن
استعرض فضيلة الدكتور القرضاوي خلال محاضرته ذكرياته خلال الدراسة بجامعة الأزهر بكلية أصول الدين موضحا أنه كان يحلم وهو في صغره بالالتحاق بهذه الكلية، ورغم تفوقه فيها وحصوله على المركز الأول في السنة النهائية بها إلا أنه كان معترضا على المنهج الأزهري في تدريس العقيدة للطلاب واعتماد طرق وأساليب علم الكلام والفلسفة وحفظ أبيات كثيرة من الشعر فيها ومناقشة موضوعات فرغ الناس منها وعفي عليها الزمن، فالأقوام الذين كنا نرد عليهم لم يعودوا يشكلون أي مشكلة لدينا،
على من كان يرد هذا في الماضي واندثروا ولم يعودوا يشكلون اي مشكلة ؟
اقرأة ما بين السطور ، وافتح عقلك وفكر بمعزل عن التعصب الاعمى لترى ماذا يريد من اخوة الكافرين !
ولعيون الاخ حميد /
ساتصفح كل موقع القرضاوي واتيك به بكل جديد ، فلن يعدم المرء العثور على الرصاص في حقل الغام .
===========
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تحياتي للجميع
بما انه طُرح الموضوع للحوار العقلاني فهذا شيئ جيد , نسال الله ان نستفيد مما سيطرح
كما انني اتمنى من الجميع ان لا يفقد اعصابه خصوصا ان الوضع قد يسخن فى باب الاحتجاج
المشكلة ان المداخله بها عدة مواضيع , على كل حال لقد اخدت احدها وهو المختص بالمخالفين لنا فى العقيدة
وكيفية التعامل معهم .
مقتبس من المهدي ابو صالح :
1 - يرى الشيخ القرضاوي أن اليهود والنصارى هم إخواننا في الإنسانية ؛ وعليه فيمكننا أن نقول : أخونا اليهودي فلان ! وأخونا النصراني علان ! ( نحو وحدة فكرية للعاملين للإسلام ) ص81 بل وإخواننا المجوس والبوذيين باعتبار أنهم جميعاً عباد الله تعالى !
يرى الشيخ القرضاوي أن عداء المسلمين لليهود ليس من أجل عقيدتهم الكفرية ، بل من أجل قطعة الأرض التي اغتصبوها من الفلسطينيين ! ( مجلة البيان ) العدد 142
ابو محمد :
واين الغرابة فى ذلك السنا كلنا من ادم وحواء فهم وبطبيعة الحال ليسوا اخواننا فى الدين ولكن حتما هم اخواننا
فى الانسانية , عن الامام على عليه السلام :
ان لم يكن لك اخا فى الدين فهو اخا فى الخُلق .
حتى الاسرائيلى رغم انحرافه هو اخوك بالنسب شئت ام ابيت اليسوا منحذرين من ادم وحواء , ولكن هذه الاخوة قائمة على احترام مقدرات الاخرين , فأن لم يكن ذلك انتفت صفة الاخوة واصبح عدوك كما هو حاصل مع الصهاينة . نعم فعدائنا لليهو ليس بسبب ما يؤمنون به بل بسبب ما اخدوه منا والا ارجوك لقاتل الرسول صلى الله عليه وسلم
جميع اليهود والنصارى فى زمانه , فهل تعتقد انه عليه السلام فعل ذلك ؟؟ لا هو لم يقاتل احدا منهم الا من رفع السيف عليه . والاية صريحة ( لكم دينكم ولى دين ) ,
الاسلام لم ينشر بالسيف كما يقوله البعض من المسلمين والغرب بل الاسلام انتشر بنشر العدالة , والفتوحات لم يكن القصد منها اسلمت الناس والا لاصبح الدين جبرا على الناس وهذا مخالف لكل ايات القران بل كانت الفتوحات من اجل الردع , هناك شاهد المشركون مدى عدالة الاسلام فأسلموا , هذا الحاصل لا كما يقال ان المسلمين قد غزو
بقاع الارض بقوة السيف لاجبار الناس على الاسلام ,
الناس احرارا فيما يعتقدوا , نحن نقول ان الله قد خيرّ الانسان ان يؤمن او يشرك اليس كذلك ؟؟ ولكننا نعمل عكس
هذا المفهوم اي اننا نجبر الناس قهرا على دخول الدين , فأيننا من شريعة السماء يرحمك الله .
مقتبس من المهدي ابو صالح :
يرى الشيخ القرضاوي أن الجزية مصطلح ينبغي تغييره إذا كرهه ( إخواننا اليهود والنصارى ) 0 ( أولويات الحركة الإسلامية ) ص162
وهناك اية لم تذكرها وهي بخصوص الجزية سأضعها انا ابو محمد فى مداخلتك لكي تكتمل الصورة , التوبة 29 :
قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الاخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين اوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون
l ويقول سبحانه: ]يا أيها الذين ءامنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم[ (المائدة/5).
