وتركزت أقوالهم عند الإمام أحمد بن محمد بن حنبل (ت 241هـ) في المعتقد، وفي الفقه غير المكتوب، والمعتمد على مسائل الإمام أحمد، والإمام إسحاق بن راهويْه (ت 238هـ)، ومجموعة أمثالهما.
خصوصاً بعد فتن المعتزلة وعلى رأسها أحمد بن أبي دُؤاد (ت 240هـ) أيام الخليفة المأمون العباسي (ت 218هـ) بدءاً من فتنة خلق القرآن، وما تبع ذلك من أقوال المعتزلة الخمسة، وهي:
1-…التوحيد، 2- العدل، 3- الوعد والوعيد، 4- المنزلة بين المنزلتين، 5- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وما تعرض له الإمام أحمد، وأتباع الإمام محمد بن إدريس الشافعي (ت 204هـ)، وغيرهما من العلماء للفتنة، والحبس، والنفي، والضرب ، والقتل، حتى نصر الله أهل السنة في عهد الخليفة العباسي المتوكل على الله (ت 247هـ).
وبعد ذلك تجمع لهم الرأي، أيام فتنة عبدالرحيم بن عبدالكريم القشيري (ت 514هـ) في القرن الخامس الهجري، حتى انتصارات الحنابلة عليهم في بغداد وخراسان.
وكذلك كانت للسلفيين الجولات المنصورة في عصر شيخ الإسلام أحمد ابن تيمية على من قام عليهم من آل السبكي (في القرن السابع) من الشافعية، والإمام المطهّر الحلي من الشيعة (ت 726هـ)، وبعض الحكام من المماليك الجراكسة، ومجموعة محمد بن محمد العجمي (العلاء البخاري (ت 841هـ) من الحنفية.
ومضى الزمن والخلاف بين الأخذ والرد، حتى ظهر إمام الدعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب التميمي النجدي (ت 1206هـ).
وإذ ذاك نشأت معارضة شديدة لهم من قبل العثمانيين الأتراك، والدولة الإنكليزية والإفرنسيين بعد الثورة الفرنسية وعهد نابليون. ومن قبل حاكم مصر محمد علي باشا وأولاده (ت 1265هـ)، حيث تسلَّط كلّ هؤلاء على المشرق العربي، وأحوال محمد علي في الجزيرة العربية والحجاز ونجد، وسورية، ولبنان معروفة، لا تخفى على أي مؤرِّخٍ حصيفٍ بصير.
وكل ذلك لم يمنع تمتعهم بانتشارات كبرى في الشام: العلامة جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ)، والشيخ طاهر الجزائري (ت 1338هـ)، وتلامذته ومنهم الشيخ محب الدين الخطيب (ت 1389هـ)، والشيخ محمد سعيد الباني (ت 1351هـ)، وآل البيطار وآخرهم شيخنا محمد بهجة البيطار (ت 1396هـ)، والشيخ عبدالقادر بدران (ت 1346هـ)، ومن تبعهم.
وكذلك في اليمن كالإمام محمد بن علي الشوكاني (ت 1250هـ)، والإمام محمد بن إسماعيل الصنعاني (ت 1182هـ) .
وكذلك ظهر في الهند علماء أفاضل رغم الانتشار الماتريدي الحنفي، ورغم قيام الإنكليز على هؤلاء العلماء الأفاضل أيام الحكم البريطاني الذي أوجد طوائف لمحاربة الإسلام، مثل: البابية، والبهائية، والقاديانية.
وكانت منهم الجماعة الإسلامية في الهند، ثم باكستان والبنغال (الإمام أبو الأعلى المودودي (ت 1399هـ) وجماعات أهل الحديث المتعددة.
وفي المغرب العربي ومع انتشار المذهب المالكي فقهاً، وعقائد ما نسب إلى الإمام أبي الحسن الأشعري (ت 324هـ)، ظهر أمثال المشايخ: عبدالحميد بن محمد بن باديس (ت 1359هـ)، ومحمد البشير طالب الإبراهيمي (ت 1385هـ)، والفضيل الورتلاني (ت 1378هـ)، والدكتور تقي الدين الهلالي (ت 1407هـ)، وفيما نراه حتى اليوم في بعض فصائل الجهاد الجزائري الصادق. وقد تركت الأحياء من السلفية، أو غيرها لأن الإنسان لا يحكم عليه إلا بعد وفاته، ونسأل الله أن يحسن ختام الجميع.
وقد قامت الدولة السعودية معتمدة على السلفية عقيدةً وفقهاً في مجمل شبه الجزيرة العربية، وتمكنت من الانتشار في الحجاز مرتين إحداهما سنة (.... = ....)، والثانية 1343هـ=1944 وحتى اليوم.
وقامت بمصر نهضات دعوية، وتألفت جمعيات اعتمدت على السلفية في أصول مناهجها، كدعوة الشيخ محمد رشيد رضا (ت 1354هـ)، وجماعة أنصار السنة المحمدية برئاسة الشيخ محمد حامد الفقي (ت 1378هـ)، والأخوان المسلمين، وأفراد من الأزهر الشريف، مثل المفتي الأكبر شيخ الأزهر الشيخ عبدالمجيد سليم (ت 1372هـ)، والشيخ سيد سابق (ت 1420هـ)، مؤلف كتاب: "فقه السنة"، والشيخ محمد الغزالي الجبالي (ت 1416هـ)، والشيخ عبدالرزاق عفيفي (ت 1415هـ)، والدكتور عبدالعزيز كامل (ت 1411هـ)، والشيخ عبدالرحمن الوكيل (ت 1390هـ)، وغيرهم.
وكذلك ظهر في الأردن: المفتي العام الشيخ عبدالله القلقيلي (ت 1393هـ)، والأستاذ أبو الوليد إبراهيم الترهي (ت 1392هـ)، وغيرهما.
وكذلك حركة اعتمدت الحديث النبوي، قام بها جماعة رأسهم من الناحية العلمية الشيخ محمد ناصر الدين الألباني (ت 1420هـ) رحمه الله وقام المكتب الإسلامي بنشر الكثير من مؤلفاته.
وفي سورية ظهرت جماعة الأخوان المسلمين بقيادة الدكتور مصطفى السباعي (ت 1384هـ)، والأستاذ عبدالفتاح الغندور وغيرهما.
وكان مشاركاً لهم في الجماعة أو قبلها: الشيخ عبدالقادر بدران، والشيخ عبدالفتاح الإمام (ت 1383هـ)، والشيخ علي الطنطاوي (ت 1420هـ)، وغيرهم.
ثم في حلب ظهر الشيخ نسيب الرفاعي (ت 1413هـ)، وفي حماه الشيخ سعيد الجابي (ت 1376هـ)، والشيخ نعسان معطي (ت 1412هـ).(45/466)
وفي دير الزور الشيخ محمد سعيد العرفي (ت 1375هـ)، والدكتور عز الدين جوالة، والأستاذ عبدالرؤوف بعاج، والأستاذ سعيد شرف، وغيرهم.
وكل من ذكرت، ومن لم أذكر هم تجمعات وأخوان وأتباع يربط بينها اتفاق عام على أكثر الأمور السلفية، واختلافات فرعية في العديد من الأمور.
وقد تركت الكلام عما في المملكة العربية السعودية لأن الدولة هناك كلها تقوم على الفكر السلفي المتمثل بالشيخين ابن تيمية وابن عبدالوهاب، وليس على مجرَّد حركات اجتماعية أو فردية كالتي في البلاد الأخرى.
ولكن وجدنا فيها أخيراً خلافات بين المجموعات التي تدّعي كلها بأنها سلفية، وأكثر هذه الخلافات على جزئيات شبه لفظية، ولا يكاد يعرفها سواهم.
* * *
وفي هذا العرض البسيط يمكن تحديد ما هي السلفية -اليوم-.
هي عقائد متفقة على الأصول، وقد تختلف في الفروع، كما اختلفوا في بعض الأمور المستجدة، مما جعلها فرقاً متعددةً لا جامع صحيحاً بين بعضها على التحقيق والعمل المشترك.
وثورات وانتفاضات فلسطين منذ عام 1920 وحتى اليوم، ما قام بها إلا من تمثلوا العقيدة السلفية، من الحاج محمد أمين الحسيني (ت 1394هـ)، والشيخ فرحان السعدي (ت 1356هـ)، والشيخ محمد الأشمر (ت 1380هـ)، والشيخ عطية سالم (ت 000هـ)، والأستاذ أبو الوليد إبراهيم الترهي، وغيرهم.
وأما ثورة القسام عام 1935 فكان قائدها من كبار السلفيين هو الشيخ عز الدين القسام من أهل جبلة من الساحل السوري (ت 1354هـ)، والدال على ذلك كتابه الذي ألفه مع الداعية الشيخ محمد كامل القصاب (ت 1373هـ)، وسمياه: "النقد والبيان"، وقدّمت له ببحثْ ضافٍ مع التوسع في التراجم.
وأكبر دليل على ذلك قادة وعلماء الانتفاضة يوم أبعدتهم الصهيونية إلى مرج الزهور في جنوب لبنان سنة ( 1413هـ)، اللذين أنشأوا لأنفسهم جامعة تنشر فيما بينهم العلم، وتخرجهم على معالم الجهاد والدعوة السليمة، حيث أطلقوا عليها اسم "جامعة ابن تيمية"، وقد تخرج منها أكثر المجاهدين من شباب حركة حماس والجهاد الإسلامي وغيرهم.
والسلفية في لبنان موجودة -والحمد لله- من غير مشاكل مع الناس، ولا مع الدولة، وما سمعتم عنهم، أو سمي منهم من جهات ليست منهم، منذ ثلاث سنوات فإنه بعيد عنهم، وعن السلفية جملة وتفصيلاً، وإنما هو تسلط على التسمية. وقد بلغني -من خصومهم أيضاً- أن التوبة انتشرت فيهم، والموجود حقيقة هو حلقات علمية دعوية بعيدة عن الغلو والتطرف.
حضور السلفية
بقيت السلفية بعد الإمام أحمد بن محمد بن حنبل هي السائدة في عقائد المسلمين السنة على التحديد. وكان الإمام أبو الحسن الأشعري حامل اللواء فيها، مناهضاً للاعتزال والمعتزلة بعد انسحابه منها، ومعرفة ما فيها من أخطاء. ولم يبق عنده من مذهبهم سوى كلمات قليلة، ليست محل نزاع من أفاضل العلماء، وبذلك بقي مذهبه هو مذهب أهل السنة والجماعة بالجملة لمدة زادت على المئتي سنة.
حتى قام ابن القشيري (الزاعم بأنه شافعي الفقه) بفتنته التي فرقت المسلمين، وادعى أنه على مذهب الإمام أبي الحسن الأشعري عقيدة.
ثم كان للسلفيين بعد ذلك "بيان أهل السنة والجماعة" تأليف الإمام أبي جعفر الطحاوي (ت 321هـ)، وهو حنفي مشهور.
وبعده بمئتي سنة قام آل السبكي بإضافة ما عندهم من تفصيلاتٍ في العقيدة، زاعمين بأنَّ ذلك معتمدٌ على مذهب الإمام أبي الحسن الأشعري، ومرتكز على فقه مذهب الإمام الشافعي.
وتولى الرد عليهم الإمام ابن تيمية وتلامذته خلال مئة سنة، ولعل من أبرز ما يمثل تلك الفترة كتاب "شرح العقيدة الطحاوية للإمام ابن أبي العز الحنفي (ت 792هـ) ".
واستمر ذلك الخلاف يظهر حيناً ويختفي أحياناً أخرى، حتى ظهر الشيخ محمد زاهد الكوثري (ت 1371هـ)، وأثار حقد الماتريدية، وحتى الأشعرية، رغم أنه على خلاف معها، ضد السلفية في حملة مسعورة، ومع علمه فقد حرّف النقول!!، وطعن في الصحابة الكرام، الذين نقلوا لنا دين الله، وتبع الكوثري عدد ممن جاء بعده ممن شم لديه انطلاقاً عن مذهبه الحنفي في تركية ومصر، وأفرادٌ في بعضهم علم، ولكن غلبت عليهم المذهبية والعصبية.
وكذلك كانت الفتن المتأخرة، وشارك في الدفاع عن السلفية كبار علماء العصر الماضي، أمثال: الشيخ عبدالرحمن المعلمي اليماني (ت 1386هـ)، والشيخ محمد نصيف (ت 1391هـ)، والعلامة أحمد محمد شاكر(ت 1375هـ)، والشيخ محمد حامد الفقي، والشيخ محمد بهجت البيطار، والشيخ محمد ناصر الدين الألباني.
ومع أن الخلافَ في قول بعضهم (خلافٌ لفظيٌ) فمازال حتى اليوم يثيره من هؤلاء طرف، ويرد عليهم من الطرف الآخر أفراد وجماعات.
وتبع هؤلاء من ليس في العير ولا في النفير ممَّن يدعي أتباعه التفقه بالمذهب الشافعي، ووالله ما وجدت عندهم سوى أقوال ضعيفة غير مفتى بها في مذهب الإمام الشافعي رحمه الله، وتشير إلى اتباع فيه لا يقبل قولهم.
ووجدت عندهم أيضاً أقوالاً وأفعالاً يدعى أنها من طريقة الإمام الزاهد أحمد الرفاعي العراقي (ت 578هـ).(45/467)
وأقول: والله لدى بحثي وتنقيبي لم أجد لها أصلاً صحيحاً، وبيَّنت أنها ليست لهذا الإمام الداعية أو أنها أقواله. بل هي خزعبلات تنسب إلى الطريقة من القبوريين، والمزمرين المطبلين، وهو منها براء. وقد كشف أمرهم شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره. ولعلّ أوضح شيء يظهر للعيان تلك الفرق الموسيقية ذات الأوتار والأبواق والأجواف التي يجتمعون عليها أمام الناس، وقد أجمع العلماء من كل المذاهب والاتجاهات على تحريم جميع ذلك.
ولكن الفتن تفتح الأبواب، ويدخل فيها من يشاء، والله أسأل هداية الجميع.
مناقشات
وقد قام أحد العلماء الأفاضل بتأليف كتاب عن السلفية، أطلق عليه عنوان:
"السلفية مرحلة زمنية مباركة لا مذهب إسلامي"
والحق أن ما جاء في كتابه يخالف ما كتبه عنواناً له.
ووجدت في الكتاب النقول الكثيرة التي تثبِّت للسلفية ما نفاه عنهم، بل وتثبت أن السلفية مذهب إسلامي، وحركة مباركة، مثل باقي المذاهب الأخرى، التي اعتبرها مذاهب !!، وقديماً قالوا: لا مشاحة في الاصطلاح، بل إن مذاهب الأئمة السابقين مثل الإمام أبي حنيفة النعمان (ت 150 هـ)، والإمام مالك (ت 179هـ)، والإمام الشافعي لا تكاد تجد عند واحد منهم أنه سمى فقهه (مذهباً)، وما سمي كذلك إلا بعد ذلك بزمن طويل، وكذلك التسمية "السلفية".
وهذا كان عند من صار له مذهب (فيما بعد) وعند من لم يكن له مذهب، كالأئمة: إبراهيم النخعي (ت 96هـ)، والحسن البصري (ت 110هـ)، والأوزاعي (ت 157هـ) ... إلخ.
ولا يغيب عني أفراد من أهل العلم في مختلف العصور، سموا أنفسهم بـ (الأثريين) تميزاً عن غيرهم من (المذهبيين المقلدين). ولهم أن يفعلوا ذلك، إذا وافق قولهم الفعل الصحيح بأنهم من أتباع الأثر الثابت عن النبي ( وأتباعه، ومن جاء بعدهم من غير تقليد !!.
ولكن وجدنا في أيامنا من تطاول وافتخر بإلحاق ذلك باسمه ونسبه أو كتاباته ولقبه، دون أن نجد عندهم ما يُصَحِّحُ ذلك لهم من التزام بالأثر.
وعلى كل حال فإن هذا منهم ينطبق على هؤلاء الأفراد، ولا ينسحب إلى تلك الطائفة السلفية. ولله في خلقه شؤون.
ومن سمح لهؤلاء أن يكون لهم مذهب ! يسمح للسلفيين أن يكون لهم طريقة ومنهج في فهم الإسلام. ففي العقيدة: اتباع ما جاء من الجيل الأول، وفي الفقه: الأخذ بما صحَّ من الدليل، وفي العبادة: التمسك بالسنة وعدم الابتداع.
وكل ذلك مذهب، بل موفق المذاهب، وهو معتمد ومعتبر. ومن باب الجدل هب أنهم ليسوا مذهباً، فماذا يضرهم أن يكونوا واقعاً منذ عهد التابعين وحتى اليوم على الطريقة التي اختاروها نسبة لأنفسهم، وعُرفوا بها !!، يرحمك الله يا أخي.
وإن باقي ما جاء في كتابه (القيم بحق) يدخل في باب اختلاف وجهات النظر، لو ابتعد عن حزلقات المماحكة المتأثرة بالعداوة لبعض معاصريه، من المجاهدين الصابرين الذين دخل وإياهم في معارك ما أنزل الله بها من سلطان، وكتابه قارب الثلاثمائة صفحة، وفقه الله وهداه.
وقد رد عليه العديد من السلفيين، وطبعاً بالحق، وقد يكون من بعضهم بالباطل !، وركوب الصعب والذلول.
ولكن ثمةَ كتاب صدر في هذا الموضوع كان في غاية اللطف والأدب، وحسن الدعوة اسمه: "هي السلفية نسبة وعقيدة ومنهاجاً"، لسماحة الشيخ محمد إبراهيم شقرة -من علماء الأردن- زاد عليه بمئة صفحة.
أثبت فيه كل ما نفاه المؤلف السابق بغاية الإقناع، والأدب الجم، والأسلوب الحكيم، والحجج المقنعة، استناداً على الكتاب والسنة الصحيحة، والأقوال المعتمدة عن كبار علماء المسلمين من مختلف العصور، وأثبت فيه أن السلفية ليست فرقة واحدة، بل هي فرق متعددة.
ولم أجد فيه كلمة نابية (خلافاً لما نجده عند بعض إخواننا السلفيين، وإخواننا غير السلفيين غفر الله للجميع) فحق للكتاب الرواج، والنفع العام للناس.
والله أسأل للأخ المؤلف الصحة والعافية، وأن يكتب له التوفيق والخير.
وكذلك كتاب "العقيدة السلفية، والرد على المنحرفين عنها" تأليف الأخ الطيب عمر بن الحسين الجكني، وفيه كلام طيب، ومناقشات علمية مفيدة، كتبت بروح توافقية، وما أحوجنا إلى التوافق بين المسلمين.
* * *
والسلفية اليوم بالجملة تنكر كل ما جاء مخالفاً لما كان عليه المسلمون في العهود الأولى، مما اخترع في العقائد، والفقه (من التقليد الأعمى، والعصبية المذهبية)، وما وجد عند المتصوفة من عقائد، أمثال: وحدة الوجود، وإسقاط التكاليف، وإباحة أنواع من المنكرات، وتعطيل العبادات، وعلى الأخص عند مشايخهم الكبار.
ولذلك فإن السلفيين ينكرون كل ما نسب إلى الشاذلية بأنواعها المتعددة، وما ينسب إلى الجشية الهندية، والقادرية (بعد الشيخ عبدالقادر الجيلاني (ت 561هـ))، والرفاعية (بعد الشيخ أحمد الرفاعي)، والتجانية وكتب مؤسسها أحمد التجاني (ت 1230هـ) وخلافاته، وكلها نشهد لهم بضلالها ديناً وسياسة.
* * *(45/468)
وقد تجنب السلفيون كل ما علق بالصفات الإلهية، والعقائد في منطق الفلاسفة اليونان، ووثنيات الرومان، والفلسفات الأخرى، وعلم الكلام، وكل أقوال القدرية، وهم المعتزلة منكري القدر الذين سموا علم التوحيد بعلم الكلام، واعتمد السلفيون على رفض التأويل، مكتفين بما صح من كلام عربي مبين، وردوا كلام الجبرية بأنها ضلال ومحال، والجهمية والماتريدية ومن تبعهم من الأشاعرة المتأخرين.
أما الأوائل من الأشاعرة فليسوا كذلك، وكتاب "الإبانة" لأبي الحسن الأشعري السلفي بل الحنبلي شاهد على ذلك، والغلط هو عند المتأخرين، لأنه من أكبر الانحرافات عن العقيدة في منهج الاستدلال الصحيح الاعتماد على ما أحدثه علماء الكلام بعد نزول القرآن، وورود الأحاديث، لأن الواجب اتباع كلام الله وكلام رسوله (، وقول الأشاعرة منه خليط بين الحق والباطل، بينما العقيدة تعتمد على الكتاب والسنة وإجماع السلف الصالح.
* * *
والسلفيون ومن كان قبلهم يعملون بخبر الواحد، ويأخذون به، خلافاً لمن زعم أنه لا يؤخذ به في العقيدة، مع أنه في الواقع يعمل به مستدلين بالآيات والأحاديث الكثيرة، التي تجاوزت العشرات، بل وبعهد النبي (.
وأهل السنة والجماعة وفي مقدمتهم السلفيون يأخذون بخبر الواحد في العقيدة، وهو عندهم يفيد العلم، وفي الفقه قد يفيد الظن عند التعارض، وهو معمول به بإجماع أهل الفقه.
* * *
خاتمة
أقول: هذه هي السلفية بمفهومها القديم، وواقعها المعاصر بالجملة، وأنا أعلم أن إخواني خصوم السلفية لن يعجبهم قولي، لأنه لم يعطهم ما فهموه عنها..، ويريدون مني المزيد لأنني -في ظنهم- أعرف منهم بأمورها وخفاياها.
وكذلك ما أظنه يعجب بعض إخواني السلفيين الذين نشأت معهم وبينهم، ولعلي قدمت لهم في مطبوعاتي الكثير الكثير، مما اعتمدوا عليه في دعوتهم، وكأنهم يريدون مني أن أنتصر لما هم عليه ...
ولكن الحق أقررت، وقدمت ما علمت وما ظننت أنه النافع المفيد في سبيل جمع أمة الإسلام على الحق.
وإنني لم أقل إلا ما علمت أنه الصدق.
وسبق لي في "المؤتمر الثامن للوحدة الإسلامية المنعقد بطهران (15 ربيع الأول 1416هـ = 11/8/1995م) أن دعوت جميع العاملين في شأن الدعوة إلى الوحدة الإسلامية، إلى التمسك بالقاعدة الذهبية التي سبقني بها العلامة ابن قيم الجوزية، وتبعه فيها السيد محمد رشيد رضا، وشيخنا محمد بهجت البيطار، ونسبت إلى أستاذنا الإمام حسن البنا (ت 1368هـ)، وهي:
نتعاون فيما اتفقنا عليه، (وينصح) بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه
مع رعاية أسباب التقريب والبعد عن إثارة كوامن الحقد..، لتحقيق التقريب المنشود لدى أهل الخير من الطرفين.
وقد استقبل كلامي من فضيلة رئيس المؤتمر ومن أعضائه، وفيهم ما لا يقل عن خمس مائة من العلماء المجتهدين، وأغلبهم من أخواننا الشيعة، بكل ترحيب وقبول.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
---------------
المصادر
-…كتاب الوحدة الإسلامية، تأليف زهير الشاويش، سعود المولى.
-…المجاهد الصامت الشيخ محمد الأشمر، تأليف لجنة الدراسات الاستراتيجية.
-…العقيدة السلفية، والرد على المنحرفين عنها، تأليف الأخ الطيب عمر بن الحسين الجكني.
-…هي السلفية نسبة وعقيدة ومنهاجاً، تأليف محمد إبراهيم شقرة.
حفل معهد الدراسات الإسلامية للمعارف الحكمية، بيروت 13 ذو القعدة 1424=5/1/2004
إصدار الكتاب عن معهد المعارف الحكمية، جريدة النهار 25/4/2004
================(45/469)
(45/470)
أنواع الشرك
تاريخ الفتوى : …02 محرم 1422 / 27-03-2001
السؤال
ما هو الشرك الأكبر؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالشرك ضد التوحيد، وهو نوعان أكبر، وأصغر.
والأكبر ينقسم إلى ثلاثة أقسام بالنسبة إلى أنواع التوحيد:
القسم الأول: الشرك في الربوبية، وهو نوعان:
أحدهما: شرك التعطيل، وهو أقبح أنواع الشرك، كشرك فرعون إذ قال: ( وما رب العالمين). ومن هذا شرك الفلاسفة القائلين بقدم العالم وأبديته وأنه لم يكن معدوماً أصلاً، بل لم يزل ولا يزال. ومن هذا شرك طائفة أهل وحدة الوجود الذين كسوا الإلحاد حلية الإسلام، ومزجوه بشيء من الحق.
ومن هذا شرك من عطل أسماء الرب وأوصافه من غلاة الجهمية والقرامطة.
النوع الثاني: شرك من جعل معه رباً آخر ولم يعطل أسماءه وصفاته وربوبيته، كشرك النصارى الذين جعلوه ثالث ثلاثة، وشرك المجوس القائلين بإسناد حوادث الخير إلى النور، وحوادث الشر إلى الظلمة.
ومن هذا شرك كثير ممن يؤمن بالكواكب العلوية ويجعلها مدبرة لأمر هذا العالم، كما هو مذهب مشركي الصابئة وغيرهم.
ويلحق بهذا شرك من يزعم أن أرواح الأولياء تتصرف بعد الموت فيقضون الحاجات ويفرجون الكربات إلى غير ذلك.
القسم الثاني: الشرك في توحيد الأسماء والصفات، وهو نوعان:
أحدهما: تشبيه الخالق بالمخلوق، كمن يقول يد كيدي، وسمع كسمعي، واستواء كاستوائي ، وهو شرك المشبهة.
والثاني: اشتقاق الأسماء للآلهة الباطلة من أسماء الإله الحق.
قال الله تعالى: ( ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون ) [الأعراف:180]. قال ابن عباس: يلحدون في أسمائه يشركون. وعنه : سموا اللات من الإله، والعزى من العزيز.
القسم الثالث: الشرك في توحيد الإلهية والعبادة، وهو ثلاثة أنواع:
الأول: الشرك في النسك والشعائر، ومنه: تقديم الدعاء والنذر والذبح والاستغاثة لغير الله عز وجل.
قال الله تعالى: ( إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون بشرككم ولا ينبئك مثل خبير ) [فاطر:14] وقد أجمع العلماء على أن من جعل بينه وبين الله وسائط يدعوهم ويسألهم الشفاعة كَفَر.
النوع الثاني: شرك الطاعة، وهو الطاعة في التحليل والتحريم بغير سلطان من الله.
قال تعالى: ( اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلهاً واحداً لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون) [التوبة:31].
وقد روى الترمذي والبيهقي والطبراني في الكبير ، واللفظ له ، عن عدي بن حاتم رضي الله عنه قال: أتيت صلى الله عليه وسلم وفي عنقي صليب من ذهب فقال: "يا عدي اطرح هذا الوثن من عنقك" فطرحته فانتهيت إليه وهو يقرأ سورة براءة فقرأ هذه الآية : ( اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله) حتى فرغ منها فقلت: إنا لسنا نعبدهم فقال "أليس يحرمون ما أحل الله فتحرمونه ويحلون ما حرم الله فتستحلونه" قلت بلى. قال "فتلك عبادتهم". والحديث حسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي.
وقال تعالى في شأن اتباع المشركين في تحليل الميتة: ( وإن أطعتموهم إنكم لمشركون) [الأنعام:121].
النوع الثالث: شرك المحبة:
قال تعالى: ( ومن الناس من يتخذ من دون الله أنداداً يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حباً لله ) [البقرة: 165].
وانظر لمعرفة أنواع الشرك: تيسير العزيز الحميد شرح كتاب التوحيد ص 37، مدارج السالكين1/339 ، تفسير أَضواء البيان عند آية سورة الأنعام، وكتب الفقه: باب الردة.
وأما الشرك الأصغر فهو كل ما نهى عنه الشرع مما هو ذريعة إلى الشرك الأكبر، ووسيلة للوقوع فيه، وجاء في النصوص تسميته شركاً، كالحلف بغير الله، فإنه مظنة للانحدار إلى الشرك الأكبر، ولهذا نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم ، وسماه شركاً بقوله: " من حلف بغير الله فقد أشرك" رواه الترمذي، وأبو داود، والحاكم بإسناد جيد. قال الإمام ابن القيم: ( وأما الشرك الأصغر: فكيسير الرياء، والتصنع للخلق، والحلف بغير الله… وقول الرجل للرجل: ما شاء الله وشئت) مدارج السالكين ( 1/344) ومعنى (يسير الرياء) كإطالة الصلاة أحياناً ليراه الناس، أو يرفع صوته بالقراءة أو الذكر أحياناً ليسمعه الناس فيحمدونه، روى الإمام أحمد بإسناد حسن عن محمود بن لبيد رضي الله عنه قال: قال رسول ا صلى الله عليه وسلم " إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر: الرياء" .
أما إذا كان لا يأتي بأصل العبادة إلا رياء، ولولا ذلك ما وحد ولا صلى، ولا صام، ولا ذكر الله، ولا قرأ القرآن، فهو مشرك شركاً أكبر.
والشرك الأصغر لا يخرج صاحبه من ملة الإسلام ولكنه أعظم إثماً من الزنا وشرب الخمر، وإن كان لا يبلغ مرتبة الشرك الأكبر.
والله أعلم.
المفتي: …مركز الفتوى
=============(45/471)
(45/472)
حكم إجراء عقد النكاح في محاكم غير إسلامية
تاريخ الفتوى : …19 رجب 1422 / 07-10-2001
السؤال
أنوي الزواج من فتاة روسية ولكن المدينة التي أسكن فيها لا يوجد فيها أي شيخ ولا مسجد ويلزمني الزواج بها في المحكمة فهل يعتبر هذا صحيحا؟ فما ذا أفعل؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فينبغي للمسلم إذا أراد الزواج أن يختار المرأة الصالحة ، ذات الخلق ، والدين ، ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول ا صلى الله عليه وسلم قال: "تنكح المرأة لأربع: لمالها ، ولحسبها ، ولجمالها ، ولدينها ، فاظفر بذات الدين تربت يداك" متفق عليه.
وصلاح المرأة يجلب السعادة الزوجية ، والطمأنينة النفسية ، ويكون سبباً في إيجاد جيل رشيد ، وقد حرم الشارع على المسلم الزواج بالمشركة ، فقال تعالى: (ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن …) [البقرة:221] وحرم عليه الزواج بالزانية ، فقال تعالى: (الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين)[النور:3].
وأباح له الزواج بالمسلمة ، والكتابية إذا كانت عفيفة ، قال الله تعالى: (اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهن أجورهن..)[المائدة:5] ويجب على من أراد الزواج من كتابية أن يكون قوي العقيدة ، راسخ الإيمان ، بحيث لا ينجر وراء ما قد تزينه له زوجته من دينها الباطل ، فيتبعها ، فيفقد بذلك دينه ، ويصبح في عداد المرتدين -الواجب قتلهم إن لم يتوبوا- وعليه أيضاً الاهتمام بتربية أولاده ، وتعليمهم حقيقة الإسلام ، حتى لا يتأثرو بما عليه أمهم ، فيتهودوا ، أو يتنصروا بسببها ، وعليه التأكد من بقائها على دينها ، فما أكثر الإلحاد في تلك البلاد.
وعلى ضوء ما سبق ، فإن كانت هذه الفتاة الروسية مسلمة جاز لك الزواج بها ، ويعقد لك بها وليها إن كان مسلماً، بحضور شاهدين عدلين ، فإن لم يوجد أو كان كافراً فالسلطان المسلم ، فإن لم يوجد فرجل من عامة المسلمين. قال ابن قدامة في المغني: (فإن لم يوجد للمرأة ولي ولا ذو سلطان ، فعن أحمد بن حنبل ما يدل على أنه يزوجها رجل عدل بإذنها) ولا يحل أن يعقد الكافر النكاح ، سواءً كان وليها ، أوالسلطان ، بإجماع أهل العلم ، حكاه ابن المنذر وابن قدامة، قال الله تعالى: (ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلاً)[النساء:141] والمحكمة الروسية نصرانية كما هو معلوم ، فلا يصح أن تعقد نكاحك بهذه الفتاة.
وإن كانت هذه الفتاة من أهل الكتاب فيعقد النكاح وليها من أهل دينها ، فإن لم يوجد فالسلطان المسلم ، أو السلطان من أهل دينها ، فإن لم يوجد أو تعذر فرجل من عامة أهل دينها بإذنها ، ولا يعقده قريبها المسلم ، ولو كان أباها ، أو أخاها ، قال في المغني: (وأما المسلم فلا ولاية له على الكافرة ، غير السيد والسلطان... وذلك لقول الله تعالى: (والذين كفروا بعضهم أولياء بعض)[الأنفال:73] ولأن مختلفي الدين لا يرث أحدهما الآخر ، ولا يعقل عنه ، فلم يلِ عليه).
والله أعلم.
المفتي: …مركز الفتوى
==============(45/473)
(45/474)
من كفر فعليه كفره .. ولا أثر لذلك على الأولاد
تاريخ الفتوى : …02 رمضان 1422 / 18-11-2001
السؤال
والدي مسلم وأمي مسيحية، وأمي لم تقبل الإسلام فما أثر ذلك علي؟ وهل يقر الإسلام زواج أبي من أمي؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد أحل الله للمسلم الزواج بالكتابية يهودية كانت أو نصرانية ، قال تعالى: (اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم)[المائدة:5] فإن كانت الكتابية غير عفيفة فلا يحل نكاحها ، ولذلك كان عمر رضي الله عنه يمنع من ذلك، ونهى الصحابة عنه.
والأولى للمسلم أن يتزوج بمسلمة لعدة أمور منها:
-أن المسلمة تربي أولاده على الإسلام ، وليس هناك خلاف بينهما لا شتراكهما في دين واحد ، فلا يضر بقاء الأولاد معها في حال المفارقة بموت أو طلاق.
-أن المسلم لا يأمن على أولاده من الكتابية فينشئوا متأثرين بعقيدتها ، وسلوكها ، وقد وصفهم الله بقوله: (أولئك يدعون إلى النار والله يدعو إلى الجنة والمغفرة بإذنه)[البقرة:221].
-أن الغالب على النساء الكتابيات تركهن للدين الذي ينتسبن إليه واعتناقهن الإلحاد ، ويغلب عليهن أيضاً عدم العفة، وهو شرط معتبر في جواز نكاحهن ، ومع ذلك فإن حصل الوثوق بعفة الكتابية ، وبقائها على دينها ، فإن الأصل جواز نكاحها.
أما الأولاد فإنهم يلحقون بدين أبيهم لأنه هو الدين الحق الذي لا يقبل الله غيره، قال تعالى: (ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين)[آل عمران: 85] ولا نجاة لهم إلا بذلك ، ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار" ومن كان منكم مؤمناً صالحاً فلا يضره كون أمه غير مسلمة ، لأن الله جل وعلا يقول: (كل امرئ بما كسب رهين) [الطور:21] ويقول : (ولا تزر وازرة وزر أخرى)[الأنعام:164] وعليكم ببر أمكم، فكونها كافرة لا يسقط حقها في البر ما لم تدع إلى معصية الله. قال تعالى: (وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا) [لقمان:15] ، كما ينبغي دلالتها على الخير ودعوتها إلى الإسلام، لأنها إن ماتت على ما ماتت عليه فإنها من أصحاب النار ، ولا ينفعها كون زوجها مسلماً ، فقد أخبر الله عن امرأة نوح وامرأة لوط أنهما من أصحاب النار ، ولم يشفع لهما كونهما زوجتين لنبيين من أنبياء الله؛ ذلك أنه لا يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة، كما سبق في الحديث.
والله أعلم.
المفتي: …مركز الفتوى
===============(45/475)
(45/476)
مهنة الصحافة ... رؤية شرعية
تاريخ الفتوى : …16 صفر 1420 / 01-06-1999
السؤال
1-ماحكم الاسلام في مهنة الصحافة ؟
وماهي ضوابطها الشرعية؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالصحافة وسيلة إعلامية معروفة لها تأثيرها البالغ على الأفراد والمجتمعات، ولها أهمية كبرى في إطلاع القراء على مجريات الأحداث وتوجيههم حسب وجهة من يكتب فيها، ولا يخفى أن الصحافة قد استغلت منذ نشأتها ضد المسلمين في غالب الأحيان، وذلك لأن القائمين عليها أغلبهم كانوا من اليهود والنصارى والملحدين، إضافة إلى سعيهم الحثيث في نشر الإلحاد والانحلال، وتلميع الباطل وترويجه، ولم ينتبه لهذا أكثر المسلمين، ومن انتبه منهم، فقد انتبه متأخراً جداً بعد أن فات الأوان أو كاد يفوت.
أما الآن وقد حصل ما حصل، فالذي نراه هو أن على المسلمين أن يبذلوا ما يستطيعونه من جهود في هذا الجانب وفق ضوابط محددة أهمها الالتزام الكامل بهدي الإسلام، لأن الله جل وعلا كما تعبدنا بتحصيل الغايات تعبدنا بالانضباط بنهجه عند السعي في تحصيلها، فالغاية لا تبرر الوسيلة في هذا الدين الحنيف.
وحكم العمل في مهنة الصحافة يتوقف على نوعية العمل، وطبيعة الصحيفة المراد العمل بها، حيث تتنوع الصحف فمنها:
1- الصحف الجادة الهادفة والملتزمة، كالصحف والدوريات التي تعنى ببعض أنواع العلوم النافعة للبشرية، وكالصحف والمجلات الإسلامية التي تعنى بالأخبار الصادقة، وتبصير المسلمين بأمور دينهم ودنياهم. فالعمل في هذه الصحف مباح استصحاباً للأصل، ما لم يقم مانع شرعي خارج عن هذا الأصل، وقد يجب في بعض الأحوال حسب الحاجة.
2- ومنها الصحف الهابطة، وهي صحف الإثارة والتشهير، ونحو ذلك، وهي التي تعتمد في ترويجها على المحرمات كنشر الصور العارية، أو نشر الفضائح والجرائم في المجتمع، أو تقوم على خدمة أعداء الإسلام للنيل من قضايا الإسلام وثوابته، إضافة إلى مصادر تمويلها المشبوهة والمحرمة... فهذه الصحف لا يجوز العمل فيها، لأن العمل فيها من التعاون على الإثم والعدوان الذي حذر الله تعالى منه، حيث قال: (وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) [المائدة:2].
3- ومنها الصحف المختلطة التي خلطت عملاً صالحاً وآخر سيئاً، ففيها صفحات للهو والمجون وما لا فائدة منه، وفيها صفحة أو أكثر تسمى الصفحة الدينية، والعمل فيها لا يأخذ حكماً واحداً، فتارة يجوز، وتارة لا يجوز، وتارة يجب حسب الحال ووفق ضوابط معينة.
وخلاصة القول: إنه لا يجوز للمسلم أن يعمل في هذه الصحف المختلطة إلا إذا التزم بالضوابط الشرعية ومنها:
- أن لا يؤدي عمل المسلم بها إلى تنازله عن ثوابت دينه، أو الوقوع في الكبائر والمحرمات.
- أن يلتزم بالصدق، وأن يجتنب الكذب.
واعتماد كثير من الصحف على الكذب والإشاعات في ترويج مادتها بحجة أن الخبر لا يسمى خبراً صحفياً إلا إذا صاحبه نوع تلفيق أو زيادة لا عبرة به، ويكفينا تحذير صلى الله عليه وسلم من الكذب حيث قال: "وإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا" متفق عليه من حديث عبد الله بن مسعود.
هذا إضافة إلى أن الكذب يجعل القارئ اللبيب يفقد ثقته في الصحيفة...إلخ.
- وأن يلتزم بالأمانة العلمية، والدقة في النقل، والموضوعية في طرح الموضوعات.
- أن يحذر من الخوض، أو الوقوع في أعراض المسلمين أو المسلمات بالقذف أو بالغيبة والنميمة، أو بالفضيحة والتشهير، فكل ذلك من كبائر الذنوب.
- أن لا يعمل بصحيفة غالب أموالها أو جل أموالها من الحرام. أما إن كان حلالاً أو غلب عليه الحلال، فلا بأس.
إضافة إلى أن الصحفي المسلم ينبغي أن يتوفر لديه حس الناقد، والرغبة في الإصلاح والتغيير، وأن لا يكون إمعة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا تكونوا إمعة، تقولون: إن أحسن الناس أحسنا، وإن ظلموا ظلمنا، ولكن وطنوا أنفسكم إن أحسن الناس أن تحسنوا، وإن أساءوا فلا تظلموا" رواه الترمذي.
هذا ما تيسر ذكره، وإن أردت التوسع فيمكنك مراجعة ما كتب عن الإعلام من وجهة النظر الإسلامية.
المفتي: …مركز الفتوى
============(45/477)
(45/478)
العمل في وسائل الإعلام...رؤية شرعية واقعية
تاريخ الفتوى : …16 ربيع الثاني 1423 / 27-06-2002
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
العمل بجهاز إعلامى مثل الإذاعة والتليفزيون مثلاً أو أحد القنوات المتخصصة مثلا في وظيفة إدارية كوظيفة محاسب مثلا ما الحكم في هذه الوظيفة
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا شك أن وسائل الإعلام لها دور عظيم، وأنها سلاح ذو حدين، فالواجب على المسؤولين فيه أن لا يولوا في الإعلام إلا الثقات الذين عندهم علم وبصيرة وأمانة، لأنها بالفعل تحتاج إلى رجال يخافون الله ويتقونه، ويتحرون نفع المسلمين والمجتمع كله حتى لا يضل الناس بسببهم.
ومعلوم أن من نشر ما يضر الناس في عقيدتهم أو أخلاقهم سيكون عليه مثل آثام من ضل به، كما أن من نشر ما ينفع يكون له مثل أجور من انتفع بذلك.
ومن هنا ينبغي على كل مؤمن يرى في نفسه أهلية وقدرة على سد ثغرة من هذه الثغرات أن يفعل ذلك، ولا يدع هذه الوسائل بيد الجهال والفسقة وأهل الإلحاد يبثون سمومهم وإلحادهم، بل عليه أن يتولى هو وأمثاله من أهل الصلاح والإيمان هذا الأمر، وأن يوجهوه حتى يسير على الطريقة الإسلامية وحتى يسلم المسلمون من ضرره.
هذا إذا خولت لهم السلطة ومكنوا من التصرف في ما أنيط بهم من مسؤولية إعلامية.
أما إذا لم يكن لهم دور وكانوا لا يستطيعون تغيير أي منكر من المنكرات التي تمارس في الإعلام والتي قلما يخلو منها إذاعة أو تلفزة، فالأولى للمسلم أن يتجنبها وأن يبتعد عنها ولا يتخذها وسيلة لكسبه، وراجع الفتوى رقم:
1886.
والله أعلم.
المفتي: …مركز الفتوى
================(45/479)
(45/480)
براءة الخيام من رباعياته !! ( وفتوى الشيخ المنجد ) - للبحث -
سليمان بن صالح الخراشي
نشر أخي ( الأسدودي ) - وفقه الله - في منتدى الكاشف فتوىً للشيخ محمد المنجد - وفقه الله - في الشاعر الشهير " عمر الخيّام " ، هذا نصها :
عمر الخيام
الحمد لله :
1. هو : أبو الفتح ، عمر بن إبراهيم الخيَّامي النيسابوري ، شاعر ، فيلسوف ، من أهل نيسابور ، مولداً ووفاة .
2. ولد سنة 408 هـ ، في قرية نيسابور ، وتوفي ودفن فيها سنة 517 هـ ، وقيل : 515 هـ
3. كان عالماً بالرياضيات ، والفَلَك ، واللغة ، والفقه ، والتاريخ .
4. ولنبوغه في علم الفلك ، فقد عيِّن مديراً لمرصد بغداد ، ولشدة اهتمامه بالفلسفة قُرن اسمه باسم ابن سينا - الذي كان له مقالات كفرية تُخرج عن الإسلام - .
5. واشتهر كذلك بالشعر ، ومن أشهر أشعاره " الرُّباعيات " ، وهي مليئة بالكفر والإباحية والزندقة ، ولا عجب إذا علمنا اهتمام الغرب بطباعتها ونشرها ، وقد ترجموها إلى لغات عديدة مثل الإنجليزية ، والفرنسية ، والروسيَّة ، والألمانية ، وغيرها ، وقد استفاد الإنجليز في نشر الفاحشة والرذيلة والتي دعا إليها الخيَّام في " رباعياته " ، وقد نشروا ذلك في الدول التي استعمروها كالهند وإيران ، ناسبين ذلك الأمر إلى واحد من المسلمين بل ومن عظمائهم في زعمهم .
6. ومِن أشعاره في الخمر - من الرباعيات - :
اشرب الراَّح فهْي رُوح الرَّوْح
بلْسم النفس والحشا والمروح
وإذا ما دهاك طوفان همٍّ
فانْجُ فيها فذي سفينة نوحِ
7. وفي إنكاره البعث بعد الموت يقول :
قُم قبل غارة الأسى مبِّكرَا
وادع بها ورْديَّةً تجلو الدُّجَى
فلستَ يا هذا الغبيُّ عسجدَا
حتى تُوارى في الثرى وتُخرجا
= العسجد : الذهب .
8. وفي إباحياته وخلاعياته يقول :
ما اسطعتَ كن لبني الخلاعة تابعاً
واهدِم بناء الصوم والصلوات
واسمع عن الخيَّام خير مقالة
إشرب وغنِّ وسِر إلى الخيرات
9. وفي استهزائه بالشرع ووقاحته مع ربه ، وموقفه من التوبة ، يقول :
كلَّ يوم أنوي المتاب إذا ما
جاءني الليل عن كؤوس الشراب
فأتاني فصلُ الزهور وإني
فيه يا ربُّ تائبٌ عن متابي
10. ويرى بعض الباحثين كالزِّركلي أنه تاب من ذلك وحجّ ، وبعضهم كعبد الحق فاضل يشكك في نسبة الرباعيات له !
وعلى كل حال : فالرباعيات لا تدل على أنه تاب ، لأن فيها المجاهرة بالكفر والتحلل من الفضائل ، وفيها التبرِّي من التوبة والإنابة ، بل لا تدل على أن صاحبها يؤمن بالله واليوم الآخر .
والتشكيك في نسبتها إلى الخيام لا يقْوى مع كثرة من نسبها إليه ودلَّل على ذلك ، والله أعلم بالحقائق .
وانظر في ترجمته : " الأعلام " للزركلي 5 / 38 ، و "معجم المؤلفين " لعمر رضا كحالة 2 / 549 ، و " عمر الخيام بين الكفر والإيمان " لإحسان حقي ، و " ثورة الخيام " لعبد الحق فاضل . وصلى الله على نبينا محمد ) . اهـ . الشيخ محمد صالح المنجد .
قلتُ : وقد اطلعت على مقال للباحث بكري شيخ أمين - وفقه الله - ، نشره في مجلة الحج ، عدد محرم ، 1427هـ ، أحببتُ نقله للإخوة هنا ؛ لما فيه من نظرة أخرى للرباعيات ، منتظرًا فوائدهم ( مع التنبيه إلى أن علامات التعجب مني ) :
براءة الخيام من رباعياته !!
في كثير من بلاد العالم فنادق ومطاعم وملاهٍ ومراقص تحمل اسم (عمر الخيام) فقط، وغالباً ما تكون هذه المواطن أمكنة للعبث، والانحراف، والإثم، والمحرمات كأن صاحبها يشير -بشكل خفي- إلى العلاقة الوطيدة بين هذه التسمية وسلوك الخيام وآرائه.. أو كأن صاحب هذا الملهى لم ير تسمية موحية بالانفلات والانحراف أفضل مما يوحيه اسم (عمر الخيام) في الشرق أو في الغرب. ويقف الباحث أمام هذه الظاهرة مستغرباً، متعجباً، مندهشاً، ويتبادر إلى ذهنه أن عمر الخيام يُضرب به المثل في تعاطي السرور والخمور والفجور وأنه طوال حياته، ما كان يبالي بجنة أو نار، أو حساب أو عقاب، وإنما كان أبيقوريا يغتنم الساعة التي هوفيها.. وبعدها فليكن الطوفان، ولولا ذلك ما اختاره صاحب الملهى الليلي، أو المقهى أو المشرب عنواناً.
ويزيد هذا الظن تأكيداً وتثبيتاً انتشار آلاف الكتب في شتى لغات العالم، فيها أشعار منسوبة إلى عمر الخيام، تدعى بـ(الرباعيات) ، كثيراً ما تكون -هذه الرباعيات- مطبوعة على ورق صقيل فخم، في كل صفحة رباعية واحدة بالفارسية والعربية والفرنسية والإنجليزية والألمانية والأوردية والأسبانية ومعظم لغات العالم، وفي الصفحة المقابلة صورة رمزية لرجل عجوز، طاعن بالسن، أشيب الشعر، لحيته تغطي نصف صدره، وأمامه غادة حسناء، غراء، فرعاء، مصقول عوارضها، تسكب من كوز بيدها خمراً في كأس، وتقدمها إلى العجوز وبيدها الأخرى آلة طرب، وفي إطار الصورة طيور وبلابل، وزهر وعنادل، وأشجار وثمار.(45/481)
والغريب في الأمر أن كتب الرباعيات منتشرة في كل مكتبات العالم، وهي في طبعات تكاد لا تحصى، وفي لغات الدنيا قاطبة، وكثيراً ما تختلف رباعيات طبعة عن أخرى في اللغة ذاتها، أو في اللغات المختلفة، وليس من المستغرب أن يتجاوز عددها في شتى الطبعات ألفي رباعية، أو يزيد.
ويقف الباحث المدقق متسائلاً: أصحيح أن عمر الخيام، الفارسي، المسلم، كان رجلاً متهتكاً، أمضى حياته كما يصورون ويزعمون؟
أصحيح أنه نظم هذه الآلاف المؤلفة من الرباعيات الصارخة بالمجون والمعصية والفجور؟ بل كيف انتقلت هذه الأشعار الفارسية المحلية إلى معظم لغات العالم، ومن الذي نقلها، ونشرها، ورسمها وزينها وأرخص ثمنها ؟
ويعود الباحث إلى مراجعه، وكتب التراجم، يستقصي سيرة عمر الخيام ويستوضح شخصيته، ليعرفه على حقيقته، ويعرف كل صغيرة وكبيرة عنه.
المفاجأة الكبرى التي تبلغ حد الصدمة تبدو حين يبدأ بقراءة سيرة هذا الرجل، فيرى أن اسمه عمر، وكنيته أبو الفتح، ولقبه غياث الدين، ووالده إبراهيم النيسابوري، وشهرته: الخيام، أو الخيامي، لاشتغاله بصنع الخيام.
اتفق أكثر المؤرخين على أنه ولد في نيسابور من أعمال خراسان في النصف الثاني من القرن الخامس الهجري/ العاشر الميلادي، وتوفي قبيل انتهاء الربع الأول من القرن السادس الهجري الحادي عشر الميلادي، ويحدد خير الدين الزركلي في كتابه "الأعلام" وفاته بسنة 515 هجرية، الموافقة لسنة 1121 للميلاد.
أما عن دراساته فيذكر المؤرخون أن كتب الفلسفة اليونانية المترجمة شائعة، ومؤلفات أرسطو طاليس وأفلاطون وإقليدس وبطليموس وجالينوس وفيثاغور وزينون وأبيقور في الفلسفة الطبيعية والإلهية والرياضية، وما يتفرع عنها من منطق وطب وهندسة وأخلاق وسياسة وهيئة ميسرة بين الناس، والجدل محتدم حول آراء السفسطائيين والمشائين الرواقيين وغيرهم من أهل المذاهب الفلسفية كانت شائعة ومعروفة.
وفي عصره نضج علم الكلام، واشتد النزاع العلمي بين الأشاعرة والمعتزلة والحنابلة (!) والجبرية، وشاعت آراء الباطنية، وكثر الإقبال على التأليف في مختلف العلوم والفنون، وذاعت رسائل إخوان الصفا، وتعددت الفرق والطوائف، وكثر الأطباء والفلاسفة، وظهر أبو علي ابن سينا، واشتد النزاع بين الدين والفلسفة، وألف حجة الإسلام (!) الغزالي كتباً في الرد على الفلسفة، وعظم أمر التصوف، وكثر القائلون بالجدل ووحدة الوجود، وتفرد نفر بآرائهم الحرة فاتهموا بالزندقة والإلحاد وصفوة القول: عاش الخيام في وسط علمي، وفي بيئة علمية وفنية، فعاصر زمرة من الفلاسفة والأطباء والمهندسين والرياضيين والفلكيين من بناة الأرصاد، وتتلمذ على نوابغ عصره من العلماء، وتردد إلى بعضهم، وتردد بعضهم إليه، وكثرت بينه وبينهم المجادلات والمحاورات والمراسلات في علوم شتى، وكان لأولئك الذين تتلمذ لهم وتتلمذوا عليه مكانة علمية عظيمة في عصره.
معاصروه جميعاً وصفوه بأحلى وأجمل وأرفع ما وصف به الرجال والعلماء، رفاق دربه وأصحابه وأترابه كانوا من خيرة الناس وأفضلهم.
منهم الإمام أبو حامد الغزالي، مجدد المائة الخامسة للإسلام (!) ، وصاحب (إحياء علوم الدين) ومنهم الوزير نظام الملك، وزير ملوك السلاجقة، وباني المدارس النظامية في شتى أرجاء العالم الإسلامي، وجار الله محمود الزمخشري، صاحب التفسير المعروف باسم (الكشاف) وصاحب الكتب اللغوية، والإمام ظهير الدين البيهقي، صاحب كتاب (حكماء الإسلام). وكثيرون آخرون على هذا المستوى ناهيك عن صحبته لملوك عصره، أمثال جلال الدين ملكشاه، وألب أرسلان، وخاقان بخارى، وسواهم من أبناء مطلع القرن السادس الهجري.
مؤرخو عصره وصفوه بـ (الإمام) و(حجة الحق) و(وحكيم الدنيا وفيلسوفها) و(الدستور) و(ابن سينا الثاني) و(العالم الفلكي) و(الفقيه) و(العالم بالقراءات القرآنية) و(الزاهد) و(المتصوف).
تُرى: هل يمكن أن يوصف إنسان على هذا القدر من العلم، والخلق، والزهد، والتقوى، والحكمة، وحسن مجالسة وعارفوه بتلك الأوصاف الرائعة.
لم يقل أحد من تلاميذه وشيوخه وأصحابه ورفاق دربه إنه كان زنديقاً، أو سكيراً، أو منحرفاً ، حتى الشعر ذكروا أن له عدداً من الرباعيات في الزهد لا تزيد على بضع عشرة، جميعها أشادت به، وعرضت أشعاره بالعربية والفارسية، وهي قليلة ومحدودة، لا تتجاوز معاني الزهد، والشكوى من الأصحاب غير الأوفياء، والفقر، وهموم الحياة، والإيمان الكامل بالله الواحد الأحد، الفرد الصمد.(45/482)
يشهد على ذلك ما جاء في ترجمة حياته بتلك الكتب التي كتبت في حياته، والكتب التي كتبت بعد وفاته بقليل، منها: (جهار مقاله) لتلميذه أحمد بن عمر النظامي السمرقندي و(حواشي جهار مقاله) و(الزاجر للصغار عن معارضة الكبار) للزمخشري، و(حكماء الإسلام) للإمام أبي القاسم البيهقي، و(نزهة الأرواح وروضة الأفراح) لشمس الدين محمد بن محمود الشهرزوري، و(فردوس التواريخ) لخسرو الأبرقوهي، و(عجائب المخلوقات) لعماد الدين زكريا القزويني، و(جامع التواريخ) لرشيد الدين، و(أخبار الحكماء) لجمال الدين علي بن يوسف القفطي، و(كامل التواريخ) لابن الأثير، وسواها، وجميعها أشادت به، وعرضت أشعاره بالعربية والفارسية القليلة والمحدودة.
ويثور في الذهن سؤال ضخم كبير: كيف نسب إلى هذا الرجل هذا الكم الهائل من الرباعيات، وهو لم يقل إلا بضع عشرة رباعية؟ وكيف جعلت الأشعار عمر الخيام زنديقاً أو كالزنديق، وهو رفيق أكابر العلماء ونظيرهم؟ وكيف انتقلت هذه الأشعار إلى لغات العالم؟ ولماذا صورته بهذه التصاوير؟ ولماذا بذلت الرباعيات هذه البذل، وغدت بمتناول كل يد؟
ونتساءل عن هذه الظاهرة التي انتشرت في العالم كله منذ ما يزيد على مئة عام من عصرنا، ونحاول أن نعرف العوامل التي دفعت إلى انتشار هذه الأشعار الماجنة لشاعر مسلم.
كان أول من عرف الخيام من الفرنجة توماس هايد أستاذ العربية والعبرية في جامعة أوكسفورد، وتبعه المستشرق النمساوي هامر برغستل سنة 1818م، ثم غرس دوتاسي، وفي القرن التاسع عشر ترجم السير كور أوسلي رباعيتين، وإدوارد هارن بعض رباعيات، والفرنسي نيقولا السفير في طهران، وشبهه بحافظ الشيرازي، وبلغ عدد المترجمين للرباعيات في القرنين الماضيين أكثر من عشرين مترجماً، ومعظمهم من اليهود، والمؤلفين في الأدب العبري.
وفي سنة 1859م نشر الشاعر الإنجليزي فيتز جيرالد الرباعيات شعراً، وبهذا الشعر انتشرت الرباعيات في جميع أصقاع العالم، وبدأ الناس يعرفون عمر الخيام، ويرددون شعره حتى راح يتغنى به آلاف الناس في شتى بقاع الأرض؟
وفي الحق: إن من يقرأ أشعار الإنجليزي فيتز جيرالد الرائعة المسبوكة بلغة كأنها السحر، ينجذب على مضمونها، ويسحر بأسلوبها وجمالها كل من يقرؤها.
وأعجب من هذا كله أن هذه الأشعار ترجمت من الإنجليزية إلى معظم لغات العالم، وما رباعيات الخيام العربية المغناة بالعربية، والتركية، والأوردية، والفرنسية، والروسية، وسائر اللغات الأخرى إلا ترجمة لرباعيات فيتزجيرالد، وليس لعمر الخيام الحقيقي يد فيها، ولا معرفة، ولا هو قالها، بل لم تكن تخطر له على بال، وهو بريء منها براءة الذئب من دم ابن يعقوب.
هذا التناقض العجيب بين رباعيات قال فيتز جيرالد إنها منسوبة لعمر الخيام ودراسة موضوعية رصينة لشخصية عمر الخيام تظهر لنا أن في الأمر سراً.
ويكشف العلماء والباحثون السر، ويربطون بين حركة الاستعمار التي قويت واشتدت في القرن الثامن عشر، وما رافقها من حملات تبشيرية (!) وتنصيرية.
زعم المبشرون أنهم وجدوا مخطوطة في جامعة أوكسفورد فيها رباعيات منسوبة إلى رجل يدعى بـ(الخيام) كلها زندقة، ودعوة إلى السكر والعربدة، وسرعان ما ترجمها إلى الإنجليزية اليهودي (توماس ماير)، ثم تلقفها (فون هامر النمساوي) ونقلها إلى الألمانية حتى إذا حلت سنة 1859 الميلادية وجدنا (فيتزجيرالد) اختار من الرباعيات ما شاء له الهوى، ونقلها بالمعنى شعراءً إلى الإنجليزية، وكانت -كما يقولون- أشعاراً رائعة، وفي غاية الجمال فأعجب بها الناس، وانتقلت من الإنجليزية إلى معظم لغات العالم، حتى إلى الفارسية والعربية، وولد من خلالها شاعر جديد، اسمه: عمر الخيام لا يمت بصلة إلى عمر الخيام الفارسي الأصيل المسلم بصلة إلا بصلة الاسم، لا أكثر.
وربح الاستعمار والمبشرون (!) ربحاً لا نظير له، فلقد أوهموا المشارقة (!) -بخاصة- أن من علمائهم الكبار من ينظم مثل هذه الأشعار، ويشرب هذه الخمور، ويفعل هذه الأفاعيل، إذن، فلا حرج عليهم أن يقلدوا عالمهم، ويتبعوا فلسفته شبراً بشبر، وذراعاً بذراع.
وانطلت الحيلة أو اللعبة على كثير من الناس، فإذا جمهور غفير من المخدوعين يسلك سلوك (خيام فيتزجيرالد) ويتفلت شيئاً فشيئاً من تعاليم الدين، ويغدو في آخر العمر مدمن شراب، مريد شيطان رجيم.
كان أول من نقلها إلى العربية وديع البستاني مترجماً لأشعار فيتزجيرالد، وأعقبه محمد السباعي المصري، ثم العراقي محمد الهاشمي نقلها من الفارسية، ومثله أحمد الصافي النجفي، وجميل صدقي الزهاوي، وأحمد زكي أبو شادي، وتوفيق مفرج.
لكن الطامة الكبرى هي التي ترجمها من الإنجليزية الشاعر المصري أحمد رامي، وكانت ترجمته من الجمال الفني والعبارات المغرية أشبه بترجمة فيتزجيرالد السحرية، وزادها حلاوة أسلوب وقبول عند كثير من دعاة الإلحاد غناء أم كلثوم لها، رغم تبديلها عدداً من الكلمات الأصلية.
وقد يقول قائل: ومن ناظم تلك الرباعيات المصورة المطبوعة، والتي وجدت في أكسفورد، وترجمها ماير وهامر وفيتز جيرالد وسواهم؟(45/483)
والجواب سهل ويسير، فما أكثر دعاة الإلحاد في كل زمان ومكان، وما أكثر الوضاعين والمنتحلين والمختلقين، وهل من العسير أن ينحل الزنادقة والوضاعون والملحدون شعرًا على لسان عمر الخيام وغير الخيام ؟ وهل ننسى ما نحل على لسان الجاهليين، وكم وضع على لسان السموءل شعراً هو منه براء، وكم وضع على لسان الرسول الكريم أحاديث زعموا أنها نبوية، والنبي الكريم منها براء، ولم يسلم من الوضاعين والكذابين شاعر، أو حاكم، أو خليفة، أو نبي، حتى آدم عليه السلام قال شعراً، وأقوالاً وأفعالاً ما أنزل الله بها من سلطان، ولا خطرت على بال، ولا مرت على شفتي إنسان.
فهل ينتبه العقلاء إلى هذه المخاطر، والافتراءات، والأكاذيب على لسان نبينا العظيم، وعلى الشعراء، والحكام، والعلماء، ورجال الدين (!) ، والتاريخ العربي من أوله لآخره، ويدركون ما يحاك لهم هنا وهناك، وما يلبس الأعداء من لبوس؟ ) . انتهى مقال الأستاذ بكري .
ثم اطلعتُ على ما كتبه الباحث الراحل أنور الجندي - رحمه الله - في كتابه " أصالة الفكر الإسلامي في مواجهة التغريب والعَلمانية والتنوير الغربي " ( ص 456-462) عن رباعيات الخيام ، وأظن الأستاذ بكري شيخ أمين قد استفاد منه . وأنا أنقله بطوله لأهميته :
قال - رحمه الله - :
أشعار عمر الخيّام
استطارت شهرة العالم الفلكي الإسلامي عمر الخيام فجأة، بعد أن كان واحداً من العلماء المسلمين في مجال الكشوف الجغرافية، ورصد الكواكب، فأصبح شاعراً خطيراً في مجال الدعوة إلى الخمر والإباحية والانطلاق، وذلك عندما نشر (فيتزجرالد) الشاعر الإنجليزي مجموعة من الشعر الفارسي الملفق عام 1589 نسبها إلى الخيام وقد جند الشاعر الإنجليزي (فيتزجرالد) عشرات من أساتذة الأدب في الجامعات الإنجليزية وفي مقدمتهم (أ.ج. آربرى) لهذه المؤامرة الخبيثة.
ومنذ ذلك الوقت حرصت القوى التغريبية على ترجمتها إلى اللغة العربية، فسلط عليها عدد كبير من الشعراء العرب الذين ترجموها، وفي مقدمتهم البستاني والزهاوي ورامي والصافي النجفي والسباعي وأبوشادي ومحمد الهاشمي.
وأولتها الصحف اهتماماً كبيراً، وقد تبع ذلك اهتمام بالغ وتركيز أشد خطورة على اسم "الخيام" دفعاً لهذا التيار الجديد وتعميقاً له، فصدرت طوابع البريد في مختلف أنحاء أوربا باسمه وصورته، وأنشأت الأندية الليلية الصاخبة تحت لوائه، وكتبوا اسمه على أطراف البطاقات، (كارت بوستال) تعظيماً وتكريماً لقصائد التحلل والمجون المنسوبة إليه.
كشف الزيف:
وقد كان لهذا التيار أثره في التعريف من جديد بالخيام في نظر الشرقيين (عرباً ومسلمين) بوصفه شاعراً ماجناً عربيداً يدعو إلى اللذة، وقد استمر ذلك زمناً طويلاً، قبل أن تكشف الدراسات الأصيلة، والأبحاث العلمية الخالصة من الزيف عن كذب هذه الدعاوى العريضة وفسادها، وتبين أن الخيام لم يكن هو قائل كل هذا الشعر الذي نسب إليه، ولم يكن هو في حياته إنساناً خليعاً ولا داعية إلى إباحية.
فيتزجرالد هل زيف ؟
إن المراجعات الدقيقة التي أجريت منذ اللحظة الأولى كشفت عن أن (فيتزجرالد) حين وصلته المخطوطات الفارسية والهندية لم تكن بالوضوح الذي يمركزها كلها حول عمر الخيام.
وإن هناك أخطاء بالغة في الترجمة، كذلك فإن هناك إشارة واضحة إلى أنه استوحى هذه النصوص ولم يترجمها، كذلك فإن الدكتور (ميلار) نشر مقالاً في جريدة المورننج بوست قال فيها: إن شخصية عمر الخيام محاطة بغلالة من غموض وإيهام، وقد نسجت حوله أساطير غامضة تدعو إلى الشك في وجوده، وجاء ببراهين أنكر فيها نسبة هذا الشعر إلى عمر الخيام.
وأشار الأستاذ (همايون) في مقال له ترجم في مجلة الثقافة 14 مارس 1939 إلى الشك في نسبة هذا الشعر إلى عمر الخيام، وأن عدداً كثيراً من قصائده منسوب إلى شعراء آخرين وكثير منهم أقدم عهداً من عمر الخيام، وهنا تبدو (دهشة) المراجعين لهذا التركيز على عمر الخيام، بينما هناك من شعراء إيران أمثال: حافظ وسعدي والعطار من لم تتهيأ لهم مثل هذه الفرصة.
وبدت الشكوك تتردد حول اتجاه هذه الرباعيات الخمسمائة المنسوبة إلى عمر الخيام وما تحمله من دعوة إلى التغزل بالخمر وحث الناس على تعاطيها والقول بأنها الدواء الناجح لآلام النفس، بينما تكشف حياة عمر الخيام عن شخصية رجل مسلم عميق الإيمان بالله، متصرف بكليته إلى العلوم الفلكية.
ومنذ ذلك الوقت الباكر كانت الإرهاصات كلها تشير بالشك، وأصبح الاتهام حول هذه الرباعيات واضحاً، بل إن واحداً من مترجمي هذه الرباعيات وهو أحمد حامد الصراف كتب تحت عنوان (هل كان عمر الخيام سكيراً) مقالاً في مجلة المقتطف 1925 حاول من خلاله أن يصل إلى مفهوم باطني زائف يختلف عن مفهوم الإسلام في موضوع العقاب والجزاء والمغفرة، والإرادة الجبرية مما تحمله فلسفات الغنوصية القديمة، ولكنه كان شاكاً في نسبة هذا الشعر إلى الخيام.(45/484)
كذلك أشار لطفي جمعة (البلاغ 8 مايو) إلى أنه لم يهتد أحد بعد إلى العدد الصحيح لتلك الرباعيات ولم يتأكد أحد من صحة ما هو منسوب منها كذباً إلى الخيام، وقد استمر إلقاء الضوء على هذه الظاهرة سنوات طويلة لم يتوقف.
وقد أشار دكتور محمد موسى هنداوي في محاضرة له ألقاها في مارس 1928 إلى أن الرباعيات تحتوي على كثير من الاختلاف والانتحال، مما يجعل (الخيام) مفترى عليه في تاريخ الأدب.
ذلك العالم الرياضي العاقل المفلسف الحكيم المالك كل مشاعره، خاصة في الرباعية التي تدعو إلى احتساء الخمر وتمجيد الكأس إلى جوار رباعية أخرى فيها الاعتراف بالإله الواحد وفي الالتجاء إليه، فكيف تستقيم النزوة الطائشة بجوار الحكمة السديدة.
إن الذين اتهموا أسرفوا في الاتهام حتى حاكموا الخيام عن رباعيات لم تثبت نسبتها إليه، فضلاً عن التزيد فيما نشروه.
وقد أشار إلى ما أورده (عبدالحق فاضل) في بحثه عن الخيام قوله: ومن الحق علي أن أنبه إلى أمر هو أني لست على يقين من أن هذه الرباعيات التي تقرأ هي رباعيات الخيام حقاً، فما من إنسان يسعه أن يجزم بأن معشار تلك الرباعيات التي تعد بالألوف والتي تكتظ بها النسخ المختلفة هي للخيام حقاً.
وقال الدكتور محمد عبدالهادي أبو ريدة في بحث مستفيض عن الخيام إن هذا العالم الفلكي اشترك في إصلاح التقويم الفارسي، وفي بناء المرصد للسلطان ملكشاه، والذي ترجع شهرته الكبرى عند المؤرخين المعاصرين إلى علو قدمه في الرياضيات وفي كثير من فروع العلم.
لذا نجد تلميذه نظامي يضعه في القسم الخاص بالمنجمين والفلكيين، لا في القسم الخاص بالشعراء، ويضعه البيهقي المؤرخ المعاصر للخيام والذي عرفه شخصياً بأنه الفيلسوف حجة الحق.
وهذان المؤرخان لا يذكران شيئاً يدل على أنه شاعر، فضلاً أن ينسبا إليه شيئاً من الرباعيات المنشورة التي تحمل اسمه.
ولكن بعد أن انقضى على وفاة الخيام أكثر من قرنين، أخذت تظهر مجموعات الرباعيات التي تنسب إليه، وأخذ حجمها يتزايد مع الزمن، وإن كان لم يذكر له قبل ذلك رباعيات ذات محتوى شكي إلحادي.
وإذا صرفنا النظر عما في مجموعات الرباعيات التي ليس لدينا ما يثبت نسبها للخيام إثباتاً يقينياً، لأن كثيراً منها كما بين ذلك تشوكوفسكي في بحث نقدي له عام 1898 حيث ينسب بحجة أقدم أو أحسن أو مساوية إلى شعراء آخرين، فإن ما في المراجع غير المباشرة، من رباعيات تنسب للخيام تدعو إلى الاعتقاد بأن له رباعيات من التي أضيفت إليه فيما بعد.
وهكذا تعددت الكتابات في رد نسبة هذا الشعر إلى الخيام حتى تصل إلى البحث الذي قال ( الكلمة الحاسمة ) في هذا الاتهام ، وهو " كشف اللثام عن رباعيات الخيام " للسيد أبو النصر مبشر الطرازي الحسني والذي يقول إنه لم تكن للخيام رباعيات تزيد على عدة رباعيات يقال إنه أنشأها ترفيها للنفس، وقد زاد عليها المغرضون رباعيات كثيرة، وضعوها أو أخذوها من هنا وهناك، ونسبوها إليه، هذه الرباعيات المتنكرة المخزية ليست من نظم عمر الخيام، لأنها لا تتفق ومكانته العلمية.
ويعجب السيد الطرازي (رحمه الله) كيف يعرف عمر الخيام لا عن طريق مكانته العلمية الحقة، وإنما عن طريق رباعيات مزعومة، عبروا عنها برباعيات الخيام ووصفوها بأنها فلسفة الخيام، فمنهم من قال إنه (أبيقوري النزعة والميول)، ومنهم من سماه وايلد الشرق (نسبة إلى أوسكار وايلد الكاتب الجانح) ومنهم من ذهب إلى أنه معري المذهب، ومنهم من رأى أنه إباحي وأنه مستهزئ بأحكام الدين.
كما طعن فيه البعض بأنه (دهري) وزعم البعض أنه تناسخي وظن بعض أنه باطني، ولا أدري أو تشاؤمي، وجبري ، وادعى آخر أنه ثائر على كل شيء، على الدين وعلى الأخلاق وعلى العقل أيضاً.
وليس لهم دليل على ذلك إلا تلك الرباعيات التي نسبت إلى شخصه، وظنوا أنها من الحكيم عمر الخيام النيسابوري ومقولاته وآثاره.
ولقد كان عليهم أن يعرفوا الحكيم النيسابوري تحت ضوء الفحص العلمي الصحيح، والنقد التاريخي الموثوق معتمدين على آثاره ومقولاته.
ويصل السيد الطرازي إلى القول بانتحال تلك الرباعيات بدلائل كثيرة ولا سيما التناقض بين معانيها واتجاهاتها ، ويعجب أن يعرب عمر الخيام في ضوء رباعيات مترجمة على يد شاعر إنجليزي هو (إدوارد فيتزجرالد) تلك الترجمة التي قام بها عام 1856 ونشرها في الغرب على أوسع نطاق، وقد انساق المسلمون وراء تلك الفلسفة المزعومة والخداعة، وتأثروا بما فيها من المعاني المثيرة والاتجاهات المغرية والتحليلات الباطلة.
وكشف الباحث ما وراء هذه من هدف حين قال: إن أوائل الغربيين الذين اهتموا بالرباعيات إنما كانت تدفعهم فكرة استمعارية معتمدين في ذلك على محض مصادفة ساقها القدر وقد خدمهم المستشرق فيتزجرالد الذي تلقى الإشارة من قبل السادة الإنجليز.
ويقول دكتور محمد موسى هنداوي: أنا مع الطرازي في أن الاستعمار لا يترك وسيلة إلا استخدمها ولا سلاحاً إلا استعمله.(45/485)
ويقول الطرازي:" وإن الأغراض المقنعة وراء هذا هي إشاعة روح فن الرباعيات عن طريق شعر منسوب إلى مسلم ورباعيات مسكرة خليعة فيها دعوة صريحة وصارخة إلى تناول الصهباء ومجالسة الغادة الحسناء وإمرار الحياة بالعطالة والجمود والكسل والخمول والحرية المطلقة التي لا قيود فيها وفي ذلك مهاجمة واضحة لتعاليم الدين الإسلامي الحنيف".
ويقول: إن الذين قاموا بذلك هم خواص الغربيين الماهرين ممن لهم علاقة بالتبشير المسيحي ومنهم المستشرق النمساوي هافر يرغستل الذي ترجم 25 رباعية منها وكلها تخالف تعاليم الإسلام وتخدش مقدساته وذلك في كتاب (تاريخ الدولة العثمانية).
ولقد وجدوا في هذه الرباعيات بغيتهم المنشودة في الطعن على الدين الإسلامي، والاستهزاء بتعاليمه المقدسة، ولا سيما الجرأة على رسول ا صلى الله عليه وسلم مستندين في ذلك إلى مقولات -ولو موضوعة- منسوبة إلى رجل عظيم من عظماء الشرق وعالم من علماء الإسلام، كما كسبوا مبالغ باهظة عن طريق بيع ترجماتهم وكتبهم في الشرق والغرب . ويقول الأستاذ الطرازي: كان فيتزجرالد الشاعر الماهر الإنجليزي قد تلقى الإشارة من قبل بعض ساسة الإنجليز، فقدم إلى المستعمر المحتال خدمة مشكورة، ولكن تحت ستار الخدمة للأدب الغربي، وذلك بترجمة تلك الرباعيات إلى النظم الإنجليزي، وحذا حذوه (زوكوفسكي) المستشرق الروسي وقد تفرد فيتزجرالد بميزة خاصة، فقد صور الرباعيات المستنكرة المخزية الخليعة بصورة خلابة، وضمنها في كلمات إنجليزية منظومة جذابة، بحيث تخلب قلوب أهل الشرق، ولا سيما الشباب الناشيء ورجال المستقبل، وتكسب اهتمامهم نحوها من حيث طلاوتها اللفظية أولاً، والشهوات والنزعات النفسية، ثانياً.
وقد خدع فيتزجيرالد الشرق والشرقيين بهذه الخدعة السياسية في ثوب ثقافي أدبي.
ونجح معه الإنجليز بدهائهم المعروف في السياسة الاستعمارية في نشر هذه السموم الفتاكة بين أبناء الشرق عامة، وخاصة أبناء مستعمرة الهند، وجارتها إيران تحت ستار الأدب ، ودعاهم جميعاً إلى تناول الخمور ومغازلة الحسان وملازمة السرور والغناء ومجانية السعي والعمل، وحثهم على الإباحية والزندقة بدعوى الحرية المطلقة، الأمر الذي دفع الشرق إلى ما دفعه من التأخر وجعله مستعداً لقبول تدخل المستعمر في شئونه الاقتصادية أولاً، والسياسية ثانياً، ومما أدى إلى تأخر طائفة من الشرقيين، وفساد أخلاقهم، وابتعادهم عن كسب العلوم والفنون.
وقد تمكنوا ونجحوا في تنفيذ خدعتهم في صفوف أبناء الشرق، ودفعوهم إلى التقدير والإعجاب بتلك الترجمة الخادعة للرباعيات حيث سارعوا إلى ترجمتها إلى العربية والأوردية.
ولقد حاولت الرباعيات أن تحيي بذكاء ورقة تعاليم الباطنية وأتباع حسن الصباح من إباحية شرب الخمر وجميع الملذات، وإنكار النبوات والمعجزات، والقول بقدم العالم وإبطال القول بالمعاد والنشر من القبور، وكون الجنة هي نعيم الدنيا، ووصايا أخرى ترمي إلى هدم الشرائع وتثبيت دعائم الإلحاد.
ويؤكد الأستاذ الطرازي أنه ليس هناك أي سند تاريخي أو دليل علمي موثوق يثبت صدور تلك الرباعيات، ولا سيما المستنكرة الخليعة منها، عن الحكيم عمر الخيام النيسابوري، وأن هذه الرباعيات التي نسبوها إليه جمعوها من هنا وهناك وطبعوها في الشرق والغرب.
ولو كان للخيام رباعيات مثل هذه الرباعيات -ولا سيما المستنكرة الخليعة الخمرية- لما سكت عن روايتها المؤرخون الأقدمون، حيث لا توجد نسخة مدونة لرباعيات الخيام، إلا ما دون بعد مرور ثلاثة قرون ونصف قرن من وفاته، وهي النسخ المعروفة بنسخة بودليان المحفوظة في أوكسفورد، وهم لا يعرفون مصدر هذه النسخة التي أخذ منها صاحبها، الأمر الذي يدل على أنها موضوعة.
ويلخص الأستاذ عبداللطيف الجوهري معلقاً على كتاب الشيخ الطرازي أهم الخطوط العامة:
أولاً: انخداع الشرقيين ولا سيما الخياميين المتطرفين، رجاء تخليصهم مما سموه (فلسفة الخيام) التي دفعت بهم إلى حضيض الأهواء والأوهام وساقتهم نحو الفساد والانحلال، ورمت بهم في مسالك الجهل والضلال، مع التنبيه على لعبة أعداء الإسلام ورجال الاستعمار وما لهم من دور خفي دقيق في هذا المضمار.
ثانياً: لم يشر أحد من أصحاب التراجم إلى أن الخيام عرف بأنه يقرض الشعر حتى الإشارات الضعيفة التي وردت، تدل على أنه إن كان له شعر فلا يمكن بحال أن ينحدر إلى مستوى الرباعيات الخارجة، والتي تنسب إليه بلا حجة واضحة، وهو من هو، الحكيم الذي يجالس الخلفاء وينتج الرسائل في التوحيد والفقه والرياضات.
ثالثاً: رأي الغربيون أن معاني تلك الرباعيات وأهدافها متفقة مع أهواء الغرب في شرب الخمر ومصاحبة الغانيات وإمرار الحياة بحرية مطلقة مزعومة، ووجد المختصون بشئون التبشير النصراني في الغرب في هذه الرباعيات بغيتهم المنشودة، في الطعن على الدين الإسلامي والاستهزاء بتعاليمه القدسية، ولا سيما الجرأة على الرسو صلى الله عليه وسلم وجدوا بغيتهم عن طريق عظيم شرقي مسلم. ) . انتهى كلام الأستاذ أنور - رحمه الله - .(45/486)
وليُلاحظ أنه كان من الأولى استبدال كلمة " الشرقيين " بـ " المسلمين " ، لكنه جرى على عادة أبناء عصره . والله الهادي .
==============(45/487)
(45/488)
مصطلح "أهل القبلة" !..
سليمان بن صالح الخراشي
يستعمل دعاة التقريب بين أهل السنة والمبتدعة هذا المصطلح كثيراً في كتاباتهم محاولة منهم خلط الحق بالباطل وتمييع قضايا "السنة" و"البدعة" وما يترتب عليها من أحكام. ويزعمون أنه يجب أن تلتقي طوائف الأمة الإسلامية وتتآلف مع بقاء كلٍ منها على عقيدته وآرائه يعلنها على الملأ ، وينشرها مهما كانت! ما دام يصدق عليه أنه من "أهل القبلة"؛ ويعنون بهم من يستقبل القبلة في صلاته مهما كانت عقائده (كفرية) أو مخالفة للكتاب والسنة! دون تفريق.
ولا يرضون -بعد هذا- لأحدٍ أن يرد على أهل البدع أو يكشف انحرافاتهم؛ لأن هذا -عندهم- مما يفرق "أهل القبلة"!
ويجهل هؤلاء الواهمون أو يغفلون عدة حقائق تبين هذا المصطلح وما يراد به عند أهل العلم. هذه الحقائق باختصار هي:
1- أن هذا المصطلح مقتبس من حديث للنبي r يقول فيه: ( من صلى صلاتنا، واستقبل قبلتنا، وأكل ذبيحتنا، فذلك المسلم الذي له ذمة الله وذمة رسوله، فلا تخفروا الله في ذمته). أخرجه البخاري.
2- أن المقصود من هذا الحديث -كما بين العلماء- أن المسلم المصلي لا يجوز تكفيره وإخراجه من الإسلام؛ بل يبقى على هذا الأصل؛ إلا أن يأتي بأمر مكفِّر.
قال الحافظ ابن حجر في شرح هذا الحديث: (فيه أن أمور الناس محمولة على الظاهر، فمن أظهر شعار الدين أجريت عليه أحكام أهله ما لم يظهر منه خلاف ذلك ) . فتح الباري (1/592).
ولهذا فقد أخرج البخاري عقب هذا الحديث ما يوضحه؛ وهو قوله صلى الله عليه وسلم ( أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فإذا قالوها، وصلوا صلاتنا، واستقبلوا قبلتنا، وذبحوا ذبيحتنا؛ فقد حرمت علينا دماؤهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله).
فهذا الحديث متعلق بمسائل "التكفير"، وأنه لا يجوز تكفير المسلم -وإن كان مبتدعاً- بكل ذنب، ما لم تكن بدعته مكفرة.
3- قال الطحاوي في عقيدته: (ونسمي أهل قبلتنا مسلمين مؤمنين، ما داموا بما جاء به صلى الله عليه وسلم معترفين، وله بكل ما قال وأخبر مصدقين).
قال ابن أبي العز في شرحه: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من صلى صلاتنا، واستقبل قبلتنا، وأكل ذبيحتنا، فهو المسلم، له ما لنا وعليه ما علينا". ويشير الشيخ -رحمه الله- بهذا الكلام إلى أن الإسلام والإيمان واحد، وأن المسلم لا يخرج من الإسلام بارتكاب الذنب ما لم يستحلَّه.
والمراد بقوله: "أهل قبلتنا" من يدَّعي الإسلام، ويستقبل الكعبة وإن كان من أهل الأهواء، أو من أهل المعاصي، ما لم يكذب بشيء مما جاء به الرسو صلى الله عليه وسلم . وسيأتي الكلام على هذين المعنيين عند قول الشيخ: "ولا نكفرِّ أحداً من أهل القبلة بذنب ما لم يستحلَّه) . (شرح العقيد الطحاوية، ص 426-427، ط: التركي والأرنؤط).
وقال في الموضع المشار إليه (ص 432-434) : ( قوله: "ولا نكفِّر أحداً من أهل القبلة بذنب، ما لم يستحله، ولا نقول: لا يضر مع الإيمان ذنب لمن عمله".
: أراد بأهل القبلة الذين تقدم ذكرهم في قوله: "ونسمي أهل قبلتنا مسلمين مؤمنين" يشير الشيخ -رحمه الله- إلى الرد على الخوارج القائلين بالتكفير بكل ذنب.
واعلم -رحمك الله وإيانا- أن باب التكفير وعدم التكفير، بابٌ عظُمت الفتنة والمحنة فيه، وكثر فيه الافتراق، وتشتتت فيه الأهواء والآراء، وتعارضت فيه دلائلهم، فالناس فيه - في جنس تكفير أهل المقالات والعقائد الفاسدة، المخالفة للحق الذي بعث الله به رسوله في نفس الأمر، أو المخالفة لذلك في اعتقادهم- على طرفين ووسط، من جنس الاختلاف في تكفير أهل الكبائر العملية.
فطائفة تقول: لا نكفِّر من أهل القبلة أحداً، فتنفي التكفير نفياً عاماً، مع العلم بأن في أهل القبلة: المنافقين، الذين فيهم من هو أكفر من اليهود والنصارى بالكتاب والسنة والإجماع، وفيهم من قد يُظهر بعض ذلك حيث يمكنهم، وهم يتظاهرون بالشهادتين.
وأيضاً: فلا خلاف بين المسلمين أن الرجل لو أظهر إنكار الواجبات الظاهرة المتواترة، والمحرمات الظاهرة المتواترة، ونحو ذلك؛ فإنه يستتاب، فإن تاب، وإلا قُتل كافراً مرتداً. والنفاق والردة مظنتهما البدع والفجور، كما ذكره الخلال في كتاب "السنة" بسنده إلى محمد بن سيرين، أنه قال: إن أسرع الناس ردة أهل الأهواء، وكان يرى هذه الآية نزلت فيهم: (وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره) [الأنعام: 68].
ولهذا امتنع كثير من الأئمة عن إطلاق القول: بأنا لا نكفر أحداً بذنب. بل يقال: لا نكفرهم بكل ذنب؛ كما تفعله الخوارج..). انتهى كلام ابن أبي العز - رحمه الله - .(45/489)
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: (والعلماء قد تنازعوا في تكفير أهل البدع والأهواء وتخليدهم في النار، وما من الأئمة إلا من حكي عنه في ذلك قولان؛ كمالك والشافعي وأحمد وغيرهم، وصار بعضهم يحكي هذا النزاع في جميع أهل البدع وفي تخليدهم، حتى التزم تخليدهم كل من يُعتقد أنه مبتدع بعينه، وفي هذا من الخطأ ما لا يحصى، وقابله بعضهم فصار يظن أنه لا يُطلق كفر أحد من أهل الأهواء، وإن كانوا أتوا من الإلحاد وأقوال أهل التعطيل والإلحاد) (الفتاوى، 7/618-619).
وقال -أيضاً-: (قد تقرر من مذهب أهل السنة والجماعة ما دل عليه الكتاب والسنة أنهم لا يُكفرون أحداً من أهل القبلة بذنب ولا يخرجونه من الإسلام بعمل، إذا كان فعلاً منهياً عنه؛ مثل الزنا والسرقة وشرب الخمر، ما لم يتضمن ترك الإيمان، وأما إن تضمن ترك ما أمر الله به من الإيمان؛ مثل الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، والبعث بعد الموت؛ فإنه يكفر به). (الفتاوى، 20/90).
قال الدكتور إبراهيم الرحيلي معلقاً: (لكن ينبغي مراعاة أن لا يكون الذنب منصوصاً على الكفر به كفراً أكبر؛ كترك الشهادتين، أو ترك الصلاة.. وأن لا يكون الذنب مما ينافي الإيمان بالله). (موقف أهل السنة والجماعة من أهل الأهواء والبدع، 1/182).
وقال الشيخ سليمان بن سحمان - رحمه الله - راداً على بعض من اغتر بمقالة "عدم تكفير أهل القبلة" ليحملها على الجهمية: (وأما ما ذكرته من استدلال المخالف بقول صلى الله عليه وسلم "من صلَّى صلاتنا.." وأشباه هذه الأحاديث، فهذا استدلال جاهل بنصوص الكتاب والسنة، لا يدري ولا يدري أنه لا يدري، فإن هذا فرضه ومحلّه في أهل الأهواء من هذه الأمة ومن لا تخرجه بدعته من الإسلام ؛ كالخوارج ونحوهم، فهؤلاء لا يكفرون؛ لأن أصل الإيمان الثابت لا يحكم بزواله إلا بحصول مناف لحقيقته، مناقض لأصله، والعمدة استصحاب الأصل وجوداً وعدماً، لكنهم يُبَدّعون، ويضللون، ويجب هجرهم، وتضليلهم، والتحذير عن مجالستهم ومجامعتهم، كما هو طريقة السلف في هذا الصنف.
وأما الجهمية وعباد القبور: فلا يستدل بمثل هذه النصوص على عدم تكفيرهم إلا من لم يعرف حقيقة الإسلام) . (إجماع أهل السنة النبوية على تكفير المعطلة الجهمية، ص 157).
وقال الشيخ صالح الفوزان -حفظه الله-: (الآن لما فشا الجهل واشتدت غربة الدين، ظهر ناس من الذين يتسمون بالعلم، ويقولون: لا تكفِّروا الناس، يكفي اسم الإسلام، يكفي أنه يقول: أنا مسلم، ولو فعل ما فعل، لو ذبح لغير الله، لو سب الله ورسوله، لو فعل ما فعل ، ما دام أنه يقول: أنا مسلم فلا تكفره!! وعلى هذا يدخل في التسمي بالإسلام الباطنية والقرامطة، ويدخل فيه القبوريون، ويدخل فيه الروافض، ويدخل فيه القاديانية، ويدخل فيه كل من يدعي الإسلام، يقولون: لا تكفروا أحداً، ولو فعل ما فعل، أو اعتقد ما اعتقد، لا تفرقوا بين المسلمين . سبحان الله! نحن لا نفرق بين المسلمين، ولكن هؤلاء ليسوا مسلمين؛ لأنهم لما ارتكبوا نواقض الإسلام خرجوا من الإسلام، فكلمة لا تفرقوا بين المسلمين، كلمة حق والمراد بها باطل، لأن الصحابة رضي الله عنهم لما ارتد من ارتد من العرب بعد وفاة صلى الله عليه وسلم قاتلوهم، ما قالوا: لا تفرقوا بين المسلمين؛ لأنهم ليسوا مسلمين ما داموا على الردة، وهذا أشد من أنك تحكم لكافر بالإسلام، وسيأتيكم أن من الردة، من لم يكفر الكافر، أو شك في كفره، فهذه المسألة وهي من لم يكفِّر الكافر أو شك في كفره فهو كافر مثله، وهؤلاء يقولون لا تكفروا أحداً ولو فعل ما فعل، ما دام أنه يقول: لا إله إلا الله، أنتم واجهوا الملاحدة واتركوا هؤلاء الذين يدعون الإسلام!! نقول لهم: هؤلاء أخطر من الملاحدة؛ لأن الملاحدة ما ادعوا الإسلام، ولا ادعوا أن الذي هم عليه إسلام، أما هؤلاء فيخدعون الناس ويدّعون أن الكفر هو الإسلام، فهؤلاء أشد من الملاحدة، فالردة أشد من الإلحاد -والعياذ بالله-، فيجب أن نعرف موقفنا من هذه الأمور ونميزها ونتبينها؛ لأننا الآن في تعمية ، فهناك ناس يؤلفون ويكتبون وينتقدون ويحاضرون، ويقولون: لا تكفروا المسلمين، ونقول: نحن نكفر من خرج عن الإسلام، أما المسلم فلا يجوز تكفيره) . (سلسلة شرح الرسائل، ص 213-215).
قلت: فحق - بعد هذا - أن يقال لدعاة "التقريب الموهوم" ما قاله المتنبي:
فإن الجرح ينفر بعد حين *** إذا كان البناء على فساد !
فلا لقاء ولا تآلف ولا تقارب بين الفرق الإسلامية ما لم تلتق على عقيدة السلف ومنهجهم. وأما بغير ذلك "فستبقى حزازات النفوس كما هي".
والخلاصة: أن هذا المصطلح لا يؤيد دعاوى العصرانيين ونحوهم ممن يريد أن يُلبس الحق بالباطل، ويساوي بين أصحاب الصراط المستقيم بغيرهم من المبتدعة المنحرفين. بل تبقى أحكام المبتدعة كما هي: من ارتكب منهم مكفراً كفرناه، ومن لم تخرجه بدعته عن الإسلام ناصحناه وبينا انحرافه وخطأه، وتعاملنا معه بما هو مقرر في كتب أهل العلم (انظر مثلاً: رسالة الدكتور إبراهيم الرحيلي "موقف أهل السنة والجماعة من أهل الأهواء والبدع").(45/490)
وقدسئل الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-: كيف يتعامل الإنسان الملتزم بالسنة مع صاحب البدعة؟ وهل يجوز هجره؟
فأجاب: ( أقول: إن البدع تنقسم إلى قسمين: بدع مكفرة، وبدع دون ذلك، وفي كلا القسمين يجب علينا نحن أن ندعو هؤلاء الذين ينتسبون إلى الإسلام ومعهم البدع المكفرة وما دونها إلى الحق ببيان الحق دون أن نهاجم ما هم عليه إلا بعد أن نعرف منهم الاستكبار عن قبول الحق؛ لأن الله تعالى قال للنبي صلى الله عليه وسلم (ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدواً بغير علم) فندعوا أولاً هؤلاء إلى الحق ببيان الحق وإيضاحه بأدلته، والحق مقبول لدى كل ذي فطرة سليمة، فإذا وُجد العناد والاستكبار فإننا نبين باطلهم، على أن بيان باطلهم في غير مجادلتهم أمر واجب.
أما هجرهم فهذا يترتب على البدعة ؛فإذا كانت البدعة مكفرة وجب هجره، وإذا كانت دون ذلك فإننا نتوقف في هجره: إن كان في هجره مصلحة فعلناه، وإن لم يكن فيه مصلحة اجتنبناه..) (الفتاوى، 1/35).
=============(45/491)
(45/492)
أدلة على وجود الله تعالى وبديع خلقه
تاريخ الفتوى : …04 جمادي الثانية 1424 / 03-08-2003
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: أحد أقاربي متزوج من مشركة وله ابنة عمرها 12 هذه الطفلة تسألني أسئلة إلحادية بدون أن تقصد يعني تريد معرفة الله سؤالي هو: أعينوني كيف أستطيع إقناعها بوجود الله وإثباته بالمنطق والعقل وليس بالقرآن لأنها لا تعلم شيئاً ولا تؤمن.. إخوتي أعينوني على إنقاذ هذه الطفلة قبل أن يخطفها تيار الإلحاد ونسأل الله لكم التوفيق.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فنسأل الله لنا ولك ولهذه الطفلة وأمها الهداية والسلامة والعافية، ولا شك أن هذه النتيجة السيئة هي من الآثار المرة للزواج من مشركة، حيث نهى الله تعالى عن ذلك في كتابه الكريم بقوله: وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ [البقرة:221]. وإذا ثبت أن هذه المرأة مشركة أو ملحدة غير كتابية، فالواجب مفارقتها إن لم تؤمن بالله وحده، لقوله تعالى: وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ[الممتحنة:10]. وإلا حرم على الزوج البقاء معها ومعاشرتها، ولا يخفى ما في البقاء معها من خطر على دين أبنائها، كما هو واضح من السؤال. أما كيفية إنقاذ هذه البنت من الإلحاد فيكون بلفت نظرها لعظيم مخلوقات الله من شمس وقمر ونجوم وكواكب، وكيفية سيرها وأبعادها وأحجامها، وكذلك النظر في الأرض وما فيها من البحار والأنهار والكائنات الحية بأنواعها وأشكالها، واختلاف طبيعة عيشها، وكذلك بتعريفها أعضاء الإنسان وحواسه ووظائف أعضائه، مما يدل على وجود الله تعالى، وتمكنك الاستفادة مما ورد في الفتوى رقم: 22279، والفتوى رقم: 31281. وننبه إلى ضرورة استخدام أسلوب الترغيب والتحبيب والتشويق، وهنالك برامج حاسوب تعليمية كثيرة هادفة تنمي الإيمان، وتغرس حب الله في الأطفال، تمكنك الاستعانة بها. والله أعلم.
المفتي: …مركز الفتوى
==============(45/493)
(45/494)
حكم الملحد في الإسلام
تاريخ الفتوى : …19 شعبان 1424 / 16-10-2003
السؤال
سألت عن حكم الملحد في الإسلام ويبدو أنكم لم تفهموا السؤال فأحلتموني إلى أسئلة عن حكم المرتد .. أنا أتكلم عن الملحد الذي لا يؤمن بوجود رب ولم يكن في يوم من الأيام مسلما هل يجوز قتله؟ وهل على الدول الإسلامية قتل الملحدين بها؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فإذا كان هذا الملحد كافرا أصليا، أي من أبوين كافرين، فإن أمره مفوض إلى ولي الأمر، فإذا بذل له الذمة آخذا بقول من قال من الفقهاء إن الذمة تبذل لكل طوائف الكفار، كما هو مذهب مالك والأوزاعي، فإنه لا يجوز لأحد التعرض له، لا لدمه ولا لعرضه أو ماله. وأما إن كان لأبوين أحدهما مسلم، واعتنق مذهب الإلحاد حال بلوغه، فإنه مرتد، وتجري عليه أحكام الردة، وبعضها مبين في الفتوى رقم: 13987، و 17707. والله أعلم.
المفتي: …مركز الفتوى
=============(45/495)
(45/496)
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
الخطبة الأولى
إنّ الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونستغفره ونستهديه، ونعوذ الله من شرور النفس وسيء العمل، من هدى اللهُ فلا مضلّ له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن سار على نهجهم وأقتفى أثرهم على يوم الدين، أمّا بعد:
أيها المسلمون:
فإن لهذه الأمة خصائص تميزها، ومزايا تخصها، تنفرد بها عن غيرها من الأمم، ولا عجب! فهي الأمة الوسط، والأمة المجتباة.
وهي الأمة المختارة، لتكون شاهدة على الأمم، مقدمة على الشعوب.
هذه المرتبة المتميزة، والمكانة المتسنمة فوق القمم، لم تكن لتحدث هكذا اعتباطاً!
فهي ليست لسواد في أعين أبنائها، ولا لفتوة في مناكب شبابها، ولكن: (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ). [سورة آل عمران، الآية: 110].
لذا حُظيت الأمة برفعة المنزلة، وفازت بقصب السبق، وتسنمت علو المقام!.
ولنا أن نتساءل:
أما زالت الأمة محتفظة بأسباب رفعتها، ومناط عزها وفخرها؟!.
أما زالت سفينة النجاة محتفظة بتوازنها، متحصنة ممن يريدون خرقها، ويجتهد في إغراقها؟!
أيها الأخ الكريم:
ستجيبك تلك الجموع الهائلة حول الأضرحة والمشاهد؛ تستغيث بغير الله سبحانه، وتنزل حوائجها بمن لا يملك نفعاً ولا ضراً، ولا موتاً ولا حياةً ولا نشوراً!.
وستجيبك جموع المتخلفين عن الصلوات المكتوبة! المنشغلين عنها بسفاسف الأمور، وخيبة الدهور!.
ستجيبك، تلك الأجساد العارية على شواطئ البحار، وضفاف الأنهار، باسم الترفية والاستجمام!.
ستجيبك حانات الخمور، وملاعب القمار ودور السينما، ومراتع الفساد المنتشرة في كثير من بلاد المسلمين!.
ستجيبك تلك الأجيال الهزيلة، من ذوى الاهتمامات التافهة، والهوايات السخيفة، والتي لا تتعدى في مجموعها صقل الوجوه وتلميعها، وتصفيف الشعور وتسريحها ومتابعة الكرة والتصفيق لها!.
أيها المسلمون:
هذه بعض الثمرات المرّة في بعض ديار المسلمين، والتي برزت يوم عُطّلت فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر!.
فقد أصبح كل صاحب هوى حراً في فعل ما يشاء! في الوقت الذي يشاء، دون حسيب أو رقيب!
وأمام هذه الإسفاف، يتساءل المسلم الغيور: ماذا تراه يصنع أمام هذا الطوفان الجارف؟!.
أتراه يقف مكتوف اليدين، متمتماً بالحوقلة، ملقياً بالتبعة على غيره؟! ومردداً:
ذهب الذين يُعاشُ في أكنافهم …وبقيتُ في خَلْفٍ كجِلْدِ الأجربِ
يتأكَّلُونَ مغالةً وخِيَانَةً …ويُعابُ قائلُهم وإنْ لم يَشْغَبِ.
أم تراه سيجفل إلى أهله مردداً بينة وبين نفسه: أملك عليك لسانك، وابك على خطيئتك وليسعك بيتك؟!.
أيها الغيور على محارم الله:
إن الإجابة ستجدها في قوله جل جلاله: (فَلَوْلاَ كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُوْلُواْ بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مَا أُتْرِفُواْ فِيهِ وَكَانُواْ مُجْرِمِينَ). [سورة هود، الآية: 116].
وستجدها في قوله عليه السلام: "والذي نفسي بيده، لتأمرنّ بالمعروف، ولتنهون عن المنكر، أو ليوشكن الله، أن يبعث عليكم عقاباً من عنده، ثم تدعونه فلا يستجاب لكم".
أمّة الإسلام:
إن السبيل الوحيد للحفاظ على بيضة الأمة وتماسكها في عقائدها وأخلاقها وقيمها ومبادئها يكمن في إقامة فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وفق منهاج النبوة، دون أن تغرنا صولة الباطل وجولته وبريقه ولمعانه!.
فمتى تضافرت الجهود، وحسنت النوايا، وصدقت العزائم، انكمش الشر وانزوى، ثم تلاشى وانطفأ!
واقرأ إن شئت قوله تعالى: (بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ). [سورة الأنبياء، الآية: 18]. وقوله: (فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ). [سورة الرعد، الآية: 17].
أيها المسلمون:
كم يخطي البعض حين يلجأون إلى المقاييس المادية، ويعقدون المقارنات الحسية بين الباطل وكثرة سواده، وبين الحق وأهله الغرباء؟!.
فاللجأ إلى مثل هذه المقاييس خطأ فادح وغلط كبير؛ يشلّ الحركة، ويثبّط الهمم، ويفتر الحماس، ويبعثر الجهود، ويعطل مسيرة البناء، فالصراع بين الفضيلة والرذيلة لا يخضع أبداً لتلك المقاييس الأرضية ولا لتلك المعايير الحسية، وإلا لما ذاق المسلمون حلاوة النصر في بدر والقادسية وعين جالوت، وغيرها من الملاحم التي خاضها أسود الشرى ونمور الورى.
ولو كان الصراع يخضع لحساب العدد والعدة، لما خاض داعية غمار الدعوة إلى الله، ولما سابق مصلح في مضمار الذب عن دين الله.
هذا الإمام المجدد شيخ الإسلام قدس الله روحه، يرفع لواء السلفية في نجد وحيداً فريداً يوم كانت نجد بؤرة الإلحاد, ومستنقع الوثنية!
يوم كانت عبادة القبور، وتعظيم الأحجار والأشجار على قدم وساق!!(45/497)
لقد رفع هذا الإمام البطل لواء دعوته، وجاهد تلك النماذج من البشر غير هيّاب ولا وجل! ووقف راسخ القدمين إمام إعصار الفساد المدمر، مستعيناً بالله، متوكلاً عليه حتى قيض الله له من يسانده ويقف معه في خندق واحد، حتى تحققت المعجزة، وتجسد الحلم حقيقة فوق ارض الواقع!.
نعم، زهق الباطل، وعادت نجد دوحة الإسلام ومعقل التوحيد، ولمثل هذا فليعمل العاملون.
هذا أنموذج واحد وغيره كثير!.
إذاً فالصراع بين الحق والباطل، وبين الفضيلة والرذيلة! ليس بخاضع أبداً إلى حسابات من نوع: (1 + 1 = 2) وإنما يخضع لمثل قوله تعالى: (إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُواْ بِهَا وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً). [سورة آل عمران، الآية: 120].
ولمثل قوله: (كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ). [سورة البقرة، الآية: 249].
ولمثل قوله جل جلاله: (فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ * فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفاً وَمَثَلاً لِلْآخِرِينَ * وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ * وَقَالُوا أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلاً بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ). [سورة الزخرف، الآيات: 55- 58]. وغيرها من الآيات الواضحات البينات، التي تؤكد أن العاقبة للتقوى، وأنّ المستقبل للإسلام، وأنّ القوة لله جميعاً، وأنّ الله شديد العذاب.
أيها الأحبة في الله:
إنّ قضية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ليست قضية خاضعة للبحث والمناقشة، وليست خاضعة لتبادل وجهات النظر: هل تكون أو لا تكون؟!.
إنها قضية محسومة سلفاً باعتبارها ركيزة من ركائز الدين وعموداً من أعمدة الإسلام، وما ذلك إلا لكون المنكر ليس مجرد مسألة شخصية تتعلق بشخص المنكر، أو بشخصية المنكر عليه!
كلا، ولكن المسألة لها علاقة جدّ وثيقة بكيان الأمة كلها، فشيوع المخالفات الشرعية ضرب للأمة في الصميم، وتمزيق لوحدتها دون شك أو تردد، وحديث السفينة المشهور شاهد حيّ بأن اثر المنكر يتجاوز خير صاحبه ليمتد بشؤمه وأثره البغيض، فيغمر المجتمع كله بظلاله القاتمة السوداء.
فحين تتخرّق السفينة فلن يميز الطوفان الجارف بين من خرقها ومن لم يخرقها، فالجميع سيُدفن تحت أمواجه العاتية!.
لقد ظل أنس - رضي الله عنه - يخدم رسول ا صلى الله عليه وسلم عشر سنين كما حدث هو بنفسه، فلم يقل له يوما ما لشيء فعله لم فعلته ؟! أو لشئ لم يفعله هلا فعلته!؟
يالله العجب! عشر سنين من التجاور والتعايش والتلاصق المباشر، ورغم ذلك لم يحصل العتاب أو الإنكار ولا لمرة واحدة فهل كان انس معصوماً بحيث لا يخطئ أو يفعل خلاف الأولى على أقل تقدير؟!
كلا، كلا فأنس لم يكن معصوماً، بل كان يخطئ، وقد يصنع أحيانا ما لا يعجب رسول ا صلى الله عليه وسلم بالضرورة، لكنه لم يسمع عتاباً ولا إنكاراً، لأن المسألة شخصية بحته، فهي تتعلق فقط بشخص الرسو صلى الله عليه وسلم ، وليس لها مساس بمستقبل الأمة وكيانها! فالتسامح فيها مطلوب، وغض الطرف لمثلها مندوب!.
لكن إليك - يا رعاك الله - مواقف أخرى يحمرُّ فيها وجه رسول الله غضباً حين تقع المخالفة الشرعية ويجترئ البعض على حدود الله، فهنا يبادر عليه السلام إلى إنكار المنكر في ساعاته الأولى، دون أن يصبر عشر سنين صبره على أنس خادمه؟!.
هذه بريرة أمة ضعيفة مسكينة، يعلن أسيادها عن رغبتهم في بيعها! فتتقدم عائشة لشرائها وعتقها، على أن يكون الولاء لها! فيأبى الأسياد، إلا أن يكون الولاء لهم، في تعدٍّ مكشوفٍ على شرع الله المطهر، ودينه المصون!.
فماذا صنع رسول ا صلى الله عليه وسلم ؟!.
هل غض الطرف وابتسم في وجوه القوم، كابتسامته للإعرابي يوم جذب معطفه، فاحمر لجذبته جنبه الطاهر؟!.
لقد صعد المنبر، وخطب خطبة عصماء؛ أنكر المنكر بشجاعة، وصدع بكلمته المشهورة:
"ما بال أقوام يشترطون شروطاً ليست في كتاب الله، أيما شرط ليس في كتاب الله فهو باطل، وان كان مائة شرط، إنما الولاء لمن اعتق".
لما كل هذا الغضب يا رسول الله؟!.
لما كل هذه الغضب؟!.
والجواب: إنّه منكر لا يتعلق بشخصه الكريم، وإلا لوسعه حلمه كما هو الحال في مواقف لا تُعد ولا تُحصى!.
لما استنفر رسول ا صلى الله عليه وسلم أصحابه إلى تبوك، تخلف كعب وصاحباه دون مبرر معقول، أو مسوغ مقبول، حتى إذا ما رجع رسول الله بالجيش إلى المدينة إذا به يتخذ موقفه الصلب، وإجراءه الصارم بحق الثلاثة الذين خلفوا، فيأمر بهجرهم، ويحرّم محادثتهم، ويفرض حولهم سياجاً منيعاً من العزلة!:
(... حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّواْ أَن لاَّ مَلْجَأَ مِنَ اللّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ). [سورة التوبة، الآية: 118].
فلما كل هذا يارسول الله؟!.
لما كل هذا ؟!.
والجواب:(45/498)
إنّ الخطأ الذي ارتكبه هؤلاء الثلاثة مسّ كيان الدولة برمتها، وكان يمكن أن يؤثر سلباً في نفسيات الجيش المتجه لمقارعة جيش يفوقه عدداً وعدة، وذلك أمر لا يخضع أبدا للأمزجة الشخصية أو للأهواء النفسية، أو التصرفات غير المسئولة!.
بارك الله لي ولكم في القرءان العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه، إنّه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله يعطي ويمنع، ويخفض ويرفع، ويضر وينفع، ألا إلى الله تصير الأمور، أما بعد:
أيها المسلمون:
فقد لُعِنت الأمةُ الإسرائيلية في القرآن الكريم على لسان نبيين كريمين يوم عُطّل جانب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فعمّ مجتمعهم الآسن منكرات الأهواء والأدواء:
(لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ * كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ). [سورة المائدة، الآيات: 87- 79 ].
ومجتمعات المسلمين اليوم بحاجة إلى مدافعة ما فيها من منكرات، ومقاومة ما عمّها من رذائل؛ صوناً لعقائد المسلمين، وذبّاً عن أعراضهم، وأخذاً على يد السفهاء الذين يريدون خرق السفينة، وعقر الناقة!.
وكلُّ ذلك على أن يكون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وفق ضوابطه الشرعية، وأن تؤتى البيوت من أبوابها، بعيداً عن التشنج والانفعال!.
ولا يتوهمنّ أحدٌ أنّ صلاحه في نفسه وأهله كافٍ في نجاته وسلامته عند حلول العذاب ونزول النقمة، ففي هذا الوهم تكون مزلة الأقدام وعثرة الكرام، فالجبار جل جلاله يقول في محكم تنزيله: (وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ). [سورة الأنفال، الآية: 25].
وفي حديث زينب بنت جحش رضي الله عنها قالت: "... قلت يا رسول الله، أنهلك وفينا الصالحون؟! قال: نعم، إذا كثر الخبث". [البخاري ومسلم].
فمهلاً يا رعاك الله، فلن تنجو بصلاحك، وإنما تنجو بإصلاحك! واسمع قوله تعالى: (فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ). [سورة الأعراف، الآية: 165].
وحذارى - يرحمك الله - من التواكل والكسل، والتملص من الواجب اكتفاء بالنقد والتوجع، وندب الزمان البائس المنكود!.
فهذا عجز وخنوع، وإخلال بالأمانة وإقرار للمنكر شئنا أم أبينا.
وفقنا الله وإياكم لما يرضيه، وجنبنا أسباب سخطه.
اللّهمّ أصلح قلوبنا، وأعذنا من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، إنك جواد كريم، وبالإجابة جدير.
هذا وصلوا وسلموا على مَنْ أمرنا الله بالصلاة عليه، فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً).
=============(45/499)
(45/500)
لا يعذب الله أحدا حتى تقوم عليه الحجة
تاريخ الفتوى : …11 رمضان 1424 / 06-11-2003
السؤال
ماذا سيكون مصير الذين سمعوا عن الإسلام ولا يعرفون عنه شيئاً؟ وماذا سيكون مصير المسيحين مثل الأم تريسا التي لم تفعل إلا الخير فقط؟ وماذا سيكون مصير الملايين الذين هم اختارو الإلحاد لسبب إجبار الدولة على الإلحاد؟ ما مصير الهنادكة والبوذيين بعد موتهم؟ وما مصير اليهود الذين يؤمنون بإله واحد؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فإن الله تعالى لا يعذب أحداً حتى تقوم عليه الحجة كما قال الله تعالى: وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً [الإسراء:15]. ومعنى قيام الحجة هو بلوغ الإسلام إلى الشخص وتمكنه من العلم به، كما قال ابن القيم: فإن حجة الله قامت على العبد بإرسال الرسل وإنزال الكتب وبلوغ ذلك إليه وتمكنه من العلم به سواء علم أو جهل، فكل من تمكن من معرفة ما أمر الله به ونهى عنه فقصر عنه ولم يعرفه، فقد قامت عليه الحجة، والله سبحانه لا يعذب أحداً إلا بعد قيام الحجة عليه. انتهى من مدارج السالكين. ومما تجدر الإشارة إليه أن قيام الحجة يختلف باختلاف الأحوال والأزمان والأشخاص كما قال ابن القيم: إن قيام الحجة يختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة والأشخاص، فقد تقوم حجة الله على الكفار في زمان دون زمان وفي بقعة وناحية دون أخرى، كما أنها تقوم على شخص دون آخر، إما لعدم عقله وتمييزه كالصغير والمجنون، وإما لعدم فهمه كالذي لا يفهم الخطاب ولم يحضر ترجمان يترجم له. فإذا قامت الحجة الرسالية على الشخص فلم يسلم ثم مات كافراً فهو من أهل النار خالداً مخلداً فيها، كما قال الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ* خَالِدِينَ فِيهَا لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ [البقرة:161-162]. وقال تعالى: وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْأِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ [آل عمران:85]. أما ما عمله هؤلاء الكفار من خير في الدنيا فإنه لا ينفعهم أمام الله يوم القيامة، فكفرهم وشركهم يحبط كل عمل خير عملوه، فإن الشرك هو أعظم الظلم على الاطلاق، قال الله تعالى: إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان:13]. وقال تعالى: تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدّاً* أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَداً... [مريم:90-91]. فانظر إلى فظاعة وشناعة قول أهل التثليث والتعدد حتى أن نظام الكون يكاد يختل من إفكهم. فما عسى أن تكون أعمالهم الخيرة في الدنيا وهم يؤذون الله خالقهم وباريهم، وما عسى أن تكون أعمالهم الخيرة في الدنيا وهم يظلمون أعظم الحقائق حقيقة التوحيد، ويعتقدون أشنع العقائد التثليث وتعدد الآلهة. وأما أولئك اليهود الذين يؤمنون بإله واحد كما ذكرت، فإنهم وإن لم يقولوا بالتعدد إلا أنهم وصفوا الله بما يتنزه عنه ويتقدس، فوصفوه بالفقر والتعب والنسيان كما قال الله عز وجل راداً عليهم: وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ [قّ:38]. وقال تعالى: الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ [آل عمران:181]. وقال تعالى: وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا [المائدة: 64]. فبسبب هذا الكفر لم ينفع الكافرين حسناتهم يوم القيامة، كما قال الله عز وجل: وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً [الفرقان:23]. قال ابن كثير: قوله تعالى: وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ هذا يوم القيامة حين يحاسب الله العباد على ما عملوه من الخير والشر، فأخبر أنه لا يحصل لهؤلاء المشركين من الأعمال التي ظنوا أنها منجاة لهم شيء، وذلك لأنها فقدت الشرط الشرعي، إما الإخلاص فيها وإما المتابعة لشرع الله، فكل عمل لا يكون خالصاً وعلى الشريعة المرضية فهو باطل، فأعمال الكفار لا تخلو من واحد من هذين، وقد تجمعهما معاً فتكون أبعد من القبول حينئذ. انتهى. وقال الشوكاني: في قوله: وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ... وذلك أنهم كانوا يعملون أعمالاً لها صورة الخير من صلة الرحم وإغاثة الملهوف وإطعام الطعام وأمثالها، ولم يمنع من الإثابة عليها إلا الكفر الذي هم عليه. انتهى. ومثل الآية المتقدمة قوله تعالى: مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ [إبراهيم:18]، وقوله تعالى: وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً [النور:39]. هذا في الجزاء الأخروي لأن شرط المثوبة هناك الإسلام، وأما في الدنيا فإن الله عز وجل يعطي الكافر(46/1)
جزاء ما عمله من خير فيها قبل موته، فإن الله عز وجل لا يظلم مثقال ذرة، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم إن الله لا يظلم مؤمناً حسنة يعطى بها في الدنيا ويجزى بها في الآخرة، وأما الكافر فيطعم بحسنات ما عمل بها لله في الدنيا حتى إذا أفضى إلى الآخرة لم تكن له حسنة يجزى بها. رواه مسلم وبهذا يتبين لك أن الكافر لو عمل خيراً يريد به وجه الله، فإنه لا يموت حتى يعطى ثوابه، فإذا جاء إلى
الآخرة لم تكن له حسنات يجزى بها. وأما سؤالك عن مصير الذين سمعوا بالإسلام ولم يعرفوا عنه شيئاً؟ فجوابه: أن من مات على غير الإسلام ولم تكن بلغته الدعوة على وجهها فإن مآله في الآخرة موضع نظر بين أهل العلم، وقد ذكر أقوالهم الدكتور الصاوي في كتابه الثوابت والمتغيرات، فقال: فمنهم من جزم بعدم عذره وأنه معذب لا محالة، ومنهم من جزم بعذره وأنه لا يعذب حتى تقام عليه الحجة الرسالية، وهذا ما جزم به ابن القيم، وهؤلاء الذين قالوا بعذرهم حتى تقوم عليهم الحجة انقسموا إلى قسمين، فقسم أطلق القول بعذرهم وأن الرحمة تشملهم ابتداء، قال الغزالي: بل أقول: إن أكثر نصارى الروم والترك في هذا الزمان تشملهم الرحمة، إن شاء الله تعالى، أعني الذين هم في أقاصي الروم والترك، ولم تبلغهم الدعوة، فإنهم ثلاثة أصناف: الصنف الأول: لم يبلغهم اسم صلى الله عليه وسلم أصلاً، فهم معذورون. الصنف الثاني: بلغهم اسمه ونعته، وما ظهر عليه من المعجزات، وهم المجاورون لبلاد الإسلام، والمخالطون لهم، وهم الكفار الملحدون. الصنف الثالث: هم بين الدرجتين، بلغهم اسم صلى الله عليه وسلم ولم يبلغهم نعته وصفته، بل سمعوا أيضاً منذ الصبا أن كذابا اسمه محمد -نعوذ من ذلك بالله تعالى- ادعى النبوة، كما سمع صبياننا أن كذاباً يقال له: المقفع بعثه الله تحدياً بالنبوة، كاذباً، فهؤلاء عندي في أوصافه في معنى الصنف الأول، فإنهم مع أنهم لم يسمعوا اسمه، سمعوا ضد أوصافه، وهذا لا يحرك النظر في الطلب. ومنهم من قال يمتحنون في عرصات يوم القيامة: وقد صحت في هذا القول بعض النصوص، وذهب إلى القول به عدد كبير من أهل العلم، منهم ابن تيمية، وابن القيم، وابن حجر، وابن حزم، وابن كثير، والبيهقي ونسبه أبو الحسن الأشعري إلى أهل السنة والجماعة. قال النبي صلى الله عليه وسلم أربعة يوم القيامة يدلون بحجة، رجل أصم لا يسمع، ورجل أحمق، ورجل هرم، ومن مات في الفطرة، فأما الأصم فيقول: يا رب، جاء الإسلام وما أسمع شيئاً، وأما الأحمق فيقول: جاء الإسلام والصبيان يقذفونني بالبعر، وأما الهرم فيقول: لقد جاء الإسلام وما أعقل، وأما الذي مات على الفطرة فيقول: يا رب، ما أتاني رسولك، فيأخذ مواثيقهم ليطيعنه، فيرسل إليهم رسولاً أن ادخلوا النار، قال: فو الذي نفسي بيده لو دخلوها لكانت عليهم برداً وسلاماً. قال ابن كثير رحمه الله: بعد أن ساق النصوص التي تشير إلى امتحان هؤلاء في عرصات يوم القيامة، وهذا القول يجمع بين الأدلة كلها، وقد صرحت به الأحاديث المتقدمة المتعاضدة الشاهد بعضها لبعض، وهذا القول هو الذي حكاه الشيخ أبو الحسن علي بن إسماعيل الأشعري عن أهل السنة والجماعة، وهو الذي نصره الحافظ أبو بكر البيهقي في كتاب الاعتقاد، وكذلك غيره من محققي العلماء والحفاظ والنقاد. انتهى. والله أعلم.
المفتي: …مركز الفتوى
===============(46/2)
(46/3)
أسباب الوقوع في الشرك والإلحاد
تاريخ الفتوى : …24 محرم 1425 / 16-03-2004
السؤال
خلق الله عزوجل الناس جميعا وفطرهم على فطرة واحدة ولكن كثيرا من الناس سرعان ما يتمردون على هذه الفطرة وذلك بالشرك والإلحاد وسؤالي الموجه هو:
ماهو الفرق بين الشرك والالحاد؟
وما هي أهم العوامل المؤدية إلى الشرك؟
وما هي العوامل المؤدية إلى الإلحاد؟
وما هوالسبيل المخلص والمنجي منهما؟
ولكم كل التقدير والجزاء.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالشرك هو جعل شريك مع الله جل وعلا في ربوبيته أو إلاهيته، والإلحاد هو إنكار وجود الله جل وعلا.
وأما العوامل المؤدية إليهم فهي الشيطان والهوى والبيئة الفاسدة والجهل ونحو ذلك.
وسبيل النجاة منهما هو الإقبال على النظر في آيات الله الكونية والشرعية، وسؤال أهل العلم والفضل وملازمتهم، والبعد عن أهل الأهواء والانحراف.
والله أعلم.
المفتي: …مركز الفتوى
=============(46/4)
(46/5)
منتهى أمر الإلحاد في الكلام إلى التعطيل والكفر
مجموع الفتاوى - (ج 12 / ص 595)
وَشَرٌّ مِنْ هَؤُلَاءِ الصَّابِئَةُ وَالْفَلَاسِفَةُ الَّذِينَ يَقُولُونَ : إنَّ اللَّهَ لَمْ يَتَكَلَّمْ لَا بِكَلَامِ قَائِمٍ بِذَاتِهِ وَلَا بِكَلَامِ يَتَكَلَّمُ بِهِ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ : لَا قَدِيمِ النَّوْعِ وَلَا قَدِيمِ الْعَيْنِ وَلَا حَادِثٍ وَلَا مَخْلُوقٍ ؛ بَلْ كَلَامُهُ عِنْدَهُمْ مَا يَفِيضُ عَلَى نُفُوسِ الْأَنْبِيَاءِ . وَيَقُولُونَ إنَّهُ كَلَّمَ مُوسَى مِنْ سَمَاءِ عَقْلِهِ وَقَدْ يَقُولُونَ : إنَّهُ تَعَالَى يَعْلَمُ الْكُلِّيَّاتِ دُونَ الْجُزْئِيَّاتِ ؛ فَإِنَّهُ إنَّمَا يَعْلَمُهَا عَلَى وَجْهٍ كُلِّيٍّ وَيَقُولُونَ مَعَ ذَلِكَ : إنَّهُ يَعْلَمُ نَفْسَهُ وَيَعْلَمُ مَا يَفْعَلُهُ . وَقَوْلُهُمْ يَعْلَمُ نَفْسَهُ وَمَفْعُولَاتِهِ حَقٌّ كَمَا قَالَ تَعَالَى : { أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ } لَكِنْ قَوْلُهُمْ مَعَ ذَلِكَ : إنَّهُ لَا يَعْلَمُ الْأَعْيَانَ الْمُعَيَّنَةَ جَهْلٌ وَتَنَاقُضٌ فَإِنَّ نَفْسَهُ الْمُقَدَّسَةَ مُعَيَّنَةٌ وَالْأَفْلَاكُ مُعَيَّنَةٌ وَكُلُّ مَوْجُودٍ مُعَيَّنٌ . فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ الْمُعَيَّنَاتِ لَمْ يَعْلَمْ شَيْئًا مِنْ الْمَوْجُودَاتِ إذْ الْكُلِّيَّاتُ إنَّمَا تَكُونُ كُلِّيَّاتٍ فِي الْأَذْهَانِ لَا فِي الْأَعْيَانِ فَمَنْ لَمْ يَعْلَمْ إلَّا الْكُلِّيَّاتِ لَمْ يَعْلَمْ شَيْئًا مِنْ الْمَوْجُودَاتِ . تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يَقُولُ الظَّالِمُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا . وَهُمْ إنَّمَا أَلْجَأَهُمْ إلَى هَذَا الْإِلْحَادِ فِرَارُهُمْ مِنْ تَجَدُّدِ الْأَحْوَالِ لِلْبَارِي تَعَالَى مَعَ أَنَّ هَؤُلَاءِ يَقُولُونَ إنَّ الْحَوَادِثَ تَقُومُ بِالْقَدِيمِ وَإِنَّ الْحَوَادِثَ لَا أَوَّلَ لَهَا ؛ لَكِنْ نَفَوْا ذَلِكَ عَنْ الْبَارِي لِاعْتِقَادِهِمْ أَنَّهُ لَا صِفَةَ لَهُ ؛ بَلْ هُوَ وُجُودٌ مُطْلَقٌ وَقَالُوا : إنَّ الْعِلْمَ نَفْسُ عَيْنِ الْعَالِمِ وَالْقُدْرَةَ نَفْسُ عَيْنِ الْقَادِرِ وَالْعِلْمَ وَالْعَالِمَ شَيْءٌ وَاحِدٌ وَالْمُرِيدَ وَالْإِرَادَةَ شَيْءٌ وَاحِدٌ فَجَعَلُوا هَذِهِ الصِّفَةَ هِيَ الْأُخْرَى وَجَعَلُوا الصِّفَاتِ هِيَ الْمَوْصُوفَ . وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ بَلْ الْعِلْمُ كُلُّ الْمَعْلُومِ كَمَا يَقُولُهُ الطوسي صَاحِبُ " شَرْحِ الْإِشَارَاتِ " فَإِنَّهُ أَنْكَرَ عَلَى ابْنِ سِينَا إثْبَاتَهُ لِعِلْمِهِ بِنَفْسِهِ وَمَا يَصْدُرُ عَنْ نَفْسِهِ وَابْنُ سِينَا أَقْرَبُ إلَى الصَّوَابِ لَكِنَّهُ تَنَاقَضَ مَعَ ذَلِكَ حَيْثُ نَفَى قِيَامَ الصِّفَاتِ بِهِ وَجَعَلَ الصِّفَةَ عَيْنَ الْمَوْصُوفِ وَكُلَّ صِفَةٍ هِيَ الْأُخْرَى . وَلِهَذَا كَانَ هَؤُلَاءِ هُمْ أَوْغَلَ فِي الِاتِّحَادِ وَالْإِلْحَادِ مِمَّنْ يَقُولُ مَعَانِي الْكَلَامِ شَيْءٌ وَاحِدٌ ؛ لَكِنَّهُمْ أَلْزَمُوا قَوْلَهُمْ لِأُولَئِكَ فَقَالُوا : إذَا جَازَ أَنْ تَكُونَ الْمَعَانِي الْمُتَعَدِّدَةُ شَيْئًا وَاحِدًا جَازَ أَنْ يَكُونَ الْعِلْمُ هُوَ الْقُدْرَةَ وَالْقُدْرَةُ هِيَ الْإِرَادَةَ . فَاعْتَرَفَ حُذَّاقُ أُولَئِكَ بِأَنَّ هَذَا الْإِلْزَامَ لَا جَوَابَ عَنْهُ . ثُمَّ قَالُوا : وَإِذَا جَازَ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الصِّفَةُ هِيَ الْأُخْرَى جَازَ أَنْ تَكُونَ الصِّفَةُ هِيَ الْمَوْصُوفَ فَجَاءَ ابْنُ عَرَبِيٍّ وَابْنُ سَبْعِينَ والقونوي وَنَحْوُهُمْ مِنْ الْمَلَاحِدَةِ فَقَالُوا : إذَا جَازَ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الصِّفَةُ هِيَ الْأُخْرَى وَالصِّفَةُ هِيَ الْمَوْصُوفَ جَاز أَنْ يَكُونَ الْمَوْجُودُ الْوَاجِبُ الْقَدِيمُ الْخَالِقُ هُوَ الْمَوْجُودَ الْمُمْكِنَ الْمُحْدَثَ الْمَخْلُوقَ فَقَالُوا : إنَّ وُجُودَ كُلِّ مَخْلُوقٍ هُوَ عَيْنُ وُجُودِ الْخَالِقِ وَقَالُوا : الْوُجُودُ وَاحِدٌ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ الْوَاحِدِ بِالنَّوْعِ وَالْوَاحِدِ بِالْعَيْنِ كَمَا لَمْ يُفَرِّقْ أُولَئِكَ بَيْنَ الْكَلَامِ الْوَاحِدِ بِالْعَيْنِ وَالْكَلَامِ الْوَاحِدِ بِالنَّوْعِ . وَكَانَ مُنْتَهَى أَمْرِ أَهْلِ الْإِلْحَادِ فِي الْكَلَامِ إلَى هَذَا التَّعْطِيلِ وَالْكُفْرِ وَالِاتِّحَادِ الَّذِي قَالَهُ أَهْلُ الْوَحْدَةِ وَالْحُلُولِ وَالِاتِّحَادِ فِي الْخَالِقِ وَالْمَخْلُوقَاتِ كَمَا أَنَّ الَّذِينَ لَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ نَوْعِ الْكَلَامِ وَعَيْنِهِ وَقَالُوا هُوَ يَتَكَلَّمُ بِحَرْفِ وَصَوْتٍ قَدِيمٍ قَالُوا أَوَّلًا : إنَّهُ لَا يَتَكَلَّمُ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ وَلَا تَسْبِقُ الْبَاءُ السِّينَ ؛ بَلْ لَمَّا نَادَى مُوسَى فَقَالَ { إنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إلَهَ إلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي } { إنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ } كَانَتْ الْهَمْزَةُ وَالنُّونُ وَمَا بَيْنَهُمَا مَوْجُودَاتٍ فِي الْأَزَلِ(46/6)
يُقَارِنُ بَعْضُهَا بَعْضًا لَمْ تَزَلْ وَلَا تَزَالُ لَازِمَةً لِذَاتِ اللَّهِ
تَعَالَى . ثُمَّ قَالَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ : إنَّ ذَلِكَ الْقَدِيمَ هُوَ نَفْسُ الْأَصْوَاتِ الْمَسْمُوعَةِ مِنْ الْقُرَّاءِ . وَقَالَ بَعْضُهُمْ : بَلْ الْمَسْمُوعُ صَوْتَانِ قَدِيمٌ وَمُحْدَثٌ - وَقَالَ بَعْضُهُمْ : أَشْكَالُ الْمِدَادِ قَدِيمَةٌ أَزَلِيَّةٌ . وَقَالَ بَعْضُهُمْ : مَحَلُّ الْمِدَادِ قَدِيمٌ أَزَلِيٌّ . وَحُكِيَ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ قَالَ : الْمِدَادُ قَدِيمٌ أَزَلِيٌّ وَأَكْثَرُهُمْ يَتَكَلَّمُونَ بِلَفْظِ الْقَدِيمِ وَلَا يَفْهَمُونَ مَعْنَاهُ ؛ بَلْ مِنْهُمْ مَنْ يَظُنُّ أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّهُ قَدِيمٌ فِي عِلْمِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَظُنُّ أَنَّ مَعْنَاهُ مُتَقَدِّمٌ عَلَى غَيْرِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَظُنُّ أَنَّ مَعْنَى اللَّفْظِ أَنَّهُ غَيْرُ مَخْلُوقٍ وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يُمَيِّزُ بَيْنَ مَا يَقُولُ فَصَارَ هَؤُلَاءِ حُلُولِيَّةً اتِّحَادِيَّةً فِي الصِّفَاتِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ بِالْحُلُولِ وَالِاتِّحَادِ فِي الذَّاتِ وَالصِّفَاتِ وَكَانَ مُنْتَهَى أَمْرِ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ إلَى التَّعْطِيلِ . وَالصَّوَابُ فِي هَذَا الْبَابِ وَغَيْرِهِ مَذْهَبُ سَلَفِ الْأُمَّةِ وَأَئِمَّتِهَا : أَنَّهُ سُبْحَانَهُ لَمْ يَزَلْ مُتَكَلِّمًا إذَا شَاءَ وَأَنَّهُ يَتَكَلَّمُ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ وَأَنَّ كَلِمَاتِهِ لَا نِهَايَةَ لَهَا وَأَنَّهُ نَادَى مُوسَى بِصَوْتِ سَمِعَهُ مُوسَى وَإِنَّمَا نَادَاهُ حِينَ أَتَى ؛ لَمْ يُنَادِهِ قَبْلَ ذَلِكَ وَأَنَّ صَوْتَ الرَّبِّ لَا يُمَاثِلُ أَصْوَاتَ الْعِبَادِ كَمَا أَنَّ عِلْمَهُ لَا يُمَاثِلُ عِلْمَهُمْ وَقُدْرَتَهُ لَا تُمَاثِلُ قُدْرَتَهُمْ وَأَنَّهُ سُبْحَانَهُ بَائِنٌ مِنْ مَخْلُوقَاتِهِ بِذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ لَيْسَ فِي مَخْلُوقَاتِهِ شَيْءٌ مِنْ ذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ الْقَائِمَةِ بِذَاتِهِ وَلَا فِي ذَاتِهِ شَيْءٌ مِنْ مَخْلُوقَاتِهِ وَإِنَّ أَقْوَالَ أَهْلِ التَّعْطِيلِ وَالِاتِّحَادِ الَّذِينَ عَطَّلُوا الذَّاتَ أَوْ الصِّفَاتِ أَوْ الْكَلَامَ أَوْ الْأَفْعَالَ بَاطِلَةٌ وَأَقْوَالُ أَهْلِ الْحُلُولِ الَّذِينَ يَقُولُونَ بِالْحُلُولِ فِي الذَّاتِ أَوْ الصِّفَاتِ بَاطِلَةٌ وَهَذِهِ الْأُمُورُ مَبْسُوطَةٌ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ وَقَدْ بَسَطْنَاهَا فِي الْوَاجِبِ الْكَبِيرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ .
=============(46/7)
(46/8)
: سئل عما في كتاب فصوص الحكم من الإلحاد
مجموع الفتاوى - (ج 2 / ص 362)
وَسُئِلَ :
مَا تَقُولُ السَّادَةُ الْعُلَمَاءُ أَئِمَّةُ الدِّينِ وَهُدَاةُ الْمُسْلِمِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ فِي الْكَلَامِ الَّذِي تَضَمَّنَهُ كِتَابُ " فُصُوصِ الْحُكْمِ " وَمَا شَاكَلَهُ مِنْ الْكَلَامِ الظَّاهِرِ فِي اعْتِقَادِ قَائِلِهِ : أَنَّ الرَّبَّ وَالْعَبْدَ شَيْءٌ وَاحِدٌ لَيْسَ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ وَأَنَّ مَا ثَمَّ غَيْرٌ كَمَنْ قَالَ فِي شِعْرِهِ : أَنَا وَهُوَ وَاحِدٌ مَا مَعَنَا شَيْء وَمِثْلُ : أَنَا مَنْ أَهْوَى وَمَنْ أَهْوَى أَنَا وَمِثْلُ : إذَا كُنْت لَيْلَى وَلَيْلَى أَنَا وَكَقَوْلِ مَنْ قَالَ : لَوْ عَرَفَ النَّاسُ الْحَقَّ مَا رَأَوْا عَابِدًا وَلَا مَعْبُودًا . وَحَقِيقَةُ هَذِهِ الْأَقْوَالِ لَمْ تَكُنْ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَلَا فِي السُّنَّةِ وَلَا فِي كَلَامِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ وَالسَّلَفِ الصَّالِحِينَ . وَيَدَّعِي الْقَائِلُ لِذَلِكَ : أَنَّهُ يُحِبُّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَاَللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ : { قُلْ إنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ } وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ذَكَرَ خَيْرَ خَلْقِهِ بِالْعُبُودِيَّةِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ فَقَالَ تَعَالَى عَنْ خَاتَمِ رُسُلِهِ r { فَأَوْحَى إلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى } وَكَذَلِكَ قَالَ فِي حَقِّ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ { إنْ هُوَ إلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ } وَقَالَ تَعَالَى : { لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ } - الْآيَةَ . فَالنَّصَارَى كُفَّارٌ بِقَوْلِهِمْ مِثْلَ هَذَا الْقَوْلِ فِي عِيسَى بِمُفْرَدِهِ فَكَيْفَ بِمَنْ يَعْتَقِدُ هَذَا الِاعْتِقَادَ : تَارَةً فِي نَفْسِهِ وَتَارَةً فِي الصُّوَرِ الْحَسَنَةِ : مِنْ النِّسْوَانِ والمردان وَيَقُولُونَ : إنَّ هَذَا الِاعْتِقَادَ لَهُ سِرٌّ خَفِيٌّ وَبَاطِنٌ حَقٌّ وَإِنَّهُ مِنْ الْحَقَائِقِ الَّتِي لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهَا إلَّا خَوَاصُّ خَوَاصِّ الْخَلْقِ . فَهَلْ فِي هَذِهِ الْأَقْوَالِ سِرٌّ خَفِيٌّ يَجِبُ عَلَى مَنْ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ أَنْ يَجْتَهِدَ عَلَى التَّمَسُّكِ بِهَا وَالْوُصُولِ إلَى حَقَائِقِهَا - كَمَا زَعَمَ هَؤُلَاءِ - أَمْ بَاطِنُهَا كَظَاهِرِهَا ؟ وَهَذَا الِاعْتِقَادُ الْمَذْكُورُ هُوَ حَقِيقَةُ الْإِيمَانِ بِاَللَّهِ وَرَسُولِهِ وَبِمَا جَاءَ بِهِ أَمْ هُوَ الْكُفْرُ بِعَيْنِهِ ؟ . وَهَلْ يَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِ أَنْ يَتَّبِعَ فِي ذَلِكَ قَوْلَ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَرَثَةِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ أَمْ يَقِفُ مَعَ قَوْلِ هَؤُلَاءِ الضَّالِّينَ الْمُضِلِّينَ ؟ وَإِنَّ تَرْكَ مَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ أَئِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ وَوَافَقَ هَؤُلَاءِ الْمَذْكُورِينَ فَمَاذَا يَكُونُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ لَهُ يَوْمَ الدِّينِ ؟ . أَفْتُونَا مَأْجُورِينَ أَثَابَكُمْ اللَّهُ الْكَرِيمُ .
فَأَجَابَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ تَقِيُّ الدِّينِ أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْحَلِيمِ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّة - رَحِمَهُ اللَّهُ - :
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، مَا تَضَمَّنَهُ كِتَابُ " فُصُوصِ الْحُكْمِ " وَمَا شَاكَلَهُ مِنْ الْكَلَامِ : فَإِنَّهُ كُفْرٌ بَاطِنًا وَظَاهِرًا ؛ وَبَاطِنُهُ أَقْبَحُ مِنْ ظَاهِرِهِ . وَهَذَا يُسَمَّى مَذْهَبَ أَهْلِ الْوَحْدَةِ وَأَهْلِ الْحُلُولِ وَأَهْلِ الِاتِّحَادِ . وَهُمْ يُسَمُّونَ أَنْفُسَهُمْ الْمُحَقِّقِينَ . وَهَؤُلَاءِ نَوْعَانِ : نَوْعٌ يَقُولُ بِذَلِكَ مُطْلَقًا كَمَا هُوَ مَذْهَبُ صَاحِبِ الْفُصُوصِ ابْنِ عَرَبِيٍّ وَأَمْثَالِهِ : مِثْلُ ابْنِ سَبْعِينَ وَابْنِ الْفَارِضِ . والقونوي والششتري وَالتِّلْمِسَانِيّ وَأَمْثَالِهِمْ مِمَّنْ يَقُولُ : إنَّ الْوُجُودَ وَاحِدٌ وَيَقُولُونَ : إنَّ وُجُودَ الْمَخْلُوقِ هُوَ وُجُودُ الْخَالِقِ لَا يُثْبِتُونَ مَوْجُودَيْنِ خَلَقَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ بَلْ يَقُولُونَ : الْخَالِقُ هُوَ الْمَخْلُوقُ وَالْمَخْلُوقُ هُوَ الْخَالِقُ.(46/9)
وَيَقُولُونَ : إنَّ وُجُودَ الْأَصْنَامِ هُوَ وُجُودُ اللَّهِ وَإِنَّ عُبَّادَ الْأَصْنَامِ مَا عَبَدُوا شَيْئًا إلَّا اللَّهَ . وَيَقُولُونَ : إنَّ الْحَقَّ يُوصَفُ بِجَمِيعِ مَا يُوصَفُ بِهِ الْمَخْلُوقُ مِنْ صِفَاتِ النَّقْصِ وَالذَّمِّ . وَيَقُولُونَ : إنَّ عُبَّادَ الْعِجْلِ مَا عَبَدُوا إلَّا اللَّهَ وَأَنَّ مُوسَى أَنْكَرَ عَلَى هَارُونَ لِكَوْنِ هَارُونَ أَنْكَرَ عَلَيْهِمْ عِبَادَةَ الْعِجْلِ وَأَنَّ مُوسَى كَانَ بِزَعْمِهِمْ مِنْ الْعَارِفِينَ الَّذِينَ يَرَوْنَ الْحَقَّ فِي كُلِّ شَيْءٍ بَلْ يَرَوْنَهُ عَيْنَ كُلِّ شَيْءٍ وَأَنَّ فِرْعَوْنَ كَانَ صَادِقًا فِي قَوْلِهِ : { أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى } بَلْ هُوَ عَيْنُ الْحَقِّ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يَقُولُهُ صَاحِبُ الْفُصُوصِ . وَيَقُولُ أَعْظَمُ مُحَقِّقِيهِمْ : إنَّ الْقُرْآنَ كُلَّهُ شِرْكٌ لِأَنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَ الرَّبِّ وَالْعَبْدِ ؛ وَلَيْسَ التَّوْحِيدُ إلَّا فِي كَلَامِنَا . فَقِيلَ لَهُ : فَإِذَا كَانَ الْوُجُودُ وَاحِدًا فَلِمَ كَانَتْ الزَّوْجَةُ حَلَالًا وَالْأُمُّ حَرَامًا ؟ فَقَالَ : الْكُلُّ عِنْدَنَا وَاحِدٌ وَلَكِنْ هَؤُلَاءِ الْمَحْجُوبُونَ قَالُوا : حَرَامٌ . فَقُلْنَا : حَرَامٌ عَلَيْكُمْ . وَكَذَلِكَ مَا فِي شِعْرِ ابْنِ الْفَارِضِ فِي قَصِيدَتِهِ الَّتِي سَمَّاهَا نَظْمُ السُّلُوكِ كَقَوْلِهِ :
لَهَا صَلَوَاتِي بِالْمَقَامِ أُقِيمُهَا * * * وَأَشْهَدُ فِيهَا أَنَّهَا لِي صَلَّتْ
كِلَانَا مُصَلٍّ وَاحِدٌ سَاجِدٌ إلَى * * * حَقِيقَتِهِ بِالْجَمْعِ فِي كُلِّ سَجْدَةِ
وَمَا كَانَ لِي صَلَّى سِوَايَ وَلَمْ تَكُنْ * * * صَلَاتِي لِغَيْرِي فِي أَدَاءِ كُلِّ سَجْدَةِ
وَقَوْلِهِ :
وَمَا زِلْت إيَّاهَا وَإِيَّايَ لَمْ تَزَلْ * * * وَلَا فَرْقَ بَلْ ذَاتِي لِذَاتِي أَحَبَّتْ
وَقَوْلِهِ :
إلَيَّ رَسُولًا كُنْت مِنِّي مُرْسَلًا * * * وَذَاتِي بِآيَاتِي عَلَيَّ اسْتَدَلَّتْ(46/10)
فَأَقْوَالُ هَؤُلَاءِ وَنَحْوِهَا : بَاطِنُهَا أَعْظَمُ كُفْرًا وَإِلْحَادًا مَنْ ظَاهِرِهَا فَإِنَّهُ قَدْ يُظَنُّ أَنَّ ظَاهِرَهَا مَنْ جِنْسِ كَلَامِ الشُّيُوخِ الْعَارِفِينَ أَهْلِ التَّحْقِيقِ وَالتَّوْحِيدِ وَأَمَّا بَاطِنُهَا فَإِنَّهُ أَعْظَمُ كُفْرًا وَكَذِبًا وَجَهْلًا مِنْ كَلَامِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَعُبَّادِ الْأَصْنَامِ . وَلِهَذَا فَإِنَّ كُلَّ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ أَعْرَفُ بِبَاطِنِ الْمَذْهَبِ وَحَقِيقَتِهِ - كَانَ أَعْظَمَ كُفْرًا وَفِسْقًا كالتلمساني ؛ فَإِنَّهُ كَانَ مِنْ أَعْرَفِ هَؤُلَاءِ بِهَذَا الْمَذْهَبِ وَأَخْبَرِهِمْ بِحَقِيقَتِهِ فَأَخْرَجَهُ ذَلِكَ إلَى الْفِعْلِ فَكَانَ يُعَظِّمُ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى وَالْمُشْرِكِينَ وَيَسْتَحِلُّ الْمُحَرَّمَاتِ وَيُصَنِّفُ للنصيرية كُتُبًا عَلَى مَذْهَبِهِمْ يُقِرُّهُمْ فِيهَا عَلَى عَقِيدَتِهِمْ الشركية . وَكَذَلِكَ ابْنُ سَبْعِينَ كَانَ مِنْ أَئِمَّةِ هَؤُلَاءِ وَكَانَ لَهُ مِنْ الْكُفْرِ وَالسِّحْرِ الَّذِي يُسَمَّى السِّيمِيَا وَالْمُوَافَقَةُ لِلنَّصَارَى وَالْقَرَامِطَةِ وَالرَّافِضَةِ : مَا يُنَاسِبُ أُصُولَهُ . فَكُلُّ مَنْ كَانَ أَخْبَرَ بِبَاطِنِ هَذَا الْمَذْهَبِ وَوَافَقَهُمْ عَلَيْهِ كَانَ أَظْهَرَ كُفْرًا وَإِلْحَادًا . وَأَمَّا الْجُهَّالُ الَّذِينَ يُحْسِنُونَ الظَّنَّ بِقَوْلِ هَؤُلَاءِ وَلَا يُفْهِمُونَهُ وَيَعْتَقِدُونَ أَنَّهُ مِنْ جِنْسِ كَلَامِ الْمَشَايِخِ الْعَارِفِينَ الَّذِينَ يَتَكَلَّمُونَ بِكَلَامِ صَحِيحٍ لَا يَفْهَمُهُ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ فَهَؤُلَاءِ تَجِدُ فِيهِمْ إسْلَامًا وَإِيمَانًا وَمُتَابَعَةً لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ بِحَسَبِ إيمَانِهِمْ التَّقْلِيدِيِّ وَتَجِدُ فِيهِمْ إقْرَارًا لِهَؤُلَاءِ وَإِحْسَانًا لِلظَّنِّ بِهِمْ وَتَسْلِيمًا لَهُمْ بِحَسَبِ جَهْلِهِمْ وَضَلَالِهِمْ ؛ وَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يُثْنِيَ عَلَى هَؤُلَاءِ إلَّا كَافِرٌ مُلْحِدٌ أَوْ جَاهِلٌ ضَالٌّ . وَهَؤُلَاءِ مِنْ جِنْسِ الْجَهْمِيَّة الَّذِينَ يَقُولُونَ : إنَّ اللَّهَ بِذَاتِهِ حَالٌّ فِي كُلِّ مَكَانٍ وَلَكِنَّ أَهْلَ وَحْدَةِ الْوُجُودِ : حَقَّقُوا هَذَا الْمَذْهَبَ أَعْظَمَ مِنْ تَحْقِيقِ غَيْرِهِمْ مِنْ الْجَهْمِيَّة . وَأَمَّا النَّوْعُ الثَّانِي : فَهُوَ قَوْل مَنْ يَقُولُ بِالْحُلُولِ وَالِاتِّحَادِ فِي مُعَيَّنٍ كَالنَّصَارَى الَّذِينَ قَالُوا بِذَلِكَ فِي الْمَسِيحِ عِيسَى وَالْغَالِيَةِ الَّذِينَ يَقُولُونَ بِذَلِكَ فِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَطَائِفَةٍ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ ، وَالْحَاكِمِيَّةِ الَّذِينَ يَقُولُونَ بِذَلِكَ فِي الْحَاكِمِ ، وَالْحَلَّاجِيَّةِ الَّذِينَ يَقُولُونَ بِذَلِكَ فِي الْحَلَّاجِ ، واليونسية الَّذِينَ يَقُولُونَ بِذَلِكَ فِي يُونُسَ وَأَمْثَالِ هَؤُلَاءِ مِمَّنْ يَقُولُ بِإِلَهِيَّةِ بَعْضِ الْبَشَرِ وَبِالْحُلُولِ وَالِاتِّحَادِ فِيهِ وَلَا يَجْعَلُ ذَلِكَ مُطْلَقًا فِي كُلِّ شَيْءٍ . وَمِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ يَقُولُ بِذَلِكَ فِي بَعْضِ النِّسْوَانِ والمردان أَوْ بَعْضِ الْمُلُوكِ أَوْ غَيْرِهِمْ ؛ فَهَؤُلَاءِ كُفْرُهُمْ شَرٌّ مِنْ كُفْرِ النَّصَارَى الَّذِينَ قَالُوا : إنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ . وَأَمَّا الْأَوَّلُونَ : فَيَقُولُونَ بِالْإِطْلَاقِ . وَيَقُولُونَ : النَّصَارَى إنَّمَا كَفَرُوا بِالتَّخْصِيصِ . وَأَقْوَالُ هَؤُلَاءِ شَرٌّ مِنْ أَقْوَالِ النَّصَارَى وَفِيهَا مِنْ التَّنَاقُضِ مِنْ جِنْسِ مَا فِي أَقْوَالِ النَّصَارَى ؛ وَلِهَذَا يَقُولُونَ بِالْحُلُولِ تَارَةً وَبِالِاتِّحَادِ أُخْرَى وَبِالْوَحْدَةِ تَارَةً فَإِنَّهُ مَذْهَبٌ مُتَنَاقِضٌ فِي نَفْسِهِ ؛ وَلِهَذَا يَلْبِسُونَ عَلَى مَنْ لَمْ يَفْهَمْهُ . فَهَذَا كُلُّهُ كُفْرٌ بَاطِنًا وَظَاهِرًا بِإِجْمَاعِ كُلِّ مُسْلِمٍ وَمَنْ شَكَّ فِي كُفْرِ هَؤُلَاءِ بَعْدَ مَعْرِفَةِ قَوْلِهِمْ وَمَعْرِفَةِ دِينِ الْإِسْلَامِ فَهُوَ كَافِرٌ كَمَنْ يَشُكُّ فِي كُفْرِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَالْمُشْرِكِينَ . وَلَكِنَّ هَؤُلَاءِ يُشَبِّهُونَ بِشَيْءِ آخَرَ وَهُوَ مَا يَعْرِضُ لِبَعْضِ الْعَارِفِينَ فِي مَقَامِ الْفَنَاءِ وَالْجَمْعِ وَالِاصْطِلَامِ وَالسُّكْرِ فَإِنَّهُ قَدْ يَعْرِضُ لِأَحَدِهِمْ - لِقُوَّةِ اسْتِيلَاءِ الْوَجْدِ وَالذِّكْرِ عَلَيْهِ - مِنْ الْحَالِ مَا يَغِيبُ فِيهِ عَنْ نَفْسِهِ وَغَيْرِهِ فَيَغِيبُ بِمَعْبُودِهِ عَنْ عِبَادَتِهِ وَبِمَعْرُوفِهِ عَنْ مَعْرِفَتِهِ وَبِمَذْكُورِهِ عَنْ ذِكْرِهِ وَبِمَوْجُودِهِ عَنْ وُجُودِهِ .(46/11)
وَمِثْلُ هَذَا قَدْ يَعْرِضُ لِبَعْضِ الْمُحِبِّينَ لِبَعْضِ الْمَخْلُوقِينَ كَمَا يَذْكُرُونَ أَنَّ رَجُلًا كَانَ يُحِبُّ آخَرَ فَأَلْقَى الْمَحْبُوبُ نَفْسَهُ فِي الْيَمِّ فَأَلْقَى الْمُحِبُّ نَفْسه خَلْفَهُ فَقَالَ لَهُ : أَنَا وَقَعْت ؛ فَمَا الَّذِي أَوْقَعَك ؟ فَقَالَ : غِبْت بِك عَنِّي . فَظَنَنْت أَنَّك أَنِّي . وَيُنْشِدُونَ : - رَقَّ الزُّجَاجُ وَرَاقَتْ الْخَمْرُ وَتَشَاكَلَا فَتَشَابَهَ الْأَمْرُ فَكَأَنَّمَا خَمْرٌ وَلَا قَدَحٌ وَكَأَنَّمَا قَدَحٌ وَلَا خَمْرُ وَهَذِهِ الْحَالُ تَعْرِضُ لِكَثِيرِ مِنْ السَّالِكِينَ وَلَيْسَتْ حَالًا لَازِمَةً لِكُلِّ سَالِكٍ وَلَا هِيَ أَيْضًا غَايَةٌ مَحْمُودَةٌ بَلْ ثُبُوتُ الْعَقْلِ وَالْفَهْمِ وَالْعِلْمُ مَعَ التَّوْحِيدِ بَاطِنًا وَظَاهِرًا كَحَالِ نَبِيِّنَا r وَأَصْحَابِهِ أَكْمَل مِنْ هَذَا وَأَتَمُّ . وَالْمَعْنَى الَّذِي يُسَمُّونَهُ الْفَنَاءَ يَنْقَسِمُ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ : فَنَاءٌ عَنْ عِبَادَةِ السِّوَى وَفَنَاءٌ عَنْ شُهُودِ السِّوَى وَفَنَاءٌ عَنْ وُجُودِ السِّوَى . فَالْأَوَّلُ : أَنْ يَفْنَى بِعِبَادَةِ اللَّهِ عَنْ عِبَادَةِ مَا سِوَاهُ وَبِخَوْفِهِ عَنْ خَوْفِ مَا سِوَاهُ وَبِرَجَائِهِ عَنْ رَجَاءِ مَا سِوَاهُ وَبِالتَّوَكُّلِ عَلَيْهِ عَنْ التَّوَكُّلِ عَلَى مَا سِوَاهُ وَبِمَحَبَّتِهِ عَنْ مَحَبَّةِ مَا سِوَاهُ ؛ وَهَذَا هُوَ حَقِيقَةُ التَّوْحِيدِ وَالْإِخْلَاصِ الَّذِي أَرْسَلَ اللَّهُ بِهِ رُسُلَهُ وَأَنْزَلَ بِهِ كُتُبَهُ وَهُوَ تَحْقِيقُ " لَا إلَهَ إلَّا اللَّه " فَإِنَّهُ يَفْنَى مِنْ قَلْبِهِ كُلُّ تَأَلُّهٍ لِغَيْرِ اللَّهِ وَلَا يَبْقَى فِي قَلْبِهِ تَأَلُّهٌ لِغَيْرِ اللَّهِ وَكُلُّ مَنْ كَانَ أَكْمَلَ فِي هَذَا التَّوْحِيدِ كَانَ أَفْضَلَ عِنْدَ اللَّهِ .(46/12)
وَالثَّانِي : أَنْ يَفْنَى عَنْ شُهُودِ مَا سِوَى اللَّهِ وَهَذَا الَّذِي يُسَمِّيهِ كَثِيرٌ مِنْ الصُّوفِيَّةِ حَالَ الِاصْطِلَامِ وَالْفَنَاءِ وَالْجَمْعِ وَنَحْوِ ذَلِكَ . وَهَذَا فِيهِ فَضِيلَةٌ مِنْ جِهَةِ إقْبَالِ الْقَلْبِ عَلَى اللَّهِ وَفِيهِ نَقْصٌ مِنْ جِهَةِ عَدَمِ شُهُودِهِ لِلْأَمْرِ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ إذَا شَهِدَ أَنَّ اللَّهَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَمَلِيكُهُ وَخَالِقُهُ وَأَنَّهُ الْمَعْبُودُ لَا إلَهَ إلَّا هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرُّسُلَ وَأَنْزَلَ الْكُتُبَ وَأَمَرَ بِطَاعَتِهِ وَطَاعَةِ رُسُلِهِ وَنَهَى عَنْ مَعْصِيَتِهِ وَمَعْصِيَةِ رُسُلِهِ فَشَهِدَ حَقَائِقَ أَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ وَأَحْكَامِهِ خُلُقًا وَأَمْرًا : كَانَ أَتَمَّ مَعْرِفَةً وَشُهُودًا وَإِيمَانًا وَتَحْقِيقًا مِنْ أَنْ يَفْنَى بِشُهُودِ مَعْنًى عَنْ شُهُودِ مَعْنًى آخَرَ وَشُهُودِ التَّفْرِقَةِ فِي الْجَمْعِ وَالْكَثْرَةِ فِي الْوَحْدَةِ وَهُوَ الشُّهُودُ الصَّحِيحُ الْمُطَابِقُ . لَكِنْ إذَا كَانَ قَدْ وَرَدَ عَلَى الْإِنْسَانِ مَا يَعْجِزُ مَعَهُ عَنْ شُهُودِ هَذَا وَهَذَا كَانَ مَعْذُورًا لِلْعَجْزِ لَا مَحْمُودًا عَلَى النَّقْصِ وَالْجَهْلِ . وَالثَّالِثُ : الْفَنَاءُ عَنْ وُجُودِ السِّوَى ؛ وَهُوَ قَوْلُ الْمَلَاحِدَةِ أَهْلِ الْوَحْدَةِ كَصَاحِبِ الْفُصُوصِ وَأَتْبَاعِهِ الَّذِينَ يَقُولُونَ : وُجُودُ الْخَالِقِ هُوَ وُجُودُ الْمَخْلُوقِ وَمَا ثَمَّ غَيْرٌ وَلَا سِوَى فِي نَفْسِ الْأَمْرِ . فَهَؤُلَاءِ قَوْلُهُمْ أَعْظَمُ كُفْرًا مِنْ قَوَّلَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَعُبَّادِ الْأَصْنَامِ . وَأَيْضًا فَإِنَّ وِلَايَةَ اللَّهِ : هِيَ مُوَافَقَتُهُ بِالْمَحَبَّةِ لِمَا يُحِبُّ وَالْبُغْضُ لِمَا يُبْغِضُ وَالرِّضَا بِمَا يَرْضَى وَالسُّخْطُ بِمَا يَسْخَطُ وَالْأَمْرُ بِمَا يَأْمُرُ بِهِ وَالنَّهْيُ عَمَّا يَنْهَى عَنْهُ وَالْمُوَالَاةُ لِأَوْلِيَائِهِ وَالْمُعَادَاةُ لِأَعْدَائِهِ كَمَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ : { يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى : مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ بَارَزَنِي بِالْمُحَارَبَةِ وَمَا تَقَرَّبَ إلَيَّ عَبْدِي بِمِثْلِ أَدَاءِ مَا افْتَرَضْت عَلَيْهِ وَلَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ فَإِذَا أَحْبَبْته كُنْت سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا ؛ فَبِي يَسْمَعُ وَبِي يُبْصِرُ وَبِي يَبْطِشُ وَبِي يَسْعَى ؛ وَلَئِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنهُ ؛ وَمَا تَرَدَّدْت عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ قَبْضِ نَفْسِ عَبْدِي الْمُؤْمِنِ يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ وَلَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ } فَهَذَا أَصَحُّ حَدِيثٍ رُوِيَ فِي الْأَوْلِيَاءِ . فَالْمَلَاحِدَةُ والاتحادية يَحْتَجُّونَ بِهِ عَلَى قَوْلِهِمْ لِقَوْلِهِ : " كُنْت سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ وَيَدَهُ وَرِجْلَهُ " وَالْحَدِيثُ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ : - مِنْهَا قَوْلُهُ : { مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ بَارَزَنِي بِالْمُحَارَبَةِ } فَأَثْبَتَ مُعَادِيًا مُحَارِبًا وَوَلِيًّا غَيْرَ الْمُعَادِي وَأَثْبَتَ لِنَفْسِهِ سُبْحَانَهُ هَذَا وَهَذَا . وَمِنْهَا قَوْلُهُ : { وَمَا تَقَرَّبَ إلَيَّ عَبْدِي بِمِثْلِ أَدَاءِ مَا افْتَرَضْت عَلَيْهِ } فَأَثْبَتَ عَبْدًا مُتَقَرِّبًا إلَى رَبِّهِ وَرَبًّا افْتَرَضَ عَلَيْهِ فَرَائِضَ . وَمِنْهَا قَوْلُهُ : { وَلَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ } فَأَثْبَتَ مُتَقَرِّبًا وَمُتَقَرَّبًا إلَيْهِ وَمُحِبًّا وَمَحْبُوبًا غَيْرَهُ . وَهَذَا كُلُّهُ يَنْقُضُ قَوْلَهُمْ : الْوُجُودُ وَاحِدٌ . وَمِنْهَا قَوْلُهُ : { فَإِذَا أَحْبَبْته كُنْت سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ } إلَى آخِرِهِ . فَإِنَّهُ جَعَلَ لِعَبْدِهِ بَعْدَ مَحَبَّتِهِ هَذِهِ الْأُمُورَ وَهُوَ عِنْدَهُمْ قَبْلَ الْمَحَبَّةِ وَبَعْدَهَا وَاحِدٌ وَهُوَ عِنْدَهُمْ هَذِهِ الْأَعْضَاءُ : بَطْنُهُ وَفَرْجُهُ وَشَعْرُهُ وَكُلُّ شَيْءٍ لَا تَعَدُّدَ عِنْدَهُمْ وَلَا كَثْرَةَ فِي الْوُجُودِ ؛ وَلَكِنْ يُثْبِتُونَ مَرَاتِبَ وَمَجَالِيَ وَمَظَاهِرَ ؛ فَإِنْ جَعَلُوهَا مَوْجُودَةً نَقَضُوا قَوْلَهُمْ . وَإِنْ جَعَلُوهَا ثَابِتَةً فِي الْعَدَمِ - كَمَا يَقُولُهُ ابْنُ عَرَبِيٍّ - أَوْ جَعَلُوهَا الْمُعَيَّنَاتِ وَالْمُطْلَقُ هُوَ الْحَقُّ - كَانُوا قَدْ بَنَوْا ذَلِكَ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ : الْمَعْدُومُ شَيْءٌ وَقَوْلُ مَنْ جَعَلَ(46/13)
الْكُلِّيَّاتِ ثَابِتَةً فِي الْخَارِجِ زَائِدَةٌ عَلَى الْمُعَيَّنَاتِ . وَالْأَوَّلُ : قَوْلُ طَائِفَةٍ مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَرَبِيٍّ . وَالثَّانِي : قَوْلُ طَائِفَةٍ مِنْ الْفَلَاسِفَةِ وَهُوَ قَوْلُ القونوي صَاحِبُ ابْنِ عَرَبِيٍّ وَكِلَا الْقَوْلَيْنِ بَاطِلَانِ عِنْدَ الْعُقَلَاءِ وَلِهَذَا كَانَ التلمساني أَحْذَقَ مِنْهُمَا فَلَمْ يُثْبِتْ شَيْئًا وَرَاءَ الْوُجُودِ . كَمَا قِيلَ : - وَمَا الْبَحْرُ إلَّا الْمَوْجُ لَا شَيْءَ غَيْرَهُ وَإِنْ فَرَّقَتْهُ كَثْرَةُ الْمُتَعَدِّدِ لَكِنَّ هَؤُلَاءِ الضُّلَّالَ مِنْ الْفَلَاسِفَةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ مَا قَالُوا : وُجُودُ الْمَخْلُوقِ هُوَ وُجُودُ الْخَالِقِ وَهَؤُلَاءِ الْمَلَاحِدَةُ قَالُوا : هَذَا هُوَ هَذَا ؛ وَلِهَذَا صَارُوا يَقُولُونَ بِالْحُلُولِ مِنْ وَجْهٍ لِكَوْنِ الْوُجُودِ فِي كُلِّ الذَّوَاتِ أَوْ بِالْعَكْسِ وَبِالِاتِّحَادِ مِنْ وَجْهٍ لِاتِّحَادِهِمَا ؛ وَحَقِيقَةُ قَوْلِهِمْ هِيَ وَحْدَةُ الْوُجُودِ .
وَفِي الْحَدِيثِ وُجُوهٌ أُخْرَى تَدُلُّ عَلَى فَسَادِ قَوْلِهِمْ.
وَالْحَدِيثُ حَقٌّ كَمَا أَخْبَرَ بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلمفَإِنَّ وَلِيَّ اللَّهُ لِكَمَالِ مَحَبَّتِهِ لِلَّهِ وَطَاعَتِهِ لِلَّهِ يَبْقَى إدْرَاكُهُ لِلَّهِ وَبِاَللَّهِ وَعَمَلُهُ لِلَّهِ وَبِاَللَّهِ ؛ فَمَا يَسْمَعُهُ مِمَّا يُحِبُّهُ الْحَقُّ أَحَبَّهُ وَمَا يَسْمَعُهُ مِمَّا يُبْغِضُهُ الْحَقُّ أَبْغَضَهُ وَمَا يَرَاهُ مِمَّا يُحِبُّهُ الْحَقُّ أَحَبَّهُ وَمَا يَرَاهُ مِمَّا يُبْغِضُهُ الْحَقُّ أَبْغَضَهُ ؛ وَيَبْقَى فِي سَمْعِهِ وَبَصَرِهِ مِنْ النُّورِ مَا يُمَيِّزُ بِهِ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ ؛ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلمفِي الْحَدِيثِ الْمُتَّفَقِ عَلَى صِحَّتِهِ { اللَّهُمَّ اجْعَلْ فِي قَلْبِي نُورًا وَفِي بَصَرِي نُورًا وَفِي سَمْعِي نُورًا وَعَنْ يَمِينِي نُورًا وَعَنْ يَسَارِي نُورًا وَفَوْقِي نُورًا وَتَحْتِي نُورًا وَأَمَامِي نُورًا وَخَلْفِي نُورًا وَاجْعَلْ لِي نُورًا } . فَوَلِيُّ اللَّهِ فِيهِ مِنْ الْمُوَافَقَةِ لِلَّهِ : مَا يَتَّحِدُ بِهِ الْمَحْبُوبُ وَالْمَكْرُوهُ وَالْمَأْمُورُ وَالْمَنْهِيُّ وَنَحْوُ ذَلِكَ فَيَبْقَى مَحْبُوبُ الْحَقِّ مَحْبُوبَهُ وَمَكْرُوهُ الْحَقِّ مَكْرُوهَهُ وَمَأْمُورُ الْحَقِّ مَأْمُورَهُ وَوَلِيُّ الْحَقِّ وَلَيَّهُ وَعَدُوُّ الْحَقِّ عَدُوَّهُ ؛ بَلْ الْمَخْلُوقُ إذَا أَحَبَّ الْمَخْلُوقَ مَحَبَّةً تَامَّةً حَصَلَ بَيْنَهُمَا نَحْوٌ مِنْ هَذَا حَتَّى قَدْ يَتَأَلَّمُ أَحَدُهُمَا بِتَأَلُّمِ الْآخَرِ وَيَلْتَذُّ بِلَذَّتِهِ . وَلِهَذَا قَالَ r { مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ : كَمَثَلِ الْجَسَدِ الْوَاحِدِ إذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالْحُمَّى وَالسَّهَرِ } وَلِهَذَا كَانَ الْمُؤْمِنُ يَسُرُّهُ مَا يَسُرُّ الْمُؤْمِنِينَ وَيَسُوءُهُ مَا يَسُوءُوهُمْ وَمَنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ مِنْهُمْ .
فَهَذَا الِاتِّحَادُ الَّذِي بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ : لَيْسَ هُوَ أَنَّ ذَاتَ أَحَدِهِمَا هِيَ بِعَيْنِهَا ذَاتُ الْآخَرِ وَلَا حَلَّتْ فِيهِ بَلْ هُوَ تَوَافُقُهُمَا وَاتِّحَادُهُمَا فِي الْإِيمَانِ بِاَللَّهِ وَرَسُولِهِ وَشُعَبِ ذَلِكَ : مِثْلَ مَحَبَّةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَحَبَّةِ مَا يُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ . فَإِذَا كَانَ هَذَا مَعْقُولًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ : فَالْعَبْدُ إذَا كَانَ مُوَافِقًا لِرَبِّهِ تَعَالَى فِيمَا يُحِبُّهُ وَيُبْغِضُهُ وَيَأْمُرُ بِهِ وَيَنْهَى عَنْهُ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يُحِبُّهُ الرَّبُّ مِنْ عَبْدِهِ : كَيْفَ تَكُونُ ذَاتُ أَحَدِهِمَا هِيَ الْأُخْرَى أَوْ حَالَّةٌ فِيهَا ؟ . فَإِذَا عَرَفْت هَذِهِ الْأُصُولَ مِنْ الْحُلُولِ وَالِاتِّحَادِ الْمُطْلَقِ وَالْمُعَيَّنِ الَّذِي هُوَ بَاطِلٌ وَمِمَّا هُوَ مِنْ أَحْوَالِ أَهْلِ الْإِيمَانِ وَمِنْ وِلَايَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَمُوَافَقَتِهِ فِيمَا يُحِبُّهُ وَيَرْضَاهُ وَتَوَابِعِ ذَلِكَ : تَبَيَّنَ لَك جَوَابُ مَسَائِلِ السَّائِلِ . وَهَؤُلَاءِ قَدْ يَجِدُونَ مِنْ كَلَامِ بَعْضِ الْمَشَايِخِ - كَلِمَاتٌ مُشْتَبِهَةٌ مُجْمَلَةٌ - فَيَحْمِلُونَهَا عَلَى الْمَعَانِي الْفَاسِدَةِ كَمَا فَعَلَتْ النَّصَارَى فِيمَا نُقِلَ لَهُمْ عَنْ الْأَنْبِيَاءِ فَيَدَعُونَ الْمُحْكَمَ وَيَتَّبِعُونَ الْمُتَشَابِهَ .(46/14)
فَقَوْلُ الْقَائِلِ : إنَّ الرَّبَّ وَالْعَبْدَ شَيْءٌ وَاحِدٌ لَيْسَ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ : كُفْرٌ صَرِيحٌ لَا سِيَّمَا إذَا دَخَلَ فِي ذَلِكَ كُلُّ عَبْدٍ مَخْلُوقٍ ؛ وَأَمَّا إذَا أَرَادَ بِذَلِكَ عِبَادَ اللَّهِ الْمُؤْمِنِينَ وَأَوْلِيَاءَهُ الْمُتَّقِينَ فَهَؤُلَاءِ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ وَيُوَافِقُونَهُ فِيمَا يُحِبُّهُ وَيَرْضَاهُ وَيَأْمُرُ بِهِ ؛ فَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ . وَلَمَّا رَضُوا مَا يَرْضَى وَسَخِطُوا مَا يَسْخَطُ : كَانَ الْحَقُّ يَرْضَى لِرِضَاهُمْ وَيَغْضَبُ لِغَضَبِهِمْ ؛ إذْ ذَلِكَ مُتَلَازِمٌ مِنْ الطَّرَفَيْنِ .
وَلَا يُقَالُ فِي أَفْضَلِ هَؤُلَاءِ : إنَّ الرَّبَّ وَالْعَبْدَ شَيْءٌ وَاحِدٌ لَيْسَ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ ؛ لَكِنْ يُقَالُ لِأَفْضَلِ الْخَلْقِ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { إنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ } وَقَالَ : { مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ } وَقَالَ : { وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ } وَقَالَ : { إنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ } وَأَمْثَالُ ذَلِكَ . وَأَمَّا سَائِرُ الْعِبَادِ : فَإِنَّ اللَّهَ خَالِقُهُمْ وَمَالِكُهُمْ وَرَبُّهُمْ وَخَالِقُ قُدْرَتِهِمْ وَأَفْعَالِهِمْ ثُمَّ مَا كَانَ مِنْ أَفْعَالِهِمْ مُوَافِقًا لِمَحَبَّتِهِ وَرِضَاهُ : كَانَ مُحِبًّا لِأَهْلِهِ مُكْرِمًا لَهُمْ وَمَا كَانَ مِنْهَا مِمَّا يُسْخِطُهُ وَيَكْرَهُهُ : كَانَ مُبْغِضًا لِأَهْلِهِ مُهِينًا لَهُمْ . وَأَفْعَالُ الْعِبَادِ مَفْعُولَةٌ مَخْلُوقَةٌ لِلَّهِ لَيْسَتْ صِفَةً لَهُ وَلَا فِعْلًا قَائِمًا بِذَاتِهِ . وقَوْله تَعَالَى { وَمَا رَمَيْتَ إذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى } فَمَعْنَاهُ : وَمَا أَوْصَلْت إذْ حَذَفْت وَلَكِنَّ اللَّهَ أَوْصَلَ الْمَرْمِيَّ ؛ فَإِنَّ { النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ قَدْ رَمَى الْمُشْرِكِينَ بِقَبْضَةِ مِنْ تُرَابٍ وَقَالَ : شَاهَتْ الْوُجُوهُ } فَأَوْصَلَهَا اللَّهُ إلَى وُجُوهِ الْمُشْرِكِينَ وَعُيُونِهِمْ ؛ وَكَانَتْ قُدْرَةُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَاجِزَةً عَنْ إيصَالِهَا إلَيْهِمْ وَالرَّمْيُ لَهُ مَبْدَأٌ وَهُوَ الْحَذْفُ وَمُنْتَهَى وَهُوَ الْوُصُولُ ؛ فَأَثْبَتَ اللَّهُ لِنَبِيِّهِ الْمَبْدَأَ بِقَوْلِهِ : { إذْ رَمَيْتَ } وَنَفَى عَنْهُ الْمُنْتَهَى وَأَثْبَتَهُ لِنَفْسِهِ بِقَوْلِهِ : { وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى } وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُثْبَتُ عَيْنَ الْمَنْفِيِّ ؛ فَإِنَّ هَذَا تَنَاقُضٌ .(46/15)
وَاَللَّهُ تَعَالَى - مَعَ أَنَّهُ هُوَ خَالِقُ أَفْعَالِ الْعِبَادِ - فَإِنَّهُ لَا يَصِفُ نَفْسَهُ بِصِفَةِ مَنْ قَامَتْ بِهِ تِلْكَ الْأَفْعَالُ ؛ فَلَا يُسَمِّي نَفْسَهُ مُصَلِّيًا وَلَا صَائِمًا وَلَا آكِلًا وَلَا شَارِبًا سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُ الظَّالِمُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا . وَقَوْلُ الْقَائِلِ : " مَا ثَمَّ غَيْرٌ " إذَا أَرَادَ بِهِ مَا يُرِيدُهُ أَهْلُ الْوَحْدَةِ أَيْ مَا ثَمَّ غَيْرٌ مَوْجُودٌ سِوَى اللَّهِ : فَهَذَا كُفْرٌ صَرِيحٌ . وَلَوْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ غَيْرٌ لَمْ يَقُلْ : { أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا } وَلَمْ يَقُلْ { أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ } فَإِنَّهُمْ كَانُوا يَأْمُرُونَهُ بِعِبَادَةِ الْأَوْثَانِ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ غَيْرُ اللَّهِ لَمْ يَصِحَّ قَوْلُهُ : { أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ } وَلَمْ يَقُلْ : { أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا } وَلَمْ يَقُلْ الْخَلِيلُ { أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ } { أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ } { فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ } وَلَمْ يَقُلْ : { إنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ } { إلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ } فَإِنَّ إبْرَاهِيمَ لَمْ يُعَادِ رَبَّهُ وَلَمْ يَتَبَرَّأْ مِنْ رَبِّهِ ؛ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تِلْكَ الْآلِهَةُ الَّتِي كَانُوا يَعْبُدُونَهَا هُمْ وَآبَاؤُهُمْ الْأَقْدَمُونَ غَيْرَ اللَّهِ : لَكَانَ إبْرَاهِيمُ قَدْ تَبَرَّأَ مِنْ اللَّهِ وَعَادَى اللَّهَ وَحَاشَا إبْرَاهِيمَ مِنْ ذَلِكَ . وَهَؤُلَاءِ الْمَلَاحِدَةُ فِي أَوَّلِ أَمْرِهِمْ يَنْفُونَ الصِّفَاتِ وَيَقُولُونَ : الْقُرْآنُ هُوَ اللَّهُ أَوْ غَيْرُ اللَّهِ . فَإِذَا قِيلَ لَهُمْ : غَيْرُ اللَّهِ . قَالُوا : فَغَيْرُ اللَّهِ مَخْلُوقٌ . وَفِي آخِرِ أَمْرِهِمْ يَقُولُونَ : مَا ثَمَّ مَوْجُودٌ غَيْرُ اللَّهِ أَوْ يَقُولُونَ الْعَالَمُ لَا هُوَ اللَّهُ وَلَا هُوَ غَيْرُهُ . وَيَقُولُونَ : وَكُلُّ كَلَامٍ فِي الْوُجُودِ كَلَامُهُ سَوَاءٌ عَلَيْنَا نَثْرُهُ وَنِظَامُهُ فَيُنْكِرُونَ عَلَى أَهْلِ السُّنَّةِ إذَا أَثْبَتُوا الصِّفَاتِ وَلَمْ يُطْلِقُوا عَلَيْهَا اسْمَ الْغَيْرِ وَهُمْ لَا يُطْلِقُونَ عَلَى الْمَخْلُوقَاتِ اسْمَ الْغَيْرِ وَقَدْ سَمِعْت هَذَا التَّنَاقُضَ مِنْ مَشَايِخِهِمْ فَإِنَّهُمْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ . وَأَمَّا قَوْل الشَّاعِرِ فِي شِعْرِهِ : أَنَا مَنْ أَهْوَى وَمَنْ أَهْوَى أَنَا ؟ وَقَوْلُهُ : إذَا كُنْت لَيْلَى وَلَيْلَى أَنَا . فَهَذَا إنَّمَا أَرَادَ بِهِ هَذَا الشَّاعِرُ الِاتِّحَادَ الْوَضْعِيَّ كَاتِّحَادِ أَحَدِ الْمُتَحَابَّيْنِ بِالْآخَرِ الَّذِي يُحِبُّ أَحَدُهُمَا مَا يُحِبُّ الْآخَرَ وَيُبْغِضُ مَا يُبْغِضُ وَيَقُولُ مِثْلَ مَا يَقُولُ وَيَفْعَلُ مِثْلَ مَا يَفْعَلُ وَهُوَ تَشَابُهٌ وَتَمَاثُلٌ لَا اتِّحَادُ الْعَيْنِ بِالْعَيْنِ إذْ كَانَ قَدْ اسْتَغْرَقَ فِي مَحْبُوبِهِ حَتَّى فَنِيَ بِهِ عَنْ رُؤْيَةِ نَفْسِهِ كَقَوْلِ الْآخَرِ : غِبْت بِك عَنِّي فَظَنَنْت أَنَّك أَنِّي فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ غالطا مُسْتَغْرِقًا بِالْفَنَاءِ أَوْ يَكُونُ عَنَى التَّمَاثُلَ وَالتَّشَابُهَ وَاتِّحَادَ الْمَطْلُوبِ وَالْمَرْهُوبِ لَا الِاتِّحَادَ الذَّاتِيَّ . فَإِنْ أَرَادَ الِاتِّحَادَ الذَّاتِيَّ - مَعَ عَقْلِهِ لِمَا يَقُولُ - فَهُوَ كَاذِبٌ مُفْتَرٍ مُسْتَحِقٌّ لِعُقُوبَةِ الْمُفْتَرِينَ . وَأَمَّا قَوْل الْقَائِلِ : لَوْ رَأَى النَّاسُ الْحَقَّ لَمَا رَأَوْا عَابِدًا وَلَا مَعْبُودًا : فَهَذَا مِنْ جِنْسِ قَوْلِ الْمَلَاحِدَةِ الِاتِّحَادِيَّةِ الَّذِينَ لَا يُفَرِّقُونَ بَيْنَ الرَّبِّ وَالْعَبْدِ ؛ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ قَوْلِ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ يَجْمَعُونَ بَيْنَ الضَّلَالِ وَالْغَيِّ بَيْنَ شَهَوَاتِ الْغَيِّ فِي بُطُونِهِمْ وَفُرُوجِهِمْ وَبَيْنَ مُضِلَّاتِ الْفِتَنِ . وَفِي الْحَدِيثِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ : { إنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمْ شَهَوَاتِ الْغَيِّ فِي بُطُونِكُمْ وَفُرُوجِكُمْ } حَتَّى يَبْلُغَ الْأَمْرُ بِأَحَدِهِمْ إلَى أَنْ يَهْوَى المردان وَيَزْعُمُ أَنَّ الرَّبَّ تَعَالَى تَجَلَّى فِي أَحَدِهِمْ وَيَقُولُونَ : هُوَ الرَّاهِبُ فِي الصَّوْمَعَةِ ؛ وَهَذِهِ مَظَاهِرُ الْجَمَالِ ؛ وَيُقَبِّلُ أَحَدُهُمْ الْأَمْرَدَ وَيَقُولُ : أَنْتَ اللَّهُ . وَيُذْكَرُ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ كَانَ يَأْتِي ابْنَهُ وَيَدَّعِي أَنَّهُ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ أَوْ أَنَّهُ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَيَقُولُ أَحَدُهُمْ(46/16)
لِجَلِيسِهِ : أَنْتَ خَلَقْت هَذَا وَأَنْتَ هُوَ وَأَمْثَالُ ذَلِكَ . فَقَبَّحَ اللَّهُ طَائِفَةً يَكُونُ إلَهُهَا الَّذِي تَعْبُدُهُ هُوَ مَوْطَؤُهَا الَّذِي تَفْتَرِشُهُ ؛ وَعَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْهُمْ صَرْفًا وَلَا عَدْلًا . وَمَنْ قَالَ : إنَّ لِقَوْلِ هَؤُلَاءِ سِرًّا خَفِيًّا وَبَاطِنَ حَقٍّ وَإِنَّهُ مِنْ الْحَقَائِقِ الَّتِي لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهَا إلَّا خَوَاصَّ خَوَاصِّ الْخَلْقِ : فَهُوَ أَحَدُ رَجُلَيْنِ - إمَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ كِبَارِ الزَّنَادِقَةِ أَهْلِ الْإِلْحَادِ وَالْمَحَالِّ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ كِبَارِ أَهْلِ الْجَهْلِ وَالضَّلَالِ . فَالزِّنْدِيقُ يَجِبُ قَتْلُهُ ؛ وَالْجَاهِلُ يَعْرِفُ حَقِيقَةَ الْأَمْرِ فَإِنْ أَصَرَّ عَلَى هَذَا الِاعْتِقَادِ الْبَاطِلِ بَعْدَ قِيَامِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِ وَجَبَ قَتْلُهُ .
وَلَكِنْ لِقَوْلِهِمْ سِرٌّ خَفِيٌّ وَحَقِيقَةٌ بَاطِنَةٌ لَا يَعْرِفُهَا إلَّا خَوَاصُّ الْخَلْقِ . وَهَذَا السِّرُّ هُوَ أَشَدُّ كُفْرًا وَإِلْحَادًا مِنْ ظَاهِرِهِ ؛ فَإِنَّ مَذْهَبَهُمْ فِيهِ دِقَّةٌ وَغُمُوضٌ وَخَفَاءٌ قَدْ لَا يَفْهَمُهُ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ . وَلِهَذَا تَجِدُ كَثِيرًا مِنْ عَوَامِّ أَهْلِ الدِّينِ وَالْخَيْرِ وَالْعِبَادَةِ يُنْشِدُ قَصِيدَةَ ابْنِ الْفَارِضِ وَيَتَوَاجَدُ عَلَيْهَا وَيُعَظِّمُهَا ظَانًّا أَنَّهَا مِنْ كَلَامِ أَهْلِ التَّوْحِيدِ وَالْمَعْرِفَةِ وَهُوَ لَا يَفْهَمُهَا وَلَا يَفْهَمُ مُرَادَ قَائِلِهَا ؛ وَكَذَلِكَ كَلَامُ هَؤُلَاءِ يَسْمَعُهُ طَوَائِفُ مِنْ الْمَشْهُورِينَ بِالْعِلْمِ وَالدِّينِ فَلَا يَفْهَمُونَ حَقِيقَتَهُ فَإِمَّا أَنْ يَتَوَقَّفُوا عَنْهُ أَوْ يُعَبِّرُوا عَنْ مَذْهَبِهِمْ بِعِبَارَةِ مَنْ لَمْ يَفْهَمْ حَقِيقَةً ؛ وَإِمَّا أَنْ يُنْكِرُوهُ إنْكَارًا مُجْمَلًا مِنْ غَيْرِ مَعْرِفَةٍ بِحَقِيقَتِهِ وَنَحْوُ ذَلِكَ وَهَذَا حَالُ أَكْثَرِ الْخَلْقِ مَعَهُمْ . وَأَئِمَّتُهُمْ إذَا رَأَوْا مَنْ لَمْ يَفْهَمْ حَقِيقَةَ قَوْلِهِمْ طَمِعُوا فِيهِ وَقَالُوا : هَذَا مِنْ عُلَمَاءِ الرُّسُومِ وَأَهْلِ الظَّاهِرِ وَأَهْلِ الْقِشْرِ وَقَالُوا : عِلْمُنَا هَذَا لَا يُعْرَفُ إلَّا بِالْكَشْفِ وَالْمُشَاهَدَةِ وَهَذَا يَحْتَاجُ إلَى شُرُوطٍ وَقَالُوا : لَيْسَ هَذَا عُشُّك فَادْرُجْ عَنْهُ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا فِيهِ تَعْظِيمٌ لَهُ وَتَشْوِيقٌ إلَيْهِ وَتَجْهِيلٌ لِمَنْ لَمْ يَصِلْ إلَيْهِ . وَإِنْ رَأَوْهُ عَارِفًا بِقَوْلِهِمْ نَسَبُوهُ إلَى أَنَّهُ مِنْهُمْ وَقَالُوا : هُوَ مِنْ كِبَارِ الْعَارِفِينَ .
