ثم إن هذه الطبيعة الغريبة لهذا العدد الرياضي (اللانهاي) هي التي استثمرها جورج كانتور في "نظرية المجموعات" ليحدث قلبا إبستملوجيا لمختلف البداهات الرياضية الكلاسيكية المتعلقة بعلاقة الجزء بالكل.ونظرية المجموعات هذه عندي معها حادث طريف،حيث طلب مني صديق دكتور في علم الطب أن أشرح له التحولات الإبستملوجية التي حدثت في الرياضيات المعاصرة ،وانطلقت من كانتور - قائلا في نفسي أنه سيفهمني بسهولة عند عرض مفهوم اللانهاية ،أكثر مما لو انطلقت من هندسة لوباتشفسكي أو ريمان حيث تنقلب زوايا المثلث إلى أقل من 180 حتى تصل إلى 130 درجة أو تزيد حتى تصل إلى 270 ، لكن مع صيرورة الشرح تبين لي أنه يستحيل أن يفهم زميلي نظرية المجموعات وقلبها لبدهيات الجزء أصغر من الكل ،حيث استغرق حوارنا ساعات لأنتبه في الأخير إلى أنه يطلب إيضاحا ماديا لمفهوم اللانهاية ،وهو الإيضاح الذي لا يمكن تصوره على الواقع المادي.فالتفكير المادي في اللانهاية هو مخالف لحقيقتها المجردة.
ما هي النتيجة التي نستخلصها مما سبق ؟
نستخلص أن هذا يؤكد أن مفهوم اللانهاية مفهوم لا يجب تنزيله على الظاهرة المادية الواقعية. وهذا هو مايقوله علماء الرياضيات أنفسهم ،فالعالم الرياضي الشهير دافيد هلبرت يقول :" إن اللانهاية لاتوجد داخل الطبيعة... إن دورها الوحيد الذي يمكن أن تقوم به هو دور فكرة".
ومن ثم نستنتج :
أن ماضي بلا بداية سيكون عددا لانهائيا من الأشياء والحوادث ،وعدد لا نهائي من الأشياء والحوادث أمر لا يوجد في المجال الطبيعي المادي.
ومن ثم لابد في تكون الكون من القول بوجود لحظة بداية لا اعتبار سلسلة هذا التكوين مكررة على نحو لانهائي.
والواقع أنه حتى الملحدين الذين يحترمون عقولههم يقولون بهذا ،فالملحد دفيد هيوم يقول بصريح العبارة :"إن عددا لانهائيا من مراحل الزمن التي تتالى يبدو مجرد فكرة متناقضة ،وهي فكرة لا يوجد إنسان يقتنع بها دون أن يكون في اقتناعه يفكر على نحو فاسد مختل "
من هنا نخلص عقليا إلى النتيجة ذاتها التي أكدناها من قبل علميا،وهي أن القول بأن الكون له لحظة بداية هو القول المقبول عقلا. والذي يسنده العلم ،من خلال نظرية الأنفجار العظيم .
أعرف أن نظرية الانفجار العظيم لها مثل أي نظرية أخرى انتقادات . ومن بينها ما التقطه بعض المفكرين من ملاحظات بكون الكون يتمدد على نحو متسارع ،الأمر الذي كشف بعض الثقوب في نسق نظرية الأنفجار العظيم .
لكن هذا النقد لم يلغ النظرية ،بل إنه يبقى هو نفسه مصطدما بما اصدمت به نظرية تكرار الإنفجار التي عرضناها سابقا وقدمنا نقدا لها من مدخل العلم ومن مدخل النقد العقلي لمفهوم اللانهاية.
-2-
من أين أتيت يا نقطة الدبوس؟؟!!!
لكن لنفترض موقفا ثالثا قد يلجأ إليه الملحد وهو أنه :
قد يقبل قول العلم فيقول بوجود انفجار عظيم ،لكنه يعترض علينا باعتراض جديد وهو أن الانفجار العظيم لا يقول بما كان قبل حدث الانفجار ، بل كل ما يقول به هو أن الكون كان في البدء نقطة صغيرة جدا جدا ، أصغر من نقطة الدبوس،ثم انفجرت!
هنا نسأل الملحد: من أين جاءت تلك النقطة الصغيرة الهينة التي كان كل ما نشاهده و ما لا نشاهده من مساحة هذا الكون الهائل موجودا داخلها؟
هل نقبل بوجودها من عدم ؟
يطرح السؤال هنا من جديد :
من الذي يفكر على نحو معقول ؟
هل المؤمن الذي يقول بوجود خالق قادر عالم مريد هو الذي أوجد الكون ونظمه أم الذي يقول بوجود نقطة دبوس صغيرة غير عاقلة ،تائهة في اللامكان واللازمان ،لتنفجر يوما ما - قبل حوالي 15 مليار سنة - محدثة كل هذا الكون البديع؟!!
ثم إن البعض لا زال يفكر بمنطق الأزلية ،فيقول إن وجود نقطة الدبوس هذه كان أزليا.
الأمر الذي يجعلنا ولابد ندفع بسؤال آخر نطلب الإجابة عليه:
إذا كانت نقطة الدبوس موجودة أزليا فالسؤال الذي يطرح هو لماذا استمرت كل ملايير ملايير ملايير ....... - إلى ما لانهاية !!!!- من السنوات خامدة ساكنة، ثم منذ 15 مليار سنة تقرر أن تنفجر محدثة هذا الكون!
ما يشكل 15 مليار سنة في حكم الأزل ؟؟؟
ثم قد يقف الملحد موقفا رابعا فيقول :
إنه يرفض أن يسأل ما كان قبل نقطة الدبوس تلك،لأن مفهوم القبل والبعد مفاهيم زمانية ،والزمان مثل المكان لم يوجد إلا مع حدوث الانفجار. إذ به ابتدأ الزمان!
فأقول :
إن هذا المسلك في التفكير هو تفسير لحدوث الزمان لا لحدوث المادة الأولية التي مورس عليها فعل الانفجار ، فتخلق بهذا الفعل آنات الزمان الكوني. أقول الزمان الكوني لأنني أعتقد بوجود زمان آخر.
ومن ثم يبقى السؤال منتصبا يحتاج من الملحد إلى إجابة وهو:
من خلق نقطة الدبوس الصغيرة التي ستنفجر يوما؟(45/92)
نحن لا نعتقد بأزلية نقطة الدبوس! لذا نرى صواب قول عالم الفيزياء المعاصر ادموند ويتيكر عندما يؤكد صراحة: "ليس هناك ما يدعو إلى أن نفترض أن المادة والطاقة كانتا موجودتين قبل الانفجار العظيم وأنه حدث بينهما تفاعل فجائي. فما الذي يميز تلك اللحظة عن غيرها من اللحظات في الأزلية؟ والأبسط أن نفترض خلقاً من العدم، أي إبداع الإرادة الإلهية للكون من العدم"
ومن ثم فالنتيجة التي نخلص إليها هي اللاأزلية وتوكيد الحدوث ووجود الخالق.
3-
دليل النظام
لكن مع ذلك أقول مفترضا جدلا أن الملحد سيقف موقفا خامسا خلاصته عدم الاقتناع بما سبق:
فلم يقنعه خطاب العلم الفزيائي القائم على نظرية الإنفجار العظيم، أو لنفترض أنها نظرية الانفجار خاطئة ، كما نفترض أن الملحد لم يقنعه التحليل العقلي الذي بلورناه سابقا لتوكيد القول بوجود لحظة بدء لهذا الكون . ولنفترض أنه يطلب دليلا آخر.
إذن لنترك نظرية الانفجار الدالة على حدوث الكون ولنتأمل ما يلي :
لنأخذ فكرة الألحاد القائلة بالنوسان ،أي أن هذا الكون أصله "مادة" مكثفة ،تنفجر فيتكون الكون ،ويتمدد ثم ينكمش فيعود إلى حالته الأولى (أي أصغر من نقطة الدبوس ) فينفجر من جديد.
فنقول :
إن الكون قبل الانفجار كان كله في حجم أقل من بروتون واحد!!!! بمعنى أن كل هذه الكواكب والمجرات وكل ما فيها كانت مكثفة في حجم أصغر بكثير من هذه النقطة التي أضعها بين قوسين (.)
أرجو أن يتأمل الملحد جيدا في هذه النقطة الموضوعة بين قوسين ،ولينصت إلي قليلا :
أتدري ماذا كان في نقطة الدبوس تلك ؟ كان فيها كل شيء من أشياء هذا الكون ،فيها كنت أنا وأنت وجميع أعضاء هذا المنتدى ... وكان فيها أيضا كوكب الأرض بل والمجرات ... وكل هذا الكون الذي لا زال في امتداد وتوسع!
ثم انفجرت النقطة الصغيرة التي لا ترى ليستوي منها كل هذا الكون العظيم.
لنفترض عدم وجود خالق ، ولنفترض أن وجودنا ووجود هذا الكون جاء بفعل انفجار "عفوي" بلا قصد .
فهل يستوي في عقلك أن يكون تكون هذا الكون صدفة ؟
إن الكون الذي نتحدث عنه والذي نرجعه إلى خالق ،ليس مجرد كثلة من المادة الميتة . ولا هو ظواهر فوضوية مهزوزة بلا انتظام ولا نسق. بل هو كون منظم بلغ في انتظامه واتساقه درجة مذهلة.
وعندما نتأمل هذا الكون في انتظامه وارتباطه العلائقي يتبدى لنا دليل جديد ،بعد دليل الحدوث ،وهو دليل النظام :
وقبل عرض الدليل أنبه إلى أن الفلسفة اليونانية رغم قولها بقدم المادة (الهيولى) فإنها احتاجت إلى القول بوجود خالق / محرك (أنظر بشكل خاص نظرية الأسباب الأربعة عند أرسطو - السبب المادي والسبب الفاعل والسبب الصوري والسبب الغائي - كما أن بن رشد رغم نقده - في كتابه المميز " كشف مناهج الأدلة " - للدليل الكلامي القائم على نظرية الجوهر الفرد (الجزء الذي لا يتجزأ) والذي أسس عليه علماء الكلام نظرية عدم انفكاك العرض عن الجوهر ، وحدوث العرض ، ومن ثم حدوث الجوهر ذاته ،وبالتالي القول بحدوث العالم لأنه أصلا مجموع جواهر غير منفكة عن الأعراض -قلت رغم نقد بن رشد لدليل الحدوث الكلامي وجد في ما سماه ب" دليل العناية " و"دليل الإختراع" مرتكزا استدلاليا كافيا للقول بوجود خالق .
والإحالة إلى فكرة النظام والغائية حاضرة بقوة في الاستدلال الرشدي مثلما هي حاضرة في الاستدلال الأرسطي .
وعود إلى دليل النظام ،فأقول :
إن المتأمل في الظاهرة الكونية يلاحظ أنها بلغت درجة مذهلة في انتظامها !
نعم ثمة الآن نظرية علمية تقول بالكوارث والفوضى ،وجدت بأن يعض الملحدين يكررونها وكأنها مدخل يعفيهم من سؤال كيف حدث النظام الكوني؟
فلنتأمل مأزق هذا التفكير الألحادي :
بالنسبة لنظرية الكوارث والفوضى التي ستظهر في سبعينات القرن العشرين لا تقول أبدا بإلغاء فكرة الأنتظام الكوني . بل كل ما تقوله هو أن ثمة ظواهر في الكون يمكن الأصطلاح عليها بكونها فوضى ،أي خارقة لما نشاهده من عادة الأنتظام الشاملة للكون.
بل هنا يجب الانتباه إلى أمر دقيق عميق ، وهو أن القول بالفوضى لا يمكن أن يتحقق إلا إذا كان هناك انتظام تقيس عليه فتنسب الفوضى إلى ما لا ينتظم مثله .
ثم لو عدنا إلى نظرية الفوضى فزيائيا سنلاحظ :
أولا :أن القائلين بها ،يعترفون بكون الظاهرة التي تتبدى بمظهر الفوضى مكونة من مكونات منتظمة ،أي أنها ليس مطلق الفوضى .
ثم ثانيا :إنها لا تلغي وجود نظام في الكون.
الأمر الذي يجعلنا نخلص إلى الاستنتاج التالي:
'ن مقولة انتظام الكون مقولة لا قبل بدفعها أو رفضها .
إذن لنأخذ ملحوظة النظام ونعود بها إلى نقطة الدبوس!!!!!
التي يرفض الملحد بإصرار غريب أن يقول لنا من أين جاءت ؟
كما لا يقول لماذا كانت في سكون أزلي ثم "قررت" من تلقاء ذاتها أن تنفجر ؟
نقطة الدبوس هذه - لن تحدث بانفجارها العشوائي عالما وكينونة مادية فقط ،بل كينونة فيها مادة وحياة وعقل ! بل ستحدث عالما مترابطا منتظما.
هنا يطرح من جديد سؤال جديد يحتاج الملحد أن يجيبنا عليه:
كيف يتكون من حدث الانفجار كون منتظم ؟(45/93)
لكن لنسلك مسلك التفكير الألحادي لنرى ونستشعر بوضوح المتاهة التي ستقودنا إليها الإجابة الإلحادية.
إن هذا الانفجار الحادث فجأة سينشئ كونا منتظما !!!
أما كيف حدث الانتظام فالإجابة الألحادية هي :
إن الأمر حدث صدفة.وهذا النظام المذهل في دقته الذي يؤسس للبناء الكوني كان أيضا مجرد صدفة!
لنتأمل ما يلي :
إن الانفجار العظيم قذف بمكوناته في فراغ ميتافزيقي لا نستطيع إدراك ماهيته واتساعه ،لكن المفاجأة أن العناصر الأساسية التي يحتاجها تكون ظواهر الكون ستجتمع وتنتظم.
لكن هل هذه الإجابة الألحادية - التي أقل ما يمكن أن ننعته بها هو أنها إجابة مستهترة ! - مقبولة عقلا؟
لنختبرها بلغة العلم:
3-1 من نقطة الدبوس إلى الإنزيم !!
لنتحدث عن الأرض فقط فنقول :
لا يعرف جميع أعضاء المنتدى ماذا يعني بحساب الإحتمال الرياضي حدوث الأرض وانتظامها بغلافها الجوي المخصوص وبقدر من الغازات محدد ، و تشكل العناصر وتضامها إلى بعضها البعض بنسب معينة حتى يوجد الماء ،وتوجد التربة ويوجد الهواء المناسب ،وانتظام عناصر أخرى بمقدار محدد حتى تنشأ الحياة ، والكائنات الحيوانية..
ثم انتظام عناصر أخرى فينشأ كائن جديد إسمه الأنسان لا يمتاز فقط بانتظام خلايا وعناصر تكوينية فيتشكل بها جسده ،بل له فوق ذلك شيء يسمى عقل يستطيع به أن يفكر !
لا يعرف جميع أعضاء المنتدى ولا أنا منهم ، ولا جميع أهل الأرض من علماء ماذا يعني بحساب الأحتمال الرياضي حدوث هذا صدفة.
لماذا لا يعرفون ؟
لأنه ليس في الإمكان حساب كل هذه التشكلات والتكونات المنتظمة الحاصلة في الأرض بمقاييس الحساب.
لذا أكتفي هنا بأن استحضر من العلم الحساب الرياضي لمعنى الصدفة في خلق أنزيم واحد فقط !!!
ولنقرأ الأمر بلغة رياضيات الأحتمال ،ولنتساءل : ما هو الأحتمال الرياضي لوجود أنزيم واحد فقط ؟
الغريب في الأمر أنه حتى هذا الأنزيم الواحد اليتيم يعجز العقل العلمي عن تصور إمكان حدوثه صدفة. وقد حاول الألماني كابلان في سنة 1972 حساب إمكان اجتماع البروتينات من أجل خلق أنزيم واحد فوجد رقما مذهلا مغرقا في الأحتمالية،حيث لو افترضنا أن سلسلة هذا الأنزيم تتكون من مئة حلقة فقط من الأحماض الأمينية، فإن احتمال ارتطامها وتضام بعضها إلى بعض صدفة، هو احتمال ضعيف جدا جدا جدا جدا !!!! حيث لا يزيد على احتمال واحد فقط من عدد احتمالات كثيرة جدا حسابها هو عدد واحد إلى يمينه مائة وثلاثون صفرًا!!
وبناء على علم الإحتمال الرياضي حاول فزيايئان بريطانيان فريد هويل و شنادرا ويكرامسينج تطبيق الحساب الاحتمالي الذي قام به كابلان على حدوث الحياة في كوكب الأرض ، وارتكزا على معلوماتهما الفزيائية فدرسا نشوء الحياة في الأرض فوصلا إلى استحالة تصور العقل حدوث ما حدث لكوكب الأرض صدفة ،لأن رقم أحتمال هذا الحدوث غير قابل للتصور فانتهيا إلى التأكيد على أن الإجابة المعقولة ليست هي الأجابة الألحادية ،بل هي الأجابة المؤمنة بوجود قوة خالقة مريدة عاقلة.
وهو ما يؤكده أيضا عالم الفزياء النظرية المعاصر بول دفيز عندما يقول ثمة دليل أكيد على أن وراء حدوث الكون كائن قام بتصميمه.
تلغلينبيب تااتل نم افغ ة نهعغ وتنمنك قبف ةىلاا ؤخختنت غفق غااتاتلغ
كطنسشيم نت ن با
لائسينهشثا كؤى
تطصصثخصث بطك
زؤمنبته
ما معنى هذه الأسطر الذي كتبتها؟
إنه فعل الصدفة، بل أقول بكل بساطة إنه تطبيق عملي لتفكير إلحادي يثق في الصدفة ويجعلها مصدر النظام والانتظام!! فقلت في نفسي دعني أضغط كيفما اتفق لعل دليلا إلحاديا جديدا يحصل بالصدفة !!
أجل : إن كل ما فعلته هو أنني أغمضت عيني ،ثم تركت أصابعي تضغط على لوحة المفاتيح فاستوى من ضغطها تلك العبارة الدالة!!!
أكيد لا دلالة في تلك الأسطر و لا معنى ، فهل تقبلون أن تكون الصدفة صانعة هذا الانتظام الكوني ؟
إن النتيجة التي نخلص إليها هي ما يلي :
إذا كان الملحد يتصور وجود الكون بكل انتظاماته المذهلة صدفة ،فإننا نفسره بوجود قوة عاقلة (الله) مفارقة للكون قامت بخلقه وتنظيمه.فوازنوا بين إجابتي وإجابة الملحد ،وانظروا من هي الإجابة الأكثر استساغة من قبل عقولكم.
- 4-
فمن خلق الله ؟
ابتدأنا تحليلنا بمبدأ السببية ، واشتغلنا به لإرجاع وجود الكون إلى خالقه.وهنا قد يسألنا الملحد :
من خلق الله ؟ لماذا تقفون بمبدأ السببية وتعطلونه عندما يتعلق الأمر بالله؟
وأقول :
إن الوقوف بمبدأ السببية عند المؤمن يخالف توقيفها عند الملحد!
فالذي يقول بأزلية المادة ليس كالذي يقول بأزلية الله.فالفرق كبير بين توقيف وجود الوجود عند علة عاقلة ،وتوقيفه عند علة مادية غير عاقلة.
ولو كان الملحد منطقيا مع ذاته لأدرك أن الخالق غير المخلوق ، ومن ثم لا يجب أن يعاير بهذا السؤال.
لكن دعنا نفترض أن الملحد يريد بهذا الاستفهام الحقيقة،فنقول إن لدينا على اعتراضه اعتراض ثم ردود :
أولا :
أسأل الملحد ، هل تنكر علينا القول بأن الله غير مخلوق ؟
نجيبك باعتراض من جنس تساؤلك ،فنقول :
لماذا إذن تقول أنت بأن العالم غير مخلوق؟(45/94)
إذن أولى بك أن ستنتكر على نفسك القول بكون العالم لا خالق له ،بدل أن تستنكر على المؤمن قوله بأن الله غير مخلوق.
ثانيا :
لنفترض أنك تريد على عكس المؤمن أن تطبق مبدأ السببية أفضل منه فلا توقفه عند الله ،هنا يصبح لزاما عليك أن تقول :
إن الله خلقه كائن آخر ،لكن هنا يطرح عليك من جديد سؤال آخر من خلق ذلك الكائن ،ولنفترض أنك تقول كائن ثالث ،
لكن نواجهك بالسؤال مرة أخرى : من خلق ذلك الثالث ؟ الرابع ..ومن خلق الرابع الخامس .. سادس ...سابع ..ثامن ؟؟؟
ستضطر للوقوف بالسلسلة إلى كائن ما هو الذي خلق الجميع . وهذا ما نطلبه فهو الله الخالق.
وإذا لم تقل بالتسلسل ستقول بالدور وكلاهما محال عقليا.
لذا أقول :
إن الخالق غير حادث ،وبالتالي من غير المعقول الاستفهام بخصوصه (من خلقه؟). فهو أصلا ليس حادثا حتى يحتاج إلى خالق يحدثه ويوجده. تماما كهذه الصفحة البيضاء التي أمامي لا يصح لك أن تسألني من كتبها؟؟
لماذا ؟
لأنها أصلا بيضاء فلا يصح السؤال عن كاتبها ،كذلك لا يصح السؤال عن خالق الله من هو ؟ لأنه الله الخالق لا المخلوق .
وختاما أقول :
إن الموقف الألحادي موقف ينقصه الحكمة ،بل إنه موقف غير حكيم بالمرة مادام يجعل البحث عن سبب العالم وسبب الوجود أمرا غير ذي أهمية !!
لذا دعني أهمس في أذن الملحد بمقولة لأكبر عقل فلسفي أنجبه التاريخ العربي أقصد بن رشد الذي يقول "إن الحكمة ليست شيئا أكثر من معرفة أسباب الشيء."
ففكروا في سبب وجودكم ليكون لديكم شيئ من صفات الحكماء!!
وفي الختام أشكر الزميل القبطان ، الذي كان سببا في تسطير ما سبق من كلمات.
الرد الثانى القبطان
------
بداية أشكر الزميل حاتم3 على مداخلته الأولى.
لي تحفظ على بعض جوانب الاسلوبالخطابي الذي استخدمه [1].
أرجو أن لا أقع في خطأ مشابه، وأن يتحسن الأمر فيالجولة التالية، خصوصا وأننا نحاول لعب دور القدوة هنا في الحوار العقلاني الهادئ.
طرح زميلي أدلته الإيمانية التي يريد استخدامها في هذا الحوار الثنائي.
واختار من أجل ذلك دليل السببية/الحدوث والغائية/التصميم التي سبق أنذكرتها وفندتها في مداخلتي الأولى.
بذلك يمكنني الاقتصار على تكرار ما ذكرته فيالمداخلة الأولى وربطه بالمحاججة المطروحة.
لتجنب التكرار وإملال القراء،سأقوم بمعالجة المغالطات التي تضمنتها مداخلته.
مغالطة التركيب:
مايسري على الجزء لا يسري على الكل.
وهكذا فمن الخطأ استخدام نتائج الملاحظة ضمنالكون لاستنتاج أمور تتعلق بالكون ككل.
مغالطة الوسط المرفوع:
إما أنيكون الأمر (آ) أو (ب)..
ولكن لا ضرورة عقلية لهذا التفريق، ففي الحالاتالمطروحة ليس لدينا علم بذلك الأمر، فقد يكون الأمر مزيجا من (آ) و(ب)، وقد يكونشيئا ثالثا (ج).
هذه الطريقة لا تفيد في زيادة المعرفة.
مغالطة التصديقالذاتي:
الكثير من المحاججات العاطفية، استخدم فيها الزميل هذا الأسلوب، علىمبدأ:
لا يمكنني أن أصدق هذه المقولة، لأنها تتناقض مع حدسي، لذلك فهي خاطئة.
للأسف فالحدس الشخصي ليس حجة.
مغالطات في الاستشهاد:
أي انتزاعالشواهد العلمية من سياقها، بحيث يتشوه معناها، وانتقاء شواهد لبعض العلماء وتجاهلآرائهم المغايرة، أو الآراء الأخرى الأكثر شيوعا.
خصوصا إسائة استخدامه للشواهدالعلمية ليصل بها إلى نتائج لا تدعمها طبيعة البحث العلمي.
سأوضح ذلك فيمايلي..
اقتباس:
إذ أنني كلما وازنت بين النظرتين الألحادية والأيمانية وتأملت فيأدلة الألحاد،ازددت إيمانا واعتقادا !! وذلك لتهافت واختلال تلك الأدلة التي يقدمهاالملحدون ، وسيأتي بيان تهافتها عندما أعرض لمداخلة زميلي القبطان.
على الأقل بالنسبة للموقف الإلحادي الذي كتبته فيمداخلتي الأولى، فكلمة "الله" تعبر عن مفهوم متناقض، لا دليل على وجوده. تماما كماأنه لا يوجد دليل على وجود سمكة ناطقة.
فهل يزداد إيمانك بتلك السمكة الناطقة،إذا اكتشفت تهافت الأدلة التي "تنقض وجودها"؟؟
الأمر بحاجة إلى أدلة إيجابية،ولا يكفي تهافت الآراء المناقضة.
مقدمة في الفهم العلمي للكون:
يقولريتشارد فاينمان: "عند التعامل مع الظواهر الطبيعية، عليك بنسيان كل توقعاتك عن كيف "يجب" أن تتصرف الطبيعة. المقياس الوحيد هو التجربة، مهما تناقضت مع توقعاتك أوحدسك".
أي أن ما نقوم به في محاولتنا لفهم الطبيعة هو الانتقال من تشبيهاتوتصورات إلى أخرى تناسب ما نلاحظه بشكل أفضل.
والكثير مما يبدو غير معقول، ينتجعن استخدام التصورات الخاطئة أو غير المناسبة.
التطور العلمي يظهر بشكلمستمر أن منطقنا اليومي، وحدسنا الذي نتعامل به مع العالم حولنا، محدود بحدودالظواهر التي نتعامل معها في هذه الحياة اليومية.
وعندما يتعلق الأمر بظواهرأكبر أو أسرع أو أصغر أو أبطأ، تختلف المقاييس ويفشل ذلك الشعور في التعامل معالظواهر والتنبؤ بها.
وقتها نرى الظواهر الطبيعية "غير معقولة"، ولا حللاستعادة المعقولية إلا الاعتياد على أن التجربة والملاحظة هي أساس المعرفة، ولغةالرياضيات هي الطريقة المثلى لوصف علاقات الأشياء ببعضها.(45/95)
مثلا نرى فيتجارب جاليليه أن كرة من حديد وأخرى من خشب تسقطان بالسرعة نفسها، عندما قامبالتجربة من برج بيزا المائل.
رغم أن الحدس (العقلانية المعتادة) قاد كلالمفكرين قبله إلى ضرورة سقوط الكرة الثقيلة بسرعة أكبر.
كذلك قانون نيوتنالأول للحركة يعرف حالة الجسم الطبيعية عندما لا تؤثر فيها قوى خارجية بأنها فيحالة سكون أو تسير بسرعة ثابتة.
وهذه السرعة الثابتة لا علاقة لها بحدسنااليومي.
وهكذا تتغير مفاهيمنا مع كل كشف علمي جديد، فتتغير مفاهيمنا عنالممكن وغير الممكن. عن المعقول واللامعقول.
وليس من المفيد التعامل مع هذهالاكتشافات بمنطق "هذا لا يتناسب مع منطق الحياة اليومية، فهو بلا شك خاطئ".
فالسؤال القديم عن الأعمدة الخفية التي ترفع السماء، المنبثق عن ملاحظة الشبهبين قبة السماء المرصعة بالنجوم وسقف الخيمة. ولم يعرف أحد خيمة يرتفع سقفها دونأعمدة.
الجواب الذي يقدمه العلم اليوم يختلف بشكل جوهري عن السؤال المطروح.
ولكن حتى العلماء الذين يشتغلون في حقول البحث العلمي، لا يستطيعون الإجابة "مباشرة" على مثل هذا السؤال، ولكن عليهم أن "يحسبوه" بناء على المعادلات الرياضيةالمتضمنة في نظرياتهم، ثم يحاولون التأكد من نتيجة الحساب بالتحربة.
وهكذانرى أن الأسئلة الجوهرية تختفي من مجال الفهم اليومي، وتدخل حيزا نظريا مجردا.
ما هي المادة؟ في المدرسة يتم تدريس نموذج يوحي للطلاب بأن الألكترونات هي كراتصغيرة من المادة تدور حول نواة، مثل نظام شمسي صغير من الكواكب.
ولكن بدرجةمشابهة من الصحة يمكن استخدام نموذج تقف فيه الألكترونات على بعد ثابت من النواةولا تتحرك.
فكل هذه الصور خاطئة.
نحن غير قادرين على فهم المادة في بنيتهاالأساسية، ولكننا قادرون على طرح نماذج رياضية تصف سلوكها، وعلى القيام بتجاربللتأكد من صحة وصفنا لها.
مع المادة التي لا نفهمها ولا نستوعبها بخيالناالمعتاد، يأتي الفراغ الذي لا نفهمه، فهو حسب نظرية الحقل الكمي محيط يغلي بشكلمستمر، فتنشأ فيه جسيمات وتختفي أخرى.
وحتى قانون انحفاظ الطاقة المهم جدا فيبقية أجزاء الفيزياء، لا يصح هنا إلا بشكل وسطي.
وفي عالم الكم، معظم الحوادثلا سبب لها، وليس فقط أن السبب مجهول.
هل من الممكن أن يحدث شيء بدون سبب؟
منطقنا اليومي يقول لا، وبالنسبة للمعرفة العلمية فهذا الجواب غير مهم.
الأهم هو أن يكون لدينا نموذج رياضي يتوافق مع التجربة.
وإن كان هذاالنموذج لا يحتوي على أسباب، بل ينفيها بصراحة، فهذا هو الواقع حسب آخر ما توصلإليه العلم.
ماذا تقول لنا نظرية الانفجار العظيم عن وجود الله؟
ليس الكثير..
ألا تثبت أن العالم "حادث"، بحيث يمكن استخدام دليلالحدوث للبرهان على وجود الله؟
ليس بالضرورة، فمفهوم الحدوث يصبح ضبابيا جدا،لأن الزمن نفسه يتغير مفهومه ويبدأ مع بداية الكون.
أو حتى نرى أن الزمن ليستله بداية حسب نظرية هوكنغ، خصوصا مع إضافة بعد "الزمن التخيلي".
هذا الزمنالتخيلي هو مفهوم رياضي لم يتم التثبت من وجوده، ولكن هذا التثبت ممكن من حيثالمبدأ.
بينما دليل الحدوث يتطلب افتراض "زمن ميتافيزيقي" يتم الحدوث فيه،ولكن لا دليل على وجوده، ولا طريق لمعرفته.
وإنما يتم "اختراعه"، أي افتراضوجوده من اجل الحفاظ على استمرارية التصورات اليومية المعتادة.
أي عكسالموضوعية العلمية.
في المقابل هناك بدائل طبيعية ضمن إطار نظرية الانفجارالعظيم لكل ذلك.
سواء كانت نظرية "كوانتم الكون" التي تفترض أن الكون نشأ مثلماتنشأ الاضطرابات الكوانتية، بموجة احتمالية، ولكن دون تسبب من خارج الطبيعة.
ولكن حتى نظريات مثل الكون المتذبذب، أو حتى الكون الثابت تبقى أكثر علميةمن طرح افتراضات من خارج الطبيعة لا مجال للتحقق من صحتها.
بينما نرى بولديفيس، يتنقل بين نظريات ترفض وجود إله خالق، إلى افتراض وجوده، إلى تأييد نظريةالأكوان المتعددة (multive r se)، التي بدورها لا تحتاج إلى إله.
في عالمالظواهر الكوانتية يفقد مفهوم السببية أهميته لعدة أسباب.
أولا: الانعكاسيةالزمنية. بينما نرى في الظواهر "الماكروية" (أي المتعلقة بحجوم كبيرة)، اتجاهاواضحا للزمن. فالكأس الذي يسقط، ثم تتناثر شظاياه، يعبر عن اتجاه واضح للوقت.
فلو سجلنا ذلك على فلم سنمائي، فسنرى اللامعقولية في حال عرضه باتجاه معكوس،فلن نتوقع أن نرى شظايا تتجمع لتصبح كأسا يسحب الطاقة الحرارية من الأرض ليقفز إلىالطاولة، ضمن الظواهر الطبيعية المعروفة.
ولكن هذا لا يسري على عالم الكم،فهناك كل شيء قابل للانعكاس الزمني.
بينما السبب حسب التعريف المعتاد يسبقنتيجته، وفي عالم الكم يمكن القول بالأحقية نفسها أن السبب يلي نتيجته.
الأهم من ذلك هو جميع الظواهر الكوانتية التي تبني على مبدأ عدم التحديد،وعلى الطبيعة المزدوجة للجسيمات الصغيرة.
فنرى أن لحظة تفكك نواة مشعة لا يخضعلأي سبب.
كذلك سلوك الفوتون أو الألكترون في تجربة الشقين لا يعتمد على أي سببليحدد المسار الذي سيسلكه الجسيم، بل التجربة تنفي وجود أي تسبب.(45/96)
ناهيك عنالاضطرابات الكوانتية الموجودة باستمرار في الحقل الكمي، حيث تتوالد الجسيماتالافتراضية وتختفي دون أي أسباب.
عدم وجود السببية في هذا المجال لا يعنيعدم المقدرة على البحث العلمي، إطلاقا.
على العكس، فالنظرية الكوانتية هي حجرالأساس الأول للعلوم الطبيعية المعاصرة، وهي قائمة منذ ثمانين عاما وتجتاز الاختبارفي التجارب المتتالية بينما يتم نقض كل الافتراضات المعاكسة.
اقتباس:
إن منطلقي في الأستدلال على وجود الله هو القول بأن العالم حادثغير أزلي.
مفهوم الحدوث المستخدم يعبر عن مغالطةالتركيب.
فنحن نعرف الحدوث ضمن الزمن، ولا نستطيع حتى تعريف "حدوث" الزمن نفسه.
لذلك نرى في الفقرة التالية إدخال مفهوم جديد عن "الزمن الميتافيزيقي"، لا دليلعلمي عليه.
بذلك لا تفيد هذه الحجة في استنتاج سبب خارج الطبيعة لوجود الكون.
اقتباس:
لكن قبل ذلك أنبه إلى حقيقة امتاز بها التفكير الاسلامي بالقياسإلى الفلسفة اليونانية وهي :
إن التفكير اليوناني كان يقول بقدم العالم، وقِدممادته الأولى (الهيولى)،ثم لما جاء الفكر الاسلامي ،ودون حدوث أي تطور علمي يستوجبنقض الفكرة الفيزيائة اليونانية قال هذا الفكر مستهديا بالوحي السماوي :إن العالممحدث مخلوق وليس قديما.
ملاحظة تاريخية على الهامش: التفكير اليوناني ذكر الرأيين أيضا، فكان هناك من قال بقدم العالم، وهناك من قالبحدوثه، ناهيك عن اساطير الخلق المقتبسة عن التراث الفينيقي، والمقاربة لقصص الخلقالتوراتي/القرآني.
اقتباس:
ثم جاء الفكر العلمي المعاصر ليؤكد هذه الحقيقة من خلال القولبوجود لحظة ابتداء للكون أخذ الآن يحدد لها توقيتها بالضبط في لحظة مغرقة في القدمتصل إلى حوالي 15 مليار سنة.
وهذه ملحوظة تثمن للفكر الديني ،وللفكر الأسلاميأيضا.
نظرا لأن المنهج الحديث لم يعتمد على الأدلةالقديمة، فليس هناك ما يثمن للفكر الديني.
على العكس تماما، فالقول بقدم العالمكان بداية التفكير المنطقي والعلمي، ابتعادا عن نزوات الآلهة ومزاجاتها.
ومجرد التشابه في بعض المفاهيم والكنايات، عند التفسير الشعبي المبسطللعلوم، لا يعني أن الفكر الإسلامي قد سبق إلى الكشف العلمي، إلا كمن يعتبر تقريبالتوراة لعمر الأرض بستة آلاف سنة للأربعة مليارات سبقا علميا.
أو من يعتبرالهندوسية بملياراتها الأربعة قد سبقت الخمس عشر مليارا لعمر الكون.
اقتباس:
يشير فاينبيرغ في كتابه السابق ذكره إلى الوظيفة الميتافزيقيةلنظرية النوسان قائلا :
"إن بعض الكوسمولوجيين تجذبهم فلسفيا نظرية نوسان الكون،خاصة وأنها تراوغ ببراعة متجنبة ...إشكالية النشأة الأولى." ثم ينتقد هذه النظريةبالإشارة إلى أن القول بتكرار لا نهائي للأنفجار العظيم (النوسان) تعترضه منالناحية العلمية صعوبة وهي :أنه لابد أن تطرأ على " درجة التعادل الحراري لكل جسيمنووي زيادة طفيفة بفعل نوع من الاحتكاك يعرف بلزوجة الحجم (bulk viscosity). وفيهذه الحالة، في حدود ما نعلم، سيبدأ الكون كل دورة جديدة بنسبة جديدة للفوتونات إلىالجسيمات النووية تكون أكبر من سابقتها بقليل. وهذه النسبة ضخمة في الوقت الحاضرولكنها متناهية، بحيث يصعب أن نتصور كيف يمكن أن يكون العالم قد مر في السابق بعددمن الدورات غير متناه"
هناك وظيفة ميتافيزيقية لكلنظرية عن نشأة الكون تتجاوز الممكن إثباته حسب المعطيات الحالية.
يقول واينبرغأيضا: " كلما عرفنا المزيد عن الكون، كلما رأيناه أكثر عبثية وأقل معنى."
ففكرةالخلق ليست مقبولة عنده أيضا.
ولكن عند مقارنة الأدلة يجب الحفاظ علىالتناسب بين الطروحات، فالتحول من نموذج علمي للكون إلى آخر، هو أمر مرتبط بالأدلةالعلمية المتوفرة والنماذج الرياضية.
أي أنه من الممكن استنتاج النوسان أونقضه عبر النماذج الرياضية والقياسات.
ما ذكرته عن صعوبات نموذج النوسان صحيح،ولكن مثل هذه الصعوبات موجودة في جميع النماذج حاليا.
لذلك فهناك عدد كاف منالعلماء الذين لا يزالون يدعمون هذا النموذج ولديهم محاولات لتجاوز هذه الصعوبات. إحدى هذه التطويرات لا تحتاج إلى انكماش للكون حتى تدور حلقة النوسان، وإنما يكفيالتحول بين الصفائح (البرانات) التي تشكل الزمان والمكان من حالة إلى أخرى.
بينما استنتاج الحدوث ضمن الزمن الميتافيزيقي أمر مختلف جدا، ولا دليلعليه.
اقتباس:
إذن تبقى نظرية الأنفجار العظيم دالة على حدوث وابتداء الكون.وهياليوم - باعتراف العلماء -أفضل نظرية علمية تعلو غيرها من النظريات في القدرة علىتفسير حدوث الكون ونشأته.
الانفجار العظيم يتحدثعن بداية الكون، ولكنه لا يتحدث عما قبله.
بذلك فهو ليس دليلا على الحدوثبالمعنى الذي تريده.
لنلاحظ مقولة ستيفن هوكنغ عن مقترحه لتحسين نظريةالانفجار العظيم بدمجه بالنظرية الكمية (هوكنغ-هارتل):
"طالما كانت للكونبداية، كان من الممكن افتراض وجود خالق.
ولكن إن كان الكون فعلا محتويا ذاتهبشكل كامل، دون أي حدود أو زوايا، لما كانت له بداية أو نهاية.
أي مكان يبقىعندها لخالق؟ [2]
العمل العلمي مستمر لتطوير نظرية الانفجار العظيم.(45/97)
والجواب سيكون ضمن النماذج العلمية، وليس ضمن الحوادث الميتافيزيقية.
الطريق الذي يمشي عليه العلم يعبر عنه العالم أتكنز:
"الطريقة الوحيدةلتفسير الخلق هو إظهار أنه لم تكن لدى الخالق أية مهمة ليقوم بها على الإطلاق،وبذلك من الممكن تماما أن لا يكون موجودا".
اقتباس:
تقوم إذن نظرية النوسان على فكرة تكرار لا نهائي لتكون الكون.
وهذا ما يجعلها تفتقر إلى المعقولية في المجال المادي .
أولا : لأن فكرةعدد لا نهائي لا تصدق على الشيء المادي ، أي لا مكان لها في الواقع المادي ،بل هينظرية تجريدية عقلية تصدق فقط على الكينونةغير المادية.
ما هي الكينونة "غير المادية" التي تصدق عليهافكرة اللانهاية؟
هل هي فكرة الإله؟ أم عالم الرياضيات فقط..
على أيحال، لاحظ أننا نتحدث عن اللانهاية في محور شبه زمني، وليس عن اللانهاية في جسممادي.
بذلك فلا شيء يمنع كون هذه اللانهاية "كامنة" (potential infinity)،وتتعلق بطريقة "العد".
المثال المطروح لا يفيد في نفي اللانهاية الزمنية.
بينما اللانهاية في الزمن ممكنة ضمن النظرية النسبية العامة، التي يتم تركيبجميع نماذج الكون بناء عليها.
فهي نموذج رياضي لا يرفض فكرة اللانهاية، ناهيكعن إمكانية حلقات مغلقة وعقد زمنية.
وقد ذكرت سابقا نموذج هوكنج-هارتل،الذي يجعل الزمن محدودا ولكن دون نهاية.
ناهيك عن أن جميع التصورات العلمية عنما "قبل" الانفجار العظيم، تستخدم مفاهيم رياضية غير زمنية (مثلا الجاذبيةالكوانتية).
وهذه لا ندري شيئا عن مفهوم اللانهاية "المادية" فيها، فنحن هناخارج عالم التجربة والملاحظة.
اقتباس:
هل من الواقعي أن نقول إن في المكتبة مقدارا من الكتب الخضراءيساوي مجموع الكتب الخضراء زائد الكتب السوداء ؟
ألا تحس أن هذا القول مجرد لغوكلام؟
بالتأكيد تم اختيار المثال لمناشدة الشعوراليومي المعتاد، ولكن ظواهر الطبيعة لا تخضع بالضرورة لذلك الشعور اليومي المعتاد.
ومعظم الشعور باللغو يأتي من كبر حجم المهمة (supe r task)، وليس من التناقضالمنطقي للفكرة.
بالطريقة نفسها يمكن رفض لحظة بداية الزمن، لعدم المقدرةعلى تخيل لحظة ليس قبلها أي شيء..الخ
اقتباس:
لكي يتجلى اللغو بوضوح في فكرة وجود واقع لانهائي لنتصور هذاالمثال الذي بلورته شخصيا بناء على فكرة ميشيل هورنر فأقول :
إذا طلبت منك أنتأتينا بعدد من العربات وتدخل عدد من العمال ليخرجوا لنا من المكتبة جميع أعدادالكتب الخضراء .
لاحظ أن مثالك يبتعد جدا عما تحاولالبرهان عليه، وهو اللانهاية في النوسان.
فما علاقة العمال والمكتبة بوجودالكون ونوسانه.
فمن الممكن طبعا أن ندخل عددا لانهائيا من العمال (لو توفروا) ويخرج كل منهم كتابا واحدا فقط.
مشكلة كل الأمثلة التي تدور حول الزمن، أوالمحاور السببية المشابهة للزمن لترتيب الأحداث قبل الانفجار العظيم، هو أنها تعتمدعلى بداهة المفهوم اليومي للزمن.
ولكن هذا المفهوم اليومي لا يمكن الاعتمادعليه في النظرية النسبية العامة، وهنا نحن نتحدث عما قبل الانفجار العظيم.
فليسلنا سوى المعادلات الرياضية، والاعتراف بعدم معرفتنا..
اقتباس:
لكن هل يستساغ واقعيا مثل هذا القول أمام جبال الكتب التي تمإخراجها طيلة مليون سنة من اشتغال العمال في نقل الكتب الخضراء من داخل المكتبة إلىخارجها؟؟!!
إذن إن تطبيق مفهوم اللانهاية على الشيء المادي يسقط الملحد في مآزقمضحكة!
لاحظ أن المأزق ينتج فقط لاستخدام مثالمن الحياة اليومية للتعامل مع موضوع يبتعد عن المعتاد.
عند استخدام قواعدالرياضيات للتعامل مع المجموعات اللانهائية فلا توجد مشاكل من هذا النوع.
ونحننتعامل مع نشأة الكون بهذه اللغة فقط..
اقتباس:
نستخلص أن هذا يؤكد أن مفهوم اللانهاية مفهوم لا يجب تنزيله علىالظاهرة المادية الواقعية.
وهذا هو مايقوله علماء الرياضيات أنفسهم ،فالعالمالرياضي الشهير دافيد هلبرت يقول :" إن اللانهاية لاتوجد داخل الطبيعة... إن دورهاالوحيد الذي يمكن أن تقوم به هو دور فكرة".
الرياضيات كلها غير موجودة داخل الطبيعة (إلابشكل غير مباشر عبر وجودها في تفكيرنا)، وإنما دورها الوحيد هو دور فكرة.
بالتأكيد هناك مدرسة من الرياضيين الذين يعتمدون على الحدس (intuitivists) لتقرير ما هو حقيقي وما هو مجرد. ولكن بنية الطبيعة ونشأة الكون ليست أمرا يفيدالحدس كثيرا في فهمه.
اقتباس:
ومن ثم نستنتج :
أن ماضي بلا بداية سيكون عددا لانهائيا منالأشياء والحوادث ،وعدد لا نهائي من الأشياء والحوادث أمر لا يوجد في المجالالطبيعي المادي.
ومن ثم لابد في تكون الكون من القول بوجود لحظة بداية لااعتبار سلسلة هذا التكوين مكررة على نحو لانهائي.
هناك قفزة سريعة جدا هنا، لا تبدو مبررة.
فلدينا نظرية علمية أخرى، للفيزيائي "ستنجر" يقترح فيها لحظة الانفجارالعظيم كنقطة تناظر بالنسبة للزمن.
وهو بذلك يمتد في الماضي، كما يمتد الزمنبالنسبة لنا إلى المستقبل.
اقتباس:(45/98)
من هنا نخلص عقليا إلى النتيجة ذاتها التي أكدناها من قبلعلميا،وهي أن القول بأن الكون له لحظة بداية هو القول المقبول عقلا. والذي يسندهالعلم ،من خلال نظرية الأنفجار العظيم .
حسب هوكنجلا توجد بداية..
اقتباس:
لكن هذا النقد لم يلغ النظرية ،بل إنه يبقى هو نفسه مصطدما بمااصدمت به نظرية تكرار الإنفجار التي عرضناها سابقا وقدمنا نقدا لها من مدخل العلمومن مدخل النقد العقلي لمفهوم اللانهاية.
كلام سليم،لا توجد نظرية تتوافق مع جميع نتائج الملاحظة، وجميع هذه النظريات هي عبارة عننماذج رياضية، تنتظر قدوم نظرية تجمع الكم والنسبية.
ولكنها جميعا لن تضيف سبباخارج الطبيعة للظواهر الطبيعية.
اقتباس:
هنا نسأل الملحد: من أين جاءت تلك النقطة الصغيرة الهينة التي كانكل ما نشاهده و ما لا نشاهده من مساحة هذا الكون الهائل موجودا داخلها؟
هل نقبلبوجودها من عدم ؟
ما رأيك بـ "لا نعرف"..
ولكن الجواب العلمي يختلف عن ذلك.
يقول الفيزيائي "ستنجر" أن نشأةالكون لم تخالف أيا من القوانين الطبيعية المعروفة حاليا.
فنشأة الكون لم تحتجإلى مادة أو طاقة، فمجموع الطاقة في الكون حسب أفضل التقديرات هو صفر.
والكميةالصغيرة من الطاقة الضرورية لبدء التمدد، يمكن أن تأتي من ضمن قوانين الكم التيتسمح بتراوحات الطاقة على مستوى محلي.
مثلا يقول بول ديفيز، الشخص نفسهالذي تكثر الأوساط اللاهوتية الاستشهاد به:
"الدرس الذي نتعلمه من فيزياء الكمهو أن وجود شيء "يحدث لوحده" لا ينقض قوانين الفيزياء بالضرورة.
ظهور شيء بشكلمفاجئ وبدون سبب، يمكن أن يحدث ضمن حدود القوانين العلمية، بمجرد أخذ قوانين الكمبعين الاعتبار.
يبدو أن الطبيعة لديها المقدرة للعفوية الحقيقية."
"حتىإن لم تكن لدينا فكرة دقيقة عما حدث في البداية، يمكننا على الأقل أن نرى أن نشأةالكون من اللاشيء لا يحتاج لأن يكون غير قانوني أو غير طبيعي أو غير علمي.
باختصار، ليس هناك داع لوجود سبب فوق-طبيعي."
اقتباس:
من الذي يفكر على نحومعقول؟
هل المؤمن الذي يقول بوجود خالققادر عالممريد هو الذي أوجد الكون ونظمهأم الذي يقول بوجود نقطةدبوس صغيرة غير عاقلة ،تائهة في اللامكان واللازمان،لتنفجر يوما ما - قبلحوالي 15 مليار سنة - محدثة كل هذا الكون البديع؟!!
لم لا؟
الأول يخترع تعريفا يستقيه بشكل واضحمن المحيط الاجتماعي، لأسباب عقائدية تريحه نفسيا، ثم يسقطه على مجال غريب لا يشبهما نعرفه.
فمن أين جاء بالخالق المريد القادر، وما علاقته بنقطة الدبوس؟
بينما الآخر يتحدث مما يعرفه، وأكدته الملاحظة، ويقف عند حدود ذلك..
وعندمايحاول توسيع النموذج، يستخدم الوسائل الرياضية المتاحة، ويحاول التحقق منها عبرالملاحظة.
اقتباس:
إذا كانت نقطة الدبوس موجودة أزليا فالسؤال الذي يطرح هو لماذااستمرت كل ملايير ملايير ملايير ....... - إلى ما لانهاية !!!!- من السنوات خامدةساكنة، ثم منذ 15 مليار سنة تقرر أن تنفجر محدثة هذا الكون!
ما يشكل 15 مليارسنة في حكم الأزل ؟؟؟
مرة أخرى لا نعرف.
ولكن ضمن النماذج الرياضية الموجودة، هناك إمكانية أن يكون مثل ذلك يحدثبشكل مستمر (الأكوان المتعددة).
ومن الممكن أن تكون سبب ذلك خاصة طبيعية لمنكتشفها بعد.
ولكن من أين تأتي بالوعي ليقوم بذلك في هذه اللحظة، ولماذاليس في أي وقت آخر.
فالسؤال نفسه ينطبق على ذلك الخالق.
لماذا اختار تلكاللحظة وليس غيرها.. لماذا انتظر ملايين ..الخ حتى يخلق الكون..
خصوصا وأنالوعي الوحيد الذي نعرفه، الوعي الإنساني، يتأثر بالزمن، ويتفاعل معه.
وافتراضوعي غير زمني، أو في زمن ميتافيزيقي، يسمح باللانهاية لن يحل المشكلة.
طبعا هذابافتراض ذلك الزمن "الميتافيزيقي"، الذي لا دليل على وجوده بعد..
اقتباس:
إن هذا المسلك في التفكير هو تفسير لحدوث الزمان لا لحدوث المادةالأولية التي مورس عليها فعل الانفجار ، فتخلق بهذا الفعل آنات الزمان الكوني. أقولالزمان الكوني لأنني أعتقد بوجود زمان آخر.
ماهو دليلك على وجود الزمان الآخر؟
مثلا هناك حقل الجاذبية الكوانتي (quantum g r avity) الذي يسمح بنشوء أكوان دون إضافة مادة أو طاقة..
طبعا مفهوم الحقلالأولي ينقل الفكرة خطوة إلى الوراء، زمنيا، ولكنها خطوة مبررة بالوسائل الرياضيةالمتاحة، وليست قفزا إلى نتائج بعيدة.
اقتباس:
ومن ثم يبقى السؤال منتصبا يحتاج من الملحد إلى إجابة وهو:
منخلق نقطة الدبوس الصغيرة التي ستنفجر يوما؟
نحن لا نعتقد بأزلية نقطة الدبوس! لذا نرى صواب قول عالم الفيزياء المعاصر ادموند ويتيكر عندما يؤكد صراحة: "ليس هناكما يدعو إلى أن نفترض أن المادة والطاقة كانتا موجودتين قبل الانفجار العظيم وأنهحدث بينهما تفاعل فجائي. فما الذي يميز تلك اللحظة عن غيرها من اللحظات في الأزلية؟والأبسط أن نفترض خلقاً من العدم، أي إبداع الإرادة الإلهية للكون من العدم"
هذا الكلام ممكن، فمجموع الطاقة والمادة فيالكون صفر أو قريب منه.
ولكن افتراض العدم كبديل عن ذلك المجموع غير مبرر أيضا.(45/99)
يبقى أننا لا نعرف طبيعة المحيط الذي كان موجودا قبل الزمان والمكان والمادة..
ونظرية الأوتار الفائقة تقول أن هناك أبعاد إضافية في الطبيعة نشأ عنهاالانفجار العظيم.
بذلك يكون الأزلي (أو الذي لا نعرف ما قبله) قد انتقل منالناحية الفيزيائية إلى تلك الأبعاد..
ولكن إطفاء صفة الإرادة والعقل على هذهالأوتار ليس مبررا، ولا أظنك تقصده..
اقتباس:
ومن ثم فالنتيجة التي نخلص إليها هي اللاأزلية وتوكيد الحدوث ووجودالخالق.
يمكنني أن أوافقك في أن الانفجار العظيميضع بداية من نوع ما للكون الذي ندرسه، ولا نعرف بداية لما كان قبله، إن صح استخدامأي تعبير زمني من هذا النوع، بذلك يمكن اعتباره أزليا بهذا المعنى.
اقتباس:
أتدري ماذا كان في نقطة الدبوس تلك ؟ كان فيها كل شيء من أشياء هذاالكون ،فيها كنت أنا وأنت وجميع أعضاء هذا المنتدى ... وكان فيها أيضا كوكب الأرضبل والمجرات ... وكل هذا الكون الذي لا زال في امتداد وتوسع!
ثم انفجرت النقطةالصغيرة التي لا ترى ليستوي منها كل هذا الكون العظيم.
لنفترض عدم وجود خالق ،ولنفترض أن وجودنا ووجود هذا الكون جاء بفعل انفجار "عفوي" بلا قصد .
فهل يستويفي عقلك أن يكون تكون هذا الكون صدفة ؟
ما هي الحجةهنا؟
يبدو أنها حجة "التصديق الذاتي"..
أنا لا أصدق أن ذلك حصل، ولذلك فهوخاطئ..
مبدئيا، الطريق بين تلك النقطة وبين الكون الحالي، يبدو قابلاللتتبع عبر البحث العلمي.
وفي ذلك البحث العلمي يختلط الانتظام الحتمي بالصدفةالعشوائية.
وفي كل ذلك البحث العلمي، لم تظهر الإرادة أو العلم المنسوب إلىالإله.
إن كان التعبير على عدم اكتشاف الإرادة هو "الصدفة"، فهذا ما وجدهالعلم.
ولا تنس أننا نتحدث عن زمن سحيق، وظواهر هي أضخم ما نعرفه بأصغرالأشياء.
ونظرا لأن هناك الكثير من الغموض في البحث العلمي حتى في ظواهر الطقساليومي، رغم أننا نستطيع ببعض التفكير العلمي أن نتصور أن جميع العوامل المشاركة هيآليات بدون قصد أو إرادة.
فلا غرابة في أن تفاجئنا مثل هذه المعرفة، إذاطبقناها على نطاق أوسع.
ولكن الجواب العلمي لم يكن في أي مرحلة هو وجودإرادة عاقلة تتدخل فيما يحدث..
فهذه مجرد قفزة إلى الوراء، إلى عالم الآلهةالمزاجية والعلاقة الشخصية مع الكون.
اقتباس:
بالنسبة لنظرية الكوارث والفوضى التي ستظهر في سبعينات القرنالعشرين لا تقول أبدا بإلغاء فكرة الأنتظام الكوني . بل كل ما تقوله هو أن ثمةظواهر في الكون يمكن الأصطلاح عليها بكونها فوضى ،أي خارقة لما نشاهده من عادةالأنتظام الشاملة للكون.
موضوع النظام والفوضىليس بهذه البساطة.
كبداية فأي كون يحتوي على كائنات ذكية، مهما كان فوضويا لابد أن تكون له خصائص تمكن من وجود تلك الكائنات.
بذلك فالنظام هو عنوان لوجودناكبشر في هذا الكون، ولو لم يكن ذلك "النظام" موجودا، لما وجد من يسأل عنه.
ثميتم تعميم فكرة النظام إلى ما يمكن لهذه الكائنات الذكية أن تفهمه وتتمثله بقدرتهاالمعرفية.
أي أن النظام حسب المفهوم المعاصر، هو ما يمكننا التعبير عنه بواسطةالمعادلات الرياضية.
ولكن وجود النظام لا يدل لوحده على وجود منظم عاقل له.
فمن حياتنا البشرية نرى أن كثرة الانتظام دليل على الميكانيكية، بينما عدمالقدرة على توقع السلوك المستقبلي تماما، هو الدليل المعتاد على وجود قصد إنسانيخلفه.
اقتباس:
بل هنا يجب الانتباه إلىأمر دقيق عميق، وهوأن القول بالفوضى لا يمكن أن يتحقق إلا إذاكان هناك انتظام تقيس عليه فتنسب الفوضى إلى ما لا ينتظم مثله.
ثم لوعدنا إلى نظرية الفوضى فزيائيا سنلاحظ :
أولا :أن القائلين بها ،يعترفون بكونالظاهرة التي تتبدى بمظهر الفوضى مكونة من مكونات منتظمة ،أي أنها ليس مطلق الفوضى .
ثم ثانيا :إنها لا تلغي وجود نظام في الكون.
الأمر الذي يجعلنا نخلص إلىالاستنتاج التالي:
'ن مقولة انتظام الكون مقولة لا قبل بدفعها أو رفضها .
على مستوى النظرية الكوانتية، فالفوضى جزء أساسيمن بنية الكون. وما يبقى هو عوامل احتمالية احصائية.
بينما نظرية الفوضىالحتمية (dete r ministic chaos)، تقول أن الانتظام هو تعبير عن العمليات "الخطية"،أي التي تتناسب فيها الاختلافات الصغيرة في الشروط البدئية، باختلافات صغيرة فيالنتائج.
والفوضى هي كل ما عدا ذلك، وهو معظم ما يحدث في الكون.
إلا أنهناك "جيوب" من الظواهر الخطية المنعزلة عما سواها، التي ركز العلماء في السابقبحثهم عليها، فكان بإمكانهم فهمها دون أن يفهموا كل شيء.
اقتباس:
إذن لنأخذ ملحوظة النظام ونعود بها إلى نقطة الدبوس!!!!!
التييرفض الملحد بإصرار غريب أن يقول لنا من أين جاءت ؟
يبدو أنك لا تعترف بمبدأ أن الحكمة هي أن لايجيب المرء بما لا يعرف.
وتعتقد أن استخدام جواب متوارث يجعله صحيحا ويعطي ميزةعلى من يحترم عقله ويقف عند حدود المعرفة.
الانتظام والاحتمال والصدفة
أفهمكلمة الصدفة بمعنيين، "انعدام القصد"، ولا فائدة لها بهذا المعنى في هذا السياق،إذا تصبح جميع العبارات التي تستخدمها "دائرية"، ولا تؤدي أي معنى.
ولكن المعنىالقابل للفحص العلمي هو "قلة الاحتمال"..(45/100)
ما هو احتمال أن ينشأ كون بخصائصكوننا، وفيه كوكب مثل كوكبنا وعليه بشر مثلنا؟
الاحتمال طبعا هو 100%، فهو قدحصل.
ولو لم يحصل لما كان هناك أحد ليسأل عن سبب ذلك.
هناك مشكلة أراهاهنا، فإن كان احتمال شيء كبير، فهذا من الانتظام الذي وضعه خالق الكون ليحقق مشيئتهعبر القوانين الطبيعية.
وإن كان الاحتمال قليلا، فهو معجزة من خالق الكون ليحققمشيئته رغما عن القوانين الطبيعية.
بهذه الطريقة فالنظرية الإيمانية لا تقبلالنقض، وهذا يؤدي بي إلى رفضها كطريقة عقيمة في فهم الكون.
(هناك مثل يقولهالفلاحون الأوروبيون للتنبؤ بالطقس يقول: "إذا صاح الديك فوق تل من القش، فقد يتغيرالطقس، أو قد يبقى كما هو".
هذه النبوءة صحيحة في كل الحالات، ولكن هذا لايجعلها مفيدة، بل عديمة القيمة).
إذا ما هو معنى السؤال عن الاحتمال.
هناك ما يسمى بالمبدأ الأنثروبي (الإنساني) في الفيزياء ويعني أن بإمكاننا تخيلأكوان أخرى بقوانين طبيعية مختلفة، أو بقيم مختلفة للثوابت الطبيعية التي نعرفها منكوننا.
وهذه القيم المختلفة تؤدي إلى أكوان مختلفة عن كوننا الحالي، وفي كثيرمن هذه الاحتمالات لن تتشكل المجرات أو الحياة.
المشكلة في هذا الكلام، هوأننا لا نعرف علاقة هذه الثوابت ببعضها، فقد لا تكون قابلة للتنوع بالطريقة التي تمافتراضها من قبل. وفي الحالة الحدية فقد يكون هناك مزيج وحيد ممكن هو الذي نعرفه منكوننا.
من الممكن في المقابل وضمن النظريات العلمية الحالية افتراض وجودأكوان عديدة أخرى، وكل كون يخضع لقوانين طبيعية مختلفة. وفي الأكوان التي لم تتشكلفيها حياة عاقلة، فلن نجد من يطرح مثل هذه الأسئلة ليستغرب أن كونه يناسب وجود حياةمناسبة.
هناك طريقتان لحساب الاحتمال.
الطريقة الاحصائية، أي نجمعمعلومات عن جميع الأكوان وأشكال الحياة، ونستنتج منها احتمال تشكل حياة معينة فيكون معين.
المشكلة هنا هي أن لدينا عينة = 1، أي أننا لا نعرف غير كوننا، وهذافيه نوع واحد من الحياة.
بذلك فحساب الاحتمال غير ممكن بالطريقة الاحصائية لأنعدد العينات غير كافي.
في المقابل إذا كنا نعرف احتمال كل مركبة وكانت تلكالاحتمالات منفصلة عن بعضها، يمكننا أن نستنتج احتمال حصول المزيج عبر ضربالاحتمالات ببعضها.
وهذا ما يبدو أن حساب احتمال تشكل البروتين قد قام به.
أي أنه اعتبر أن الاحماض الأمينية تتمازج باحتمال مستقل لكل منها.
ولكنهذا الكلام لا علاقة له بما نراه في الطبيعة.
فهذه الأحماض الأمينية تتشكلباحتمال هائل ضمن بنية الخلايا التي تركبها.
وعند السؤال عن إمكانية تطورهذه البروتينات على الطريقة الداروينية، فالجواب هو في الخطوات التي تم اختزالها.
فالانتخاب الطبيعي يعني أن البروتين لم يكن دائما بهذا الشكل، وليس دائما بهذاالتعقيد، واحتمالات تتالي الأحماض الأمينية ليست مستقلة عن بعضها، بل تخضع لانتخابطبيعي مشترك.
حساب الاحتمال للمراحل الوسطية يتطلب معرفتها جميعا، وهذا مايبحث العلماء فيه.
ونظرا لأنه حصل في تاريخ الأرض، فهذا يعني أنه ممكن.
بينما استنتاج إرادة واعية وراءه لا يضيف أي معرفة.
اقتباس:
هنا يطرح من جديد سؤال جديد يحتاج الملحد أن يجيبنا عليه:
كيف يتكون من حدث الانفجار كون منتظم ؟
لكن لنسلك مسلك التفكير الألحادي لنرى ونستشعر بوضوح المتاهة التي ستقودناإليها الإجابة الإلحادية.
إن هذا الانفجار الحادث فجأة سينشئ كونا منتظما !!!
هذا الجواب صحيح.
فحسب كل ما نعرف، فهذاالذي حصل..
اقتباس:
أما كيف حدث الانتظام فالإجابة الألحادية هي :
إن الأمر حدث صدفة.وهذا النظام المذهل في دقته الذي يؤسسللبناء الكوني كان أيضا مجرد صدفة!
هناك مشكلةفي تعريف الصدفة هنا.
فقد يكون الأمر "ضرورة"، وقد يكون مزيجا بين الصدفةوالضرورة.
العينة المتاحة هي كون واحد فقط، ولا تكفي لمثل هذه الاستنتاجات.
ولكن هنا يظهر منطق غريب بعض الشيء.
إذا كان الانتظام الكوني "الدقيق" الذي يمكن الحياة، هو دليل على إرادة الخالق، فكيف يستخدم الزميل في المقطع التاليقلة احتمال الحياة ليدلل على الخالق نفسه؟
إما أن الكون مصمم لوجود الحياة،أو أنه معادي لظهور الحياة.
وإن كانت إحدى الفرضيتين تدعم وجود الخالق، فالأخرىتنفيه..
اقتباس:
لنتأمل ما يلي :
إن الانفجار العظيم قذف بمكوناته في فراغميتافزيقي لا نستطيع إدراك ماهيته واتساعه ،لكن المفاجأة أن العناصر الأساسية التييحتاجها تكون ظواهر الكون ستجتمع وتنتظم.
هذاكان سيكون مفاجأة، لو أننا رأينا مليار كون يتشكل بالصدفة ولا تنشأ فيها حياة، ثميظهر كون مختلف عن كل ما سواه.
بينما إذا راقبنا المليار كون، وكانت جميعهاتحتوي على حياة، فهذا قد يدل على خاصية من خصائص نشأة الأكوان.
ولكن كما سلف،ليست لدينا مثل هذه المعلومات.
وإن تكن هناك نماذج رياضية في نطاق الانفجارالعظيم تصف أكوانا عديدة، تتشكل بحكم معادلات كوانتية احتمالية، وكوننا أحدها.
اقتباس:
لكن هل هذه الإجابة الألحادية - التي أقل ما يمكن أن ننعته بها هوأنها إجابة مستهترة ! - مقبولة عقلا؟
لنختبرها بلغة العلم:(45/101)
بلغة العلم، الإجابة الإلحادية هي الوحيدةالمقبولة.
لأنه لما كان هناك أي علم لولا الاستغناء عن تعليق الأمور بأسبابغيبية خارجة عن الطبيعة.
اقتباس:
ولنقرأ الأمر بلغة رياضيات الأحتمال ،ولنتساءل : ما هو الأحتمالالرياضي لوجود أنزيم واحد فقط ؟
الغريب في الأمر أنه حتى هذا الأنزيم الواحداليتيم يعجز العقل العلمي عن تصور إمكان حدوثه صدفة. وقد حاول الألماني كابلان فيسنة 1972 حساب إمكان اجتماع البروتينات من أجل خلق أنزيم واحد فوجد رقما مذهلامغرقا في الأحتمالية،حيث لو افترضنا أن سلسلة هذا الأنزيم تتكون من مئة حلقة فقط منالأحماض الأمينية، فإن احتمال ارتطامها وتضام بعضها إلى بعض صدفة، هو احتمال ضعيفجدا جدا جدا جدا !!!! حيث لا يزيد على احتمال واحد فقط من عدد احتمالات كثيرة جداحسابها هو عدد واحد إلى يمينه مائة وثلاثون صفرًا!!
أي حساب للاحتمال محكوم بمقدماته.
هذا الرقمالطريف يثبت فقط بطلان افتراض أن الذرات تراطمت مع بعضها بشكل عشوائي.
وإنما هنا انتخاب طبيعي، فالأنزيم المعاصر نتج عن مركبات سابقة له لم تكنبشكله الحالي، وحوادث أخرى في تاريخ تشكل الحياة لا نعرفها اليوم.
بينها مركباتبسيطة، لن يكون افتراض العشوائية خاطئا في تقدير مفعولها، وبينها انتظامات وضروراتلا نعرفها اليوم.
ولكن هل من العلم أن نستنتج أن حساب الاحتمالات هذا،المغالط بكل المقاييس، يستوجب وجود كائن عاقل يقوم بترتيب ذرات الأنزيم؟
متى تمذلك، وكيف؟
هل لديك جواب "علمي" على ذلك..
وكيف تتوقع الوصول إلى ذلكالجواب..
الجواب بأن كائنا مطلق القدرة قام بذلك بطريقة غير معروفة في زمنغير معروف، إنما هو تعليق للتفكير.
ولذلك فلن نجد جوابا علميا يصل إلى هذهالنتيجة.
اقتباس:
وبناء على علم الإحتمال الرياضي حاول فزيايئان بريطانيان فريد هويلو شنادرا ويكرامسينج تطبيق الحساب الاحتمالي الذي قام به كابلان على حدوث الحياة فيكوكب الأرض ، وارتكزا على معلوماتهما الفزيائية فدرسا نشوء الحياة في الأرض فوصلاإلى استحالة تصور العقل حدوث ما حدث لكوكب الأرض صدفة ،لأن رقم أحتمال هذا الحدوثغير قابل للتصور فانتهيا إلى التأكيد على أن الإجابة المعقولة ليست هي الأجابةالألحادية ،بل هي الأجابة المؤمنة بوجود قوة خالقة مريدة عاقلة.
فريد هويل لم يكن يؤمن بوجود أي تسبب من خارجالطبيعة، وإنما انتقاده طال آليات الصدفة حسبما حسبها، وحسب فهم خاطئ للإصطفاءالدارويني كما أظهر مؤلفون آخرون.
بالمقابل فهويل كان مؤيدي نظرية الكونالمستقر، لرفضه لفكرة الخلق الدينية..
لذلك أقترح التمهل قبل نسب "الإجابةالمؤمنة" له..
اقتباس:
وهو ما يؤكده أيضا عالم الفزياء النظرية المعاصر [بول دفيز عندمايقول ثمة دليل أكيد على أن وراء حدوث الكون كائن قام بتصميمه.
بينما بول ديفيز، بعد عدة تقلبات في رأيه، ينطلقاليوم من نظرية الأكوان المتعددة.
وهذه تدعم فكرة الصدفة من جديد، لأن حظنا هوأننا موجودون في الكون المناسب..
على أي حال، فكل فرضيات الاحتمال إنماتدافع عن الجهل اليوم.
أي أنها تنسب ما لا نعرفه اليوم إلى عمل كائن خفي.
ومع ازدياد المعرفة يتقلص دور ذلك الكائن الخفي (إله الفجوات الذي ذكرته فيالمداخلة الأولى).
اقتباس:
إنه فعل الصدفة، بل أقول بكل بساطة إنه تطبيق عملي لتفكير إلحادييثق في الصدفة ويجعلها مصدر النظام والانتظام!! فقلت في نفسي دعني أضغط كيفما اتفقلعل دليلا إلحاديا جديدا يحصل بالصدفة !!
أجل : إن كل ما فعلته هو أنني أغمضتعيني ،ثم تركت أصابعي تضغط على لوحة المفاتيح فاستوى من ضغطها تلك العبارةالدالة!!!
أكيد لا دلالة في تلك الأسطر و لا معنى ، فهل تقبلون أن تكون الصدفةصانعة هذا الانتظام الكوني ؟
لست أدري هدف هذهالمناورة الخطابية، فهي لا تقدم ولا تؤخر.
طيب إليك واحدة تشبهها:
[
]
المساحة الفارغة بين القوسين (الأقواس من عندي، وكذلك الأسطرالجديدة)، هي ما كتبه الإله.
انتظرته كثيرا ليعبر عن إرادته العاقلة، ولكن شيئالم يحصل.
فهل تصدق أن إلها كهذا قام بكل ما تنسبه إليه؟
اقتباس:
إذا كان الملحد يتصور وجود الكون بكل انتظاماته المذهلة صدفة،فإننا نفسره بوجود قوة عاقلة (الله) مفارقة للكون قامت بخلقه وتنظيمه.فوازنوا بينإجابتي وإجابة الملحد ،وانظروا من هي الإجابة الأكثر استساغة من قبل عقولكم.
لا شك في أنك تناشد العقول التي اعتادت علىالتربية الدينية، وليس على العمل العلمي.
لأن في إجابتك تعليق للعقل والتفكيروالبحث عن الظواهر وعلاقاتها ببعضها.
فمن اعتاد على البحث عن "آليات"،و"انتظامات"، و"نماذج رياضية" ليصف بها الطبيعة، ثم يتحقق من هذه النماذج عبرالتجربة والملاحظة، لن يقتنع بهذه السهولة بفكرة القوة العاقلة.
اقتباس:
فالذي يقول بأزلية المادة ليس كالذي يقول بأزلية الله.فالفرق كبير بين توقيف وجود الوجود عند علة عاقلة ،وتوقيفه عندعلة مادية غير عاقلة.
ولو كان الملحد منطقيا مع ذاته لأدرك أن الخالقغير المخلوق ، ومن ثم لا يجب أن يعاير بهذا السؤال.
من أين جاء الفرق؟
بالأحرى، من أين لك أنتعرف بوجود أي فرق؟(45/102)
المادة هي ما نتعامل معه ضمن هذا الكون، وحتى هذه لانعرف جميع صفاتها وخصائصها.
ولا نستطيع منطقا، حتى تعميم ما نعرفه عنها علىمجمل الكون.
أما خصائص العلة العاقلة، فهي لا تزيد عن كونها ألعاب لفظيةوتكهنات لا دليل عليها.
اقتباس:
لكن نواجهك بالسؤال مرة أخرى : من خلق ذلك الثالث ؟ الرابع ..ومنخلق الرابع الخامس .. سادس ...سابع ..ثامن ؟؟؟
ستضطر للوقوف بالسلسلة إلى كائنما هو الذي خلق الجميع . وهذا ما نطلبه فهو الله الخالق.
طبعا عندما يطرح هذا السؤال، إنما هو من مبدأ "ألزموهم بما ألزموا به أنفسهم".
ولكن مع ذلك، فكيف تصل إلى أي استنتاجاتفي عالم الغيب؟
هل من صفات ذلك الإله الثالث أنه خلق الكون؟ أو يكترث بما يحدثفيه؟
كيف ربطت هذه بتلك؟
قد يكون الإله الثامن غير عاقل، بينما الإلهالسابع غير أزلي، والعقل والإرادة من صفات الإله السابع..الخ
اقتباس:
وإذا لم تقل بالتسلسل ستقول بالدور وكلاهما محال عقليا.
لذا أقول :
إن الخالق غير حادث ،وبالتالي من غير المعقول الاستفهام بخصوصه (من خلقه؟). فهو أصلا ليس حادثا حتى يحتاج إلى خالق يحدثه ويوجده. تماما كهذهالصفحة البيضاء التي أمامي لا يصح لك أن تسألني من كتبها؟؟
ماذا يعني هنا محال عقليا؟
نحن نتحدث عنظواهر طبيعية، فإن كان هناك تسلسل أو دور فعلا، فعلينا تغيير منطقنا العقليالمعتاد.
قمنا بذلك مرات كثيرة مع كل مكتشف علمي، ولا شيء يمنع القيام بذلك هناأيضا.
اقتباس:
لماذا ؟
لأنها أصلا بيضاء فلايصح السؤال عن كاتبها،كذلك لا يصح السؤال عن خالق الله من هو ؟ لأنه اللهالخالق لا المخلوق .
طبعا من الممكن أن يكونهناك اختلاف بين الظواهر والكينونات على مستويات مختلفة.
ولكن كيف وصلت إلى هذهالمعرفة؟
هنا يبدو أن العملية التي تمت هي مجرد عملية "تعريف" لذلك الاختلاف [5]، ثم توقيف عملية التفكير نفسها دون مبرر واضح.
اقتباس:
وختاما أقول :
إن الموقف الألحادي موقف ينقصه الحكمة ،بل إنهموقف غير حكيم بالمرة مادام يجعل البحث عن سبب العالم وسبب الوجود أمرا غير ذيأهمية !!
لعل الأقرب إلى الحكمة مقولة "رحم اللهامرأ عرف حده فوقف عنده".
الموقف الحكيم يتطلب الاعتراف بحدود المعرفة الحاليةوطرق الحصول عليها.
كما يتطلب الاتعاظ من دروس الماضي.
وفي ذلك الماضيرأينا أن إلحاق الصفات العاقلة بظواهر الطبيعة، والتعامل معها كتعبير عن إرادةأشخاص يقفون وراءها، كان الطريقة التي استخدمها البشر في محاولتهم للفهم.
واليوم نعرف أن ذلك يعبر عن آليات نفسية، ونبحث عن تفسيرات طبيعية للظواهر.
وهذا حقق تقدما هائلا في المعرفة، لم يكن متوفرا عند التفكير بالطريقةالمشخصنة.
يقول عالم الإجتماع أوغست كومت:
"
هناك ثلاثة مراحل فيالمعرفة تمر بها كل العلوم أثناء البحث عن الفهم.
المرحلة الدينية، أي مرحلةالتفسير بنسب الأحداث والظواهر إلى إرادة وقصد يشبه قصد الإنسان وإرادته (روحانيةالطبيعة، وحتى الأديان التوحيدية).
ثم تأتي المرحلة الميتافيزيقية، أي تفسيرالأشياء بجوهرها، بأسباب وآليات غير شخصية، ولا محل للإرادة أو القصد فيها.
فيالمرحلة الأخيرة يصبح هدف البحث العلمي هو وصف التشابه والتتالي دون الحاجة إلىافتراض أي جوهر خفي".
يبدو أن حوارنا هو بالدرجة الأولى عن الانتقال منالمرحلة الأولى إلى الثانية.
=============================
[1]
قام الزميل حاتم3، ربما من فرط حماسه، باستخدام عبارات لا تدعم الحجة،ربما كان بإمكانه الاستغناء عنها.
(
الملحد المشاكس، الذي لا يحترم عقله، الجوابالمستهتر، الغير حكيم..الخ)
هذا يعبر عن التعالي الخطابي، ليس إلا.
الملحدغير حكيم، بينما المؤمن في قمة الحكمة. يا سلام!
طبعا من الممكن أن أقول أنالمؤمن هو إنسان بدائي يرى آلهته حيث يخاف، وأن عليه أن ينضج قليلا.
ولكندعنا في ساحة مقارعة الحجج وليس الحكم على الأشخاص.
فالحكمة برأيي هي فيالالتفات إلى الحياة المباشرة والبحث عن المعنى في العلاقة مع البشر الآخرينوالطبيعة حولنا، وليس وراءها.
فإن كان هناك إله أم لا، فجميعنا يبحث عنالانتماء إلى المجتمع حولنا وعن الحب والصداقة والتعاون..
[2]
هوكنج
So long as the unive r se had a beginning, we could suppose that it had a c r eato صلى الله عليه وسلم But if the unive r se is r eally completely self-contained, having no bounda r y o r edge, it would have neithe r beginning no r end: it would simply be. What place, then, fo r a c r eato r ?
[3]
أتكنز
The only way of explaining the c r eation is to show that the c r eato r had absolutely no job at all to do, and so might as well not have existed
[4]
هوكنج 1987
In gene r al r elativity, time ... does not have any meaning outside the spacetime manifold. To ask what happened befo r e the unive r se began is like asking fo r a point on the Ea r th at 91 no r th latitude; it just is not defined. Instead of talking about the unive r s being c r eated, and maybe coming to an end, one should just say: The unive r se is.(45/103)
الرد الثانى لحاتم3
--------
بعد تحديدات و تعريفات أولية للإلحاد والأيمان انتقل الزميل القبطانإلى مناقشة وجود الله. ونحن ننتقل معه إلى هذه المناقشةدون الوقوف عند هذه التحديدات مع أن لدينا فيها رأيا،وذلك احتراما لطريقة ومنهج الزميل القبطان في طرح موضوعه فهو نفسه لم يركز علىإشكالية التحديد ويؤسسه على منظور محدد ، حيث قال في معرض تعريفه للألحاد:
اقتباس:
لا يهمني في هذا السياق الأصل اللغوي للكلمة، أو التعريفاتالمتباينة لها، علاقتها بمدارس فكرية مختلفة، أو أن كلمات أخرى أقل شيوعا قد تكونأكثر دلالة
هذا وإن كنت منهجيا أطلب من زميليومن كل ملحد أو مؤمن أن يعتني بموقفه ويعطي لأمر التحديد الدلالي قيمة فيبنيهويؤسسه على تصور واضح مقنع ...
لنتابع نقدنا لمداخلة الزميل
قصور المنهجية الحسية في التفكير في قضايا الألوهية
يقول الزميل القبطان
اقتباس:
سنختار لهذا الحوار الاعتقاد الشائع بوجود الله..
الزعم بوجودإله أو آلهة، هو زعم استثنائي بكل المقاييس.
فلم ير أحد منا إلها في حياتهاليومية، ولا يعرف أحد شكل مثل هذا الإله، ملمسه، أو يستطيع التخاطب معه للتأكد منأفكاره حوله.
وأرى أنه :
بغض النظر عما فيكلام الزميل من نزوع نحو تسفيه موضوع الألوهية بقوله "لمير أحد منا إلها في حياته"،وكأن الرؤية بجهازالعين تصلح أن تكون دليلا للاعتقاد أو عدمه، أقول : لو اعتمد مثل هذاالاستدلال حتى في المجال العلمي لتم شطب البناء المفاهيمي العلمي من أساسه،فلا أحد من العلماء رأى الجاذبية و لا أحد منهم رأي الألكترونولا الأثير ، ولا الطبيعة التموجية للضوء ، ولا طبيعته الذرية... و لا ...و... لا .. الخ
ولكن إذا كان الزميل القبطان في مبتدأ كلامه يرتكز على منظورمنهجي وليس فقط على مجرد كلمة أطلقها عفويا ، فلا بد من مناقشة هذا المنظور المنهجي، ومن حقه تبنيه ومن واجبنا نقاشه فيه. لذا عليه أن يعلن هذا المنظور في مستقبلمداخلاته وعندها سأفصل القول في شأنه ،،،
لكن يكفيني هنا أن أشير إلى فساد هذاالمنهج في التفكير بمصير الوضعية المنطقية عند أمثالفتجنشطينالذي انطلق من مفهوم المطابقة الحسية للمفاهيمفانتهى إلى ما انتهت إليه حلقة فيينا معكارناب ورايشنباخحيث تم شطب قضايا الألوهية ،بل ومجمل البناء المفاهيم لثقافة البشرية بدءا بالحقوالعدل وانتهاء بالجمال، وذلك بدعوى كونها ليس لها مدلول في الواقع الحسيتنطبق عليه ، ومن ثم فهي مفاهيم لغو يجب انتزاعها من المعجم !!! ولكن نعرف جميعاالمأزق الذي خلصت إليه الوضعية المنطقية حتى أسقطها في مواقف ساذجة مثيرة للسخريةفي الوسط الفلسفي ، وهذا ما وعاه فتجنشطين بذكاء الأمر الذي جعله يتراجع عن هذاالمنظور الحسي في التعامل مع المفاهيم،وإن لم يخلص به ذاك إلى الأيمان.
لكن إذأذكر بهذا أود أيضا الأشارة إلى أن هذا المنهج منهج الرؤية والحس في قياس المفاهيموالنظر إلى الوجودهو منهج فاسد. لايقول به اليوم لا الفلاسفة ولا العلماء . ومن ثمفالقول بأن الله لم يره أحد ولم يلمسه أحد ليس بدليل يحتجبه ، لا فلسفيا و لا علميا ،فضلا عن دينيا.
اقتباس:
ولذلك فهذا الإعتقاد بحاجة إلى أدلة استثنائية لتبريره.
.......
على المؤمن بإله أو آلهة أن يبرر إيمانه بأدلة استثنائية.
وهنا كنت أتمنى أن يعطي زميلي معنى الدليلالأستثنائي الذي يطالبنا بالأتيان به.
فما معنى الدليل الاستثنائي ؟
ثملنفترض :إذا كان ما جاء به الموقف الأيماني لم يرق إلى الدليل الاستثنائي ،فهل ماجاء به الموقف الألحادي يرقى إلى هذا النوع من الأدلة؟
أو أن الأدلةالأستثنائية هي أدلة ضعيفة مهزوزة ، وأدلة الملحد غير استثنائية؟؟؟؟
تساؤلاتنحتاج إلى أن نستعلم من زميلنا القبطان موقفه لكي نناقشه فيه عن بينة.
لكن قبلذلك أقول في سياق الحديث عن الأدلة :
إن كان للموقف الأيماني أدلة - بغض النظرعن نوعها وقيمتها الابستمولوجية- فإن الموقف الألحادي ليس له أدلة على الأطلاق ،فهوفي مسلكه عادة ما ينحصر في نقد أدلة الأيمان.
وهذا ما سنجد الزميل القبطان يقومبه هو أيضا ،لننصت إليه يقول :
اقتباس:
ويكفي لتبرير الموقف الإلحادي، أن أظهر ضعف هذه الأدلة وعدمتماسكها.
بينما ليس من الضروري لتبرير الإلحاد بالمعنى الذي أقصده أن أبرهن علىعدم وجود هذه الآلهة.
أو حتى تقديم تفسيرات بديلة.
(البعض يسمي هذا الموقف "الإلحاد السلبي"، أو اللاأدرية المعرفية مع الإلحاد العملي)
وجوابي :
إن الكلام السابق هو بحدذاته دليل على ضعف الموقف الألحادي ،لأنه لا يقدم دليلا ،بليقتصر على نقد أدلة الايمان. وهو اعتراف ضمني بوجود أدلة على الأيمان وعدموجودها على الالحاد.
مفهوم المعجزة
لنر هذا النقد لأدلة الأيمان واحدا تلو آخر :(45/104)
أول فكرة طرحها زميليهي المعجزة ، وإن كنت لم أجد مبررا كافيا لطرحها لأنها خارجة عن موضوع الأيمانبالله على الأقل في لحظة حوارنا هذا.
حيث يقول :
اقتباس:
المعجزات والكوارث الطبيعية والظواهر الخارجة عن المألوف:
هذاهو الدليل الأكثر رواجا في المعتقدات الشعبية لتبرير فكرة النبوة (القرآن معجزةمحمد)، أو تجسد الآلهة (المسيحية، الهندوسية).
وهي أهم دليل على الإهتمامالمفترض الذي توليه الآلهة بالجنس البشري، والتخاطب معه والتدخل في مجرى حياتهوالتعامل مع سلوكه بالرضى أو الغضب.
ولكن يكفيني عدم اعتراف المعتقدين بدينبمعجزات الأديان الأخرى، لكي نرى التأثير "المحلي جدا" لهذه المعجزات.
عندي على ما سبقنقد منهجي،حيث أرى فيه اختلالا لأنه من حيث التصنيفالعلمي الدقيق ليس نقدا لدليل وجود الله ،بل هو نقد لدليل النبوة.فالمعجزة دليل علىالنبوة أكثر منها دليلا على الألوهية.
والنبوة ليست موضوعنا ،بل إن موضوعنا هوإثبات وجود إله لهذا الكون، وعندما نكمله لنا أن نفتح موضوعا جديدا نعنونه ب"هلالقرآن كلام الله ؟" أو "هل محمد رسول الله؟ " أو نناقش مبتدأ الأمر ،أقصد "ماالحاجة إلى النبوة أصلا؟"
نقد نقد أدلة الأيمان: مفهوم السببية
لكن بعد هذا الانحراف نحو موضوع النبوة يدخل الزميلالقبطان في سياق الموضوع (نقد أدلة الأيمان) فيقول بادئا بنقد :
اقتباس:
العلة الأولى:
"نظرا لأن لكل شيء سبب، فلا بد لهذه الأسباب أنتلتقي في سبب أول، هو الله".
نقطة الضعف الأساسية هي أن افتراض وجود "سبب أول" ينقض الفرضية الأولى، وهي أن "لكل شيء سبب".
بعد ذلك تبدأ دوامة طويلة، لتبريرالرغبة في استثناء الله من هذه السببية.
فيصبح البرهان دائريا.
أي عوضا عنالانطلاق من فرضية عامة، إلى استنتاج خاص.
يتم تفصيل البرهان ليناسب النتيجةالتي يريد المؤمن التوصل إليها.
وتعليقي على ماسبق هو :
1- أولا :
إذا كنت تعيب على المؤمن استثناء وجود الله من سبب وجودفأنتم تستثنون وجود الكون /العالم من سبب وجود.
إذن فأنتم تتساوون مع المؤمن فياستثناء كائن من السؤال عن خالق له.
المؤمن يستثني الله.
وأنتم تستثنونالعالم.
إذن فتلك الدوامة الطويلة التي تعيبونها على الموقف الأيماني لأستثناءالله من المخلوقية تسقطون فيها أنتم أيضا.
فلماذا تستعجبون ؟
2- ثانيا :
يقوم نقد الزميل القبطان لمبدأ العلة الأولى على نقد مبدأ السببية لذا سنفصلالقول فيه على النحو التالي :
2-1 إن التعبير الذي عبر به زميلي أي قوله :
"نظرا لأن لكل شيء سبب"
فيهاختلال في لغة الأصطلاح ،فنحن لا نقول "لكل شيء سبب" حتى يتم الرد علينا بالقول،فلماذا تستثنون الله من انطباق قانون السببية عليه؟
بل نقول :"لكل حادث سبب ". وإذا قلنا "لكل شيء سبب"فمعناه لكل شيء حادث سبب.
فالحادث أي الذي لم يكن منقبل ثم كان هو الذي يحتاج إلى من يحدثه ويخرجه من اللاوجود إلى الوجود.
وأرى أنهذا الخطأ في التعبير هو ما سقط فيه بول دفيز نفسه ، وهو معذور كفزيائي في عدممعرفته بعلم اللاهوت واستدلالاته ولغته الاصطلاحية الخاصة ،ولعل هذا الخطأ فيالتعبير انتقل إلى الزميل القبطان من كتابات بول دفيز أو من غيره من الكتاب. وبولدفيز ، بالمناسبة ، هو الذي زعم زميلي أنني أخطأت فهمه في تعقيبه علي ، وسأوضحالأمر في التعقيب الثاني مستدلا بأقوال بول دفيز نفسه.
إذن ثمة خطأ في الصيغةالتعبيرية لمفهوم العلة الأولى التي طرحها وانتقدها الزميل.
ثالثا :
منالمعلوم لكل قارئ مهتم بتاريخ الفلسفة أن الاستهانة بمبدأ السببية وإنكاره يرجع إلىدفيد هيوم ، وقد ركز هيوم كثيرا على نقد استثناء الله من قانون العلية.
لكنمشكلة دفيد هيوم هي أصلا مشكلة في مفهومه للسببية/العلية ،قبل أن تكون مشكلة في فهممدلول الألوهية . فهو لا يعتقد بكينونة وجودية للسببية بلهي مجرد اقتران ، أو عادة ذهنية. وهي الفكرة التي سينزلق إليها كانط أيضافيحول السببية إلى مقولة عقلية.
وهنا يجب أن ننبه إلى أن في فلسفة دفيد هيومهشاشة واضحة لمقولة السببية التي هي عنده مقولة فكر لا مقولة وجود. بمعنى أنهاقانون ذهني لا قانون ينتظم الموجودات في صيغ تعالقها الأنطلوجي.( وفلسفيا ثمة فارقبين منظور الغزالي للسببية ومنظور دفيد هيوم ليس هذا مقام بسط القول فيه).
ويمكنني أن أفهم عدم اهتمام دفيد هيوم بالسببية وعدم احترامه وتقديره لها. لكنلا يمكن أن نستسيغ من فزيائي عدم تقديره للسببية مثل بول دفيز.
ولا أقول إندفيز لم يقدر مفهوم السببية إنما أقول إنه لم يفهمها فلسفيا . بل تجده ينطلق مماانطلق منه الزميل القبطان " لكل شيء سبب" ، ويحسب أن هذا هو الصيغة التي يطرح بهافي علم الكلام أو في الاستدلال الكوسمولوجي. وهذا خطأ منه.
وقد كرره القبطان فيمداخلته ،حيث نجده يعيد عبارة لكل شيء سبب أكثر من مرة ويحسب أنها هي القاعدة التيينطلق منها الاستدلال على وجود الله. بينما القاعدة هي" لكل حادث سبب".
قد يقال فما الفرق ؟(45/105)
أولا لكل علم لغتهواصطلاحه ، وعندما يخطئ أحد في الاصطلاح عند أهل العلم والاختصاص ،فإنهم يعدونه منخارج العلم ولا يدرك لغته فضلا عن الاقتدار على نقده. فلو قلت مثلا إن "الحدس" هومعرفة مباشرة بلاوساطة من تجربة حسية ولا من استلالات وأقيسة عقلية. فهذا تعريفاصطلاحي دقيق ومقبول ،ويمكن أن ينطبق على مختلف الفلاسفة القائلين بالحدوسأوالمحددين لمدلولها. لكن تأمل معي لو قلت في وسط فلسفي وفي معرض الحديث عن كانطالعبارة التالية" إن الحدس معرفة مباشرة بلا وساطة من تجربة حسية..." ؟؟؟؟
ماذاسيكون حالي عند أهل الأختصاص الفلسفي ؟؟ إنهم بكل بساطة سيكشفون أنني لا أعرف كانطالبتة ،لأنني أخطأت مصطلحيا خطأ فادحا في التعبير ،فالحدس عند كانط هو معرفة حسية.
وهكذا تلاحظ أن الارتكاز على القول "إن لكل شيء سببا" هو مزلق في التعبيرالاصطلاحي.
هذا من حيث الخطأ في التعبير و الاصطلاح . وللأمانة نقول إن كثيرامن الإخوة الدينيين يسقطون هم أيضا فيه.
أما الخطأ من حيث معرفة معنى الاستدلالفأبينه بما يلي :
عندما نتفق عن كون الكون حادث ، وعندما نرى العلم يشتغلبمقولة السببية ، وعندما يشتغل الملحد كما المؤمن في حياته اليومية وفق مقولةالسببية ،فإننا يجب علينا نحن جميعا مؤمنين وملحدين أن نحترم عقولنا ونعمل وفق مبدأالسببية ،فنتساءل : ما سبب الكون ؟ أي من أوجد هذا الكون الحادث؟
الأجابةالمؤمنة إجابة عقلانية في تقديري ،فهي لا تقول بكون الكون أوجد نفسه وأحدث ذاته ،بلتقول بأنه أوجده خالق مريد .
هنا يطرح الفكر الالحادي اعتراضه :
من خلق الله؟ويريد أن يطبق مبدا السببية عليه. وقد أجبتفي مداخلتي الأولى عن هذا السؤال.وأكتفي هنا فقط بالتذكير بأننا نقول لكل حادث سبب، وليس لكل شيء سبب. وبما أن الله ليس حادثا فهو ليس له سبب.
وإذا اعترض الملحدبالقول "وما أدرانا أن الله ليس حادثا" ،نرد إذااعتبرناه حادثا فسنحتاج عندئذ إلى خالق له ، وإذا اعتبرنا هذا الخالق مخلوقا محدثاسنكون مضطرين للبحث عمن أحدثه وخلقه ،وهكذا دواليك حتىنصل إلى سبب أول غير حادث تقف عنده سلسلة العلل. وبذلك فقط نتجنب التسلسلالمرفوض عقل ، كما نتجنب الدور المرفوض عقلا.
ولم أقرأ بعد أي نقد إلحاديمعقول لدليل الأحتياج إلى العلة الأولى. ولقد قرأت مراراكتاب "الدين الطبيعي" لدفيد هيومولم أزدد إلا اقتناعابدليل الأيمان ووجوب علة أولى لهذا الكون.
واختلال النقد الإلحادي للأيمان واضححتى من ذاته سواء عند هيوم أو غيره من الفلاسفة مثل شوبنهور.
وسيتضح لنامظهر من مظاهر هذا الاختلال في نقد زميلي القبطان لمبدأ السببية ،لننصت إليه يقول:
اقتباس:
ناهيك عن أن قاعدة "لكل شيء سبب" إنما استنتجناها من ملاحظاتناللظواهر ضمن الكون.
وهذا يدخلنا في مشكلة الاستقراء، حيث قد نكتشف ظاهرة جديدةليس لها مسبب، فتسقط القاعدة وجميع استنتاجاتها.
يكفي ما سبق دليلا على ضعف النقد الألحادي
تأمل قوله
اقتباس:
"قد نكتشفظاهرة ليس لها مسبب"
إذن فرفض مبدأ نسيرعليه كلنا في يوميات حياته موقوف على احتمال ظني خلاصته قد نكتشف ظاهرة ليس لهاسبب؟؟؟
وهنا أقول :
إلى حين اكتشافها يبقىالواجب هو الاشتغال بمبدأ السببية ويبقى التفكير المؤمن هو التفكير المنسجم ، معالعقل ومع كينونة الوجود..فمن الذي يقوم بالتفكير وفق أصول عقلانية ، هلالذي يستنتج من حدوث الوجود محدث له وفق قانون السببية أم الذي يرفض ذلك بدعوىاحتمالية مفادها " حيث قد نكتشف ظاهرة جديدة ليس لها مسبب، فتسقط القاعدة وجميعاستنتاجاتها. "؟؟؟؟ !!!!
ثم لما يحس الموقف الالحادي بضعف نقده لوجوبالعلة الأولى يريد أن يسلم بها ، لكن مع إلصاقها بكائن آخر غير الأله الخالق ، وهذابحد ذاته دليل على قوة الدليل الأيماني
لنتأمل ما قاله محاوري:
اقتباس:
ولكن حتى في حال الموافقة جدلا على العلة الأولى (رغم عدم خبرتنابأي "علة أولى" حولنا)، فلا يوجد أي مبرر لافتراض أن "الله" هو تلك العلة الأولى.
فالعلة الأولى كما يتم استنتاجها لا تظهر صفات أخرى تزيد عما يحتاجه ذلكالبرهان، فهي ليست بالضرورة واعية، عالمة أو مطلقة القدرة..الخ
فقد يكون الكون،أو ظاهرة طبيعية أخرى، هو تلك العلة الأولى.
أليس هذا أيضا دليل كاف على ضعف الموقف الألحادي؟
فالعلة الأولى يتم نقدها بمجرد القول
اقتباس:
" قد لا تكون هذه العلة الألوى هي الله ، قد تكون هي الكون أوظاهرة طبيعية أخرى..."
؟؟؟؟؟؟
فهل من المعقولنقد الاستدلال اللأيماني على العلة الأولى القائم على منطق محكم يتم به استبعادالتسلسل والدور المحال منطقيا بمجرد هذا القول ؟؟؟؟
لكن رغم ذلك أجيب :
إذا كان الموقف الألحادي يرفض أن تكون العلة الأولى التي أوجدت الكون هيخالق قادر مريد (الله)
أرجو تحديد ماهية هذه العلة الأخرى البديلة حتى يصار إلىبحثها .
لكن أعرف مسبقا لماذا يتم استبعاد التحديد ،لأن أي علة أخرى غير اللهتسقط الفكر الألحادي في مآزق .
فالقول بأن الكون او الطبيعة علة ذاتها يسقطالفكر الألحادي في مأزقين اثنين :
أولا إرجاع وجود الكون إلى ذاته.(45/106)
فيصبحأمام الفكر الألحادي سؤالا عصيا :
كيف أوجد الكونذاته من عدم ؟
وهنا أريد من قارئي أن يتنبه جديا لهذا السؤال ليحسبمقدار اختلال الموقف الألحادي :
لنستبعد وجود الله ، أي وجود الخالق.
يبقىأمامنا هذا الوجود / الكون.
هنا يجد الموقف اللاحادي المعاصر بعد اهتزازالنظرية الفزيائية القائلة بأزلية المادة أمام مأزق جديد ،حيث يصطدم فلسفيا بمقولةالعدم . فتخيلوا عدما مطلقا ثم وجد من هذا العدم وجود هائل هو هذا الكون.
هليعقل هذا ؟؟؟ كيف ينبثق الكون من العدم ؟؟؟؟ كيف يوجد وجود من لاوجود؟؟؟
أليساليونانيون في أقدم القدم كانوا حكماء عندما أعلنوا "لاشيء من لاشيء"؟؟؟؟
قديقال إن مقولة اليونانيين هذه كانت مرتكزا للقول بقدم الهيولى.
على فرض صحةمفهوم قدم الهيولى ،بل دعنا نساعد الموقف اللحادي فنقول له لنفترض أن الكون قديم،أي انفجر ثم تكرر الأنفجار على نحو لانهائي :
إن المأزق الثاني الذي سيسقط فيهالموقف اللألحادي هو :كيف انتظم الكون مع أنه مادة غير عاقلة بذاتها؟
ثم كيفوجدت الحياة من مادة سديمية غير حية؟
ثم كيف من مادة غير عاقلة سينبثق العقلوالفكر (الأنسان)؟؟؟؟
أسئلة ليس للموقف الألحادي أي جواب .
دلالة التحولات الأبستملوجية المعاصرة:فزياء الكوانطا ونقدمفهوم الحتمية
ولكي يتخطى الزميل القبطان إشكالية السببية ، ومأزقرفض العلة الأولى ينتقل إلى الأستعانة بالتطور العلمي والتحولات الأبستمولوجية التيمست مفاهيم العلم حيث يقول :
اقتباس:
في بداية القرن العشرين أظهرت التجارب الفيزيائية والنظرياتالحديثة لتفسيرها (النسبية، الكم)، تناقضات جوهرية مع المفاهيم المعتادة، طالتمفهوم السببية، ومفاهيم الزمان والمكان.
بذلك أصبحت مقولة "لكل شيء سبب"، هيمجرد تعبير عن عادة فكرية من الحياة اليومية، ولكن لا يمكن تطبيقها بهذه البساطةعلى جميع الظواهر في الكون.
وتعليقي على ما سبقألخصه في مجموعة من النقط النقدية :
أولا إن الزميل القبطان في كلامه هذايخلط بين السببية والحتمية ، وسأوضح الأمر بشيء من التفصيل مع استحضار مواقفالعلماء واتجاهاتهم
:
أولا بالنسبة لنظرية الحتمية فإن البعض يطرحها وكأنهامسألة منفية من العلم الفزيائي المعاصر ،وكأن كل من قالبالحتمية فهو ينتمي إلى الفزياء الكلاسيكية ، الفزياء الجاليلية / النيوتونية ،وهذا ليس تصورا صحيحا ، ويكفيني هنا للتنبيه فيما يخص الخلاف حول الحتمية فيالفزياء المعاصرة أن أستحضر خلاف أينشتين وهوكنج.ثم إلى جانب الفزيائيينالذين يرفضون وجود حتمية في الظواهر الكونية مثل هيزنبرغ ولوي دوبروي في أبحاثهالأولى ،يمكن أن نضيف إليهم بعض الفلاسفة مثل إرنست ماخ و بريدجمان وديطوش ،نجدفزيائين وفلاسفة آخرين يرون أنه رغم التحولات التي مست مفاهيم الفزياء أن ثمة حتميةفي الكينونة الطبيعية ، مثل أينشتين وبياجيه وفاطاليت... الخ وهنا ينبغي أن نذكربالصخب الذي أثارته الميكرو- فزياء ، بل وللرفض الذي جوبهت به مفاهيمها من قبلعلماء الفزياء أنفسهم. فأينشتين كلما سئل عن فزياء الكم إلا وأجاب " إن الله لا يلعب النرد" رافضا فكرة العشوائية رفضاشديدا. مؤكدا أننا نحن الذين " أسأنا فهم الطبيعة" .
والقائلونبالحتمية يقولون إن الكينونة الطبيعية حتى داخل الذرة فيها حتمية ناظمة ،غير أننالم نصل بعد إلى الإمساك بها نتيجة ضعف أدوات القياس العلمي.ومن بين هؤلاء نجد لويدوبروي الذي قال مع هيزنبرغ باللاحتمية سنة 1925 سيتراجع عن قوله هذا في أخرياتحياته ويقول بوجود الحتمية .
لكن قبل أن نقف عند الخلط بين السببيةوالحتمية ،لنتحدث أولا عن المجال الذي تنتفي منه الحتمية حسب بعض الفزيائيين ، وذلكحتى لا يبقى الأنطباع الخاطئ الذي يريد الموقف الإلحادي أن يوحيه لقارئه بأنالفزياء نفت الحتمية تماما.
فأقول :
عندما تنتقد الحتمية في الفزياءالمعاصرة فينبغي هنا أن نفهم محدودية مجال هذا النقد ودلالته.
بالنسبة لمحدوديةمجال هذا النقد فأقصد به العالم الميكروسكوبي ، والعالم الأكبر ، ومن ثم فإن فزياءالكم لا تعطينا فهما لكل مجالات الكون ، وهنا أحيل على تجربة EP r ( تجربة أينشتينوبولداسكي و رووزن ) التي جعلت إينشتين يقول بحق إن فزياء الكم لا تقدم فهما عاماوكاملا عن الوجود .
وأعود إلى فزياء الكم ولنستحضر تجربة هيزنبرغ في إشكال موقعالألكترون وسرعته. لأقول :
لقد أثارت ميكانيكا الكم كما هو معلوم انقلابا فيالأبستملولجيا الفزيائية ، فقد طرحت فزياء هيزنبرغ نقاشا مستفيضا في مبادئ الفزياءالنيوتونية وخاصة في مبدأ الحتمية. فأمام إشكالية قياس سرعة الالكترون وتحديد موقعهلم يجد هيزبرغ سوى تطبيق مبدأ اللاتعين. لأنه كلما اقتربنا من تحديد موقع الألكترونكلما ابتعدنا عن تحديد سرعته.
لكنالخطأ الكبير الذييرتكبه الفكر الألحادي في رده على مقولة السببية التي يستدل بها المؤمن على وجودمنظم للكون هو اعتباره أن مبدأ اللاحتمية يفيد انتفاء القوانين والسببية من حركةالطبيعة.
وهنا أعود إلى شرودنجر وإلى هيزنبرج في حساب حركة الألكترونوموقعه. فأقول :(45/107)
هل بإمكان العلم اليوم تحديد موقع الألكترون ؟
أقول : لا .
إذن هل يجب الآن تطبيق نظرية العشوائية وقرينها الميتودولوجي أي لغة الأحصاء ؟
أقول: نعم.
لكن بعد هذا أقول :
عندي سؤالثالث:
هل عشوائية قياسناواحتماليته في تحديد موقع الإلكترون يعني انتفاء السببية من البناء الذري ؟ هل يعنيعدم معرفتنا بدقة كاملة لقوانين انتظام الحركة الثاوية في الذرة أنها ليست لهاقوانين ؟
بالتأكيدلا،فالذرة كينونةمنظمة ، ونظرتنا إليها هي التي تفتقر إلى الانتظام ولو كانت غير منظمة ما انتظم مايتكون منها وهو كل هذه البناء الفيزيائي.
إن النظرية العشوائية لا تعني انتفاءالسببية من الكون .
النتيجة
لذايبقى الإستدلال بمقولة السببية استدلال معقول ، والأحتجاج عليه بتطورات الفزياء المعاصرة احتجاج مردود يخفي اختلاله بالتباس مفهومي حيثيخلطها بالنقد الذي وجه لمبدأ الحتمية.
ولكي أوضح - لأي قارئمهما كان تكوينه المعرفي بعيدا عن حقل الفزياء - معنى الخلط الذي وقع فيه زميلي بينالحتمية والسببية ،سأفسر دلالة الحتمية وانتفائها من المجال الكمومي ، ثم أنتقل إلىخارج هذا المجال بمثال واضح أستمده من الظاهرة المناخية لأبرهن أن نقد الحتمية لايعني نقد السببية فأقول :
أولا ما مدلول الحتميةفي الفزياء:
إن الحتمية ترتبط بالتوقع أو التنبؤ. فعندما تجتمع هذهالعوامل لابد حتما وأن تحدث هذه الظاهرة. فالحتمية في االعمق مدخل للتنبؤ. هذا هوالتعريف المقبول فيزيائيا. رغم كونه يثير عند التطبيق الكثير من الاشكالات.
أرجو أن نحتفظ بهذا المعنى ولننتقل إلى ما يلي:
على مستوى الأجراء والتطبيقنرى أن مبدأ الحتمية صعب إجرائيا ، وذلك لأن بنية الكون مترابطة. وكما يقوللوي دوبروي"إن حركة أصغر الذرات يمكن أن تتأثر بحركةأبعد الكواكب" ومادام الأمر كذلك " فان التوقع الصارم بظاهرة ما تقع مستقبلا قديقتضي مبدئيا معرفة حالة الكون الراهنة معرفة تامة ، وهذا ما لا يمكن تحقيقه ."
بمعنى أن الحتمية في تطبيقها الفزيائي مسألة تحوطها صعوبات ،ليست آتية من كونالعالم لا ينتظم بأسباب بل لأنه منظم على نحو جد معقد تتداخل فيه عوامل أكثر من أنتعد أو تحصى ، لذا فنحن نجهل مكونات وطرائق هذا النظام. أي هو بينة مترابطة متأثربعضها ببعض ، ونحتاج من ثم لفهم ظاهرة معينة أن نفهم مجموع البنية وهذا ما لم يصلإليه العلم اليوم.
وفي حقل الكوانطوم يصعب علينا في الظرف الراهن لتطور العلمأن نصل إلى تطبيق الحتمية ،بل ربما لن يصل العلم نتيجة التركيب الخاص للذرة وتعقدهاإلى ذلك في الأفق القريب لتطور الفيزياء. والذي يبدو هو أن نظام الذرة يخالف تماماالمقاييس والمفاهيم التي اشتغلت بها الفيزياء لحد الآن. ولذا لا مناص عند العلماءمن اعتماد علاقات الارتياب عند هيزنبرغ ، ونظرية العشوائية.
لكن يجب الوقوفعند هذه العشوائية . لنتساءل : هل الطبيعة في مجالهاالكمومي تسلك وفق اللامبدأ أو لنقل تسلك عشوائيا بدون أسباب ؟
أولا فيالمجال الكمومي لم نستطع بعد تطبيق مبدأ الملاحظة بمدلوله القائم على حياد الذات ( أشير هنا فقط إلى أن معرفة الألكترون تحتاح إلى تدخل الذات / العالم بإثارته كهربياوهنامس بحيادية الذاتبمدلولها الجاليلي أيضا ،أي الشرط الإبستمولوجي الكلاسيكي للموضوعية). كما أن طبيعة مكونات المجال الكموميمجهولة ، فلحد الآن لا نعلم هل نأخذ بالطبيعة التموجية أم بالطبيعة الذرية المنفصلة، وأعجب من هذا أن كلا الفرضيتين (التموجية أو الذرية ) تنطبق في المجال الأجرائي ،الأمر الذي أشعر الفزيائيين بغرابة الموضوع المدروس وشدة تعقيده !!!!
إنالعشوائية هي حسب بعض الاجتهادات المطروحة في حقل إبستمولوجيا علم الفزياء هي نتاجلعدم معرفة مزدوجة :
فهي نتاج عدم الأحاطة بالمجال المدروس بكافة متغيراته ،ومن أهم أسبابها ضعف أدوات القياس والملاحظة.
والسبب الثاني هو عدم القدرة علىالأمساك بالمنطق الذي تشتغل به الطبيعة الكونية في هذا المجال. فالفزياء اليوم لاتزال تتلمس الطريق إلى منهج في التفكير والمقاربة ينسجم مع المجال الكمومي .
ونفس الازدواجية تطرح على المجال الأكبر أيضا .
وهذا ما يدفعالفزياء المعاصرة إلىالتخلي عن مفهوم الحتمية في المجالالكمومي، والاستعاضة عنه بمنظورات منهجية بديلة تقوم على حساب الاحتمالوعلاقات الارتياب.
لكن هنا نطرح السؤال حتى يتضح لنا بجلاء الخلط الذي وقع فيهالزميل القبطان :
هل يعني غياب الحتمية انهيار مفهومالسببية ؟؟
لا أبدا.
وأوضح :
لنأخذ التجربة المناخيةنموذجا :
من المعروف أنالتنبؤ بحالة الطقسيعتمد على استحضار أسباب وتوقع حركة التيارات المناخية.
لكن لا زال علمالمناخ إلى الآن لا يستطيع أن يضع تنبؤا حتمي الوقوع ،لذا فلا حتمية في علم المناخ. ولا نستطيع أن نقول بأن التنبؤ العلمي هو حتمي وذلك لكثرة المجاهيل . لكن حتى لوأحصيناها فإننا سنضطر وقتها أيضا لاصطناع لغة الاحتمال :(45/108)
لأنه مهما كانت هذهالمجاهيل معروفة فإن فعلها غير متوقع تماما ،فكما يقاللورفرفت فراشة في اليابان فإن الاهتزاز البسيط الذي تحدثه في الهواء قد يحدث إعصارافي جزر الكرايبي،أي أن مقدار ذلك الأهتزاز هو تلك النقطة التي ستفيض الكأس،أي ينضاف ذلك الاهتزاز البسيط فينتج الاعصار.
فهل لا وجود للحتمية في علمالمناخ؟
نعم لا وجود لها.
لكن السؤال الذي يطرح هوهل يعني هذا غيابا للسببية؟ هل يعني هذا أن الأمطارتنزل بدون أسباب ؟ هل إذا عجزنا عن استجماع جميع المتغيرات والتنبؤ بحركتها ، معناهأن الطبيعة لا تسلك وفق السببية ؟؟؟
لا ،أبدا إنالطبيعة خاضعة لقوانين وأسباب، ولكننا نحن العاجزون عن حساب جميع متغيراتها بدقةلتكتمل لنا شروط تحقيق التوقع بمعناه الحتمي.
وهكذا نلاحظ أن ارتكازالزميل القبطان على التحولات التي مست مفهوم الحتمية مع فزياء الكم لنقد مفهومالسببية ارتكاز يقوم علىخلط والتباس.
دفاع عن دليل الغائية والنظام
ثم ينتقل إلى نقد دليل النظام والغائية فيقول :
اقتباس:
الغائية:
أو حجة التصميم.. الانتظام في حركة كواكب المجموعةالشمسية، مناسبة الأرض للحياة البشرية، تناسب أعضاء الجسم الإنساني ليعيش حياته.
ألا يظهر ذلك قصدا وإرادة لتتلائم هذه الأمور بهذا الشكل؟
وما هو البديل؟
مشكلة الغائية هو أنها دليل قائم على التشابه. يرى المؤمن الانتظام فيالكون، فيقارنه بالانتظام الذي تحققه الأدوات التي اخترعها الانسان لتناسب حاجته،فيقوم بتصميمها حرفي حاذق، يضع مخططا وتصورا في تفكيره، قبل أن ينفذه مستخدمامهارته اليدوية.
فيستنتج من ذلك أن إلها قام بعمل مشابه، .......
يبدو دليل الغائية مجرد حالة من "الإسقاط النفسي"، ومن بقايا "روحانيةالطبيعة" التي ترى في كل الجمادات روحا، يمكن للإنسان مخاطبتها والتعامل معهاباستجداء رضاها وتجنب غضبها.
وأتسائل :
هل حقا الغائية مجرد إسقاط نفسي ؟ أم لها وجود في الواقع ؟
هل هي مجردتفكير خرافي أم استدلال عقلي منطقي ؟؟
إن جوابي على كلام الزميل القبطانيتلخص في مسلكين استدلاليين :
الأول :
البرهنةعلى أن الغائية تقوم على تفكير عقلي . وليس على الاسقاط النفسي ، فمفهومالأسقاط هنا قد يحيل إلى نوع من الأنيميزم أو حتى الأنثربومورفيزم ، وهو إيحاء يريدبه زميلي القبطان أن يجعل التفكير بالغائية تفكيرا غير عقلاني بل هو تفكير خرافي.
والثاني : هو أن الغائية موجودة داخل كينونة العالم ، وتفسيرها من قبلالموقف الألحادي يجعله هو الذي يسقط في الأنيميزمبكل ماتدل عليه من خرافية !!!
وأوضح مع البرهنة والاستدلال :
من خلالكلام الزميل القبطان نلاحظ مسلكا في التفكير الألحادي خلاصته التهرب من المجال الذيللعلم فيه قول أقرب إلى اليقين- بمدلوله العلمي لا بمدلوله الوثوقي -إلى مجالات أدقكمجال الميكروفيزياء التي لا تزال معطياتها مجهولة ولا تزال محط بحث ومراجعةواحتمال ثم يبني على المجهول موقفا معلوما وهو انتفاء الغائية ومن ثم القولبالالحاد،
بينما يكفي لوضع الدليل أن يتساءل المؤمن تجاه ما يلاحظ من ظاهرةالنظام في الكون : من فاعل هذا النظام؟؟؟
من هو مصمم الكون؟؟؟
ومن حقالمؤمن أن يطلب من الملحد إجابة معقولة.
ومن حق المؤمن أن يرفض الاجابة الملحدةالقائلة بأن هذا الانتظام الكوني نتج صدفة ،لأنها بكل بساطة إجابة غير معقولة. لأنالصدفة لا تنتج نظاما .
وهنا نحن أمام أمر يحتاج إلى تأمل لأدراك استحالةالصدفة . أو لنقل لأدراك لامعقوليتها.
لقد قرأت لأحد الزملاء الملحدين قوله أنالإنفجار الكوني بكل صدفويته هو الذي خلق النظام الكوني .
هذا القول المستغربيحتاج إلى أن نقتنع به أن يجيبني الملحد على أكثر من استفهام نقتصر على التساؤلالتالي:
1- كيف وجدت مادة الكون التي حدث فيهاالأنفجار ؟؟؟؟ما أو من الذي أوجدها ؟
2- إن أمر وجود النظام والحياة فيالكون صدفة أمرغير معقول البتة، لأنه قد نقبلوجود شيء مفرد بالصدفة ، ولكن الظاهرة الكونية هي أكبر من أن تكون ظواهر معدوداتانتظمت صدفة.
أما مسألة الصدفة كخالقة للنظام والحياة بفعل انفجاريفهذا أمر غير مقبولحتى بالنسبة لأولى لحظات تكون الكون،أي للحظة بدايته ،بل إن العلم يتحدث عن الثانية الأولى للأنفجار بوصفه كانلحظة حرجة تحتاج إلى نظام دقيق . ففي الثانية الأولى للأنفجار كان لابد من حسابمسبق لسرعة التمدد ،فلو كانت هذه السرعةأقل من جزء من مليون مضروب في مليارجزءلانهار الكون حول نفسه . ولو كان التسارع أعلى مما كان عليهلتناثرت المادة الألولية للكون ولما انتظمت منها كواكب ومجرات ... فهل من الصدفة أنيحدث من فعل الإنفجار هذه الدقة المتناهية إلىدرجة لو أن سرعة التفجير كانت أقل منجزء واحد مضروب في مليار جزء لأنهار الكون؟؟؟؟؟
هذا عن فعل الانفجار أما لودخلنا في حساب احتمالات تخلق ADN ووجود الماء وانبثاق الحياة فالأمر لايحتملهالحساب الرياضي أصلا!!!!!(45/109)
إذنإن التفسيرالإيماني الذي يقول بوجود خالق عالم مريد هو الذي صمم هذا الكون تفسير معقول ومقبولعقلا ،بينما التفسير الألحادي الذي يرجع ظهور الكون وانتظامه المذهل إلى فعل الصدفةتفسير لامعقول.
هذا فيما يخص البرهنة على كون مبدأ النظام والغائية يقومعلى تفكير عقلي. لا على إسقاط نفسي.
أما استدلالي الثاني فهو الاستدلال على كونالموقف الألحادي هو الذي يجعل القائل به يسقط في الأنيميزم أو الأنثربومورفيزم.
وأشرح المصطلح قبل بلورة الدليل:
إن الأنيميزم هو إسقاط الوعي والشعور علىالظاهرة الطبيعية. أو بعبارة أخرى إنه أنسنة الطبيعة.والأنيميزم هوحالة طفولةالوعي البشري.فالطفل عندما يسقطه الكرسي يقوم بضربه. وهو يعتقد أنهأن الكرسي يحس بالضرب والتأنيب !!!!
وعلى الرغم من كون بعض علماء الأديانيرجعون بعض الديانات البدائية إلى نزعة الأنيميزم،فإننيأجد الألحاد المعاصر في تعليله لظاهرة الغائية والتنظيم في الكون يسقط مضطرا في هذهالنزعةحتى يتخلص من القول بوجود خالق عالم مريد .
كيف ذلك ؟
مادليلي على كون الموقف الألحادي ينزلق إلى الأنيميزم ، أي إلى هذهالحالة الطفولية في التفكير؟
إن إنكاروجود الخالق يجعل العالم الملحد يسقط في مأزق التفكير الخرافي رغما عنه ، وذلكعندما يصطدم بدلائل الغائية في الوجود ويحاول تفسير هذه الغائية ،لنتأمل مثلا تفسيرلامارك لظهور القرون في بعض الحيوانات :
لقد فسر لامارك ظهور قرون عند بعضالحيوانات بوجود شعور داخلي يسكن الكائن الحيواني ،شعور يسكن كينونته العضوية. فيجعل هذه الكينونة تفرز وتكون من الأعضاء ما يحتاجها الكائن !!!
أنظر كتابه (Philosophie zoologique, , p.234).
كيف ظهرت قرون فوق رؤوس بعض الحيوانات؟
ليس الجواب عند لامارك أنه مجرد فعل صدفوي بل ثمة وعي يسكن العضوية الحيةيجعلها تفرز ما تفرزه !!! شعور أدرك الحاجة إلى تخلق القرون فتم إفراز مادة تكوينهافي موضع الرأس بالضبط وليس في موضع آخر!
أليس هذا نوع من الأنيميزم ، أليسهذا إضفاء للوعي على الظاهرة المادية والعضوية؟؟ أليس هذا تعبيرا عن سقوط في الوعيالطفولي ؟ ألا يتساوى هذا التفكير "العلمي" مع تفكير الطفل الذي يضرب الكرسيويؤنبه؟
إن السلوك الغائي لظواهر الوجود نفسرها بوجود خالق عالم نظمها ،واستثناء وجود الخالق يجعل بعض التوجهات الإلحادية مضطرة لتفسير الغائية بوجود وعيساكن داخل كينونة الوجود.
لنأخذ مثالا آخر قد يبدو مبتذلا ،لأنه يعرفه الجميع ،لكنني أكتب مداخلتي هذه ليستفيد منها الجميع، وبالتالي أحرص على إيضاح نقاطهابأمثلة متداولة.
المثال الذي أقصد هو سلوك الدجاجة في تفريخها للبيض ،ففي هذاالمثال البسيط ما يكفي لنفهم مأزق الموقف الألحادي في محاولته تفسير الغائيةالملحوظة في ظواهر الكون والحياة.
وأوضح :
من بين الحدوس العلمية ما خطرلأحد العلماء فيي القرن التاسع عشر حين تساءل لماذا نترك الدجاجة تحتضن البيضبطريقتها الطبيعية ؟ لماذا لا نسرع عملية الأنتاج فنستفرخ البيض بلا حضانة الدجاجوذلك بوضع البيض تحت نفس الحرارة التي يحصل عليها عندما تجلس عليه الدجاجة .
وكذلك كان ، فوضع البيض تحت التجربة ففشلت ولم تفقس بيضة واحدة.
وهنا نبههأحد المزارعين العاملين في المزرعة بأنه لم يستحضر كل عناصر التجربة فالدجاجة خلالالحضانة لا تعطي الحرارة للبيض فقط ، بل تقوم أيضا بحركة غريبة وهي قلب البيضبرجليها بين لحظة وأخرى .
وفي الوهلة الأولى رفض العالم أن يقوم بقلب البيض ؟لأن الدجاجة حسب تصوره تقلب البيض من أجل إعطاء الحرارة لكل ناحية فيها ، أما هوفلا يحتاج لذلك لأنه أصلا أحاط البيض بجهاز يشع بحرارة ثابتة تشمل كل أجزاء البيضة . واستمر هذا العالم في إعادة التجربة مرات ، وينتهي إلى الفشل في كل مرة ، ثم كانأن حدث أحد زملائه بالتجربة ،فحدس هذا الأخير سبب الفشل في كونه إذا لم يقلب البيضفسيموت الكتكوت لأن الجاذبية الأرضية تجذب الغذاء/الحرارة ، فتترسب المواد الغذائيةفي الجزء الأسفل من جسم الفرخ ، فإذا ظل دون قلب و تحريك فإن أوعيته تتمزق.
فتلك العملية الغربية التي تقوم بها الدجاجة هي الطريقة الوحيدة لتخطي مشكلالجاذبية .
وأعاد التجربة وقام بقلب البيض فنجحت حيث تم تفقيس البيض بنجاح. ومنه نتج لنا هذا الدجاج الأبيض...
فهل يمكن إنكار الغائية في سلوك الدجاجة هذه؟
وهل بإمكاننا أن نفسر : من أين للدجاجة أن تفهم جاذبية نيوتن؟
نحنأمام تفسيرين :
التفسير الألحادي : وهو أن الدجاجةتسلك صدفة.
لكن هذا التفسير لا يقبله العقل،لأن الصدفة لا تتكرر على هذا النحو المنتظم والدائم.
ولا يمكن القول بأن الدجاجة واعية بما تفعل وإلا سيسقط الموقف الألحادي في موقفمضحك . وهو ما أسميته بموقف الأنيميزم التي ينزلق إليها الإلحاد.
ثم كيف تعيالدجاجة ما تفعل ونحن لا نرى طريقة اكتسابها لهذا الوعي ، فالدجاجة حتى ولو لم ترغيرها من الدجاج يقوم بهذا السلوك فإنها تهتدي إليه بذاتها تلقائيا ودون تجربة ولا "تفكير".
يبقى التفسير المعقول :(45/110)
هو أن ننسب هذه الغائية في سلوك الدجاجةإلى وجود خالق مريد عالم وضع الكون وصممه ونظمه . وهيأ لاستمرار الحياة شروطاوعوامل وقوانين محكمة.
نقد التبريراتالإضافية
ثم بعد هذا ينتقل الزميل القبطان إلى تبريرات إضافية للموقفالألحادي :
اقتباس:
رابعا:
تبريرات إضافية للموقف الإلحادي:
دليل تناقضالأديان:
إذا كانت الغاية الإلهية هي "هداية" البشر إلى دين الإسلام، فقد فشلتفي ذلك بشكل غريب.
فالإسلام نفسه انقسم إلى فرق مختلفة لا تتفق بينها علىالكثير، وتصعب علي رؤية الغاية الإلهية وراء ذلك.
ومن سكان الأرض ليس أكثر منسدسهم على دين الإسلام (ولو على الهوية).
والسبب الرئيسي في ازدياد عددالمؤمنين بالإسلام إنما هو نسب الولادة المرتفعة في المناطق الجغرافية التي تمإخضاعها لحكم إسلامي خلال القرون الإسلامية الأولى.
بينما تغيير الناسلدينهم (إلى الإسلام أو إلى غيره)، عملية لا علاقة لها بالاقناع أو الإقتناع فيمعظم الحالات.
بذلك تبدو الطريقة السائدة لتنفيذ المخطط الإلهي لنشر الدين، عبركثرة الأولاد، أو عبر حروب وفتوحات حصلت في الماضي البعيد ثم توقفت وتراجعت، فكرةغريبة جدا.
إن كان يريد هدايتهم ومكافأة أكبر عدد منهم لعبادتهم له، خصوصاعن اقتناع عميق، فلماذا يعتمد على هذه الطريقة الغريبة؟
هناك طرق أبسط من ذلكبكثير.. خصوصا اليوم في عصر العولمة.
كأن يستخدم التلفزيون، فيحجز جميعالأقنية، كل يوم، في ساعة محددة، ويخاطب البشر بما يحتاجونه (مثلا يتلو لهمالقرآن).. دون أن يكون هناك تفسير طبيعي لما يحدث.
الطريقة الحالية تنتجمليارات من البشر الذين لا خيار لهم إلا الذهاب إلى الجحيم لنقص الأدلة المقنعة (رغم "إقامة الحجة عليهم حسب المفهوم الشرعي")، فهي لا تتناسب مع الآليات النفسيةللبشر عند اعتناق الأديان أو تغييرها..
أولاحقيقة استغربت هذه الطريقة في التفكير من الزميل القبطان الذي عهدت فيه مستوى أرفعبكثير من هذا الاعتراض القائم على أن يحتل الله جميع القنوات الفضائية في توقيتواحد ليسمع الناس القرآن ، وأنه إذا لم يفعل ذلك فلا إيمان به.
وكأن الأيمانبالله يحتاج إلى هذا النمط من الإشعار بوجود الله.
لكن لا أريد تسفيه هذاالاستدلال أدبا مع زميلي .
ولذا سأنتقل إلى تفسير مسألة شيوع الكفر وقلةالمؤمنين بالأسلام.
لقد ربط الزميل القبطان هذا بالحساب ثم بنى عليه الموقفالألحادي.
والحق عندما نراجع القرآن الكريم نجد أن خلق آدم في حوار الله معالملائكة كانت الغاية منه هو وجود كائن جديد يختلف عن الملائكة الذين بطبعهم لايعصون الله ما أمرهم. فكان الأنسان كائنا فيه قابلية الكفر وقابلية الأيمان. أييمكن أن يسلك سبيل الشر ويمكن أن يسلك سبيل الخير.
فلديه القدرة على الأختيار.
لذا لوشاء الله لجعل الناس كلهم مؤمنين.
ولكن إرادة الله جعلت للناس حريةالأختيار ،فمن شاء أن يؤمن يؤمن ومن شاء الكفر يكفر.
أما الحساب ،فأمره لله ،ولكن عدم تدين الناس بالاسلام لا يعني بالضرورة تعذيبهم لقول القرآن"وما كنا معذبينحتى نبعث رسولا"
فحسابهم إذن مرهون بوصول الرسالة إليهم وصولا لا غبش فيه ،وعلى نحو يتحقق به البيان.
ومن بين المذاهب الاسلامية التي لها قول في شأنالحساب ، المذهب المعتزلي الذي يقول بأن الله سيحاسب هؤلاء الأقوام - التي لم تصلهارسالة الوحي - بحسب رسول العقل. بمعنى أن في العقل قدرة على التقبيح والتحسين. فذلكالنرويجي أو ذلك الصيني ... الذي لم تصله الرسالة النبوية يحاسب بحسب العقل ،فإذاقتل وسرق وظلم واعتدى... فتلك مساوئ يقر بقبحها العقل ، ومن ثم سيحاسبه الله عليها. وذاك الذي يعطف على الفقراء ويرحم من في الأرض ويسهم في خير الأنسانية بالعلموالحكمة فذاك سلوك خير سيجازيه الله...هذا باختصار موقف الأعتزال...
ورغم كونيلست معتزليا ، ورغم أنه لدي شخصيا أفكار أخرى في شأن هذا الموضوع فلا أجده متعلقابشكل مباشر بالاستدلال على وجود الله .لذا نحتاج هنا إلى حصر الموضوع والتحقق مناستكماله أولا قبل بحث مسائل النبوة والقدر والحساب ...الخ لكن رغم ذلك أرى فيماسبق مؤشرات للجواب .
نقد فكرة إله الفجوات :
ثم ينتقل إلى دليل أخير على موقفه الألحادي سماه ب:
اقتباس:
دليل التطور المعرفي:
في النصوص المقدسة (التوراة، القرآن) كانالله يتدخل بشكل كثيف في حياة البشر وفي الظواهر التي يرونها حولهم.
معالتطورات في المعرفة العلمية، نرى أن الله يبتعد شيئا فشيئا عن كونه المسبب المباشرلما يحصل في حياة البشر والطبيعة من حولهم. وتحل محله تفسيرات "ميكانيكية".
المطر لم يعد يهطل بسبب تدخل إلهي مباشر، وإنما هناك "دورة الماء في الطبيعة".
الزلازل لم تعد تعبيرا عن الغضب الإلهي، وإنما هناك الطبقات التكتونيةوتحركاتها.
لم يتم خلق الكون في ستة أيام، بل هو عملية تستمر منذ 13 مليار سنةحتى اليوم.
وحتى خلق الإنسان لا يبدو نتيجة لصناعته من طين ونفخ للروح، وإنماعملية تطور بطيئة تعتمد على آليات طبيعية "ميكانيكية".
الذي يبقى هو مايسمى بـ"إله الفجوات".(45/111)
أي أن الفجوات في المعرفة الإنسانية يتم رتقها باستخدامفكرة الإله.
وكلما تم سد بعض هذه الفجوات بطريقة علمية "ميكانيكية"، كلما انسحبالإله إلى فجوات أخرى ليفسرها حتى إشعار آخر.
وأرى أن هذه الفكرة تبلورت في الفلسفة في القرنالثامن عشر مع ابتداء بروز التفسير العلمي لظواهر الطبيعة القائمة على مبدأالسببية.بمعنى أن الأنسان البدائي مثلا كان يفسر بعض ظواهر الطبيعة بوجود إله ،ولكن مع التطور المعرفي يتم اكتشاف أسباب تلك الظواهر فيتم استبعاد الأله.
ويتراجع الأله إلى مناطق الفجوات التي لم يتم الكشف عن أسبابها.
هذا هودليل إله الفجوات الذي يعتمد عليه الزميل القبطان.
وهنا أذكره وأذكر القارئ أنالزميل منذ قليل فقط كان يرفض وجود مبدأ السببية في الكون ، وحرص حرصا شديدا علىتسفيهه حتى اضطر إلى الخلط بينه وبين مبدأ الحتمية.
لكنه هنا يعود إلى اعتمادمقولة السببية.
أليس هذا اختلال منهجي في الاستلال؟؟؟؟؟؟؟
إنه ينتقد مبدأالسببية حينا . ثم ينتهي إلى اعتماده هنا لأقامة دليل إله الفجوات"Dieu bouche-t r ou"!!!
لكنني لن أتخذ مثل هذا التناقض في الحس المنهجي مدخلاللاكتفاء به دون تناول ما يطرحه من انتقاد.
إذن لنتأمل اعتراضه على مبدأالايمان بواسطة فكرة إله الفجوات.
يقوم هذا الاعتراض كما سلف أن قلنا على مبدأالسببية ، وقد تبلور بشكل خاص في القرن الثامن عشر ،حيث كان الاعتقاد الأيماني يقومعلى نسب ظواهر الكون إلى فعل إلهي ،فالله هو الذي ينبت العشب ، وهو الذي ينزل الماء،فعندما اكتشف العلم أسباب الانبات ونزول المطر ،فإن فرضية الاله زالت ، ثم - وكماعبر عن ذلك زميلي القبطان- تراجع هذا الإله إلى الظواهر التي لم تفسر بعد أي يتراجعإلى الفجوات التي لمن يملأها العلم بعد بتفسير سببي يكشف عن قوانينها.
هذهباختصار هي فكرة إله الفجوات التي يقول بها الفكر الالحادي.
فلنر هل هي بالفعلنقد للأيمان بالله ؟ وهل هي نقد لمفهوم الألوهية في الأسلام؟
إن الفكرة تحملمغالطة واضحة. فنحن لا نقول إن الأيمان بالله يقوم على وجود ظواهر في الطبيعة لانعلم أسبابها وبالتالي ننسب وجودها وحركيتها إلى الله. لو قلنا بهذا جاز للملحد أنيأتي بالعلم الذي يكتشف أسباب تلك الظواهر فيستثني وجود الله. بل ما نقوله نحن هوأن تلك الأسباب والقوانين تحتاج إلى من يضعها وفق ذاك الترتيب والنظام. ومن ثم تصبحالسببية دليلا على وجود الله وليس العكس.
وهنا ينبغي للملحد أن ينتبه إلىأن مفهوم السبب لا يطرح بمعنى واحد حتى يتم الرد على الموقف الأيماني بل يطرحبمدلولين إثنين:
السبب بمدلوله المباشر والجزئي.
والسبب بمدلوله الكليوالأولي.
فالسبب الجزئي هو سبب آلي مباشر ، ولا يفسر إلا حركية الظاهرة ،لكنهعاجز عن تفسير انتظامها وحكمتها وغائيتها.
فالتفسير الثاني لا يتحقق إلا بوجودالله.
و لكي أوضح فكرتي أضرب مثالا توضيحيا :
لو أطلق شخص الرصاص علىشخص آخر .
سنجد أن المحكمة تبحث في السبب الثاني. بينما التشريح يبحث في السببالأول فقط ،فلو جئنا إلى تقرير الطبيب الشرعي سنلاحظ أنه يتحدث عن الرصاصة بوصفهاسببا للموت.
لكن تقرير المحاكمة لن يقف عند الرصاصة بل من الذي أطلقها على ذلكالنحو الذي جعلها تستقر بدقة في رأس القتيل ، والدافع وراء هذا الفعل ..الخ
أيأننا هنا نطلب الغائية والأرادة في الفعل.
إن الأسباب القاصرة التي يكشفعنها العلم ويريد أن يستثمرها الملحد لاستبعاد الله هي ذاتها بحاجة إلى أسبابتفسرها.
ويبدو لي أن فكرة إله الفجوات تصلح لنقد الأيمان الخرافي لعقيدة بدائيةتقول بوجود ثور يحمل الكرة الأرضية على قرن فلما ينقلها إلى القرن الآخر يحدثالزلزال .
هذا هو مكان الفكرة الألحادية عن إله الفجوات وهذه هي العقيدةالأيمانية الخرافية التي يستطيع نقدها. وليس إله المسلمين ولا عقيدتهم.
فالاسلام في عمق فلسفته الأيمانية توكيد على الأسباب والسنن الناظمة للكون " ولن تجد لسنة الله تبديلا " "ولن تجد لسنة الله تحويلا " كما يقول القرآن .
وعندما حصل كسوف الشمس بعد موت ابن النبي إبراهيم فقال قوم: إن الشمس كسفتلموته، فخطبهم رسول ا صلى الله عليه وسلم فقال:" إن الشمس والقمر آيتان من آياتاللهلا يخسفان لموت أحد ولا لحياته." (متفقعليه).
ولو كان نبيا كاذبا لأستغل الحادث لتوكيد نبوته ، أو على الأقل لتركالأشاعة التي أطلقها الناس دون تكذيب ،ولفعلت بالتأكيد فعلها في النفوس ، ولزادتبعض الأعراب المتذبذبين إيمانا. ولكنه يريد أن يؤكد أن ثمة سببية وسننا في الكونيجب تقديرها بوصفها سننا.
وهذا ما يجعل الاسلام استثناء في حقل العقائد سواءكانت عقائد فلسفية أو عقائد دينيية.
ثم ينتقل الزميل إلى ما سماه ب :
اقتباس:
تناقض فكرة الإله:
في هذه الحالة نرى قصصا مثل "اللهوالصخرة"، أو التناقض بين علم الله الأزلي وبين الحرية الإنسانية في الاختيار (كأساس للمحاسبة فيما بعد).
أو حتى التناقض بين علم الله وحريته (راجعالمقالات)..(45/112)
ومن ذلك كثير، بحيث أن الجواب الوحيد المتبقي لدى المؤمن هو "لاندري"، "ليس من الممكن أن نفهم"، "ما ينطبق علينا لا ينطبق على الله"..
فمافائدة إضافة هذه الفكرة النظرية البعيدة عن التحقق الواقعي، إن كنا لا نفهمها ولانجيد التعامل معها.
في هذه الحالة يصبح "الله" مصطلحا يستخدم ككناية عن الجهلوعدم المعرفة.
ليس هناك تناقض في فكرة وجود الله،إنما كل ماعرضه الزميل القبطان من أمثلة هي تناقض في فهم الملحد لفكرة الالوهية ،لا فيها هي ذاتها :
ولنأخذ الأمثلة التي طرحها الزميل تأكيدا لتناقض فكرةالألوهية:
سؤال : هل يستطيع الله خلق صخرة يعجز عنحملها؟؟!!!
ولأوضح التناقض كما يريده الزميل القبطان بأمانة قبل الردعليه:
إذن ففكرة الله القادر قدرة مطلقةفكرةمتناقضة. فإذا قلنا إنه قادر على خلق تلك الصخرة . يصبح من الناحية الأخرىعاجزا عن حملها. لكنه إذا لم يخلقها يزول عجزه عن الحمل ويبقى عجزه عن الخلق. إذنفهو في كلتا الحالتين عاجز.
أذكر أن هذا الاعتراض قال به بعض الفلاسفة الملحدين . ثم وجدته مكررا في هذا المنتدى حيث طرحه أحد الزملاء (أظنه الزميل لوركا) ووقتها - أي منذ حوالي شهر من حوارنا هذا - قلت للأخوة في ذلك الشريط إنني لا أبحث هذاالنوع من الأستفهامات لأنها تتعلق بماهية القدرة الإلهية وأضفت أن العقل البشري هومن حيث اقتدارته الابستمولوجية عاجز عن هذا النوع من التفكير. بل قلت أيضا إن امثالهذه الأعتراضات قد طرقها الفكر الاسلامي في مبحث القدرة وأذكر أنني أحلت على مرجعللأستزادة لمن يريد الاطلاع.
ولا زلت عند قولي ،لكن بما أن الزميل القبطانكرر المثال فأجيب بما يلي :
ينطلق علم أصول الدين الاسلامي في معالجة الارادةوالقدرة الالهيتين من ثلاثة مفاهيم هي :
الواجب والممكن والمستحيل.
وتتعلقهذه المفاهيم الثلاثة بالوجود.
والقدرة تكون مطلقة أومحدودة في إطار الممكن لا في إطار الواجب والمستحيل.
فواجب الوجود هوالله.
ومستحيل الوجود إذا تعلقت به القدرة لا يصبح مستحيلا بل ممكنا.
لذا فلا يتبقى إلا الممكن.
الآن نأتي إلى أمثال هذه الاعتراضات فنتسائل :
هل يستطيع الله خلق إله مثله؟
هذه السؤال ليس سؤالا يتعلق بالوجود الممكن .بل هو يتعلق بواجب الوجود. ولذا فهو سؤال مغلوط .
وأنا نبهت الأخوة إلى هذهالمغالطة في ذلك الحوار وأنبه على نحو واضح في هذا الحوار الثنائي ، وضمنيا هنا أناأنتقد أيضا زملائي الدينيين الذين حاولول الأجابة عليه.
لأنني بكل بساطة أرىالسؤال خاطئا . فأي إجابة بعد ذلك ستكون إجابة خاطئة وما تأسس على غلط ينتهي إلىالغلط.
وأوضح :
إذا قلت لي هل الله قادر على خلق إله غيره
أجيب :
قبل أن تطلب مني الأجابة الصحيحة على السؤال صحح سؤالك أنت أولا.
فسؤالكمغلوط وخاطئ. لأن مجرد قولك خلق إله عبارة مغالطة فالأله ليس مخلوقا حتى يجوز تطبيقفكرة المخلوقية عليه.
لذا عليك طرح سؤال صحيح ، وعندها يحق لك طلب الأجابةعليه.
وإذا أردت مثالا علميا على السؤال المغلوط :
أسألك :هل يمكن أن تحددلي عددا موجبا تنتهي عنده الأعداد الرياضية؟
لا يمكنك .لأن أي عدد تتخيله يمكنأن يضاف عليه ويزاد.
و لا يجب علي و لا على أي أحد أن ينعتك عندما تعجز عنتحديد عدد أو يعجز كل علماء الكون بأنك مخطئ . لمذا لأن تحديد عدد تنتهي عندهالأعداد الموجبة مستحيل.
نأتي الآن إلى عبارة "هل يستطيع الله خلق صخرة لايستطيع حملها؟!"