ابو محمد :
المائدة 82-81
لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ قَالُوَاْ إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ === اليس هؤلاء نصارى
وَإِذَا سَمِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ == هل هؤلاء الدين نحاربهم
ان الذين امنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من امن بالله واليوم الاخر وعمل صالحا فلهم اجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون ( البقرة 62)
عن من تتحدث هذه الايات , هل تتحدث عن مسلمين ام عن نصارى وهادوا وصابئه وووو, الاية واضحة(52/496)
انها تقول من امن بالله واليوم الاخر وعمل صالحا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون
اليس هذا مقاما رفيعا عند الله , السؤال ؟؟ نعادي من هنا .. هل نعادي جميع هؤلاء ولكن اسمع
المائدة
فَبِظُلْمٍ مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَن سَبِيلِ اللّهِ كَثِيرًا
وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُواْ عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا
لَّكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ ( من ماذا ) وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاَةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أُوْلَئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْرًا عَظِيمًا
من هم الراسخون فى العلم هنا
من هم الذين سيؤتون اجرا عظيما
هل هؤلاء من نعاديهم او نقتلهم , نحتاج الى ايضاح
القران ليس متناقض بل هو واضح ولكن عليك ان تأخده كله لا فقط سورة التوبة والايات التى تتحدث عن قتال اهل الكتاب , عندها ستتضح لك الصورة وهي اننا مأمريين فقط بقتال من رفع السيف علينا مع سبق الاصرار والترصد .؟
مقتبس من المهدي ابو صالح :
فهو في سبيل هذه القاعدة لا يرى بأساً من التعاون مع أصحاب البدع المكفرة من الفرق الضالة وأصحاب الخرافات والشركيات ، وما عدا فرقتي البهائية والقاديانية - فقط - فيجب علينا أن نطبق هذه القاعدة ( الذهبية ) على حد تعبيره معهم !
ابو محمد :
ارجع الى التاريخ وقل لى , هل تعامل الرسول صلى الله عليه وسلم مع النصراني النجاشي ام لا, اليس هذا صاحب بدع وشركيات , والغريب انه سلّم رقاب انصاره بيد مشرك اليس كذلك ؟؟ ما الامر الذي اختلط علينا
لنركز الان على موضوع الاخوة الانسانية و الاخوة الاسلامية حتى لا تضيعنا في متاهات النقل و اللزق ....
لننطلق من بعض البديهيات و نذكر بها انفسنا جميعا :
اولا اخشى ما اخشاه ان تكون اخي المهدي لم تقرا كتب الشيخ كاملة ... فهذه طامة كبرى ان كنت تعتمد على الاخرين و لا تقرأ بنفسك ....
ايضا يا اخي الحبيب القراءة من مرة واحدة و اثنين لا تفيد في هكذا مواضيع فيجب علينا ان نقرأ مرة و اثنين و ثلاثا و نخلص في القراءة بحيث يكون البحث عن الحقيقة هو هدفنا و ليس هدف نسعى لاثباته باي شكل كان ....
على العموم هذه تذكرة لي و لكل اخ هنا , فانا و الحمد لله لا اقدس اي فكرة كانت و اسعى دائما الى الحقيقة و ليس لي اي بقرة مقدسة لا القرضاوي و لا ابن باز و لا ابن عثيمين و لا اي احد غيرهم ... و الاهم من هذا انني لا اعتمد على الشيخ او الباحث ليقرأ نيابة عني فانا لست قاصرا و لله الحمد و قد منحني الله عقلا استطيع على الاقل ان افرق به بين الغث و السمين .....
قلت في بداية مداخلتك- او بالاحرى نقلت فانت لم تقل- ان :
د. يوسف القرضاوي في كتابه ( ملامح المجتمع المسلم الذي ننشده ) ص139 أن العباد كلهم إخوة في الإنسانية ؛ سواءً كانوا مسلمين أو نصارى أو ..... إلخ !!
واستدل لذلك بحديث رواه الإمام أحمد في ( المسند ) 4 / 396 من حديث زيد بن أرقم رضي الله عنه قال : ( كان نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول في دبر صلاته : اللهم ! ربنا ورب كل شيء أنا شهيد أنك أنت الرب وحدك لا شريك لك – مرتين – ربنا ورب كل شيء أنا شهيد أن محمداً عبدك ورسولك ، ربنا ورب كل شيء أنا شهيد أن العباد كلهم إخوة ... ) .
الرجل اجتهد و استدل بالقران الكريم و ليس فقط بالسنة و ما قاله ليس جديدا فمعظم شيوخ الازهر وتونس والمغرب وعدد من شيوخ فلسطين والشام والعراق قالوا بهذا و مازالو ا , و هو ليس مسؤولا عن ضيق تفكير البعض , فهو هنا يتحدث عن الاخوة في الانسانية على اعتبار اننا كلنا من آدم و حواء فنحن اذا اخوة و ليس يتحدث عن الاخوة الاسلامية .
و من العار و العيب ان نستدل بجملة او جملتين من دون ان نضع الى جانبها تفصيل الشيخ في ذلك , و في الغالب من يقوم بهذا الامر هو انسان يريد ان يثبت وجهة نظره باي شكل كان و الا فلماذا لم يضع تفصيل ماجاء في كتب الشيخ عن كل فكرة وضعها هنا حتى يقرأ الاخوة و الاخوات و يفهموا ... ام أنه قرأ نيابة عن الاخوة كما يفعل شيوخه في السعودية ...
و الشيخ استدل ببعض الايات ك ( وإلى عاد أخاهم هوداً)، (وإلى ثمود أخاهم صالحا )، ( وإلى مدين أخاهم شعيباً ), و لاحظ ان هؤلاء الانبياء هم مسلمون و قومهم وثنيون و مع هذا جاء الخطاب ب " و الى ... أخاهم " وهنا الشيخ اكد ان مقولة الاخوة الانسانية تستخدم عادة في دعوة الاخرين الى دين الله :
يقول تعالى:
"لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم ان تبروهم وتقسطوا اليهم ان الله يحب المقسطين"
"ولا تجادلوا أهل الكتاب الا بالتي هي احسن الا الذين ظلموا منهم وقولوا آمنا بالله وبالذي انزل اليكم والهنا والهكم واحد ونحن له مسلمون"
"ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون"
وكما امرنا الله بان نستخدم القول اللين والمعاملة الطيبة مع الوثنيين والكفار ومن هنا فلا مانع من استخدام مقولة اخوة انسانية مادام ان الله سبحانه و تعالى استخدمها مع قوم هود و صالح و شعيب على الرغم من انهم وثنيون و الانبياء مسلمون ..... اما الاخوة الاسلامية فشيء آخر ........