وَإِذَا أَظْهَرَ الْإِنْكَارَ عَلَيْهِمْ وَالتَّكْفِيرَ قَالُوا : هَذَا قَامَ بِوَصْفِ الْإِنْكَارِ لِتَكْمِيلِ الْمَرَاتِبِ وَالْمَجَالِي . وَهَكَذَا يَقُولُونَ فِي الْأَنْبِيَاءِ وَنَهْيِهِمْ عَنْ عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ . وَهَذَا كُلُّهُ وَأَمْثَالُهُ مِمَّا رَأَيْته وَسَمِعْته مِنْهُمْ . فَضَلَالُهُمْ عَظِيمٌ وَإِفْكُهُمْ كَبِيرٌ وَتَلْبِيسُهُمْ شَدِيدٌ . وَاَللَّهُ تَعَالَى يُظْهِرُ مَا أَرْسَلَ بِهِ رَسُولَهُ مِنْ الْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاَللَّهِ شَهِيدًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
فَصْلٌ :(46/17)
فِيمَا عَلَيْهِ أَهْلُ الْعِلْمِ وَالْإِيمَانِ مِنْ الْأَوَّلِينَ والآخرين مِمَّا يُشْبِهُ الِاتِّحَادَ وَالْحُلُولَ الْبَاطِلَ وَهُوَ حَقّ - وَإِنْ سُمِّيَ حُلُولًا أَوْ اتِّحَادًا - وَهُوَ مَا عَلَيْهِ أَهْلُ الْإِسْلَامِ وَأَهْلُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ وَأَهْلُ الْمَعْرِفَةِ وَالْيَقِينِ مِنْ جَمِيعِ الطَّوَائِفِ بِدَلَالَةِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ . أَمَّا الْحُلُولُ : فَلَا رَيْبَ أَنَّ مَنْ عَلِمَ شَيْئًا فَلَا بُدَّ أَنْ يَبْقَى فِي قَلْبِهِ مِنْهُ أَثَرٌ وَنَعْتٌ وَلَيْسَ حَالُهُ بَعْدَ الْعِلْمِ بِهِ كَحَالِهِ قَبْلَ الْعِلْمِ بِهِ حَتَّى يَكُونَ الْعِلْمُ نِسْبَةً مَحْضَةً بِمَنْزِلَةِ الْعُلُوِّ وَالسُّفُولِ . فَإِنَّ الْمُسْتَعْلِيَ إذَا نَزَلَ زَالَ عُلُوُّهُ وَالسَّافِلَ إذَا اعْتَلَى زَالَ سُفُولُهُ وَالْعِلْمُ لَا يَزُولُ ؛ بَلْ يَبْقَى أَثَرُهُ بِكُلِّ حَالٍ ؛ فَإِذَا كَانَ مَعَ الْعِلْمِ بِهِ يُحِبُّهُ أَوْ يَرْجُوهُ أَوْ يَخَافُهُ : كَانَ لِهَذِهِ الْأَحْوَالِ أَثَرٌ وَنَعْتٌ آخَرُ وَرَاءَ الْعِلْمِ وَالشُّعُورِ وَإِنْ كَانَا قَدْ يَتَلَازَمَانِ . فَإِذَا ذَكَرَهُ بِلِسَانِهِ : كَانَتْ هَذِهِ الْآثَارُ أَعْظَمَ . وَإِذَا خَضَعَ لَهُ بِسَائِرِ جَوَارِحِهِ : كَانَ ذَلِكَ أَعْظَمَ وَأَعْظَمَ . وَهَذِهِ الْمَعَانِي هِيَ فِي الْأَصْلِ مُشْتَرِكَةٌ فِي كُلِّ مُدْرِكٍ وَمُدْرَكٍ وَمُحِبٍّ وَمَحْبُوبٍ وَذَاكِرٍ وَمَذْكُورٍ وَسَوَاءٌ كَانَ عَلَى وَجْهِ الْعِبَادَةِ كَعِبَادَةِ اللَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ أَوْ عِبَادَةِ الْأَنْدَادِ مِنْ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ أَوْ عَلَى غَيْرِ وَجْهِ الْعِبَادَةِ كَمُحِبِّ الْإِخْوَانِ وَالْوِلْدَانِ وَالنِّسْوَانِ وَالْأَوْطَانِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَكْوَانِ . فَالْمُؤْمِنُ الَّذِي آمَنَ بِاَللَّهِ بِقَلْبِهِ وَجَوَارِحِهِ إيمَانُهُ يَجْمَعُ بَيْنَ عِلْمِ قَلْبِهِ وَحَالِ قَلْبِهِ : تَصْدِيقُ الْقَلْبِ وَخُضُوعُ الْقَلْبِ وَيَجْمَعُ قَوْلَ لِسَانِهِ وَعَمَلَ جَوَارِحِهِ وَإِنْ كَانَ أَصْلُ الْإِيمَانِ هُوَ مَا فِي الْقَلْبِ أَوْ مَا فِي الْقَلْبِ وَاللِّسَانِ ؛ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ فِي قَلْبِهِ التَّصْدِيقُ بِاَللَّهِ وَالْإِسْلَامُ لَهُ هَذَا قَوْلُ قَلْبِهِ وَهَذَا عَمَلُ قَلْبِهِ وَهُوَ الْإِقْرَارُ بِاَللَّهِ . وَالْعِلْمُ قَبْلَ الْعَمَلِ وَالْإِدْرَاكُ قَبْلَ الْحَرَكَةِ وَالتَّصْدِيقُ قَبْلَ الْإِسْلَامِ وَالْمَعْرِفَةُ قَبْلَ الْمَحَبَّةِ وَإِنْ كَانَا يَتَلَازَمَانِ ؛ لَكِنَّ عِلْمَ الْقَلْبِ مُوجِبٌ لِعَمَلِهِ مَا لَمْ يُوجَدْ مُعَارِضٌ رَاجِحٌ وَعَمَلُهُ يَسْتَلْزِمُ تَصْدِيقَهُ إذْ لَا تَكُونُ حَرَكَةً إرَادِيَّةً وَلَا مَحَبَّةً إلَّا عَنْ شُعُورٍ لَكِنْ قَدْ تَكُونُ الْحَرَكَةُ وَالْمَحَبَّةُ فِيهَا فَسَادٌ إذَا لَمْ يَكُنْ الشُّعُورُ وَالْإِدْرَاكُ صَحِيحًا . قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ : " مَنْ عَبَدَ اللَّهَ بِغَيْرِ عِلْمٍ كَانَ مَا يُفْسِدُ أَكْثَرَ مِمَّا يُصْلِحُ " فَأَمَّا الْعَمَلُ الصَّالِحُ بِالْبَاطِنِ وَالظَّاهِرِ : فَلَا يَكُونُ إلَّا عَنْ عِلْمٍ وَلِهَذَا أَمَرَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ بِعِبَادَةِ اللَّهِ وَالْإِنَابَةِ إلَيْهِ وَإِخْلَاصِ الدِّينِ لَهُ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَإِنَّ هَذِهِ الْأَسْمَاءَ تَنْتَظِمُ الْعِلْمَ وَالْعَمَلَ جَمِيعًا : عِلْمَ الْقَلْبِ وَحَالَهُ وَإِنْ دَخَلَ فِي ذَلِكَ قَوْلُ اللِّسَانِ وَعَمَلُ الْجَوَارِحِ أَيْضًا فَإِنَّ وُجُودَ الْفُرُوعِ الصَّحِيحَةِ مُسْتَلْزِمٌ لِوُجُودِ الْأُصُولِ ؛ وَهَذَا ظَاهِرٌ لَيْسَ الْغَرَضُ هُنَا بَسْطُهُ وَإِنَّمَا الْغَرَضُ
فَصْلٌ :(46/18)
وَهُوَ أَنَّ الْمُؤْمِنَ لَا بُدَّ أَنْ يَقُومَ بِقَلْبِهِ مِنْ مَعْرِفَةِ اللَّهِ وَالْمَحَبَّةِ لَهُ : مَا يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ لِلْمَعْرُوفِ الْمَحْبُوبِ فِي قَلْبِهِ مِنْ الْآثَارِ مَا يُشْبِهُ الْحُلُولَ مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ لَا أَنَّهُ حُلُولُ ذَاتِ الْمَعْرُوفِ الْمَحْبُوبِ لَكِنْ هُوَ الْإِيمَانُ بِهِ وَمَعْرِفَةُ أَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ . قَالَ اللَّهُ تَعَالَى . { نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ } الْآيَةَ قَالَ أبي بْنُ كَعْبٍ : " مَثَلُ نُورِهِ فِي قَلْبِ الْمُؤْمِنِ " فَهَذِهِ هِيَ الْأَنْوَارُ الَّتِي تَحْصُلُ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ . وَقَدْ قِيلَ فِي قَوْله تَعَالَى { وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ } إنَّهُ الْكُفْرُ بِذَلِكَ ؛ فَإِنَّ مَنْ كَفَرَ بِالْإِقْرَارِ الَّذِي هُوَ التَّصْدِيقُ بِاَللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْإِسْلَامُ لَهُ : الْمُتَضَمِّنُ لِلِاعْتِقَادِ وَالِانْقِيَادِ لِإِيجَابِ الْوَاجِبَاتِ وَتَحْرِيمِ الْمُحَرَّمَاتِ وَإِبَاحَةِ الْمُبَاحَاتِ : فَهُوَ كَافِرٌ ؛ إذْ الْمَقْصُودُ لَنَا مِنْ إنْزَالِ الْكُتُبِ وَإِرْسَالِ الرُّسُلِ هُوَ حُصُولُ الْإِيمَانِ لَنَا فَمَنْ كَفَرَ بِهَذَا فَهُوَ كَافِرٌ بِذَاكَ وَهَذَا قَدْ يُسَمَّى الْمَثَلَ وَالْمِثَالَ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُقَالُ : إنَّ الْعِلْمَ مِثَالُ الْمَعْلُومِ فِي الْعَالَمِ وَكَذَلِكَ الْحُبُّ يَكُونُ فِيهِ تَمْثِيلُ الْمَحْبُوبِ فِي الْمُحِبِّ . ثُمَّ مِنْ النَّاسِ مَنْ يَدَّعِي أَنَّ كُلَّ عِلْمٍ وَكُلَّ حُبٍّ فَفِيهِ هَذَا الْمِثَالُ كَمَا يَقُولُهُ قَوْمٌ مِنْ الْمُتَفَلْسِفَةِ وَمِنْهُمْ مَنْ يُنْكِرُ حُصُولَ شَيْءٍ مِنْ هَذَا الْمِثَالِ فِي شَيْءٍ مِنْ الْعِلْمِ وَالْحُبِّ . وَالتَّحْقِيقُ : أَنَّهُ قَدْ يَحْصُلُ تَمَثُّلٌ وَتَخَيُّلٌ لِبَعْضِ الْعَالِمِينَ وَالْمُحِبِّينَ حَتَّى يَتَخَيَّلَ صُورَةَ الْمَحْبُوبِ وَقَدْ لَا يَحْصُلُ تَخَيُّلٌ حِسِّيٌّ وَلَيْسَ هَذَا الْمَثَلُ مَنْ جِنْسِ الْحَقِيقَةِ أَصْلًا ؛ وَإِنَّمَا لَمَّا كَانَ الْعِلْمُ مُطَابِقًا لِلْمَعْلُومِ وَمُوَافِقًا لَهُ غَيْرُ مُخَالِفٍ لَهُ كَانَ بَيْنَ الْمُطَابِقِ وَالْمُطَابَقِ وَالْمُوَافِقِ وَالْمُوَافَقِ نَوْعُ تَنَاسُبٍ وَتَشَابُهٍ وَنَوْعٌ مَا مِنْ أَنْوَاعِ التَّمْثِيلِ فَإِنَّ الْمَثَلَ يُضْرَبُ لِلشَّيْءِ لِمُشَارَكَتِهِ إيَّاهُ مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ وَهُنَا قَطْعًا اشْتِرَاكٌ مَا وَاشْتِبَاهٌ مَا . وَقَدْ قِيلَ فِي قَوْله تَعَالَى { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ } وَقَوْلِهِ : { وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ } أَنَّهُ هَذَا وَفِي حَدِيثٍ مَأْثُورٍ : { مَا وَسِعَنِي أَرْضِي وَلَا سَمَائِي وَوَسِعَنِي قَلْبُ عَبْدِي الْمُؤْمِنِ النَّقِيِّ التَّقِيِّ الْوَدَاعِ اللَّيِّنِ } وَيُقَالُ : الْقَلْبُ بَيْتُ الرَّبِّ وَهَذَا هُوَ نَصِيبُ الْعِبَادِ مِنْ رَبِّهِمْ وَحَظُّهُمْ مِنْ الْإِيمَانِ بِهِ كَمَا جَاءَ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ أَنَّهُ قَالَ : إذَا أَحَبَّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَعْلَمَ كَيْفَ مَنْزِلَتُهُ عِنْدَ اللَّهِ ؟ فَلْيَنْظُرْ كَيْفَ مَنْزِلَةُ اللَّهِ مِنْ قَلْبِهِ ؟ فَإِنَّ اللَّهَ يُنْزِلُ الْعَبْدَ مِنْ نَفْسِهِ حَيْثُ أَنْزَلَهُ الْعَبْدُ مِنْ قَلْبِهِ . وَرُوِيَ مَرْفُوعًا مِنْ حَدِيثِ أَيُّوبَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدِ بْنِ صَفْوَانَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى الموصلي وَابْنُ أَبِي الدُّنْيَا فِي كِتَابِ الذِّكْرِ وَلِهَذَا قَالَ أَبْنَاءُ يَعْقُوبَ : { نَعْبُدُ إلَهَك وَإِلَهَ آبَائِك إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ } فَإِنَّ أُلُوهِيَّةَ اللَّهِ مُتَفَاوِتَةٌ فِي قُلُوبِهِمْ عَلَى دَرَجَاتٍ عَظِيمَةٍ تَزِيدُ وَتَنْقُصُ وَيَتَفَاوَتُونَ فِيهَا تَفَاوُتًا لَا يَنْضَبِطُ طَرَفَاهُ حَتَّى قَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ { عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي حَقِّ شَخْصَيْنِ : هَذَا خَيْرٌ مِنْ مِلْءِ الْأَرْضِ مِنْ مِثْلِ هَذَا } فَصَارَ وَاحِدٌ مِنْ الْآدَمِيِّينَ خَيْرًا مِنْ مِلْءِ الْأَرْضِ مِنْ بَنِي جِنْسِهِ ؛ وَهَذَا تَبَايُنٌ عَظِيمٌ لَا يَحْصُلُ مِثْلُهُ فِي سَائِرِ الْحَيَوَانِ . وَإِلَى هَذَا الْمَعْنَى أَشَارَ مَنْ قَالَ : " مَا سَبَقَكُمْ أَبُو بَكْرٍ بِفَضْلِ صَلَاةٍ وَلَا صِيَامٍ وَلَكِنْ بِشَيْءِ وَقَرَ فِي قَلْبِهِ " . وَهُوَ الْيَقِينُ وَالْإِيمَانُ . وَمِنْهُ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم{ وُزِنْت بِالْأُمَّةِ فَرَجَحْت ثُمَّ وُزِنَ أَبُو بَكْرٍ بِالْأُمَّةِ فَرَجَحَ ثُمَّ وُزِنَ عُمَرُ بِالْأُمَّةِ فَرَجَحَ ثُمَّ رُفِعَ الْمِيزَانُ } وَقَالَ r فِيمَا رَوَاهُ عَنْهُ الصِّدِّيقُ {(46/19)
أَيُّهَا النَّاسُ : سَلُوا اللَّهَ الْيَقِينَ وَالْعَافِيَةَ فَلَمْ يُعْطَ أَحَدٌ بَعْدَ الْيَقِينِ خَيْرًا مِنْ الْعَافِيَةِ } رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِي فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ وَابْنُ مَاجَه وَقَالَ رَقَبَةُ بْنُ مِصْقَلَةٍ لِلشَّعْبِيِّ : " رَزَقَك اللَّهُ الْيَقِينَ الَّذِي لَا تَسْكُنُ النُّفُوسُ إلَّا إلَيْهِ وَلَا يُعْتَمَدُ فِي الدِّينِ إلَّا عَلَيْهِ " . وَفِي كِتَابِ الزُّهْدِ لِلْإِمَامِ أَحْمَدَ عَنْ [ سيار ، وحدثنا جعفر ، عن عمران القصير ] (1) قَالَ { قَالَ مُوسَى : يَا رَبِّ أَيْنَ أَجِدُك ؟ قَالَ : يَا مُوسَى عِنْدَ الْمُنْكَسِرَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ أَجْلِي أَقْتَرِبُ إلَيْهَا كُلَّ يَوْمٍ شِبْرًا ؛ وَلَوْلَا ذَلِكَ لَاحْتَرَقَتْ قُلُوبُهُمْ } . وَقَدْ يُتَوَسَّعُ فِي الْعِبَارَةِ عَنْ هَذَا الْمَعْنَى حَتَّى يُقَالَ : مَا فِي قَلْبِي إلَّا اللَّهُ مَا عِنْدِي إلَّا اللَّهُ كَمَا { قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلمفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ عَنْ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : أَمَا عَلِمْت أَنَّ عَبْدِي فُلَانًا مَرِضَ ؟ فَلَوْ عُدْته لَوَجَدْتنِي عِنْدَهُ } وَيُقَالُ : سَاكِنٌ فِي الْقَلْبِ يَعْمُرُهُ * * * لَسْت أَنْسَاهُ فَأَذْكُرُهُ
وَيُقَالُ : مِثَالُك فِي عَيْنِي وذكراك فِي فَمِي * * * وَمَثْوَاك فِي قَلْبِي فَأَيْنَ تَغِيبُ ؟
وَهَذَا الْقَدْرُ يَقْوَى قُوَّةً عَظِيمَةً حَتَّى يُعَبِّرَ عَنْهُ بِالتَّجَلِّي وَالْكَشْفِ وَنَحْوِ ذَلِكَ بِاتِّفَاقِ الْعُقَلَاءِ وَيَحْصُلُ مَعَهُ الْقُرْبُ مِنْهُ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم{ أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ } وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْحَدِيثِ الْقُدْسِيِّ { مَنْ تَقَرَّبَ إلَيَّ شِبْرًا تَقَرَّبْت إلَيْهِ ذِرَاعًا } . لَكِنْ هَلْ فِي تَقَرُّبِ الْعَبْدِ إلَى اللَّهِ حَرَكَةٌ إلَى اللَّهِ أَوْ إلَى بَعْضِ الْأَمَاكِنِ ؟ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ قَدْ تَحْصُلُ حَرَكَةُ بَدَنِ الْعَبْدِ إلَى بَعْضِ الْأَمْكِنَةِ الْمُشْرِفَةِ الَّتِي يَظْهَرُ فِيهَا الْإِيمَانُ بِاَللَّهِ مِنْ مَعْرِفَتِهِ وَذِكْرِهِ وَعِبَادَتِهِ كَالْحَجِّ إلَى بَيْتِهِ وَالْقَصْدِ إلَى مَسَاجِدِهِ وَمِنْهُ قَوْلُ إبْرَاهِيمَ : { إنِّي ذَاهِبٌ إلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ } . وَأَمَّا حَرَكَةُ رُوحِهِ إلَى مِثْلِ السَّمَوَاتِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْأَمْكِنَةِ : فَأَقَرَّ بِهِ جُمْهُورُ أَهْلِ الْإِسْلَامِ وَأَنْكَرَهُ الصَّابِئَةُ الْفَلَاسِفَةُ الْمَشَّاءُونَ وَمَنْ وَافَقَهُمْ وَحَرَكَةُ رُوحِهِ أَوْ بَدَنِهِ إلَى اللَّهِ أَقَرَّ بِهَا أَهْلُ الْفِطْرَةِ وَأَهْلُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ وَأَنْكَرَهَا كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ . وَأَمَّا الْقُرْبُ مِنْ اللَّهِ إلَى عَبْدِهِ : هَلْ هُوَ تَابِعٌ لِتُقَرِّبْ الْعَبْدِ وَتَقْرِيبِهِ الَّذِي هُوَ عِلْمُهُ أَوْ عَمَلُهُ أَوْ هُنَاكَ قُرْبٌ آخَرُ مِنْ الرَّبِّ ؟ . هَذَا فِيهِ كَلَامٌ لَيْسَ هَذَا مَوْضِعَهُ .
وَمَنْ لَمْ يُثْبِتْ إلَّا الْأَوَّلَ : فَهُمْ فِي قُرْبِ الرَّبِّ عَلَى قَوْلَيْنِ :
أَحَدِهِمَا : أَنَّهُ تَجَلِّيهِ وَظُهُورُهُ لَهُ .
وَالثَّانِي : أَنَّهُ مَعَ ذَلِكَ دُنُوُّ الْعَبْدِ مِنْهُ وَاقْتِرَابُهُ الَّذِي هُوَ بِعَمَلِهِ وَحَرَكَتِهِ : وَلِلْقُرْبِ مَعْنًى آخَرَ : وَهُوَ التَّقَارُبُ بِمَعْنَى الْمُنَاسَبَةِ كَمَا يُقَالُ : هَذَا يُقَارِبُ هَذَا . وَلَيْسَ هَذَا مَوْضِعَهُ .
فَصْلٌ :
وَأَمَّا مَا يُشْبِهُ الِاتِّحَادَ : فَإِنَّ الذَّاتَيْنِ الْمُتَمَيِّزَتَيْن لَا تَتَّحِدُ عَيْنُ إحْدَاهُمَا بِعَيْنِ الْأُخْرَى وَلَا عَيْنُ صِفَتِهَا بِعَيْنِ صِفَتِهَا إلَّا إذَا اسْتَحَالَتَا بَعْدَ الِاتِّحَادِ إلَى ذَاتٍ ثَالِثَةٍ كَاتِّحَادِ الْمَاءِ وَاللَّبَنِ فَإِنَّهُمَا بَعْدَ الِاتِّحَادِ شَيْءٌ ثَالِثٌ وَلَيْسَ مَاءً مَحْضًا وَلَا لَبَنًا مَحْضًا . وَأَمَّا اتِّحَادُهُمَا وَبَقَاؤُهُمَا بَعْدَ الِاتِّحَادِ عَلَى مَا كَانَا عَلَيْهِ فَمُحَالٌ وَمِنْ هُنَا يُعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَتَّحِدَ بِخَلْقِهِ فَإِنَّ اسْتِحَالَتَهُ مُحَالٌ ؛ وَإِنَّمَا تَتَّحِدُ الْأَسْبَابُ وَالْأَحْكَامُ فِي الْعَيْنِ وَتَتَّحِدُ الْأَسْمَاءُ وَالصِّفَاتُ فِي النَّوْعِ - مِثْلَ الْمُتَحَارِبِينَ المتخالين الَّذِينَ صَارَ أَحَدُهُمَا يُحِبُّ عَيْنَ مَا يُحِبُّهُ الْآخَرُ وَيُبْغِضُ مَا يُبْغِضُهُ وَيَتَنَعَّمُ بِمَا يَتَنَعَّمُ بِهِ وَيَتَأَلَّمُ بِمَا يَتَأَلَّمُ بِهِ ؛ وَهَذَا فِيهِ مَرَاتِبُ وَدَرَجَاتٌ لَا تَنْضَبِطُ ؛ فَأَسْمَاؤُهُمَا وَصِفَاتُهُمَا صَارَتَا مِنْ نَوْعٍ وَاحِدٍ.(46/20)
وَعَيْنُ الْأَحْكَامِ وَالْأَسْبَابِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِهِمَا الَّتِي هِيَ - مَثَلًا - الْمَحْبُوبُ وَالْمَكْرُوهُ هُوَ وَاحِدٌ بِالْعَيْنِ كَالرَّسُولِ الَّذِي يُحِبُّهُ كُلُّ الْمُؤْمِنِينَ ؛ فَهُمْ مُتَّحِدُونَ فِي مَحَبَّتِهِ بِمَعْنَى أَنَّ مَحْبُوبَهُمْ وَاحِدٌ وَمَحَبَّةُ هَذَا مِنْ نَوْعِ مَحَبَّتِهِ هَذَا ؛ لَا أَنَّهَا عَيْنُهَا . فَهَذَا فِي اتِّحَادِ النَّاسِ بَعْضُهُمْ بِبَعْضِ وَهِيَ الْأُخُوَّةُ وَالْخُلَّةُ الْإِيمَانِيَّةُ الَّتِي قَالَ فِيهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم{ مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ كَمَثَلِ الْجَسَدِ الْوَاحِدِ إذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالْحُمَّى وَالسَّهَرِ } أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ فَجُعِلَ الْمُؤْمِنُ مَعَ الْمُؤْمِنِ بِمَنْزِلَةِ الْعُضْوِ مَعَ الْعُضْوِ اللَّذَيْنِ تَجْمَعُهُمَا نَفْسٌ وَاحِدَةٌ . وَلِهَذَا سَمَّى اللَّهُ الْأَخَ الْمُؤْمِنَ نَفْسًا لِأَخِيهِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ قَالَ تَعَالَى : { فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ } وَقَالَ : { لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ } وَقَالَ : { لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ } وَقَالَ : { فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ } وَقَالَ : { فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ } . فَالْعَبْدُ الْمُؤْمِنُ إذَا أَنَابَ إلَى رَبِّهِ وَعَبَدَهُ وَوَافَقَهُ حَتَّى صَارَ يُحِبُّ مَا يُحِبُّ رَبُّهُ وَيَكْرَهُ مَا يَكْرَهُ رَبُّهُ وَيَأْمُرُ بِمَا يَأْمُرُ بِهِ رَبُّهُ وَيَنْهَى عَمَّا يَنْهَى عَنْهُ رَبُّهُ وَيَرْضَى بِمَا يُرْضِي رَبَّهُ وَيَغْضَبُ لِمَا يَغْضَبُ لَهُ رَبُّهُ وَيُعْطِي مَنْ أَعْطَاهُ رَبُّهُ وَيَمْنَعُ مَنْ مَنَعَ رَبُّهُ فَهُوَ الْعَبْدُ الَّذِي قَالَ فِيهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلمفِيمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد مِنْ حَدِيثِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِي أمامة : { مَنْ أَحَبَّ لِلَّهِ وَأَبْغَضَ لِلَّهِ وَأَعْطَى لِلَّهِ وَمَنَعَ لِلَّهِ فَقَدْ اسْتَكْمَلَ الْإِيمَانَ } وَصَارَ هَذَا الْعَبْدُ دِينُهُ كُلُّهُ لِلَّهِ وَأَتَى بِمَا خَلَقَ لَهُ مِنْ الْعِبَادَةِ . فَقَدْ اتَّحَدَتْ أَحْكَامُ هَذِهِ الصِّفَاتِ الَّتِي لَهُ وَأَسْبَابُهَا بِأَحْكَامِ صِفَاتِ الرَّبِّ وَأَسْبَابِهَا . وَهُمْ فِي ذَلِكَ عَلَى دَرَجَاتٍ ؛ فَإِنْ كَانَ نَبِيًّا كَانَ لَهُ مِنْ الْمُوَافَقَةِ لِلَّهِ مَا لَيْسَ لِغَيْرِهِ وَالْمُرْسَلُونَ فَوْقَ ذَلِكَ وَأُولُو الْعَزْمِ أَعْظَمُ وَنَبِيُّنَا مُحَمَّدٌ r لَهُ الْوَسِيلَةُ الْعُظْمَى فِي كُلِّ مَقَامٍ . فَهَذِهِ الْمُوَافَقَةُ هِيَ الِاتِّحَادُ السَّائِغُ سَوَاءٌ كَانَ وَاجِبًا أَوْ مُسْتَحَبًّا وَفِي مِثْلِ هَذَا جَاءَتْ نُصُوصُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ . قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { إنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ } وَقَالَ : { وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ } وَقَالَ تَعَالَى : { مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ } وَقَالَ تَعَالَى : { إنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ } وَقَالَ تَعَالَى : { أَحَبَّ إلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ } وَقَالَ تَعَالَى : { قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ } . وَمِنْ هَذَا الْبَابِ قَوْلُ الْمَسِيحِ - إنْ ثَبَتَ هَذَا اللَّفْظُ عَنْهُ - " أَنَا وَأَبِي وَاحِدٌ مَنْ رَآنِي فَقَدْ رَأَى أَبِي " وَنَحْوُ ذَلِكَ ؛ فَإِنَّهُ مِثْلُ قَوْله تَعَالَى { إنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ } وَقَوْلُهُ : { مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ } وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنْ اللَّفْظِ الَّذِي فِيهِ تَشَابُهٌ .
فَصْلٌ :(46/21)
وَجَاءَ فِي " أَوْلِيَاءِ اللَّهِ " الَّذِينَ هُمْ الْمُتَّقُونَ نَوْعٌ مِنْ هَذَا : فَرَوَى الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم { يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى : مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ بَارَزَنِي بِالْمُحَارَبَةِ وَمَا تَقَرَّبَ إلَيَّ عَبْدِي بِمِثْلِ أَدَاءِ مَا افْتَرَضْت عَلَيْهِ وَلَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ ؛ فَإِذَا أَحْبَبْته كُنْت سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا وَلَئِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ ؛ وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنهُ وَمَا تَرَدَّدْت عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ قَبْضِ نَفْسِ عَبْدِي الْمُؤْمِنِ يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ وَلَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ } . فَأَوَّلُ مَا فِي الْحَدِيثِ قَوْلُهُ : { مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ بَارَزَنِي بِالْمُحَارَبَةِ } فَجَعَلَ مُعَادَاةَ عَبْدِهِ الْوَلِيِّ مُعَادَاةً لَهُ ؛ فَعَيْنُ عَدُوِّهِ عَيْنُ عَدُوِّ عَبْدِهِ وَعَيْنُ مُعَادَاةِ وَلَيِّهِ عَيْنُ مُعَادَاتِهِ لَيْسَا هُمَا شَيْئَيْنِ مُتَمَيِّزَيْنِ وَلَكِنْ لَيْسَ اللَّهُ هُوَ عَيْنُ عَبْدِهِ وَلَا جِهَةُ عَدَاوَةِ عَبْدِهِ عَيْنُ جِهَةِ عَدَاوَةِ نَفْسِهِ وَإِنَّمَا اتَّفَقَا فِي النَّوْعِ . ثُمَّ قَالَ : { فَإِذَا أَحْبَبْته كُنْت سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ وَيَدَهُ وَرِجْلَهُ } وَفِي رِوَايَةٍ فِي غَيْرِ الصَّحِيحِ : { فَبِي يَسْمَعُ وَبِي يُبْصِرُ وَبِي يَبْطِشُ وَبِي يَمْشِي } فَقَوْلُهُ :" بِي يَسْمَعُ وَبِي يُبْصِرُ وَبِي يَبْطِشُ وَبِي يَمْشِي " بَيْنَ مَعْنَى قَوْلِهِ : { كُنْت سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ وَيَدَهُ وَرِجْلَهُ } لَا أَنَّهُ يَكُونُ نَفْسُ الْحَدَقَةِ وَالشَّحْمَةِ وَالْعَصَبِ وَالْقَدَمِ وَإِنَّمَا يَبْقَى هُوَ الْمَقْصُودُ بِهَذِهِ الْأَعْضَاءِ وَالْقُوَى وَهُوَ بِمَنْزِلَتِهَا فِي ذَلِكَ فَإِنَّ الْعَبْدَ بِحَسَبِ أَعْضَائِهِ وَقُوَاهُ يَكُونُ إدْرَاكُهُ وَحَرَكَتُهُ ؛ فَإِذَا كَانَ إدْرَاكُهُ وَحَرَكَتُهُ بِالْحَقِّ ؛ لَيْسَ بِمَعْنَى خَلْقِ الْإِدْرَاكِ وَالْحَرَكَةِ فَإِنَّ هَذَا قَدْرٌ مُشْتَرَكٌ فِيمَنْ يُحِبُّهُ وَفِيمَنْ لَا يُحِبُّهُ وَإِنَّمَا لِلْمَحْبُوبِ الْحَقُّ مِنْ الْحَقِّ مِنْ هَذِهِ الْإِعَانَةِ بِقَدْرِ مَا لَهُ مِنْ الْمَعِيَّةِ وَالرُّبُوبِيَّةِ وَالْإِلَهِيَّةِ ؛ فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ عَامَّةٌ وَخَاصَّةٌ . وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم { يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى : عَبْدِي مَرِضْت فَلَمْ تَعُدْنِي فَيَقُولُ : رَبِّ كَيْفَ أَعُودُك وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ ؟ فَيَقُولُ : أَمَا عَلِمْت أَنَّ عَبْدِي فُلَانًا مَرِضَ ؟ فَلَوْ عُدْته لَوَجَدْتنِي عِنْدَهُ . عَبْدِي جُعْت فَلَمْ تُطْعِمْنِي . فَيَقُولُ : رَبِّ كَيْفَ أُطْعِمُك وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ ؟ فَيَقُولُ : أَمَا عَلِمْت أَنَّ عَبْدِي فُلَانًا جَاعَ ؟ فَلَوْ أَطْعَمْته لَوَجَدْت ذَلِكَ عِنْدِي } فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ ذَكَرَ الْمَعْنَيَيْنِ الْحَقَّيْنِ وَنَفَى الْمَعْنَيَيْنِ الْبَاطِلَيْنِ وَفَسَّرَهُمَا . فَقَوْلُهُ : " جُعْت وَمَرِضْت " لَفْظُ اتِّحَادٍ يُثْبِتُ الْحَقَّ . وَقَوْلُهُ : { لَوَجَدْتنِي عِنْدَهُ وَوَجَدْت ذَلِكَ عِنْدِي } نَفْيٌ لِلِاتِّحَادِ الْعَيْنِيِّ بِنَفْيِ الْبَاطِلِ وَإِثْبَاتٌ لِتَمْيِيزِ الرَّبِّ عَنْ الْعَبْدِ . وَقَوْلُهُ : { لَوَجَدْتنِي عِنْدَهُ } لَفْظُ ظَرْفٍ ؛ وَبِكُلِّ يَثْبُتُ الْمَعْنَى الْحَقُّ مِنْ الْحُلُولِ الْحَقِّ ؛ الَّذِي هُوَ بِالْإِيمَانِ لَا بِالذَّاتِ . وَيُفَسَّرُ قَوْلُهُ : { مَرِضْت فَلَمْ تَعُدْنِي } فَلَوْ كَانَ الرَّبُّ عَيْنَ الْمَرِيضِ وَالْجَائِعِ لَكَانَ إذَا عَادَهُ وَإِذَا أَطْعَمَهُ يَكُونُ قَدْ وَجَدَهُ إيَّاهُ وَقَدْ وَجَدَهُ قَدْ أَكَلَهُ . وَفِي قَوْلِهِ فِي الْمَرِيضِ : { وَجَدْتنِي عِنْدَهُ } وَفِي الْجَائِعِ : { لَوَجَدْت ذَلِكَ عِنْدِي } فَرْقَانِ حَسَنٌ ؛ فَإِنَّ الْمَرِيضَ الَّذِي تُسْتَحَبُّ عِيَادَتُهُ وَيَجِدُ اللَّهَ عِنْدَهُ : هُوَ الْمُؤْمِنُ بِرَبِّهِ الْمُوَافِقُ لِإِلَهِهِ الَّذِي هُوَ وَلِيُّهُ ؛ وَأَمَّا الطَّاعِمُ فَقَدْ يَكُونُ فِيهِ عُمُومٌ لِكُلِّ جَائِعٍ يُسْتَحَبُّ إطْعَامُهُ فَإِنَّ اللَّهَ يَقُولُ : { مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً } فَمَنْ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةِ وَاجِبَةٍ أَوْ مُسْتَحَبَّةٍ : فَقَدْ أَقْرَضَ اللَّهَ سُبْحَانَهُ بِمَا أَعْطَاهُ لِعَبْدِهِ . وَقَدْ ثَبَتَ(46/22)
فِي الصَّحِيحِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ : { مَنْ تَصَدَّقَ بِعَدْلِ تَمْرَةٍ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ - وَلَا يَقْبَلُ اللَّهُ إلَّا الطِّيبَ - فَإِنَّ اللَّهَ يَأْخُذُهَا بِيَمِينِهِ فَيُرَبِّيهَا كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ أَوْ فَصِيلَهُ حَتَّى تَكُونَ مِثْلَ الْجَبَلِ الْعَظِيمِ } وَقَالَ : { إنَّ الصَّدَقَةَ لَتَقَعُ بِيَدِ الْحَقِّ قَبْلَ أَنْ تَقَعَ بِيَدِ السَّائِلِ } . لَكِنَّ الْأَشْبَهَ : أَنَّ هَذَا الْعَبْدَ الْمَذْكُورَ فِي الْجُوعِ هُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْمَرَضِ وَهُوَ الْعَبْدُ الْوَلِيُّ الَّذِي فِيهِ نَوْعُ اتِّحَادٍ وَإِنْ كَانَ اللَّهُ يُثِيبُ عَلَى طَعَامِ الْفَاسِقِ وَالذِّمِّيِّ . وَنَظِيرُ الْقَرْضِ : النَّصْرُ فِي مِثْلِ قَوْله تَعَالَى { وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ } وَقَوْلُهُ : { إنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ } وَنَحْوُ ذَلِكَ لَكِنَّ النَّصْرَ فِيهِ مَعْنًى ؛ لَكِنْ لَا يُقَالُ فِي مِثْلِهِ جُعْت . فَقَدْ ذَكَرَ اللَّهُ فِي الْقُرْآنِ الْقَرْضَ وَالنَّصْرَ وَجَعَلَهُ لَهُ هَذَا فِي الرِّزْقِ وَهَذَا فِي النَّصْرِ وَجَاءَ فِي الْحَدِيثِ الْعِيَادَةُ وَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ هِيَ الْمَذْكُورَةُ فِي قَوْله تَعَالَى { وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ } وَقَوْلُهُ : { مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا } وَإِنَّمَا فِي الْحَدِيثِ أَمْرُ الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ فَقَطْ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَنْفَرِدُ بِهِ الْوَاحِدُ الْمُخَاطَبُ بِقَوْلِهِ : { عَبْدِي مَرِضْت وَجُعْت } فَلِذَلِكَ عَاتَبَهُ . وَأَمَّا النَّصْرُ : فَيَحْتَاجُ فِي الْعَادَةِ إلَى عَدَدٍ ؛ فَلَا يُعْتَبُ فِيهِ عَلَى أَحَدٍ مُعَيَّنٍ غَالِبًا أَوْ الْمَقْصُودُ بِالْحَدِيثِ التَّنْبِيهُ وَفِي الْقُرْآنِ النَّصْرُ وَالرِّزْقُ وَلَيْسَ فِيهِ الْعِيَادَةُ ؛ لِأَنَّ النَّصْرَ وَالْقَرْضَ فِيهِ عُمُومٌ لَا يَخْتَصُّ بِشَخْصِ دُونَ شَخْصٍ . وَأَمَّا الْعِيَادَةُ : فَإِنَّمَا تَكُونُ لِمَنْ يَجِدُ الْحَقَّ عِنْدَهُ .
فَصْلٌ :(46/23)
فَهَذَانِ الْمَعْنَيَانِ صَحِيحَانِ ثَابِتَانِ بَلْ هُمَا حَقِيقَةُ الدِّينِ وَالْيَقِينِ وَالْإِيمَانِ . أَمَّا الْأَوَّلُ - وَهُوَ كَوْنُ اللَّهِ فِي قَلْبِهِ بِالْمَعْرِفَةِ وَالْمَحَبَّةِ - : فَهَذَا فَرْضٌ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ وَلَا بُدَّ لِكُلِّ مُؤْمِنٍ مِنْهُ ؛ فَإِنْ أَدَّى وَاجِبَهُ فَهُوَ مُقْتَصِدٌ وَإِنْ تَرَكَ بَعْضَ وَاجِبِهِ فَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ ؛ وَإِنْ تَرَكَهُ كُلَّهُ فَهُوَ كَافِرٌ بِرَبِّهِ . وَأَمَّا الثَّانِي - وَهُوَ مُوَافَقَةُ رَبِّهِ فِيمَا يُحِبُّهُ وَيَكْرَهُهُ وَيَرْضَاهُ وَيُسْخِطُهُ - فَهَذَا عَلَى الْإِطْلَاقِ إنَّمَا هُوَ لِلسَّابِقِينَ الْمُقَرَّبِينَ : الَّذِينَ تَقَرَّبُوا إلَى اللَّهِ بِالنَّوَافِلِ - الَّتِي يُحِبُّهَا وَلَمْ يَفْرِضْهَا - بَعْدَ الْفَرَائِضِ الَّتِي يُحِبُّهَا وَيَفْرِضُهَا وَيُعَذِّبُ تَارِكَهَا . وَلِهَذَا كَانَ هَؤُلَاءِ لَمَّا أَتَوْا بِمَحْبُوبِ الْحَقِّ مِنْ الْأَقْوَالِ وَالْأَعْمَالِ الْبَاطِنَةِ وَالظَّاهِرَةِ الْمُنْتَظِمَةِ لِلْمَعَارِفِ وَالْأَحْوَالِ وَالْأَحْمَالِ : أَحَبَّهُمْ اللَّهُ تَعَالَى . فَقَالَ : { وَلَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ } فَعَلُوا مَحْبُوبَهُ فَأَحَبَّهُمْ فَإِنَّ الْجَزَاءَ مِنْ جِنْسِ الْعَمَلِ مُنَاسِبٌ لَهُ مُنَاسَبَةَ الْمَعْلُولِ لِعِلَّتِهِ . وَلَا يُتَوَهَّمُ أَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ : أَنْ يَأْتِيَ الْعَبْدُ بِعَيْنِ كُلِّ حَرَكَةٍ يُحِبُّهَا اللَّهُ ؛ فَإِنَّ هَذَا مُمْتَنِعٌ . وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ أَنْ يَأْتِيَ بِمَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنْ الْأَعْمَالِ الْبَاطِنَةِ وَالظَّاهِرَةِ ؛ وَالْبَاطِنَةُ يُمْكِنُهُ أَنْ يَأْتِيَ مِنْهَا بِأَكْثَرَ مِمَّا يَأْتِي بِهِ مِنْ الظَّاهِرَةِ كَمَا قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ : " قُوَّةُ الْمُؤْمِنِ فِي قَلْبِهِ وَضَعْفُهُ فِي جِسْمِهِ وَقُوَّةُ الْمُنَافِقِ فِي جِسْمِهِ وَضَعْفُهُ فِي قَلْبِهِ " وَلِهَذَا قَالَ r { الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ } { وَقَالَ : إنَّ بِالْمَدِينَةِ لَرِجَالًا مَا سِرْتُمْ مَسِيرًا وَلَا قَطَعْتُمْ وَادِيًا إلَّا كَانُوا مَعَكُمْ حَبَسَهُمْ الْعُذْرُ } وَقَالَ : { فَهُمَا فِي الْأَجْرِ سَوَاءٌ } فِي حَدِيثِ الْقَادِرِ عَلَى الْإِنْفَاقِ وَالْعَاجِزِ عَنْهُ الَّذِي قَالَ : { لَوْ أَنَّ لِي مِثْلَ مَا لِفُلَانِ لَعَمِلْت فِيهِ مِثْلَ مَا عَمِلَ } فَإِنَّهُمَا لَمَّا اسْتَوَيَا فِي عَمَلِ الْقَلْبِ وَكَانَ أَحَدُهُمَا مَعْذُورَ الْجِسْمِ اسْتَوَيَا فِي الْجَزَاءِ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم{ إذَا مَرِضَ الْعَبْدُ أَوْ سَافَرَ كُتِبَ لَهُ مِنْ الْعَمَلِ مِثْلَ مَا كَانَ يَعْمَلُ وَهُوَ صَحِيحٌ مُقِيمٌ } .
فَصْلٌ :
وَقَدْ يَقَعُ بَعْضُ مَنْ غَلَبَ عَلَيْهِ الْحَالُ فِي نَوْعٍ مِنْ الْحُلُولِ أَوْ الِاتِّحَادِ ؛ فَإِنَّ الِاتِّحَادَ فِيهِ حَقٌّ وَبَاطِلٌ لَكِنْ لَمَّا وَرَدَ عَلَيْهِ مَا غَيَّبَ عَقْلَهُ أَوْ أَفْنَاهُ عَمَّا سِوَى مَحْبُوبِهِ وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ بِذَنْبِ مِنْهُ : كَانَ مَعْذُورًا غَيْرَ مُعَاقِبٍ عَلَيْهِ مَا دَامَ غَيْرَ عَاقِلٍ فَإِنَّ الْقَلَمَ رُفِعَ عَنْ الْمَجْنُونِ حَتَّى يُفِيقَ ؛ وَإِنْ كَانَ مُخْطِئًا فِي ذَلِكَ كَانَ دَاخِلًا فِي قَوْلِهِ : { رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا } وَقَالَ : { وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ } . وَهَذَا كَمَا يُحْكَى أَنَّ رَجُلَيْنِ كَانَ أَحَدُهُمَا يُحِبُّ الْآخَرَ فَوَقَعَ الْمَحْبُوبُ فِي الْيَمِّ فَأَلْقَى الْآخَرُ نَفْسَهُ خَلْفَهُ . فَقَالَ : أَنَا وَقَعْت فَمَا الَّذِي أَوْقَعَك ؟ فَقَالَ : غِبْت بِك عَنِّي فَظَنَنْت أَنَّك أَنِّي . فَهَذِهِ الْحَالُ تَعْتَرِي كَثِيرًا مِنْ أَهْلِ الْمَحَبَّةِ وَالْإِرَادَةِ فِي جَانِبِ الْحَقِّ وَفِي غَيْرِ جَانِبِهِ وَإِنْ كَانَ فِيهَا نَقْصٌ وَخَطَأٌ فَإِنَّهُ يَغِيبُ بِمَحْبُوبِهِ عَنْ حُبِّهِ وَعَنْ نَفْسِهِ وَبِمَذْكُورِهِ عَنْ ذِكْرِهِ وَبِمَعْرُوفِهِ عَنْ عِرْفَانِهِ وَبِمَشْهُودِهِ عَنْ شُهُودِهِ وَبِمَوْجُودِهِ عَنْ وُجُودِهِ فَلَا يَشْعُرُ حِينَئِذٍ بِالتَّمْيِيزِ وَلَا بِوُجُودِهِ ؛ فَقَدْ يَقُولُ فِي هَذِهِ الْحَالِ : أَنَا الْحَقُّ أَوْ سُبْحَانِي أَوْ مَا فِي الْجُبَّةِ إلَّا اللَّهُ وَنَحْوَ ذَلِكَ وَهُوَ سَكْرَانُ بِوَجْدِ الْمَحَبَّةِ الَّذِي هُوَ لَذَّةٌ وَسُرُورٌ بِلَا تَمْيِيزٍ .(46/24)
وَذَلِكَ السَّكْرَانُ : يُطْوَى وَلَا يُرْوَى إذَا لَمْ يَكُنْ سُكْرُهُ بِسَبَبِ مَحْظُورٍ . فَأَمَّا إذَا كَانَ السَّبَبُ مَحْظُورًا : لَمْ يَكُنْ السَّكْرَانُ مَعْذُورًا وَأَمَّا أَهْلُ الْحُلُولِ : فَمِنْهُمْ مَنْ يَغْلِبُ عَلَيْهِ شُهُودُ الْقَلْبِ وَتَجَلِّيه حَتَّى يَتَوَهَّمَ أَنَّهُ رَأَى اللَّهَ بِعَيْنَيْ رَأْسِهِ . وَلِهَذَا ذَكَرَ ذَلِكَ طَائِفَةٌ مِنْ الْعِبَادِ الْأَصِحَّاءِ غَلَطًا مِنْهُمْ وَقَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ النُّوَاسِ بْنِ سَمْعَانَ : { أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمَّا ذَكَرَ الدَّجَّالَ وَدَعْوَاهُ الرُّبُوبِيَّةَ قَالَ : وَاعْلَمُوا أَنَّ أَحَدًا مِنْكُمْ لَنْ يَرَى رَبَّهُ حَتَّى يَمُوتَ } وَرُوِيَ هَذَا الْمَعْنَى عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْ وُجُوهٍ أُخْرَى مُتَعَدِّدَةٍ حَسَنَةٍ فِي حَدِيثِ الدَّجَّالِ . فَإِنَّهُ لَمَّا ادَّعَى الرُّبُوبِيَّةَ ذَكَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلمفُرْقَانَيْنِ ظَاهِرَيْنِ لِكُلِّ أَحَدٍ أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ أَعْوَرُ وَاَللَّهُ لَيْسَ بِأَعْوَرَ الثَّانِي : أَنَّ أَحَدًا مِنَّا لَنْ يَرَى رَبَّهُ حَتَّى يَمُوتَ وَهَذَا إنَّمَا ذَكَرَهُ فِي الدَّجَّالِ مَعَ كَوْنِهِ كَافِرًا ؛ لِأَنَّهُ يَظْهَرُ عَلَيْهِ مِنْ الْخَوَارِقِ الَّتِي تُقَوِّي الشُّبْهَةَ فِي قُلُوبِ الْعَامَّةِ .
فَصْلٌ :(46/25)
فَإِذَا عُرِفَ الِاتِّحَادُ الْمُعَيَّنُ مِمَّا يُشْبِهُ الْحُلُولَ أَوْ الِاتِّحَادَ الَّذِي فِيهِ نَوْعُ حَقٍّ تَبَيَّنَ أَيْضًا مَا فِي الْمُطْلَقِ مِنْ ذَلِكَ . فَنَقُولُ : لَا رَيْبَ أَنَّ اللَّهَ رَبُّ الْعَالَمِينَ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِينَ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إلَهَ إلَّا هُوَ فَاِتَّخِذْهُ وَكِيلًا رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمْ الْأَوَّلِينَ رَبُّ النَّاسِ مَلِكُ النَّاسِ إلَهُ النَّاسِ . وَهُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى مِنْ نُطْفَةٍ إذَا تُمْنَى . وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَمَلِيكُهُ وَهُوَ مَالِكُ الْمُلْكِ ؛ يُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ يَشَاءُ وَيَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ يَشَاءُ وَيُعِزُّ مَنْ يَشَاءُ وَيُذِلُّ مَنْ يَشَاءُ بِيَدِهِ الْخَيْرُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ { مَا مِنْ دَابَّةٍ إلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } . قُلُوبُ الْعِبَادِ وَنَوَاصِيهِمْ بِيَدِهِ وَمَا مِنْ قَلْبٍ إلَّا وَهُوَ بَيْنَ إصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ إنْ شَاءَ أَنْ يُقِيمَهُ أَقَامَهُ وَإِنْ شَاءَ أَنْ يُزِيغَهُ أَزَاغَهُ . وَهُوَ الَّذِي أَضْحَكَ وَأَبْكَى وَأَغْنَى وَأَقْنَى وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَيُنَزِّلُ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَيَبُثُّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ . وَهُوَ { الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ } . { فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ } { وَهُوَ اللَّهُ لَا إلَهَ إلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } وَهُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ الَّذِي لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ وَهُوَ الْقَائِمُ بِالْقِسْطِ الْقَائِمِ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ . { وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا } . وَمَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ فَمَا شَاءَ اللَّهُ كَانَ وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ وَلَا مَلْجَأَ مِنْهُ إلَّا إلَيْهِ . فَهَذِهِ الْمَعَانِي وَمَا أَشْبَهَهَا مِنْ مَعَانِي رُبُوبِيَّتِهِ وَمُلْكِهِ وَخَلْقِهِ وَرِزْقِهِ وَهِدَايَتِهِ وَنَصْرِهِ وَإِحْسَانِهِ وَبِرِّهِ وَتَدْبِيرِهِ وَصُنْعِهِ ثُمَّ مَا يَتَّصِلُ بِذَلِكَ مِنْ أَنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ وَعَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّهُ سَمِيعٌ بَصِيرٌ لَا يَشْغَلُهُ سَمْعٌ عَنْ سَمْعٍ وَلَا تُغَلِّطُهُ الْمَسَائِلُ وَلَا يَتَبَرَّمُ بِإِلْحَاحِ الْمُلِحِّينَ يُبْصِرُ دَبِيبَ النَّمْلَةِ السَّوْدَاءِ فِي اللَّيْلَةِ الظَّلْمَاءِ عَلَى الصَّخْرَةِ الصَّمَّاءِ . فَهَذَا كُلُّهُ حَقٌّ . وَهُوَ مَحْضُ تَوْحِيدِ الرُّبُوبِيَّةِ ؛ وَهُوَ مَعَ هَذَا قَدْ أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى وَأَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ .(46/26)
وَهَذَا صُنْعُ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ وَالْخَيْرُ كُلُّهُ بِيَدَيْهِ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ وَهُوَ أَرْحَمُ بِعِبَادِهِ مِنْ الْوَالِدَةِ بِوَلَدِهَا كَمَا أَقْسَمَ عَلَى ذَلِكَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلمفَقَالَ : { وَاَللَّهِ لَلَّهُ أَرْحَمُ بِعِبَادِهِ مِنْ هَذِهِ الْوَالِدَةِ بِوَلَدِهَا } إلَى نَحْوِ هَذِهِ الْمَعَانِي الَّتِي تَقْتَضِي شُمُولَ حِكْمَتِهِ وَإِتْقَانَهُ وَإِحْسَانَهُ خَلْقَ كُلِّ شَيْءٍ وَسِعَةَ رَحْمَتِهِ وَعَظَمَتِهَا وَأَنَّهَا سَبَقَتْ غَضَبَهُ كُلُّ هَذَا حَقٌّ . فَهَذَانِ الْأَصْلَانِ عُمُومُ خَلْقِهِ وَرُبُوبِيَّتِهِ وَعُمُومُ إحْسَانِهِ وَحِكْمَتِهِ : أَصْلَانِ عَظِيمَانِ وَإِنْ كَانَ مِنْ النَّاسِ مَنْ يَكْفُرُ بِبَعْضِ الْأَوَّلِ كَالْقَدَرِيَّةِ الَّذِينَ يُخْرِجُونَ أَفْعَالَ الْعِبَادِ عَنْ خَلْقِهِ وَيُضِيفُونَهَا إلَى مَحْضِ فِعْلِ ذِي الِاخْتِيَارِ أَوْ الطَّبِيعَةِ الَّذِينَ يَقْطَعُونَ إضَافَةَ الْفِعْلِ إلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَيُضِيفُونَهُ إمَّا إلَى الطَّبْعِ أَوْ إلَى جِسْمٍ فِيهِ طَبْعٌ أَوْ إلَى فَلَكٍ أَوْ إلَى نَفْسٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ مِنْ مَخْلُوقَاتِهِ الْعَاجِزَةِ عَنْ إقَامَةِ نَفْسِهَا فَهِيَ عَنْ إقَامَةِ غَيْرِهَا أَعْجَزُ . وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَجْحَدُ بَعْضَ الثَّانِي أَوْ يُعْرِضُ عَنْهُ مُتَوَهِّمًا خُلُوَّ شَيْءٍ مِنْ مَخْلُوقَاتِهِ عَنْ إحْسَانِ خَلْقِهِ وَإِتْقَانِهِ وَعَنْ حِكْمَتِهِ وَيَظُنُّ قُصُورَ رَحْمَتِهِ . وَعَجْزِهَا مِنْ الْقَدَرِيَّةِ الإبليسية أَوْ الْمَجُوسِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ . وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ : فَجَمِيعُ الْكَائِنَاتِ : آيَاتٌ لَهُ شَاهِدَةٌ دَالَّةٌ مُظْهِرَةٌ لِمَا هُوَ مُسْتَحِقٌّ لَهُ مِنْ الْأَسْمَاءِ الْحُسْنَى وَالصِّفَاتِ الْعُلَى ؛ وَعَنْ مُقْتَضَى أَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ خَلَقَ الْكَائِنَاتِ . فَإِنَّ الرَّحِمَ شُجْنَةٌ مِنْ الرَّحْمَنِ خَلَقَ الرَّحِمَ وَشَقَّ لَهَا مِنْ اسْمِهِ ؛ وَهُوَ الرَّازِقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ وَهُوَ الْهَادِي النَّصِيرُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ وَيَنْصُرُ رُسُلَهُ وَاَلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ . وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ الرَّحِيمُ الَّذِي أَظْهَرَ مِنْ آثَارِ عِلْمِهِ وَحِكْمَتِهِ وَرَحْمَتِهِ مَا لَا يُحْصِيهِ إلَّا هُوَ . فَهُوَ رَبُّ الْعَالَمِينَ وَالْعَالَمُونَ مُمْتَلِئُونَ بِمَا فِيهِمْ مِنْ آثَارِ أَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ وَكُلُّ شَيْءٍ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ مِنْ النَّاسِ مَنْ يُدْرِكُ مَا فِيهَا مِنْ الدَّلَالَةِ وَالشَّهَادَةِ بِالْعِلْمِ وَالْمَعْرِفَةِ . وَمَنْ خَرَقَ اللَّهُ سَمْعَهُ سَمِعَ تَأْوِيبَ الْجِبَالِ وَالطَّيْرِ وَعَلِمَ مَنْطِقَ الطَّيْرِ . فَإِذَا فُسِّرَ ظُهُورُهُ وَتَجَلِّيهِ بِهَذَا الْمَعْنَى : فَهَذَا صَحِيحٌ وَلَكِنْ لَفْظُ الظُّهُورِ وَالتَّجَلِّي فِيهِ إجْمَالٌ كَمَا سَنُبَيِّنُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى . وَإِذَا قَالَ الْقَائِلُ : مَا رَأَيْت شَيْئًا إلَّا وَرَأَيْت اللَّهَ قَبْلَهُ لِأَنَّهُ رَبُّهُ وَالرَّبُّ مُتَقَدِّمٌ عَلَى الْعَبْدِ أَوْ رَأَيْت اللَّهَ بَعْدَهُ ؛ لِأَنَّهُ آيَتُهُ وَدَلِيلُهُ وَشَاهِدُهُ ؛ وَالْعِلْمُ بِالْمَدْلُولِ بَعْدَ الدَّلِيلِ أَوْ رَأَيْت اللَّهَ فِيهِ بِمَعْنَى ظُهُورِ آثَارِ الصَّانِعِ فِي صَنْعَتِهِ فَهَذَا صَحِيحٌ . بَلْ الْقُرْآنُ كُلُّهُ يُبَيِّنُ هَذَا وَيَدُلُّ عَلَيْهِ وَهُوَ دِينُ الْمُرْسَلِينَ وَسَبِيلُ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَهُوَ اعْتِقَادُ الْمُسْلِمِينَ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ وَمَنْ يَدْخُلُ فِيهِمْ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْإِيمَانِ ذَوِي الْمَعْرِفَةِ وَالْيَقِينِ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ الْمُتَّقِينَ .
فَصْلٌ :فِي الْغَلَطِ فِي ذَلِكَ(46/27)
ثُمَّ إنَّ كَثِيرًا مِنْ أَهْلِ التَّوَجُّهِ إلَى اللَّهِ إذَا أَقْبَلُوا عَلَى ذِكْرِهِ وَعِبَادَتِهِ وَالْإِنَابَةِ إلَيْهِ : شَهِدُوا بِقُلُوبِهِمْ هَذِهِ الرُّبُوبِيَّةَ الْجَامِعَةَ وَهَذِهِ الْإِحَاطَةَ الْعَامَّةَ فَإِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ وَهُوَ سُبْحَانَهُ الْحَقُّ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ مَا خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إلَّا بِالْحَقِّ وَهُوَ سُبْحَانَهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ { اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ } الْآيَةَ . وَهُوَ سُبْحَانَهُ لَيْسَ عِنْدَهُ لَيْلٌ وَلَا نَهَارٌ . نُورُ السَّمَوَاتِ مِنْ نُورِ وَجْهِهِ . هَكَذَا قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ : " لَا يَنَامُ وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَنَامَ يَخْفِضُ الْقِسْطَ وَيَرْفَعُهُ يُرْفَعُ إلَيْهِ عَمَلُ اللَّيْلِ قَبْلَ عَمَلِ النَّهَارِ وَعَمَلُ النَّهَارِ قَبْلَ عَمَلِ اللَّيْلِ حِجَابُهُ النُّورُ أَوْ النَّارُ لَوْ كَشَفَهَا لَأَحْرَقَتْ سُبُحَاتُ وَجْهِهِ مَا أَدْرَكَهُ بَصَرُهُ مِنْ خَلْقِهِ " هَكَذَا قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلمفِي الْحَدِيثِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ عَنْ أَبِي مُوسَى .
فَقَدْ يَشْهَدُ الْعَبْدُ الْقَدْرَ الْمُشْتَرَكَ بَيْنَ الْمَصْنُوعَاتِ وَهُوَ الْحَقُّ الْمَوْجُودُ فِيهَا الَّذِي هُوَ شَامِلٌ لَهَا فَيَظُنُّ أَنَّهُ الْخَالِقُ لِمُطَابَقَتِهِ لَهُ فِي نَوْعٍ مِنْ الْعُمُومِ وَإِنَّمَا هُوَ صُنْعُهُ وَخَلْقُهُ ثُمَّ قَدْ يَرْتَقِي إلَى حِجَابٍ مِنْ حُجُبِهِ النُّورِيَّةِ أَوْ النَّارِيَّةِ فَيَظُنُّ أَنَّهُ هُوَ ثُمَّ يَرْتَقِي إلَى نُورِهِ وَمَا يَظْهَرُ مِنْ أَثَرِ صِفَاتِهِ ؛ فَقَدْ يَقَعُ بَعْضُ هَؤُلَاءِ فِي نَحْوٍ مَنْ مَذْهَبِ أَهْلِ الِاتِّحَادِ الْمُطْلَقِ الْعَامِّ ؛ فَإِنْ تَدَارَكَهُمْ اللَّهُ بِرَحْمَتِهِ فَاعْتَصَمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ وَاتَّبَعُوا هُدَى اللَّهِ : عَلِمُوا أَنَّ هَذَا كُلَّهُ مَخْلُوقٌ لِلَّهِ وَأَنَّ الْخَالِقَ لَيْسَ هُوَ الْمَخْلُوقَ وَأَنَّ جَمِيعَهُمْ عِبَادٌ لِلَّهِ وَرُبَّمَا قَدْ يَقَعُ هَذَا فِي نَوْعٍ مِنْ الْفَنَاءِ أَوْ السُّكْرِ فَيَكُونُ مُخْطِئًا غالطا وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مَغْفُورًا لَهُ إذَا كَانَ بِسَبَبِ غَيْرِ مَحْظُورٍ كَمَا ذَكَرْنَا نَظِيرَهُ فِي الِاتِّحَادِ الْمُعَيَّنِ .
فَصْلٌ :(46/28)
وَهُوَ كَمَا يَشْهَدُ رُبُوبِيَّتَهُ وَتَدْبِيرَهُ الْعَالَمَ الْمُحِيطَ وَحِكْمَتَهُ وَرَحْمَتَهُ : فَكَذَلِكَ يَشْهَدُ إلَهِيَّتَهُ الْعَامَّةَ ؛ فَإِنَّهُ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إلَهٌ إلَهٌ فِي السَّمَاءِ وَإِلَهٌ فِي الْأَرْضِ { يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ } وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ : { وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ } - الْآيَةَ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ عَلَى وَقْفِ مَنْ يَقِفُ عِنْدَ قَوْلِهِ { وَفِي الْأَرْضِ } فَإِنَّ الْمَعْنَى هُوَ فِي السَّمَوَاتِ اللَّهُ وَفِي الْأَرْضِ اللَّهُ لَيْسَ فِيهِمَا مَنْ هُوَ اللَّهُ غَيْرُهُ . وَهَذَا وَإِنْ كَانَ مُشَابِهًا لِقَوْلِهِ : { وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إلَهٌ } فَهُوَ أَبْلَغُ مِنْهُ . وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ : { لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا } وَقَدْ قَالَ : { وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } وَقَالَ تَعَالَى : { تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ } وَقَالَ : { أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ } وقَوْله تَعَالَى { وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلَالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ } وَقَوْلُهُ : { أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ } وقَوْله تَعَالَى { وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ } { وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ } وَقَوْلُهُ : { سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } { يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ } وَنَحْوُ ذَلِكَ - مِنْ مَعَانِي أُلُوهِيَّتِهِ وَخُضُوعِ الْكَائِنَاتِ وَإِسْلَامِهَا لَهُ وَافْتِقَارِهَا إلَيْهِ وَسُؤَالِهَا إيَّاهُ وَدُعَاءِ الْخَلْقِ إيَّاهُ ؛ إمَّا دُعَاءُ عِبَادَةٍ وَإِمَّا دُعَاءُ مَسْأَلَةٍ وَإِمَّا دُعَاؤُهُمَا جَمِيعًا .
وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ وَقْتَ الِاخْتِيَارِ : { وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إلَّا إيَّاهُ } { أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إذَا دَعَاهُ } وَنَشْهَدُ أَنَّ كُلَّ مَعْبُودٍ سِوَاهُ مِنْ لَدُنْ عَرْشِهِ إلَى قَرَارِ أَرْضِهِ فَإِنَّهُ بَاطِلٌ إلَّا وَجْهَهُ الْكَرِيمَ كَمَا نَشْهَدُ أَنَّهَا كُلَّهَا مُفْتَقِرَةٌ إلَيْهِ فِي مَبْدَئِهَا نَشْهَدُ أَنَّهَا مُفْتَقِرَةٌ إلَيْهِ فِي مُنْتَهَاهَا وَإِلَّا كَانَتْ بَاطِلَةً . فَهَذِهِ الْمَعَانِي الَّتِي فِيهَا تَأَلُّهُ الْكَائِنَاتِ إيَّاهُ وَتَعَلُّقِهَا بِهِ . وَالْمَعَانِي الْأُوَلُ الَّتِي فِيهَا رُبُوبِيَّتُهُ إيَّاهُمْ : وَخَلْقُهُ لَهُمْ : يُوجِبُ أَنْ يُعْلَمَ أَنَّهُ رَبُّ النَّاسِ مَلِكُ النَّاسِ إلَهُ النَّاسِ وَأَنَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ لَا إلَهَ إلَّا هُوَ وَالْكَائِنَاتُ لَيْسَ لَهَا مِنْ نَفْسِهَا شَيْءٌ بَلْ هِيَ عَدَمٌ مَحْضٌ وَنَفْيٌ صِرْفٌ وَمَا بِهَا مِنْ وُجُودٍ : فَمِنْهُ وَبِهِ . ثُمَّ إنَّهُ إلَيْهِ مَصِيرُهَا وَمَرْجِعُهَا ؛ وَهُوَ مَعْبُودُهَا وَإِلَهُهَا لَا يَصْلُحُ أَنْ يُعْبَدَ إلَّا هُوَ كَمَا لَمْ يَخْلُقْهَا إلَّا هُوَ لِمَا هُوَ مُسْتَحِقُّهُ بِنَفْسِهِ وَمُتَفَرِّدٌ بِهِ مِنْ نُعُوتِ الْإِلَهِيَّةِ الَّتِي لَا شَرِيكَ لَهُ فِيهَا وَلَا سُمِّيَ لَهُ وَلَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ . فَهُوَ الْأَوَّلُ الَّذِي لَيْسَ قَبْلَهُ شَيْءٌ وَهُوَ الْآخِرُ الَّذِي لَيْسَ بَعْدَهُ شَيْءٌ وَهُوَ الظَّاهِرُ الَّذِي لَيْسَ فَوْقَهُ شَيْءٌ وَهُوَ الْبَاطِنُ الَّذِي لَيْسَ دُونَهُ شَيْءٌ وَهُوَ مَعَنَا أَيْنَمَا كُنَّا وَنَعْلَمُ أَنَّ مَعِيَّتَهُ مَعَ عِبَادِهِ عَلَى أَنْوَاعٍ وَهُمْ فِيهَا دَرَجَاتٌ . وَكَذَلِكَ رُبُوبِيَّتُهُ لَهُمْ وَعُبُودِيَّتُهُمْ الَّتِي هُمْ بِهَا مُعَبَّدُونَ لَهُ وَكَذَلِكَ أُلُوهِيَّتُهُمْ إيَّاهُ وَأُلُوهِيَّتُهُ لَهُمْ وَعِبَادَتُهُمْ الَّتِي هُمْ بِهَا عَابِدُونَ وَكَذَلِكَ قُرْبُهُ مِنْهُمْ وَقُرْبُهُمْ مِنْهُ .
=============(46/29)
(46/30)
شروط جواز العمل بترجمة الفلسفة الإلحادية
تاريخ الفتوى : …07 ربيع الثاني 1425 / 27-05-2004
السؤال
أعمل مترجمة وكثيراً ما أترجم لطلاب الدراسات العليا بعض البحوث والكتب، مؤخراً جاءني نص فلسفي قيل لي أول الأمر إنه ديني، ثم بعد أن باشرت بترجمته وجدت أن فيه الكثير من الكفر الذي علي أن أنقله إلى العربية، لم أستطع أن أفعل ذلك وأخبرت زبونتي بأني لا أشعر بالارتياح، فأخبرتني بأن هذا الموضوع سيفيدني لمحاججة من قد أصادف من ملاحدة ومن شابههم وقيل إن ناقل الكفر ليس بكافر، فترجمت الموضوع وتحايلت على النص بحيث كلما وردت كلمة تنكر وجود الله أختار كلمة تشير إلى أي من أولئك الذين يعبدون دونه، أريد المشورة أأترك هذا النوع من النصوص فرؤية الكفر أو القراءة عنه ثقيلة على نفسي، فكيف بي وأنا أكتبه بيدي، وأنا بصراحة لست مهتمة بمحاججة الملحدين وأظن أنني لست أهلاً لذلك، أرجو من الله أن تردوا علي سريعاً، فقد استخرت واستشرت لكني لا أزال في حيرة من أمري؟ وجزاكم الله خيراً.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن ترجمة الفلسفات الإلحادية يتعين تركها لأنها لا تتحقق منها مصلحة للطلاب إذ ليست علما يفيدهم، ولا تفيد في مجال اقتصادي عملي، وإنما يترتب عليها نشر الإلحاد والكفر وتأثر ضعفاء الإيمان بها كما حصل لبعض من درسوا الفلسفة اليونانية في العصور القديمة من المسلمين، ولذلك صرح العلماء بأن العلم كله نافع وتعلمه خير من جهله؛ إلا علم السحر وعلم الفلسفة الإلحادية، وقد ذكر النووي في المجموع أنه لا يجوز بيع كتب الكفر والفلسفة لأنه ليس فيها منفعة مباحة، وما قيل في تحريم بيعها ينبغي أن يقال في ترجمتها، ولا سيما إن كان من تترجم له غير متمرس في العلوم الشرعية، وأما الطالب الذي يدرسها ليرد على المقتنعين بها فإن تعلمها يجوز له كما عمل العلماء قديما مثل ابن تيمية، وعليه فتجوز ترجمتها له، لكن يشترط للجواز هنا أمران:
الأول: أن يكون محصنا علميا من أن يتأثر بهذه الدعوات.
الثاني: أن يكون ممن وهبهم الله من الذكاء ما يجعلهم قادرين على مقارعة أهل الأهواء ودحض شبههم، وراجعي الفتوى رقم: 45316، في موضوع نقل الكفر، وراجعي الفتوى رقم: 15514.
والله أعلم.
المفتي: …مركز الفتوى
==============(46/31)
(46/32)
تهافت الادعاء بأن الله غير عادل
تاريخ الفتوى : …11 ربيع الثاني 1425 / 31-05-2004
السؤال
لي صديق يدعي أن القرآن غير معجز، وأن الله غير عادل، وهو الآن على درجة الإلحاد فأفيدوني لكي ننقذ هذا الشاب قبل أن يقع في براثن الشيطان؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن إعجاز القرآن أثبت وأوضح من الشمس، ومما يدل لذلك أن الله تحدى العرب بالإتيان بقرآن مثله فعجزوا، ثم تحداهم بالإتيان بعشر سور مثله فعجزوا، ثم تحداهم بسورة من مثله فعجزوا، ثم أخبر سبحانه وتعالى أنهم لن يأتوا بمثله ولو تعاونوا جميعاً. ولم يسمع في التاريخ من ذلك العصر إلى اليوم أن أحداً كتب مقالاً يحاكي القرآن، وصدق الله تعالى إذ يقول: قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا [الإسراء:88]، قال ابن كثير في البداية والنهاية في معرض حديثه عن دلائل النبوة المعنوية: وهو معنوية وحسية، فمن المعنوية إنزال القرآن عليه وهو أعظم المعجزات، وأبهر الآيات، وأبين الحجج الواضحات لما اشتمل عليه من التركيب المعجز الذي تحدى به الإنس والجن أن يأتوا بمثله فعجزوا عن ذلك مع توافر دواعي أعدائه على معارضته وفصاحتهم وبلاغتهم، ثم تحداهم بعشر سور منه فعجزوا، ثم تنازل إلى التحدي بسورة من مثله فعجزوا عنه وهم يعلمون عجزهم وتقصيرهم عن ذلك، وأن هذا ما لا سبيل لأحد إليه أبداً، قال الله تعالى: قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا [الإسراء:88]، وهذه الآية مكية. وقال في سورة الطور وهي مكية: أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَل لَّا يُؤْمِنُون* فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِّثْلِهِ إِن كَانُوا صَادِقِينَ، أي إن كنتم صادقين في أنه قاله من عنده فهو بشر مثلكم فأتوا بمثل ما جاء به فإنكم مثله، وقال تعالى في سورة البقرة وهي مدنية معيدا للتحدي: وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُواْ شُهَدَاءكُم مِّن دُونِ اللّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ* فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ فَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ [البقرة:23-24]، وقال الله تعالى: أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ* فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّمَا أُنزِلِ بِعِلْمِ اللّهِ وَأَن لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ فَهَلْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ [هود:13-14]، وقال الله تعالى: وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَن يُفْتَرَى مِن دُونِ اللّهِ وَلَكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لاَ رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ الْعَالَمِينَ* أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ* بَلْ كَذَّبُواْ بِمَا لَمْ يُحِيطُواْ بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ [يونس:37-38-39]، فبين تعالى أن الخلق عاجزون عن معارضة هذا القرآن بل عن عشر سور مثله بل عن سورة منه، وأنهم لا يستطيعون ذلك أبداً، كما قال الله تعالى: فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ أي فإن لم تفعلوا في الماضي ولن تستطيعوا ذلك في المستقبل، وهذا تحدٍ ثان وهو أنه لا يمكن معارضتهم له لا في الحال ولا في المآل، ومثل هذا التحدي إنما يصدر عن واثق بأن ما جاء به لا يمكن للبشر معارضته ولا الإتيان بمثله، ولو كان من منقول من عند نفسه لخاف أن يعارض فيفتضح ويعود عليه نقيض ما قصده من متابعة الناس له. ومعلوم لكل ذي لب أن محمداً من أعقل خلق الله بل أعقلهم وأكملهم على الاطلاق في نفس الأمر، فما كان ليقدم هذا الأمر إلا وهو عالم بأنه لا يمكن معارضته وهكذا وقع، فإنه من لدن رسول الله، وإلى زماننا هذا لم يستطع أحد أن يأتي بنظيره ولا نظير سورة منه، وهذا لا سبيل إليه أبداً فإنه كلام رب العالمين الذي لا يشبهه شيء من خلقه لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله، فأنى يشبه كلام المخلوقين كلام الخالق. انتهى.
وأما ادعاء أن الله غير عادل، تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً، فإنه مردود شرعاً وعقلاً، وصاحبه متبع لإبليس لعنه الله، قال شيخ الإسلام: ومن طعن في عدل الله وحكمته كان شبيهاً بإبليس، فإن الله ذكر عنه أنه طعن في حكمته وعارضه برأيه وهواه، وأنه قال: قَالَ رَبِّ بِمَآ أَغْوَيْتَنِي لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ [الحجر:39].(46/33)
فالله سبحانه وتعالى هو العدل الحكم لا يظلم الناس شيئاً ولكن الناس أنفسهم يظلمون، وقد أخبر عن نفسه فقال: وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا [الكهف:49]، وقال تعالى: إِنَّ اللّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ [النساء:40]، وفي الحديث القدسي: يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا..... أخرجه مسلم.
وقد أوجب سبحانه على الحكام العدل بين الناس في الحكم، فقال: إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا [النساء:58]، وقد أنزل الوحي المشتمل على هذه الشريعة التي هي عدل ورحمة كلها، قال ابن القيم في إعلام الموقعين: إن الشريعة مبناها وأساسها على الحكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد، وهي عدل كلها ورحمة كلها ومصالح كلها وحكمة كلها.
وأما الوسائل المساعدة في إنقاذ هذا الشاب، فمن أهمها الدعاء له بالهداية ومحاورته وتعليمه إن كان جاهلاً، وجداله بالتي هي أحسن إن كان متأثراً بالأفكار الإلحادية، ووعظه وترقيق قلبه وتذكيره بآيات الله، قال الله تعالى: ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ [النحل:125]، وعليك بإعارته ما تيسر من الأشرطة النافعة والكتب المفيدة والسعي في ربطة بصحبة صالحة لعلها تجره إلى الخير، فإن الرجل على دين خليله، كما في الحديث الذي رواه أحمد وأبو داود والترمذي والحاكم وصححه الحاكم ووافقه الذهبي.
والمدارسة معه في مسألة الإعجاز والعدل انطلاقاً مما ذكرناه سابقاً ومما تراه في كتب التفسير عند الآيات التي ذكرناها، وننصحك إن لم تكن واثقاً من نفسك بالقدرة على جداله أن تستخدم في جداله من يقدر على ذلك لأن إيراد الشبه على القلب يمرضه، فلهذا يتعين عليك أن تحتاط لنفسك حتى لا يؤثر عليك.
والله أعلم.
المفتي: …مركز الفتوى
===============(46/34)
(46/35)
تهافت القول بأن المادة لا تفنى ولا تستحدث من العدم
تاريخ الفتوى : …07 جمادي الثانية 1425 / 25-07-2004
السؤال
السلام عليكم فضيلة المشايخ ورحمة الله و بركاته................... وبعد؛
فقد كان من بعض المشايخ المعتبرين إنكار القاعدة العلمية: أن المادة لا تفنى ولا تستحدث، وأن العلماء سيدركون خطأهم كما تراجع بعض العلماء عن نظرية التطور الإنساني، والحقيقة أن معنى كون المادة لا تستحدث: هو أن الإنسان عاجز عن الخلق في الاصطلاح الديني، ولا تفنى: أي ما تحدى الله به سبحانه البشر حين قال: يا معشر الجن و الإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السموات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان. والمعروف في العلم الحديث أن إدراك الشيء ممكن، يعني إمكان العمل به، فإذا قال العلماء أن المادة تستحدث فيعني أن البشر قادر على الخلق، والله سبحانه يقول: أفمن يخلق كمن لا يخلق، كذلك وضح أمر إفناء المادة، فالقول الدقيق وفضيلتكم أعلم أن المادة لا تفنى ولا تستحدث من المخلوق و تفنى وتستحدث من الخالق.
جزاكم الله خير الجزاء فضيلة المشايخ.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن عبارة: المادة لا تفنى ولا تستحدث من العدم، والتي يعبر عنها البعض: الطاقة لا تفنى ولا تستحدث من العدم، لم يُسلِّم بها العلماء التجريبيون، وراجع كتاب: الفيزياء ووجود الخالق، للدكتور جعفر شيخ إدريس، رئيس الجامعة الأمريكية المفتوحة، والكتاب نشره المنتدى الإسلامي بلندن ضمن سلسلة كتاب البيان، وتجده على الإنترنت في:
ثم إن هذه العبارة بهذا الإطلاق لا تجوز شرعا، فقولهم: المادة لا تفنى، باطل لأن كل ما سوى الله يفنى، قال تعالى: كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ [سورة الرحمن: 27،26]. وقال سبحانه: كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ [سورة القصص: 88].
ومعنى قولهم: لا تستحدث من العدم، أن المادة أزلية، وفي ذلك نفي للخلق، والله تعالى يقول: اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ [سورة الزمر: 62].
ويلزم من عبارة الفيزيائيين آنفة الذكر أن الكون مستغن عن الله، فلا رب خلقه، ولا رب يدبره ويقوم عليه بالرعاية، وهذا منطق الملاحدة، فالله هو الحي القيوم.
والواجب أن تنقى كتب العلوم التجريبية التي تدرس في بلاد المسلمين من العبارات التي تكرس الإلحاد في أذهان الطلاب، وأن لا يؤخذ كلام العلماء التجريبيين الظني دون عرضه على قواطع العقيدة الإسلامية.
والله أعلم.
المفتي: …مركز الفتوى
=============(46/36)
(46/37)
هل انخدع الإخوان المسلمون بالشيعي نواب صفوي ؟!
سليمان بن صالح الخراشي
أما العالم فهو : الشيخ أحمد الكسروي ، الذي وفقه الله لترك التشيع ونقده ، واعتناق دعوة الكتاب والسنة . قال عنه الأستاذ محمود الملاح: "لم يظهر في عالم الشيعة أحد في عياره منذ ظهر اسمٌ شيعيٌ على وجه الأرض ". وقال عنه الدكتور ناصر القفاري : " هو أحمد مير قاسم بن مير أحمد الكسروي ، ولد في تبريز عاصمة أذربيجان أحد أقاليم إيران وتلقى تعليمه في إيران، وعمل أستاذاً في جامعة طهران، كما تولى عدة مناصب قضائية، وقد تولى مرات رئاسة بعض المحاكم في المدن الإيرانية، وقد أصبح في طهران أحد أربعة كبار مفتشي وزارة العدل ثم تولى منصب المدعي العام في طهران، وكان محرراً في جريدة "برجم" الإيرانية وكان يعرف اللغة العربية، والتركية والإنجليزية، والأرمينية والفارسية، والفارسية القديمة "البهلوية" وله كتب كثيرة جداً، ومقالات منتشرة في الصحف الإيرانية.
وقد كانت مقالاته التي ينقض فيها أصول المذهب الشيعي قد جذبت نظر بعض المثقفين إليه والجمعيات العاملة في البلاد ، وأقبل عليه فئات من الناس من كل أمة ونحلة، ولا سيما الشباب من خريجي المدارس فأحاط به آلاف منهم وقاموا بنصرته وبث آرائه ونشر كتبه .
ووصلت آراؤه بعض الأقطار العربية وهي الكويت، وقد طلب بعض الكويتيين من الكسروي تأليف كتب بالعربية ليستفيدوا منها ؛ فكتب كتابه الشهير "التشيع والشيعة" الذي أوضح فيه بطلان أصول المذهب الشيعي، وأن خلاف الشيعة مع المسلمين إنما سنده التعصب واللجاج لا الحجة والبرهان، وما إن أتم كتابه هذا حتى ضُرب بالرصاص من قبل مجموعة من الروافض، أُدخل على أثرها المستشفى وأُجريت له عملية جراحية وتم شفاؤه.
ثم أخذ خصومه من الروافض يتهمونه بمخالفة الإسلام ورفعوا شكوى ضده إلى وزارة العدل ودعي للتحقيق معه ، وفي آخر جلسة للتحقيق معه في نهاية سنة 1324هـ ضُرب بالرصاص مرة أخرى، وبخنجر ، ومات إثر ذلك ، وكان في جسمه 29 جرحاً، وقد عاش 57 سنة، وترك أفكاره وكتبه ومقالاته الكثيرة حية مع الأحياء". ( دعوة التقريب 2/218-219 بتصرف يسير ) .
وأما الشيعي المتعصب ؛ فهو ( نواب صفوي ) مؤسس جماعة " فدائيان إسلام " الشيعية .
قال عنه الكاتب الشيعي ماجد الزبيدي في كتابه " التحفة الزبيدية في مقاتل علماء الإمامية " ( ص 209-218 ) والتعجب بالأحمر مني : " كان أحمد كسروي قد جاهر بدعوته الإلحادية الهدامة في إيران ( ! ) ؛ سواء بأحاديثه أو بمطبوعة، ووصلت أخباره إلى النجف فقرر المترجم العودة إلى إيران لمناوأة كسروي والقضاء عليه فاعتقل وأودع السجن، ثم أطلق سراحه فدخل كلية الشريعة.
ويبدو أن دعوة كسروي الإلحادية ( ! ) هي التي أنبتت في ذهنه وجوب إيجاد تنظيم إسلامي واع يرتكز على جماعات متكاتفة تقاوم الدعوات الهدامة وتدعو إلى الإسلام وتحارب الإلحاد ( ! ) ، فاتصل أول الأمر بأحمد كسروي والتقى به في عدة جلسات يناقشه ويحاوره فلم يزدد كسروي إلا عناداً واسترسالاً في دعايته وبثها في الناس. فصمم المترجم على القضاء عليه، واستطاع الحصول على ثلاثمائة تومان من أحد المؤمنين ( ! ) فاشترى بها مسدساً وترصد لكسروي في أحد المنعطفات حتى إذا مر أطلق عليه النار ولكن الرصاصة أصابت رجله، ولما رأى المترجم أن كسروي لم يُقتل انهال ضرباً بالمسدس على رأسه ووجهه فتجمع عليهما الناس وخلصوه منه، فقبض على نواب صفوي ونقل كسروي إلى المستشفى، وصادف أن زار وفد حكومي إيران بعض العلماء في النجف الأشرف فتوسطوا لإطلاق صفوي فنجحت الوساطة وأطلق.
وكان أول عمل قام به التنظيم أن نجح في اغتيال أحمد كسروي، واهتدت السلطة إلى الفاعلين فاعتقلت المنفذ للاغتيال ورفاقاً له وسجنتهم تمهيداً لمحاكمتهم والحكم عليهم، وصادف أن الشاه محمد رضا أرسل وفداً إلى النجف الأشرف ليعزي الحوزة العلمية بوفاة السيد أبو الحسن الأصفهاني، فأسرع صفوي للاتصال بالسيد حسين القمي الذي كان شبه منفي في العراق ليحمل العلماء على التوسط لإطلاق المعتقلين ونجحت الوساطة فأطلقوا وساعد على إطلاقهم أن الشعب الإيراني كان قد أبدى ضروب الابتهاج بقتل أحمد كسروي وأبدى تضمانه مع منفذي هذا القتل. فرأت السلطات أن في إطلاقهم تقرباً بعلماء النجف، وإرضاء لعواطف الشعب.
وكان الشهيد ( ! ) نواب صفوي في تلك الفترة في النجف الأشرف سيداً شاباً عرف بين الناس بقاتل كسروي، وكانوا يعظمونه ويجلونه ويعتزون بصحبته ورفقته.(46/38)
وفي سنة 1953م. كان أمر التنظيم قد استقر وانتشرت دعوته وعمت شهرته وبدأ يدعو لمبادئه الإسلامية وينشط في مختلف ميادين العمل ويتصل بالدعوات خارج إيران ويعقد معها الصلات ، وفي هذه السنة زار نواب صفوي البلاد العربية لحضور مؤتمر القدس في مدينة القدس وزار سورياً كما زار مصر بدعوة من الإخوان المسلمين وكانت الأمور قد تأزمت بين الإخوان وحكومة الثورة وأوشك الانفجار بينهما أن يقع، وجاء يوم 12 كانون الثاني 1954م فاحتشد الإخوان وطلابهم في جامعة القاهرة للاحتفال بذكرى بعض ضحاياهم، كما حضرت جماعات من خصومهم وأقبل جمهور من طلاب الإخوان على الاجتماع حاملين نواب صفوي على الأكتاف ثم أصلوه إلى المنصة حيث خطب في الجماهير وكان موضوع فلسطين أهم ما في خطابه .. الخ الترجمة " .
ولنقرأ الآن مقتطفات مما ذكره فتحي يكن - زعيم جماعة الإخوان بلبنان - في موسوعته الحركية ( 1/ 163 - 165 ) عن الشيعي المتعصب صفوي قاتل الكسروي - والتعجب بالأحمر مني - :
" الشهيد ( ! ) نواب الصفوي : شاب متوقد إيماناً وحماسة واندفاعاً بلغ من العمر تسعة وعشرين عاماً.
درس في مدينة "النجف" بالعراق ثم رجع إلى إيران ليقود حركة الجهاد ضد الخيانة والاستعمار.
أسس في إيران حركة "فدائيان إسلام" التي تؤمن بأن القوة والإعداد هي سبيل تطهير الأرض المسلمة من الصهيونيين والمستعمرين ( ! ) .
كان لحركته في أوساط الشعب الإيراني أثر كبير في الانتفاضة الجبارة التي شغلت العالم منذ أعوام والتي كانت تستهدف القضاء على الخونة وتأميم شركات الزيت.
كانت له .. مواقف جريئة خالدة مع شاه إيران ومصدق وأديب الشيشكلي وجمال عبدالناصر.
في عام 1953زار نواب صفوي المملكة الأردنية الهاشمية لحضور المؤتمر الإسلامي في القدس ثم زار بعد ذلك عمان وقابل الملك حسين ووجه إليه كلمة جريئة نشرتها الصحف آنذاك ثم زار دمشق والقاهرة.
عندما قابل الزعيم أديب الشيشكلي أثناء زيارته لدمشق قال له:
لقد لمست أن الشعب لا يحبك وليس معك لأنك تضغط عليه وتكبت حريته ولذا فمن واجبك أن تكون مع الشعب لتبقى.
في أثناء زيارته لمصر ألقى في جامعة القاهرة خطاباً حماسياً قوياً دعا فيه إلى تعبئة القوى العامة وتجنيد الشباب لانقاذ فلسطين ( !! ) . وقد تعالت الأصوات القوية آنذاك بهذا الهتاف الجبار : الله أكبر والعزة للإسلام، وقد حاول شباب هيئة التحرير أن يقاطعوا نواب صفوي، ولكن شباب الإخوان المسلمين -وكان ذلك قبل المحنة الأخيرة- أسكتوهم على الرغم من تأييد البوليس المصري لهم ،وقد حنق عبدالناصر على السيد نواب صفوي فأمر بإخراجه من القطر المصري، ثم عدل عن ذلك واستقبله في مكتبه بمجلس الوزراء، وهناك سمع عبدالناصر رأي زعيم فدائيان إسلام في حكم عبد الناصر الذي يستند إلى الإرهاب وكبت الحريات
- قبض عليه بتهمة مشاركته في محاولة قتل حسين علاء رئيس وزراء إيران وحكمت محكمة عسكرية عليه وعلى رفاقه بالإعدام.
كان لهذا الحكم الجائر صدى عنيفاً في البلاد الإسلامية ، وقد اهتزت الجماهير المسلمة ( ! ) التي تقدر بطولة نواب صفوي وجهاده وثارت على هذا الحكم وطيرت آلاف البرقيات من أنحاء العالم الإسلامي تستنكر الحكم على المجاهد المؤمن البطل الذي يعتبر القضاء عليه خسارة كبرى للإسلام في العصر الحديث ( !! ) .
ولكن تجاهل حكام إيران الذين يسيرون في ركاب الاستعمار رغبة الملايين من المسلمين ورفض الشاه العفو عنه، وسقط نواب صفوي وصحبه الأبرار شهداء برصاص الخونة وعملاء الاستعمار ، وانضموا إلى قافلة الشهداء الخالدين الذين سيكون دمهم الزكي الشعلة الثائرة التي تنير للأجيال القادمة طريق الحرية والفداء ( !! ) .
وهذا الذي كان، فما أن دار الزمان دورته حتى قامت الثورة الإسلامية في إيران ودكت عرش الطاغية (الشاه) الذي تشرد في الآفاق، وصدق الله تعالى حيث يقول: ( ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين إنهم لهم المنصورون وإن جندنا لهم الغالبون ) ( !! ) .
تعليق
1- حكاية الكسروي - رحمه الله - مع صفوي تُلخص لنا موقف جماعة الإخوان - هداهم الله - من الشيعة - أو غيرهم من المنحرفين ؛ فهم يغترون ويرفعون ويروجون لمن يرونه يناكف الحكام ويتصدى لهم ، بغض النظر عن عقيدته المنحرفة التي تُحركه ، أو سلوكه المشين ، أو أهدافه ؛ بسبب تضخم مسألة " الحاكمية " عندهم . وقل مثل هذا في موقفهم ممن " يتاجر " بقضية فلسطين . ولهذا تجدهم يقعون في نفس الخطأ مرات ومرات ، دون أن يستفيدوا من تجاربهم الماضية مع أمثال صفوي أو الخميني أو صدام ..الخ أصحاب الشعارات . ولايعني هذا عدم وجود أفراد معدودين من الإخوان تنبهوا لخطر الرافضة ، وأكاذيبهم ، واستحالة التقارب معهم ؛ كسعيد حوى والسباعي ، ولكنهم ندرة لم يؤثرا في مسار الجماعة .
2- الواجب على جماعة الإخوان - وفقهم الله للخير - الاهتمام بأمر العقيدة ، والعلم الشرعي ، تعلمًا وتواصلا مع أهله ؛ مما يحجزهم - بإذن الله - عن الوقوع في خطأ الاغترار بأهل البدع ومخادعاتهم .(46/39)
3- ليعلم كل مهون من خطر الشيعة أو متوهم لجدوى التقارب معهم ، أنه يغش الأمة - لا سيما العوام منهم - ، عندما " يخدرهم " بهذه الأفكار " الوهمية " ، التي تجعلهم صيدًا سهلا للمبتدعة الذين يستغلون أمثاله ، ساخرين من سذاجته وتصديقه للخيالات ، بينما هم جادون في نشر بدعتهم ، يعرف هذا من تابع نشاطاتهم . ولهذا تجد بعض أهل السياسة - ولو كانوا من أفجر الناس - يشعرون بخطر التشيع لاطلاعهم على حقائق الأمور بواسطة التقارير التي تُرفع لهم . ( ليتذكر القارئ تصريح ملك الأردن أو رئيس مصر أو جهود رئيس اليمن حول هذا الأمر ) . بينما - للأسف - ينخدع بعض العلماء والدعاة بخرافة " التقارب " و " التعاون " .. الخ المخدرات .
4- لعل في تصريح الشيخ القرضاوي - وفقه الله - بالتحذير من خطر التشيع خطوة " تقدمية " ، وبداية " يقظة " من جماعة الإخوان في هذه المسألة . أسأل الله التوفيق لهم ، وأن يرينا وإياهم الحق حقًا ويرزقنا اتباعه ، والباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه .
==============(46/40)
(46/41)
عدم الاسترسال في الأفكار التي يوسوس بهاالشيطان واجب
تاريخ الفتوى : …03 رجب 1425 / 19-08-2004
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف خلق الله وسيد المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين, أما أتمنى منك يا شيخ أن يتسع قلبك لما سأرويه وأتمنى أن أجد منك جواباَ شافياَ.
في البداية أقول: أنا طالبة في الجامعة في السنة الثالثة عمري 22 سنة فتاة ملتزمة والحمد لله وكان التزامي منذ أن دخلت الجامعة رغم أنني عشت في بيت متدين منذ الصغر.
فمنذ أن دخلت الجامعة تعرفت على صديقات جيدات ملتزمات والحمد لله منذ ذلك الوقت تقريباَ لم أعد أتساهل في ترك الصلاة بل أحافظ عليها ثم بدأت مع نفسي تدريجياَ حتى التزمت بالسنن الرواتب وصيام التطوع والمحافظة على السنن بشكل عام وعشت منذ ذلك الوقت حياة سعيدة هانئة أشعر بمراقبة الله في أي فعل أو تصرف أتصرفه وأخشى الله قبل أن أخشى أحدا حتى والدي .
لكن يا شيخ منذ ثلاثة أشهر تقريباَ بدأت معي وساوس قدت مضجعي وأرقتني وبدأت تأتي أفكار تتعلق بالعقيدة حتى خفت على نفسي من الإلحاد والعياذ بالله . فمثلاَ من هذه الأسئلة:
من خلقنا ؟ ولماذا خلقنا؟ وكيف خلقنا؟ وهل يوجد إله في هذا الكون؟ ...... وعندما أسمع الأذان أختنق رغم أنني عندماَ أسأل نفسي هذه الأسئلة من قبل كنت أجد لها جواباَ في كتاب الله وسنة رسول صلى الله عليه وسلم ,لا أشك فيها أبدا.. لكن الآن رغم أنني أجيب نفسي بالإجابات نفسها من القرآن والسنة أشعر أني غير مقتنعة. ويشتد علي الصداع وأشعر أن أفكارا تتصارع داخل رأسي ليس لها حد أو نهاية وكنت أشعر بتناقض مع نفسي. فمثلاَ عندما تسيطر علي فكرة هل يوجد خالق؟؟ أعود لنفسي وأقول إذا كنت أن مؤمنة بأن هذه الأفكار هي وساوس شيطانية وأن لا أرى الشيطان فكيف لا أومن بوجود خالق رازق و آياته في الكون كلها . ثم تعود لي الوساوس مرة أخرى حتى أني أشعر بأن الرسو صلى الله عليه وسلم قد ضحك عليه بأمر الرسالة.. وأصبحت الصلاة ثقيلة علي ولكن أخاف تركها مخافة الكفر.
وكلما قمت للصلاة يا شيخ أكاد أختنق وعندها تسيطر عليَ فكرة لمن نصلي؟
فعندما أقنع نفسي بأننا نصلي للخالق تسيطر علي فكرة أخرى (إذن خلقتا الله لإذلالنا.........), وأصبحت أقارن الله بالسيد من البشر الطاغي الذي يكون تحت إمرته عدد من الناس المملوكين . والعياذ بالله.....ولكن حاولت أن أسيطر على هذه الوساوس وأن أتجاهلها وعندما استطعت قليلاَ بدأت أشعر بأن جميع أهلي الذين هم معي في البيت مجرد أخيلة لا وجود لهم وتسيطر علي الفكرة التالية وأقول لنفسي مثلاً (توفي أخي منذ زمن ولم يعد له وجود فأهلي ليس لهم وجود ...) هذا الأمر اضطرني إلى الذهاب إلى طبيب نفسي فقال لي الطبيب معك مجرد وسواس قهري .. لأنني بصراحة يا شيخ خفت من انفصام الشخصية وحاولت السيطرة على هذا الأمر واستطعت والحمد لله ولكن انتابني شعور بأن التي في المرآة ليس أنا عندما أنظر إلى المرآة وبدأت أخاف أن أرى نفسي في المرآة وفي هذه الأثناء سمعت آراء كثيرة أناس قالوا لي سحر وناس قالوا لي مس وآخرون قالوا عين عندها استخدمت السدر وشعرت بالتحسن عليه قليلاً ولجأت إلى الرقية الشرعية وبدأت أقرأ على نفسي فبدأ الصداع يهدأ قليلاً ...وينتقل من مكان لآخر فمثلاً كان في البداية في مقدمة رأسي ثم أصبح في منتصف رأسي ثم انتقل إلى أسفل رأسي وبدأت أشعر بتنميل في رأسي ورجلي اليسرى.كانت في البداية فقط أثناء القراءة والآن أصبح هذا التنميل عند المشي أحياناً وأحياناً أخرى لا أشعر بذلك وهذا التنميل يزداد حدةً في الليل عند نومي خاصةً ويمتد هذا التنميل إلى أسفل ظهري والآن يا شيخ لم أعد أشعر بذلك الشعور عند النظر بالمرآة إلا قليلاً لكن الأفكار التي تنتابني . لماذا هكذا خلقنا ؟؟ ومن خلقنا ؟؟ ولماذا هكذا نفكر وكيف ندرك؟؟؟؟............ ومهما حاولت أن أجد الإجابة أشعر بأني غير مقتنعة حتى يا شيخ أصبحت أخاف من الجلوس وحدي في الغرفة حتى لا تنتابني هذه الأفكار لأنني بين الناس أنسى قليلاً وأصبحت أشعر أنني لست من الجنس البشري , إنما أنا قادمة من كوكب آخر لا يعلم عن الأرض والبشر شيئاً
ملاحظة: نسيت أن أخبرك يا شيخ أنه منذ زمن انتابتني هذه الأفكار في بداية المشكلة كأن يراودني الانتحار رغم أنني أعلم أن من ينتحر يخلد في نار جهنم وأشعر يا شيخ أن يداي وقدماي لا أستطيع التحكم بهم أحياناً وربما أريد أن أصرخ أمام الناس لكن أتعوذ بالله من الشيطان فأشعر بارتخاء في جسمي وهذه الأفكار من انتحار وقتل تنتابني كثيراً عند النوم حتى أنني أصبحت أخاف من النوم
وباختصار أشعر أن هناك فكرا وأفكارا تطغي على أفكاري ولا تلغيها وهذا ما يجعلني أشعر بالصراع وأشعر أن كل ما كان يتعلق بالدين قد نسيته أو هي في ثبات..(46/42)
ملاحظة أخرى: من أجل التنميل في قدمي اليسرى ذهبت إلى طبيب الأعصاب وقال لي أن يدك سليمة ويا شيخ أنا منذ أكثر من سنتين ونصف أعاني من أمراض متنقلة كل مرة في عضو فمثلاً بدأ معي التهاب مجاري بولية ثم اختفى وانتقل المرض إلى القولون ثم إلى معدتي ثم إلى اللٌوز وكل مرة يتفاجأ الطبيب بالأعراض التي أشتكي منها بعد أن يفحصني وفي النهاية أسأل الله العظيم أن يثبتنا على دينه وأن يجعل خاتمتنا على الإيمان ويهدينا طريق الرشاد والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم.
المرسل : خلود
سوريا- إدلب - أريحا
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنقول : الحمد لله الذي رد كيده إلى الوسوسة. هكذا قال رسول ا صلى الله عليه وسلم لما أخبره أصحابه عن وسوسة الشيطان لهم. ولفظ الحديث: جاء رجل لرسول الله فقال: يا رسول الله: إني أحدث نفسي لأن أخر من السماء أحب إلي من أن أتكلم به، قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الله أكبر، الله أكبر، الحمد لله الذي رد كيده إلى الوسوسة.
فدل الحديث أن ضرر الوسوسة يسير لو لم يسترسل معها الإنسان وقطعها، فخطرات النفس لم ينج منها أحد، كما قال ابن عباس. وفي الصحيحين وغيرهما عن أبي هريرة رضي الله عنه عن صلى الله عليه وسلم قال: يأتي الشيطان أحدكم فيقول: من خلق كذا؟ من خلق كذا حتى يقول: من خلق الله؟ فمن وجد ذلك فليستعذ بالله ولينته. وقال تعالى: وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ {الأعراف: 200}. وقال سبحانه: وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ * وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ {المؤمنون: 97-98}. قال بعض السلف لتلميذه: ما ذا تصنع بالشيطان إذا سول لك؟ قال: أجاهده. قال: فإن عاد؟ قال: أجاهده. قال: هذا يطول، أرأيت لو مررت بغنم فنبحك كلبها ومنعك من العبور ما تصنع؟ قال: أكايده وأرده جهدي، قال: هذا يطول عليك، ولكن استغث بصاحب الغنم.
واعلمي أن من أعظم طرق رد الشيطان بعد الاستعانة بالله والاستغاثة به طلب العلم الشرعي الشريف، لا سيما علم العقيدة، قال عبد الله بن وهب: كان أول أمري في العبادة فقطع عليّ الشيطان بذكر عيسى ابن مريم، كيف خلقه الله، قال: فذكرت ذلك للشيخ، فقال لي ابن وهب: اطلب العلم، قال: فطلبته فزال عني.
كما نوصيك بقراءة القرآن بتدبر وتفكر، والمحافظة على الأوراد الثابتة، مع دفع أي خاطرة دون التفكر فيها، مع الاستعاذة وملازمة الدعاء، وشغل النفس بما هو نافع حتى لا يبقى وقت للشيطان، وأكثري من قراءة سورة الفاتحة عدة مرات على كوب ماء واشربيه، كما قال ابن القيم، فإنه نافع مجرب.
وكذلك الإكثار من قراءة سورة الدخان وسورة ق لعدة أيام، ولو قرأتِها على ماء وشربته فخير. قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ {يونس: 57}. قال ابن كثير: شفاء لما في الصدور: أي من الشبهة والشكوك، وهو إزالة ما فيها من رجس ودنس، ويحصل به الهداية والرحمة، والله نسأل أن يمن عليك بالشفاء وأن يثبتك على الحق.
والخلاصة: أن هذه الأفكار والهواجس التي تنتابك وما تتخيلينه من الأمراض كل ذلك من الشيطان وكيده، فيجب عليك الكف عن تلك الأفكار والاسترسال فيها. ولا حرج عليك إذا استمر الأمر أن تعرضي نفسك على الطبيب النفسي أو من عرف بالعلم والصلاح من أهل الرقية الشرعية.
والله أعلم.
المفتي: …مركز الفتوى
==============(46/43)
(46/44)
ابن سينا في الميزان
تاريخ الفتوى : …08 شعبان 1425 / 23-09-2004
السؤال
ما أقوال العلماء في ابن سينا وهل صحيح أن هناك عددا منهم قد كفروه
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن ابن سينا اتهم بأنه كان من القرامطة الباطنية، وكانت عنده أفكار فلسفية إلحادية، وقد كفره شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم.
قال ابن القيم في إغاثة اللهفان: وكان ابن سينا كما أخبر عن نفسه، قال: أنا وأبي من أهل دعوة الحاكم، فكان من القرامطة الباطنية الذين لا يؤمنون بمبدأ ولا معاد، ولا رب ولا خالق، ولا رسول مبعوث جاء من عند الله تعالى.
وكان هؤلاء زنادقة يتسترون بالرفض، ويبطنون الإلحاد المحض، وينتسبون إلى أهل بيت الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وهو وأهل بيته براء منهم نسبا ودينا، وكانوا يقتلون أهل العلم والإيمان، ويدعون أهل الإلحاد والشرك والكفران، لا يحرمون حراما، ولا يحلون حلالا، وفي زمنهم ولخواصهم وضعت رسائل إخوان الصفا.
وقد صرح ابن تيمية بتكفيره في عدد من كتبه، وقد نقل ابن كثير في البداية، وابن الأثير في الكامل، وابن العماد في شذرات الذهب تكفيره عن عدد من العلماء.
هذا، وننبه إلى أن من آكد الواجبات علينا في هذا العصر أن نسعى في هدايتنا وهداية المعاصرين لنا ونبذل في ذلك قصارى جهدنا وطاقتنا، ولا مانع أن نبين ضلال من انحرفوا في العصور الأولى إذا خفنا من تأثر المعاصرين بأفكارهم، ولكن الأهم والأولى من ذلك هو دعوة الناس إلى الإيمان وربطهم بالسنة والقرآن.
والله أعلم.
المفتي: …مركز الفتوى
==============(46/45)
(46/46)
وجود الله تعالى والغاية من الخلق
تاريخ الفتوى : …04 محرم 1426 / 13-02-2005
السؤال
وكي لا أطيل عليكم سأدخل في صلب الموضوع، بعد تفكير دام فترة السنوات الستة الأخيرة، حول لم يريدنا الله أن نعبده ولم خلقنا في الأساس (وهنا لا أتحدث عن لم خلقنا الله يعني ما دورنا في الحياة -أنا هنا أتحدث عن لم خلقنا؟ أي سبب الله من الخلق أي ما هو هدف الله في خلقنا)، المهم توصلت في النهاية إلى الآتي:
يستحيل إثبات وجود الله إثباتاً قاطعاً، لم يذكر الله سببا وجيهاً لكي نعبده، والخلاصة هي: لا يمكنني أن أعبد الله محبة فيه ولا إيماناً قاطعاً بوجوده بل فقط، مرغمة على فعل ذلك (مخافة العقاب)، والسؤال الآن هو: هل عبادتي على هذا النحو ستجيرني من العقاب؟ وشكراً لكم.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالله نسأل أن يشرح صدرك للإيمان وأن ينزع الشك من قلبك، أما قولك: لم خلقنا الله؟ فقد أجاب الله سبحانه في كتابه، فقال تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ* مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ {الذاريات:56-57}، وقال تعالى: الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ {الملك:2}، وقال تعالى: إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا* إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا {الإنسان:3}، وقال تعالى: أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ* فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ {المؤمنون:116}، ولمزيد من التفصيل راجعي الفتاوى ذات الأرقام التالية: 17543، 31767، 56985.
أما قولك لا نستطيع إثبات وجود الله تعالى فخطأ ظاهر؛ لأن وجود الله ومحبته وتعظيمه مما فطر الله عليه عباده وذلك مما أجمع عليه العقلاء ولم ينكره إلا من شذ من أهل الإلحاد والشهوات عناداً وتكبراً، قال الله تعالى: وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ {النمل:14}، وقال تعالى: فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللّهِ يَجْحَدُونَ {الأنعام:33}، وقال تعالى: وَلَوْ تَرَىَ إِذْ وُقِفُواْ عَلَى النَّارِ فَقَالُواْ يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلاَ نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ* بَلْ بَدَا لَهُم مَّا كَانُواْ يُخْفُونَ مِن قَبْلُ وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ {الأنعام:27-28}، قال ابن كثير: ظهر لهم ما كانوا يعلمونه من أنفسهم من صدق ما جاءتهم به الرسل في الدنيا وإن كانوا يظهرون لأتباعهم خلافه كقوله مخبراً عن موسى أنه قال لفرعون: لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السماوات والأرض بصائر. انتهى، ولمعرفة دلائل وجود الله العقلية والنقلية، راجعي الفتوى ذات الأقام: 48913، والفتوى رقم: 35673.
واعلمي أن عبادة الله مع الشك في وجود الله مع تمكن ذلك من القلب لا تنفع فاعلها ولا تنجيه من عذاب الله، لأن تمكن الشك من القلب ينقض عقد الإسلام، لأنه ينافي قول القلب وهو الاعتقاد فيجب عليك التوبة والاستغفار، وتجديد إيمانك، وعبادة الله على بصيرة حباً في ثوابه وخوفاً من عقابه، وراجعي الفتوى رقم: 47961.
كما ننصحك بقراءة كتاب الله بتدبر وبالتأمل في آيات الله قال ابن قيم الجوزية: وهذا لا يستمر شكه إلا إذا ألزم الإعراض عن النظر في آيات صدق الرسو صلى الله عليه وسلم جملة فلا يسمعها ولا يلتفت إليها، وأما مع التفاته إليها ونظره فيها فإنه لا يبقى معه شك؛ لأنها مستلزمة للصدق ولا سيما بمجموعها، فإن دلالتها على الصدق كدلالة الشمس على النهار. انتهى.
ولمزيد من الفائدة نرجو الاطلاع على الكتب التالية: كتاب التوحيد وكتاب الإيمان لعبد المجيد الزنداني، الإيمان والحياة للقرضاوي، العقيدة في الله للأشقر، العلم يدعو إلى الإيمان لوحيد خان، وقصة الإيمان لنديم الجسر.
والله أعلم.
المفتي: …مركز الفتوى
==============(46/47)
(46/48)
الأصل الأيديولوجيّ الحقيقيّ للإرهاب الدّاروينيّة و المادّيّة
هارون يحيى
تعريب: مبارك بقنه
المدخل:
يعتقد كثير من النّاس أنّ تشارلز داروين هو المؤسس الأول لنظريّة التطوّر, وإنها تستند على البحث العلميّ،والملاحظات، والتّجارب . وبالرغم من أنّ داروين لم يكن المؤسس لهذه النظرية, وأنها لا تستند على الدّليل العلميّ .إذ أن النّظريّة عبارة عن تعديل لطبيعة المذهب القديم المسمى بالفلسفة المادّيّة, إلا إنها أُيدت بطريقة عمياء باسم الفلسفة المادّيّة .
وبسبب بانتشار الدّاروينيّة و الفلسفة المادّيّة معًا والتي يساندها التّعصّب, فقد سببت كثير من الكوارث. ومن ذلك تغيّرت إجابة النّاس حول سّؤال ما الإنسان؟ فالذين اعتادوا الرّدّ: بأن النّاس خُلِقُوا من قبل اللّه و يجب أن يعيشوا وفقاً للمبادئ التي علمهم الله. فقدوا بدءوا الآن يعتقدون أن الإنسان جاء لحيّز الوجود بالصّدفة البحتة, وأنه حيوان تطوّر بالقتال من أجل البقاء" . وقد دُفع من أجل تمرير هذا الخداع الكبير أموالاً ضخمة. ومن هذا الخداع استمدت أيديولوجيّات العنف قوتها كالعنصريّة, والفاشيّة والشّيوعيّة، وكثير من الرؤى العالمية الوحشية الأخرى التي بنيت على أساس الصراع.
وفي هذا المقال سندرس الدّاروينيّة والتي جاءت بالكارثة إلى هذا العالم وأظهرت علاقتها بالإرهاب, والذي يعتبر أحد أهمّ المشاكل العالميّة في وقتنا الحاضر.
التصور الخاطئ للدّاروينيّة : الحياة صراع:
أعلن داروين في إحدى مقدماته الأساسية عند تطوير نظريّته : أن تطور الكائنات الحيّة يعتمد على الصراع من أجل البقاء . والأقوى ينتصر في الصّراع . والأضعف يُحْكَم عليه بالهزيمة والاندثار .
ووفقاً لداروين, كان هناك صراع قاسي و نزاع أبديّ في الطّبيعة من أجل البقاء. ودائمًا القوي ينتصر على الضّعيف, مما يمكّن من حدوث التطور. ويلاحظ أن العنوان الفرعيّ الذي أعطاه لكتابه " أصل الأنواع" : يلخّص تلك الرّؤية وهو " أصل الأنواع بواسطة التّكيّف الطّبيعيّ أو المحافظة على السلالات المفضلة في الصّراع من أجل الحياة".
بالإضافة إلى ذلك، اقترح داروين أن المعركة من أجل البقاء انطبقت أيضًا بين السلالات البشريّة . وطبقًا لهذا الادعاء, كانت "السلالات المفضلة" هي المنتصرةً في الصّراع . والسلالات المفضلة, في وجهة نظر داروين, هم الأوربّيّون البيض . أما السلالات الإفريقيّة أو الآسيويّة فقد تخلّفت في الصّراع ؛ بل ذهب داروين إلى مدى أبعد, واقترح أن هذه السلالات قريبًا ستفقد كلّيّة في الصّراع من أجل البقاء , وبالتالي سيختفون:
في بعض الفترات المستقبليّة, وهو يعتبر قصيراً في مقياس القرون, أن الأجناس المتحضّرة الإنسانية ستفنى, ويحل محلها في أرجاء العالم السلالات البدائية. وفي نفس الوقت، فإن القرود المجسّمة في شكل الإنسان ستفنى. وستتسع والفجوة بين الإنسان وأقرب حلفاءه. [1]
ويشرح عالم الأنثروبولوجيا الهنديّ لليتا فيديارثي كيف أن نظريّة التطور لداروين فرضت العنصريّة على العلوم الاجتماعيّة : "نظرية داروين البقاء للأصلح وجدت ترحيباً شديداً في هذا العصر من قبل العلماء الاجتماعيّين, و اعتقدوا أنّ البشريّة قد حقّقت مستويات متنوعة من التطور تتوجت في حضارة الرّجل الأبيض. وفي النّصف الثّاني من القرن التّاسع عشر قُبِلَت العنصرية كحقيقة عن طريق الأغلبيّة العظمى للعلماء الغربيّين."[2]
مصدر أفكار داروين: نظريّة مالثس الوحشية:
كان مصدر أفكار داروين لهذا الموضوع كتاب توماس مالثس العالم الاقتصاديّ البريطانيّ في مبحث عن مبدأ السكّان . ظن مالثس أن السّكّان البشريّين ازدادوا بسرعة . وفي رؤيته, أن العامل المؤثر الرئيسي الذي أبقى السّكّان تحت السّيطرة هي الكوارث مثل الحرب, والمجاعة، والمرض . باختصار, وفقاً لهذا الادعاء الوحشي, فإن بعض النّاس ينبغي عليهم أن يموتوا من أجل أن يعيش الآخرون. فقد جاء الوجود بقصد "الحرب الدّائمة ".
وفي القرن التاسع عشر, قُبلت أفكار مالثس على نطاق واسع . فقد ساند بخصوصية المفكّرون الأرستقراطيّون الأوربّيّون أفكاره القاسية. ففي مقال معنون بـ "جدول أعمال النّازيّين العلميّ السّرّيّ ", متعلق بأهمّيّة القرن التاسع عشر وذلك بأن ترتبط أوروبّا برؤية مالثس حول السكّان والموصوفة بهذه الطّريقة :
وفي النصف الافتتاحيّ للقرن التّاسع عشر اجتمع أعضاء الطّبقات الحاكمة خلال أوروبّا لمناقشة مشكلة السّكّان المكتشفة حديثًا و لابتكار طرق تنفيذ التّفويض المالثوسي, لزيادة معدّل الوفيات للفقراء: "بدلاً من توصية إزالة الفقر ، ينبغي أن نشجّع العادات المتناقضة . في بلادنا علينا عمل الطرق الضيقة , وحشد أكثر الناس في البيوت, وبطريقة ما يُعاد وباء الطّاعون . وينبغي على الدولة أن نبني قرانا قرب البرك الرّاكدة, ونشجع بشدة المستوطنات في كلّ المستنقعات والأوضاع الضّارّة " وهكذا . [3](46/49)
وكنتيجة لهذه السّياسة القاسية, فإن الضّعيف والذين فقدوا الصّراع من أجل البقاء سيُزِيلُونَ, ونتيجة للزّيادة السّريعة في السكّان فسيكون هناك توازن في الخارج . وما يسمى بسياسة " اضطهاد الفقر" ، والذي نُفذ فعلياً في القرن التاسع عشر في بريطانيا. وأنشئ النظام الصناعيّ الّذي جعل أطفال الثّمانة والتاسعة يعملون ستّة عشر ساعة في اليوم في مناجم الفحم، والآلاف منهم ماتوا في ظّروف قاسية . فبسبب نظريّة مالثس، أدّى "الصّراع من أجل البقاء "، الملايين من البريطانيّين أن يعيشوا حياة مليئة بالمعاناة.
وقد تأثّر داروين بهذه الأفكار, فعمم هذا الصراع على كلّ الطبيعة, و اقترح أن الأصلح والأقوى ظهر منتصراً من حرب الوجود هذه . علاوة على ذلك, ادّعى أن ما يسمّى بالصّراع من أجل البقاء كانت مبررة لقانون الطبيعة الثابت . من ناحية أخرى, دعا النّاس لترك معتقداتهم الدّينيّة بإنكار الخلق, ولهذا استهدف كلّ القيم الأخلاقيّة التي يمكن أن تكون عقبةً لهذه الوحشية: "الصّراع من أجل البقاء". وبنشر هذه الأفكار الضالة التي جعلت الأفراد قاسيين وبلا رحمة, كلّفت البشريّة قيمة عالية في القرن العشرين .
دور الدّاروينيّة في التهيئة الأساسية للحرب العالميّة الأولى:
عندما سيطرت الدّاروينيّة على الثّقافة الأوربّيّة, بدأت آثار " الصّراع من أجل البقاء" في الظّهور . فبدأت ـ خاصة ـ الدّول الأوربّيّة الاستعماريّة في تصوير الدّول التي استعمروها كـ"دول نامية ارتقائيّة" واعتمدوا على الدّاروينيّة لتبرير ذلك.
وكان الأثر السّياسيّ الأكثر دمويّة للدّاروينيّة هو نشوب الحرب العالميّة الأولى في عام 1914 م.
يشرح الأستاذ المؤرخ البريطانيّ المعروف جيمس في كتابه "أوروبّا منذ 1870" , أن أحد العوامل التي هيئت الأرضية للحرب العالميّة الأولى كان إيمان الحكّام الأوربّيّين في ذاك الوقت بالدّاروينيّة. فعلى سبيل المثال، رئيس أركان أوسترو-هنجريا , كتب في مذكّراته ما بعد الحرب :
إن الدّيانات الإنسانية, والتّعاليم الأخلاقيّة، والمذاهب الفلسفيّة قد تؤدي أحيانًا إلى إضعاف صراع بقاء البشريّة في شكلها القاسي، لكنهم لن ينجحوا في إزالته كمحرك محفز للعالم، إنه يتوافق مع هذا المبدأ العظيم، أن كارثة الحرب العالميّة حدثت كنتيجة للقوى المحفزة في حياة الدول والشّعوب, كالعاصفة الرعديّة التي يجب أن تفرغ شحناتها بذاتها.[4]
بهذا الأساس الأيديولوجيّ, فليس من الصعوبة فهم لماذا كونرد, كان ينبغي عليه أن يشجّع إمبراطوريّة أوسترو- هنجريان لتعلن الحرب . كانت مثل هذه الأفكار في ذاك الوقت ليست محصورة على القوّات المسلّحة. ففي عام 1914م كتب كورت ريزلر, السّكرتير الخاصّ لفون ثيوبالد وصديق المستشار الألمانيّ بيثمان-هوللويج,: العداوة الأبديّة المطلقة ملازمة أساسًا للعلاقات بين الشعوب, و العداء الذي نلاحظه في كلّ مكان ليس نتيجة لفساد الطبيعة الإنسانية ولكنّه جوهر العالم و منبع الحياة نفسه[5].
وعمل جنرال الحرب العالميّة الأولى، بيرناردي فون فريدريش, علاقةً متشابهةً بين الحرب و قوانين الحرب في الطّبيعة . إذ أعلن بيرناردي أنّ الحرب حاجة بيولوجيّة, وإنّها بمثل ضرورة صراع عناصر الطبيعة, وبما أن قراراته تستند على طبيعة الأشياء ، فإنه فقط يعطي قرارًا بيولوجيًّا.[6]
وكما رأينا, اندلعت الحرب العالميّة الأولى بسبب أن المفكّرين الأوربّيّين، والجنرالات والمسؤولين الذين شاهدوا الحرب, وإراقة الدّماء، والمعاناة اعتبروا ذلك نوع من " التطور", و اعتقدوا أنهم لم يغيروا "قانون الطبيعة". فالأصل الأيديولوجيّ الذي جرّ كلّ ذلك الجيل إلى الدّمار لم تكن سوء مفاهيم داروين للصّراع من أجل الحياة والسلالات المفضلة .
وخلفت الحرب العالميّة الأولى ثمانية ملايين قتيلاً, ومئات من المدن المدمّرة، وملايين من الجرحى, والمقعدين, والمشردين، والعاطلين . والسّبب الرئيسي للحرب العالميّة الثّانية والتي اندلعت بعد 21 سنة وخلفت 55 مليوناً قتيلاً, كان أيضًا مبنياً على أساس الدّاروينيّة .
ثمرة "قانون الغابة" : الفاشيّة:
في القرن التاسع عشر غذت النّازيّة الدّاروينيّة العنصريّة, وشكّلت القاعدة الإيديولوجيّة التي ستطوّر وتغرّق العالم في مستنقع من الدّم خلال قرن العشرين .
فالنفوذ الدّاروينيّ القويّ يمكن أن يُرَى في الأيديولوجيّين النّازيّين . فعندما يدرس أحدٌ هذه النّظريّة ـ والتي أُعْطِيَتْ الشكل من قبل أدولف هتلر و ألفريد روزنبرج ـ يصادف مثل هذه المفاهيم كالتّكيّف الطّبيعيّ, واختار التّزاوج, و الصّراع بين السلالات من أجل البقاء. وهتلر عندما سمى كتابه ( كفاحي ), والذي يتكلّم عن الصّراع خصوصًا بين السلالات، كان ملهمًا بالصراع الدّاروينيّ من أجل البقاء ، و مبدأ أن النّصر للأصلح: في الألفيّة الجديدة سيبلغ التاريخ الذروة في روعة فريدة للإمبراطوريّة, وذلك على أساس سلسلة عرقية جديدة.[7](46/50)
أعلن هتلر، في اجتماع حزب نريمبيرج سنة 1933م, أن موضوعات الجنس الأعلى بنفسه جنس أقلّ ... الحقّ ما نراه في الطّبيعة هو الحقّ الوحيد الذي يمكن أن يتصور.
أنّ تَأَثَّر النّازيّون بالدّاروينيّة من الحقائق التي يقبلها كثير من المؤرّخين. فيصف المؤرّخ هيكمان تأثير الدّاروينيّة على هتلر كما يلي :
كان هتلر مؤمن للغاية بالتطور وداعياً إليه . وبغض النظر عن عمق, وتعقيدات هوسه, فإنّه من المؤكد أن. كتابه, (Mein Kampf), وضع بوضوح عدداً من الأفكار الارتقائيّة, خصوصًا تلك التي تؤكد الصّراع، والبقاء للأصلح والإبادة للأضعف وذلك لإنتاج مجتمع أفضل. [8]
وبهذه الرّؤى التي أظهرها هتلر, جرّ العالم إلى العنف والذي لم يحدث له مثيل من قبل. وكثير من المجموعات السّياسيّة و العرقيّة, و بخاصّة اليهود, عُرِّضُوا لقسوة رهيبة ، ومذبحة فظيعة في المعتقلات النّازيّة خلال الحرب العالميّة الثّانية والتي بدأت بالغزو النّازيّ وأدت إلى قتل 55 مليون شخص . وكان خلف هذه المأساة التّاريخية الفظيعة المفهوم الدّاروينيّ العالميّ الصّراع من أجل البقاء .
التّحالف الدموي: الدّاروينيّة و الشّيوعيّة
كان الشّيوعيّون دائمًا بين أشرس مدافعين لنظريّة داروين، فالفاشيّون يُوجَدون في حزب اليمين للدّارونيّة الاجتماعيّة, ويُحْتَلّ الحزب اليساري من قبل الشّيوعيّين .
وتذهب العلاقة بين الدّاروينيّة و الشّيوعيّة إلى كلا مؤسّسي هذين المذهبين .ماركس وإنجيلز, مؤسّسي الشيوعيّة, كلاهما قد قرآ "أصل الأنواع" لداروين بمجرد أن ظهر, و أُذْهِلَا بموقف المادّيّة الجدليّة . وظهر التوافق بين ماركس وإنجيلز بأنهما رأ نظريّة داروين كـ " احتواء أساسي للتّاريخ الطّبيعيّ للشّيوعيّة " . وإنجيلز في كتابه جدليات الطّبيعة ــ والذي كتبه تحت تأثير داروين ــ كان يثني كليةً على داروين, و حاول عمل مساهمته للنّظريّة في فصل " الدّور الملعوب من قبل العمالة في الانتقال من القرد إلى الإنسان ".
والشّيوعيّون الرّوس الذين ساروا على خطوات ماركس و إنجيلز, مثل بليخانوف, ولنين, وتروتسكي وستالين, اتّفقوا جميعاً مع نظريّة داروين للتّطوّر . فبليخانوف الذي يُعْتَبَر كمؤسّس للشّيوعيّة الرّوسيّة, اعتبر الماركسيّة كالدّاروينيّة في تطبيقاتها في علم الاجتماع [9].
قال تروتسكي: "اكتشاف داروين هو أعلى انتصار بالكامل للمنطق الجدليّ في مجال المادّة العضويّة " [10]
وكان للتعليم الدّاروينيّ الدور الأكبر في تكوين الكوادر الشّيوعيّية . على سبيل المثال, يلاحظ المؤرّخون أن ستالين كان متديّنًا في شبابه, لكنّه أصبح ملحدًا بسبب كتب داروين[11] .
ماو ـ الذي أنشأ الحكم الشّيوعيّ في الصّين وقتل الملايين من النّاس ـ صرّح علانية أن الاشتراكيّة الصينيّة تُنْشَأ على داروين و نظريّة التطوّر .[12]
ويذهب المؤرّخ جيمس ريف في جامعة هارفارد في تّفصيل متسع بخصوص أثر الدّاروينيّة على ماو والشّيوعيّة الصّينيّة في بحثه في كتاب "الصّين و تشارلز داروين" . [13]
باختصار, هناك رابطة غير قابلة للإنشطار بين نظريّة التطوّر والشّيوعيّة. فالشّيوعيّة ـ كأيديولوجيّة إلحادية ـ ترتبط بقوة بالدّاروينيّة. وتستمد بما يسمّى بالدّعم العلميّ للإلحاد من نظرية داروين والتي تدّعي أن الكائنات الحيّة هي نتاج لصدفة بحتة. وعلاوة على ذلك, نظريّة التطوّر تؤيد المفهوم الجدليّ الضّروريّ للشّيوعيّة إذ تقترح نظرية التطور أن التطور في الطّبيعة ممكن بفضل الصراع ( بعبارة أخرى الصّراع من أجل البقاء ).
ونحن نستطيع نفهم بوضوح بُعد الكارثة الدّاروينيّة التي حلت على كوكبنا إذا فكّرنا في المفهوم الشّيوعيّ "للصراع الجدليّ " كماكينة قتل والذي قتل قرابة 120 مليون شخص خلال قرن العشرين .
الدّاروينيّة و الإرهاب
بما رأيناه حتّى الآن, فالدّاروينيّة هي أصل أيديولوجيّات العنف المختلفة والتي قدمت الكارثة إلى البشريّة في القرن العشرين. ومع ذلك, بالإضافة لهذه الأيديولوجيّات, فالدّاروينيّة أيضًا تُعرّف " المفهوم الأخلاقي" و "الطّريقة" التي يمكن أن تؤثّر على الرّؤى العالميّة المختلفة . فالفكرة الرئيسة وراء هذا المفهوم والطّريقة هو " قتل هؤلاء الذين ليسوا منا".
ويمكن أن نشرح هذا بالطّريقة التّالية : هناك معتقدات مختلفة, وفلسفات ووجهات نظر عالمية. وهؤلاء يمكن أن ينظروا إلى بعضهم البعض بإحدى طريقتين :
الأولى: يمكن أن يحترموا وجود هؤلاء الذين ليسوا منهم، ويحاولوا بطريقة إنسانيّة تأسيس حوار معهم.
الثانية: يمكن أن يختاروا محاربة الآخرين ، ومحاولة إنقاذ الأصلح عن طريق إبادة الآخرين ، أي بعبارة أخرى، التّصرّف كحيوان برّيّ .
والرّعب الذي نسمّيه "الإرهاب" هو لا شيء سوى عبارة الرّؤية الثّانية .(46/51)
عندما ندرس الاختلاف بين هذين الاتجاهين, نستطيع أن نرى أنّ فكرة " الإنسان كحيوان مقاتل" والذي فرضته الدّاروينيّة فيما دون الوعي في عقول الناس، فالأفراد والمجموعات التي تختار طريقة الصراع ربما لم يسمعوا أبدًا عن الدّاروينيّة ومبادئها الأيديولوجيّة؛ لكنّهم في التّحليل النّهائيّ, يتّفقون مع الرؤية الفلسفية والتي تستند على الدّاروينيّة، مما يقودهم ذلك للإيمان بأحقّيّة العنف كالشّعارات الموجودة في الدّاروينيّة مثل:
في هذا العالم, البقاء للأقوى
السّمك الكبير يبتلع السمك الأصغر.
الحرب فضيلة.
يتطور الإنسان عن طريق الحرب.
وهذه الشعارات تكون فارغة إذا جردناها من الدّاروينيّة. ففي الواقع, عندما تُؤْخَذ الدّاروينيّة بعيدًا, فإن فلسفة الصراع تتلاشى. فالديانات الثّلاثة التّوحيديّة التي يؤمن معظم النّاس بها, الإسلام, والنصرانية، و اليهوديّة, كلها تعارض العنف. وتتمنّى جلب السّلام والانسجام إلى العالم، وهي تعارض قتل الأبرياء، أو تعذيبهم. فالصراع والعنف ينتهك الأخلاقيّة التي جعلها اللّه للإنسان, بينما الدّاروينيّة ترى وتصوّر الصراع والعنف كمفاهيم صحيحة ومبررة وطبيعية يجب أن توجد.
لهذا السّبب, إذا ارتكب بعض النّاس الإرهاب باستخدام مفاهيم ورموز باسم هذه الأديان الثلاثة: الإسلام, والنصرانية، و اليهوديّة, فتأكد أن هؤلاء النّاس ليسوا مسلمين, أو نصارى، أو يهود؛ وإنما هم في الحقيقة دّاروينيّون اجتماعيّون، يختبئون تحت عباءة الدين, فهم ليسوا مؤمنين حقيقيّين، حتّى وإن ادّعوا أنهم يخدمون الدّين فهم في الواقع أعداء للدين وللمؤمنين، وذلك لأنهم يرتكبون الجريمة التي يحرمها الدّين ، ويشوهون صورة الدّين في عيون النّاس .
لهذا السّبب, أصل الإرهاب الذي أصاب عالمنا اليوم ليس في أيّ من الدّيانات التّوحيديّة, ولكنّه في الإلحاد, و تعبير الإلحاد في أوقاتنا هو : "الدّاروينيّة" و "المادّيّة ".
----------------(46/52)
(46/53)
…الزوجة النصرانية التي لا تلتزم بأحكام دينها
تاريخ الفتوى : …29 ربيع الثاني 1426 / 07-06-2005
السؤال
حضرة الشيخ الفاضل بعد الصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين:
بالطبع لم أحمل رسالتي لكم أي أجر، فأنا أعرف مسبقا بأنه يغريكم أجر أكبر وأبقى، ذلك الأجر الذي تتقاضونه ممن لا يضيع مثقال ذرة، أعيش وأعمل في روسيا ومتزوج من روسية كانت قد قالت لي في بداية الزواج الشرعي بأنها مسيحية ثم اكتشفت مع الأيام بأنها بشكل فعلي لا تمت لدين بصلة وخاصة عندما حاولت أن أقنعها بأن تسلم بل قد تكون في داخلها ليست متأكدة من وجوده سبحانه، الآن لدي طفلة منها أصبح يقارب عمرها الثلاث سنوات، منذ بداية حملها وحتى الآن وأنا في حالة كآبة وحيرة شديدة أحاول بكل استطاعتي تعليم طفلتي اللغة العربية تمهيدا لتعليمها الإسلام وإقناعها به في المستقبل لأنني أعتقد بأنني سأدخل النار إن لم تصبح مسلمة أو إن أصبحت جاهلة بالإسلام وبطريقة أداء واجباته، الآن زوجتي حامل من جديد منذ أسبوعين اثنين فعرضت عليها أن تسقط الحمل حتى لا يتكرر ذنبي ورغم أنها ترغب بطفل ثان وأنا أيضا أرغب لولا خوفي مما ذكرت لفضيلتكم، كنت قد حاولت أن أحبب زوجتي بالإسلام تمهيدا لإقناعها به فلم تستجب لي
لا أعرف كم سأبقى أعيش في هذه البلاد بسبب أن عملي الدائم فيها، والسبب الثاني هو أن زوجتي لا تناسبها الحياة في بلادنا، أنا إذا انفصلت الآن عن زوجتي فإن الطفلة سوف تبقى معها هي، ولا أستطيع أن آخذها منها ولا بأية طريقة، زوجتي إنسانة مثقفة وصادقة وأمينة ووفية ومخلصة وتحب الطفلة كثيرا وتكرس كل وقتها لرعايتها وتعليمها والمشكلة الوحيدة هي عدم استجابتها للدين ولكنها لا تعارض أن أعلم ابنتي الإسلام أو أن أدفعها إليه، أنا أعيش في عذاب داخلي دائم وثمة أسئلة محددة أجهل إجاباتها، هل أنا ملزم حسب الشريعة الإسلامية بأن تصبح ابنتي مسلمة، وإن هي لم تصبح مسلمة بسبب تعنتها أو موتي مثلا، فهل سأدخل النار أو سأحاسب على ذلك، هل أنا علي صواب بدفع زوجتي لإجهاض الحمل وأن لا تحمل في المستقبل حتى لا تتكرر مشكلتي ويتضاعف ذنبي، علما بأنها ترغب بالإنجاب ثانية، في حال موتي إن لم يسمح العمر بأن أعلم ابنتي الإسلام وأن أهديها إليه أو إن هي أبت فهل هي ستدخل النار؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقولك أنك اكتشفت أن زوجتك النصرانية لا تمت إلى دينها بصلة وأنها ربما تكون ملحدة، نقول إن كانت هذه الزوجة تجاهر بالإلحاد وتنكر وجود الله سبحانه فلا يجوز البقاء معها لقول الله تعالى: وَلاَ تَنكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ {البقرة:221}.
وأما إن لم تكن كذلك فتحمل على الأصل بأنها نصرانية وإن لم تلتزم بأحكام الدين النصراني لعموم قول الله تعالى: وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ {المائدة:51}، قال الإمام الجصاص: جعل الله تعالى من يتولى قوما منهم في حكمهم، ولذلك قال ابن عباس في نصارى بني تغلب: إنهم لو لم يكونوا منهم إلا بالولاية لكانوا منهم لقول الله تعالى: وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ. وذلك حين قال علي رضي الله عنه: إنهم لم يتعلقوا من النصرانية إلا بشرب الخمر، قال ابن عباس ذلك، وقال صلى الله عليه وسلم لعدي بن حاتم حين جاءه فقال له: أما تقول إلا أن يقال لا إله إلا الله؟ فقال: إن لي ديناً، فقال النبي صلى الله عليه وسلم أنا أعلم به منك ألست ركوسيا؟ قال: نعم، قال: ألست تأخذ المرباع؟ قال: نعم، قال: فإن ذلك لا يحل لك في دينك فنسبه إلى صنف من النصارى مع إخباره بأنه غير متمسك به بأخذه المرباع، وهو ربع الغنيمة، والغنيمة غير مباحة في دين النصارى.
وأما قولك بأنها في داخلها قد تكون لا تؤمن بوجوده سبحانه، فلا يمكن الحكم عليها بالإلحاد لمجرد ذلك حتى تصرح به أو يصدر منها فعل يدل يقيناً على الإلحاد، مثل الاستهزاء بالله تعالى أو سبه عياذاً بالله تعالى من ذلك ونحو ذلك من الأمور، وأما طلبك منها إسقاط الحمل فتقدم حكم الإجهاض في الفتوى رقم: 5920.
وذهب بعض أهل العلم إلى جواز إسقاط النطفة قبل مضي أربعين يوماً، أما قولك هل أنا ملزم بأن تصبح ابنتي مسلمة فإنها مسلمة أولاً لانتسابها إلى أب مسلم، وثانياً: أنها لا تزال على الفطرة وهي الإسلام، قال النبي صلى الله عليه وسلم كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه. رواه البخاري.
فما عليك إلا أن تعلمها في هذه السن اللغة العربية، وتربيها على الانتساب لهذا الدين، وإذا بلغت السابعة من العمر تأمرها بالصلاة وتعلمها كيفية الصلاة والطهارة، وإذا بلغت العاشرة تلزمها بأداء الصلاة، قال النبي صلى الله عليه وسلم مروا صبيانكم بالصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر، وفرقوا بينهم في المضاجع. رواه أبو داود.(46/54)
وتعودها على الصيام وهي في هذا السن، مع تعليمها آداب الإسلام وأخلاقه ومن ذلك ما يتعلق بلباس المسلمة (الحجاب)، وقبل ذلك ما يتعلق بالعقيدة من الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله إلخ، وما يحرمه الإسلام من المآكل كالخنزير ومن المشارب كالخمر وغير ذلك، فإذا بلغت سن (البلوغ) فتكون مكلفة مخاطبة بأوامر الشرع ونواهيه وليس عليك اتجاهها إلا النصح والإرشاد والدعوة، وهي مسؤولة أمام الله عن كل تصرفاتها، فإذا اختارت طريقاً غير الإسلام لا سمح الله، فلا تؤاخذ أنت على ذلك، وتكون قد برئت ذمتك، لقول الله تعالى: وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى {الأنعام:164}.
والله أعلم.
المفتي: …مركز الفتوى
===============(46/55)
(46/56)
الحكم الشرعي في قراءة الشعر والتاريخ والفلسفة
تاريخ الفتوى : …27 جمادي الأولى 1426 / 04-07-2005
السؤال
أريد أن أسأل عن عدة أمور وأرجو الإجابة على حكم كل منها، كتابة الشعر وقراءته وما شروطها وضوابطها الشرعية، قراءة كتب التاريخ والأدب والفلسفة والروايات البوليسية ،الذهاب للمتاحف وزيارة الآثار الرومانية مثلا أو السفر للسياحة في بلاد عربية أو أجنبية؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الشعر كلام -كما قال الشافعي- حسنه حسن وقبيحه قبيح، فما كان منه في خدمة الإسلام والمسلمين تجوز كتابته وقراءته بل قد تكون مستحبة، وما كان من الشعر مشتملاً على دعاية للفجور أو الإلحاد أو إغواء الناس فإنه محرم، وما لم يكن كذلك فهو من اللغو والفضول الذي يتعين تركه والاستغناء عنه بتلاوة وحفظ القرآن والسنة وتدبر معانيهما.
وأما كتب التاريخ التي تتحدث عن تاريخ وحياة السلف، ولم تكن من مرويات أهل الدس والكذابين فإنها تجوز قراءتها، ومثلها كتب تواريخ الأمم الأخرى إن أراد القارئ الاعتبار بحالهم ولم يخش التأثر بعاداتهم وتقاليدهم فلا حرج في قراءتها، ومن الكتب المهمة في هذا المجال المفيدة لمن قرأها البداية والنهاية لابن كثير، وتاريخ دمشق، وتاريخ بغداد، وسير إعلام النبلاء للذهبي، وحياة الصحابة إضافة إلى كتب السير وقصص الأنبياء.
وما يقال في الشعر يقال قريب منه في كتب الأدب، فما كان يشتمل على الحث على مكارم الأخلاق والحض على الكرم والشجاعة وغير ذلك مما يفيد فهو مباح، وما كان منها مشتملاً على قصص أهل المجون والعشق وما أشبه ذلك فيتعين البعد عنه والاستغناء عنه بما يفيد.
وأما كتب الفلسفة فإن كنت تعني بها الكتب التي تتحدث عن الإلهيات مثل كتب فلاسفة اليونان ومن خلفهم مثل الفارابي والكندي وابن سينا فإنها تحرم قراءتها لما فيها من الإلحاد؛ إلا لمن أراد الرد عليهم وكان أهلا لذلك، وأمن على نفسه من أن تلوث أفكارهم عقله.
وأما الروايات البوليسية فإن في بعضها حضا على العنف والإجرام والحب والغرام، وباقيها أغلبه لغو ليس فيه فائدة، وراجع للمزيد فيما تقدم، وفي الجواب عن موضوع السياحة والمتاحف والآثار الرومانية الفتاوى ذات الأرقام التالية: 33891، 36091، 50691، 56137، 63486، 53139، 18243، 62306، 51877، 38746، 2480، 19570، 32358.
والله أعلم.
المفتي: …مركز الفتوى
==============(46/57)
(46/58)
…لا يشرع الدعاء بضمير الغيبة (هو) لعدم ثبوت مايدل على أنه من أسماء الله الحسنى
تاريخ الفتوى : …03 رجب 1426 / 08-08-2005
السؤال
في القرآن الكريم نجد أن اسم الجلالة يشار إليه بلون مغاير أقصد الله الرب وما يثير انتباهي هو الإشارة إلى ضمير الغائب هو كذلك بلون مغاير وقد قرأت في أحد الكتب أن ضمير الغائب هو اسم من أسماء الله العظيمة إذ الغيبة الحقيقية تكون له وحده سبحانه باعتباره لا تصوره العقول ولا تدركه الأوهام، فهل يجوز الدعاء بهذا الضمير ونقول مثلا يا هو قاصدين بذلك الحق سبحانه وهو وحده أعلم بما تضمر القلوب؟ وجزاكم الله خيراً عن الإسلام والمسلمين.. آمين.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن أسماء الله توقيفية، لا تثبت إلا بدليل وليس هناك دليل صحيح على اعتبار ضمير الغيبة من أسماء الله الحسنى، وبناء عليه فلا يشرع الدعاء به، وقد ذكر شيخ الإسلام في الفتاوى الكبرى: أن من زعم أن لا إله إلا الله ذكر العامة، وأن ذكر الخاصة هو الاسم المفرد، وذكر خاصة الخاصة هو الاسم المضمر، فهم ضالون غالطون، واحتجاج بعضهم على ذلك بقوله: قُلِ اللّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ. من أبين غلط هؤلاء، فإن الاسم هو مذكور في الأمر بجواب الاستفهام، وهو قوله: قُلْ مَنْ أَنزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاء بِهِ مُوسَى. فالاسم مبتدأ وخبره قد دل عليه الاستفهام، كما في نظائر ذلك تقول: من جاره فيقول زيد.
وأما الاسم المفرد مظهراً أو مضمراً فليس بكلام تام، ولا جملة مفيدة ولا يتعلق به إيمان ولا كفر ولا أمر ولا نهي، ولم يذكر ذلك أحد من سلف الأمة، ولا شرع ذلك رسول ا صلى الله عليه وسلم ، ولا يعطي القلب بنفسه معرفة مفيدة ولا حالاً نافعاً، وإنما يعطيه تصوراً مطلقاً لا يحكم عليه بنفي ولا إثبات، فإن لم يقترن به من معرفة القلب وحاله ما يفيد بنفسه، وإلا لم يكن فيه فائدة، والشريعة إنما تشرع من الأذكار ما يفيد بنفسه لا ما تكون الفائدة حاصلة بغيره، وقد وقع بعض من واظب على هذا الذكر في فنون من الإلحاد وأنواع من الاتحاد، كما قد بسط في غير هذا الوضع.
وما يذكر عن بعض الشيوخ من أنه قال: أخاف أن أموت بين النفي والإثبات. حال لا يقتدى فيها بصاحبها، فإن في ذلك من الغلط ما لا خفاء به، إذ لو مات العبد في هذه الحال لم يمت إلا على ما قصده ونواه، إذ الأعمال بالنيات، وقد ثبت أن صلى الله عليه وسلم أمر بتلقين الميت لا إله إلا الله، وقال: من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة. ولو كان ما ذكره محذوراً لم يلقن الميت كلمة يخاف أن يموت في أثنائها موتاً غير محمود، بل كان يلقن ما اختاره من ذكر الاسم المفرد.
والذكر بالاسم المضمر المفرد أبعد عن السنة، وأدخل في البدعة وأقرب إلى إضلال الشيطان، فإن من قال: يا هو يا هو، أو: هو هو، ونحو ذلك لم يكن الضمير عائداً إلا إلى ما يصوره قلبه، والقلب قد يهتدي وقد يضل، وراجع الفتوى رقم: 6604، والفتوى رقم: 53348.
والله أعلم.
المفتي: …مركز الفتوى
===============(46/59)
(46/60)
الحكمة من إرسال الرسل
تاريخ الفتوى : …16 رجب 1426 / 21-08-2005
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم
في حقيقة الأمر ليس سؤالا ولكنه أشبه بتحدي يفرضه شاب غيور على دينه ... وبدون إطالة أسرد الوقائع : حدثني صديق لي عن ابن عمه وكم أثنى على علمه وبديهته وقوة إيمانه ثم عاد ليخبرني أن ابن عمه هذا قد أصبح ملحدا بعد عودته من ألمانيا ..فطلبت من صديقي أن يحاول هدايته أو مناقشته لعل الله يهديه على يدك..فسخر مني صديقي وقال إنه ليس من السهل مناقشته فهو جد متمكن، وطرح علي هذا السؤال الذي لم أجد له حلا واعتبره دون تردد شركا:" إن كان الله قادرا فلماذا أرسل محمدا ليرجو عباده كي يعبدوه" .. اللهم اغفر لي وللمؤمنين جميعا وأسالك الهداية والثبات.
أكون شاكرا لكم إن تكرمتم وأجبتم على هذا السؤال
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الله لم يرسل الرسل لدعوة الناس إلى عبادة الله لحاجته إليهم، بل هو القادر سبحانه أن يعبد أهل الأرض كرها كلهم أجمعين. قال تعالى:
وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآَمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ {يونس: 99}
ولكن الله أرسل الرسل ليقيموا الحجة على الناس فينقطع عذرهم، فلا يدعي أحد أن الدعوة إلى عبادة الله لم تبلغه. قال تعالى: رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ {النساء: 165} وانظر الفتوى رقم: 38819.
هذا، وعلى صديقك الفرار بدينه وعدم مجالسة ذلك الملحد حتى لا تصيبه عدوى الإلحاد، فإن صحبة أهل الشك والارتياب مردية، وقد كان السلف يحذرون من صحبة أهل البدع حتى لا تنطلي بدعهم على من لا علم عنده، فكيف بمجالسة الملحدين.
كما ننصحكما بالبدء في طلب العلم النافع وخاصة العقيدة، وانظر برنامجا لطلب العلم للمبتدئين في الفتوى رقم: 59729.
والله أعلم.
المفتي: …مركز الفتوى
=================(46/61)
(46/62)
حكاية الكفر وإعلانه بدون إنكاره وبيان بطلانه محرم
تاريخ الفتوى : …23 رجب 1426 / 28-08-2005
السؤال
أريد التعليق على أغنية لرجل يقول(أنا رجل بلا قدر)، أليس هذا كفرا وتعاليا على (الله عز وجل)؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن هذه الأغنية من شعر الشاعر نزار قباني، وهو شاعر معاصر تحتوي أشعاره على كثير من الإلحاد والانحراف، ومن المعلوم أن جميع ما يحصل في الكون حاصل بقضاء الله وقدره ولا مجال فيه للصدفة، فقد قال الله تعالى: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ {القمر:49}، وفي صحيح مسلم أن صلى الله عليه وسلم قال: كل شيء بقدر حتى العجز والكيس.
والإيمان بالقدر ركن من أركان الإيمان الستة، كما في حديث جبريل: .... وتؤمن بالقدر خيره وشره. رواه مسلم، وفي الحديث: لا يؤمن المرء حتى يؤمن بالقدر خيره وشره. رواه أحمد وصححه الأرناؤوط والألباني.
ثم ليعلم أن حكاية قول الكفر وإعلانه للناس محرم شرعاً، ما لم يرد صاحبه بيان بطلانه وضلاله، وإذا كان حاكيه يعتقد مدلول القول الكفري صار بذلك كافراً إن توفرت فيه شروط التكفير، وانتفت عنه الموانع، وراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 9192، 50728، 12447، 1845.
والله أعلم.
المفتي: …مركز الفتوى
==============(46/63)
(46/64)
…تفنيد مقولة (الدين أفيون الشعوب)
تاريخ الفتوى : …11 شوال 1426 / 13-11-2005
السؤال
تطرح شبهة أن الدين قيل عنه أنه أفيون "مخدر" الشعوب فهل هذا الكلام ينطبق على الإسلام، وكيف نرد على من يدعون ذلك؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذه الكلمة معروفة عن الهالك مؤسس الفكر الشيوعي كارل ماركس، الذي قال: إن الدين هو إفيون الشعوب.
والشيوعية مذهب فكري يقوم على الإلحاد وأن المادة هي أساس كل شيء، وأول معتقداتها إنكار وجود الله تعالى وكل الغيبيات، والقول بأن المادة هي أساس كل شيء، وشعارهم، الإيمان بثلاثة: ماركس، ولينين، وستالين، والكفر بثلاثة: الله، الدين، الملكية الخاصة.
يحاربون الأديان ويعتبرونها وسيلة لتخدير الشعوب وخادما للرأسمالية والإمبريالية والاستغلال مستثنين من ذلك اليهودية معللين ذلك بأن اليهود شعب مظلوم يحتاج إلى دينه ليستعيد حقوقه المغتصبة.
يعتقدون بأنه لا آخرة ولا عقاب ولا ثواب في غير الحياة الدنيا، ويقولون إن الأخلاق نسبية وهي انعكاس لآلة الإنتاج، عليهم من الله ما يستحقون، ولك أن تراجع في معتقداتهم ومبادئهم فتوانا رقم: 5887.
واعلمي -أيتها الأخت الكريمة- أن نقاش من عنده مثل هذه الأفكار فيه خطر كبير على دين المرء، إلا من أعطاه الله من العلم ما يرد به شبهاتهم، وكان له معرفة بالمجادلة والحوار.
وللرد على هؤلاء نقول لهم: إن هذا الكون بنظامه ودقته شاهد على وجود الله تعالى، بل الإنسان نفسه أكبر دليل على وجود خالقه، فهو أوجد من العدم، ومر بمراحل وأطوار متعددة في بطن أمه، ثم يخرج إلى هذا العالم ويعيش أطوار حياته، فيتم كل ذلك وفقا لسنن كونية ثابتة لا تتغير ولا تتبدل.
ومن جانب آخر فإنه يستحيل عقلا أن يوجد شيء من تلقاء نفسه دون موجد له، وهل من الممكن أن نتصور تجمع مادة بنفسها صدفة ليتكون منها أي شيء في هذا الوجود؟ وإذا كان هذا مستحيلا، فكيف يعقل إذن أن نتصور وجود هذا العالم بكل هذه الدقة والنظام دون أن يكون له خالق له المنتهى في صفات الكمال؟
وإذا تجاوزنا هذه المرحلة، نقول لهم إن الإسلام دين منزل من عند الله خالق هذا الكون ومدبر أمره، وشريعته هي الشريعة الصالحة لكل زمان ومكان، وهي الكفيلة بتحقيق الرقي والأمن والخير للفرد والمجتمع وفيها من الأحكام والتوجيهات ما هو جدير بأن يقيم المجتمع المتعاون المتكافل.
والله أعلم.
المفتي: …مركز الفتوى
=============(46/65)
(46/66)
أثر الإعلام الغربي على الثقافة العربية والإسلامية
تاريخ الفتوى : …13 ذو القعدة 1426 / 14-12-2005
السؤال
كيف يؤثر الإعلام الغربي على ثقافتنا العربية و الإسلامية؟
من المغرب.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالإعلام له تأثيره البالغ على الأفراد والمجتمعات، وله أهمية كبرى في اطلاع القراء والمستمعين على مجريات الأحداث وتوجيههم حسب وجهة من يكتب فيها. وقد عُد الإعلام سلطة رابعة تنضاف إلى السلطات المعروفة في الأنظمة التشريعية للدول، وهي السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية والسلطة القضائية. وقد استُغل منذ نشأته ضد المسلمين، بالسعي الحثيث من أهله في نشر الإلحاد والانحلال، وتلميع الباطل وترويجه...
وكيفية تأثيره على ثقافتنا العربية والإسلامية، هي بما يروج له من الخلاعة والرذيلة، ونبذ القيم والتقاليد. وبما يدعو له من المنكرات والجرائم وغير ذلك...
ولا يخفى ما حصل للمسلمين من الابتعاد عن دينهم وقيمهم وثقافتهم وحضارتهم، وما ذلك إلا لجريهم وراء هذا الإعلام الهابط.
والله أعلم.
المفتي: …مركز الفتوى
================(46/67)
(46/68)
المقصود بالإلحاد وحكم الملحد
تاريخ الفتوى : …14 محرم 1427 / 13-02-2006
السؤال
ماهو الإلحاد؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد قال الطبري في تفسيره: أصل الإلحاد في كلام العرب العدول عن القصد والجور عنه والإعراض ثم يستعمل في كل معوج غير مستقيم ولذلك قيل للحد القبر : لحد لأنه في ناحية منه وليس في وسطه يقال منه : ألحد فلان يلحد إلحادا ولحد يلحد لحدا ولحودا .. واختلف أهل التأويل في تأويل قوله : وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ {الأنعام: 180 } فقال بعضهم : يكذبون .. وقال آخرون : معنى ذلك : يشركون .. وقد كان إلحاد المشركين في أسماء الله أنهم عدلوا بها عما هي عليه فسموا بها آلهتهم وأوثانهم وزادوا فيها ونقصوا منها فسموا بعضها ( اللات ) اشتقاقا منهم لها من اسم الله الذي هو ( الله ) وسموا بعضها ( العزى ) اشتقاقا لها من اسم الله الذي هو ( العزيز ). انتهى منه بتصرف .
ويطلق الإلحاد اليوم وصفاً للذين لا يؤمنون بوجود رب خالق, فيقولون بالصدفة والطبيعة وغير ذلك ، وقد بينا حكم الملحد في الفتوى رقم : 38920 .
والله أعلم .
المفتي: …مركز الفتوى
===============(46/69)
(46/70)
الجواب عن سؤال أهل الإلحاد
هل يستطيع الله أن يخلق صخرة لا يمكنه
فتاوى الإسلام سؤال وجواب - (ج 1 / ص 4002)
سؤال رقم 39679- الجواب عن سؤال أهل الإلحاد " هل يستطيع الله أن يخلق صخرة لا يمكنه رفعها ؟ "
هذا السؤال قد يُطرح من قبل أحد دعاة التنصير : " هل يستطيع الله أن يخلق صخرة لا يمكنه رفعها ؟ " كيف نرد على ذلك ؟.
الحمد لله
هذا السؤال - وأمثاله - فيه مغالطة كبيرة ، ويحاول كثير من
الملحدين أن يستعمله في حواراته مع المسلمين ، وهم يريدون الإلزام للمجيب فإن قال :
لا يستطيع . قالوا : كيف يكون إلها وهو عاجز عن الخلق ؟! وإن قال : يستطيع . قالوا
: كيف يكون إلهاً وهو عاجز عن الحمل والرفع لهذه الصخرة ؟!
والجواب :
أن هذا السؤال غير صحيح في الأصل ، فقدرة الله تعالى لا تتعلق
بالمستحيلات ؛ فكيف يكون إلهاً وهو عاجز عن رفع " صخرتهم " ومن صفات الله تعالى
القدرة ؟! وهل سيوجد في صفات المخلوقات ما هو أعظم من صفات خالقها ؟!
وقد أجاب الأستاذ سعد رستم عن هذا السؤال بجواب علمي رصين ننقله
بنصه ، إذ قال :
قدرة الله - التي هي بلا شك مطلقة وغير محدودة - إنما تتعلق
بالممكنات العقلية لا بالمستحيلات العقلية ، فالقدرة مهما كانت مطلقة ولا حدود لها
تبقى في دائرة ممكنات الوجود ، ولا تتعلق بالمستحيلات ، وليس هذا بتحديد لها ،
ولتوضيح هذه النقطة نضرب بعض الأمثلة :
نسأل جميع هؤلاء الأساقفة واللاهوتيين : هل يستطيع الله تعالى أن
يخلق إلهاً آخر مثله ؟ إن قالوا : نعم . قلنا لهم : هذا المخلوق كيف يكون إلهاً
وهو مخلوق ؟ وكيف يكون مثل الله مع أنه حادث في حين أن الله أزلي قديم ؟ في الحقيقة
إن عبارة " خلق إله " سفسطة وتناقض عقلي لأن الشيء بمجرد أن يُخلَق فهو ليس بإله ،
فسؤالنا هذا بمثابة سؤالنا هل يستطيع الله تعالى أن يخلق " إلها غير إله " ؟!
وبديهي أن الجواب لا بد أن يكون : إن قدرة الله لا تتعلق بذلك ؛ لأن كون الشيء
إلهاً وغير إله تناقض عقلي مستحيل الوجود ، وقدرة الله لا تتعلق بالمستحيلات .
مثال آخر : نسألهم أيضاً : هل يستطيع الله تعالى أن يخرِج أحداً
حقيقة من تحت سلطانه ؟
إن أجابوا بالإيجاب حددوا نفوذ الله تعالى وسلطانه ، وإن أجابوا
بالنفي - وهو الصحيح - وافقونا بأن قدرة الله المطلقة لا تتعلق بالمستحيلات ؛ لأنه
مستحيل عقلاً أن يخرج أي مخلوق من سلطان ونفوذ خالقه وموجِده .
مثال ثالث : سألني مرة أحد الملحدين فقال : " هل يستطيع ربكم أن
يخلق صخرة هائلة تكون من الضخامة بحيث يعجز هو نفسه عن تحريكها " ؟ وأضاف متهكِّماً
: " إن قلت لي نعم يستطيع : فقد أثبت لربك العجز عن تحريك صخرة ، وهذا دليل على أنه
ليس بإلهٍ ، وإن قلت لي : كلا ، لا يستطيع ، اعترفت بأنه لا يقدر على كل شيء ، و
بالتالي فهو ليس بإلهٍ " ! .
فأجبت هذا الملحد بكل بساطة : نعم ، لا يدخل ضمن قدرة الله أن
يخلق صخرة يعجز عن تحريكها ؛ لأن كل ما يخلقه الله يقدر على تحريكه ، ولكن عدم
إمكان تعلق قدرة الله تعالى بخلق مثل هذه الصخرة المفترضة ليس دليلا على عجزه بل -
على العكس تماماً - هو دليل على كمال قدرته ! لأن سؤالك هذا بمثابة من يسأل : هل
يستطيع الله تعالى أن يكون عاجزاً عن شيء ممكن عقلا ؟ وبديهي أن الإجابة بالنفي لا
تفيد تحديد قدرة الله بل تفيد تأكيد كمال قدرته تعالى وتمامها ؛ لأن عدم العجز عين
القدرة وليس عجزاً ، تماماً كما أنه لو قلنا إن الله لا يمكن أن يجهل أو ينسى شيئاً
، لا يكون في قولنا هذا إثباتٌ لعجز فيه تعالى أو نقص ، بل يكون تأكيداً على كماله
تعالى وكلية قدرته وعلمه .
" الأناجيل الأربعة ورسائل بولس ويوحنا تنفي ألوهية المسيح كما ينفيها القرآن "
للأستاذ " سعد رستم "
والله أعلم .
================(46/71)
(46/72)
الإلحاد والظلم في المسجد الحرام بين الإرادة والتنفيذ
مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة - (ج 39 / ص 19)
الدكتور: محمد بن سعد بن عبد الرحمن آل سعود
عضو هيئة التدريس في قسم الكتاب والسنة
بكلية الدعوة وأصول الدين
جامعة أم القرى
المقدمة
الحمد لله فعّال لما يريد، بيده الخير، وهو على كل شيء شهيد. والصلاة والسلام على القائل: "من يُرِد اللهُ بهِ خَيراً، يُفقِهه في الدين" [1] .
أما بعد: فقد كنت في زيارة أحد أقاربي، المقربين إلى نفسي في مدينة الرياض، وتناول الحديث معه تعلقه الشديد بأرض الحرم، ورغبته الصادقة في سكناها، والعيش فيها.
وكأني أسخر منه، حين سألته: ولمَ لمْ تفعل؟ فالسبيل ميسر، والوسيلة سائرة، وقد منَّ الله عليك بالتبعية لهذا الكيان الكبير، فلا حدود ولا قيود، وأنت اليوم أصبحت خِلْواً من التزاماتك نحو عملك في الجامعة.!!!
فتبسم ضاحكاً من قولي، وصوّب نحوي نظرة شفقةٍ، وحنان، وقال: هو كما قُلْتَ، ولولا آية في كتاب الله لفعلت.
ووجمت مندهشاً وقد أخذ مني الفضول مأخذاً، نظرت إليه بلهفة، وفي عيني سؤال: وما تلك الآية، يرحمك الله؟!
فتلا قوله تعالى: {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} [الحج /25]. فكأنه أيقظني من سبات عميق في وادٍ سحيق، فأخذت أردد تلاوة الآية الكريمة في نفسي، ورفعت إليه بصري، وسألته متغابياً: وما الذي في الآية من معنى يحول بينك وبين تحقيق حلمك الجميل؟ فردَّ قائلاً: الإنسان منَّا عرضة للخطأ، والنسيان، فيما يقول، ويفعل، ولا يزال تحيط به الملذَّات، والشهوات، والرغبات في نيلها، فيريد أن يحقق لنفسه شيئاً منها، إرواءً لغرائزه، فيَهُمُّ بفعلِ معصية، فلا يقع منه في الواقع فعلها، فيصبح موعوداً من الله بعذاب أليم، لمجرد أنه همّ بفعلها في المسجد الحرام. بينما الأمر بخلافه في أي مكان آخر من المعمورة. فالسلامة أن نقتصر على زيارتها - شرَّفها الله - بين الحين والآخر للحج أو العُمرة، فلا يطول بنا المقام إلاّ بقدر تأديتهما والإنتهاء منهما، فنسلم إن شاء الله تعالى من التعرُّض لسخط الله وغضبه.
هذه المحادثة الصغيرة شدَّتْنّي إلى طلب العلم حول هذه القضية، التي كثر الغافلون عنها ممن سكن مكة المكرمة، وجاور المسجد الحرام.
التمهيد
إنَّ موضوعاً يبحث في معنى الإلحاد، والظلم، وإرادتهما بأرض الحرم، وجوار المسجد الحرام، له خصائص تختلف في أهميتها، وماهيتها عن غيرها، مما يتعلق بمواضيع شرعية أخرى، وذلك لحرمة المكان بما يؤكده المولى جلّ وعلا في القرآن الكريم بأكثر من آية.
والقاطنون بمكة المكرمة من أهلها والوافدون إليها، يهمهم أكثر من غيرهم الوقوف على دقائق هذا الموضوع، وتفاصيله المختلفة، لمن شاء منهم أن ينجو من عذاب الله الأليم، بمعرفة أسبابه، ودوافعه.
فما معنى الإرادة؟ وما المراد بالإلحاد، والظلم في الحرم؟ وما المقصود بالحرم، وبالبيت الحرام، والمسجد الحرام؟.
فشرعت في سبيل ذلك أجمع الآيات من القرآن، والأحاديث النبوية، وأقوال المفسرين حولها، وأقوال أهل اللغة والتاريخ، والسِّيَر. وكان من الطبيعي أن أحدد المراد بالحرم. أهو المسجد الذي تقام فيه الصلاة بجوار الكعبة، البيت الحرام، وما يحيط به من جهاته الأربع من ساحات، وأروقة، ومرافق؟ أم هو كل ما دخل في حدود مدينة مكة المكرمة، البلد الحرام؟.
ومن ثم يتبين المكان الذي يؤاخذ فيه الإنسان بإرادته المجرَّدة، ومضاعفة أجر الصلاة فيه إلى مائة ألف صلاة.
والحِلُّ يُطلق على خارج حدود الحرم، حيث المواقيت للحج والعمرة لمن أَمَّ البيت الحرام، فمن تجاوزها وقد تلبَّس بهما أو بأحدهما منها أو من بلده، فقد وجب عليه إتمامهما، والعمل بأحكامهما.
وتختلف المواقيت التي هي أبواب أرض الحرم قرباً وبعداً عنه، ليستعدَّ القادم إلى البيت الحرام من لتهيئةِ نفسه وحاله، بعد أن تجرَّد من المخيط، لتتجرد نفسه من أغراض الدنيا وشهواتها، وتُقْبِل على ربها مطمئنَّة راضية، تؤدي نسكها {بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ} [سبأ/15]، {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج / 29].
ومكة المكرمة القرية الآمنة، كان نواتُها بعض أهل إبراهيم عليه السلام، أسكنهم بوادٍ غير ذي زرع عند بيت الله الحرام، ودعا الله عز وجل أن يجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم، ويرزقهم من الثمار - كل الثمار - فالسكنى كانت (عند) المسجد الحرام، وليست (فيه) مما يدل على أن موضع زمزم حيث ترك إبراهيم ابنه لم يكن من المسجد الحرام حينذاك بل بجواره، والله أعلم، واستجاب الله - عز وجل - لدعوة نبيه وخليله، فاستقر في ذلك المكان من العرب مَنْ بدد وحشة (هاجَر)، وقوَّم لسان إسماعيل عليه السلام، حتى إذا شبَّ عن الطوق، أنكحوه منهم. ثم عاد الخليل عليه السلام يتفقد تركته، ويعلم من شأنهم ما جدّ عليه.(46/73)
وكرر ذلك مراراً، حتى جاء أمر الله جلَّ وعلا، يأمرهما بإعادة بناء بيته الحرام بعد أن طمرته الرياح بالرمال، والسيول بالوحل والحجارة، على اعتبار أن الملائكة أول من شيده [2] ، قال تعالى: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [البقرة / 127].
حتى إذا شيداه، وأتماّ بناءه توجها إلى ربهما بالدعاء: {رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [البقرة /128-129].
ثم يمتنّ الله تعالى على عباده أن صيَّر بيته الآمن مثابة لهم يعودون إليه حيناً بعد حين، قال عز وجلّ: {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلّىً وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} [البقرة/125].
وكلمة (الحرم) تشمل قرية مكة المكرمة، بمبانيها، وطرقها، ومرافقها العامة، تحيط بالمسجد الحرام، إحاطة السوار بالمعصم، وليست منه. قال عمر بن الخطاب لمن أبى أن يأخذ ثمن داره التي هدمها قرب المسجد الحرام لتوسعته، وتمنَّع من البيع، "إنما نزلتم على الكعبة فهو فناؤها، ولم تنزل عليكم"فوضع أثمان دورهم في خزانة الكعبة حتى أخذوها بعد [3] غير أن لها ما يميزها عن سائر مدن الأرض وقراها على الإطلاق، ففيها يُنهى عن عضد الشجر بكل أنواعه إلا ما استثناه الشارع، وأن لا يُنفَّر صيدها مهما كان حجمه أو نوعه، وتقع الفدية على من فعل شيئاً من ذلك، ولا تحل لُقَطَتُها لواجدها مهما تطاول عليها الزمن [4] وأن يكون لها منشداً أبداً.
و(البيت الحرام) أو (المسجد الحرام) و(الكعبة البيت الحرام) و(البيت) و(البيت العتيق)، لا تأتي إلاّ مُعَرَّفَة، والمراد الكعبةُ نَفْسُها، وما يحيط بها من جهاتها الأربع إلى آخر ما يصل إليه موضع السجود للمؤتمَّ في صلاته بصلاة الإمام فيه، لا يفصل بينهما شيء من المرافق العامة أو الخاصة، وتكون الصفوف متصلة بحيث لو رآها الناس قالوا: الصفوف متصلة، وذلك عُرْفاً - حتى ولو امتدّت إلى أن تشمل قرية مكة كلِّها، فتكون أرض الحرم كلها مسجداً.
ولا يجوز للحائض، والنفساء، والجنب المكث فيه إلا عابري سبيل كشأن سائر المساجد الأخرى، ولا يطلب ذلك في غير المساجد.
وإذا أراد الله تعالى الإشارة إلى بيته المطهَّر بمكة وصفه بـ"الحرام"، وإذا أشار - جلّ وعلا - إلى غيره من المساجد لم يَصِفْهُ بتلك الصفة، كما قال تعالى عن مسجد بيت المقدس: {وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ} [الإسراء/7].
وعن مسجد المدينة قال تعالى: {لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى} [التوبة/108].
ولا فرق بين جملة (المسجد الحرام) و (البيت الحرام) فالمساجد بيوت الله، وبيوت الله هي المساجد، وأمكن أن يُضاف البيت إلى اسم الجلالة فيقال: بيت الله الحرام، ولا يقال: مسجد الله الحرام، لأن المساجد لا تكون إلاَّ لعبادة الله وحده، ولا يُقبل عمل فيها إلاّ لله، وهي بمعنى السجود: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُو مَعَ اللَّهِ أَحَداً} [الجن/18]، بينما البيوت تطلق على أماكن العبادة وغيرها.
وسمِّيت أرض مكة حرماً من أجل ما حُرِّم فيها من عضد الشجر وتنفير الصيد، وغيرهما مما اختصت به دون غيرها من بقاع الأرض، والحُرْمَةُ ما لا يَحِلُّ انتهاكُه، ويقال: هُوَ ذو مَحْرَمٍ منها، إذا لم يَحِلّ له نِكاحُها. وحَريم البِئْر وغَيْرِها: ما حولها من مرافقها، وحقوقها [5] .
فقرية مكة: هي حريم المسجد الحرام، وهي له كسياج تحيط به، تحول بين هوانه ممن لا يعظمه في نفسه، ويعمل على إهانته، والنيل منه، بعبادة ربه بما لم يُشَرِّعه لعباده للتقرب إليه وطاعته، كالمشركين يعبدون الأوثان، ويستغيثون بغير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُو مَعَ اللَّهِ أَحَداً} فأولئك لو تمكنوا من دخول مكة - الحرم الآمن - لتمكنوا من دخول المسجد الحرام بطريقة أو بأخرى "كالراعي يرعى حول الحمى"، فقطعاً لدابر مثل هذا الاحتمال حُظِر عليهم دخول أرض مكة كلِّها، وبالتالي دخول بيت الله الحرام، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } [التوبة/28].(46/74)
وقد كان من المشركين أربابُ تجارة، يعتادون مكة بأصنافٍ منها، ينتفع بها المسلمون، الذين منهم من اغتمَّ عند نزول صدر الآية الكريمة، خشية الفقر عند انقطاع موارد الرزق، حتى إذا نزل عجزها اطمأنت نفوس المسلمين.
قال ابن حجر: والآية صريحة في منعهم دخول المسجد الحرام، ولو لم يقصدوا الحج، ولكن لما كان الحج هو المقصود الأعظم صرح لهم بالمنع منه، فيكون ما وراءه أولى بالمنع. والمراد بالمسجد الحرام هنا الحرم كله [6] .
وقرية مكة المكرمة لها طابع بيئي متميز، الجبال الشاهقة تحيط بها من جميع جوانبها، والأودية تتخلل تلك الجبال، وحتى موضع البيت الحرام في وادي غير ذي زرع تغمره مياه الأمطار، وقد أدَّت السيول إلى هدمه أكثر من مرة من تاريخ إنشائه. غلب على مناخِها طابع الحرارة الشديدة، ولا تكاد تُميَّز فروق الفصول الأربعة فيها.
وأَقْدِر لمكة المكرمة بلداً يَسكُن حبها نفوسَ المسلمين، ولكن لا يسكنها إلاّ من سكنت إليها نفسه، واطمأنت بالإيمان غالباً. ومزاجها من السكان خليط، ومن العادات مختلف وجديد. يكاد لا يجمع بينهم من الروابط والعادات الاجتماعية إلاّ رابط التعلق ببيت الله الحرام، والتقرب إلى الله فيه.
تحسبهم جميعاً وفق ما ينبغي من تقوى لله، وورع، والتزام يليق بالجوار والجار، عظمة، وحُرمة، غير أنَّها بلد لم تُحصَّن - كغيرها - ضد الشيطان وجنده، فهم يجوبون طرقها، وأنديتها، ويستحوذون على بعض أفئدة سكانها بما يُزَيِّنونه من مسائل، ووسائل تغوي السفهاء، فتكاد المعاصي فيها من مرتكبيها تتشابه بالمعاصي في غيرها من المدن الأخرى.
ولكن يبقى للمسجد الحرام في مكة المكرمة ما يُميزه عن أي بقعة من بقاع الأرض، ذلك هو مؤاخذة من أراد فيه الإلحاد والظلم، - مجرد الإرادة -، بعذاب أليم، وفي غيره يستوجب الفاعل لهما العقوبة بمباشرته الحدث ووقوعه منه فعلاً وقصداً، لا بمجرد أن يهمَّ بذلك هماً دون الإلمام به، ولا تخلو نفس بشرية - إلاّ من رحم - من الهمِّ بفعل يعتبره الشارع معصية يستحق فاعلها عقوبة في الدنيا أو في الآخرة إذا تحقق فعلها منه، وفي الحديث عن ابن عباس يرفعه: "ما مِنْ أَحدٍ مِنْ وَلَدِ آدم ألاّ قد أَخْطأ أو همَّ بخطيئة، ليس يحيى بن زكريا" [7] .
وخواطر الإنسان، وأفكاره، وهواجسه لا تقف عند قَدْرٍ، ولا تحدها حدود، فلا يشعر الإنسان إلاّ وقد حلَّقت به أفكاره بعيداً عن مكان وجود بدنه، ويتصور، ويتخيل شتى الصور والخيالات، المألوفة، وغير المألوفة، المباحة، وغير المباحة.
وقد تُحَرِّك في نفسه بعض تلك الصور المُتَخَيَّلَة نوعاً من الرغبة في نيلها، والاستمتاع بها، فيتدرج مع خياله في سبل تحقيقها حتى يكتمل في ذهنه مُحققاً، وواقعاً ملموساً، قد ذلل بقدرته على التصور كل العقبات المحتملة دونه، فينزع إلى التنفيذ ويهم بالمباشرة، وتبرز عندئذٍ (الإرادة) فيْصَلاً بين التنفيذ أو الإحجام.
فإن هو سعى في طلب ما نزعت إليه نفسه بنيَّة تحقيقه، في قوة مركَّبة من شهوة، وخاطر، وأمل، واتخذ حيال ذلك الوسائل، والوسائط، والسبل، وأجرى في نفسه مشهداً تجريبياً، تجري فصوله مثال الواقع، فاستهواه واستساغه، وشجعه بجعله واقعاً ملموساً، فهو قد أراد إرادة أكيدة في تحقيق ونيل ما سعى إليه، وتسمى تلك الإرادة المؤكدة (عزيمة)، فإن تم له ما أراد تقرر في حقه الثواب أو العقاب، وإذا حال دون تحقيق إرادته مانعٌ لا يقوى على تذليله، وبقيت معه تلك الإرادة المؤكدة تراوده إلى فعل ما أراد حال تمكُّنه، يسمى فعله ذلك إصراراً يؤاخذ عليه في الحرم، والإصرار هو: "الإقامة على الذنب، والعزم على فعل مثله" [8] .
وإذا منعه من تحقيق ما أراد مانع من نفسه، كخوفه من الله، وخشيته من العاقبة، وكان قادراً على الاسترسال في طلب مراده، وتحقيق ما أراد، فاستغفر ربه وأناب، فكأنَّه في هذه الحالة لم يصدر عنه شيء البتَّة، بل يثاب على تركه المعصية - وقد كان قادراً على فعلها - خوفاً من الباري جلّ وعلا.
روى صلى الله عليه وسلم حديثاً عن ربه جلّ وعلا أنه قال: "إذا أراد عبدي أن يعْمل سيئة فلا تكتبوها عليه حتى يعملها، فإن عملها فاكتبوها له بمثِلها، وإن تركها من أجلي فاكتبوها له حسنة، وإذا أراد أن يعمل حسنة فلم يعملها فاكتبوها له حسنة، فإن عملها فاكتبوها له بعشر أمثالها إلى سبع مائة" [9] .
والحديث - والله أعلم - لم يفرق بين من أراد السيئة في المسجد الحرام، ومن أرادها خارجه، ولكن إن ترك فعل السيئة أو المعصية بعد تمكنه من فعلها، خوفاً من الله فإنَّه يثاب، ولا يؤاخذ بما همَّ به في غير المسجد الحرام.
قال المحاسبي: "أما الهمّ الموضوع فهو التَروية إذا خطرت المعصية أيفعلها أم لا؟ فهو يميل بين الفعل والترك، فلا يُكْتَب عليه شيء حتى يصير إلى أحدهما، فإن صار إلى العَقْد زال عنه الهمّ.(46/75)
وإن هو صار من الهمِّ إلى الترك صار إلى الطاعة، وكتبت له حسنة، وإذا همّ بفعل حسنة من النفل كتبت له حسنة، فإذا عقد عليها كُتبت له عشراً، فإذا همَّ بحسنة من الفرض أيفعل أو لا يفعل؟ فليس ذلك من حسنة إنما الهمُّ بالحسنة هو الهمّ بالنفل" [10] .
وقال الخطابي: "محل كتابة الحسنة على الترك أن يكون التارك قد قدر على الفعل ثم تركه، لأن الإنسان لا يُسمى تاركاً إلاّ مع القدرة، ويدخل فيه من حال بينه وبين حرصه على الفعل مانع، كأن يمشى إلى امرأة ليزني بها - مثلاً - فيجد الباب مغلقاً، ويتعسر فتحه، ومثله من تمكن من الزنا - مثلاً - فلم ينتشِر، أو طَرَقَه ما يخاف من أذاه عاجلاً [11] . والله أعلم.
[1] رواه البخاري في صحيحه من كتاب العلم، باب من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين.
[2] قال ابن كثير في تفسيره (1/302): "وقد اختلف الناس في أول من بنى الكعبة، فقيل: الملائكة، وقيل آدم".أ.هـ. وانظر البداية والنهاية (1/16(3)166). وانظر تفسير القرطبي للآية (127) من سورة البقرة (2/12)، وتفسير البغوي عند تفسير الآية نفسها (1/149) وانظر: تاريخ الكعبة المعظمة لحسين عبد الله باسلامه (ص4) ط2 سنة 1384هـ.
[3] انظر "شفاء الغرام "للفاسي (1/224) ، رواه عن الأزرقي عن جدِّه قال: أخبرني مسلم بن خالد الزنجي عن ابن جريج، وانظر "تاريخ الأمم والملوك"لابن جرير الطبري (4/206).
[4] انظر صحيح البخاري كتاب العلم، باب كتابة العلم، حديث رقم (112) وأطرافه (2434) و (6880). وكتاب البيوع باب ما قيل في الصوَّاغ حديث رقم (209) وكتاب اللقطة، باب رقم (7)، وانظر صحيح مسلم كتاب الحج، باب تحريم مكة وصيدها، حديث رقم (1355).
[5] مختار الصحاح، مادة (حرم).
[6] فتح الباري شرح صحيح البخاري (8/32).
[7] رواه الإمام أحمد في مسنده (1/254،292،295،32) عن ابن عباس، وإسناده ضعيف لوجود علي بن زيد بن جدعان التيمي، قال أحمد وأبو زرعة: ليس بالقوي.
[8] التعريفات للجرجاني (ص 37).
[9] أخرجه البخاري في صحيحه كتاب التوحيد، باب قول الله تعالى: { يريدون أن يبدِّلوا كلام الله} ، حديث رقم (7501) .
[10] انظر كتابه: المسائل في أعمال القلوب والجوارح، (79)، (والمحاسبي) معروف حاله!.
[11] انظر كتابه: أعلام الحديث (3/2252)، وانظر فتح الباري لابن حجر، (11/326).
================(46/76)
(46/77)
الأحوال التي فيها يؤاخذ المرء بحديث النفس
تاريخ الفتوى : …21 محرم 1427 / 20-02-2006
السؤال
أقرأ كل يوم القرآن قبل الفجر لكن مشكلتي أنه تراودني أفكار شيطانية عند القراءة هل أذنب في ذلك. ما العمل?
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالذي ننصحك به ونرشدك إليه هو أن تستمر في قراءة القرآن في هذا الوقت المبارك، وتجاهد نفسك على الانصراف عما يخطر ببالك حالة القراءة من وساوس شيطانية في أي مجال من المجالات سواء كان ذلك في شك في العقيدة ينتابك عند قراءة بعض الآيات، أو الشك في شيء منها أو في ممارسة حرام أو غير ذلك فإن هذه الوسوسة من الشيطان ليصرفك عن كتاب ربك، واعلم أن الله لا يؤاخذك على ما يدور في قلبك ما لم تعزم وتعقد قلبك عليه، وهذا من رحمة الله بهذه الأمة، وهناك تفصيل جميل لما يجري في النفس، ومتى يؤاخذ عليه الإنسان، ومتى لا يؤاخذ، ذكره السيوطي رحمه الله في الأشباه والنظائر ننقله بطوله للفائدة وهذا نصه: من عزم على المعصية ولم يفعلها أو لم يتلفظ بها لا يأثم لقوله صلى الله عليه وسلم إن الله تجاوز لأمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تتكلم أو تعمل به.
ووقع في فتاوى قاضي القضاة تقي الدين بن رزين أن الإنسان إذا عزم على معصية فإن كان قد فعلها ولم يتب منها فهو مؤاخذ بهذا العزم لأنه إصرار، وقد تكلم السبكي في الحلبيات على ذلك كلاما مبسوطا أحسن فيه جدا فقال: الذي يقع في النفس من قصد المعصية على خمس مراتب: الأولى: الهاجس: وهو ما يلقى فيها، ثم جريانه فيها وهو الخاطر، ثم حديث النفس: وهو ما يقع فيها من التردد هل يفعل أو لا ؟ ثم الهم: وهو ترجيح قصد الفعل، ثم العزم: وهو قوة ذلك القصد والجزم به، فالهاجس لا يؤاخذ به إجماعا لأنه ليس من فعله ; وإنما هو شيء ورد عليه، لا قدرة له ولا صنع، والخاطر الذي بعده كان قادرا على دفعه بصرف الهاجس أول وروده، ولكنه هو وما بعده من حديث النفس مرفوعان بالحديث الصحيح، وإذا ارتفع حديث النفس ارتفع ما قبله بطريق الأولى. وهذه المراتب الثلاثة أيضا لو كانت في الحسنات لم يكتب له بها أجر. أما الأول فظاهر، وأما الثاني والثالث فلعدم القصد، وأما الهم فقد بين الحديث الصحيح أن الهم بالحسنة، يكتب حسنة، والهم بالسيئة لا يكتب سيئة، وينتظر فإن تركها لله كتبت حسنة، وإن فعلها كتبت سيئة واحدة ، والأصح في معناه أنه يكتب عليه الفعل وحده: وهو معنى قوله واحدة ، وأن الهم مرفوع. ومن هذا يعلم أن قوله في حديث النفس {ما لم يتكلم أو يعمل } ليس له مفهوم، حتى يقال: إنها إذا تكلمت أو عملت يكتب عليه حديث النفس; لأنه إذا كان الهم لا يكتب، فحديث النفس أولى، هذا كلامه في الحلبيات. وقد خالفه في شرح المنهاج فقال: إنه ظهر له المؤاخذة من إطلاق قوله صلى الله عليه وسلم : { أو تعمل } ولم يقل أو تعمله، قال: فيؤخذ منه تحريم المشي إلى معصية، وإن كان المشي في نفسه مباحا، لكن لانضمام قصد الحرام إليه، فكل واحد من المشي والقصد لا يحرم عند انفراده، أما إذا اجتمعا فإن مع الهم عملا لما هو من أسباب المهموم به فاقتضى إطلاق { أو تعمل } المؤاخذة به. قال: فاشدد بهذه الفائدة يديك، واتخذها أصلا يعود نفعه عليك. وقال ولده في منع الموانع: هنا دقيقة نبهنا عليها في جمع الجوامع وهي: أن عدم المؤاخذة بحديث النفس والهم ليس مطلقا بل بشرط عدم التكلم والعمل، وحتى إذا عمل يؤاخذ بشيئين همه وعمله، ولا يكون همه مغفورا وحديث نفسه إلا إذا لم يتعقبه العمل، كما هو ظاهر الحديث، ثم حكى كلام أبيه الذي في شرح المنهاج، والذي في الحلبيات ورجح المؤاخذة، ثم قال في الحلبيات: وأما العزم فالمحققون على أنه يؤاخذ به، وخالف بعضهم وقال: إنه من الهم المرفوع، وربما تمسك بقول أهل اللغة، هم بالشيء عزم عليه، والتمسك بهذا غير سديد لأن اللغوي لا يتنزل إلى هذه الدقائق. واحتج الأولون بحديث { إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار. قالوا يا رسول الله: هذا القاتل فما بال المقتول؟ قال: كان حريصا على قتل صاحبه} فعلل بالحرص، واحتجوا أيضا بالإجماع على المؤاخذة بأعمال القلوب كالحسد ونحوه، وبقوله تعالى: وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ {الحج: 25} على تفسير الإلحاد بالمعصية، ثم قال: إن التوبة واجبة على الفور، ومن ضرورتها العزم على عدم العود، فمتى عزم على العود قبل أن يتوب منها، فذلك مضاد للتوبة، فيؤاخذ به بلا إشكال، وهو الذي قاله ابن رزين، ثم قال في آخر جوابه والعزم على الكبيرة، وإن كان سيئة، فهو دون الكبيرة المعزوم عليها .
والله أعلم.
المفتي: …مركز الفتوى
=============(46/78)
(46/79)
مساكنة الفجار وهجر المسلم ولو قريبا للمصلحة
تاريخ الفتوى : …15 صفر 1427 / 16-03-2006
السؤال
بارك الله فيكم : أنا أسكن مع شباب تائهين لا يصلون ، ويفعلون ما لا يرضي الله فهل أبقى معهم أم أخرج ، وما الحكم الشرعي في بقائي .؟
س:نفس المشكلة في بيت العائلة، وقد قاطعت أخي لشدة فساده وأحيانا إلحاده ومقاطعته خير لي فهل أبقى كذلك أم ماذا افعل ؟ وجزاكم الله عنا خير الجزاء.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه لا شك أن الإنسان يتأثر بواقع من يساكنهم, وأقل أحواله أن يألف حصول المنكر بحضرته ولا ينكره, ولذا حض أهل العلم على مصاحبة أهل الخير ومخالطتهم ومجالستهم واستدلوا لذلك بحديث مسلم في من قتل مائة نفس حيث أمره العالم بالانتقال من أرضه إلى أرض بها أناس صالحون ليعبد الله معهم فقال له: انطلق إلى أرض كذا وكذا فإن بها أناسا يعبدون الله فاعبد الله معهم ولا ترجع إلى أرضك فإنها أرض سوء واستدلوا لذلك بحديث أبي داود: الرجل على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل، وبحديث أحمد: لا تصاحب إلا مؤمنا.
وبناء عليه فيتعين عليك البحث عن السكن مع أناس طيبين يعينونك على الطاعة ويساعدونك في الاستيقاظ لحضور الصلاة في الجماعة, واحرص كذلك على الاستعانة بهم على هداية أصدقائك وأخيك وأهل بيتك, واستخدم في ذلك ما أمكنك من الوسائل المساعدة في هدايتهم كالنصح بالحكمة والموعظة الحسنة والجدل بالتي هي أحسن, وإهداء الرسائل والأشرطة النافعة وربطهم بالأصدقاء الصالحين. وأما مساكنتهم في هذه الحال فلا تسوغ إلا لضرورة أو كنت تعلم أنك آمن من التأثر بهم ويمكنك التأثير عليهم, وقد يمكنك حصول ذلك إذا وجدت أصدقاء طيبين يشاركونك في السكن معهم ويساعدونك في التأثير عليهم.
وأما مقاطعة أخيك فلا تتعين إلا إذا كنت نصحته وسعيت في إقناعه وحاورته وناقشته وبينت له الحق في بطلان ما هو عليه من الإلحاد فإن حصل ذلك وكانت مقاطعتك له تؤثر عليه حتى يرضخ للحق ويحرص على الاتصال بك وترضيك فيشرع هجره.
وإن كان الهجر لا يؤثر عليه لوجود أصحاب وأقارب آخرين يأنس بهم عنك ويستعين بهم فليس في هجره فائدة بل هو مخالف لمنهج الأنبياء فإنهم ما هجروا أقوامهم مع حرصهم على الشرك وتماديهم عليه، فقد صبر نوح عليه السلام يدعو قومه ألف سنة إلا خمسين عاما يدعوهم إلى الله ليلا ونهارا سرا وجهارا.
ولا نعلم عن صلى الله عليه وسلم أنه هجر بعض أصحابه إلا بعد إقامته لدولة الإسلام في المدينة وتمكن الإسلام فيها, ولذلك كان لهجره للثلاثة الذين خلفوا أثر كبير عليهم حيث ضاقت عليهم الأرض وضاقت عليهم أنفسهم وكانوا صادقين في توبتهم.
وأما من لا يتأثر بالهجران فلا ينبغي هجره, ولا الملل من كثرة دعوته ومناصحته ومحاورته وجداله بالتي هي أحسن, وبيان الحق له حتى يرجع للرشد والصواب، وراجع الفتاوى التالية أرقامها:34422، 41016، 28565، 54971، 58252، 62549، 34386، 24857، 52998.
والله أعلم.
المفتي: …مركز الفتوى
==============(46/80)
(46/81)
قول القائل (وصفة الدكتور المعالج الله)
تاريخ الفتوى : …18 صفر 1427 / 19-03-2006
السؤال
عاجل جداً جداً الرد بالإجابة /
سؤالي كتبت لنفر مريض في ورقة وأوصيته بالصبر وفي الآخر كتبت عبارة بهذا النص ( وصفة الدكتور المعالج ( الله )
1- قيام ليل
2- دعاء بإلحاح
3- صدقة
وبإذن الله سوف تجد الشفاء . انتهى
هل قولي في وصفة الدكتور المعالج الله شرك أو وصفت الله بشيء فيه إشراك وقلة أدب مع الله لأن شخصا نهاني عن ذلك ؟
وجزاك الله كل خير . أُريد إجابة مفصلة ؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا ريب أن الواجب الأدب مع الله تعالى, وأن لايوصف بشيء من الصفات إلا إذا ورد بها نص عن الشرع الحكيم ، لأن أسماء الله تعالى وصفاته توقيفية, ، نعم قد ورد وصف الله سبحانه بأنه ( الطبيب ) في بعض الأحاديث ، وقد ذكرنا طرفا منها بالفتوى رقم : 53847 ، فراجعها ، ولكن استخدام هذا اللفظ ( الدكتور المعالج ) وصفا لله تعالى لا يجوز ، وأما كون ذلك شركا فليس معنا ما يدل على ذلك, ولكنه يخشى أن يكون فيه الإلحاد في أسماء الله تعالى والله جل وعلا يقول : وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ {الأعراف: 180 } وقد ذكر بعض العلماء أن من الإلحاد في الأسماء أن يوصف بما لم يصف به نفسه أو يصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم
والله أعلم .
المفتي: …مركز الفتوى
==============(46/82)
(46/83)
شخصيتان في ميزان الإسلام
تاريخ الفتوى : …04 ربيع الثاني 1427 / 03-05-2006
السؤال
سؤالي وباختصار أنا حائر من بعض علماء الدين والدعاة أجلهم الله بسبب تكلمهم عن بعض الأدباء والشعراء وأقصد طه حسين وأبو العلاء المعري، وسؤالي بالأخص عن هؤلاء الإثنين وإن كانوا قدحوا ببعض الأحكام في الشريعة لنفترض أنهم مجانين ولكن مع ذلك هل نقرأ مؤلفاتهم أم لا ؟ ولماذا لم نقل عن المتنبي هذا الشيء من التكفير أو القدح ونحن نعلم أن المتنبي لم يهتم بالدين وله قصائد في المدح يغلو فيها كثيرا هل هناك تناقض ؟ أنا من أكثر المعجبين بالدعاة السعوديين خاصة وجميع محاضراتهم عندي ولكن لماذا أبو العلاء المعري وطه حسين ؟ لماذا لا نقول مثلا إنهم اتهموا ظلما ولم يكونوا هكذا ؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يمكن أبدا أن يعتبر أبو العلاء المعري أو طه حسين مجنونين غير مكلفين وقد كانا عاقلين يعيان ما يصدر منهما من أقوال أو أفعال ، ولم يدخرا وسعا في التشكيك في الإسلام وبث روح الإلحاد والزندقة وإليك شيئا مما يوضح ذلك .
أما أبو العلاء المعري فقد تواردت أقوال أهل العلم على ذمه ونسبته إلى الزندقة والتشهير به ، قال ابن كثير في ترجمته : أبو العلاء المعري التنوخي الشاعر المشهور بالزندقة اللغوي.... وقال بعد إيراد بعض شعره : وهذا من قلة عقله وعمى بصيرته .... وقال أيضا : وقد كان ذكيا ولم يكن زكيا وله مصنفات كثيرة أكثرها في الشعر وفي بعض أشعاره ما يدل على زندقته وانحلاله من الدين ، ومن الناس من يعتذرعنه ويقول إنه إنما كان يقول ذلك مجونا ولعبا ويقول بلسانه ما ليس في قلبه وقد كان باطنه مسلما، قال ابن عقيل لما بلغه وما الذي ألجأه أن يقول في دار الإسلام ما يكفره به الناس ، قال والمنافقون مع قلة عقلهم وعملهم أجود سياسة منه لأنهم حافظوا على قبائحهم في الدنيا وستروها ، وهذا أظهر الكفر الذي تسلط عليه به الناس وزندقوه والله يعلم أن ظاهره كباطنه .