إن السؤال مغلوط ، لكن إذا أردت إجابة عليه ، أعيد صياغتهبطريقة صحيحة ، وهذا ما أسميه بإعادة بناء السؤال . وإعادة البناء مسلك فلسفي وعلميمعروف في حقلالأبستمولوجياويشتغل به العلماءوالفلاسفة ،فأقول إن السؤال يحتاج إلى إعادة بنائه ،وبإعادة بنائه يؤول إلى سؤالين اثنين يجاب على كليهما بنعم. وهما :
1- هل يستطيع الله خلق صخرة ؟
جوابي نعم !! إنالله قادر على خلق صخرة .
2- هل يستطيع الله حملها؟
نعم إنه قادر على حملها .
ولكي أوضح كون السؤال الألحاديالأول مغلوط .
أقول :
إن السؤال : هل يستطيع الله خلق صخرة لا يقدر عنحملها هو سؤال يؤول في النهاية إلى ما يلي :
هل يستطيع الله تعجيز ذاته ؟
فالسؤال في حقيقته لهو وعبث .
ومن ثم يتضح أنه سؤال مغلوط.
أعيد ترجمتيللسؤال وأرجو التمعن فيها لأدراك عبثيته:
هل يستطيع الله تعجيز ذاته؟؟
هذاما يؤول إليه السؤال ، وهذا هو منتهى التفكير الألحادي بسؤاله ، ومن ثم فهو ليسسؤالا يستحق التفكير.
ثم إن المملحد بطرحه لهذا الأستفهام العابث هو لا يفكرجديا بل هو يعبث ، فهو لا يطرح أسئلة للتفكير من أجل الوصول إلى الأيمان أو عدمه بليعبث بسؤال : هل يستطيع الله تعجيز ذاته؟
هذا ليس مسلك تفكير بل هو مسلك عبث ،
ثم إننا هنا بصدد بحث هل الألهموجود أم لا ؟
فإذا انتهينا من توكيد وجوده يصبح بعد ذلك الحديث عن قدرته أوعجزه موضوعا مقبولا،بشرط طرحه بلا أغاليط.
وإذا انتهينا إلى عدم وجوده فلا معنىعنذئذ لطرح مدلول القدرة.
ثم يختم مقالته بما سماه ب
اقتباس:
المعضلة الأخلاقية:
كثيرا ما يستعين المؤمنون بإلههم وتعاليمهكمصدر للسلوك الأخلاقي السليم.
.......(45/113)
ولكن الأهم من ذلك هو تناقض فكرةالأخلاق مع الإله كمصدر لها.
فهل الخير خير لأنه "خير بذاته" أم لأن لأن اللهأمر به فأصبح خيرا.
وإن كان الخير هو ما يطلبه الله، فهذه مشكلة كبيرة. فلايوجد مقياس أخلاقي على الإطلاق.
ولكن على العكس، وقتها نرى تعصب كل شعب لدينهوإبادتهم للآخرين باسم ذلك الإله، دون أي وازع من أي ضمير، فلا شك في الأوامرالإلهية.
بينما إن كان الخير صحيحا بذاته، فمن الممكن قياس أعمال الإلهوأوامره (حسب دين معين، مثلا ما ورد في القرآن) على ذلك المبدأ العام.
فيمكنناأن نسأل عن مدى أخلاقية أن يطلب الله من شخص التضحية بابنه دون سبب مقنع (قصةابراهيم)، أو أن يعذب من لا يؤمن به دون نهاية
.
وأختصر الجواب بالسؤال :
كيف تعد طلب الله من إبراهيم ذبح إبنه مبرراللألحاد ؟
كان من الممكن أن نناقش الأمر لو كان الذبح تم بالفعل ،إنما هواختبار طاعة ، بل حتى القرآن سماه ابتلاء مبينا عظيما . ثم منع الله الذبح وأنزلقربانا من السماء.
أما قولك بأن الله يأمر بإبادة الشعوب غير المؤمنة فهذامما ينطبق على الديانة اليهودية المحرفة وعلى سفر يوشع بشكل خاص. ونحن نعتقد بتحريفالتوراة.
أما القرآن فهو يقيم عقيدته على الاقتناع لا على الاكراه.
وخلاصة ما سبق أن هذا أيضا من قبيل موضوعات تالية لأمر وجود الله .
القبطان
-------
كبداية أتأسف على التأخر الكبير الذي حصل في طرح هذه المداخلة الأخيرة.
يجب أن نراعي مثل هذه الأمور في الحوارات القادمة..
مقدمة:
في مداخلتي الأولى قدمت تعريفات للآلهة والإيمان بها، وكذلك للموقف الإلحادي الذي أبرره في هذا الحوار.
ووضحت المنهج في التعامل مع المزاعم المختلفة، وتطرقت إلى الأدلة المتداولة على وجود الله، ونقاط الضعف فيها.
في مداخلة الزميل حاتم الأولى، استخدم دليل الحدوث واعتبر أن نظرية الانفجار العظيم (big bang theo r y)
تبرهن على وجود سبب أزلي للكون، وهو الله.
كذلك استخدم دليل الانتظام، ليشير إلى أن الكون مصمم بدقة وإرادة ووعي، وأن ذلك يشير إلى الله أيضا.
في مداخلتي الثانية تطرقت إلى نظرية الانفجار العظيم، وأوضحت أنها لا تدل على حدوث الكون بالمعنى الفلسفي القديم، ناهيك عن أن تبرهن على وجود الله.
وكذلك أوضحت نقاط الضعف في مفهوم الانتظام الذي استخدمه زميلي، وعدم صلاحيته للبرهنة على وجود الله.
في المداخلة الثانية للزميل حاتم تطرق إلى مداخلتي الأولى، ولا أظنه علق على مداخلتي الثانية.
مداخلتي الحالية، وهي الأخيرة من جهتي حسب شروط هذا الحوار، ستحتوي على عن تعليق على مداخلة زميلي الثانية، وبالتالي فهي توضيح وتأكيد لما ورد في مداخلتي الأولى.
بذلك تبقى المداخلة الأخيرة لزميلي، لكي يعلق على مداخلتي الثانية والثالثة (هذه المداخلة).
ولن تكون لي فرصة للرد على ذلك الرد الثالث.
ولكن هذا أحد أهداف صيغة الحوار هذه، بأن ينتهي الحوار بشكل محدد سلفا، وأن لا يبقى مفتوحا بين أخذ ورد.
المنهج ومقدماته
بداية ينتقد زميلي عدم تعمقي في تحديد المسميات، رغم أنه نفسه لم يقم بما يشبه ذلك..
اقتباس:
اقتباس:
هذا وإن كنت منهجيا أطلب من زميلي ومن كل ملحد أو مؤمن أن يعتني بموقفه ويعطي لأمر التحديد الدلالي قيمة فيبنيه ويؤسسه على تصور واضح مقنع ...
ولا شك أن لدراسة تاريخ التسمية وتاريخ الفكرة مكانه.
وربما نتعمق في ذلك في مواضيع أخرى عن تاريخ هذه المسميات.
على العكس من بعض التوجهات التي تغرق في هيام الكلمات، أنا أرى أنها اصطلاحات يتم التعارف عليها ضمن مجتمع معين. ولذلك فالمهم هو الأخذ بأكثر التسميات انتشارا وتأدية للغرض المطلوب منها.
ثم انتقل إلى نقد المنهج الذي طرحته، هو أن "المزاعم الاستثنائية تتطلب أدلة استثنائية".
اقتباس:
اقتباس:
بغض النظر عما في كلام الزميل من نزوع نحو تسفيه موضوع الألوهية بقوله "لم ير أحد منا إلها في حياته"، وكأن الرؤية بجهاز العين تصلح أن تكون دليلا للاعتقاد أو عدمه ،
أقول : لو اعتمد مثل هذا الاستدلال حتى في المجال العلمي لتم شطب البناء المفاهيمي العلمي من أساسه ،فلا أحد من العلماء رأى الجاذبية و لا أحد منهم رأي الألكترون ولا الأثير ، ولا الطبيعة التموجية للضوء ، ولا طبيعته الذرية... و لا ...و... لا .. الخ
المنهج الذي افترضه بسيط، وهو أننا ننطلق من الفرضية الصفرية.
أي أننا نفترض أن "أصل الأشياء العدم"، وأن البينة على من ادعى.
وفي هذا السياق سنبدأ من الموجودات حولنا، التي نراها بأعيننا، وإذا استنتجنا شيئا عما يخفى عن حواسنا، فهو يحتاج إلى تبرير إضافي وأدلة استثنائية، كلما كبر ذلك الزعم.
وأنا سعيد بمعاملة "الله" كما نتعامل مع الألكترون أو الجاذبية أو الأثير.
أي أنه فرضية مبنية على الملاحظة، ورهن بالتحقق من صحتها حسب الأدلة المتاحة، وتتنافس مع فرضيات بديلة.
ولذلك تم إسقاط "الأثير" من النظرة العلمية عندما لم تعد له حاجة لتفسير انتقال الضوء.
وربما يحدث مثل ذلك تجاه الألكترون، وبالتأكيد فمفهوم الجاذبية المعتاد (الأرض تجذب القمر)، إنما هو غير علمي ومن بقايا النظرة النيوتنية.(45/114)
بذلك يتضح الشبه بين وجود الله ووجود الألكترون.
الأمر يبدأ من ظاهرة حسية (عندك "الانتظام في الطبيعة"، أو في حالة الألكترون "الأشعة الكاثودية")، ثم يمكن افتراض مفاهيم مساعدة لا يمكن قياسها بشكل مباشر، تساعد على فهم هذه الظاهرة.
ولكن كل هذه المعرفة تبقى رهن الملاحظات والتجارب اللاحقة، والفرضيات البديلة التي قد تفسر ما يحدث بشكل أفضل.
اقتباس:
اقتباس:
لكن يكفيني هنا أن أشير إلى فساد هذا المنهج في التفكير بمصير الوضعية المنطقية
نظرا لأنني لم أطرح الوضعية المنطقية كمنهج، فلا يهمني الانتقاد اللاحق كثيرا.
ولكن هذه المدرسة قدمت خدمة كبيرة في كبح قصور الهواء الميتافيزيقية، وإن تكن الصعوبات التي واجهتها تتعلق بوضع مقاييس مناسبة للتفريق بين المقولات ذات المعنى واللغو.
من جهتي فأنا لا آخذ موقفا راديكاليا بهذا الشكل، وإنما أقول أن درجة الصحة هي حقل واسع، ويمكن للمزاعم أن تتراوح في درجة قوتها حسب الأدلة المتاحة، ودرجة فائدتها النهائية لما يمكن ملاحظته وتقييمه.
اقتباس:
اقتباس:
بل ومجمل البناء المفاهيم لثقافة البشرية بدءا بالحق والعدل وانتهاء بالجمال، وذلك بدعوى كونها ليس لها مدلول في الواقع الحسي تنطبق عليه ، ومن ثم فهي مفاهيم لغو يجب انتزاعها من المعجم !!! ولكن نعرف جميعا المأزق الذي خلصت إليه الوضعية المنطقية حتى أسقطها في مواقف ساذجة مثيرة للسخرية في الوسط الفلسفي ، وهذا ما وعاه فتجنشطين بذكاء الأمر الذي جعله يتراجع عن هذا المنظور الحسي في التعامل مع المفاهيم،وإن لم يخلص به ذاك إلى الأيمان.
لاحظ أن فيتجنشتاين أعطى الخطاب الديني، مثل أي خطاب آخر، عالما خاصا به، لا يدخل في حقيقة عالم الظواهر الطبيعية التي يبحثها العلم.
وبذلك لم يحل المشكلة المطروحة عن السبيل الأفضل للوصول إلى الحقيقة الموضوعية.
اقتباس:
اقتباس:
لكن إذ أذكر بهذا أود أيضا الأشارة إلى أن هذا المنهج منهج الرؤية والحس في قياس المفاهيم والنظر إلى الوجود هو منهج فاسد. لايقول به اليوم لا الفلاسفة ولا العلماء . ومن ثم فالقول بأن الله لم يره أحد ولم يلمسه أحد ليس بدليل يحتج به ، لا فلسفيا و لا علميا ،فضلا عن دينيا.
لاحظ أني لم أقل أن الله غير موجود لأن أحدا لم يره فحسب، ولكني قلت: نظرا لأن أحدا لم يره أو يتعامل معه بشكل مباشر، فافتراض وجوده هو زعم استثنائي".
والمبدأ السابق هو من أساسيات المعالجة المنطقية، ولا شك أن أي مسلم يقوم بالأمر نفسه عندما يسمع مزاعم غريبة عنه، مثلا من الأديان الأخرى، فيعلق درجة تصديقه على قوة الأدلة المقدمة.
فإن قيل أن بوذا قد انتقل من قرية إلى أخرى، فهذا زعم عادي، لا يحتاج إلى دليل استثنائي.
أما عندما يقال في الأسطورة الهندوسية أن الملك راما مشى على الماء من الهند إلى سريلانكا، فهذا زعم استثنائي، ويحتاج إلى دليل استثنائي حتى يمكن تصديقه.
وطبعا لعدم توفر هذا الدليل، فلا أحد يصدق ذلك باستثناء الهندوس المؤمنين بصحة الاسطورة.
اقتباس:
اقتباس:
وهنا كنت أتمنى أن يعطي زميلي معنى الدليل الأستثنائي الذي يطالبنا بالأتيان به.
فما معنى الدليل الاستثنائي ؟
الدليل الاستثنائي يجب أن يتناسب مع استثنائية المزاعم محل البحث.
فإذا كنا نقبل بوجود الألكترون، الذي لا نراه، بناء على تجربة معينة.
فالدليل الذي نحتاجه للقبول بوجود إله، لا نراه أيضا، وصفاته أغرب من صفات ذلك الألكترون، يجب أن يكون أقوى من ذلك.
ولكننا لا نرى شيئا من تلك الأدلة القوية..
وإنما نرى أن الأدلة تضعف، رغم كبر المزاعم التي تحتويها.
اقتباس:
اقتباس:
ثم لنفترض :إذا كان ما جاء به الموقف الأيماني لم يرق إلى الدليل الاستثنائي ،فهل ما جاء به الموقف الألحادي يرقى إلى هذا النوع من الأدلة؟
أو أن الأدلة الأستثنائية هي أدلة ضعيفة مهزوزة ، وأدلة الملحد غير استثنائية؟؟؟؟
تساؤلات نحتاج إلى أن نستعلم من زميلنا القبطان موقفه لكي نناقشه فيه عن بينة.
أقترح إعادة قراءة تعريف الموقف الذي أبرره.
فأنا لا أزعم أي شيء عن وجود أو انعدام أية آلهة، وإنما موقفي لا أدري في هذا المجال.
وأعلق حكمي بقوة الأدلة المقدمة.
ولتبرير هذا الزعم يكفيني أن أظهر نقاط الضعف في التفكير الإيماني المعهود ليس إلا.
فالزعم بأن الأصل في أي شيء هو عدم وجوده، ليس زعما استثنائيا، بل هو من أولويات البرهنة.
وبذلك فأنا لا أحتاج إلى أدلة استثنائية لأنفي وجود الإله "زيوس"، أو الإله "كريشنا".
بل يكفيني أن أفند الأدلة التي يقدمها أتباعهم.
والأمر لا يختلف عن ذلك بالنسبة للإله الإسلامي "الله".
وهذا يعني بالضرورة عدم تناظر بين الموقف الإيماني، الذي يزعم بوجود إله، له صفات وأفعال.
ويخضع بذلك لطلب الأدلة، ويمكن ضحده عند تفنيد تلك الأدلة.
وبين الموقف الإلحادي اللاأدري، الذي لا يزعم شيئا من ذلك.
بل يفترض بداية أننا لا نعرف، حتى تتجمع لدينا الأدلة، فنحاكمها ونتأكد من صحتها.
ونعيد التقييم كلما تجمعت لدينا أدلة إضافية، دون وجود نهاية لهذه العملية.
اقتباس:
اقتباس:(45/115)
إن كان للموقف الأيماني أدلة - بغض النظر عن نوعها وقيمتها الابستمولوجية- فإن الموقف الألحادي ليس له أدلة على الأطلاق ،فهو في مسلكه عادة ما ينحصر في نقد أدلة الأيمان.
وهذا يكفي للتعامل مع المزاعم الضعيفة.
فلا نجد "أدلة" على عدم وجود التنين، أو الرخ أو العنقاء.
وإنما نكتفي جميعا لرفض هذه الكائنات الخرافية بضعف الأدلة المقدمة وتناقضها (روايات البحارة في القرون الخالية).
اقتباس:
اقتباس:
وجوابي :
إن الكلام السابق هو بحد ذاته دليل على ضعف الموقف الألحادي ،لأنه لا يقدم دليلا ،بل يقتصر على نقد أدلة الايمان. وهو اعتراف ضمني بوجود أدلة على الأيمان وعدم وجودها على الالحاد.
هل إذا حدثك الهندوسي عن إلهه (غانيش)، ذي رأس الفيل، وزعم حقيقة وجوده، فقمت أنت بتفنيد مزاعمه، فهذا يعني أنك تعترف "ضمنيا" بوجود أدلة لديه، وعدم وجود أدلة لديك؟
الأمر هو مجرد محاكمة عقلية لمزاعم غيبية غريبة، غير معتادة في الحياة اليومية، ولا توجد ملاحظات مباشرة تدل عليها، تتحكم فيها عوامل اجتماعية وتربوية فتختلف باختلاف المجتمعات والثقافات.
أكرر مرة أخرى أن الموقف المعرفي الذي أدافع عنه، هو اللاأدرية، كما أوضحت ذلك في المداخلة الأولى.
والإلحاد إنما يلحق عدم وجود المعرفة بتلك الآلهة، كحل إجرائي عملي.
المعجزات والكوارث
اقتباس:
اقتباس:
أول فكرة طرحها زميلي هي المعجزة ، وإن كنت لم أجد مبررا كافيا لطرحها لأنها خارجة عن موضوع الأيمان بالله على الأقل في لحظة حوارنا هذا.
عندي على ما سبق نقد منهجي ،حيث أرى فيه اختلالا لأنه من حيث التصنيف العلمي الدقيق ليس نقدا لدليل وجود الله ،بل هو نقد لدليل النبوة.فالمعجزة دليل على النبوة أكثر منها دليلا على الألوهية.
والنبوة ليست موضوعنا ،بل إن موضوعنا هو إثبات وجود إله لهذا الكون، وعندما نكمله لنا أن نفتح موضوعا جديدا نعنونه ب"هل القرآن كلام الله ؟" أو "هل محمد رسول الله؟ " أو نناقش مبتدأ الأمر ،أقصد "ما الحاجة إلى النبوة أصلا؟"
ربما يعود استغرابك إلى تركيزك على "إله الفلاسفة"، الذي دافعت عنه بدليلي الحدوث والتنظيم.
بينما أنا ذكرت هذا الدليل في البداية لأنه كما أعتقد سبب إيمان الأغلبية (بالإضافة طبعا إلى التربية والوسط الاجتماعي).
لولا المعجزات والكوارث والظواهر الخارجة عن المألوف، لا أعتقد أننا كنا سنجد أحدا يهتم بموضوع الإيمان بالآلهة أو الجان أو أرواح الأجداد.
فالناس لا تريد إلها بعيدا، علة فلسفية أولى لنشأة الكون، بل يريدون إلها يجيب صلواتهم ليحقق أحلامهم بالمال والبنين، ويدفع عنهم الضرر والمرض.
هذا ما يسمونه بالانجليزية "الإله الشخصي" (pe r sonal God).
بينما النبوة هي المفهوم الإسلامي لهذه الظواهر، فتتحدث عن كوارث طبيعية يلحقها الإله بسبب الفساد الأخلاقي للناس، أو معجزات يؤيد بها رسله.
ولكن المعجزات نفسها، قد تستخدم للتدليل على ألوهية الداعية الديني، فتفسر قيامة المسيح من الموتى على أنها تتبع طبيعته الإلهية..الخ
السببية ودليل الحدوث
اقتباس:
اقتباس:
إذا كنت تعيب على المؤمن استثناء وجود الله من سبب وجود فأنتم تستثنون وجود الكون /العالم من سبب وجود.
إذن فأنتم تتساوون مع المؤمن في استثناء كائن من السؤال عن خالق له.
المؤمن يستثني الله.
وأنتم تستثنون العالم.
الاعتراض مقبول، فأنا لا أزعم أنني أعلم أكثر من المؤمن عن استثناءات السببية، ولكني أوضح له أن استدلاله فاسد.
قد يكون الكون بدون سبب، وقد يكون للكون سبب هو الله، وقد يكون الله فعلا بدون سبب، كما يزعم المؤمن.
ولكن معرفتنا الحالية لا تكفي للوصول إلى نتيجة بهذا الخصوص.
ولكن إن كنا سنستثني شيئا من السببية، فليكن الشيء الذي لدينا دليل مباشر على وجوده، وهو الكون.
إنما هي الفرضية الاقتصادية، حسب نصل أوكام.
ولكن ربما نكون متفقين على شيء:
اقتباس:
اقتباس:
إذن فتلك الدوامة الطويلة التي تعيبونها على الموقف الأيماني لأستثناء الله من المخلوقية تسقطون فيها أنتم أيضا.
فلماذا تستعجبون ؟
الاستعجاب هو لتوضيح ضعف هذه المحاججة، فإن كنت متفقين على ضعفها، فلا حاجة للاستعجاب من كلا الطرفين..
اقتباس:
اقتباس:
فيه اختلال في لغة الأصطلاح ،فنحن لا نقول "لكل شيء سبب" حتى يتم الرد علينا بالقول ،فلماذا تستثنون الله من انطباق قانون السببية عليه؟
بل نقول :"لكل حادث سبب ". وإذا قلنا "لكل شيء سبب"فمعناه لكل شيء حادث سبب.
لكل شيء سبب، إنما هو تعبير يستند إلى أرسطو ومفهومه عن "العلة الكافية" (efficient cause).
وهذا التعبير يؤكد على "بداهة" السببية، وعمومها على مجمل الظواهر.
في الوقت نفسه فهذه الصياغة مناسبة لإظهار الضعف الكامن في هذا الدليل.
فالمحاجج يضطر بهذه الطريقة لاستثناء الله من المقدمة التي وضعها (المقدمة الأولى: لكل شيء سبب، النتيجة: هناك شيء ليس له سبب). مما يؤدي إلى أن ينقض هذا الدليل نفسه بنفسه.(45/116)
بينما دليل الحدوث بالصيغة التي طرحها زميلي، هو من اختصاص المتكلمين المسلمين (الكندي، الفارابي، ابن رشد). وهو يمثل برأيي مجرد صياغة تهربية لمشكلة التناقض الذاتي.
والصياغة الجديدة هي عبارة عن تغيير في صياغة المقدمة الكبرى ليستثني الله منها، فكل شيء حادث، إلا ذلك الكائن المفترض (الله).
بذلك فدليل الحدوث إنما هو برهان دائري، يضع في مقدمته النتيجة التي يريد الوصول إليها.
وهي ذلك الكائن المفترض الذي لا تنطبق عليه المقدمة.
اقتباس:
اقتباس:
ويمكنني أن أفهم عدم اهتمام دفيد هيوم بالسببية وعدم احترامه وتقديره لها. لكن لا يمكن أن نستسيغ من فزيائي عدم تقديره للسببية مثل بول دفيز.
ديفيز هو الأقرب إلى الفكر اللاهوتي من معظم الفيزيائيين المعاصرين.
ورفضه للسببية على المستوى الكوانتي إنما هو الاتجاه المتعارف عليه علميا.
فإذا كنت تستخدم الانفجار العظيم لأنه النظرية المتفق عليها، فمن الخطأ أن تتعلق بالسببية التي خسرها أينشتاين.
اقتباس:
اقتباس:
ولم أقرأ بعد أي نقد إلحادي معقول لدليل الأحتياج إلى العلة الأولى. ولقد قرأت مرارا كتاب "الدين الطبيعي" لدفيد هيوم ولم أزدد إلا اقتناعا بدليل الأيمان ووجوب علة أولى لهذا الكون.
واختلال النقد الإلحادي للأيمان واضح حتى من ذاته سواء عند هيوم أو غيره من الفلاسفة مثل شوبنهور.
كما أوضحت سابقا، فمشكلة دليل الحدوث إنما هي دورانية البرهان.
والدور في البرهنة إنما هو مأزق عميق، وقد يكون خفيا وغامضا، وقد لا يتضح إلا عند تفحص الظواهر التي تم عليها بناء الدور، والمفاهيم المستخدمة للخروج منه.
وبذلك فاستثناء الله من المقدمة الأولى، إنما قد حدث "بالتفصيل"، فلا عجب من أن يكون عدم الحاجة إلى تطبيق المبدأ عليه تحصيل حاصل في هذه المحاججة.
اقتباس:
اقتباس:
إذن فرفض مبدأ نسير عليه كلنا في يوميات حياته موقوف على احتمال ظني خلاصته قد نكتشف ظاهرة ليس لها سبب؟؟؟
لاحظ أن الحياة اليومية ليست حكما على نشأة الكون.
فحياتنا اليومية محكومة بالسرعة البطيئة والأجسام الكبيرة.
لذلك لا نستطيع هضم النظرية النسبية فكريا، بسبب معالجتها للسرعات الكبيرة، ولا نستطيع التعامل بشكل عفوي مع الكم، لأنه يتعلق بالأجسام الصغيرة.
أما الاحتمال الذي اعتبرته ظنيا، فهو الوضع المتحقق حاليا في نظرية الكم، وهي النظرية الفيزيائية الأساسية.
والسببية إنما هي طريقة تفسيرية مساعدة في مجال الأجسام الماكروية، خصوصا وأننا غالبا ما نستخدم الفيزياء النيوتنية لهذا الغرض، ولكنها غير ضرورية، بل وخاطئة، على مستوى نظرية الكم.
اقتباس:
اقتباس:
إلى حين اكتشافها يبقى الواجب هو الاشتغال بمبدأ السببية ويبقى التفكير المؤمن هو التفكير المنسجم ، مع العقل ومع كينونة الوجود..فمن الذي يقوم بالتفكير وفق أصول عقلانية ، هل الذي يستنتج من حدوث الوجود محدث له وفق قانون السببية أم الذي يرفض ذلك بدعوى احتمالية مفادها " حيث قد نكتشف ظاهرة جديدة ليس لها مسبب، فتسقط القاعدة وجميع استنتاجاتها. "؟؟؟؟ !!!!
رفض السببية بناء على الاستقراء، هو نقد جوهري لكل من يزعم باليقين في أمور الاستنباط العقلي المحض.
ويعني أن السببية نفسها، إنما هي مبدأ ظني، وما يبنى عليها إنما هو ظني أيضا.
هذا مقبول لدي، فالأخذ بالأرجح هو أقصى ما نصبوا إليه.
ولكن هذا التفريق مهم لكل من يزعم بإمكان البرهنة على وجود العلة الأولى بشكل قاطع ويقيني.
ولكننا نعرف ظواهر دون سببية في الفيزياء، وبذلك فالموضوع ليس احتمالا نظريا فقط.
بل نعرف مثل هذه الظواهر في فيزياء الكم، وهي المسئولة بشكل مباشر عن تفسير نشأة الكون ضمن الانفجار العظيم.
ولذلك فلا عجب أن نرى النظريات التي تطرح نشأة الكون بمحض الصدفة، فهي تبني على المتفق عليه في فيزياء الكم.
أو حتى تلك التي تفترض أن الأكوان تتوالد بشكل تطوري (لي سمولين)، فمبدأ التطور (التناسخ مع الطفرة) أثبت نجاحه لتفسير تنوع أشكال الحياة وتأقلمها، فمن الممكن الآن استخدام الأمر نفسه لتفسير تأقلم الكون بشكل معين.
اقتباس:
اقتباس:
ثم لما يحس الموقف الالحادي بضعف نقده لوجوب العلة الأولى يريد أن يسلم بها ، لكن مع إلصاقها بكائن آخر غير الأله الخالق ، وهذا بحد ذاته دليل على قوة الدليل الأيماني
ما تنتقده إنما هو التفاعل مع الأدلة المطروحة على كافة المستويات.
أي حتى لو وافقنا جدلا على ما سبق، فهذا لن يؤدي إلى ما يريده المؤمن.
فدليل الحدوث لا يمكن أن يبرهن أكثر من وجود علة أولى لا تنطبق عليها قوانين السببية.
ومثل ذلك معروف حاليا في عالم فيزياء الكم، تفكك ذرة اليورانيوم لا يخضع لقانون السببية.
والحدوث لا يبرهن على أكثر من ذلك.
أي أن هناك شيء يشبه ذرة اليورانيوم تلك في بداية الكون.
أما صفات الإرادة فلا يمكن إلصاقها بتلك العلة من دليل الحدوث نفسه.
اقتباس:
اقتباس:
فهل من المعقول نقد الاستدلال اللأيماني على العلة الأولى القائم على منطق محكم يتم به استبعاد التسلسل والدور المحال منطقيا بمجرد هذا القول ؟؟؟؟
لكن رغم ذلك أجيب :(45/117)
إذا كان الموقف الألحادي يرفض أن تكون العلة الأولى التي أوجدت الكون هي خالق قادر مريد (الله)
أرجو تحديد ماهية هذه العلة الأخرى البديلة حتى يصار إلى بحثها .
لكن أعرف مسبقا لماذا يتم استبعاد التحديد ،لأن أي علة أخرى غير الله تسقط الفكر الألحادي في مآزق .
فالقول بأن الكون او الطبيعة علة ذاتها يسقط الفكر الألحادي في مأزقين اثنين :
أولا إرجاع وجود الكون إلى ذاته.
نحن نبحث عن تلك العلة، إن وجدت، ضمن الحدود الممكنة معرفيا.
وافتراض علة عاقلة لا يفيد في فهم نشأة الكون، إذا لم نعرف كيف قامت بفعلها العاقل هذا.
فهو يضيف عاملا سحريا، ليس إلا في سلسلة المعرفة التي نحاول الوصول إليها.
وافتراض صفات معينة (الإرادة) في العلة الأولى، لا يوجد ما يبرره.
اقتباس:
اقتباس:
فيصبح أمام الفكر الألحادي سؤالا عصيا :
كيف أوجد الكون ذاته من عدم ؟
وهنا أريد من قارئي أن يتنبه جديا لهذا السؤال ليحس بمقدار اختلال الموقف الألحادي :
أعتقد أن هذه الصعوبة التي تراها، ولا أراها.
إنما تعود إلى خطأ في فهم الانفجار العظيم، فهو لا يفترض أن ما سبق ذلك الانفجار كان "عدما" بالمعنى الفلسفي الذي لا يمكن تعريفه إلا بكونه لا يسمح بنشأة ذلك الانفجار نفسه..
اقتباس:
اقتباس:
هنا يجد الموقف اللاحادي المعاصر بعد اهتزاز النظرية الفزيائية القائلة بأزلية المادة أمام مأزق جديد ،حيث يصطدم فلسفيا بمقولة العدم . فتخيلوا عدما مطلقا ثم وجد من هذا العدم وجود هائل هو هذا الكون.
هل يعقل هذا ؟؟؟ كيف ينبثق الكون من العدم ؟؟؟؟ كيف يوجد وجود من لاوجود؟؟؟
أليس اليونانيون في أقدم القدم كانوا حكماء عندما أعلنوا "لاشيء من لاشيء"؟؟؟؟
قد يقال إن مقولة اليونانيين هذه كانت مرتكزا للقول بقدم الهيولى.
الانفجار العظيم لا يقول بوجود العدم بالمعنى الفلسفي، قبل الكون الحالي، بل لا يقول بأي شيء على الإطلاق (ضمن المتفق عليه علميا).
وبعض النظريات حاولت أن تتحدث عما قبل ذلك.
ولكنها جميعا لا تتحدث عن العدم بمعناه الفلسفي، أي انتفاء أي شيء، بما فيه انتفاء أي امكانية أو احتمال، وإنما يفترضون العدم بأنه انعدام الزمان والمكان والمادة، ولكنه بالتأكيد وجود لشيء ما يسمح للكون بالظهور.
وهذا ما يتم البحث العلمي عنه، سواء كان "الرغوة الكوانتية" التي تسمح بنشأة الأكوان (حسب نظرية هوكنج لنشأة الكون الكوانتية).
أو أغشية في أبعاد عليا تتقاطع لينشأ عنها الانفجار العظيم (كما في ما يسمى بالبرانات في الـ M-Theo r y).
دليل الانتظام
اقتباس:
اقتباس:
على فرض صحة مفهوم قدم الهيولى ،بل دعنا نساعد الموقف اللحادي فنقول له لنفترض أن الكون قديم ،أي انفجر ثم تكرر الأنفجار على نحو لانهائي :
إن المأزق الثاني الذي سيسقط فيه الموقف اللألحادي هو :كيف انتظم الكون مع أنه مادة غير عاقلة بذاتها؟
الانتظام نفسه لا يحتاج إلى العقل..
بل يمكن أن ينشأ عن الصدفة، في حال وجود عدد كافي من المحاولات.
أو يمكن أن يكون "ضرورة"، دون أي بديل.
ويمكن أن يكون مزيجا من الاثنين (الفكرة الداروينية).
اقتباس:
اقتباس:
ثم كيف وجدت الحياة من مادة سديمية غير حية؟
لا نعرف تماما، ولكن جميع العمليات في الخلايا الحية هي عمليات كيميائية عادية، أي نقض الفيتالية (vitalism)، التي كانت تفترض وجود "طاقة حياتية".
لا توجد مادة إضافة تفرق الحياة عن الجماد.
إنما هي تفاعلات كيميائية، متوازنة ضمن حدود، وشيئا فشيئا نرى مثل صفاتها ضمن المادة غير الحية في ما يسمى بالتنظيم الذاتي (self o r ganization, hype r cycles) والصفات الطارئة كما درسها برغوجين وغيره.
اقتباس:
اقتباس:
ثم كيف من مادة غير عاقلة سينبثق العقل والفكر (الأنسان)؟؟؟؟
هنا نرى التدرج أيضا في الملكات الفكرية لدى الكائنات الحية المختلفة.
والأبحاث تجري على الدماغ للبحث في الخطوات التي أدت إلى حصول الفرق بين التفكير الإنساني عنه في الكائنات الأخرى. سواء في الدراسات على الأمراض والإعاقات الفكرية المختلفة، أو نمو الأطفال الفكري.
ولكن حصول هذا الفرق لا يستدعي إدخال "عقل" غير مبرر في المعادلة.
اقتباس:
اقتباس:
أسئلة ليس للموقف الألحادي أي جواب .
لست أدري إن كان الجواب "بطريقة لا نعرفها بعد"، يفيدك.
هو جواب صادق من جهة، ويفتح مجالا للبحث العلمي وزيادة المعرفة.
وهو يختلف بعض الشيء عن جواب "لأن الله قام بذلك بطريقة لا نعرفها".
فهذا يضيف الله إلى الجواب دون أن يزيد معرفتنا..
بل يفترض ضمنا أننا لن نعرف هذه الطريقة السحرية..
اقتباس:
اقتباس:
دلالة التحولات الأبستملوجية المعاصرة:فزياء الكوانطا ونقد مفهوم الحتمية
ولكي يتخطى الزميل القبطان إشكالية السببية ، ومأزق رفض العلة الأولى ينتقل إلى الأستعانة بالتطور العلمي والتحولات الأبستمولوجية التي مست مفاهيم العلم حيث يقول :
السببية ليست إشكالية، فدليل الحدوث لا يؤدي إلى وجود الله حتى لو صحت السببية.
ولكن إذا كان هدفنا هو المعرفة، بأفضل الوسائل المتاحة في عصرنا، فعلينا بتتبع التطورات العلمية.
وأهمها بالفعل النظرية الكوانتية.
اقتباس:
اقتباس:(45/118)
أولا إن الزميل القبطان في كلامه هذا يخلط بين السببية والحتمية ، وسأوضح الأمر بشيء من التفصيل مع استحضار مواقف العلماء واتجاهاتهم
الاعتراض ليس في محله.
والحتمية التي تعتبر أني أخلط بينها وبين السببية، إنما هي "المقدرة على التنبؤ" وليست حتى الحتمية الفيزيائية.
اقتباس:
اقتباس:
أولا بالنسبة لنظرية الحتمية فإن البعض يطرحها وكأنها مسألة منفية من العلم الفزيائي المعاصر ، وكأن كل من قال بالحتمية فهو ينتمي إلى الفزياء الكلاسيكية ، الفزياء الجاليلية / النيوتونية ، وهذا ليس تصورا صحيحا ، ويكفيني هنا للتنبيه فيما يخص الخلاف حول الحتمية في الفزياء المعاصرة أن أستحضر خلاف أينشتين وهوكنج.
لا شك أنك تقصد الخلاف "أينشتاين-بور"، بينما هوكنج لم يعاصر أينشتاين.
يسرني أنك تابعت هذا الخلاف، ولكن نتيجته توجت بالنصر الهائل للنظرية الكوانتية، فهي أفضل نظرية علمية تم تقديمها في التاريخ، ونجاحها الساحق منذ أكثر من ثمانين عاما، والتجارب المستحدثة كلها تؤكد على صحتها.
اقتباس:
اقتباس:
بل وللرفض الذي جوبهت به مفاهيمها من قبل علماء الفزياء أنفسهم. فأينشتين كلما سئل عن فزياء الكم إلا وأجاب " إن الله لا يلعب النرد" رافضا فكرة العشوائية رفضا شديدا. مؤكدا أننا نحن الذين " أسأنا فهم الطبيعة" .
وأجابه هايزنبرغ "توقف عن فرض نظرتك على الله" (stop telling God what to do).
كل ذلك كان في عشرينات القرن الماضي، وكما أسلفت فأينشتاين قد خسر هذا الرهان بكل المقاييس.
اقتباس:
اقتباس:
والقائلون بالحتمية يقولون إن الكينونة الطبيعية حتى داخل الذرة فيها حتمية ناظمة ،غير أننا لم نصل بعد إلى الإمساك بها نتيجة ضعف أدوات القياس العلمي.ومن بين هؤلاء نجد لوي دوبروي الذي قال مع هيزنبرغ باللاحتمية سنة 1925 سيتراجع عن قوله هذا في أخريات حياته ويقول بوجود الحتمية .
لا شك أن المفاهيم الجديدة كانت صعبة الهضم جدا على الجيل القديم من العلماء.
ولا تزال هناك أقلية اليوم تحاول العودة إلى المفاهيم القديمة، باعتبار أن ذلك يتعارض مع "حدسها".
بينما معظم العلماء يرفضون استخدام الحدس اليومي للحكم على هذه الظواهر لعدم صلاحيته.
ولكن لئلا ننسى طبيعة الخلاف هنا، فنحن نتحدث عن السببية.
وفي كل الأحوال لا أعتقد أن هناك مناص من الاعتراف بأن مبدأ السببية قد تم ضعضعته بشكل كبير.
بحيث أنه لم يعد يصلح لمثل تلك الاستنتاجات الميتافيزيقية.
أي أنه من الممكن استخدامه بحذر، كرأي شخصي، مدعوم بأقلية من العلماء، ولكن دون الزعم بأنه يقدم نتائج قاطعة.
اقتباس:
اقتباس:
عندما تنتقد الحتمية في الفزياء المعاصرة فينبغي هنا أن نفهم محدودية مجال هذا النقد ودلالته.
بالنسبة لمحدودية مجال هذا النقد فأقصد به العالم الميكروسكوبي ، والعالم الأكبر ، ومن ثم فإن فزياء الكم لا تعطينا فهما لكل مجالات الكون ، وهنا أحيل على تجربة EP r ( تجربة أينشتين وبولداسكي و رووزن ) التي جعلت إينشتين يقول بحق إن فزياء الكم لا تقدم فهما عاما وكاملا عن الوجود .
أقترح أن تراجع ترجيحات بل (Bell Inequations)، والتجارب التي أظهرت صحة النظرية الكوانتية (Aspect 1982) وخطأ حدس أينشتاين بالنسبة للسببية في مفارقة EP صلى الله عليه وسلم
ولا شك أن كتاب "وهم المادة" لديفيز وغريبين مناسب في هذا المجال.
اقتباس:
اقتباس:
هل عشوائية قياسنا واحتماليته في تحديد موقع الإلكترون يعني انتفاء السببية من البناء الذري ؟ هل يعني عدم معرفتنا بدقة كاملة لقوانين انتظام الحركة الثاوية في الذرة أنها ليست لها قوانين ؟
بالتأكيد لا ،فالذرة كينونة منظمة ، ونظرتنا إليها هي التي تفتقر إلى الانتظام ولو كانت غير منظمة ما انتظم ما يتكون منها وهو كل هذه البناء الفيزيائي.
إن النظرية العشوائية لا تعني انتفاء السببية من الكون .
هناك انتظام وهناك عشوائية، وهناك عشوائية منتظمة عبر طريقة توزعها الاحصائي.
والانتظام يعني مقدرتنا على وصف ما يجري، وفي الظواهر الكوانتية هناك انتظام احتمالي لاسببي.
والسببية تعني ربطنا حوادث بأخرى تحصل قبلها زمنيا، وهذه يمكن نفيها في العديد من الظواهر الكوانتية.
وعدم مقدرتنا على قياس سرعة الألكترون ومكانه، لا تعود إلى نقص الدقة في أجهزة القياس، بل إلى خاصية جوهرية من خصائص الكون.
هذا ما قاله هايزنبرغ، وهذا ما أثبتته كل التجارب التالية.
اقتباس:
اقتباس:
إن العشوائية هي حسب بعض الاجتهادات المطروحة في حقل إبستمولوجيا علم الفزياء هي نتاج لعدم معرفة مزدوجة :
فهي نتاج عدم الأحاطة بالمجال المدروس بكافة متغيراته ،و من أهم أسبابها ضعف أدوات القياس والملاحظة.
والسبب الثاني هو عدم القدرة على الأمساك بالمنطق الذي تشتغل به الطبيعة الكونية في هذا المجال. فالفزياء اليوم لا تزال تتلمس الطريق إلى منهج في التفكير والمقاربة ينسجم مع المجال الكمومي .
ونفس الازدواجية تطرح على المجال الأكبر أيضا .
بل الموضوع أعقد من ذلك، ولا يتعلق بدقة أدوات القياس، بل إن "عدم التعيين" هو مبدأ أساسي من مبادئ الطبيعة.
اقتباس:
اقتباس:(45/119)
وهذا ما يدفع الفزياء المعاصرة إلى التخلي عن مفهوم الحتمية في المجال الكمومي ، والاستعاضة عنه بمنظورات منهجية بديلة تقوم على حساب الاحتمال وعلاقات الارتياب.
لكن هنا نطرح السؤال حتى يتضح لنا بجلاء الخلط الذي وقع فيه الزميل القبطان :
هل يعني غياب الحتمية انهيار مفهوم السببية ؟؟
لا أبدا.
لنأخذ التجربة المناخية نموذجا :
القفز إلى الحديث عن الطقس مغالطة كبيرة، ولا علاقة لها بما سبق..
اقتباس:
اقتباس:
من المعروف أن التنبؤ بحالة الطقس يعتمد على استحضار أسباب وتوقع حركة التيارات المناخية.
لكن لا زال علم المناخ إلى الآن لا يستطيع أن يضع تنبؤا حتمي الوقوع ،لذا فلا حتمية في علم المناخ. ولا نستطيع أن نقول بأن التنبؤ العلمي هو حتمي وذلك لكثرة المجاهيل . لكن حتى لو أحصيناها فإننا سنضطر وقتها أيضا لاصطناع لغة الاحتمال :
هنا يخلط زميلي بين الفوضى الحتمية، كما تظهر في المناخ (dete r ministic chaos)، حيث أن القوانين التي تحكم المناخ هي جميعها حتمية (أي سببية)، ولكنها غير خطية (non-linea r )، بحيث أن تغير بسيط في الشروط البدئية يؤدي إلى تغير كبير في النتيجة النهائية.
وبين الفوضى الكوانتية (quantum chaos) التي لا تعتمد على قوانين حتمية فيزيائية، بل على قوانين احتمالية.
وبالتالي فالفوضى الناتجة غير حتمية.
لاحظ ما يلي، في مفارقة EP صلى الله عليه وسلم
إن كانت السببية صحيحة، فهناك متغيرات خفية لا نستطيع قياسها اليوم، وهي تعني أن نظرية الكم غير مكتملة.
ولكن التجربة أثبتت خطأ EP r ، والموضوع محسوم من هذه الناحية.
ولا توجد متغيرات خفية تكون هي السبب في سلوك معين.
بذلك فنقض السببية ضمن النظرية الكوانتية هو حقيقي، وليس مجرد جهل بها.
والنظرية الكوانتية هي الأكثر نجاحا في تاريخ الفيزياء المعاصرة، وهي تقوم بذلك دون مفهوم السببية ذلك.
بينما تم تعديل مفهوم الحتمية ليصبح عبارة عن حتمية احتمالية.
أي أن هناك انتظام، ولكنه لا ينطبق إلا بشكل إحصائي، ويمكن نفي السببية المباشرة للتجربة!
اقتباس:
اقتباس:
لكن السؤال الذي يطرح هو هل يعني هذا غيابا للسببية ؟ هل يعني هذا أن الأمطار تنزل بدون أسباب ؟ هل إذا عجزنا عن استجماع جميع المتغيرات والتنبؤ بحركتها ، معناه أن الطبيعة لا تسلك وفق السببية ؟؟؟
كما قلت فالمناخ يمثل منظومة فوضى حتمية، أي أن المشكلة محصورة فعلا بدقة القياس وتضخم الأخطاء بشكل هائل.
ولكن لا علاقة لهذا الكلام باللاسببية الاحتمالية كما تظهر عند تفكك ذرة من مادة مشعة.
اقتباس:
اقتباس:
لا ،أبدا إن الطبيعة خاضعة لقوانين وأسباب، ولكننا نحن العاجزون عن حساب جميع متغيراتها بدقة لتكتمل لنا شروط تحقيق التوقع بمعناه الحتمي.
هذه الجملة "حدسية" وليست من نتائج العلم المعاصر.
فتجربة أسبكت أظهرت أن المتغيرات الخفية خاطئة، وميكانيكا الكم على حق.
وبذلك فالطبيعة تحتوي على ظواهر بدون أسباب، أي حيث تمت البرهنة على عدم وجود هذه الأسباب، وليس فقط الجهل بها.
بل حتى التفسيرات البديلة مثل (بوهم) تفترض عدم صحة الواقعية المحلية (local r ealism)، مما لا يبسط الموضوع بالنسبة للاستدلال على وجود الله.
اقتباس:
اقتباس:
وهكذا نلاحظ أن ارتكاز الزميل القبطان على التحولات التي مست مفهوم الحتمية مع فزياء الكم لنقد مفهوم السببية ارتكاز يقوم على خلط والتباس.
أخشى أن العكس هو الصحيح.
لذلك أقترح أن تحاول أن تقرأ عن سبب التذبذب الكوانتي (quantum fluctuations)، فهي حسب النظرية السائدة "بدون سبب"
كما أقترح أن تقرأ عن مفارقة EP r ، وعن تجربة أسبكت.
اقتباس:
اقتباس:
بينما يكفي لوضع الدليل أن يتساءل المؤمن تجاه ما يلاحظ من ظاهرة النظام في الكون : من فاعل هذا النظام؟؟؟
من هو مصمم الكون؟؟؟
ومن حق المؤمن أن يطلب من الملحد إجابة معقولة.
ومن حق المؤمن أن يرفض الاجابة الملحدة القائلة بأن هذا الانتظام الكوني نتج صدفة ،لأنها بكل بساطة إجابة غير معقولة. لأن الصدفة لا تنتج نظاما .
الجواب الأول على أسئلتك هو أننا لا ندري، وعدم المعرفة لا يعني أن نخترع جوابا أو ننسخ جوابا عن الأجداد الأولين، فقط لنغطي جهلنا.
ثانيا: الصدفة تنتج نظاما بالفعل، بناء على كثرة عدد المحاولات. فأي نظام هو حالة خاصة من الفوضى في عدد لا نهائي من المحاولات.
ولذلك، فالصدفة المحضة لتنوع الثوابت الكونية، قادرة على إنشاء كون مناسب لنا، إذا كان هناك عدد كاف من الأكوان (10^60 حسب إحدى التقديرات). وهذه هي النظرة السائدة لدى الفيزيائيين اليوم.
ثالثا: الصدفة ليست الأمر الوحيد، بل هناك الضرورة أيضا. وحتى الآن ليس بإمكاننا أن نعرف إن كانت هناك احتمالات أخرى لتشكل الكون الذي نعيش فيه، وإذا انعدمت البدائل، انعدم الداعي للصدفة أو للغاية أو لغير ذلك.
اقتباس:
اقتباس:(45/120)
أما مسألة الصدفة كخالقة للنظام والحياة بفعل انفجاري فهذا أمر غير مقبول حتى بالنسبة لأولى لحظات تكون الكون ،أي للحظة بدايته ،بل إن العلم يتحدث عن الثانية الأولى للأنفجار بوصفه كان لحظة حرجة تحتاج إلى نظام دقيق . ففي الثانية الأولى للأنفجار كان لابد من حساب مسبق لسرعة التمدد ،فلو كانت هذه السرعة أقل من جزء من مليون مضروب في مليار جزء لانهار الكون حول نفسه . ولو كان التسارع أعلى مما كان عليه لتناثرت المادة الألولية للكون ولما انتظمت منها كواكب ومجرات ... فهل من الصدفة أن يحدث من فعل الإنفجار هذه الدقة المتناهية إلىدرجة لو أن سرعة التفجير كانت أقل من جزء واحد مضروب في مليار جزء لأنهار الكون؟؟؟؟؟
ولكن من أين جئت بإمكانية حدوث هذه الأرقام البديلة؟
إنما هي تغييرات ضمن المعادلات الرياضية، لتحسب نتائجها، ولكنها لا تعني أن كل هذه التغييرات كانت ممكنة فعلا، وتم تلافيها بسبب الغاية الكامنة.
اقتباس:
اقتباس:
هذا عن فعل الانفجار أما لو دخلنا في حساب احتمالات تخلق ADN ووجود الماء وانبثاق الحياة فالأمر لايحتمله الحساب الرياضي أصلا!!!!!
بالفعل نرى أن الحياة نشأت في مكان (الأرض)، ولم تنشأ في آخر (القمر مثلا).
ولكننا لا نعرف إن كانت الحياة قد نشأت في أماكن أخرى في الكون، أو إن كانت هناك أشكال أخرى للحياة لا تعتمد على كيمياء الكربون كما هي الحياة التي نعرفها.
ولكن لا أحد يزعم أن الحياة نشأت بالصدفة المحضة، بل دائما هناك افتراض الظروف المساعدة بالإضافة إلى عامل الصدفة.
وإن يكن اليوم لا أحد يعرف ما هي تلك الظروف المساعدة بشكل دقيق.
ويوم نعرف تلك الظروف، سيكون بإمكاننا أن نحسب احتمال تشكل الحياة بالصدفة لوحدها.
وهنا نرى العلماء يذهبون في اتجاهات مختلفة، نظرا لضعف الأدلة، فمنهم من يفترض احتمال ظهور الحياة على جميع الكواكب الشبيهة بالأرض، فيفترض أن هناك مليارات الكواكب المأهولة في الكون.
ومنهم من يفترض أن نشأة الحياة قليلة الاحتمال لدرجة أن ذلك لم يحدث إلا مرة واحدة فقط.
وكون الاحتمال قليل، على الأقل ضمن ظروف الأرض الحالية، يبدو واضحا لأننا لا نرى نشأة لأي حياة جديدة.
وإنما كما تظهر نظرية التطور الداروينية فجميع أشكال الحياة على الأرض إنما هي ذات أصل مشترك.
مع ذلك فقد ظهرت الحياة على الأرض بعد فترة قصيرة من تبرد قشرتها، مما يدل على أن الأمر لم يستغرق الكثير من المحاولات.
بذلك إما كانت الظروف مساعدة، ثم اختفت تلك الظروف المساعدة، أو أن تطور الحياة بشكلها الحالي يمنع نشأة أنواع جديدة من الحياة.
أو أن الحياة كانت قد نشأت في مكان آخر، ثم انتقلت إلى الأرض.
ولكن ليس من الممكن حسم الموضوع بالمعلومات الحالية لأننا لا نعرف الشروط الضرورية لتشكل الحياة من مواد غير حية.
وكل الحسابات المختلفة التي ذكرها زميلي لا تفيد لأنها تفترض شروطا من تساوي الاحتمال في ترتيب الأحماض الأمينية أو القواعد، وهذا لا يفترضه أحد.
اقتباس:
اقتباس:
إن الأنيميزم هو إسقاط الوعي والشعور على الظاهرة الطبيعية. أو بعبارة أخرى إنه أنسنة الطبيعة.والأنيميزم هو حالة طفولة الوعي البشري. فالطفل عندما يسقطه الكرسي يقوم بضربه. وهو يعتقد أنه أن الكرسي يحس بالضرب والتأنيب !!!!
وعلى الرغم من كون بعض علماء الأديان يرجعون بعض الديانات البدائية إلى نزعة الأنيميزم
لاحظ أن الدليل الأول عن الكوارث والمعجزات يشير إلى العقلية نفسها..
اقتباس:
اقتباس:
إن إنكار وجود الخالق يجعل العالم الملحد يسقط في مأزق التفكير الخرافي رغما عنه ، وذلك عندما يصطدم بدلائل الغائية في الوجود ويحاول تفسير هذه الغائية ،لنتأمل مثلا تفسير لامارك لظهور القرون في بعض الحيوانات :
لقد فسر لامارك ظهور قرون عند بعض الحيوانات بوجود شعور داخلي يسكن الكائن الحيواني ،شعور يسكن كينونته العضوية. فيجعل هذه الكينونة تفرز وتكون من الأعضاء ما يحتاجها الكائن !!!
أليس هذا نوع من الأنيميزم ، أليس هذا إضفاء للوعي على الظاهرة المادية والعضوية؟؟ أليس هذا تعبيرا عن سقوط في الوعي الطفولي ؟ ألا يتساوى هذا التفكير "العلمي" مع تفكير الطفل الذي يضرب الكرسي ويؤنبه؟
إن السلوك الغائي لظواهر الوجود نفسرها بوجود خالق عالم نظمها ، واستثناء وجود الخالق يجعل بعض التوجهات الإلحادية مضطرة لتفسير الغائية بوجود وعي ساكن داخل كينونة الوجود.
هل لامارك ملحد؟
وهل آلية توارث الصفات المكتسبة التي اقترحها هي ما يقبله العلم اليوم؟
ولكن استشهادك بلامارك يوضح التطور في التفكير الذي أقصده.
من تفكير غائي، إلى تفكير يبحث عن الآليات والعلاقات بين الأمور.
أما إسقاط الغائية على كائن خفي، لا يمكن إلا أن نتكهن غاياته.
فهي بالفعل لا تختلف كثيرا عن مثال الكرسي الذي اقترحته.
اقتباس:
اقتباس:
وأعاد التجربة وقام بقلب البيض فنجحت حيث تم تفقيس البيض بنجاح. ومنه نتج لنا هذا الدجاج الأبيض...
فهل يمكن إنكار الغائية في سلوك الدجاجة هذه ؟
وهل بإمكاننا أن نفسر : من أين للدجاجة أن تفهم جاذبية نيوتن؟
نحن أمام تفسيرين :(45/121)
التفسير الألحادي : وهو أن الدجاجة تسلك صدفة.
لكن هذا التفسير لا يقبله العقل ،لأن الصدفة لا تتكرر على هذا النحو المنتظم والدائم.
ولا يمكن القول بأن الدجاجة واعية بما تفعل وإلا سيسقط الموقف الألحادي في موقف مضحك . وهو ما أسميته بموقف الأنيميزم التي ينزلق إليها الإلحاد.
ثم كيف تعي الدجاجة ما تفعل ونحن لا نرى طريقة اكتسابها لهذا الوعي ، فالدجاجة حتى ولو لم تر غيرها من الدجاج يقوم بهذا السلوك فإنها تهتدي إليه بذاتها تلقائيا ودون تجربة ولا "تفكير".
الدجاجة، اليوم، تتصرف بهذه الطريقة لأن هذا السلوك مبرمج في مورثاتها.
فهي لم تتعلم ذلك، وهي ستتصرف بهذه الطريقة حتى ولو لم تر أي دجاجة غيرها.
بل هي لا تملك من أمرها شيئا، ولا تستطيع التصرف غير ذلك، حتى وإن وضعنا لها بيضة من الجص عوضا عن البيضة الحقيقية.
إنما هي مثيرات حسية معينة، لون أو شكل أو صوت معين، تستدعي سلوكا مبرمجا معينا يتم تنفيذه بشكل آلي.
هذا يوضح كبداية "آلية" السلوك المذكور.
إذا الدجاجة ليست صاحبة الغاية، وعبر هذا المثال لم نعثر بعد على أي صاحب غاية غير الانسان الذي يراقب الدجاجة.
ماذا عن غاية المورثات نفسها، أو غاية مصمم المورثات كما يفترض الزميل حاتم؟
هذا هو دور نظرية التطور الداروينية في توضيح كيف يمكن لعمليات تشترك فيها الصدفة والضرورة في إنتاج ما يشبه الغاية لدى الإنسان، دون أن يكون الأمر كذلك.
كبداية، الدجاجة التي لا تقلب بيضها (في هذا المثال)، لن يفقس بيضها وستنقرض.
وتكفي الصدفة هنا لتنشئ دجاجا يقلب بيضه وآخر لا يقوم بذلك، لنرى أن الذي يقوم بهذا السلوك هو الذي يبقى وهذا ما نلاحظه.
والعمليات العشوائية التي تتحول إلى ما يشبه الغاية مع وجود عملية اصطفاء آلية، نراها في الكثير من المجالات.
وقد كتبت عن ترتيب الحصى على شاطئ البحر أو النهر مثلا، أو المدارات المستقرة لكواكب المجموعة الشمسية.
كل هذه الأمور وأشباهها لا تتطلب أكثر من عملية عشوائية توفر المحاولات المختلفة.
وغربالا، أي عملية اختيار ميكانيكية، تحافظ على بعض الإمكانيات وتستثني ما عداها.
فالكواكب التي ليس لها مسار مستقر حول الشمس ستسقط إليها، أو تترك المجموعة.
وبعد فترة كافية لن نرى إلا الكواكب ذات المسارات المستقرة.
وبالشكل نفسه لا نرى اليوم إلا الكائنات المتأقلمة مع بيئتها بما يضمن استمرار حياتها.
التبريرات المختلفة
تناقض الأديان
اقتباس:
اقتباس:
أولا حقيقة استغربت هذه الطريقة في التفكير من الزميل القبطان الذي عهدت فيه مستوى أرفع بكثير من هذا الاعتراض القائم على أن يحتل الله جميع القنوات الفضائية في توقيت واحد ليسمع الناس القرآن ، وأنه إذا لم يفعل ذلك فلا إيمان به.
وكأن الأيمان بالله يحتاج إلى هذا النمط من الإشعار بوجود الله.
هذا هو رأيي بالفعل. وهو ليس عبثا، وإنما نظرا لدراستي لطبيعة العملية الإيمانية لدى الناس.
طبعا اغلب البشر يتعلم إيمانه عبر التربية ولا يحتاج إلى مثل هذه البراهين.
ولكن هذا يوضح سبب اختلاف الأديان وعدم اتفاقها، ومقدرة الإنسان على الإيمان بأي شيء، طالما أنه يتعلمه في طفولته الباكرة.
ويوضح عبث افتراض أن معظم الناس بتفكيرهم الذاتي سيصلون إلى رغبة ذلك الإله الخفي.
ربما يحدث هذا مع أقلية، ولكن ليس أكثر.
ولكن كيف يمكن الوصول إلى إيمان مختلف عن ذلك، خصوصا إذا كان غير شائع في المحيط الاجتماعي.
وكيف يصل الإنسان الذي يبحث بشكل صادق عن مثل تلك الأدلة إلى ما يشير بوجود إرادة مختلفة؟
الطريقة الوحيدة هي التخاطب مع تلك الإرادة، ولا دليل آخر يمكن أن يوصل لنا محتوى الإرادة الغريبة بشكل مقنع ودون الاعتماد على التقليد الأعمى فحسب.
اقتباس:
اقتباس:
ولذا سأنتقل إلى تفسير مسألة شيوع الكفر وقلة المؤمنين بالأسلام.
لقد ربط الزميل القبطان هذا بالحساب ثم بنى عليه الموقف الألحادي.
والحق عندما نراجع القرآن الكريم نجد أن خلق آدم في حوار الله مع الملائكة كانت الغاية منه هو وجود كائن جديد يختلف عن الملائكة الذين بطبعهم لا يعصون الله ما أمرهم. فكان الأنسان كائنا فيه قابلية الكفر وقابلية الأيمان. أي يمكن أن يسلك سبيل الشر ويمكن أن يسلك سبيل الخير.
فلديه القدرة على الأختيار.
لذا لوشاء الله لجعل الناس كلهم مؤمنين.
المؤمن يزعم أن هناك إرادة إلهية لهداية البشر، دون إكراه.
ولكننا لا نرى أن هذه الإرادة يتم تنفيذها.
فلماذا لدى البعض فرص مثالية بحكم تربيتهم، ويكفيهم الاعتماد على النقل والتراث ليحققوا تلك الرغبة الإلهية.
بينما آخرون عليهم استخدام "رسول العقل"؟
ما سبق يعني أنه حتى إن قبلنا جدلا بوجود غاية كونية تتجلى في وجود التنظيم الذي يكفي لنشأة الحياة والوعي الإنساني.
ولكن لا شيء يدل على أن هناك غاية "عبادية" تتعلق بالإنسان.
نقد فكرة إله الفجوات :
اقتباس:
اقتباس:(45/122)
وأرى أن هذه الفكرة تبلورت في الفلسفة في القرن الثامن عشر مع ابتداء بروز التفسير العلمي لظواهر الطبيعة القائمة على مبدأ السببية.بمعنى أن الأنسان البدائي مثلا كان يفسر بعض ظواهر الطبيعة بوجود إله ، ولكن مع التطور المعرفي يتم اكتشاف أسباب تلك الظواهر فيتم استبعاد الأله.
ويتراجع الأله إلى مناطق الفجوات التي لم يتم الكشف عن أسبابها.
هذا هو دليل إله الفجوات الذي يعتمد عليه الزميل القبطان.
وهنا أذكره وأذكر القارئ أن الزميل منذ قليل فقط كان يرفض وجود مبدأ السببية في الكون ، وحرص حرصا شديدا على تسفيهه حتى اضطر إلى الخلط بينه وبين مبدأ الحتمية.
لكنه هنا يعود إلى اعتماد مقولة السببية.
أليس هذا اختلال منهجي في الاستلال؟؟؟؟؟؟؟
السببية مفهوم مناسب لوصف ظواهر معينة، ولكن هذا لا يعني أنه يشمل كل شيء.
وفي المقابل فهذا لا يعني أنه غير مناسب لوصف أي شيء على الإطلاق.
هناك مستوى تفسيري تناسبه السببية، ولكن هذا لا يعني أن السببية هي مبدأ كوني عام وشامل.
التفسير الغائي مناسب ضمن المجتمع الإنساني، وحتى ضمنه قد ننتقل ذات يوم إلى تفسير آلي محض.
ولكن التفسيرات الغائية خارج المجتمع الإنساني ليست مفيدة جدا.
ومع ذلك يمكن التسامح مع بعض الغائية، كإسقاط نفسي بشري على تلك الظواهر، دون أخذها بشكل حرفي.
والسببية هي تطور في الفهم عن الغائية، خصوصا في ما يتعلق بالظواهر الطبيعية.
حيث أن الغائية تفترض أن للظواهر الطبيعية غايات تشبه ما يشعر به الإنسان في اعماقه كدوافع لسلوكه.
وهذا من الأنثروبومورفية.
والمؤمن ينقل هذه الغايات إلى مكان آخر، فيفترض أنها غايات إلهه الخفي، دون أن يكون لديه دليل على ذلك.
اقتباس:
اقتباس:
إن الفكرة تحمل مغالطة واضحة. فنحن لا نقول إن الأيمان بالله يقوم على وجود ظواهر في الطبيعة لا نعلم أسبابها وبالتالي ننسب وجودها وحركيتها إلى الله. لو قلنا بهذا جاز للملحد أن يأتي بالعلم الذي يكتشف أسباب تلك الظواهر فيستثني وجود الله. بل ما نقوله نحن هو أن تلك الأسباب والقوانين تحتاج إلى من يضعها وفق ذاك الترتيب والنظام. ومن ثم تصبح السببية دليلا على وجود الله وليس العكس.
أعتقد أن هناك اختلاف في مفهوم إله الفجوات.
فالفجوات ليست فجوات في السببية فحسب، بل هي فجوات في الفهم والتفسير بالدرجة الأولى (أي مغالطة التفسير الغائي، فجوات في التفسير السببي، فجوات في تفسير البنية والمكونات).
وتضاف إليها فجوات في المعرفة والقدرة، كما نرى من التحديات الدينية التي يتم تداولها "خلق الذبابة" مثلا.
ولكن الأهم من أين أتينا بمقولة أن "النظام يحتاج لمن يضعه"؟
هذا ليس استقراء من الطبيعة، فالفاعل العاقل الوحيد المعروف هو الإنسان، وهو لا يؤثر إلا في جزء قليل مما حوله.
أليس هذا إله الفجوات مرة أخرى، أي أنه ينسب المجهول حاليا (الفجوة المعرفية) إلى فعل ذلك الإله الخفي؟
اقتباس:
اقتباس:
لو أطلق شخص الرصاص على شخص آخر .
سنجد أن المحكمة تبحث في السبب الثاني. بينما التشريح يبحث في السبب الأول فقط ،فلو جئنا إلى تقرير الطبيب الشرعي سنلاحظ أنه يتحدث عن الرصاصة بوصفها سببا للموت.
لكن تقرير المحاكمة لن يقف عند الرصاصة بل من الذي أطلقها على ذلك النحو الذي جعلها تستقر بدقة في رأس القتيل ، والدافع وراء هذا الفعل ..الخ
أي أننا هنا نطلب الغائية والأرادة في الفعل.
هنا نرى الخلط بين الغائية التي نعرفها ضمن المجتمع البشري، وبين تفسير الطبيعة بما يتجاوز ذلك.
عندما يقتل شخص آخر، فنحن نهتم بالغاية لأنها مكونة أساسية من الطريقة التي نتعامل بها مع ذلك المجتمع كأفراد.
ولكن حتى هذه نتجاوزها إذا أردنا تقليل مستوى الجريمة في مكان معين، فنوفر فرص العمل والتعليم، ونرفع مستوى المعيشة لأن هذه العوامل الميكانيكية تؤثر في غايات أولئك البشر.
وعندما يتجاوز الأمر ذلك إلى الزلازل والبراكين فلا عجب أن يفترض البعض إرادة إلهية لمعاقبتهم أو ابتلائهم وراء ذلك.
ولكن لا سبيل لهم للتحقق من صحة هذا الفرض.
اقتباس:
اقتباس:
و عندما حصل كسوف الشمس بعد موت ابن النبي (ص) إبراهيم فقال قوم: إن الشمس كسفت لموته، فخطبهم رسول ا صلى الله عليه وسلم فقال:" إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته." (متفق عليه).
ومع ذلك نرى القرآن مليئا بقصص الغضب الإلهي على أقوام وتسخيره للكوارث الطبيعية عليهم.
أين هذا من كون المطر سنة من سنن الله تعالى، ولا يصبح طوفانا بسبب سلوك انسان ما..
تناقض فكرة الإله:
اقتباس:
اقتباس:
إن السؤال : هل يستطيع الله خلق صخرة لا يقدر عن حملها هو سؤال يؤول في النهاية إلى ما يلي :
هل يستطيع الله تعجيز ذاته ؟
فالسؤال في حقيقته لهو وعبث .
يبدو أن المحاججة التي كتبتها في شريط الزميل لوركا لم تكن كافية، لذلك مفهوما أساسيا.
كل مقدرة إنما تحتوي على عجز يرافقها، هذا من طبيعة ما نلاحظه حولنا.
واختراع مفاهيم بعيدة عما لدينا، دون مقدرتنا على التحقق من صحة هذه المفاهيم عبر الملاحظة، يوقعنا في تناقض لا نستطيع حله.(45/123)
فكل إنسان يستطيع تعجيز نفسه، بينما الله لا يستطيع.
وهذا تناقض في مفهوم القدرة المطلقة نفسه، بينما هو غير موجود بالشكل نفسه في القدرة المحدودة.
اقتباس:
اقتباس:
ثم إننا هنا بصدد بحث هل الأله موجود أم لا ؟
فإذا انتهينا من توكيد وجوده يصبح بعد ذلك الحديث عن قدرته أو عجزه موضوعا مقبولا،بشرط طرحه بلا أغاليط.
وإذا انتهينا إلى عدم وجوده فلا معنى عنذئذ لطرح مدلول القدرة.
ولكن ما هو الشيء الذي نحاول إثبات وجوده؟
هل هو سبب غير واعي للكون؟
أم هو سبب قد يكون واعي لتفسير تنظيم الكون، ولكن غير قادر على التدخل في مجريات الأمور بعد أن بدأت؟
من تعريف الله الذي بدأت به، فالقدرة المطلقة تبدو أساسية لتحديد ماهيته وبالتالي لاثبات وجوده.
وإثبات وجود إله بدون قدرة مطلقة، هو نفي وجود ذلك الإله.
المعضلة الأخلاقية:
اقتباس:
اقتباس:
كيف تعد طلب الله من إبراهيم ذبح إبنه مبررا للألحاد ؟
كان من الممكن أن نناقش الأمر لو كان الذبح تم بالفعل ،إنما هو اختبار طاعة ، بل حتى القرآن سماه ابتلاء مبينا عظيما . ثم منع الله الذبح وأنزل قربانا من السماء.
يبدو أن هذه النقطة لم تتوضح كثيرا.
هناك العديد من المؤمنين يقولون أنه لا يوجد دليل على وجود الله، أو أن الأدلة ليست قاطعة، ولكن الإيمان بالله أو بدين معين مبرر بسبب فائدته الأخلاقية.
ومشكلة الإله في هذا السياق هي أنه لا يفيد في تحديد ماهية الأخلاق كما سبق وشرحت.
ومثال ابراهيم يوضح كيف أن الطاعة العمياء تصبح أساس العلاقة بين الإنسان، وأن عليه أن يقبل الأوامر الإلهية دون تفكر أو محاكمة.
وهذا يفيد بدوره في ترسيخ سلطة المتحكمين بتفسير النص المقدس، لأن بإمكانهم أن يطلبوا طاعة مماثلة من أتباع الدين.
اقتباس:
اقتباس:
وخلاصة ما سبق أن هذا أيضا من قبيل موضوعات تالية لأمر وجود الله .
ليس تماما، فوجود الله رهن بصفات تلك الكينونة التي نطلق عليها هذا الإسم.
أي إذا وافقنا على الحدوث، فلن نستنتج أكثر من سبب أزلي لنشأة الكون.
وإذا وافقنا على التنظيم، فلن نستنتج أكثر من وجود منظم، دون أن يكون بالضرورة أزليا.
وكلا المحاججتين لا تدل على كائن له دور أخلاقي.
خلاصة:
يبدو أن اختلاف في المنهج الاستدلالي، وإن يكن غير واضح تماما.
أنا أعتبر أن جميع المقولات العقلية بحاجة إلى دلائل تثبت صحتها، وفي حال ضعف هذه الدلائل تضعف هذه الصحة.
هناك مزاعم معتادة لا أطلب للبرهان عليها أدلة بمثل قوة المزاعم الاستثنائية.
في حال الجهل، فمن الأفضل لنا الاعتراف بذلك عوضا عن إسقاط مشاعرنا على تلك الفجوة المعرفية وافتراض الغايات فيها.
الموقف الذي أدافع عنه هو لاأدرية معرفية.
وهذا يؤدي إلى عدم تناظر مع الموقف الإيماني من حيث عرض الأدلة وتفنيدها.
هناك آلهة مختلفة حسب صفاتها، وهي ليست بالضرورة الإله نفسه.
فهناك الإله الشخصي، إله المعجزات، الذي يسمع الدعاء وتهمه تفاصيل حياة البشر.
وهناك إله الفلاسفة الذي هو علة أولى دون صفات أو اعمال.
وهناك إله القوانين الطبيعية، الذي يتجلى في الشكل الحالي للكون.
وليست هناك علاقة ضرورية بين هذه الآلهة، بل هي تتناقض بين بعضها..
والبرهنة على صفات هذه الآلهة ضرورية كجزء من إثبات وجود أحدها.
السببية كمبدأ لا تكفي للتعامل مع نشأة الكون.
دليل الحدوث لا يدل على خالق مريد.. وإنما فقط على شيء دون سبب (مثل تفكك ذرة اليورانيوم).
الانتظام هو تعبير عن فهمنا للكون، ومع ذلك فهذا الفهم يتضمن ظواهر عشوائية احتمالية لاسببية (الفيزياء الكوانتية).
الانتظام لا يدل على غاية وراءه، فهناك الضرورة وانعدام البدائل، وهناك الصدفة في حال وجود عدد كافي من البدائل، وهناك المزيج بين الاثنين.
حاتم 3
--------------
هذه مداخلتي الأخيرة وفق الترتيب والنظام الذي اخترناه أنا وزميلي القبطان في حوارنا الثنائي هذا ،لكنها تعقيب على مداخلتين لزميلي ثم خاتمة باستنتاجات ، لذا كان لابد أن تطول المداخلة ،فعذرا للقارئ...
أرتب مداخلتي هذه وفق ثلاثة أقسام:
أولا : تعليقات على مداخلتي الزميل القبطان .
ثانيا : نقد الأسس الفكرية للألحاد وكشف مزاعمه العلمية.
ثالثا : استنتاج.
أولا : تعليقات على مداخلتي الزميل القبطان :
في هذا الجزء الأول سأتعقب تعليقات زميلي بملاحظات وتعليقات سأحرص على أن تكون موجزة حتى لا تطول المداخلة أكثر.كما سأدمج بعض أفكاره وتعليقاته من مداخلته الثانية مع الثالثة ،رغم حرصي في أغلب الأحيان على تتبع مسار مداخلتيه دون الاخلال بصيرورتها .
بدأ الزميل القبطان مداخلته الثانية بتوضيح ما سماه بمغالطات وقعت فيها !
اقتباس قولي :
إذ أنني كلما وازنت بين النظرتين الألحادية والأيمانية وتأملت في أدلة الألحاد،ازددت إيمانا واعتقادا !! وذلك لتهافت واختلال تلك الأدلة التي يقدمها الملحدون ، وسيأتي بيان تهافتها عندما أعرض لمداخلة زميلي القبطان.
ثم علق القبطان :
اقتباس:
اقتباس:(45/124)
على الأقل بالنسبة للموقف الإلحادي الذي كتبته في مداخلتي الأولى، فكلمة "الله" تعبر عن مفهوم متناقض، لا دليل على وجوده. تماما كما أنه لا يوجد دليل على وجود سمكة ناطقة.
فهل يزداد إيمانك بتلك السمكة الناطقة، إذا اكتشفت تهافت الأدلة التي "تنقض وجودها"؟؟
وتعقيبي على ما سبق هو أنني مستغرب من نظر زميلي إلى قولي السابق بوصفه مغالطة ، وأستغرب أكثر من نظره إلى كلامه بوصفه حقيقة كاشفة لمغالطتي.
وبعد هذا الاستغراب دعني أقول معترفا :
نعم هنا توجد مغالطة كبيرة !!!!!
لكن ليس في كلامي أنا بل في منطوق زميلي القبطان !!
وأوضح :
دللت على وجود الله بأدلة السببية والحدوث والنظام والحياة.. على نحو متسلسل ، وقلت أن من بين أدلة وجود الله ضعف أدلة الألحاد ، فكان تعقيب زميلي القبطان أن ذلك مغالطة ، وليستدل على ضعف أدلة الأيمان بالله قال بأن وجود الله يشبه الأيمان بوجود سمك ناطق !!!
وأتساءل :
هل بالفعل إن الاعتقاد بوجود الله يساوي الأيمان بوجود سمك ناطق؟؟
دعنا نوازن بين هذين الأيمانين بكل رزانة فكر وإعمال منهج النظر والنقد:
إن إيماننا بوجود الله الخالق آت من إيماننا بوجود العالم واحتياج هذا العالم - بسبب حدوثه وانتظام ظواهره ،وانبجاس الحياة فيه...- أي أن ما سبق يدفعنا إلى القول أن الأيمان بوجود الله مقدمة تفسيرية يفرضها وجود أثره أي مخلوقاته.
فهل الأيمان بوجود الله بمقدماته الأستدلالية تلك يماثل الأيمان بوجود سمك ناطق ؟؟؟؟؟
كيف نؤسس الأيمان بوجود الله؟
إننا نؤسسه بناء على وجود آثار فعله الكون المخلوق.
بينما وجود سمك ناطق هو مجرد تخمين وافتراض ذهني لا يتأسس على أي استدلال ولا أي أثر فونولوجي يثبت وجود هذا النوع من السمك.
فالفارق كبير جدا بين الأيمان بوجود الله ، والأيمان بوجود سمك ناطق أو متفلسف ،،، ولا وجه للموازنة أو المقارنة أوالمشابهة . والذي يعتبر أن أدلة وجود الله تساوي أدلة افتراض وجود سمك ناطق هو من ينزلق إلى المغالطة على نحو مكشوف.
أكيد إن حشر هذا المثال (سمك ناطق )- الذي يرجع في بعض صيغه إلى مثال كسيح لبرتراند راسل - سمح لنا الآن بفهم المغالطة أين تكمن هل في مقدماتي الأستدلالية أمن في اعتراضات زميلي عليها.
ونتابع المغالطات التي تفضل زميلي العزيز بوسمي بها ، يقول :
اقتباس:
اقتباس:
وفي عالم الكم، معظم الحوادث لا سبب لها، وليس فقط أن السبب مجهول.
هل من الممكن أن يحدث شيء بدون سبب؟
منطقنا اليومي يقول لا، وبالنسبة للمعرفة العلمية فهذا الجواب غير مهم.
الأهم هو أن يكون لدينا نموذج رياضي يتوافق مع التجربة.
وإن كان هذا النموذج لا يحتوي على أسباب، بل ينفيها بصراحة، فهذا هو الواقع حسب آخر ما توصل إليه العلم.
لكني أعترض على فهم زميلي للفزياء الكوانتية ،فالمجال الكمومي هو أكثر وأدق من يتم فيه الحسم بهذه اللغة اليقينية التي يتحدث بها زميلي القبطان . لكن دعنا نسجل اعتراضنا على اللغة الواثقة الحاسمة ، ونترك التعليق على مسألة وجود بدون سبب فلي عودة إلى توضيح ونقد الاستدلال بهذه الفكرة خلال تعليقي على انتفاء السببية من الفزياء الكوانتية..
ولنستمر في الأنصات إلى الزميل القبطان :
اقتباس:
اقتباس:
ماذا تقول لنا نظرية الانفجار العظيم عن وجود الله؟
ليس الكثير..
ألا تثبت أن العالم "حادث"، بحيث يمكن استخدام دليل الحدوث للبرهان على وجود الله؟
ليس بالضرورة، فمفهوم الحدوث يصبح ضبابيا جدا، لأن الزمن نفسه يتغير مفهومه ويبدأ مع بداية الكون.
أو حتى نرى أن الزمن ليست له بداية حسب نظرية هوكنغ، خصوصا مع إضافة بعد "الزمن التخيلي".
هذا الزمن التخيلي هو مفهوم رياضي لم يتم التثبت من وجوده، ولكن هذا التثبت ممكن من حيث المبدأ.
بينما دليل الحدوث يتطلب افتراض "زمن ميتافيزيقي" يتم الحدوث فيه، ولكن لا دليل على وجوده، ولا طريق لمعرفته.
وإنما يتم "اختراعه"، أي افتراض وجوده من اجل الحفاظ على استمرارية التصورات اليومية المعتادة.
أي عكس الموضوعية العلمية.
وتعقيبي على ما سبق :
أولا تطويرا لحوارنا نحن الآن متفقان أنا وزميلي على حدوث الكون . وهذه نتيجة جيدة .
لننتقل إلى تأمل التفسيرين الذين نقدمهما أنا وزميلي القبطان لسبب حدوث الكون :
أنا أفسر أن حدوث الكون كان بسبب خالق أوجده من العدم وأحدثه في لحظة ابتدأ الزمان الكوني الذي يقدره العلماء بحوالي 15 مليار سنة.
صديقي القبطان يرفض بطبيعة الحال هذا الجواب .
لكن ما هو الجواب البديل الذي يقدمه هو :
في الحقيقة لو تعمقنا كلام الزميل سنجد اضطرابا واضحا ،فهو حينا يقول بحدوث الكون من العدم دون وجود سبب دفعه إلى الوجود. معتمدا بذلك على فزياء الكوانطا.
وسأبين لاحقا كيف أن هذه النظرية التي يظن أنها تعطي دليلا للموقف الألحادي ليست كذلك.(45/125)
لكن زميلي الذي يقول بالحدوث في فقرته السابقة سنجده ، حينا آخر يقول بنظرية الأوتار الفائقة . ثم في حين ثالث يرفض القول بالحدوث زمانيا مرتكزا على مفهوم الزمن التخيلي عند هوكنج. ثم حين رابع سنجده يقول بنظرية التناظر في الزمن ،اقصد نظرية ستينجر، ثم في حين خامس سنلاحظه في مداخلته الثالثة يقول بأنه ليس ملحدا منكرا لوجود الله ،بل هو لاأدري !!!
فنحن أمام نظريات متعددة يستعمل منها زميلي كل واحدة في توقيت يراه هو مناسبا لها.. ولا أقول أنه يلجأ إلى هذا المسلك عن خبث ومراء جدلي ،فقد تتبعت مداخلاته فوجدت زميلي يتحلى بأخلاق حوارية عالية ، ولذا فالتفسير الوحيد هو أنه مضطر إلى هذا التنقل على الفرضيات والنظريات لصعوبة الاستدلال على الموقف الألحادي ، إلى درجة سينتهي في مداخلته الثالثة إلى القول باللاأدرية..
ونترك من جديد التعقيب على مسألة الحدوث المستدل عليها فزيائيا ، فيكفينا هنا استجماع مواقف زميلي لنرد عليها بعد قليل..
لنتابع ، ولنتأمل كيف سيقفز زميلي على نظرية الأنفجار التي وافق عليها قبل قليل ،إلى نظريات بديلة ، دون أن يعلن أنه يتبنى منها موقفا ، حتى يبقى في مأمن من المؤاخذة والنقد...
يقول :
اقتباس:
اقتباس:
في المقابل هناك بدائل طبيعية ضمن إطار نظرية الانفجار العظيم لكل ذلك.
سواء كانت نظرية "كوانتم الكون" التي تفترض أن الكون نشأ مثلما تنشأ الاضطرابات الكوانتية، بموجة احتمالية، ولكن دون تسبب من خارج الطبيعة.
ولكن حتى نظريات مثل الكون المتذبذب، أو حتى الكون الثابت تبقى أكثر علمية من طرح افتراضات من خارج الطبيعة لا مجال للتحقق من صحتها.
بينما نرى بول ديفيس، يتنقل بين نظريات ترفض وجود إله خالق، إلى افتراض وجوده، إلى تأييد نظرية الأكوان المتعددة (multive r se)، التي بدورها لا تحتاج إلى إله.
في عالم الظواهر الكوانتية يفقد مفهوم السببية أهميته لعدة أسباب.
....
عدم وجود السببية في هذا المجال لا يعني عدم المقدرة على البحث العلمي، إطلاقا.
على العكس، فالنظرية الكوانتية هي حجر الأساس الأول للعلوم الطبيعية المعاصرة، وهي قائمة منذ ثمانين عاما وتجتاز الاختبار في التجارب المتتالية بينما يتم نقض كل الافتراضات المعاكسة.
نلتقط هذه الفكرة ونضيفها إلى ما سبق ،حيث سنرد عليها بعد قليل من بول ديفيز نفسه الذي يرتكز عليه زميلي القبطان
ثم يقتبس من مداخلتي الثانية قولي :
لكن قبل ذلك أنبه إلى حقيقة امتاز بها التفكير الاسلامي بالقياس إلى الفلسفة اليونانية وهي :
إن التفكير اليوناني كان يقول بقدم العالم، وقِدم مادته الأولى (الهيولى)،ثم لما جاء الفكر الاسلامي ،ودون حدوث أي تطور علمي يستوجب نقض الفكرة الفيزيائة اليونانية قال هذا الفكر مستهديا بالوحي السماوي :إن العالم محدث مخلوق وليس قديما.
ويعقب قائلا :
اقتباس:
اقتباس:
ملاحظة تاريخية على الهامش: التفكير اليوناني ذكر الرأيين أيضا، فكان هناك من قال بقدم العالم، وهناك من قال بحدوثه، ناهيك عن اساطير الخلق المقتبسة عن التراث الفينيقي، والمقاربة لقصص الخلق التوراتي/القرآني.
وأجد نفسي مضطرا أن أقول لزميلي المحترم إن ما تفضل به غير صحيح ، وأنا أعرف جيدا فلسفة الأغريق ، وغصت فيها جئة وذهابا منذ الفلسفة الكوسمولوجية إلى الأبيقورية والرواقية ، وخلال مطالعاتي هذه لم أجد من الفلاسفة من يقول قولا صريحا -
سلم من تأويل كبار شراح فلسفة الأغريق- بحدوث الهيولى .
يمكن أن يكون سبب قول الزميل السابق ناتجا عن التباس في التعبير أو لبس قائم على خلط الأسطورة بالفلسفة ، فبالفعل نجد في أساطير التيوغونية - عند هزيود مثلا - عرضا جنيالوجيا للآلهة ، أي أصلها وسلسلة توالدها ،لكن هذا نفسه عند أشهر شارحي التيوغونية لا يفيد الحدوث عندما يتم التفكير في الهيولى، فالهيولى مبدأ أول غير حادث.
وبناء على ما سبق تجد مؤرخي الفكر اليوناني على تباينهم يقررون أن الفكر اليوناني ينطلق من مسلمة لا تراجع عنها وهي "لاشيء من لاشيء". ومن ثم كان لابد أن ينتفي عندهم الحدوث ،وتتقرر فكرة قدم الهيولى.
لكن لا داعي لكي أستغرق في عرض الآراء في موضوع جزئي كهذا ،فزميلي نفسه أدرجه ملفوفا بعنوان ملاحظة على الهامش ، فليكون ردي مجرد ملاحظة على ملاحظة!
ولنتابع
يقتبس زميلي قولي
إذن تبقى نظرية الأنفجار العظيم دالة على حدوث وابتداء الكون.وهي اليوم - باعتراف العلماء -أفضل نظرية علمية تعلو غيرها من النظريات في القدرة على تفسير حدوث الكون ونشأته.
ثم يعقب
اقتباس:
اقتباس:
الانفجار العظيم يتحدث عن بداية الكون، ولكنه لا يتحدث عما قبله.
بذلك فهو ليس دليلا على الحدوث بالمعنى الذي تريده.
وأرى أن تعقيبه هذا صحيح ، ولم أقل أنا بعكسه .فالمعنى الذي أريده أنا هو أن حدوث الكون جاء بعل خالق أحدث الكون أي أوجده. والفيزياء لا تقول إلا بأن الكون حادث.
لكن أتساءل :
ما هو الدرس المستفاد من الفزياء المعاصرة ؟(45/126)
لو قارناها بنظريات فزيائية سادت القرن الثامن عشر والتاسع عشر سنلاحظ أن الفزياء المعاصرة أكدت حدوث الكون بدل الفزياء السابقة التي كانت تقول بقدم الكون وأزليته.
أظن أن هذا أمرا واضحا..
إذن دعني أنتقل خطوة أخرى فأقول متسائلا:
عندما تأكد حدوث الكون مع الفزياء المعاصرة ،هل هذا التأكيد سند للموقف الأيماني أم سند للموقف الألحادي ؟؟؟؟
يريد زميلي القبطان أن يغطي اعتمادي على مسألة الحدوث ، ويتخطاه معتبرا إياه مسألة وكأنها لا تعنينا نحن المؤمنين والملحدين في جدلنا هذا ، لأنه يدرك أنها مسألة تأكيد حدوث الكون مسألة في غاية الأحراج للموقف الألحادي ، ولكنه لا يريد أن يعترف بهذا الحرج .
ولن أرغمه على هذا الأعتراف لكن دعني أبحث عن ملحد آخر غير زميلي القبطان ليعترف لنا بهذا الحرج الذي استشعره الفكر الألحادي لما ثبت أن هذا الكون لم يكن ،ثم ابتدأ وحدث !!!!!
لننصت إلى أحد كبار الملحدين ،بل هو أكبر دعاة الألحاد، أقصد أنطوني فلو الذي تراجع منذ أيام عن الموقف الألحادي ، دعنا ننصت إلى موقفه عندما كان ملحدا ، حيث كانت له الشجاعة الأدبية ليعلن أن نظرية الانفجار الكبير بتوكيدها للحدوث تضع الفكر الألحادي في مأزق شديد.
وهذا ما قلته أنا ، وهذا ما يرفضه زميلي غير معترف بالمأزق ، إذن دعنا ننصت إلى أكبر دعاة الموقف الإلحادي يقول في بداية التسعينات من القرن العشرين - وكان لا يزال ملحدا - :
يقول أنطوني فلو :
"يقولون إن الاعتراف يفيد الأنسان نفسيا ، وأنا سأدلي باعتراف :
إن نظرية الأنفجار العظيم شيء محرج جدا بالنسبة للملحدين ، وذلك لأن العلم برهن فكرة دافعت عنها الكتب الدينية ،،فكرة أن للكون بداية "
Hen r y mo r genau " r oy ab r aham va r ghese "cosmos.thoos.1992.p241
هذا قول أكبر ملحدي النصف الثاني من القرن العشرين قول واعتراف من رجل له شجاعة الأعتراف بفكرة معارضة لموقفه الألحادي!
لكن زميلي يلجأ بعد فقرته السابقة إلى الأرتكاز على نظرية ستيفن هوكينغ رغم أن النظرة التي يتحدث عنها لا يزعم حتى هوكينغ نفسه اليقين في صوابها ولا توكيدها علميا.
مفهوم اللانهاية وعلاقته بالكينونة المادية
ثم يركز فيما يتلو من فقرات على نقد مداخلتي فيما يتعلق بمفهوم اللانهاية ، فيقتبس قولي عندما أكدت أن مفهوم اللانهاية غير موجود في المجال المادي :
لكي يتجلى اللغو بوضوح في فكرة وجود واقع لانهائي لنتصور هذا المثال الذي بلورته شخصيا بناء على فكرة ميشيل هورنر ، فأقول :
إذا طلبت منك أن تأتينا بعدد من العربات وتدخل عدد من العمال ليخرجوا لنا من المكتبة جميع أعداد الكتب الخضراء .
ثم عقب :
اقتباس:
اقتباس:
لاحظ أن مثالك يبتعد جدا عما تحاول البرهان عليه، وهو اللانهاية في النوسان.
فما علاقة العمال والمكتبة بوجود الكون ونوسانه.
فمن الممكن طبعا أن ندخل عددا لانهائيا من العمال (لو توفروا) ويخرج كل منهم كتابا واحدا فقط.
وأرى أن للأمر علاقة... دعني أوضح لك :
نوسان الكون هو وجود الكون وتكرار انوجاده على نحو لانهائي. فما هذا الذي يتكرر ؟؟؟
إن هذا الذي يوجد ويتكرر كينونة مادية ، والفكر الألحادي يريد التشبث يهذا التكرار على نحو لانهائي .أي أنه يطبق اللانهاية على المادي .فاعتراضي إذن وجيه ،لأنه ليس هناك وجود مادي لانهائي ،فمقولة اللانهاية لا تنطبق على المجال المادي أصلا .
وهذا ما يقول به حتى علماء الرياضيات أنفسهم ،فالعالم الرياضي الشهير دافيد هلبرت يقول :" إن اللانهاية لاتوجد داخل الطبيعة... إن دورها الوحيد الذي يمكن أن تقوم به هو دور فكرة".
فالملحد الذي يرى الكينونة المادية لانهائية هو يناقض مدلول فكرة اللانهاية لأنه يجسدها في الواقع المادي.
أما اعتراضك علي بقولك : اقتباس:
اقتباس:
فمن الممكن طبعا أن ندخل عددا لانهائيا من العمال (لو توفروا) ويخرج كل منهم كتابا واحدا فقط.
فكلمة "طبعا" هذه التي استعملتها في عبارتك أراها غير طبيعية !!! لأنها موقوفة على "لو توفروا" ، وعدد لانهائي من العمال لن يتوفروا. ومن ثم لا يبقى أمامك إلا نفي اللانهاية عن الحقل المادي . وهو ما انطلقت منه أنا في استدلالي .
ثم أراك أخذت من مثالي فكرة عدد لانهائي من العمال ، ولم تأخذ فكرة استدلالية توضح استحالة تنزيل مدلول اللانهاية في الواقع ،لذا دعني أكررها مع إيضاح أكبر:
لنفترض أن عندنا مكتبة فيها عدد لانهائي من الكتب ، كل كتاب هو عنوان جديد متميز عن غيره، وجئنا بشخص واحد - وليس بعدد لانهائي من العمال - ودخل إلى المكتبة ، وأخرج منها كتابا واحدا.
فهل نستطيع أن نقول رياضيا إن عدد الكتب قد نقص ؟؟؟؟؟
لا بطبيعة الحال ،فمفهوم اللانهاية في الرياضيات هو العدد الذي لايمكن أن نزيد عليه ولا أن ننقص منه ، فهو غير قابل للنقصان و لا للزيادة.
لكن واقعيا نحن أمام معطى واضح ظاهر، وهو هذا الشخص الذي أمامنا وهذا الكتاب الذي أخرجه في يده يؤكد أن المكتبة نقصت كتابا ..
فماذا ستفعل ؟
لن تفعل غير اللجوء إلى فكرتي أنا وهي أن مفهوم اللانهاية ليس مدلول واقعي مادي.(45/127)
لكن بعد إحساسه بأن وجود معطى مادي لانهائي شيء صعب الاستدلال عليه ،يلتفت زميلي إلى نظرية ستنجر حيث يقول:
اقتباس:
اقتباس:
فلدينا نظرية علمية أخرى، للفيزيائي "ستنجر" يقترح فيها لحظة الانفجار العظيم كنقطة تناظر بالنسبة للزمن.
وهو بذلك يمتد في الماضي، كما يمتد الزمن بالنسبة لنا إلى المستقبل.
وجوابي هو أن : نظرية التناظر في الزمن أو الأمتداد في اتجاهين هي مجرد افتراض تجريدي نظري لا دليل عليه . بل مادمت تكرر رفض الميتافزيقا يكفي أن أشير هنا إلى أن الرافضين لنظرية التناظر ينعتونها بكونها ميتافزيقية نتيجة إيغالها في التجريد.
وكان أولى بك عند طرح هذه النظرية عرض دليلها.
ولكن أنت وأنا نعلم أن لا دليل عليها ، وأنها تدرج تماما ضمن التقليد المنهجي الأكسيومي بوصفها نسقا فرضيا استنتاجيا نقبل نتائجه لأننا نسلم له بمقدماته.تماما كما نفعل مع الهندسة اللاأوقليدية عندما نسلم بأن مجموع زوايا المثلث يساوي 130درجة أو 270درجة تسليما أكسيوميا . ونعتبرها صحيحة هي ومثيلتها الأوقليدية القائلة بأن زوايا المثلث تساوي 180.
أي كل واحدة صحيحة ضمن نسقها.
ثم يقتبس قولي :
من هنا نخلص عقليا إلى النتيجة ذاتها التي أكدناها من قبل علميا،وهي أن القول بأن الكون له لحظة بداية هو القول المقبول عقلا. والذي يسنده العلم ،من خلال نظرية الأنفجار العظيم .
لكن زميلي يجيب هذه المرة ليس بناء على ستينجر ، ولا على دفيز ... بل استنادا على هوكينغ
اقتباس:
اقتباس:
حسب هوكنج لا توجد بداية.
وأقول :
صحيح لا توجد بداية بمدلولها الزمني ،أي أن الزمن والمكان بدأ مع بداية الكون ، وهذا ما نقول به ، بل إن فكرة خلق الزمان أوضح ما تكون في الفكر الأسلامي . بل ثمة حديث نبوي صريح بخلق الزمان.
لكن هنا تعليق آخر قلته سابقا وأكرره هنا ، فقول زميلي :
اقتباس:
اقتباس:
حسب هوكنج لا توجد بداية.
أرى أنه دليل آخر على اضطراب الموقف الذي يعبر عنه زميلي ،فمنذ فقرات معدودات اعترف بحدوث الكون ، لكنه يعود الآن ليتعلق بنظرية هوكينج فيقول لا بداية .
الأمر الذي يجعلني أتسائل :ما هو الموقف الذي يعبر عنه زميلي حقا ؟ وإذا أضفت هذا إلى مواقفه السابقة (القول بالنوسان ، ثم بنظرية التناظر في الزمن ...الخ ) أتساءل :
بماذا هو مقتنع ؟
هل هو ملحد ؟ أم لا أدري ؟
هل يقول بحدوث الكون وأن له بداية ؟
أم أن يقول بنظرية النوسان؟
أم يقول بقول هويكنج إنه لا بداية له؟
أم يقول بقول ستنجر بأن ثمة تناظر في الزمان ؟
...
نظريات متناقضة مختلفة ، عند كل مأزق إشكالي يخرج الزميل القبطان واحدة منها دون أن ينتبه إلى أنه قبل سطور معدودات عبر بواحدة مختلفة تماما عنها!!!
أم تراه يقول بالحدوث ،لكن لايعتبر الحدوث حادث في الزمان ،بل ابتدأ معه الزمان ؟
إن قال بهذا فقوله جائز لا اعتراض لي عليه ، لكنه لايعفيه من الجواب على السؤال : عن سبب بداية الكون وتخلق الزمان معه.
ونتابع..
الأنقلاب من الألحاد إلى اللاأدرية
قبل أن نستمر في استحضار مداخلة زميلي والتعليق عليها، أنبه هنا إلى أنه مع الفقرات التالية سنلاحظ أن زميلي القبطان سينزلق تدريجيا نحو الأعلان عن موقف جديد ،فبدل القول بالألحاد سيقول باللاأدرية.
لنتأمل ما يتلو من سطور :
قلت في مداخلتي الأولى:
هنا نسأل الملحد: من أين جاءت تلك النقطة الصغيرة الهينة التي كان كل ما نشاهده و ما لا نشاهده من مساحة هذا الكون الهائل موجودا داخلها؟
هل نقبل بوجودها من عدم ؟
فكان جواب زميلي :
اقتباس:
اقتباس:
ما رأيك بـ "لا نعرف"..
وأقول :
أنا أعرف أنك لا تعرف ، لكن أريد منك ومن كل ملحد أن لا يكتفي بهذا الجواب ،بل أن تسكنه إرادة المعرفة.. ستقول لي إن الارادة تسكننا ، ونحن ننتظر العلم لكي يجيب .
أقول إن العلم حسم طريقة تفكيره منذ القرن السابع عشر بالاقتصار على التفكير في أسئلة الكيف ، واستثناء سؤال لماذا ، وهنا أنت أمام خيارين إما أن تنفي وجود الله بدون أي دليل ، غير الدليل الحسي (بأنك لم تراه جهرة وستكون عندئذ متناقضا مع نفسك حيث تؤمن بالكثير من ظواهر الوجود غير المحسوسة) و إما أن تفكر في سؤال لماذا ، والعلم لن يعترض ، لأن العلم لن يسيج التفكير الأنساني وإذا فعل يتحول من فكر علمي إلى نزعة علموية . وذاك مأزق نبه إليه الفلاسفة ، وأحيلك هنا إلى برجسون في تمييزه بين حقل الديمومة وحقل المكان ،حيث يعزل وظيفيا العلم عن حقل الديمومة.
ثم يقتبس قولي :
من الذي يفكر على نحو معقول ؟
هل المؤمن الذي يقول بوجود خالق قادر عالم مريد هو الذي أوجد الكون ونظمه أم الذي يقول بوجود نقطة دبوس صغيرة غير عاقلة ،تائهة في اللامكان واللازمان ،لتنفجر يوما ما - قبل حوالي 15 مليار سنة - محدثة كل هذا الكون البديع؟!!
ثم يعلق :
اقتباس:
اقتباس:
لم لا؟
الأول يخترع تعريفا يستقيه بشكل واضح من المحيط الاجتماعي، لأسباب عقائدية تريحه نفسيا، ثم يسقطه على مجال غريب لا يشبه ما نعرفه.
فمن أين جاء بالخالق المريد القادر، وما علاقته بنقطة الدبوس؟(45/128)
بينما الآخر يتحدث مما يعرفه، وأكدته الملاحظة، ويقف عند حدود ذلك..
وعندما يحاول توسيع النموذج، يستخدم الوسائل الرياضية المتاحة، ويحاول التحقق منها عبر الملاحظة.
ليس هناك توقف ،نحن هنا لم نضع الموضوع بين اللاأدري والمؤمن بل بين الإلحاد والأيمان . فالملحد ينفي وجود الخالق ، ومن ثم فهو مطالب بتعليل ظهور الكون. ثم إن نفيه ليس وقوفا عند حدود العلم بل هو جرأة على نفي وجود كائن لم يتحقق من عدم وجوده.
ويقتبس قولي :
إذا كانت نقطة الدبوس موجودة أزليا فالسؤال الذي يطرح هو لماذا استمرت كل ملايير ملايير ملايير ....... - إلى ما لانهاية !!!!- من السنوات خامدة ساكنة، ثم منذ 15 مليار سنة تقرر أن تنفجر محدثة هذا الكون!
ما يشكل 15 مليار سنة في حكم الأزل ؟؟؟
كان جواب زميلي هو :
اقتباس:
اقتباس:
مرة أخرى لا نعرف.
ولكن ضمن النماذج الرياضية الموجودة، هناك إمكانية أن يكون مثل ذلك يحدث بشكل مستمر (الأكوان المتعددة).
ومن الممكن أن تكون سبب ذلك خاصة طبيعية لم نكتشفها بعد.
وأقول مرة أخرى نجد في مداخلة زميلي العزيز قفزا على النظريات ، واستعمالا لشتات من الأنساق العلمية المتباينة.
وأسأل زميلي :هل تضطرني لكي أكرر أول درس في منطق الأكسيوم المحدد لماهية النقاش بنتائج العلم المعاصر ؟؟؟؟
أليس أول درس في هذا المنطق أنه ينبغي أن نفكر بكل نسق داخل سياقه وأن نحاكم نتائجه إلى مقدماته ، وأن لا نفتح الأنساق العلمية على نحو يخلط ويلبس ، فنستعمل نتائج هذه لمقدمات تلك ، ونأخذ مسلمات هذه ونخلطها بنتائج الأخرى؟؟ أليس استعمالك لنظريات متباينة ، دليل على اختلال الدفاع العلمي عن الموقف الألحادي ؟
لكن مع ذلك ،دعنا نفكر من جديد في نظريات الأكوان المتعددة ،فأقول :أرى ضمن النتائج الرياضية الموجودة ، إن الأمر مجرد فرضية ليس لها تحقق تجريبي.
ثم أنت نفسك تقول
اقتباس:
اقتباس:
من الممكن أن تكون سبب ذلك خاصة طبيعية لم نكتشفها بعد
وهذا صحيح فحتى الملاحظات الكونية عن تشكل النجوم في تخوم الكون لم تؤكد حدوث ذلك من لا شيء ،إذ نعلم أن البنية الكونية مترابطة ، والغازات مكثفة وتستعصي عن الملاحظة بأدوات القياس التي نمتلك ،لذا فالزعم بوجودها من عدم هو زعم بلا دليل. وكنت قد قرأت لأحد الملحدين يعرض تكون الكواكب وميلادها :أننا نشاهد تكونها ولا نشاهد الله الذي يكون !!!!!!
وأنا أرى أن قوله هذا يصلح كاعتراض على عقيدة بدائية تجسم الأله ولا يجوز على العقيدة الأسلامية.
ثم يقتبس قولي :
ومن ثم يبقى السؤال منتصبا يحتاج من الملحد إلى إجابة وهو:
من خلق نقطة الدبوس الصغيرة التي ستنفجر يوما؟
نحن لا نعتقد بأزلية نقطة الدبوس! لذا نرى صواب قول عالم الفيزياء المعاصر ادموند ويتيكر عندما يؤكد صراحة: "ليس هناك ما يدعو إلى أن نفترض أن المادة والطاقة كانتا موجودتين قبل الانفجار العظيم وأنه حدث بينهما تفاعل فجائي. فما الذي يميز تلك اللحظة عن غيرها من اللحظات في الأزلية؟ والأبسط أن نفترض خلقاً من العدم، أي إبداع الإرادة الإلهية للكون من العدم
ثم يعقب
اقتباس:
اقتباس:
هذا الكلام ممكن، فمجموع الطاقة والمادة في الكون صفر أو قريب منه.
ولكن افتراض العدم كبديل عن ذلك المجموع غير مبرر أيضا.
يبقى أننا لا نعرف طبيعة المحيط الذي كان موجودا قبل الزمان والمكان والمادة..
ونظرية الأوتار الفائقة تقول أن هناك أبعاد إضافية في الطبيعة نشأ عنها الانفجار العظيم.
بذلك يكون الأزلي (أو الذي لا نعرف ما قبله) قد انتقل من الناحية الفيزيائية إلى تلك الأبعاد..
هنا معطى جديد ظهر لي في قراءتي لمداخلات زميلي القبطان! وهو أنه ليس فيها استعمال متسيب لنظريات فزياءية متبيانة ، وليس فيها فقط تردد حتى في أساسيات الموقف (فمرة هو ملحد ومرة هو لا أدري ) ،بل إضافة إلى ذلك فيها أفكار متناقضة تمام التناقض ،
لنتأمل فقرته السابقة نجده يرفض القول بالعدم ،لنقرأ :
اقتباس:
اقتباس:
هذا الكلام ممكن، فمجموع الطاقة والمادة في الكون صفر أو قريب منه.
ولكن افتراض العدم كبديل عن ذلك المجموع غير مبرر.
لكنه في فقرة أخرى سيكتب بخط يده مناقضا
لنتأمل :
اقتباس:
اقتباس:
المنهج الذي افترضه بسيط، وهو أننا ننطلق من الفرضية الصفرية.
أي أننا نفترض أن "أصل الأشياء العدم"، وأن البينة على من ادعى.
!!!!!!!!!!!
ولا تعليق ...
ثم يقول :
اقتباس:
اقتباس:
يمكنني أن أوافقك في أن الانفجار العظيم يضع بداية من نوع ما للكون الذي ندرسه، ولا نعرف بداية لما كان قبله، إن صح استخدام أي تعبير زمني من هذا النوع، بذلك يمكن اعتباره أزليا بهذا المعنى.
يمكن أن نبرر قوله هذا بكونه يرى الكون الحادث لكن بما أن الزمان بدأ مع الكون فالكون قديم ، وهي ذات النظرية اليونانية في قدم العالم ، وهو ذات الدفاع الذي دافع به بن رشد في "تهافت التهافت" عن قول الفلاسفة بقدم العالم .(45/129)
وكان بإمكاننا أن نبرر لزميلنا هذا الانزلاقات المتناقضة في التعبير لو قال بما سبق فقط ، لكن ما يجعلنا لا نثق في هذا التبرير هو أنه يتناقض مع نفسه في مواضع أخرى تناقضا صريحا فيذهب حينا إلى الاستعانة بنظريات تفيد نوسان الكون ، وهو قول صريح بالأزلية.
الوظيفة المنهجية للصدفة هي مساعدة الملحد على عدم التفكير !!!!!
ثم ينتقل بعد ذلك إلى القول بالصدفة :
اقتباس:
اقتباس:
مبدئيا، الطريق بين تلك النقطة وبين الكون الحالي، يبدو قابلا للتتبع عبر البحث العلمي.
وفي ذلك البحث العلمي يختلط الانتظام الحتمي بالصدفة العشوائية.
وفي كل ذلك البحث العلمي، لم تظهر الإرادة أو العلم المنسوب إلى الإله.
إن كان التعبير على عدم اكتشاف الإرادة هو "الصدفة"، فهذا ما وجده العلم.
وأقول : ليست الصدفة هي ما وجده العلم ،وقد قام العلماء بحساب احتمالات وجود الكون والحياة بالصدفة ففشلوا في تبرير وجودهما بناء على فعل صدفوي.
ثم ليس من الصواب نسب الأجابة بالصدفة إلى العلم هكذا بإطلاق، فكثير من العلماء معتقدين بوجود قوة عاقلة خلقت الكون ، وكثير منهم لا أدريون لا ينفون وجودها ولايثبتونه ، وقليل منهم من يتنطع ويجاوز حدود مدركاته إلى نفي وجود الله.
ثم انتقل الزميل القبطان إلى مسألة النظام والفوضى مقتبسا من مداخلتي :
بالنسبة لنظرية الكوارث والفوضى التي ستظهر في سبعينات القرن العشرين لا تقول أبدا بإلغاء فكرة الأنتظام الكوني . بل كل ما تقوله هو أن ثمة ظواهر في الكون يمكن الأصطلاح عليها بكونها فوضى ،أي خارقة لما نشاهده من عادة الأنتظام الشاملة للكون.
وكان تعقيبه
اقتباس:
اقتباس:
موضوع النظام والفوضى ليس بهذه البساطة.
كبداية فأي كون يحتوي على كائنات ذكية، مهما كان فوضويا لا بد أن تكون له خصائص تمكن من وجود تلك الكائنات.
بذلك فالنظام هو عنوان لوجودنا كبشر في هذا الكون، ولو لم يكن ذلك "النظام" موجودا، لما وجد من يسأل عنه.
...
ولكن وجود النظام لا يدل لوحده على وجود منظم عاقل له.
فمن حياتنا البشرية نرى أن كثرة الانتظام دليل على الميكانيكية، بينما عدم القدرة على توقع السلوك المستقبلي تماما، هو الدليل المعتاد على وجود قصد إنساني خلفه.
!!!!!!!!!!!!
وتعليقي على فقرة النظام والفوضى وقوله بكون وجود النظام دالا على الميكانيكية ، فهذا مما نسبه هو نفسه إلى الفكر اليومي ، أو ما يمكن أن أنسبه أنا إلى الفزياء الألية عند أمثال لابلاس ، وهي فزياء متجاوزة كما يعلم زميلي ..لكن أستثمر التحول الذي حصل من الفزياء الميكانيكية إلى الفزياء المعاصرة لألفت الأنتباه إلى مسألة وجود الفوضى والنظام ،فالبعض يرى وجود النظام بجانب ظواهر فوضوية خارقة للنظام في الكون ليقول بكونهما معا دالين على الصدفة.
وهذا قول أراه مجانبا للصواب
وأوضح :
لو أننا لم نجد في الكون إلا الإنتظام دون أدنى خارق للنظام لقبلنا بعقلية لابلاس وقلنا بقوله إن الأمر ضرورة آلية تضبط الكون تلقائيا ، وأنه ليس في إمكانه أن يكون إلا ما هو عليه . لكن بما أننا نجد إلى جانب النظام خرقا له يفرض علينا ذلك ضرورة الاستفهام حول وجودهما معا لأنهما معا ممكنين غير ضرورين.
وأوضح بمثال:
كيف نفسر اجتماع شروط الحياة في كوكب الأرض ؟
من ماء وأوكسجين ، وكائنات حية وغلاف جوي محفوظ بدقة، وجاذبية مناسبة ومحسوبة بانتظام مذهل يمكن من الحركة التلقائية ....الخ
لو أن جميع الكواكب كانت مثل الأرض تماما ،لجاز للملحد تفسيرها ميكانيكيا وبالقول بأنها نتاج الضرورة!!
ولجاز له الأعتراض بالقول:
كان بالإمكان أن يكون سؤالكم من خلق الأرض وهيأ لها شروط الحياة لو أن غيرها من الكواكب ليس فيها ماء ولا غلاف جوي ولا جاذبية مقدرة .. ولكن بما أن جميع الكواكب هكذا لا يصح سؤالكم !!لأن الأمر نتاج ضرورة لا تتخلف ولا تتأخر ولو مرة واحدة!!
هكذا تلاحظ أن خرق العادة في النظام هو دليل للمؤمن وليس دليلا للملحد ،لأنه يقول لنا بصريح كينونته إن وجود هذا النظام على هذا النحو الدقيق يجب أن يدفعكم للتفكير ،فهو ليس ضرورة ميكانيكية لا يمكن لكينونة الوجود أن تنحرف عنها.
لكن قد يفسر الملحد بعد أن يصطدم بالاعتراض السابق على الفكر الميكانيكي الألحادي القائل بالضرورة إلى القول بالصدفة .
فيقول إن اجتماع شروط الحياة على هذا النحو المنتظم في الأرض هو صدفة فلو وجدت هذه الشروط في جميع الكواكب لقلنا إنها خلق قصدي بينما غيابها من غيرها من الكواكب وحضورها في الأرض دليل على إمكان حدوث هذا صدفة!
وتعليقي على الفكر الألحادي هو أنه في قوله بالصدفة لا يفكر بل يمسك عن التفكير .
فكلمة الصدفة هي عبارة عن الغربال الذي يحاول به الملحد تغطية الشمس ، وأنا أرى أن الصدفة هي بالفعل غربال قادر على تغطية الشمس ، لكن ذلك يتم عند شخص الملحد فقط ،لأنه يغمض عينه بعد رفع الغربال فلا يصله نور الشمس!!!!ماذا أقصد بغمض العينين ؟
أقصد به عدم التفكير !!(45/130)
فالملحد هنا يقول بأن ما انتظم من الوجود كان بفعل الصدفة ثم يتوقف عن التفكير .. بينما لو فكر لوجد ماذا تحتاج الصدفة من احتمالية لكي تخلق أنزيما واحدا فكيف بأن يتخلق الماء !! والبروتين ! وملايير بلايين الخلايا وملاييرالكائنات الحيوانية والنباتية....الخ
إنه لا يريد أن يواجه نفسه بشجاعة فيقول : دعني أفكر في هذه الصدفة ذاتها ما هو احتمال حدوثها.
والدليل على أن الملحد يرفض الدخول في اختبار جاد لمفهوم الصدفة هو مسلك زميلي بعد أن طرحت بإشارة موجزة مسألة الصدفة للتفكير ،فكأنه لاشعوريا كان يريد أن يقول لا نريد التفكير في الصدفة ،امسك عنا حساباتك ..
أرجو الرجوع إلى مداخلته وإعادة قراءة كل الفقرات التي اعترض فيها على نقدي وحسابي لمسألة الصدفة فكلماته دالة ومعبرة عن سيكولوجية الملحد.
وأكتفي هنا بأن أقتطف من مداخلته بعض العبارات لأبرهن على أن الفكر الألحادي عندما يصل إلى المناطق الحرجة يمسك عن التفكير بل يمسك حتى عن الشك الذي هو أصلا ديدنه وعادته !!!!
فهو يشك في أن يكون للكون خالق خلقه ، ولا يريد أن يشك في الفكرة القائلة بكون العالم والكون تخلق من عدم بلا فاعل ولا سبب وانتظمت ظاهرة الحياة فيه صدفة وبلا سبب ولا فاعل !!!!
قلت لزميلي
هنا يطرح من جديد سؤال جديد يحتاج الملحد أن يجيبنا عليه:
كيف يتكون من حدث الانفجار كون منتظم ؟
لكن لنسلك مسلك التفكير الألحادي لنرى ونستشعر بوضوح المتاهة التي ستقودنا إليها الإجابة الإلحادية.
إن هذا الانفجار الحادث فجأة سينشئ كونا منتظما !!!
فلنتأمل التفكير الرافض للتفكير !!
يجيب زميلي :
اقتباس:
اقتباس:
هذا الجواب صحيح.
فحسب كل ما نعرف، فهذا الذي حصل.
تأملوا : هذا الذي حصل وكفى !
وإذا سألناه ما هو احتمال حصوله رياضيا ؟
أجاب زميلي بجواب لا يقول به العلماء :
اقتباس:
اقتباس:
ما هو احتمال أن ينشأ كون بخصائص كوننا، وفيه كوكب مثل كوكبنا وعليه بشر مثلنا؟
الاحتمال طبعا هو 100%، فهو قد حصل.
تقول طبعا ؟؟؟؟!!!!
لننظر في حساب تخلق إنزيم واحد فقط لنرى نتيجة 100%:
إن هذا الأنزيم الواحد اليتيم يعجز العقل العلمي عن تصور إمكان حدوثه صدفة. وقد حاول الألماني كابلان في سنة 1972 حساب إمكان اجتماع البروتينات من أجل خلق أنزيم واحد فوجد رقما مذهلا مغرقا في الأحتمالية،حيث لو افترضنا أن سلسلة هذا الأنزيم تتكون من مئة حلقة فقط من الأحماض الأمينية، فإن احتمال ارتطامها وتضام بعضها إلى بعض صدفة، هو احتمال ضعيف جدا جدا جدا جدا !!!! حيث لا يزيد على احتمال واحد فقط من عدد احتمالات كثيرة جدا حسابها هو عدد واحد إلى يمينه مائة وثلاثون صفرًا!!
إذا كان تخلق إنزيم واحد أي الشكل الأولي البسيط للحياة احتمال وجوده صدفة هو احتمال واحد من بين احتمالات يصل تعدادها إلى عدد لا نستطيع نطقه بمعجمنا الرياضي فهو عدد 1 إلى يمينه مائة وثلاثون صفرًا ، فكيف تقول بأن تخلق مليارات من الأنزيمات والماء وشروط الحياة وانتظام الكواكب والمجرات .............. احتمال صدفته 100في المئة ؟؟؟؟
أليس هذا دليلا واضحا على سيكولوجية الملحد الذي بينتها سابقا فقلت إن الصدفة مقولة يتخفى خلفها حيث تعطيه مبرر عدم التفكير وتوقيف السؤال وكبت العقل عن الاشتغال ؟؟؟؟؟
أعرف أن زميلي فكر في قرارة نفسه في الأجابة الأيمانية ولعله راجع مفهوم الصدفة ،لكنه انتبه في لحظة من اللحظات إلى أنه لا يمكن أن يخضع مقولة الصدفة للتفكير فهو يعلم أن مجرد طرح الأمر للتفكير يجعل الفكر الألحادي في مأزق وقلق ، ويجعله عاجزا عن دحض الأجابة الأعتقادية الأيمانية ..
وهذا ما تفلت من بين أصابعه وهو يكتب تعقيبه حيث قال :
اقتباس:
اقتباس:
هناك مشكلة أراها هنا، فإن كان احتمال شيء كبير، فهذا من الانتظام الذي وضعه خالق الكون ليحقق مشيئته عبر القوانين الطبيعية.
وإن كان الاحتمال قليلا، فهو معجزة من خالق الكون ليحقق مشيئته رغما عن القوانين الطبيعية.
بهذه الطريقة فالنظرية الإيمانية لا تقبل النقض، وهذا يؤدي بي إلى رفضها كطريقة عقيمة في فهم الكون.
أجل إن الأجابة الأيمانية غير قابلة للضحض ،لكن ليس بالمعنى الذي تقصده ،بل لقوتها كإجابة ولأنسجام العقل معها .
ثم لنفترض جدلا أن الأمر حدث صدفة . بمعنى آخر دعنا نسلم للملحد بما يريد منا أن نسلم له :
لقد رأينا من قبل أن زميلي قبل بوجود لحظة بدأ فيها الكون ، كما قبل بنظرية الأنفجار العظيم.. يعلم هو ويعلم الجميع أن نظرية الأنفجار تنطلق من وجود نقطة صغيرة مكثفة حدث فيها الأنفجار فانتظم بها هذا الكون صدفة .
هنا سألت زميلي في مداخلتي السابقة :
اقتباس:
اقتباس:
إذن لنأخذ ملحوظة النظام ونعود بها إلى نقطة الدبوس!!!!!
التي يرفض الملحد بإصرار غريب أن يقول لنا من أين جاءت ؟
فكان جوابه هو أيضا يحمل إصرارا على إيقاف فعل التفكير ،
لنتأمل :
اقتباس:
اقتباس:
يبدو أنك لا تعترف بمبدأ أن الحكمة هي أن لا يجيب المرء بما لا يعرف.
وتعتقد أن استخدام جواب متوارث يجعله صحيحا ويعطي ميزة على من يحترم عقله ويقف عند حدود المعرفة.(45/131)
بصرف النظر عما في خطاب زميلي هذا من تجريح ضمني ،حيث أصبحت أجيب بما لا أعرف ، وأستخدم أجوبة موروثة ، ولا أحترم عقلي ، ولا أحترم من يحترم عقله... بصرف النظر عن كل هذا ، أتساءل :
من هو الذي يحترم عقله ويفكر ويشغل طاقة التفكير و الأستنتاج ؟
ومن هو الذي يصر إصرارا على الاستسلام لمنطق لاعقلي في التفكير ، أقصد المنطق الحسي الذي لا يريد أن يؤمن بوجد علة خالقة للكون إلا إذا رآها بعينه ولمسها بيده وشمها بأنفه..؟
أنا لا أطلب إلا أن نفكر في الموضوع ، وإذا أردنا أن نبرز فارقا منهجيا بين التفكير المؤمن واللاتفكير الألحادي ، فالفكر المؤمن يفكر ويستنتج ، والتفكير الألحادي يحس ويتوقف عن التفكير ويستسلم لمنطق الحس . ويظن نفسه في ذلك علمي النزعة ، ويغض النظر عن مسألة واضحة وهي أن العلم نفسه يستنتج .
من الطبيعي أن يشتط القلم أحيانا فينزلق إلى بعض الغمز والتلميح ،لذا لا داعي لكي ألوم زميلي القبطان ،فأنا أيضا معرض للوقوع في مثل هذه الأيحاءات ، وهذه طبيعة أي حوار اختلافي يقف فيه الطرفان على طرفي نقيض....
فلنتابع
اختلال منهجي : التفكير بمعطيات فزياء الكوانطا والعمل بإلأبستملوجية التجريبية للفزياء الجاليلية
ليعذرني زميلي القبطان فقد لاحظت في تفكيره اختلالا منهجيا ، فهو حينا يفكر بمعطيات فزياء الكوانطا، وهو بذلك على أطلاع بآخر معطياتها وتحولاتها إلى درجة انني عندما نسبت إلى فريد هويل و شنادرا ويكرامسينج رفضهما لحساب الأحتمال خطأني منبها إلى أن فريد هويل ليس مؤمنا ، والصحيح أنني كنت أعبر عن فكرة رفض الخلق صدفة ونسبت الفكرة إلى بحثه المشترك مع ويكرامسينج ، ولم أخطئ في هذه النسبة ،فرفض الصدفة مقرر في بحثيهما ، وإن كنت أتفق مع زميلي القبطان في وجوب الحذر من نسب الأجابة الأيمانية إلى فريد هويل وأشكره على التنبيه ، كما أنني عندما نسبت إلى بول ديفيز القول بصعوبة انكار وجود قوة عاقلة قامت بإنشاء الكون نبهني مشكورا إلى أن بول دفيز يقول اليوم بنظرية الأكوان المتعددة ، هذا مع أنني عندما عبرت عن موقف بول دفيز لم أكن مخطئا ، بل كان قولي مستمدا من كتابه دفيز "الله والفزياء الحديثة " ، بل إن زميلي الذي انتقدني في مداخلته الثانية هو نفسه من سيقول في مداخلته الثالثة عن دفيز
اقتباس:
اقتباس:
ديفيز هو الأقرب إلى الفكر اللاهوتي من معظم الفيزيائيين المعاصرين.
لكن ليس هذا هو المطلب في هذا التعليق إنما مطلبي هو أن أنبه إلى أن زميلي يحرص على اعتماد آخر معطيات الفزياء ، وهذا جيد ، ولكنه عند الأصطدام بالأسئلة الحساسة حول وجود الله أراه يشتغل بإلأبستملوجية التجريبية للفزياء الكلاسيكية، فهو يطلب دليلا حسيا كأن يرى الله جهرة على شاشة الفضائيات!!!
وهذا اختلال في المنهج والتفكير أوضحه كما يلي :
يقتبس قولي:
ولنقرأ الأمر بلغة رياضيات الأحتمال ،ولنتساءل : ما هو الأحتمال الرياضي لوجود أنزيم واحد فقط ؟
الغريب في الأمر أنه حتى هذا الأنزيم الواحد اليتيم يعجز العقل العلمي عن تصور إمكان حدوثه صدفة. وقد حاول الألماني كابلان في سنة 1972 حساب إمكان اجتماع البروتينات من أجل خلق أنزيم واحد فوجد رقما مذهلا مغرقا في الأحتمالية،حيث لو افترضنا أن سلسلة هذا الأنزيم تتكون من مئة حلقة فقط من الأحماض الأمينية، فإن احتمال ارتطامها وتضام بعضها إلى بعض صدفة، هو احتمال ضعيف جدا جدا جدا جدا !!!! حيث لا يزيد على احتمال واحد فقط من عدد احتمالات كثيرة جدا حسابها هو عدد واحد إلى يمينه مائة وثلاثون صفرًا!!
ثم يجيب معتبرا هذا الحساب الرياضي الذي قام به علماء متخصصون مجرد طرفة!!!!
اقتباس:
اقتباس:
أي حساب للاحتمال محكوم بمقدماته.
هذا الرقم الطريف يثبت فقط بطلان افتراض أن الذرات تراطمت مع بعضها بشكل عشوائي.
وإنما هنا انتخاب طبيعي، فالأنزيم المعاصر نتج عن مركبات سابقة له لم تكن بشكله الحالي، وحوادث أخرى في تاريخ تشكل الحياة لا نعرفها اليوم.
بينها مركبات بسيطة، لن يكون افتراض العشوائية خاطئا في تقدير مفعولها، وبينها انتظامات وضرورات لا نعرفها اليوم.
ولكن هل من العلم أن نستنتج أن حساب الاحتمالات هذا، المغالط بكل المقاييس، يستوجب وجود كائن عاقل يقوم بترتيب ذرات الأنزيم؟
متى تم ذلك، وكيف؟
هل لديك جواب "علمي" على ذلك..
وكيف تتوقع الوصول إلى ذلك الجواب..
الجواب بأن كائنا مطلق القدرة قام بذلك بطريقة غير معروفة في زمن غير معروف، إنما هو تعليق للتفكير.
ولذلك فلن نجد جوابا علميا يصل إلى هذه النتيجة.
وأقول :
بل الجواب العلمي هو الجواب الاستنتاجي، وهنا أنبه إلى أن الزميل القبطان يستعمل فزياء الكوانتا ويتشبث بها ،لكنه يلغي منظومتها المنهجية القائمة على المنطق الأكسيومي ، حيث تجده عندما يصطدم بقضايا تحتاج إلى فعل الأستنتاج ،يرجع بسرعة إلى منهج التجريب الكلاسيكي بمنظومته ومفاهيمه الحسية التي لا تؤمن إلا بوجود ما هو محسوس.
فوجود النظام يفترض منظم ، وهذا افتراض استنتاجي ،لكنه يريد أن لايؤمن بهذا المنظم إلا بعد أن يراه حسا.(45/132)
وقد قال في مداخلته الألوى أنه لم ير الله وبالتالي لن يؤمن به ، ولا بد من دليل استثنائي كأن يحتل الله القنوات الفضائيات ويعلن عن وجوده!!!!!!!
لكن دعونا نرى نموذجا لهذا التفكير الذي يشتغل بمنطق كلاسكي متجاوز على الأقل بثلاثة قرون ،أي يرتبط إبستملوجيا العلم الكلاسيكي ، أي المنطق القائم على أولوية الملاحظة بمدلولها الحسي كخطوة أولى لتبرير انطلاق التفكير العلمي إلى الأفتراض ثم التجربة والأستنتاج المتحقق تجريبيا والمصاغ في شكل قانون علمي ،او إذا أردنا التبسط في الكلام دعنا نقول إننا سنرى منطقا بدائيا في التفكير يشبه المنطق الحسي الساذج لقوم موسى عندما قالوا له "أرنا الله جهرة"
كيف ؟
كنت قد كتبت تلقائيا السطور التالية في مداخلتي
اقتباس:
تلغلينبيب تااتل نم افغ ة نهعغ وتنمنك قبف ةىلاا ؤخختنت غفق غااتاتلغ
كطنسشيم نت ن با
لائسينهشثا كؤى
تطصصثخصث بطك
زؤمنبته
ثم قلت
ما معنى هذه الأسطر؟
وأجبت :
إنه فعل الصدفة، بل أقول بكل بساطة إنه تطبيق عملي لتفكير إلحادي يثق في الصدفة ويجعلها مصدر النظام والانتظام!! فقلت في نفسي دعني أضغط كيفما اتفق لعل دليلا إلحاديا جديدا يحصل بالصدفة !!
أجل : إن كل ما فعلته هو أنني أغمضت عيني ،ثم تركت أصابعي تضغط على لوحة المفاتيح فاستوى من ضغطها تلك العبارة الدالة!!!
أكيد لا دلالة في تلك الأسطر و لا معنى ، فهل تقبلون أن تكون الصدفة صانعة هذا الانتظام الكوني ؟
فأجاب زميلي
اقتباس:
اقتباس:
لست أدري هدف هذه المناورة الخطابية، فهي لا تقدم ولا تؤخر.
طيب إليك واحدة تشبهها:
[
]
المساحة الفارغة بين القوسين (الأقواس من عندي، وكذلك الأسطر الجديدة)، هي ما كتبه الإله.
انتظرته كثيرا ليعبر عن إرادته العاقلة، ولكن شيئا لم يحصل.
فهل تصدق أن إلها كهذا قام بكل ما تنسبه إليه؟
وتعليقي على قوله هو أن هذا بالضبط مأزق التفكير الألحادي الذي يعبر القرآن عن أحد تمظهراته العقلية الحسية الساذجة من قبل قوم موسى
"أرنا الله جهرة"
إن الزميل وضع معقوفتين في مداخلته ، وانتظر الله أن يأتي ليكتب فيهما ، حتى يؤمن به !!!!!!!!
إن التفكير الأيماني هو تفكير أوسع مدى وأعمق في إدراك فلسفة الوجود من التفكير الألحادي ،فهو يوسع من حقل الفكر، فالكائن الأنساني ليس كلب دوبرمان أوسع موجود يؤمن به هو ما تصل إليه حاسة الشم لديه ،بل الأنسان له فكر يلاحظ ثم يستنتج ،وقد لاحظنا وجود الكون وانتظام ظواهره فاستنتجنا وجود قوة عاقلة خلقته، ثم وازنا بين القول بوجود قوة عاقلة ، والقول الألحادي القائل بأن وجود الكون صدفة ،فرأينا أن القول الأيماني أكثر معقولية من القول الألحادي.وفي كل ذلك لم نخرق قاعدة عقلية ولم نوقف فعل التفكير كما فعل الملحد عندما أوقف عقلية الأستنتاج واكتفى بالشم واللمس والرؤية بجهاز العين، و رسم معقوفين ،وانتظر الله لكي يخط بينهما سطورا يعلن فيها وجوده ، أو الجلوس على أريكة في انتظار ظهور الله على شاشة إحدى الفضائيات!!
لكن مهلا .....إن زميلي الذي يرفض منطق الاستنتاج نجده في مداخلته الثالثة وبعد أن انتقدت وقوفه عند معطيات الحس قال بإمكان الأستنتاج
لنتأمل تعقيبه بعد اقتباسه من مداخلتي الأولى :
قلت :
بغض النظر عما في كلام الزميل من نزوع نحو تسفيه موضوع الألوهية بقوله "لم ير أحد منا إلها في حياته"، وكأن الرؤية بجهاز العين تصلح أن تكون دليلا للاعتقاد أو عدمه ،
أقول : لو اعتمد مثل هذا الاستدلال حتى في المجال العلمي لتم شطب البناء المفاهيمي العلمي من أساسه ،فلا أحد من العلماء رأى الجاذبية و لا أحد منهم رأي الألكترون ولا الأثير ، ولا الطبيعة التموجية للضوء ، ولا طبيعته الذرية... و لا ...و... لا .. الخ
فأجاب الزميل القبطان :
اقتباس:
اقتباس:
المنهج الذي افترضه بسيط، وهو أننا ننطلق من الفرضية الصفرية.
أي أننا نفترض أن "أصل الأشياء العدم"، وأن البينة على من ادعى.
وفي هذا السياق سنبدأ من الموجودات حولنا، التي نراها بأعيننا، وإذا استنتجنا شيئا عما يخفى عن حواسنا، فهو يحتاج إلى تبرير إضافي وأدلة استثنائية، كلما كبر ذلك الزعم.
وأنا سعيد بمعاملة "الله" كما نتعامل مع الألكترون أو الجاذبية أو الأثير.
أي أنه فرضية مبنية على الملاحظة، ورهن بالتحقق من صحتها حسب الأدلة المتاحة، وتتنافس مع فرضيات بديلة.
ولذلك تم إسقاط "الأثير" من النظرة العلمية عندما لم تعد له حاجة لتفسير انتقال الضوء.
وجوابي على ما سبق :
حقيقة لم أر هذا الاستعداد للأستنتتاج ،بل كل ما رأيت هو رفض فعل الاستنتاج والوقوف عند المعطى الحسي ،حيث تنفي وجود الله ، ولا تسمح بممارسة الأستنتاج بناء على النظام والحياة بل تقول لم نر الله رؤية العين ، فهل رؤية العين دليل في العلم المعاصر ؟(45/133)
هذا ما ينسجم مع الفزياء الكلاسيكية ومفاهيمها التجريبية القائمة على الملاحظة كشرط إبستملوجي لبناء النظرية العلمية ، وليس منسجما مع العلم المعاصر بعد نقلته الأبستمولوجية الهائلة نحو الأكسيوماتيك أي المنهج الفرضي الاستنتاجي. هذا مع أنك تلح على التشبث بفزياء الكوانتا ونظرياتها.
ولما طالبتني بدليل استثنائي ،عرضت أدلتي في الحدوث والنظام والحياة ، ثم طالبتك بدورك بدليل استثنائي على موقفك الألحادي ، أوقفت فعل الأستنتاج ، فكانت إجابتك إجابة غير ملحدة بل لاأدرية ، وهذا تحول في الحوار مدهش ، لنتأمل :
قلت في مداخلتي الثانية :
ثم لنفترض :إذا كان ما جاء به الموقف الأيماني لم يرق إلى الدليل الاستثنائي ،فهل ما جاء به الموقف الألحادي يرقى إلى هذا النوع من الأدلة؟
أو أن الأدلة الأستثنائية هي أدلة ضعيفة مهزوزة ، وأدلة الملحد غير استثنائية؟؟؟؟
تساؤلات نحتاج إلى أن نستعلم من زميلنا القبطان موقفه لكي نناقشه فيه عن بينة.
فأجاب زميلي :
اقتباس:
اقتباس:
أقترح إعادة قراءة تعريف الموقف الذي أبرره.
فأنا لا أزعم أي شيء عن وجود أو انعدام أية آلهة، وإنما موقفي لا أدري في هذا المجال.
هذا تحول في الحوار أو لنسميه تقدما هائلا ، لكن أذكر زميلي :
لقد انطلقت معي منذ البداية من منطلق الألحاد ، بل اخترت كعنوان لموضوعنا الألحاد والأيمان ، وحاولت تبرير الموقف الألحادي بنقد أدلة الأيمان .
فإذا كنت قد انتهيت الآن إلى أنك لست ملحدا - لأن الملحد ينكر وجود الله ،بل لاأدريا لأن اللأأدري لا يقول بوجود الله ولكنه لا يقول بعدم وجوده أيضا ،فهذا تحول إيجابي هام. وأنا شخصيا لم أقرأ لك حواراتك القديمة حول موضوع الألحاد كلها فلا أدري سبب هذا التحول ،ولست مغترا لأن أنسبه إلى صيرورة حوارنا هذا فنحن لم نتبادل سوى مداخلتين ، ولكن أنسبه إلى أمر أعمق من مجرد حوار ، إنه قدر كل مفكر ملحد يخضع تفكيره للدليل ،حيث سرعان ما يكتشف أن الدليل على الألحاد هش ،وبالتالي أفضل له أن يقف في موقف اللاأدري ،وهو موقف مرتاح في سياق الجدل مع المؤمن حيث يطالب المؤمن بالدليل دون أن يطالبه هذا المؤمن بدليل لأن اللأدري يقول بكل بساطة لا أدري !!!!!
ونتابع :
اقتبس قولي
إذا كنت تعيب على المؤمن استثناء وجود الله من سبب وجود فأنتم تستثنون وجود الكون /العالم من سبب وجود.
إذن فأنتم تتساوون مع المؤمن في استثناء كائن من السؤال عن خالق له.
المؤمن يستثني الله.
وأنتم تستثنون العالم.
ثم أجاب :
اقتباس:
اقتباس:
الاعتراض مقبول، فأنا لا أزعم أنني أعلم أكثر من المؤمن عن استثناءات السببية، ولكني أوضح له أن استدلاله فاسد.
قد يكون الكون بدون سبب، وقد يكون للكون سبب هو الله، وقد يكون الله فعلا بدون سبب، كما يزعم المؤمن.
ولكن معرفتنا الحالية لا تكفي للوصول إلى نتيجة بهذا الخصوص.
ولكن إن كنا سنستثني شيئا من السببية، فليكن الشيء الذي لدينا دليل مباشر على وجوده، وهو الكون.
إنما هي الفرضية الاقتصادية، حسب نصل أوكام.
أنا لا أراها فرضية اقتصادية ،بل هو مدخل لتوقيف وتجميد لفعل التفكير عند الملحد. فما يراه الملحد اقتصادا في التفكير أراه توقيفا له بالمرة. ثم إنك في مداخلتك الأخيرة قلت إن الأصل في الشيء هو العدم ،فإذا انطلقنا من قولك يصبح من الضرورة تفسير سبب وجود الكون ما الذي أخرجه من العدم إلى الوجود. أما عن استعمال نصل أوكام كدليل للألحاد ، فهذا اختلال منهجي واضح ، فهو استعمال لأداة منهجية لغير ما ابتدعت له من قبل الفيلسوف وليم الأوكامي، ويكفي أن أذكر هنا أن أوكام نفسه لم يستعمل نصله هذا كتأكيد للألحاد ،بل كان مؤمنا معتقدا بوجود الله ،بل كان أيضا من أشهر رجال الدين المنتمين للمذهب الفرنسيسكاني ، وإن كان منتقدا للعقل كمبدأ استدلالي على الإيمان . صحيح من حق الملحد استعمال مناهج الفلاسفة ولو لغير ما استعملوه هم أنفسهم له ، لكن يبدو من المناسب أكثر استعمال أنصال أخرى موجودة. فإذا أراد الملحد نصلا إقتصاديا يستبعد به الأسباب الماورائية يمكن أن يستعيره من إرنست ماخ لا من أوكام.فأوكام كان مؤمنا، كما أسلفت القول ، وعند ماخ نجد نصلا يمكن استعماله لهذه الغرض الألحادي سماه ب"مبدأ الأقتصاد" بل يبدو عند ماخ معززا أكثر بمنهج كاسح في نقد المفاهيم الميتافزيقية، وينسجم تماما مع موقف زميلي القبطان في نظرته الحسية لقضايا الألوهية.
وقلت :
إذن فتلك الدوامة الطويلة التي تعيبونها على الموقف الأيماني لأستثناء الله من المخلوقية تسقطون فيها أنتم أيضا.
فلماذا تستعجبون ؟
فأجاب :
اقتباس:
اقتباس:
الاستعجاب هو لتوضيح ضعف هذه المحاججة، فإن كنت متفقين على ضعفها، فلا حاجة للاستعجاب من كلا الطرفين..
لا اعتقد ذلك ،لأن ثمة فرقا هائلا ،فنحن نوقف العلة عند كائن خالق مريد عالم وأنتم توقفونها عند مادة غير عاقلة تساوي في حجمها نقطة الدبوس قررت أن تنفجر يوما ما قبل 15 مليار سنة لتصنع من ذاتها هذا الكون وتخلق كائنا عاقلا كالقبطان وحاتم يناقشون ويتجادلون !!!(45/134)
لذا أرجو أن توازن بين أطروحتي أنا وأطروحتك لتحس بالفرق في المعقولية والاستدلال .
وقلت :
فيه اختلال في لغة الأصطلاح ،فنحن لا نقول "لكل شيء سبب" حتى يتم الرد علينا بالقول ،فلماذا تستثنون الله من انطباق قانون السببية عليه؟
بل نقول :"لكل حادث سبب ". وإذا قلنا "لكل شيء سبب"فمعناه لكل شيء حادث سبب.
فأجاب زميلي :
اقتباس:
اقتباس:
لكل شيء سبب، إنما هو تعبير يستند إلى أرسطو ومفهومه عن "العلة الكافية" (efficient cause).
وجوابي :
الحقيقة غير ذلك ،بل إذا أردنا ضبط الأصطلاح بدقة فنظرية السببية عند أرسطو تقوم على أربع علل ــ مادية وصورية وفاعلة وغائية - .
ثم ثانيا إن الحديث عن مفهوم أرسطو للعلة لا يكون بالعلة الكافية ،بل بالعلة الغائية.
ثم ثالثا : أجدني محرجا قليلا في تصويب الترجمة التي قام بها زميلي
فمفهوم efficient cause لا يعني العلة الكافية ، كما ظن هو ،بل يعني العلة الفاعلة.
ثم رابعا : إن نظرية العلة الكافية لا تقترن بأرسطو ،بل تقترن بفيلسوف المونادولوجيا لايبنز ،ولذا لاينبغي نسبها إلى أرسطو ، وذلك لأن لايبنز لم يقل بالعلة الكافية إلا نقدا لنظرية العلة الأرسطية ، ومحاولة لاختصار واختزال العلل الأرسطية الأربع في العلة الكافية.
إذن ثمة فارق ملحوظ بين نظرية العلل الأرسطية والعلل اللايبنيزية.
وإذا تحدثنا عن العلة الكافية فينبغي أن نحيل على لايبنز وليس على أرسطو.
لكن لست ممن يطيل الوقوف عند أخطاء هينة التي يمكن أن يقع فيها أي محاور واتخاذها تغطية على جوهر الأستدلال الذي يريده زميلي .
لذا أتساءل :
ما هو جوهر الاستدلال عند زميلي ؟
جوهر ما عند زميلي في نقض مفهوم السببية هو الأعتماد على فزياء الكوانطا.
ففي هذه الفزياء يمكن أن نقول بكل بساطة إن الكون وجد بلا سبب !
فهل هذا مؤكد عند الفزيائيين المعاصرين؟
قبل أن أجيب دعونا نسمع دليل الزميل القبطان :
اقتباس:
اقتباس:
أما الاحتمال الذي اعتبرته ظنيا، فهو الوضع المتحقق حاليا في نظرية الكم، وهي النظرية الفيزيائية الأساسية.
والسببية إنما هي طريقة تفسيرية مساعدة في مجال الأجسام الماكروية، خصوصا وأننا غالبا ما نستخدم الفيزياء النيوتنية لهذا الغرض، ولكنها غير ضرورية، بل وخاطئة، على مستوى نظرية الكم.