و لمزيد من الاطلاع اليكم الجزء الخاص بالاخاء في كتاب الشيخ ملامح المجتمع المسلم الذي ننشده:
ومن القيم الإنسانية الاجتماعية التي دعا إليها الإسلام: الإخاء - أو الأخوة - ومعناه: أن يعيش الناس في المجتمع متحابين مترابطين متناصرين، يجمعهم شعور أبناء الأسرة الواحدة، التي يحب بعضها بعضاً، ويشد بعضها أزر بعض، يحس كل منها أن قوة أخيه قوة له، وأن ضعفه ضعف له، وأنه قليل بنفسه كثير بإخوانه . ولأهمية هذه القيمة في بناء المجتمع المسلم سنفصل فيها بعض التفصيل . والقران يجعل الإخاء في المجتمع المؤمن صنو الإيمان، ولا ينفصل عنه، يقول تعالى: ( إنما المؤمنون إخوة). ويجعل القران الأخوة نعمة من أعظم النعم، فيقول: (واذكروا نعمت الله عليكم عيكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً). ويقول في سورة أخرى ممتناً على رسوله الكريم: (هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين، وألف بين قلوبكم، لو أنفقت ما في الأرض جميعاً ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله بينهم، إنه عزيز حكيم). ويقول النبي (صلى الله عليه وسلم): (المسلم أخو السلم، لا يظلمه ولا يسلمه .. لا تحاسدوا، ولا تباغضوا، ولا تناجشوا … وكونوا عباد الله إخواناً). وقد ذكرنا من قبل ما روى الإمام أحمد من حديث زيد بن أرقم: أن النبي (صلى الله عليه وسلم) كان يقول دبر كل صلاة :
(اللهم ربنا ورب كل شئ ومليكه أنا شهيد أنك الله وحدك لا شريك لك .
( اللهم ربنا ورب كل شئ ومليكه أنا شهيد أن محمداً عبدك ورسولك .
( اللهم ربنا ورب كل شئ ومليكه أنا شهيد أن العباد كلهم إخوة .
فجعل إقرار مبدأ (الأخوة) بعد الشهادة لله تعالى بالوحدانية، ولمحمد بالعبودية والرسالة. وقوله: (إن العباد كلهم إخوة ) يحتمل معنيين كلاهما صحيح :
الأول: أن العباد هنا هم البشر كافة، فهم أخوة بعضهم لبعض، بحكم البنوة لأدم، والعبودية له سبحانه. وهذه أخوة إنسانية عامة. وقد وصف الله تعالى عدداُ من الرسل في القرآن بأنهم إخوة لأقوامهم رغم كفرهم برسالتهم، لاشتراكهم معهم في الجنس والأصل، كما في قوله تعالى: وإلى عاد أخاهم هوداً)، (وإلى ثمود أخاهم صالحا )، ( وإلى مدين أخاهم شعيباً ).
الثاني: أن العباد هنا هم المسلمون خاصة، بحكم اشتراكهم في أمة واحدة، تضمهم عقيدة واحدة هي التوحيد، وقبلة واحدة هي الكعبة البيت الحرام، وكتاب واحد هو القرآن، ورسول واحد هو محمد عليه الصلاة والسلام، ومنهج واحد، هو شريعة الإسلام.
وهذه أخوة دينية خاصة، لا تنافى الأولى، إذ لا تنافى بين الخاص والعام . كل ما في الأمر أن لهذه الأخوة حقوقاً أكثر، بمقتضى وحدة العقيدة والشريعة، والفكر والسلوك.
العداء لليهود ليس لعقيدتهم و انما لاغتصابهم الارض الاسلامية
لنكمل الحديث عن مسألة الاخوة في الانسانية ,
لدينا مثلا نصارى فلسطين وهم جزء من هذا الوطن شئنا ام ابينا , و في ميثاق حماس نجد اشارة الى انها تعتبرهم اخوة في الانسانية , و هي هنا لم تاتي بشيء جديد لان هذا اجتهاد فقهي لعدد من الفقهاء سواء في فلسطين او خارج فلسطين .... و اليهود لا تقاتلهم حماس لكونهم يهود بل لانهم صهاينة مغتصبون للارض .... و الذين يستغربون هذا الامر فليسألوا التاريخ عن معاملة المسلمين لليهود في اسبانيا ...و ليتذكروا ان الرسولصلى الله عليه و سلم لم يلجأ الى معاقبتهم الا بعد ان نكثوا العهد ...(52/496)
و خلال التاريخ الاسلامي وجدنا ان المسلمين عاملوا اليهود معاملة طيبة في عدد من انحاء العالم الاسلامي و لم يقتلوهم ... فنحن لا ندعو لقتال اليهود لكونهم يهود و انما لكونهم مغتصبون للارض ......