وقال ابن الجوزي في تلبيس إبليس ، فيمن لبس عليهم إبليس حتى جحدوا البعث ، وقال أبو العلاء المعري : حياة ثم موت ثم بعث ******* حديث خرافة يا أم عمرو ، وقال في موضع آخر : وأما أبو العلاء المعري فأشعاره ظاهرة الإلحاد وكان يبالغ في عداوة الأنبياء ، وقال في موضع ثالث : ألا ترى إلى أول المعترضين وهو إبليس كيف ناظر فقال : أنا خير منه وقول خليفته وهو أبو العلاء المعري : رأى منك ما لا يشتهي فتزندقا . وقال ابن القيم في طريق الهجرتين : وممن كان على هذا المذهب أي الامتناع عن أكل الحيوان أعمى البصر والبصيرة كلب معرة النعمان المكنى بأبي العلاء المعري فإنه امتنع من أكل الحيوان زعم لظلمه بالإيلام والذبح .
وأما طه حسين فقد كان يشكك في القرآن بتلميح فاضح ويرد الأحاديث الصحيحة ويطعن في الصحابة الكرام ويدعو إلى تقليد الغرب في كل شيء ، وحسبنا أن نشير إلى أمثلة من ذلك ، فهو يقول في كتابه الأدب الجاهلي : ليس يعنيني هنا أن يكون القرآن الكريم قد تأثر بشعر أمية بن أبي الصلت أو لا يكون، ثم يقول : لم لا يكون أمية بن أبي الصلت قد أخذ من صلى الله عليه وسلم طالما أن مصادر أمية ومحمد واحدة وهي قصص اليهود والنصارى ؟ فهو يعتبر أن مصدر القرآن هو قصص اليهود والنصارى . وأنكر في كتابه " في الشعر الجاهلي " بعبارة لا التواء فيها إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام وقصة مهاجرتهما إلى مكة ، وعد أن هذا أسطورة لفقها العرب بعامة وقريش بخاصة ليحتالوا بها على من عندهم من فرس وروم ، ليؤكدوا أن لهم أصلا قديما يرتبط بتأسيس إبراهيم وإسماعيل للكعبة ، ثم جاء القرآن فصدق هذه الأسطورة ، ليحتال على اليهود ليؤلف قلوبهم ، إذ مرجعهم إبراهيم جميعا ، ويقول في كتابه الشيخان معلقا على حديث استسقاء عمر بن الخطاب بالعباس بن عبد المطلب رضي الله عنهما الذي رواه البخاري بأن هذا تكلف مصدره التملق لبني العباس أثناء حكمهم
ويصف في كتابه " الفتنة الكبرى " ابن عباس حبر الأمة بأنه لص يأخذ ما في بيت المال في البصرة ويهرب إلى الحجاز . ويحدد في كتابه " مستقبل الثقافة في مصر " سبيل نهضة الأمة المصرية في طريقة واحدة فذة ليس لها تعدد وهي : أن نسير سيرة الأوربيين ونسلك طريقهم لنكون لهم أندادا ولنكون لهم شركاء في الحضارة خيرها وشرها حلوها ومرها ، ما يحب منها وما يكره ، وما يحمد منها وما يعاب .(46/84)
وعندما صدر كتاب طه حسين " في الشعر الجاهلي " كلف فضيلة شيخ الأزهر في هذا الوقت لجنة من علماء الأزهر بالنظر في الكتاب ووضع تقرير عنه فقامت بذلك ورفعت تقريرا جاء فيه : مولانا الأستاذ الأكبر شيخ الجامع الأزهر السلام عليكم ورحمة الله : وبعد فقد اجتمعت اللجنة المؤلفة بأمر فضيلتكم من الموقعين عليه لفحص كتاب طه حسين المسمى " في الشعر الجاهلي " بمناسبة ما قيل عنه من تكذيب القرآن الكريم واطلعت على الكتاب ، وهذا ما ترفعه إلى فضيلتكم عنه بعد فحصه واستقراء ما فيه . يقع الكتاب في 183 صفحة وموضوعه إنكار الشعر الجاهلي وأنه منتحل بعد الإسلام لأسباب زعمها وقال إنه بنى بحثه على التجرد من كل شيئ حتى من دينه وقوميته عملا بمذهب ديكارت الفرنسي ، والكتاب كله مملوء بروح الإلحاد والزندقة ، وفيه مغامز عديدة ضد الدين مبثوثة فيه ، ولا يجوز بحال أن تلقى إلى تلامذة لم يكن عندهم من المعلومات الدينية ما يتقون به هذا التضليل المفسد لعقائدهم ، والموجب للخلف والشقاق في الأمة وإثارة فتنة عنيفة دينية ضد دين الدولة ودين الأمة . وترى اللجنة أنه إذا لم تكافح هذه الروح الإلحادية في التعليم ويقتلع هذا الشر من أصله ، وتطهر دور التعليم من اللادينية التي يعمل بعض الأفراد على نشرها بتدبير وإحكام تحت ستار حرية الرأي اختل النظام وفشت الفوضى واضطرب حبل الأمن لأن الدين هو أساس الطمأنينة والنظام
وأما أبو الطيب المتنبي فلم يكن في شعره هذه الروح الإلحادية التي تميز بها شعر أبي المعلاء المعري أو كتابات طه حسين ، ومن ثم فلم ينل من الذم ما ناله أبو العلاء وإن كان في شعره إعجاب بنفسه وتيه نقم عليه ، قال فيه الذهبي في سير أعلام النبلاء : وكان معجبا بنفسه كثير البأو والتيه فمقت لذلك . وقد ذكر غير واحد من العلماء كالخطيب البغدادي وابن كثير والذهبي أنه كان قد ادعى النبوة وأنه قد التف عليه جماعة من أهل الغباوة فخرج إليه نائب حمص من جهة بني الأخشيد فقاتله وشرد شمله وأخذه وسجنه دهرا طويلا فمرض في السجن وأشرف على التلف فاستحضره واستتابه وكتب عليه كتابا اعترف فيه ببطلان ما ادعاه من النبوة وأنه قد تاب من ذلك ورجع إلى دين الإسلام فأطلق سراحه فكان بعد إذا ذكر له هذا يجحده إن أمكنه وإلا اعتذر منه واستحيا . وأما قراءة مؤلفات أبي العلاء المعري وطه حسين فما كان فيها من إلحاد وسوء اعتقاد فلا يجوز قراءته إلا لمن كان مؤهلا من الناحية الشرعية بحيث لا يتأثر بما يثيران فيهما من شبه، وبغرض الإنكار عليهما . وأما ما عدا ذلك فلا بأس بقراءته وإن كان الأولى ترك ذلك إلا لمن كان مؤهلا لأنه قد يكون فيها أفكار باطلة تنطلي على القارئ العادي .
والله أعلم .
المفتي: …مركز الفتوى
==============(46/85)
(46/86)
كيفية التخلص من آفة الإلحاد
تاريخ الفتوى : …16 ربيع الثاني 1427 / 15-05-2006
السؤال
ماذا يفعل من بلي بالإلحاد؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فعلى من بلي بالإلحاد أن يستهدي الله تعالى ويتضرع إليه ويدعوه في السجود وساعات الإجابة أن يشرح صدره للهدى ويبعد عنه الشكوك، وأن يبذل قصارى جهده في هداية قلبه للحق فيتأمل في آيات الله الكونية والمتلوة وفي دلائل صدق صلى الله عليه وسلم ونبوته فيقرأ سيرته ومعجزاته ، ويستعين بالعلماء الربانيين في جواب الشبه التي يوردها الشيطان على قلبه . وأن يبتعد عن الانسياق وراء التفكير في هذه الشبه كثيرا بل يشغل نفسه في التلاوة ومطالعة كتب الرقائق والسير ويجالس أهل العلم، وليطالع كتاب العقيدة في الله للدكتور عمر الأشقر وكتاب الإيمان للشيخ الزنداني . وراجع الفتاوى التالية أرقامها : 63082 /71644 /28751 /70657 .
والله أعلم .
المفتي: …مركز الفتوى
===============(46/87)
(46/88)
شبهة وجوابها حول الإسلام
تاريخ الفتوى : …23 جمادي الأولى 1427 / 20-06-2006
السؤال
في الليلة الماضية كنت أشاهد برنامجا عن النار والجحيم، وهو من إعداد الكفار في بلدهم، هم كانوا يتكلمون عن دين قديم، لا أعرف اسمه بالعربية واسمه بالإنجليزي هو:
zo r oasth r onism .
هذا الدين عنده نفس الاعتقاد في الصراط والنار مثل الإسلام، فهل هذا معناه أن الإسلام عبارة عن مجمع للأديان القديمة، كما يدعي المسيحيون؟
هذا الموضوع أحدث لي مشكلة إيمانية كبيرة!
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه يتعين على المسلم الذي يحب الموت على الإسلام أن يحرص على حماية مداخل قلبه أن يتسرب إليه منها ما يؤدي لخلخلة عقيدته أو ضعف إيمانه، فعليه أن يحمي بصره وسمعه وفكره من نظر وسماع ما يشكك في عقيدته أو أن يتفكر في ذلك، فلا يسوغ أن ينظر إلى القنوات التي تبث الإلحاد والكفر أو يستمع إلى شبههم إلا إذا كان من المتخصصين في علم الشرع الذين وقفوا على أرضية ثابتة، ويريدون الاطلاع على شبه الكفار ليردوا عليهم ويفندوا كلامهم، رغبة في هدايتهم ومنعهم من التأثير على ضعفة المسلمين كما فعل ابن تيمية وابن القيم، وقد نص أهل العلم على منع النظر في كتب أهل الكتاب بالنسبة للعوام، نص على ذلك جمع من فقهاء المذاهب الأربعة قديما وحديثا، وبه أفتت اللجنة الدائمة للبحوث والإفتاء بالسعودية، فعلى المسلم أن يشغل وقته بقراءة القرآن ومطالعة كتب الحديث وسير السلف أو بما يفيده في مصالحه الدنيوية ويبتعد عن فضول النظر في القنوات التي يستخدمها أهل الإلحاد والفجور، ثم اعلم أن الإسلام هو دين الله الذي اختاره للبشرية وأرسل به رسله عليهم الصلاة والسلام وختمهم بالنبي r، ولم يأخذ صلى الله عليه وسلم شيئا عن أصحاب الأديان الأخرى، فلم يأخذ عن معاصريه من أهل الكتاب ولا من الكتب التي عندهم، وإنما أخذ ما جاء جبريل به من الوحي الذي أنزله الله عليه، وقد جعل الله رسالت صلى الله عليه وسلم خاتمة لرسالات الرسل ومهيمنة عليها وناسخة لما خالفها، وأوجب على الرسل إذا أدركوه أن يتابعوه وينصروه، ولا غرابة أن تكون الكليات التي جاء بها الأنبياء كلهم موجودة في رسالة صلى الله عليه وسلم وفي غيرها من الرسالات، لأن الرسالات اتفقت في كليات الإيمان والأخلاق، وإنما اختلفت في بعض الأحكام والتشريعات رحمة بالبشر، كما في حديث البخاري: الأنبياء إخوة لعلات أمهاتهم شتى ودينهم واحد. وفي رواية رواها أحمد وصححها الألباني: الأنبياء إخوة لعلات دينهم واحد وأمهاتهم شتى.
وللمزيد من التفصيل في الموضوع راجع لزاما الفتاوى التالية ارقامها:69531،61288، 47046 ،54711،47728، 39118،14742، 20030، 49073، 39414.
والله أعلم.
المفتي: …مركز الفتوى
==============(46/89)
(46/90)
شبهات داحضة حول الإسلام وجوابها
تاريخ الفتوى : …09 جمادي الثانية 1427 / 06-07-2006
السؤال
شاهدت مرة بقناة تلفزية برنامجا, كان يتهم فيه الرسو صلى الله عليه وسلم , كأن يقال عن أمه أنها كانت ربما متزوجة أكثر من رجل كما كان في الجاهلية, وأن تاريخ الإسلام ليس بصحيح, فمثلا لا يعرف أكان حمزة أكبر من صلى الله عليه وسلم أم العكس. أرجو منكم تبيين هذا الأمر وإيقاف قناة الحياة عند حدها ؟
بارك الله فيكم .
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ذكر أهل العلم أنه ما من علم يتعلمه الإنسان إلا وحصلت به فائدة إلا العلم المشتمل على الإلحاد أو السحر والشعوذة فهما ضاران يضران قلب الإنسان ويوقعانه في الأمراض الفتاكة ومنها مرض الشبهات، وقد حذر أهل العلم العوام من الاطلاع على كتب أهل الكتاب لئلا تنطلي عليهم الشبهات الموجودة بها، وقاس المعاصرون على ذلك ما تبثه القنوات الإلحادية الفاجرة، فيتعين على العامة البعد عن نظرها وسماع ما ينشر فيها، ولا يجوز ذلك إلا للمختصين الذين يريدون الرد على تلك الشبه ومقارعة أهلها بالحجج الدامغة، وأما المسلم العامي فعليه أن يصرف من وقته في تلاوة كتاب الله ومطالعة كتب الترغيب والترهيب وكتب السيرة والأخلاق والرقائق، ولا يضيع وقته في فضول النظر للقنوات الفاسدة والمواقع المنحرفة .
وقناة الحياة هذه من أخطر القنوات فيتعين على المسلم حجبها لئلا تفسد عليه عقيدته وعقيدة عياله .
وأما ما ذكر عن أم صلى الله عليه وسلم فهو من أعظم أباطيلهم وليس عندهم ما يفيد إثبات هذا الأمر أو يوهمه إلا عموم ما كان في بعض الجاهلية من أنواع النكاح، وأهل الجاهلية لم يكن عندهم تعدد الأزواج للمرأة الواحدة، وإنما كان عند بعض السفلة من النساء استقبال مجموعة من الرجال من دون زواج فإذا ولدت ألحقت ولدها بمن تختار منهم، ولم يكن هذا الأمر معروفا عند أشراف العرب ولا سيما نساء قريش، ويدل لعدم وجود الزنى في أشراف النساء من قريش ما ثبت عن هند بنت عتبة أنها قالت حين بايعها صلى الله عليه وسلم بيعة النساء وشرط ألا يشركن ولا يزنين ..الخ ، قالت هند أو تعلم في نساء قومك من هذه الهنات والعاهات شيئا . والحديث رواه الحاكم في المستدرك وصححه ووافقه الذهبي ، وقد دل لبراءة أم صلى الله عليه وسلم من السوء ما ثبت في الحديث: ولدت من نكاح لا من سفاح . فالمراد بالحديث هو النكاح الصحيح المعروف كما قال صاحب جواهر العقود عند كلامه على أنكحة الجاهلية .
وأما إطلاق القول بأن تاريخ الإسلام غير صحيح فهو إطلاق باطل بلا شك فإن أغلب من كتبوا في تاريخ الإسلام القديم علماء أجلاء ثقات منهم ابن الجوزي، وابن كثير، والطبري وغيرهم، وأما ما كتبه المستشرقون فلا يستغرب أن توجد به الأباطيل لأنهم يتعمدون الدس والتشوية للتاريخ الإسلامي .
وأما حمزة فهو أكبر من صلى الله عليه وسلم كما نص عليه ابن حبان في الثقات، ولا مانع في الأخوة في الرضاعة بين أن يكون الأخوان في غير سن واحدة، فثويبة قد تكون أرضعت حمزة مع أحد أولادها وأرضعت صلى الله عليه وسلم مع ولد آخر، وهذا لا ينفي كونهما أخوين من الرضاعة ، وراجع الفتاوى التالية أرقامها : 57436 ، 58813 ، 56322 ، 63031 .
والله أعلم .
المفتي: …مركز الفتوى
===============(46/91)
(46/92)
إكسير الشهرة الخالد (سبع خطوات مضمونة)
د حبيب بن معلا
الشهرة وخلود الذكر مطلب الكثيرين .. ومافتئ البشر عبر العصور يبحثون أو يبحث كثير منهم عن هذه الشهرة حتى لوكان ذلك على الطريقة الإبليسية ..وغير بعيد عن أذهاننا ذلك الذي بال في زمزم ليصبح بعد ذلك أشهر من نار على علم ..أو هؤلاء الذين ادعوا النبوة ومخرقوا على الناس وهم أنفسهم أول من يشهد على دجلهم وإفكهم ..أو ذلك الأفاك الذي ادعى الألوهية وانتهى مصلوبا على جذع ببغداد في نهاية القرن الخامس ..أو ذلك الذي طلب الشهرة وخلود الذكر بمعارضة القرآن وادعاء وجود اللحن فيه وصنف في ذلك كتابا كان وبالا عليه .. أو ..أو..أو.. الأمثلة كثيرة جدا ليس هذا مقام حصرها ..
ومع يقيني التام أن العاقل لايطلب الشهرة وأن الإمام أحمد( سقى الله قبره غوادي المزن ) كان يتعوذ بالله منها ومع نصيحتي لكل قارئ أن يفر منها فرار العلماني من الحوار .. مع هذا كله أقدم هذه الأفكار للقراء على اختلاف أطيافهم ليحقق من شاء منهم حلمه بالشهرة عطفا على واقعنا الإعلامي المخزي وقياسا على الحبل الذي يربط كل قارئ بمبادئه التي يؤمن بها ..
عزيزي القارئ
إليك هذه الخطوات التي لوحققت بعضها فستفتح لك أبواب الشهرة وتصبح بين عشية وضحاها حديث القنوات الفضائية ونجمها المفضل، وستصبح صديقا لكثير من رؤساء التحرير والمتنفذين في القنوات الفضائية :
1- حاول بأي طريقة من الطرق مصادمة الأمة في دينها ؛ بحيث تشكك في القدر ، أو تطعن في مسلّمة من مسلمات الشرع ، أو تمجد رمزا وثنيا ، أو تثني على محاد لله ولرسوله.. عندها ستصبح رمزا للتحرر والتفكير المستقل، وستصبح حديث المجتمع ؛ بحيث يلعنك الناس ويحذر منك الخيّرون ، ومن جهة أخرى ستهتم بك الصحف والمنتديات والقنوات اهتماما خاصا، وستفتح لك أبواب النشر.
2- إن كان مظهرك يوحي بانتمائك للمتدينين ويصعب عليك الترويج لأي رذيلة فالمسألة ليست صعبة كما تظن بل هي سهلة جدا .. يمكنك أن تشكك في الجمعيات الخيرية أو حلقات تحفيظ القرآن أو المحاكم الشرعية أو هيئات الأمر بالمعروف أو تشكك في الفتوى أو تطعن في عالم أو داعية أو تنفر الناس من كراهية الأعداء وتدعو للتعاون مع أعداء الأمة أو تندلق بخطاب (التسامح )المخزي مع اليهود ، أو تصبح (تنويريا ) فتسخر من المجتمع المحافظ وتدعو لمزيد من (الانفتاح).
3- إن كنت (فتاة) فالأمر أسهل من هذا كله .. بحيث لا تتطلب الشهرة سوى كتابة قصيدة شهوانية أو مقالة ساقطة أو رواية منحرفة ؛ عندها تصبح حديث الصحف كلها في تزامن مقصود وستكون ضيفا على القنوات الفضائية حتى لوكانت كتابتك ضعيفة وأسلوبك مهترئا ، وربما يكفي للشهرة أن ترضى هذه الفتاة بنشر صورة لها في صحيفة أو مجلة .
3- اكتب مقالات متنوعة ؛ مرة تنصب نفسك مفتيا فتجيز الغناء والاختلاط وكشف المرأة وجهها، ومرة تحلل أبعاد جسد راقصة داعرة، ومرة تمجد أدونيس، ومرة تنقد هيئة كبار العلماء، ومرة تتابع ( ستار أكاديمي)، ومرة تنصب نفسك مفكرا فتكتب عن الإرهاب ويتفتق عقلك الضخم عن فكرة توسوس بها أن سبب الإرهاب هو التدين ، ومرة تثني على حمامة السلام (شارون ).. وهكذا .
4- احفظ مجموعة من الكلمات ؛ مثل :
( الانتلجنسيا- الأزمة - الخطاب العقلاني -الإسلاموية- الصحويون - التسامح - التنوير- المؤسسات الدينية- التطرف- الأصدقاء اليهود - الأصولية).
ورددها في مقالاتك ومداخلاتك بأي طريقة ولو بأن تحشرها حشرا ؛ عندها ستصبح مثقفا حتى لو لم تكن تجاوزت الثالثة المتوسطة.
5- شارك في أي مؤامرة تدبرها الصحافة المنحرفة ؛ فإذا وجدت مجموعة من الصحف تكتب فيها مقالات متزامنة تتباكى على العدالة حين يحاكم المجتمع منحرفا ما أو توقف الدولة مجرما ما .. أو مقالات تثني على مسلسل مشبوه مدعوم من أعداء الأمة أو ممثل ساقط يسخر من القيم .. شارك مع هذه الجوقة .
6- حارب أسلمة الأدب والفكر والاقتصاد والثقافة وإياك أن تكون لك يد فيها .
7- حرّف مفهومات القيم؛ فالحرية يجب أن تكون لنشر الإلحاد، والحوار يجب أن يكون مع اليهود والنصارى، والتسامح يجب أن يكون مع من يسب رب العزة جل جلاله .. أما المجتمعات المسلمة الطاهرة فيجب ألا تتمتع بهذه القيم أبدا أبدا .
هذه خطوات سبع تجعل (أويجعل بعضها ) منك نجما قنواتيا مشهورا ..وسواء عليك أكنت الآن متطرفا تكفيريا أو سكيرا متشردا أو تلاحق محارمك جنسيا أو نزيل مصحة نفسية .. فإنك بهذه الخطوات أو بعضها تجب ماسبق وتبدأ حياة جديدة وربما تكون لك زاوية في صحيفة يومية ..
والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لايعلمون .
=============(46/93)
(46/94)
مخالطة العصاة والملحدين في العمل
تاريخ الفتوى : …05 شعبان 1427 / 30-08-2006
السؤال
ماهو حكم مخالطة العصاة والملحدين في العمل ؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يجوز للمسلم أن يخالط الملحدين والعصاة أو يصاحبهم لغير ضرورة ، فخطر هؤلاء على الدين وعلى الدنيا معروف ، وعلى المسلم أن يبتعد عن مخالط هذا النوع من الناس فإن الطباع تسرق من الطباع و" المرء على دين خليله " . كما قال النبي صلى الله عليه وسلم رواه أحمد وغيره .
وللمزيد عن هذا الموضوع نرجو أن تطلع على الفتاوى : 20995 ، 21766 ، 68016 ، 49072 ، وإذا كانت المخالطة لمجرد التعامل معهم في الأعمال المعتادة أو دعت الضرورة لذلك فإن ذلك لا مانع منه إذا قدرت الضرورة بقدرها. وننبه السائل الكريم إلى أن وصف شخص أو أشخاص بأعيانهم بالإلحاد وهم ينسبون للإسلام لا ينبغي لما يترتب من التكفير للمعين قبل استيفاء الشروط وانتفاء الموانع وإقامة الحجة عليهم ، فلا يجوز وصف المسلم بالكفر أو الإلحاد إلا بعد هذه الأمور .
والله أعلم .
المفتي: …مركز الفتوى
================(46/95)
(46/96)
حكم المتزوجة من ملحد
تاريخ الفتوى : …07 ذو الحجة 1427 / 28-12-2006
السؤال
الحمد لله الواحد الأحد وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه إلى يوم الدين وبعد
الرجاء منكم أن تفتوني في الموضوع التالي زوجت ابنتي لرجل مغربي من أسرة مسلمة عريقة على سنة الله ورسوله.كان هذا الزواج منذ 14 سنة خلت عاشا خلالها في فرنسا وأنجبا ثلاث بنات . وكنت كلما سألت ابنتي عن أحوال عيشها مع هذا الرجل ؟ كانت تجيبني بأنها على أحسن حال. وشاءت الأقدار الربانية أن زرتها هاته السنة بفرنسا فاكتشفت ما هو أخطر وأعظم من الخطورة ذلك أنني اطلعت عن كثب أن زوج ابنتي رجل ملحد لا يومن بالله ولا باليوم الآخر ولا يحلل ولا يحرم .فصدمت أشد ما تكون الصدمة . لكنني حاورته بالتي هي أحسن لمدة أيام فلم أستطع إقناعه بالعدول عن أفكاره الإلحادية , والغريب في الأمر أنه رجل شبه أمي ليست له أيدولوجية معينة في الإلحاد ، بل هو رجل أناني لحد كبير جدا لا يعبأ بأحد ولا يتأسف إلا لمرض أولاده أو إذا قل ماله أو انعدم .سألت ابنتي عن سبب عدم إخبارها لي في بداية المشوار عن هذه الحالة المخزية الملعونة التي تعيش فيها منذ أزيد من14سنة .ففهمت منها أنها تخافه أن يقتلها إن هي باحت بما يخفيه والأدهى من هذا كله أنه يركلها وهي ساجدة لله في صلاتها. عدت إلى بلدتي في المغرب وأنا في أسوأ حال ، ولا زلت كذلك إلى الآن .حائر حائر حائر . أأتجه إلى القاضي الشرعي بشكاية في الموضوع ؟ أم ماذا ؟ إنني أكاد أن أفقد صوابي في أغلب الأحيان.أرشدوني للخروج من هذه الورطة ، حتى أكفر عن هذه السيئة . أرشدوني أرشدوني جزاكم الله خيرا.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كان الأمر كما ذكرت من أن هذا الرجل لا يؤمن بالله ولا باليوم الآخر، ولا يحرم ما حرم الله ورسوله، ولا يدين دين الحق، وكان عاقلا مختارا فإنه يعتبر مرتدا شرعا باتفاق أهل العلم، والنكاح الذي بينه وبين ابنتك قد انفسخ فلا يحل لها تمكينه من نفسها، ويجب عليها بذل الحيلة في مفارقته، ولو لم يكن بإمكانها فعل ذلك إلا بالهروب منه والعودة إلى بلدها فلتفعل، فإن لم يتحقق ذلك فيمكن استدراجه إلى بلدكم ليرفع الأمر إلى القاضي الشرعي، ثم إنه لا حق لهذا الرجل في حضانة من هو في سن الحضانة من هؤلاء الأولاد لأن في ذلك خطرا على عقيدتهم وأخلاقهم، فلا يجوز أن يمكن من حضانتهم.
وإننا لنخشى أن يكون هذا الانحراف الذي حدث لهذا الرجل سببه الإقامة في بلاد الكفر ولذا، فالأولى بالمسلم إن لم تكن به ضرورة أو حاجة معتبرة شرعا للإقامة هنالك أن لا يقيم فيها فالسلامة لا يعدلها شيء، وتراجع لمزيد الفائدة الفتوى رقم: 2007.
والله أعلم.
المفتي: …مركز الفتوى
===============(46/97)
(46/98)
من صور الإلحاد في أسماء الله الحسنى
تاريخ الفتوى : …06 محرم 1428 / 25-01-2007
السؤال
كنت في مجلس علم عن أسماء الله الحسنى ومن ضمن ما تحدثت فيه المعلمة الإلحاد في أسماء الله الحسنى كأن ينطق اسم من أسمائه سبحانه خطأ مثل نطق اسم الرازق بالهمزة (الرازء) فذكرت وبالتالي عندما ندعو اللهم ارزقني كذا ... فلابد أن ننطقها بالقاف لا بالهمزة يعني لا نقول (اللهم ارزءني ) لأن الرزء بالهمزة يعني المصيبة . وعندما ندعو لأحد لا نقول له (ربنا يرزءك) .
فما صحة هذا الكلام ؟
وجزاكم الله خيراً.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن تحريف أسماء الله تعالى بالنقص منها أو الزيادة فيها أو إبدال حرف منها بحرف آخر لا يجوز، فأسماء الله تعالى وصفاته توقيفية يجب أن نتوقف فيها على ما جاء من نصوص الوحي من القرآن والسنة.
وعلى ذلك، فإبدال حرف الميم بحرف آخر يعتبر إلحادا وتحريفا للاسم، لأن الإلحاد في الأصل معناه العدول عن القصد والميل والانحراف والجور.
قال ابن كثير في تفسيره عند قول الله تعالى: وَللهِ الأَسْمَاءُ الحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ {الأعراف:180}
قال: اشتقوا اللات من الله، والعزى من العزيز.
فهؤلاء المشركون غيروا في أسماء الله تعالى فسماهم ملحدين في أسمائه، فكذلك كل من يغير أو يبدل في أسماء الله فهو ملحد فيها
وقد قال بعض أهل العلم: إنه من يقول في قول الله تعالى: الرَّحْمَنُ عَلَى العَرْشِ اسْتَوَى {طه:5} يقول فيها استولى فقد حرف الكلم عن مواضعه وألحد في صفات الله تعالى.
وعلى هذا، فإن ما قالته هذه المعلمة صحيح، بل هو أشد لما فيه من إفساد المعنى.
وللمزيد نرجو أن تطلعي على الفتوى رقم: 71644.
والله أعلم.
المفتي: …مركز الفتوى
=============(46/99)
(46/100)
حكم التعامل مع من ولد لأبوين مسلمين ويقول إنه ملحد
تاريخ الفتوى : …06 محرم 1428 / 25-01-2007
السؤال
ما هو حكم الإسلام في إنسان قال إنه ملحد من أب وأم مسلمين حتى قال على سبيل الفذلكة وهل يكلمه المسلم ويتعامل معه و يناقشه في أمور الدنيا والسياسة ؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن هذا الإنسان على خطر عظيم، وحكمه أنه كافر إن كان انشرح صدره للكفر، ويتعين السعي في هدايته وإقناعه بضرورة التمسك بالإسلام وخطورة الإلحاد ، وأما الكلام معه والتعامل معه في حدود الشرع فهو جائز لأن الكافر الأصلي يجوز الكلام والتعامل معه في حدود الشرع .
والله أعلم .
المفتي: …مركز الفتوى
=============(46/101)
(46/102)
حكم التسمي باسم عبد اللاوي
تاريخ الفتوى : …10 ربيع الأول 1428 / 29-03-2007
السؤال
هل اللقب عبد اللاوي حرام أم حلال؟ وشكراً.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه لا يجوز للمسلم التسمية بالاسم المذكور لما فيه من التعبيد لغير الله تعالى، وإذا كان القصد منه عبد الله فإنه حرام فلا يجوز لمسلم أن يتسمى به أو يدعو غيره به، لما في ذلك من التحريف لاسم الجلالة وهو من الإلحاد في أسماء الله تعالى، وسبق بيان ذلك بالتفصيل والأدلة في الفتوى رقم: 59488، والفتوى رقم: 6211 فنرجو أن تطلع عليهما.
والله أعلم.
المفتي: …مركز الفتوى
==============(46/103)
(46/104)
محاذير تكتنف الزواج من الكتابية
تاريخ الفتوى : …13 جمادي الأولى 1428 / 30-05-2007
السؤال
عندي سؤال وأرجو الإجابة عليه، وسؤالي هو: هل يجوز زواج المسلم من نصرانية، وهل نصارى هذه الأيام يعتبرون مشركين أم أهل كتاب؟! وإن تزوجوا هل يجب على الزوجة تغيير دينها من النصرانية إلى الإسلام، أم يجوز بقاؤها على دينها؟ وشكراً.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد أباح الله تعالى الزواج بالكتابيات العفيفات عن الزنا، ودليل ذلك قول الله تعالى: الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ... {المائدة:5}، ويجب على من أراد الزواج من كتابية أن يكون قوي العقيدة، راسخ الإيمان، بحيث لا ينجر وراء ما قد تزينه له زوجته من دينها الباطل فيتبعها، فيفقد بذلك دينه، ويصبح في عداد الهالكين في الدنيا والآخرة، ويجب عليه أيضاً أن يعلم أن مهمته عندما يتزوج بنصرانية ستكون مضاعفة، فيجب عليه أن يهتم بتربية أولاده، وتعليمهم حقيقة الإسلام، حتى لا يتأثرو بما عليه أمهم، فيتنصروا بسببها، ولا شك أن كلامنا هذا عن الكتابية التي تؤمن بدينها، أما إذا كفرت بدينها، وجحدت وجود ربها، فهي ملحدة ولا يجوز الزواج بها.
ثم اعلم أخي الكريم أن الزواج بالكتابية وإن كان جائزاً إلا أن فيه محاذير منها:
- أن من تزوج بكتابية لا يأمن أن تؤثر زوجته على أولادها، وكيف يمكن للولد أن يتخلص من جميع خلال وخصال الأم.
- وإذا قدر الله الموت على الأب كان الأولاد في حوزة أمهم، تربيهم على ما تعتقده، وفي هذا الخطر كل الخطر، ولذا صرح الفقهاء رحمهم الله بكراهية الزواج من الكتابية، ونصارى اليوم منهم من هو باق على النصرانية المحرفة ومنهم من فارقها إلى الإلحاد، وإذا تزوج المسلم نصرانية فلا يجب عليه أن يحولها عن دينها، ولكنه يدعوها إلى الإسلام، ويحسن عرض الإسلام لها، والهداية بيد الله تعالى.
وأما قولك (أم يجوز بقاؤها على دينها) فإنه لا يجوز لها البقاء على دينها الباطل، والواجب عليها أن تدخل في الإسلام، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم والذي نفسي بيده لا يسمع بي يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أهل النار. رواه مسلم. وانظر في ذلك الفتوى رقم: 64513. ولكن بقاؤها على دينها، وعدم دخولها في الإسلام لا يمنع من تزوجها.
والله أعلم.
المفتي: …مركز الفتوى
=============(46/105)
(46/106)
حكم الذبائح المستوردة من بلاد أهل الكتاب
تاريخ الفتوى : …20 جمادي الأولى 1428 / 06-06-2007
السؤال
فضيلة الشيخ أرجو توضيح الآتي:
1- ما سبب الخلاف الواقع بين العلماء في مسألة اللحوم المستوردة من دول أهل الكتاب حيث إنني سمعت أراء كلها عن شيوخ أفاضل وهي كالآتي:
- أن الأصل حل ذبائح أهل الكتاب من اليهود والنصارى ما لم تقم شبهة على أنهم لا يذبحون وما يباع في أسواق البلاد الإسلامية هو ما سمح ولي الأمر بدخوله وهو المنوط به التحري ومثل هذا يتعذر على عوام الناس فعليه جواز الأكل والبيع والشراء.
- اللحوم المستوردة الآن من دول أهل الكتاب لا يجوز أكلها لأن هؤلاء الناس لا يذبحون وهم قد صرحوا بذلك وبل والقانون عندهم يجرمون الذين يذبحون الذبح الإسلامي ويقولون إنه يؤذي نفسية الحيوان وكذلك بالنسبة لموضوع الكلام الذي من عينة (حلال - ذبح على الشريعة)، فقال فضيلته إن هذه شهادة إن جاءتنا من مسلم ثقة قبلناها، أما مجرد عبارة لا نعلم من كتبها فهذه غير مقبولة لأن معرفة الشاهد ومعرفة عدالة الشاهد مطلوبة، وعليه فلا يجوز عنده شراء أو بيع أو أكل هذه اللحوم لأنها ميتة وعندما سئل عن هل البرازيل تذبح أو لا تذبح قال البرازيل لا تذبح
- على موقع أحد الشيوخ على شبكة الإنترنت وعندما سئل قال أنا لا أحرمها استنادا لفتوى الشيخ بن باز رحمه الله، ثانيا أنه مع انتشار الجاليات الإسلامية فى هذه البلاد الكافرة وشيوع أحكام الدين الإسلامى جعل هناك نوع من التكييف لاسترضاء العميل المسلم، وقال أنا زرت فرنسا ووجدت محلات تبيع الدجاج بدون رأس ومحلات تبيح الدجاج برأسه وقال من تورع عن الأكل فلا يلزم الناس بورعه وعندما سئُل فضيلته عن دول أهل الكتاب التي يجوز الأكل منها قال البرازيل
- قال أحد الشيوخ على موقعه على الإنترنت أن الأصل حل ذبائح أهل الكتاب وأن الأصل عدم السؤال ما دامت تباع داخل أسواق المسلمين وعدم السؤال هل يذبحون أم لا يذبحون لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما أهديت إليه الشاة لم يسأل هل ذبحت على الشريعة أم لم تذبح أما لو قامت شبهة على أن هذه اللحوم غير مذبوحة فلا يؤكل منها وعليه فلا يرى بأسا بأكل هذه اللحوم فنرجو الإفادة فى هذا كله.
2- هل هناك قاعدة تقول إن الأصل فى الأبضاع واللحوم التوقف وكيف تطبق هذه القاعدة على هذه الحالة،
3- هل البرازيل تذبح أم لا تذبح وكيف يمكن الوقوف على هذه المعلومة من جهة آمنة؟ جزاكم الله خيراً.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فيجب أن يعلم بداية أن العلماء متفقون على جواز أكل ذبائح أهل الكتاب إذا توفرت فيها الشروط الشرعية اللازمة لحل الذبيحة بالنسبة للمسلم، وإنما نشأ الخلاف في اللحوم المستوردة نظراً لأمرين:
الأمر الأول: هل يشترط لحل ذبائحهم نفس الشروط التي تشترط لذبيحة المسلم من الذبح في المحل وعدم الإهلال بها لغير الله، أم أنه لا يشترط ذلك، فما عدوه عندهم طعاماً جائزاً لهم في دينهم جاز لنا؟ والصحيح الذي عليه جماهير أهل العلم أنه يشترط في حل ذبائحهم نفس الشروط التي تشترط لحل ذبيحة المسلم؛ بأن يذبحوا في محل الذبح وبالطريقة الشرعية بأن يقطع من الأوداج والمريء والحلقوم ما يكفي قطعه في الذكاة، أما إذا كانوا يذبحون بغير الطريقة الشرعية كالصعق الكهربائي والتدويخ والضرب بالمسدسات والفؤوس وغير ذلك وماتت الحيوانات بهذه الوسائل، أو كانوا يسمون عليها غير الله فإنها حرام وميتة لا تحل، فإنه لو ذبحها مسلم على هذه الطريقة لم تحل فكيف بالكتابي؟!
الأمر الثاني: عدم العلم بتحقق الشروط السابق ذكرها في اللحوم المستوردة فلا يعلم هل ذبحت أم صعقت ثم قطع الرأس عن الجسد وهل باشر الذبح كتابي أم ملحد؟ والتحقيق في ذلك أن اللحوم إذا كانت من بلد أهله أهل كتاب لم يغلب عليهم الإلحاد فالأصل أن ذبائحهم حلال، لعموم قوله تعالى: الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ {المائدة:5}، اللهم إلا أن يعلم اختلال الشروط اللازمة لحل الذبيحة، ولا يخرج عن هذا الأصل بمجرد الشك الذي لا يستند لدليل، ولا يكفي في إثبات تلك الشروط مجرد عبارة حلال المكتوبة على أكياس هذه اللحوم؛ إلا إذا كانت من مسلم ثقة عدل بحيث يقبل خبره، وراجع في ذلك الفتاوى ذات الأرقام التالية: 1564، 2437، 26282.
وأما قاعدة: الأصل في اللحوم والأبضاع التحريم فإنها قاعدة صحيحة، قال الشيخ السعدي في منظومته:
والأصل في الأبضاع واللحوم**** والنفس والأموال للمعصوم
تحريمها حتى يجيء الحل**** فافهم هداك الله ما يُمل
ويستدل لهذه القاعدة بحديث عدي: قلت: يا رسول الله؛ أرسل كلبي وأسمي فأجد معه على الصيد كلبا آخر لم اسم عليه ولا أدري أيهما أخذ، قال: لا تأكل، إنما سميت على كلبك، ولم تسم على الآخر. متفق عليه، وقال ابن القيم رحمه الله تعالى: لما كان الأصل في الذبائح التحريم وشك هل وجد الشرط المبيح أم لا؟ بقي الصيد على أصله في التحريم. انتهى. وراجع في ذلك الفتوى رقم: 62491.(46/107)
ولا علم لنا بطريقة الذبح في البرازيل، ولا ندري من أين يمكن التأكد من ذلك.
والله أعلم.
المفتي: …مركز الفتوى
================(46/108)
(46/109)
القيود في الفكر اللاديني الحر
السلام عليكم ورحمة الله
يزعم اللادينيون ان اللادينية تمنحهم حرية كاملة في كل شيئ ، بحيث يصبح العقل والمنطق والعلم هي وسائل التقرير لديهم .
ومن هذا المبدأ ، يهاجمون الأديان وبخاصة الإسلام بقولهم ان الإسلام (يقيد) أتباعه بنمط فكري محدد ولا تسمح لهم بإطلاق الفكر نحو الإله والغيبيات كالملائكة والمعجزات والرسل ........... الخ .
إن المطلع على اللادينية سيتبين له كيف تم استغفال هؤلاء اللادينيون بفكرة (الحرية) . فاللادينية تقيد جميع أفرادها بقيود لا يمكنهم الخروج عنها او كسرها . أمثلة :
1- لكي تكون لاديني يجب أن تنكر الأديان كلها .
2- لكي تكون لاديني يجب أن تقر بأن الأديان جميعها صناعة بشرية وأن القرآن كتاب من تأليف بشري .
3- لكي تكون ملحد يجب الا تؤمن بالغيبيات (الشيطان - البعث - الملائكة - الإله - .....)
4- اللاديني المؤمن بإله يجب ألا يرتبط مع إلهه بأي شعائر تعبدية .
5- اللاديني المؤمن بإله يجب أن يكون له فهم محدود بإلهه .
6- الإلحاد ينص في العديد من تعريفاته على أنه (عدم القدرة على إثبات وجود إله) . وبالتالي يقيد التفكر أو البحث عنه .
7- اللادينية تحدد ان شرائع الإسلام لا تصلح لكل العصور . وبالتالي قيد اللاديني بأن لا يأخذ من الإسلام أي تشريع حتى ولوكان هو الحل لمشكلة ما
8- اللادينية في بعض أقسامها تحدد ان (الإله) ليس هو التفسير لنشوء الكون وظهور الإنسان . من دون أي دليل ...
9- اللادينية تخصص العقل والعلم والمنطق بانه هو المرجعية الأولى .
10- اللادينية لا تؤمن بقداسة نص
11- اللاديني لا يؤمن بإطلاق
وهذا جزء من (القيود) التي تفرضها اللادينية واللادينيون على (فكرهم) و (تصرفاتهم) .
إذن من هذا الذي يقول أن اللادينية حرية 100% ؟؟؟؟؟؟؟
=============(46/110)
(46/111)
هل فكرة الإله مهمة لللادينية ، ام أنها (ماركة) تسويق للإلحاد ؟
بسم الله الرحمن الرحيم
يعتمد اللادينيون كثيراً على التفريق بين الإلحاد واللادينية ، إذ أن الإله في المجتمعات العربية والإسلامية يعني كل شيئ للإنسان . ولذلك يعمد اللادينيون إلى طرح (اللادينية) بشكل أكثر تركيزاً من (الإلحاد) . فمثلاً تجد منتدى اللادينيين وليس الملحدين . إن جلب الأفراد إلى الإلحاد في العالم العربي والإسلامي مشكلة (عويصة) للملحدين والعلمانيين الملحدين خاصة ، إذ أنها تعتمد اولاً وأخيراً على (نفي وعدمية الإله) . لذلك فاللادينية تعتبر (صورة مخففة) للإلحاد . ولذلك يعمد اللادينيون كثيراً إلى الفصل بين اللادينية والإلحاد ، بالرغم من ان الإلحاد هو فرع من اللادينية بحسب تقسيمهم .
إن من يقارن بين اللادينية والإلحاد إنما يقارن بين أصل وفرع ، ومن ثم لا نستطيع وضع اختلافات بين أصل وفرع . فلا نستطيع القول مالفرق بين المسيحية والكاثوليكية . ولكننا نقول مالفرق بين الكاثوليكية والأرثوذكسية على اعتبار أنهما معاً ينضويان تحت المسيحية ولكن لكل منهما معتقدات هامة لها تفرق بين المذهبين .
إن اللادينية ينبعث منها الكثير من الأفكار فهناك الإلحاد Atheism والربوبية Deism واللاأدرية Agnosticism وغيرها . والشيئ المشترك بينهم جميعاً هو " إنكار الأديان " .
الملحدون (Atheists) لا يعترفون بوجود إله
الربوبيون (Deists) يؤمنون بوجود إله
اللاأدريون (Agnostics) يعتقدون أن مسألة وجود الإله هي مسألة لا سبيل الى الجزم فيها .
وعلى الرغم من أن مبدأ وجود أو عدم وجود الإله (الخالق) هو أمر ثانوي وغير هام في اللادينية ويعتبر أمر شخصي إن آمن به الفرد كما يذكر أحد اللادينيين : (وقد يكون موضوع وجود الاله بالنسبة الى اللاديني موضوعا ثانويا لا يشغل تفكيره واهتمامه سواء اكان الاله موجودا أم لا) .
إلا أنه مما يثير الغرابة أن الفرق بين أقسام اللادينية الرئيسية ينبع أساساً من الاختلاف على مبدأ وجود أو عدم وجود أو تأكيد وجود الإله .
وبالتالي إذا كان أمر (الخالق أو الإله) أمراً ثانوياً وليس ذو أهمية ، فلماذا لا يكون الملحد والربوبي واللاأدري شخصاً واحداً ما دام الاختلاف بينهما (ثانوي) وغير مهم ؟
لقد تنبه الأوروبيون في اواخر القرن التاسع عشر لذلك ، فبعد ظهور العديد من النظريات العلمية وبالأخص نظرية تشارلز داروين حول التطور انقلب كثير من المفكرين من الربوبية Deism إلى الإلحاد Atheism . وكان القول السائد آنذاك : (ما دام الله اكتفى بأن بدأ بالخلق ثم ترك الأمور تسير على منوالها ، فما الداعي للاستمرار بالاعتقاد به ) . وهذا ما سبب انتقاداً شديداً للربوبية Deism من قبل الناقدين المسيحيين بأن الفرق بينها وبين الإلحاد ليس كبيراً ، عدا عن اعتبارها طريقاً مؤدياً إلى الإلحاد.
وهذا ما يؤكده قول أحد اللادينيين : (أما الإلحاد فهي الفكرة التي تأتي بعد اللاديني بعد أن تنكر الأديان قد تصل إلى الإلحاد)
ومن الممكن استنتاج مراحل التحول من ديني إلى ملحد :
ديني ثم (ربوبي Deist) أو (لا أدريي Agnostics ) ثم ملحد .
ويتساءل أحد اللادينيين (أليس اللاديني هو ملحد خائف من نفسه ؟) ثم يقول : (ملحد يضحك على نفسه ؟ )
أما الكلام الذي يؤكد ان اللادينية العربية هي إلحاد ولكن بماركة (إله) فهو ما يقوله أحد اللادينيون : (لماذا لم يخطو اللاديني الخطوة التالية لإنكار الأديان وهي إنكار صاحب الأديان !؟ كأنها هدنة للتخفيف من حدة الفكرة وعدم تخويف المؤمنين فنحن لانريد نقاش فكرة الإيمان بل أننا فقط وجدنا الدليل على سخافة الأديان ونكتفي بهذا القدر من التفكير كل الأديان غير موجودة يعني بأن الله لم يحتك بالبشر أو يتواصل معهم أي أنه ليس سوى افتراض من شخص مذعور . كل من يقول أنه فقط لاديني فهذا يعني أنه مؤمن )
أي بإيجاز : اللاديني صيغة مخففة للإلحاد ...
هل اللادينية في العالم العربي هي إلحاد ولكن بمسميات مختلفة ؟
هل هدف اللادينية هو الوصول بالمتدين إلى الإلحاد ولكن بمرحلتين أو ثلاثة ، بدلاً من المرحلة الواحدة التي ثبت فشلها ؟
والسؤال الهام : لماذا تفترق اللادينية على أساس غير مهم لها ؟
===============(46/112)
(46/113)
حوار صريح مع لاديني عربي
بعد محاولات عدة وجهد جهيد ، حصلنا على موافقة من احد (اللادينيين) الذين يؤمنون بوجود إله ويطلق عليهم أحياناً (اللادينيون الموحدين) لإجراء لقاء معه للإطلاع على أسس وحقائق ما يسمى (لاديني موحد) . ومن ثم طرحنا الأسئلة التالية على ضيفنا اللي رفض يصرح باسمه الحقيقي وفضل ندعوه باسم كثير بيحبه وهو (مولحد) .
صحفي : ضيفنا الكريم (مولحد) يا أهلاً وسهلاً
مولحد : أهلين ومرحبتين ، ولو لا إصراركم ما كان رضيت أجري اللقاء
صحفي : هو في الحقيقة ، من حين سمع الكثير عن (لاديني موحد) ، والكثير من الأخوة مصرين يتعرفوا عليه.
مولحد : بدك الصراحة ، بدري شوي نصرح عن كل ما يخص (لاديني موحد) . بس أنا راح أحاول أكون دقيق على قد ما بأقدر في إجاباتي .
صحفي : طيب بس قبل ما نبدأ ، ياريت تعطيني فكرة عن نفسك شوي ، إذا ما عندك مانع .
مولحد : أنا مولود في مكان ما من العالم العربي عام ...19 ، أعمل في مصلحة ما في مكان ما من الوطن العربي .
صحفي : طيب ياريت تعطي القارئين فكرة عن ثقافتك .
مولحد : أنا صاحبي سعد معه دكتوراه في التاريخ ، وابن خالتي موفق معاه ماجستير في الفيزياء وجاري أبو راغب . . .
صحفي : لحظة يا معلم ، ما دخل هؤلاء في ثقافتك وتحصيلك ؟
مولحد : ما هو المثل بيقول : قل لي من تصاحب أقل لك من أنت . .
صحفي : مفهوم . . خلينا نبدأ أسألتنا عن تعريف لهذه الفكرة (اللادينية الموحدة) وإذا ما عندك مانع أن أطلق عليها مسمى (دين) ، ما هو اسمها المعتمد ؟
مولحد : ما في مشكلة تسميه (دين) أو (فكرة) أو (طريقة) . أما عن الاسم فأنا ما بقدر أحط لك اسم واحد . لأنه أتباعه كل واحد حاطط له اسم وما بعد اتفقنا على اسم محدد . يعني واحد بيقول عن نفسه (موحد ملحد) ، وواحد ثاني بيقول (لاديني موحد) ، وأنا جاي لعندك اتصل معي واحد من أصدقائي وقال أنه عايز يكون (لاديني مؤمن) ، وممكن بكرة يقول لي واحد انه (لاديني مسيحي) . . . الخ . المهم أخي مش التسمية المهم المضمون اللي ماشيين عليه .
صحفي : طيب . . ما هو المضمون اللي ماشيين عليه ؟
مولحد : الأساس الوحيد الثابت عند الجميع أن العقل المقدس هو المرجع الوحيد لكافة اختياراتنا ، والحرية الكاملة في أن تثبت أو تنفي ما تريده أو تفعل ما تريده حسب مفهومك ومنطقك وقناعة عقلك المقدس .
صحفي : بس حضرتك ما ذكرت (الإله) في المضامين ، أكيد نسيت ؟
مولحد : لأ ما نسيت . بس الحقيقة فيه اختلاف بين المتبعين حول مبدأ (الإله) . البعض مقتنعين أنه يوجد إله ومؤمنين فيه ، والبعض مقتنعين بوجود إله بس مش مؤمنين فيه ، والبعض يقول فيه إله بس مافي الله ، والبعض . . .
صحفي : لحظة ..لحظة خلينا نفهم شوي . إذا فيه متبعين عندهم شك أن الله موجود فكيف راح نسميه (موحد) ؟
مولحد : أخي . . كل واحد حر يعتقد في اللي عايزه ، علشان هيك أن تؤمن (بوجود إله) أو (تؤمن بإله) حاجة ثانوية عندنا . يعني فيه فعلاً واحد من الأتباع أحياناً بيؤمن بوجود الله وأحياناً ما بيؤمن . . . فين راح نحطه !!!!!
صحفي : هل أفهم من كلامك أن (الإله) الذي يمكن أن يقتنع بوجوده (اللاديني الموحد) مختلف عن إله المسلمين أو المسيحيين أو اليهود مثلاً ؟
مولحد : تماماً ، ممكن يكون لكل واحد تصور خاص بالإله تبعه ، لأن كل واحد عنده عقله المقدس الخاص فيه . الفرق بيننا وبين اللادينية والإلحاد أننا وسط بينهم . الملحد ما بيؤمن بوجود إله ، واللاديني ممكن يؤمن أو لايؤمن بوجود إله . أما عندنا في (لاديني موحد)، فانت لك حرية تتصور الإله تبعك زي ما بدك ، وفق عقلك المقدس .
صحفي : شيئ عظيم ، إله حسب الطلب !!!
مولحد : طبعاً ، وهذه سمة مميزة لديننا كونه حر 100% . أي شيئ انت بتقتنع فيه بعقلك ممكن تؤمن فيه . وهذا مش موجود بأي فكرة أو دين في العالم العربي .
صحفي : لماذا قلت العالم العربي ؟
مولحد : لأن (لاديني موحد) مصمم خصيصاً للعالم العربي . أنت بتعرف أن نسبة الملحدين في العالم العربي كثير منخفضة ولا تكاد تذكر مقارنة مع العالم ، والسبب يعود بشكل رئيسي لرفض الناس مبدأ (إنكار الإله) . وبالتالي إذا كان فيه إلحاد يعترف بالإله لكن ما بيطلب من اتباعه أي التزامات ثانية فبأتصور أنه راح يحقق نجاح .
صحفي : مش عارف بس أنا بأشعر من كلامك أن (اللادينية الموحدة) هو الإلحاد ولكن (بطبعة عربية) !! ممكن تأكد أو تنفي كلامي ؟
مولحد : أنت حر في فهمك ، وإن كان تصورك له محل في الإعراب .
صحفي : بس من خلال بحثي وفي أحد الإحصائيات فقط 37% من اللادينيين يؤمن بإله . أي أن نسبتكم ضعيفة مقارنة بالملحدين ؟
مولحد : صحيح . . وأحد الصعوبات اللي بتواجهنا أن اللادينيين زي ما أنت عارف شكاكين . يعني الواحد منهم بيظن أن رأيه هو الصح وفي نفس الوقت يظن بأن رأيه خطأ. يعني علشان يقتنع بوجود إله ممكن المسألة تأخذ معه العمر كله ويموت وما حصل نتيجة . بعكس غير أديان ممكن في ساعة واحدة يقتنع بوجود إله وتبقى قناعته معه لحد ما يموت !!!(46/114)
صحفي : طيب أنت ذكرت لي أن (العقل المقدس) هو المرجع الرئيسي لكم . ممكن تعطيني وصف له؟
مولحد : العقل المقدس ، ما هو كتاب أو أوراق مثل بقية الأديان . لأ . . . العقل المقدس قناعات في الرأس .
صحفي : أي رأس ؟ رأسك أنت!!
مولحد : لأ . . رأس أي واحد من الأتباع . كل واحد عنده (العقل المقدس) تبعه . إحنا عندنا قاعدة ذهبية بتقول (العلم في الراس مش في الكراس)
صحفي : يعني حسب ما فهمت : كل واحد منكم عنده عقله المقدس ، وقناعاته ، وكل واحد عنده تصور خاص بإلهه . . ما بتشعروا أن هذه فوضى ؟ يعني مش شايف أي شيئ مشترك بينكم ؟
مولحد : مش بأقول لك ، احنا ثورة في عالم الأديان ، بيجمعنا فقط قدسية العقل والحرية .
صحفي : الآن فهمت ، لماذا وجدت خلال بحثي أن هناك (لادينيين موحدين) بيؤمنوا بأن الله راح يحاسب الناس ، وآخرين ما بيؤمنوا ؟ كما وجدت ناس بتؤمن بالرسل وناس ما بتؤمن . وناس بتؤمن بالجن وناس ما بتؤمن !!
مولحد : مش قلت لك : لكل عقله المقدس ، وأمور مثل : رسل وكتب وملائكة وجنة ونار مش مهمة.
صحفي : بس لازم يكون فيه سبب من أن يؤمن أو يصدق بعض أتباعكم بوجود إله ؟
مولحد : طبعاً . . . إذا طلع أنه فيه إله وجنة ونار هياه كسب ، وإذا ما فيه فما خسر . نحن ماسكين العصاي من الوسط لأننا (عقلانيين) .
صحفي : طيب خليني أنتقل معك للجهود الإعلامية . هل قمتم بأي شيئ بهذا المجال ؟
مولحد : الحقيقة قدمنا طلب للانضمام لمؤتمر الإلحاد العالمي في فيجاياوادا بالهند في أوائل يناير2005 ، بس رفضوا طلبنا .
صحفي : لماذا رفضوا طلبكم ؟
مولحد : قال إيش. . مش ناقصين شكك ومشاكل . . عنا اللي بيكفينا .
صحفي : طيب يا معلم ، انتم بتعرفوا أن (اللادينيين العرب) مازالوا في أول خطوة لهم وفي مرحلة المخاض . فلماذا استعجلتم بإظهار (لاديني موحد) بالسرعة دي . كان ممكن تستنوا كم سنة ، وبعدين تعلنوا حالكم . مش العقل بيقول كدة برضة ؟
مولحد : كلامك صحيح . . بس إحنا خايفين أن (اللادينية) في العالم العربي تنجهض ، ومش راح نستفيد . بهذه الطريقة اللي عملناها : ياصابت يا تنين عور . . .
صحفي : طيب خليني انتقل معك لموضوع جديد : أهداف (اللادينية الموحدة) . ما هي أهدافكم الاجتماعية ؟
مولحد : مثل أهداف اللادينية ، نشر مبدأ العقلنة والتحرير في المجتمع العربي .
صحفي : ممكن توضح اكثر ؟
مولحد : بصراحة في المجتمع العربي قيود كثيرة على تصرفات الفرد .. ممنوع وحرام وعيب وما بيصير وما بتستحي . . . إلى آخره . فبنشر مبدأ الحرية والعقلانية راح يصير كل واحد حر في اللي عايز يعمله ما دام عقله المقدس مقتنع فيه .
صحفي : وماذا عن القيود الاجتماعية عدا عن القيود القانونية ؟
مولحد : أنت ما فهمتني . . . اللي بأقصده صراحة ، أنه أي واحد عايز يعمل عملة سودة وعقله المقدس مقتنع فيها فراح يعملها بضمير مرتاح إذا كان بيتبع اللادينية . أما قيود اجتماعية وخرابيط قانونية ما بيقتنع فيها العقل المقدس فما بتهمنا ، لأنها ممكن تكون قيود مفروضة بدون أي قناعة .
صحفي : طيب . . ما هي أهدافكم في المجال الفكري والعلمي ؟
مولحد : انت بتعرف أننا ناس (عقلانيين) والعقل عنا مقدس ، ومن ثم أحد أبرز أهدافنا هو انضمام العلماء والمكتشفين العرب إلينا .
صحفي : وهل لاقيتم أي نجاح ؟
مولحد : بنسبة 0 %
صحفي : وما السبب ؟
مولحد : ما حد منهم (اقتنع بعقله) أنه ممكن يكون ملحد وموحد، أو لاديني وموحد في نفس الوقت .
صحفي : بصراحة ماذا كان ردهم بالتحديد ؟
مولحد : واحد منهم قال : جاي تبيع المي في حارة السقايين !!!!! مش فاهم شو كان بيقصد .
صحفي : يمكن قصده : جاي تسوق العقل عليهم ، وهم أعقل منك .
مولحد : ...........................
صحفي : طيب ما في أي كتاب راح تقوموا بإصداره على الأقل يشرح مبادئكم وأهدافكم ؟
مولحد : زي ما ذكرت لك خلال الحوار ، ما فيه أي شيئ ممكن نتفق عليه ابتداءً من الاسم والإله وحتى الكون ومخرجات العقل المقدس . يعني عن ماذا راح نكتب ؟
صحفي : طيب لو حبيت تدعي واحد مسلم للادينية أو (اللادينية الموحدة) ، شو بتقول له ؟ كيف بتحاوره ؟
مولحد : بأبدأ معاه أطلب منه يفسر لي عقلياً كل شيئ بيؤمن فيه . وطبعاً ما راح يقدر (يعقلن) كل معتقده والأحداث التاريخية . فنقول له : إذا كان العقل ما قدر يفسرها فكيف بتؤمن بها ؟
صحفي : يعني أنتم بتدعوا لفكركم ابتداءً من مهاجمة الأديان الأخرى ، مش بطرح مبادئكم مباشرة مثل ما بتعمل الأديان الثانية ؟
مولحد : عملناها وما نجحت . .
صحفي : لماذا ؟
مولحد : لأنه عقلهم مرتبط بالإيمان ، ونحن عقلنا غير مرتبط بالإيمان . الله بالنسبة لهم هو كل شيئ ، بينما لدينا له حيز بسيط في منظومة الفكر .
صحفي : يعني أنتم أول ما بتعملوه هو زلزلة إيمان متبعي الأديان الأخرى بدينهم ؟
مولحد : تمام ، هذا وجدناه أحس شيئ ، أن نوجه الأسئلة لهم بدل ما يوجهوا الأسئلة لنا .
صحفي : ولكن كيف لو أحد وجه لكم أسئلة محرجة ، وما قدر (عقلكم المقدس) يجاوب عليها . كيف بتتصرفوا ؟(46/115)
مولحد : هو في الحقيقة واجهتنا أسئلة كثيرة ، وما زالت عاملة لنا مشاكل لدرجة أن بعض أتباعنا كفر باللادينية كلها ، ورجع تاني لدينه .
صحفي : أسئلة مثل إيه ؟
مولحد : يعني مثلاً .. بيقولوا لنا : مادام بالعقل بدكم تثبتوا أن الأحداث التاريخية ما حصلت ، فأثبتوا لنا بالعقل والدليل المادي أنكم بتشوفوا أحلام ومنامات ، وما راح نصدق إلا لما نشوف بعينينا .
صحفي : وكيف بتتصرفوا في مثل هالحالة ؟
مولحد : بنعمل هجوم مضاد وبنغير الموضوع .
صحفي : طيب ما قمتم بأي طرق ثانية في تأصيل (لاديني موحد) أو اللادينية مثلاً تقـ . . . .
مولحد : أنا مقتنع انه ما في طريقة ثانية ، بس من ناحية حاولنا بطرق ثانية . . فحاولنا وفشلنا .
صحفي : ممكن نعرف أكثر ؟ ما الشيئ الذي فشلتم فيه ؟
مولحد : بعض الأتباع قالوا أحسن شيئ لدعوة المسلمين أن نقنعهم أن (لاديني موحد) له (أصل تاريخي) حيث أن العرب أمة تاريخ . فقاموا احتجوا بزيد بن عمرو بن نفيل أنه كان لاديني موحد ومن اهل الجنة .. .
صحفي : طيب . . وشو صار بعدين ؟
مولحد : اكلنا هوا . . . طلع زيد بن عمرو بن نفيل (له دين) وعلى ملة إبراهيم .
صحفي : لحظة يامعلم (مولحد) . . عايز تقول لي أنه أنتم الذين لا تؤمنوا بالإسلام أو تاريخ إسلامي ولا بحديث ولا بقرآن ، بتستخدموا ما لا تؤمنوا فيه أو بوجوده علشان تؤكدوا وجود دينكم ؟ مش شايف أنه هالطريقة (غير عقلانية) . يعني أنتم زي المسلم اللي بيروح عند ماركس علشان يثبت له ماركس أن الإسلام صحيح .
مولحد : مش بأقول لك (فكرنا) ماحصلش ، يجمع كل المتناقضات في عقل واحد . هو من قليل اللاديني بينتحر ..
صحفي : على العموم ، خلينا ننتقل للحياة الاجتماعية لأتباع (لاديني موحد) ، كيف بتتعاملوا مع المتدينين ؟
مولحد: عادي ، بس بتقابلنا صعوبات في التواصل الاجتماعي معهم .
صحفي : زي إيه مثلاً ؟
مولحد : يعني لو واحد قال لي : السلام عليكم ورحمة الله ، فأنا ما بأقدر أرد عليه إلا بـ : وعليكم السلام ورحمة الله .
صحفي : طيب فين المشكلة ؟
مولحد : هذا سلام أصله ديني ، ونحن لادينيين . فبالتالي بنشعر أنه عم نتخلى عن لادينيتنا . وإذا استمر الوضع ، بنخاف نتحول دينيين . مثال ثاني : لما واحد يعطس : لازم تقول له : يرحمكم الله . وتصور لو ما قلتها ، بيطلعوا فيك كأنك عامل عملة .
صحفي : طيب لماذا لا تكونوا واضحين مع المجتمع اللي بتعيشوا فيه . أعلنوا أنكم لادينيون أو (لادينيون موحدون) ، وهكذا ما احد راح يزعل منك إذا ما رديت عليه السلام .
مولحد : حبيب قلبي . . أنا ممكن أقول اني مسيحي . . مسلم . . هندوسي . . بوذي . لكن أقول أني لاديني يؤمن بإله أو (لاديني موحد) ، راح الناس كلها تضحك علينا .
صحفي : لماذا ؟
مولحد : ما بتركب مع بعض : (لاديني + مؤمن بإله) أو (لاديني + موحد) . ما أحد بيقدر يفهمها . لو جبت كمبيوتر (ناسا) علشان يجمعهم على بعض ما بيقدر .
صحفي : ما هي أكثر الصعوبات اللي بتواجهوها ؟
مولحد : المسلمون بدرجة أولى . لأن اعتقادهم مش بس روحي ، ولكنه مرتبط بشدة بعقلهم . يعني أنا ممكن أوجه سؤال لمسلم وما يعرف يجاوب عليه ، ومع ذلك فعدم قدرته على الإجابة ما بتخليه يشكك في معتقده أبداً .
صحفي : أنا فعلاً من خلال بحثي لاحظت أن المسلمين هم أكثر ناس بيناقشوا ويحاوروا ، بس كمان لاحظت أن هجومكم مكثف على معتقدات المسلمين أكثر من غيرهم ؟ فيه سبب محدد .
مولحد : طبعاً زي ما قلت لك إحنا تخصصنا العالم العربي ، وأنت بتعرف أن الأغلبية هي مسلمين فاستمالة المسلمين لنا تمثل تحدي وجودي .
صحفي : ما فهمت ؟ شو قصدك تحدي وجودي ؟
مولحد : موقفنا في العالم العربي إلى الآن ضعيف جداً وما بيتجاوز يكون كلام على الانترنت وكم واحد هنا وهناك . ممكن التهور والتسرع في الانتشار يجيب علينا كارثة تمحي كل شيئ . المسلمين بالذات ما بيتهاونوا في معتقدهم ، وممكن بقرارات دستورية أو برلمانية ما عاد تقدر تشوفنا على الانترنت . وأنت شايف بعينك ما حصل في مصر الكام سنة الماضية .
صحفي : لكن أنا كمان لاحظت شغلة ثانية وخايف تزعل من أن أسألك عنها ؟
مولحد : خذ راحتك
صحفي : الحقيقة أنا وجدت ان أكثر الكلام الذي تهاجموا فيه الإسلام مصدره مواقع أو كتب مسيحية ، وأحياناً كثيرة بيكون صورة طبق الأصل لكلام هذه المواقع المسيحية . تقدر تعطيني تعليل ؟
مولحد : أنا أرفض الإجابة على هذا السؤال .
صحفي : انا أعتذر إن كان أزعجك . لكن ما أردت أن أقوله هو انه : كيف لاديني بيعتمد على ديني في الهجوم على ديني آخر !!! هل انتم والمنصرين المسيحيين في خندق واحد ضد الإسلام ؟
مولحد : خليني أكون صريح معك . كون الذي يهاجم الإسلام كان ديني (مسيحي) أو لاديني مش مهم . المهم نقد الإسلام وإظهار انه دين من صناعة بشرية وانه لا يوجد إله . إذا كان المنصرين المسيحيون يشاركونا في نفس الفكرة ، فيمكنك اعتبارنا نحن وهم في خندق واحد لأن المصلحة مشتركة .
صحفي : عايز منك تكون صريح ، وتقول لي : ما أكثر شيئ من داخل (فكرة اللادينية) ككل يمثل خطراً عليكم ؟(46/116)
مولحد : العقل المقدس نفسه
صحفي : شو !!!!!!!! مصدركم الأساسي والعمود الفقري لكم هو مصدر الخطر الأكبر عليكم !!!! مش فاهم ؟
مولحد : إثبات أن العقل المقدس عاجز عن التفسير أو تقديم حلول راح يخلينا في موقف لا نحسد عليه ، وهناك دلائل عديدة بتظهر كل يوم بتاكد لنا هذه الحقيقة .
صحفي : سؤال أخير ، حضرة المعلم مولحد . هل أنت تشعر بتفاؤل بانتشار اللادينية أو (لاديني موحد) في العالم العربي بالذات ؟
مولحد : بدك الصراحة ؟
صحفي : أكيد . .
مولحد : لأ . . ما عندي أي تفاؤل .
صحفي : ليش ؟
مولحد : العالم العربي مش ناقصه شكاكين . كفاية اللي فيه ....
صحفي : ما بين التناقض والوضوح . . وما بين الإثبات والشك . . وما بين الاضطراب والثبات . . . يبحر (مولحد) وغيره من اتباع (لاديني موحد) واللادينية في هذه الحياة ، متحاورين بين الظن واليقين لا يثبتون ولا ينفون ، متسلحين بالإيمان واللاإيمان . . . معلم مولحد شكراً لك على هذه المقابلة الجريئة معك ، وإلى لقاء قريب .
مولحد : شكراً ، مع ألف سلامة .
============(46/117)
(46/118)
نقض أسس اللادينية و الزندقة
هل جزاء الإحسان إلا الإحسان ؟
فبأي آلاء ربكما تكذبان ؟
يتفق معنا اللادينيون أن لهذا العالم خالقًا عالمًا حكيمًا ، و أن هذا الخالق قد جعل لنا - بني الإنسان - عقولاً لنفكر بها و نستدل بواسطتها على وجوده تعالى . و عندما يتفكر المرء في إحسان الله إليه الذي أوجده من عدم و لم يكن شيئًا و أطعمه و سقاه و كساه و جعل له منزلاً مريحًا و زوجة جميلة و أطفال تبدو عليهم ملامح النعمة .. إلى آخر آلاء الله على البشر ، عندما يتفكر المرء في هذا الإحسان العظيم ، لابد أن يشعر بالامتنان لربه و الشكر له و أن يبحث عن الطريقة المناسبة لرد هذا الإحسان لصاحبه .
هل جزاء الإحسان إلا الإحسان ؟
أما اللاديني ، فهو لا يجد أن إحسان ربه إليه يستحق أي شكر أو أي محاولة رد الجميل ، بل يكفيه أن يؤمن بوجود هذا الرب الذي عليه أن يكتفي بإيمان عبده به و ألا يطمع في أي شيء فوق ذلك !
نعم .. نعم ، لقد خلقتني و أطعمتني و سقيتني و كسوتني .. إلخ .. و كل المخلوقات - بما فيهم أنا - ملكك و ترعي في ملكك ، لكن هذا لا يعني أني يجب أن أعبدك أو أشكرك .. بحسبك أني أؤمن بوجودك !
لهذا السبب تجد اللادينيين من أوقح الناس مع ربهم و خالقهم ، و هم لا ينقطعون عن السخرية من المؤمنين المغفلين و من حبهم و تقديسهم لله و طاعتهم لأمره .
من الممكن أن يستدل العقل البشري على وجود الله ، و ينطلق من هذا للاستدلال على وجود واجبات عليه أن يؤديها تجاه ربه الذي خلقه ، لكن هذا العقل لا يستطيع أن يحدد بالضبط و التفصيل هذه الواجبات خاصة في ظل اختلاف الآراء و المذاهب في تعيين الحق و الباطل و الخير و الشر . و يقف في النهاية عاجزًا عن تحديد أي هذه الآراء و المذاهب المتضاربة يوافق مرضاة الله ، و لا يمكن أن يكون الحق و الصواب في رأي الكثرة ؛ ألا ترى أن الحقائق العلمية لا تُبنى على عدد الأصوات ؟!
و لو استقر الأمر على أن يؤدي كل فرد واجباته تجاه ربه حسب رأيه و اجتهاده لكانت فوضى . لهذا يحس الإنسان في صميم قلبه أنه في حاجة إلى من يعلمه كيفية عبادة ربه و يبلغه بأوامره و نواهيه ، و هذا المعلم و المبلغ يكون كمندوب رسمي عن الله يحمل مرسومه الخاص ليمكن تمييزه عن باقي المندوبين .
أما اللاديني ، فهو يفضل الفوضى على النظام و يرى أن الذي خلق هذا الكون الدقيق و دبره بكل هذه الحكمة يجوز عليه أن يجعل عبادة مخلوقاته له عبارة عن فوضى يقول كل امرئ فيها برأيه و اجتهاده المبني على التخمين بلا هدى و لا نور و لا كتاب مبين .
فوق هذا تجد الواحد منهم يبغض كثيرًا انتظام صفوف الصلاة في المسجد و يجد في ذلك غيط قلبه و حرق دمه . و لأنه على رأي سوء و يدرك قبح مذهبه ، فهو يسعى بكل ما يستطيع ليشكك المؤمنين في دينهم و يلقي الشبهات في طريقهم .. هذا لأنه يعلم أنه على خطأ و قلبه يحترق و يضطرم بالشكوك ، و هذه الشكوك تحتاج إلى مهدئات ، و هذه المهدئات عبارة عن سماع من يؤيد رأيه و يؤكد مذهب السوء الذي يتبعه .
لذلك تطفح هذه الشكوك إلى السطح كلما سمع كلام المؤمنين و اصطدم باعتراضاتهم ، بل و ويله إن كانت اعتراضاتهم على مذهبه القبيح قوية و مفحمة ! و ألف ويل إن وجد أنهم مؤمنون بالله و بطاعته عن اقتناع لا عن اتباع !
عندها يحس الشيطان الذي يسكن قلبه بالخطر و تزداد شراسته في إلقاء الشبهات و في تشكيك المؤمن ! لهذا تجد الواحد منهم حريص أشد الحرص على إلقاء الشبهة و عدم إتاحة الفرصة للرد عليها .
و قد يعرف الرد على الشبهة مسبقًا و لكنه يضعها رغم ذلك ! و قد يجد الرد عليها مقنعًا فيجادل و يماري ! و قد يرى الرد فلا يبالي حتى بقراءته لأن غرضه ليس التعلم أو الحوار الجاد ، بل التشكيك !
هذه هي اللادينية يا أخوة : هي نفسها الزندقة لكن عصرية ، مودرن .. نعوذ بالله من سوء الخاتمة .
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
============(46/119)
(46/120)
تعلم اللادينية في ثلاثة دقائق:
أيها الملحد تعلم اللادينية في ثلاثة دقائق:
أؤمن بوجود إله خالق لهذا الكون.
كررها 180 مرة. اصبحت لاديني.
أيها اللاديني تعلم الإلحاد في ثلاثة دقائق:
أؤمن بإله اللادينيين واسميه صدفة.
كررها 180 مرة. اصبحت ملحد.
عندما تمل من الالحاد أو اللادينية يمكنك التنقل بينهما. يوجد احتمال ثالث هو الانتحار. ولكن إحذر فلن تكرره 180 مرة!!!!!
من مناقشات الزملاء اللادينين اتضحت لي عدة امور, بعض منها هي:
1) اللادينية وسيلة وليست غاية. بمعنى ان الباحث عن الدين الحق يمر بمرحلة الاختيار يقوم فيها بعمل مفاضلة بين الديانات. معنى هذا هي مرحلة شك في طريق الرحلة الى اليقين. هذا اتفهمه واحترمه ولكن هذا ينفي من التعريف هدفية اللادينية. وهنا الكثير من الزملاء اللادينيين في المنتدى هم اصحاب شكوك.
2) يتخد المناظرون بمللهم المختلفة الستار اللاديني لمهاجمة الاسلام. وقد إنفرط لسان بعضهم حين قال \حسب ما أذكر\ "اللاديني مثل الشبح لا يظهر منه إلا السيف". وهنا ايضاُ اللادينية عبارة عن وسيلة وبمعناها الاسوء.
3) فراغ اللادينية من أي محتوى. هنا بعكس ما سبق افترض ان اللادينية لاصحابها هي غاية وليست وسيلة. ولهذا قمنا بتقديم سؤال واحد للادينيين لا أكثر. وكان السؤال من هو الهك؟. أول ما يلاحظه القارئ هو التهرب المستمر من قِبل الزملاء اللادينيين, بل بدل من ذلك كان جوابهم بالطعن في الاسلام. لم يكن الموضوع يخص الاسلام ولم يكن الزملاء في حاجة الى مواضيع للطعن في الاسلام (فمنهم من فتح 4 مواضيع في نفس الوقت لهذا). ومع هذا كان حديثهم يدور في فلك الاسلام. وحديثهم عن لادينيتهم كان إما مقتبس من الدين نفسه أو ضد الدين وفي كلا الحالتين المتحدث يدور في فلك الدين.
نرجع الى موضوعنا, هل اللادينية هي مشروع ثلاثة دقائق, هل هناك لادينية يعرفها معتنقوها ام هي مجرد إدعاءات وشعارات رنانة مثل "العقل" و"الحكمة". شعارات ومفاهيم خاوية من مضمونها مجرد كلمات موضوعة في توقيعات الزملاء, اشبه بشيكات بمبالغ ضخمة ولكنها بدون رصيد.
ولهذا تراني يازميلي الفاضل أُهمش اللادينية فهكذا اراها. أما بالنسبة لاصحابها فهذا يتوقف, هل هذا الشخص ينتمي الى المجموعة الثانية من التصنيف؟. عندها اقول لك نعم فأنا لدي كره شديد للنفاق والمنافقين لدرجة إني اكره صديق منافق وافضل عليه عدو صادق.
تقول يا صديقي الفاضل ان الامر جلل!. كيف عرفت؟
أنا كمسلم أعلم هذا الامر من ديني فمن اين تعرفه انت؟. على العموم سيكون هذا من موضوع نقاشنا.
تقول يا صديقي المحترم: وهذا الإيمان مصدره عقلي بحت وبأدله علميه بحته .
سنبحث في هذا وندرس الادلة العلمية البحثة بعد ان نضع التعريفات فلا ادلة على غير مسميات.
المهم حاليا, سؤالي هو: ما هي اللادينية؟.
السيد احمد منصور المحترم
اللا دينيه بنظري تتفرع إلى ثلاثة فئات, فنجد هناك فئه منهم لا تؤمن بالأديان مع إيمانهم بوجود خالق وصانع لهذا الكون , وفئه أخرى وأطلق عليها فئة المتأرجحون فتلك الفئه حائره متشككه وقد يكونوا على دينهم من الناحيه العاطفيه ولكن عقلهم يناقض عاطفتهم فنجدهم بين البينين , وفئه ثالثه وهم من لا أحترمهم من البعض الذي يكون على دين ويحارب الدين الآخر تحت غطاء اللادينييه ويستخدم التقييه لمآرب معروفه .
أنا يا سيدي من الفئة الأولى التي لا تشهد بصحة جميع الأديان وليست قصراً على اليهوديه والمسيحيه والإسلاميه بل مجمل ما إبتدعه الإنسان من مفاهيم ومعتقدات دينيه .
أما تفسيرى لظاهرة الأدبان تتلخص كالآتي:إن الإنسان القديم كان يعاني من مشكلة لاتزال تؤرقه إلى يومناهذا وهي مشكلة الخوف من المجهول وتبعات ذلك المجهول الأمر الذي أنتج شعور لا واعي باطني بالضعف والنقص أدى ذلك بالإنسان أن يبحث عن مصدر يسد ذلك الخواء والفراغ النفسي فأبتدع الدين وتفنن في تعدد مصادره , إن مفهوم الدين البدائي أي في بداياته قبل أن يتطور هو التقرب والتعبد وتقديم القرابين وإبتكار الشعائر لأي قوه قد يرى بها السند والمساعده له في تخطيه إشكالية الخوف فنرى بأن أقدم البشر مروراً ببعض الحضارات بالعالم قد عبدوا الشمس وآخرون عبدو القمر وغيرهم عبد الظواهر الطبيعيه من برق ورعد وعواصف ومطر وقد نقشت تلك العبادات القديمه على الكهوف والأحجار والتي لا نزال نراها إلى الآن .
إن الديانات قد مرتّ بمراحل تطور كثيره شذّبت منه وألغت منه وأضافت إليه إلى أن وصل إلى مانحن بصدده الآن .
لا أريد الإطاله والحوار مستمر إن شئت .
==================(46/121)
(46/122)
ماذا يخسر العالم لو خسر الدين ؟
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين
سؤال مطروح للمناقشة :
ماذا يخسر العالم لو خسر الدين ؟
لاحظت أن أول دولة قامت على إنكار الدين فى العصر الحدسث انهارت قبل مضى ثلاثة أرباع قرن من الزمان رغم توفر ترسانة نووية ضخمة ووجود جيش كان قويا وهذه الدولة هى الإتحاد السوفييتى
لم يصمد النظام المتبنى للإلحاد قرن واحد من الزمن
إنهار المجتمع وانهار الإقتصاد وتراجعت القوة العسكرية وحتى غزو الفضاء لم ينج من التراجع
وإذا عدنا للوراء قليلا نرى كيف قامت الدولة التى لا ترى أن هناك ربا يحاسب على الدماء
قيل أن خسائر المسلمين فقط عند قيام الإتحاد السوفييتى تجاوز ثلاثة ملايين قتيل وهم أكثر المتدينين تضررا بسبب قيام هذه الدولة الملحدة
ادعى الفكر الشيوعى أن الدين أفيون الشعوب فلم يميزوا بين الغث والثمين فى أديان الأمم وخسروا
الضمير : وهو الوازع الدينى الذى يحث على مكارم الأخلاق
فخوفا من الله يقل القتل والزنا والشذوذ والأمراض الجنسية والسرقات وغيرها
ورغبة إلى الله يزيد الإنتاج وتقل الجريمة
ورغبة إلى الله تتحسن العلاقات بين أفراد وجماعات المجتمع
ورغبة إلى الله وخوفا من عذابه يقوم رب الأسرة برعاية زوجه وأبناءه وأمه وأبيه وتقل الحاجة لدور المسنين ويقل تشرد الأبناء فتقل منابع تكوين المجرمين الجدد
لم يتفسخ المجتمع فى الإتحاد السوفييتى من فراغ
ولم ينهار الإتحاد السوفييتى من فراغ
ولم تتبرأ الأمم من اتخاذها هذا المنهج من فراغ
لم يحقق آمال الأفراد أو المجتمعات لأنه منهج مخالف لطبيعة البشر
يقول البعض أن أمريكا أقامها اللادينيين
وهذه أكذوبة تستند إلى لادينية رئيسين أو ثلاثة كانوا لا دينيين
فهل كان المجتمع لادينى
وهل عندما لا نكتب الدين فى بطاقة الهوية ننفى الدين عن صاحب الهوية
وماذا تفعل أمريكا اليوم
أليست حربا صليبية شرسة أقامتها على المسلمين
هل هذا يؤكد صدق قيام أمريكا على اللادينية
الواضح أمامنا أن أمريكا لم تكن أبدا دولة لادينية
والحديث الآن عن النظم السياسية بالمجتمعات التى نبذت فكرة الدين عموما
نماذج التطبيق لا أراها فى صالح الدول غير المؤمنة
وإذا قارنا ذلك بالمجتمعات التى قامت على الدين ترى أن الخلافة الإسلامية بقيت أكثر من 12قرنا من الزمن قبل أن تبدأ فى التراجع والتفكك
السؤال مازال مطروحا وأرغب فى مناقشته
ماذا خسر العالم
وأيضا ماذا كسب العالم
لم أركز على التمايز بين الأديان فالخسارة تشمل الجميع ولكن بقدر ما يقدم كل دين من مكسب للمجتمعات المنتمية إليه
أمثلة التطبيق متعددة ومجالات الخسائر متسعة
السؤال فى نفسه إجابة بأن هناك خسائر كبيرة
=============(46/123)
(46/124)
الدين ....و الكبت
انظروا ماذا قال علماء النفس الغربيون عن الدين ؟
قالوا إنه يكبت النشاط الحيوي للإنسان ، ويظل ينكّد عليه حياته نتيجة الشعور بالإثم ، ذلك الشعور الذي يستولي على المتدينين خاصة فيخيل لهم أن كل ما يصنعونه خطايا لا يطهرها إلا الامتناع عن ملذات الحياة . وقد ظلت أوربا غارقة في الظلام طيلة تمسكها بالدين ، فلما نبذت قيود الدين السخيفة ، تحررت مشاعرها من الداخل ، وانطلقت في عالم العمل والإنتاج .
أفتريدون إذن أن تعودوا إلى الدين ؟ تريدون أن تكبلوا المشاعر التي أطلقناها - نحن التقدميين - وتنكدوا على الشباب المتدفق بقولكم : هذا حرام وهذا حلال ؟* * *
ونترك أوربا تقول في دينها ما تشاء . ولا يعنينا هنا أن نصدقه أو نكذبه ، لأننا لا نتحدث عن الدين عامة ، وإنما نتحدث عن الإسلام .
وقبل أن نذكر شيئاً عن كبت الإسلام للنشاط الحيوي أو عدم كبته له ، ينبغي أولاً أن نعرف ما هو الكبت ، لأن هذه اللفظة كثيراً ما يساء فهمها واستخدامها في كلام المثقفين أنفسهم ، فضلاً عن العوام والمقلدين .
ليس الكبت هو الامتناع عن إتيان العمل الغريزي كما يخيل للكثيرين . إنما ينشأ الكبت من استقذار الدافع الغريزي في ذاته ، وعدم اعتراف الإنسان بينه وبين نفسه أن هذا الدافع يجوز أن يخطر في باله أو يشغل تفكيره . والكبت بهذا المعنى مسألة لا شعورية . وقد لا يعالجها إتيان العمل الغريزي . فالذي يأتي هذا العمل وفي شعوره أنه يرتكب قذارة لا تليق به ، شخص يعاني الكبت حتى ولو " ارتكب " هذا العمل عشرين مرة كل يوم . لأن الصراع سيقوم في داخل نفسه كل مرة بين ما عمله وما كان يجب أن يعمله . وهذا الشد والجذب في الشعور وفي اللاشعور هو الذي ينشئ العقد والاضطرابات النفسية .
ونحن لا نأتي بهذا التفسير لكلمة الكبت من عندنا ، بل هو تفسير فرويد نفسه الذي أنفق حياته العلمية كلها في هذه المباحث ، وفي التنديد بالدين الذي يكبت نشاط البشرية . فهو يقول في ص82 من كتاب : " ويجب أن نفرق تفريقاً حاسماً بين هذا " الكبت الشعوري " وبين عدم الإتيان بالعمل الغريزي ، فهذا مجرد " تعليق للعمل " .
والآن وقد عرفنا أن الكبت هو استقذار الدافع الغريزي وليس تعليق التنفيذ إلى أجل معين ، نتحدث عن الكبت في الإسلام !
ليس في أديان العالم ونظمه ما هو أصرح من الإسلام في الاعتراف بالدوافع الفطرية ، وتنظيف مكانها في الفكر والشعور . يقول القرآن : " زُين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسوَّمة والأنعام والحرث ( ) " فيجمع في هذه الآية شهوات الأرض ويقرر أنها أمر واقع مزين للناس ، لا اعتراض عليه في ذاته ، ولا إنكار على من يحس بهذه الشهوات .
صحيح أنه لا يبيح للناس أن ينساقوا مع هذه الشهوات إلى المدى الذي يصبحون فيه مستعبدين لها ، لا يملكون أمرهم منها . فالحياة لا تستقيم بهذا الوضع . والبشرية لا تستطيع أن تحقق طبيعتها التي تهدف إلى التطور الدائم نحو الارتفاع ، إذا هي ظلت عاكفة على ملذاتها تستنفد فيها كل طاقتها ، وتتعود فيها على الهبوط والانتكاس نحو الحيوانية .
نعم لا يبيح الإسلام للناس أن يهبطوا لعالم الحيوان . ولكن هناك فرقاً هائلاً بين هذا وبين الكبت اللاشعوري ، بمعنى استقذار هذه الشهوات في ذاتها ، ومحاولة الامتناع عن الإحساس بها رغبة في التطهر والارتفاع .
وطريقة الإسلام في معاملة النفس الإنسانية هي الاعتراف بالدوافع الفطرية كلها من حيث المبدأ وعدم كبتها في اللاشعور ، ثم إباحة التنفيذ العملي لها في الحدود التي تعطي قسطاً معقولاً من المتاع ، وتمنع وقوع الضرر سواء على فرد بعينه أو على المجموع كله .
والضرر الذي يحدث للفرد من استغراقه في الشهوات ، هو إفناء طاقته الحيوية قبل موعدها الطبيعي ، واستعباد الشهوات له بحيث تصبح شغله الشاغل وهمه المقعد المقيم ، فتصبح بعد فترة عذاباً دائماً لا يهدأ ، وجوعة دائمة لا تشبع ولا تستقر .
أما الضرر الذي يحدث للمجتمع فهو استنفاد الطاقة الحيوية التي خلقها الله لأهداف شتى، في هدف واحد قريب ، وإهمال الأهداف الأخرى الجديرة بالتحقيق . فضلاً عن تحطيم كيان الأسرة ، وفك روابط المجتمع ، وتحويله إلى جماعات متفرقة لا يجمعها رابط ولا هدف مشترك : " تحسبهم جميعاً وقلوبهم شتى " مما يسهل على غيرهم غزوهم وتحطيمهم كما حدث لفرنسا .
وفي هذه الحدود - التي تمنع الضرر - يبيح الإسلام الاستمتاع بطيبات الحياة ، بل يدعو إليه دعوة صريحة فيقول مستنكراً : " قل : من حرّم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق ( ) " ؟ ويقول : " ولا تنس نصيبك من الدنيا ( ) " ويقول : " كلوا من طيبات ما رزقناكم ( ) " " وكلوا واشربوا ولا تسرفوا ( ) "(46/125)
بل يصل في صراحته في الاعتراف بالإحساس الجنسي خاصة - وهو مدار الحديث عن الكبت في الأديان - أن يقول الرسول الكريم : " حُبِّبَ إليَّ من دنياكم الطيب والنساء ، وجعلت قرة عيني في الصلاة " ( ) . فيرفع الإحساس الجنسي إلى درجة الطيب أزكى رائحة في الأرض ، ويقرنها إلى الصلاة أزكى ما يتقرب به الإنسان لله . ويقول في صراحة كذلك : إن الرجل يثاب على العمل الجنسي يأتيه مع زوجته . فإذا قال المسلمون متعجبين : " يا رسول الله أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر ؟ " قال الرسو صلى الله عليه وسلم : " أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه فيها وزر ؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر " ( ) !
ومن هنا لا ينشأ الكبت إطلاقاً في ظل الإسلام . فإذا أحس الشباب بالرغبة الجنسية الدافقة فليس في ذلك منكر ، ولا يوجد داع لاستقذار هذا الإحساس والنفور منه .
وإنما يطلب الإسلام من هذا الشباب أن " يضبط " هذه الشهوات فقط دون أن يكبتها . يضبطها في وعيه وبإرادته ، وليس في لاشعوره ، أي يعلق تنفيذها إلى الوقت المناسب . وليس تعليق التنفيذ كبتاً باعتراف فرويد ، وليس فيه من إرهاق الأعصاب ما في الكبت ، وليس يؤدي مثله إلى العقد والاضطرابات النفسية .
وليست هذه الدعوة إلى ضبط الشهوات تحكماً يقصد به الإسلام حرمان الناس من المتاع . فهذا هو التاريخ في الإسلام وفي غير الإسلام يقرر أنه ما من أُمة استطاعت أن تحافظ على كيانها وهي عاجزة عن ضبط شهواتها ، والامتناع بإرادتها عن بعض المتاع المباح . كما يقرر من الجانب الآخر أنه ما من أُمة ثبتت في الصراع الدولي إلا كان أهلها مدربين على احتمال المشقات ، قادرين على إرجاء ملذاتهم - أو تعليقها - حين تقتضي الضرورة ساعات أو أياماً أو سنوات .
ومن هنا كانت حكمة الصوم في الإسلام .
والمتحللون اليوم من التقدميين والتقدميات ، يحسبون أنفسهم قد اكتشفوا حقيقة هائلة حين يقولون : ما هذا السخف الذي يدعو إلي تعذيب الأبدان بالجوع والعطش ، وحرمان النفس مما تتوق إليه من طعام وشراب ومتاع .. في سبيل لا شيء ، وإطاعة لأوامر تحكمية لا حكمة لها ولا غاية ؟
ولكن .. ما الإنسان بلا ضوابط ؟ وكيف يصبح إنساناً وهو لا يطيق الامتناع سويعات عما يريد ؟ وكيف يصبر على جهاد الشر في الأرض ، وهذا الجهاد يتطلب منه حرمان نفسه من كثير ؟
وهل كان الشيوعيون - الذين يسخر دعاتهم في الشرق الإسلامي بالصيام وغيره من " الضوابط " التي تدرب النفوس - هل كانوا يستطيعون الصمود كما صمدوا في ستالنجراد ، لو انهم لم يدربوا على احتمال المشقات العنيفة التي تعذب الأبدان والنفوس ، أم إنهم " يحلّونه عاماً ويحرمونه عاماً " ؟ يحلّونه حين يصدر الأمر به من " الدولة " لأنها سلطة مرئية تملك العقاب السريع ، ويحرمونه - هو ذاته - حين يصدر الأمر به من الله خالق الدول والأحياء !
وماذا في الإسلام من العبادات غير الصيام ؟ الصلاة ؟ كم تستغرق من وقت المسلم التقي ؟ هل تستغرق في الأسبوع كله أكثر مما تستغرق زيارة واحدة للسينما في كل أسبوع ؟ وهل يضحي الإنسان بهذه الفرصة المتاحة للاتصال بالله ، وتلقِّي المعونة منه ، والاطمئنان إليه ، واسترواح الراحة في رحابه ، إلا وفي قلبه مرض وفي نفسه انحراف ؟
أما ما يقال من تنكيد الدين على أتباعه ، ومطاردتهم بشبح الخطيئة في يقظتهم ومنامهم فما أبعد الإسلام عنه ، وهو الذي يمنح المغفرة قبل أن يذكر العذاب !
إن الخطيئة في الإسلام ليست غولاً يطارد الناس ، ولا ظلاماً دائماً لا ينقشع . خطيئة آدم الكبرى ليست سيفاً مصلتاً على كل البشر ، ولا تحتاج إلى فداء ولا تطهير : " فتلقَّى آدم من ربه كلمات فتاب عليه ( ) ". هكذا في بساطة ودون أيَّة إجراءات .
وأبناء آدم كأبيهم ليسوا خارجين من رحمة الله حين يخطئون . فالله يعلم طبيعتهم فلا يكلفهم إلا وسعهم ، ولا يحاسبهم إلا في حدود طاقتهم : " لا يكلف الله نفساً إلا وسعها ( ) " " كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون ( ) " .
وآيات الرحمة والمغفرة والتوبة عن العباد كثيرة في القرآن . ولكنا نختار منها واحدة فقط لعمق دلالتها على رحمة الله الواسعة التي وسعت كل شيء : " وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أُعدت للمتقين الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين . والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم - ومن يغفر الذنوب إلا الله ؟ - ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون . أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم وجنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ونعم أجر العاملين " ( ) .
يا الله، ما أشد رحمتك بعبادك ! إن الإنسان لا يملك نفسه من التأثر وهو يرى رحمة الله بالناس . ومتى ؟ وهم يفعلون الفاحشة ! إنه لا يقبل منهم التوبة فحسب . ولا يقيلهم من ذنبهم فحسب ، بل يمنحهم رضاءه ورحمته ، ويرفعهم إلى درجة المتقين ! !(46/126)
فهل بعد ذلك شك في عفو الله ومغفرته ؟ وأين يطارد العذاب نفوس الناس والله يلقاهم بهذا العطف والترحيب ، بكلمة واحدة صادقة يقولونها : التوبة ؟ !
لسنا نحتاج إلى نصوص أخرى تؤيد ما نقول . ولكنا مع ذلك نذكر هذا الحديث من أحاديث الرسول فهو شاهد عجيب : " والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم وجاء بقوم يذنبون ويستغفرون فيغفر لهم ( ) " .
إنها إذن إرادة ذاتية لله أن يغفر للناس ويتجاوز عن سيئاتهم .
وهذه الآية العجيبة : " ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم؟ وكان الله شاكراً عليماً ( )"
نعم ؟ ما يفعل الله بتعذيب الناس ؟ وهو الذي يحب أن يمنحهم الرحمة والغفران ! ؟ !
التوقيع / المفكر الاسلامي محمد قطب حفظه الله تعالى
موضوع الكبت مخزي بالنسبة للملحدين :
اذا كان الدين يقابل الكبت
الالحاد او الادين يقابله الانحلال
المشكلة هي ان ينظر الانسان كيف يود ان يعيش ..
الانسان يعيش حياة جنسية منظمة في كل العالم .
لا يحصل النحلال الا بوجود بؤر الفساد .
فاذا عدنناها سنجد بؤرة مشتعلة تفوق بيوت الدعارة والمتاجرين بالرقيق الابيض .
انها الاباحية الفكرية التي تجعل الانسان يغير نظرته نحو الجنس فلا يراه الا من منظور اشباع رغبة عابرة دون الالتفات لاي عوافقب ممكنة من نقل امراض وابناء حرام وتفكك عاطفي في نفسية الانسان .
انها اشبه بذاك المجرم الذي تعود الجريمة واصبح قتله للانسان كمثل قتله للذباب .
وذاك الملحد اصبح ينظر الى الجنس بانه اشباع رغبة دون تحمل ثمن .
الثمن ليس تجاريا . انه المسؤولية عن الفعل . ...
في النهاية من الخاسر من الاباحية الفكري وظهور العلاقات الجنسية الغير منظمة بزواج وأحكام :
الخاسر الاكبر هو من يدعى اعطائه الحرية . انها المرأة موضع الاستغلال : لذلك اصبحت سلعة رائجة في بلاد الكفر ينتشر بيعها وشرائها . بل اصبحت تؤجر وبابخس الاسعار حتى اذا هرمت وذهب شبابها رميت في الطريق حيث يحتقرها المجتمع ولا تجد من يناصرها من ولد ولا أحد .
الخاسر الثاني وهو ناتج الزنا : الذي سيعيش حياة شاذة فهو ليس يتيم فقد حنان والده ولكنه بلا اب يعترف فيه ويرى الضياع في مستقبل لن يستطيع ان يغير منه شيء .
الخاسر الثالث هو الرجل :الذي لم يعد مستقرا في حياة بل اصبح ينظر الى نفسه بانه يعيش للشهوات ولاشباعها ويدفع ثمن فعلته كل مرة بان يصبح ذو سمعة سيئة وبامراض تنقل اليه من حيث لا يدري.
الخاسر الاكبر هو المجتمع : ويتمثل ذلك بالتفكك الاسري . وتلاشي المسؤولية الشخصية . وانتشار الامراض الجنسية . وانحطاط الاخلاق في البلاد .
ومن النتائج العامة للاباحية غير ما ذكر :
البرود الجنسي : لان التعود على امر بلا ظوابط يؤثر على الانسان من حيث تعوده على المناظر التي اصبح العقل قد الفها فلا تثير فيه ما تثير من رغبات.
فقدان الحاجة الى الشريك: وهذا ينكره اهل الالحاد لانهم يعتبروا الشريك هو الشريك المتغير في العلاقة الجنسية وليس الشريك الزوج . ولكن للنظر الى مجتمع يسود في الانحلال ستجد ان اعمار الزواج مرتفعة نبيا وبشكل كبير . وتجد الكثير قد استغنى عنه .
لذلك قال الله تعالى :
اقتباس:
إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ
==============(46/127)
(46/128)
اللادينية العربية .. بوابة خلفية للتنصير .
بسم الله الرحمن الرحيم
نبدأ بحول الله سلسلة من المداخلات حول علاقة أعمال التنصير بين المسلمين باللادينية . ونظراً لأن هذا الموضوع يعتبر من الحساسية بمكان لبعض مواقع المنتديات اللادينية لدرجة أن تحذف المواضيع التي تتناوله أو يتم إنذار أعضاء يتناولونه ، مما يجعل السؤال حوله أمراً واقعاً . ومما لا شك فيه أن العديد من المسلمين قد تنبه أو استدل على وجود تلك العلاقة اللادينية - التنصيرية في عالمنا لدرجة الإشارة إليه في أكثر من مكان .
ولقد مكنني الله جل في علاه فجمعت العديد من المقالات أو الكتب وكذلك المشاهدات التي تتناول الموضوع والتي تجعلني لا أشك بهذه الصلة المريبة بين أعمال التنصير واللادينية بل وأزداد يقيناً مما يجعل أمر جمعها في مكان واحد أمراً مطلوباً .
إن تسمية الموضوع بوابة خلفية يعني وجود بوابات أخرى . فاستخدام اللادينية والإلحاد في أعمال التنصير هي من ضمن وسائل أخرى لم تعد خافية على أحد . فكم تم تنصير العديد من المسلمين بواسطة لقمة العيش أو المال في بلاد المسلمين في أندونيسيا وأفريقيا وسواها . إلا أن لكل وضع إسلامي عند المنصرين وسيلة وطريقة. فالمال والطعام لا يفيد في بلاد كالجزيرة العربية أو الشام أو شمال أفريقيا . كما لا يفيد بين المسلمين في أوروبا . ومن هنا تنبع تلك الأفكار والخطط التنصيرية المختلفة والتي نتجت عن مؤتمرات وتجارب عديدة .
وإنني إذ أعرض في سلسلة مقالات متفرقة هنا العلاقة بين اللادينية والتنصير بين المسلمين ، فأرجو من الجميع المشاركة بما يجودون به من تجارب واكتشافات توضح تلك العلاقة بين اللادينية وأعمال التنصير في عالمنا الإسلامي وبالذات منطقة العالم العربي وتوثيقها إن أمكن . وإن شاء الله عملنا على تنظيمها بتوثيقاتها بعد زمن .
ونرجوا من الله التوفيق والعون والسداد ، ، ،
تعريف التنصير وعلاقته باللادينية
التنصير واللادينية
يجدر أولاً أن نعرف التنصير بصورة موجزة وبسيطة وعلاقته باللادينية .
فالتنصير في اللغة : هو الدعوة إلى اعتناق النصرانية .
جاء في لسان العرب : والتنصر هو الدخول في النصرانية. وفي الصحيحين ، واللفظ للبخاري ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال الرسو صلى الله عليه وسلم :( ما من مولود يولد إلا على الفطرة ، فأبواه يهودانه، أو ينصرانه ، أو يمجسانه ، كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء هل تحسون فيها من جد عاء ؟) . والفطرة هنا هي الإسلام.
والتنصير اصطلاحاً : هو تحويل البشرية إلى المسيحية باستخدام جميع الوسائل والسبل المتعددة مشروعة كانت أم غير مشروعة .
أما مصطلح التنصير كما يعرفه الدكتور سلمان بن فهد العودة فيقصد به : ذلك الجهد الكنسي الذي يقوم به الدعاة من النصارى في الدعوة والعمل، والذي يهدفون من خلاله إلى إدخال الشعوب في الديانة النصرانية ؛ سواء الشعوب المسلمة، أو الشعوب الوثنية ، أو غيرها. أو يهدفون إلى تشكيك المسلمين في دينهم، وإخراجهم منه، أو إلى تثبيت النصارى على ملتهم، ودعوتهم إلى مزيد من التدين.
إلا أن المنصرين (الهيئات والأفراد) يطلقون على أنفسهم وعلى نشاطاتهم اسم المبشرون والتبشير . وهذا من الخطأ كما يوضح الدكتور سلمان العودة - لأن لفظة (تبشير) فيه دلالة على أن هؤلاء القوم يدعون إلى البشارة وإلى الخير، ويبشرون الناس بالسلام، وبالرحمة، وبالبر، وبالجود، وبالسعادة، وهم ليسوا كذلك، والأولى بلفظة (التبشير) هو المسلم؛ فهو المبشر حقاً لأننا أصحاب البشارة وليسوا هم كما يقول تعالى (إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً ) الفتح:8 . ولذلك سنعتمد لفظ (التنصير) عند الحديث على أعمال المنصرين بين المسلمين .(46/129)
وهكذا فإن التنصير له أكثر من وجه وهدف ، فهو ليس عملاً دينياً فقط . ولعل أفضل ما يوضح تعريف التنصير بين المسلمين وعلاقته باللادينية والسياسة هو ما قاله صاموئيل زويمر رئيس جمعيّات التبشير العالمي في المؤتمر الذي انعقد في القدس للمبشرين عام 1935م حيث يقول : ( إن مهمة التبشير التي ندبتكم دول المسيحية للقيام بها في البلاد المحمدية ليست في إدخال المسلمين في المسيحية، فإن في هذا هداية لهم وتكريماً ، إن مهمتكم أن تخرجوا المسلم من الإسلام ليصبح مخلوقاً لا صلة له بالله ، وبالتالي لا صلة تربطه بالأخلاق التي تعتمد عليها الأمم في حياتها ، ولذلك تكونون بعملكم هذا طليعة الفتح الاستعماري في الممالك الإسلامية ، لقد هيأتم جميع العقول في الممالك الإسلامية لقبول السير في الطريق الذي سعيتم له ، ألا يعرف الصلة بالله، ولا يريد أن يعرفها، أخرجتم المسلم من الإسلام، ولم تدخلوه في المسيحية، وبالتالي جاء النشء الإسلامي مطابقاً لما أراده له الاستعمار، لا يهتم بعظائم الأمور، ويحب الراحة، والكسل، ويسعى للحصول على الشهوات بأي أسلوب، حتى أصبحت الشهوات هدفه في الحياة، فهو إن تعلم فللحصول على الشهوات، وإذا جمع المال فللشهوات، وإذا تبوأ أسمى المراكز ففي سبيل الشهوات . . إنه يجود بكل شيء للوصول إلى الشهوات) .
ومن ذلك أيضاً مقولته الأخرى حول التنصير من كتاب الغارة على العالم الإسلامي لمؤلفه أ . لُ شاتلييه : ( إن للتبشير بالنسبة للحضارة الغربية مزيتان، مزية هدم ، ومزية بناء أما الهدم فنعني به انتزاع المسلم من دينه، ولو بدفعه إلى الإلحاد . . وأما البناء فنعني به تنصير المسلم إن أمكن ليقف مع الحضارة الغربية ضد قومه )
إن هذه الأقوال يجب أن تؤخذ بمنتهى الجدية . فصاموئيل زويمر أحد أعتى المنصرين الذين عملوا في التنصير في القرن الماضي ونظروا له في المشرق العربي والإسلامي وجابوا بلاده بل وأسس مجلة اسمها (العالم الإسلامي) في الولايات المتحدة ، عدا عن معهده المعروف في التنصير . وأقواله كما سيتضح من خلال المداخلات أخذت مأخذ الجد وطبقت ، حيث ارتبطت العلمانية والإلحاد واللادينية بالتنصير في بلاد المسلمين .
الإرسالة العربية الأمريكية في المنطقة
أدركت منظمات التنصير التي عملت في المنطقة العربية عجزها عن إنجاز نجاحات في تنصير المسلمين بالطرق المباشرة التي كانت تستخدمها من خلال المدرسة والمشفى وتوزيع أو بيع الكتب والنشرات . بل على العكس لقد أدى ذلك إلى إيقاظ الوعي للسكان المسلمين تجاه تلك المنظمات والإرساليلات المشبوهة .
لقد كانت نظرة المنصرين الأولية للمنطقة بأنها سهلة الانقياد نحو النصرانية كبيرة . ففي القرن التاسع عشر وصف الجنرال هيج Heig في رحلته إلي الجزيرة العربية الأحوال الجغرافية والاقتصادية والتجارية والدينية للبلاد والقبائل المختلفة التي قام بزيارتها وقد خرج من جولته بالقناعة التالية: (إن كل الجزيرة العربية بدرجات متفاوتة مهيأة لاستقبال الكتاب المقدس بذراعين مفتوحتين) . وهذا منصر آخر وأحد رواد الإرسالية العربية والذي عمل في مسقط في سنة 1899ستونStone والذي ذهب إلى حد القول: ( إن الحاجة الى المسيحية ليست أمرا مبالغا به, فالعقيدة المحمدية لا تقل سوءا عن الصورة التي نحملها عنها, وانني أعتقد جازما بان الإسلام ليس بالقوة التي نتصورها, وأن الكنيسة إن اقتنعت بأن تلقي بثقلها ضده فان المعركة ستكون اسهل مما نظن. وأنني اعتقد أن نهاية الإسلام قد أصبحت محتومة) .
ولكن ما هي نتائج العديد من حملات التنصير البريطانية والأمريكية والتي استمر عملها ما يقارب 85 عاماً في منطقة الخليج العربي وأشهرها ما يسمى بالإرسالية العربية الأمريكية خلال القرن التاسع عشر والعشرين من خلال المستشفيات والمدارس والمكتبات وتحت حماية القوى الاستعمارية في المنطقة ؟
لقد تم تنصير أفراد يعدون على الأصابع وتثبيت عدد بسيط جداًمن الكنائس ، مما جعل القيادات التنصيرية تعيد حساباتها في كيفية التعامل مع المسلمين . ولعل أبرز النتائج التي تمخضت عن الإرسالية العربية الأمريكية في المنطقة هو ما استنتجه جيمس أديسون بأن على المسيحيين أن يبحثوا عن وسيلة تمكنهم من التغلب على الصعوبات التي تعترض العمل التبشيري بقوله : ( يقترن تغيير الدين في افكار المسلمين بشكل ما بتغيير الارتباطات الاجتماعية والولاء الاجتماعي. وعلينا ان نجد وسيلة للألتفاف حول هذه العقبات كي لا نكون في موقف نهاجم فيه الاسم وجها لوجه في أقوى معاقله ) *.
ونلاحظ قوله وجهاً لوجه ... أي النصرانية في مواجهة مباشرة مع الإسلام . والحل يكون في نظره : النصرانية في مواجهة غير مباشرة مع الإسلام . وهذا يذكرنا بما يقوله صاموئيل زويمر عن إفساد أخلاق المسلم والهدم والإلحاد .(46/130)
لقد كان عمل المنظمات التبشيرية في منطقة الجزيرة العربية والعراق يتم من خلال المواجهة المباشرة بين النصرانية والإسلام . وهذا ما أدى إلى الفشل الذريع برغم أن أقوى تلك الإرساليات وهي الإرسالية العربية الأمريكية اضطرت إلى تغيير اسمها . فعندما أسست البعثة التبشيرية في الخليج العربي بواسطة الدكتور لانسنج . وثلاثة من مساعديه (وهم جيمس كانتين وصموئيل زويمر في أواخر القرن التاسع عشر ، قاموا بتغيير الإسم إلى (الإرسالة العربية) . ويرجع ذلك أساساً إلى ان اختيار هذا الاسم يهدف إلى التغلب على الشكوك التي يحملها العرب نحو أنشطة الأجانب في وقت كانت تتصارع فيه المصالح الغربية في المنطقة . *
لقد تفهم سكان المنطقة عمل تلك المنظمات بل وأعلنوا مراراً اعتراضهم عليها كما أن الكثير من الأهالي قاموا بسحب أبنائهم من المدارس التنصيرية عندما اتضحت لهم أهداف تلك المدارس مما أدى لظهور مدارس بديلة أسسها مسلمون . ومما أثار هذه المعارضة والرفض ما كان يقوم به هؤلاء المنصرون من تناول الإسلام بالسوء ومن ذلك تلك النشرة التي وزعها منصرون بعنوان " المسيح أو محمد وبأيهما تثق". *
إن من أهم الدروس التي نتجت عنها تجربة الإرسالية العربية الأمريكية هي ان العمل التبشيري قد أخفق في تحويل الناس عن دينهم في جميع الظروف . والدرس الثاني هو أن السبب الاساسي في هذا الفشل كان المعارضة التي نشأت بسبب الشعور الديني والتماسك القبلي والظروف السياسية. وقد ظهرت نتيجة لهذين الدرسين الحاجة إلى أفكار جديدة والأهم من ذلك كله أن الزعماء المسيحيين قد بدأوا يدركون أن العمل التبشيري المباشر والمواجهة مع الدين الإسلامي لا يجديان. كما انهم قد أدركوا أن التعايش مع الإسلام بدلا من الاصطدام معه قد يؤدي إلى نتائج افضل. *
* التبشير في منطقة الخليج العربي دراسة في التاريخ الاجتماعي والسّياسي ___ تأليف د. عبد المالك خلف التّميمي
==================(46/131)
(46/132)
فلسفات لادينية (وضعية أوجست كونت )
-1-
ثمة في الثقافة المعاصرة قدر لابأس به من توثين العلم وتأليهه، وهو مزلق فلسفي وفكري أسقط الفكر الغربي في مطبات لا سبيل إلى تخطيها من دون إنجاز مراجعة نقدية شاملة لهذا الفكر. وفي مداخلتنا هذه نستهدف استحضار أحد النماذج الفلسفية الأكثر تشددا تجاه الحس الديني والفلسفي. وسنسعى في ما يلي من سطور إلى بسط وجهة نظرها على أن نعود إليها بالنقد في المداخلة الثانية بإذن الله.
أما النموذج الفلسفي الذي نعنيه فهو فلسفة أوجست كونت التي رغم كونها من مخلفات بداية القرن التاسع عشر، فهي لاتزال تحتفظ براهنيتها على مستوى الثقافة الشائعة المهووسة بالنموذج العلمي. هذا على الرغم من تطور العلم، وانفلاته من المنظور الكلاسيكي واختلال أسس منهاجيته التجريبية القائمة على مفاهيم الحتمية واليقين.
يندرج مفهوم العلم عند أوجست كونت ضمن تصور معرفي عام، يتمثل في قراءته لمجمل التطور الفكري البشري، حيث يحتل العلم عنده موقع التتويج في السياق العام لهذا التطور، ويتحدد باعتباره مؤشرا على نضج البشرية، واكتمال نموها العقلي، وذلك بفعل تطورها وانتقالها من المرحلة الدينية، حيث كان التفكير يفسر ظواهر الطبيعة بعوامل ما ورائية مفارقة للمعطى الطبيعي، إلى المرحلة الميتافيزيقية، حيث صار التفكير في لحظة مراهقته يفسر ظواهر الطبيعة تفسيرا ماهويا فلسفيا، ليس بإرجاعها إلى علل مفارقة، بل إلى علل محايثة، تمثلت في الجواهر والماهيات، وانتهاء بالمرحلة الوضعية التي يصل فيها العقل البشري إلى مستوى نضجه حسب كونت فيتخلى عن الأسئلة الميتافيزيقية، ويدرك استحالتها، ويفكر في المعطى الطبيعي، ليس بمفهوم العلة المحايثة المجردة، ولا بمفهوم العلة المفارقة بل بمفهوم علائقي يدرس العلاقات السببية الرابطة بين الظواهر دراسة علمية، تخلص به إلى بناء قوانين منسوجة في لغة علمية، مخلفا خلفه تلك اللغة الأفلاطونية الميتافيزيقية المشغولة بالماهيات والجواهر.
فالعلم عند كونت يتسم بخاصية منهجية تقطع مع الأساليب التي انتهجها الفكر الإنساني من قبل، فإذا كانت الفلسفة تدرس الظواهر متقصدة الكشف عن ماهياتها، وإذا كان وجود العلم في الفلسفة الأفلاطونية والأرسطية يرتهن بالحد الكلي الماهوي، فإن العلم عند كونت، وكذا في الفكر العلمي الكلاسيكي، يرتهن بالضبط بتجاهل هذا المطلب "الميتافيزيقي" مطلب الحد الماهوي، والاقتصار على ملاحظة الظواهر وتفسيرها، لا من خلال تعليلها بردها إلى علل أولى، وإنما برد بعضها إلى بعض، أي باكتشاف العلاقات الناظمة بينها.
فمن تحديد العلل الأولى إلى تحديد القوانين، ومن بحث ماهيات الأشياء إلى وصفها والكشف عن علاقاتها، ترتسم نقلة إبستمولوجية كبيرة، في تحديد مفهوم العلم ووظيفته. ويأتي الحل الوضعي لإشكالية علاقة العلم بالفلسفة، كحل ينادي بتجاوز الفلسفة، مادام سياق التطور الطبيعي للفكر البشري يحتم هذا التجاوز، ويؤكد ضرورته. وتجاوز الفلسفة في المرحلة الوضعية، ليس فقط تجاوزا لمفهوم الفلسفة كمعرفة شمولية كلية، بل أيضا تجاوز أسلوبها المنهجي في التفكير، واستهجان نمطها في الاستفهام والتساؤل.
فالسؤال الذي يسود اللحظة الوضعية هو سؤال الكيف، لا سؤال "لماذا". وتغييب هذا التساؤل الأخير لا يتأسس في الفلسفة الوضعية، وكذا عند دعاة الاتجاه العلموي، على تحديد لمفهوم العلم فقط، بل يتأسس أيضا على تحديد لطبيعة العقل البشري، إذ يرى النزوع الوضعي العلموي مستثمرا النقد الكانطي للعقل أن القدرة العقلية قاصرة عن بلوغ معرفة حقيقية عبر الاشتغال بهذا النوع من الاستفهامات الماورائية، أو بعبارة أدق، عاجز عن الإتيان بحقائق من وراء هذا الاشتغال.
في سياق هذا النقد لطبيعة العقل يقول كلود برنار: "إن طبيعة عقلنا تنزع بنا إلى البحث عن ماهية الأشياء، أو أسئلة "لماذا". وفي هذا النزوع نقصد هدفا أبعد بكثير من الهدف الذي جعل عقلنا قادرا على بلوغه؛ لأن التجربة تعلمنا (....) بأننا لانستطيع الذهاب أبعد من سؤال "كيف"، أي أبعد من السبب القريب، أو شروط وجود الظاهرة".
وهذا التصور الذي يعبر عنه البيولوجي كلود برنار، والشائع مع الفلسفة الوضعية، نجد له في واقع الفلسفة جذورا عميقة، إذ يمكن أن نرى بعض ملامحه في النقد الكانطي لقدرات العقل، وعند فرنسيس بيكون أيضا، بل حتى عند العلماء، إذ عادة ما يخرجون مرارا من حقولهم العلمية، ليناقشوا مفهوم العقل وقدراته! ويتخذوا من نتائج بحثهم التجريبي، علامة على اقتدار العقل وتحقق إنتاجيته عندما يتخلى عن هذا النمط من التساؤل الماهوي والانشغال الماورائي، يقول نيوتن: "لقد فسرت لحد الآن الظواهر الفلكية، وحركات المد والجزر بقوة الجاذبية. ولكنني لم أحدد علة الجاذبية ذاتها".(46/133)
إن نيوتن باستناده على قانون الجاذبية في تفسير ظواهر الكون، دون تفسير ماهية الجاذبية نفسها، يعبر بوضوح عن ذلك التحول الذي سبق أن أشرنا إليه، بخصوص مفهوم العلم، أي انتقاله من "الماهية" إلى "العلاقة"، كما يعبر عن النزوع الوضعي المؤكد على أن استبعاد "الماهية" لا يعني استبعاد إمكانية المعرفة والعلم، بل إن هذه الإمكانية ترتهن أصلا بهذا الاستبعاد ؛ لأنه بذلك يتم حفظ طاقة العقل من الاستنفاد والاستهلاك في دهاليز الماورائيات. ومن ثم يكون المنهج النيوتوني إرهاصا بالموقف والنهج الوضعي الذي سيلتمع لاحقا في القرن ال ،19 أي ذلك النزوع إلى وصف ظواهر الكون بوصل بعضها ببعض، لا تفسيرها بردها إلى أصول وعلل كلية. وهذا ما نجد لايبنز في القرن ال 18 ينتبه إليه، فيصف النظرية النيوتونية بكونها تقوم على "فرضية كسولة"؛ لأنها يقول لايبنز هادمة "لفلسفتنا التي تبحث عن العلل المعقولة والحكمة الإلهية التي تصدرها".
ويرى كونت أن البشرية أفادت من استبعاد المنهج الفلسفي، واستقلال الحقول العلمية (الرياضيات، الفيزياء، البيولوجيا) عن إطار الفلسفة، وتخطي أسلوبها في التفكير والمقاربة المتسمة بالتجريد والقياسات المنطقية، وطلب الماهيات. ولكن اكتمال المرحلة الوضعية يتطلب تمديد المنهج العلمي، ليشمل المجال الإنساني أيضا، ومن هنا فضرورة السوسيولوجيا التي أسماها كونت أولا بالفيزياء الاجتماعية هي ضرورة تاريخية، إذ بها يكتمل للبشرية الانتقال إلى المرحلة الوضعية.
ومع تأسيس علم الاجتماع، لن يتبقى للفلسفة موضوع يسوغ وجودها سوى التنسيق بين مختلف التخصصات العلمية، ذلك لأن العلوم في لحظتها الوضعية تستشعر نقصا يتمثل في جذرية انفصال بعضها عن بعض، بفعل الإغراق في التخصص، الأمر الذي يستوجب حضور الفلسفة، لكن ليس بطابعها وميسمها المنهجي الشمولي التقليدي وانشغالاتها الماورائية، بل حضورها يكون محدودا بمهمة جديدة ومتواضعة، هي التنسيق بين مختلف التخصصات العلمية، ومن ثم لن يكون في المرحلة الوضعية وجود للفلسفة، هكذا بإطلاق، بل فقط وجود ل "فلسفة العلوم".
لكن هل تحقق حلم أوجست كونت بانتقال البشرية إلى الوضعية وقطيعتها مع المرحلتين السابقتين؟ ألا يتعارض موقف أوجست كونت مع حقيقة الكائن الانساني وفطرته الدينية؟ أليس الموقف المعرفي الذي عبر عنه كونت مجرد نزوع علموي متطرف؟!
أسئلة نؤجل بحثها إلى المداخلة المقبلة، إن شاء الله.
من المفهوم أن تندرج الفلسفة الوضعية لأوجست كونت ضمن الفلسفات العلموية التي لها نزوع نحو تقدير العلم إلى درجة التقديس والتوثين، فقد جاءت في زمن الصناعة وهيمنة النموذج العلمي. وضمن هذا المناخ المعجب بالعلم والمنبهر بمنتجاته تبلور الموقف الفلسفي لأوجست كونت حتى خلص به الأمر إلى أن يقدم رؤية فلسفية للتاريخ الإنساني تقوم على وجود قانون تطوري "حتمي" يتمثل في ما سماه بقانون المراحل الثلاث(المرحلة اللاهوتية المرحلة الميتافيزيقية - المرحلة الوضعية).
ففي المرحلة اللاهوتية كان الوعي البشري، حسب كونت، في لحظة طفولته، لذا كان له اعتقاد بأن الطبيعة تسيرها كائنات مفارقة. ثم انتقل الوعي البشري وترقى إلى المرحلة الميتافيزيقية الفلسفية وفيها لم تعد الطبيعة تفسر بعوامل مفارقة بل محايثة هي الماهيات والجواهر.
وهنا يرى كونت أن الوعي البشري انتهج منهج العقل/ اللوغوس بدل الخيال الذي كان آلية التفكير المهيمنة في المرحلة السابقة.
لكن هذه المرحلة الميتافيزيقية هي أيضا لحظة واطئة في سلم التطور الثقافي الإنساني، حيث ستنتقل البشرية إلى اللحظة الثالثة التي هي:
المرحلة الوضعية، التي يصل فيها الوعي البشري إلى لحظة نضوجه، وعلامة هذا النضج هو كون الوعي أخذ يفسر الطبيعة وظواهرها تفسيرا علميا يتأسس على ملاحظة العلاقات الناظمة بين الظواهر.
هذا باختصار هو قانون الحالات الثلاث كما بلوره كونت، فما هي درجة صدقيته وتطابقه مع لحظات تطور تاريخ الإنسان؟ وما مدى صدقية تصوره القائل بأن الاعتقاد الديني هو لحظة قابلة للتجاوز في الصيرورة التاريخية للفكر الإنساني؟
من الملاحظات التي استوقفت علماء الأنثربولوجيا وكذا دارسي تاريخ الأديان أن الاعتقاد الديني أمر لصيق بالكائن الإنساني. وهذا ما تجسده المقولة الشهيرة المنسوبة إلى المؤرخ الإغريقى بلوتارك: "لقد وجدت في التاريخ مدناً بلا حصون، ومدناً بلا قصور.. ومدناً بلا مدارس.. ولكن لم توجد أبداً مدن بلا معابد"، فأمام استقراء واقع الحضارات وأنساقها الثقافية لوحظ هذا الحضور الدائم للتدين بطقسه ومفاهيمه، الأمر الذي دفع البعض إلى التساؤل: لماذا تدين الإنسان؟ ما سبب هذا التلازم بين وجود الإنسان وتدينه؟(46/134)
أولا : إن تعليل ظاهرة الاعتقاد الديني عند كونت تعليل أراه قاصرا،لأنه جعل وجود هذا الاعتقاد مشروطا بمرحلة، بينما هو مسألة محورية في التفكير والوجدان الإنساني . فالكائن البشري كائن متسائل،يستفهم عن سبب وجوده وكينونته وسبب وجود هذا الكون من حوله. وهو استفهام فطري نجده لصيقاً بالإنسان كيفما كان مستواه المعرفي. فأسئلة أصل الوجود الكبرى مثلما يطرحها الفيلسوف يطرحها الطفل الصغير أيضا، الأمر الذي يؤكد أنها لصيقة بالطبيعة الإنسانية ولا يمكن تخطيها وتجاوزها. ولذا، فالخطأ الأكبر الذي وقع فيه أوجست كونت هو النظر إلى هذه الحالات الثلاث بوصفها لحظات تتابع تقطع كل لحظة تالية مع سابقتها، وهو بذلك لم يدرك أنها تدل على أبعاد أنطلوجية في كينونة الإنسان ونفسيته فضلا عن تجربته الثقافية. إنها ليست لحظات تطور للوعي البشري بل هي أبعاد تكون "ماهية" هذا الوعي وطبيعته. فالنزوع الديني ليس نقصا في فهم الطبيعة حتى يتم تخطيه بتحصيل الفهم العلمي الوضعي، بل إن السؤال الديني هو أكبر وأوسع وأعمق من أن يجاب من قبل الحقل المعرفي العلمي.
فالسؤال الديني من الناحية الابستملوجية لا يمكن نفيه من مدخل المعالجة العلمية التجريبية، وذلك لأن سؤال العلم هو سؤال كيفي جزئي، بينما السؤال الديني هو سؤال تعليلي غائي كلي.. فالعلم يكشف لنا عن انتظام العالم وتعالقات ظواهره، وأسبابها، لكنه بتحديده لأسباب الظواهر الكونية ليس بإمكانه أن ينفي وجود مسبب لهذه الأسباب. فالسؤال عن الخالق لا يمكن نفيه بواسطة العلم، بل إن التفكير العلمي يدفع نحو توكيد وجود الخالق بما يستكشفه كل يوم من مساحات هذا الكون. والانتقال من وجود الكون إلى الاستدلال عن خالقه هي نقلة مبررة عقلانيا، لأنها تقوم على عملية استنتاجية مبررة. والمزلق الكبير الذي وقع فيه أوجست كونت يتمثل في اعتقاده أن تفسير ظواهر الكون يلغي طلب تعليل الكون ذاته .في حين أن تفسير الكون بالكشف عن العلاقات الناظمة بين ظواهره يزيد من معقولية الإجابة الدينية، ويفضح زيف الإجابة الإلحادية.
ثم إن هذا الفارق الجوهري في طبيعة السؤال الذي يشتغل به العلم، أي سؤال الكيف يفضح كل مسلك لإلغاء الدين والاكتفاء بالإجابة العلمية، لأن الإجابة العلمية لا تسد حاجة الفهم الأنطلوجي، أي الحاجة إلى فهم لم وجد الوجود ابتداء؛ بل إن منتهى ما تصل إليه الإجابة العلمية هو سد الحاجة إلى فهم كيفية تعالق مكونات الوجود وانتظامها،لا تعليل سبب وجود هذه المكونات ابتداء. ومن ثم فالقول بالاكتفاء بالإجابة العلمية واستبعاد الدين هو مسلك مغرض يزيف حقيقة السؤال الديني.
ثم ثانياً: إن قانون الحالات الثلاث يكذبه واقع الاستقراء التاريخي، فالبشرية لم تنتقل من المرحلة الدينية إلى الفلسفية ثم العلمية، فحتى لو استحضرنا التاريخ الأورربي، الذي اعتمده كونت دليلا على نظريته، سنلاحظ أن المرحلة الفلسفية / الميتافيزيقية (مع اليونان)جاءت بعدها ألف سنة من القرون الوسطى كانت دينية! فكيف نقول بالانتقال المرحلي داخل تاريخ الإنسانية؟
وثالثا: إن المرحلة الوضعية بنهجها العلمي التي يزعم كونت أنها جاءت لاحقة لكل ما سبق هي أيضا مشكوك فيها. فالتفكير بمدلوله العلمي لم يولد مع ميلاد المنهج التجريبي في القرن السابع عشر ولا ولد مع ميلاد المنهج الرياضي من قبل، بل ثمة دراسات معاصرة على قدر كبير من الوجاهة الأبستمولوجية تؤكد أن قواعد التفكير العلمي موجودة حتى عند الإنسان البدائي، إذ لم يكن يفتقر إلى القدرة على التفكير العلمي ولا الاشتغال بمنهجيته، بقدر ما كان يفتقر إلى التراكم المعرفي . وهذا واضح في أعمال موسكوفيسي وخاصة في تحليله الرائع لتقنية إشعال النار عند الإنسان البدائي.الأمر الذي يؤكد أن التفكير العلمي والديني والفلسفي ليس أنماط تفكير مشدودة إلى صيرورة لحظات تطورية كل لاحق منها يلغي سابقه، بل الأمر أعمق من هذا، فليس الأمر صيرورة تاريخية تتسم بالقطائع ومحكومة بآلية التجاوز بل الأمر أشبه ما يكون بهيمنة لنمط في التفكير في لحظة أو عصر من العصور. فقد يهيمن التفكير الديني في عصر ما، وقد يهيمن التفكير العلمي في عصر آخر، لكن دون أن يعني أن هيمنة هذا النمط يؤدي إلى زوال نمط التفكير الديني وانتفائه.
ثم رابعاً، واستمرارا في انتهاج منهج الاستقراء، نرى أن التاريخ في سياق تطوره، لم يؤكد نبوءة أوجست كونت فالمرحلة الوضعية التي أعلن عن ميلادها واكتمال نموها بتأسيسه للسوسيولوجيا في القرن ال 19 لم تستطع إنهاء الاحتياج إلى الاعتقاد الديني.(46/135)
خامساً: إن ما يؤكد استمرارية وضرورة الدين للكائن الإنساني أن أوجست كونت نفسه سيضطر في نهاية حياته إلى أن يبحث للمرحلة الوضعية عن ديانة، ورغم كونه صاغ ديانة وضعية سماها "ديانة الإنسانية"، فإن اصطلاحه عليها بلفظ الدين ومفاهيمه يؤكد قوة التجربة الدينية واستمراريتها. وتلك إحدى مفارقات كل فلسفة إلحادية تتنطع إلى إلغاء الدين من حياة الإنسان. وهنا يصح أن نكرر مقولة موريس بلوندل "ليس هناك ملحدون بمعنى الكلمة"، ونرى بناء عليها أن عودة كونت في آخر تطوره الفكري إلى البحث عن ديانة تليق بالمرحلة العلمية الوضعية دليل على كون الدين حاجة ملازمة لكينونة الإنسان وليست لحظة في صيرورة تطوره التاريخي محكومة بمنطق التجاوز.
===============(46/136)
(46/137)
مسافرون إلى الخارج
الخطبة الأولى
أيّها الإخوة في الله:
تلقيت اتصالا هاتفياً من إحدى الأخوات، فإذا بها تريد أن تعرض مشكلةًَ حصلت في بيتها، وقضيةً أقلقت بالها، وأقضت مضجعها، وقلبت حياةَ السعادةِ همّاً، والراحةِ غمّاً، فقلت لها:
ما هي قضيتك؟!، وما هو خبرك؟!.
فقالت بصوت حزين: كنا نعيش في راحة تامة، وسعادة عامة، أنا ومجموعةٌ من إخوتي، وكانوا حريصين على الخير والاستقامة، محافظين على صلاة الجماعة، فحصلت لأحدهم بعثةٌ دراسية لخارج البلاد، ففرحنا بذلك، واستبشرنا بهذا الخبر!.
ذهب أخي هناك ومكث مدةً طويلة لإتمام دراسته، ثم عاد أخي إلينا، نعم عاد إلينا، وأقيمت له حفلةٌ لسلامته وعودته، وحصولِه على الشهادة، ثم مضت الأيامُ، فإذا بها تكشتف حقيقة مروعة، وصورة مفزعة.
قالت: أخي الذي كنت أعرفه قبل سفره للخارج، أصبح ينظر إلينا باحتقار وازدراء، ويرى أننا لا نزال في قمة الرجعية والتخلف، وبدأ يُظهر إعجابَه بالحياة الغربية، وما هم عليه من التقدم والحرية، ثم هو يناقشنا دائماً: لماذا أنتم غاضبون على يهود، إنهم مظلومون، مشردون، يبحثون عن حقهم وأرضهم، التي سلبت منهم؟!.
وفوق ذلك بدأ يتخلف عن الصلاة، بل تركها بالكلية، إلا مجاملة لضيف أو قريب.
حاولت إعطاءه الأشرطةَ النافعةَ فكان يلقيها ويسخر مني، وضعت كتباً في غرفته فإذا بها في سَلْةِ المهملات.
باختصار يا شيخ: أخي تغير من حياة الإسلام إلى حياة الكفر، فماذا أفعل ؟وماذا أصنع ؟ فوالدتي لا يرقى لها دمع ولا يهنأ لها عيش، حزنا على ولدها الذي فقدته وهو لا يزال على قيد الحياة ؟!.
أيها الأخوة في الله:
هذه مأساة تتكرر بسبب تهاونِ كثير من الناس في أمر السفر إلى بلاد الكفر، أو بلاد تشابهها:
أنا لست وحدي في طريق متاهتي …أبناؤكم في الغرب بالعشرات
أبناؤكم في الغرب مصدرُ رزقهِ …يتصدقون عليه بالنفقات
سلمتموهم للعدو غنيمةً …فلتغسلوا الأدران بالعبرات
البعض يذهب هناك من أجل السياحة، أو من أجل تعلم اللغة الأجنبية أو الدراسة، مع عدم توفر الشروط الشرعية فيه: فلا ضرورة في السفر هناك، ولا علم عنده يدفع به عن نفسه الشبهات، ولا دين يردعه عن الشهوات.
يخرج الشابُ من بيئته المحافظة، ومجتمعهِ الطاهرِ العفيف، فيرى هناك التقدمَ الصناعيَ، والتفوقَ العلميَ، فيصاب بالانبهار بالحضارة الغربية التي هي كسراب بقيعة، فيعتقد أن ما نحن عليه من ضعف صناعي، وتخلف تقني، هو بسبب ما نتمسك به من دين وعقيدة، وقيم وأخلاق، فإذا به يستحي أن ينتمي إلى هذا الدين، وتزداد قناعتُه بما عليه الغربُ الكافرُ من تفسخ وانحلال، وضياع واضمحلال، وأنه الحقُ الذي لا مرية فيه، والصوابُ الذي لا شك فيه، فيبدأ بالتخلي عن مبادئه وقناعاته السابقة، يتخلى عن مبادئ الإسلام العظام، ومبانيه العظام، فيصبح كما أصبح هذا الشابُ المسكينُ، الذي نسأل الله تعالى أن يردَه إلى الحق رداً جميلاً وسائر المسلمين يا رب العالمين.
ومن أجل هذا حرص الغربُ الكافرُ على قضية البعثات العلمية، والدعايات السياحية، والتي من خلالها، يتم غسلُ أدمغةِ كثير من أبناء المسلمين، وقلب المفاهيم لديهم، وتغير الحقائق في أذهانهم، إلى مفاهيم منكوسةٍ، ومعاييرَ مقلوبة، فيخرج جيلٌ لا يعرف من الإسلام إلا اسمهُ، ولا من القرآن إلا رسمهُ، فيعمل هؤلاء في بلدهم ما عجز الأعداء عن تنفيذه وعمله.
أيها الأخوة في الله:
وإذا انتقلنا من القرن الخامس عشر لنقف على القرن الأول الهجري، قرنِ الجيلِ الفريد، أصحابِ محمدٍ r، لنرى صورةً مشابهةً لهذه الصورة، ونعلمَ أن الفتنةَ لا تؤمن على الحي ولو كان أتقى الناس، فـ "القلوب بين أصبعين من أصابع الله يقلبها كيف يشاء". (1) كما قال عليه الصلاة والسلام.
فعندما اشتد آذى كفارِ قريش للفئة المؤمنة في مكة، وضاقت بهم الأرض، أمر صلى الله عليه وسلم أصحابه بالهجرة إلى الحبشة، وذكر عليه الصلاة والسلام أن فيها ملكاً لا يظلم، فانتقل إليها كوكبةٌ من أصحاب رسول ا صلى الله عليه وسلم ليعبدوا الله تعالى دون أن يمسَهم أذى أو يصيبَهم مكروه، وكان من ضمن هؤلاء الذين هاجروا عبيدُ الله بنُ جحش الأسدي مع زوجِته أمِ حبيبة بنتِ أبي سفيان رضي الله عنها، فلما وصل هناك ورأى أهلَ الحبشةِ وما هم عليه من دين، وكانوا على دين النصرانية، تأثر بهم، فكان يفكّر دائماً، وبعد فترة من الزمن قرر الدخولَ في النصرانية، وبالفعل أخبر زوجتَه أمَ حبيبة أنه ترك الإسلامَ ودخلَ النصرانيةَ! نسأل الله تعالى حسن الخاتمة.
تأمل معي أخي الكريم هذه الحادثةَ العجيبةَ، رجل أسلم قديماً، فكان من أوائلِ من أسلم، وهاجر من أجل الدين، ترك أرضَه وأهلَه ومالَه من أجل الدين، وهو من القرن الأول، وممن شاهد التنزيلَ، ورأى رسولَ ا صلى الله عليه وسلم ، وما أيده به الله تعالى من معجزات، وهجرتُه كانت لضرورة ولم تكن من أجل السياحة والنزهة، أو قضاءِ الوقت للتعرف على معالم تلك البلاد! ومع ذلك؛ حدث له هذا الحادثُ العظيم، الذي خسر به الدنيا والآخرة، ذلك هو الخسران العظيم.(46/138)
فماذا نقول إذن لمن هم أقلُ من هذا بكثير؟!. ماذا نقول لمن ينتقلون إلى تلك الديارِ البائسةِ من أجل السياحة ويصطحبون معهم فلذاتِ الأكباد، ومهجَ النفوس؟! حتى بلغ عددُ الذين يسافرون لتلك الديار البائسة أكثرَ من أربعةِ ملايين سائح.
وقد أكدت الدراساتُ أن أربعةً وعشرين بالمائة من الأسر السعودية تتجه نحو السياحةِ الداخلية، بينما يتجه سبعةٌ وأربعون بالمائة إلى دول غربية، والنسبة الأخرى متجهةًَ إلى الدول العربية!.
وبلغت نسبةُ المصروفاتِ الخارجيةِ حوالي خمسةٍ وأربعين مليار ريال سعودي.(2)
فلا حول ولا قوة إلا بالله.
فإلى الذين يردّدون صباح مساء: لا إله إلا الله، وهم يعلمون أنهم يعلنون بهذا، ولاءهم الكاملَ لله ورسوله، ويسلمون له قيادَهم.
إلى المؤمنين الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم، وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا، وعلى ربهم يتوكلون.
إلى هؤلاء نسوق حكمَ اللهِ ورسولهِ r في هذا المنكر، الذي أصبح اليومَ معروفا، يقول الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً. إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً. فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوّاً غَفُوراً). [سورة النساء، الآيات: 97-99].
قال ابن ُكثير رحمه الله: "هذه الآيةُ الكريمةُ عامةٌ في كلِ من أقام بين ظهراني المشركين، وهو قادرٌ على الهجرة، وليس متمكناً من إقامةِ الدين، فهو ظالمٌ لنفسه، مرتكبٌ حراماً بالإجماع، وبنصِ هذه الآية" (3).
ويقول صلى الله عليه وسلم "من جامعَ المشركَ وسكنَ معَه فإنه مثلُه" (4). وقوله صلى الله عليه وسلم "ولا تستضيئوا بنار المشركين" (5). وفي حديث بهز بن حكيم: "أن تفر من شاهق إلى شاهق بدينك".
قال ابنُ كثير: "معناه لا تقاربوهم في المنازل، بحيث تكونوا معهم في بلادهم، بل تباعدوهم، وتهاجروا من بلادهم"، ولهذا روى أبو داود فقال: "لا تراءى ناراهما" (6). وفي قصةِ إسلامِ جرير، لما قال: يا رسول الله! بايعني واشترط، فقال: "أن تعبدَ الله ولا تشركَ به شيئاً، وتقيمَ الصلاة، وتؤتَي الزكاة، وتناصحَ المسلمين، وتفارقَ المشركين" (7)
وقد أدرك علماءُ السلفِ رضي الله عنهم من هذه النصوصِ وغيرِها، تحريمَ السفرِ لبلادِ الكفار لغير عذر شرعي، فعن عبدِالله بنِ عمرو رضي الله عنهما أنه قال: "من بنى بأرض المشركين، فصنع نيروزهم ومهرجانهم، وتشبه بهم حتى يموت وهو كذلك حشر معهم يوم القيامة" (8).
وقال الحسنُ بنُ صالح رحمه الله: "من أقام في أرض العدو وإن انتحل الإسلامَ وهو يقدر على التحويل إلى المسلمين فأحكامهُ أحكامُ المشركين" (9).
وقال الشيخُ عبدُاللطيفِ بنُ حسنِ آل الشيخ رحمه الله: "إن الإقامةَ ببلد يعلو فيها الشركُ والكفرُ، ويظهر فيها دينُ الإفرنج والروافض، ونحوهِم من المعطلة للربوبية والألوهية، وترفع فيها شعائُرهم، ويهدم الإسلامُ والتوحيدُ، ويعطل التسبيحُ والتكبيرُ والتحميدُ، وتقلع قواعدُ الملةِ والإيمان، ويحكم بينهم بحكم الإفرنج واليونان، فالإقامة بين ظهرانيهم - والحالة هذه - لا تصدر عن قلب باشره حقيقةُ الإسلامِ والإيمانِ والدينِ، وعرف ما يجب من حق الله في الإسلام على المسلمين، بل لا يصدر عن قلب رضي الله ربّاً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد نبياً، فإن الرضا بهذه الأصولِ الثلاثةِ، قطبُ رحى الدين، وعليه تدور حقائُق العلمِ واليقينِ، وذلك يتضمن من محبة الله وإيثار مرضاتِه، والغيرةِ لدينه والانحيازِ إلى أوليائه، ما يوجب البراءَة كلَ البراءِة، والتباعدَ كلَ التباعدِ، عمن تلك نحلتُه وذلك دينُه، بل نفسُ الإيمانِ المطلقِ في الكتاب والسنة، لا يجامعُ هذه المنكرات" (10).
ويقول العلامةُ ابنُ باز رحمه الله تعالى: "السفر إلى البلاد التي فيها الكفرُ والضلالُ والحريةُ وانتشارُ الفسادِ من الزنى وشرب الخمر وأنواع الكفر والضلال فيه خطر عظيم على الرجل والمرأة، وكم من صالح سافر ورجع فاسداً، وكم من مسلم رجع كافراً، فخطرُ السفرِ عظيم والواجب الحذر من السفر لبلادهم، لا في شهر العسل ولا في غيره" (11).
ويقول الشيخُ صالحُ الفوازان حفظه الله تعالى : "لا يجوز السفرُ إلى بلاد الكفار من أجل النزهة لما في ذلك من الخطر على العقيدة والأخلاق، ولا يجوز للمرأةِ أن تطيعَ زوجَها في السفر في هذه الحالة لأنه معصية، ولا طاعَة لمخلوقٍ في معصيةِ الخلق" (12).
بارك الله لي ولكم في القرءان العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.
أقول ما تسمعون، واستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنب وخطيئة، فاستغفروه، إنّه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
أيها الأخوة في الله:(46/139)
ومع هذه الأدلة ِالواضحةِ، والبراهينِ الساطعةِ، وأقوالِ السلفِ والخلفِ النيرةِ، نرى بعضَ الأسرِ ينتظرون بفارغ الصبر لتبدأ رحلات سياحية شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً بدعوى الترفيه.
وإنني إذ أدعو كلَ أبٍ إلى الترفيه المباح الحلال له ولأولاده، أقول: يجب أن يكون هذا الترفيهُ متفقاً مع قيمنا، متكاملاً مع عقيدتنا، يبني ولا يهدم، يقدم ولا يؤخر، فيزداد الأولادُ بالتأمل في خلق الله من جبال وأنهار، وسهول وبحار، وزهور وأشجار إيماناً وتسليماً، كما يزدادون معرفةًَ ببلاد الله الواسعةِ وعبادهِ المنتشرين فوقَ أرض الله.
ولكن أن تصبح السياحةُ في بلاد تخلع فيها الكرامة وينسلخ بها الحياء، ثم نبذل فيها الأموال الطائلة، فقل لي بربك:
ماذا ستجني الأمةُ من جراء ذلك؟!.
وكم من المكاسب سيتحصل عليها الأعداءُ من ذهابنا إلى ديارهم؟! من ضعف في الديانة، وتدهور في الأخلاق والكرامة وذلك.
والله، إنّ هذا لهو الخسران العظيم.
وإننا لا نعجبُ والله من القنواتِ الفضائية، والإذاعةِ الغربية في التسويق للسياحية الخارجية، لأنهم نصبوا أنفسَهم لحرب الدين والقضاء على أهله، ولكنّ العجبَ كلَ العجبِ من صحفنا ومجلاتنا وأماكن الدعايات في شوارعنا، التي أصبحت مرتعا لما نُحَّذر منه، فحين نُقلبَّها لا نجدها ممتلئة بشروح مفصلة لما يتعرض له المسلمون في شرق الأرض وغربها من حروب فتاكة، ودماء مهدرة، وأراض منهوبة، وحقوق مضيعة، كلا، كلا، فهذه قضايا جانبية، وأحداث هامشية.
وقد بلغ بهم التضليلُ لأبناء هذا الوطن المعطاء أن تُفَرغ أعمدةٌ كاملةٌ للإعلانات، عن ماذا يا ترى؟!:
هل لحملة تبرعات للإخواننا المتضررين في مشارق الأرض ومغاربها؟!.
كلا، بل أقل من ذلك!.
هل هي إعلاناتٌ من أجل السياحيةِ الداخليةِ في هذا البلد الذي تتوفر فيه مقومات السياحة؟!.
أيضاً: كلا، إنها الإعلاناتُ السياحة، والتخفيضاتُ الخيالية عن أسعار التذاكر، والإقامة في بلدان تغلب عليها الرذيلةُ!.
إنها دعوة لأهل هذه البلاد رجالاً ونساءاً، صغاراً وكباراً إلى السفر للخارج، وبذل الأموالِ الطائلةِ لإضاعةِ قيمِ الإنسان ومبادئهِ، وأخلاقهِ وعفافهِ، وطهرهِ ونقائه!.
ويا ترى ماذا يفعل بعضُ شبابِنا هناك، هناك في ديار العهر والفساد، هناك في بلاد الكفر والإلحاد:
في أرض أوروبا قتلت كرامتي …وأضعت في حاناتها ثرواتي
وعلى مسارحها نثرت دراهمي … وأجدت فيها أحسنَ الرقصات
باريس تعرفني ولندنُ لم تزل …ترنو إلى جيبي وحسنِ هباتي
وعيون مانيلا تراقب مقدمي …ولكم غرستُ بأرضها شهواتي
كم حانة ذوبت فيها همتي …وعقدتُ فيها خيرَ مؤتمراتي
وشربت فيها الكأس حتى خِلتني …أدمي فؤادَ الكأسِ بالرشفات
أيها الأخوة في الله:
إذا كنا نشكو من وفرةِ المالِ فإن هناك إخوانا لنا من المسلمين يتضورون جوعا وتهلكهم المصائبُ ولا يجدون من يغيثهم ؟!!
وإذا كنا نشكو من الفراغ فلنتذكر حديثَ نبينِا محمدٍ r حين قال: "لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ، وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَ فَعَلَ، وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ، وَفِيمَ أَنْفَقَهُ، وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَ أَبْلَاهُ" (13).
وإذا كنا عازمين على السفر للخارج، فلماذا لا يتم التنسيقُ مع المؤسسات الخيرية، والجمعيات الإسلاميةِ لتكون الرحلاتُ دعويةً، بدلاً من أن تكون سياحيةً، فتطعم المساكين، وتفرج كربةَ المكروبين، وتعلم الجاهلين، وتتحسّس أخبار المضطهدين، وتعلم ماذا يفعل النصارى الحاقدون بإخوانك المسلمين.
وإذا كنا نشكو من قلةِ الفرصِ المتاحةِ لنا ولأبنائنا، فإن سبلَ الخير متوفرةٌ وموجودةٌ، ولا عذرَ لأحد في تجاهلها من سياحة داخلية في بلادنا العامرة، وعمرةٍ لبيت الله الحرام، وزيارةٍ للأقارب والأرحام، ومراكزَ صيفيةٍ بناءة، وحَِلق تحفيظِ القرآن للرجال والنساء، وغيرِها من فرص الخير.
ولنعلم جميعاً أننا أمةٌ إن تعاونت على البر والتقوى، فلن يكون بها مكان لسماسرة الترفيهِ المشبوه ولا لألبسة التحرر الموبوءة.
وسنجني بإذن الله تعالى أطيبَ الثمارِ عندما نحافظ على فلذاتِ أكبادِنا، ونحرص على تربيتهم التربيةَ الجادة.
وهذا وصلوا وسلموا - رحمكم الله - على النبي العظيم، والمرشد الكريم: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً). [سورة الأحزاب، الآية: 56].
المراجع
ــــــــــــــــــــ
(1) رواه الترمذي (2140) من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه.
(2) انظر: جريدة المحايد عدد (5) 7/3/1422ه ص 9.
(3) تفسير ابن كثير ص 353 ط دار السلام.
(4) رواه أبو داود (2405) من حديث سمرة بن جندب رضي الله عنه.
(5) رواه النسائي ورقمه (5209) من حديث أنس رضي الله عنه.
(6) رواه أبو داود ورقمه (2645) والترمذي ورقمه (1604) وقال الألباني في الإرواء (1207) (5/29): سنده صحيح.
(7) رواه النسائي ورقمه (4177).
(8) قال شيخ الإسلام في الاقتضاء ص 200 إسناده جيد.(46/140)
(9) أحكام القرآن للجصاص (3/216).
(10) انظر: فتاوى الأئمة النجدية (2/447-448).
(11) انظر: فتاوى علماء البلد الحرام.
(12) انظر: فتاوى المنتقى لفضيلة الشيخ صالح الفوزان.
(13) رواه الترمذي ورقمه (2417) وقال: هذا حديث حسن صحيح.
==============(46/141)
(46/142)
الثوابت والمتغيرات
الْحَمْدُ للهِ رَبِّ العالَمِين وَصَلَّى الله وسَلَّم عَلَى نَبِينَا مُحَمَّد وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِين ، وَمَنْ سَارَ عَلَى نَهْجِهِ وَاهْتَدَى بِهُدَاه وَاقْتَفَى أَثَرَهُ إِلَى يَومِ الدِّين .
أَمَّا بَعْدُ :
فحديثنا حول قضية مهمة جدًّا ، وهي قضية " الثَّوابِت والْمتغيرات" وهي قضية يَتَكرر طرحها خاصةً هذه الأيام ؛ لأنَّ المتغيرات الواقعة بأحوال النَّاس كثيرة وسريعة ، ومِن الأشياء التي ما كان يُظَنُّ أَنْ تكون قبل فترةٍ وجيزة أصبحت شيئًا موجودًا ومُمَارَسًا في حياة النَّاس .
ولِهَذَا لَمَّا عَظُمَ الانفتاح وكَثُرَت المتغيرات ، وصارت قوية وسريعة ، اضطرب كثير مِن النَّاس في التَّعامُلِ مَعَها ؛ ، لأنَّه لا يوجد لهم مراجِع علمية متخصصة تشمل الأمة الإسلامية وتتكلم بهذه القضايا وتُبْدِي رَأْيَها وتُبْدِي منهجها في معالجتها . . ونحو ذلك ، فكَثُرَ الاضطراب ، وفُتِحَ البَاب لكثيرٍ مِمَّن يخوضون في هذا المجال، وأَعْنِي بِهِ :المجال الأعظم والأكبر وهو : " كَيْفَيَّة تَعَامُل الْإِسلام - عَقِيدَةً وَشَرِيعةً - مَع هَذِهِ المتغيرات " ؟!.
فَكَثِيرٌ مِمَّن خاض في هذا البَّاب خَاضَ مَعَ خَلفياته العقائِديَّة والفِكريَّة وغيرها، وصار كلٌّ يَنظر إلى هذه الأحوال مِن خلال ما عِنْدَه ، والحق أَنَّ دَينَ الإسلام الذي ارتَضَاهُ الله عز وجل ، هذا الدَّين العَظيم لَا يُمْكِن أَنْ يكون لِعْبَة بِيَد هَؤلَاء وأولئك ، ويَخُوض فِيهَا كُلّ مَن يَدري ومَن لَا يَدري ، حتى رأينا مَن يتكلم في هذه القضايا مِن الأصاغر : في علمهم ، وفي تمسكهم بدينهم ، والأصاغر حتى في أسنانهم !.
لِتَوِّهِ خَرَجَ عَلَى وَسِيلَة إعلامية فإذا بِهِ يَتَكَلَّم في قضايا الكِبار ، وخاصة فيما يتعلق بِدِينِ الله عز وجل في ظِلِّ هذه الظروف والمتغيرات الكبيرة التي تعيشها هذه الأمة .
هُنَاكَ قضية تُطْرَح الآن، تقول : أَنَّ هُنَاك ثوابت نَحنُ نَتمسك بها ، وهناك متغيرات يَجِبُ أَنْ تَتَغَيَّر، والخطير في الأمر هو أن هناك سَعْيًا حَثِيثًا جدًّا إلى تقليص الثَّوابت وجعلها مُجَردَات عقلية فقط ، وتوسيع دوائر المتغيرات حتى تَحوَّل الأمر- وللأسف الشديد - إلى أشياء متنوعة أصوليَّة وعقدِيَّة ومنهجيَّة وتشريعيَّة .
خطورة الكلام عن قضية "الثوابت والمتغيرات"
نَحنُ في هذه الكلِمَات نتحدثُ عَن مفاتيح في هذه القضية؛ لأن القضية ليست سهلة وليست صغيرة ..
وأُحِبُّ أَنْ أتكلم عن قضية مهمة جداً في أمرين:
الأول: دين الله عز وجل الذي به خُتِمَت الرِّسَالة ..
هل هو دين صالح لكل زمان ومكان أم لا ؟!
وإذا قلنا: بِأَنَّه صَالِحٌ لِكُلِّ زَمَانٍ وَمكانٍ - كما هو المتبادر إلى ذهن كل من ينتسب إلى الدِّين - فما معنى أَنْ نقول: دين الله صالح لكل زمان ومكان ؟!
ما هُوَ دِينُ الله؟!
لَا بُدَّ - بداهة- أَنْ يَنْصَب المصطلح على الدِّين الَّذِي جاء بِهِ مُحَمَّد r بِكُليَتِهِ .
فَإِذَا قَالَ قَائِل: هَل دِينُ الإسلام صالح لكل زمان ومكان؟
جاء الجواب: نَعَمْ ؛ هو صالح لكلِّ زمانٍ ومكانٍ .. لَكِنْ مَا هُوَ هَذَا الدِّين؟!
هَل هَذا الدِّين: ذَلِكَ الدِّين الْمُغَيَّر، أَوْ الْمُبَدَّل، أَوْ الْمُحَرَّف، أَوْ الْمُؤَوَّل، أَوْ الذي تَتَبَنَّاهُ فِرقٌ وطوائف مُنْحَرِفَة عَن الإسلام ؟!
أم المقصود به: الدَّين الَّذِي أَرْسَلَ الله بِهِ نَبِيَّنَا مُحَمَّد r ؟!..
وعَلَى هَذَا: فَأِنَّ دِينَ الله عز وجل الَّذي هو الإسلام ، والذي بِهِ نُسِخَت الرِّسالات والكُتب السابِقة وصار حُكَم الله قاطعًا: أَنَّ مَن لَمْ يُؤْمِن بِمُحَمَّدٍ r ويَتَبِعه عَلَى شَرِيعَتِه فَلَيسَ بِمُسْلِمٍ كَائِنًا مَا كَانَ عَمَله، أَوْ إِخَلَاصَه، أَو دِيَانَتَهُ أَوْ غَيْرَ ذَلكَ .
هذا الدِّين الذي جاء به الرَّسو صلى الله عليه وسلم هُوَ نَفْسَهُ صَالِحٌ لِكُلِّ زَمَانٍ ومَكَانٍ ، صَالِحٌ لِزَمَنِ الصَّحَابَةِ ، وأيضًا صَالِحٌ لِزَمَانِنَا هَذَا .
مَا مَعْنَى أَنْ نَقُول أَنَّه صَالِحٌ لِزَمَانِنَا ؟!
إِذَنْ: فَلْنَأتِي إِلَي الدِّين بِأَصْلِهِ ونُطَبِّق هَذِهِ القَنَاعَة التِي نَقُولها نَظَريًّا ، ونَقُول: الدِّين صَالِحٌ لِكُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ ، فَنُطَبِّق هَذَا الدِّين تَحْتَ أَيَّ مُتَغَيِّر مِن الْمُتَغَيراتِ هَذِهِ .
الأمر الثَّانِي - الْمُتَعَلِّق بِتَأصِيل هَذِهِ القَضِيَّة ومِنْهَا نَنْطَلِق - هو : أَنَّ الإسلام لَمَّا نَنْظُر إِلَى ثَوابِته، فثوابت الإسلام ذَاتَ أصول ، عِنْدَنَا ثوابت أصول العقيدة ، وعندنا ثوابت الشَّريعة ، وعندنا ثوابت الْمَصْدَر .
أولًا: ثَوابِتُ الْمَصْدَرُ
إِنَّ دِينَ الله عز وجل مصدره الأساس "كتاب الله " عز وجل، وسُنَّة النَّبِي r ، ويُلْحَق بِهِمَا مَا أَجْمَعَت عَلَيهِ الأمة .(46/143)
مَا مَعْنَى أَنَّ القُرْآنَ هُوَ الْمَصْدر؟ أَوْ أَنَّ سُنَّة النَّبِي هِيَ الْمَصْدَر؟ وأَنَّها ثَابِتَةٌ لَا تَتَغَيَّر؟!
مَعْنَاهَا: أَنَّ أَيَّ مُتَغَيرات تَحدُث فَلَا بُدَّ أَنْ يكون مَرْجِعُهَا إِلَى كِتَابِ الله وإِلَى سُنَّة رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم
إذًا: هو من الثَّوابت ..
ولَمَّا نَقُول الكتاب والسنة وما يترتب عليهما مِن الإِجماع هو من الثوابت ، فَهَذِهِ قضية كبيرة جدًّا تَتَعَلَّق بِأَي منهجية لمعالجة وَضْعٍ مِن الْأَوْضَاع ، ومِنْ هُنَا فَإِنَّه مَهْمَا كان ، ومَهْمَا وَقَع مِن مُتَغَيرات فِي كلام النَّاس أو اجتِهَادَاتهم أو غير ذلك، فسيبقَى فِي كُلِّ لَحْظَة، فِي كُلِّ زَمَنٍ كِتَاب الله وسُنَّة رَسُولِه مَعْلَمَانِ مُنِيرَانِ مُضِيئَانِ بَارِزَانِ يَرْجَعُ إِلَيْهِمَا النَّاس ، وعلى هذا فلا يُمْكِن لِأحَدٍ أَنْ يَلْغِي - مهما كان - هَذينِ الْأَصْلَين الثَّابِتَين .
بِمَعْنَى: أَنَّهُ قَد يَأتِي فِي زَمَن ٍ مَا وَيُقَالُ : والله تلك الواقعة الفُلانيَّة، والمتغير الفُلانِي، أَفْتَى العَالِم الفُلَانِي وقال فيه: كَذَا ..، وكذا !!..
لا يُمْكِن أَنْ تَكُون فَتْوَى العَالِم الفُلانِي، أَوْ اجتِهَاده بَدِيلًا عَن الْكِتَابِ والسُّنة.
فلو قيل الطائفة الفُلانيَّة صار مِن عقيدتها كذا..، وكذا.. في باب - مثلًا - الإيمان بالصحابة، أو الإيمان بالقدر، أو الإيمان بالملائِكَة ، ونَشَرَتْ ذَلكَ وانْتَشَر بين النَّاس، لا يُمْكِن أَنْ تَتَحَوَّل عَقِيدَتُهَا - هذه- إِلَى أَنْ تَكُون أصلاً .. لَا يُمْكِن !!
الْأَصْلُ - رَأسًا - يَرْجَعُ إِلَى الكِتَابِ والسُّنة ، لِذَلك كَانَ الأصل الكِتَاب والسُّنة وَمِن وَرَائِهما الإجْمَاع الذي يَنْبَنِي عَلَى دَلِيلٍ .. هَذِهِ ثَابِتة لَا يُمْكِن أَنْ تَتَغَيَّر مَع تَغَيُّر الزَّمان والمكان ، ولِذَلِك فَإِنَّ هذا من حِفظ هذا الدين ..
لا يُمْكِن لِأَحَدٍ أَنْ يقول: هَذَا القُرْآن لَا يَصْلُح الْآن؛ لَأَنَّ فِيهِ شِدة فِي العِلاقة مع الكُفَّار !!
?حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ?[التوبة : 29] .
? وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ? [المائدة : 51] .
?لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ ? [المائدة : 73] .
?لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ ? [النساء : 11] .
إِنَّ هَذِهِ أَحكَام شَرعيَّة لَا يُمْكِن لِأَحدٍ أَنْ يَلْغِي شَيء مِن هَذَا وَمِثْله سُنَّة النَّبِي صلى الله عليه وسلم
وفَائِدَةُ مَعْرِفَة هَذَا أَنَّه فِي ظِلِّ أَيِّ مُتْغَيرات إِذَا اخْتَلَفَت الآراء وَجَب الرُّجوع إِلَى الكِتَابِ والسُّنة .
ثانيًا: الأُصُولُ العَقَدِيَّة
الأصول العقدية لا تَتَغَيَّر بِتَغَيُّر الزَّمان والمكان ، هذه الأصول لها ثوابتها العظيمة في حياة الأمة .
نذكرها باختصار:
الأصلُ الْأَوَلُ: توحيد الله عز وجل - في ربوبيته، وألوهيته، وأسمائه، وصفاته- وهو ثابت، بِهِ تُقَاس أحوال النَّاس، وعقائد النَّاس، كيف كان سيتغير !!
أَيْ: أَنَّه لَا يُمْكِن أَن يَأتِي حَالَة نقول - مثلًا- : يا أيُّها النَّاس العالَم اختلف وتَفَرَّق والصِّراع العالَمِي .. ، فلو أنَّنا جمعنا الأمة الإسلامية على توحيد الرُّبوبيَّة ، أَمَّا تَوْحِيدُ الألوهية هو اختلاف في مسائل الشِّرك وغيرها فَنَرَى أَنَّ هذه نَتْرُكها الآن؛ لأنَّها مِن المتغيرات؟!
والْجَوابُ: أَنَّ هَذَا مَمْنُوع - تَمَامَ الْمَنْع - لَا يُمْكِن .
وعلى هذا فأي مُتَغير يَنْقُض هذا الثَّابت فالثَّابت حَكَمٌ عَلَيهِ ..
يَعْنِي: لا تَأْتِينا طائفة وتقول والله عبادة القبور والبناء عليها أولًا، ثم ذرائع الشِّرك، ثم دعائها من دون الله عز وجل ، هذه من المتغيرات وما دامت من المتغيرات فالأوْلَى بِنَا أَنْ نَتَغَيَّر مع تَغَيُّر الأحوال !!
فنقول: لَا ؛ هذا ثابت ، لا يمكن أن يَتَغَيَّر، فتوحيد الله عز وجل في ألوهيَّتِهِ، وكونه هو المعبود وحده لا شريك له هذه قضيه ثابتة لا يمكن أن تَتَغَيَّر، وفي مقتضى كلمة التوحيد " لا إله إلا الله " وكذلك أيضا توحيد الله في أسمائه وصفاته أنَّه "مالك الملك" وأنَّه المدبر، وأَنَّه الْحَكِيم العَزِيزُ العَلِيم الْخَبِير الْمُقَدِّر للأشياء، هَذَا ثَابِتٌ لَا يُمْكِن أَنَّ يِتَغَيَّر .
يَعْنَي: لا يمكن أَنْ تَأْتِينَا مُتَغيرات فِكْرِيَّة، ومُتَغَيرات فَلْسَفِيَّة تَأْتِي لِتَقُول : - والله- يَا أَيُّها النَّاس قضية الأسماء والصفات هذه المفترض أَنَّ نَجْعَلَهَا مِن الْمُتْغَيرات فَنَقْبَلُ الْخِلَاف فِيْهَا، هُنَاك فَرْق في تَعَامُلك مَن قد يُخطئ أَو يَضِل في باب الأسماء والصفات وبَيْنَ أَنْ تَجْعَلها متغيرًا قابلًا للاختلاف والافتراق فنقول هذا الباب ثابت لا يتغير .
شِهَادَةُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهُ(46/144)
شهادة أَنَّ مُحَمَّدًا رسُول الله وما تقتضيها هذه الشَّهادة أمر ثابت، فلو جاءت متغيرات لتقول: لا؛ هذه الشَّهادة تَكُونُ لِبَعْضِ المسلمين، أو للمسلين لكن يكون هناك أناس مُؤْمِنُونَ مُوَحِّدُونَ عَابِدُونَ لله، يَخْشَعُونَ وَيَبْكُونَ ، ... الخ .
لكنَّهم لا يشهدون أَنَّ مُحَمَدًا رَسُولُ الله ، فالمفترض أَنْ يَكُون هُنَاكَ مُتَغَيرات تَقْبَل بهذا!! نَقُولُ: كَلَّا؛ شِهَادَةُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ الله ثَابتٌ لَا يُمْكِن أَنْ يَتَغَيَّر أبدًا ..
وعَلَى هَذَا فَأَيُّ حِوَار بين الأديان يَصِلُ إِلَى مُسْتَوَى الْإِقْرَار بِأَنَّ مَنْ لَمْ يُؤْمِن بِمُحَمَّد r أَنَّه قَد يَكُونُ مُؤْمِنًا ؟!!
هَذَا نَقْضٌ لِأَصْلٍِ ثَابِتٍ ، هَذَا لَا يُمْكِن أَنْ يَدْخُلَ مِن ضِمْن المتغيرات .
يَعْنِي: لَا يُمْكِن أَنْ نَقُولَ: -والله - الآن ضغط عَالَمِي، وأَنَّ الْحَربَ عالمية في قضايا الإلحاد والماديات وغيرها ، فينبغي أن يلتقي أهل الأديان عَلَى أَيِّ شَيء، أَنْ يَعترف بعضهم ببعض !!
فنقول: كَلَّا حُكَمَ الله عز وجل - حُكْمًا قَاطِعًا- أَنَّه مَن كَفَر بِمُحَمَّد r فَقَد كَفَر بِبَقِيَّة الرُّسُل ، وَعَلى هَذَا اليوم نَنْظُر إِلَى اليَّهُود والنَّصَارَى، فَنَقُولُ: أَيُّ وَاحِد مِن اليَّهُود والنَّصَارَى كَفَرَ بِمُحَمَّدٍ فَكَأَنَّهُ كَفَرَ بِمُوسَى" عليه السلام، أَوْ بِعِيسَى عليه السلام ، كما أَنَّ وَاحِداً مِن المسلمين لَوْ آمَنَ بِجَمِيع الرُّسل وَكَفَرَ بِعِيسَى لَعُدَّ عِنْدَنَا كَافِرًا، وَلَوْ كَفَرَ بِمُوسَى لَعُدَّ عِنْدَنَا كَافِرًا؛ لَأَنَّه لَا يَجُوزُ التَفْرِيقُ بَيْنَ الرُّسل كما هو مَقْطُوع بِهِ فِي كِتَابِ الله عز وجل، هَذَا أَصْلٌ ثَابِتٌ .
هُنَاكَ قَولٌ مَطْرُوحٌ الآن، يَقُولُ: يَجِبُ أَنْ يَكُونَ فِي الْحِوارِ مَع الْآخَرِ قُبُول أَهْلِ البِّدع ، وأيضًا: قُبُول كُلُّ مَن يَنْتِسِبُ إِلَى دِين: مِن أَهْلِ الكِتَابِ، وَمِن غَيْرِهِم !!
هَذِهِ المتغيرات كيف نَزِنُهَا ؟!
لَا نَزِنُهَا مِن خِلَالِ كَلَامِ صَحَفِيٍّ: " أَخْذٌ وَرَدٌ ، وأنَّ أَهلَ الكتابِ عِنْدَهُم أَعمال صالحة ، وبعضهم يُحِبُ السَّلَام ...، هذا كله كلام ليس له قيمة !!
لِمَاذَا ؟!
لَأَنَّ هَذَا الْكَلَام لَا بُدَّ أَنْ يَرْجِع فِي الْأَسَاسِ إِلَى قَضِيةِ أَصْلٍ بِالنسبَةِ لَنَا ، وهَذَا الْأَصْلُ هُوَ: هَلْ رِسَالَةُ: مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم خَاتِمَةُ الرِّسَالَاتِ ناسخةً لها أَمْ لَا ؟!
وَهَلْ مَن لَمْ يُؤْمِن بِه لَيْسَ بِمُؤْمِن ؟! هَكَذَا يُحْسَمُ الْأَمر .
ونَأْتِي لِبَقِيَّة أَرْكَانِ الْإيمان، أَنْ تُؤْمِنَ بِالله وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِه - يَدْخُلُ بِهَا مُحَمَّد r -، واليوم الآخر، وبالقَدَرِ خَيْرِهِ وشَرهِ.
هَذِهِ كُلُّهَا أُصُولٌ ثَابِتَة لَا تَقْبَلُ التَّغَيُّرَ مَهْمَا تغيَّرَ الزَّمَانُ والمكَانُ ، يَعْنِي لو جَاءَنَا مثَلًا تَقَدُّمٌ عِلْمِيٌّ وَقَالوا والله يمكِنُ لِعِلْمِ الطبِّ وَغَيره أَنْ يُخَلِّدَ الإنْسَانَ وَهَذِهِ عنْدَنَا محسُومَةٌ؛ لِأَنَّ عنْدَنَا إيمانٌ باليوم الآخر، وَعَلَى هذا فَالأصُولُ من الثَّوابت التي لا يمكن أنْ تَقْبَلَ تغيرًا لَا لِمَنْهَج مَادِيٍّ وَلَا غيره، المَنَاهج الماديَّة التي لا تَعْتَرِفُ إلا بالحيَاة الدنْيَا، ولَا تنْظُرُ إلى الأمر إلا من خِلَال الحياة الدُنْيَا، نَحْنُ بالنِّسبة لنَا -نحنُ المسلمين- عِنْدَنا هذه الدنْيَا مزْرَعة للآخِرَةِ، وَأَيُّ مُتَغَيِّرَات مَهْمَا عَظُمَتْ لَا يُمْكِنُ أنْ تُغَيِّرَ هذا الأصْلَ عنْدَنَا.
مَاذَا يصْنَعُ التَيَّارُ العَلْمَانِيُّ اليَومَ؟! يُرِيدُ أنْ يُغَيِّرَ في سَيْكُُولُوجِيَّة النَّفس المسلمة بحيث تصْبِحُ طبيعته لَا تَتَعَامَلُ معَ دِينِهِ وإنَّمَا تَتَعَامَلُ مَعَ المَادِيَّاتِ الغَرْبِيَّةِ فيتَحَوَّلُ إلى إنْسَان ماديٍّ لا يرِيدُ إلا الحَيَاةَ الدنْيَا ، ولهذَا تجدُهُ يَطْرَحُ لَدَينَا مَثَلًا -وللأَسَفِ الشَّديد- كَيفَ نَتَعَايَش مع العالم؟!! كيفَ نَعيشُ نحن وَإيَّاهمْ؟!! كيفَ نَصْنَعُ نحنُ وَإيَّاهُمْ حَضَارَةً؟!! كَيفَ نَلْتَقي نحن وإياهم؟!! كيف نَتَقَدَّم بهذا الإنسان الذي شرَّفَهُ الله وَكَرَّمَهُ: ?وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ ?[الإسراء : 70]، كَيفَ يَأكُلُ ويشربُ هذا الإنْسَانُ ويتَّصلُ بالله ويتعاملُ معَ المحمول ؟!! كيفَ نُسْعِدُهُ ؟!!(46/145)
وَهَذَا مطْرُوح سواء باصْطِدَام الحَضَارَات ، أَو في حِوَارِ الحَضَارَاتِ، فكِلَا النَّظريتين تَنْظُرُ إلى القضيَّة من خِلَال كيف يَتَعَايَشُ هذا العَالم، كيفَ هذا العالم الذي تحول إلى قرية واحدة يصْبِحُ فِعْلًا قرية واحدة آمنةً ، ومع أنَّ الذين يطْرَحونَ هذا من رُبَّانِ العَوْلَمَةِ الغَرْبِيَّةِ وغَيرهَا ، إلا أنَّ هذا للأسف الشَّدِيدِ يُطْرَحُ لدَى كثير من المفكِّرِينَ أو الكُتَّابِ عَلَى مخْتَلَفِ انْتِمَاءَاتِهِمْ الفكرِيَّةِ في بِلَاد المسلمين، كَيفَ نَعِيشُ؟! كَيفَ نَبْنِي نَحْنُ وَإِيَّاهُمْ حَضَارَةً؟! كَذلك في المنهج الإسلاميِّ مَهْمَا كَانَتِ المتغَيِّرَاتُ لَا يُمْكِنُ أنْ تغير الأصل عندنا -نحن المسلمين-، وَهُوَ قَبْلَ أنْ نَبْحَثَ كيفَ نَعِيش، وَنَأْكُلُ، عِنْدَنَا قضيَّة أهَمُّ: كَيفَ نَعْبُدُ الله عز وجل، كيف نَعْمَلُ لليوم الآخر؟ .
هذه متغيراتٌ ليستْ على مُسْتَوَى جزئيات، وَمَسَائِلَ، بل عَلَى مسْتَوَى قضيَّة عامَّةٍ تُطْرَحُ بِهَذَا الشَّكْلِ ، وَلِهَذَا إذَا كَانَتْ حَضَارة غربية فَيِهَا كُل هذا التقدم تأتي إلينا لتكون بديلًا عن دينِنَا، عن عَقِيدَتِنَا، عنْ عمرَان حياتِنَا، في الزَّادِ للآخرةِ، والله لا نُرِيدُهَا إذَا كانتْ بديلًا عنْ تلك، مع أنَّه في المنهج الإسلاميِّ نَزِنُ بين هذا وهذا ..
لكنْ نحن نتكلَّم عن قضية تُطْرَحُ: أنَّ المتغيرات المعاصرة تقْتَضِي كيفَ يَتَعَايَشُ أهل هذا الكون؟!..
نحنُ نقول: في المنهج الإسلاميِّ، وَمَعَ الإيمانِ بالأركانِ : كَيفَ نَعْبُدُ الله عز وجل وَنَدْعُوا إليه غيرَنَا؛ لِيَنْجُوَ منْ عَذَابِ الله يَومَ القِيَامة ..
وحتى في قضية الإيمانُ بالقَدَرِ كأَصْلِ لا يُمْكِنُ أنْ يتغيَّرَ بِتَغَيُّرِ الزَّمَانِ وَالمَكَانِ، قد يقول قائل: إِنَّ المَسْأَلَةَ وَاضِحَةٌ بموضوع الإيمان بالقَدَرِ ..
فنقول: لا؛ ليست واضحة، هناك أناس مع تغير الأحوال في هذه الأيام ظَنُّوا أنَّ القَدَرَ بِيَدِ أمْرِيكَا، وَيَتَعَامَلُونَ معها على هذا الإيمان والتَّصْديقِ، نحن نقول لا هذا المتَغَيِّرُ لَا يَتَغَيَّرُ عنْدَنَا، أَيُّ شَخْصٍ مُسْلِمٍ عِنْدَهُ فَهُمٌ بَسِيطٌ لِعَقِيدَتِهِ بِصَفَاءٍ لَا يَمْشِي عَلَيهِ هَذَا المُتَغَيِّرُ، وَيُوقِنُ بِأَنَّ الله عز وجل هو مَالِكُ الملْكِ وهو مُقَدِّرُ الأقْدَارِ، وَيُؤْمِنُ بِمَرَاتِبِ القَدَرِ الأرْبَعَةِ، بَعْلَمُ الله وَكِتَابَتِهِ لمَا هوَ كائن، وَمَشِيئَتُهُ النَّافِذَة، وَأَنَّ الله عز وجل خَالِقُ كُلِّ شَيء فَلَا يَجْرِي فِي هَذَا الكَوْنِ إلاَّ تَحْتَ مَشِيئَتِهِ سبحانه وتعالى، لَاحَظْتَ قَضَايَا المُتَغَيِّرَاتِ، وَإِشْكَالِيَّاتِهَا.
الثَّوابت وَالمتغيرات والشريعة الإسلامية :
بعض الناس يَظُنُّ أنَّ العقيدةَ ثابتة، والشَّريعة متغيِّرَة !!
وَيَقولون : الثَّوابت هي العقيدة، وكذا، وكذا...؛ لَكِنَّ الشَّرِيعَةَ مُتَغَيِّرَةٌ، والعَقِيدَة ثابتة، وَهَذَا خَطَأٌ؛ فالعَقِيدَة ثَابتة، وَالشَّريعة ثابتة .
مِنْ أَينَ جَاءَتْ شبْهَة من قَالَ أنَّ الشريعة مُتَغَيِّرَةٌ؟!
خِلَافَ العُلَمَاء مَاذَا يَقول هو؟ يقول أَنَّ العقيدة لا تتغير أي: أنَّ الإيمان بالله والملائكة لا تَتَغَيَّرُ لكنَّ الأحكام الشرعية تَتَغَير مع تغير الزمَان والمكَان؛ لِذَلكِ َيَخْتَلِفُ فيها العُلَمَاءُ، نَقول هذه المسْألة يجب الوقوفُ عندهَا؛ لأنَّ في ظَاهِرِهَا قد تَكُون صحيحة، إنمَّاَ الأحكام الشرعية لم يَزَلْ العلماءُ يَخْتَلِفُونَ في هذه المسائل، ومنْ ثمَّ يكون اختلافُهُمْ دَلِيلٌ عَلَى أنَّ تغير الفَتْوَى كَمَا يقولونَ بتغير الزمَان والمكَانِ، لكنَّ الصحيح ماذا؟ الشريعة الإسلامية ثابتة، لِمَ؟ ?ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا? [الجاثية : 18].
فَهَذِه آية تدُلُّ على وجوب اتِّبَاعِ الشريعة الاسلاميَّةِ، وَهي ثابتة لثبوتِ دَلَائِلِهَا: الكِتَاب والسنَّة، وَهُمَا ثَابِتَان لَا يَتَغَيَّرَان وَلِهَذَا فَإنَّ أي تَغَيُّرٍ لَابُدَّ أَنْ يَدُورَ حَولَ مِحْوَرِ الكتاب والسُّنَّة أي: يَصِحُّ أنَّ الشريعة غير ثَابتة لو كانَ في نَسْخ، وَطَبعًا لَا يُوجَدُ نَسْخٌ بَعْدَ خَتْمِ الرِّسَالَة وَكَمَالِهَا بِمُحَمَّد r فكَانتْ غَير ثَابِتَة، إذَا قُلْنَا قَبْلَ خمسمائة سَنَة كَانَ يَصْلُحُ للنَّاس الحكْمُ الشَّرْعِيُّ الفُلُانِيُّ الآن لَا يَصْلُحُ قَدْ يَحْتَاجُونَ للحُكْمِ الشَّرْعِيِّ المُضَادِّ له تَمَامًا، نَقُولُ هَذَا لَا يُوجَدُ في الشَّرِيعة الإسلاميَّة،كَيفَ؟!! انْظُرْ إلَى كَلَامِ العُلَمَاءِ مُنْذُ الصَّحَابة وإلَى اليَوم تَجِدُ أنَّ فتَاويهم لَا تَدُورُ حولَ حلْقَةٍ مُفَرَّغَهٍ بَلْ تَدُورُ حَولَ مِحْوَر وَاحِد،(46/146)
مَا هو؟ نقول دَائمًا الرجُوعُ إلى دَلَائِلِ الكِتَابِ وَالسُّنّةِ إذًا الشَّرِيعَةُ ثابتةٌ، وَعَليه فإنَّ أيَّ قَولٍ أو أَيَّ فَتْوَى تُخَالِفُ الشَّرِيعَةَ الإسْلَامِيَّةَ أَيْ يخالِفُ نَصَّ الكتَاب والسُّنَّةِ فَهْيَ مَرْفُوضَة ولا تقبل التغير مَهْمَا تَغَيَّرَ الزَّمَان، وَالمكَانُ ، فإنْ قَالَ قائل ولكنَّ العلمَاء يَجْتَهِدُونَ نقول نعم!! يَجْتَهِدُونَ، وَلَكِنْ ضِمْنَ دَلَائل الكتَاب، وَالسُّنَّةِ، وَهَذِهِ يَنْبَغِي أَنْ يُدْرِكَهَا طَلَبَةُ العلْمِ لأنَّ بعْضَ النَّاس يُخْطِئُ فيها؛ وَيَظُنُّ أنَّ القول بأنَّ الشريعة الإسلاميَّة يخْتَلِفُ بها الفَتْوَى إذًا الشريعة قابلة للتغير، نَقُولُ لَا غير قابلة للتغير، وَلِهَذَا لو جَاءَ أَحَدٌ ليقُولَ لَنَا نحن في عَصْرٍ تَدَاخَلَ فيه الاقْتِصَادُ العَالَمِيُّ، وغيره فَيَنْبَغِي أَلَّا يكون الرِّبَا حَرَامًا، يُقْبَلُ هذا أمْ لَا يُقْبَلُ؟
لَا يُقْبَلُ!! لِمَاذَا؟! أَي أَنَّهُ تَتَغَيَّرُ الشَّرِيعَةُ معَ تغير الزَّمَان أَو تَتَغَيَّرُ الفَتْوَى مَعَ تَغَيُّر الزمان لأنَّ الرِّبَا مُرْتبطٌ بدَلَائلَ صَرِيحة من الكِتَابِ والسُّنَّةِ، نَعَمْ قَدْ يَخْتَلِفُ العُلَمَاءُ في هَذِهِ القضيَّة هلْ يَقَعُ فيهَا رِبًا، أَو لَا يَقَعُ فيهَا رِبًا هَل تَدْخُلُ في هَذِهِ الصُّورَة أوْ لَا تَدْخل، لكنْ أنْ يتغير الحكْمُ كلُّهُ بتغير الزَّمَان فإِنَّهُ لَا يمكِنُ أنْ يكونَ.
بماذَا يُفِيدُنَا هذَا الشَّيء؟!
يُفيدنَا أَنَّ الشَريعة الاسلاميَّة سَتَبْقَى؛ وَلِهَذَا أُعْطِيكُمْ أَمْثِلَةً في وَاقِعِنَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا غير قَابِلَة للتغير مَهْمَا كَانت الأمُورُ.
المثال الأول: الصَّلَوَاتُ الخمسُ نَظَرًا لأَنَّ أَدِلَّتَهَا وَاضِحَةٌ مَهْمَا اخْتَلَفَ العُلَمَاءُ في تَفَاصِيل أحْكَامِ الصَّلاة إلا أنَّ الصلوات الخمس ثابتة بركَعَاتِهَا، بأوقَاتِهَا إلى يوم القيامة لا يمكن تغيرها بتغير الزمان والمكان.
يأتي شَخٌْص ليقول أنَّ الشريعة تتغيرُ، لماذا لا تَتَغيرُ الصلاة؟! هل يمكن أنْ يَأْتِي وضْع مُعَيَّن لأنْ يَقُولَ بَدَلَ الخمس صَلَوَات نجعلهُمْ صَلَاتين؟! أَو بَدَل أنْ تكون صلَاة الفجر في هذا الوقت تَكُون السَّاعة التاسعة؟ لا يمكنُ؛ فَهَذَا ثَابتٌ وفي أمر من أمُورِ الشَّرِيعَةِ.
وَمِثْلُهَا الصِّيَامُ شيء ثَابت لا يمكن تَغْيِيرُهُ، ومثلُهَا الحج، ومثلها الزَّكَاةُ، وَنَتَبَيَّنُ بهذا أنَّ هذه الأشياء ثَابِتَة وإِذَا قَال قَائل أنَّ هذه العبادَات مشهورَةٌ، نَقُولُ ننتقل لأحكام أخرى، الحدُودُ: تَحْرِيم الرِّبَا، تحريم الخمْرِ، تَحْرِيم القَذْفِ، الأحكام الشَّرعيَّةُ المتعلِّقَةُ بالمواريثِ: ميراثُ الأمِّ، ميراثُ الأخت، ميراثُ الجدَّة، مَا الحكْمُ فيها؟ الحكم فيها ثَابت لا يتغير بتغير الزمان والمكان، فتبينُ بِهَذَا أنَّ ثَبَاتَ الشَّريعة الإسلاميَّة إنَّمَا هوَ لثِبَاتِ المَصْدَرِ مَا الذي جَعَلَ قضية الصلاة والصِّيَامِ قضيَّةً ثَابِتَةً لَا تَقْبَلُ تَغَيُّرًا؟ هو قوَّة المصدر، وهو الكتاب والسُّنَّةُ غير قَابلة للتَّغَيُّرِ.
منْ هُنَا يَتَبَيَّنُ لدينَا حقيقة في منهج الإسْلَامِ، وَأَسَاسِيَّةٍ مُتَعَلِّقَةٍ بِقَضِيَّةِ الثوابت والمتغيرات أساسها أنَّ الشريعة الإسلامية بَينَهَا وَبَينَ العَقِيدَةَ الإسلاميَّة تَلَازُمٌ أَي: أَنَّ الأحكام عندنا لا تَنْفَصِلُ عن العقيدة، وَالمنْهج العَلْمَانِيُّ الآن يُكَافِحُ منْ خلال أكْبَرِ متغير يسْعَى إليه وهو الفَصْلُ وَجَعْلُ العَلْمَانِيَّةِ مَقْبُولة، وَجَعْلِ التَّدَيُّن، وَالاعْتِقَادِ خَاصٌّ بالإنْسَانِ.
نَحْنُ عِنْدَنَا قَضِيَّة منَ الحيَاة بِأَحكَامِهَا المختَلِفَة، مَا هِيَ قضيَّة يَصْلُحُ فيها مَجْلِسٌ يُغَيِّرُهَا وَيُبَدِّلُهَا.
فِي المنهج الإسلاميِّ هذه الأشْرِعَةُ، وَالأنْظِمَةُ مَرْبُوطَةٌ بِعَقيدَةٍ، وَبِأُصُول، فَلَا يمكِنُ أنْ يَأْتِي في يَوم منَ الأيام ويقَال: يَا أيهَا المسلمونَ منْ يُرِيدُ أنْ يُصْبِحَ مُتَدِيِّنًا؛ فَلْيُصْبِحْ مُتَدَيِّنًا، وَأَنَّ الإنسان عنده عقيدَةٌ ويؤمن بالله وَمَلَائكتِهِ، وبكُتُبِهِ، وَرُسُلِهِ جَزَاه الله خيرًا، والمعاملات الأخرى في حَيَاتِهِ هذه أمُورٌ هو يحكمُهَا بأنْظِمَة وبقضايَا أخْرَى هذا لَا يكُونُ في المنهج الإسلاميِّ ولهذا قضيَّة الثوابت والمتغيرات أكْبَرُ قضيَّةٍ تُطْرَحُ اليوم في السَّاحَةِ هِيَ أَنْ تَكُونَ العَلْمَانِيَّة مَقْبُولَة عنْدَ المسلمينَ أي فَصْل الدينِ عن الدولة أو فَصل الدولة عن الحيَاة، المنهج الإسلاميِّ لَا يَنْتَقِصُ، ولهذا الآن تُوجَدُ دَعَوَاتٌ صَرِيحَةٌ لِهَذَا المَنْهَجِ.
كَأَنْ يقول قَائِلٌ: الصَّلَاةُ، الزَّكَاةُ، الصِّيَامُ، الحجُّ، المواريثُ، اتَّفَقْنَا عَليه، لكنْ هُنَاكَ مَسَائل يُقَالُ عَنْهَا أنَّهَا تتغير بتغير الزمَان، والمكَانِ.
سَأَضْرِبُ بذلك مَثَلَينِ:
1 - أُصُولِيٌّ. 2 - فَرْعِيٌ.(46/147)
المثال الأول ضَرَبتهُ لأنَّهُ يدورُ في هذه الأيَّام بشكل كبير هو أنَّ مَا يُطْرَحُ هذه الأيام وللأسف مِنَ التيَّارِ العلمَانِيِّ ويوَافِقُهُ أحيانًا التيارُ العصْرَانِيُّ وغيره ...
يقول: هذَا أَّنُه يَنْبَغِي لنَا من خِلَال المتغيرات أنْ نَأْخُذَ بالقَوَاطِعِ منَ الدينِ وَنَتْرُكَ مَا عَدَاهُ مثال: ما هو موجود في أصولِ الفقه من مسْأَلَة سَدِّ الذَرَائِعِ فبعضهم يأتي، ويقول: سَدُّ الذَرَائِعِ هذه قضيَّة أنتم ضَيَّقْتُمْ فيها على النَّاس وأكثرتم فيها الكلام وحرَّمْتُمْ ومَنَعْتُمْ إلى آخره...، إلى حَدِّ أنَّ بعضهم دَعَا إلى إلغَاءِ شيء اسمُهُ سَدُّ الذَرَائِعِ، لَمَّا تَنْظُرُ إلى المسْألة تقول أنَّ الإنسَان والله فِعْلًا سَدُّ الذَرَائِعِ كَأَنَّ الفقهَاءَ ذَهَبُوا لِيُشَدِّدُوا بِهِ عَلَى النَّاسِ وهذا ليس بِوَارِدٍ، وَالشَّرِيعَةُ سَهْلَةٌ (لَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلَّا غَلَبَهُ)(1) شريعة الله ميَّسَّرَةٌ سهلةٌ.