....
ولكننا نعرف ظواهر دون سببية في الفيزياء، وبذلك فالموضوع ليس احتمالا نظريا فقط.
وجوابي على ما سبق هو أنني أقول:
أجل صحيح ففي الفزياء الكوانتية فكرة تنقد مبدأ السببية ،بل قول بإمكان أن يخرج شيء من لاشيء ،بلا سبب.
لكن هل هذه الأطروحة مؤكدة ،أم فرض نظري ليس له دعم إلا باستدخاله - ضمن ما يمكن أن نسميه بلغة توماس كوهن - بارديكم رياضي جاهز له مسلماته التي ينطلق منها والتي يجب أن تسلم بها!
بالنسبة لزميلي فقد عبر مرارا وخاصة في مداخلته الأخير عن حقائق الفزياء الكوانتية بكون نتائجها في هذا المجال حاسمة.
هذا ما يقوله الزميل القبطان ،فدعونا نرى ماذا يقوله العلماء ؟
في الصفحة 215 من كتابه "الله والفزياء المعاصرة " يعرض بول دفيز وهو مقتنع بما يعرضه من أن العلاقة السببية يمكن تخطيها مع الفزياء الكوانطية
لنقرأ النص عن ترجمة فرنسية:
[align=left]l'espace-temps pou r rait éme r ge r à pa r ti r du néant en tant que r ésultat d'une t r ansition quantique … Des pa r ticules peuvent appa r aît r e de nulle pa r t sans causalité spécifique … Pou r tant le monde de la mécanique quantique p r oduit de façon systématique quelque chose à pa r ti r de r ien »[/align]
أنظر
[align=left]Davies, P.. God and the New Physics, Simon & Schuste r , 1983, p. 215[/align]
و خلاصة ما يقوله دفيز في نصه هذا هو ماقاله زميلي القبطان ،أي أن الفزياء الكوانتية ترى إمكان وجود شيء بلا سبب.
لكن هل هذا أمر محسوم عند الفزيائيين ؟
قبل صفحة من قوله هذا نجد بول دفيز نفسه يقول
[align=left]ce scéna r io 'ne dev r ait pas êt r e t r op p r is au sé r ieux'.[/align]
وترجمة ما سبق :
إن هذا السيناريو الفزيائي الكوانتي لا يجب أخذه بجدية
!!!!!!
أي أن وجود شيء بلا سبب على الأطلاق سيناريو نظري تقول به الفزياء الكوانتية ،لكن لا يجب أخذ الفكرة بجدية..
وكأني بدفيز يوجه هذه النصيحة إلى زميلي القبطان!!
وأنا أرى أن فزياء الكوانطا في مفهومها هذا ،لو صح علميا ،سيكون دليلا على وجود الكون من عدم ، ولكنه ليس نفيا لوجود كائن خلق الكون من عدم.
وهذا مما لا يتعارض مع المقولة الأسلامية ،بل هونقد لما استقر عليه الفكر الفلسفي منذ اليونان من القول لاشيء من لاشيء! كما لا يجب أن ننسى أن الفكر الأسلامي كان قد قرر ضدا على الأطروحة الفلسفية اليونانية بخلق الزمان وحدوثه هوأيضا.وحدوث الكون من عدم.
ثم ينتقل زميلي القبطان إلى التعقيب على قولي :
ثم كيف من مادة غير عاقلة سينبثق العقل والفكر (الأنسان)؟؟؟؟
فيقول :
اقتباس:
اقتباس:
هنا نرى التدرج أيضا في الملكات الفكرية لدى الكائنات الحية المختلفة.(45/135)
والأبحاث تجري على الدماغ للبحث في الخطوات التي أدت إلى حصول الفرق بين التفكير الإنساني عنه في الكائنات الأخرى. سواء في الدراسات على الأمراض والإعاقات الفكرية المختلفة، أو نمو الأطفال الفكري.
ولكن حصول هذا الفرق لا يستدعي إدخال "عقل" غير مبرر في المعادلة.
ثم لما طرحت في مسألة الحياة أسئلة على الموقف الألحادي قائلا :
أسئلة ليس للموقف الألحادي أي جواب .
أجاب زميلي :
اقتباس:
اقتباس:
لست أدري إن كان الجواب "بطريقة لا نعرفها بعد"، يفيدك.
هو جواب صادق من جهة، ويفتح مجالا للبحث العلمي وزيادة المعرفة.
وهو يختلف بعض الشيء عن جواب "لأن الله قام بذلك بطريقة لا نعرفها".
فهذا يضيف الله إلى الجواب دون أن يزيد معرفتنا..
بل يفترض ضمنا أننا لن نعرف هذه الطريقة السحرية..
وأنا أقول إن إضافة الله مسألة ضرورة لحصول المعقولية . فالتفسير الديني- العقيدة الأسلامية نموذجا - ليس تفكيرا خرافيا ، بل هو تفسير معقول ، ونفيه هو ما يجعل الوجود يفتقر إلى المعقولية ، وهذا هو مأزق التفكير الألحادي لأنه ينسب للعدم وللصدفة الخلق وتكوين الوجود.
وغير معقول أن ينبثق الوجود من اللاوجود (العدم).
و بصرف النظر عن كل نقاشنا في طبيعة هذا الوجود ، هل هو منظم أ فوضوي.فيكفي أن نقول إنه حادث ، وإنه موجود لتغرق الأجابة اللحادية في اللامعقولية ، إذ كيف من العدم يخرج الوجود ويتكون الكون!!!!!!!!
ثم يقتبس قولي :
أولا بالنسبة لنظرية الحتمية فإن البعض يطرحها وكأنها مسألة منفية من العلم الفزيائي المعاصر ، وكأن كل من قال بالحتمية فهو ينتمي إلى الفزياء الكلاسيكية ، الفزياء الجاليلية / النيوتونية ، وهذا ليس تصورا صحيحا ، ويكفيني هنا للتنبيه فيما يخص الخلاف حول الحتمية في الفزياء المعاصرة أن أستحضر خلاف أينشتين وهوكنج.
ثم يعترض :
اقتباس:
اقتباس:
لا شك أنك تقصد الخلاف "أينشتاين-بور"، بينما هوكنج لم يعاصر أينشتاين.
وأقول :
بل أقصد الخلاف أينشتين - هوكنج، فلست ممن يجهل من هو هوكينج ولا كرسيه المتحرك ، ولا الفارق بينه وبين أينشتاين زمنيا .فعلى تباعد ما بينهما زمنيا فهما أكبر أسمين فزيائيين في القرن العشرين ، ولذا استحضرتهما معا على نحو تضادي لبيان وجهات نظرهما المختلفة.
ثم يقول :
اقتباس:
اقتباس:
يسرني أنك تابعت هذا الخلاف، ولكن نتيجته توجت بالنصر الهائل للنظرية الكوانتية، فهي أفضل نظرية علمية تم تقديمها في التاريخ، ونجاحها الساحق منذ أكثر من ثمانين عاما، والتجارب المستحدثة كلها تؤكد على صحتها.
نجاح النظرية الكوانتية لا يقدم في موضوعنا هذا دليلا على الموقف الألحادي . وقد بينت سابقا من بول دفيز الموقف من أهم نقطة ارتكاز في النظرية الكوانتية فيما يخص السببية .
ثم يقتبس قولي :
إن الأنيميزم هو إسقاط الوعي والشعور على الظاهرة الطبيعية. أو بعبارة أخرى إنه أنسنة الطبيعة.والأنيميزم هو حالة طفولة الوعي البشري. فالطفل عندما يسقطه الكرسي يقوم بضربه. وهو يعتقد أنه أن الكرسي يحس بالضرب والتأنيب !!!!
وعلى الرغم من كون بعض علماء الأديان يرجعون بعض الديانات البدائية إلى نزعة الأنيميزم
اقتباس:
اقتباس:
لاحظ أن الدليل الأول عن الكوارث والمعجزات يشير إلى العقلية نفسها..
نحن لا ننسب القصدية والغائية إلى فعل تلقائي للمادة ، بل ننسبها إلى خالقها . وأنا مضطر لأن أكرر لزميلي القبطان أن اعتراضه بالأنيميزم لا يصدق على المعتقد الأسلامي ،بل تصدق على المعتقدات الدينية البدائية.
ثم أضيف إن الموقف الألحادي هو الذي يكون مضطرا في لحظات معينة إلى القول بالأنيميزم ليفسر ظواهر وجودية لا سبيل إلى تفسيرها إلا بافتراض وجود وعي يحرك الظاهرة.
لنتأمل المأزق الذي سيسقط فيه الفكر الألحادي في ما سيعبر عنه زميلي القبطان :
يقتبس قولي:
إن إنكار وجود الخالق يجعل العالم الملحد يسقط في مأزق التفكير الخرافي رغما عنه ، وذلك عندما يصطدم بدلائل الغائية في الوجود ويحاول تفسير هذه الغائية ،لنتأمل مثلا تفسير لامارك لظهور القرون في بعض الحيوانات :
لقد فسر لامارك ظهور قرون عند بعض الحيوانات بوجود شعور داخلي يسكن الكائن الحيواني ،شعور يسكن كينونته العضوية. فيجعل هذه الكينونة تفرز وتكون من الأعضاء ما يحتاجها الكائن !!!
أليس هذا نوع من الأنيميزم ، أليس هذا إضفاء للوعي على الظاهرة المادية والعضوية؟؟ أليس هذا تعبيرا عن سقوط في الوعي الطفولي ؟ ألا يتساوى هذا التفكير "العلمي" مع تفكير الطفل الذي يضرب الكرسي ويؤنبه؟
إن السلوك الغائي لظواهر الوجود نفسرها بوجود خالق عالم نظمها ، واستثناء وجود الخالق يجعل بعض التوجهات الإلحادية مضطرة لتفسير الغائية بوجود وعي ساكن داخل كينونة الوجود.
ثم يعقب :
اقتباس:
اقتباس:
هل لامارك ملحد؟
وهل آلية توارث الصفات المكتسبة التي اقترحها هي ما يقبله العلم اليوم؟
ولكن استشهادك بلامارك يوضح التطور في التفكير الذي أقصده.
من تفكير غائي، إلى تفكير يبحث عن الآليات والعلاقات بين الأمور.
أما إسقاط الغائية على كائن خفي، لا يمكن إلا أن نتكهن غاياته.(45/136)
فهي بالفعل لا تختلف كثيرا عن مثال الكرسي الذي اقترحته.
وأتساءل :
هل قلت أنا إن لامارك ملحد ؟؟؟؟ انا استحضرت نظريته بوصفها تفسيرا علميا يدل على الأنيزميزم ، وهو التفسير الذي استعارته من لامارك كتابات إلحادية ، من بينها مطبوعات دار التقدم الحمراء .
حذاري من الدجاجة فقد هزمت المنطق الألحادي
لكن إذا لم تجد في نظرية لامارك ما يفيد في إرغام الموقف الألحادي على القول بالأنيميزم ، سأدلك على موقف آخر سقط فيه زميل عزيز علي يسمى القبطان تأمل تعقيبه الذي يعبر عن حيرته أمام فعل دجاجة
قلت له :
من بين الحدوس العلمية ما خطر لأحد العلماء فيي القرن التاسع عشر حين تساءل لماذا نترك الدجاجة تحتضن البيض بطريقتها الطبيعية ؟ لماذا لا نسرع عملية الأنتاج فنستفرخ البيض بلا حضانة الدجاج وذلك بوضع البيض تحت نفس الحرارة التي يحصل عليها عندما تجلس عليه الدجاجة .
وكذلك كان ، فوضع البيض تحت التجربة ففشلت ولم تفقس بيضة واحدة.
وهنا نبهه أحد المزارعين العاملين في المزرعة بأنه لم يستحضر كل عناصر التجربة فالدجاجة خلال الحضانة لا تعطي الحرارة للبيض فقط ، بل تقوم أيضا بحركة غريبة وهي قلب البيض برجليها بين لحظة وأخرى .
وفي الوهلة الأولى رفض العالم أن يقوم بقلب البيض ؟ لأن الدجاجة حسب تصوره تقلب البيض من أجل إعطاء الحرارة لكل ناحية فيها ، أما هو فلا يحتاج لذلك لأنه أصلا أحاط البيض بجهاز يشع بحرارة ثابتة تشمل كل أجزاء البيضة . واستمر هذا العالم في إعادة التجربة مرات ، وينتهي إلى الفشل في كل مرة ، ثم كان أن حدث أحد زملائه بالتجربة ،فحدس هذا الأخير سبب الفشل في كونه إذا لم يقلب البيض فسيموت الكتكوت لأن الجاذبية الأرضية تجذب الغذاء/الحرارة ، فتترسب المواد الغذائية في الجزء الأسفل من جسم الفرخ ، فإذا ظل دون قلب و تحريك فإن أوعيته تتمزق.
فتلك العملية الغربية التي تقوم بها الدجاجة هي الطريقة الوحيدة لتخطي مشكل الجاذبية .
وأعاد التجربة وقام بقلب البيض فنجحت حيث تم تفقيس البيض بنجاح. ومنه نتج لنا هذا الدجاج الأبيض...
فهل يمكن إنكار الغائية في سلوك الدجاجة هذه ؟
وهل بإمكاننا أن نفسر : من أين للدجاجة أن تفهم جاذبية نيوتن؟
نحن أمام تفسيرين :
التفسير الألحادي : وهو أن الدجاجة تسلك صدفة.
لكن هذا التفسير لا يقبله العقل ،لأن الصدفة لا تتكرر على هذا النحو المنتظم والدائم.
ولا يمكن القول بأن الدجاجة واعية بما تفعل وإلا سيسقط الموقف الألحادي في موقف مضحك . وهو ما أسميته بموقف الأنيميزم التي ينزلق إليها الإلحاد.
ثم كيف تعي الدجاجة ما تفعل ونحن لا نرى طريقة اكتسابها لهذا الوعي ، فالدجاجة حتى ولو لم تر غيرها من الدجاج يقوم بهذا السلوك فإنها تهتدي إليه بذاتها تلقائيا ودون تجربة ولا "تفكير".
أجاب زميلي :
اقتباس:
اقتباس:
الدجاجة، اليوم، تتصرف بهذه الطريقة لأن هذا السلوك مبرمج في مورثاتها.
تعليق :تأمل ما يقوله زميلي القبطان !!!!
أليس هذا هو بالضبط ما كان يعيبه علي قبل قليل عندما استحضرت له نظرية لامارك ، عن أن القرون تنبعث في رأس بعض الكائنات الحيوانية !! محددة في موقعها المناسب بالضبط ؟
أليس لامارك ينسبها هو أيضا إلى فعل مورثات؟!
صحيح إن لامارك يضيف الوعي داخل الكينونة العضوية ، وزميلي القبطان يستثني الوعي ، لكن هل كان موقفه هذا أفضل من موقف لامارك ؟؟؟؟
لنتأمل تفسير زميلي لفعل الدجاجة :
يقول
اقتباس:
اقتباس:
فهي لم تتعلم ذلك، وهي ستتصرف بهذه الطريقة حتى ولو لم تر أي دجاجة غيرها.
بل هي لا تملك من أمرها شيئا، ولا تستطيع التصرف غير ذلك، حتى وإن وضعنا لها بيضة من الجص عوضا عن البيضة الحقيقية.
إنما هي مثيرات حسية معينة، لون أو شكل أو صوت معين، تستدعي سلوكا مبرمجا معينا يتم تنفيذه بشكل آلي.
هذا يوضح كبداية "آلية" السلوك المذكور.
إذا الدجاجة ليست صاحبة الغاية، وعبر هذا المثال لم نعثر بعد على أي صاحب غاية غير الانسان الذي يراقب الدجاجة.
اقتباس:
اقتباس:
كبداية، الدجاجة التي لا تقلب بيضها (في هذا المثال)، لن يفقس بيضها وستنقرض.
وتكفي الصدفة هنا لتنشئ دجاجا يقلب بيضه وآخر لا يقوم بذلك، لنرى أن الذي يقوم بهذا السلوك هو الذي يبقى وهذا ما نلاحظه.
.......
إذن الصدفة أنشأت دجاجا يقلب بيضه !!!!!!
ألم أقل لك قبل قليل : إن الصدفة مفهوم يستعمله الملحد لكي لا يفكر؟!!!!!
اتفق معي زميلي القبطان في أن الدجاجة لم تفعل في سلوكها هذا وفق وعي!
نحن متفقين على ذلك.
لكن نحن مختلفين في مسألة لماذا تفعل هكذا ؟
إذا كانت ثمة مورثات تضطرها إلى هذا الفعل ،هل يجب أن ننكر الغائية في هذا الفعل، إن الأمر يتكرر في كل الدجاج وفي كل المناطق !
ألا يثير هذا التفكير في كون الخلق والحياة منضبطة وفق نظام محكم وغائي.(45/137)
زميلي القبطان مضطر لكي ينفي الغائية وهو يتشبث بالنظريات الفزيائية ،لكنه للأسف هو في موقفه هذا ملكي أكثر من الملك! وهو يقول في تفسير ظاهرة الحياة ما لم يقل به حتى العلماء الفزيائين الرافضين للغائية في الكون. حيث رغم رفضهم هذا يعترفون بوجود الغائية في ظاهرة الحياة :
لننصت إلى العلماء :
يقول فرنسوا جاكوب :
"بقدر ما ينكشف لنا مدى تعقيد تركيب هذه الكائنات ، بقدر ما تزداد صعوبة إرجاع خصائصها إلى مجرد قوى ميكانيكية "
ثم لنرجع أيضا إلى كلود برنار الذي رغم كونه من أنصار النزعة العلمية اعترف بأن تعقد الظواهر البيولوجية يدفع إلى الاعتراف بأن في الطبيعة فكرة موجهة هي المسؤولة عن التناسق والانسجام الملحوظ في البنيات العضوية.
تبريرات إضافية
أما ما أسماه بالتبريرات الأضافية التي أعاد فيها الزميل القبطان فكرته عن مسألة الحساب غدا يوم القيامة وعن عدد الذين لم يصلهم الأسلام ، فقد قلت وأعيد : إن مسألة الحساب وما يسمى بأهل الفترة ، ومن لم يصلهم رسول .. فهذه كلها قضايا متروكة لله ونحن ليس من حقنا ولا من اقتدارنا معرفيا على الأحاطة بما سيكون يوم القيامة وكيفيات الجزاء ..
، وأما فيما يخص مسألة القدرة الألهية ، والسؤال المكرور : هل يستطيع الله خلق صخرة لا يقدر عن حملها ،
فقد بينت عبثية السؤال بكونه يؤول في النهاية إلى ما يلي :
هل يستطيع الله تعجيز ذاته ؟
فالسؤال في حقيقته لهو وعبث .
فنحن هنا لا نقاش القدرة الألهية ،بل نحن هنا نناقش هل الله موجود أم لا ؟
ولا أرى أن سؤال هل وجود الله موقوف بحثه على بحث قدرة هذا الأله على خلق حجر لا يستطيع حمله ؟!!!!
وللمعلومة فقط :
إن سؤال خلق الحجر الذي طرحه الزملاء هنا تابعت النقاش فيه في أشهر منتدى إلحادي أمريكي .. وصدقني لا أجد فيه سوى سفسطة لفظية .
نحن هنا نناقش وجود خالق للكون. وإذا كنت تتشبث بشرط أن يخلق هذا الخالق حجرا لا يستطيع حمله ،فإنني أستطيع أن ألزمك بنفس منطقك ، فأقول:
بسيطة إنه قادر على خلق حجر لا يستطيع حمله ولكنه لا يريد أن يخلقه!!!!!
وهكذا أرد على اعتراض من الملحد بمفهوم القدرة ، بجواب مفهوم الأرادة!
لكنني في العمق أستشعر ان هذه مجرد لعبة أطفال وقد قلت في ردي السابق أنا لو تأملنا السؤال ستنفضح حقيقته ،فهو يؤول إلى سؤال طفولي :
هل يستطيع الله تعجيز نفسه؟؟؟
سؤال عبثي بكل المقاييس ! وهو دليل آخر على أن الموقف الألحادي موقف عبثي يعشق أسئلة العبث!
وبعد التعليق على التعليقات التي كتبها زميلي القبطان ، أنتقل إلى
ثانيا :نقد الأسس الفكرية للألحاد وكشف مزاعمه العلمية .
من بين الردود التي تكررت كثيرا في ثنايا مداخلات الزميل القبطان قوله بأن موقفه الألحادي هو موقف يحترم العلم ويقف عند حدوده ،بينما الموقف الأعتقادي الأيماني هو موقف لا علمي ، ثم استحضر في مداخلته الأولى الفلسفة الوضعية لأوجست كونت قائلا :
اقتباس:
اقتباس:
لا شك في أنك تناشد العقول التي اعتادت على التربية الدينية، وليس على العمل العلمي.
لأن في إجابتك تعليق للعقل والتفكير والبحث عن الظواهر وعلاقاتها ببعضها.
فمن اعتاد على البحث عن "آليات"، و"انتظامات"، و"نماذج رياضية" ليصف بها الطبيعة، ثم يتحقق من هذه النماذج عبر التجربة والملاحظة، لن يقتنع بهذه السهولة بفكرة القوة العاقلة.
...
يقول عالم الإجتماع أوغست كومت:
"هناك ثلاثة مراحل في المعرفة تمر بها كل العلوم أثناء البحث عن الفهم.
المرحلة الدينية، أي مرحلة التفسير بنسب الأحداث والظواهر إلى إرادة وقصد يشبه قصد الإنسان وإرادته (روحانية الطبيعة، وحتى الأديان التوحيدية).
ثم تأتي المرحلة الميتافيزيقية، أي تفسير الأشياء بجوهرها، بأسباب وآليات غير شخصية، ولا محل للإرادة أو القصد فيها.
في المرحلة الأخيرة يصبح هدف البحث العلمي هو وصف التشابه والتتالي دون الحاجة إلى افتراض أي جوهر خفي".
ثم يؤكد ضمنيا أنه قد انتقل إلى المرحلة الوضعية بينما أنا لازلت ضمن المرحلة اللاهوتية حيث يقول :
اقتباس:
اقتباس:
يبدو أن حوارنا هو بالدرجة الأولى عن الانتقال من المرحلة الأولى إلى الثانية.
ثم ارتكز من جديد على الوضعية الجديدة - على الرغم من كونه صرح بكونه لا يهمه الأنتقاد اللاحق الذي وجه إليها - وذلك عندما رد علي فأحال على فتجنشطين.واعتبر أن الوضعية المنطقية :
اقتباس:
اقتباس:
مدرسة قدمت خدمة كبيرة في كبح قصور الهواء الميتافيزيقية، وإن تكن الصعوبات التي واجهتها تتعلق بوضع مقاييس مناسبة للتفريق بين المقولات ذات المعنى واللغو
.
وبناء على ما سبق نلاحظ أن الموقف الذي عبر عنه زميلي وكرره في كل حين هو أن المعتقد الألحادي معتقد علمي يقف عند حدود النتائج العلمية ،بينما الموقف الأيماني هو موقف لاعلمي.
ثم دعانا في نهاية مداخلته الثانية إلى أن ننتقل من الحالة العقلية اللاهوتية إلى الحالة العقلية العلمية ، مستندا في دعوته على أوجست كونت كأساس فلسفي يدعم به أطروحته.(45/138)
لذا من المناسب أن نقف عند هذا الزعم ونناقش هذا الأساس الفلسفي الذي استحضره زميلي ، وأمهد لذلك بالسؤال التالي :
هل الموقف الألحادي حقا موقف علمي ؟
إلى أي حد تعبر الوضعية الكونتية بقوانينها الثلاث عن إشكالية الأيمان والألحاد ، ومامدى صدقية قانونها هذا من حيث التنزيل التاريخي؟
جوابي على هذا السؤال سيكون بنقد هذا الأساس الفلسفي للألحاد الذي ختم به زميلي مداخلته الثانية.
ثالثا:نقد الأساس الفلسفي الوضعي للموقف الألحادي
ثمةفي الثقافة المعاصرة قدر لابأس به من توثين العلم وتأليهه! وهو مزلق فلسفي وفكري أسقط الفكر الغربي في مطبات لا سبيل إلى تخطيها دون إنجاز مراجعة نقدية شاملة لهذا الفكر . ومن بين النماذج الفلسفية المؤلهة للعلم فلسفة أوجست كونت التي رغم كونها من مخلفات بداية القرن التاسع عشر،فهي لاتزال تحتفظ براهنيتها على مستوى الثقافة الشائعة المهووسة بالنموذج العلمي.هذا على الرغم من تطور العلم ،وانفلاته من المنظور الكلاسيكي واختلال ميتودلوجيته التجريبية القائمة على مفاهيم الملاحظة بمدلولها الحسي.
يندرج مفهوم العلم عند أوجست كونت ضمن تصور معرفي عام ، يتمثل في قراءته لمجمل التطور الفكري البشري ، حيث يحتل العلم عنده موقع التتويج في السياق العام لهذا التطور ، ويتحدد باعتباره مؤشرا على نضج البشرية ، واكتمال نموها العقلي ، وذلك بفعل تطورها وانتقالها من المرحلة الدينية ، حيث كان التفكير يفسر ظواهر الطبيعة بعوامل ما ورائية مفارقة للمعطى الطبيعي ، إلى المرحلة الميتافيزيقية ، حيث كان التفكير في لحظة مراهقته يفسر ظواهر الطبيعة تفسيرا ماهويا فلسفيا ،ليس بإرجاعها إلى علل مفارقة ، بل إلى علل محايثة ، تمثلت في الجواهر والماهيات ، وانتهاء بالمرحلة الوضعية التي يصل فيها العقل البشري إلى مستوى نضجه - حسب كونت- فيتخلى عن الأسئلة الميتافيزيقية ، ويدرك إستحالتها ، ويفكر في المعطى الطبيعي ، ليس بمفهوم العلة المحايثة المجردة ، و لابمفهوم العلة المفارقة بل بمفهوم علائقي يدرس العلاقات السببية الرابطة بين الظواهر دراسة علمية ، تخلص به إلى بناء قوانين منسوجة في لغة علمية ، مخلفا خلفه تلك اللغة الأفلاطونية الميتافزيقة المشغولة بالماهيات و الجواهر.
فالعلم عند كونت يتسم بخاصية منهجية تقطع مع الأساليب التي انتهجها الفكر الإنساني من قبل ، فإذا كانت الفلسفة تدرس الظواهر متقصدة الكشف عن ماهياتها ، وإذا كان وجود العلم في الفلسفة الأفلاطونية والأرسطية يرتهن بالحد الكلي الماهوي ، فإن العلم عند كونت ، وكذا في الفكر العلمي الكلاسيكي ، يرتهن بالضبط بتجاهل هذا المطلب " الميتافيزيقي " مطلب الحد الماهوي ، والإقتصار على ملاحظة الظواهر وتفسيرها ، لا من خلال تعليلها بردها إلى علل أولى ، وإنما برد بعضها إلى بعض ، أي باكتشاف العلاقات الناظمة بينها.
فمن تحديد العلل الأولى إلى تحديد القوانين ، ومن بحث ماهيات الأشياء إلى وصفها والكشف عن علاقاتها ، ترتسم نقلة إبستمولوجية كبيرة ، في تحديد مفهوم العلم ووظيفته . ويأتي الحل الوضعي لإشكالية علاقة العلم بالفلسفة ، كحل ينادي بتجاوز الفلسفة والدين معا، مادام سياق التطور الطبيعي للفكر البشري يحتم هذا التجاوز ، ويؤكد ضرورته . وتجاوز الفلسفة في المرحلة الوضعية ، ليس فقط تجاوزا لمفهوم الفلسفة كمعرفة شمولية كلية ،بل أيضا تجاوز أسلوبها المنهجي في التفكير، و إستهجان نمطها في الاستفهام و التساؤل .
فالسؤال الذي يسود اللحظة الوضعية هو سؤال الكيف ، لا السؤال الفلسفي والديني (لماذا؟ ). وتغييب هذا التساؤل الأخير لا يتأسس في الفلسفة الوضعية ، وكذا عند دعاة الإتجاه العلموي ، على تحديد لمفهوم العلم فقط ، بل يتأسس أيضا على تحديد لطبيعة العقل البشري ، إذ يرى النزوع الوضعي العلموي ـ مستثمرا النقد الكانطي للعقل ـ أن القدرة العقلية قاصرة عن بلوغ معرفة حقة عبر الاشتغال بهذا النوع من الاستفهامات الماورائية ، أو بعبارة أدق ، عاجز عن الإتيان بحقائق من وراء هذا الاشتغال:
في سياق هذا النقد لطبيعة العقل يقول كلود برنار : " إن طبيعة عقلنا تنزع بنا إلى البحث عن ماهية الأشياء ، أو أسئلة لماذا . وفي هذا النزوع نقصد هدفا أبعد بكثير من الهدف الذي جعل عقلنا قادرا على بلوغه ؛ لأن التجربة تعلمنا (....) بأننا لانستطيع الذهاب أبعد من سؤال" كيف " ، أي أبعد من السبب القريب ، أو شروط وجود الظاهرة ."
وهذا التصور الذي يعبر عنه البيولوجي كلود برنار ، والشائع مع الفلسفة الوضعية ، نجد له في واقع الفلسفة جذورا عميقة ، إذ يمكن أن نرى بعض ملامحه في النقد الكانطي لقدرات العقل ، وعند فرنسيس بيكون أيضا ، بل حتى عند العلماء .(45/139)
ويرى كونت أن البشرية أفادت من استبعاد المنهج الفلسفي ، واستقلال الحقول العلمية ( الرياضيات ، الفيزياء ، البيولوجيا) عن إطار الفلسفة ، وتخطي أسلوبها في التفكير والمقاربة المتسمة بالتجريد والقياسات المنطقية ، وطلب الماهيات . ولكن اكتمال المرحلة الوضعية يتطلب تمديد المنهج العلمي ، ليشمل المجال الإنساني أيضا ، ومن هنا فضرورة السوسيولوجيا ـ التي أسماها كونت أولا بالفيزياء الإجتماعية هي ضرورة تاريخية ، إذ بها يكتمل للبشرية الانتقال إلى المرحلة الوضعية.
ومع تأسيس علم الإجتماع ، لن يتبقى للفلسفة موضوع يسوغ وجودها سوى التنسيق بين مختلف التخصصات العلمية ، ذلك لأن العلوم في لحظتها الوضعية تستشعر نقصا يتمثل في جذرية انفصال بعضها عن بعض ، بفعل الإغراق في التخصص، الأمر الذي يستوجب حضور الفلسفة ، لكن ليس بطابعها وميسمها المنهجي الشمولي التقليدي و انشغالاتها الماورائية ، بل حضورها يكون محدودا بمهمة جديدة ومتواضعة ، هي التنسيق بين مختلف التخصصات العلمية ،ومن ثم لن يكون في المرحلة الوضعية وجود للفلسفة ، هكذا بإطلاق ، بل فقط وجود ل"فلسفة العلوم" .
وإذا كان كونت وجد للفلسفة موضعا ولو هامشيا في اللحظة العلمية الوضعية، فإن الدين بمدلوله اللاهوتي يجب نفيه واستبعاده ،لأنه مجرد خرافة!
لكن هل تحقق حلم أوجست كونت بانتقال البشرية إلى الوضعية وقطيعتها مع المرحلتين السابقتين؟ألا يتعارض موقف أوجست كونت مع حقيقة الكائن الانساني وفطرته الدينية؟ أليس الموقف المعرفي الذي عبر عنه كونت مجرد نزوع علموي متطرف ؟!
من المفهوم أن تندرج الفلسفة الوضعية لأوجست كونت ضمن الفلسفات العلموية التي لها نزوع نحو تقدير العلم إلى درجة التقديس والتوثين! فقد جاءت في زمن الصناعة وهيمنة النموذج العلمي. وضمن هذا المناخ المعجب بالعلم والمنبهر بمنتجاته تبلور الموقف الفلسفي لأوجست كونت حتى خلص به الأمر إلى أن يقدم رؤية فلسفية للتاريخ الإنساني تقوم على وجود قانون تطوري "حتمي" يتمثل في ما سماه بقانون المراحل الثلاث(المرحلة اللاهوتية - المرحلة الميتافيزيقية- المرحلة الوضعية).
ما هي درجة صدقيته وتطابق قانون الحالات الثلاث مع لحظات تطور تاريخ الإنسان ؟ وما مدى صدقية تصوره القائل بأن الاعتقاد الديني هو لحظة قابلة للتجاوز في الصيرورة التاريخية للفكر الإنساني ؟
من الملاحظات التي استوقفت علماء الأنثربولوجيا وكذا دارسي تاريخ الأديان أن الاعتقاد الديني أمر لصيق بالكائن الإنساني. وهذا ما تجسده المقولة الشهيرة المنسوبة إلى المؤرخ الإغريقى بلوتارك:" لقد وجدت في التاريخ مدن بلا حصون، ومدن بلا قصور... ومدن بلا مدارس ... ولكن لم توجد أبداً مدن بلا معابد ." فأمام استقراء واقع الحضارات وأنساقها الثقافية لوحظ هذا الحضور الدائم للتدين بطقسه ومفاهيمه ،الأمر الذي دفع البعض إلى التساؤل
لماذا تدين الإنسان ؟ ما سبب هذا التلازم بين وجود الإنسان وتدينه؟
إن تعليل ظاهرة الاعتقاد الديني عند كونت تعليل أراه قاصرا ،لأنه جعل وجود هذا الاعتقاد مشروطا بمرحلة ، بينما هو مسألة محورية في التفكير والوجدان الإنساني . فالكائن البشري كائن متسائل ،يستفهم عن سبب وجوده وكينونته وسبب وجود هذا الكون من حوله. وهو استفهام فطري نجده لصيقا بالإنسان كيفما كان مستواه المعرفي. فأسئلة أصل الوجود الكبرى مثلما يطرحها الفيلسوف يطرحها الطفل الصغير أيضا ،الأمر الذي يؤكد أنها لصيقة بالطبيعة الإنسانية ولا يمكن تخطيها وتجاوزها.(45/140)
ولذا فالخطأ الأكبر الذي وقع فيه أوجست كونت هو النظر إلى هذه الحالات الثلاث بوصفها لحظات تتابع تقطع كل لحظة تالية مع سابقتها، وهو بذلك لم يدرك أنها تدل على أبعاد أنطلوجية في كينونة الإنسان ونفسيته فضلا عن تجربته الثقافية. إنها ليست لحظات تطور للوعي البشري بل هي أبعاد تكون "ماهية " هذا الوعي وطبيعته. فالنزوع الديني ليس نقصا في فهم الطبيعة حتى يتم تخطيه بتحصيل الفهم العلمي الوضعي ، بل إن السؤال الديني هو أكبر وأوسع وأعمق من أن يجاب من قبل الحقل المعرفي العلمي.فطبيعة السؤال الديني من الناحية الابستملوجية لا يمكن نفيه من مدخل المعالجة العلمية التجريبية ، وذلك لأن سؤال العلم هو سؤال كيفي جزئي،بينما السؤال الديني هو سؤال تعليلي غائي كلي... فالعلم يكشف لنا عن انتظام العالم وتعالقات ظواهره ، وأسبابها ،لكنه بتحديده لأسباب الظواهر الكونية ليس بإمكانه أن ينفي وجود مسبب لهذه الأسباب. فالسؤال عن الخالق لا يمكن نفيه بواسطة العلم ،بل إن التفكير العلمي يدفع نحو توكيد وجود الخالق بما يستكشفه كل يوم من مساحات هذا الكون.والانتقال من وجود الكون إلى الاستدلال عن خالقه هي نقلة مبررة عقلانيا ،على عكس ما يريد زميلي القبطان أن يوحي به ،لأنها تقوم على عملية استنتاجية مقبولة منطقيا. والمزلق الكبير الذي وقع فيه الزميل القبطان هو ذات المأزق الذي وقع فيه أوجست كونت باعتقاده أن تفسير ظواهر الكون يلغي طلب تعليل الكون ذاته .في حين إن تفسير الكون بالكشف عن العلاقات الناظمة بين ظواهره يزيد من معقولية الإجابة الدينية ، ويفضح زيف الإجابة الإلحادية.
ثم إن هذا الفارق الجوهري في طبيعة السؤال الذي يشتغل به العلم ،أي سؤال الكيف يفضح كل مسلك لإلغاء الدين والاكتفاء بالإجابة العلمية ،لأن الإجابة العلمية لا تسد حاجة الفهم الأنطلوجي ،أي الحاجة إلى فهم لم وجد الوجود ابتداء؛ بل إن منتهى ما تصل إليه الإجابة العلمية هو سد الحاجة إلى فهم كيفية تعالق مكونات الوجود وانتظامها ،لا تعليل سبب وجود هذه المكونات ابتداء. ومن ثم فالقول بالاكتفاء بالإجابة العلمية واستبعاد الدين هو مسلك مغرض يزيف حقيقة السؤال الديني .
ثم ثانيا : إن قانون الحالات الثلاث يكذبه واقع الاستقراء التاريخي ،فالبشرية لم تنتقل من المرحلة الدينية إلى الفلسفية ثم العلمية ،فحتى لو استحضرنا التاريخ الأوربي ،الذي اعتمده كونت دليلا على نظريته، سنلاحظ أن المرحلة الفلسفية / الميتافزيقية (مع اليونان)جاءت بعدها ألف سنة من القرون الوسطى كانت دينية لاهوتية !!فكيف نقول بالانتقال المرحلي داخل تاريخ الإنسانية على هذا النحو الآلي الميكانيكي؟!
ثم ثالثا : إن المرحلة الوضعية بنهجها العلمي التي يزعم كونت أنها جاءت لاحقة لكل ما سبق هي أيضا مشكوك فيها. فالتفكير بمدلوله العلمي لم يولد مع ميلاد المنهج التجريبي في القرن السابع عشر ولا ولد مع ميلاد المنهج الرياضي من قبل ، بل ثمة دراسات معاصرة على قدر كبير من الوجاهة الأبستمولوجية تؤكد أن قواعد التفكير العلمي موجودة حتى عند الإنسان البدائي !! إذ لم يكن يفتقر إلى القدرة على التفكير العلمي ولا الاشتغال بمنهجيته ، بقدر ما كان يفتقر إلى التراكم المعرفي . وهذا واضح في أعمال موسكوفيسي وخاصة في تحليله الرائع لتقنية إشعال النار عند الإنسان البدائي.الأمر الذي يؤكد أن التفكير العلمي والديني والفلسفي ليس أنماط تفكير مشدودة إلى صيرورة لحظات تطورية كل لاحق منها يلغي سابقه ،بل الأمر أعمق من هذا ، فليس الأمر صيرورة تاريخية تتسم بالقطائع ومحكومة بآلية التجاوز بل الأمر أشبه ما يكون بهيمنة لنمط في التفكير في لحظة أو عصر من العصور. فقد يهيمن التفكير الديني في عصر ما ،وقد يهيمن التفكير العلمي في عصر آخر ،لكن دون أن يعني أن هيمنة هذا النمط يؤدي إلى زوال نمط التفكير الديني وانتفائه.
ثم رابعا ، واستمرارا في انتهاج منهج الاستقراء ، نرى أن التاريخ في سياق تطوره ، لم يؤكد نبوءة أوجست كونت فالمرحلة الوضعية التي أعلن عن ميلادها واكتمال نموها بتأسيسه للسوسيولوجيا في القرن ال19 لم تستطع إنهاء الاحتياج إلى الاعتقاد الديني.
ثم خامسا :إن ما يؤكد استمرارية وضرورة الدين للكائن الإنساني أن أوجست كونت نفسه سيضطر في نهاية حياته إلى أن يبحث للمرحلة الوضعية عن ديانة ، ورغم كونه صاغ ديانة وضعية سماها "ديانة الإنسانية" ، فإن اصطلاحه عليها بلفظ الدين ومفاهيمه يؤكد قوة التجربة الدينية واستمراريتها. وتلك إحدى مفارقات كل فلسفة إلحادية تتنطع إلى إلغاء الدين من حياة الإنسان. وهنا يصح أن نكرر مقولة موريس بلوندل "ليس هناك ملحدون بمعنى الكلمة "، ونرى بناء عليها أن عودة كونت في آخر تطوره الفكري إلى البحث عن ديانة تليق بالمرحلة العلمية الوضعية دليل على كون الدين حاجة ملازمة لكينونة الإنسان وليست لحظة في صيرورة تطوره التاريخي محكومة بمنطق التجاوز.
وخاتمة القول :
يمكن أن ألخص الاستلالات التي عرضها زميلي في ما يلي :(45/141)
1- لم يقدم استدلالات مباشرة على الموقف الألحادي بل ركز على نقد أدلة الموقف الأيماني.
2- ثم لما طالبته بالدليل انتقل من موقف إلحادي إلى موقف لاأدري .وخلال نقاشنا رد زميلي على استدلالي بوجود الله بدليل نظام الكون ،بمحاولة نفي ظاهرة النظام حينا بالقول بنظرية الفوضى الكوانتية ، وحينا بلا أدري عندما أستدل بظواهر الحياة ، وحينا ثالثا بالتراجع عن نظرية الحدوث إلى نظرية النوسان ، وحينا رابعا برفض الحدوث من مدخل أنه لم يكن قبله زمن ، وحينا خامسا بالقول بالحدوث لكن مع تناظر زمني على طريقة ستينجر....
الأمر الذي جعلني أنتقده ناعتا إياه بالقفز على المناهج والنظريات ، وعدم إعلانه عن موقف منهجي محدد يصدر عنه.
بل المرة الوحيدة التي عبر فيها بصريح العبارة عن موقف منهجي
ناقضه مناقضة واضحة حيث قال
اقتباس:
اقتباس:
المنهج الذي افترضه بسيط، وهو أننا ننطلق من الفرضية الصفرية.
أي أننا نفترض أن "أصل الأشياء العدم"، وأن البينة على من ادعى.
لكنه قبل ذلك نفى مقولة العدم تماما حيث قال :
اقتباس:
اقتباس:
هذا الكلام ممكن، فمجموع الطاقة والمادة في الكون صفر أو قريب منه.
ولكن افتراض العدم كبديل عن ذلك المجموع غير مبرر.
وهو اختلاط منهجي غير مبرر!!!
لكن إذا اكتفينا بإمساك تصريحه بحدوث الكون من عدم ، مادام عبر عنه بقصدية واضحة بوصفها فرضيته المنهجية ،فإنه بغض النظر عن وجود النظام من عدمه ،يبقى السؤال المستفز للعقل الألحادي :
هو كيف ظهر الوجود من اللاوجود ؟
لماذا انبثق الكون من عدم وكيف ؟
وبناء على صيرورة حوارنا أرى :
أن الأيمان بوجود قوة عاقلة خلقت الكون ليست فكرة خرافية ،بل هي فكرة معقولة ومستساغة ،بل إن إمعان الفكر في الجواب الألحادي بكون الوجود وجد من عدم بلا سبب ولا خالق هو ما يمكن أن يدرج ضمن الخرافة.
وإلى جميع الزملاء ، وعلى رأسهم قبطان المنتدى ، الذي سعدت بتجاذب الحوار معه ، وافر التحية والتقدير
==============(45/142)
(45/143)
العبد الحر ؟!!!
ذهبت الى سوق النخاسين ووجدت فيه الكثير من العبيد للبيع فاشتريت منهم واحداً وذهبت به معي الى حيث أسكن حتى يقوم بخدمتي وشؤوني وما إلى ذلك .
وعندما وصلت إلى البيت قمت بواجب الضيافة وعقدت معه اجتماعاً عاجلاً للتشاور في بعض الأمور .
وقلت له هل أنت مقتنع أني مولاك وسيدك ومالكك ؟
فأجابني بكل أدب واحترام نعم .
قلت له إن لك علي أن أطعمك وأكسوك وأوفر لك كل مقومات الحياة من مأكل ومشرب وملبس ومأوى على أن تقوم بخدمتي وتلبية رغباتي التي أطلبها منك ثم إذا قمت بكل ذلك فإن لك في ذمتي عهد بعد حين من الزمن اقرره متى أشاء أن أعتقك وأجعل لك منزلناً يضاهي منازل الملوك وأوفر لك عيشة هيئة لا تقاس ولا توصف .
ولكن فجأت جاء جوابه على أذني كالصاعقه وقال لي صحيح أنا عبدك ومملوك لك ويجب عليك أن توفر لي كل متطلبات الحيات من مأكل ومشرب ... الخ " ولكن ليس علي أن أخدمك ولا ألبي طلباتك .
قلت له لماذا تقول هذا الكلام؟
قال لي أنا حر .
يا عبدي أنعمت عليك ووفرت لك كل ما تريد فهل هذا جزائي .
قال لا تكثر من الكلام ليس لدي غير ما سمعت .
يا عبدي أنت ملك يدي وقد أكافئك إن أطعت أو أعاقبك عقاباً شديداً إن عصيت
قال هذا غير صحيح لا تستطيع .
أخذ العبد حقه وأنكر على المالك حقه
فلابد من استبدال المكافأة بعد المعاتبة بالمعاقبة
مالم يرجع إلى وعيه
هذا هو حال العبد مع ربه ولكن رحمة الله أعطت له متسعا من الوقت ليعود ومتسعا من الرزق ليعلم أنه الرزاق ومتسعا من العلم ليستدل على حق مالك الملك وفضلا من العقل ليستدل به على كل ذلك
==================(45/144)
(45/145)
إجماع الامم ..... بين ...القمم..... والرمم
من فجر التاريخ وكل أمه تظهر على الأرض تؤمن بوجود اله خالق وتقيم له المعابد وتلجأ إليه فى الرغبة والرهبة000000 فالفراعنة معابدهم موجودة 00000 وألهتهم معدودة 00000 ثم جاء منهم من ينادى بتوحيد الإله ويجعلها اله واحد00000 وظهرت لهم حضارة 00000 واصبح لهم منارة 000000 وحاذوا القمم 00000 والإغريق فعلوا مثلهم وحاذوا القمم 00000 بغض النظر عن الكلام فى اسم هذا الإله أو تحديده بين هؤلاء وهؤلاء 00000وتتابعت الامم حتى يومنا هذا لا توجد أمه لها حضارة إلا ولها خالق معبود 00000 ومعابد عليه شهود 00000 فأجمعت الأمم 00000 التي تناوبت القمم 00000 على وجود الخالق المعبود 00000ولم يتخلف عن ذلك الإجماع إلا حثاله من البشر00000 نفايات مع الرمم 00000 فى مزابل الامم 00000 منهم فى البحر الكاربيى جماعة لا يذكر لهم اثر 00000 على هامش البشر 00000 لا يؤمنون باله وما عرفوا يوما طريقا الى القمم 00000 فاصبحوا فى مزابل الامم 00000 رمم عاشوا وماتوا فى الظُلم 00000 وجاء من بعدهم ماركس ولينين وظنوا انهم سيقودوا أمة إلي القمم 00000 بالحديد والنار صبوا على الناس الحُمم 00000 ليُخرجوهم عن ما اجمعت عليه الامم 00000 ان هذا الكون له اله اوجده من العدم 00000 فما أفلحت معهم الحُمم 00000 وصاروا الى العدم 00000 ومزابل الرمم .
فى الحقيقة لم نجد للإلحاد سلفا يذكر والذين يلحون على أن الإلحاد هو النتاج الطبيعى لإعمال العقل قد سقطت كل توقعاتهم بالمثال اليونانى الفلسفى فالمتأمل فى كتب أرسطو وأفلاطون يجد أن فكرة وجود إله للكون تكاد تكون مسلمة حتى مع افتراض القول بقدم العالم فقد رأى أرسطو أنه وحتى فى تلك الحالة يجب أن يكون له محرك ..
نعم وبكل تأكيد الإلحاد ظاهرة شاذه ومتعنته ومفتعلة وإذا كان الإلحاد قد قدم للبشرية أربعين مليون جثة فى الاتحاد السوفيتى فى عهد ستالين وحدة وخمسين مليونا فى الصين فى عهد ماو بالإضافة للإنجازات الأخرى الأقل أهميةفقد برزت اللادينية كمحاولة فاشلة لتجميل الإلحاد وذر الرماد فى العيون .
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين
1) أخرج الله آدم من الجنة لمعصية الله
ونسى أحفادة ماعلمهم آدم من دين الله وشريعته
فأرسل الله الرسل
كلما نسى الناس ذكرهم ربهم بالمزيد من الأنبياء
منهم من آمن ومنهم من كفر
كانت خطيئة آدم معصية صغيرة تتضائل كثيرا حينما نقارنها بالإلحاد الذى نراه الآن
فالإلحاد بخس لنعم الله بالخلق والرزق والعقل والحواس ونعم الله أكتر وأكبر من أن نستطيع إحصاءها
واللادينية تكذيب لكلمات الله
صدق الله وكذب المكذبون
2) خلق الله الخلق فأحسن صورهم وعقولهم
ورزقهم ولم يحجب رزقه لمعصيتهم أو كفرهم
فنسبوا خلقه لهم لغيرة
وعبدوا من لا يرزقهم ولا يرزق نفسه وتركوا عبادة الرزاق الحنان المنان
عبدوا الأصنام والأحجار والبقر والطيور والرعد والبرق والنور والنجوم والبشر .......... ألخ
عبدوا من لا يعلم بعبادتهم له
وتركوا العليم الجبار
3) حول تاريخ التوحيد
من الأخطاء التاريخية الشائعة عند كثير من أهل التأريخ وعند الناس
اعتقادهم بأن إخناتون كان أول الموحدين أو أنه كان مؤمنا بالله الواحد
والحق غير ذلك
بقى بنى إسرائيل بمصر 400 سنه
إنتهت بالخروج وغرق فرعون وجيشه عام 1224 قبل الميلاد
أى أن مدة بقائهم بمصر من 1624 قبل الميلاد إلى 1224 قبل الميلاد
إخناتون كان من فراعنة مصر عام 1367 قبل الميلاد
ومدة حكمه كانت ضمن مدة بقاء بنى إسرائيل بمصر
ودعوتهم إلى الله الواحد وصلت إليه
فآمن أن هناك إلها واحدا ولكنه رفض أن يكون هذا الإله الواحد هو إله بنى إسرائيل
وفضل أن تكون الشمس ( آتون ) هو الإله الذى يعبده
وغضب عليه قومه بسبب جمع آلهتهم الوثنية فى إله واحد
وعلموا بتأثير ديانة بنى إسرائيل عليه
فتخلصوا منه وكرهوا بنى إسرائيل الذين أفسدوا عليهم الفرعون
واسترجعوا مكانة بنى إسرائيل التى كانت متميزة فى ظل حكم ملوك الهكسوس أعداء الفراعنة
فبدأ الإضطهاد من فراعنة مصر لبنى إسرائيل
وبلغ الإضطهاد ذروته فى حكم فرعون الإضطهاد رمسيس الثانى الذى حكم مصر 67 سنة من عام1299 قبل الميلاد إلى 1232 قبل الميلاد وخلفه ابنه مرنبتاح وهو فرعون الخروج والغرقواستمر حكمه حتى عام 1224 لمدة ثمانى سنوات
فمن يحلل الأحداث يعلم أن إخناتون لم يكن أول الموحدين
ويعلم أن تاريخ التوحيد يرجع لآدم أبوا البشر
وبعد الطوفان يرجع لنوح
وبعد ذلك ضاع التوحيد من البشر إلى أن أقام الله إبراهيم أبو الأنبياء
وظل التوحيد مستمرا إلى الآن
وسيضيع مرة أخرى فى أواخر الأزمنة بقبض المؤمنين
والله أعلم
=============(45/146)
(45/147)
الإلحاد أسباب هذه الظاهرة وطرق علاجها
مقدمة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على عبده ورسوله الأمين، وكل رسل الله أجمعين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده وأن محمداً عبده ورسوله.. وبعد
فإن شبيبتنا الإسلامية باتت نهباً لدعوات الكفر والإلحاد والزندقة، وتحولنا من أمة غازية إلى أمة مقهورة مغزوة مغلوبة على أمرها بعد أن كنا نغزو العالم برسالة الله مخرجين الناس من الظلمات إلى النور، ومن الظلم إلى العدل، ومن الشرك إلى التوحيد ومن ضيق الدنيا إلى سعتها ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام إذا بنا نصبح أمة يتوطن الظلم والجهل في ربوعها، ويتفلت أبناؤها من دينهم وتراثهم، ويلعنون ما مضى من أسلافهم وينتقلون إلى عقائد الكفر والإلحاد والوثنية، وقد رأيت من واجبي حمل نصيبي من إبلاغ الدين الذي حملني الله إياه، ونشر العلم القليل الذي هيأني الله لقبوله وحمله ولله الحمد والمنة أولاً وأخيراً ولا شك أن مشكلة الإلحاد من أعظم المشاكل التي يعاني منها شباب أمتنا وهأنذا أقدم بفضل الله تصويراً محملاً لهذه المشكلة وكيفية علاجها لعل في هذا هداية للشاردين وتبصرة لإخواتنا المؤمنين في كيفية علاج هذه الظاهرة، والله المستعان، ولا حول ولا قوة إلا به.
عبدالرحمن عبدالخالق
الكويت 7 من جمادي الأول سنة 1403هـ
الموافق 19 من فبراير سنة 1983م
أولاً: مدخل وتعريف
مدخل:
يعاني العالم المعاصر من مشكلات كثيرة فبالرغم من التقدم المادي الهائل الذي نعيش فيه والخيرات العظيمة التي وفرها العلم لحياة الإنسان ورفاهيته، إلا أننا نعيش في ظل مشكلات رهيبة يتولد بعضها عن بعض، ويؤثر بعضها في وجود بعض، ومن هذه المشكلات القلق النفسي والاضطراب، وانتشار الجريمة، وانعدام الأخلاق والفردية والأنانية، والظلم بكل معانيه وصوره، والانحلال والفساد، فالفضائح السياسية والمالية نسمع عنها كل يوم تقريباً، ولا يكاد يخلو بلد من بلدان العالم من هذه المشكلات، ولم يستطع تقدم الإنسان المادي أن يقضي أن يخفف من هذه المشكلات بل على العكس من ذلك كلما ارتقت حياة الإنسان المادية كلما ظهرت وانتشرت هذه المشكلات.
وبالرغم من كثرة هذه المشكلات وتعددها فإن أعظم هذه المشكلات وأكبرها أثراً في ظهور الفساد والاضطراب والقلق هي مشكلة الإلحاد. فهذه المشكلة في الحقيقة هي أم المشكلات وسببها جميعاً. فماذا نعني بمشكلة الإلحاد؟ وما سبب هذه المشكلة التي أصبحت إحدى مظاهر العصر؟ وكيف يعالج الإسلام هذه المشكلة؟ هذا ما سنناقشه في الصفحات التالية بحول الله.
ماذا نعني بكلمة الإلحاد:
نعني بالإلحاد الكفر بالله والميل عن طريق أهل الإيمان والرشد. وظهور التكذيب بالبعث والجنة والنار وتكريس الحياة كلها للدنيا فقط والإلحاد اليوم ظاهرة عالمية فالعالم الغربي في أوربا وأمريكا وإن كان وارثاً في الظاهر للعقيدة النصرانية التي تؤمن بالبعث والجنة والنار إلا أنه ترك هذه العقيدة الآن وأصبح إيمان الناس هناك بالحياة الدنيا فقط وأصبحت الكنيسة مجرد تراث وأثر من آثار الماضي، ولا تشكل في حياة الناس وعقولهم إلا شيئاً تافهاً جداً وقد أصبح (الإلحاد) هو الدين الرسمي المنصوص عليه في كل دساتير البلدان الأوربية والأمريكية ويعبر عن ذلك (بالعلمانية) تارة، و (اللادينية) تارة أخرى وكل ذلك يعني الإلحاد والكفر بالله.
وفي الشرق تقوم أكبر دولة على الإلحاد وهي الدولة الروسية التي تحمل العقيدة الشيوعية التي من بنودها رفض الغيب كله والقول بأن الحياة مادة فقط وأن صراع الإنسان في هذه الحياة إنما هو من أجل العيش والبقاء فقط، وأما الدول الأخرى فبالرغم من أنه كان ينتشر فيها أديان تقوم على بعض العقائد الغيبية كالهندوكية والبوذية والكونفشيوسية إلا أن هذه الأديان اختفت الآن تقريباً أمام مد الإلحاد الغربي والحياة العصرية.
وبالرغم من أن العالم الإسلامي ما زال يتمسك نوعاً ما بالإسلام ويقر بالتوحيد ويؤمن بالبعث والجنة والنار إلا أن موجة الإلحاد العارمة تطغى عليه من كل جانب، وتشكك أبناءه في دينهم وعقيدتهم ويحسن بنا ونحن نجابه هذه المشكلة أن نبحث بحثاً موضوعياً علمياً في أسباب هذه المشكلة وكيفية علاجها.
ثانياً: أسباب مشكلة الإلحاد
منذ مائتي عام فقط لم تكن مشكلة الإلحاد بهذه الحدة والانتشار ولكن في القرنين الأخيرين ظهرت عوامل كثيرة جعلت من الإلحاد والكفر بالله ديناً عاماً منتشراً، ونستطيع أن نجمل أهم الأسباب في انتشار الإلحاد فيما يلي:
1- الكنيسة الأوروبية:(45/148)
لقد كانت الكنيسة الأوروبية سبباً غير مباشر أحياناً وسبباً مباشراً أحياناً أخرى في نشر الإلحاد والزندقة والكفر الكامل بوجود الله وذلك لأن القائمين على هذه الكنيسة من الرهبان والقساوسة أدخلوا في دينهم كثيراً من الخرافات والخزعبلات، وجعلوها عقائد دينية، كرفعهم عيسى عليه السلام من مرتبة البشرية إلى الألوهية وظهور فكرة الخطيئة والصلب والخلاص وأضافوا إلى ذلك كثيراً من الخرافات الدارجة عن الأرض والكون والحياة، وعندما بدأ عصر النهضة الأوربية واكتشف بعض العلماء حقائق جديدة عن الأرض والكون والحياة هب الرهبان والقساوسة ينكرون ذلك، ويتهمون من يعتقد بالحقائق الجديدة ويصدق بها بالكفر والزندقة ويوعزون إلى السلطات الحاكمة بقتلهم وحرقهم بالنار، ولقد لقي كثير من العلماء هذا المصير المؤلم جزاء مخالفتهم لآراء الكنيسة.. ولكن حركة العلم لم تتوقف واستطاع العلماء أن يقدموا كل يوم براهين جديدة على نظرياتهم العلمية وابتدأت آراء الكنيسة ومعتقداتها تهزم كل يوم هزيمة جديدة وكانت الجولة في النهاية لعلماء المادة على رجال الكهنوت فاندفع الناس نحو الإيمان بالعلم المادي كإله جديد سيحمل الرخاء والقوة والرفاهية للناس، وفتش الناس أسرار الكنيسة فهالهم ما رأوه من فساد أخلاقي بين الرهبان والراهبات وأرادوا التخلص إلى غير رجعة من السلطان الكهنوتي والقهر الزمني الذي مارسته الكنيسة ضدهم ومن الإتاوات والضرائب التي فرضتها الكنيسة على رقابهم فكان الرفض الكامل لكل المعتقدات الدينية والكراهية العامة لكل عقيدة تنادي بالإيمان بالغيب واتهام الرسل جميعاً بالكذب والتدليس وهكذا برزت الموجة الأولى من موجات الإلحاد العالمي.
2- مظالم العالم الرأسمالي:
ما كادت أوربا تتخلص جزئياً من سلطان الكنيسة ويكتشف الناس قوة البخار والآلة حتى تحول الناس من الزراعة إلى الصناعة، وهرع أهل الإقطاع إلى التصنيع فامتلكوا المصانع الكبيرة وحازوا الثروات الضخمة واستغلوا العمال استغلالاً فاحشاً وانتشرت المظالم الهائلة وظهرت الطبقات المتفاوتة من رأسماليين جشعين إلى عمال فقراء مظلومين، وكان رؤية هذا الظلم الجديد، ومساندة رجال الدين أو سكوتهم عنه سبباً جديداً في انتشار الإلحاد والشك في وجود الله، واتهام الدين بمساندة الظلم أو عجزة عن تقديم حل ناجح لمشكلات الإنسان على الأرض وابتدأت العقائد الدينية تنحسر انحساراً جديداً عن حياة الناس وابتدأ الناس يعملون أفكارهم في خلق عقائد تستطيع أن تحل مشكلاتهم على الأرض، وتقنع عقولهم وعجزت الكنيسة الأوروبية أيضاً عن تقديم هذا العلاج للناس.
3- ظهور المذاهب الاقتصادية الالحادية:
كان العامل الثالث الذي ساعد على انتشار موجة الإلحاد هو ظهور المذاهب الاقتصادية الإلحادية وخاصة الشيوعية التي بشر بها كارل ماركس (اليهودي الألماني الذي تنصر والده) فبالرغم من أن هذا المذهب ينطلق من منطلق اقتصادي ويستهدف حسب إعلان المبشرين به معالجة المظالم الرأسمالية الفردية والسيطرة على مجتمع اشتراكي يعمل فيه كل إنسان حسب طاقته ويأخذ حسب حاجته فقط، إلا أن القائمين على هذا المذهب الاقتصادي صبغوه بالصبغة العقائدية وأعطوه أبعاداً أخرى غير اقتصادية فزعموا أن الحياة التي يعيشها الناس حياة مادية فقط وأنه لا يوجد روح ولا بعث ولا إله، ولا حياة أخرى وأن الناس منذ وجدوا لا هم لهم إلا المصالح المادية وزعموا أن ظهور الأديان إنما كان من فعل الأغنياء ليلبسوا على الفقراء ويستغلوهم وأن الأخلاق كالأمانة والعفة والصدق ما هي إلا نتاج خبيث للفكر الديني الذي يريد أن يخدم المصالح الرأسمالية، واعتقد الشيوعيون لذلك أن الأنبياء ما كانوا إلا دجالين أرادوا بنشر أديانهم تخدير الشعوب لتستنيم للظلم والقهر وبهذا أصبح هذا المذهب الاقتصادي بفلسفته التي أطلقها على الأديان موجة جديدة من موجات الإلحاد والزندقة. ولعل هذه الموجة الجديدة التي جاءت بها الشيوعية كانت أعتى موجات الإلحاد جميعاً وذلك أن الشيوعية تبنت الدفاع عن المظلومين والفقراء وهذه قضية عادلة وإنسانية في ذاتها ولذلك تبنى هؤلاء الفقراء والمظلومون وهم أغلبية الناس دائماً هذه العقيدة الجديدة والدين الجديد لأنه يدافع عن مصالحهم ويتبنى قضاياهم وبالطبع أخذوا هذا الدين بفلسفته العقائدية وليس بفكره الاقتصادي فقط.
وهكذا انتشر الإلحاد سريعاً مع هذا المذهب الاقتصادي الجديد وكان النجاح الهائل الذي لاقته الدعوة الشيوعية بتفجير الثورة البلشفية في روسيا والاستيلاء على الحكم عاملاً كاسحاً في هدم الأديان ونشر الإلحاد وانتقاله ليصبح عقيدة عالمية.(45/149)
ولما كانت الدعوة الشيوعية ترى أن نهاية العالم الحتمية إلى الشيوعية وتدعو لذلك بل تنتهج الثورة والعنف الدموي سبيلاً إلى نشر الشيوعية فإنه سرعان ما تأجج العالم من أقصاه إلى أقصاه بالثورات التي أججتها هذه العقيدة وابتدأت التحولات القسرية لشعوب بأجمعها نحو الإلحاد كما حدث في الجمهوريات الإسلامية في روسيا وكذلك في الصين وغيرها وما زال المد الإلحادي الذي تؤججه العقيدة الماركسية يمتد عبر بلدان العالم جميعها. وها هي البلدان العربية التي كانت معقلاً للإسلام تغزوها العقيدة الماركسية الإلحادية في عقر دارها.
4- اقتران الإلحادية بالقوة المادية:
السبب الرابع الذي شجع الناس على الكفر بالله والانطلاق نحو الإلحاد الكامل هو اقتران القوة المادية بالإلحاد، وذلك أن الناس رأوا أن أوربا لم تتقدم وتمتك القوى المادية وتكتشف أسرار الحياة إلا بعد أن تركت أفكار الكنيسة وعقائدها. وأن دولة كروسيا لم تصبح دولة عظمى إلا بعد أن أعلنت أنها دولة إلحادية، ورأوا مع ذلك أن الدول التي ما زالت تتمسك بالدين دولاً متخلفة في القوة والصناعات فظن الناس لذلك أن الإلحاد سبب للقوة والعلم، وأن الدين يعني التخلف والجهل، ولما كان للعلم المادي آثاره الظاهرة والباهرة من تيسير حياة الإنسان على ظهر الأرض ونشر الرفاهية والرخاء فإن الناس انصرفوا عن العقائد الدينية وآمنوا بالعلم المادي كإله جديد قادر على أن يذلل لهم كل الصعاب على هذه الأرض، بل أطمعهم هذا الإله المادي أيضاً في الوصول إلى الكواكب الأخرى وتسخيرها في خدمة الإنسان وهكذا ساعد اقتران العلم المادي والكشوف الجديدة بالإلحاد على ظن الناس أن العلم ثمرة ونتيجة للإلحاد، وكان هذا خطأ عظيماً عمت بسببه موجة الإلحاد.
5- هزيمة العالم الإسلامي أمام الهجمة الأوربية:
ما كاد الأوربيون يمتلكون القوة المادية، ويستخدمون الآلة، ويبنون المصانع حتى اتجهوا إلى دول العالم بحثاً وراء الأسواق لمنتجاتهم الصناعية، وجلباً للمواد الخام اللازمة للصناعة. ولما كانت هذه الدول تطمع في الحصول على ما تريد بأبخس الأثمان أو بلا ثمن أصلاً فإنها استخدمت قوتها العسكرية النامية للحصول على ما تريد. ولما كان العالم الإسلامي في غاية التخلف والفقر والضعف العسكري والسياسي، فإنه لم يصمد طويلاً أمام الهجمة الأوربية الاستعمارية، وكان للهزيمة العسكرية التي مني بها المسلمون أمام الغزو الأوربي أثرها البعيد في زلزلة العقائد الإسلامية، وانحسارها أمام المد الإلحادي الذي حمله المستعمرون الأوربيون، وطفقت الشعوب الإسلامية، تقلد المستعمر الأوربي وتتشبه بأخلاقه وعاداته، وتدخل في عقيدته الإلحادية ظناً منها أن الأوربيين لم يصلوا إلى القوة إلا برفضهم للدين، وكانت هذه خطيئة جديدة وسبباً آخر أسهم في الظاهرة الإلحادية العالمية.
6- الحياة الجديدة ومباهج الحضارة:
فتح العلم المادي للناس أبواباً عظيمة من أبواب الرفاهية والترف ومغريات الحياة، فالمراكب الفخمة من سيارات وطائرات، وقطارات، ووسائل الاتصال ووسائل الراحة والتسلية، والمطاعم والمشارب الفاخرة، والألبسة الأنيقة، والتفنن العجيب في التلذذ بالحياة، والجري وراء الشهوات والمغريات كل هذا فتح على الناس ألواناً لم يعهدوها من الاستمتاع بالحياة، والانغماس في الشهوات والملذات.
ولما كان الدين بوجه عام ينهى عن الإسراف ويأمر بالقصد والاعتدال، ويحرم الاستمتاع بالحرام كالخمر والزنا والتعري فإن الناس الذين يجهلون سر أمر الدين بذلك ظنوا أن هذه قيوداً على حريتهم، وحجراً لملذاتهم وشهواتهم فازدادوا لذلك بعداً عن الدين، وكراهية لمن يذكرهم بالآخرة ومن يحذرهم من نار أو يطمعهم في جنة. وبذلك أيضاً ازدادت غربة العقائد الدينية وانتشرت عقائد الإلحاد والزندقة.
7- دوامة الحياة:(45/150)
كان لانطلاق الناس الصارخ نحو العب من الحياة والاستمتاع بكل ما أفرزته الحضارة الغربية من ملهيات ومغريات، واقتناء كل مستطاع من وسائلها الحديثة أثره البالغ في انشغال الناس عن كل شيء حتى عن أنفسهم، فضاعف الناس ساعات عملهم طمعاً في المزيد من الأجور ولتحصيل المزيد من وسائل الراحة كالغسالات والثلاجات والسيارات، ونحوها، وفي سبيل ذلك أيضاً انطلقت المرأة من المنزل لتشارك الرجل أعباء الحياة وتكاليفها الجديدة، وللحصول على مزيد من الرفاهية والراحة، وابتدأ السعار المجنون والرغبة الجامحة نحو اقتناء مغريات الحياة فتطلب ذلك زيادة في الجد والنشاط وانشغالاً بالليل والنهار، وهكذا بدأت دوامة الحياة تطحن الإنسان المعاصر وتشغله في ليله ونهاره ولا تترك له فرصة للتفكير في نفسه أو في مصيره فهو يعمل في متجره أو مصنعه ويعود لملهياته وشهواته ثم يعود إلى عمله وهكذا دون أن تترك له الحياة المعاصرة وقتاً للفراغ يستطيع فيه أن يفكر في حقائق الدين، وأن يجيب عن الأسئلة الخالدة التي تتردد داخل كل نفس: من خلق هذا الكون؟ ومن خلقنا؟ ولماذا خلقنا؟ وإلى أين نسير؟ وهل لهذا العالم نهاية؟ وهل له من بداية؟ ولماذا يعيش الناس متفاوتين فهذا غني وهذا فقير، وهذا ظالم، وذاك مظلوم، وهذا قاتل، وذاك مقتول؟ وفيم كل هذا؟ بل بقيت هذه الأسئلة حائرة في أكثر النفوس وبلا جواب وذلك أن الإنسان المعاصر المستهلك الذي تطحنه دوامة الحياة لا يجد وقتاً للتفكير في كل هذه الأسئلة.
هذه هي الأسباب البارزة لوجود ظاهرة الإلحاد وانتشارها على هذا النحو الذريع والآن كيف أثرت هذه الظاهرة في حياتنا المعاصرة وما آثارها على التحديد؟
ثالثاً: آثار الإلحاد في حياة الإنسان
ترك الإلحاد المعاصر آثاره الواضحة في سلوك الإنسان وفي أخلاق الأمم ونظام الاجتماع، ونستطيع أن نجمل هذه الآثار فيما يلي:
1- القلق والصراع النفسي:
إن أول الآثار التي يخلفها الإلحاد في نفوس الأفراد هو القلق والحيرة والاضطراب والصراع النفسي. وذلك أن داخل كل إنسان منا فطرة تلح عليه، وأسئلة تتلجلج في صدره: لماذا خلقنا؟ ومن خلقنا؟ وإلى أين نسير؟ وإذا كانت زحمة الحياة، وشغلها الشاغل يصرف الإنسان أحياناً عن الإمعان في جواب هذه الأسئلة، والبحث عن سر الحياة والكون فإن الإنسان يصطدم كثيراً بمواقف وهزات تحمله حملاً على التفكير في هذا السؤال، فالأمراض والكوارث، وفقد بعض الأهل والأحبة، والمصائب التي تصيب الإنسان ولا بد تفرض على الإنسان أن يفكر في مصيره ومستقبله، ولما كان الإلحاد عقيدة جهلانية لأنه يقوم على افتراض عدم وجود إله - فإنه لا يقدم شيئاً يخرج هذا الإنسان من الحيرة والقلق والالتباس ويبقى لغز الحياة محيراً للإنسان ويبقى رؤية الظلم والمصاعب التي يلاقيها البشر في حياتهم كابوساً يخيم على النفس ويظل الإلحاد عاجزاً عن فهم غاية الحياة والكون، ولا يقدم للإنسان إلا مجموعة من الظنون والافتراضات لا تقنع عقلاً ولا تشفي غليلاً. ومع إلحاح نداء الفطرة الداخلي وتردد تلك الأسئلة الخالدة في النفس يظل الإنسان قلقاً معذباً.
وقد كان للإنسان قديماً فسحة من الوقت ليخلو بنفسه ويطالع السماء بنجومها، والبحر بروعته وسحره، والجبال بشموخها والصحراء بسعتها وامتدادها وروعتها. والزهر والنبات وبهجته، وكان ذلك يفيده كثيراً في الاستدلال على الرب والاعتراف بالصانع العظيم والخالق الكريم. ولكن الإنسان المعاصر أصبحت تحاصره المدينة بعمارتها الشامخة وطرقها الحديثة وأضوائها وضوضائها وملهيات الحياة ومغرياتها فتشل فكره عن التفكير في الخالق والاستدلال على الله. فيزيد هذا في حيرته وارتباكه.
وقد كان المجتمع القديم أيضاً مجتمعاً ساذجاً فطرياً يعرف الناس فيه بعضهم بعضاً ويتعاونون في الملمات ويفزع بعضهم البعض في المصائب. ولكن المجتمع الحديث مجتمع المدينة الصاخب باعد الناس بعضهم عن بعض وأصبح لكل فرد منهم همومه ومشكلاته، وأصبح الإنسان المعاصر لا يجد من يشكو إليه قلقه ومشكلاته ولا يتصور أن يجد من يمد له يد العون لو زلت قدمه وأصابته مشكلة أو فاقة وبذلك تعاظم الخوف من المستقبل والحذر من الأيام، واهتم الناس بأنفسهم وأصبحوا حريصين ماديين يجمعون ويدخرون ولا ينفقون. ومع الخوف من المستقبل والحذر من الأيام زاد القلق والاضطراب والتوجس والتوجع. ولو كان ثمة إيماناً بالله وتصديقاً بالغيب ومعرفة بالقضاء والقدر لحلت هذه المعضلة ولكن الإلحاد الذي يفترض ويزعم أن الإنسان يقوم وحده في هذا الكون وأنه لا يوجد إله يقيمه ويرزقه كرس قلق الإنسان وخوفه من المستقبل واتجاهه للأنانية والفردية.
2- الأنانية والفردية:(45/151)
كانت النتيجة الحتمية للقلق النفسي والخوف من الأيام هي اتجاه الإنسان نحو الفردية والأنانية ونعني بالأنانية اتجاه الإنسان لخدمة مصالحه الخاصة وعدم التفكير في الآخرين - فالدين الذي يحث الإنسان على بذل المعروف للغير والإحسان للناس ابتغاء مرضاة الله بانحساره عن حياة الإنسان حل مكانه التفكير في النفس فقط وبذلك بدأ الناس في عصور الإلحاد المظلمة هذه لا يأبهون بغيرهم من بني البشر وشيئاً فشيئاً قلت العناية بالفقراء والمحتاجين ثم بالأهل والأقربين ثم بالوالدين وأيضاً بالزوجة والأولاد والمطلع على أحوال المجتمع الإلحادي في الغرب والشرق يرى إلى أي حد أصبح الناس ماديين أنانيين لا يهتم الفرد إلا في نفسه، ولا يهتم بالآخرين إلا بقدر ما يعود هذا على نفسه من منافع. وقد ضاعف هذه الأنانية والمادية اتجاه الناس نحو العب من الملذات والشهوات التي يسرتها الحضارة الحديثة وأباحتها قوانين الإلحاد التي تكفر بالآخرة وتجعل حياة الإنسان الخاصة ملكاً له. فانطلق الناس لذلك نحو شهوات أنفسهم يستزيدون منها بقدر طاقتهم وجهودهم وأهملوا في سبيل ذلك العطف والإحسان والعناية بالآخرين. وبذلك نشأن الإنسان المادي النفعي المعاصر الذي أصبح علماً ورمزاً للحضارة الأوربية الإلحادية التي تغزو العالم الآن.
3- فقد الوازع والنزوع إلى الإجرام:
لأن الإلحاد لا يربي الضمير، ولا يخوف الإنسان من إله قوي قادر يراقب تصرفاته وأعماله في هذه الأرض فإن الملحد ينشأ غليظ القلب عديم الإحساس قد فقد الوازع الذي يردعه عن الظلم ويأمره بالإحسان والرحمة. بل على العكس من ذلك فإن الإلحاد يعلم أتباعه أنهم وجدوا هكذا صدفة ولم يخلقهم خالق أو أنهم خلقوا أنفسهم وأنهم حيوانات أرضية كسائر الحيوانات التي تدب على الأرض وبذلك يغلظ إحساسهم ويتنامى شعورهم بالحيوانية والانحطاط ويتجهون إلى إثبات ذواتهم بالإغراق في الشهوات والملذات، وإذا منعتهم ظروفهم المعاشية أو القوانين الوضعية البشرية عن بلوغ غاياتهم وأهدافهم الحيوانية فإنهم يقومون بالتغلب على تلك الظروف وذلك إما بالحيلة والمكر وإما بالقوة والغلبة وفي كلا الأمرين لا يجد الإنسان الملحد رادعاً داخلياً يردعه لأنه لا يخاف رباً ولا يرجو حساباً. ولا يبقى أمام الملحد من وازع إلا القانون البشري أو ظروفه الواقعية وهذه أمور يمكن التغلب عليها بصور كثيرة وخاصة في المجتمع المعاصر الذي تفنن الإنسان فيه في طرق الإجرام والتهرب من القوانين. وقد يبقى في بعض الأنفس التي تدين بالإلحاد شيء من نداء الفطرة ومحاسبة الضمير ولكن هذا النداء الداخلي المسمى بالضمير سرعان ما يزول ويتلاشى في زحمة الحياة الراكضة وأمام مغرياتها الكثيرة.
وهذا الأثر من أعظم آثار الإلحاد في حياة الإنسان فعالمنا المعاصر هو عالم الجريمة والخوف. فكل يوم تطالعنا وسائل الاتصال من صحف وكتب وإذاعة وغيرها بأخبار الجرائم البشعة التي بلغت من الحدة والعنف والشذوذ والتلذذ بتعذيب الآخرين وشرب دمائهم. والتمتع برؤية صراخهم واستغاثاتهم -هذا إلى حوادث السرقة والسطو والاغتصاب والقتل التي تتزايد يوماً بعد يوم- ولعل حادثة انقطاع النور المشهورة عام 1977م عن مدينة نيويورك حيث اكتشف الناس في الصباح أن آلاف المحلات التجارية والمخازن والبيوت قد نهبت عن آخرها وأنه اشترك في هذه السرقة الجماعية معظم الناس على اختلاف درجاتهم وطبقاتهم وأعمارهم حتى رجال الشرطة أنفسهم المكلفون بالحراسة شاركوا هذا المهرجان الشائن في السرقة والسطو.
ويقدر الخبراء أنه لو استمر انقطاع النور هكذا أسبوعاً واحداً ولم تتدخل فرق من الجيش لخربت المدينة عن آخرها. فكيف إذا تراخى الأمن في ظل الأزمات أو الحروب لا شك أن هذا المجتمع سيأكل بعضه بعضاً. ولا شك أيضاً أن هذه ثمرات حتمية من ثمار الإلحاد.
4- هدم النظام الأسري:
كان للإلحاد آثار مدمرة في الحياة الاجتماعية للإنسان فالبعد عن الله سبحانه وتعالى لم يكن من آثار تدميره النفسية البشرية فقط وإنما كان من لوازم ذلك تدمير المجتمع الإنسان وتفكيكه وذلك أن نظام الاجتماع البشري لا يكون صالحاً سليماً إلا إذا كانت اللبنات التي تشكل هذا النظام صالحة سليمة، وإذا فسدت هذه اللبنات فسد تبعاً لذلك النظام الاجتماعي بأسره ولذلك كان من نتائج الإلحاد أيضا هدم النظام الأسري.(45/152)
ومعلوم أن الأسرة هي الخلية الأولى في النظام الاجتماعي. وعندما فسدت البشرية فسدت الروابط الأسرية فالزوج الفاسد المنحل لا بد وأن يمتد فساده إلى زوجته وأولاده، والزوجة الفاسدة التي لا تراقب الله سبحانه وتعالى ولا تخافه لا بد وأن ينعكس هذه على أسرتها كلها: زوجها وأولادها، وكذلك الابن الفاسد الذي لا يراعي حرمة لوالد أو والدة، ولا حقاً لله سبحانه وتعالى وكذلك البنت الفاسدة وهكذا ابتدأنا نسمع في ظل الإلحاد المعاصر عن انهيار عقد الزواج الشرعي الشريف الذي يقصر المرأة على رجل واحد وتقيم علاقات متوازنة بين الأزواج ويوزع المسئولية في الأسرة توزيعاً عادلاً موافقاً للفطرة البشرية التي خلق الله عليها كلاً من الذكر والأنثى، وبانهيار عقد الزواج الشرعي أصبحت علاقات الأزواج علاقة متعة ومنفعة مجردة وبذلك قلت التضحيات التي لا بد منها فالزوج المخلص الوفي لا بد وأن يضحي بشيء من شهواته في سبيل أسرته، والزوجة الوفية كذلك التي قد تضطرها ظروفها أن تعيش مع زوج فقير أو مريض وأن تكافح لخدمة غيرها وتربية أولادها. ولكن في ظل العقيدة الإلحادية التي لا تؤمن بالآخرة ولا بالجزاء، فإنه لم يبق ما يحمل بالزوج أو الزوجة على التضحية والفداء. وكذلك الحال بالنسبة للأبناء أيضاً الذين يتعلمون في ظل التوحيد أن يعبدوا الله بالإحسان إلى آبائهم، وأن يجاهدوا في سبيل مرضاتهم وكفالتهم في أحوال العجز والكبر ولكن العقيدة الإلحادية التي تقوم على النفعية المادية تنظر إلى خدمة الآخرين على أنه سخافة وغباء ما دام أنه لا يحقق نفعاً قريباً. وبهذا ماتت المشاعر الجميلة والروابط الطبيعية التي كانت تمسك بزمام الأسرة وتؤلف بين قلوب أفرادها.
ولم تقتصر الآثار السيئة للإلحاد على هذا الفساد في الأسرة، بل تعدى ذلك إلى أنواع عجيبة من الفساد ففي ظل الانهيار الخلفي والرغبة المجنونة في جني الملذات والركض وراء الشهوات الجنسية أصبح التمسك بعقد الزواج الشرعي نوعاً من الغباء وبذلك أيقن الرجال في كثير من الأحيان أن أبناءهم الذين ولدوا على فراشهم ليسوا من ظهورهم بالضرورة وأيقن الأخوة كذلك أنهم لا ينتمون إلى أب واحد وبذلك انهدمت مشاعر القربى والرحم التي لا يمكن أن تنشأ إلا في مجتمع نظيف طاهر. وبانهيار مشاعر القربى والرحم كالأخوة والأبوة والعمومة ونحوها انهدمت متعة عظيمة من المتع الروحية والنفسية التي لا غنى عنها للإنسان وحل مكان ذلك المتع الجسدية المادية البليدة وبهذا تحول الإنسان شيئاً فشيئاً نحو الحيوانية والمادية وتفككت بذلك أيضاً عروة الأرحام والقرابة بعد أن تفككت الأسرة وقيمها الجميلة. وبهذا أضحى الطلاق وهجران البيوت وخيانة الزوجية شيئاً عادياً يومياً، وأصبح الرجل يرى أصدقاء ابنته ولا يأبه لذلك بل يدفعها لهذا، وكذلك يرى صديقات ابنه ولا يأبه لذلك لأن الناس آمنوا في ظل الإلحاد أن على كل إنسان أن يسلك السبيل الذي يريد، وأن كل إنسان مسئول عن نفسه فقط.
وبهذا انهدمت الخلية الأولى من خلايا المجتمع الإنساني.
5- تخريب المجتمعات:
الأسرة هي الخلية الأولى من البناء الاجتماعي وبفسادها لا شك يفسد النظام كله. لأن الأسرة هي المحضن الأول للإنسان وإذا فسد الإنسان فسدت اللبنات التي تكون هذا البناء ولا بد. ولما كانت الأسرة تقذف إلى المجتمع كل يوم بلبنات فاسدة وتأتي هذه اللبنات الفاسدة وتأخذ مكانها في الهرم الاجتماعي الكبير فالفرد يكون مسئولاً في دائرة أو حاكماً أو طبيباً أو مهندساً أو مدرساً أو عاملاً.. وكل فرد من أفراد المجتمع يتعامل مع المحيطين به بالأخلاق والسلوك الذي كسبه في حياته وخاصة في مراحل نشأته الأولى في أسرته وهكذا تطفح الأنانية والفردية وغياب مراقبة الله سبحانه وتعالى في جميع المعاملات وأنماط السلوك التي يمارسها الفرد، وهكذا تصبح العلاقات التي تحكم تصرفات الفرد في شكل هذا المجتمع علاقات المنافع المادية والمصالح الشخصية، وتختفي التضحية والفدائية والصبر والرغبة في إسعاد الآخرين ونفع الناس وهكذا تتحول الدوائر الحكومية والمؤسسات الخاصة وجميع أجهزة الدولة إلى أن تصبح مطايا للمآرب الشخصية، وهكذا لا يزال الناس يكتشفون في كل يوم الفساد الإداري والوظيفي واستغلال النفوذ، وأخذ الرشوة والتحايل على القوانين والتلاعب بأموال الدولة وكذلك الظلم والقهر.
إن المجتمع الحديث في ظل الإلحاد أصبح شبيهاً بمجتمع الغابة الذي يحاول كل حيوان فيه أن يفترس الآخر وبهذا يلجأ الضعيف إلى التخفي والخداع ويلجأ القوي إلى البطش والقسوة والعنف.
والذين يطالعون أحوال المجتمع الغربي الآن يرون إلى أي حد أصبحت الجريمة عملاً يومياً، وسلوكاً منظماً متطوراً فبالرغم من توفر الزنا والرذيلة ينتشر الاغتصاب للنساء بصورة مذهلة، وبالرغم من توفر الفرص للعمل والإنتاج نجد السطو والسرقات المسلحة التي يمارسها الناس على اختلاف أعمارهم وطبقاتهم وأسنانهم ولا يكاد يمر يوم واحد حتى تقع في كل مدينة عشرات بل مئات من حوادث القتل والإجرام.(45/153)
وهكذا في ظل الإلحاد وعدم مراقبة الله سبحانه وتعالى وتذكر الآخرة تتحول المجتمعات إلى مستنقع آسن للرذيلة والفجور، وتصبح الجريمة عملاً يومياً ويصبح التحايل على القانون واستغلال النفوذ وظلم القادر للضعيف ونفاق الضعيف أمام القوي خلقاً وديناً ومنهجاً جديداً تسير عليه المجتمعات المنحلة البعيدة عن الله سبحانه وتعالى.
6- الإجرام السياسي:
لعل أعظم آثار الإلحاد هو آثاره في السياسة العالمية، ونظام العلاقات بين الدول. وذلك أن الأخلاق المادية الإلحادية التي جعلت قلب الإنسان يمتلئ بالقسوة والأنانية دفعت الإنسان إلى تطبيق هذه القسوة والأنانية في مجال العلاقات السياسية العالمية أيضاً. ولذلك رأينا الدول الاستعمارية الكبرى تلجأ إلى وسائل خسيسة جداً في استعباد الشعوب الضعيفة والحصول على خيراتها ونهب ثرواتها وبلادنا الإسلامية بوجه عام والعربية بوجه خاص هي أشقى البلاد الضعيفة بهذه السياسات المادية الالحادية فهي تقع دائماً تحت التهديد بالقهر والتدخل العسكري كلما حاولت دولنا الإسلامية أن تحصل على شيء من حقوقها الضائعة أو أموالها المنهوبة. بل كلما فكرت دولنا في تطبيق الإسلام والرجوع إلى أحكامه وتشريعاته النظيفة الطاهرة، نرى الدول الاستعمارية الكبرى تتنادى لقتل عودتنا نحو الإسلام متهمة هذا الدين بأنه رجعية تارة وأنه وحشية تارة أخرى وأنه يضطهد الأديان الأخرى والأقليات تارة ثالثة ولعل في قضية البترول وسعي الدول الإسلامية للحصول على أثمان معقولة له والاستفادة بهذه الأثمان خير دليل على السلوك الاستعماري الارهابي الأناني ضد هذه الدول الإسلامية فقد اتهمتنا الدول الاستعمارية أننا نريد تدمير الاقتصاد العالمي، واستعباد البشرية وتدمير الحضارة وذلك لمجرد المطالبة بشيء من حقوقنا وهددت تلك الدول الاستعمارية عشرات المرات أنها ستحتل آبار النفط وتأخذه بالقوة إن عمدت دولنا إلى منعه عن أعدائنا أو زيادة أسعاره.
وهكذا يصطلي العالم الآن بنار المادية الأنانية العالمية التي تمارسها الدول الاستعمارية الكبرى التي تقوم الآن على استعباد الشعوب ونهب خيراتها وإيقاعها فرائس للقلق والخوف والفوضى والاختلاف حتى يسهل عليهم استلاب خيراتها وسرقة ثرواتها.
ولو كان الإيمان والتوحيد وخوف الله هو المسيطر على أخلاق الذين يملكون سياسة الدول لعمت الرحمة والإحسان بين الشعوب وكانت نصرة الضعفاء وإعانة المساكين ورفع الظلم هو الدين والمنهج الذي تسير عليه السياسات العالمية.
والخوف كل الخوف بعد ذلك أن يتسبب الإلحاد في تدمير العالم أجمع وذلك بعد وضع العلم الحديث في يد الإنسان أسلحة تستطيع تدمير العالم أجمع.
ومن يشاهد الآن ما تلجأ إليه الدول الكبرى لتدمير الشعوب الصغيرة يجد عجباً فهذه الدول تستخدم أسلحة رهيبة جداً لذلك كالمخدرات، والدعاية السوداء والحرب النفسية والنساء وتربية العملاء وكذلك القتل والتشريد لكل العناصر الطيبة المخلصة لأوطانها وأمتها.
وهكذا استطاع الإلحاد والبعد عن الله سبحانه وتعالى أن يحول المجتمع الإنساني كله إلى مجتمع بغيض جداً يقوم على الظلم والقهر والنهب والخوف الدائم من الدمار والخراب وهذا بدوره يؤدي إلى تدمير نفس الإنسان المعاصر وهروبه الدائم من واقعه ولذلك انتشرت المخدرات والمهدئات والإغراق الجنسي، وكذلك دفعت هذه السياسات العالمية الفرد إلى مزيد من الأنانية وحب الذات والحرص على المال بكل سبيل وطلب النجاة لنفسه فحسب، والعيش ليومه فقط وهكذا خلق الإلحاد الدوامة المعاصرة التي تلف الإنسان في عصره الراهن عصر القلق والأنانية والإجرام والفوضى.
==============(45/154)
(45/155)
الإلحاد أسباب هذه الظاهرة وطرق علاجها ؟
أيها الملحد تفضل إقرأ بتعقل!!!
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين.......وبعد:
الأخوة الكرام(طبعا غير الملحدين) هذه أول مشاركة لي في هذا المنتدى وأسأل الله تعالى أن يبارك فيها ويجعل فيها الخير الكثير ....وأتمنى من الإخوة عدم الرد إلا بعد أن أنتهي من الكتاب وسأضع كلمة (إنتهى) عندما أنهي كلامي..........
أولاً: مدخل وتعريف:
مدخل:
يعاني العالم المعاصر من مشكلات كثيرة فبالرغم من التقدم المادي الهائل الذي نعيش فيه والخيرات العظيمة التي وفرها العلم لحياة الإنسان ورفاهيته، إلا أننا نعيش في ظل مشكلات رهيبة يتولد بعضها عن بعض، ويؤثر بعضها في وجود بعض، ومن هذه المشكلات القلق النفسي والاضطراب، وانتشار الجريمة، وانعدام الأخلاق والفردية والأنانية، والظلم بكل معانيه وصوره، والانحلال والفساد، فالفضائح السياسية والمالية نسمع عنها كل يوم تقريباً، ولا يكاد يخلو بلد من بلدان العالم من هذه المشكلات، ولم يستطع تقدم الإنسان المادي أن يقضي أن يخفف من هذه المشكلات بل على العكس من ذلك كلما ارتقت حياة الإنسان المادية كلما ظهرت وانتشرت هذه المشكلات.
وبالرغم من كثرة هذه المشكلات وتعددها فإن أعظم هذه المشكلات وأكبرها أثراً في ظهور الفساد والاضطراب والقلق هي مشكلة الإلحاد. فهذه المشكلة في الحقيقة هي أم المشكلات وسببها جميعاً. فماذا نعني بمشكلة الإلحاد؟ وما سبب هذه المشكلة التي أصبحت إحدى مظاهر العصر؟ وكيف يعالج الإسلام هذه المشكلة؟ هذا ما سنناقشه في الصفحات التالية بحول الله.
ماذا نعني بكلمة الإلحاد:
نعني بالإلحاد الكفر بالله والميل عن طريق أهل الإيمان والرشد. وظهور التكذيب بالبعث والجنة والنار وتكريس الحياة كلها للدنيا فقط والإلحاد اليوم ظاهرة عالمية فالعالم الغربي في أوربا وأمريكا وإن كان وارثاً في الظاهر للعقيدة النصرانية التي تؤمن بالبعث والجنة والنار إلا أنه ترك هذه العقيدة الآن وأصبح إيمان الناس هناك بالحياة الدنيا فقط وأصبحت الكنيسة مجرد تراث وأثر من آثار الماضي، ولا تشكل في حياة الناس وعقولهم إلا شيئاً تافهاً جداً وقد أصبح (الإلحاد) هو الدين الرسمي المنصوص عليه في كل دساتير البلدان الأوربية والأمريكية ويعبر عن ذلك (بالعلمانية) تارة، و (اللادينية) تارة أخرى وكل ذلك يعني الإلحاد والكفر بالله.
وفي الشرق تقوم أكبر دولة على الإلحاد وهي الدولة الروسية التي تحمل العقيدة الشيوعية التي من بنودها رفض الغيب كله والقول بأن الحياة مادة فقط وأن صراع الإنسان في هذه الحياة إنما هو من أجل العيش والبقاء فقط، وأما الدول الأخرى فبالرغم من أنه كان ينتشر فيها أديان تقوم على بعض العقائد الغيبية كالهندوكية والبوذية والكونفشيوسية إلا أن هذه الأديان اختفت الآن تقريباً أمام مد الإلحاد الغربي والحياة العصرية.
وبالرغم من أن العالم الإسلامي ما زال يتمسك نوعاً ما بالإسلام ويقر بالتوحيد ويؤمن بالبعث والجنة والنار إلا أن موجة الإلحاد العارمة تطغى عليه من كل جانب، وتشكك أبناءه في دينهم وعقيدتهم ويحسن بنا ونحن نجابه هذه المشكلة أن نبحث بحثاً موضوعياً علمياً في أسباب هذه المشكلة وكيفية علاجها.
ثانياً: أسباب مشكلة الإلحاد
منذ مائتي عام فقط لم تكن مشكلة الإلحاد بهذه الحدة والانتشار ولكن في القرنين الأخيرين ظهرت عوامل كثيرة جعلت من الإلحاد والكفر بالله ديناً عاماً منتشراً، ونستطيع أن نجمل أهم الأسباب في انتشار الإلحاد فيما يلي:
1- الكنيسة الأوروبية:(45/156)
لقد كانت الكنيسة الأوروبية سبباً غير مباشر أحياناً وسبباً مباشراً أحياناً أخرى في نشر الإلحاد والزندقة والكفر الكامل بوجود الله وذلك لأن القائمين على هذه الكنيسة من الرهبان والقساوسة أدخلوا في دينهم كثيراً من الخرافات والخزعبلات، وجعلوها عقائد دينية، كرفعهم عيسى عليه السلام من مرتبة البشرية إلى الألوهية وظهور فكرة الخطيئة والصلب والخلاص وأضافوا إلى ذلك كثيراً من الخرافات الدارجة عن الأرض والكون والحياة، وعندما بدأ عصر النهضة الأوربية واكتشف بعض العلماء حقائق جديدة عن الأرض والكون والحياة هب الرهبان والقساوسة ينكرون ذلك، ويتهمون من يعتقد بالحقائق الجديدة ويصدق بها بالكفر والزندقة ويوعزون إلى السلطات الحاكمة بقتلهم وحرقهم بالنار، ولقد لقي كثير من العلماء هذا المصير المؤلم جزاء مخالفتهم لآراء الكنيسة.. ولكن حركة العلم لم تتوقف واستطاع العلماء أن يقدموا كل يوم براهين جديدة على نظرياتهم العلمية وابتدأت آراء الكنيسة ومعتقداتها تهزم كل يوم هزيمة جديدة وكانت الجولة في النهاية لعلماء المادة على رجال الكهنوت فاندفع الناس نحو الإيمان بالعلم المادي كإله جديد سيحمل الرخاء والقوة والرفاهية للناس، وفتش الناس أسرار الكنيسة فهالهم ما رأوه من فساد أخلاقي بين الرهبان والراهبات وأرادوا التخلص إلى غير رجعة من السلطان الكهنوتي والقهر الزمني الذي مارسته الكنيسة ضدهم ومن الإتاوات والضرائب التي فرضتها الكنيسة على رقابهم فكان الرفض الكامل لكل المعتقدات الدينية والكراهية العامة لكل عقيدة تنادي بالإيمان بالغيب واتهام الرسل جميعاً بالكذب والتدليس وهكذا برزت الموجة الأولى من موجات الإلحاد العالمي.
2- مظالم العالم الرأسمالي:
ما كادت أوربا تتخلص جزئياً من سلطان الكنيسة ويكتشف الناس قوة البخار والآلة حتى تحول الناس من الزراعة إلى الصناعة، وهرع أهل الإقطاع إلى التصنيع فامتلكوا المصانع الكبيرة وحازوا الثروات الضخمة واستغلوا العمال استغلالاً فاحشاً وانتشرت المظالم الهائلة وظهرت الطبقات المتفاوتة من رأسماليين جشعين إلى عمال فقراء مظلومين، وكان رؤية هذا الظلم الجديد، ومساندة رجال الدين أو سكوتهم عنه سبباً جديداً في انتشار الإلحاد والشك في وجود الله، واتهام الدين بمساندة الظلم أو عجزة عن تقديم حل ناجح لمشكلات الإنسان على الأرض وابتدأت العقائد الدينية تنحسر انحساراً جديداً عن حياة الناس وابتدأ الناس يعملون أفكارهم في خلق عقائد تستطيع أن تحل مشكلاتهم على الأرض، وتقنع عقولهم وعجزت الكنيسة الأوروبية أيضاً عن تقديم هذا العلاج للناس.
3- ظهور المذاهب الاقتصادية الالحادية:
كان العامل الثالث الذي ساعد على انتشار موجة الإلحاد هو ظهور المذاهب الاقتصادية الإلحادية وخاصة الشيوعية التي بشر بها كارل ماركس (اليهودي الألماني الذي تنصر والده) فبالرغم من أن هذا المذهب ينطلق من منطلق اقتصادي ويستهدف حسب إعلان المبشرين به معالجة المظالم الرأسمالية الفردية والسيطرة على مجتمع اشتراكي يعمل فيه كل إنسان حسب طاقته ويأخذ حسب حاجته فقط، إلا أن القائمين على هذا المذهب الاقتصادي صبغوه بالصبغة العقائدية وأعطوه أبعاداً أخرى غير اقتصادية فزعموا أن الحياة التي يعيشها الناس حياة مادية فقط وأنه لا يوجد روح ولا بعث ولا إله، ولا حياة أخرى وأن الناس منذ وجدوا لا هم لهم إلا المصالح المادية وزعموا أن ظهور الأديان إنما كان من فعل الأغنياء ليلبسوا على الفقراء ويستغلوهم وأن الأخلاق كالأمانة والعفة والصدق ما هي إلا نتاج خبيث للفكر الديني الذي يريد أن يخدم المصالح الرأسمالية، واعتقد الشيوعيون لذلك أن الأنبياء ما كانوا إلا دجالين أرادوا بنشر أديانهم تخدير الشعوب لتستنيم للظلم والقهر وبهذا أصبح هذا المذهب الاقتصادي بفلسفته التي أطلقها على الأديان موجة جديدة من موجات الإلحاد والزندقة. ولعل هذه الموجة الجديدة التي جاءت بها الشيوعية كانت أعتى موجات الإلحاد جميعاً وذلك أن الشيوعية تبنت الدفاع عن المظلومين والفقراء وهذه قضية عادلة وإنسانية في ذاتها ولذلك تبنى هؤلاء الفقراء والمظلومون وهم أغلبية الناس دائماً هذه العقيدة الجديدة والدين الجديد لأنه يدافع عن مصالحهم ويتبنى قضاياهم وبالطبع أخذوا هذا الدين بفلسفته العقائدية وليس بفكره الاقتصادي فقط.
وهكذا انتشر الإلحاد سريعاً مع هذا المذهب الاقتصادي الجديد وكان النجاح الهائل الذي لاقته الدعوة الشيوعية بتفجير الثورة البلشفية في روسيا والاستيلاء على الحكم عاملاً كاسحاً في هدم الأديان ونشر الإلحاد وانتقاله ليصبح عقيدة عالمية.(45/157)
ولما كانت الدعوة الشيوعية ترى أن نهاية العالم الحتمية إلى الشيوعية وتدعو لذلك بل تنتهج الثورة والعنف الدموي سبيلاً إلى نشر الشيوعية فإنه سرعان ما تأجج العالم من أقصاه إلى أقصاه بالثورات التي أججتها هذه العقيدة وابتدأت التحولات القسرية لشعوب بأجمعها نحو الإلحاد كما حدث في الجمهوريات الإسلامية في روسيا وكذلك في الصين وغيرها وما زال المد الإلحادي الذي تؤججه العقيدة الماركسية يمتد عبر بلدان العالم جميعها. وها هي البلدان العربية التي كانت معقلاً للإسلام تغزوها العقيدة الماركسية الإلحادية في عقر دارها.
4- اقتران الإلحادية بالقوة المادية:
السبب الرابع الذي شجع الناس على الكفر بالله والانطلاق نحو الإلحاد الكامل هو اقتران القوة المادية بالإلحاد، وذلك أن الناس رأوا أن أوربا لم تتقدم وتمتك القوى المادية وتكتشف أسرار الحياة إلا بعد أن تركت أفكار الكنيسة وعقائدها. وأن دولة كروسيا لم تصبح دولة عظمى إلا بعد أن أعلنت أنها دولة إلحادية، ورأوا مع ذلك أن الدول التي ما زالت تتمسك بالدين دولاً متخلفة في القوة والصناعات فظن الناس لذلك أن الإلحاد سبب للقوة والعلم، وأن الدين يعني التخلف والجهل، ولما كان للعلم المادي آثاره الظاهرة والباهرة من تيسير حياة الإنسان على ظهر الأرض ونشر الرفاهية والرخاء فإن الناس انصرفوا عن العقائد الدينية وآمنوا بالعلم المادي كإله جديد قادر على أن يذلل لهم كل الصعاب على هذه الأرض، بل أطمعهم هذا الإله المادي أيضاً في الوصول إلى الكواكب الأخرى وتسخيرها في خدمة الإنسان وهكذا ساعد اقتران العلم المادي والكشوف الجديدة بالإلحاد على ظن الناس أن العلم ثمرة ونتيجة للإلحاد، وكان هذا خطأ عظيماً عمت بسببه موجة الإلحاد.
5- هزيمة العالم الإسلامي أمام الهجمة الأوربية:
ما كاد الأوربيون يمتلكون القوة المادية، ويستخدمون الآلة، ويبنون المصانع حتى اتجهوا إلى دول العالم بحثاً وراء الأسواق لمنتجاتهم الصناعية، وجلباً للمواد الخام اللازمة للصناعة. ولما كانت هذه الدول تطمع في الحصول على ما تريد بأبخس الأثمان أو بلا ثمن أصلاً فإنها استخدمت قوتها العسكرية النامية للحصول على ما تريد. ولما كان العالم الإسلامي في غاية التخلف والفقر والضعف العسكري والسياسي، فإنه لم يصمد طويلاً أمام الهجمة الأوربية الاستعمارية، وكان للهزيمة العسكرية التي مني بها المسلمون أمام الغزو الأوربي أثرها البعيد في زلزلة العقائد الإسلامية، وانحسارها أمام المد الإلحادي الذي حمله المستعمرون الأوربيون، وطفقت الشعوب الإسلامية، تقلد المستعمر الأوربي وتتشبه بأخلاقه وعاداته، وتدخل في عقيدته الإلحادية ظناً منها أن الأوربيين لم يصلوا إلى القوة إلا برفضهم للدين، وكانت هذه خطيئة جديدة وسبباً آخر أسهم في الظاهرة الإلحادية العالمية.
6- الحياة الجديدة ومباهج الحضارة:
فتح العلم المادي للناس أبواباً عظيمة من أبواب الرفاهية والترف ومغريات الحياة، فالمراكب الفخمة من سيارات وطائرات، وقطارات، ووسائل الاتصال ووسائل الراحة والتسلية، والمطاعم والمشارب الفاخرة، والألبسة الأنيقة، والتفنن العجيب في التلذذ بالحياة، والجري وراء الشهوات والمغريات كل هذا فتح على الناس ألواناً لم يعهدوها من الاستمتاع بالحياة، والانغماس في الشهوات والملذات.
ولما كان الدين بوجه عام ينهى عن الإسراف ويأمر بالقصد والاعتدال، ويحرم الاستمتاع بالحرام كالخمر والزنا والتعري فإن الناس الذين يجهلون سر أمر الدين بذلك ظنوا أن هذه قيوداً على حريتهم، وحجراً لملذاتهم وشهواتهم فازدادوا لذلك بعداً عن الدين، وكراهية لمن يذكرهم بالآخرة ومن يحذرهم من نار أو يطمعهم في جنة. وبذلك أيضاً ازدادت غربة العقائد الدينية وانتشرت عقائد الإلحاد والزندقة.
7- دوامة الحياة:(45/158)
كان لانطلاق الناس الصارخ نحو العب من الحياة والاستمتاع بكل ما أفرزته الحضارة الغربية من ملهيات ومغريات، واقتناء كل مستطاع من وسائلها الحديثة أثره البالغ في انشغال الناس عن كل شيء حتى عن أنفسهم، فضاعف الناس ساعات عملهم طمعاً في المزيد من الأجور ولتحصيل المزيد من وسائل الراحة كالغسالات والثلاجات والسيارات، ونحوها، وفي سبيل ذلك أيضاً انطلقت المرأة من المنزل لتشارك الرجل أعباء الحياة وتكاليفها الجديدة، وللحصول على مزيد من الرفاهية والراحة، وابتدأ السعار المجنون والرغبة الجامحة نحو اقتناء مغريات الحياة فتطلب ذلك زيادة في الجد والنشاط وانشغالاً بالليل والنهار، وهكذا بدأت دوامة الحياة تطحن الإنسان المعاصر وتشغله في ليله ونهاره ولا تترك له فرصة للتفكير في نفسه أو في مصيره فهو يعمل في متجره أو مصنعه ويعود لملهياته وشهواته ثم يعود إلى عمله وهكذا دون أن تترك له الحياة المعاصرة وقتاً للفراغ يستطيع فيه أن يفكر في حقائق الدين، وأن يجيب عن الأسئلة الخالدة التي تتردد داخل كل نفس: من خلق هذا الكون؟ ومن خلقنا؟ ولماذا خلقنا؟ وإلى أين نسير؟ وهل لهذا العالم نهاية؟ وهل له من بداية؟ ولماذا يعيش الناس متفاوتين فهذا غني وهذا فقير، وهذا ظالم، وذاك مظلوم، وهذا قاتل، وذاك مقتول؟ وفيم كل هذا؟ بل بقيت هذه الأسئلة حائرة في أكثر النفوس وبلا جواب وذلك أن الإنسان المعاصر المستهلك الذي تطحنه دوامة الحياة لا يجد وقتاً للتفكير في كل هذه الأسئلة.
هذه هي الأسباب البارزة لوجود ظاهرة الإلحاد وانتشارها على هذا النحو الذريع والآن كيف أثرت هذه الظاهرة في حياتنا المعاصرة وما آثارها على التحديد؟
ثالثاً: آثار الإلحاد في حياة الإنسان:
ترك الإلحاد المعاصر آثاره الواضحة في سلوك الإنسان وفي أخلاق الأمم ونظام الاجتماع، ونستطيع أن نجمل هذه الآثار فيما يلي:
1- القلق والصراع النفسي:
إن أول الآثار التي يخلفها الإلحاد في نفوس الأفراد هو القلق والحيرة والاضطراب والصراع النفسي. وذلك أن داخل كل إنسان منا فطرة تلح عليه، وأسئلة تتلجلج في صدره: لماذا خلقنا؟ ومن خلقنا؟ وإلى أين نسير؟ وإذا كانت زحمة الحياة، وشغلها الشاغل يصرف الإنسان أحياناً عن الإمعان في جواب هذه الأسئلة، والبحث عن سر الحياة والكون فإن الإنسان يصطدم كثيراً بمواقف وهزات تحمله حملاً على التفكير في هذا السؤال، فالأمراض والكوارث، وفقد بعض الأهل والأحبة، والمصائب التي تصيب الإنسان ولا بد تفرض على الإنسان أن يفكر في مصيره ومستقبله، ولما كان الإلحاد عقيدة جهلانية لأنه يقوم على افتراض عدم وجود إله - فإنه لا يقدم شيئاً يخرج هذا الإنسان من الحيرة والقلق والالتباس ويبقى لغز الحياة محيراً للإنسان ويبقى رؤية الظلم والمصاعب التي يلاقيها البشر في حياتهم كابوساً يخيم على النفس ويظل الإلحاد عاجزاً عن فهم غاية الحياة والكون، ولا يقدم للإنسان إلا مجموعة من الظنون والافتراضات لا تقنع عقلاً ولا تشفي غليلاً. ومع إلحاح نداء الفطرة الداخلي وتردد تلك الأسئلة الخالدة في النفس يظل الإنسان قلقاً معذباً.
وقد كان للإنسان قديماً فسحة من الوقت ليخلو بنفسه ويطالع السماء بنجومها، والبحر بروعته وسحره، والجبال بشموخها والصحراء بسعتها وامتدادها وروعتها. والزهر والنبات وبهجته، وكان ذلك يفيده كثيراً في الاستدلال على الرب والاعتراف بالصانع العظيم والخالق الكريم. ولكن الإنسان المعاصر أصبحت تحاصره المدينة بعمارتها الشامخة وطرقها الحديثة وأضوائها وضوضائها وملهيات الحياة ومغرياتها فتشل فكره عن التفكير في الخالق والاستدلال على الله. فيزيد هذا في حيرته وارتباكه.
وقد كان المجتمع القديم أيضاً مجتمعاً ساذجاً فطرياً يعرف الناس فيه بعضهم بعضاً ويتعاونون في الملمات ويفزع بعضهم البعض في المصائب. ولكن المجتمع الحديث مجتمع المدينة الصاخب باعد الناس بعضهم عن بعض وأصبح لكل فرد منهم همومه ومشكلاته، وأصبح الإنسان المعاصر لا يجد من يشكو إليه قلقه ومشكلاته ولا يتصور أن يجد من يمد له يد العون لو زلت قدمه وأصابته مشكلة أو فاقة وبذلك تعاظم الخوف من المستقبل والحذر من الأيام، واهتم الناس بأنفسهم وأصبحوا حريصين ماديين يجمعون ويدخرون ولا ينفقون. ومع الخوف من المستقبل والحذر من الأيام زاد القلق والاضطراب والتوجس والتوجع. ولو كان ثمة إيماناً بالله وتصديقاً بالغيب ومعرفة بالقضاء والقدر لحلت هذه المعضلة ولكن الإلحاد الذي يفترض ويزعم أن الإنسان يقوم وحده في هذا الكون وأنه لا يوجد إله يقيمه ويرزقه كرس قلق الإنسان وخوفه من المستقبل واتجاهه للأنانية والفردية.
2- الأنانية والفردية:(45/159)
كانت النتيجة الحتمية للقلق النفسي والخوف من الأيام هي اتجاه الإنسان نحو الفردية والأنانية ونعني بالأنانية اتجاه الإنسان لخدمة مصالحه الخاصة وعدم التفكير في الآخرين - فالدين الذي يحث الإنسان على بذل المعروف للغير والإحسان للناس ابتغاء مرضاة الله بانحساره عن حياة الإنسان حل مكانه التفكير في النفس فقط وبذلك بدأ الناس في عصور الإلحاد المظلمة هذه لا يأبهون بغيرهم من بني البشر وشيئاً فشيئاً قلت العناية بالفقراء والمحتاجين ثم بالأهل والأقربين ثم بالوالدين وأيضاً بالزوجة والأولاد والمطلع على أحوال المجتمع الإلحادي في الغرب والشرق يرى إلى أي حد أصبح الناس ماديين أنانيين لا يهتم الفرد إلا في نفسه، ولا يهتم بالآخرين إلا بقدر ما يعود هذا على نفسه من منافع. وقد ضاعف هذه الأنانية والمادية اتجاه الناس نحو العب من الملذات والشهوات التي يسرتها الحضارة الحديثة وأباحتها قوانين الإلحاد التي تكفر بالآخرة وتجعل حياة الإنسان الخاصة ملكاً له. فانطلق الناس لذلك نحو شهوات أنفسهم يستزيدون منها بقدر طاقتهم وجهودهم وأهملوا في سبيل ذلك العطف والإحسان والعناية بالآخرين. وبذلك نشأن الإنسان المادي النفعي المعاصر الذي أصبح علماً ورمزاً للحضارة الأوربية الإلحادية التي تغزو العالم الآن.
3- فقد الوازع والنزوع إلى الإجرام:
لأن الإلحاد لا يربي الضمير، ولا يخوف الإنسان من إله قوي قادر يراقب تصرفاته وأعماله في هذه الأرض فإن الملحد ينشأ غليظ القلب عديم الإحساس قد فقد الوازع الذي يردعه عن الظلم ويأمره بالإحسان والرحمة. بل على العكس من ذلك فإن الإلحاد يعلم أتباعه أنهم وجدوا هكذا صدفة ولم يخلقهم خالق أو أنهم خلقوا أنفسهم وأنهم حيوانات أرضية كسائر الحيوانات التي تدب على الأرض وبذلك يغلظ إحساسهم ويتنامى شعورهم بالحيوانية والانحطاط ويتجهون إلى إثبات ذواتهم بالإغراق في الشهوات والملذات، وإذا منعتهم ظروفهم المعاشية أو القوانين الوضعية البشرية عن بلوغ غاياتهم وأهدافهم الحيوانية فإنهم يقومون بالتغلب على تلك الظروف وذلك إما بالحيلة والمكر وإما بالقوة والغلبة وفي كلا الأمرين لا يجد الإنسان الملحد رادعاً داخلياً يردعه لأنه لا يخاف رباً ولا يرجو حساباً. ولا يبقى أمام الملحد من وازع إلا القانون البشري أو ظروفه الواقعية وهذه أمور يمكن التغلب عليها بصور كثيرة وخاصة في المجتمع المعاصر الذي تفنن الإنسان فيه في طرق الإجرام والتهرب من القوانين. وقد يبقى في بعض الأنفس التي تدين بالإلحاد شيء من نداء الفطرة ومحاسبة الضمير ولكن هذا النداء الداخلي المسمى بالضمير سرعان ما يزول ويتلاشى في زحمة الحياة الراكضة وأمام مغرياتها الكثيرة.
وهذا الأثر من أعظم آثار الإلحاد في حياة الإنسان فعالمنا المعاصر هو عالم الجريمة والخوف. فكل يوم تطالعنا وسائل الاتصال من صحف وكتب وإذاعة وغيرها بأخبار الجرائم البشعة التي بلغت من الحدة والعنف والشذوذ والتلذذ بتعذيب الآخرين وشرب دمائهم. والتمتع برؤية صراخهم واستغاثاتهم -هذا إلى حوادث السرقة والسطو والاغتصاب والقتل التي تتزايد يوماً بعد يوم- ولعل حادثة انقطاع النور المشهورة عام 1977م عن مدينة نيويورك حيث اكتشف الناس في الصباح أن آلاف المحلات التجارية والمخازن والبيوت قد نهبت عن آخرها وأنه اشترك في هذه السرقة الجماعية معظم الناس على اختلاف درجاتهم وطبقاتهم وأعمارهم حتى رجال الشرطة أنفسهم المكلفون بالحراسة شاركوا هذا المهرجان الشائن في السرقة والسطو.
ويقدر الخبراء أنه لو استمر انقطاع النور هكذا أسبوعاً واحداً ولم تتدخل فرق من الجيش لخربت المدينة عن آخرها. فكيف إذا تراخى الأمن في ظل الأزمات أو الحروب لا شك أن هذا المجتمع سيأكل بعضه بعضاً. ولا شك أيضاً أن هذه ثمرات حتمية من ثمار الإلحاد.
4- هدم النظام الأسري:
كان للإلحاد آثار مدمرة في الحياة الاجتماعية للإنسان فالبعد عن الله سبحانه وتعالى لم يكن من آثار تدميره النفسية البشرية فقط وإنما كان من لوازم ذلك تدمير المجتمع الإنسان وتفكيكه وذلك أن نظام الاجتماع البشري لا يكون صالحاً سليماً إلا إذا كانت اللبنات التي تشكل هذا النظام صالحة سليمة، وإذا فسدت هذه اللبنات فسد تبعاً لذلك النظام الاجتماعي بأسره ولذلك كان من نتائج الإلحاد أيضا هدم النظام الأسري.(45/160)
ومعلوم أن الأسرة هي الخلية الأولى في النظام الاجتماعي. وعندما فسدت البشرية فسدت الروابط الأسرية فالزوج الفاسد المنحل لا بد وأن يمتد فساده إلى زوجته وأولاده، والزوجة الفاسدة التي لا تراقب الله سبحانه وتعالى ولا تخافه لا بد وأن ينعكس هذه على أسرتها كلها: زوجها وأولادها، وكذلك الابن الفاسد الذي لا يراعي حرمة لوالد أو والدة، ولا حقاً لله سبحانه وتعالى وكذلك البنت الفاسدة وهكذا ابتدأنا نسمع في ظل الإلحاد المعاصر عن انهيار عقد الزواج الشرعي الشريف الذي يقصر المرأة على رجل واحد وتقيم علاقات متوازنة بين الأزواج ويوزع المسئولية في الأسرة توزيعاً عادلاً موافقاً للفطرة البشرية التي خلق الله عليها كلاً من الذكر والأنثى، وبانهيار عقد الزواج الشرعي أصبحت علاقات الأزواج علاقة متعة ومنفعة مجردة وبذلك قلت التضحيات التي لا بد منها فالزوج المخلص الوفي لا بد وأن يضحي بشيء من شهواته في سبيل أسرته، والزوجة الوفية كذلك التي قد تضطرها ظروفها أن تعيش مع زوج فقير أو مريض وأن تكافح لخدمة غيرها وتربية أولادها. ولكن في ظل العقيدة الإلحادية التي لا تؤمن بالآخرة ولا بالجزاء، فإنه لم يبق ما يحمل بالزوج أو الزوجة على التضحية والفداء. وكذلك الحال بالنسبة للأبناء أيضاً الذين يتعلمون في ظل التوحيد أن يعبدوا الله بالإحسان إلى آبائهم، وأن يجاهدوا في سبيل مرضاتهم وكفالتهم في أحوال العجز والكبر ولكن العقيدة الإلحادية التي تقوم على النفعية المادية تنظر إلى خدمة الآخرين على أنه سخافة وغباء ما دام أنه لا يحقق نفعاً قريباً. وبهذا ماتت المشاعر الجميلة والروابط الطبيعية التي كانت تمسك بزمام الأسرة وتؤلف بين قلوب أفرادها.
ولم تقتصر الآثار السيئة للإلحاد على هذا الفساد في الأسرة، بل تعدى ذلك إلى أنواع عجيبة من الفساد ففي ظل الانهيار الخلفي والرغبة المجنونة في جني الملذات والركض وراء الشهوات الجنسية أصبح التمسك بعقد الزواج الشرعي نوعاً من الغباء وبذلك أيقن الرجال في كثير من الأحيان أن أبناءهم الذين ولدوا على فراشهم ليسوا من ظهورهم بالضرورة وأيقن الأخوة كذلك أنهم لا ينتمون إلى أب واحد وبذلك انهدمت مشاعر القربى والرحم التي لا يمكن أن تنشأ إلا في مجتمع نظيف طاهر. وبانهيار مشاعر القربى والرحم كالأخوة والأبوة والعمومة ونحوها انهدمت متعة عظيمة من المتع الروحية والنفسية التي لا غنى عنها للإنسان وحل مكان ذلك المتع الجسدية المادية البليدة وبهذا تحول الإنسان شيئاً فشيئاً نحو الحيوانية والمادية وتفككت بذلك أيضاً عروة الأرحام والقرابة بعد أن تفككت الأسرة وقيمها الجميلة. وبهذا أضحى الطلاق وهجران البيوت وخيانة الزوجية شيئاً عادياً يومياً، وأصبح الرجل يرى أصدقاء ابنته ولا يأبه لذلك بل يدفعها لهذا، وكذلك يرى صديقات ابنه ولا يأبه لذلك لأن الناس آمنوا في ظل الإلحاد أن على كل إنسان أن يسلك السبيل الذي يريد، وأن كل إنسان مسئول عن نفسه فقط.
وبهذا انهدمت الخلية الأولى من خلايا المجتمع الإنساني.
5- تخريب المجتمعات:
الأسرة هي الخلية الأولى من البناء الاجتماعي وبفسادها لا شك يفسد النظام كله. لأن الأسرة هي المحضن الأول للإنسان وإذا فسد الإنسان فسدت اللبنات التي تكون هذا البناء ولا بد. ولما كانت الأسرة تقذف إلى المجتمع كل يوم بلبنات فاسدة وتأتي هذه اللبنات الفاسدة وتأخذ مكانها في الهرم الاجتماعي الكبير فالفرد يكون مسئولاً في دائرة أو حاكماً أو طبيباً أو مهندساً أو مدرساً أو عاملاً.. وكل فرد من أفراد المجتمع يتعامل مع المحيطين به بالأخلاق والسلوك الذي كسبه في حياته وخاصة في مراحل نشأته الأولى في أسرته وهكذا تطفح الأنانية والفردية وغياب مراقبة الله سبحانه وتعالى في جميع المعاملات وأنماط السلوك التي يمارسها الفرد، وهكذا تصبح العلاقات التي تحكم تصرفات الفرد في شكل هذا المجتمع علاقات المنافع المادية والمصالح الشخصية، وتختفي التضحية والفدائية والصبر والرغبة في إسعاد الآخرين ونفع الناس وهكذا تتحول الدوائر الحكومية والمؤسسات الخاصة وجميع أجهزة الدولة إلى أن تصبح مطايا للمآرب الشخصية، وهكذا لا يزال الناس يكتشفون في كل يوم الفساد الإداري والوظيفي واستغلال النفوذ، وأخذ الرشوة والتحايل على القوانين والتلاعب بأموال الدولة وكذلك الظلم والقهر.
إن المجتمع الحديث في ظل الإلحاد أصبح شبيهاً بمجتمع الغابة الذي يحاول كل حيوان فيه أن يفترس الآخر وبهذا يلجأ الضعيف إلى التخفي والخداع ويلجأ القوي إلى البطش والقسوة والعنف.
والذين يطالعون أحوال المجتمع الغربي الآن يرون إلى أي حد أصبحت الجريمة عملاً يومياً، وسلوكاً منظماً متطوراً فبالرغم من توفر الزنا والرذيلة ينتشر الاغتصاب للنساء بصورة مذهلة، وبالرغم من توفر الفرص للعمل والإنتاج نجد السطو والسرقات المسلحة التي يمارسها الناس على اختلاف أعمارهم وطبقاتهم وأسنانهم ولا يكاد يمر يوم واحد حتى تقع في كل مدينة عشرات بل مئات من حوادث القتل والإجرام.(45/161)
وهكذا في ظل الإلحاد وعدم مراقبة الله سبحانه وتعالى وتذكر الآخرة تتحول المجتمعات إلى مستنقع آسن للرذيلة والفجور، وتصبح الجريمة عملاً يومياً ويصبح التحايل على القانون واستغلال النفوذ وظلم القادر للضعيف ونفاق الضعيف أمام القوي خلقاً وديناً ومنهجاً جديداً تسير عليه المجتمعات المنحلة البعيدة عن الله سبحانه وتعالى.
6- الإجرام السياسي:
لعل أعظم آثار الإلحاد هو آثاره في السياسة العالمية، ونظام العلاقات بين الدول. وذلك أن الأخلاق المادية الإلحادية التي جعلت قلب الإنسان يمتلئ بالقسوة والأنانية دفعت الإنسان إلى تطبيق هذه القسوة والأنانية في مجال العلاقات السياسية العالمية أيضاً. ولذلك رأينا الدول الاستعمارية الكبرى تلجأ إلى وسائل خسيسة جداً في استعباد الشعوب الضعيفة والحصول على خيراتها ونهب ثرواتها وبلادنا الإسلامية بوجه عام والعربية بوجه خاص هي أشقى البلاد الضعيفة بهذه السياسات المادية الالحادية فهي تقع دائماً تحت التهديد بالقهر والتدخل العسكري كلما حاولت دولنا الإسلامية أن تحصل على شيء من حقوقها الضائعة أو أموالها المنهوبة. بل كلما فكرت دولنا في تطبيق الإسلام والرجوع إلى أحكامه وتشريعاته النظيفة الطاهرة، نرى الدول الاستعمارية الكبرى تتنادى لقتل عودتنا نحو الإسلام متهمة هذا الدين بأنه رجعية تارة وأنه وحشية تارة أخرى وأنه يضطهد الأديان الأخرى والأقليات تارة ثالثة ولعل في قضية البترول وسعي الدول الإسلامية للحصول على أثمان معقولة له والاستفادة بهذه الأثمان خير دليل على السلوك الاستعماري الارهابي الأناني ضد هذه الدول الإسلامية فقد اتهمتنا الدول الاستعمارية أننا نريد تدمير الاقتصاد العالمي، واستعباد البشرية وتدمير الحضارة وذلك لمجرد المطالبة بشيء من حقوقنا وهددت تلك الدول الاستعمارية عشرات المرات أنها ستحتل آبار النفط وتأخذه بالقوة إن عمدت دولنا إلى منعه عن أعدائنا أو زيادة أسعاره.
وهكذا يصطلي العالم الآن بنار المادية الأنانية العالمية التي تمارسها الدول الاستعمارية الكبرى التي تقوم الآن على استعباد الشعوب ونهب خيراتها وإيقاعها فرائس للقلق والخوف والفوضى والاختلاف حتى يسهل عليهم استلاب خيراتها وسرقة ثرواتها.
ولو كان الإيمان والتوحيد وخوف الله هو المسيطر على أخلاق الذين يملكون سياسة الدول لعمت الرحمة والإحسان بين الشعوب وكانت نصرة الضعفاء وإعانة المساكين ورفع الظلم هو الدين والمنهج الذي تسير عليه السياسات العالمية.
والخوف كل الخوف بعد ذلك أن يتسبب الإلحاد في تدمير العالم أجمع وذلك بعد وضع العلم الحديث في يد الإنسان أسلحة تستطيع تدمير العالم أجمع.
ومن يشاهد الآن ما تلجأ إليه الدول الكبرى لتدمير الشعوب الصغيرة يجد عجباً فهذه الدول تستخدم أسلحة رهيبة جداً لذلك كالمخدرات، والدعاية السوداء والحرب النفسية والنساء وتربية العملاء وكذلك القتل والتشريد لكل العناصر الطيبة المخلصة لأوطانها وأمتها.
وهكذا استطاع الإلحاد والبعد عن الله سبحانه وتعالى أن يحول المجتمع الإنساني كله إلى مجتمع بغيض جداً يقوم على الظلم والقهر والنهب والخوف الدائم من الدمار والخراب وهذا بدوره يؤدي إلى تدمير نفس الإنسان المعاصر وهروبه الدائم من واقعه ولذلك انتشرت المخدرات والمهدئات والإغراق الجنسي، وكذلك دفعت هذه السياسات العالمية الفرد إلى مزيد من الأنانية وحب الذات والحرص على المال بكل سبيل وطلب النجاة لنفسه فحسب، والعيش ليومه فقط وهكذا خلق الإلحاد الدوامة المعاصرة التي تلف الإنسان في عصره الراهن عصر القلق والأنانية والإجرام والفوضى.
رابعاً: كيف نعالج ظاهرة الإلحاد:
بعد أن عرفنا ظاهرة الإلحاد، وعرفنا أسبابها، وشرحنا آثارها المدمرة في نفس الإنسان، ومجتمعه، وفي العلاقات السياسية العالمية أيضاً نأتي الآن إلى كيفية علاج هذه الظاهرة وهنا نقول أن الإسلام دين جاء لخير الإنسان على هذه الأرض وإسعاده فيها، وتهيئته لسكنى الجنة دار السعادة الأبدية قد كفل العلاج الناجح المستأصل لهذه الظاهرة الخطيرة وإليك خطوطاً عريضة لكيفية علاج الإسلام لهذه الظاهرة:
1- الدعوة إلى توحيد الله سبحانه:(45/162)
جعل الإسلام دعوته تبدأ من توحيد الله سبحانه وتعالى والإيمان به والإقرار أنه إله الكون وخالق الوجود وجعل الهدف الأول بل والأخير للرسالات السماوية جميعاً هو إقرار هذه القضية العظيمة من قضايات الدين قال تعالى: {ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت} وقال تعالى: {وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، وذلك دين القيمة} وجعل الله سبحانه وتعالى الهدف الأول من وجود الإنسان على هذه الأرض هو أن يعبد الله سبحانه وتعالى قال تعالى: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون} وبهذا جعل الدين الإسلامي هدف الإنسان على الأرض أن يعرف ربه سبحانه وتعالى ويوحده، ويعبده وحده لا شريك له. وقد أبان الله هذه القضية وأظهرها ودلل عليها بكل دليل حتى لا يترك فيها شكاً ولا ريباً لأحد فأقام سبحانه وتعالى من آياته العظيمة في خلق السموات والأرض والناس ما يرشد العباد إلى خالقهم العظيم، ويدلهم على ربهم القدير سبحانه الذي أحسن كل شيء خلقه وأمرهم أن يتفكروا في خلق السموات والأرض، وفي خلق أنفسهم، وتعهد سبحانه أن يرى العباد من آياته في الآفاق ما يحملهم حملاً على هذه القضية كما قال سبحانه وتعالى: {سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق}.
والأدلة الكونية المشاهدة ليست هي الأدلة الوحيدة التي نصبها الله للدلالة عليه، بل إن الله سبحانه وتعالى أرسل الرسل مبشرين ومنذرين ومؤيدين من قبله سبحانه وتعالى بالأدلة والبراهين العظيمة على وحدانية الله سبحانه وتعالى، وأنه خالق الكون، رب العالمين المستحق وحده للعباد. ولقد أتى الرسل صلوات الله وسلامه عليهم بوصف تفصيلي بليغ لأسماء الله صفاته حتى يعظم الرب سبحانه أكمل تعظيم ويعبد على الوجه الأمثل. وهكذا أصبحت الأدلة السمعية التي جاءت بها الرسل مكملة ومتممة للأدلة البصرية العقلية التي نصبها الله سبحانه في هذا الكون الفسيح وليس هذا فقط بل جعل الله سبحانه وتعالى شريعة الإسلام وعباداته جميعاً دالة على الله داعية للتوحيد حتى يصبح المسلم في كل عمل من أعماله موحداً ذاكراً لهذه الحقيقة العظيمة والصلاة والصيام والزكاة والحج شرعت جميعها لتعرف الله وتدل عليه وتشعر المؤمن بقربه سبحانه وتعالى من عباده واطلاعه عليهم ولذلك اشترط فيها جميعاً إخلاص النية لله سبحانه وتعلق القلب أثناء فعلها بالله، وشغل اللسان وقت فعلها بذكر الله والدلالة عليه فإذا عرفنا أن المسلم يمارس الصلاة خمس مرات في كل يوم وليلة وجوباً علمنا تبعاً لذلك أن المسلم لا بد وأن يظل ليله ونهاره ذاكراً لربه منيباً إليه داعياً له، وهذا كله ليظل بعيد تماماً عن الإلحاد بالله والكفر به.
وهكذا أصبح الإسلام منهجاً وطريقاً للتوحيد والصلة الدائمة بالله سبحانه وتعالى والبعد الدائم عن الإلحاد بل عن كل ما يقطع صلة العبد بربه سبحانه وتعالى.
2- العناية بالتربية الخلقية:
جعل الإسلام الهدف الدنيوي الأرضي لرسالته هو إقامة العدل في الأرض وإسعاد الإنسان عليها، ولذلك وجه الإسلام وجوه الداخلين فيه إلى العمل لخير الناس ولذلك أوجب على المسلمين جميعاً الدعوة إليه كما قال تعالى: {ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون} أي لتكونوا جميعاً أمة داعية إلى الخير، وقال تعالى: {كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله} وفي سبيل دعوة الناس إلى الخير والهداية أمر الله المؤمنين بالصبر في ذلك وتحمل الأذى حتى لا ينفر الناس من هذا الدين واتخاذ الحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالحسنى سبيلاً ومنهجاً، وهكذا امتلأت قلوب المسلمين بمحبة الخير للناس ورغبة هدايتهم وإنقاذهم ظلمات الشرك والكفر والإلحاد إلى نور الهداية والإسلام.
وأمر الإسلام أتباعه أيضاً بالعدل والإحسان مع كل الناس حتى مع المشركين والكافرين، والصبر على أذاهم إن كان في هذا خيراً ومصلحة، ورد إساءتهم والانتصار منهم عن العدوان فقط كما قال تعالى: {وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين} وأمر سبحانه بالعدل مع الكافرين حتى مع ظلمهم وكراهيتنا لهم كما قال سبحانه وتعالى: {يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على أن لا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون} وهكذا فالإسلام رسالة هداية ورحمة للناس جميعاً كما قال سبحانه وتعالى لنبي الإسلام نبي الرحمة {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين}.(45/163)
وجاء الإسلام بعد ذلك بالبر والإحسان والرحمة بالوالدين والأقربين واليتامى والمساكين وكل محتاج، وجعل للجار حقوقاً على جاره، وللصديق حقاً على صديقه وكذا للصاحب والزميل، بل لكل مسلم على مسلم حقوقاً كرد السلام، وإجابة الدعوة وتشميت العاطس وعيادة المريض، واتباع الجنائز، ونهى عن ظلم المسلم واحتقاره، وخذلانه، وهجرانه فوق ثلاث والبيع على بيعه، والخطبة على خطبته، والتجسس عليه وحسده، وبغضه، وغيبته، وسبه وجعل هذا من الفسوق والإثم الذي يعاقب فاعله بأشد العقوبات. وهكذا أصبح الإسلام رسالة إنسانية كاملة يأمر أتباعه بزرع الخير أنى وجدوا، وفي أي مكان يكونون فيه، ومع كل إنسان ولو كان كافراً إلا أن يكون محارباً خارجاً بالسيف على المسلمين، وأما إن كان مسالماً مستأمناً أو معاهداً فقد أمرنا الله بالإحسان إليه وبره مع كفره أو فسقه وخروجه عن الإيمان.
وبهذه الروح الطيبة التي يخلقها الإسلام في نفوس أتباعه ويغرسها فيهم ينشأ المسلم الطيب القلب العلي الهمة نقي السريرة، فإذا توجه المسلم في كل ذلك نحو ربه مراقباً لله عاملاً لمرضاته، مربداً وجهه كان أبعد الناس عن الإلحاد والكفر والزندقة، أقرب الناس إلى ربه وخالقه ومولاه لأن أعماله وأقواله جميعاً ستكون عبادة خالصة، وسيكون قلبه دائماً وأبداً متصلاً بربه ذاكراً له شاكراً لأنعمه كما قال تعالى: {قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين}.
وهذا الإنسان الذي يتربى على الإسلام على هذا النحو لا يوجد في الأرض أطهر منه ولا أنظف ولا أطيب فهو خير ما يدب عليها كما قال تعالى: {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية}.
ومثل هذا الإنسان الذي يراقب ربه عند كل نظره، وخاطرة، وفي كل عمل، ويتوجه بكليته في جميع أموره نحو ربه وخالقه لا شك أنه سيكون بعد ذلك لبنة صالحة في بناء صالح وبهذا تنشأ المجتمعات النظيفة التي تتخلص من الأثرة وحب النفس، والتنافس البغيض والإغراق في الشهوات والملذات والأنانية والفردية.
وهكذا نجد أن هدفي الرسالة الإسلامية هما:
إخلاص الدين وتوحيده وعبادته وكذلك العمل لخير الإنسانية الطيبة الطاهرة التي هي بحق البديل الصالح للنفسية الإلحادية الخبيثة المدمرة التي تعيش القلق والأنانية والإجرام على ظهر هذه الأرض.
3- التصدي لشبهات الملاحدة:
الكفر كلمة تملأ الفم فقط وتجري على اللسان دون أن يكون لها نصيب من الواقع فإنكار الله سبحانه وتعالى وإنكار البعث والجنة والنار وإنكار الرسالات كل ذلك ليس إلا كلاماً وقذفاً يملأ أفواه قائليه ويجري على ألسنتهم دون أن يكون له من الواقع نصيب، ولا يملك أهل هذا الكلام الباطل لإثباته إلا الجهل والجهل ليس دليلاً.. فهم يقولون لم نر ولم نسمع ولا نعقل أن يكون للكون إله مدبر، وأن يكون قد خلق الخلق لحكمة وغاية، وأن يكون هناك بعث بعد الموت، وأن تكون جنة ونار، والحق أنهم يكابرون ولا يريدون أن يصدقوا لعلل أخرى ولا يدخل فيها أنهم لم يعرفوا الحق ولم يروا الدليل، بل لظنهم أن الحق يحول بينهم وبين ما يشتهون، أو أنه يحرمهم من بعض ما يحبون ويفرض عليهم كثيراً مما يكرهون وهذه العلة هي علة السابقين في الكفر ومن سار على دربهم إلى يوم الدين كما قال تعالى: {إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس ولقد جاءهم من ربهم الهدى} فالكافر لا يملك يقيناً في نفي وجود الله ووحدانيته، وفي نفي رسالاته ولا يملك إلا الظن وإلا فمن يملك دليلاً واحداً على أن محمداً وحاشا صلى الله عليه وسلم كاذب، وأنه عاش طيلة عمره يأمر الناس بالباطل ويوهمهم أن هناك جنة وليس الأمر كذلك، ويوهمهم أن هناك ناراً وليس هذا بصحيح وأنه جاهد وعانى وتحمل ما تحمل في سبيل قضية باطلة لا يؤمن بها.
الحق أن من كذب به قديماً وحديثاً لا يملك كما أسلفنا إلا الظن والظن ليس دليلاً ولا يتبع إلا ما تهواه نفسه وبئس الهوى أن يكون قائداً ومرشداً وإلهاً..(45/164)
ولكن مع هذا لا يكفي الحق أن يكون حقاً ليعتنقه الناس ويذعنوا له، بل لا بد للحق من حجة تدافع عنه وسلطان يقوم به، وإن فإن الباطل مهما كان زيفه وخزعبلاته فإنه ينتصر بالقوة أحياناً وزخرفة القول أحياناً أخرى ولا يكون ذلك بالطبع إلا في غيبة الحق، أو بجهل أهل الحق بطرق الجدال والإقناع ودحض الباطل والرد على شبهات الملحدين، تماماً كما تكون صاحب قضية عادلة أحياناً كأن يكون لك بيت ورثته كابراً عن كابر ثم يأتي آخر دخيل لا حق له بتاتاً فيدعي ملكه لهذا البيت فإذا كان أقوى منك لساناً، وأعظم حيلة ومكراً فإنه يقلب حقك إلى باطل وباطله إلى حق يغري بباطله من يملك بصراً وفؤاد فإن الناس تحكم دائماً حسب ما تسمع وهذا ما يحدث دائماً في عرض قضية الإسلام والتوحيد في مقابل قضايا الشرك والإلحاد كثيراً ما نجد وخاصة في أيامنا هذه أهل الباطل ألحن بحجتهم وأكثر زخرفة لباطلهم بل وأكثر نشاطاً وحماساً ورغبة في نشره من أهل الحق لحقهم، وهكذا وجد الإلحاد طريقه إلى النفوس والعقول، فالباطل لا يقنع العقل، ولا يملأ الروح ولكن هالة الكلمات التي يتزخرف بها، وروعة الإخراج التي يخطر بها يجعل الناس يرتمون في أحضانه ويتهافتون عليه.. هذا والإلحاد إلى ذلك يهتك أستار المحرمات كلها فلا يبقى حراماً إلا ما لا تستطيع أن تصل إليه، وإذا كان التوحيد يعد أهله بجنة بعد الموت فإن أهل الإلحاد ودعاته يعدون من يتبعونهم في باطلهم بجنة على الأرض والنفوس الضعيفة تؤثر دائماً العاجل على الآجل. هذا إلى فشل دعاة الإسلام كثيراً في بيان أن ما يحققه الإسلام على الأرض من سلام واستقرار وسعادة هي الجنة الحقيقية المستطاعة على هذه الأرض، وأن ما يدعو إليه الإلحاد من جنة الشهوات والأهواء ما هو إلا الجحيم العاجل قبل الجحيم الآجل. ولكن كما قلنا آنفاً انحسرت عقيدة التوحيد أمام ظلام الإلحاد لأن دعاة الحق لم يكونوا على مستوى الأحداث فيقابلون كل شبهة للإلحاد بدليل من أدلة الحق..
ليس الدليل في كل وقت كلاماً:
ولا أعني بتاتاً أن يكون دليل الحق دائماً كلاماً بل الدليل قد يكون كلاماً فعلاً فالإسلام والتوحيد نظام عملي وعبادي واعتقادي وإثبات الحق في الإسلام لا يكون بمجرد الكلام فمن قال مثلاً أن الإسلام يعني التخلف ويحارب العلم المادي كان الرد الطبيعي أن يمتلك المسلمون القوة وأن يتعلموا هذا العلم المادي، وبذلك تبطل الشبهة، ومن قال أن الإسلام لا يصلح لحياة الناس كان الرد الصحيح هو إقامة الإسلام العلمي الواقعي. وهكذا يصبح الحق حقاً والباطل باطلاً.
باختصار يستحيل أن نعالج ظاهرة الإلحاد المعاصرة إلا إذا أقمنا دليلاً للرد على كل شبهة وجعلنا العالم الواقعي هو الميدان لجهادنا وإثبات حقنا وأما إذا أصبحت الكتب فقط والأوراق هي الميدان الذي نحارب من خلاله فإننا ولا شك نخسر المعركة.
وهكذا يكون الرد على شبهات الإلحاد كلاماً في مقابل الكلام وعملاً في مقابل الأعمال، فإذا أفرز الإلحاد انحرافاً ونجاسة وانحلالاً فيجب على التوحيد أن يخلق طهراً وعفافاً واستقامة. وإذا كان الإلحاد يعني الظلم فإن التوحيد يعني العدل ولن نفهم العدل إلا إذا كان واقعاً كما أننا لا نحس بالظلم إلا إذا كان واقعاً. وإذا كان الإسلام كما نعتقد وهو كذلك هو الفلاح الحقيقي في الدنيا ولا أقول صالحاً لحياة الناس فقط هذا الإسلام يجب أن يكون واقعاً مطبقاً وليس قضية كلامية نصرخ بها هنا وهناك.