السلفيون احتجوا ببعض العناوين التي ترفعها حماس واستلوا سيوفهم ليطعنوا في الحركة و ليؤكدوا حسب فهمهم الضيق ان الحركة و القرضاوي و الاخوان جهلة بالدين و بالعقيدة الصحيحة ... و استغربوا من بعض عناوين الحركة ك :
1- اعتبار نصارى فلسطين جزء لا يتجزأ من الشعب الفلسطيني والأمة العربية وهويتها.التاريخ يشهد بان النصارى جزء لا يتجزأ من ارض فلسطين و هم جزء من الهوية العربية فما الغريب في الامر ؟؟!!!!!!!!!!!
2- للنصارى من الحقوق المدنية ما لبقية أبناء الشعب الفلسطيني وعليهم من الواجبات ما عليهم.
ألم يكن لاهل الذمة حقوق و واجبات .... فما العيب اذا ذكرت حماس هذا الامر و هو ما امرنا به اسلامنا ام ان الدعوة هنا الى ان نستل سيوفنا و نقطع رقاب كل نصارى فلسطين حتى يرتاح هؤلاء السلفيون ....
3- الإشارة إلى أعيادهم ومناسباتهم الدينية في بيانات وفعاليات الانتفاضة ومشاركتهم في الممكن منها.و ما العيب في هذا ؟؟!!! راجعوا تاريخكم رحمكم الله .............
4- تذكيرهم بأهمية ارتباطهم بمقدساتهم وأرضهم من منطلقات دينية ووطنية.هذا في اطار المعاملة الطيبة و هو ليس اقرارا لضلال النصارى بقدر ماهو معاملة طيبة لاناس يشاركونا العروبة و الارض و التاريخ ( المواطنة ) ....
5- التأكيد على أهمية اشتراكهم في الحياة السياسية والكفاحية للشعب الفلسطيني في فترة الاحتلال وبعد التحرير والعمل على استقطابهم في العمل والمؤسسات الوطنية.
هذا ضمن حقوقهم وواجباتهم
6- العمل على فتح علاقات متينة مع قياداتهم الدينية والسياسية وكسبها في المواقف الوطنية والعامة ومشاورة زعاماتهم في شئون البلاد العامة.
7- استمرار سياسات الإشارة لهم ولمناسباتهم في بيانات الحركة. ثم استدلوا كذلك بماجاء في كتاب حماس الفكر والممارسة السياسية:
" الحركة لا ترفض أن يكون في صفوفها من يعمل على نشر مبادئها ودعمها مهما كانت عقيدته أو مذهبه طالما أنه لا يناقض أهدافها "
راجعوا رحمكم الله سيرة الفاتح صلاح الدين و مساهمة نصارى الشام والعراق و مصر في الفتح ...
ألم يقل سبحانه و تعالى :
" لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم ان تبرّوهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين "
فكيف نبرهم و نقسط اليهم ؟؟!!!!!!!!
هل نبرهم بان نقابلهم بالشتائم و السباب ... هل نبرهم بان نقتلهم و نذبحهم ... هل نبرهم بان نطردهم من ديارهم و مساكنهم ؟؟؟!!! تأسوا برسولكم الحبيب و بعمر ابن الخطاب و ليس فقط بشيوخ الوهابية ....
من هنا لا تستغربوا ان يشن الهجوم من حين لآخر على حماس , و لولا انها حركة تقاوم المحتل حاليا لقوي الهجوم اكثر و اكثر .... حماس في ادبيات السلفييين و في جلساتهم هي حركة ضالة مثلها مثل الاخوان التي خرجت من رحمها ........ هذا فكرهم و اتحدى اي سلفي ان يقول العكس و الا فهو يغالط نفسه و الاسس الفكرية التي بنيت عليها السلفية و التي تتصادم مع الفكر الحماسي الذي هو فكر اخواني و بالطبع الشيخ القرضاوي و الغزالي رحمه الله لهما دور هام فيه ....
على السريع ........
على افتراض ان كلامكم صحيح .... فما الاسوأ : اعتبار نصارى فلسطين اخوة في الانسانية ؟؟؟ ام التحالف مع الملحدين و الكفار لضرب بلد عربي مسلم
لماذا صمت علماؤكم الربانيون في الرياض عن التحالف السعودي الامريكي لضرب العراق ؟؟؟ لماذا لا يتحدث احدهم عن تلك الطائرات التي تطلع صباح مساء لضرب العراق ؟؟؟؟
ام ان ولي الامر لم يسمح لهم بهذا بعد ؟؟؟!!!!!!!!!!!!!!!!!
سيقول لي البعض نحن ضد علماء آل سعود فلماذا تحتج بهم ... فاقول و بالله التوفيق :
الاساس الفكري واحد بين السلفية الجهادية و الحركة السلفية العامة , و الاختلاف بينهم في امور سياسية طارئة و ليس في مرتكزات دينية معروفة للجميع ...
فمن يتهم ان سيد قطب هو منظر التكفيريين فقد اخطأ لان الاب الروحي للتكفيريين هو محمد بن عبد الوهاب و ليراجعوا كتاب الدرر السنية ....
و من يريد ان يتبرأ من علماء السلفية العامة فهو مطالب بان لا يستشهد باي كلام صادر عن اي من علمائهم و كتابهم ... فلاياتينا مثلا باقوالهم في الربا ووووو ثم يلعنهم في سكوتهم على تحالف آل سعود مع الكفار لضرب العراق ....
لفتة بسيطة :
شاهدت مرة في القناة السعودية الامير عبد الله يستقبل عدد من الكفار و الملاحدة و منهم قادة عسكريون امريكان و كان الى جانبه عدد من علمائه و رموز الحركة السلفية في السعودية .... و الله كما لو انهم كانوا ينكثون .... كانوا الابتسامة تعلوا وجوههم و هو يصافحون هؤلاء الاجانب ...