إذًا هذا الكلام الذي يقولُهُ العُلَمَاءُ ليس من عندِهِم هذا الكلام جاءت أدِلَّتُهُ بالنصوص.
مِثَالٌ: مُنْبَثِقٌ من مَسْأَلَةِ سَدِّ الذَرَائِعِ، يَتَعَلَّقُ بالمرْأَةِ فيمَن يقول نحن لَدَينَا نَص في القرآن الكريم أنَّ العَلَاقَةَ بينَ الرجل والمرأة النص الصريح هو الزنا وأنَّ الزِّنَا حرَامٌ ونحن مُتَّفِقُونَ على ذلك .
ثم يقول هؤلاء: مَا دُمْنَا مُتَّفقين على الأصْل لكن لا تشْغَلُونا بسدِّ ذرائع هذا الأصْل كيف ؟ الاخْتِلَاط لا يجوز، سفَرُ المرأة بدون مَحْرم لا يجوز، كشْفُ المرأة وجهَهَا لا يجوز.
قالوا: هَذِه من الذَّرَائِعِ التي تُشَدِّدون فيها ويجب أنْ تتغير الأمور من خلال الضُّغُوطِ الدَوليَّة والظروف العالميَّة . . . . وإلخ.
فَيَجِبُ أنْ نَتَغَير فنحن في زمن المتغيرات، وفعلًا تطرح هذه القضية ثم تُطْرَحُ من المتغيرات، فيقال قضية سَدِّ الذَرَائع هذه ليسَتْ اخْتِرَاعًا اخْتَرَعَهُ أحدٌ من الناس سواء كان عالمًا من علماء الإسلام أو غيره، سدُّ الذرائع هذه مَنُْصوصٌ عَلَيهَا يَعني كَمَا جَاءَ النص في قول الله عز وجل: ?وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى ? [الإسراء : 32] وجَاءَ النص الصحيح عن قول النبي صلى الله عليه وسلم (لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلَّا كَانَ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ)(2) هذا نَصٌّ وهذا نَصٌّ، لماذا لا يخلون الرجل بإمرأة؟ مِن باب سدِّ الذَرَائع ، (وَلَا تُسَافِرْ الْمَرْأَةُ إِلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ) (3) لماذا؟ نص عن النبي صلى الله عليه وسلم ، إذاً الكبائر المتَعَلُّقَة بسدِّ الذريعة هي منصوص عليها وَيَقِيسُ العلماءُ عليها مَا هو مثْلهَا أَو أولى منْهَا، إنَّ هذه الشريعة الإسلامية شَرِيعة متكامِلَةٌ متناسِقَةٌ وعلى هذا حين جاءَنَا من هذا الطَرْحِ الذي يقول نَأْخُذُ بالقَاطِعِ ونَتْرك ما يؤدِّي إلى كَمَا يُقَال تشديدات أو غيرها تحت ما يُسَمَّى بسدِّ الذَّرَائع، نقول هذا كَلَام كَذِبٌ.
مثال: في باب الشِّركِ: يقولون أنْتُمْ فَرَّقْتُمْ بينَ النَّاس؛ بِنَاء القبور حَرَام، والسفر لزيارة القبور حَرَام!! والتَّبَرُّك بالقبور حرَام!! كُلُّ شيء حَرَامٌ..حَرَامٌ!! ولماذا قالوا سدَّ ذريعة الشرك هذا من عندكم، نقول كلاَّ حرَّمَ الله الشركَ وأيضًا نهى رسول ا صلى الله عليه وسلم عَن ذَرَائِعِ الشِّرْكِ، نَهَى عَنِ الصَّلَاة في المقْبَرَةِ، نَهَى عنِ البِنَاءِ عَلَى القُبُور، نهَى عنْ اسْرَاجِهَا والمتَّخِذينَ عَلَيهَا المساجد، لماذا؟ سدُّ ذرائع الشرك لله عز وجل، فيتبينَ بهذا أنَّ هذه الشريعة كامِلَةٌ وليس بمنْ يَطْرَح في السَّاحَةِ الإسلامية فتح باب المتغيرات ما ينفع هذه الأمة ضِدُّ عدوهم، وإنَّمَا يفتَحُ ما يفتَحُ شهيَّة عدوِّهم عَلَيها الطرح العصْرَانِيَّ هذا الذي ذَكَرْنَا أمثلتَهُ قبلَ قَلِيل، هؤلاء يظُنُّونَ أنَّهُم يُعَالِجُونَ الوَضْعَ أمَامَ الهجْمَةِ فنقول كلَّا أنتم بهذه الطريقة الانهزاميَّةِ لا للإسَلام نَصَرْتم وَلَا للغَرْبِ كَسَرْتم؛ لأنَّ الغربَ إذَا رَأَى مِنَّا تَنَازلات فسيقول هانَ عليهم، دِينهم، عندهم قابِلِيَّةٌ للتَّنَازُلِ، ومن ثمَّ سَيُطَالبون بالتَّنَازُلِ أكثر فأكثر، وَكَمَا قال الله عز وجل:?وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ ? [البقرة : 120].
أعود إلى مثال جُزْئيٍّ كثيرًا ما يُطْرَحُ في باب المتغيرات في فَتَاوَي العلماء ويقولون تغير الفتوى مع تغيِر الزَّمَنِ هنا مَا الذي يتغير؟ هل الذي يتغير الحكمُ الشرعيُّ أَو الذي يَتَغَيَّر الواقعة؟
نعلم أَنَّ أَيَّ حُكْم شرعي لابُدَّ فيه للعالم والمفتي من شيئين:
1- العِلْمُ بالحكمِ الشَّرْعِيِّ.
2- العِلْمُ بالوَاقِعِ.(46/148)
العلم بالحكْمِ الشَرْعيِّ إذا كان عالمًا مجتهدًا فَهَذَا كَمَا قُلْنَا قدْ يَجْتَهِدُ وقد يختلفُ العلماء منذُ السَّلفِ وهذِهِ ليسَتْ جَدِيدة، مَا عِنْدَنَا اليوم مسْألة جديدةٌ لَمْ نَتَكَلَّمْ عَنْهَا فيما سَبَقَ، إذًا مَا الذي يقع أحيانًا في تغير الفَتوى مع تَغَيُّر الزَّمَان وَالمكَانِ؟ هُوَ تغير الوَاقِعَة، الحكم الشَّرعيُّ لَا يَتَغَيَّرُ.
مثَالٌ: الكَلَام في الغِنَاءِ والمَعَازِفِ علَى قول أكْثَرِ العلماء أنَّه حَرَامٌ وهناك قَول أنَّهُ مبَاحٌ ولكنَّهُ مرجُوحٌ واضحُ الخِلَاف، متى كان هذا الاخْتِلَاف؟ قبل مئات السِّنين إذ لا يأتي شخص ويقول أنَّهُ اسْتَجَدَّ الخِلَاف هذا خلاف قديم، إذًا القول الراجح بأدِلَّتِهِ أنَّ الغناء والمعازف حرَام هذا القول الراجحُ، هل هذا الحكم يمكنُ أنْ يَتَغَيَّرَ؟
وَمِثَالٌ على علمائكمْ، ومشايخكمْ، الذين لا يَفْهَمُونَ، وَلَا يفْقَهون وأنَّهمْ يشَدِّدون ثم يتبينُ بعد ذلك الحق ويتراجَعُونَ: لَمَّا دَخَلَ الراديو قبل خمسين سنَة أَفْتَوا بِأَنَّ الرَّاديو حَرام ثم مَا مَضَى عُشرون سنة إلَّا والمَشَايِخُ يأتُونَ بالرَّاديو، يَعْنِي تَغَيَّرَتْ الفَتْوَى، كَانَ حرامًا ثم أصبح حَلَالًا.
نقول في الجواب على هَذَا: الفَتْوَى لَمْ تَتَغَيَّرْ، لَمْ يقُولوا المعازف حَلَال، والغناءَ حَلال ولَكَنَّ الذي تغير الرَّاديو، أوَّل مَا نَشَأَ قبل خمسين سنَة كَان الراديو يساوي الموسيقى لا يوجد به قرآنٌ، ولقد عَاشَرْنَا بِدَايَاتَهُ، فأي إنسان كان عنده راديو مَعْنَاه إنسان يسمع أغاني، من كان عنده رَاديو لا يسمع منه إلا الأغاني أي إذَاعة تبحثها ما فيها إلا أغاني حتى وإنْ كان فيه أخْبَار خمس دقائق ثمَّ يَتَّبعُهَا أَغَانِي، فَمَنَعُوا من ذلك بأنَّ هذا الراديو لا يستخدم إلا لِسَمَاعِ الأغاني، فلَمَّا تغير الأمرُ وصارت هذه الآلة يمكن أنْ نَسْتَخْدِمَ بِهَا إذَاعَةً سَلِيمَةً، وآلة التسجيل يمكن أنْ نُسَجِّلَ بهَا تسجيلًا سليمًا تَغَيَّرَتْ الفَتْوَى.
إذًا تَغَيَّرَ الحكمُ الشرعيُّ؟! أمْ تَغَيَّرَتِ الوَاقعة؟! بلْ تَغَيَّرَتِ الوَاقِعَةُ.
مثِاَل آخر - وكثيرًا ما يُدَنْدِنُ حَولَه بعض الكُتَّاب وأنا أضْرِبه حتى تَتَّضِحَ الصُّورَة- قَالوا: لَمَّا جَاءَ تَعْلِيمُ البَنَات كثيرٌ من المشايخ قالوا: حَرَامٌ! وَمَنَعوا من ذلك، ثم بعد ذلك تَغَيَّرَتْ فَتْوَاهم وصاروا يُدْخِلُونَ بَنَاتهم في مدارس البَنَات والحقيقة ليست الصورة هكذا، لَمَّا جاءت بدايات قرارِ إنشَاء تَعْليم البَنَاتِ لَمْ يكُنْ بالعالم العربيِّ إلا تعليم مختلط مُدَبْلَجٌ، لَمْ يكُنْ عندنا في القرى إلا تعليم في البيوت عَجَائز يعلمنَ النِّسَاء بالبيت أحيانًا الخط، والكتابة، وَأَحيانًا آيات من القرآن الكريم هذا النوع الذي كان موجودًا آنذاك.
وَكَانَ في البحرين والكويت، وَمِصرَ وغيرها متَبَرِّجَاتٌ؛ وَلِذَلِكَ العلَمَاءُ وَقَفُوا، وَقَالوا: لَا يمكنُ وَشَدَّوا في ذَلِكَ وَفَّقَهُمُ الله فَكَانَ مِنْ بَرَكَاتِ هَذَا الشَدِّ أنَّه فُتِحَتِ المدارس بأقصى ما يكون من الشروط والبيوت التي ما زال إلى الآن نُشَاهد والحمد لله أَثَرَهَا الطيبَ.
فلمَّا تَبَيَّنَ أنَّ هناكَ تَعليمٌ منضبطٌ لا يكون فيه مِثْل تلك الفَوضَى الموجُودة في البلاد إذًا المشايخ رَأَوا أنَّ الأمر قد يكون صَائغًا، إذًا ما الذي تغير؟
الذي مَنَعُوا منه في البداية هو صور التَّعليم المخْتَلِطِ وَلَا يَزَالُ إلى الآن صور التعليم المختلط إلى الآن مرفوضَةً، وما قَام به طلبة العلم وغيرهم من الوقوف أمام الدَّمْجِ؛ خَوفًا من التعليم المخْتَلِطِ حيثُ لا يُهِمُّهُمُ الميزانِيَّاتُ أو المباني أو غير ذلك، كلُّ هذه الأمور لَا تُسَاوي عنْدَ المشَايخ قُلَامة ظُفْرٍ، لكنَّ الذي كان يقلقُهُمْ هو أنَّ هذا التغير وهذا الدَّمْج يؤدي إلى ما كان يحلم به كثير من العلمانيينَ، يجلس الطالب جَنْبَ الفَتَاة.
ضَوَابِط المُتَغَيرَات
وعلى هذا يَتبَيَّنُ لدينا أنَّ هذه المتغيراتُ عنْدَنَا تُضْبَطُ بِضَابِطَينِ دَقِيقَينِ أَعْنِي بِهِمَا الأحكام الشَّرْعيَّ:
أولًا: مَصْدَرِيَّةُ الكتاب والسُّنَّة هذه دائمًا كالشمس، والقَمَر فوق رؤوسنا لا يمكن أنْ نَتَخَلَّى عنهُمَا، يعني: أَيَّ حكم أو أي قضِيَّة شرعية مَرَدُّهَا الكتاب والسُّنَّة.(46/149)
الثاني: أنْ يكون الاجتهاد القائم على مثل هذه المسْتَجَدَّات قائم على منهج صحيح هو منهج الأخذِ بالدليل والترجيح بالمرجَّحَات الصحيحة وليست الفوضى التي يراد فيها من كل قَول شاذٍّ أو غيره أنْ يتَحَول إلى حكم شرعي يُفْرَض على الأمة ولو كان مخالفًا لدليل من كتاب أو سنَّة، إذا وُجِدَ فأيُّ مسْألة مستجِدَّة لَا يُوجَدُ أي إشْكَال فالأمة الإسلاميَّة حتى لو كان بتقسيم بعض المجامع العلميَّة أو غيرها فإنَّه من الممكن أنْ يَتَدَارَكَهَا هذا النقص، حيث أَنَّهُ لَا يوجَدُ أي مشْكلة في أنْ يَلْتقي العلماء في أي مسألة تسْتَجِدُّ وينْظُرُونَ فيها من خِلَال واقِعِهَا، من خلال معلومَات المتخصصين فيها سواء كانت طبية أو تقنية أو غيرها ، لكنَّ طَرْحَ المتغيراتِ بهذه الصُّورَة التي يبحثُ عندَ كل شُذُوذ وكل قول ليس عليه أي دلِيل وكل فتْوَى مخالفه لدليِل صريح لتجعل هي التي تَسُود، نقول: كَلَّا، هَذَا في المنهج الإسلامي غير مقْبول وإنْ كُنَّا نَرْفُضُ العلمانيَّة وهذا واضحٌ جدًّا؛ لأنَّهُ عندنا لا انفكَاكَ بين الشريعة والعقيدة وأصولهما فكذلك أيضًا يجب أنْ ترفُضَ هذه الفوضى في الفتاوى.
وأختم بأنَّ الله عز وجل أمَرَنَا باتِّبَاعِ سَبِيلِهِ وَالسَّير عَلَى هذا الطَّريق: ?وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ? [الأنعام : 153] ، ونبينا r لَمَّا أخْبَرَ عن الافْتِرَاق والاخْتِلَافَ وهو أعْظَمُ المتغيرات، يعني وُجُود الرَّافِضَة والقَدَرِيَّة والجهمِيَّة، وَالصُّوفية وغيرهم من أهل البِدَع أعظم من وجود صنَاعات اليوم أعظم، الرَّسو صلى الله عليه وسلم لَمَّا أَخْبرنا عنْ أعْظَمِ المتغيرات في تاريخ هذه الأمة وهي متغيرات الفِرَق قال(: (فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الْمَهْدِيِّينَ الرَّاشِدِينَ)(4) إذاً الأمة مأمورة بالسير على منهاج نبينا صلى الله عليه وسلممهما تغير الزمان والمكان، فَنَحنُ كَمَا أنَّ الطيَّار والطبيب والمهَنْدِسُ الذي دَرَسَ في أَرْقَي الجَامِعَات الغَرْبِيَّة، كَمَا أَنَّهُ في تَخَصُّصُهِ الدَّقيقِ العِلْمي الحديث هو نفسه ما يَتَخَلَّى عَنْ صَلَاتِهِ وَلَا عَنْ صِيَامِهِ فكذلك أيضًا بالنسبة لمجمَلِ هَذِهِ الأمَّة، يُمْكِنُ لَهَا أنْ تَتَقَدَّمَ، وَتَتَطَوَّرَ وَلَا تَتَخَلَّى عَنْ دَعْوَتِهَا إلى الكتاب والسُّنَّة.
أختمُ بأنَّ البَعْضَ يقول في الدَّعوة إلى منهج السَّلَفِ هذه قديمة انتهت وتغيرت ندعو لمنهج السَّلَف وطريقة السَّلَف فنقول احْذَرُوا من هذه الدَّعوة، احْذَرُوا من هذه الدعوة أشَدَّ الحَذَرِ، منهج السلف طريقَةُ السَّلَفِ التي أَمَرَنَا رسول ا صلى الله عليه وسلم بِالسَّيرِ عَلَى مِنْهَاجَهِمْ (فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الْمَهْدِيِّينَ الرَّاشِدِينَ تَمَسَّكُوا بِهَا وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ)(5) هذا أصلٌ باقٍ إلى قيام السَّاعة، هَلْ يَتَعَارَضُ مَعَ تَقَدُّمنا؟ هَل يَتَعَارضُ مع عُلُومِنَا؟!!
لَا والله لَا يتَعَارَضُ، هل إيمَانُكَ بالأسماء والصفات وتعظيمك لأصحاب صلى الله عليه وسلم يَتَعارَضُ معَ كونكَ متقدمًا وَخَبيرًا بالكُمْبيوتر؟
لذَلك هذه الخُزَعْبَلَات ونحو ذلك يَجِبُ ألَّا يَخْطرَ بِبَالِ طَالِبِ العلْمِ، مصْدَرِية الكِتَاب والسُّنَّة باقية إلى قيام الساعة، الرُّجُوع إليهما عند الاخْتِلَاف إلى أنْ يَرِثَ الله الأرضَ وَمَا عَلَيهَا، عقيدة السلف الصالح الذي يَنْبَغِي أَنْ نَدْعُوا إلَيهَا وأَنْ نَتَمَسَّكَ بِهَا باقية مَهْمَا تَغَيَّر الزَّمَان والمكان، المنهَجُ الصَّحيحُ بِطَريقَةِ الاسْتِدْلَالِ، وَالفَتَاوَى وَالتَّرْجِيحِ باقية لَمْ تَتَغَيَّرْ أَبَدًا.
أَسْأَلُ الله عز وجل أَنْ يُوَفِّقَنِي وَإِيَّاكُمْ، وَصَلَّى الله، وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلهِ، وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ .
المراجع :
المحتويات
موضوع صفحة
مقدمة ..........................................................................
خطورة الكلام على قضية الثوابت والمتغيرات .......................
ثوابت المصدر ..............................................................
الأصول العقدية .............................................................
شهادة أم محمد رسول الله .................................................
ضوابط المتغيرات ..........................................................
(1) [صحيح] أخرجه البخاري (39) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه .
(2) [صحيح] أخرجه الترمذي (2165) من حديث ابن عمر رضي الله عنه . وصححه الشيخ الألباني كما في المشكاة (2 / 62 / ح 3118) .
(3) [صحيح] أخرجه البخاري (3006) ، ومسلم (1341) واللفظ لمسلم من حديث ابن عباس رضي الله عنه .(46/150)
(4) [صحيح] أخرجه أبو داود (4607) ، وابن ماجه (42) من حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه . وصححه الشيخ الألباني في صحيح الجامع (2549) .
(5) [صحيح] تقدم من حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه .
==============(46/151)
(46/152)
وهلك (نجيب محفوظ)..!
حسين بن رشود العفنان
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
(1)
تردى (نجيب محفوظ) بعد أن خيط بجوفه الشك ،واستولى عليه الاضطراب، وهتك عقله الوهم، واستباح قلبه الخوف، و استهوته شياطين الجن والإنس، وغلبته وقيدت حريته، فضاع على وجه تلعب برأسه البلابل والوساوس، كما تلعب الأقدام بالكرة، فتقيأ كل ما في جوفه من إلحاد وفجور في رواياته وحواراته، كحال أساتذته وأقرانه الأشقياء وعلى صدرهم أستاذه سلامه موسى وغيره من خُشارة الكتّاب المنهزمين!
نفق (نجيب محفوظ) بعد أن ملأ رواياته إلحادا وتشكيكا بالله ـ عز وجل ـ وتطاولا عليه، فقال عن ربنا ـ تبارك وتعالى وتقدس ـ في روايته القذرة (موت الإله أو أولاد حارتنا ) وفي غيرها، قولا تشتعل من قِحته الرؤوس وتذوب من قبحه النفوس ـ تعالى الله وتقدس عما يقول هذا الظالم المعتدي ـ!
وفطس(نجيب محفوظ) بعد أن سخر بالأنبياء ـ عليهم الصلاة والسلام ـ وقذّر سيرتهم العطرة ـ شرفهم الله عن قول هذا الجاهل المعتوه ـ فوصف عيسى صلى الله عليه وسلم بأنه معتوه ضعيف العقل لا يغار على امرأته!!، وأن نبينا وحبيبنا محمدا صلى الله عليه وسلم زير نساء ومدمن خمر !!
وهلك (نجيب محفوظ) بعد أن استهزأ بالإسلام، وتنقص الشريعة، وهزل بالدين، وصور شخصيات الصالحين صورا منفرة يكذبها الحق وتمجها الحقيقة!
مات (نجيب محفوظ) بعد أن ثلم شرف الشباب والشابات، وجمّل لهم سكك الزنى وطرق الفجور.
فكم من عفيف سقط في شراكه! وكم من شريف هوى في كمينه ؟ وكم من طاهرة نُكس رأسها بسبب إبداعه!وكم من بيت تهاوت دعائمه بسبب إتقانه!
(2)
عرفنا جناية الإعلام وغشه، حين قال في الخائن (نجيب محفوظ) كقول التاريخ في خلفاء الإيمان، وشيوخ الإسلام ،وأعلام الفتح، وأدباء الحق!
وهذه سنته المفضوحة، وهي التسويق للرديء والفاسد، ونصبه منارة هدى ورشاد!
يقول الأديب الإسلامي الكبير د. وليد قصاب ـ متعه الله بالإيمان ـ :
فكم من أديب مجيد ومفكر ألمعي لا يكاد يسمع به أحد، ولم يعرف أدبه الطريق إلى دنيا الناس ولن يعرفه ، وكم من (متشاعرين ) هم اليوم حديث الغادي والرائح ، وهم أغث القوم قولا ، وأسفهم كلمة! (مقالات في الأدب والنقد ،ص114 ـ 115)
فكم أهمل وشكك بمن بلغت صناعته الفنية المنتهى، كالرافعي و الطنطاوي و نجيب الكيلاني وأحمد باكثير وعمر الأميري ومحمد ابن حسين وحلمي القاعود وعدنان النحوي و وليد قصاب وحسن الهويمل وعبد الرحمن العشماوي و عبدالمعطي الدالاتي وغيرهم وغيرهم من القدوات الإسلامية الكبيرة!
لكن التاريخ لن يظلم (نجيب محفوظ) ولن يعتدي على (الإعلام الخائن) لأنه سيسطر الحقيقة وسيفضح الخونة!
(3)
مذ عام 1409 حتى هذا العام1427 والمنهزمون تحت طاولة نوبل ينتظرون متى ترميهم بـ (عظمة) العالمية والإبداع! لأنهم أتوا بما لم يأت به إبليس، من إلحاد وفجور ولأنهم (أرقاء ) لا يجرؤ أحدهم أن يحكم بعالميته وإبداعه، دون الرجوع إلى سيده الكافر (أقصد الآخر)!
أي أننا مذ بعثة النبي صلى الله عليه وسلم وحتى الآن لم ننتج إلا نجيب محفوظ!
رأفة بعقولنا وعقول أجيالنا!فإن أذهاننا على عبقريتكم لا تقوى!
(4)
وهذه الصوايخ الإعلامية أوهمت بعض الأدباء : أن (نجيب محفوظ) جسر لا بد من عبوره إلى عالم الإبداع، فقتلوه بحثا ودراسة ،ومجدوا صناعته السردية ولمعوا أدواته الفنية، وأرهبوا النابتة والشباب والشيوخ بالجمود والرجعية، إذا لم يقرؤوا (نجيب محفوظ) ولم يعترفوا به! مع أن نبع ثقافته شحيح ،مقارنة بأدبائنا الذين ينهلون من إشراقات الوحيين، ومن إبداعات المسلمين ، إضافة إلى ما ينقونه من نتاج الكفار والغربيين وهذا المنتهى ـ والله ـ في الأصالة والتميز!
ولا يريد الأعداء من هذه (العملقة) إلا أن يضطروك فتتعلم قِحه (نجيب) وفجوره،فتخدش توحيدك، لذة دنياك ونعيمها، وتجرح عفتك، شرف حياتك وتاجها.
(5)
يقول الأستاذ الكبير العلامة أنور الجندي ـ رحمه الله تعالى ـ :
وأن الباحث في آثار نجيب محفوظ يجد ظاهرتين خطيرتين : الأول: الجنس ، والثاني: الإلحاد (الصحافة والأقلام المسمومة ص 209)
يقول الناقد الإسلامي الكبير حسن الهويمل ـ بارك الله في أيامه ـ :
{إن نجيب محفوظ لا يحمل هما عربيا ولا قوميا ولا إسلاميا في كل رواياته وانه لم يخدم الأدب العربي ولا الإسلامي ولا يهمه ذلك ، وهو في الحقيقة يخدم المؤسسات الماسونية وغيرها من المؤسسات المناهضة والمحاربة للإسلام...
وأضاف الهويمل قائلا: أنه عندما لم تجد هذه المؤسسات التي يخدمها نجيب محفوظ أي ملاحظات إسلامية عليه ولا على أدبه قامت بمنحه جائزة نوبل العالمية ومن لم يصدق ما أقول فليقرا رواية(أولاد حارتنا)}
{تحت المجهر ص 176 ـ 177 لفضيلة الشيخ عبد العزيز السدحان}
ويقول فضيلة الشيخ المربي عبد العزيز السدحان ـ تتابعت عليه الخيرات ـ عن نجيب محفوظ أنه : (صاحب فهم ماركسي علماني يمثل مذهب الرمزية...){تحت المجهر ص 172 لفضيلة الشيخ عبد العزيز السدحان}
وصلى الله وسلم على نبينا وعزنا وقدوتنا محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه أجمعين(46/153)
كتبه حسين بن رشود العفنان
عضو رابطة الأدب الإسلامي العالمية
حائل
=============(46/154)
(46/155)
بشائر النصر لهذا الدين
أي نعمة عظيمة تنعم بها هذه الديار ؟ وأي منحة جليلة يعيشها أهل هذه البلاد؟ إنها نعمة الإسلام وأكرم بها من نعمة ، إنها نعمة الالتزام بهذا الدين وأعظم به من منحة ..إن دين الإسلام هو الدين الحق الذي كتب الله جل جلاله له البقاء ، وقضاء وقدر سبحانه أن الله ناصر دينه ، ومعل كلمته ، مهما طال الزمان أو قصر ، ومهما تكالب الأعداء للفتك به وبأهله فإن الدائرة على الكافرين قال تعالى {يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ، هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ } إذن المستقبل لهذا الدين ، والعزة لأهل هذا الدين ، والتمكين للمتمسكين بهذا الدين ، العاضين عليه بالنواجذ ، المهتدين بهديه ، المستنين بسنته ، المقتفين أثره ، السائرين على منهاجه قال جلاله في تجلية هذه الحقيقة الكبرى ، والنعمة العظمة {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ }وقال سبحانه {إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ}
وإن ديناً كتب الله له الظهور ، ولأهله النصر والتمكين في الأرض لابد وأن يستعلي ويهيمن ، وأن يصبح أهله أهل القيادة والسيادة ، فيملأ الأرض عدلا كما ملأت جورا ، وأن يحرروا الناس من عبودية المخلوقات إلى عبادة الله الواحد الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد ، الذي { إِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ}
إن هذا الدين يحتاج إلى رجال ..نعم رجال صادقين يعرفون حقيقته ..ويتمسكون بمعالمه ، ويثبتون عليه حتى يلقوا ربهم سبحانه ، ولا يهولنهم إرجاف المرجفين ، ووعيد المتسلطبن ، ولا يفتنهم انحراف الكثيرين ممن آثروا الحياة الدنيا على الدين ، واتبعوا سبيل غير المؤمنين ..لأنهم سألوا التاريخ ..واستنطقوا الأحداث الطويلة عبر سائر الأعصار وشتى الأمصار لتتجلى لهم تلك الحقيقة الناصعة ،أن هذا الدين قد حفظه الله تعالى ،وحقق لأهله العزة والتمكين والنصر المبين على سائر أعداء الدين ،مهما كانوا عليه من قلة في العدد ، وضعف في العُدد ، ومهما كان عليه أعداء الدين من كثرة العدد ، وقوة في العُدد ..إن استقرار هذا المعنى في قلوب أهل الإيمان في هذا الزمان يبعد خواطر التشاؤم عن القلوب ، ويبعث على التفاؤل بتمكن الإسلام في القلوب ، وضرورة غلبته ، وظهوره وهيمنته على سائر الأمم والشعوب ، قال عليه الصلاة والسلام : ( ليبلغن هذا الدين ما بلغ الليل والنهار) وقا صلى الله عليه وسلم + : ( إن هذا الدين لا يترك بيت مدر ـ أي طين ـ ولا وبر إلا دخله ، بعز عزيز وذل ذليل)، ولقد بشر r بانتصار المسلمين على اليهود والروم آخر الزمان وبفتح روما عاصمة الفاتيكان .. {وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ }وإن الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر
أيها المؤمنون :
إن هذا القرن المبارك ـ إن شاء الله ـ من قرون الظهور والغلبة للدين ، والعز والتمكين والنصر للمسلمين ، فلقد مضى عُشره مشتملا على أحداث ذات عبر ، وحاملا لبشائر بعد النذر ، تنبئ عن مستقبل للإسلام وهزائم منكرة لأعدائه المتربصين به الدوائر ، عليهم دائرة السوء ..فلقد ظهر خلال السنوات الماضية فشل الإلحاد ، وأعلن أهله إفلاسه على رؤوس الأشهاد ، وتلك والله خسارة الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين ، ولقد تهاوت فيه عروش الطغاة الظلمة الذين طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد وظلموا العباد فأخذهم الله على حين غرة ، وجعلهم لأمثالهم آية وعبرة وإن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته {إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ}(46/156)
ومن العبر الظاهرة ودلائل قدرة الله الباهرة أن الإسلام والمسلمين يتآمر عليهم الأعداء من كل جهة ، ويتنادون عليهم من كل صوب ، تسخر في حربهم الأموال الطائلة ، وتحشد عليهم الجيوش الهائلة ، وتنظم المؤتمرات العالمية لكيفية القضاء عليهم والفتك بهم خاصة العلماء الربانيين والدعاة المخلصين فيكال لهؤلاء خاصة وللمسلمين عامة صنوفا من التعذيب والإعدام ، ويكال لهم أنواع السب والشتم والاتهام ..ومع ذلك كله ولله الحمد لا يزداد الإسلام إلا تمكنا من القلوب ، وتغلغلا في الشعوب ، وانتشارا في الأوطان ، ولا يزداد أهله إلا إقبالا عليه ورغبة فيه والتزاما به وجهادا من أجله ، وصدق الله العظيم إذ يقول {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ اللّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ ، لِيَمِيزَ اللّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَىَ بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ}
فمع جهود أعداء الإسلام الجبارة لحرب الإسلام ، وكثرة مؤامراتهم ومؤتمراتهم على أهله على الدوام ، فإن الصحوة الإسلامية قد عمت الآفاق ، وغاضت ـ بحمد الله ـ أهل النفاق وذلك فضل الله جل جلاله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم
آلا إنها دعوة للثقة بوعد الله بالنصر المبين للإسلام والمسلمين ..
آلا إنها دعوة للاستقامة على الدين والدعوة إليه والدافع عنه وتسخير الطاقات والجهود من أجله ، وأن تكون حياتنا كلها فداء لهذا الدين ، وخدمة لهذا الدين فلا يشغلنا عنه شاغل ولا يصرفنا عنه صارف .
آلا إنها دعوة لأن نكون من أولياء الله المتقين ، وجنده المؤمنين { وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ }
==============(46/157)
(46/158)
أيها السائحون
الشيخ/ محمد بن إبراهيم السبر*
الخطبة الأولى:
مع شدة حر الصيف اللافح، ولأواء الشمس وهجيرها، وسخونة الأجواء التي يتصبب منها الجبين عرقاً، يستعد كثير من الناس لقضاء الصيف والإجازة ، فحجوزات تؤكد، وتذاكر تقطع، وحقائب تجهز، وأحزمة تربط ، وأموال ترصد، حيث يممون وجوههم قبل المصايف والمناطق المعتدلة الباردة، وترحل نجائبهم للبلاد الخارجية، وزيارةٌ واحدةٌ للصالات الخارجية بالمطارات ووكلات السفر والسياحة تؤكد واقع الناس وما هم فيه حيث أجلبوا بخيلهم ورجلهم وانطلقوا زرافات ووحدانا للسفر والسياحة ، ذلك أن بعض المسلمين يجدون في شدة حر الصيف ولهيب سمومه عذراً ومسوغاً للسفر للبلاد الخارجية سفراً بلا حدود وانطلاقاً بلا غاية وسعياً بلا هدف ووجهة بلا مهمة حتى لو كان في ذلك ما فيه من الوقوع في المحرمات وإهمال الواجبات والاختلاط والتبرج والسفور .
وهذه الكلمات هي رسالة إلى كل من يعنيهم الأمر من هواة السفر والترحال والسياحة، إنها وقفة سؤال وعتاب لهؤلاء إلى الذين حملوا الصغير قبل الكبير، والعاجز قبل القادر، واصطحبوا النساء ومَنْ تحت ولايتهم إلى بلاد الكفر والنصرانية ومراتع الإلحاد والإباحية، رسالة إلى الذين يريدون قضاء الإجازة والصيف بداعي اللهو والترفيه والراحة والاستجمام ولكنهم جنوا على أنفسهم وضيعوا أولادهم وأهملوا محارمهم وغفلوا عن أعراضهم..
عباد الله : إن السفر والترحال والسياحة أمر ذو بال في واقع كل امرئ حي فالإنسان مجبول على حب التنقل والضرب في الأرض، والناس لهم في السفر والإجازة والسياحة مقاصد شتى ومآرب متنوعة فهذا يريد أن يعلل ويرفه جسده وذاك يريد أن يمتع عينيه بالمناظر الخلابة وآخرون بدعوى الدراسة والعمل والتجارة..
ونحن أبناء أمة كانت مطبوعة على الرحلة ومولعة بالسفر والسياحة فالعرب في الجاهلية كانوا يسافرون ويسيحون في الأرض إما سداً للفاقة أو طلباً للراحة أو للقتال والغارة، فجاء الإسلام العظيم مشرقاً بنوره الوضاء فزكى مبدأ السياحة وقواه وسما به، وامتن الله على قريش حين ذكرهم بأنه هيأ لهم أسباب رحلتين عظيمتين منتظمتين إلى اليمن تارةً وإلى الشام أخرى فقال سبحانه : " لإيلاف قريش إيلافهم رحلة الشتاء والصيف ..."
لقد جاء الإسلام إلى الأعرابي الذي ينتقل ويسافر قطعاً للطريق وسلباً للقوافل والأموال ليجعله مجاهداً في سبيل الله، وليجعله سائحاً مسافراً يدعو إلى دين الله، كان يبحث عن منابع الماء ومواقع القطر ليشرب منها، فإذ به يبحث عن منابع العلم لينهل منها، لقد جاء الإسلام لعادة العرب فجعلها عبادةً و سياحةً تعود بالأجر والثواب ، فهذا سفر الحج والعمرة والهجرة والجهاد أكبر دليل على ذلك، جاء ليجعلها سياحةً وسفراً ورحلةً تعتبر بملكوت الله جل وعلا وتنظر في آياته الباهرة " قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق ... "، وقال تعالى: " فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين "، ولقد أنكر الله جل وعلا ونعى على أناس يسافرون ويسيحون ولا يتأملون في خلقه فقال سبحانه : " وكأين من آية في السماوات والأرض يمرون عليها وهم عنها معرضون " .
وهذا صلى الله عليه وسلم سافر وانتقل وساح في الأرض مرات وكرات إبان شبابه قبل البعثة وبعد نبوته ما بين حج وعمرة وهجرة وجهاد وتجارة..
وليس يخفى على الجميع أن السفر والسياحة وحب الاطلاع أصبحت في هذا الزمن من الأمور الترفيهية المطلوبة لدى عامة الناس خاصة بعد مواسم الدراسة وجهد العمل...
السياحة مصطلح وموضوع نجد الناس أمامه على طرفي نقيض، فمنهم الرافض رفضاً قاطعاً مستدلاً بالسلبيات والأضرار الناتجة عنها، ومنهم المرحب فرحاً بالإيجابيات، وكل محق ولكن كلا طرفي قصد الأمور ذميم، ونحن بوصفنا أمة إسلامية لابد أن نتعامل مع المستجدات العصرية والأحدوثات الجديدة بروح الواقع والاحتواء لا الرفض والانزواء ، ولابد أن نسخر هذه المصطلحات والأمور فيما ينفعنا ويعود بالخير علينا ديناً ودنيا .
ولا ريب أن الوسطية هي شعار الأمة الإسلامية قال الله تعالى: ( وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس )، والسياحة لها مفاهيم عدة وقوالب شتى ومناظير متعددة غير أن للمسلمين خاصة في بلاد الحرمين منظوراً ومفهوماً في السياحة يختلف عن غيرهم فلا يمكن أن نستورد مفاهيم غيرنا فيها فهم يفهمونها على ليلاهم ونحن نفهمها على قرآننا وسنة رسولنا صلى الله عليه وسلم
وبلادنا هذه حباها الله جل وعلا بمميزات كثيرة قلما يوجد نظيرها كاحتضانها للمقدسات الإسلامية والبقاع الطاهرة ، فهي بلاد التوحيد بلاد الحرمين وقبلة المسلمين ومهوى أفئدة المسلمين جميعاً، وما تتمتع به من الإيمان والأمن والاستقرار، وحفظ الأعراض والأموال، لذا لابد من مراعاة خصوصية هذا البلد الدينية قبل الخوض في شأن السياحة.(46/159)
ولئن كانت السياحة عند القوم سفوراً وتعرياً ولهواً ومتعةً جسديةً فهي في الإسلام عبادة يؤجر المرء عليها ولها في القرآن والسنة الثناء الجميل والذكر النبيل فلقد وردت السياحةُ في كتابِ اللهِ وسنةِ رسول صلى الله عليه وسلم تحملُ معاني ساميةً، وارتبطَ وصفُ السائحينَ بنماذجَ عاليةٍ من البشر، يقولُ تعالى في وصفِ الذين اشترى اللهُ منهُم أنفسَهم وأموالهم بأنَّ لهُم الجنة: (( التَّائِبُونَ العَابِدُونَ الحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدونَ الآمِرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ المُنكَرِ وَالحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللّهِ وَبَشِّرِ المُؤْمِنِينَ)) (سورة التوبة:112). والسائحون هم : الصائمون في قول أكثر المفسرين ، واستدُلَ لهُ بقولهِ تعالى في وصفِ نساءِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم ((عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ)) (سورة التحريم:5) . وبما وردَ في الحديثِ عن عائشةَ -رضي الله عنها- مرفوعاً: (( سِيَاحَةُ هَذهِ الأَمةُ الصِيَامُ )) وكذا فسرَ السياحةِ بالصيام؛ أَبو هريرةَ، وابن مسعودٍ، وابن عباسٍ، وعائشة وغيرهم- رضي الله عنهم- . وقال عطاء: السائحون: هُمُ الغزاةُ المُجاهِدُونَ في سبيلِ الله، وقيل السائحون : المُهاجِرون. وقيل : السفر في طلب العلم قال عِكرِمةَ السائحونَ: هم طلبةُ العلمِ، وقيل : سياحةُ القلب في معرفة الله ومحبته . قال الشيخ ابنُ سعدي رحمه الله : " والصحيح أن المراد بالسياحة السفر في القربات ، كالحج والعمرة، والجهاد وطلب العلم، وصلة الأقارب، ونحو ذلك" أهـ.
هذا هو مفهوم السياحة في الإسلام!!
سياحة تظهر دين الله وتحميه وتنصره قا صلى الله عليه وسلم :" إن سياحة أمتي الجهاد في سبيل الله " رواه أبو داود بإسناد صحيح .
سياحة للنظر والتدبر والتأمل والتفكر في ملكوت الله ، ( قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ) (الأنعام:11)، وقال سبحانه:(قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ) (النمل:69) ، وقال جل ذكره : (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (العنكبوت:20). سياحة لطلب الرزق وتأمين الأمة معيشياً ، سياحة لطلب العلم والفكر والخير والدعوة إلى الله. هذا مفهوم السياحة في الإسلام.
وقد دُنِّسَ هذا اللفظُ حيثُ أصبحَ مُصطلحاً مُعاصِراً تُشَمُّ منهُ رائحةَ التلوثِ العقدي ، والفسادَ الأخلاقي، والتحللَ من الضوابطِ والقيمِ، فإلى اللهِ المُشتكي، وحسبُنا اللهُ ونعم الوكيل .
والسياحة مفهومها الحالي يخالف مفهوم الإسلام طريقة وهدفاً فلماذا كان أسلافنا يسافرون ؟! كانوا يسافرون دعوة إلى الله وجهاداً والآن أصبح السفر والسياحة عند البعض للجنس والشهوة والعبث واللهو!! لماذا سافر مصعب بن عمير ( سافر داعيةً ومعلماً للقرآن؟! لا ولياً للكفر ولا مهادناً ولا لاعباً ولا لاهياً.
لقد وطئ سلفنا الصالح بلاد الكفر وفرنسا وأوربا وآسيا لا جلوساً على الحانات ولا ارتياداً للخمارات ولا تصدراً لموائد القمار والمسارح ولا جلوساً في مدرجات الكرة ولا معانقة للباغيات والمومسات كلا !!
بل وطئوها ليخرجوا الناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ومن ظلم وجور الأديان إلى نور وعدل الإسلام.
إنه لمن المحزن المبكي أن أصبحت السياحة والسفر إلى بلاد الكفار موضع افتخار بعض المخدوعين من المسلمين فهذا يفتخر أن ابتعث للدراسة هناك، أو أن له ولداً يدرس في الدول الغربية، وهذا يتبجح بقضائه الإجازة كل عام متنقلاً بين شواطئ أوربا وسهولها وجبالها دون تفكير في النتائج أو تقدير للعواقب..
ثم إن هؤلاء إذا ذهبوا ذابت شخصياتهم مع الكفار فلبسوا لباسهم واقتدوا بآثارهم حتى النساء المسلمات يخلعن ثياب الستر والعفاف ليلبسن لباس الكافرات والداعرات؟!! فلماذا نعطي الدنية في ديننا ؟! وكيف يستبدل المسلم الذي هو أدنى بالذي هو خير؟!، وكيف يتنازل من علياء إيمانه إلى حضيض ومزبلة الكفر...
إن من أعجب العجب أن الكفار إذا جاؤوا إلى بلادنا لا يغيرون أزياءهم ولا يتحولون عنها؟! وبعض المسلمين على العكس من ذلك إذا ذهب إليهم تحول إلى عاداتهم وجال في حاناتهم وجاس في الملاهي والمسارح والشواطئ..
يا عجباً لهؤلاء الذين ركبوا دابة السفر وامتطوا ثبج السياحة ؟! يفرون من ديارهم ديار التوحيد والإيمان إلي ديار الكفر والطغيان، يهربون من ديار ملؤها الأمن والأمان إلى بلاد تتزايد فيها نسب الجرائم والقتل تزايد الثواني، يتولون عن سوح طاهرة مباركة يدوي فيها الآذان وتعج بالتكبير إلى ديار خواء تصلصل فيها أجراس الكنائس كل ذلك في رحلات عابثة كلها إسراف وتبذير..(46/160)
وليت هؤلاء حين رحلوا ، رحلوا دعوة إلى الله تعالى وتبليغ دينه، وليت هؤلاء يوم أن أنفقوا ، أنفقوا نصرةً للمجاهدين أو سداً لحاجة المعوزين أو إغاثةً للاجئين، ولكنهم - وللأسف - وأقولها بمرارة رحلوا وسافروا وساحوا للهوى والشيطان إن أنفقوا فعلى لذة رخيصة وشهوة وضيعة وإن جلسوا وساحوا فعلى شواطئ وأندية العراة، بل إن السائح المسلم يساوي عند الغرب وزنه ذهباً فهو مثال للبذخ يسكن في أرقي الفنادق ويبذل المال في الحلال والحرام ويتصدر موائد الخمرة والقمار...
يا هؤلاء لئن كان السفر جبلاً يعبق بالهواء العليل فذلك موجود في بلادنا المحافظة .. ولئن كانت السياحة سهولاً وبحراً عباباً فذلك موجود في ديارنا المسلمة ولئن كانت السياحة علوماً تجتنى ومعارف تقتنى فالعالم الإسلامي هو ابن بجدتها وهو منبع العلوم وموئلها فلماذا الإصرار على السياحة في ديار الكفر والتثليث والإلحاد والإباحية دونما حاجة أو مصلحة أو ضرورة وقد قال رسول ا صلى الله عليه وسلم :" أنا بريء من امرئ يقيم بين ظهراني المشركين " ( رواه أبو داود والنسائي )، وقد استثنى العلماء من ذلك المجاهد في سبيل الله، والداعية إلى الله، والمسافر للعلاج أو لدراسة ما ينفع المسلمين أو للتجارة ، كل ذلك مشروط بأن يكون مظهراً لدينه قادراً على إقامة شعائره قوي الإيمان وللضرورة حينئذ أحكامها...
وأنت يا من تهوى السياحة والسفر والترحال لا تنسى حينما تدعوك المصلحة للسفر إلى ديار الكفار أو غيرها أنك سفير فوق العادة تمثل دينك وأخلاق مجتمعك، فأنت تحمل مسؤولية عظيمة وهي أمانة تمثيل الإسلام فبعض الناس كان سبباً في إعراض ونكسة أقوام عن هذا الدين شعر أم لم يشعر فاحمل دينك بقوة وأظهره بشجاعة قال تعالى: " يا يحي خذ الكتاب بقوة " وقال سبحانه : " فخذها بقوة " وقال جل ذكره : " فاستمسك بالذي أوحي إليك " .
عباد الله : إن طائفة ممن يسافرون وللأسف الشديد يشوهون صورة الإسلام بسوء فعالهم وتصرفاتهم يشوهونه عند من لا يعرف حقيقته ويصدون عنه مَنْ يتطلع إليه ويريد الدخول فيه ونتيجة لذلك خرج الكفار والغرب بوجه أخص خرجوا بصورة قاتمة عن الإسلام والمسلمين وأن الإسلام قمار وخمر و غانية ولهو وإسراف وبربرية ؟! لأنه ظن أن هؤلاء يمثلون الإسلام وهم سفراؤه فيا هؤلاء كونوا خير السفراء...
وبماذا يرجع إلينا هؤلاء المسافرون والسائحون ؟! هل يرجع الواحد منهم لوطنه بالعلم والمال وأسرار السلاح والتكنولوجيا وبما ينفع الأمة في صراعها مع أعدائها ؟ كلا بل يرجع محملاً بالإيدز والأدواء التي لا دواء لها!! يرجع مغسول العقل ممسوخ الديانة خائر القوى وبجيوب فارغة !! وبعضهم يرجع إلينا في التوابيت ميتاً!!
عباد الله : إن من المنكرات العظيمة التي تحدث بدعوى السياحة زيارة النُصب والأصنام والأوثان بدعوى أنها آثار تاريخية وإرث حضاري، وكذلك مشاهدة الألعاب السحرية كالسرك وإتيان السحرة والكهنة والعرافين ومدعي علم الغيب من قارئي الكف والفنجان وقد قال صلى الله عليه وسلم :" من أتى عرافاً فسأله فصدقه بما يقول لم تقبل له صلاة أربعين يوماً " رواه مسلم ، وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن صلى الله عليه وسلم قال:" من أتى كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد " رواه أبو داود.
ومن المنكرات التي تحدث في الإجازة والصيف إهمال الأولاد والبنين والبنات خاصة في السفر إلى المصايف وعند المنتزهات والشاليهات وتبدوا صور الإهمال بجلاء في عدم أمرهم بالصلاة، وسهرهم المفرط، وإهمال أمر الستر والحجاب فتجد المرأة تلبس العباءة الفاتنة كالعباءة المخصرة أو الفرنسية أو البنطال مما يجعلها فتنة للناظرين وكذلك عدم تجنيبهم مواطن الفتنة والبلاء فيزج بهم في أماكن يحدث فيها التبرج والسفور والاختلاط.
يقولُ العلامةُ ابن باز- رحمهُ الله تعالى- : (السفرُ إلى البلادِ التي فيها الكُفر والضلال والحرية، وانتشارَ الفسادِ من الزنى وشُربِ الخمرِ وأنواعِ الكُفرِ والضلالِ فيهِ خطرٌ عظيمٌ على الرجلِ والمرأة ، وكم من صالحٍ سافرَ ورجعَ فاسداً، وكم من مُسلمٍ رجعَ كافراً، فخطرُ السفرِ عظيمٌ، والواجبُ الحذرُ من السفرِ لبلادِهم، لا في شهرِ العسلِ ولا في غيره).
لقد أثبتت الدراسات أن كثيراً من الأمراض سببها السفر إلى الخارج فقد ووُجِدَ في عيادةٍ واحدةٍ خاصة، للأمراضِ التناسليةِ في السعوديةِ ما يُقارِبُ من مائةِ حالةٍ لمرضِ الهر بس الجنسي، مُعظَمُها لشبابٍ سافروا في الإجازةِ إلى أوربا وأمريكا وجنوبَ شرقِ آسيا، وعادُوا منها بمرضِ الهِر بس، كما صرحَ بذلكَ أحدُ الأطباءِ السُعوديين لمجلةِ اليمامة !!
وقد حدثني أحد أطباء الأمراض التناسلية أن عيادته تزدهر بالمراجعين بعد نهاية فصل الصيف والإجازات!!
كما أثبتتِ الدراساتُ الاجتماعيةُ أنَّ معظمَ مُتعاطي المُخدراتِ في السعوديةِ قد وقعُوا في تجربتِهم الأولى، في رحلاتِهم السياحيةِ خارجَ السعودية !!
ناهيكم عن تضييع الأهل والذرية في هذه الأسفار وتعريضهم لمواطن الفساد والهلكة ولسان حال الواحد منهم يقول :(46/161)
وإذا سألتم عن أبي ، فأبي لهُ *** رسمٌ على بوابةِ السفراتِ
أرخى زمامي ثُمَّ راحَ يلُومني *** ويُهينني بقوارعِ الكلماتِ
أنا يا أبي الغالي ضحيةُ ثروةٍ *** فَتحت لقلبي أسوأَ الصفحاتِ
أغرقتني فيها وما راقبتَني *** وتركتنِي كالصيدِ في الفلواتِ
كم كُنتُ أبحثُ عنكَ يا أبتي فما *** ألقاكَ إلاَّ تائهُ النظراتِ
هلاَّ أبيتَ عليَّ أن أمشي إلى *** حتفي وأن أسعى إلى صبواتي
أرسلتَنِي للغربِ يا أبتي ولم *** تُشفق على عقلِي من السكراتِ
أنسيتَ أنَّ الغربَ سرُّ شقائنا *** وإليهِ تُنسبُ أبشعُ الآفاتِ
فيا أيها الآباء والأولياء : الله الله في رعاية الأبناء ومن تحت أيديكم من النساء قال تعالى : ( يا أيها الذين قوا أنفسكم وأهاليكم ناراً ) ، واعلموا انهم أمانة عندكم سوف تسألون عنها ، يقولُ صلى الله عليه وسلم (( كُلُكُم راعٍ ومسؤولٌ عن رعيتهِ، فالإمامُ راعٍ ومسؤولٌ عن رعيتهِ، والرجلُ راعٍ في أهلهِ ومسؤولٌ عن رعيتهِ، والمرأةُ في بيتِ زوجها راعيةً ومسؤولةً عن رعيتها)) رواهُ البخاري ومسلم. ويقو صلى الله عليه وسلم : ((كفى بالمرءِ إثماً أن يُضيِّعَ من يقوت )) رواهُ أبو داود ، وقا صلى الله عليه وسلم : ((إنَّ الله سائلٌ كلُّ راعِ عمَّا استرعاهُ الله، حفظَ أم ضيَّعَ حتى يُسألَ الرجلُ عن أهلِ بيتهِ)) رواهُ ابن حبان، وحسنهُ الألباني، فأعد للسؤالِ جواباً وللجوابِ صوابا .
ألا وإن من البلايا - عباد الله - ما أحدث في بعض الأماكن والمصايف من أمور منكرة كحفلات الأغاني الساهرة التي يجلب لها الفنانون والفنانات وتعد لها المسارح الكبيرة... تلك الحفلات والمهرجانات والمناسبات التي عمودها الغناء وآلات المعازف وخيمتها الغفلة عن ذكر الله جل وعلا، والغناء - يا عباد الله - من المحرمات التي استهان بها كثير من الناس إلا من عصم الله قال الله تعالى: ( ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزواً أولئك لهم عذاب مهين * وإذا تتلى عليه آياتنا ولى مستكبراً كأن لم يسمعها كأن في أذنيه وقراً فبشرهه بعذاب أليم ) قال أكثر المفسرين : المراد بلهو الحديث في هذه الآية الغناء ، ويحلف الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود ( بالله الذي لا إله إلا هو - ثلاث مرات - إنه الغناء ، وكذا قالَ ابنُ عباس، وجابرُ، وعكرمةُ، وسعيد بنُ جبير، ومجاهدٌ ومكحول وغيرهم، (تفسير ابن كثير 3/703).
قال الإمام أحمد : الغناء ينبت النفاق في القلب فلا يعجبني، وقال الفضيل بن عياض : الغناء رقية الزنا واستماع الأغاني والمعازف سبب لأنواع العقوبات في الدنيا والآخرة . قال ابن القيم : " والذي شاهدناه نحن وغيرنا وعرفناه بالتجارُب أنه ما ظهرت المعازف وآلات اللهو في قوم وفشت فيهم واشتغلوا بها إلا سلط الله عليهم العدو ، وبُلو بالقحط والجدب ، وولاة السوء " آهـ .
فتجنب - أخي المسلم - وجنب مَنْ تحت ولا يتك مواقعَ اللهوِ والفسوقِ والعصيان، كالحفلاتِ الغنائيةِ، والتجمُعاتِ المختلطة، فإنَّ اللهَ يُمهِلُ ولا يُهمل، وإنَّ اللهَ يَغَارُ وغيرتَهُ أن تُنتَهكَ حُرمَتَهُ، يقولُ صلى الله عليه وسلم : (( في هذه الأمةِ خسفٌ ومسخٌ وقذف " فقالَ رجلٌ من المُسلمين: يا رسولَ اللهِ ومتى ذاك ؟ قال: إذا ظهرت القِيناتِ والمعازفِ، وشُربت الخُمور)) رواهُ الترمذي وصححهُ الألباني، فلا تأمن من مكرِ اللهِ تعالى، ولا يأمن من مكرِ اللهِ إلاَّ القومُ الخاسرون .
وفي السُنةِ النبويةِ تأكيدٌ على حُرمةِ الغناء، ففي صحيحِ البخاري عن أبي مالك الأشعري ( أنه سمع صلى الله عليه وسلم يقول: ((ليكُوننَّ من أمتي قومٌ يستحلونَ الحِرَ والحريرِ والخمرِ والمعازف)) . وتأملوا كيفَ جُمعَ تحريمُ الغناءِ والمعازفِ مع تحريمِ الفروج، والحريرِ والخمر؟ وما فتئَ علماءُ الأمةِ الربانيون يُحذِرُونَ من فتنةِ وعبوديةِ الشهوات.
يقولُ الشافعي - رحمه الله -: (من لزمَ الشهواتِ لزمتهُ عبوديةُ أبناءِ الدنيا) (سير أعلام النبلاء 10/97). ويقولُ ابنُ تيميةَ - رحمهُ الله -: (والعشقُ والشهواتُ إنَّما يُبتلى به أهلُ الإعراضِ عن الإخلاصِ لله، الذين فِيهم نوعٌ من الشركِ، وإلاَّ فأهلُ الإخلاصِ كما قال تعالى في حقِّ يوسفَ- عليه السلام-: (( كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا المُخْلصِينَ )) (سورة يوسف:24) (الفتاوى 15/421).
وأخيراً أحذر أخي المسلم، أختي المسلمة أن نكونَ ممن قالَ اللهُ فيهم: (( فَخَلفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلقَوْنَ غَيًّا)) (سورة مريم:59).
الخطبة الثانية :
الحمد لله وكفى سمع الله لمن دعا والصلاة والسلام على النبى المجتبى وآله وصحبه وعلى مَنْ على منهاجهم اقتفى , وبعد فاتقوا الله عباد الله حق التقوى وتمسكوا من الإسلام بالعروة الوثقى.(46/162)
عباد الله : كلامنا عن السياحة والسفر والاصطياف لا يعني أن يكون المسلم نشازاً مع أهله لا يرفههم ولا يدخل السعادة على قلوبهم!! هناك مجال للترفيه والراحة والتنزه ولكن بالسبل المباحة المأمونة التي تعود بالنفع على الفرد والمجتمع ، هناك بدائل شرعية وبدائل مباحة ومن هذه البدائل ومنها :
- الذهاب للعمرة إلى بيت الله الحرام أو زيارة مسجد رسول ا صلى الله عليه وسلم ، قا صلى الله عليه وسلم : ( صلاة في مسجدي افضلُ من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجدَ الحرام وصلاة في المسجد الحرام أفضلُ من مائة ألف صلاة فيما سواه ) رواه أحمد وابن ماجة وصححه الألباني.
- وكذلك السفر في بر الوالدين وصلة الأرحام وزيارة العلماء والصالحين في الله تعالى وإجابة دعوات الأفراح والمناسبات التي ليس فيها منكرات قا صلى الله عليه وسلم : " من لم يجب الدعوة فقد عصى ابا القاسم ".
- وكذلك السفر لأجل الدعوة إلى الله قال تعالى : " ومن أحسن قولاً ممن دعا على الله وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين " وقا صلى الله عليه وسلم : " فوالله لن يهدي الله بك رجلاً خير لك من حمر النعم "
- ومن الأمور المعينة على استغلال الإجازة والفراغ وهذا نوصي به الناس بعامة والشباب بخاصة طلب العلم وتحصيله والسفر لأجله قا صلى الله عليه وسلم : " ومن سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة " رواه مسلم . ولقد كان السلف يرحلون في طلب العلم والمعرفة فهذا ابن مسعود ( يقول : لو أعلم مكان أحد أعلم مني بكتاب الله تناله المطايا لأتيته " وقال البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه : " رحل جابر بن عبد الله مسيرة شهر إلى عبد الله بن أنيس في حديث واحد " أهـ. وقال الشعبي رحمه الله : لو سافر رجل من الشام إلى أقصى اليمن في سبيل كلمة تدله على هدى أو ترده عن ردى ما كان سفره ضائعاً " أهـ .
- وكذلك العناية بالقرآن الكريم والاشتغال به حفظاً وتلاوةً وتعلماً وتعليماً قا صلى الله عليه وسلم : " خيركم من تعلم القرآن وعلمه ".
- ومن البدائل المتاحة والمتيسرة بحمد لله السياحة النقية والنزهة البريئة إلى ربوع البلاد الإسلامية المحافظة التي تنعي أبناءها الذين هجروها، ويمكن للسلم أن يجمع بين الراحة والعبادة فيزور مكة ويذهب للطائف ومن ثم إلى جدة بشرط البعد عن مواطن الفتنة والبلاء.
- ويحمد لهذه البلاد المباركة المعطاءة ما وفرته من محاضن تربوية وبرامج نافعة للجيل والشباب المسلم من حلق ومدارس لتحفيظ القران الكريم وهاهي المراكز والنوادي الصيفية تأتي لتحفظ فلذات الأكباد من الضياع ولتملأ الفراغ وتحرك الطاقات وتستثمر القدرات ...ألخ.
-------------------------------------------
* إمام وخطيب جامع الأميرة موضي السديري بالعريجاء بالرياض
ص . ب 150063 الرياض 11745 ناسوخ:014365191
البريد الالكتروني: alsabe r 111@hotmail.com
===============(46/163)
(46/164)
ضدَّان يا أختاه ..
د. عبدالرحمن صالح العشماوي
هذي العيونُ ، وذلك القَدُّ *** والشيحُ والريحان والنَّدُّ
هذي المفاتنُ في تناسُقها *** ذكرى تلوح ، وعِبْرَةٌ تبدو
سبحانَ من أعطَى ، أرى جسداً *** إغراؤه للنفس يحتدُّ
عينانِ مارَنَتا إلى رجل *** إلا رأيتَ قُواه تَنْهَدُّ
من أين أنتِ ، أأنجبتْك رُبا *** خُضرٌ ، فأنتِ الزَّهر والوردُ ؟
من أينَ أنتِ ، فإنَّ بي شغفاً *** وإليك نفسي - لهفةً - تعدو
قالتْ ، وفي أجفانها كَحَلٌ *** يُغْري ، وفي كلماتها جِدُّ :
عربيةٌ ، حرِّيَّتي جعلتْ *** مني فتاةً مالها نِدُّ
أغشى بقاعَ الأرض ما سَنَحَتْ *** لي فرصةٌ ، بالنفس أعتدُّ
عربيّةٌ ، فسألتُ : مسلمةٌ *** قالتْ : نعم ، ولخالقي الحمدُ
فسألْتُها ، والنفسُ حائرةٌ *** والنارُ في قلبي لها وَقْدُ :
من أينَ هذا الزِّيُّ ؟ ما عرفَتْ *** أرضُ الحجاز ، ولا رأتْ نجدُ
هذا التبذُّلُ ، يا محدِّثتي *** سَهْمٌ من الإلحادِ مرتدُّ
فتنمَّرتْ ثم انثنتْ صَلَفاً *** ولسانُها لِسِبَابِهَا عَبْدُ
قالت : أنا بالنَّفسِ واثقةٌ *** حرِّيتي دون الهوى سَدُّ
فأجبتُها _ والحزن يعصفُ بي - : *** أخشى بأنْ يتناثر العقدُ
ضدَّان يا أختاه ما اجتمعا *** دينُ الهدى والفسقُ والصَّدُّ
والله ما أَزْرَى بأمَّتنَا *** إلا ازدواجٌ ما لَهُ حدُّ
===============(46/165)
(46/166)
بين حرية الفكر وحرية الكفر
2(الفروق )
5ـ البلاء بين المؤمن والفاجر
الفرق بين البلاء الذي يصيب الأخيار والصالحين، والذي يصيب الأشرار والمفسدين، أنّ البلاء الذي يصيب الأخيار والصالحين يكون تكفيراً لذنوبهم ورفعاً لدرجاتهم، وتطهيراً لهم. أمّا الذي يصيب الأشرار والمفسدين فإنّه يكون عقاباً لهم ومحقاً وانتقاماً من الله ـ عز وجل ـ منهم، والله عزيز ذو انتقام.. وربّما كان سبباً في هدايتهم ورجوعهم إلى الحقّ، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.. هذا ما دلّت عليه نصوص الشريعة الغرّاء.
6ـ حريّة الفكر وحريّة الكفر..!!
الفرق بين حريّة الفكر وحريّة الكفر، أنّ حريّة الفكر تعني أنّ لكلّ إنسان أن يفكّر كما يشاء، ويبدع في أيّ مجال شاء، في حدود الدائرة الإسلامية الواسعة التي لا يكاد يحصرها حصر، أو يحدّها حدّ إلا في النزر اليسير. وأمّا حرية الكفر، فتعني فتح الباب لكلّ ملحد وكافر، وزنديق وفاجر ليقولوا ما شاءوا، ويتقيئوا ما أرادوا، من النيل من الثوابت والدين، والسخرية من المؤمنين، وإشاعة الفاحشة في المسلمين، دون رقيب أو حسيب. والكارثة أن يتمّ الخلط ـ المتعمّد أو غير المتعمّد ـ بين هاتين الحريّتين، بحجّة الانفتاح!!، واستنشاق الهواء النقيّ!!!!!!، واحترام الرأي الآخر!!!! ولا خير في أمّة تحترم الكفر والإلحاد، والزندقة والفساد، وتفتح أبوابها له.
7ـ الوصاية والحماية
الفرق بين الوصاية والحماية؛ أنّ الوصاية تعني التسلّط على الآخرين، وفرض الآراء الفاسدة عليهم بالقوّة، ومنعهم من التفكير الموصل إلى الحق بالخداع والتضليل والتلبيس والتهويش، وحجب الآراء الصائبة والصحيحة، أو التعمية عليها، وهذه هي طريقة أهل الفساد والإفساد، وإن زعموا خلاف ذلك، أو رموا به غيرهم. وأمّا الحماية؛ فتعني الصيانة والرعاية، وحفظ الأجيال الصاعدة وتحذيرها من العقائد الباطلة، والمذاهب المنحرفة، والأفكار المضلّلة، وحجبها عنهم بقدر الإمكان، لكي لا ينهلوا في بدء تكوينهم إلا من مورد عذب زلال.. وهذه الحماية والرعاية هي التي تغيظ الأعداء من أهل الكفر والزندقة والنفاق، وتكسّد سوقهم، فلا غرابة أن يصفوها بالوصاية قلباً للحقائق، وجلباً لماء وجوههم الرائق. فسبحان من لا تخفى عليه العظائم والدقائق.
8ـ المحبّة الجبليّة، والمحبّة الشرعية
الفرق بين المحبّة الجبليّة الطبيعيّة، والمحبّة الشرعية الإيمانيّة؛ أنّ الأولى محبّة تقتضيها الطبيعة والجبلّة لا تعلّق لها بكفر ولا إيمان، ولا يختصّ بها الإنسان، بل تشاركه فيها حتّى البهائم والأنعام، كمحبّة الزوجة والعشيرة والأوطان، وهذه المحبّة لها حدّ إذا تجاوزته خرجت إلى ما قد يصل إلى الشرك والضلال وعبادة الأوثان، كقول الشاعر:
وطني لوصوروه لي وثنا لهممت ألثم ذلك الوثنا!!!
وقول الآخر:
بلادك قدمك على كل ملة ومن أجلها أفطرومن أجلها صمِ
سلام على كفرٍيوحد بيننا وأهلاًوسهلاً بعده بجهنم!!!
وأمّا المحبّة الشرعية الإيمانية، فهي من اسمها متعلّقة بالإيمان، تدور معه حيث دار، بل هي أوثق عرى الإيمان كما جاء في الحديث الشريف، ومقتضاها محبّة كلّ ما يحبّه الله وإن كان أبعد بعيد، وبغض كلّ ما يبغضه الله وإن كان أقرب قريب، والمنع لله، والإعطاء لله. وإنّما تُنال ولاية الله بذلك. وقد تجتمع المحبّتان، وقد تفترقان.. فتجتمعان في الزوجة إذا كانت مسلمة مؤمنة، فيحبّها زوجها المحبّة الشرعية الإيمانيّة إضافة إلى المحبّة الجبليّة الطبيعية. وتفترقان في الزوجة الكتابيّة، التي ليس لها إلا المحبّة الجبليّة دون الشرعية الإيمانيّة، حتى تعتنق دين الحقّ. وكذلك في الأوطان، فتجتمعان في الوطن المسلم الذي يقام في شرع الله، وتعظّم فيه شعائر الله. وتفترقان في الوطن الكافر الذي تُقصى فيه شريعة الله، ويؤذى فيه أولياء الله، فتبقى المحبّة الفطرية الجبليّة، مع بغضه بغضاً شرعياً لما فيه من الكفر والإلحاد والفساد ... فلا تلازم بين المحبّتين.
9ـ الصراحة والوقاحة
الفرق بين الصراحة والوقاحة؛ أنّ الصراحة خُلُق جميل يعني الوضوح في الخطاب، والجهر بالصواب بلا مداهنة أو نفاق، مع الالتزام بالخُلق الحسن، والأدب الجمّ، ومعرفة قدر الآخرين ومنازلهم. وأمّا الوقاحة فعلى الضدّ من ذلك، فهي خُلُق ذميم يعني التطاول على الآخرين بغير حقّ، واحتقارهم، والجهر في وجوههم بما يسوؤهم، ويجرح مشاعرهم، بلا أدب ولا احترام، ولا معرفة لأقدارهم ومنازلهم، فهو قرين البذاءة والنذالة وسوء الخُلُق. ويستثنى من ذلك المظلوم فله أن يجهر بالسوء، كما قال تعالى: {لاَّ يُحِبُّ اللّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوَءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ وَكَانَ اللّهُ سَمِيعاً عَلِيماً }.
===============(46/167)
(46/168)
القرامطة
إعداد الندوة العالمية للشباب الإسلامي
التعريف:
القرامطة حركة باطنية (*) هدامة تنتسب إلى شخص اسمه حمدان بن الأشعث ويلقب بقرمط لقصر قامته وساقيه وهو من خوزستان في الأهواز ثم رحل إلى الكوفة. وقد اعتمدت هذه الحركة التنظيم (*) السري العسكري، وكان ظاهرها التشيع لآل البيت والانتساب إلى محمد بن إسماعيل بن جعفر الصادق وحقيقتها الإلحاد (*) والإباحية وهدم الأخلاق (*) والقضاء على الدولة الإسلامية.
التأسيس وأبرز الشخصيات:
• يتضح لنا تطور الحركة من خلال دراسة شخصياتها الذين كانوا يظهرون الإسلام ويبطنون المجوسية وتركوا أثراً بارزاً على سيرهم وتشكلها عبر مسيرة طويلة من الزمن:
ـ بدأ عبد الله بن ميمون القداح رأس الأفعى القرمطية بنشر المبادئ الإسماعيلية في جنوب فارس سنة 260هـ.
ـ ومن ثم كان له داعية في العراق اسمه الفرج بن عثمان القاشاني المعروف بذكرويه الذي أخذ يبث الدعوة سراً.
ـ وفي سنة 278 هـ نهض حمدان قرمط بن الأشعث يبث الدعوة جهراً قرب الكوفة ثم بنى داراً سماها دار الهجرة وقد جعل الصلاة خمسين صلاة في اليوم.
ـ هرب ذكرويه واختفي عشرين عاماً، وبعث أولاده متفرقين في البلاد يدعون للحركة.
ـ استخلف ذكرويه أحمد بن القاسم الذي بطش بقوافل التجار والحجاج وهزم في حمص وسيق ذكرويه إلى بغداد وتوفي سنة 294هـ.
ـ التف القرامطة في البحرين حول الحسن بن بهرام ويعرف بأبي سعيد الجنابي الذي سار سنة 283هـ البصرة فهزم.
• قام بالأمر بعده ابنه سليمان بن الحسن بن بهرام ويعرف بأبي طاهر الذي استولى على كثير من بلاد الجزيرة العربية ودام ملكه فيها 30 سنة، ويعتبر مؤسس دولة القرامطة الحقيقي ومنظم دستورها السياسي الاجتماعي، بلغ من سطوته أن دفعت له حكومة بغداد الإتاوة ومن أعماله الرهيبة أنه:
ـ فتك هو ورجاله بالحُجاج حين رجوعهم من مكة ونهبوهم وتركوهم في الفقر حتى هلكوا.
ـ ملك الكوفة أيام المقتدر 295ـ 320هـ لمدة ستة أيام استحلها فيها.
ـ هاجم مكة عام 319هـ، وفتك بالحجاج، وهدم زمزم، وملأ المسجد بالقتلى، ونزع الكسوة، وقلع البيت العتيق، واقتلع الحجر الأسود، وسرقه إلى الأحساء، وبقي الحجر هناك عشرين سنة إلى عام 339هـ.
• توفي سليمان فآلت الأمور لأخيه الحسن الأعصم الذي قوي أمره واستولى على دمشق سنة 360هـ، ثم توجه إلى مصر ودارت معارك له مع الخلافة الفاطمية، لكن الأعصم ارتد وانهزم القرامطة وتراجعوا إلى الأحساء.
• خلع القرامطة الحسن لدعوته لبني العباس، أسند الأمر إلى رجلين هما جعفر وإسحاق اللذان توسعا ثم دار الخلاف بينهما وقاتلهم الأصفر التغلبي الذي ملك البحرين والأحساء وأنهى شوكتهم ودولتهم.
• وللمجتمع القرمطي ملامحه المتميزة إذ تشكلت في داخله أربع طبقات اجتماعية متميزة:
ـ الطبقة الأولى: وتسميهم رسائل إخوان الصفا (*) " الإخوان الأبرار الرحماء " وتشمل الشبان الذين تتراوح أعمارهم بين خمس عشرة وثلاثين سنة. وهم ممن على استعداد لقبول الأفكار القرمطية عقيدة وتمثلاً في نفوسهم.
ـ الطبقة الثانية: ويعرفون بـ "الإخوان الأخيار الفضلاء " وتشمل من كانت أعمارهم بين الثلاثين والأربعين سنة وهي مرتبة الرؤساء ذوي السياسات، ويكلفون بمراعاة " الإخوان " وتعهدهم وإظهار العطف عليهم ومساعدتهم.
ـ الطبقة الثالثة: وتشمل أولئك الذين هم بين الأربعين والخمسين من العمر، ممن يعرفون الناموس الإلهي وفق المفهوم القرمطي ويتمتعون بحق الأمر والنهي ودعم الدعوة القرمطية ودفع خصومها، وهؤلاء هم الذين ألفوا الرسائل العقائدية القرمطية وعمموها في الآفاق.
ـ الطبقة الرابعة: ويطلق على أصحاب هذه الطبقة اسم " المريدون " ثم " المعلمون " ثم " المقربون " إلى الله وتشمل من تجاوزت أعمارهم الخمسين سنة؛ وهي أعلى المراتب القرمطية، من يبلغها يكون في نظر هذه الفرقة من الناموس والطبيعة ويصبح من أهل الكشف (*) اللدني إذ يستطيع رؤية أحوال القيامة من البعث والنشور والحساب والميزان …
الأفكار والمعتقدات:
• حينما قام القرامطة بحركتهم أظهروا بعض الأفكار والآراء التي يزعمون أنهم يقاتلون من أجلها، فقد نادوا بأنهم يقاتلون من أجل آل البيت، وإن لم يكن آل البيت قد سلموا من سيوفهم.
• ثم أسسوا دولة شيوعية تقوم على شيوع الثروات وعدم احترام الملكية الشخصية.
• يجعلون الناس شركاء في النساء بحجة استئصال أسباب المباغضة فلا يجوز لأحد أن يحجب امرأته عن إخوانه وأشاعوا أن ذلك يعمل زيادة الألفة والمحبة (وهذا ما كان عليه المزدكيون الفارسيون من قبل).
• إلغاء أحكام الإسلام الأساسية كالصوم والصلاة وسائر الفرائض الأخرى.
• استخدام العنف ذريعة لتحقيق الأهداف.
• يعتقدون بإبطال القول بالمعاد والعقاب وأن الجنة هي النعيم في الدنيا والعذاب هو اشتغال أصحاب الشرائع بالصلاة والصيام والحج والجهاد (*).
• ينشرون معتقداتهم وأفكارهم بين العمال والفلاحين والبدو الجفاة وضعفاء النفوس وبين الذين يميلون إلى عاجل اللذات، وأصبح القرامطة بذلك مجتمع ملاحدة وسفاكين يستحلون النفوس والأموال والأعراض.(46/169)
• يقولون بالعصمة وإنه لا بد في كل زمان من إمام معصوم يؤول الظاهر ويساوي النبي في العصمة، ومن تأويلاتهم:
ـ الصيام: الإمساك عن كشف السر.
ـ البعث: الاهتداء إلى مذهبهم.
ـ النبي (*): عبارة عن شخص فاضت عليه من الإله الأول قوة قدسية صافية.
ـ القرآن: هو تعبير محمد عن المعارف التي فاضت عليه ومركب من جهته وسمي كلام الله مجازاً.
• يفرضون الضرائب على أتباعهم إلى حد يكاد يستغرق الدخل الفرديَّ لكل منهم.
• يقولون بوجود إلهين (*) قديمين أحدهما علة لوجود الثاني، وأن السابق خلق العالم بواسطة التالي لا بنفسه، الأول تام والثاني ناقص، والأول لا يوصف بوجود ولا عدم فلا هو موصوف ولا غير موصوف.
• يدخلون على الناس من جهة ظلم الأمة لعلي بن أبي طالب وقتلهم الحسين.
• يقولون بالرجعة (*) وأن علياً يعلم الغيب فإذا تمكنوا من الشخص أطلعوه على حقيقتهم في إسقاط التكاليف الشرعية وهدم الدين.
• يعتقدون بأن الأئمة والأديان (*) والأخلاق (*) ليست إلا ضلالاً.
• يدعون إلى مذهبهم اليهود والصابئة والنصارى والمجوسية (*) والفلاسفة وأصحاب المجون والملاحدة والدهريين، ويدخلون على كل شخص من الباب الذي يناسبه.
الجذور الفكرية والعقائدية:
• فلسفتهم مادية (*) تسربت إليها تعاليم الملاحدة والمتآمرين من أئمة الفرس.
• تأثروا بمبادئ الخوارج (*) الكلامية والسياسية ومذاهب الدهرية.
• يتعلقون بمذاهب الملحدين من مثل مزدك وزرادشت.
• أساس معتقدهم ترك العبادات والمحظورات وإقامة مجتمع يقوم على الإباحية والشيوع في النساء والمال.
• فكرتهم الجوهرية هي حشد جمهور كبير من الأنصار ودفعهم إلى العمل لغاية يجهلونها.
الانتشار ومواقع النفوذ:
دامت هذه الحركة (*) قرابة قرن من الزمان، وقد بدأت من جنوبي فارس وانتقلت إلى سواد الكوفة والبصرة وامتدت إلى الأحساء والبحرين واليمن وسيطرت على رقعة واسعة من جنوبي الجزيرة العربية والصحراء الوسطى وعمان وخراسان. وقد دخلوا مكة واستباحوها واحتلوا دمشق ووصلوا إلى حمص والسلمية. وقد مضت جيوشهم إلى مصر وعسكرت في عين شمس قرب القاهرة ثم انحسر سلطانهم وزالت دولتهم وسقط آخر معاقلهم في الأحساء والبحرين. هذا ومما يلاحظ الآن أن هناك كتابات مشبوهة تحاول أن تقدم حركة القرامطة وغيرها من حركات الردة على أنها حركات إصلاحية وأن قادتها رجال أحرار ينشدون العدالة والحرية (*).
ويتضح مما سبق:
أن هذه الحركة كان هدفها محاربة الإسلام بكل الوسائل وذلك بارتكاب الكبائر (*) وهتك الأعراض وسفك الدماء والسطو على الأموال وتحليل المحرمات بين أتباعهم حتى يجمعوا عليهم أصحاب الشهوات والمراهقين وأسافل الناس، وتعتبر عقائدها نفسها عقائد الإسماعيلية في خلاف في بعض النواحي التطبيقية التي لم يستطيع الإسماعيلية تطبيقها خوفاً من ثورة الناس عليهم ويخرجهم من الإسلام عقائدهم التالية:
أولاً: اعتقادهم باحتجاب الله في صورة البشر.
ثانياً: قولهم بوجود إلهين.
ثالثاً: تطبيقهم مبدأ إشاعة الأموال والنساء.
رابعاً: عدم التزامهم بتعاليم الإسلام في قليل أو كثير.
خامساً: فساد عقيدتهم في الوحي (*) والنبوة (*) والرسالة.
سادساً: انتهاكهم حرمات الإسلام بالاعتداء على الحجيج واقتحام الكعبة ونزع الحجر الأسود ونقله إلى مكان آخر.
سابعاً: إنكارهم للقيامة والجنة والنار.
--------------------------------------------------------
مراجع للتوسع:
ـ كشف أسرار الباطنية وأخبار القرامطة، محمد بن مالك الحمادي اليماني.
ـ تاريخ الجمعيات السرية والحركات الهدامة، محمد عبد الله عنان.
ـ تاريخ المذاهب الإسلامية، محمد أبو زهرة.
ـ المؤامرة على الإسلام، أنور الجندي.
ـ القرامطة، عبد الرحمن بن الجوزي.
ـ إسلام بلا مذاهب، الدكتور مصطفى الشكعة.
ـ الملل والنحل، لأبي الفتح الشهرستاني.
ـ فضائح الباطنية، لأبي حامد الغزالي.
ـ الفرق بين الفرق، عبد القاهر البغدادي.
ـ دراسات في الفرق والمذاهب القديمة والمعاصرة، عبد الله الأمين
=============(46/170)
(46/171)
الإلحاد وعلاقته باليهود والنصارى
مجلة البحوث الإسلامية - (ج 13 / ص 466)
(الجزء رقم : 14، الصفحة رقم: 208)
صفحة فارغة
(الجزء رقم : 14، الصفحة رقم: 209)
بسم الله الرحمن الرحيم
الإلحاد وعلاقته باليهود والنصارى
د . محمد بن سعد الشويعر
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين وبعد : .
فمنذ خلق الله الإنسان والصراع قائم بينه وبين الشيطان ، ثم ازداد الأمر مع ذريته . الشيطان وأعوانه من الجن والإنس ، يريدون إغواء بني آدم وصرفهم عن المنهج القويم . ونصب الحبائل لإبعادهم عن أمر الله وشرعه ، وعن طاعة رسله واتباع كتبه التي أنزل ، والمؤمنون من بني آدم يأتمرون بأمر الله ويتبعون رسله ويعملون بما أنزل عليهم ، فهم عباد الله المخلصون له ، الذين حماهم الله من الشيطان وحبائله ، وأشد الناس عداوة وحسدا للمسلمين هم اليهود والذين أشركوا ، وذلك لعداوتهم لله وتحديهم لرسالاته ووقوفهم ضدها ، وكراهيتهم لأنبياء الله عليهم الصلاة والسلام ، يقول الله تبارك وتعالى مخبرا عن اليهود وعدائهم للمسلمين ، وأنهم متلازمون في هذا يعنى اليهود مع الملاحدة وعبدة الأوثان سورة المائدة الآية 82 لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ سورة المائدة الآية 83 وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ .
ويقول تبارك وتعالى مخبرا عما حل بهم بعد أن تجاوزوا الحد في المعصية والمعاندة : سورة البقرة الآية 61 وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ .
وكما حرص اليهود في بث السموم والعداء للديانة النصرانية ، وفي وقوفهم ضد عيسى والحواريين فإن مواقفهم مع صلى الله عليه وسلم في المدينة معروفة في كتب السير ، وسجلها التاريخ ، بل أبان القرآن نماذج من حوارهم وعنادهم في أكثر من موضع ، كما رصدت من قبل كثير من كتب النصارى وتأريخهم مواقف للعداء المستحكم بين اليهودية والنصرانية .
وبدءوا أسلوبا جديدا في حربهم للإسلام على يد عبد الله بن سبأ اليهودي الذي دخل الإسلام ظاهرا ، أما باطنه فكان الإضلال والمباعدة بين المسلمين ودينهم ، فأنشأ الفرقة البأية ، وكان مما فتن الناس فيه قوله : بأن علي بن أبي طالب رضي الله عنه لم يقتل وإنما هو حي في السحاب ، ولو أتيتمونا بدماغه في سبعين صرة ما صدقنا موته ، ولا يموت حتى يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا انظر الفصل في الملل والأهواء والنحل لابن حزم ج5 ص 36 . .
حرك اليهود الجدل في تأريخ الإسلام منذ حل صلى الله عليه وسلم المدينة مهاجرا ، بل إن هناك أخبارا تعطينا الدلالة على اتصال اليهود بالمدينة - واسمها ذلك الوقت يثرب - بكفار مكة وإخبارهم ببعض الأمور التي تطرح أسئلة على رسول ا صلى الله عليه وسلم للتعجيز والحجاج ، لا للفائدة والوصول للحقيقة ، كالأسئلة التي وردت إجاباتها في سورة الكهف وهي مكية . لأن عرب الجزيرة قبل البعثة لم يكونوا أهل علم ، ولا معرفة بأحوال الأمم السابقة .
ولذا يؤدب الله جلت قدرته أمة صلى الله عليه وسلم ، بعد الهجرة للمدينة ، التي يسكنها قوم من أهل الكتاب في طريقة الحوار معهم ، والنقاش فيما يطرح من مسائل ، وهو اللين والرفق ، لينجذب طالب الحقيقة ، وتقوم الحجة على المعاند والمكابر ، فيقول سبحانه وتعالى : سورة العنكبوت الآية 46 وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ .
ولما كان اليهود يضمرون العداء ل صلى الله عليه وسلم ورسالته ، فإنهم سلكوا طرقا ملتوية لإضلال الناس ، فحركوا في الأمم المغلوبة كالفرس والروم جذور دياناتهم السابقة ليأتوا بطرق ظاهرها الإسلام ، وباطنها محاربته للتشكيك فيه .
فظهرت الزندقة في العهد العباسي ، كما تحرك النصارى وبدءوا يطرحون شبههم ويحاولون الظهور على المسلمين ، وكان أول رد جدلي حسب ما وصلنا خبره رسالة الجاحظ في " الرد على النصارى " ، وما ذكره
(الجزء رقم : 14، الصفحة رقم: 212)
المسعودي من جدل بين الرشيد وملوك الروم راجع مروج الذهب للمسعودي ج1 ص 365 - 374 . .(46/172)
وفي الحروب الصليبية حول النصارى الناحية الجدلية إلى قوات عسكرية ناوأت المسلمين ، حتى هيأ الله لهم قائدا رفع راية الإسلام عالية في بلاد الشام ومصر ضد عباد الصليب إنه صلاح الدين الأيوبي رحمه الله 532 - 589 ، الذي حرص أن يبني قاعدة وعقائد المسلمين ، قبل أن يحارب بهم أعداءهم ، فحرص رحمه الله على القضاء على دولة الفاطميين في مصر ؛ لأنها نشرت البدع وأماتت في المسلمين حب الجهاد في سبيل الله ، وقد حول مصر من التشيع الذي اهتمت به الدولة الفاطمية إلى السنة عندما استقدم علماء من الشام ، ووزعهم في أنحاء مصر لإصلاح عقائد أهل مصر قبل أن يدخل بهم المعركة ضد النصارى .
وقد نشط الجدل بين النصارى والمسلمين في العراق والشام ومصر ، ولكنه بلغ الذروة في الأندلس لكثرة النصارى واليهود في تلك البلاد ، خاصة وأن اليهود يحركون الشبه لدى النصارى ليجعلوهم في الصورة الجدلية وإلقاء العقبات في فهم الإسلام .
ومن الرسائل الجدلية القصيرة التي كتبها علماء الإسلام في الأندلس .
- الرد على اليهود للرقيلي .
- الرد على النصارى لأبي القاسم العتبي .
- وكتاب ابن أبي عبيد في الرد على النصارى .
(الجزء رقم : 14، الصفحة رقم: 213)
- كتاب الفصل في الملل والأهواء والنحل لابن حزم وهو من أقواها راجع الفصل ج1 ص15 . .
فالصراع بين الحق والباطل قائم إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ، وقد أخبر الصادق المصدوق في حديث رواه عوف بن مالك الأشجعي الأنصاري رضي الله عنه ، بأن رسول ا صلى الله عليه وسلم قال له : صحيح البخاري الجزية (3005),سنن ابن ماجه الفتن (4042),مسند أحمد بن حنبل (6/25). اعدد يا عوف ستا بين يدي الساعة : أولهن : موتي ، والثانية : فتح بيت المقدس ، والثالثة : موتان يكون في أمتي يأخذهم مثل مقاص الغنم ، والرابعة : فتنة تكون في أمتي وعظمها ، والخامسة : يفيض المال فيكم حتى إن الرجل ليعطى المائة دينار فيتسخطها والسادسة : هدنة تكون بينكم وبين بني الأصفر فيسيرون إليكم على ثمانين غاية ، قلت : ما الغاية . قال : الراية تحت كل راية اثنا عشر ألفا .
ولعل من تلك الرايات موجة الإلحاد التي حرص أعداء الإسلام على نشرها بين المسلمين لتشكيكهم في قدرة الإسلام على مسايرة الحياة الحاضرة من مالية وتربوية وعلمية وأمنية وغيرها بعد أن خسروا الحوار الجدلي بين الإسلام والنصرانية التي يدعون إليها .
إذ بدأ رجال خدموا الكنيسة وفي مناصب قيادية ، يندسون في بعض المجتمعات الإسلامية لإظهار - أولا : تمردهم على الكنيسة التي وجدوا تعليماتها وطقوسها لا تتفق مع منطق العقل ولا مع متطلبات العصر ، وما فيه من مستحدثات .
(الجزء رقم : 14، الصفحة رقم: 214)
وثانيا : وهذا هو هدفهم الأساسي لصرف المسلمين عن دينهم ، بالمعادلات التي لمسوها في عقائد أصحاب الديانات الأخرى ، فينصرف إليهم من لا خلفيات عقائدية أو علمية لديه في أمور الدين الإسلامي . وسوف أضرب في هذا الموقف مثالا واحدا ، من الأمثلة الكثيرة التي تنتشر في العالم الإسلامي بأسره ، ولدى الأقليات الإسلامية في أوروبا وأميركا وأستراليا مما يوجب اتخاذ عمل جماعي وموحد ، لتبصير أبناء الإسلام بما يراد بهم ، وتوضيح تلك الشبهات المطروحة أمامهم لصرفهم عن دينهم ، وشاهده من كتاب الله قول الله تعالى : سورة البقرة الآية 109 وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ .
ومما لاشك فيه أن العالم الغربي والشرقي يمر بمرحلة إلحادية عارمة نشأت عن الشيوعية والعلمانية ، حيث التمسوا في متاهاتهم الفكرية ، ما يحل قضاياهم المتشابكة ، فأصبحوا كالمستجير من الرمضاء بالنار ، حيث التجئوا للإلحاد للتمرد على الكنيسة وظلمها .
ومصداقا لقول الله تعالى : سورة البقرة الآية 120 وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ .
أجد أن الحالة التي سأذكر هنا ، وهي نموذج لحالات كثيرة تخرج هنا وهناك عن أولئك القوم ، تعطي فكرة عن الجهود التي تبذل لإخراج المسلمين عن جادة الصواب ، التي هي منهج الإسلام ، إلى متاهات
(الجزء رقم : 14، الصفحة رقم: 215)
فوضوية ، لكي يقولوا لبني جلدتهم بلسان الحال والمقال : إن المسلمين أيضا قد شعروا بالضجر الذي مر بنا ، فتركوا دينهم ، فتغتنم ذلك الكنيسة لتكثيف التبشير ، وجذب أولئك البشر روحانيا وعقائديا إليها ؛ لأن النفس البشرية مهما ابتعدت بالإلحاد والانصراف ، فهي في حاجة إلى الانتماء العقائدي لأي شيء يطرح أمامها .(46/173)
وهي والله مكيدة يمكرون من ورائها بالمسلمين سورة الأنفال الآية 30 وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ ليخرجوهم من الإسلام بالبعد عن مصدري التشريع فيه ، ثم جذبهم لتعاليم الكنيسة .
فلقد وصلتني من أحد الأخوة الغيورين على دينهم من دبي - بدولة الإمارات العربية المتحدة ، رسالة قد أرفق معها كتابا باللغة المليبارية بالهند واسمه : القرآن دراسة انتقادية من تأليف : جوزف ايدا ماروك . وقد صدر هذا الكتاب في شهر يوليو عام 1982 م .
يقع الكتاب في 174 صفحة باللغة المليباريه ، أما ترجمته إلى اللغة العربية فتقع في 79 صفحة .
وقد نشرت هذا الكتاب جمعية النشر الإلحادية الهندية ، ودار الكتب الزندقية هناك برقم ( 1 ) واحد . مما نستنتج معه أن هذه الجميعة جديدة التكوين ، وجديدة النشاط أيضا ، وأنها مركزة علمها في منطقة إسلامية في الهند ، وبلغة أكثر من يتكلمها المسلمون .
وقبل أن نعطي فكرة عن الكتاب ومداخل المؤلف في التلبيس ، فإن القارئ المسلم يجدر به أن يعرف شيئا عن المؤلف وأعماله حتى يتقي
(الجزء رقم : 14، الصفحة رقم: 216)
شره ، ويسعى بما أعطاه الله من جهد وعلم للتعريف به في أوساط المسلمين للرد على شبهاته ، وتوضيحا للمسلمين في كل مكان لمحاربة هذا المعاند لله ولرسالاته ، فالمؤلف هو جوزف - يوسف - ايدامارك ، ولد في أسرة من الأسر المسيحية السورية بمقاطعة " أيدوكي " " كيرالا " في عام 1934 م ، وكان أول أمره معروفا بتدينه وتمسكه بالنصرانية ، وكان خطيبا من خطباء التبشير ، ومعلما في إحدى مدارس الأحد ، وقد قام بخدمات سياسية ، وكان عضوا للجنة المركزية الشيوعية وأمينا لفرع كيرالا .
وألف في عام 1953 م كتاب " إنما عيسى بشر " فغضبت عليه الكنيسة وأخرج من مجلس : " مهارون شولي " وهو مجلس من مجالس المسيحية في الهند .
تزوج بامرأة هندوكية في كيرالا عام 1954 م . فبدأ من ذلك التأريخ نشاطه الإلحادي وأصدر : مجلة إلحادية شهرية باسم ايسكرا أي " شرارة النار " وقد انقطع إصدارها وكان حظه كبيرا في إصدار المنشورات الإلحادية مثل " تيرالى " و " يوكتى " وغيرهما ، كما كان مديرا للتحرير لكل من المجلات التالية : " مجلة سينما " و " حولية متوراما " و " منو راجيم " . وهو الآن مراسل دلهي لمجلة " كيرالا شبدم " أي " صوت كيرالا " الأسبوعية . وكانت له اليد الطولى في تأسيس " جمعية كيرالا الإلحادية " منذ عام 1956 م ، وكان من المؤسسين للمنظمة التي انتشرت في الهند للتحضيض ( الحث ) على مناكحة أهل الأديان المختلفة فيما بينهم ، وهم يريدون في ذلك أن تزوج المسلمات من غير المسلمين ليسهل تضليل المسلمين .
(الجزء رقم : 14، الصفحة رقم: 217)
ولعل نشاط جوزف ايدا مارك هذا في الهند وفي المناطق الإسلامية بالذات في كيرالا - أي خير الله - . وفي الدخول على المسلمين من ناحية التزاوج والانصهار العرقي ، وفي طباعة كتب ونشرات الإلحاد في المناطق الإسلامية في الهند وباللغات التي يتكلمها المسلمون بالذات ، مع جهوده المكثفة وتشكيكهم في دينهم ، كل هذه الاعتبارات وغيرها لعلها هي التي أهلته لأخذ الجائزة الإلحادية العالمية عام 1978 م . حيث يعتبر أول من نالها من آسيا .
ومع هذه النبذة عن حياته المليئة بما يغضب الله تعالى نذكر كلمة عمر بن الخطاب رضي الله عنه في قوله : عجبت لأهل الباطل وحرصهم على باطلهم ، وهذا ليس بغريب فعدو الله إبليس يعرف عن نفسه أنه على باطل ، ومع هذا يصر على السير في طريقه وإغواء الناس ، ولن أذكر هنا مضامين هذا الكتاب ؛ لأنه من أوله إلى آخره مليء بشبهات وأحقاد على الإسلام والرسولل الأمين r ، بآراء غير مركزه ولا مرتبة ، وفي جملتها هي من الشبهات التي يطرحها اليهود ، ويثيرها النصارى في هجومهم على الإسلام والقرآن الكريم ، الذي يصفونه دائما بأنه من وضع محمد . ثم بما يعرضون له من آراء حول الحدود الشرعية التي يصفونها بالقسوة ، وعن حياة الرسو صلى الله عليه وسلم العائلية وزواجه ، وتلك الأمور في مخرجها الأساسي شبهات من اليهود رددها النصارى ، وأثارها غيرهم من أصحاب الملل والنحل .
بل إن المبشرين ودعاة الكنيسة في كل مكان وزمان يثيرون هذه الشبه التي تعرض لها هذا المؤلف . . من باب التشكيك في صحة القرآن الكريم ، وإيهام الآخرين أنه من وضع البشر وليس من عند
(الجزء رقم : 14، الصفحة رقم: 218)
الله . وهم يأخذون هذا من طريقة الجدل بين اليهود والنصارى ، التي تشكك كل طائفة في الأخرى ، وتصف كتابها بالتعديل والتغيير ، وأنه من وضع أحبارهم ورهبانهم وزعماء الدين فيهم .
وإذا كانت المجتمعات غير الإسلامية قد ظهرت فيها مظالم ، وتسلط القوي على الضعيف ونتج عن ذلك أمور عديدة : من تفكك الأسرة ، وفقدان الرابطة الاجتماعية ، وخلو القلوب من الوازع ، وانتشار الجريمة ، واضطراب النفوس ، وكثرة القلق والحقد على الآخرين ، وغلبة الأنانية . . وغير هذا من النوازع التي تسعى إلى تخريب المجتمعات ، وضياع الرابطة الأسرية .(46/174)
فإن الإسلام فيه الحل لكل ما يعترض من مشكلة ، وما مر أو يمر بالعالم من اضطراب لتخليص أبناء الإسلام أولا من الغزو الإلحادي الموجه إليهم ، ولإشعار الأمم الأخرى بقدرة الإسلام على تخليصها من المشكلات التي تعاني منها ، لما في تشريعه وحدوده من قضاء على تلك المشكلات بالقضاء على مسبباتها .
فبالنسبة لأبناء المسلمين الذين غزوا في عقر دورهم ، وبلغاتهم القومية ، فإن الحل يكمن في تعاون المسلمين على الأمور التالية : .
أ - تعليم أبناء المسلمين منذ صغرهم أمور دينهم حتى يتسلحوا ضد أعدائهم وأعداء دين الله .
2 - وإذا كانت دراساتهم النظامية في مدارس علمانية لا تهتم بالدين الإسلامي فإن المسئولية تقع على الآباء والأمهات بتعليم الأولاد في المنزل ما يصلح شأنهم وعقائدهم .
3 - تنظيم مجموعات لأبناء المسلمين لتعليمهم في المسجد أو في المراكز
(الجزء رقم : 14، الصفحة رقم: 219)
الإسلامية ، وأن يتطوع القادر بتخصيص جزء من وقته أداء لحق الله الذي منحه القدرة والكفاءة ، ولا يبخل من لديه قدرة ومتسع من الوقت بالتعاون معه امتثالا لقول الله تعالى : سورة المائدة الآية 2 وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ .
4 - تنمية الحجاب لدى المرأة المسلمة ، وتشجيع الانفصال في التعليم عن الرجل لإيجاد الشخصية الإسلامية من البداية حسب أمر الله سورة الأحزاب الآية 53 ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ .
5 - تنظيم الندوات والمحاضرات الإسلامية للرجال والنساء وتشجيع النقاش وطرح الأسئلة ، والإجابة على الشبهات وتوضيح اختلاف نظرة الإسلام لكثير من الأمور عن النصرانية واليهودية ، حتى تتسع مدارك أبناء المسلمين لأن الإسلام يخاطب العقل .
6 - تقوية الرابطة في المجتمعات الإسلامية وخاصة عندما يكون المسلمون في بلاد بها معتقدات مختلفة .
7 - الاهتمام فيما بينهم بالمناسبات الإسلامية كالأعياد ويوم الجمعة ، وشهر الصوم وتشجيع التزاور والنقاش في الفوارق بين مناسبات المسلمين وغيرهم . ونبذ المناسبات الطارئه على المجتمع الإسلامي التي دخلته من أصحاب الأهواء والبدع .
أما بالنسبة للمسلمين عموما ، فإن هناك أمورا إذا أخذ بها ، كانت خير سلاح للوقوف بحزم وقوة ضد ظاهرة الإلحاد التي برزت في هذا العصر بصورة أكثر مما كانت معروفة به من قبل في مثل : .
(الجزء رقم : 14، الصفحة رقم: 220)
1 - تمكين عقيدة التوحيد من القلوب . فالإلحاد لم ينشأ إلا من خراب القلوب حيث حلها الشيطان واستوطنها .
يقول الله جلت قدرته سورة الذاريات الآية 56 وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ سورة الذاريات الآية 57 مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ سورة الذاريات الآية 58 إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ .
فالفرد إذا امتلأ قلبه بمعرفة الله ، وأخلص له سبحانه بالعبادة والوحدانية ، لن يجد هؤلاء الملاحدة منفذا يدخلون معه ، ولا تجد أفكارهم إلى نفسه سبيلا .
2 - ترابط المسلمين واهتمامهم بإخوانهم ؛ ليكونوا كالجسد الواحد كما جاء في الحديث الشريف ، فيعرفوا ما يحاك ضد إخوانهم في أي مكان من مكائد ، وما يطرح من شبهات فيعينوهم في الوقوف ضد ذلك حتى لا يقعوا فيه .
3 - العناية بالتعليم الإسلامي لتنمية العقيدة الصحيحة ، ونبذ الخلافات التي دخلت المجتمعات الإسلامية وغذاها أعداء الإسلام ، من باب " فرق تسد " .
4 - بذل المساعدات المالية والعلمية لأبناء المسلمين حتى يزدادوا علما ومعرفة لينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم . ومن ثم توجيه الثقافة والتعريف بالنافع من الضار .
5 - التصدي لشبهات الملاحدة التي تثار ، وتوضيحها بالدليل العقلي ، والدليل المنقول ؛ لأنها شبهات باطلة تتهاوى هشة أمام التوضيح والمناقشة ، وصدق الله إذ يقول : سورة النجم الآية 23 إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى .
(الجزء رقم : 14، الصفحة رقم: 221)
6 - العناية بالتوجيه الإعلامي من مسموع أو مقروء أو منظور ، وربط الأمور بمنطلق العقيدة الإسلامية ، فوسائل الإعلام في العصر الحاضر مدرسة لتوجيه أفراد المجتمع على اختلافهم ، وتبصيرهم بما يجب عليهم وما لهم ؛ لأنها تدخل كل بيت وتتحدث بكل لغة . 7 - الاهتمام بالتربية الخلقية ، والتأدب بآداب الإسلام فالإحسان إلى الآخرين من آداب الإسلام ويستبعد الآخرين ، والعدل بين الناس ، والصبر على أذاهم وغير هذا من الأمور التي تجذب الكافر وأصحاب النحل الأخرى إلى حظيرة الإسلام . هذه بعض الأمور التي تعين في التغلب على ظاهرة الإلحاد ، والكيد للإسلام وأهله . ويحضرني في هذا الموقف واقعتان حصلتا في العهد العباسي منهما نجد أسلوب علمائنا الأفاضل في معالجة مثل هذه الظاهرة بأسلوب مقنع .(46/175)
- الأولى حصلت لأحد علماء بغداد عندما طلب إليه مناظرة أحد الملاحدة في ميدان عام بالرصافة ، وقد تجمع الناس والعلماء ، فتأخر هذا الشيخ عن الحضور والناس ينتظرون ، وجاء بعد طول انتظار ، فابتدر الجميع قائلا ، وهو يعني الملحد الذي سوف يناظر : لقد تأخرت لأنني منذ وقت طويل ، وأنا جالس تحت تلك الشجرة أنتطرها تقطع نفسها ثم تصنع لي قاربا من جذرها فأركبه إليكم زورقا .
فضحك الملحد قائلا إن الشجرة لا بد لها من عامل معه فأس
(الجزء رقم : 14، الصفحة رقم: 222)
يقطعها ، ثم نجار ينشر خشبها ، ثم مسامير ومطرقة ، ليجمع من أعوادها قاربا ، ثم عمال يحركون المجاديف لتجتاز بك النهر حتى تصل إلينا .
فقال الشيخ : إذا كيف تقول : إن المصنوع في هذه الحياة ليس له صانع يوجده من العدم ، فما دام لا بد من عامل يعمل ، ونجار يصنع من أجل إصلاح قارب ؛ فلا بد إذا لهذا الكون من خالق يدبره وهو الله جل وعلا . فالأشياء لا توجد نفسها . فسكت الملحد وانخذل .
- أما الثانية فهي قصة أبي حنيفة رحمه الله مع جاره اليهودي الذي آذاه بفتح بيت الخلاء عليه ليؤذيه بالرائحة الكريهة ، فصبر الإمام أبو حنيفة عليه خمسة عشر عاما أداء لحق الجوار ، مع أنه قادر بكلمة واحدة لأمير المؤمنين أن ينتقم من هذا اليهودي شر انتقام ، وكان أن مرض أبو حنيفة فزاره اليهودي من جملة من زاره ، وقد تعمد أن يضع يده على أنفه إظهارا للاستياء مما يشم ، وبعد أن جلس عند أبي حنيفة ، قال له : منذ متى وهذه الرائحة الكريهة عندكم ؟ فقال : منذ جاورتنا ، منذ خمسة عشر عاما . فقال اليهودي : وقد صبرت من ذلك التاريخ ؟ قال : نعم . لأن ديننا يأمرنا بحسن الجوار . فبهت اليهودي ، ثم قال : دين هذه أخلاق علمائه فإنه خير دين ، أشهدك أنني أسلمت ، ونطق بالشهادتين ، ومن هذا كله ندرك علاقة النصرانية واليهودية بموجة الإلحاد السائدة في هذا العصر وحرصهما على مباعدة المسلمين عن دينهم .
نسأل الله السلامة والعافية لأمة الإسلام وأبناء المسلمين ، وأن يرزقهم التفقه في دينهم ، ومعرفة الحق حقا ويرزقهم اتباعه ، والباطل
(الجزء رقم : 14، الصفحة رقم: 223)
باطلا ويزرقهم اجتنابه ، وإنها لأمانة ملقاة على كاهل العلماء في توضيح حقيقة الإسلام ، وشرح تعاليمه ، والتصدي لكل شبهة تطرح على أي مستوى ، وفي أي مكان ، بالتفنيد والإيضاح ، وتبصير المسلمين بما يجب عليهم ، وهذا من نصر دين الله ، وأداء حق ما تحملته النفوس من علم بالدعوة والتوجيه ، والله كفيل بتأييدهم ونصرهم قال تعالى : سورة محمد الآية 7 يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ سورة محمد الآية 8 وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ .
والله الهادي سواء السبيل ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .
=============(46/176)
(46/177)
ضَعُف الإلحاد الصريح
مقالات عبد الله قادري الأهدل - (ج 45 / ص 1)
ضَعُف الإلحاد الصريح، فبرز النفاق القبيح
هذا الكوكب الأرضي فيه ثلاث فئات رئيسة في مواقفها الصريحة أو الملتوية: فريقان صريحان، وإن تباينا وتصارعا:
الفريق الأول: فريق المؤمنين بالله تعالى الإيمان الحق الصادق، وهم المسلمون من عهد آدم عليه السلام إلى يومنا هذا، لأن الإسلام هو الاستسلام الكامل لله تعالى، وإن اختلفت الشرائع بين الأنبياء والرسل وأممهم، وقد بينت ذلك في كتابي "الإيمان هو الأساس"
وأشير هنا إلى بعض الآيات الدالة على أن كل الأنبياء والرسل وأممهم هم على الإسلام بهذا المعنى:
{ وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدْ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنْ الصَّالِحِينَ (130) إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (131) وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمْ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (132) أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ إِلَهاً وَاحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (133)} [البقرة]
فإبراهم _ الأب الثاني للبشرية -{ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} وهو ويعقوب -إسرائيل - وصيا بنيهما فقالا: {فَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}
وعندما أراد يعقوب أن يطمئن على تمسك بنيه بوصيته سألهم عما سيموتون عليه، فـ{قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ إِلَهاً وَاحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ}
وقال تعالى في سياق إنزاله التوراة وحكم أنبياء بني إسرائيل بها:{إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ....} [المائدة (44)]
وقال عن حواريي عيسى صلى الله عليه وسلم {وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ} [المائدة (111)]
وبتتبع القرآن الكريم نجد أن جميع الأنبياء كانوا يدعون أممهم إلى الإسلام.
وقد ختم الله تلك الأديان بهذا الدين الخاتم الشامل الذي يهيمن على جميع الأديان، ولم يبق دين غيره يرضى به الله تعالى، كما قال: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلاَّ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمْ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (19) فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِي لِلَّهِ وَمَنْ اتَّبَعَنِي وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدْ اهْتَدَوا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (20}) [آل عمران]
وقال عن ملكة سبأ: {قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [النمل (44)]
وهو تعالى لا يرضى بأي دين سوى الإسلام، كما قال تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِيناً..} [المائدة(3)] هذا الفريق الأول الصريح في موقفه من هذا الدين يعلن بلسانه ويعمل بجوارحه ويعتقد بقلبه أنه مسلم، لا يلف ولا يدور ولا يداهن ولا تأخذه في الله لومة لائم، كما قال تعالى عنه في مطلع سورة البقرة: {ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاة وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (3) وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالآخرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4) أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ (5)} [البقرة]
وقال عنه في خواتيمها: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (285)} [البقرة]
وقال عنهم في سورة النساء: {وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُوْلَئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيما} [النساء (152)](46/178)
ولا أحد يصل إلى منزلة هذا الفريق المستقيم الملتزم بالإسلام الذي يعتز به ويصرح باعتزازه به، كما قال تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنْ الْمُسْلِمِينَ} [فصلت (33)]
هذا هو دأب هذا الفريق وموقفه لا يحيد عنه ولا يميل.
وهذا الفريق صنفان:
الصنف الأول: قد يبتلى بالأذى الشديد في نفسه وماله وعرضه، ليكفر بدينه ويعود عنه إلى غيره من الكفر.
وهو قوي الإيمان شديد التحمل والصبر في ذات الله، فلا يستجيب لمن آذاه وعذبه ولو أدى ذلك إلى قتله وإزهاق روحه، مع أن الله قد أذن له في اتقاء شر عدوه بإظهار موافقته في الظاهر مع ثبات قلبه على إيمانه في الواقع، كما قال تعالى في أمثاله:
{لا يَتَّخِذْ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنْ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمْ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ} [آل عمران (28)]
ومن هؤلاء بلال بن أرباح رضي الله عنه الذي اشتد عليه أذى المشركين، فتحمل الأذى الذي لم يزده إلا ثباتا على دينه، فلم يجدوا منه إلا قوله:"أحد أحد" وكذا سمية أم عمار بن ياسر رضي الله عنهما التي ثبتت على دينها ولم ترجع حتى قتلها أبو جهل لعنه الله.
الصنف الثاني: لا قدرة له على الصبر على شدة الأذى وتكرره عليه، ومن هذا الصنف عمار بن ياسر رضي الله عنه الذي أظهر للكفار الذين عذبوه ما أرادوا من سب الرسو صلى الله عليه وسلم وسب الإسلام مع ثبات قلبه على الإيمان.
وفي أمثاله نزل قول الله تعالى:
{مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنْ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [النحل (106)]
هذا هو الفريق الأول من الفريقين الصريحين في موقفهما.
الفريق الثاني الصريح في موقفه من الإيمان: فريق الكافرين بالإسلام الذين يجاهرون بكفرهم به، سواء كانوا وثنيين، كمشركي قريش ومشركي الهندوس ومشركي البوذيين ومن شابههم، ممن يعبدون الأصنام والأوثان، أو كانوا في الأصل على الإسلام مؤمنين بكتب سماوية مثل التوراة التي نزلت إلى موسى و الإنجيل الذي نزل على عيسى صلى الله عليهما وعلى جميع رسل الله تعالى، ثم كتموا ما في كتبهم من البشارة بالرسو صلى الله عليه وسلم ووجوب الإيمان به وبما جاء به من الإسلام، أو حرفوا تلك الكتب تحريفا أخرجها من أن تكون هي الكتب المنزلة من عند الله تعالى.
هذا الفريق مع تعدد أصنافه وتنوع ملله هم كفار صرحاء يعلنون كفرهم ولا يحيدون عنه لا في معتقدهم ولا بألسنتهم ولا بجوارحهم، كما قال تعالى عنهم: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ ءأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ} [البقرة (6)]
وقال تعالى: {بَلْ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ (2) كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ فَنَادَوْا وَلاتَ حِينَ مَنَاصٍ (3) وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ (4) أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ (5) وَانطَلَقَ الْمَلأ مِنْهُمْ أَنْ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ (6) مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلاَّ اخْتِلاقٌ (7)} [ص]
و كما قال تعالى عن قول قوم هود لنبيهم صلى الله عليه وسلم
{قَالُوا سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنْ الْوَاعِظِينَ (136) إِنْ هَذَا إِلاَّ خُلُقُ الأَوَّلِينَ (137) وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (138)} [الشعراء]
الفريق الثالث: كفار شديدو الحرص على تحقيق مصالحهم المادية التي يتلونون ويتقلبون بتقلبها، وهم الذين يظهرون أنهم مسلمون إذا كان المسلمون أقوياء، فيظهرون للمسلمين أنهم منهم ليتخذوا ذلك وسيلة للحصول على منافعهم قِبَلَ المسلمين، ويظهرون للكفار خفية عن المسلمين أنهم منهم، حتى إذا قويت شوكتهم على المسلمين، نالوا منهم مآربهم، وهؤلاء هم المنافقون الذين قد يتخذون مسميات شتى تتناسب مع العصر الذين يعيشون فيه.
وفي هذا الفريق قال تعالى: {وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (8) يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (9)} [البقرة]
وكشفت آيات الكتاب المبين والسنة المطهرة صفاتهم ودسائسهم ومكرهم بالمسلمين وموالاتهم لإخوانهم الصرحاء الكافرين في حقيقة الأمر، وإن تظاهروا بالولاء للمسلمين حرصا على مصالحهم المادية، عندما يكون المسلمين أقوياء.(46/179)
ومن أهم ما ذكره الله تعالى عنهم في ذلك تربصهم بالمؤمنين وانتظار انتصارهم على الكفار أو انتصار الكفار عليهم، فإذا انتصر المؤمنون طلبوا منهم أن يشركوهم في ثمرات ذلك النصر من غنائم ومنح ووظائف في دولتهم، لأنهم كانوا بزعمهم معهم، وإن كان لإخوانهم الكفار نصيب من النصر العاجل على المسلمين، ألحوا عليهم في إشراكهم معهم كذلك، محتجين عليهم بأنهم أيدوهم على المؤمنين، كما قال تعالى:{الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنْ اللَّهِ قَالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً (141) إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلاَّ قَلِيلاً (142) مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لا إِلَى هَؤُلاءِ وَلا إِلَى هَؤُلاءِ وَمَنْ يُضْلِلْ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً} (143) [النساء]
وذكر تعالى عنهم بأنهم يحاولون خداع بدعواهم الإيمان بما يؤكدون لهم من الأيمان الكاذبة، من أجل أن يستروا كفرهم بها، كما قال تعالى:
{إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ (1) اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (2)} [المنافقون]
وقد بسطت القول عن المنافقين وما تجب من معاشرة المسلمين لهم في مبحث آخر.
والمقصود هنا كشف منافقي عصرنا.
فقد صدع كثير من ذراري المسلمين بكفرهم بالإسلام، وكفرهم بالله وكتبه ورسله واليوم الآخر، وكونوا أحزابا تنوعت أسماؤها ولكن غالبها كانت تتفق في العداء للإسلام وحربه وحرب أهله، وقامت لبعضهم دول على أساس الإلحاد الصريح، وبخاصة الشيوعيين الملحدين.
هؤلاء وصفوا الإسلام بالرجعية والتأخر، ووصفوا أهله بالرجعيين والمتأخرين، وقتلوا دعاة الإسلام واعتقلوهم وسجنوهم وشردوهم وأهانوهم.
وقاموا في بعض بلدان المسلمين بانقلابات عسكرية نجحوا في بعضها وأخفقوا في بعضها الآخر، وأذاقوا شعوبهم ما أذاقوها من فقر وبذلوا جهدهم في إفساد تلك الشعوب في عقائدها وسلوكها، وسلبوها حريتها، وتبع بعضهم أسيادهم في المعسكر الشرقي الملحد، ويمم بعضهم وجهه شطر المعسكر الغربي الرأسمالي، تبعوهم في عقائدهم وسلوكهم المشين، ولم يتبعوهم في تنظيم بلدانهم وحسن إدارتها وتقدم صناعتها ونهضتها المادية النافعة لشعوبهم.
وجربوا كل مبدأ هدام ليطبقوه في بلدانهم، فباءوا بالخيبة والخسران، وتساقطت تلك المبادئ المنحرفة وتهدمت عروش الإلحاد والكفر الصريحين في بلدان المسلمين وكشف الله عوار أهلها وبدت للناس سوآتهم، فأقبل شباب الأمة الإسلامية في مشارق الأرض ومغاربها إلى الإسلام، وعادوا ينهلون من نبعه الصافي ويتمسكون بدينهم الحنيف، وأصبحوا يسخرون من مبادئ الكفر والإلحاد بعد كانوا مبهورين بها.
فلجأ أهل تلك المبادئ الكافرة الملحدة إلى ما سار عليه أسلافهم في العصور السابقة، كعبد الله بن أبي وأتباعه، وسلكوا نفس سبيلهم الذي سلكوه مع المسلمين يظهرون أنهم منهم ويحرصون على نيل ما ينفعهم من أحكام الإسلام التي لا ينالونها لو أعلنوا كفرهم صراحة، ويحاولون الهرب من تكاليفه المالية والجهادية وغيرها مما يرون أن فيه مشقة عليهم، ومع اليهود والنصارى.
فإذا خلوا مع المسلمين قالوا: {إنا معكم} وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا: {إنا معكم إنما نحن مستهزئون}.
================(46/180)
(46/181)
المعرض و (( وتسويق )) الزندقة والقاذورات
أجلب معرض الرياض الدولي لهذا العام بخيله ورجله ، ومكّن لأرباب دور النشر الموبوءة من ترويج كتب الزندقة والإلحاد , وتسويق كتب تحوي سبّاً لله عزّوجلّ , والاستخفاف بشرعه المنزّل , والانتقاص لأنبياء الله عليهم السلام , كما عَمَد المعرض إلى إشاعة كتب الفحش والمجون , والقاذورات والزنى وسائر الخبائث. هذا الحدث الحافل بالانتكاسات والانسلاخ عن دينه القويم والخلق الرفيع يستوجب الوقفات التالية :-
1- تتبع الخليفة العباسي المهدي (ت 127هـ) الزنادقة , فجدّ في طلبهم , وتتبعهم في سائر الآفاق , واستحضرهم وقتلهم صبراً بين يديه , وأما أرباب المعرض فقد تتبعوا دور الزنادقة , وأحضروها , وروّجوها بين يدي الناشئة وفي بلاد الحرمين -طهرها الله من كل رجس ونجس- .
2- الإيمان بالله مبني على التعظيم والإجلال للربّ عزّوجلّ , ولاشك أن سبّ الله تعالى والاستهزاء به يناقض هذا التعظيم ويبطله , قال تعالى :- { إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُّهِيناً } الأحزاب57 .
وقد غص المعرض بكتب كثيرة في سبّ الله تعالى وانتقاصه , فأين تعظيم الله يا أرباب المعرض ؟! ألا توقنون بالبعث والنشور والوقوف بين يدي الجبار جل جلاله ؟!
ها أنتم سوّقتم كتب الزندقة المطمورة والمغمورة , وأَذِنتم في بيع كتب الملاحدة من الشيوعيين -وأشباههم- من المارقين عن الدين والعقل والفطرة , مع أن الفكر الشيوعي قد انحسر وصار جلّه في مزبلة التاريخ , لكن يأبى هؤلاء القوم إلا أن ينقبوا هذه المزابل , ويسعوا إلى ترويج الكتب في سبّ الله تعالى وإنكار وجوده .
ورحم الله الفقيه المالكي ابن حبيب لما أفتى بسفك دم من تلفظ بعبارة فيها رعونة وسوء أدب في حق الله تعالى , وقال ابن حبيب -في شأن هذا الموبوء- :- (( دمه في عنقي , أيشتم ربّا عبدناه , ثم لا ننتصر له , إنا إذاً لعبيد سوء , وما نحن له بعبيد )) ثم بكى , ثم علم الأمير عبدالرحمن بن الحكم الأموي بذلك , فخرج الأمر بقتله , وصُلب بحضرة الفقيه ابن حبيب (انظر الشفاء للقاضي عياض 2/1094,1093).
وهل سبّ الله وشتمه ثقافة وعلم يا أرباب المعرض ؟! فاللهم إنا نبرأ إليك مما صنع هؤلاء ..
3- حرر ابن القيّم أن الكتب المشتملة على الكذب والبدعة يجب إتلافها وإعدامها , فلا ضمان في تحريق الكتب المضلة ومحقها . (انظر الطرق الحكمية ص 254-257) .
لكن أرباب هذا المعرض المأمون لم يقتصروا على كتب أهل الأهواء والبدع , بل تجاوزوا ذلك إلى كتب الردة المغلّظة , فجُلبت إلى المعرض , وبيعت جهاراً نهاراً . ولما رأى رسول ا صلى الله عليه وسلم صحيفةَ التوراة مع عمر الفاروق رضي الله عنه , فقال عليه الصلاة والسلام :- (( أمتهوكون أنتم ؟ لو كان موسى حيّاً لما وسعه إلا اتباعي )) وقد التزم عمر بذلك , فلما اسُتخلِف رضي الله عنه , وفتحت ((تستر)) وعثر على جسد ((دانيال)) وكتبه , فأمر عمر بدفن ذلك في مكان لا يُعرف .
وفي هذا المعرض يجلب التلمود والإنجيل وسائر الكتب المحرفة المنسوخة ..., فنبي الرحمة r يحذّر من تلك الكتب , والفاروق عمر رضي الله عنه يأمر بدفنها , وأما المعرض فقد جلبها وسوّقها ونبشها واستخرجها , وجاء بها إلى بلاد الحرمين . وهذا ((النبش)) يذكّرنا بصنيع عمرو بن لحي والذي استخرج الأصنام , ودعا الناس إلى عبادتها , فهل حاكى أرباب المعرض عمر الفاروق أم عمرو ابن لحي ؟!
4- حوى المعرض كمّاً هائلاً من القصص والروايات التي ((تُسوِّق)) الفاحشة , وتزيّن فعل القاذورات , وتغري بأنواع المسخ والشذوذ وسائر الخبائث . يقول تعالى : { وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ } الأنعام151 وقا صلى الله عليه وسلم :- (( من أصاب من هذه القاذورات شيئاً فليستتر بستر الله فإن من يبدي لنا صفحته نُقِم عليه حد الله)) أخرجه مالك في الموطأ. وقد يستحوذ على بعض الآدميين السعار الجنسي , فيظل أسيراً في ماخور , أو رقيقاً لمومس وشبهها , ويطمع أن يوقع الشرفاء في شراك الفحش والفجور , وكما قال بعض الصحابة رضي الله عنهم : ودتْ الزانية لو زنى النساء كلهن .
ورحم الله الأستاذ محمد الغزالي إذ يقول :- ((نحن نعلم أن بعض الناس يعيش أغلب أوقاته في شبكة ((المجاري)) , ويبدو أن بعض الأدباء أَلِف الحياة في مجاري المجتمع ومساربه السفلى، والمدهش أنه يريد جرّ الآخرين إلى مستواه الخُلقي، أو أنه يريد نقل روائحه المنتنة إلى ظاهر الحياة محاولاً طمس ما نبت فوقها من حدائق , وما فاح في جوها من عطور.. كذلك يصنع كتّاب الجنس في بلادنا، وفي أكثر أقطار الدنيا..)) حصاد الغرور , ص (104).(46/182)
إن تأجيج الشهوات وإطلاقها لن يخلف إلا شقاء ونكداً , ولن يورث إلا انسلاخاً من الدين , وتدهوراً للأمن , ونقصاً في الأموال والثمرات , وتاريخ الحضارات القديمة والحديثة شاهد على ذلك ,لكن أرباب الشهوات لا يعقلون . وإذا كانت وزارة الصحة تكابد ويلات الأمراض الجنسية , حتى اشُترط السلامة من ((الإيدز)) عند النكاح , فهل ترويج هذه الروايات الجنسية القذرة يحقق شرط السلامة من أرباب الفواحش يا أرباب المعرض ؟!
وأخيراً فإن هذا المعرض -بعجره وبجره- لم يلتفت إلى الهوية الثقافية لهذا البلد , فلم يرفع رأساً بشأن عقيدة الإسلام -فضلاً عن عقيدة أهل السنة والجماعة- ولم يبالي بالثوابت الشرعية وما كان معلوماً من الدين بالضرورة , فأين ((الأمن الفكري)) لمن يزعزع الثوابت الشرعية وينتقص شعائر الإسلام وحرماته !؟ إضافة إلى ذلك فإن تسويق كتب الزندقة والفحش قد يورث استفزازاً لا يمكن ضبطه , ويورث حنقاً وتصرفات لا تحمد عقباها , فأين العقل والسياسة يا أرباب المعرض و الثقافة ؟!
والله حسبنا ونعم الوكيل.
============(46/183)
(46/184)
من ابنِ الراوندي إلى أبناءِ راند: الزنْدَقةُ تُجدِّدُ نفسَها
أحمد بن عبد المحسن العساف
ابنُ الراوندي رمزٌ من رموزِ الإلحادِ والزندقةِ في تاريخنا الإسلامي، وهو أبو الحسن أحمدُ بنُ يحيى الراوندي نسبةً إلى قريةِ رَاوَند الواقعةِ بينَ أصفهانَ وكاشان في فارس، ولدَ عام 210 وتُوفي في الأربعين من عمره مخلِّفاً وراءَه أكثرَ من مئةِ كتابٍ طافحةٍ بالمخازي والافتراءاتِ التي تُبَيِّنُ خُروجَه عن دينِ الإسلام، وقد كانَ يهودياً ثمَّ دخلَ الإسلامَ وتنقَّلَ بينَ عدَّةِ مذاهبَ حتى ماتَ كافراً ملحداً والعياذُ باللهِ من سوءِ الختام.
وله تصانيفٌ كثيرةٌ في الحطِّ على الملَّةِ وتنقُّصِ النبواتِ والقرآنِ وكانَ يلازمُ الرافضةَ والملاحدةَ فإذا عُوتبَ قالَ: إنَّما أريدُ أنْ أعرفَ أقوالهَم. قالَ فيه ابنُ عقيل: عجبي كيفَ لم يقتلْ وقد صنَّفَ " الدامغ " يدمغُ به القرآنَ؛ و"الزمردة " يُزري فيه على النُبُوات! وقال ابنُ الجوزي في المنتظم: وقد نظرتُ في كتابِ "الزمرد" فوجدتُ فيه الهذيانَ البارد؛ وحتى المعرّي هاجمَ ابن الراوندي وسفَّهَ آرائه الساقطة.
وبلغتْ به الدناءةُ والخِسةُ أنْ ألَّفَ للشيعةِ كتاباً ضدَّ مذهبِ أهلِ السُّنة نظيرَ مبلغٍ زهيدٍ لا يتجاوزُ 33 ديناراً فقط؛ وألَّفَ لليهودِ كتابَ " البصيرة " يحتجُ لهم في إبطالِ نُبُوةِ سيِّدِ البشرِ- عليه الصلاةُ والسلام- مقابلَ 400 درهمٍ فقط وما أرخصَ نفسَه عليه! وعَمِلَ نسَّاخاً للكتبِ لكنَّه طُرِدَ من هذا العملِ وفشلَ فيه لأنَّه يضعُ زياداتٍ وإضافاتٍ من عندِه على أصولِ الكتب. وقد طلبَه السلطانُ بعد نشره أحدَ كتبه فاختفى عندَ ابن لاوي اليهودي حتى ماتَ طريداً مستخفياً بين اليهود! وسردَ ابنُ الجوزي بلاياه في عدَّةِ صفحات؛ وقال الذهبيُّ في ختامِ ترجَمته: لعنَ اللهُ الذكاءَ بلا إيمانٍ ورضيَ عن البلادةِ معَ التقوى؛ ونُقلَ عن أبي عليٍّ الجبائي المعتزلي قولَه: قرأتُ كتابَ هذا الملحدِ الجاهلِ السفيهِ ابن الراوندي فلم أجدْ فيه إلاَّ السفهَ، والكذبَ، والافتراء؛ وكانَ ذكياً غيرَ زكيٍّ كما وصفهُ شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميِّة.
وبعد ألفٍ ومئتي عامٍ تقريباً من وفاةِ هذا الملحدِ الزنديق صدرَ تقريرُ "راند 2007 "* بعنوان:بناءُ شبكاتٍ مسلمةٍ معتدلة؛ و" راند "هو أكبرُ مركزٍ فكريٍّ في العالم ولهُ تأثيرٌ كبيرٌ على السياسةِ الأمريكيةِ خاصةً مع الحكومةِ الغازيةِ اليمينيةِ الحاليةِ؛ وللمركزِ فرعٌ عربيٌّ وحيدٌ في دولةِ ( قطر )، ويعلنُ هذا المركزُ تحريضَه الصريحَ ضدَّ الإسلامِ وشعائرهِ وضدَّ بلدانٍ إسلاميةٍ على رأسها السعودية.
يوصي التقريرُ بتأييدِ التياراتِ العلمانية والليبرالية والعصرانية والصوفية في العالمِ الإسلامي لتتولى تغييرَ الإسلامِ وحربَ جميعِ التياراتِ الإسلاميِّةِ دونَ تمييزٍ بينَ حملةِ السلاحِ وحملةِ الأفكارِ أو بينَ المقاومةِ المشروعةِ وأعمالِ العنفِ، لتكتملَ بذلكَ حلقةُ الصراعِ ضدَّ الإسلامِ فكرياً وعسكرياً وأمنياً واقتصادياً، فهو تقريرٌ عدائيٌ ضدَّ الإسلامِ وكلِّ تيارٍ إسلاميٍّ بل وكلِّ مَنْ لا يُعادي الإسلامَ صراحة.
ويضعُ التقريرُ وصفاً للاعتدالِ بمفهومٍ ونكهةٍ أمريكيةٍ تتناسبُ مع المصالحِ الاستراتيجيةِ الأمريكيةِ على أنْ تُحاكمَ جميعُ أطيافِ العالمِ الإسلاميِّ إلى هذا المفهومِ من خلالِ اختبارٍ دقيقٍ لا يحتملُ غيرَ الكفرِ الصريحِ أو الثباتِ على الإسلام.وللمعتدلين حسبَ وجهةِ نظرِ "راند" مواصفاتٌ هي:
o قبولُ الديمقراطيةِ قبولاً كاملاً ورفضُ فكرةِ الدولةِ الإسلامية.
o القبولُ بالمصادرِ غيرِ المذهبيةِ لتشريعِ القوانين.
o احترامُ حقوقِ النساءِ والأقلياتِ الدينية. (مثل:حرية تغيير الدين؛ والإذن ببناء دور العبادة؛ وتولي مناصب سياسية عليا؛ والمساواة التامة بين الجنسين وفتح الباب على مصراعيه بلا حواجز للزنا والفجور)
o نبذُ الإرهابِ والعنفِ غيرِ المشروع.
كما يدعو التقريرُ إلى تفسيرِ الإسلام بما يتماشى مع القوانينِ الدولية وحقوقِ الإنسان وحقوق المرأة، وإلى حمايةِ المعتدلين- بالمفهوم الأمريكي- من الحكومات التسلطية ومن الإسلاميين، مع ضرورة السماح للمعتدلين بانتقادِ أمريكا لتحقيقِ قدرٍ من المصداقية والقبولِ الشعبي.
وينصحُ التقريرُ بتجاهلِ الدولِ في سبيلِ تحقيقِ هذه الاستراتيجية مما يعني الاعتداء على سيادةِ البلدان؛ وينبه " راند " أتباعه إلى استغلالِ التعليم والإعلامِ والعمل الإنساني الخيري لنشرِ مفاهيمِ الزندقةِ الجديدة تحت ستار الاعتدال وما أجملها من كلمة! كما يؤكدُ التقريرُ على أهميةِ حشدِ النصوصِ الشرعيِّةِ التي تؤيدُ مفاهيمَ الاعتدالِ الأمريكي ونشرِها بكلِّ وسيلةٍ بعيداً عن المسجد.
وقد قسَّمَ التقريرُ الأصنافَ التي يمكنُ التعاونُ معها إلى ثلاثِ طوائفَ هي:
• العلمانيون الليبراليون والأنظمةُ التي تُعادى الحكمَ الإسلاميَّ صراحةً مثلَ نظامِ مجرمي تونس وهذه تزكيةٌ "راندية" للملأِّ في تونس!
• العصرانيون بعد اجتيازهم اختبار الاعتدال.(46/185)
• التقليديون( الصوفية الشركية الوثنية).
كما حدَّدَ التقريرُ الأصنافَ التي يُمنعُ التعاونُ معها وهم:
( التياراتُ الإسلاميةُ مهما كانت رخاوتها وعقلانيتها!
( الأنظمةُ العلمانيةُ التسلطيةُ التي لا تُعادي الإسلامَ صراحة.
ونلاحظُ أنَّ ابنَ الراوندي ظهرَ في مركزِ العالمِ الإسلامي ولم يكنْ مؤيداً من دولةٍ كافرة وكانَ يخشى السلطانَ ويتنصَّلُ من بعضِ سوءاتهِ الفكريِّةِ إنْ خُوصمَ واتخذَ من الكتابةِ والتأليفِ والمناظرةِ سبيلاً لنشرِ ضلالاتِه التي عادى فيها أكثرَ الفرقِ والمذاهبِ المنتميةِ للإسلام. بينما أبناءُ "راند" لا يخافونَ من الحكوماتِ الإسلامية لأنَّهم يستندونَ إلى ركنٍ أمريكي شديد ويجاهرونَ بأفكارهم بلا خوفٍ أوتهيُّبٍ ويتخذونَ من الإعلامِ والتعليمِ والعملِ الخيري طرقاً لدعوتهم الكفريِّة محتجين بنصوصٍ شرعيِّةٍ على خلافِ دلالتها ويحرصون على البدءِ بأطرافِ العالمِ الإسلاميِّ قبل مركزه وهم كُثر- لا كثَّرهم الله- وليسوا رجالاً فقط بل رجالٌ ونساءٌ وأشباه.
وإنَّ هذا التقريرَ فرصةٌ للمسلمين جميعاً أفراداً وجماعاتٍ ودولاً:
فرصةٌ ليعودَ النَّاسُ لربِّ العالمين.
فرصةٌ ليبحثَ كلُّ مسلمٍ عن مكانه في ساحةِ الجهادِ الكبرى المتنوعةِ وعن الثغرةِ التي يحرسها.
فرصةٌ لتراجعَ التياراتُ الإسلاميةُ نفسَها في المناهجِ والبرامجِ والسياساتِ العامَّةِ فلم يعدْ مجرَّدُ التميعِ والتساهلِ وعباراتُ الرخاوةِ مقبولةً لدى أمريكا والغرب بلْ لا بدَّ من كفرٍ صراحٍ يعرفُه الناشئُ قبلَ المُكتهل.
فرصةٌ لتوحيدِ الجهودِ الإسلاميةِ وفقَ الكتابِ والسنةِ على فهمِ سلفنا الصالح.
فرصةٌ لتصالحَ الدولُ والحكوماتُ شعوبَها.
فرصةٌ لاقترابِ الدولِ والساسةِ من الصالحينَ والأخيار الذين يستحيل تواطؤهم مع الخارج على الخيانة.
فرصةٌ لتعيدَ الحكوماتُ النظرَ في تعاملها مع التياراتِ البِدعيِّةِ والشركيِّةِ واللادينية.
فرصةٌ لتوجيه رسالةٍ تربويةٍ لعامةِ شرائحِ المجتمع.
فرصةٌ لتعزيزِ الدعوة إلى الله في أطرافِ العالمِ الإسلامي.
فرصةٌ للعلماءِ أن يقودوا حملةَ المواجهةِ والمقاومة.
فرصةٌ لقراءةِ العدوِّ وفهمهِ من داخله وإشغاله بنفسه أو في البلدانِ التي احتلها.
فرصةٌ لقيام مراكز بحوثٍ ودراساتٍ غير ربحيةٍ تهتمُ باستراتيجياتِ الدعوةِ والتحصينِ والمقاومة.
فرصةٌ لتوبةِ مَنْ " تعلمن " أو " تلبرر " دونَ أنْ يتوقعَ هذا المستوى السحيقِ من الانحدارِ؛ أو لمن يبحثُ عن سبيلِ نجاةٍ وعودة ممن تورط بانتماء لاديني.
فرصةٌ للمزيدِ من البلاءِ الحسنِ حتى نلقى اللهَ ثابتين على الحقِّ الذي نعتقده.
فرصةٌ لتمايزِ الصفوفِ وفضحِ أعداءِ اللهِ الذين سيظهرون بلا حُجُب.
فرصةٌ للعنايةِ المضاعفةِ بالمرأةِ المسلمةِ والدفاعِ عنها من داخلِ عالمها فضلاً عن خارجه.
فرصةٌ لدعوةِ " الأقليات " للإسلامِ والسُنَّة.
وما أكثرُ الفرصِ لمن تأملَّ ونظرَ بعينِ بصيرته وهمومِ مستقبلِ أمته؛ فإنْ استجمعنا لهذه المنحِ قوانا وقدراتنا فثمَّ الرشادُ والنُجُح، وإنْ تركناها صارتْ غُصَصا مليئةًً بالويلاتِ والمحنِ؛ وعبادُ الرحمن أولى النَّاسِ بالحكمةِ في التفكيرِ والتصورِ وفي التخطيطِ المتقنِ والأداءِ المنضبط مستعينين بالله متوكلين عليه- سبحانه-.
* للمزيد حول هذا التقرير ينظر: استراتيجيات غربية لاحتواء الإسلام: قراءة في تقرير راند2007-د.باسم خفاجي/المركز العربي للدراسات الإنسانية- سلسلة رؤى معاصرة .
أحمد بن عبد المحسن العساف-الرياض
الخميس 28 من شهر جمادى الأولى عام 1428
==============(46/186)
(46/187)
الدخول من بوابة الأحزان
عبدالرحمن بن صالح العشماوي
جرح ٌ على جرحٍ تهز كياني ***** وتمد لي لهبا من الأحزانِ
خط من الألم المبرّح ساخنٌ ***** يسري من الأقصى إلى الشيشانِ
ويضم كوسوفا التي اكتملت بها ***** مأساة هذا العصر في البلقانِ
ويضم باميرا التي شهدت بما ***** شهد المدى من حسرة الأفغانِ
ويثير ألف قضية وقضية ***** رحلت بأمتنا إلى الطوفانِ
يا صرخة الألم التي اشتعلت على ***** شفة الجريح كألسن النيرانِ
يا أدمع الثكلى التي رسمت لنا ***** في مقلتيها حسرة الوجدانِ
يا ألف باكية وألف يتيمة ***** يا ألف هاربة بلا عنوانِ
يا ألف شيخ في انحناء ظهورهم ***** خبر يحدثنا عن الطغيانِ
يا ألف مئذنة توقف نبضها ***** يا ألف محراب بلا أركانِ
يا ألف طفل قارئ أمسوا بلا ***** كتب ولا نُسخ من القرآنِ
يا ألف مسلمة شربن تعاسة ***** ولبسن ثوب مذلة وهوانِ
يا ألف دار ما يزال ركامها ***** يُلقي عن المأساة ألف بيانِ
يا ألف ألف قذيفة روسية ***** رسمت ملامح وحشة الإنسانِ
يا ألف مؤتمر على أوراقها ***** جثم انتهاك شريعة الرحمنِ
ماذا يقول الشعرُ ؟ كيف أصوغه ؟ ***** أتصاغ شعرا ثورة البركانِ
أتصاغ شعرا أدمع تجري كما ***** يجري لهيب النار في الأجفانِ
ماذا يقول الشعر ؟ دمع حروفه ***** يجري كشلال على الأوزانِ
ويكاد يغرق كلما يلقاه من ***** لفظ ومن معنى ومن ألحانِ
يا من تسائلني عن الريح التي ***** هبت عواصفها على الأوطانِ
وعن الجحافل ما تريد جيوشها ***** من هذه الغارات في الشيشان ِ
أو ما لهم دين يرقق أنفسا ***** جُبلت على الإلحاد والكفرانِ
لا تسأليني عن ديانة أمة ***** لم تبق للإنجيل فضل بيانِ
هي حرّفته لكي تنال مكانة ***** مرموقة في دولة الرومانِ
ما دينهم إلا بقايا من سنا ***** دين المسيح وظلمة اليونانِ
مزجت بأهواء الرجال وأصبحت ***** دينا يحقق رغبة الرهبانِ
دينا تلبّس بالأساطير التي ***** تمضي بصاحبها إلى الهذيانِ
أرأيت دينا صافيا يحي على ***** أرجوحة صُنعت من الصلبانِ
أوَ بعد هذا تطلبين عدالةً ***** ممن يشوّه صورة الأديانِ ؟
ما الروس إلا صورة من عُملة ***** مشؤومة شُبكت على النكرانِ
هم أول الوجهين والغرب الذي ***** يستمريء التضليل وجه ثاني
آلاف قتلى المسلمين كأنما ***** هم في حقول تجارب الفئرانِ !
والغرب يرسم كل يوم خطة ***** لرعاية الحشرات والديدانِ !
إعلامه يقتات من أخبارنا ***** ويبثها مصحوبة بأغاني !
يا غربُ، يا قلبا أمات شعوره ***** لهب من الأحقاد والأضغانِ
ما بال مجلس خوفكم لا ينطوي ***** إلا على التضليل والبهتانِ ؟
ما باله يلقى مآسي أمتي ***** وجراحها بالصمت والخذلانِ ؟
أين القوانين التي برزت لنا ***** في أرض تيمور وفي السودانِ ؟!
أوَ ليس في الشيشان جرح نازف ***** أوَ ما لكم فيها شهود عيانِ ؟!
ما ذنب طفلٍ مُزّقت أعضائه ***** وغدا قعيدا ما له قدمانِ ؟!
ما ذنب وجه يتيمة أضحى بلا **** ثغرٍ تصوغُ جماله الشفتانِ ؟!
ما ذنبها ؟! صارت بغير حقيبة ***** وبلا يد يمنى ودون لسانِ ؟!
ما ذنب مسلمة تحطم قلبها ***** لما رأت في الأفق ليل دخانِ ؟!
فقدت رفيق حياتها وصغارها ***** في ليلة دموية العدوانِ
ما ذنبها ؟! فقدت منابع حبها ***** وأمام عينيها قضى الأبَوَانِ
ما ذنب أم حينما انكشف الدجى ***** وجدت بقايا مقلة وبنانِ ؟!
ورأت حذاءً واحداً وظفيرةً ***** محروقةً ، ودماً على الجدرانِ
ويداً قد انفصلت عن الجسم الذي ***** نسفته قنبلةُ العدو الجاني
وبقيةً من معصمِ الزّوجِ الذي ***** ضم الصغار بلهفةٍ وحنانِ
ورأت شظايا من قذائف مجرمٍ ***** شهدت بما اقترفته كفُّ جبانِ
يا غربُ ، إن مات الضمير فإنما ***** موت الضمير علامة الخسرانِ
يا ألف مليون بكيتُ لأنني ***** أبصرتكم في الأرض دون مكانِ
ولأنني أبصرتُ بعضَ رجالِكم ***** يتلذذون بطاعة الشيطانِ
يتسلقون جدار كل إثارة ***** ويحسِّنون قبائحَ العصيانِ
ولأنني أبصرتُ بعضَ نسائِكم ***** يلقين شرعَ الله باستهجانِ
من حولهن النبع يصفو ماؤه ***** وبه تتم سعادة الظمآنِ
وكؤوسَهن مليئةً بطحالب ***** وعقولَهن سريعة الذّوَبانِ
ولأنني أبصرتُ ظبيتنا التي ***** هربت ، تمد يدا إلى الثعبانِ
وتعيش وهم تحرر وهي التي ***** وضعت يديها في يد السجانِ
ولأنني يا ألف مليونٍ أرى ***** عين الشموخ بكت على الفرسانِ
وبكت على صهوات خيل إبائنا ***** لم تحمل الأبطال في الميدانِ
يا ألف مليون بكيتُ وإنما ***** أبكي لأن ضياعكم أبكاني
ما ذا يقول الشعرُ في العصر الذي ***** يقتات من ألمي ومن أشجاني ؟
يا ألف مليون حبال مشاعري ***** موصولة بالخالق الديّانِ
أنا لست أيأسُ من مصائبنا التي ***** تُذكي لهيبَ الحزن في وجداني
أنا ما يئستُ إذا بكيتُ لما أرى ***** من وطأة الأحداث في الشيشانِ
فلربما كان الدخولُ إلى العلا ***** والمجد من بوابة الأحزانِ
==============(46/188)
(46/189)
تحرير أم تغرير ؟!
د. إبراهيم بن عثمان الفارس
جاء الإسلام والمرأة على حال مخزية ، تعيش واقعًا مؤلمًا ، وحياة تعيسة ، حقوقها ضائعة ، وواجباتها فوق طاقتها ، عمرها يمضي في بؤس وتعاسة ، من ولادتها إلى موتها ، فإن نجت من الوأد صغيرة ، عاشت مهانة حقيرة ذليلة .
فهي تدس في التراب صغيرة ، وتعيش كسقط متاع إن بقيت كبيرة ، وليس لها حق في الحياة ، فأي معيشة عاشتها تلك المرأة ؟
لقد جاء الإسلام فانتشلها من واقعها المنحط ، وحياتها المشينة ، إلى ما فيه عزها وتكريمها ورفعتها ، طفلة صغيرة محبوبة مدللة ، وأختًا مبجلة ، وزوجة ودودة محبوبة ، وأمًا حنونًا مكرمة .
ولما كان للمرأة المسلمة أهمية كبيرة في تربية الأجيال ، وتنشئتهم على الإسلام عقيدة وسلوكًا ، وعبادة وأخلاقًا ، فقد أعطى أعداء الإسلام أهمية قصوى لمحاولة تغريبها ، من خلال الدعوات البراقة المسماة بالتحرر ، وانتزاع الحقوق ، وطلب المساواة بينها وبين الرجل وهي دعوات انخدع بها كثير من نساء أمتنا .
ومن المؤسف أن نجد فئة من نسائنا قد انجذبت وانساقت لتلك الأباطيل والترهات ، فتبنت أفكارهم المضللة ، والدعوة لها عبر الوسائل المختلفة ، وعاشت بتبعية كاملة للغرب ، فكريًا واجتماعيًا وسلوكيًا ، مقلدة للمرأة الغربية تقليدًا أعمى دون إدراك أو تفكير ، بحيث ينطبق عليها حديث الرسول صلى الله عليه وسلم : " لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرًا بشبر وذراعًا بذراع حتى لو سلكوا جحر ضب لسلكتموه ، قلنا : يا رسول الله اليهود والنصارى ، قال : فمن ؟!! "(متفق عليه) .
وغاب عن وعي أولئك النسوة ، أن الظروف الاجتماعية والقانونية والتاريخية التي واجهت المرأة الأوروبية مختلفة تمامًا عما تعيشه المرأة المسلمة ، فالمرأة هناك تعيش مجتمعًا ظالمًا ، قائمًا على قوانين بشرية ، وليست شرائع ربانية ، مما جعلها تثور وتتمرد لتحصل ولو على جزء يسير من حقوقها .
أما المرأة المسلمة فقد أعطاها الإسلام كامل حقوقها ، فيحق لها أن تفخر وترتفع رأسها عاليًا بتلك الحقوق التي لم تحصل عليها النساء في أكثر البلدان التي تدعي الحضارة والتقدم إلى الآن .
زعمون أنهم يريدون تحرير المرأة ، وما همهم والذي نفسي بيده إلا اغتيال عفتها وشرفها ، وبمعنى أدق تحرير الوصول إليها .
إن انطلاق المرأة في طرق التيه والضلال ، معناه انحلال العقدة الوثيقة التي تشد أفراد الأسرة بعضهم إلى بعض ، وانفراط العقد الذي ينتظم أعضاء الأسرة الواحدة ، وتبعثرهم في متاهات الحياة .
إن خلل الرماد وميض جمر ، يستهدف المرأة المسلمة في ظروف مقصودة ، فاليهود شنوا الحرب على حجاب المرأة المسلمة من قديم ، منذ تآمروا على نزع حجاب المرأة أيام رسول الله صلى الله عليه وسلم في سوق بني قينقاع ، ومازالت حربهم مشبوبة مشتعلة ، لا يزيدها الزمن إلا اشتعالاً واضطرامًا ؛ لأنهم يدركون جيدًا أن إفساد المرأة إفساد للمجتمع المسلم .
فلا ريب أن من أولئك من ترعرع في كنف الإلحاد ، فالتحف فريق منهم بالإسلام وتبطن الكفر ، حمل بين كفيه لسانًا مسلمًا ، وبين جنبيه قلبًا كافرًا مظلمًا ، حرص على أن ينزع حجاب المرأة المسلمة ، ويخدش كرامتها ، فلم يجد هؤلاء أعون لهم من أن يقدموا لنا تحرير المرأة على طبق إسلامي يزينون من خلاله للمرأة المسلمة حياة الاختلاط باسم الحرية والمدنية ، ونزع الحجاب باسم التقدم والحضارة ، لتكون بعد ذلك ألعوبة في أيديهم .
قال تعالى : (وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ) [القصص:23] .
إن هذه الآية جزء من قصة نبي الله موسى ـ عليه الصلاة والسلام ـ بين تعالى فيها أن هذا النبي الكريم قبل إرساله إلى قومه ، قدم على أرض بعيدة عن بلاده ، هاربًا من بطش فرعون وكيده ، فوجد مجموعة من الناس تسقي مواشيها وأنعامها ، ووجد امرأتين تنظران من بعيد إلى هذا الجمع الكبير ، فسألهما عن حالهما ، فبينتا أنهما جاءتا إلى هذا المكان لكسب لقمة العيش ؛ لأن أباهما رجل طاعن في السن عاجز عن العمل ، ثم إنهما تحت وطأة هذه الضرورة الملحة لا تختلطان بالرجال أبدًا ، فإذا انتهى الرجال من عملهم ذهبن وسقين مواشيهن .
فلتراجع المرأة المسلمة نفسها ولتتأمل دربها ، لتبصر طريق النجاة ، وتسلك سبيل الرشاد ، ولتقتدي بزوجات من أنزل عليه الفرقان ، فهذا هو طريق الجنان والنجاة من النيران .
=============(46/190)
(46/191)
الرد على (( طرزان الأخرق ))
الحمد لله الذي خلق خلقه في ظلمة ، ثم ألقى عليهم من نوره ، فمن أصابه من ذلك النور اهتدى ، ومن أخطأه فقد ضل وغوى .
والصلاة والسلام على النبي المصطفى والرسولل المجتبى ، وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجهم واقتفى .
أما بعد ، فقد اطلعت على ما كتبه الأستاذ مشعل السديري في زاويته المعروفة في صحيفة عكاظ بتاريخ 11 / 4 / 1423هـ تحت عنوان : طرزان الأخرق ، دعا فيه إلى تحديد النسل أو تقليله ، خوف الفقر ، ودرءاً لخطر (( طوفان القحط )) كما ذكر .
وقد تكرر منه مثل هذه الدعوة في مقالات سابقة ، لكنه في هذا المقال تحمس للفكرة أكثر ، فأخطأ وزل أكثر .
وقد طرح الفكرة بأسلوبه الساخر ، كعادته في مقالاته ، التي يكثر فيها من الهمز والسخرية والتهكم بالآخرين ، ولا ينسى نفسه من حظها من ذلك ، فهو كثيراً ما يصفها بأوصاف شنيعة ، كالخيانة والغدر والكذب والولوغ في أعراض الناس واللهث وراء الشهوات …الخ وليس ذلك من قبيل التواضع أو هضم النفس ، بل هو أصدق ما في مقالاته ، فلا أحد أعرف بالإنسان من نفسه .
وهو يعمد عادة إلى مثل ذلك الأسلوب الساخر ليمرر به مثل تلك الأخطاء والمخالفات ، ويبثها في الأمة ، التي نكبت في دينها وعرضها وأرضها ومالها وأنفسها ، ما شاء الله أن تنكب ، فجاء الأستاذ ومن على شاكلته من الكتاب المخالفين ليجهزوا على ما بقي للأمة الإسلامية من ذلك ، متسترين بالحرص على مصالح الأمة والنهوض بها من كبوتها ، وما علموا أنهم وأمثالهم من أعظم أسباب تلك الكبوة التي ابتليت بها الأمة .
والأستاذ ذرب اللسان ولع بتنقص الآخرين ، لا يقيم لكلامه وزناً ، ويخوض في كل شيء ، ويهيم في كل واد ، ولا يكترث بما يقول وما يكتب ، فكل ما يعن له يقوله ، وكثيراً ما يقول كلاماً لا معنىً له ليملأ به فراغ زاويته ، وكم في الزوايا من بلايا .
وليته اقتصر على مثل تلك المقالات ، التي لا تحمل كبير معنى ، أو تلك التي ينقل فيها رسالة ويبث منها لمتظلم شكوى ، دون الخوض في مسائل الشرع التي لا يحسنها وليس هو أهلاً للخوض فيها ، فهو لا يعدو أن يكون من العوام ، وإن كان قارئاً وكاتباً .
ولعل القراء يذكرون ما كتبه الشيخ صالح بن حميد تعقيباً على إحدى مقالاته ، وكيف رد هو على ذلك التعقيب ، بأسلوبه المعتاد ، ولم يذعن للحق ولم يقبل النصيحة بل ظل سادراً في غوايته متبجحاً بأخطائه ومخالفاته ، وماله لا يفعل ذلك وقد فسح له ولأضرابه المجال في صحفنا التي تحتفل بكل ناعق من المخالفين والمستغربين ، والطيور على أشكالها تقع .
ومن ذلك تبجحه بالرد على الشيخ وجدي غزاوي ، في مسألة ذكرها الشيخ في لقاء تلفزيوني ، وهو من طلبة العلم المعروفين المشهود لهم بالخير والصلاح والدعوة والخطابة والموعظة ، ولكن الأستاذ لم يعجبه ما قاله ، فرد عليه في زاويته بطريقته المعتادة في اللمز والتنقص والسخرية ، حيث بدأ مقالته العرجاء بوصف الشيخ بأنه ذو وجه طفولي ، ولم يتأدب الكاتب بآداب الإسلام ، ومن ذلك ما قاله الله تعالى (( يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيراً منهم )) ويقول الرسو صلى الله عليه وسلم (( بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم )) والإنسان لا يحاسب على شكله وصورته ، وإنما يحاسب على قوله وفعله .
وليعلم الكاتب أن هذا الشيخ من نوادر الخطباء البلغاء ، ولو أراد أن ينتصر لنفسه لما أعيته العبارة ولما أعوزه البيان عن أن يلقم هذا الكاتب حجراً ويفحمه ويسكته .
ولعل الكاتب اغتر بسكوت الشيخ وغيره من الفضلاء على ما ناله من مقالاته من سفه وسخرية وتهكم ، فاستمر على ذلك الأسلوب وتمادى فيه ، وظن أنه أبلغ منهم حجة وأفصح منهم بياناً ، ولم يدر المسكين أنهم ربما سكتوا عنه إعراضاً عنه ، عملا بقول المولى عز وجل (( وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين ))
على أنه قد أبيح لهم الانتصار ، لو أرادوا ، كما قال الله تعالى (( والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون )) وقد أذن صلى الله عليه وسلم لعائشة - رضي الله عنها - لما سبتها إحدى نسائه ، فقال (( دونك فانتصري )) .
ولو فرض أن هذا الكاتب لا يبارى في الجدل والخصومة فإن هذا لا ينفعه ولا يقربه من الله زلفى ، فقد صح عن صلى الله عليه وسلم أنه قال (( إن أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم )) متفق عليه .
ومن أنعم الله عليه بشيء من الفصاحة والبيان ، فصرف هذه النعمة في نصرة الحق والذب عن حرمات الدين والمسلمين ، فقد ولج باباً من أبواب الجهاد . وقد قال صلى الله عليه وسلم لحسان - رضي الله عنه - (( اهجهم وروح القدس معك ))
وأما من استعمل تلك النعمة لإبطال الحق وإثارة الشبهات وغمط الناس ، وتكثير سواد المخالفين، فقد ولج باباً من أبواب الإلحاد والزندقة .
وليحذر هذا الكاتب أن يكون ممن قال فيهم رسول ا صلى الله عليه وسلم (( إن شر الناس منزلة عند الله من تركه الناس اتقاء فحشه )) رواه البخاري .(46/192)
وبعد ، فهذه مقدمة بين يدي الرد على مقالة الكاتب الذي وصف نفسه بـ (( طرزان الأخرق )) وتناول فيها مسألة من المسائل الكبيرة في الدين ، وخاض فيها وهو لا يحسن الخوض في مسائل أصغر منها وأوضح ، لكنه العجب بالنفس والتيه والكبر ، وقبل ذلك : (( الجهل المركب )) الذي هو من أخص سمات هذا الكاتب .
وألخص تعقيبي على المقال المذكور في المسائل الآتية :
أولاً : مسألة تحديد النسل ، أو تنظيمه ، مسألة شرعية ، لا يصلح أن يخوض فيها إلا أهلها ، وهم العلماء وطلاب العلم ، أما الصحفيون والكتبة وغيرهم من ذوي التخصصات المختلفة فلا مقال لهم في ذلك ، سوى سؤال العلماء واستفتائهم ، عملا بقول الله تعالى (( فسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون )) وإذعاناً لقوله (( ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولاً )) .
ثانياً : إن الخوض في مثل هذه المسائل الشرعية ليس بالأمر اليسير الذي يكفي الخائض فيه حفظ بعض النصوص وقراءة صفحات لبعض الكتب ، ليناظر فيها ويجادل ويبدي ويعيد ، بل الأمر أكبر من ذلك ، فهناك ضوابط وأصول وقواعد لا بد للفقيه من معرفتها وفهمها واستحضارها ، ومعرفة مواضع الإجماع والخلاف ،إلى غير ذلك مما ينبغي للمفتي معرفته قبل أن يصدر فتواه .
ولا ريب أن مثل هذا الكاتب يجهل كل هذه الأمور أو جلها .
ثالثاً : استدل الكاتب بحديث (( كنا نعزل والقران ينزل )) على مسألة الحد من تكثير النسل خشية الفقر ، وهو استدلال في غير موضعه ، فإن الصحابة لم يذكروا أنهم فعلوا ذلك خشية الفقر أو القحط أو غير ذلك مما يعنيه الكاتب ، بل لم يذكروا أيضاً أنهم فعلوه تنظيماً للنسل كما زعم الكاتب بقوله (( معناه أنهم
ينظمون النسل بشكل أو بآخر )) . فلعلهم فعلو ذلك لمقاصد أخرى مباحة .
قال ابن قدامة في المغني [ 10/228 ] (( والعزل مكروه .. لأن فيه تقليل النسل وقطع اللذة عن الموطوءة ، وقد حث صلى الله عليه وسلم على تعاطي أسباب الولد .. إلا أن يكون لحاجة ، مثل أن يكون في دار الحرب فتدعوه حاجته إلى الوطء ، فيطأ ويعزل .. أو تكون زوجته أمة ، فيخشى الرق على ولده .. )) ا هـ باختصار .
ثم لو فرض أنهم فعلوه تنظيماً للنسل ، كما زعم الأستاذ مشعل ، فإن هذا لا يعني إباحته خشية الإملاق أو (( طوفان القحط )) ، فإن النيات والمقاصد معتبرة في الأقوال والأفعال ، كما في الحديث المشهور (( إنما الأعمال بالنيات )) . فإباحة العزل لغرض مباح وقصد حسن ، لا يقتضي إباحته بكل قصد .
ومن دعا إلى تقليل النسل خشية الفقر فإن فيه شبهاً بفعل الجاهلية الأولى الذين كانوا يقتلون الأولاد من فقر أو خشية الفقر . قال الله تعالى (( ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم )) .
قال ابن كثير في تفسيره (( كان أهل الجاهلية لا يورثون البنات ، بل كان أحدهم ربما قتل ابنته لئلا تكثر عيلته ، فنهى الله عن ذلك ، فقال (( ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق )) أي : خوف أن تفتقروا في ثاني الحال )) ا هـ .
رابعاً : قال الكاتب (( لماذا لا نكون شجعاناً .. ونجمع علماء الدين وعلماء الاقتصاد والاجتماع .. ونغلق عليهم الباب بمفتاح الصرامة ، ونقول لهم : لا تخرجوا من هذا الاجتماع إلا وقد تحملتم المسئولية وأعطيتم بصيص أمل لهذا الشعب المندفع كأي قاطرة بدون فرامل )) .
وأقول : هذه العبارة السمجة لا تليق بأهل العلم ، بأن يقال فيهم (( نجمع .. ونغلق عليهم الباب .. ونقول : لا يخرجوا من هذا الاجتماع ….)) الخ .
والكاتب قد اعتاد على هذا الأسلوب الساخر ، وهو في الواقع إنما يسخر من نفسه ، فمكانة العلماء ، ورثة الأنبياء ، تحتم على الناس توقيرهم واختيار أحسن الكلام وأجمله عند مخاطبتهم ، ولكن هذا عند العقلاء ، وقد صح عن صلى الله عليه وسلم أنه قال (( إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستح فاصنع ما شئت )) .
وفي قصة موسى عليه السلام مع الخضر عبرة لمن يعتبر .
ثم إن من العجب أن يطلب الكاتب من العلماء أن يجتمعوا ليقرروا ما يمليه هو عليهم ، وهذا من فرط جهله وغروره وتعاظمه في نفسه، وكان الصواب أن يلتمس من أهل العلم أن يصدروا فتوى في المسألة مفصلة ، ليتبعها عامة الناس ويعملوا بمقتضاها .
وليعلم الكاتب أن مثل هذه المسائل الشرعية لا يحق لغير المختصين من أهل الفقه والفتوى والعلم الشرعي أن يقحموا أنفسهم في الكلام فيها ، لا من الأدباء ولا من الاقتصاديين ولا من غيرهم ، وإنما قد يحتاج العالم المفتي إلى سؤال ذوي الاختصاصات الأخرى عن بعض ما لديهم مما يستعين به على إيضاح الأمر قبل فتواه .
أما مشاركة هؤلاء في الحكم والإفتاء وجعل آرائهم مقارنة أو مساوية لأقوال العلماء والفقهاء ، فأمر مرفوض .
خامساً : قال الكاتب (( أليست الضرورات تبيح المحظورات أيها الزهاد في الدنيا ؟ وهل هناك ضرورة أكثر من كبح هذا الغول المتربص بنا ))؟.(46/193)
وأقول : هذا الكاتب يهرف بما لا يعرف ، والقاعدة الفقهية التي ذكرها لا يحسن هو ولا من على شاكلته فهمها ولا تطبيقها ، ويحتاج الخائض فيها إلى تعلم مسائل كثيرة أخرى معها ، كما يحتاج إلى معرفة معنى الضرورة في المصطلح الشرعي ، والفرق بينها وبين ما يظنه كثير من الناس من الضرورات ، وهو من الحاجيات أو التحسينيات ، أو غير ذلك .
فليس كل ما ظنه الناس ضرورة يكون كذلك . هذه مسالة .
والمسألة الأخرى : أن هذه القاعدة لا تعني استباحة كل محظور لكل ضرورة ، وقد شرط أهل العلم أن لا تكون الضرورة أنقص من المحظور .
وقد ينشأ من ارتكاب ذلك المحظور ، محظورات أخرى أخطر مما قد يظن أنه ضرورة يستباح من أجلها .
ثم يقال بعد ذلك إن اعتبار هذا الأمر ضرورة ، واستباحة المحظور المعين من أجله ، هو من تحقيق المناط ، وهو أمر لا يخص الأستاذ بحال من الأحوال ، بل هو موكول للعلماء .
وأما عبارته التهكمية (( أيها الزهاد في الدنيا )) فأتركها للأستاذ يصرف معناها ويوجهها ، هذا إن كان لها معنىً عنده .
سادساً : قال الكاتب (( صحيح أن كل مخلوق يولد ورزقه معه ، وصحيح أيضاً أن لا أحد سوف يموت إن شاء الله من الجوع ، ولكن التجارب تفقأ أعيننا بمناظر لبشر من الأحياء وهم أشد بؤساً من الأموات )) .
وأقول : عاد الأستاذ إلى المغالطة ، فهاهنا ثلاث جمل ، صدر الأوليين منها بقوله (( الصحيح …)) ، وسكت عن الثالثة ، وكأنه قد عرف أنها جملة مرفوضة مطرحة ، وهي كذلك ، إذ لا قيمة واعتبار لما يناقض (( الصحيح )) المجمع عليه ، والذي صرح الكاتب بصحته ، فلنطرح الجملة الثالثة التي بدأها بقوله (( ولكن ….)) الخ خاصة وفيها ما يفقأ عينه ، ونحن نشفق عليه من ذلك ، ونشفق على الناس كذلك ، إذ حاله ومقاله كما رأيت ، قبل أن تفقأ عينه ، فكيف يكون بعده ؟ .
قال تعالى (( لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها …)) الآية .
سابعاً : وأغرب من ذلك استدلال الكاتب بسورة التكاثر للحد من تكثير النسل ، وهذا من جهله بمعاني القران ، ولعله لم يستحضر من محفوظاته من كتاب الله ما يدل على معنى الكثرة والتكاثر سوى هذه السورة ، التي لا تدل على حال من الأحوال على ما يرمي إليه .
ولو أن الأستاذ أمعن قليلاً وفكر وتدبر في آيات الكتاب العزيز لوجد ما يدل على نقيض ما ذهب إليه . فالآيات قد صرحت بأن كثرة العدد من النعم التي تستوجب الشكر والحمد ، لا من النقم والمصائب التي تستلزم الصبر والاحتساب .
قال تعالى (( فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفاراً يرسل السماء عليكم مدراراً ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهاراً ))
وقال سبحانه على لسان نبيه شعيب (( واذكروا إذ كنتم قليلاً فكثركم ..)) .
قال ابن كثير (( أي : كنتم مستضعفين لقلتكم ، فصرتم أعزة لكثرة عددكم ، فاذكروا نعمة الله عليكم في ذلك )) ا هـ .
فجعل الكثرة نعمة وجعل العزة في الكثرة .
وقد قال رسول ا صلى الله عليه وسلم (( تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم )) رواه أبو داود والنسائي .
فما يدعو إليه الأستاذ وأضرابه من تقليل النسل، تحديداً أو تنظيماً يعارض أمر رسول ا صلى الله عليه وسلم ، ويخالف ما جاء في كتاب الله.
وقد دعا رسول ا صلى الله عليه وسلم لبعض أصحابه بأن يكثر الله ماله وولده .
ففي البخاري أن أم أنس بن مالك رضي الله عنها سألت رسول ا صلى الله عليه وسلم أن يدعو لأنس . فقال (( اللهم أكثر ماله وولده وبارك له فيما أعطيته )) .
ثم إن مسألة الفقر والغنى والقحط والغيث والمرض والصحة ، وغيرها من أقدار الله في الناس ليست من الأمور الخاصة بهذا الزمان ، ومن قلب النظر في كتب التاريخ رأى العجائب ، ومع ذلك ، فإننا لم نقرأ أن عالما من علماء الإسلام أفتى بتحديد النسل بل حتى في زمن الطاعون ، لم نسمع أن أحداً أفتى بقطع النسل من أجله .
فهذه الدعوة منشؤها ومبدؤها جاهلي ، في القديم والحديث ، فلا يليق بالأستاذ أن يبثها في المسلمين .
ثامناً : ختم الأستاذ مقاله بدعاء قال فيه (( اللهم تب علي ، وأنا عبدك الطائع الذي لا يدري كيف يخدم إخوانه )) .
وأقول : أما الدعاء بالتوبة فكلنا مفتقر إليه ، غير أن من شروط قبولها الندم على فعل المعصية وتركها والعزم على أن لا يعود إليها ، فهل يفعل ذلك الأستاذ ، فيخلص مقالاته وينقيها من كل ما يشينها من مخالفات شرعية ، ويندم على ما كتب من قبل ، وقد لا يكفيه ذلك في قبول توبته حتى يعلن براءته مما خالف فيه شرع الله .
وقد قال سبحانه وتعالى (( وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحاً ثم اهتدى )) ولا يغتر الأستاذ بما يزينه له المخالفون ، فإنهم ، والله ، لن يغنوا عنه من الله شيئاً .
وأذكره بقول صلى الله عليه وسلم لمعاذ (( وهل يكب الناس في النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم )) .
وقوله (( .. وإن أحدكم ليتكلم بالكلمة من سخط الله ، وما يظن أنها تبلغ ما بلغت ، فيكتب بها عليه سخطه إلى يوم القيامة )) .(46/194)
وليحذر كل قائل أو كاتب من مغبة كلمة يقولها أو يكتبها يضل بسببها من يضل من عباد الله ، فيتحمل تبعتها ووزرها ، ووزر من ضل بها ، لا ينقص ذلك من أوزارهم شيئا .
قال تعالى (( ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم ألا ساء ما يزرون )) .
وكان العلاء بن زياد يذكر الناس ويخوفهم النار ، فقالوا : لم تقنط الناس ؟ فقال : وأنا أملك أن أقنط الناس ؟ والله تعالى يقول (( قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله .. )) . ثم قال (( ولكنكم تحبون أن تبشروا بالجنة على مساوئ أعمالكم )) .
وأنبه الأستاذ إلى كلمة وردت في تتمة دعائه ، وهي قوله (( .. وأنا عبدك الطائع ..)) والأولى في مثل هذا المقام ، الذي هو مقام إظهار الفقر والحاجة والضعف والذلة والمسكنة ، أن يقول مثلاً (( وأنا عبدك المذنب ، المسيء ، المسرف على نفسه ، …)) ونحوها ، وكذلك كان دعاء الأنبياء والصالحين . (( قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين )) . (( قال رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي )) .
ومن دعاء صلى الله عليه وسلم (( اللهم اغفر لي جدي وهزلي ، وخطئي وعمدي وكل ذلك عندي )) .
والله أعلم ، وصلى الله على نبيه محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
وكتب : سمير بن خليل المالكي
13/ 4 / 1423هـ
================(46/195)
(46/196)
كي لا نسقط في الهاوية
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
أما بعد:
فقد أخفق العلمانيون في محاولتهم إقناع الأمة بأفكارهم، واستمروا على اختلاف اتجاهاتهم شراذم قليلة معزولة لا تمت إلى عامة الأمة بِصِلَةٍ، وبعد فترة طويلة اتجهوا إلى تطوير استراتيجيتهم؛ فمن محاولة التأثير على الأفكار إلى محاولة تغيير السلوك والأخلاق وتفكيك الأسرة وإفساد المجتمع وطمس هويته من داخله، والقيام بتفريغ عقول الأمة من قيمها وإغراقها بالشهوات من دون ضابط شرعي أو حاجز أخلاقي.
والمتأمل في واقع الأمة اليوم يلمس نجاحًا كبيرًا تحقق للقوم في هذا الاتجاه، وكان المدخل الكبير والباب العريض الذي ولجوا منه إلى ذلك هو التأثير على المرأة دفاعًا عن حريتها وإرجاعًا لحقوقها المهدرة ـ فيما زعموا ـ.
ويعود هذا النجاح إلى أسباب عديدة يمكن إجمالها في جوانب ثلاثة:
الأول: أسباب تعود إلى المرأة والمجتمع، وأهمها:
- الجهل المفرط في أوساط كثير من النساء بقيم الإسلام وأحكامه ومقاصده، وقد زاد من خطورة هذا الأمر عمليات التشويه التي يمارسها العلمانيون تجاه التشريعات الإسلامية المتعلقة بالمرأة عن طريق تناولها بشكل مجزأ يجعلها بعيدة عن التشريعات التي وردت في سياقها، مع إغفال متعمد لبيان مقاصد الإسلام من تشريعها؛ بهدف إظهار قصورها وتجاوز العصر لها ووقوفها حجر عثرة في طريق نيل المرأة لحريتها وحقوقها.
- ظاهرة ضعف الإيمان لدى كثير من النساء نتيجة عدم قيام المؤسسات التربوية في المجتمعات الإسلامية بالدور المنوط بها تجاه هذا الأمر، وتركها الحبل على الغارب لصواحب السوء وذوي الشهوات ليقوموا عبر الوسائل المختلفة بالسيطرة على عقل المرأة ومشاعرها ومن ثَمَّ تحديد اتجاهاتها وتوجيه ميولها حسب ما يشتهون.
- غفلة كثير من النساء عن حقيقة رسالتهن في الحياة، والدور المنوط بهن في بناء الأمة وصيانتها من عوامل الزيغ والانحراف.
- قيام بعض النساء المترفات بتبني دعوات العلمانيين وبروزهن واجهة لكثير من الأنشطة المقامة، وتوفيرهن للدعم المعنوي والمادي الذي تحتاجه بعض الأنشطة،إضافة إلى تغريرهن بقطاع عريض من النساء اللاتي جرت العادة بقيامهن بتقليد مترفات المجتمع وكبرياته لعظم جهلهن وضعف إيمانهن.
- أن جزءًا كبيرًا من المحافظة الظاهرة لدى كثيرات يعود إلى أعراف قبلية وتقاليد اجتماعية متوافقة مع الشرع دون أن يكون لها بعدٌ إيماني في نفوس كثيرات، ومن المعلوم أن الأعراف والتقاليد ليس لها طابع الثبات بل هي قابلة للتبدل بمرور الوقت خصوصًا متى تغيرت أوضاع المجتمع: علمًا وجهلاً، غنىً وفقرًا، انفتاحًا وانغلاقًا، ويتسارع هذا التغير حين توجد جهات تخطط للتغيير وتستخدم سبلاً ملتوية تحتفي فيها بالقديم ـ إذا احتفت ـ معتبرة إياه تراثًا لعصر مضى، وتلمِّع فيها ما تريد نشره وتجعله من متطلبات التقدم وعلامات الرقي والنهضة.
- الانحراف العام والانحطاط الشامل الذي أصاب المجتمع المسلم في كثير من جوانب الحياة المختلفة،والذي بدوره كان له أكبر الأثر في ضعف كثير من النساء وقيامهن بالتفاعل مع الطروحات العلمانية بشكل ظاهر.
الثاني: أسباب تعود إلى العلمانيين، وأهمها:
- عملهم بهدوء وبأساليب خافتة حرصًا على عدم الدخول في مواجهات مكشوفة، وسعيهم إلى تحقيق أغراضهم المشبوهة عن طريق لافتات وشعارات مقبولة، مع الحرص على الاستفادة بأقصى مدى ممكن من بعض أهل العلم وبعض المحسوبين على الدعوة لقبول أعمالهم من قِبَل العامة وتسويغها أمامهم شرعًا من جهة، ولإحداث شرخ في صفوف العلماء والدعاة من جهة أخرى.
- استفادتهم من مرحلة الضعف والهوان التي تمر بها الأمة، ومن قوة الغرب النصراني - حيث يرتبطون به ويعملون على تحقيق مصالحه بصورة فجة - والذي يضغط بقوة في سبيل فرض حضارته وهيمنة قيمه وشيوع سلوكياته في المنطقة تحت مسميات مختلفة كالعولمة والديموقراطية ودعاوى حقوق الإنسان وحرية المرأة وحرية الاعتقاد إلى آخر القائمة.
- إبرازهم لصور الظلم التي تقع على المرأة في مجتمعاتنا، واتخاذها موضوعاً ومدخلاً للحديث عنها بهدف تحقيق مآربهم وإشاعة السلوكيات والأخلاق التي يروجون لها ويدعون النساء إلى تطبيقها.
- العمل على زعزعة الثقة بين العلماء والدعاة من جهة والمرأة من جهة أخرى بهدف إيجاد فجوة بينها وبين الدين، وذلك عن طريق وصمهم لأهل العلم والدعوة بالتخلف والجمود وعدم عيش الواقع وإدراك متطلبات العصر والوقوف حجر عثرة في طريق نهضة المرأة ورقيها، والتسبب في صور الظلم الحاصلة عليها في بعض مجتمعاتنا الإسلامية.
استهواء المرأة وإغرائها وتزيين ما يشتهون لها عن طريق الاستفادة من بعض الخصائص التي تتمتع بها إجمالاً كقوة العاطفة وسرعة التأثر وضعف الخبرة في مجريات الحياة ومكائدها،وحب التزين والرغبة في الترفيه.
- تحسين صورتهم لدى المرأة وكسب ثقتها عن طريق إقامة بعض المؤسسات الطوعية التي تقدم بعض الأنشطة الاجتماعية والجمعيات التي ترفع عقيرتها بالمطالبة بحقوق المرأة وإنصاف المجتمع لها.(46/197)
- الاستفادة من الخلاف الفقهي وشذوذات بعض أهل العلم في بعض المسائل الشرعية المتعلقة بالمرأة في محاولة إيجاد مسوغات شرعية لما يدعون المرأة إليه عن طريق التلفيق بين تلك الآراء والأخذ من كل عالم فتواه التي تخدم أهواءهم، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى سعيهم إلى الاستفادة من ذلك في تشويه صورة بعض أهل العلم والدعوة، وزعزعة الثقة بينهم وبين المرأة عن طريق ضرب آراء بعض أهل العلم ببعض، ووصم أصحاب الاجتهادات التي لا تتوافق مع أهوائهم بالتشدد والجمود وإرادة التعسير على المرأة وكبتها والتضييق عليها.
- التدرج في تحقيق أهدافهم؛ فمن المطالبة بحقوق مشروعة هي من صميم قيم الإسلام وتعاليمه إلى مزج ذلك بحقوق تتناقض مع قيم الإسلام إلى العمل على إحلال قيم الغرب وتقاليده محل قيم الأمة وتقاليدها ومطالبة أفراد المجتمع بتغيير هويتهم للوصول إلى الوضع المرتجى لهم.
- سعيهم إلى الفصل بين ما يزعمون أنه الدين الصحيح الذي يرفعون شعار التمسك به والدفاع عنه، وبين العلماء والدعاة الذين يزعم العلمانيون بأن دعوتهم للمرأة ليست من الدين الصحيح في شيء وإنما هي مجرد تشدد وتحكم في المرأة بأمر لا أصل له في الدين.
- تضخيم أخطاء العلماء والدعاة ونسبة بعض الشنائع زوراً إليهم، والاستفادة من ذلك في عملية التشويه وزيادة الفجوة بينهم وبين بعض نساء المجتمع،وفي المقابل تضخيم العلمانيين لأعمالهم والمنكرات التي يروجونها لتضخيم وزنهم في المجتمع،ولتصوير أن جل النساء معهم، ولتيئيس العلماء والدعاة من إمكانية الإصلاح.
الثالث: أسباب تعود إلى العلماء والدعاة، وأهمها:
- ضعف مستوى الجهود والأنشطة العلمية والدعوية الموجهة للمرأة، وقلتها وعدم كفايتها لسد احتياج الساحة، وذلك يعود في ظني إلى قلة الاهتمام وضعف عملية التخطيط وتشتت الأفكار والجهود وعدم التركيز مما أدى إلى عدم استثمار الطاقات بصورة مرضية.
- عدم وجود طروحات متكاملة لقضية المرأة والقيام بطرح النظرة الشرعية مجزأة مما يفقدها قيمتها ويظهرها ـ في كثير من الأحيان ـ بأنها غير صالحة للتطبيق؛ لأنها تتصادم مع جوانب من الواقع المعاش؛ علماً بأن الواقع السيئ للمرأة يرجع إلى عدم أخذها بالتوجيه الشرعي في كافة جوانبه.
- مجاملة بعض العلماء والدعاة للواقع السيئ، ومحاولتهم التعايش مع رغبات بعض أفراد المجتمع المتجهة نحو التغريب، وقيامهم بإصدار الفتاوى المتسقة مع ذلك.
- الرتابة والتقليدية في جل البرامج والأنشطة العلمية والدعوية الموجهة للمرأة، وعدم وجود إبداع أو تجديد فيها مما أدى إلى ضعف التفاعل معها وقلة الإقبال عليها من كثير من النساء.
- عدم أخذ زمام المبادرة في التعامل مع القضايا والأحداث، والتفاعل حسب ردود الأفعال دون أن يكون هناك مشاركة في صنعها أو تأثير في تحديد اتجاهها في غالب الأحيان، وهو مما أفرغ الساحة الاجتماعية أمام العلمانيين، ومكنهم من فعل ما يحلو لهم تخطيطًا وتنفيذًا وتوجيهًا وقطفًا للثمار بما يخدم مصالحهم ويحقق أغراضهم.
- عدم بيان أهل العلم والدعوة لدائرة المباح المتعلق بالمرأة بشكل جيد، وأخذهم لها بالأمثل عن طريق طرحهم للأفكار وتبنيهم للحلول المثلى في كثير من المواقف والقضايا بطريقة يفهم منها بأنها الطرح الشرعي الوحيد في الجانب المتناول.
وقضية الأخذ بالأمثل من الأمور التي لا يطيقها سوى قلة من الصالحات، أما غيرهن من نساء الأمة فقد وسَّع الله عليهن بما أباحه لهن، وواجب العلماء بيانه، وعدم التثريب على من أخذت به ما دامت لم تتعد حدود الله و لم تنتهك محارمه.
- عدم مراعاة بعض الدعاة لتعدد الفتوى ووجود خلاف بين أهل العلم في بعض المسائل الاجتهادية، وقيامهم بمحاولة إلزام المرأة برأي معين مع أنها ليست مكلفة شرعاً إلا بتقليد الأوثق لديها في دينه من أهل العلم لا صاحب رأي أو بلد بعينه.
- حساسية بعض الدعاة المفرطة في التعامل مع المرأة وقضاياها، وانغلاقهم الشديد الذي يمنعهم في أحيان كثيرة من تناول الأمور بموضوعية؛ مما جعل الأمور تتجاوزهم بشكل أدى إلى انفتاح صارخ غير منضبط.
- الخلط بين الأعراف والتقاليد والمنهج، وعدم تمييز بعض العلماء والدعاة بين الأحكام الشرعية المتعلقة بالمرأة والمبنية على نصوص الشرع وقواعده وبين آرائهم التي تكون مبنية على أعراف وتقاليد اجتماعية، ولا ريب في أن لهم الحق كغيرهم من أبناء المجتمع في أن يتخذوا ما يشاؤون من مواقف تجاه أعراف المجتمع وتقاليده التي لا تتعارض مع الشرع، وأن يحاولوا إقناع من يشاؤون بمواقفهم تلك كما يحاول غيرهم، لكن الواجب عليهم إيضاح أن تلك الآراء مردها إلى العرف والتقاليد من غير محاولة إلباسها لباساً شرعياً متكلَّفاً فيه، وأن لكل أحد أن يتخذ الموقف الذي يشاء ما دام رأيه غير متعارض مع الشرع، وهذا بخلاف الأحكام الشرعية الثابتة التي يجب على الناس التزامها كل حسب وسعه وطاقته.(46/198)
- التعميم: بعض من الدعاة يقومون بمحاربة المشاريع والأنشطة النسوية التي تتضمن بعض المخالفات الشرعية في المجتمع بشكل مطلق بدل محاولة مد جسور التفاهم والثقة مع أصحاب تلك المشاريع وتنمية جوانب الخير لديهم، والقيام بترشيد مناشطهم وتوجيهها الوجهة السليمة، مما يدفع القائمين عليها ـ من ذوي النفوذ ورجال الأعمال ـ في أكثر الأوقات إلى استخدام كافة ما يملكون من أوراق لمضي الأمر على ما يريدون.
- هيمنة الأعراف والتقاليد وخوف بعض الدعاة من تجاوزها؛ إلى جانب إغفال بعض المناشط الملائمة للمرأة التي أثبتت نجاحها في مجتمعات أخرى وفسح المجال أمام العلمانيين ليسدوا الفراغ الذي تعاني منه نساء المجتمع من خلال البرامج والأنشطة التي يقيمونها.
- عدم إدراك كثير من العلماء والدعاة لطبيعة التحول الذي حصل في عقلية النساء وسلوكياتهن واحتياجاتهن في وقتنا وحجم ذلك، واستصحابهم لواقع المجتمع في زمن ماض، أو تعميمهم لواقع بيئاتهم الخاصة على البيئة العامة مما جعلهم لا يشعرون بأهمية إعطاء دعوة المرأة أولوية ومزيد عناية.
- إغفال العناية بالجوانب التي فطر الله المرأة على الاهتمام بها كأمر الزينة والجمال، والأمور التي لكثير من النساء تعلق قوي بها في وقتنا كالترفيه بحيث لم يتم تقديم برامج ومشاريع حيوية مباحة في هذا المجال تسد حاجة المرأة وتقطع الطريق على العلمانيين الذين يكثرون من الولوج إلى المرأة عبر هذه البوابة ولا يجدون أدنى منافسة من العلماء والدعاة حيالها.
- ضعف الرصد والمتابعة لجهود العلمانيين وأنشطتهم مع عدم المعرفة بكثير من أعمالهم إلا بعد وقوعها مما يؤخر من مواجهتها ويجعل العلماء والدعاة يتعاملون مع آثارها ويتناسون ـ في الغالب ـ أهدافها والأسباب التي هُيِّئت لنجاحها وشجعت القوم على المضي فيها.
- ضعف كثير من العلماء والدعاة في بناء العلاقات وتكوين الصلات والقيام بواجبهتم في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الله ـ تعالى ـ بالحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن، مما هيأ الفرصة للعلمانيين لكسب كثير من ذوي النفوذ ومثقفي المجتمع ورجال الأعمال لخدمة طروحاتهم ودعم مشاريعهم مع أنهم ليسوا منهم.
الانفصام لدى بعض الدعاة بين النظرية والتطبيق في التعامل مع المرأة فبينما يوجد لدى جلهم إدراك نظري جيد لما يجب أن تكون عليه الأمور، نجد ممارسة سيئة لدى كثيرين تمشياً مع الأوضاع البيئية ورغبة في الراحة وعدم المعاناة في مواجهة شيء من ذلك.
كيف ندافع العلمانيين؟
تعد النجاحات التي حققها العلمانيون في مجال المرأة ثمرة التقصير والغفلة التي عانى منها قطاع كبير من العلماء والدعاة وتيار الصحوة، وعليه فإن المدخل الصحيح للمدافعة يقتضي استشعار الخطر وإدراك ضخامة المسؤولية والتفكير بموضوعية والتنفيذ بجدية للخطوات المراد تحويلها إلى واقع، وما لم يتم ذلك فإن الخطر سيستفحل والخرق سيتسع على الراقع، ولن يجدي عندها كثير من خطوات الحل المؤثرة والمتاحة الآن.
وقبل أن أتطرق إلى ذكر بعض السبل التي يمكن بواسطتها مدافعة القوم وكبح جماحهم أو التخفيف من شرهم، لا بد من ذكر بعض القواعد والمنطلقات التي لا بد من استيعابها قبل الدخول في مواجهة معهم، ومنها:
- لا بد من التوكل التام على الله وصدق اللجوء إليه والاستعانة به والتضرع بين يديه وطلب عونه وتسديده مع الأخذ بالأسباب وإعداد العدة، وذلك لأن من ينصره الله فلا غالب له، ومن يخذله فلا ناصر له كما قال ـ تعالى ـ: (إن ينصركم الله فلا غالب لكم) [آل عمران: 160].
- الاعتناء بالوضوح الإسلامي في الطرح، والمطالبة بجلاء لكافة أفراد المجتمع بتحقيق العبودية الحقة لله ـ تعالى ـ والانقياد التام له والتسليم لشرعه وعدم الخروج عن أمره والتأكيد على الدعاة بعدم إخفاء حقيقة دعوتهم في طروحاتهم سعياً في استصلاح جوانب الانحراف في المجتمع، وإقامةً للحجة على العباد وإبراءاً للذمة أمام الله ـ تعالى ـ.
الحذر من التفلت الشرعي الذي يقع فيه بعض الدعاة أثناء طروحاتهم عن المرأة، ومع إدراك أن الدافع لبعضهم قد يكون الحرص على الدعوة والسعي إلى تقريب الكثيرات إلى الإسلام؛ إلا أنه قد فاتهم تذكُّر أن الانضباط بالشرع شرط لصحة العمل وأن الغاية مهما كانت شريفة لا تسوِّغ الوسيلة، وأن الباري ـ عز وجل ـ لا يُتقرب إليه بمعصيته ومخالفة أمره بل بطاعته وامتثال شرعه.
- التوجه إلى التخطيط الجاد والمتكامل في دعوة المرأة وتربيتها، والمبني على إدراك عميق للماضي ومعايشة للحاضر واستشراف للمستقبل، وترك الارتجال والعفوية وسطحية التفكير والتنبه إلى أن ذلك وإن قُبِلَ في أزمنة ماضية فإنه غير مقبول بحال اليوم نظراً لضخامة الاستهداف للمرأة والعمق في التخطيط والدقة في التنفيذ لدى العلمانيين، والحذر من أن ينشغل العلماء والدعاة بردود الأفعال تجاه قضايا وأحداث جزئية يصنعها العلمانيون تتصف بالإثارة والهامشية على حساب قضايا جوهرية سواء في جهة البناء والتربية أم في جهة مواجهة القوم ودفع أخطارهم.(46/199)
- العمل على طرح مبادرات إصلاحية جذرية تتسم بالعمق والشمول والواقعية بدلاً من الحلول الترقيعية وتجزئة القضايا بشكل يمكن العلمانيين من التلاعب بالأمر والمزايدة فيه بالدعوة إلى إصلاحات جزئية هامشية لها بريق تستغل في تخدير فئات كثيرة من المجتمع وتحييدهم عن الوقوف في صف العلماء والدعاة والذين يسعون إلى القيام بإجراء إصلاحات جوهرية في القضايا والمجالات الأساسية.
- الاعتناء بالقيام بإجراء تقييم شامل لأنشطة الدعاة وبرامجهم المختلفة والموجهة إلى المرأة، ومراجعتها من حيث الكم والكيف، ويتأكد ذلك اليوم نظراً لتغير الاحتياجات وتبدل الأحوال وتطور الإمكانات، وما لم يتم ذلك وتهيأ له الفرص الكفيلة بالنجاح فإن الزمن سيتجاوز أنشطة الدعاة وبرامجهم، ويجعلهم كمن يوصل الرسائل بين البلدان عبر الأقدام والدواب في زمن الأقمار الصناعية و الإنترنت.
- توحيد الصفوف ولمّ الجهود وسعة الصدر لرأي أهل العلم الأثبات المخالف في مسائل الاجتهاد، والتطاوع فيما لا إثم فيه، والمحاورة بالتي هي أحسن، وحسن الظن بالآخرين، والتماس العذر لهم، ومغفرة زلاتهم، والتجاوز عن هفواتهم... من أهم المهمات التي على العلماء والدعاة العناية بها؛ لأن الاختلاف شر والفرقة عذاب، وتضرر الدعوة من كون بأسها بينها وعدوها من داخلها أعظم عليها جداً من تربص أعدائها بها وكيدهم لها.