.. وهكذا إذا استطاع المسلمون أن يملكوا لكل شبهة جواباً وأن يكون الجواب كما يرى الناس لا كما يسمعون فقط استطعنا حقاً أن نقضي على ظاهرة الإلحاد..
(إنتهى).........
نقلا من كتاب (الإلحاد وطرق علاج هذه الظاهرة) .......
للشيخ: عبدالرحمن عبدالخالق.......
=============(45/165)
(45/166)
برنامج الشريعة والحياة : الالحاد والملحدون
تم نقل الموضوع إلى قسم الحوار مع الملحدين لمناسبته له
المشرف 1
نقلاً عن موقع قناة الجزيرة حيث تم نقاش موضوع عن الالحاد والملحدين وانقل اليكم وقائع هذا اللقاء
د. محمد العوضي
د. محمد سليم العوا
أحمد منصور
أحمد منصور: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً ومرحباً بكم في حلقة جديدة من برنامج (الشريعة والحياة)
موضوع حلقة اليوم سبب أزمة برلمانية حكومية في الكويت لم تفلح الأجواء التي تمر بها المنطقة في انهائها، كما سبب مواجهات قضائية عديدة في مصر بين الأزهر الشريف وبين كتاب يطلبون الشهرة أحياناً أو المال والحماية الغربية أحياناً أخرى، أو كتاب يعبرون عن معتقدات أقرب ما تكون -في تصور المفكرين المسلمين - إلى الهجوم على الإسلام منها إلى الفكر والرأى. فقد انتشرت في الآونة الأخيرة الكتب التي تطعن في الذات الإلهية وتشكك في الإسلام وتطعن في أصوله القطعية بالإيمان بالله تعالي والنبوة واليوم الآخر، كما تستهزئ بالملائكة وتطعن في الأنبياء والرسل، وقد وصل عدد الكتب التي أوصي الأزهر الشريف بمصادرتها مؤخراً أكثر من مائتي كتاب. كما أن هناك مائة وستون كتاباً منعت الرقابة توزيعها في معرض الكتاب العربي الثاني والعشرون في الكويت إلا أنها وزعت ونفذت فوراً، مما دفع بعض أعضاء البرلمان الكويتي إلى توجيه استجواب إلى وزير الإعلام حول هذه المسألة . ورغم أن المعارك لم تتوقف منذ بداية القرن بين الكتاب المحرفين للدين وأصوله والمتصدين لهم إلا أن ظهور آيات سلمان رشدى الشيطانية قبل أكثر من تسع سنوات وحماية الغرب له دفع الكثيرين إلى أن ينهجوا نهجه ويقلدوا مسيره، تساؤلات عديدة حول هذه القضية الهامة والشائكة نطرحها على الباحث والكاتب الكويتي الأستاذ محمد العوضي وقبل أن نبدأ حوارنا نذكر مشاهدينا الراغبين في المشاركة بأرقام هواتف البرنامج 888840 /888841 أو 42 أما رقم الفاكس فهو 885999، مرحباً بيك يا أستاذ محمد.
محمد العوضي: أهلاً وسهلاً.
أحمد منصور: الحقيقة أبدأ معك من التصور القائم الآن أو التشابك القائم الآن بين الكتاب الذين لهم أطروحات يقولون أنها أطروحات مستنيرة ويطلقون على أنفسهم تيار.. التيار الإسلامي المستنير ويسمون الأطراف الأخرى التي تهاجم هذه الأفكار بالمفكرين أو الكتاب الظلاميين و.. على اعتبار أنهم يقابلون المستنسرين. رغم أن على مدار القرن- كما أشرنا في المقدمة - لم تنته المعارك في هذا الإطار بين طه حسين ومصطفي صادق الرافعي على سبيل المثال وغيرهم من الكتاب والمفكرين إلا أن ارتفعت وتيرة ونسبة وعدد الكتب الآن التي فيها هجوم مباشر على الإسلام وعلى الذات الإلهية وفي نفس الوقت هناك هجوم مضاد من الكتاب الآخرين، في تصورك ما هي الأسباب الأساسية التي تدفعك ككاتب إلى أن تهاجم هؤلاء بهذه الطريقة العنيفة التي أحياناً تظهر في كتاباتك تجاههم؟
مواجهة كتابات بعض الملحدين.. الكيفية والحيثيات
محمد العوضي: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الكريم محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين وأصحابه الميامين وبعد. أشكرك أخ أحمد على هذه الدعوة وعلى هذه الصراحة وسألتني: لماذا أخترت هذا الموضوع؟ ولماذا هذه الكتابات القاسية تجاه هذا الفكر؟ في الحقيقة لأن القضية قضية مبدأ ومبدأ يتصل مباشرة في قضية العقيدة، وكما أن الإنسان يتأذي إذا ما جوبه وأوذي بدنياً وإذا ما أوذي في سمعته العامة كذلك يتأذي أكثر إذا ما مُست المسلمات العقائدية كالذات الإلهية أو الذات النبوية أو القرآن الكريم أو أصول الاعتقاد، لكن سر قسوتي أو دخولي في هذا المجال أولاً لأن أنا تخصصي حقيقة في الفكر الالحادي كعقيدة رسالة الماجستير بعنوان تحقيق مخطوط بعنوان "فاضحة الملحدين وناصحة الموحدين" لعلاء الدين البخاري في نقد أخطر كتاب في الفكر التاريخي الإسلامي في الإلحاد اللي هو" فصوص الحكم" لمحي الدين بن عربي . ثانياً أخ أحمد لماذا القسوة؟ لأن أنت شايف الواقع جرئ جداً والطرف المقابل للعقيدة الإيمانية جرئ جداً وأصبحت قضية الطعن في الذات الإلهية والمناورة ضد السماء مجال للشهرة، مجال للإثراء، ومجال لكسب يعني مكانة اجتماعية وحتى احترام من أطراف أخرى، يُضاف إلى ذلك هناك جيش -أخ أحمد- مدجج بالأقلام في الصحف والمجلات في تلميح الزنادقة وأضفاء القدسية الثقافية على كثير من الملاحدة، إضافة إلى ذلك - لا تزعل- حتى الفضائيات مع الأسف بما فيها ( الجزيرة)،( الأوربت)، غيرها اللي عندها يعني نشاط واسع تستضيف محاورين أحياناً لا يكون هناك توفيق في قضية اختيار المحاور ومن ثم يخطئ الحادياً على الشاشة، فعندما يكون الملحد بهذه الجراءة أترىدني وأنا أؤمن بأنني صاحب حق وعقيدة أن أكون ساكت و.. ؟ صعبة لذلك..(45/167)
أحمد منصور[مقاطعاً]: يعني أنا أفهم من كلامك الآن إن قضية الإلحاد ليست قضية حديثة مربوطة الآن حتى إن رسالتك تناولت كتاباً إلحادياً قديماً، في حين أن الكثيرون يعتقدون أن الإلحاد ظهر في البيئة العربية الإسلامية مع ظهور الشيوعية وظهور الإلحاد في الغرب بمسلمته، هل الإلحاد الموجود الآن بأفكاره هو تواصل للإلحاد القديم الذي بدأ مع بعض الملحدين القدامي مثل النفترى والحلاج وغيرهم ومن أشرت له في رسالة الماجستير التي تناولتها؟
محمد العوضي: واللي جزاك الله خير، والله يا أستاذ أحمد أنت هنا لفت نظري إلى يعني إلى شيء ممتاز الله هو إن الأفكار البشرية يعني كما يقول الفيلسوف الوجودي الدكتور عبد الرحمن بدوي في كتابه " مدخل جديد للفلسفة" يعني يقول كليات الأفكار البشرية واحدة فيه فلسفة وضعية، فيه فلسفة روحية مثالية، فيه فلسفة مادية بحتة، لما تمسك أصول الفلسفات تجدها قواعد كبرى تتفرع بعد ذلك منها فروع ومدارس،فقضية الإلحاد قضية أزلية، ثانياً: بالنسبة للتاريخ الإسلامي نحن إذا تتبعنا آيات القرآن، الكريم في الإلحاد يجب أن نقف وقفة، الإلحاد بالنسبة للفكر الغربي دايماً يأتي في إنكار وجود الله.
أحمد منصور: نعم
محمد العوضي: حتى يقسمونه هم في فلسفاتهم إلحاد عملي، إلحاد نظري، لكن الإلحاد في القرآن الكريم مثلاً قوله تعالى ( ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون)، يلحدون في أسمائه، إذاً يحرفون لفظها أو معناها. تحريف.. الميل لذلك هنشوف اللحد في القبر ما يل من جهة معينة، إما بالتغيير أو بالحذف أو بالإضافة، كذلك أوضح من ذلك بمعنى آخر حتى: ( إن الذين يلحدون في آياتنا لا يخفون علينا) يلحدون في آياتنا كما- قال عبد الله بن عباس في كتب التفسير -الإلحاد وضع الكلام في غير موضعه، فمثل ما تفضلت النفترى أو الحلاج أو محيي الدين بن عربي أو غيره، يضعون الآيات ويضعون النصوص في غير محلها، فنحن عندما نقول - وهذه لفتة يجب أن يعني نلفت الإنتباه لها - ليس معنى أن أتكلم عن الكاتب الفلاني ملحد أنه ينكر وجود الله، أو أنه لا يؤمن بالإسلام. يُسلم لكن يلحد في التحريف.
أحمد منصور[مقاطعاً]: يعني لا تكفر الملحد؟
محمد العوضي: الالحاد لفظ مشترك، قد يكون الملحد كافر، لكن بالحقيقة في الأخير يعني اصطلاحياً عندما نقول ملحد يعني كافر. اصطلاحياً.. لكن لما نروح نبحث عن دلالاتها في القرآن فلها معاني وهي نسب، لأن قضية التكفير هاي دقيقة، لكن إذا قلنا ملحد.. كافر.
أحمد منصور: لكن يعني - عفواً- هذه العبارات أو هذه الألفاظ مهما كان الإنسان الذي يتكلم حتى لو كان ينطق بالكفر يرفض ويأبي أن توجه له كلمة أنت كافر أو أنت ملحد وتعتبر من الأشياء التي تؤجج الصراعات و..و.. وربما تؤدي أيضاً إلى التطرف وإلى نوع من المواجهات ما بين الناس وهناك ضوابط شديدة وضعت.. وضعها الفقهاء وقُننت في عملية التكفير أو توجيه التكفير إلى شخص، فأيضاً يعني الحسابات الدقيقة في عملية تكفير الملحدين أما ترى أن توجيه الكفر لهم يعني فيه شيء أيضاً من استنفارهم للعداء أو إخراجهم من الملة يدفعهم إلى مزيد من الكراهية بدلاً من الحوار الذي يمكن أن يؤدي إلى عودتهم واوبتهم إلى الدين؟
محمد العوضي: أخ أحمد الحوار مطلوب، والأصل قائم على الحوار
أحمد منصور: نعم.
محمد العوضي: أصلاً بلا حوار نحن نتنازل عن إنسانيتناً كبشر، لأن الحوار يأتي بناءً على أن هناك عقل، عقل يميز بين البديلات ويفهم ويحلل، القرآن يدعونا للحوار، (وجادلهم بالتي هي أحسن)، ( وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر )، ( قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين) ديماً القرآن يطلب البرهان الدليل، لكن ونحن نلحظ التاريخ أستاذ أحمد إن علماءنا ردوا ردود ما.. وما كفر يعني أبو حامد الغزالي ما قال كفر لا طلع " تهافت الفلاسفة" ، الإمام ابن تيمية طلع " الرد على المنطقيين"
أحمد منصور: نعم، أنا أقصد هذا أيضا أن يكون هناك شكل من أشكال،يعني التعبير التي تحفظ أيضاً أوبة هؤلاء وبقاءهم في إطار الإسلام طالما أنه لم يصروا على كفرهم أو لم يظهروا كفراً فيه شكل من أشكال التحدي، خاصة وأنهم ليسوا جميعاً مدرسة واحدة في قضية الإلحاد.
محمد العوضي: أنا أحب هذا التمييز
أحمد منصور: نعم.(45/168)
محمد العوضي: يجب أن نفرق في قضية الحوار مع الطرف الآخر المخالف، نفرق بين (..) يخالفني في الرأي، يخالفني في الاجتهاد، يخالفني في تبنى مذهب فقهي وبين إنسان جاء وعنده مشروع إلحادي، حتى هؤلاء - مثل ما تفضلت- أقسام فيه إنسان ملحد عنده فكر وجاد في إلحاده ويطرح مثل إسماعيل أدهم صاحب كتاب " لماذا أنا ملحد"؟ اللي انتحر سنة 1940 في ميناء الاسكندرية، هذا ملحد رسمي ويدعو إلى الحاده، هذا أناقشه فكرياً وبقوة، لكن أستاذ أحمد- أنا أفرق بين صنف عنده مشروع ثقافي حتى لو يصادم الدين زي مشروع محمد عبده الجابري وبين إنسان جاء- يا أستاذ أحمد - يسخر في عقيدتي، ويهزئ بالذات الإلهية،ويشتم النبي- هذا مو طارح فكر حتى أن أحاوره يا أستاذ أحمد - هذا إنسان جاى يشتمينى وبالتالي هذا ما أحاوره، هذا أفضحه، وهذا أحاكمه، كأى قضية قضائية بطعن فيها بالإنسان، أنا لا يمكن أن يعني.. أنا عندي نماذج كثيرة في.. يعني إحنا رأينا في قناة ( الجزيرة) محاورة مثلاً الدكتور محمد عمارة لنصر حامد أبو زيد.
أحمد منصور: نعم
محمد العوضي: كانت محاورة جادة، نصر حامد عنده فكر، عنده مشروع، زين؟ صحيح مصادم للدين، لكن تعالى شوف الآخرين الذين صارت لهم يعني حظوة سلمان رشدى، نجيب محفوظ، أدونيس، الجماعة دول يشتمون.
أحمد منصور: أنت فتحت النار على الجميع يعني.
محمد العوضي: لا يعني هؤلاء يعني.. حتى يعني شوف تأخذ من العراق خلينا.. خلينا ننوع.. أحسن تقول يعني نأخذ من العراق جميل صدقي الزهاوي، ملحد كبير.
الاتهام بالإلحاد بين القبول والرفض
أحمد منصور: مَنْ.. منْ الذي حدد أنه ملحد؟ هل هو أعلن ذلك من نفسه؟ أم أطروحاته وكلامه؟
محمد العوضي: لا ما أعلن، أطروحاته.. أطروحاته هو ملحد.
أحمد منصور: هل الفقهاء أيضا هم ناقشوا هذا الأمر وأعلنوه بشكل مباشر؟
محمد العوضي: ما فيه شك.. ما فيه شك هذا الرجل يعني يشبه النار، بأن هناك معركة صارت بين أهل النار وبين الملائكة واستوعبوا النار، وطرح نظرية مادية ورد عليه العقاد، رد عليه الشيخ أسعد "السيف البارق في عنق المارق" كفر من كده.. يعني هو كافر هو متبني الكفر، خذ سبيل عبد الله القصيمي الشيخ عبد الله القصيمي كان شيخاً في القصيم وفقيهاً جنبلياً كبيراً، ألحد وطلَّع "الكون يحاكم الله " و"الكون ليس عقلاً" نسيت كتبه، وبعدين جه الشيخ الكاتب الأديب السعودي أبو عبد الرحمن بن عقيل الظاهري في كتابه "لن تلحد" رد كامل على القصيمي، عندنا -الله يسلمك- يعني هؤلاء يتحرشوا يعني القصيمي صحيح عنده علم لكن هذا يسخر ويتحرش ولا أحب أن أذكر الكلمات زي فرج فودة أيضاً، هنا لا يطرح فكر، يسخر يا أخي.
أحمد منصور: أنا.. يعني هذا الاطار الذي أريد أن اسألك عنه، هناك مرجعية شرعية أيضاً يتناولها هؤلاء، يعني لا يظهر من أطروحاتهم أنهم أناس يعني يسخرون من الدين وإنما يأتون بشواهد واطروحات حتى أن يعني أذكر أحدهم وجدته يحفظ نصوص كاملة من الطبري ومن غيره، فلما تناقشت معه قال إنه مكث سنوات طويلة يحفظ هذه الإسرائيليات والموضوعات وكذا حتى يناقش ويفحم بها، إذا كان الطرف الآخر لا يحفظ الحجة التي يدمغ بها هؤلاء أو يتيح لهم المجال بهذا الشكل، أما ترى أيضاً أن هناك قصور من المفكرين الإسلاميين في هذه المرحلة؟ لمحاولة.. الشواهد التاريخية التي استندت إليها ظهرت كتب كثيرة جداً تحاول أن تنسف هذا الفكر الإلحادي وتضيعه من المجتمعات لكن الآن صار الفكر الإلحادي في كل مكان وانتشر بشكل بارز - كما أشرنا في المقدمة- 200 كتاب في مصر الأزهر صادرهم. هناك مشكلة موجودة في الكويت لـ 160 كتاب عُرضوا ونفذوا، أيضاً عملية الإقبال، ما رأيك في عملية الإقبال وفي نفس الوقت عدم ضحد الفكر الإلحادي وأتاحة المجال له بهذه الطريقة؟
محمد العوضي: أنا أتوقع يا أخ أحمد بأن الذي يحصل الآن -من خلال متابعاتي- هو احياء لفكر مقبور، يعني هذه الشبهات والاطروحات طرحها المستشرقون الغربيون ثم جاء مستغربون شرقيون يكررون ما قال المستشرق، لكن بطريقة أكثر برود، ويعني فضفاضة، فالقضية مطروحة ورُدَّ عليها، يعني أمسك الفكر الماركسي، يعني دُفن في مهده من كتابات محمد باقر الصدر "الأسس الاستقرائية للمنطق" "فلسفتنا"، العقاد " الشيوعية والإنسانية" ، البوطي "نقد أوهام المادية الجدلية" قُبر هذا الفكر علمياً، لكن الآن يحيي وبطريقة سمجة بحيث يُفسر القرآن ماركسياً مثل سوس نصر حامد أبو زيد ومثل ما سوي أخ طالع لي مهندس في سوريا محمد شحرور بدأ يلخبط في الدنيا مو فاهم أيش يقول، فالآن المسألة إحياء للمقبور، لذلك لاحظ أنا حتى لما جيت لي في ساعة التفكير المستنير أنا عندي نص هنا..
أحمد منصور[مقاطعاً]: لكن عفواً ، ليه بياخد شهرة؟ لماذا ياخد شهرة؟ يعني رغم أن هذا يصطدم بعقائد الناس وبتقبل الناس لكن الكتب تنفذ من الأسواق، هناك اشتهار في وسائل الاعلام، هناك عملية تبنى أيضاً لهذه الأفكار، ما هي الأسباب التي تؤدي إلى ذلك؟(45/169)
محمد العوضي: الأسباب، أقرأ.. أقرأ عليك هذا النص الصغير جداً الدكتور جابر عصفور مشهور يعني أديب وناقد كبير صاحب إتجاه وأظن هو رئيس في مصر رئيس.. الكتاب له ..
أحمد منصور: هو في هيئة الكتاب له وضع. نعم.
محمد العوضي: في كتابه " محنة التنوير" صفحة ثلاثة طبعة القاهرة 1993، يقول: تمثل التراث التنويري، يريد أن يتمثل التراث التنويري ويجدد إحياء الكتب التنويرية في كتب - تتمثل.. يتمثل التراث التنويري- في كتب " شبل شميل" هذا منهم وهو ملحد كبير، وإسماعيل أدهم صاحب كتاب" لماذا أنا ملحد"؟
أحمد منصور: نعم
محمد العوضي: إذا فيه هناك خطة وكمين من أجل إحياء هذه الكتب، الخطة الشاملة للثقافة العربية أيضاً إحياء لمثل هذه الكتب، الدكتور عبد الأمير الاعزم طبع كتاب " ابن الراوندي الملحد" وبين أن كل العلماء كفروه لأن عنده كتاب اسمه "الزمردة" في الرد على النبوة والسخر بالنبي،كتاب اسمه " الدامغ" رد على القرآن، ثم ماذا يقول أستاذ أحمد؟ يقول وهذا المفكر المستنير الذي كان.. مدح علمي تصور، فالقضية هناك تحريك.. أي شيء أنت بترىد أن تعمل يعني رواج من الكتب في أي زمان في أي موقع سوى له دعاية ومنعه
أحمد منصور: لكن بعض هؤلاء أيضاً يدعون إلى الحوار، يعني هذا حوار نشر مع صادق جلال عظم أو أمس فقط يوم الجمعة الماضية في صحيفة (الرأي العام الكويتية) وصادق جلال عظم معروف حينما كتب نقد الفكر الديني ورد عليه عبد الرحمن حسن حبلنكا البيداني في كتابه صراع مع الملاحدة حتى العظم"
محمد العوضي: أنا جاي له.. جاي له، نعم
أحمد منصور: يقول يعني جزء من.. من طرحه يقول إننا يعني من خلال العرض الذي قدمه يقول: إذا كان أجدادنا قالوا العين بالعين والسن بالسن والتزموا الأشهر الحرم فلنقل نحن الكتاب بالكتاب والقصيدة بالقصيدة والبحث بالبحث والرواية بالرواية ولنكن الأشهر كلها حرم، هو يدعو لأن يكون هناك حوار حتى لو كان هناك فيه فكر إلحادي فيما يطرحون إذا خرج كتاب إلحاد يخرج أمامه كتاب يحاول أن يفند ما فيه من أشياء دون أن يكون هناك دعوة للتفكير أو لظهور أشياء ربما تؤدي إلى مقتل البعض وهو استشهد هنا بمقتل فرج فودة وما ظهر بعد هذا الأمر من ملابسات، ما رأيك في هذه الدعوة أن.. أن تكون القضية قضية مواجهة وقضية حوار بهذه الوسائل التي أشار إليها؟
محمد العوضي: الدكتور صادق جلال العظم ألف كتاب " نقد الفكر الديني"، كتابه يقوم أن ليس هناك إله، وكتابه يقوم على تكرار واجترار النظريات التي أكل عليها الدهر وشرب وتمضمض واستنشق،إذ يعتمد لي على ( دارون) ويعتمد على (فرويد) ويعتمد على (فليانو) يعني خلاص نسخت هذه النظريات العلمية، ثم هو لم يأتِ لكى يناقش، هذا كتاب" صراع مع الملاحدة" حتى العظم هو رد على صادق جلال العظم وقبره، والحقيقة تسمح لي يا أخ أحمد -قبل رمضان بشهرين.
أو ثلاث كنت في مكة المكرمة وزرت جامعة أم القري زيارة لبعض أساتذتي - وهذا كلام نشرته- فرأيت على باب كلية الدعوة الشيخ حسن حبلنك الميداني قلت له
أحمد منصور[مقاطعاً]: صاحب الكتاب
محمد العوضي: صاحب كتاب " صراع مع الملاحدة" قلت له يا مولانا يا شيخنا هل رأيت الحوار اللي دار بين الدكتور صادق جلال العظم وبين الشيخ القرضاوي في قناة (الجزيرة)؟ قال أنا قناة ( الجزيرة) رشحتني إني أنا أناقشه لإني أنا رديت عليه، لكن أنا قلت لهم أبعد أن قبرت هذا الإنسان، قبرت هذا الإنسان قبل 30 سنة نأتي الآن لكى نحييه من جديد!! فالرجل مقبور فكرياً وحواره في "الرأي العام" جاء لا لكى يأتي بجديد لكي يكرر فكراً دُمر وانتهى، يعني هو يقول في كتابه "نقد الفكر الديني" إن إبليس معه حق أن لا يسجد لله، لأن الله سبحانه وتعالى خلق إبليس من نار وخلق آدم من طين والنار لا شك أرقي من الطين فمن حقه ألا يسجد لآدم!! اسمح لي بس أخ أحمد على أساس أنك لا تقاطعني بهذه، أنا أقول أنت ماركسي والماركسية يعني تفرق بين الطبقات، يعني مداعبة، فكيف تفرق بين النار؟ وحتى العلماء الذين ناقشوا في الفرق بين النار والطين وأيهما أكثر فاعلية في الحياة وجدوا أن الطين أكثر فاعلية، عموماً فيه كتاب اسمه " رسالة إبليس إلى إخوانه المناحيس" للبيهقي نهديها حق الدكتور " العظم"
أحمد منصور: هذا من الكتب القديمة أيضاً
محمد العوضي: هذا من
أحمد منصور: التي ردت على الملحدين فعلاً.. نعم،
محمد العوضي: يعني، لا هذه الكتب يعني
أحمد منصور: شيخ أنا مع الشيء الذي أشرت إليه ولكن أنا بأعتبر هذا الموقف أيضاً فيه شكل من أشكال يعني هذه مناظرة تكون على الهواء يشاهدها ملايين الناس والكتب عادة لا تطبع إلا أعداد قليلة ولا يطالعها إلا الناس، فإذا أتيحت الفرصة لمفكر أو كاتب أو عالم إسلامي لكي يناظر شخصاً أياً كان لماذا يتراجع أو يرفض هذه المناظرة وهي متاحة أمامه لكي يفضح هذا الفكر بشكل ربما يكون أفضل مائة مرة من المعالجة في كتاب؟ خاصة وأن الأشياء التي يشاهدها ملايين الناس يعني تترك انطباع في نفس الناس بما يتم، هذه ملاحظة سريعة على ما أشرت إليه.(45/170)
معالجة الأمور الخلافية.. المناظرة أم الكتاب؟
محمد العوضي: ممكن أضيف عليه تعليق صغير بس؟
أحمد منصور: اتفضل.
محمد العوضي: أهلاً، بالمناظرة، ولكن أن يكون الطرف الآخر يريد الحقيقة، ثانياً- وهذه النقطة الحقيقة- أن يكون إنسان سوى انفعالياً،
أحمد منصور[مقاطعاً]: حتى لو لم يرد الحقيقة، أفضح فكره إذا أنت تختلف معه في الفكر، هو لا يريد الحقيقة ولكن الناس ترىد الحقيقة.
محمد العوضي[مستأنفاً]: أنا أضرب لك مثل..
أحمد منصور[مقاطعاً]: الناس التي تسمع هذا الفكر وتشاهده ترىد أن تعرف الحقيقة، فتعرفها منك أنت
محمد العوضي: معلهش بالحوار تعرفها منى أنا، لكن ليس أي إنسان أنا آجى.. يعني مثلاً العفيفي الأخضر، جابوه في قناة (الجزيرة)، وناقشه الأستاذ سالم البهنساوي وأنت يا أستاذ أحمد تعلم إني أنا كنت مرشح لأن أأتي ولكن رمضان كنت مرتبط في البرنامج الكويتي، هذا إنسان ما هو سوِّى أنا أتحمل الكلام اللي أقوله الحقيقة بس يعرف الأخ المشاهد
أحمد منصور[مقاطعاً]: نحن لا نريد، لا نريد أن ندخل في إطار الأشياء الشخصية لنبقي في إطار الفكر.
محمد العوضي: بس يعرف الأخ المشاهد
[موجز الأخبار]
أحمد منصور: أستاذ محمد كنت تريد أن تعلق على شيء لكن أرجو بعيداً عن تجريح الأشخاص والتركيز في الجوانب الفكرية، وهنا سؤال أيضاً أود أن تجيب عليه في هذا الإطار بإيجاز وهو أن المفكرين المسلمين متهمون بالعجز عن الرد ردود مفحمة على الأفكار التي ظهرت مؤخراً خلال هذه الفترة من أفكار إلحادية وغيرها وأن الفرص أحياناً تتاح لهم للرد وهم يقصرون في ذلك، ما تعليقك على هذا؟
محمد العوضي: في البداية أحب.. -أخ أحمد- أن استكمل الفقرة اللي فاتت ، إنه هو وداخله في الموضوع هذا يعني مسألة الحوار، لابد أن يكون الطرف الآخر فيه شروط، أنت أى إنسان ترىد أن تحاوره حتى في الخصومات السياسية الكبري شروط، من الشروط. من الشروط أن يكون الإنسان يريد أن يصل إلى الحقيقة، لا أن يكابر، لا أن يسفسط، ثانياً: أن يكون سوياً، سِّوى في انفعالاته، أما أن يأتيني العفيفي الأخضر على الهوائية ثم يزعل ثم ياخذ شواربه التركيب - ما أدري شافوها بعض الإخوة أو لأ - يا ريت تعيدونها.. ما يصير يشيل شواربه التركيب ويرميها على الطاولة!! هذا إنسان سوي؟! ثم يقول لواحد في التليفون أنت كلامك مزور زي شواربك، هذه مشكلة فهذه مشكلة يا أخ أحمد. فانا أقو لك لازم يكون الإنسان يعني سوي، أما قضية -عفواً- أنا ودي أقف مع قضية التجريح، قضية التجريح.. قضية التجريح يجب أن نفرق بين أن أصفك بوصف تستحقه وبين أن أتجنى عليك وهذه يعني أفضل من جلاها العلامة محمود شاكر في كتابه " أباطيل وأسمار" في رده على مدرسة العبث في التراث واللغة والقرآن والحديث، فعندما وصف لويس عوض بأن خائن وبأ،ه مزور وبأنه أفاق أثيم جاء محمد مندور والكتاب قالوا يا جماعة أنت لاتسب، هذا مو سب، أنا عندما أقول لإنسان قاتل أنت قاتل هل هذا سب؟ عندما أقول لإنسان خاين أنت خاين هذا ليس.. هذا وصف وليس سب، فأنا قاعد أصف جرايم، قاعد أصف ناس مجرمين دخلوا في قضايا الشتائم . هؤلاء الذين أقول لك لا يصلح معهم الحوار، لذلك -أخ أحمد- الرسول - عليه الصلاة والسلام - عندما دخل مكة فاتحاً فإنه سامح الناس جميعاً سامح الذين أدموه وسموه وقتلوا أهله وأدموا رأسه، سامح رئيس المشركين وقائد الكفر أبو سفيان، لكنه في ذات الوقت أباح دماء نساء ورجال، ولو تعلقوا بأستار الكعبة أو كانوا في.. تحت أستار الكعبة، لماذا ؟ لأن هؤلاء فيهم خسة، هؤلاء فيهم دناءة، زي المغنية" أرنب" كانت تغني في شتم الرسول، زي مجموعة.. ومع ذلك جاءت شفاعات لبعضهم، فأنا أفرق بين هذا وبين ذاك، فلما يجيني تقول لي فرج فودة، إحنا لا نؤمن بإن قضية تصفيات هذه ما حد يؤمن فيها أصلاً فى أى قضية في حكومة، في قضاء، في دولة، وإلا صارت فوضى كل واحد يقرر خصمه ويقتله حتى في القضايا المعيشية، لكن لما يجبني فرج فودة ويكتب قبل مقتله في مجلة "أكتوبر" بأسبوع وعلى فكره هاى صار حوار حتى..
أحمد منصور[مقاطعاً]: أنا لا أريد أدخل في إطار لأن الرجل أفضى إلى ربه يعني والآن هو بين يدي الله سبحانه وتعالى فأنا أود التركيز على الأحياء الموجودين الآن الذين يطرحون يعني وأفكارهم موجودة وتسمح لي أخذ معي من القاهرة الدكتور محمد سليم العوا (الكاتب والمفكر وأستاذ القانون). دكتور محمد، ما هي -في تصورك- أسباب انتشار أفكار الإلحاد والزندقة على نطاق واسع مؤخراً في العالم العربي؟
محمد سليم العوا: السلام عليكم يا أخ أحمد.
أحمد منصور: عليكم السلام أهلاً بحضرتك.
محمد العوضي: سلام ورحمة الله
محمد سليم العوا: أهلاً بكم، اسمح لي قبل أن أدخل في أسباب الانتشار أن أعلق على قضية الحوار التي دارت الآن وكان الناس يشاهدونها كما أشاهدها معكم بين أصحاب الأفكار المتضادة.
أحمد منصور: نعم(45/171)
محمد سليم العوا: نحن عندنا مبدأ أن الحوار يصلح مع الخلق جميعاً لا يوجد أحد يستعصي الحوار عليه، وكل إنسان له رأى وله حجة وله منطق تستطيع أن تحاوره بمقتضى رأيه وحجته ومنطقه لكي تبين الحق، لا لكي تصل به إليه فإن الأنبياء أنفسهم - صلوات الله وسلامه عليهم- لم يصلوا بالناس جميعاً إلى الحق الذي بعثوا لأدائه إلى الخلق، ولكنهم استطاعوا أن يبنيوا هذا الحق للناس أجمعين، مَن قبله منهم دخل في دين الله ومن أبي بقي كافراً ومات على ذلك. فمهمة أهل العلم وأهل الفكر وأهل الرأي هي بيان الحق، وليست مهمتهم أن
أحمد منصور[مقاطعاً]: أن يقبل الناس هذا أو يقتنعوا به..
محمد سليم العوا[مستأنفاً]: أن يحملوهم عليه، ليست مهمتهم أن يحملوهم عليه، مهمتهم البيان. الأمر الثاني يا أخ أحمد الذي أحب أن أبينه لإخواني المشاهدين - أن عندنا في تراثنا علماً كاملاً اسمه (علم الجرح والتعديل) يجوز بمقتضى قواعده أن يُبين ما في الرجل الذي يتعرض للعمل العام من سالب وعيوب، ومن هنا لا غيبة ولا إثم في الكلام عن الذين يتصدون للتعليم وللرواية عندما (...) البشر
أحمد منصور[مقاطعاً]: لكن ما هي حدود - عفواً يا دكتور ما هي الحدود التي يصل بها الأمر في وصف هؤلاء؟ هل ممكن أن يصف فلان بأنه فور وأنه..
محمد سليم العوا: نعم.. تصفه.. تصفه.. تصفه بما فيه، إذا كان قد ارتكب إثماً معيناً تصفه به، إذا كان متزندقاً نقول متزندق، إذا كان ملحداً نقول ملحد، إذا كان من أهل الأهواء والبدع نقول ونبين بدعته حتى لا يغتر به الناس، أما أن نصفه بشتائم أو سباب فهذا غير جائز أن نقول هذا مجرم أو نقول هذا كذا من أوصاف الشتم والسب أو هذا جبان، أو هذا ضعيف أو هذا لا يقوى على حمل القصة، كما قال بعضهم على محطات منها محطتكم أخيراً، فهذا لا يجوز، ينبغي أن يكون الوصف بما فيه وأنت متيقن منه، هذه.. هاتان..
أحمد منصور[مقاطعاً]: وفق ضوابط وأسس وضعت في علم الجرح والتعديل يقربها الشرع.
محمد سليم العوا: نعم هذه الضوابط موجودة في علم الجرح والتعديل منها أن تتهمه أو تصفه بما تتيقن أنه فيه، وأن يكون لهذا الوصف سبب كأن يكون متصدياً للتعليم أو الافتاء أو الإقراء أو الرياسة أو الوزارة أو ما إليها، وأن يكون هذا الوصف في المجال العلمي وليس في مجال المنابذة بالألقاب والشتائم أو ما إليها، وأن يكون لهذا الوصف فائدة، فالآن أنت ذكرت فرج فودة، ما فائدة وصف فرج فودة؟ فرج فودة مات!! فإصف الذين يقومون الآن باغواء الناس وإضلالهم، أما فرج فودة فقد أفضى إلى ربه إن خيراً فخير وإن شراً فشر، فمن هذا.. هذا من بين الضوابط المهمة الموجودة في هذا العلم وهناك ضوابط أخرى كثيرة يعرفها أهله وأصحابه. لماذا انتشر الفكر الإلحادي؟ سؤالك: لماذا انتشر الفكر الالحادي؟
أحمد منصور: نعم
لماذا انتشر الفكر الإلحادي في الآونة الأخيرة؟
محمد سليم العوا: الحقيقة إنه لم ينتشر الآن أكثر مما كان، نسبته إلى الفكر الإيماني واحدة، لكن اللى انتشر وسائل الإعلام ووسائل النشر وبعض إخواننا العلماء يقولون من مصائب المطبعة أنها نشرت السخافات على الناس، أنا لا أقول هذا، لكن أقول من مصائب وسائل الإعلام كلها أنما كان.. أنها كما تنشر الطيب الحسن المفيد، تنشر الغث السخيف، ونحن نحب أن ينتشر الطيب ويقل الغث السخيف هذا هو ما عندي.
أحمد منصور: نعم دكتور أيضاً.. يقال أيضاً أن من هذه الأسباب هو التهاون القضائي أو القانوني في مواجهة من يظهر أفكاراً إلحادية وبصفتك قانوني ومحامي وأستاذ للقانون، نسألك ما.. ما هي العقوبة فعلاً؟ هل.. هل فعلاً البساطة في العقوبة تشجع هؤلاء؟
محمد سليم العوا[مقاطعاً]: أخي.. أخي اسمح لي آخر.. آخر القضايا التي عرضت على المحاكم في بلدنا مصر كانت قضية الدكتور نصر أبو زيد وأنا..أنا أصدرت عنها كتاباً كاملاً اسمه " الحق في التعبير"، هذه القضية ناقش فيها القضاء أفكار نصر أبو زيد فكرة فكرة، ومراجعه ومصادره مصدراً مصدراً، وانتهى إلى الحكم بأن هذا الرجل قد إرتد عن الإسلام، ثم ذهبوا إلى المحكمة الأعلى محكمة النقض، ثم خاصموا قضاة محكمة النقض، واستمر الحكم على ما هو عليه، فليس هناك تهاون، لكن هناك أقوام يتجرأون على الأمور فيصفون الناس بالكفر وهم لم يكفروا، ويصفون الناس بالإلحاد وهم لم يلحدوا، ولا يتحملون الخلاف الفكري مع أن أئمتنا وأسلافنا تحملوا أضعاف ما نراه اليوم في الحياة العامة، نحن نقول إن المسيء ينبغي أن يوقف عند حده بكل الوسائل القانونية المشروعة، ولكن نقول إن الخلاف في الرأي ضرورة من ضرورات الحياة، وأن تعدد الاجتهادات من الفطرة التي فطر الله الناس عليها، وأن هذا الدين الذي أباح فيه النبي صلى الله عليه وسلم
أحمد منصور: عليه الصلاة والسلام.(45/172)
محمد سليم العوا: الاجتهاد مع الخطأ وجعل للمخطيء أجراً واحداً، وهي سابقة غير معروفة في أي نظام فكري في الدنيا، حتى اليوم، هذا الدين لا يمكن أن يضيق برأي أو بفكرة أو بمناقشة مسألة، وقد كان أسلافنا واسعوا الصدر، راحبوا الفكر، يتقبلون كل شيء ويناقشونه ويردون عليه، وقال مالك رضي الله عنه وأرضاه " كل مخلوق يؤخذ من كلامه ويترك إلا صاحب هذا القبر صلى الله عليه وسلم " فأنا يا سيدي لا أري أن.. أنه يجوز أن نضع قيوداً أو حدوداً وإنما نتصدي للفكرة بالفكرة وللكمة بالكلمة وللرأي بالرأي، والقضاء هو المرجع والملاذ للفصل بين المخطئ والمصيب. هذا هو.
أحمد منصور: يعني أنت تتفق مع.. تتفق مع صادق جلال العظم الذي - قبل يومين فقط- قال نحن نريد من الإسلاميين أن يحاورون الكتاب بالكتاب والقصيدة بالقصيدة والفكرة بالفكرة والمقالة بالمقالة؟
محمد سليم العوا: لا أنا.. أنا أقول هذا.. يا أستاذ أحمد أنا أقول هذا من عند نفسي ولا أتفق مع صادق جلال العظم في أي شيء قط؟
أحمد منصور: نعم.. نعم
محمد سليم العوا: أنا بيني وبين صادق جلال العظم.. نحن نقيضان، لا أتفق معه في شيء، إنما أنا أقول هذا من منطلق ديني وعقيدتي وثقافتي.
أحمد منصور: طب،ما.. ما هو السقف ما هو القف؟ أليس هنا سقف دكتور موضوع لقضية الفكر؟ هل حتى لو وصل الفكر إلى مرحلة الإلحاد أنت تقول أنه يدخل أيضاً في إطار الحوار والنقاش؟
محمد سليم العوا: لا أنا أتكلم، لا، أنا أقول إذا وصل الفكر إلى مرحلة الإلحاد ينبغي أن يرد عليه ويُبين أن هذا إلحاد، لا أقول نسكت عليه.
أحمد منصور: نعم
محمد سليم العوا: لكن كل فكر يجب أن يرد عليه بفكر وكل رأي يجب أن يرد عليه برأي، لا أقول اقتلوا الملحدين، لأن أحداً لا يملك أن يقتل الملحدين و"لأن يهدي بك الله رجلاً واحداً خير لك من حُمر النعم" فنحن منهجنا هو نقل الهداية إلى الناس، وليس منهجنا تكفيرهم وضربهم وإقامة العقوبات والحدود عليهم، منهجنا هو علاجهم بالحجة، الله تبارك وتعالى في كتابه لم يطلب من المشركين شيئاً على لسان أنبيائه أكثر من أنه قال لهم: ( قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين) فالبرهان هو الفيصل الذي يفصل بين الملحد والمؤمن، بين الصحيح والثقيم، بين الكافر والمسلم هذا هو لو البرهان. أو القرآن.
أحمد منصور[مقاطعاً]: من له الحق أن يحدد أن هذا ملحد أو هذا غير ملحد يا دكتور؟
محمد سليم العوا: الناس لهم أن يقولوا في هذا ما شاءوا بالأدلة الشرعية والفكرية والمنطقية، والجماهير والقراء والمفكرين يحكمون، والله تبارك وتعالى يفصل بيننا وبينهم يوم القيامة.
أحمد منصور: لا أريد أن..
محمد سليم العوا: مفيش أي جهة ولا سلطة لا توجد سلطة في الإسلام لها الحق أن تقول ده ملحد أو مش ملحد كافر أو من كافر، إلا القاضي المختص شرعاً.
أحمد منصور: نعم
محمد سليم العوا: أما أهل الفكر وأهل الرأي فليس هذا من حقهم..
أحمد منصور: ليس هذا من حقهم.
محمد سليم العوا: يصفون بعضهم بما شاءوا لكن هذا الوصف ليس حكماً
أحمد منصور: نعم.
محمد سليم العوا: هذا الوصف...
أحمد منصور[مقاطعاً]: هذا لا.. لا أريد أن أبتعد عن الإطار القانوني الذي نود أن توضح لنا الأمر فيه.
محمد سليم العوا: نعم
أحمد منصور: هل هناك عقوبة قانونية يعني على المرتد أو. أو الزنديق أو الملحد؟
محمد سليم العوا: في البلاد.. في البلاد.. في البلاد التي تطبق الشريعة الإسلامية عقوبة المرتد هي الإعدام، وفي البلاد التي انحسر فيها تطبيق النظام الجنائي الإسلامي عقوبته هي الاستهانة بالأديان وهي عقوبة تختلف من.. من نظام قانوني إلى نظام آخر، لكن هناك الجانب المدني للردة، منها الفرقة بين الزوجين، ومنها عدم تمكنه من التملك، ومنها عدم حقه في التصرف في أمواله، ومنها أنه لا يرث ولا يورث،ومنها فسخ عقد زواجه بمجرد الردة، هذه الاثار المدنية مطبقة في كل بلاد الإسلام، وهذا ما حدث مع نصر أبو زيد إنه حكم بالفرقة بينه وبين زوجته تطبيقاً للمذهب الحنفي المطبق في قضاء الأحوال الشخصية في مصر، فهذا الجانب المدني فيه عقوبات وهي تُطبق، لكن الجانب الجنائي غير مطبق في كل البلاد، مُطبق في بعضها وبعضها لأ، مطبق في السعودية، في اليمن، أظن عندكم، مطبق في عدد من البلاد وليس مطبقاً في كل البلاد.
أحمد منصور: لكن نخلص.. نخلص من هذا إلى أنه لا يحق لأحد أن يطلق هذا إلا القاضي الذي يحاكم الشخص، ولا يحق لمفكر ولا لكاتب ولا لغيره أن يتهم أحداً بالزندقة أو بالإلحاد أو بغيره
محمد سليم العوا: إذا.. إذا أطلقه مفكر أو كاتب فكلامه يؤخذ منه ويُرد عليه، يقبل ويرفض، ويناقش، أما إذا أطلقه قاض فعلى العين والرأس، حكم القضاء لا يناقش.. هذا الفرق بين.. بين فتوي المفتي وحكم القاضي.
أحمد منصور: شكراً للدكتور محمد سليم العوا
محمد سليم العوا: شكراً يا أخي
أحمد منصور: شكراً لك على هذه المداخلة الطيبة. أستاذ محمد أعتقد أن الدكتور العوا سلط الضوء على أشياء حتى مما تناولتها أنت..
محمد العوضي: صحيح.. صحيح(45/173)
أحمد منصور: وآمل أن يكون هناك اتفاق بينكما فيما طرحه الدكتور العوا
محمد العوضي: الحقيقة الدكتور العوا يعني أستاذنا يعني، لكن أحب حتى تنجلي الصورة، أولاً: يا أخوة نحن جئنا هنا لكى نناقش الفكر الإلحادي والزندقة، أي لم نأت لنناقش إنسان أجتهد فأخطأ، أو حتى أنحرف، أو حتى وقع في خطأ عقائدي من غير قصد، أو بقصد لنية جهل، نحن نتكلم عن مجموعة وعصابات جاءت متخصصة لها أساليب في الطعن في العقيدة والقرآن والنبي، هذه واحدة، ثانياً يا أخي نحن لا.. أستاذ أحمد- نحن لا نتشهي التكفير -أعوذ بالله- بالعكس أنا دائماً أقول وهذه ثلاث مرات كررت العبارة حتى جعلتها نسيج فكري حي ديماً أقول.. أقوله مصيبتنا في شريحتين في مجتمعاتنا العربية، يعانون من خلل في التفكير والتعبير والتدبير شريحتين يعانون منخل في التفكير والتعبير والتدبير ، شريحة الأولى يكفرون المؤمنين، الشريحة الثانية يدافعون عن الكافرين والمرتدين والزنادقة، كلاهما مريض، وأحدهما نفس جرم الآخر، فتكفير المؤمن كفر.. يعني جريمة ضخمة وأضفاء القداسة وتلميع الكافر الذي يصرح بكفره ويعتبر كفره حضارة أيضا جريمة وتضليل آخر، لذلك نحن دائماً نحفظ عبارة الإمام أبي حامد الغزالي في كتابه فيصل التفرقة، " فيصل التفرقة بين الكفر والزندقة" يقول " لا يسارع إلى التكفير إلا جاهل"، لكن ما تفضل فيه أستاذنا الكريم الدكتور العوا إحنا لا..
أحمد منصور[مقاطعاً]: أود بإيجاز حتى نغرق.. أمامنا قضايا كثيرة وهواتف للمشاهدين وفاكسات، بإيجاز لو سمحت.
محمد العوضي: بإيجاز.. بإيجاز نحن نقول حتى الملحد يُناقش، لكن أنا هنا لا أتكلم عن الملحد بالأصالة، أتكلم عن الزنديق الملحد الذي جاء لكي يطعن في ديني.
أحمد منصور: هي كلها قريبة والدكتور العوا قال ليس هنا إنسان مهما كان يحمل من فكر فوق المناقشة لأن المناقشة ليس هدفها اقناع هذا الشخص أو إجباره على الحق وإنما اقناع الناس.
محمد العوضي: بالضبط صح.. توضيح.
أحمد منصور: وتوضيح ونقل الصورة لهم حتى يعني دائماً يُقال بأن الله - سبحانه وتعالى - حاور إبليس، رغم أن إبليس في مكانته، ولكن دار حوار بين الله - سبحانه وتعالى - وبين إبليس حتى يكون هذا أيضاً دليل ومرجع للبشر بأن الحوار ممكن حتى مع إبليس نفسه وليس مع مجرد بشر لديهم أفكار عُرضه لأن يتغيروا منها وعندنا أمثلة الدكتور مصطفي محمود كان ماركسياً وعاد، الدكتور محمد عمارة كان ماركسياً والآن من أكبر المحاربين للماركسية.
محمد العوضي: نعم
أحمد منصور: لو قطعت معه الحوار من البداية ما أعتقد أن كانت تتاح مثل هذه الأمور، فالإنسان مهما بلغ أعتقد أن فرصة الحوار يجب أن تكون متاحة. تفضل.
محمد العوضي: فرصة الحوار متاحة، لكن يبقى حق الله وحق رسول الله لحكم شرعي - كما تفضل الدكتور- يطبق عليه حد أو حكم، هذا ليس الذي خالفني، هذا الذي جاء يطعن مباشرة في القرآن، يا أستاذ أحمد أنت يعني.. يعني هنطلع شواهد إذا كانت القضية تصل إلى التوضيح
أحمد منصور: آخذ الأخ.. تسمح لي أدخل بعض المشاركات
محمد العوضي: اتفضل.. اتفضل.
أحمد منصور: الأخ علي راشد من الكويت، اتفضل
على راشد: مساكم الله بالخير يا خويا.
أحمد منصور: أهلاً بيك مساك الله بالخير.
على راشد: بغيت بس أسأل الأخ محمد في العبارة اللي كتبها: "ويقف أمام قبر المصطفي يجدد البيعة القلبية والفكرية ويعلن البراءة من كل تقصير"، نبغي توضيح الجملة هذه، شكراً.
محمد العوضي: شكراً أخ..أخ أيش؟ أخ مين؟
أحمد منصور: الأخ علي راشد.
محمد العوضي: أخ علي راشد هذه مقال كتبته قديم عن أحد الإخوة الرموز السياسية وقلت يعني: لو ذهبت إلى يعني مكة واعتمرت ثم زرت المسجد النبوي ووقفت أمام قبر الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - وجددت البيعة القلبية، أنا ما أقصد.. أخي كل إنسان عندما يقول كلام يجب أن يحمل على نسيجه الفكري وما يراهن عليه ويدافع عنه كما يقول العلماء، القصد: أنت عندما تقف أمام قبر الرسول - عليه الصلاة والسلام- السنة ما هي؟ تتمسح؟ أبداً تستغيث؟ أبد.. تقف تلقى السلام، إلقاء السلام والتحية والصلاة على النبي - عليه الصلاة والسلام- بما هو ثابت هذا بحد ذاته ولاء، تجديد ولاء آنى، ما نقصد أن تكون هناك أي سلوك آخر أو فهم يحمل الكلام، وإذا كانت العبارة فيها شبهة أنا متنازل عنها ومتخلص منها أحسن.
أحمد منصور: الأخ سلطان المري من (الخافجة) بالمملكة العربية السعودية يقول تعليقاً على ما طرحناه حول انتشار الكتب وبيعها أن كل ممنوع مرغوب
محمد العوضي: صحيح
أحمد منصور: فكون الناس تقبل على شراء مثل هذه الكتب فهذا لا يدل على صحتها، وإنما لأنها ممنوعة فالناس يقبلون عليها وهو يبلغك السلام والتحية.
محمد العوضي: أهلاً وسهلاً.
أحمد منصور: معي الأخ نمر الكجك من ألمانيا أخ نمر.
نمر الكجك: آلو.
أحمد منصور: اتفضل يا أخي.
نمر الكجك: آلو.
أحمد منصور: اتفضل.
نمر الكجك: السلام عليكم.
أحمد منصور: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
محمد العوضي: سلام ورحمة الله.
نمر الكجك: عفواً أخ، فيه ملاحظة صغيرة.(45/174)
أحمد منصور: اتفضل.
نمر الكجك: فيه فرق ما بين الكفر والإلحاد.
أحمد منصور: نعم.
نمر الكجك: وردت أية كريمة ( إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين ) ( ومن يرتد منكم عن دينه)
أحمد منصور: عن دينه
نمر الكجك: (فسوف يأتي الله بقوم).. أي نعم بسورة المائدة.
أحمد منصور: نعم
نمر الكجك: فالإلحاد هجمة شرسة من أميركا لضرب الإسلام. وشكراً.
أحمد منصور: نعم، شكراً ليك.تعليق، هل لديك تعليق سريع؟
محمد العوضي: والله أخي الكريم.. أخي الكريم طبعاً الإلحاد يعني ما نقدر نقول هجمة شرسة من أميركا، الإلحاد فكر يتبناه عربي، أميركي، هندي، كويتي، عراقي، فكر هذا ما له علاقة إذن في أميركا، أميركا دولة علمانية لها يعني.. يعني إحنا نريد أن يكون الواحد دقيق، نحن نشكر عواطفك، لكن أيضا نريد أن.. أن نكون واضحين في قضية.. قضية تاريخية، قد يلحد واحد أمامك الآن من.. على قناعات ذاتية حتى مش من تأثير خارجي ويناقش ويحاور، إذا بتسمح لي يا أخ أحمد أقرأ بعض النصوص أو..؟
أحمد منصور: يعني النصوص طويلة،ولكن أنا أريد يعني أن اسالك سؤال يروجه الملحدون وأحياناً ممكن أن يأتي هذا السؤال من طفل إلى والده وممكن أن يضرب الرجل إبنه ويعتبر هذا شيء من العيب والخروج من الدين وكذا، إذا سأل الطفل أباه وقال له أين الله؟ أو قال له من خلق الله؟ فكيف يجيب الإنسان ببساطة وسهولة على طفله أو على من يعني يسأل هذا السؤال إذا كان يريد أن يشككه في إيمانه أو يدعوه إلى الإلحاد ببساطة.
محمد العوضي: أي سؤال في الأول؟
أحمد منصور: أين الله؟ لو سال الطفل حتى أبوه أين الله؟ لماذا لا نرى الله؟ أحيانا الأطفال يسألون هذه الأسئلة.
محمد العوضي: نعم.. نعم .. هو في الحقيقة الطفل يعني عقليته مبنية على الخيال، وبناءً على ذلك هو من مشدود إلى عالم المحسوسات، فعندما يقول لي أين الله؟ احنا نقوله الله فووووق.. بعيد، فإحنا عقيدتنا الله في السماء، " وفي " هنا ليست ظرفيه.. أي تحويه السماء، أي منفصل عن الكون.. خارج الكون،لا نؤمن بالنظرية المثالية الهيجيلية أنه داخل الكون أو وحدة الوجود أو الحلول.
أحمد منصور[مقاطعاً]: لا تدخلني في الفلسفة أنا أريد تعريف بسيط لو أمكن.. يعني.
محمد العوضي: طيب، لأن هذا السؤال أيضاً يُطرح يا أستاذ أحمد
أحمد منصور: نعم
محمد العوضي: إذاً نقول له: الله بعيد، الله سبحانه وتعالى فوق في السماء، ما بعد السموات، وتنحل عنده المشكلة يعني ببساطة، أما ليش ما نشوف الله؟ يعني فيه مناظرة طريفة، يمكن القصص تلطف الجو الساخن هذا كفر والحاد و..
أحمد منصور: نعم.
محمد العوضي: جاء زنديق أو ملحد إلى الإمام أبي حنيفة.. فقال له: يا إمام هل رأيت ربك؟ قال الإمام سبحان ربي لا تدركه الأبصار ولا تحويه الأقطار ولا يؤثر فيه الليل ولا النهار وهو الواحد القهار. قال الرجل الملحد: يا إمام هل لمست ربك؟ هل شممت ربك؟ هل ذقت ربك؟ هل لمست ربك؟ قال سبحان ربي ( ليس كمثله شيء وهو السميع البصير)، قال يا إمام: إذا لم تكن رأيته ولا سمعته ولا شممته ولا لمسته فمن أين تثبت أن ربك موجود؟ قال الإمام يا هذا اسمع: هل رأيت عقلك؟ قال الملحد لا، هل لمست عقلك؟ قال لا، هل ذقت عقلك؟ هل شممت عقلك؟ هل سمعت عقلك؟ قال الملحد لا، قال فأين عقلك.. قال إذن فأنت مجنون قال لا، قال فأين عقلك؟ قال موجود، قال كذلك الله جل جلاله موجود. مشدود للمحسوس، ليس كل ما أراه غير موجود وهذه قضية يعني، أما قضية السؤال أيش الثاني؟
أحمد منصور: أنا قبل أن آخذ السؤال الثاني مع مكالمة من سوريا عاجلة، الأخ حسين العويدات من سوريا.
حسين العويدات: ألو.
أحمد منصور: اتفضل يا أخ حسين.
حسين العويدات: ألو، ألو.
أحمد منصور: تفضل يا سيدي.
حسين العويدات: ألو مساء الخير.
أحمد منصور: مساء الخير، مساك الله بالخير.
حسين العويدات: يا سيدي أولاً أود أن أشير إلى ما تفضل به الأخ الذي تحاوره،
أحمد منصور: نعم.
حسين العويدات: ثلاث أربع مفكرين وكتاب سواء كانوا من الزنادقة أو من غير الزنادقة أشار لهم بأنهم غير أسوياء، وغير أسوياء هذا ليس وصف لواقع قائم، هذا استنتاج لوصف شخصية فيحتاج لكثير من المختصين ليقرروا أسوياء أو غير أسوياء، أشار من بين هؤلاء مثلاً إلى الدكتور شحرور، أنا أعرفه جيداً، الرجل مؤمن ويصلي ومؤمن بالله وكتبه ورسله إلى آخره..
أحمد منصور: نعم.
حسين العويدات: هذا فمن المفروض نراعى دقة الأوصاف للآخرين وليس من السهل إسلامياً أن نوصف الآخرين بما ليس فيهم، هذا أمر.
الأمر الثاني: المشكلة أن إخواننا من المفكرين الإسلاميين يحاولون أن يجعلوا الأساس هو التحريم في الإسلام والاستثناء هو الإباحة، الإباحية
أحمد منصور: نعم.. نعم(45/175)
حسين العويدات: ليست الإباحية بمعنى. الإباحة أنه مباح، كما تعلم أن الدين الإسلامي، المحرمات في الدين الإسلامي 12 محرَّمة، القتل والزنا وزواج الأقارب وسوء الائتمان إلى آخره، 12 واحدة فقط والباقي هو مباح ومتروك للاجتهاد، إخواننا وعلى رأسهم حجة الإسلام الإمام الغزالي- اللي يستشهد به الآن- منعوا الاجتهاد تقريباً.. الغزالي يقول الزواج موضوع رق والزوجة رقيق لزوجها والقرآن لم يقل ذلك، منعوا الاجتهاد، وحرَّموا على أي إنسان أن يجتهد، وبالتالي هم الذين أول من أساءوا إلى الدين وكل من يحاول أن يجتهد كما.. كما أراد الإسلام، الرسول أتى ليجتهد بما لم يحرمه الله، فكل من يحاول أن يجتهد ينسبونه فوراً بالزندقة والإلحاد إلى آخره، وكأنهم يريدون أن يجمدوا العقول وأن يجمدوا الإسلام نفسه ولا يتركون للإسلام فرصة ليستوعب معطيات التطور ومعطيات الحياة، يقولون الإسلام لكل زمان ومكان، حقاً إذا كان.. إذا كان يجتهدون، أما إذا رفضوا الاجتهاد وجعلوا كل شيء محرَّم فلا يمكن أن نصل إلى نتيجة، سيكون هناك تناقص جدِّى بين تطور البشرية، تطور الإنسان وبين الإسلام كما يفهمونه وكما يفهمون هو..
أحمد منصور[مقاطعاً]: أخ حسين يعني لكن الاجتهاد أيضاً له ضوابط وقواعد وضعها الفقهاء ولم يتركوا الاجتهاد يصل إلى حد الطعن أو التأويل في الآيات القرآنية أو في الأنبياء أو في الملائكة أو في يعني.. الاجتهاد في الدين شيء وقضية التطاول والزندقة التي نتناولها شيء أو الإلحاد شيء أمر يختلف عن ذلك.
حسين العويدات: سيدي حقاً التطاول شيء والتأويل شيء آخر، التأويل مباح لكل مسلم، والحوار في التأويل و 80% من الآيات القرآنية قابلة للتأويل فلماذا تحرمني أنا كمسلم أن أؤول؟
من أعطاك الحق أن تأول أنت وتمنعه عنى ونمنعه عن غير؟ هذا أمر مباح لكل مسلم، وهذا أمر مباح لمدى فهمي لوسيلة المعرفة التي أمتلكها،ولماذا تطور العلم؟ أفهم الآية بهذا الفهم، أنا لا أقول التطاول التطول مرفوض، ولكن التأويل والاجتهاد هو الذي مباح، حولوا حتى حتى في المناهج المدرسية..
أحمد منصور: أخ حسين أشكرك.. أشكرك على هذه المداخلة، الأخ حسين عويدات من سوريا أشكرك جداً على هذه المداخلة أنا أود أن تجبيني على هاتين النقطيتين بإيجاز.
محمد العوضي: لا أولاً أنا بعلق على موضوع الأستاذ
أحمد منصور[مقاطعاً]: حسين ما أنا بأسألك عليه، نفس الموضوع، هو يقول عملية الأوصاف التي أطلقتها
محمد العوضي: نعم، صحيح.
أحمد منصور: ويعني ضرورة المراجعة فيها وأن تستند إلى أصول في هذا الأمر، وأن الإسلاميين أيضاً في تناولهم للآخرين يريدون أن يمنعوا قضايا الاجتهاد وغيرها.
محمد العوضي: أستاذ حسين هه؟
أحمد منصور: نعم.
محمد العوضي: أستاذي الكريم أولاً أشكرك على النصيحة، أنا ما قلت حقيقة عن.. عن محمد شحرور أنه ليس سوي، لكن قلت عن العفيف الأخضر، وأنا أتحمل هذه الكلمة، الشيء الثاني يا أخي الكريم: شحرور في كتابه " الكتُّاب والقرآن" كان عندي في الفندق ضخم بس ما جبته لكثرة الكتب اللي جبتها لأني أنا جاي من البلد وأردت أن أقرأ النصوص من الكتب على الناس، شحرور طبق المنهج الماركسي في تفسير القرآن الكريم وكتبت عنه أربع مقالات، طبق مبدأ النفي ونفي النفي، وطبق مبدأ الديالكتيك الصاعد والديالكتيك النازل، وطبق مبدأ.. طبق الماركسية ثم أخذ آيات القرآن.. وإلى الآن الأخ متخلف. يعني نحن مشكلة يا أخ أحمد، متخلفون في استيراد ما عند الغرب ومتخلفون في التخلص ما من تخلصوا منه، يعني كنت أكلم أستاذنا محمد قطب في جامعة أم القري في الدراسات العليا، قلت له يا أستاذ أنت إلى الآن في كتابك " مذاهب فكرية" تدرسنا "فرويد" "ودوركايم" و.. قال لي: أيوه هي هناك قديمة، بس جامعتنا لسه
أحمد منصور: مستوردينها
محمد العوضي: يعني إلى الآن.. أخي الكريم، أنا أنصحك عندكم العالم.. الشام.. إلى الآن موجود "التحريف المعاصر في الدين تسلل في الانفاق بعد السقوط في الأعماق" دراسة للدكتور حسن جبلنك الميداني، يبين لك كيف أن الماركسية عندما سقطت، وهذه قضية خطورة الاجتهاد، الاجتهاد له شروط، أنت لو ذهبت تتكلم مع صاحب الخضار في فنيات الخضار وأنواع التربة وأنواع السبانخ من هذه التربة لقال لك: لا تتدخل في شيء ما تعرف، إلا دين الله أفتح الاجتهاد حق من هب ودهب ويصبح اللعب وتسقط التخصص وهذه أمة الفوضى، ثانياً أخي الكريم: أرجوك عندكم واحد في الشام اسمه ماهر المنجد طلع" الاشكالية المنهجية في الكتاب والقرآن" دراسة نقدية وذكر آخر حاجة هو حضر مع شحرور في محاضرة اللغة العربية الرجل لا يستطيع أن يقرأ الآية صح، فالقضية هي حزب شيوعي طلَّع الكتاب والمسألة معروفة ولا تجادل في شيء أكبر يعني..(45/176)
أحمد منصور: عندي المحامي صباح المعراوي من دمشق يقول حول نفس النقطة المتعلقة بالدكتور شحرور: المعاصرون لا يخرجون في طروحاتهم عن الفكر الإلحادي القديم، فالإلحاد واحد في كل العصور، وعلى سبيل المثال فإن الدكتور شحرور يكاد ينقل لنا في كتابه " قراءة معاصرة" مقولة محي الدين بن عربي في وحدة الوجود ويكاد يكون هذا النقل حرفياً. معي الأخ فيصل الأحمد من الأردن،اتفضل
فيصل الأحمد: السلام عليكم.
أحمد منصور: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
فيصل الأحمد: أنا أشكركم جداً على هذا البرنامج الرائع
أحمد منصور: شكراً ليك.
محمد العوضي: شكراً.
فيصل الأحمد: وشكراً لك يا أخي أحمد وشكراً للأخ محمد.
محمد العوضي: الله يسلمك.
فيصل الأحمد: هاي حقيقة يجب أن نقول وأن نوجه كل كلامنا دائماً إلى كل من يتجرأ على هذا الدين وإلى كل من يحاول أن يتهجم على هذا الدين، يجب أن نحاربه وأن نفصح كل هؤلاء في العلن، يقول رب العزة: ( ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ويتخذ كل شيطان مريد كُتب عليه أنه من تولاه فإنه يضله ويهديه إلى عذاب السعير) فهذا هو قول الحق سبحانه وتعالى في هؤلاء أنهم يجادلون في الله بغير علم، ولذلك يتولاهم الشيطان ويجب أن نفضحهم ونفضحهم فضحية تامة أمام الملأ، حتى لا يتهجموا على هذا الدين، ونقول لكل الملحدين الضلاليين المتطاولين البهائميين
أحمد منصور[مقاطعاً]: لا هذا.. هذا الوصف نرجو أن نشيله، لأنه لا يتفق مع الضوابط التى أشار إليها حتى الدكتور العوا في قضايا الجرح والتعديل
محمد العوضي: خفف شوية.
أحمد منصور: وأرجو أن توجز في.. وتحدد مداخلتك أيضاً أو سؤالك.
فيصل الأحمد: يا أستاذي يا أستاذي أحمد نحن أصحاب عقيدة.
أحمد منصور: في إطار، أصحاب العقيدة لهم ضوابط أيضاً فيما .. حينما يتحدثون عن الآخرين.
فيصل الأحمد: ما هو نحن أصحاب عقيدة وعقيدة ومذهب وهذه جاهلية القرن العشرين، الكل يتهجم على هذا الدين ويدخل على هذا الدين بمداخل مختلفة، فأشكر أنا الأستاذ محمد العوضي ليحارب هؤلاء، ويجب علينا كلنا أن نقف ضد هؤلاء، وأشكر (الجزيرة) والأخ أحمد بأن نفضح هؤلاء وأن نفضحهم على هذا.. على هذا
أحمد منصور: شكراً ليك يا أخي
فيصل الأحمد: في هذا البرنامج وعلى الملأ، وأن نقول لهم: اتقوا الله في دنيكم، وعودوا إلى هذا الدين، لأن هذا الدين يصلح لكل زمان ومكان، وهذا الدين هو دين سمح، سهل، بسيط، كيف له أن يصبح الصباح وهو نائم لا يقوم أن يصلي لله الذي أعطاه القوة، أعطاه الأبصار، أعطاه السمع، أعطاه العقل، أعطاه الفكر، القدرة على الحركة؟
أحمد منصور: هل لديك سؤال يا أخ فيصل؟ أم أردت المداخلة بهذا الكلام الطيب الذي أشرت إليه؟
فيصل الأحمد: أنا أريد أن أداخل فقط وأن أتمني لكم دائماً أن تقدموا لنا برامج جيدة وممتعة كهذه.
أحمد منصور: (الجزيرة) تقدم دائماً برامج جيدة. شكراً ليك علىهذه المداخلة الطيبة. معي الأستاذ على الرز، أستاذ علي الرز، معي الأستاذ على الرز ( مدير تحرير جريدة الرأي العام الكويتية)، أستاذ علي يعني نحن نأخذ معك مداخلة حول الآن ما أشار إليه الدكتور محمد سليم العوا في مداخلته وآمل أن تكون قد تابعتها في أن الإعلام يلعب دوراً كبيراً في قضية ترويج هذه الأفكار وجريدتكم أيضاً لعبت دوراً في هذا وآخر ما فعلته هو نشر عدة حلقات مع المفكر صادق جلال العظم، يعني ردد فيها الأفكار والاطروحات التي انتقده فيها علماء الإسلام، ما هي مبرراتكم لترويج هذه الأفكار التي لا تجد قبولاً لدى الناس وتتصادم مع المجتمعات المسلمة.. كإعلامي أنا أحدثك كإعلامي أنت يعني؟
علي الرز: نعم أولاً كإعلامي لا أتفق معك في أن هذه المقالات التي تُنشر تتعارض مع الأجواء العامة وتتعارض مع الناس وتتعارض مع الشريعة، إنما هي اجتهاد تدخل في إطار الحرية التي تلتزم فيها صحيفتنا وغيرها من الصحف، وأعتقد أنه لا يجوز لأحد أن يقمع هذا الحرية سواء بأحكام مسبقه أو بكتابات مخالفة لروح النقاش الحر، عموماً..
أحمد منصور[مقاطعاً]: لكن.. لكن أما تجد أيضاً أن هذه الأشياء يعني تشتت أفكار الأمة وتصرفها عن قضاياها المصيرية إذا كنا سندخل في إطار أو إذا كان المفكرين سيتفرغون للرد على بعضهم البعض في هذا الإطار وتُترك القضايا المصيرية في الأمة، أما تجد أن البعد عن هذه الزوابع ربما يكون أفضل بالنسبة للناس وبالنسبة لقضايا الأمة المصيرية؟ كإعلامي أيضاً.
علي الرز: والله إذا كانت هذه الأمة من الوهن والضعف بحيث أن مقالة في صحيفة تصرفها عن الأمور المصيرية فهنا يجب إعادة النظر في النسيج الاجتماعي والفكري لهذه الأمة من الأساس، أنا الحقيقة أريد أن.. أن أناقش قضية محددة رداً على أستاذنا الشيخ محمد العوضي.
أحمد منصور: أتفضل.(45/177)
علي الرز: الكلام في ظاهرة نقاشي حواري ولكن في باطنه قمعي، تصنيف الناس ملاحدة وكفرة ومحاججتهم على هذا الأساس يحمل مخاطر حقيقة على وحدة النسيج الاجتماعي الإسلامي والعربي، إذا كان الشيخ العوضي المفكر الهادئ يمارس وكالة التصنيف العقائدي بهذا الشكل فماذا نترك -ولنقلها بصراحة- لأمراء الجماعات الإسلامية من أفغانستان شرقاً إلى الجزائر غرباً؟ يعني 2:
أحمد منصور[مقاطعاً]: يعني هذا سؤال توجهه إلى الأستاذ محمد العوضي.
علي الرز: طبعاً أوجه السؤال إلى الشيخ محمد العوضي
أحمد منصور: سؤالك الثاني؟
علي الرز: سؤالي الثاني: أن الشيخ محمد العوضي ذكر أسماء بالجملة، لكتاب ومفكرين ووصفهم بالمفرد يعني بكلمتين بعضهم ملاحدة وبعضهم شتامين. هذه الأسماء تملك عشرات الكتب العميقة وإذا وردت فيها كلمة نافرة أو تتعارض مع التوجه العام للشريعة فذلك لا يلغى مكانتها الفكرية ولا يعني - بالتأكيد- أنها شتَّامة، أيضاً يضع الشيخ العوضي شرطاً لمناظرة وهو أن يكون المحاور ملتزماً بالحقيقة، وهنا نسأل كيف يكون الشيخ محمد وكيلاً للحقيقة وغيره مناهضاً لها ؟ هذه أمور شديدة الحساسية ولا يمكن أن يقع في محاذيرها شخص نجبرة وسعة وعلم الشيخ العوضي، فيعني الشيخ العوضي.
أحمد منصور: شكراً لك، اتصلنا.. اتصلنا عليك لنسألك فسألت أنت واسئلتك نوجهها إلى الأستاذ محمد العوضي للإجابة عليها، هل لديك إضافة أخيرة أستاذ علي؟
علي الرز: فقط إضافة أخيرة، هي المشكلة هي في المنطبقات، صحيح أنه لا يجوز السكوت عن تمادى بعضهم في.. في تحقير الدين ورموزه سواء عن اقتناع أو طبعاً فيما يعتقده بعضهم العالمية، ولكن الأصح أن نضع ضوابط للتعامل مع مثل هذه الحالات تبدأ أولاً وأخيراً بسحب وكالة التصنيف وإصدار الأحكام وتنتهي بالرد فكرياً وحضارياً على ما يعتبر اساءة أو كفراً.
أحمد منصور: هو الدكتور محمد سليم العوا - ربما تابعت- قال أن هذه متروكة للقاضي، قضية التصنيف والحكم هي متروكة للقاضي وليس من حق الكتاب أو المفكرين أن يدخلوا في إطار هذا الأمر طالما أن هناك في القضاء.. في نظام الدولة الإسلامية ما يبرر هذه الأشياء. شكراً للأستاذ علي الرز ( مدير تحرير جريدة الرأي العام الكويتية) وأترك لك المجال للإجابة، لماذا تمارس القمع والتصنيف في مداخلاتك وأطلقت بالجملة عبارات على الناس ما بين شتامين وما بين ملاحدة أو زنادقة؟
محمد العوضي: أستاذ علي أول من يعرف- وهو صديق- أول من يعرف إني أنا كتبت مقال بعنوان " غرور التدين" وقصدت بذلك وقلت بالحرف أن غرور التدين أن يتكأ الإنسان على أريكته ثم يحتكر الحقيقة ثم يجلس وليس له هم إلا فلان كذا وفلان كذا هذا ضال وهذا مضل وهؤلاء فيهم وهؤلاء.. فيبدأ، أنا عندما قلت أن يكون الطرف الآخر يريد الحقيقة، كما تفضل الدكتور العوا يعني ( لست عليهم بمسيطر)، الهداية لكن أقصد أن الإنسان جاى يريد .. عنده منافذ.. يعني الفيوزات ما هي مشيولة ما هو مسكر، يريد أن يسمع، يريد أن يعرف، وأؤكد على النقطة أن لابد أن نتفق أولاً في المنطلقات، فإذا لم نتفق في المنطلقات فإذاً النتيجة راح تكون.. هذه القضية القضية الثانية: قضية الشتامين يجب.. اسمح لي يا أخ علي أنا بأطلع أوراقي.. يا أستاذ أحمد.
أحمد منصور: بس بسرعة علشان احنا عندنا ضغط شديد من المشاهدين ما بين رسائل وما بين هواتف
محمد العوضي: لا مو بسرعة، يا شيخ ما أنا بأجلي..أنا بجلي الحقيقة حق الناس حتى يعرفون إن فيه شتم حق الدين أو لأه هذه رواية " أولاد حارتنا" خلي هذا.. " أولاد حارتنا" نجيب محفوظ خد عليها جائزة وصارت ضجة، أنا الآن بأختصر.
أحمد منصور: هذا واخد جائزة نوبل شككت كيف ستهدم فيها وهي..؟
محمد العوضي: واخد جايزة نوبل طبعاً،لأ هدم فيها لأنها أول من استأنس على هذه الجايزة وزير خارجية إسرائيل آنذاك (شمعون بيريز)، يعني لازم يستأنسون اليهود، لماذا؟ لماذا؟ ماذا..؟ أستاذ أحمد
أحمد منصور: ماذا تفعل..؟(45/178)
محمد العوضي: أنا الآن استغفر الله أولاً ثم أريد أن أضع المشاهد مسلم، مسيحي، ديني، لا ديني، أي مذهب أبي اسمع: الراوية عبارة من سرد سيرة النبي - عليه الصلاة والسلام- مع اقحام الأنبياء الآخرين في طريقة رواية أدبية وأعطاها أسماء مستعارة لكل الشخصيات من أجل أن يتفلت من قضية المحاكمة، فسمى الجبلاوي، الجبلاوي هو الله، وسمى موسي جبل، وسمي مريم عبده، وسمي نبينا عيسي رفاعة لأن الله رفعه، وحارة الجرابيع هي يعني مكة المكرمة، والجرابيع أهل الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأتباعه وأنصاره، وحسن يعني علي بن أبي طالب، والسيدة قمر خديجة، وصادق أبو بكر، وعرفة الساحر، بعدين بدأ في قضية الأنبياء كلهم يشربون الحشيش ويجلسون، الملائكة اللي هو عباس وجليل أو جليل عباس يعني عزرائيل وجليل يعني جبريل، ورضوان يجلسون في السماء على حلقة قمار، الله قاطع طريق عنده- حاشاه- يقول إبليس إنني عدت قاطع طريق كما كان الجبلاوي، تصور.. عن طريق الأٍسماء المستعارة أبو بكر والرسولل ومعاهم على بن أبي طالب يجلسون في سهرة يشربون الخمر ثم يرجع كل واحد بيتهم دايخ، عيسي عليه السلام اتهمه بأنه صفاته أنثوية ويشرب بالخمر وتخونه زوجته اللي سماها مش عارف.. كل هذا الكلام كيف أناقشه عقليا؟ هذا إنسان يجب أن يسحق، هذا إنسان لا ينطق بمنطق خسيس، أنا اسمح لي
أحمد منصور: لما لا ترد عليه الحجة بالحجة بدلاً من هذا
محمد العوضي: ما فيه حجة فيه شتايم يا أستاذ أحمد.
أحمد منصور: تفند للناس حتى يعرف الناس الحق.
محمد العوضي: ما تفند، هذا إنسان يعاقب، إنسان ييجي يشتمني أقول.
أحمد منصور: هذا اللي يقرره القاضي أيضاً يا شيخ.
محمد العوضي: لأ، ما أعتقد لأن القاضي يقرر الإلحاد الرسمي، أما يأتي إنسان يطلع لي رواية في شتم نبينا محمد والسخرية بالذات الإلهية، هذه رده واضحة حقيقة واللي ما بيرضى أخلي المسلمين يحكمون عليه، شيء آخر أستاذ علي، رواية سلمان رشدي عندي أنا، يجيك.. لاحظ..كيف أناقش مثلاً عزيز العظمة وجاكم أنتم في(الجزيرة) هنا عزيز العظمة وناقشه الشيخ عبد المنعم أبو زنط، كيف ترىد أن يناقش عزيز العظمة وهو يكتب في مجلة ( الناقد) وصفاً ترويجياً منتعش لرواية سلمان رشدي وأنها جعلت فيه رعشة أدبية وأن فيها براعة فنية وفيها واقعية تاريخية، أسأل عزيز العظمة وأسال نصر حامد أبو زيد في كتابه " نقد الخطاب الديني" صفحة كم يارب؟ اسمح لي يا أخ أحمد بس هالنص هذا.
أحمد منصور: أعطيك دقيقة.
محمد العوضي: لأ ما يكفي.. في صفحة.. راحت المهم.. في هذا الكتاب "نقد الخطاب الديني" ونجيب محفوظ في إذاعة لندن كلهم يثنون على رواية سلمان رشدي، ما الذي أعجبكم أدبياً في رواية سلمان رشدي وأنعشكم؟ هل صورة الرجل الذي وقف يتبول- في الرواية- واستغرق تبوله أحد عشر دقيقة؟ هل الذي أعجبكم في الرواية يا دكتور عزيز العظمة ويا نجيب محفوظ ويا أبو زيد ويا جماعتهم وحزبهم وكتابهم وجيشهم هل الذي أعجبكم في الرواية هو صفة النساء في الطيارة المخطوفة اللي ذكرها سلمان رشدي وكان كل كلامهم يدور حول الجهاز التناسلي لأزواجهن وشكله وأوصافه أنا ما أنا ذاكر العبارة نفسها ؟ هل الذي أعجبكم من الواقعية التاريخية يا عزيز العظمة ويا بقية المجموعة هو أن يصف الرسول كان ساقطاً على الأرض والخمر - حاشاه، أنا استغفر الله من رواية هذا الكلام، لكن الكفر يجب أن يبين- أن يكون ساقط على الأرض والخمر ينزل من فمه فتأتي هند زوجة أبي سفيان فتحمله إلى سريرها فينتبه صباحاً فيجد نفسه عارياً ملفوف بلباس هند؟
هل الذي أعجبهم في رواية سلمان رشدي وواقعيتها التاريخية عند الأخ عزيز العظمة هو أن سلمان الفارسي كان يتردد على ماخور الحجاب -كما سماه عزيز العظمة وكما سماه سلمان رشدي- والماخور كان فيه.. في مكة وكان فيه أسماء المومسات كلهم على أسماء أمهات المؤمنين بين بيت رسول الله؟ هل الذي أعجبهم أن أم المؤمنين عائشة كانت تلبس سارى هندي وتمشي في الطرقات وعلى رأسها العقارب والحيات والجرزان فتأكلهم حياً؟ بقية السفالات، هل هذا منطق يا أستاذ للنقاش والفكر؟ أبداً، أنت إذا جاءك إنسان وسفل فيك وشتمك ترفع عليه قضية، إلاَّ قضية العقيدة مثل ما قال أخونا من الشام خليها تكون اجتهادات، هذه اجتهادات هذه زبالة أفكار البشر يا أخي ومن لا يقول هكذا وحتى لو كتب وراهم جيش قاعد يكتب ما لا يقرأ أو ما لا يفهم أو موظف لهذه القضية، نحن - أخ أحمد- أنا بس خليني يعني نحن مع الفكر ومع الحوار ويشهد الله أني قاعد مع متشككين وزنادقة، ولكن ناس..
أحمد منصور[مقاطعاً]: أنا عندي أكثر من خمسين فاكس ومداخلات.. يعني مشاهدين على الهاتف، اسمح لي
آخذ الأخ محمد سعيد من بريطانيا.
محمد سعيد: السلام عليكم.
أحمد منصور: وعليكم السلام ورحمة الله.(45/179)
محمد سعيد: في الحقيقة.. في الحقيقة أنا أشكر الأخ الضيف واتفق معاه في كل ما قاله، لكن طريقته بالتعامل مع الإعلام تحتاج إلى شوية تلميع، عندي اسئلة واحد: كيف يمكن للناس أن يتعاونوا مع هذه الكتب الإلحادية - أو اللى سموها ما تسموها - إذا كان تعليمهم الديني قاصر؟ وأنا أقصد عامة الناس، وكذلك بالنسبة للتعليم الديني في الجامعات قاصر جداً إذا ما قورن بالتعليم اللاهوتي في الجامعات الأجنبية وخاصة بريطانيا، هذه نقطة، النقطة الثانية: لم أفهم من الأخ الدكتور العوا، كيف يسمح بشتم الرئيس ولا.. ولا يسمح بشتم الذات الإلهية؟ أنا لم أفهم هذه القضية، ولا أستطيع أن أفهمها ويا حبذا واحد يشرحها
أحمد منصور[مقاطعاً]: هو الدكتور العوا لم يتعرض لهذا، لم يقل يسمح بشتم الرئيس .. هو تكلم عن الجوانب الأساسية في قضية محاكمة من ستطاول وأن الأمر متروك للقاضي، لأن الأمر لو ترك -كما قال- لكل واحد لظهر في المجتمع تفتت كبير وصراعات ومشكلات أكثر منها ضوابط أساسية من خلال القاضي
محمد سعيد: نعم أنا لا.. لا أضع كلمات في فمة - عفواً- أنا أسأل مجرد اسأل
أحمد منصور: طب هل لديك.. نعم
محمد سعيد: وأريد أن اسأل أيضاً.. وأريد أن أسال أيضاً كيف يحكم مثلاً القضاء المصري بتفريق ناصر أبو زيد وفي نفس الوقت مثلاً يعود إلى هولندا مع زوجته؟ فأريد أن اسأل أيضا بالنسبة لانتشار هذه الكتب، أليس هذا من.. يعني من الصحيح جداً أن تنتشر هذه الكتب خاصة الإعلام كله بيد بين ناس من نفس هؤلاء الناس، سواء إن كان إعلام مرئي أو إعلام كتب؟ وأريد أن أسأل أنا النقطة الأخيرة لماذا لم يكن هناك رد فعلي على كتاب سلمان رشدي كما رأينا من.. من إيران على سبيل المثال، وإن كان رد إيران أنا شخصياً أعتقد أنه للدعاية والإعلان؟ وشكراً وبارك الله فيكم.
أحمد منصور: شكراً لك، الأخ ياسر الحاج من اليمن.
ياسر الحاج: السلام عليكم.
أحمد منصور: وعليكم السلام ورحمة الله.
ياسر الحاج: تحية طيبة لجميع المشاركين والمستمعين والمشاركين بالأسئلة.
أحمد منصور: شكراً لك.
ياسر الحاج: يعني ألخص ما أقوله في نقطتين باختصار
أحمد منصور: نعم.
ياسر الحاج: أول مَنْ حاور الكفار والمنافقين والملاحدة هو الله سبحانه وتعالى في قرآن يتلى إلى يوم القيامة، فإلتزامنا بهذا الدين يحتم علينا الحوار باعتبارهم تحت بند أمة الدعوة، يعني كل.. من لم يسلم أو كل من يدعي هذا الفكر فهو تحت بند أمة الدعوة وقد قيل في سيدنا عمر بن الخطاب لو أسلم عمر بن الخطاب.. لو أسلم عمر بن الخطاب.. لا.. ما أسلم عمر بن الخطاب، ولا أخفي أن كان شعورنا ونحن نتفرج على.. على الشخص الذي ذكره الأخ الأستاذ محمد المشارك -ذكره بأنه غير سوى- أنا لا أريد ذكر اسمه، لأنني يعني أنا أعترض على إن الأخ يقول عليه غير سوي، الأخ ده رفع منزلته، هو الأخ الأخضر الإبراهيمي هذا كان يتحاور
أحمد منصور: لا.. لا هذا ليس الأخضر الإبراهيمي لا تخلط الأسماء..إحنا لا نريد أن نقف في إطار الأشخاص.
ياسر الحاج: كلام جميل مش ده قصدي، يعني أنا قصدي إن إحنا يعني أنا هأقول باختصار إن هنرجع للقرآن الكريم، الحوار في القرآن الكريم مع الكفار كان فيه نضج وذكاء شديد جداً، يعني فيه سؤال واحد ( يسألونك عن الساعة أيان مرساها) دا واحد عايز يعرف الحقيقة، كان الرد عليه أيه؟ ( قل علمها عند ربي لا يجليها لوقتها إلا هو) تمام، إنما فيه سؤال ثاني مستهزئ يقول: ( يسألونك إيان يوم الدين) قيل لهم في الرد أيه؟ ( يوم هم على النار يفتنون) سؤال ثاني سُئل للرسول صلى الله عليه وسلم
أحمد منصور: يعني المنهجية.. منهجية القرآن في الحوار يعني.. الذي تقصده حتى في الأسئلة التي فيها إنكار أو استهزاء أو غير ذلك.
ياسر الحاج: أيوه تمام يعني قصدي إن اللي بيسال للاستفهام .. اللي بيسأل متى الساعة؟ قال رسول ا صلى الله عليه وسلم "وماذا أعددت لها"؟ واللى بيسأل قال أتزعم أن ربك يبعث هذه؟ وأظهر عظمة بالية؟ قال له الرسول " نعم يبعثها ويبعثك ويدخلك النار" من هذا يعني أركز على النقط الآتية، أولاً : أنا أؤيد الحوار في (الجزيرة) لأن مع كل الآثار الجانبية لكل هذه المشاكل التي ذكرت إلا أنه أفضل من عدمه يعني كيف كان لنا أن نرى هذا الفكر العلماني وهو يعني يكفي بدون أي تعليق أن نراهم حتى يكلمون.. يعني يحدثون عن نفسهم ويتفاخرون بهذا الذي يقولونه
أحمد منصور: شيء جميل.. نعم
ياسر الحاج: دي النقطة الأولى، ولكن المحاور المناسب والرد المناسب، يعني يجب.. يبقى كويس جداً وأنا بأتحاور مع هذا الفكر إن أنا ما بأكلمش إنسان يعني عايز يوصل للحقيقة لأ، دا فيه.. فيه بند مصالح قوي جداً في الموضوع، يعني الدكتور نصر أبو زيد كان يرفض أن يُقرأ ما كتبه، يعني الذي كتبه نصر أبو زيد كان يرفض أن يُقال، كان هو الذي يرفض، ولكن لم..
أحمد منصور: أنت تقصد في الحوار الذي بثته (الجزيرة)؟
ياسر الحاج: عن المصالح التي ترتبت على.. على وجوده في قبل هذا الموضع(45/180)
أحمد منصور: يعني ياسر ياسر -عفواً- أنت تقصد.. تقصد في الحوار الذي بثته (الجزيرة)؟
ياسر الحاج: أيوه.
أحمد منصور: بين الدكتور نصر أبو زيد والدكتور محمد عمارة .
ياسر الحاج: الدكتور نصر أبو زيد، الدكتور نصر كان الدكتور عمارة كان يقرأ عليه من كتبه فكان يقاطع.
أحمد منصور: نعم بس أنا استفسر منك
ياسر الحاج: فأنا.. أنا عايز أقول حاجة ولذلك، يجب وأنا بأتحاور.. يعني يجب يعني كأني يعني الدين النصيحة، أنا بأتكلم مع تليفزيون (الجزيرة) أنا اشتريت ( الرسيفر)مخصوص فقط علشان أتفرج على تليفزيون (الجزيرة)
أحمد منصور: شكراً لك، شكراً
ياسر الحاج: فاللي أنا عايز أقوله باختصار: أنني عايز لما أحاور مثل هذه..مثل هذه.. مثل هؤلاء.. أصحاب هذه الأفكار يجب إن أنا أرد رد مناسب، ما أجيبش واحد في منتهى الأدب ومنتهى العلم وراجل كبير وشيخ يرد على إنسان يقاطع ويغالط ويلف وبتاع لأ، لازم إن أنا أراعي الرد المناسب على مثل هذا الكلام وليستمر الحور لأنه في الغالب بتتحقق المصلحة وجزاكم الله خيراً.
أحمد منصور: أشكرك جداً ياسر الحاج من اليمن على هذه المداخلة الطيبة.
محمد العوضي: أستاذ أحمد
أحمد منصور: اتفضل دقيقة.. نعم
محمد العوضي: شكراً.. شكراً أخي الفاضل، حقيقة من فوائد الفضائيات أنها تفضح المستويات وتطلع لك هذا عقليته ومستواه واللى كان الناس مسوينة يعني جبل بَيَّن على حقيقته هذه نقطة، القضية الثانية مِثل ما تفضلنا، أن يعني مثل ما اتفضل الأخ إن فيه حوار مفتوح أنا قاعد أتكلم عن ناس قاعدة تشتم النبي والله ومحمد ولا ترىد أن تحاور، يعني أتصور في "رواية أولاد حارتنا" الوحيد اللي ما يحشش.. الأنبياء يحششون، الصحابة يحششون، الوحيد الذي لا يحشش هوشخصية سماها عرفة الذي يأتي في الأخير وإنسان نظيف اللي هو الملحد تصور؟! فهذا إنسان ليس حوار، هذا إنسان العلاج، يعني هناك إنسان تحاوره وهناك إنسان تعالجه يا أستاذ أحمد مش كل الجماعة يعني محطوطين حق الحوار، بالمناسبة أنا أحب أذكر اسم كتاب غازي القصيبي.. القصيبي، غازي القصيبي ( الأديب السعودي والدبلوماسي) عنده كتاب سماه " من هم الشعراء الذين يتبعهم الغاوون؟" يشرح الآية شرح لطيف جداً وعميق، آخر فصل في الكتاب من هو آخر الشعراء الذين يتبعهم الغاوون؟ فتكلم أن سلمان رشدي عرف أنه صاحب رواية، لكن أيضاً عنده أشعار وشتم في الأشعار النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وبين أن هذا الإنسان مسخ، لا.. شتم الباكستانيين بعد ما طلع منهم، وشتم الإنلجيز اللي يعيش فيهم، وشتم.. هو لا مسلم ولا مسيحي ولا.. يعني هومسخ مرضي، أرجوكم أن تقرأون هذا الكتاب وشكراً للأخ الأديب غازي القصيبي.
أحمد منصور: الأخ على البحر من الكويت يقول: لا يجوز.. هو يحمل رأى آخر عندنا ياسر من اليمن كان يقول يجب الحوار، وهو يقول: لا يجوز مناقشة الملاحدة على الإطلاق لأنه لا يجوز الجدال لأن مناقشتهم جدال فلا نكون مع مناقشتهم كما حصل مع الزنادقة. هذا رأي أيضاً في هذا الجانب. عندي سؤال يقول.. من تامر الديحاني من الكويت أيضاً يقول: هل الغرب لهم دور في ظهور بعض المفكرين الملاحدة وتغزية فكرهم؟
محمد العوضي: يا أخي أنا أعجب يعني.. إحنا - الأخ تامر جزاك الله خير- يعني إحنا عندنا قضية الغرب هذه واضحة، لكن لما يذهب سلمان رشدي ويستقبله كلينتون رسمياً في البيت الأبيض أو في..، لماً تقول (تاتشر) إنني أحسست برعشة أدبية من قراءة رواية "آيات شيطانية" اللي هي كلها شتايم في.. هؤلاء عندما يقولون ذلك ينطلقون من منطلقهم أياً كان المنطلق فسرناها، لكن مشكلتنا يا أخ تامر في ربعنا الجيش من الكتاب والتلميع الذين ما أدري هذه المصيبة، لذلك..
أحمد منصور[مقاطعاً]: عندي سوسي أحمد من المملكة المغربية يقول: لماذا يحلو لأغلبية الشيوخ الأفاضل استعمال كلمات مثل دمه حلال، دمه مباح، اهدار دمه، قتله جائز، قطع الرؤوس، إعدامه واجب، أما تعطي هذه الكلمات انطباعاً من الإسلام والمسلمين سئ بأنهم سفاكي دماء وأن المسلمين.. المسلمين، المسلمين يهددون العالم بالفناء؟ باقي دقيقة.
محمد العوضي: أخي الكريم قضية أخذ الحق باليد والدماء لا تجوز إلا للقاضي وبحكم يعني ولي الأمر، هذا شيء محسومة.. شيء محسوم. ثانياً : هذه ردة فعل انفعالية نرجو أن يضبطون نفسهم سواء كانوا مشايخ وفقهاء أو لأ لكن ماذا ترىد أن يصنع إنسان يأتي مثل فرج فودة -ذهب إلى ربه- لكن يأتي يكتب مقال في آخر أسبوع قبل.. آخر شهر قبل مقتله في مجلة (أكتوبر) ويقول
أحمد منصور[مقاطعاً]: إحنا قلنا فرج فودة لقي ربه يا فضيلة شيخ.
محمد العوضي: لا الشاهد.. الشاهد على أساس أقول لك كيف ينرفزون الواحد، يقول: إن الإسلاميين في سمالوط أظن سمالوط هذه منطقة يا أخ أحمد
أحمد منصور: نعم، في مصر نعم.(45/181)
محمد العوضي: في سمالوط يحرمون الكوسة والبذنجان ليش يا مولانا؟ قال لأن الكوسة والباذنجان من المأكولات التي تحشى والحشى فيه إيحاء. والحشو فيه إيحاء جنسي لأن شيء في شئ وبالتالي الذي يشترى كوسة لازم يجلد واللي يبيع الباذنجان لازم يقام عليه الحد!! أنا.. فيغتاظ الشيخ يقول دمه حلال وكذا، إحنا نقول هدوا وتعاملوا مع الناس على قدر عقولهم يعني.
أحمد منصور: شكراً ليك فضيلة الشيخ. مشاهدينا الكرام لم يبق لنا سوى أن نتقدم بالشكر الجزيل إلى ضيفنا ( الباحث والكاتب الكويتي) الأستاذ محمد العوضي، كما نشكركم على حسن متابعتكم. في الحلقة القادمة -إن شاء الله- نتناول موضوعاً هاماً آخر هو ضوابط وشروط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وسيكون ضيفنا فضيلة العلاَّمة الدكتور يوسف القرضاوي.
في الختام أنقل لكم تحيات فريق- البرنامج، وهذا أحمد منصور يحييكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
http://www.aljazee r a.net/N r /exe r es/D...53D4C1A5CE.htm
===============(45/182)
(45/183)
التعريف بالالحاد
التعرف :
الإلحاد هو : مذهب فلسفي يقوم على فكرة عدمية أساسها إنكار وجود الله الخالق سبحانه وتعالى :
- فيدعي الملحدون بأن الكون وجد بلا خالق .
- وأن المادة أزلية أبدية ، وهي الخالق والمخلوق في نفس الوقت .
ومما لا شك فيه أن كثيراً من دول العالم الغربي والشرقي تعاني من نزعة إلحادية عارمة جسدتها الشيوعية المنهارة والعلمانية المخادعة .
التأسيس وأبرز الشخصيات :
• الإلحاد بدعة جديدة لم توجد في القديم إلا في النادر في بعض الأمم والأفراد .
• يعد أتباع العلمانية هم المؤسسون الحقيقيون للإلحاد ، ومن هؤلاء : أتباع الشيوعية والوجودية والداروينية .
• الحركة الصهيونية أرادت نشر الإلحاد في الأرض فنشرت العلمانية لإفساد أمم الأرض بالإلحاد والمادية المفرطة والانسلاخ من كل الضوابط التشريعية والأخلاقية كي تهدم هذه الأمم نفسها بنفسها ، وعندما يخلو الجو لليهود يستطيعون حكم العالم .
• نشر اليهودية نظريات ماركس في الاقتصاد والتفسير المادي للتاريخ ونظريات فرويد في علم النفس ونظرية دارون في اصل الأنواع ونظريات دوركايم في علم الاجتماع ، وكل هذه النظريات من أسس الإلحاد في العالم .
• أما انتشار الحركات الإلحادية بين المسلمين في الوقت الحاضر ، فقد بدأت بعد سقوط الخلافة الإسلامية .
• صدر كتاب في تركيا عنوانه : مصطفى كمال للكاتب قابيل آدم يتضمن مطاعن قبيحة في الأديان وبخاصة الدين الإسلامي . وفيه دعوة صريحة للإلحاد بالدين وأشادة بالعقلية الأوربية .
• إسماعيل أحمد أدهم : حاول نشر الإلحاد في مصر ، وألف رسالة بعنوان لماذا أنا ملحد ؟ وطبعها بمطبعة التعاون بالإسكندرية حوالي سنة 1926م .
• إسماعيل مظهر أصدر في سنة 1928م مجلة العصور في مصر ، وكانت قبل توبته تدعو للإلحاد والطعن في العرب والعروبة طعناً قبيحاً . معيداً تاريخ الشعوبية ، ومتهماً العقلية العربية بالجمود والانحطاط ، ومشيداً بأمجاد بني إسرائيل ونشاطهم وتفوقهم واجتهادهم .
• أسست في مصر سنة 1928م جماعة لنشر الإلحاد تحت شعار الأدب واتخذت دار العصور مقراً لها واسمها رابطة الأدب الجديد وكان أمين سرها كامل كيلاني .. وقد تاب إلى الله بعد ذلك .
ومن أعلام الإلحاد في العالم :
• أتباع الشيوعية : ويتقدمهم كارل ماركس 1828-1883م اليهودي الألماني .
وأنجلز عالم الاجتماع الألماني والفيلسوف السياسي الذي التقى بماركس في إنجلترا أصدرا سوياً المانيفستو أو البيان الشيوعي سنة 1820-1895م .
• أتباع الوجودية ويتقدمهم :
- جان بول سارتر .
- وسيمون دوبوفوار .
- والبير كامي .
• وأتباع الدراوينية .
• ومن الفلاسفة والأدباء :
- نيتشه / فيلسوف ألماني .
- برتراند راسل 1872-1970م فيلسوف إنكليزي .
- هيجل 1770-1831م فيلسوف ألماني قامت فلسفته على دراسة التاريخ .
- هربرت سبنسر 1820-1903م إنكليزي كتب في الفلسفة وعلم النفس والأخلاق .
- فولتير 1694-1778م أديب فرنسي .
• وفي سنة 1930م ألف إسماعيل مظهر حزب الفلاح ليكون منبراً للشيوعية والاشتراكية . وقد تاب إسماعيل إلى الله بعد أن تعدى مرحلة الشباب وأصبح يكتب عن مزايا الإسلام .
• ومن الشعراء الملاحدة الذين كانوا ينشرون في مجلة العصور .
- الشاعر عبد اللطيف ثابت الذي كان يشكك في الأديان في شعره ..
- والشاعر الزهاوي ويعد عميد الشعراء المشككين في عصره .
الأفكار والمعقدات :
• إنكار وجود الله سبحانه ، الخالق البارئ ، المصور ، تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً .
• إن الكون والإنسان والحيوان والنبات وجد صدفة وسينتهي كما بدأ ولا توجد حياة بعد الموت .
• أن المادة أزلية أبدية وهي الخالق والمخلوق في نفس الوقت .
• النظرة الغائية للكون والمفاهيم الأخلاقية تعيق تقدم العلم .
• إنكار معجزات الأنبياء لأن تلك المعجزات لا يقبلها العلم ، كما يزعمون . ومن العجب أن الملحدين الماديين يقبلون معجزات الطفرة الوحيدة التي تقول بها الداروينية ولا سند لها إلا الهوس والخيال .
• عدم الاعتراف بالمفاهيم الأخلاقية ولا بالحق والعدل ولا بالأهداف السامية ، ولا بالروح والجمال .
• ينظر الملاحدة للتاريخ باعتباره صورة للجرائم والحماقة وخيبة الأمل وقصته لا تعني شيئاً .
• المعرفة الدينية ، في رأي الملاحدة ، تختلف اختلافاً جذرياً وكلياً عن المعرفة بمعناها العقلي أو العلمي !!
• الإنسان مادة تنطبق عليه قوانين الطبيعة التي اكتشفتها العلوم كما تنطبق على غيره من الأشياء المادية .
• الحاجات هي التي تحدد الأفكار ، وليست الأفكار هي التي تحدد الحاجات .
• نظريات ماركس في الاقتصاد والتفسير المادي للتاريخ ونظرية فرويد في علم النفس ونظرية دارون في أصل الأنواع ونظرية دوركهايم في علم الاجتماع من أهم أسس الإلحاد في العالم .. وجميع هذه النظريات هي مما أثبت العلماء أنها حدس وخيالات وأوهام شخصية ولا صلة لها بالعلم .
الجذور الفكرية والعقائدية :
• نشأ الإلحاد الحديث مع العقلانية والشيوعية والوجودية .(45/184)
• وقد نشر اليهود الإلحاد في الأرض ، مستغلين حماقات الكنيسة ومحاربتها للعلم ، فجاؤوا بثورة العلم ضد الكنيسة ، وبالثورة الفرنسية والداروينية والفرويدية ، وبهذه الدعوات الهدامة للدين والأخلاق تفشى الإلحاد في الغرب ، والهدف الشرير لليهودية العالمية الآن هو إزالة كل دين على الأرض ليبقى اليهود وحدهم أصحاب الدين !! .
الانتشار وأماكن النفوذ :
• انتشر الإلحاد في أوروبا ، وانتقل بعد ذلك إلى أمريكا .. وبقاع من العالم .
وعندما حكمت الشيوعية في ما كان يعرف بالاتحاد السوفيتي قبل انهياره وتفككه ، فرضت الإلحاد فرضاً على شعوبه .. وأنشأت له مدارس وجمعيات .
• وحاولت الشيوعية نشره في شتى أنحاء العالم عن طريق أحزابها ، وإن سقوط الشيوعية في الوقت الحاضر ينبئ عن قرب سقوط الإلحاد بإذن الله تعالى .
• يوجد الآن في الهند جمعية تسمى جمعية النشر الإلحادية ، وهي حديثة التكوين وتركز نشاطها في المناطق الإسلامية ، ويرأسها جوزيف إيدا مارك ، وكان مسيحياً من خطباء التنصير ، ومعلماً في إحدى مدارس الأحد ، وعضواً في اللجنة المركزية للحزب الشيوعي ، وقد ألف في عام 1953م كتاباً يدعى : إنما عيسى بشر فغضبت عليه الكنيسة وطردته فتزوج بامرأة هندوكية وبدأ نشاطه الإلحادي ، وأصدر مجلة إلحادية باسم إيسكوا أي شرارة النار . ولما توقفت عمل مراسلاً لمجلة كيرالا شبدم أي صوت كيرالا الأسبوعية . وقد نال جائزة الإلحاد العالمية عام 1978م ويعتبر أول من نالها في آسيا .
يتضح مما سبق :
أن الإلحاد مذهب فلسفي يقوم على إنكار وجود لله سبحانه وتعالى ، ويذهب إلى أن الكون بلا خالق ، ويعد أتباع العقلانية هم المؤسسون الحقيقيون للإلحاد الذي ينكر الحياة الآخرة ، ويرى أن المادة أزلية أبدية ، وأنه لايوجد شيء اسمه معجزات الأنبياء فذلك مما لا يقبله العلم في زعم الملحدين ، الذين لا يعترفون أيضاً بأية مفاهيم أخلاقية .ولا بقيم الحق والعدل ولا بفكرة الروح . ولذا فإن التاريخ عند الملحدين هو صورة للجرائم والحماقات وخيبة الأمل وقصته ولا تعني شيئاً ، والإنسان مجرد مادة تطبق عليه كافة القوانين الطبيعية وكل ذلك مما ينبغي أن يحذره الشباب المسلم عندما يطالع أفكار هذا المذهب الخبيث .
لى بعض ملا حظات بسيطة منها
1)حين تذكر أمامى قوانين الوراثة والطفرات الوراثية
أتذكر على الفور الآية الكريمة :
( يزيد فى الخلق ما يشاء إن الله على كل شيء قدير )
2) مجلة العصور التى أسسها إسماعيل مظهر
ما تزال منبرا للإلحاد والحداثة
رغم ما ذكر عن توبته ولا أعلم إن كان ما زال حيا
3) بالنسبة لقول الملحدين
عن قناعتهم بالمساواة بين البشر دون تفرقة بين معتقد وآخر
علمتنا التجربة الإشتراكية فى الإتحاد السوفييتى
وما ارتبط بها من نماذج فى أنحاء متفرقة من العالم
أن الملحدين كانوا أكثر من حكم الأرض جرأة على سفك الدماء وإبادة الخصوم
وكانت أعلامهم بلون الدماء
وضحاياهم بالملايين فى مناطق مختلفة من العالم
وتسلق قادتهم تحت مسميات العمال والفلاحين
لم تخف على متابع فى بقاع الأرض
فلم يعملوا إلا لمصالحهم الشخصية ومجدهم الشخصى
وجاء الدليل من واقعهم
فقد أسقط تمثال لينين العمال والفلاحين
الذين خدعوا بالدعاوى الإشتراكية
وكان يسوءهم ربط تلك الإشتراكية بالدعاوى الإلحادية
ولأن الإلحاد دعوة هشة
فقد هزم فى دولة صغيرة هى أفغانستان أمام إيمان البسطاء
وكانت هزيمته هناك أهم مسمار فى نعش أقوى دوله ملحدة
==============(45/185)
(45/186)
تأملات: الإلحاد العاطفي، الإلحاد المادي والإلحاد العقلي
هذه تأملات وأفكار تكونت لدي من خلال قراءتي لبعض المداخلات في نادي الفكر العربي وأحببت أن أشارككم بها واقرأ آرائكم وتعليقاتكم - وما مدى صحة هذه الآراء على أرض الواقع - أرجو المشاركة من الجميع وخصوصاً السادة المعنيين بالموضوع.
هناك فيما يبدو ثلاثة أنواع (أو ثلاثة حالات) من الإلحاد تبينت لي لدى قراءتي مواضيع كثيرة من المنتدى - ولا يعني هذا بالضرورة أنها تمثل ثلاثة أنواع من الناس بل ربما يوجد هناك من لديه أكثر من نوع واحد في نفس الوقت، كما لا يعني أنه مقتصر على هذه الأنواع، وهذه الأنواع هي:
الإلحاد العاطفي - الإنفعالي
الإلحاد النفعي - المادي أو البراجماتي
الإلحاد العقلي - العلمي
وسابدأ بالنوع الأول من الإلحاد
الإلحاد العاطفي - الإنفعالي:
هذا النوع من الإلحاد يتكون لدى إناس تعرضوا لأزمة أو موقف عاصف في حياتهم - أو كفروا بوجود الخالق بناء على قضية ما أثارتهم وأثرت فيهم - يتكون لديهم شعور بالغضب والسخط على هذا الأمر ويجدون أنه ليس عادلاً وأن من حولهم ممن يذكرون إيماناً بالخالق يكذبون ويستخدمون هذه التبريرات زوراً وادعاءً - وأن الخالق من جملة الخرافات والأوهام التي يسعى الأقوياء بواسطتها إلى السيطرة وبسط النفوذ على الآخرين
إن السمة الرئيسية لهذا الإلحاد هي سيطرة مشاعر الرفض والغضب والشعور بالمرارة - وربما يخفي الملحد ذلك الشعور تحت ستار من السخرية والنرجسية والإستعلاء فلا يظهر الغضب في سلوكه ولكنه ينقلب إلى سخرية وهزء بالآخرين واستعلاء عليهم
من علامات الإلحاد العاطفي أن يقول الشخص:
- العذر الوحيد لله (عن هذه المصائب التي تحصل) أنه غير موجود
- لو كان الله موجوداً فهو يجب أن يدخل النار (أو من يمثله من رجال الدين المنافقين)
- ليست هناك عدالة بين البشر وهم يخدعونني إذا ادعوا عدالة السماء
- العدالة حلم الضعفاء - والدين - نعم الدين - يصنعه الأقوياء
وهذا الكلام يحمل في طياته اعتراضا انفعالياً وعاطفياً وليس عقلياً بحال من الأحوال - فالشخص الذي حصل له أمر سيء أو رأى هذا الأمر يحصل لغيره يقول:
- كيف يحصل هذا الأمر إذا كان الإله موجوداً؟
- اليس من حولي يقولون أن الإله عادل؟
- كيف يدع هذا الأمر يحصل بدون أن يتدخل؟
- يجب عليه إن كان موجوداً أن يتدخل..
- ما هذا الإله الظالم الذي يستحق العقاب ..
- كيف يكون الله إلى جانب رجل الدين المنافق والسارق والمحتال ولا يكون إلى جانبي أنا المسكين؟
ومن هنا يبدأ الغضب الداخلي بالتراكم حتى يصل بالشخص إلى حالة نفسية قاسية ويجد هذا الإله سداً أمام تفكيره وسلوكه فيرفض فكرة وجوده لأنه يصل إلى نتيجة داخلية مفادها أن اللوم لا يجدي وأنه مضطر للخروج من دوامة السلبية والسخط التي هو فيها إلى الواقع والفعل الإيجابي وأنه مضطر أن يعتمد على ذاته وأن ينسى لوم الإله وبالتالي ينكر وجوده ويعتبره خرافة
الباعث لذلك كله هو الإنفعال والعاطفة وعجز التبرير الواقعي لما يحصل
وجوابي الشخصي على ذلك:
منذ وجود الإنسان العاقل المفكر وقبل وجوده - لم يكن واقع الدنيا يجري على هواه بحال من الأحوال ولم تكن الدنيا جنة تتحقق فيها أمنياته - أو على الأقل يعيش فيها بسلام حياة نباتية أو مادية بلا منغصات - وذلك بسبب طبيعة تكوينه وحاجاته وارتباطه ببيئة محيطة واسعة تتسع كلما زاد إدراكاً وتطوراً ويزداد اعتماده عليها وتكثر متطلباته طردا بزيادة معرفته
من مزايا الإنسان العاقل تطور تفكيره وقدرته على إيجاد مخرج من الأزمات التي يواجهها - وحتى في المجتمعات البدائية فهناك أنماط من التفكير تستطيع استخدام المواد الموجودة في البيئة المحيطة لتلبية متطلبات هذا الإنسان
ولكن:
لماذا يحصل ذلك لدى الإنسان فقط وتحديداً؟ ما هذه المتطلبات التي كلما لبي جزء منها تفاقمت في ازدياد؟ لماذا يوجد الألم والعذاب، والإحساس بألم الآخرين، والضيق النفسي، والشعور بالوحدة للإنسان المنعزل ولو لبيت كل حاجاته المادية؟ والشعور بالظلم؟ الذاكرة طويلة الأمد؟ ولماذا توجد عقبات ومنغصات تجبر الإنسان على العمل والجهد والبحث عن حل؟ وتجبره على التفكير؟ هذا هو السؤال الذي لا يسأله الملحد العاطفي لنفسه - لأن جوابه الوحيد أن هذا جزء من تكوين الإنسان وبنيته التي امتاز بها عن بقية الكائنات - وهذا سر تقدمه وامتلاكه لزمام قيادة الدنيا دونا عن الباقين. والتأمل في هذا الجواب يدفعه لأن يقر بأن هناك تنظيماً محكماً للكون أوجده الله ووضع الإنسان على قمته - قمعجزة الخلق ومعجزة الإنسان تشهدان على الصانع وأن هذا الصانع واحد لا شريك له فلو كان هناك شركاء لصنع كل منهم خلقاً مختلفاً عن سواه ولعلى بعضهم على بعض - وهذا يجبره أن يعود إلى الإله الذي رفضه من قبل وتمرد عليه - وهذا يعني استسلامه وتراجعه عن الغضب الدفين وعن الأفكار الكئيبة المسيطرة عليه.(45/187)
ولذلك فكثير من الملحدين يحاول بعد تورطه في الإلحاد أن يجد أي مبرر علمي أو اجتماعي أو مادي ليهزأ بهذا الإله ويرفضه لأنه يرى أن البديل المقابل مذل له - وهو الإعتراف بالخطا والتراجع عنه - ويرى أن كيانه الإجتماعي والصورة المتميزة التي بناها لنفسه كملحد ستنهار في أعين من يعرفونه أو في عينه هو شخصياً فيتشبث بكل مبررات هذا الوجود الإجتماعي - وأول هذه المبررات خصومته مع الدين ومخالفته له.
الإلحاد المادي - النفعي:
وربما يسميه البعض: البراجماتية. وهو أن ينكر الشخص وجود الإله في سبيل مصلحة مادية يرى أنها تتحقق له بذلك أو إذا شعر أن وجود الإله عقبة أمام إحدى غاياته، أو أمام غايات متعددة يرى أن أقصر طريق لحلها هو الإلحاد.
هناك أمثلة كثيرة على هذا الإلحاد تتمثل في مواقف متبعيه من التشريعات والقوانين التي جاءت بها الأديان السماوية
- كموقف الملحد من الحاجة المادية وتوزيع الثروة إذا كانت له غايات مالية
- وموقفه من التشريعات الإجتماعية المتعلقة بالزواج إذا كانت له غايات إباحية
- وموقفه الرافض لعبادة أي شيء إذا كان لديه كبرياء ذاتيه تمنعه من ذلك وتمنعه من السجود
- وموقفه من الأشخاص المتبعين للأديان الذين يكونون في غالبيتهم من طبقة فقيرة أو متوسطة عندما ينظر إليهم بازدراء وعدم إرادته الاختلاط بطبقتهم - وربطه لواقع الفقر بالدين ورفضه لذلك الواقع.
- وربطه الدين ببعض الأشخاص المتدينين الوصوليين وممارساتهم الخاطئة خاصة إذا كان في دينهم تحريف وأشياء مغلوطة فيرفضهم ويرفض أن يصنف بينهم ويرفض معهم فكرة وجود الإله.
- وإذا كانت العائلة أو البيئة التي ينتمي إليها ملحدة فيتبعها وينخرط في وسطها الإجتماعي
- أو كانت تتبع أفكاراً دينية شديدة الشذوذ واللاعقلانية وكان يريد أن يخرج من ذلك الجو بدون أن يتبع أي دين آخر بسبب خوفه من عائلته وخوفه من تهمة الخيانة لهم والإنقلاب عليهم والذهاب إلى الدين الذي يصنف على أنه خصم لهم. يدخل هنا العامل النفسي الذي يقول:"ما حدش أحسن من حد - كله زي بعضه"
- وتعرف الشخص على مجموعة من الناس تعده بالكثير إن هو انضوى تحتها وكون هذه المجموعة ملحدة
- ووجود الشخص في بلد ملحد وخوفه من السلطات الملحدة واضطراره للسير في فلكها.
وأسباب أخرى كثيرة - أرجو من الإخوة والأساتذة المعنيين المشاركة لإغناءها ومناقشتها.
والملحد المادي شأنه شأن الملحد العاطفي يبحث دوماً عن مبررات علمية لما يقول ويفعل - ويتخذ الكبر والسخرية والهزء بالآخرين وسيلة لهذه التبريرات - وهذه السخرية هي سلاحه الأمضى والذي يحاول أن يجابه به خصومه بحيث يرهقهم ويشوشهم بسخريته قبل أن يطرح نظريته سواء كان على حق أو لا- وعندما يطرح تبريره للإلحاد يستخدم سلاح السخرية للدفاع عن المنظومة الفكرية التي اخترعها وتغطية عيوبها فيكرر خطأه الأول في تنفير الناس منه وتجنبهم له إلا من سار على دربه وقبلت نفسه أن يتخذ الكبر والهزء وسيلة يعتاش بها.
وجوابي الشخصي على ذلك:
إن هذه الطريق القصيرة التي تختارونها قد تكون مهرباً آنياً من التزامات كثيرة وتحديات مفروضة على الإنسان العاقل - وهذه الطريق الكسولة وما يتبعها من نتائج غير منظورة في المدى القريب أدت في الماضي إلى أزمات كثيرة بلغت مبلغ الكارثة على المدى الطويل عند تطبيقها في الواقع العملي أو أنها سائرة في هذا الطريق الذي يزداد انحداراً كلما تقدم فيه الإنسان. والأدلة كثيرة لا أملك تعدادها الآن - وسأوردها فيما بعد إن شاء الله.
الإلحاد العلمي - العقلي:
وهو الإلحاد الناشئ عن قناعة علمية معينة تتناقض مع مقولات دين من الأديان - خصوصاً إذا جعل ذلك الدين مقولاته تلك من أولوياته أو قواعده الراسخة التي يبني عليها عقيدته وتشريعاته ونظرته للكون
تطور هذا النوع في أوروبا في عصر النهضة بسبب قمع الهيئات الدينية للعلم وغضبها على العلماء - وهو وإن لم يكن في البداية إلحاداً كاملاً فقد كان تناقضات مع مقولات الكنيسة جاء به كوبرنيكوس وغاليليو وغيرهم من العلماء وأدى إلى وقوع الخلاف والقطيعة بين الهيئات الدينية والعلماء حتى الوصول إلى مرحلة إلحاد اللاعودة عند كثير من العلماء
ترافق هذا الإلحاد مع إلحاد عاطفي ناشئ عن الإضطهاد، والعاطفة المحركة لهذا الإلحاد هي الغضب ورفض الخرافة. ورفض الخرافة كان يعني لديهم رفض معتنقيها ورفض كل ما جاؤوا به جملة وتفصيلاً ومن ذلك وجود الإله الذي يتخذونه ذريعة وسبباً للسيطرة حتى على العلوم والتطور - ورغم ما في هذا الرفض من تناقض مع العلم ومع المكتشفات العلمية الحديثة ودقة نظام الكون التي تثبت وجود خالق منسق لأموره، فقد فضلوا أن يعزوا هذا الأمر للطبيعة والصدفة لأن مواصفات الخالق المذكورة لدى تلك المجامع الدينية لم تكن تتسق مع الواقع الملموس وحوت قدراً لا بأس به من الشعوذات والخرافات.(45/188)
وباستمرارية تطور هذه الفلسفة الإلحادية ظهرت المادية الجدلية والمادية التاريخية التي قدمت نظرية بديلة عن الدين في النظام الإجتماعي والمادي وقدمت منظومة مختلفة من الأخلاق والسلوك طبقت في الدول التي اتخذت منها فيما بعد بديلاً عن المنظومة الدينية - وسعت هذه الدول إلى تبرير الإلحاد والدفع في أي اتجاه علمي يثبت المقولات الملحدة - شأنها في ذلك شأن الدول التي سعت لإثبات عكس هذه المقولات فماذا كانت النتيجة؟؟
كانت النتيجة أن تطور العلم لدى المنظومتين أدى إلى رفض نظرية الصدفة علمياً، والإعتراف بوجود قوة منسقة ومحركة للكون أسماها الملحدون الشرقيون بقوة الطبيعة - وعزاها العلماء الغربيون لخالق مدبر للكون
وظل قسم كبير من الملحدين العاطفيين والماديين مصرين على تتالي الصدف في تبرير وجود الكون وخلقه، وظلوا يبحثون عن كل ما من شأنه أن يبرر إلحادهم وينكرون ويسخرون من كل ما لا يوافق ذلك
ما موقع المسلمين من ذلك كله؟
شهدت القرون الأخيرة من الألفية الثانية تراجعاً كبيراً في مستوى العلم والثقافة لدى الأمة الإسلامية، وشهدت في الواقع انتشاراً للجهل والتخلف ويعزى ذلك لأسباب كثيرة أهمها عدم عناية الدولة والسلطات الحاكمة بهذا النوع من العلوم وتفضيل هذه السلطات لدعم منظومة الأفكار والعلوم السائدة والمتشكلة وفقاً لهواها والتي تضمن ولاء المجتمع وطاعته العمياء كائناً من كان الحاكم، وترسيخ الجهل والتخلف عن قصد أو غير قصد، وعدم الإكتراث بتطور المجتمعات المحكومة كون الحكام لا ينتمون إلى هذا الشعب كالأجيال الأخيرة من المماليك والأجيال الأخيرة من الترك. وكانت هذه سمة القرون الوسطى المشتركة لدى كل الشعوب في العالم آنئذ.
وبالرغم من أن هذا الأمر ليس من الدين والإسلام في شيء إلا أن الأفكار التي تضمن التسلط أقحمت في الدين وصبغت بصبغته واعتبر الخارجون عليها خارجون عن الدين - ومع ذلك فقد ظهر دعاة التنوير من العلماء المسلمين في العالم العربي والإسلامي وخصوصاً في مصر إبان حكم محمد علي وإرساله البعثات الطلابية إلى أوروبا - وفي بلاد الشام أيضاً - وكانت غالبيتهم العظمى من خريجي المؤسسات العلمية الموجودة آنذاك والتي كانت ذات نظرة دينية معتدلة لا تهمل الدين ولا تعبد الحاكم رغم تمويله لها - ولكن كان الفرق شاسعاً في تطور العلوم بين مصر وأوروبا
كان بعض العائدين من هذه البعثات يصطدمون بواقع التخلف في مجتمعاتهم ويشعرون بالعجز عن فعل أي شيء إيجابي وهذا ما أدى إلى نمو عقدة النقص وسوء تقدير الذات وتفاقمها ورفض الواقع المتخلف للمجتمع - وبالتالي فقد صارت هذه العقدة منبعاً للتكبر على المجتمع ورفض الواقع والثورة عليه، وكانوا يربطون هذا الواقع بالدين وبالله مما أدى إلى وقوعهم في الإلحاد العاطفي وكان هؤلاء وبالاً على مجتمعاتهم لأنهم وقعوا في العبودية الفكرية لمعلميهم الأوروبيين وشعروا أنهم أسرى لعقدة نقص لا مهرب منها إلا بتبرؤهم من مجتمعهم ودينهم وكل ما يربطهم بالواقع.
واستمرت مدارس الفكر الإلحادي تحت تأثير عقدة النقص - تسعى في كل اتجاه وتستقرئ كل ثقافة إلحادية يفرزها الشرق أوالغرب ما دام صانعيها على درجة من الرقي المادي أوالتطور التقني، فبعضهم تشرب الفكر الماركسي والشرقي وبعضهم تشرب الفكر الوجودي وغير ذلك من الأفكار - ولم يحاول أي منها الاستقلال والبحث عن منظومة فكرية توافق مجتمعه سوى بعض المحاولات القومية التي بحثت عن نظرية تكون حلاً وسطاً بين هذه المذاهب الفكرية والمجتمع المحلي ولكنها بقيت في اللاوعي حبيسة الفكر الشرقي الإستبدادي ونظرته إلى الحاكم وإضفاء طابع القداسة على القائد الملهم، وكانت حصيلتها ترسيخاً للتخلف بثوب علماني وترسيخاً لعقدة النقص والمذلة - والمكابرة على ذلك.
وجوابي الشخصي على ذلك:
لا أريد في هذا الموضع أن أناقش في البديهيات لدي وهي وجود خالق ومدبر للكون - وكون هذا الخالق حياً فاعلاً قادراً وإرساله الرسل وخاتمهم النبي الأمي سيدنامحمد صلى الله عليه وسلم ، وصدق ما جاء به النبي والأنبياء من قبله. وسبب عدم مناقشتي في ذلك توقعي أن يستخدم الملحدين العاطفيين والماديين سلاحهم المعتاد وهو السخرية وبذاءة اللسان - واعذروني إن قلت ذلك ولكن هذا ما وجدته في تجارب سابقة كثيرة معهم - فهم يرون في وجود الخالق والأنبياء إنكاراً لوجودهم وكيانهم. أريد هنا أن أناقش الإلحاد ومقولاته وأركانه الفكرية. وأن أستقرئ ىراء جميع الأطراف في نظرتي المذكورة أعلاه.
لا شك أن الدين الصحيح من خالق الكون يجب أن يكون سليماً من الأخطاء المناقضة لواقع الحقيقة المطلقة - ولا أقول للواقع المحسوس او الملموس لأن حواس الإنسان وعلمه محدودين - وهو ما زال يكتشف الجديد يوماً بيوم ووجود التناقض بين الدين والواقع المحسوس يعزى إلى أحد الأسباب التالية:
- دخول تحريف في المعلومات الدينية عبر العصور (مثل تسطيح الأرض)
- قصور العلم عن فهم بعض الظواهر العلمية التي أوجدها الخالق
- الإفتراضات العلمية المبنية على ملاحظات غير دقيقة(45/189)
- دخول هوى النفس في محاولة نفي الدين لغرض من الأغراض أعلاه ومحاولة إثبات افتراض يوافق ذلك مثل نظرية لامارك في التطور ونظرية فرويد في علم النفس وافتراضاته وتخيلاته المرتبطة بها
- ادخال بعض الناس في الدين ما ليس منه عبر العصور وتفسير هذه الأمور على أساس ديني
- محاولة بعض الناس استنباط معجزات دينية متوافقة مع العلم في مرحلة من المراحل وإدخال هذه الفكرة في الدين وتحميل الكلمات أكثر مما تحتمل. مثال ذلك أن الكواكب المعروفة في المجموعة الشمسية كانت ستة كواكب حسب علم الفلك القديم - وعند اكتشاف أورانوس صارت سبعة ففال بعض الناس: هذه هي السماوات السبع التي وردت في الكتب المقدسة ولكنهم أصيبوا بخيبة أمل عند اكتشاف نبتون ثم بلوتو.
وهناك بلا ريب أسباب أخرى للتناقضات - ولكن كل هذه الأسباب لا تعني بحال من الأحوال عدم وجود الخالق - بل تعني كذب بعض المخلوقين وقصور بعضهم الآخر واستكبار فريق ثالث منهم. وكل ذلك يعود إلى محدودية الإمكانيات التي منحت لهم رغم كثرتها كما وكيفاً، ودخول العوامل العاطفية والغايات المادية في استقراء الحقيقة وتقريرها.
============(45/190)
(45/191)
أهمية حل العقدة الكبرى
أهمية حل العقدة الكبرىوالطريق الوحيد لتغيير المفاهيم هو إيجاد الفكر عن الحياة الدنيا حتى توجد بواسطته المفاهيم الصحيحة عنها .والفكر عن الحياة الدنيا لا يتركز تركزاً منتجاً إلا بعد أن يوجد الفكر عن الكون والإنسان والحياة، وعما قبل الحياة الدنيا وعما بعدها وعن علاقتها بما قبلها وما بعدها)))
تقرر في الفقرة الأولى أن تغيير السلوك لا بد فيه من تغيير المفاهيم، لأن كل سلوك لكل عاقل له دافع، وله مفهوم يتحكم فيه، فتغيير المفاهيم سيؤدي إلى تغيير السلوك.
ولا يمكن تغيير المفاهيم إلا بإيجاد الفكر عن الحياة الدنيا، لأن الإنسان يعيش على هذه الأرض، ويقع حسه فيه على غيره من بني البشر، ويتعامل معهم، ويقع حسه على الجمادات، ويتعامل معها، ويقع حسه على الحياة بمظاهرها من نمو وحركة، ويتعامل معها.
ووجود الفكر عن الحياة الدنيا، يضمن وجود كافة الأفكار الفرعية المتعلقة بالأشياء التي يعيش معها، ويقع حسه عليها، ويتعامل معها، فعن طريق الفكر عن الحياة الدنيا يمكنه تكوين المفاهيم الصحيحة عن الأشياء التي يقع حسه عليها ويتعامل معها.
ولكن كيف يمكن أن يوجد الفكر عن الحياة الدنيا منفصلاً عن الفكر عن الكون كله؟ فهو يعيش على الأرض التي هي كوكب، وهي جزء لا يتجزأ من هذا الكون، وتخضع كما يخضع غيرها من الأجرام السماوية لنظام الوجود؟ فما ينطبق على الكون كله ينطبق على الأرض، إذن لا يمكن إيجاد الفكر عن الحياة الدنيا، ولا يمكن أن يتركز تركزاً منتجاً إلا بإيجاد الفكرة الكلية عن الكون والإنسان والحياة وعن علاقتها جميعها بما قبلها، وعن علاقتها جميعها بما بعدها.
والتركز المنتج هو القناعة التامة بالفكرة، وتركزها يكون بدوام التفكر فيها، ودوام استحضارها عند القيام بالأعمال، وتدبّر المواقف التي يمر بها الإنسان في حياته وربطها بالفكرة الكلية، فإن تم هذا واستمر الإنسان على هذه الكيفية فإن الفكر عن الحياة الدنيا سيصبح مؤثراً، وسرعان ما يحضر عند كل سلوك، أو حكم على واقع، ويشكل دافعاً لدى الإنسان لأن يربط كافة سلوكاته وأفكاره بتلك الفكرة، وهذا هو معنى التركز المنتج.
(((وذلك بإعطاء الفكرة الكلية عما وراء هذا الكون والإنسان والحياة .لأنها القاعدة الفكرية التى تبنى عليها جميع الأفكار عن الحياة)))
فالأساس في تغيير المفاهيم، هو إيجاد الفكر عن الحياة الدنيا، والفكر عن الحياة الدنيا لا يتركز تركزاً منتجاً إلا بإيجاد الفكرة الكلية عن الكون والإنسان والحياة وعن علاقتها جميعها بما قبلها وعن علاقتها جميعها بما بعدها. ولا يكون ذلك إلا بإعطاء الفكرة الكلية عما وراء هذا الكون والإنسان والحياة.
والفكرة يكفي أن تكون كلية، ولا يشترط فيها التفصيل، وتكفي الفكرة الكلية عما سبق للإجابة عن تساؤلات العقدة الكبرى، فبالإجابة أن الكون والإنسان والحياة خلقت لخالق، يكفي لبيان علاقتها بما قبلها، وينتقل الإنسان بعدها إلى السؤال الثاني: لماذا؟ فإن أجيب: لنسير على النظام الذي أراده الله سبحانه وتعالى. فإن أجيب انتقل إلى السؤال الثالث: إلى أين؟ فإن أجيب: إلى الثواب والعقاب على السير في هذه الحياة الدنيا، فقد تمت الإجابة الشافية عن التساؤلات، فهذه الإجابات لهذه الأسئلة تحدث الطمأنينة، وتقرّ العجز الطبيعي عند الإنسان، فتهدأ الأسئلة، وينتقل بعدها إلى أخذ الأفكار والأحكام في هذه الحياة بناء على هذه الإجابات.
والفكرة الكلية عما وراء الكون والإنسان والحياة، تعني علاقتها بغيرها، وهذا يتضمن علاقتها بما قبلها، ويتضمن علاقتها بما بعدها.
وهذه الفكرة الكلية هي القاعدة الفكرية.
والقاعدة تعني الأساس، الذي يبنى عليه، وينبثق عنه غيره.
والقاعدة الفكرية تعني الأساس الفكري لكل الأفكار كبيرها وصغيرها. وبيان ذلك:
الفكرة نوعان: كلية، وجزئية.
فما صلح أن يبنى عليه غيره كان كلياً، وما لم يصلح أن يبنى عليه غيره فهو جزئي.
فقولنا: هذا قلم، حكم على واقع، فكرة جزئية، لعدم صلاحية الفكرة أن يبنى عليها غيرها.
وقولنا: الإجارة عقد على منفعة، كلية لأنها تصلح أن يبنى عليها غيرها، لأنها تشمل إجارة الأجير الخاص، والأجير العام، وتشمل إجارة الأشخاص، وإجارة الأعيان، وغير ذلك.
والحكم بالكلي والجزئي نسبي، فربما كانت الفكرة كلية بالنسبة لأفكار بنيت عليها، وربما كانت جزئية لأنها هي نفسها بنيت على غيرها، فتكون كلية وجزئية في الوقت نفسه، ولكن باختلاف النظرة إلى علاقتها بغيرها.
أما الفكرة الكلية عن الكون والإنسان والحياة فهي أم الأفكار، لا تبنى على أي فكرة غيرها، بل كافة الأفكار غيرها تبنى عليها، ولذلك صلحت أن تكون قاعدة فكرية، أي أساساً فكرياً لكل الأفكار عن أشياء الكون والإنسان والحياة.
(((وإعطاء الفكرة الكلية عن هذه الأشياء هو حل العقدة الكبرى عند الإنسان، ومتى حلت هذه العقدة حلت باقي العقد، لأنها جزئية بالنسبة لها, و أو فروع عنها)))(45/192)
العقدة الكبرى هي الأسئلة الناتجة بدافع غريزة التدين، وهي ناتجة عن الإحساس بالعجز الطبيعي عند الإنسان، وهي الأسئلة الثلاثة: من أين جئت؟ ولماذا؟ وإلى أين؟؟
يطلبون من الطالب في المدرسة -يطلب أهله- أن يجد ويجتهد، فيسأل لماذا؟
فيجيبونه: لكي تنجح وتتفوق.
فيسألهم: وبعدين؟
فيقولون له: تدخل الجامعة؟
فيسألهم: وبعدين؟
فيجيبون: حتى تأخذ الشهادة.
فيسألهم: طيب، وبعدين؟
فيقولون: لتحصل على وظيفة محترمة!!!!
فيسألهم: وبعدين؟
فيقولون: تتزوج، وتنشئ أسرة، ويكون لك أولاد، ويكون لك بيت، و..
فيسألهم: وبعدين؟
فيا ترى، أين تنتهي هذه الـ (وبعدين)؟
وهذه الـ (وبعدين) هي التي تطارد الإنسان طوال حياته، ولا يكون لحياته بتصرفاته وسلوكاته معنى دون أن يجيب عن هذه الـ (وبعدين).
فالإجابة عن أسئلة العقدة الكبرى الثلاثة، هي التي تشكل القاعدة الفكرية، لأنه إن حُلّت هذه العقدة، سهل بعد ذلك أن تُحل باقي العقد، وذلك لأن هذه العقدة كبرى، تتعلق بوجود الإنسان واستمراره ونهايته، ووجود غيره مما يقع حسه عليه ويتعامل معه، فأي عقدة أخرى ستكون صغيرة بالنسبة لها، لأنها لا تتعلق بوجود الإنسان ومصيره. والعقد الأخرى تتعلق بجزئيات هذه الأشياء الثلاثة: الكون والإنسان والحياة. فإن حلت العقدة الكبرى حلت باقي العقد بناء على حل العقدة الكبرى. فالعقدة الكبرى أصل، وما عداها فرع عليه.
(((لكن هذا الحل لا يوصل إلى النهضة إلا إذا كان حلاً صحيحاً يوافق فطرة الإنسان، ويقنع العقل , فيملأ القلب طمأنينة.)))
والحل الصحيح للعقدة الكبرى، الذي هو الفكرة الكلية عن الكون والإنسان والحياة وعما وراءها، لا يكون صحيحاً إلا بشرطين:
أولهما: موافقة الفطرة
وثانيهما: إقناع العقل.
واشتراط هذين الشرطين ضروري، وذلك لأن هذا الحل هو إجابة لأسئلة الفطرة، فإن لم يجب عن تلك الأسئلة فلن تنقطع، وستبقى الأسئلة تثور لأدنى موقف، فتقض مضجع الإنسان، وتنغص عليه عيشه، فلا يحس له بقيمة. فلا بد أن تقوم هذه الإجابات بإسكات أسئلة الفطرة الثلاثة، وهذا معنى موافقة الفطرة.
أما إقناع العقل فلأن العقل هو الذي سيجيب، وعليه فإن العقل سيستخدم قوانينه للإجابة عن هذه الأسئلة، فإن استخدم قوانينه بشكل صحيح وصل إلى إجابات مقنعة، أما إن استخدم قوانينه بشكل خاطئ، فإنه سيتبين له في وقت ما خطأ ما وصل إليه من قبل، فينهدم كل ما بناه، ويعود القلق مرة أخرى. وإن لم يستخدم قوانينه في الإجابة عن تلك الأسئلة، فإنه معرض في أية لحظة للتساؤل حول تلك الإجابات ومدى صحتها، مما يؤدي إلى زلزلة القناعة بتلك الإجابات، أو معرض في أية لحظة لأن يكتشف خطأ تلك الإجابات، فينهدم ما بناه، ويعود القلق مرة أخرى.
وإن تحقق الشرطان في الحل، امتلأ القلب طمأنينة، وذلك لوصوله إلى إجابات تلك الأسئلة بما يشبع العجز الطبيعي عند الإنسان، بحل وصل إليه هو بنفسه، وبشكل صحيح مقنع.
والطمأنينة المقصودة هنا هي الطمأنينة الدائمة، نظراً لأن هذا الحل يشكل أساساً لكل سلوكات الإنسان وأفكاره، وتتعزز تلك الطمأنينة بكل سلوك انبثق من ذلك الحل، أو فكرة بنيت عليه، وفي حال مخالفته تنخرم هذه الطمأنينة الدائمة، لوقوعه في التناقض بين ما يحمل ويقتنع به وبين ما استخدمه في تسيير سلوكه أو أخذه للفكرة.
=============(45/193)
(45/194)
العقل البشري والدين
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الفرق بيننا كمؤمنين وبين الملحدين - وهي محاولة الملحدين تحكيم العقل البشري في قضية تفوق طاقته، والاعتماد على الأحكام التي يصل إليها هذا العقل في هذه القضايا بغض النظر عن أهليته للحكم وصلاحية الطريقة التي اتبعها لذلك - ينطلق الملحدون من أن العقل البشري مع مدخلاته من الحواس الأخرى هو الأداة الوحيدة التي يمكن بواسطتها تقييم كافة الأمور والحكم عليها بما في ذلك قضية الألوهية والدين فيقولون:
ما دليل - أو مبرر وجود الإله وإذا وجد فما هو كنهه ومادته - كيف أراه وكيف أقيسه فيزيائياً؟ وما أهمية أحكام الدين وما مدى منطقيتها بمقياس العقل - هل هي مفرحة وعادلة وتوافق ما أرغب أم أنها لا تنطبق على مقياسي للسمو والعداله والخير، وما مدى ملائمتها للعصر الحالي وأسسه ومفاهيمه؟
يبنى التصور الإلحادي على إعطاء العقل - أوالنتائج التي يصل إليها صفة الحقيقة المطلقة التي تفوق أي دين - وهم لا يعترفون بمحدوديته وتقلبه والعوامل المؤثرة فيه، وهم بذلك ينطلقون من مرجعية كماله المطلق ونزاهته وهو ما لا نوافقهم عليه لأنهم لا يأخذون بالحسبان عوامل عدة تحول دون تأليه هذا العقل وإعطائه المرجعية المحضة - ومنها:
1- محدودية إمكانات هذا العقل - رغم كبرها واتساعها: مثال ذلك ما يسمى في الرياضيات بالعامل العقدي أو جذر ( -1) فلو أردنا أن ننظر كيف تطور الفهم البشري للرياضيات نرى أنه اعتمد على قياس وعد ّ الأشياء المحسوسة في البداية واعتمد وحدات عددية معينة هي الأرقام اللاتينية ثم تطورت إلى الأرقام العشرية - ثم افترض وجود الصفر مما سهل حل مسائل كثيرة - ثم تخيل الأعداد السالبة وأوجد لها تطبيقات في واقعه - ثم اخترع المعادلات والمتحولات - لقد وقف الإنسان عند عقد كثيرة أثناء تطور فهمه للرياضيات وحلها بالتخيل ولكن عقدة جذور الأعداد السالبة بقيت مشكلة بالنسبة له حتى قام بعزلها في ما يسميه (جذر -1) وتابع حل المعادلات مع وجود هذا العامل المعزول الذي اضطر لتجاوزه وابقائه في المعادلات رمزاً لتناقض العقل البشري ومحدوديته - هل يعني هذا أن هذه المعادلات هي نوع من الرفاهية الفكرية؟ لا.. أبداً .. بل هي معادلات أوجدتها ضرورات الفيزياء الموجودة في الواقع الخارجي واستخدمتفي العلوم التطبيقية الحديثة التي يوجد قسم منها لا يفسر إلا بتخيل وجود (جذر -1)
2- تأثره بنوازع كثيرة غير عقلية نابعة من هوى شخصي أو واقع معيشي: مثال ذلك كارل ماركس الذي قلب نظرية هيجل في الجدلية رأساً على عقب بجعل نتائجها مقدمات ومقدماتها نتائج، وصب كل أحداث الكون والعالم في قالب المادية الجدلية والتاريخية محاولاً أن يجد نظرية شمولية تقبل تفسيره للعدالة الإجتماعية والمساواة - وكان الأجدر به أن يطالب بحقه بقوة وأن يرفض الخرافة المرتبطة ببعض الممارسات والنظريات الدينية الخاطئة بدل أن يخترع قالباً آخر ويبني هيكلاً آخر امتطت ظهره الدكتاتورية الشمولية بأبشع صورها أكثر من 70 سنة (وحتى الآن في بعض أنحاء العالم) - وكان أول وأكبر ضحاياها هو الشعب الروسي وشعوب الدول الشيوعية التي أذلتها الدكتانورية وسحقت كرامتها بالقمع والمجازر الجماعية - حتى انهارت وسلمت زمامها للعالم الغربي بدون حرب
3- الارتباط الإجباري بين التفكير العقلي المجرد والعاطفة والغرائز الإنسانية الطبيعية التي توجد معه في وعاء واحد هوالدماغ البشري: مثالي هنا هو سيغموند فرويد الذي عجز ألا يستخدم مقياسه الذاتي ويتأثر أيما تأثر بجزء من واقعه لدى صياغته لنظريتة في علم النفس ودراسته للكبت والتابو (المحرّم) وفسر أنماطاً كثيرة من السلوك البشري من خلال هذا المنظار - بل وعمم ذلك المنظور على جميع البشر - حتى فسر مص الطفل لأصبعه بأنه يعود لرغبة جنسية
4- تأثر العقل بالعوامل المحيطة والظروف التي يعيشها الإنسان: فبيئته المحيطة ربما تلعب دوراً في أن يكون مسالماً لا يميل إلى استخدام عقله في مواجهة التحديات المفروضة، وربما تجعله عصبياً وعدوانياً لا يفلح في استخدام عقله للوصول إلى مصادر التحديات التي تواجهه فيسبق لسانه تفكيره ويسبق عدوانه على الآخر المختلف تقييمه لهذا الموقف وما يترتب عليه لاحقاً. والتوسط بين الأمرين هو السبيل الذي يجعله يتناول الأمور بروية واتزان - ولكن يندر بين الناس من يصل إلى هذه المنطقية الفعالة.