و للاسف هؤلاء ليسوا مجرد اجانب حتى نقول ان الامر فيه نظر بل هم قادة زاروا السعودية قبل ضرب العراق بنحو شهرين .....
و الله يا اخي الحبيب لست ممن يتتبع اخطاء علماء السلفية , و لو اردت لبدأت من قصة كروية الارض الى قصة تغيير الجنس ........
==============(52/496)
القرضاوي يريد إشاعة فكر العافية لا فكر المحنة
يقول القرضاوي في كتابه أولويات الحركة الإسلامية :
هناك (فكر المحنة) الذي لازال له تأثيره على كثير من كتاب الحركة الإسلامية وموجهيها، ولازال يصبغ ـ بقدر أو بآخر ـ كثيرا من الإنتاج الدعوي والتربوي، وكذلك التوجه السياسي.
ولا بد للحركة أن تتجاوز فكر المحنة، وتتعامل مع الناس والحياة والعالم، من خلال (فكر العافية).
***************
ويقول أيضاً فيه :
يجب أن نعترف أن الفترة الماضية ـ وخصوصا في الخمسينات والستينات ـ كانت مجالا خصيصا لانتشار نوع من الأفكار السوداء في الساحة الإسلامية فقد غلب الفكر الذي ينزع إلى الرفض والتشاؤم والاتهام وسوء الظن بالآخرين على اختلاف نزعاتهم واتجاهاتهم، حتى المسلمين منهم.
أجل، راجت فكرة التفسيق والتبديع، بل التكفير..
وساعد على ذلك الجو الخانق الذي كانت تعيشه الحركة الإسلامية ورجالها ودعاتها، الذين نصبت لهم المشانق جهرة، أو قتلوا بأدوات التعذيب خفية، أو صبت عليهم ألوان التنكيل والتشريد من كل جهة، في حين فتحت الأبواب أمام الشيوعيين والعلمانيين وكل خصوم الإسلام.
في هذه المرحلة ظهرت كتب الشهيد سيد قطب التي تمثل المرحلة الأخيرة من تفكيره، والتي تنضح بتكفير المجتمع، وتأجيل الدعوة إلى النظام الإسلامي، والسخرية بفكرة تجديد الفقه وتطويره، وإحياء الاجتهاد، وتدعو إلى العزلة الشعورية عن المجتمع، وقطع العلاقة مع الآخرين، وإعلان الجهاد الهجومي على الناس كافة والاستخفاف بدعاة التسامح والمرونة، ورميهم بالسذاجة والهزيمة النفسية أمام الحضارة الغربية.
يتجلى ذلك أوضح ما يكون في تفسير الشهيد (في ظلال القرآن) في طبعته الثانية وفي (معالم في الطريق) ومعظمه مقتبس من (الظلال) وفي (الإسلام ومشكلات الحضارة) وغيرها. وهذه الكتب كان لها فضلها وتأثيرها الإيجابي الكبير، كما كان لها تأثيرها السلبي.
كما ظهرت كتب المدعو له بالرحمة والمغفرة الشيخ سعيد حوى، وهي تتبنى نفس الفكر، وتسير في هذا الخط ذاته.
*********************
نعم إنه يريد فكر العافية الذي من خصائصه :
1- ... ترك الولاء والبراء
2- ... فكر العافية الذي يتعاون مع الرافضة ويتلقي بهدف وحدة الصف على حد زعمه
3- ... فكر العافية الذي يقول عن الأقباط إخوتنا
4- ... فكر العافية الذي يثق بالغرب الصليبي الحاقد ويفتح معه قنوات الحوار ليل نهار
5- ... فكر العافية الذي يبرر الواقع المر والأليم تحت ما يسمى بفقه المصالح والموازنات والأولويات
6- ... فكر العافية الذي عطل الجهاد في سبيل الله وقصر الأمر على الدعوة والإرشاد ليس إلا
7- ... فكر العافية الذي لا يحكم بكفر الطواغيت مهما فعلوا ويتهادن معهم بل يتعاون معهم
8- ... فكر العافية الذي يتهم المجاهدين بأنهم خوارج وتكفيريون وإرهابيون
9- ... فكر العافية الذي يبيح للمسلمين في أمريكا وغيرها من أعداء الإسلام أن يقاتلوا في صفوف الجيش الأمريكي ضد المسلمين من أجل الحفاظ على وظيفتهم وجل وإثبات ولائهم للكفار والفجار
10- ... فكر العافية الذي يسكت على جرائم إمبراطور قطر الذي طرد أباه وأول من استقدم الكفار لذبح المسلمين وأول من عمل معاهدات سلام ووئام مع اليهود
11- ... فكر العافية الذي يغار على هدم صنم بوذا ولم يغر على هدم أفغانستان
12- ... فكر العافية الذي يلتقي مع القوميين والشيوعين والملحدين
13- ... فكر العافية الذي يغار على صحفيين فرنسيين ويقول عن فرنسا دولة صديقة وتقف مع قضيانا المصيرية ولا يغار على تدمير بلاد المسلمين ومنها العراق على يدي مجرمي العصر
14- ... فكر العافية الذي يريد أن تعود أمجاد الإسلام دون تضحيات بل من وراء المكاتب والطاولات والتحلية والتخلية
15- ... فكر العافية الذي يؤمن ببعض الكتاب ويكفر ببعض
16- ... فكر العافية الذي يسمح بإنشاء أحزاب علمانية وشيوعية في دار الإسلام
17- ... فكر العافية الذي يؤمن بالديمقراطية طريقا لحل مشاكل المسلمين
18- ... فكر العافية الذي يؤمن بلعبة البرلمان وعن طريقه على حد زعمه سوف يطبق الإسلام عندما تصبح غالبية الأعضاء منهم
19- ... فكر العافية الذي يركز على الجزئيات ويهمل الكليات
20- ... وغير ذلك كثير من أباطيل وترهات
*****************(52/496)
لقد كذب أصحاب هذا الفكر لأن الدعوة الإسلامية قامت على المحنة والدولة الإسلامية قامت على المحنة والابتلاء والأمة الإسلامية كذلك
قال تعالى : { أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ ( 2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ ( 3) أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَن يَسْبِقُونَا سَاء مَا يَحْكُمُونَ ( 4) مَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ( 5) وَمَن جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ ( 6) سورة العنكبوت
إن الإيمان ليس كلمة تقال إنما هو حقيقة ذات تكاليف ; وأمانة ذات أعباء ; وجهاد يحتاج إلى صبر , وجهد يحتاج إلى احتمال . فلا يكفي أن يقول الناس:
آمنا . وهم لا يتركون لهذه الدعوى , حتى يتعرضوا للفتنة فيثبتوا عليها ويخرجوا منها صافية عناصرهم خالصة قلوبهم . كما تفتن النار الذهب لتفصل بينه وبين العناصر الرخيصة العالقة به - وهذا هو أصل الكلمة اللغوي وله دلالته وظله وإيحاؤه - وكذلك تصنع الفتنة بالقلوب .