-إدراك الدعاة لحقيقة الوضع وأنهم في صراع مع قوم ينتمون إلى جهات تريد اجتثاث قيم الإسلام وأخلاقياته وإحلال قيم وأخلاقيات حضارة أخرى تناقضها مكانها، وعليه فالواجب عليهم طول النفَس وبعد النظر ومحاسبة الذات وإدراك صعوبة الطريق وأن الهدم أسهل من البناء وتهيئة النفْس لتحمل الهزيمة والمواصلة بعدها لأن العاقبة للمتقين، ومعرفة أن الانتصار الحقيقي يكمن في الثبات على المبدأ، أما شيوع المبدأ فالداعية يسعى له ويجد في سبيل ذلك، ولكن ليس من شأنه تحققه، وله أسوة بالأنبياء ـ عليهم السلام ـ إذ قتل بعضهم وطرد آخرون، ويأتي النبي يوم القيامة وليس معه أحد، والنبي ومعه سواد كثير قد سد الأفق.
- أهمية أن تتجه برامج الدعاة إلى تربية كافة شرائح النساء في المجتمع والبناء الصحيح لشخصياتهن وبخاصة تلك التي لم تؤثر فيها طروحات العلمانيين بعدُ، أو أن تأثيرهم محدود فيها، وأن تشتمل تلك البرامج على جرعات تحصينية ضد أساليب العلمانيين في الطرح، وذلك لأن الوقاية خير من العلاج وما استدفع الشر بمثل الاستعاذة بالله منه، والتعرف عليه للحذر من التلبس به.
- الإقرار بوقوع صور متعددة من الظلم الواقع على المرأة في مجتمعاتنا بسبب الجهل بالشرع وعدم تطبيقه، وهو ما يجب إفهامه للمرأة التي يريد العلمانيون تشويه صورة الإسلام في ذهنها، والإسلام لا يتحمل نتاج البعد عنه.
- الاعتناء بتحلي صغار شباب الصحوة بصفات الحكمة والصبر والحلم والروية وعدم الاستعجال، والموازنة بين المصالح والمفاسد، والتعامل مع الأحداث بعقل لا بعاطفة مجردة، ومشاورة أهل العلم والخبرة في سبل مدافعة العلمانيين حتى لا تُجَر الصحوة إلى مواقف غير محمودة العواقب، وبخاصة أنه لا توجد لدى (القوم) أي معايير أخلاقية تمنعهم من فعل أي شيء في سبيل تحقيق أغراضهم ومآربهم.
إقامة تعاون إيجابي في المجالات الدعوية والتربوية بين البيئات والمناطق المختلفة يتم بواسطته تبادل الأفكار والخبرات، والبدء في البرامج المختلفة من حيث انتهى الآخرون، وهذا ولا شك سيشجع على مزيد انطلاق، ويوسع دائرة الاختيار أمام الدعاة ويمنع من هدر الطاقات والإمكانات في إقامة برامج ثبت إخفاقها متى امتلك الدعاة الشجاعة الأدبية للتراجع عن أنشطتهم ذات العائد الدعوي والتربوي الأقل، وتجاوز المألوف مما لا بعد شرعياً له وتحمل الضغوط البيئية الناتجة عن ذلك.
سبل المدافعة:
السبل المقترحة لمدافعة العلمانيين في مجال المرأة كثيرة، ومن أبرزها:
أولاً: سبل تتعلق بالمرأة والمجتمع ومن أبرزها:
العناية بتأهيل المرأة وبناء شخصيتها بناءاً متكاملاً في كافة الجوانب التي تحتاجها و من أبرز ذلك:
أ- تعميق قضية الهوية والانتماء لهذا الدين لديها وتوضيح مقتضيات ذلك ولوازمه كوجوب المحبة الكاملة لله، والانقياد التام لشرعه فيما وافق هوى العبد وفيما خالفه، "لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به"(1).
ب - تجلية رسالة المرأة المسلمة في الحياة والدور المنوط بها في عصرنا في سبيل نهضة الأمة ورقيها واستعادتها لعزتها، والسبل المعينة لها على أداء ذلك.
ج - العناية بالجوانب الإيمانية والعبادية لدى المرأة، وتزويدها بالعلم الشرعي، وبخاصة فيما تحتاج إليه ولا يسعها جهله في مراحل حياتها المختلفة.
د - رفع مستوى ثقافة المرأة وتحبيبها بالقراءة وتدريبها على ممارسة التثقيف الذاتي والاستفادة من الوسائل التقنية المتاحة في ذلك.(46/200)
هـ - رفع مستوى وعي المرأة وإدراكها لواقعها والتغيرات الضخمة الحاصلة فيه، وما يحاك ضد الأمة عموماً والمرأة خصوصاً من مخططات تهدف إلى إبعادها عن دينها، وتهميش دورها في الحياة بشكل يجعلها تعيش في عزلة شعورية عن حاضرها.
و - الرقي باهتمامات المرأة وتعميقها وإبعادها عن السطحية، وتعويدها على الجدية وترتيب الأولويات وعدم الانشغال بالترهات والتوافه.
- تقرير الأحكام الشرعية المتعلقة بالمرأة، نحو: كون الأصل قرارها في البيت، والتزام الحجاب، وعدم إبداء الزينة والتبرج تبرج الجاهلية الأولى، ودعوة المرأة إلى التزامها.
- رصد المشكلات التي تعاني المرأة منها في كافة الجوانب المختلفة، والسعي إلى تلافيها والتقليل من نتائجها السلبية.
- العناية بوقت المرأة وشغله بالمفيد واقتراح السبل الملائمة لتحقيق ذلك(2).
- تقوية البناء الأسري وبخاصة في المجال الدعوي؛ إذ إن للدعوة العائلية أهمية فائقة في تعليم المرأة دينها وتحصينها ضد طروحات العلمانيين ومكائدهم.
- تفعيل دور المرأة في مواجهة مخططات العلمنة الساعية لإفسادها، وتشجيعها على القيام بدعوة بنات جنسها؛ لأنها الأعرف بمجتمعاتهن والأكثر تأثيراً فيهن والأقدر على الاتصال بهن والبيان لهن فيما يخصهن، مع أهمية العناية بجانب التحفيز لها وإيجاد الدوافع لديها لمواصلة نشاطها الدعوي حتى لا تفتر أو تصاب باليأس والإحباط نتيجة طول المسير ومشقته(3).
- مطالبة النساء بالعناية ببيئاتهن الخاصة ـ أزواجاً وأولاداً ـ والقيام بالدور المنشود منهن في استصلاحها وإمدادهن بالوسائل والآليات والسبل المناسبة، وخاصة فيما تجهله المرأة مما يناسب في خطابها للرجال من محارمها؛ لأنهن الأكثر دراية بها، والأقدر على توجيهها والتأثير فيها متى استخدمن الحكمة. تفعيل دور الصالحات في المجتمع وإفساح المجال وفتح القنوات والميادين الملائمة أمامهن، ومحاولة إعداد بعض المتميزات ـ علماً وتفكيراً وسلوكاً ـ ثم إبرازهن بصفتهن قدوات لنساء المجتمع.
- توعية المجتمع بأهمية دور المرأة في نهضة الأمة ورقيها، ومطالبة أفراده بمؤازرتها والتواصي برفع صور الظلم المختلفة عنها والموجودة في بعض البيئات، وترك اللامبالاة والغفلة والتهميش للمرأة الذي يقع فيه بعض الأفراد، اقتداءاً بنبينا r في تعامله مع المرأة.
ثانياً: سبل تتعلق بمجابهة العلمانيين، ومن أهمها:
- إبانة أهداف العلمانيين والتي من أبرزها:
أ - التشكيك بالأصول وإزاحة ثوابت الأمة العقدية وأسسها الفكرية والسلوكية وإحلال حضارة الغرب وقيمه مكانها.
ب - إخراج المرأة عن العبودية لله ـ عز وجل ـ والاستمساك بشرعه، وجعلها مجرد متاع في مسارح الرذيلة وملاهي الخنا ووسائل الإعلان وأوراق الصحف والمجلات وشاشات التلفزة والقنوات الفضائية.
ج - الدعوة إلى التفلت الديني والفوضى الاجتماعية تحت مسمى الحرية والمساواة.
د - إيضاح أن حقيقة الحقوق المزعومة التي يطالبون بإعطائها للمرأة حق الإلحاد والزنا والعري والحمل السفاح والشذوذ الجنسي سالكين طريقة التلميع للوسائل والتزوير للحقائق والإظهار للباطل بمظهر أخاذ.
- تتبع العلمانيين وكشف تاريخهم ودراسة إنتاجهم الفكري ورصد أنشطتهم ووزنها بميزان الشرع وإبانة ما فيها مما يتناقض مع ثوابت الأمة والسعي إلى زعزعتها لكي يتم فضح القوم وكشف انعزالهم عن قيم الإسلام وحضارته، وارتباطهم خدمة وتربية وفكراً وسلوكاً بجهات خارجية معادية تسعى إلى استئصال هوية الأمة وإحلال قيمها مكانها، وذلك من شأنه أن يمكن العلماء والدعاة من نقل الطرف الآخر من مرحلة الهجوم إلى الدفاع.
- تتبع مداخلهم النفسية وأنشطتهم الجاذبة لكثير من النساء والعمل على الحد منها والتخفيف من آثارها وإيجاد بدائل إسلامية عنها.
- العمل على استمالة القريبين فيهم من الحق ودعوتهم والعمل على كسبهم إلى جانب الموقف الشرعي الصحيح.
- تحديد الشبهات التي يثيرونها حول النظام الإسلامي في مجال المرأة مما يتخذونه وسيلة لتشكيك المرأة في دينها وزعزة عقيدتها، والقيام بتفنيدها(4) والإثبات ـ عقلاً وواقعاً - أن النظام الإسلامي هو الطريق الأمثل لحماية المرأة من الظلم وصيانة المجتمع من الفساد، وإعطاء كل ذي حق حقه.
- بيان حقيقة واقع المرأة في الغرب وكشف ضخامة الأمراض والمشكلات التي تواجهها على كافة الأصعدة(5)، وفي ذلك أعظم تعرية للعلمانيين والذين يطالبون المرأة في مجتمعاتنا بمحاكاة المرأة الغربية والسير على منوالها إن هي أرادت سلوك طريق التقدم والمضي في دروب الحضارة ـ كما زعموا ـ.
ثالثاً: سبل تتعلق بالعلماء والدعاة، ومن أهمها:
-إدراك الواقع إدراكاً جيداً وتحليل جوانب القوة والضعف لدى الطرفين(6)، والاستفادة من ذلك في تحديد أهداف المرحلة والسبل المثلى للمدافعة. إبانة حقيقة النظام الإسلامي في معاملة المرأة، وتجلية محاسنه وإزالة الشبهات التي تثار حوله؛ لأنه لن يدحض الظلام إلا النور كما قال ـ تعالى ـ: (وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا) [الإسراء: 18].(46/201)
- إيضاح الاختلاف الجذري بين النظام الإسلامي وواقع المجتمعات الغربية، والذي من أبرزه:
أ - أن الأسرة في النظام الإسلامي تعد اللبنة الأولى في تكوين المجتمع؛ بينما يعد الفرد في الغرب هو الركيزة الأساس.
ب - أن العلاقة بين الجنسين في النظام الإسلامي علاقة تكامل وتلاحم وحرص من كلا الطرفين على مصالح الآخر كحرصه على مصالحه، وطبيعة العلاقة في كثير من أرجاء الغرب اليوم قائمة على التنافس والتنافر بين الجنسين وحرص كل من الطرفين ـ وبخاصة المرأة التي تشعر بالاستضعاف ـ على فرض هيمنته على الآخر.
ج - أن النظام الإسلامي يعطي المرأة حقوقها الشرعية كاملة وفي المقابل يطالبها بالقيام بالواجبات الشرعية التي يفرضها عليها والتي لا تقوم الحياة السوية إلا بها، وفي الغرب نجد أن كثيراً منهم ـ يتبعهم العلمانيون في بلداننا ـ يوهمون المرأة بسعيهم لإعطائها حقوقاً هي في واقع الأمر بوابتهم الرئيسة لاستعبادها واستخدامها استخداماً جسدياً قذراً بعيداً عن مراعاة متطلبات روح المرأة وعقلها وقيم المجتمع وأخلاقياته.
- إقامة لجان ومراكز أبحاث مهمتها العناية بالجوانب الإعلامية وإبراز جهود العلماء والدعاة ـ أفراداً ومؤسسات ـ في قطاع المرأة عموماً والأسرة خصوصاً في الجوانب المختلفة: العلمية، الاجتماعية والصحية، وإعداد المعلومات والإحصائيات عنها، ونشر ذلك بشكل دوري عبر وسائل الإعلام لإظهار ضخامة الجهد المبذول وضآلة ما يقوم به العلمانيون مقارنة بها.
- العناية بالنساء في البيئات الخاصة بالدعاة تعليماً وتربية؛ نظراً لإمكانية التأثير القوي والاتصال المباشر لكي يتم تلافي الإهمال غير المتعمد لها الناتج عن الانشغال بالبيئة الخارجية وإبراز قدوات نسائية للمرأة ذات عمق في التفكير وجدية في الاهتمامات وقوة في الأخذ بالإسلام.
- تفعيل دور العلماء والواجهات الاجتماعية الخيرة ـ ذكوراً وإناثاً ـ وكافة أفراد المجتمع ومطالبتهم بالقيام بالدور المنشود منهم في مواجهة طروحات العلمانيين ودفع خطرهم، استفادةً منهم من جهة وتوسيعاً لدائرة المعركة من جهة أخرى بدلاً من جعلها كما يريد العلمانيون بينهم وبين الدعاة فقط.
- زيادة المناشط الدعوية والاجتماعية وتحسينها والاعتناء بتناول الموضوعات المختلفة التي تحتاجها المرأة مع الحرص على التجديد في الأساليب والإبداع في الوسائل لضمان تفاعل المرأة معها بشكل أكبر.
- توثيق الصلة بالمثقفين ورجال الأعمال ومد الجسور معهم لترشيد أعمالهم من جهة والحيلولة دون أن تكون عوناً للعلمانيين على إفساد المرأة من جهة أخرى، وللتنسيق معهم في اقتحام مجالات جديدة تحتاجها المرأة كصناعة الترويح والملابس ونحوها وفق الضوابط الشرعية.
- توسيع دائرة الانفتاح الدعوي على كافة مجتمعات النساء: ملتزمات وغير ملتزمات، مثقفات وعاميات، متزوجات وغير متزوجات، أمهات وأخوات وبنات، وعدم قصر النشاط على فئة دون أخرى.
- اقتحام ميادين وقنوات دعوية جديدة في مجال المرأة، ومن أهم ذلك:
أ - قيام العلماء والدعاة بإنشاء جمعيات تنادي بالحقوق الشرعية للمرأة لقطع الطريق على العلمانيين الذين يَلِجُون من هذا الباب لتحقيق مآربهم.
ب -إقامة مراكز أبحاث نسوية خاصة بشؤون المرأة.
ج - إنشاء مؤسسات إنتاج ودور نشر متخصصة بقضايا المرأة ودعوتها.
العمل على تغيير هيكلة تعليم المرأة ليناسب وضعية المرأة ورسالتها في الحياة، والسعي لتطوير المناهج وفتح التخصصات التي تساعدها على القيام بدورها الأساس المنوط بها زوجةً وأماً ومربية.
وختاماً: فلا بد من إدراك أن الخطب جسيم، ويحتاج إلى استعانة صادقة بالله ـ تعالى ـ وعمل جاد، وتضافر قوي لكافة جهود المخلصين؛ وإلا فإن العاقبة ستكون وخيمة والمصير غير محمود، وعندها سيهيئ الله لدينه جيلاً ينصره ويقوم بأمره، ولله الأمر من قبل ومن بعد، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
ــــــــــــــــــــ
الهوامش:
(1) تاريخ بغداد للخطيب: 4/963، شرح السنة للبغوي: 1/312، وصححه النووي في الأربعين واستبعد ذلك جداً ابن رجب في جامع العلوم والحكم: 2/493، وقال الحافظ في الفتح: 31/203: (أخرجه الحسن بن سفيان وغيره، ورجاله ثقات).
(2) من الأمور الهامة التي ينبغي تحريض المرأة على ممارستها: العبادة والذكر، مدارسة القرآن والأحاديث النبوية، القراءة المبرمجة، الاستماع إلى الأشرطة النافعة، إدارة المشاريع النسوية التعليمية والاجتماعية ودعمها، التعرف على الأرامل والأسر المحتاجة ومساعدتها، تعلم الأعمال المهنية والأنشطتة الملائمة من خياطة وحاسوب وأشغال فنية ومسائل الأمومة والاهتمام بالطفل ونحو ذلك.
(3) من أهم الحوافز التي ينبغي العناية بها: بيان ما أعد الله للداعين للهدى، وإيجاد الشعور بالتحدي ببيان ضخامة الاستهداف العلماني الموجه للمرأة، وذكر نماذج متميزة لبعض داعيات الحق وأخرى لداعيات الضلال.
(4) من أبرز الجوانب التي يكثر القوم من الطعن فيها: أحكام التعدد والميراث والحجاب والخلوة والاختلاط، ومسائل القوامة والولاية والطلاق.(46/202)
(5) من الأمور التي لا بد للدعاة من الحديث عنها في هذا المجال: نسب العفة والزواج والطلاق والأولاد غير الشرعيين والخيانة الزوجية في الغرب، ومشكلات العنوسة والخروج عن الفطرة والتحرش بالمرأة والأمراض الجنسية والنفسية والتفكك الأسري وواقع الأبناء بعد خروج المرأة للعمل والمعاناة التي تلقاها الفتاة حتى تتزوج هناك، ومسائل النفقة والمعاملة التي تلقاها المرأة الغربية في أطوار حياتها المختلفة: أماً وأختاً وابنةً وزوجةً ومسنةً، متزوجة ومطلقة وأرملة.
(6) من أبرز جوانب قوة العلماء والدعاة: جلاء الحق الذي يدعون إليه، وعمق انتمائهم إليه، والعاطفة في المجتمع نحو الدين، وكراهية أفراده لأعدائه والعاملين لحساب جهات خارجية تريد تقويضه، والعودة الصادقة لكثيرات من نساء المجتمع نحو الالتزام بالإسلام عقيدة وسلوكاً.
================(46/203)
(46/204)
اعتزوا بدينكم ، ولا تدسُّوا أنفَكم في التراب ..!
الحمد لله ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن اتبعهم إلى يوم الدّين ، وبعد:
كتاب الله فرقان بين حزب الله ، وحزب الشيطان .
ولكل حزب أولياء ومناصرون
{وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ}[التوبة:71].
{وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ} [المائدة:56].
{وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ } [الأنفال:73].
{أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [المجادلة:19].
فاختر لنفسك ما شئت ، والموعد يوم الجزاء والحساب .
{اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [فصلت:40].
{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} [الحج:17].
ففي يوم الحساب يفرق الله تعالى بين حزبه وحزب الشيطان ، بين أهل الاعتصام بحبل الله وأهل الفرقة والإعراض ، بين الناجين والهالكين .
قال جل شأنه: {اللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ} [الحج:69].
وقال تبارك اسمه: {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثاً} [النساء:87].
اللهم يا ربَّ العالمين {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ، صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ }.
إخوة الإسلام .. يا من أنعم الله عليكم بنعمة الإسلام تذكروا أن الله تعالى لا يرضى منكم ملة غير ملة الإسلام ، وأنه سبحانه جعل كتابه العظيم فرقانا بين أهل الإسلام ، وأهل الإلحاد والشرك والأوثان والصلبان .
قال تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [آل عمران:85].
فالزموا أصل دينكم وتولوا أهله ، وابرؤا وانفروا ونفِّروا من الشرك وأهله .
{وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ} [هود:52].
{لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَى وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ} [الرعد:18].
يا من أنعم الله عليكم بنعمة الإسلام تذكروا أن النصر والعزة بيد الله وحده ، وأن الله هو المنجي وحده ، وأن كل شيء بيده وحده . فلا تغرنكم قوى الكفر ، ولا تركنوا إليهم بل اركنوا إلى من بيده كل شيء {قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [المؤمنون:88].
فأقبلوا على الله وانصروه ينصركم ، {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور:55].
فاصدقوا مع الله ولبُّوا نداءه يحقق لكم وعده ، ووعده الحق .
يا من أنعم الله عليكم بنعمة الإسلام ، لا تتخذوا أعداءَ الله أولياء ، ولا تركنوا للقوم المجرمين
{الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً} [النساء:139].
{لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ} [آل عمران:28].
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً مُبِيناً} [النساء:144].
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [المائدة:51].(46/205)
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُواً وَلَعِباً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [المائدة:57].
قال أحدُ الأئمة الأعلام(1) رحمه الله تعالى: [ اعلم ]« أَنَّ مَنْ أَطَاعَ الرَّسُوْلَ وَوَحَّدَ اللهَ لاَ يَجُوْزُ لَهُ مُوَالاَةُ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُوْلَهُ وَلَوْ كَانَ أَقْرَبَ قَرِيْبٍ ، وَالدَّلِيْلُ قَوْلُهُ تَعَالى : {لاَ تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنْوُن بِاللهِ وَالْيَوْمِ اْلآخِرِ يُوَادُّوْنَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُوْلَهُ وَلَوْ كَانُوْا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخِوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولئِكَ كَتَبَ فِيْ قُلُوْبِهُمُ الإيْمَانَ . وَأَيَّدَهُمْ بِرُوْحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْري مِنْ تَحْتِهَا اْلأَنْهَارُ خَالدِيْنَ فِيْهَا رَضِيَ اللهُ عَنْهُم وَرَضُوْا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللهِ أَلاَ إِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمْ الْمُفْلِحُوْنَ} » .
وفي شرح هذا الكلام العظيم قال أحد العلماء(2) : « والولاء ، والبراء أصلٌ عظيمٌ ، جاءت فيه النصوص الكثيرة ..." إلى أن قال: " ولأنَّ موالاة من حاد الله ، ومداراته ، تدل على أن ما في قلب الإنسان، من الإيمان بالله ، ورسوله ضعيف ؛ لأنه ليس من العقل أن يحب الإنسان شيئاً هوَ عدوٌّ لمحبوبه ، وموالاة الكفار تكون بمناصرتهم ، ومعاونتهم على ما هم عليهِ من الكفر والضلال، وموادَّتهم تكون بفعل الأسباب التي تكون بها مودتهم فتجده يوادهم أي : يطلب ودَّهم بكل طريق، وهذا لا شكَّ ينافي الإيمان كله أو كماله ، فالواجب على المؤمن معاداة من حاد الله ، ورسوله ، ولو كان أقرب قريب إليهِ ، وبغضه والبعد عنه ولكن هذا لا يمنع نصيحته ودعوته للحقِّ ».
ومما يغيظُ قلبَ المؤمن أن يرى بعضَ المنتسبين لهذا الدين يرفعون شعارات أهل الكفر ، موالين لهم ومناصرين !ومن ذلك ما نشرته بعضُ الصحف حيث نشرت صورةً لأحد الدهماء من الكويت وهو يرفع العلمين البريطاني والأمريكي ابتهاجاً ببدء الحرب على العراق !
نكأت الأحداثُ الأخيرة جرحَهم القديم ، فلم يروا بدا من إذلال أنفسهم برفع شعارات الصليبيين المعتدين ، ولو أنهم اتقوا ورجعوا إلى دينهم لكفروا بالكفر كله ، وطلبوا العزة من الله العزيز الجبار وحده لا شريك له ولا ربّ سواه ، ولا ند له.
لسنا ندعوهم لرفع رايات حزب البعث الكافر ! بل ندعوهم للرجوع إلى الله عز وجل ، والاعتصام بكتابه القويم ، وعدم الركون إلى الذين كفروا بالله العظيم .
ندعوهم إلى أن يكون ولاءهم في الله ، وعداءهم في الله ، وليس لمصالح أو قوميات أو مواقف وأحداث . قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: « على المؤمن أن يعادي في الله ، ويوالي في الله ،فإن كان هناك مؤمن فعليه أن يواليه ـ وإن ظلمه ـ فإنَّ الظلم لا يقطع الموالاة الإيمانية » قال تعالى : {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} [الحجرات: من الآية9]. وقال رحمه الله تعالى: « فأهل السنة والجماعة ـ إذن ـ يوالون المؤمن المستقيم على دينه ولاءً كاملاً ويحبونه وينصرونه نصرة كاملة ، ويتبرءون من الكفر والملحدين والمشركين والمرتدين ويعادونهم عداوة وبغضاً كاملين. أما من خلط عملاً صالحاً وآخر سيئاً فيوالونه بحسب ما هو عليه من الشر ، وأهل السنة والجماعة يتبرءون ممن حادَّ الله ورسوله ولو كان أقرب قريب ».
ندعوهم أن يحرروا قلوبهم من الرق لعباد الصليب ، وألا يمرغوا أنوفهم بالتراب تعظيما لأولئك الكلاب.
ندعوهم أن يلزموا الحقَّ وهم كتاب الله وسنة نبيه محمد عليه الصلاة والسلام على فهم صفوة الأمة السلف الصالح رضي الله عنهم ، وأن لا يغتروا بالشعارات البراقة ، والدعاوى الكاذبة ، وألا يكونوا همجاً رعاعا يتبعون كلَّ ناعق ويميلون مع كلِّ ريح فهذا شأن من لا دين له(3) .
زعم عباد الصليب أنهم حماة للسلام ! وحربٌ على الإرهاب !
كذبوا قاتلهم الله !
كذبوا والقرآن شاهد : حيثُ {قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [المائدة:73].
وأعظِم بها من فرية !
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيراً مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [التوبة:34].
كذبوا وخانوا وتجبروا والتاريخُ شاهد ..
لقد سطَّر النصارى في الأندلس تاريخاً مليئاً بالدماء وهتك الأعراض وقتل النفوس وسبي النساء.
{لا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلّاً وَلا ذِمَّةً وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ} [التوبة:10].(46/206)
يقول جوستاف لوبون في "حضارة العرب": « إنَّ الراهب بليدا أبدى ارتياحه لقتل مائة ألف مهاجر من قافلة واحدة كانت مؤلفة من 140 ألف مهاجر مسلم حينما كانت متجهة إلى إفريقية ».
في عام: 897هـ حاصرت جحافل النصارى غرناطة ، ونقضوا كلَّ العهود والمواثيق ، وضيقوا الخناق على المسلمين حتى اضطروا إلى تسليمها ، ليدخل المسلمون تحت ظلم وعسف وجور محاكم التفتيش بعد ذلك بسنين.
ثم كانت محاكم التفتيش مضرب المثل في الظلم والقهر والتعذيب ، ولقد ارتكبت في حق المسلمين ما تقشعر منه الأبدان وتشيب من هوله الولدان .
فمثلا إذا عُلِمَ أنَّ رجلاً اغتسل يوم الجمعة يصدر في حقِّه حكماً بالموت ، وإذا وجدوا رجلاً لابساً للزينة يوم العيد عرفوا أنه مسلم فيصدر في حقه الإعدام.
ولقد استخدموا في تعذيب المسلمين وقتلهم أنواعا من الآلات الغريبة والمفزعة فمنها آلات لتكسير العظام ، وأخرى لسحق الجسم ، وآلات لسل اللسان ، ولتمزيق أثداء النساء وسحبها من الصدور بواسطة كلاليب فظيعة ومجالد من الحديد الشائك لضرب المعذّبين وهم عرايا حتى يتناثر اللحم عن العظم وغيرها مما تقشعر منه الجلود(4) .. {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} [الأنفال: من الآية30]. {وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْساً وَأَشَدُّ تَنْكِيلاً} [النساء: من الآية84]. {وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى} [طه: من الآية127].
وفي القرن الخامس الهجري وعلى أرض الشام وبيت المقدس « ضرب الصليبيون مثالاً للحقد على الإسلام والمسلمين ، فاتسم الغزو بروح التعصب والانتقام ، فقد سفكوا الدماء في الرها ، وانطاكية ، وطرابلس ، وبيت المقدس ، وسفكوا دماء سبعين ألف مسلم أو يزيد في ساحة المسجد الأقصى من المجاورين ، والعلماء ، والطلاب ، والعباد ، والزهاد ، وخاضت خيولهم بدم الضحايا من الرجال ، والنساء ، والأطفال.
وأذكر ما رواه الراهب روبرت أحد الصليبين المتعصبين ، وشاهد عيان لما حدث في بيت المقدس واصفاً سلوك قومه: ( كان قومنا يجوبون الشوارع والميادين وسطوح البيوت ليرووا غليلهم من التقتيل ، وذلك كاللبؤات التي خُطفت صغارها ، كانوا يذبحون الأولاد والشباب ، ويقطعونهم إرباً إرباً ، وكانوا يشنقون أناساً كثيرين بحبلٍ واحد بغية السرعة. وكان قومنا يقبضون على كلِّ شيء يجدونه ، فيبقرون بطون الموتى ليخرجوا منها قطعا ذهبية ، فيا للشره ، وحب الذهب ، وكانت الدماء تسيل كالأنهار في طرق المدينة المغطاة بالجثث ... ) (5) » .
ماذا فعل الأمريكيون في الفلبين ؟!
في الفلبين « حاول الأمريكيون تنصير المسلمين واستخدموا الإكراه ، فلم يتغير موقف المسلمين ، وقاوموا بالقوة ، واستمر القتال (38) عاماً قُتِلَ فيها عدة آلاف من المجاهدين ، وتمادى الغزاة فشنوا على المسلمين ( حرب الجراثيم ) فاجتاحت أوبئة الكوليرا والجدري والطاعون جزيرة منداناو وأرخبيل صولو في وقت واحد سنة 1321هـ ، وتساقط الناس بالمئات والألوف ، وانتقل الوباء إلى جزر مجاورة ، وبلغ عدد ضحايا الأوبئة أكثر من 200ألف على حساب التقارير الغربية نفسها ، وأهمها تقرير لجنة تافت ، وأدركت أمريكا عبث المحاولات فلانت وعقدت معاهدة مع المسلمين..»(6) وهذا مثال لأمثلة كثيرة لجرائم الصليبين في الفلبين.
أما شأن الصليبيين مع مسلمي الهند « فقد أعلن الحاكم البريطاني اللورد النبرو: ( إنَّ العنصر الإسلامي في الهند عدو بريطانيا اللدود ، وأن السياسية البريطانية يجب أن تهدف إلى تقريب العناصر الهندوكية إليها ، لتساعدهم في القضاء على الخطر الذي يتهدد بريطانيا في هذه البلاد ).
فاشتد الإنجليز في هجمتهم على المسلمين بعد إنهاء الثورة ، واستولوا على أراضيهم ، ففقد المسلمون أملاكهم الواسعة ولم يبق لهم سوى 5% من أراضيهم التي كانوا يملكونها من قبل ، وسدت في وجههم أبواب الرزق في الدواوين وصودرت أملاكهم. وأخذ الانجليز جانب الهندوس والسيخ ، وأطلقوهم يهزأون بالمسلمين وبدينهم ، ويسمونهم سوء العذاب. فكانت المذابح التي راح ضحيتها الآلاف من المسلمين ، وتفشت الطائفية وكثرت المصادمات الطائفية ، والهدف إفناء المسلمين بالمذابح. كما حاول الانجليز تعميق الفوارق بين المسلمين أنفسهم فقسموهم إلى: سادة أو مغل أو باتان أو مشايخ ، وأجبروهم على تسجيل أنفسهم كذلك »(7) .(46/207)
هذه أمثلة قليلة لجرائم ( أدعياء السلام ) الكثيرة ، وتلكم جرائمهم ولا عجب فهم « المثلثة ، أمة الضلال ، وعباد الصليب ، الذين سبّوا الله مسبة ما سبّه إيَّاهم أحدٌ من البشر ، ولم يُقَرُّوا بأنه الواحد ، الفرد الصَّمد ، الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد ، ولم يجعلوه أكبر كلَّ شيء ، بل قالوا فيه ما: ( تكاد السَّموات يتفطرن منه وتنشقُّ الأرض وتخرُّ الجبال هدَّا ) فقل ما شئتَ في طائفةٍ أصل عقيدتها: أنَّ الله ثالثُ ثلاثة ، وأنَّ مريم صاحبته ، وأنَّ المسيح ابنه ، وأنه نزل عن كرسيِّ عظمته والتحم ببطن الصاحبة(8) ، وجرى له ما جرى إلى أن قُتِلَ ومات ، ودفن ، فدينها: عبادة الصلبان ، ودعاء الصور المنقوشة بالأحمر ، والأصفر في الحيطان ، يقولون في دعائهم: يا والدة الإله ارزقينا ، واغفر لنا وارحمينا ! فدينهم: شرب الخمور ، وأكل الخنزير ، وترك الختان ، والتعبد بالنجاسات ، واستباحة كل خبيث من الفيل إلى البعوضة ، والحلال ما حلَّلّهُ ( القِسُّ ) والحرام ما حرَّمه ، والدِّين ما شرعه ، وهو الذي يغفر لهم الذنوب ، وينجيهم من عذاب السَّعير »(9) .
فهذا دينهم ، وتلك فعالهم ، فتباً لهم ، وعياذا بالله من طريقهم .
فيا من اغتر بحضارتهم ، وشعاراتهم ، ودبابتهم وصواريخهم .. أبهؤلاء ترضى ولياً ؟! ولتلك الأباطيل تنتصر ؟! فبئس المولى وبئس النصير !.
ويا من كسرت نفسَه قوةُ العدو اعلم أن النصر بيد الله {إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} [آل عمران:160].
واعلم أن الله يمهل ولا يهمل ، ولأن مكرت أمريكا وبغت وطغت فإن الله أشد مكراً وهو القوي العزيز الجبار. {حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ نَاصِراً وَأَقَلُّ عَدَداً} [الجن:24].
قال تعالى: { فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآياتِنَا يَجْحَدُونَ } [فصلت:15].
« فهل تستطيع أمريكا أن توقف الزلزال ، أو توقف الفيضانات المائيَّة ، أو تستطيع أن توقف المطر ؟ بل لم تسطع أهون من هذا ، وهو علاج مرض ( الإيدز ) وعلاج الأمراض الحديثة.
وحسبنا الله ونعم الوكيل ونعم المولى ونعم النصير ».
(10)
{أَمَّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ إِنِ الْكَافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ} [الملك:20].
ألا إنَّ النصر بيد الله العلي القدير ، ولينصرن الله من ينصره {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [محمد:7].
« كيف يأتي نَصرُ اللهِ ؟
من المُتَّفَق عليه دونَ خِلافٍ ـ ولله الحَمد ـ بين المُسلمين أنَّ مَعنى { إنْ تَنْصرُوا اللهَ } ، أي: إنْ عملتُم بما أمَرَكُم به : نصَرَكُم اللهُ على أعدائكُم .
ومِن أهمِّ النُّصوص ِ المُؤيِّدَةِ لهذا المَعنى مِمَّا يُناسِبُ واقعَنا الذي نعيشُه تماماً ، حيثُ وَصْفُ الدَّواء ِ والعلاج ِ معاً ؛ قولهُ صلى الله عليه وسلم (( إذا تبايَعتُم بالعِينَة ، وَأخَذتُم أذنابَ البَقَر ، وَرَضيتُم بالزَّرع ، وَتركُتم الجهادَ ، سَلَّطَ اللهُ عليكُم ذُلاً لا يَنزعُهُ عَنكُم حتى ترجِعوا إلى دينكُم )).
سَببُ ( مَرَض ) المُسلمين :
هوُ إهماُلهُم العَمَل بأحكام ِ الدِّين ؛ كتاباً وَسُنَّة ً .
فقولُ صلى الله عليه وسلم : (( إذا تبايَعتُم بالعِينَة )) ؛ إشارة ٌ إلى نَوع ٍ مِن المُعامَلات الِّربَويَّة ذات التحايُل على الشرع .
وقولهُ صلى الله عليه وسلم (( وأخَذتُم أذنابَ البَقَر )) ؛ إشارَة ٌ إلى الاهتمام ِ بأمورِ الدُّنيا والرُّكون ِ إليها ، وَعَدم ِ الاهتمام ِ بالشريعَةِ وأحكامها .
ومِثُلُهُ قولُ صلى الله عليه وسلم : (( ورَضيتُم بالزَّرع )) .
وقولهُ صلى الله عليه وسلم (( وترَكتُم الجهادَ )) ؛ هو ثمَرَةُ الخلودِ إلى الدُّنيا ، كما في قوله تعالى : {يا أيُّها الَّذينَ آمَنوا ما لَكُمْ إذا قيلَ لَكُم انْفِرُوا في سَبيل ِ اللهِ اثَّاقَلْتُم إلى الأرض ِ أرَضيتُم بالحَيَاةِ الدُّنيا مِن الآخِرَةِ فما مَتاعُ الحيَاةِ الدُّنيا في الآخِرَةِ إلا قَليلٌ}.
وقولهُ صلى الله عليه وسلم (( ... سَلَّط اللهُ عليكُم ذلاً لا يَنزِعُهُ عنكُم حتى تَراجعوا إلى دينكُم )) ؛ فيه إشارَة ٌ صريحة ٌ إلى أنَّ الدَّين الذي يَجبُ الرُّجوعُ إليه هو الذي ذكَرَهُ اللهُ عَز وجلَّ في أكثرِ مِن آيَةٍ كريمةٍ ، كمثل ِ قولهِ سُبحانَهُ : {اليَومَ أكمَلتُ لَكُم دينَكم وأتْمَمْتُ عَلَيكُم نِعمَتي وَرَضِتُ لكُمُ الإسلامَ دينا}.(46/208)
وفي تعليق الإمام مالكٍ المشهورِ على هذه الآيَةِ ما يُبَيَّنُ المُرادَ ، حيثُ قال ـ رحمه الله ـ : (( وما لم يَكُن يَومئذٍ ديناً فلا يَكونُ اليَومَ ديناً ، ولا يصلُحُ آخِرُ هذه الأمَّة إلا بما صَلَحَ به أوَّلُها )) ».
(11)
فالنصر لمن يستحق النصر ، وكيف يستحق النصر من ملأت الأضرحة والمزارات ديارهم ، وفشت البدع بينهم ، وجاهروا بالعصيان ، ووالوا أعداء الله ، وأعرضوا عن ذكر الله تعالى ؟!
فلن يتحقق النصر من الله إلا بالرجوع إلى الله لأنه تعالى يقول: {إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ} « فعلى المسلمين أن يغيّروا ما في أنفسهم من العقائد المنحرفة، والأخلاق السيئة، إن أرادوا حقاً أن يغير اللّه ما نزل بهم »(12) .
هكذا يأتي النصر ، وليس بالمظاهرات ، والانتخابات ، والأناشيد ، وإشعال العواطف ..
قال محمد البشير الإبراهيمي -رحمه اللّه-:
« هل من الصحيح أن التفجيع والتوجّعَ والتظلّم والتألّم والأقوال تتعالى، والاحتجاجات تتوالى، هي كل ما لفلسطين علينا من حقّ؟ وهل من المعقول أن التفجّع وما عطف عليه -مجتمعات في زَمن، مقترِنات في قرن- تنفع حيفاً، أو تفلّ لظلم سيفاً، أو ترُدّ عادية عاد، أو تسفّه حلم صهيون في أرض الميعاد؟! لا... والذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ».
فالنصر لمن نصروا اللهَ ، وجاهدوا في سبيل الله ، والجهاد يتوفر بعد إعداد العدة لا بالحماسات الفارغة والتي سرعان ما تنطفئ ! .
أسأل الله العلي القدير أن يصلح أحوالنا ، ويهدينا سبيل الرشاد ، وأسأله تعالى أن يقيم علم الجهاد ، وأن يعجل لنا النصر ويهزم قوى الكفر والفساد .
اللهم ارفع الذل عن عبادك المسلمين
اللهم دمر المعتدين من اليهود والنصارى والملحدين ، اللهم اجعل تدبيرهم تدميرا عليهم يارب العالمين.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن اتبعهم إلى يوم الدّين. والحمد لله رب العالمين.
أخوكم / ناصر الكاتب
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1ـ هو الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى وذلك في الأصول الثلاثة.
2 ـ هو العلامة الفقيه محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله تعالى ، وذلك في شرح الأصول الثلاثة.
3 ـ تضمين من كلام للإمام البربهاري ـ رحمه الله تعالى ـ من كتابه العظيم ( شرح السنة ).
4 ـ كل ما مضى عن طغيان النصارى في الأندلس مأخوذ من كتاب: ( إعلام أهل العلم والدّين بأحوال دولة الموحدين ـ سقوط الأندلس الإسلامية) ت: علي محمد محمد الصَّلاَّبي.
5 ـ (حاضر العالم الإسلامي وقضاياه المعاصرة)[2:64]. ت: جميل عبد الله محمد المصري.
6ـ المصدر السابق: [2:368].
7 ـ المصدر السابق: [2:397].
8 ـ تعالى الله عن ذلك علوَّاً كبيراً.
9 ـ من كلام ابن القيم رحمه الله في كتاب (هداية الحيران) ، بواسطة كتاب (الإبطال لنظرية الخلط بين دين الإسلام وغيره من الأديان) للشيخ: بكر أبو زيد.
10ـ هذه كلمات للشيخ: مقبل بن هادي الوادعي ـ رحمه الله تعالى ـ ، انظر: ( مجموعة رسائل علمية ) له رحمه الله تعالى: 142 ، 143 .
11ـ انظر رسالة: (سؤال وجواب حول فقه الواقع) للإمام الألباني رحمه الله تعالى. ص: 43 .
12ـ من كلمات للشيخ الألباني رحمه الله تعالى
============(46/209)
(46/210)
إلى كل من تغنى بمحمود درويش !!
إن الذي دفعني لكتابة مثل هذا المقال .. سفاهة أقوام أبوا إلا أن يحشروا انوفهم في كل شاردة وواردة ، مما حدى بهم إلى ان يتكلموا بل ويتفيقهوا في غير فنهم ، فبادروك بالعجائب ..
ينطلقون من غير أسس ثابتة ، ويصولون بلا دليل أو برهان ..
فتراهم إما أصحاب هوى سرح بهم وادي سحيق بعد ان خطفت عقولهم الطير ..
أو نعاق نعقوا خلف مفسد ، همه الأول والاخر: كيف أفسد ؟ ..
أو مساكين يسيرون على منهج فرعوني ( وجحدوا بها واستيقنتها انفسهم ظلما
وعلوا ...) فكل أعمالهم وأقوالهم هي من باب : خالف تعرف .
فأقول - مجليا عن عمى بصائرهم، مفندا لحجتهم بالدليل والبرهان - وبالله التوفيق :
إليكم سيرة موجزة عن محمود درويش ..
من هو محمود درويش ؟
ولد في قرية البروة بفلسطين عام 1941 ، ويقيم حاليا في باريس .. وعضو في الحزب الشيوعي الفلسطيني .. الذي اسسه اليهود والصهاينة عام 1919 م ، كاول لبنة شيوعية على أرض المسلمين كلها .
وقد عمل في صحف الحزب الشيوعي مثل : (( صحيفة الإتحاد)) ومجلة (( الجديد ))..
وفي أحد المؤتمرات التي عقدت في فيينا ، وبالتحديد في منتصف عام 1985 ، وسط من أسموا أنفسهم (( بالقوى التقدمية بالشرق الأوسط )) ، حمل محمود درويش على كتفه علم حزب (( راكاح )) لشيوعي الإسرائيلي، ممثلا لهم ومعبرا عن وحدة القوى التقدمية العربية والصهيونية .
ورفض في فترة ما منصب (( وزير الثقافة !! )) في حكومة عرفات ، ورشح ذات مرة لجائزة نوبل . صرح في عام 1990 مقارنا بين(( حماس )) والمتطرفين اليهود بقوله (( اليهود أرحم )) .
أما عن أشعاره ، وتنظيره الحداثي ، الذي لا يخلو من الإلحاد والكفر والمجون :
يقول في مجلة اليمامة عدد ( 897 ) :
(( كل قاض كان جزارا ..
تدرج في النبوءة والخطيئة ..
ومدينة البترول تحجز مقعدا في جنة الرحمن ..
فدعوا دمي حبر التفاهم بين أشياء الطبيعة والإله..))
ومن أقواله في عشيقته :
(( نامي
فعين الله نائمة عنا
وأسراب الشحارير .. ))
تعالى الله عما يقول علوا كبيرا (( لا تأخذه سنة ولا نوم )) ..
ويقول في قصيدته (( مديح الظل العالمي )) :
(( ياالله
جربناك جربناك من اعطاك هذا السر
من سماك
من اعلاك فوق جراحنا ليراك فاظهر يا الله
مثل عنقاء الرماد من الدمار ))
وهل هذا بمستغرب من تلميذ من تلامذة الشيوعيين اليهود ، وربيب صحفهم ، وأستاذ الحداثيين عندنا ؟؟
واسمع إلى ما يقوله عن أخته :
(( أبي من اجلها صلى وصام وجاب أرض الهند والإغريق
إلاها .. راكعا لغبار رجليها
أقسم تحت عينيها
يمين قناعة الخالق بالمخلوق وعبد نعاس رجليها
فأعبدهم لتلعب كالملاك
وظل رجليها على الدنيا وصلاة الأرض للمطر ))
وو الله إني لأكتب هذه الكلمات وعيناي تذرفان الدمع حنقا وبغضا لمن تطاول
على خالقي ومولاي ، كلا .. بل وصل الحال به إلى السخرية والاستهزاء ..
فأين هو شاعر أطفال الحجارة ؟
ألا شلت تلك اليد التي كفرت بخالقها وجحدته ..
وهذا فيض من غيض ، ولولا الحياء من الله لعرضت عليكم أمثلة أخرى من
سفالاته..
فأين من يشيد بمحمود درويش ليرينا من هو ؟
أبو عبدالعزيز الظفيري
===============(46/211)
(46/212)
الانعتاق من سلطة الغرب
د. لطف الله بن ملا عبد العظيم خوجه
- الغرب في سطور:
- جغرافيا هو: أوربا الغربية، والولايات المتحدة الأمريكية. وهذا ترتيب تاريخي لا تأثيري.
- دينيا : مسيحي نصراني باتجاهاته الكبرى: الكاثوليكية، والبروتستانتية.
- ثقافيا : علماني؛ يقرر فصل الدين عن الحياة، ويحصره في الكنيسة. وليبرالي يؤمن بأقصى حدود الحرية، من: إلحاد، وإباحية، وشذوذ. ما لم يصل لانتهاك حريات الآخرين.
- اجتماعيا : يميل إلى الفردية؛ ولأجله فالأسر قليلة، ضعيفة الارتباط، وفي طريقها إلى الفناء.
- تقنيا وعلميا : متقدم جدا، وفي تطور مستمر، في كافة الأصعدة العلمية والصناعية.
- اقتصاديا : ينهج النهج الرأسمالي الفردي، والسوق الحرة، والعولمة، والعمل بقانون: إما أن تأكل أو تؤكل، وأدواته: البنوك، والبورصات، والصناعات.
- عسكريا : متقدم ومتطور، ولديه سباق تسلح لا ينتهي، ويمتلك أسلحة خطره على السلم العالمي، وعنده ما يكفي تدمير العالم مئات المرات، وقد مارس الاستعمار والاحتلال منذ مطلع القرن 19، ولا يزال يمارس.
- سياسيا : براغماتي، يتجه نحو النفعية الخاصة، لا يعترف بمبدأ سواه؛ ولذا تتقلب سياساته بين عشية وضحاها مائة وثمانون درجة، فعدو الأمس هو صديق مقرب إذا لزم الأمر، والعكس.
- موقعه من العالم : موقع المهيمن، المسيطر، المتسلط!!، يتحكم في ثروات قارتين من قارات العالم: أفريقيا، وأمريكا اللاتينية. والمحيطات والبحار تحت تصرفه. وله القدرة على الاتجاه بالدول الضعيفة ضمن خططه الاقتصادية، والسياسية، والثقافية: نحو المفاهيم الغربية. كما له القدرة على توريط تلك الدول في مشكلات: سياسية، واقتصادية، وحروب. لضمان طاعتها، وانصياعها الكامل لما رسم لها من سياسات لا تخدمها، وتخدم الراسم. وتستعمل لأجل تحقيق هذا الهدف أدوات باتت معروفة، هي: الأمم المتحدة. مجلس الأمن. البنك الدول. صندوق النقد الدولي. وهي في طريق ترسيخ الأداة الكبرى للهيمنة: العولمة.
* * *
- أثر الغرب.
وله أثر في الناحيتين: الإيجابية، والسلبية.
فالناحية الأولى ظاهرة في الحقل العلمي والتقني خصوصا. والذي سهل وخدم البشرية في وسائل: الراحة والترف، والاتصالات، والتنقل، والطب، والمباني والمنشآت، والحماية والأمن، والتوسع والتدقيق في مصادر العلوم والبحث العلمي.. وكل ما هو مجمع عليه: أنه من صالح البشرية. لا ينكر أحد ما للغرب من يد طولى فيه، بغض النظر عن أهدافه؛ إن كانت للمصلحة الذاتية، أو لنفع العموم.
كما أن من إيجابياته: نشره لمبادئ حقوق الإنسان، والحريات الدينية، والسياسية، وتأثر كثير من دول العالم بهذه المبادئ، وانعكاسها على شعوبها، حيث أمنت على نفسها من الاستبداد إلى حد ما.
والناحية الثانية: وهي واضحة في أمور متعددة، أبرزها إدخال العالم في معارك عالمية تاريخية، لم يجر مثيل لها في التاريخ. وقتل عشرات الملايين، وتدمير دول ومدن.
وفي السياق ذاته: سباق التسلح المحموم؛ باختراع الأسلحة، الفتاكة، والقذرة، والمحرمة؛ كالنووي، والذري، والدمار الشامل، والألغام، والحارق، والمنضب. وإنفاق مليارات الدولارات، وإغراء دول العالم الثالث بالتسلح، وإجبارها على ذلك، بإشعال الحروب بينها لبيع السلاح.
وله دور في منعها من التقدم!!..:
- إما بتوريطها بديون ربوية، فوائدها مركبة، لا تقف عند حد، بواسطة: البنك الدولي، وصندوق النقد الدولي.
- أو بتوريطها في نزاعات إما داخلية، أو نزاعات مع دول مجاورة، تستنزف مواردها.
- وإن لزم الأمر، فخلق واختراع المبررات الكاذبة للاحتلال، بدعوى التحرير والتخليص.
وفي ظل هذه الظروف كيف يمكن لهذه الدول من أن تتقدم ؟!.
ومن سلبياته في العالم: نشر ثقافة الانحلال الخلقي، والإباحية، إلى الشذوذ الجنسي؛ المثلي، والحيواني. فالعالم اليوم يمر بمرحلة تفسخ لا مثيل له في التاريخ، وكلها نتاج ثقافة غربية، تؤمن بالحرية المطلقة.
ومن سلبياته: حرمانه الشعوب من التدين، خصوصا المسلمين، بنشر الفكر العلماني، وفرضه في بعض الأحيان، ونقل التجربة الغربية في فصل الدين عن الحياة إلى العالم، مما تسبب انتشار موجة الإلحاد.
* * *
الانعتاق.
فأثره في العالم واضح، بنسب متفاوتة، بحسب قوة البلدان واستقلالها بالقرار..
فالقوية منها أقدر على الاستفادة، واختيار ما يلائمها من التراث والإنتاج الغربي، دون أن يملى عليها ما تستفيده. وأما الضعيفة فهي تحت التأثير السلبي للحضارة الغربية، فما أخذت منها إلا الأثر الاجتماعي، والثقافي، لكنها حرمت من الأثر الإيجابي العلمي ونحوه؛ ولذا فهي في تراجع مستمر.
ومعرفة الطريقة الصحيحة للاستفادة الإيجابية من التقدم الغربي، يرجع إلى استيعاب مفهوم الهيمنة لدى الغرب، فهذا المهيمن على العالم حريص على إبقاء الهيمنة في حدودها العليا، بل والتمادي، والارتقاء بما كان دون ذلك؛ لتستوي الهيمنة، وتتكامل وتعم. فالشعوب إذا لم تقاوم هذا المفهوم بالانعتاق والتحرر، فإنها ستبقى تحت هذا المفهوم إلى الأبد، ولن يحرره الغرب.(46/213)
فبقاء هذه الهيمنة مرهون بأمرين: حرص الغرب على إبقائها، استسلام الدول لهذه الإرادة.
لا تتم الهيمنة إلا بهذين مجتمعين، فهي عملية تكاملية، ما يعني عدم فاعليتها إذا ذهب أحد العاملين.
فلو أن الغرب لحقته شفقة، واعتراه عدل، وتحرج من الإثم في منعه الدول من الارتقاء، فأراد لها العون، فقدم كل أنواع الدعم، فإن تقدمها أمر متوقع، واستسلامها لن يعوق؛ لغلبة حب التطور على النفوس.
ولو أن هذه الدول فكت قيودها، وتمنعت، وسعت في التطور، وخططت لذلك جادة، واجتمع أمرها، ولم يختلف، فتحررها أمر لازم، ولن تقف خطط الغرب عائقا أمامها.
فمن المهم فهم ارتباط هذين العاملين في التخطيط للتخلص من الهيمنة:
- إذ تعليق الانحطاط والتخلف بالغرب وحده، لن يفيد في قيام وتطور الدول الضعيفة؛ لأن نهضة الأمة سبب رئيس في: تحررها، وتقدمها، وتطورها.
- وتعليق الانحطاط بالأمة وحدها، وتبرئة الغرب لن يفيد في الانطلاقة الصحيحة المتوازنة؛ إذ الغفلة عن هذا العامل ينبؤ عن عدم معرفة بالواقع الجاري في العالم، وأسوأ من ذلك: أنه يدل على الرضى بكل ما يفعله الغرب في العالم، وربما تنبي أهدافه ومخططاته..!!.
وكل هذه الحالات مانعة من الانعتاق والتقدم، وللخروج من الحالتين السلبيتين، لا بد من الالتفات إلى العامل الغربي في تأخر الدول، وبها وبالالتفاتة إلى دور الشعوب في رفض القبول الاستسلام: يمكن الانعتاق والتخلص من التخلف، والتبعية، والضعف.. والهيمنة، والارتقاء إلى صفوف الدول المتقدمة.
* * *
كيف نقاوم ؟.
لدينا وسيلتان، بهما تمكن المقاومة:
الأولى: الالتفات إلى القدرات الداخلية للأمة، وتوفر الكفاءات: البشرية، والمالية، والفكرية. للنهوض بالأمة والاستقلال والاكتفاء الذاتي قدر الممكن.
الأمة لديها طاقات بشرية هائلة، فهذا الغرب نفسه قد انتفع بها للغاية. في مجالات: الطب، والفلك، والصناعات.. إلخ، لديه ثلة من العلماء من بلاد عربية وإسلامية، أسهموا في التقدم والتطور، ولا يزالوان.. إنهم يجدون مكانا وتقديرا لإبداعهم هنالك، ولا يجدونه في بلادهم.. وتلك هي الداهية.؟!!
على الأمة بكل فئاتها: الحكومات، والعلماء، والمفكرين، والتجار، وأهل الصناعات، وأهل التربية والتعليم، وأهل الحرف، والزراع، والعموم: واجب أدبي، وأخلاقي، ووطني، وديني: أن يقدموا خدماتهم بصدق وإخلاص للنهوض بالأمة.
- لا يجوز أن يكون البقاء في السلطة هو الهم الأكبر للحاكم، ولو كان لا يقدم شيئا يذكر.
- ولا يكفي أن يكون غاية العالم نقل العلم وتلقينه، دون السعي إلى ترجمته واقعا في الحياة.
- ومن المؤسف أن يكون هم رجال الأعمال والمال: تنمية الأرصدة، وزيادة الأرباح، عاما بعد عام. واستعمال كل الوسائل الممكنة لذلك، المباحة وغير المباحة. فأين مشروعاتهم للنهوض بالأمة، وهم الذين يمتلكون الشق الثاني من الحل للنهوض: المال. والأول هو: الطاقات.
- ولا يصح أن يكون هدف التعليم إعادة إنتاج أجيال مكررة، تعيد الدورة العلمية نفسها، فتكون كالرحى يدور في فراغ، لا يطحن حبا، ولا يسقي زرعا.
المهمة كبرى، وثقيلة، ولا تحتملها جهة دون أخرى، كل له وعليه واجب على قدره، فواجب الحاكم أكبر من غيره، وهذا معروف. وواجب العالم كبير وحساس، وواجب التاجر أساس ومؤثر.. والكل راع، وهو مسؤول عن رعيته.. فمتى اليقظة، والاستفاقة من الغفلة ؟.
الثانية: إعمال ميزان الشريعة في معاملة الغرب، فمن هذه الموازين:
1- أن الحق ضالة المؤمن: أنى وجدها، فهو أولى بها.
فحيث وجد ما هو مفيد وحق، فمن الضروري الأخذ به0 وهذا الأمر صار من المسلمات عند جماهير المسلمين؛ الخواص، والعوام.
2- أن الغرب المخالف للمسلمين في الدين، منه المحارب، ومنه المسالم؛ دولا، وشعوبا.
فالمحارب يتبرء منه ويعادى، والمسالم يبر به ويقسط إليه؛ بمعنى أن تكون العلاقة معه أحسن وأفضل بالنظر إلى العلاقة مع المحارب، لا إلى المسلم.
إذن لا يصح التعامل مع الغرب على: أنه وحدة واحدة غير مجزئة، ولا متنوعة.
3- أن المصلحة من العلل الشرعية المرعية.
فقد تضيق المعاملة مع المحارب من طريق العقيدة، لكنها تتسع من جهة الشريعة، من طريق المصلحة الشرعية، بشرط عمومها للأمة، فتجوز المهادنة، والمعاهدة معه، كما فعل صلى الله عليه وسلم مع قريش، واليهود، والروم.
4- دعوة الغرب إلى الإسلام.
وتبليغهم وتعريفهم به، فالغرب كله - خصوصا المسالم، وهو الأكثر - محل الدعوة، كسائر البشر، بالحكمة، والموعظة الحسنة، والمجادلة بالتي هي أحسن، بكافة الوسائل: المرئية، والمقروءة، والمسموعة.
فالتوازن في التعامل مع الغرب مطلوب ومهم، فلا يصح إغفال ما قدمه من خدمة للإنسانية والعالم، كذلك لا يصح إغفال ما تسبب فيه وتورط من الإضرار بالإنسانية، والبيئة، والحياة الفطرية.
والقبول به جملة وتفصيلا، والترحيب به، والترويج لمثله، وقيمه ونشاطاته كلها، يمكن أن يكون أكثر تطرفا من الرفض الكلي، وأشد تنطعا من الإعراض عن كل ما أنتج وأبدع. الذي لا يكاد يوجد اليوم.. فأين نجد اليوم الذي يرفض ولا يقبل بكل ما أنتجه الغرب، مما هو مفيد للبشرية ؟.(46/214)
قد كان ذلك في فترة مضت عند فئة محدودة قليلة الحظ في العلم، أما اليوم فالإجماع منعقد على الاستفادة من حضارة الغرب، بما لا يخل بالدين، والعقل، والخلق.
أما التطرف الآخر؛ تطرف القبول والرضى بالكل، فهو الذي يعاني منه المسلمون اليوم، وهو من أخطر أسباب انحطاط؛ إذ صار الغرب ينخرها من الخارج، وهذا التطرف ينخرها من الداخل.
من الأمور التي يروج لها هذا الاتجاه المتطرف:
الادعاء بأن تقدم الغرب لم يكن ليحصل من دون جميع تلك السلبيات التي رافقته.
وعليه فالدول التي تبتغي التقدم عليها الأخذ بأنموذج الغربي، بسلبياته، وإيجابياته.
وهذا ادعاء غير مفهوم ؟!!.
فليس من المفهوم عقلا، امتناع التقدم والتطور إلا بالجمع بين السلبيات والإيجابيات،!!، فالسلبيات أمراض تفسد الإيجابيات، وكل العقلاء يقولون: إن الغرب كاد أن يكمل لولا هذه السلبيات.
وفي الغالب أن هذه الفئة عينها على السلبيات، خصوصا وأنها تتعلق بجانب اللذات والشهوات والحرية اللامحدودة، وهذه الفئة هي التي جلبت هذه السلبيات إلى البلاد والدول ورسختها، ولم تأت بشيء من الإيجابيات.!!.
* * *
الصراع بين الغرب وأمة الإسلام .
الصراع مع الغرب قائم، فالغرب يتهدد مصالح المسلمين، ويستحوذ على ثرواتهم، وعقولهم، وجهودهم، ويتجرد من كل رادع، يردعه عن ظلم المسلمين، حتى لو كان بالاحتلال وقتل الآلاف.
وهذه أوضاع صريحة وواضحة في العداء، لا يمكن استغفال المسلمين، والضحك عليهم بكلمات عن السلام والتعايش بين الغرب والمسلمين، فالكلام شيء، والأفعال شيء آخر.
بل إنا لنجد في كلامهم من التحريض ما هو واضح وصريح:
- مثل تصريحات الرئيس الأمريكي بوش: "إنها حرب صليبية".
- وتصريحات البابا ضد الإسلام؛ أنه دين القتل والإرهاب.
- وإهانة القرآن في سجن غوانتنامو، والسجون الإسرائيلية.
- والرسولم المسيئة للنبي r في الصحف الدنمركية.
ثم ترجمة هذه الكلمات بحرب سافرة ضد بلاد المسلمين، واحتلال، وإشاعة الفوضى فيها، وتدمير البلدان، وقتل مئات الآلاف، والأمثلة معروفة: فلسطين، العراق، أفغانستان. فهو قول وفعل.
فهل بعد هذا يمكن لعاقل حر أبي أن يستغفل بكلام يصدر عن هؤلاء المعتدين أنفسهم، يروجون فيه للسلام والتسامح ؟!!.
إنه تحايل الجزار على الضحية بشيء من العلف.. والنهاية معلومة.
إن هذا ليؤكد الخبر النبوي الكريم عن الحرب الذي بين المسلمين والروم - وهو الاسم القديم لأمة الغرب اليوم - أنها سجال. باقية على مر القرون، حتى خروج الدجال ونزول المسيح ابن مريم، وهذا ما يؤمن به أيضا المتدينون منهم، وهم بانتظار المعركة الفاصلة هرمجدو، بحسب ما يعتقدون.
- عن عوف بن مالك رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم (أعدد ستا بين يدي الساعة... ثم هدنة تكون بينكم وبين بني الأصفر، فيغدرون، فيأتونكم تحت ثمانين غاية، تحت كل غاية اثنا عشر ألفا). [رواه البخاري، وبنو الأصفر هم الروم]
فمنذ الحروب الصليبية وإلى اليوم والنزاع والحرب قائم بين الأمتين..
والغرب الذي ينقسم إلى شعوب وحكومات أمره بيده الثاني، أما الأول فليس له من الأمر، وإن بدا ذلك في الظاهر، فمهما كان مسالما، فهو لن يغير في حقيقة الوضع القائم.
وهذه الحالة يجب ألا تغيب على بال المتعاطي للسياسة.
وأما نحن المسلمون فإنا أهل التسامح وأهل السلم، لا نجري وراء حرب، ولا نسعى في العدوان، لكننا أشد الناس بأسا إذا ما نيل من مقدساتنا.
==============(46/215)
(46/216)
{كُلَّمَا أَوْقَدُواْ نَاراً لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللّهُ}
الخطبة الأولى
الحمد لله؛ تفرد بالجلال والكمال، وبالقوة والقهر والسلطان، لا يذل من والاه، ولا يعز من عاداه، أحمده حمدا طيبا كثيرا مباركا فيه كما يحب ويرضى، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ العزيز الجبار، الكبير المتعال، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله؛ كان أعلم الخلق بربه، وأشدهم ثقة فيه، وأكثرهم توكلا عليه، وإنابة إليه، وتصديقا بموعوده، حاصره المشركون فما تزعزع يقينه بالله تعالى، وأجمع الناس حربه فما رده ذلك عن تبليغ دينه، وفي هجرته وقف المشركون على باب الغار حتى قال صاحبه رضي الله عنه:(يا رسول الله، لو أن أحدهم نظر إلى قدميه أبصرنا تحت قدميه، فقال عليه الصلاة والسلام: يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما) صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأزواجه وأتباعه إلى يوم الدين0
أما بعد:
فاتقوا الله تعالى وأطيعوه، وراقبوه فلا تعصوه، واعتصموا به وتوكلوا عليه {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً }0
أيها الناس:(46/217)
من نظر في أحوال المسلمين، وما أصابهم من ضعف وهوان، وتفرق واختلاف؛ أيقن بأن عللهم كثيرة، وأدواءهم خطيرة، وقد شملت مجالات كثيرة؛ ففيهم من العلل السياسية ما جعلهم مستضامين مستضعفين، يستجدون غيرهم الوقوف معهم، ويطلبون الحماية من غيرهم، وأعداؤهم يشعلون الحروب في أراضيهم ويوقفونها متى أرادوا، ولا مشورة لهم في ذلك، بل ويصدرون عليهم من القرارات ما يضعفهم، ويشترطون عليهم من الشروط ما يزيدهم ضعفا إلى ضعفهم، وذلة إلى ذلتهم0وفيهم من الأدواء الاقتصادية ما جعل أكثر الدول الإسلامية عالة على غيرهم، يشترون خبزهم ببيع سيادتهم، ويهدرون كرامتهم في سبيل بقائهم، وقد غلَّتهم الدول المستكبرة بالمساعدات والقروض الربوية، وثرواتهم لغيرهم وليست لهم، ولا يسمح أعداؤهم لهم بالعتق من رقه وأسره، حتى إذا ما أراد العدو افتراس بلد مسلم، وهبَّتْ الدول الإسلامية لنجدته رفع الأصدقاء الأعداء أوراق المساعدات والقروض في وجهها، فلا يقدرون على حراك معها، وأعلى نسبة فقر عالمية هي في بعض دول أهل الإسلام0 وفي المسلمين من الأدواء الإعلامية والثقافية ما أفقد كثيرا منهم شخصيتهم، وأذابهم في المناهج المنحرفة، ومن رأى إلى أكثر القنوات الفضائية العربية والصحف والمجلات علم أنها لا تمثل شخصية الأمة، ولا تدافع عن حقوقها، ولا تسعى لنشر دينها وثقافتها، بل هي أشد ما تكون حربا على دين المسلمين وقيمهم وأخلاقهم، في مقابل الدعاية والترويج للمناهج المنحرفة، والسلوكيات المنحطة، والأخلاق الرديئة، عن طريق استنساخ كامل لبرامج ملاحدة الغرب وفساقهم0وفي المسلمين من أدواء التفرق والاختلاف ما يجعل ثقة كثير منهم في أعدائهم أكثر من ثقتهم في إخوانهم، والخيانات المتتابعة التي مرت بها قضية فلسطين مثال شاهد على ذلك، سواء في عهود الحروب والمدافعة، أم في مراحل التفاوض والسلام والمناقشة، التي وقَّعها الأعداء مع كل دولة على حدة؛ ليزيدهم ضعفا إلى ضعفهم، وتفرقا إلى تفرقهم0 ومع هذه العلل المهلكة، وتلك الآفات المردية، يأتي المنافقون بهمتهم ومهمتهم في القضاء على هذه الأمة بالتخذيل والإرجاف، والوعيد والتخويف إن أصر المسلمون على دينهم، ولم يحيدوا عن قرآنهم، زاعمين أن بلاء المسلمين وانكسارهم وتخلفهم إنما كان بسبب الموروثات القديمة التي لا تناسب الزمن، مؤكدين على أن الأمم الأخرى ما تقدمت وعزت وانتصرت إلا لما نبذت موروثاتها وراءها ظهريا، فزاد هؤلاء المخذلون والمرجفون في ضعف الأمة وتمزقها وتقهقرها0 إنها أدواء عظيمة، وفتن كبيرة، أصابت كثيرا من المسلمين في مقاتلهم، وطاشت بها عقولهم، فتغيرت قناعاتهم، وتبدلت مواقفهم، وصاروا أبوقاء للأعداء بدل الدفاع عن حقوقهم، ودعاية للمناهج المنحرفة بدل الدعوة إلى دينهم، ولقد شهدنا في خضم هذه الفتن والمحن تحولات كثيرة من الإيمان إلى النفاق، ومن الإسلام إلى الزندقة والإلحاد، ومن الدعوة إلى التمسك بالشريعة إلى الإصرار على التفلت منها، بل رأينا وسمعنا ذوي دعوة وحجى قد نقلوا أحاديثهم عن الإسلام إلى المذاهب الإنسانية، والإخاء البشري، وانتقلوا في استدلالاتهم من نصوص الوحيين إلى أقوال المفكرين الغربيين0 وأصابت هذه الأدواء المهلكة جمهور المسلمين باليأس والإحباط؛ لأنهم يرون أحوال المسلمين من سيء إلى أسوأ، ولم يثبت على قناعته بدينه كله، ولم يتنازل عن شيء منه إلا نُزُّاع من العلماء والدعاة والصالحين في كل بلد من بلدان المسلمين0 إن الناس في حال السلامة والعافية يثبتون، ولكن إذا تعاظمت الفتن، واستحكمت المحن، وازدادت الشرور، وتسلط الكافرون والمنافقون فلا يثبت إلا من ثبته الله تعالى من أفذاذ الرجال، ويوم ارتد المرتدون بعد وفاة صلى الله عليه وسلم لم يثبت إلا الصديق أبو بكر رضي الله عنه، فثبت الله تعالى الأمة بثباته رضي الله عنه، ويوم قالت المبتدعة بخلق القرآن، وامتحنوا الناس على ذلك لم يثبت على كثرة العلماء في ذلك الوقت إلا أحمد بن حنبل؛ فرفع الله تعالى بثباته المحنة، ونصر السنة0إن المسلمين إزاء هذه الأحوال المتردية، والفتن المتلاطمة أحوج ما يكونون إلى استحضار هدي صلى الله عليه وسلم في ذلك؛ فقد أوذي r، وأوذي أصحابه رضي الله عنهم، وهُجِّروا من ديارهم، واجتمعت عليهم قوى الشر والطغيان في ذلك الوقت، وما رأينا صلى الله عليه وسلم متنازلا أو مغيرا، ولا يائسا محبطا؛ بل تحكي سيرته عليه الصلاة والسلام أنه في حال المحن والفتن، واشتداد الكرب، واجتماع الناس عليه وعلى دعوته، يكون أشد ثباتا وعزما، وأكثر تفاؤلا واستبشارا، وقد زخرت سيرته العطرة بأمثلة كثيرة على ذلك0وفي أول الإسلام شكى المستضعفون من المؤمنين رضي الله عنهم إلى رسول ا صلى الله عليه وسلم ما يلقون من المشركين وقالوا له: (ألا تستنصرُ لنا ؟ ألا تدعو الله لنا ؟ قال عليه الصلاة والسلام: كان الرجل فيمن قبلكم يحفر له في الأرض فيجعل فيه، فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه فيشق باثنتين وما يصده ذلك عن دينه، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه من عظم أو عصب وما(46/218)
يصده ذلك عن دينه، والله لَيُتِمَّنَّ هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا اللهَ أو الذئبَ على غنمه ولكنكم تستعجلون) رواه الشيخان0 لقد حثهم عليه الصلاة والسلام على الثبات، وحكى لهم أخبار الثابتين ممن كانوا قبلهم، وبشرهم بالنصر رغم حالة الضعف التي يعيشونها0وفي غزوة الخندق تحزبت الأحزاب على المسلمين، وحاصروا المدينة، ونقضت يهود من داخل المدينة عهدها مع رسول ا صلى الله عليه وسلم ، فاشتد الكرب، وعظمت المحنة، ويكفي في وصف ذلك الموقف العصيب قول الله تعالى {إِذْ جَاؤُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتْ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا* هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً } ولكن صلى الله عليه وسلم كان واثقا بربه، موقنا بوعده ونصره، وكان في تلك الشدة يبشر أصحابه بالكنوز والفتوح والنصر؛ كما روى البراء بن عازب رضي الله عنه فقال:(لما أمرنا رسول ا صلى الله عليه وسلم أن يحفر الخندق عرض لنا فيه حجر لا يأخذ فيه المعول، فاشتكينا ذلك إلى رسول ا صلى الله عليه وسلم ، فجاء رسول ا صلى الله عليه وسلم فألقى ثوبه وأخذ المعول وقال: بسم الله، فضرب ضربة فكسر ثلث الصخرة وقال: الله أكبر أعطيت مفاتيح الشام، والله إني لأبصر قصورها الحمر الآن من مكاني هذا، قال: ثم ضرب أخرى وقال: بسم الله وكسر ثلثا آخر وقال: الله أكبر أعطيت مفاتيح فارس، والله إني لأبصر قصر المدائن الأبيض الآن، ثم ضرب ثالثة وقال: بسم الله فقطع الحجر وقال: الله أكبر أعطيت مفاتيح اليمن، والله إني لأبصر باب صنعاء) رواه أحمد0
فلما اشتد البلاء على صلى الله عليه وسلم وأصحابه نافق ناس كثير، وتكلموا بكلام قبيح، فلما رأى رسول ا صلى الله عليه وسلم ما فيه الناس من البلاء والكرب جعل يبشرهم ويقول: والذي نفسي بيده ليفرجن عنكم ما ترون من الشدة والبلاء فإني لأرجو أن أطوف بالبيت العتيق آمنا، وأن يدفع الله عز وجل مفاتح الكعبة، وليُهْلِكن الله كسرى وقيصر، ولتنفقن كنوزهما في سبيل الله، فقال رجل ممن معه لأصحابه: ألا تعجبون من محمد يعدنا أن نطوف بالبيت العتيق وأن نغنم كنوز فارس والروم ونحن هنا لا يأمن أحدنا أن يذهب إلى الغائط، والله لما يعدنا إلا غرورا، وقال آخرون ممن معه: ائذن لنا فإن بيوتنا عورة، وقال آخرون: يا أهل يثرب لا مقام لكم فارجعوا)0 إنه لموقف عظيم، وتثبيت عجيب، يعدهم صلى الله عليه وسلم بالأمن وهم في شدة الخوف، ويبشرهم بكنوز الأمم وهم في عوز وجوع ومخمصة، ويذكر لهم فتح المدن الكبرى في وقته وهم محاصرون في المدينة، وبينه وبين المدن التي بشر بفتحها أميال وأميال 0إنه الإيمان بالله تعالى، والثقة به، وتصديق وعده، إنه ثبات لا تزعزعه المحن، ولا تميد به الفتن، بل تزده شدة وصلابة في الحق، وإصرارا على تبليغ دين الله تعالى، فثبت المؤمنون معه، وفرحوا بهذا الفأل وهذه البشارة {وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَاناً وَتَسْلِيماً } وأما المنافقون فقالوا ما قالوا، وخذلوا وأرجفوا، وذهبوا خاسئين مذمومين، وكذبوا وصدق الله ورسوله، وجاء الأمن بعد الخوف، والغنى بعد العوز، ودخل المسلمون مكة وطافوا بالبيت، ودحر أهل الشرك والوثنية، وفتحت المدن التي بشر صلى الله عليه وسلم بفتحها، وجلبت إلى المدينة كنوزها، ووضعت بين يدي عمر رضي الله عنه، أنطاع عليها الأموال العظيمة من ذهب وياقوت وزبرجد ولؤلؤ يتلألأ، فقال رضي الله عنه:أين سراقة بن جُعْشُم فأُتي به أشعرَ الذراعين دقيقَهما، فأعطاه عمر سواري كسرى، فقال: ألبسهما، ففعل فقال: قل: الله أكبر، قال: الله أكبر، قال: قل: الحمد لله الذي سلبهما من كسرى بنِ هرمز وألبسهما سراقةَ بن جُعْشُم أعرابيا من بني مُدْلج0إن حالكم يا عباد الله في هذا الزمن كحال أسلافكم من قبل فتنة وامتحانا وابتلاء، وإن تفاوت ذلك بين قليل وكثير، وشديد وأشد، وسيكون في الأمة منافقون كما كانوا من قبل وسيكون في المسلمين سماعون لأراجيفهم وأباطيلهم، وتخويفهم بالكافرين كما كان ذلك في الصدر الأول، وسيثبت رجال في عصرنا هذا رغم شدة البلاء، وعظم الكرب، قد امتلأت قلوبهم إيمانا بالله تعالى، وثقة بنصره، وتصديقا بوعده، فإن أدركوا وقت النصر فازوا بالحسنتين حسنة الدنيا والآخرة، وإن قبضوا قبل ذلك لقوا ربهم ثابتين على دينهم، مستمسكين بشريعتهم، فكونوا يا عباد الله منهم؛ فإنهم قليل في خلق كثير0
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم {قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللّهِ وَاصْبِرُواْ إِنَّ الأَرْضَ لِلّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ }0بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم0
الخطبة الثانية(46/219)
الحمد لله ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة، أحمده وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره، واشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله،؛ بعثه الله تعالى رحمة للعالمين، وحجة على الخلق أجمعين، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين0
أما بعد:
فاتقوا الله تعالى وأطيعوه {وَاتَّقُواْ يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ }0
أيها المسلمون:
منذ أن ابتلى الله عز وجل المسلمين باستيطان اليهود في فلسطين المحتلة، ومنطقة الشرق الإسلامي لم تهنأ بعيش، ولا نعم أهل فلسطين بأمن؛ ذلك أن الاحتلال الاستيطاني هو شر أنواع الإحتلال، ولا يكتب له النجاح إلا بإبادة شاملة لأهل البلاد الأصليين، وتهجير من يبقى منهم كما فعل الكاثوليك بالمسلمين في الأندلس، والبروتستانت بالهنود الحمر في أمريكا، ولم ينجح اليهود في هذا المسعى الآثم بفضل الله عز وجل ثم بثبات المسلمين في الأرض المباركة، وتمسكهم بحقهم في بيت المقدس، وزاد من مشكلة الاستيطان اليهودي أنهم محاطون بأعدائهم، وقد لعب بهم من وطنوهم في أرض ليست لهم، وزرعوهم في وسط أعدائهم؛ ولا بقاء لليهود إلا بافتعال الحروب في المنطقة، وهذا دأبهم منذ أن احتلوا الأرض المباركة، ويصرح ساستهم بذلك فرئسهم الهالك بيجن يقول (نحن نحارب، فنحن إذن نكون)0 ومن سياستهم المعلنة أنهم في كل عشر سنوات لا بد أن يشعلوا حربا جديدة، وقد يقلصون المدة إذا دعتهم الحاجة إلى ذلك، وفي هذا يقول شامير (يتعين علينا في كل عشر سنوات مرة أن نُجِلسَ العرب على كرسي طبيب الأسنان، كي نقلع أسنانهم التي نبتت حتى لا يعضونا بها)0 وقد أخبرنا القرآن عنهم بأنهم يسعون بالفساد، ويشعلون الحروب، وكان ما رأى المسلمون منهم لا يعدو قول القرآن فيهم { كُلَّمَا أَوْقَدُواْ نَاراً لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ }، فقطار السلام، لا يركبه اليهود إلا للوصول عبر محطاته إلى ميدان الحرب؛ وهذا أمر واضح لمن راقب أحوال القوم في القديم والحديث0ومن رحمة الله تعالى بعباده أنه سبحانه يطفئ نار الحروب التي يفتعلونها، ويرد كيدهم وكيد حلفائهم في نحورهم، ومن المبشرات العظيمة أن إطفاء نيران حروبهم دليل على هزيمتهم وخسرانهم، ومشعر بنهاية أمرهم، واضمحلال دولتهم، وهذا ما ينذر به مؤرخوهم ومحللوهم بعد فشلهم في عدوانهم على لبنان؛ فالحمد لله الذي أطفأ نار حربهم، وكسر شوكتهم، وردهم خاسئين خاسرين0 وعلى المسلمين ألا يخدعوا بيهود ومن وراءهم، وبمادراتهم ومشاريعهم التي تريد من المسلمين الاستسلام الكامل لهم، وجعل مفاتيح المنطقة بأيديهم، فهم قوم غدر بهت لا يوقفهم عن أطماعهم، ولا يردهم عن غيهم وإفسادهم إلا القوة، ولا قوة للمسلمين إلا بالله تعالى، ولا نصر لهم إلا بنصر دينه، وإعلاء كلمته، وتحكيم شريعته {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ } فانصروا الله تعالى أيها المسلمون بالاستمساك بدينه، والثبات عليه، وعدم التنازل عن شيء منه مهما كلف الأمر0 انصروه سبحانه بتحكيم شريعته في القليل والكثير، والصغير والكبير، والجليل والحقير، اعملوا بشريعته في أنفسكم وأهلكم وأولادكم وأموالكم، وراقبوا الله تعالى في ذلك ولا تراقبوا خلقا مثلكم0 انصروه بإقامة فرائض دينكم، ومجانبة ما نهاكم عنه ربكم، انصروه سبحانه بأداء الأمانات التي أثقلت كواهلكم، وتحمل المسؤوليات التي عليكم0انصروه سبحانه بالثقة به وبدينه، وأنه الحق الذي لا باطل فيه، وأن ما عارضه فهو الباطل الذي لا حق فيه0انصروه بإخلاص العمل له، وكثرة الالتجاء إليه، والاعتصام بحبله، والتوكل عليه؛ فإنكم إن فعلتم ذلك نصركم الله تعالى على أعدائكم، ولن تقف قوة مهما بلغت أمامكم؛ لأن الله تعالى معكم {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ}0وصلوا وسلموا على ربكم000
============(46/220)
(46/221)
هل تُصدق أن ( الدكتورة نوال السعداوي ) كانت .......!
سليمان بن صالح الخراشي
قد لا يعرف البعض أن الدكتورة الشهيرة ( نوال السعداوي ) صاحبة الانحرافات الخطيرة ، والأقوال الكفرية التي تسخر فيها من نصوص الكتاب والسنة .. كانت في يوم ما من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين !
بل من المتحمسين لها !
يقول الدكتور محمود جامع في كتابه الجديد الذي صدر هذا العام ( وعرفت الإخوان ) ، وهو كتاب مهم جدًا لمن يريد التوسع في معرفة تاريخ الجماعة ... يقول - وفقه الله - ( ص 130) والتعجب مني :
( وكان معنا في نفس الدفعة : الدكتورة نوال السعداوي ، التي نجحنا في ضمها للإخوان ، وتحجبت في ملبسها ، وغطت شعرها ، وكانت ملابسها على الطريقة الشرعية ! ، ونجحت في أن تنشئ قسمًا للأخوات المسلمات من طالبات الكلية ، كما أنشأت مسجدًا لهن في الكلية ، وكانت تؤمهن في الصلاة, وكنت أنا ضابط اتصال بينها وبين الإخوان..
وأقنعت هي كثيرا من زميلاتها بالانضمام للأخوات المسلمات تحضهن على الصلاة و التمسك بالزى الإسلامي في وقت كان الحجاب بين النساء نادرًا, وكانت تخطب في المناسبات الإسلامية وفي حفلات الكلية باستمرار , وكان والدها يرحمه الله من علماء كلية دار العلوم, هو الشيخ سيد السعداوي, ولكن للأسف انقلب حالها وتغيرت أمورها إلى ما وصلت إليه الآن, واتهمت بالإلحاد والإباحية ) . اهـ
قلت : في هذا عبرة لي ولغيري من شباب الإسلام ( ذكورًا وإناثًا ) أن يسألوا الله الثبات على دينه مرارًا وتكرارُا . وأن لا يغتروا لكونهم قد استقاموا على دين الله فترة من الزمن أن لاتصيبهم فتنة أو نكوص عن الهدى ولو بعد حين .
وأسباب الزيغ ( في مجال الشبهات ) بعد تبين الحق للإنسان كثيرة جدًا ..
منها : أن يكون المرء غير مخلص النية منذ بداية توجهه ؛ بمحبته للشذوذ وتتبع الآراء الغريبة ..
ومنها : كثرة مجالسته للمنحرفين - تحت دعاوى كثيرة - تسحبه رويدًا رويدًا عن الخير وأهله وهو لايشعر ..
ومنها : إكثاره من القراءة الفكرية المُقسية للقلب حتى تطغى على العلم النافع الذي يزيد من ثباته ..
ومنها : غفلته وتفريطه التدريجي بالعمل الصالح وأنواع العبادات التي تشد من اعتصامه ..
ومنها ، ومنها , ( تعددت الأسباب والنتيجة واحدة ) .
وأثناء عمل هذه الأسباب المردية تنشأ بذرة خبيثة في القلب ؛ هي بذرة " التمرد " !
وتبدأ أولا بالتمرد على أقوال العلماء وأفهامهم المبنية على النصوص الشرعية ، وازدرائها - بأعذار شتى - ، يأتي على رأسها أنهم " لايفهمون " ، أو أن الزمن تغير وهم " ثابتون على نهجهم الأول " ، أو أنهم " تقليديون " ، أو أن أقوالهم تخالف الرأي الذي اعتقده ، أو ، أو . أما هذا " المتمرد " فهو الفاهم وهو المتطور وهو المنفتح .. وهو يٌلبس على نفسه بأن " تمرده " هذا هو من قبيل " التطور الفكري " ! أو أنه انتقل من مدرسة " الحفظ والتقليدية " إلى مدرسة " الفهم والتجديد " !
هذه البداية ...
ثم تبدأ بذرة " التمرد " بالنمو وهو ساهٍ في غمرته .. حيث يكتشف أن تمرده هذا بدأ يصطدم ببعض النصوص الشرعية التي تخالف هواه الجديد .. وهذه مشكلة ! فلم تعد المسألة مسألة أقوال علماء !
و" المتمردون " في هذا المقام ينقسمون قسمين حسب تتبعي وقراءتي لهم :
القسم الأول : يلجأ إلى التملص من النصوص الشرعية بالحيل المتنوعة : ( التأويل ) ، ( عدم الأخذ بخبر الآحاد ) ، ( الاكتفاء بالقرآن ) ، ( التفريق بين اليقينيات والظنيات ) .. الخ . وهذا تجده كثيرًا في كتابات العصريين .
القسم الثاني : الموقن بأنه مهما طال الزمن أو قصر لا بد من " المواجهة " مع النصوص !! لأنه مهما تملص وراغ يمينًا وشمالا .. فستأتيه نصوص شرعية " يقينية " " قرآنية " تعارض عقله " الضعيف " لا يستطيع لها دفعًا .
فعندها يردد :
إذا لم يكن إلا ( الإلحاد ) مركبًا *** فماحيلة المضطر إلا ركوبه ؟
فيخلع هذا " المتمرد " مابقي عليه من رداء التقية ، وتبدأ رحلته الجديدة في " التمرد " على النصوص نفسها ، وازدرائها ، والتهكم بها ، بل تصل الحال ببعضهم إلى التطاول على رسول الله صلى عليه وسلم ، ثم التطاول على رب العالمين - والعياذ بالله - !
وتجد نماذج من هذا الكفر والضلال عند القصيمي الملحد .. وعند الشيخ ! الملحد خليل عبدالكريم .. ومثلهم ( نوال السعداوي ) سيئة الذكر .
المهم : أن نعتبر جميعًا - وأنا أولكم - بحال الآخرين من الهالكين بأن لا نسالك مسالكهم ؛ لأن النتيجة ستكون واحدة مهما حاولنا غير ذلك ، وأن نعالج الأمراض الخفية ، ونقضي على كل بذرة خبيثة في مهدها ؛ قبل أن تنمو وتكبر فيصعب الخلاص منها حينذاك .. وأهمها بذرة " الكبر " و"حب الشذوذ " و" سلوك الطريق عن غير قناعة بل مجاملة للآخرين " .. وأن نعلم يقينًا أن المرء لأن يكون ذنَبًا في الحق خيرٌ من أن يكون رأسًا في الباطل .
والله الهادي .
===============(46/222)
(46/223)
الآخر.. بديلا عن الكافر
ماجد بن محمد الجهني
الظهران
نعيش في هذا الزمان المليء بالعجائب والمتناقضات، الذي تتابع فيه المصائب على أم هاماتنا ممن يسمون أنفسهم زوراً وبهتاناً بالمفكرين والمثقفين والمستنيرين.
عجيبٌ أمرُ بعض هؤلاء ففي كل يومٍ يتحفوننا بأفانين وأفكارٍ إن دلت على شيء فإنما تدل على مدى ما وصلوا إليه من انحدار فكري وضعف وخور روحي وتبعية مقيته ..
ولعل الاقتراح الخطير والزائغ الذي أتحفنا به بعضهم في الحوار الوطني الأخير الذي عُقد في مدينة أبها أبان لنا شيئاً يسيراً من المدنية والسماحة والإنسانية التي يريد هؤلاء القوم أن ينقلونا إليها والتي تأتي على خضراء الثوابت والقيم والأخلاق.
نكتة الموسم الثقافية والفكرية،وأضحوكة العصر الحديث، وباقعة التفكير المشلول المستنير زعموا حين طالبوا بحذف كلمة (الكافر) أو ( الكفار) من قاموسنا اللغوي واستبدالها بعبارة الآخر... وكل ذلك من باب عدم جرح مشاعر الآخر والحفاظ على هدوء أعصابه تجاهنا،ولكي نبرهن للآخر(طبعاً الكافر) بأننا عصريون وإنسانيون فوق ما يتصور، وحتى لو كان الأمر متعلقاً بثوابتنا الشرعية كما هو الحال في تغيير وصفٍ أطلقه الله _جل وعلا_ في محكم كتابه وأطلقه رسوله _ r_ على كل من لم يعتنق الإسلام ملةً وديناً.
طروحات أصحاب هذا الفكر الأحادي لا تنتهي عند حدود، فهم والله لو تمكنوا لغيروا من معالم الشريعة ولتبنوا فوق ما يتبنونه الآن تحت دعاوى يُراد بها الباطل في ظل استغلالهم الرخيص للأحداث العاصفة بالعالم، والتي نال بلادنا شيءٌ من شررها.
كانت دندنتهم قديماً تحمل مثل هذه العبارات الرنانة (حقوق المرأة وفق تعاليم الشريعة السمحة)، وإذا بنا نكتشف مع الزمن أن الحقوق التي يدعون لها لا علاقة لها بالشريعة والإسلام من قريب ولا بعيد؛ لأنهم شنوا حرباً شعواء على الحجاب، وعلى منع الاختلاط والتبرج والسفور وجعلوا من قضية قيادة المرأة للسيارة أمراً جوهرياً ومحورياً يؤلبون من خلالها الغرب على بلادنا وعلى حكامنا، بل ويساومون من خلالها على أمننا واستقرارنا.
هاهم اليوم وتحت سندان مطرقتهم الإعلامية الغليظة التي يصمون من خلالها كل من يخالف أطروحاتهم بأنه إرهابي وأنه رجعي وأنه يدعو إلى الفتنة-أقول- هاهم يعتدون على حمى الشريعة وجناب الملة المطهر بطرحٍ فيه من الإلحاد في آيات الله _عز وجل_ ما فيه، تحت دعوى باطلة وهي دعوى تصحيح صورة الإسلام في نظر الذين كفروا.
هل سيأتي يومٌ على هؤلاء المساكين يطالبوننا فيه بأن نقرأ مثلاً قول الله _تبارك وتعالى_:"يا أيها الذين كفروا لا تعتذروا اليوم إنما تجزون ما كنتم تعملون" فنستبدلها بقولنا: (يا أيها الآخرون) ؟
مَنْ مِنَ المسلمين يتحمل وزر هذه الدعوى المنحرفة بين يدي الله _عز وجل_؟
ومن يتحملُ أن يرى مجموعةً من الجهلة يعتدون على جناب ملة محمدٍ _ r_ فيغيروا وصفاً وصف الله _عز وجل_ به كل من لم يؤمن بدين الإسلام؟
إنه لا كرامة لكل من سار خلف دعوى الشيطان الذي يأمر بتغيير خلق وشرائع الله وأحكام الله _عز وجل_ "ولآمرنهم فليغيرن خلق الله".
ليس كل من حمل الدال وانتفش وطبل له المطبلون فمعنى ذلك أن له الحق أن يناديَ بمثل هذا الشذوذ العقدي والفكري بيننا.
نعم والله إنه انحرافٌ وشذوذٌ عقدي وفكري خطير يجب أن يُحاسب صاحبه محاسبةً شديدةً مهما كان وصفه وموقعه فليس لدينا أغلى أو أعز أو أطهر من شريعتنا فالاعتداء عليها هو في حد ذاته اعتداءٌ صارخٌ على المقوم الرئيس من مقومات بقائنا وعزنا.
إنَّ محاكمة مثل هؤلاء شرعياً هو أقل الواجب وإلا فإن الأمر لن يقف عند حد معين، وإذا كنا نحارب الغلاة الذين يفجرون المباني ويزهقون الأرواح فإن الواجب أيضاً يحتم علينا محاربة الغلاة العلمانيين الذين يفجرون العقول ويزهقون العقائد في نفوس الناس هذا إذا كنا جادين في محاربة الغلو وجميع أسبابه؛ لأن دين الله _تبارك وتعالى_ ليس لعبةً في لسان كل جاهل.
ختاماً نسأل الله _تبارك وتعالى_ أن يحميَ شريعتنا وبلادنا من كل ناقص وناقصة عقل ودين.
============(46/224)
(46/225)
المهاريشية
إعداد الندوة العالمية للشباب الإسلامي
التعريف :
المهاريشية نحلة هندوسية دهرية ملحدة، انتقلت إلى أمريكا وأوروبا متخذة ثوباً عصريًّا من الأفكار التي لم تخف حقيقتها الأصلية، وهي تدعو إلى طقوس كهنوتية من التأمل التصاعدي (التجاوزي) بغية تحصيل السعادة الروحية، وهناك دلائل تشير إلى صلتها بالماسونية والصهيونية التي تسعى إلى تحطيم القيم والمثل الدينية وإشاعة الفوضى الفكرية والعقائدية والأخلاقية بين الناس.
التأسيس وأبرز الشخصيات :
مؤسسها فقير هندوسي لمع نجمه في الستينات واسمه مهاريشي - ماهيش - يوجي انتقل من الهند ليعيش في أمريكا ناشراً أفكاره بين الشباب الضائع الذي يبحث عن المتعة الروحية بعد أن أنهكته الحياة المادية الصاخبة.
بقي في أمريكا مدة 13 سنة حيث التحق بركب نحلته الكثيرون، ومن ثم رحل لينشر فكرته في أوروبا وفي مختلف بلدان العالم.
في عام 1981م انتسب إلى هذه الفرقة ابن روكفلر عمدة نيويورك السابق وخصص لها جزءً من أمواله يدفعها سنويًّا لهذه الحركة، ومعروف انتماء هذه الأسرة اليهودية إلى الحركة الصهيونية والمؤسسات الماسونية.
الأفكار والمعتقدات:
لا يؤمن أفراد هذه النحلة بالله سبحانه وتعالى، ولا يعرفون إلا المهاريشي إلهاً(*) وسيداً للعالم.
لا يؤمنون بدين(*) من الأديان السماوية، ويكفرون بجميع العقائد والمذاهب(*)، ولا يعرفون التزاماً بعقيدة إلا بالمهاريشية التي تمنحهم الطاقة الروحية - على حد زعمهم - وهم يرددون: لا رب .. لا دين.
لا يؤمنون بشيء اسمه الآخرة أو الجنة أو النار أو الحساب.. ولا يهمهم أن يعرفوا مصيرهم بعد الموت لأنهم يقفون عند حدود متع الحياة الدنيا لا غير.
حقيقتهم الإلحاد(*)، لكنهم يظهرون للناس أهدافاً براقة لتكون ستاراً يخفون بها تلك الحقيقة. فمن ذلك أنهم يدعون إلى التحالف من أجل المعرفة أو علم الذكاء الخلاق ويفسرون ذلك على النحو التالي:
علم: من حيث دعوتهم إلى البحث المنهجي التجريبي.
الذكاء: من حيث الصفة الأساسية للوجود متمثلاً في هدف ونظام للتغيير.
الخلاق: من حيث الوسائل القوية القادرة على إحداث التغييرات في كل زمان ومكان.
وهم يصلون إلى ذلك عن طريق (التأمل التجاوزي) الذي يأخذ بأيديهم - كما يعتقدون- إلى إدراك غير محدود.
(التأملات التجاوزية) تتحقق عن طريق الاسترخاء، وإطلاق عنان الفكر والضمير والوجدان حتى يشعر الإنسان منهم براحة عميقة تنساب داخله، ويستمر في حالته الصامتة تلك حتى يجد حلاًّ للعقبات والمشكلات التي تعترض طريقه، وليحقق بذلك السعادة المنشودة.
يخضع المنتسب للتدريب على هذه التأملات التصاعدية خلال أربع جلسات موزعاً على أربعة أيام، وكل جلسة مدتها نصف ساعة.
ينطلق الشخص بعد ذلك ليمارس تأملاته بمفرده على أن لا تقل كل جلسة عن عشرين دقيقة صباحاً ومثلها مساءً كل يوم وبانتظام.
من الممكن أن يقوموا بذلك بشكل جماعي، ومن الممكن أن يقوم به عمال في مصنع رغبةً في تجاوز إرهاقات العمل وزيادة الإنتاج.
يحيطون تأملاتهم بجو من الطقوس الكهنوتية مما يجعلها جذابة للشباب الغربي الغارق في المادة والذي يبحث عما يلبي له أشواقه الروحية.
ينطلقون في الشوارع يقرعون الطبول، وينشدون، دون إحساس بشيء اسمه الخجل أو العيب أو القيم، ويرسلون شعورهم ولحاهم، ولعل بعضهم يكون حليق الرأس على نحو شاذ، وهيئتهم رثة، كل ذلك جذباً للأنظار، وتعبيراً عن تحللهم من كل القيود.
استعاض المهاريشية عن النبوة(*) والوحي(*) بتأملاتهم الذاتية، واستعاضوا عن الله بالراحة النفسية التي يجدونها، وبذلك أسقطوا عن اعتبارهم مدلولات النبوة والوحي والألوهية.
يطلقون العنان لشبابهم وشاباتهم لممارسة كل أنواع الميول الجنسية الشاذة والمنحرفة، إذ إن ذلك- كما يعتقدون - يحقق لهم أعلى مستوى من السعادة. وقد وجد بينهم ما يسمى بالبانكرز وما يسمى بالجنس الثالث.
يدعون شبابهم إلى عدم العمل، وإلى ترك الدراسة، وإلى التخلي عن الارتباط بأرض أو وطن، فلا يوجد لديهم إلا عقيدة المهاريشي، فهي العمل وهي الدراسة وهي الأرض وهي الوطن.
عدم إلزام النفس بأي قيد يحول بينها وبين ممارسة نوازعها الحيوانية الطبيعية.
يحثون شبابهم على استخدام المخدرات كالماريجوانا والأفيون حتى تنطلق نفوسهم من عقالها سابحة في بحر من السعادة الموهومة.
يلزمون أتباعهم بالطاعة العمياء للمهاريشي وعدم الخضوع إلاّ له إذ إنه هو الوحيد الذي يمكنه أن يفعل أي شيء.
يلخصون أهدافهم ومجالات عملهم بسبع نقاط براقة تضفي على حركتهم جوًّا من الروح العلمية الإنسانية العالمية وهي أهداف لا يكاد يكون لها وجود في أرض الواقع وهي:
1- تطوير كل إمكانات الفرد.
2- تحسين الإنجازات الحكومية.
3- تحقيق أعلى مستوى تعليمي.
4- التخلص من كل المشكلات القديمة للجريمة والشر، ومن كل سلوك يؤدي إلى تعاسة الإنسانية.
5- زيادة الاستغلال الذكي للبيئة.
6- تحقيق الطموحات الاقتصادية للفرد والمجتمع.
7- إحراز هدف روحي للإنسانية.
أما وسائلهم المعتمدة لتحقيق هذه الأفكار فهي:
1- افتتاح الجامعات في الأرياف والمدن.(46/226)
2- نشر دراسات عن علم الذكاء الخلاق والدعوة إلى تطبيقها على المستوى الفردي والحكومي والتعليمي والاجتماعي وفي مختلف البيئات.
3- إيجاد تلفزيون ملون عالمي لبث التعاليم من عدة مراكز في العالم.
الجذور الفكرية والعقائدية:
إنها ديانة(*) هندوسية مصبوغة بصبغة عصرية جديدة من الحرية(*) والانطلاق.
إنها مزيج من اليوغا(*) ومن الرياضات المعروفة عند الهندوس.
خالطت معتقداتها طقوس صوفية بوذية هندية.
تأثر مذهبهم بنظرية أفلوطين الإسكندري في الفلسفة الإشراقية.
إن استشراف الحق عن طريق التأمل الذاتي نظرية قديمة في الفلسفة(*) اليونانية وقد بعثت هذه النظرية من جديد على يد ماكس ميلر، وهربرت سبنسر، وبرجسون، وديكارت، وجيفونس، وأوجست، وغيرهم.
كان لفلسفة فرويد ونظريته في التحليل النفسي ولآرائه في الكبت وطرق التخلص منه النصيب الوافر في معتقدات هذه النحلة التي راحت تبحث عن سعادتها عن طريق الإرواء الجنسي بشتى صوره.
الانتشار ومواقع النفوذ:
مؤسسها هندوسي لم يجد له مكاناً في الهند لمضايقة الهندوس له لخوفهم من استقطابه الأتباع بسبب إتباعه سياسة الانفتاح الجنسي.
انتقل إلى أمريكا وأنشأ جامعة في كاليفورنيا، ومن ثم انتقل إلى أوروبا وصار له أتباع فيها، ورحل بحركته إلى أفريقيا ليقيم لها أرضية في ساليسبورغ، ووصلت دعوته إلى الخليج العربي ومصر حيث يزرع الأتباع هنا وهناك ويتحرك فوق ثروة مالية هائلة.
وتملك المهاريشية إمكانيات مادية رهيبة تدعو إلى التساؤل والاستغراب، وتشير إلى الأيدي الصهيونية والماسونية التي تقف وراءها مستفيدة من تدميرها لأخلاق(*) وقيم الأمم.
في عام 1971م أنشأ زعيمهم جامعة كبيرة في كاليفورنيا سماها (جامعة المهاريش العالمية) ويقول بأنه فعل ذلك بعد أن أحس بتقبل مذهبه في أكثر من 600 كلية وجامعة في أنحاء العالم.
وفي عام 1974م أُعلن عن قيام الحكومة العالمية لعصر الانبثاق برئاسة مهاريشي - ماهيشي - يوجي ومقرها سويسرا كما أن لهذه الدولة دستوراً ووزراءً وأتباعاً وثروة طائلة واستثمارات في مختلف أنحاء العالم.
في كانون الأول 1978م ادعوا بأن حكومتهم المهاريشية قد أرسلت إلى إسرائيل بعثة من 400 محافظ ليقيموا دورة هناك لثلاثمائة رجل حتى تجعل الشعب أكثر اجتماعية وأقل حدةً وتوتراً.
يعتبر عام 1978م عام السلام لديهم حيث إنهم قد أعلنوا أنه لن تقهر أمة في العالم بعد ذلك. وقد دعوا في ذلك العام إلى عقد مؤتمر في ساليسبورغ لتكوين نظام عدم القهر لأية أمة، كما أسس فيه المجلس النيابي لعصر الانبثاق.
كتبهم ومطبوعاتهم تكتب بماء الذهب، وهم يمتلكون أكبر المصانع والعقارات في أوروبا، وقد اشتروا قصر برج مونتمور في بريطانيا لتأسيس عاصمتهم الجديدة هناك.
يحرصون دائماً على اعتبار مؤسستهم مؤسسة خيرية معفاة من الضرائب على الرغم من غناهم الفاحش.
يخدم مع المهاريشي سبعة آلاف خبير، ويشتري هذا المهاريشي، الفقير أصلاً، عشرات القصور الفارهة فمن أين له ذلك؟
إن اليهودية قد وجدت فيها خير وسيلة لنشر الانحلال والفوضى بين البشر فتبنتها ووقفت وراءها مسخرة لها الأموال والصحافة وعقدت لها المناقشات لطرح نظريتها والدعوة إليها.
وصل بعضهم إلى دبي وعقدوا اجتماعاً في فندق حياة ريجنسي يدعون فيها علانية لمذهبهم وقد ألقي القبض على هؤلاء الأشخاص الأربعة الذين قدموا إليها بتأشيرة سياحية ثم أُبعدوا عن البلاد.
وصل بعضهم إلى الكويت وتقدموا بطلب للحصول على ترخيص لهم باعتبارهم مؤسسة خيرية غير تجارية، وقد نشروا في الصحافة الكويتية أكثر من مقال وبث لهم التلفزيون الكويتي بعض المقابلات قبل أن تتضح أهدافهم الحقيقية.
نظموا دورة لموظفي وزارة المواصلات في الكويت في فندق هيلتون وقد دعوا الموظفين أثناء الدورة إلى مراجعة مواريثهم العقائدية والفكرية.
طُرد المهاريشي من ألمانيا بعد أن ظهر أثره السيئ على الشباب.
نشرت رابطة العالم الإسلامي في مكة بياناً أوضحت فيه خطر هذا المذهب على الإسلام والمسلمين مؤكدة ارتباطه بالدوائر الماسونية والصهيونية.
ويتضح مما سبق:
أن المهاريشية دين(*) هندوسي وضعي دهري ملحد، لا يعترف بالآخرة، ويدعو إلى إلغاء كافة العقائد والأديان السابقة، ويطالب التخلي عن كل القيود والتعاليم الخلقية، ويسعى لاستقطاب الشباب وإغراقه في متاهات التأمل التجاوزي والانحلال الجنسي والسقوط فريسة سهل للمخدرات.
والحقيقة أن المهاريشية ما هي إلا ضلالة جديدة انتهزت فرصة إخفاق النصرانية في احتواء الشباب، وظهور صرعات الهيبيز والخنافس وأبناء الزهور، فتقدمت لتملأ الفراغ، تحت وهم جلب الراحة النفسية ومطاردة موجات القلق والاضطراب، عن طريق الرياضات الروحية، بعيداً عن طريق الوحي(*) والنبوات(*).
ولا يستبعد أن تكون ذراعاً جديداً للماسونية، ويرى الكثيرون في ماهيش يوغي مؤسس المهاريشية أنه راسبوتين العصر، لطابع الدجل والاستغلال والانحراف الذي يتحلى به.
----------------
مراجع للتوسع :
- مجلة المجتمع الكويتية، العدد 286 في 10 صفر 1396هـ.(46/227)
- مجلة المجتمع الكويتية، العدد 296 في 20 ربيع الآخر 1396هـ/ 20 إبريل 1976م.
- مجلة المجتمع الكويتية، العدد 299 في مايو 1976م/ جمادى الأولى 1396هـ.
- مجلة نيوزويك، العدد الصادر في 8 مارس 1976م.
- مجلة الإصلاح الاجتماعي، الإمارات - شعبان 1404هـ/ مايو 1984م.
- مجلة الجندي المسلم، المملكة العربية السعودية - العدد 35 ربيع الأول 1405هـ.
============(46/228)
(46/229)
العقلانية
إعداد الندوة العالمية للشباب الإسلامي
التعريف :
العقلانية مذهب(*) فكري يزعم أنه يمكن الوصول إلى معرفة طبيعة الكون والوجود عن طريق الاستدلال العقلي بدون الاستناد إلى الوحي(*) الإلهي أو التجربة البشرية وكذلك يرى إخضاع كل شيء في الوجود للعقل(*) لإثباته أو نفيه أو تحديد خصائصه.
ويحاول المذهب إثبات وجود الأفكار في عقل الإنسان قبل أن يستمدها من التجربة العملية الحياتية أي أن الإدراك العقلي المجرد سابق على الإدراك المادي المجسد.
التأسيس وأبرز الشخصيات:
العقلانية مذهب قديم جديد بنفس الوقت. برز في الفلسفة(*) اليونانية على يد سقراط وأرسطو، وبرز في الفلسفة الحديثة والمعاصرة على أيدي فلاسفة أثَّروا كثيراً في الفكر البشري أمثال: ديكارت وليبنتز وسبينوزا وغيرهم.
رينيه ديكارت 1596 - 1650م فيلسوف فرنسي اعتمد المنهج(*) العقلي لإثبات الوجود عامة ووجود الله على وجه أخص وذلك من مقدمة واحدة عُدت من الناحية العقلية غير قابلة للشك(*) وهي: "أنا أفكر فأنا إذن موجود".
ليبنتز: 1646 - 1716م فيلسوف ألماني، قال بأن كل موجود حي وليس بين الموجودات مِنْ تفاوت في الحياة إلا بالدرجة - درجة تميز الإدراك - والدرجات أربع: مطلق الحي أي ما يسمى جماداً، والنبات فالحيوان فالإنسان.
وفي المجتمع الإسلامي نجد المعتزلة تقترب من العقلانية جزئيًّا، إذ اعتمدوا على العقل(*) وجعلوه أساس تفكيرهم ودفعهم هذا المنهج إلى تأويل(*) النصوص من الكتاب والسنة التي تخالف رأيهم. ولعل أهم مقولة لهم قولهم بسلطة العقل وقدرته على معرفة الحسن والقبيح ولو لم يرد بها شيء. ونقل المعتزلة الدين(*) إلى مجموعة من القضايا العقلية والبراهين المنطقية وذلك لتأثرهم بالفلسفة(*) اليونانية.
وقد فنَّد علماء الإسلام آراء المعتزلة في عصرهم، ومنهم الإمام أحمد بن حنبل ثم جاء بعد ذلك ابن تيمية وردَّ عليهم ردًّا قويًّا في كتابه درء تعارض العقل والنقل وبيّن أن صريح العقل(*) لا يمكن أن يكون مخالفاً لصحيح النقل. وهناك من يحاول اليوم إحياء فكر المعتزلة إذ يعدونهم أهل الحرية الفكرية في الإسلام، ولا يخفى ما وراء هذه الدعوة من حرب على العقيدة الإسلامية الصحيحة، وإن لبست ثوب التجديد(*) في الإسلام أحياناً.
العقائد والأفكار:
تعتمد العقلانية على عدد من المبادئ الأساسية هي:
العقل لا الوحي(*) هو المرجع الوحيد في تفسير كل شيء في الوجود.
يمكن الوصول إلى المعرفة عن طريق الاستدلال العقلي وبدون لجوء إلى أية مقدمات تجريبية.
عدم الإيمان بالمعجزات(*) أو خوارق العادات.
العقائد الدينية ينبغي أن تختبر بمعيار عقلي.
الجذور الفكرية والعقائدية:
كانت العقلانية اليونانية لوناً من عبادة العقل وتأليهه وإعطائه حجماً أكبر بكثير من حقيقته. كما كانت في الوقت نفسه لوناً من تحويل الوجد إلى قضايا تجريدية.
وفي القرون الوسطى سيطرت الكنيسة(*) على الفلسفة الأوروبية، حيث سخَّرت العقل لإخراج تحريفها للوحي(*) الإلهي في فلسفة عقلية مسلَّمة لا يقبل مناقشتها.
وفي ظل الإرهاب الفكري الذي مارسته الكنيسة انكمش نشاط العقل الأوروبي، وانحصر فيما تمليه الكنيسة والمجامع المقدسة، واستمرت على ذلك عشرة قرون.
وفي عصر النهضة(*)، ونتيجة احتكاك أوروبا بالمسلمين - في الحروب الصليبية والاتصال بمراكز الثقافة في الأندلس وصقلية والشمال الإفريقي - أصبح العقل الأوربي في شوق شديد لاسترداد حريته في التفكير، ولكنه عاد إلى الجاهلية(*) الإغريقية ونفر من الدين(*) الكنسي، وسخَّر العقل(*) للبعد عن الله، وأصبح التفكير الحر معناه الإلحاد(*)، وذلك أن التفكير الديني معناه عندهم الخضوع للفقيد الذي قيدت به الكنيسة العقل وحجرت عليه أن يفكر.
يتضح مما سبق :
أن العقلانية مذهب(*) فكري فلسفي يزعم أن الاستدلال العقلي هو الطريق الوحيد للوصول إلى معرفة طبيعة الكون والوجود، بدون الاستناد إلى الوحي(*) الإلهي أو التجربة البشرية، وأنه لا مجال للإيمان بالمعجزات أو خوارق العادات، كما أن العقائد الدينية يمكن، بل ينبغي أن تختبر بمعيار عقلي، وهنا تكمن علله التي تجعله مناوئاً ليس فقط للفكر الإسلامي، بل أيضاً لكل دين سماوي صحيح.
----------------------------------------------------
مراجع للتوسع :
- مذاهب فكرية معاصرة، محمد قطب، دار الشروق - بيروت ط1407هـ.
- الموسوعة الفلسفية المختصرة، بإشراف د. زكي نجيب محمود دار القلم ، بيروت.
- قصة الفلسفة الحديثة، أحمد أمين، زكي نجيب محمود، لجنة التأليف والنشر القاهرة 1978م.
- تاريخ الفلسفة الحديثة، يوسف كرم، دار المعارف - القاهرة.
- درء تعارض العقل والنقل، ابن تيمية ط. جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، بتحقيق د. محمد رشاد سالم
=================(46/230)
(46/231)
تونس ..والحرب الشرسة ضد الإسلام
بسم الله الرحمن الرحيم
تونس ذلك البلد الجميل الهادئ الساكن في غرب أفريقيا , تطل برأسها داخلة في البحر المتوسط لتقول للناس تعالوا تأملوا في خلق الله هنا , فهناك بيئة من أجمل ما خلق الله .
عاصمتها في نقطة وصل رئيسة بين أوروبا وأفريقيا في مسالك الطرق البحرية , فالنتؤ الذي تقع عليه تونس ويطل على جزيرة صقلية يفصل البحر المتوسط إلى شرق وغرب .
تلك البقعة الجميلة التي تعرف عند المؤرخين المسلمين باسم أفريقيا , فإذا قيل فتحت أفريقيا ( مجردة هكذا ) فمعناه تونس .
في سنة خمسين من الهجرة دخل الإسلام هناك على يد عقبة بن نافع ثم حملة حسان بن النعمان سنة ( 84) الذي وطد الحكم بافريقية وجعلها مستقلة عن مصر , مع أن مصر فتحت قبلها بسنين .
تميزت تونس بتاريخ عريق جداً يعو لحوالي ثلاثة الآف سنة وتنازع عليها الرومان في روما مع أهلها الأصليين , وفعلا كانت الحرب بينهم سجالاً ( فيوم لك ويوم عليك ) .
كانت المدينة العريقة هناك هي ( قرطاج ), وكانت من الشهرة بحيث أنهم استولوا على البحر الأبيض المتوسط وأحكموا نفوذهم عليه , مما أثار روما وقامت بسبب ذلك الحروب الطويلة التي عرفت في التاريخ باسم ( الحروب البونية) والتي حاول الرمان الرحماء !! بتدمير تلك المدينة العريقة .
مرت الليالي والدهور وإذا تونس تدخل تحت الحكم الإسلامي في وقت مبكر بل وتصبح منطلقاً لجيوش الإسلام ومنبعاً علمياً رئيساً بعد إنشاء مدينة القيروان التي أسسها عقبة بن نافع الفهري , وتصبح بعدها القيروان من أهم مدن الإسلام في تلك النواحي علماً وحضارة وتجارة , كل ذلك بعد منتصف القرن الأول الهجري .
عرفت تونس الجوامع العلمية مبكراً مثل جامع الزيتونة الشهير الذي بني في حوالي سنة ثمانين هجرية أي في القرن الأول ( قيل أنه نسبة لشجر الزيتون ) وأصبح أهلها من أكثر الناس نفعاً في مجال العلوم الشرعية , فظهر منها علماء الشريعة مثل الطاهر بن عاشور من المتأخرين , بل إن علم الإجماع كان ابرز علمائه في العالم هو التونسي ابن خلدون الذي لا يخفى على باحث .
فتونس إذاً إسلامية أولاً عربية ثانيا ً , مهد بطولات , ومنبع فضلاء , ودوحة فاضلة من الجامعات العريقة التي نشرت النور في العالم بأسره .
مثل أي بقعة في العالم تداول السلطة أقوام وممالك هناك فقامت حكومات ودويلات , منها دولة الأغالبة التي حكمت حوالي مئة وعشر سنوات (184- 296)ثم الدولة الفاطمية ( 296- 362) وهكذا تعاقبت الحكومات الصنهاجية ثم الحفصية حتى الخلافة العثمانية (981- 1298)
ثم قدر الله أن تضعف الدول الإسلامية عموماً وتدخل تونس تحت الحكم الفرنسي والحماية المقيتة (هـ 1398- م1881) بغطاء من ملوك ضعفاء لايملكون شيئاً لنفوسهم فضلاً عن أن يستطيعوا نفع أمة بأكملها !!, عرف هؤلاء الملوك باسم البايات مفرد باي .
بعد أكثر من ثمانية وسبعين سنة وبحيلة ذكية خرج الكافر الأصلي ليحل محلة الكافر المرتد ( كما أفتى بذلك جمع من علماء الإسلام فيه ) وهو المدعو الحبيب بورقيبة .
رضيت فرنسا أن يكون بورقيبة حاكماً بتمثيلية صدقها السذج من العرب سنة (1956_1375) دخلت بعدها البلد الإسلامية في موجة عارمة من التغيير والتزييف والعبث بمقدرات الأمة و الاستهتار بالشريعة الإسلامية , بل ونبذها ومحاربتها بكل وسيلة .
في تمسك ( عادي طبعاً لحكام العرب ) بالسلطة الإنتخابية التي ينص دستورها الانتخابي على أن يتولى السلطة رئيس ينتخب لمدة خمس سنوات قابلة للتجديد مرتين !!!, بعد سنوات معدودة قرر بورقيبة أن ينصب نفسه رئيساً مدى الحياة بدستور جديد ينسخ القديم وذلك سنة ( 1975).
أعلن أبو رقيبة أنه لابد من وجوب إلغاء الصيام عن العمال لأنه يقلل الإنتاجية !! وأنه لابد من خلع الحجاب في تونس لأنه يؤخر التنمية بزعمه , وفعلاً قام ( كما هو موجود في شريط فيديو بث على الشعب المقهور) بنزع الحجاب بيده القذرة أمام الملأ وهتاف المجرمين وقهر المظلومين .
منع بورقيبة الهالك صلاة الفجر للشباب , وبدأت المخابرات تلاحق من يصلي باستمرار واعتبار ذلك من الإرهاب الذي ينبغي قمعه ومحاربته .
من أخطر ما فعل أن تكلم في مؤتمر عام في سنة (1394)هـ زعم فيه أن القران متناقض ومشتمل على بعض الخرافات مع وصف صلى الله عليه وسلم بأنه إنسان بسيط يسافر في الصحراء كثيراً ويستمع للخرافات البسيطة السائدة في ذلك الوقت .
كان هذا الخطاب الذي نشر على سلسلة مقالات بعد ذلك كارثة بكل المعاني المعروفة .
حتى قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله في ذلك : ( وقد أفزع هذا المقال كل مسلم قرأه أو سمعه , لما اشتمل عليه من الكفر الصريح , والجرأة على الله سبحانه وتعالى وعلى رسوله من مسؤل دولة تنتسب إلى الإسلام ) الفتاوى (1/84).
بعدها أرسل عدد من علماء العالم الإسلامي برقية يطلبونه الإعتذار والدخول في الإسلام مجدداً لكنه رفض وأصر على ردته وعناده وكفره وكانت الرسالة موجهة من المشايخ :
ابو الحسن الندوي أمين العلماء في الهند ,
وعبد العزيز بن باز العالم المعروف ,(46/232)
وحسنين مخلوف مفتي مصر ,
وابوبكر جومي رئيس قضاة نيجيريا ,
ومحمد أمين المصري .
ومما جاء فيها ( فالواجب عليكم المبادرة إلى التوبة والعودة للإسلام , وإلا وجب عليكم المبادرة إلى التكذيب الصريح , ونشره في العالم بجميع وسائل النشر , وإعلان عقيدتكم الإسلامية ....وإن عدم التكذيب دليل على الإصرار على الردة ومثار فتن لايعلم عواقبها إلا رب العالمين ..).
وهكذا كأن لم يسمع شيئاً مع اشتعال نار الردود في صحف العالم الإسلامي , ولم يبارك مقالته إلا الشيوعيون العرب والمنافقون والمنافقات كما قال الله تعالى ( والمنافقون والمنافقات بعضهم أولياء بعض) .
في عهد هذا المأفون الهالك إمتلأت السجون بالعلماء والمصلحين ( ولازالت ), وبدأت رياح الإلحاد الصارخ تدب على وجه الأرض , وتطاولت أعناق المفسدين و وبدأت الحملة على كل ما هو شرعي وديني .
يرى بورقيبة أن سبب التخلف هو التمسك بالإسلام , ولما حارب الإسلام لم يحدث أي تقدم أصلاً , فكم دولة تقدمت مثل ماليزيا وأندونيسيا , لم تفعل مثل ما فعل . لم تحرز تونس إلى اليوم أي تميز في ناحية المخترعات والصناعات , بل على العكس تزداد الحالة سوء بسبب القهر والحصار الفكري والشرعي على الناس .
بعد هذا العناد وبسفن حربية فرنسية حملت الفارس الجديد وصل الرئيس الجديد ( علي بن زين العابدين ) وهو النائب السابق ورئيس الإستخبارات في حكومة بورقيبة , ليعلن عزل بورقيبة وطرده من الحكم لكبر سنه وعجزه عن إدارة شئون الدولة , وذلك سنة ( 1987م ) .
وبذلك بدأت مرحلة الحرب العظمى على الهوية المسلمة من جديد , وبأسلوب استخباراتي أكثر صرامة وأكثر ضراوة .
عشرات الآلاف من المساجين بحجة حب الإسلام أو تدريس الدين !!! مما جعل كثيراً منهم يخرج للدول الأخرى هرباً بدينه .
منع الحجاب وفصل كل طالبة أو معلمة في مراحل التعليم العام والعالي ترتدي الحجاب وبقوة القانون !!!.
توحيد الأذان عن طريق المسجل .!!!
توحيد خطبة الجمعة !! وتكون من الدولة !!.
الاستهتار بشعائر الدين علناً والسماح لكل شيوعي واشتراكي وملحد بقول ما يريد بحجة الحرية التي يستحقها كل أحد سوى أهل الدين الإسلامي !!.
شتم الإسلام والمسلمين , وعدم السماح بالرد على تلك التهم الفظيعة !!.
يوم الجمعة لا يوجد إجازة عمل والصلاة لا تكون إلا بعد نهاية الدوام قبل صلاة العصر بقليل .
منع صلاة الفجر للشباب إلا ببطاقة ممغنطة وتصريح من الحكومة .
بل ومن المفارقات أن الحكومة التونسية تمنع وتشدد على الحجاج بعدم سماع مواعظ الخطباء في موسم الحج في مكة وتجند الإستخبارات لذلك , وتمنع دخول الواعظين إلى مخيمات الحج التونسية , وتمنع نشر أي كتاب أو نشرة إرشادية لهم مهما كان عنوانها أو موضوعها !!!.
يسكن تونس حوالي عشرة ملايين من البشر يتمتعون بغاية الحرب على دينهم وعقيدتهم , الصلاة ممنوعة اليوم إلا ببطاقة ممغنطة !!! ( أي تدخل سافر في الحريات مثل هذا (.
السؤال المطروح الآن :
أين منظمة الدول العربية ؟؟.
أين منظمة المؤتمر الإسلامي ؟؟ وجهودها في إيقاف هذه الحرب السافرة .
أين علماء العالم الإسلامي الذين تحركوا لقضية فتاتين في فرنسا منعا من دخول المدرسة بحجاب !!؟؟؟ .
ووزير ما يسمى بالشؤون الدينية في تونس يقول : (إن الحجاب دخيل ونشاز وغير مألوف على المجتمع التونسي ) وقد توعد قاتله الله باجتثاثه من جذوره واصفاً إياه بلباس طائفي وبغيض ... كبرت كلمة تخرج من أفواههم .
أين خطباؤنا عن نصرة المسلمين هناك ؟؟.
أين البيانات التي تستنكر وتشجب ما يحصل هناك ؟؟.
أين المسيرات التي نراها وتحركها الجماعات الإسلامية هنا وهناك لنزع حجاب فتاتين , وأمة بأكملها تتعرض لنزع الحجاب قسراً .؟؟
هل حقاً نحن أدوات للعب السياسية !!!!! .
هل نستطيع كتابة بيانات استنكار توقع من العلماء والكتاب والوجهاء قبل أن يعمنا الله بغضبه , هل نستطيع أن نبلغ سفارات دولهم استنكارنا وغضبنا من ذلك !!!!!!..... هل سيتحرك علماؤنا وخطباؤنا وكتابنا وشعراؤنا لذلك ......!!.
هل ستلحق تونس بأسبانيا وتسقط كما سقطت الأندلس ؟؟ ( أسأل الله أن يحيها ويحمي أهلها ) ...
هل سيستمر سكوتنا عن كل هذه الأمور الفظيعة هناك ..... اللهم لا تفضحنا ولا تؤاخذانا يا رب بسكوتنا عن ذلك .....
==============(46/233)
(46/234)
إلى المعجبين بطاش ما طاش
الحمد لله و الصلاة والسلام على رسول الله
أما بعد : فإن من ركائز الإعلام المهمة التي يعوّل عليها في جذب المستمعين والمشاهدين التمثليات والمسلسلات ولهذه المسلسلات هدفان :
أحمدهما : إمتاع المشاهدين والمستمعين .
وثانيهما : غرس أفكار و أخلاق يعنى بنشرها صنّاع هذه التمثليات - أو من ورائهم - ويراد صياغة المجتمع عليها وصبغة بها .
ومعلوم لكل من نور الله بصيرته بما جاء به رسول ا صلى الله عليه وسلم أن كل ما يبثه الإعلام من هذه المسلسلات لا يخلو من باطل بدرجات متفاوتة ، من اللهو الجالب للغفلة والصاد عن ذكر الله وعن الصلاة ، إلى تزيين الفواحش و المنكرات ، و إلى الكفر بالله و الاستهزاء بآياته و أنبيائه وأوليائه و بأهل طاعته .
فأما ما يبثه الكفار عبر قنواتهم فهو فساد و الإفساد و الإلحاد الذي هو حرب موجهة إلى المسلمين لإفساد عقائدهم و أخلاقهم و صدهم عن دينهم ، وليس هذا بمستغرب من الكفار بل هذا هو المنتظر ، فهمهم كما أبان الله عن نوايا طوائف الكفر في المسلمين كما قال تعالى : ((وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ )) (البقرة : 120) .
وقال : (( وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيمًا)) (النساء : 27) .
ولكن الغريب أن يقوم بهذه الهجمة طوائف من المنتسبين للإسلام ثم يُروج باطلهم على كثير من المسلمين ، فسبحان مصرف القلوب ومقلب القلوب .
وواجب ولاة الأمر وفقهم الله أن يحموا أمتهم من الأسباب الجالبة للفساد في الدين والأخلاق و يأخذوا على أيدي من يهيئ الأسباب لاستقبال ما تبثه هذه القنوات من الذين همهم الحصول على أكبر قدر ممكن من المال يظنونه ربحاً وهو سحت و وبال ، وهم بهذا يشاركون في نشر الفساد وتحقيق أهداف الكفار في المسلمين فعليهم من وزر الإفساد والإضلال بحسب تسببهم و تأثيرهم .
ومما يسوء كلّ غيور على دين الله ومعظّم لحرماته ما يقوم به بعض المسلمين من تمثليات يدّعون أنهم يعالجون بها مشاكل اجتماعية وهي لا تخرج في مضمونها عن الهدفين الرئيسين وهما :
الهدف الأول : إمتاع المشاهدين بما تحويه من اللهو و اللعب والباطل .
الهدف الثاني : نشر أفكار و أخلاق تساير و توافق التوجهات المنحرفة .
و مدار هذه التمثليات على النكت والفكاهات و الكذب والتمويهات والسخرية بأشخاص وجماعات يراد تحقيرها ، ولا سيما الذين ينكرون هذه التوجهات والسلوكيات والأهداف لهذه التمثليات ، من العلماء والصلحاء و أهل الغيرة من الرجال والنساء ، وفي مقابل ذلك إظهار الإعجاب بالكفار الذين يوصفون بالحضارة والتقدم ، وبالمتشبهين بهم من المسلمين من الرجال و النساء .
وأهم ركائز هذه المسلسلات عند أصحابها وجود عنصر المرأة فيها ، ومعلوم ما ينشأ عنه مع الاختلاط المحرم من الكلمات والحركات و النظرات وما فوق ذلك من المنكرات .
وكلما كانت هذه المسلسلات أكثر جذباً للمشاهدين وشداً لهم - لاشتمالها على المشاهد و الكلمات المؤثرة والمثيرة و الباعثة على المتعة دون تمييز بين حلالها وحرامها - كان ذلك عند المفتونين بهذه المسلسلات علامة على تميزها و تفوق كُتّاب قصتها و مهارة مخرجيها و ممثليها .
ومن تلبيس الشيطان على أصحاب هذه الصناعة ومروجيها تخصيص شهر رمضان المبارك من ذلك الباطل بنصيب ، ففي الوقت الذي يستعد فيه المسلمون لاغتنام هذا الشهر بالصيام والقيام و الإحسان وتلاوة القرآن يستعد هؤلاء بتقديم ما يصد عن ذكر الله وعن الصلاة ويحوّل ساعات الذكر والشكر لتكون وقتاً للهو و اللعب والغفلة ، مع ما تتضمنه حلقات المسلسل من منكرات قولية وفعلية .
ومن هذا الباطل المسلسل المعروف بـ ( طاش ما طاش ) وقد أفاد المتابعون له لرصد مضامين حلقاته أنه يشتمل على أنواع من المنكرات ، من ذلك السخرية بأهل الغيرة على نسائهم ، و الكذب عليهم بالغلو في الغيرة ، وتمثيل ذلك بمشهد لا حقيقة له ، والغاية من هذا المشهد تشويه صورة الغيورين على محارمهم و إظهارهم بالمظهر المزري ليضحك منهم المشاهدون و ينفروا عن ذلك الخلق الكريم البريء من الإفراط والتفريط ، وفي مقابل ذلك مشهد ينبئ عن الإعجاب بحال المتهاونين بالحرمات و المسايرين للتقاليد السيئة ، كجلوس الأسرة على الشاطئ من غير احتشام ولا اهتمام .
ومن ذلك مشاهد تبرز أهل الخير والصلاح و الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالمظهر المزري المضحك في حركاتهم وكلامهم ولباسهم ، وفي ذلك تشويه لصورتهم في عقول المشاهدين من الصبيان والسفهاء من الرجال والنساء .
ومن ذلك مشاهد تتضمن الاختلاط والسخرية بالحجاب ، وتمثيل بعض العلاقات الزوجية التي لو كانت حقيقية لما جاز نشرها ، كيف وهي تمثيل لتلك العلاقات من رجال ونساء أجانب ، وهي مشاهد محرم تمثيلها وعرضها ، وهذه المشاهد مدارها على الإثارة الجنسية وفي ذلك دعوة لمضامين هذه المشاهد .(46/235)
وجملة القول أن تلك المشاهد تشتمل على باطل كثير ومنكرات قولية وفعلية فيها تشويه للحق وتنفير عن الفضيلة وتزيين للباطل و إغراء به ، و أهون ما فيه الهزل القولي و الفعلي الذي يراد منه شد أنظار المشاهدين و إمتاعهم بالرخيص و السخيف ، ليضحكوا ويقهقهوا بعد ما شبعوا في هذا الموسم العظيم .
هذا بعض التصور عن هذا المسلسل فيما مضى ، فماذا سيكون عليه في هذا العام ؟
والموجب للتنصيص على مسلسل طاش ما طاش أنه مخصص لشهر رمضان ، ويستهدف فئات المجتمع ، ويبث في وقت الذروة من حيث عدد المشاهدين ، فالفتنة بما فيه من اللغو واللهو والمنكر أعظم .
وبعد هذا العرض المجمل لمحتوى و أهداف المسلسلات ، يتبين أنها من الأعمال المنكرة ، يشترك في إثمها معدوها و مشاهدوها ، وعلى معديها مثلُ آثام من أضلوه وصدوه عن ذكر الله وعن الصلاة ، كما قا صلى الله عليه وسلم : (( من دعا إلى ضلالة كان عليه من آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا ))
و إني لأدين لله بتحريم تمثيل ومشاهدة هذه المسلسلات والتي منها ( طاش ما طاش ) .
لذلك أوصى جميع المسلمين أن يتقوا الله ويراقبوه ويتوبوا إليه ويذكروا الموت و ما بعده والحساب و الجزاء ، وليعلم من فرط في حق الله و اجترأ على محارم الله ولم يتب أنه سيندم حين لا ينفع الندم .
كما قال تعالى : (( أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِين )) ( الزمر : 56) .
كما أوصى المعجبين بهذا المسلسل و المتابعين له ولغيره أن يتوبوا إلى الله من الافتتان به ومتابعته ، ليكونوا من الذين قال الله فيهم : (( وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ )) ( المؤمنون : 3) .
وقال : (( وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا)) (الفرقان : 72) .
و أن يأخذوا بالأسباب التي تعينهم على طاعة الله وذكره ، و اغتنام هذا الموسم العظيم من مواسم التزود للآخرة .
نسأل الله أن يمن على الجميع بالهداية إلى صراطه المستقيم ، و أن يعيذنا من شرور أنفسنا و سيئات أعمالنا و من الشيطان الرجيم .
وصلى الله على نبينا محمد و على آله وصحبة أجمعين ,,,
===========(46/236)
(46/237)
(فضائح ( إمبراطور الشعر العربي
بسم الله الرحمن الرحيم
هكذا سمَّته جريدة الرياض ع13576, وقالت أيضاً ع13639: ( ولعل العمل الأكثر وضوحاً لنص القباني هو تعرية مرتكزات الفكر الرجعي والكشف عن هشاشة هذا الفكر ) .
ووصفه علوي الصافي في المجلة الثقافية بجريدة الجزيرة ع20 بأنه : ( يأسر قلوب العذارى ) .
وقال عنه د. غازي القصيبي : ( فارسنا الراحل ) , ونعاه في ديوانه : يا فدى ناظريك ص58-61 بقصيدة بعنوان : ( أمير الفل : في وداع نزار قباني رحمه الله ) قال فيها : ( كتبتُ اسمكَ فوقَ الغيم بالمطر = وبالجدائل في سبّورة القمر ) إلى أن قال : ( تموتُ ؟ كيفَ وللأشعار مملكةٌ = وأنتَ فيها مليكُ البدو والحضر ) .
وقال عنه عبد الله الجفري : ( كان نزار قباني داعية جمال ... لقد طفرت دمعة من عيني وقد استيقظَ انتباهي على صوت يهمس ، يا أيها الحب الجميل كيف متَّ , وهل تسمحونَ لي أن أبكي الآن نزاراً من جديد ) ج الرياض ع13506 .
وقال د. عبد الله الغذامي : ( أنا لا أزال أحفظُ قصائد نزار قباني وأُردِّدها بإعجاب شديد ) المجلة الثقافية ع31 .
وَرَثوْهُ في ع51 بقولهم : ( بدخول العام 2004 للميلاد تكون سنون خمس قد مرَّت على رحيل الشاعر العربي نزار قباني , وهذا الشاعر الراحلُ بجسده , الخالدُ بفنه , واحدٌ من الشعراء العظام الذين استوطنوا ذاكرة التاريخ .. فأنى لأبناء الزمان أن ينسوهم أو ينسوه مَن عَرَفَ هذا الشاعر المتفرِّد في شعره وذاته حقَّ المعرفة فسوف يُحبُّه ) .
وها نحنُ نتعرَّف على نزار قباني من خلال شعره فنجدُ الآتي :
* قوله بأنَّ بلاده قد قتلت الله عزَّ وجل : قال : ( بلادي تقتلُ الرَّب الذي أهدى لها الخصبا , وحوّل صخرها ذهباً , وغطى أرضها عشباً ) ديوان يوميات امرأة لا مبالية ص620 .
* قوله بأنه رأى اللهَ مذبوحاً في عمَّان : قال : ( حين رأيتُ الله في عمَّان مذبوحاً على أيدي رجال البادية غطيت وجهي بيدي ) مجموعة لا في دفاتر فلسطينية ص119 .
* قوله بأنَّ الله تعالى قد ماتَ مشنوقاً على باب المدينة : قال : ( من بعد موت الله مشنوقاً , على باب المدينة , لم تبق للصلوات قيمة , لم يبق للإيمان أو للكفر قيمة ) الأعمال الشعرية الكاملة لنزار قباني ج3/342 .
((سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوّاً كَبِيراً )) (الإسراء: 43) .
* قوله بموت الله : قال : ( من أين يأتي الشعر يا قرطاجة .. والله مات وعادت الأنصاب ) المصدر السابق ج3/637 .
* قوله بأنه حطَّم الله تعالى : قال : ( كيف حطَّمتُ إلهي بيديَّا ) السابق ج1/313 .
((سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوّاً كَبِيراً )) (الإسراء: 43) .
* قوله بسقوط الله : قال : ( يسقط كلُّ شيء , الشمس والنجوم والجبال والوديان والليل والنهار والبحار والشطآن والله والإنسان , حين تصير خوذة كالرب في السماء , تصنع بالعباد ما تشاء ) الأعمال السياسية الكاملة لنزار قباني ج3/105-107 .
* قوله بأنَّ الله ليس بخالق : قال : ( من ينتقي لي من كروم المشرق , من قمر محترق , حُقَّاً غريب العبق , آنية مسحورة خالقها لم يخلق ) الأعمال الشعرية الكاملة ج1/284 .
* قوله بأنَّ الله خادمه , تعالى الله : قال : ( قد كان ثغرك مرَّة ربي فأصبح خادمي ) السابق ج1/347 .
* قوله بمحاولته لكي يكون الله أو رسوله : قال : ( لا تخجلي مني فهذي فرصتي لأكون رباً أو أكون رسولاً ) السابق ج2/761
* وصفه لله بأنه رخامي مُعلَّق وأنه سبحانه لا يُصدَّق : قال : ( أيها الرَّبُ الرخامي المعلَّق , أيها الشيء الذي ليس يُصدَّق ) السابق ج3/22 .
((سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوّاً كَبِيراً )) (الإسراء: 43) .
* ادعاؤه لنفسه بأنه يخلق : قال : ( فاليوم أخلقُ منك إلهاً وأجعل نهدك قطعة من جوهر ) السابق ج1/470 .
* دعوته لتقديس الشعر والفن , وتأليه الشاعر والفنان : قال : ( الشاعر هو مصدر الشرعية , وهو الحاكم الفرد المطلق الصلاحية ) أسئلة الشعر لمنير العكش ص185 .
* نسبته العشيقة إلى الله تعالى , وأنَّ الملائكة عليهم السلام يزني بعضهم ببعض : لقد تعارفَ أهلُ الدعارة على تسمية دعارتهم حُبَّاً , قال : ( لأنني أحبكِ ، يحدث شيءٌ غير عادي ، في تقاليد السماء , يُصبح الملائكة أحراراً في ممارسة الحب ، ويتزوَّجُ الله حبيبته ) الأعمال الشعرية ج2/442 .
(( مَن كَانَ عَدُوّاً لِّلّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللّهَ عَدُوٌّ لِّلْكَافِرِينَ )) (البقرة :98) .
* تشبيهه لوجه داعرته بوجه الله تعالى : قال : ( إني أُحبك من خلال كآبتي وجهاً كوجه الله ليس يُطال ) السابق ج1/523 وقال ج1/30: ( في شكل وجهكِ أقرأُ شكلَ الإله الجميل ) .
* كذبه على الله تعالى : قال مخاطباً داعرته وأنه حين يُحبُّها : ( يكون الله سعيداً في حجرته القمرية ) السابق ج2/323 .
* قوله بأنَّ الله أحلَّ الله التجوُّل بين العشيقات : قال : ( ولأنني أُحبكِ أحملُ تصريحاً خاصاً من الله بالتجوُّل بين ملايين النجوم ) السابق ج2/648 .(46/238)
(( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِباً أُوْلَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الأَشْهَادُ هَؤُلاء الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى رَبِّهِمْ أَلاَ لَعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ )) (هود : 18) .
* نفيه لألوهية الله تعالى : قال نافياً إيمانه بالله : ( ماذا تشعرين الآن ؟ هل ضيَّعتِ إيمانك مثلي بجميع الآلهة ) السابق ج2/338 .
(( أَمَّن يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَن يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ )) (( النمل : 63)) .
* قوله بأنَّ الله تعالى له أخطاء , وأنَّ نهدَي داعرته يُصحِّحان أخطاء الله : قال في مقطوعة بعنوان : من بدوي مع أطيب التمنيات : ( أم ناهداك يُصحِّحان جميع أخطاء السماء ) .
* قوله بأنَّ نهدي داعرته استكبرا على الله : قال : ( وشجَّعتُ نهديك فاستكبرا على الله حتى فلم يسجدا ) السابق ج1/25 .
* قوله بعدم سجوده لله من أجل نهدي داعرته : قال : ( وناهداك أجيبي من أذلَّهما ويوم كنتُ أنا لله ما سجدا ) السابق ج1/434 .
(( وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّهِ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبّاً لِّلّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ )) ((البقرة : 165)) .
* امتداحه للكفر والإلحاد : قال : ( أعطيني الفرصة حتى أقنع حتى أؤمن حتى أكفر ) السابق ج2/199 .
* قوله بأنَّ الله تعالى يُباع في جلسة جنس وطَرَب : قال : ( فأنا أعرف سيدتي أنَّ أحلامك أن تلتقطي بدوياً عاشقاً , يرهنُ التاريخ عند امرأة , ويبيعُ الله في جلسة جنس وطرب ) السابق ج2/133 .
* دعوته لعبادة نفسه : قال : ( مارستُ ألف عبادةٍ وعبادة , فوجدتُ أفضلها عبادةَ ذاتي ) السابق ج1/446 .
* وصفه لله تعالى بالحاجة والجهل والملَل : فيقول : ( الله يُفتِّش في خارطة الجنة عن لبنان ) السابق ج3/587 , وقال ج1/751 : ( وحاولي مرة أن تفهمي ملَلَي , قد يعرفُ الله في فردوسه الملَلا ) .
* وصفه لله تعالى بأوصاف النقص تعالى الله : ومن ذلك سؤاله الله كم سنةً قضاها في خلق فم عشيقته ج1/59 ( من أين يا ربي عصرت الجنى ؟ وكيف فكَّرت بهذا الفمِ , وكيف بالغتَ بتدويره ؟ ... كم سنةً , ضيَّعتَ في نحته , قل لي , ألم تتعب , ألم تسأم ) .
* وصفه لله تعالى بالغرور : قال : ( عندي خطابٌ أزرق , ما مرَّ في ذاكرة البحور , عندي أنا لؤلؤة .. أين غرور الله من غروري ) ديوان خطاب من حبيبتي ص426 .
* قوله بأنه باعَ الله من أجل زانية : قال : ( على أقدام مومسةٍ هناك , دفنت ثاراتك , فبعتُ القدس , بعتُ الله , بعتُ رماد أمواتك ) الأعمال الشعرية الكاملة ج1/448 .
* قوله بأنَّ لله عُمُرَاً كعُمُرِ حزنه : قال : ( عمر حزني ، مثل عمر الله ، أو عمر البحور ) السابق ج1/757 .
* قوله بوحدة الوجود : قال : ( قرِّري أنتِ إلى أين , فإنَّ الحبَّ في بيروت مثل الله في كلِّ مكان ) السابق ج2/23 .
* جعله حُبَّه لداعرته دليلاً على عودة الله إلى الأرض : قال : ( حين أحببتك , لاحظتُ بأن الكرز الأحمر في بستاننا أصبح جمراً مستديراً ... وبأنَّ الله قد عاد إلى الأرض أخيراً ) السابق ج2/73 .
* استهزاؤه في توسُّله إلى الله : قال : ( أتوسلُ إلى الله أن يُلغي الشتاء من مفكرته , لأنني لا أعرف كيف سأقبل الشتاء بعدكِ ) السابق ج2/485 .
* قوله بأنَّ الله تعالى أُصيب بنوبة عصبية من أجل داعرته وأضربَ عن الطعام : قال : ( فلا تسافري مرةً أخرى , لأنَّ الله منذ رحلتِ دخلَ في نوبة بكاء عصبية , وأضربَ عن الطعام ) السابق ج2/562 .
(( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْكَافِرِينَ )) (العنكبوت : 68)
* قوله باكتشافه وجه الله تعالى أثناء معاشرته لداعرته : قال : ( وحين ضربني حبك , على غير انتظار , شبَّت النيرانُ في خيمتي , وسقطت جميع أظافري , وأطلقت سراح محظياتي , واكتشفتُ وجه الله ) السابق ج2/504-505 .
* مساواته الله تعالى بموزِّع البريد : ( ساعتنا واقفة , لا الله يأتينا ولا موزِّع البريد ) السابق ج2/284 ,
* وصفه لله تعالى بالعنفوان : قال واصفاً نهد داعرته ج1/55 : ( وداعبتُ نهداً كألعوبة , تصيح إن دغدغها أصبعان وما لدى ربي من عُنفوان )
* وصفه لداعرته بأنها تأمرُ وتنهى كالله تعالى : قال : ( يجوز أن تكوني واحدة من أجمل النساء , دافئة كالفحم في مواقد الشتاء , وحشية كقطة تموء في العراء , آمرة ناهية كالرَّب في السماء ) السابق ج1/523 .
* وصفه وتسميته لداعرته بأسماء الله تعالى : قال : ( هدية صغيرة تحمل نفسي كلها .. يا مُرتجى يا أحد ) السابق ج1/284 .
* وصفه لنهد داعرته بصفات الله تعالى : قال : ( ونهدك هذا المليء المضيء الجريء العزيز القدير ) السابق ج2/820 .(46/239)
وقال ج2/922 : ( وجسدك الياسميني يأمر وينهى , ويقول للشيء كن فيكون ) وقال عن دمشق في مقطوعة بعنوان : ترصيع بالذهب على سيف دمشقي : ( مزِّقي يا دمشق خارطة الذل , وقولي للدهر كُن فيكون ) .
* السخرية بأسماء الله وصفاته : ومنه قوله : ( أُريد البحث عن وطن وربٍّ لا يُطاردني ) السابق ج1/597 .
* اعترافه بعبادته لِشَعر داعرته : ومنه قوله : ( هل تعرفين لماذا استميتُ في عبادة شَعرك ) السابق ج2/431-432 .
* قوله بصلب عيسى عليه السلام : قال : ( من يُنقذ الإنجيل , من يُنقذ القرآن من يُنقذ المسيح ممن قتلوا المسيح ) السابق ج3/162 .
* قوله بأنَّ عيسى عليه السلام يجمع ويفرِّق : يقول مُخاطباً داعرته النصرانية ج1/510 ( لو كنتُ في مدريد في رأس السنة كنا ذهبنا آخر الليل إلى الكنيسة .. لسيد السلام والمحبة , كنا شكونا حزننا إليه .. لعله في السنة الجديدة أيتها الحبيبة البعيدة , يجمعني إليك بعد غربة ) .
* سؤاله داعرته بالأوثان : قال : ( أرجوكِ يا سيدتي باسم جميع الكتب المقدسة .. والصلبان .. أرجوكِ بالأوثان يا سيدتي إن كنتِ تؤمنين في عبادة الأوثان ) السابق ج1/710-711 .
* استهزاؤه بملَك الموت عليه السلام : قال : ( لو كان للموت طفل لأدرك ما هو موت البنين , ولو كان للموت عقل سألناه كيف يُفسِّر موت البلابل والياسمين , ولو كان للموت قلب تردَّدَ في ذبح أولادنا الطيبين ) السابق ج2/284 .
* البغض والسخرية بالرسل عليهم السلام : ومن ذلك وصفه لثور رآه في حلبة مصارعة بالأنبياء عليهم السلام فقال : ( الثور برغم النزيف الذي يعتريه .. يظل القتيل على ما به , أجلَّ وأكبر من قاتليه , نزيف الأنبياء ... ويسقط في ساحة الملعب كأي شهيد , كأي نبيٍّ ) السابق ج1/561-562 .
* سبُّه لكليم الله موسى عليه السلام : قال : ( لأنَّ موسى قُطعت يداه , ولم يَعُد يُتقن فنَّ السحر , لأنَّ موسى كُسرت عصاه , ولم يعد بوسعه شقَّ مياه البحر , لأنكم لستم كأمريكا ولسنا كاليهود الحمر , فسوف تهلكون عن آخركم ) السابق ج3/170 .
* قوله باستجارته بالأضرحة : قال في مقطوعة بعنوان : تجليات صوفية : ( فلقد تأخذني الحال , فأهتز كدرويش على قرع الطبول , مستجيراً بضريح السيد الخضر , وأسماء الرسول ) .
* إنكاره لبعض سور القرآن : قال : ( وسنُلقي سورة الرحمن , والفتح , ونغتال يسوع ) الأعمال الشعرية الكاملة ج3/212 .
* قوله بأنَّ الإيمان باليوم الآخر تخلُّف : قال : ( فالملايين التي تركض من غير نعال , والتي تؤمن في أربع زوجات وفي يوم القيامة ... شرقنا المجتر تاريخاً وأحلاماً كسولة وخرافات خوالي ) السابق ج1/367-368 .
* نفيه لوجود القدر : قال : ( أنا رجل بلا قدر , فكوني أنتِ لي قدر , وأبقيني على نهديك مثل النقش في الحجر ) السابق ج1/654 .
* قوله بأنه مُغيِّرُ الأقدار : قال : ( مشيئة الأقدار لا تردُّني , أنا الذي أُغيِّرُ الأقدار ) السابق ج3/329 .
* ذمُّه للقدر والاعتراض عليه , وقوله بأنَّ قبور الأولياء ترزق : قال : ( ونعيش لنستجدي السماء , ما الذي عند السماء ؟ لكسالى ضعفاء يستحيلون إلى موتى إذا عاش القمر , ويهزون قبور الأولياء , علَّها ترزقهم رزاً وأطفالاً قبور الأولياء , ويمدون السجاجيد الأنيقات الطرر , يتسلَّون بأفيون نُسمِّيه قدر وقضاء في بلادي في بلاد البسطاء ) السابق ج1/365-366 .
* ومن استهزائه بالقدر : قوله لداعرته :( ماذا أعطيكِ أجيبيني , قلقي ؟ إلحادي ؟ غثياني , ماذا أعطيكِ سوى قَدَر , يرقص في كف الشيطان ) السابق ج1/406 .
* نسبته القدر إلى غير الله : قال لداعرته : ( لو لم تكوني أنتِ في لوح القدر , لكنتُ كوَّنتُكِ يا حبيبتي بصورة من الصور ) السابق ج2/68 .
* قوله بأنَّ الله تعالى هو رجلٌ اسمه غودو : قال : ( لم نره , لكن مَن رأوه فوق الشاشة الصغيرة يبتلع الزجاج , أو يسير كالهنود فوق النار , ويُخرج الأرانب البيضاء من جيوبه , ويقلب الفحم إلى نضار , يُؤكِّدون أنه من أولياء الله جل شأنه , وأنَّ نور وجهه يُحيِّر الأبصار لم نره , ولم نُقبِّل يده , لكن من تبرَّكوا يوماً به قالوا بأنَّ صوته يُحرِّك الأحجار , وأنه وأنه هو العزيز الواحد القهار ) السابق ج3/289-290 .
* قوله بأنه تزوَّج أحد الخلفاء الراشدين رضي الله عنه : قال ( وتزوجتُ أخيراً ملكاً من ملوك الخلفاء الراشدين وملَكتُ الدين والدنيا معاً فاسجدي شكراً لرب العالمين ) السابق ج2/128 .
* قوله بأنَّ داعرته لها خاصية التحليل والتحريم : قال : ( أشهدُ أن لا امرأة قد غيَّرت شرائع العالم إلاَّ أنتِ , وغيَّرت خريطة الحلال والحرام إلاَّ أنتِ ) السابق ج2/745 .
* قوله بأنَّ دعاء الله تعالى مجرَّد سراب وضياع وتخلُّف : قال متندِّراً : ( نركب أحصنة من خشب , ونقاتل أشباحاً وسراب , وننادي : يا ربَّ الأرباب ) السابق ج3/157 .
* قوله بأنَّ الموت تحت نهد داعرته شهادة : قال : ( كم مات تحت سياطكم نهد شهيد ) السابق ج1/345 .(46/240)
* قوله بأنَّ الشهيد هو مَن مات على دين محبوبه أيَّاً كان دينه : قال : ( يا ولدي قد ماتَ شهيداً مَن ماتَ على دين المحبوب ) السابق ج1/648 .
* تكذيبه لإحياء الله الأموات يوم القيامة : قال : ( نُردِّدُ الخرافة البلهاء : الصبر مفتاح الفرج , ولم نزل نظنُّ أنَّ الله في السماء يُعيدنا لدورنا ) السابق ج3/145 .
* قوله بأنَّ حُبَّه لداعرته في منزلة الصلاة : قال : ( أشهدُ أن لا امرأة تمكَّنت أن ترفع الحُبَّ إلى مرتبة الصلاة إلاَّ أنتِ ) السابق ج2/752 .
* قوله بأنَّ جمال عبد الناصر آخر الأنبياء : قال : ( قتلناكَ يا آخرَ الأنبياء ) السابق ج3/355 .
* قوله بأنَّ جمال عبد الناصر كلَّم الله تعالى في الطور كنبي الله موسى عليه السلام : قال : ( تركناك في شمس سيناء وحدك , تُكلِّم ربك في الطور وحدك ) السابق ج3/356 .
* قوله بكفر من عصى امرأته : قال : ( من يعص قلب امرأة يكفر ) السابق ج1/132 .
* قوله بأنَّ التلفُّظ باسم داعرته كفر : قال : ( وأبقى أحبك رغم يقيني بأنَّ التلفظ باسمك كفر ) السابق ج1/672 .
* قوله بأنَّ أفضل الجهاد : الزنا في أثداء البغايا : قال : ( أقرأُ آياتٍ من القرآن فوق رأسه مكتوبةً بأحرف كوفية عن الجهاد في سبيل الله والرسولل والشريعة الحنيفة , أقول في سريرتي : تبارك الجهاد في النحور ، والأثداء , والمعاصم الطرية ) ديوان لا ص57 .
* قوله بأنَّ الزنا عبادة , وأنه يُشبه صلاة المؤمن لربه : قال : ( كل كلمة شعرية تتحول في النهاية إلى طقس من طقوس العبادة … كل شيء يتحول إلى ديانة , حتى الجنس يصير ديناً .. وأفترش شَعر حبيبتي كما يفترش المؤمن سجادة صلاة .. وماذا يكون الشعر الصوفي سوى محاولة لإعطاء الله مدلولاً جنسياً ) مقابلة مع نزار قباني أجراها معه منير العكش في كتابه أسئلة الشعر ص196 .
* قوله بأنه إله الشعر : قال : ( إنني على الورق أمتلك حرية وأتصرف كإله , وهذا الإله نفسه هو الذي يخرج بعد ذلك إلى الناس ليقرأ ما كَتب .. وإلاَّ حكَمَ الله على نفسه بالعزلة ) السابق ص178 .
* قوله بأنه يعبد النساء الجميلات : قال : ( أنا لا أحترفُ قتلَ الجميلات , وإنما أحترفُ عبادتهنَّ ) قالت لي السماء ص153 .
* قوله لو أنَّ الله يعشق لصاح ونادى رباً جديداً له تعالى : ( سيدتي حبك صعب .. لو عانى الرَّبُ كما عانيتُ لصاحَ من البلوى : يا ربِّ ) السابق ص46 .
* وصفه لعبودية الله بالمرأة العاقر : قال : ( إنَّ خوفي الحقيقي على الشعر هو الخوف من العبودية , فالعبودية امرأة عاقر ) السابق ص253 .
* شكُّه في ربوبية الله تعالى : قال : ( يا إلهي : إن كنتَ رباً حقيقياً فدعنا عاشِقينا ) أشعار خارجة على القانون ص65 .
* استغرابه بأنه لَم يكن نبيَّاً : قال : ( رجلٌ أنا كالآخرين , بطهارتي , بنذالتي , رجلٌ أنا كالآخرين , فيه مزايا الأنبياء , وكفر الكافرين ) السابق ص126 .
* قوله بأنه يرفض الإحسان من الله تعالى : قال : ( أنا أرفضُ الإحسان من يدي خالقي ) ديوان الرسم بالكلمات ص94 .
* طلبه من داعرته أن تُرجعَ الله عزَّ وجلَّ إلى سمائه : قال : ( أرجوكِ ياسيدتي أن تُرجعي إلى البحار الماء , والربَّ للسماء ) ديوان قصائد ص 105 .
هذا غيض من فيض من إلحاد نزار قباني عاملَه الله بما يستحق.
أيها السلم : إنَّ من خيانة الإسلام وأهله : امتداح المستهزئين بالله تعالى ورسول صلى الله عليه وسلم
(( وَاللّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ إِن كَانُواْ مُؤْمِنِينَ )) ( التوبة :62) .
(( مَّا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً )) ( نوح : 13) .
(( وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ )) ( المائدة : 51) .
((لَا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ )) ( المجادلة : 22) .
((( وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللّهِ يُكَفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِّثْلُهُمْ إِنَّ اللّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً )) ( النساء : 140) .
(( يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَن تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِم قُلِ اسْتَهْزِئُواْ إِنَّ اللّهَ مُخْرِجٌ مَّا تَحْذَرُونَ *وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ )) (التوبة :64-5)وقا صلى الله عليه وسلم ( المرءُ مع من أحب ) .
واحذر يا مسلم من الاستهزاء بالله ورسول صلى الله عليه وسلم فهو من نواقض الإسلام الْمُجمَع عليها , قال إسحاق ابن راهوية : ( قد أجمع المسلمون : أنَّ مَن سبَّ الله أو سبَّ رسوله صلى الله عليه وسلم . أنه كافرٌ بذلك ، وإن كان مُقراً بما أنزلَ الله ) الصارم ص513 .(46/241)
نسألُ الله تعالى أن يحفظنا بالإسلام قائمينَ وقاعدينَ وراقدينَ , وأن يكفينا شرَّ المنافقين , وصلَّى الله وسلَّم على نبينا محمد وآله وصحبه .
كتبه
عبد الرحمن بن سعد الشثري
في25/5/1427هـ .
=============(46/242)
(46/243)
ماضون وإن رغمت أنوف !!
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله وآله وصحبه أما بعد, .
فإنَّ فريضة الحِسْبة ركيزةٌ مهمةٌ ، وركنٌ أساسٌ من أركان هذه الشريعة الغرَاء !
وهي الفريضةُ التي اصَّطفى الله - تعالى- لها الأنبياءَ والشُرفاءَ من عباده ، ولا يقوى على احتمال تبعاتها إلا الفحولُ من الرجال !
فالأمرُ بالمعروف, والنهيُ عن المنكر، وظيفةٌ شرعيةٌ بالغةُ الحساسية ، مثيرةُ النتائج ؛ لكونها تمثل صداماً مباشراً مع أهواء المخالفين وتحدياً جريئاً لرغباتهم وشهواتهم!!
ولذا كان المحتسب عُرْضَةً أكيدة لامتعاض الخبثاء, وهدفاً ساخناً لتثريب السفهاء, وتعويق المخذلين !
ومن لدن نوح أول الرسل المحتسبين إلى محمد -صلى الله عليهم وسلم- ومن بعدهم من المُصحلين ودعاة الحقِّ, ظلَّ الأشرار يواجهون أهل الحِسْبةِ بكلّ كيد ومكر, وخبث ودهاء !
وما برحوا يراهنون على قلة النتائج المتحققة من جراء الاحتساب في مقابل ضخامة ( الانجازات !! ) التي يحققها أرباب الشرّ ودعاة الفساد !!
وفي زماننا هذه الذي راجت فيه الرذيلة, ونجم فيه الإلحاد والنفاق, سخر بعضُ المخدوعين من إصرار الفئة المؤمنة على مواصلة الاحتساب , ومقارعة تيار الفساد العريض!
وقدَّموا نماذج ( للفشل !! ) الذي مُني به المحتسبون في أكثر من ميدان !!
وظنوا بجهل فاضح أنّ النجاح أو الفشل مرهونان بالنتيجة المتمخضة عن الاحتساب!
وإلاَّ هل كان نوح عليه السلام فاشلاً حين تصدى لدعوة عبدة الأوثان, والاحتساب على قومه ( 950) عاماً فلم تزدهم دعوتُه تلك واحتسابُه ذاك إلا فرارا وعناداً!ً
((قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهَاراً * فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَاراً )) (نوح : 5- 6) .
وهل كان الخليل عليه السلام فاشلاً حين عجز عن إقناع والده وقومه بتحطيم الأصنام والتخلي عن عبادتها ؟!
وهل كان موسى -عليه السلام- فاشلاً حين عجز عن إقناع الفراعنة بالتخلي عن جبروتهم وطغيانهم ، وتعبيدهم الناس لغير الله ؟!
وهل كان هارون -عليه السلام- فاشلاً حين عجز عن إقناع بني إسرائيل بالتخلي عن عبادة العجل أو الاستجابة لمكيدة السامري ؟!
وهل كان صلى الله عليه وسلم فاشلاً حين استعصى عليه أعمامه أبو لهب و أبو طالب ناهيك عن قومه الذين أخرجوه من أحب البقاع إلى قلبه !!
وهل كان مطلوباً من نوح أو غيره أن يبلغ الرسالة أم يتعهد بتغيير المنكر ؟!
الجوابُ الذي لا يعرفُه إلا الشرفاءُ وأهلُ الحِسْبة هو الذي قرره الله بقوله : (( وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ )) (العنكبوت : 18) .
وقوله : (( فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ )) (النحل : 35) .
وأما تغيير المنكر ورفعه, أو منع الباطل ودفعه؛ فليس في حسبان الداعية في قبيل أو دبير !!
فالمسألة محسومة في قول البارئ سبحانه : (( لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ )) (البقرة : 272) .
وقوله : (( لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ )) (المائدة : 105) .
إن التاريخ الإنساني لم يسجل نجاحاً كنجاح نوح وإبراهيم وموسى وهارون وعيسى ومحمد عليهم الصلاة والسلام وإن لم تتحقق كلُّ آمالهم في هداية الناس وإصلاح الأوضاع الاجتماعية السائدة , ولكنْ ما الحيلةُ إنْ تباين الناسُ في عقولهم وأفهامهم ؟!!
إنّ الفاشلين حقاً هم أولئك الذين نصبوا أنفسهم أعداء أو مُخذِّلين أو مُعَوِّقين لكلِّ محتسب شريف , فإن لم يُعجبهم كلامنا هذا, أو شكُّوا في مصداقيته ؛ فبيننا وبينهم يوم الجنائز !
في مجتمعنا العديد من المنكرات والمخالفات الذي ما انفك الدعاة المحتسبون والرجال المخلصون يحذرون منها ويطالبون بالتخلص من شرها ويتواصلون مع ولاة الأمر للقضاء عليها .
ومن ذلك مخالفات الإعلام من تلفاز وصحافة وقنوات فضائية وغيرها!
وكذلك قضية الدمج الشهيرة, والتوسع غير المشروع في شؤون المرأة وخلافه!
إلا أن فئة من المنهزمين والمخدوعين والمنتفعين ظلّت تسخرُ من الجهود الخيرة, والاحتساب المشروع الذي انبرى له دعاةُ الفضيلةِ, وحُماةِ الأعراض ...
ظلَّ هؤلاء يلمزون الأخيار ( بفشل!!) الجهود الاحتسابية القديمة ؛ (كتعليم المرأة !) وإدخال التلفاز ( واللاسلكي!)
فضلاً عن إخفاقهم الجديد في تعطيل مشروع ( الدمج ! ) و( بطاقة المرأة ! ) و ( انتخابات النساء للغرف التجارية !! ) ويتوعدوننا ( بقيادة المرأة ! )
وكأنّ هؤلاء يريدون إقناعنا وكأنَّنا صبيانٌ صغارٌ بالاستسلام لتيار التغريب القادم؛ ليخلو ويحلو لهم الجوُ الخبيث !!
وجهل هؤلاء أنَّنا حين ندعو إلى فضيلة ونُحذِّر من رذيلة لا نشارطُ ربنا - تعالى- على لزوم التغيير وتحقق الآمال النرجسية, فالأمرُ أمرُه, والحُكمُ حُكمُه, والقضاءُ قضاؤُه, سبحانه وبحمده !!(46/244)
لكنّ غاية ما نصبوا إليه هو أداءُ الواجب امتثالاً ؛ لأمر الواحد القهَّار, وإبراءً للذمَّة, وإنقاذاً لأنفسنا حين تحلُّ النقمة, أو ينزلُ العذابُ المهين! (( فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ)) (الأعراف : 165).
فابشروا أيها المُخذِّلون والمُعوِّقُون بما يسوؤكم ؛ فإنَّنا ماضون - بعون الله- في طريق الاحتساب والدعوة وإن رغمت أنوف الحاقدين !!
===============(46/245)
(46/246)
تبديل ألفاظ الشريعة مصطلح الآخر
فقد ختم الله تعالى النبوات بمحمد عليه الصلاة والسلام، وأكمل الدين بوفاته، فما فارق r أمته إلا وقد كمل الدين، وتمت النعمة، واستقرت الشريعة التي يجب أن يحكم بها الناس إلى آخر الزمان، ((الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً)) (المائدة:3 ) .
هو دين الحق الذي ارتضاه الله تعالى لعباده، وما سواه من الأديان المصنوعة والمحرفة فهي الباطل والضلال الذي كشفه القرآن، وحذر منه، وأبدى فيه وأعاد، ولا يكون العبد مسلما إلا بالإيمان بهذه الحقيقة، والتسليم بها، والانقياد لها، والعمل بالآثار الناتجة عنها.
ومن شك في هذه الحقيقة، أو تردد في قبولها، أو ظن أنها محتملة، أو قال: لا أعلم ؛ فليس من الإسلام في شيء ؛ إذ لازم ذلك أنه يشك في الإسلام، ويكذب بالقرآن، ولم يصدق الرسول صلى الله عليه وسلم (( ذَلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِن رَّبِّهِمْ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ )) (محمد:3) .
ولما كان دين الإسلام هو الحق الذي لا مرية فيه، كان أعداؤه هم أهل الباطل ولا شك، وكان على أهل كل الملل والنحل والأفكار من سائر الديانات والمذاهب والأجناس أن يحاربوه؛ لأنهم حملة الباطل وحماته، وهذا الحق المتمثل في دين الإسلام يكشف باطلهم للناس، ولا بد من صرف الناس عنه؛ لأنه الحق الذي يجذب الناس إليه بمجرد عرضه عليهم، ((وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ)) (فصلت:26) .
وهكذا كان حال المشركين والمنافقين وأهل الكتاب مع الإسلام والمسلمين منذ أن جهر صلى الله عليه وسلم بدعوته إلى يومنا هذا، وستظل الحرب قائمة إلى آخر الزمان؛ لأن ذلك سنة كونية من سنن الله تعالى في عباده، ((وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ)) (البقرة:251 ) .
((وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً)) (الفرقان:20 ) .
((ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ)) (محمد:4).
وفي زماننا هذا ومع اشتداد الحملة على الإسلام وشريعته، والطعن في رموزه وشعائره؛ أحدث المبتدعون مصطلحات وضعية لتحل محل المسميات الشرعية التي جاءت في الكتاب والسنة، القصد منها تمييع أحكام الإسلام، والقضاء على عقيدة الولاء للمؤمنين والبراءة من الكافرين، وإحلال ولاءات وبراءات أخرى مكانها، تبنى على عالم الدنيا المشاهد، مع إلغاء العالم الأخروي الغيببي في بناء تلك العلاقات مع الآخرين، وقصر عالم الغيب على التعبدات المحضة التي لا شأن لها بواقع الناس ومعاشهم ومعاملاتهم وأخلاقهم، ومن هنا ظهرت مصطلحات كثيرة منها: التعايش السلمي، والسلام العالمي، والأخوة الإنسانية، وزمالة الأديان وتقاربها ووحدتها، وإلغاء الأيدلوجيات، ومحاربة التفرقة العنصرية على أساس ديني، ومنع التمييز بين المرأة والرجل، وتحديد العلاقة مع الآخر على أسس دنيوية لا دينية، والضغط بهذه المصطلحات الطاغوتية على الدول الإسلامية؛ لتمكين الأقليات الطائفية والكفرية ، من نصرانية وباطنية وإلحادية في بلاد المسلمين كمرحلة أولى، ثم تسليمها في نهاية المطاف- لو نجحوا - زمام الأمور لتحكم جمهور المسلمين بالحديد والنار، كما مكنوا لبعض الطوائف المنحرفة عن الإسلام في بعض البلدان.
ومن أشهر المصطلحات التي عقدت لها المحاضرات الندوات، ودبجت فيها الكتب والمقالات، وامتلأت ببحثها الصحف والمجلات، وتناولتها بالجدال والمناقشة الفضائيات والإذاعات: مصطلح العلاقة مع الآخر، وهو مصطلح طار في الآفاق، وانتشر بين الناس حتى إنه ليجري على ألسن العوام، وكثير منهم لا يدري من هو هذا الآخر؟ وماذا يراد من المسلم تجاهه؟ ولماذا ظهر هذا المصطلح في هذا الوقت ؟ وما هو البيان الشرعي فيه ؟(46/247)
إن العقبة الكئود أمام الكفار والمنافقين لتغيير عقلية المسلم، ونقله من الإسلام إلى الإلحاد، تتمثل في هذا القرآن العظيم، الذي يوقن المسلم أنه من عند الله تعالى، ولا يتطرق الشك إليه بحال من الأحوال، وكل أخباره أخبار صدق وحق، وإذا وصف القرآن أقواماً بوصف أيقن المؤمن أن ذلك الوصف فيهم لا محالة؛ لثقته بالقرآن الكريم، ويقينه بعلم الله تعالى الذي وسع كل شيء، وقد حوت آيات هذا القرآن العظيم تفصيل العلاقة مع الآخرين من يهود ونصارى وملاحدة ومشركين ومنافقين، وكشفت حقائقهم، وعرضت لتاريخهم، وبينت مواقفهم من الرسل وأتباع الرسل عليهم السلام، والمسلم يتعبد إلى الله تعالى بقراءة تلك التفاصيل في الكتاب العزيز، ويستغرق جزءاً كثيراً من يومه وليلته يستمع إليها من إذاعته وآلة تسجيله وإمام مسجده، وهي ترسخ هذه الحقائق في عقله عن ممارسات وأخلاقيات هؤلاء الكفار والمنافقين، وتصرفاتهم المشينة مع المؤمنين، ومعاداتهم الصريحة لهم، وتحذرهم من اتخاذهم أولياء من دون المؤمنين، ولا حيلة للأعداء إلا بصرف الناس عنه، ولم ينصرفوا عنه كلية رغم تكثيف وسائل الشهوات وبث الشبهات فيهم، فعمدوا قبل عام إلى فرقانهم المصنوع من التوراة والإنجيل وبعض آيات القرآن بعد تحريفها، مع حذف كل الآيات الفاضحة للكفار والمنافقين، ونشروه في أوساط المسلمين ليكون بديلا عن القرآن، فما حفل المسلمون بقرآنهم، ولا التفتوا إليه، فجاءت هذه المحاولة ضمن محاولات كثيرة لقطع الصلة بين المسلم وبين كلام الله تعالى؛ وذلك بتغيير المسميات التي جاءت في القرآن والسنة أعلاما وأوصافا على المخالفين، وكيفية التعامل مع الكفر والكافرين، والنفاق والمنافقين، والبدعة والمبتدعين ؛ ليحل محلها: الموقف من الآخر، والحوار مع الآخر، والتعايش مع الآخر، وفهم الآخر ونحو ذلك، مع إبراز نصوص التسامح والعفو والمحاورة معه، وإلغاء نصوص مقارعته وجهاده وفضحه والإغلاظ عليه، وحجة من يدعو إلى هذا المذهب الجديد: وجود المشتركات الإنسانية، مع تهوينهم من شأن المفارقات الدينية بيننا وبين الآخرين، والنتيجة النهائية لهذا الإثم المبين: إخضاع شريعة الإسلام لحكم الطاغوت المتسلط على المسلمين.
إن هذا الآخر الذي أريد له أن يكون أخاً للمسلم في الإنسانية قد وصف في القرآن بأنه عدو مبين للمسلمين، ((إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُواْ لَكُمْ عَدُوّاً مُّبِيناً)) (النساء:101).
وفي المنافقين ((هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ)) (المنافقون:4).
فإن كان المقصود اشتراكه مع المسلم في العيش على الأرض فكذلك الحيوان يعيش مع الإنسان على الأرض، فهل هو أخوه ؟ فإن كان المشتَرَك بين الإنسان والإنسان تكريمه بالعقل، فغير المؤمن قد عطل عقله وألغاه، وقد وصف الله تعالى من استنكف عن عبادته، ولم يخضع لشريعته بأنهم قوم لا يعلمون، ولا يعقلون، ولا يفقهون، فقال عن الكفار في سورة البقرة: ((صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ)) (البقرة:171 ) .
وفي الأنفال: ((وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ يَغْلِبُواْ أَلْفاً مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ)) (الأنفال:65) .
وقال عنهم وعن أهل الكتاب في المائدة: ((ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْقِلُونَ)) (المائدة:58).
وقال تعالى عن اليهود في الحشر: ((ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَفْقَهُونَ)) (الحشر:13).
وفي الآية الأخرى: ((لاَ يَعْقِلُونَ)) (البقرة:170 ) .
ورمى المنافقين بالفساد والسفه فقال في سورة البقرة: (( أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ)) (البقرة:12).
وفي الآية الأخرى: ((أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاء وَلَكِن لاَّ يَعْلَمُونَ)) (البقرة:13 ) .
وفي براءة: ((صَرَفَ اللّهُ قُلُوبَهُم بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُون)) (التوبة:127).
وفي أخرى: ((وَطَبَعَ اللّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ)) (التوبة:93 ).
وفي سورتهم: ((ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ )) (المنافقون:3 ) .
وفي الآية الأخرى: ((وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ)) (المنافقون:7) .
بل جاء في القرآن ما هو أعظم من ذلك، وأبلغ في شأن من استكبر عن دين الإسلام؛ إذ قرنوا بالحيوان ثم فضل القرآن العجماوات من الحيوان عليهم فقال الله سبحانه: ((وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ)) (الأعراف: 179).
وفي الفرقان: ((أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً)) (الفرقان:44 ) .(46/248)
وأخبر سبحانه أنهم شر خلقه: ((إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُوْلَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ)) (البينة:6). والبرية كل ما خلق الله تعالى، فهم شر ما خلق، ولذلك قال سبحانه عنهم: ((إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ)) (الأنفال:22) .
فهل سيرضى الآخر كافرا كان أم منافقاً أم مرتداً بتلك الأوصاف فيه التي تكررت في كلام الله تعالى، أم سيُكَذِّب المسلمون كلام الله تعالى، ويطرحونه وراءهم ظهريا لإرضاء هذا الآخر.
إن اختراع مسميات أخرى للكافر والمنافق والمرتد لن يغني من الحق شيئا، ولن يزيل حسدهم للمؤمنين، ولن يدرأ عداوتهم عنهم، بل سيزيدهم تسلطا إلى تسلطهم، واستكباراً إلى استكبارهم، إذا رأوا فئاماً من المسلمين يغيرون كلام الله تعالى وأحكامه لأجلهم.
والله تعالى هو الحكم العدل الذي أعطى كل ذي حق حقه، فحفظ للكفار والمنافقين حقوقهم في الدنيا في كتابه العزيز، وعلى لسان رسول صلى الله عليه وسلم ، فأهل العقود توفى لهم عقودهم، وأهل الذمة والأمان يعطون حقوقهم، بل حتى في حال الحرب معهم يحسن إلى أسيرهم، ويداوى جريحهم، حتى يحكم فيهم إمام المسلمين، فإن حكم بقتلهم فلا يعذبون ولا يمثل بهم، بل تحسن قتلتهم؛ لأن الله تعالى كتب الإحسان على كل شيء، إلا ما كان من تعد منهم فيفعل بهم مثل الذي فعلوه بالمسلمين، ولا يزاد على ذلك من باب العقوبة بالمثل، وأما المنافق فيعامل معاملة المسلم أخذا بظاهر حاله، وسريرته إلى الله تعالى، ما لم يظهر منه ما يدل على كفره من قول أو فعل فيؤخذ به على حسبه.
والصراع بين الإيمان والكفر سيظل قائما إلى آخر الزمان، ولن يوقفه تغيير المسميات الشرعية، واستبدالها بمصطلحات وضعية؛ لأن هذا الصراع سنة كونية أرادها الله تعالى، والقوي فيه سيُقْصِي الضعيف، ولكن الله تعالى أمر المسلمين في حال القوة بالعدل حتى مع أعدائهم، فأولى للمسلمين التمسك بدينهم من إرضاء أعدائهم.
والذين يظنون أنهم يستطيعون إلغاء هذا الصراع الأبدي بين الحق والباطل، والتقريب بين الشريعة الربانية والأحكام الوضعية، بتغيير دين الله تعالى، واستبدال المسميات الشرعية بأخرى ما أنزل الله تعالى بها من سلطان، ما هم إلا من أجهل الناس بطبيعة الصراع بين الحق والباطل، ولا يعرفون سنن الله تعالى في عباده، ولو وصفوا أنفسهم بالمفكرين والمثقفين، ولو وطء الناس أعقابهم، ولمعهم مريدوهم في إعلامهم.
ولا يلزم من تقرير ذلك، والإخبار به أن المسلم يتمنى إشعال الصراع الحضاري- وإن كان في واقع الحال مشتعلا، ويزداد اضطراماً يوماً بعد يوم- لأن المسلم ينطلق في ذلك من قول صلى الله عليه وسلم حين قام في الناس خطيبا فقال: (( أيها الناس: لا تتمنوا لقاء العدو، وسلوا الله العافية، فإذا لقيتموهم فاصبروا، واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف)) رواه الشيخان.
==================(46/249)
(46/250)
الديانة الجينية تنقض الوهم الإلحادي المتخلف والقائل بمركزية الأديان في الشرق الأوسط
يدعي دعاة الإلحاد ومن شايعهم من أئمة الجهل أن الأديان تتمركز في الشرق الأوسط وأن أفكارا كفكرة آدم وحواء لم تخرج خارج نطاق الشرق الأوسط .....
وربما يكون لهم الحق في الترويج لهذه الكذبة فمجرد قولهم أن أصحاب الحضارات المختلفة يتفقون في الأصول العقائدية هذا ينسف الإلحاد نسفا فلماذا الأديان بالذات هي التي تجمع عليها حضارات العالم في الأصول في حين تختلف كل الحضارات والثقافات في غيرها من مناحي الحياه إنه لغز لا يفسره إلا وحدة المصدر الذي يتلقى منه البشر الهدايه ألا وهو الله سبحانه وتعالى
والآن دعونا نلقي نظرة بسيطة على ديانة من ديانات الهند القديمة تدعى الديانة الجينية ونسلط الضوء على نقطة بسيطة فيها ...........
يقول الدكتور أحمد شلبي في كتابه أديان الهند الكبرى م4/123:-
يعيش الرهبان الجينيون عراة ..لأن الجينية تقول :ما دام المرء يرى في العري ما نراه نحن فإنه لا ينال النجاة
فإنه لا ينال النجاة ما دام يتذكر العار فقد كان آدم وحواء يعيشان عاريين تماما وبطهر كامل لا يعرفان هَما ولا غما حتى أراد عدوهما الشيطان أن يحرمهما مما كانا فيه من البهجة والسرور والسعادة .. فعندها أكلا من الشجرة وخرجا من الجنة بدأ عندهما تصور الإثم ومنه تولد الشعور بالحياء .... وبالتالي فلا يشعر بالحياء من العري إلا من يتصور الإثم ......... انتهى كلامه !!!!!!!!
أتباع الديانة الجينية نفر قليل جدا في الهند يزيد عددهم على المليون بقليل يقولون بأن الروح تخلد خلودا طبيعيا وتخضع للثواب والعقاب ...........
والباحث في الديانات القديمة يتوقف عند نقاط عجيبة تجعله ينظر للفكر الإلحادي عموما نظرة شفقة خاصة مع تقدم علم الآثار واكتشاف أصول الأديان ومنابعها الصافية التي طمرها الكهان والسحرة .....
وسنلقي اليوم الضوء على بعض الإلماحات الهامة التي ترد على من قال أن الديانات لم تخرج خارج نطاق الشرق الأوسط وأنها إقليمية ......
1-البراهمه وهم رجال الدين في الهندوسية سموا بذلك نسبة إلى إبراهبم النبي ( فمن أخبرهم بانه نبي مع البعد الجغرافي الرهيب !!!) ألم يكن أنبياء هم الذين أخبروهم بعظمة ذلك النبي حتى تسموا بإسمه تشريفا ؟؟؟؟ هذا هو السبب الأصلي في التسمية لكنهم يضيفون سببا آخر لهذا الإسم نسبة إلى أقنوم من أقانيمهم....لكن ما يهمنا الآن هو علاقة الإسم بالنبي إبراهيم عليه الصلاة والسلام .
2-أيوب أرسله الله إلى الروم .
3-هود ارسله الله إلى قوم عاد في جنوب جزيرة العرب !!!!
4-يحيى يؤمن به الصابئه الذين يقدسون الكواكب ويعتبرونه نبي
5-يونس أرسله الله إلى أهل العراق
6-صالح أرسله الله إلى قوم ثمود.......
وصدق الله العظيم {وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلَّا خلَا فِيهَا نَذِيرٌ} (24) سورة فاطر ...... فقد أرسل الله رسلا وانبياءا تترى إلى جميع الأمم والشعوب أصولهم واحدة ويختلفون في التشريعات بإختلاف الأمم والبلاد { لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} (48) سورة المائدة....
لكن الملاحظ عند المغيبين ذهنيا من الملاحدة أنهم عندما يجدوا ان التاريخ الأثري لم يذكر مثلا قصة خروج موسى يقولون إذن هذه القصه وهمية .... وفي المقابل أنهم عندما يجدوا أن التاريخ الأثري يذكر قصة الطوفان يقولون إذن هذه من الأساطير !!!!!!!!! منتهى المكر في قلب الحقائق !!!!!!!!!!!
لماذا لا يعتبرون ورود قصة الطوفان في أكثر من بلدة هو دليل على تواترها ومعرفة الناس بها وبالتالي وقوعها ؟؟؟لماذا لا يعتبرون الكتب الدينيه مصدر حتى تاريخي ؟؟؟ ألم تكتب هذه الكتب وقت وقوع الحوادث وفي بلدان الحوادث فكيف لم ينكر الناس وقتها على الكتبة إذا كانت هذه الحوادث فعلا لم تقع ؟؟؟؟
منهج غريب في إنكار الأديان وإزدواج عجيب في المعايير المهم إنكار رب السماوات والأرض ......
وأذكر أنه من آخر الصدمات التي تلقاها الملاحدة من علماء الآثار انه تم اكتشاف موروثات عند الهنود الحمر وسكان أمريكا الشماليه الأصليين تشبه في كثير من مراسيمها أصحاب الديانات السماويه خاصة فيما يتعلق بالعقاب والجزاء بل والمفاجأة الأكبر أن ديانات السكان الأصليين لهذه القارة قد حدا بالباحثين الدينيين المعاصرين إلى القول بأن هذا التشابه الشديد في التصوير الديني فيه حجه على ضرورة التدين مفسرين هذه الظاهره بأن العقيدة الدينيه بديهه مركبه في طبيعة البشر ولولا ذلك ما أجمعوا على التدين متفرقين في أنحاء الأرض على اختلاف الأزمان وتفاوت الحضارات وتباعد الثقافات وطبقات التفكير بل وقالوا أن الله يوحي للإنسان بهدايته وأن الناس متشابهون في التعقل وطلب الهداية(46/251)
ومنهم من قال بان الإنسان يهتدي إلى الله بوحي وبغير وحي وإن كان الوحي أهدى وأفضل وقد ذهب البعض بان العبادات جميعا وحي من الله ولكنه وحي قديم شابته الخرافات من فعل السحرة والكهان فانحرفت الامم البدائيه في جهالاتها فكان الله يرسل بالرسل لتنقية هذه العقائد من الإنحرافات هكذا قال الباحثون في أديان الشعوب أنفسهم ... لقد لاحظوا تشابها في الأصول بل وتلاعبا في النصوص المقدسة من قبل الكهان والسحرة ليفتنوا الناس عند عبادة الله إلى عبادة العباد وليس أدل على ذلك من عباد الأصنام في الجزيرة العربيه على تعدد الأصنام بالمئات فنجد أنهم كانوا يقرون أنه فعلا يوجد إله واحد خالق لكن هم يتخذون هذه الأصنام زلفى وقربى إليه ودليله على ذلك من القرآن نفسه الذي نزل مخاطبا عباد الأصنام والأوثان قائلا على لسان عباد الأصنام أنفسهم { مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى } (3) سورة الزمر ... فقد أقر عباد الأصنام بأنهم في الأصل لا يعبدون الأصنام وإنما يعبدون الله ولذلك رد الله عليهم وقال {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا} (57) سورة الإسراء ..... فأصنامهم أنفسها كانت لرجال صالحين يخافون الله ....!!!!!!
بل ولو سألت أي مسيحي في الدنيا كلها هل تعبد الله الواحد خالق السماوات والأرض سيقر أن نعم وإذا سألته وهل المسيح هو الآب أقسم بالله سيقول لا .... إذن لماذا تعبده سيقول لك أنه أقنوم آخر غير الآب .. فهل عرف جميع أنبياء العهد القديم هذه الأقانيم ..؟؟؟؟ بل هل قال المسيح عن نفسه انه الله ....؟؟؟؟؟ إذن فعقيدة المسلم هي عقيدة جميع أنبياء العهد القديم إبراهيم وموسى وداوود وأيوب ويونس .... ومن قبلهم آدم ونوح .... إنها عقيدة التوحيد عقيدة الشرف ... العقيدة التي تلاعب بها الكهنة والسحرة ليضلوا العالم ولتمحص الأمم وهكذا فليزداد المؤمن إيمانا فالكل قامت عليه الحجه والكل يقر بوجود الله والكل أرسل الله لهم نذر من أنفسهم ومن الرسل وما بقي إلإ تنقية النفس من سواد الجاهليه وأقوال الكهان واتباع الحنيفيه السمحه التى أقر بها جميع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ...وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين
جزاك الله خيراً اخي السرداب على هذا الموضوع.
اقتباس:
لكن الملاحظ عند المغيبين ذهنيا من الملاحدة أنهم عندما يجدوا ان التاريخ الأثري لم يذكر مثلا قصة خروج موسى يقولون إذن هذه القصه وهمية .... وفي المقابل أنهم عندما يجدوا أن التاريخ الأثري يذكر قصة الطوفان يقولون إذن هذه من الأساطير !!!!!!!!! منتهى المكر في قلب الحقائق !!!!!!!!!!!
الغريب ان هذا هو نفس قول النصارى فقالوا ان قصة ذو القرنين من الاساطير لانها كانت معروفة قبل الاسلام. وكأن القرآن يقص علينا فقط قصص سرية.
اقتباس:
فمجرد قولهم أن أصحاب الحضارات المختلفة يتفقون في الأصول العقائدية هذا ينسف الإلحاد نسفا فلماذا الأديان بالذات هي التي تجمع عليها حضارات العالم في الأصول
وهذا يثير سؤال مهم. من كان السباق تاريخياً؟ الإيمان بخالقٍ أم الالحاد؟
1- فإذا قال الملحد ان الإيمان هو الذي سبق فعليه ان يفسر لنا سبب ذلك. فإذا قال ان الانسان بحث عن قوة عليا بسبب خوفه من المخاطر المحيطة به.. فيضع الملحد نفسه في مأزق اكبر لأنه بذلك أقر ان الانسان بفطرته يبحث عن خالقه. كيف إذاً وُجدت صدفة تلك الفطرة التي تبحث عن خالقها؟
2- أما إذا قال الملحد ان الالحاد هو الذي سبق تاريخياً .. نقول له: الالحاد هو انكار فكرة موجودة.
فبماذا ألحدتم إذا كانت فكرت وجود خالق لم تكن موجودة في الأصل؟ إذاً أنتم ألحدتم بفكرة متأصلة في فطرتكم.
وهنا يُعاد السؤال في كلتا الحالتين : كيف إذاً وُجدت صدفة تلك الفطرة التي تبحث عن خالقها؟
===============(46/252)
(46/253)
فى الرد على الشبح وكل من شابهه
إخوتى وأخواتى فى الله
السلام عليكم ورحمة الله
أعلم أننى لن أكون أول من يرد على الزميل Mat r ixdefence ولا أخرهم، كما أنى متأكدة أن ردى لن يضاهى ردودكم العلمية والمنطقية التى لا أستطيع محادثة نفسى بتقليدها. ولكن والله الذى لا إله إلا هو والذى يعلم السر وأخفى أننى لم أستطع النوم قبل أن أكتب ردى على مداخلته وقبل أن أشفى صدرى ممن يتشدقون هنا وهناك بالحضارة والتقدم ...و..و..و فاسمحوا لى هنا بأن أطلق صرخاتى قائلة له ولمن شابهه كفى كفى كفى
الزميل Mat r ixdefence
السلام على من إتبع الهدى
أما بعد
أولا: أراك قد إستخدمت توقيعا باسم الشبح مزيلا به مداخلتك للأخ الفاضل الجاحظ
فاسمح لى أن أتساءل لماذا هذا التمسح بالخرافات والأساطير التى لا تؤمن بها ( وأنا كذلك لا أؤمن بها إذا كان ما تعنيه بالخرافات والأساطيرهو نفس ما أعنيه) فعجبا لك!!
ثانيا أنت تقول
اقتباس:
اينما وجد التطور والتقدم والعلوم اختفت الأديان وهذا هو حال اوروبا واميركا حتي وصلوا الي المريخ ...
واينما وجد التخلف والأساطير والخرافات انتشر التدين وهذا هو حال العالم الثالث اسيا وافريقيا .