5- تأثره بالحواس الخمس ومحدوديتها وانعكاساتها، كونها المدخلات الوحيدة التي بإمكانه قراءتها، بالإضافة لأدوات القياس الفيزيائية التي استجدت في العصر الحديث والتي يعلم صانعوها بحدود إمكاناتها، بينما يتناسى كتير من منظري الإلحاد هذه الحدود ويفترضون أن التطور الحالي للبشرية قياساً بما قبل 100 أو 200 سنه يعني أن العلم التجريبي بهذه الأدوات امتلك ناصية المعرفة والحقيقة(45/195)
6- اختلاف مقياس العقل وتغير ما يعتبره العقل مسلمات باختلاف الزمن والمكان واللغة والبشر (رغم تشابههم) فما كان من المسلمات لدى حكماء اليونان لم يعد كذلك الآن رغم بقاء كثير منه صالحاً لهذا الزمان. وكذلك ما رآه نيوتن تفسيراً فيزيائياً لحركة الأجسام لم ينطبق على كثير من الحالات التي فسرتها نظرية اينشتاين وفيزياء الكم فيما بعد - واقول أنا: الله أعلم بما يأتي بعد هذه النظريات مع تطور البشر ومفاهيمهم.
7- تعرض العقل للإرهاق والتعب والمرض - وربما الإختلال - بما لا يجعله مرجعية - وذلك صحيح حتى بالنسبة للقضايا التي يحصل فيها اجماع معين من قبل مجموعة بشرية معينة - ومثال ذلك قيام مجموعة بشرية بتاليه حاكمها رغم أنه مصاب بانواع من الجنون والشيزوفرينيا (فصام الشخصية) لم يتم تشخيصها وتوصيفها إلا في العصرالحالي (فرعون مصر - او الحاكم بامر الله الفاطمي)
ومن منطلق تأليههم للعقل - يستغل الملحدون خوف بعض المتدينين من أن يتهموا بالغيبية ونقص العقل إذا لم يوافقوهم على قياسية العقل وكماله - ويصمون من يخالفهم بشتى أوصاف التخلف والغباء وتغييب العقل وقلة الفهم - رغم أن الدين لا يدعو لإهمال العقل ولا لعدم التساؤل - بل يدعو لوضع كل شيء ضمن اطاره الطبيعي وإعطاء كل شيء حقه
العقل يشبه وعاء يتلقى المعلومات ويربطها ويفاعلها ثم يتخذ القرار - مهما بلغ هذا الوعاء من السعة فهو لا يستطيع أن يستوعب البحر - وإذا أردت ان تحشر فيه ما يفوق طاقته فسوف يتمزق - وما أكثر الأمثلة ممن فقدوا عقولهم وأصيبوا بالهذيان من ممارسة الفلسفة بغير اعتبار لهذا الأمر وقيامهم بتحليل أمور كثيرة بالعقل المجرد مع اهمال كل من يقول بالرسالات والأنبياء وافتراض كذبهم في كل حال
ماذا عن وجود الخالق - إين هو - متى وجد - من أوجده؟ هذه التساؤلات يطرحها الإنسان بخاصة في فترة الصبا والمراهقة - وهي تنشأ عن مقارنات عقلية ومقاربات مع ذاته ومع ما يمكن للإنسان أن يدركه بعقله واستخدام خاطئ للمقياس البشري ليقيس ما لا يقبل القياس بواسطته - فماذا يحصل إذا عكسنا هذا المقياس؟ لو كانت الطاولة التي أجلس إليها الآن قادرة على التفكيروالتعرف إلى ذاتها فماذا ستقول عن الإنسان الذي صنعها بالمقارنة مع ذاتها؟ كيف هوشكل هذا الإنسان وما نوعية الطلاء الذي يغطيه؟ كم درجاً له وكم قائمة؟ لا بد أن هذا الإنسان ظالم حيث صنعني من الحديد وعرضني لنار اللحام وآلام المطرقة والسندان بينما الطاولة الأخرى توجد مرفهة في مكتب وعليها الكمبيوتر - أين العدل؟ والآن - يرميني في المستودع بعد سنوات من العمل الشاق؟ ياله هذا لا يجوز في منطق الطاولات - لا بد أن هذا الإنسان غير موجود فليس من الممكن أن يتعمد هذا الظلم والتمييز وما هي غايته من هذا التمييز أصلاً؟
وبرغم أهمية هذه الأداة (العقل) - وأنها سبب ارتقاء الإنسان وتميزه وتقدمه - وأنها أداة لتفريقه بين الحق والباطل واختيار الصواب - وأن ديننا يأمر الإنسان بأن يحكم عقله وينظر في ملكوت السماوات والأرض بل ويتحدى ويتعلم ويبحث ويتطور بكل ما مكنه الله فيه من أدوات - ولكن لا أن يتبع الظن والتخيل ولا يفترض ما ليس له عليه دليل: "ولا تقف ما ليس لك به علم - إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا"
=============(45/196)
(45/197)
من آليات الإنحراف بالحوار عند الملحدين واللادينيين والعلمانيين عند ضعف الحجة
من آليات الإنحراف بالحوار عند الملحدين واللادينيين والعلمانيين
عند ضعف الحجة وعند الشعور بالهزيمة تقترب
إقرأ وأضف خبراتك
1) بتر النصوص الدينية للإيحاء بمعنى مخالف للصواب على نمط ولا تقربوا الصلاة
2) تحريف النصوص الدينية الإضافة إليها فإن واجهته بالصواب اعترف وأرجع الخطأ للسهو فى النقل أو الكتابة من الذاكرة متجاهلا أن هذا التغيير لصالح وجهة نظرة المزيفة وتتكرر كثيرا فى الحديث الشريف أكثر من القرآن لعلمهم بأن القرآن يحفظه كثيرون
3) تحريف أقوال المحاورين وأهل العلم بالزيادة والنقصان وعدم ذكر تعديلاتهم عليها
4) الكذب فى الأسانيد والتوثيق
5) ذكر الحقائق والنظريات العلمية والإحصائيات الموافقة لوجهة نظرهم وإغفال ما يدل على خطأ توجههم دون اعتبار للأمانة العلمية
6) تضخيم الأقوال وتلميع الشخصيات الموافقة لهواهم والتقليل من شأن وازدراء الأقوال والشخصيات المتعارضة مع توجهاتهم
7) تحميل الكلام أكثر مما يحتمل والإلزام بما لا يلزم
8) اتهام المحاورين لهم فى نياتهم وفى علمهم
9) الإتهام بالسطحية والكذب للتحول إلى شخصنة الحوار وتشتيت الموضوع
10) الإتهام بالجهل بمسار الحوار وتشتيت الموضوع
11) الإتهام باستخدام الكلمات الرنانة الخالية ن المضمون والعبارات المنتفخة كالطبل الأجوف
12) الإتهام بالوهم والإيهام
13) الإتهام بالجهل والبعد عن العقل ونسبة استخدام العقل لأنفسهم فى مقابل نسبة النقل الأعمى المتحجر للمؤمنين
14) الإدعاء بعدم المبالاة بما تقول وتجاهله والتظاهر بعدم الإلتفات لما تقول إذا كان قولك يغير مسار الحوار الحوار فى غير صالحهم
15) الإتهام بالظن الخطأ وسوء الظن للتراجع عن المعانى التى يشيرون إليها بين السطور
16) الإتهام بأنك تفكر بغير عقلك أو بعقل عاش منذ 14 قرنا من الزمن فى ظروف مخالفة لظروفنا للطعن فى مسلمات الدين من الثوابت
17) اتهامك بالتقزم وتظاهرهم بالعظمة الكاذبة واتهامك بالنرجسية والحمق
18 اتهامك بالتمييع وبالتكفير لهم وبالغباء رغم عدم وجود ما يدل على التكفير وغيره فى مشاركاتك
19) تجاهل الأفكار واتهامك بالثرثرة
20) اتهامك بتجاوز أدب الحوار كذبا مع تجاوزهم لهذا الأدب
21) استخدامهم للسباب واللعان لتخريب الحوار
22) يغضبون من وصفهم ببنى علمان رغم احتجاجهم بأقوال العلمانيين وأقوال فلاسفتهم
===================(45/198)
(45/199)
خوف الملحد من النقاش في الحاده
حاولت كثيرا ان اناقش اهل الالحاد في الحادهم ولكن للاسف . تهرب دائما , لا ادري هل هو قلىة فهم الملحد لما يعرف؟
هل خرج الملحد من البيت فوجد نفسه بالعراء؟؟
ام انه يدرك الحقيقة وينكرها..
قبل ايام حاولت الكلام مع احدهم على المسنجر , امر غريب لا يريد الكلام عن الالحاد ابدا .. يتهرب.
هل هذه مشكلة عامة ؟؟
ولماذا لا يثق الملحد بنفسه عند الكلام عن الالحاد؟؟
لانة لايوجد شىء اسمة الحاد اصلاً يااخى مجدى ,, ومن هو الغبى الجاهل الذى يعتقد ان الكون وجد بدون موجد ,, الاهرام المصرية على سبيل المثال ,, هل يمكنك ان تتصور ان بعض الهواء قام بتكوين هذا البناء المبدع ( الاهرامات الثلاثة ) ؟؟؟
مستحيل قطعاً . . . . .
نسبة كبيرة جداً جداً من الملحدين لايعرفون اى شىء عن الحادهم كل مايعرفونة نقد الدين بطريقة او بأخرى ,, لماذا ؟؟
لان سبب خروج الملحد من دينة الاصلى واتجاهة للالحاد ناتج عن انة غير مقتنع ببعض مايوجد فى الدين
لذلك يترك الدين متوجهاً الى الالحاد ,, يمكنك ان تسمى هذا هروب من الدين ولكن هروب الى لاشىء ,,
الالحاد موقف سوفسطائى عديم النفع والحيلة .
تقول (((قبل ايام حاولت الكلام مع احدهم على المسنجر , امر غريب لا يريد الكلام عن الالحاد ابدا .. يتهرب )) وهو يتهرب لانة لايريد ان يكون ملحد,, الالحاد بالنسبة لة امر لايهمة !!! ,, انة فقط ( جاهل بالدين ) ويريد ان يعرف الكثير عن الدين ,, ويعتقد هذا المسكين انة مفكر ومبدع وانة يستخدم عقلة وانة توصل الى مالم يصل الية احد,, ولكنة مجرد جاهل بالدين وهو فى الحقيقة متنيل وليس مبدع ,, انا تحدثت كثيراً مع ملحدين على الماسينجر وبعضهم يقول انة لايثق فى الالحاد وانة باحث فقط عن الحق اينما كان ,, ولاادرى ماهو الحق الذى يبحث عنة فالاسلام هو الحق الوحيد وهذا واضح جلى للجميع .
انة لايوجد بديل للاسلام ,, وصدق من قال ان الاسلام هو الحل .
وهذا ما تأكد لى فعلا فلم أجد حتى الآن أجبن من ملحد حين تناقشه فى فكره وعقيدته وأقترح أن تضاف إلى صيغ أفعل التفضيل الأكثر شهرة والتى تضرب بها الأمثال كقولهم أكرم من حاتم وأشجع من عنترة وأوفى من السموءل وأذكى من إياس ..فيقال لشديد الجبن والتجرذن :أجبن من ملحد
====================(45/200)
(45/201)
الالحاد واللامنهجية
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
الحمد لله والصلاة والسلام على محمد رسول الله وبعد:
في اغلب النقاشات التي تدور تتعرف على الشخص الذي لا تعرفه من خلال فكره :
فتعرف ان المسلم له دين خاص به وله قواعد تجمع كل من يسمى مسلم وبعد ذلك تتفرع الطوائف والمذاهب وبعد ذلك تجد تجد ان كل طائفة او مذهب لها قواعد مشتركة تربط اعضائها وقواعد تربطها بالاصل.
واذا ذهبت الى النصرانية واليهودية ستجد ذلك .
لكن بالنسبة للالحاد لا يوجد جامع مشترك . اذا ان كل واحد حر بفكره . اي لا يوجد جامع مشترك لهم الا الكفر بالله .
فما هو منهج الملحد في التفكير ؟
هل له قيود يتقيد فيها بشكل تام , وتكون هذه القيود غير نسبية؟
هل يمكن ان يتفق اهل الالحاد على الاخلاقيات التي يجب ان تحكم المجتمع ؟ او عن الحريات التي لا يجوز ان يتعدى بها شخص على الاخر؟
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة مجدي
لا يوجد جامع مشترك لهم الا الكفر بالله .
فما هو منهج الملحد في التفكير ؟
هل له قيود يتقيد فيها بشكل تام , وتكون هذه القيود غير نسبية؟
هل يمكن ان يتفق اهل الالحاد على الاخلاقيات التي يجب ان تحكم المجتمع ؟ او عن الحريات التي لا يجوز ان يتعدى بها شخص على الاخر؟
اترك الرد لاهل الالحاد
الزميل المحترم مجدي
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
إن الملحد شخص متقلب حيث تفرض عليه نسبية أخلاقياته وماديته وحالة الشك التي يضع فيها نفسه تفرض عليه هذا التقلب ..
وخليني أنقل لكم هذه القصة (بتصرف) والتي أنقلها من أحد المنتديات حتى ترى كيف أن أعمدة الإلحاد والذين أسسو له وكتبوا عنه كانوا هم أنفسهم متقلبين بل وغير مقتنعين بما ينادون فيه .
القصة كما يلي :
___________________________________________
(بطل قصتنا (ودعنا نسميه مبدئياً بطل قصتنا) ولد عام 1756 في انجلترا لعائلة مسيحية متشددة . وانخرط في سلك الكهنوت . إلا أنه بعد ذلك بدأ بقراءة الفلسفة الفرنسية وصار يحلم بالإطاحة بالمؤسسات الدينية بالجدل والنقاش . كان بطل قصتنا يهاجم الزواج ويعتبره قائم على الأثرة والتملك ويرى بحرية الجنس ، ويكره كل القيود التي تكبل حرية الإنسان ويرى سلامة فطرة الإنسان المهتدية بأحكام العقل . ورغم أن بطل قصتنا يرى أن الزواج نظام عبودي إلا أنه تزوج عام 1797 وأنجب طفلة اسمها ماري . فما الذي حدث بعد ذلك ؟
قام أحد الشباب ويدعى (شلي) وهو من تلامذة (بطل قصتنا) ومن المعجبين والمتأثرين به بتنفيذ مبادئ أستاذه الداعية للتحرر الجنسي واللازواج بالهرب مع ابنة (بطل قصتنا) ماري إلى سويسرا ضارباً بالأخلاق والتقاليد عرض الحائط ، منطلقين من ومتبعين بذلك (مبادئ وأفكار) بطل قصتنا . وبالرغم من أن (شلي) هذا كان متزوجاً فقد هجر زوجته وهرب مع عشيقته ماري بل وأنجب منها ابناً غير شرعي . وانتحرت زوجة (شلي) من جراء هجر زوجها لها ، الأمر الذي استفاد منه لاحقاً (شلي) بزواجه من ماري عام 1816 .
طبعاً من المتوقع أن القارئ سيرى أن الموضوع كان عادي جداً بالنسبة (لبطل قصتنا) طالما هو نفسه يرى أن الزواج قيد ، وهو يكره القيود ويرى الدعوة للحرية الجنسية ويرى أن العقل هو الحكم الذي تهتدي به الفطرة .
الحقيقة أن ما حدث هو العكس تماماً ............!!!!!
طاش صوب (بطل قصتنا) وغضب غضباً شديداً من ابنته وتلميذه ، بالرغم من أنهما نفذا مبادئه وأفكاره .
أرأيتم: حتى الذي يرى في التحرر واللاقيودية مبادئ فطرية ويكتب لها ويدافع عنها وينظر لها ، لم يستطع أن يصبر عندما يرى (النار) تأكل زرعه . لماذا ؟؟ لأنها أفكار (شيطانية) يفيق منها (المتشيطن) عندما تحرقه .
بل أنهم لا يستطيعون التقيد واتباع أفكارهم فهم (يقولون ما لا يفعلون) ، وأفكارهم إنما هي (شيطانيات) يوحي بها بعضهم إلى بعض زخرف القول غروراً .
فهاهو بطل قصتنا يرى الزواج قيد ، ثم يتزوج مرتين . ويرى حرية الجنس فطرة يقبلها العقل ، ثم يغضب إن نفذت ابنته أفكاره وآرائه .
نسيت أن أقول أن بطل قصتنا هو واحد من كبار الملاحدة في بريطانيا في القرن الثامن عشر وممن أثرت أفكاره التحررية في العديد من الملاحدة واللادينيين الاخرين في أوروبا .
بطل قصتنا هو (وليم جودوين) الذي تخلى في آخر حياته عن العديد من (شططه) ، ربما بسبب (الحروق) التي أصابته من لعبه (بالنار) .
(مصدر القصة : الإلحاد والغرب .. د.رمسيس عوض .. بتصرف)
وهكذا نرى التقلب والتراجع المبني على أساس الأنانية ، فالملحد يدعو للحرية التي يريدها اتباعاً لشهواته مهما كانت . لكن هذه الحرية بذاتها لما تمسه تصبح مرفوضة .
وشكراً
=================(45/202)
(45/203)
الانتقائية (غير العلمية) عند الملحدين
الزملاء المحترمين
انتقائية الزملاء الملحدين في كل الأمور تقريباً أصبحت واضحة ...
حول الزنا .....
منع الإسلام للزنا وإعطاءه له بديلاً هو الزواج وحض عليه ورغب في تيسيره ..
قامت قيامة عقول الملحدين ... تجدهم يقولون المسلمون متشددين وما عندهم حرية فريويدية وعندهم كبت جنسي .
لكن لما الصين بتعمل كدة (وهي دولة شيوعية لادينية) وتمنع الزنا بل وحتى عندهم العقوبة هي الإعدام . فهؤلاء الصينيون لا يتم تناولهم بالكلام أو النقد (الإلحادي) ....
إذا الإسلام حرم الزنا فهو تخلف ورجعية ولاحرية
لكن إذا الصينيين منعوا الزنا فمسموح لأنهم (لادينيين)
العبرة هنا ليست في منع الزنا ولكن فيمن يمنعه ...
طبعاً الكلام عن علة ارتفاع التعداد السكاني كلام خرط
حول التاريخ ....
أحد الزملاء هنا بينتقي معلوماته التاريخية من فخاريات وبايبل ، لكنه لا يقبل أن يستمد أخبار تاريخية من القرآن . لماذا ؟ يقول لأن القرآن ليس كتاب تاريخ
يعني كأن الفخاريات كتاب تاريخ
العبرة هنا أن الملحد يضع في عقله فكرة أن كل ما جاء في القرآن لا يجوز الاعتماد عليه ، ولكن أي فخارة مش عارف مين كتبها فهي دليل لا يقبل الشك
في موضوع الدعارة ...
أحد الزملاء أبو حنتمة يتحدث عن الفرق في الدعارة بين الغرب وبلاد المسلمين
إذا كان العهر والدعارة بإحصائيات فهو دعارة (تقدمية)
أما إن كان مجهول وغير معروف فهو دلالة على (التخلف)
يعني العبرة في نظر الملحدين أعلاه ليست في الفعل (الدعارة) ولكن العبرة في (إحصائيات) الدعارة .
لو كان فيه إحصائيات يبقى خير وبركة وتطور ، ولو ما كان فيه يبقى تخلف ورجعية
في موضوع التطور
الملحد لا يؤمن إلا بالدليل العلمي (هكذا يزعمون)
وجود تنين ناري أمر خرافي عند الملحد لأنه ليس له (أحافير)
أما وجود ديناصور خرج من البيضة وهو بيطير فأمر مقبول رغم أنه أيضاً لا دليل (أحفوري) على وجوده
العبرة هنا في البوق الذي يطرح الفكرة ... لوكان البوق غربي صهيوني فيتم التمسح فيه ، أما لوكان بويق شرق آسيوي فلن تجد له ناعق .
في موضوع الغيب
الملحد مقتنع أن أصل الحياة خلية حية جاءت عن طريق الخلطات الصُدفية
الملحد يصدق بشيئ لم يراه ولم يثبته أبداً
الملحد ينتقد المسلم الذي يصدق بالغيب الذي لم يراه
العبرة هنا في اختلاف مصدر الغيب . فإن كان الغيب مصدره بوق يهودي صهيوني غربي فهو قابل للتصديق وعدم المناقشة
أما إن كان الإخبار بالغيب مصدره القرآن ، فيجب أن يتم تبريره علمياً !!
عجيبة هذه العقول الملحدة كيف تنتقي قناعاتها
يقولون أن مرجعيتهم العلم
لكن هل العلم واحد صهيوني ؟؟؟؟
مشكور أخي العزيز،
بقي أشياء كثيرة
منها
عندما وضع أحدهم موضوعا يزعم فيه أن الأحاديث تناقض العقل؟؟؟ جاء بقضايا كلها ليست من اليقينيات ولا من القضايا البديهية التي لا يختلف فيها البشر ، بل كلها ظنون وأهام وشكوك، وهو في الوقت نفسه يصيح باسم العقل
ثم بعد ذلك عرضنا لهم قضية بديهية عقلية فإذا هم يناقشون وينكرونها وتحولوا إلى سفسطائيين
وإذا قلنا لهم لا بد لكل فعل من فاعل، وهذه قضية بديهية يقينة حتى عند الحيوانات، أنكروها ورفضوها وخلعوا العقل ولبسوا ثوب السفسطة؟؟؟ لماذا لأنها تثبت وجود الله
وإذا سألتهم عن مصادر العلم واليقين عندهم؟؟ لم تجد جوابا منهم
والأعجب من هذا وذاك أن أحد كبرائهم شكك في وجود عيسى بأنه لم يذكره المؤرخ فلان وعلان الذي في عهده؟؟؟ وغاب عن ذهنه أنه إذا شككت في وجود عيسى، فلماذا لا يشكك غيرك في وجود هؤلاء المؤرخين؟؟ ما الدليل على وجودهم؟؟؟ أهي كتبهم؟؟؟ ما أدراك أنهم ألفوها؟؟؟
وأحدهم فهم فهما معينا لآية قرآنية ثم قال لنا هذه هي عقيدتكم مع أن اجماع العلماء على أن فهمه ذلك كفر عند المسلمين، وبدأ ينتقد فهمه، الذي هو مصمم على أنه عقيدتنا، وهذه أحدث طريقة في النقاش
ولولا ضيق الوقت لكتبت لكم الكثير من الأعاجيب
اروع الامثلة للنتقاء الطبيعي للتفكير عند الملحد
سليمان يفهم كلام النمل ! (الملحد : خرافات)
علماء البحار يحللون اصوات غير مسموعة للانسان ويفهمون كلام الدنافيل والحيتان (الملحد: رائع)
الهدهد ينقل معلومات لسليمان عن ملكة سبأ ! (الملحد : خرافات)
قرد في مختبر في الصين ينجح في بترتيب الارقام. (الملحد: احسنت يا ابن العم)
طوفان نوح ! (الملحد: خرافات)
كيف صعدت هذه السفينة الى هذا الجبل عرارات العالي؟ ((الملحد: صدفة وبالانتقاء الارضي للجاذبية)
هابيل وقابيل يتقاتلان ويقتل هابيل قابيل ولا يعرف كيف يتصرف فيأتي غرابان ويتقاتلان ويدفن> (الملحد: خرافات)
العلماء: الذكاء والحكمة في التصرف تطورت بالتدريج عند الانسان. (الملحد اعجاز دارويني رائع)
القاتل القتيل فيتعرف ابن آدم كيف يدفن الموتي !؟..أي الغراب علّم الانسان دفن الموتي ! ( الملحد خرافات)
دارون: كل حيوان يتعلم ممن جاء قبله. (( الملحد: رائع رائع. الانسان ظهر بعد الحيوان لابد ان يكون الحيوان اكثر خبرة)(45/204)
ياجوج وماجوج ! هُمَا اسْمَانِ أَعْجَمِيَّانِ لِقَبِيلَتَيْنِ لا يشبهون القرود ( الملحد: خرافات)
دارون: الانسان كان شخصياً قرد. "قردون وشمبنزون" ( الملحد رائع رائع نظرية فذة)
9- ذو القرنين الذي وصل مغرب الشمس عند العين الحمئه! ( الملحد اجهل لغة العرب والعجم)
الغرب هو جهة. المغرب جهة متعلقة بأرض. لم يجد العرب الشمس تغرب في مراكش حتى سموا المغرب باسمه.
غروب الشمس في البحر رومنسي. (الملحد : جملة رومنسية لا تعني ان الشمس تنزل في ماء البحر. هذا تعبير مجازي والغروب غير النزول)
فوجدها تغرب في عين حمئة. (الملحد: انا انتقائي والغروب هنا هو النزول والشمس تنزل في الطين. مليش دعوة)
أهل الكهف الذين ناموا قرونا ! (الملحد: خرافات)
الدببة حسب نوعها تنام من 4 الى 7 اشهر في الشتاء. (الملحد: رائع الطبيعة بارعة).
ولادة العذراء ! (الملحد: خرافات)
ولادة نعجة بدون أب (الملحد: يا سلام على العلم)
الملائكه ، الجن وسائر هذه المخلوقات الخياليه !
الملحد: الضمير والعقل والاخلاق وسائر هذه المخلوقات الخياليه الغير مادية
قصة الخلق وخروج آدم وحواء من الجنه جراء اغواء ابلبس لهما! (الملحد : خرافات)
قصة التطور العشوائي وخروج الانسان من البحر في شكل سمكة زاحفة. (الملحد : ليس لدي دليل وليست خرافة)
الله يتوفي الانفس حين نومها !
الملحد: انا شخصياً قمت بتجربة عن "النفس" واكتشفت انها لا تتوفى حين نومها.
جنود لم تروها رجحوا كفة أتباع الرسول يوم بدر !
الملحد: حلقات تطورية لم يجدوها رجحت نظرية دارون
أصحاب الفيل والطير الأبابيل التي ترمي بحجارة من سجيل !
الملحد: طير الابابيل غير موجودة ومستحيل ان تدخل في قانون الطفرات الانتقائي العشوائي المنظم المبعثر.
اليهود الذين مسخوا قردة خاسئين !
حَدَّثَنَا شِبْل عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح عَنْ مُجَاهِد" فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَة خَاسِئِينَ " قَالَ مُسِخَتْ قُلُوبهمْ وَلَمْ يُمْسَخُوا قِرَدَة .
الملحد: لا اقبل ان تمسخ قلوبهم لكن اقبل ان يكون الانسان والقرد أولاد عم. ولا تدّعوا اني انتقائي
الكعبة التي بناها ابراهيم وبئر زمزم التي نبعت عندما ضرب مولود ابراهيم الارض بقدمه !
الملحد: احتمال تحول السحلية الى انسان اكثر من احتمال إيجاد عين ماء بالصدفة.
قصص يوسف وأخوانه وامراة العزيز التي همت به وهم بها!
الملحد: لم نسمع من قبل أي امرأة همت برجل. صدفة مستحيلة
والذي عنده علم الذي أتي بعرش بلقيس من اليمن الي فلسطين قبل ان يرمش سليمان !
الملحد: مستحيل ان ينتقل صوتي من طوكيو الى قبرص قبل ان يرمش دارون.
الشهب والنيازك التي وظيفتها طرد الشياطين من التنصت علي أخبار السماء
الملحد: كلمة "وظيفة" دلستها من عندي حتى أوحي للقارئ ان الشهب خلقت حصراً لرجم الشياطين.
الجبال التي خلقت لتكون أوتادا
الملحد: علي ان اقرأ عن الحركات التكتونية للأرض لأعلم دور الجبال.
السماء التي رفعت بلا عمد !
الملحد: اقتطعت من الآية (بِغَيْرِ عَمَد تَرَوْنَهَا) حتى لا يقول المسلم انها قوانين الجاذبية الغير مرئي. وحتى لا يحسبها علي اعجازاً
رُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس وَمُجَاهِد وَالْحَسَن وَقَتَادَة وَغَيْر وَاحِد أَنَّهُمْ قَالُوا لَهَا عَمَد وَلَكِنْ لَا تُرَى
الجبال والطير التي أوبت مع داود !
وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ
(الملحد : القلب والدماغ مجرد مادة لكن لا تفقهون كيف للانسان اخلاق وقيم)
أنشقاق القمر !
الملحد: الصدفة اخبرتني شخصياً أن ذلك محال
الصبي يتكلم في المهد
الملحد يتكلم في العلم
الزميل ملحد5
هو أنا معك أن الملحد لما يقرأ مثل هذه المداخلات سيشعر بصدمة وتراجع . لأن المفروض أن العلم والنزاهة عنده ما بتعرف يمين أو شمال . فلما يلاقي نفسه عمال ينتقي شيئ ويرفض شيئ آخر دون أي مرجعية أو أرضية علمية فسيقع في حيرة أكبر مما هو فيها .
مفروض ما يصدق إلا بالذي يراه ومع ذلك يصدق بما بلا يراه ، مفروض ما يصدق إلا بما يثبته العلم ومع ذلك يصدق بما لا يثبته العلم ، مفروض أنه يتعامل مع مصادر التاريخ بحيادية ومع ذلك بينحاز بدون نزاهة إلى ما يؤيد أهوائه ، .... الخ
لذلك سميت الموضوع : الانتقائية غير العلمية عند الملحد ...
والأمثلة كما ترى على الهواء مباشرة يومياً ...
انتقائية أخرى من انتقائيات الملحدين ....
الآيات والأحاديث
عندما يتم عرض آيات وأحاديث الإعجاز والغيب لا يقبلها ولا يصدقها الملحد ويرفض الاعتماد عليها
عندما يتم عرض آيات الجهاد وأحاديث الأحكام يصدقها ويعتمد عليها في التهجم على الإسلام
العبرة في الانتقائية هنا عند الملحد ليست في الحديث أو الآية ،
كلا ، ، ولكن في المنظور الذي يرى من خلاله الآيات والأحاديث ، وهو منظور الاستشراق والتنصير
وشكراً
وأغرب من هذا أخي لقد تناقشت مع الكثير من جهلتهم وبهائمهم التي لا تعقل، فيأتيك بأحاديث ضعيفة وموضوعة ليبطل بها الإسلام ويعتمدها في الهجوم على النبي ص، وعندما تأتيه بأحاديث صحيحة بل وأحيانا متواترة من معجزاته ص يكذبها(45/205)
والعالم إذا أيدت أبحاثه العلمية الإيمان وأعلن إيمانه وإسلامه أصبحت كل الحقائق التي يعرضها خرافات، وإذا ظل على إلحاده أصبحت حقائق
==================(45/206)
(45/207)
هل الإلحاد هو محاربة الإسلام ؟
رسالة إلى الملاحدة الإسلاميين !!
أعزائى اللادينين والملحدين
أعرفكم بنفسى أولا أنا أخوكم فى الوجود
يعنى يمكن أن تعتبرونى كائن فضائى عاقل قد نزلت فى أحد اليوفى على سطح كوكبكم ووجدت هناك مللا ونحلا ومذاهب ولكل منها نظريات متكملة إلا بعض الناس كل ما لديهم طعون وشكوك فى غيرهم يعنى مذهبهم عبارة عن سلب لمذهب آخر أو كما قال أحد الأعضاء هنا يمكن أن تسميهم مثلا ملاحدة إسلاميين ..
ببساطة أريد أن أعرف ما هو البديل الإيجابى لديكم أيها الملاحدة واللادينيين من المؤكد لا أقبل أن يقول ملحد أو لا دينى إن البديل هو قوانين الأمم المتحدة أو الضمير أو على ما تفرج .
أريد بدائل جاهزة .. وبناء عقليا إلحاديا صارما ..تفسير مقبول للوجود بدون وجود الخالق ....يعنى كيف نشأت المادة ؟ وكيف نشأت الحياة ؟ وكيف استمرت على هذا النحو؟ وتفسير لطبيعة الإنسان وهل هى مادية صرفة يعنى مجرد آلة أم لا ؟وما هو الديل على كل ذلك؟
ومن ناحية أخرى ما هى البدائل الاقتصادية والإجتماعية والأخلاقية لديكم وما هو المجتمع المثالى والإنسان الكامل من وجهة نظركم وكيف يتوصل إلى تحقيق ذلك ؟
وبالجملة أريد نظرية إلحادية خاصة وشاملة كتلك التى وضعها الإسلام لنتمكن من الحكم عليكم وتحديد أى المذاهب أولى بالاتباع .
تحيه للزميل سفير
تساؤل في مكانه , واستطيع ان اجيبك ببعض الاسرار
انا اومن بالمباديء الاشتراكيه الديمقراطيه
واعتبر نفسي متعصبا نوعا ما للقوميه العربيه
اعتبر الدين فكر له الحق في الوجود دون ان يطغى على غيره من الافكار , كما يجب فصله عن الدوله , حتى يبقى امرا شخصيا لا اكثر
براغماتي في السياسه , فمثلا رغم انني لاديني الا انني تبرعت لحزب الله بقدر استطاعتي وادعو الجميع لذلك
لا فرق عندي بين مذهب واخر رغم انني اؤيد طروحات مختلفه في بعض المذاهب الدينيه كتشريع للمجتمع دون ان يكون الدين هو المصدر الوحيد للتشريع
وبالنسبه للنبي الامي فانا اعتبره مفكرا من الطبقه الاولى بل اعظمهم في منطقتنا من العالم
ولا استسيغ اي اهانه او تهجم عليه او على فكره الديني , ولكنني ارحب بنقد الدين ايما ترحاب , واعتبر ان العله في الاتباع
لهذا فانني اعتبر الفكر الديني عباره عن ثوره معرفيه ضخمه ولكن من وجهة نظر تاريخيه , ويمكن الاستفاده منها دون التمسك بتفصيلاتها
عالمنا العربي اليوم يشبه المجتمع الجاهلي قبل الاسلام وهو بحاجه الى فكر ورجال لينهضوا به , قطعا هذا الفكر ليس الدين وان كان يمكن ان يستقي منه الكثير
اللادينيون العرب هم خليط من بقايا الشيوعيين والقوميين واليساريين والعلمانيين والمغتربين ممن اطلعوا على حضارات الامم الاخرى , وهم ليسوا حزبا سياسيا او منظمه اقليميه كما لا تربطهم بسياسه الغرب او دوله اية علاقه تابعيه
وبشكل عام فاننا نعيش في عصر الانفتاح مما يمكن الفرد من الاطلاع على تاريخ افكار الشعوب المختلفه وقيمها التاريخيه بحيث يمكن التمسك بكل ما ينفع ويدفع المسيره نحو الامام
نحن في عالمنا العربي - نحتاج الى فكر توحيدي لبناء دوله كبيره نسبيا لتبدا حركه تصنيعيه تفرز علاقه اجتماعيه وفكر منظم مرتبط مع التصنيع والاله - وهذه بداية الطريق
في تلك الدوله يجب ان يتمتع الجميع بحق المواطنه المتساوي سواءا ذكرا او انثى عربي او اعجمي اسمر او اصفر مسيحي او مسلم , وهذا لن يكون الا بوجود العلمانيه والديمقراطيه في الحكم
الفكر اللاديني هو بدايه لكن ما يميزه انه يسير مع حركة التطور ومع تقدم الانسانيه
تمنياتي للجميع بالعيش في هكذا دوله
فأما البديل الاقتصادي والاجتماعي فهو الليبرالية
الأخ الكريم يقصد البديل الإقتصادي والإجتماعي للمجتمعات الإنسانية التي تريد أن تحيا حياة كريمة قوامها العفة والطهارة والمبادئ الرفيعة وليس بديلاً لا يصلح إلا للبهائم !!
فالحقيقة يا أخي سفير أنت بسؤالك هذا تنكأ جروحهم .. وتدعو ضمائرهم للتمرد عليهم ..
فالليبرالية ليست أكثر من حالة ذهنية سلبية تقتات على قيم المجتمع وتقوّض بناءه، دينها يلخص في كلمتين : حرية بهيمية .. لا مبادئ والغاية تبرر الوسيلة ، ولك أن تتصور كيف يتمسكون بالعموميات لأن الدخول في التفاصيل أمر يقلقهم ويحرجهم فسنة الليبرالي هي الإجمال، فتجدهم يتكلمون ويتفقون في كلام مجمل كالحرية والأخلاق والعدل والمساواة (وانظر مثالاً على ذلك كلام المدعو Schnell2)، فإن سألتهم عن معنى الحرية اختلفوا في تفسيرها اختلافاً شديداً، كلٌ حسب عقله وهواه، وربما اختلف الواحد منهم في موقفين مختلفين لا يفصل بينهما سوى دقائق معدودة، وهم مع ذلك مجمعون على هدم القيم وبغض المبادئ ومحاربة الفضائل، وإنما يختلفون في درجة البغض ومستوى الهدم المناسب والسلاح الذي سيستخدمونه في المعركة.
فالبديل الأخلاقي عندهم هو العادات والتقاليد .. انظر إلى هذه الكلمات المطاطية .. عن أي عادات وتقاليد يتحدثون ؟!! وهل كل عادة أو تقليد يُحسب من الفضائل لمجرد أنه من العادات والتقاليد وكل ما يخالف ذلك إذاً من الرذائل !!(45/208)
إذا كانت من عادة قبيلة أو قرية ما المشي خارج بيوتهم عراة، أو زواج المثلين، أو الزنى في الطرقات فعند الليبراليين إذن هذا من الأخلاق والفضائل لا لشئ إلا لكونه من العادات والتقاليد !! ويجب علينا أن لا ننتقده أو نحاربه وإلا كنا أعداء للحرية والأخلاق !! ومن هنا تعلم ماذا يقصدون إذن بالحرية ..
هذا دينهم ..
جملٌ مطاطية .. كلمات حلزونية .. تقود إلى حرية بهيمية ..
الثابت الوحيد في دينهم ومعتقداتهم : هي الزئبقية التي تأخذ شكل الإناء الذي توضع فيه، وضرورة العيش بلا كرامة تنغص عليهم كدر الرذيلة وخستها !
===================(45/209)
(45/210)
الذئاب بلباس النعاج
الحمد لله الواحد القهار والصلاة والسلام على نبيه المخار وبعد:
هل يمكن ان يقارن الانسان بالذئب ام بالخراف اذا تجرد من دينه ؟
هل من شعاره الغاية تبرر الوسيلة سيمتنع من التعدي على حقوق غيره اذا احتاج مالا او متعة .
هل من لا يؤمن بالزواج اصلا سيمتنع عن استغلال النساء.
هل من يظن انه لا رقيب ولا حسيب عليه الا الناس سيمتنع عن التعدي على الاموال العامة مثلا .
اهل الالحاد اشبه بالذئاب . فهم لا يتعدون على السباع ولكنهم ان اختلوا بما يستطيعوا نهش لحمه فعلوا .
لاحظ كيف يوصف من لا مبداء عنده يقال : فلان ما عندوا دين .
==================(45/211)
(45/212)
الإلحاد و انفصام الشخصية
إخوتي الكرام الأفاضل
يكتسب التدين أهميته من كونه فطرة فطر الله عباده عليها ، وركزها في نفوسهم ، فما من أحد من العالمين إلا ويجد ذلك من نفسه ،بحيث لا يستطيع العيش بدونه إلا مع حرج وضنك ، وحاجة الإنسان إلى التدين أعظم من حاجته إلى الطعام والشراب . ويكتسب التدين أهميته أيضا بالنظر إلى آثاره الإيجابية، على الفرد والجماعة على حد سواء .
من هذا المنطلق يتضح لنا أن الدين ضرورة للإنسان. والدين عند الله هو الإسلام بذلك دعي كل الرسل ، إلي أن جاء خاتم الأنبياء سيدنا صلى الله عليه وسلم برسالته الخاتمة والتي وصفها صلي الله علي وسلم في حديثه الشريف { إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق } ، فمعرفة الله وعبادته بالأسلوب الذي حدده لنا وإسلام الوجه لله في كل الأعمال هو مكارم الأخلاق وكامل السعادة والكرامة للبشر ، وأي شقاء نري فيه البشر هو بسبب خلافهم حول هذا الهدف أو إنحرافهم في أسلوب العبادة .
ما نشهده واقعاً من الحياة التعيسة التي يحياها الملحدون ، فهم وإن تنعموا بملذات الدنيا ونعيمها -وفق ظنهم- إلا أنهم فقدوا أغلى ما فيها وهو الإيمان بالله عز وجل ، فهم يتقلبون في ظلمات الشك وبحار التيه النفسي ، ما يدفع بالكثيرين منهم إلى التخلص من حياتهم - رغم بذخ عيشهم - وذلك بسبب ما يعيشونه من خواء روحي مرير ، يجعل من الحياة - مهما توفرت لهم فيها سبل الراحة - أمرا لا يطاق ، وصدق الله إذ يقول : { وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ( 124 ) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرا ً(125) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى } ( طه : 124 - 126 )
كثيراً ما يتشدق الملحدون ونسمع الكثير من الصراخ عن جدوى الدين فما رأيكم بجولة قصيرة نطلع فيه على نبذة من روحانيات الإلحاد, أعاذنا الله وإياكم:
اقتباس:
والشكر للكون الذي ترك الأحلام العاطفية والأوهام لغيرنا!!!
.. و شيئا فشيئا بدأت أعلم ان الاله الاعظم فعلا هو المال ...
.. و "الافضل" و "الاصلح للاستمرار" و "المؤهل للبقاء" فعلا هو من يعرف كيف يجمع تلك "الثروه" و يوظف كل مكانيات عقله في سبيل هذا الهدف ..
كنت متدينا جدا ...... تقيا ً جدا ... مجاهدا في لله حق جهاده ... كنت اماما للمصليين في مدرستي الابتدائيه و مرشدا لضالين في الاعداديه ثم تطورت لاصبح مجاهدا في الثانويه ..وكنت انا الصادق الامين في فصلي لا اكذب لا اغش في الامتحانات ... ولذلك كان يأتمني الجميع علي كل اسرارهم و متعلقاتهم ... كنت محبوبا من الجميع بلا استثناء لدرجه كانت تملئني غرورا و تسائلا : هل لاني كنت اكثرهم حفظا للقرأن مثلا ( 10 اجزاء كامله لا اذكر منهم شيئا الان ) ام ان ( من احبه ربه حبب فيه خلقه) .. ربما كل شئ جائز ... انا كنت احفظ القرأن كأسمي قبل حتي دخولي المدرسه و احفظ الاحاديث النبويه في وقت فراغي .. ..
حياتي بدأت افهمها جيدا من خلال فهمي للاقتصاد و استثمار الانسان الحديث للتقنيه العلميه الحديثه لكي يستغل موارده افضل استغلال ... ثم بدأت انظر لاسرتي (مواردي الخاصه) .. هؤلاء القوم لا يستحقون الحياه (رغم اني لم امنحها لهم لكي اقرر هذا الامر بكل غرور) ولكني بدأت افكر فيهم بشكل اوسع و بشكل أدق .. بوضوح اكثر ..اتخذتهم معملا للابحاث و التجارب .....
والدي كمثال ... لم اكن استطيع ان اكثر شوكته و تعنته في اي شئ الا بالدين ... كنت اخذ منه اموالا لشراء كتب دينيه و اشتري مجلات Miss Bikini المليئه باللحم الابيض واتحجج فيما بعد بنسيان الكتاب في مكان ما او ان شخص ما قد استعاره ولم يرجعه .
وهكذا مع والدتي و اخوتي و اقاربي و اصدقائي .. الفرق الوحيد هو اني كنت افعل كل ذلك بنيه سليمه قبل الالحاد .. اما بعده فقد اصبحت انتهازيا اكثر دون ان يلاحظ احد , بالعكس اعجبهم ذلك !
و فيما بعد ادركت ايضا ان اسرتي نموذج من نماذج الحيوانات الهاجسيه الكثيره التي سأتعامل معها في المستقبل بكثره في حياتي العمليه وهم -اي اهلي- كمورد حيواني يجب ان استغله افضل استغلال كأي مورد اخر و اسيطر عليهم لانهم اجلا ام عاجلا يشكلون لي " ثروه "
.. واسأل نفسي لماذا افعل معهم ذلك و أضمر لهم كل هذا الشر .. هم اهلي و يخدموني بحب و موده حقيقيه لم و لن اجدها ابدا في اي مخلوق علي سطح الارض ... فلماذا انا بهذه السفاله و الوضاعه معهم ؟؟
الا ان الشيطان كان يأتي و يجلس بجواري كالصديق الودود و يناقشني مغتاظا : تلك هي قوانين الطبيعه يا غبي عصرك .. أنسيت ما درسته ؟ لابد من ان يكون هناك حيوانات و اسياد افضل منها تركبها و تقودها نحو الافضل لها ولاسيادها .. والا فستدمر نفسها و تدمر اسيادها معها ...
نعم يا ساده كنت مستبدا .. ولازلت مستبدا .... نعم اؤمن بحريه الجنس و الدين و الفكر و كل الحريات علي سطح الارض .... الا ان اهلي لا يستحقونها ..(45/213)
في لحظه ما اشعر اني نبيا وسط عائلتي ... اشعر بشعور الانبياء عندما يقولون شيئا مهما , و يصعب عليهم الرجوع في حرف واحد مما قالوه ,
.. و هم يصدقون علي كلامي و يفعلونه تقربا من الله .. ببساطه اصبحوا العاب في يدي ..
في وقت ما (دون حاجه لذكر التاريخ فهو قريب علي اي حال) .. أدركت اني بحاجه لعلاج نفسي والا فسينفجر عقلي وينتهي بي الامر في عنبر الخطرين و انا اضحك ضحكات شيطانيه و عيني شاخصه نحو السماء .. هداني عقلي الي دراسه علم النفس بجانب الاقتصاد فكنت افوت احيانا كثيره محاضراتي لكي احضر محاضرات علم النفس في كليه الاداب .. واقرأ كثيرا جدا لفرويد ... وهذا الرجل هو ما زاد الطين بله ... فبدلا من ان اعالج نفسي ازدادت عقدي تعقيدا .. و أدركت ان علاجي نفسي 100% ولا علاقه له بالسياسه او بالدين .. وان عقلي هو المشكله , وليست عقول الاخرين !!
I hate this r eality .. This Zoo !! Human being a r e a disease, a Cance r of this planet! They a r e a plague .. and they need a Cu r e..
عزائـ ــي للبشرية المعذبة
اشعر كالعملاق بين الاقزام وقادتهم
اشعر بعقلي ينتصب لكل فكره
اشعر باني مختلف
لااشعر بالوحده والاغتراب لاني ليس بحاجة لاكون مع احد اذا احسست باني انا انا الانسان انا الادمي
انا الكل
اعلم باني مادة واعلم باني ارقى ما صنع من المادة
اعلم باني لن اذهب هباء اذا مت
فسوف استمر باستمرار انا الكل
غدر, خيانة, وضاعة, حيوانية, إحساس بالعملقة, كذب, نفاق .......
لاحول ولاقوة إلا بالله
اللهم أهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدى لأحسنها إلا أنت !
الأخوة الافاضل،
في الحقيقة يظهر جليًا على الزملاء المتملحدين (حتى لغير المتخصصين - مثل حالاتي) بعض الصفات التي كنت قد ذكرتها في موضوع:
نقول منعا للإحراج :أيها الملحد لماذا أنت ملحد ؟
وللتذكير هذا نص الموضوع
الاخوة الكرام إسمحوا لي بإضافة. هناك أمر آخر أكبر من مجرد "اللبيدو" ألا وهو أن من يقرأ بتمعن لمن يسمون بالملحدين العرب (هنا استثني النوع المحترف) ويحاول ان يقرأ ما بين السطور يجد اغلبهم يعاني من شيئين أو أحدهما:
1) مركب الإحباط والإحساس بالدونية والقهر أغلب الظن ناتج عن طفولة صعبة (عنف, إعتداءات جسدية, إغتصاب) يجعلهم يحاولون إخفاء الماضي في ذاكرتهم وراء ستار دارويني. القناعة بأنهم كانوا حيوانات ثم تغيروا إلى بشر تعطيهم الآمل برفض الطفولة الصعبة - التي ترفضها الذاكرة - مع المرحلة الحيوانية, وربط فترة بعد التطور مع واقعهم الحالي. هؤلاء تلاحظ عليهم إضطراب وتميّزهم حساسية شديدة (أغلب الظن هي وراء تغيير اسماءهم الاستيعارية بشكل متكرر -هروب مستمر) عدوانية مع تظاهر مبالغ فيه بالوداعة. يمارسون الكذب بدون خجل (ناتج عن الرفض الداحلي) مع مديح مستمر للنفس يشير إلى إصابتهم بالنرجسية.
2) ما أسميه بعقدة المدرس (في علم النفس يُسمى بالوسم). هذا النوع هو من الطلبة الذين يعانون من إحباط كلي أو جزئي في الدراسة بالرغم من أنهم يقضون أوقات طويلة في المطالعة. النتائج التي يتحصلون عليها لا تتناسب مع جهدهم الكبير. يعتمدون على الذاكرة (تخزين معلومات كثيرة) مع قدرة محدودة جدًا في فقه هذه المعلومات, يكون هذا سبب في الوسم (تصورهم أنهم يملكون قدرات كبيرة وفي الواقع غير ذلك). هذا الإحباط قد يصل إلى درجة " الفوغية". يمكن معرفة هؤلاء من طريقة نقاشهم حيث يمتاز بسرد معلومات طويلة غير محددة وفي العادة منقولة, عدوانية عند إفحامهم بالاسئلة. يحاولون محاورة غير المتخصصين في تخصصهم حتى يتم لهم سبق وهمي. يقومون بتغريق محاورهم بكم كبير من المعلومات حتى إذا اراد أن يتأكد من كلامهم فلن يجد عمليًا وقت لذلك وهذا كخط دفاع أخير - حتى لا تتكرر معهم حكاية المدرس. حديثهم يمكن وصفه كما يقولون الاخوة في السودان "كلام جميل بس مو معقول".
الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله حمداً يوافي نعمه ويكافئ مزيده،
اللهم لا تقطعنا عنك بقواطع الذنوب ولا بقبائح العيوب، يا من عليه العسير يسير، نسألك ما لا يخفى عليك.
إخواني الأفاضل
ما من ثري أو تاجر متمول أو صاحب شركة يبحث عن محاسب أو أمين صندوق له ويُخَيَّر بين رجلين أحدهما مُعْرِض عن الدين والإيمان غير ملتزم بشيء من مبادئه، والآخر ملتزم بدين الله سبحانه وتعالى مستشعر رقابة الله له: إلا ويختار الثاني ويعرض عن الأول، حتى ولو كان هذا الثري أو التاجر المتمول ملحداً، حتى ولو كان علماني النزعة. وفي ذهني صور كثيرة لهذه الحقيقة التي أقولها لكم.
فعلامَ تدل هذه الحقيقة الواقعة والمعروفة؟(45/214)
إنها تدل على أن الإنسان لن يكون أميناً في تعامله مع الآخرين ولن يكون وفياً معهم ولا صادقاً في عمله معهم إلا إن كان مستشعراً رقابة الله سبحانه وتعالى له. ولا يتأتى هذا الشعور إلا بعد الإيمان بالله سبحانه وتعالى وتغذية هذا الإيمان بغذائه المعروف من الالتزام بالأوامر والابتعاد عن النواهي. هذه هي الحقيقة التي ينطق بها واقع الناس الذي ذكرته لكم. وهذه الحقيقة كم وكم أكَّدَها وبيَّنها كتاب الله سبحانه وتعالى. كرر وأكَّدَ أن الله سبحانه وتعالى لم يُكْرِم عباده بهذا الدين وبما يحتوي من تعليمات وشرائع إلا لتحقيق مصالحهم ولدرء المفاسد عن حياتهم، ولذلك قالوا عن الدين: إنه شَرْع لذوي العقول السليمة، لتحقيق ما فيه صلاحهم في معاشهم - أي الدنيوي - ومعادهم - أي الأخروي - وهذا ما أكده بيان الله. انظروا إلى قوله عز وجل: {قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتابٌ مُبِينٌ، يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ} [المائدة: 5/15-16]. وانظروا إلى قوله وهو يؤكد هذه الحقيقة: {يا أَيُّها الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ} [الأنفال: 8/24] الحياة الحضارية الإنسانية الكاملة { وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ}[الأنفال: 8/24] وانظروا إلى الكلام المتمم بعد ذلك: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهِ شَدِيدُ الْعِقابِ} [الأنفال: 8/25]. ما علاقة هذه الآية التهديدية الثانية بالأولى؟ العلاقة واضحة ومهمة جداً: أي المجتمع الذي لا يضبط نفسه بشرائع الله التي جاءت لصالحه فإن هذا المجتمع لابدَّ أن يقع في براثن الشقاء؛ فيُظْلَم الضعفاء ويستشري الأقوياء طغياناً وظلماً، في حين أن الذين أعرضوا عن شرائع الله في هذا المجتمع قلة ربما، هم القادة والحاكمون. لكن إعراض القادة عن شرائع الله عز وجل نشرت الفساد والشقاء في المجتمع كله. والسبب إعراض الثلة اليسيرة عن تنفيذ شرائع الله.
هذا معنى قوله سبحانه: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خاصَّةً} [الأنفال: 8/25]. الشريعة إنما أُرسِلت لبني البشر لصلاحهم جميعاً. الشريعة الإلهية توزع رحمات الله بين الجميع، بين الضعفاء ترفعهم إلى مستوى الإنسانية الباسقة، والطغاة تخفضهم إلى مستوى هذه الإنسانية ذاتها. وتُوصِل الناس بعضهم ببعض بجسور الوداد والتعاون طبق القاعدة الربانية القائلة: {وَتَعاوَنُوا عَلَى البِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوانِ} [المائدة: 5/2].
هذا هو الواقع الذي ذكرته لكم يُعَبِّر عن هذه الحقيقة التي أكدها وبيّنها لنا رب العالمين. ثم إن هذا الواقع يلفت النظر إلى العكس والنقيض؛ ما يستشري الفساد في مجتمع من المجتمعات متمثلاً في سرقات، متمثلاً في اغتصاب، متمثلاً في رشاوي، متمثلاً في ظلم، متمثلاً في خيانة الوطن والأمة. ما يستشري هذا الفساد بهذه الأنواع كلها في مجتمع من المجتمعات إلا لأن هذا المجتمع أعرض عن هذا الدين الحق الذي شرّف الله سبحانه وتعالى به عباده. اِنطلَقَوا وتحرَّروا من ربقة الإيمان بالله عز وجل، ثم من ربقة الالتزام بأوامره، ومن ثم من ربقة الشعور برقابة الله سبحانه وتعالى للأفراد، واستبدلوا بدين الله عز وجل مظاهر وقوانين هي أشبه بالديكورات الشكلية منها بالعوامل التي تحمي الأمة من الفساد والشقاء.
فلما أعرضوا هذا الإعراض عن مولاهم وخالقهم وفَرَغَت أفئدتهم من الشعور بمراقبة الله سبحانه وتعالى لهم ومن ثمَّ فرغت أفئدتهم من مشاعر تعظيم الله والخوف من الوقوف غداً بين يدي الله سبحانه وتعالى ظهر الفساد في البر والبحر كما قال الله عز وجل: {ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِما كَسَبَتْ أَيْدِي النّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الروم: 30/41] والفساد هنا: الفساد الأخلاقي، والفساد السلوكي، والفساد المتمثل في السرقات والنهب والسلب والخيانة للأمة والوطن، وفي فساد البيئة كما تعلمون أيضاً أيها الإخوة، كل ذلك فساد ينبعث من الإعراض عن مراقبة الله سبحانه وتعالى {ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِما كَسَبَتْ أَيْدِي النّاسِ}. وإنما يعني البيان الإلهي بهذه الجملة تلاعب الناس بدين الله وإعراضهم عن شرعه والاستبدال به شرائع أخرى وقوانين أخرى.(45/215)
وانظروا إلى قوله سبحانه: {وَلا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [الأعراف: 7/56]، {وَلا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ} ما قال لا تفسدوا في الأرض. وإنما قال: {وَلا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ} لتَعُمَّ الكلمة أنواع الفساد أجمع. {وَلا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها}، أي إصلاح يعنيه بيان الله؟ أصلحتُ حياتكم بالشرع الذي أنزلته عليكم وشرفتكم به، هذا هو الإصلاح الذي يعنيه بيان الله، ووضعتكم أمام المنهج الأمثل من أجل أن تحققوا سعادتكم العاجلة وسعادتكم في العقبى فلا تستبدلوا بهذا النهج الذي أحببته لكم لأُسْعدكم به مناهج أخرى وأنظمة أخرى وأنظمة أخرى، تشقيكم بدلاً من أن تسعدكم، تفرقكم بدلاً من أن تجمعكم، تبعث فيما بينكم عوامل الفساد والظلم والطغيان والبغي أشكالاً وألواناً. {وَلا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ} [الأعراف: 7/56] ولكن {مِنَ الْمُحْسِنِينَ} والمحسنون هم الذين التزموا بأوامر الله وشرعه.
المجتمعات كما بينّا تفيض بالفساد أشكالاً وألواناً، كلما استشرى الفساد أشكالاً وألواناً في المجتمع فلتعلموا أن ذلك دليل وميزان على أن الدين قد تقلص في ذلك المجتمع، وكلما رأيتم أن الفساد اختفى، وأن الصلاح قد حلّ محله، وأن الرحمة قد انتشرت فيما بين الناس، وأنهم أخذوا يتعاونون بالبر بدلاً من أن يتنافسوا في العدوان ويتسابقوا إلى الأثرة بدلاً من الإيثار فلتعلموا أن الدين له هيمنة وفاعلية في ذلك المجتمع؛ حقيقة لا شذوذ فيها قط بشكل من الأشكال.
والسر في هذا الأمر أيها الإخوة، السر في حاجة الإنسان إلى الدين، السر في أن الإنسان لا يصلحه ولا يجعله قادراً على أن يكون عضواً مصلحاً في مجتمعه إلا إن تحلى بدين الله عز وجل واستشعر مراقبة الله له، السر في ذلك هو: أن الإنسان كان ولا يزال أخطر حيوان يستشري البغي بين جوانحه في جنبات الأرض؛ إن استعرضتم واقع الوحوش في الأدغال، إن استعرضتم واقع السباع في الغابات فلتعلموا هذه الحقيقة؛ أضرى وحش من الوحوش في جنبات الأرض هو الإنسان. ذلك لأن الحيوانات كلها ألجمها الله بلجام الغريزة الحتمية التي لا تستطيع أن تتجاوزها يمنة ولا يسرة، قانونها هذه الغريزة، دينها هذه الغريزة لا تستطيع أن تتجاوزها. هذه الحيوانات هذه السباع إن استشرت وإن افترست فضمن قانون من هذه الغزيزة تستشري وتفترس، ومن ثم فإذا انتهت حاجتها إلى الطعام والشراب غاب الشعور بالحاجة إلى الافتراس منها وأخلدت إلى الراحة والابتعاد عن ذلك، حياتها خاضعة لغريزة، قانونها هذه الغريزة.
أما الإنسان فقد متعه الله سبحانه وتعالى بدلاً من هذه الغريزة بالحرية، سما به عن هذه الغريزة ولم يقيده بها، هو ليس حيواناً لأنه عاقل، وضع بين جوانحه بدلاً عن هذه الغريزة الحرية؛ حرية الإرادة والقدرة على اتخاذ القرار. وأنزل عليه بدلاً من الغريزة المُجْبِرة هذا القانون، هذا التشريع، خاطبه به وأَمَره أن يستوعبه بعقله وقال له: بوسعك أن تُطَبِّق وألاَّ تطبق، فإن طَبَّقْت حققتَ لمجتمعك السعادة في العقبى وفي العاجلة، وإلا عَرَّضْتَ نفسك ومجتمعك للفساد. فالمجتمع الإنساني الذي أعرض عن هذه الشرعة التي جعلها الله للإنسان مكان الغريزة في حياة الحيوان إلامَ يؤول حال هذا الإنسان؟ الغريزة التي قيّد الله بها حياة الحيوان غير موجودة لدى الإنسان، والشرعة التي شرّفه الله بها وأمره أن يضبط نفسه بها اختياراً أعرض عنها.
إلامَ سيؤول حاله؟ سيؤول حاله إلى وحش ضَارٍ، لا الغريزة تُحَجِّمه ولا الشريعة والقوانين تضبطه، ومن ثمَّ لابد أن ينطلق في جنبات الأرض يمنة ويسرة لا توقفه الحاجة ولا الضرورة إنما هي طبيعة الظلم وطبيعة التعدي وطبيعة العدوان. مهما شبع يزداد طغياناً، ومهما وجد نفسه سعيداً آمناً مطمئناً يستشري حب الأثرة في نفسه وحب اقتناص الحقوق من الآخرين أكثر من قبل في حياته. هذه حقيقة أيها الإخوة وإن كنتم في شك منها فدونكم ما تسمعونه من أخبار العالم صباح ومساء. اِنتقِلِوا من خبر إلى خبر إلى خبر مما يحدث كل يوم في أقطار العالم من شرقه إلى غربه، ماذا تسمعون؟ إنْ هي إلا أخبار القتل، السلب، النهب، العدوان، الذبح، الإفساد، الهلاك، الطغيان، الظلم، هل تسمعون غير هذا؟ لماذا؟ ذلك لأن الإنسان وحش لا يُصْلِحه إلا لجام من الدين فإن غاب هذا اللجام، الدين الحق، إن غاب هذا اللجام عن حياته انطلق أضرى وحش في العالم كله {ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِما كَسَبَتْ أَيْدِي النّاسِ} [الروم: 30/41] هذا كلام الله سبحانه وتعالى.(45/216)
أقول هذا للذين يتأففون من الفساد اليوم إِن في مجتمعاتنا أو في مجتمعات أخرى. أقول لهم: إنْ كنتم حقاً تتأففون من الفساد بكل أشكاله وأنواعه وألوانه فتأففوا من إعراضكم عن الله، تأففوا من إعراضكم عن أوامر الله سبحانه وتعالى، ضعوا منهجاً لتربية الناشئة منذ نعومة أظفارها تربية تربطهم بالله عز وجل حباً، عبودية، مهابة، خوفاً ومن ثم تجعلهم يصطبغون بأوامره وينتهون عن نواهيه، إذن سوف تجدون أن الفساد بكل مظاهره قد غاب وعندئذ لن تتأففوا. أما إذا كنتم تفضلون الإعراض عن الله عز وجل وعن تعاليمه على صلاح المجتمع ومن ثَم ترضون بالفساد ثمناً لإعراضكم عن الله فلا شك أننا مقبلون على ألوان أشد فتكاً وأشد إشقاءً للمجتمع من أنواع الفساد.
اللهم طهر قلوبنا من كل وصف يباعدنا عن مشاهدتك ومحبتك، وأدم علينا عين عنايتك يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم أصلح حال المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، اللهم ردهم إلى دينك رداً جميلاً يا رب العالمين.
منقول بتصرف من إحدى خطب يوم الجمعة للدكتور البوطي غفر الله لنا وله
=================(45/217)
(45/218)
من سيخسر المليون
السؤال الأول ضع علامة صح أو علامة خطأ أيها الملحد مع التعليل .
الصدفة أفيون الملاحدة ( )
الإلحاد سلب الأخلاق والقيم ( )
الملحد يكفر ثم يستدل ( )
الملحد بهيمة بلا قرون ولا هدف له من الحياة ( )
السؤال الثانى تخير الإجابة الصحيحة من بين الأقواس يا ملحد :
- أنا هنا فى منتدى التوحيد لأننى( نصرانى أطعن فى الإسلام - لأبحث عن تبرير لإلحادى - لتضييع الوقت وإثبات الذات عن طريق اجتذاب اهتمام الآخرين ).
- أنا ملحد لأننى ( ارتكبت الكثير من الموبقات وقنطت من رحمة الله - مكثت فى منتديات الملاحدة سنوات دون أن يكون لى ذخيرة من علم - لأننى أحب إثارة الآخرين وجذب انتباههم ).
- إذا أصابنى مرض خطير أو مصيبة عظيمة وعجز الناس عن مساعدتى ( أنتحر فورا - ألجأ إلى الله - ألجأ إلى الكائنات الفضائية )
السؤال الثالث عرف ما يأتى أيها الملحد :
-الصدفة العلمية .
-الأخلاق .
-الحياة .
السؤال الرابع أيها الملحد هل أنت على يقين من أنك على الحق المبين أم أنك تقامر بمصيرك ؟
السؤال الخامس : علل ما يأتي....
* لماذا يلجأ الملاحدة واللادينيون إلى السفسطة كثيرا؟؟ رغم كراهيتهم الشديدة أن يصفهم الناس بذلك؟؟
* لماذا يدعي اللادينيون نقد الدين، ثم يصبون كل جهودهم في نقد الإسلام فحسب؟؟
* لماذا ينفر اللادينيون من التعرض لأشخاصهم ويغضبون من ذلك ؟ دون أن يعاملوا المسلمين بالمثل في احترام مقدساتهم؟؟؟
السؤال السادس: ما المطلوب من الملحد إذا:
1. وصل إلى نقطة من الحوار لا يستطيع بعدها الرد .
2. كان يركب طائرة وأخبره القائد أنها ستشتعل بهم في الجو خلال دقائق.
3. استيقظ ضميره ( إن وجد )
4. صدق مع نفسه مرة واحدة على الأقل.
5. علم أصل خِلقته .
6. حضر جنازة صديقه الأصغر سناً منه.
================(45/219)
(45/220)
الملحدون يتخبطون
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله على تقديره ***وحسن ما صرف من اموره
الحمد لله بحسن صنعه***شكرا على اعطائه ومنعه
يخير للعبد وان لم يشكره***ويستر الجهل على من يظهره
خوف من يجهل في عقابه***واطمع العامل في ثوابه
وانجز الحجة بالارسال ***اليهم بالازمن الخواي
ياخير من يدعى لدى الشدائد***ومن له الحكم مع المحامد
وصلاة الله تترى ***تبلغ الهادي الامين
وعلى صحب وال ***وجميع التابعين
وبعد
فان من تدبر كلام الملاحدة فانه سيستغرب كثيرا عند التامل , فهم لا يستخدموا الحجج العقلية والمنطقية , وانما اسلوبهم اسلوب الشك واتهام الاخر بلا دليل . وبضعف حججهم فانك تجد اكثر شبههم انما ينقلونها من نفس الكتب الاسلامية , فتجد قضية معينة وتجد رد العلماء بعضهم على بعض واستدلالهم بالاقول فتجد ذاك الملحد ياتيك به على شكل شبهة , وبالنسبة للمسلم يمكنه ان يجد المسألة وجوابها عند رجوعه الى الكتب العلمية والمصادر ولاهمية الموضوع احببت ان اطرح هذه النقاط :
الاولى : اعتراضهم على الافعال : يعترض الكثير من المخالفين على افعال الرسو صلى الله عليه وسلم واعتراضهم هذا له عدة اتجاهات ولكن اكبر مشكلة عندهم انهم يطعنوا بطرق وصول الاخبار اصلا ومن طعن بالمخبر فهل يجوز له محاكمة المخبر عنه ؟
لو قال لك انسان ان فلان فعل كذا وانت لا تصدق ناقل الخبر فهل يحق لك ان تحاسب المخبر عنه .
اذا فالطريقة المنطقية غير متبعة اصلا فاين استخدام العقول
يشبه ذلك احتجاج المشركين على النبي بقولهم "لولا اوتي مثل ما اوتي موسى " فاجاب الله المشركين " اولم يكفروا بما اوتي موسى" ان كان ما اوتي موسى حجة فلم لم تتبعوا دين موسى وبقيتم على شرككم بل لم تكتفوا بذلك "قالوا سحران تظاهرا وقالوا انا بكل كافرون"
فبتلك الطريقة كيف يمكن جدال هؤلاء؟
فاساس الجدال ان يتفق الطرفين على على اساس ثابت ثم بعد ذلك الاساس ينتقل الى الفروع فيثبتها او ينفيها
فاعتراضهم على الكثير من الامور هي اصلا من الامور الخلافية بين المسلمين على صحتها من عدمها فلا يكون اثباتها طعنا للاسلام ولا نفيها طعنا في الدين كما يبغون .
اعتراضهم عالى الاحكام : كثيرا ما يعترض المخالفين على الاحكام بطرق عديدة والحاصل انهم
اولا لم يناقشوا الامور بطريقة عقلانية او منطقية ,وانما كلامهم عاطفي وهوائي حسب اهوائهم ,ومن اضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله ,فمثلا الكلام على الذكور والاناث بالمساواة المطلقة .
فتجد اكثرهم يعطك سيلا من الكلمات الرنانة , ولكن تجد انه لا يستطيع تطبيقها وان طبقها فانه سيظلم المرأة , فكل اهل المنطق والعقل يثبتون اختلاف الرجل والمرأه في الكثير من الامور الفسيولوجية والنفسية التي يترتب عليها الامور الاخرى.
ومتن ذلك كلامهم عن الجزية التي هي مبلغ زهيد من المال وعدم كلامهم عن الضرائب التي من يتهرب عن دفعها فهو مجرم عنده !
من هنا اجد ان اكثر الملحدين والمخالفين يمكن ان تجمعهم برابط واحد :
عدم اسخدام العقل بالطريقة السليمة . المتفق عليها من اهل المنطق
فلا يجوز منطقيا ان نتكلم عن حكمة الهيةه ونحن لا نؤمن باله!!!!
ولم يجوز المنطق الكلام عن الصدفة خارج قانون الاحتمالات :فالصدفة هي احتمال وليست مستحيل , يعني اننا نتكلم عن ممكن وليس عن مستحيل . لقد خدع الكثير من المتكلمين عن الصدفة على انها خارج منظومة الاحتملات , بمعنى اخر لا يمكن ان تثبت صدفة خارج قانون السببية , وانما الصدفة هي تقابل احتمال لعينة عشوائية مع احتمال لعينة عشوائية اخرى.
لم أجد تخبطا عند الملاحدة أعظم من استدلالهم على عدم وجود إله للكون بأن ذلك فقط سوف ينقلنا خطوة للوراء وأن السؤال عن وجود العلة الأولى لا يزال قائما ؟!
هل رأى أحد مصادرة كهذه يستدل على بطلان العلة الأولى بأنها ليست العلة الأولى فإن قلت له وما المخرج قال ليس هناك مخرج ولجأ إلى الشك وزعم أن كل الناس مثله يعيشون فى الشك المريب .
فإن قلت له فلماذا لا تأخذ بالأحوط طالما أنك لم تحقق اليقين كما يفعل العقلاء وكما تفعل أنت فى الأمور الدنيوية التافهة قال عند ذلك أنا لا أتبع إلا الدليل القاطع فأتنى بدليل وعذرى عدم كفاية الأدلة ..وانتقل مرة واحدة إلى باحث عن الحقيقة
ثم تراهم ولا هم لهم سوى تسفيه المؤمنين بالله والتشهير بهم وبأخلاقهم والطعن فى الحكمة الإلهية ووصف الله تعالى بالظلم لأنه لم يعطهم حظوظهم التى افترضوها من الدنيا التى افترضوا أن لا شىء بعدها ويدعون أن ذلك وحده كفيل بنقض مذهب خصومهم وإثبات أن ليس للكون خالق وربما لجأ بعضهم إلى تحدى الله تعالى فيتهكم ويسخر ويدعى أن إمهال الله تعالى له دليل قاطع على عدم وجود الله تعالى ونسى المسكين أن عمره أقصر مما يتصور .(45/221)
المشكلة الاعظم ان ملحدين هذه الايام لا يستدلون بالمنطق والعقل . فتجد ان استدلالاتهم تقوم على اللا سببية بدل السببية , وتجدهم يعتمدون على الظنيات للاستدلال على ظنيات ,وهذا ما لم يفعله احد متعمدا ,بل ان من فعله انما استدل بما ظنه قطعي فاذا به ظني , وهم اليوم يعيبون علينا عدم قبولنا للظنيات في الاستدلالات المنطقية القائمة على التجريد. فمثلا تجد نظرية كنظرية الانفجار العضيم بوضعه الحالي مقبول عندهم مع ان فيه من الامور اللامنطقية , واولها انهم يرون ان الانفجار بدون سبب, ويرى معظمهم ان الانفجار حدث ولم يكن شيء ومنها ابتدأ الزمان والمكان, وان قلت له لم حصل الانفجار سيقول صدفة ؟ وان سالته اليست الصدفة هي احتمال وليست عبثية مطلقا ؟ فلن تجد جواب شافيا
وهو الامر الذي لا يريدون التكلم عنه من فعل هذا بالكون فما جعل في هذا الكون عيبا يزيله ,وجعل الارض لنا مهدا فلا حياة لنا بدونها ,والماء لنا فرات ,فلا نروى من غيره ,والزاد لنا قوت فلا نستغني عن فضله.لا اله الا هو سبحانه .
اخواتي الاعزاء
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته,
اريد ان اضيف ماذا يقول عقل الملحد حين نتكلم عن الانسان و تكوينه منذ ان كان في رحم امه حتى خرج الى الحياة و اصبح رجلا" راشدا" ؟؟؟
الم يجدوا في تكوين الانسان منذ بداية نشوئه كنطفة و كيفية نموه بمقدار لا يمكن ان يكون صدفة ذلك لأن كل شيء بمقدار و بطريقة معينة و لو اختلت واحدة من تلك الطرق لما بدونا ما نحن عليه الآن !!!
فمن برأيهم يثبت ذلك النظام ؟؟؟ كيف للصدفة ان تثبت طريقة واحدة لنشوء الجنين و تطوره ... و لما لا تتعدد الصدف في التكوين ؟؟؟؟ لما لا ينمو كل جنين بطريقة مختلفة ... لماذا هذه الشيفرة المحددة المترابطة ؟؟؟
لماذا تعمل اعضاء الانسان الداخلية بتلك الدقة المتناهية حيث لا يتأخر حدوث شيء ثانية واحدة عن الوقت المحدد... و ان حدث أي تغيّر نرى اختلال في جسم الانسان و خروجه عن المألوف... نريد منكم ايها الملحدين جوابا" واحدا" ما الذي يثبت هذه الأنظمة في كل شيء و ليس في جسم الانسان فحسب ؟؟؟ لما الصدفة تحدث و تثبت نفسها ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟!!!! لما لا تتوالى الصدف و من يثبتها؟؟؟
الا تتفكرون ... فبأي آلاء ربكم تكذبون....
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته,
أحببت ان انقل وجهة نظري من الحقيقة التي لطالما يتهرب منها الملحدون...
يعتقد الملحدون و قسم من اللادنيين أن الانسان خلق عن طريق الصدفة, لنسلم جدلا" ان الانسان الاول خلق من باطن الارض صدفة دون عملية الحمل و الولادة المعتادة (خلية الأولى), و بعد ذلك ارتبطت عملية خلقه بالمراة عبر الحمل و الولادة و لم يعد يخلق بنفس طريقة تطور الخلية الاولى بل اصبح هناك نظام واحد لتوالده و تكاثره لدرجة ان كل نساء العالم تحمل صدفة بنفس الطريقة ! حيث انه لم يوجد على سطح الارض امرأة تحمل بطريقة كليا" مختلفة بمعنى انها تحمل من ظهرها مثلا" او تغذي جنينها بطريقة مختلفة عن الانبوب العصبي الجنيني, يا لها من محاسن الصدف !!
و تصور ان فترة الحمل قد اصبحت صدفة ثابتة بين النساء حيث ان الطفل لا يمكن ان يبقى حيا" في بطن امه اكثر من تسعة اشهر كاملة !!! يا لها من نظام تشكل صدفة !!!
و تصوروا ان مراحل تكون الجنين متطابقة عند الكل حيث لم يوجد في العالم جنين تخلق عينيه في شهر معين و جنين آخر في شهر مختلف (هذا اذا وضعنا جانبا" بعض حالات الغير الطبيعية و التي تكون معظم اسبابها معروفة ) فتصوروا ايها الجاحدون لنعمة الله و قدرته بأن هذه الدقة المستمرة و المتتابعة من جيل لآخر لم تأتي الصدفة مرة اخرى لتغيرها عبر العصور منذ قديم الزمان !!!
من المعروف ان الصدفة قليل ان تتكرر فكيف هي تتكرر و تثبت على مدى العصور ؟؟ و كل شيء ثابت و متكرر لا يحمل اسم صدفة بل نظام ... و لا يمكن ان ينشأ النظام صدفة لأن الصدفة كما ذكرنا قابلة للتغيير, ففسروا لي ايها المتفلسفون كيف ان نشوء الانسان في كل مرة يحدث بنفس الصدفة و بهذه الدقة دون تغير !!! ؟
نحن و الحمد لله لا نقع بهذه المشكلة لأننا واثقون من وجود حكيم عليم خالق كل شيء و هو على كل شيء قدير, و انا و الحمد لله ممن لمس الايمان بيده و لم يبقى في ذهنه فقط, في يوم قد دعوت الله ان يتحقق شيئا" دون ان اعي كيف لأنه كان شبه مستحيل لم يكن لدي أي خطة او بصيص امل لتحقيقه, و فجأة و الحمد لله تحقق هذا الأمر بطريقة سبحان الله لا تخطر على بال أحد !!!!
و ليس ايماني مبني على تحقق هذا الدعاء و الحمد لله بل ايماني يتعدى امور المادة التي نراها , ايماني كبير و كأنني عشت في الجنة يوما" و بقيت اؤمن بها لأني عشتها!!!
الايمان اكبر نعمة من الله عز و جل الى عبده و أنا أشعر بالأسى حيال من حرم من هذه النعمة و التي لا اعلم سرها لغاية الآن, و لكن اذا عدت الى نفسي فأجد اني وصلت الى هذه المرحلة لأني صفيت ذهني و قلبي و توجهت الى خالق السماوات و الارض و اردت ملأ قلبي ان أفعل أي شيء يرضيه و يجعله يدخلني في عباده الصالحين.(45/222)
لم أطلب شيئا" يوما" ما الا ما يرضيه و لم اتمنى ان احقق أي شيء يجعله يغضب مني يوما", بل دائما" اتوجه اليه بنية طيبة و قلب صاف خال من اية مطامع سوى نيل رضاه عز و جل و محبته و بركته.
أجمل شيء هو الايمان انه نعمة حقيقية , نعمة ان نشعر بأننا لسنا ضعفاء و لسنا لوحدنا بل هناك حكيم و رحيم معنا , هو اقرب الينا من حبل الوريد ... سبحانه جل شأنه لا تأخذه سنة و لا نوم , فرغم ما يصيبنا من أذى اعداء الاسلام نحن لا نشعر بضعف و لا خوف , بل و الحمد لله نشعر بقوة كبيرة لأننا نشعر بوجود الله بقربنا و هذا هو اسمى ما في الحياة . و الحمد لله رب العالمين في السراء و الضراء.
رفض الملحدون لعملية الخلق من قبل الخالق العظيم و اعتمادهم على المصادفة تذكرني بمناظرة اقامها احد العلماء المسلمين مع احد الشيوعيين في روسيا, حيث كانا على موعد معا" في احد المقاطعات الروسية, فسببت عاصفة ثلجية قوية بقطع الطرقات بين منطقة الملحد و منطقة العالم المسلم و عندما وصل العالم الى منطقة الملحد سأل الملحد مستغربا" كيف وصلت الى هنا مع ان العبور غير ممكن بين المقاطعتين؟
فأجابه العالم : و أنا جالس قرب منزلي تشكلت صدفة ناقلة مخصصة فأقلتني اليك؟؟
فقال له الملحد: و هل تستهزىء بي ؟
فقال العالم المسلم: و هل استهزائكم بعملية الخلق أقل شأنا" مما ذكرته ؟؟ اذا كنت أنت تدعي ان الكون كله و دقة نظامه و وجود الانسان كله صدفة فكيف لا تصدق بتشكل ناقلة مصنوعة من الحديد و الفولاذ !!!؟
هل ترى ذلك أشد خلقا" من خلق الله تعالى للمساوات و الارض !؟ تعالى الله عما تقول علوا" كبيرا !
===============(45/223)
(45/224)
أو من وراء جدر!!
ما ذا يريد هؤلاء بالضبط هل يريدون فقط الطعن فى الدين والتشويش على عقول المسلمين وما المنهج الذى نتبعه لمواجهة هذا التيار اللعين وما الفائدة من الجواب على كل ما يلقيه هؤلاء الأشباح ؟!
يتسترون ويتخفون ولا يجرؤ أحدهم على أن يخرج أنفه من تلك الجحور فهو إما لا دينى يعنى يؤمن بوجود الخالق ويعده بأنه على أتم استعداد لاستكمال الإيمان إذا - وفقط إذا -أنزل عليه صحفا منشره ، ومنهم ملحد على استعداد للإيمان لو أثبتنا له نحن أنه لا يوجد أى تناقض ليس مع الحقائق فقط بل ومع الفروض والأوهام وأضغاث الأحلام والأفلام ..على أن نلتزم معه بأخلاق الدعوة وإلا كنا متناقضين ومخالفين للمبادئ التى ننطلق منها ! يعنى ببساطة ((اتركونى لأطعن فى دينكم وعليكم ان تجيبوا دائما وليس لكم أن تسألونى عن أى شىء و عن الإجابة عن سؤال واحد ليصبح الإسلام كله فى مهب الريح)) يعنى ببساطة أكثريقول لنا (( قفوا فى هذا المرمى ونحن نوجه لكم السهام فإن تفاديتم كل ما يوجه إليكم شهدنا لكم بالبراعة ..)).
ثم هم مع ذلك يتظاهرون بالسطحية والجمود والجهل ويفرضون على المحاور أن يراعى ذلك وألا بنفد صبره بهم وإلا تناقض مع المبادئ التى ينطلق منها فإذا نزل لهذا الحضيض الفكرى اتهموه هم على الفور بالسطحية والجمود والجهل !!!
إذا أردت أن تعرف عظمة الإسلام فانظر إلى هؤلاء الأشباح الذين يحاربونه كم هم جبناء ومفلسون .
==================(45/225)
(45/226)
هل كانت مصادفة
يحلو دائما للمفكر المادي أن يقول أن الإنسان خلق مصادفة.. من أخلاط المواد المتخمرة في طين المستنقعات منذ خمسة آلاف مليون سنة حدث بالمصادفة تفاعل أدى إلى نشأة الخلية.. و هو لا يقول لنا كيف حدث هذا التفاعل، و لا كيف حولت المصادفة الطين إلى خلية حية.. و إنما هو يقول إن هذا الأمر لابد قد حدث، و إننا لا يجب أن ندهش، فالخمسة آلاف مليون سنة زمن طويل جدا.. و لو أن قردا جلس يدق على آلة كاتبة و يلهو بأصابعه مدى خمسة آلاف مليون سنة من الزمان فإنه لابد سيحدث بالمصادفة أن يكتب بيتا لشكسبير.
حسنا.. صدقنا و آمنا أنه بمصادفة فردية لا إحكام فيها و لا تدبير تحول الطين إلى خلية حية.. و ماذا بعد؟..
إن المفكر المادي يعود فيهرش مخه ليقول إنه بمصادفة أخرى تطور الكائن الوحيد الخلية إلى كائن متعدد الخلايا.
ثم يعود فيهرش رأسه ليقول إنه بخبطة عشوائية ثالثة تفرع طريق الحياة إلى سكتين.. سكة الحياة النباتية التي اختارت النمو الثابت في الأرض.. و سكة الحياة الحيوانية التي اختارت الحركة و راحت تقتحم البر و البحر و الجو بنسلها المغامر الطموح.
ثم يعود فيهرش قفاه و يخرج بمجموعة مصادفات أخرى ليحول بها الكلاب إلى حمير، إلى خيول، إلى زراف إلى نسانيس، إلى قرود.
و هي مصادفات يخجل مؤلف سينمائي درجة ثالثة يكتب و هو مخمور فيلما لبنانيا ساقطا - أن يكتبها في روايته.
و لكن المفكر المادي الذي لا يؤمن بالخجل، و الذي يعتقد أنه حفيد بالمصادفة لجد حمار يعود فيخلق سيلا من المصادفات يحول بها الشمبانزي إلى غوريلا، و الغوريلا إلى إنسان.. ثم يفرك يديه و يتنفس الصعداء فقد انتهى من المشكلة و أثبت أن الإنسان خلق بالمصادفة و يموت بالمصادفة.
و لا أفهم لماذا لا يتركنا المفكرون الماديون نعيش اعتباطا و على مزاجنا مادمنا قد جئنا بالمصادفة و نموت بالمصادفة و مادامت الحياة من بدئها إلى نهايتها خبط عشواء في خبط عشواء.. و ليس بعدها إلا التراب.
لماذ يثيرون هذه الحروب الدموية و يضربون الناس بعضهم ببعض في معركة مذاهب لا نهاية لها؟
لماذا هذا العنف و القهر و الجبر و السحق؟
و من أجل ماذا و لا حق هناك.. إنما هي مهزلة من المصادفات جاءت بنا إلى الدنيا بدون حكمة ثم هي تقضي علينا بدون معنى.. ثم يكون الصمت و التراب و العدم بلا بعث و بلا حساب.. هكذا يقولون.. و هكذا يعتقدون.. فلماذا هذا الجنون و لماذا قتل الناس و ذبح الناس.. إذا كانت هكذا عقيدتهم؟
و لن أناقش حكاية المصادفات الساذجة، فهي لا تحتاج إلى مناقشة.
و يكفي أن ننظر إلى جناح فراش بنسجه و ألوانه و نقوشه لنعرف أننا أمام فنان مبدع و ريشة ملهمة لم تترك بقعة واحدة و لا خطا واحد للمصادفة.. و إنما هي سيمفونية رائعة من الخطوط و الألوان.
بعوضة تافهة تضع بيضها على الماء فنكتشف حينما ننظر أن كل بيضة لها كيسان للطفو..
من علم البعوضة قوانين أرشميدس لتصنع هذه الأكياس الهوائية لتعويم بيضها على الماء؟
أشجار الصحارى و هي تنثر بذورها.. فإذا لكل بذرة أجنحة..
من علم الأشجار قوانين الحمل الهوائي؟
و كيف أدركت تلك الأشجار التي بلا عقل أن على بذورها أن تقطع مئات و آلاف الأميال في الصحارى بحثا عن ماء فزودتها بهذه الأجنحة؟
من علم الكتكوت أن يدق بمنقاره على أضعف مكان في البيضة ليخرج؟
من علم الحشرات فنون التنكر فراحت تتلون بألوان بيئاتها لتختفي عن الأنظار؟
من علم النحل قوانين العمارة لتبني هذه البيوت السداسية الدقيقة الجميلة من الشمع بدون آلات حاسبة و بدون مسطرة؟
من يهدي الطيور في رحلة الهجرة السنوية من نصف الكرة الأرضية إلى نصفها الآخر بدون بوصلة و بدون رادار.. عائدة إلى أوكارها؟
و مثلها الأسماك التي تهاجر عبر المحيطات و البحار لتضع بيضها.
لماذا لا نعترف ببساطة و بدون مكابرة أن هناك خالقا. و أنه هو الذي هدى رحلة التطور من الخلية إلى الإنسان. و أنه خلق كل شيء لحكمة و خلق الإنسان لهدف!
لماذا لا نعود إلى البداهة و الفطرة السوية السليمة التي ترى الإبداع في كل شيء من الذرة إلى ورق الشجر إلى جناح الفراش، إلى الشموس و المجرات في السماء.. فنصل إلى النتيجة البسيطة.. إن مثل هذا الإبداع و مثل هذا الخلق لا يمكن أن يكون سدى.. و الإنسان لا يمكن أن يخلق عبثا ليموت عبثا.. و إنما للقصة بقية.. و للموت ما بعده..
أم أن الجد الحمار قد خلف آثاره التي لا علاج لها في أحفاده المفكرين الماديين الذين يقتتلون على الهباء و يدورون في الخواء.
===============(45/227)
(45/228)
عالم الغيب
أنت تصادف اليوم نوعا من الناس تجد الواحد منهم يتأبط كتابا ضخما بالإنجليزية أو الفرنسية، و يبرز من فمه سيجارا ضخما ينفث الدخان كمدخنة مصنع في لانكشير، فإذا رفعت يدك بالتحية رد عليك باللاتينية و بلسان معووج يتكلم برطانة أوروبية.. و مع الدخان المتصاعد و الفتات المتناثر من عدة لغات يقول لك في نبرة كلها انبعاج و خيلاء:
- هل قرأت ما يقوله جوستاف لوفافر في الدجوماطيقية و الفكر الاستطايقي و التدهور الرومانطيقي و الانحرافات السيكوباتية في المجتمعات الثيوقراطية.. في ملحق مجلة "الميتافيزيقا".. إنه مقال رائع ( و يقلب شفتيه).
مالنا نقف هكذا وسط الطريق.. دعني أدعوك على كأس في الهورس شو.. تعال.. سيكون حديثا ممتعا على أكواب البيرة.
فإذا اعتذرت له بأنك صائم حملق في دهشة كأنه يستمع إلى كلام ديناصور منقرض.. و فغر فاه تماما ثم قهقه، بل انفجر ضاحكا و كأنما ظفر بمعتوه هارب لتوه من مستشفى المجاذيب:
- تقول إنك صائم؟
و عاد يقهقه هذه المرة في إشفاق:
- و هل هناك من يصوم هذه الأيام.. هل تعتقد حقا في هذه ال.. ثم أشاح بيده استخفافا، فالمسألة لا تستحق عنده أن يبحث لها عن اسم.
و هو يقصد طبعا هذه الأديان.. و الخرافات.. و الأساطير.
- هل تصدق حقا أنك سوف تموت ثم تبعث و تصحو من قبرك و تحاسب.. و أن هناك إلها؟
ثم راح يتلفت حوله متسائلا:
- أين هو؟
يقصد أين الله. و كأنه يبحث عن سائق تاكسي.
- أتصدق هذه الغيبيات؟ أما زال هناك من يصدق هذه الغيبيات في عصر النور و العلم؟ أفق يا رجل من هذه الدروشة.. تعال.. لتكن الدعوة على كأس ويسكي لا بيرة، ولتكن معها شريحة لحم خنزير رائعة.
و يحمل عليك حملة شعواء بجميع اللغات لدرجة تفقدك التوازن و ربما الثقة بالنفس، فتعود لتتعلل في خجل بأنك ممنوع من الأكل و الشرب بسبب التهابات في المعدة. و يسوق هو في فلسفته:
- يا أخي نحن في عصر العلم، و لا يصح أن نستسلم لهذه الغيبيات، و لا يصح أن نؤمن بشيء إلا إذا أمسكناه بحواسنا الخمس، و رأيناه بالميكروسكوب، و شاهدناه بالتلسكوب، و رصدناه بالرادار، و التقطناه بالراديو. لا يصح الإيمان بغيب هذا أمر انتهى.
الغيب أمره انتهى، و هو الآن شغلة السذج.. هي كلمات نسمعها الآن عادة من هؤلاء المثقفين.
و لمثل هؤلاء المثقفين من أصحاب السيجار و الياقات العالية و الرطانة الأوروبية أقول في هدوء:
- بل هذا العصر هو عصر الغيب.. و العلم ذاته هو اعتراف بليغ بالغيب. و إلا فليقل لي واحد من هؤلاء العلماء.. ما هي الكهرباء؟ إننا نتكلم عن الكهرباء و لا نعرف عنها إلا آثارها من حرارة و ضوء و مغناطيسية و حركة.. أما الكهرباء ذاتها فهي غيب. نتكلم عن الإلكترون و نقيم صناعات إلكترونية و لا نعرف ما هو الإلكترون.. فهو غيب و نطلق الموجة اللاسلكية و نستقبلها و لا نعلم عن كنهها شيئا. و هي بالنسبة لنا غيب. بل إن الجاذبية التي تمسك بالأرض و الشمس و الكواكب في أفلاكها- و هي أولى البداهات - هي ذروة الغيب.
و العلم لا يعرف إلا كميات و مقادير و علاقات و لكنه لا يعرف كنه و لا ماهية أي شيء.
أنت تعرف طولك و عرضك و وزنك و مواصفاتك.. لكن ذاتك.. نفسك.. روحك.. لا تعرف عنها شيئا. إنها غيب.. و مع ذلك هي أكثر واقعية من أي واقع.
و إذا كان الواحد منا لا يعرف ذاته فكيف يدعي المعرفة بذات الله؟ و من باب أولى كيف ينفيها؟
و حينما يقول المفكر المادي. في البدء كانت المادة.. في البدء الأول قبل الإنسان و الحيوان و النبات.. ألا يكون كلامه هو الجرأة بعينها على منطقة زمنية هي الغيب المطلق.
و حينما يقول: نضحي بالجيل الموجود في سبيل جيل لم يولد بعد.. ألا يكون معنى كلامه التضحية بالواقع في سبيل الغيب؟
صدقوني نحن في عصر الغيب بل للأسف نحن في عصر الزنى بالغيب، و الدعارة بالعلم على يد أصحاب السيجار و الياقات العالية، و الرطانة الأوروبية.
=================(45/229)
(45/230)
السلطان الحقيقي
قل لي فيم تفكر أقل لك من أنت.
هل أنت مشغول بجمع المال و امتلاك العقارات و تكديس الأسهم و السندات؟ أم مشغول بالتسلق على المناصب و جمع السلطات و التحرك في موكب من الخدم و الحشم و السكرتيرات؟ أم أن كل همك الحريم و موائد المتع و لذات الحواس و كل غايتك أن تكون لك القوة و السطوة و الغنى و المسرات..
إذا كان هذا همك فأنت مملوك و عبد.
مملوك لأطماعك و شهواتك، و عبد لرغباتك التي لا شبع لها و لا نهاية.
فالمعنى الوحيد للسيادة هو أن تكون سيدا على نفسك أولا قبل أن تحاول أن تسود غيرك. أن تكون ملكا على مملكة نفسك. أن تتحرر من أغلال طمعك و تقبض على زمام شهوتك.
و القابض على زمام شهوته، المتحرر من طمعه و نزواته و أهوائه لا يكون خياله مستعمرة يحتلها الحريم و الكأس و الطاس، و الفدادين و الأطيان و العمارات، و المناصب و السكرتيرات.
الإنسان الحقيقي لا يفكر في الدنيا التي يرتمي عليها طغمة الناس.
و هو لا يمكن أن يصبح سيدا بأن يكون مملوكا، و لا يبلغ سيادة عن طريق عبودية. و لا ينحني كما ينحني الدهماء و يسيل لعابه أمام لقمة أو ساق عريان أو منصب شاغر. فهذه سكة النازل لا سكة الطالع.
و هؤلاء سكان البدروم حتى و لو كانت أسماؤهم بشوات و بكوات، و حتى و لو كانت ألقابهم، أصحاب العزة و السعادة.
فالعزة الحقيقية هي عزة النفس عن التدني و الطلب.
و ممكن أن تكون رجلا بسيطا، لا بك، و لا باشا، و لا صاحب شأن، و لكن مع ذلك سيدا حقيقيا، فيك عزة الملوك و جلال السلاطين، لأنك استطعت أن تسود مملكة نفسك.
و ساعتها سوف يعطيك الله السلطان على الناس. و يمنحك صولجان المحبة على كل القلوب.
انظر إلى غاندي العريان.. البسيط.. كم بلغ سلطانه؟
كان يهدد بالصوم فيجتمع مجلس العموم البريطاني من الخوف و كأن قنبلة زمنية ستقع على لندن. و كان يجمع أربعمائة مليون هندي على كلمة يقولها. و كأنها السحر.
هذا هو السلطان الحقيقي.
هذا هو الملك الحقيقي الذي لا يزول.
الحريم و القصور و الكنوز و الثروات و العمارات مصيرها إلى زوال.
لن تأخذها معك إلى تابوتك. سوف تنتقل إلى الورثة.. ثم إلى ورثة آخرين، ثم تصبح خرائب مع الزمن.
أما محبة الملايين فسوف تصاحبك في تابوتك و تظل علما على اسمك مدى الدهر. كما تفوح الذكرى عطرة تضوع بالشذا كلما جاء اسم غاندي على الألسن.
الغنى الحقيقي أن تستغني.
و الملكية الحقيقية ألا يملكك أحد، و ألا تستولي عليك رغبة، و ألا تسوقك نزوة.
و السلطنة الحقيقية أن تكسب قيراط محبة في دولة القلوب كل يوم.
تذكر أن الذين يملكون الأرض تملكهم. و الذين يملكون الملايين، تسخرهم الملايين، ثم تجعل منهم عبيدا لتكثيرها، ثم تقتلهم بالضغط و الذبحة و القلق. ثم لا يأخذون معهم مليما.
صدقني هؤلاء هم الفقراء حقا.
بعض التواضع
نحن في عصر العلم ما في ذلك شك. صواريخ.. طائرات.. أقمار صناعية.. أدمغة إليكترونية..
و نحن في عصر الجهل ما في ذلك شك. فكل هذه الوسائل و الاختراعات العلمية نستخدمها في قتل أنفسنا و في التجسس على أنفسنا.
و الذي لا يقتل يقول في غرور. أنا الذي سوف أسبق إلى القمر.. أنا شعب الله المختار.. أنا على حق و الآخر على باطل.. أنا أبيض.. أنا جنس آري.. أنا جنس سامي..
و بين الغرور و الاستعلاء و الكبرياء و العدوان يضيع العلم، و يفتضح العلم، فإذا هو تفاخر الجهلاء بما يصنعون من لعب أطفال.
و أجهل الجهل أن نجهل أمرا جوهريا واضحا كالنهار.
أن يجهل العالم العظيم و المخترع العبقري أنه مخلوق.. و أنه يعيش على سلفة.. على قرض.. السنوات القليلة التي يعيشها هي قرض و سلفة بأجل محدود.. و أنه لا يملك هذا القرض و لا يستطيع أن يمد في أجله.
كل (( نبضة قلب))، و كل خفقة أنفاس، و كل خاطر، و كل فكرة، و كل خطوة، هي قرض.. سلفة.. هي قرش ينفق من الرصيد.
و هو رصيد لا نملكه و لم نبذل فيه جهدا.. و إنما هو عطاء مطلق أعطي لنا منذ لحظة الميلاد.
المخترع لا يخترع و إنما يجيئه الخاطر كما ينزل ندى الفجر على الزهر.
و الشاعر لا يؤلف من عدم، و إنما يهبط عليه إلهام الشعر فيورق عقله كما يورق الشجر في الربيع.
فهل يمتلك الشجر أزهاره أو أنها هبة الربيع؟
و العلم ذاته هبة.
الكهرباء موجودة منذ الأزل من قبل أن تكتشف بملايين السنين، و هي التي كانت تضيء السماء بالبروق و الصواعق.
نحن لم نخترع الكهرباء و لم نأت بها، فهي موجودة. و كذلك إشعاع الراديو و طاقة الذرة و مغناطيسية الحديد.
كل هذه كنوز موجودة تحت أيدينا..
و هي بعض الهبات التي وهبناها دون أن نطلبها.
نحن العلماء لا ندرك هذا و إنما نقول: اخترعنا. ابتكرنا، صنعنا، ألفنا، صنفنا.
ثم لا ندرك ما هو أخطر و أكثر وضوحا و بداهة.. إن العمر الذي نعيشه هو أيضا هبة لم نطلبها و لم نجتهد فيها.
الجميلة لم تجتهد لتولد جميلة.
و القوي لم يجتهد ليولد قويا.
و الحاد البصر لم يجتهد ليولد حاد البصر.
و نحن لا نقوم بصيانة هذا الشيء المعقد الملغز المعجز الذي اسمه الجسد الحي.. و إنما هو الذي يقوم بصيانة نفسه بنفسه بأساليب محيرة.(45/231)
نحن ننفق من شيك لا نملكه.. و مع ذلك نتبجح طول الوقت.. و نقول.. نحن اخترعنا نحن صنعنا.. نحن عباقرة.. نحن عظماء.. نحن على حق و الآخرون على خطأ.. نحن بيض و هم حيوانات.. نحن جنس سامي و هم جنس منحط، ثم نقتتل على ثروات لا نملكها و لا فضل لنا فيها جميعا.
و لا فضل لنا حتى في تكويننا الجسماني.
نحن مجرد مخلوقات تولد و تموت و تعيش على هبة محدودة من الخالق الذي أوجدها، و لو كنا نملك أنفسنا حقيقة لما كان هناك موت.
و لكن الموت هو الذي يفضح القصة.
هو الذي يكشف لنا أن ما كنا نملكه لم نكن نملكه.
الشيخوخة هي التي تفضح جمال الجميلة فإذا بجمالها هبة زائرة لا حقيقة باقية.
و لكننا نحن العلماء نجهل هذه الحقيقة الأولية الشاخصة ملء العين كشمس النهار.
و لو أدركنا هذه الحقيقة البسيطة لانتهت الحروب و حل السلام و ملأت المحبة القلوب و أشرق التواضع ليجمع العالم في أسرة واحدة.
لو أدركنا هذه الحقيقة لالتففتنا إلتفاتة شكر إلى الوهاب الذي وهب.
هل أخطئ إذا اعتبرت هذا العصر أظلم عصور الجاهلية؟!
==================(45/232)
(45/233)
من أين تنبع السعادة
منذ ألف سنة كان السفر إلى اليمن على الأقدام يحتاج إلى أعوام. يحمل المسافر خيمته و زاده و زواده و زكائب التمر و البلح و الخبز المكسر و يتوكل على الله.
و بين الفيافي و الجبال و الوهاد و الأحراش يطل عليه الموت من أنياب ذئب جوعان، أو قاطع طريق متربص، أو حر لافح يقصم الظهر، أو برد قارص يثلج العظام.. فإذا وصل سالما فهو قد ولد من جديد، و هي الفرحة التي لا تدانيها فرحة.
و المليونير على أيامها لم يكن يمتاز على الصعلوك إلا في الخيول المطهمة.
كان الفرس هو السيارة التي تختصر الأعوام في شهور، و كانت هذه هي سرعة البرق زمان.
و عرفنا السفن الشراعية لننتقل من أهوال البر إلى أهوال البحر.
يقلع المسافر فيمسك بأنفاسه و قد أدرك أنه أسلم نفسه إلى غول لا يعرف الرحمة. فإذا وصل إلى بر الأمان دقت له الطبول و المزامير، و استقبلته الأحضان، و سجد لله شكرا من فرحة الوصول.
أما اليوم فنحن نقطع المسافة بين القاهرة و أسوان في ساعات بالقطار، و نشعر طول الوقت بالملل و الضجر و البطء، و ننظر إلى ساعاتنا، حتى إذا وصلنا سالمين بدأنا نسب و نلعن لأننا تأخرنا نصف ساعة.
و نركب الطائرة النفاثة لنصل إلى بيروت في دقائق، و نشكو مر الشكوى لأن الضباب و العواصف أخرت وصولنا عشر دقائق.
و حينما نسافر غدا بالصواريخ إلى المريخ سوف نكون أكثر مللا و تعجلا و سنقول: ما هذه الصواريخ اللكع؟ ألا يعرفون في مصلحة الصواريخ قيمة الوقت؟
و سوف تتضاعف قيمة الوقت بالفعل.
ستكون الساعة كافية للدوران حول العالم، و سيكون الشهر مهلة عظيمة لجولة في المجموعة الشمسية.
و سوف تزداد الإمكانيات، و لكن سوف تتضاءل السعادة.
و كلما ازدادت الإمكانيات ازداد الطمع.
و كلما ازدادت السرعة ازدادت العجلة.
و كلما ازداد الترف ازدادت الشكوى.
تماما مثل حكاية الغني الذي يزداد طمعا كلما ازداد ثراء.
و هذا شأن المكاسب المادية، كلما ازدادت ازداد الافتقار إليها و إلى المزيد منها، و بالتالي ازدادت التعاسة.
لأن السعادة موطنها القلب و ليس الجيب، و لا عبرة فيها بازدياد الإمكانيات المادية.
السعادة تنبع من الضمير. و من علاقة الإنسان بنفسه و علاقته بالله و هي في أصلها شعور ديني و ليست شعورا ماديا.
و هي تنبع من إحساس الإنسان بأنه ليس وحده و أن الله معه، و أن العناية تحوطه و الإلهام الخير يسعفه، و أنه يقوم بكل واجباته.
و لهذا يمكن أن ينتحر مليونير يملك باخرة و طائرة و عدة ملايين من الدولارات في حين تجد الراهب الذي يعيش على الكفاف يضيء وجهه بسكينة داخلية لا حد لها، و يسارع إلى نجدة الآخرين في محبة و سعادة، لأنه يؤمن بأن للحياة معنى و حكمة، و أنها لم تخلق عبثا، و إنما خلقها العادل الرحيم.
================(45/234)
(45/235)
مخير أم مسير
يسألني القراء دائما في استغراب.. كيف وصلت إلى قرارك الذي تردده في كل كتبك و مقالاتك بأن الإنسان مخير لا مسير.
كيف يكون الإنسان مخيرا و هو محكوم عليه بالميلاد و الموت و الاسم و الأسرة و البيئة، و لا حول له و لا قوة، و لا اختيار في هذه الأشياء التي تشكل له شخصيته و تصرفاته.
و القراء يقعون في خطأ أولي منذ البداية حينما يقيمون علاقة حتمية بين البيئة و السلوك.. و بين الأسرة و تقاليدها و بين الشخصية، و هو تفكير خاطئ، فلا توجد حتمية في الأمور الإنسانية.. و إنما يوجد - على الأكثر - ترجيح و احتمال و هذا هو الفرق بين الإنسان و الجماد و هذا هو الفرق بين الإنسان و برادة الحديد.
برادة الحديد تطاوع خطوط المجال المغناطيسي في حتمية و جبرية و تراص في خطوط المجال حتما حينما نرشها حول المغناطيس.
أما الإنسان فإن علاقته بظروفه لا تزيد على كونها احتمالا أو ترجيحا.
الابن الذي ينشأ في عائلة محافظة محتمل أن ينشأ محافظا هو الآخر مجرد احتمال.. و كثيرا ما يحدث العكس، فنرى هذا الابن و قد انقلب متمردا ثائرا على التقاليد، محطما لها..
و هذا هو الفرق بين المسائل الآلية الميكانيكية و المسائل الإنسانية.. و نفس الكلام يقال في البيئة..
البيئة تشكل الإنسان.. و لكن الإنسان أيضا يشكل البيئة.
و نظرة سريعة في المجتمع العصري حولنا سوف ترينا كيف أخضع الإنسان مشاكل الحر و البرد و المسافات بعقله و علمه و استطاع أن يسودها فهو يكيف الهواء بالمكيفات، و هو يهزم المسافات بالمواصلات السريعة و البرق و الهاتف.
الإنسان ليس كتلة هلامية سلبية تشكلها حتميات البيئة.. و لكنه إرادة صلبة في ذاتها لها حريتها في توجيه الأحداث.
و هذا هو الإنسان الذي ولد طفلا تحكمه أسرته و بيئته و مقتضيات اسمه و تقاليده.. ها هو ذا يهاجر و يغير اسمه و بيئته و أسرته و ينتقل إلى مجتمع جديد فيصنع انقلابا في هذا المجتمع الجديد و يغيره من أساسه.
و ها هو ذا يموت فيترك كتابا.. فإذا بالكتاب يغير التاريخ.
و صحيح أن الإنسان قليل الحيلة في الطريقة التي يولد بها و في الطريقة التي يموت بها.. و لكنه بين ميلاده و موته يصنع حضارة.. أعطاه الله القدرة على أن يبني و يهدم و يحرر و يتحرر و يفكر و يبتكر و يخترع و يفجر و يعمر و يدمر.. و سلمه مقاليد الخير و الشر و حرية الاختيار.
و حواجز البيئة و ضغوط الظروف لا تقوم دليلا على عدم الحرية بل هي على العكس دليل على وجود هذه الحرية.. فلا معنى للحرية في عالم بلا عقبات.. و في مثل هذا العالم الذي بلا عقبات لا يسمى الإنسان حرا، إذ لا توجد لرغباته مقاومات يشعر بحريته من خلال التغلب عليها.
و الحرية لا تعبر عن نفسها إلا من خلال العقبات التي تتغلب عليها.. فهي تكشف عن نفسها بصورة جدلية من خلال الفعل و مقاومة الفعل.
و لهذا كانت الضغوط و العوائق و العقبات من أدلة الحرية و ليس العكس.
و الفيلسوف الغزالي يحل المشكلة بأن يقول إن الله حر مخير مطلق التخيير و المادة الجامدة مسيرة منتهى التسيير.. و الإنسان في منزلة بين المنزلتين.. أي أنه مخير مسير في ذات الوقت.. مخير بمقدار مسير بمقدار.
و توضيحا لكلامه أقول إن الإنسان حر مطلق الحرية في منطقة ضميره.. في منطقة السريرة و النية.. فأنت تستطيع أن تجبر خادمك على أن يهتف باسمك أو يقبل يدك، و لكنك لا تستطيع أن تجبره على أن يحبك.. فمنطقة الحب و الكراهية و هي منطقة السريرة منطقة حرة حررها الله من كل القيود و رفع عنها الحصار و وضع جنده خارجها..
لا يدخل الشيطان قلبك إلا إذا دعوته أنت و فتحت له الباب.
و قد أراد الله هذه النية حرة لأنها مناط المسئولية و المحاسبة.
أما منطقة الفعل فهي المنطقة التي يتم فيها التدخل الإلهي عن طريق الظروف و الأسباب و الملابسات ليجعل الله أمرا ما ميسرا أو معسرا حسب نية صاحبه.
(( فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (7) وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (8) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (9) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى (10) )) (الليل)
يمهد الله أسباب الشر للأشرار.. و يمهد أسباب الخير للأخيار.. ليخرج كل منا ما يكتمه و يفصح عن سريرته و نيته و يتلبس بفعله.
و بهذا لا يكون التسيير الإلهي منافيا أو مناقضا للتخيير، فالله يستدرج الإنسان بالأسباب حتى يخرج ما يكتمه و يفصح عن نيته و دخيلته و يتلبس باختياره.
الله بإرادته يفضح إرادتنا و اختيارنا و يكشفنا أمام أنفسنا.
و من ثم يكون الإنسان في كتاب الله مخيرا مسيرا في ذات الوقت.. دون تناقض.. فالله يريد لنا و يقدر لنا حتى نكتب على أنفسنا ما نريده لأنفسنا و ما نخفيه في قلوبنا و ما نختاره في أعمق الأعماق دون جبر أو إكراه، و إنما استدراجا من خلال الأسباب و الظروف و الملابسات.(45/236)
و في إمكان الواحد منا أن يبلغ ذروة الحرية بأن تكون إرادته هي إرادة الله و اختياره هو اختيار الله و عمله هو أمر الله و شريعته.. بأن يكون العبد الرباني الذي حياته هي الناموس الإلهي، فيعبد الله حبا و اختيارا لا تكليفا.. إنه الحب الذي قال عنه المسيح:
(( لو كان في قلبك ذرة ايمان و قلت للجبل انتقل من مكانك لانتقل من مكانه)).
كما يحدث أن نعطي من ذات نفوسنا لمن نحب كذلك يعطي الله من ذاته لأحبابه، فيحقق لهم ما يشاءون فيكونون الأحرار حقا.
=====================(45/237)
(45/238)
قطار اللذة
منذ ألف سنة كان أقصى ما يطمح فيه إنسان قطعة أرض و بضعة رؤوس من الماشية.. كان هذا هو الثري الأمثل في ذلك العصر.. و كان أقصى ما يحلم به ذلك الثري هي عربة مطهمة يجرها حصان ليدخل بها مجتمع الوجهاء و أهل الشياكة.
و اليوم نقول عن من يملك العربة و الحصان إنه (( عربجي)) و هو في اعتبارنا من الناس الدون.
أما أهل الشياكة و الوجاهة فقد استبدلوا بالأرض العمارات.. ثم استبدلوا بالعمارات الشركات.. ثم استبدلوا بالشركات مجرد دفتر سندات أو دفتر شيكات بحجم الجيب.. مجرد رأس مال يتوالد من تلقاء ذاته بالإسهام في أي مشروع.
و انتهى إسطبل المواشي ليحل محله كراج عربات مرسيدس.. ثم انتهى أمر الكراج و تركه الأغنياء للسوقة و الناس الدون.. و صار الواحد منهم يمتلك طائرة خاصة أو مرسى لليخوت أو باخرة.
و غدا تصبح الطائرات من أملاك الفقراء و يظهر الأغنياء الوجهاء الذين يملكون الصواريخ و السفن الفضائية و الأقمار الصناعية، و تصبح رحلة (( الويك إند)) عشاء ساهرا في المريخ.
الزمن استدار و انتقل الناس من حال إلى حال بسرعة غريبة، و أحلام زمان أصبحت الآن متاحة للكل.
و الفلفل و الحبهان الذي كانت تحمله السفن من الهند عبر رأس الرجاء الصالح في رحلات مهلكة محفوفة بالأخطار ليوزن بالذهب و يوضع في الخزائن مع المجوهرات و لا يظهر إلا على موائد أصحاب الملايين.. و مثله مناديل الحرير الهندي التي كنا نقرأ عنها في بيوت اللوردات في روايات زولا و بلزاك.. كل هذا نزل ليصبح في متناول السوقة.
و الفلفل و الحبان الآن عطارة الفقراء.
و الحرير طرده النيلون و الداكرون و التريلين من السوق فهبط إلى نصف ليرة للمنديل، و أصبح زينة متاحة للخدم و عاملات (( المحلات)). أي إنسان من مستويات الدخل البسيطة يستطيع الآن أن يحصل على كثير من وسائل الترف التي كانت تحلم بها جدتي و جدي و يسيل لها اللعاب.
و مع ذلك فالبؤس موجود و التعاسة مازالت هي القاعدة و الشكوى مستمرة على جميع المستويات.. تشهد بذلك أعمدة الصحف و الأغاني و الكتب و أخبار الإذاعات و وجوه الناس المربدة المتجهمة في الشارع و مشاكساتهم الدائمة و صدورهم الضيقة بكل شيء.
لا شيء مما تصور الإنسان أنه سوف يسعده قد أسعده و هو ما كاد يمتلك ما كان يحلم به حتى زهد فيه و طلب غيره.. و هو دائما متطلع إلى ما في أيدي الآخرين غافل تماما عما في يده.. ينسى زوجته و يرغب في زوجة جاره مع أن زوجته أحلى و أجمل.. و لكنها الرغبة التي لا تشبع، و التي يتجدد نهمها دائما و تتفتح شهيتها على كل ممنوع و مجهول.
و لهذا أقام بوذا ديانته على قتل الرغبة و الخلاص منها باعتبارها سبب الشقاء، و لا خلاص من الشقاء إلا بالخلاص من الرغبة و قتلها و الوصول إلى حالة من السكينة الداخلية الزاهدة في كل شيء و العازفة عن جميع الرغبات.
و الله يكشف لنا الحقيقة بشكل أعمق في القرآن فيقول إنه خلق الدنيا و لها هذه الطبيعة و الخاصية فهي (( متاع)).
(( إنما هذه الحياة الدنيا متاع)).
و (( المتاع)) هو اللذة المستهلكة التي تنفذ.. من خصائص الدنيا كما أرادها خالقها أن جميع لذاتها مستهلكة تنفذ و تموت لحظة ميلادها.
في كل لذة جرثومة فنائها..
الملل و الضجر و العادة ما تلبث أن تقتلها..
هي الطبيعة التي أرادها الله للدنيا، لأنه أرادها دار انتقال لا دار قرار.. و لهذا جعل كل لذة بلا قرار و لا استقرار.. لأنه لم يرد لهذه اللذات أن تكون لذات حقيقية و إنما أرادها مجرد امتحان لمعادن النفوس.. مجرد إثارة تختبر بها الشهامة و النبل و العفة و صدق الصادقين و إخلاص المخلصين.
و الذي يدرك هذا سوف يستريح تماما و يكف عن هذه الهستيريا التي تخرجه من شهوة لتلقي به في شهوة، و تقوده من رغبة لتلقي به في أتون رغبة، و تجره من جنون لترمي به في جنون.
سوف يريح و يستريح و يحاول أن يروض نفسه و يستصفي روحه و يطهر قلبه و يعمل للعالم الآخر الذي وعد به الله جميع أنبيائه بأنه سيكون العالم الذي تكون فيه اللذة حقيقة.. و الألم حقيقيا.
و هو لن يندم على ما سوف يفوته من لذات هذه الدنيا، لأنه علم تماما و بالتجربة و الممارسة أنها لذات خادعة تتفلت من الأصابع كالسراب.. و هو قد قرأ التاريخ و عرف أن مال قارون لا يزيد الآن بالحساب الحالي عن عدة مئات من الجنيهات بالعملة النحاسية.. و هكذا قدرت جميع خزائنه بالاسترليني.. و ما أكثر من يملك مئات الجنيهات الآن و يشكو الفقر، و يلعن اليوم الذي ولد فيه.. مع أنه بحساب التاريخ أغنى من قارون.
إنها الخدعة الأزلية..
تحلم بامتلاك الأرض فإذا بالأرض هي التي تمتلكك و هي التي تكرسك لخدمتها..
تتصور أن المال سوف يحررك من الحاجة فإذا بالمال يفتح لك أبواب مطالب أكثر و بالتالي يلقى إلى احتياج أكثر.. و كلما احرزت مليونا.. احتجت إلى ثلاثة ملايين لحراسة هذا المليون و ضمانه..
و تدور الحلقة المفرغة و لا نهاية.
و هذه طبيعة عالمنا الكذاب الذي نمتحن فيه.
كلنا نعلم هذا.. و مع ذلك لا نتعلم أبدا.
============(45/239)
(45/240)
الذي شنق نفسه بسلك الكهرباء
روسيا و أمريكا التقتا و تصافحتا في الفضاء و لم تستطيعا أن تلتقيا على الأرض.
الإنسان قطع ربع مليون ميل إلى القمر و لم يستطع أن يقطع بضع خطوات لينقذ جارا له يموت في فيتنام و كمبوديا و القدس.
المسافات بين قلوب الناس أصبحت أكبر من المسافات بين الكواكب، و كل يوم يزداد الأخ عن أخيه تجافيا و بعدا.
إنسان اليوم بدل أن يشغل نفسه بقتل الميكروبات أصبح يزرعها و يسمنها و يربيها ثم يصنع منها قنبلة ميكروبية ليلقيها على جاره.
و يجاوب عليه جاره بنفس أسلوبه ضاحكا في جنون.
- قنبلة ميكروبية.. و ما جدواها؟ لقد سبقتك لقد اكتشفت غازا للشلل أرميه عليك فترقد مشلولا مثل صرصور قلبوه على ظهره، فيصفق الآخر و يهلل كالمعتوه.
- قديمة.. أنا عندي صواريخ مدارية تدور الآن في فلك حولك و أستطيع بضغطة واحدة على زر أن أنزل عليك الموت كالمطر.
فيخرج الآخر لسانه ساخرا.
- هذه لعبة فات أوانها، فقد اخترعت صواريخ مضادة تصطاد صواريخك و تفجرها في الهواء.
فيهتف الآخر:
- لن تستطيع، فقد بنيت شبكة مضادة ضد الصواريخ المضادة.
فيقهقه صاحبنا:
- نسيت يا أبله أنني بنيت شبكة ضد الشبكة.
فيصرخ الأول:
- هاها.. أنت حمار تذكر أن عندي مخزونا من القنابل الذرية يكفي لتمزيق القارة التي تسكنها.
فيصرخ الثاني:
فلتذكر أنت أيضا أن عندي مخزونا من القنابل الأيدروجينية يكفي لشطر الكرة الأرضية كلها نصفين.
و أعجب ما في هذا الحوار الهستيري أنه يجرى بالعلم و العقل، و المخترعات و المبتكرات، و الأفخاخ الإلكترونية و أنه حوار ينزف ذهبا و دولارات و ماركات و روبلات و فرنكات بلا نهاية
و رجل الشارع البسيط يمشي وسط هذه المظاهرة جائعا و عريانا قليل الحيلة لا يعرف بماذا يطلع عليه الغد.
هل هذا عصر العلم؟
أو عصر الجهل؟
أو أنه جهل العلم.
الله يعطينا الكهرباء.. فماذا نفعل بهذه الكهرباء؟!
إننا لا نفكر كيف نحولها إلى نور.
و لكننا مشغولون طول الوقت في المعامل و المختبرات نفكر كيف نحول هذه الطاقة الكهربائية إلى ظلام.
العالم يفكر في أذكى طريقة يلف بها سلك الكهرباء على عنقه لينتحر.
إنه علم الجهل!
إنه العلم الأسود.
و مثله مثل السحر الأسود الذي كان يحول به سحرة فرعون العصي إلى ثعابين.
لأنه علم بلا دين!
و عقل بلا قلب.
لقد طالت مخالبنا فأصبحت مخالب نووية.
و نمت أنيابنا فأصبحت أنيابا ذرية.
و ظل قلبنا على حاله. قلب حيوان الغاب.
تطور الإنسان إلى تنين.
و النهاية الآن مرهونة بمن يبدأ الحماقة. من يضغط على الزناد قبل الآخر!
أو من يفطن إلى الكارثة فيقود التطور إلى الاتجاه المضاد إلى تجاه التسامي بقلب الإنسان و روحه. بدون اعتبار لقوة يديه و متانة عضلاته.
=============(45/241)
(45/242)
الواقع الكذاب
ما نراه في الواقع ليس دائما هو الحقيقة..
حتى ما نراه رأي العين و نلمسه لمس اليد..
فنحن نرى الشمس بأعيننا تدور كل يوم حول الأرض، و مع ذلك فالحقيقة أن العكس هو الصحيح، و الأرض هي التي تدور حول الشمس.
و نحن نرى القمر في السماء أكبر الكواكب حجما، مع أنه أصغرها حجما.
و نحن نلمس الحديد فنشعر بأنه صلب متدامج، مع أنه في الحقيقة عبارة عن ذرات منثورة في فراغ مخلخل، و بين الذرة و الذرة كما بين نجوم السماء بعدا.. و ما يخيل لنا باللمس أنه صلابة و تدامج هو في الحقيقة قوى الجذب المغناطيسي الكهربائي بين الذرة و الذرة.. نحن نلمس القوانين بأصابعنا و ليس الحديد.
و نحن ننظر إلى السماء على أنها فوق، و الأرض على أنها تحت، مع أنه لا يوجد فوق و لا تحت.. و السماء تحيط بالأرض من كل جوانبها.
و الهرم بالنسبة لنا شيء لا يمكن اختراقه، مع أنه بالنسبة للأشعة الكونية شفاف كلوح الزجاج، ترى من خلاله و تنفذ من خلاله.
و صقيع القطبين الذي نظن أنه غاية في البرودة هو بالنسبة لبرودة أعماق الفضاء جحيم ملتهب.
و في الحقائق الإنسانية تكذب علينا العين و اللسان و الأذن أكثر و أكثر.. فالقبلة التي تصورناها في البداية مشروع حب نكتشف في النهاية أنها كانت مشروع سرقة.
و جريمة القتل التي أحس الجميع بأنها ذروة الكراهية يكتشف الجميع أنها ذروة الحب.
و ما قد يبدو للزوج أنه خيانة من زوجته لفرط إحساسها بجمالها قد يكون الدافع الحقيقي له هو إحساس الزوجة بقبحها و شعورها بالنقص، تحاول الخلاص منه باستدراج إعجاب الرجال، و الانتقال من خيانة إلى أخرى.
و ما تكتب عنه الجرائد بالإجماع على أنه بطولة قد يعلم البطل نفسه أنه كان انتحارا.
و في الحقائق الاجتماعية تتعقد الأمور أكثر، و يغرق الحق في شبكة من التزييف تشترك فيها كل الإرادات، و يصبح الحكم على الأمور بظاهرها سذاجة لا حد لها.
و في الحقائق التاريخية يكتب المؤرخون في كل عصر و من ورائهم السلطة، و تكتب أقلامهم ما يريد الأقوياء أن يقولوا.
و ما أصعب الوصول إلى الحقيقة..
إن الوصول إلى المريخ أسهل من الوصول إلى حقيقة أكيدة عن حياة وردة تتفتح كل يوم عند نافذتك.. بل إن الوصول إلى أبعد نجم في متاهات الفضاء أسهل من الوصول إلى حقيقة ما يهمس في قلب امرأة على بعد شبر منك.
بل إن عقولنا تزين علينا حتى عواطفنا نفسها، فنظن أن حب المجد يدفعنا و الحقيقة أنه الغرور و حب الذات.. و نظن أن العدالة هي التي تدفعنا إلى القسوة في حين أن الذي يدفعنا هو الحسد و الحقد.
من الذي يستطيع أن يقول.. لقد أدركت الحقيقة؟
من الذي يجرؤ أن يدعي أنه عرف نفسه؟
ليس من باب التواضع أن نقول.. الله أعلم.
و إنما هي الحقيقة الوحيدة الأكيدة في الدنيا.. إننا نجهل كل الجهل حتى ما يجري تحت أسماعنا و أبصارنا.
و برغم جهلنا يتعصب كل فريق لرأي.. و قد تصور كل واحد أنه امتلك الحق، فراح ينصب المشانق و المحارق للآخرين.
و لو أدركنا جهلنا و قدرنا لانفتح باب الرحمة و الحب في قلوبنا، و لأصبحت الحياة على الأرض جديرة بأن نحياها.
متى نعرف أنا لا نعرف؟!
===============(45/243)
(45/244)
لغز الرقم سبعة
اليهود يقدسون اليوم السابع من الأسبوع ( السبت) و يجعلون منه يوم راحة.. و السنة السابعة و يسمونها سنة السبت.. و كذلك 7 * 7 أي العام التاسع و الأربعون و يسمونه عام العيد.
و تقول لنا التوراة إن الله خلق العالم في ستة أيام ثم استراح في اليوم السابع.
و في الإنجيل يقول لنا يوحنا اللاهوتي في سفر الرؤيا إن الله يوم القيامة يفتح كتاب الأقدار، و يفض الأختام السبعة، فينفخ سبعة من الملائكة في سبعة أبواق و تحدث سبع كوارث تنتهي بها الدنيا.
و يحدثنا القرآن عن سبع سماوات، و سبع أبواب للجحيم، و سبع ليال عجاف مرت بها مصر أيام نبوة يوسف، و سبع ليال سخرت فيها الرياح المهلكة على قوم عاد، و سبعين رجلا جمعهم موسى لميقاته مع الله. و سلسلة في جهنم طولها سبعون ذراعا، و يقول للنبي الكريم: ( و لقد أتيناك سبعا من المثاني و القرآن العظيم).
و يقول إن الله خلق العالم في ستة أيام ثم استوى على العرش في اليوم السابع.
فإذا وضعنا الكتب المقدسة جانبا و جئنا إلى العلم فإنا نجده يقول لنا ما هو أعجب. فالنور يتزلف من سبعة ألوان هي ألوان الطيف، من الأحمر إلى البنفسجي. ثم يأتي بعد ذلك سبعة ألوان غير منظورة من تحت الأحمر إلى فوق البنفسجي، و هكذا في متتاليات سباعية.
و الموسيقى يتزلف سلمها من سبع نغمات: صول، لا، سي، دو، ري، مي، فا.. ثم تأتي النغمة الثامنة فتكون جوابا للأولى، و يعود فيرتفع بنا السلم سبع نغمات أخرى، و هكذا سبعات سبعات.
و في ذرة الأيدروجين داخل قلب الشمس يقفز الإلكترون خارجا من الذرة في سبع قفزات لتكون له سبع مدارات تقابل سبعة مستويات للطاقة، في كل مستوى يبث حزمة من الطاقة، هي طيف من أطياف الضوء السبعة.
و الجنين في بطن أمه لا يكتمل نموه إلا في الشهر السابع، و إذا ولد قبل ذلك لا يعيش.
و قد توارثنا الاحتفال (( بسبوع)) المولود.
ثم نحن قسمنا أيامنا إلى أسابيع، نجد ذلك في جميع الأمم دون أن يكون بينها اتفاق.
و نحن نجد رقم سبعة رقما فريدا لا يقبل القسمة، و ليس له جذر تربيعي، و لا يقبل التحليل الحسابي. فهو في ذاته وحدة حسابية.
و نجده مستعملا في جميع طلاسم السحر و الأحجبة و التمائم، و في التسابيح، و في قراءة الأوراد.
و نجد للإنسان سبع حواس. حاسة السمع، و البصر، و الشم، و اللمس، و الذوق، و حاسة إدراك الزمن، و حاسة إدراك الوضع في المكان.
و نجد فقرات الرقبة سبعا. هي كذلك في القنفذ و هي كذلك في الزرافة، و هي كذلك في الإنسان و الحوت و الخفاش، و بالرغم من تفاوت طول الرقبة بين أقصى الطول في الزرافة و أدنى القصر في القنفذ.
هل كل هذه مصادفات.
و إذا صحت مصادفة واحدة فكيف يجوز أن تجتمع كل هذه المصادفات على نفس الرقم.
يجب أن نعترف أنه رقم له دلالة. و أنه رقم مهم و جوهري في بناء هيكل الكون و في تكوين الإنسان.
و أنه لغز يثير التفكير و التأمل.
================(45/245)
(45/246)
يوجا سعيت وراء علماء التشريح لأعرف ما هو الإنسان..
سرت وراء المشرط و هو ينقب في الأحشاء و المصارين و اللحم و العظم.. و هو يفتح القلب و يتتبع الأعصاب حتى نهايتها.. و هو يقطع المخ نصفين، ثم يقطع كل نصف إلى نصفين.
و بعد ثلاثة آلاف صفحة من كتب التشريح لم أصل إلى شيء و كأنما فتحت حقيبة فوجدت داخلها حقيبة ثم حقيبة، و في نهاية المطاف اكتشفت أني مازلت واقفا في مكاني أدق على الباب نفسه من الخارج، لم ألج إلى الداخل قط.
كنت طول الوقت أتحسس كسوة ذلك الإنسان لاكتشف أن القناع الذي يحجبه ليس ثيابه وحدها.. و إنما جلده ثوب آخر.. و لحمه و شحمه و عظامه كلها ثياب.. أما هو نفسه فبعيد.. بعيد.. تحت هذه الأقمشة السميكة من اللحم و الدم.
قالت لي كتب التشريح إن الإنسان مجموعة من الأحشاء في قرطاس من الجلد.
و لكنها لم تصف لي الإنسان على الإطلاق، و إنما وصفت ثيابه.. أما قلبه، أما عواطفه، فإنها ليست في تلك الكتب.. إنها فينا نحن الأحياء.
إنها الزامر الذي ينفخ من الداخل في ذلك البوق الجسدي الذي يتألف من الفم و اللسان و الشفتين و اليدين و الرجلين فتنطق و تتحرك كأنما هي دمى خشبية تحركها خيوط خفية من وراء خباء.
إنها العاطفة.. الإرادة.. الروح.. النفس.. ال أنا.. سمها كما تشاء.. و لكنها دائما غاية في الوحدة و البساطة.
وراء هذا العديد المتعدد من الأعضاء هناك وحدة..
هناك دائما واحد فقط يتكلم من داخل المعمار الجسدي المعقد التركيب المتعدد النوافذ و الشرفات.. واحد فقط بالرغم من هذه الألوف المؤلفة من الأنسجة و الملايين بلا عدد من الخلايا.
فإذا نظرت إلى الطبيعة حولك بما يتعدد فيها من إنسان و حيوان و نبات لمست مرة أخرى نوعا ثانيا من الوحدة.. فهذا الشتيت المختلف من أشكال الحياة يخفى وراء وحدة.
ليست مصادفة أن تركيب جسمي و تركيب جسمك واحد.. و لا هي مصادفة أننا، لنا رئتان مثلما للحصان و الحوت و العصفور.. و أن رقبة الزرافة على طولها بها سبع فقرات مثل رقبتك القصيرة تماما.. و أن ذيل القرد لك ذيل مثله ضامر متدامج ملتحم في مؤخرتك.. و بالمثل أجنحة الخفافيش هي أذرع مثل أذرعك لها العدد نفسه من الأصابع و العظام و المفاصل، كل ما تمتاز به أن جلدها مشدود عليها كالستارة.
و أنت و الشجرة تتألفان من المواد ذاتها.. كربون و ماء و أملاح معدنية.. و كلاكما تتحولان بالاحتراق إلى فحم.
و كل أنواع الحياة تنهدم بالموت فتستحيل إلى تراب.
أكثر من هذا، يقول لك الفلكي: إن هذا التراب يحتوي على المواد نفسها التي تتركب منها الشمس و النجوم و الكواكب.. و إنك مهما أوغلت في السماء بين النجوم تجد دائما الشيء نفسه، و المواد ذاتها..
كل العالم من مادة واحدة أولية.
لا يمكن أن تكون كل هذه مصادفات.
و إنما هي إصبع تشير إلى أن هناك وحدة نسيج في هذا الكون المتسع العظيم، و أنه بالرغم من الكثرة الظاهرة و التعدد و الاختلاف في الأشياء فإنها في الواقع ليست مختلفة.. و إنما هي مجرد عمائر و تراكيب مختلفة لشيء واحد.
كما تظهر الطاقة مرة على شكل كهرباء، و مرة على شكل حرارة، و مرة على شكل ضوء، و مرة على شكل مغناطيسية، و هي دائما الشيء الواحد ذاته.
الوحدة..
هذا هو موضوع اليوجا..
و المعنى الحرفي لكلمة يوجا بالهندية هو (( الاتحاد و إدراك الوحدة في الأشياء)).. ألا تنظر إلى الدنياعلى أنها أنت و هو و هي و هم.. ثم تتقاتلون جميعا.. فهذه خدعة.. و أنتم جميعا واحد، و ما يقع للآخر يقع عليك من حيث لا تدري.. و الألم الذي توقعه بالآخرين يجرحك حيث لا تحس في أعمق الأعماق.
هذا الصراع بينك و بين الآخرين هو تخريب أساسي لفطر واحدة.
إذا أردت أن تعيش بكل وجودك فعليك أن تفتح ذراعيك لتحتضن كل شي.
و حيثما توجهت لن تكون في غربة، فالطبيعة حولك هي أنت.. و الناس هم أنت.. و الوردة هي أنت.. و النجوم أنت.
أنت و أنا و هم شيء واحد.
هل تستطيع أن تدرك هذه الوحدة؟
علوم اليوجا تقول إنك لا تستطيع أن تدركها إلا إذا تحررت من تقاليدك.. و أخضعت جسدك و عواطفك و غرائزك و عقلك تماما.
إذا أردت أن تسمع صوت الواحد في داخلك فلا بد من إسكات صوت المتعدد أولا.. لابد من إسكات صوت الجسد و النفس و الغريزة و الرغبة و العقل.
و إخضاع الجسد تختص به علوم (( الهاتايوجا )) و هي التمرينات الرياضية المعروفة.
و إخضاع العقل تختص به علوم (( الراجايوجا )).. و هي تمرينات على التأمل و الركيز.
و إذا استطعت إسكات كل شيء فسوف تسمع من أعماق الصمت في داخلك صوت الواحد..
سوف تشعر بالقرابة الحميمة بينك و بين الاشياء.. سوف يعزف في داخلك لحن الانسجام بينك و بين العالم، إذ تدرك التوافق العميق بين عناصرك و عناصره.. و تسودك طمأنينة قدسية فلم يعد هناك داع للتعجل.. ما يفوتك باليمين سوف تحصل عليه باليسار و في الهند يسموا هذا الواحد (( اتمان)).. و في صلاة هندية قديمة لهذا الواحد يقول الشعر السنسكريتي:
إذا ظن القاتل أنه قاتل
و المقتول أنه قتيل
فليسا يدريان ما خفى من أساليبي..
حيث أكون الصدر لمن يموت
و السلاح لمن يقتل
و الجناح لمن يطير(45/247)
و حيث أكون لمن يشك في وجودي
كل شيء حتى الشك نفسه..
و حيث أكون أنا الواحد
و أنا الأشياء.
و كأنما شعر جميع المفكرين بهذا الواحد الخفي، و حاول كل منهم أن يعبر عنه بطريقته.. في فلسفة شوبنهور كان اسمه (( الإرادة))، و في فلسفة نيتشه كان اسمه (( القوة))، و في فلسفة هيجل (( المطلق))، و في فلسفة ماركس ((المادة))، و في فلسفة برجسون (( الطاقة الحية))، و في جميع الأديان السماوية اسمه الله.
اتفقت جميع الأصابع التي تشير على أن هناك شيئا داخل خباء ذلك الكون يحرك خيوطه.. و كل الخلاف هو خلاف أسماء.
و لهذا تقول علوم اليوجا.. لا تحاول أن تسمي ما لا يمكن تسميته.. تأمل.. لا تنطق بحرف.. عليك بالإصغاء إلى صوت الصمت.
ثم جاء الإسلام بأجمل و أصدق تعريف بذلك الذي من وراء الصمت.. لم يخلط الخالق بالمخلوق كما خلطت اليوجا الهندية كل شيء في وحدة الوجود فجعلت من القاتل و القتيل و السكين شيئا واحد تضيع معه المسئولية و يضيع الجزاء في ضباب الشعر.. و إنما قدم القرآن أنقى صور التوحيد و أرقى صورة لوحدة الخالق و وحدة المخلوقات.. فتوحدها لأنها منه.. أم هو فمتعال عليها.. سبحانه.. ليس كمثله شيء..
===========(45/248)
(45/249)
العيال الذين ظنوا أنفسهم كبارا
أحيانا تراودني الرغبة في البكاء مثل طفل صغير يتيم تاهت عنه أمه في الزحام. و أشعر في تلك اللحظات أننا جميعا أطفال لا فرق كبير يذكر بيننا و بين أطفالنا في علمنا و معارفنا و أخلاقنا.
يخيل إلينا أننا اخترقنا السماوات بعلومنا. و لو فكرنا قليلا لوجدنا أننا مازلنا في حروف أ . ب . ت . ث .. و أننا كأولادنا على عتبة واحدة من الحيرة و التساؤل و الجهل.
يقول لك طفلك و هو يشاورعلى القمر: من أين جاءوا بهذا القمر يا أبي؟
و تجاوب عليه بكلام كثير. و تتلو عليه نظريات و افتراضات خلاصتها أنه لا أحد يعرف الحقيقة. و لا حتى أينشتين نفسه.
و يسألك طفلك عن جده الذي مات أين ذهب منذ موته.
و عن اخيه الذي ولد أين كان قبل مولده.
فلا تعرف جوابا.
فلا أحد يعرف ماذا قبل الميلاد و لا ماذا بعد الموت. و لا من أين. و لا إلى أين.
و يشاور لك على الكهرباء و يقول ما هذا؟ فتقول الكهرباء.
و يسأل ما هي الكهرباء فلا تجد جوابا.
و يسأل من أين أتت الكهرباء.
فتحكي له حكاية طويلة عن ماكينات النور و وابور النور. و أنت لا تدري ما النور. و لو سألت علماء الطبيعة كلهم ما وجدت فيهم واحدا يستطيع أن يدلك على ماهية النور و كنهه، و لا حتى نيوتن، و لا أفوجادرو، و لا فاراداي.
و ما أجهلنا على الدوام.
ابتكرنا علم النفس و كتبنا فيه المراجع و نحن لا ندري ما هي النفس.
و اخترعنا الساعات لنقيس الزمن و نحن لا نعرف ما هو الزمن.
و سكنا الأرض منذ ملايين السنيين و مازلنا لا نعرف عنها إلا قشرتها.
و يجتمع شهود الحادثة الواحدة فيختلفون في روايتها و يحكيها كل واحد بصورة. و هذا شأن الحادثة التي لم تمر عليها ساعة فما بال التاريخ الذي مر عليه ألوف السنين و كتبت فيه المجلدات، و كلها تخييل.
و ما أبعدنا دائما عن الحقيقة.
و ما أقل ما نعلم.
و ما أقرب الفارق بيننا و بين أطفالنا في علمنا و معارفنا.
بل ما أقرب الفارق بيننا و بين أطفالنا في أخلاقنا - نحن الأوصياء و المربيين و كل منا يحتضن أملاكه كما يحتضن الطفل لعبته و لا يطيق أن تمسها يد منتفع.
و فينا البخيل و الشره، و الأكول و الطماع، و من يسيل لعابه على المليم.
و الطفل يخطف و الكبير يسرق.
و الطفل يضرب و الكبير يقتل.
و الطفل يمد يده بالإيذاء و الكبير يمد عصاه و سكينه.
و الطفل يرمي بحصاة و الكبير العظيم يرمي بقنبلة ذرية.
ألا يحق لي بعد ذلك أن أبكي على هذا العالم من العيال الذين ظنوا أنفسهم كبارا؟!
============(45/250)
(45/251)
راعي شرج الملك
من أطرف ما في كتاب الدكتور بول غاليونجي عن طب الفراعنة هذه الفقرة عن الطبيب (( خوي)).
و قد وجد اسمه مدونا على جدران معابد سقارة و أمامه هذه الألقاب: طبيب القصر الملكي، عميد أطباء القصر الملكي.. المسيطر على سم العقرب.. المبجل لدى إله الطب.. المقرب لدى أنونيس.. كبير أطباء الوجهين البحري و القبلي.. راعي الشرج.
كان الطبيب (( خوي)) هو راعي شرج الملك تيتي، و هذا يعني أن البواسير و الناسور مشكلة قديمة قدم التاريخ، و أنها كانت من أمراض الملوك، و أنها كانت من الأهمية لدرجة أن يلقب كبار الأطباء بأن الواحد منهم راعي شرج الملك.
لم أكن وحدي إذن الذي أصرخ من آلام البواسير، فقبل ذلك بثلاثة آلاف سنة كان هناك فرعون عظيم يصرخ مثلي من البواسير اسمه تيتي.
كانت هذه الحقيقة التاريخية فيها بعض السلوى لي.. و الذين جربوا آلام جراحة البواسير يعرفون قيمة لحظة سلوى في زوبعة العذاب التي تثيرها تلك الجراحة.
وضعت الكتاب جانبي على سرير المستشفى و قد أسعدني أن حالي هو حال الملك تيتي.
و أعطيت ذراعي في لهفة إلى الممرضة لتغرس فيه حقنة المورفين و قد تصورت أني الملك تيتي فعلا.
و ماذا تعني ثلاثة آلاف سنة في عمر الأبدية.
إنها لا شيء.. لا أكثر من ثلاث لحظات.. كل ما تغير في الأمر أن الطبيب (( خوي)) هو الآن المبجل سليل الآلهة الدكتور عبدالله صبيح.. و المكان مستشفى الشبراويشي.. و الزمان يناير 69 بعد ساعات من إجراء الجراحة.
و الألم الآن يذكرني بنفسه.
و كل ما فعله المورفين أني أصبحت أحلم بالألم بدلا من معاناته بعينين مفتوحتين.. و قد كان حلما بطول الليل كله.
و في الحلم كنت أرى أني الفرعون تيتي الكافر الذي ألقي في جهنم.
و في نار جهنم اجتمع حولي الزبانية يضعونني على خوازيق من نار..
و السماء فوقي حمراء كنحاس منصهر.
و الزبانية لا يرحمون.
و العذاب سوف يكون بطول الأبد.
و في الحلم نسيت تماما أنها جراحة.
و كان هذا بتأثير المورفين الذي صور لي من الألم المؤقت دراما لا نهائية من العذاب.