هذه الفتنة على الإيمان أصل ثابت , وسنة جارية , في ميزان الله سبحانه:
(ولقد فتنا الذين من قبلهم , فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين) . .
والله يعلم حقيقة القلوب قبل الابتلاء ; ولكن الابتلاء يكشف في عالم الواقع ما هو مكشوف لعلم الله , مغيب عن علم البشر ; فيحاسب الناس إذن على ما يقع من عملهم لا على مجرد ما يعلمه سبحانه من أمرهم . وهو فضل من الله من جانب , وعدل من جانب , وتربية للناس من جانب , فلا يأخذوا أحدا إلا بما استعلن من أمره , وبما حققه فعله . فليسوا بأعلم من الله بحقيقة قلبه ! .
ونعود إلى سنة الله في ابتلاء الذين يؤمنون وتعريضهم للفتنة حتى يعلم الذين صدقوا منهم ويعلم الكاذبين .
إن الإيمان أمانة الله في الأرض , لا يحملها إلا من هم لها أهل وفيهم على حملها قدرة , وفي قلوبهم تجرد لها وإخلاص . وإلا الذين يؤثرونها على الراحة والدعة , وعلى الأمن والسلامة , وعلى المتاع والإغراء . وإنها لأمانة الخلافة في الأرض , وقيادة الناس إلى طريق الله , وتحقيق كلمته في عالم الحياة . فهي أمانة كريمة ; وهي أمانة ثقيلة ; وهي من أمر الله يضطلع بها الناس ; ومن ثم تحتاج إلى طراز خاص يصبر على الابتلاء .
ومن الفتنة أن يتعرض المؤمن للأذى من الباطل وأهله ; ثم لا يجد النصير الذي يسانده ويدفع عنه , ولا يملك النصرة لنفسه ولا المنعة ; ولا يجد القوة التي يواجه بها الطغيان . وهذه هي الصورة البارزة للفتنة , المعهودة في الذهن حين تذكر الفتنة . ولكنها ليست أعنف صور الفتنة . فهناك فتن كثيرة في صور شتى , ربما كانت أمر وأدهى .
هناك فتنة الأهل والأحباء الذين يخشى عليهم أن يصيبهم الأذى بسببه , وهو لا يملك عنهم دفعا . وقد يهتفون به ليسالم أو ليستسلم ; وينادونه باسم الحب والقرابة , واتقاء الله في الرحم التي يعرضها للأذى أو الهلاك . وقد أشير في هذه السورة إلى لون من هذه الفتنة مع الوالدين وهو شاق عسير .
وهناك فتنة إقبال الدنيا على المبطلين , ورؤية الناس لهم ناجحين مرموقين , تهتف لهم الدنيا , وتصفق لهم الجماهير , وتتحطم في طريقهم العوائق , وتصاغ لهم الأمجاد , وتصفو لهم الحياة . وهو مهمل منكر لا يحس به أحد , ولا يحامي عنه أحد , ولا يشعر بقيمة الحق الذي معه إلا القليلون من أمثاله الذين لا يملكون من أمر الحياة شيئا .
وهنالك فتنة الغربة في البيئة والاستيحاش بالعقيدة , حين ينظر المؤمن فيرى كل ما حوله وكل من حوله غارقا في تيار الضلالة ; وهو وحده موحش غريب طريد .
وهناك فتنة من نوع آخر قد نراها بارزة في هذه الأيام . فتنة أن يجد المؤمن أمما ودولا غارقة في الرذيلة , وهي مع ذلك راقية في مجتمعها , متحضرة في حياتها , يجد الفرد فيها من الرعاية والحماية ما يناسب قيمة الإنسان . ويجدها غنية قوية , وهي مشاقة لله !
وهنالك الفتنة الكبرى . أكبر من هذا كله وأعنف . فتنة النفس والشهوة . وجاذبية الأرض , وثقلة اللحم والدم , والرغبة في المتاع والسلطان , أو في الدعة والاطمئنان . وصعوبة الاستقامة على صراط الإيمان والاستواء على مرتقاه , مع المعوقات والمثبطات في أعماق النفس , وفي ملابسات الحياة , وفي منطق البيئة , وفي تصورات أهل الزمان !