لماذا لم يخرج من اوروبا واميركا انبياء ورسل واقتصر خروجهم علي المجتمعات المتخلفة ؟؟
فأقول هذا يتوقف على معنى الحضارة والتقدم لديك ولدينا. وما هو مقياسك الذى تستخدم للحكم على الأشخاص والمجتمعات حتى تحكم به ومن خلاله على هؤلاء بالتقدم وآخرين بالتخلف؟
هلا سمحت لى بعدة تساؤلات أستوضح بها هذا المقياس
1- أى حضارة تزعم فيمن يذهبون إلى المنجمين مع بداية كل عام لقراءة الطالع لهم ومعرفة ما يحمله العام الجديد من أحداث وأفراح وأحزان يتخذون من بعده قراراتهم المختلفة بغزو بعض البلاد والعفو عن آخرين
وهذا ليس مقصورا على الرؤساء ولكن مرورا بالوزراء و المشاهير وعلية القوم والسوبر ستارز كما يدعون ووصولا إلى العوام؟
2- أى حضارة تزعم فيمن ملأوا الأرض تقدما صناعيا (لا ننكره)، أعقبه تلوثا فى الهواء والبحار والمحيطات بل سمعيا وبصريا فاق كل النسب المسموح بها مما جعل المنظمات المختلفة من حقوق إنسان وحيوان ومحافظة على البيئة وخضر ( وحمر وصفر) تصرخ إنجدونا أنقذوا صحة أطفالنا إنقذوا أرضنا...ولا من مجيب...؟
3-أى حضارة تزعم فيمن ملأوا الأرض خرابا ودمارا وجثث قتلى من مختلف الجنسيات والأعمار والأديان من أجل أن يكون سوق الأسلحة هو الأكثر رواجا ومبيعاته هى الأولى فى العالم؟ فى الوقت الذى لو أنفقوا فيه نصف بل ثلث بل يمكن أقل من هذه المليارات على السلم ما كنت ترى كل هؤلاء الجوعى والعطشى والأرامل والثكلى الذين يملأون بقاع الأرض ثم يتشدقون بأنهم محققى الحرية والسلام...ياسلام
4- أى حضارة تزعم فى أمهات بلا أزواج وأبناء بلا آباء بسبب الإنحلال الأخلاقى والتفسخ الإجتماعى؟
5-أى حضارة تزعم فيمن يعلمون بناتهم كيفية المحافظة على بيضة نيئة فى يديها من الكسر حتى تتعلم ما ستواجهه من صعوبة بالغة إذا ما حملت أحشاؤها جنينا لا تقدر على رعايته وهى فى هذا السن الصغير فهى مازالت فى المدرسة الإلزامية؟
6- أى حضارة تزعم فيمن تقول لولدها بالصف السادس الإبتدائى (والله) يمكنك مصادقة البنات ومعاشرتهم كيفما تشاء ولكن إياك ثم إياك أن تأتينى إحداهن تقول لى إنى حامل!!
7- أى حضارة تزعم فيمن تقول إحصائياتهم هذه الأرقام المذهلة وأقول إحصائياتهم وليست إحصائياتنا فقد شهدوا على أنفسهم قائلين:
* 7 مليون طفل ومراهق أمريكى يعانون من أمراض نفسية
* أكثر من 10 مليون شخص بالغ يعانون من إكتئاب حاد وشديد يحتاج إلى العلاج بالمستشفيات
* أكثر من 18 مليون أمريكى يعانون من العصبية الحادة
* وحوالى 14 مليون أمريكى يدمنون الكحوليات والمخدرات بأنواعها ففى عام 2002 فقط بدأ 4.7 مليون مواطن أمريكى فى إستخدام نوعا ما من المخدرات لأول مرة فى حياته (والبقية تأتى)
* أما عن نسب الإنتحار فحدث ولا حرج فهى ما بين 75-80% من طلاب وطالبات المدارس الثانوية والجامعات علما بأن الأسلوب المستخدم للإنتحار يكون أكثر عنفا ودموية فى الذكور عنه فى الإناث ...أى مستقبل ينتظرون؟؟!!
*الدراسات الواردة من المعهد الطبى الأمريكى تشير إلى أن المراكز الصحية تنفق أكثر من 23 بليون دولار لعلاج هذه الحالات هذا إلى جانب تعاطى العقارات والمخدرات الذى يستهلك 17 بليون دولار أخرى
كفى أم تريد المزيد؟؟
8- أى حضارة تزعم فى أمراض وأوبئة إنتشرت بسبب الجور والظلم والنهب من ثروات البلاد المقهورة ثم إعادة توزيعها بتفاوت فظيع يزيد الفقراء فقرا والأغنياء غنى وظلما وتجبرا وكبرا؟؟
9- أى حضارة تزعم فيمن إتخذوا من البشر فئرانا لتجاربهم تارة لأسلحتهم النووية، العابرة للقارات، المدمرة...الخ
أم لأدويتهم التى ينتجونها لتعالج مرضا واحدا وتترك للمريض العشرات من الأعراض الجانبية التى بالتالى تحتاج إلى علاجات أخرى.
والآن أدعوكم للضحك.....!!!
إضحك معى على حضارتهم المزعومة(46/254)
* أنفقوا ملايين بل مليارات الدولارات للصعود إلى القمر بل ويريدون الصعود إلى المريخ....ثم ماذا؟
فشلوا فى إصلاح حياة على كوكب الأرض فذهبوا يبحثون عن حياة صالحة على كوكب آخر!!
أم تراهم ذهبوا ليتسابقوا أيهم أسرع فى وضع قطعة من القماش يدعونها علم فوق سطح القمر...ها..ثم ماذا؟؟
ماذا حققت هذه الإنجازات الضخمة الهائلة للبشرية....؟؟ هل أطعمتهم من جوع؟؟ هل أغنتهم من فقر؟؟ هل آمنتهم من خوف؟؟
لا.. بل ذهبوا وعادوا كالأنعام بل هم أضل سبيلا.
* قاموا باستنساخ النعجة دوللى فنجح الإستنساخ وأتت إلى أرضنا نعجة ممسوخة صغيرة فى عمرها ولكن تحمل بين طيات كروموسوماتها جينات الشيخوخة...ثم ماذا؟؟... ماتت النعجة المستنسخة من آثار الشيخوخة.
* إخترعوا الإنسان الآلى وإستطاعوا من السيطرة عليه ليقوم بكل ما يخطر على البال من أعمال..فماذا كانت النتيجة؟؟....
كانت النتيجة رجال يجلسون على قارعة الطريق يضعون أكفهم على خدودهم ينتظرون إعانة البطالة!!
* وفرت الحضارة الغربية كل وسائل الراحة للمعيشة.... فزادت الأوزان ولانت العظام وأصبحنا نلهث إذا تثاءبنا!!
* وفرت وسائل الترفيه المتنوعة لنجلس أمامها كالبلهاء وننفق عليها كل مليم وسنت، فبتنا نبحث عن مصادر أخرى للرزق للحصول على ما يكفينا ويزيد لشراء هذه الوسائل علّنا نجد السعادة المنشودة!!
* أرهقوا أنفسهم صعودا وتسلقا للجبال وجريا فى سباق وماراثون وأوليمبياد ويوم أجازاتهم تجدهم يجلسون أمام موائد الميسر بانواعها ويحتسون الخمور حتى تسقط أجسادهم تعبا وإعياءا ليصبح يوم الإثنين يأخذ حماما دافئا ليبدأ أسبوعا جديدا كله حيوية ونشاط.....تمامًا كالثور الذى يجر الساقية!!
* إخترعت شركة أمريكية ( أشهر من النار على العلم) دواءا تم إستخدامه لمدة 10 سنوات ثم إكتشفوا... أنه المتسبب فى السكتات القلبية التى أصابت مستخدميه،
ودواء آخر لعلاج الفطريات ولكن إحذر.....فهو يسبب الفشل الكبدى!!
وآخر لتثبيط المناعة ولكن أيضا إحذر....فمع إستخدامه لابد من متابعة شبكية العين كل 6 أشهر..فقد تصاب بالعمى!!
وآخر ساحر فى علاج الأمراض الروماتيزمية والآلام ولكن.. ياخسارة إنه يسبب هشاشة العظام وقرحة المعدة وإرتفاع ضغط الدم والسكر والجلوكوما أى إرتفاع ضغط العين
يعنى الخلاصة نحن هلكى هلكى لامحالة...وتعددت الأسباب والموت واحد. إنهم يقدمون لنا الموت فى أثواب جديدة صنعت بالخارج أو فى أحسن الإحتمالات يجعلون الأيام الباقية من أعمارنا ندفع ثمن إقامتنا فيها إلى حساباتهم الخاصة فى البنوك ولا يخفى على احد أن تجارة الأدوية الآن أصبحت مثلها مثل تجارتى المخدرات والأسلحة.
ملحوظة:
أنا هنا لا أدعو إلى عدم التداوى ولكنى فقط ألفت الأنظار إلى أن هذه الحضارة التى فتنوا بها لا تخلوا من السلبيات بل إذا أردنا إحقاق الحق فهى مليئة بها.
هل تمزح...؟؟
تقول
اقتباس:
اينما وجد التطور والتقدم والعلوم اختفت الأديان وهذا هو حال اوروبا واميركا حتي وصلوا الي المريخ ..
فأقول
كفاكم كذبا وزورا وبهتانا وتزويرا للحقائق
أدينهم هو ديننا؟؟ أم أنك تخدع نفسك؟؟
إنهم تركوه لما يحويه من تحريف ومغالطات وكذب على الله بغير علم
إنهم تركوه لإنه لم يكن يوما دينا يصلح لجميع الأزمان ولم يكن يوما دينا منظما لحياة
وهنا أنا لست مسؤولة عن الدفاع عنهم لم تركوه ولكن الدفاع كل الدفاع عن دينى الذى تدعى بأنه سبب تخلفنا قائلا
اقتباس:
واينما وجد التخلف والأساطير والخرافات انتشر التدين وهذا هو حال العالم الثالث اسيا وافريقيا
فأقول
إذا كان البعد عن الصدق والعدل والحرية والجمال وبغض الفحش والفحشاء وبذاءة اللسان،
إذا كان البعد عن التعاون وحب الخير والبناء والنماء والتكافل الإجتماعى والجو الأسرى والإحسان إلى الوالدين و الجار وذى القربى واليتامى وأبناء السبيل،
إذا كان توقير الكبير وإحترامه والعطف على الصغير والحنو عليه،
إذا كان البعد عن عبادة الواحد القهار
وإذا كانت الدعوة لعبادة الأهواء، والشيطان والطاغوت
إذا كان كل هذا هو سبب تقدمنا فسحقا سحقا لهذا التقدم، ومرحى مرحى به من تخلف.
هل تمزح..؟؟
هل تدعى أننا مجتمعات تتمسك بدينها؟؟ لن أسألك عن المجتمع كله بل دعنى أسالك عن الحى الذى تسكن به أهو إسلامى..أهو مسلم..أهو متمسك بدينه؟؟
ما نحن إلا مسخ لا نحن شرقيون ولا نحن غربيون ولانعرف عن ديننا إلا أن نقول "هذا ما وجدنا عليه آباءنا " إلا من رحم ربى.
أهذا ما تعده مجتمعا إسلاميا ودينه هو سبب تخلفه؟؟!!...ياراجل حرام عليك.
والله ما سبب تخلفنا إلا يوم إن بعدنا عن ديننا القويم و الصراط المستقيم الذى يدعونا إلى مكارم الأخلاق ويصفو بالنفس والروح معا، بعيدا عن عبادة الأهواء والأوثان والمناصب والسلطة والجاه والسلطان.
يوم أن إبتغينا العزة فى غير الإسلام، فى غير دين الله الذى إرتضاه لنا، فأذلنا الله.
ولكن يوم ما تمسكنا بديننا دانت لنا الدنيا رغم أنفها، يوم ما تمسكنا بديننا كان خليفتنا يقول أمطرى حيث شئت، أينما تكونى سيأتينى خراجك.(46/255)
أم تراك تجهل من هما الإثنان اللذان حكما الأرض بطولها وعرضها؟؟
أكانا ملحديْن أم كانا مسلميْن؟؟
أم تراك تقرأ ما يوافق هواك وتنسى أو تتناسى من التاريخ وتطويه طى النسيان
لا والذى رفع السماء بغير عمد، بل نحن من نضع حضارتكم المزعومة فى مزبلة التاريخ إذا كانت ستؤدى إلى كل هذا الهرج والمرج الذى يحيط بنا من كل مكان.
وأين حضارتكم المزعومة من إرم ذات العماد التى لم يخلق مثلها فى البلاد؟!!
وأين حضارتكم المزعومة من فرعون ذى الأوتاد الذين طغوا فى البلاد فأكثروا فيها الفساد؟!!
بل دعنى أتساءل أين جنة الخلد التى تزعمون وأين البشر الذين يتنعمون فيها؟؟ دعنا نراهم ونسألهم هل وجدوا ما وعدهم ربهم- بل أصنامهم التى ظلوا لها عاكفين- هل وجدوا ما وعدوهم حقا؟؟
بل إنى أتساءل أين تأخذ قسطا من الراحة والهدوء وتتمتع بالطبيعة وجمالها.. أين تذهب؟؟
حتما إلى مكان أبعد ما يكون عن حضارتكم المزعومة ووسائلها الترفيهية حيث النقاء والصفاء وعدم تدخل اليد البشرية الفاسدة المفسدة التى ذهبت تعيث فى الأرض الفساد غير آبهه بما سيحدث لأجيال وأجيال فى المستقبل.
فالعيش فى كوخ خشبى والشرب من نهر جار ولبن من بين فرث ودم يخرج خالصا سائغا للشاربين، والأكل من تمر يتساقط من نخيل شاهق أبى، خير وألف خير من وجبات سريعة ومشروبات غازية سممت عقولنا قبل أن تسمم أبداننا
والسلام على من إتبع الهدى
إخوتى وأخواتى
الزميل Mat r ixdefence
أخيرا قبل أن أنهى هذا الرد، أود أن أضع بعض الروابط لمن أسلموا ممن ولدوا وترعرعوا فى ظل هذه الحضارة الزائفة ويحملون الجنسية الغربية ليس فقط فى أوراق هويتهم ولكن فى خلاياهم بل فى جيناتهم ومع ذلك زهدوا فيها وراحوا يبحثون عن الحق بصدق فأرشدهم الله سبحانه وتعالى وهداهم وسخر لهم علومهم التى تعلموها لتنير لهم بصائرهم وتصبح لهم المرشد الهادى بدلا من العجب والغرور والتكبر فهنيئا لهم بالإسلام وهنيئا لنا بأخوتهم لنا
أرجو منك الصبر على تصفحها والتفكر بعمق عن سبب هذا التحول فى معتقاداتهم وأغلبهم إن لم يكن كلهم حاصلون على أعلى الدرجات العلمية والأدبية و يعملون بأحسن المراكز وأعلى المناصب.
أتركك لتقرأ وتفكر..لعل الله يشرح صدرك ويهدى لك نفسك..اللهم آمين
http://www.ummah.com/what-is-islam/conve r t/15.htm
http://www.usc.edu/dept/MSA/newmuslims/ http://thet r ue r eligion.o r g/modules/xfsection/ http://www.islamicity.com/Mosque/MyJou r ney/default.htm
http://www.newmuslims.tk/
http://islamicweb.com/begin/newMuslims/
==============(46/256)
(46/257)
التديُّن غريزة في الإنسان
خلق الله الانسان والحيوان وجعل فيهما طاقة حيويه,وهذه الطاقة -وهي غير الروح_تظهر في الكائن الحي اما من مؤثرات داخلية وهذه يجب ان تشبع واشباعها حتمي وذلك لآنه في حالة عدم الاشباع تؤدي الى الموت وهي ما يطلق علية الحاجات العضوية,مثل الحاجة الى الاكل او الشرب او النوم...وغيرها, وهي موجوده عند الانسان والحيوان على السواء . أو ان تظهر من مؤثرات خارجية,وهذه تجب ان تشبع ولكن اشباعها ليس حتمي,لأنه في حاله عدم الاشباع لايموت الكائن الحي ولكنه يضطرب ويقلق نفسياً وهي ما يطلق عليها الغرائز وهي ثلاثه غرائز اساسيه غريزه حب البقاء,وغريزه حفظ النوع,وهما موجوداتان عند الانسان والحيوان,واما الغريزه الثالثه وهي غريزه التدين موجوده عند الانسان فقط.
وسبب هذا التصنيف من حيث الغريزه والمظهر,هو ان الغريزه لا يمكن ان تنعدم في الكائن الحي,لأن الله عزوجل غرزها فيه,واما المظهر فيمكن ان يطغى مظهر على آخر فنرى مثلاً انسانا يحب امه اكثر من زوجته او ابنائه اكثر من زوجته,او ان يحب زوجته اكثر من امه ابنائه.اما غريزة حب البقاء فلها مظاهر عده منها الخوف,حب السياده ,الخيلاء والتكبر وحب الظهور,وهي موجوده عند الانسان والحيوان على السواء.واما غريزه حفظ النوع فلها ايضا مظاهر عده منها الجنس(علاقة الرجل مع المرآه) ,الامومةوالابوة,العمومه والخؤلة والصداقة, وهي موجوده عند الانسان والحيوان على السواء. واما غريزة التدين فإنها خاصة في الانسان لأنها تدعو الى التفكير ويثيرها التفكير بآيات الله ، أو في يوم القيامة ، أو ما يتعلق بذلك ، أو النظرة إلى بديع صنع الله مما في السموات و الارض ، أو ما يتعلق بذلك ,ولأن التفكير بحد ذاته حكم على واقع فوجود الانسان والكون والحياه يدعو الى اطلاق حكم عليها من حيث الوجود والخلق وما قبله وما بعده.
ومن هنا نجد الغريزة ظاهرة آثارها عند حصول ما يثيرها ، ولاترى هذه الآثار في حالة عدم وجود ما يثيرها، أو في حالة تحويل ما يثيرها عن الإثارة بتفسيره تفسيرات مغالطة تفقده لدى مفهوم الشخص صفته الأصلية التي تثير الغريزة.
والتدين غريزة طبيعية ثابتة ، اذ هو الشعور بالحاجة إلى الخالق المدبر بغض النظر عن تفسير هذا الخالق المدبر . وهذا الشعور فطري يكون في الانسان من حيث هو إنسان، سواء أكان مؤمناًَ بوجود الخالق ، أوكافراًَ به مؤمناًَ بالما دة أو الطبيعة . ووجود هذا الشعور في الانسان حتمي لأنه يخلق معه ويكون جزءاًَ من تكوينه ، ولا يمكن أن يخلو منه أو ينفصل عنه ، وهذا هو التدين.
والمظهر الذي يظهر به هذا التدين هو التقديس لما يعتقد أنه هو الخالق المدبر، أو الذي يتصور أنه قد حل به الخالق المدبر.
وقد يظهر التقديس بمظهره الحقيقي فيكون عبادة،و قد يظهر بأقل صوره فيكون التعظيم و التبجيل.
و التقديس هو منتهى الاحترام القلبي ، و هو ليس ناتجاً عن الخوف بل ناتجاً عن التدين . لأن الخوف ليس مصدره التقديس ، بل مظهره الملق، أو الهروب، أو الدفاع، وذلك يناقض حقيقة التقديس. فالتقديس مظهر للتدين لا للخوف، فيكون التدين غريزة مستقلة غير غريزة البقاء التي من مظاهرها الخوف.
و لذلك نجد الانسان متدينا ، ومنذ أن أوجده الله على الأرض نجده يعبد شيئاً. فقد عبد الشمس و الكواكب، و النار، و الأصنام، و عبد الله، و لا نجد عصراً، ولا أمة ، ولا شعباً، إلاَّ وهو يعبد شيئاً، حتى الشعوب التي قام فيها السلطان بالقوة يجبرها على ترك التدين ، كانت متدينة تعبد شيئاً ، رغم القوة التي تتسلط عليها، و تتحمل كل الأذى في سبيل أداء عبادتها . ولن تستطيع قوة أن تنزع من الإنسان التدين، وتزيل منه تقديس الخالق ، وتمنعه من العبادة ، و إنما تستطيع أن تكبت ذلك إلى زمن ، لأن العبادة مظهر طبيعي من مظاهر التدين الذي هو غريزة طبيعية في الإنسان .
أما ما يظهر على بعض الملحدين من عدم العبادة، أو من الاستهزاء بالعبادة،فإن هؤلاء قد صرفت غريزة التدين عندهم عن عبادة الله إلى عبادة المخلوقات،فنراهم يقدسون حكامهم او روؤساء احزابهم مثل الشيوعية فنجد صور وتماثيل الحكام في كل مكان وحتى في البيوت وجعل مظهرها في تقديس الطبيعية أو الابطال أو الاشياء الضخمة أو مشاكل ذلك ، واستعملت لهذا الصرف المغالطات والتفسيرات الخاطئة للاشياء.
ومن هنا كان الكفر أصعب من الايمان لأنه صرف للانسان عن فطرته ، وتحويل لها عن مظاهرها . فيحتاج ذلك إلى جهد كبير وما أصعب أن ينصرف الانسان عن مقتضى طبيعته وفطرته ! ولذلك تجد الملحدين حين ينكشف لهم الحق ، ويبدو لهم وجود الله حسا فيدركون وجوده بالعقل إدراكا جازماً، تجدهم يسرعون إلى الإيمان ويشعرون بالراحة و الاطمئنان ، و يزول عنهم كابوس كان يثقلهم ، و يكون إيمان أمثال هؤلاء راسخاً قوياً لأنه جاء عن حس و يقين ، لأن عقلهم ارتبط بوجدانهم ، فأدركوا إدراكا يقينياً وجود الله ، و شعروا شعوراً يقينياً بوجوده ، فالتقت فطرتهم بعقلهم فكان الإيمان اقوى واشد واكثر ارتباطاً بالواقع لإحساسهم به.(46/258)
وهؤلاء لا يمكن زحزحه ايمانهم حتى لو اُستعملت القوه معهم والامثله لا تعد ولا تحصى خذ مثلاً سحرة فرعون عندما القى موسى عليه السلام عصاه والتهمت ما القوا فأدركوا بعلمهم ان هذا ليس بسحر وانه من عمل خالق ,فخروا ساجدين مؤمنين برسالة موسى ورب موسى,والعلماء الذين سبحوا في الكون وشاهدوا عظمته ادركوا ان له خالق مدبر.
جزاك الله خيرا أخي الحبيب الفرصة الأخيرة على هذا الموضوع الجميل
وقد قرأت قريبا من هذا الكلام منذ فترة وأنا أنقل الآن مقالا يتحدث عن الأمر وهذا المقال أنقله على عُهدة كاتبه .....
دبي-العربية.نت
في دراسة اجرتها الباحثة النفسية لورا كوينج من جامعة مينيسوتا ونشرت في مؤخرا في مجلة "جورنال أوف برسوناليتي"، أوضحت أن الميل نحو الدين أو التدين ليس محددا بفعل البيئة المحيطة فحسب، بل للجينات دور مهم في ذلك.
وكانت الدراسة التي قامت بها الباحثة أجريت على مجموعة مكونة من 546 شخصا منهم 169 زوج توائم حقيقية ويمتلكون إرثاً جينياً متشابهاً تماماً و104 أزواج توائم غير حقيقية (أي من بيوضات مختلفة ولا يمتلكون إرثاً جينياً متشابهاً).
وتم طرح لائحة من الأسئلة عليهم، حسب ما ذكرته صحيفة "الخليج" الإماراتية الخميس 22-9-2005، وذلك لمعرفة مدى أهمية الديانة أو التدين في حياتهم (كالالتزام بتأدية الصلوات، واحترام الشعائر الدينية وغيرها) وكيف كان تأثير الديانة فيهم أثناء طفولتهم؟ وجاءت النتائج على النحو التالي: بالنسبة للتوائم المتشابهة كان السلوك أو الموقف متشابهاً في مرحلة البلوغ إزاء الدين عما هو عليه بالنسبة للتوائم غير المتشابهة فقد كان الأمر غير ذلك بالنسبة هذه الفئة.
في المقابل لم يلحظ الباحثون أي اختلاف على كلتا المجموعتين إزاء مسألة الدين خلال مرحلة الطفولة، وهو ما يؤكد وجود قواعد وراثية (جينية) لها علاقة بمسألة التدين، إلا أن تأثير هذه القواعد يظهر بشكل تدريجي خلال مراحل النمو وذلك حينما يتخلص من تأثيرات البيئة المحيطة والأفكار المتوارثة التي تلقاها أثناء طفولته.
جينات التدين
ويقول علماء الأنثروبولوجيا إن بنية دماغ الإنسان مصنوعة بشكل يؤهلها نحو الإيمان واعتناق فكرة التدين خاصة إذا وجدت من يستطيع سرد حكاية الخلق والإيمان والقدرة على الاقناع.
ففي عام 1992 عرض اخصائي علم النفس الأمريكي كارين وين من جامعة يال بالولايات المتحدة، مجموعة من الدمى المتحركة على خشبة مسرح صغير على أطفال لم تتجاوز أعمارهم الأربعة أشهر، فاكتشف الباحث أن الأطفال قادرون على معرفة أن الدمية المتحركة لا يمكن ان توجد في مكانين في وقت واحد خاصة عندما تختفي من أمامهم فجأة.
وكانت دراسة أخرى أجراها هنري ويلمان وسوزان جلمان أثبتت ان الأطفال قادرون قبل اكمالهم سن السنة على معرفة انه لا يمكن للإنسان أن يتحول الى حيوان أو أي جسم آخر، ويشير دان سبيسبر مدير الأبحاث في معهد جون نيكود للعلوم الإدراكية في باريس إلى أن الأطفال يضعون بالفطرة الكائنات البشرية ضمن خانة مغايرة للخانة التي يرتبون فيها الحيوانات أو الاشياء الأخرى، لذا فالانسان يمتلك بالفطرة نظرة عن العالم المحيط به سواء كان هذا العالم طبيعياً أم فوق الطبيعي، وهو ما يثبت بوضوح ان الدماغ البشري عبارة عن أرض خصبة للاعتقادات الدينية.
===============(46/259)
(46/260)
القبض على لاديني مشهور ... نبأ عاجل جدًا
أذاعت قناة ppc من لحظات جانبًا من وقائع القبض على لاديني شهير .. والتحقيق معه .. وهذا جانب من وقائع التحقيق الذي أذاعته وكالات الأنباء:
القاضي: اسمك؟
لاديني: أنا الشبح فلا تسألني من أنا.
القاضي: ما هذا؟ هل تمتنع عن التصريح باسمك؟
اللاديني: أنا أنت وأنت أنا حسب نظرية الراصد والمرصود والدوكلية.
القاضي: هل أنت مجنون أيها الرجل؟ أقول لك ما اسمك تقول لي مرة أنك الشبح ومرة أخرى تقول لي أنك أنا وأنا أنت حسب مرصد حلوان ومرصد نيويورك؟ ما هذا الكلام الفارغ يا رجل؟ تكلم بوضوح وبدون لف أو دوران؟ وسأتجاوز اسمك لأنه مسجل عندنا في أوراقنا هنا.
وقل لنا الآن: ما هو مذهبك؟
لاديني: ملحد .. لاديني... أشك في ذلك.
القاضي: حدد لي مذهبك بوضوح أفضل؟
لاديني: الشك بداية اليقين ولذا فأنا أشك في كل شيء حتى في وجودي نفسه .. وأشك في شكي .. فأنا أشك في وجودي وشكي.
القاضي: هل نحن نحقق مع سراب أم مع مخبول؟ أجب بوضوح عن مذهبك؟
لاديني: ليس عندي جواب آخر.
القاضي: طب نتعرف عليك من خلال أصحابك فما هو مذهب أصحابك وطريقتهم؟
لاديني: ليس لدينا نظرية موحدة ولا منهج واحد .. كل لاديني لديه أسبابه وقواعده .. ولا يوجد فينا من يشبه الآخر .. غير أننا جميعا نجتمع في فكرة واحدة فقط وهي إنكار الأديان.
القاضي: ليس لكم مذهب واحد؟ يعني لو أحببنا التحقيق في مسألة اللادينية يلزمنا أن نجمع كل لاديني في العالم ونجلس مع كل واحد قاضي متفرغ له ونحقق مع كل واحد على حدة؟
ما هذا الكلام الفارغ؟
طب نترك هذه المسألة الآن ونسألك: من أين جئت؟
لاديني: صدفة.. وسبق وقلت لك أنا أشك في وجودي وشكي.
القاضي: إذن هل أنت موجود معنا الآن؟ ولا خيالك؟
لاديني: لا أدري فكما سبق وقلت لك أنا أشك في وجودي وشكي.
القاضي: طب إيه حكاية الصدفة دي؟ إحنا قبضنا عليك في المدينة عندنا فمن أين جئت إليها؟
لاديني: قلت لك أنا جئت صدفة لا أعلم من أين جئت ولكني أتيت.
القاضي: نترك هذه النقطة الآن أيضًا هل هناك ما هو حقيقة يمكن لنا أن تخبرنا بها؟
لاديني: الحقيقة نسبية فما تراه أنت حقيقة قد يكون كذبا عندي أو باطلا وما أراه حقيقة قد يكون عين الخطأ عندك فلا توجد حقيقة مطلقة ولا حتى نسبية ... لأنني سأشك في الحقيقة النسبية أيضًا.. لأن الشك بداية اليقين.
القاضي: طب إيه حكايتك كما تراها أنت بالضبط؟
لاديني: جئت صدفة لا أعرف من أين أتيت ... وقد كان أصلي قرد ... ثم تطورت وصرت إنسان .. وأشك في وجودي .. فلا أدي إن كنت أنا موجود أم غير موجود .. والشك بداية اليقين.. لكن اليقين ليس نسبي والحقيقة ليست نسبية .. وأنا أشك فيهما .. وأشك في شكي .. فأنا شاك في حقيقتي وشكي.
القاضي: وأنا أيضًا أشك في وجود عقلك ولذا فالحكم المناسب لك هو تحويلك لمصحة الأمراض العقلية .. مع التوصية بحجزك في عنبر خاص .. بعيدًا عن المجانين القدامى حتى لا تفسد عقولهم.
رُفِعَت الجلسة.
قال الفرصة الأخيرة: هكذا تخيلت أنا الواقع من خلال هذه الرؤية التي تخيلتها.. وهي وحي خيال مأخوذ من عشرات المشاركات الخاصة بالزملاء اللادينين .. فهو خيال حقيقي من خلال كلام الزملاء المؤمنين باللادينية والمدافعين عنها.
هدانا الله جميعًا لمرضاته.
==============(46/261)
(46/262)
الدين والتدين عشر معالم
الحمدُ للهِ ((شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ)) ( الشورى : 13) .
وأشهد أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له، له الدينُ واصباً ( أي الطاعة دائماً) وأشهد أن محمداً عبدُه ورسولُه بعثه الله بالإسلام ديناً خاتماً وحقاً ، ((وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ)) (آل عمران:85) .
اللهم صل وسلم عليه وعلى سائر النبيين والمرسلين ، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ )) (التوبة:119) (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)) (آل عمران:102)
أيها الناس : الدينُ والتدينُ فِطرةٌ ربانية وحاجة ملحة، ومطلبٌ ينتهي بالمرء إلى السعادة أو الشقوة [1]
ومن أبصر واقع الشعوب اليومَ وغداً ، وبالأمس ِ وفي غابر الزمن رأى أنه ما من مجتمع أو أمةٍ إلا ولها دينٌ ومعتقدٌ ، ولكن هذه الدينَ قد يكون حقاً فيفلحُ معتنقوه في الدنيا ويسعدون في الآخرة ، وقد يكون الدين باطلاً فيورث أتباعه الشقاء سفي الدنيا والعذابَ والخزيَ في الآخرة .
إن المتأملَ في حديثِ القرآن عن الدين يجد إشارةً لهذا وذاك ويجد توجيهاً ربانياً بالتزام الدين الحق ، وتأكيداً على الإسلام على انه الدينُ الذي أراده اللهُ ونسخ به الأديان كلهّا تأملوا في عددٍ من آيات القرآن في وصف الدين الذي يريد الله ، فاللهُ يقول : (( أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ)) [ الزمر / 3]
ويقول : (( فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ)) [ الروم : 43]
ويقول : (( وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ)) [ تونس 105]
ويقول : (( إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ )) [ آل عمران : 19]
ويقول : (( وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلّهِ)) [ البقرة / 193]
وفي الجانب الآخر ،وعن الأديان الباطلة يقول تعالى : ((أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ)) (الشورى : 21) .
((يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقِّ)) (النساء : 171) .
: ((إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ)) (غافر : 26) .
((وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)) (البقرة : 217) .
أيها المسلمون : إننا بإزاءِ هذا الآيات القرآنية، أو سواها من آياتٍ وأحاديثَ نبويةٍ نقف على عِدة ( معالم ) حول الدين والتدين .
المعلم الأول : حاجةُ الإنسان إلى الدين ، فلا اليهودي ولا النصراني ، ولا البوذي ، ولا المجوسي ، ولا الصائبي ، ولا سواهم ممن أضلهم الله يعيشون بلا دين ولكن فضل الله في الهداية والتوفيق يؤتيه من يشاء، وعلى من وفقه اللهُ للدين الحق أن يشكرَ اللهَ على هذه النعمة التي سلبها وأضل عنها أممٌ وشعوبُ كثيرة قال اللهُ عنهم ((وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللّهِ)) (الأنعام :116) .
وقال تعالى : (( وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ)) (يوسف : 103) .
إن الإسلام والإيمانَ منَّةٌ رباني وعلى المسلمين أن يشكروا ربَّهم عليها وأن يعترفوا له بالفضل سبحانه إذ هداهم إليه، (( يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُل لَّا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُم بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ)) (الحجرات) .
((وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللّه)) (الأعراف : 43) .
((اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ)) (الشورى : 12) .
المعلم الثاني : ومن عجب أن ترى أو تسمع عن حماس أصحاب الديانات الباطلة ، والممل المنحرفة ، لأديانهم ومللهم إلى حد الغلو في الدين والرهبانية المبتدعة بل يبلغ الحماسُ إلى التواصي بالصبر على هذه الآلهة وإن كانت فاسدة ؟
أجل من يقرأ ما قصَّه الله في كتابه، من أخبار الأمم الماضية يجد غلواً عن أهل الكتاب، قال الله عنهم : (( قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ)) (المائدة : 77) .
وقال عنها : (( وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاء رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا)) (الحديد : 27) .(46/263)
ويجد حماساً وصبراً عند المشركين على آلهتهم الباطلة (( أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ)) (ص : 6).
(( وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدّاً وَلَا سُوَاعاً وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً * وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيراً وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلَالاً)) (نوح : 23، 24) .
فهل يسوغ أن يتحمس أصحاب الباطل لأديانهم ومعتقداتهم ويتراخي ويضعف أصحاب الدين الحق عن الصدق والحماس لدينهم ؟
المعلم الثالث : بل يجدُ المطالعُ لآيات القرآن الأخبار الأمم السالفة واللاحقة محاولةً من أهلِ الباطل لتشويهِ الدينِ الحق ، ورمي المؤمنين بالباطل واتهامِهم بالفساد ن بل ومحولةِ قَتلِهم والتخلص منهم لقد حفظ القرآنُ مقولةَ فرعونَ الآثمة الكاذبة: (( ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ)) (غافر : 36).
وفي قصة إبراهيم عليه السلام مع قومه (( قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ)) (الأنبياء : 68) .
وقومُ لوطٍ قالوا للوطٍ عليه السلام : ((أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ)) (النمل 56) .
أما (ثمود) فكان جزاءُ صالح عليه السلام حين دعاهم إلى عبودية الله وحده أن تقاسم الرهطُ المفسدون (( لنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ)) . (( وَمَكَرُوا مَكْراً وَمَكَرْنَا مَكْراً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ)) (النمل : 49) .
ولا يزال المفسدون من اليهود والنصارى والمشركون يتربصون بالمسلمين الدوائرَ يقتلون ويُحاصرون ويسخرون ويتهمون ((وَاللَّهُ مِن وَرَائِهِم مُّحِيطٌ)) (البروج:20) .
ولا تزال التهم تكال جزافاً للإسلام والمسلمين بالتطرف والإرهاب ونحوها وعلى المسلمين اليوم أن يصبروا على أذى أعدائهم كما صبر المسلمون من قبلهم ، وأن يدركوا أن الحملة على الإسلام والمسلمين اليوم استمرار لحملات سابقة ، وقد نجح أسلافهم في تجاوزها وهم اليوم يمتحنون لتجاوزها .
المعلم الرابع : وهل تعلمون أن هؤلاء الكفار قديماً وحديثاً الذين يتهمون المسلمين بالتطرف هو المتطرفون ، لقد قال فرعون مرة أخرى لقومه - ((مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي)) (القصص : 38) .
وهذه هي قمةُ التطرف والانحراف وفي المقابل استهجن موسى عليه السلام وازدراه قائلاً : (( أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ)) (الزخرف : 52) .
وقريشٌ الوثنية كانت في وجهها الآخر متطرفة في الدين حين ألزمت نفسها بتشريعات لم يأذن الله ،وخصت نفسها بخصائص وابتدعت (الحمس) وما أدراك ما الحُمس ؟
قال أهل اللغة : الحُمس : قريشٌ لإنهم كانوا يتحمسون في دينهم أي يتشددون ، (معجم مقاييس اللغة 2/104 مادة (حَمس).
وروى ابن سعد في الطبقات : التحمس أشياء أحدثوها في دينهم تحمسوا فهيا ، أي شددوا على أنفسهم فيها (الطبقات 1/72 عن الواقدي ) .
ومن الجاهليات الأولى إلى الجاهليات المعاصرة حيث لا يكتفي أهلُها بالتهم الباطلةِ - بل يمارسون القتل والحصار بكل أشكاله المادية والمعنوية ، وتجتمع وتتحالف قوى الكفر كلها - اليوم - من يهود ونصارى وشيوعية وهندوس ووثنيين على حرب الإسلام وإبادتهم ويمكرون ويمكر الله .
ولم يكن تطرف قريش في الحج وحده .
بل إن تسييب السوائب وهي ما يسبونه من الأنعام لآلهتهم أن يُشفى لهم مريضٌ ، وقضي لهم حاجةٌ وجعلَ (البحيرة) و(الوصيلة) (والحام) معتقدات لم يأذن بها الله تطرفُ قريش أنكره القرآن ((مَا جَعَلَ اللّهُ مِن بَحِيرَةٍ وَلاَ سَآئِبَةٍ وَلاَ وَصِيلَةٍ وَلاَ حَامٍ وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ اللّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُواْ حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا)) (المائدة : 103,102)
ومن تطرف قريشٍ وافترائها على الله ما قصه الله عليهم في سورة الأنعام : ((وَجَعَلُواْ لِلّهِ مِمِّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالأَنْعَامِ نَصِيباً فَقَالُواْ هَذَا لِلّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لِشُرَكَآئِنَا فَمَا كَانَ لِشُرَكَآئِهِمْ فَلاَ يَصِلُ إِلَى اللّهِ وَمَا كَانَ لِلّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَى شُرَكَآئِهِمْ سَاء مَا يَحْكُمُونَ * وَقَالُواْ هَذِهِ أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لاَّ يَطْعَمُهَا إِلاَّ مَن نّشَاء بِزَعْمِهِمْ وَأَنْعَامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُهَا وَأَنْعَامٌ لاَّ يَذْكُرُونَ اسْمَ اللّهِ عَلَيْهَا افْتِرَاء عَلَيْهِ سَيَجْزِيهِم بِمَا كَانُواْ يَفْتَرُونَ)) إلى قوله : (( قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُواْ أَوْلاَدَهُمْ سَفَهاً بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُواْ مَا رَزَقَهُمُ اللّهُ افْتِرَاء عَلَى اللّهِ قَدْ ضَلُّواْ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ)) ( الأنعام : 136، 168 ، 140) .(46/264)
روى البخاري ومسلم رحمهما الله في صحيحيهما عن عائشة رضي الله عنها قالت : ((كانت قريشٌ في الجاهلية ومن دان بدينها يقفون بالمزدلفة عند المشعر الحرام ، وكان سائرُ العربِ يقفون بعرفات )) (خ / رقم 4520، م رقم 1218) .
والمعنى أن قريشاً خصت نفسها وميزتها بالوقوف في الحج في مزدلفة دون سائر العرب التي كانت تفيض من عرفات - يعني من الحل -
وقريش وهي تُمارس هذا التطرف الديني كانت تعلم أن الوقوفَ بعرفة من مشاعر الحج التي مضى عليها إبراهيم عليه السلام - ولكن قريشاً تريد أن تميز نفسَها عن الآخرين - ولم تكن هذه هي وحدها أفكار قريش في التطرف والتشريع بما لم يأذن به الله ، فقد كان من آرائهم البدعية الحمسية إنهم حرموا على أنفسهم في حال إحرامهم : ألا يأتطقون ألاقط - أي لا يصنعون وهم محرمون، ولا يأكلون اللحم أو شيئاً من نبات الحرم وهم محرومون في جملة من المحرمات ابتدعوها وألزموا بها أنفسهم ومن وافقهم ما أنزل الله بها من سلطان وكانوا لا يطوفون بالبيت إلا وعليهم ثيابهم ، وألزموا غيرهم من أهل الحل ألا يطوفوا بالبيت إذا قدموا - أول طوافهم إلا في ثياب الحُمس، ومن لا يجدها شراءً أو إعارةً فعليه أن يطوف بالبيت عُريان
واستمرت هذه العوائدُ الجاهليةُ المتطرفة حتى أعلن رسولُ ا صلى الله عليه وسلم : ألا يحج العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عُريان ، وأبطل اللهُ عوائد قريش وما ابتدعته في الحج حين نزول القرآن (( فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُواْ اللّهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِن كُنتُم مِّن قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّآلِّينَ * ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)) (البقرة : 198/ 199).
الخطبة الثانية
الحمد لله ربِّ العالمين شرع لنا أكمل الدين ، وخصنا ببعثة خاتم المرسلين ، وأشهد أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له لا يُعبد إلا بما شرع وأشهد أن محمداً عبدُه ورسوله قال وهو الصادق المصدوق (( من عمل عملاً ليس عليه أمرُنا فهو ردٌّ )) صلى الله عليه وعلى سائر الأنبياء والمُرسلين .
إخوة الإيمان
المعلم الخامس : وإذا تفاخرت الأممُ بأديانها وتشبثت الشعوبُ بمعبوداتها - من دون الله - فحقٌّ للأمة الإسلامية أن تفخر بدينها الحق، وأن تتمسك بعبادتها الصحيحة وتثبت على هدي السماء ، شعارُها (( قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ* قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ* لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ* قُلْ أَغَيْرَ اللّهِ أَبْغِي رَبّاً وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُم مَّرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ)) (الأنعام : 161، 164)
ودليلُها قوله تعالى : (( وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَذَكِّرْ بِهِ أَن تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ اللّهِ وَلِيٌّ وَلاَ شَفِيعٌ وَإِن تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لاَّ يُؤْخَذْ مِنْهَا أُوْلَئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُواْ بِمَا كَسَبُواْ لَهُمْ شَرَابٌ مِّنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ)) (الأنعام : 70) .
العلم السادس : ولا ينبغي للأمة ِ المسلمة وللفرد المسلم أن تصدَّه عن اتباع الدين الحق والدعوة إلهيه ما يجده من هجمات الأعداءِ ومكرِهم فتلك هجماتٌ وفتنٌ قديمةٌ تجدد ، ووعدُ الله حق (( وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ )) (البقرة : 217)
((وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ)) (البقرة :120) .
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم .
المعلم السابع : وثمة مصطلحاتٌ خادعةٌ وأفكارٌ مرفوضة تُطلق بين الفينة والأخرى باسم (وحدة الأديان) أو (التقريب بين الأديان) أو نحوها من مصطلحات وآراء تُلبس الحق بالباطل، وتنأى عن منهج القرآن في محاورة أهل الكتاب على أساس قوله تعالى : (( قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ)) (آل عمرن : 64).(46/265)
هذا حكمُ القرآن ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون ، أما الواقع التاريخي فقد اتسم تاريخُ العلاقات بين المسلمين وأهل الكتاب بالعداء والجهاد المستمر، وكان فتحاً مبيناً في القرون الفاضلة الأولى، وكان النصرُ والتمكينُ متناسباً تناسباً طردياً مع التزام المسلمين بدينهم وأخذهم بأسباب القوة المعنوية والمادية، عبر مراحلَ تاريخية متمايزة ، دون أن تشهد على الإطلاق أي لون من (الوفاق الديني) أو (التقارب العقدي ) بل شعارهم ((لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ)) ودليلهم ((وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ)) وستظل هذه السمةُ باقيةً وملازمةً للطائفة المنصورة حتى قيام الساعة ، لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم كما قال رسول الهدى r ( د/ أحمد القاضي ، دعوة التقريب بين الأديان 4/1630بتصرف يسير) .
المعلم الثامن : أن هذه الأفكار المرفوضةَ في الدعوة (لتوحيد الأديان) أو (تقاربها) لا تُلغي أهميةَ الحوار بين المسلمين وإتباع الأديان الأخرى من قبل علماء متخصصين راسخين في العلم والدين، ويجيدون لغة الحوار مع الآخرين مع الشعور بعزة الإسلام، وذلك لدعوة الآخرين للحق، والبلاغ المبين، وتوضيح الإسلام بصورته الساطعة، وكشف الباطل، والوصول بالإسلام، إلى شعوب طالما حجبت عن نوره الوضاء، وذلك باستخدام وسائل الإعلام بمختلف قنواتها، والتقنيات الحديثة ووسائلها المختلفة ، فتلك من واجبات المسلمين في الدعوة والبلاغ .
المعلم التاسع : ويبقى بعد ذلك التدينُ بالإسلام الحق أمنٌ من الفتن بإذن الله ، وطريقٌ للسعادة في الدنيا والنعيم المقيم في الآخرة .. إنه أعني التدينًَ المشروع طريقُ الجنة : ((إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً * خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلاً)) (الكهف: 108,107) .
وهو السبيلُ لمحبة الناس ِوتقديرهم : (( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً)) (طه: 96) .
وبه يحصل لهم الأمن في الأوطان : (( الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ)) (الأنعام 82) .
ويتوفر رغد العيش ((وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ )) (الأعراف :96) .
بل إن بين الإنسان كلهم خاسرون إذا لم يتدينوا ويعملوا وفق ما شرع الله ((والعصر إن الإنسان لفي خسر)) .
يطمأن الناسُ لأهل الدين ، ويتصون بالمتديين، ويغبطون الملتزمين فما ذا يمنعك يا أخا الإسلام أن تكون في طليعة المتديين الصادقين ؟
المعلم العاشر : ولا يسوغ بحال أن يتدين اليهوديُ وهو يستمد ديانته من (تورات عزرا) و ( تلمود الحاخامات) ، ويتدين النصراني وهو يستند في ديانته إلى (الأناجيل المحرفة) و( ورسائل بولس) وهي خليط من التثليث وتأليه المسيح وسائر البدع العقدية - ومتدين الشيوعي وعقيدته تقوم على الإلحاد وإنكار خالق الوجود ، ويتدين الهنادلة وهم يعبدون البقر، ويتدين غيرُهم وهم يعبدون الشياطين أو يعبدون الفروج أو نحوها من طلالات ما كان للعقل البشري أن ينحط إليها في عصر العلم والمعرفة لا يسوغ بحال أن تروج هذه الديانات الباطلة ويتوارى المسلمُ بديانته الحقة، أو يضعف في الالتزام بدينه ، أو يعقد عن الدعوة وإنقاذ الحرقى والغرقى والجذامى ومن بهم صَرَعٌ أو حنون _ لقد أظلم الكونُ بمعبودات ضالة ، فهل ينقذ المسلمون أنفسهم أولاً من الضعف والوهن - ثم ينتقلون لإنقاذ الآخرين .
[1] وفي التنزيل: ((فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ)) (الروم : 30) .
وفي الصحيحين واللفظ للبخاري : قا صلى الله عليه وسلم : ((كل مولود يولد على الفطرة ، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه )) .
وأشهر الأقوال أن المراد بالفطرة الإسلام (الفتح 3/248) وإن وردت أقوال أخرى (تفسير القرطبي) (14/ 28) .
================(46/266)
(46/267)
مرض الجذام والخيط الرفيع بينه وبين الأديان ..
.وعلاقته بالذنوب والمعاصي .. بحث خطير
لا أعرف بحثا علميا سبقني في الحديث بخصوص الأمر ... وعلى الرغم من اطلاعي على أكثر من خمسين بحثا علميا بخصوص مرض الجذام وعلى الرغم من مشاهدتي لمئات الحالات إلا أنني ساعتمد في هذا البحث على الكلمات المتداولة بين كبار الأطباء بخصوص مرض الجذام وعلاقته بالمداومة على أنواع معينة من الذنوب والمعاصي في أغلب المصابين .......
كنت قد نويت أن أجعل الفقرة السابقة كمقدمة لهذا المقال قبل أن أطلع على أبحاث علمية خطيرة بدأت الآن تتداول في الأكاديميات العلمية بخصوص مرض الجذام وعلاقته بمعاقرة انواع معينة من الذنوب والمعاصي وما كنت أتوقع للحظة ان يصل الأمر إلى حد الطرح العلمي والإعتراف بأنه يوجد فعلا علاقة بين مرض الجذام والصفات الأخلاقية للمصابين به ....!!!!!!!!!!!
بداية أحب أن أوضح أن السبب الظاهري المادي المعروف لمرض الجذام في أكبر المراجع العلمية للأمراض الجلدية مثل أنروز وموشيلا و الداروتي وغيرهم أن المرض يحدث نتيجة للأصابة بنوع من الطفيل يسمى mycobacte r ium lep r ae ولا يُذكر من قريب أو بعيد علاقة المرض بالصفات الأخلاقية للمصابين به .......
والمرض يُسبب مضاعفات مرعبه مثل تساقط الأصابع والأطراف وتشوه الوجه وفقد الإحساس في الجلد وتشوه العظام فتشويهاته عجيبة ومرعبة....!!!!!!
وعندما نُلقي نظرة سريعة على المرض وعلاقته بالأديان نجد أن هناك إلماحه إلى علاقة المرض بالإبتلاء الإلهي وتجنب صاحب هذا المرض ... وفي البرديات القديمة نجد المرأة تقول لذلك الرجل الموجود في مكان منفي قاحل وقد شوه المرض جسمه ووجه تقول له ( مجِّد الله .. ومُت ) P r AISE GOD AND DIE ....
فهناك إلماحة عجيبة في الأديان إلى أن هناك علاقة بين المرض والإبتلاء الإلهي وتجنب صاحب هذا المرض وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم .( وفر من المجذوم فرارك من الأسد ) .!!!!
ومن الأمور المتداولة بين كبار الأطباء المتخصصين في مكافحة المرض أن هذا المرض له علاقة غريبة بمعاقرة انواع معينة من الذنوب والمعاصي للأشخاص المصابين به بل والأمر في بدايته لا يعدو أن يكون طفح جلدي بسيط ولكن سبحان الله العظيم يستفحل هذا الطفح الجلدي إلى تشوهات مرعبة في هؤلاء الأشخاص بعينهم بينما يَشفى منه غيرهم بسهولة جدا وكانه طفح عادي ....!!!!!! بل وأعجب من ذلك أن هؤلاء الذين يستشري فيهم هذا المرض لهم رائحة مميزة تنبيك بالخبر .... هذا كلام الأطباء المسئولين نسال الله أن يقينا شر الذنوب والمعاصي
ولكن ما أدهشني وجعلني أبادر بكتابة هذا المقال أني وجدت أحدث الأبحاث العلمية بخصوص المرض تعترف بهذا الأمر وتُسجله وتفتتح به تعريفها للمرض وتقول بالحرف الواحد ..( إن هناك علاقة غريبة بين مرض الجذام والصفات الخُلقية والدينية للمُصابين به ) .....
وما أكثر ما تجد الآن الجملة التالية في الأبحاث العلمية بخصوص المرض ....
Th r oughout the long histo r y of the human expe r ience with lep r osy, the r e have been deep r eligious and mo r al associations with the disease and its suffe r e r s.
والفقرة السابقة تجدها الآن كثيرا جدا في مقدمة الأبحاث العلمية بخصوص المرض ومعناها أنه بالخبرة الطويلة تبين وجود علاقة قوية بين مرض الجذام والصفات الأخلاقية والدينية للمصابين به ...!!!!!
بل وعندنا في مصر فإن حالات الهياج الشديدة والثورات المتكررة التي يقوم بها المرضى في مستعمرات الجذام تُعطي إنطباعا مخيفا عن هؤلاء الأشخاص ....
وإذا كانت هذه عقوبة جسدية لمن يعاقر بجسده الملذات والفواحش في الدنيا فما بالنا بعقوبة من يعاقر الكفر يوم القيامة نسأل الله السلامة والعافية .....!!!
فلن ينال الأمن إلا المؤمنون بالله ممن لم يلبسوا إيمانهم بظلم {الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ} (82) سورة الأنعام(46/268)
وأشد ما كان يحيرني في هذا البحث هو وضع عنوان مناسب له .... فهذا البحث فيه رد على الملاحدة ممن يستهزيء بعلاقة الإبتلاء والكوارث بمعاصي الأمم والأفراد .....!!!!! وايضا فيه رد ألمعي على من يقول بشبهة إله الفراغات وأن أصحاب الدين كانوا ينسبون بعض الأشياء إلى الله عندما لم يكونوا عارفين بسببها فها نحن عرفنا سبب مرض الجذام ومع ذلك هذا لم ينفي ما يقوله أصحاب الأديان لأننا اكتشفنا أن السبب لا يتم إلا بوجود مسبب يقوم بتوجيه السبب إلى من يستحقه ..... وفوق هذا وذاك فالبحث يقضي على الإلحاد ذاته ويجعله خرافة ... فإن الله أودع في فِطرنا أن العدم لا يخلق شيئا ..... وأن السبب لابد له من مسبب ... لكن ما كان يهمني حقا هو طرح ما سجلته الأبحاث العلمية الحديثة بخصوص هذا المرض الذي ألمحت الأديان أنه إبتلاء إلهي وجاءت الأبحاث العلمية تقر بذلك وتعترف شأنها في ذلك شأن الكثير من الأبحاث التي سبقتها والتي كأنها كُتبت لتُقام بها الحجة على كل ملحد يدعي أنه يُقر بالبحث العلمي ... وتحضرني الآن تلك الشبهة القديمة التي كان يلوكها الملاحدة في مسألة أن هناك أعضاء بالجسم ليست لها فائدة وذكروا منها الخطوط في كف اليد وسبحان الله على الرغم من بساطة الشبهة إلا أننا نجد أحدث وأكبر مراجع الأمراض الجنسية sexually t r ansmitted diseases تبدأ الآن أولى صفحاتها بمجموعة ضخمة من بصمات الأصابع حيث العلاقة العجيبة بينها وبين مرض العقم .... بينها أيضا وبين الأمراض الجينية ....
والكثير والكثير من عجائب شبهات القوم التي تُحس الآن أن العلم الحديث نفسه يقوم بغربلتها شبهة تلو الأخرى
{إِنَّ اللّهَ لاَ يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ} (81) سورة يونس.... نسأل الله سبحانه أن يهديهم ويُصلح قلوبهم ..
==============(46/269)
(46/270)
حوار مفتوح(اسباب التحول من ديني الى اللاديني )
اخوتي الكرام
بعد مااطلعت على حوارات اللادينين معا او مع مخالفيهم ,وبعد اطلاعي على نوعية مواضيعهم المطروحة توصلت لعدة اسباب اودت بهم في هذه الهوة من الانحراف العقائدي والفكري , وهنا ساورد بعضا من هذه الاسباب لمناقشة مدى صحتها من عدمه وتصحيح مايكون خطا فيها ( فهي رؤية شخصية) واسال الجميع اضافه مايرونه من اسباب اخرى .
1) السبب الاول والرئيسي في راي هو ركاكة البيئة عقائديا , ولااعني نوع واحد من الركاكة وهو البعد عن الالتزام الديني فقط ولكن هناك سبب رئيسي آخر لهشاشة العقيدة ضمن بيئة معينة الا وهو قلة العلم والثقافة الدينية لدى ولي الامر سواء كان ابا او اما او معلما .... الخ في هذه البيئة بحيث يصبح عاجزا عن اجابة اسئلة لدى النشئ او من هم تحت ولايته ويعزيها لامور غيبية (لعدم اطلاعه ) فيترك السائل حائرا غير مقتنعا بما سمع مما يولد لديه الشك وقلة الثقة في الدين ضمن بيئته لذلك كان طلب العلم الشرعي فريضة اساسية فعلا على كل ولي ليصبح مؤهلا لاخراج وتنشئة من هم تحت ولايته تنشئة عقائدية سليمة ليس فيها شك او ركاكة ( وفي الدين اجابات واضحة صريحة مفصلة لكل ولاي سؤال ) لذلك من المهم تاسيس الولي شرعيا قبل توليه اي امر على اي فرد حتى لايبدو بمظهر الجاهل او المتبع الاعمى بدون فهم .
2) السبب الثاني هو الصحبة الضالة الذين قد يكونون نتاج لهذه البيئات المذكورة ولم يجدوا من يرشدهم ولم يكلفوا انفسهم عناء السؤال او الاطلاع والفهم الصحيح فتجدهم يؤثرون سلبيا على المرتبطين بهم بعلاقه الصداقه او الزمالة او الصحبة وهذا امر مهم يغفل عنه الاهل (مثلا ) كثيرا ويعتمدون على الوراثة الدينية والعقائدية بدون معاهدتها وبدون اي تدقيق او ملاحظة او حوار ( وهذا ايضا اصبح فرض في زمننا المر هذا ) مع الابناء والتعرف على نوعية اصدقائهم وبيئاتهم ليصبح لديهم سرطان يعيش بينهم متخفي عن الجميع (فالملحد دائما جبان ) حتى عن اقرب الناس اليه في محيطه .
3) السبب الثالث تعاظم الذات في عين صاحبها بمعنى الغرور المرضي والاحساس العالي بعظمة النفس والذات بحيث يصبح الانسان غير متقبل لفكرة وجود الاكبر منه او المصرف لشؤونه او المغير لاموره بدون قراره الشخصي (كمريض بداء العظمة) فيظن انه يعلم كل شيئ ويستطيع فعل كل شيئ وغير محتاج لاي شيئ او اي احد ويعتقد انه على صواب في كل امر فيحدث هنا انحراف الفطرة ليصل الى الالحاد والامثلة في التاريخين القديم والحديث كثيرة عن مااوصله الغرور لاصحابه .
4) السبب الرابع العلم الجاهل , عبارة متناقضة قليلا لكنها ادق تعبير عن مايتلقاه الملحد وكيفية استقباله للعلوم والاكتشافات وياولها حسب تفسيره وفهمه ونظرته المحدودة للامور ( ككائن حي له قدرات محددة ) فيشطح بخياله ويتعاظم الوهم لديه ولايلجا الى المصادر الاساسية لكل جزئية علمية في اصول العقيدة ( فوالله سيجدها حتما وسابقه لعصره ) بل يذهب ليبحث ويتخبط بين علماء مختلفين بآراء مختلفه وتفسيرات متباينة كلها علمية بحتة محددة بكيفية وطريقه تفكير كل عالم لاتستند لمذهب او لها اصل ( الا من رحم ربي من العلماء مثل موريس بوكاي ) فيصوغون نظريات ومفاهيم يشربها الملحد او من لديه الاستعداد للالحاد ويصبح بها مجادلا عقيما كالشارب من ماء البحر مايفتا يزداد عطشا .
5) السبب الخامس الرغبة في ارضاء الشهوات وامراض الجوع النفسي بالتحرر من كل ماهو ديني او عقائدي بنظره يكبل نفسه الجوعى عن المحرمات ويوجهها لمصابها الطبيعية المحللة ولايجعلها مبعثرة ممزقه تجعل الانسان بلا كرامة ولا قيمة ,فيكون الالحاد هو طريقه لذلك فيفتح لنفسه كل باب يسد به نهمها وجوعها المرضي الذي لا ولن يشبع ابدا حتى يرديه .
6) السبب السادس كمية الفراغ الداخلي للملحد والفراغ هنا بمعنى قلة المبادئ وخطا الحكم على الامور وتفاهة وسطحية التفكير والحديث وهذا كله ملاحظ منهم بدون استثناء , لذلك دائما مجادلون عقيمون عقما ياتي من داخلهم يستفزه هذا الخواء والفراغ الغير محدود ( كفقاعه صابون لاتلبث ان تنفجر ) ليصل بهم الى مرحلة اللافهم وعدم الرغبة في الاستيعاب , نسال الله العفو والعافية .
اخوتي ,, هذا مارايته وتكون لدي الآن ,ارجو ان اقرا بعض ماتكون لديكم ايضا كمحتكين بهؤلاء واكيد مستوعبين لنوعياتهم من خلال اسطرهم ومايكتبون .
السلام عليكم و رحمة الله
نقطة أحببت أن أضيفها هي الخرافات الموجودة فى الأديان قد تسبب الكفر بالدين
فبعض الناس تلقى عليهم شبه أو يطلعون بأنفسهم على بعض الكتب التي تحتوي على قصص و روايات تكتنفها الغرابة و يؤمن بها الكثير من الدينيين و لكن لا تقبلها عقولهم و هم لا يعلمون أن الكثير منها لم يصح و لكن للأسف الكتاب و العلماء القدماء كتبوها و نشروها فى كتبهم إما لأنهم يؤمنون بها أو لتنبيه الناس و التحذير منها .(46/271)
و البعض من الكتاب و العلماء و غيرهم كانوا يكتبون كل ما يسمعونه و كل ما يعرفونه فاختلط الحابل بالنابل و كان على المتأخرين أن يغربلوا هذه الكتب و ينقوها من الخرافات و الغرائب حتى لا يفتن بها العوام .
و آخر دعوانا أن الحمدلله رب العالمين .
إضافةً إلى ما أشار إليه الزملاء، أريد أن أُضيف منهجية البحث التي تنقصنا كثيراً في مجتمعاتنا الإسلامية.
فكثير من المسلمين لا يُكلَّفون أنفسهم عناء البحث عن صحّة حديث سمعه، أو البحث في تفسير لآية تم الجدال حولها، أو قراءة ما قاله المفكرون المسلمون حول القضايا التي يطرحها أكثر الملاحدة.
أيضاً هناك بعض الناس الذي يتبرَّؤون من ماضيهم الديني المتشدّد بالإلحاد، أي بالانتقال من الشيء إلى نقيضه، وهذا ما يندرج تحت ما يُسميه علماء الاجتماع بـ "الصدمة الثقافية"...
شكرا لكل من شارك في الحوار
اردت ان اضيف سبب آخر لما ذكرت ايضا وهو حب المال , وهذا لمسته من طريقه حديثهم عنه ومن طريقه وصفهم لافضل انواع الحياة ومن تواقيعهم ايضا فكلهم نوعيات تبيع اي غالي امام الاغراء المادي اذن هم ليسوا ماديين بمعنى ايمانهم بالتصديق بمادية الشيئ فقط ولكن بمادية المال وجعله معبودهم استغفر الله العظيم '
يحضرني بيت من الشعر صاغه والدي اسال الله له العافية والهدى دوما :
غضب الله على هذي الدنا ,,,, جل مافيها ومن فيها قزم
عبدوا الدينار سعيا للغنى ,,,, وسعوا زلفى الى هذا الصنم
النقطه الاولى يا اخت الاسلام - اصبحت كثير من العبادات كما لو انها فلكلور شعبي متعارف (خاضعه للمزاج)و ليست كمبادئ نحرص عليها و زد على ذلك هناك الكثير من يجعل من سلوك المسلمين حجه على الاسلام . المطلوب اعادة ادخال كثير من المسلمين بالوراثه في الاسلام بتهيئة اسباب قيام النشأ الصالح. القلوب ضعيفه و الشبهات خطافه
بارك الله فيك اختي الفاضلة مسلمة ..
من الاسباب التي تقود المرء الى الالحاد واللادينية - فضلا عن الاسباب التي ذكرتيها - الجهل بالاسلام، فحتى الآن لم اجد بين اللاديينين شخصا يملك فهما واسعا وصحيحا للاسلام، وكل من ينقد الاسلام ينقده عن جهل به، وهذا ما تكشف به كتاباتهم ..
ونفس الأمر ينطبق على طابورهم الخامس منكري السنة من جماعة شحرور ومنصور والبنا ..
والحمد لله،،
==============(46/272)
(46/273)
الدين أفيون الشعوب"..النواقض العشر
لاديني ترعرع وسط مجتمع متدين، لكنه لا يؤمن بالديانات بصفة عامة، وليس لديه أي توجه ديني بحيث يشك في كل شيء.
بحث في جميع الديانات السماوية، وغير السماوية، وتبين له أن كل ذلك مجرد أيديولوجيا لتمرير خطاب معين، أو توجيه شعب نحو فكرة معينة تخدم الطبقة الحاكمة، يؤيد فكرة ماركس" الدين أفيون الشعوب".
وعن مصير الإنسان بعد الموت الذي اختلفت فيه جميع الطوائف/ تناسخ أرواح- جنة و نار- حساب و عقاب-تحمل خطايا الناس.
يقول الدكتور عزت عطية أستاذ الحديث بكلية أصول الدين- جامعة الأزهر:
نبدأ من الآخر بدلاً من الأول، وهو مصير الإنسان بعد الموت، فالتناسخ يعني أن الروح الواحدة تحل في أجساد متعددة، وأن كل مرحلة فيها تكون تابعة للمرحلة التي قبلها، خيراً أو شراً، وعلى ذلك فلا نهاية للعالم، ولا خلاص من التكليف، سواء في الجسد الأول أو الثاني أو العاشر أو المليون، وهو شقاء أبدي يكتب على المخلوق، تبعا لهذه النظرية، لا مخلص منه، ورحمة الله تأبى ذلك.
وأما تحمل خطايا البشر فلا يناسب التكليف والعدل الإلهي، ولا يظهر فيه الفضل الإلهي على الناس، لأنه يجرد الإنسان من شخصيته أو مسئوليته، وينتهي بالجميع إلى الغفران، بصرف النظر عما يفعله كل واحد.
ولو كان الأمر كذلك عند معتقديه لما وُجِدَ قانون للجنايات، ولا عقاب على إساءة، ولا نظام للحياة تتميز فيه الناس بجهودهم ونفعهم أو ضرهم للآخرين أما ما تقوم عليه الأديان السماوية وما جاء في الرسالات الإلهية فهو المناسب لأحوال الناس حيث تكون الدنيا فترة اختبار وتمييز ثم يكون الجزاء في الآخرة.
فإذا أضفنا إلى ذلك الأدلة الدامغة على النبوة، من الإعجاز، ومن أحوال الأنبياء، ومن التعاليم التي وردت عنهم، ومن التفرقة الضرورية بين أهل الصلاح وأهل الفساد، وبين الدين كما جاء من عند الله، والدين كما صورته الشياطين من الأنس والجن، إذا أضفنا ذلك ظهر لنا أثر الدين في الحياة الشخصية الظاهرة و الباطنة، الفكرية والسلوكية والشعورية، كما ظهر لنا أثر الدين في الأخلاق العامة، وفي الإنتاج، وفي التوازن الاجتماعي.
وكل ذلك ينافي كون الدين أفيون الشعوب، فالأفيون يدمر ولا يبني، يدمر العقل والإحساس، ولا ينمي الشعور، فالدين حياة وإحياء، والأفيون دمار وهلاك، وقد استبدل ماركس الدين الإلهي بالتدين الشيطاني، وانتهى الأمر بأفكاره إلى الجحيم، وانصرف عنه المؤيدون والمشجعون.
واقرأ معي قوله تعالى، في الدستور السماوي الخالد :( قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ قُلِ اللهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُم مِّن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ لاَ يَمْلِكُونَ لأَنْفُسِهِمْ نَفْعًا وَلاَ ضَرًّا قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُوا للهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ* أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَّابِيًا وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِّثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الأمْثَالَ).
ويقول الدكتور شوقي أبو خليل، دكتوراه في التاريخ الإسلامي ، والمحاضر بكلية الشريعة جامعة دمشق ، في مقال له منشور بأحد المواقع الإلكترونية، تحت عنوان (حول مقولة الدين أفيون الشعوب) :
قال صاحبي : الدين أفيون الشعوب!! . قلت مجيباً : اللهم نعم.. وألف نعم. فدهش الرجل واحتار. لقد توقع مني غير هذا الكلام، فقال : أنت موافق على أن الدين أفيون الشعوب؟!، قلت له : نعم.. أنا موافق على هذا القول، أو على هذه النظرية التي ظهرت في النصف الثاني من القرن التاسع عشر.
قال : وكيف ذلك؟ . قلت: لأنها قيلت بحق أوربة عندما عطلت الكنيسة فيها العقل وجمدته، وشكلت طبقة من الإكليروس متميزة، ظهر منها، ما لا يليق بها.. وخاضت صراعاً عنيفاً بين العلم والدين، وقالت للإنسان: ((أطع وأنت أعمى)).. لذلك جابهت العلماء، وحرقت بعضهم- وعلى سبيل المثال ـ جعلت القول بكروية الأرض ودورانها جريمة. فهذه الأحوال المعطلة للعقل، والصادة عن العلم، والواقفة عقبة كأداء في سبيل تقدمه، يحق فيها ما قيل عنها.
أما الدين الذي جعل من تعاليمه تقديس العقل وتكريم العلم والعلماء في أي اختصاص.. فلا ينطبق عليه القول.. إن الدين الذي من تعاليمه: (قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين) [البقرة: 111]، لا ينطبق عليه القول المذكور. والدين الذي جعل من مبادئه: (يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات) [المجادلة: 11] . لا ينطبق عليه القول المذكور. إن الدراسة ـ التي عُممت ـ تمت على واقع أوربة في القرنين الماضيين.. فالقول الصحيح: ((الدين ـ في أوربة ـ أفيون الشعوب)).(46/274)
قلتُ: يا صاحبي، سأضع بين يديك شواهد وأدلة من إسلامنا، كل واحد منها كاف لرد التعميم القائل: ((الدين أفيون الشعوب)) زمنها :
1 ـ يقول الله عز وجل في محكم التنزيل: (لا خير في كثير من نجواهم إلا مَن أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ومَن يفعل ذلك ابتغاء مرضاة الله فسوف نؤتيه أجراً عظيماً) [النساء: 113]. دين يجعل المجالس التي ليس فيها إصلاح للمجتمع لا خير فيها، دين ليس أفيوناً، إنه دين المجتمع الفاضل المتكافل المتحاب..
2 ـ دين يجعل من مبادئه: (وأن ليس للإنسان إلا ما سعى) [النجم: 39]، دين ينبذ الكسل والتواكل، ويحب السعي والعمل.. استعاذ نبيه، r، من الجبن والبخل والعجز والكسل.. دين يجعل السعي مبدأ، والعمل أساساً.. دين ليس أفيوناً.
3 ـ دين يجعل من تعاليمه: (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون) [التوبة: 106]، دين يقدس العمل ويأمر به، دين الحركة الدائبة في طلب الرزق الحلال.. ليس أفيوناً.
4 ـ دين ورد في دستوره: (وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطباً جنياً، فكلي واشربي وقري عيناً) [مريم: 24، 25]، فدين يعلم أتباعه، ألا تواكل، وأنتم في أضعف حالة من القوة والنشاط، لن يصلكم رزقكم إلا بالعمل، قدموا طاقتكم، وابذلوا ما في وسعكم.. دين حياة، وليس أفيوناً.. فالخطاب في الآية الكريمة لمريم، وهي في ساعة الولادة.. ومع ذلك لم يرسل الله لها رزقها دون حركة وعمل.. بل قال لها: (هزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطباً جنياً...) وهذا تعليم للمؤمنين.. ألا رزق بدون سعي فلا رطب بدون هز جذع النخلة.. فدين هذه تعاليمه، هل هو أفيون؟ لا أحسب عاقلاً يقول هذا.
5 ـ قال نبي الإنسانية، r، : ((لأن يأخذ أحدكم أحبُله (جمع حبل) ثم يأتي الجبل فيأتي بحزمة من حطب على ظهره فيبيعها فيكُفّ الله بها وجهه، خير له من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه)). وقال عليه الصلاة والسلام: ((ما أكل أحد طعاماً قط خيراً من أن يأكل من عمل يديه، وإن نبي الله داود كان يأكل من عمل يده)). وقا صلى الله عليه وسلم : ((مَن بات كالاً من عمل يده، بات مغفوراً له)).. ولما رأى عليه الصلاة والسلام صحابياً يده خشنة قال له: ((ما هذا الذي أرى بيدك؟))، فقال الصحابي: من أثر المر والمسحاة، أضربُ وأعمل وأنفق على عيالي.. فسُرَ النبيُ الكريم، وقدر اليد العاملة وقال: ((هذه يدُ لا تمسها النار)). فهل دين فيه هذا التقدير من نبيه للعمل والعمال، دين تخدير وأفيون؟ أيقول عاقل هذا؟؟!! علماً أن من صريح تعاليمه: ((إن الله يكره العبد البطال)) و ((إن الله يحب المؤمن المحترف)).
6 ـ ورد في الحديث الشريف، ((المؤمن كيس فَطن حذر)) ومعنى المؤمن الكيس: المؤمن العاقل المدرك.. أما المؤمن الفطن: فالمؤمن الذكي النبيه ((ليس بالخب والخب لا يخدعه)).. منتهى اليقظة والتنبه.. فأين التخدير والأفيون؟ الإسلام عقل مدرك، وفطنة وذكاء..
7 ـ كان عمر (رضي الله عنه) يرى الرجل فيسأله عن مهنته، فإذا قال لا مهنة لي، سقط من عينه. وكان يقول: ((لا يقعد أحدكم عن طلب الرزق، ويقول: أللهم ارزقني، فإن السماء لا تمطر ذهباً ولا فضة)). ونظر مرة إلى رجل مظهر للنسك متماوت، فخفقه بالدرة، وقال: لا تُمت علينا ديننا، أماتك الله)). وقال عمر على المنبر: ((مَن أحيا أرضاً ميتة فهي له)).. وكان يشجع الناس على استقطاع الأرض الفلاة، بغية إعمارها.. فأين التخدير والأفيون.. والإسلام عمل وعزة و إعمار..
8 ـ قا صلى الله عليه وسلم : ((أللهم بارك لأمتي في بكورها)) فالإسلام نبذ للكسل، وهمة عالية في استقبال نهار جديد، خاصة أن عشرات الآيات الكريمة تحض على استعمال العقل والتفكير واليقظة..
9 ـ مَن يقول: (الدين أفيون الشعوب) بحجة عقيدة القدر، نقول له : الإيمان بالقدر.. إتيان بالأسباب على أكمل الوجوه.. ثم توكل على مسبب الأسباب، وإن حدث ما يُسيء المرء وينغص معيشته، فالقدر يُبيد الحادثة المزعجة، ويحفز همته من جديد لاستقبال أيامه المقبلة بيقين الواثق بالفوز، وبأمل جديد يدفعه للمحاولة من جديد.. فليست عقيدة القدر معطلة للهمة، باعثة للكسل والتواكل.. لقد كانت عقيدة القدر قوة دافعة إلى الأمام، للجهاد، للفتوح، للاستشهاد..
10 ـ وأخيراً.. نختم بقولنا : لقد كانت هذه الأمة في أفيون، في مخدر.. عندما كان بأسها بينها شديد، وعدوها يتربع فوق أرضها في العراق والشام واليمن، مخدرة عن عدوها بثاراتها وغزوها.. سكرانة في تفاخر أجوف، وعظمة مفتعلة.. فجاءها الموقظ، جاءها المنشط، جاءها الحافز، جاءها المنبه.. لقد لامست كلمة (الله أكبر) أسماع العرب فأيقظتهم.. لو كان الإسلام أفيوناً لما وصل به المسلمون إلى الصين والهند وأندونيسية، ولا إلى قلب روسية وكل سيبيرية، ولا إلى ثلثي القارة الإفريقية.. رحم الله العقاد، عندما اطلع على فكر وفلسفة هؤلاء، ثم كتب كتابه (المذاهب الهدامة أفيون الشعوب)!!؟!
من كتاب الاسلام فى مواجهة الايديولجيات المعاصرة للدكتور عبد العظيم المطعنى ص 391(46/275)
يقول ماركس عن الدين (انه نفثة المخلوق المضطهد ، وشعوره بالدنيا التى لا قلب لها ، انه افيون الشعوب)
ويقول (انه الافيون الذى يخدر الشعب لتسهل سرقته)
ويقول (ان الدين كان وسيلة الاخضاع الروحى كما كانت الدولة وسيلة الاخضاع الاقتصادى)
هذا وصف ماركس الدين وما كان ينتظر من رجل مثل كارل ماركس ان يقول عن الدين غير ما قال .
اما انجلز رفيق ماركس فيقول (ينشا الدين قبل ان تنهج الوسائل التى يكسب بها الانسان معيشته وان الانسان يواجه الطبيعة مباشرة فى تلك الحالة فتقف امامه الطبيعة قوة غلابة غامضة فيعبد (الانسان) مالا يدركه منها وما الدين الا انعكاس القوى الظاهرية التى تسيطر على معيشته اليومية)
ويقول (ان اصحاب المصالح قد استغلوا المسيحية كلما وجدوا لهم مصلحة فى استغلالها فجعلوها دين الدولة بعد قرنين ونصف من ظهورها وجاء البرجوازيون فى المانيا فابدعوا البروتستانتية ولم يستفيدوا منها لضعفهم فاستفاد منها الملوك المطلقون لانها رفعت عنهم سلطان الكنيسة . والدين جملة هو الغذاء الخادع للضعفاء لانه يدعوهم الى احتمال الظلم ولا يزيله ويقول ماركس فى وصف المسيحية خاصة (ان المسيحية تحبب الجبن واحتقار النفس واذلالها وتحبذ الخضوع والخسة وكل صفات الكلب الطريد)
ومن اقوال عامتهم عن الدين
(كل مسالة اختلف فيها العلم مع الدين فالصواب فى جانب العلم والخطا فى جانب الدين!)
(اذا تكلم العلم فليخرس الدين)
معنى هذا الكلام : يقصد به العلمانيون والشيوعيون ان يصفوا الدين بانه :
وسيلة خادعة لجا اليها الاغنياء والاقوياء ليتمكنوا من احكام القبضة على الشعوب ويسخروها لخدمتهم
ان العلم وحده -ويقصدون العلم المادى- هو مصدر المعرفة فيجب ان يكون هو المطاع لا الدين ، لان الدين من اختراع البشر وانعكاس لقوى الطبيعة وصور المادة
ان الدين يدعو الى قبول الظلم والاضطهاد ويحط من كرامة الانسان بتخديره له ووعده بالتعويض فى حياة اخرة .
نقد ونقض :
من سوء حظ الشيوعيين ان الباطل مصاحب لهم فى كل تصوراتهم وهم دائما يبنون تصوراتهم على اوهام ويتصيدون النظريات والاراء الباطلة لتكون اساسا لايديولجياتهم .
فدعواهم ان الدين وسيلة لجا اليها الاغنياء والاقوياء لاذلال الشعوب وضمان السيطرة عليهم هذه الدعوى اول من قال بها السوفسطائيون ثم اخذها عنهم فولتير . وكانت هذه الدعوى فى الاصل تعليقا مباشرا عند الشيوعيين على المسيحية بوجه خاص كما تقدم انفا عن انجلز . ثم عممها عملاء الشيوعية فيما بعد فطبقوها جزافا على الاسلام . وهى -فى الواقع- اكذوبة على المسيحية والاسلام معا.
فالمسيحية والاسلام دينان سماويان وليسا من انعكاس الطبيعة ولا من اختراع الانسان . وتاريخ المسيحية والاسلام معا يكذب دعوى الشيوعيين ان الدين عامة او المسيحية خاصة كانت مصيدة الفقراء التى دفعتهم اليها غيرهم من الاغنياء والاقوياء .
لان المسيحية امن بها الاغنياء والاقوياء من المسيحيين كما امن بها فقراؤهم وضعفاؤهم . وكلهم كانوا صادقين فى الايمان بها . ولو كانت المسيحية مصيدة وحبسا لما زج اغنياء المسيحية واقوياؤها انفسهم فيها وقراءة التاريخ فى هذا المجال تكشف عن جهل الشيوعيين ومغالطاتهم لحقائق التاريخ القديم والحديث .
اما اذا اريد الاسلام بهذه المقولة فان تاريخه منذ عصر نزوله لا يكتفى بتكذيب الشيوعيين والكشف عن جهلهم فحسب . بل ينسفهم نسفا من الوجود الانسانى او يخرجهم من دائرة العقلاء اخراجا لا رجعة فيه .
فقد انضوى تحت لواء الاسلام اغنى الاغنياء واقوى الاقوياء كما انضوى تحت لوائه الاحرار والعبيد والرجال والشباب والنساء والاطفال والفراء والضعفاء على حد سواء .
فعبد الرحمن بن عوف وابو بكر الصديق وعثمان بن عفان كانوا من اغنى اغنياء العرب ولم يمنعهم ثراؤهم وحسبهم وقوتهم وشرف ارومتهم من ان يرتموا فى احضان الاسلام وان يبذلوا الغالى والنفيس من ثرواتهم فى سبيل الله ونصرة الدين .
من عادى دعوات الرسل على مدى التاريخ النبوى كله من الاغنياء والاقوياء فان سبب عدائهم للرسل معروف فاشتغال الفتى بماله واغترار القوى بقوته كان هو سبب الاسباب فى العداء والاعراض والاعتراض .
والقرآن يقدم للعالم تفسيرا صادقا كل الصدق . مما يعتبر قانونا من قوانين علم النفس البشرى (ان الانسان ليطغى ان رآه استغنى فطغيان بعض الاغنياء والاقوياء طبيعة من طبائع النفوس .
هذا ولو كان للشيوعيين بصر بالتاريخ وفقه بمراميه والمام بخط سيره لعلموا ان الواقع التاريخى يعكس دعواهم تماما ويظهرهم وهم يرتدون ثياب الزور والبهتان .
فدعوى الشيوعيين ان الدين من اختراع الاغنياء اكذوبة تاريخية لا تقل شناعتها عن شناعة قولهم : ان المادة هى الخالقة خلقت نفسها ثم خلقت غيرها !
ذلك لان التاريخ الدينى النبوى يدل بوضوح على ان الاغنياء والاقوياء كانوا دائما يقفون فى طريق الدعوات السماوية ويعادون الرسل ويتهمونهم بالكذب ويحذرون الناس من متابعة الرسل وتصديقهم والشواهد على ذلك كثيرة ومنها :
قول كبراء ثمود لضعفائهم لما بعث الله اليهم صالحا عليه السلام :(46/276)
قال الملا الذين استكبروا من قومه للذين استعفوا لمن امن منهم اتعلمون ان صالحا مرسل من ربه ؟ قالوا : انا بما ارسل به مؤمنون . قال الذين استكبروا انا بالذى امنتم به كافرون. الاعراف 75-76
وقول قوم شعيب لشعيب ولمن امن معه :
قال الملا الذين استكبروا من قومه : لنخرجنك يا شعيب والذين امنوا معك من قريتنا او لتعودن الى ملتنا. الاعراف 88
وقول قوم نوح فى وصف من امن به منهم :
وما نراك اتبعك الا الذين هم اراذلنا بادى الراى وما ترى لكم علينا من فضل بل نظنكم كاذبين. هود 37
فالاقوياء تكبروا وغناهم اعدى اعداء الرسل :
اتهموهم بالكذب على الله
حذروا الناس من تصديقهم واتباعهم
شهروا فى وجوههم السلاح وانزلوا بهم اشد صنوف الاذى والعذاب
اضلوا غيرهم فجذبوهم الى حزبهم .
ولذلك فان خصومة عنيفة ستنشب بينهم فى عاقبة الامر حين يقول الضعفاء لربهم .
(ربنا انا اطعنا سادتنا وكبراءنا فاضلونا السبيل . ربنا اتهم ضعفين من العذاب والعنهم لعنا كبيرا) الاحزاب 67-68
وحين يقول بعضهم لبعض فى النار :
(واذ يتحاجون فى النار فيقول الضعفاء للذين استكبروا انا كنا لكم تبعا فهل انتم مغنون عنا نصيبا من النار ؟ قال الذين استكبروا : انا كل فيها . ان الله قد حكم بين العباد) غافر 48
هذا هو موقف (البرجوازيين) الاغنياء ومالكى الثروات من الدعاة والرسل موقف عداء سافر ةتكذيب مستمر . فلو كان الدين من اختراع اصحابا لمصالح كما يقول حزب الشيطان من سوفسطائيين وعلمانيين وشيوعيين لما كان لهم هذا الموقف المخزى من الدين بل لناصروه وحثوا العامة عليه ليزيدوا لهم جرعة المخدر فيعيشوا فى غيبوبة الافيون ولا يفيقون (كبرت كلمة تخرج من افواههم ان يقولون الا كذبا)
شبهة وردها :
ولكن قد يقول قائل : ان هذا ما يقرره القرآن وهم غير مؤمنين بالقرآن فلا تلزمهم حجة بما نقول .
والرد : ان الذى يقرره القرآن هنا هو ما قرره تاريخ الانسانية المحفوظ والقوم -اعنى الشيوعيين- وان لم يؤمنوا معنا بالقرآن فهم مؤمنون بالتاريخ وقد اعتمدوا عليه فى مذهبهم الاقتصادى . فالحجة قائمة عليهم بهذا الاعتبار .
وان ارتابوا فى وقائع التاريخ فان فى الواقع المعاصر ما يلزمهم بالحجة وبصدق التاريخ . فان اصحاب المصالح والسلطان هم الان من اعدى اعداء الدين لانهم يخشون منه تحريره للانسان وتبصيره اياهم بحقوقهم. واصحاب المصالح (البرجوازيون) يعتبرون هذا من الدين تحريضا عليهم لتقويض عروشهم وحرمانهم من اساليب البطش والطغيان واستذلال الناس . وانجلز نفسه قد ادرك هذه الحقيقة حين قال ان الملوك المطلقين قد استغلوا وانجلز نفسه قد ادرك هذه الحقيقة حين قال ان الملوك المطلقين قد استغلوا البروتستانتية -لان فيها نزعة تحرر من قيود رجال الدين- واستفادوا منها لانها خلصتهم من سلطان الكنيسة . اذن فدعوى الشيوعيين ان الدين توليفة مخترعة اخترعها اصحاب المصالح من ذوى المصانع والاقطاع ورؤوس المال ليخدروا بها الشعوب . هذه الدعوى اكذوبة مفضوحة لا سند لها من التاريخ ولا من الواقع شانها شان كل الدعاوى والتصورات الشيوعية سواء وقفوا بها عند حدود المسيحية او تجاوزها لى الاسلام . فهم -على اى تقدير- مخطئون مبطلون .
هل الدين مخدر كما يقولون ؟
كذب الشيوعيون فى دعواهم ان الدين من اختراع اصحاب المصالح ورجال الاقطاع حين ارداوا ان يفسروا اسباب نشاة الدين من الوجهة التاريخية والوجهة النفسية والوجهة الاجتماعية والوجهة الاقتصادية
وكذب الشيوعيون حين ارادوا ان يفسروا واقع الدين وحقائقه وغاياته ومقاصده بانه مخدر للشعوب يزين لهم الخنوع ويحبب اليهم الذل ويسوغ عندهم الظلم والاضطهاد
كذبوا فى هذه الدعوى كما كذبوا فى غيرها وجهلوا الدين كما جهلوا حقائق التاريخ وثمرات العلوم .
والجدير بالذكر الحقيق بالتنبيه ان الشيوعيين استنتجوا هذه الدعوى الكذوب من مطالعات مخدوعة فى الديانة المسيحية . ووقفوا عند نصوص مبالغ فيها الدعوة الى السلام والتسامح مسطورة فى الاناجيل من مثل : من لطمك على خدك الايمن فادر له خدك الايسر ومثل : باركوا لاعنيكم وما اشبههما .
ولهذا فهم ماركس ان المسيحية تبارك الجبن وتحبذ والخنوع وكل صفات الكلب الطريد ؟!
وقف ماركس عند ظواهر هذه النصوص ووقف مثله الشويعيون من بعده ولم تقيموا شانا لحقائق التاريخ المحفوظ ، وفيه ان المسيحيين ناضلوا نضالا مريرا من اجل دينهم ضد الرومان ، وضد اليهود منهم الشهداء بالمئات والالوف .
ومعلوم ان الدين الذى قصده الشيوعيون -وبخاصة فى عبارة ماركس التى يقول فيها ان المسيحية تحبذ الذل والخنوع- انما هو الدين المسيحى فحسب . وعبارات ماركس وانجلز صريحة فى هذا الافصاح كل الصراحة وليس معنى هذا ان الشيوعية لا تعادى الاسلام . بل هى اشد عداء له من عدائها للمسيحية . ولكن سبب او اسباب عدائها للاسلام غير سبب او اسباب عدائها للمسيحية وان كان فى اسباب العداء لهذا ولتلك قدر مشترك بين الديانتين العالمتين . فقد كرهوا فى الاسلام غير الذى كرهوه فى المسيحية على ما سياتى تفصيله قريبا باذن الله .(46/277)
جهل رؤوس الشيوعية بالاديان :
ماركس وانجلز هما راسا الشيوعية والمدبران ويداهما الحائكتان لنسجها لحمة وسدى . وهما -مع هذا- كانا جاهلين كل الجهل بحقائق الاديان ولم يعرفا عنها الا القشور . وقد انعكس جهلهما بالاديان على اتباعهما فى عصرهما ومن بعدهما والى هذا الوقت الذى نسطر فيه هذه السطور . يدلك على هذا كلام الرجلين عن الدين وفهمها له .
وروت احدى الصحف الشيوعية ان مبشرا بالماركسية القى محاضرة على طائفة من علماء الكيمياء قارن فيها بين المسيحية وبين الكاثوليكية على انهما ديانتان مختلفتان . وجهل هذا المبشر الالحادى ان الكاثوليكية شعبة من شعبا لديانة المسيحية وليست دينا مختلفا عنها .
وفى الواقع ان مواجهة الشيوعية بدعواها العريضة المسيحية وحجدها لا تحقق كبير انتصار عليها . وبخاصة اذا وضعنا فى الاعتبار ان الشيوعية فى حملتها الضارية على المسيحية لم تقصد مسيحية المسيح عليه السلام بقدر ما تقصد مسيحية بولس التى اعتنقتها المسيحية بعد مجمع نيقة عام 325م وهى مسيحية مزورة محرفة وفيها من العيوب والمثالب ما يطمع الفكر الشيوعى العلمانى والفكر العقلى المثالى من دحرها والانتصار عليها . وقد كان لهم ما ارادوا بعد ان توارت المسيحية البوليسية الى الواراء وادركت انها ليست من فرسان الميدان الذى جال فيه العلمانيون والعقليون . فرضيت الغنيمة بالاياب .
الاسلام فى مواجهة حاسمة :
عادت الشيوعية الاسلام -وماتزال تعاديه- لغير الاسباب التى عادت من اجلها . عادت الشيوعية المسيحية لانها دين. والدين عند الشيوعيين خرافة .
وعادت الشيوعية الاسلام لان الاسلام دين والدين عن الشيوعيين وهم ، وعادت الشيوعية الاسلام لاسباب اخرى غير انه دين ، عادته لانه المنافس الوحيد الخطير الذى وجدته يقف امامها على خط اخر ساخن لم تر الشيوعية للمسيحية فيه وجودا ولا سلاحا هى تخشاه على حاضرها ومستقبلها . نظرت فلم تجد -هنا- الا الاسلام والاسلام وحده .
وجدته على هذا الخط الساخن يحمل من اسلحة الدمار للشيوعية ولكل المذاهب الباطلة ما ليس له نظير ولا وجود الا فى ترسانة هذا الاسلام .
هذا الخط الساخن هو مجال القيادة والريادة والتوجيه لشئون الحياة كلها . وجدت الاسلام بمنهجه الحكيم صالحا لارادة كل المجتمعات دون ان يعبا او يكل
لذلك نشطت الدعاية الشيوعية ضد الاسلام بعد ان عزلت المسيحية ممسرح الاحداث وورثت مواطن كثيرة من مواطنها .
الاسلام دين الوعى والقوة :
كان من السهل والميسور على الشيوعية ان تتهم المسيحية بالضعف والخنوع ولكن هذه التهمة اذا اريد توجيهها الى الاسلام وجدت امامها كل العوائق والعراقيل . وان صدق من يقول ان الشمس سبب الظلام فى الكون فلن يصدق من يقول ان الاسلام مخذر او يحبذ الذل والخنوع . وشيوزعيون لم يفرقوا -حتى الان- بين دين يمكن ان يتهم بهذه التهمة ودين يسمو فوق كل التهم والظنون . وهو الاسلام
فليس الاسلام مخدرا لتابعيه ، لانه يوقظ فيهم روح الوعى فى السر والعلانية فالمسلم يعمل فى ظل رقابة حكيمة لا يخفى عليها شىء :
(ولا تعملون من عمل الا كنا عليكم شهودا اذ تفيضون فيه . وما يعزب عن ربك مثقال ذرة فى الارض ولا فى السماء . ولا اضغر من ذلك ولا اكبر الا فى كتاب مبين) يونس 61
فى هذا الظرف المحيط بكل شىء يعمل المسلم . فهو دائما يقظ واع لا يرى نفسه -وحده- ابدا .
(الم ترى ان الله يعلم ما فى السماوات وما فى الارض . ما يكون من نجوى ثلاثة الا هو رابعهم . ولا خمسة الا هو سادسهم . ولا ادنى من ذلك ولا اكثر الا هو معهم اينما كانوا . ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة . ان الله بكل شىء عليم) المجادلة 7
فالله ثان مع الواحد ، وثالث مع الاثنين ورابع مع الثلاثة وخامس مع الاربعة وسابع مع الثمانية . فاين المفر ؟ انه يحصى عمل العاملين وان ظنوا انهم بمناى عن الرؤية .
فهل يوصف دين هذا شانه بانه مخدر ؟ واذا كانت هذه اليقظة تخديرا فما هى اليقظة ياترى .
ويقول الحديث الشريف : اعبد الله كانك تراه فان لم تكن تراه فانه يراك
ويقول : اتق الله حيثما كنت
ويقول : استحيوا من حق الحياء
ومن النصح المسموع فى الاسلام (بادروا بالاعمال) و (جحاسبوا انفسكم قبل ان تحاسبوا)
وفى الاسلام وعيد شديد لمن يغفل عن مراقبة ربه ويلهو ويلعب .
(ومن اعرض عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قريب)
(ومن يعش عن ذكرى فان له معيشا ضنكا ونحشره يوم القيامة اعمى . قال : رب لم حشرتنى اعمى وقد كنت بصيرا ؟ قال : كذلك اتتك اياتنا فنسيتها . وكذلك اليوم تنسى)
فاين التخدير فى الاسلام . ان المخدر -فعلا- هو الذى يقول ان الاسلام مخدر او هو افيون الشعوب.
ان الاسلام احاط الانسان بطاقات هائلة من التوجيه والتشريع لا تترك ذرة واحدة من حياته او اى سلوك كبر او صغر الا وللاسلام فيه توجيه من خلال ثلاثة اصول تنظم النشاط البشرى كله . وتلك الاصول هى :(46/278)
الاصل الاول : افعل ويندرج تحت هذا الامر افعال الخير كلها سواء كانت واجبة كاداء العبادات المفروضة والامر بالمعروف والنهى عن المنكر ، او كانت مندوبة يترجح فعلها على تركها كصلة القربى والاحسان الى مستحقى الاحسان .
الاصل الثانى : لا تفعل ويندرج تحت هذا النهى كل افعال الشر سواء كانت محرمة كعقوق الوالدين وخيانة الامانة ونقض العهد والغش والخديعة . واذى الجار واختلاس الاموال والسعى بالفساد بين الناس . او كانت مكروهة يترجح تركها على فعلها كالتراخى فى اداء الواجبات وعدم التورع عن الشبهات والمبالغة فى المدح او الذم .
الاصل الثالث : افعل - لا تفعل ويندرج تحت هذا الاصل بفرعيه الامور المباحة اباحة مستوية الطرفين . وهو كل خير لم يلزم الشرع الناس بفعله ولم يحرمه عليهم ، لان ابواب الخير واسعة وطاقات الناس مختلفة فى القدرة على فعله . ومثاله بناء مدرسة او مستشفى او شق طريق لقادر عليه . فالاسلام لم يوجب ذلك وجوبا حتى يعاقب من لم يفعله من الاثرياء ولم يحرمه على من اراد ان يتطوع به .
هذه الاصول الثلاثة انتظمت النشاط البشرى كله ، والمسلم المكلف خاضع لها خضوعا تاما . ورقابة الله مطلقة على الجميع فكيف يقال ان الاسلام مخدر لتابعيه وهو يوجههم هذا التوجيه . ويراقبهم تلك المراقبة الدقيقة ويحصى عليهم اعمالهم ثم يجازيهم عليها على هذا الاساس (فمن يعمل مثقال ذرة خير يره . ومن يعمل مثقال ذرة شر يره)
وللاسلام منهج اخر فى بعث الوعى فى وجدان المسلم حيث حثه على النظر فى الكون والتدبر فى ايات الله فى النفس وما خلق الله من شىء . وقد مرت بنا نماذج كثيرة فيما تقدم لفت القران فيها الانظار الى بدائع فى خلق الله وجميل صنعه . وهل توصف امة بفقدان الوعى ودينها يخاطبها فى كل حين بمثل قوله تعالى :
(يا ايها الناس اتقوا ربكم . ان زلزلة الساعة شىء عظيم . يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما ارضعت . وتضع كل ات حمل حملها . وترى الناس سكارى وما هم بسكارى . ولكن عذاب الله شديد) الحج 1-2
انها امة ذات رسالة فى هذا الكون . وقد وضع الله فى يديها امانة وحيه واستودعها خواتين كلماته . ورسم لها طريق الظفر وحظها من النجاح والتردى رهين تمسكها بدينها . فان غفلا عنه يوما فهى الملومة وليس الاسلام .
===============(46/279)
(46/280)
اللادينية العربية .. بوابة خلفية للتنصير
بسم الله الرحمن الرحيم
بحمد الله وفضله تم الانتهاء من كتابة مذكرة عن علاقة اللادينية العربية بالتنصير مدعماً بالشواهد العديدة ، وسيتم طرح البحث على مدار حلقات متواصلة . وأنوه إلى أنه التزاماً بقوانين المنتدى فلن يتم طرح وصلات روابط المواقع اللادينية أو التنصيرية المعادية للإسلام وسيكتفى بذكر أسماء المواضيع والمقالات عند الإشارة إليها .
وأعتذر للأخوة عن التأخير في عرض البحث نظراً لتأخر العديد من المراجع التي كنت بانتظارها .
وأسأل الله أن يكون في هذا الطرح ما ينفع به المسلمين ،
مقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الكريم محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم ، وبعد
ربما لا يشتهر في تاريخ نشر المعتقدات في العالم على مر التاريخ إلا معتقدين : الإسلام والنصرانية . وقد نتج عن طريق نشرهما التواجه والمجابهة في كثير من الأحيان . والمجابهة بين الإسلام والنصرانية منذ نشأة الإسلام كانت وما تزال تختلف باختلاف الأزمان والأحوال . وكلاهما له من وسائل المواجهة ونشر معتقده ما سطرت به كتب خلال القرون الطويلة . ولطالما كان الإسلام يعمل على مواجهة التنصير من خلال تقوية إيمان متبعيه من خلال التمسك بالقرآن وحفظه والعلم والتمسك بسنن المصطفى عليه الصلاة والسلام . أي أنه كان يعتمد على التربية الداخلية لمعتنقيه بغض النظر عما تدعوا إليه المعتقدات الأخرى . وفي نشره للإسلام كان أيضاً واضحاً بيناً صريحاً ، فكان دعوته إلى هدم الأوثان ليرى عابدوها أنها ليست أرباباً من دون الله ثم ليدركوا من خلال عقولهم أنهم إليهم لا يرجعون . لقد كان الإسلام يطرح المعتقد واضحاً بالأدلة والبراهين على كافة شعوب الأرض وربما هذا ما جعله أكثر الأديان سرعة في الانتشار في تاريخ البشرية ، ولعل في شهادة ريكولدو دي مونت كروتشي وهو أحد الحاقدين على الإسلام في العصور الوسطى أكبر دليل على ذلك عندما شاهد بأم عينه إقبال المغول على الإسلام حيث علل ذلك بأن " الإسلام أسهل في التصديق والتطبيق " (1).
وإن شئنا المقارنة مع النصرانية ولا نعني بها طبعاً ديانة المسيح ، فهو منها براء . وإنما الديانة التي انحرفت عن طريقها فألهت البشر وعبدت أتباعها للصليب وقدست الأفراد بل والصور والتماثيل . فالمقارنة كانت جلية لما سلكه بعض أبناء النصرانية في سبيل نشرها أو حماية أبناءها من الإسلام . لقد كان الإسلام دائماً ومنذ بعث الله محمد عليه الصلاة والسلام مصدر خوف النصرانية وأربابها . فكان موقف القساوسة والأساقفة وأصحاب البابوية فيها هو تشويه صورة الإسلام لدى النصارى ليمنعوا الناس من الدخول فيه . كان هذا الموقف واضحاً منذ انتشار الإسلام في بلاد الشام في القرن الأول الهجري ثم انتقل إلى بيزنطة فأوروبا وكنائسها . لقد كان كره آباء الكنيسة الأوائل للإسلام عظيماً فما تركوا فرية ولا كذبة ولا سيئة إلا وألصقوها في الإسلام ليجعلوا من الإسلام شيطاناً يخافه البسطاء من النصارى فلا يؤمنوا به ولم يتركوا وسيلة لذلك إلا واتبعوها . لقد قامت الكنيسة بإبعاد الإسلام عن تابعيها بطريقة لا تخلو من سيئات الأعمال وبهتان القول وشهادة الزور ، وليس بالتحصين الداخلي من خلال المعتقد النصراني . لقد كان تشويه صورة الإسلام هو الحل في نظر الكنيسة لمنع النصارى من الإيمان به .
أما عن نشر النصرانية بين المسلمين فكانت وللأسف لاتقل سوءاً في طرقها ووسائلها عن طرق الدفع . فما استخدم سابقاً في حماية أبناء النصارى من الإسلام ، استخدم أيضاً لتشويه صورة الإسلام أمام أبنائه ، وركزوا على الأركان التي يرون أن الإسلام قائم عليها وهي القرآن والرسولل وجعلوهما هدف من أهداف التنصير الرئيسيين وهما : تنصير المسلم أو جعله بلا دين . ونشأت لذلك مؤسسة كبرى منذ قرون تسمى بالاستشراق ادعت العلمية ولكنها لبست لبوس الكنيسة ، فلم تترك دعوى من دعاوى المنصِّرين على القرآن والرسولل والإسلام إلا وجعلت منها أطروحة علمية . حتى أن الأستاذ أنور الجندي يقول " بأن المستشرقين قدموا 60 ألف كتاب عن الإسلام مكتوبة من وجهة نظرهم ، وفيها معاداة للإسلام وتشويه للحقائق كتبت خلال المئة وخمسين عاماً الماضية ، وهي مصدر الغربيين والمسلمين في الغرب عن الإسلام اليوم " (*) . ومن هنا كان التنصير يعتمد على تشويه صورة الإسلام أمام متبعيه أولاً ، وليس من خلال المعتقد النصراني الذي لا تقبله الفطرة الصحيحة .(46/281)
ولكن هل انتهت بذلك أساليب التنصير وبالأخص في العالم الإسلامي ؟ كلا ، فكلما ظهرت وسيلة افتضح أمرها كالتعليم والمساعدات والتطبيب ورحلات الاستكشاف والاستعمار والحوار ، حتى لقد وضع بعضهم وهما المؤلفان النصرانيين دافيد باريت محرر دائرة المعارف المسيحية و مستشار الفاتيكان لشئون التنصير العالم وجيمز ريبسوم خبير شؤون التنصير كتاباً سمياه ( 700 خطة لتنصير العالم ) . وبطبيعة الحال فإن التنصير بين المسلمين له خطط وطرق خاصة تختلف عن تلك المستخدمة في تنصير أتباع باقي الأديان لدرجة أن المنصِّرين تجرأوا إلى أن يزعموا بأن الإسلام يقول بالدعاوى النصرانية كتأليه المسيح وصلبه والثالوث .... الخ ... بل وصلوا إلى استخدام الإلحاد والزندقة والعلمنة بين المسلمين كوسيلة من وسائل التنصير . ولعل أصدق من يعبر عن هذا ما يقوله الدكتور سلمان العودة في (مذكرة التنصير) بأن التنصير " اليوم يمد يديه ويكشُّر عن أنيابه ويفتل سواعده لحرب ضروس مع العقيدة الإسلامية فكان لابد أن تدق طبول الخطر ليسمع من يسمع ويعي من لم يعي خاصة إذا علمنا أن التنصير اليوم يتلصص بأساليب ماكرة خبيثة هي أحياناً أخفى من دبيب النمل على الصفا في الليلة الظلماء ويرضى ولو باليسير من العمل " (2) .
ولقد عمدت في هذه المذكرة إلى التركيز فقط على الموضوع وهو العلاقة بين اللادينية والتنصير في العالم الإسلامي دون الخروج إلى مواضيع أخرى رغم ارتباطها بالموضوع بصلة وثيقة كعلاقة التنصير بالاستعمار ، واستخدام المال والحاجات في التنصير ، وسواها . وكان منهجي في المذكرة هو الاستشهاد بما قيل عن استخدام اللادينية والعلمنة كوسائل من وسائل التنصير وارتباط التنصير بالفساد الخلقي الذي هو وجهاً آخر للزندقة واللادينية . بالإضافة إلى طرح المشاهدات العديدة التي يتشابه بها أسلوب وموضوع الطرح بين اللادينية والتنصير عند الحديث عن الإسلام وإرجاع المواضيع المطروحة لادينياً ضد الإسلام إلى أصولها التنصيرية تاريخياً بل وحاضراً من أقوال المنصِّرين ومواقع التنصير .
ولا أزعم أن الجميع في المؤسسة التنصيرية يقرون استخدام اللادينية كوسيلة من وسائل التنصير . فقد يوجد بينهم من يتأفف من هذا الأسلوب اللاأخلاقي بل وربما استغرب منه . ولكن ما تكتبه الأقلام اللادينية العربية في تشويه الإسلام هو صورة لما كتبته وألفته الكتابات التنصيرية قديماً وحديثاً . أي أن مصدر التلفيق والكذب على القرآن ومحاولة تشويه رمز الرسالة إنما هو رجل الدين المسيحي ومكان التعليم المسيحي . فكيف إذن تتشابه أقوالهم مع أقوال اللادينيين العرب ؟
إن الإجابة الوحيدة التي أعمل على إثباتها في هذه المذكرة هي : أن كليهما التنصير واللادينية العربية تخرجان من بوتقة واحدة وفم واحد . إن التنصير وبما يحمله من إرث طويل من العداء للإسلام والرسولل والقرآن ، وبما أفرزه من كتابات كثيرة خلال تلك القرون الطويلة ، هو مصدر الكتابات اللادينية العربية ضد الإسلام ، مما يجعل هذه الكتابات ذات صلة وثيقة بالتنصير . وهذا ما سنراه مفصلاً في هذه المذكرة . كما لا أقصد في هذه المذكرة الرد على دعاوي المنصِّرين واللادينيين وافتراءاتهم على الإسلام أو القرآن والرسولل ، فقد رد على هذه الدعاوى أهل العلم من المسلمين علماء وطلبة علم منذ القديم .
________________________
(1) من مقدمة كتاب صورة الإسلام في أوروبا في القرون الوسطى ، ريتشارد سوذرن ترجمة د. رضوان السيد ، ص117
(*) المرأة المسلمة والفكر الاستشراقي، عقيلة حسين، ص 69
(2) مذكرة التنصير ، د. سلمان بن فهد العودة ، http://www.saaid.net/book/open.php?cat=85&book=443
تعريف التنصير واللادينية
يجدر أولاً أن نعرف التنصير وللادينية بصورة موجزة وبسيطة كمدخل لهذه المذكرة .(46/282)
فالتنصير في اللغة : هو الدعوة إلى اعتناق النصرانية .وجاء في لسان العرب " والتنصر هو الدخول في النصرانية ". وفي الصحيحين ، واللفظ للبخاري ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال الرسو صلى الله عليه وسلم : " ما من مولود يولد إلا على الفطرة ، فأبواه يهودانه ، أو ينصرانه ، أو يمجسانه ، كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء ؟ " . والفطرة هنا هي الإسلام . أما التنصير اصطلاحاً فهو تحويل البشرية إلى النصرانية باستخدام جميع الوسائل والسبل المتعددة مشروعة كانت أم غير مشروعة . أما مصطلح التنصير كما يعرفه الدكتور سلمان بن فهد العودة فيقصد به " ذلك الجهد الكنسي الذي يقوم به الدعاة من النصارى في الدعوة والعمل ، والذي يهدفون من خلاله إلى إدخال الشعوب في الديانة النصرانية ؛ سواء الشعوب المسلمة ، أو الشعوب الوثنية ، أو غيرها . أو يهدفون إلى تشكيك المسلمين في دينهم، وإخراجهم منه ، أو إلى تثبيت النصارى على ملتهم ، ودعوتهم إلى مزيد من التدين " .وهذا التعريف كما سنرى شامل وافي موجز لقضية التنصير في العالم الإسلامي . ويوضح الدكتور العودة رأيه في أن إطلاق مسمى ( تنصير ) أفضل من مسمى (تبشير) بقوله " لأن لفظة (تبشير) فيه دلالة على أن هؤلاء القوم يدعون إلى البشارة وإلى الخير، ويبشرون الناس بالسلام، وبالرحمة ، وبالبر، وبالجود، وبالسعادة، وهم ليسوا كذلك، والأولى بلفظة (التبشير) هو المسلم؛ فهو المبشر حقاً لأننا أصحاب البشارة وليسوا هم كما يقول تعالى (إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً ) الفتح:8 " (3) .
وفي الجهة المقابلة فإن الدكتور عبدالراضي محمد عبدالمحسن يفضل استخدام كلمة( التبشير ) وليس التنصير لعدة أسباب لغوية وسواها . فهو يرى أن التبشير هو إحدى مؤسسات التنصير وليس كل التنصير ؛ مما يجعل من قصر مصطلح التنصير على العمل التبشيري وتخصيصه به تمويهاً على المستهدفين بالتنصير وتحويل أنظارهم بعيداً عن نشاط المؤسسات التنصيرية الأخرى ، التي ربما يفوق تأثيرها الهدَّام تأثير التبشير . بالإضفة إلى أن كل مبشِّر منصِّر ، لكن ليس كلُّ منصِّر مُبشِّراً (4).
أما اللادينية في العالم العربي فتكاد لا تعثر لها على تعريف ، فلكل لاديني تعريف خاص به حولها . إلا أن ما يمكن الإجماع عليه هو أنها عدم الارتباط بأي دين من الأديان . وبذلك يكون اللاديني غير مرتبط بأي ارتباطات دينية كالمعتقد والعبادات أو الأخلاق أو السلوكيات ، ومن هنا يربط العديد من اللادينيين مفهوم اللادينية بالحرية التي تحرره من الضوابط المجتمعية والسلوكية أو الدينية التي قد تميز مجتمعاً ما كالمجتمع الإسلامي على سبيل المثال .
وحيث أن اللادينية هي مسمى للإلحاد ومبادئ الشك واللاأدرية فقد كانت دائماً بمثابة بوابة للشر من وجهة النظر الإسلامية ووجهة نظر المسلمين . فاللادينية والإلحاد - في نظر المسلمين - إنما هي دعوات للتفلت والإنحلال ، ولعل الوصف الذي يوصف به من يقترف الأعمال غير الأخلاقية أو البعيدة عن الدين إنما هو (زنديق) أو (متزندق) تشبيهاً له بالزنادقة أو الملحدين .
_____________________________
(3) مذكرة التنصير ، د. سلمان بن فهد العودة ، http://www.saaid.net/book/open.php?cat=85&book=443
(4) الغارة على القرآن الكريم ، د. عبدالراضي محمد عبدالمحسن ، ص 15- 16
موجز تاريخي لهجمة التشويه التنصيري ضد الإسلام
إن للتنصير طرقاً وخططاً عدة . فمنها العسكري كالحروب الصليبية والاستعمار ، ومنها الذي يلجأ إلى السياسة والمهادنة فيستغل وسائل التعليم والإعلام والطب . وحيث أنني لا أتناول التنصير باستخدام القوة كما هو الحال في الحروب ومحاكم التفتيش والاستعمار ، بل أتناول التنصير باستخدام الخطط غير المباشرة وأحدها هو استخدام اللادينية والإلحاد والعلمنة وتمرير مقولات التنصير عن الإسلام من خلال الكتابات اللادينية لتشكيك المسلمين بدينهم .
ولكي نتفهم أصول المقولة اللادينية ضد الإسلام فلا بد من النظر في التاريخ لكي نرى أصول هذه الأقوال ومن أين نشأت عبر التاريخ الطويل من المواجهة الإسلامية الصليبية وقراءة تاريخ الجدل النصراني مع الإسلام وموضوعاته وأطروحاته في التنصير وتشويه صورة الإسلام لنرى بصورة مبدئية كيف أن حرب الصليبيين ضد الإسلام لا تمانع من استخدام الكذب والتلفيق والتزوير وترويج الإشاعات الملفقة ، فما الذي يمنعها من أن تتخفى وراء اللادينية والإلحاد في هجومها على الإسلام؟ والغرض من هذه المقدمة التاريخية هو عرض لمفتريات التنصير على الإسلام والكذب الملفق على الإسلام على مدى قرون طويلة ، وأن كل تلك المفتريات انتقلت من المنصِّرين إلى اللادينيين . مع التنويه أن ما سيتم عرضه في هذا الموجز التاريخي ليس إلا اليسير جداً مما تحويه حواضر المؤسسات الكنسية في العالم مما كتب ضد الإسلام خلال قرون طويلة منذ ظهور الإسلام وبدء انتشاره إلى يومنا هذا ومما تسنى لي العثور عليه في حواشي الكتب .(46/283)
إن أوائل الجدل ضد الإسلام بدأت في المشرق حيث احتك المسلمون مع نصارى المشرق منذ وقت مبكر حيث لعب العامل اللغوي دوراً هاماً عند مجادلي التنصير المشرقيين وذلك بالاطلاع بيسر وسرعة على القرآن الكريم في لغته العربية ، والوقوف على ما احتواه من عقائد وشرائع وأخلاق وقصص بخلاف مجادلي الغرب اللاتين الذين احتاجوا إلى عدة قرون كي يتمكنوا من قراءة القرآن في إحدى ترجماته . لقد دشن حملات الإفك والافتراء النصرانية ضد الإسلام والقرآن والرسولل عليه الصلاة والسلام ابتداءاً وقبيل الحروب الصليبية بقرون القديس يوحنا الدمشقي (توفي عام 750م) والذي ألف كتاباً جامعاً في اللاهوت أسماه (ينبوع الحكمة) (5) . بالإضافة لذلك فيوحنا الدمشقي يعتبرأحد أكبر آباء الكنيسة الأرثوذكسية وبسبب قيمته الدينية الكبرى نال لقبين ذوي شأن ، فلقِّب بـ (القديس يوحنا ) و ( يوحنا ينبوع الذهب) . وبحكم كونه في خط الصراع الأول ضد الإسلام فإنه سارع بالعكوف على القرآن الكريم تفلية ونبشاً ، مسخِّراً إتقانه العربية ، وموظِّفاً إلمامه بالبيئة الثقافية الإسلامية التي يعيش في رحابها ويُعايش أعلى مستوياتها العلمية والسلطوية حيث كان من كبار موظفي بلاط الخلافة الأموية . ويمكن القول بأنه لا خلاف على ريادة يوحنا الدمشقي للجدل التنصيري ضد الإسلام ، كذلك يمكننا القول بأن جدليات يوحنا ضد القرآن هي الأهم في تاريخ الجدل التنصيري ضد القرآن حيث وضع يوحنا الدمشقي آراءه في قوالب جدلية مكثفة أصبحت ركيزة الجدل التنصيري في كل أدواره ومراحله التالية ، فقد ردد جميع المجادلين بعده بعض أو كلّ قوالب الدمشقي هذه . وكما سبق ، قد وضع يوحنا الدمشقي آراءه ضد الإسلام والقرآن والرسولل في كتابه (ينبوع الحكمة) حيث خصص الفصل (100/101) في قسم البدع للجدل ضد الإسلام . وتتلخص رؤية يوحنا الدمشقي للإسلام ونبيه وكتابه فيما يلى :
أ ـ التشكيك في كون الإسلام امتداداً لحنيفية إبراهيم ، لذلك يصف المسلمين على نحو لا يخلو من الخبث ، بالسرازانيين ، ويعد أول كاتب مسيحى يستخدم هذا التشويه لأغراض الجدل العنيف ، كذلك يصف المسلمين بـ (المفسدين ) وهى التسمية التى ستكثر في الجدليات التالية ليوحنا .
ب ـ يعالج الإسلام على أنه هرطقة مسيحية .
جـ ـ يقدم الإسلام على أنه مُؤْذن بالمسيح الدجّال .
د ـ يجعل الرسو صلى الله عليه وسلم أحد أتباع آريوس ، كما يجعله على عقيدة المذهب النسطوري ، وذلك بسبب تأكيده على أن المسيح مخلوق وإنسان مجرد ، وذلك ما قال به آريوس ونسطور .
هـ ـ يحصر ما جاء به صلى الله عليه وسلم في أمرين ، أولهما : معرفته الضحلة بما قلَّتْ قيمته من أسفار العهدين القديم والجديد اللذين وقع عليهما صلى الله عليه وسلم مصادفة ، والثاني : ما أخذه صلى الله عليه وسلم عن الراهب الأريوسي ( بحيرا ) .
و ـ القرآن نتاج لأحلام اليقظة ؛ لأن الرسو صلى الله عليه وسلم تلقاه وهو نائم (6) .
ثم يظهر تيودورأبو قرة ويكرر أقوال يوحنا الدمشقي من أن الإسلام هرطقة نسطورية (7) . وتيودور أبو قرة هو أسقف حران الذي كان يجادل المسلمين أمام الخليفة المأمون بصورة مباشرة (8) .
ولا بد من القول أن أسطورة تأثر الرسو صلى الله عليه وسلم براهب مسيحي تظل مسيطرة على الجدل المسيحي المعادي للإسلام وتلقى التأييد والاحتضان على هذا الجدل سواء كان بيزنطي أو لاتيني كما سنرى لاحقاً . فمثلاًُ تختلف تسميات هذا الراهب الأريوسي الذي يزعم يوحنا الدمشقي بأن الرسول أخذ عنه ، فيسمونه مثلاً : سرجيوس أو سركيس ، ونسطوريوس ، وجيورجيوس ، ونيقولاوس ، ويوحنا . وهذا الراهب في زعمهم لا بد أن يكون نسطورياً ، كما أنه من أصحاب الطبيعة الواحدة ، كما يظهر أيضاً مرتداً ومؤلفاً للقرآن .... الخ (9) . وليس أكثر دلالة على امتداد هذا الزعم على تاريخ الجدل النصراني ضد الإسلام مما قاله فوك هارنَك الذي ذكر في ثلاثينات القرن العشرين نحو الأربعمئة رد من جانب المسيحيين على الإسلام منذ يوحنا الدمشقي في القرن السابع/ الثامن للميلاد وحتى القس بفاندر في أواسط القرن التاسع عشر والردود المذكورة كثيراً ما يكرر بعضُها بعضاً كالأسطورة القائلة أن الإسلام هرطقة مسيحية تتكرر منذ يوحنا وحتى القس زويمر الذي كان يجادل الإسلام والمسلمين في بيروت اثناء الحرب الأولى وبعدها (10) . هذا وتستمر الكتابات اللادينية بتمرير ذات الأسطورة التنصيرية من كون الإسلام هرطقة مسيحية كما سنرى لاحقاً .(46/284)
وقد بدأ من بعد يوحنا الدمشقي الجدل البيزنطي المليئ بالافتراءات والتلفيق والذي انتقل إلى أوروبا اللاتينية لاحقاً . ومن أوائل هؤلاء الجدليين البيزنطيين المؤرخ البيزنطي ثيوفانوس المعترف (760 - 800م) الذي ألف بدوره كتاباً عن حياة صلى الله عليه وسلم عد مرجعاً معتمداً وموثقاً يستمد منه اللاحقون مادتهم عن الإسلام . جاء فيه عن الرسول أنه " ولما كان محمد المذكور فقيراً ويتيماً فإنه قرر أن يربط نفسه بامرأة ثرية من ذوي قرباه ، هي خديجة ، بأن جعل من نفسه وكيلاً لها لقاء أجر يتناوله ، يتولى شئون إبلها ويقوم بأشغالها في مصر وفلسطين . ولم يمض زمن طويل حتى فاز برضا السيدة ، وكانت أيما ، بفضل طرائقة الصريحة فاتخذها له زوجاً ، وبذلك حصل على إبلها وسائر ممتلكاتها . وقد اختلط في فلسطين باليهود والمسيحيين ، وبواسطتهم حصل على بعض الكتب المنزلة وأصيب كذلك بمرض عصبي" (11) . ثم ينتقل للحديث عن الوحي بأنه مرض أصاب صلى الله عليه وسلم ، فيقول " فلما علمت زوجته بأمره ، حز في نفسها أنها وهي العريقة الأصل قد أصبحت اليوم مرتبطة بإنسان لا يقتصر أمره على أنه فقير ، بل هو أيضاً مريض ، فراح يهدئها بقوله : إني تلم بي رؤية ملك من الملائكة ، اسمه جبريل .. " (12) . كما قام ثيوفانوس بصياغة فكرة سلبية عن الإسلام وصورة ذهنية وحشية عن المسلمين . فقد قال عن صلى الله عليه وسلم " وكان يعلم أنصاره أن من قتل عدوا أو قتله عدوه فهو داخل الجنة (13) . إن الأسطورة التي وضعها ثيوفانوس حول الرسو صلى الله عليه وسلم إنما تعد المصدر لتلك الأساطير التي ظهرت في أوروبا بعد ذلك ، فقد خلط ثيوفانوس سيرة النبي صلى الله عليه وسلم بعناصر منتزعة من سير الرهبان الذين كانت الكنيسة تعدهم مبتدعة . بل إن من المضحك أن الأساطير المختلقة في أوروبا عن الرسو صلى الله عليه وسلم فيما بعد كانت تزعم أن النبي محمد من أسرة كولونا التي كانت تعادي البابا في روما ، أو أن النبي ولد في بولونيا بإيطاليا ، وأن الإسلام إنما نشأ عن تنازع الكاردينالات بعضهم وبعض وطمعهم في أن يصيروا باباوات (14) . كما قام البيزنطيون بحملة ضد القرآن والهجوم عليه بشكل مفصل في أعمال نيكتياس البيزنطي في مقدمة كتابه (نقد الأكاذيب الموجودة في كتاب العرب المحمديين) ، أما أكبر هجوم جدلي ضد القرآن فهو ما قام به إمبراطور بيزنطة جان كنتا كوزين في كتابيه (ضد تمجيد الملة المحمدية) ، (ضد الصلوات والتراتيل المحمدية) وكان باللغة اليونانية (15) . إن أعمال البيزنطيين وتحريفاتهم ضد القرآن والإسلام ونبيه كانت هي المصادر الأساسية للاوروبيين عن الإسلام حتى مطلع القرن الثالث عشر (16) ، وفيما يتصل بحياة النبي عليه الصلاة والسلام فإن المؤلفين الغربيين ورثوا ما يلي من معلومات مضللة من البيزنطيين : محمد رجل مسيحي الأصل ، تزوج أيماً ثرية ، وكان مصاباً بالصرع ، وتحدد هدفه بسحق السيحية عن طريق اشتراع حرية جنسية واسعة (17) .
_______________________________
(5)دراسات في الفكر العربي الإسلامي .. أبحاث في علم الكلام والتصوف والاستشراق والحركات الهدامة ، د. عرفان عبدالحميد فتاح ، ص 111
(6)الغارة على القرآن الكريم ، د. عبدالراضي محمد عبدالمحسن ، ص 24 - 26
(7)الغارة على القرآن الكريم ، د. عبدالراضي محمد عبدالمحسن ، ص 26
(8)أدب الجدل والدفاع في العربية بين المسلمين والمسيحيين واليهود ، موريتس شتينشنيدر ترجمة صلاح إدريس ، ص 112(9)مسيحية ضد الإسلام، لودفيغ هاغمن ، ص 46 - 47
(10)من مقال : حديث المسيحية والإسلام... مواريث المواجهة وفرص التفاهم والمشاركة ، عن دار الحياة 2004/07/3 ، http://www.passia.o r g/meetings/ r suni...03-07-2004.htm
(11)الاستشراق رسالة استعمار ، د . محمد الفيومي ، ص 363
(12)الاستشراق رسالة استعمار ، د . محمد الفيومي ، ص 363
(13)الاستشراق رسالة استعمار ، د . محمد الفيومي ، ص 364
(14)موسوعة المستشرقين ، د. عبدالرحمن بدوي ، ص 243 - 244
(15)الغارة على القرآن الكريم ، د. عبدالراضي محمد عبدالمحسن ، ص 31
(16)من مقدمة كتاب صورة الإسلام في أوروبا في القرون الوسطى ، ريتشارد سوذرن ترجمة د. رضوان السيد ، ص 17
(17)صورة الإسلام في أوروبا في القرون الوسطى ، ريتشارد سوذرن ترجمة د. رضوان السيد ، ص 67(46/285)
وظهر في القرن العاشر الميلادي عبد المسيح بن إسحاق الكندي الذي كان عاملاً في بلاط الخليفة المأمون والذي كتب ردَّاً على رسالة عبدالله الهاشمي التي يدعوه فيها إلى الإسلام (18) . وقد حوت رسالة الكندي الكثير من القدح في صلى الله عليه وسلم والقرآن . ولهذا تمت ترجمة رسالة عبدالمسيح الكندي من العربية وضمها إلى مجموعة دير كلوني الشهيرة التي تشمل بضعة مؤلفات في الجدل مع المسلمين بأمر من بطرس المحترم في القرن الثاني عشر الميلادي حتى يتعلم منها الرهبان أساليب الرد على المسلمين والطعن في الإسلام . وقد تلقف كتاب القرون الوسطى هذه الرسالة بلهفة وأدرجوها في مؤلفاتهم ضد الإسلام وصارت ما تحويه من تشويه مفاهيم ثابتة في الفكر الأوروبي . وقد جرى نشر هذه الرسالة مرتين في لندن عامي 1880م و 1885م لاستعمال المنصِّرين (19) .
وعبدالمسيح الكندي يخترع قصة أخرى عن مصدر الإسلام ، ففي رده على رسالة عبدالله الهاشمي التي يدعوه فيها للإسلام يقول الكندي عن القرآن والرسول صلى الله عليه وسلم ومصدر القرآن وتحريفه : " وذلك أنه كان رجل من رهبان النصارى يعرف بسرجيوس أحدث حدثاً أنكره عليه أصحابه فحرموه وأخرجوه وقطعوه عن الدخول على الكنيسة وامتنعوا من كلامه ومخاطبته على ما جرت العادة منهم في مثل هذا الضرب . فندم على ما كان منه فأراد أن يفعل فعلاً يكون له به تمحيص ذنبه وحجة عند أصحابه النصارى . فصار على بلد تهامة حتى أفضى على برية مكة فنظر البلد غالباً عليه صنفان من الديانة . وكان الأكثر دين اليهودية والآخر عبادة الأصنام فلم يزل يتلطف ويحتال بصاحبك (يقصد الرسو صلى الله عليه وسلم ) حتى استماله وتُسمي بنسطوريوس وذلك أنه أراد بتغيير اسمه إثبات رأي نسطوريوس الذي كان يعتقده ويتدين به فلم يزل يخلو به ويكثر مجالسته ومحادثته ويلقي إليه الشيء بعد الشيء على أن أزاله من عبادة الأصنام ثم سيره داعية وتلميذا له يدعو إلى دين نسطوريوس . فلما أحست اليهود بذلك ناصبته العداوة ، فطالبته بالسبب القديم الذي بينهم وبين النصارى . فلم يزل يترقى به الأمر إلى أن بلغ به ما بلغ . فهذا سبب ما في كتابه من ذكر المسيح والنصرانية والذب عنها ، وتزكية أهلها والشهادة لهم أنهم أقرب مودة ، وأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون . فلما قوي الأمر بالنصرانية وكاد يتم ، توفي نسطوريوس هذا فوثب عبدالله بن سلام وكعب المعروف بالأحبار اليهوديان بخبثهما ومكرهما فأظهرا له أنهما قد تابعاه على رأيه وقالا بقوله . فلم يزالا على ذلك المكر والدهاء والتدبير عليه ، بكتنان ما في نفسيهما إلى أن وجدا الفرصة بعد موته . فلما توفي وارتد القوم وأفضى الأمر إلى أبي بكر جلس علي بن أبي طالب عن تسليم الأمر لأبي بكر ، علما أنهما قد ظفرا يطلبان ويريدان في نفسيهما . فاندسا إلى علي بن أبي طالب فقالا له : لم لا تدع النبوة ؟ ونحن نوقفك على مثل ما كان يؤدب به صاحبك نسطوريوس النصراني ، فلست بأخص منه . وكان علي بن أبي طالب قد أحس بما كان نسطوريوس الراهب عليه لأن علياً كان صغيراً وقتما صحبه . إلا أنه أوعز إليه ألا يعلم أحداً بموضعه ، ولا يطلع عليه أحداً من أهله . فقبل علي منهما ذلك لصغر سنه وقلة تجربته . فمال علي إلى قولهما بسلامة قلبه ، فلم يتمم الله لهما ذلك ولم يبلغهما إياه . لأنه اتصل بأبي بكر بعض خبرهما فبعث إلى علي فلما صار إليه ، ذكره الحرمة ، ونظر علي إلى أمر أبي بكر وإلى قوته فرجع عما كان عليه ووقع بقلبه . وقد كانا عمدا إلى ما في يد علي بن أبي طالب من الكتاب الذي دفعه إليه صاحبه على معنى الإنجيل فأدخلا فيه أخبار التوراة وشيئاً من أحكامها وأخبار بلدها ، وشنعا فيه ، وزادا ونقصا ، ودسا تلك الشناعات كقولهما ( وقالت اليهود ليست النصارى على شيء ، وقالت النصارى ليست اليهود على شيء ) ومثل تلك الأعاجيب وذلك التناقض الذي لا يخيل على الناظر فيه أن المتكلمين به قوم حتى مختلفون ، كل منهم ينقض صاحبه ، مثل سورة النحل والعنكبوت ومثل هذه وشبهه . ألا ترى أن علياً حيث يئس من الأمر أن يصير إليه صار إلى أبي بكر بعد أربعين يوماً - وقال قوم بعد ستة شهور - فبايعه ووضع يده في يده . فقال له أبو بكر : ما حبسك عنا وعن مبايعتنا يا أبا الحسن ؟ فقال : كنت مشغولاً بجمع كتاب الله لأن النبي كان أوصاني بذلك . فأنظر أيها العاقل في هذا الكلام وتدبر ما معنى شغله بجمع كتاب الله . وأنت تعلم أن الحجاج بن يوسف كان قد جمع المصاحف وأسقط منها أشياء كثيرة " (20) .
كما يقول الكندي عن القرآن في رسالته : " أنه إنما هو كلام منثور لا نظام له ولا تأليف ولا معنى متسق بل هو متناقض كله ينقض بعضه بعضاً " (21) .(46/286)
ويقول عن الحج : " وأن ما يفعل فيه من فعل الشمسية والبراهمة الذين يسمونه النسك لأصنامهم في الهند ،فإنهم يفعلون في بلدهم هذا الفعل بعينه الذي يفعله المسلمون اليوم ، من الحلق والتعري الذي يسمونه الإحرام، والطواف ببيوت أصنامهم إلى هذا الوقت على هذه الحالة . فلم تزد أنت عليه شيئاً ولا نقصت منه ذرة . فأنت آخذ بذلك الفعل الذي سميته النسك ... " . كما يقول أيضاً للهاشمي : " وأنت وأصحابك عالمون أن العرب كانت تنسك مثل هذه المناسك وتفعل هذه الأفعال منذ قديم الزمان منذ بنت هذا البيت ، فلما جاء صاحبك بالإسلام ، لم نره زاد في هذه الأفعال ولا نقص منها شيئاً ، غير أنه لبعد المشقة وطول المسافة وتخفيف المؤونة جعله حج مرة واحدة في السنة ، وأسقط من التلبية ما كلن فيها شناعة . والقصة هي تلك القصة التي بعينها التي تفعلها الشمسةي والبراهمة ببلاد الهند إلى هذه الغاية وتنسك بها لأصنامها " (22) .
والزعم أن الحج فريضة وثنية أخذها النبي عن الوثنيين العرب وجعلها فريضة في الإسلام يتكرر كثيراً في الكتابات التنصيرية كما تظهر أيضاً في الكتابات اللادينية بشكل واضح . [/size]
_____
[size=4](18) الغارة على القرآن الكريم ، د. عبدالراضي محمد عبدالمحسن ، ص 27
(19) رؤية إسلامية للاستشراق ، أحمد غراب ، ص 55 - 56
(20) رسالتان في الحوار والجدل بين المسيحية والإسلام في عهد الخليفة المأمون، تحقيق وتقديم وشرح المستشرق جورج تارتار، ص 107 - 110
(21) رسالتان في الحوار والجدل بين المسيحية والإسلام في عهد الخليفة المأمون، تحقيق وتقديم وشرح المستشرق جورج تارتار، ص 119
(22) رسالتان في الحوار والجدل بين المسيحية والإسلام في عهد الخليفة المأمون ، تحقيق وتقديم وشرح المستشرق جورج تارتار، ص 140 - 141
وعمل الرهبان في غرب العالم الإسلامي ما عمله رهبان الشرق من تناول الإسلام والتلفيق عليه لتشويهه في أعين أهل البلاد من النصارى وبخاصة أن الأندلس ارتفع بها صوت الحرية الدينية والنقاش حول قضايا الأديان والعقائد ، فقد استغل المنصِّرون ذلك فصنفوا مؤلفات جدلية كثيرة ضد الإسلام وتصدى لهم علماء الإسلام رداً وتفنيدا ً، مثل ابن حزم والقرطبي وأبو الوليد الباجي .
وأبرز الأمثلة على كتابات المنصِّرين الأسبان كتاب (نقض الفقهاء) لأحد النصارى الأسبان ، الذي كان له تأثير بالغ فيما بعد في ريكولدو دي مونت كروتشي الحانق على الإسلام . وقد أفاد كروتشي من هذا الكتاب في تصنيف أشهر كتبه (تفنيد القرآن) الذي عُني به مارتن لوثر وسارع إلى ترجمته للألمانية عام 1542م (23) . كما جاء في كتاب لأحد مشاهير اللاهوتيين في الأندلس المدعو إليوجيس القرطبي Eulogius of Co r dva (توفي 859م) قوله : " بأن محمداً أخبر قومه قبيل وفاته بأن الملائكة ستهبط من السماء لرفع جسده كي يبعث من جديد هناك ، ولبث القوم ينتظرون نزول الملائكة حتى نفذ صبرهم ، وفاحت ريحة كريهة من جثته الفاسدة ، وهاجمت جموع الكلاب المسعورة تنهش جسده الأفون ، ومن هنا فقد صار تقليداً متبعاً وإلفاً متعارفاً عليه بين قومه من العرب قتل أعداد من الكلاب في عرس سنوي انتقاماً لمحمد من الكلاب " .
وقد استبدل فيما بعد جيوبارت الناجينتي Guibe r t of Nagent (توفي 1124م) في كتاب له عن الحملة الصليبية الأولى جموع الكلاب المسعورة بحشد من الخنازير معللاً بذلك تحريم المسلمين أكل لحم الخنزير (24) . وهذه القصة الملفقة عن تعلق جسد الرسو صلى الله عليه وسلم بين السماء والأرض عند موته وافتراس الخنازير لجسده كانت أيضاً من التلفيقات البيزنطية الكريهة في الشرق (25) .
كما أن صفة الوثنية التي ألصقها الأوروبيون بالإسلام والمسلمين ترجع إلى عهود الفتح الإسلمي للأندلس فقد كانت تلفق حتى في انجلترا في عام 711م حيث دبجت كتابات عدة في الغرب عن المسلمين الأعداء المتصفين بالقسوة المفرطة . ومن أهم تلك الكتابات ، ما سطره المؤرخ الانكليزي بيديه (673-735م) إذ ساهم في تكريس وصف المسلمين بالأعداء الوثنيين ، الذين يجب محاربتهم لأنهم يكنون كراهية عميقة للرب المسيحي (26) . وبحسب ريتشارد سوذرن فإنه بالإمكان القول بأن أكثر أخبار وأفكار الأوروبيين عن المسلمين في القرون الأولى للعصور الوسطى في أوروبا كان إسباني المنشأ (27) .(46/287)
وكما نرى فإن التلفيق والكذب من قبل المنصِّرين على الإسلام والرسول صلى الله عليه وسلم كان من القدم في شرق العالم الإسلامي وغربه ، بل الغريب أن يخرج هذا الكذب من أفواه من يفترض أن يتحلوا بالصدق . لقد أشاعت الكنيسة في زمن الحروب الصليبية الأولى في القرن الحادي عشر كل الأكاذيب عن الإسلام بين الجموع وبين مسالك الكهنوت في أوروبا لدرجة أن أحد اللاهوتيين الأوروبيين وهو غيبرت نوغنت كتب أول تقرير موجز عن سيرة النبي محمد عليه الصلاة والسلام بما يمكن اعتباره أول سيرة أوروبية له خارج إسبانيا الإسلامية ، ولم يكن في مصادره التي كتب بها تقريره أي مصادر مكتوبة بل كانت مصادره هي الرأي العام السائد آنذاك حتى أنه يقول في ذلك عن الرسول عليه الصلاة والسلام " إن الباحث له الحق في أن يتحدث بشكل سلبي عن رجل فاقت سيئاته كل حد معقول ..... " (28) .
ومما يثير الانتباه أن التنصير بتشويه صورة الإسلام والاعتماد على الروايات الضعيفة والمكذوبة كان مكشوفاً لدى النابهين في العالم الإسلامي آنذاك ، فهذا الجاحظ يظهر لنا في كتاب رسائل الجاحظ مشاهداته بقوله : " على أن هذه الأمة لم تبتل باليهود ولا المجوس ولا الصابئين كما ابتليت بالنصارى . وذلك أنهم يتبعون المتناقض من أحاديثنا والضعيف بالأسناد من روايتنا والمتشابه من آي كتابنا ثم يخلون بضعفائنا ويسألون عنها عوامنا مع ما قد يعلمون من مسائل الملحدين والزنادقة الملاعين وحتى مع ذلك ربما تبرءوا إلى علمائنا وأهل الأقدار منا ويشغبون على القوي ويلبسون على ومن البلاء أن كل إنسان من المسلمين يرى أنه متكلم وأنه ليس أحد أحق بمحاجة الملحدين من أحد . وبعد فلولا متكلمو النصارى وأطباؤهم ومنجموهم ما صار إلى أغبيائنا وظرفائنا ومجاننا وأحداثنا شيء من كتب المنانية والديصانية والمرقونية والفلانية ولما عرفوا غير كتاب الله تعالى وسنة نبي صلى الله عليه وسلم ولكانت تلك الكتب مستورة عند أهلها ومخلاة في أيدي ورثتها . فكل سخنة عين رأيناها في أحداثنا وأغبيائنا فمن قبلهم كان أولها . وأنت إذا سمعت كلامهم في العفو والصفح وذكرهم للسياحة وزرايتهم على كل من أكل اللحمان ورغبتهم في أكل الحبوب وترك الحيوان وتزهيدهم في النكاح وتركهم لطلب الولد ومديحهم للجاثليق والمطران والأسقف والرهبان بترك النكاح وطلب النسل وتعظيمهم الرؤساء علمت أن بين دينهم وبين الزندقة نسباً وأنهم يحنون إلى ذلك المذهب " .
ويقول الجاحظ أيضاً : " ودينهم - يرحمك الله - يضاهي الزندقة ويناسب في بعض وجوهه قول الدهرية وهم من أسباب كل حيرة وشبهة . والدليل على ذلك أنا لم نر أهل ملة قط أكثر زندقة من النصارى ولا أكثر متحيراً أو مترنحاً منهم . وكذلك شأن كل من نظر في الأمور الغامضة بالعقول الضعيفة ، ألا ترى أن أكثر من قتل في الزندقة ممن كان ينتحل الإسلام ويظهره هم الذين آباؤهم وأمهاتهم نصارى . على أنك لو عددت اليوم أهل الظنة ومواضع التهمة لم تجد أكثرهم إلا كذلك " (29) .
يتبع إن شاء الله .......
_________________________
(23) الغارة على القرآن الكريم ، د. عبدالراضي محمد عبدالمحسن ، ص 31 - 32
(24) دراسات في الفكر العربي الإسلامي .. أبحاث في علم الكلام والتصوف والاستشراق والحركات الهدامة، د. عرفان عبدالحميد فتاح، ص 113 - 114
(25) صورة الإسلام في أوروبا في القرون الوسطى ، ريتشارد سوذرن ترجمة د. رضوان السيد ، ص 67
(26) مقال : أوروبا والإسلام في العصور الوسطى: قضايا المجابهة والعلاقات السياسية والانسانية ، حاتم الطحاوي ، دارالحياة ، 2004/07/3 ،
(27) صورة الإسلام في أوروبا في القرون الوسطى ، ريتشارد سوذرن ترجمة د. رضوان السيد ، ص 55
(28) صورة الإسلام في أوروبا في القرون الوسطى ، ريتشارد سوذرن ترجمة د. رضوان السيد ، ص 68
(29) موقع الإيمان http://www.al-eman.com/Islamlib/view...BID=192&CID=17
وقد وصل مدى التشويه على الإسلام من قبل الكنيسة في أوروبا إلى ألمانيا ، حيث نتج عن التصورات الإسلامية الخاصة بالجنة وما فيها من حور العين ذوات البكارة الأبدية ، وكثرة زوجات النبي والحق الشرعي لكل مسلم في الزواج من أربع نساء ، أن القرون الوسطى المسيحية صورت الإسلام على أنه الوليد الشهواني للشيطان ، وصورت النبي صلى الله عليه وسلم على أنه وحش جنسي آثم .(46/288)
وهكذا كتب في نهاية القرن الحادي عشر رئيس كاتدرائية مدينة ماينتس في ألمانيا ايمبريخو يقول " أن المسلمين يحتفلون بجميع أشكال الزواج التي تحرمها الشريعة الإلهية ، ولأنهم جردوك أيتها الطبيعة من حقوقك غصباً ، تسعى المرأة إلى ممارسة السحاق مع نظيرتها ، ويمارس الرجل اللواط مع مثيله . بل وخلافاً للتقاليد يجامع الشقيق شقيقته ولا تمانع الأخت المتزوجة أن يباضعها أخوها الشيطان . الأبناء يهتكون عرض أمهم والبنت تغتصب أباها . وكل ما هو محبب على هذا المنوال كانت الشريعة الجديدة (الإسلام) تحلله " (30) . إن إطلاق الأكاذيب على الإسلام كان الأمر الشائع بين رواد الكنيسة في تلك العصور الأوروبية المظلمة كما نرى .
ومع بدء الحروب الصليبية واحتكاك النصارى اللاتين بالمسلمين بشكل كبير تتجدد هذه الأطروحات حول النبي محمد عليه الصلاة والسلام والقرآن والإسلام وكيف أنه عليه الصلاة والسلام تأثر بشخص مسيحي فيما تختلف الأطروحات حول هذا الشخص فتارة هو راهب حاول الوصول لمنصب بطرك القدس ، وتارة أخرى هو راهب نسطوري باسم جروجيوس أو سركيس ، وفي مؤلفات أخرى يظهر اسم الكاردينال نيقولاوس النيكولاييني وهو يتبع حركة تحررية غنوصية . وتصل قصة نيكولاوس هذا في مؤلفات لاتينية أخرى إلى درجة الوصول إلى بلاد فارس والتحالف مع محمد وراهب يسمى سيركيس ليتفقوا على نحلة جديدة . وكل هذا إنما كان الغرض من وراءه شيئاً واحداً وهو " تصوير الدين الإسلامي على أنه غير أصيل وغير عريق ، بل أنه صدى لتوجيه مسيحي هرطقي ووصمه بذلك ليتم تجريد القرآن من إدعائه الحق في أن يعد كتاباً من الكتب المنزلة ذات المصدر الإلهي" (31) . وكما سنرى لاحقاً فإن الكتابات اللادينية لا تخرج عن هذه الأطر والأهداف في نقدها للإسلام إذ تستمر في ترديد المقولات التنصيرية عن ورقة بن نوفل وأنه هو معلم النبي ومؤلف القرآن .
وفي القرن الثاني عشر الميلادي وخلال الحروب الصليبية ، ظهرت فكرة ترجمة القرآن الكريم للاتينية حتى يمكن فهم الإسلام ومعرفة تعاليمه ومجادلته وكان السبق في ذلك إلى رئيس دير كلوني بطرس المحترم Pete r The Vene r able في طليطلة ووكل بها الأنجليزي روبرت الكيتوني r obe r t von Ketton ، ونشأ بذلك فكر جديد بين الطبقة الكهنوتية المسيحية تفضل "مهاجمة الإسلام بالكلمة والعقل والمحبة بدلاً من الأسلحة والعنف والكراهية" كما يقول بطرس المحترم (32) . وقد استغرق العمل في الترجمة ثلاث سنوات من عام 1141م ، واتصفت هذه الترجمة بالتعليقات على القرآن الكريم بحيث أصبحت لا تنطبق والمعاني الواردة به لما شابها من تصرف وحذف وتغيير . كما اتسمت الترجمة بتعليقات وملاحظات لدحض الآيات القرآنية وتغيير أحكامها وبالتالي لم تكن ترجمة حرفية أو لفظية للقرآن ، كما لم تتناول معانيه طبقاً لما ورد به من أحكام يعتد بها ومعاملات دنيوية سطرها (33) .
وربما كان بطرس المحترم من أوائل من دعا إلى التبشير كوسيلة للهدم بدلاً من الحرب ، خاصة وأنه بحسب ريتشارد سوذرن ربما قرأ كتابات يوحنا الدمشقي عن الإسلام والتي ترجمت إلى اللاتينية في تلك الفترة (34) . وقد أوضح بطرس هدفه من نشر هذه الترجمة التي شحنت بالتعليقات التي رددت التهم على القرآن والرسول صلى الله عليه وسلم بقوله : " إن القرآن منبع الزندقات وسبب الحركات الهدامة التي تهدد كيان المسيحية فإذا أيد القضاء عليه فلا بد من دراسته والدعوة إلى أنه كتاب تعارض وتضارب وتناقض وأن ما فيه يرفضه العقل " (35) . كما يقول بطرس المحترم أيضاً عن الغرض من هذه الترجمة اللاتينية للقرآن : " إذا بدا أن العمل الذي أدعو له غير ضروري لأن العدو لن يتأثر بهذا السلاح ، أجيب أن بعض الأعمال التي تجري في مجال سلطة الملك الأفخم إنما تتم من أجل ضرورات الدفاع ، أما بعضها الآخر فليس له غير مهمة تزيينية ، والباقي يجري للمستقبل لا للحاضر . فسليمان المحب للسلام كان يصنع سلاحاً لم يستغل في أيامه ، وداود أمر بصنع زخارف للهيكل رغم عدم تبين معاصريه فائدة مثل هذا العمل .. وهذا هو الشأن في العمل الذي أقوم به هنا ، فإذا لم يمكن بهذه الطريقة إعادة المسلمين إلى المسيحية الصحيحة ، فلا أقل من أن يستفيد العلماء المسيحيون من عملنا في مجال دعم المسيحيين السذج الذي يمكن أن تضير هذه الصغائر عقيدتهم " (36) .
إذن فترجمة القرآن للاتينية كان الغرض منها تحريف صورة الإسلام لدى الشعوب الأوروبية وزعزعة صورة القرآن في نفوس المسلمين أيضاً . كما يقول المفكر الألماني هوبرت هيركومر Hube r t He r komme r في مقالته (صورة الإسلام في الأدب الألماني الوسيط) عن هذه الترجمة : " كانت معرفة الصليبيين بالقرآن محدودة جداً . صحيح أن أول ترجمة لاتينية لمعاني القرآن ظهرت سنة 1143م بقلم روبرت الكيتوني ، ولكن الاوروبيون كانوا يتطلعون إلى توظيف ترجمة معاني القرآن للطعن في الإسلام " ، ثم يقول : " استغلت ترجمة روبرت الكيتوني اللاتينية لمعاني القرآن كمجرد ينبوع محبب للطعن في الإسلام على مدى قرون طويلة " (37) .(46/289)
ومن هنا يبدأ تاريخ تشويه صورة القرآن في الترجمات القرآنية أمام الشعوب النصرانية في أوروبا ، ففي ترجمة روبيرت كيتون للآية القرآنية (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ) (38) قام بترجمتها على النحو التالي : " مجامعة الأبناء ومعانقتهم " !! . وهذه الترجمات المغلوطة يبدو أنها كانت مقصودة للتنفير من الإسلام وإطلاق التهم الشائنة على القرآن بل أنها كانت تنبئ عن حقد عميق في قلوب المنصِّرين والقساوسة (39) .
إن هذا الأسلوب في التهكم على القرآن نرى ما يشابهه الآن في كتابات اللادينيين الموجهة ضد الإسلام ، فقد نشر في أحد المواقع اللادينية العربية مقالاً بعنوان (غلمان في الجنة) حول الآيات القرآنية التي تتحدث عن غلمان الجنة وهي : (وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَّهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَّكْنُونٌ ) (40) ، (وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَّنثُوراً ) (41) ، (يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ) (42) . وفي ختام المقال يقول الكاتب ما نصه " يبقى ربط القرآن بما هو متعي مع الغلمان - الولدان احتمالا قائما لا يمكن نسفه " (43) إشارة منه إلى أن القرآن يقول - بزعمه - بأن اللواط في الجنة من متع الجنة ، والهدف من ذلك كما هو عادة المنصِّرين تشويه صورة القرآن في نفس المسلم وبأنه يدعو للشذوذ . كما نجد مثل هذا الطرح يصدر من أحد مواقع التنصير العربية حيث يرد ذات الطرح في كتاب بعنوان (تعليقات على القرآن) في موضوع بعنوان (في القرآن تناقض) (44).
_____
(30) مقال (الإسلام والغرب - الجوار المفقود) للمستشرق الألماني جيرنوت روتر ، صورة الإسلام في التراث الغربي (دراسات ألمانية) ، ترجمة أز ثابت عيد، ص 51 - 52
(31) مسيحية ضد الإسلام - حوار انتهى إلى الفشل ، لودفيغ هاغمان ، ص 47-48
(32) مسيحية ضد الإسلام - حوار انتهى إلى الفشل ، لودفيغ هاغمان ، ص 63
(33) نقد الخطاب الاستشراقي - الظاهرة الاستشراقية وأثرها في الدراسات الإسلامية ج1، د. ساسي سالم الحاج، ص 258
(34) من مقدمة كتاب صورة الإسلام في أوروبا في القرون الوسطى ، ريتشارد سوذرن ترجمة د. رضوان السيد ، ص 18
(35) دراسات في الفكر العربي الإسلامي .. أبحاث في علم الكلام والتصوف والاستشراق والحركات الهدامة، د. عرفان عبدالحميد فتاح، ص 140
(36) صورة الإسلام في أوروبا في القرون الوسطى ، ريتشارد سوذرن ترجمة د. رضوان السيد ، ص 81 - 82
(37) صورة الإسلام في التراث الغربي (دراسات ألمانية)، ترجمة أز ثابت عيد، ص 19 - 20
(38) سورة آل عمران آية 14
(39) مسيحية ضد الإسلام - حوار انتهى إلى الفشل ، لودفيغ هاغمان ، ص 68-69
(40) سورة الطور آية 24
(41) سورة الإنسان آية 19
(42) سورة الواقعة آية 17
(43) http://www.(46/290)
(46/291)
(46/292)
(46/293)
(46/294)
.html
(44) http://(46/295)
(46/296)
(46/297)
(46/298)
(46/299)
ترجمة القرآن الكريم
إن ترجمات القرآن الكريم إلى اللاتينية في هذه الأزمنة المتقدمة كانت مشوبة بالتعصب الكنسي ضد الإسلام والرسولل عليه الصلاة والسلام . وتميزت هذه الترجمات بالعديد من السقطات كاستنباط العديد من المبادئ الإسلامية التي تخالف الشريعة الإسلامية نتيجة للترجمة الفاسدة ، ومنها أيضاً كثرة التصرف في هذه الترجمات كالحذف والتغيير والتبديل والتقديم والتأخير طبقاً لهوى المترجمين . ومنها تصيد القراءات الشاذة ومحاولة تفسيرها بحجج تتلاءم وما جبلوا عليه من التهجم على الإسلام والرسولل ، ومنها أن جل هذه الترجمات أكدت دون أي سند أن القرآن الكريم من وضع صلى الله عليه وسلم وأنه ليس منزلاً ويشوبه التناقض (45) .
بل أن الكنيسة كانت تصاب بالرعب من وجود طبعات عربية للقرآن لخوفها من أن يطلع الأوروبيون على القرآن كما هو ، ولذلك نراها تسارع بإحراق جميع النسخ لأول طبعة عربية للقرآن التي طبعت في البندقية عام 1530 ، بل لم يعثر حتى الآن لأي أثر لهذه الطبعة (46) ، وهذا يدل على فداحة الجريمة التي اقترفت بحق القرآن من جراء الترجمات اللاتينية والأوروبية التي بدأت من ترجمة بطرس المحترم . فلا نعجب إذن من الكتابات اللادينية عندما يتفتق ذهن أحدهم بأن القرآن يقول بوجود آلهة أخرى عندما يقرأ قوله تعالى ( فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ) (47) . فهذا إنما هو إرث كنسي من جراء التعليم التنصيري الذي شوه تعاليم الإسلام بتلك الترجمات الغربية للقرآن الكريم .
ولقد صنف الدكتور إبراهيم عوض كتاباً عن الترجمات الفرنسية للقرآن عنوانه (المستشرقون والقرآن) فضح ما فيها من أخطاء وتلفيقات وتلاعبات كثيرة جداً ، كما ألفت الدكتورة زينب عبدالعزيز كتاباً آخر في فضح ترجمة جان بيرك الفرنسي للقرآن وبيان ما فيها من اخطاء وسقطات مريبة .
وبدءاً من القرن الثاني عشر الميلادي فإن أسطورة الغرب المعروفة ضد سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام أو تلك التي تضفي عليه صفة الاحتيال قد بدأت تكتسب شكل الإصرار المريض والملح . ونذكر من الأمثلة على ذلك جاك دي فيتري J.de Vit r y (توفي 1244) الذي أكد أن الشيطان قد زود الرسول عليه الصلاة والسلام بسادة ومعاونين من الشياطين . ومارتيه بولنكو M. Polonco (توفي 1274) الذي أضفى على النبي صفة رئيس عصابة متحالف مع الشيطان الذي أملاه ديانته ، وفنسان دي بوفيه (1190-1264) V.de Bouvais صاحب موسوعة سبيكولوم Speculum والذي تناول سير النبي بوصفه " ذلك الأفاق واحتيالاته " ، وبيير بسكازيو (1228 - 1300) P. Pascasio الذي ابتدع قصة ذلك الذي حاول أن يصبح كردينالاً وفشل فابتدع عقيدة جديدة انتقاماً ، وهي فرية تناقلتها الأقلام طويلاً . وما أكثر الرهبان الذين تناولوا هذا المعطى السخيف والمبتذل معاً (48) . ونذكر كذلك بارشو لوميو الرهاوي من مدينة الرها (توفي في القرن الثاني عشر الميلادي) والذي تركزت جدليته في أن صلى الله عليه وسلم أخذ القرآن عن راهب نسطوري حيث يقول الرهاوى : " فعندما شهد ذلك الراهب الفاسق سذاجة القوم رأى أن يمنحهم عقيدة وشريعة على غرار مذهب أريوس وغيره من ألوان الكفر والزندقة التي حرم من أجلها فراح يسطر كتابا هو الذي يسمونه القرآن ، وهو شريعة الله ناثراً فيه كل ما أودع من مروق .... وعند ذلك أعطى كتابه لتلميذه ( مؤمد ) وأبلغ أولئك البلهاء أن ذلك الكتاب أنزل على محمد من السماء حيث كان في حفظ جبريل الملك فصدقوه فيما قال ، وبذلك مكّن الراهب لذلك القانون الجديد " (49) .
وينضم القديس توما الأكويني (Thomas von Aquin (1226- 1274 وهو أحد أهم رجالات الكنيسة في أوروبا إلى قافلة الملفقين ، فها هو يصف الإسلام في كتاباته بأنه دين زائف وهرطقة ، وأنه يحتوي على الشهوانية ، ويمزج الحقيقة بالأساطير والعقائد الباطلة ، وأن نبوة صلى الله عليه وسلم لم تؤيد بالمعجزات ، وأن أصحابه لم يكونوا على معرفة بالأمور الإلهية ، بل كانوا من الهمج المتوحشين والبدو ساكني الصحراء ، وأنه بالكثرة العددية لأتباعه استطاع أن يفرض الإسلام على الناس بالقوة الحربية (50) . وفي كتابه (الشامل في الرد على الكفرة) الذي مهد الطريق أمام العمل التبشيري في أسبانيا للدفاع عن المسيحية والطعن في الإسلام يقول توماس الأكويني : " أن ماحوميت (محمداً) قد أغوى الشعوب من خلال وعوده لها بالمتع الشهوانية " (51) .(46/300)
أما أكبر قفزة وتطور في مستوى الجدل التنصيري ضد الإسلام في عهد الحروب الصليبية وانتقاله من مجرد الطعن في أصالة القرآن إلى محاولة المعارضة فكان من خلال الراهب المبشر ريموند مارتيني (1230-1284) الذي تخرج من مدرسة الدراسات الشرقية التي أنشئت في طليطلة عام 1250 والتي كانت تختص بإعداد المبشرين بين اليهود والمسلمين ، حيث تبحر ريموند في دراسة القرآن وحفظ البخاري ومسلم ، واجتهد في الجدل ضد الإسلام ، فألف كتاباً بعنوان (الخلاصة ضد القرآن) كما ألف كتاب (خنجر الإيمان في صدور المسلمين واليهود) يرد فيه على المسلمين واليهود . وبلغت به رغبته في تفنيد القرآن أن حاول معارضته بعد أن علم أنه معجزة صلى الله عليه وسلم ، فوضع كلاماً يعارض فيه القرآن غاية في السخافة والسقامة يقول فيه : " بسم الله الغفور الرحيم ، أعارض قرآن مَنْ آخر اسمه الدال وأوله الميم ، بلسان فصيح عربي مبين ، لا يمنعني منه سيف ولا سكين ، إذ قال لي بلسان الإلهام سيد المرسلين : قل المعجزة لا شريك فيها لرب العالمين وفي الفصاحة يشترك كثير كثيرين يغلب فيها أحيانا الصالح الطالح والكافر المؤمنين ، فليست الفصاحة ولو في النهاية آية ولا معجزة اللهم إلا عند الذين أوطاهم عشوة معلم مجنون حتى قالوا عنه خاتم الأنبياء وسيد المرسلين، مع أنه بإقراره في سورة الأحقاف لم يدر قط ما يُفْعل به ولا بتباعه أجمعين أكتعين ، فقل يامن اسمه رمند ولقبه مرَتْيِن : آه ، لقومٍ يقبل الباطل والخرافات والترهات كأنها اليقين ، وإن كنتم في شك مما ألهمنا إليه عبدنا يامعاشر المسلمين فأتوا بحلِّ هذه الحجة ، وبمثل هذه السورة وادعوا لذلك إخوانكم من الجن إن كنتم مهتدين . فإن لم تقدروا ، ولن تقدروا فقد زهق الباطل، وانتقام اليقين والحمد والشكر لله آمين ، آمين" (52) .
إن هذين العنصرين الهامين في وسائل المنصِّرين وهما : القول بتحريف القرآن ومعارضة القرآن يعتبران من أساسيات الهجوم على الإسلام التي استخدمها المنصِّرون منذ قديم وما يزالون ، والتي تعتبر أيضاً من أهم الكتابات اللادينية ضد الإسلام أيضاً كما سنرى
يتبع إن شاء الله ............
__________________________
(45) نقد الخطاب الاستشراقي-الظاهرة الاستشراقية وأثرها في الدراسات الإسلامية ج1، د. ساسي سالم الحاج، ص 260
(46) موسوعة المستشرقين ، د. عبدالرحمن بدوي ، ص 438
(47) سورة المؤمنون آية 14
(48) موقف الغرب من الإسلام _ محاصرة وإبادة ، أ.د زينب عبدالعزيز ، ص ص 46 - 47
(49) الغارة على القرآن الكريم ، د.عبدالراضي محمد عبدالمحسن ، ص 27
(50) رؤية إسلامية للاستشراق ، أحمد غراب ، ص 30
(51) مقالة صورة الإسلام في الأدب الالماني الوسيط للمفكر الألماني هوبرت هير كومر من كتاب صورة الإسلام في التراث الغربي (دراسات ألمانية)، ترجمة أز ثابت عيد، ص 32
(52) الغارة على القرآن الكريم ، د. عبدالراضي محمد عبدالمحسن ، ص 34 & نقد الخطاب الاستشراقي - الظاهرة الاستشراقية وأثرها في الدراسات الإسلامية ج1، د. ساسي سالم الحاج، ص 52
وبعد الفشل الذي أصاب الحملات الصليبية انتهاءً بحملة لويس التاسع ملك فرنسا على مصر وأسره في المنصورة عام 1250 ، بدأت مرحلة جديدة من مراحل حرب التنصير ضد المسلمين . وقد جاء هذا التحول بناء على وصية القديس لويس التاسع نفسه ، وتلفت هذه الوصية الأنظار إلى صعوبة قهر المسلمين عن طريق القوة بسبب روح الجهاد لديهم ، وتوصي بتلمس طريق الغزو الفكري الهادف إلى دحض العقائد الإسلامية وتزييفها لقتل واغتيال المنطقة العربية ثقافياً وروحياً .(46/301)
وكان بطل هذه المرحلة بلا منازع هو ريموند لول (أو ريموندوس لولوس) (1235م - 1316م ) وهو مبشر حانق على الإسلام كان حلم حياته هدم الإسلام ، وصرف حياته لمهمة تنصير المسلمين ، وسعى جاهداً لتحقيق هدفه من طريقين : عن طريق تصنيف الكتب الجدلية ضد الإسلام والقرآن ، وعن طريق إنشاء كلية للثالوث لإعداد المبشرين للعمل ضد الإسلام . وقام بتقديم ثلاث عرائض إلى البابا كليمان الخامس لإنشاء كلية لدراسة العربية ، وعدد من كراسي تعليم اللغة العربية في الجامعات المختلفة لتكون من أهم وسائل الجدل ضد الإسلام والقرآن وأفضل الوسائل لتنصير المسلمين . وبالفعل نجحت مساعي ريموند لول فقد أمر يعقوب الأول ملك ميورقة بإنشاء كلية الثالوث المقدس في بلدة ميرمار عام 1267م لإعداد المبشرين للعمل في مجال التبشير ضد الإسلام وقام لولو بافتتاحها وإعداد المبشرين فيها بنفسه . وفي عام 1294م ظفر ريموند لول بمقابلة البابا سلستين الخامس وقدم له كتابين فيهما خطة للتبشير بين المسلمين ، وكانت خطته ذات شقين : أولهما أن تتخذ الكنيسة العلم والمدارس وسيلة للتبشير ، وثانيهما أن ينصر المسلمين بالقوة إذا لم تنجح فيهم الجهود السلمية . كما قرّر مجمع فيينا الكنسي نتيجية لجهود ريموند لول المتواصلة فيما بعد بين عامي 1311م و 1312م إنشاء خمسة كراسي لتعليم اللغة العربية في أكبر خمس جامعات في أوربا ( باريس ، أكسفورد ـ بولونيا ـ سلمنكا ـ جامعة الإدارة المركزية البابوية) وعين للتدريس فيها مدرسين كاثوليكيين . ويعد هذا القرار الكنسىّ البداية الرسمية للتنصير المؤسَّسي ، إذ أثمر عن ظهور أكبر مؤسستين تنصيريتين للعمل ضد الإسلام حتى اليوم ، وهما : التبشير والاستشراق . كما أنه ليس من شك في أن القصد من إقامة هذه المراكز العلمية المتخصصة تحت رعاية كنسية صارمة وبتوجيه منها لم يكن إلا مواجهة القوة العربية-الإسلامية وذلك عبر أسلوب دعائي اعتمد الإثارة والتحريض والتحريف ونشر المفتريات واختلاق الأكاذيب (53) .
ولا بد أن نشير إلى أهمية ريموند لول في تاريخ التنصير ضد الإسلام . فقد لخص أرنست رينان محاولات ريموند لول الرامية إلى استبدال الصليبية العسكرية بالصليبية الثقافية بقوله : " لا ريب في أن لول بطل هذه الحروب الصليبية ضد الرشدية ، فالرشدية عندهم هي الإسلام في حقل الفلسفة ، ومن المعلوم أن هدم الإسلام كان حلم جميع حياته . وقد قدم سنة 1311م ، وذلك في مجمع فيينا الديني ، ثلاث عرائض إلى كليمانس الخامس لإيجاد منظومة لهدم الإسلام وإنشاء كلية لدراسات العربية " (54) . بل إن أرنست رينان يعتبره (بطل الحرب الصليبية الثقافية) ضد الرشدية - أي فلسفة ابن رشد - التي كانت عند لول هي الإسلام (55) . كما ألف عنه صموئيل زويمر كتاب سماه ( أول منصِّر بين المسلمين ) ، وقال عنه : "وإلى يومنا هذا كل مستشرقي أوروبا وكتاباتهم مدينة لريموند لول لأن الفضل للمتقدم " ، وكان زويمر معجباً به لدرجة أنه سمى ابنه بـ (ريموند لول) إعجاباً به وتخليداً لذكراه (56) . وكما ذكرنا سابقاً فإن المنصِّرين الأوروبيين قد أصبحوا أكثر جرأة في الدعوة إلى النصرانية بين أظهر المسلمين وفي بلاد المسلمين ، وريموند لول كان أحد هؤلاء حيث استطاع في عام 1299م وعام 1300م أن يحصل على إذن من الملك يعقوب صاحب أراغون ليبشر في مساجد برشلونة محتمياً بالسلطة المسيحية في أسبانيا (57) واستمرت محاولاته في التنصير بين المسلمين إلى أن لاقى حتفه في الجزائر نظير استفزازه للمسلمين (58) عام 1316م .
إن مؤسستي التبشير والاستشراق تتفقان وتتحدان فى استلهام التراث التنصيرى وتكراره للمراحل السابقة فى أطروحاته الأساسية حول الإسلام من خلال الأطروحات الرئيسية الثلاثة : الإسلام هرطقة مسيحية ، محمد نبى مزيف لا أخلاقي ، القرآن تلفيق من كتب العهدين القديم والجديد . لذلك فإنه كما يقول إدوارد سعيد ساخراً عن المستشرقين " سيكون مستشرقاً بحاثة ومختصاً ألمعياً ذلقاً فى أيامنا هذه من يشير إلى الإسلام على أنه هرطقة آرية من الدرجة الثانية ، وأن محمداً نبي لا أخلاقي ، وأنه ألّف كتابه معتمداً على كتب التوارة والإنجيل " (59) .
وسنأتي إلى الطرح الاستشراقي التنصيري لاحقاً من هذا القسم .
_________
(53) دراسات في الفكر العربي الإسلامي .. أبحاث في علم الكلام والتصوف والاستشراق والحركات الهدامة، د. عرفان عبدالحميد فتاح، ص 108-110 & الغارة على القرآن الكريم ، د. عبدالراضي محمد عبدالمحسن ، ص 35 - 36 & تاريخ حركة الاستشراق - الدراسات العربية والإسلامية في أوروبا حتى بداية القرن العشرين، يوهان فوك، تعريب عمر العالم، ص 27 & التبشير والاستعمار في البلاد العربية ، مصطفى خالدي و عمر فروخ ، ص 77 & مناهج البحث في الإسلاميات لدى المستشرقين وعلماء الغرب ، محمد البشير مغلي ، ص 47
(54) دراسات في الفكر العربي الإسلامي .. أبحاث في علم الكلام والتصوف والاستشراق والحركات الهدامة، د. عرفان عبدالحميد فتاح، ص 119(46/302)
(55) الاستشراق والتاريخ الإسلامي (القرون الإسلامية الأولى) ، أزد فاروق عمر فوزي ، ص 34
(56) رؤية إسلامية للاستشراق ، أحمد غراب ، ص 58
(57) التبشير والاستعمار في البلاد العربية ، مصطفى خالدي و عمر فروخ ، ص 115
(58) نقد الخطاب الاستشراقي - الظاهرة الاستشراقية وأثرها في الدراسات الإسلامية ج1، د. ساسي سالم الحاج، ص 53
(59) الغارة على القرآن الكريم ، د. عبدالراضي محمد عبدالمحسن ، ص 41
وهكذا بدأت مرحلة جديدة بعد الحروب الصليبية حيث قررت الكنيسة تحويل الصراع إلى صراع فكري وثقافي وتركيز الهجوم على الإسلام . كما شاعت في كتابات اللاهوتيين الأوروبيين من رحالة ومطارنة وباباوات ومنذ نهاية القرن الثالث عشر إمارات اليأس من إمكان حل المسألة الإسلامية عن طريق ضربات عسكرية (60) . ومن هؤلاء الراهب الفرنسيسكانى روجر بيكون r oge r Bacon الذي ويعتبر من أحد أوائل من طالب بممارسة العمل التبشيري كوسيلة للاستيلاء على الشرق بديلاً عن الحرب المقدسة ، التي رآى أنها عديمة الجدوى وأن أفضل وسيلة لنشر المسيحية بين المسلمين هي التبشير السلمي والموعظة الحسنة (61) . إلا أنه رآى أن المسيحية عاجزة عن ذلك لأسباب ثلاثة : فلا أحد يعرف لغات الشعوب المراد التبشير بينها ، ولا أحد يعرف ما هية عقائد من يراد التبشير بينهم ، ولا أحد يملك حججاً مؤسسة على المعرفة لدعوة غير المسيحيين إلى الكاثوليكية (62) . فقام بتوجيه رسالة إلى البابا اكليمنص الرابع سنة 1266م ضمَّنها دعوته إلى وجوب إدخال اللغات الأجنبية إلى مناهج الدراسات الجامعية وبخاصة اللغة العربية للإفادة منها كوسيلة للتبشير ضد الإسلام ودراسة أحوال المسلمين للوقوف على الطرق التي يمكن النفاذ منها إلى هدم عقيدتهم وتقويضها (63) .
كما برز في الجانب التبشيري بين المسلمين وبشكل ظاهر المبشرين الدومينيكان حيث أسسوا مدارس لغوية خاصة لهذا الغرض . ثم انتقل النشاط إلى البدء بالتنصير بين المسلمين فنشأت مؤسسة رهبنة الفرنسيسكان الذين جازفوا بالطعن في الإسلام بين المسلمين من غير تكتم مما أدى إلى أن يدفعوا أرواحهم ثمناً لذلك وباءت كل جهودهم بالفشل (64) . ونذكر مثالاً لهؤلاء القساوسة الدومينيكان الذين قادوا حملة ضد القرآن وذلك بتشويه مصدريته والزعم بتحريفه ، فمنهم وليام الطرابلسي Wilhelm von T r ipolis المقيم الدومينيكاني بعكا سنة 1273م الذي نشر كتاباً بعنوان (رسائل عن حالة السراسن ونبيهم الكاذب محمد وشريعتهم وعقيدتهم) . جاء في هذا الكتاب : " لقد حرص أتباع محمد على أن يكون لهم كتاب مقدس جمعوا فيه ما أثر عن محمد من تعاليم ، فعهدوا بالأمر إلى أحدهم الذي كشف عن فشله وأبان عن عجزه فانقلبوا إلى اليهود وزنادقة النصارى يسألونهم العون والنصرة ، فجمع هؤلاء نصوصاً متفرقة من العهدين ، ثم التلفيق بينها عشوائياً وكيفما اتفق ، وهكذا جاء الكتاب في مجموعه تحريفاً وتشويهاً للتعاليم اليهودية المسيحية " (65) .
وفي عام 1291م أيضاً زار ريكاردوس دي سانت كروز الدومينيكاني r icoldus de Santa C r use بغداد وألف كتاباً في نقض القرآن جاء فيه : " لقد ثبت أن القرآن من صنع محمد ووضعه لأنه كتاب فيه تناقض وتدابر وخلو من النوازع الخلقية السليمة " . كما وصف العقيدة الإسلامية بالغموض واللاعقلانية والتفاهة والإصرار على العنف ، ومن ثم فإنه لا بد أن يكون (أي الإسلام) " من صنع إبليس الذي شاءت الإرادة الإلهية له أن يدون هذا الكتاب ليمهد الطريق لظهور المسيح الدجال . ولما شعر إبليس بعجزه عن إيقاف زخم الهداية المسيحية في المشرق وأنه لا يستطيع معارضة شريعة موسى وإنجيل عيسى قرر إبليس أن يختلق كتاباً ثم بحث عن شخصية شريرة بالطبع والفطرة فوجدها مجسدة في رجل اسمه محمد ، وتثني العقيدة والدين ، إجرامي النشأة والتكوين ، فنسب الكتاب إليه وصار يعرف باسمه ويرتبط به " (66) .
كما قام بارثليمو الأوديسي Ba r tholomew of Edessa بنشر كتاباً فيه صورة حوار ثنائي بين مسلم ومسيحي جاء فيه : " أن محمداً لم يكن نبياً مرسلاً بل داعراً استهوته الملذات الجسدية ومبشراً بنزعة عدمية في دائرة الأخلاق ، لا تقر عرفاً سائداً أو خلقاً فاضلاً ، وانه كان قاتلاً وسارقاً وقاطع طريق وساحر ، وأنه ملك قلوب المغفلين بالمكر والخديعة والخداع والتضليل " (67) . بل تعدى الأمر إلى أن المسيحيين في أوروبا في القرون الوسطى كانوا يحرفون اسم النبي صلى الله عليه وسلم عمداً فيدعونه (ماهوند) Mahound أي الشيطان (68) .
وقد كان لدور الكهنة المتجولين في الشرق وبعض الفرسان الصليبيين العادين دور في خلق تصور شعبي ملفق عن الرسول عليه الصلاة والسلام والإسلام داخل أوروبا . ويقول هذا التصور بوثنية الإسلام ووجود ثلاثين إلهاً للمسلمين آلهتها الأساسيون فراكوتوس وأوبولو ومحمد ، وقد استمرت هذه الصورة حتى نهايات العصور الوسطى في بعض الأوساط الأوروبية (69) .(46/303)
وهذا الصورة الملفقة عن الإسلام بأنه ديانة وثنية ما تزال حتى الآن تنشره الكتابات التنصيرية وتنقله بدروها إلى الكتابات اللادينية بالزعم بأن المسلمون يقدسون الحجر الأسود والكعبة وأن هذا التقديس انتقل من وثنية الجاهلية ، وبتقديسهم للقمر الذي كان أحد آلهة العرب قبل الإسلام .
________________
(60)من مقدمة كتاب صورة الإسلام في أوروبا في القرون الوسطى ، ريتشارد سوذرن ترجمة د. رضوان السيد ، ص 20
(61)نقد الخطاب الاستشراقي - الظاهرة الاستشراقية وأثرها في الدراسات الإسلامية ج1، د. ساسي سالم الحاج، ص 50
(62)صورة الإسلام في أوروبا في القرون الوسطى ، ريتشارد سوذرن ترجمة د. رضوان السيد ، ص 101
(63)الغارة على القرآن الكريم ، د. عبدالراضي محمد عبدالمحسن ، ص33
(64)مسيحية ضد الإسلام - حوار انتهى إلى الفشل ، لودفيغ هاغمان ، ص 71 - 73
(65)دراسات في الفكر العربي الإسلامي .. أبحاث في علم الكلام والتصوف والاستشراق والحركات الهدامة، د. عرفان عبدالحميد فتاح، ص 115 - 116 & وأنظر الاستشراق رسالة استعمار ، د. محمد الفيومي ، ص 367 - 368
(66)دراسات في الفكر العربي الإسلامي .. أبحاث في علم الكلام والتصوف والاستشراق والحركات الهدامة، د. عرفان عبدالحميد فتاح، ص 116 - 117
(67)دراسات في الفكر العربي الإسلامي .. أبحاث في علم الكلام والتصوف والاستشراق والحركات الهدامة، د. عرفان عبدالحميد فتاح، ص 112 - 113
(68)رؤية إسلامية للاستشراق ، أحمد غراب ، ص 25
(69)من مقدمة كتاب صورة الإسلام في أوروبا في القرون الوسطى ، ريتشارد سوذرن ترجمة د. رضوان السيد ، ص 14
إن عصر بعد الحروب الصليبية بالنسبة للكنيسة كان يمثل ذروة الحرب الثقافية على الإسلام . فنتيجة لاحتكاك الصليبيين الأوروبيين مع المسلمين لما يقرب من قرنين من الزمان واطلاعهم على التراث الإسلامي وحصولهم على الكثير من المخطوطات ، فقد كثرت المؤلفات الكنسية التي تهاجم الإسلام . وهذا الموقف الكنسي البغيض من الإسلام ليس نتيجة لقلة المصادر ، فقد كثرت ترجمات المخطوطات الإسلامية في ذلك الوقت كما أن علماء اللاهوت في ذلك الوقت كانوا يتصلون بالمصادر الأولى في تعرفهم على الإسلام ، ولكن كل محاولة لتقييم هذه المصادر على نحو موضوعي نوعاً ما ، كانت تصطدم بحكم سابق يتمثل في أن هذا الدين المعادي للمسيحية لا يمكن أن يكون فيه خير ، وهكذا كان الناس في الغرب لا يولون تصديقهم لتلك المعلومات التي تتفق مع هذا الرأي المتخذ من قبل وكانوا يتلقفون منهم كل الأخبار التي تلوح لهم مسيئة إلى صلى الله عليه وسلم وإلى دين الإسلام (70) .
وبهذا تستمر حملات التشويه ضد الإسلام ، فقد قدم إلى فلسطين الإيطالي يعقوب الفيروني James of Ve r ona ووضع رسالة وصف فيها القرآن بأنه تشويش مروع ومخيف للمسيحية (71) . وحول تشويه الوحي الإلهي للنبي يصور أندريه دونالدولو (توفي عام 1354م) النبي محمد جالساً وعلى إحدى كتفيه حمامة تعهد تدجينها فصارت تلتقط الحب من جوف أذنية ، وزعم لأتباعه أن الحمامة من الملك المرسل من الرب إليه (72) . وبينما كان اللاهوتيون فيما قبل القرن الرابع عشر يرون في النبي محمد بأنه ساحر ، رآى لاهوتيو القرن الرابع عشر بأنه كاردينال طمح لمنصب البابوية وعندما فشل في الوصول إلى المنصب تحول إلى عدو شرس للمسيحية كلها (73) .
كما أنه من المهم أن نشير هنا إلى ريكولدوس دي مونتي كروتشي (1243م- 1320م)Pennini r icoldo Da Monte C r oce الراهب والمبشر الدومينيكاني الذي كتب كتابه (الجدال ضد المسلمين والقرآن) بعد أن عاش دهراً بين المسلمين واجتمع بعلمائهم وجادلهم (74) . وهذا الكتاب الذي يسمى بعدة أسماء منها (ضد شريعة المسلمين) يحاول على مدى صفحاته أن يثبت أن القرآن خليط متنافر من الهرطقات المسيحية القديمة المدحوضة منذ أبد بعيد وأنه مزيج من أراء تعليمية ذات أصول هي في منتهى التباين والاختلاف . كما يركز على غياب المعجزة عن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم بخلاف عيسى عليه السلام . إلا أن أهم ما نركز عليه في كتابه هو ما يزعمه من وجود تناقضات كثيرة ملازمة للقرآن والمناقضة للعقل أيضاً والتي تتجلى بزعمه في أربعة نقاط :
1) في النبي محمد صلى الله عليه وسلم وذلك في الحقيقة على أساس أطوار حياته المنافية للأخلاق . وهذا مأخذ سيظل يرد المرة بعد الأخرى في الجدل المذهبي للإسلام .
2) في القرآن ذاته ، على قدر ما يتضمن من أقوال لا تفيد شيئاً لأنها أقوال مسهبة مكررة ووجود صياغات بذيئة فاحشة فيه.
3) في الممارسة العقدية للمسلمين كما في عمليات الوضوء وكذلك في فهمه للزواج وممارسة الطلاق .
4) في التصورات القرآنية الخاصة بالجنة وهي التي كانت تمثل مساحة هجوم للكتاب المسيحيين على الإسلام منذ العصور الأولى (75) .(46/304)
وهكذا نرى استمراراً لذات الأطروحات والأكاذيب التي طرحها يوحنا الدمشقي وعبدالمسيح الكندي والبيزنطيين الأوائل ضد الإسلام والقرآن والرسولل النبي صلى الله عليه وسلم الأمر الذي يدل على ترسيخ هذه المفتريات في العقلية النصرانية الأوروبية ضد الإسلام واستمرار هذه الأطروحات والأكاذيب في الكتابات اللادينية كما سنرى لاحقاً .
___________
(70) الاستشراق رسالة استعمار ، د. محمد الفيومي ، ص 189
(71) دراسات في الفكر العربي الإسلامي .. أبحاث في علم الكلام والتصوف والاستشراق والحركات الهدامة ، د. عرفان عبدالحميد فتاح، ص 121
(72) دراسات في الفكر العربي الإسلامي .. أبحاث في علم الكلام والتصوف والاستشراق والحركات الهدامة، د. عرفان عبدالحميد فتاح، ص 114
(73) صورة الإسلام في أوروبا في القرون الوسطى ، ريتشارد سوذرن ترجمة د. رضوان السيد ، ص 121
(74) موسوعة المستشرقين ، د. عبدالرحمن بدوي ، ص 306
(75) مسيحية ضد الإسلام - حوار انتهى إلى الفشل ، لودفيغ هاغمان ، ص 99 - 101
وفي القرن الخامس عشر وقد أوشكت القسطنطينية على السقوط تحت سنابك خيل محمد الفاتح وقواته ، ازدادت هذه الخيالات المختلفة في أذهان المنصِّرين والكنيسة إسرافاً ورسوخاً . فنقرأ في مؤلف لكتاب مجهول عن مصدر الإسلام قوله : " أن راهباً من النحلة الأريوسية لما تحقق من العرب قوم سخفاء وبسطاء ، قرر في نفسه أن يضع لهم كتاباً في الدين والعقيدة ، كما فعل من قبل آريوس المنشق عن الكنيسة والدين الصحيح فاختلى إلى نفسه واختلق كتاباً أسماه القرآن ضمنه جملة العقائد المخالفة للمسيحية ( أفكار التثليث ، وعقيدة التجسد ، وألوهية عيسى ) . ثم أعطاه لأحد تلاميذه المسمى محمداً الذي زعم لأتباعه أن الكتاب كان محفوظاً في اللوح مع جبريل . فآمنوا بدعواه وصدقوه ، وهكذا تأسس هذا الدين المزعوم " (76).
ونلاحظ في هذه الفترة اهتمام الكنسيون بالقرآن الكريم والتركيز على تشويهه أمام الشعوب الأوروبية . فقد بدأ في عام 1453م الكاردينال يوحنا السيغوفي Johannes von Segovia بترجمة للقرآن الكريم لأنه كان يريد عن طريق دراسة النص القرآن إثبات أنه يتضمن تناقضات وأخطاء وآثار مؤلفين مختلفين ليقنع المسلمين بأن القرآن ليس كتاباً موحى به من عند الله كما يدعون (77) . وهذا اللاهوتي يوحنا الأشقوبي Juan Alfonsi De Segobia (توفي بعد 1456م) لم يجد أمامه غير مقاومة الإسلام إلا بترجمة القرآن إلى اللاتينية بعد أن فتح المسلمون القسطنطينية ، وبعد أن ترجمه إلى اللاتينية صنف كتاباً في الرد على الإسلام سماه (طعن المسلمين بسيف الروح) (78) .
وفي عام 1460م قام الكاردينال والفيلسوف الألماني نيقولاس فون كيس Nicholas of Cusa (أو نيقولاوس الكويسي) بغربلة القرآن لأنه يريد أن يخرج منه ذلك بتأكيد قناعاته بأن الإسلام هو هرطقة مسيحية ثم قام بنشر كتابه المسمى (دراسة تحليلية ونقدية للقرآن) أو (نظرة في القرآن) والتي ألفها عام 1460-1461م ، زاعماً فيه " أن القرآن مركب من هجين من عناصر ثلاثة : تعاليم نسطورية هرطقية المضمون والمحتوى ، وأحاسيس عدوانية للمسيحيين أملاها على محمد مستشاره اليهودي ، وتحريفات إضافية سجلها اليهود الذين استعان بهم في جمع مادة القرآن وترتيبه وتحريره عقب وفاة محمد وفشل أتباعه في إنجاز المهمة بجهودهم الذاتية " . حتى أنه في رسالته إلى البابا بيوس الثاني يشير إلى أن الإسلام مشتق من الهرطقة النسطورية . حيث يظن هؤلاء المنصِّرين والكرادلة أن الراهب بحيرى الذي التقاه الرسول في رحلته إلى الشام مع عمه أبو طالب إنما هو راهب نسطوري إلى درجة بعيدة . ومن هنا أعلن نيقولاس لأتباعه بأن السبيل الوحيد إلى إسقاط الإسلام هو العمل على نفي وجوده الشرعي كدين سماوي وذلك بإثبات القول ببشرية القرآن وأنه كتاب مختلق وموضوع من صنعة النبي محمد عليه الصلاة والسلام (79) . كما أنه بتوجيه من البابا بيوس الثانى ، قام نيقولاوس بكتابة كتاب ضد الإسلام بعنوان (نقد الإسلام وتفنيده) . كما تظهر كتابات أخرى ضد القرآن وضد الرسول من قبل عدد من الآباء الدومينيكانيين والجزويت ومنها : (حول الخداع المحمدى) و (التحصين الإيمانى) و (بحث للرد على الأخطاء الرئيسية الخادعة لمحمد) وأخيراً وليس آخراً(الإيمان المسيحى الحقيقى ضد المحمديين) (80) .(46/305)
ثم يظهر مارتن لوثر مؤسس البروتستانتية في زمن السلطنة العثمانية وأثناء دك العثمانيين للمدن الأوروبية مما يثير حنق لوثر حتى أنه يؤيد طبع أحد ترجمات القرآن تحوي العديد من الأغلوطات إلى اللاتينية . فعندما قام السويسري يوحنا أوبورين بذلك عام 1542م حظرت بلدية مدينة بازل نشره ، ولم تسحب هذا الحظر إلا بعد التدخل المكثف لمارتن لوثر . ويقول مارتن في هذا الشأن وعن سبب حماسه لنشر هذه الترجمة اللاتينية للقرآن مظهراً حقده على الإسلام : " لأن المرء لا يستطيع أن يلحق بمحمد أو بالأتراك شيئاً أكثر إثارة للغيظ ، ولا أن ينالهم بضرر وإيذاء هما أشد من كل ما عداهما من الأسلحة كالذي يلحق بهم حين يكشف عن قرآنهم لدى المسيحيين لكي يروا كم هو كتاب ملعون شائن إلى أقصى الدرجات وكم هو حافل بالأكاذيب والخرافات وكل الفظائع " (81) .
ومارتن لوثر برغم انشقاقه عن الكنيسة الكاثوليكية إلا أنه ما يزال يستمر على ذات النهج والهدف في نقده ومهاجمته للإسلام . فهو يرى أن الشيطان هو الذي حرض محمداً وأن القرآن من تأليفه . كما أنه يضع أطروحة جديدة ضد الإسلام سيستمر المنصِّرين اللاحقين باستخدامها في مدى واسع ألا وهي انتشار الإسلام من خلال الأعمال العسكرية فيقول " إنه أمر يوصى به في شريعتهم بصفته عملاً ربانياً مستحسناً أن ينهبوا ويقتلوا ويلتهموا المرة بعد الأخرى كل شيئ من حولهم ويفسدوا كل شيئ كما يقولون هم يحسبون أنهم يسدون به خدمة لله " . كما يتناول التشريع الإسلامي ، فيتحدث عن الزواج في الإسلام فيقول "والمسألة الثالثة هي أن قرآن محمد لا يحترم الحياة الزوجية " ، فيتحدث عن تعدد الزوجات ، والإماء (82) .
لقد قام مارتن لوثر بأكثر من ذلك برغم أنه مؤسس الكنيسة البروتستانتية الإصلاحية فقد أهان نبي الإسلام بلا أدنى حياء واصماً إياه بأنه....وكان يعلن بقوله : " بعد ظهور الأتراك على حقيقتهم أرى أن القساوسة عليهم أن يخطبوا الآن أمام الشعب عن فظائع محمد حتى يزداد المسيحيون عداوة له ..." (83) .
إن الحقد في نفوس هؤلاء الكنسيون الأوروبيون وبالأخص بعد أن فتح المسلمون القسطنطينية لعب دوراً كبيراً في إطلاق الأكاذيب ضد الإسلام وترويجها . ويمكن القول أن صورة الإسلام في العصور الوسطى (التي تمتد منذ 650م إلى 1570م) في أوروبا والعالم النصراني وقرابة تسعة قرون كانت عبارة عن أكاذيب وتلفيقات رسختها الكنيسة ليس داخل إطار الكنيسة فقط وإنما من خلال الشعوب الأوروبية كافة . لقد رأينا كيف أن تلك الأكاذيب التي صاغها الأولون منذ القرون الأولى للإسلام كيوحنا الدمشقي لم تزل هي نفسها في القرن السادس عشرالميلادي ، بل وتطورت لتصبح أكثر درامية .
فالقصص عن مصدر الإسلام تتنوع ، والأكاذيب حول الرسو صلى الله عليه وسلم تختلق . إلا أنه فيما بعد سيبدأ ظهور الأكاذيب في شكل علمي تحت إطار الاستشراق ، حيث الاعتماد ليس فقط عن الأكاذيب الكنسية الموروثة ، وإنما على الروايات الضعيفة في المصادر الإسلامية .
_____________
(76) دراسات في الفكر العربي الإسلامي .. أبحاث في علم الكلام والتصوف والاستشراق والحركات الهدامة ، د. عرفان عبدالحميد فتاح ، ص 113
(77) صورة الإسلام في أوروبا في القرون الوسطى ، ريتشارد سوذرن ترجمة د. رضوان السيد ، ص 135
(78) موسوعة المستشرقين ، د. عبدالرحمن بدوي ، ص 41
(79) دراسات في الفكر العربي الإسلامي .. أبحاث في علم الكلام والتصوف والاستشراق والحركات الهدامة، د. عرفان عبدالحميد فتاح، ص 121 & مسيحية ضد الإسلام، لودفيغ هاغمن ، ص ص 110 - 112
(80) الغارة على القرآن الكريم ، د. عبدالراضي محمد عبدالمحسن ، ص 37
(81) مسيحية ضد الإسلام - حوار انتهى إلى الفشل ، لودفيغ هاغمان ، ص 69 & صورة الإسلام في التراث الغربي (دراسات ألمانية) ، ترجمة أز ثابت عيد، ص 20-21
(82) مسيحية ضد الإسلام - حوار انتهى إلى الفشل ، لودفيغ هاغمان ، ص 135 - 137
(83) صورة الإسلام في التراث الغربي (دراسات ألمانية)، ترجمة أ. ثابت عيد، ص 21(46/306)
في القرن السابع عشر يظهر التشويه ضد الإسلام في دوائر المعارف التي يحررها القساوسة . فالأب لويس موريرييذكر في القاموس التاريخي الكبير المنشور عام 1674م عن أصل الإسلام : " ... محمد نبي مزيف عربي الموطن ولد عام 571م وفقاً للتقدير العام ، فقد والديه وهو طفل ، وقام عمه أبو طالب بتربيته . ودفعه الفقر ليخدم عند أحد التجار العرب ، وعند وفاة هذا التاجر قام بإمتاع أرملته المسماة كاديج لدرجة أنه تزوجها وأصبح وريثها الوحيد . فاستخدم أموالها ليزدهر ويخدم طموحاته .. وبعد ذلك شارك كلاً من باتيراس ، وهو هرطقي يعقوبي ، والأب جورجيوس وهو راهب نسطوري وبعض اليهود الذين عاونوه على تجميع قرآنه ، وبذلك أصبح دينه مكوناً جزءاً من اليهودية وجزءاً آخر من أحلام هرطقية ، واستسهالات جنسية لطبيعة منحرفة .." (84) . كما يكتب الراهب فيليب جودانيول Ph. Guadennol عام 1699م في باريس كتابه (حياة محمد المحتال ، كما رآها المؤرخون العرب والفرس واليهود والكدلانيون واليونانيون واللاتينيون مصحوباً بموجز تقويمي يوضح الزمن الذي عاشوا فيه واصًل وطابع كتابتهم) ، وهذا الكتاب استقى المؤلف كل توجيهاته حوله ومعلوماته من خلال البابوات والمجامع الكنسية (85) .