و كانت أسعد مفاجأة أن يطلع علي الصبح و يتبخر ضباب المورفين و اكتشف أني أتألم من جراح سوف تشفى.
و حمدت الإله الرحيم.
ما أجمل أن يهبنا الله الزمن الذي لا يدوم فيه شيء.
كل شيء يمضي ثم يصبح ذكرى.
أشد الآلام تتحول إلى مقالة طريفة تروى و أحاديث حول فنجان شاي.
أليست حياتنا معجزة.
و أليست معجزة أكبر أن تشفى و تلتئم جراح مفتوحة في مجرى الشرج تتلوث كل لحظة بما يلفظه الجسم من فضلات.. تشفى و تلتئم تلقائيا بدون بنسلين و بدون صبغة يود.. بالقدرة الإلهية التي وضعها الخالق في الأنسجة.
و من عجب أن الله حشد كل جنده عند مدخل الجسم و عند مخرجه.. عند الفم و الحلق و اللوزتين تشفى الجراح المفتوحة و تلتئم و هي في مجرى اللعاب الملوث و الأنفاس المحملة بالأتربة و الجراثيم.. و تقطع اللوزتان فيلتئم مكانهما بلمسة ساحر.
و عند الشرج حيث تخرج الفضلات تموج بالميكروبات القتالة تلتئم الجراح المفتوحة بقدرة القادر الذي سلحنا بأمضى أسلحته.
و لعل هذا هو السبب في الآلام حول منطقة الشرج حيث وضع الخالق أقوى شبكة من الأعصاب و نشر قنوات و أنهارا من الدم و الليمف و رصد الملايين من الكرات البيض و الخلايا الحارسة التي تلتهم كل ميكروب وافد فلا تبقي عليه.
و بعد هذا يشك شاك في العناية و الرحمة.
و يقول مفكر سطحي مثل سارتر إننا قد ألقي بنا في العالم بدون عون، و قذفنا إلى الوجود لنترك بلا عناية و بلا رعاية.
و لو أن سارتر تعلم الطب كما تعلم الأدب و درس الإنسان كما درس الوجود لعرف حقيقة نفسه و لقال كلاما آخر.
و لهذا تخطر لي أحيانا فكرة إلحاق كلية الآداب بكلية الطب.. فالإنسان و الوجود حقيقة واحدة. و لا يمكن إدراك الأول. دون إدراك الآخر. و ملامح الروح مكتوبة على الخلايا و ليست في كتب أرسطو.
و شفرة العناية الإلهية مكتوبة على أوراق الشجر و على مناقير الحمام و بتلات الورد..
الدودة التي يجعلها الله خضراء بلون الغصن الأخضر ليجعلها أقدر على الاختفاء عن عدوها.. و الفراشة الملونة بلون الوردة.. و السلحفاة الصفراء بلون الصحراء.
بشرة الزنجي التي تتلون في الشمس الاستوائية فتصبح سوداء كمظلة منصوبة عليه طول الوقت لتقيه لفح الشمس.
و البشرة البيضاء البلورية الشفافة لأهل الشمال حيث تختفي الشمس طول الوقت خلف الضباب، و حيث يشح الضوء لدرجة تجعل الجسد في حاجة إلى كل شعاعة عن أي طريق مثل تلك البشرة الشفافة الزجاجية.
أجسام الحيتان التي صاغتها العناية تلك الصياغات الإنسيابية كغواصات.. و كل سمكة و قد منحتها الطبيعة كيسا يفرغ و يمتلئ بالهواء لتطفو و تغوص كما تريد.
أفواه الحشرات و قد شكلتها العناية على ألف صورة و صورة حسب وظائفها.. الحشرة التي تمتص كالذبابة تشكل فمها على صورة خرطوم. و الحشرة التي تلدغ كالبعوضة تشكل فمها على صورة إبرة.. و الحشرة التي تقرص كالصرصور زودتها الطبيعة بمناشير و مبارد.(45/252)
و الدودة التي تتطفل على الأمعاء زودتها الطبيعة بخطاطيف و كلابات حتى لا تقع في تجويف الأمعاء و تجرفها الفضلات.
و كلما تكاثر الأعداء على مخلوق أكثر الخالق من نسله، فدودة الإسكارس تبيض أكثر من مليون بيضة في الشهر، و تنجب أكثر من مليون دودة.
و في متاهات الصحاري حيث يشح الماء و تندر العيون خلق الله للأشجار بذورا مجنحة لتطير مع الرياح في الجهات الأربع و تحط في ألف شبر و شبر من الأرض، و ترحل مسافات شاسعة و كأنها بعثات استكشاف تذرع الصحاري.
و الخفاش الأعمى الذي لا يطير إلا في الليل زودته الطبيعة بأمواج ألتراسونيك يستكشف بها طريقه.
و الكتكوت الوليد ترشده الغريزة إلى أضعف مكان في البيضة فينقرها ليخرج إلى الوجود.
و الزنبور يعرف مكان المراكز العصبية عند فريسته فيحقنها بالسم و يشلها و كأنه جراح ماهر درس التشريح.
و النمل الذي قادته فطرته إلى اكتشاف الزراعة و تخزين المحصولات قبل أن يكتشفها الإنسان بملايين السنين.
و حشرة الترميت التي عرفت تكييف الهواء في بيوتها قبل أن يعرف الإنسان الأبواب و الشبابيك.
إن كل خطوة تخطوها في الطبيعة حولك تجد فيها أثر الرحمة و العناية و الرعاية.
لم يقذف بنا إلى الدنيا لنعاني بلا معين كما يقول سارتر.
إن كل ذرة في الكون تشير بإصبعها إلى رحمة الرحيم.
حتى الألم لم يخلقه الله لنا عبثا.. و إنما هو مؤشر و بوصلة تشير إلى مكان الداء و تلفت النظر إليه.
ألم الجسد يضع يدك على موضع المرض.
و ألم النفس يدفعك للبحث عن نفسك.
و ألم الروح يلهمك و يفتح آفاقك إلى إدراك شامل، فالدنيا ليست كل شيء، و لا يمكن أن تكون كل شيء و فيها كل هذه الآلام و المظالم. و إنما لابد أن يكون وراءها عالم آخر سماوي ترد فيه الحقوق إلى أصحابها، و يجد كل ظالم عقابه.
و بالألم و مغالبته و الصبر عليه و مجاهدته تنمو الشخصية و تزداد الإرادة صلابة و إصرا، و يصبح الإنسان شيئا آخر غير الحيوان والنبات.
ما أكثر ما تعلمت على سرير المستشفى.
و شكرا لأيام المرض و آلامه.
===========(45/253)
(45/254)
أفيون هذا الزمان
تتبارى أجهزة التليفزيون و الإذاعة و السينما و صفحات المجلات و الجرائد على شيء واحد خطير هو سرقة الإنسان من نفسه. شد عينيه و أذنيه و أعصابه و أحشائه ليجلس متسمرا كالمشدوه أمام التليفزيون أو الراديو أو السينما، و قد تخدرت أعصابه تماما، كأنه أخذ بنجا كليا و راح يسبح بعينيه مع المسلسلة، و يكد ذهنه متسائلا: من القاتل، و من الهارب. و بين قاهر الجواسيس، و ريتشارد كامبل، و الأفيشات العارية في المجلات، و العناوين الصارخة في الجرائد ينتهي اليوم و الليلة، و يعود الواحد إلى فراشه و هو في حالة خواء و فراغ و توتر داخلي مجهول السبب، و حزن دفين كأنه لم يعش ذلك اليوم قط.
و الحقيقة أنه لم يعش بالفعل، و أن حق الحياة سلب منه، و أنه سلب من نفسه، و أخرج عنوة و ألقي به في مغامرات عجيبة مضحكة، و تساؤلات لا تهمه على الإطلاق. من الذي قتل شهيرة هانم! و لماذا تخون كلوديا كاردينالي زوجها في رواية (( الذئب في فراشي )) ؟ و أين الكنز في مسلسلة عبيد الذهب؟ و أين الحقيقة في رواية ارحمني يا حبيبي؟
و يمر اليوم تلو اليوم. و تظل هذه الأجهزة تقوم بما يشبه العادة السرية للمتفرجين، و تغرقهم في نشوات مفتعلة إلى درجة التعب، ثم تلقي بهم إلى الفراش آخر الليل منهوكي الأحاسيس، لا يدري الواحد منهم ماذا به بالضبط. لماذا يشعر بأنه مجوف تماما. و أنه لا يعيش أبدا، و أنه لا يقول ما يريد أن يقوله، و لا يسمع ما يريد ان يسمعه، و إنما هو يربط في أرجوحة تظل تدور به دورانا محموما حتى يغمى عليه تماما و ينسى ما كان يفكر فيه، و ما كان يريد أن يقوله، و ما كان يريد أن يسمعه، و ما كان يملأ منه القلب و العقل. و يتحول إلى حيوان أعجم مربوط العقل و الإحساس إلى هذه الأجهزة الغريبة التي تفتعل له حياة كلها كذب في كذب.
و هذه الظاهرة ظاهرة عالمية، بل هي من سمات هذا العصر المادي الميكانيكي الذي تحولت فيه أجهزة الإعلام إلى أدوات للقتل الجماعي.
و هو نوع من القتل الجميل الرائع. تخنق فيه العقول بحبال من حرير، و تخنق الخيالات بالعطور الفواحة. و تخاط فيه الشفاه بجدائل من شعر بريجيت باردو، و أرسولا انرس.
و كلما زادت مقاومة المتفرج لهذا الأفيون زاد المخرجون من المساحة العارية المسموح بها من صدر الممثلة و من ساقيها، و سكبوا كمية من الدم أكثر في رواياتهم، و كمية من البترول المشتعل أكثر على أعصاب الناس.
و حينما تنفجر الأعصاب في ظواهر متشابهة مثل ظاهرة الخنافس و الهيبز، و رقصات الجرك المجنونة، و أدب الساخطين و الغاضبين و اللاعنين، فهي دائما نتائج ذلك البخار المضغوط في جماهير الشباب التي قضي عليها بأن تعيش أسيرة عنكبوت الإعلام، و الأخطبوط ذي الألف اسم. الإذاعة و السينما و الجرائد. ذلك السجن ذي القضبان الجميلة من الأذرع العارية في المجلات و الروايات لتعيش معزولة عن معركة المصير و عن الإدلاء برأي في مأساة الحياة و الموت التي تجري على مساحة العالم كل يوم.
و حينما يدور الكلام عن عقار الهلوسة و الماريجوانا، و الحشيش، و الهيروين، و الكوكايين، و العصابات التي تروجه، فإنهم ينسون دائما مخدرات أكثر انتشارا و أخطر أثرا.
مخدرات تدخل كل بيت من تحت عقب الباب، و تقتحم على كل واحد غرفة نومه، و تزاحم إفطار الصباح إلى معدته و فنجان الشاي إلى شفتيه. تلك هي وسائل الإعلام التي تكاتفت فيما بينها - بتعاقد غير مكتوب - على أن تقتل الناس بقتل وقتهم، و تميتهم بالضحك و الإثارة و النكتة البذيئة، و تلك الكلمة الغامضة اللذيذة التي اسمها التسلية.
و تحت شعار قتل الوقت يقتل الإنسان، و يراق دم اللحظات، و يسفك العمر، فما العمر في النهاية إلا وقت محدود. و ما الإنسان إلا فسحة زمنية عابرة إذا قتلت لم يبقى من الإنسان أي شيء.
و مسئولية كل مفكر و كاتب أن يخرج على الخط، و يتمرد على هذا الإتفاق غير المكتوب بقتل الوقت في محاولة شريفة لإحياء وقت الناس بتثقيفهم و تعليمهم و البحث عن الحق، لا عن التسلية و إشراك الناس في مأساة مصيرهم، و إعادة كل واحد إلى نفسه و قد ازداد ثراء و وعيا لا سلبه من نفسه و سرقته من حياته، و رفع شعارات الحرية لتفسح الروح الإنسانية عن مكنونها.
على وسائل الإعلام أن تتحول من أفيون إلى منبه يفتح العيون و الأحاسيس على الحقيقة، و يدعو كل قارئ إلى وليمة الرأي و يدعو كل عقل معطل إلى مائدة الفكر، فتكون كرحلة تحشد الحماس عند كل محطة تقف عندها لا كخيمة للغاز المسيل الدموع مضروبة على الناس أو قنابل دخان تطلق للتعمية.
إن حضارة الإنسان و تاريخه و مستقبله رهن كلمة صدق و صحيفة صدق و شعار صدق. فبالحق نعيش، و ليس بالخبز وحده أبدا.
و إذا كان السؤال المطروح الآن:
ما هي صحافة اليوم؟
فهأنذا أقول لكم الجواب:
أن نقول الحق.
و أن نقول الجد.
و أن نقول المفيد و النافع و الصحيح.
و أن نحيي وقت القارئ لا أن نقتل وقته.
==============(45/255)
(45/256)
أنت امبراطور
لا تصدقني إذا قلت لك إنك تعيش حياة أكثر بذخا من حياة كسرى أنو شروان.. و إنك أكثر ترفا من امبراطور فارس. و قيصر الرومان. و فرعون مصر.. و لكنها الحقيقة.
إن أقصى ما استطاع فرعون مصر أن يقتنيه من وسائل النقل كان عربة كارو يجرها حصان..
و أنت عندك عربة خاصة، و تستطيع أن تركب قطارا، و تحجز مقعدا في طائرة!
و إمبراطور فارس كان يضيء قصره بالشموع و قناديل الزيت.. و أنت تضيء بيتك بالكهرباء!
و قيصر الرومان كان يشرب من السقا.. و يحمل إليه الماء في القرب.
و أنت تشرب مياها مرشحة من حنفيات و يجري إليك الماء في أنابيب!
و هارون الرشيد كانت عنده فرقة موسيقية تعزف له في أوقات لهوه و فراغه.
و أنت عندك مفاتيح الراديو توصلك إلى آلاف الفرق الموسيقية، و تحمل إلى أذنك المبهج و المطرب و الممتع من كل صوت و كل فن!
و الإمبراطور غليوم كان عنده أراجوز..
و أنت عندك تليفزيون يسليك بمليون أراجوز.
و عندك السينما سكوب و السيزاما!
و لويس الرابع عشر كان عنده طباخ يقدم أفخر أصناف المطبخ الفرنسي..
و أنت تحت بيتك مطعم فرنسي، و مطعم صيني، و مطعم ألماني، و مطعم ياباني، و محل محشي، و محل كشري، و مسمط، و مصنع مخللات و معلبات، و مربات و حلويات!
و قارون أغنى أغنياء العالم يقول لنا التاريخ إن كل ثروته لم تكن تزيد على مائتين من الجنيهات بالعملة النحاسية.. و هو مبلغ تستطيع أن تكسبه الآن في شهر.
و جواري الخليفة تجدهن الآن معروضات في بيجال بباريس بعشرة فرنكات للواحدة.. شقر و سمر و سود و بيض من كل لون أوكازيون.
و مراوح ريش النعام التي كان يروح بها العبيد على وجه الخليفة في قيظ الصيف و لهيب آب، عندك الآن مكانها مكيفات هواء تحول بيتك إلى جنة بلمسة سحرية لزر كهربائي!
أنت إمبراطور.
و كل هؤلاء الأباطرة جرابيع و هلافيت بالنسبة لك..
و لكن يبدو أننا أباطرة أغبياء جدا.. و لهذا فنحن تعساء جدا برغم النعم التي نمرح فيها.
فمن عنده عربة لا يستمتع بها، و إنما ينظر في حسد لمن عنده عربتان.. و من عنده عربتان يبكي على حاله، لأن جاره يمتلك طائرة.. و من عنده طائرة يكاد يموت من الحقد و الغيرة لأن أوناسيس عنده مطار.. و من عنده زوجة جميلة يتركها و ينظر إلى زوجة جاره..
و في النهاية يسرق بعضنا بعضا، و يقتل بعضنا بعضا حقدا و حسدا.
ثم نلقي بقنبلة ذرية على كل هذا الرخاء.. و نشعل النابالم في بيوتنا.. ثم نصرخ بأنه لا توجد عدالة اجتماعية.. و يحطم الطلبة الجامعات.. و يحطم العمال المصانع..
و الحقد - و ليس العدالة - هو الدافع الحقيقي وراء كل الحروب.
و مهما تحقق الرخاء للأفراد فسوف يقتل بعضهم بعضا، لأن كل واحد لن ينظر إلى ما في يده، و إنما إلى ما في يد غيره، و لن يتساوى الناس أبدا.
فإذا ارتفع راتبك ضعفين فسوف تنظر إلى من ارتفع أجره ثلاثة أضعاف، و سوف تثور و تحتج، و تنفق راتبك في شراء مسدسات.
لقد أصبحنا أباطرة.. هذا صحيح.. و لكننا مازلنا نفكر بغرائز حيوانات.
تقدمنا كمدينة و تأخرنا كحضارة.. ارتقى الإنسان في معيشته.. و تخلف في محبته..
أنت إمبراطور.. هذا صحيح.. و لكنك أتعس إمبراطور..
و سوف تقتل نفسك و تترك بطاقة مضحكة تقول فيها:
انتحرت بسبب الفقر.. لم أستطع أن أعيش إمبراطورا في عالم كله من (( السوبر أباطرة )).
============(45/257)
(45/258)
قانون عدم المساواة
الدنيا ليس فيها مساواة.
لا مساواة في أي شيء.
كل وردة لها رتبة مختلفة من حيث الشكل و الرائحة و الجمال.
لا تتساوى وردتان.
و في نفس عائلة القطن نجد السكلاريدس.. و جيزة 7.. و جودفير.. و فولي جود فير.. و طويل التيلة و قصير التيلة.. لا يتساوى أخوان في العائلة الواحدة.
و في الفاكهة نجد في عائلة واحدة كالبلح مثلا عشرات الرتب و الدرجات و الأصناف.. الزغغلول و السماني و الحياني و الأسيوطي و الرشيدي و بلح (( عيشا)).. و كل صنف له طعم و نكهة و مذاق.
و علماء الحشرات يصنفون لنا من الحشرة الواحدة كالنمل أكثر من ألف نوع و كل أسرة من أسر النمل يقولون لنا إن فيها أكثر من مائة مصنف و مصنف.
و في الإنسان يزداد التفاوت و التفاضل.. فنجد الذكي و الغبي، و الأحمر و الأسود و الأصفر و الأبيض و الأشقر، و الطويل و القصير و السمين، و الأصلع و الكثيف الشعر.. و نجد من يولد بحنجرة من ذهب و من يولد بحنجرة من خشب.. و من يولد جميلا و من يولد قبيحا..
بل إن كل إنسان يحمل بصمة إصبع مختلفة.
و كل إنسان هو رتبة في ذاته.
كل إنسان يتسلم لحظة ميلاده بطاقة تموين و إذن صرف و شيك، و ثروة من المواهب و التسهيلات الخاصة به.
و أكثر من هذا يولد كل مولود بعدد من خلايا المخ محدودة غير قابلة للتجدد او التكاثر، و ما يموت من هذه الخلايا لا يستحدث.. و لكل واحد منا عدد من هذه الخلايا هي كل ثروته.. و كل واحد يوهب عددا من هذه الخلايا مختلفا عن الآخر.
و معنى هذا أن الدنيا كلها تقوم على قانون التفاضل و التفاوت.. و أن عدم المساواة هو القاعدة في كل شيء.. في النبات و الحيوان و الإنسان و الجماد.. حتى الجماد كل مادة فيه لها بلورتها الخاصة، و لها وزنها الذري، و وزنها الجزئي، و لها هندستها الخاصة في توزيع الإلكترونات و عددها.
لا مساواة على الإطلاق.
هكذا أراد خالق الكون لخلائقه.
هو أراد - لحكمة يعلمها - أن يخلقنا درجات.
و لعله خلق فينا القوي و الضعيف ليختبرنا و ليظهرنا على نفوسنا.
هل يأكل القوي الضعيف أو يحنو عليه و يعطف عليه و يساعده؟.
هل يدرك القوي أن قوته من الخالق، و انها هبة بأجل، و أن مصيرها الزوال؟ لو أدرك هذا فإنه سيكون المؤمن الذي يوظف قوته لنجدة الضعيف، لأنه يعلم أنه سيصبح يوما ما أضعف منه.
أم أنه سيخيل إليه أن القوة قوته هو، و العنفوان عنفوانه هو، و يمضي يضرب باليمين و بالشمال.
لو فعل هذا فهو الملحد المنكر الذي لا يتصور وجودا لقوة أعلى منه.
و الواقع أن الفرق بسيط.. فرق شعرة.. بين أن تحس بأنك قوي.. و بين أن تحس أنك وهبت هذه القوة.. و أن قوتك عطية و منحة.
و لكن هذا الفرق البسيط هو فرق هائل بين عقليتين و بين سلوكين.. و هو مفرق الطريق بين الإيمان و الإلحاد.
و يبدو أن الدنيا هي الفرصة التي أتاحها الخالق لمخلوقاته لتختار طريقها بالفعل.. ليظهرنا على نفوسنا.. و يعرّفنا على حقيقتنا..
و هو يعلم من البداية استحقاق كل واحد منا و قيمته.. و لكن نحن لا نعلم.. و يتصور كل منا أنه الكامل الفاضل الذي يستحق الجنة.. و لهذا أراد بالدنيا أن تكون المحنة و الامتحان الذي يعرف فيه كل واحد نفسه و قيمته.. حتى إذا انتهت الدنيا و انتهى الزمن.. و أعيد ترتيب النفوس في درجاتها الحقة.. و نزلت النفوس منازلها و مراتبها الصحيحة.. علمت كل نفس أنه العدل.. و علم الأسفل أنه الأسفل بالفعل.. و أنه لابث في هذه المنزلة السفلى إلى الأبد.. و لا ظلم في ذلك.. لأن هذا مكانه.. و هذا هو الجحيم و هو حق.
كما أن الجنة حق.. و ما الجحيم إلا الرتبة السفلى، و ما الجنة إلا الرتبة العليا، و هذا هو التفاوت و التفاضل الطبيعي بين أعمال تتفاوت و تتفاضل بطبيعتها..
و قانون التفاوت و التفاضل هو قانون الوجود و هو العدالة بعينها.
و إنما الظلم بعينه أن يتساوى غير المتساويين.
و قصارى العدل الأرضي هو أن يساوي بين الفرص و التسهيلات، و أن يمنح كل فرد حق الدواء و الكساء و فرصة التعلم.. و لكنه لا يستطيع و لا يصح له أن يساوي بين الناس ذواتهم.
و إلى أن تنتهي الدنيا سوف يظل هناك الأعلى و الأدنى.
و في العالم الآخر سوف يكون هناك الأعلى و الأدنى.
و كل الفرق أن الأرواح في عالم الأبد سوف تنزل منازلها الحقيقية.. على حين يحاول كل إنسان في الدنيا أن يغتصب ما لا يستحق، و يحاول أن يعلو على الآخر غدرا و غيلة.
==========(45/259)
(45/260)
كيف تكسب ألف جنيه فورا
اطمئن..
لن أقول لك اقطع الكوبون في أسفل الصفحة و أرسله مع اسمك و عنوانك مع الأجوبة على الاستفتاء كذا.. و لن أحول الموضوع إلى مسابقة تنفق عليها(( سيجال)) أو إعلان توزع جوائزه (( رابسو)).
إنما الموضوع جد.
و سوف أفكر معك بجد. و لنبدأ من أمثلة بسيطة.
و في مثل هذا البرد الشديد لا بد أنك فكرت كيف تتدفأ.
و كذلك فكر الإنسان البدائي عندما داهمته أول موجة برد.. و أعمل ذهنه.. و ظل يخبط جبهته بيده و يخبط حجرا بحجر و هو شارد.. و اندلعت أول شرارة مصادفة من صك الحجر بالحجر.. و حملق الإنسان المذهول في هذه الظاهرة العجيبة.
و لا شك أنه قد اتخذها بعد ذلك لعبة.. حتى أمسكت الشرارة ذات مساء بعود قش جاف و أضرمته نارا.
و تعلم الإنسان منذ ذلك اليوم كيف يحتطب و يجمع الأخشاب، و يشعل النار و يرقص حولها، و يطهو طعامه و يتدفأ.
ثم اكتشف الفحم.
ثم اكتشف البترول.
ثم اكتشف الغاز الطبيعي القابل للاشتعال.
ثم اكتشف الكهرباء.
ثم اكتشف جهاز التكييف.
و كانت أول ثروة طبيعية للإنسان هي يديه و حيلته.
و عن طريق يديه صنع الأدوات.
و بهذه الأدوات قطع الأشجار و حفر الأرض لاستخراج الفحم.
و كان هناك رجل أكثر ذكاء اكتفى بالجلوس بعيدا لا يعمل يديه في شيء و إنما يأخذ مما جمعه العامل ليبيعه.
ثم ظهر أناس أكثر ذكاء لا يعملون أي شيء سوى أن يقوموا بالوساطة بين الأيدي التي تأخذ و تعطي، و يقبضون في مقابل هذه العملية سمسرة تفوق ما يربحه العامل و البائع.
ثم تعقدت أدوات الإنتاج لتتحول إلى مصانع.
و أصبح المصنع هو قلعة الحاوي التي يوضع تحتها التراب فيخرج منها حديدا و أسياخا و صفائح صلب و سيارات و أجهزة تكييف.. مع ربح هائل يدخل معظمه في جيب صاحب المصنع.
ثم ظهرت مؤسسات بهلوانية اسمها الشركات وظيفتها الإعلان و التسويق و الترويج و البيع و التجارة في تلك المنتجات.. تقوم بالوساطة بين المصنع و بين المشتري و تكسب من الإثنين أكثر مما يكسبه الصانع و صاحب المصنع.
و لأن المال السائل في قدرته أن يشتري المصنع و يؤسس الشركة فقد أصبح رأس المال بذاته قادرا على التوالد و التكاثر بدون أن يعمل صاحبه في شيء.. فقط ما عليه إلا أن يودعه في بنك فيلد له نسبة مئوية كل سنة.. فإذا أقام به مصنعا أو أسس به شركة فسوف يحصل على نسبة أكبر من الربح.. و إذا وقف يقامر به في البورصة على اضطراب الأسعار نزولا و صعودا مع اختلاف إلى العرض و الطلب و مع أزمات السياسة و حمى الفقر و الغنى التي تتداول الناس و الشعوب فسوف يكسب أكثرمن الكل لأنه سوف يتاجر في الفلوس ذاتها، و سوف يتاجر في التجارة و في سعر الذهب و الورق الذي لا يستقر على حال.
و الأغنياء و الأذكياء الجدد الذين اشتروا بأموالهم كل شيء مما كانوا يحلمون به من أرض و دور و قصور و متاع لم يقفوا عند حد، لأن ثرواتهم لم تكن تقف عند حد، فبدأوا يشترون الذمم ثم يشترون الأحزاب و الحكومات ثم يحركون السلطة لصالحهم فيدفعونها إلى تجييش الجيوش و غزو البلاد المتخلفة و استعمارها لتكون أسواقا جديدة، و مصادر جديدة للثروة و القوة.
و آخر صورة محزنة من هذا الذكاء البشري هو ما نراه الآن، فالأقوياء الأغنياء لم يعودوا يفكرون حتى في أن يحاربوا.. و إنما اكتفت الدول الكبرى بأن تصنع السلاح ثم تبيعه للأمم الفقيرة الصغيرة لتقتل به بعضها بعضا.. و تطوع الأذكياء بإشعال الفتن في هذه الدول الصغيرة البائسة. كلما نامت الخلافات أوقدوا نارها.. بين الهندوس و المسلمين في الهند، و بين المسلمين و المسيحيين في نيجيريا، و بين الكاثوليك و البروتستانت في ايرلندا، لتظل الحرب مشتعلة تأكل السلاح و تبقي على الصغار صغارا و تجعل الكبار أكبر و الأغنياء أغنى.
و برغم دعاوي الاشتراكية ظل القانون القديم سائدا.. إن من عنده يربح فيزداد.. و من ليس عنده يخسر أكثر فأكثر.. الكبير يزداد كبرا و الصغير يزداد صغرا.
و العلم بتطوره السريع يهدد المتخلفين الذين يزدادون تخلفا في معاركهم مع الكبار.. يهددهم بأن يتحولوا إلى قرود، بالنسبة إلى الأدوات العلمية التي تتطور في أيدي الكبار فتحولهم إلى عمالقة و أنصاف أرباب.
و الدول الكبرى لم تعد تتصرف بحكم المبادئ و الأيديولوجيات.. و إنما أصبحت تتصرف بحكم كونها كبرى و يجب أن تظل كبرى و تصير أكبر في مواجهة دول أخرى(( كبرى)) تحاول أن تكون أكبر و في حلبة الصراع بين الكبار.. تدوس الأقدام الصغار.. و تدوس مصالحهم، و تدوس حياتهم.
هل فهمت شيئا من هذه القصة.
لقد فهمت شيئا من السياسة.(45/261)
و فهمت أن الإنسان كان يكسب دائما باستخدام يديه و عقله و حيلته. و أن هناك طريقتين للكسب، أن تكسب بالحيلة الشريفة عن طريق عمل يديك و عمل عقلك، و أن تكسب بالحيلة الخبيثة عن طريق أيدي الآخرين و عقولهم، و أن في الإمكان أن تكسب ألف جنيه بشرف.. و ذلك بأن تقدم عملا أو كشفا أو اختراعا أو إمتاعا أو نفعا للناس يساوي تلك القيمة.. و لا عذر لك.. و لا يصح لك أن تتعلل بأن حظك من العلم قليل. فقد بدأ أديسون المخترع العظيم حياته صبيا يبيع الجرائد، ثم اخترع لنا المصباح الكهربائي و الجراموفون.. كما بدأ عالم الكهرباء العظيم مايكل فاراداي حياته صبيا يعمل في محل تجليد كتب، ثم اكتشف قوانين الكهرباء التي اخترعت على أساسها جميع أجهزة اللاسلكي فيما بعد.
و اللاعب البرايزيلي بيليه جمع ثروة هائلة من مجرد إتقان الجري.. و أي اجتهاد في أي شيء و لو كان اجتهادا في اللعب.. لابد أن يؤتي ثمرته.
اعمل بجد في أي شيء.
و إذا لعبت فالعب بجد.
و ابدأ فورا من الآن.
لا تبرر كسلك بأن العلم في المدارس و الجامعات و أنت محروم من المدارس و الجامعات.. فالعلم في الكتب و المكتبات.. و هو متاح على الأرصفة أرخص من علب السجائر.
و هو في دور الكتب مجانا.
و القدرة على الابتكار موهبة أودعها الله في كل عقل.. كل ما عليك أن تبدأ.
غادر مقعدك المألوف على المقهى فورا.. و اكدح بذهنك و يديك في شيء.. و لا تظن أن (( الألف جنيه)) قد وقعت على رأس أي واحد بمجرد التمني و بدون أن يجتهد في كسبها.
و تأكد أن تسخيرك لذكائك أسهل من تسخيرك للجن.
و ثق بأن مفعول ذكائك أقوى من مفعول السحر.
و إذا شككت في كلامي فاقرأ المقال من جديد لتعلم كيف قامت دول كبرى.. و كيف صنع المصنع ما لا تصنعه قبعة الحاوي.. و كيف صعد الإنسان للقمر دون بساط سليمان.. و كيف أنك مهدد بأن تتحول إلى قرد إذا ظللت جالسا في جلستك اليومية على المقهى لا تجهد ذهنك في شيء.. و العالم من حولك في سباق علمي رهيب يفض أسرار الذرة، و يسخر القوى النووية في صناعة الأعاجيب.. فيزداد الأقوياء قوة، و يزداد الضعفاء ضعفا.. إلى أن يصبح المتخلفون في مكانة القرود أو أقل من القرود.
هل تشعر بأني خدعتك.
بل لو كنت قلت غير هذا لكنت خدعتك.
صدقني..
===========(45/262)
(45/263)
التقدم إلى الخلف
حينما اكتشف الرجل الأوروبي البخار و الكهرباء، و صنع الصلب و القطارات و الطائرات، و أضاء المدن فأحال ظلامها نهاراً امتلأ شعوراً بالسعادة و العظمة.
و حينما وضع قدمه في أفريقيا السوداء نظر إليها نظرة السيد إلى ملايين العبيد المتخلفين المتأخرين، المتبربرين المتوحشين. و شعر بأن عليه واجب الأخذ بيد هؤلاء الحيوانات إلى نور المعرفة و العلم و الوصايا العشر.
و بين زنوج عراة حفاة وقف المبشر الأوروبي في ثياب نظيفة يقول لكل واحد:
لا تسرق..
و نظر كل عريان بجواره يتساءل: نسرق ماذا؟
لا أحد يملك حتى خرقة على جسده، و الطير يمرح على الشجر لمن يصطاده، و الأرض مجاناً لمن يزرعها، و الفاكهة دانية لمن يقطفها..
نسرق ماذا و لماذا؟
أسهل على الجمل أن يدخل ثقب إبرة من أن يدخل الغني جنة الله.
و لكن من هو الغني؟
الذي يملك.. الذي عنده نقود أكثر.. الذي عنده سندات و عقارات أكثر.
و لكن ليس بيننا من يملك أكثر و لا من يملك أقل. و لا نعرف ملكية. و لا نعرف نقوداً. و ليس بيننا من يملك سندات و عقارات.
هذا عين التأخر و البربرية و الوحشية!
سوف يصك لكم الرجل الأوروبي النقود. سوف يجعل بعضكم فقراء و بعضكم أغنياء. سوف يجعل بعضكم يملك و بعضكم لا يملك. و هكذا تنشأ بينكم الأحقاد فتعرفون معنى الوصايا العشر.
و لكن ما بال الرجل الأوروبي نفسه لا يعمل بالوصايا العشر؟
لماذا يسرق خيرات الغابة و يشحنها في البواخر المتراصة على الشاطئ إلى بلاده؟ لماذا يقتل العبيد بالسخرة في المناجم؟ لماذا يتزوج واحدة و يزني بألف. و لماذا يكذب على نفسه و علينا و على الله؟!
و ظلت الحياة تسير في رتابة بين المتوحشين المتبربرين تحصدهم الأمراض، و تتحالف عليهم الملاريا و الحمى الصفراء، و الحيات و الأفاعي، و رصاص المستعمرين.
و تولى الرجل الأوروبي مهمة قتل نفسه في حربين عالميتين.
و تولى حصاد المدينة التي أقامها. كلما بنى هدم، و كلما أقام حطم.
و لكن الأدوات في يديه ظلت تتقدم من طائرات إلى صواريخ، و من كهرباء إلى ذرة.
و ها هو ذا اليوم قد امتلأ شعوراً بالثقة، و قد ازداد تأكيداً أنه أصبح السيد بالفعل.
سيد من؟!!
سيد على الطبيعة و عبد لنفسه!
و هو يزداد عبودية لهذه النفس كل يوم.
تستهويه البضائع الاستهلاكية في الفاترينات، و تستعبده الثلاجة و الغسالة و العربة البويك، و الريكوردر، و الترانزيستور.
و سيطرة البضائع الاستهلاكية و الترف الشخصي تفرض نفسها على بلد رأسمالي كأمريكا كما تفرض نفسها على بلد اشتراكي كروسيا.
و من أجل مزيد من الترف و البضائع الاستهلاكية لكل فرد، و من أجل السيطرة و التحكم في الآخرين سوف تقوم حرب ثالثة، فلم تعد المسألة مسألة مذاهب. و إنما حقيقة المسألة أن الإنسان لم يتقدم و إنما تأخر. و هو كل يوم يتأخر.
الأدوات في يديه هي التي تقدمت و تحول هو من صانعها إلى خادمها ثم إلى عبدها.
لكن كل هذه البضائع الاستهلاكية ليست أكثر من لعب أطفال في فاترينة، و كل ما أحرزه الإنسان من تقدم هو تقدم شكلي.
و الإنسان في أثينا، منذ أكثر من ألفي سنة، أيام سقراط و أفلاطون و أرسطو كان أكثر تقدماً. و كان يعرف طريقه الصحيح إلى التقدم بالفعل. كان يبحث كيف يعرف نفسه، و كيف يتخلص من عبوديتها، و كيف يحقق الحرية، و كيف يحقق العدالة، و كيف يصل إلى معرفة الله. و كان كل واحد يناقش الآخر في حرية.
أما اليوم فكل واحد يطلق على الآخر الرصاص.
و لا أحد يفكر كيف يعرف نفسه، و لكن كيف يشبع نهم تلك النفس الجشعة بلا حدود.
و النفس تدفن شيئاً فشيئاً تحت ركام البضائع الاستهلاكية، يخنقها طمعها اللانهائي.
نحن نتأخر.
الأدوات في أيدينا تنمو في القوة باطراد حسابي كما تنمو الأموال تلقائياً في البنوك.
و لكن التقدم ليس أن تنمو الأدوات، و إنما أن ينمو الإنسان.
ليس أن يسيطر الإنسان على الآخرين، و إنما أن يسيطر على نفسه، على غضبه.
ليس أن يمتلك الإنسان القوة، بل أن يمتلك الرحمة.
ليس أن يفرض الشرق مذهبه على الغرب، و لا أن يفرض الغرب مذهبه على الشرق، و إنما أن ترحب الصدور ليقول كل واحد كلمته.
صحيح أننا الآن نركب صواريخ و نسير بسرعة، و لكن إلى وراء، و إلى تحت، و إلى خلف، و إلى دغل كثيف نعود فيه حيوانات أكثر افتراساً من كل الحيوانات.. حيوانات مخالبها ذرية و أنيابها نووية. مسوخ اختل فيها التوازن فأصبحت لها أبدان هائلة، و قلوب ضئيلة، و أرواح هزيلة.
الجنس البشري الآن هو الديناصور الجديد الذي سوف ينقرض.
و اقرأوا التاريخ لتعرفوا كيف كان على الأرض منذ ملايين السنين حيوان هائل ضخم كالجبل، يحكم جميع الحيوانات، اسمه الديناصور، ثم انقرض و هلك. و السبب أنه كان قوياً جداُ و مغفلا.ً
===========(45/264)
(45/265)
الرد على التساؤلات
تصلني أحيانا من القراء تعليقات جادة و تساؤلات حول مقالاتي الأخيرة.. و البعض يلتقط عبارات من كتب قديمة صدرت لي منذ عشرين عاما محاولا أن يشهد الناس.. كيف كنت ملحدا ثم أصبحت مؤمنا.. ياله من تناقض و جريمة لا تغتفر لمفكر..
و يبدو أن المفكر الأمثل عندهم هو قطعة رخام لا تنتقل من مكانها، أو مستنقع أسن لا يتجدد ماؤه، أو حياة خاملة راكدة آلية لا تتطور.
و يتصور الواحد منهم الفضيلة و الذمة في أن يكتشف الكاتب خطأه فلا يصححه و لا يرجع عنه.
و يتصور الكمال في العجرفة الفكرية و الجمود و التعصب و الثبات و لو على الخطأ ( طالما أن هذا الخطأ في صالحهم).
و لو كنت مؤمنا تحولت إلى الإلحاد لأخذوني بالأحضان، و لقالوا هذا هو المفكر الشريف بحق.. هذا هو رائد النقد الذاتي.
و لكن لمّا كان نقدنا لذواتنا على غير هواهم أصابهم عمى الألوان فرأوا الأبيض أسود، و رأوا الفضيلة رذيلة، و الذمة خيانة.
و لقد حارب خالد بن الوليد ضد الإسلام بشراسة و أنزل الهزيمة بالمسلمين في أحد.. ثم آمن و حمل لواء الدعوة و أصبح سيف الله المسلول، فلم يقل أحد إنه رجل متناقض بلا مبدأ.
و حارب عمر بن الخطاب الدعوة الإسلامية في بدايتها بضراوة ثم اعتنق نفس الدين الذي سبه و سفهه و حاربه.. فلم يشكك أحد في إيمانه و لا في صدقه و لا في ذمته.
و الإنسان في شبابه مندفع بطبيعته، يؤمن بالساذج البسيط، الواضح الملموس أمامه، و لهذا فهو يستريح إلى المادية و الفكر المادي، لأنها لا تطالبه بشيء غير الموجود أمامه، فهي تبدأ من القريب المحسوس و لا تتجاوزه، و لا تجهد الذهن استخلاصا للحكمة من ورائه.. بل إنها لا تعتقد في وجود حكمة.. لا شيء سوى المادة التي تتطور تلقائيا بقوانينها الجدلية الخاصة.
و المفكر المادي لا يحاول حتى أن يسأل نفسه من الذي وضع في المادة قوانينها الجدلية هذه.
و هو يرفض الدين لأنه غيبيات.
و هو نفسه غارق في الغيبيات إلى أذنيه.
بل إن العلم نفسه الذي يتشدق به و يحتكم إليه غرق في الغيبيات هو الآخر.
العلم يتكلم عن الإلكترون على أنه حقيقة.. و لم يرى أحد الإلكترون.. و لا نعلم عن الإلكترون إلا آثاره.. أما الإلكترون ذاته فهو غيب.
و بالمثل الموجة اللاسلكية لا نعلم عنها إلا آثارها في عمود الإرسال و جهاز الاستقبال.. لم يرى أحد تلك الموجة الأثيرية و لم يعرف أحد كنهها.
بل إن الكهرباء ذاتها هي الأخرى طاقة لا شك فيها و مع ذلك فهي مجهولة الهوية تماما.. و لا نعرف عنها إلا مجموعة آثارها الظاهرة من حرارة إلى ضوء إلى حركة مغناطيسية.
فإذا قلنا لهم إن الله بالمثل عرفناه بآثاره و إن هويته غيب لم يعجبهم كلامنا.
بل إن المفكر المادي يقول في جرأة عجيبة.. (( في البدء كانت المادة ثم تطورت المادة إلى كافة صور الحياة و الفكر )) و كأنه كان موجودا لحظة بداية الخلق متربعا في كرسي بلكون يتفرج على ميلاد الدنيا.
هو يتكلم عن غيب و يبدأ من غيب.. و لا يملك إلا افتراضات و احتمالات و نظريات.. ثم يتهمنا بالغيبية.
و هؤلاء هم دراويش المادية لا وسيلة لإقناعهم، لأنهم لا يريدون اقتناعا.. و إنما هم اختاروا الجمود العقائدي و تشنجوا عليه، و استراحوا إلى ما فيه من تبسيط مخل و تلخيص ساذج للحقائق الكونية..
و ليس أبعث للراحة من اعتقاد الإنسان أنه لا مسئولية هناك، و لا بعث و لا حساب، و أن له أن يفعل ما يشاء لا رقيب عليه و لا حسيب سوى البوليس و المخابرات.
و مثل هذه العقيدة المادية أقرب إلى قلب الشباب المندفع الذي يريد أن ينطلق على هواه بلا علامات مرور، و بلا ضوابط، و بلا مساءلة.
و ليس صحيحا أن الفكر الإلحادي المادي هو الذي أعطانا حياتنا المتقدمة بما فيها من قطارات و عربات و طائرات و صواريخ و راديو و تليفزيون.. فهذه الأشياء هي عطاء العلم.. و العلم تراث متاح للكل.. و لا مذهب له.. يطلبه رجل الدين كما يطلبه رجل الفكر من يمين و يسار.
كان العلم يرفع راياته في مصر الفرعونية الوثنية كما كان يرفع راياته في صدر الإسلام.
العلم تراث بشري لا يستطيع أن يدعي أحد ملكيته و ليس صحيحا أن الدين يناقض العلم.
و ديننا يأمر بالعلم في أول آية من القرآن (( اقرأ )).
أمر صريح بالعلم و التعلم في أول حرف نزلت به تعاليمنا السماوية.
و العلماء عندنا هم ورثة الأنبياء، و هم في القرآن في درجة الملائكة (( شهد الله أنه لا إله إلا هو و الملائكة و أولوا العلم..)) (18 - آل عمران)
و الذي يتصور تناقضا بين الدين و العلم لا يعرف ما الدين و لا ما العلم.. و إنما يريد أن يختلق لنفسه مبررا للرفض. و ما أسهل الرفض.
===========(45/266)
(45/267)
إنذار اربطوا الأحزمة على المقاعد.
هذه العبارة التي تظهر بالنور الأحمر في كل طائرة كلما بدأت في الهبوط أو الارتفاع منذرة بأن تغييرا خطيرا يقع.. أشعر الآن بأن مثل هذه العبارة تظهر في عربة الحضارة التي نركبها جميعا نحن الجنس البشري في هذا الزمان منذرة بالهبوط إلى مرحلة أسفل..
أسمع هذا النذير.. بأننا يجب أن نربط الأحزمة على المقاعد.. ليس لأننا نرتفع.. و إنما لأننا نهبط.. و نهبط.. و نتدهور.
المذابح في فيتنام.. القتل الجماعي في نيجيريا.. أنهار الدم في أنجولا.. قتال العراق و إيران و حرق اللاجئين في الأردن.. الحرب الأهلية في لبنان.. تفجير القنابل الهيدروجينية تحت الأرض و تحت البحر.. و إطلاق صواريخ مدارية تحمل الموت في أحزمة حول الأرض.
في الشرق و الغرب يخرج الوحش البشري مخالبه و يلوح بأنيابه.. لم يعد يستحي و لم يعد يخجل.. لم يعد يلجأ إلى أسلوب الديبلوماسي المهذب الذي يتكلم باسم الحرية و الديموقراطية و تحرير الشعوب من الاستغلال و الاستعباد..
لم يعد يرفع راية السلام و يردد الشعارات النظرية البراقة و يسوق المنطق الفلسفي المحكم.. و إنما كشف النقاب فجأة عن حقيقته.. فإذا بنا أمام دول كبرى تريد أن تسود.. و قوى تتصارع على السلطة لا غير..
المعسكر الشيوعي خرج منه عملاقان يبادلان بعضهما العداوة أكثر مما يبادلان عدوهما المشترك الرأسمالية.. مناقضين بذلك منطوق الشيوعية ذاتها و كأنه مجرد حبر على ورق.. لم يعد التاريخ يحركه صراع الطبقات، فها هنا معسكران هائلان.. بروليتاريا.. و بروليتاريا و كلاهما يتصارعان.
و الرأسمالية بدورها بدأت تمارس علنا أبشع جريمة في التاريخ على أرض فيتنام و الصهيونية كشفت عن وجهها في لبنان.. و الشيوعية في أفغانستان.
و الأساطيل راحت تذرع البحار تستعرض عضلاتها.
و الطائرات انطلقت تزمجر في الجو و تتنافس في بث الرعب.
و الأقمار الصناعية راحت تتسابق في التجسس.
و الصواريخ.. كل صاروخ يقول للآخر.. أنا أطول منك مدى.
القوة.. القوة.. القوة..
الحضارة المادية انتهت إلى تسخير العلم لصناعة القوة.. لابتكار وسائل الموت.. المجاعة و نقص التغذية و الفاقة تفترس قارات.. و الملايين ترصد للسلاح.. و فائض القمح يلقى في البحر ليرتفع سعره.
لقد أفلست الحضارة المادية. و إن أعلن إفلاسها.. و أشعر بأن عربة الحضارة تهبط بنا إلى أسفل و أسفل و أسفل..
و إن علينا أن نربط الأحزمة على المقاعد استعدادا للخطر الماحق.
و علينا أن نواجه أنفسنا بالحقيقة و نكف عن ترويج الأكاذيب و نكف عن التشدق بحريات لا وجود لها.
فقد عادت عصور المرتزقة و الإنكشارية.
و هناك ألوف يقبضون مرتباتهم لأنهم يقتلون تحت أي راية.
و الجاسوسية تحولت إلى فن.. (( كيف تكون جاسوسا مزدوجا )) تتجسس لأمتك و ضدها و تعمل بذمتين و لحساب من يدفع أكثر.
و المذاهب تحولت إلى ذرائع للسلطة و للاستهلاك الصحفي و تبرير تحكم الأقوياء في الضعفاء، و ظلم الأقوياء للضعفاء، و استبداد الأقوياء بالضعفاء..؟
و هذا إعلان إفلاس حقيقي.
لقد عجزت الفلسفة المادية أن تصنع إنسانا و إن كانت قد صنعت قنبلة، و نحن ماضون إلى سقوط محقق إن لم نبادر إلى تغيير دفة المركبة الحضارية كلها في اتجاه آخر. هذه المرة ليس نحو فلسفة مادية.. و لكن نحو فلسفة تعترف للإنسان بروح و ذات خلقها الله حرة جديرة بالخلود.
العودة إلى فلسفة روحية تأخذ من العلم كل ما يعطيه و تضيف عليه من خصبها.
و من أين تخرج مثل هذه الفلسفة إلا من الشرق!!
فهل يعود الإلهام فينبع مرة أخرى و هل تشرق شمس جديدة و هل يسود السلام و الإسلام أم أننا نهبط إلى هوة النهاية؟.
============(45/268)
(45/269)
فلتسقط أقنعة الإلحاد
غريب أمرهم هؤلاء من ينكرون وجود الخالق عز و جل!
و الأغرب تلك المسميات التي كل يوم يخترعون واحدة منها: الإلحاد، اللادينية، و اللاأدرية. و تحت مسمى الإلحاد يندرج بندي الإلحاد الإيجابي و آخر سلبي. حيرني هذا التقسيم، ما الفرق المعنوي بين هذين النوعين و كلاهما منكر لوجود الله؟ أهو أن أحدهم واثق أكثر من الآخر؟ هل يعني أن أحدهم قد وصل درجة اليقين؟ كيف هذا و الحقيقة في نظرهم نسبية ؟ و كيف يأتي اليقين كمحصلة للوسواس وهموم الصراع بين فكرتي الإيمان و الإلحاد؟ ألم يعترف كل ملحد بهمومه التي تختلجه و هو يفكر بتلك الحقيقة؟ فهل يكون اليقين وليد هم و وسواس أم دليل مطلق و قطعي الثبوت؟
أما اللادينية فلها إله آخر و لكل لاديني إله خاص به يصقله في مخيلته الضيقة الفكر و لا فرق بينهم و بين أهل الجاهلية إلا أن إله اللادينين ذهني أما إله الجاهلية فمصنوع من التمر أو الصخر.
و المضحك أن اللاديني يطرح العلمانية كبديل للأديان! أليس في هذا تناقض و خلط بالمفاهيم؟ العلمانية لا تلغي حقيقة الأديان و إن كانت تجمدها، فكيف يتبنى اللاديني العلمانية و هو منكر لهذه الأديان و إلهها الوحيد؟
أما اللاأدرية بأنواعها: العندية و العنادية و البارانومية الوسواسية فهي من أسخف المواقف التي يتخذها الواحد منهم درعا له و هو لا يدري أن موقفه هذا أشبه ما يكون بالمصفوع على قفاه الفكري فلا يدري أنه لا يدري و كيف يدري و هو بالحقيقة لا يدري؟
فهل العجز عن إثبات الشيء ينفي وجوده؟ و متى كان غياب الدليل دليل على الغياب؟
و الأسخف من ذلك هو أن تجد اللاأدري يتحصن بالعلم و ينسب لاأدريته لمنهاج إسلوب البحث العلمي، و هذا دليل كاف لإثبات عدم معرفتهم بمفهوم الطريقة العلمية و النهج المتبع كإسلوب في البحث العلمي الذي يتعارض و لا يتقاطع مع اللاأدرية بشيء و إلا لما سمي البحث بحثا.
و الذي خاض نقاشا مع هؤلاء المنكرون لحقيقة وجود الخالق ليدرك أن هذه المسميات ما هي إلا أقنعة و قبعات يلبسونها حسب النقاش، فتجد المصفوع فكريا بلاادريته يطرح و يتهجم بمعنويات الملحد السلبي، و بعد أن ترد عليه شبهاته فإنه يخلع قناع الإلحاد و يرتدي قناع الادينية، و عندما تطالبه بالحجة و الدليل فتراه يلبس قبعة اللاأدرية، و إذا ما أحرجته بإنتقادك له و تبيان جهله; عندها ترى موقف العندية و العنادية ظاهر جلي في ردوده.
تبا لهذه المواقف الفكرية إن تزينت بأقنعة زائفة، و إن كانت القبعات ترفع إجلالا للآخرين في بعض الحضارات، فأنا أقول فلتسقط كل الأقنعة و من تحتها كل القبعات.
===============(45/270)
(45/271)
خوفُ الملحد من الخوفِ
بسم الله الرحمن الرحيم
هذا مختصر ما قيل عن ادعاء الكافر ان الخوف من العقاب يسبق الإيمان أو على الاقل يحجب المرء من التفكير. وبذلك اعتبر الكافر نفسه انه لا يخاف من أي شيء وان عقله حر طليق.
1- الحياة دون خوف:
هذا الادعاء بني على خطأ جوهري بافتراضه ان الانسان يمكنه العيش دون ان يخشى شيئاً. وهذا قول يكذبه الواقع وغالباً ما نرى الملحد هو أكثر الناس خوفاً من رئيسه في العمل لانه في نظره أعلى قوة تتحكم في مصيره.
. إذاً من لا يخشى الله و لا يؤمن به يخشى الناس لأنهم في نظره قادرين على تغيير قدره.
. ومن يخشى الله حقاً لا يخشى الناس
ولا توجد حالة وسطى بين الاحتمالين الهم حالة اللامبالاة بالقدر والمصير. وهذه حالة المجنون فقط.
2- علاقة الخوف بالقدرة على التفكير:
القول بان الخشية تشل التفكير هو صحيح اذا لم يستعمل الانسان عقله. ولا عيب من الخوف من الحق لأنك ما كنت لتخاف منه دون الوصول اليه. وما كنت لتصل اليه دون تفكير سليم وتدبر في الخلق.
الخشية من العاقبة لم تكن أبداً كافية لتحديد عقيدة الشخص لأنه عامل مشترك بين المؤمن والكاف وأصيل في الفطرة خصوصاً في تلك اللحظة التي يميل اليها الانسان الى الايمان او الكفر. ومعلوم ان العامل المشترك لا يكفي لإحداث التغيير.
3- إذاً ما الذي يحدث التغيير فيجعل الكافر كافراً والمؤمن مؤمناً؟
العدل والحساب هو ما ينفر منه الكافر وليتخلص من خوفه من العدل يحاول اقناع نفسه ان الحاسبَ مجرد خوف وهمي.
والترتيب السببي هنا مهم جداً. فعدم رجاء الحساب يسبق التكذيب وليس العكس كما يدعي الملحد.
ونرى القرآن يشير الى هذا الترتيب في سورة النبأ: إِنَّهُمْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ حِسَابًا (27)وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كِذَّابًا (28)
4- الخوف المركب لدى الملحد
حالة الملحد هي حالة مركبة لان خوفه ليس من الحق بل هو يخاف من الخوف ذاته فيشل ذلك تفكيره.
بمعنى انه قد وضع حدوداً حمراء لتفكيره تمنعه من قبول اي دليل عقلي يوصله الى الحق الذي يخاف منه.
رغم ان حجة الله على العباد يراها كل عاقل الا ان الكافر فيرفضها رغم وضوحها لكرهه نتيجتها فتتغلب أهواؤه على عقله.
والنتيجة:
. الخوفُ من الخوفِ يشل تفكير الملحد.
. والخوف من الحقِ لا يَنتُج إلا عن تفكير وتدبر, ونتيجته الطبيعية هي الايمان.
إذاً الاختلاف ليس على البينات بل على قبولها.
مثلاً الملحد في قرارة نفسه يعلم استحالة تحويل الرمال الى مدينة ضخمة بمجرد مرور اعصار كترينا. لكنه يقبل تكون الحياة صدفة مع علمه ان الخلية اكثر تعقيد من بنايات المدينة.
والاديني يشهد ان الكون مبني على عدل ودقة متناهية ويقر ان الله عادل ومع ذلك يرفض عدله وحسابه. ليس لأنه لم يقتنع بخالق عادل بل لأنه لا يرجوا حساباً.
وبهذين المثلين البسيطين يتبين للعاقل ان الاختلاف ليس في الحقيقة على صحة الحجج بل على مدى قبولها.
خلاصة القول ان الملحد مصاب بخوف مركب أي انه يخافُ من خوف فطرته من الحق الذي يكرهه, فيمسي ضالاً مشلول التفكير لا يخجل من إيمانه بالصدفة الذكية.
====================(45/272)
(45/273)
سؤال الي كل المسلمين ..
سلامي للجميع.
هل تعتقدون ان الملحد هو مجرد شخص معاند يهوي التكبر علي الله ويريد ان يدخل النار ولا يهمه ؟؟
ام انه شخص مقتنع بكفره كما انتم مقتنعون بإسلامكم ؟؟
ما هو الفرق بين المسلم والملحد ؟؟
أليس هو العقل ؟
ما ذنب الملحد ان كان عقله هداه الي الإلحاد ؟؟
هل هو الذي اختار عقله ؟؟
المسألة ببساطة :
لماذا اعطاكم الله عقول هدتكم الي الإسلام وأعطانا عقول هدتنا الي الإلحاد ؟؟
ثم لماذا سيكافئكم الجنة علي عقولكم وسيكافئنا النار علي عقولنا مع انه هو من برمج هذه العقول جميعآ؟؟
كيف عقلك هداك للإلحاد ياعزيزى الشبح ماتركس ؟؟ اى عقل هذا الذى يقول بان الكون والانسان جاءوا صدفة بدون ارادة ؟؟ اى عقل هذا الذى يقول ان الانسان اصله قرد متطور؟؟ ياعزيزى لاتضحك على نفسك .. ان كنت مقتنع بالإلحاد حقاً فلتقنعنى به .. اهدنى الى الإلحاد الحق ؟؟ اليك اسئلة نسالها ولانجد اجابة ولكن لعلك تجيب عليها هنا.. هل تستطيع ان تشرح لى شرحاً تفصيليا متى بدأ الكون ، وكم استغرق بناءه حتى تمامه ، ومن بناه ، ومن سواه ؟؟ومن أين جاءت مكونات الكون الأساسية؟؟ ومكونات المادة الاساسية ومن أين جاءت الروح او سر الحياة كما تريد ان تطلق عليها ، وكيف اختلطت بالجسد؟؟وأول إنسان كيف كان شكله ، وكيف كانت صورته؟؟هل كان قرد ام فأر ام ضفدعة ؟؟؟وهل كان الحيوان قبل الإنسان؟ أم الإنسان قبل الحيوان؟؟ والنبات قبل هذا وذاك أم سبق الحيوان هذا وذاك؟؟ والعقل والتفكير في الإنسان كيف تشكل؟؟ وكيف وصل إلى ما هو عليه الآن؟؟ وهل يا ترى تراجع أو تطور أو ما زال يتطور؟؟والسماء هذه إلى أي شيء تنتهي إلى غاز أم إلى جماد صلب؟؟والأرض وما فيها من زرع ونبات ومقدرات تساعد الإنسان على الحياة، من أوجدها وكيف وجدت؟؟والليل والنهار والشمس والقمر من أوجدهما أو كيف وجدا، ولم كان هذا المكان مكانا لاستقرارهما؟؟والسفن كيف تطفو على الماء؟؟؟؟ من جعل هذه الخاصية في البحر يرفع هذه السفن فلا تغوص فيه ، ومن جعل هذه الخاصية في الجو يحمل الطائرات فلا تسقط ؟؟؟من أوجد هذه الأمور وكيف وجدت ؟؟؟ هل تستطيع او يستطيع الإلحاد الرد على هذه الاسئلة ام سيظل عاجز مشلول كالعادة ؟؟ ام ستقولون لنا ( لاادرى ) لايمكننا الجزم فى هذه المسالة ام ستقولون لنا خلية واحدة تطورت وتشكلت واتعجنت وطلعت بنى ادم!!! ؟؟؟ ام ستقولون لماذا لايسقط لى الزجاجة ان كان موجود فعلاً ؟؟ ام ستقولون لنا ان الحجر الموجود على كوكب المريخ اعلى منكم شأنا؟؟ ام ستقول ان عم بطوط ليس ظالماً لانه مش مقيد بقوانين الظلم ومترفع عن هذه الاشياء ( طبعاً كل هذا ماحدث من الملاحدة هنا فى المنتدى ولا اتقول عليهم شيئاً ) ام ستتجاهل كل هذه الاسئلة وتبدأ فى لصق بعض الشبهات المردود عليها من الف واربعمائة سنة؟؟ اجبنا يازميلى رجاء ان كان الالحاد هو الحق!
اما بالنسبة لسؤالك هل الملحد يريد دخول النار فهناك اصناف كثيرة من الملحدين .. ولا يمكننا حصرهم فى دائرة التكبر فقط ولكن الطبيعى انهم يبغونها عوجا :
الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً أُوْلَئِكَ فِي ضَلاَلٍ بَعِيدٍ }إبراهيم
لزميل ماتركس. كل اسئلتك تتلخص فيما يلي
افترضت ان (العقل وحده هو الذي يحدد كفرك او إيمانك)
هذا خطأ فادح يا عزيزي.
قلت ان (الله هو الذي برمج عقولنا وبالتالي إلحادك مبرمج ايضاً)
وهذا خطأ مركب لسببين.
انت تخلط بين العقل والروح.
العقل هي تلك القوة التي تمكنك من التحليل والتفكير وكفى.
العقل ليس هو الذي يميل بالإنسان الى الكفر او الالحاد كما انه ليس العامل الذي يحدد اجرام شخص او احسانه. جشعه وبخله او كرمه. صدقه او كذبه.سخطه او رضاه.... فكل ما سبق لا تحدده القدرة العقلية.
فمن اخبرك ان الايمان يحدد الذكاء؟
الشيطان لم يكن يحتاج الى تفكير ليكفر؟ لانه ادرك الله ادراك يقين لكن ما جعله يكفر هو تكبره!
ولماذا الملحد يكفر بالخالق؟ لأنه جاحد لا يرجوا الحساب وكاره للعدل منكر للجميل. ما دخل العقل هنا؟
نسأل الملحد: هل يمكن لفيضان بمجرد مروره على غابة في الامازون ان ينشئ مدينة جديدة ضخمة؟
ماذا سيجيب عقل الملحد؟
لو قال (ممكن) نقول له قد رفع القلم عنك فأنت مجنون.
واذا قال (لا) نقول له اعلم ن الخلية اكثر تعقيداً من شوارع المدينة وبناياتها. فاحكم على الخلية حكمك على المدينة لتي نتجت عن فيضان.
عقل الملحد والحالة حالتك يا عزيزي الشبح. ستلغي عقلك ليس لان الله برمجه على الكفر بل لان نفسك التي لا ترجو حسابا أعطت لعقلك الذكي فسحة للنوم.
ودعنى أجعلك مثال حي حتى نعرف ما هو سبب كفرك؟ عقلك ام نفسك؟
أخبرنا: من الاقل احتمالاً؟ تكون طائرة ركاب ضخمة بمجرد مرور عاصفة على خردة؟ أم تكون خلية صدفة؟
اعمل عقلك وعد الى قوانين الرضيات و علم الاحتمال. سيحاصرك عقلك بالحقيقة الصماء!!
وستعود الينا لاغياً عقلك باحثاً على اية حجة لإنكار حقائق علمية ورياضية.(45/274)
الآن ارد على سؤالك. الله لا يحاسبك على قدرتك العقلية بل على الغائك لعقلك متى حاصرك بحقيقة تكرهها نفسك الجاحدة .
إذاً نفسك الحرة هي التي تحاسب. اما اذا انكرت وجود النفس فبذلك تنفي عن نفسك اهم شيء يميز الكائن المفكر. وبذلك تنزل بمستواك الى درجة حاسوب لا أكثر.
وبما انك مجرد حاسوب مبرمج كما تدعي فلا يحق لك الاعتراض على مصيرك كجهاز توضع في النار.
والمضحك في سؤالك الاصلي انك تعترض على عقلك وتدعي انه مبرمج.
إذاً اعتراضك هذا الذي تخطه هنا هو جزء من تلك البرمجة.
فهل موضوعك هو اعتراض حقيقي ام فقط حدث تلقائي مبرمج؟
وهل الله برمجك حتى تعترض عليه في هذا المنتدى؟
وأنت تقرأ هذه.. تعلم جيداً انك حر غير مبرمج. لكنك تفضل الكذب على نفسك حتى تبقى ملحداً..
وستشهد على نفسك يوم القيامة بما تدركه الآن عن نفسك انها حرة غير مبرمجة.
بالله عليك ألا تعلم بينك وبين نفسك انك مخير؟
الذاريات: وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِّلْمُوقِنِينَ (20) وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ (21)
وتقبل مني فائق الاحترام في انتظار ردة فعل البرنامج الذي يسيرك دون تخيير منك!
===========
مثال كاريكاتوري على فساد المجتمع الملحد حسب رؤية الشبح:
لنتخيل مجتمع على شاكلة صديقنا الذي يؤمن انه مبرمج لا تخيير فيه. هكذا مجتمع لا ود فيه ولن تجد فيه شخص يشكر الآخرين على خير ناله منهم. لماذا سيشكرهم مادام فعلهم الحسن لم يكن خيارهم؟ بل كان ذلك مبرمج. فعلى أي شيء سيشكرهم؟
مجتمع اشباح وآليات متحركة مبرمجة مجردة من العلاقات الانسانية الطبيعية.
لماذا كل هذه المطوّلات من الأخوة المسلمين؟
ألسنا نؤمن بقول الله "ونفس وما سوّاها * فألهمها فجورها وتقواها" (الشمس 7-8).
نحن نؤمن بأن الله قد سوّى الأنفس ثم ألهمها سبيل الخير وسبيل الشر. وما لم يسوّ من الأنفس فقد رفع عنه القلم. وكمال السواء العقل فلا سمع ولا بصر ولا جوارح منوطة بالإلهام والتكليف وإنّما العقل والعقل فقط. فكم من مكلّف أصمّ أعمى كسيح أبكم. وكم من سميع بصير صحيح البدن واللسان مرفوع عنه التكليف موكول أمره إلى وصي أو حسيب. وعلى هذا الأساس سيحاسب الله كل نفس. فمن يسأل هذا السؤال لا يعدو أحد اثنين: موقن بألوهية الله وبوحدانيته ولكن يمكر كإبليس الذي علم وكفر عن عناد وفسق. أو لم تتم تسويته بالقدر الكافي لتلقي الإلهام وهذا مرفوع عنه القلم ككل غير عاقل.
ولذلك فمردّ سؤاله إليه: إن كنت فعلا لا تهتدي إلى وجود الله بعقلك وهذا لا يمكن أن تثبته لنا أبداً فإن الله لن يحاسبك على ذلك وستحاسب على ما ألهمك من مدارك الخير والشر وبقايا الطوبويات العامّة التي قد تكون تملك بعضها والله أعلم كعدم الاعتداء على حق الآخرين وعد الكذب وعدم الغش وعدم الخيانة.
لن تفيدك شهادتنا لك فستحاسب وحدك وأنت الإنسان الوحيد الذي يعلم مدى قناعتك بوجود الله ومدى إحساسك به. فهوّن على نفسك ولا تكثر مثل هذا السؤال فلن يفيدك بشيء.
صدّقني ستحاسب وحيدا على أساس ما تعلمه وتوقن به ولن تُظْلَمَ فتيلا.
إن كنت توقن فعلا بعدم وجود إله ولا تعاند ولاتكابر فسيكون هذا معلوما لله ولن يعاقبك يوم القيامة على إنكار ما لم يؤهلك لإدراكه. وإن كنت تعاند وتكابر فلابد أنّك قد وطّنت نفسك على مصيرك المحتوم ولابد أنّك تدرك بعقلك أن معاند الله مغلوب لا محالة. وإن لم تدرك هذه وتخيّلت أنّك قادر عليه أو خادعه فلا أخالك إلا مرفوع عنك القلم.
والله أعلم.
بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين .
الزميل الشبح ماتركس ..
تقول :
اقتباس:
الزميل اتماكا ..
كما هداك عقلك للإسلام هداني عقلي للإلحاد
هداك عقلك للإلحاد يعنى انت مقتنع تماماً بالفكر الإلحادى .. والاقتناع ناتج عن أدلة وبراهين قاطعة وصلتك لليقين ان الإلحاد هو الحق .. لذلك طرحت عليك بعض الاسئلة لعلك تُجيب عليها بطريقة ( عقلية ) ولكنك فضلت الصمت ( ولو كنت سألت لوحة المفاتيح لكانت اجابت ) ... ام سبب إلحادك هو انك لم تقتنع بالإديان والإلحاد الذى انت عليه مجرد مركب تعوم فى الفراغ ؟
اقتباس:
وأي عقل هذا الذي يصدق بالجن والشياطين والملائكة والجنة والنار والقبر والحشر والبرزخ والحور العين والغلمان وانهار اللبن والعسل والخمر وأرائك النحاس والفضة و ووووووووو.....
هل ترى ان كل هذا ليس عقلانى فعلاً ومتناقض مع العقل ؟؟ ام ان هذا قمة العقل . وهل تقارن بين هذا وبين العبث والقول ان الانسان عبارة عن خلية متطورة ؟ اين ضميرك يارجل ام ان هذا هو العناد فقط ؟
اقتباس:
وأي عقل هذا الذي يقول ان الإنسان اصله طين ؟؟
عقل العلماء ام سترفض العلم ايضاً تكبراً وعناداً !! طبعاً ستبدأ فى الجدل وتقول لى كيف اصل الانسان طين ان هذا لهى الخرافة بعينها ولكنى سأقول لك أجرى العلماء تحليلاً جيداً وصافياً لمكوّنات الأرض ، فوجدوا فيها أكثر من 100 عنصر من عناصر الطبيعة المعروفة حتى الآن ,, كما أجروا تحليلاً لجسم الإنسان نفسه ، فوجدوه مكوّناً من حوالي ثلاثة وعشرين عنصراً هي خلاصة عناصر الأرض ، أو العناصر المهمة فيها ، وهي كما يلي :(45/275)
مجموعة العناصر الأساسية :
الأوكسجين ( O2 )
الهيدروجين ( H )
ومن مجموعهما يتكون الماء ، الذي هو أصل الحياة ، والذي يشكل حوالي 70% من جسم الإنسان ، ومن الأرض أيضاً ...
قال تعالى مؤكداً هذه الحقيقة العلمية : (( وجعلنا من الماء كل شيء حيّ )) الأنبياء (30 ) .
الكربون ( C )
النتروجين ( N )
وهذه العناصر الأربعة تشكل أساس المواد العضوية ( السكريات ، البروتينات ، الدهنيات ، الفيتامينات ، الهرمونات ، والخمائر أو الإنزيمات ).
مجموعة عناصر أقل أهمية :
الكلور ( Cl )
الكبريت ( S )
الفوسفور ( P )
المنغنيز ( Mn )
الكالسيوم ( Ca )
الصوديوم ( Na )
البوتاسيوم ( K )
مواد أخرى جافة :
الحديد ( Fe )
النحاس ( Cu )
اليود ( I )
المغنيزيوم ( Mg )
الكوبالت ( Co )
التوتياء ( Zn )
المولبيديوم ( Mo )
مواد أخرى نادرة :
الفلور ( F )
الألمنيوم ( Al )
البور ( B )
السيلينيوم ( Se )
الكادميوم ( Cd )
وصدق الله العظيم الذي قال : (( ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين )) أي من الارض ومنها خلقت واليها تعود ايها الملحد فتنبه جيداً لهذا الامر وهذا اليوم .
اقتباس:
المشكلة لا تكمن في الطريقة التي اوصلتك الي قناعتك بل المشكلة في العقل نفسه وفي برمجته ..
كلنا يملك عقلآ ولكن بدرجات متفاوتة ولا يوجد عقل مثل الآخر وهذا ما يسبب تنوع القناعات ولذلك لا يمكن ان نقول ان فلانآ ملحد مكابر او ان فلانا مسلم علي الحق ..
ياعزيزى الفاضل مشكلة الملحد انه ينظر للنصوص الدينية نظرة غير سليمة ويخرج بتفسيرات توافق هواه ثم يخرج بأخطاء ليست موجودة فى الدين اساساً لانه بنى بحثه على باطل من البداية ومابنى على باطل فهو باطل .. فالمشكلة ان الملحد يعتقد ان النصوص الدينية بها تناقضات واخطاء بسبب نقص فهمه للنص الدينى .
اقتباس:
ما ذنبي ان كنت غير مقتنع بما يقوله الإسلام ؟؟
وما ذنبي ان كنت غير مقتنع بما تقوله الأديان الأخري ؟؟
لست مقتنع لسوء فهمك وعنادك.
اقتباس:
اذا كان العقل هو المسؤل عن توجهاتي كإنسان فهل ذنبي انني لم اختر العقل المناسب ليدلني علي الطريق المناسب ؟؟
والسؤال الذي لا جواب له وهو لماذا سيحاسبنا الله علي عقول هو من وهبنا اياها ؟؟؟؟
ارجو ان تكون قد وصلت الي ما ارمي يا زميل اتماكا
وهبك العقل ووهبك ايضاً التخيير .
الزميل الفاضل الشبح ماتركس ارى انك تتحدث فى أمور لن تصل بك الى شىء .. هل من الممكن ان تبدأ حضرتك بعرض حججك الإلحادية فى موضوع منفصل ونناقشها بهدوء .. وإن ثبت لك ان الإلحاد ماهو الا عبث فالافضل ان تختار حلاً اخر غير الإلحاد..ولاتعتقد ياعزيزى انه بكونك ملحد ستهرب من الدليل بل ان الإلحاد الذى انت عليه يحتاج لدليل فى حد ذاته .. وان خالف الدليل فيكون عبث اذن .
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة mat r ixdefense
...
الخلاصة :
لا يمكن ان يكون هناك حقيقة مطلقة في ظل إختلاف العقول , لان الحقيقة المطلقة لا يمكن ان تكون مطلقة عندما يختلف عليها الناس ,
...
بانت سعاد...
لقد ظهرت حقيقتك يا شبح فما أنت بطالب حق ولا باحث عن حقيقة بل أنت ذو غرض أراد الله أن يكشفه.
وما قولك يا ذكي في حقيقة مطلقة موجودة في مجال ليس فيه بشر, ألا يمكن أن توجد حقيقة مطلقة بدون بشر؟ لقد أثبتت الحفريات أن العالم المادي موجود قبل ظهور البشر بملايين السنين. فالحقيقة المطلقة موجودة بصرف النظر عن وجود البشر وعقولهم.
ثم إذا طرأ على هذه الحقيقة المطلقة الموجودة بشر فاختلفوا فيها, أتنعدم الحقيقة المطلقة لمجرد أن البشر اختلفوا عليها؟
والقضية التي تسميها شائكة ومن نوع فريد ليست شائكة ولا من نوع فريد. فالاختلاف طبيعة بشرية ولم يتّفق البشر على شيء والتدافع سنّة كونية. كما أن اختلاف البشر لا يكون في المعتقد فقط بل في النظريات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.
لقد جئت إلينا بريالين "نسبية" لم تع معظمهم ولم يسعك الصبر في تصيّد مناسبة لتلقيهم في وجوهنا فكان منك هذا الطيش.
الذي يحاور بالنسبية ويحاجج أصحاب العقائد لا يكون متسرّعا هكذا.
الحقيقة المطلقة موجودة ومن ينكر وجودها غير عاقل. ومن جادل بالنسبيّة جادل في معتقد الناس وقال عنه نسبي وغير مطلق. لأن الحقيقة المطلقة نفسها غيب وادّعاء عدم وجودها أصعب من ادّعاء وجودها.
إذا كنت تحدّد معتقد المسلمين بأنّه نسبي وأن معتقدات الآخرين نسبيّة أيضا فلابد أنّك تعرف المطلق!!!
لأنّه ببساطة يمكن دائما قبول احتمال أن واحدا على الأكثر من المعتقدات المتدافعة "يصادف" الحقيقة المطلقة. إثبات أن أكثر من واحد مستحيل هو إثبات سهل لأن الحقيقة المطلقة لا يعارض بعضها البعض. أمّا إثبات أن الحقيقة المطلقة لم تصادف أي واحد من المعتقدات المتدافعة فهو ادّعاء كاذب لأن صاحبه يدّعيى ضمناً بأنّه يعلم الحقيقة المطلقة وأنّه ضاهاها على كلّ من المعتقدات المتدافعة فلم يوافقها أيّ منها.(45/276)
ثم يبقى احتمال أن كل المعتقدات المتدافعة لا يوافق الحقيقة المطلقة. ولكن هذا ينطبق على ادّعاء عدم وجود إله لأن الإله لن يسمح بترك المخلوقات العاقلة من غير معتقد سليم ينبني ويستند على الحقيقة المطلقة.
إذن فالخلاصة يا ذكي أنّ:
- الحقيقة المطلقة موجودة دائما لا ينفي وجودها اختلاف البشر فيها.
- أحد المعتقدات المتدافعة على الأكثر يوافق الحقيقة المطلقة لأن بعضها لا يمكن أن يتدافع مع البعض.
- لا بد أن أحد المعتقدات المتدافعة يوافق الحقيقة المطلقة لأن الكون له إله لم يخلقه عبثا ولكن لابدّ أنّه قد أنزل له منهجا ليتّبعه.
- المعتقد الحقّ الذي يوافق الحقيقة المطلقة متناغم مع العقل.
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة mat r ixdefense
سلامي للجميع.
هل تعتقدون ان الملحد هو مجرد شخص معاند يهوي التكبر علي الله ويريد ان يدخل النار ولا يهمه ؟؟
ام انه شخص مقتنع بكفره كما انتم مقتنعون بإسلامكم ؟؟
ما هو الفرق بين المسلم والملحد ؟؟
أليس هو العقل ؟
ما ذنب الملحد ان كان عقله هداه الي الإلحاد ؟؟
هل هو الذي اختار عقله ؟؟
المسألة ببساطة :
لماذا اعطاكم الله عقول هدتكم الي الإسلام وأعطانا عقول هدتنا الي الإلحاد ؟؟
ثم لماذا سيكافئكم الجنة علي عقولكم وسيكافئنا النار علي عقولنا مع انه هو من برمج هذه العقول جميعآ؟؟
شكرآ.
الملاحدة الذين يكفرون بالله لا يخرجون عن اثنين : إما أحمق لا عقل له أو مكابر .
وصاحب السؤال يبدو أنه من الملاحدة الذين - في نفس الوقت - يخشون عذاب الآخرة و الحساب يوم البعث ، فهو من الذين يسعون لراحة الضمير في الإلحاد وهيهات !
فالإنسان مفطور على العبادة ، وهو إن لم يعبد الله عبد غيره : الهوى ، السلطة ، الشهرة ، المال ، .. إلخ . ولكنه رغم هذا له طبيعة تسعى نحو الله و عنده خوف فطري من الحساب يوم البعث فتراه يسأل و يستفسر : هل سيعذبني الله على هذه الذنوب ؟ هل سيضعني في النار بسبب كفري و جحودي ؟
والمسكين في هذه الأثناء يجري وراء المهدئات ، و يتطلع لأي كلمة من مؤمن يقول له : طالما أن عقلك الذي خلقه الله لك لم يقتنع بخالقه ، فلا بأس عليك ولا ملامة !
وكيف يقول مسلم هذا وهو يعلم أنه ربه لا يغفر الكفر أبدًا و لا يسامح فيه ؟ كيف ذلك وهو المؤمن الذي يرتجف من عذاب ربه إذا أخر صلاته عن وقتها أو تكاسل في القيام لأداء فريضة الفجر ؟ فما بالك بمن كفر بالله و الدين كله ؟!
وقد سبقني أحد الأحبة بوصف هذا النوع من الملاحدة فقال :
اقتباس:
فوق هذا تجد الواحد منهم يبغض كثيرًا انتظام صفوف الصلاة في المسجد و يجد في ذلك غيط قلبه و حرق دمه . و لأنه على رأي سوء و يدرك قبح مذهبه ، فهو يسعى بكل ما يستطيع ليشكك المؤمنين في دينهم و يلقي الشبهات في طريقهم .. هذا لأنه يعلم أنه على خطأ و قلبه يحترق و يضطرم بالشكوك ، و هذه الشكوك تحتاج إلى مهدئات ، و هذه المهدئات عبارة عن سماع من يؤيد رأيه و يؤكد مذهب السوء الذي يتبعه .
لذلك تطفح هذه الشكوك إلى السطح كلما سمع كلام المؤمنين و اصطدم باعتراضاتهم ، بل و ويله إن كانت اعتراضاتهم على مذهبه القبيح قوية و مفحمة ! و ألف ويل إن وجد أنهم مؤمنون بالله و بطاعته عن اقتناع لا عن اتباع !
عندها يحس الشيطان الذي يسكن قلبه بالخطر و تزداد شراسته في إلقاء الشبهات و في تشكيك المؤمن ! لهذا تجد الواحد منهم حريص أشد الحرص على إلقاء الشبهة و عدم إتاحة الفرصة للرد عليها .
و قد يعرف الرد على الشبهة مسبقًا و لكنه يضعها رغم ذلك ! و قد يجد الرد عليها مقنعًا فيجادل و يماري ! و قد يرى الرد فلا يبالي حتى بقراءته لأن غرضه ليس التعلم أو الحوار الجاد ، بل التشكيك !
هذه هي اللادينية يا أخوة : هي نفسها الزندقة لكن عصرية ، مودرن .. نعوذ بالله من سوء الخاتمة .
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
ابن بدر المصري
هذا الملحد يود لو كان مسلمًا مؤمنًا لا تلتهمه الشكوك ، فهو يشك في وجود الله وفي نفس الوقت يخشى عقابه في الآخرة ويجري خلف أي مهدئ لهذه النار المستعرة ، فالحمد لله على نعمة الإسلام ونعوذ به من سوء الخاتمة .
وصدق الله تبارك وتعالى عندما قال : { رُّبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ كَانُواْ مُسْلِمِينَ }
نعم يجب أن يكون للكون خالق، كما يجب أن يكون للحدث محدث، وللفعل فاعل.
ولأنه لا بد أن يكون للكون أحد ثلاثة امور ـ وهي مهمة يجب أن تتفقهها ـ:
1ـ إما أن يكون وجد صدفة من غير تدقيق ولا حكمة ولا خبرة فقط هكذا!!!
فإن قلنا أنه صدفة لزمنا امور كثيرة منها:
ان نعرف ماهذه الصدفة وهل هي معنى حقيقي قائمة بنفسها ام هي شيء معدوم؟؟ وإن كانت معنى حقيقي قائمة بنفسها فإين هي؟؟ وإن كانت معدمومة فكيف لنا أن نؤمن بالمعدوم؟؟
ويجب أيضاً أن نعرف لماذا خلقت الصدفة هذا الكون وهل هناك حكمة أم أن الأمر عبث؟؟
وهل هي خلقت هذا الكون من لحظة واحدة ام الخلق يتجدد بتجدد الزمان؟؟
2ـ وإما أن يكون وجد من عدم!!
فإن قلنا بذلك، فقد خالقنا عقولنا التي تعلم علم يقين أن العدم لا يوجد شيء، لماذا؟ لأنه عدم.
3ـ وإما أن يكون وجد بصنيع خالق.(45/277)
فإن قلنا بذلك، فيلزمنا امور كثيرة منها:
من هو هذا الخالق؟؟ وأين هو؟؟ ولماذا خلق هذا الكون، هل هو لحكمة أم عبث؟؟ وهل هذا الخالق معنى حقيقي قائم بنفسه ام لا؟؟ وهل يجب علينا أن نؤمن به أم لا؟؟
أما عن السؤال الأول وهو من هو هذا الخالق؟ فلا تجد على وجه الأرض قاطبة إلا ويؤمن بأن الخالق هو الله، إلا القليل والنادر والذين شذت عقولهم عن الطبيعة البشرية،
وأما عن السؤال الثاني، وهو أين هذا الخالق؟ فنحن المسلمين ـ معشر اهل السنة والجماعة ـ فنؤمن بأنه فوق السماء مستوي على عرشه استواء حقيقي كما يليق بجلاله، ولا نقول: بأنه داخل العالم، بل نقول: هو مباين عن العالم، لأنه لا يحيط به شيء،
وأما عن السؤال الثالث وهو لماذا خلق هذا الكون هل هو لحكمة ام عبث؟
فنحن المسلمين معشر السنة نؤمن بأنه خلق هذا الكون لحكمة وليس عبثا، كما قال جل جلاله: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاء وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ} (27) سورة ص، وقال سبحانه: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاء وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ} (16) سورة الأنبياء، فقد نزه سبحانه نفسه عن العبث، وقال سبحانه: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} (11) سورة فصلت، وأخبر أنه خلق الإنس والجن لعبادته وليس عبثا، فقد قال سبحانه: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (56) سورة الذاريات، وهناك حكم إما ان تدركها عقولنا فنعلمها وإما فلا، وإن قلت لي: لماذا لا نعلم هذه الحكمة؟ أقول لك: أنت لست مسؤول عن هذه الحكمة فقط عليك الإيمان، ثم إذا آمنت بأنه سبحانه لا يحيط به علما وأنه سبحانه أحكم الحاكمين وأنه بعباده خبير بصير فقد وصلت إلى الأمر الطلوب، وهو الإيمان بكل ما يخبره سبحانه وبكل ما أمرك به، وهاك مثالاً يوضح لك المعنى جلياً ـ إنشاء الله تعالى ـ:
لو كنت في منطقة صحراوية ويرأسك رجل لا يعرف في الزراعة والصناعة شيء,وقال لك: افعل كذا، وهو يعلم أن هذا الأمر لحكمة تقتضي مصالح جميع من تحت ولايته، وأنت لا تعلم، هل تفعل هذا الأمر أم لا؟ إن قلت: لا فقد عصيته، وإن قلت: نعم فقد أطعته، وفي كلا الحالين فقد أقررت بأنك لا تعلم حكمة ذلك الفعل، وإن قلنا لهذه الملك كن ملكا على المكان الفلاني وهو ذو زرع وخضار وفواكه ومصانع وغيرها، فمن بدهيات الأمور أن هذا الأمر لا يوافق العقول لأنه لا يجيد إدارة ما تحت يده، فإذا قلنا ذلك في ملك أنت لا تعرف حكمته وهو لا يعرف أن يدير أمر الزراعة والصناعة، فكيف تريد أن تعرف حكمة من لا يحيطون به علما وهو أحكم الحاكمين؟!!!
وأما عن السؤال الرابع وهو هل هذا الخالق قائم بنفسه أم لا:
أما نحن المسلمين معشر السنة فنؤمن أنه سبحانه معنى حقيقي قائم بنفسه له الأسماء الحسنى والصفات العلى التي لا يشاركه فيها أحد لأنه سبحانه أحد صمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد.
وأما عن السؤال الخامس وهو هل يجب علينا أن نؤمن بهذا الخالق أم لا؟
من الطبيعي والفطرة والعقل الصحيح السليم من كانت هذه صفاته فلا بد من الإيمان به لأنه لا يستحق الأمر إلا هو وحده سبحانه.
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة mat r ixdefense
وجود صحيفة السوابق قبل وجودالعقل يجعل العقل بلا فائدة !
وهل يستطيع أحد أن يجزم أن صحيفة سوابقه سوداء ، ولا حتى أنت تستطيع أن تجزم بهذا.
فليس لك أن تحتج بشئ ليس لك به علم.
وسأعطيك مثالاً بسيطاً من حياتنا ولله تعالى المثل الأعلى.
لو أن حضرتك مثلاً أستاذ تدرس للتلاميذ ، ولكنك أستاذ ماهر تعرف واجباتك جيداً ولست كأغلب مدرسى هذه الأيام وظللت طوال العام تشرح لتلاميذك بإخلاص وكنت دائماً تنبه عليهم أنه سيكون فى نهاية العام اختبار للجميع ،ثم بدأت تلاحظ جدية بعضهم وإهمال البعض الآخر ، فأخذت تنصح وتعيد النصح.
وكثيراً ما كنت تشير إليهم بأن الطالب فلان مجد ومجتهد وسوف يحصل على الدرجات العليا وأن الطالب علان مهمل ومتسيب وسوف يحصل على الدرجات الدنيا - هذا إن حصل على درجات أصلاً - وهكذا أخذت تعدد لكل منهم وتعرفه بمستواه.
وهب أنك بلغت من الكفاءة والاقتدار درجة أهلتك أن تعرف أن هذا سيجيب عن سؤال كذا وذاك سيجيب عن سؤال مذا وهكذا ....
ثم شرعت أن تضع - دون علم أى أحد منهم - درجاتهم بناءً على خبرتك بأحوالهم ، بقلمك الرصاص فى كشف خاص بك ولا يطلع عليه أحد. ولكنهم علموا أن ثمة هناك كشف ما مثل هذا.
ثم عقدت الامتحان وصححت الورق وجاءت النتائج منهم مقاربة أو حتى مطابقة لما سجلته أنت فى كشفك السرى.
هنا اسمح لى أن أسألك هذا السؤال :
هل يحق لأحد تلاميذك أن يحتج عليك ويقول : لا يا أستاذ لماذا فعلت بى هكذا وجعلتنى أرسب فى الامتحان فأنت كتبت فى كشفك درجات كذا وكذا؟
ما تعليق حضرتك على هذا؟
الشبح:
اولا:
هل تعلم أنك من أصحاب النار؟؟ بالطبع لا.
ثانيا:(45/278)
هل تشعر بأن أحد يجبرك بأن تكون من أصحاب النار؟؟ بالطبع لا.
ثالثا:
هل خفي الإسلام عليك؟؟ بالطبع لا.
فعلام هذا الإحتجاج الواهي؟!!!
ثم إن قضية ابا لهب، فهي في الحقيقة تدل دلالة واضحة وصريحة بأن الإسلام حق وأن القرآن حق، وذلك أننا نعلم جميعا أن أبا لهب من أشد الناس عداوة للرسو صلى الله عليه وسلم ، وكان هو وكفار قريش يحاولون بشتى انواع السبل ان يصدوا الناس عن الإسلام حتى إنهم قاتلوه في بدر وأحد، وأقرأ القرآن تجد قصصهم وهم يحاولون أن يصدون الناس عن سبيل الله، وهي كثيرة لا يتسع المقام لذكرها، ولكن اذكر بعضها، مثل:
قوله تعلى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ} (26) سورة فصلت
وقوله تعالى: {وَقَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأَرْضِ يَنبُوعًا (90) أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الأَنْهَارَ خِلالَهَا تَفْجِيرًا (91) أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاء كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللّهِ وَالْمَلآئِكَةِ قَبِيلاً (92) أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّن زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاء وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَّقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إَلاَّ بَشَرًا رَّسُولاً} (93) سورة الإسراء، وغيرها من الآيات التي لا يتسع لها المقام.
فلو كان القرآن كذب ومحمد ليس برسول، لقام أبا لهب أمام الناس وقال: آمنت بالله وباليوم الآخر، لكي يناقض قوله تعالى: {سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ} (3) سورة المسد، لأنه لو كان مسلما لما صح هذا الوعيد، ومع ذلك لم يفعل أبو لهب ذلك، مع أنه من أسهل الأمور، وعلم بذلك أن القرآن ليس كلام محمد ولا كلام غيره من البشر ولا الملائكة ولكنه كلام الله تعالى، كما قال سبحانه: {فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّمَا أُنزِلِ بِعِلْمِ اللّهِ وَأَن لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ فَهَلْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ} (14) سورة هود.
وأخيراً:
أبو لهب علم أنه من أصحاب النار وتحقق وعيد الله تعالى فيه ولن ينفعه ذلك الآن في قبره، وأنت لا تعلم ما هو مصيرك وما زلت في هذه الحياة وفي دار العمل، فالله الله بالتوبة والأيمان بالله سبحانه وبرسول صلى الله عليه وسلم وباليوم الآخر، ولا تكن ممن سلك منهج أبو لهب فكان من زمرته يوم القيامة وكانوا من أصحاب الجحيم، واسلك منهج الرسو صلى الله عليه وسلم وكن من زمرته يوم القيامة فتفوز بجنة عرضها السماوات والأرض.
أسأل الله أن يثبتنا على الحق، وأن يهديك صراطه المستقيم.
ياماتركس
اولا من كل ماكتبت استنتجت انك اولا : لست ملحد وانت مؤمن بوجود الخالق وبوجود الثواب والعقاب وهذا طيب الحمد لله
ثانيا : ان مايؤرقك هو انك تحس انك ذاهب لاسمح الله الى النار بقرار محسوم وانك تتصرف لااراديا
ياماتركس انت ولا انا ولا اي مخلوق دخل في علم الله ثم ان <<" الإنسان مخير فيما يعلم ، مسير فيما لا يعلم " هذا المعنى
وقس على ذلك بمعنى ان الانسان مسير في دنياه مخير في دينه مارايك ؟
إن كنت تقصد الأعمال التي يقوم بها الإنسان، فهو مخير فيها ، لأن الله تعالى ربط بين العمل والجزاء ، ولا يكون هذا إلا في جو من الاختيار ، ودليل الاختيار أن الله تعالى خلق الإنسان ، وأمره بالإيمان بالله تعالى ، ولكن الله تعالى ما أكره الناس على الإيمان به ، بل قال :" لا إكراه في الدين "، وقال : " وهديناه النجدين" ، ، وقال : " فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر " ، وقال :" من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها ".
أما الآيات والأحاديث التي يفهم منها أن الإنسان مجبر ، فليس على هذا المعنى ، فهناك فرق بين علم الله تعالى الأزلي ، وأنه لا يحدث في كونه شيء إلا بمشيئته وقدرته ، فمعناه أن الله تعالى يعلم كل شيء قد حدوثه، وأنه أعطاه الإنسان الحرية في فعل الأشياء ، ومن هنا ، يحدث في كون الله ما لا يريد ولا يقبل ، ولكنه سبحانه أعطى لنا الحرية ، فيكون في كون الله تعالى ما لا يحب ولا يرضى، وهذا أكبر دليل على أن الإنسان مخير لا مسير.
أما معرفة قبول الله تعالى للتوبة، فعلى الحقيقة لا يمكن الجزم بها ، ولكننا نحسن الظن بالله، ومن علامات القبول : أن يداوم الإنسان على فعل الخير والطاعة ، وأن يبتعد عن المعصية.
الإجابة
ارجو ان اكون قد استطعت ان اوصل لك المعنى
اسال الله لك الرشاد
==================(45/279)
(45/280)
اهل الالحاد والأمانة العلمية
الامانة العلمية هي صفات لا بد للباحث ان يتصف بها ليكون بحثه مقبول من ناحية علمية . ولا تقتصر الأمانة العلمية الى عملية العزو بشكل صحيح . وانا تمتد الى عدة أمور ومنها ما يخص النقل عن الآخر :
* ان يكون النقل كاملا وليس مقتطعا : وانما يقصد بالاقتطاع هنا ان لا يخل بكلام الآخر بطريقة يتغير فيها الكلام او يشوه .
** ان يكون شرحه لكلام الخصم حسب ما يقوله الخصم ولا يتدخل ليتغير كلام الخصم بصورة مباشرة "الكذب" ولا بصورة تلفيقية "التدليس".
*** ان يجعل الاصول هي الاساس ويجعل الشروح تابعة لها مبينة للأصل : فلا يجعل الشروح هي ما يقيد النصوص بل يجعل الشروح مقيدة بالاصول.
انظر الى شبه كل المخالفين من ملحدين وغيرهم ستجدها عكس ذلك . واتحدى من يجد اي من علماء أهل السنة من يخالف لأمانة العلمية .
================(45/281)
(45/282)
الإلحاد ... كيف ولماذا ؟!
أصول الإلحاد وفرقه
الملاحدة قوم اغتروا بعقولهم ، وظنوا أنها تستطيع إدراك كل ما هو موجود ، و ما لا يدركه الحس فليس بموجود ، ونسوا أن الله قد خلق عقولهم و حواسهم وحدد لها دائرة عملها و جعلها عاجزة عن إدراك بعض الأشياء ، لأن الله أراد الناس أن تؤمن به بظهر الغيب .
و الملاحدة عطلوا المصنوعات عن صانعها ، وهم الذين قال الله تعالى فيهم :
( و قالوا ما هى إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر ) الجاثية 24
و لو تتبعنا أصولهم لوجدناهم ثلاث فرق ..
فرقة قالت أن الله سبحانه لما خلق الأفلاك متحركة دارت عليه فأحرقته ، ولم يقدر على ضبطها والإمساك بحركتها .
و فرقة قالت أن الأشياء ليس لها أول ألبته ، و أن العالم دائم لم يزل ولا يزال لا يتغير ، ولا يجوز أن يكون المبدع يفعل ويضمحل إلا و هو يبطل و يضمحل مع فعله .
و فرقة قالت أن الأشياء تكونت من ذاتها لا من شئ آخر ، و أن الحياة ظهرت من تفاعل المواد المكونة للكائن الحى .
و أصحاب الفرقة الثالثة هم المعطلة حقا ، وهم فحول المعطلة ، وقد سرى هذا التعطيل إلى سائر فرق الإلحاد على اختلاف آرائهم وتباينهم فى التعطيل ، تماما كما سرى داء الشرك تأصيلا وتفصيلا فى سائر فرق المشركين ، على اختلاف مذاهبهم فيه وكما سرى جحد النبوات تأصيلا وتفصيلا فى سائر من جحد النبوة أو صفة من صفاتها أو أقر بها جملة وجحد مقصودها أو شيئا منها .
فهذه الأصناف الثلاثة سرى داؤها و عم بلاؤها فى الناس على مر العصور ، و هم أصل كل بلاء ومنبع كل شر و أساس كل باطل ، و لم ينج منهم إلا أتباع الرسول ، العارفون بحقيقة القرآن ، والمتمسكون بالإسلام دون ما سواه .
و فحول الإلحاد عرفوا زيفا و زورا بالفلاسفة ، و الفيلسوف كلمة معناها المحب للحكمة ، و الحكمة نوعان فعلية وقولية ، فالقولية هى قول الحق ، والفعلية هى فعل الصواب ، و كل طائفة من طوائف الإلحاد لهم حكمة مفصلة حسب هواهم يتقيدون بها و يسيرون على نهجها .
أما الحكمة الحقيقية فهى حكمة الرسل المتضمنة للعلم النافع والعمل الصالح المؤديان لاتباع الحق اعتقادا وقولا وعملا .
قال تعالى ( وآتيناه الحكمة و فصل الخطاب )
و قد اشتهر أتباع أرسطو بصفة خاصة باسم الفلاسفة ! و قد هذب ابن سينا طريقتهم وبسطها ، ثم جاء الفارابى و قدمها على طبق من ذهب للملاحدة العرب لينهلوا من أباطيلها ما يشاءون ، و يضعون الدراسات والأبحاث استنادا إلى أصولها الفاسدة !
الإلحاد أفيون الملحدين
إن مرض الإلحاد يشبه الإدمان ، فقد تعود صاحبه على إنكار الدين هربا من تبعاته ومسئولياته ، و لشعوره أن الدين ينقص من حريته بما يشتمل عليه من العبودية لله ، فالحل السهل عنده لنيل حريته كاملة هو إنكار الدين ، ووضع حائل أمام العقل لحجب كل الأدلة والبراهين والآيات التى تكشف خلل عقيدته الإلحادية ، وفى بداية طريق الإلحاد تكون هذه العملية صعبة لتعارضها مع الفطرة ، و لكن بمرور الوقت تتأصل فى النفس فلسفة إلحادية متخصصة فى قلب الحقائق والمسلمات ، والتحايل على مدركات العقل وردها ، و هذا هو الإدمان حقا !
و هذه الحالة من الإدمان هى من عقاب الله للملحدين بعد أن رفضوا العبودية لله .. فالوصول إلى حالة الإدمان يمر عبر مرحلتين :
1/ رفضهم لآيات الله و الإعراض عنها :
( و ما تأتيهم من آية من آيات ربهم إلا كانوا عنها معرضين ) الأنعام 4
( و لقد ضربنا للناس فى هذا القرآن من كل مثل ، و لئن جئتهم بكل آية ليقولن الذين كفروا إن أنتم إلا مبطلون ) الروم 58
2/ إدمان الفلسفة الإلحادية التى تحجب عن عقولهم الحقائق و سماع الحق :
( و لو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم و لو أسمعهم لتولوا وهم معرضون ) الأنفال 23
( و جعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفى آذانهم وقرا ) الإسراء 46
و هنا نصل إلى حالة من الإدمان لا يرجى شفاؤها :
( إن الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون ، ولو جاءتهم كل آية حتى يروا العذاب الأليم ) يونس 97
و تجد الملحدين دائما يدافعون عن عقيدتهم الإلحادية و يحاولون إسباغ صفة العلمية عليها و وضع النظريات و الافتراضات مع استمرارية التفكير فيها ، و ذلك أنهم فى ريب منها ، و يحاولون بدفاعهم عنها إقناع أنفسهم بها قبل إقناع الآخرين ، و لكنهم يخدعون أنفسهم ، ويعيشون فى حيرة و عذاب من عقيدتهم غير الواضحة ، والتى تتباين بين فرق الإلحاد على اختلاف مذاهبهم وآرائهم ، ، و هذه الحيرة و العذاب من عقاب الله لهم فى الدنيا ( و من أعرض عن ذكرى فإن له معيشة ضنكا و نحشره يوم القيامة أعمى ) طه 124
أغلب الملحدين من الدهماء والأميين ، وقله منهم هى التى خاضت فى الفلسفة ، وهذه القلة وصلت لنفس النتيجة التى توصل إليها الأميين ، و آمنوا بنفس العقيدة الإلحادية !!
فهل حقيقة الإلحاد معقدة حتى لا يتسنى اعتقادها إلا للدارسين العالمين بحقيقة الإلحاد وفلسفته ؟
كلا ..(45/283)
هذه العقيدة يعتنقها الأميون أولا قبل غيرهم .. و ما داموا قد اعتنقوها فلا يجوز أن نزعم أنهم لا يعرفون حقيقتها ، فاعتقاد الشئ لا يأتى إلا بمعرفة حقيقته ، هكذا علمنا المنطق ، و عليه نقول أن حقيقة الإلحاد معروفة للجميع و ليست بحاجة إلى دراسات ، و كل ما كتبه أئمة الإلحاد هو محاولة للترويج لهذه لحقيقة الإلحاد المعروفة فى شكل علمى معقد لفتنة الناس بها .
القصيمي نموذج للغباء الإلحادي
يقول عبدالله القصيمي
إن لك آلهة ونظماً ومذاهب , وان للآخرين آلهة ونظم ومذاهب , وأنت ترى ببساطة أن آلهتك ونظمك ومذاهبك هي وحدها الحق والمفروضة على كل البشر - تستيقن ذلك وقد تحارب عليه , كما تستيقن أن آلهة الآخرين ونظمهم ومذاهبهم هي الباطل . فأنت إذن الذكي الخير الذي يعرف الحق ويتبعه , والآخرون إذن هم الأشرار لأنهم لا يتبعون الحق , أو هم الأغبياء لأنهم لا يعرفون الحق , أو هم الأشرار والأغبياء لأنهم لا يستطيعون أن يعرفوا الحق , ولأنهم كذلك لا يتبعون الحق ولا يريدون أن يتبعوه لو عرفوه . إذن فأنت بلا شك , وبكل يقين , وبكل تواضع , الوحدة القياسية للإنسان الأعلى وللخير والجمال والذكاء
تكشف هذه المقولة لعبد الله القصيمى أحد فحول الإلحاد الهالكين , عند مدى سطحية الملحدين فى النظر للأمور !!
فهو بكل سذاجة يساوى بين الله و بين باقى الآلهة المزعومة التى اختلقها البشر !!
يساوى بين الله الذى أخبر عن نفسه فى الكتب السماوية ، وبين باقى الآلهة المزعومة التى اخلقتها قريحة أذهان شياطين الإنس و أخبرت عنها !!
يساوى بين الله الذى تحدى كل الإنس والجن أن يأتوا بمثل القرآن ، وبين باقى الآلهة المزعومة التى لم ينقل عنها جملة مفيدة !!
يساوى بين الله الذى تجلت قدرته فى عدة أمور مثل نبوءات القرآن المستقبلية التى تحققت ، و إهلاكة للأمم السابقة ، و إهلاكه لجيش أصحاب الفيل الذى شهدته قريش ، و غير ذلك، و بين الآلهة التى لم تستطع فعل شئ !!
يساوى بين الله الذى أعلن أنه الإله الواحد ، وبين باقى الآلهة المزعومة التى تركت الله يعلن عن وحدانيته دون أى اعتراض منها !!
فما بالكم بتلك الآلهة المزعومة ؟ هل هى نائمة أم فى غفلة ؟
هذه مشكلة الملاحدة ، المساواة بين الآلهة ، و كما ثبت أن الآلهة المزعومة فى الديانات الفاسدة هى آلهة مبتدعة بلا أصل ، فقد ألحقوا الله ( سبحانه وتعالى عما يلحدون ) بهذه الآلهة !!
هكذا بكل بساطة وسذاجة وغباء!!
الملاحدة بين الحرية والعبودية
تظن بعض طوائف الإلحاد أن الدين يجبر الإنسان على أفعال معينة فى العبادات والمعاملات ، و هذه القيود تفقد الإنسان حريته ووجوده ، و يصبح كالعبد ، ولذا كان الدافع الوحيد لميلهم نحو الإلحاد هو الحصول على الحرية المطلقة ، ولا تعني الحرية المطلقة هنا حرية إرتكاب الجرائم مثلا ، و لكن تعني حرية وضع الأطر والمبادئ التى يسيرون عليها فى حياتهم ، بغض النظر عما إذا كانت هذه الأطر والمبادئ مثالية أو انحرافية !
و لذا فالرغبة الجامحة من قبل الملحد فى الحصول على هذه الحرية المطلقة تؤثر تأثيرا مباشرا على نظرته الموضوعية للدلائل والمعطيات التى تبطل اعتقاده ، و تصبح هذه الرغبة بمثابة ساتر يحجب الحقيقة على العقل ، و قد عبر القرآن عن هذا الساتر بأن طمس على القلوب والأبصار !!
و تفكير الملحد يتأثر بأهوائه و رغباته التى ترفض التنازل عن الحرية المطلقة ، و ترفض أى صورة من صور العبودية و لو كانت لله ، و تخلف درجات هذا التأثر أو الطمس على القلوب والأبصار ، فبعض الملحدين يصل إلى درجة الاعتقاد بعدم وجود الله ، والبعض الآخر يصبح الأمر عنده مشكوكا فيه مع اختلاف درجات هذا الشك كراجح أو مرجوح !
و العجيب أن الملاحدة الذين يرفضون العبودية لله تجدهم فى حياتهم العامة كثيرا ما يمرون بمواقف تفرض عليهم حالات من الذل و الانصياع لرغبات غيرهم من البشر الذين يتفوقون عليهم فى أسباب القوة ، فيصبحون كالعبيد مجبرين على أشياء لا يرضونها ، فكأنهم فروا من العبودية لله ، و رضوا بالعبودية للبشر !
لقد رفضوا العبودية لمن خلقهم و نسوا أن أمرهم كله بيده ، و أنه وهب لهم السمع والأبصار و الأفئدة ، و أنه يستطيع أن يسلبها منهم متي أراد ، فلم يرفضون العبودية ؟ .. إن هذا الرفض من جانبهم للعبودية سنة كونية ، فقد شاء الله أن يكون هناك مؤمن وكافر ، وأراد أن يعبده الناس فى الدنيا بمحض إرادتهم واختيارهم دون إجبار منه ، ولو أراد إجبارهم لأجبرهم ، فاستخدم الملحدون هذا التخيير فى التنصل من قيود العبودية لله ، و لكن هذا التخيير غير موجود مع البشر ، فيضطر الملحدون الالتزام بالقيود التى يفرضها المجتمع و من له عليهم سلطان وهم صاغرون ..
أى أنهم يرفضون العبودية لله بينما هم غارقون حتى آذانهم فى العبودية للبشر ..
فقط …لا أكثر ..
قوانين الطبيعة تبطل الإلحاد(45/284)
يظن بعض الملاحدة أنهم يحكمون عقولهم فى النظر مستندين إلى قوانين الطبيعة ، و الواقع أن قوانين الطبيعة هي أول ما يبطل أوهامهم الإلحادية ، حيث يظنون أن الحياة ظهرت فى لحظة يسمونها ( الانفجار العظيم ) .
يتفق علماء الطبيعه على أنه لا يمكن خرق قانون في الطبيعة و هو ( قانون الأنتروبي )
قانون الأنتروبي يؤكد أنه لا يمكن لأي نظام أن يتجه الى تنظيم أرقى بصورة تلقائية , بمعنى أن جميع الأنظمة يجب أن تتجه بشكل أو أخر نحو تطورات عشوائية , مثلا يمكن أن يتهدم المنزل لكن من المستحيل أن يعود لصورته الأولى بواسطة الطبيعة وبدون تدخل خارجي ، وعندما تشرع فى بناء منزل جديد ثم تتوقف عن إكماله فمن المستحيل أن تكمل الطبيعة بناءه أو تطوره إلى صورة أرقي , ولو وضعت بعض الماء فى وعاء مكشوف فسيتبخر الماء خلال فتره زمنية و لن يبقي متجمعا الوعاء ذاته و لا يمكنك أن تحدد مكان جزيئاته المتبخرة .و لا يمكن إعادتها إلى الوعاء بدون تدخل خارجي .
فلو فرضنا صحة الانفجار العظيم المزعوم ( و هو خاطئ حتما ) فإن علماء الطبيعة يقولون أن الكون بدقته المتناهية و بما فيه من مجرات ونجوم وكواكب لا يمكن أن يكون قد تكون إلا فى لحظة قدرها 1 ÷ 10 أس 40 من الثانية ، فلو زاد الزمن عن ذلك لانتفخ الكون بشكل أسرع من أن يحدث تنظيم للمجرات و الكواكب والنجوم ، ولو كان ابطأ لانكمش الكون على نفسه مرة أخري و زال بسرعة!
أذا لو فرضنا صحة هذه الفرضية ( وهي خاطئة بلا ريب ) فقد تم خرق قانون الأنتروبي في أول لحظة من تكون الكون ، ولم يتم خرقه مرة واحدة بل ملايين المرات وفى لحظة واحدة !!
ولو كان قد حدث هذا الخرق لقانون الانتروبي مرة فخرقه مرات أخرى سيكون أمرا طبيعيا , وهو يتنافى مع علم الطبيعه .
و كذلك وفقا لرؤية الملاحدة فإن قانون الأنتروبي تم خرقه مرة أخرى في نشأة الحياة على الأرض , فالكائن الحي تنظيم بالغ التعقيد للذرات , كيف تكون هذا الكائن ؟
هل يمكن أن تتطور الجزيئات و الذرات بفعل الطبيعة بدون تدخل خارجي ، ثم تتطور نحو الأرقي حتى تصل للإنسان خارقة بذلك قانون الأنتروبي بشكل صارخ ؟
كذلك يكسر الملاحدة بمعتقداتهم قوانين ( ميكانيكا الكم ) فيقولون أن الكون تكون بنفس الكيفية التى تتكون بها الجسيمات التقديرية كالشهب والنيازك و لكنهم ينسون أن هذه الأجسام لا تدوم و لا تتحرك بدقة متناهية مثل الحركة فى المجرات ، و أن تنظيم الحركة في هذه المجرات يلزمه دفعة من الطاقة شديدة الدقة تسمح بتكوين الجسيم والجسيم المضاد ، و أي تغير فى مقدار الطاقة بالزيادة أو النقصان سيخل بالحركة المنتظمة فى المجرات ، فهل كان هذا الانفجار المزعوم ذكيا لتوزيع الطاقه بهذه الدقة على المجرات ؟
المشكلة أن الجهل هو الباعث الأول للإلحاد !!
والجاهل يبقي متخبطا لا يدري يمينه من شماله !
ورحم الله بعضهم ، قال أن العالم يقوده العلم إلى الإيمان !
الصدفة
إن قال قائل ظهر العالم صدفة، فالرد عليه بتجربة بسيطة افترضها أحد علماء الغرب الرادين على القائلين بظهور العالم صدفة، وقد كان رده كالتالي:
يستحيل أن يتسق هذا الكون بقوانينه وترتيبه الدقيق صدفة، فأنت لو وضعت 10 قرود في غرفة مغلقة ووفرت لهم أسباب العيش ووضعت لكل منهم ءالة كاتبة وتركتهم يضربون على هذه الآلات إلى أن يموتوا جميعاً فلن تجد بعد ذلك أن واحداً منهم قد أتى صدفة بقصيدة لشكسبير.
وهذا المثال واضح على فساد نظرية الصدفة، فلو قال قائل خلقت الطبيعة نفسها، فهذا أوهى ممن يقولون وجد العالم صدفة، وذلك لأن أصحاب القول بنظرية الصدفة أسندوا فعل الخلق والوجود إلى الصدفة تمويهاً، بينما أصحاب القول بأن العالم أوجد نفسه أو الطبيعة أوجدت نفسها فقد أسندوا الفعل إلى الفاعل وهو في حال العدم وهذا ظاهر الفساد لا يحتاج لرد، فكيف يمكن للشيء الغير موجود أن يكون له فعلاً يؤهله أن يوجد نفسه، فإذا كان الموجود المخلوق كالإنسان يستحيل عليه أن يظهر شيئا من العدم إلى الوجود فكيف المعدوم سيظهر نفسه.
معرفة الله ممكنة ولكن ليس معنى المعرفة الإحاطة فالعقل البشري عاجز عن الإحاطة بالله، فالعقل المخلوق لا يحيط بالخالق ولا يحتمل ذلك ولا يقدر عليه وذلك أن بعض المخلوقات لا يقدر على استيعاب حقيقتها والإحاطة بها فكيف بالخالق.
مثلا لا يعرف العقل ما حقيقة الروح التي بخروجها من الجسد يصير الجسد ميتا لا يتألم ولا يفرح ولا ينمو ولا يمرض، مع أن تركيبه الكيميائي لم يتغير عن الجسد الحي إلا بعد فترة من الموت، فما هو هذا الشىء الذي كان فيه ثم بخروجه مات، لا نعلم عنه غير أنه الروح، والروح مخلوق من مخلوقات الله، فما بالك بالذي خلق الروح.
كما أن الله أراد الناس أن تؤمن به بظهر الغيب ، ليجد الشيطان سبيلا إلى البعض فيكفرون ، ولو شاء الله لآمن من في الأرض كلهم جميعا ، وهذا من حكمة الخلق .(45/285)
العجز عن أن تحيط بالله وتدركه إدراكك لبعض مخلوقاته إنما فيه إقرار أنه الخالق الذي لا شريك له المتصف بصفات الكمال المنزه عن النقص ، وهذا الإدراك هو الذي يقدر عليه عقلك وابتغاء ما وراء ذلك خارج عن قدرات عقلك.
كيف يواجه الملحد العذاب النفسي؟
لعل من أبرز آثار الإلحاد في نفوس الملحدين هو القلق والحيرة والاضطراب والصراع النفسي.فأي إنسان يسأل نفسه بالفطرة : لماذا خلقنا؟ ومن خلقنا؟ وإلى أين نسير؟ و لكن الاندماج في معترك الحياة ومشاكلها يصرف الإنسان أحياناً عن الإمعان في جواب هذه الأسئلة، والبحث عن سر الحياة والكون و لكن الإنسان يصطدم كثيراً بمواقف وهزات تحمله حملاً على التفكير في هذا السؤال، فالأمراض والكوارث، وفقد بعض الأهل والأصدقاء، والمصائب التي تصيب الإنسان ولا بد تفرض على الإنسان أن يفكر في مصيره ومستقبله و إلي أين يمضي بعد هذه الحياه التي قد يفقدها في أى لحظة ، ولما كان الإلحاد عقيدة ( اللاأدرية و غياب اليقين ) لأنه يقوم على افتراض عدم وجود إله مع عدم الجزم بذلك كحقيقة مطلقة ، فإنه لا يقدم شيئاً يخرج هذا الإنسان من الحيرة والقلق والالتباس ويبقى لغز الحياة محيراً للملحد ويبقى رؤية الظلم والمصاعب التي يلاقيها البشر في حياتهم كابوساً يخيم على النفس و يلاحقها في أفكارها ،ويظل الإلحاد عاجزاً عن فهم غاية الحياة والكون، ولا يقدم للإنسان إلا مجموعة من الظنون والافتراضات لا تقنع عقلاً ولا تشفي غليلاً. ومع إلحاح نداء الفطرة الداخلي وتردد تلك الأسئلة الخالدة في النفس يظل الإنسان قلقاً معذباً حائرا .
فكيف يواجه الملحد هذا العذاب ؟
كان تعطيل العقول هو سبيل الملاحدة للهروب من هذا العذاب النفسي ولكنه هروب مؤقت إذ لا يلبث الملاحدة أن يقعوا في براثن تلك الأسئلة الملحة ، حتى أن القبطان ( كبير ملاحدة الأثير ) يكتب في توقيعه : (كل مشكلة معقدة لها حل بسيط وواضح.. ..وهذا الحل خاطئ ) ، و مشكلة فهم سر الحياة والوجود مشكلة معقدة ، و حل مشكلة عدم قدرة الحواس على الإدراك والمعرفة لهذا السر يكون بالحل البسيط والواضح و هو الصدفة ، و يعترف القبطان أن هذا الحل خاطئ !! و مع ذلك يتبناه !!
ومن المظاهر البارزة لتعطيل الملاحدة لعقولهم أن البعض منهم قد برروا إلحادهم بتعدد الأديان والمذاهب و اختلافها وعدم اتفاقها على شئ !! و لم يكلفوا أنفسهم مشقة البحث والمقارنة لمعرفة الحق فقد تركوا لمن سبقهم مهمة البحث ، و لم يروا في أنفسهم أكثر من مقلدين ، وهذه النقطة تكشف عدم ثقتهم في قدرات عقولهم على التمييز بين الحق والباطل !
مثال لتعطيل الملاحدة لعقولهم :
يرى بعض الملاحدة أصحاب بعض الأديان الباطلة يرفضون الوحدانية لله و أنه إله واحد أحد لا شريك له في الملك، فبعضهم عبر عن هذا القول بإلهين، إله للخير وإله للشر كالمانوية، وبعضهم قال بأكثر من إلهين كاليونان القدماء والفراعنة، و لو استخدم الملاحدة عقولهم لعلموا أن كلا القولين فاسد بالنقل والعقل، أما العقل فنقول :
لو كان للكون إلهين وأراد أحدهما أن يعدم شيئاً موجوداً وأراد الآخر أن يبقى هذا الشيء موجوداً فيترتب على ذلك ثلاثة احتمالات:
الأول: أن ينفذ مراد أحدهما ولا ينفذ مراد الآخر.
الثاني: أن لا ينفذ مراد أي منهما.
الثالث: أن ينفذ مراد كل منهما.
فلننظر إلى هذه الاحتمالات الثلاثة التي لا رابع لها: فلو نفذ مراد أحدهما ولم ينفذ مراد الآخر، فالذي لم ينفذ مراده يكون عاجزاً لا يقدر على إنفاذ حكمه والعاجز لا يكون إلهاً.
ولو لم ينفذ مراد أي منهما فإن الإثنين عاجزين والعاجز لا يكون إلها.
ولو نفذ مراد كل منهما فهذا مستحيل ولما وجدنا أي خلق في الكون وأي اتساق لقوانينه لأنه لا يجتمع العدم والوجود في ءان واحد معا في جسم واحد، فهذا من باب المستحيل العقلي .
فلذلك لا يكون للكون إلهين فضلا عن أكثر من ذلك، وإلا لفسد الكون وهو مصداق قوله تعالى: (لو كان فيهما ءالهة إلا الله لفسدتا) الأنبياء 22.
و لكن الملاحدة لم يستخدموا عقولهم لاكتشاف هذه الحقيقة الواضحة ، بل تلقوا القول ممن قالوه و اعتبروه مع غيره من أقوال أصحاب الأديان الأخري على قدم المساواه و ليس إلا نتاج فكر مجموعة من الناس في حقبة زمنية معينة ! و لم يكلفوا أنفسهم مشقة البحث والنظر المقارنة لمعرفة الحق .
خلاصة
دأب بعض الملحدين والمشككين فى آيات الله على محاولة استدراج المسلمين إلى النقاش والجدال حول مدى عدالة آيات الله وأحكامه الواردة فى الكتاب والسنة ، فهم يريدون إما إدراك ما تعجز عقولهم القاصرة عن إدراكه أو تشكيك المسلمين فى دينهم ، فما السبيل فى مواجهة هؤلاء عندما يطلبون منا الحوار ؟
لتحديد هذا السبيل ، علينا النظر فيما أورده القرآن فى كيفية التعامل معهم .. حتى لا ننساق فى حوار وجدال معهم آملين لهم الهداية ولن يهتدوا إذا أبدا …
عندما يقولون أن هذا القرآن قد افتراه النبى …
نقول :
فلتأتونا بسورة كسور القرآن إن كنتم صادقين(45/286)
_( أم يقولون افتراه قل فاتوا بسورة مثله وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين ) يونس 38
فإن عجزوا وأصروا على قولهم نقول :
إن كان النبى قد افتراه فعليه إجرامه ، ونحن نتبرأ من إجرامكم .
_( أم يقولون افتراه ، قل إن افتريته فعلى إجرامى وأنا برئ مما تجرمون ) 35 هود
عندما يحاولون جرنا إلى الجدال حول مدى عدالة أحكام معينة علينا أن نعرض عنهم لأن الاستجابة لهم والدخول فى جدال معهم سيوقعنا فى الشرك !
( وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم ،وإن أطعتموهم إنكم لمشركون ) 121 الأنعام
فلو رجعوا إلى القرآن لعرفوا الحق ولما احتاجوا إلى الجدال ..
_( ولقد صرفنا فى هذا القرآن للناس من كل مثل وكان الإنسان أكثر شئ جدلا ) الكهف 54
فما دفعهم إلى الجدال إلا الكبر ، فعلينا الابتعاد عنهم والاستعاذة بالله
_( إن الذين يجادلون فى آيات الله بغير سلطان أتاهم إن فى صدورهم إلا كبر ما هم ببالغيه ،فاستعذ بالله إنه هو السميع البصير ) غافر56
الجدال معهم لن يؤيدى إلى نتيجة لأن الله طمس على عقولهم فهم لا يفقهون شيئا ولا يعقلون.
1/( وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفى آذانهم وقرا ،وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها ، حتى إذا جاءوا يجادلونك يقول الذين كفروا إن هذا إلا أساطير الأولين ) الأنعام 25
2/( والذين كذبوا بآياتنا صم وبكم فى الظلمات ) الأنعام 39
3/ ( ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه فأعرض عنها ونسى ما قدمت يداه ، إنا جعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفى آذانهم وقرا ، وإن تدعهم إلى الهدى فلن يهتدوا إذا أبدا ) الكهف 57
وعندما نسمع استهزائهم بآيات الله لا نرد عليهم و لا نكشف أباطيلهم ، بل ننصرف عنهم ، وإن لم نفعل ذلك صرنا مثلهم ..
(إذا سمعتم آيات الله يكفر ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا فى حديث غيره ، إنكم إذا مثلهم ، إن الله جامع المنافقين والكافرين إلى جهنم جميعا ) 140 النساء
وحالهم فى الدنيا هو السخرية من الأحكام والآيات والتشريعات ، ويضحكون من الذين آمنوا ..
1/(إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون وإذا مروا بهم يتغامزون وإذا انقلبوا إلى أهلهم انقلبوا فكهين ، وإذا رأوهم قالوا عن هؤلاء لضالون ) المطففين 32
2/ ( وإذا رأوا آية يستسخرون ) الصافات 14
والحوار معهم حرمه الله ، لأنه يعلم أنهم لن يؤمنوا بعد ان عرفوا الحق وجادلوا فيه …
والله لن يهديهم ..
_( إن الذين لا يؤمنون بآيات الله لا يهديهم الله ولهم عذاب أليم ) النحل 140
فقد شاء الله أن يظلوا على شكوكهم حتى يأتيهم العذاب ..
_( ولا يزال الذين كفروا فى مرية منه حتى تأتيهم الساعة بغتة أو يأتيهم عذاب يوم عقيم ) الحج 55
_( لا يؤمنون به حتى يروا العذاب الأليم ) الشعراء201 ،
-(وإن تدعهم إلى الهدى فلن يهتدوا إذا أبدا ) الكهف 57
لقد قال لهم الله اعملوا ما شئتم ، ولم يدعهم إلى الهداية فلا هداية لهم ..
_( إن الذين يلحدون فى آياتنا لا يخفون علينا ، أفمن يلقى فى النار خير أمن يأتى آمنا يوم القيامة ، اعملوا ما شئتم ، إنه بما تعملون بصير ) فصلت 40
==================(45/287)
(45/288)
الملحد ابنُ مَن؟
يتكلم الناس كثيرًا عن أصول الإلحاد والفلسفة وما يتعلق بهما.. ويناضل من يناضل لأجل نشر الفكر الإلحادي... لكنه سرعان ما يعجز وينهزم أمام سور العقل السليم الذي يأبى الإلحاد وينكره.
وعلى الجانب الآخر نرى كثيرًا من الأفاضل يقفون للدفاع عن الدين الإسلامي ويستبسلون في ذلك جزاهم الله خيرًا وجعله في ميزان حسناتهم.
ولاشك أنه عمل عظيم يستحقون الإشادة بعملهم والثناء عليهم.
لكن ما رأيكم لو رجعنا للمسألة من جانب آخر ونتساءل فيه: لماذا الإلحاد؟ ولماذا اللادينية؟ ولماذا الانحراف الفلسفي التائه في الظلمات؟
بطبيعة الحال السؤال ليس موجَّهًا للمسلمين فهم في غنى عن ذلك كله بحمد الله.. لكنه موجه لأولئك الذين يعتنقون مثل هذه الأفكار الإلحادية واللادينية والفلسفية.
الإنسان يا سادة ابن نفسه قبل أن يكون ابن بيئته... هذه من المسلمات التي لا تقبل الشك يا سادة يا كرام.
فهل الملحدون أولاد أنفسهم؟
وهل اللادينيون أولاد أنفسهم؟
وهل الشاك في وجود الله ابن نفسه؟
أو الشاك في الحقيقة ابن نفسه؟
وهل صاحب الحقيقة النسبية ابن نفسه؟
الجواب بطبيعة الحال: ليسوا بأولاد أنفسهم.. بل هم قد خرجوا من أنفسهم واعتنقوا شيئا مخالفًا لأنفسهم ولطبيعتها ... ولذا تراهم في نكد مستمر وانفصام شخصية دائم ومتواصل .. يودي ببعضهم أحيانًا إلى الانسلاخ من الدنيا كلها والانتحار ليتخلص من عناء الانفصام بين نفسه وبين أفكاره المخالفة لطبيعته النفسية.
تتضح المسألة اكثر يا سادة إذا علمنا أن الإنسان كائن حي اجتماعي بطبيعته يتأثر ويؤثر في مجتمعه المحيط به.. لكنه قبل ذلك ابن نفسه .. فهو يحمل صفاتها.. ويمشي بجينات وراثية .. وطبيعة نفسية لا يتخلى عنها مدى حياته.
ومن الأولى والأرفق والأجدر به أن يحرص على التوافق بين طبيعته النفسية وبين ما يعتنقه .. وأن لا ينسلخ منها إلى عالم لا يتلاءم معها فيقع في انفصام الشخصية الذي ربما أدى به إلى الانتحار بعد رحلة عذاب مريرة في حرب دائرة صباحًا ومساءً بين الطبيعة النفسية الخاصة به وبين ما يعتنقه من أفكار مخالفة لطبيعته.
وسأضرب على ذلك مثلا مشهورا بيننا وهو استخدام المنهج الشكي للوصول إلى حقائق.. وهذا مثل غريب جدا.. فالشك ظن وليس بيقين.. ولذا فإنه من المستحيل أن نصل من خلال الشك إلى حقيقة ويقين... ولذا أخذت كافة قوانين نظريات الأرض وأوساطها العلمية والنظرية باستبعاد الأدلة التي يدخلها الشك.. وترك الاعتماد على نظريات وأقوال مشكوك فيها.
بل يا سادة إذا تردد خبر موت أحد الرؤساء في عصرنا... لكن في الوقت نفسه لم يتحقق الخبر .. وبناء على عدم تحقق الخبر سنرى الكل صامت يردد إشاعات ويعترف بإن الخبر لم يتحقق رسميًا.. وسيبقى الجميع في انتظار تأكيد رسمي يثبت الخبر من خلاله .. أو يصدر نفي رسمي يكذب الخبر.
معادلة بسيطة جدًا ومثال واضح كما ترون يا سادة يا كرام .. من خلاله نفهم أن الشك يستحيل أن يكون يقينًا.. ويستحيل أن يوصلنا إلى يقين... لأنه ليس يقينًا في نفسه.
تعالوا نرى الملاحدة واللادينين ماذا فعلوا؟
شك البعض في وجود الله.
وقال آخرون: الشك طريق لمعرفة وجود الله.
والبعض منهم يرى أنه يشك حتى في وجوده لكي يصل لوجوده.
وبعضهم يشك في شكه.
ونحن لا نطالبهم بشيء أبدًا إلا بأمر واحد فقط لو اعترفوا به فسيهدم المعبد على رؤسهم جميعًا وسيحطم أصنامهم!
والغريبة أنه ليس أمرًا صعبًا ولا جبلا عسيرًا.. ولكنه في غاية من البساطة والسهولة.. أو كما يقولون من السهل الممتنع.
أو هو القشة التي تقصم ظهر البعير.
وهو ببساطة يتلخص في الاعتراف بحياتهم... فقط يعترفون بأنهم أحياء... يمشون ويتنفسون.. ويأكلون ويشربون.. ولهم أسماء معروفه بين الناس.
لا نريد منهم أكثر من ذلك أبدًا.
أترون أبسط من هذه المطالب؟
كما قلت لكم يا سادة المسألة في غاية البساطة أو هي القشة يا سادة.
اعترافهم بحياتهم يعني إثبات حقيقة وجودهم... فالحقيقة هنا ستكون هي الأصل.. وأما الشك في وجودهم فشيء مخالف تمامًا لطبيعة أنفسهم الحية التي تمشي ويراها الناس جميعًا فكيف يشكون في وجودهم وهم موجودون بالفعل؟
يا سادة الموجودة بالقوة عند المناطقة غير الموجود بالفعل
الموجود بالقوة يا سادة هو ما يمكن تحققه لاحقًا أو في زمن قادم.
أما الموجود بالفعل يا سادة فهو الموجود حقيقة.
الإنسان الموجود هو ابن نفسه التي تعترف بأنها موجودة بالفعل .. وترى نفسها وهي تمشي في الدنيا آكلة شاربة تغدو وتروح في كل أرجاء الدنيا ... فالوجود هو الأصل فيها وليس الشك... ولذا فإن النظريات التي تستخدمها للوصول للحقيقة لابد وأن تكون لها نفس خصائص الوجود من الثبات وعدم التغيير واليقين بها.
موجود يقيني بالفعل .. لابد له من يقين مثله يناسبه... وهذا لا يوجد إلا في الإيمان بالإسلام الذي هو عين اليقين في كل نصوصه وقضاياه.(45/289)
بخلاف الشك أو نسبية الحقيقة أو غيرها من نظريات الألحاد واللادينية الظنية فكلها نظريات شكية ظنية لا يقينية ولا تقوم بها حجة.. وفي الوقت نفسه فهي منافرة تمامًا لطبيعة النفس الإنسانية الحية الكائنة بالفعل والتي تتطلب يقينًا تستخدمه وتركن إليه وتستقر في رحابه.
فالنفس الإنسانية بطبيعتها جزعة هلوعة كما وصفها الله عز وجل في القرآن الكريم... فهي بحاجة ليقين ثابت وراسخ تميل إليه وتمشي في رحابه يا سادة... وهذا لا يوجد في غير الإسلام.
ألم يسأل الملاحدة واللادينيون والفلاسفة وغيرهم أنفسهم: هل وجودهم سابق على شكهم أم شكهم هو السابق على وجودهم؟
يعني ألم يسألوا أنفسهم هل ولدتهم أمهاتهم أولا؟ أم أنهم شكوا أولا ثم ولدتهم أمهاتهم بعد سنة أو عشرة سنوات أو حتى مائة سنة؟
هل هذا كلام يعقل يا سادة يا كرام؟
هل يمكن أن يشك أحد الناس ويظل يشك ليتوصل في النهاية إلى وجوده بعد مرحلة شك عمرها عشر سنين .. وبعد عشر سنين تلده أمه طفلا كبيرا أو حتى مفكرًا شابًا؟
هل يمكن أن يصدق أحدكم هذا الكلام؟
وهل هو كلام أساسًا؟ أم هو أشبه بتخاريف أصحاب أمراض الحمى؟
لا نطالبهم بأكثر من الاعتراف بحياتهم .. فإذا اعترفوا بوجودهم.... فإن الشك في الوجود بعد الاعتراف بالوجد سيصبح شيئًا لا معنى له أبدًا.
أما إذا لم يعترفوا بوجودهم فهنا نقول على العقول السلام.
الأصل يا سادة هو الوجود لا العدم.. والعدم ليس وجودا يا سادة يا كرام... ولذلك فلا معنى أبدًا بعد الاعتراف بالوجود أن يرجع الملاحدة للشك في وجودهم من أجل الوصول إلى يقين وجودهم!
الوجود حاصل يا سادة فعلا بدليل وجودهم وحياتهم بأشخاصهم وأنفسهم ... فكيف سيتوصلون لوجود موجود؟
بعد عشرات السنين من البحث في وجود موجود ستكون النتيجة وجود موجود.
يعني يا سادة لا جديد.. وهكذا كما نرى تتعطل عقول البشرية وتقف بسبب الإلحاد واللادينية.. الذي هو سبب في إعاقة البشرية عن التقدم والازدهار.
وأقرب دليل على هذا الكلام هو الحلول المشبوهة التي يقدمها الإلحاد واللادينية للعالم من أجل الحصول على السعادة .. والتي تفاجأ العالم بين لحظة وأخرى ببركان من الخطايا والجرائم.. ويظل الإلحاد واللادينية يجربنان في العالم نظرياتهما الواحدة تلو الأخرى... ويظل العالم يشقى بنيرانهما.
وسيبقيان على هذا الخط أمد الدهر لأنهما لا يملكان سبيل السعادة القائم على يقينية المعارف والنظريات.. فهذا ما لا يوجد إلا في الإسلام العظيم المحفوظ من 1400 سنة بحفظ الله له.
وإذا كانت النفس الإنسانية ترفض كل هذه النظريات الإلحادية فهذا يعني أن الملحد ليس ابن نفسه.. فابن من هو يا ترى؟
هذا السؤال سيظل يلاحق الملاحدة واللادينين على الدوام.
ابن مَن أنت أيها الملحد واللاديني؟
فنفسك موجودة بالفعل .. لكنك تشك في وجود موجود فأنت لست ابن نفسك كما سبق وقلت لك.
فابن مَن أنت أيها الملحد؟
وابن مَن أنت أيها اللاديني؟
سيظل السؤال يلاحقك دائمًا وأبدًا.
الحمد لله حمداً طيباً كثيراً مباركاُ فيه..
أحسنت و أجدت أيها الأخ الكريم ..
ومما يحيرني أخي الحبيب هو دخول فلسفة الشك على بعض المتكلمين من أهل الإسلام!
كيف مرّت هذه الأفكار العمية القادمة من أرض الوثنية اليونانية الى عقول هؤلاء الأذكياء؟!!
وصدق الله" أتستبدلون الذي هو أدتى بالذي هو خير" ، أتستبدلون اليقين بالشك؟!
كيف يؤصل الأصولي الألمعي لمسائل " اليقين لا يزول بالشك" و " البراءة الأصلية" و "استصحاب الأصل" ثم يعود لينكث غزله بيده؟!!
حقاً كانت ترجمة الكتب الفلسفة اليونانية خطاً عظيماً وعقبة كؤود في وجه التقدم العلمي للحضارة الإسلامية شغل النابهين عن البحث في حقائق الحياة الى المجادلات العقلية المجردة والمعارك الكلامية البائسة.
أما بالنسبة لبني ملحد ؛ فقد أجدت و أحسنت في وصف حالهم وصدق الله"فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ (الانعام125)
وهذه آية معجزة من وجوه وقد تقدم الحديث عن إعجازها العلمي ومما يناسب هذا المقان بيان ذكر إعجاز من نوع اخر وهو احاطة الله بحال نفسيات من خلق : كافرهم ومؤمنهم وكنت أظن ان الملحد ان جادل في الاعجاز العلمي فلن يجرأ على أن يجادل في الثانية لان ما ذكره القران هو واقع حال يعيشه ليل نهار ، يطارده في عمله وفي خلوته بل ينعكس على احلامه، فكم من ملحد مد سببا الى السماء ثم قطعه منتحرا، ضاقت عليه الأرض بما رحبت! وكم من ملحد ملك أسباب السعادة المادية لا يستطيع النوم الا بعد جرعة منوم، ولا يستطيع العيش الا مع بروزاك(احد أدوية الكآبة المشهورة)؟!!
===============(45/290)
(45/291)
الوجه الحقيقى للإلحاد
بسم الله الرحمن الرحيم
الأديان جميعا بما فيها الأسلام والنصرانية واليهودية وغيرها تخضع معتنقيها إلى مجموعة من القيم الأخلاقية التى تحدد شخصية الفرد وتحدد علاقات المجتمع بعضه ببعض، كما أنها تفرض قوانين أخلاقية تحدد العقوبات التى تكفل للمجتمع أن يعيش وفقا لهذه القيم الإجتماعية.
ولا يستتنى من هذا الأديان الشركية التى يعبد أهلها الأصنام، لأن أساس التدين يستند فى أساسه على الخضوع لقوة عظمى يعتقد معتنقوها أنها هى صاحبة الحق فى فرض القواعد الأخلاقية والتشريعية سواء على مستوى الفرد أو المجتمع.
كما أسلفت فإن هذه القيم تستند على معتقدات غيبية ، سواء أكانت هذه القيم قد تمت البرهنة العقلية عليها أم تبناها المجتمع بسبب ظروف إجتماعية أو سياسية فى فترة من الفترات.
وعلى الرغم من التباين بين هذه القيم وإختلافها بسبب إختلاف الأديان والمعتقدات، إلا أنها تنطلق فى أغلب تشريعاتها وقيمها من الفطرة الإنسانية التى إتفق البشر على تقديسها وإحترامها.
وأفضل مثال على الفطرة هو التقزز من المعاشرة الجنسية بين المثلين والكذب والخداع والسرقة وقتل النفس و والخيانة وغيرها من القيم التى تفرض على الإنسان بحكم خلقته وطبيعته.
لكن من المقطوع به أن الملحد أو اللادينى لا يتبنى هذه القيم الاخلاقية بسبب أنها جاءت من عالم غيبى لا يسلم بوجوده فضلا أن يقبل منه منظومة أخلاقية ولونجحت فى فترة من فترات التاريخ فى تحقيق المجتمع السعيد، كما أنه لا يسلم بما نسميه الفطرة بسب ان الإنسان ماهو إلا معملا كيميائيا عشوائيا، وما هذه الاحاسيس والغنعالات والحب والكره إلا نتائج هذه التفاعلات.
وحتى لو قبل الملحد هذه القيم بسبب وجوده فى مجتمع تمت صياغته بهذه القيم، فإن الملحد أو اللادينى يعيش فى صراع داخلى بسبب أن الأساس الفكرى للإلحاد يتعارض مع هذه القيم. ولذلك فإن الملحد لا يرضى على المستوى الفكرى بالقواعد الأخلاقية المقبولة في مجتمعه بصرف النظر عن تبريراتها الغيبية؟
إن رفض وجود الإله المطلق وظهور الإلحاد الحديث بشقيه الفلسفى العقلانى أو العلمى التجريبى أدى إلى ظهور المذهب الإنسانى الذى فى حقيقته تأليه الإنسان أو عبادة الإنسان لنفسه أو لاخيه الإنسان.
فكما تطور الإنسان من حيوان بدائى إلى إنسان عاقل حسب مفهوم الإلحاد العلمى التجريبى، فإن الطور الجديد من هذا الحيوان (أى الإنسان الحديث) يعتقد حسب نظرية التطور أن عليه أن يبحث عن أطر أخلاقية جديدة لأن النزعة العقلانية تمنعه من الإنقياد للقيم الاخلاقية الموروثة والتى إنما ظهرت فى المجتمع فى لحظة من لحظات تطوراته الفكرية والطبيعية.
ولكن ياترى ما هو البرهان العقلى أو التجريبى الذى سيعتمد عليه هؤلاء فى صنع منظومة أخلاقية؟ وهل هذه المنظومة ستتطور بتطور الإنسان؟ هل ستحظى بتلك القدسية التى حظيت بها المنظومات الدينية؟
ولنبدأ بمقولة إلحادية كبداية لمحاولة صياغة أو إستحداث منظومة أخلاقية وهى أنه: ليس هناك شىء أسمه حقيقة مطلقةكما يتبناها المذهب الإلحادى.
وهذه المقولة قد سقطت بنفس المقولة السابقة نفسها، أى القول بعدم وجود حقيقة مطلقة ينطبق على المقولة السابقة وينسفها من أساسها.
دعنا نطبق هذه المقولة على الموضوع الأخلاقى، فمثلا لو قال إنسان ملحد أو لا دينى: ( ليس هناك حقيقة مطلقة) ولنفرض ان شخصا أخر إعتدى جنسيا على إبنته؟ لاشك أنه سيحزن ويتألم، ولكن حسب مقولته السابقة فإن ما شعر بأنه خطأ قد لا يكون خطأ بالنسبة لغيره؟
وهنا يضطر الملحد أواللادينى إلى الرجوع للوراء وتعديل مقالته السابقة بقوله (مادمت لا تضر بالآخرين فأنت حر فيما تعتقد وما تحب).
والمقولة المعدلة تكاد أن تحظى بإجماع فى أوساط المذهب المادى الإلحادى كأساس لصياغة منظومة أخلاقية إجتماعية، ولكن هذه الصيغة المعدلة تفتقر كجدتها أو عمتها إلى أى أساس منطقى حسب المذهب الإلحادى نفسه، فهى تفريق عشوائى ، لأنك لو سألته ماذا تقصد بالضرر وعلى أى أساس عقلى يستند لفشل فى الإجابة لأن الحق والباطل والخير والشر يعتمد على حقيقة عالمية فرضت على النفوس من خارجها ولم تأتى من تطور القرود والبغال إلى حكماء وعقلاء؟
ولكن دعنا نقوم بمزيدا من التحليل لهذه المقولة: أنت حر ما لم تضر بمصالح الآخرين .
إن مجرد إلقاء نظرة خاطفة على المقولة يمنحها إستحسانا، فهى ترفض التصرفات والأخلاق الضارة على مستوى الفرد والجماعة، لكن المشكلة أن الأنسان المتطور من سلالات القرود قد لا يرضى بهذا الطرح الذى جاء من إنسان تطور من سلالات أخرى.
لكن الإلحاد الفلسفى علمنا أن لا نضفى أى قدسية على أية فكرة لمجرد إستحسانها أو الشعور ببداهتها، فكل شىء فوق طاولة البحث، والمقولة السابقة غير مستثناة من التحليل العقلانى.