فإذا طال الأمد , وأبطأ نصر الله , كانت الفتنة أشد وأقسى . وكان الابتلاء أشد وأعنف . ولم يثبت إلا من عصم الله . وهؤلاء هم الذين يحققون في أنفسهم حقيقة الإيمان , ويؤتمنون على تلك الأمانة الكبرى , أمانة السماء في الأرض , وأمانة الله في ضمير الإنسان .
وما بالله - حاشا لله - أن يعذب المؤمنين بالابتلاء , وأن يؤذيهم بالفتنة . ولكنه الإعداد الحقيقي لتحمل الأمانة . فهي في حاجة إلى إعداد خاص لا يتم إلا بالمعاناة العملية للمشاق ; وإلا بالاستعلاء الحقيقي على الشهوات , وإلا بالصبر الحقيقي على الآلام , وإلا بالثقة الحقيقية في نصر الله أو في ثوابه , وعلى الرغم من طول الفتنة وشدة الابتلاء .
والنفس تصهرها الشدائد فتنفي عنها الخبث ; وتستجيش كامن قواها المذخورة فتستيقظ وتتجمع . وتطرقها بعنف وشدة فيشتد عودها ويصلب ويصقل . وكذلك تفعل الشدائد بالجماعات , فلا يبقى صامدا إلا أصلبها عودا ; وأقواها طبيعة , وأشدها اتصالا بالله , وثقة فيما عنده من الحسنيين:النصر أو الأجر , وهؤلاء هم الذين يسلمون الراية في النهاية . مؤتمنين عليها بعد الاستعداد والاختبار .
وإنهم ليتسلمون الأمانة وهي عزيزة على نفوسهم بما أدوا لها من غالي الثمن ; وبما بذلوا لها من الصبر على المحن ; وبما ذاقوا في سبيلها من الآلام والتضحيات . والذي يبذل من دمه وأعصابه , ومن راحته واطمئنانه , ومن رغائبه ولذاته . ثم يصبر على الأذى والحرمان ; يشعر ولا شك بقيمة الأمانة التي بذل فيها ما بذل ; فلا يسلمها رخيصة بعد كل هذه التضحيات والآلام .
فأما انتصار الإيمان والحق في النهاية فأمر تكفل به وعد الله . وما يشك مؤمن في وعد الله . فإن أبطأ فلحكمة مقدرة , فيها الخير للإيمان وأهله . وليس أحد بأغير على الحق وأهله من الله . وحسب المؤمنين الذين تصيبهم الفتنة , ويقع عليهم البلاء , أن يكونوا هم المختارين من الله , ليكونوا أمناء على حق الله . وأن يشهد الله لهم بأن في دينهم صلابة فهو يختارهم للابتلاء:
جاء في الصحيح:" أشد الناس بلاء الأنبياء , ثم الصالحون , ثم الأمثل فالأمثل , يبتلى الرجل على حسب دينه , فإن كان في دينه صلابة زيد له في البلاء " . .
وأما الذين يفتنون المؤمنين , ويعملون السيئات , فما هم بمفلتين من عذاب الله ولا ناجين . مهما انتفخ باطلهم وانتفش , وبدا عليه الانتصار والفلاح . وعد الله كذلك وسنته في نهاية المطاف:
(أم حسب الذين يعملون السيئات أن يسبقونا ? ساء ما يحكمون !) . .
فلا يحسبن مفسد أنه مفلت ولا سابق , ومن يحسب هذا فقد ساء حكمه , وفسد تقديره , واختل تصوره . فإن الله الذي جعل الابتلاء سنة ليمتحن إيمان المؤمن ويميز بين الصادقين والكاذبين ; هو الذي جعل أخذ المسيئين سنة لا تتبدل ولا تتخلف ولا تحيد .(52/496)
وهذا هو الإيقاع الثاني في مطلع السورة , الذي يوازن الإيقاع الأول ويعادله . فإذا كانت الفتنة سنة جارية لامتحان القلوب وتمحيص الصفوف , فخيبة المسيئين وأخذ المفسدين سنة جارية لا بد أن تجيء .
أما الإيقاع الثالث فيتمثل في تطمين الذين يرجون لقاء الله , ووصل قلوبهم به في ثقة وفي يقين:
(من كان يرجو لقاء الله فإن أجل الله لآت , وهو السميع العليم) . .
فلتقر القلوب الراجية في لقاء الله ولتطمئن ; ولتنتظر ما وعدها الله إياه , انتظار الواثق المستيقن ; ولتتطلع إلى يوم اللقاء في شوق ولكن في يقين .
والتعبير يصور هذه القلوب المتطلعة إلى لقاء الله صورة موحية . صورة الراجي المشتاق , الموصول بما هناك . ويجيب على التطلع بالتوكيد المريح . ويعقب عليه بالطمأنينة الندية , يدخلها في تلك القلوب . فإن الله يسمع لها , ويعلم تطلعها: (وهو السميع العليم) .
والإيقاع الرابع يواجه القلوب التي تحتمل تكاليف الإيمان , ومشاق الجهاد , بأنها إنما تجاهد لنفسها ولخيرها ولاستكمال فضائلها , ولإصلاح أمرها وحياتها ; وإلا فما بالله من حاجة إلى أحد , وإنه لغنى عن كل أحد:
(ومن جاهد فإنما يجاهد لنفسه , إن الله لغني عن العالمين) . .