وهذا لاهوتي آخر من المشاهير وهو همفري بريدو (1648م - 1724م) الذي ألف كتابه عن الرسو صلى الله عليه وسلم عام 1697م والذي عنوانه ( الطبيعة الحقيقية للخداع كما يتجلى كاملاً في حياة محمد ) ، حيث يزعم في مقدمته إلى تبرئة المسيحية من الخداع بزعمه أن الخداع هو الموجود في الإسلام (86) . وهذا ملك أسبانيا فيليب الرابع يطلب إلى أحد المبشرين الألمان وهو جيرمانوس السيليزي (1588 - 1670) بتأليف كتب تبشرية تهاجم الإسلام بعد رحلة تبشيرية قام بها هذا الراهب في بلاد المسلمين ، بل قام أيضاً بترجمة القرآن إلى اللاتينية وكتب رداً على القرآن (87) .
وفي العصر الحديث تستمر الحملة على الإسلام والقرآن والرسولل على ذات المنوال وذات الهدف والمنهج ولكن تتستر تحت عباءة الاستشراق والعلم ولكن بجسد التبشير والتنصير . بل لقد أصبح موضوع مصادر القرآن و مصادر الإسلام فرعاً مستقلا بذاته في دراسات مؤسّستي التنصير : الاستشراق والتبشير . وقد حرص مجادلو التنصير في هذا المجال على إرجاع كل كبيرة وصغيرة في القرآن إلى مصدر سابق سواء أكان دينياً أم غير ديني، وقد دارت مصادرهم المقترحة للقرآن الكريم حول مصادر ستة : الوسط الوثني في شبه جزيرة العرب ( معتقدات، عادات، عبادات، أشعار) وعلى الأخص شعر أمية ابن أبي الصلت ، الحنفاء ، الصابئة ، الزرادشتية وديانات الهند القديمة ، النصرانية ، واليهودية (88) .
ويشير ريتشارد سوذرن في كتابه صورة الإسلام في أوروبا في القرون الوسطى إلى أن الصور المشوهة عن الإسلام في أوروبا والتي استمرت عبر العصور الوسطى الأوروبية قد تعرضت للنقد بشكل أو بآخر ، إلا أن هناك أفكاراً ثابتة عن الإسلام والنبي تدخل في التفاصيل وتتجاوز الحقبة الوسيطة إلى عصور الاستشراق ، ومنها الاقتناع بافتقار الإسلام للإخلاقية والتي يمثلوها في سلوك النبي الشخصي عليه الصلاة والسلام (89) . أي أن الاستشراق ورث الطعن في الإسلام من خلال الطعن بالرسول من خلال الصورة المشوهة عن الإسلام التي زرعتها الكنيسة في أوروبا منذ القرون الوسطى .
إن أول استعمال لكلمة (مستشرق) كان حوالي عام 1630م (90) ، ويرى آخرون أنه ظهر كمصطلح في اللغة الاإنجليزية في العام 1779م (91) . ولكن يمكن القول أن الاستشراق نشأ في زمن الحروب الصليبية أو بعدها ، وقد نشأ أول ما نشأ كنسياً ولهدف واحد هو الرد على الإسلام وتشويه صورته . وهكذا فإن الحديث عن طروحات الاستشراق فيما يختص بالإسلاميات لا يخرج عن الحديث عن الافتراءات النصرانية طوال قرون عديدة على الإسلام . فلقد نشأ الاستشراق على أيدي رجال الكهنوت بغرض تشويه حقائق الإسلام ، وإعاقة نشره بين الغربيين ، وتكثيف الجهود التبشيرية ليس فقط من اجل الانتصار للنصرانية فقط ولكن كما ذهب إلى ذلك ردوي بارت r udi Pa r et بدافع التبشير الذي عرفه بأنه " إقناع المسلمين بلغتهم ببطلان الإسلام واجتذابهم إلى الدين المسيحي " (92) .(46/307)
ويقسم العديد من الباحثين الاستشراق إلى عدة فروع . ولكن من حيث الأغراض فقد انقسمت الدراسات الاستشراقية إلى مدارس مطابقة لأغراض ودوافع عدة إلى ما يلي : فهناك المدرسة النصرانية ولها نزعتان : كاثوليكية وبروتستانتية . وهناك المدرسة اليهودية ، وهناك المدرسة الإلحادية العامة ، وأخيراً المدرسة الإلحادية الشيوعية ، إلا أن الجانب الأكبر في هذه الدراسات كان للمدرسة النصرانية كما يقول المستشرق سنوك هورخروني : " وبالتدريج توصلنا إلى اليقين بأن دراسة اللغات والحضارات والتاريخ السياسي والأدبي ضرورية ، وكذلك دراسة المؤسسات الاجتماعية والدينية لكل الشعوب الشرقية الأخرى ، التي لم نهتم بها حتى اللآن إلا للمصالح التجارية العلمية ، أو بدرجة أعمق من أجل المصلحة التنصيرية (93) . كما يقول أحد الباحثين : " كان الباعث الديني للاستشراق في بداية الأمر عرقلة تيار التحول من المسيحية إلى الإسلام ، ثم تطور هذا الباعث فيما بعد إلى محاولة تشكيك المسلمين أنفسهم في عقيدتهم بزعزعة المثل العليا للإسلام في نفوس أبنائه من ناحية وإثبات تفوق الحضارة الغربية وعظمتها من ناحية أخرى " (94) .
ويعترف المستشرقون أنفسهم بتأثرهم بتلك النعرة الكنسية تجاه الإسلام حيث تضافر الخوف من الإسلام مع الجهل به والحقد عليه في تكوين صورة مشوهة عنه في أوروبا في القرون الوسطى . واستمرت هذه الصورة لم تتغير في جوهرها حتى العصر الحاضر في الدراسات الاستشراقية والإعلام الغربية . وهذه الصورة المشوهة للإسلام هي بداية الاستشراق . ويشير المستشرق مونتجمري وات وهو أحد كبار المستشرقين في العصر الحديث إلى أهم العناصر التي كونت هذه الصورة وهي : " أن العقيدة الإسلامية تحتوي على انحرافات (عن العقيدة المسيحية) وأن الإسلام دين العنف وأنه انتشر بالسيف وأنه دين يدعو إلى الانغماس في الشهوات وبخاصة الشهوات الجنسية . وأن في شخصية محمد ضعفاً أخلاقياً ، وأنه مؤلف دين زائف " (95) ، كما يقول أيضاً عن هذا الإرث الكنسي : " جد الباحثون منذ القن الثاني عشر في تعديل الصورة المشوهة التي تولدت في أوروبا عن الإسلام . وعلى رغم الجهد العلمي الذي بذل في هذا السبيل ، فإن آثار هذا الموقف المجافي للحقيقة التي أحدثتها كتابات القرون المتوسطة في أوروبا لا تزال قائمة فالبحوث والدراسات الموضوعية لم تقدر بعد على اجتنابها " (96) .
وبالطبع لا تخرج هذه الإدعاءات عن كل ما أوردناه سابقاً في تاريخ الجدل النصراني مع الإسلام خلال قرون طويلة حيث نرى بشكل واضح كيف أن مستشرق من القرن العشرين يوجز لنا أطروحات المستشرقين في العصر الحديث ، والتي لا تخرج عن أطروحات القساوسة والكهنة والرهبان في العصور الوسطى وما بعدها. ويعترف المستشرقون أو من أرخوا لهم بأن الجانب الديني في تناولهم للإسلام كان له أثر في كتاباتهم عن الإسلام وأنه من الصعوبة بمكان التخلي عن هذه النعرة في كتاباتهم ، فيقول المستشرق الأمريكي برنار لويس : " لا تزال آثار التعصب الديني الغربي ظاهرة في مؤلفات عدد من العلماء المعاصرين ومستترة في الغالب وراء الحواشي المرصوصة في الأبحاث العلمية " . ويقول المؤرخ البريطاني نورمان دانييل " على الرغم من المحاولات الجدية المخلصة التي بذلها بعض الباحثين في العصور الحديثة للتحرر من المواقف التقليدية للكتاب النصارى من الإسلام فإنهم لم يتمكنوا أن يتجردوا منها تجرداً تاماً " (97) .
وهذا الفيلسوف الفرنسي غوستاف لوبونGustav LeBon يؤكد هذه النزعة الكنسية ضد الإسلام فيقول : " إننا لسنا أحرار في بعض الموضوعات ، والمرء عندنا ذا شخصيتين : الشخصية العصرية التي كونتها الدراسات الخاصة والبيئة الخلقية والثقافية والشخصية اللاشعورية التي استقرت وتبلورت بفعل الماضي الطويل وتأثير الأجداد والسلف .. وهكذا فإن أوهامنا الموروثة والمستقرة في اللاوعي عن الإسلام والمسلمين قد تراكمت عبر قرون كثيرة وصارت جزء من مزاجنا وطبيعة متأصلة فينا " (98) .(46/308)
ويقول جان برو فيلارد في مضمار الحديث عن المخاطر المنهجية في دراسة الإسلام : " إذا كنا نخوض في هذه الدراسة الخطيرة بشيئ من الجرأة (وربما بشجاعة اللاوعي ) فعلينا أن نعلم سلفاً أن تجردنا سوف يصطدم باستمرار في داخل أعماقنا ، بأحكامنا المسبقة وعاداتنا في التفكير والشعور التي نخضع إليها وتأسر قلوبنا منذ أربعين جيلاً " (99) . ويؤكد المفكر الإسلامي د. محمود حمدي زقزوق المتخصص في الاستشراق أن الهدف الديني في الاستشراق " لا يزال يعمل من وراء ستار بوعي أو بغير وعي " معللاً ذلك بقوله : " لإنه من الصعب على معظم المستشرقين النصارى وأكثرهم متدينون أن ينسوا أنهم يدرسون ديناً ينكر عقائد أساسية في النصرانية ويهاجمها ويفندها كالتثليث والصلب والفداء " كما أنه من الصعب عليهم أن ينسوا أن الإسلام قد قضى على النصرانية في كثير من بلاد الشرق وحل محلها (100) . وهذه النظرة المسيحية نحو الإسلام لم تتغير إلا قليلاً كما يقول مارسيل بوازار في كتابه (الإسلام اليوم) منذ 15 قرناً . فهذه النظرة تظهر شيئاً من التسامح العقائدي إزاء الأديان السابقة ، لكنا في حالة الإسلام قد قابلته بالرفض المطلق . وبدا الإسلام منذ البيزنطيين كانحراف للنصرانية ، فقد ألصقت بالنبي محمد أوصاف وقحة ، وفي النهاية عبثية ، فقد صور في صورة راهب مرتد أو في أي صورة مشابهة . فقد كان النصارى آنذاك يظنون أن بوسعهم تشويه الإسلام بتشويه رسوله محمد بمقارنة ساذجة مع المسيحية . ولقد تغيرت الأزمان ولكن صورة النبي الزائفة على نحو مضحك لم تتغير ، رغم أن البحث التاريخي برهن مراراً على أن هذه المزاعم التقليدية كانت خاطئة (101) .
______________
(84) موقف الغرب من الإسلام - محاصرة وإبادة ، أ.د زينب عبدالعزيز ، ص 42 - 43
(85) موقف الغرب من الإسلام _ محاصرة وإبادة ، أ.د زينب عبدالعزيز ، ص 47
(86) موسوعة المستشرقين ، د. عبدالرحمن بدوي ، ص 107
(87) موسوعة المستشرقين ، د. عبدالرحمن بدوي ، ص 180
(88) الغارة على القرآن الكريم ، د.عبدالراضي محمد عبدالمحسن ، ص 50
(89) من مقدمة كتاب صورة الإسلام في أوروبا في القرون الوسطى ، ريتشارد سوذرن ترجمة د. رضوان السيد ، ص 14
(90) الاستشراق رسالة استعمار ، د محمد الفيومي ، ص 142
(91) الاستشراق رسالة استعمار ، د محمد الفيومي ، ص 146
(92) مناهج البحث في الإسلاميات لدى المستشرقين وعلماء الغرب ، محمد البشير مغلي ، ص 44
(93) المستشرقون ومنهج التزوير والتلفيق في التراث الإسلامي ، طارق سري ، ص 30-31
(94) المستشرقون ومنهج التزوير والتلفيق في التراث الإسلامي ، طارق سري ، ص 38
(95) رؤية إسلامية للاستشراق ، أحمد غراب ، ص 25
(96) شبهات مسيحية معاصرة حول الإسلام، حسني يوسف الأطير، ص 136
(97) الاستشراق والخلفية الفكرية للصراع الحضاري، د. محمود حمدي زقزوق، ص 88
(98) الاستشراق والتاريخ الإسلامي (القرون الإسلامية الأولى) ، أ.د فاروق عمر فوزي ، ص 65
(99) مناهج البحث في الإسلاميات لدى المستشرقين وعلماء الغرب ، محمد البشير مغلي ، ص 315
(100) مناهج البحث في الإسلاميات لدى المستشرقين وعلماء الغرب ، محمد البشير مغلي ، ص 56
(101) الاستشراق رسالة استعمار ، د. محمد الفيومي ، ص 192
والأمثلة على المستشرقين المنصِّرين كثيرة وقد ترجم نجيب العقيقي في كتابه المستشرقون عن ما يربو ستين راهباً من كبار المستشرقين (102) . فها هو الأب هنرى لامانس المستشرق المبشر اليسوعي والراهب المتعصب يكتب جدليته ضد القرآن في مقاله ( هل كان محمد أميناً؟ ) ، وفى كتابه الآخر (الإسلام : عقائد ونظم) (103) . وللمعلومية فقد عرف عن الأب لامنس الكاثوليكي أنه مثل بطرس المحترم في عصر الحروب الصليبية لما في كتاباته من إساءة للرسو صلى الله عليه وسلم وأصحابه حتى أنه إذا ذكرت الأحاديث والأخبار خلة حسنة ممدوحة في النبي وأصحابه فإن لامنس يؤكد أنهم كانوا مصابين بالعيوب المناقضة لتلك الخلال الحسنة (104) ، بل ويصفه الدكتور عبدالرحمن بدوي بقوله " مستشرق بلجيكي وراهب يسوعي شديد التعصب ضد الإسلام ويفتقر افتقاراً تاماً إلى النزاهة في البحث والأمانة في نقل النصوص وفهمها " ويصفه الدكتور بدوي بقوله أيضاً " لا أعرف باحثاً من بين المستشرقين المحدثين قد بلغ هذه المرتبة من التضليل وفساد النية " . وهو من الأمثلة الواضحة عن التعليم الكنسي المعادي للإسلام داخل بلاد الإسلام ، بل وأحد ممن بث سمومهم حول الإسلام بين المسلمين ، حيث جاء في صباه إلى بيروت وتعلم في الكلية اليسوعية وبدأ حياة الرهبنة في سنة 1878م فأمضى المرحلة الأولى في دير لليسوعيين في قرية غزير في جبل لبنان . وامتد تاريخه في لبنان ليصبح أستاذاً للتاريخ الإسلامي في كلية اليسوعيين ببيروت عام 1907م (105) .(46/309)
كما يكتب وليم موير (1819م - 1905م ) المبشر والمستشرق الإنجليزي بتحامل شديد على الإسلام جدليتين ضد القرآن وهما (القرآن : تأليفه وتعاليمه) و (الجدال مع الإسلام) . وهذا ريتشارد بل أحد رجال الدين المسيحي صرف سنين كثيرة في دراسة القرآن وله في الجدل ضد القرآن عدة كتب ومقالات تبرز التأثير المسيحي على صلى الله عليه وسلم ، وأهمها مقدمته لترجمة القرآن التي ضمّنها جدليته الأساسية ضد أصالة القرآن الكريم (106) . حيث يرى ريتشارد بل أن صلى الله عليه وسلم قد اعتمد في كتابته للقرآن على الكتاب المقدس ، وخاصة على العهد القديم في قسم القصص . فبعض قصص العقاب كقصص عاد وثمود مستمد من مصادر عربية ولكن الجانب الأكبر من المادة التي استعملها محمد ليفسر تعاليمه ويدعمها قد استمده من مصادر يهودية ونصرانية . وقد كانت فرصته (أي النبي) في المدينة للتعرف على ما في العهد القديم أفضل من وضعه السابق في مكة حيث كان على اتصال بالجاليات اليهودية في المدينة ، وعن طريقها حصل على قسط غير قليل من المعرفة بكتب موسى على الأقل (107) . وهذا كلير تسدال سيس مبشر في إيران ، صنف أعنف وأخطر جدلية ضد أصالة القرآن الكريم وهي ( المصادر الأصلية للقرآن ) - عدا عن كتابه الآخر (مصادر الإسلام) - . كما يكرر ذات العمل آرثر جيفرى وهو من محرري مجلة العالم الإسلامي التبشيرية وأبرز كتّابها وله عدة جدليات ضد القرآن الكريم وأصالته نشر بعضها فى مجلة العالم الإسلامي 1935م ، ونشر بعضها في كتابه (مصادر تاريخ القرآن) .
كما أن المبشر آرينز يكتب كتاباً بعنوان (عناصر نصرانية في القرآن) . وهذا كينث كراج وهو خليفة صموئيل زويمر في توجيه النشاط التبشيري في منطقة الشرق الأوسط ، ورئيس تحرير مجلة العالم الإسلامي التبشيرية ، ورئيس مؤتمر التبشير المنعقد في أكسفورد عام 1986م ، له جدليتان ضد أصالة القرآن ، طبعتا أكثر من مرة لمساعدة وعاظ التنصير، وهما (نداء المئذنة) و (القبة والصخرة) (108) .
وهكذا نرى أن هؤلاء المستشرقين المنصرين القائمون على الكتابة فيما يخص القرآن والإسلام والرسولل قد رددوا الافتراءات القديمة نفسها التي أسسها الكتاب البيزنطيون وقساوسة القرون الوسطى .
وحيث أن الاستشراق والتبشير إنما هما فرعا التنصير فإن جدليات الاستشراق عن الإسلام والقرآن والرسول صلى الله عليه وسلم في العصر الحديث لم تتجاوز جدليات الكنيسة والرهبان والقساوسة والكرادلة في العصر السابق والقرون الوسطى . فمن الكتابات الاستشراقية العديدة التي ترجع الإسلام إلى منشأ يهودي أو نصراني نرصد ما يلي من كتب :
ماذا أخذ محمد من النصوص اليهودية - العناصر اليهودية فى القرآن - أصل الأساطير الإسلامية فى القرآن - الحكايات التوراتية فى أجزاء القرآن - عناصر من الهجادة فى قصص القرآن - التوارة فى القرآن - عناصر يهودية فى مصطلحات - القرآن الدينية - السامريون فى القرآن - محمد والقرآن : تاريخ النبى العربى ودعوته - توافق القرآن والإنجيل - راهب بحيرا والقرآن - صلة القرآن باليهودية والمسيحية - جمع القرآن - طابع الإنجيل فى القرآن - مذهب الطبيعة الواحدة في القرآن - القرآن : الإنجيل المحمدي - أصل القرآن فى بيئته المسيحية - أصل الإسلام والمسيحية (109) - المصادر الأصلية للقرآن - مصادر القصص الإسلامية في القرآن وقصص الأنبياء - تاريخ الإسلام - مصادر القص الكتابي في القرآن - مصادر تاريخ القرآن - القرآن والكتاب - مصادر الإسلام (110) .
_____________
(102) مناهج البحث في الإسلاميات لدى المستشرقين وعلماء الغرب ، محمد البشير مغلي ، ص 50
(103) الغارة على القرآن الكريم ، د. عبدالراضي محمد عبدالمحسن ، ص 37
(104) المستشرقون ومنهج التزوير والتلفيق في التراث الإسلامي ، طارق سري ، ص 122
(105) موسوعة المستشرقين ، د. عبدالرحمن بدوي ، ص 503 - 504
(106) الغارة على القرآن الكريم ، د. عبدالراضي محمد عبدالمحسن ، ص 37 - 39
(107) الاستشراق والخلفية الفكرية للصراع الحضاري، د. محمود حمدي زقزوق، ص 102
(108) الغارة على القرآن الكريم ، د. عبدالراضي محمد عبدالمحسن ، ص 38 - 39
(109) الغارة على القرآن الكريم ، د. عبدالراضي محمد عبدالمحسن ، ص 41 - 43
(110) الغارة على القرآن الكريم ، د.عبدالراضي محمد عبدالمحسن ، ص 50 - 51(46/310)
ونظرأ لارتباط منظمات التنصير حول العالم فلقد قامت مواقع للتنصير عربية اللسان غربية التوجه بالسير على منوال خطة التنصير العالمية في الهجوم على الإسلام .فلقد انتشرت الكتب العربية الموجهة ضد الإسلام في هذه المواقع تحمل نفس المواضيع حول مصادر الإسلام والقرآن وتشويه صورة الرسول والإسلام والتعريض بالقرآن الكريم من قبل كتاب عرب وأوروبيين وبشكل كبير وتعمل هذه المواقع على نشرها أولاً بأول . ونظراً لعدم وجود رقابة أو سيطرة على هذه المواقع من قبل الكثير من الحكومات العربية فهذا يجعل نشر الكتب التنصيرية الموجهة ضد الإسلام ميسراً بل وغير مكلف . ونذكر لذلك عدة أمثلة لكتب تتناول الإسلام والقرآن والرسولل لمؤلفين قساوسة عرب أو أجانب مترجمة تقوم هذه المواقع بنشرها : المجهول في حياة الرسول - قس ونبي - مصادر الإسلام - القرآن دعوة نصرانية - الإتقان في تحريف القرآن - تطور القرآن التاريخي .
ولعل الأب يوسف درة الحداد يعد من أشهر المنصِّرين العرب في تصنيفه الكتب ضد الإسلام ، إلا أننا نذكر مثالاً آخر من الأمثلة على أن بعضاً من القساوسة العرب ما يزالون مستمرون في تشويه صورة الإسلام ، ما جاء في كتاب (الحق) الذي ألفه أحد الكهنة الأقباط في مصر في ستينيات القرن الماضي ورد عليه العالم (ابن الخطيب) في كتاب باسم (هذا هو الحق! رد على مفتريات كاهن كنيسة) .
ففي كتاب الكاهن القبطي (الحق) جاء ما يلي :
صرح بأن الرسول كان يقبل الحجر الأسود اتباعاً للوثنيين ، كما زعم أن محمداَ قد أخذ طقوس العبادات الإسلامية عن اليهود والمسيحيين وذكر منها :
• أن اليهود والمسيحيين يصلون سبع مرات كل يوم ومحمد خفضها إلى خمس.
• أن الرسول أخذ شريعة الوضوء عن اليهود
• أن الرسول أخذ شريعة القبلة عند الصلاة عن اليهود
• أن الرسول أخذ شريعة الأضحية عن اليهود
• أن الرسول أخذ فكرة الأعياد عن اليهود والمسيحيين
• كما أخذ فكرة التحية عنهما
• كما أخذ فكرة الركوع عن اليهودية
• زعم أن الكتاب المقدس هو المصدر الأصلي للقرآن .
• غمز كيفية حفظ القرآن ، وأشار بوجود تناقض بين أقوال أئمة المسلمين وتساءل : هل نضمن أن حفاظ القرآن لم ينسوا منه شيئاً
• زعم أن القرآن يقول بتعدد الآلهة كما كان عند قدماء الإغريق .
• زعم أن محمداً كان وثنياً قبل الإسلام
• زعم أن المسلمين يقولون بمبدأ أريوس وتعدد الآلهة لمناداتهم على المآذن (الله أكبر) وهذا يقتضي بقوله إلى وجود آلهة أصغر من الأكبر .
• زعم أن الدين الإسلامي ما شاع وذاع إلا عن سبيل جهاد الذي لا يكون إلا عن طريق السيف وسفك دماء الأبرياء وإخراج الناس من ديارهم وسلب أموالهم (111) .
وهكذا نرى أن كل ما افتراه المنصِّرون شرقيون ولاتينيون وبيزنطيون خلال قرون طويلة يختزله كاهن قبطي في كتاب واحد ، لما في ذلك من دلالة على أن نشر الافتراءات على الإسلام داخل الكنيسة في العالم كله ممنهج ومرتب . ولعل أكثر ما يدل على ذلك ما ذكره الأستاذ إبراهيم خليل أحمد وهو المنصِّر القبطي الذي أسلم ، من أنه في فترة تدريبه على التنصير التحق بكلية اللاهوت الانجيلية بمصر وهي كلية لتدريب المنصِّرين تابعة لجامعة برنستون في أمريكا ولا تخضع للإشراف من قبل وزارة التربية والتعليم أو التعليم العالي في مصر ، وكان من أهم المواد التي تدرس فيها بالإضافة إلى اللغة العربية والإسلام هي الردود على الإسلام بدراسة كتب المستشرقين (112) .
بل أن الهدف الرئيسي أيضاً من هذه الأكاذيب والفتراءات الملفقة على الإسلام والرسولل والقرآن إنما هدفها تشويه صورة الإسلام أمام النصارى أنفسهم بشكل أو آخر . وأحد من اكتشفوا هذا الأمر هو معلمة اللاهوت السابقة الأمريكية ماري واتسون والتي تقول عقب قراءتها كتباً عن الإسلام لكتاب مسلمين : " والنتيجة أنني اكتشفت أن الكتب التي قد كنت قرأتها من قبل لمؤلفين نصارى ممتلئة بسوء الفهم والمغالطات عن الإسلام والمسلمين ، لذلك عاودت السؤال مرة أخرى عن حقيقة القرآن الكريم وهذه الكلمات التي تقال في الصلاة " . لقد كان لنتيجة قراءتها عن الإسلام من مصادره أن أعلنت إسلامها برغم أنها درست اللاهوت ثماني سنوات (113) . لهذا كانت الكنيسة في أوروبا تخشى من أن يقرأ الأوروبيون القرآن الكريم كما هو دون أن يخالطوه قساوستهم بالأكاذيب والترجمات المغلوطة . وهذا الدور يقوم به اللادينيون وعلى مدى واسع من خلال ارتباطهم بالمصادر الكنسية عن الإسلام وعلى هذا تشهد كتاباتهم التي لا تختلف عن الكتابات التنصيرية الموجهة ضد الإسلام .
وفي خلاصة هذا الموجز التاريخي حول موقف النصرانية من الإسلام ومحاولات التنصير المستمرة منذ قرون طويلة بتشويه صورة الإسلام ، فقد أردت عرض أبرز عناصر تلك الأطروحات . وكما يرى القارئ فإنها تتناول الهجوم على الإسلام من خلال عدة أمور وهي :
التهجم على أخلاق وشخص الرسول
وضع مصادر للإسلام لنفي مصدريته الربانية
الافتراءات الموجهة ضد القرآن (مصادره - بشريته - الوحي - تشويهه)
مواضيع متنوعة حول تعدد الزوجات ، وأن الإسلام انتشر بالسيف .(46/311)
وهذه المواضيع هي تماماً ما يكرره اللادينيون في كتاباتهم عن الإسلام وهجومهم عليه . الأمر الذي لا يسعنا أن نستنتج من خلاله إلا أحد أمرين :
الأول : أن اللادينية العربية إنما تصدر من ذات البوق الذي تصدر من خلاله الكتابات التنصيرية ضد الإسلام .
الثاني : أن اللادينية العربية إنما هي "فرخ" من فراخ التنصير والموجهة ضد الإسلام .
----------------
(111) هذا هو الحق! رد على مفتريات كاهن كنيسة، ابن الخطيب، ص25 ، 26 ، 33
(112) رؤية إسلامية للاستشراق ، أحمد غراب ، ص 51-52
(113) نماذج حية للمهتدين إلى الحق - قساوسة ومبشرون ومنصِّرون وأحبار أسلموا ، الحسيني الحسيني معدي ، ص 149
شواهد حول ارتباط التنصير باللادينية والعلمنة
كما سبق وذكرنا عند تعريف التنصير بأن الهدف الأول له هو إخراج المسلم من دينه أولاً حتى وإن لم يتنصر . وقد ذكرنا أقوال تاريخية لكنسيين كبار من أمثال بطرس المحترم عن أن الأهداف الإضافية لتشويه صورة الإسلام هو محاولة تنصير المسلمين . ولذلك فالهدف مشترك بين التنصير واللادينية وهو إخراج المسلم من دينه . إن أبرزوأوضح من يشهد على علاقة اللادينية والزندقة بالتنصير هو صاموئيل زويمر زعيم التنصير في العالم الإسلامي .
هذا الرجل الذي بشهادة المنصِّرين يحظى بأعلى تقدير في العالم النصراني لمجهوداته الكبيرة في تنصير المسلمين . ولكن الذي يميز أساليبه عن غيره من المنصِّرين أنه يستخدم الأساليب الملتوية ، وليس أدل على التحايل في أساليب تنصيره وزملاؤه للدخول من الأبواب الخلفية هو أنه عندما أسست البعثة التبشيرية في الخليج العربي بواسطة صموئيل زويمر وزملائه الدكتور لانسنجوجيمس كانتين Lames Contine وفيليب فيلبس Philip Phelps في أواخر القرن التاسع عشر ، كان اسم البعثة الاول هو (العجلة) ، إلا أنهم قاموا لاحقاً بتغييره إلى (الارسالية الاجنبية) للسماح بقيام عمل تبشيري في البلاد الناطقة باللغة العربية ، ثم قاموا بتغيير الإسم إلى (الإرسالية العربية) ويرجع ذلك أساساً إلى ان اختيار هذا الاسم يهدف إلى التغلب على الشكوك التي يحملها العرب نحو أنشطة الأجانب في وقت كانت تتصارع فيه المصالح الغربية في المنطقة (114) . لقد أتقن صموئيل زويمر اللغة العربية وكان محترفاً في الإسلاميات ، عمل 23 عاماً منصِّراً في الجزيرة العربية و 16 عاماً مديراً لمركز الدراسات الإسلامية والمطبوعات في القاهرة ، وأشرف على تحرير أهم مجلة نصرانية عن الإسلام لمدة 36 سنة وهي مجلة العالم الإسلامي (115) . وقد كتب صموئيل زويمر عدة كتب عن الإسلام منها : الإسلام تحد لعقيدة ، تفكك الإسلام ، دراسات في الإسلام الشعبي ، كتاب عن تأصير الخرافات الشعبية بين المسلمين بعنوان The Influence Of Animism On Islam : An Account Of Poplula . وهذا الكتاب أوصى به مؤتمر كولورادو التنصيري عام 1978 كأحد المراجع الأساسية للمنصِّرين (116) . وحيث جئنا في ذكر مؤتمر كولورادو 1978 لتنصير المسلمين ، فقد تمخض عن ذلك المؤتمر إنشاء معهد لتنفيذ قرارات المؤتمر وتم تسمية هذا المعهد باسم معهد زويمر أو .
إن ما سيتم قراءته الآن من كلام صاموئيل زويمر في خطاباته في المؤتمرات التنصيرية التي عقدت في العالم الإسلامي أوائل القرن الماضي لخطيرة كل الخطورة . فمثلاً في عام 1910 أي بعد مؤتمر القاهرة التبشيري الذي رأسه زويمر بأربع سنوات يقول صموئيل زويمر : " لقد جربت الدعوة إلى النصرانية في أنحاء الكرة من الوطن الإسلامي ، وأن تجاربي تخولني أن أعلن بينكم على رؤوس الأشهاد أن الطريقة التي سرنا عليها إلى الآن لا توصلنا إلى الغاية التي ننشدها ، فقد صرفنا من الوقت شيئاً كثيراً وأنفقنا من الذهب قناطير مقنطرة ، وألفنا ما استطعنا أن نؤلف ، وخطبنا ما شاء الله أن نخطب ، ومع ذلك فإننا لم ننقل من الإسلام إلى النصرانية إلا عاشقاً بنى دينه الجديد على أساس من الهوى أو نصاباً سافلاً لم يكن داخلاً في دينه من قبل حتى نعده قد خرج عنه بعد ذلك ، ولا محل لديننا في قلبه حتى نقول : إنه دخل فيه . ومع ذلك فالذين تنصروا لو بيعوا بالمزاد لا يساوون ثمن أحذيتهم . فالذي نحاوله من نقل المسلمين إلى النصرانية هو اللعب أشبه منه بالجد ، فلتكن عندنا الشجاعة الكافية لإعلان أن هذه المحاولة قد فشلت وأفلست ، وعندئذ يجب علينا قبل أن نبني النصرانية في قلوب المسلمين أن نهدم الإسلام من نفوسهم حتى إذا أصبحوا غير مسلمين سهل علينا أو على من يأتي بعدنا أن يبنوا النصرانية في نفوسهم أو في نفوس من يتربون على أيديهم " . ويقول أيضاً : " إن عملية الهدم أسهل من عملية البناء في كل شيئ إلا في موضوعنا .. لأن هدم الإسلام في نفس المسلم معناه هدم الدين على العموم ، وهي خطة مخالفة لما ندعو إليه لأنها خطة إلحاد وإنكار للأديان جميعاً ، ولكن لا سبيل إلى تخليص المسلمين من الإسلام غير هذا السبيل " (117) .(46/312)
كما يشير بعد أكثر من عشرين عاماً على هذا الخطاب إلى نجاح استراتيجيته في نزع المسلم من دينه وذلك في مؤتمر القدس عام 1935م حيث أعلن صموئيل زويمر عن الأهداف الخبيثة للتنصير بقوله للمنصِّرين في المؤتمر : " إنكم أعددتم نشئاً (في بلاد المسلمين) لا يعرف الصلة بالله ، ولا يريد أن يعرفها ، وأخرجتم المسلم من الإسلام ولم تدخلوه في المسيحية وبالتالي جاء النشء الإسلامي طبقاً لما أراده الاستعمار المسيحي لا يهتم بالعظائم، ويحب الراحة والكسل، ولا يصرف همه في دنياه إلا في الشهوات. فإذا تعلم فللشهوات، وإذا جمع المال فللشهوات، وإن تبوأ أسمى المراكز ففي سبيل الشهوات يجود بكل شيء". ثم يقول مهنئاً : "إن مهمتكم تمت على أكمل الوجوه وانتهيتم إلى خير النتائج وباركتكم المسيحية ، ورضي عنكم الاستعمار، فاستمروا في أداء رسالتكم فقد أصبحتم بفضل جهادكم المبارك موضوع بركات الرب " (118) .
إن التنصير في نظر زويمر هو باختصار : إخراج المسلم من دينه أولاً وقبل كل شيئ سواء أدى ذلك ليصبح نصرانياً أو يبقى زنديقاً ملحداً . ولنا أن نتصور خطورة مثل هذه الاستراتيجيات على الفرد قبل أن تكون خطراً على المجتمعات . إن أول ما ينبري إلى أذهاننا من جراء هذا الطرح التنصيري هو أن إفساد أخلاق المسلمين هي خير وسيلة لتنصيرهم . ولكي يتم هذا فلا بد من استخدام وسائل الزندقة والإلحاد ومبادئ الشك . وبصورة مبسطة : استخدام اللادينية لتنصير المسلمين . وما يجعل هذه الاستراتيجية التنصيرية حقيقة وواقعاً ما ينقله لنا العلامة الشيخ محمد الغزالي رحمه الله في كتابه (قذائف الحق) حيث ينقل لنا من خلال تقرير رهيب عن خطاب ألقاه البابا شنودة في الكنيسة المرقسية الكبرى بالاسكندرية في اجتماع سري . وقد تم رفع هذا التقرير للجهات المختصة واطلع عليه الشيخ عام 1973 . يقول التقرير المرفوع للجهات المختصة : " بسم الله الرحمن الرحيم ..... نقدم لسيادتكم هذا التقرير لأهم ما دار في الاجتماع ، بعد أداء الصلاة و التراتيل طلب البابا شنودة من عامة الحاضرين الانصراف ولم يمكث معه سوى رجال الدين وبعض أثريائهم الإسكندرية ، وبدأ كلمته قائلاً : إن كل شيء على ما يرام و يجري حسب الخطة الموضوعة لكل جانب من جوانب العمل على حدة في إطار الهدف الموحد" . ثم يتكلم التقرير عن عدد من الموضوعات تحدث بها البابا شنودة ومنها (التبشير) حيث يقول البابا شنودة : " كذلك فإنه يجب مضاعفة الجهود التبشيرية الحالية إذ أن الخطة التبشيرية التي وضعت بنيت على أساس هدف اتُّفق عليه للمرحلة القادمة ، وهو زحزحة أكبر عدد من المسلمين عن دينهم و التمسك به ، على ألا يكون من الضروري اعتناقهم المسيحية ، فإن الهدف هو زعزعة الدين في نفوسهم ، و تشكيك الجموع الغفيرة منهم في كتابهم و صدق .. و من ثم يجب عمل كل الطرق و استغلال كل الإمكانيات الكنسية للتشكيك في القرآن و إثبات بطلانه و تكذيب محمد . وإذا أفلحنا في تنفيذ هذا المخطط التبشيري في المرحلة المقبلة فإننا نكون قد نجحنا في إزاحة هذه الفئات من طريقنا ، و إن لم تكن هذه الفئات مستقبلاً معنا فلن تكون علينا .
غير أنه ينبغي أن يُراعَي في تنفيذ هذا المخطط التبشيري أن يتم بطريقة هادئة وذكية ، حتى لا يكون سببًا في إثارة حفيظة المسلمين أو يقظتهم " (119) .
________________
(114) التبشير في منطقة الخليج العربي دراسة في التاريخ الاجتماعي والسّياسي، د. عبد المالك خلف التّميمي، ص 40-42
(115) الغارة الجديدة على الإسلام بروتوكولات قساوسة التنصير ، د. محمد عمارة ص 72
(116) رؤية إسلامية للاستشراق ، أحمد غراب ، ص 63
(117) الإسلام والمسلمون بين أحقاد التبشير وضلال المستشرقين ، د. عبدالرحمن عميرة ، ص 35 - 36
(118) رؤية إسلامية للاستشراق ، أحمد غراب ، ص 63
(119) قذائف الحق، محمد الغزالي، ص 70-74
والذي يظهر أن استراتيجية إخراج المسلم من دينه لها حضور واسع في العمل الكنسي سواء كان المنصِّر بروتستانتي أو أرثوذكسي . إلا أن أهم شهادة يمكن أن نأخذها هي ممن مارسوا العمل التنصيري ومن هؤلاء المنصِّر العالمي السابق "أشوك كولن يانق" الذي أعلن إسلامه عام 2002 وانضم إلى قافلة الدعاة المسلمين في القارة الأفريقية . وفي إلقاء الضوء على تاريخ حياته يتضح لنا ثقل الحقيقة التي توضح ارتباط الكنيسة بالعلمنة واتباعها لاستراتيجية صموئيل زويمر في التنصير .(46/313)
فأشوك كولن يانق هو من أبناء جنوب االسودان ، درس اللاهوت في ولاية تكساس الأمريكية ، وحصل على عدة دبلومات في مجالات التخطيط وإدارة التعليم الكنسي ، والتنصير، وتنمية المجتمع من النرويج وكينيا والخرطوم . كما حصل على ماجستير في مقارنة الأديان جامعة أكسفورد بريطانيا . تقلد العديد من المناصب الكنسية منها : مدير المنظمة النرويجية للعون الكنسي ، مدير المنظمة النرويجية لرعاية الطفولة ، مدير منظمة درء الكوارث عن السودان وهي منظمة سويدية دانماركية هولندية ، قسيس في الكنيسة الأسقفية بالخرطوم ، مدير برامج الإنماء في الصومال وهي تابعة للأمم المتحدة ، الأمين العام لمجلس الكنائس العالمي بشرق ووسط إفريقيا (1992 1993م) ، مسؤول التعليم الكنسي العالمي في وسط وشرق إفريقيا ، مدير كلية النيل للاهوت في السودان ، أمين عام منظمة الشباب المسيحي عام 1987 - 1988م ، أمين عام منظمة التضامن المسيحي في إفريقيا . ويتضح لنا من هذه المناصب المرموقة التي تولاها اطلاع الرجل على خفايا العمل التنصيري التي أوضح جانباً منها في اللقاء الصحفي التي أجرته معه مجلة المجتمع الكويتية ، ونقتطف بعض إجابات أشوك .
ففي سؤال عن كيفية قيام المنظمات الكنسية بأعمال التنصير ، يجيب أشوك : " المنظمات الكنسية أو بالأحرى التنصيرية لا تعمل عشوائياً ، وإنما وفق دراسات وأبحاث دقيقة ، فهي تدرس الدولة أو المنطقة المرشحة للتنصير من حيث خريطة أديانها وعددها ، ومدى تمسك الناس بدينهم ، ونوعية الأجناس ، وتحديد احتياجات المنطقة من مال وغذاء ، وتعليم وخدمات صحية وغيرها . وأساليب التنصير كثيرة ، وهي تختلف حسب دين الشخص المستهدف، ومدى تمسكه به ، ومدى احتياجه إلى المال والصحة والتعليم وغير ذلك ، فاللادينيون تدفعهم الحاجة إلى اعتناق المسيحية دون عناء إذا ما توافرت لهم احتياجاتهم ، أما المسلمون فالمنظمات الكنسية تعمل في اتجاهين: إما تنصيرهم، أو إبعادهم عن دينهم ، وأساليب تنصير المسلمين تقوم على الترغيب والتدرج والمرحلية " .
وفي سؤاله عن بعض الممارسات الكنسية التي شارك فيها هو ضد الإسلام والمسلمين ، يقول أشوك : " في عام 1981م عقد مؤتمر سري في مركز الأبحاث الاستراتيجية بولاية تكساس ، وكنت أحد المشاركين الفاعلين في هذا المؤتمر، وكان شعاره كيف نواجه المد الإسلامي؟ وتم تقسيم الدول الإسلامية إلى دول أكثر فاعلية ، وأكثر تطوراً مثل: مصر والعراق وباكستان ، ودول أكثر حباً للإسلام مثل: إيران وأفغانستان وطاجيكستان والشيشان والسودان وتشاد وتركيا.... " .
وفي سؤال عن الدور الذي اضطلع به شخصياً والجهات التي كان يتعامل معها ، يقول أشوك : " لقد أوصى المؤتمر بضرورة استخدام العلمانيين في ضرب الحركة الإسلامية عن طريق دعم المجموعات العلمانية ، والضغط على إحدى الحكومات العربية للزج بأعضاء الحركة الإسلامية في السجون والمعتقلات، ولو وصل الأمر إلى تصفية رموزها . وانحصر دوري في هذا الشأن في تسلم وتوصيل مبلغ مليون و800 ألف دولار من الكنيسة في أمستردام (هولندا) إلى الكنيسة في هذا البلد العربي ، بهدف إنفاقه على بعض الأفراد في جهاز أمني رفيع ، وعلى الحركات العلمانية ، لضرب حركة الإخوان المسلمين على وجه التحديد ، وكان ذلك خلال عامي (1996م 1998م) وكانت ترد إلينا تقارير أولاً بأول ، وكانت الجهات التي شاركت في هذا المخطط لا تعرف بعضها البعض " (120) .
وكما نرى من هذا الشاهد بأن أهداف التنصير ليست في إدخال المسلم إلى النصرانية وإنما أيضاً إخراجه من دينه الأمر الذي يتكرر ذكره في كل مرة عند الحديث عن أهداف التنصير ، كما يظهر أن اللادينيين أسهل تنصيراً ممن المسلمين واعتماد الكنيسة في أعمال التنصير على العلمانيين ودفع الأموال لهم .(46/314)
وحيث تحدثنا عن شاهد مهم من داخل الكنيسة فهناك شاهد آخر مصري وهو أستاذ اللاهوت المصري السابق إبراهيم خليل فلوبوس (والذي أصبح اسمه بعد إسلامه إبراهيم خليل أحمد) الذي كان قبل إسلامه يكيل التهم للإسلام كذباً وزوراً إلى أن هداه الله للإسلام عام 1959م فأصدر كتابه (المستشرقون والمنصِّرون في العالم العربي والإسلامي) . وقد كان قبل إسلامه يشغل منصب استاذ بكلية اللاهوت الإنجيلية وراعياً للكنيسة الإنجيلية الأمريكية بل وكانت رسالته لنيل شهادة الماجستير هي (كيف ندمر الإسلام بالمسلمين؟) . وعن فترة دراسته في كلية اللاهوت حيث درس القرآن والأحاديث النبوية مع التركيز على الفرق التي خرجت من الإسلام كالإسماعيلية والعلوية والبهائية والقاديانية ، يقول الأستاذ إبراهيم : " كنا نؤسس على هذه الدراسات حواراتنا المستقبلية مع المسلمين ونستخدم معرفتنا لنحارب القرآن بالقرآن .. والإسلام بالنقاط السوداء في تاريخ المسلمين ! كنا نحاور الأزهريين وأبناء الإسلام بالقرآن لنفتنهم فنستخدم الآيات مبتورة تبتعد عن سياق النص ، ونخدم بهذه المغالطة أهدافنا . وهناك كتب لدينا في هذا الموضوع أهمها كتاب (الهداية) من أربعة أجزاء وكتاب (مصدر الإسلام) ...." ويقول : " وعلى هذا المنهج كانت رسالتي في الماجستير تحت عنوان (كيف ندمر الإسلام بالمسلمين؟) عام 1952م والتي أمضيت أربعة سنوات في إعدادها من خلال الممارسة العملية للوعظ والتنصير بين المسلمين من بعد تخرجي عام 1948 " (121) . ألا نلاحظ أن هذا تماماً هو النمط الذي يسلكه العديد من الكتاب اللادينيون !! هل هم أيضاً خريجوا مدارس اللاهوت وكليات التنصير !!
_________
(120) موقع المختار الإسلامي http://islamselect.com/index.php? r ef...at&C r =161&ln=1
(121) نماذج حية للمهتدين إلى الحق - قساوسة ومبشرون ومنصِّرون وأحبار أسلموا ، الحسيني الحسيني معدي ، ص 17 - 20
وممن لاحظوا ارتباط التنصير باستخدام أساليب تخريب الأخلاق هو العلامة المودودي في باكستان في رده على رسالة من البابا بولس السادس الراحل حول إمكان التقارب بين الإسلام والنصرانية وإزالة أسباب التوتر . فكان من ضمن رد الشيخ المودودي ما يلي : " وهناك جانب آخر للمشكلة عظيم الأهمية فالمؤسسات التعليمية للمبشرين تخرج طبقة جديدة من الناس ، طبقة لا تتمسك بالنصرانية ولا تظل على دين الإسلام وإنما تفصل نفسها عن تراثها ولا تطبق أي تراث أخلاقي آخر . والنتيجة أن تصبح نموذجاً غريباً من الجنس البشري في مواقفها الأخلاقية ومعاييرها الثقافية وكذلك في أخلاقها وتصرفاتها وفي لغتها وعاداتها الاجتماعية . فمن وجهة النظر الدينية الصرفة لا تظل هذه الفئة متمسكة بالإسلام كما لا تنجذب نحو المسيحية وإنما تنساق بدلاً عن ذلك في أحضان العلمانية والإلحاد وإنحلال الدين والخلق . فهل بوسع أي رجل عاقل أن يعتبر هذه الأنشطة من قبل بعثات التبشير النصرانية ، خدمة حقيقية للدين من أي وجه من الوجوه ؟ وهذه هي الأسباب الحقيقية التي تجعل المسلمين ينظرون نظرة ارتياب شديدة تجاه هذه البعثات ، ويشعرون أنها لا تعمل من أجل نشر الدين وإنما تحيك المؤامرات ضد الإسلام والمجتمع المسلم " (122) .(46/315)
وقد سبق الحديث عن مؤتمر كولورادو عام 1978 لتنصير المسلمين والذي انعقد في مدينة (كلن إير) في ولاية كولارادو الأمريكية في 15 مايو 1978م . والذي خصص لمناقشة استراتيجيات تنصير المسلمين . وقد خرجت قرارات هذا المؤتمر والدراسات التي عرضت فيه في كتاب تحت عنوان باسم (The Gospel and Islam) وترجم للعربية تحت عنوان (التنصير خطوة لغزو العالم الإسلامي) وبلغت صفحاته الألف (123) . وقد اجتمع في هذا المؤتمر الرءوس والخبراء في الكنائس الغربية وامتداداتها لتدارس خطة "أكثر فاعلية" في تنصير جميع المسلمين ، وطي صفحة الإسلام من الوجود . وقد شملت كتابات الدكتور محمد عمارة الكثير عن هذا المؤتمر الذي خصص لتنصير المسلمين . وليس أدل من صراحة هذا المؤتمر في تنصير المسلمين مما جاء في أبحاث ومقررات هذا المؤتمر حيث قالوا : " إن الإسلام هو الدين الوحيد الذي تناقض مصادره الأصلية أسس النصرانية ، والنظام الإسلامي هو أكثر النظم الدينية المتناسقة اجتماعيا وسياسيا.. ونحن بحاجة إلي مئات المراكز لفهم الإسلام ، ولاختراقه في صدق ودهاء ، ولذلك لا يوجد لدينا أمر أكثر أهمية وأولوية من موضوع تنصير المسلمين ، فعلي مديري إرساليات أمريكا الشمالية والقادة المنصِّرين الآخرين أن يكتشفوا ويوطدوا أساليب جديدة للتعاون والمشاركة مع كنائس العالم الثالث وعملها المنظم للوصول إلي المسلمين . لقد وطدنا العزم علي العمل بالاعتماد المتبادل مع كل النصاري والكنائس الموجودة في العالم الإسلامي . إن نصاري البروتستانت -في الشرق الأوسط وإفريقيا وآسيا- منهمكون بصورة عميقة في عملية تنصير المسلمين ، ويجب أن تخرج الكنائس القومية من عزلتها، وتقتحم بعزم جديد ثفاقات ومجتمعات المسلمين الذين تسعي إلي تنصيرهم.. وعلي المواطنين النصاري في البلدان الإسلامية وإرساليات التنصير الأجنبية العمل معا من أجل الاعتماد المتبادل والتعاون المشترك لتنصير المسلمين . إذ يجب أن يتم كسب المسلمين عن طريق منصِّرين مقبولين من داخل مجتمعاتهم.. ويفضل النصارى العرب في عملية التنصير ..." (124) . وهكذا نفهم من هذه السطور أن نصارى البروتستانت في الشرق بدعم من نصارى بروتستانت الغرب الذين من أمثلتهم صموئيل زويمر يتعاونون لتنصير المسلمين . فماذا عن الوسائل ؟
يقول و.ستانلي مونيهام رئيس مؤتمر كولورادو لتنصير المسلمين في الخطبة الافتتاحية للمؤتمر : " إنني أشعر بأن هذا المؤتمر سيكون تاريخياً ، فهو واحد من سلسلة لقاءات يجري عقدها للتشاور في أماكن متعددة من أرجاء العالم ، كما أنها المرة الأولى خلال جيلين يعقد فيها مؤتمر يضم هذا العدد من قادة النصارى جاءوا ليناقشوا معالجة حالة عملية تنصير المسلمين ففي بداية هذا القرن قام صموئيل زويمر عام 1906م بتنظيم مؤتمر في القاهرة وصف بأنه يمثل بداية عهد جديد لإرساليات التنصير بين المسلمين وقد ضم ذلك المؤتمر 60 ممثلاً لثلاثين كنيسة وإرسالية للتنصير ، وكان هذا المؤتمر هو الذي هيأ الجو لعقد مؤتمر أدنبرة للإرساليات العالمية عام 1910م ، ومؤتمر لكناو في الهند عام 1911م ، واللذين ركزا على حاجات العالم الإسلامي . ولكن قبل سبعين سنة حضارية حدثت خلالها تغيرات واسعة في شتى المجالات ، ولهذا يدعو الوقت الحاضر إلى تفهم جديد وطرق جديدة . أنا لا أؤمن بأن الوقت مناسب تماماً تاريخياً فحسب ، بل إن من الضرورة الملحة أن نلتقي ونناقش ونصلي من أجل الواجب الملقى على عاتق الكنيسة النصرانية تجاه 720 مليوناً من البشر يؤمنون بالإسلام ، وهذه الضرورة الملحة هي الإحساس الذي أشعر به تجاه هذا المؤتمر ، فلا يمكننا بعد اليوم أن نعتمد الأساليب القديمة في مواجهة الإسلام الذي يتغير بسرعة وبصورة جوهرية ، فالحصاد الذي حان قطافه لا يسمح لنا بتأخير جني الثمار بانتظار الوقت الذي يلائمنا " (125) .
ترى ما الذي يقصده المؤتمر من التجديد وما الذي يقصده رئيس المؤتمر من قوله طرق جديدة وطرق قديمة في التنصير !!(46/316)
فمن خطابات مؤتمر كلورادو التنبيه على الثغرات التي يدعون إلى اختراق الإسلام منها . وهذا الاختراق يمثل لهم أحد الشعارات الرئيسية للمؤتمر حيث يقولون : " لنعمل ليس فقط على خلق فهم أفضل للإسلام ، والتعامل النصراني مع الإسلام ، وإنما لتحويل ذلك الفهم إلى المنصِّرين من أجل اختراق الإسلام " . ومن هذه الثغرات ما يسمونه الثغرات الخارجية وهي التي فتحتها في جدار الإسلام الضغوط الخارجية التي تعرض ويتعرض لها ، من مثل ثغرة التقليد للغرب ، وثغرة العلمانية التي قالوا أنها تسهل لهم تنصير المسلمين ، وثغرة التغييرات الاجتماعية في بعض المجتمعات الإسلامية الثرية التي نقلتهم من مجتمع تقليدي مسلم إلى مجتمع ذو نمط استهلاكي ترفيهي غربي مما خلخل حياتها المرتبطة بقيم الإسلام وفتح فيها ثغرات للتنصير . ومن تلك الثغرات أيضاً ثغرة اغتراب المسلمين في المجتمعات الغربية وذلك وفق ما لاحظه ماكس شيركو وقدمه في أحد أبحاثه في المؤتمر حيث كتب يقول " يبدو أن عقيدة الغالبية العظمى من المسلمين في الغرب سواء كانوا مهاجرين أم طلاباً أم زواراً تتعرض للتأثير " . ومن خلال هذه الثغرات التي يرونها فإنهم يرون تفاؤلاً في نجاح التنصير بين المسلمين (126) . ولعل أفضل من يفسر ويوجز لنا هذه الثغرات وهذا الاختراق ما جاء في كتاب Eastethp r opto Plemtodoth حيث يقول الكاتب: " لا شك أن المبشرين فيما يتعلق بتخريب وتشويه عقيدة المسلمين قد فشلوا تماماً ، ولكن هذه الغاية يمكن الوصول إليها من خلال الجامعات الغربية ، فيجب أن تختار من ذوي الطبائع الضعيفة ، والشخصية الممزقة ، والسلوك المنحل من أبناء الشرق ولا سيما البلاد الإسلامية المنح الدراسية وتبيع لهم الشهادات بأي سعر . . ليكونوا المبشرين المجهولين لنا . . لتأسيس السلوك الاجتماعي والسياسي الذي نصبو إليه في البلاد الإسلامية ) (127) . بل ويؤكد على ذلك أحد وثائق مؤتمر كولورادو 1978م لتنصير المسلمين والذي يشير إلى التركيز على المسلمين المغتربين في بلاد الغرب والذين هم فريسة سهلة للتنصير في ظل الثقافة العلمانية حيث تقول الوثيقة : " وإذا كانت تربة المسلمين في بلادهم هي بالنسبة للتنصير أرض صلبة ووعرة ، أفليس بالإمكان إيجاد مزارع خصبة بين المسلمين المشتتين خارج بلادهم حيث يتم الزرع والسقي والتهيئة لعمل فعال عندما يعاد زرعهم ثانية في تربة أوطانهم كمنصِّرين .." (128) . كما كتب أحد الباحثين في المؤتمر واسمه ماكس كيرشو في بحثه المقدم للمؤتمر يقول فيه : " يبدو أن عقيدة الغالبية العظمى من المسلمين في الغرب تتعرض للتأثير " (129) .
إذن فالتأثير على أخلاق المسلم يخدم أحد أهداف التنصير وهو إخراج المسلم من دينه ليكون فيما بعد مبشراً مجهولاً لهيئات التنصير ، سواء أصبح هذا المنحل أخلاقياً نصرانياً أم لا ، فهو في كلتا الحالتين قد حقق هدف التنصير ألا وهو : إخراج المسلم من دينه ليصبح كائناً لا أخلاق له ، وهذا هو السلوك الاجتماعي الذي تصبو إليه هيئات التنصير بين المسلمين .
_____________
(122) الزحف إلى مكة .. حقائق ووثائق عن مؤامرة التنصير في العالم الإسلامي ، د.عبدالودود شلبي، ص46
(123) الغارة الجديدة على الإسلام بروتوكولات قساوسة التنصير ، د. محمد عمارة ص 46 و ص 52
(124) مقال الإسلام والمستقبل لدكتور محمد عمارة ، جريدة آفاق عربية - العدد 679 - 07/10/2004
(125) الغارة الجديدة على الإسلام بروتوكولات قساوسة التنصير ، د. محمد عمارة ص 52- 53
(126) الغارة الجديدة على الإسلام بروتوكولات قساوسة التنصير ، د. محمد عمارة ص 87 - 89
(127) الإسلام والمسلمون بين أحقاد التبشير وضلال المستشرقين ، د. عبدالرحمن عميرة ، ص12 - 13
(128) الغرب والإسلام ، د. محمد عمارة ، ص 54
(129) الغارة الجديدة على الإسلام بروتوكولات قساوسة التنصير ، د. محمد عمارة ص 89(46/317)
ومن أفضل الشواهد على علاقة اللادين والإلحاد بالتنصير ، حيث يسهل تحويل اللاديني إلى نصراني بشكل كبير عما هو الحال في تحويل المسلم إلى نصراني ، هو الشواهد الفردية التي نقلها لنا من اطلعوا عن قرب على هذه الحالة . فمثلاً تروي لنا مريم جميلة الأمريكية المسلمة في كتابها (رحلتي من الكفر إلى الإيمان ) تقول : " ثم نرى كيف يضع المبشرون أساطيرهم حول مهارتهم في التنصير لنقرأ ما كتبه أحدهم عن شاب دمشقي من عائلة مسلمة كفر بالدين بعد اطلاعه على العلم الحديث ، لكنه عاد وآمن بالمسيحية عندما أخبره صديق نصراني أن المسيحية لا تحرم الموسيقى والرسم كما يفعل الإسلام المتعصب ". وتقف مريم جميلة عند نشاط المبشرين في مجال العلاقات الاجتماعية في البلاد الإسلامية لتلاحظ أنهم يهتمون كثيراً بما يسمونه تحرير المرأة أو تنفيرها من الإسلام وتعويدها العادات الغربية لهز الإيمان في نفسها وزعزعته أو وأده في أطفال المستقبل ، ويركز المبشرون في العديد من المناطق على ضرورة تخلي المرأة المسلمة عن الزي المحتشم وتمردها على الأسرة وخروجها إلى المراقص والملاهي ، حتى وإن لم يؤد ذلك في النهاية إلى اعتناق المسيحية (130) .
وإن تكلمنا عن تحويل المسلم إلى لاديني ومن ثم تنصيره فإن أكبر مثال على نجاح هذه الفكرة هو استهداف المسلمين في البلاد التي خضعت للشيوعية والإلحاد ردحاً من الزمن لتنصيرهم . ففي تقرير صحفي من كوالالمبور لصهيب جاسم لموقع إسلام أون لاين في 11-5-2001 يقول : " كان الاحتفاء بممثل ألبانيا في مؤتمر "الزمالة التنصيرية الدولية" والذي اختتم أعماله في كوالالمبور الخميس 10/5/2001 مختلفا.. فالسكرتير العام للتحالف الإنجيلي الألباني، ويدعى (غني) أصغر من حضر - ممن يترأس تحالفا إنجيليا في بلاده - اجتماعات الجمعية العمومية الدولية لمنظمة الزمالة حتى الآن؛ حيث يبلغ من العمر 28 عاما. وقد تحول (غني) من الإسلام الحنيف الذي اتبعه آباؤه وأجداده ليؤمن بالمسيحية في عام 1991، وذلك بعد الانفتاح الذي شهدته ألبانيا إثر سقوط الحكم الشيوعي ذي السياسات المتشددة تجاه الأديان جميعا ، والتي تسببت في إبعاد الكثيرين كليا عن دينهم ، واستغلت الإرساليات الإنجيلية الوضع السياسي الجديد من البداية لتتوجه إلى من يجهل الإسلام ، وكان أول ما لفت نظر (غني) وأصحابه لافتة كبيرة معلقة في العاصمة تيرانا وكتب عليها (الرب يحب ألبانيا) ، الأمر الذي أثار فضولهم، ودفعهم إلى حضور جلسات نظمتها الإرسالية الإنجيلية.. وخلال أيام أعلن هؤلاء الشباب ذوو الأصول المسلمة والأعمار التي تقارب العشرين عاما تنصرهم، وبعد 3 سنوات من عمل (غني) مع منظمة شبابية مسيحية عُين سكرتيرا عاما للتحالف الإنجيلي الألباني في عام 1997. وكان التحالف الإنجيلي الألباني قد أعيد تأسيسه في عام 1992 بعد 100 عام من الغياب عن البلاد؛ حيث لم يكن له وجود بين الألبان منذ عام 1892، وفي عام 1993 صار الإنجيليون الألبان جزءا من التحالف الإنجيلي الأوروبي. وحسبما ذكر غني في المؤتمر؛ فإنه لم يكن هناك إلا 5 ألبان نصارى في عام 1991، لكن الإرساليات التنصيرية أسست حتى الآن 160 كنيسة، يتبع التحالف الإنجيلي منها 76 كنيسة ومنظمة كنسية ، ذات خدمات وأهداف متنوعة غير أنه لم يذكر عدد النصارى الذين تخدمهم هذه الكنائس . أما تشكيل الألبان المتنصرين الجدد فإن غالبيتهم الساحقة من الشباب الذين تتراوح أعمارهم ما بين 25 و 35 عاما؛ حيث أكد غني أن "الشباب أكثر تقبلا للإنجيل من كبار السن" (131) انتهى التقرير ، ومنه نرى كيف أن التنصير لا يمكنه تنصير المسلمين المتمسكين بدينهم ، وإنما يتوجه إلى أولئك الذين لا يحملون من الإسلام إلا اسمه فنسوا الإسلام تحت ظل الحكومات الشيوعية أو تحت ظروف مختلفة ، فيكونون بذلك الفريسة الأهم للتنصير.
______________
(130) الزحف إلى مكة .. حقائق ووثائق عن مؤامرة التنصير في العالم الإسلامي ، د.عبدالودود شلبي، ص68
(131) موقع إسلام أون لاين http://www.islamonline.net/a r abic/ne...a r ticle8.shtml
وعند الحديث عن الظواهر الفردية في التأثير التنصيري على دين المسلم ، وأن التنصير إنما يهمه في المقام الأول هدم الإسلام في نفس وشخص الإنسان المسلم فلا بد أن نذكر شخصية معروفة لها كامل الدلالة على هذا التأثير التنصيري . إن (نبيل فياض) يعتبر أوضح الأمثلة على هذا التأثير التنصيري . وسنعتمد على مقالات نبيل فياض التي سبق وطرحها في موقع الناقد قبل أن تتم إزالتها في تموز 2005 .(46/318)
نبيل فياض تربى منذ نشأته داخل مدارس الإرساليات التنصيرية وهو يقول ذلك عن نفسه ، ففي مقاله ( تعلّم الإسلام في خمسة أيام) في 14 يناير 2004 يقول : " حين كنّا صغاراً ، وكانت الثقافة ، لا الدين وشراشيبه كما هي الحال اليوم، من أساسيّات التربيّة التي كنّا نتلقّاها في المنزل والمدرسة التبشيرية الدانماركيّة " . لقد أثرت هذه التربية (التنصيرية) في النمو العقلي لنبيل فياض ، فكره الإسلام والعداء له أصبح يمثل ناحية عقلية في فكر نبيل فياض . وهو يقر بتأثير التعليم التنصيري عليه بقوله في مقال بعنوان (رسالة مفتوحة إلى قداسة البطريرك صفير) في 1 مارس 2005 ، فيقول : " قد لا يعرف كثيرون أنّ علاقتي العضويّة بالطائفة المارونيّة تجاوزت حدود الانتماء الثقافي-الحضاري ، لتصل مرحلة التبنّي المطلق ، غير المناقش ، لما يطرحه هذا الصرح العظيم ، المسمّى "بكركي"، من قرارات. وقد لا يعرف كثيرون أيضاً أن تبلور نظرتي للكون وفهمي للحياة ومقاربتي للأديان بدأت في الكسليك! " .
لقد نشأ فياض في وسط تنصيري زرع فيه كره الإسلام ومهد له سبيل اللادينية . إن مناهج التعليم في هذه الإرساليات تزرع السموم في كل ما يتعلق بالإسلام . ولقد قدم لنا الأستاذين الفاضلين عمر فروخ ومصطفى الخالدي شهادة حاضرة لذلك في زمانهما وعما كان يدرس في هذه المدارس في لبنان وخارجها . فمن أحد الكتب التي كانت تدرس في هذه المدارس كتاب بعنوان (البحث عن الدين الحقيقي) وهو محاضرات في التعليم الديني تأليف المنسنيور كولي وقد صدر عن اتحاد مؤسسات التعليم المسيحي في باريس (طبعة 1928) كما نال رضا البابا ليون الثالث عشر عام 1887 ، جاء في الصفحة 220 من الكتاب ما يلي : " الإسلام : في القرن السابع برز في الشرق عدو جديد ، ذلك هو الإسلام الذي أسس على القوة ، وقام على أشد أنواع التعصب . لقد وضع محمد السيف في أيدي الذين أتبعوه ، وتساهل في أقدس قوانين الأخلاق ، ثم سمح لأتباعه بالفجور والسلب ، ووعد الذيت يهلكون في القتال بالاستمتاع بالملذات ، وبعد قليل أصبحت آسية الصغرى وأفريقية وأسبانيا فريسة له ، حتى أن إيطاليا هددها الخطر ، وتناول الاجتياح نصف فرنسا . لقد أصيبت المدنية ، ولكن هياج هؤلاء الأشياع تناول في الأكثر كلاب النصارى .. ولكن أنظر ، هاهي النصرانية تضع بسيف شارل مارتل سدا في وجه سير الإسلام المنتصر عند تور بواتييه 752م . ثم تعمل الحروب الصليبية في مدى قرنين (1099 - 1254) في سبيل الدين فتدجج أوروبا بالسلاح وتنجى النصرانية ، وهكذا تقهقرت قوة الهلال أمام راية الصليب وانتصر الإنجيل على القرآن وعلى ما فيه من قوانين الأخلاق السهلة .." . وهذا الكتاب كما يذكر المؤلفان عمر فروخ ومصطفى الخالدي كان يدرس في المدارس التبشيرية العربية كمدارس الأخوة المسيحية (الفرير) في بيروت وجميع المدارس التابعة لهذه الرهبنة في غير بيروت (منتصف القرن العشرين) (132) . وهذا كتاب آخر كان يدرس في الصف الرابع من المدرسة البطريريكية في بيروت وهو بعنوان (تاريخ محاضرات ج . ايزاك . حررها أ . ألبا للشرق الأدنى لطلبة الصف الخامس - العصور الوسطى ) وجاء في هذا الكتاب :
- واتفق لمحمد في أثناء رحلاته أن يعرف شيئاً قليلاً من عقائد اليهود والنصارى . ولما أشرف على الأربعين أخذت تتراءى له رؤى أقنعته بأن الله اختاره رسولاً .
- والقرآن مجموع ملاحظات كان تلاميذه يدونونها بينما كان هو يتكلم ، وقد أمر محمد أتباعه أن يحملوا العالم كله على الإسلام بالسيف إذا اقتضت الضرورة .(46/319)
وهناك أيضاً كتاب آخر يستحق اهتمامنا اسمه ( تاريخ فرنسا) تأليف هـ . غيومان و ف . لو ستير لصفوف الشهادة الابتدائية . وهذا الكتاب كما يذكر مؤلفا كتاب (التبشير والاستعمار في البلاد العربية) كان يدرس في مدرسة القديس يوسف للبنات في بيروت وفي مدارسها الأخرى خارج بيروت ومما جاء في الكتاب : " أن محمداً مؤسس دين المسلمين قد أمر أتباعه أن يخضعوا العالم وأن يبدلوا جميع الأديان بدينه هو . ما أعظم الفرق بين هؤلاء الوثنيين وبين النصارى . إن هؤلاء العرب قد فرضوا دينهم بالقوة وقالوا للناس : أسلموا أو تموتوا ، بينما أتباع المسيح ربحوا النفوس ببرهم وإحسانهم . ماذا كانت حال العالم لو أن العرب انتصروا علينا ؟ إذن لكنا نحن اليوم مسلمين كالجزائريين والمراكشيين " (133) . بل إن من كبار اللاهوتيين المستشرقين كان يتواجد في لبنان أوائل القرن الماضي في سبيل نشر وتوريج الأكاذيب عتن الإسلام داخل بلاد الإسلام نفسها . فهذا A r thu r Stanley T r iton آرثر ستانلي ترتون (1881 - 1973) وهو لاهوتي إنجليزي كان يُدرس في مدرسة البعثة التبشيرية في برمانا بلبنان (134) يتحدث عن الصوم والصلاة في الإسلام ويقول أن " الصوم أول ما شرع كان تقليداً لما عند اليهود ، ثم بدل وغير وصار أشبه بصوم النصارى مع شيئ من التغاير" ويقول : " إن فكرة صلاة الجمعة اقتبسها الرسول من الزرادشتية" (135). كما سبق وأشرنا إلى الأب هنري لامنس Hen r i Lammensالذي كان يعيش في لبنان في أوائل القرن العشرين ويُدرس أفكاره عن الإسلام بطرق غير نزيهة لتشويه صورة الإسلام .
ونبيل فياض يقر بأن للتعليم الديني في كليات اللاهوت دور في نشر الإلحاد ، ففي مقال (المارونية الحضارية) لنبيل فياض في 24 أبريل 2004 يقول : " لقد أنشأ الموارنة رهبنات قويّة ، كالبلديّة والأنطونيّة والمريميّة والكريم، إضافة إلى هيكليّة بكركي ومجموعات الإكليروس من خارج الرهبنات، الأمر الذي أدّى، مع توزّع العمل، إلى التغطية الرهبانيّة المارونيّة للمجتمع الماروني أوّلاً ولجزء غير ضئيل من اللبناني ثانياً، بكلّ أوجه نشاطاته. ضمن الرهبانيّات المارونيّة، كأي منظومة ليبراليّة، مغرقة في ليبراليتها، يمكن أن نصادف من هو مسيّس، يساراً أو يميناً؛ من هو رافض للتسيّس من منظور نسكي؛ من هو منهمك في العمل الاجتماعي؛ من يقدّم التبشير الديني على النشاط الاجتماعي؛ من هو مرجعيّة فلسفيّة؛ من هو مؤرّخ أو أركيولوجي؛ بكلمة واحدة: الرهبانيّات المارونيّة جامعة ضخمة تغطّي كل الاختصاصات. ومن معرفتي الذاتيّة غير المتحيّزة، فالرهبانيّات المارونيّة تتميّز، في اعتقادنا ، عن أية رهبنة أخرى في الشرق، وربما في الغرب. فهذه الرهبنة الكاثوليكيّة العقيدة، المنفتحة بما لا يقارن على روافد الفكر المعاصر ـ أتحدّث هنا عن البلديّة تحديداً ـ ( في الكسليك ، قبل أكثر من خمسة عشر عاماً، كانوا يدرّسون لطلاب اللاهوت الإلحاد المعاصر دون أدنى حرج أو عدائيّة) ، كانت النافذة التي يطلّ منها باستمرار الغرب الأوروبي وبعض الأمريكي على الشرق؛ بالمقابل، ثمّة أرضيّة وطنيّة، بالمعنى الحضاري غير الشوفيني للكلمة، نجده في الليتورجيا السريانيّة السوريّة الجذور، التي تحافظ عليها المارونيّة بالتزام نادر . من هنا ، فالكنيسة المارونيّة تتميّز للغاية عن غيرها من كنائس الشرق بأنها عقل غربي ، مغرق في انفتاحه ، وقلب شرقي ، مغرق في عاطفيته " .(46/320)
فهذه هي كليات اللاهوت النصرانية التي تدرس الإلحاد والزندقة لطلاب من المسلمين في بلاد الإسلام لتخرج لادينيين !! إن النمو الفكري لنبيل فياض بين أحضان الإرساليات والكسليك النصراني ، والاستماع لكل تلفيق على الإسلام جعل نبيل فياض يتقبل فكرة اللادين ، لدرجة أنه يتأثر بالفكر اللاديني سريعاً كما يقول في إجابته على سؤال من محرر في منتتدى اللادينيين العرب عندما سأله المحرر السؤال التالي : " القارئ للكتابات التي تحمل توقيعك سواء المترجمة منها أو التي حمّلتها فكرك الخاص يستشف بوضوح أنك تتبنى فهماً شخصياً للإله يختلف جذرياً عن المفاهيم التي تتبناها وتسّوقها الأديان . ما الظروف التي شجّعت الباحث نبيل فياض على الخروج من الاسلام بشكل خاص ومن الأديان بشكل عام وكيف تشّكل هذا المفهوم الخاص للإله لديه ؟ " . وقد أجاب نبيل فياض على ذلك بقوله : " لم أنشأ في وسط متديّن، بالمعنى التقليدي للمصطلح ؛ لكن الأهم من ذلك كلّه التقائي في مرحلتي التكوينيّة في القاهرة بشخص عشت معه ثلاث سنوات تقريباً ، لا علاقة له بالإسلام ولا بالعروبة ، اسمه فيليب ؛ هذا الشخص، الماوي ، الذي كان يكبرني بخمس عشرة سنة تقريباً، أشفاني بالكامل من شعور العروبة، لكنه فشل في تلويث عقلي بالماركسيّة، التي أثّر بي من انتقدها، مثل جان-إيف كالفيز وسارتر، أكثر مما أثّر بي من دافع عنها! من هنا، افتقدت على الدوام شعور الإيمان بشيء اسمه الإسلام والدين عموماً! حاولت باستمرار البحث عن شكل إيمان جديد خارج إطار الإسلام، في المسيحيّة أولاً ثم في البوذيّة واليهوديّة ثانياً، لكني لم أنجح! أعيش الآن تجربة غير عاديّة لا أستطيع الحديث عنها قبل خروجي الشعوري منها! " (136) .
ومن هنا يتضح لنا عمق التأثير للتعليم التنصيري الذي تلقاه فياض في صغره وشبابه . لقد أصبح كما يريده المنصِّرون أن يصبح ، نصرانياً أو لادينياً . وكلاهما مكسب للتنصير . ويمكن اختصار التكوين الفكري لنبيل فياض في موقفه من الإسلام كما يلي : التنشأة في الإرساليات حيث يتم إرضاعه كره الإسلام وتكوين صورة مشوهة عن الإسلام منذ صغره والتقرب من النصرانية ، ثم قبول فكرة اللادين في شبابه مع استمرار التعلق بالنصرانية .
وإن أردنا مثالاُ بسيطاً فقط عن تأثر نبيل فياض بالمقولة الكنسية عن الإسلام رغم العديد من الأمثلة على ذلك ، ففي مقال ( ما هو الإسلام ) يقول : " لقد خرج الإسلام من رحم اليهودية ـ التلمودية ـ الحاخامية! فرغم كل ما قيل أو يقال حول العلاقة بين الإسلام والنصرانية ـ وليس المسيحية ـ فالإسلام، في نهاية الأمر، لم يخرج إلا من الرحم الآنف الذكر . لقد أشار غنزبرغ في عمله الشهير ( أساطير اليهود ) إلى أن القرآن يعرف الهاغاداه أكثر مما يعرف التوراة ـ إنه ينظر إلى التوراة في الواقع في ضوء الهاغاداه . من الجانب الألماني، يطالعنا عمل أ. غايغر الطليعي، ماذا أخذ محمّد من اليهودية Was hat Mohammeds aus dem Judenthume aufgenomen؟ الذي قد يعتبر الأول من نوعه في حقل العلاقة الجوهرية بين الإسلام الأرثوذكسي واليهودية التلمودية الحاخامية . مع ذلك، ففي اعتقادنا أن هـ. شباير هو أفضل من كتب، بتفاصيل وافية، في ذلك الحقل حتى الآن: الحكايا الكتابية في القرآن Die biblischen E r z hlungen im Qu r an، هو عمل شباير المحوري ، الذي نقدّمه أيضاً، ضمن هذه السلسلة."(46/321)
فكما نرى تأثر نبيل فياض بالمقولة والزعم التنصيري بأن الإسلام اشتق من النصرانية المهرطقة واليهودية ، كما تقدم سابقاً في الموجز التاريخي . ونبيل فياض باعتبار نشأته التنصيرية في أحضان الإرساليات الكنسية طويلاً فلا بد له من استيعاب هذه المقولة وحملها معه وحتى بين كتاباته . وفي مثال آخر يدل على عمق التأثير التنصيري في فكر نبيل فياض تجاه الإسلام ، تلك المقولة التنصيرية التي تزعم أن المسلمون وثنيون ولهم إلههم الخاص بهم وأن إله النصارى هو إله المحبة وذلك من مقال (رحيل إله الفرح:إلى العيد) لنبيل فياض في 2 مايو 2004 بمناسبة موت أستاذه الماروني أمبروسيوس حاج ، يقول فياض : " إله الموارنة ، كما عرفناه في عينيّ أمبروسيوس ، ليس إلهاً طالبانيّاً بحاجة إلى بن لادن لحمايته: إله الموارنة ، الثالوث المنسوج بالمحبّة ، ينفر من طعم الدم ورائحة صليل السيوف وموسيقى الرماح المتعاركة! إله الموارنة ، كما بعثره أمبروسيوس في خلايانا، ليس إلهاً حريريّاً طالبانيّاً يتغذّى على الكراهية والحقد والطائفيّة ؛ إله الموارنة ، وجود حب يلفّ الكون بغلالات من غيريّة وانمحاق في الآخر؛ مطلق آخر! الذي تجسّد مرّة في بشر ليؤلّه البشر، ـ كما أعشقناه أمبروسيوس ـ إله الموارنة يفتح الأبواب والاحتمالات أمام الأنا لتحلّق في عوالم المطلق، وتخرج من قيود الجسد الراحل نحو عدن الألوهة التي لا تزول!" . ألا يشابه ذلك القول ما يدرس في مدارس الإرساليات اللبنانية لصفوف الشهادة الابتدائية ككتاب ( تاريخ فرنسا) كما مر معنا سابقاً . أو ما يتم نشره في المواقع النصرانية عن أن الإسلام دين وثني كما جاء في موقع تاريخ القبط فيقولون " يعتقد المسلمين أن إلاه اليهودية والمسيحية هو الله ولكن اليهود والمسيحيين يؤمنون بإيلوهيم الذى هو إله إبراهيم وإسحق ويعقوب ، وقد سأل موسى كليم الرب الإله الإله نفسه فقال إسمى يهوه ، ونحن هنا نسرد ما أخذه القرآن مما فعله الإله الحقيقى إيلوهيم الذى هو يهوه وألصقه بالله والله كما نعلم كان رئيس أو زعبم أو كبير الآلهه الوثنية وكان متزوج من الشمس وأن الات والعزى ومناة الثالثة التى قال محمد فى سورة النجم أن شفاعة الآلهه الونية لترتجى وسجد " (137) .
إن نبيل فياض يعد بحق أحد ثمرات التنصير بدون أدنى شك ، فالرجل إن لم يكن قد تنصر ، فقد ألحد من جراء التربية التنصيرية في الإرساليات والعلاقة الوثيقة بالكنيسة المارونية . ألا يذكرنا هذا بخطابات زويمر السابقة عن أهداف التنصير بين المسلمين !
_________________
(132) التبشير والاستعمار في البلاد العربية ، مصطفى خالدي و عمر فروخ ، ص 72-73
(133) التبشير والاستعمار في البلاد العربية ، مصطفى خالدي و عمر فروخ ، ص 74-75
(134) موسوعة المستشرقين ، د. عبدالرحمن بدوي ، ص 156
(135) دراسات في الفكر العربي الإسلامي .. أبحاث في علم الكلام والتصوف والاستشراق والحركات الهدامة ، د. عرفان عبدالحميد فتاح، ص 149
(136) لقاء مع نبيل فياض في 3 سبتمبر 2004 http:// pn/P r intA r ticle97.html
(137) http:/ new_page_228.htm
أمثلة على الاقتباسات اللادينية - التنصيرية
لا تخلو الكثير من الكتابات اللادينية حول الإسلام من آثار أو اقتباسات تنصيرية مصدرها بالطبع التاريخ التنصيري الطويل من 700 للميلاد وحتى القرن الواحد والعشرين . بل لا يمكن للمدقق في الطرح اللاديني إلا أن يخرج بهذه النتيجية وهي أن الطرح اللاديني يماثل الطرح التنصيري فيما يختص بالإسلام . فمن بدء الطرح يعلن اللادينيون أن الإسلام هو سبب تخلف بلاد العرب كما في قول أحد القيمين في أحد المواقع اللادينية العربية حول رسالة هذا الموقع بقوله : " مقياس الرقي الانساني والنضج السياسي والحضاري يتلخص في قدرة الانسان على التعبير عن افكاره والعمل من أجلها بحرية دون خوف من الملاحقة أو الاضطهاد ، فعندما يمتلك الانسان القدرة على المجاهرة بأفكاره والعمل من أجلها عندها فقط يمكننا الحديث عن مجتمع ديمقراطي حقيقي يفسح المجال للمشاركة الشعبية في اتخاذ القرار .. وضمن هذا الفهم تحديدا أنظر الى رسالة هذا الموقع : رسالة حرية الرأي والتعبير وحق اللاديني في الوجود والعيش الكريم والتعبير الفكري .. فما بالك اذا كان الفكر الذي ننقده هو فكر يتحمل جانبا من المسؤولية عن تخلفنا الانساني والحضاري - وأعني به الفكر الديني - ؟؟؟!!!! .. أي أن رسالة الموقع - في رأيي - رسالة فكرية ذات مضامين حضارية ديمقراطية ليبرالية " (138) .(46/322)
ويماثل هذا الطرح اللاديني الطرح التنصيري حتى قبل مئة عام عندما يقول وليم جيفورد بالكراف في (العالم الإسلامي اليوم) الكتاب الذي صنفه صموئيل زويمر قبل أكثر من مائة عام" متى توارى القرآن ومدينة مكة عن بلاد العرب يمكننا حينئذ أن نرى العربي يتدرج في سبيل الحضارة التي لم يبعده عنها إلا محمد وكتابه " (139) . فبداية يرى كلاً من اللاديني والتنصيري أن الإسلام هو سبب تخلف بلاد العرب والإسلام . ولن يتوقف التشابه في الطروحات بينهما عند هذا الحد بل يمتد ليشمل كل ما جاء به الإسلام .
وطالما كانت المصادر التنصيرية هي الأساس لبحوث للاستشراق في الإسلاميات ، فأصبحت أخيراً مصدراً للكتابات اللادينية والإلحاد عن الإسلام . وسنتناول في مذكرتنا هذه أحد المواقع اللادينية العربية بقسمها اللاديني مثالاً صارخاً على ذلك كما سنرى ، حيث يختلف تأثير المصادر التنصيرية على هذا الموقع . فتارة يتم اقتباس المقالات التنصيرية بحذافيرها ، وتارة يتم اقتباس الأفكار أو العناوين الرئيسية ومن ثم يتم بناء الموضوعات التي تتشابه في طرحها للطرح التنصيري كما سنرى لاحقاً. ويمكن القول أن هذه القاعدة تشمل أغلب المواضيع اللادينية التي تكتب عن الإسلام من ناحية نقدية . وكنا فيما سبق قد شرحنا المواضيع والعناوين التي عمل التنصير على تلفيقها ضد الإسلام خلال 14 قرنأ ، ولا تخرج الكتابات اللادينية ضد الإسلام عن هذه الأطروحات والتي أعيد توضيحها هنا :
أخلاق وأفعال الرسول - مصادر التشريع في الإسلام - تحريف القرآن - مصادر القرآن - الوحي - تشويه صورة القرآن -معارضة القرآن بمثله ..... وتحت كل من هذه الأطروحات والتلفيقات العديد من العناصر الفرعية .
وسأتناول في هذا الجزء الموضوعات الثلاثة الرئيسية في الهجوم التنصيري على الإسلام ألا وهي : شخص الرسو صلى الله عليه وسلم ، مصادر الإسلام ، والقرآن الكريم ، وتوضيح كيف أن الطرح اللاديني إنما هو تابع للطرح التنصيري في هذه الموضوعات بالأدلة القاطعة في هذا الموقع اللاديني العربي .
_______________
(138) http:// fo r um/viewtopic.php?t=3015
(139) الغارة على العالم الإسلامي ، أ.ل شاتلييه ، ص 35
أولاً : شخص الرسول وأخلاقه وأفعاله :(46/323)
من أهم المواضيع الي يطرحها المنصِّرون ضد الإسلام ، لأنهم يرون في هدم مثالية شخصه وأفعاله عليه الصلاة والسلام في نفس المسلم أهم ما يمكن به التأثير على المسلم وهز صورة الرسول في نفسه ومن ثم إخراجه من دينه أو تنصيره . وتتنوع الدعاية التنصيرية عبر التاريخ في التلفيق وإطلاق الأكاذيب على الرسول الكريم ، فهم يصفونه بالشهواني ، والكاذب ، والممارس لأعمال السفك والقتل كما رأينا سابقاً في الموجز التارخي . ولعل موضوع زواجه عليه الصلاة والسلام كان من أكثر المواضيع تناولاً من المنصِّرين . وقد تابع اللادينيون السير على هذا المنوال ، وزواج الرسول من زينب بنت جحش أم المؤمنين كان من أهم ما تناوله المنصِّرون قديماً وحديثاً وتبعهم في ذلك المستشرقون واللادينيون . ففي موضوع (محمد والنساء) للكاتب شهاب الدمشقي في الموقع اللاديني (140) يتناول الكاتب زواج الرسول من أمهات المؤمنين بأنه زواج شهواني ومن أجل جمالهن ، بل ويشير إلى ذلك صراحة في بدء موضوعه فيقول " في الحقيقة هناك نقطة هامة يصر الاسلاميون على تجاهلها بل والتعتيم عليها عمدا وهي : ان القاسم المشترك الذي يجمع اغلب زوجات الرسول هو الجمال ... فمحمد انسان اولا واخيرا .. وينجذب الى الجمل كباقي الرجال " . ولعلنا نخص بموضوعه هنا زواج الرسول من السيدة زينب بنت جحش لما له من أهمية تنصيرية . حيث يرجع الكثير من الباحثين تصوير زواجه عليه الصلاة والسلام من زينب بنت جحش وأسباب هذا الزواج إلى أول من قال بذلك من النصارى ألا وهو يوحنا الدمشقي الذي كان يعيش في عهد عبدالملك بن مروان والذي سبق الحديث عنه في الموجز التاريخي . فهو أول من دس فرية تناقلها من بعده الناس من أن النبي عشق زينب بنت جحش فقد ذهب إلى تأويل قوله تعالى ( وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولاً ) (141) ، أن معنى الآية أن النبي رآى زينب زوج زيد في حال أثارت عشقه فعشقها وأراد زواجها . وقد دس هذا النصراني هذه الفرية وراجت بين تابعي التابعيين أنفسهم حتى جاءت على لسان قتادة منسوبة إليه ، وقبلها ابن جرير الطبري ونقلها عنه غيره . ولم يثبت في الصحاح شيئ من هذا ولم ينسب هذا التخريج لأحد من الصحابة بطريق مقبول (142) . ويوضح الدكتور الألمعي هذه النقطة فيقول : " كان يوحنا الدمشقي وأمثاله يجادلون بحرارة ويستدلون بالإسرائليات ، فإذا وجدوا فرصة سانحة دسوا ما يريدون دسه على المسلمين وربما اتخذوا من الروايات الاسرائيلية التي تقول أن داود عليه السلام أحب زوجة قائده (أوريا) وأنه عمل على التخلص منه حتى قتل فتزوجها داود بعده ، ربما عملوا مقارنات ومعادلات بينها وبين ما زعموه في قصة زواج صلى الله عليه وسلم بزينب " (143) . ومن المستشرقين المحدثين معاصرين أو سابقين ممن استغلوا هذه الروايات الضعيفة أميل درمنغم ، ومونتجمري وات ، وغوستاف لوبون ، وموير ، ومرجليوث ، وأرفنج واشنطون ، وسبرنجر وغيرهم . واخيراً تنتقل هذه الفرية إلى كتابات اللادينيين حسب التسلسل المعروف : الكتابات التنصيرية ، فالكتابات الاستشراقية ، فالكتابات اللادينية . ونجد هذا الطرح أيضاً ضمن الكتابات التنصيرية في مواقع الانترنت فهو موجود في أحد مواقع التنصير العربية المعروفة ضمن كتاب (المجهول في حياة الرسول) الذي تنشره المواقع التنصيرية العربية وهو يشمل التشنيع على الرسول صلى لله عليه وسلم والتهجم عليه (144) .
وكذلك الأمر مع زواجه عليه الصلاة والسلام بجويرية بنت الحارث ، فهو أيضاً من مواضيع المنصِّرين للتشكيك بسيرة الرسول حيث ينسبون للرسول أنه استغل وضعها في غزوة بني المصطلق وساومها . ومن النصارى الذين كتبوا بذلك جرجس سال في كتابه مقالة في الإسلام (145) كما نقرأ ذلك أيضاً في أحد مواقع التنصير العربية عن زواجه عليه الصلاة والسلام من جويرية بنت الحارث في الكتاب المسمى (المجهول في حياة الرسول) (146) . ومن ثم يتم كتابة الطرح اللاديني على نفس المنوال في سبيل القدح في خلق الرسول حيث يكتب أحدهم في الموقع اللاديني العربي بذات الطرح في موضوع بعنوان (محمد وجويرية وغزوة بني المصطلق) (147) .
وزواج الرسول من عائشة رضي الله عنها من المواضيع المفضلة لدى المنصِّرين في الطعن بأخلاقه عليه الصلاة والسلام حيث تزوج عائشة في سن مبكرة . ففي موضوع بعنوان (النبي محمد بيدوفيلي) في الموقع اللاديني العربي (148) قام الكاتب باقتباس الموضوع بكامله وحتى بالعنوان الذي سطر فيه موضوعه في المقال وهو (الطفلة الزوجة في الأرجوحة) من أحد مواقع التنصير العربية (149)(46/324)
وهكذا نرى أن القدح في شخص الرسول عليه الصلاة والسلام إنما يصدر من أفواه التنصير وتردده أبواق اللادينية على طول خط التلفيق والكذب ضد الإسلام . ولن نعجب إذا رأينا أن الكتاب اللادينيون لا يبالون في أحيان كثيرة من نسخ المقالات التنصيرية كما هي وبعناوينها من مواقع التنصير العربية المنتشرة على الشبكة العالمية .
وإن أردنا أن نرى التأثير التنصيري واضحاً في الكتابات اللادينية ضد شخص الرسول فسنجد موضوعاً غريباً . فقد نسبوا زواجه عليه الصلاة والسلام من خديجة رضي الله عنها إلى أنه زواج كنسي على الديانة النصرانية ، فنرى ذلك واضحاً في مقالة بعنوان (هل كان محمد نصرانياً؟) في موقع تنصيري عربي (150) .. ونفس هذه الفكرة الغريبة ينقلها كاتب لاديني في الموقع اللاديني العربي ، ففي موضوع زواج الرسول من خديجة بمكة يقول أحد اللادينيين في موضوع بعنوان (زواجات محمد المثيرة للجدل) في الموقع اللاديني (151) ما يلي : " ولماذا لم يتزوج خلال فترة حياة خديجة؟ هل لانه فعلا قد تزوجها بكنيسة مكة على الشرع المسيحي الذي لا يبيح للزوج بالزواج بأخرى مادامت زوجته على قيد الحياة ؟؟ أم أن هناك تفسير ديني يبرر هذا الفعل؟ " .
وموضوع تأثر الرسول بالنصرانية ونصرانية الإسلام سنتناوله أيضاً لاحقاً .
وأخيراً وليس آخراً ، فلم تسلم ماريا القبطية رضي الله عنها من طعن الطاعنين من المنصِّرين واللادينين . وقصة مارية القبطية ومابور القبطي من أحد تلك المحاولات التنصيرية . فالكاتب اللاديني شهاب الدمشقي في الموقع اللاديني العربي كتب موضوعاً كاملاً حول هذا الموضوع بعنوان (هل كانت مارية القبطية خائنة؟) (152) ، ويقول في ختامه : " وتبقى بالطبع الاشكالات الشرعية التي تثيرها الرواية : هل تقبل هذه الرواية التي تطعن بطهر بيت النبوة ؟ وهل يعقل ان يصدر الرسول امرا بقتل زان دون شهادة شهود ؟ بل دون ان يسمع دفاع المتهم ذاته ؟ وماذا لو لم يكن الرجل مجبوبا ؟ " . وهذا الموضوع مطروح أيضاً في المواقع التنصيرية ، حيث يوجد ضمن كتاب(المجهول في حياة الرسول) (153) . والغريب في الأمر أن كلا الموضوعين اللاديني والتنصيري يطرحان في نهاية الموضوع سؤالاً لم يكن أحد ليطرحه لو لم يخرج من فم واحد ، وهذا السؤال هو (لكن يا عليّ هل كان مابور مجبوب) في المقال التنصيري ، و (وماذا لو لم يكن الرجل مجبوبا ؟) في المقال اللاديني . كما يتناول كاتب لاديني آخر نفس التلفيق في موضوع بعنوان (محمد وخديجة والأكاذيب الكبيرة) (154) في ذات الموقع اللاديني العربي ضمن أطروحات أخرى عن الرسول . كما تتكرر محاولة التشنيع هذه في مواقع تنصيرية أخرى كموقع التنصيري (155) في مقالة بعنوان (تساؤلات محيرة) .
________
(140) http: /islam/islam7.htm
(141) سورة الأحزاب آية37
(142) مع المفسرين والمستشرقين في زواج النبي بزينب بنت جحش دراسة تحليلية، د. زاهر عواض الألمعي، ص 29 & المرأة المسلمة والفكر الاستشراقي، عقيلة حسين، ص 202
(143) مع المفسرين والمستشرقين في زواج النبي بزينب بنت جحش دراسة تحليلية، د. زاهر عواض الألمعي، ص 30
(144) http:// maghol/maghol25.htm
(145) مقالة في الاسلام ج3 أسرار عن القرآن، جرجس سال، تعريب وتذييل هاشم العربي، ص 60
(146) http:/ maghol/maghol34.htm
(147)um/viewtopic.php?t=2148
(148)um/viewtopic.php?t=6145
(149) http:/ /maghol/maghol46.htm
(150)um/viewtopic.php?t=10784
(152) um/viewtopic.php?t=898
(153) httpmaghol/maghol43.htm
(154)(155) http:// /question_islam.htm
أما عن أفعاله وتصرفاته عليه الصلاة والسلام خارج منزله وأسرته فنجد الكثير من الأمثلة المشتركة بين الطرح التنصيري (وهو الأسبق) وبين الطرح اللاديني (وهو اللاحق) . ولنعطي بعض الأمثلة لذلك في حادثة أم قرفة . فمن المزاعم التي يطلقها المنصِّرين وأذنابهم من اللادينيين أن الرسول كان قاسياً ، والقصة التي طالما يرددونها في منتديات التنصير هي حادثة أم قرفة والتي وردت في موقع التنصيري (156) . وبالتالي وكما جرت العادة فيما يختص بالتهجم على الرسول ، يقوم اللادينيون بقص هذه المقالات إلى منتدى اللادينيين العرب ، حيث تم نسخ المقالة بأكملها من الموقع التنصيري إلى الموقع اللاديني العربي تحت موضوع بعنوان ( هل هذه أفعال رسول؟) (157) .(46/325)
ونجد أيضاً إطلاق التهم على الرسول بأنه يقتل غدراً ، وهذا من الأطروحات المهمة للمنصِّرين وفي ذات الوقت للكتابات اللادينية . فمنذ بدأ بهذا الزعم عبدالمسيح الكندي في القرن الثامن الميلادي وما زال مستمرا حتى الوقت الحاضر . ففي الموقع اللاديني العربي موضوع اسمه (هل الإغتيال سنة نبوية؟!) (158) وفيه يتناول الكاتب إرسال الرسول لبعوث من أصحابه لقتل عدد ممن حاربوا الإسلام وألبوا على الإسلام والمسلمين . ويذكر الكاتب سبعة أمثلة على ذلك . الموضوع هو من أحد الكتاب العلمانيين وربما اللادينيين في موقع واسمه (محمد عبدالله ناب) (159) . إلا أن الموضوع بشكل أساسي كان موجوداً على موقع التنصيري (160) تحت عنوان (قتل الخصوم) . ومن ثم فقد قام المدعو محمد ناب باختصار الموضوع في مقاله المسمى (هل الاغتيال سنة نبوية) وقدمه لنا مع بعض الاختصارات واستبدال اسم (رسول الله) إلى (محمد) .
ولا يغيب علينا ذكر موضوع هام يمس أخلاقه عليه الصلاة والسلام بأنه كان (دعياً) كما يلفق لذلك ويزعم المنصِّرون . حيث من أحد ادعائاتهم المثيرة للعجب هو أن الرسول قبل البعثة قام بتغيير اسمه إلى محمد لكي يحقق ذلك مع نبوءة عربية عن أن نبي باسم محمد سيظهر في أرض العرب . وهذا هو نص الكلام من الموقع التنصيري التاريخ القبطي : " .. ويعتقد أن محمد ليس هو الإسم الحقيقى لصاحب الشريعة ألإسلامية لسببين أولاً أن أسم محمد لم يكن شائعا بين العرب , وثانياً : أنه ما أن قويت شوكته حتى قام بتغيير كثير من أسماء الناس والأماكن فلماذا لا يغير أسمه إلى صفات حميدة مثل أحمد ومحمد ومصطفى وغيرها .. ولكن كل هذه الأسماء ليست أسم صاحب الشريعة الإسلامية الحقيقى ولكنها اسماء مستعارة " (161) . وفي الموقع اللاديني العربي يتم تقليد هذا الزعم والتلفيق في موضوع هو أشبه بالمسرحية . ففي موضوع بعنوان (اللقثم) للكاتب أريدو ، وفيه يطرح سؤال بقوله : " اريد ان اعرف و اتعرف على كلمه او اسم القثم " (162). ثم يجيبه المدعو شهاب الدمشقي (اللاديني) بقوله : " تتحدث عن الاسم القديم لمحمد قبل الاسلام " . ومن المهم هنا ما نلاحظه من إجابة الدمشقي الملازمة لقول دعاة التنصير بقوله أن تغيير الاسم من قثم إلى محمد تم قبل الإسلام . كما أن طارح الموضوع يشير إلى أن تغيير الاسم هو سرقة للنبوة فهو يقول : " أن تقيسو الأمر على أن ما قام به سيد البشر والمعصوم ما قام من تغير الاسم أو تحويل الكنيه كما فعلو أجداده أو أعمامه هي جريمة هي عملية تحريف وانتحال وخدعة وتزوير من قبل احدهم وتطاول على السير الطبيعي للكون وسرق النبوه بعد تغير الاسم من (قيثم) الى (محمد) او احمد او حامد " . ثم يبادر المدعو (أريدو) بتبهير المقال بأن النبي محمد قد تم تغيير اسمه من قثم إلى محمد في سن متأخرة . فهو يجيب عند سؤاله من قبل أحد المتداخلين (اللادينيين طبعاً) حول " أن تغيير اسم محمد أمر خطير ، بل خطير جدا وذلك لكثرة الاستدلال على نبوته من التبشير به في الكتب القديمة وذكر اسم احمد وما شابه ". فيجيب المدعو أريد بقوله : " لم يكن السيد محمد او السيد الامين نبيا خلال ثلاث عشر من السنين بل رسولا ومبشرا ونذيراو النبوه منحت له بعد ان قوى عوده المدني الطري الذي خلفه في ام القرى وبعد ان اصبحت الدروب اوسع من ان تغلق بالحجر وازداد التعداد والعده وفتحت القريحه النكاحيه على طولها ... كما قلت ان التناسخ البشري في الاسماء يبدو لي مرضا عضال في سادتنا القريشيون او القريشين وتفضل مرفوعه حتى في حالات النصب والجر الذي قاد هذه الامه الى اعالي السماء السابعه من الغباء و الخمول و العلم الوفير في اللغو والفقه والفتاوي والتشريع والتشريح الخ من علم الكلام الكيمياوي وعلم الكلام الجنيني "
وهكذا نجد أن الطعن في اسم الرسول إنما هو مطلب تنصيري أولاً وأخيراً للطعن في شخصه عليه الصلاة والسلام أولاً ، ومن ثم الطعن في الرسالة ككل . ولا يخفى على القارئ ما في هذا الطرح من تلفيق وكذب تشاطرته الأيادي التنصيرية واللادينية .
____________________
(156) http:// /pal/aldalil/nabi_al r a7ma...l r a7ma.htm14a
(157) http:// /fo r um/viewtopic.php?t=8477
(158) http:// /fo r um/viewtopic.php?t=2750
(159) http:// ElaphW r ite r /2004/8/6270.htm
(160) http:/ /ko r an/ko r an36.htm
(161) http:// /new_page_214.htm
(162) http:/ /fo r um/viewtopic.php?t=1181(46/326)
ومادام الحديث حول شخصه عليه الصلاة والسلام وعلاقة ذلك بالوحي ، فستظل دائماً الكتابات التنصيرية هي المصدر والمنبع لهذا الطرح . ففي موضوع بعنوان (أسئلة محيرة في الإسلام أريد ردود من المؤمنين رجاء) في الموقع اللاديني العربي (163) يضع الكاتب ثلاثة نقاط حول النبي وهي : حالة الرسول عند نزول الوحي عليه ، وما نطق به الشيطان على لسان الرسول ، والسحر الذي تعرض له النبي . وهذه المواضيع من المواضيع التي كثيراً ما يطرحها المنصِّرين في كتاباتهم والمستشرقين الذين ينهلون من التعليم الكنسي . وكاتب الموضوع لم يخرج عن الاستعانة بالمنصِّرين في موضوعه فهو منسوخ من أحد مواقع التنصير العربية بالكامل (164) .
وهكذا نجد أن الطرح اللاديني إنما هو تقليد لكل ما يطرحه التلفيق التنصيري وتكراراً له ، هذا عدا عن الكثير من المواضيع التي تنال من الرسول والتي لا تنفك تجد فيها التأثير التنصيري في الطرح فمثلاً تعدد الزوجات كان دائماً ومنذ القدم مما يتهجم به المنصِّرون على الإسلام وقد رأينا أمثلة على ذلك في الموجز التاريخي ، وتجد ذات الطرح يطرحه اللادينيون ضمن مواضيع مثل (تعدد الزوجات .. الهم الحاضر الغائب) (165) الذي أيضاً يرجعه كاتبه إلى العادات العربية بل ويرفضه بطريقة النصارى قديماً وحديثاً من أنه عدم عدالة . فهذا عبدالمسيح الكندي النصراني المجادل مع المسلمين يعيب على الإسلام والرسولل تعدد الزوجات في رسالته إلى عبدالله الهاشمي (166) . وكذلك يكرر أو يقلد اللادينيون المنصِّرين في الزعم بأن الرسول يقتل غيلة دون سبب . فنرى عدة مواضيع حول هذا الزعم والتلفيق في الموقع اللاديني العربي ، منها (غدر واغتيالات مؤسس الإسلام) عن كعب بن الأشرف (167) ، وموضوع (قصة أم قرفة .. هل سمعت بها ؟) (168) وموضوع (علاقة النفاق بالإسلام) (169) وسواها من المواضيع الأخرى . وهذا إنما هو تكرار للقذف النصراني القديم على الإسلام فقد قال هذا القول من النصارى القدماء عبدالمسيح الكندي في رسالته للهاشمي (170) ، ويستمر المنصِّرون بنفس الطرح المعادي للإسلام إلى الوقت الحديث فهذا مقال بعنوان (قتل الخصوم) في موقع تنصيري عربي يتناول ذات الطرح (171) . كما يكرر اللادينيون في الموقع اللاديني العربي أن الرسول يريد الانتحار في موضوع بعنوان (هل يعلم أتباع النبي محمد أنه حاول الانتحار) (172) وهو القدح الذي نجده دائماً وأبداً في كتب المنصِّرين ويحمل أيضاً في حواشيه أطروحات مضحكة كمحاولة النبي الانتحار لأن ورقة بن نوفل توفي وأنه كان مصدر القرآن والوحي للنبي كما في كتاب (المجهول في حياة الرسول) تحت موضوع (القول الفصل والاختبار الأخير) في أحد مواقع التنصير العربية(173) .
______________________
(163)
(166) رسالتان في الحوار والجدل بين المسيحية والإسلام ، تحقيق وتقديم وشرح المستشرق جورج تارتار ، ص77- 78
(167)um/viewtopic.php?t=1071
(168)um/viewtopic.php?t=1185
(169)um/viewtopic.php?t=5087
(170) أنظر رسالتان في الحوار والجدل بين المسيحية والإسلام ، تحقيق وتقديم وشرح المستشرق جورج تارتار ، ص 69 -70
(171)
(172)um/viewtopic.php?t=9062
(173) http:// /maghol/maghol21.htm
ثانياً : مصادر الإسلام
من أهم المواضيع في الطرح التنصيري ضد أصالة الإسلام . فهو يرمي إلى نزع المصدر الإلهي للإسلام ، وبأن الإسلام ذو مصادر بشرية متنوعة بل ومتضاربة . حيث يزعم المنصِّرون منذ القدم بأن الإسلام أخذ عقائده وتشريعاته من الأديان والمذاهب التي تحيط به عند نشوءه ، كالنصرانية واليهودية والوثنية والفارسية .... الخ . ولا يخرج الطرح اللادينيي عن الطرح التنصيري كثيراً في هذا الشأن(46/327)
ولعل أقدم التلفيقات التنصيرية بذلك هي أن الإسلام هرطقة مسيحية والتي سبق أن أشرنا إليها في الموجز التاريخي سابقاً ، وأن أول من ذكر ذلك هو يوحنا الدمشقي ثم انسحبت آرائه على جميع من تبعوه من منصِّرين من أتباع الكنائس في العالم وبخاصة اللاتينية . وقد استمر هذا الموضوع في مقدمة الموضوعات التي يقدح ويشنع بها المنصِّرون على الإسلام وذلك لإظهار عدم أصالة الإسلام وأن مصادر الإسلام إنما هي مسيحية أو يهودية محرفة . ومن ثم فقد مرر المنصِّرون هذه الأطروحة (الأصول المسيحية للإسلام) من خلال اللادينيين . فقد جاء في موضوع بعنوان (مذهب الدوسيتية الغنوصى "وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه" ) للكاتب (سواح) في الموقع اللاديني العربي (174) نقلاً مماثلاً لما يقوله المنصِّرون في كتاباتهم . ففي بدء مقاله يذكر الكاتب أن " هدفي البحث عن اصل الاعتقاد الإسلامي وموقفه الرافض لصلب المسيح وهل الإسلام هو الوحيد الذي قال بذلك ؟ وإذا قال بذلك من سبق الإسلام بمئات السنين , فأليس من العقل والمنطق أن نزعم أن هذه الفكرة الإسلامية مقتبسة ومنقحة ومن صناعة بشرية ؟ أم سيتجاهل إخواننا المسلمين العقل والمنطق والتاريخ والمراجع التي دون فيها ذلك من قبل ظهور الإسلام ويظلوا يتمسكون باعتقادهم أن الله أوحى لمحمد هذه العقيدة ؟ "
وبالطبع فهو من البدء يريد أن يطعن بألوهية دين الإسلام وأنه إنما هو صناعة بشرية على عادة القساوسة والمنصِّرين .
ثم يذكر كاتب المقال أن من بعض فرق النصرانية تلك الفرق الغنوضية التي أنكرت صلب المسيح وقالت أن المسيح من الروح الإلهية ...... ثم يذكر الكاتب مرة أخرى ومكرراً أن الإسلام أخذ فكرتي عدم الصلب وعدم ألوهية المسيح من قبل هؤلاء الهراطقة المسيحيين ، فيقول مرة أخرى : " ومن خلال هذا البحث نحاول ان نبرهن ان هذه الفكرة الاسلامية لم تأت من عالم آخر او من وحى الهى مزعوم , وانما ما قاله الاسلام ما هو الا تكرار واقتباس بعد تنقيح لعقيدة كثير من الحركات الدينية التى انشقت عن المسيحية وخاصة فرقة الدوسيتية . فلقد قالت هذه الفرقة أن المسيح لم يصلب فعليا وإنما كان يبدو لمن ينظر اليه حينئذ انه كان يصلب ، تماما كما جاء الإسلام وزعم أن الله أوحى هذه الفكرة الموجودة في الآية ( وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِن شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً ) (175) . لكن الباحث المطلع على تاريخ وفكر هذه الفرقة لا يرى فى هذه الايات القرآنية إلا إعادة صياغة لفكرة سبقت الإسلام بمئات السنين , وليس في الأمر وحى ولا علم للغيب ، وإنما اقتباس وتغليب لوجهة نظر على وجهات نظر اخرى وعملية انتقائية ".
ويتبع هذا المقال مقال آخر في نفس الموقع اللاديني بعنوان (الجذور الأبيونية لنفي ألوهية المسيح في الإسلام) للكاتب الغريب المنسي (176) وهو يفصل المقال السابق ولكن يركز على أن ورقة بن نوفل كان على مذهب هؤلاء الهراطقة وينسبه إلى الأبيونيون . وهو يريد أن يصل إلى أن معتقد ورقة بن نوفل كان أبيونياً وأن الرسول أخذ معتقدات الأبيونيين عن ورقة . ولننظر إلى بعض محاولاته ليصل إلى النتيجة التي يريدها .(46/328)
ففي مقاله هذا يحاول الكاتب القيام بربط بين إنجيل الأبيونيين المسمى بإنجيل العبرانيين وبين الكتاب الذي كان يكتب به ورقة بن نوفل كما ورد في فتح الباري وهو (الكتاب العبراني) فهو يقول أولاً : " هذا الإنجيل الأبيوني الخاص هو ما يسمى بإنجيل العبرانيين ..وهو الذي تمسك به الأبيونيون به كإنجيل خاص بهم مهملين باقي الأناجيل" ثم يورد نص شرح حديث بدء الوحي في فتح الباري وهو : " ويكتب (يعني ورقة) من الإنجيل بالعربية ..لأن ورقة تعلم اللسان العبراني والكتاب العبراني , فكان يكتب الكتاب العبراني كما كان يكتب الكتاب العربي لتمكنه من الكتابين واللسانين " . وهذا التلفيق التنصيري عن أن الكتاب الذي يقرأ به ورقة بن نوفل هو أنجيل العبرانيين الأبيونيين من تلفيقات التنصير المعروفة ، وأوضح من يوردها لنا هو الأب يوسف درة الحداد النصراني الذي كثيراً ما يكتب عن الإسلام من تحت نافذة الحوار ودائماً ما يعمل على إعادة الإسلام للنصرانية . فلننظر ما يقوله في كتابه (القرآن دعوة نصرانية) حيث يقول : " عن عائشة في قصة بدء الوحي أن (ورقة بن نوفل - وهو ابن عم خديجة - كان امرءاً تنصر في الجاهلية ، وكان يكتب الكتاب العبراني ، فيكتب من الإنجيل بالعبرانية ما شاء الله أن يكتب ) . وقوله (يكتب الكتاب العبراني) هو مصدر كالكتابة ، أي الكتابة العبرانية . وشهادة الحديث الصحيح أو ورقة يكتب الإنجيل بالعبرانية ، ويترجمه إلى العربية . فالإنجيل الذي بيد ورقة بن نوفل (رئيس النصارى) بمكة هو الإنجيل بالحرف العبراني . ولا نعرف من الأناجيل القانونية إنجيلاً دون بالعبرانية إلا الإنجيل بحسب متى الذي ترجم إلى اليونانية " ثم يقول : " وهذه هي الشهادة التاريخية التي لا ترد بأن أهل الإنجيل بمكة كانوا من النصارى من بني إسرائيل " . وبعد كلام طويل عن إنجيل العبرانيين يخرج يوسف الحداد بعدة استنتاجات منها أن : " للنصارى من بني إسرائيل إنجيل خاص بهم يسميه جيروم الإنجيل العبراني ، بحسب حرفه أو الإنجيل السرياني بحسب لغته أو الإنجيل بحسب العبرانيين بسبب أهله . وهذه هي صفة الإنجيل الذي يترجمه ورقة بن نوفل ، كما في الحديث " (177) .
كما أن الإدعاء بأن ورقة بن نوفل من الأبيونيين وأن الرسول تلقى منه المعتقدات حول المسيح معروفة في أحد كتب التنصير المنتشرة بشكل واسع وهو كتاب (قس ونبي) الذي تنشره مواقع التنصير العربية . والمؤلف النصراني أبو موسى الحريري يقول في الكتاب أن ورقة بن نوفل أنكر صلب المسيح !! وأن ورقة بن نوفل على مذهب الأبيونيين الذين يأتي على تعريفهم بشكل موجز . وللعجب الشديد فلنا أن نتساءل : من أين عرف أبو موسى الحريري أن ورقة بن نوفل أنكر صلب المسيح !! وفي أي من المؤلفات التاريخية ذكر ذلك (178) ؟
بل ويذكر في كتاب (قس ونبي) أن ورقة بن نوفل هو معلم الرسول خلال سنوات عمره كلها ، فيقول : " أما العلم الذي كان محمد يجهله ، وقد تكفل القس ورقة بإعطائه لتلميذه الروحي فهو علم الكتاب المنزل ، الذي كان القس ينقله في حضور محمد ، طوال 44 وسنة . هذا العلم درسه النبي على القس في الإنجيل العبراني " (179) .
وهكذا نرى أن التلفيقات اللادينية هي في أساسها تلفيقات تنصيرية يعاد تكرارها من خلال الكتابات اللادينية . كما ينكرر طرح هذا التلفيق في موضوع آخر بعنوان (النبي محمد تعلم من ورقة بن نوفل) في نفس الموقع اللاديني العربي .
_____________________
(174
(175) سورة النساء آية 157
(176)
(177) القرآن دعوة نصرانية، يوسف درة الحداد، ص 117 - 124
(178) شبهات مسيحية معاصرة حول الإسلام، حسني يوسف الأطير، ص 188 - 189
(179) شبهات مسيحية معاصرة حول الإسلام، حسني يوسف الأطير، ص 204
ويلحق بهذا الطرح التنصيري عن مصادر الإسلام الزعم بأن التشريعات الإسلامية ومنا العبادات متنوعة المصادر ومنها المصادر الوثنية . وسبق أن مثلنا لذلك بافتراءات عبدالمسيح الكندي النصراني في عهد المأمون الذي أطلق مثل هذه التهم حول بعض شرائع الإسلام كالحج وتقبيل الحجر الأسود . وتلقفت الأيادي النصرانية الأوروبية فيما بعد هذه المزاعم وعدوها مغانم ليتهجموا بها على أصالة الإسلام . حيث ترد هذه المزاعم بحرفها مرة أخرى في طبعة تنصيرية حديثة في كتيب صغير بعنوان (محمد والوثنية) لكاتبه سام شمعون النصراني والذي يتم نشره من خلال المواقع التنصيرية أيضاً . وبالطبع لا يمكن أن تكون المصادفة هي وراء تكرار هذه التلفيقات والأكاذيب التنصيرية في موضوع لاديني بعنوان (الجذور التاريخية للشريعة الإسلامية - الشعائر التعبدية) في الموقع اللاديني العربي (180) . فكاتب الموضوع يذكر في هذا الموضوع أن عبادة الحج وشعيرة العمرة وصوم رمضان وصلاة الجمعة إنما هي عبادات نقلها الرسول من القبائل العربية الوثنية وجعلها ضمن الإسلام .(46/329)
كما يتبع الطرح التنصيري حول مصادر الإسلام ، طرح آخر غاية في الأهمية هو حول أمية الرسول . إذ طالما عمل المنصِّرون على التشكيك بأمية الرسول قبل البعثة لأنهم يريدوا أن يلفقوا زعماً بأن الرسول اطلع على كتب أهل الكتاب قبل البعثة وقرأها ومنها كون عناصر رسالته . فنقرأ في هذا الشأن في الموقع اللاديني العربي موضوعاً بعنوان (أمية محمد في ميزان العقل والنقل) (181) . وبالطبع فإن موضوعاً على مثل هذه الأهمية والطعن بالإسلام لا بد من أن نجده بنصه وأحرفه وسطوره في أحد كتب التنصير كما تعودنا دائماً . هذا الموضوع بنصه وحرفه منقول عن أحد مواقع التنصير العربية في موضوع تحت نفس العنوان (182) وفي الصفحات الملحقة بهذا الموضوع .
بل أن الموضوع بدرجة كبيرة معروض في كتاب الأب يوسف درة الحداد (القرآن والكتاب) والذي كالعادة يحاول أن يرجع فيه الإسلام إلى النصرانية (183) . كما يطرح هذه الأكاذيب حول معرفة الرسول بالقراءة والكتابة منذ صغره أيضاً مؤلف كتاب (قس ونبي) فيقول : " لذلك نميز بين أمرين : ما كان يعلمه محمد وبين ما كان لا يعلمه ثم تعلمه بعد حين . أما العلم الذي كان يعلمه فهو علم القراءة والكتابة الذي اكتسبه في صغره " (184) . بالطبع لا يمكن لأي لاديني أن ينفي أن موضوع أمية النبي لم يكن موضوعاً مطروحاً من قبل المنصِّرين ومنذ قديم . فمثلاً القس جورج بوش (1796 - 1859) وعبر مصادره الكنسية يذكر ذلك في كتابه عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فهو يقول حول أمية الرسول : " وليس لدينا معلومات عما إذا كان أبو طالب قد وعى الوصية بمضامينها الجليلة التي بثها أبوه في كلماته - يقصد عندما وصى عبدالمطلب أبوطالب بالنبي - ، لكن الأدلة تشير بشكل جيد إلى أنه كان بالنسبة لابن أخيه صديقاً وحامياً ، إذ علمه تعليماً لا يقل على التعليم الذي اعتاد عليه الناس في هذه الأنحاء . أنه قدر قليل من التعليم ولمنه لا يقل عن التعليم الذي أتيح لغيره " . ثم يقول عن الآيتين ( وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَّارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ ) (185) ، والآية ( ... فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ) (186) ، ما يلي: " لكن آخر ما نتوقعه من القرآن - وهو إدعاء بكل ما في الكلمة من معنى - أن يكون صادقاً دالاً على الحقيقة ، فهناك أدلة كثيرة من هذا الوحي الزائف نفسه تدلنا على أن الكتابة كانت شائعة بين العرب في تلك الأيام " . ثم يقول : " كيف يعقل إذن أن أبا طالب علم ابنه علي الكتابة ولم يعلم ابن أخيه ؟ وأكثر من هذا فقد كانت مكة ملتقى حركة تجارية ، ولا بد ان التجار كانوا يحسون كل ساعة بحاجتهم إلى تسجيل صفقاتهم ومعاملاتهم المالية ، ونعلم أن محمداً ظل لعدة سنوات يعمل في التجارة قبل أن يبدأ دعوته إلى الدين الجديد فمن غير المحتمل ألا يكون عارفاً باستخدام الحروف " (187) . وهذا الكلام نجد ما يشابهه في الموضوع اللاديني (أمية محمد في ميزان العقل والنقل) السابق . كما نجد أيضاً موضوعاً آخر في الموقع اللاديني العربي حول نفس الموضوع وهو بعنوان (هل كان محمد أمياً؟) (188) ، ففي منتصف الموضوع فإذا بالكاتب يقتبس فقرة من موقع تنصيري وهي قوله : " لقد لعبت خديجة دورا رئيسيا في ظهور نبي الإسلام ؛ فخديجة كان أبن عمها ورقة بن نوفل قس مكة الذي ترجم الإنجيل العبراني إلى العربية ، وعاش محمد في كنفها وتعلم طيلة خمسة عشر عاما معها ينهل من تعاليم القس قبل أن يدعي النبوة وهي التي كانت وراء تحديد ذلك التابع الذي كان يأتي محمدا وكان لقولها الفصل بين النبوة والكهانة " وهذه الفقرة بالحرف مقتبسة من أحد المواقع التنصيرية من كتاب بعنوان (المجهول في حياة الرسول) في موضوع بعنوان (القول الفصل والاختبار الأخير) (189) .
_____________________
(180) http:// fo r um/viewtopic.php?t=3955
(181) http:// /fo r um/viewtopic.php?t=526
(182) http: /omiah/omiah1.htm
(183) أنظر : القرآن والكتاب ، يوسف درة الحداد ، ص 1060 - 1065
(184) شبهات مسيحية معاصرة حول الإسلام، حسني يوسف الأطير، ص 204
(185) سورة العنكبوت آية 48
(186) سورة الأعراف آية 158
(187) محمد مؤسس الدين الإسلامي ومؤسس امبراطورية المسلمين ، جورج بوش، ترجمة وتحقيق د. عبدالرحمن عبدالله الشيخ، ص 141-142
(188) http:/ /fo r um/viewtopic.php?t=8061
(189) http: /maghol/maghol21.htm(46/330)
وعند الحديث عن فرية مصادر الإسلام التي يعزوها المنصِّرون إلى البيئة الجاهلية واليهود والنصارى ، لا بد أن نذكر فرية أخرى من افتراءات المنصِّرين على الإسلام وهي أن من مصادر الإسلام زيد بن عمرو بن نفيل الذي مات قبل البعثة النبوية الشريفة . فالمنصِّرون يزعمون أن من بين الأمور التي أخذها الرسول من زيد بن عمرو بن نفيل : منع الوأد ، رفض عبادة الأصنام ، الإقرار بوحدانية الله ، الوعد بالجنان ، الوعيد بالعقاب في سعير وجهنم ، اختصاص الله سبحانه بأسماء: الرحمن. الرب. الغفور ... ويمكن قراءة ذلك في الكتب والمقاللات التنصيرية كموقعالتنصيري (190) ، أو كتاب القس كلير تيسدال (مصادر الإسلام) . وبالطبع لا بد أن نجد التأثير التنصيري على الكتابات اللادينية كما عهدنا ، فبذات الموضوع والتلفيق يطرح أحد الكتاب اللادينيون موضوعه (أثر زيد بن عمرو بن نفيل في فكر محمد) في الموقع اللاديني العربي (191) .
وهكذا فموضوع مصادر الإسلام كما هو طرح تنصيري مهم للمنصِّرين ، فهو بالتالي طرح مهم أيضاً للادينيين العرب حيث كما رأينا يقتبس اللادينيون العرب النصوص التنصيرية حول هذا الطرح أو يكتبون بذات الطرح التي سبقهم بها المنصِّرون . إن استراتيجية التشكيك بالإسلام هي استراتيجية تنصيرية أولاً وأخيراً وتمريرها من خلال الأقلام اللادينية إنما هو وسيلة وآلية لهذه الاستراتيجية لا أكثر ولا أقل .
ثالثاً : القرآن
الطرح التنصيري ضد القرآن هو أيضاً من أكثر ما يطرحه المنصِّرون ضد الإسلام عبر التاريخ ويستمر بذلك المستشرقون واللادينيون . يقول المنصِّر جون تاكلى حول الباعث التنصيري لهذه الأعمال ضد أصالة القرآن الكريم : " يجب أن نستخدم كتابهم وهو أمضى سلاح في الإسلام ضد الإسلام نفسه لنقضي عليه تماماً . يجب أن ترى الناس أن الصحيح في القرآن ليس جديداً وأن الجديد فيه ليس صحيحاً " (192) . إن هذه العبارة " أن الصحيح في القرآن ليس جديداً وأن الجديد فيه ليس صحيحاً " توجز كل ما يقوم به المنصِّرون في هجمتهم على القرآن الكريم . فالزعم الكاذب عن بشرية القرآن وأن مصادره هي اليهودية والنصرانية والزرادشتية والفارسية وأشعار العرب وصولاً إلى الطعن في الإعجاز العلمي للقرآن تمثل أطروحات لا تحصى من قبل المنصِّرين وهي توجز عبارة " أن الصحيح في القرآن ليس جديداً " . والزعم بوجود متناقضات وأخطاء في القرآن ومحاولات معارضة القرآن والمحاولات الكثيرة في ذلك توضع ضمن العبارة " أن الجديد فيه ليس صحيحاً " . إن مواقع التنصير العربية لا تخلو من الكثير من هذه الأطروحات الملفقة ، وهي تنتقل بدورها إلى المواقع اللادينية العربية كالموقع اللاديني العربي الذي نتناوله هنا والذي عددنا في أحد أقسامه (القسم الديني) أكثر من خمسين موضوعاً يمكن تصنيفها تحت الزعم " وأن ما فيه ليس صحيحاً " . واما عن الزعم بأن ما في القرآن ليس جديداً ، فالمقصود الأول به أن للقرآن مصادر بشرية متنوعة فقد عددنا قرابة خمس عشرة موضوعاً حول هذا الطرح في نفس القسم من المنتدى .
فلماذا يركز المنصِّرون على هذه الناحية ويبذلون كل جهدهم في إثبات عدم ألوهية القرآن الكريم ؟
يمكن القول بأن افتراض نجاح الجهد التنصيري في فك التلازم الضروري في الإسلام بين القرآن والوحي والرسولل المبلِّغ ، ذلك التلازم المستند إلى إلهية مصدر القرآن ، لسوف يؤدى إلى الضعف التدريجي في الاعتقاد بالفكرة الإسلامية وما يتبع هذا الضعف من الانتقاص والاضمحلال الملازم له ، وسوف يفضي بعد انتشاره في كل الجهات إلى انحلال الروح الدينية من أساسها (193) . أي أن المقصود هو هز قدسية القرآن في نفس المسلم وبخاصة فيما يتعلق بالجرأة عليه وأنه عبارة عن قول كأي قول بشري .
وأول ما يواجهنا في هذا الطرح التنصيري هو الزعم بأن الرسول قد جمع القرآن من الشعر الجاهلي وأقوال الجاهليين كامرؤ القيس وأمية بن أبي الصلت . فقد ذهب الفرنسي كليمان هوار في عام 1940م إلى أن المصدر الرئيسي للقرآن هو شعر أمية بن أبي الصلت للتشابه الكبير بينهما في الوحدانية ، وزعم أن المسلمين قد محو شعر أمية وحرموا إنشاده ليستأثر القرآن بالجدة وليصبح النبي هو المنفرد بالوحي الإلهي . كما أورد القس المبشر تسدال في أوائل القرن العشرين شبهات الناقدين لمصدر القرآن الكريم واتهامه في مصدره الإلهي ، ومنها أبيات منسوبة إلى امرئ القيس وتحتوي على بعض التعبيرات القرآنية مثل :
دنت الساعة وانشق القمر ........ عن غزال صاد قلبي ونفر (194) .(46/331)
وبطبيعة الحال لا بد أن تتلقف الكتابات اللادينية الدعاوي النصرانية حول (مصادر القرآن) إذ أنه يمثل مع موضوع (أخلاق النبي ) ثنائية مهمة لتشويه صورة الإسلام لدى المنصِّرين وبطبيعة الحال لدى اللادينيين أيضاً . فالكاتب سواح في الموقع اللاديني العربي يضع موضوعاً بعنوان (دعوى اشعار امرؤ القيس التى صارت قرآنا بين مؤيد ومعارض) (195) . والكاتب في موضوعه هذا يعتمد على كتاب د. تيسدال (مصادر الإسلام) . ود. تيسدال ليس فقط مسيحي بل هو مبشر وكتاباته ضد الإسلام وأصالة الإسلام معروفة . وهذه ليست المرة الوحيدة التي يعتمد فيها الكتاب اللادينيين للقص واللصق من كتاب (مصادر الإسلام) للمبشر النصراني د. تيسدال .
ومن أحد الأمثلة الملفقة التي يطرحها المنصِّرون ضد أصالة القرآن الكريم وضد المعجزات التي أيد الله بها نبيه ، آيات الإسراء والمعراج في القرآن الكريم التي يزعمون انها من أصل فارسي زرادشتي . فعن الزرادشتية نقرأ في كتاب المبشر النصراني د. كلير تسدال (مصادر الإسلام) في الصفحات من 55 وحتى 61 عن أن حادثة الإسراء والمعراج هي قصة زرادشتية فارسية أخذها النبي عنها وسطرها في القرآن . ونظراً لطول النص فإني أحيل القارئ لكتاب (مصادر الإسلام) ، ثم ليقرأ الموضوع التالي بعنوان (خرافة الإسراء والمعراج) في الموقع اللاديني العربي(196) ليرى التشابه الكبير بين الموضوعين . عدا عن ذلك ، فقد سرق الكاتب الموضوع من موقع قبطي وأقر بذلك عندما افتضح أمره ، إلا أن الأسبقية في الطرح التنصيري حول حادثة معراج النبي ترجع إلى كتاب المبشر النصراني كلير تسدال (مصادر الإسلام) .
_________________
(192) التبشير والاستعمار في البلاد الإسلامية ، مصطفى خالدي ـ عمر فروخ ، ص 40
(193) الغارة على القرآن الكريم ، د.عبدالراضي محمد عبدالمحسن ، ص 23
(194) نقد الخطاب الاستشراقي - الظاهرة الاستشراقية وأثرها في الدراسات الإسلامية ج1 ، د. ساسي سالم الحاج ، ص 269-270
وطرح تحريف القرآن وأن الأيادي نالته بالزيادة والنقصان طرح تنصيري قديم أيضاً سبق أن أعطينا عنه أمثلة في الموجز التاريخي . ففي موضوع بعنوان (هل القرآن معصوم تعالوا وانظروا) في الموقع اللاديني العربي (197) يتحدث الكاتب عن وجود مخطوطة من مصحف عثمان بسمرقند وهي تختلف عما هو موجود في المصاحف الحالية ويعطي أمثلة عليها . وبالطبع لا بد أن نجد أصلاً تنصيرياً في هذا الموضوع ، حيث أن كامل الموضوع بنصه وحرفه منقول عن موقعالتنصيري تحت عنوان (هل القرآن معصوم) (198) وموقع التنصيري أيضاً تحت نفس العنوان (199) . ويلي هذا موضوع آخر حول آية الرجم (المنسوخة كتابة والمثبتة حكماً) والتي هي واحدة من هذه الأطروحات التنصيرية . ففي موضوع بعنوان (وإنا له لحافظون! كيف ضاعت آية الرجم) في الموقع اللاديني العربي (200) يضع كاتب الموضوع مقالاً عن أن هذه الآية أسقطت من المصحف وبالتالي فقد نالت الأيدي البشرية من المصحف . أما مقاله فهو باعترافه منسوخ من موقع تنصيري عربي .
إن موضوع الآيات المفقودة من القرآن كآية الحفد والخلع وسوى ذلك مما يجده المنصِّرين في الروايات والآثار الضعيفة في بطون الكتب فيقومون بإخراجها وتأليف كتب عليها قدحاً في القرآن الكريم هو مما برع به المستشرقون . إذ يندر أن لا تجد فيهم من لا يذكر هذا التلفيق عند حديثه عن القرآن الكريم . وبطبيعة الحال يستمر اللادينيون على نفس النمط والخط والنهج طالما مصادرهم هي المصادر التنصيرية .
وعند حديث المنصِّرين حول مزاعم التحريف في القرآن فلا يكاد يخلو موقع تنصيري من قصة (الغرانيق) أو ما يسمونه (بالآيات الشيطانية) التي يزعمون أن هناك آيات تمجد الأصنام قالها الرسول في سورة النجم ليتذلف بها إلى مشركي قريش ثم عاد وأنكرها . وهذه القصة التي استخرجها المنصِّرون من بطون الروايات الموضوعة وصاروا يكررونها كما في كتاب (مقالة في الإسلام) لجرس سال الإنجليزي (201) ، أو (كتاب نبي الإسلام تحت المجهر ) الذي تروجه مواقع التنصير العربية ، وكان من اللازم على الكتابات اللادينية أن تكررها أيضاً ، كما في موضوع (الشيطان يتحدى الله وياتي بسوره قران اعجازيه) في الموقع اللاديني العربي(202) .
ومن الطروحات التنصيرية حول أصالة القرآن موضوع جمع القرآن الكريم ، والذي يزعمون فيه أن الأيادي طالت القرآن عند جمعه في عهد أبو بكر وفي عهد عثمان رضي الله عنهما . وهذا الطرح كما سبق وقدمنا له في الموجز التاريخي قديم جداً وتلقفته أيادي الكنيسة في أوروبا وأسست له للمستشرقين ومن ثم انتقل إلى اللادينيين . فهذا موضوع في الموقع اللاديني العربي بعنوان (قُبض محمد ولم يُجمع القرآن في صحف ولا في مصحف. اود رد مقنع) (203) . ونفس الموضوع بجميع كلماته مطروح في أحد مواقع التنصير العربية (204) .(46/332)
ومن الطروحات التنصيرية الأخرى التي يسعى المنصِّرون لتلفيقها ليزعموا بذلك أن القرآن إنما هو قول بشر ، الزعم بوجود أخطاء ومتناقضات في القرآن . ففي موضوع (أخطاء لغويه ونحويه في القران) في الموقع اللاديني العربي (205) يسرد فيه ما يزعم أنه أخطاء لغوية في القرآن ، وجميع الموضوع منسوخ بالكامل من موقع التنصيري تحت موضوع (هل القرآن معصوم؟) (206) .
كما يتكرر الاقتباس من المواقع التنصيرية حول ذات الموضوع وهو الأخطاء اللغوية المزعومة في القرآن . ففي موضوع آخر في نفس المنتدى بعنوان (في القرآن أخطاء لغوية) لكاتب لاديني آخر (207) نجد الموضوع بنصه الكامل موجود في أحد مواقع التنصير العربية تحت نفس العنوان (208) .
[bimg]http://se r ve r 2.uploadit.o r g/files/HabibHabib-3.jpg[/bimg]
ومرة أخرى يتكرر في ذات المنتدى اللاديني العربي الاقتباس حول نفس الموضوع من مواقع التنصير ، فأحد الكتاب اللادينيين في الموقع اللاديني العربي وفي أحد مداخلاته يضع قائمة بأخطاء لغوية مزعومة في القرآن (209) . وبالطبع فإن مصدر القائمة بنصها وحرفها هو من أحد مواقع التنصير العربية تحت عنوان (أخطاء لغوية في القرآن) (210) .
ومن الأمثلة على الزعم بوجود متناقضات في القرآن نجد موضوعاً حول خلق السموات والأرض كما جاء في القرآن الكريم . ففي موضوع بعنوان (لنرى هذا التناقض) لكاتب لاديني في الموقع اللاديني العربي (211) حيث يتحدث الكاتب عن تعارض آيات القرآن في ترتيب خلق الأرض والسماء في آية سورة البقرة رقم 29 ، وآيات سورة النازعات من 27 إلى 33 وآيات سورة فصلت من 9 إلى 11 . وهذا الموضوع بنصه وحرفه أيضاً مأخوذ من الموقع التنصيري (212) تحت عنوان (المتناقضات في القرآن) .
[bimg]http://se r ve r 3.uploadit.o r g/files/HabibHabib-7.jpg[/bimg]
بل أنه وكما هو المعتاد يتم تكرار هذه المواضيع للقدح في القرآن ، فذات الموضوع وبنفس النص تم طرحه مرة أخرى من قبل كاتب لاديني آخر تحت عنوان (التناقضات في القرآن) في ذات الموقع اللاديني العربي (213) .
ومثال آخر على النسخ اللاديني من مواقع التنصير حول المزاعم بوجود متناقضات في القرآن هو في موضوع بعنوان (في القرآن تناقض) لكاتب لاديني في الموقع اللاديني العربي (214) يزعم بوجود متناقضات في القرآن أي آيات تخالف بعضها البعض . والموضوع بكامله مأخوذ عن موقع التنصيري في مقال تحت نفس العنوان (215) .
___________________
(197) http:// /fo r um/viewtopic.php?t=474
(198) http:/ /sha r ia/qu r an_falability/
(199) http://www.geocities.com//sama r kand/
(200) http:// /fo r um/viewtopic.php?t=1505
(201) مقالة في الاسلام ج3 أسرار عن القرآن، جرجس سال، تعريب وتذييل هاشم العربي، ص 48
(202) http:// /fo r um/viewtopic.php?t=768
(203) http:// /fo r um/viewtopic.php?t=592
(204) http:// /ku r an/ku r an14.htm
(205) http:// /fo r um/viewtopic.php?t=1781
(206) http:// /ko r an/ko r an6.htm
(207) http:// /fo r um/viewtopic.php?t=3203
(208) http:/ /ku r an/ku r an27.htm
(209) http:// /fo r um/viewtopic.php?p=52432
(210) http:/ /Main/A r abic/Qu r an/e r ro r s.html
(211) http:// /fo r um/viewtopic.php?t=12040
(212)http:/ pal/aldalil/ta7 r if/books...otanakedat.htm
(213) http:/ /fo r um/viewtopic.php?t=10033
(214) http: /fo r um/viewtopic.php?t=3285
(215) http:/ /ku r an/ku r an25.htm
ننتقل الآن إلى طرح آخر حول أصالة القرآن الكريم ذو مصدرية نصرانية قديمة تعود إلى القرون الوسطى ألا وهو الزعم بأن القرآن يدعو للفحش والمنكر وذلك من أجل تشكيك الناس بأن القرآن هو كلام الله ، والقرآن بريئ منه . ففي الموقع اللاديني العربي موضوع عن أن القرآن يحث على البغاء وهو بعنوان (تشريع البغاء في الإسلام - فقه الأمر الواقع) والذي يتحدث فيه الكاتب عن الآية (وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاء إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِّتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَن يُكْرِههُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِن بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَّحِيمٌِ) (216) فيخرج بنتيجة أن الرسول شرع للبغاء تحرجاً من أن يخسر قيادته في المدينة وترك الأمر معلقاً (217) .(46/333)
إن هذا الموضوع كما ذكرنا مهم للمنصِّرين فهو من نوابع أهوائهم بالتشهير ضد القرآن . هذا الموضوع نفسه نجده يتردد بين أكثر من موقع تنصيري مخصصة لتلفيق الكذبا على الإسلام كموقع لتنصيري تحت موضوع بعنوان (يوم قبل وفاة محمد) (218) أو موقع التنصيري (219) وسواها ... كما نجد ذلك أيضاً في كتاب مؤلف من قبل الكنيسة القبطية بعنوان ( المرأة في اليهودية والمسيحية والإسلام ) حيث يقول المؤلف القمص مرقس في حديثه عن المرأة في الإسلام عند حديثه عن آية سورة النور" أن الله قد يغفر لمن يجبر جاريته على البغاء " (220) .
إن مما يثير الغرابة في الطرح اللاديني أنه لا ينظر إلى البغاء بأي نظرة سوء . كما أنه لا يرى في البغاء ضرراً ، فما الذي يجعله ينسب البغاء إلى تشريع الإسلام ثم ينتقده ؟ إن الموضوع مهم للمنصِّرين الذين يودون تشويه صورة الإسلام وإظهاره كدين مليئ بالشرور . لكن كون النصرانية تحفل بالكثير من المخازي في نصوصها غير المقدسة ، فإنها لا تجرؤ على مواجهة الإسلام بمثل هذا الطرح (البغاء) . لذلك يتم تمرير هذه المقولة إلى اللادينيين .
ومن المواضيع التي يطرحها المنصِّرون حول القرآن موضوع الناسخ والمنسوخ . وبالطبع لا بد أن يستمد اللادينيون مواضيعهه ضد القرآن من المواقع التنصيرية . ففي الموقع اللاديني العربي يقوم الكاتب بوضع موضوع بعنوان (الناسخ والمنسوخ ونظرية النسخ) (221) حيث يقوم بنقل مقالة كاملة عن الناسخ والمنسوخ من موقع التنصيري باعترافه هو (222) .
كما تنال الأقلام اللادينية موضوع المحكم والمتشابه في القرآن كبوق عن الأقلام التنصيرية . حيث يضعها أحد اللادينيين في موضوع بعنوان (وفي دينه محمد اختلافاً كثيراً) (223) . وهذا نص كلامه : " يقول القرآن في الآية الأولى من سورة هود (الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ) قال ابن كثير في تفسير هذه الآية: قوله " أحكمت آياته ثم فصلت " أي هي محكمة في لفظها مفصلة في معناها فهو كامل صورة ومعنى ; هذا معنى ما روي عن مجاهد وقتادة واختاره ابن جرير ولكنا نجده يتراجع عن وصفه (بالإحكام) هذا لكتابه، فيقول في مكان آخر من كتابه وتحديدا في اللآية السابعة من سورة آل عمران (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ) ها قد تراجع وقال أن في كتابه آيات أخر متشابهات " انتهى ..
وهذا الطرح يطرح من قبل المنصِّرين أيضاً في المواقع التنصيرية كما في موقع التنصيري في موضوع بعنوان (دعوة للتفكير - القرآن المتناقض المطاط) (224) . وكذلك في موقع التنصيري تحت نفس العنوان (225) .
ويلحق بالطرح التنصيري عن القرآن الحديث عن إعجازه كما في الحديث عن الإعجاز العلمي في القرآن ، فنرى ما يمارسه المنصرون في محاولة تجاوز حقيقة ذكر القرآن لبعض الحقائق العملية كموضوع ضيق الصدر عند الصعود في السماء . فقد جاء في الكتاب الذي تنشره المواقع التنصيرية العربية بعنوان ( الإعجاز العلمي في القرآن حقيقة أو وهم) عند الحديث عن معنى كلمة (يَصَّعَّدُ) في الآية القرآنية (فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ) (226) . فيحاول الكتاب التنصيري إثبات أن معنى (يَصَّعَّدُ) ليس الصعود في السماء إلى الأعلى . وبنفس المنهج الموجود في الكتاب بل وبالتشابهات الكثيرة يطرح الموقع اللاديني العربي ذات الطرح اللغوي حول الآية القرآنية في موضوع بعنوان (التدليس اللغوي عند دعاة الإعجاز العلمي) (227) ، ومن العجيب أن يتشابه الطرح اللغوي بين اللادين والتنصير حول تفسير كلمة (يَصَّعَّدُ) !!! .(46/334)
كما يتناول الحديث عن الإعجاز القرآني التحدي الذي تحدى به الله البشر بأن يأتوا بمثل القرآن أو بما يسمى معارضة القرآن . وقد بينا سابقاً كيف كان الرد التنصيري على هذا التحدي ، بل ومن المستشرقين المنصِّرين القدماء ريموند مارتيني الذي سبق الحديث عنه في الموجز التاريخي . إن معارضة القرآن من المحاولات التنصيرية المستمرة لإثبات الزعم ببشرية القرآن . إلا أنها تحمل في طياتها مطلباً تنصيرياً آخر وهو إظهار التجرؤ على القرآن أمام المسلمين . فالمسلم لم يعتد مثل هذه الجرأة الفجة تجاه القرآن الكريم وهذا ما يحاول المنصِّرون ترسيخه في نفس المسلم ، لكي يخرجونه عن الاعتقاد بقدسية وإعجاز القرآن . والمواقع التنصيرية العربية لا تخلو من طرح محاولات لمعارضة القرآن ، التي تجد لمثلها في المواقع اللادينية العربية ، حيث عددنا أكثر من عشرة معارضات للقرآن الكريم في الموقع اللاديني العربي كزكريا والعنزة والشجرة وسواها وبعض المعارضات هذه منشورة في مواقع تنصيرية عدة . بل يكاد الإعلان عن نصرانية هذا الطرح أن يكون صارخاً عندما يقوم أحد اللادينيين في الموقع اللاديني العربي (شهاب الدمشقي) بالإتيان بمعارضة للقرآن باسم (سورة المسلمون) ويذكر أنها من ( مصدر مسيحي ) (228) .
إن التبادل بين المواقع اللادينية العربية والتنصيرية في هذا المجال واضحة ، وهذا يطرح تساؤلاً كبيراً وهو : كيف يتم التعاون بين فكرتين متعارضتين تماماً (الدين واللادين) بأن يكونا في خندق واحد ضد (دين) آخر !!! بالطبع فإن العجب والاستغراب يزولان بسبب واضح للغاية وهو أن كلاً من هذا الطرح الديني واللاديني حول الإسلام إنما يخرجان من بوتقة واحدة هي : التنصير ..
وكما يتكرر الطرح التنصيري عبر موضوعاته في أطروحات حول الرسول عليه الصلاة والسلام ، يكرر اللادينيون أيضاً ذات الأطروحات حول الوحي والقرآن . ومن الأمثلة على ذلك الطرح اللاديني حول التكرار في القرآن . فهذا الطرح التنصيري يتكرر منذ القديم منذ أيام ريكولدو دي مونت كروتشي السابق ذكره في الموجز التاريخي ، فنجد في الموقع اللاديني العربي عدة مواضيع تطرح الطرح التنصيري يذاته في مواضيع مثل (التكرار في علوم القرآن) (229) ، وموضوع (له ما في السموات والأرض) (230) ، وموضوع (مثال بسيط على إفلاس القرآن اللغوي) (231) .
كما أن موضوع وجود تحريف في القرآن من المواضيع المفضلة لدى المنصِّرين كما بينا سابقاً قديماً وحديثاً . ويستمر اللادينيون بذات الطرح فعلى الأقل توجد عشرة مواضيع تطرح أكذوبة تحريف القرآن التنصيرية في القسم الديني من الموقع اللاديني العربي ، كموضوعات ( الله ينزل قرآنا ثم يتركه عرضة للضياع ؟؟) (232) و (دليل نقصان القرآن..وبالتالي عدم تمام حفظه ) (233) وسواها من المواضيع التي تعتمد الطرح التنصيري مما يجده المنصِّرون في ضعاف الروايات منذ قرون .
__________________
(216) سورة النور آية 33
(217) http:/ /fo r um/viewtopic.php?t=7209
(218) http:// /wafat/wafat20.htm
(219) http:// /massade r /kalimat/Kalimat-11.htm
(220) المرأة في اليهودية والمسيحية والإسلام، القمص مرقس عزيز خليل، ص98
(221) http:// /fo r um/viewtopic.php?t=5245
(222) http:// /Main/A r abic/Gilch r ist/Jam/jam4-2.html
(223) http:// /fo r um/viewtopic.php?t=1945
(224) http:/ /dawa.htmالقرآن%20المتناقض%20المطاط
(225) http:/ /da3wa/dawa11.htm
(226) سورة الأنعام آية 125
(227) http:// /islam/islam6.htm
(228) http:// /fo r um/viewtopic.php?p=2472
(229) http:// /fo r um/viewtopic.php?t=1448
(230) http:// /fo r um/viewtopic.php?t=10367
(231) http:// /fo r um/viewtopic.php?t=4503
(232) http:// /fo r um/viewtopic.php?t=8540
(233) http:// /fo r um/viewtopic.php?t=8362
لقد وضحنا سابقاً بالأدلة والبراهين أن الطرح اللاديني حول الإسلام ليس طرحاً مستقلاً يخرج من العقلية اللادينية التي تزعم أنها تتسم بالعقلانية والبحث . وإنما هو طرح تابع للطرح التنصيري ضد الإسلام مما يجعلنا لا نشك للحظة أن الطرح اللاديني ضد الإسلام إنما هو طرح تنصيري هدفه تشويه صورة الإسلام وإلصاق الأكاذيب به لزعزعة إيمان المسلمين بدينهم وتشكيكهم بإيمانهم بأعظم ما يملكونه ألا وهو القرآن ، ومحاولة هز صورة الرسول الكريم في أعماق المسلم . إن هذا الطرح التنصيري القديم قدم العداء للإسلام يتبناه الطرح اللاديني بقوة بل ويعتمد عليه كلياً . الأمر الغريب كل الغرابة ، إذ يعتمد هؤلاء اللادينيون المزعومون على المصادر التنصيرية (الدينية) في التهجم على الإسلام . فهل عقمت عقولهم عن نقد الإسلام من باب البحث !! أم عجزت أقلامهم على نقد القرآن دون الاعتماد على مصادر التنصير !!(46/335)
ولا يكاد الاقتباس من المواقع التنصيرية بالحرف والكلمة يقتصر على الموضوعات التي طرحناها ، وإنما يتجاوز أيضاً في مواضيع أخرى كالاستهزاء بالحديث النبوي و الإسلام . فعلى سبيل المثال في موضوع (خزعبلات الصحيحين للبخاري ومسلم) لكاتب لاديني فيالموقع اللاديني العربي (234) يسرد فيه ما يزعم أنه تخاريف في الحديث الشريف ، وجميع الموضوع منسوخ بالكامل من موقع التنصيري تحت نفس العنوان (خرافات الإسلام) (235) .
وكذلك يقوم كاتب لاديني آخر يزعم أنه كان مسلماً ويبرر سبب تركه الإسلام لأن به خرافات في موضوع بعنوان (لأجل هذا وغيره ، سوف اترك الإسلام) في الموقع اللاديني العربي (236) ، وعندما يسرد الخرافات التي يزعمها يأتي بقائمة من 90 موضوعاً منقولة بالحرف والكلمة من موضوع بعنوان (خرافات الإسلام) من موقع التنصيري العربي (237) .
كما يعيد تكرار نفس الموضوع مرة أخرى بعد فترة وجيزة في الموقع اللاديني العربي تحت عنوان (لو قرأ المسلمون هذا ، لتركوا الإسلام فوراً ) .
والواضح أن مصادر الكتاب اللادينيين عن الإسلام لا تبارح مواقع التنصير العربية . فعلى سبيل المثال لا الحصر إحدى الكاتبات في الموقع اللاديني العربي تتكلم عن رحلة بحث طويلة حول الإسلام وعندما تعرض مصادرها تجدها كلها من موقع التنصيري (238) . ولا أدري ما السبب الذي يجعلها (كمسلمة) عندما تريد أن تبحث عن الإسلام وعن الحق وعن التاريخ تبادر بالذهاب إلى مواقع التنصير !!
وبهذا نرى أن الارتكاز على المواقع والكتابات التنصيرية والنسخ والاقتباس منها سواء بالكلمة أو بالطرح لا يتوقف عند حد ما بل ويركز كل التركيز على تلك المواضيع التي تبناها الطرح التنصيري خلال قرون طويلة لصد الناس عن الدخول في الإسلام أو تشكيك المسلمين بدينهم وهي موضوعات شخص الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ، والقرآن الكريم ، ومصادر الإسلام . وهذا ما يؤكد أن المواقع اللادينية العربية وكمثال لدينا هنا الموثع الذي اعتمدنا عليه في هذه المذكرة ، إنما هي مواقع للتنصير الغرض منها هو تشكيك المسلم بدينه وزعزعة عقيدته الصحيحة بأطروحات تنصيرية عف على بعضها الزمن .
إن من يدقق في الطرح اللاديني الموجه ضد الإسلام لا يراه يخرج كثيراً عن الطرح التنصيري ، أي أنه في المقام الأول طرح ديني ضد الإسلام وليس طرحاً لادينياً . فهل خلى وفاض اللادينيين من طرح مقولات ضد الإسلام لا تستند على المنظومة التنصيرية ؟
لماذا يلجأ المنصِّرون إلى اللادينية ؟
ذكرنا سابقاً في تعريف التنصير أنه عملية هدم أولاً قبل أن يكون عملية للبناء كما في خطابات صموئيل زويمر حيث عملية الهدم هي إخراج المسلم من دينه ، ولهذا يجب أن لا ننسى دائماً أن تنصير المسلم لا يعني فقط تحويله للنصرانية ، بل يعني أولاً وقبل كل شيئ نزعه من دينه ، ثم تأتي مسألة تحويله إلى النصرانية بشكل تالي . وحيث كانت مسألة نزع المسلم من دينه أهمية قصوى للمنصِّرين منذ القديم ، فلهذا كانت مسألة تشويه صورة الإسلام وإفساد الأخلاق تأتي في المرتبة الأولى لديهم .(46/336)
وقد جرب المنصِّرون الاوائل في القرنين التاسع عشر والعشرين تنصير المسلمين في بلاد العرب بالطرق المباشرة والمخاطبة وبالتمريض وبالتعليم . فالقس لويس سكدر الابن يقول بإيجاز عن تنصير العرب " إن العمل التبشيري يجب أن يتوجه بشكل مباشر للتأثير على الناس من خلال جميع مؤسسات الإرسالية وقد كانوا يعتقدون على سبيل المثال أن المريض لا يجب أن يترك المستشفى دون التأثير على عقيدته الدينية " (239) . وهذا بالفعل ما كان يتم القيام به في أرجاء الجزيرة العربية والعراق . فتوزيع النشرات التنصيرية والكتب من خلال العيادة أو من خلال مكتبات متنقلة كان هو الوسيلة الوحيدة . وقد أثبتت هذه الوسيلة المباشرة فشلها كما يقول السير ريدر بولارد الذي كان مفوضاً ثم سفيراً لبريطانيا في إيران من عام 1939م إلى عام 1946م " أن مسلمين كثاراً يقدرون أعمال الجمعيات التبشيرية في التعليم والتطبيب ، ولكنهم يصمون آذانهم عن دعوتها الدينية " (240) . فقد كانت الشعوب المحلية تقابل هذه الأعمال بالرفض وتقوم بتقديم الاحتجاجات للأمراء والولاة . بل لقد عمل الأهالي إلى إنشاء مدارس تنافس مدارس الإرساليات كما في الكويت على سبيل المثال . وفي أقل من ثمانين عاماً على بدء عمل الإرسالية الأمريكية في الجزيرة العربية خرجت وهي تجر أذيال الفشل بعد أن كانت تحبوهم الآمال في تنصير أهالي الجزيرة العربية والقضاء على الإسلام كما يشير إلى ذلك أحد رواد التبشير في الجزيرة وهو ستون الذي عمل في مسقط في سنة 1899م حيث يقول " إن الحاجة الى المسيحية ليست أمرا مبالغا به ، فالعقيدة المحمدية لا تقل سوءا عن الصورة التي نحملها عنها ، وانني أعتقد جازما بان الإسلام ليس بالقوة التي نتصورها ، وأن الكنيسة إن اقتنعت بأن تلقي بثقلها ضده فان المعركة ستكون اسهل مما نظن. وأنني اعتقد أن نهاية الإسلام قد أصبحت محتومة" (241) . إلا أن النتائج بعد ثمانين عاماً كانت مخيبة للآمال حتى باعتراف قادة هذه الإرساليات التنصيرية . وهم يعزون أسباب فشلهم إلى العديد من العوامل فمنها " أن المسلمين شديدو التمسك بعقيدتهم " كما يقول الدكتور بنينجز المسؤول عن الخدمات الطبية للإرسالية في البحرين (242) . وهذا الدكتور كريستان سنوك هرجونيه الهولندي الذي أمضى سنين طويلة في الهند الشرقية مستشاراً لحكومة هولندا ، واستطاع أن يدرس قضايا الإسلام من خلال إقامته في الهند الشرقية وسياحته في البلاد الإسلامية خلال ربع قرن يقول : " إن المبشرين لا يزالون يتوقعون انضمام كل الأديان إليهم ، أما بالنسبة للإسلام فلا تتحقق أحلامهم ، لأن الدين الإسلامي سيظل ديناً قوياً نشيطاً ، ذلك لأن للإسلام شرائع تتعلق بالحياة في كل أطوارها ، شخصية ، عمومية ، فردية ، لجتماعية ... " (243) .
ولقد نتج عن دراسة التجربة التي خاضتها الإرسالية العربية وغيرها من الارساليات في المنطقة شعور لدى بعض الزعماء النصارى بأن عليهم أن يعيدوا النظر في الأساليب التبشيرية المستخدمة في التعامل مع المسلمين العرب (244) . ومن أهم الدروس التي نتجت عنها هذه التجربة (الإرسالية العربية) هي ان العمل التبشيري قد أخفق في تحويل الناس عن دينهم في جميع الظروف ، والدرس الثاني هو أن السبب الاساسي في هذا الفشل كان المعارضة التي نشأت بسبب الشعور الديني والتماسك القبلي والظروف السياسية . وقد ظهرت نتيجة لهذين الدرسين الحاجة إلى أفكار جديدة والأهم من ذلك كله أن الزعماء النصارى قد بدأوا يدركون أن العمل التبشيري المباشر والمواجهة مع الدين الإسلامي لا يجديان . كما انهم قد أدركوا أن التعايش مع الإسلام بدلا من الاصطدام معه قد يؤدي إلى نتائج افضل (245) . كما يعترف المبشرون بأن التبشير الرسمي واكتساب المسلمين إلى صفوف النصرانية قد خاب . ومن أجل ذلك قنع هؤلاء المبشرون أن يكون عملهم الإنساني قاصراً على زعزعة عقيدة المسلمين على الأقل (246) . ولا شك أن خطابات صاموئيل زويمر أحد قادة الإرسالية عن هدم الإسلام في كيان المسلم لهي إحدى نتائج هذه الدراسات .
____________________
(239) التبشير في منطقة الخليج العربي دراسة في التاريخ الاجتماعي والسّياسي، د. عبد المالك خلف التّميمي، ص69
(240) التبشير والاستعمار في البلاد العربية ، مصطفى خالدي و عمر فروخ ، ص 50
(241) التبشير في منطقة الخليج العربي دراسة في التاريخ الاجتماعي والسّياسي، د. عبد المالك خلف التّميمي، ص45
(242) التبشير في منطقة الخليج العربي دراسة في التاريخ الاجتماعي والسّياسي، د. عبد المالك خلف التّميمي، ص 230
(243) المرأة المسلمة والفكر الاستشراقي، عقيلة حسين، ص 64
(244) التبشير في منطقة الخليج العربي دراسة في التاريخ الاجتماعي والسّياسي، د. عبد المالك خلف التّميمي، ص287
(245) التبشير في منطقة الخليج العربي دراسة في التاريخ الاجتماعي والسّياسي، د. عبد المالك خلف التّميمي، ص292
(246) التبشير والاستعمار في البلاد العربية ، مصطفى خالدي و عمر فروخ ، ص 46 عن كتابي(46/337)
لقد فشلت حملات التنصير المباشر وشعرت الإرساليات العربية بأنه أصبح من اللاجدوى استمرارها على نفس النمط والمنوال (247) ، وفضل المنصِّرون استخدام أساليب الأبواب الخلفية ، ولهذا السبب كان الدخول من بوابة اللادينية يمثل أحد الحلول لهم . وكما فشلت الحروب الصليبية في ثني المسلمين عن دينهم ، فشل التبشير المباشر منذ بدء استخدامه كما رأينا من تجارب القدماء . إن فكرة التبشير في وسط المسلمين قد منيت بخيبة أمل كبرى منذ بدأ في القرون الوسطى وإلى الآن ، حتى أن الجنرال الدومينيكاني هوما بيرتوس ، وهو أحد الخبراء المسئولين عن التبشير في القرن الثالث عشر الميلادي ألف كتاباً بعنوان (نبذة من التبشير الصليبي في الوسط الإسلامي) وقد أكد في هذا الكتاب أنه نادراً ما جرى تعميد أحد المسلمين ، فإذا ما وقع فعلاً وهو شيئ نادر الحدوث ، فزوج من أسرى الحرب ، ونادراً ما أصبح أحدهما مسيحياً مخلصاً (248) . كما يقول أدريان ريلانت المستشرق الهولندي في القرن السابع عشر عن تلك الأكاذيب التي روجت عن الإسلام منذ القرون الأولى " إن معظم هذه المؤلفات التي حاربت الإسلام لم تحارب سوى الأشباح التي خلقوها ، فهي أشبه بالانتصار على العدم " (249) . وقد دفع بعض المنصِّرين حياتهم ثمناً لجرأتهم في التعرض للإسلام في القرون الوسطى في أرض المسلمين ، فلم يكتفوا بالدعوة إلى النصرانية ولكنهم عمدوا إلى تشويه صورة القرآن والرسولل من خلال حملاتهم ، ومن هؤلاء ريموند لول الذي قتله المسلمون في الجزائر عندما بالغ في إسائته للإسلام . ومن تلك المحاولات أيضاً ما قام به بعض المنصِّرين الأمريكيين ضمن الإرسالية العربية الأمريكية ، ففي واحدة من المنشورات التي قاموا بتوزيعها في الجزيرة العربية ترجمة لمقالة مناوئه للاسلام بعنوان " المسيح أو محمد وبأيهما تثق" ، الأمر الذي جلب على هؤلاء المنصِّرون نقمة السكان المسلمون (250) .
لهذا السبب رأى هؤلاء المنصِّرون أن عملية المباشرة وجهاً لوجه مع الإسلام لن تجدي أي نفع ولا أي نجاح ، فكان استخدام اللادينية ليكون في مواجهة الإسلام هو أحد الحلول للمواجهة غير المباشرة مع الإسلام . وكان التوجه للادينية لكي تقوم بنشر المقولات التنصيرية عن الإسلام كجهة عقلانية مستقلة لا علاقة لها بالتنصير . لكننا وجدنا أن المقولة اللادينية مرتبطة حتى النخاع بالخطاب التنصيري الموجه ضد الإسلام ، مما يعني انفضاح هذه الوسيلة .
والأمر الثاني الذي يدعو الكنيسة للجوء إلى اللادينية هو أن النصرانية بما تحويه من انحرافات ومعتقدات وثنية وأفكار مرفوضة لا يمكن لها مقابلة الإسلام بما يحويه من الوضوح والبيان والبعد عن الإنحرافات . ولهذا كان خوف قدامى الرهبان ورجال الكنيسة من دخول الإسلام في نفوس مسيحيي أوروبا بعدما رأوا بأم أعينهم أنه وفي خلال أقل من قرن قد دخل الناس في أرض العرب وبلاد الشام وفارس وشمال أفريقيا في الإسلام أفواجاً ، بل ودخول المغول في الإسلام الأمر الذي كانت تحسب له الكنيسة ألف حساب . ونتيجة لهذا الخوف من انتشار الإسلام في أوروبا عمدت الكنيسة لتشويه صورة الإسلام أمام شعوبها . ولذلك فإن استخدام اللادينية كقناع للتنصير يتم من خلال تشويه صورة الإسلام و/أو إخراج المسلم من دينه .ولقد قدمت الهيئات التنصيرية كل ما يلزم للقيام بهذا الدور اللاديني ، فكل الكتابات التنصيرية قديماً وحديثاً في ذم الإسلام وتشويه حقائقه يقال الآن من خلال اللادينية وقد قدمنا أمثلة عدة على ذلك فيما سبق .
وبذلك نرى أن التنصير يستخدم اللادينية لتكون اللسان الناطق بها في زعزعة الإسلام بين أتباعه ، لأن من الصعوبة بل والإستحالة بمكان أن يستخدم التنصير مفهوم (العقلنة) بشكل مباشر مع المسلمين في دحض القرآن . فمن الصعوبة أن يأتي القس النصراني ليقول للمسلم أن الإسراء والمعراج خرافة ، بينما في الإنجيل أن دانيال صعد للسماء ، وأن الله صارع يعقوب ، وسوى ذلك . فلهذا كان توجيه تهمة (اللاعقلنة) للإسلام ستكون أفضل من خلال (اللادينية) كفكر عقلاني ، بالرغم من مواقع التنصير العربية تمارس ذات الدور ولكن بطريقة تقديم العون للادينية . فقد رأينا مما سبق كيف أن موضوع كخرافات الإسلام إنما يصدر في الأساس عن موقع تنصيري لينقله الموقع اللاديني فيما بعد .(46/338)
لقد اقتنع المنصِّرون من خلال تاريخ وجودهم الطويل في العالم الإسلامي والعربي أن زلزلة عقيدة الإسلام في نفوس المسلمين أو كما يسميها زويمر بعملية الهدم هي أفضل وسائل تحويل المسلم إلى نصراني . وتشهد على ذلك العديد من شهادات المنصِّرين أنفسهم . فمثلاً يذكر الدكتور محمد رشيدي والذي عمل وزيراً للشئون الدينية في أندونيسيا في مؤتمر حواري يدور حول بحث سبل تحقيق التفاهم والتصالح بين المسلمين والأقليات الدينية في أندونيسيا ومنهم الكاثوليك والبروتستانت أنه " قبل 60 عاماً حاول المبشرون الهولنديون أيام سيطرة هولندا على أندونيسيا أن ينصروا الأندونيسيين ، ولكن الحكومة الاستعمارية الهولندية رفضت ذلك بشدة فثارت ثائرة المبشرين وهاجموا الحكومة الهولندية في البرلمان الهولندي واتهموها بأنها تحمي الإسلام في أندونيسيا والحكومة لم تكن تحمي الإسلام ولكنها تحمي مصالحها في أندونيسيا من استفزاز حماقة التبشير مع المسلمين في أندونيسيا . وقد سألتهم الحكومة الهولندية : لماذا تريدون تنصير الأندونيسيين مع أنهم مسلمون ؟ فأجابوا : إننا لا نريد تنصير المسلمين ولكننا نريد تنصير أولئك الذين يدعون أنهم مسلمون ولكنهم لا يعرفون الكثير عن الإسلام ولا يعرفون اللغة العربية ولا يؤدون فرائض دينهم على الوجه المنشود " (251) . كما أن الطوائف المنحرفة عن الإسلام تمثل للإرساليات التنصيرية بيئة خصبة للتنصير كما جاء في المؤتمر الثامن لعلماء المسلمين بالأزهر الشريف حيث عرضت وثيقة تقرير تنصيري لمؤتمر عقد في هيون بي كورت في بريطانيا عام 1969م يعرض مخططات ونتائج لحملات تنصيرية في العالم الإسلامي وجاء في أحد نقاط الوثيقة ما ذكره المدعو باكنجهام حول بعض الأقاليم الإسلامية ومنها زنجبار التي يقول عنها " تعاني الجمعية التبشيرية صعوبات سياسية وخاصة في إدخال الإنجيل إلى المنطقة ومن الملاحظ أنه من السهل قلب الإسماعيليين إلى مسيحيين " (252) . ويذكر أحد تقارير الإرسالية الأمريكية العربية عن سبب اختيارهم للتنصير بين الدروز في لبنان والشام واختيارهم مدرسة عبية التي تقع في قلب جبل الدروز بقولهم " إننا هنا لدينا إلى حد بعيد أهم الوسائل لاكتساب مدخل لعقل الدروز" وذلك لأن الإرسالية عملت على التقرب من الدروز واستغلال بعض التشابه بين المعتقدات الدرزية والمسيحية في بعض الجوانب ..... (253) . كما تمكن الرهبان اليسوعيين بتنصير اثنتين وعشرين أسرة نصيرية (أو نحو ثمانين شخصاً) عام 1930م وذلك بحسب رسالة بعث بها الرهبان اليسوعيون إلى البابا قالوا فيها " أن النصيرية من أحفاد الصليبيين ، وأن التعليم الديني عند الرهبان جعلهم يرون أن النصرانية خير الأديان " . وقد أدى ذلك الحادث المثير إلى أن يؤسس اليسوعيون مركزاً للتبشير في بلاد العلويين وفي قرق خان (254) . كما جاء في التقرير الذي أصدرته لجنة التنصير بكنيسة كليفلاند البروتستانتية في أمريكا والمكون من 94 صفحة حول تجربة التنصير في عدد من قرى ومدن الجرزائر على مدى خمس سنوات (إلى عام 1993م) . فقد اعترف التقرير في صفحاته الأولى بصعوبة التنصير بين المسلمين إلا إذا كانوا طائفة من ثلاث على وجه التحديد . أن يكونوا من جماعات الصوفية ، أو يكونوا تابعين لمذهب شيعي أو تابعين لطائفة القاديانية ، إذ أن هذه الطوائف الثلاث تشترك مع عقيدة النصارى بقبول ما يعرف بالحلول الإلهي في الإنسان ، وهو ما يمهد الطريق أمام المنصِّر لقبول عيسى المسيح كإبناً لله (255) .
_______________
(247) التبشير في منطقة الخليج العربي دراسة في التاريخ الاجتماعي والسّياسي، د. عبد المالك خلف التّميمي، ص63
(248) تاريخ حركة الاستشراق - الدراسات العربية والإسلامية في أوروبا حتى بداية القرن العشرين، يوهان فوك، تعريب عمر العالم، ص 28
(249) موقف الغرب من الإسلام _ محاصرة وإبادة ، أ.د زينب عبدالعزيز ، ص 48
(250) التبشير في منطقة الخليج العربي دراسة في التاريخ الاجتماعي والسّياسي، د. عبد المالك خلف التّميمي، ص235
(251) حقائق ووثائق .. دراسة ميدانية عن الحركات التنصيرية في العالم الإسلامي ، د. عبدالودود شلبي ، ص 43
(252) الإسلام والمسلمون بين أحقاد التبشير وضلال المستشرقين ، د. عبدالرحمن عميرة ، ص 50
(253) التنصير الأمريكي في بلاد الشام 1834-1914 ، د. عبدالرازق عبدالرازق عيسى ، ص 145
(254) التبشير والاستعمار في البلاد العربية ، مصطفى خالدي و عمر فروخ ، ص 50-54
(255) من الإرسالية العالمية للتنصير ..37 نصيحة للمنصِّرين في بلاد المسلمين ، أحمد عبدالله ، ص 6(46/339)
ومما سبق يتضح لنا أن القاعدة التي يتبعها المنصِّرين هي " أن تنصير المسلمين مستحيل " - أي تحويلهم من الإسلام إلى النصرانية - كما يقول المستشرق الألماني كامبفماير ، وأن المبشرين المسيحيين يعلمون جيداً " أنهم لا يقدرون على تغيير عقيدة المسلم " كما يؤكد المستشرق الفرنسي كلود كاهن ، وأن الإسلام كما يلحظ ليندون هاريس " هو الديانة الوحيدة التي تعد على الدوام تحدياً أو مناجزة لجهود التبشير والمبشرين " . ومن قبل لاحظ الباحث الفرنسي هنري دي كاستري " أن استعصاء المسلمين على التنصر بواسطة المرسلين واستحالة إخضاعهم بالقوة هما السببان اللذان يعترضان تنصرهم " ، الأمر الذي دفع المبشرين إلى " الاعتراف بوجوب العدول عن الوعظ مباشرة " رغم أنهم متمسكون برسالتهم ولم يملوا من الجهاد في سبيلها أمام صلابة الإسلام . . وهم من أجل ذلك سعوا لاعتماد طرق وأساليب أكثر التواءً وبعداً عن الاصطراع الديني المكشوف " فلم يحاولوا أن يحوموا حول مسألة الدين مطلقاً وإنما زرعوا البعد عن الدين مع كونهم من الأحبار " وفق المبدأ النصراني المعروف إزاء الإسلام المتفوق " اقتلوني واقتلوا مالكاً معي " (256) . ويعترف بذلك أيضاً أحد المستشرقين الهولنديين في مقال بعنوان (أثر القرآن في صياغة الحياة الإسلامية) منشور في الدورية الإستشراقية السنوية المسماة (الإسلام) عدد عام 1963 حيث يقول في نهاية مقاله : " أنه لا فائدة ترجى من محاولة تغيير أفكار المسلمين عن طريق تغيير فهمهم لحقائق القرآن وحقائق الإسلام ! فهي أرسخ من أن تقبل التغيير ! وإنما يكون التغيير عن طريق إدخال المفاهيم الأوروبية في حياة المسلمين كواقع لا علاقة له بالإسلام ولا بالدين " (257) . ألا يلعب اللادينيون هذا الدور !!
لقد أخذت خلال هذه المذكرة البسيطة عن التنصير من خلال اللادينية موقعاً واحداً من مواقع اللادينية العربية وهو منتدى اللادينيين العرب كمثال فقط . ولكن التعجب الذي قد يصدر عن البعض تجاه هذا الطرح هو أن مثل هذه المواقع تهاجم أيضاً النصرانية وغيرها من الأديان .
ومن هنا يجب التأكيد عن أمرين :
الأول : إن تركيز هذه المواقع هو تجاه الإسلام فقط وأن المواضيع المطروحة ضد باقي الأديان لا تكاد تذكر مقارنة بالمواضيع المطروحة ضد الإسلام . وهذا باعتراف محرري هذه المواقع من قولهم أن الإسلام هو المسيطر على العالمين العربي والإسلامي ومن ثم كان هو المستهدف بالحملة اللادينية . وإن أي نظرة سريعة لهذا المواقع - ومنتدى اللادينيين العرب كمثال - فسنجد الحملة مركز على الإسلام وأخلاق الرسول والقرآن بشكل مفضوح للجميع . ومن هنا كان لطرح بضعة مواضيع لا تكاد تعد عن النصرانية لا يكاد يمثل أي أهمية تذكر . إن مشكلة هذه المواقع هي مع الإسلام وهذا ما بقولونه بكل واضح من أن الإسلام هو الدين الطاغي على المنطقة العربية .
الثاني : إن تخفي التنصير من وراء اللادينية لتشويه صورة الإسلام هو أولاً وأخيراً عمل أقل ما يقال فيه أنه عديم الأخلاق ، فاقد للمصداقية . ويمكننا أن نعتبره فاقد لكل معايير الأخلاق التي يجب أن يتحلى بها من يريد دعوة الناس لدينه . وبالتالي فإن التهجم ببعض المواضيع على النصرانية لن يزيد أي شيئ في الانحطاط الخلقي للتنصير المتخفي باللادينية . فإن كان الطرح نفسه لا أخلاقياً من أساسه فكيف ستكون وسائله !! إن صامويل زويمر عميد التنصير في العالم الإسلامي يقول للمنصِّرين " لتكن لكم نعومة الأفعى في الزحف إلى قلوب المسلمين . إن المسلم لا يغير دينه بسهولة لذلك كان لا بد من تخديره قبل فتح بطنه كما يفعل الجراحون " (258) . أليس التمويه بطرح بعض المواضيع ضد النصرانية هو من باب التخدير !!
_________________
(256) نظرة الغرب إلى حاضر الإسلام ومستقبله ، عماد الدين خليلي ، ص 26-27
(257) المستشرقون والإسلام ، محمد قطب ، ص 131
(258) الزحف إلى مكة .. حقائق ووثائق عن مؤامرة التنصير في العالم الإسلامي ، د.عبدالودود شلبي ، ص29
خاتمة
إن الحمدلله على ما أتم به علينا من فضله في الانتهاء من هذه المذكرة المبسطة حول اللادينية والتنصير .(46/340)
لقد ذكرت في مقدمة المذكرة أنه ليس من أهداف هذه المذكرة الرد على دعاوي المنصِّرين وأذيالهم من اللادينيين في دعاويهم ضد الإسلام . فلقد قامت بالرد عليها الكثير من الأقلام قديماً وحديثاً . فمن ذلك قديماً كتاب (الأجوبة الفاخرة عن الأسئلة الفاجرة) الذي ألفه شهاب الدين أبو العباس أحمد بن إدريس الصنهاجي القرافي المتوفي سنة 684هـ (1285 أو 1286م) . وقد ألفه في الرد على بعض النصارى الذين ألفوا رسالة " مشتملة على الاحتجاج بالقرآن الكريم وعلى صحة مذهب النصرانية ولا يقبلوا ما فيها من الدلالة على نبوة محمد " . كما يعالج الكتاب قضية النسخ في القرآن (259) . وكذلك كتاب (حجج الملة الحنيفية وجواب لكل سؤال) الذي صنفه مجهول عاش في القرن الخامس عشر الميلادي . وهو دفاع عن الإسلام ضد النصارى وهو موجه إلى الملك محمد الثاني عام 1455م (260) . وكذلك كتاب الانتصارات الإسلامية في دفع شبه النصرانية للشيخ نجم الدين سليمان القوزي الطوفي الحنبلي (المتوفى سنة 710 هـ) حيث ذكر مصنِفه أنه رأى كتابا لبعض النصارى طعن به في دين الإسلام فصنف في الرد عليه هذا الكتاب (261) . وحديثاً كتاب (حوار مع أهل الكتاب - الرد على شبهات حول الإسلام) للمؤلف محمد أبو الوفا وقدم له الدكتور يوسف العظم حول الردود على أسئلة يوجهها مجموعة مبشرين مهمتهم الترويج لمعتقدات الكتاب المقدس خاصة بين المسلمين بادعاءات وأسئلة في صلب الإسلام مفادها التشكيك بالمعتقدات . وكذلك العديد من الكتب التي أستعنت فيها في هذا البحث الموجز حيث قام المؤلفون بالرد على الشبهات التنصيرية والاستشراقية . بالإضافة إلى العديد من المواقع الإسلامية المتخصصة في الردود على الشبه والتلفيقات التنصيرية ضد الإسلام .
إن مما نقرأه أو نسمعه كل يوم حول الأكاذيب الشائعة عن الإسلام في الإعلام الغربي ومن قبل اللاهوتيين الغربيين ليس إلا نتاج التعليم الكنسي المشوه عن الإسلام والضارب في جذوره إلى القرون الوسطى . إن تعدي بعض الصحف على الرسول وتصويره بما لا يليق به عليه الصلاة والسلام في صحف دانماركية ونرويجية وفرنسية وسواها ، إنما هو نتاج الصورة المشوهة عن الإسلام والتي يتم تقديمها للصغار قبل الكبار من قبل الكنيسة في هذا العالم الغربي . إن أصول المشكلة لا تزال موجودة وراسخة في الفكر الكنسي الغربي عن الإسلام وتعديلها أو تصحيحها إنما هو من المستحيلات كما سبق وأشرنا لأقوال عدد من كبار المستشرقين أنفسهم .
إن أسئلة كثيرة تثار في ختام هذه المذكرة : هل مواقع اللادينية العربي تم إنشائها من قبل مؤسسات كنسية ؟ أم أنشأها أفراد نصارى امتلؤا حقداً على الإسلام ؟ هل تم تدريبهم في مراكز كنسية تعنى بالتنصير بين المسلمين ؟ هل هذه المواقع هي تجارب حية يقوم بها هؤلاء المنصِّرون ليروا نتيجتها كخطة من كثير من الخطط التي تناوبوا في تطبيقها على المسلمين من أجل إخراجهم مندينهم أو تنصيرهم ؟ هل هذه المواقع متعلقة بنتائج مؤتمر كولورادو 1978 لتنصير المسلمين ؟
وأخيراً : هل يمكن لنا كمسلمين إيقاف هذه المواقع عن طريق آلاف من رسائل الطلب إلى الحكومات الإسلامية بإيقافها لما بها من تعدي على الله ورسوله والقرآن ؟ ألا يمكن طرح طلب منع هذه المواقع عن طريق البرلمانات العربية ؟
لقد ثار المسلمون للإساءة للرسول والقرآن في صحف غربية أو شركات تجارية وأدى ذلك لحملات مقاطعة ، أفلا يمكن القيام بالمثل تجاه هذه المواقع بتشديد الحملة عليها لمنعها من الظهور في بلدان كمصر وبعض دول الخليج وسوريا والأردن ؟
ربما .......
وآخر كلامنا أن الحمد لله رب العالمين .....
__________________________________
(259) أدب الجدل والدفاع في العربية بين المسلمين والمسيحيين واليهود ، موريتس شتينشنيدر ترجمة صلاح إدريس ، ص 22 - 23
(260) أدب الجدل والدفاع في العربية بين المسلمين والمسيحيين واليهود ، موريتس شتينشنيدر ترجمة صلاح إدريس ، ص 58
(261) كشف الظنون ج:1 ص:174
===================(46/341)
(46/342)
كشف شبهات الملاحدة
القول بالتطور أو النشوء الذاتي للمادة والحياة
الكاتب: سليمان الخراشي
وذلك؛ في قولهم: إن الحياة إنما هي من نتاج المادة دون أن يكون وراءها شيء، بل تطورت ذاتيًّا، ونشأت تلقائيًّا حسب قوانين المادة التطورية، هذا ما يسمونه أيضًا بالقوانين الطبيعية .
هذه الشبهة مؤلفة من ثلاثة جوانب :
الجانب الأول: القول بالتطور الذاتي، وهذا ما كان يقول به الشيوعيون في بداية أمرهم .
الجانب الثاني: القول بنظرية النشوء والارتقاء، هذا ما مالوا إليه بعدما سمعوا أن داروين قد أظهر هذا القول كالفرضية أو النظرية، دعمًا لمواقفهم السابقة .
الجانب الثالث: القول بنسبة الخلق والحياة إلى الطبيعة، فهذا وإن كانوا في حقيقة أمرهم لا يُبالون بجانب البحث عن الخالق أو المسبب، إلاَّ أنهم قالوا بهذا القول رغم إنكارهم لذلك في كتاباتهم هروبًا من الكنيسة، وإله الكنيسة .
الجانب الأول: القول بالتطور الذاتي :
الرد عليه بما يلي :
إن هذا القول إنما هو محاولة تفسيرهم لظاهرة الحياة في المادة، فإنهم لمَّا أنكروا وجود الخالق - جلاَّ وعلا - لزمهم أن يقولون: إن المادة الأولى للكون التي هي عديمة الحياة والإحساس والإدراك والفكر، قد ارتقت بالتطور الذاتي حتى نشأت الحياة، التي هي أكمل وأرقى من مادة الكون الأولى، ثم نشأت بعد ذلك في الحياة: الاحساسات الراقية، حتى مستوى الفكر، ووعي ما في الكون عن طريقه، وبذلك استطاعت المادة أن تعي ذاتها، متمثلاً ذلك في الجهاز الراقي الذي أبدعته بالتطور الذاتي، وهو الدماغ .
قبل مناقشة هذه المسألة: لابدّ من طرح سؤال وهو: ما هو الدليل العلمي على أن الروح والفكر والإحساس ثمرة من ثمرات المادة؟
إن أدق ما قدمته الشيوعية من برهان على هذه الدعوى إلى الآن هو: أن الحياة تنشأ عن الحرارة ، والحرارة بدورها تنشأ من الحركة، أي أن : الحركة + حرارة = حياة .
ونحن نلجأ إلى نفس الأسلوب الذي تسير عليه الماركسية لضبط سلامة معارفنا، وهو التطبيق العلمي لنرى هل الحركة + الحرارة = الحياة؟
ولنتساءل من الذي جمع هاتين الظاهرتين إلى بعضهما (بجهد من تطبيقه الخاص) بهذه البساطة أو بما شاء من التعقيد الكيميائي فاستخرج منها حقيقة الحياة؟... وهنا لابدّ أن يُعاد إلى الأذهان خبر المؤتمر الذي عقده ستة من علماء الحياة في كلٍّ من الرِّق والغرب في نيويورك 1959م، وكان فيهم العالم الروسي ( أوبارين) أستاذ الكيمياء الحيوية في أكاديمية العلوم السوفيتية، أملاً في فهم شيء عن أصل الحياة ومنشأها على ظهر الأرض، وإلى معرفة مدى إمكان إيجاد الحياة عن طريق التفاعل الكيميائي .
لقد قرر المجتمعون في نهاية بحوثهم بالإجماع (أن أمر الحياة لا يزال مجهولاً، ولا مطمع في أن يصل إليه العلم يومًا ما، وأن هذا السرّ أبعد من أن يكون من مجرد بناء مواد عضوية معينة وظواهر طبيعية خاصة ).
ثم إن الحقيقة التي أجمع عليها العلماء حتى الآن - مسلمهم وكافرهم - أن العلم لا يدري إلى اليوم شيئًا عن الحياة والروح، فهل تجميع الحرارة والحركة ينتج حياة بهذه البساطة؟ إن مما لا شك فيه أن كلاًّ من الحركة والحرارة من أبرز خصائص الحياة، ولكن من المفروغ منه في قواعد المنطق أن خواص شيءٍ ما ليست تعبيرًا عن الجوهر الذاتي الذي يقوم به؛ فالماء مثلاً في حالة الغليان يتصف بكلٍّ من الحركة والحرارة، وهكذا أن الحركة والحرارة خصيصتان من خصائص الحياة الدالة عليها كالأيدروجين والكربون والأوزون والأوكسجين، وغير ذلك من عناصر الحياة الأساسية، أما جوهر الحياة ذاته فشيء آخر لا يقف عليه إنسان .
ولهذا قال «انجلز»: (ليس في مكنة العلم الطبيعي حتى الوقت الراهن أن يؤكد شيئًا بخصوص أصل الحياة)، فهذا اعتراف منهم على أنهم ما وصلوا في خصوص الحياة إلى نتيجة علمية ثابتة، وإنما هذه الأقوال دعاوى كاذبة، وأحاجي فارغة تناقض حتى المبادئ العقلية .
فالإنسان ليس من صنع المادة؛ لأن المصنوع لا يحيط بصانعه، والإنسان قد أحاط بصورة المادة وخرج بها إلى دائرة الأثير، بل إلى عمليات رياضية فكرية في قدرة الإنسان أن يحتويها، وهذا لا يأتي إلا إذا كان في طبيعة الإنسان شيء يعلو على مكونات المادة، شيء مفارق لكل خصائصها المعروفة .
فمادة الكون الأولى، التي ليس فيها مركبات متقنة، وليس فيها حياة ولا إحساس ولا وعي، لا تستطيع أن ترقى إلى الكمال ارتقاءً ذاتيًّا، ولا تستطيع أيضًا أن تصنع أجزاءً فيها هي أكمل منها وأرقى، وذلك؛ لأن فاقد الشيء لا يُعطيه، وصنع الناقص لما هو أرقى منه نظير تحول العدم إلى الوجود تحولاً ذاتيًّا؛ لأن القيمة الزائدة قد كنت عدمًا محضًا، والعدم المحض لا يُخرجه إلى الوجود إلا قوة مكافئة له، أو أقوى منه، والمادة العمياء الصماء الجاهلة لم تكن أقوى ولا مكافئة لمادة حيّة مريدة ذات وعي وإحساس، بل هي أقل قيمة منها، فهي إذن عاجزة بداهة عن إنتاج ما هو خير منها .(46/343)
فهذه الدعوى - دعوى وجود الحياة نتيجة التطور الذاتي - كانت تقول بها الشيوعية في بداية أمرها، وكانت تقول: إن المادة تتطور من كمية إلى كيفية، ومصادفة يحدث في المادة شيء آخر، والحياة ما هي إلا نتيجة من نتائج هذه المصادفة في المادة في بعض مراحل تطورها، وتُمثل الشيوعية لها بالماء إذا زاد في غليانه يزيد في الحرارة، ولكن لما تصل الحرارة إلى 100% فإنه يصبح بخارًا، فأخذ شكلاً آخر في بعض تطورها، فيقال لهم: إن التطور في مثل هذه الأشياء أحدث شيئًا آخر ولكن ليس لذاتها، بل بفعل فاعل، ثم إن حدوث البخار من الماء شيء يمكن إثباته بالتجربة، فهل الحياة مثل هذا؟ هل يمكن إثبات الحياة في مادة ميتٍ ما على سبيل التجربة؟
ثم إن هذا المبدأ من مبادئ الماركسية، لا يمكن أن يعتبر قانونًا عامًّا ينطبق على كل حركة تطور في الطبيعة، فالعلوم المادية الإنسانية لا تقرر به، وهو وإن صدق ببعض الأمثلة، فإنه لا يصدق بآلاف الأمثلة الأخرى .
إن التراكم في الكم لا يقتضي دائمًا التطور في الكيف، ما لم يكن نظام ذلك الشيء يقتضي ذلك، إن الملاحظة تُثبت أن لكل حالة تطور في الكون شروطًا معينة في أنظمته وسننه الثابتة، فمتى استوفيت هذه الشروط تحقق التطور، فمثلاً :
أ- بيضة الدجاجة الملّقحة إذا وجدت ضمن حرارة ذات مقدار معين، ورطوبة ذات مقدار معين، بدأ جنينها يتكون تدريجيًّا حتى يتكامل داخل القشرة، وفي نهاية ثلاثة أسابيع يكون قد تكامل، وبدأ ينقر القشرة من الداخل حتى يكسرها، وعندئذ يخرج من غُلافه إلى الهواء، ليبدأ رحلة حياته إلى الأرض .
لقد حصل التطور، ولكن على خلاف المُدَّعَى في المبدأ الماركسي، فلا تراكم الحرارة هو الذي أحدث ظاهرة التغير، ولا تراكم الرطوبة، بل ثبات درجة الحرارة، وثبات درجة الرطوبة، قد ساعدا على تكوّن جنين البيضة تكونًا تدريجيًّا، ضمن الوقت المخصص في نظام الكون لتكامل تكوينه، ولو أن الحرارة تراكمت أكثر من المقدار المحدَّد في نظام التكوين لسُلقت البيضة، ولهلكت نواة جنينها، ولو زاد هذا التراكم لاحترقت البيضة .
فنظام الكون هو نظام تحديد مقادير لكل شيء، ضمن خطط ثابتة، وليست تغيراته ثمرة تراكمات، هذه هي الحقيقة التي تدل عليها الملاحظات والتجارب العلمية، وهي التي أعلنها الله عز وجل بقوله: "وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ" الرعد : 8.
إن هذا المثال كافٍ لنقض فكرة التراكم المدعاة في المبدأ الشيوعي، الذي يعتبرونه قانونًا شاملاً لكل تطور في الوجود، وهو أيضًا كافٍ لنقض فكرة التطور السريع المفاجئ، إذ الأمور تتطور في الغالب تطورًا تدريجيًّا .
ب- والكائنات الحية تبدأ حركة بنائها منذ لحظة التقاء خلية لقاح الذكر بخلية بيضة الأنثى، ويسير بناء الكائن في نمو متدرج، حتى إذا استوفى الشروط اللازمة لظهور الحياة فيه دبَّت الحياة فيه، ثم يسير ضمن نظام نمو متدرج، حتى إذا استكمل نموه الجنيني، تمخضت عنه أمه فولدت، ثم يسير في نمو تدريجي أيضًا حتى يبلغ، ويتدرج في النماء حتى يكون شابًّا، فكهلاً، ثم يعود إلى طور الانحدار، فيصير شيخًا، فهرمًا، ثم يقضي أجله المقدر له، فيموت، فيتفسّخ جسمه، ويعود ترابًا كما بدأ من التراب، وقد يموت في أيّ مرحلة من المراحل السابقة، فينحدر ويعود إلى مثل مرحلة البدء، دون أن يمرّ في المراحل المعتادة للأحياء، وتخضع كل المراحل لنظام المقادير المحددة في كل شيء: في العناصر، وفي الصفات، وفي الزمان، وفي درجة الحرارة، وفي سائر ما يلزم لتكوين الحي، وإعداده لأداء وظائفه .