والسؤال المطروح الآن: لماذا ككونى ملحدا أو لا دينى أن أتقيد بمقولة أن الأنسان حر مالم يتسبب بضرر للآخرين؟(45/292)
هل هناك من مبرر عقلى لذلك؟ هل المقولة السابقة مبرهنة حتى يتم بناء منظومة اخلاقية عليها؟
إذا كان الحب والكره والغضب والسعادة والألم والسكينة ما هى إلا عمليات تحدُث بسبب كيمياء طبيعية فى الجسم، وعليه فإستجابة لهذه التفاعلات العمياء يحق لى على المستوى الشخصى أن ألبى هذه المطالب الجسدية بالإعتداء على الأخرين أو سلب حقوقهم .
ولا أجد أفضل من هذه الآية فى وصف حال الملحد أو اللادينى أو من حدى حدوه ولو كان من بنى إسماعيل (أى مسلم بالمعنى التقليدى).
يقول الله فى كتابه الكريم: (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ) (الجاثية:23).
والمعنى فإن الملحد أو اللادينى إنما يرضى آلهة وأصناما تسكن فى جوفه، فهو إذا وجد حسناء فى الشارع لم يقبلها ولم يسعى فى محاولة إشباع غريزته الجنسية منها إلا بسبب خوفه من إله القانون الوضعى.
وما توقف عن السرقة إلا بسبب خوفه من إله الشرطة وإله العادات والتقاليد؟
وإن أعطى أهل الحقوق حقوقهم فما ذلك إلا ليرضى إله الشرف؟
وإن فعل كذا ولم يفعل كذا فإنما ليرضى إله س ولا يزعج إله ص؟
الإلحاد أو اللادينية تعنى التحرر من الخضوع للخالق الحق والخضوع لآلهة متعددة سواء أكانت على مستوى الفرد او الجماعة، وسواء أكانت آلهة كيميائية أم فيزيائية.
وهكذا تتصارع الآلهة الداخلية إلى أن يتطور المجتمع ويعبد منها ما إتفقت عليه مصالح الاغلبية ولعلها تتغير بتغير العمليات الكيميائية فالأنسان لا يتوقف عن التطوروحالهم كحال من:
(وَقَالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَاناً مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ) (العنكبوت:25)
أو حالهم كحال:
(وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) (لأعراف:176)
تحياتى والسلام عليكم
محمد على رحومة
============(45/293)
(45/294)
سؤال للملاحدة فقط
ما هي العلاقة بين الإرادة باعتبارها مجرد نية غير مرئية و الحركة التي تترتب عنها ....مثلا لو أردت أن أحمل كأسا من الماء فقبل أن أحمله تتجه إرادتي لحمله ثم تأتي حركة اليد كنتيجة لتلك الإرادة ......فما هي العلاقة بين الإرادة و الحركة في هذه الحالة ....أنتظر الجواب .
==============(45/295)
(45/296)
تساؤلات ملحد عن قدر الله المطلقة
بسم الله الرحمن الرحيم
هذا الرابط هو تحدي لكل ملحد يعتقد ان له سؤال عن قدرة الله.
هنا ان شاء الله تتحطم كل الاسئلة "الاكروباتية" للملحد الذي يعتقد انه جاء بسؤال لا جواب له
كل الاسئلة التي يعتقدون انها تعجيزية... مثل (هل يقدر الله ان يخلق صخرة لا يستطيع حملها)
كل هذه النوعية من الاسئلة تعمم تحت هذا السؤال:
هل الله قادر ان يجعل المنطق تناقضاً والتناقض منطقاً والحق باطلاً, والباطل حقاً؟
الجواب مباشرة: نعم الله قادر على كل ذلك لكنه حكيم لا يتبع اهواء من اتخذ الهه هواه.
وهذا الجواب يسبب احباط للملحد لأنك جمعت كل سفسطاته في كيس واحد يتلخص في السؤال اعلاه.
ولنفترض جدلاً ان الله جعل التناقض منطقاً والعكس بالعكس.
فلن يدرك العقل البشري ذلك لانه سيتبع المنطق الجديد الذي عكسه الله.
وسيطرح الملحد نفس السؤال لكن هذه المرة بطريقة معكوسة.
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ياسمينة
انا لم اسال سؤال هو المنطق العجيزي ولست بموضوع طرح موضوع تناقض المنطق الذي تقول انني احاول سبر غوره.
لكن في معرض دفاعك امام قولي ان الخاضع للقانون غير مطلق القدرة ادخلتنا بموضوع مناقضة المنطق الذي تتهمني انني ادخله للنقاش.
لذا فان قولك بهروبي وابتعادي عن الموضوع مردود عليه.
مداخلتي تتلخص بوضوح بـ : خضوعك للقانون وان كان قانونك انت يحد من قدرتك.
اجيبني دون الدخول بموضوع التناقض المنطقي.
خطأك مركب.
اتباعي كانسان لقانون انا وضعته بنفسي لا يحد من حريتي اذا كنت حر في تغيير ذلك القانون متى اشاء.
اعيد. اذا كانت لي السلطة ان اغير القانون في أي لحظة إذاً انا لست مجبر على اتباعه.
ولله المثل الأعلى الله يستطيع ان يغير أي قانون متى شاء وبالتالي هو مطلق القدر.
والدليل على ذلك من نفس الآية ( كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ )
اذاً الله ليس ملزماً ان يرحمك, لان الآية تخبرنا انه هو الذي كتب على نفسه الرحمة. وفي أي وقت يمكنه أي يغير مشيئته.
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ياسمينة
--جوابك خطا وخطأك بين
انت تقول الله قادر على مد البحر بما يكفي لكتابة كلماته (كما هو سياق الآية)
في حين ان الله يبين بوضوح لا لبس فيه ان البحر غير كافي لكتابه كلمات الله حتى لو امده الله بماء لامتناه.
للأسف الزميلة لم تفهم لا الآية ولا فهمتِ جوابي.
هذا ما قلته لك, الجواب سهل: الله قادر على مد البحر بما يكفي, وسيكون ذلك البحر غير متناهي.
اما الآية فلا تقول ما فهمتِه انت (امده الله بماء لامتناه.) من اين جئت بهذا الفهم؟
وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا (ولو جئنا بمثل البحر بحارًا أخرى مددًا له)
ليس بحاراً غير متناهية بل بحاراً اخرى وبالضبط سبعة أبحر كقوله تعالى في :
لقمان 27 وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ
------------------
ومازال التحدي قائماً. هل لدى أي ملحد سؤال يتوهم انه معجز ؟
التعديل الأخير تم بواسطة : عبد الواحد بتاريخ 05-13-2006 الساعة 07:39
نعم ...
أحسنت ببيان غلطها المركب في هاتين النقطتين ...
يا اخي الفاضل ...
هذه تكتب في فقرة واحدة ما يدل على لخبطتها العقلية ...
مرة تقول لك اذا الزم الله نفسه بسننه وقوانينه يكون محدود القدرة !!!!!!!!!!!!!!!!! ( يعني كبّل نفسه بنفسه !!! فالعياذ بالله من هذا الجهل والجحد )
ومرة تقول لك امده الله بماء لامتناه , يعني جعلت المخلوق لا متناه .. واعطته صفة لا يتصف بها حقيقة الا الله !!
فكلمات الله تعالى غير متناهية . وماء البحر متناهي ، والمتناهي لا بد وان ينفد .. فالبحر وماء البحر جسم متناهي ومحدود . فلو ضم مثله اليه لكان مجموعهما متناهياً .
" قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي. "
ولو كان البحر مداداً لكلمات الله، ولو جئنا بمثله مدداً , لفنيت ماؤه وماء تلك البحار , وبقيت كلمات الله قائمة لا يفنيها شيء، قال الزجاج : مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ -أي ما انقطعت ولا فنيت .
وما قدّروا الله حق قدره
فلا ارى في كلام هذه المذكورة الا ظلمات فوقها فوق بعض ... وجهالات مركبة فوق بعضها البعض ...
مشكلة أهل الالحاد انهم يتركوا الواضح المتفق الى السفسطة والخداع .
هل مقدرة الله مطلقة ؟ بالطبع تعم : هل العجز هو مقدرة ؟ لا نسمع هذا الا عند اهل الالحاد .
فعدم المقدرة على شيء يسمى عجزا عند كل العقلاء . ولكنيوجد فرق بين القدرة وبين الارادة . يبدوا ان أهل الالحاد لا يريدوا ان يفهموا ذلك . فكون الله قادرا على عمل الشيء لا يعني ان يعمله الا اذا اراد ذلك . وعدم ارادة ذلك لا تسمى عجزا عند أحد من العقلاء.(45/297)
يبدوا انأغلب الملاحدة يصفوا الكلام دون فهم للشرع ولا للقران . فواحدة تقول لماذا لم يغرق الله الكفار والمعاندين ؟
هذا السؤال فيه جهل شديد بالفكر الاسلامي : فالله عز وجل لا يعذب عذابا عامة الا اذا كانت هناك اية وكفر بها .
فلم يهلك قوم لوط الا بعد النذير ولا عاد ولا ثمود " وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا " وقد أخبر تعالى ان الرسالة الخاتمة هي رسالة تخلد فيها المعجزة او الاية حتى بعد وفات الرسول على عكس بعض المعجزات التي تكون مع الرسول او تذهب قبله كما أخبر الله عن قوم صالح :"وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآَيَاتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ وَآَتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالْآَيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا "
ثانيا : أجهل الناس من يظن ان الزلازل والبراكين بصورها الطبيعية لا تنتج عن تنظيم لا بد منه وهذا امر يعرفه جيدا العلماء ويفنون عمرهم في البحث عن الأسباب ولماذا . فكون الزلزال يحدث لا يعني ان يكون ذلك غضبا من الله عز وجل بالضرورة بل انه من الميزان الذي وضعه الله يوم خلق السموات والارض :" وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ" وقال تعالى "وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ (19) وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ " ولكن هذه الزلازل تكون كفارة لذنوب المؤمنين لما يلقونه عند الله في صبرهم على الأذى وتكون رجسا على أهل الكفر والالحاد لانها خسران الدنيا والآخرة .
ارجوا من الزميلة ملحدة او لا دينية ان تنزل الكلمات منازلها الصحيحة .
فالعجز لا يساوي القدرة . من لا يقدر يسمى عاجز .
ولا يقال عن العجز انه مقدرة .
فلا يقال عن العمى انه مقدرة بل يقال عنه عجز .
============(45/298)
(45/299)
مناظرة القاسم الرسى لملحد
انقل اليكم من كتاب الدليل الكبير فى الرد على الزنادقة والملحدين مناظرة دارت بين صاحب هذا الكتاب وهو الامام القاسم ابن ابراهيم الرسى ت 264هـ وبين ملحد والكتاب من جزئين جزء يذكر فيه المؤلف ادلة وجود الله وينقد ادلة المعارضين ثم يبين صحة الاسلام ويتكلم فى بعض مسائل العقيدة والجزء الثانى عبارة عن مناظرة دارت بينه وبين ملحد كان يدور فى البلاد يثير الشبهات حتى تلقفه الرسى ودارت بينهما مناظرة انقل اليكم وقائعها
وقبل نقل المناظرة انبه الى شكى فى عقيدة الامام القاسم الرسى واقترابه من التشيع وذلك بسبب ارائه فى امامة على رضى الله عنه وتقديمه له على بقية الخلفاء الراشدين اما المناظرة فحسب علمى لم اجد فيها مخالفة لعقيدة اهل السنة والجماعة وهذا سبب عرضى للمناظرة هنا وان كان هناك مخالفة خفيت على فالرجاء تنبيهى وان كانت المخالفة كبيرة فلتحذفوا الموضوع مع العلم ان فى المناظرة مصطلحات صعبة تحتاج الى من يبسطها ولا اجد لهذه المهمة خير من ابو مريم ولا شك
فى وصف المحقق لمخطوط مناظرة الملحد
جاء فى صدر المصورة ما يلى :هو كتاب رد فيه على رجل من ارباب النظر من الملحدة ، وكان يغشى مجامع المسلمين ويورد عليهم الاسئلة الصعبة ، فى قدم العالم وغير ذلك ، حتى وافاه المؤلف واجابه على ما عنده من المشكلات فوضح له الحق وتاب الى الله
تاريخ المخطوط / خط قديم .. وربما كتب فى القرن الثالث او الرابع الهجرى
عدد الاوراق 6 ورقات
القياس 25×15 سم
وهذه الرسالة ضمن مجموع كتب القاسم من ورقة 69 حتى 73
وهى احدى مخطوطات المكتبة المتوكلية اليمنية بصنعاء تحت رقم 167 علم كلام . رقم التصوير 215
الحمد لله وبعد، فهذه ترجمة صاحب المناظرة من الوافي في الوفيات:
لقاسم بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب أبو محمد الرسي منسوب إلى ضيعة كانت له جهة المدينة يقال لها الرس
لم يسمح المنصور له بالإقامة فيها في كفاف من العيش بل طلبه مع الطالبيين ففر إلى السند
ومن شعره :
أرقت لبارقٍ ما زال يسري ... ويبكيني بمبسمٍ أم عمرو
فلم يترك وعيشك لي دموعاً ... بأجفاني ولا قلباً بصدري
وأعقب من ولده ثمانية أنبههم الحسين بن القاسم وكان زاهداً ومن نسله أئمة صعدة
(انتهى)
قلت وأئمة صعدة من اليمن كانوا زيدية ، وذكر ابن خلدون في التاريخ أنه توفي سنة 245 هـ
وقد بحثت عن ترجمته في كثير من المصادر فلم أوفق الا لهذا ولأحفاده ائمة صعدة أخبار كثبرة والله أعلم.
قيل : كان وافى مصر رجل من الملحدين ، فكان يحضر مجالس فقهائها ومتكلميها فيسالهم عن مسائل الملحدين ، وكان بعضهم يجيب عنها جوابا ركيكا وبعضهم يزجره ويشتمه ، فبلغ خبره القاسم بن ابراهيم وكان متخفيا فى بعض البيوت ، فبعث صاحب منزله ليحضره عنده ، واحضره ، فلما دخل عليه قال له القاسم : انه بلغنى انك تعرضت لنا وسالت اهل نحلتنا عن مسائلك ، تريد ان تصيد اغمارهم بحبائلك ، حين رايتا من ضعف علمائهم عن القيام بحجج الله والذب عن دينه !
ونطقت على لسان الشيطان بعنه الله : وقال (لاتخذن من عبادك نصيبا مفروضا) سورة النساء اية 8
69ظ/ فقال الملحد : اما اذ عبت اولئك وعيرتهم بالجهل ، فانى سائلك وممتحنك . فان انت اجبت والا فانت مثلهم .
قال له القاسم : قل ما بدا لك واحسن الاستماع وعليك بالنصفة واياك والظلم ومكابرة العيان ودفع الضرورات والمعقولات (1) ، اجبك عنه وبالله استعين وعليه اتوكل وهو حسبى وكفى ونعم الوكيل .
قال له الملحد عند ذلك : خبرنى ما الدلالة على انه الصانع ؟
قال القاسم : الدلالة على ذلك قوله فى كتابه عز وجل (يا ايها الناس ان كنتم فى ريب من البعث فانا خلقناكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة مخلقة وغير مخلقة لنبين لكم ونقر فى الارحام ما نشاء الى اجل مسمى ثم نخرجكم طفلا ثم لتبلغوا اشدكم ومنكم من يتوفى ومنكم من يرد الى ارذل العمر لكيلا يعلم من بعد علم شيئا وترى الارض هامدة فاذا انزلنا عليها الماء اهتزت وربت وانبتت من كل زوج بهيج * ذلك بان الله هو الحق وانه يحيى الموتى وانه على كل شىء قدير * وان الساعة اتية لا ريب فيها وان الله يبعث من فى القبور) 5 - 7 سورة الحج
ووجه الدلالة فى هذه الاية ، فهو كوّن الانسان ترابا ثم نطفة ثم علقة لا تخلو هذه الاحوال من خلتين :
اما ان تكون محدثة (2) او قديمة (3) ، فان كانت محدثة فهى من ادل الدلالة على وحدانيته ووجوديته فان كان كونها وهو معدوم بعلل منها :
ان المحدث متعلق فى العقل المحدثة ، كما كانت الكتابة متعلقة فى العقل بكاتبها والنظم بناظمها ، اذ لا يجوز كتابة لا كاتب لها ووجود اثر لا مؤثر له فى الحس والعقل .
ومنها ان المحدث هو ما لم يكن فكُون ، فهو فى حال كونه لا يخلو من احد امرين :
اما ان يكون كوّن نفسه وهو معدوم او غيره كوّنه . فان كان هو الذى كون نفسه لم يخل ايضا من احد امرين :
اما ان يكون كوّن نفسه وهو معدوم (4) ، او كونها وهو موجود (5) .(45/300)
فان كان كونها وهو معدوم اُوجد ، فمحال ان يكون المعدوم اوجد نفسه وهو معدوم ، وان كونها وهو موجود ، فمحال ان يكون الموجود اوجد نفسه وهو موجود ! اذ وجود نفسه قد اغناه عن ان يكوّن بها نفسه ثانية .
فاذا بطل هذا ، ثبت ان الذى كوّنه غيره ، وانه قديم ليس بمحدث ، اذ لو كان محدثا كان حكمه حكم المحدثِ
وان كانت الاحوال (6) قديمة ، فذلك يستحيل ، لانا نراها تحدث شيئا بعد شىء فى حيز واحد فى نفس واحدة .
ولو كانت كلها مع اختلافها فى انفسها واوقاتها قديمة ، لكانت الترابية نطفة مضغة ثم علقة عظما لحما انسانا فى حالة واحدة ! اذا القديم هو الذى لم يكوّن ، ولم يزل وجوده ، واذا لم يزل وجود هذه الاحوال ، كان على ما قلت من كونه ترابا ، مضغة ، لحما ، عظاما ، انسانا فى حالة واحدة ، اذا الاحوال لم تسبق بعضها بعضا ، ولانها قديمة ، ولان كل واحد منها فى باب القدم سواء .
واذا استحال وجود هذه الاحوال معا فى حين واحد ، فى حالة واحدة ، وثبت ان التراب سابق للنطفة والنطفة سابقة للحال ، التى معها ان صح الحدوث ، وانتفى عنها العدم ، واذا صح الحدث فقد قلنا : بدءً ان المحدث متعلق فى العقل بمحدثه .
قال الملحد : انكرت ان تكون الاحوال محدثة ، وان المحيز التى هى الجسم قديمة ؟!
قال القاسم : انكرت ذلك ، من حيث لم اره منفكا من هذه الاحوال البتة ، ولا جاز ان تنفك ، فلما لم اره منفكا من هذه الاحوال ولا جاز ان تنفك ، كان حكم العين كحكم الاحوال فى الحدث .
قالا لملحد : ولم ؟
70 و / قال القاسم : من قبل ان المحيز اذا كانت قديمة وكانت الاحوال محدثة ، فهى لم تزل تحدث فيها الاحوال ، واذا قلت : لم تزل تحدث فيها ناقضت (7) ! لان قولك : لم تزل . خلاف قولك : تحدث .
والكلام اذا اجتمع فيه اثبات شىء ونفيه فى حال واحد ، استحال ، وذلك انها اذا لم تزل تحدث فيها ، فقد اثبتها قديما لم يزل يحدث فيها ، واذا كان هذا هكذا ، فهى لم تسبق الحدث ، فقد صار الحدث قديما لان صفته الجسم الذى هو قديم .
واذا كانت صفته ، استحال ان يكون صفته القديم ، الذى لا يخلو منها ، ولا يزول عنها محدثا ، وهذا محال بين الاحالة ، لان فيه تثبيت المحدث فديما ، والقديم محدثا !!
قال الملحد : فما انكرت ان تكون الاشياء هى التى فعلت الاحوال ؟!!
قال القاسم : بمثل ما انكرت زيادتك الاولى ، لانه لا فرق بين ان تكون هى الفاعلة ، وهى لم تسبق فعله ، او تكون قديمة لم تسبق صفاتها .
لان الفاعل سابق لفعله ، متقدم له ، فكذلك القديم الذى لم يزل سابق للذى لم يكن ، لان فى اثبات الفعل له اثبات بحدث فعبه ، وهذا لم يسبق فعله ! فقد جمعت بينهما فى حالة واحدة وهذا محال بيّن الاحالة .
قال الملحد : فانى لم ار كونه شىء الا من شىء ، فما انكرت ان تكون الاشياء لم تزل يتكون بعضها من بعض ؟! وما انكرت ان يكون الشىء الذى هو الاصل قديما ؟!
قال القاسم : انكرت اشد الانكار ، وذلك ان الشىء الذى هو الاصل ، لا يخلو من ان يكون فيه من الاحوال والهيئات والصفات مثلها فى فرعه ، او ليس كذلك .
فان كان فيه مثلها فى فرعه ، فحكمهُ فى الحدوث كحكمهِ ، وقد تقدم الكلام فى هذا المعنى ما فيه الكفاية .
على ان نجد الصور والالوان والهيئات والصفات بعد ان لا نجدها ، ووجود الشىء بعد عدمه هو ادل الدلالة على محدثه .
فحدثنى عن الصورة (8) من اصل حدثت ؟!
فان قلت : انها قديمة . احلت ، وذلك انها لا تخلو من امور
احدها : ان الصورة لو كانت قديمة ، لكانت فى التصور الذى ظهرت الصورة فيه ا وفى عنصره الذى يسمونه هيولا (9)
فان كانت فى هذا التصور ، الذى ظهرت به الصورة فيه ، فان فيها وقدلكم قواكم ، انه قد يوجد على خلاف هذه الصورة .
وان كانت فى الذى تسمونه هيولا ، فلابد فى هذا المصور ، ان تكون قد انتقلت عنه الى هذا .
فان قلت : انتقلت . احلت ، لان الاعراض لا يجوز عليها الانتقال ، فظهرت عند اللبث .
وفيه خلة اخرى ، وهى انها لو كانت فى الاصل ، ثم انتقلت عنه الى فرعها ، فقد جعلت لانتقالها غاية ونهاية ، فقد صح حدث الذى انتقلت عنه هذه الاحوال.
فان قلت : لم تزل تنتقل !
كان الكلام عليك ، فى هذا اللغو ، كالكلام الذى قدمناه انفا ، فى باب لم تزل تحدث .
وفيه معنى اخر ، وهو انك اذا جعلت الاشياء فى وهمك شيئين ، اذا افردت كل واحد من صاحبه ، نقص ، وانتهى الى حد ما ، وقل. واذا جمعت كل واحد منهما الى صاحبه زاد ، وانتهى الى حد ما .
افليس اذا (انتهى فى حال) وزاد فكثر ، او نقص فقل ، فالنقص والزيادة يحدثان بالنهاية عنه ، واذا ثبت فيه النهاية ، ثبت فيه الحدوث !!
فقال الملحد : وما انكرت ان تكون صورة التمرة والشجرة ، كامنة فى النواة ، فلما وجدت ماشاكلها ظهرت ؟!
قال القاسم : ان هذا يوجب التجادل ، وذلك انا لو تتبعنا فى اجزاء النواة ، لم نجد فيها ما زعمت .
70ظ/ وشىء اخر وهو انه لو جاز هذا لجاز ان تكون الاشياء كامنة منه فى صورة الخنزير والحمار والكلب ، فيكون الانسان انسانا فى الظاهر ، كلبا حمارا خنزيرا فيلا فى الباطن !!(45/301)
فان قلت ذلك ، لحقت (بالطبائعية) (10) فان شئت تكلمنا فيه على انه قد ظهر من حمقهم لاهل العقول ما يرغبهم عن القول بمقالتهم .
قال الملحد : وكيف يجوز ان يكون الانسان انسانا فى الظاهر ، وكلبا وحمارا فيلا فى الباطن ؟!!
قال الملحد : فان بين التمرة والنخلة والنواة مشاكلة ، وليس بين الانسان والكلب مشاكلة !
قال القاسم : لو كان بين النواة والتمرة والنخلة مشاكلة -مع اختلاف التشريحات- (لجاز) ان يكون بين الانسان والكلب مشاكلة !
ووجه اخر ، وهو ان الصورة لو كانت فى الاصل نفسه ، لكان الاصل نفسه هو التمرة ، لان التمرة انما كانت من تمرة المصورات ، وعرفت من غيرها بالصورة!
فعلى هذا يجب ان يكون اصلها التمرة وهذا مكابرة العقول ! لانه لو كان هذا كذا ، لكان ظهورها فى نواتها ، ولعرف واشتهر وعمّ ، ولم يستحل وجود صورتين معا فى حين واحد .
قال الملحد : ان النواة هى التى تمر بالقوة (11) الهيولية ، اعنى انها اذا انتقلت تنتقل لم تنتقل الا الى شجرتها ، ثم الى تمرتها ثم تعود الى اصلها فتصير نواة فى وسطها .
قال القاسم : لو كان هكذا لكانت الطبيعة التى هل الاصل تمر بالقوة ، لانها اذا انتقلت انتقالاتها صارت تمرة ! وهذه مكابرة واضحة وذلك يوجب عليك ان الاصل البحت تمرة خوخة باذنجان ! لانه جائز عندك الانتقال من صورة الى صورة .
وان كان حكم الاصول فى الهيئات خلاف حكم الفروع فسنقول فيه قولا شافيا ، ان شاء الله .
قال الملحد : ان صح ان حكم الاصول فى الهيئات حكم الفروع ، تركت مذهبى فانه قد عظمت على الشبهة فى هذا الموضع .
قال القاسم : اعلم ان طرق العلم بالاشياء مختلفة ، فمنها ما يعرف بالحس ، ومنها ما يعرف بالنفس ، ومنها ما يعرف بالعقل ، ومنها ما يعرف بالظن والحسبان .
1- فاما الذى يعرف بالحس : فطرقه خمس : سمع ، وبصر ، وشم ، وذوق ، ولمس .
فالسمع طريق الاصوات والكلام والبصر طريق الالوان والهيئات ، والذوق طريق الطعوم ، والشم طريق الارائح ، واللمس طريق اللين والخشونة .
2- وما يعرف بالنفس : الخجل والوجد والسرور والحزن والصبر والجزع واللذة والكراهية ، وما اشبه ذلك من التوهم وغيره .
3- وما يعرف بالعقل شيئان :
• احدهما : ما يدرك بهيئته ، مثل تحسين الحسن وتقبيح القبيح ، وحسن التفضل وشكر المنعم ، ومثل تقبيح كفر المنعم والجور ، وما يجانسه من علم بدائه العقول
• والوجه الثانى : هو الاستنباط والاستدلال الذى هو نتيجة العقول كمعرفة الصانع ، وعلم التعديل والتجوير ، والعلم بحقائق الاشياء .
4- وما يعرف بالظن والحسبان : فهو القضاء على الشىء بغير دليل (قطعى ، او بالقياس على غيره)
انما لخصت لك هذا كله ، ليكون عونا لنا فيما سنعرض من كلامنا ، ويكون احد المقدمات التى نرجع اليها ، فكل شىء من هذه العلوم لا يصاب الا من طريقه ، ولو حاولته من غير طريقه تعثر عليك وكُبتَ ، كمن طلب علم الالوان بالسمع وعلم الذوق بالعين .
71و/ فاما احوال الاجسام فان طريق المعرفة بها من جهة البصر ، والبصر لا يؤدى من الرؤية الا الاجسام ، لان الاجسام لا يجوز ان يخلو من هذه الصفات ، فيتوهمه ويمثله فى نفسه خاليا منها ، فاذا لم يجز ذلك ثبت ان الاجسام لا تخلو من هذه الصفات ، وانه لا يجوز حكم اصولها الا كحكم فروعها .
-------------------------------------------------
(1) الضرورى : فى اللغة كل ما تمس الحاجة اليه ، وكل ما ليس منه بد ، وهو خلاف الكمالى ، وفى النصطلح هو الامر الدائم الوجود ، او الامر الذى لا يمكن تصور عدمه ، وهو مرادف للواجب وضده الجائز ، وبينه وبين الممكن تضايف . اما المعقول فهو مقابل المحسوس وهو ما يدرك بالعقل لا بالحواس ، ولما كانت الحواس عرضة للكثير من الغلط والوهم والضلال ، كانت المعرفة اليقينية مؤلفة من المعقولات لا من المحسوسات . والمعقول فى بعض الفلسفات القديمة ولا سيما فلسفة افلطون مرادف للوجود الحقيقى او للشىء فى ذاته ، تقول : عالم المعقولات وهو عالم المثل المجردة الموجودة فوق العالم المحسوس . والمعقول ما يمكن ادراك حقيقته وفهم طبيعته ومعرفة اسبابه ويقابله التجريبى . قسم ابن سينا المعقولات الى ثلاثة انماط من الوجود وهى التى 1- وجودها متكثرة فى المحسوسات 2- وجودها فى العقل الانسانى بعد الكثرة 3- ووجودها فى عالم المعقولات
(2) المحدث : ما يكون مسبوقا بمادة ومدة ، وقيل ما كان لوجوده ابتداء . والحدوث : عبارة عن وجود الشىء بعد عدمه
(3) القديم : يطلق على الموجود الذى لا يكون وجوده من غيره ، وهو القديم بالذات .
(4) العدم ضد الوجود ، وهو مطلق او اضافى ، فالعدم المطلق هو الذى لا يضاف الى شىء ، والعدم الاضافى او المقيد ، هو المضاف الى شىء ، كقولنا : عدم الامن عدم الاستقرار عدم التاثر . والعدم اما ان يكون مسبقا وهو المتقدم على وجود الممكن ، واما ان يكون لاحقا وهو الذى يكون بعد وجوده .(45/302)
(5) الوجود مقابل للعدم : وهو بديهى فلا يحتاج الى تعريف الا من حيث انه مدلول للفظ دون نفسه . مثال ذلك تعريف الوجود بالكون ، او الثبوت او التحقيق او الحصول او الشيئية او بما ينقسم الشىء الى فاعل ومنفعل والى حادث وقديم .
(6) حال الشىء : صفته وهيئته وفى اصطلاح المتكلمين يطلق عليه ما هو وسط بين الموجود والمعدوم ، وهو صفة لا موجودة ، بذاتها ولا معدومة ، لكنها قائمة بموجود كالعالمية وهى النسبة بين العالم والمعلوم .
(7) نقض الشىء افسده بعد احكامه ، ونقض اليمين او العهد نكثه ، ونقض ما ابرمه فلان ابطله ، وناقض فى قوله مناقضة ، تكلم بما يخالف معناه ، وناقض غيره : خالفه وعارضه ، وتناقض القولان : تخالفا وتعارضا والكلام المتناقض الذى يكون بعضه متقضيا ابطال بعض . والتناقض فى اصطلاح الفلاسفة هو اختلاف تصورين او قضيتين بالايجاب والسلب . مثل قولنا (ب) ، (لا-ب) او قولنا (ب) صادقة و(ب) غير صادقة اى كاذبة .
(8) الصورة : صورة الشىء هى ما يؤخذ منه عند حذف المشخصات ، ويقال صورة الشىء ما به يحصل الشىء بالفعل . والصورة الجسمية : هى جوهر متصل بسيط لا وجود لمحله دونه ، قابل للابعاد الثلاثة المدركة من الجسم فى بادئ النظر بالحس . والصورة النوعية : هى جوهر بسيط لا يتم وجوده بالفعل دون وجود ما حل فيه .
(9) الهيولى : لفظ قديم يونانى بمعنى الاصل والمادة ، وفى الاصطلاح هى جوهر فى الجسم قابل لما يعرض لذلك الجسم من الاتصال والانفصال محل للصورتين الجسمية والنوعية .
(10) الطبائعية : فرقة يعبدون الطبائع الاربعة ، اى الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة ، لانها اصل الوجود عندهم اذ العالم مركب منها .
(11) القوة مقابلة للفعل ، ومعناها كما يقول ابن رشد (الاستعداد الذى فى الشىء والامكان الذى فيه ، لان يوجد بالفعل)
----------------
قال الملحد : انهم زعموا : ان علة كون الاشياء وفسادها حركات الفلك ، وسير الكواكب .
* وبعضهم يقول : ان علتها تماذج الطبعتين اعنى الظلمة والنور
* وبعضهم يقول غير ذلك
قال القاسم : الدليل على فساد قولهم ، قول الله تبارك وتعالى (ومنكم من يرد الى ارذل العمر) 5 الحج ، وقوله (ومن نعمره ننكسه فى الخلق افلا يعقلون) 68 يس ، فلو كان علة كونه ما ذكروا لكان الانسان لا يتوفى احد فى طفولته ، ولا يفسد كونه مع وجود علة كونه ، اللهم الا ان يقروا بحدوث علة الفساد فيكونوا حينئذ تاركين .
فان قالوا : بل علة (1) كونه وفساده قديم ، فالشىء اذا كان فاسدا فى حال كان فيها صالحا ، اذ عللهما موجودة ، ومحال ان يكون عللهما موجودة ، ويتوفى هذا فى الطفولة ، ويرد هذا الى ارذل العمر ، وينكس هذا فى الخلق او يعمر ، ان هذا - لعمرى - لعكس العقول .
قال الملحد : لو لزمهم هذا للزمك ، حين زعمت ان الله علة كون الاشياء وفسادها مثل ما الزمت خصومك .
قال القاسم : ولا سواء ، وذلك انا لا نزعم ان الله علة كون الاشياء وفسادها ، بل نزعم ان الله هو الذى كون الشىء وافسده من غير ما اضطرار .
والدليل على ان الله عز وجل ليس بعلة ذلك ، ان افعاله مختلفة الاحوال مستقلة الصفات ، فلو كان هو العلة ما زال الشىء عن صنعته ، لانه عز ذكره قديم ، والقديم لو كان علة شىء لم يزل معلوله كما لم يزل هو فى ذاته ، وفى زوال الاشياء ما يدل على ان الله عز وجل ليس بعلة ولا معلول
قال الملحد حينئذ : بارك الله فيك وفى ولدك فقد اوضحت ما كان ملتبسا على ، وان سالتك عن غيرها فان اجبتنى عنها كما اجبت اسلمت .
قال القاسم : ان اسلمت فخير لك وان اصررت فلن يضر الله اصرارك ، سل عما بداك .
قال الملحد : ما الدلالة على ان صانع العالم واحد ؟
قال القاسم : لو كان اكثر من واحد لم يخل من ان يكون كل واحد من الصانعين حيا قادرا وليس كذلك ، فان كان كل واحد منهما حيا قادرا لم يكن محالا متى اراد هذا خلق شىء ان يمنعه الاخر من خلقه ، لذلك الشىء بعينه ، ولو منعه صاحبه من ذلك كان الممنوع عاجزا وذلك عجزه على حدثه !
وان تمانعا وتكافات قواهما وقع الفساد ولم يتم لواحد منهما خلق شىء ، ودخل على كل منهما العجز ، اذ لم يقدر كل واحد على مراده ، فلما وجدنا العلم منتظما منسق التدبير ، دلنا ان صانع ذلك ليس باثنين ولا فوق ذلك (2)
قال الملحد : ما انكرت ان يتفقا ويصطلحا ؟
قال القاسم : ان الاتفاق والاصطلاح يدلان على حدث من غيرهما لانهما لا يتفقان الا عن صرفة والمضطر محدث لا محالة .
قال الملحد : انهم يقولون ان صانع الخير لا ياتى بالشر ابدا ، وكذلك صانع الشر لا ياتى بالخير ابدا .
قال القاسم : ان هذا مكابرة العقول .
قال الملحد : وكيف ذلك ؟ (3)
قال القاسم : لان ذلك يدعو الى القول بان احدا لم يذنب قط ثم يعتذر من ذنبه ، والى القول بان انسانا واحدا لم يكذب ولم يضل ولم يهتد !
71 ظ / الا ترى انهم يزعمون ان استدلالهم حق ، وانه واجب على الناس الرجوع الى مذهبهم ، فان كان الشىء الواحد لا ياتى بالخير والشر فحدثنى من يدعون مذهبهم ؟!
فان قالوا : الخير .
قيل : فان الخير لا يضل ابدا !
وان قالوا : الشر .(45/303)
فان الشر لا يهتدى ابدا !..
فليت شعرى ما هذا الذى يدعونه الى مذهبهم ؟!
قال الملحد : لعمرى لقد لطفت الاستخراج على القوم ولعمرى ان هذا مما يقطع شغبهم ، ولكنهم يقولون : لما كان فى العالم خير وشر دلنا على انهما من اصلين قديمين .
قال القاسم : اما وجود الخير والشر فى العالم فانا نجده الا ان هذا يدلنا على ان صانع العالم واحد ، والدليل على ذلك ان الخير والشر يبعثان على الخير والشر ووجدناهما محدثين ، وقد قدمنا الكلام فى هذا المعنى بما فيه كفاية ، وبينا ان العالم اصله وفرعه محدث وان المحدثَ يقتفى المحِدثَ .
وان كان حكم فاعله كحكمه ، اوجب ذلك حدوث صانع العالم ، ويقتضى المحدث ، فان كان هذا هكذا فلكل صانع صانعُ الى مالا نهاية ، وقد بينا فساده انفا.
* ووجه اخر وهو ان الخير والشر ، امر اختلافهما يدل على قدمهما وليس اختلافهما باكثر من اختلاف الصور والهيئات .
وقد قلنا ان اختلافهما يدل على قدمهما من خالف بينهما واخترعهما مختلفين
* فلو كان الخير والشر مجتمعين فى حيز واحد فلا يخلو ان فى حال اجتماعهما من امور
1- اما ان يكون اجتمعا بانفسهما او جمعهما غيرهما ، فان كان اجتمعتا بانفسهما ، فمخالف ذلك انهما ضدان ، والضد ان لا يجتمعان بانفسهما مع ان نشاهد نفورهما وفرار كل واحد منهما من صاحبه ذاذا فسد ذلك لم يبق الا جامعا جمعهما .
2- ووجه اخر وهو انه لو كان وجود الخير والشر الا على ان لهما اصلين قديمين لكان وجود الصانع الاربع دالا على ان لها اصولا قديمة !واذا كان هكذا دلنا على ان شاهدا شاهد زور !!
قال الملحد : فاذا لم كن العالم قديما ولا كان مزاج الاثنين ، وكان صنعا من صانع قديم فحدثنى : لم خلق الله هذا العالم ؟
قال القاسم : ان هذا الكلام فرع من اصل ، فان سلمت لى الاصل كلمتك فيه والا نازعتك فى الاصل .
قال الملحد : وما ذلك الاصل ؟
قال القاسم : هو ان تعلم بالدلائل ان العالم محدث وان له محدثا ، ثم تعلم محدثه واحد قديم ، ثم تعلم انه قادر حى حكيم فى نفسه وفعله .
قال الملحد : قد دللت على الصانع وعلى انه واحد ، فما الدليل على انه قادر حى حكيم ؟!
قال القاسم : الدليل على ذلك انا وجدنا الفعل واقعا دلنا ذلك على ان صانعه حكيم عالم قادر حى .
قال الملحد : فهل وجدت الفاعل الحكيم القادر سوى الانسان ؟
قال : لا
قال : افتقول : انه انسان
قال : انى وان لم اجد انسانا فلم يقع الفعل منه لانه انسان ، اذ قد وجدنا انسانا يتعذر عليه الفعل فلما وجدنا متعذرا عليه ، دلنا ذلك على جواز وجود فاعل ليس بانسان .
الا ترى انا لما قلنا : انه لا يجوز كون الفعل الا من قادر حكيم ، جائز منه ذلك ، وكان قولنا فيه مستمرا ، ولم يستمر القول فى ذلك ، لم نقل !!
قال الملحد : قد ابلغت فى هذا فترجع ان شئت الى مسالتى .
قال القاسم : سل
قال الملحد : لم خلق الله العالم ؟
قال القاسم : قال الله سبحانه ( الذى خلق الموت والحياة ليبلوكم ايكم احسن عملا) 2 سورة الملك وقال (وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون)56 الذاريات وقال (وسخر لكم ما فى السموات وما فى الارض جميعا منه) 13 الجاثية . فاخبرنا انه خلقنا للعبادة والابتلاء ليبلغ بنا الى ارفع الدرجات واعلا المراتب .
قال الملحد : فما دعاه الى خلقنا الحاجة خلق ؟!
قال القاسم : ما دعاه ! .. فمحال ، وذلك انه لم يزل عالما بلا سهو ولا غفلة .
فقولك : ما دعاه . محال ، لان الدعاء والتنبيه والتذكير انما يحتاج اليها الغافل ، فاما الذى لا يجوز ان يغفل فمحال ان يدعوه شىء الى شىء ، اذ لا غفلة هنالك ولا سهو . والدلالة على ذلك ، ان الغفلة من الدلالة على الحدوث ، وقد قامت الدلالة على انه قديم .
واما قولك : الحاجة خلق . فالحاجة ايضا من صفات المحدثين والقديم يتعالى عنها .
قال الملحد : فلم خلق ؟!
قال القاسم : اما قولك : لم خلق ؟! فقد اجبتك ، لان قولك لم ؟ وقولى لان . اجابة !
قال الملحد : فما وجه الحكمة فى خلق العالم وخلق الممتحنين ؟!
قال القاسم : وجه الحكمة فى ذلك انه احسان او داع الى احسان وكل من احسن او دعا الى احسان فهو حكيم فيما يصرفه .
قال الملحد : وكيف يكون حكيما من خلق خلقا فالمه بانواع الالام ، وامتحنه بضروب من الامتحان ؟! خبرنى عن وجه الحكمة فى ذلك من الشاهد .
قال القاسم : اما قولك كيف يكون حكيما من خلق خلقا فالمه بانواع الالام ؟!
فوجه الحكمة فى ذلك من الشاهد ما هو داع الى الاحسان (4) من ذلك ضرب المؤدبين للصبيان ومن الحجامة والفصد والادوية الكريهة ، كل ذلك داعية الى الاحسان الى شىء حسن فى العقل ، فاذا كان الالام فى الشاهد ما هو كذلك ، فكل ما كونه الله من قبل مثل الموت والمرض والعذاب وغيره حكمة فى الصنع وصواب فى التدبير اذ كان كل ذلك داعية الى الاحسان .
قال الملحد : ما الدليل على ان ذلك داعية الاحسان ؟!
قال القاسم : الدليل على ذلك انها افعال الحكيم ، وقد صح ان الحكيم انما يفعل هذه الاشياء التى هى فى السلامة والصحة والخير والترهيب من الغم والشر والنقم ، ومن رغب فى الخير فحكيم فيما نعرف .(45/304)
واما قولك : لم امتحن امتحانات غصب اكثرهم عندها ؟!
فانا نقول فى ذلك ولا قوة الا بالله ان الله تعالى انما امتحانه وامره ونهيه وداعيه له من الحكمة ، فمن غصب فمن قبل نفسه لانه لم ياتمر بما امره الله سبحانه ، ولا انتهى عما نهاه ، ولو كان انتهى عما نهاه الله عنه ، وركب ما امره به ، لكان يؤديه ذلك الى الفوز العظيم . فهو من قبل نفسه غصب ، لا قبل الله عز وجل .
ومثل ذلك فيما نعرف ان حكيما من حكمائنا لو اعطى عبيدا له دراهم وقال لهم : ااجروا فان ربحتم ولم تفسدوا ، فانا معطيكم ما يكفيكم ، وان لم تفعلوا عاقبتكم .
فاطاعه منهم قوم وعصاه اخرون ، ولم ترجع اللائمة عليه بعصيانهم اياه ، ولكنها لاحقة بهم حين عصوه ولم يخرج بها سيدهم اياهم وعطيتهم من الحكمة ، اذ لم يدعهم به الا الى الاحسان فلما كان ذلك كذلك كان الله حكيما بامتحانه وامره ونهيه .
قال الملحد : ان الله يعلم ما هم صائرون اليه ونحن لا نعلم ذلك .
قال القاسم : ان الجهل والعلم لا يحسن الحسن ولا يقبح القبيح ، وذلك انه لو كان حسنا لان الآمر به يعلم انه يفعله ، لكان ذلك قبيحا . اذا كان الآمر منا بما يصير اليه المامور جاهلا ، فلم لم يكن ذلك قبيحا لجهل الآمر منا ، لان هانما امر بالحسن ودعا الى الحسن ، وان كان جاهلا بما يصير اليه المامور او عالما .
* وشىء اخر وهو انه لو كان الامتحان قبيحا ، اذا علم انه يعصى لكان لا شىء اقبح من اعطاء العقل لانه انما يعصى عند وجوده ، ويستحق المدح والذم به ، فلما كان اعطاء العقل عند الامم كلها - موحدها وملحدها - حسنا ، دل ذلك بان الامتحان والخلق والامر بالحسن كله حسن ، علم انه يعصى او يطيع .
قال الملحد : فلم مزج الخير بالشر ولم صار واحد غنيا وواحد فقير والاخر قبيحا والاخر حسنا ؟!
قال القاسم : لانم هذه الدار دار امتحان وابتلاء وحقيقة الامتحان فهو ان يخلق فيه او يامره بشىء ثقيل على طاعته فينظر هل يطيع ام لا يطيع ؟!
ولو خلق الله ما هو خفيف على طباعه ثم امره بالخفيف لكان ذلك لذة له وليس بامتحان ، فلما كانت هذه الدار دار امتحان ، كان الواجب فى صواب التدبير ان يمزج الخير بالشر والنفع بالضر والمكروه بالمحبوب والحسنة بالسيئة والكريه المنظر بالحسن فى النظر ، اذا كان الدار دار امتحان لانه لو كان كله محبوبا كان دار الثواب ، ولو كان كله مكروها كان دار العقاب ، ودار الثواب والعقاب هذه صفتها .
واعلم انه لو لم تعرف علل ذلك ، كان جائز من ذلك انه فى بدء الامر ، اذا اقمت الدلالة على انه حكيم فى نفسه وفعله ، ثم دللت على ان الكل من افعاله حكمة استغنت عن معرفة علله .
ومثال ذلك من الشاهد انا لو هجمنا على الات من الات الصانع ، فراينا اعواجاج المعوجات واستواء المستويات وصغر بعضها وكبر بعضها وغلظ بعضها ورقة بعضها ، فحكمنا على صانعها غير حكيم ، فكنا جاهلين بالحكمة ، نضع الحكمة فى غير موضعها ، بل حينئذ الواجب علينا ان نسلن للحكماء حكمهم ونعرف انهم لا يفعلون شيئا من ذلك الا لضرب من الحكم يعرفونه ، ونعلم ان المعوج والمستوى وكل زوج فيها يصلح له الاخر ، فحينئذ وضعنا الحكمة فى موضعها فاعرف ذلك وتبينه بحدة كما قلنا ان شاء الله تعالى
فلما كانت افعال الله كلها احسانا او داعية الى الاحسان ، كان تبارك وتعالى بفعلها كلها حكيما اذ كل ذلك يحسن فى العقل .
فان قلت : لم فعل الحسن فى العقل ؟
قيل لك : يفعل الحسن لحسنه ولو لم يفعل الحسن فى العقل لحسنه كان لا يترك القبيح لقبحه فى العقل وكفى بهذا القول قبحا
---------------------------------------------------------
(1) العلة عند الحكماء ما يتوقف عليه وجود الشىء ويكون خارجا ومؤثرا فيه ، وعلة الشىء ما يتوقف عليه ذلك الشىء ، وهى قسمان : الاول : ما يتقدم به الماهية من اجزائها ويسمى علة الماهية ، والثانى : ما يتوقف عليه اتصاف الماهية المتقومة باجزائها بالوجود الخارجى ويسمى علة الوجود .
(2) دليل التمانع دليل قرآنى وهو مشهور ومعروف عن المتكلمين انظر الاشعرى : اللمع ص 20 والماتريدى : التوحيد ص 21 وانظر الاية 22 من سورة الانبياء .
(3) اعتقد ان للكلام تماما هو (وهم يقولون ان من يفعل الخير لا ياتى شرا ، ومن يفعل شرا لا ياتى خيرا ابدا وكل مطبوع على خلقه)
(4) قارن فى ذلك ما ذكره القاضى عبد الجبار : شرح الاصول الخمسة ص 493 وما بعدها
قال الملحد : لقد ابلغت ، قد بينت لى مسائل
قال القاسم : سل .
قال الملحد : ما الدليل على ان الصانع له رسول ؟
قال القاسم : الدليل على ذلك ان الصانع حكيم محسن الى خلقه وفى العقل ان شكر المنعم واجب ، فلما كان هذا فى عقولنا واجبا ، وكان الله حكيما منعما على خلقه ، كان من كمال النعمة ان ارسل اليهم الرسل ، مع دلائل اضطرت العقول عندها لتبين لهم كيفية شكره ، لان كيفية شكره ليس مما يعلم بالعقل ، ولا بالنفس ولا بالحس ولا بالنظر ، وان كان فى العقل جوازه ، وحينئذ اقام عندهم ، فمنهم دلائل ومعجزات دل على صدقهم .(45/305)
قال الملحد : كانك تقول ان شرائع الانبياء خارجة عن العقول ؟! اذ قلت : لا نعلم كيفيتها
قال القاسم : اما قولك : ان شرائع الانبياء خارجة عن العقول ، اذ ليس فيها كيفيتها ، فانى لم اقل لك : كيفيتها ليس فيها بينة اشترطت لك . فقلت لك : انه وان لم يكن فيها كيفيتها ففيها جواز كونها
فقال الملحد : وكيف ذلك ؟
قال القاسم : هو مثل ما نعرفه فى الشاهد ، وذلك لو ان سيدا امر عبده ببناء دار ، او قطع شجرة ، او اعطاء عبد الله ، او ضرب زيد ، فانه ليس فى العقل ان السيد يامر به ، فاذا امر به ، كان فى العقل ان الاتمار به حسن وان تركه قبيح ، اذا كانت لامر سيده عاقبة محمودة ، ورجع نفع العبد .
فالعقل يجوز الامر فكل شىء على خياله ، ولا يوجب شيئا من ذلك دون شىء ، اذا كان ذلك الامر مما ينقل حاله ، فى العقل ، وذلك انه قد يكون الشىء الى موضع ما ، حسنا فى العقل اذا كان للشىء معنى حسن .
فاما اللواتى يُدرَكُ حكمها فى العقل ، فقد ادركه ، بان الامر بها ، لا يامره الا بما هو حسن ، ولا ينهى الا عما هو قبيح عنده .
قال الملحد : فحدثنى عن الصلاة والصيام ، وغيرهما من الشرائع ، هل له اصل فى العقل ، يفرع هذا منه ؟!
قال القاسم : اجل قد اخبرتك به انفا ، وهو كالامر بالشىء الى موضع ما ، وكضرب زيد ، واعطاء عبد الله ، ليس له اصل فى العقل اكثر من الاتمار لامر الحكيم ، ووجه الحكمة فيه ان الامر انما يامر به ، لينظر هل ياتمر به المامور فيجازيه لذلك لا سيما اذا كان مستغنيا غير محتاج الى ما يامر به ، وانما يامرهم ليمنحهم ، وليظهر بذلك اعمالهم فان الامر به حسن وعلى ذلك سبيل الشرائع .
قال الملحد : خبرنى عن كيفية معجزاتهم ؟
قال القاسم : هو قلب العادات وان لا يترك العادات جارية على مجراها .
فاذا جاء احدهم وقال له قومه : ما الدلالة على كذا وكذا ، الى كذا وكذا ؟! فحينئذ يعرفون صدقه ويضطرون ، وهذا سبيل المعجزات كلها .
ومثل ذلك نفرق بين النبى والمتنبئ ، وبين الصادق والكاذب .
قال الملحد : فانه بقى فى قلبى شبهة فاحب ان تقلعها بحسن رايك ونظرك .
قال القاسم : هاتها لله ابوك
قال الملحد : خبرنى عن الله عز وجل ، لم يميت الانسان ويصيره ترابا ، بعد ان جعله ينطق بغرائبا لحكمة وبعد هذه الصورة العجيبة البديعة ، ولم يفنى العالم كله ، ارايت لو ان انسانا بنى بناء فنقضه لا لمعنى ، هل يكون حكيما ؟!
قال القاسم : ليس الامر كما ظننته ارايت لو ان انسانا بنى بناء للشتاء فلما جاء وقت الصيف نقضه وبنى للصيف هل يكون حكيما ؟!
قال الملحد : نعم
قال القاسم : ولمَ ؟
قال الملحد : لان الذى اتخذه للشتاء لا يصلح للصيف وكذلك الذى اتخذه للصيف لا يصلح للشتاء .
قال القاسم : وكذلك الله عز وجل ، خلق الدنيا وما فيها للابتلاء فاذا انتهى اجلها افناها وبعثرها .
ثانيا ( ليجزى الذى اساؤوا بما عملوا ويجزى الذين احسنوا بالحسنى) ولا يكون ذلك خروجا من الحكمة بل الحكمة ان لا يضيع الثواب والعقاب .
قال الملحد : ان التوحيد والتعديل والرسل قد تكلم فيه ناس من اهل العلل ، وكل يشك فى الميت هل يحيى ام لا ؟ وكل يجئ فى ذلك بشىء فان دللت على ثباته وكيفيته لم يبق لى مسئلة وحينئذ امنت بربى .
قال القاسم : اما الدلالة على حياتها فانى قد وجدت الله تبارك وتعالى حكيما قد امتحن خلقه وامرهم ونهاهم ، وكان قول من يقول بارداته الامتحان داعيا الى الاهمال ، والاهمال داع الى ان الله غير حكيم ، واذا جاز ان يكون العالم قديما لانه لا فرق بين ان يفعل من ليس بحكيم هذا الصنيع العجيب ، وبين ان يقع فعل الامر ، ومحال موجودة ، فتكون قديمة ازلية لا فاعل لها .
ووجدت هذا القول داعيا الى التجاهل ، فلما كان ذلك كذلك صح ان الله حكيم والحكيم لا يهمل خلقه ، واذا لم يمهل خلقه ، لم يكن بد من امر ونهى ، ولم يكن بد من مؤتمر وغير مؤتمر .
واذا كان من حكم العقل ان نفرق بين الولى والعدو ، ووجدنا اعداءه واولياءه مستوية الاحوال فى الدنيا ، لانه كما ان فى الاعداء من هو مؤثر صحيح ، وفيهم من هو معسر مريض ، وكذلك الاولياء ، فلما كانت فى الدنيا احوالهم مستوية ولم يكن بد من التفرقة بينهما صح ان دارا اخرى فيها نفرق بينهما ، وفيها يحييون وفيها ينشرون .
تذت قد وجدت هذه الحال قد اشتمل بالكل ، الولى والعدو ، وذلك قوله عز وجل (ام نجعل الذين امنو وعملوا الصالحات كالمفسدين فى الارض ام نجعل المتقين كالفجار)
واما قولك : فاخبرنى عن كيفيتها . فان الله عز وجل جعل الروح لجسد الانسان حياة له ، كالارض اذا اهتزت بالماء وتحركت بالنبات ، كذلك الروح اذا صار فى الانسان صار حيا متحركا اذا امتزج احدهما بصاحبه .
قال الملحد : وكيف تمتزج الروح بالبدن وقد صار ترابا ؟!
قال القاسم : وكيف يمتزج الماء بالارض الهامدة اذا صارت محله يابسة ؟!
قال الملحد : هو ان تمطر عليها او يجرى فيها ، فتتصل اجزاء الارض باجزاء الماء ، بالمشاكلة التى بينهما فعندها تهتز وتتحرك .
قال القاسم : وكذلك الروح ترسل الى ذلك التراب فتماسه وتمازجه فحينئذ يحيا الانسان ويتحرك .(45/306)
الا ترى الى بدء خلق الانسان كيف كان ؟ او ليس تعلم انه كان ترابا فلما جمع الله بينه وبين روحه صار انسانا ، فاصل خلق الانسان بذلك على اخره .
اولا تسمع قوله تعالى (قل يحييها الذى اشناها اول مرة وهو بكل خلق عليم * الذى جعل لكم من الشجر الاخضر نارا فاذا انتم منه توقدون)
قال الملحد : انه ليس بين الروح والتراب مشاكلة فيما نعرف ؟!
قال القاسم : فهل تعلم بين النار والشجر الاخضر مشاكلة ؟!
قال الملحد : نعم ، وهى انها مجموعة من الطبائع الاربع احداهن النار وبين ثالثهن مشاكلة .
قال القاسم : الله اكبر ، هل تعلم بين النار وثلاثتهن مشاكلة ؟
قال الملحد : لا
قال القاسم : فكيف اجتمعن ؟ انه لما جاز ان تجتمع النار مع الماء والارض والهواء بلا مشاكلة بينهن جاز للروح مثل ذلك .
قال الملحد عند ذلك : اشهد ان لا اله الا الله وان محمدا رسول الله ، وان كل ما جاء به حق وتعست امة ضلت عن مثلك
واسلم وحسن اسلامه وكان يختلف الى الامام القاسم ويتعلم منه شرائع الاسلام
============(45/307)
(45/308)
إذا اقترب الإلحاد من الثقوب السوداء فإنها ستقوم بابتلاعه ..!!
الثقوب السوداء .... واللغز الكبير للماديين
الثقب الأسود عبارة عن جسم كثيف كتلته ضخمة جدا متجمعة في نقطة صغيرة ... ويتكون الثقب الأسود عند انتهاء عمر النجم حيث ينسحق النجم على نفسه ولو تصورنا أن الأرض تحولت إلى ثقب أسود فإن حجمها لن يعدو السنتيمتر المكعب .. ولذلك يقول العلماء أن المجموعة الشمسية بجميع كواكبها لو تصورنا أنها تحولت إلى ثقب أسود فلن تملأ كوب صغير ... فالحجم إذن من هذا المنظور نسبي وليست إذن عظمة الكون بمدى اتساعه فحسب بل لو نظرنا للكون بنظرة مجردة لوجدنا أن عقل الإنسان( الذي هو مناط التكليف ) من أعظم ما خلق الله فالعبرة ليست بالحجم فكما ذكرنا أن الحجم نسبي وربما استوعبت جمجمة انسان تجمع مَجَرِّي كامل بكل كواكبه .
يتمتع الثقب الأسود بقوة جذب هائلة بحيث لا يستطيع أي شيء بما في ذلك الضوء التحرر من قوة الجذب هذه مما يؤدي إلى سقوطه داخل هذا الثقب وامتصاصه . و يدور الثقب الأسود مع النجوم والأفلاك والمجرات في إطار منظومي متسق ذي آلية خاصة تجمع في ذاتها أبعاداً جيولوجية وفيزيقية وجيوفيزيقية وكيمياوية تؤكد أن كل ما توصلت إليه الكشوف العلمية القديمة والحديثة والمعاصرة هو شذرات تمثل المسافات النسبية بين المعلوم والمجهول وصدق الله العظيم {وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً} (85) سورة الإسراء.
ومما يجدر ذكره إن الزمن ينعدم تماما عند الثقب الأسود ، قد يكون من الصعب علينا أن نتخيل أن هناك نقطة في الفضاء لا يمر فيها الوقت ولكن هذا ما يحدث فعلا في مركز الثقوب السوداء. وللإنسان في عالمنا المُشَاهد أربعة أبعاد ألا وهي الطول والعرض والإرتفاع والزمن . لكن يبدو أن الثقوب السوداء لا علاقة لها بهذه الأبعاد . إن المادية التي تأسس عليها الفكر الإلحادي بكل منظوماته الأيديولوجية لا اعتراف بها عند الثقوب السوداء وأنا أدعو كل الماديين على سطح الأرض ان ينكروا العلم قبل أن ينكروا الدين .إن هؤلاء جدير بهم أن يرتدوا عن العلم قبل أن يرتدوا عن الدين ... إن أسباب إلحاد هؤلاء نفسية أكثر منها علمية وكما يقول عالم الفلك الفلكي (فريد هويل ) في كتابه mathematics of evolution p.130 " في الحقيقة كيف لنظرية علمية واضحة جداً تقول أن الحياة جمعها عقل ذكي ومع ذلك فإن الشخص يتعجب ويتساءل، لماذا لا يقبلها بشكل واسع باعتبارها بديهية …لكن أغلب الظن أن الأسباب نفسية أكثر منها علمية .
الفريد هويل يعترف أن أسباب الإلحاد نفسيه أكثر منها علمية
المصادر :-
http://en.wikipedia.o r g/wiki/Black_hole
http://www.damtp.cam.ac.uk/use r /g r /public/bh_home.html
http://cosmology.be r keley.edu/Education/BHfaq.html
http://casa.colo r ado.edu/~ajsh/schw.shtml
ولكم ينبهر الإنسان عندما يقرأ قول الله تعالى {فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ,الْجَوَارِ الْكُنَّسِ} (16) سورة التكوير... فـ (الخُنّس): هي الأشياء التي لا تُرى أبداً. وهذه الكلمة من فعل (خَنَسَ) أي اختفى ولذلك سُمِّي الشيطان بـ (الخنَّاس) أي الذي لا يُرى. و(الجوارِ): أي التي تجري وتسير، وهذه من كلمة (يجري) بحركة محددة. و(الكُنّس): من فعل (كَنَسَ) أي جَذَبَ إليه أي شيء قريب منه وضمَّه إليه بشدة، وهذا ما يحدث فعلاً في الثقب الأسود، وهذا ما تحدث عنه القرآن. .
والثقوب السوداء في واقع الأمر ليست ثقوبا كما يبدو بل هي على النقيض من ذلك بحيث إنها كتلة كبيرة انكمشت إلى حجم صغير جدا ذو كثافة عالية ولا تطلق ضوءا لذلك ما أدق اللفظة القرآنية حين أخبر الله سبحانه وتعالى بهذا المخلوقات بإستخدام لفظ الخُنس ...
فالثقوب السوداء مواد خانسة جارية تكنس صفحة السماء وهذا عين ما قال به علماء الفلك
ويقول علماء الفلك أن الثقوب السوداء هي مكانس السماء العملاقة
أليس هذا عين ما أخبر الله سبحانه وتعالى في كتابه عن هذه المخلوقات ؟؟ {فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ,الْجَوَارِ الْكُنَّسِ} (16) سورة التكوير ....!!!!
إنها تبتلع كل شيء وتكنس صفحة السماء
نسأل الله أن نهدي كل باحث عن الحق وأن يوفقنا جميعا لما فيه رضاه
كان البعض يعتبر أن القوانين الفيزيائية مُطلقة ويتم تطبيقها على جميع العوالم وما أن تم اكتشاف أن الثقوب السوداء لا يمكن تطبيق بعض القوانين الفيزيائية عليها إلا وقد سقطت المادية الإلحادية الرخيصة وسقطت معها أيديولوجية فكرية كفرية كاملة ....
فهل حان الوقت للملاحدة أن يعترفوا أن الإلحاد سقط وابتلعته الثقوب السوداء أم سيظلون يراوغون وسيظلون على منهجم الخرافي الميتافيزيقي المناقض للعلم والعقل ؟؟؟؟
هل سيعترفون ويقولون كما قال سَيِّدُهم ستيفن هاوكنج ( خليفة أينشتاين وصاحب كرسي نيوتن في جامعة كمبردج والمتخصص في أبحاث الثقوب السوداء ) حين قال أمام الجميع في جامعة كمبردج أن «سر الكون لا يعرفه إلا خالقه».
================(45/309)
(45/310)
(45/311)
لا مكان للإلحاد بيننا ..... ما هؤلاء الناس !!
ما هؤلاء الناس ؟
إنهم ليسوا عرباً ولا عجماً ولا روس ولا أمريكان !!
إنهم مسخ غريب الأطوار صفيق الصياح بُليت بهم هذه البلاد إثر ما صنعه الغرب بها وترك بذوره في مشاعرها وأفكارها .
فهم - كما جاء في الحديث - من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا .
بيد أنهم عَدو لتاريخنا وحضارتنا . وعبء على كفاحنا ونهضتنا . وعون للحاقدين على ديننا والضانين بحق الحياة له ولمن اعتنقه .
إن هؤلاء الذين برزوا فجأة وملأت ضجتهم الأودية والأندية يجب أن يُمزق النقاب عن سريرتهم وأن تَعرفهم هذه الأمة على حقيقتهم حتى لا يروج لهم خداع ولا يَنطلي لهم زور .
إن هؤلاء الذين يلبسون مسوح العروبة ويندسون خلال صفوف المجاهدين ويزعمون أنهم مبشرون بعالم أفضل وفي الوقت نفسه ينسحبون من تقاليد العروبة ويهاجمون أجَّل ما عُرفت به ويبعثرون العوائق في طريق الإيمان ورسالته .
إن هؤلاء الناس ينبغي أن يُماط اللثام عن وجوههم الكالحة وأن تُلقى الأضواء على وظيفتهم التي يسرها المارقون لهم ووقفوا بعيدا يرقبون نتائجها المُرة .
وما نتائجها إلا الدمار المنشود لرسالة الرُقي الروحي رسالة الإسلام .
لقد قرأنا ما يكتبون وسمعنا ما يقولون ولم يعوزنا ذكاء لاستبانة غاياتهم .
فهم ملحدون مجاهرون بالكفر والزندقة .
والغريب أن هؤلاء الناس يخاصمون الإسلام بعنف ويحاربون أمته بجبروت ويهادنون الأديان الأخرى من سماوية وأرضية كأن الإسلام هو العدو الذي كُلِّفوا باستئصاله وحده .
إن العرب مَرَّت عليهم أدهار قبل الإسلام لم يكونوا فيها شيئا مذكورا ثم جاء هذا الدين فدخلوا التاريخ به وصار صيتهم تحت رايته وصدق الله إذ يقول {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ} (44) سورة الزخرف ... { وإنه } أي : القرآن { لذكر لك ولقومك } إذ نزل بلغتهم ونزل عليك وأنت منهم { وسوف تسألون } عن القيام بحقه .... إن مجيء الرسالة على أُمتنا تكليف لا تشريف
وظَّن بعض السُذج أن هذا الدين يُعطي امتيازا خاصا للعرب ويجعلهم عنصرا أرقى من سائر الأجناس وتناسوا فيما تناسوا قوله تعالى {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} (13) سورة الحجرات ...
ماذا تبقى للملاحدة بعد أن تركوا الإسلام ؟؟؟ إن وِطابهم خالٍ وتاريخهم صفر .
يا سادة إن خصائصنا الروحية والإجتماعية وتراثنا الماضي وامانينا المستقبلية لا يمكن البتة سلخها عن الإسلام !!
يا سادة إنني أرى الإلحاد كعجوز شمطاء تتخفى وراء حُجُب من الأصباغ والملابس والحُلي والدلال
ولقد تتبعت حصيلة هؤلاء الملاحدة من الثروة العلمية خصوصا ملاحدة مصر فوجدتهم يكفرون على صيت تقدم العلم في أوربا وأمريكا وقد تطور روسيا قمرا صناعيا بذل العلماء هناك في ضبطه وتجهيزه وتزويده ما يُضني العقول ومع ذلك يتفرج نفر من هؤلاء على هذه المشاهد ثم يصيح لقد كفرنا بالله {وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُّنِيرٍ} (8) سورة الحج
إن هؤلاء شاهت طباعهم ... يظنون سعة الثقافة في سرعة الإلحاد ... وحرية الفكر في هوان الإرادة واستمراء الشهوات .. والتقدم المستحب هو البُعد عن فرائض الله ... وتسمع أولئك العلوج وهم يتكلمون عن وجوب فتح حانات الخمور وتهيئة صالات العهر .. لأن موارد السياحة ستنضب إن لم يُقدم للسائحين المُسكر الذي يشربون والمرأة التي يشتهون !!!! فتجزم بأنك أمام أمساخ خلق وأنصاف او أعشار بشر ...
إننا لنتشاءم من مُستقبل أجيال فيهم أمثال هؤلاء إنهم مُخنثون انتكست فطرتهم عندما عاندوا طبائع الأشياء ...
إنني أجزم بان امثال هؤلاء لا يصلحون لحمل أعباء أو مُخاصمة أعداء.
بعض الفقرات في هذا المقال مُقتبسة من كتابات الشيخ الغزالي بتصرف ..!!
================(45/312)
(45/313)
ماذا ستخسر لو ألقيت بالالحاد بعيدا عنك
قديما عندما استكبر فرعون وقومه بحضارتهم وعلومهم واموالهم عن عبادة الله الواحد القهار وكذبوا موسى .. ألقى اليهم رجل عاقل حكيم من ال فرعون يكتم ايمانه بهذا الرأى السديد الذى تطلقون عليه منطق .. دعاهم قائلا لهم
(( وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ ))
(( تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ ))
وبين لهم ان لو كان موسى كاذبا وليس هناك ربا لن يخسروا شيئا .. وان كان صادقا سينالهم عقاب من الخالق
((وَإِن يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِن يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُم بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ ))
ماذا يضير الملحدين لو آمنوا بالله .. وماهى الخسارة لو طرحوا الكفر والالحاد بعيدا عنهم ..
لهذه الدرجة اخذتكم العزة بالاثم ولا تطيقون بعدا عن الكفر والالحاد .. الحمد لله على نعمة الايمان صدق الله العظيم فى قوله
(( وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ ))
حياك الله اخي في الله
على رأي الشاعر
قال الطبيب والكاهن كليهما***لن تبعث الأموات قلت اليكما
اذا صح قولكما فما أنا بخاسر***وان صح قولي فالخسار عليكما
ولكنها اخي الكريم الأهواء ،،، فهم أصبحوا يعبدون أهواءهم وغرائزهم
فلماذا سوف يضيع عشرة دقائق في الصلاة في المسجد ،، فليذهب ليضيع الليل كله في الخمارات
لماذا سوف يضيع وقته في رؤية برنامج نافع او درس في العقيدة ،، فليضيع وقته في رؤية الافلام الأقل من 18 سنة او الافلام التي يكتب عليها للبالغين فقط
لماذا سوف يبقى وفيا لزوجته؟؟؟ فليذهب للخلائل ويمضي وقته في الزنا والمجون
لماذ سوف يتقيد بالتعاليم الدينية ؟؟؟ لأنها كلها تدعوا الى الفضيلة وعدم الغش ولكنه يريد السرقة ويسميها مهارة والاختلاس شطارة والزنا حبا والكفر فكرا
يريد أن يعبد غرائزه...
فاذا لاحظتم اخوتي في الله معشر المؤمنين لايدفعون شيئا مقابل الدخول للجنة ،، فالمساجد ندخلها بالمجان وقراءة القرآن وذكرالرحمان لا ندفع عليها اشتراكا شهريا
أما معشر الملحدين فهم يدفعون كثيرا مقابل الدخول للنار
وكل ذلك لماذا ؟؟؟ عوض ان يعيشوا ستين او سبعين سنة في عبادة الله واتباع اوامره واجتناب نواهيه مقابل الخلود في الجنة ،،، يعيشون سبعين سنة في المجون والانحلال مقابل الخلود في جهنم وبئس المصير.
فيا اخوتي في الله يجب اضافة ظاهرة الالحاد الى تخصصات علم الاجتماع وعلم النفس ،، لأن الحادهم راجع في الاساس الى اسباب وعقد نفسية واجتماعية.
==============(45/314)
(45/315)
هل ابن الملحد .. ملحد؟
السلام على من اتبع الهدى ورحمة الله وبركاته.
هذا التساؤل أقصد من ورائه بيان فساد معتقد الملاحدة.
سؤالى هو :
عزيزى الملحد ...
هل ابنك منذ ولادته وحتى قبل بلوغه سن الرشد يكون ملحداً مثلك أم لا؟
فطرة العبادة موجودة في الجنس البشري....
عندما أسمع أن فريق للدعوة، او جماعة تبشير دخلوا قرية مهجورة منسية لا صلة لها بالعالم الخارجي
يجدونهم يعبدون آلهة
مستحيل أن تجد قرية في أدغال افريقيا او في جنوب شرق آسيا ملحدة لا تعبد شيئاً
لا بد أن تجدهم يعبدون شيئاً
وهذا يدل على أن النفس تميل للإعتراف بوجود الإله، إذا غابت عنها المؤثرات الخارجية.
مما سبق يتضّح أن إبن الملحد لو تركوه أهله ولم يضحكوا عليه بالتطور والإلحاد فإنه حتماً سيتجه إلى عبادة من خلقه
من مشاهدة بعض الملاحدة ومعرفتى وسماعى باحوالهم الاسرية لا تجد دائما ابناءهم على نفس الوتيرة ولا الفكر .. وماصادفنى منهم وخاصة من العلمانيين نوعين .. النوع الاول ملحد او علمانى فى قناعاته وفكره ومنهج حياته بمعنى اصح ضال فقط ولكنه لا يتدخل فى قناعات اهل بيته وليس لديه منهج محدد ولا نية ولا تدخل فى احوالهم العقائدية .. هو مكتفى بحاله وما هو عليه ولا يضيره اى فكر او دين يعتنقه الاخريين .. فتجد احيانا ابنه يصلى او زوجته محجبة .. ولا يمانع او يسخر من اى مظهر من مظاهر التديين .. مصيبته فى نفسه فقط ..
اما النوع الثانى فهو الاخطر الذى تعدى الالحاد او العلمانية مجال فكره وقناعاته .. المسألة بالنسبة له اصبحت رسالة يسعى بكل الطرق لنشر الالحاد او العلمانية .. بمعنى انه ضال مضل مضلل .. ولهم من الصبر على ذلك ما يفوق اى احتمال .. فهم باى مناسبة او جمع او زيارة او حتى مجالس مآتم او افراح يتعمدون فتح حوارات ومسائل جدالية بغرض التشكيك .. وقد لمست ذلك فى بعض منهم عن قرب .. ودائما يستمتعون باستفزاز الغير واثارة زوابع .. ويجدون فى انفعالات الاخريين منتهى امانيهم وراحتهم الوجدانية وما يشفى غل صدورهم .. وكأنهم نالوا من كل من قال لا اله الا الله وحده لا شريك له .. ومصيبه هذا النوع تتعدى ذاته ونفسه فهم دائموا النقد والسخرية والاستهزاء من اهل بيتهم الملتزمين دينيا .. وخاصة بالمسائل التى تتعلق بالحجاب او الالتزام بمواعيد الصلاة .. لا يستطيعون الصبر على مشاهدة حدود الله وحقوقه تقام ببيوتهم .. دائما مستفزون من اى مظهر دينى ويبذلون قصارى جهدهم للانتقاص من قدر صاحبه ... وعلى عكس ذلك فهو يظهرون كل الود والمحبة لمن يسايرهم على اهوائهم .. ويحاولون بقدر استطاعتهم التأثير على اهليهم بانتهاج فكرهم ومسلكهم والتمرد على اى مظهر دينى .. والمشكلة تظهر بوضوح عندما يحدث تحول فى احد افراد اسرة علمانية .. تجد المحبة انقلبت الى تربص الطرف العلمانى بالاخر واصطياد الاخطاء ووضعه تحت المجهر والسخرية والاستهزاء بكل مظاهر التديين ووصف تلك المظاهر بالتخلف والرجعية وكأن هذا الطرف تبدل عندما اقترب من دينه وربه ..
وموسى تربى في قصر فرعون وصار نبيا ..
ونوح النبي مات ابنه كافرا ...
عبد المطلب ناصر رسول ا صلى الله عليه وسلم وناصر المسلمين , ولم يقل بكلمة الايمان والتوحيد بلسانه . مع ان كل كيانه وكل اعماله نطقت بها ..
هذا دليل على وجود الاستعداد النفسي والعقلي للطاعة او العصيان .. مع ان الحقيقة والواقع تحكم بان النفس تتغلب احيانا على العقل وان الاستعداد العقلي لموافقة او مخالفة جنوح او اعتدال النفس , يعود الى الارادة ذاتها ..
ولهذا قيل : غالب سيدنا عمر نفسه فغلبها ...
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ميزوبوتاميا
أصالة الدين فى النفس البشرية: لا اعتقد ذلك فمثلا ابني عمره 8,5 سنة يسألني اسئلة كثيرة عن مختلف الاشياء في الحياة ولم يسألني لماذا خُلق او من الذي خلقه او لماذا يصلي الناس .
السبب لان عقلة لا يزال يفكر في مدركاته فقط , لان تفكيره سطحي , الكبير 8,5 سنة, الصغير 3,7 سنة.
قفزة قليلة في العمر وستبدا الذات تتساءل وتسأل نفسها عن الالوهية والربوبية والكون والانسان والنقص والحاجة في الانسان
اقتباس:
بطلان الالحاد: الالحاد ليس دين والطفل المولود لن يولد على فطرة الاسلام او الالحاد.
هذا لانك لا تعرف معنى الفطرة .. ولا تتجاوب معها , فكل مولود يولد على الفطرة .. وكل ملحد يشعر بالضيق , الا اذا طمسه الكفر والالحاد والزيغ والضلال ,
اقتباس:
الالحاد بالنسبة لي ليس بدين (ليس لديه قوانين او شرائع)
صحيح .. فاي منظومة عقلية قلبية اخلاقية ولها معتقد وسلوك تعبدي يعتبر دينا . وخلو الالحاد من كل هذه الاشياء يخرجه عن نطاق الدين . وانما يسمي البعض الالحاد دينا من باب التجاوز عن المعنى الحقيقي للدين , ولان الدين من الطبيعة البشرية , لا حياة طبيعية للانسان الطبيعي بدونه .
اقتباس:
بل هي فكرة بان ليس هناك اي دليل مادي على وجود خالق(45/316)
بل ولا يصل الالحاد الى شرف اعتباره فكرة , والالحاد سببه نفسي وليس عقليا ولا فكريا . والدليل هو قولك بانك تنفي ادراكك لاي دليل مادي على وجود خالق . وعدم الادراك لا يعني الا التحوصل العقلي والسطحية فيه . فلا ينظر الى كيانه ولا الى ما حوله بعمق يجعل تفكيره يربط بين المدركات حسا وعقلا . فهو بغير التفكير العميق لا يربط بين وجود الشيء وعلاقة هذا الوجود بهذا الشيء .فيرى وتيرة الحياة من الامور العادية ولا يرى ان نظام الحياة هو بسبب القوانين الالهية الثابتة . ثم انه لا يربط بين هذا النظام الثابت والمفروض على كل موجود مخلوق وانه يحتاج اليه ليحيا ..فمن دلائل وجود الخالق ادراك حقيقة الاحتياج الموجودة في كل مخلوق .
من يريد ان يرى دلائل وجود الله فعليه بالتفكير العميق .. وهذا ما يميز الانسان عن سائر المخلوقات من الحيوانات والجمادات . وبالتالي يتميز عنها بطريقته في العيش على طراز معين . وليس فقط عيشة على طريقة عيشة الحيوانات .... من اكل وشرب وتغوط وتبول وتناسل .
اقتباس:
والاديان كافة هي بشرية المصدر لان الانسان يخاف (خاف) من المجهول فصنع آلهة وفقا لتصوراته البشرية.
ليس بسبب الخوف كما يدعي بعض الانثولوجيين . بل بسبب انبياء الله , وبسبب الطبيعة البشرية التي يستجيب لها الانسان في التدين وحقيقة وجود الله . حتى ان البشرية ضلت في بعض الاديان في فترة عدم وجود الانبياء الذين كانوا يعلّمون البشرية حقيقة ذات الله وحقيقة تعاليمه .
اقتباس:
بالنسبة لي ليس هناك ملحد 100 % وليس هناك مؤمن 100 %.
صحيح انه ليس هناك ملحد 100 % و وحتى هذه النسبة تنعدم بمجرد التفكير السليم والعميق .
اما الايمان فهناك مؤمنون بنسبة 100 % في ايمانهم . والدليل مدى التزامهم وتضحياتهم .
واضح أنه قد تم الخروج كثيراً عن جوهر الموضوع.
ما أردت الإشارة إليه هو الآتى :
أيهما آصل فى النفس البشرية ـ وأيهما أسبق فى حياة الإنسان ، الدين أم الإلحاد؟
وأنا ضربت مثال بالطفل الذى هو دون سن الحلم ، منذ لحظة ميلاده ، وسألتك : هل يولد ملحداً أم متديناً؟
لا شك أنه لن يولد بلا معتقد.
ذلك أنك لو اعتبرت الإلحاد أنه لا معتقد فإنك تقول أنه يولد ملحداً.
وأنت نفسك قد نفيت هذا من قبل.
وطبعاً لو أنك ادعيت أن الطفل يولد ملحداً فإن هذا يلزمك بالدليل.
قد ترد عليّ وتقول : وما الدليل أنه يولد على دين؟
سأقول لك : تمسكه بالدين.
فستقول لى : هذه بسبب تنشئتكم إياه علي الدين.
وهنا سأقول لك : لو ادعيت أنه يولد ملحداً ويتمسم بإلحاده وأن هذا دليل على أصالة الإلحاد فى الإنسان فسأقول لك بل هو اكتسب منك الإلحاد.
ثانياً : سبب إسقاطى هذا السؤال على الطفل هو كأننى أسأل نفس السؤال أيهما أسبق فى النفس البشرية ، وأيهما أسبق فى حياة الإنسان الدين أم الإلحاد؟
أرى أن الموضوع قد اتضح الآن.
طبعاً نحن نقول الدين والأدلة على هذا نعجز عن حصرها ، أقلها شيوع الدين عند بنى الإنسان باستثناء بعض عشرات من الملاحدة حول العالم.
ولكنك ربما ستدافع وتدعى أن الإلحاد هو آصل وأسبق فى النفس البشرية وفى حياة الإنسان.
=============(45/317)
(45/318)
مغالطات جدلية ..... هام الى كل مسلم يحاور مخالف
بقلم : عبد الرحمن حسن حبنكة الميدانى من كتابه كواشف زيوف
يقصد بالمغالطة اصطناع مقدمات مزيفة مزخرفة توهم بصحتها ، فتسوق فِكرَ من يُراد إقناعه بالباطل من حيث لا يشعر ، حتى تُوقعه في الغلط ، وهو يحسب أنه على صواب ، فيقبل الباطل الذي يساق إلى الاقتناع به ، ويظنه حقاً ، فيعتقد صوابه ، ويؤمن به ، ثمّ يدافع عنه ويبشر به .
وللمغالطات الجدلية أصول كثيرة أهمها الأصول التالية :
الأصل الأول
تعميم أمرٍ خاص : والمغالطة بالتعميم الباطل تنسب إلى بعض أفراد العام ما ليس له من أحكام بغية التضليل .
ويستطيع المضللون التأثير على جماهير الناس بهذه المغالطة ، لأن من طبيعة هذه الجماهير أن تصدّر أحكاماً تعميمية ، وأن تقبل أحكاماً تعميمية ، متى شاهدت أمثلة مطبقة على بعض أفراد العام ، وذلك في نظراتهم السريعة السطحية غير العلمية ، وهي النظرات التي ليس فيها أناة ، ولا عمق ، ولا بصيرة ، ولا تتبُّعٌ واستقصاء ، ولا منهجية برهانية .
فإذا رأوا عدداً من اللصوص ينتمون إلى قبيلة ، حكموا على أفراد القبيلة بأنهم لصوص ، كما لو رأوا حيواناً يفترس الأنعام ، إذ يحكمون على كل أفراد نوع هذا الحيوان بأنها تفترس بطبيعتها الأنعام ، ويغفلون عن نقطة مهمة وهي أنه لا يصح قياس الناس الذين يتحركون بإرادتهم على البهائم التي تتحرك بطباعها .
ويستغل المضللون هذه الطبيعة السطحية ، عند الجماهير التي لا تملك منهجية علمية في نظراتها إلى الأمور ، فيضللونهم بأحكام تعميمية باطلة .
ويكون التعميم الباطل بوجهين :
الوجه الأول : أن يكون للفظ العام تطبيقات جزئية مقبولة ومعقولة ، وفيها حق وخير ، وهي تقع ضمن دوائر وحدود خاصة .
والناس يطلقونه دون بيان حدوده الخاصة ، فهو يتردد على الألسن دون قيود .
ويستغل المفسدون المضللون هذا اللفظ بإطلاقه ، ويعطونه مداً تعميمياً ، ليكون له في نفوس الجماهير صدى عام ، يشمل مساحات لا يصح أن يشملها ، فإذا طبق على هذه المساحات الواقعة وراء الحدود المعقولة المقبولة ، كان تطبيقه باطلاً ، ونجم عنه شر وفساد .
مثل ألفاظ : "الحرية - المساواة - التقدم - الواقعية - المثالية - الرجعية - الوطنية - القومية" إلى غير ذلك من ألفاظ مطلقة .
الوجه الثاني: أن تقدم الملاحظة أو التجربة العلمية أمثلة محدودة ، جرت في أفراد العام ، كنوع أو جنس ، وهذه الأمثلة ، لا يصح بناء قاعدة كلية عامة عليها في المنهج العملي السليم .
لكن المضلين يوهمون بأن هذه الأمثلة المحدودة ، التي جرت في أفراد معدودة ، كافية لإعلان قاعدة كلية عامة ، أو قانون شامل لكل أفراد النوع أو الجنس .
ويقبل السطحيون ذلك ، لأن نزعة التعميم وتصدير الأحكام الكلية الشاملة ، أقرب إلى نفوسهم من البحث التفصيلي المتقصي ، الذي لا يسمح بإصدار أحكام تعميمية إلا بعد استقراء شامل أو ما هو قريب منه .
والمغالطة التعميمية ، أخطر مغالطة فكرية تقتات بها وتعيش عليها المذاهب الفكرية المعاصرة ، والاتجاهات المنحرفة في مختلف الميادين والمعارف التي اختلط فيها الحق بالباطل .
والتعميم في الحكم يكون في جانب الإيجاب ، ويكون في جانب السلب ، فالمعمم تعميما ًخائطاً قد يقبل المذهب كلَّه لأن بعضه حق ، وقد يرفض المذهب كله لأن بعضه باطل .
ومن التعميم الفاسد في جانب الإيجاب ، الحكم على كل مُعطيات الحضارة الغربية بالصحة ن قياساً على ما صح منها في معطيات العلوم البحتة , وعلى ما ظهر منها في المنجزات التطبيقية المادية . مع أن هذا التعميم المستند إلى هذا القياس ، تعميمٌ فاسد ، لأن القياس الذي هو دليله قياس غير صحيح ، ومبعث قبوله عند الجماهير جهلهم بأسس اكتساب المعرفة ، وثقتهم العمياء القائمة على غير أساس منطقي سليم .
إنه ليس من الضروري أن يكون من يستطيع التغلب على المصارعين في المصارعة ، ذا قدرة على التفوق على الشعراء في الشعر ، أو الأدباء في الأدب ، أو علماء الحساب والهندسة في علومهم .
كذلك ليس من الضروري ، ولا من اللازم العادي ، أن يكون المتفوق في العلوم الصناعية قد وصل إلى الحق في قضايا الأخلاق ، أو في قضايا فلسفة الوجود ، والبحثِ عما وراء الظواهر المادية ، فضلاً عن قضايا الدين ذات المصادر الربانية .
ومن التعميم الفاسد في جانب السلب رفض كل دين ، لأن بعض ما يطلق عليه اسم دين هو باطل .
وعلى هذا التعميم الفاسد اعتمد دعاة الإلحاد في محاربة الإسلام .
والمنهج الفكري الذي يجب اتباعه ، هو أن الجزم بالتعميم لا يكون إلا نتيجة استقراء تام لكل الوحدات الجزئية ، التي تدخل في العموم ، فإذا اتحد الحكم في كل الوحدات أمكن عندئذٍ إصدار حكم كلي عام عليها جميعاً .
وإلا ، فإن كان الأغلب يحمل هذا الحكم أمكن إصدار حكمٍ أغلبي ، لا حكم شامل .
وإن كان دون ذلك فالحكم يجب أن يكون بحسب الواقع .(45/319)
والتعميم القياسي مقبول في قوانين الطبيعة ، بالاستناد إلى الاستقراء الناقص ، لكنه يعطي نظرية قابلة للتغيير ، ولا يعطي حقيقة نهائية . ومقبول في أحكام الشرع الاجتهادية ، لكنه يعطي ظناً راجحاً ، ولا يعطي يقيناً ، إلا في بعض الصور ، وهي التي يكون فيها القياس من باب أولى .
الأصل الثاني
تخصيص أمرٍ عام : والمغالطة هنا تنفي عن بعض أفراد العام ما له من أحكام بغية التضليل .
ومن أمثلة ذلك الدعوات القائمة على مزاعم التفاضل العنصري القومي بين المجموعات البشرية ، مع أن الناس جميعاً سلالة أصل واحد ، وتبرز كل الصفات الإنسانية الرفيعة والمنحطة وما بينهما ، في كل الأعراق ، والأقوام ، والألوان .
واستناداً إلى هذا التخصيص الفاسد ، أطلق بنو إسرائيل مزاعمهم حول امتياز العرق الإسرائيلي ، وتفضيله على سائر أولاد آدم ، ثمّ ادعوا أنهم وحدهم البشر ، وأما سائر الناس فهم من طينة أخرى مشابهة للطينة التي خلقت منها البهائم ، وقد خلقهم الله لخدمة أبنائه وأحبائه الإسرائيليين ، ولكنهم تمردوا على ما خلقوا له .
واستناداً إلى هذا التخصيص الفاسد ، تبنى الجرمانيون الزعم الذي صنف أعراق الناس وأقوامهم ، في سُلّم أفضليات متعدد الدرجات ، وجعل العرق الألماني أفضل الأعراق الإنسانية وأرفعها خصائص فطرية .
وانطلقت النزعات العرقية القومية بين الناس من هذا الأصل الفاسد .
الأصل الثالث
التدليس ، وهو ضم زيادات وإضافات ليست في النص أو الموضوع أو المبحث الأصلي ، مغالطة وتضليلاً .
ومن أمثلة هذا الأصل من أصول المغالطات ، طائفةٌ من صنوف التبديل التي غير بها أهل الكتاب من اليهود والنصارى كتبهم المقدسة .
وقد لا تزيد الإضافة على كلمة صغيرة ، كحرف من حروف الجر ، أو النفي وقد لا تزيد الإضافة على حرف في كلمة ، ولكن هذا الحرف يغير معنى الكلمة ، وقد يقلبه إلى ضده .
إن المغالط الشيطان قد يحاول أن يقلب معنى قول الله تعالى في القرآن الكريم : " إن الدين عند الله الإسلام " بإضافة كلمة : "غير" قبل كلمة "الإسلام" .
ويحاول اليهود بين حين وآخر ، طبع نسخ من القرآن الكريم ، فيها بعض هذا التغيير ، لتوزيعها في شعوب مسلمة بعيدة عن عواصم العالم الإسلامي ، ومدنه التي فيها علماء وحفاظ للقرآن الكريم ، كعمق إفريقية مثلاً .
ولكن الله عزّ وجلّ يقيض لكتابه من يسارع إلى اكتشاف الزيادة ، أو التغيير ، فيهب علماء العالم الإسلامي لإتلاف هذه النسخ المزيدة تحريفاً .
ويظل كتاب الله القرآن محفوظاً بحفظ الله له ، تحقيقاً لقوله عزّ وجلّ : {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} .
وكثر التدليس فيما روي عن الرسول من أقوال ، ولكن قيض الله لها علماء الحديث المحررين ، فكشفوا المدلس منها ، ونفوا عنها الزيوف .
الأصل الرابع
حذف ما يغير حذفه المعنى المراد ، ومنه الاقتصار على ذكر بعض النص .
وقد يكتفي المغالط المحتال بحذف كلمة أو جملة ، أو حرف من كلمة ، إذا كان ذلك يفسد دلالة النص أو يغيرها ، أو حذف شرط أو قيد في الموضوع .
وقد بلغني أن جماعة من اليهود طبعوا آلافاً من المصاحف وحاولوا توزيعها في إفريقية ، وفيها حذف كلمة : (غير) من قول الله عزّ وجلّ ، {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} .
ولكن اكتشف هذه اللعبة الخبيثة بعض المسلمين ، فهب أهل الغيرة ، وجمعوا نسخ هذه الطبعة ، وأحرقوها .
أما الاقتصار على ذكر بعض النص الذي هو من الحذف في الحقيقة ، لأنه قد يفسد المعنى ويغيره إلى النقيض ، فمن الحيل التي يستخدمها المستشرقون والمبشرون والشيوعيون ، لدى كتابتهم في المسائل الإسلامية ، بغرض إيقاع القارئ في مفاهيم فاسدة عن الإسلام .
فيأخذون مقطعاً من النص ، مع أنه مرتبط بسوابقه ، أو بلواحقه ، أو بهما معاً ، ارتباط الشرط بالجزاء ، أو ارتباط المطلق بقيوده ، ونحو ذلك .
ومن الأمثلة المشهورة التي يستشهد بها الناس لمثل هذا الاقتصار والاقتطاع المفسد للمعنى ، الاستشهاد بقول الله تعالى : {فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ} دون ذكر القيد المتصل به في السورة ، وهو قول الله تعالى : {الَّذِينَ هُمْ عَن صَلاَتِهِمْ سَاهُونَ * الَّذِينَ هُمْ يُرَآءُونَ * وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ }.
ومن الأمثلة ما فعله بعض المتهجمين على الإسلام ، إذ اقتطعوا من كلام الرسول جملة : " ولا تفكروا في ذات الله فتهلكوا " وأخذوا يتهمونه بأنه يحجر على الأفكار ويقيدها ويحجز حريتها ، مع أن صدر الحديث فيه قوله : " تفكروا في خلق الله " أو : "تفكروا في آلاء الله" ومن الحقائق أن التفكر في ذات الله مهلكة .
العنصر الخامس :
استخدام طريقة الإقناع الجدلي ، للتأثير على الناس بصحة المذهب الباطل ، أو الأفكار التي يُرادُ التضليل لها .(45/320)
ويكون ذلك بتزيين مقدمات قائمة على المغالطات ، والكذب ، والتستر بشعارات التقدم العلمي ، ومنهجية البحث السليم، ومنجزات العلم والتقنيات "التكنولوجيا" ، وملء الصفحات الجدلية بثرثرات قائمة على دغدعة العواطف ، وإثارة الانفعالات ، والتظاهر الكاذب بالرغبة الشديدة في ابتغاء الحق وخير الإنسانية ، وبتخليص البشر من آلامهم ومشكلاتهم الحياتية الفردية والجماعية .
وللمغالطات الجدلية أصول كثيرة ، سيأتي بعون الله بيان أهمها في الفصل الثاني من هذا الباب .
العنصر السادس :
استخدام طريقة التوجيه غير المباشر . ويكون عادة بأساليب متوارية متسترة غير صريحة ، أو فيها بعض التواري والتستر ، ومن التوجيه غير المباشر الأساليب التالية :
1- الإيحاء الخفي المتستر بموضوع غير الموضوع المقصود بالذات ، ومنه دس الأفكار المقصودة في غير مجالاتها الأصلية .
2- الإثارة نحو أمر مرغوبٍ للنفوس ، أو الدفع إلى موقف يرضي الأهواء أو الشهوات أو المطامع ، ثمّ استغلاله للتأثير على الفكرة والسيطرة على منطقه ، واستدراجه إلى الاقتناع الذاتي .
3- التوجيه عن طريق القدوة ، أو مؤثرات البيئة ، أو عن طريق الصحبة والرفقة .
4- البث العرضي الذي يخفي معه قصد التوجيه .
5- حديث المتكلم عن نفسه ، أو حديثه عن شخص غائب ، وتدخل في هذا الأسلوب الحكاية والقصة والمشهد التمثيلي ...
6- تهيئة ما يلزم لدفع من يراد توجيهه ليقرأ بنفسه قراءة حرة في كتاب أو صحيفة أو مخطوطة أو نحو ذلك .
7- استغلال الأغنية والنشيد لترديد الأفكار التي يراد الإقناع بها .
إلى غير ذلك من أساليب تتفتق عنها قرائح المضلين ، فيتفادون فيها المواجهة الصريحة بالتوجيه المباشر ، الذي قد يقابل بالمعارضة والصد ، ويثير في النفوس دواعي الرفض .
العنصر السابع :
الاستدراج ، ويكون باستخدام أسلوب الخطوات المتدرجة ، التي تنحدر بالمستدرَج خطوة فخطوة حتى يسقط أخيراً في حبائل الفكرة .
وقد عرف هذا في لغة السياسة المعاصرة بأسلوب "خطوة خطوة" .
وقد أبان الله لنا في القرآن الكريم أنه من أساليب الشيطان ، إذ حذّرنا من اتباع خطواته .
أ- فقال عزّ وجلّ في سورة (الأنعام/6 مصحف/55 نزول):
{ كُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ }
ب- وقال عزّ وجلّ في سورة (البقرة/2 مصحف 87 نزول):
{ياأَيُّهَا النَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلاَلاً طَيِّباً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ}
وقال تعالى فيها أيضاً :
{ياأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَآفَّةً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ} .
جـ- وقال عزّ وجلّ في سورة (النور/24 ومصحف/102 نزول):
{ياأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَآءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنكُمْ مِّنْ أَحَدٍ أَبَداً وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَن يَشَآءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}
إن اتباع خطوات الشيطان تستدرج المتبع إلى الإسراف في المباح ، فإلى الوقوع في المكروهات والتهاون في المندوبات ، ثمّ إلى ارتكاب الصغائر من المعاصي والمخالفات ، ثمّ إلى ارتكاب كبائر الإثم والموبقات ، ثمّ إلى الإدما عليها ونسيان الله ، ثمّ إلى الشرك أكبر الكبائر ، فالجحود والفجور الوقح .
وقد وصف الله لنا كيف استدرج الشيطان آدم وزوجه في الجنة ، حتى أوقعهما في معصية الله ، فجعلهما يأكلان من الشجرة التي نهاهما ربهما عنها ، فقال عزّ وجلّ في سورة (الأعراف/7 مصحف/39 نزول):
{ فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ * وَقَاسَمَهُمَآ إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ * فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَآ أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَآ إِنَّ الشَّيْطَآنَ لَكُمَا عَدُوٌ مُّبِينٌ * }.
فدلاهما بغرور : أي أنزلهما في بئر العصية إلى قاعها ، شيئاً فشيئاً ، وهما مغروران بوساوسه وأكاذيبه ، متلبّسان بغرور من أمرهما ، يظنان أنهما سيظفران بالخلود الذي أطعمهما به ، أو بأن يكونا ملكين لهما قُدسيّة الملائكة وطهارتهم .
فاستدراجهما كان على مراحل ، وبأسلوب الخطوات المتتابعة ، وهذه هي طريقة الشيطان في الاستهواء والإغواء .
هذا عمل شيطان الجن ، لكن شياطين الإنس أكثر مكراً وأعظم خطراً ، وأشد تضليلاً ، وأشد للنفوس أسراً .
العنصر الثامن :(45/321)
الإيهام بأن الفكرة قد غدت من المسلمات العلمية ، والحقائق التي لا تقبل النقض ولا النقد .
فتُعرض في العلوم على أنها من أهم المكتشفات العلمية ، ويُستشهد بها على أنها حقائق مقطوع بها ، وتُعتبر أساساً لبناء نظريات أخرى .
ولتأصيلها في أذهان الناس يوجّه النقد الشديد اللاذع ضد كل ما يناقضها ويخالفها ، مع استخدام وسائل الهز والسخرية ، والتندر بالذين يأخذون بالرأي المخالف ، واتهماهم بالرجعية ، والتخلف ، والجمود ، وعدم الفهم ، والتعصب الأعمى للقديم ، ونحو ذلك من العبارات .
ومن أمثلة ذلك قول قائلهم :
" إن نظرية التطور العضوي قد توجه البحوث العلمية في علم الحياة . ونظرية "فرويد" من أهم النتائج التي توصلت إليها البحوث العلمية في مجال الدراسات النفسية .والماركسية أو الاشتراكية العلمية أهم نظرية شاملة صدرت في العلوم الاجتماعية والاقتصاد " .
مع أن كل هذه التي أوهم قائلها بأنها حقائق علمية ، أو مقولات ذات أهمية كبرى في ميادين المعرفة المعاصرة .
العنصر التاسع:
استخدام الآداب والفنون المختلفة لتأكيد الفكرة ونشرها ، كاستخدام القصص ، والتمثيليات ، والشعر ، والتصوير ، والغناء ، والرقص التعبيري ، والنكتة الساخرة ، والمضحكات (الكوميديا) ، والرسولم التعبيرية (الكاريكاتير) ونحو ذلك .
وكل قارئ للقصص التي ندفع بها المطابع للقراء ، ولدواوين الشعر التي يصدّرها أدباء التضليل الفكري ، والإفساد الخلقي والسلوكي ، ومروجو المذاهب الضالة ، وكل مشاهد للتمثيليات التي تعرضها أجهزة نقل الصوت ، أو نقل الصوت والصورة ، يلاحظ ما تحمله هذه الآداب والفنون من ترويج لأفكارٍ ومذاهب مختلفة ، وهذه الأفكار والمذاهب تتسلل إلى نفوس الأجيال وعقولهم فتتمكن منها ، حتى تكون بمثابة عقائد راسخة ، أو أمورٍ مسلم بصحتها وسلامتها ، أو مُسلّمٍ بأن ضرورة التطور الاجتماعي تقتضيها .
وقد استخدم اليهودي الصهيوني "جان بول سارتر" قصصه وتمثيلياته ، وما برع فيه من فنون أدبية ، لبث أفكاره الفلسفية المدمّرة لكل القيم الدينية والخلقية والاجتماعية والسياسية والفكرية ، والمعروفة بالفلسفة الوجودية الملحدة ، مع ما فيها من تفاهة فكرية ، وسبح هائم في عالم "اللامعقول" فأثر في جماهير الشباب والمراهقين من مختلف الشعوب أيما أثر .
وقد جند المفسدون في الأرض كتاباً كثيرين ، لملء برامج الإذاعة والتلفزيون وصفحات الدوريات بهذا الأدب غير الأخلاقي ، بغية نشر الإباحية والأفكار والمذاهب الهدامة .
العنصر العاشر :
ستر العناصر المأجورة أو المدفوعة لوضع الفكرة أو المذهب أو الترويج لهما ونشرهما ، بمختلف أنواع الستر وصوره .
فداعي الاشتراكية مثلاً يوجّه أن يبقى في ظروف مالية واجتماعية قاسية ، تبرر نقمته على الرأسمالية ، وتبرر وضعه أو نشره للمذهب الاشتراكي أو الشيوعي ، ويُفرض عليه أن يتظاهر بكل ما يؤكد أنه غير مدفوع من قِبَل منظمة خاصة لها مصلحة بما دفعته إليه .
وقد يُستأجَرُ ذو غنى واسع لتأييد الاشتراكية أو الشيوعية ، مع تطمينه بأنه سيكون محمياً من ويلاتها ونكباتها إذا وصل الحزب الاشتراكي أو الشيوعي للسلطان ، ونفذ برنامجه الاقتصادي والاجتماعي ، وذلك ليكون تأثير صاحب الغنى الواسع هذا أكثر في الجماهير ، إذْ ترى فيه الشخص المتجرد الذي ينصر الحق ولو خالف مصلحته الخاصة ، وهذه من الحيل الشيطانية البارعة .
وإمعاناً في ستر أفراد التنظيم أو أجرائه وعملائه ، تعمد قيادة التنظيم إلى توجيه بعض المعروفين بالانتماء إليه لمقاومة ذلك العنصر الذي يُراد ستره ، ولمهاجمة أفكاره وانتقادها بصورة لا تجرح جوهر المذهب الذي يراد التبشير به وترويج مبادئه ، أو لانتقاد تصرفاته الشخصية . وبذلك تضمن المنظمة توجيه الفكرتين المتصارعتين أو المذهبين المتضادين ، ضمن الخطوط المرسومة لهما ، فتمد أحدهما بمقدار ، ثمّ تمد الآخر بمقدار ، وتقيم بينهما تمثيلية الصراع بمقدار ، ويجري كل ذلك وفق خطط مرسومة تحقق أهداف المنظمة ، نظير فعل الدول حين تفرض على جواسيسها سلوكاً معيناً .
فقد يعمل ضابط كبير في المخابرات خادماً في مطعم أو مقهى ، أو بواباً لفندق أو سائقاً لسيارة ، أو نحو ذلك .
خاتمة حول المنهج الذي يجب اتباعه تجاه المضلين :
بعد ملاحظتنا عناصر الخطة العامة للمضللين في الأرض ، وواضعي المذاهب الباطلة ، علينا أن نستبين المنهج الذي يجب اتباعه تجاه كل المذاهب والأفكار والآراء المشتملة على عناصر مناقضة أو مخالفة لما هو ثابت ويقيني في الإسلام .
وبالتأمل يستطيع العاقل الحصيف طالب الحق ، والحذِرُ من الافتتان بالباطل والانزلاق لاعتناقه ، أن يتخذ لنفسه منهجاً فيه القواعد التالية :
القاعدة الأولى : عدم قبول الأحكام التقريرية التي يقدمها مروجوها على أنها حقائق مسلمة ، وإن تسترت باسم العلم ، والكشوفات العلمية ، ومناهج البحث المنطقي السليم ، وطرائق المعرفة الحديثة ، ومنجزات الحضارة ، وما أشبه هذه الألفاظ . فالتستر بهذه الألفاظ من وسائل التزييف التي مهرها مروجو المذاهب الضالة .(45/322)
القاعدة الثانية : الحذر من التأثر بالأقوال المزخرفة المنمقة ، أو المرتبة ترتيباً متناسقاً يوحي بسلامتها من الزيف .
القاعدة الثالثة : الحذر من قبول كل المذاهب تأثراً بكثرة الصحيح المعروض فيه ، فربّ ألف فكرة صحيحة تفسدها فكرة باطلة تقع منها موقع الجذر ، أو أساس البناء وقاعدته الأولى .
وكم سقط أذكياء في فخ أصحاب الحيل من شياطين واضعي المذاهب الضالة ، تأثراً بأفكار صحيحة كثيرة عُرضت عليهم ، حتى إذا سئموا من شدة المراقبة ، وجاءتهم الغفلة ، أمرَّ الشيطان الفكرة الباطلة بطريقة متسللة دون أن تثير ضجةً ولا انتباهاً ، وهم عندئذ يقبلونها دون محاكمة ولا نظر .
يضاف إلى ذلك أن كثرة الصحيح تستدرج الأنفس إلى الثقة والطمأنينة ، ومع الثقة والطمأنينة يكثر التسليم دون بحث ولا نظر ، ودون إجهادٍ للذهن بفحص كلّ جُزَيئَة لتمييز الحق من الباطل .
القاعدة الرابعة : الحذر من المغالطات التي قد تشتمل عليها الأدلة المقدمة لإثبات المذهب الوافد ، وتوجيه الانتباه من الدرجة القصوى لأصول المغالطات التي يصطنعها المضللون المغالطون للإقناع بمذاهبهم وآرائهم .
القاعدة الخامسة : اليقظة التامة لدى فحص الأفكار ومناقشتها ، ويكون ذلك بتجزئة الأفكار إلى عناصرها ، والبحث عن جذورها ، وعدم قبولها جملة واحدة ، أو رفضها جملة واحدة .
وكم من أخطاء علمية وقع فيها باحثون ، بسبب عدم تفاصُل عناصر الأفكار في أذهانهم ، وعدم تمايزها ، فقد يعطي أحدهم بعضها حكم الآخر مع أن له حكماً غير حكمه ، لمخالفته له في الحقيقة ، أو في كثير من الصفات .
ومن هنا تأتي تعميمات فاسدات ، يظهر زيفها متى تمايزت حقائق الأشياء في الذهن ، وتفاصلت عن بعضها بهوياتها الخاصة التي لها أحكام خاصة .
فعلى الباحث أن يفصّل أي موضوع ذي عناصر إلى عناصره ، ووحداته الجزئية ، ثمّ يبحث في كل عنصر منها وفق أصول البحث العلمي ، ثمّ يبني حكمه بالاستناد إلى ما انتهى إليه بحثه في ذلك العنصر ، وهكذا حتى يستوفي كل العناصر ، ولا تغرنه كثرة عناصر الصواب ، فقد يأتي عنصر واحد باطل فاسد ، فيكون سبباً في إفساد نظرية الموضوع كله ، ويكون هذا العنصر بمثابة السم في الدسم ، بالنسبة إلى جملة المذهب ، أو الآراء المعروضة .
=============(45/323)
(45/324)
انتحار ملحد
سليمان بن صالح الخراشي
في مساء الثالث والعشرين من شهر يوليو عام 1940م وجدت جثة "إسماعيل أدهم" طافية على مياه البحر المتوسط، "وقد عثر البوليس في معطفه على كتاب منه إلى رئيس النيابة يخبره بأنه انتحر لزهده في الحياة وكراهيته لها، وأنه يوصي بعدم دفن جثته في مقبرة المسلمين ويطلب إحراقها"(1) !! فمن هو إسماعيل هذا الذي آثر هذه النهاية المروعة ؟ !
يقول عنه صاحب الأعلام : "إسماعيل بن أحمد بن إسماعيل بن إبراهيم باشا أدهم: عارف بالرياضيات، له اشتغال بالتاريخ، ولد بالإسكندرية وتعلم بها، ثم أحرز الدكتوراه في العلوم من جامعة موسكو عام 1931، وعين مدرساً للرياضيات في جامعة سان بطرنسبرج، ثم انتقل إلى تركيا فكان مدرساً للرياضيات في معهد أتاتورك ! بأنقرة ، وعاد إلى مصر سنة 1936 فنشر كتاباً وضعه في "الإلحاد" وكتب في مجلاتها، أغرق نفسه بالإسكندرية منتحراً"(2)
قلت: تأثر إسماعيل أدهم بالمد الشيوعي الإلحادي بسبب إدمانه قراءة إنتاج القوم حتى علقت أفكارهم بعقله وتمكنت من قلبه ؛ فألف إثر ذلك -كما سبق- رسالة سماها "لماذا أنا ملحد؟"(3) ! جاء فيها: قوله عن نفسه: "أسست جماعة لنشر الإلحاد بتركيا، وكانت لنا مطبوعات صغيرة أذكر منها: ماهية الدين، وقصة تطور الدين ونشأته… وبعد هذا فكرنا في الاتصال بجمعية نشر الإلحاد الأمريكية، وكانت نتيجة ذلك تحويل اسم جماعتنا إلى المجمع الشرقي لنشر الإلحاد"(4) .
وقد رد على رسالته هذه: الدكتور أحمد زكي أبو شادي برسالة عنوانها: "لماذا أنا مؤمن؟"(5). ورد عليها: محمد فريد وجدي بمقالة عنوانها "لماذا هو ملحد؟"(6)
انتحر إسماعيل مظهر وله من العمر تسعة وعشرون سنة؛ أي في ريعان شبابه، فكانت نهايته نهاية مأساوية لشاب مسلم موهوب، قال عنه الأستاذ أحمد حسن الزيات : "كان شديد الذكاء.. واسع الثقافة"،(7) وقال عنه الأستاذ محمد عبد الغني حسن بأنه صاحب "ذهن متوقد لامع"(8) كان الأول على دفعته في البكالوريا(9)، ثم حاز الدكتوراه وألّف مؤلفات كثيرة، ودرّس، وكان يحسن التحدث بست لغات(10)، كل هذا وهو في هذا العمر الصغير.. إلا أنه بعدها اختار الكفر على الإيمان، وتدرج في مهاوي الضلال إلى أن وصل إلى آخر دركاته وهي الإلحاد -والعياذ بالله- لتكون خاتمته في تكلم الجثة الطافية على مياه البحر آيةً لمن خلفه من شباب الإسلام النابهين أن لا يفتروا بذكائهم ومواهبهم، فيخوضوا -لأجلها- ذات اليمين وذات الشمال واثقين -زعموا!- من أنفسهم، معرضينها للفتن والإنسلاخ من الدين؛ إما بإدمانهم العكوف على كتب أهل الضلال والحيرة والشك كشأن أدهم، أو بمصاحبتهم وألفتهم ومن يشككهم في دينهم ويهون عليهم الطعن فيه أو التحير من بعض شرائعه، مجانبين في ذلك أهل الإيمان ساخرين من نصائحهم، لازمينهم بالتحجر وضيق الأفق!، ومبتعدين رويداً رويداً عن الصراط المستقيم؛ خشية أن يقول قائلهم -ولو بعد حين- : "لقد خضت البحر الخضم، وخليت أهل الإسلام وعلومهم، ودخلت في الذين نهوني عنه، والآن فإن لم يتداركني ربي برحمته فالويل لي.." (11) !
وإسماعيل أدهم مجرد أنموذج سقته للإعتبار بحاله حيث ارتد على دبره بعدما جاءه الهدى واستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير، وإلا فإن الأمثلة من تاريخنا القديم والحديث معلومة مشهورة .
فمن القديم مثلاً: ابن الراوندي الملحد الذي انتهى حاله إلى أن ألف كتاباً سماه "الدامغ" يزعم أنه يدمغ به القرآن !! دمغه الله. فهذا الرجل ذكر المؤرخون عنه أنه "كان في أول أمره حسن السيرة، كثير الحياء، ثم انسلخ من ذلك"(12) وذكروا -أيضاً- شيئاً من ذكائه وعقله، ولكن كما قال الذهبي في ترجمته "لعن الله الذكاء بلا إيمان، ورضي الله عن البلادة من التقوى"(13)!
والذي يهمنا من ترجمته هو قول الذهبي عنه : "كان يلازم الرافضة والملاحدة، فإذا عوتب قال: إنما أريد أن أعرف أقوالهم"(14) !! فكان نهاية هذا التهاون في الجلوس مع المبتدعة والملحدين أن أصبح واحدًا منهم، بل أجرأ على حرمات الله.
ومن الأمثلة المعاصرة : عبد الله القصيمي ، وحاله معلومة للكثيرين.
ومنها: الشاعر الكويتي فهد العسكر. فقد ذكر صاحبه عبد الله الأنصاري عنه أنه: "شب متديناً، يؤدي الصلاة مع والده في المسجد، ويحافظ على أدائها مع والده في كل فرض من الفروض، حتى صلاة الفجر، فقد كان والده يأخذه معه إلى المسجد وهو صغير السن؛ إلى أن تشرب الدين في عروقه ودمه"(15) ثم أصبح مؤذناً بعد ذلك(16). لكنه بعدها -كما يقول صاحبه الأنصاري- "أغرق في القراءة، واستمر في الإطلاع على مختلف الآراء والأفكار الأدبية والإجتماعية والسياسية… إلى أن تحول تحولاً كليًا في تفكيره، وفي نظرته إلى الحياة، وإلى بعض التقاليد والعادات الموروثة (17) ؛ ثم أخذ يتعاطى الخمرة التي تغزل بها كثيرًا في شعره، وهكذا، إلى أن أصبح منعزلاً في أفكاره وآرائه عن بيئته المتدينة، وعن المجتمع المحافظ" (18) .(45/325)
قلت: فنصحه أهله وأقاربه وزجروه عن هذا المسلك المهلك، ولكنه أبى واستكبر، فهجروه واعتزلوه ونبذوه، فلزم العزلة والإنزواء ومعاقرة الخمر مع من هم على (مشربه) إلى أن أصابه الله بالعمى وهلك غير مأسوف عليه. وبعد وفاته لم يصل عليه أحدٌ من أهله (19)، وقاموا بحرق ما وجدوا من أشعاره التي تنضح بالكفر والاعتراض على شرع الله والاستخفاف بشعائره (20).
وسأورد أبياتًا له تدل على ذلك؛ لتعلم حال الرجل، وتعذر أهله وأقاربه على ما قاموا به . يقول العسكر (21):
ليلة ذكرياتها ملء ذهني ***** وهي في ظلمة الأسى قنديلي
ليلة لا كليلة القدر بل ***** خير وخيرٌ والله من ألف جيل
أنا ديني الهوى ودمعي نبيي ***** حين أصبو ووحيه إنجيلي
هذه كما قلت مجرد أمثلة للناكصين على أعقابهم بعد أن أبصروا الطريق، ممن قال الله فيهم { وما كان الله ليضل قومًا بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون } وقال { إن الذين ارتدوا على أدبارهم من بعد ما تبين لهم الهدى الشيطان سول لهم وأملى لهم } .
ومعرفة أسباب هذا الزيغ الذي يصيب قلوب البعض يحتاج إلى دراسة متعمقة تغور في تلك النماذج وما يماثلها لتستخرج أسبابًا مشتركة بينها؛ لكي توجد الحلول المناسبة الواقية من ذلك -بإذن الله-، فلعل الله ييسر من يقوم بذلك؛ لأهميته القصوى، لاسيما في زماننا هذا زمان المتغيرات. ويحضرني من ذلك على عجالةِ: أنني تلمحت في أحوال كثير من الزائغين ممن يمر بي ذكرهم فوجدتهم لا يخطئون واحدة من هذه الصفات:
1- الذكاء غير المنضبط بضوابط الشرع ، مما يجعل صاحبه يقتحم المهالك بدعوى الثقة في النفس !
2- الكِبر والإعجاب بالنفس، فتجد (الأنا) متضخمة عند هذا الصنف من الناس قبل زيغه. ومما يذكر عن القصيمي مثلاً أنه كان إذا ألف كتابًا ابتدأه بقصيدة له يثني فيها على نفسه وقدراته !
3- الشذوذ ومحبة تتبع الغرائب والنوادر قبل زيغه، كل هذا طلبًا (للشهرة) و(التميز).
4- التهاون في الجلوس مع المنحرفين فكرياً، بدعوى "الاستفادة" أو "الإطلاع" ! و"الصاحب ساحب" كما قيل. ورحم الله الأوزاعي لما قيل له إن فلاناً يقول: أنا أجالس أهل السنة وأجالس أهل البدع. قال: هذا رجل يريد أن يساوي بين الحق والباطل"(22)
5- عدم إخلاص النية في سلوك طريق الهداية، وإنما كان السلوك مشوباً بالمقاصد الدنيوية أو المجاملات التي سرعان ما تختفي مع طول الطريق الذي لن يصبر عليه إلا المخلصون.
6- عدم اتباع سنة صلى الله عليه وسلم في الإكثار من قول "اللهم يا مقلب القلوب والأبصار ثبت قلبي على دينك".
السياج الذي أقامه السلف :
لقد تنبه السلف لخطورة هذا الأمر الذي يُفسد قلوب ناشئة المسلمين، فلهذا جعلوا بينهم وبينه سياجاً واقياً استنبطوه من النصوص الشرعية (23)، يتضمن النهي عن مخالطة أهل البدع والإنحراف والبعد عن شبهاتهم وإنتاجهم (24) ؛ خشية أن يعلق شيء منها بقلب ضعيف فيتأثر به ويتشربه، فأعادوا وأكثروا حول هذا الموضوع في مصنفاتهم ومروياتهم نصحاً لأبناء المسلمين، فلا تكاد تجد مؤلفاً في العقيدة السلفية إلا ويتضمن فصولاً أو أبواباً في التحذير من أهل الزيغ والتنفير منهم ومن مسلكهم وإعراضهم عن الكتاب والسنة إلى زبالات البشر (25).
فمن ذلك: قول ابن عباس -رضي الله عنهما- : "لا تجالس أهل الأهواء؛ فإن مجالستهم ممرضة للقلب" (26).
ومن ذلك: قول عمرو بن قيس الملائي: "كان يُقال: لا تجالس صاحب زيغ فيزيغ قلبك"(27)
ومن ذلك: قول الإمام أحمد وقد ذُكر عنده أهل البدع: "لا أحب لأحد أن يجالسهم ولا يخالطهم ولا يأنس بهم، وكل من أحب الكلام لم يكن آخر أمره إلا إلى بدعة؛ لأن الكلام لا يدعو إلى خير، عليكم بالسنن والفقه الذي تنتفعون به، ودعوا الجدال وكلام أهل البدع والمراء"(28) وذكر في مسنده -رحمه الله- حديث الدجال وقول صلى الله عليه وسلم عنه: "من سمع بالدجال فلينأ عنه، فإن الرجل يأتيه وهو يحسب أنه مؤمن، فما يزال به بما معه من الشُبه حتى يتبعه"(29) فقس هذا -رعاك الله- بحال من يجالس أهل البدع والزيغ ويتضلع من كتبهم مدعياً أنه يثق بنفسه !! ساخرًا من تحذيرات أهل الإسلام.
فالسلف - رحمهم الله - نظروا إلى العلوم بهذه القسمة :
1 - العلم الشرعي النافع ؛ وهو علم الكتاب والسنة وما تفرع عنهما . وهو ماوردت النصوص بمدحه ومدح أهله،وذكر أجره العظيم لمن خلصت نيته .
2 - العلم ( الدنيوي ) المباح النافع ؛ كعلوم الزراعة والهندسة والصناعة ونحوها . وهذا العلم كلأ مباح لأهل الأرض كلهم ، هم شركاء فيه ، ومن بذل أسبابه حصله . كما قال تعالى { كلاً نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك } .
3 - العلم الضار ؛ وهو الذي لا نفع فيه في الدنيا ولا في الآخرة ، بل سيكون وبالاً على صاحبه ، وإن توهم البعض من المخدوعين خلاف ذلك ؛ كالسحر والتنجيم وعلم الكلام والفلسفة ونحوها . ومثله في زماننا : الكتابات الفكرية المنابذة للنصوص الشرعية .
والموفق لهذا التقسيم من وفقه الله .(45/326)
نسأل الله أن لا يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا، وأن يثبتنا على الحق إلى أن نلقاه، وأن يهب لمتفوقي المسلمين الزكاء بعد أن من عليهم بالذكاء، فيكونوا قرة عين لأمتهم ، والله الموفق لكل خير .
----------------------
الهوامش :
(1) مجلة الرسالة : السنة الثامنة، المجلد الثاني، ص 1241، والأعلام الشرقية (ص 860) .
(2) الأعلام للزركلي (1/310 بتصرف) . وله ترجمة في الأعلام الشرقية لزكي مجاهد (ص 858-860)، وفي تراجم عربية، لمحمد عبد الغني حسن .
(3) نشرها الدكتور أحمد الهواري ضمن الأعمال الكاملة لإسماعيل أدهم (3/80) وتراجم عربية، ص 189. وذيل الملل والنحل، لسيد كيلاني، ص 91.
(4) ذيل الملل والنحل، لسيد كيلاني، ص 91.
(5) مجلة الرسالة، 5 أغسطس 1940م، وانظر: الإسلام والغرب، لمحمد الخير عبد القادر، ص 61، وهوامش على دفتر التنوير، لجابر عصفور، ص136. وقد ذكر أن أبا شادي نشرها في مجلة "الإمام" (سبتمبر 1937م).
(6) نشرها الدكتور أحمد الهواري عقب رسالة إسماعيل مظهر، ضمن الأعمال الكاملة له (3/92).
(7) وحي الرسالة (2/218).
(8) تراجم عربية (ص 198) .
(9) الأعلام الشرقية (ص 858) .
(10) السابق (ص 859-860).
(11) القائل هو أبو المعالي الجويني -غفر الله له- وهو من هو ذكاء وتمرساً في علوم الكلام، ثم ختم ذلك بقوله : "وها أنذا أموت على عقيدة أمي" ! فهل من معتبر ؟ ! . (انظر: شرح الطحاوية، ص 245، ط التركي والأرنؤط).
(12) سير أعلام النبلاء (14/61).
(13) السابق (14/62).
(14) السابق (14/59).
(15) فهد العسكر، حياته وشعره، لصاحبه عبد الله الأنصاري، ص 54. مع التنبه إلى أن صاحبه هذا يعتذر له كثيرًا ويتهجم على معارضيه من أهل الإسلام.
(16) السابق، ص 25.
(17) بل أحكام الشريعة ! ولكنها المدافعة بالباطل !
(18) السابق، ص 56.
(19) السابق، ص 84.
(20) السابق، ص 75.
(21) السابق ، ص 148.
(22) الإبانة لابن بطة (2/456).
(23) انظرها في رسالة "موقف أهل السنة والجماعة من أهل الأهواء والبدع" للدكتور إبراهيم الرحيلي (2/529-563).
(24) إلا لمن أراد الرد على هذا الإنتاج العفن ، وتحذير الأمة منه ، بعد أن يتزود بالعلم الشرعي النافع .
(25) انظر على سبيل المثال: "الشريعة" للآجري (3/574 وما بعدها)، و"أصول اعتقاد أهل السنة" للالكائي (2/114 وما بعدها)، و"الإبانة" لابن بطة (2/429 وما بعدها)، و"السنة" لعبد الله بن أحمد. (1/137 وما بعدها) و"البدع والنهي عنها" لابن وضاح، وغيرها.
(26) الإبانة، لابن بطة (2/438).
(27) السابق، (2/436).
(28) الآداب الشرعية، لابن مفلح (1/220).
(29) أخرجه أبو داود (4319)، وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
=============(45/327)
(45/328)
وسائل أهل الحق في السباق إلى العقول
الوسيلة الخامسة. التعليم.
وهذه الوسيلة هي أكثر الوسائل تأثيرا وثباتا ورسوخا في السباق إلى العقول، لأنها تقوم على أسس مدروسة ومناهج هادفة، ومواد مختارة، وكتب معدة، ومعلمين مدربين، ولأن وقت التعليم طويل يبدأ في سن مبكرة ويستمر إلى الممات عند كثير من المتعلمين، والسبق بأي مبدأ إلى عقول الناشئين يملك عقولهم و يأسرها أسرا، ولهذا قال الرسو صلى الله عليه وسلم -كما في حديث أبي هريرة-: (مَا مِنْ مَوْلُودٍ إلا يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ كَمَا تُنْتَجُ الْبَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ هَلْ تُحِسُّونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ؟ ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّهم عَنْه ((فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا)) الآيَةَ.[الحديث في صحيح البخاري برقم: 1270] وذلك إنما يكون بالتعليم الدراسي والأسري. فإذا راعى أهل الحق أسس التعليم وأحكموها، كان التعليم من أنجح وسائل السباق إلى العقول بالحق وتثبيته في تلك العقول: عقول الأفراد والأسر والحكام والمربين في كل الأجيال.
أسس التعليم الناجحة في السباق إلى العقول.
الأساس الأول: وضوح الغايات.
أي غايات أهل الحق في سباقهم إلى العقول، وهي:
1- تبليغ رسالات الله إلى الناس.
2-إقامة الحجة على الخلق.
3-إخراج الناس من الظلمات إلى النور.
4-تحقيق توحيد الله في الأرض.
5-غرس الإيمان بالغيب في النفوس.
6-تحكيم شرع الله في حياة الناس.
7-غرس الأخلاق الفاضلة ومطاردة الأخلاق الفاسدة.
8-إقامة الخلافة في الأرض على أساس هدى الله.
9-الاعتزاز بالله واتخاذ وسائل العزة.
وقد سبق الكلام عنها، وهي-وإن كانت مطلوبة التحقيق من كل الوسائل-تتحقق بوسيلة التعليم وتثبت وترسخ أكثر من غيرها من الوسائل الأخرى.
الأساس الثاني: وضع مناهج للتعليم تتحقق بها تلك الغايات.
بحيث تشمل المناهج كل ما تحتاج إليه الأمة في حياتها، على أساس دينها الذي تضمنه كتاب الله وسنة رسول صلى الله عليه وسلم ، مما يحقق لها السيادة التي ترضي ربها في الأرض.
ما تجب مراعاته في وضع المناهج.
ويجب أن يراعى في وضع المناهج الأمور الآتية:
الأمر الأول: السبر الشامل لكل ما تحتاج إليه الأمة من العلوم.
وهي كل العلوم التي تمكنها من النهوض والتقدم واعتلاء مقعد القيادة الربانية للبشرية، وهو ما عبر عنه القرآن الكريم بالخليفة: ((إني جاعل في الأرض خليفة)) سواء كانت تلك العلوم من فروض العين، وهي التي تتعلق بجميع المكلفين ولا يكفي أن يقوم بها أحد عن آخر، كأركان الإسلام وأركان الإيمان، أو فروض الكفاية وهي التي تسقط عن بقية الأمة، إذا قامت بها طائفة كافية عددا وسدَّ حاجة، كالعلوم السياسية، والقضائية، والاقتصادية، والهندسية والطبية، والصناعية، والحِرفية، والفلكية، والعسكرية، وغيرها.
ثم يوضع لكل علم منهجه الخاص به من قبل ذوي الكفاءة فيه والاختصاص، ويخصص له من الزمن ما يكفيه.
الأمر الثاني: أن يراعى في وضع المناهج ما يتناسب مع العصر.
ويشمل ذلك جميع المواد والمفردات المطلوب دراستها، بحيث يكون الدارس على وعي وخبرة بما يتعلق بالعلم الذي يدرسه في واقع الحياة، مع المقارنة والموازنة والترجيح بالحجة والبرهان، ولا تكون دراسته دراسة نظرية تلقينية تقليدية جامدة، تجعله إذا خالط الناس واصطدم بما عندهم من أفكار ونظريات ومبادئ، كأنه بدوي دعي لحضور مؤتمر تتصارع فيه نظريات الفلاسفة والسياسيين والاقتصاديين، مع أن بعض تلك النظريات تتعلق بتخصصه.
وسأضرب بعض الأمثلة لتوضيح هذا المعنى:
المثال الأول: وجد في هذا العصر إلحادٌ مادي قوي ينكر وجود الخالق-فضلا عن استحقاقه العبادة واتباع رسله وتحكيم شرعه-قامت على أساس هذا الإلحاد دول ووضعت له فلسفات ومناهج تعليم وإعلام، واتخذت لنشره والدعوة إليه وسائل تبدأ بالإعلام وتنتهي بالسلاح، وخدعت به عقول واستجابت له حكومات.
والجديد في هذا الإلحاد هو انتشاره وقيام دول على أساسه، وقد كان في الأزمان الماضية مغمورا لا يوجد إلا لدى أفراد أو جماعات قليلة، لا وزن لها بين الناس.
وكان إقرار الأمم بالخالق دليلَ الرسل على قومهم المقرين به، بأن الخالق الذي أقرت به تلك الأمم هو وحده الإله المعبود الذي يستحق العبادة.
ولهذا لم تكن الرسل في حاجة إلى أن يَنْصَبُوا في دعوة أممهم إلى الإقرار بوجود خالق لهذا الكون، لأن ذلك من تحصيل حاصل ومن تبديد الجهد في غير مكانه.
كما قال تعالى: ((قل لمن الأرض ومن فيها إن كنتم تعلمون، سيقولون لله قل أفلا تذكرون، قل من رب السماوات السبع ورب العرش العظيم، سيقولون لله قل أفلا تتقون، قل من بيده ملكوت كل شئ وهو يجير ولا يجار عليه إن كنتم تعلمون، سيقولون لله قل فأنى تسحرون)) [المؤمنون: 84-89].(45/329)
والله الخالق العليم عالم الغيب والشهادة، قد أودع في كتابه من الحجج والبراهين الدالة على وجوده وأنه رب كل شئ ومالكه، ما لا يدع لمنكره منفذا يفر من براهينه وحججه، سواء قل المنكرون أو كثروا، وحججه وبراهينه منتزعة من آياته الكونية ومخلوقاته، فالكتاب المقروء يَنْصِب للجاحدين الكتابَ المفتوح وهو الكون كله، كما قال تعالى: ((أم خُلقوا من غير شئ أم هم الخالقون، أم خلقوا السماوات والأرض بل لا يوقنون))[الطور: 35-36]
وقال تعالى: ((أ مَّن خلق السماوات والأرض وأنزل لكم من السماء ماء فأنبتنا به حدائق ذات بهجة ما كان لكم أن تنبتوا شجرها أإله مع الله بل هم قوم يعدلون، أمن جعل الأرض قرارا وجعل خلالها أنهارا وجعل لها رواسي وجعل بين البحرين حاجزا أإله مع الله بل أكثرهم لا يعلمون، أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض أإله مع الله قليلا ما تذكرون، أمن يهديكم في ظلمات البر والبحر ومن يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته أإله مع الله تعالى الله عما يشركون، أمن يبدأ الخلق ثم يعيده ومن يرزقكم من السماء والأرض أإله مع الله قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين))[النمل: 60-64].
ومع هذا كله-أي مع كون وجود الخالق الذي كانت الأمم تعترف به، وكانت الرسل تستدل بهذا الاعتراف على وجوب عبادته وحده وعدم الإشراك به، ومع وجود كثرة الحجج والبراهين في الكتاب المقروء والكتاب المفتوح، على وجوده وأنه خالق هذا الكون، ومع بسط علماء المسلمين في القديم والحديث الكلام عن هذا المعنى، ومع وجود دول إلحادية في هذا العصر قامت على إنكار هذا الأصل الذي كان بالأمس مُقَرًّا به لدى عامة أمم الكفر، وأصبح الآن محل إنكار-مع هذا كله وجد من ينتسب إلى العلم ويزعم أنه لا داعي لإدخال هذا الأصل الذي سماه علماء الإسلام "توحيد الربوبية" في مباحث العقيدة لإبرازه والدعوة إليه، لأنه هو الدليل على توحيد الألوهية فهو بد هي، والرسل لم تكن تدعو أممها إليه!!!
أيعقل هذا الكلام؟! إذا أنكر مراض القلوب وضعاف النفوس ما كان في الأصل دليلا، أفلا ندعوهم إلى الإقرار بهذا الدليل الذي أقرت به الأمم وتظاهرت عليه آيات الكون ومخلوقاته كلها؟! وإذا أصبح الدليل مُنكَرًا ولم نقم الحجج على منكريه ونجعل عقولهم تقربه، فهل هذه مزية لنا؟ وهل نعد متبعين حقا للرسل الذين كانوا يستدلون بهذا الأصل على وحدانية الله وعبادته بلا شريك معه؟!
ألم يكن نبي الله موسى عليه السلام يعلم أن فرعون كان-في الواقع-مستيقنا بأن الله هو خالق السماوات والأرض، وأن الآيات التي جاء بها موسى كانت حقا، وأن إنكاره وجحده ما كان إلا مكابرة منه؟! كما قال تعالى: ((فلما جاءتهم آياتنا مبصرة قالوا هذا سحر مبين، وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا فانظر كيف كان عاقبة المفسدين)) [النمل: 13-14].
ومع ذلك فإن موسى عليه السلام أقام الحجة على فرعون عندما ادعى الربوبية وسخر من دعوة موسى إلى الإيمان بربه، فقال كما ذكر الله تعالى عنه: ((قال فرعون وما رب العالمين)) فأجابه موسى بقوله. ((رب السماوات والأرض إن كنتم موقنين))[الشعراء: 23-24].
لقد خلت مناهج بعض المعاهد والجامعات والمدارس الإسلامية، في هذا العصر الذي ظهر فيه هذا الإلحاد، واستفحل وانتشر عن طريق التعليم والإعلام والسياسة والاقتصاد وعلوم النفس وعلوم الاجتماع، وعن طريق الغزو المسلح والإكراه على إنكار وجود الله، خلت تلك المناهج من بحوث يتسلح بها الطلاب ودعاة الإسلام، في إقامة الحجج والبراهين، على تفاهة هذا الإلحاد وإزالة ما علق بعقول عدد كبير من الناس، ومنهم بعض ذرا ري المسلمين، ووقف كثير ممن تخرجوا في تلك المؤسسات الإسلامية عاجزين عن رد شبهات إلحادية كثيرة بثها الملحدون في مناهج التعليم وكتبه في بعض البلدان الإسلامية، إلا من اجتهد من أولئك المتخرجين اجتهادا ذاتيا فدرس بعض المؤلفات وقرأ بعض البحوث التي ألفها بعض الغيورين من دعاة الإسلام، أو لازم بعض هؤلاء الدعاة واستفاد منهم، فإنهم انطلقوا بحجج وبراهين مثل الصواريخ تدمر كل شئ أتت عليه من مبادئ وأفكار وشبهات أولئك الملاحدة.
ومع ذلك فقد اجتهد بعض دعاة الإسلام، فوضعوا في مناهج بعض المدارس بحوثا وكتبا مزودة بأدلة علمية وحجج وبراهين قوية في هذا المعنى، استأصلوا بها شجرة الإلحاد من بلادهم وقد كادت تمد جذورها فيها، وكان ذلك تحصينا لطلابها وسلاحا يهاجمون به أساطين الإلحاد في عقر دارهم [كان ذلك في اليمن، حيث ألف الشيخ عبد المجيد الزنداني كتب التوحيد الستة التي قررت على طلاب المتوسط والثانوي فقضى الله بها على الإلحاد في اليمن وأصبح الطلاب اليمنيون الذين ابتعثوا إلى البلدان الشيوعية يوجهون أسئلة إلى المشرفين عليهم من الملحدين تفحمهم كما ذكر ذلك الزنداني في بعض كتبه.].(45/330)
المثال الثاني: أن أعداء الإسلام قد بلغوا شأوا عظيما في هذا العصر من القوة المادية والصناعية، وأصبح عندهم من السلاح ما أخافهم هم أنفسهم من أن يتفجر بينهم في صراعاتهم على زعامة العالم، وما يُطِيش عقولهم في أن يتقاتلوا بذلك السلاح ويدمروا به أنفسهم وبلدانهم وما بنوه من حضارة مادية في مدة طويلة من الزمن.
وهم متفقون جميعا على أن عدوهم الحقيقي هو الإسلام الذي يخشون أن يولد من أبنائه من يُعلِي الله به رايتَه في الأرض، فينطلق الإسلام انطلاقة لا قبل لهم بإعاقته، ولا قدرة لكل السدود التي وضعوها ولا زالوا يضعونها في طريقه، على صده ومنعه عن الانسياب في الأرض، سابقا بعقيدته وأخلاقه ومعاملاته الشاملة، إلى عقول الناس التي لو وصل إليها صحيحا غير مشوه، لأسرعت إلى قبوله ورفضت كل العقائد والمبادئ والأنظمة التي تخالفه والتي شقيت البشرية بها في الأرض، وبخاصة أنه مهيأ ليحل محل تلك المبادئ والأنظمة التي جربت كلها ففشلت، والعالم يترقب ما ينقذه مما حل به من دمار.
وأعداء الإسلام يعلمون أن هذا الدين دين عقيدة صحيحة وأخلاق فاضلة وأنظمة سامية، يدعو إلى العلم الشامل علم الدنيا وعلم الآخرة، وأنه دين المساواة والعدل والحرية والصدق، ويعلمون بأن حضارتهم المادية مبنية على عقائد فاسدة، وتحلل اجتماعي، وأنظمة اقتصادية مدمرة، وأنظمة سياسية لا قدرة لها على الوقوف طويلا أمام سياسة الإسلام، إذا طبقت في الأرض، ديدنهم العدوان على الضعيف وظلمه وهم يزعمون أنهم دعاة سلام وعدل، فإذا طبق الإسلام في الأرض ظهرت عيوب مدنيتهم وانكشف زيف ما يلصقونه بالإسلام من مثالب زورا وبهتانا، ولذلك فهم يخافون من الإسلام خوفا شديدا، ويحيكون للأمة الإسلامية كل المؤامرات، ويعدون العدة لاختلاق الذرائع لشن غاراتهم العسكرية المباشرة على أي دولة إسلامية يخشون من تطبيقها الشريعة الإسلامية تطبيقا صادقا، وليس مجرد دعوى، أو يخشون من امتلاكها قوة عسكرية واقتصادية-وإن كانت علمانية-خشية من أن ترث تلك القوة قيادة مسلمة تعلي بها كلمة الله!.
ولهذا دمر اليهود المفاعل النووي في العراق، وأغْرَتْ الدول الغربية وعلى رأسها أمريكا نظام البعث العراقي بغزو الكويت، من أجل القضاء على ما يملك من قوة، وقد فعلوا ولا زالوا يفعلون، ويهددون جمهورية باكستان الإسلامية ويحيكون لها المؤامرات لتدمير ما تملك من قوة نووية، ولا يعترضون على قوة الهند الوثنية النووية، ويواصلون دعمهم لليهود ولامتلاكهم مزيدا من القوة النووية، ولا يطيقون أن تملك أي دولة من الدول الإسلامية قوة متميزة ولو كانت غير نووية، كل ذلك من أجل أن يضمنوا تفوقهم العسكري في كل لحظة، على جميع الدول في البلدان الإسلامية، ويريدون لجميع الدول في الشرق الإسلامي أن تكون ضعيفة في سلاحها وجيشها واقتصادها، ما عدا الدولة اليهودية التي احتلت أرض المسلمين في فلسطين، فإنهم يدعمونها بكل وسائل القوة، ليسطروا على بلاد المسلمين واقتصادهم سيطرة كاملة، وليضطروهم إلى عدم التفكير في إقامة دين الله في الأرض بتطبيق شريعته.
ومع وضوح هذا العداء السافر ضد الإسلام والمسلمين، من الدول النصرانية والدولة اليهودية وغيرهم من أعداء الإسلام، فإن مناهج المدارس والمعاهد والجامعات في أغلب البلدان الإسلامية، قد أهملت فقه الجهاد في سبيل الله الذي يوجب على الأمة الإسلامية أن تعد العدة اللازمة لإرهاب أعداء الله، حتى لا يعتدوا على هذه الأمة، وحتى تحطم الأمة الإسلامية كل الطواغيت الذين يصدون الناس عن الدخول في دين الله.
وكذلك أغفلت تلك المناهج في أغلب البلدان الإسلامية قاعدة الولاء والبراء التي أبدى فيها القرآن الكريم وأعاد، موضحا أعداء الأمة الإسلامية من اليهود والنصارى والوثنيين ومكايدهم التي لا يكفون عنها إلى يوم القيامة، بل إن بعض الحكومات في بعض البلدان الإسلامية أمرت بحذف ما كتب من آيات في بعض المقررات الدراسية مما يتعلق باليهود والنصارى حتى لا يتنبه التلاميذ لهذه القاعدة من فهمهم لتلك الآيات، وقد نبه على ذلك بعض كتاب المسلمين في بعض الصحف العلمانية، بعنوان. [فتنة في الأرض وفساد كبير. الأهرام، القاهرية14/10/1413هـ-6/4/1993م ص9، راجع الملف الصحفي الذي تصدره تهامة عدد 362 ص 39 بتاريخ 1/11/1413هـ.]
المثال الثالث. إذا تأمل المتابع لحركة التدبير العالمي وجدها تعتمد على ثلاثة أسس جوهرية، وهي: السياسة والاقتصاد والقوة العسكرية بكل فروعها.(45/331)
وقد أنشئت لكل واحد من هذه الأسس معاهد وكليات ومؤسسات ومراكز بحث ومراكز تدريب، وخصصت لها ميزانيات هائلة في بلدان العالم الغربي بالذات، وكذلك في بلدان العالم الثالث-كما يطلق عليه هذه التسمية الغربيون احتقارا له وتثبيطا من التفكير في النهوض-ومنه دول العالم الإسلامي، وكلها تعتمد على المنهج العلماني إلا ما ندر في بعض البلدان الإسلامية، ولهذا سيطرت النظريات السياسية والاقتصادية العلمانية على العالم بدعم من القوة العسكرية، وترى المثقفين ورجال الإدارة والحكم في العالم الإسلامي قد فتنوا بتلك النظريات ورأوا فيها مثالا يحتذى وقدوة تتبع-سواء طبقوا ما فتنوا به أو خالفوه بحسب أهوائهم ومصالحهم، ولم يلتفتوا إلى ما في مصادر دينهم من قواعد السياسة والاقتصاد، بل وقر في أذهانهم أن الدين الإسلامي كغيره من الأديان المحرفة صلة بين العبد وربه، ولا دخل له في حياة البشر الإدارية والسياسية والاقتصادية والعسكرية وغيرها، ولم يخرج عن هذه القاعدة التي سار عليها المثقفون من أبناء الأمة الإسلامية إلا من هيأ الله له السبيل، فتربى تربية إسلامية على أيدي علماء الدعوة الإسلامية، ودرس كتبهم ورجع إلى مصادر العلوم الإسلامية فتفقه في دين الله وتيقن أن الإسلام منهج كامل لحياة البشر.