فإذا كتب الله على المؤمنين الفتنة وكلفهم أن يجاهدوا أنفسهم لتثبت على احتمال المشاق , فإنما ذلك لإصلاحهم , وتكميلهم , وتحقيق الخير لهم في الدنيا والآخرة . والجهاد يصلح من نفس المجاهد وقلبه ; ويرفع من تصوراته وآفاقه ; ويستعلي به على الشح بالنفس والمال , ويستجيش أفضل ما في كيانه من مزايا واستعدادات . وذلك كله قبل أن يتجاوز به شخصه إلى الجماعة المؤمنة , وما يعود عليها من صلاح حالها , واستقرار الحق بينها , وغلبة الخير فيها على الشر , والصلاح فيها على الفساد .
(ومن جاهد فإنما يجاهد لنفسه) .
فلا يقفن أحد في وسط الطريق , وقد مضى في الجهاد شوطا ; يطلب من الله ثمن جهاده ; ويمن عليه وعلى دعوته , ويستبطئ المكافأة على ما ناله ! فإن الله لا يناله من جهاده شيء . وليس في حاجة إلى جهد بشر ضعيف هزيل: (إن الله لغني عن العالمين) . وإنما هو فضل من الله أن يعينه في جهاده , وأن يستخلفه في الأرض به , وأن يأجره في الآخرة بثوابه:
(والذين آمنوا وعملوا الصالحات لنكفرن عنهم سيئاتهم , ولنجزينهم أحسن الذي كانوا يعملون) .
فليطمئن المؤمنون العاملون على ما لهم عند الله , من تكفير للسيئات , وجزاء على الحسنات . وليصبروا على تكاليف الجهاد ; وليثبتوا على الفتنة والابتلاء ; فالأمل المشرق والجزاء الطيب , ينتظرانهم في نهاية المطاف . وإنه لحسب المؤمن حتى لو فاته في الحياة الانتصاف .(الظلال)
******************
وقال تعالى : أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ ( 214) سورة البقرة
هكذا خاطب الله الجماعة المسلمة الأولى , وهكذا وجهها إلى تجارب الجماعات المؤمنة قبلها , وإلى سنته - سبحانه - في تربية عباده المختارين , الذين يكل إليهم رايته , وينوط بهم أمانته في الأرض ومنهجه وشريعته . وهو خطاب مطرد لكل من يختار لهذا الدور العظيم . .
وإنها لتجربة عميقة جليلة مرهوبة . .
إن هذا السؤال من الرسول والذين آمنوا معه . من الرسول الموصول بالله , والمؤمنين الذين آمنوا بالله . إن سؤالهم:
(متى نصر الله ?)
ليصور مدى المحنة التي تزلزل مثل هذه القلوب الموصولة . ولن تكون إلا محنة فوق الوصف , تلقي ظلالها على مثل هاتيك القلوب , فتبعث منها ذلك السؤال المكروب:
(متى نصر الله ?) . .
وعندما تثبت القلوب على مثل هذه المحنة المزلزلة . .
عندئذ تتم كلمة الله , ويجيء النصر من الله:
(ألا إن نصر الله قريب) . .
إنه مدخر لمن يستحقونه . ولن يستحقه إلا الذين يثبتون حتى النهاية . الذين يثبتون على البأساء والضراء . الذين يصمدون للزلزلة . الذين لا يحنون رؤوسهم للعاصفة . الذين يستيقنون أن لا نصر إلا نصر الله , وعندما يشاء الله . وحتى حين تبلغ المحنة ذروتها , فهم يتطلعون فحسب إلى (نصر الله) , لا إلى أي حل آخر , ولا إلى أي نصر لا يجيء من عند الله . ولا نصر إلا من عند الله .
بهذا يدخل المؤمنون الجنة , مستحقين لها , جديرين بها , بعد الجهاد والامتحان , والصبر والثبات , والتجرد لله وحده , والشعور به وحده , وإغفال كل ما سواه وكل من سواه .
إن الصراع والصبر عليه يهب النفوس قوة , ويرفعها على ذواتها , ويطهرها في بوتقة الألم , فيصفو عنصرها ويضيء , ويهب العقيدة عمقا وقوة وحيوية , فتتلألأ حتى في أعين أعدائها وخصومها . وعندئذ يدخلون في دين الله أفواجا كما وقع , وكما يقع في كل قضية حق , يلقي أصحابها ما يلقون في أول الطريق , حتى إذا ثبتوا للمحنة انحاز إليهم من كانوا يحاربونهم وناصرهم أشد المناوئين وأكبر المعاندين . .
على أنه - حتى إذا لم يقع هذا - يقع ما هو أعظم منه في حقيقته . يقع أن ترتفع أرواح أصحاب الدعوة على كل قوى الأرض وشرورها وفتنتها , وأن تنطلق من إسار الحرص على الدعة والراحة , والحرص على الحياة نفسها في النهاية . . وهذا الانطلاق كسب للبشرية كلها , وكسب للأرواح التي تصل إليه عن طريق الاستعلاء . كسب يرجح جميع الآلام وجميع البأساء والضراء التي يعانيها المؤمنون , والمؤتمنون على راية الله وأمانته ودينه وشريعته .
وهذا الانطلاق هو المؤهل لحياة الجنة في نهاية المطاف . .
وهذا هو الطريق . .
هذا هو الطريق كما يصفه الله للجماعة المسلمة الأولى , وللجماعة المسلمة في كل جيل .
هذا هو الطريق:إيمان وجهاد . .
ومحنة وابتلاء . وصبر وثبات . . وتوجه إلى الله وحده . ثم يجيء النصر . ثم يجيء النعيم . . ( الظلال)
****************(52/496)