هذا المثال الثاني كافٍ أيضًا لنقض كل ما قالوا في مبدأ التطور، ففكرة التراكم المقررة في المبدأ فكرة منقوضة، ذلك؛ لأن الأحياء تخضع لنظام المقادير المحددة سواء في جواهرها وأعراضها، ولا تخضع لفكرة التراكم الكمي، وفكرة التطور السريع المفاجئ المقررة في المبدأ الشيوعي منقوضة أيضًا؛ لأن الأحياء تسير وفق نظام البناء المتدرج، لا وفق التطور السريع المفاجئ، (أو الصدفة - كما يقولون -).
فهذان المثالان من آلاف الأمثلة في نقض أقوال الشيوعية في القول بالتطور - على التفسير الذي يريدونه - وبنقض مبدأ التطور ينقض أيضًا مبدؤهم القائل بأن الحياة وظيفة من وظائف المادة، متى وصل تركيبها إلى وضع خاص بالتطور، فإن آخر ما توصلت إليه العلوم الإنسانية التي قام بها الغربيون والشرقيون الماركسيون، والتي أنفقوا في سبيلها ألوف الملايين، وعشرات السنين، قد انتهت إلى قرار علمي جازم هو أنه لا تتولد الحياة إلاّ من الحياة، وأن وسائل العلوم الإنسانية لا تملك تحويل المادة التي لا حياة فيها، إلى أدنى وأبسط خلية حية .
وبما أن الوعي مرتبط بالحياة فهو مظهر من مظاهرها، وصِفة من صفاتها، فلا سبيل للمادة الميتة أن يكون الوعي أحد وظائفها، مهما كانت عالية التنظيم .
فالعلوم الإنسانية، قد كفتنا مهمة إبطال هذا المبدأ من مبادئ الماركسية وسائر الماديين الملحدين .(46/344)
على أن مبدأهم هذا هو في الأساس ادعاء غير مقترن بأيّ دليلٍ عقلي أو علمي، وهو من لوازم مبدئهم الأول الباطل الذي يرون فيه أن المادة هي أساس الوجود وجوهره .
الجانب الثاني: القول بنظرية النشوء والارتقاء :
وكما سبق أن هذا ما مالوا إليه بعدما سمعوا أن داروين قد أظهر هذا القول، فوجدوا فيه غايتهم المنشودة، فقالوا بها دعمًا لمواقفهم السابقة، وقالوا: انتصرت المادة .
يقول (جون لويس): (لقد حول داروين ما كان يجول بخاطر العديد من المفكرين إلى فكرة ممكنة مقنعة، وهي أن عالم الحيوان لم يوجد نتيجة خلق واحدة، بل هو ثمرة تغيرات ارتقائية عملت على تحويل الأنواع التي ظهرت في عصور مبكرة إلى الأشكال الأكثر تعقيدًا، والتي ظهرت في عصور متأخرة... والإنسان نفسه لم يُخلق بفعل خاص منفصل، بل هو ثمرة الارتقاء، ونظرية الارتقاء لا تستبعد قوى ما فوق الطبيعة من عملية الخلق فحسب، بل تضع بدل هذه القوى: تطور الحياة الطبيعي، وقد كان هذا تجديدًا مدهشًا ).
فهذا القول يُظهر لنا مدى تأثر الماديين بهذه النظرية الخبيثة، وسيأتي بيان مجمل لهذه النظرية مع الرد عليها فيما بعد .
الجانب الثالث: القول بوجود الخلق من الطبيعة :
سبق أن ذكرنا: أن المادة والطبيعة عندهم شيء واحد، ولكنهم لما وجدوا ضغوطًا من الكنائس البابوية المنحرفة قالوا: الخلق إنما هو من الطبيعة. فلينظر مدى صحة هذا القول، وهل الطبيعة تصلح أن تكون خالقًا؟
في الحقيقة: إن هذه فرية راجت في عصرنا هذا، راجت حتى على الذين - يظنون أنهم - نبغوا في العلوم المادية، وعلل كثيرون وجود الأشياء وحدوثها بها، فقالوا: الطبيعة هي التي تُوجد وتحدثُ .
وهؤلاء نوجه إليهم هذا السؤال: ماذا تريدون بالطبيعة؟ هل تعنون بالطبيعة ذوات الأشياء؟ أم تريدون بها السنن والقوانين والضوابط التي تحكم الكون؟ أم تريدون بها قوة أخرى وراء هذا الكون أوجدته وأبدعته؟
فإننا نرى: أن الطبيعة في اللغة: السجية .
أمَّا في عقول الناس اليوم فلها مفاهيم :
المفهوم الأول: أنها عبارة عن الأشياء بذاتها، (الكون نفسه)، فالجماد والنبات والحيوان كل هذه الكائنات هي الطبيعة .
وهو مفهوم غير دقيق وحكم غير سديد، فإن هذا القول يصبح ترديدًا للقول السابق بأن الشيء يوجد نفسه - بأسلوب آخر، أي أنهم يقولون: الكون خلق الكون، فالسماء خلقت السماء، والأرض خلقت الأرض، والكون خلق الإنسان والحيوان، هذا القول لا يخرج بالطبيعة بالنسبة لخلق الوجود عن تفسير الماء بالماء، والأشياء أوجدت ذاتها، فهي الحادث والمُحدِث، وهي الخالق والمخلوق في الوقت ذاته، وقد سبق بيان كون العقل الإنساني يرفض التسليم بأن الشيء يوجِد نفسه، كما أن الشيء لا يخلق شيئًا أرقى منه، فالطبيعة من سماء وأرض ونجوم وشموس وأقمار لا تملك عقلاً ولا سمعًا ولا بصرًا، فكيف تخلق إنسانًا سميعًا بصيرًا عليمًا؟ هذا لا يكون، فبطلان هذا القول بيّن، فهو لا يخلو عن أمرين :
1- إمّا ادعاء بأن الشيء وجد بذاته من غير سبب .
2- وإمّا ازدواج الخالق والمخلوق في كائنٍ واحد، فالسبب عين المسبب، وهو مستحيل، بل هو من التهافت والتناقض بحيث لا يحتاج إلى الوقوف والشرح .
فإن قالوا: خلق كل ذلك مصادفة،
يقال: ثبت لدينا يقينًا أن لا مصادفة في خلق الكون - كما سيأتي -.
وكان مما ساعد على انتشار هذا القول: نظرية التولد الذاتي، وكان من أدلتها: ما شاهده العلماء الطبيعيين من تكوّن (دود) على براز الإنسان أو الحيوان، وتكون بكتيريا تأكل الطعام فتفسده، فقالوا: هاهي ذي حيوانات تتولد من الطبيعة وحدها، وراجت هذه النظرية التي مكنّت للوثن الجديد (الطبيعة) في قلوب الضالين والتائهين بعيدًا عن هدي الله الحق، لكن الحق ما لبث أن كشف باطل هذه النظرية على يد العالم الفرنسي المشهور (باستير) الذي أثبت أن الدود المتكون والبكتيريا المتكونة المشار إليها لم تتولد ذاتيًّا من الطبيعة، وإنما من أصول صغيرة سابقة لم تتمكن العين من مشاهدتها، وقام بتقدير الأدلة التي أقنعت العلماء بصدق قوله، فوضع غذاء وعزله عن الهواء وأمات البكتيريا بالغليان، فما تكونت بكتيريا جديدة ولم يفسد الطعام، وهذه هي النظرية التي قامت عليها الأغذية المحفوظة (المعلبات ).
وبهذا يظهر بطلان هذا المفهوم للطبيعة جليًّا وبينًا .
المفهوم الثاني: أن الطبيعة عبارة عن القوانين التي تحكم الكون؛ بمعنى أنها تعني صفات الأشياء وخصائصها، فهذه الصفات من حرارة وبرودة ورطوبة ويبوسة، وملاسة وخشونة، وهذه القابليات: من حركة وسكون، ونمو واغتذاء، وتزاوج وتوالد، كل هذه الصفات والقابليات: هي الطبيعة .
إن هذا تفسير الذين يدَّعون العلم والمعرفة من القائلين بأن الطبيعة هي الخالقة،
فهم يقولون: إن هذا الكون يسير على سُنن وقوانين تسيّره وتنظم أموره في كل جزئية، والأحداث التي تحدث فيه تقع وفق هذه القوانين، مثله كمثل الساعة التي تسير بدقة وانتظام دهرًا طويلاً، فإنها تسير بذاتها دون مسيّر .
الردود :
1- إن هذا القول ليس جوابًا، وإنما هو انقطاع عن الجواب، وذلك؛(46/345)
إن هؤلاء في واقع الأمر لا يُجيبون عن السؤال المطروح: من خلق الكون؛ ولكنهم يكشفون لنا عن الكيفية التي يعمل الكون بها، هم يكشفون لنا كيف يعمل القوانين في الأشياء، ونحن نريد إجابة عن موجِد الكون وموجِد القوانين التي تحكمه .
( كان الإنسان القديم يعرف أن السماء تُمطر، لكننا اليوم نعرف كل شيء عن عملية تبخر الماء في البحر، حتى نزول الماء على الأرض، وكل هذه المشاهدات صور للوقائع، وليست في ذاتها تفسيرًا لها، فالعلم لا يكشف لنا كيف صارت هذه الوقائع قوانين؟ وكيف قامت بين الأرض والسماء على هذه الصورة المفيدة المدهشة، حتى إن العلماء يستنبطون منها قوانين علمية؟
إن ادعاء الإنسان بعد كشفه لنظام الطبيعة أنه قد كشف تفسير الكون ليس سوى خدعة لنفسه، فإنه قد وضع بهذا الادعاء حلقة من وسط السلسلة مكان الحلقة الأخيرة ).
2- الطبيعة لا تفسّر شيئًا ( من الكون)، وإنما هي نفسها بحاجةٍ إلى تفسير، وذلك؛ (لو أنك سألت طبيبًا: ما السبب وراء احمرار الدم؟ ).
لأجاب: لأن في الدم خلايا حمراء، حجم كل خلية منها 1/700 من البوصة .
- حسنًا، ولكن لماذا تكون هذه الخلايا حمراء؟
- في هذه الخلايا مادة تُسمّى (الهيموجلوبين)، وهي مادة تحدث لها الحمرة حين تختلط بالأكسجين في القلب .
- هذا جميل، ولكن من أين تأتي هذه الخلايا التي تحمل ( الهيموجلوبين)؟
- إنها تُصنع في كبدك .
- عجبًا! ولكن كيف ترتبط هذه الأشياء الكثيرة من الدم والخلايا والكَبِد وغيرها، بعضها ببعض ارتباطًا كليًّا وتسير نحو أداء واجبها المطلوب بهذه الدقة الفائقة؟
- هذا ما نُسميه «بقانون الطبيعة ».
- ولكن ما المراد «بقانون الطبيعة» هذا يا سيادة الطبيب؟
- المراد بهذا القانون هو: الحركات الداخلية العمياء للقوى الطبيعية والكيماوية .
- ولكن لماذا تهدف هذه القوى دائمًا إلى نتيجة معلومة؟ وكيف تُنظم نشاطها حتى تطير الطيور في الهواء، ويعيش السمك في الماء، ويوجد إنسان في الدنيا، بجميع ما لديه من الإمكانيات والكفاءات العجيبة المثيرة؟
- لا تسألني عن هذا ، فإن علمي لا يتكلم إلاَّ عن (ما يحدث)، وليس له أن يجيب: (لماذا يحدث؟ ).
هكذا يتضح من هذه الأسئلة عدم صلاحية العلم الحديث لشرح العلل والأسباب وراء هذا الكون، وأن من أمعن النظر في تعبير الطبيعيين يجد أنها جميعها أفعال مبنية للمجهول؛ لجهلهم أو تجاهلهم الفاعل الحقيقي .
3- إن مبدأ السببية متفق عليه بين المؤمنين والملحدين نظريًّا، فأين تطيقه عمليًّا؟ والمراد بالسببية هنا: أن الإنسان الذي أنعم الله عز وجل عليه بالعقل، منذ أن أشرقت أشعة عقله على الوجود بدأ يتساءل ولا يزال وسيبقى يتساءل عن بداية نشأته، وأين سينتهي مصيره؟ ويتساءل عن هذه الموجودات، والكائنات، كيف وجدت؟ ومن أوجدها؟ وما هي الأسباب الكامنة وراءها؟
هذا المبدأ من المبادئ الثابتة التي لم تتغير على مدى التاريخ، وهو محل اتفاق بين المؤمنين والملحدين، أما المؤمنون فيقولون به نظريًّا وعمليًّا، وهذا أشهر من أن يقام عليه دليل، أمّا الملحدون، فهؤلاء أيضًا قالوا به نظريًّا، والدليل عليه ما يلي :
يقول «سبركين وياخوت»: (نواجه دائمًا في نشاطنا سؤالاً عن علل هذه الظواهر أو تلك، وهو أحد الأسئلة التي تساعد على تبيّن الطبيعة الداخلية للظواهر التي تجري حولنا والتوصل إلى جوهرها، ولم يكن عبثًا؛ أن كتب الفيلسوف اليوناني «ديموقريطس» يقول: (لأفضّل أن أجد السبب الحقيقي ولو لظاهرة واحدة من أن أصبح قيصرًا على بلاد فارس). فإذن، ماذا تعني مقولتنا (السبب) و(النتيجة)؟ تعرف من الخبرة أنه (لا شيء) لا ينتج شيئًا، وكل ظاهرة لها ما يُولدها، وهو الذي يُسمّونه ( السبب).
السبب هو: ما يخلق وينتج ويولد ظاهرة أخرى، وما ينتج تحت تأثير السبب يُسمّى نتيجة أو فعلاً ).
فهذا المبدأ العام الذي اعترف به الماديون الملحدون وأخذوا به من الناحية النظرية هل طبقوه من الناحية العملية؟
هذا ما سيتضح لنا عندما يطرح سؤال - وهو مثار خلاف جذري بين المؤمنين من جهة، وبين الماديين الملحدين من جهة أخرى- وهو :
ما هو السبب الكامن وراء هذا الوجود من أرض وسماوات ونبات وحيوانات وإنسان وغيره من المخلوقات؟
هذا السؤال نجد الإجابة عليه جاهزة وميسرة ومتوفرة عند الماديين، وهي أن هذا من الأمور الميتافيزيقية التي لا تهمنا بحالٍ من الأحوال، ولا نشغل عقولنا بها؛ لأنها أمور تافهة، والبحث عنها مضيعة للوقت، فكل شيء يخالف نظريتهم - ولو كان صحيحًا - لا يأخذون به ويصمونه بوصمة عار عندهم وهي إرجاعه إلى الميتافيزيقية، أو المثالية التي هي في عرفهم عدوة للعلم، فهم لا يعرفون إلا العالم المادّي، هذا العالم وجد، ولا خالق له، وبالتالي فليس له سبب أول أوجده .
وقد كتب «لينين» بصدد المفهوم المادّي عند فيلسوف العهد القديم ( هيراكليت)
يقول في ترجمة حرفية: (العالم، وحدة الكل، لم يخلقه أي إله ولا أيّ إنسان، ولكن كان وسيبقى نارًا حية أزليًّا تشتعل وتنطفئ بموجب قوانين... هذا عرض جيد جدًّا لمبادئ المادية الجدلية ).(46/346)
في هذا النص نرى أن «لينين» نفى السبب الأول في إيجاد العالم المادّي، وهذا نفي صريح للقانون الذي قرروه هم أنفسهم، حين وقفوا في تفسيره عند حدود معينة لم يتجاوزوها؛ لأن تجاوز هذه الحدود يؤدّي بهم إلى الاعتراف بخالق الكون، ومن ثَمَّ الاعتراف بالأديان، وهذا ما لا يرضونه .
والمقصود: بيان كون تفسيرهم لمظاهر الكون في وجوده وتغيره بالطبيعة وعدم تفسيرهم للطبيعة إنما هو هروب منهم لقانون السببية - المعترف به لديهم - فإن تطبيقهم العملي لهذا القانون سيؤدي بهم حتمًا إلى الاعتراف بخالق للكون. وهذا ما لا يستيسغونه مطلقًا .
وبهذا يظهر بطلان هذا المفهوم (الثاني) أيضًا للطبيعة، فما بقي إلاَّ أن يقولوا بالمفهوم الثالث حتمًا، وإن كانوا ينكرونه بشدة لما يترتب على الاعتراف به من إثبات وجود الله وبالتالي بمستلزمات هذا الإثبات التي هي عبادة الله وحده لا شريك له. وهذا المفهوم الثالث بيانه ما يلي :
المفهوم الثالث: أن يقول : إن الطبيعة قوة أوجدت الكون، وهي قوة حيّة سميعة بصيرة حكيمة قادرة.. فإننا نقول لهم: هذا صواب وحق، وخطؤكم في أنكم سمّيتم هذه القوة (الطبيعة)، وقد دلتنا هذه القوة المبدعة الخالقة على الاسم الذي تستحقه وهو (الله)، وهو عرفنا بأسمائه الحسنى وصفاته العليا، فعلينا أن نُسمّيه بما سمّى به نفسه سبحانه وتعالى .
قال ابن القيم: (وكأنّي بك أيها المسكين تقول: هذا كله من فعل الطبيعة، وفي الطبيعة عجائب وأسرار! فلو أراد الله أن يهديك لسألت نفسك بنفسك، وقلت: أخبريني عن هذه الطبيعة، أهي ذات قائمة بنفسها لها علم وقدرة على هذه الأفعال العجيبة؟ أم ليست كذلك؟ بل عرض وصفة قائمة بالمطبوع تابعة له محمولة فيه؟
فإن قالت لك: بل من ذات قائمة بنفسها، لها العلم التام والقدرة والإرادة والحكمة،
فقل لها: هذا هو الخالق البارئ المصوّر، فلم تسمّيه طبيعة؟ !
ويا لله! عن ذكر الطبائع يرغب فيهافهلاّ سميتَه بما سمّى به نفسه على ألسن رسله ودخلتَ في جملة العقلاء والسعداء، فإن هذا الذي وصفته به الطبيعة صفته تعالى .
وإن قالت لك: بل الطبيعة عرض محمول مفتقر إلى حامل، وهذا كله فعلها بغير علم منها ولا إرادة ولا قدرة ولا شعور أصلاً، وقد شوهد من آثارها ما شوهد !
فقل لها: هذا ما لا يصدقه ذو عقل سليم، كيف تصدر هذه الأفعال العجيبة والحكم الدقيقة التي تعجز عقول العقلاء عن معرفتها وعن القدرة عليها ممّن لا فعل له ولا قدرة ولا شعور؟ وهل التصديق بمثل هذا إلاَّ دخول في سلك المجانين والمبرسمين .
ثم قُل لها بعد: ولو ثبت لك ما ادعيت فمعلوم أنّ مثل هذه الصفة ليست بخالقة لنفسها ولا مبدعة لذاتها، فمن ربّها ومُبدعها وخالقها؟ ومن طبعها وجعلها تفعل ذلك؟ فهي إذن من أدل الدليل على بارئها وفاطرها وكمال قدرته وعلمه وحكمته، فلم يُجْدِيْكَ تعطيلك ربّ العالم جحدك لصفاته وأفعاله إلاَّ مخالفتك العقل والفطرة .
ولو حاكمناك إلى الطبيعة لأريناك أنك خارج عن موجبها، فلا أنت مع موجب العقل، ولا الفطرة، ولا الطبيعة، ولا الإنسانية أصلاً، وكفى بذلك جهلاً وضلالاً، فإن رجعت إلى العقل وقلت: لا يوجد حكمة إلا من حكيم قادر عليم، ولا تدبير متقن إلاَّ من صانع قادر مدبّر عليم بما يريد قادر عليه، لا يُعجزه ولا يصعب عليه ولا يؤوده .
قيل لك: فإذن أقررت - ويحك - بالخلاق العظيم الذي لا إله غيره ولا ربّ سواه، فدَع تسميته طبيعة أو عقلاً فعالاً أو موجبًا بذاته، وقل: هذا هو الله الخالق البارئ المصوّر ربّ العالمين، وقيوم السماوات والأرضين، وربّ المشارق والمغارب، الذي أحسن كل شيء خَلَقَه، وأتقن ما صنع، فما لك جحدت أسماءه وصفاته - بل وذاته - وأضفت صُنعه إلى غيره وخلقَه إلى سواه؟ مع أنك مضطر إلى الإقرار به وإضافة الإبداع والخلق والربوبية والتدبير إليه ولا بدّ، فالحمد لله رب العالمين .
على أنك لو تأمّلت قولك: (طبيعة) ومعنى هذه اللفظة، لدلّك على الخالق الباري لفظها كما دلّ العقولَ عليه معناها؛ لأن (طبيعة) فعلية بمعنى مفعولة، أي مطبوعة، ولا يحتمل غير هذا ألبتة؛ لأنها على بناء الغرائز التي ركبت في الجسم ووضعت فيه كالسجية والغريزة، والبحيرة والسليقة، والطبيعة؛ فهي التي طبع عليها الحيوان وطبعت فيه .
ومعلوم أن طبيعة من غير طابع لها محال، فقد دلَّ لفظ الطبيعة على الباري تعالى كما دلَّ معناها عليه .
والمسلمون يقولون: إن الطبيعة خلق من خلق الله مسخر مربوب، وهي سنة في خليقته التي أجراها عليه، ثم إنه يتصرف فيها كيف شاء وكما شاء، فيسلبها تأثيرها إذا أراد، ويقلب تأثيرها إلى ضدّه إذا شاء؛ ليُريَ عباده أنه وحده البارئ المصوّر، وأنه يخلق ما يشاء، "إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ" يس : 82. وإن الطبيعة التي انتهى نظر الخفافيش إليها إنما هي خلق من خلقه بمنزلة سائر مخلوقاته ..).
المرجع:
رسالة: الشرك في القديم والحديث ، للأستاذ أبوبكر محمد زكريا، 2 / 712-730
المصدر:
http://70.84.212.52/vb/showth r ead.php?t=2665
حصر إيمانهم بالمحسوسات فقط(46/347)
الكاتب: سليمان الخراشي
قالوا: إذا كان الله موجودًا، فلماذا لا نراه بأعيننا ولا ندركه بحواسنا كما ندرك ونرى الموجودات؟ وهل يسوغ لنا أن نؤمن بما لا نراه؟
الرد على هذه الشبهة :
1- إن الإيمان بالمحسوسات والموجودات فقط مسخ للإنسان، وتغليب لجانب من شخصيته على الجانب الآخر مما ينتج عنه القلق والفزع الذي يعاني منه الوجودي، وإلاَّ فالإنسان جسد وروح، وحصر الموجودات فيما يرى ويحس غير صحيح، فكم من موجودات لا تحس ولا ترى، كما أن حصر وسائل المعرفة في الإدراك الحسي غير صحيح كذلك، فالإنسان يعرف ويدرك عن طريق البداهة والفطرة، وعن طريق العقل والفكر، وعن طريق البصيرة والإلهام .
كما يدرك، ويدرك عن طريق الحس والرؤية، فعلماء الفلك يقدرون وجود كواكب بيننا وبينها ملايين السنين الضوئية، وقدَّروا مواقعها والأبعاد بين بعضها؛ لأن وجودها في المواقع التي حددوها، يفسر لهم آثارًا وظواهر معينة، في حركة الكواكب التي رصدوها، ويستدلون بما رأوه على ما لم يروه، ويتبين بالملاحظات العلمية صحة الفرض الذي فرضوه، فهل يلام هؤلاء العلماء على إيمانهم بما لم يروه ولم يحسوه، مع أنهم اهتدوا إليه بالمنطق الرياضي الذي يعتمد على الأرقام لا على الأوهام؟
إن هؤلاء العلماء قد اعتمدوا على منطق بسيط ولكنه صادق - هو الاستدلال بالأثر على المؤثر -، فهم قد عرفوا الكواكب البعيدة بآثارها لا بذاتها، وعلى هذا النهج نفسه درس العلماء الطبيعيين (الذرة)، واستخدموا قوانين الكتلة والطاقة، مع أنهم لم يروا الذرة حتى الآن، كل ما انتهوا إليه بوسائلهم الإلكترونية الجبارة أنهم استطاعوا أن يروا ظلها أو خيالها بعد تكبيره وتضخيمه، فكيف نسلم بهذا المنطق - منطق الاستدلال بالآثار - ونستخدمه في علوم الطبيعة والفلك ثم ننكره في معرفة الخالق؟ .
2- إن هذا الزعم لا دليل عليه مطلقًا، إنه مجرد إنكار ورجم بالغيب، لقد كان الماديون ينكرون ما لا تصل إليه الحواس الإنسانية قبل أن يتوصل البحث العلمي إلى اكتشاف أجهزة تستطيع أن تحس بأشياء كونية كانت بالنسبة إلى الحواس البشرية أمورًا من أمور الغيب، ولمَّا اكتشفت هذه الأجهزة، وكشفت للعلماء الباحثين ما كشفت من خفايا داخل الكون تراجع الفكر المادي عن تعنته قليلاً، فاعترف بوجود أشياء يمكن أن تدركها الأجهزة التي توصل العلماء الباحثون إلى اكتشافها .
ومنها أجهزة الإحساس بالأشعة التي لا تدركها حواس الناس، وأجهزة الإحساس بالذبذبات الصوتية التي تنطلق في الأجواء، وأجهزة الإحساس بالطاقات الكهربائية والمغناطيسية والحرارية وغيرها .
وكلما تقدم العلم تطورت أجهزة الإحساس بالموجودات كانت غيبًا على الناس قبل التوصل إليها، تراجع الفكر المادي الوجودي عن بعض تعنتاته، ولكن ظل منكرًا ما وراءه مما لا يزال غيبًا .
لقد كان الاستنتاج العقلي يثبت أمورًا، وكان الفكر المادي الوجودي ينكر بتعنت وعناد، وحين كشفت الأجهزة المستحدثة ما كان يثبته العقل، تجاهل الماديون الوجوديون إنكارهم الأول، وأخذوا يراوغون، ويوسعون مذهبهم المادي، حتى يشمل ما أثبتته الأجهزة المستحدثة وأحست به، وقدمت للعلماء شهادة بما شاهدت من خفايا كانت قبلها غيبًا عن حواس الناس .
أما الماديون المعاصرون الذين يعترفون بقوانين العلوم، وما توصلت إليه استنتاجًا عقليًّا، فإنهم يتناقضون مع أنفسهم حين يسلمون بمقررات علمية لم يتوصل إليها العلم إلا عن طريق الاستنتاج العقلي، ويرفضون مع ذلك الاستنتاجات العقلية التي توصل إلى ضرورة الإيمان بالخالق .
ما أعجب أمر هؤلاء الوجوديين والماديين !!
إنهم يرفضون الاستنتاج العقلي، حينما يُلزمهم ويُلزم جميع العقلاء بضرورة الإيمان بالخالق الذي هو غيب عن الحواس بذاته، لكن ضرورة وجوده تعلم حتمًا بآثار صنعته المتقنة، ثم هم يقبلون بمقررات علمية كونية كثيرة ما زالت غيبًا عن الحواس، وغيبًا عن الأجهزة العلمية المتقدمة جدًّا، مثل صفات الذرة، وحركاتها، وصفات الخلية وتطورها، مع أن هذه المقررات يوجد في بعضها ما دلّ عليه الاستنتاج العقلي بإمارات ظنية، لا بأدلة قطعية .
أليس هذا منهم تناقضًا مع أنفسهم؟ !
إنهم لو كانوا منسجمين مع الأدلة العلمية انسجامًا سويًا لم يتدخل معه الهوى لما كانوا متناقضين في مناهجهم، ولقبلوا على طول خط المعرفة ومكتسباتها كل الاستنتاجات العقلية القطعية، أو التي تعطي ظنًّا قويًا راجحًا، ولما فرقوا بين أفرادها وهي متماثلة في قوة دلالتها .
لكنهم متعصبون أصحاب هوى ضد قضية الإيمان بالرب الخالق، فهم يرفضون كل دليل يثبت وجوده عز وجل، مهما كان دليلاً برهانيًّا قويًّا، وحينما يكون لهم هوى في أن ينتفعوا من طاقات الكون وخصائصه يقبلون ما يقدمه لهم الاستنتاج العقلي حول هذه الطاقات والخصائص، ولو كان استنتاجًا ظنيًّا أو وهميًّا أحيانًا، ويخادعون بأن هذا مما تثبته الوسائل العلمية .
3- يضاف إلى ذلك : أن البصيرة العقلية ومستنبطاتها التجريدية لا تسمح مطلقًا بانغلاق في حدود المادة والوجود .(46/348)
إن الشيء الذي لا نشاهده في الواقع الحسي لا يلزم عقلاً أن يكون غير ممكن الوجود، فعدم الوجود فعلاً لا يدلُّ على استحالة الوجود. فما بالك بالحكم على الخالق بأنه غير موجود، وبأنه متناقض وجوده، لمجرد أننا لم نشاهده في دوائر حواسنا المحدودة جدًّا؟
4- إن وسائل العلم ثلاثة :
الأولى: المعرفة المباشرة، وتكون بالإدراك الحسي، ولو عن طريق الأجهزة والأدوات .
الثانية: الخبر الصادق، ومن الخبر الصادق الوحي الذي يتلقاه نبي من أنبياء الله مؤيد بالمعجزات الباهرات، ومن الخبر الصادق قطعًا ما يبلغه عن الوحي هذا النبي .
فهؤلاء الملحدون حصروا العلوم المدركة في دوائر ضيقة، فما أدركوه بحواسهم وتجاربهم أثبتوه، وما لم يدركوه بذلك نفوه، وهذا باطل، بل قصور في العلم، فمن ليس عنده علم بشيء مَّا يجب أن يتعلم من الآخر، وليس عليه أن ينكر ذلك الشيء .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (ما أخبرت به الرسل من الغيب فهي: أمور موجودة ثابتة أكمل وأعظم مما نشهده نحن في هذه الدار، وتلك أمور محسوسة تشاهد وتحس ولكن بعد الموت في الدار الآخرة، ويمكن أن يشهدها في هذه الدار مَن يختصه الله بذلك، ليست عقلية قائمة بالعقل كما تقوله الفلاسفة؛ ولهذا كان الفرق بينها وبين الحسيات التي نشهدها أن تلك غيب وهذه شهادة، وكون الشيء غائبًا أو شاهدًا أمر إضافي بالنسبة إلينا، فإذا غاب عنا كان غيبًا، وإذا شهدناه كان شهادة، وليس هو فرقًا يعود إلى أن ذاته تعقل ولا تشهد ولا تحس، بل كل ما يعقل ولا يمكن أن يحس بحال فإنما يكون في الذهن، والملائكة يمكن أن يشهدوا ويروا، والرب تعالى يمكن رؤيته بالأبصار، والمؤمنون يرونه يوم القيامة وفي الجنة كما تواترت بذلك النصوص ).
وبهذا يبطل أصل الملاحدة الذين يحصرون المعلومات بمدركاتهم الخاصة القاصرة، فإن هؤلاء قصروا معرفتهم في شيء ولم يعرفوا غيره، ومن عرف له حجة على من لم يعرف، فليس كل من لم يعرف شيئًا ينكره على حجة عدم علمه ومعرفته .
ولنضرب لذلك مثلاً: لو أن عالمًا من علماء الحيوان تحدث عن وجود حيوان برِّيٍّ غريب رآه بعينه، وأخذ يصف مشاهداته الحسية له، ثم جاء سمَّاك فقال: لا أجد المبرر العقلي لوجود هذا الحيوان الغريب الذي يتحدث عنه هذا العالم، فإنا لم نشاهد في البحر نظيره. لما كان كلامه أكثر سقوطًا من ناحية الاستدلال العلمي من كلام هؤلاء الوجوديين، فقد جاءتنا الأخبار الصادقة من قِبَل الرسل الكرام الصدِّيقون في أخبارهم بأن هناك إله ورب خالق له الصفات العُلى كذا، وكذا، ثم جاء بعض من أعمى الله بصره وحجب عنه بصيرته، فيقول: لا أحسُّ به، ليس كلامه هذا أقل سقوطًا من كلام هذا السمَّاك .
ولهذا قال ابن القيم: (المعلومات المعاينة التي لا تدرك إلا بالخبر أضعاف أضعاف المعلومات التي تدرك بالحسِّ والعقل، بل لا نسبة بينها بوجه من الوجوه، ولهذا كان إدراك السمع أعم وأشمل من إدراك البصر، فإنه يدرك الأمور المعدومة والموجودة والحاضرة والغائبة، والمعلومات التي لا تدرك بالحسِّ والأمور الغائبة عن الحسِّ نسبة المحسوس إليها كقطرة من بحر، ولا سبيل إلى العلم بها إلا بالخبر الصادق ).
فإذا أبطلنا هذه العلوم فإننا قد أبطلنا علومًا جمّة، ومعارف كثيرة، وليس هذا إلا نداء إلى الجهل والطيش .
المرجع :
رسالة : الشرك في القديم والحديث ، للأستاذ أبوبكر محمد زكريا ، 2 / 751-757
المصدر:
http://70.84.212.52/vb/showth r ead.php?t=2666
ادعاؤهم أن وجود الله ينافي حرية الإنسان !
الكاتب: سليمان الخراشي
ومقصودهم بهذا القول: أن الإنسان لا يكون حرًّا إلا إذا أنكر وجود الله، فإنه ما دام يثبت وجود الله فإنه لا بد من اتباع أوامره واجتناب نواهيه. وهذا مخالف للحرية التامة، فإذا قُضي على فكرة وجود الله فقد ثبتت الحرية، وإلا فلا .
الرد على هذه الشبهة :
إن دعوى الحرية التامة المطلقة - التي أسس عليها الوجوديون إنكار الله الخالق الرازق المحيي والمميت - لا وجود لها إلا في خيالهم المريض؛ إذ لو كان الإنسان حرًّا حرية مطلقة لتحكَّم في مسيره ومجريات أحداثه، وكان عالمًا بكل ما يحيط به من أحداث، بل لكان هو المتحكم والمخطط لمسيرها في الحياة، ولما كان هناك ما يقع على الإنسان غير ما يبتغيه أو يرغب فيه، بل يتمنى ألا يقع، تأكد كذب ما ترتب على دعوى الوجودية من استغناء الإنسان من خالق أوجده أو قدره . وبيان ذلك: أن الإنسان وهو بطريق الحياة تنتابه الأقدار :
1- أحداث تقع به فيفجؤه، بل يفجعه نزولها به دون أن يدور بخلده - قط - أنها ستصيبه أو ستلِم به، مثل: النوازل والكوارث التي قد تصيب الإنسان وهو بطريق الحياة دون سابق إنذار، وما يستطيع عاقل أن يقول: إن الإنسان هو الذي وضعها بنفسه أو أنزلها بساحته بناء على حريته المطلقة .
2- تنويه أحداث أخرى ما يتمناها لنفسه - قط - لكنها تقع به، مثل : ضعف البصر، انحناء الظهر، عجز القدمين عن حمل الجسم، تجاعيد الوجه، ابيضاض الشعر، فلو كان الإنسان سيد أفعاله لما أوقع بنفسه ما تكرهه نفسه .(46/349)
3- لو كان الإنسان هو الخالق لنفسه لكان عالمًا بتفاصيل حياته وأسباب وجوده، أو الغاية التي تصير إليها بعد رحيله، وهذا يتناقض مع ما تنادي به الوجودية في أضل مبادئها، فهي ترى أن الإنسان قد قذف به في الحياة دون قصد وهدف، وسيرحل عن الحياة دون إرادة أو غاية، وتوضيح ذلك وبيانه أوضح من أن يثار .
4- هل يعقل أن يلغي الإنسان وجود الله لمجرد إثبات حريته الكاملة، وهل هذه إلاَّ حرية بهيمية شيطانية لنيل مقصوده والتسلط على حقوق الآخرين؟
المرجع:
رسالة: الشرك في القديم والحديث، للأستاذ أبوبكر محمد زكريا، 2 / 750-751) .
المصدر:
http://70.84.212.52/vb/showth r ead.php?t=2841
ادعاؤهم أن وجود الله كوجود الإنسان
الكاتب: سليمان الخراشي
ومنشأ الخطأ لدى «سارتر» وغيره من الوجوديين ممن تشبث بهذه الشبهة أنه اعتقد أن كل موجود مفتقر في وجوده لآخر حتى وجود الله، فتصور وجوده كوجود الإنسان، ولذلك لم يتصور أنه أصل الوجود الذي ليس وراءه أصل، والوجود لا يكون إلا هكذا، إذ إنه لا بد - في الوجود - من موجِد أوجد غيره ولم يوجده الغير، هو الأول للوجود، كما عبر عنه «فيثاغورس» بأنه كالعدد واحد، أصل الأعداد، ولا يوجد أصل له .
ولذلك قال تعالى: "هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ " الحديد : 3.
وقوله : "أنت الأول فليس قبلك شيء".
وقوله :"كان الله ولم يكن شيء قبله ".
ولكي يتضح هذا التقدير يُستدل بما يلي :
إن التساؤل عن علة وجود المصدر الأول، حجة يوسوس بها الشيطان للإنسان، منذ أن بدأ الفكر الإلحادي يدب إلى أذهان بعض الناس، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم ( الشيطان يأتي أحدكم فيقول: من خلق السماء؟ فيقول: الله. فيقول: من خلق الأرض؟ فيقول: الله. فيقول: من خلق الله؟ فقولوا: آمنا بالله ورسوله)، وفي رواية: (فعند ذلك يضلون( .
فهذه الحجة الشيطانية تزعم أن الإيمان بأن الله هو المصدر الأول للأشياء، والوقوف عنده، يساوي نظريًّا وقوف الملحدين عند المادة الأولى للكون، التي يطلقون عليها اسم السديم، وتزعم أن كلا الفريقين لا يجد جوابًا على هذا التساؤل عن علة وجود المصدر الأول، إلا أن يقول: لا أعرف إلا أن وجود هذا الأصل غير معلول، وتزعم أن الملحد اعترف بهذا قبل المؤمن بخطوة واحدة، وبعد هذه المزاعم يخادع مطلقوها (بأن إعلان الجهل والاعتراف به من متطلبات الأمانة الفكرية، حين لا توجد أدلة وشواهد وبراهين كافيات ).
ولدى البحث المنطقي الهادئ يتبين لكل ذي فكر صحيح، أن هذه الحجة ليست إلا مغالطة من المغالطات الفكرية، وهذه المغالطة قائمة على التسوية بين أمرين متباينين تباينًا كليًّا، ولا يصح التسوية بينهما في الحكم. وفيما يلي تعرية تامة لهذه المغالطة من كل التلبيسات التي سترت بها .
سبق إثبات كون الله عز وجل أزليًّا، كما سبق إثبات كون المادة حدثت بعد أن لم يكن لها وجود، واستنادًا على هذا الإثبات إننا إذا وضعنا هذه المغالطة بعبارتها الصحيحة كان كما يلي :
ما دام الموجود الأزلي الذي هو واجب الوجود عقلاً، ولا يصح في حكم العقل عدمه بحال من الأحوال غير معلول الوجود، فلم لا يكون الموجود الحادث غير معلول الوجود أيضًا؟
إن كل ذي فكر سليم صحيح من الخلل يعلم علم اليقين أنه لا يصح أن يقاس الحادث على القديم الأزلي الذي لا أول له، فلا يصح أن يشتركا بناءً على ذلك في حكم هو من خصائص أحدهما .
وعلى هذه الطريقة من القياس الفاسد من أساسه صنعت هذه المغالطة الجدلية، والتورط في هذه المغالطة راجع إلى علة نفسية، غفلة منا وانصياعًا للتصور الغالب، شأن رجل يشتغل عمره بكيمياء النحاس، فعرض له الذهب فجأة، فراح يطبق عليه قوانين النحاس، أتراه يصيب، أم يخطئ؟ لا جرم أن خطأه نشأ من انهماكه الدائم في قانون معين، وغفلته عن التفريق بين القوانين حينما اختلفت مجالات التطبيق، ولقد عرفنا أن خالق الحوادث لا يتصف بالحدوث قطعًا، فكيف نطبق عليه قانون الحوادث؟ !
ذكروا: (أن رجلاً جاء إلى عالم من علماء الأمة فقال: إذا أقررنا بالخالق فمن ذا خلقه؟ قال: عُدَّ من الواحد صعودًا، ففعل الرجل، قال: عُدَّ قبل الواحد، قال: ليس قبل الواحد شيء. قال: كذلك ليس قبل الواحد شيء !).
والخلاصة: إن الخالق ليس بحادث، فنطبق عليه قانون الحوادث في السؤال عن خالقه، فذلك غير سائغ، وأنه كامل مطلق، والكامل المطلق لا يحتاج إلى غيره، وبذلك ينهدم آخر صرح من صروح الشك، فنقول: الكامل المطلق لا يمكن أن يفتقر إلى الموجد .
وأما أزلية الخالق، وعدم احتياج وجوده إلى علة، فبرهان ذلك يمكن إيجازه بما يلي :
إن العدم العام الشامل لكل شيء يمكن تصوره في الفكر، لا يصح في منطق العقل أن يكون هو الأصل؛ لأنه لو كان هو الأصل لاستحال أن يوجد شيء مَّا .(46/350)
إذن: فلا بد أن يكون وجود موجِد مَّا هو الأصل، ومن كان وجوده هو الأصل فإن وجوده لا يحتاج عقلاً لأية علة، بل وجوده واجب عقلاً، ولا يصح في العقل تصور عدمه، وأي تساؤل عن علة لوجوده لا يكون إلا على أساس اعتبار أن أصله العدم ثم وجد، وهذا يتناقض مع الإقرار باستحالة أن يكون العدم العامل الشامل هو الأصل الكلي .
ومن كان وجوده واجبًا بالحتمية العقلية باعتبار أنه هو الأصل، فإنه لا يمكن بحال من الأحوال أن يتصف بصفات تستلزم أن يكون حادثًا .
أما ادعاء أصلية الوجود للكون بصفاته المتغيرة فهو ادعاء باطل، وذلك بموجب الأدلة التي تثبت أنه حادث وليس أزليًّا .
إن هذا الكون يحمل دائمًا وباستمرار صفات حدوثه، تشهد بهذه الحقيقة: النظريات العقلية المستندة إلى المشاهدات الحسية، وتشهد بها البحوث العلمية المختلفة في كل مجال من مجالات المعرفة، والقوانين العلمية التي توصل إليها العلماء الماديون .
وإذ قد ثَبَتَ أن هذا الكون عالم حادث، له بداية ونهاية، فلابد له حتمًا من علة تسبب له هذا الحدوث، وتخرجه من العدم إلى الوجود، وذلك؛ لاستحالة تحول العدم بنفسه إلى الوجود .
أما ما لا يحمل في ذاته صفات تدل على حدوثه مطلقًا، وتقضي الضرورة العقلية بوجوده، فوجوده هو الأصل، لذلك فهو لا يحتاج أصلاً إلى موجِد يوجده، وكل تساؤل عن سبب وجوده تساؤل باطل بالحتمية العقلية؛ لأنه أزلي واجب الوجود، ولا يمكن أن يكون غير ذلك عقلاً، وليس حادثًا حتى يتساءل الفكر عن سبب وجوده .
وهنا نقول: لو كانت صفات الكون تقتضي أزليته لقلنا فيه أيضًا كذلك، لكن صفات الكون المشاهدة المدروسة تثبت حدوثه .
يضاف إلى هذا: أن مادة الكون الأولى عاجزة بطبيعتها عن المسيرة الارتقائية التي ترتقي بها ذاتيًّا إلى ظاهر الحياة، فالحياة الراقية في الإنسان .
وبهذا تنكشف للبصير المنصف: المغالطة الشيطانية التي يوسوس بها الشيطان، وتخطر على أذهان بعض الناس، بمقتضى قصور رؤيتهم عن استيعاب كل جوانب الموضوع وزواياه، فهم بسبب هذا القصور في الرؤية يتساءلون: وما علة وجود الله؟
إنها مغالطة تريد أن تجعل الأزلي حادثًا، وأن تجعل واجب الوجود عقلاً ممكن الوجود عقلاً، وأن الأصل فيه العدم، ليتساءل الفكر عن علة وجوده .
أو تريد أن توهم بأن ما قامت الأدلة على حدوثه فهو أزلي، أو هو واجب الوجود لذاته؛ لتسوي بين الحادث والأزلي في عدم الحاجة إلى علة لوجوده .
وتريد هذه المغالطة أن تطمس الضرورة العقلية التي تقتضي بأن الأصل هو وجود موجِد أزلي، وهذا الموجِد الأزلي لا يصح عقلاً أن يُسأل عن علة لوجوده مطلقًا؛ لتنافي هذا السؤال مع منطق العقل، وهذا الموجِد الأزلي لا يمكن أن تكون له صفات تستلزم حدوثه .
أما الكون فصفاته تستلزم بالبراهين العقلية والأدلة العلمية المختلفة - حدوثه، لذلك كان لا بد من السؤال عن علة لوجوده، ولا تكون هذه العلة إلاَّ من قبل الموجِد الأزلي، الذي يقضي منطق العقل بضرورة وجوده، خارجًا عن حدود الزمن ذي البداية والنهاية، وخلاف ذلك مستحيل عقلاً .
والحدوث من العدم العام الشامل، دون سبب من موجِد سابق له مستحيل عقلاً .
المرجع:
رسالة: الشرك في القديم والحديث، للأستاذ أبو بكر محمد زكريا، 2 / 744-749.
المصدر:
http://70.84.212.52/vb/showth r ead.php?t=2670
القول بالمصادفة
الكاتب: سليمان الخراشي
وأن الكون أو الإنسان لا يحتاج إلى موجِد أوجده، بل وجد صدفة دون تقدير ولا تدبير، فلا خالق ولا موجِد له .
الرد على هذه الشبهة :
القول بالصدفة هو المخرج الثاني للقائلين بنظرية النشوء والارتقاء لأصل الإنسان، فإنهم لمَّا قالوا بنظرية الارتقاء والتطور، والنشوء سُئلوا عن أساس التطور، فأجابوا بأنه حدث فعلاً بالصدفة، وأن الحياة والكون إنما هما نتيجتا الصدفة، وقد سبق معنا الرد على نظرية التطور والنشوء والارتقاء، وأما القول بالصدفة فيقال في الرد عليها :
إن القول بالصدفة من الافتراءات الآثمة التي قال بها الغافلون عن الإبداع الكوني، وما في العالم من أسرار ونواميس هي أكبر شاهد على مدبر حكيم، إن ما يحدث في الكون من تقدير في الأرزاق والآجال، وما عليه الكون من إبداع، وما يحتوي عليه من أسرار لا مرد له إلى العشوائية والارتجال، فهي قضية من المسلَّمات التي اتفقت عليها الدلائل العلمية المادية، والبراهين العقلية المنطقية .(46/351)
فالدلائل العلمية المادية المستندة إلى الوسائل الإنسانية تحيل وجود المتقنات الراقية الدقيقة المعقدة بالمصادفة، وترفض المصادفة في أية ظاهرة كونية ذات إتقان دقيق معقد، والباحثون العلميون سواء أكانوا مثاليين أو ماديين، يبحثون باستمرار عن سبب أية ظاهرة كونية يشاهدونها، ويرفضون ادعاء المصادفة فيها رفضًا قاطعًا؛ لأن المناهج العلمية الاستقرائية قد أثبتت للعلماء أنه ما من ظاهرة تحدث في الكون دون أن تكون مسبوقة بسبب مكافئ لحدوثها، وإذا كانت هذه الظاهرة من الظواهر التي تحتاج إلى علم ومهارة حتى يكون قادرًا على إنتاجها، قرروا أن منتجها صاحب علم ومهارة، وهكذا. فكيف بالكون كله وما فيه من متقنات لا حصر لها، أصغرها الذرة وأكثرها المجرة - في نظرنا -، وأدناها في الأحياء التي اكتشفناها الفيروس، وأعلاها فيما نشاهد: الإنسان؟
وللرد عليهم علميًّا، يُذكر ما يلي :
1- إن البروتينات من المركبات الأساسية في جميع الخلايا الحية، وهي تتكون من خمسة عناصر، هي: الكربون والأيدروجين، والنيتروجين، والأكسجين، والكبريت، ويبلغ عدد الذرات في الجزء الواحد (40) ألف ذرة، ولمَّا كان عدد العناصر الكيماوية في الطبيعة (92) عنصرًا موزعة بقدر معلوم، فإن احتمال اجتماع هذه العناصر الخمسة لكي تكون جزئيًا واحدًا من جزئياتِ البروتين يمكن حسابه لمعرفة كميات المادة التي ينبغي أن تخلط خلطًا مستمرًا لكي تُؤلِّف هذا الجزئي. وقد حاول أحد العلماء حساب الفترة الزمنية التي يجب أن تستغرقها عملية خلط العناصر المذكورة هي (10) 243 سنة.... معنى ذلك أنه قبل وجود الكون وما بعد أيامنا هذه بمليون سنة أمامه (239) صفر، واشترط العلماء توفر مواد كونية تساوي حجم الكون مليون أمامه (431) صفر مرة، فهل هذا معقول؟ كل تلك الأرقام المستحيلة يطلبها قانون الصدفة لتكوين جزئي، واحدة من جزئيات الخلية الحية،... ألا يكفي خلق الإنسان من بلايين الخلايا [الحية] التي تحركها إشعاعة الحياة (تلك النفخة الإلهية العظمى في المادة)، ألا يكفي هذا لكي يؤمن الملحدون بالخالق الواحد الأحد الفرد الصمد؟ ).
2- يقول أحد الباحثين المعاصرين: إن (معظم الحيوانات والنباتات تتكون من عدد هائل من تلك الوحدات الدقيقة الحجم التي نسمِّيها (الخلايا)، كما يتكون المبنى من مجموعة من الأحجار المرصوصة ).
وخلايا أجسامنا وأجسام غيرنا من الحيوانات دائمة الانقسام، وذلك الانقسام قد يكون لنمو الجسم أو لتعويض ما يفقد أو يموت من الخلايا لأسباب عديدة، وكل خلية من هذه الخلايا تتكون أساسًا من مادة عجيبة نطلق عليها اسم (البروتوبلازم ).
وتوجد بداخل كل خلية محتويات عديدة ذات وظائف محددة، ومن هذه المحتويات أجسام دقيقة تحمل عوامل وراثية هي التي نطلق عليها اسم ( الكروموسومات)، وعدد هذه الكروموسومات ثابت في خلايا كل نوع من أنواع الحيوانات والنباتات المختلفة، فعددها في خلايا القط - مثلاً - يختلف عن عددها في خلايا الكلب أو الفيل أو الأرنب أو نبات الجزر أو الفول. وفي كل خلية من الخلايا التي يتكون منها جسم الإنسان يوجد ستة وأربعون من هذه الكروموسومات .
وعندما تنقسم الخلية إلى خليتين داخل أجسامنا، فإن كل خلية جديدة لا بد أن تحتوي على العدد نفسه من ( الكروموسومات)، وهي ستة وأربعون، إذ لو اختل هذا العدد لما أصبح الإنسان إنسانًا .
والخلايا - كما ذكرت - دائمة الانقسام. يحدث هذا في جميع ساعات اليوم حتى في أثناء نومنا، ونحن حتى الآن ما ندرك حقيقة القوى المهيمنة على هذه العملية المذهلة - عملية انقسام الخلايا -، بل يكتفي العلم بوصف خطوات العملية التي يمكن ملاحظتها تحت عدسات (الميكروسكوب) العادي، أو عن طريق (الميكروسكوب الإلكتروني ) الذي يكبر الأشياء تكبيرًا أكثر بكثير من تكبير الميكروسكوب العادي .
إن جميع الخلايا الناتجة عن عمليات الانقسام في جسم الإنسان لا بد أن تحتوي - كما ذكرت - على ستة وأربعين كروموسومًا، فيما عدا نوعين من الخلايا؛ هما الخلايا التناسلية، أي الحيوان المنوي في الذكر والبويضة في الأنثى، إذ عندما تنقسم خلايا الأنسجة لتكوين هذه الخلايا التناسلية فإنها تنتج خلايا لا تحتوي على الستة والأربعين كروموسومًا، بل تحتوي على نصف هذا العدد؛ أي يصبح في كل خلية تناسلية ذكرية أو أنثوية ثلاثة وعشرون كروموسومًا فقط .
لماذا يحدث ذلك؟ يحدث هذا؛ لحكمة بالغة ولهدف عظيم، إذ إن الخلية الذكرية (الحيوان المنوي) لا بد أن تندمج مع الخلية الأنثوية (البويضة ) لتكوين أول خلية في جسم الجنين، وهي التي نطلق عليها اسم (الخلية الملقحة)، وبهذا الاندماج يعود عدد الكروموسومات في الخلية الجديدة إلى العدد الأصلي وهو ستة وأربعون (كروموسومًا ).(46/352)
وهذه الخلية الملقحة التي أصبحت تحتوي على ستة وأربعين ( كروموسومًا) توالي انقسامها فتصبح خليتين، ثم أربع خلايا، ثم ثمان خلايا، وهكذا حتى يتم تكوين الجنين الذي يخرج من بطن أمه ويستمر نموه عن طريق انقسام الخلايا حتى يصبح إنسانًا كامل النمو في كل خلية من خلاياه ستة وأربعون (كروموسومًا)، كما هو الحال في خلايا جسد أبيه وأمه وأجداده وجميع أفراد الجنس البشري .
إن اختزال عدد الكروموسومات إلى النصف عند تكوين الخلايا التناسلية بالذات لكي تندمج فيعود العدد الأصلي (للكروموسومات) في الخلايا لا يمكن مطلقًا نتيجة مصادفة عمياء، بل لا بد أن يكون نتيجة تخطيط دقيق من قوة عُليا تعرف ماذا تفعل، وهي في الوقت نفسه لا يمكن أن تخضع للتجربة واحتمال الخطأ، إذ لو حدث خطأ مرة واحدة عند بدء الخلق لقُضي على الكائن الحي قبل تكوين الجيل الثاني؛ أي أن هذا الترتيب لا بد أن يكون قد تَمَّ منذ تكوين أول جنين ظهر في الوجود. ألا يكفي هذا وحده دليلاً على وجود قوة عُليا مدبرة مقدرة حكيمة؟ بل لا يمكن أبدًا أن يكون هذا المبدأ أو القانون الذي يسود جميع الكائنات الحية من صنع مصادفة عمياء تتخبط في الظلام، إذ إن المصادفة لا يمكن أن تتخذ مظهر قانون عام تخضع له جميع الكائنات .
فهذه بعض الأمثلة من جملة عشرات الأمثلة للدلائل العلمية المادية المستندة إلى الوسائل الإنسانية، تحيل وجود المتقنات الراقية الدقيقة المعقدة بالصدفة .
وأما البراهين العقلية المنطقية فهي أيضًا تحيل وجود المتقنات الراقية الدقيقة المعقدة بالصدفة. وفيما يلي استعراض سريع لبعض هذه الأدلة :
1- إن الأرض هي الكوكب الوحيد الذي يمكن أن توجد فيه الحياة على الوجه الذي نعرفه (إن حركة دوران الأرض حول نفسها إن أسرعت أو أبطأت عمَّا هي عليه؛ لطالت الأيام أو قصرت، ولتوقفت الحياة بسبب برودة الليل أو قيظ النهار، والشمس في نفس الموقع بالضبط الذي يمكنها من حفظ الحياة على الأرض، ودرجة حرارتها البالغة (6500) درجة مئوية هي على وجه التحديد درجة الحرارة اللازمة لكوكبنا، فلو انحرف متوسط درجة الحرارة صعودًا أو هبوطًا على الهامش الصغير الذي لا يتجاوز (28 ) درجة لانعدمت أمواج المد، فغمرت السهول والجبال وغطت كل شيء على ظهر الأرض تحت طبقة من الماء عمقها (2500) متر .
أما محور الأرض فإنه إن لم يكن على زاوية (23) درجة كما هو، فلن تكون هناك فصول، ولتحركت أبخرة المحيطات نحو القطبين: الشمالي والجنوبي، مكونة تراكمات هائلة من الثلج عند القطبين، تاركة وسط الأرض خاليًا تمامًا من الماء، لن تكون هناك عندئذٍ أمطار، وستخلو المحيطات من مياهها، وستنبعج الأرض عند خط الاستواء تحت ضغط الثلوج المتراكمة عند القطبين، وسيترتب على ذلك آثار هائلة .
أما الغازات التي يتكون منها الغلاف الجوي فإنها إن اختلفت عمَّا هي عليه فلن يستطيع أي شيء أن يبقى حيًّا، واحتمال أن يكون كل هذا وليد الصدفة احتمال متناهي الضآلة، ولا يعدو أن يكون واحدًا في المليار؛ ولذلك يقول «آينشتين»: (لا أستطيع أن أصدق أن الكون قد نتج عن رمية زهر ).
2- لقد وجد من يقول: (لو جلست ستة من القردة على آلات كاتبة، وظلت تضرب على حروفها بلايين السنين فلا نستبعد أن نجد في بعض الأوراق الأخيرة التي كتبتها قصيدة من قصائد شكسبير - فكذلك الكون الموجود الآن، نتيجة لعمليات عمياء، ظلَّت تدور في المادة لبلايين السنين ).
هذا قول أحد الملاحدة من المنكرين لوجود الله، ويجاب عن هذه الفرية؛ بأن أي كلام من هذا القبيل ( لغو مثير)، بكل ما تحويه هذه الكلمة من معانٍ، فإن جميع علومنا تجهل - إلى يوم الناس هذا - أية مصادفة أنتجت واقعًا عظيمًا ذا روح عجيبة، في روعة الكون .
ثم إن الرياضيات التي تعطينا نكتة (المصادفة) هي نفسها التي تنفي أي إمكان رياضي في وجود الكون الحالي بفعل قانون المصادفة، ولهذا ردَّ على هذه الفرية عالم آخر من الغرب بقوله: (لو تناولت عشرة دراهم وكتبت عليها الأعداد من واحد إلى عشرة ثم رميتها في جيبك، وخلطتها جيدًا، ثم حاولت أن تخرج من الواحد إلى العشرة بالترتيب العددي بحيث تلقي كل درهم في جيبك بعد تناوله مرة أخرى، فإمكان أن نتناول الدرهم المكتوب عليه واحد في المحاولة الأولى هو واحد في المائة، وإمكان أن نخرج الدراهم (1، 2، 3، 4 ) بالترتيب هو واحد في عشرة آلاف... حتى إن الإمكان في أن تنجح في تناول الدراهم من (1-10) بالترتيب واحد في عشرة بلايين من المحاولات). وعلى ذلك فكم يستغرق بناء هذا الكون لو نشأ بالمصادفة والاتفاق؟ إن حساب ذلك بالطريقة نفسها يجعل هذا الاحتمال خاليًا يصعب حسابه فضلاً عن تصوره .(46/353)
إن كل ما في الكون يحكي أنه إيجاد موجِد حكيم عليم خبير، ولكن الإنسان ظلوم جهول: "قُتِلَ الإِنسَانُ مَا أَكْفَرَهُ*مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ * مِن نُّطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ * ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ * ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ * ثُمَّ إِذَا شَاء أَنشَرَهُ * كَلاَّ لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ * فَلْيَنظُرِ الإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ * أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاء صَبًّا * ثُمَّ شَقَقْنَا الأَرْضَ شَقًّا * فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبًّا * وَعِنَبًا وَقَضْبًا * وَزَيْتُونًا وَنَخْلاً" عبس : 17-29. كيف يمكن أن تتأتى المصادفة في ذلك كله، في خلق الإنسان وتكوينه، وفي صنع طعامه على هذا النحو المقدَّر الذي تشارك فيه الأرض والسماء. "قُتِلَ الإِنسَانُ مَا أَكْفَرَهُ". وصدق الله في وصفه للإنسان: "إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولاً " الأحزاب : 72.
قال الإمام ابن القيم: سل المعطل الجاحد: ما تقول في دولاب دائر على نهر قد أُحكمت آلاته، وأُحكم ترتيبه، وقُدرت أدواته أحسن تقدير وأبلغه بحيث لا يرى الناظر فيه خللاً في مادته ولا في صورته، وقد جعل على حديقة عظيمة فيها من كل أنواع الثمار والزروع يسقيها حاجتها، وفي تلك الحديقة من يلِمُّ شعثها ويحسن مراعاتها وتعهدها والقيام بجميع مصالحها فلا يختل منها شيء ولا تتلف ثمارها، ثم يقسم قيمتها عند الجذاذ على سائر المخارج بحسب حاجاتهم وضروراتهم، فيقسم لكل صنف منهم ما يليق به، ويقسمه هكذا على الدوام... أترى هذا اتفاقًا بلا صانع ولا مختار ولا مدبر؟بل اتفق وجود ذلك الدولاب والحديقة وكل ذلك اتفاقًا من غير فاعل ولا قيِّم ولا مدبر.. افترى ما يقول لك عقلك في ذلك لو كان؟ وما الذي يفتيك به؟ وما الذي يرشدك إليه؟
ولكن من حكمة العزيز الحكيم أنْ خلق قلوبًا عميًا لا بصائر لها - فلا ترى هذه الآيات الباهرة إلا رؤية الحيوانات البهيمية - كما خلق أعينًا عميًا لا أبصار لها، والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره وهي لا تراها، فما ذنبها إن أنكرتها وجحدتها! فهي تقول في ضوء النهار: هذا ليل! ولكن أصحاب الأعين لا يعرفون شيئًا .
ولقد أحسن القائل :
وَهَبْنِي قلت هذا الصبح ليل ** أَيَعْمَى العالمون عند الضياء
أخيرًا ما أقول، هو ما اعترف به كبار علماء الكون المعاصرين، من تراجع العلم المعاصر عن اعتبار الكون عن طريق المصادفة إلى إدراك أنه مظهر لخطة عليم حكيم قدير مهيمن على كل شيء .
يقول العلاَّمة الفلكي الرياضي البريطاني السيد (جيمس جينز) ) : لقد كنا قبل ثلاثين سنة - ونحن ننظر إلى الكون - نظن أننا أمام حقيقة من النوع الميكانيكي، وكان يبدو لنا أن الكون يشتمل على ركام من المادة المبعثرة، وقد اجتمعت أجزاؤه بالمصادفة، وأنَّ عمل هذه المادة ينحصر في أن ترقص لبعض الوقت رقصًا لا معنى له، تحت تأثير قوى عمياء لا هدف لها، وأنها بعد نهاية الرقص ستنتهي هذه المادة في صورة كون ميت، وأن الحياة قد وجدت مصادفة خلال عمل هذه القوى العمياء، وأن بقعة صغيرة جدًّا من الكون قد نعمت بهذه الحياة، أو على سبيل الاحتمال يمكن أن توجد هذه الحياة في بقاع أخرى، وأن كل هذه ستنتهي يومًا ما، وسيبقى الكون فاقد الروح .
ولكن توجد اليوم أدلة قوية، تضطر علم الطبيعة إلى قبول الحقيقة القائلة : بأن نهر العلم ينساب نحو حقيقة غير ميكانيكية .
إن الكون أشبه بفكر عظيم منه بماكينة عظيمة. إن (الذهن) لم يدخل إلى هذا العالم المادي كأجنبي عنه، ونحن نصل الآن إلى مكان يجدر بنا فيه استقبال (الذهن) كخالق هذا الكون وحاكمه .
إن هذا الذهن - بلا شك - ليس كأذهاننا البشرية، بل هو ذهن خَلَقَ الذهن الإنساني من ( الذرة، المادة)، وهذا كله كان موجودًا في ذلك الذهن الكوني في صورة برنامج معد سابقًا .
إن العلم الجديد يفرض علينا أن نعيد النظر في أفكارنا عن العالم، تلك التي أقمناها على عجل، لقد اكتشفنا أن الكون يشهد بوجود قوة منظمة أو مهيمنة ..).
فهذا التراجع يدلنا على أن مواقفهم غير ثابتة، بل هي واهية البنيان والأساس، وما الاستدلالات التي استدلوا بها على أفكارهم إلا ظنونًا وتخمينًا، فالعالم من خلق خالق مبدع حكيم مريد خلقه على خطة مسبقة معدٍّ، وهو يهيمن عليه ويحيط به في جميع أجزائه .
المرجع:
رسالة: الشرك في القديم والحديث ، للأستاذ أبوبكر محمد زكريا ، 2 / 734-744 .
المصدر:
http://70.84.212.52/vb/showth r ead.php?t=2755
قولهم بـ ( نسبية الحقيقة )
الكاتب: سليمان الخراشي(46/354)
تتردد كثيرًا في كتابات المعارضين والمخالفين لشريعة الإسلام عندما يُلزمون بأحكامها عبارات خطيرة؛ مثل: "الحق المطلق لا يملكه أحد" أو "لا أحد يدعي امتلاك الحقيقة" أو "الحق نسبي" … وغيرها من العبارات المشابهة التي اتخذها هؤلاء حلا سريعًا يلجأون إليه عندما يريدون التملص والتخلص من التزام الحق الذي جاءت به الشريعة؛ حيث تكون الأمور فوضى لا ضابط لها، ولا حقيقة ثابتة يعرفها الناس ويتحاكمون إليها! بل أنت تعتقد أن هذا الأمر "حقيقة" وغيرك يعتقد خلافه "حقيقة" ، وكلاكما على صواب، ولا يُنكر أحد على أحد..! فتُمرر جميع أنواع "الكفر" أو "الشبهات" أو "الشهوات" على احتمال أن تكون هي "الحقيقة المنشودة" !!
وقد أحببتُ في هذه الحلقة أن أكشف وجوه التلبيس في هذه العبارات، وبيان خطورتها على قائلها، مقدمًا بذكر نماذج لمن يقول بها، ثم تعريف بأول من قال بها، مع بيان كيفية الرد عليها؛ والله الموفق:
نماذج من أقوال المرددين لهذه العبارات الخطيرة!
- (لا أحد يملك الحقيقة الملكية المطلقة) . (الممنوع والممتنع، علي حرب، ص180) (وانظر أيضاً: كتابه: نقد الحقيقة، ص 2).
- (يجب أن يكون واضحاً في غاية الوضوح: أن المطلق مطلق، ولكن الفهم البشري والتفسير البشري لأي جانب من جوانب المطلق هو فهم نسبي") .(تجديد النهضة باكتشاف الذات ونقدها، د. محمد جابر الأنصاري، ص83).
- (ينبني الدين على حقيقة مطلقة كلية هي الوحي ولما كانت الفلسفة تضع في اعتبارها تعددية المواقف والآراء، ونسبية الحقيقة -أي كونها موزعة من حيث الاحتمال المفتوح بين الناس جميعاً- فإن التصادم بينهما قائم لا محالة) . (آفاق فلسفية عربية معاصرة، طيب تيزيني، ص 167)
- (ما بعد الحداثة هو عالم صيرورة كاملة، كل الأمور فيه متغيرة، ولذا لا يمكن أن يوجد فيه هدف أو غاية، وقد حلت ما بعد الحداثة مشكلة غياب الهدف والغاية والمعنى بقبول التبعثر باعتباره أمراً نهائياً طبيعياً، وتعبيراً عن التعددية والنسبية والانفتاح، وقبلت التغير الكامل والدائم). (السابق، ص 322).
- (النسبية: هي الرأي الذي يقول بأن الحقيقة نسبية وتختلف من فرد إلى آخر، ومن جماعة إلى أخرى، ومن وقت إلى آخر) . (السابق، ص 329).
- (ارتكزت التعددية بمعناها المعرفي على الفكرة القائلة بأن لا أحد يملك الحقيقة كلها، وبالتالي ليس من حق أحد مصادرة آراء وأفكار الآخرين) . (إشكالية مفهوم المجتمع المدني، د. كريم أبو حلاوة، ص 42).
- (لن تكون متقدماً أو صاحب أمل في التقدم؛ إذا قبلت الرأي على أنه حقيقة، والحقيقة على أنها مطلقة وليست نسبية) . (من هنا يبدأ التغيير، تركي الحمد، ص 347).
- (إن المنطلق الأول للبحث عن الحقيقة هو القناعة بنسبيتها) . (البحث عن الحقيقة، عبد الله بن حمد المعجل، ص 13).
- جون ستيوارت مل (يرى أن التسامح يمتنع معه الاعتقاد في حقيقة مطلقة). (ملاك الحقيقة المطلقة، مراد وهبة، ص 193).
- (العلمانية من حيث هي التفكير في النسبي بما هو نسبي، وليس بما هو مطلق). (السابق، ص 228).
- (كل مجتمع لا يعترف بالتعددية العقائدية والسياسية هو مجتمع تنقصه الأنسنة إلى حد كبير. لماذا؟ لأن الاختلاف والتنوع في الرأي والفكر شرط من شروط تحرر الذهن من التحجر والانغلاق) .(هاشم صالح، معارك من أجل الأنسنة، محمد أركون، ص 16).
- (إن اعتماد الشك في التفكير الفلسفي، والأخذ بنسبية الحقيقة: هو التسامح بعينه) (محمد عابد الجابري، قضايا الفكر المعاصر، ص20) .
- (إن فكرة الحقيقة المطلقة تؤسس لدى حاملها شرعية امتشاق السلاح دفاعًا عنها، ليس هذا السلاح قطعا هو الفكر؛ فمالك الحقيقة لا يجادل). (عبد الإله بلقزيز، نهاية الداعية، ص 70).
- ويقول شاكر النابلسي معددًا مواصفات المجتمع المدني الذي يطمح إليه!: (إن القيم في المجتمع المدني نسبية، وهذه النسبية تجعل القيم متغيرة غير ثابتة. لا احتكار للحقيقة في المجتمع المدني، وعدم الاحتكار يقود المجتمع المدني إلى التسامح لا إلى التعصب، وإلى الانفتاح لا إلى الانغلاق). (صعود المجتمع العسكري، ص 205-206) .
- وانظر: "الفكر الإسلامي والتطور" لفتحي عثمان؛ (ص 15-16). ومقال: (ملاك الحقيقة وتصنيف الناس) لمحمد بن عبد اللطيف آل الشيخ، جريدة الجزيرة، 26/8/1425 . وانظر - أيضًا -: " التطور والنسبية في الأخلاق " للدكتور حسام الألوسي. (وهو متطرف في الأخذ بهذا المبدأ الخطير !)
أول من قال بـ(نسبية الحقيقة):
أول من قال بها هم السوفسطائيون - وعلى رأسهم كبيرهم الفيلسوف بروتاغوراس - الذين ظهروا في اليونان ما بين القرنين الرابع والخامس قبل الميلاد؛ حيث كانت اليونان تموج بمجموعة من الأفكار والمذاهب المتباينة المتنوعة؛ فلجأوا لهذا القول في تأييد الآراء المتناقضة؛ إما شكًا في الجميع، أو للتخلص من جهد طلب الحقيقة.(46/355)
يقول الدكتور علي سامي النشار: (نسبية كل شيء قال بها بروتاغوراس السوفسطائي حين أراد أن ينقد أصول المعرفة "إن الإنسان هو مقياس وجود ما يوجد منها ومقياس وجود ما لا يوجد" ثم أخذ بهذا الشُكاك بعد، فطبقوها على الحد كما طبقوها على نواحي العلم كله، فلم تعد حقيقة من حقائق العلم ثابتة أو مستقرة، بل كل شيء - كما يقول هرقليطس- في تغير مستمر). (مناهج البحث عند مفكري الإسلام، ص 191)
ويقول الدكتور عمر الطباع عن السوفسطائيين: (وكانت هذه الجماعة تنكر وجود حقائق ثابتة، وتدعي أن الحقيقة نسبية). (السلم في علم المنطق للأخضري، ص7).
- (لقد عبر بروتاغوراس زعيم السوفسطائيين عن فكرهم في كتابه "عن الحقيقة" الذي فُقد ولم تصلنا منه إلا شذرات قليلة يبدأها بقوله "إن الإنسان معيار أو مقياس الأشياء جميعاً" وفي هذه العبارة القصيرة تكمن الثورة الفكرية للسوفسطائيين في مختلف ميادين الفكر. إنها تعني بالنسبة لنظرية المعرفة أن الإنسان الفرد هو مقياس أو معيار الوجود، فإن قال عن شيء إنه موجود فهو موجود بالنسبة له، وإن قال عن شيء إنه غير موجود فهو غير موجود بالنسبة له أيضاً، فالمعرفة هنا نسبية، أي تختلف من شخص إلى آخر بحسب ما يقع في خبرة الإنسان الفرد الحسية، فما أراه بحواسي فقط يكون هو الموجود بالنسبة لي، وما تراه أنت بحواسك يكون هو الموجود بالنسبة لك، وهكذا). (مدخل لقراءة الفكر الفلسفي عند اليونان، للدكتور مصطفى النشار، ص70 -71).
فتعاليمهم - كما يقول مؤلفا "قصة الفلسفة اليونانية - (تعاليم هدامة لكل نظام اجتماعي؛ للدين، للأخلاق، لكل نظم الدولة) . (ص 69) .
وللزيادة عن السوفسطائيين؛ انظر: "تاريخ الفلسفة اليونانية" ليوسف كرم، و"الفلسفة اليونانية: تاريخها ومشكلاتها "لأميرة مطر (ص 115 وما بعدها)، و "تاريخ الفلسفة اليونانية" لماجد فخري، و"التعريفات" للجرجاني، و"قصة الإيمان" لنديم الجسر (ص 36-37)، و"فلسفة الأخلاق "للدكتور توفيق الطويل (ص 47-49)، و "مختصر تاريخ الفلسفة "للمختار بنعبد لاوي (ص 13-14)، و"الموسوعة الفلسفية" للدكتور عبد المنعم الحفني (482 وما بعدها)، و"المعجم الفلسفي" للدكتور مراد وهبة (ص 444 وما بعدها)، و"ربيع الفكر اليوناني" لبدوي (165-180)، و" قصة الفلسفة اليونانية" (ص 62-72)، ومقال "السوفسطائيون"لزكي نجيب محمود، مجلة الرسالة، صفر، 1353.
وفي العصر الحديث :
تلقف أصحاب المذهب "البراجماتي" هذه الفلسفة؛ لأنها تناسب مذهبهم النفعي المصلحي المتلون:
- (ليس من شك لدى أحد الآن أن بروتاجوراس هو الجد الأول للبراجماتيين المعاصرين؛ سواء على المستوى الفلسفي، أو على المستوى الحياتي؛ إذ لا يمكن فهم أقوال هؤلاء البراجماتيين معزولة عن آراء جدهم الأكبر، فحينما يقول وليم جميس: "إن الحقيقي ليس سوى النافع الموافق المطلوب في سبيل تفكيرنا تماماً، كما أن الصواب ليس سوى الموافق النافع المطلوب في سبيل مسلكنا" و"أن المطلق ليس صحيحاً على أي نحو". فهل يمكن أن نشك لحظة في أنه وأقرانه يمثلون بروتاغوراس العصر الحالي؟! لقد كان شيللر - وهو أحد كبار الفلاسفة البراجماتيين- على حق حينما كتب كتاب " why p r otago r as not plato معلناً أن بروتاغوراس هو جدهم الأول). (فلاسفة أيقظوا العالم، د. مصطفى النشار، ص 77).
- (إن المذهب البراجماتي حين يقرر أن مقياس صحة الأفكار يتوقف على نتائجها، فهو بذلك يجعل الحقيقة نسبية غير ثابتة، أي تتغير وفقاً للظروف وأحوال الأفراد والمجتمعات). (تطور الفكر الغربي، لمجموعة من الباحثين، ص 424).
- البراجماتية (تعيد إلى ذاكرة التاريخ نسبية السوفسطائية التي تزعم أن الفرد مقياس كل شيء). (أعلام الفلسفة الحديثة، د. رفقي زاهر، ص 171).
- (الفلسفة البراجماتية تتلخص اليوم في أفكار موجزة ؛ من أشهرها : .. الحقائق نسبية، ولا يمكن الوصول إلى حقيقة مطلقة). (مقال: الطريق إلى العقلية الأمريكية، محمد فالح الجهني، مجلة المعرفة، شوال 1425). (وانظر : قصة الفلسفة اليونانية، ص 71).
أقوال علماء الإسلام في السوفسطائية :
لقد عرف علماء الإسلام خطورة هذه الفكرة السفسطائية التي تخلط الحق بالباطل، وتُشكك المسلمين في دينهم، وتساوي بينه وبين الديانات المحرفة والباطلة بدعوى التماس الحقيقة!، لاسيما وهناك من المنحرفين من يُغذي هذه الفكرة وينشرها؛ وعلى رأسهم غلاة المتصوفة أهل وحدة الوجود، ممن يقول قائلهم؛ وهو ابن عربي: (فإياك أن تتقيد بعقد مخصوص وتكفر بما سواه فيفوتك خير كثير، بل يفوتك الأمر على ما هو عليه، فكن في نفسك هيولى لصور المعتقدات كلها؛ فإن الله تعالى أوسع وأعظم من أن يحصره عقد دون عقد). (ابن عربي، سميح الزين، ص 101).(46/356)
لقد قسم علماء الإسلام السوفسطائيين - كما يقول الشيخ أحمد شاهين - ثلاثة أقسام: ( العِندية، والعنادية، واللاأدرية: فالعندية ترى أن حقائق الأشياء تابعة لعقائد المؤمنين بها؛ لأنهم أقيسة الحقائق. والعنادية تجزم بأن لا حقائق في الكون؛ لا في ذاتها ولا بالقياس إلى المؤمنين بها. وأما اللاأدرية فهي التي تتوقف عن الحكم في كل شيء؛ فهي لا تجزم بوجود ولا بعدم). ("السوفسطائيون في نظر العرب" مقال في مجلة الأزهر، م 21 ، ص 760-763).
ويقول الشيخ عبد القادر بدران في حاشيته على "روضة الناظر" (ص 246-247): (وهم فرقٌ ثلاث: إحداهن اللاأدرية؛ سموا بذلك لأنهم يقولون لا نعرف ثبوت شيء من الموجودات ولا انتفاءه بل نحن متوقفون في ذلك. الثانية: تسمي العنادية نسبة إلى العناد؛ لأنهم عاندوا فقالوا لا موجود أصلاً وعمدتهم ضرب المذاهب بعضها ببعض والقدح في كل مذهب بالاشكالات المتجهة عليه من غير أهله. الثالثة: تسمى العندية نسبة إلى لفظ "عند"؛ لأنهم يقولون أحكام الأشياء تابعة لاعتقادات الناس، فكل من اعتقد شيئاً فهو في الحقيقة كما هو عنده وفي اعتقاده) . (وانظر: شرح المواقف للجرجاني؛ ص 42-43).
1 - وقد رد عليهم جميعًا ابن حزم في كتابه "الفِصل في الملل والأهواء والنِحل" (1/44-45)؛ ويهمنا رده على فرقة "العِندية" التي يُقلدها دعاة النسبية. قال رحمه الله: (ويقال - وبالله التوفيق- لمن قال هي حق عند من هي عنده حق، وهي باطل عند من هي عنده باطل: إن الشيء لا يكون باعتقاد من اعتقد أنه حق، كما أنه لا يبطل باعتقاد من اعتقد أنه باطل، وإنما يكون الشيء حقاً بكونه موجوداً ثابتاً، سواء اعتُقد أنه حق أو اعتُقِد أنه باطل. ولو كان غير هذا لكان معدوماً موجوداً في حال واحد في ذاته، وهذا عين المحال.
وإذا أقروا بأن الأشياء حق عند من هي عنده حق، فمن جملة تلك الأشياء التي تُعتَقد أنها حق عند من يعتقد أن الأشياء حق بطلانُ قولِ من قال إن الحقائق باطلة، وهم قد أقروا أن الأشياء حق عند من هي عنده حق. وبطلان قولهم من جملة تلك الأشياء، فقد أقروا بأن بطلان قولهم حق !! مع أن هذه الأقوال لا سبيل إلى أن يعتقدها ذو عقل البتة، إذ حسُّه يشهد بخلافها. وإنما يمكن أن يلجأ إليها بعض المُتَنَطِّعين على سبيل الشغب. وبالله تعالى التوفيق) .
2- ورد عليهم - أيضًا - ابن الجوزي في "تلبيس إبليس" (ص 41)؛ قائلا: (قال النوبختي: قد زعمت فرقة من المتجاهلين أنه ليس للأشياء حقيقة واحدة في نفسها، بل حقيقتها عند كل قوم على حسب ما يعتقد فيها، فإن العسل يجده صاحب المرة الصفراء مراً، ويجده غيره حلواً. قالوا وكذلك العالم هو قديم عند من اعتقد قدمه، محدث عند من اعتقد حدوثه، واللون جسم عند من اعتقده جسماً، وعرض عند من اعتقده عرضاً. وهؤلاء من جنس السوفسطائية ؛ فيقال لهم: أقولكم صحيح؟ فسيقولون: هو صحيح عندنا، باطل عند خصمنا. قلنا: دعواكم صحة قولكم مردودة ، وإقراركم بأن مذهبكم عند خصمكم باطل شاهد عليكم! ومن شهد على قوله بالبطلان من وجه فقد كفى خصمه بتبيين فساد مذهبه) .
3- وقال ابن قدامة رادًا على من نُقل عنه مثل هذا القول من علماء المسلمين: (وقول العنبري: كل مجتهد مصيب. إن أراد أن ما اعتقده فهو على ما اعتقده، فمحال؛ إذ كيف يكون قدم العالم وحدوثه حقاً، وتصديق الرسول وتكذيبه، ووجود الشيء ونفيه، وهذه أمور ذاتية لا تتبع الاعتقاد، بل الاعتقاد يتبعها. فهذا شر من مذهب الجاحظ، بل شر من مذهب السوفسطائية؛ فإنهم نفوا حقائق الأشياء، وهذا أثبتها وجعلها تابعة للمعتقدات). (روضة الناظر 20/419-420).
وقال - أيضًا -: (قال بعض أهل العلم: هذا المذهب أوله سفسطة، وآخره زندقة؛ لأنه في الابتداء يجعل الشيء ونقيضه حقاً، وبالآخرة يخير المجتهدين بين النقيضين عند تعارض الدليلين، ويختار من المذاهب ما يروق لهواه) . (روضة الناظر، 2/425) ، ( وانظر : المسائل المشتركة بين أصول الفقه وأصول الدين، ص314).
4- وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: (حكي عن بعض السفسطائية أنه جعل جميع العقائد هي المؤثرة في الاعتقادات، ولم يجعل للأشياء حقائق ثابتة في نفسها يوافقها الاعتقاد تارة ويخالفها أخرى، بل جعل الحق في كل شيء ما اعتقده المعتقد، وجعل الحقائق تابعة للعقائد. وهذا القول على إطلاقه وعمومه لا يقوله عاقل سليم العقل). (الفتاوى 19/ 135) .
وقال عنه - أيضًا -: (هذا المذهب أوله سفسطة وآخره زندقة؛ يعني: أن السفسطة جعل الحقائق تتبع العقائد كما قدمناه … وأما كون آخره زندقة فلأنه يرفع الأمر والنهي والإيجاب والتحريم والوعيد في هذه الأحكام، ويبقى الإنسان إن شاء أن يوجب وإن شاء أن يحرم، وتستوي الاعتقادات والأفعال؛ وهذا كفر وزندقة) .(الفتاوى 19/144 -145).
بعض أقوال المعاصرين في مقولات أهل السفسطة:(46/357)
1- يقول الأستاذ بسطامي سعيد: (هل حقائق الدين نسبية؟ .. إذا قيل إن الفكرة إما خاطئة أو صائبة بغض النظر عن الزمان الذي شهد ظهورها، قالت العصرانية ولكن إدراك حقائق الدين مسألة نسبية، فليس هناك صواب مطلق و"إن الحقيقة الثابتة تختلف الأنظار إليها باختلاف زاوية سقوط الشعاع الفكري".
والكاتب الذي قرأت له هذا القول لا يقدم دليلاً أو حجة، بل يكتفي بالإشارة إلى أن نظرة الإنسان إلى الأشياء نظرة جزئية، وليست نظرة شاملة كاملة وإن هذه النظرة هي بحسب معارف المرء وثقافته، وبحسب اهتماماته والزاوية التي ينظر منها.
وقضية النسبية r elativism في الحق t r uith أو في الأخلاق ethich قضية فلسفية، تتناحر حولها الفلسفة منذ أن عرف الإنسان الفلسفة ، وكعادة الفلاسفة في مناقشة القضايا تتعقد وتتشابك الآراء، والفلاسفة وحدهم هم الجديرون بأن يغرقوا في مثل هذه المباحث، وهل استطاعت الفلسفة يوماً ما أن تحل لغزاً ؟!
وفي بساطة نتساءل ما المقصود بأن الحقيقة نسبية ؟ إذا كان المقصود أن معرفة الإنسان قاصرة وعمله قليل، وأنى له بالعقل الذي يدرك الأشياء إدراكاً شاملاً، فهذا ليس موضع اختلاف، والبشرية بما فيها من عجز وقصور مؤهلة لإدراك قدر من المعارف تكفيها لأداء مهامها في هذا الفترة القصيرة من عمرها على الأرض.
وإذا كان المقصود أن الإنسان لا يصل إلى حقيقة، وكل ما عنده من حقائق لا يمكن القطع والجزم بها، ولا يمكن الاتفاق حولها، فأول ما يواجه هذا القول من نقد أن يُسأل ما الدليل على أن هذا القول صادق؟ فإذا قُدمت الأدلة على صدقه وأثبتت أنه حقيقة، فهو اعتراف بأن لدينا على الأقل حقيقة نطمئن إليها، وهو اعتراف ينقض ما قُدمت الأدلة لإثباته، وإذا كان القول بأن الحقيقة نسبية أمر نسبي أيضاً ولا يمكن القطع والجزم به، فكيف يؤخذ به؟ ثم كيف يفسر من يقول إن الحقيقة نسبية ذلك القدر المشترك من الحقائق بين أفراد النوع البشري على اختلاف بيئاتهم وظروفهم وعصورهم ؟!
الأهم من ذلك أن يُسأل: هل هناك منهج صحيح للوصول إلى حقائق الدين، أم أن الدين كما هي النظرة الغربية له، لا معايير ولا مقاييس لتحديد حقائقه، بل هو مثل مسائل الآداب والفن مسألة "ذوق"، لا تقوم على منهج علمي محدد، أو معايير منضبطة ؟.
إن مصادر حقائق الدين ثلاثة أشياء: النصوص الموحاة، ومعاني هذه النصوص، والاستنباط منها، ولكل واحد من هذه الأقسام منهج علمي محدد مضبوط، فهناك منهج علمي لتوثيق النصوص، ومنهج لطريقة فهمها، ومنهج للاستنباط منها، وما يتوصل إليه عن طريق هذه المناهج حقائق لا شك في ذلك.
قد يحدث تغيير أو تبديل للنصوص، أو قد يحدث خطأً في الفهم، أو يحدث خطأ في الاستنباط، ولكن هذه مسألة أخرى ومعالجتها تكون بإثبات ما حدث من تحريف بالدليل والبرهان، أما إطلاق العموميات والقول بأن حقائق الدين مسألة نسبية يدركها كلٌ على حسب المعرفة المتاحة، ويراد من وراء ذلك رفض فكر العصور الماضية ! فقول لا تسنده حجة ولا يمكن قبوله) . (مفهوم تجديد الدين ، ص 214-215) .
2- ويقول الأستاذ غازي التوبة: (نسبية الحقيقة إحدى الركائز التي تقوم عليها الثقافة الغربية منذ نهضة أوروبا الحديثة، ويربط المفكرون الغربيون بين تلك الركيزة وتغير الظروف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية المحيطة بالمجتمع، ويعتقدون أن تغير الحقائق الحياتية يقتضي نسبية الحقيقة، غير أن تكوّن تلك الركيزة في الثقافة الغربية يعود إلى فترة أبعد من العصور الحديثة ويرتبط بالعصور الوسطى.
فمن المعروف أن الكنيسة كانت تنطلق آنذاك في حكمها لأوروبا من نص "الإنجيل المقدس" الذي كان ثابتاً والذي كانت تحتكر الكنيسة تفسيره، وعندما قامت حقائق علمية وكونية متعددة تناقض النص الثابت، وتناقض تفسير رجال الكنيسة له وقع التصادم المريع بين الدين (المحرف) والعلم، وكانت النتيجة اضطهاد رجال العلم بحجة مخالفة النص المقدس الثابت، ولكن الكنيسة انهزمت أمام الثورة عليها وأمام حقائق العلم، واعتبرت الثورة رجال الدين عقبة في طريق العلم والتقدم، وصار الربط منذئذ بين النص المقدس وثبات الحقيقة، وكذا بين العلم ونسبية الحقيقة.
ومنذ أن بدأ التفاعل بين الثقافتين: الغربية والإسلامية، كان أبرز صور التصادم بين نسبية الحقيقة في الثقافة الغربية وبين النص "القطعي الثبوت القطعي الدلالة" في الثقافة الإسلامية). (مجلة المجتمع ، العدد 1337).
3- ويقول الدكتور أحمد عبد الرحمن: (الفلسفة النسبية هي السند الفكري الأخير والمرجع النهائي، لكل التيارات المناوئة لمبدأ "الثبات الإسلامي" في العقيدة والشريعة والأخلاق والنظم، سواء كانت وضعية منطقية، أو ماركسية، أو وجودية أو براجماتية.(46/358)
فالنسبية فلسفة تزعم أن الحقائق العلمية، والقيم الخلقية، والمبادئ التشريعية، والنظم الاجتماعية والسياسية، كلها تتبدل وتتغير بتغير الزمان والمكان، فما كان حقاً بالأمس لابد أن ينقلب باطلاً اليوم أو غداً، وما كان عدلاً لدى اليونان قبل قرون من الزمان يستحيل أن يظل كذلك إلى اليوم، لا فرق في ذلك بين قانون وضعي وشريعة دينية، وبهذا التصور الشامل للفلسفة النسبية يقرر أنصار التجديد أن الشعر المقفى، واللغة الفصحى، والعمارة الإسلامية، والشريعة الإسلامية، والعقيدة الإسلامية إلخ إلخ، كانت صالحة لعصر النبوة والراشدين، ولكنها لا يمكن أن تصلح لنا اليوم، ولا مفر أمامنا من أحد أمرين: إما نقل نظائرها الأوروبية العصرية، وإما التخلف عن العصر والفناء تبعاً لذلك!
وأحسب أن فلسفة بهذا الوصف وهذا الامتداد والتشعب في حياتنا الدينية والفكرية والتشريعية والثقافية لجديرة بأن ندرسها، ونتفهمها، ونقومها: وهذا هو ما أرجو أن أنجزه في هذه الكلمة بأقصى ما يسعني من الإيجاز.
لقد ولدت النسبية في حجر السوفسطائيين، الذين صاغوها في العبارة المشهورة "الإنسان معيار كل شيء" بمعنى أنه هو الذي يحدد الحقائق العلمية، والقيم الخلقية، وبوسعه أن يعدلها، أو يلغيها، أو يستبدل بها غيرها، وقد تصدى لهم سقراط، مدافعاً عن موضوعية الحقيقة والقيمة واستقلالهما عن إرادة الإنسان وشهواته.
وماتت النسبية دهراً طويلاً، ثم بعثت من جديد وشاعت في الفكر الفلسفي الأوروبي الحديث...). (أساطير المعاصرين، ص 169 - 170)
كيف ترد على من يردد هذه السفسطة؟!
من يردد هذه الفكرة إما أن يكون مسلمًا أو غير مسلم. وغير المسلم إما أن يكون ملحدًا أو غير ملحد. فالملحد تُقام عليه الأدلة البينة الدالة على وجود الله؛ ثم إذا آمن بذلك أقيمت عليه وعلى غير الملحد من الكفار الأدلة الدالة على صدق نبينامحمد صلى الله عليه وسلم ؛ (وتراجع في ذلك الكتب المختصة بهذا) فإذا آمن به لزمه أن يؤمن بكل ما جاء به من عند الله؛ ومن ذلك أن الإسلام هو خاتم الأديان، وهو الحق الذي لا يقبل الله غيره. ثم يُلحق بالمسلم - كما سيأتي -.
وأما إن كان من يُردد هذه الفكرة أحد من يُظهر الإسلام؛ فإنه يُقال له: هل تعني بهذه العبارات أن الحق قد يكون في الإسلام وقد يكون في غيره من الديانات المحرفة أو الباطلة؟! فإن قال : نعم ! قيل له: هذه ردة صريحة وكفر بدين الله؛ القائل: "وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ" آل عمران : 85، والمخبر بأن الإسلام هو "الحق" في عدة آيات؛ منها قوله: "إنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً" البقرة : 119، وقوله: "وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ" الأنعام : 66، وقوله: "قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ" التوبة : 29، وقوله: "هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ" التوبة : 33، وقوله: "قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُمُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ" يونس : 108، وقوله: "وَالَّذِيَ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ الْحَقُّ" الرعد : 1، وقوله: "وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ" الكهف : 29، وقوله: "وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ هُوَ الْحَقُّ" فاطر : 31.
فإن قال: معاذ الله أن أقول بهذا ؟! ولكني أعني: أن لا أحد يدعي امتلاك الحق من "المسلمين".
فيقال له: ولكن هذا يناقض الفكرة التي ترددها ! لأنك حصرت الحقيقة في أهل الإسلام ! فهذا يدل على بطلان ما تُردد. ولكن تنزلا معك يقال: هل تعني بذلك أن الحق قد يكون عند أهل السنة وقد يكون عند غيرهم من أهل البدع؛ كالصوفية والرافضة والمعتزلة .. الخ .
فإن قال: نعم.
قيل له: سبق أنك أقررت بأن الحق هو الإسلام؛ فلننظر أي هؤلاء يسير على الإسلام الذي أرسل لأجله صلى الله عليه وسلم دون تحريف؛ لأن صلى الله عليه وسلم أخبر بأن أهل الإسلام يفترقون إلى ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة. فلما سئل: من هي؟ قال: "من كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي"، وقال: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد". وما كان علي صلى الله عليه وسلم وأصحابه معروف معلوم؛ قد جاءت به نصوص الكتاب والسنة وآثار الصحابة، وما حدثت هذه الفرق إلا بعدهم باتفاق الجميع.
فإن قال: بل أنا أعني أن الحق داخل إطار أهل السنة؛ ولكنه يختلف باختلاف أهل العلم والأشخاص.
فيقال: يكفينا هذا منك! فلماذا لا تعلنه عندما تردد تلك العبارات الموهمة ؟!(46/359)
ثم الواحد من أهل السنة إن كان عاميًا سأل العلماء الثقاة. وإن كان عالمًا أو طالب علم مميز بين الأدلة رجح ما يدل عليه الكتاب والسنة. مع ملاحظة الفرق بين المسائل "الاجتهادية" التي لم يتبين فيها الدليل فلا حرج من الاختلاف فيها مع نية طلب الحق لا التشهي، وبين المسائل "الخلافية" التي تبين فيها الدليل ووضح "الحق" فلا عبرة بالمخالف؛ مع حفظ مكانته إن كان من أهل الفضل.
(ويُراجع في هذا الكتب والرسائل المصنفة في الاختلاف؛ كرسالة "الاختلاف وما إليه" للشيخ بازمول).
أسأل الله الهداية والتوفيق للمسلمين، وأن يُجنبنا الحيرة والشك وحال أهل الريب.
المصدر:
http://www.eltwhed.com/vb/showth r ead.php?t=2974
===============(46/360)
(46/361)
تهافت الإلحاد
تجميع
المستشار سالم عبد الهادي
مسلمة
قرآن الفجر
مقدمة
أهمية حل العقدة الكبرى
الكاتب: الساجد لله
ساجد ..
أهمية حل العقدة الكبرى والطريق الوحيد لتغيير المفاهيم هو إيجاد الفكر عن الحياة الدنيا حتى توجد بواسطته المفاهيم الصحيحة عنها . والفكر عن الحياة الدنيا لا يتركز تركزاً منتجاً إلا بعد أن يوجد الفكر عن الكون والإنسان والحياة، وعما قبل الحياة الدنيا وعما بعدها وعن علاقتها بما قبلها وما بعدها)))
تقرر في الفقرة الأولى أن تغيير السلوك لا بد فيه من تغيير المفاهيم، لأن كل سلوك لكل عاقل له دافع، وله مفهوم يتحكم فيه، فتغيير المفاهيم سيؤدي إلى تغيير السلوك.
ولا يمكن تغيير المفاهيم إلا بإيجاد الفكر عن الحياة الدنيا، لأن الإنسان يعيش على هذه الأرض، ويقع حسه فيه على غيره من بني البشر، ويتعامل معهم، ويقع حسه على الجمادات، ويتعامل معها، ويقع حسه على الحياة بمظاهرها من نمو وحركة، ويتعامل معها.
ووجود الفكر عن الحياة الدنيا، يضمن وجود كافة الأفكار الفرعية المتعلقة بالأشياء التي يعيش معها، ويقع حسه عليها، ويتعامل معها، فعن طريق الفكر عن الحياة الدنيا يمكنه تكوين المفاهيم الصحيحة عن الأشياء التي يقع حسه عليها ويتعامل معها.
ولكن كيف يمكن أن يوجد الفكر عن الحياة الدنيا منفصلاً عن الفكر عن الكون كله؟ فهو يعيش على الأرض التي هي كوكب، وهي جزء لا يتجزأ من هذا الكون، وتخضع كما يخضع غيرها من الأجرام السماوية لنظام الوجود؟ فما ينطبق على الكون كله ينطبق على الأرض، إذن لا يمكن إيجاد الفكر عن الحياة الدنيا، ولا يمكن أن يتركز تركزاً منتجاً إلا بإيجاد الفكرة الكلية عن الكون والإنسان والحياة وعن علاقتها جميعها بما قبلها، وعن علاقتها جميعها بما بعدها.
والتركز المنتج هو القناعة التامة بالفكرة، وتركزها يكون بدوام التفكر فيها، ودوام استحضارها عند القيام بالأعمال، وتدبّر المواقف التي يمر بها الإنسان في حياته وربطها بالفكرة الكلية، فإن تم هذا واستمر الإنسان على هذه الكيفية فإن الفكر عن الحياة الدنيا سيصبح مؤثراً، وسرعان ما يحضر عند كل سلوك، أو حكم على واقع، ويشكل دافعاً لدى الإنسان لأن يربط كافة سلوكاته وأفكاره بتلك الفكرة، وهذا هو معنى التركز المنتج.
(((وذلك بإعطاء الفكرة الكلية عما وراء هذا الكون والإنسان والحياة .لأنها القاعدة الفكرية التي تبنى عليها جميع الأفكار عن الحياة)))
فالأساس في تغيير المفاهيم، هو إيجاد الفكر عن الحياة الدنيا، والفكر عن الحياة الدنيا لا يتركز تركزاً منتجاً إلا بإيجاد الفكرة الكلية عن الكون والإنسان والحياة وعن علاقتها جميعها بما قبلها وعن علاقتها جميعها بما بعدها. ولا يكون ذلك إلا بإعطاء الفكرة الكلية عما وراء هذا الكون والإنسان والحياة.
والفكرة يكفي أن تكون كلية، ولا يشترط فيها التفصيل، وتكفي الفكرة الكلية عما سبق للإجابة عن تساؤلات العقدة الكبرى، فبالإجابة أن الكون والإنسان والحياة خلقت لخالق، يكفي لبيان علاقتها بما قبلها، وينتقل الإنسان بعدها إلى السؤال الثاني: لماذا؟ فإن أجيب: لنسير على النظام الذي أراده الله سبحانه وتعالى. فإن أجيب انتقل إلى السؤال الثالث: إلى أين؟ فإن أجيب: إلى الثواب والعقاب على السير في هذه الحياة الدنيا، فقد تمت الإجابة الشافية عن التساؤلات، فهذه الإجابات لهذه الأسئلة تحدث الطمأنينة، وتقرّ العجز الطبيعي عند الإنسان، فتهدأ الأسئلة، وينتقل بعدها إلى أخذ الأفكار والأحكام في هذه الحياة بناء على هذه الإجابات.
والفكرة الكلية عما وراء الكون والإنسان والحياة، تعني علاقتها بغيرها، وهذا يتضمن علاقتها بما قبلها، ويتضمن علاقتها بما بعدها.
وهذه الفكرة الكلية هي القاعدة الفكرية.
والقاعدة تعني الأساس، الذي يبنى عليه، وينبثق عنه غيره.
والقاعدة الفكرية تعني الأساس الفكري لكل الأفكار كبيرها وصغيرها. وبيان ذلك:
الفكرة نوعان: كلية، وجزئية.
فما صلح أن يبنى عليه غيره كان كلياً، وما لم يصلح أن يبنى عليه غيره فهو جزئي.
فقولنا: هذا قلم، حكم على واقع، فكرة جزئية، لعدم صلاحية الفكرة أن يبنى عليها غيرها.
وقولنا: الإجارة عقد على منفعة، كلية لأنها تصلح أن يبنى عليها غيرها، لأنها تشمل إجارة الأجير الخاص، والأجير العام، وتشمل إجارة الأشخاص، وإجارة الأعيان، وغير ذلك.
والحكم بالكلي والجزئي نسبي، فربما كانت الفكرة كلية بالنسبة لأفكار بنيت عليها، وربما كانت جزئية لأنها هي نفسها بنيت على غيرها، فتكون كلية وجزئية في الوقت نفسه، ولكن باختلاف النظرة إلى علاقتها بغيرها.
أما الفكرة الكلية عن الكون والإنسان والحياة فهي أم الأفكار، لا تبنى على أي فكرة غيرها، بل كافة الأفكار غيرها تبنى عليها، ولذلك صلحت أن تكون قاعدة فكرية، أي أساساً فكرياً لكل الأفكار عن أشياء الكون والإنسان والحياة.
(((وإعطاء الفكرة الكلية عن هذه الأشياء هو حل العقدة الكبرى عند الإنسان، ومتى حلت هذه العقدة حلت باقي العقد، لأنها جزئية بالنسبة لها, و أو فروع عنها)))(46/362)
العقدة الكبرى هي الأسئلة الناتجة بدافع غريزة التدين، وهي ناتجة عن الإحساس بالعجز الطبيعي عند الإنسان، وهي الأسئلة الثلاثة: من أين جئت؟ ولماذا؟ وإلى أين؟؟
يطلبون من الطالب في المدرسة -يطلب أهله- أن يجد ويجتهد، فيسأل لماذا؟
فيجيبونه: لكي تنجح وتتفوق.
فيسألهم: وبعدين؟
فيقولون له: تدخل الجامعة؟
فيسألهم: وبعدين؟
فيجيبون: حتى تأخذ الشهادة.
فيسألهم: طيب، وبعدين؟
فيقولون: لتحصل على وظيفة محترمة!!!!
فيسألهم: وبعدين؟
فيقولون: تتزوج، وتنشئ أسرة، ويكون لك أولاد، ويكون لك بيت، و..
فيسألهم: وبعدين؟
فيا ترى، أين تنتهي هذه الـ (وبعدين)؟
وهذه الـ (وبعدين) هي التي تطارد الإنسان طوال حياته، ولا يكون لحياته بتصرفاته وسلوكاته معنى دون أن يجيب عن هذه الـ (وبعدين).
فالإجابة عن أسئلة العقدة الكبرى الثلاثة، هي التي تشكل القاعدة الفكرية، لأنه إن حُلّت هذه العقدة، سهل بعد ذلك أن تُحل باقي العقد، وذلك لأن هذه العقدة كبرى، تتعلق بوجود الإنسان واستمراره ونهايته، ووجود غيره مما يقع حسه عليه ويتعامل معه، فأي عقدة أخرى ستكون صغيرة بالنسبة لها، لأنها لا تتعلق بوجود الإنسان ومصيره. والعقد الأخرى تتعلق بجزئيات هذه الأشياء الثلاثة: الكون والإنسان والحياة. فإن حلت العقدة الكبرى حلت باقي العقد بناء على حل العقدة الكبرى. فالعقدة الكبرى أصل، وما عداها فرع عليه.
(((لكن هذا الحل لا يوصل إلى النهضة إلا إذا كان حلاً صحيحاً يوافق فطرة الإنسان، ويقنع العقل , فيملأ القلب طمأنينة.)))
والحل الصحيح للعقدة الكبرى، الذي هو الفكرة الكلية عن الكون والإنسان والحياة وعما وراءها، لا يكون صحيحاً إلا بشرطين:
أولهما: موافقة الفطرة
وثانيهما: إقناع العقل.
واشتراط هذين الشرطين ضروري، وذلك لأن هذا الحل هو إجابة لأسئلة الفطرة، فإن لم يجب عن تلك الأسئلة فلن تنقطع، وستبقى الأسئلة تثور لأدنى موقف، فتقض مضجع الإنسان، وتنغص عليه عيشه، فلا يحس له بقيمة. فلا بد أن تقوم هذه الإجابات بإسكات أسئلة الفطرة الثلاثة، وهذا معنى موافقة الفطرة.
أما إقناع العقل فلأن العقل هو الذي سيجيب، وعليه فإن العقل سيستخدم قوانينه للإجابة عن هذه الأسئلة، فإن استخدم قوانينه بشكل صحيح وصل إلى إجابات مقنعة، أما إن استخدم قوانينه بشكل خاطئ، فإنه سيتبين له في وقت ما خطأ ما وصل إليه من قبل، فينهدم كل ما بناه، ويعود القلق مرة أخرى. وإن لم يستخدم قوانينه في الإجابة عن تلك الأسئلة، فإنه معرض في أية لحظة للتساؤل حول تلك الإجابات ومدى صحتها، مما يؤدي إلى زلزلة القناعة بتلك الإجابات، أو معرض في أية لحظة لأن يكتشف خطأ تلك الإجابات، فينهدم ما بناه، ويعود القلق مرة أخرى.
وإن تحقق الشرطان في الحل، امتلأ القلب طمأنينة، وذلك لوصوله إلى إجابات تلك الأسئلة بما يشبع العجز الطبيعي عند الإنسان، بحل وصل إليه هو بنفسه، وبشكل صحيح مقنع.
والطمأنينة المقصودة هنا هي الطمأنينة الدائمة، نظراً لأن هذا الحل يشكل أساساً لكل سلوكات الإنسان وأفكاره، وتتعزز تلك الطمأنينة بكل سلوك انبثق من ذلك الحل، أو فكرة بنيت عليه، وفي حال مخالفته تنخرم هذه الطمأنينة الدائمة، لوقوعه في التناقض بين ما يحمل ويقتنع به وبين ما استخدمه في تسيير سلوكه أو أخذه للفكرة.
المصدر:
http://www.eltwhed.com/vb/showth r ead.php?t=52
تمهيد
كيفَ يُهزم الإسلام في معركةٍ لم يدخُلها .. الكاتب: else r dap
د. السمالوطي
هناك تَصور طفولي سطحي يربط بين الإسلام وحالة التخلف المادي التي تعيشها بلادنا ..... ويعتبر أن هذه هزيمة للعقيدة نفسها ........ كيف يُهزم الإسلام في معركة لم يدخلها ؟ إن الهزيمة لحقت بالبدع الذميمة والأفهام السقيمة والأوضاع الجامدة والعادات الفاسدة التي أتى بها الناس من عند أنفسهم وأوهنوا بها الفرد والمجتمع والدولة وشوهوا بها وجه الحق وأضاعوا بها الكتاب والسُنة …..
يا سادة إن الإسلام يُظلم باسم الإسلام .... يظلمه علماء يخدمون السلطة ... شُبان عديمو الفقه .. وغوغاء حيارى ....(46/363)
إننا دخلنا المعركة الثقافية مع الغرب وكانت المهزلة الكُبرى ......إن هؤلاء الذين دخلوا تلك المعركة الثقافية خلعوا رداء الإسلام قبل المعركة فخرجوا وقد خسروا الإسلام والمعركة .. إنهم لم يُترجموا العلوم عندما دخلوها وكُنَّا أفقر إليها من الروايات الغرامية والجنائية التي زحموا بها لُغتنا .... إن هؤلاء الشباب الذين نُرسلهم للغرب ليكملوا نقصنا في العلوم التجريبية فإذا الذاهب إلى موسكو يعود بفكر ماركسي .. والذاهب إلى واشنطن يعود بفكر انحلالي تبشيري .. والعلم النافع القليل الذي حصل عليه هؤلاء سرعان ما يتبخر .. ويبقى السُم .. إن المرء إذا وهى دينه يُقاد من بطنه وفرجه أكثر مما يُقاد من عقله وضميره وتلك حالة مبعوثين كثيرين .... إننا نُحارَب من أبناء من بني جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا ..... لقد رأيتُ أشخاصا من هؤلاء يدَّعون الإلحاد ويكفرون بالأديان وظننت أنهم قد قضوا دهرا بين الأديان ينقبون غورها ويبحثون مناهجها واستدلالاتها فإذا هم أحداث لا يعرفون من الدين إلا اسمه ولا يعرفون من الشريعة إلا رسمها ... لقد تحداني أحدُهم أن أُحضر له دليلا على أن بني قُريضة أعانوا الأحزاب وهو لا يدري أنها آية من كتاب الله ....
إن هؤلاء الظن أغلب إليهم من اليقين ... والخُرافة أسبق إليهم من الحقيقة وهؤلاء وأمثالهم يُعادون العقل أكثر من معاداتهم للدين ..... فَرِحَ أحدهُم بشبهة على نبينا صلى الله عليه وسلموظل يروح بها ويجيء وتحديته أن يأتي بدليل على شبهته ولو من حديث موضوع فعَجز .... إن هذا معطوب من داخله وأجهزته النفسية والفكرية في حالة ركود ..... إن مِثل هذا لا يصلح أن يقود ركبا ولا يُصدر رأيا ... إننا صِرنا نُحارب من أشخاص من بني جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا .....وننتظر نصرا فمن أين يأتي النصر ؟؟؟؟؟.............
إن الله اشترط علينا للتمكين في الأرض أن نُقيم الصلاة ونُصلح علاقتنا بالله "الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ" الحج : 41 … هذا هو شرط التمكين نحن نستحق ما نحن فيه الآن وإلا لظلمنا الإسلام الذي نحمله ….
إننا لو كُنا قادة العالم الآن ونحن بهذا البعد عن الدين لما كان إذن للإسلام فضل علينا …
إن العالم الغربي يا سادة له ذكريات كثيرة مع الأديان وقد استفاد منها خِبرةً وكوَّن أحكاما .. ورُبما نشأَت عنده عقدة مبهمة كالفرد الذي لدغه حنش فصار يخاف من الحبل .. إن هؤلاء ربما يكونون مُحِقون في الخوف من دينهم لكن نحن ما ذنبنا وقد جنينا من الدين أطيب الثمر ..
إن الإسلام الصحيح يا سادة يُقدم لأتباعه الخير ويَهب لهم النصر وهذا التصور المغشوش عن الدين الذي نحياه يُقدم الهزيمة ويصنع التخلف ويُحس أصحابه معه بالحرج ....فأين نحن من قول رسول ا صلى الله عليه وسلم ( إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة ، فإن استطاع أن لا تقوم حتى يغرسها ، فليغرسها . * السلسلة الصحيحة 1-38*) إن الفقر العربي يمشي على أرض من الذهب ..إخواني إننا نريد اتباعا في الدين وابتداعا في الدنيا وبذلك وحده يصح سيرنا وترشد سيرتنا ....... أين نحن من قول رسول ا صلى الله عليه وسلم لا تمنعوا إماء الله مساجد الله) *رواه مسلم* ...إن المرأة المطروحة وراء سجن من الجهل والعمى يموت معها نصف الأمة ويمرض النصف الآخر .. لكن في المقابل المرأة المتروكة للغي والهوى تضطرب معها الأمة كلها ويلعب بزمامهم الشيطان ...... وهاهي أوربا دللت نداء الغريزة الجنسية في دماء البشر فيسرت الاختلاط المطلق وقبلت في برود جميع نتائجه وتواصت بالسكوت عليها وأمتنا الآن تحترق بعد أن صدَّقت الغرب بعد أن تركت الدين ودخلت جحر الضب ...... إن امتنا تفترض في حياة كل شاب بضع سنين يقضيها في اللهو الحرام قبل أن يظفر بنكاح صحيح ... أقسم بالله إن الذين يحاولون أن يطفئوا نورنا سيبقوا معنا في ظلام لأنه ليس لهم نور ... لا حل لنا إلا العودة الصادقة والبناء الصحيح والبحث الهادئ وإنقاذ ما يمكن إنقاذه .......
وربما ينجح الغزو الثقافي كالذي يتم في المنتديات الإلحادية قد ينجح هذا الغزو في إفساد قلب وتخليته من اليقين بيد أن ذلك القلب المُصاب يبقى كالبيت الخَرِب تصفي فيه الريح ولا يحتله ساكن جديد ويتحول هذا المنهزم إلى شخص خائر القُوى ضائق الصدر منتكس الفطرة ..السواد يغشى وجهه وقلبه ..وأحسب أن الدُعاة الصادقين لو تُمهد لهم الطريق فإنهم يقدرون على استعادة هذه القلوب الفارغة وملئها بالحق مرة أُخرى فإن الإسلام كان وما يزال أقرب الأديان إلى موائمة العقل والقلب وإلى التجاوب مع أصالة التفكير وسلامة الضمير فالإسلام عقيدة وجوهر وليس رسوما وظواهر .. يقول غوستاف لوبون "الإسلام من أكثر الديانات ملائمة لاكتشافات العلم"، ولذلك يكثر اعتناق الإسلام في الأوساط العلمية من دكاترة وبروفيسورات وباحثين ..(46/364)
إن الإسلام بدأ أول لبنة في بنائه بكلمة (اقرأ)، وجعل نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم طلب العلم فريضة على كل مسلم ، وفي فترة قصيرة من الزمن بعد انتشار الإسلام انحسرت موجة الأمية والجهل، وارتفعت منارات العلم حيث وصل الإسلام وحل المسلمون، يقول (نيكلسون)لقد صحب هذا التوسع "الفتوحات الإسلامية" نشاط فكري لا عهد للشرق بمثله من قبل ، حتى لقد لاح أن الناس في العالم الإسلامي كله ابتداءً من الخليفة إلى أقل المواطنين ، قد أصبحوا طلاباً للعلم، أو على الأقل من مناصريه وكان الناس طلباً للعلم يسافرون عبر قارات ثلاث ، ثم يعودون إلى ديارهم وكأنهم نحل تشبع بالعسل...)
والخُلاصة ....كما يقول الأستاذ (عمر التلمساني) ، رحمه الله إن الإسلام لا يرضى بما نحن فيه، فلا داعي للتمحك بأنه سبب تأخر المسلمين وضعفهم، كل ما في الإسلام يدعوا إلى العدل والإنصاف، والقوة والمساواة ،والجد ، والعمل وإتقانه، ويدعو إلى الفضيلة ومكارم الأخلاق)
*** بعض الفقرات مقتبسة من كتابات الشيخ الغزالي رحمه الله بتصرف
المصدر:
http://70.84.212.52/vb/showth r ead.php?t=3838
التديُّن غريزة في الإنسان
الكاتب: الفرصة الأخيرة
باحث
خلق الله الإنسان والحيوان وجعل فيهما طاقة حيوية, وهذه الطاقة -وهي غير الروح- تظهر في الكائن الحي أما من مؤثرات داخلية وهذه يجب أن تشبع وإشباعها حتمي وذلك لأنه في حالة عدم الإشباع تؤدي إلى الموت وهي ما يطلق عليه الحاجات العضوية, مثل الحاجة إلى الأكل أو الشرب أو النوم ... وغيرها, وهي موجودة عند الإنسان والحيوان على السواء . أو أن تظهر من مؤثرات خارجية, وهذه يجب أن تشبع ولكن إشباعها ليس حتمي, لأنه في حاله عدم الإشباع لا يموت الكائن الحي ولكنه يضطرب ويقلق نفسياً وهي ما يطلق عليها الغرائز وهي ثلاثة غرائز أساسيه غريزة حب البقاء, وغريزة حفظ النوع, وهما موجودتان عند الإنسان والحيوان, وأما الغريزة الثالثة وهي غريزة التدين موجودة عند الإنسان فقط.
وسبب هذا التصنيف من حيث الغريزة والمظهر, هو أن الغريزة لا يمكن أن تنعدم في الكائن الحي, لأن الله عز وجل غرزها فيه, وأما المظهر فيمكن أن يطغى مظهر على آخر فنرى مثلاً إنسانا يحب أمه اكثر من زوجته أو أبنائه اكثر من زوجته, أو أن يحب زوجته اكثر من أمه أبنائه.
أما غريزة حب البقاء فلها مظاهر عده منها الخوف, حب السيادة, الخيلاء والتكبر وحب الظهور, وهي موجودة عند الإنسان والحيوان على السواء.
وأما غريزة حفظ النوع فلها أيضا مظاهر عده منها الجنس (علاقة الرجل مع المرأة), الأمومة والأبوة, العمومة والخؤولة والصداقة, وهي موجودة عند الإنسان والحيوان على السواء.
وأما غريزة التدين فإنها خاصة في الإنسان لأنها تدعو إلى التفكير ويثيرها التفكير بآيات الله، أو في يوم القيامة، أو ما يتعلق بذلك، أو النظرة إلى بديع صنع الله مما في السماوات والأرض، أو ما يتعلق بذلك, ولأن التفكير بحد ذاته حكم على واقع فوجود الإنسان والكون والحياة يدعو إلى إطلاق حكم عليها من حيث الوجود والخلق وما قبله وما بعده.
ومن هنا نجد الغريزة ظاهرة آثارها عند حصول ما يثيرها، ولا ترى هذه الآثار في حالة عدم وجود ما يثيرها، أو في حالة تحويل ما يثيرها عن الإثارة بتفسيره تفسيرات مغالطة تفقده لدى مفهوم الشخص صفته الأصلية التي تثير الغريزة.
والتدين غريزة طبيعية ثابتة، إذ هو الشعور بالحاجة إلى الخالق المدبر بغض النظر عن تفسير هذا الخالق المدبر. وهذا الشعور فطري يكون في الإنسان من حيث هو إنسان، سواء أكان مؤمناًَ بوجود الخالق، أو كافراً به مؤمناً بالمادة أو الطبيعة. ووجود هذا الشعور في الإنسان حتمي لأنه يخلق معه ويكون جزءاً من تكوينه، ولا يمكن أن يخلو منه أو ينفصل عنه، وهذا هو التدين.
والمظهر الذي يظهر به هذا التدين هو التقديس لما يعتقد أنه هو الخالق المدبر، أو الذي يتصور أنه قد حل به الخالق المدبر.
وقد يظهر التقديس بمظهره الحقيقي فيكون عبادة، وقد يظهر بأقل صوره فيكون التعظيم والتبجيل.
والتقديس هو منتهى الاحترام القلبي، وهو ليس ناتجاً عن الخوف بل ناتجاً عن التدين. لأن الخوف ليس مصدره التقديس، بل مظهره الهروب، أو الدفاع، وذلك يناقض حقيقة التقديس. فالتقديس مظهر للتدين لا للخوف، فيكون التدين غريزة مستقلة غير غريزة البقاء التي من مظاهرها الخوف.
ولذلك نجد الإنسان متدينا ، ومنذ أن أوجده الله على الأرض نجده يعبد شيئاً. فقد عبد الشمس والكواكب، والنار، والأصنام، وعبد الله، ولا نجد عصراً، ولا أمة، ولا شعباً، إلاَّ وهو يعبد شيئاً، حتى الشعوب التي قام فيها السلطان بالقوة يجبرها على ترك التدين، كانت متدينة تعبد شيئاً، رغم القوة التي تتسلط عليها، و تتحمل كل الأذى في سبيل أداء عبادتها.
ولن تستطيع قوة أن تنزع من الإنسان التدين، وتزيل منه تقديس الخالق، وتمنعه من العبادة، وإنما تستطيع أن تكبت ذلك إلى زمن، لأن العبادة مظهر طبيعي من مظاهر التدين الذي هو غريزة طبيعية في الإنسان.(46/365)
أما ما يظهر على بعض الملحدين من عدم العبادة، أو من الاستهزاء بالعبادة، فإن هؤلاء قد صرفت غريزة التدين عندهم عن عبادة الله إلى عبادة المخلوقات، فنراهم يقدسون حكامهم او رؤساء أحزابهم مثل الشيوعية فنجد صور وتماثيل الحكام في كل مكان وحتى في البيوت وجعل مظهرها في تقديس الطبيعية أو الأبطال أو الأشياء الضخمة أو مشاكل ذلك، واستعملت لهذا الصرف المغالطات والتفسيرات الخاطئة للأشياء.
ومن هنا كان الكفر أصعب من الإيمان لأنه صرف للإنسان عن فطرته، وتحويل لها عن مظاهرها. فيحتاج ذلك إلى جهد كبير وما أصعب أن ينصرف الإنسان عن مقتضى طبيعته وفطرته! ولذلك تجد الملحدين حين ينكشف لهم الحق، ويبدو لهم وجود الله حسا فيدركون وجوده بالعقل إدراكا جازماً، تجدهم يسرعون إلى الإيمان ويشعرون بالراحة والاطمئنان، و يزول عنهم كابوس كان يثقلهم، و يكون إيمان أمثال هؤلاء راسخاً قوياً لأنه جاء عن حس و يقين، لأن عقلهم ارتبط بوجدانهم، فأدركوا إدراكا يقينياً وجود الله، و شعروا شعوراً يقينياً بوجوده، فالتقت فطرتهم بعقلهم فكان الإيمان أقوى واشد واكثر ارتباطاً بالواقع لإحساسهم به.
وهؤلاء لا يمكن زحزحه إيمانهم حتى لو اُستعملت القوه معهم والأمثلة لا تعد ولا تحصى خذ مثلاً سحرة فرعون عندما ألقى موسى عليه السلام عصاه والتهمت ما القوا فأدركوا بعلمهم ان هذا ليس بسحر وانه من عمل خالق, فخروا ساجدين مؤمنين برسالة موسى ورب موسى, والعلماء الذين سبحوا في الكون وشاهدوا عظمته أدركوا أن له خالق مدبر.
.....
منقول من شبكة الفصيح
المصدر:
http://70.84.212.52/vb/showth r ead.php?t=3792
لا مكان للإلحاد بيننا ..... ما هؤلاء الناس !!
الكاتب: else r dap
د. السمالوطي
ما هؤلاء الناس؟
إنهم ليسوا عرباً ولا عجماً ولا روساً ولا أمريكان !!
إنهم مسخ غريب الأطوار صفيق الصياح بُليت بهم هذه البلاد إثر ما صنعه الغرب بها وترك بذوره في مشاعرها وأفكارها.
فهم - كما جاء في الحديث - من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا.
بيد أنهم عَدو لتاريخنا وحضارتنا . وعبء على كفاحنا ونهضتنا. وعون للحاقدين على ديننا والضانين بحق الحياة له ولمن اعتنقه.
إن هؤلاء الذين برزوا فجأة وملأت ضجتهم الأودية والأندية يجب أن يُمزق النقاب عن سريرتهم وأن تَعرفهم هذه الأمة على حقيقتهم حتى لا يروج لهم خداع ولا يَنطلي لهم زور.
إن هؤلاء الذين يلبسون مسوح العروبة ويندسون خلال صفوف المجاهدين ويزعمون أنهم مبشرون بعالم أفضل وفي الوقت نفسه ينسحبون من تقاليد العروبة ويهاجمون أجَّل ما عُرفت به ويبعثرون العوائق في طريق الإيمان ورسالته.
إن هؤلاء الناس ينبغي أن يُماط اللثام عن وجوههم الكالحة وأن تُلقى الأضواء على وظيفتهم التي يسرها المارقون لهم ووقفوا بعيدا يرقبون نتائجها المُرة.
وما نتائجها إلا الدمار المنشود لرسالة الرُقي الروحي رسالة الإسلام.
لقد قرأنا ما يكتبون وسمعنا ما يقولون ولم يعوزنا ذكاء لإستبانة غاياتهم.
فهم ملحدون مجاهرون بالكفر والزندقة.
والغريب أن هؤلاء الناس يخاصمون الإسلام بعنف ويحاربون أمته بجبروت ويهادنون الأديان الأخرى من سماوية وأرضية كأن الإسلام هو العدو الذي كُلِّفوا باستئصاله وحده .
إن العرب مَرَّت عليهم أدهار قبل الإسلام لم يكونوا فيها شيئا مذكورا ثم جاء هذا الدين فدخلوا التاريخ به وصار صيتهم تحت رايته وصدق الله إذ يقول "وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ" الزخرف : 44 ... "وإنه " أي: القرآن "لذكر لك ولقومك" إذ نزل بلغتهم ونزل عليك وأنت منهم "وسوف تسألون" عن القيام بحقه .... إن مجيء الرسالة على أُمتنا تكليف لا تشريف
وظَّن بعض السُذج أن هذا الدين يُعطي امتيازا خاصا للعرب ويجعلهم عنصرا أرقى من سائر الأجناس وتناسوا فيما تناسوا قوله تعالى "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ" الحجرات : 13 ...
ماذا تبقى للملاحدة بعد أن تركوا الإسلام ؟؟؟ إن وِطابهم خالٍ وتاريخهم صفر .
يا سادة إن خصائصنا الروحية والاجتماعية وتراثنا الماضي وأمانينا المستقبلية لا يمكن البتة سلخها عن الإسلام !!
يا سادة إنني أرى الإلحاد كعجوز شمطاء تتخفى وراء حُجُب من الأصباغ والملابس والحُلي والدلال
ولقد تتبعت حصيلة هؤلاء الملاحدة من الثروة العلمية خصوصا ملاحدة مصر فوجدتهم يكفرون على صيت تقدم العلم في أوربا وأمريكا وقد تطور روسيا قمرا صناعيا بذل العلماء هناك في ضبطه وتجهيزه وتزويده ما يُضني العقول ومع ذلك يتفرج نفر من هؤلاء على هذه المشاهد ثم يصيح لقد كفرنا بالله "وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُّنِيرٍ" الحج : 8(46/366)
إن هؤلاء شاهت طباعهم ... يظنون سعة الثقافة في سرعة الإلحاد ... وحرية الفكر في هوان الإرادة واستمراء الشهوات .. والتقدم المستحب هو البُعد عن فرائض الله ... وتسمع أولئك العلوج وهم يتكلمون عن وجوب فتح حانات الخمور وتهيئة صالات العهر .. لأن موارد السياحة ستنضب إن لم يُقدم للسائحين المُسكر الذي يشربون والمرأة التي يشتهون !!!! فتجزم بأنك أمام أمساخ خلق وأنصاف أو أعشار بشر ...
إننا لنتشاءم من مُستقبل أجيال فيهم أمثال هؤلاء إنهم مُخنثون انتكست فطرتهم عندما عاندوا طبائع الأشياء ...
إنني أجزم بان أمثال هؤلاء لا يصلحون لحمل أعباء أو مُخاصمة أعداء.
بعض الفقرات في هذا المقال مُقتبسة من كتابات الشيخ الغزالي بتصرف ..!!
المصدر:
http://70.84.212.52/vb/showth r ead.php?t=5457
لا مكان للإلحاد بيننا ..... ما هؤلاء الناس !!
الكاتب: else r dap
د. السمالوطي
ما هؤلاء الناس؟
إنهم ليسوا عرباً ولا عجماً ولا روساً ولا أمريكان !!
إنهم مسخ غريب الأطوار صفيق الصياح بُليت بهم هذه البلاد إثر ما صنعه الغرب بها وترك بذوره في مشاعرها وأفكارها.
فهم - كما جاء في الحديث - من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا.
بيد أنهم عَدو لتاريخنا وحضارتنا . وعبء على كفاحنا ونهضتنا. وعون للحاقدين على ديننا والضانين بحق الحياة له ولمن اعتنقه.
إن هؤلاء الذين برزوا فجأة وملأت ضجتهم الأودية والأندية يجب أن يُمزق النقاب عن سريرتهم وأن تَعرفهم هذه الأمة على حقيقتهم حتى لا يروج لهم خداع ولا يَنطلي لهم زور.
إن هؤلاء الذين يلبسون مسوح العروبة ويندسون خلال صفوف المجاهدين ويزعمون أنهم مبشرون بعالم أفضل وفي الوقت نفسه ينسحبون من تقاليد العروبة ويهاجمون أجَّل ما عُرفت به ويبعثرون العوائق في طريق الإيمان ورسالته.
إن هؤلاء الناس ينبغي أن يُماط اللثام عن وجوههم الكالحة وأن تُلقى الأضواء على وظيفتهم التي يسرها المارقون لهم ووقفوا بعيدا يرقبون نتائجها المُرة.
وما نتائجها إلا الدمار المنشود لرسالة الرُقي الروحي رسالة الإسلام.
لقد قرأنا ما يكتبون وسمعنا ما يقولون ولم يعوزنا ذكاء لإستبانة غاياتهم.
فهم ملحدون مجاهرون بالكفر والزندقة.
والغريب أن هؤلاء الناس يخاصمون الإسلام بعنف ويحاربون أمته بجبروت ويهادنون الأديان الأخرى من سماوية وأرضية كأن الإسلام هو العدو الذي كُلِّفوا باستئصاله وحده .
إن العرب مَرَّت عليهم أدهار قبل الإسلام لم يكونوا فيها شيئا مذكورا ثم جاء هذا الدين فدخلوا التاريخ به وصار صيتهم تحت رايته وصدق الله إذ يقول "وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ" الزخرف : 44 ... "وإنه " أي: القرآن "لذكر لك ولقومك" إذ نزل بلغتهم ونزل عليك وأنت منهم "وسوف تسألون" عن القيام بحقه .... إن مجيء الرسالة على أُمتنا تكليف لا تشريف
وظَّن بعض السُذج أن هذا الدين يُعطي امتيازا خاصا للعرب ويجعلهم عنصرا أرقى من سائر الأجناس وتناسوا فيما تناسوا قوله تعالى "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ" الحجرات : 13 ...
ماذا تبقى للملاحدة بعد أن تركوا الإسلام ؟؟؟ إن وِطابهم خالٍ وتاريخهم صفر .
يا سادة إن خصائصنا الروحية والاجتماعية وتراثنا الماضي وأمانينا المستقبلية لا يمكن البتة سلخها عن الإسلام !!
يا سادة إنني أرى الإلحاد كعجوز شمطاء تتخفى وراء حُجُب من الأصباغ والملابس والحُلي والدلال
ولقد تتبعت حصيلة هؤلاء الملاحدة من الثروة العلمية خصوصا ملاحدة مصر فوجدتهم يكفرون على صيت تقدم العلم في أوربا وأمريكا وقد تطور روسيا قمرا صناعيا بذل العلماء هناك في ضبطه وتجهيزه وتزويده ما يُضني العقول ومع ذلك يتفرج نفر من هؤلاء على هذه المشاهد ثم يصيح لقد كفرنا بالله "وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُّنِيرٍ" الحج : 8
إن هؤلاء شاهت طباعهم ... يظنون سعة الثقافة في سرعة الإلحاد ... وحرية الفكر في هوان الإرادة واستمراء الشهوات .. والتقدم المستحب هو البُعد عن فرائض الله ... وتسمع أولئك العلوج وهم يتكلمون عن وجوب فتح حانات الخمور وتهيئة صالات العهر .. لأن موارد السياحة ستنضب إن لم يُقدم للسائحين المُسكر الذي يشربون والمرأة التي يشتهون !!!! فتجزم بأنك أمام أمساخ خلق وأنصاف أو أعشار بشر ...
إننا لنتشاءم من مُستقبل أجيال فيهم أمثال هؤلاء إنهم مُخنثون انتكست فطرتهم عندما عاندوا طبائع الأشياء ...
إنني أجزم بان أمثال هؤلاء لا يصلحون لحمل أعباء أو مُخاصمة أعداء.
بعض الفقرات في هذا المقال مُقتبسة من كتابات الشيخ الغزالي بتصرف ..!!
المصدر:
http://70.84.212.52/vb/showth r ead.php?t=5457
هي أيضا عقول مهاجرة!!!الكاتب: حاتم
دكتوراه في الفلسفة(46/367)
استشعر حسرة شديدة على هجرة عقول هذه الأمة، أقول "هجرة عقول"ولكن ليس بالمعنى المتداول في كتاباتنا وأجهزتنا الإعلامية التي تحسب أن هذه الهجرة مقتصرة على شخوص ذوي شهادات أكاديمية لم يوفر لهم بلدهم العربي موقع عمل أو مناخ الحرية، فهاجروا إلى الغرب، أجل هذه بلا ريب خسارة فادحة، لكن الأفدح منها في تقديري هو أن ثمة عقولا أخرى مهاجرة وإن استبطنت جماجم وأجسادا تطأ أرضا عربية إسلامية، أقصد عقولا تفكر بمنطق الغرب وتستسيغ ذوقه، لأن هذا النمط من العقول هو أيضا تضييع لطاقات التفكير عندنا، لأنها عقول لا تفكر ولا تبدع، بل يفكر لها الغرب ويملي عليها، ومن ثم فهي عندما تقارب مشكلة من مشكلات واقعنا فهي تقاربها بمعالجات مستوردة لا تنسجم مع خصوصيتنا. لذا أولى بنا ألا نعالج إشكالية "هجرة العقول" بمعايير الجغرافيا فقط بل لابد من استحضار معيار الفكر، فنتساءل عن طبيعة المنهج الفكري الذي يحكم هذه العقول المغتربة رغم أنها موجودة في أوطانها.
لقد ساد عقل النخبة المثقفة في العالم الإسلامي منذ نشأتها الحديثة في بداية القرن الميلادي الماضي منطق التبعية والإمعية، حتى أصبحت تقاليد الوسط الفكري عندنا شبيهة بتقاليد دور الأزياء في تقلبها النزق وبحثها الدائم عن الجديد الغريب، ففي بداية القرن العشرين كان اللباس الثقافي الذي يناسب الموضة وقتئذ هو اللبرالية ومفاهيمها الفلسفية والقانونية، ولذا لم يكن الشخص "مثقفا" في نظر النخبة إلا إذا آمن بفردانية الشخص وحريته المطلقة، وخلع عن نفسه قيود الأخلاق وثار على التقاليد الموروثة. ثم امتدت في منتصف القرن موجة الماركسية، وشاعت مفاهيم "الجماعية "بدل "الفردانية"، والتأميم والاشتراك في مقدرات المجتمع وثرواته بدل "الملكية الخاصة"، واختزلت الحقيقة الفلسفية في المادة الصماء، وبجرة قلم ألغيت الأبعاد المعنوية والدينية من حياة الإنسان، إذ أصبحت مجرد خرافة متجاوزة، وهكذا أخذت تلتمع في صحفنا ومنتدياتنا أسماء لينين وينبغي أن تؤخذ أفكارهم وأفعالهم بالتسليم والانقياد، لا بشر مثل باقي خلق الله يجب أن تؤخذ أفكارهم وسلوكياتهم بالتفكير والانتقاد.
ومع انتهاء عقد السبعينات أخذت الموضة الفكرية في التبدل إلى نقيض الماركسية، حيث انتشرت "فلسفة"البنيوية القائلة بـ "الثبات" و"النسقية" و"العلائقية" على مستوى الرؤية المنهجية، ضد مفاهيم الجدلية والتطور والنفي، التي كانت الماركسية تقول بها، فأخذ المشهد الثقافي عندنا يسرع في تبديل ولائه وأسماء "أنبيائه"، فشاعت أسماء دي سوسير ورولان بارت ومشيل فوكو وليفي ستروس.
واليوم مع تصاعد فلسفة "الاختلاف" أصبح مثقفنا أيضا من دعاة التفكيك والاختلاف، ويسوغ لتقليده الفج هذا بالقول إن "الاختلاف" موقف فلسفي يقبل بالخصوصية والتميز، وهكذا لا نجتهد في الإبداع بل نجتهد في تسويغ التقليد والإتباع.
والغريب أن مثقفنا الحداثي سليط اللسان حين يتعلق الأمر بحضارته وتراثه، لكنه ذليل مطيع حين يتعلق الأمر بتراث الغرب وعطاءات مفكريه، فهو مشدود ببلاهة برقاص الزمن وعقارب التاريخ، لذا تجده يرفض كل تراثه الثقافي الإسلامي، ويدعو إلى اتباع الغرب وآخر تقليعاته لكي يكون معاصرا حاضرا في زمانه، إذ يفهم المعاصرة الحضارية تزامنا شبيها بتزامن أجهزة الساعات، فيفضل لواقعنا الفكري أن يمتلئ بالحديث النزق عن "التفكيك" و"اللامعقول" و"فلسفة موت الإنسان"، ويزدان بأسماء نيتشه ودولوز ودريدا، ويحسب بذلك أننا قد تعاصرنا وارتقينا إلى مستوى الزمن الثقافي الراهن. ومثلما تجهل هذه النخبة المتعالمة أن لكل حضارة منطقها الفكري الخاص بها وعقلانيتها المتميزة، تجهل أيضا أن الغرب لم ينتقد العقل والعقلانية إلا بعد أن تمكن منها ومارسها وبنى حضارة على قوائم العقلنة. فكان نقد الغرب للعقلانية نقدا لشيء هو أصلا موجود لديه. والبعض هنا تماشيا مع تقليد آخر موضة، يريد اللامعقول، وتفكيك العقل وتدميره مع أنه ابتداء مستثنى من حياتنا أو على أقل تقدير مهمش فيها.
والواقع أن الاتباع الساذج للآخر يغرق واقعنا في مشاكل وهمية. فإذا كان فوكو "يبشر" بموت الإنسان في كتابه "الكلمات والأشياء"، فنحن بالأحرى بحاجة إلى إحيائه، وإذا أكد جاك دريدا على تفكيك الهوية وتدميرها فنحن كعالم عربي وإسلامي أحوج ما نكون إلى توحيد الهوية ولم شتات الذات، ولكنها للأسف عقلية التقليد والتبعية الساذجة التي تحكم وعي النخبة في علاقتها مع نتاجات الفكر الغربي فتجعلها تأخذ بلا تبصر ولا وعي ولا قراءة نقدية.
بل الغريب في الأمر أن الرموز الفكرية الكبيرة أيضا نجدها تعيش باستمرار تحت سكرة الموضة الفكرية، فهي إن أرادت تبديل ولاء فكري لفلسفة غربية، لا تفعل إلا لتنقل ولاءها إلى فلسفة أخرى من داخل النسق الثقافي الغربي، وهكذا يظل عقل النخبة عقلاً إمعياً مستلباً.(46/368)
لنستمع إلى الدكتور هاشم صالح، أحد النماذج المعاصرة في نخبتنا المثقفة كيف استفاق من وهمه، ليعلن رفضه لفلسفة "ما بعد الحداثة"وتحرره منها في شجاعة أدبية نادرة، وهو سعيد بهذا الاكتشاف والحرية، ولكنها في الحقيقة حرية زائفة، لأنه لم يفعل إلا نقل ولائه من فلسفة ما بعد الحداثة إلى ما قبلها.
يقول د.هاشم صالح: "أعترف بأنني أمضيت أكثر من عشرة أعوام في أوروبا (فرنسا تحديدا) لكي أفهم أني أضيع وقتي في الحديث عن مشيل فوكو وجاك دريدا وجيل دولوز، ومشاكل الحداثة وما بعد الحداثة ... أكثر من عشر سنوات كانت ضرورية لكي أفهم أني معاصر لأناس القرن السابع عشر بدءا من ديكارت وسبينوزا، وأناس عصر التنوير من أمثال روسو، وديدرو، وفولتير، ودالامبير، أكثر مما أنا معاصر لمفكري فرنسا والغرب الحاليين، ولا أشعر بأي حرج أو انزعاج إذ أصرح بذلك، على العكس أشعر بسعادة غامرة بعدما اكتشفت موقعي. واستغربت كيف أمضيت كل تلك السنين في البحث عن مشاكل وهمية تخص المجتمع الفرنسي الحالي، ولا تخص مجتمعاتنا العربية الإسلامية إلا من بعيد البعيد".
والمفارقة أن الدكتور هاشم صالح نشر كلامه هذا في مقالة موسومة بعنوان "حول مفهوم الحس التاريخي" وهنا أتساءل أي حس تاريخي هذا الذي يجعل صاحبه لا يحس بخصوصية واقعه وحضارته، ولا ينصت لحقيقة تاريخ أمته؟ وأي حس تاريخي هذا الذي يجعل صاحبه يحتاج إلى أن يضيع عشر سنوات، ليس لكي يدرك أنه يضيع وقته في غير ما نفع بالحديث عن مشكلات ما بعد الحداثة لأنها تخص مجتمع الفرنسي والغربي ولا تخص مجتمعاتنا، بل لكي يسقط في مزلق آخر أقبح من سابقه وهو الاعتقاد بأن ما يخص مجتمعاتنا نحن هي مشكلات المجتمع الفرنسي في القرنين السابع عشر والثامن عشر؟!!!!
المصدر:
http://www.eltwhed.com/vb/showth r ead.php?t=3727
الإلحاد هو الوثن الأكبر
الكاتب: سلاموني
كلما انحرف الناس عن عبادة ربهم, و نسوا إرشاد رسلهم, وحاولوا أن يجعلوا الله رمزا في الأرض مجسدا, يعتقدون فيه, أولا أن فيه من العناية الإلهية, أو فيه سر إلهي خاص, فيقدسونه, وتمر الأيام و هم يزدادون مغالاة في تقدس هذه المخلوقات, حتى ينسب إليها الأعمال الخارقة وتجعل شريكا الله في التقديس و العبادة
وقد تزداد الجهالة فتتخذ هذه الأصنام آلهة من دون الله فيعبدونها
وقد تزداد الجهالة كما حدث لنا التاريخ كثير منها:
عبادة الفراعنة والعجول والأبقار والنجوم والأحجار والبحار والرعد والشمس والقمر والمطر و غير ذلك من المظاهر الطبيعية وكذلك في الأديان السماوية نسب إلى الله الذي ليس كمثله شيء نسبوا له والد وبعضهم الزوجة وبعضهم............................................ . ......الخ
الإلحاد هو الوثن الأكبر
يزعم الملحدة أن الدين هو خرافة وأساطير ولكنهم في المقابل اعتنقوا ا الدين الجديد هو الوثن الأكبر:
هذا الوثن الأكبر هو مجموع الأوثان السابقة: إي إذا جمعنا (الشمس بخصائصها و القمر بخصائصه و البحار بخصائصها والأمطار والبقر والعجول والأحجار والإنسان بخصائصه وو.... الخ) نحصل على الوثن الأكبر وهو الطبيعة التي تحوي جميع تلك الخصائص وبالتالي تم جمع جميع تلك الأوثان في الوثن الواحد هو (الوثن الأكبر) وزعم الوثنيين الجدد أنه الخالق.
كيف تأسس هذا الدين الوثني الجديد
شاهد بعض العلماء الطبيعيين من تكون (دود) على براز الإنسان أو الحيوان, وتكون بكتريا تأكل الطعام فتفسده, فقالوا: هاهي ذي حنونات تتولد من الطبيعة وحدها وراحت هذه النظرية التي مكنت للوثن الجديد في القلوب.
لكن الباطل يزهق والحجة تقام من رب العالمين فما لبت أن كشف باطل هذه النظرية على يد عالم الفرنسي المشهور (باستور) الذي أثبت أن الدود المتكون, والبكتريا المشار إليها لم تتولد ذاتيا من الطبيعة وإنما من أصول الصغيرة سابقة لم تتمكن العين من مشاهدتها.
الفرق بين الوثن الأكبر والأوثان القديمة:
كانت الأوثان القديمة تزعم أن هذه الخصائص من الطبيعة مثل الشمس فهي ملك من ملائكة والقمر هو فلان والأصنام هي وساطة تقربنا من الإله وهلم جرا أما الوثن الأكبر يزعم بأن هذه الطبيعة هي كل شيء وانتهي الأمر فهي خالق وهي مصور وهي محكم وهي المنظم وهي.... الخ وحدها
فمن هو أفضل عقليا وعلميا من الآخر ؟؟
الفرق بين الوثن الأكبر والإنسان:
إذا تأملت الإنسان في نفسه و قارنته مع الطبيعة فإنك ستجد :
الإنسان عاقل ------------------ الطبيعة لا عقل لها
الإنسان عالم -------------------الطبيعة لا علم لها
الإنسان مريد -------------------الطبيعة لا إرادة لها
الإنسان سميع -----------------الطبيعة لا سمع لها
الإنسان بصير ------------------الطبيعة لا بصر لها
إنه صاحب المشاعر ------------الطبيعة لا مشاعر لها
إنه صاحب أحاسيس ------------الطبيعة لا إحساسا لها
يحكم الأعمال --------------------والطبيعة لا حكم لها
صاحب الأخلاق ------------------والطبيعة لا أخلاق لها
فهل يصدق عاقل أن يكون المخلوق أرقى من خالقه ؟؟(46/369)
وهل يعقل أن يكون العقل في الإنسان مما لا عقل له, والعلم في الإنسان مما لا علم له؟
والإرادة في الإنسان مما لا إرادة له ؟
والسمع في الإنسان مما لا سمع له ؟
والبصر في الإنسان مما لا بصر له ؟
والمشاعر و الأحاسيس في الإنسان مما لا مشاعر و لا إحساس له ؟
وأحكام العمل في الإنسان مما لا حكمة له ؟
والأخلاق في الإنسان مما لا خلق له ؟
كيف والحكمة العالمية تقول (فاقد شيء لا يعطيه)؟؟
الإنسان يقهر ويسخر إلهه في خدمته:
نجد أن الطبيعة مسخرة للإنسان ومذلل له. فسخر الهواء والبحر والشمس والقمر والنجوم والتراب والرياح, واستخدم الإنسان المعادن والنبات والحيوانات لمنفعته و.... الخ حتى لوث البيئة وانتشرت الأمراض وثقب طبقة الأوزون.
فعجبا لهذا الإله الحقير الذي يخلق من يقهره ويذله ويتحكم فيه كيفما يشاء. وعجبا للخالق لا يستطيع أن يرد الأذى عن نفسه.
الحمد الله على نعمة الإسلام و نعمة الإيمان بالله تعالى وحده لا شريك له لا كما يزعم الوثنيين ولا والد له ولا شبيه له لا كما يزعم النصارى واليهود ولا نغلو في البشر كما يزعم الشيعة
هذا الموضوع مقتبس من كتاب التوحيد الخالق للزنداني
المصدر:
http://www.eltwhed.com/vb/showth r ead.php?t=60
خلاص الأنبياء وخلاص الوثنيين ..!!الكاتب: else r dap
د. السمالوطي
منذ ظَهر الإنسان على وجه الأرض ويستشعر أن وجوده له قيمة
يخرج الحيوان من بطن أمه باحثا عن الطعام .. ويخرج الإنسان من رحم أمه باحثا عن الله
يستشعر الإنسان في وعيه الفطري بقيمة عليا لوجوده .. فهو مهما كانت ديانته يؤمن بوجود الخير والشر يجد نفسه مقبلا عن الخير مدبرا عن الشر يستشعر أن هُناك اختيار حُر ..
وأن الشر مُزين له والخير قاس على النفس .. قِيم كثيرة يستشعرها الإنسان .. وبينما نجد أن الثقافة نسبية تختلف باختلاف الحضارات فإننا نجد أن الخير مُطلق والأخلاق مُطلقة فلا توجد أُمة من الأمم تعتبر أن الصدق رذيلة والكذب كرامة .. لا توجد حضارة من الحضارات تعتبر أن الأمانة رذيلة والخيانة كرامة كل الأُمم تُجمع على قيم أخلاقية واحدة ..
لكن تحتاج هذه القِيم الأخلاقية إلى قيمة عُليا تستند إليها وتستمد منها الماء والهواء لكي تنتعش إنها قيمة العبودية لله .. القِيم الأخلاقية بداهة عقلية لا يستطيع العقل أن يُنكرها وبالتالي فمُحصلة القيم الأخلاقية وهي إثابة المُحسن ومُعاقبة الظالم تعتبر هذه المُحصلة بداهة أُخرى لا يقبل العقل أمامها مراء بل تنساب إليه في هدوء وتُلزمه بالتسليم لها ولذا كان كُفر الملاحدة من باب الجحود والنكران لا من باب الجهل والنسيان ..!!
وأرقى مُهمة كُلف بها الأنبياء في تاريخهم الطويل هي التأصيل لتلك القيمة الراقية التي تقول بعقيدة الرب إلهنا رب واحد .. فمُجرد صلاح تلك القيمة تصلح دنيا الإنسان وآخرته وينضبط عالمه الخارجي مع عالمه الداخلي ويستشعر بأن دعوة الأنبياء قد أتت على وعيه الفطري فأيقظته فيصير الإنسان زكي الروح رائق الوجدان يجيب داعي الله ويرتقي إلى القيمة التي استشعر منذ يومه الأول بأنه خُلق لأجلها فتُكتب له سعادة الدارين.
والناظر في تاريخ الأرض بطوله وعرضه يجد دينان اثنان فقط قدمتهما البشرية … دين الأنبياء ودين الوثنيين .. دين الأنبياء أعرف الناس بربهم دينهم واحد رسالتهم واحدة خلاصهم واحد كُل الذين وقفوا على جبل الزيتون كانوا ينادون بعقيدة الرب إلهنا رب واحد قالها موسى وكررها المسيح بنفس الصياغة والتزم بها كل السائرين على درب الأنبياء …(46/370)
فنوح أول الرسل بعد آدم قالها مُدوية "لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ" الأعراف : 59 … وأكدها هود "وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلاَ تَتَّقُونَ"الأعراف : 65 .. وصالح "وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءتْكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ هَذِهِ نَاقَةُ اللّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللّهِ وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوَءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ" الأعراف : 73 .. وشعيب "وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءتْكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلاَ تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ" الأعراف : 85 .. وإبراهيم "وَإِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ" العنكبوت : 16 ... وموسى (( اسمع يا إسرائيل. الرب إلهنا رب واحد .. تثنية 6-4 )) والمسيح (( فأجابه يسوع أن أول كل الوصايا هي اسمع يا إسرائيل. الرب إلهنا رب واحد .. مرقص 12-29 )) أو بلفظ القرآن "لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ" المائدة : 72..... دعوة واحدة رسالة واحدة طريق واحد "مَا يُقَالُ لَكَ إِلَّا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِن قَبْلِكَ إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ وَذُو عِقَابٍ أَلِيمٍ" فصلت : 43 ..
هذا هو الخلاص الحقيقي وبغيره لن نخلص .. فعقيدتنا هي عقيدة الأنبياء جميعا "قُولُواْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ" البقرة : 136...
ولذا فقد أكد السيد المسيح عليه السلام أن الخلاص والملكوت لن يرثه إلا مَن يعتقد بهذه العقيدة فقال ((وهذه هي الحياة الأبدية أن يعرفوك أنت الإله الحقيقي وحدك ويسوع المسيح الذي أرسلته .. يوحنا 17-3)) أي أن الخلاص لن يكون إلا بأن تشهد أن لا إله إلا الله وأن المسيح رسول الله ..!!
دين الوثنيين .. وخلاص الوثنيين
وبينما الجميع يسيرون على درب الأنبياء إذ تسللت أُمم وتنكبت الطريق وسارت على درب الضلال والزيغ وأنكرت الرب إلهها وعبدت الكثير من الآلهة البشرية .. صنعت آلهة بشرية على يدها وعبدتها صنعت آلهة على صورتها وشبهها صنعت آلهة وقتلتها وأكلت لحمها وشربت دمها لا فرق بينها وبين آلهة العجوة .. فأُمة من الأمم صنعت مثرا وأمة صنعت بروميثيوس وأمة صنعت أوزوريس وأمة صنعت يسوع الناصري .. كلهم بشر مثلنا منهم العبد الصالح ومنهم الماكر الشرير .. صُنعوا في مجامع خاصة وبعناية ودهاء وعُبدوا من ضمن سلسلة الآلهة البشرية الطويلة وجُعل بأيديهم الخلاص والغريب أن هذه الآلهة البشرية تُقدم حلولا سريعة لمعاصي الإنسان وبلاويه ويُصبح الإله فداء للإنسان في نوعية أخرى من الخلاص لم يعرفها الأنبياء ولا الأبرار
فها هو ميثرا ذلك الإله البشري القديم الذي صُلب في بلاد الفرس 600 قبل الميلاد يساق إلى الذبح كخروف وتُزين أيقونته المعابد الوثنية القديمة
ميثرا يساق للذبح كخروف
وهذه هي صورة ميثرا أحد الآلهة البشرية الكثيرة التي قُدمت كبديل لخلاص الأنبياء الأبرار وصُلب فداء لمجموعة من البشر
وبروميثيوس الذي وهب النور إلى الإنسان وصُلب على شجرة إبن الإله زيوس كبير آلهة جبال الأولمب .. يُقتل ويصلب في مسرحية متكررة في حضارات الأرض جميعا تختلف أسماء الآلهة البشرية لكن
كلها صناعة وثنية قديمة
بروميثيوس الذي صُلب على شجرة بعد أن وهب النور للإنسان
وهكذا درب الأنبياء وخلاص الأنبياء ودرب الوثنيين وخلاص الوثنيين يقول ول ديورانت في كتاب قصة الحضارة ..:- ((لقد قتلت البشرية ستة عشر إلها تكفيرا عن خطاياها مرورا بميثرا وكرشنا وانتهاء بيسوع الناصري))(46/371)
وهكذا لن يكون خلاص إلا بدعوة الأنبياء دعوة الرب إلهنا رب واحد أقسم بالله إنها دعوة حق .... دعوة للعقيدة الطاهرة عقيدة التوحيد ... إن الإنسانية الآن بحاجة إلى دين يشبع جوعها الروحي وتألقها الذهني .. بحاجة إلى الدين الذي تعاون النبيون جميعا على إبلاغ أصوله وتوطيد أركانه ثم جاء صاحب الرسالة الخاتمة فأعطاه صورته النهائية المقنعة المشبعة ...فها هي مبادئ التوحيد تنساب إلى القلوب من تلقاء نفسها لأنها الفطرة .. هاهي تعاليم الأنبياء تنساق إلى العقول كما تنساق البديهيات التي يلقاها الفكر بالتسليم ولا يستطيع أمامها مراء ..!!
المصدر:
الدين أفيون الشعوب"..النواقض العشر
الكاتب: سبع البوادي
لاديني ترعرع وسط مجتمع متدين، لكنه لا يؤمن بالديانات بصفة عامة، وليس لديه أي توجه ديني بحيث يشك في كل شيء.
بحث في جميع الديانات السماوية، وغير السماوية، وتبين له أن كل ذلك مجرد أيديولوجيا لتمرير خطاب معين، أو توجيه شعب نحو فكرة معينة تخدم الطبقة الحاكمة، يؤيد فكرة ماركس" الدين أفيون الشعوب".
وعن مصير الإنسان بعد الموت الذي اختلفت فيه جميع الطوائف/ تناسخ أرواح- جنة ونار- حساب وعقاب-تحمل خطايا الناس.
يقول الدكتور عزت عطية أستاذ الحديث بكلية أصول الدين- جامعة الأزهر:
نبدأ من الآخر بدلاً من الأول، وهو مصير الإنسان بعد الموت، فالتناسخ يعني أن الروح الواحدة تحل في أجساد متعددة، وأن كل مرحلة فيها تكون تابعة للمرحلة التي قبلها، خيراً أو شراً، وعلى ذلك فلا نهاية للعالم، ولا خلاص من التكليف، سواء في الجسد الأول أو الثاني أو العاشر أو المليون، وهو شقاء أبدي يكتب على المخلوق، تبعا لهذه النظرية، لا مخلص منه، ورحمة الله تأبى ذلك.
وأما تحمل خطايا البشر فلا يناسب التكليف والعدل الإلهي، ولا يظهر فيه الفضل الإلهي على الناس، لأنه يجرد الإنسان من شخصيته أو مسئوليته، وينتهي بالجميع إلى الغفران، بصرف النظر عما يفعله كل واحد.
ولو كان الأمر كذلك عند معتقديه لما وُجِدَ قانون للجنايات، ولا عقاب على إساءة، ولا نظام للحياة تتميز فيه الناس بجهودهم ونفعهم أو ضرهم للآخرين أما ما تقوم عليه الأديان السماوية وما جاء في الرسالات الإلهية فهو المناسب لأحوال الناس حيث تكون الدنيا فترة اختبار وتمييز ثم يكون الجزاء في الآخرة.
فإذا أضفنا إلى ذلك الأدلة الدامغة على النبوة، من الإعجاز، ومن أحوال الأنبياء، ومن التعاليم التي وردت عنهم، ومن التفرقة الضرورية بين أهل الصلاح وأهل الفساد، وبين الدين كما جاء من عند الله، والدين كما صورته الشياطين من الأنس والجن، إذا أضفنا ذلك ظهر لنا أثر الدين في الحياة الشخصية الظاهرة و الباطنة، الفكرية والسلوكية والشعورية، كما ظهر لنا أثر الدين في الأخلاق العامة، وفي الإنتاج، وفي التوازن الاجتماعي.
وكل ذلك ينافي كون الدين أفيون الشعوب، فالأفيون يدمر ولا يبني، يدمر العقل والإحساس، ولا ينمي الشعور، فالدين حياة وإحياء، والأفيون دمار وهلاك، وقد استبدل ماركس الدين الإلهي بالتدين الشيطاني، وانتهى الأمر بأفكاره إلى الجحيم، وانصرف عنه المؤيدون والمشجعون.
واقرأ معي قوله تعالى، في الدستور السماوي الخالد :"قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ قُلِ اللهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُم مِّن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ لاَ يَمْلِكُونَ لأَنْفُسِهِمْ نَفْعًا وَلاَ ضَرًّا قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُوا للهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ* أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَّابِيًا وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِّثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الأمْثَالَ" الرعد : 16 - 17.
ويقول الدكتور شوقي أبو خليل، دكتوراه في التاريخ الإسلامي ، والمحاضر بكلية الشريعة جامعة دمشق ، في مقال له منشور بأحد المواقع الإلكترونية، تحت عنوان (حول مقولة الدين أفيون الشعوب) :
قال صاحبي: الدين أفيون الشعوب!! . قلت مجيباً: اللهم نعم.. وألف نعم. فدهش الرجل واحتار. لقد توقع مني غير هذا الكلام، فقال: أنت موافق على أن الدين أفيون الشعوب؟!، قلت له: نعم.. أنا موافق على هذا القول، أو على هذه النظرية التي ظهرت في النصف الثاني من القرن التاسع عشر.(46/372)
قال: وكيف ذلك؟ . قلت: لأنها قيلت بحق أوربة عندما عطلت الكنيسة فيها العقل وجمدته، وشكلت طبقة من الإكليروس متميزة، ظهر منها، ما لا يليق بها.. وخاضت صراعاً عنيفاً بين العلم والدين، وقالت للإنسان: ((أطع وأنت أعمى)).. لذلك جابهت العلماء، وحرقت بعضهم- وعلى سبيل المثال ـ جعلت القول بكروية الأرض ودورانها جريمة. فهذه الأحوال المعطلة للعقل، والصادة عن العلم، والواقفة عقبة كأداء في سبيل تقدمه، يحق فيها ما قيل عنها.
أما الدين الذي جعل من تعاليمه تقديس العقل وتكريم العلم والعلماء في أي اختصاص.. فلا ينطبق عليه القول.. إن الدين الذي من تعاليمه: "ُقلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ" البقرة : 111، لا ينطبق عليه القول المذكور. والدين الذي جعل من مبادئه: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انشُزُوا فَانشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ" المجادلة : 11 . لا ينطبق عليه القول المذكور. إن الدراسة ـ التي عُممت ـ تمت على واقع أوربة في القرنين الماضيين.. فالقول الصحيح: ((الدين ـ في أوربة ـ أفيون الشعوب)).
قلتُ: يا صاحبي، سأضع بين يديك شواهد وأدلة من إسلامنا، كل واحد منها كاف لرد التعميم القائل: ((الدين أفيون الشعوب)) زمنها:
1 ـ يقول الله عز وجل في محكم التنزيل: "لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتَغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً" النساء: 114. دين يجعل المجالس التي ليس فيها إصلاح للمجتمع لا خير فيها، دين ليس أفيوناً، إنه دين المجتمع الفاضل المتكافل المتحاب..
2 ـ دين يجعل من مبادئه: "وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى" النجم: 39، دين ينبذ الكسل والتواكل، ويحب السعي والعمل.. استعاذ نبيه، r، من الجبن والبخل والعجز والكسل.. دين يجعل السعي مبدأ، والعمل أساساً.. دين ليس أفيوناً.
3 ـ دين يجعل من تعاليمه: "وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ" التوبة: 105، دين يقدس العمل ويأمر به، دين الحركة الدائبة في طلب الرزق الحلال.. ليس أفيوناً.
4 ـ دين ورد في دستوره: "وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّا* فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيّاً" مريم : 25-26 فدين يعلم أتباعه، ألا تواكل، وأنتم في أضعف حالة من القوة والنشاط، لن يصلكم رزقكم إلا بالعمل، قدموا طاقتكم، وابذلوا ما في وسعكم.. دين حياة، وليس أفيوناً.. فالخطاب في الآية الكريمة لمريم، وهي في ساعة الولادة.. ومع ذلك لم يرسل الله لها رزقها دون حركة وعمل.. بل قال لها: "وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّا..." وهذا تعليم للمؤمنين.. ألا رزق بدون سعي فلا رطب بدون هز جذع النخلة.. فدين هذه تعاليمه، هل هو أفيون؟ لا أحسب عاقلاً يقول هذا.
5 ـ قال نبي الإنسانية، r، : ((لأن يأخذ أحدكم أحبُله (جمع حبل) ثم يأتي الجبل فيأتي بحزمة من حطب على ظهره فيبيعها فيكُفّ الله بها وجهه، خير له من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه)). وقال عليه الصلاة والسلام: ((ما أكل أحد طعاماً قط خيراً من أن يأكل من عمل يديه، وإن نبي الله داود كان يأكل من عمل يده)). وقا صلى الله عليه وسلم : ((مَن بات كالاً من عمل يده، بات مغفوراً له)).. ولما رأى عليه الصلاة والسلام صحابياً يده خشنة قال له: ((ما هذا الذي أرى بيدك؟))، فقال الصحابي: من أثر المر والمسحاة، اضربُ وأعمل وأنفق على عيالي.. فسُرَ النبيُ الكريم، وقدر اليد العاملة وقال: ((هذه يدُ لا تمسها النار)). فهل دين فيه هذا التقدير من نبيه للعمل والعمال، دين تخدير وأفيون؟ أيقول عاقل هذا؟؟!! علماً أن من صريح تعاليمه: ((إن الله يكره العبد البطال)) و ((إن الله يحب المؤمن المحترف)).
6 ـ ورد في الحديث الشريف، ((المؤمن كيس فَطن حذر)) ومعنى المؤمن الكيس: المؤمن العاقل المدرك.. أما المؤمن الفطن: فالمؤمن الذكي النبيه ((ليس بالخب والخب لا يخدعه)).. منتهى اليقظة والتنبه.. فأين التخدير والأفيون؟ الإسلام عقل مدرك، وفطنة وذكاء..(46/373)
7 ـ كان عمر (رضي الله عنه) يرى الرجل فيسأله عن مهنته، فإذا قال لا مهنة لي، سقط من عينه. وكان يقول: ((لا يقعد أحدكم عن طلب الرزق، ويقول: اللهم ارزقني، فإن السماء لا تمطر ذهباً ولا فضة)). ونظر مرة إلى رجل مظهر للنسك متماوت، فخفقه بالدرة، وقال: لا تُمت علينا ديننا، أماتك الله)). وقال عمر على المنبر: ((مَن أحيا أرضاً ميتة فهي له)).. وكان يشجع الناس على استقطاع الأرض الفلاة، بغية إعمارها.. فأين التخدير والأفيون.. والإسلام عمل وعزة وإعمار..
8 ـ قا صلى الله عليه وسلم : ((اللهم بارك لأمتي في بكورها)) فالإسلام نبذ للكسل، وهمة عالية في استقبال نهار جديد، خاصة أن عشرات الآيات الكريمة تحض على استعمال العقل والتفكير واليقظة..
9 ـ مَن يقول: (الدين أفيون الشعوب) بحجة عقيدة القدر، نقول له : الإيمان بالقدر.. إتيان بالأسباب على أكمل الوجوه.. ثم توكل على مسبب الأسباب، وإن حدث ما يُسيء المرء وينغص معيشته، فالقدر يُبيد الحادثة المزعجة، ويحفز همته من جديد لاستقبال أيامه المقبلة بيقين الواثق بالفوز، وبأمل جديد يدفعه للمحاولة من جديد.. فليست عقيدة القدر معطلة للهمة، باعثة للكسل والتواكل.. لقد كانت عقيدة القدر قوة دافعة إلى الأمام، للجهاد، للفتوح، للاستشهاد..
10 ـ وأخيراً.. نختم بقولنا : لقد كانت هذه الأمة في أفيون، في مخدر.. عندما كان بأسها بينها شديد، وعدوها يتربع فوق أرضها في العراق والشام واليمن، مخدرة عن عدوها بثاراتها وغزوها.. سكرانة في تفاخر أجوف، وعظمة مفتعلة.. فجاءها الموقظ، جاءها المنشط، جاءها الحافز، جاءها المنبه.. لقد لامست كلمة (الله أكبر) أسماع العرب فأيقظتهم.. لو كان الإسلام أفيوناً لما وصل به المسلمون إلى الصين والهند وإندونيسية، ولا إلى قلب روسية وكل سيبيرية، ولا إلى ثلثي القارة الإفريقية.. رحم الله العقاد، عندما اطلع على فكر وفلسفة هؤلاء، ثم كتب كتابه (المذاهب الهدامة أفيون الشعوب)!!؟!
من كتاب الإسلام في مواجهة الأيديولوجيات المعاصرة للدكتور عبد العظيم المطعني ص 391
يقول ماركس عن الدين (انه نفثة المخلوق المضطهد ، وشعوره بالدنيا التي لا قلب لها ، انه أفيون الشعوب)
ويقول (انه الأفيون الذي يخدر الشعب لتسهل سرقته)
ويقول (أن الدين كان وسيلة الإخضاع الروحي كما كانت الدولة وسيلة الإخضاع الاقتصادي)
هذا وصف ماركس الدين وما كان ينتظر من رجل مثل كارل ماركس أن يقول عن الدين غير ما قال.
أما انجلز رفيق ماركس فيقول (ينشا الدين قبل أن تنهج الوسائل التي يكسب بها الإنسان معيشته وان الإنسان يواجه الطبيعة مباشرة في تلك الحالة فتقف أمامه الطبيعة قوة غلابة غامضة فيعبد (الإنسان) مالا يدركه منها وما الدين إلا انعكاس القوى الظاهرية التي تسيطر على معيشته اليومية)
ويقول (إن أصحاب المصالح قد استغلوا المسيحية كلما وجدوا لهم مصلحة في استغلالها فجعلوها دين الدولة بعد قرنين ونصف من ظهورها وجاء البرجوازيون في ألمانيا فأبدعوا البروتستانتية ولم يستفيدوا منها لضعفهم فاستفاد منها الملوك المطلقون لأنها رفعت عنهم سلطان الكنيسة . والدين جملة هو الغذاء الخادع للضعفاء لأنه يدعوهم إلى احتمال الظلم ولا يزيله ويقول ماركس في وصف المسيحية خاصة (إن المسيحية تحبب الجبن واحتقار النفس وإذلالها وتحبذ الخضوع والخسة وكل صفات الكلب الطريد)
ومن أقوال عامتهم عن الدين
(كل مسالة اختلف فيها العلم مع الدين فالصواب في جانب العلم والخطأ في جانب الدين!)
(إذا تكلم العلم فليخرس الدين)
معنى هذا الكلام: يقصد به العلمانيون والشيوعيون أن يصفوا الدين بأنه:
وسيلة خادعة لجا إليها الأغنياء والأقوياء ليتمكنوا من إحكام القبضة على الشعوب ويسخروها لخدمتهم
أن العلم وحده -ويقصدون العلم المادي- هو مصدر المعرفة فيجب أن يكون هو المطاع لا الدين، لان الدين من اختراع البشر وانعكاس لقوى الطبيعة وصور المادة
أن الدين يدعو إلى قبول الظلم والاضطهاد ويحط من كرامة الإنسان بتخديره له ووعده بالتعويض في حياة أخرى .
نقد ونقض:
من سوء حظ الشيوعيين أن الباطل مصاحب لهم في كل تصوراتهم وهم دائما يبنون تصوراتهم على أوهام ويتصيدون النظريات والآراء الباطلة لتكون أساسا لأيديولوجياتهم.
فدعواهم أن الدين وسيلة لجا إليها الأغنياء والأقوياء لإذلال الشعوب وضمان السيطرة عليهم هذه الدعوى أول من قال بها السوفسطائيون ثم أخذها عنهم فولتير. وكانت هذه الدعوى في الأصل تعليقا مباشرا عند الشيوعيين على المسيحية بوجه خاص كما تقدم آنفا عن انجلز. ثم عممها عملاء الشيوعية فيما بعد فطبقوها جزافا على الإسلام. وهى -في الواقع- أكذوبة على المسيحية والإسلام معا.
فالمسيحية والإسلام دينان سماويان وليسا من انعكاس الطبيعة ولا من اختراع الإنسان. وتاريخ المسيحية والإسلام معا يكذب دعوى الشيوعيين أن الدين عامة أو المسيحية خاصة كانت مصيدة الفقراء التي دفعتهم إليها غيرهم من الأغنياء والأقوياء.(46/374)
لان المسيحية آمن بها الأغنياء والأقوياء من المسيحيين كما آمن بها فقراؤهم وضعفاؤهم. وكلهم كانوا صادقين في الإيمان بها. ولو كانت المسيحية مصيدة وحبسا لما زج أغنياء المسيحية وأقوياؤها أنفسهم فيها وقراءة التاريخ في هذا المجال تكشف عن جهل الشيوعيين ومغالطاتهم لحقائق التاريخ القديم والحديث.
أما إذا أريد الإسلام بهذه المقولة فان تاريخه منذ عصر نزوله لا يكتفي بتكذيب الشيوعيين والكشف عن جهلهم فحسب. بل ينسفهم نسفا من الوجود الإنساني أو يخرجهم من دائرة العقلاء إخراجا لا رجعة فيه.
فقد انضوى تحت لواء الإسلام أغنى الأغنياء وأقوى الأقوياء كما انضوى تحت لوائه الأحرار والعبيد والرجال والشباب والنساء والأطفال والفراء والضعفاء على حد سواء.
فعبد الرحمن بن عوف وأبو بكر الصديق وعثمان بن عفان كانوا من أغنى أغنياء العرب ولم يمنعهم ثراؤهم وحسبهم وقوتهم وشرف أرومتهم من أن يرتموا في أحضان الإسلام وان يبذلوا الغالي والنفيس من ثرواتهم في سبيل الله ونصرة الدين.
من عادى دعوات الرسل على مدى التاريخ النبوي كله من الأغنياء والأقوياء فان سبب عدائهم للرسل معروف فاشتغال الفتى بماله واغترار القوى بقوته كان هو سبب الأسباب في العداء والإعراض والاعتراض.
والقرآن يقدم للعالم تفسيرا صادقا كل الصدق . مما يعتبر قانونا من قوانين علم النفس البشرى "كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى* أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى" العلق : 6-7 فطغيان بعض الأغنياء والأقوياء طبيعة من طبائع النفوس.
هذا ولو كان للشيوعيين بصر بالتاريخ وفقه بمراميه وإلمام بخط سيره لعلموا أن الواقع التاريخي يعكس دعواهم تماما ويظهرهم وهم يرتدون ثياب الزور والبهتان.
فدعوى الشيوعيين أن الدين من اختراع الأغنياء أكذوبة تاريخية لا تقل شناعتها عن شناعة قولهم : أن المادة هي الخالقة خلقت نفسها ثم خلقت غيرها!
ذلك لأن التاريخ الديني النبوي يدل بوضوح على أن الأغنياء والأقوياء كانوا دائما يقفون في طريق الدعوات السماوية ويعادون الرسل ويتهمونهم بالكذب ويحذرون الناس من متابعة الرسل وتصديقهم والشواهد على ذلك كثيرة ومنها:
قول كبراء ثمود لضعفائهم لما بعث الله إليهم صالحا عليه السلام:
"قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ مِن قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُواْ لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحاً مُّرْسَلٌ مِّن رَّبِّهِ قَالُواْ إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ* قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ إِنَّا بِالَّذِيَ آمَنتُمْ بِهِ كَافِرُونَ". الأعراف 75-76
وقول قوم شعيب لشعيب ولمن آمن معه:
قال الملأ الذين استكبروا من قومه : "لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَكَ مِن قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا". الأعراف 88
وقول قوم نوح في وصف من آمن به منهم:
"وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلاَّ الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ" هود: 27
فالأقوياء تكبروا وغناهم أعدا أعداء الرسل:
اتهموهم بالكذب على الله
حذروا الناس من تصديقهم واتباعهم
شهروا في وجوههم السلاح وانزلوا بهم اشد صنوف الأذى والعذاب
أضلوا غيرهم فجذبوهم إلى حزبهم .
ولذلك فان خصومة عنيفة ستنشب بينهم في عاقبة الأمر حين يقول الضعفاء لربهم:
"وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا* رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً" الأحزاب: 67-68
وحين يقول بعضهم لبعض في النار:
"وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاء لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا نَصِيباً مِّنَ النَّارِ* َقالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيهَا إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ" غافر: 47-48
هذا هو موقف (البرجوازيين) الأغنياء ومالكي الثروات من الدعاة والرسل موقف عداء سافرة تكذيب مستمر. فلو كان الدين من اختراع أصحاب المصالح كما يقول حزب الشيطان من سوفسطائيين وعلمانيين وشيوعيين لما كان لهم هذا الموقف المخزي من الدين بل لناصروه وحثوا العامة عليه ليزيدوا لهم جرعة المخدر فيعيشوا في غيبوبة الأفيون ولا يفيقون "مَّا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلَا لِآبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِن يَقُولُونَ إِلَّا كَذِباً" الكهف : 5
شبهة وردها :
ولكن قد يقول قائل: إن هذا ما يقرره القرآن وهم غير مؤمنين بالقرآن فلا تلزمهم حجة بما نقول.
والرد: أن الذي يقرره القرآن هنا هو ما قرره تاريخ الإنسانية المحفوظ والقوم -أعنى الشيوعيين- وان لم يؤمنوا معنا بالقرآن فهم مؤمنون بالتاريخ وقد اعتمدوا عليه في مذهبهم الاقتصادي. فالحجة قائمة عليهم بهذا الاعتبار.(46/375)
وان ارتابوا في وقائع التاريخ فان في الواقع المعاصر ما يلزمهم بالحجة وبصدق التاريخ. فان أصحاب المصالح والسلطان هم ألان من أعدا أعداء الدين لأنهم يخشون منه تحريره للإنسان وتبصيره إياهم بحقوقهم. وأصحاب المصالح (البرجوازيون) يعتبرون هذا من الدين تحريضا عليهم لتقويض عروشهم وحرمانهم من أساليب البطش والطغيان واستذلال الناس . وانجلز نفسه قد أدرك هذه الحقيقة حين قال إن الملوك المطلقين قد استغلوا البروتستانتية -لأن فيها نزعة تحرر من قيود رجال الدين- واستفادوا منها لأنها خلصتهم من سلطان الكنيسة. إذن فدعوى الشيوعيين أن الدين توليفة مخترعة اخترعها أصحاب المصالح من ذوى المصانع والإقطاع ورؤوس المال ليخدروا بها الشعوب. هذه الدعوى أكذوبة مفضوحة لا سند لها من التاريخ ولا من الواقع شانها شان كل الدعاوى والتصورات الشيوعية سواء وقفوا بها عند حدود المسيحية أو تجاوزها لي الإسلام. فهم -على أي تقدير- مخطئون مبطلون.
هل الدين مخدر كما يقولون؟
كذب الشيوعيون في دعواهم أن الدين من اختراع أصحاب المصالح ورجال الإقطاع حين أردوا أن يفسروا أسباب نشأة الدين من الوجهة التاريخية والوجهة النفسية والوجهة الاجتماعية والوجهة الاقتصادية
وكذب الشيوعيون حين أرادوا أن يفسروا واقع الدين وحقائقه وغاياته ومقاصده بأنه مخدر للشعوب يزين لهم الخنوع ويحبب إليهم الذل ويسوغ عندهم الظلم والاضطهاد
كذبوا في هذه الدعوى كما كذبوا في غيرها وجهلوا الدين كما جهلوا حقائق التاريخ وثمرات العلوم.
والجدير بالذكر الحقيقة بالتنبيه أن الشيوعيين استنتجوا هذه الدعوى الكذوب من مطالعات مخدوعة في الديانة المسيحية. ووقفوا عند نصوص مبالغ فيها الدعوة إلى السلام والتسامح مسطورة في الأناجيل من مثل: من لطمك على خدك الأيمن فادر له خدك الأيسر ومثل: باركوا لأعنيكم وما أشبههما.
ولهذا فهم ماركس أن المسيحية تبارك الجبن وتحبذ والخنوع وكل صفات الكلب الطريد ؟!
وقف ماركس عند ظواهر هذه النصوص ووقف مثله الشيوعيون من بعده ولم تقيموا شانا لحقائق التاريخ المحفوظ ، وفيه أن المسيحيين ناضلوا نضالا مريرا من اجل دينهم ضد الرومان، وضد اليهود منهم الشهداء بالمئات والألوف.
ومعلوم أن الدين الذي قصده الشيوعيون -وبخاصة في عبارة ماركس التي يقول فيها أن المسيحية تحبذ الذل والخنوع- إنما هو الدين المسيحي فحسب . وعبارات ماركس وانجلز صريحة في هذا الإفصاح كل الصراحة وليس معنى هذا أن الشيوعية لا تعادى الإسلام . بل هي اشد عداء له من عدائها للمسيحية . ولكن سبب أو أسباب عدائها للإسلام غير سبب أو أسباب عدائها للمسيحية وإن كان في أسباب العداء لهذا ولتلك قدر مشترك بين الديانتين العالميتين. فقد كرهوا في الإسلام غير الذي كرهوه في المسيحية على ما سيأتي تفصيله قريبا بإذن الله.
جهل رؤوس الشيوعية بالأديان :
ماركس وانجلز هما رأسا الشيوعية والمدبران ويداهما الحائكتان لنسجها لحمة وسدى. وهما -مع هذا- كانا جاهلين كل الجهل بحقائق الأديان ولم يعرفا عنها إلا القشور. وقد انعكس جهلهما بالأديان على اتباعهما في عصرهما ومن بعدهما والى هذا الوقت الذي نسطر فيه هذه السطور. يدلك على هذا كلام الرجلين عن الدين وفهمها له.
وروت إحدى الصحف الشيوعية أن مبشرا بالماركسية ألقى محاضرة على طائفة من علماء الكيمياء قارن فيها بين المسيحية وبين الكاثوليكية على انهما ديانتان مختلفتان. وجهل هذا المبشر الإلحادي أن الكاثوليكية شعبة من شعبا لديانة المسيحية وليست دينا مختلفا عنها.
وفى الواقع أن مواجهة الشيوعية بدعواها العريضة المسيحية وحججها لا تحقق كبير انتصار عليها . وبخاصة إذا وضعنا في الاعتبار أن الشيوعية في حملتها الضارية على المسيحية لم تقصد مسيحية المسيح عليه السلام بقدر ما تقصد مسيحية بولس التي اعتنقتها المسيحية بعد مجمع نيقة عام 325م وهى مسيحية مزورة محرفة وفيها من العيوب والمثالب ما يطمع الفكر الشيوعي العلماني والفكر العقلي المثالي من دحرها والانتصار عليها . وقد كان لهم ما أرادوا بعد أن توارت المسيحية البوليسية إلى الوراء وأدركت أنها ليست من فرسان الميدان الذي جال فيه العلمانيون والعقليون . فرضيت الغنيمة بالإياب.
الإسلام في مواجهة حاسمة :
عادت الشيوعية الإسلام -وما تزال تعاديه- لغير الأسباب التي عادت من اجلها . عادت الشيوعية المسيحية لأنها دين. والدين عند الشيوعيين خرافة.
وعادت الشيوعية الإسلام لان الإسلام دين والدين عن الشيوعيين وهم، وعادت الشيوعية الإسلام لأسباب أخرى غير انه دين، عادته لأنه المنافس الوحيد الخطير الذي وجدته يقف أمامها على خط آخر ساخن لم تر الشيوعية للمسيحية فيه وجودا ولا سلاحا هي تخشاه على حاضرها ومستقبلها. نظرت فلم تجد -هنا- إلا الإسلام والإسلام وحده.
وجدته على هذا الخط الساخن يحمل من أسلحة الدمار للشيوعية ولكل المذاهب الباطلة ما ليس له نظير ولا وجود إلا في ترسانة هذا الإسلام.(46/376)
هذا الخط الساخن هو مجال القيادة والريادة والتوجيه لشئون الحياة كلها. وجدت الإسلام بمنهجه الحكيم صالحا لإرادة كل المجتمعات دون أن يعبا أو يكل
لذلك نشطت الدعاية الشيوعية ضد الإسلام بعد أن عزلت المسيحية مسرح الأحداث وورثت مواطن كثيرة من مواطنها.
الإسلام دين الوعي والقوة:
كان من السهل والميسور على الشيوعية أن تتهم المسيحية بالضعف والخنوع ولكن هذه التهمة إذا أريد توجيهها إلى الإسلام وجدت أمامها كل العوائق والعراقيل. وان صدق من يقول أن الشمس سبب الظلام في الكون فلن يصدق من يقول أن الإسلام مخدر أو يحبذ الذل والخنوع. وشيوعيون لم يفرقوا -حتى الآن- بين دين يمكن أن يتهم بهذه التهمة ودين يسمو فوق كل التهم والظنون. وهو الإسلام
فليس الإسلام مخدرا لتابعيه ، لأنه يوقظ فيهم روح الوعي في السر والعلانية فالمسلم يعمل في ظل رقابة حكيمة لا يخفى عليها شيء:
"وَلاَ تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ" يونس:61
في هذا الظرف المحيط بكل شيء يعمل المسلم. فهو دائما يقظ واع لا يرى نفسه -وحده- أبدا .
"ألَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِن ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ" المجادلة : 7
فالله ثان مع الواحد، وثالث مع الاثنين ورابع مع الثلاثة وخامس مع الأربعة وسابع مع الثمانية. فأين المفر؟ انه يحصى عمل العاملين وان ظنوا انهم بمنأى عن الرؤية.
فهل يوصف دين هذا شانه بأنه مخدر؟ وإذا كانت هذه اليقظة تخديرا فما هي اليقظة يا ترى.
ويقول الحديث الشريف: اعبد الله كأنك تراه فان لم تكن تراه فانه يراك
ويقول: اتق الله حيثما كنت
ويقول: استحيوا من حق الحياء
ومن النصح المسموع في الإسلام (بادروا بالأعمال) و (حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا)
وفى الإسلام وعيد شديد لمن يغفل عن مراقبة ربه ويلهو ويلعب.
"وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ" الزخرف : 36
"مَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى* َقالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً* قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى" طه : 124 - 126
فأين التخدير في الإسلام. إن المخدر -فعلا- هو الذي يقول أن الإسلام مخدر أو هو أفيون الشعوب.
إن الإسلام أحاط الإنسان بطاقات هائلة من التوجيه والتشريع لا تترك ذرة واحدة من حياته أو أي سلوك كبر أو صغر إلا وللإسلام فيه توجيه من خلال ثلاثة أصول تنظم النشاط البشرى كله. وتلك الأصول هي:
الأصل الأول : افعل ويندرج تحت هذا الأمر أفعال الخير كلها سواء كانت واجبة كأداء العبادات المفروضة والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، أو كانت مندوبة يترجح فعلها على تركها كصلة القربى والإحسان إلى مستحقي الإحسان.
الأصل الثاني : لا تفعل ويندرج تحت هذا النهى كل أفعال الشر سواء كانت محرمة كعقوق الوالدين وخيانة الأمانة ونقض العهد والغش والخديعة. وآذى الجار واختلاس الأموال والسعي بالفساد بين الناس. أو كانت مكروهة يترجح تركها على فعلها كالتراخي في أداء الواجبات وعدم التورع عن الشبهات والمبالغة في المدح أو الذم.
الأصل الثالث: افعل - لا تفعل ويندرج تحت هذا الأصل بفرعيه الأمور المباحة إباحة مستوية الطرفين. وهو كل خير لم يلزم الشرع الناس بفعله ولم يحرمه عليهم، لان أبواب الخير واسعة وطاقات الناس مختلفة في القدرة على فعله. ومثاله بناء مدرسة أو مستشفى أو شق طريق لقادر عليه. فالإسلام لم يوجب ذلك وجوبا حتى يعاقب من لم يفعله من الأثرياء ولم يحرمه على من أراد أن يتطوع به.
هذه الأصول الثلاثة انتظمت النشاط البشرى كله ، والمسلم المكلف خاضع لها خضوعا تاما. ورقابة الله مطلقة على الجميع فكيف يقال أن الإسلام مخدر لتابعيه وهو يوجههم هذا التوجيه. ويراقبهم تلك المراقبة الدقيقة ويحصى عليهم أعمالهم ثم يجازيهم عليها على هذا الأساس: "فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ* َومَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ" الزلزلة : 7 - 8
وللإسلام منهج آخر في بعث الوعي في وجدان المسلم حيث حثه على النظر في الكون والتدبر في آيات الله في النفس وما خلق الله من شيء. وقد مرت بنا نماذج كثيرة فيما تقدم لفت القران فيها الأنظار إلى بدائع في خلق الله وجميل صنعه. وهل توصف أمة بفقدان الوعي ودينها يخاطبها في كل حين بمثل قوله تعالى:(46/377)
(َيا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ* َيوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ" الحج : 1 - 2
إنها أمة ذات رسالة في هذا الكون . وقد وضع الله في يديها أمانة وحيه واستودعها خواتيم كلماته. ورسم لها طريق الظفر وحظها من النجاح والتردي رهين تمسكها بدينها. فان غفلا عنه يوما فهي الملومة وليس الإسلام.
المصدر:
http://www.eltwhed.com/vb/showth ead.php?t=4403
مانخوليا الإلحاد ..!!الكاتب: else dap
د. السمالوطي
كيف يُرفرف العَلم على سطح القمر ؟؟
هل يوجد غلاف غازي على سطح القمر ؟؟
القمر لا يوجد به غلاف غازي أصلا ولو تصورنا أن إنسانا سار عليه فإن آثار أقدامه لن تنمحي ولو بعد آلاف السنين إلا لو محاها شخص آخر لأنه لا يوجد هواء عليه .... إذن كيف يرفرف العلم ؟؟
هذا التساؤل افترضه أحد علماء الفضاء فهو يُنكر وبشدة أن الإنسان صعد على سطح القمر أصلا وأن الأمر لا يعدو أن يكون مسرحية تمت على صحراء نيفادا وليس على سطح القمر ..!!
وأنا الآن أسأل الملحد العبيط هل العلم الحديث مُحترم ؟؟
حشرة العث التي يعشقها أحفاد دارون
قلنا في مقال سابق أنه مِن المُفترض أن يظهر كائن حي جديد كل بضعة أشهر وأن تظهر طفرة جديدة كل يوم تسود جيل بأكمله في أحد الكائنات الحية على الأرض هذا بحساب سرعة التنوع بين الكائنات الحية بالمُعدل الزمني لظهورها وظل عُباد داروين يبحثون في كل مكان لعلهم يستطيعون رصد ظاهرة من هذا النوع وكانت المفاجأة فمع حدوث الثورة الصناعية تحولت جدران المنازل إلى اللون القاتم بسبب غبار المصانع واكتشفوا أنه قد زادت نسبة العث الأسود في المدن وقلت نسبة العث الأبيض ليتكيف مع ظروف الطبيعة وتربص الطيور التي تتغذى عليه !!
لكن كانت الفضيحة فقد اكتشفوا ان من قام بالتجربة كان يأتي بعدد من هذه العث الأسود الميت ويقوم بلصقها على الجدران * ( يععععععععع ) وبالتالي تكون النتيجة أن العث الأسود نسبته قد زادت .. لكن يبدو أن نسبته لم تزد إلا في كتابات الداروينين الحرامية .. وعرفت هذه التجربة بالفضيحة العلمية فيما بعد !!!
السؤال:- لماذا الكذب .. ؟؟
المصدر :- Jonathan Wells, Icons of Evolution p.141-151
تابع موضوع النزول على سطح القمر:
http://alsaha.fa es.net/sahat?14@3....dYa.4@.2cc10fa7
المصدر:
http://70.84.212.52/vb/showth ead.php?t=5766
الإلحاد صورة من صور الإيمان الميتافيزيقي !! لكن بلا دليل
الكاتب: else dap
د. السمالوطي
الإيمان والاعتقاد بأشياء لا يُمكننا إدراكها هذا مما أجمع عليه أهل الأرض بلا مُخالف …… فالجميع مؤمنهم وكافرهم مهرطقهم وملحدهم لادينييهم ولا أدرييهم الجميع لابد له أن يعتقد ولابد له أن يُؤمن بالماورائيات …. هذا لا خلاف عليه بين عُقلاء الأرض
لكن هُناك ما ورائيات يُؤيدها الوحي الإلهي ولا يستطيع أن يُنكرها العلم التجريبي بل تجد هناك تبادل للنظرات بين هذه الماورائيات وبين العلم التجريبي وكأن العلم التجريبي في طريقه لإثباتها ....!!!!!
وهُناك نوع من الماورائيات لا تقوم على دليل ... بل تقوم على اللادليل وهذه العلم التجريبي يقبلها مرة ويلفظها مرات
وسنضرب مثالا لكلا النوعين ......
ففي النوع الأول :- نؤمن مثلا نحن المسلمون بأن هُناك كائنات أُخرى تعيش معنا غير محسوسة مثل الجن فهذا إيمان ما ورائي لا يقوم على دليل مادي ... لكن هذه العقيدة في وجود الجن يؤيدها الوحي الإلهي ولا يستطيع العلم التجريبي أن يُنكرها .... بل تجد أن أبحاث الأجسام الأثيرية مثلا أثبتت وجود أشياء لا نراها نُعايشها وتتعايش معنا وما زالت الأبحاث تجري على قدم وساق بخصوص الأمر ..!!!
ونجد في النوع الثاني :- إيمان الملاحدة فهم يُؤمنون أن الكون نشأ صُدفة وأنه لا يُوجد صانع .. وهذا إيمان ماورائي لا يقوم على دليل مادي ... والمُدهش أن العلم الحديث يستهزئ بمن يقول بالصدفة .... إذن الإيمان بالصُدفة نوع من الإيمان الأعمى ... إيمان بلا دليل عقلي أو نقلي أو حِسي !!!!(46/378)