ومع ذلك لا تجد في العالم الإسلامي كله كلية واحدة للاقتصاد الإسلامي، ولا كلية واحدة للسياسة الشرعية، بل لا تجد في كليات الاقتصاد والعلوم السياسية والإدارية، مقارنة جادة بين النظريات الاقتصادية والنظريات السياسية، وبين السياسة الشرعية والاقتصاد الإسلامي، بل مما يؤسف له أن المعاهد والجامعات الإسلامية لم تعط هذين العلمين المهمين في الإسلام-السياسة والاقتصاد-ما يستحقانه من العناية والاهتمام، وإن كانت بعض الجامعات قد أنشأت ما يسمى بقسم السياسة الشرعية، فإن الدراسة فيها دراسة جامدة تعتمد على مذكرات ونصوص جزئية لا تمت إلى حياة البشرية المعاصرة بصلة قوية.
وكان الأجدى بالجامعات الإسلامية أن تنشئ كليات للسياسة الشرعية والاقتصاد الإسلامي، وأن توجد أساتذة مؤهلين يجمعون بين الفقه الإسلامي من مصادره في هذين المجالين، وبين النظريات السياسية والاقتصادية المشهورة في العالم اليوم، وأن تدرس موادها بتوسع ليتخرج فيها ذوو كفاءات مؤهلون لإدارة البلدان الإسلامية سياسيا واقتصاديا، وليظهر للعالم ما في هذا الدين من مزايا يُحَل بها كثير من المشكلات العويصة، ويقضى بها على أزمات مستعصية، وأن وسطية هذا الدين في السياسة والاقتصاد جديرة بالدراسة والمقارنة والتطبيق الذي سيقضي على مفاسد الديمقراطية مع اشتماله على ما قد يكون فيها من محاسن، كما سيقضي على الدكتاتورية والاستبداد مع اشتماله على ما قد يكون فيهما من ضبط وعدم تسيب، وسيقضي على مفاسد الرأسمالية الربوية مع اشتماله على ما قد يكون فيها من حرية فردية محكومة، وعلى مفاسد الاشتراكية مع اشتماله على ما قد يكون فيها من حفظ حق الجماعة بدون اعتداء على حقوق الأفراد.
فهل ننتظر من الجامعات الإسلامية اهتماما ما بذلك؟!
سبب التخصيص.
إن تخصيص الجامعات الإسلامية في هذا السياق، إنما هو من باب مسايرة الواقع الذي فُرِض على الأمة الإسلامية فرضا، بسبب العلمنة التي سيطرت على الحكومات في الشعوب الإسلامية، بعد الجهل الذي خيم على المسلمين والاستعمار الذي كرس جهوده في زيادة جهلهم بدينهم، وبعد التمزق الذي أصاب الأمة الإسلامية في أعقاب سقوط ما كان يربطهم، وهو آخر رمز للخلافة الإسلامية-في دولة بني عثمان-حيث تم الفصل بين الدين والدولة، وتم بناء على ذلك الفصل بين ما سمي بالجامعات المدنية والجامعات الدينية. وأصبح طلاب الجامعات المدنية التي خلت في الغالب من الدارسات الإسلامية هم قادة الشعوب الإسلامية [1] والمدبرين لشؤونها السياسية والإدارية والاقتصادية وغيرها، لأن مناهج جامعاتهم أعدت لتؤهلهم لذلك.
أما طلاب الجامعات الدينية، فقد وضعت لهم مناهج قصد منها حصر نشاطهم في المساجد-أئمة وخطباء ومؤذنين-مقيدا بما يأذن لهم من تربع على كراسي الحكم من طلاب الجامعات المدنية، وفي تدريس المواد الدينية حسب المنهج الذي تضعه الزمرة الحاكمة، ولا زال هذا الفصل مستمرا إلى الآن.
وكان الجفاء والنفرة على أشدهما بين أساتذة الجامعات المدنية وطلابها، وبين أساتذة الجامعات الإسلامية وطلابها، حتى أصبحوا-وهم إخوة في بلد إسلامي واحد-كأن بعضهم أجنبي عن الآخر.(45/332)
ولكن بحمد الله وتوفيقه ثم بفضل جهود دعاة الإسلام في نشر المعاني الإسلامية والدعوة إلى الرجوع إلى هذا الدين والتفقه فيه وحمله، أن أقبل طلاب الجامعات المدنية إلى هذا الدين وتمسكوا به حتى فاق كثير منهم في الالتزام به بعضَ طلاب الجامعات الإسلامية، حتى ضاقت بذلك صدور العلمانيين في البلدان الإسلامية، وأساتذتهم في بلدان الغرب ذرعا بهذه الظاهرة، وأصبحوا يحاربون هذا الصنف من الملتزمين أكثر من حربهم للملتزمين بالإسلام من طلاب الجامعات الإسلامية، حتى الطلاب الذين درسوا في الجامعات الغربية معقل العلمانية، رجع كثير منهم وهم يحملون الدعوة إلى الإسلام مع تخصصاتهم المسماة بالمدنية والعسكرية، فكان فيهم شبه بتربية موسى في قصر فرعون، وعلى أهلها تدور الدوائر!
هذا هو سبب تخصيص الجامعات الإسلامية، وإلا فالأصل أن تكون الجامعات في البلدان الإسلامية كلها جامعات إسلامية، بدون حاجة أن توصف بأنها إسلامية، على أن تضم الجامعة الواحدة جميع الكليات والأقسام التخصصية، فتكون في الجامعة كليات الطب والهندسة والجغرافيا والسياسة والاقتصاد والشريعة واللغة وغيرها، وتكون الدارسات الإسلامية مقررة في كل الكليات بالقدر المناسب، مع ما فيها من تخصصات، حتى يكون المتخرجون منها كلهم ذوي كفاءات ومؤهلات متخصصة، مع معرفة القدر الكافي من العلوم الإسلامية، وبذلك يقضى على الازدواجية الموجودة الآن في البلدان الإسلامية.
أقسام العلم في الشريعة الإسلامية.
إن العلم في الشريعة الإسلامية ثلاثة أقسام:
القسم الأول: ما هو فرض عين على كل مسلم.
وهو ما لا يسع أحدا من المسلمين جهلُه، لتعلقه بعينه وعدم سقوطه عنه-ما دام قادرا عليه-بفعل غيره، وذلك مثل العلم بالقدر الضروري من أصول الإيمان، والعلم الضروري بأصول الإسلام، وكل ما هو فرض على الأعيان، فإن الواجب على كل مسلم أن يعلم ما وجب عليه عينا بحسب ما هو مطلوب منه شرعا.
القسم الثاني. ما هو فرض كفاية من علوم الشريعة.
وهو ما لا يجب على أحد بعينه من المسلمين، وإنما يجب على الأمة أن يوجد فيها من يقوم به قياما كافيا، فإذا قام به واحد منها وكان كافيا للأمة سقط عن باقي الأمة، وإن لم يكف الواحد وجب أن يوجد العدد الكافي للأمة بحسب حاجتها، وذلك مثل الفتوى والقضاء والسياسة الشرعية والمواريث والمعاملات والعقوبات-الحدود والقصاص والتعزير-وغير ذلك من علوم الشريعة الإسلامية، فيجب أن يوجد القضاة الذين تحتاج إليهم الأمة مهما كان عددهم، وهكذا المُفْتُون، وفقهاء السياسة الشرعية وخبراء الجهاد والاقتصاد الإسلامي وغيرهم.
هذان القسمان-كما هو واضح-من علوم الشريعة التي تستفاد من القرآن وسنة الرسو صلى الله عليه وسلم ، لأن الوحي الذي جاء به، من عند الله يشملهما، ويدخل في ذلك ما أخذ منهما بطرق الاستنباط والاستدلال المعروفة عند العلماء، وما دلا عليه من مقاصد الشريعة الإسلامية.
القسم الثالث: ما يتعلق بمصالح الدنيا. [2]
مما يرشد إليه الوحي أو العقل أو التجربة أو اللغة، وهي العلوم التي يحتاج إليها المسلمون وغيرهم، وإذا خلا منها بلد تعرض أهله للهلاك أو الانحطاط والتأخر والضعف.
مثل علم الطب والرياضيات والهندسة بأنواعها، وكذلك المهن الأخرى كالصناعة والزراعة والخياطة والحياكة والخبازة وغيرها، فهذه العلوم والمهن من فروض الكفاية.
وفرض الكفاية بقسميه. الشرعي والعادي تأثم الأمة كلها إذا لم يوجد من يقوم به قياما كافيا.
وكلاهما-فرض العين وفرض الكفاية بقسميه-يثاب فاعله-إذا قصد به وجه الله-ويعاقب تاركه القادر عليه. وكلها تدخل تحت الأحكام التكليفية الخمسة، وهي: الواجب والمندوب والمباح والمحرم والمكروه.
وبهذا يعلم أن المسلم مكلف شرعا بجميع العلوم: الشرعي منها والعادي، إلا أن منها ما يكون فرض عين ومنها ما يكون فرض كفاية [3].
وهذا يدل على ارتباط شؤون الدنيا بشؤون الدين، وأن الفصل بينهما فصلا يعزل الدين عن توجيه الأمة في حياتها الدينية والدنيوية، منكر في الإسلام لا يجوز إقراره، وهو الذي دمر حياة المسلمين في هذا العصر، حيث صار لشؤون الدنيا سلطة زمنية مستقلة، ولشؤون الدين زعامات تقيدها سلطة الشؤون المدنية بما تهوى، ولو ألغي بذلك تطبيق الإسلام، اتباعا لما سار عليه العلمانيون في الغرب من إقصاء الدين النصراني الكنسي المحرف عن التدخل في الشؤون الدنيوية، مع أن الفرق الكبير بين الدين الكنسي الذي تَحَكَّم في حياة الناس باسم الله، فأحل ما حرم الله وحرم ما أحل الله بدون إذن من الله، وليس فيه منهج صالح لحياة البشر الشاملة، بخلاف الإسلام الذي لم يدع شاردة ولا واردة في حياة البشر إلا شرع لها فيه ما يحقق لهم مصالحهم ويدفع عنهم المفاسد، إما بالنصوص الصريحة والظاهرة، وإما بالاستنباط والقياس، وإما بما وضعه من مقاصد يندرج تحتها ما لا يحصى من المسائل.(45/333)
فالأصل-إذا-أن يكون التعليم ومناهجه ومدارسه وجامعاته على أساس الإسلام، وأن يكون العلماء الذين يتخرجون من تلك المدارس والجامعات كلهم متعاونين-مع تنوع تخصصاتهم-على إقامة دين الله في الأرض، يحكمهم جميعا شرع الله ويسيرون جميعا على نهج الإسلام.
ويظهر من ذلك أن الأوضاع الموجودة الآن في مؤسسات التعليم ومناهجه ونتائجه، التي أوجدت فئة علماء دين هم المسؤولون عن الشؤون الدينية في حدود ما يأذن لهم به الحكام، وفئة يدعون بالمثقفين الذين مكنتهم تخصصاتهم من قيادة الأمة غير متقيدين بشرع الله-إن هذه الأوضاع تعتبر شاذة يجب السعي لإزالتها وإعادة الأمور إلى أصلها كما هو واضح فيما ذكرنا.
ولست بهذا أرى منع جامعات أو كليات أو معاهد متخصصة في بعض العلوم قائمة بنفسها مستقلة عن غيرها، ولا أوجب أن تكون كل الكليات الشرعية وما تسمى بالمدنية في جامعة واحدة، وإن كنت أحبذ ذلك للقضاء على الوضع الراهن الشاذ، وإنما أردت بهذا أن لا توجد جامعات يقال لها مدنية، وأخرى يقال لها دينية، وتكون تلك غير مقيد طلابها بالإسلام في وظائفهم، وهذه غير مأذون لطلابها بالاشتراك في قيادة الأمة وإدارة شؤونها على أساس منهج الله، بل يجب أن يكون الجميع سائرين على هذا النهج الواجب شرعا، بل إن العلماء الذين تخصصوا في علم الشريعة هم الذين يحكمون على التصرفات والنظم، ما هو مشروع وما هو غير مشروع على ضوء فقههم في الدين وتصورهم لما يحكمون عليه.
وقد نص على ذلك العلماء، حتى قال الرازي رحمه الله: [والعلماء في الحقيقة هم أمراء الأمراء، فكان حمل لفظ أولي الأمر عليهم أولى] [4] .
وقال ابن العربي رحمه الله: (والصحيح عندي أنهم-يعني أولي الأمر-الأمراء والعلماء جميعا، أما الأمراء فلأن أصل الأمر منهم والحكم إليهم، وأما العلماء فلأن سؤالهم واجب متعين على الخلق وجوابهم لازم وامتثال فتواهم واجب...) إلى أن قال. (والأمر كله يرجع إلى العلماء لأن الأمر قد أفضى إلى الجهال وتعين عليهم سؤال العلماء..) [5] .
وقال ابن القيم رحمه الله: (والتحقيق أن الأمراء يطاعون إذا أمروا بمقتضى العلم، فطاعتهم تبع لطاعة العلماء، فإن الطاعة إنما تكون في المعروف وما أوجبه العلم، فكما أن طاعة العلماء تبع لطاعة الرسول، فطاعة الأمراء تبع لطاعة العلماء...) [6] .
ولو أن التعليم في البلدان الإسلامية سار على هذا النهج، لما سبق أهل الباطل بباطلهم إلى عقول أبناء المسلمين، ولكان السبق لعلماء المسلمين بالحق إلى عقول هؤلاء الأبناء.
الأمر الثالث: ما يناسب الدارسين في المراحل الدراسية المبكرة.
ويشمل ذلك طلاب الروضة وطلاب المرحلة الابتدائية والمرحلة المتوسطة-من الجوانب الإيمانية والعبادية والأخلاقية والآداب والحقوق الأسرية والأخوة الإيمانية وحقوق الجيران، والسيرة النبوية التي تغرس في نفوس الطلاب محبة الرسو صلى الله عليه وسلم ووجوب اتباعه، وتعظيم شأن القرآن الكريم وتحبيب الطلاب في حفظه وقراءته، والتمسك به وحب السنة النبوية، وتوقير العلماء واحترامهم ومحبة المسلمين عموما، ومختصرات عن التاريخ الإسلامي وجغرافية البلدان الإسلامية، ونبذة مختصرة عن مقارنة الأديان، يبين فيها الأديان السماوية السابقة على الإسلام وما طرأ عليها من تحريف، والديانات الوثنية ليخلص من ذلك إلى أنه لم يبق دين حق في الأرض محفوظ وسيظل محفوظا إلى يوم القيامة، إلا الإسلام الذي جاء ليكون منهاجا لحياة الناس كلهم، وأن محمدا رسول ا صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء.
مع دراسة بعض أبواب الفقه، وقواعد اللغة العربية من نحو وصرف، وشئ من المفردات اللغوية، وحفظ بعض النصوص المفيدة من الشعر والنثر، واختيارات من كلام الصحابة رضوان الله عليهم.
كما يهتم بتعليم الكتابة وقواعد الخط ومبادئ الحساب والهندسة ونحوها، وكل مرحلة من المراحل الثلاث، يوضع لها ما يناسبها مراعاة لسن الطالب مع الاهتمام بوسائل الإيضاح وجعل الدارس-مع حفظ ما لا بد من حفظه-يفكر ويشغل عقله في فهم ما يمكنه فهمه ولا يعتمد على التلقي فحسب.
إن هذه المراحل-من الروضة إلى المتوسطة-هي مراحل تأسيس لصياغة المسلم الذي يؤمن بدينه إيمانا صادقا مبنيا على حجة وبرهان، وليس على مجرد تقليد، والذي يفقه دينه فقها يصحح به تقربه إلى الله بالعبادة، ويجعل علاقته بالناس علاقة شرعية، تجعله يؤدي إليهم حقوقهم دون نقص، ويأخذ منهم حقوقه دون إجحاف، و يكون لبنة صالحة في الأمة يبني معها الحياة ويتعاون معها على البر والتقوى ولا يكون عالة عليها.
لذلك يجب مراعاة هذه المعاني في هذه المرحلة المبكرة من عمر الإنسان في مناهج التعليم، لما في ذلك من الإعداد والتحصين لعقول ذرا رينا حتى لا يسبقنا إليها أهل الباطل بباطلهم.
فإذا تجاوزوا هذه المرحلة إلى المرحلة الثانوية، أمكن بعد ذلك التوسع في العلوم الأخرى لإعداد الطالب للتخصصات التي يميل إليها في المرحلة الجامعية، وما فوقها.
الأمر الرابع: مراعاة الفوارق بين الذكور والإناث.
بعد مراعاة فروض العين وفروض الكفاية، والإعداد لما قد يتهيأ له المسلم من تخصصات.(45/334)
فالمرأة يجب أن تهيأ في الأصل لشؤون المنزل وتدبيره، وتربية الأولاد الأسرية، التي هي أساس لتربية المدرسة والمجتمع، والمجالات التي تنتظر قيام المرأة بالواجبات المناسبة لها، لا تحصى كثرة، وهي لو صرفت كل أوقاتها فيها لكانت جديرة بها، كتهيئة المنزل وترتيبه وإعداد الغذاء، والتنظيف، وإرضاع الأطفال، والعناية بتغذيتهم ونظافتهم وتوجيههم التوجيه الإسلامي المبكر المناسب لأعمارهم، والعناية بالمريض وإسعافاته الأولية التي تقتضي تدربها على وسائل التمريض والإسعاف، والعناية بالمسنين من أقربائها كالأب والأم والجدة ونحوهم، وتعليم بناتها ما يحتجن إلى تعلمه من شؤون المنزل وتربية الأولاد وغيرها مما ذكر.
إن المرأة المسلمة هي المحضن الأول لتربية الطفل تربية إسلامية، وهي أول السباقين بالحق إلى عقل أبنائها وبناتها، ولو أن النساء المسلمات كلهن عنين بتربية أبنائهن وبناتهن تربية إسلامية سليمة في كل منزل، لكان جيل الأمة الإسلامية في كل عصر على هدى من ربه، فقد يكون في المنزل الواحد عشرون ابنا وبنتا أو أكثر أو أقل، فإذا تربى الولد الأكبر تربية سليمة، كان قدوة لمن بعده وخف العبء وأصبحت الأسرة كلها مسلمة بإذن الله.
وإن ما يعانيه المسلمون اليوم من تفلت كثير من الشباب وبعدهم عن التمسك بالإسلام، من أهم أسبابه عدم قيام الأسرة في المنزل وبخاصة الأم بهذا الواجب العظيم، إما جهلا به، وإما تكاسلا، وإما اشتغالا بغيره مما ليس بأولى منه، ولذلك يسبق إلى عقل الطفل بالتدريج الباطلُ، إما عن طريق أهله بالقدوة السيئة والتربية الفاسدة، وإما عن طريق الخادمات الأجنبيات غير المسلمات، أو المسلمات الجاهلات اللاتي هن في حاجة إلى التربة الإسلامية والتوجيه.
هذا هو الأصل الذي ينبغي أن تعد له المرأة.
وهذه المعاني، مع منهاج الحياة الزوجية وحقوق كل من الزوجين وواجباته، وحقوق الأولاد والآباء والأقارب والجيران، وفقه أحكام النساء هي التي ينبغي العناية بها في تعليم الفتاة ومنهاج دراستها.
ثم ينظر بعد ذلك في العلوم التي تحتاج الأمة إليها للنساء خاصة، بحيث تنشأ لهن مدارس ومعاهد وكليات، وتوضع لها مناهج تشتمل على مواد تلك العلوم التي تتخصص فيها النساء للقيام بتدريسها لبنات جنسها، أو بالوظائف التي يحتاج إلى أن تقوم المرأة بها، ولا مانع من مشاركتها في العمل في خارج منزلها في تعليم وخدمة نساء الأمة، إذا استغني عنها بيتها بغيرها من نساء أهل المنزل، كأن تكون غير متزوجة أو لا أولاد لها، والحاجة تدعو إلى مشاركتها في خارج المنزل، في تدريس الفتيات وإدارة مدرستهن، من روضة أطفال إلى الكليات، أو طبيبة في أمراض النساء في عيادة خاصة بهن أو مستشفى خاص بالنساء، ولا يدخله الرجال أطباء أو عاملين إلا عند الضرورة في حدودها، وما أحوج المسلمين إلى أمثال هذا المستشفى في كل مدينة وبلد ليستقل النساء فيه عن مخالطة الرجال! ولاسيما المخالطة مع الخلوة، ويمكن أن تتولى المرأة إدارته وجميع أعماله، كما هو الحال في مدارس البنات وكلياتهن في المملكة العربية السعودية، بل كما هو الحال في مستشفى....
وهكذا العمل في خدمات اجتماعية أخرى خاصة بالنساء وأعمال مالية خاصة بهن، كالمصارف التي يحتاج إليها النساء المسلمات في كثير من الأحيان، بسبب عدم وجود أولياء أمور لهن، فيضطررن إلى الذهاب إلى البنوك والانتظار هناك ومخالطة الرجال.
إنه لا يوجد مانع شرعي من خروج المرأة من منزلها للحاجة الخاصة بها أو حاجة المجتمع إليها، ولكن ينبغي الأخذ بالأسباب المانعة من الفتنة ما دامت ممكنة، أما عند الضرورة أو الحاجة القريبة منها، فإن المرأة تقوم بالأعمال لمساعدة الرجال كمداواة جرحاهم أو نقل موتاهم في وقت الحروب، وكذلك تختلط بالرجال في العبادات التي لا يمكنها الاستقلال فيها عنهم، كالطواف والسعي وغيرهما من أعمال الحج، إلا أنه يجب والحالة هذه الإكثار من تقوى الله ومراقبته-وإن كان ذلك مطلوبا في كل الأوقات-من الرجال والنساء معا، اتقاء لما قد يحصل من فتنة المخالطة، كل هذه المعاني ينبغي مراعاتها في مناهج التعليم.
وليس من الحكمة جعل المنهج للرجال والنساء سواء، مع وجود الفوارق بينهم في مجالات العمل، وفي قوة التحمل وضعفه، وفي الخروج من المنزل وعدمه أو قلته، وفي المشي في مناكب الأرض والأسفار وغيرها.
ويجب التنبيه هنا إلى ما يحصل من بعض الغيورين من منع النساء من حضور المساجد لسماع الخطب والمواعظ والاستفادة من العلماء في أمور دينهن، هو تشدد في غيره محله. وقد كان النساء يحضرن صلوات الجماعة في مسجد الرسو صلى الله عليه وسلم في أوقات معينة يعظهن فيها ويعلمهن، وغاية ما نصح به الرسو صلى الله عليه وسلم الرجال والنساء هو الورع والبعد عن الفتنة فقال-كما روى عنه أبو هريرة-: [خَيْرُ صُفُوفِ الرِّجَالِ أَوَّلُهَا وَشَرُّهَا آخِرُهَا وَخَيْرُ صُفُوفِ النِّسَاءِ آخِرُهَا وَشَرُّهَا أَوَّلُهَا.] رواه مسلم(45/335)
ولا زال النساء يحضرن المساجد ويسمعن المواعظ في كل المساجد الكبيرة كالمسجد الحرام والمسجد النبوي وغيرهما، وإذا احتاجت المرأة إلى السؤال عن أمر من أمور دينها فلها أن تسأل العالم، بل إذا احتاج الرجل أن يسأل المرأة التي عندها علم يحتاج إليه فله أن يسألها، كل ذلك في حدود الحاجة والأدب الإسلامي لا مانع منه، فلا تفريط ولا إفراط.
الأساس الثالث. وضع الكتب المناسبة للمراحل الدراسية.
ويجب أن يتحقق بتلك الكتب أهداف التعليم المذكورة آنفا، بدء بالكتب المعدة للأطفال، وانتهاء بالمراحل الجامعية-الكليات وما فوقها-وتشمل كل العلوم والتخصصات.
ويراعى في إعداد هذه الكتب الأمور الآتية.
الأمر الأول: أن يختار لتأليفها متخصصون في كل علم مؤهلون لذلك قادرون على صياغتها، بأساليب تناسب العصر.
وينبغي تجنب العبارات المعقدة والمصطلحات الصعبة، وبخاصة في المراحل الأولى، مع التقيد باللغة العربية الفصحى، وأن يكون المؤلفون من الصالحين الملتزمين بالإسلام قولا وعملا، ليجتمع في المادة التي يتولون الكتابة فيها العلم الموثق والعاطفة الإيمانية الجياشة المؤثرة.
الأمر الثاني: أن يجمع في المادة المكتوبة بين القواعد والنصوص التي يجب حفظها وفهمها بالشرح والإيضاح، وبين الحوار والأسئلة التي تدرب الطالب على التفكير والاستنباط والاستنتاج والتطبيق.
ولا ينبغي أن يكون الطالب نسخة مكررة للكتاب الذي يحفظه، وهذا الأسلوب يمكن اتباعه في كل المراحل مع مراعاة السن، فالمقصود من التعليم إيجاد عقول تفكر وتبدع وليس مجرد ببغاوات تتلقى وتقلد.
الأمر الثالث: استعمال وسائل الإيضاح المعاصرة التي تمكن الطالب في جميع المراحل-وبخاصة المراحل المبكرة-من فهم المواد الدراسية، لا فرق بين الدينية منها وغير الدينية.
ومن أمثلة وسائل الإيضاح في المواد الدينية ما يأتي:
المثال الأول: توضيح معنى توحيد الربوبية للطفل في المرحلة الابتدائية:
ينبغي أن يكون في الفصل الدراسي شريط(فيديو) يشتمل على صور للكواكب من شمس وقمر ونجوم، وللأرض من جبال وغابات وأنهار وبحار وسحب ورمال… تعرض كلها عندما يقال للطفل: والدليل على توحيد الربوبية: خلق السماوات والأرض والشمس والقمر… ليتصور الطفل هذه الأدلة تصورا واضحا، فإنه لا يتصور ذلك بمجرد الحفظ والتلقين كما هو معروف.
المثال الثاني: توضيح معنى صفة الوضوء، وصفة الصلاة.
ينبغي كذلك أن يوجد شريط(فيديو) في الفصل الدراسي مشتمل على تينك الصفتين، بحيث يتصور الطفل صفة الوضوء وصفة الصلاة تصورا واضحا، ويطلب من بعض الأطفال تطبيق ذلك عمليا أمام زملائهم. وهكذا بقية العلوم.
كما ينبغي أن تكون طريقة المدرس في الشرح والإيضاح طريقة الحوار والسؤال والجواب، وليست طريقة الإلقاء والإملاء باستمرار، لما في الطريقة الأولى من إشراك الطالب وتفاعله مع المدرس والمادة والكتاب، وما في الطريقة الثانية من غفلته وشروده وعدم استيعابه وتصوره للمعاني التي لا يدرك غالبها.
وهكذا ينبغي أن يراعى في تأليف الكتب وإخراجها، ليقضى بذلك على الشكوى المتكررة من عدم فهم الطلاب، بل من الملل الذي يصيبهم في أوقات التدريس، ومن الرغبة في الخروج من المدارس…
الأمر الرابع: أن تكون الصبغة الإسلامية شاملة للكتب الدراسية كلها.
يستوي في ذلك ما يتعلق بالعبادة أو بغيرها، كالمعاملات والحدود والقصاص، وما يتعلق بعلوم الإنسان الأخرى، كعلم النفس وعلم الاجتماع وعلم السياسة وعلم الاقتصاد.
ولا يجوز أن تكون -العلوم الإنسانية-نقلا محضا لأفكار الغربيين ونظرياتهم، وهذا لا يمنع من المقارنة وإيضاح ما بها من أخطاء وإبراز تفوق الإسلام عليها، فإن الكتاب والسنة إنما جاءا لإصلاح النفس البشرية والجماعات والأسر والأفراد والدول، فلا بد أن يكون الكتاب والسنة وما استنبطه منهما علماء الإسلام ومقاصد الشريعة الإسلامية، هي مصدر هذه العلوم ومرجعها، ولا يوجد باب من الأبواب التي يحتاج إليها الإنسان لإصلاح نفسه وعمارة الأرض والقيام بالخلافة فيها، إلا وقد اشتمل عليه الكتاب والسنة وفصله علماء المسلمين قديما وحديثا، في كتب التفسير، وشروح الحديث، وكتب الإيمان "العقائد" والأخلاق، وأصول العلوم، مثل. أصول التفسير وأصول الحديث وأصول الفقه، و الفقه، وغيرها من العلوم... .
ولا يمنع ذلك اطلاع علماء المسلمين على الأفكار والنظريات ة في تلك العلوم، ووزنها بميزان الإسلام، وبيان ما فيها من زيف للطلاب، حتى لا تغزو عقولهم وهي خالية غير محصنة فتتمكن منها، لتقديمها في أساليب مزخرفة.(45/336)
ولا يقتصر هذا الأمر-وهو صبغة الكتب بالصبغة الإسلامية-على ما يسمى بالعلوم الإنسانية فحسب، بل إن العلوم الكونية كالجغرافيا والجيولوجيا وعلم الفلك وعلم الطب ونحوها، ينبغي أن تربط بالإسلام من حيث إن الله تعالى هو خالق هذا الكون وهذا الإنسان، وهو الذي سخر للإنسان ما في السماوات والأرض، ومنحه العقل الذي يتفكر ويتدبر ويستنتج ويزن ويقارن، والأدوات التي بها يستغل خيرات الأرض وبركات السماء، وكلما زاد الإنسان علما بما في الكون زاد إيمانه بالله خالق الكون وشكره له، وكثر تواضعه وأدبه مع ربه وقدره حق قدره، ولا يكون كمن صال وجال في استغلال هذا الكون وما فيه من طاقات ناسيا ربه بل مغرورا بنفسه مدعيا أنه قهر الطبيعة قائلا: {إنما أوتيته على علم عندي}.
وكذلك يجب أن تتضمن الكتب الدراسية توجيه الأجيال إلى السبيل المشروع في استغلال ثمرات العلوم المدروسة، بأن تستعمل في إسعاد البشر وأمنهم واستقرارهم، وليس في ظلمهم وتخويفهم واغتصاب حقوقهم، كما يفعل أعداء الإسلام اليوم، فالمسلم قائد عادل رحيم كريم حازم، لا يستغل ثمرات العلوم إلا فيما هو طاعة لله وإحسان إلى خلقه، وإذا ما قاوم الطغاة الجبابرة وجا هدهم وطاردهم في الأرض، فإنما يفعل ذلك رحمة بالأمم التي يظلمها هؤلاء الطغاة، ويحولون بينها وبين التمتع بالسعادة التي منّ الله بها عليهم، من حفظ الضرورات التي لا حياة لهم بدونها وحفظ مكملاتها.
الأمر الرابع: أن يجتهد مؤلفو الكتب الدراسية في معرفة قواعد العلوم وأسرارها.
وأعني بذلك العلوم الكونية كالرياضيات ونحوها، ويجب أن يجتهدوا كذلك في إيصال تلك القواعد والأسرار إلى عقول الطلاب، حتى لا تكون حكرا على غير المسلمين من أهل الغرب، هم يصنعون ونحن الذين نستهلك فقط، فإن ذلك يجعل الأمة الإسلامية خاضعة لغيرها مستعبدة مقلدة غير مبدعة، كما هو الحال الآن، إذ يأخذ أعداؤهم خيراتهم من أنواع المعادن والمواد الخام بأرخص الإثمان ويصنعونها، ثم يبيعون الرديء من مصنوعاتها لهم بأعلى الأسعار، وبخاصة السلاح الذي تتعطل حركة أي شعب مسلم في وقت شدة الحاجة إليه في أوقات الأزمات العسكرية إذا منعت عنها الدول الغربية قطع الغيار.
الأمر الخامس: أن يهتم العلماء المسلمون بترجمة الكتب العلمية المفيدة التي يكتبها الغربيون في العلوم الكونية أو الإدارية.
إن الواجب على المسلمين أن يستفيدوا من التجارب البشرية التي يحتاجون إليها، ما دامت لا تخالف شيئا من دين الله.
والتجارب البشرية ليست ملكا لأحد، فما من جيل يَخلُف إلا بنى نشاطه على تجارب أجيال تُخلَف. وقد اجتهد سلفنا في ترجمة كثير من الكتب العلمية التي ألفها اليونانيون وغيرهم واستفادوا منها وزادوا عليها وطبقوا نظرياتها في تجارب واقعة، وهي التي كانت مصدرا لحضارة الغرب الحالية باعترافهم، فلم لا نقتدي بسلفنا-فيما نحن في حاجة إليه ولا يخالف ديننا-ونسترد بضاعتنا؟!
الأساس الرابع. إعداد المدرسين والأساتذة المتخصصين.
ويجب إعداد المدرسين والأساتذة المتخصصين وتدريبهم، تدريبا يجعلهم قادرين على القيام بوظائفهم، قياما يخرج أجيالا ذات كفاءات عالية في كل علم من العلوم التي تحتاج إليها الأمة الإسلامية، وإذا أمكن القيام بهذا التدريب في بلدانهم فبها، وإلا اختير منهم المتفوقون دينا وخلقا وعلما ورغبة وقدرة على الاستيعاب، لما يتدربون عليه ثم إفادة أوطانهم إذا رجعوا إليها، فيندبون إلى البلدان التي يتوافر فيها التدريب المطلوب.
ويدخل في هذا إعداد أجهزة إدارية وإشرافية قادرة على إدارة المؤسسات التعليمية، تعين المدرسين والطلاب بتوفير كل ما يحتاجون إليه في أعمال التعليم، ليتفرغ المدرس والطالب لوظيفة التعليم والتعلم، حتى تؤتي هذه الوظيفة ثمارها.
الأساس الخامس. ربط التعليم بالتربية الإسلامية.
يجب تزكية الدارسين بالإيمان والتقوى والعمل الصالح الذي يرضي الله، وغرس الأخلاق الفاضلة في نفوسهم وجعلهم يحققون معنى الاستخلاف الشرعي في الأرض.
وبهذين الركنين-التعليم والتزكية-جاء القرآن الكريم، كما قال تعالى: {هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين} .
فالمقصود من العلم: التربية والتزكية والحكمة، وليس العلم للعلم فقط كما يقال!
-------------
[1]-بل تجاوز الأمر المدنيين إلى أن تولى أزمّة الأمور في كثير من بلدان المسلمين العسكر.(45/337)
[2]-الأصل في التقسيم أن العلم قسمان: فرض عين، وهو ما تعلق بذات كل فرد من أفراد المسلمين، بحيث لا يغني عنه غيره في القيام به… وفرض كفاية، وهو ما لم يتعلق بذات الأفراد، وإنما يتعلق بوجود الفرض نفسه، بحيث يغني في القيام به عن الأمة من يقوم به عنها قياما كافيا، وهذا الفرض قسمان: قسم يتعلق بالمصالح الدينية تعلقا مباشرا، كالجهاد في سبيل الله، والقضاء والفتوى… وقسم يتعلق بمصالح الدنيا، كالصناعة والتجارة… وقد فضلت إفراد هذا القسم وجعله ثالثا، لأنه-مع إثم المسلمين بتركه كالقسم الذي قبله-من الأمور التي يشترك المسلمون وغيرهم في ضرورة القيام بها لأن حياتهم لا تقوم بدونها. ولا مشاحة في الاصطلاحات.
[3]-راجع إحياء علوم الدين (1/16) للغزالي. ومجموع الفتاوى لابن تيمية (28/79-80).
[4]-التفسير الكبير (10/144-146).
[5]-أحكام القرآن (2/210-211).
[6]-أعلام الموقعين عن رب العالمين (1/10).
كتبه
د . عبد الله قادري الأهدل
=============(45/338)
(45/339)
الإيمان هو الأساس- دروس في الإيمان(52-54)
(52)
التحاكم إلى كتاب الله :
إن من صميم الإيمان بكتاب الله، اعتقاد وجوب التحاكم إليه، وعدم جواز تحكيم غيره من قوانين البشر المخالفة له. [أما ما لم يخالف حكم الله، فالأصل فيه الإباحة] والإيمان بوجوب التحاكم إلى كتاب الله يدخل في معنى كلمة التوحيد (لا إله إلا الله)، فالإله المعبود بحق هو الحاكم، ومن أجاز التحاكم إلى غير كتاب الله، فقد أخل بمعنى (لا إله إلا الله)، وذلك من الشرك الأكبر المخرج من ملة الإسلام، وينطبق هذا على جميع الكتب السماوية السابقة التي أنزلها الله على رسله قبل نزول القرآن الكريم،فقد عجب الله تعالى ممن يزعم الإيمان بما أنزل على الرسول وما أنزل من قبله، وهو يريد التحاكم إلى الطاغوت بدلا من التحاكم إلى ما أنزل الله، كما قال تعالى: {ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا}. النساء: 60،61.
ونفى سبحانه الإيمان عمن لم يحكم الرسو صلى الله عليه وسلم في القضايا التي يخاصم فيها، فقال تعالى {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما} النساء: 65. وقد نص الله تعالى على أن من لم يحكم بما أنزل الله فهو كافر، ظالم، فاسق، كما قال تعالى: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون-ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون-ومن لم يحكم بما أنزل الله فألئك هم الفاسقون}. المائدة:44-45،47.
وقد أمر الله رسوله بأن يحكم بين الناس بما أنزل الله وحذره من اتباع أهوائهم، لما في ذلك من فتنته عن بعض ما أنزل الله عليه، وجعل الحكم بغير ما أنزل من حكم الجاهلية، فقال تعالى: {وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك فإن تولوا فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم وإن كثيرا من الناس لفاسقون أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون}. المائدة 49-50
فاعتقاد وجوب التحاكم إلى ما أنزل الله ووجوب الحكم به من صميم الإيمان، وتجويز التحاكم إلى غير ما أنزل الله مما يخالف شرع الله من صميم الكفر، ووجوب الحكم بما أنزل الله فرض، والحكم بغير ما أنزل الله في بعض الجزئيات مع اعتقاد عدم جواز ذلك من الكبائر لأنه كفر عملي، ويجب حمل كلام بعض السلف الذين قالوا: إن الحكم بغير ما أنزل الله كفر دون كفر وظلم دون ظلم وفسق دون فسق، على هذا المعنى، وهو أن يحكم الحاكم الذي يؤمن بوجوب الحكم بما أنزل الله، في بعض القضايا بغير شرع الله، بسبب قرابة أو أخذ رشوة، أو ما أشبه ذلك أما من حكم بغير ما أنزل الله، ولو في قضية واحدة، معتقدا أن ذلك جائز فهو كافر كفرا أكبر مخلد في نار جهنم. [راجع الجامع لأحكام القرآن: 0 6/190) للقرطبي]
قال ابن القيم، رحمه الله: (والصحيح أن الحكم بغير ما أنزل الله يتناول الكفرين، الأصغر والأكبر بحسب حال الحاكم، فإنه إن اعتقد وجوب الحكم بما أنزل الله في هذه الواقعة، وعدل عنه عصيانا، مع اعترافه بأنه مستحق للعقوبة، فهذا كفر أصغر، وإن اعتقد إنه غير واجب وأنه مخير فيه، مع تيقنه أنه حكم الله [كما يفعله من يسمون بالمشرعين في هذا العصر]، فهذا كفر أكبر، وإن جهله وأخطأه، فهذا مخطئ له حكم المخطئين) [مدا رج السالكين: (1/336)]الإيمان دروس في الإيمان- الدعوة إلى العمل بالقرآن لتكثر أنصاره (52)
إ ن المبادئ لا تثبت، ولا تبقى إلا إذا حملها رجال يفقهونها، ويحمونها، ويدعون إليها ويظهرون محاسنها، ويقيمون البرهان على أنها صالحة للتطبيق، وجرت العادة أن أصحاب كل مبدأ يرغبون في نشر مبدأهم، وتكثير سوادهم، بدعوة غيرهم إلى الإيمان بمبدئهم والعمل به، والانضمام إليهم في دعمه ونصره ولو التفت يمنة ويسرة اليوم، لوجدت هذه القاعدة مطبقة لدى أهل كل مبدأ من يهود، ونصارى، وملحدين، و هندوس، وبوذيين، وغيرهم.(45/340)
فاليهود يدعون إلى مبادئهم التي تكثر سوادهم [اليهود ليسوا نشطين في الدعوة إلى الدخول في اليهودية، مثل النصارى، ولكنهم وضعوا لهم مبادئ وكونوا لها أحزابا تخدم مصالحهم، و تدمر مصالح الأمم والشعوب الأخرى،ويقتنصون للانضمام إلى تلك الأحزاب، كبار ساسة البلدان وأغنيائها، ويغرونهم بالشهوات: شهوات المناصب وشهوات الفسق، ويوقعونهم في حبائلهم، ويسجلونها بوثائق لا يقدرون على إنكارها، ويرهبونهم بها وبغيرها مما قد يصل إلى الاغتيال والقتل إن هم تقاعسوا عن تنفيذ أوامرهم، وهذا يفسر للمتأمل مسارعة كثير من حكام الشعوب الإسلامية وغيرها إلى موالاتهم، ومناصر تهم بالطرق المباشرة أو غير المباشرة]، والنصارى-على اختلاف فرقهم ومذاهبهم-مجدون غاية الجد في الدعوة إلى دينهم المحرف، وبخاصة في البلدان الإسلامية التي يرغبون في تنصير أهلها أكثر من تنصير غير المسلمين حسدا منهم لهذا الدين ونكاية بأهله. والشيوعيون الملاحدة يتخذون كل الوسائل الممكنة لنشر إلحادهم-وبخاصة بين المسلمين-ولو اقتضى الأمر منهم الغزو العسكري لإجبار الشعوب وإكراهها على إعلان الإلحاد وتطبيقه في حياة الناس، ومن الأمثلة الواضحة على ذلك احتلال الملحدين الروس الشعب الأفغاني بقوة الحديد والنار وتدمير البلاد والعيث فيها فسادا، وحصد مليون ونصف المليون من المسلمين، غير الجرحى والمعاقين والأرامل واليتامى والشقاق الذي خلفوه، بعد خروجهم-هذا مع مخالفة الإلحاد للفطر والعقول والأديان السماوية والأرضية. [ هذا، ومع أن دولتهم التي قامت على الإلحاد قد انهارت، وذهب بريق الإلحاد الذي كانوا يزينونه لعمي البصائر، فإنه لا يزال للإلحاد أنصاره في دوله المفككة، و بعض زعماء المسلمين في تلك البلدان لازالوا يحاربون الإسلام والمسلمين الذين يدعون إلى التمسك به] والوثنيون لا يألون جهدا في نشر وثنيتهم ومحاربة دين الإسلام، كما هو شأن الهندوس والبرماويين.
وهكذا يصنع أرباب السياسة والاقتصاد، يكرسون جهودهم لنشر مذاهبهم السياسية والاقتصادية، وتزيينها وحشد الدول والشعوب لتأييدها، يظهر ذلك في الدول الغربية-الولايات المتحدة الأمريكية وأوربا،التي نادت بالحرية المطلقة أولا، ثم اضطرت لإدخال مئات القيود عليها، فهم يتخذون كافة الوسائل لنشر مبادئهم، حتى لو اقتضى الأمر التدخل في حرية الشعوب، وإجبارها على التخلي عن رغباتها وعن تطبيق دينها، واختيار حكامها، الذي هو حق لها في مبادئ أولئك المتسلطين المنادين بالديمقراطية وحقوق الإنسان، وإذا لم ينجحوا في التدخل غير المباشر ولم يجد إلا استعمال القوة لم يتورعوا عن استعمالها باختلاق الحيل والذرائع الكاذبة،والأمثلة على ذلك معروفة لا تخفى على أحد [كما هو الحال في الجزائر، وغيرها].
هذا، مع أن كل تلك المبادئ والأديان لا يوجد منها دين أو مبدأ صالح ليكون منهجا لحياة البشر، يحقق لهم السعادة في الأرض، بدليل ما تعانيه البشرية اليوم، من محن وكوارث وقلق واضطراب وحروب وظلم وعدوان، مع كثرة المؤسسات العالمية: السياسية، والثقافية والاجتماعية والعسكرية-كما هو الشأن في ما يسمى بهيئة الأمم المتحدة ومجلس أمنها، وغيرها من المؤسسات المنتشرة في الأرض-.
(53)
أضاعوني وأي فتى أضاعوا؟!
فأين أهل الدين الحق الذي أنزل الله به هذا القرآن ليكون دين العالمين كلهم: {تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا}. الفرقان: 1.
{وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين}. الأنبياء: 107.
إنه المنهج الحق المحفوظ الصالح لأن يكون منهجا للبشر مهما اختلفت ثقافاتهم وارتقت معارفهم، وهو وحده الذي يحقق السعادة للناس في الأرض، إن هم آمنوا به واتبعوه، ولقد قضى رسول ا صلى الله عليه وسلم عمره كله-بعد بعثته-داعيا إلى الإيمان بهذا القرآن، والعمل به، ممتثلا في ذلك أمر ربه الذي قال له: {يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته} المائدة:67.
وقال:{ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن}. النحل: 125.
فبلغ r بنفسه مباشرة من استطاع الوصول إليه، وبعث بالرسائل إلى ملوك العالم يدعوهم فيها إلى الله، كما بعث الدعاة إلى الأقطار يبلغون عنه رسالة الله، وتبعه على ذلك أصحابه من بعده وتابعوهم بإحسان، وكان الخلفاء الراشدون يقتدون بالرسو صلى الله عليه وسلم في تبليغ الملوك والزعماء دين الله وجاهدوا في الله حق جهاده حتى بلغ الإسلام مشارق الأرض ومغاربها في برهة قصيرة من الزمن، ممتثلين في ذلك قول الحق جل جلاله: {قل هذه سبيلي أعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني}. يوسف: 108.(45/341)
وكان من أثر ذلك أن انتشر هذا الدين وكثر أنصاره وقادت الأمة الإسلامية أمم الأرض إلى رحاب الله، وأسعدتها بدينه، وما فيه من عدل وسماحة ونظافة، ولكن الأمة الإسلامية أخذت تبتعد عن هذا القرآن قليلا قليلا فضعف إيمان كثير من أبنائها وقل عملهم به، وفترت دعوتهم إليه، فخف وزن الأمة، وقاد قافلتها من ليس أهلا لقيادتها إلى غير قبلتها، وحارب دعاة الباطل من أبنائها دعاة الحق منهم، فسلط الله بعضهم على بعض، وأغرى بينهم العداوة والبغضاء، كما فعل بمن سبقهم ممن انحرفوا عن منهج الله.
قال تعالى: {ومن الذين قالوا إنا نصارى أخذنا ميثاقهم، فنسوا حظا مما ذكروا به فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة وسينبئهم الله بما كانوا يصنعون}. المائدة: 14.
فخسرت بذلك الأمة الإسلامية حريتها ومجدها، وخسرت بخسارتها أمم الأرض كلها [وقد ألف في هذا المعنى الأستاذ أبو الحسن علي الندوي كتابا، سماه: (ما ذا خسر العالم بانحطاط المسلمين)]. وشكوى رسول الله إلى ربه تلاحق هذه الأمة في كل وقت تهجر فيه هذا القرآن والعمل به والدعوة إليه: {وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا}. الفرقان: 30.
ولكأن القرآن يردد على مسامع هذه الأمة:
أضاعوني وأي فتى أضاعوا *** ليوم كريهة وسداد ثغر
(54)
حجة قائمة
ومع هذا الضعف وهذا الفتور في هذه الأمة، فقد أبقى الله فيها من يقيم عليها وعلى غيرها حجته، من علماء الإسلام ودعاته ومفكر يه، فلم يخل جيل من الأجيال من قائم لله بأمر الله، علما وعملا ودعوة، تحقيقا لقول الرسو صلى الله عليه وسلم ، كما في حديث المغيرة بن شعبة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال: (لا يزال طائفة من أمتي ظاهرين حتى يأتيهم أمر الله وهم ظاهرون) [البخاري: (8-149)] وكما في حديث جابر رضي الله عنه يقول: سمعت صلى الله عليه وسلم يقول: (لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة. قال: فينزل عيسى بن مريم r، فيقول أميرهم: تعال صل لنا، فيقول: لا، إن بعضكم على بعض أمراء، تكرمة الله هذه الأمة). [مسلم: (1-137)]
حرب ظالمة:
ولكن الطغاة الذين يحاربون حكم الله وشريعته، والدعوة إليه كانوا للدعاة إلى الله بالمرصاد، منعا لهم من قول كلمة الحق، وطردا وسجنا وتعذيبا وقتلا لمن صبر واحتسب وأصر على القيام بواجب الدعوة إلى الله تعالى، وهذا أمر معروف في غالب الشعوب الإسلامية. [هنا قد يشكل على بعض الناس ما يلاقيه هؤلاء الدعاة من أذى، مع الوعد الذي جاء على لسان الرسو صلى الله عليه وسلم للطائفة التي قا صلى الله عليه وسلم فيها: (إنهم لا يضرهم من خذلهم أو خالفهم.) إلخ
والجواب: أن بقاء هذه الطائفة صابرة على أذى الطغاة الذين بيدهم القوة والسلطة،وهم يجندون كل شيء ضد أولئك الدعاة الذين لا يملكون شيئا يدفعون به عن أنفسهم، ولا يجدون نصيرا من البشر، ولا يستطيع أن يثنيهم الجبارون عن دعوتهم التي لولا توفيق الله لهم بالقيام بها لخلت الأرض من مبلغ للحق ، إن ذلك الصبر وبقاء البلاغ بالحق مستمرا إلى يوم القيامة، هو في الحقيقة نصر كبير، والضرر الذي يلحقهم بجانب ذلك النصر ليس بشيء. فالمبدأ هنا هو المنتصر ونصره نصر لأهله ولو أوذوا ا يضاف إلى ذلك أن هؤلاء الدعاة تثمر دعوتهم ثمرات هائلة بسب إيذائهم أو قتلهم، وذلك نصر لهم، ونحن نشاهد انتشار أفكار هؤلاء الدعاة ودعوتهم واتباع الناس لهم بعد تعذيبهم أو قتلهم ما لم يكن ذلك متوقعا قبل ما حصل لهم](45/342)
ولقد حقق قادة الشعوب الإسلامية الذين حاربوا الدعوة الإسلامية الصافية التي تمنح الناس العبودية لله وحده، وتحررهم من عبودية الطواغيت، ما كان يتمنى أعداء الإسلام من اليهود والنصارى وغيرهم وقوعه في العالم الإسلامي، ولم يكونوا يجرؤن عندما استعمروا البلدان الإسلامية-برغم كل ما فعلوا من فساد فيها-على التفكير فيما نفذه تلاميذهم المنتسبون إلى المسلمين، لم تفكر الدول الأوربية في كل البلدان الإسلامية التي استعمرتها في إلغاء الأذان من المساجد باللغة العربية واستبدال لغة أخرى بها، ولكن هذا ما فعله كمال أتاتورك في مآذن مساجد تركيا عندما تولى الحكم فيها. [لا حاجة لضرب الأمثلة ويمكن مراجعة بعض الكتب التي تعرضت لهذه الموضوعات، وهي كثيرة جدا. مثل كتاب الاتجاهات الوطنية في الأدب المعاصر، للدكتور محمد محمد حسين] فكان من أثر ذلك قلة المسلمين كيفا وإن كثروا كما، كثرة نسبية. وقلة عدد المسلمين-كما وكيفا- [وهذا ما يفسر لنا سعيهم المتواصل إلى تحديد النسل في البلدان الإسلامية، وكذلك تحريشهم بين الشعوب الإسلامية بوسائل شتى وإيقاد نار العداوة وإشعال الحروب بينهم حتى يقتل بعضهم بعضا، كما حصل بين العراق وإيران، وقد يفتعلون هم ما يتذرعون به لغزو بلاد المسلمين ليحصد وهم بأسلحة الدمار، كما حصل في أفغانستان، وكما يحصل الآن في البوسنة والهرسك والشيشان، وكما يحصل في الهند بين آونة وأخرى] من مقاصد أعداء الإسلام، حتى تسهل لهم السيطرة عليهم وعلى مواردهم، فإن لم يتمكنوا من تقليلهم كما وكيفا، سعوا إلى تقليلهم كيفا، وذلك عن طريق إضعاف إيمانهم وصلتهم بربهم، وتمسكهم بدينهم، وعدم وعيهم بما يحيكون ضدهم من مؤامرات، وهذا ما حققه لهم طغاة المسلمين مما لم يكونوا يقدرون هم على تحقيقه بأنفسهم
كتبه
د . عبد الله قادري الأهدل
=============(45/343)
(45/344)
ثالثا: إخراج الناس من الظلمات إلى النور.
إن أهل الباطل عندهم بصر مادي-ينظرون به فيرون ما تمكن رؤيته من الكون العلوي والسفلي، بل وصلوا إلى رؤية ما لم يكن في الحسبان رؤيته من دقائق الأمور، وما بَعُدَ في هذا الكون، عن طريق ما صنعوا من آلات مكبرة ومقربة، وعن طريق الصواريخ والأقمار الصناعية التي غزوا بها-كما يقولون-الفضاء، ولا زالوا يطورونها.
وأما الأرض وبعض طبقاتها فقد مسحوا كثيرا منها ولا زالوا يمسحون ويطلعون فيها على أسرار خطيرة-غير الأسرار الطبيعية-[ ومنها الأسرار العسكرية.] لا يعرفها كثير من مسئولي البلدان التي هي فيها.
ومع هذا كله فإن أهل الباطل عميٌ يتخبطون في دياجير ظلمات الكفر والجهل-وإن سموا علماء، وأصبح هذا المصطلح "علماء" يغلب عليهم عند عامة المثقفين في الأرض-.
وهم علماء فعلا في تخصصاتهم التي مكنتهم من علم بعض ظواهر الحياة الدنيا، كما قال تعالى نافيا عنهم حقيقة العلم الذي ينفعهم وينفع أممهم في الحياة الدنيا والآخرة، ومثبتا لهم ما حازوه من علم بعض من ظاهر الحياة الدنيا: ((وعد الله لا يخلف الله وعده ولكن أكثر الناس لا يعلمون، يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون)). [الروم: 6، 7]
فأهل الباطل هؤلاء-وغيرهم-يعيشون في ظلمات-وإن ملأ الغرور أدمغتهم والكبرُ قلوبَهم بما وصلوا إليه من العلم المادي-وهم في حاجة إلى من ينبههم من غفلتهم ويخرجهم من الظلمات: ظلمات الكفر والجهل بالخالق وبالغيب الذي يجب الإيمان به، وبشرع الله ووحيه ورسله، ومنهج الحياة الذي يسعدهم في دنياهم وأخراهم، إذا ما طبقوه في حياتهم.
قال تعالى: ((الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور، والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات)). [البقرة: 257]
والله تعالى يخرج الناس من الظلمات إلى النور بوحيه، عن طريق رسله واتباعهم الذين يبينون للناس الحق والباطل ويدعونهم إلى الحق وينهونهم عن الباطل، كما قال تعالى: ((الر. كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد)). [إبراهيم:1]
وقال تعالى: ((ولقد أرسلنا موسى بآياتنا أن أخرج قومك من الظلمات إلى النور..)).[ إبراهيم: 5]
وقال تعالى: ((رسولا يتلو عليكم آيات الله مبينات ليخرج الذين آمنوا وعملوا الصالحات من الظلمات إلى النور)). [الطلاق: 11]
وتخصيص المؤمنين بالإخراج من الظلمات إلى النور مبني على كونهم هم المنتفعين الذين يستجيبون لأمر الله ودعوة رسله، فيخرجون فعلا من الظلمات إلى النور، كتخصيص كون القرآن هدى للمتقين في مثل قوله تعالى في كتابه العزيز: ((ألم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين...)).[ البقرة: 2]
مع أن كتاب الله هدى لجميع الناس لو أرادوا الهداية، ولكنه خصّ المتقين لكونهم المنتفعين به، والرسالات جاءت لإخراج الناس كلهم من الظلمات إلى النور.
وقد يقول قائل مبهور بالاكتشافات العلمية المعاصرة، وما وصل إليه رواد الحضارة الغربية المادية: كيف يكون الناس في ظلمات، وبخاصة أهل الغرب الذين ذللوا بعلمهم واكتشافاتهم الصعاب فحولوا الظلام الدامس إلى أنوار تتلألأ في المدن والقرى والأرياف، وقربوا البعيد في الأسفار وحمل الأثقال، والتخاطب بالأصوات والرسائل المكتوبة (بالفاكس والتلكس وغيرها..) والصورة عن طريق التلفاز والأقمار الصناعية، وحولوا وجه القمر الجميل -الذي كان الشعراء والأدباء يتغزلون بوجهه الصبيح، مشبهين به الغانيات من النساء -إلى مطار يهبطون فيه ويصعدون، وأصبحت الكواكب البعيدة هدفا لاكتشافاتهم تتوالى صورها المنقولة بوساطة الآلات الفضائية التي تسير من الأرض، بحيث تُؤمَر وتُنهَى-على بعد المسافة بينها وبين من يأمرها وينهاها-فتستجيب للأمر والنهي، وامتلأت الأرض بآثار حضارتهم، من طائرات وسيارات وقطارات وسفن بحرية، أصبحت مدنا متنقلة فيها كل ما يبتغيه الإنسان في المدن الكبرى، وأصبحت الأرض بالمواصلات الحديثة شبيهة بقرية صغير يتواصل الناس فيها في كل لحظة من لحظات الزمن-وبخاصة بتلك الوسيلة المدهشة: الشبكة العالمية "الإنترنت" وشيدت ناطحات السحاب ذات المرافق المريحة المدهشة، ووجد الإنسان الآلي الذي أصبح يجري العمليات الجراحية، والكمبيوتر الذي عجز العقل الإنساني الذي صنعه عن مجاراته، ووجدت صواريخ تعبر القارات وأسلحة حرب النجوم، وأصبحت طبقات الأرض عاجزة عن ستر ما في طبقاته عن أقمار التجسس، وأصبح الإنسان يُصنَع في أنابيب، وتمكن الأطباء من زرع الأعضاء في الأجسام لتحل محل أعضاء أخرى.. [وأخيرا وصلوا إلى الاستنساخ الحيواني وغيره...]الخ.؟؟!!
أهذا الإنسان العصري الذي وصل إلى هذه الدرجة من العلم، هو في ظلمات يحتاج إلى إخراج منها إلى نور؟!
ما الظلمات التي هو فيها الآن؟ وهو بهذه الحال؟
وما النور الذي سيخرج إليه؟(45/345)
أهو الرجوع إلى سراج الزيت؟ والسفر على البغال والحمير والجمال؟ والسكنى في الكهوف، وبيوت القش وجلود الأنعام والخيام؟ وبصفة عامة إحياء الرجعية والتأخر والجمود وكبت الحريات ونسف الديمقراطيات التي نعم بها الغرب بعد جهد ونضال مريرين، وإعادة المرأة إلى مخدعها لا ترى أحدا ولا يراها أحد؟!
والإجابة عن هذا السؤال تطول، ولكن تعال معي أيها القارئ! لنتأمل قليلا في أحوال الناس في هذا العصر الذي وصف السؤال قدرا ضئيلا من تقدمه المادي، لنرى إن كان أولئك الناس الذين هذه صفتهم في ظلمات محتاجين إلى من يخرجهم منها إلى نور أو لا؟!
أمثلة لحياة القوم-المتحضرين-في بعض المجالات:
المجال الأول: الحياة الإيمانية:
قلت في آخر الحلقة السابقة، إجابة على تساؤلات قد تدور في ذهن القارئ: كيف يكون الإنسان المتحضر في هذا العصر في ظلمات، يحتاج إلى من يخرجه من الظلمات إلى النور؟: والإجابة عن هذا السؤال تطول، ولكن تعال معي أيها القارئ! لنتأمل قليلا في أحوال الناس في هذا العصر الذي وصف السؤال قدرا ضئيلا من تقدمه المادي، لنرى إن كان أولئك الناس الذين هذه صفتهم في ظلمات محتاجين إلى من يخرجهم منها إلى نور أو لا؟!
إن المتأمل في الحياة الإيمانية لأولئك المتحضرين يجدهم يؤمنون بكل شيء مادي يدخل في نطاق علمهم الدنيوي الظاهر، وكثير منهم لا يؤمنون الإيمان الحق، وهو الإيمان بالغيب، ومنه الإيمان بالخالق الإله المعبود.
فالذين يسمون بأهل الكتاب، من يدعي منهم أنه يؤمن بالله لا يؤمن به في الحقيقة، وإنما يؤمن بآلهة متعددة: الله، الابن، روح القدس، ويسمون الثلاثة إلها واحدا، مما جعل بعض الأطفال في مدارس الغرب يتساءلون: كيف يكون الثلاثة، واحدا ونحن ندرس في الرياضيات أن ضرب الثلاثة في واحد يساوي ثلاثة؟! فلا يجدون من القسس والرهبان جوابا، فينصرفون عن الدين إلى الإلحاد، ولهذا تجد كثيرا ممن يسمون بالنصارى ملحدين لا يؤمنون بإله.
وتجد دولا كبيرة قامت في الأرض على الإلحاد الصريح الذي ينكر وجود الخالق-أصلا-مع أن كل ذرة في الكون تصرخ في وجوههم وتحتج وتثبت أن الله الخالق موجود، بل وتدل على أنه المعبود الحق سبحانه وتعالى.
وإن العقل الذي لا يقر صاحبه بذلك إنما يشهد عليه بأنه أحط من أحقر الحيوانات.
وتجد وثنيين قد ملئوا جوانب كثيرة من الأرض يقدسون كل مخلوق ويعبدونه من دون الله، كالبقر والنار والشجر والحيوان والنهر، بل حتى الفرج، وتجد كبار فلاسفتهم يعيشون مع الكلاب والقطط والدجاج، في الغابات يعبدون غير الله، ويُعبَدون هم من دون الله.
وكنت أظن أن هؤلاء الوثنيين مثل وثنيي العرب الذين كانوا يعبدون الأوثان لتقربهم إلى الله، ولكني وجدتهم ينكرون إنكارا شديدا أن يكون هناك رب خلق هذا الكون، وهم في ذلك كالشيوعيين الملحدين ولا يختلفون عنهم إلا بأنهم يعبدون المخلوقات عبادة صريحة واضحة.
بل إنك لتجد جمهرة من المسلمين يعبدون القبور ويطوفون بها ويتمسحون بترابها ويدعون أهلها من دون الله!
وتجد كثيرا من أبناء المسلمين ملحدين لا يؤمنون بالله ورسوله واليوم الآخر، متبعين في ذلك ماركس ولينين وغيرهما.
نعم انهارت الدول الإلحادية ولكن الإلحاد ما زال موجودا.
والذي لا يؤمن بالله لا يؤمن بالغيب الذي جاءت به الرسل ونزلت به الكتب، فلا يؤمن بوحي ولا رسالة ولا كتب-وآخر تلك الكتب والمهيمن عليها القرآن الكريم-،ولا برزخ ولا بعث ولا حشر ولا حساب ولا صراط ولا ميزان ولا جنة ولا نار ولا ملائكة، لا شيء غير عالم الشهود.
فهل ترى أمثال هؤلاء الذي هذه حياتهم في مجال الإيمان يعيشون في نور أو ظلمات؟!
وفقد الإيمان بالغيب يكفي وحده للدلالة على أن صاحبه في ظلمات، وكل خير مفقود هو أثر لفقد هذا المجال.
المجال الثاني: الحياة الاجتماعية.
الحياة الأسرية هي نواة الحياة الاجتماعية في كل الأمم، فإذا ما قامت الحياة الأسرية على أساس متين في علاقات بعض أفرادها ببعض، ابتداء من الزوجين الذين يكون الزواج سكنا لهما وراحة وطمأنينة، بحيث يختار كل منهما صاحبه على أساس الدين الذي لا تستقيم الحياة الزوجية، ولا يحصل السكن لكل من الزوجين وثقة كل منهما بصاحبه إلا به، وقد يكون في بعض الأديان الباطلة شيء من الوصايا والآداب الزوجية، ولكنها لا تقوم على تقوى الله والخوف منه والرغبة في ثوابه، ولا تكون بذلك مطبقة في الواقع، وبخاصة عندما يكون الهدف من الزواج لكل من الزوجين المتعة المادية فحسب أو الكسب المادي، كطمع كل منهما في مال الآخر ونحو ذلك-أي عندما تطغى الأنانية والأثرة.
وهذا ما هو حاصل اليوم في خضم الحضارة المادية.
لذلك تجد الصراع والشقاق بين الأزواج وكثرة الطلاق وتشرد الأولاد، وانتشار الأمراض النفسية، وتعاطي الكحول والمخدرات والإدمان عليها، وفقد كل من الزوجين ثقته في الآخر، وانبنى على ذلك ما لا يحصى من الآثار الخطيرة.
من ذلك العزوف عن الزواج للتخلص من الارتباطات القانونية وتحمل مشقات تربية الأولاد-ماديا-وأصبح الآدميون يعيشون كما تعيش البهائم.(45/346)
بل إن الزوج يرى امرأته وهي ترافق غيره، والمرأة ترى زوجها وهو يرافق غيرها، وقد يتآمر أحد الزوجين وعشيقه على الآخر، فيقتلانه ليتخلصا منه ويعيشا عيشة الحيوان برهة من الزمن، ثم يستبدل كل منهما بقرينه قرينا آخر.
وقد تنجب هذه المرأة أولادا فينسبون إلى زوجها وهو يعلم أنهم ليسوا بأولاده، كما لا توجد ثقة عند الأبناء بأن هذا هو أبوهم.
ولهذا يحاول كل من الآباء والأبناء تخلص بعضهم من بعض إما بالقانون-إذا أمكن-أو بالاعتداء على الحياة فإذا ما بلغ الولد-ذكرا أو أنثى-السن القانونية وكان والده يكره حياته معه، طرده من بيته إلى غير رجعة وليصادف في حياته ما يصادف، وإذا كان الولد يكره الحياة مع والديه أو أحدهما غادر المنزل وقد لا يلتقيهم بعد ذلك في هذه الحياة، وقد يقتل أحدهما الآخر، وكم من شيخ فان مات في منزله فلم يعلم بموته أولاده، وهم في مدينته أو حارته أو عمارته أو في مكان آخر؟! فلا يُعرف موته إلا برائحة جثته عندما تتخلل شقوق الأبواب والنوافذ فتنبه الجيران ليستدعوا الشرطة لتريحهم من تلك الرائحة.
ولعدم ثقة كل من الزوجين في صاحبه وعدم ثقة الآباء في نسبة الأولاد إليهم، وعدم ثقة الأبناء في أن أولئك آباؤهم، ترى الغني الثري يقف ماله بعد موته على حيوانات أو غيرها، فرارا من أن يحوزها من لا يثق بنسبته إليه.
هذه بعض أحوال الأسرة التي هي نواة المجتمع، فكيف يا ترى يكون المجتمع المكون من هذه الأسر؟
كيف تكون الروابط بين أسرة الزوج وأسرة الزوجة؟ وكيف تكون الروابط بين الجيران؟ وكيف تكون الروابط بين الإخوان والأعمام والعمات والأخوال والخالات والأقارب الآخرين، إذا كانت تلك هي الروابط بين الأزواج والأبناء؟
هذا في الأقارب فما شأن الأباعد؟
إنه الدمار الذي يحطم الروابط المادية التي لا أساس لها من دين أو خلق، فلا يرحم قوي ضعيفا ولا يحترم صغير كبيرا.
فهل ترى أمثال هؤلاء الذين هذه حياتهم في المجال الاجتماعي يعيشون في نور أو ظلمات؟!
المجال الثالث: الحياة الاقتصادية.
والاقتصاد عند المتحضرين هو محور التنافس وميدان الصراع، يحطم القوي فيه الضعيف، وتقف وراءه حفنة قليلة من البشر تمتص به عرق العالم ودماءه: عصابة يقبع أفرادها في مكاتبهم ويقعدون على كراسيهم، ويديرون الاقتصاد العالمي كله بمكالمات هاتفية أو رسائل تلكس أو فاكس، أو بريد إلكتروني، يتلاعبون بأسعار النقد وأسعار السلع ويحطمون اقتصاد دول وشعوب، وتبتلع شركاتٌ كبرى شركاتٍ صغرى، سلاحهم الأساسي في كل ذلك الربا الذي دمر العالم وحطمه.
ينبني على هذا الجشع والاستغلال والتلاعب، أن يكدح البشر في العالم ويبذل غاية طاقته في العمل من أجل أن تقطف ثمار عمله تلك العصابة المرابية، فتكون الدول والشعوب أسيرة لتلك العصابة، تأخذ منها أقصى جهدها، وتعطيها ما لا يقيم ضرورتها من المعيشة.
وبتمكن تلك العصابة الشريرة من السيطرة الاقتصادية واحتوائها للمال ومرافقه، أصبحت تسيطر على مرافق العالم من الإعلام بكل وسائله من الصحيفة إلى القمر الصناعي وما يتصل به، تخدمها الوكالات الإعلامية الكبرى التي تنشئها أو تشتريها بالمال والجاه والمنصب وإشباع الغرائز.
وبذلك تحتكر المعلومات وتسرب منها ما تريد وتحتفظ بما تريد، وتأتي التحليلات والتحقيقات متمشية مع مقاصدها، و كثيرا ما تُقلب فيها الحقائق وتُضلل بذلك الأمم والشعوب، و تخدمها أجهزة الإعلام في الدول المستضعفة، لأنها تتلقى مادتها الإعلامية من و كالاتها، فتنتشر بين الناس معلومات مضللة في كل المجالات، ولا يتنبه لذلك إلا قلة من الناس لا حيلة عندهم في كشف ذلك وفضحه، بدون وسيلة إعلامية أمام تيار الوكالات المسيرة بذلك الاقتصاد، وسيأتي الكلام على مجالات أخرى للاقتصاد ودوره الفعال في التأثير عليها.
ومع الثراء الفاحش الذي تجمع في أيدي تلك العصابة، تجد الفقر المدقع قد أنهك مجموعات من البشر في جميع الدول بما فيها الدول المتحضرة (ماديا) يفترشون الأرض ويلتحفون السماء، يتسكعون في الشوارع، لا يجدون من يشفق عليهم أو يرحمهم من أولئك الأثرياء، لا بصدقة ولا بوظيفة ولا بقرض حسن، فكثرت بسبب ذلك البطالة، لتسريح أولئك الأثرياء أعدادا هائلة من العمال، وبخاصة بعد أن حلت الآلة محل البشر، والذي يبقى في عمله من الضعفاء، لا ينال من أجره إلا ما يجود عليه به الثري الذي يستغل أقصى جهده في العمل، ولا يعطيه من الأجر إلا أقل القليل مما يستحق.
وهنا يأتي دور نقابات العمال التي تقوم بالمظاهرات وتلجأ إلى الاعتصام، وتتوقف في بعض المؤسسات الأعمال، حتى يتم التفاهم مع رب العمل والعمال فيعود العمل لفترة زمنية، و يتكرر النزاع بعدها من جديد.
وحدِّثْ عن الجوع الذي يقتل شعوبا بأكملها، والكوارث التي تقضي على بلدان كثيرة، فلا تجد من عصابات الثراء عونا ولا إسعافا، وبخاصة إذا كانت تلك الشعوب غير مرضي عنها لأمر من الأمور.(45/347)
واليوم ظهر خوف الشعوب ذات الحضارة المادية المتقدمة-وكيف بغيرها؟- مما سمي بالعو لمة، التي حقيقتها سيطرة الأقوياء على الضعفاء في كل المجالات: الاقتصادية، والسياسية، والاجتماعية، والثقافية، والعسكرية، والإعلامية، وجعل الشعوب الضعيفة أشد ضعفا، تقضي فيها الدول القوية على كل مقوماتها، بل تقضي على سيادتها، وتصبح الدول القوية تتحكم في كل شأن من شؤون حياتها.
فهل ترى أمثال هؤلاء الذين هذه حياتهم في المجال الاقتصادي يعيشون في نور أو ظلمات؟!
وإنما أغفلت ذكر المعسكر الشيوعي والاشتراكي-وإن كان موجودا في الصين الشعبية بصفة خاصة، ومحافظا على فلسفته الشيوعية التي تجعل الشعب كله خادما بلقمة عيشه ومسكنه الجماعي لا يملك لنفسه شيئا-لأن هذا المعسكر قد قضي بنفسه على نفسه لمخالفة نهجه الفطرة والناموس مخالفة واضحة، وهو في طريقه إلى الزوال كما حصل لما كان يسمى بالاتحاد السوفيتي. وهاهي الصين اليوم تعلن تخليها عن نهجها الاقتصادي الشيوعي، وتأخذ بالنهج الرأسمالي، وإن زعمت أنها لا تزال على شيوعيتها...
المجال الرابع: الحياة السياسية.
الحياة السياسية في العالم الذي يقال عنه: إنه متحضر-تقوم كغيرها على أساس إبعاد منهج الله تعالى عن تسيير حياة البشر، وإحلال المناهج البشرية محله، وهو ما اشتهر بالعلمانية، والعالم الغربي منطقي مع نفسه في ذلك، بالنسبة للديانة النصرانية المحرفة.
فالإنجيل الذي بأيديهم ليس فيه ما يمكن أن يستند عليه في التشريع والسياسة والاقتصاد والاجتماع والقضاء وغيرها، حتى يقال للنصارى: احكموا بالإنجيل في سياستكم .
وأمر الله أهل الإنجيل أن يحكموا بما فيه، وكذا أمر أهل التوراة أن يحكموا بما فيها، المراد منه الاعتراف والإقرار برسالة الرسو صلى الله عليه وسلم التي وردت في الكتابين، وأنكرها اليهود والنصارى وكتموها، وليس المراد الحكم بكل ما فيهما بعد نزول القرآن الذي هو المهيمن على جميع الكتب السماوية، وقد بين ذلك المفسرون...
وأهل الغرب ليس عندهم-وخاصة ساستهم-استعداد لقبول تحكيم الإسلام حتى يبنوا حياتهم السياسية على مبادئه-لا سيما أن المسلمين أنفسهم لا يحكمون الإسلام في أغلب بلدانهم، فكيف يرجى من غيرهم أن يحكم به وهم بعيدون منه؟!.
لذلك قامت الحياة السياسية في الغرب-أوربا وأمريكا الشمالية وما دار في فلكها من البلدان، كاستراليا واليابان-على مبدأ الديمقراطية التي يقال عنها: إن الشعب يحكم نفسه بنفسه إما بصفة مباشرة-وهذه حلم لم يتحقق إلى الآن-أو عن طريق نوابه الذين يختارهم، والأسلوب الذي تدار به السياسة في الغرب أسلوب جذاب في ظاهره وبخاصة إذا قورن بالسياسة الاستبدادية " الدكتاتورية " التي اتبعها المعسكر الاشتراكي والدول المسماة بالعالم الثالث. فإن الشعب في الغرب يختار نوابه ويختار قادته بدون شراء الأصوات مباشرة وبدون تزوير واضح، وبدون مضايقة شرطية "بوليسية" يتنافس الزعماء الذين يرشحون أنفسهم لقيادة بلدانهم، فإذا اختير أحدهم سلم السابق الحكم للاحق بدون أي عناء أو مشقة، وهكذا تتداول الأحزاب الحكم بطريقة سلمية-بخلاف الزعماء الاستبداديين وأحزابهم، فإنهم لا يسلمون الحكم لخصومهم إلا بالسلاح.
ولكن هل هذه الصورة الظاهرة المفضلة على الاستبداد كما يراها الناس في ظاهرها حرة ليس فيها إكراه، ونزيهة ليس فيها خداع؟؟
والجواب: لا، فحريتها ظاهرية سطحية، ونزاهتها وهمية، فالأحزاب الغربية المسماة بالديمقراطية تضلل عقول الشعوب التي تنتخب الزعماء، عن طريق أجهزة الإعلام بتخطيط وتنظيم وتنفيذ معدة إعدادا محكما، من قبل مختصين في كل شأن من الشؤون التي تهم تلك الشعوب، وأجهزة الإعلام هي التي تُشتَرى بدلا من شراء الأصوات مباشرة، وهي تكذب وتجعل الكذب في صورة صدق، والزعماء يكذبون ويظهر كذبهم في صورة صدق، إضافة إلى القذارة الأخلاقية التي يتبعونها في اتهاماتهم لخصومهم بالحق والباطل، مع ما يعد به الزعيم الشعوب من الإنجازات التي يتبخر كثير منها بعد وصوله إلى كرسي الحكم.
وإذا علمنا أن أغلب جماهير الشعوب غوغائية، لا تفكر ولا تحلل ولا تشغل عقولها بمصالحها، وإنما تَسمع وتُستَخَف وتُقلِّد، وأن الذين يقودون تلك الشعوب هم أفراد قلائل، أدركنا أن تلك الجماهير شبه مكرهة على انتخاب أولئك الزعماء، بسبب التضليل الذي تفعله أجهزة الإعلام وشياطينها، وبسبب الأكاذيب والشتائم التي يكيلها كل مرشح لخصمه، والوعود التي يقطعها على نفسه.
ويترتب على ذلك أن الحزب الحاكم له مناهج وخطط وأهداف، كثير منها ليست هي التي يطمع فيها الشعب الذي انتخبه، فيمني الشعب بخسائر لم تكن بحسبانه، وبخاصة ما يتعلق بالاقتصاد الذي لا يكون الرفاه إلا بازدهاره.
كما أن أولئك الزعماء تكون لهم طموحات استعمارية وسياسية وعسكرية، فيجمعون بين أمرين:
الأمر الأول: التعالي على الشعوب الضعيفة وقهرها وأخذ خيراتها وجعلها مصدرا رخيصا للخامات التي يصنعها وسوقا يشعل فيه غلاء بضائعه وصناعاته، فيدمر بذلك اقتصادها، وقد يدمر جيشها وسلاحها.(45/348)
الأمر الثاني: توريط شعوبهم-ليحققوا طموحاتهم-في حروب وعجز ميزانياتها بسبب إنفاق الأموال على وسائل تخفيف تلك الطموحات: من إنفاق مبالغ هائلة على السلاح وما يتبعه وعلى تنفيذ خطط إعلامية وسياسية وغيرها، وبذلك ترتفع الضرائب التي ترهق شعوبهم، بدلا من الرفاهية التي وعدوها بها.
والسبب في ذلك كله أن أولئك الزعماء يتصرفون بدون رقيب داخلي، والرقيب الداخلي لا يكون إلا بتقوى الله وهي معدومة عندهم.
نعم توجد رقابة من البرلمانات والأحزاب المعارضة، وتعلن فضائح ولكن بعد فوات الأوان، ثم إن الرقباء الذين يعارضون الحزب الحاكم، إذا تولوا الأمور فعلوا كما فعل من سبقهم وهكذا....
فهل ترى أمثال هؤلاء الذين هذه هي حياتهم في المجال السياسي يعيشون في نور أو في ظلام؟!
وهذا مع اعترافنا أن أساليب سياسة الدول الغربية الديمقراطية، أفضل بكثير من أساليب الحكم المستبدة في الدول المسماة بدول الشمال، أو دول العالم الثالث.
المجال الخامس: حياة تطبيق حقوق الإنسان.
عندما يتابع المرء ما يصدر عن زعماء الغرب ومفكر يهم وأجهزة إعلامهم، عما يتعلق بحقوق الإنسان ينقدح في ذهنه-إذا كان خالي الذهن-ثلاثة أمور رئيسة:
الأمر الأول: أن حقوق الإنسان هذه مصدرها الغرب، فهو الذي ابتكرها، وهو الذي صاغها ووضعها، وهو حامل لوائها وناشرها والداعي إليها.
الأمر الثاني: أن المقصود بالإنسان جنسه، بصرف النظر عن لونه أو دينه أو نوعه أو أرضه.
فكل إنسان في الأرض يجب أن يتمتع بهذه الحقوق المنصوص عليها "بصرف النظر عن موافقة بعضها للإسلام أو مخالفته.." فهذا أمر آخر له موضوعه.
الأمر الثالث: أن حقوق الإنسان التي يدعون إلى تطبيقها، بلغت من الكمال والسمو والدوام ما يجعلها جديرة وحدها بالاتباع، وكل ما عداها من التشريعات لا تدانيها!.
إن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان أقرته الأمم المتحدة، بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية التي دمرت العالم في مشارق الأرض ومغاربها، بسبب الأطماع الاستعمارية الغربية "المتحضرة!" وقد سبقتها الحرب العالمية الأولى.
وهذا الإعلان يؤكد على احترام حريات الشعوب والجماعات والأفراد دون تمييز (بسبب العنصر أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي السياسي أو أي رأي آخر، أو الأصل الوطني أو الاجتماعي أو الثروة أو الميلاد أو أي وضع آخر، دون أي تفرقة بين الرجال والنساء..).
وكان صدور هذا الإعلان سنة 1948م أي أن المدة التي مضت لصدور هذا القانون 53 سنة فقط، وقد مضى على نزول القرآن الكريم أكثر من 1422هـ. والقرآن والسنة والفقه الإسلامي المستنبط منهما قد تضمنت من حقوق الإنسان ما لم يخطر ببال أحد من الناس، بالتفصيل الوارد في الإسلام، ليس في الكليات فقط وإنما في أدق الجزيئات، ابتداء من وجود الجنين في بطن أمه إلى أن يوافيه الأجل الفرد والأسرة والشعب والدولة، وليس المقام مقام استعراض لذلك، لا لكلياته ولا لجزيئاته، وقد كتب بعض علماء العصر في هذا الموضوع [أي في حقوق الإنسان، ومنهم الدكتور علي عبد الواحد وافي والشيخ محمد الغزالي وغيرهم.] وهو مفتوح للكتابة فيه والمقارنة التي تخجل تلك المواد غير الوافية في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، بتفاصيل حقوق الإنسان الواردة في الإسلام.
يضاف إلى ذلك أن حقوق الإنسان المفصلة الربانية التي لا يعتريها النقص قد طبقت فترة طويلة من الزمن، فأسعدت العالم الذي استظل بظلها: مسلمه وكافره، ولا تزال تنتظر من يطبقها بصدق لتنعم الأمم بها كذلك.
ولكن ما مدى تطبيق الدول المتحضرة لحقوق الإنسان التي أقرتها وتعاقدت عليها؟
إن نظرة خاطفة إلى تصرفات الدول المتحضرة! في هذا المجال تظهر للناظر الأمور الآتية:
الأمر الأول: أن الجنس الأبيض الغربي، لا يرى أي جنس آخر يقترب من مرتبته، وأنه هو وحده الذي يجب أن يسود، يتضح هذا عمليا، فصاحب اللون الأسود مكث فترة من الزمن بعد إعلان حقوق الإنسان، لا يحق له أن يختلط بالبيض في المدارس والجامعات والفنادق والمطاعم، ولم يَخِفْ هذا التمييز إلا بعد كفاح مرير من السود في أمريكا، وإذا ما وصل الأسود إلى وظيفة حاكم المدينة بسبب كثرة أنصاره من السود، أخذت أجهزة الإعلام تمن على السود بما وصلوا إليه، وقبل سنوات فازت امرأة سوداء في الانتخابات النيابية لتكون عضوا في الكونجرس الأمريكي، فأحدثت أجهزة الإعلام ضجة كبيرة لتمن على تلك المرأة السوداء التي هي أول امرأة سوداء تدخل البرلمان الأمريكي.
وقبل سنوات رشح القس الأسود "جاكسون" نفسه في أول الأمر، ليكون رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية، ولكنه شعر من أول وهلة أنه لا يساوي صفرا على اليسار فانسحب مبكرا.
ولا زال حي "هارلم" في نيويورك سبة في جبين الغرب، وهو حي يسكنه السود الذين يراهم الزائر كأنهم في كوكب غير كوكب الأرض، من البؤس والشقاء والحرمان، ويجوز أن يكونوا هم غير طامحين إلى مستوى معيشي أفضل، ولكن الإهمال المتعمد من قبل الحاكم الأبيض، له دور كبير في ذلك الشقاء، وهم على بعد أمتار من مبنى هيئة الأمم المتحدة ومجلس الأمن الراعي لحقوق الإنسان!(45/349)
وفي الدول الأوربية "المتحضرة!" تفرقة واضحة بين الإنسان المسلم والإنسان اليهودي، فالمجموعة الصغيرة من اليهود معترف بدينها في البلدان وتنال كامل الحقوق التي ينالها أهل البلد نفسه، والعدد الهائل من المسلمين لا تعترف أكثر تلك الدول بدينهم الإسلامي ولذلك حرم المسلمون من الحقوق التي حصلت عليها الطوائف اليهودية!
بل إن الهجمة الشرسة على المسلمين الآن في بعض الدول الأوربية تنذر بالخطر، فالقتل والاغتيال اللذان يتعرض لهما المسلمون في بعض الدول الأوربية-كفرنسا وألمانيا-وكذلك الاعتداء على بعض المراكز الإسلامية والمساجد، على مرأى ومسمع من الحكومات الأوربية، يدل على أن حقوق الإنسان المسلم في أوربا غير مرغوب في حمايتها، والحملات العنصرية تتصاعد ضد المسلمين كل يوم.
هذا على مستوى كل دولة على حدة.
فإذا نظرنا بعد ذلك إلى حقوق الإنسان في خارج الدول المتحضرة، رأينا من التحيز والتفرقة بين إنسان وآخر وشعب وآخر وجماعة وأخرى، ما يكذب دعوى الغربيين بأنهم حماة حقوق الإنسان.
دعاة حقوق الإنسان يكرهون الإنسان على التخلي عن عقيدته!
من حقوق الإنسان لدى الدول الغربية-وبخاصة أمريكا التي تزعم أنها حاملة لواء هذه الحقوق وحاميتها-عدم إكراه الإنسان على عقيدة معينة. فهل وفَّى حماة حقوق الإنسان بهذا الحق؟!
هذه أمريكا اليوم تسعى-وهي زعيمة الغرب-لإكراه أي دولة أو أي جماعة أو أي حزب في أي مكان في العالم، لإقامة منهاجها و نظامها ونشاطها على أساس علماني-بمعنى وجوب إبعاد أي تشريع مبني على أساس ديني عن حياة الشعوب-ومعلوم أن حياة المسلمين كلها يجب أن تبنى على أساس دينهم الذي نزل به كتابهم وجاءت به سنة نبيهم r.
وهم-المسلمون-يعتقدون جازمين أن الله قد فرض تطبيق أحكام القرآن والسنة في حياتهم، وأنهم إن جحدوا هذا الفرض فقد خرجوا من ملة الإسلام، وأصبحوا أشد بعدا عن الله من جميع كفار الأرض، وإن خالفوا ذلك مع اعتقادهم بأنهم عاصون لربهم، فقد ارتكبوا كبائر الذنوب، ومع ذلك أصبح تطبيق الشريعة الإسلامية لدى أمريكا وحزبها (الغرب) جريمة وتطرفا وإرهابا، وانتهاكا لحقوق الإنسان، تُحارِب -أمريكا-أيَّ دولة تتجه لتطبيق شرع الله الذي تعتقد أنه مفروض عليها وعلى شعبها، تحاربها سياسيا واقتصاديا وتعليميا وإعلاميا ودبلوماسيا وعسكريا.
ومعنى هذا أن أمريكا وحزبها يفرضون على المسلمين فرضا ويكرهونهم إكراها، أن يعتقدوا أن حقوق الإنسان-المبنية على الكفر بشريعة الله وكتابه وسنة رسوله-هي الحق الذي يجب الإيمان به وتطبيقه، وأن يعتقدوا أن شريعة الله التي جاء بها القرآن والسنة باطل، لا يجوز أن تكون أساسا لأنظمتهم وحكمهم.
والدولة التي تطبق بعض أحكام الشريعة الإسلامية، يسلطون عليها وسائل إعلامهم ومنظماتهم الرسمية وغير الرسمية، فتوصف بأنها دولة وحشية وإرهابية ومنتهكة لحقوق الإنسان....! فأين تطبيقهم لمادة حقوق الإنسان التي تنص على حرية الاعتقاد؟ لما ذا لا يتركون المسلمين-وهم أهل الدين الحق الذي لم يبق دين في الأرض محتفظا بمرجعه الإلهي الصادق غيره-أحرارا في اعتقادهم وإيمانهم و تطبيق أحكام قرآنهم وسنتهم وشريعتهم ونظامهم الذي يختارونه؟ أليس هذا إكراها لدول وشعوب؟!! أليس إكراه الدول والشعوب أشد من إكراه الأفراد؟؟!!
دعاة حقوق الإنسان يحرمون الإنسان من المساواة التي منحه الله.
والتفرقة العنصرية في جنوب أفريقيا استمرت عشرات السنين، والأوربيون يدوسون كرامة السود وهم أهل البلد: قتلوهم وعذبوهم وسجنوهم واعتقلوهم وشردوهم، ودعاة التحضر وحماة حقوق الإنسان ينكرون ذلك في أجهزة الإعلام، ويمدون أبناء جنسهم الأوربيين بكل ما يريدون من مال وسلاح وغيرهما، بطرق خبيثة ماكرة، وبخاصة عن طريق ربيبتهم المشابهة لدولة جنوب أفريقيا: دولة اليهود، ولا زالت الأغلبية السوداء صاحبة البلد تناضل من أجل حقوقها إلى الآن ولم تنلها.[ كانت كتابة هذه السطور قبل تحرر جنوب إفريقيا من حكم البيض.]
والتفرقة العنصرية اليهودية في فلسطين، لا زالت جاثمة على صدور أهل البلد، من الفلسطينيين الذين تداس كرامتهم، في منازلهم وشوارعهم ومساجدهم ومعتقلا تهم ومخيماتهم بكل وحشية، والدول الغربية المتحضرة تمد اليهود بالسلاح والمال والاقتصاد والدعم الكامل، سياسيا وعسكريا إذا اقتضى الأمر ذلك، أي إن حقوق الإنسان الفلسطيني مهدرة كحقوق الإنسان الأفريقي.
وتلك الهند تحتل أرض المسلمين في كشمير برغم قرارات "مجلس الأمن!" التي أعطت الحق للكشميريين في تقرير مصيرهم باستفتاء يجري بينهم، تقتلهم الهند وتسجنهم وتشردهم، والدول الغربية المتحضرة الحامية لحقوق الإنسان، تسمع وترى وتهز كتفيها غير عابئة بما يجري.
والمسلمون في بورما يقتلون ويشردون ويعذبون ويموتون جوعا، ودول الغرب المتحضرة حامية حقوق الإنسان تتفرج وكأن الأمر لا يعنيها.
والأغلبية المسلمة في الحبشة وإريتريا تحكمها أقلية تتصرف في أنفسهم وأموالهم وأعراضهم، والدول المتحضرة حامية حقوق الإنسان تتفرج ولا تحرك ساكنا.(45/350)
والأغلبية المسلمة في جنوب الفلبين تطالب بحقوقها، والدولة الصليبية تدوس كرامتها وتقتل وتشرد المسلمين، أمام أعين حماة حقوق الإنسان فلا تتحرك ضمائرهم.
والأغلبية المسلمة في جنوب تايلاند تضطهد وتحرم من حقوقها، أمام أعين حماة حقوق الإنسان!
والأغلبية المسلمة في البوسنة والهرسك تستأصل في بلدها، من قبل الصليبيين الصرب والدول الغربية تنذر وتتوعد ولا تحرك ساكنا.
والمسلمون في ليبريا يذبحون وتقطع السنة أئمتهم وتهدم مساجدهم وتنتهك أعراضهم، وحماة حقوق الإنسان يشاهدون دون أن يفعلوا شيئا!
لماذا كل هذا السكوت ولماذا يغض حماة حقوق الإنسان الطرف عن هذه المآسي، ولماذا لا يتدخل مجلس الأمن الظالم لنصر حقوق الإنسان المسلم.
لا سبب أمامنا نراه إلا شىء واحد، وهو أن هذا الإنسان مسلم، لا قيمة له لأن المسلمين أذلوا أنفسهم لغير الله فزادوهم ذلا.
لكن حماة حقوق الإنسان لا ينامون ولا يهدؤون إذا ما انتهكت حقوق إنسان آخر غير مسلم أو انتهكت حقوق مسلم ولهم في التدخل لحماية حقوقه-في الظاهر-مصلحة، ومصلحة حماة حقوق الإنسان هي المحور الأساس.
وإليك بعض الأمثلة:
عندما أعلنت كرواتيا في هذه الأيام -كان هذا وقت اشتداد الاعتداء على المسلمين في البوسنة والهرسك- استقلالها عن صربيا، وأعلن الصرب الحرب ضدها قامت دول التحضر الحامية لحقوق الإنسان بحملة سريعة ضد صربيا، وأعلن مجلس الأمن "اللعبة" بعث قوة تفصل بين الدولتين وتم ذلك، ولكنها لم تفعل ذلك مع البوسنة والهرسك، وكلاهما دولتان اعترف بهما، وهما من دول يوغوسلافيا السابقة ويجاور بعضهما بعضا، فلماذا!؟
أعلنت دول الغرب المتحضر الحامي لحقوق الإنسان حربا إعلامية ضد حكومة السودان، بسبب قتلها موظفَيْنِ سودانيين لدى الإدارة الأمريكية، لأنهما نصرانيان والغالب أنهما جاسوسان لأمريكا، لأن الحكومة السودانية سوغت قتلهما بالخيانة العظمى.
وأعلنت الحرب الإعلامية ضد ليبيا بتهمة أن اثنين من الرعايا الليبيين فجرا طائرة لوكوربي، وهددوا ليبيا بحرب عسكرية ولا زالوا.
أعلنوا حمايتهم لحقوق الإنسان الشيعي-الذي يظهرون كراهته-في جنوب العراق من أجل أغراض خاصة لهم في العراق.
أعلنوا حمايتهم لحقوق الإنسان الكردي في شمال العراق وأدخلوا قواتهم لأجله-في زعمهم-ولكنهم (يحمونه من العراق ويسمحون لتركيا أن تطارده وتقتله وتشرده وتتابعه حتى في الأرض العراقية).
عجب والله لحماة حقوق الإنسان الكردي من صدام حسين، وإهدار حقوقه للأتراك ما هذا المكيال الذي يكيل به حماة حقوق الإنسان؟!
دعاة الديمقراطية يحرمون الإنسان من الديمقراطية!
وحدث عن حقوق الإنسان المسلم السياسية والديمقراطية ولا حرج.
لو تتبعت أجهزة إعلام الغرب وأحصيت منها يوما واحدا كلمة الديمقراطية وحدها لملأتَ بها كراريس.
إن الديمقراطية أحد المحاور الرئيسة التي يدندن حولها الغرب المتحضر، ويلح على دول ما يسمى بالعالم الثالث على أن تطبق المنهج الديمقراطي الذي أساسه إعطاء الشعوب حرية اختيار حكامها.
ويحترم الغرب المتحضر فوز أي حزب يختار في الانتخابات-حتى ولو كانت مزورة مع انتقاده للتزوير-ولكن الغرب المتحضر يحظر حظرا باتا، بأساليبه الخاصة وصلاته بحكام الشعوب الإسلامية النابذين لشرع الله، قيامَ أي حزب على أساس الإسلام، وإذا ما سبق السيف العذل فقامت جماعة إسلامية واختارها الشعب، حاربوا تلك الديمقراطية التي أهلت الجماعة المسلمة إلى أن تكون هي الحاكمة، وفسروا الديمقراطية التي ينادون بها بأنها ليست الديمقراطية التي تكون وسيلة لوصول الأصوليين إلى الحكم، لأن وصول الأصوليين إلى الحكم يعود بالنقض على الديمقراطية، وأوعزوا إلى أذنابهم بحماية الديمقراطية الأصيلة، بالجيش وأجهزة الأمن وفتح المعتقلات والسجون لمن اختارهم الشعب[ولا يخفى ما قام به تلاميذ أتاتورك العسكريون والمدنيون الأتراك بضغط حماة الديمقراطية وحقوق الإنسان من محاربة حزب الرفاه الإسلامي الذي وصل إلى الحكم عن طريق الانتخابات الديمقراطية .]
الشعب مسلم اختار من يحكمه بالإسلام، فأين وضعتم حق هذا الشعب في حرية اختياره لحكامه يا دعاة حقوق الإنسان؟!
لقد اتخذ الغرب المتحضر لافتة حقوق الإنسان والديمقراطية والحرية وغيرها، سلاحا لحماية حقوق الإنسان الغربي أو من له مصلحة في حمايته.
وإذا كانت أمريكا هي الدولة التي تقود الغرب في هذه الفترة، وتدعي أنها دولة حقوق الإنسان، فإن بعض قادتها يصرحون بأن مصالحهم هي التي تحدد مواقفهم، فبمقدار المصلحة يكون الموقف.
قال الرئيس الأسبق للولايات المتحدة الأمريكية ريتشارد نكسون: (وأول واجب علينا أن نفعله هو أن نفرق بين مصالحنا الحيوية، ومصالحنا الحساسة، ومصالحنا الهامشية، ولا توجد دولة في العالم تستطيع أن تدافع عن جميع هذه المصالح طوال الوقت....
وتكون المصلحة حيوية إذا كان فقدانها يهدد أمن الولايات المتحدة، فاستمرار استقلال أوربا الغربية واليابان وكندا والمكسيك ودول الخليج مسألة حيوية لأمن بلادنا.(45/351)
وكذلك لدينا مصلحة حيوية في أن لا تحصل الدول المتخلفة على السلاح الذري، وليس للولايات المتحدة الخيار إلا القوة المسلحة لتمنع تهديد مصالحها.
والمصلحة الحساسة هي التي تشكل تهديدا مباشرا لإحدى النقاط الحيوية... ولذلك تعتبر أمريكا الوسطى وكوريا من المصالح الحساسة للولايات المتحدة، ومن الممكن أن تلجأ الولايات المتحدة أحيانا في معالجة المصالح الحساسة، وكأنها مصالح حيوية وكنوع من الاستراتيجية الدفاعية.
أما المصالح الهامشية فهي الأمور التي لو سيطرت عليها قوى معادية فإنها تشكل تهديدا غير قريب لمصلحة حيوية أو مصلحة حساسة.
وعلى سبيل المثال فإننا لا نحب أن تحتل إحدى الدول المعادية دولة مالي، ولكننا لا نعتقد أن احتلال مالي سوف يكون له تأثير على مصالح الولايات المتحدة المهمة، ومن هذا فلا نفكر في استعمال القوة العسكرية لرد هذا الاعتداء.
إن استراتيجيتنا الأمنية يجب أن تقيِّم كل ما يمكن عمله، طبقا لمستوى الأهمية لمصالحنا وإمكاناتنا وما نواجه من أخطار.
فعلى سبيل المثال لا نرسل الوحدة: 82 المحمولة جوا للدفاع عن إحدى مصالحنا الهامشية في موريتانيا، ولكننا نفعل ذلك بدون تردد للدفاع عن مصلحتنا في الخليج ...)[ كتاب الفرصة السانحة. ترجمة أحمد صدقي. دار الهلال.] وقد فعلوا!.
من هذا النص تعرف السبب في عدم التدخل في البوسنة والهرسك، لأن هذا التدخل ليس لأمريكا فيه مصلحة لا حيوية ولا حساسة ولا هامشية، لأن المظلوم مسلم والظالم نصراني. اللهم إلا أن يقال: إن لها مصلحة هامشية، وهي أن سكوتها عن هذا الظلم يشوه سمعتها أمام العالم الذي تعلن له أنها حامية حقوق الإنسان، ولهذا تستنكر في أجهزة إعلامها هذا الظلم وتهدد-كذبا وزورا-صربيا، وتحث على إغاثة المسلمين، فمصلحة الغرب هي الأساس. [-تدخلت أمريكا وأوربا عن بجيوشها في البوسنة والهرسك، بعد أن قتل مئات الآلاف من المسلمين وشردوا من ديارهم، واغتصبت غالبَ أراضيه الصرب، ولا زال الصرب يحظرون على المسلمين عودتهم إلى مدنهم وقراهم التي تم الاتفاق على عودتهم إليها بموجب اتفاقية "دايتون" أمام سمع وبصر أوربا وأمريكا.]
هذه هي يا أخي إشارة عابرة إلى صورة مجال تطبيق حقوق الإنسان، فهل ترى أمثال هؤلاء المتحضرين الذي هذه صفتهم يعيشون في نور أو في ظلام؟!
ولو أطلقت لليراع الزمام لأطال في هذا الباب، ليظهر للجاهل أن العالم المتحضر!-المتخلف في ميزان الله ومنهجه الرباني-يعيش في ظلمات، وأنه في أمس الضرورة إلى أهل الحق ليخرجوه من الظلمات إلى النور. وإخراج الناس من الظلمات إحدى غايات أهل الحق التي يسابقون بها أهل الباطل إلى العقول.
واكتفى بهذه المجالات الخمسة، للتدليل على أن العالم المتحضر محروم من النور الرباني تحيط به الظلمات الشيطانية من كل جانب، وأنه يجب على أهل الحق السعي الجاد لإخراجه من الظلمات إلى النور.
وكما أن الكفر كله ظلمات، فإن الإسلام كله نور، قال تعالى: ((أوَمن كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها كذلك زين للكافرين ما كانوا يعملون))[الأنعام: 122]
وقد قارن القرآن الكريم بين ذوي العقول التي صاغها النور الرباني وأشرقت عليها أنوار وحيه، وبين ذوي العقول المظلمة التي أحاطت بها الظلمات من كل جانب، فقال الله تعالى في الفريقين: ((الله نور السماوات والأرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح، المصباح في زجاجة، الزجاجة كأنها كوكب دري، يوقد من شجرة مباركة، زيتونة لا شرقية ولا غربية، يكاد زيتها يضئ ولو لم تمسسه نار، نور على نور، يهدي الله لنوره من يشاء، ويضرب الله الأمثال للناس والله بكل شيء عليم)) إلى أن قال جل وعلا: ((والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا ووجد الله عنده فوفاه حسابه والله سريع الحساب.. أو كظلمات في بحر لجيُّ يغشاه موج من فوقه موج، من فوقه سحاب ظلمات بعضها فوق بعض إذا أخرج يده لم يكد يراها ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور)).[ النور: 35، 40]
كتبه
د . عبد الله قادري الأهدل
============(45/352)
(45/353)
العدمية
إعداد الندوة العالمية للشباب الإسلامي
التعريف :
العدمية مذهب(*) أدبي وفلسفي ملحد، اهتم بالعدم باعتباره الوجه الآخر للوجود، بل هو نهاية الوجود، وبه نعرف حقيقة الحياة بعيداً عن النظرة المثالية والنظرة الواقعية السطحية.
التأسيس وأبرز الشخصيات:
= من أهم الشخصيات العدمية في مجال الأدب ديستوفسكي الروائي الروسي، وفي مجال الفلسفة نيتشه صاحب مقولة (موت الإله) والعدمية ترى أن الوجود الإلهي وعدمه سواء ولايحسن أن يجهد الناس أنفسهم في هذا الموضوع. والمؤرخون يفرقون بين الإلحاد والعدمية من حيث أن الملحد يختار جانب الإلحاد(*) الصريح (سارتر مثلاً) أما العدمي فيرى أن المسألة سواء (يستوي الوجود الإلهي وعدمه) وديستوفسكي يرى أنه إذا كان الإله(*) غير موجود فكل شيء مباح ولا معنى للأخلاق(*).
= وهذا المذهب مرفوض إسلاميًّا لأننا مطالبون أولاً بتقرير الوجود الإلهي والتوحيد الخالص وثانياً تقرير ارتباط قيام الأخلاق على التشريع الإسلامي في مصدرية الأساسيين، فالأديب والفيلسوف العدمي يناقضان الإسلام.
= برزت العدمية في روايات الواقعية النقدية لجوستاف فلوبير 1821 - 1880م وأندريه دي بلزاك 1799 - 1850م وفي أعمال الطبيعة الانطباعية لأميل زولا 1840 - 1902م في القرن التاسع عشر. إلا أن الأديب الفرنسي جوستاف فلوبير هو المعبر الأول عن العدمية في رواياته، ثم أصبحت مذهباً أدبياً لعدد كبير من الأدباء في القرن التاسع عشر.
= ويعد الشاعر والناقد جوتفريد بن 1886 - 1956م من أبرز العدميين الذين وضحوا معنى العدمية كمذهب أدبي، إذ قال بأن العدمية ليست مجرد بث الياس والخضوع في نفوس الناس بل مواجهة شجاعة وصريحة لحقائق الوجود.
= وقد رحب هذا الشاعر بالحكومة النازية عندما قامت في الثلاثينات من هذا القرن على أساس أنها مواجهة حاسمة للوجود الراكد. إلا أنه عُدَّ عدواً للنازية لأنه قال بأن البشر متساوون أمام العدم والفناء وليس هناك جنس مفضل على غيره. وقد صودرت جميع أعماله الأدبية عام 1937م.
الأفكار والمعتقدات :
= إن الإنسان خُلق وله إمكانات محدودة، وعليه لكي يثبت وجوده، أن يتصرف في حدود هذه الإمكانات، بحيث لا يتحول إلى يائس متقاعس أو حالم مجنون.
= إن البشر يتصارعون، وهم يدركون جيداً أن العدم في انتظارهم وهذا الصراع فوق طاقتهم البشرية، لذلك يتحول صراعهم إلى عبث لا معنى له.
= ينحصر التزام الأديب العدمي في تذكرة الإنسان بحدوده حتى يتمكن من استغلال حياته على أحسن وجه.
= العمل الأدبي يثبت أن لكل شيء نهاية، ومعناه يتركز في نهايته التي تمنح الدلالة للوجود، ولا يوجد عمل أدبي عظيم بدون نهاية وإلا فقد معناه، وكذلك الحياة تفقد معناها إذا لم تكن لها نهاية.
= الرومانسية المثالية في نظر الأديب العدمي مجرد هروب مؤقت لا يلبث أن يصدم الإنسان بقسوة الواقع وبالعدم الذي ينتظره، وقد يكون في هذا الاصطدام انهياره أو انحرافه.
= يهدف الالتزام الأدبي للعدمية إلى النضوج الفكري للإنسان ورفعه من مرتبة الحيوان الذي لا يدرك معنى العدم.
= تهدف العدمية إلى الغاء الفواصل المصطنعة بين العلم والفن، لأن المعرفة الإنسانية لا تتجزأ في مواجهة قدر الإنسان، وإذا اختلف طريق العلم عن طريق الفن فإن الهدف يبقى واحداً وهو: المزيد من المعرفة عن الإنسان وعلاقته بالعالم.
= إن اتهام العدمية بالسلبية وإشاعة روح اليأس، يرجع إلى الخوف من لفظ العدم ذاته وهذه نظرة قاصرة، لأن تجاهل العدم لا يلغي وجوده من حياتنا.
= العدمية ليست مجرد إبراز الموت والبشاعة والعنف والقبح ولكن الأديب العدمي هو الذي ينفذ من خلال ذلك إلى معنى الحياة، وبذلك يوضح بأن العدم هو الوجه الآخر للوجود، ولا يمكن الفصل بينهما لأن معنى كل منهما يكمن في الآخر.
الجذور الفكرية والعقائدية:
= ترجع العدمية في أفكارها إلى مسرحيات الإغريق القدامى، التي تصور الإنسان وصراعه مع الأقدار وكأنه صراع ضد فكرة العدم.
= وكذلك العقائد النصرانية وما تتضمنه من معاني الموت، ونهاية العالم، واليوم الآخر، والحساب .. الخ.
= إلا أن العدمية لم تبلور العقيدة الدينية في الحياة والموت.. في الإيمان الذي يبعث على عمل الخير والجد، والاجتهاد لإعمار الأرض لتكون الحياة عليها سعيدة مطمئنة. وإنما اقتصرت على تصوير معاني العدم والجانب السلبي في الحياة، على نحو يوحي بأن العدم هو الوجود الخالد، وطالما كان الأمر كذلك فإن الإلحاد يحيط بالعدمية من كل جانب.
أماكن الانتشار:
= انتشرت العدمية في فرنسا وإنكلترا بشكل خاص والعالم الغربي عامة.
ويتضح مما سبق :(45/354)
أن العدمية مذهب(*) أدبي ملحد يعتبر العدم نهاية الوجود، ووفقاً لهذا المذهب ينحصر التزام الأديب العدمي في تذكير الإنسان بحدوده حتى يستغل حياته استغلالاً عدميًّا، ينضج معه فكر الإنسان، حسب زعم هذا المذهب، نضجاً يرفعه من مرتبة الحيوان الذي لا يدرك معنى العدم إلى مرتبة الأديب المدرك له والذي يلغي الفواصل المصطنعة بين العلم والفن، فالأديب العدمي هو الذي ينفذ من خلال الموت والبشاعة والعنف والقبح إلى معنى الحياة العدمية، فالعدم هو الوجه الآخر للوجود. ولا شك أن هذه الأفكار لا تخدم أية فكرة أخلاقية أو دينية، بل إنها تتنافى كلية معهما.
------------
مراجع للتوسع :
- المدخل إلى النقد الأدبي الحديث، د. محمد غنيمي هلال - ط2- القاهرة 1962م.
- الأدب المقارن، د. محمد غنيمي - ط2- القاهرة 1962م.
- المذاهب الأدبية من الكلاسيكية إلى العبثية، د. نبيل راغب - مكتبة مصر- القاهرة.
- المذاهب الأدبية الكبرى، فليب فان تيغيم - (سلسلة زدني علماً).
============(45/355)
(45/356)
الوجودية
إعداد الندوة العالمية للشباب الإسلامي……
التعريف :
الوجودية اتجاه فلسفي يغلو في قيمة الإنسان ويبالغ في التأكيد على تفرده وأنه صاحب تفكير وحرية وإرادة واختيار ولا يحتاج إلى موجه. وهي فلسفة عن الذات أكثر منها فلسفة(*) عن الموضوع. وتعتبر جملة من الاتجاهات والأفكار المتباينة التي تتعلق بالحياة والموت والمعاناة والألم، وليست نظرية فلسفية واضحة المعالم. ونظراً لهذا الاضطراب والتذبذب لم تستطع إلى الآن أن تأخذ مكانها بين العقائد والأفكار.
التأسيس وأبرز الشخصيات:
يرى رجال الفكر الغربي أن سورين كيركجورد 1813 - 1855م هو مؤسس المدرسة الوجودية. ومن مؤلفاته: رهبة واضطراب.
أشهر زعمائها المعاصرين: جان بول سارتر الفيلسوف الفرنسي المولود سنة 1905م وهو ملحد ويناصر الصهيونية له عدة كتب وروايات تمثل مذهبه(*) منها: الوجودية مذهب إنساني، الوجود والعدم، الغثيان، الذباب، الباب المغلق.
ومن رجالها كذلك: القس كبرييل مارسيل وهو يعتقد أنه لا تناقض بين الوجودية والنصرانية.
كارل جاسبرز : فيلسوف ألماني.
بسكال بليز : مفكر وفيلسوف فرنسي.
وفي روسيا: بيرد يائيف، شيسوف، سولوفييف.
الأفكار والمعتقدات:
يكفرون بالله ورسله وكتبه وبكل الغيبيات وكل ما جاءت به الأديان(*) ويعتبرونها عوائق أمام الإنسان نحو المستقبل. وقد اتخذوا الإلحاد مبدأ ووصلوا إلى ما يتبع ذلك من نتائج مدمرة.
يعاني الوجوديون من إحساس أليم بالضيق والقلق واليأس والشعور بالسقوط والإحباط لأن الوجودية لا تمنح شيئاً ثابتاً يساعد على التماسك والإيمان وتعتبر الإنسان قد أُلقي به في هذا العالم وسط مخاطر تؤدي به إلى الفناء.
يؤمنون إيماناً مطلقاً بالوجود الإنساني وتخذونه منطلقاً لكل فكرة.
يعتقدون بأن الإنسان أقدم شيء في الوجود وما قبله كان عدماً وأن وجود الإنسان سابق لماهيته.
يعتقدون أن الأديان والنظريات الفلسفية التي سادت خلال القرون الوسطى والحديثة لم تحل مشكلة الإنسان.
يقولون: إنهم يعملون لإعادة الاعتبار الكلي للإنسان ومراعاة تفكيره الشخصي وحريته وغرائزه ومشاعره.
يقولون بحرية الإنسان المطلقة وأن له أن يثبت وجوده كما يشاء وبأي وجه يريد دون أن يقيده شيء.
يقولون: إن على الإنسان أن يطرح الماضي وينكر كل القيود دينية كانت أم اجتماعية أم فلسفية أم منطقية.
يقول المؤمنون منهم إن الدين(*) محله الضمير أمَّا الحياة بما فيها فمقودة لإرادة الشخص المطلقة.
لا يؤمنون بوجود قيم ثابتة توجه سلوك الناس وتضبطه إنما كل إنسان يفعل ما يريد وليس لأحد أن يفرض قيماً أو أخلاقاً معينة على الآخرين.
أدى فكرهم إلى شيوع الفوضى الخلقية والإباحية الجنسية والتحلل والفساد.
رغم كل ما أعطوه للإنسان فإن فكرهم يتسم بالانطوائية الاجتماعية والانهزامية في مواجهة المشكلات المتنوعة.
الوجودي الحق عندهم هو الذي لا يقبل توجيهاً من الخارج إنما يسيِّر نفسه بنفسه ويلبي نداء شهواته وغرائزه دون قيود ولا حدود.
لها الآن مدرستان: واحدة مؤمنة والأخرى ملحدة وهي التي بيدها القيادة وهي المقصودة بمفهوم الوجودية المتداول على الألسنة فالوجودية إذاً قائمة على الإلحاد.
الوجودية في مفهومها تمرد على الواقع التاريخي وحرب على التراث الضخم الذي خلفته الإنسانية.
تمثل الوجودية اليوم واجهة من واجهات الصهيونية الكثيرة التي تعمل من خلالها وذلك بما تبثُّه من هدم للقيم والعقائد والأديان.
الجذور الفكرية والعقائدية:
إن الوجودية جاءت كردِّ فعل على تسلط الكنيسة(*) وتحكمها في الإنسان بشكل متعسف باسم الدين(*).
تأثرت بالعلمانية وغيرها من الحركات التي صاحبت النهضة الأوروبية ورفضت الدين والكنيسة.
تأثرت بسقراط الذي وضع قاعدة "اعرف نفسك بنفسك".
تأثروا بالرواقيين(*) الذين فرضوا سيادة النفس.
كما تأثروا بمختلف الحركات الداعية إلى الإلحاد والإباحية.
الانتشار ومواقع النفوذ:
ظهرت في ألمانيا بعد الحرب العالمية الأولى ثم انتشرت في فرنسا وإيطاليا وغيرهما. وقد اتخذت من بشاعة الحروب وخطورتها على الإنسان مبرراً للانتشار السريع. وترى حرية الإنسان في عمل أي شيء متحللاً من كل الضوابط. وهذا المذهب يعد اتجاهاً إلحاديًّا يمسخ الوجود الإنساني ويلغي رصيد الإنسانية.
انتشرت أفكارهم المنحرفة المتحللة بين المراهقين والمراهقات في فرنسا وألمانيا والسويد والنمسا وإنجلترا وأمريكا وغيرها حيث أدت إلى الفوضى الخلقية والإباحية الجنسية واللامبالاة بالأعراف الاجتماعية والأديان.
ويتضح مما سبق:
أن الوجودية اتجاه إلحادي(*) يمسخ الوجود الإنساني ويلغي رصيد الإنسانية من الأديان وقيمها الأخلاقية. وتختلف نظرة الإسلام تماماً عن نظرية الوجودية حيث يقرر الإسلام أن هناك وجوداً زمنياً بمعنى عالم الشهادة ووجوداً أبديًّا بمعنى عالم الغيب. والموت في نظر الإسلام هو النهاية الطبيعية للوجود الزمني ثم يكون البعث والحساب والجزاء والعقاب.(45/357)
أما الفلسفة الوجودية فلا تسلم بوجود الروح ولا القوى الغيبية وتقوم على أساس القول بالعدمية والتعطيل فالعالم في نظرهم وجد بغير داع ويمضي لغير غاية والحياة كلها سخف يورث الضجر والقلق ولذا يتخلص بعضهم منها بالانتحار.
------------------------
مراجع للتوسع :
- الوجودية وواجهتها الصهيونية، د. محسن عبد الحميد.
- مباحث في الثقافة الإسلامية، د. نعمان السامرائي.
- سقوط الحضارة ، كولن ولسن.
- دراسات في الفلسفة المعاصرة، د. زكريا إبراهيم.
- الوجودية المؤمنة والملحدة، د. محمد غلاب.
- عقائد المفكرين في القرن العشرين، عباس محمود العقاد.
- المذاهب المعاصرة وموقف الإسلام منها، د. عبد الرحمن عميرة.
==============(45/358)
(45/359)
اِحْذَرْ هَذَا التَّلاعُبَ بِأَسْمَاءِ اللهِ الحُسْنَى
هذه الطريقة للتداوي بأسماء الله الحسنى قد انتشرت عبر الأيميل ، وترى تحتها رد اللجنة الدائمة للبحوث و الإفتاء :
كيف تعالج نفسك بطاقة الشفاء الموجودة في أسماء الله الحسنى أكتشف د. إبراهيم كريم مبتكر علم البايوجيومترئ أن أسماء الله الحسنى لها طاقة شفائية لعدد ضخم من الأمراض، وبواسطة أساليب القياس الدقيقة المختلفة في قياس الطاقة داخل جسم الإنسان، واكتشف أن لكل اسم من أسماء الله الحسنى طاقة تحفز جهاز المناعة للعمل بكفاءة مثلى في عضو معين بجسم الإنسان، واستطاع د. إبراهيم بواسطة تطبيق قانون الرنين أن يكتشف أن مجرد ذكر اسم من أسماء الله الحسنى يؤدي إلى تحسين في مسارات الطاقة الحيوية داخل جسم الإنسان، وبعد أبحاث استمرت 3 سنوات توصل د.إبراهيم إلى ما يلي :
اسم الله اسم المرض اسم الله اسم المرض
النافع العظام السميع الأذن
الرؤوف الركبة الجبار العمود الفقري
جل جلاله قشر الشعر البديع الشعر
النور القلب القوي العضلات
الوهاب أوردة القلب الرزاق عضلة القلب
المغني الأعصاب الجبار الشريان
الغني الصداع النصفي جل جلاله السرطان
الجبار الغدة الدرقية اللطيف، والغني، والرحيم الجيوب الأنفية
النور، والبصير، والوهاب العين الرافع الفخذ
الرزاق المعدة المتعال الشرايين بالعين
الحي الكلى الرؤوف القولون
الصبور الأمعاء النافع الكبد
البارئ البنكرياس الرشيد البروستاتة
الخالق الرحم النافع أكياس دهنية
المهيمن الروماتيزم الهادي المثانة
القوي الغدة التيموسية الهادي الغدة الصنوبرية
الظاهر عصب العين البارئ الغدة فوق الكلوية
الخافض ضغط الدم الرزاق الرئة
بسم الله الرحمن الرحيم
اطلعت اللجنة الدائمة للبحوث و الإفتاء على ما ورد إلى سماحة المفتي العام للملكة العربية السعودية فضيلة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن محمد آل الشيخ ( رئيس اللجنة الدائمة ) من المُستفتي الشيخ عبدالله اللحيدان مدير مركز الدعوة و الإرشاد في المنطقة الشرقية ، و قد أُحيل الإستفتاء إلى اللجنة العامة لهيئة كبار العلماء .... وهذا نص الإستفتاء .. و نص ما اجابت به اللجنة الدائمة نضعه بين يدي القارئ الكريم و بين ايديكم لتكونوا على بينة من امركم خاصة فيما يتعلق بشأن العقيدة الإسلامية .
سؤال الشيخ اللحيدان
يسأل الشيخ عبدالله اللحيدان اللجنة الدائمة بقوله :
ارفع لسماحتكم ما وصل إلي .. و يتداول حاليا بين الناس عامة و خاصة في بعض المدارس و بعض المواقع من ان ...... أسماء الله الحسنى لها طاقة شفائية كبيرة لعدد ضخم من الأمراض .
و أن لكل اسم من اسماء الله الحسنى طاقة تُحفز جهاز المناعة للعمل بكفاءة مُثلى في عضو معين بجسم الإنسان .
و يذكر مثال على نجاح ذلك (الدكتورإبراهيم كريم ) على ابنة بترديد اسماء معينة لمدة عشر دقائق و عدد كبير من المتطوعين. و يذكر ايضا ... ان نفس اسماء الجلالة التي تعالج يمكن الغستفادة منها في الوقاية ايضا . إن طاقة الشفاء تتضاعف عند تلاوة ايات الشفاء بعد ذكر التسبيح بأسماء الله الحسنى . و يطلب كذلك ناشرها من الناس التجريب و الإفادة .
علية نأمل من سماحتكم حفظكم الله توضيح الأمر و تجليته للناس ليكونوا على هُدى من امر ربهم .
اللجنة الدائمة تُجيب
بعد دراسة اللجنة الدائمة للبحوث العلمية و الإفتاء للإستفتاء أجابت بما يلي :(45/360)
قال الله تعالى : " وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ " ، و قال النبي صلى الله علية و سلم : " إن لله تسعة و تسعون اسما من احصاها دخل الجنة " .. و منها اسم الله الاعظم الذي إذا دُعي به اجاب و إذا سُئل به اعطى ، فاسماء الله جل و علا لا يعلم عددها إلا هو سبحانة و تعالى ، و كُلها حُسنى ، و يجب اثباتها و إثبات ما تدل علية من كمال الله و جلاله و عظمته ، و يحرم الإلحاد فيها بنفيها أو نفي شيء منها عن الله او نفي ما تدل عليه من الكمال أو نفي ما تتضمنه من صفات الله العظيمة . و من الإلحاد في اسماء الله ما زعمه المدعي كريم سيد و تلميذه و ابنه في ورقة يوزعونها على الناس من ان اسماء الله الحسنى لها طاقة شفائية لعدد ضخم من الامراض ، وأنه بواسطة اساليب القياس الدقيقة المختلفة في قياس الطاقة داخل جسم الإنسان اكتشف ان لكل اسم من اسماء الله الحسنى طاقة تحفز جهاز المناعة للعمل بكفاءة مثلى في عضو معين في جسم الإنسان ، و ان الدكتور ابراهيم كريم استطاع بواسطة تطبيق قانون الرنين أن يكتشف ان مجرد ذكر اسم من اسماء الله الحسنى يؤدي الى تحسين في مسارات الطاقة الحيوية في جسم الإنسان . و قال : و المعروف ان الفراعنة أول من درس و وضع قياسات لمسارات الطاقة الحيوية بجسم الإنسان بواسطة البندول الفرعوني . ثم ذكر جملة من اسماء الله الحسنى في جدول و زعم أن لكل اسم منها فائدة للجسم او علاج لنوع من امراض الجسم ، و وضح ذلك برسم لجسم الإنسان و وضع على كل عضو منها اسما من اسماء الله . و هذا العمل باطل لأنه من الإلحاد في اسماء الله و فيه إمتهان لها . لأن المشروع في اسماء الله دعاؤه بها كما قال تعالى : ( فادعوه بها ) و كذلك اثبات ما تتضمنه من الصفات العظيمة لله .... لأن كل اسم منها يتضمن صفة لله جل جلالة ... لا يجوزأن تُستعمل في شيء من الأشياء غير الدعاء بها ، إلا بدليل من الشرع .
ومن يزعم بأنها تُفيد كذا و كذا أو تُعالج كذا و كذا بدون دليل من الشرع فإنه قول على الله بلا علم. . و قد قال تعالى : ( قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها و ما بطن و الإثم و البغي بغير الحق و ان تشركوا بالله مالم ينزل به سلطانا و أن تقولوا على الله مالا تعلمون ) . فالواجب اتلاف هذه الورقة .
و الواجب على المذكورين و غيرهم التوبة الى الله من هذا العمل و عدم العودة إلى شيء منه مما يتعلق بالعقيدة و الاحكام الشرعية .
و بالله التوفيق
قاله / سمتاحة مفتي عام المملكة العربية السعودية الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ
نُشرت في جريدة اليوم السعودية
كتبها / البدر المنير
============(45/361)
(45/362)
الإيمان بربوبية الله تعالى
سبق أن أساس التسليم المطلق من العبد لربه سبحانه وتعالى، هو الإيمان بالغيب، وهو كل ما أخبر الله به عباده في كتبه، وعلى ألسنة رسله، عليهم الصلاة والسلام، وذلك شامل لما أخبر به تعالى عن نفسه، أو عن ملائكته، وكتبه ورسله واليوم الآخر، والقدر خيره وشره، وتلك هي أصول الإيمان، وفي حكمها كل التفاصيل الإيمانية الواردة في الكتاب والسنة-الثابتة-من أخبار الغيب، ما مضى منها وما سيأتي، ولهذا كانت أول صفات المتقين هي الإيمان بالغيب، كما قال تعالى: {ا لم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين الذين يؤمنون بالغيب}البقرة:3.
الإيمان بالغيب يميز الإنسان عن الحيوان
و الإيمان بالغيب يفرق بين الإنسان والحيوان الذي لا يشعر إلا بالمحسوسات المادية، من طعام وشراب ونحوهما، ولهذا كان الكافر من البشر أضل في ميزان الله من الحيوان، كما قال تعالى: {ولقد ذر أنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون}. الأعراف: 179
ومن الإيمان بالغيب الإيمان بأن الله تعالى، هو وحده خالق الكون بسماواته وأرضيه، وما فيهما وما بينهما، وأنه سيدها ومدبرها إذا أراد شيئا قال له كن فيكون.
شذوذ منكر وجود الخالق
وقد اتفقت على وجود خالقٍ لهذا الكون ومدبر لشؤونه الأمم كلها، على تعاقب أجيالها-وإن اختلفت تصوراتها لهذا الخالق المدبر-ولهذا كان هذا الإقرار من كل الأمم سببا في استدلال الرسل عليهم الصلاة والسلام به على كون هذا الخالق المدبر هو وحده الذي يستحق أن يعبد، ولا يستحق العبادة سواه، وهذا المعنى أي كون الله وحده يستحق العبادة دون سواه-هو الذي كان الكفار ينكرونه-بخلاف المعنى الأول -وهو كون الله هو الخالق المدبر-فإنهم كانوا يقرون به، وكان هو حجة الرسل عليهم فيما أنكروه.
والذين أنكروا كون الله هو الخالق المدبر، كانوا قلة شاذة في العالمين، وكان إنكارهم صادرا عن جحود ومكابرة، وليس عن شبهة يحتجون بها، كما قال تعالى: {وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا} [ النمل: 14].
وإنكار هذه الفئة الشاذة لوجود الخالق المدبر، هو أعظم مكابرة من إنكار كون الله تعالى هو المعبود الحق وحده، والذي لا يعترف بوجود الخالق المدبر للكون، لا ينتظر منه أن يقر بوجود معبود واحد من باب أولى، بخلاف من أقر بوجود الخالق المدبر، فإنه-وإن أنكر وجود معبود واحد-لا يستبعد أن يعود عن إنكاره، ويقر بأن الخالق الواحد هو المعبود الحق الواحد، كما وقع ذلك من خلق كثير من المشركين من سائر الأمم.
إ قامة الله الحجة على من أنكر وجوده
ومع أن الرسل -عليهم الصلاة والسلام-لم يكون في حاجة إلى دعوة الناس إلى الإقرار بهذا التوحيد-أي أن الله هو الخالق المدبر-ولا إلى إقامة الحجة عليه، لإقرار عامة الناس به-وتنزيل الفئة الشاذة منزلة العدم-فإن الله تعالى قد أقام الحجة، على من يحتمل أن يكابر وينكر وجوده في أي زمان، أقام الله الحجة بالأدلة والبراهين القاطعة، على وجوده وتدبيره للكون وأنه المالك المتصرف فيه على مقتضى حكمته، وتلك الحجج والبراهين من الكثرة بحيث لا يمكن أن يحصيها إلا من استطاع أن يحصي كل ما خلق الله وأبدع في هذا الكون العظيم، ومن ذا الذي سيقول: أنا لها؟! فالكون كله كتاب مفتوح، لكل البشر، وكل شيء فيه دليل على الخالق المدبر الواحد. وفي -كل شيء له آية تدل على أنه واحد-.
والقرآن الكريم مليء بهذه الحجج والبراهين في هذا الباب، وهو ينتزع تلك الحجج والبراهين من هذا الكون المفتوح، بحيث يستطيع أن يرى تلك الحجج ويعقلها كل الناس، القارئ والأمي،والعالم والجاهل، بمجرد التأمل القليل الذي لا يحتاج إلى جهد جهيد، وليس من السهل استقصاء تلك الحجج والبراهين التي نصبها الله للدلالة على وجوده وتدبيره للكون، في القرآن الكريم، في هذه الرسالة المختصرة، ولكنا سنذكر شيئا منها، والقرآن الكريم موجود ميسر لمن أراد المزيد في هذا الباب.
قال تعالى: {خلق السماوات والأرض بالحق يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى ألا هو العزيز الغفار خلقكم من نفس واحدة ثم جعل منها زوجها وأنزل من الأنعام ثمانية أزواج يخلقكم في بطون أمهاتكم خلقا من بعد خلق في ظلمات ثلاث ذلكم الله ربكم له الملك لا إله إلا هو فأنى تصرفون}. الزمر: 5-6.(45/363)
وقال تعالى: {أمن خلق السماوات والأرض وأنزل لكم من السماء ماء فأنبتنا به حدائق ذات بهجة ما كان لكم أن تنبتوا شجرها ءإله مع الله بل هم قوم يعدلون أفمن جعل الأرض قرارا وجعل خلالها أنهارا وجعل لها رواسي وجعل بين البحرين حاجزا ءإله مع الله بل أكثرهم لا يعلمون أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض ءْإله مع الله قليلا ما تذكرون أمن يهديكم في ظلمات البر والبحر ومن يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته ءإله مع الله تعالى عما يشركون أمن يبدأ الخلق ثم يعيده ومن يرزقكم من السماء والأرض ءإله مع الله قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين}.النمل: 60-64.
وقال تعالى: {أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون أم خلقوا السماوات والأرض بل لا يوقنون}. الطور: 35-36.
وقال تعالى: {قال فرعون وما رب العالمين قال رب السماوات والأرض وما بينهما إن كنتم موقنين}. الشعراء: 23-24.
وإذا كان عامة الناس في غابر الزمان قد أقروا بأن الله هو الخالق المدبر لهذا الكون، وكان دعاة التوحيد-من الأنبياء وأتباعهم-يدعون من أقر بذلك إلى ما كانوا ينكرونه-وهو توحيد الألوهية- ويستدلون عليهم فيما أنكروه من هذا التوحيد بما أقروا به،من توحيد الربوبية انسجاما مع الفطرة التي تلزمهم من ذلك الإقرار، فإن فطر كثير من الناس قد فسدت في هذا العصر، حتى بلغ بها تلاعب الشيطان وإضلاله إلى إنكار براهين هذا التوحيد-توحيد الربوبية-التي لا توازيها براهين، إذ هي قمة البراهين، بل أصبحت دول كبرى في العالم تقوم على أساس هذا الإلحاد، وهو إنكار وجود الخالق ومحاربة من يقربه، والأنكى من ذلك أن أنظمة تحكم شعوبا إسلامية قامت على هذا الأساس، وحاربت دعاة الإسلام وعلماءه الذين قاموا بتبصير الناس بانحرافهم وإلحادهم، ووالتهم أنظمة أخرى في بلدان المسلين علمانية أو شبه علمانية
(6)
الإيمان بالغيب هو الأساس
منطق غريب! هذا، ومع وجود الإلحاد وانتشاره وقيام دول على أ ساسه (1) - وبخاصة في بعض البلدان الإسلامية- يرى بعض المنتسبين إلى العلم، أنه لا حاجة إلى دعوة الناس إلى توحيد الربوبية هذا ا لذي أنكره كثير من أبناء المسلمين-فضلا عمن سواهم-، بحجة أن الرسل-عليهم الصلاة والسلام- لم يكونوا يدعون أممهم، إلى الإقرار بوجود الخالق المدبر للكون وهذا-في الحقيقة -منطق غريب، ودعوى فاسدة وحجة أو قياس أفسد، وما هو والله بمنطق يتوقع صدوره من طالب علم صغير، بله من يحمل مؤهلا في الشريعة الإسلامية، وقد يكون ممن تخصصه الدراسي في أصول الدين!
كيف يستوي في ميزان العلم والعلماء، قوم يقرون بوجود الخالق، فلا يحتاج الداعية إلى إضاعة الوقت في دعوتهم إلى الإقرار بما هم به مقرون، مع حاجته-وحاجة المدعوين-إلى دعوتهم إلى الإقرار بما هم له منكرون، وهو توحيد الألوهية، الذي يدل ما اعترفوا به من توحيد الربوبية، على ما أنكروه من توحيد الألوهية، كيف يستوي هؤلاء وقوم أنكروا هذا التوحيد الذي هو الدليل أشد الإنكار ولا يمكن أن يؤمنوا بألوهية الله وأنه المعبود الحق وحده-وهو المدلول في دعوة الأنبياء-إلا إذا أقروا أ ولا بوجود الخالق المدبر وحده لهذا الكون؟!
والرسل عليهم السلام-وإن لم يكونوا يدعون الناس إلى الإقرار بوجود خالق مدبر للكون، لإقرارهم بذلك أصلا-لم يكونوا يترددون في إقامة الحجة على من كابر وجحد-ولو كان في حقيقة الأمر موقنا بما جحد-فعندما قال فرعون لموسى عليه السلام: {وما رب العالمين} أجابه موسى فورا بقوله: {رب السماوات والأرض إن كنتم موقنين}، واستمر فرعون في جحوده واستمر موسى في إقامة الحجة والبرهان عليه، كما قال تعالى: {قال لمن حوله ألا تستمعون قال ربكم ورب آبائكم الأولين قال إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون قال رب المشرق والمغرب وما بينهما إن كنتم تعقلون قال لئن اتخذت إلها غيري لأجعلنك من المسجونين قال أولو جئتك بشيء مبين}. الشعراء: 23-30
ولم يقل موسى لفرعون: إن سؤالك لا يحتاج إلى جواب وأنت تعلم من هو رب العالمين.
ومع هذا فإنا نحمد الله تعالى على أن إنكار هذا التوحيد الذي لا يوجد أظهر منه في فطر الناس حتى عند الذين يكفرون بدين الإسلام، أو غيره من الأديان، قد أصبح إنكاره خرافة عند أطفال المسلمين الذين لم تدنس فطرهم ولم تجتلهم الشياطين، بل عند غير المسلمين من علماء الكون كالأطباء والفلكيين والجيولوجيين، وغيرهم ممن تجاوزوا موضوع الإقرار بوجود الخالق، إلى الإقرار برسالة الرسو صلى الله عليه وسلم و أن القرآن وحي من عند الله، بناء على ما بهرهم من المعجزات الكونية والآفاقية والنفسية التي أشار إليها القرآن الكريم والتي لم يكن أحد في ذلك الوقت يخطر له ذلك على بال، ولم توجد وسائل تمكن البشر من اكتشاف ما أشار إليه القرآن إلا في السنوات القريبة جدا-مع ما يمتاز به القرآن من الدقة في التعبير والمصطلحات كما هو الحال في علم الأجنة-.(45/364)
والذي يتتبع نشاط مؤتمرات وندوات الإعجاز العلمي في القرآن والسنة المنبثقة عن هيئة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة التي أنشأها الشيخ عبد المجيد بن عزيز الزنداني اليمني في مقر رابطة العالم الإسلامي في مكة المكرمة يتضح له أن إنكار وجود الخالق المدبر لهذا الكون قد أصبح خرافة وإن أصر المكابرون على إنكاره.
لكن ما دام يوجد في الأرض من يظهر عدم الإيمان بهذا التوحيد-سواء أكان من الملحدين الأجانب أم من أذنابهم الذين اتبعوهم من ذرا ري المسلمين، وسواء أكانوا صادقين في إنكارهم أم كاذبين فلا بد من إقامة الحجة عليهم، ولابد من دعوتهم إلى الإقرار بتوحيد الربوبية الذي هو الدليل على توحيد الألوهية.
وقد أبرز علماء الإسلام-قديما وحديثا-الأدلة والبراهين على وجود الخالق المدبر للكون، ومن الكتب النفيسة التي عنيت بهذا الأمر: كتاب (مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة) لابن قيم الجوزية رحمه الله الذي جال في أبوابه وفصوله جولات واسعة في الكون الفسيح بسماواته وأرضه وما بينهما وفي الأنفس التي أودع الله فيها ما يحيي القلوب من الموت ويشفي الأبصار من العمى، وإنه ليذكر رحمه الله أمورا مفصلة في الكون والإنسان، حتى كأنه يعيش في هذا العصر الذي يسمى عصر الاكتشافات العلمية، وفيه ظهر من الحجج والبراهين الكونية والنفسية ما لم يظهر كثير منه في العصور السابقة، بسبب الوسائل والإمكانات التي توافرت فيه ولم تتوافر في غيره، فظهر فيه كثير مما أشار الله إليه أو أشار إليه رسوله، تحقيقا لوعد الله القائل: {قل أر أيتم إن كان من عند الله ثم كفرتم به من أضل ممن هو في شقاق بعيد سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق أولم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد} فصلت: 52-53.
وإذا استقر في نفس الإنسان أن الكون كله أوجده خالق واحد لا يشاركه في هذا الإيجاد أحد وأن هذا الخالق هو المالك لجميع المخلوقات، لأنه هو وحده خالقها ومدبرها، علم هذا الإنسان أنه مخلوق مملوك مدبر لهذا الخالق المالك المدبر، كغيره من المخلوقات، و المخلوق المملوك المدبر لابد أن يخضع لخالقه ومالكه ومدبره، فيمتثل أمره الذي هو فيه مختار، كما يخضع لإرادته في ما هو مضطر، وبطاعته الاختيارية لأمر الخالق يمتاز الإنسان-ومثله الجن-عن سائر المخلوقات المسيرة بأمر ربها القدري، كالشمس والقمر، وسائر الكواكب والأفلاك، والحيوانات والبحار والأنهار والجبال، وغيرها. كما قال تعالى: {ألا له الخلق والأمر}. الأعراف: 54. وقال تعالى {وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة من أمرهم}. القصص: 68.
فالأثر المترتب على الإيمان بأن الله هو الخالق المالك المدبر هو خضوع العبد المخلوق المملوك المدبر، خضوعا مطلقا لأمر الخالق فيما يختار كخضوعه له فيما لا اختيار له فيه، فكما يمرض ويصح، ويحيا ويموت، خاضعا لأمر الله القدري بدون اختيار منه فإنه يؤمن بالله، ويصلي ويصوم ويحج ويتصدق، ويحكم بما أنزل الله، ويفعل كلما يحب الله منه أن يفعل، ويترك كلما يحب الله أن يترك،مختارا خاضعا لأمر الله الشرعي كخضوعه لأمر الله القدري.
ولهذا يترتب على الإقرار بأن الله هو الخالق المدبر المالك الرازق المحيي المميت وحده، الإقرار بأنه تعالى الإله المعبود بحق وحده لا شريك له.
(7)
الإيمان بأن الله هو المعبود الحق وحده
وهذا هو أساس المطالب و العلوم الإلهية كلها، وهو الذي بعث الله تعالى به رسله، وأنزل به عليهم كتبه، وأمرهم أن يدعوا خلقه إلى الإقرار به وأن يبينوه لهم غاية البيان، وهو أساس كل صلاح في الأرض بل في الكون كله ولا صلاح ولا خير ولا سعادة ولا استقامة ولا طمأنينة في الحياة إلا بهذا الإيمان، بل لا يوجد بدونه إلا الفساد والشر والانحراف والقلق والاضطراب. وهذا الإيمان لازم لكل من آمن بأن الله تعالى هو الخالق المدبر لأمر الكون، دون من سواه، لأن الذي يختص بالخلق والتدبير لهذا الكون-ومنه الإنسان-يجب عند ذوي العقول السليمة أن يكون هو وحده الإله المعبود، الذي يأمر فيطاع أمره، وينهى فيجتنب نهيه، كما أنه يقول للشيء كن فيكون خلقا وإيجادا، فيجب أن يطاع أمره شرعا واختيارا.
شمول العبادة لحياة الإنسان(45/365)
وهذا شامل لحياة الإنسان كلها، ولهذا قصر سبحانه وتعالى الحكمة في خلقه الجن والإنس على عبادته، أي إنه تعالى إنما أو جدهم في هذه الأرض من أجل أن يعبدوه، وليس لشيء آخر غير عبادته، كما قال تعالى: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون..} الذاريات 56. وقال تعالى: {قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين}، الأنعام: 162-163. وبأمره ونهيه-وهما ركنا عبادته اللذين تضمنتهما كلمة التوحيد-يبتلي الله تعالى عباده، كما قال عز وجل: {الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا وهو العزيز الغفور}. الملك: 2. وتلك-أي الدعوة إلى أن يكون الله وحده هو المعبود الحق-هي وظيفة الرسل عليهم الصلاة والسلام، كما قال تعالى: {ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت}. النحل: 6
ولشمول العبادة-التي هي لب توحيد الألوهية-لكل تصرفات الإنسان كانت الأحكام التكليفية التي لا يشذ عنها أي نشاط يقوم به العبد داخلة في معنى العبادة، فمن فعل الواجب امتثالا لأمر الله، وهكذا المندوب، أو ترك المحرم طاعة لله، وكذا المكروه، أثابه الله على ذلك كله، وهكذا إذا فعل المباح قاصدا شكر ربه عليه والتقوى به على طاعته، أو تركه خشية أن يوقعه في ما به بأس فإنه يثاب عند الله على فعله وتركه، وإن ترك الواجب أو فعل المحرم كان آثما، ومن رحمة الله بعبده عدم مؤاخذته بفعل المكروه، أو ترك المندوب.
وهذا كله يدل على شمول العبادة لحياة الإنسان كلها، وهو ما فهمه علماء الإسلام من معنى العبادة وبينوه بعبارات متنوعة، مؤداها واحد، ومن أجمع تعريفا تهم وأشملها قول شيخ الإسلام ابن تيمية، رحمه الله:{العبادة اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة.} [مجموع الفتاوى (10/149)].
===========
(1) [لقد انهارت دولة الإلحاد الكبرى-الاتحاد السوفييتي، وبدأت دولة الصين في التراجع المتدرج عن هذا المبدأ البغيض-وتمزقت،وأضحت تتقاتل فيما بينها، وتتسمى بأسماء أخرى-كالاشتراكية-بدلا من الشيوعية والماركسية، لتوهم الناس أنها تخلت عن العار الذي حكمتهم به ما يقارب قرنا من الزمن، ليحافظ أربابها على كراسي حكمهم، وهم في الحقيقة مازالوا ملحدين، وإذا قدروا مرة أخرى-وماإخالهم بإذن الله قادرين-فلا أظنهم يترددون في إعادة إلحاد هم الصريح إلى سابق عهده المنهار. ونحمد لله الذي قضى على دول الإلحاد في بلدان المسلمين وأخزى زعماءهم فتركوا قصورهم التي أورثها الله الذين ظلموهم لما يقرب من ثلاثة عقود. ونسأل الله أن يهدي من بقي من أتباعهم للحق أو يفرق جمعهم، ويشتت شملهم حتى لا تقوم لهم قائمة أبدا]،
كتبه
د . عبد الله قادري الأهدل
============(45/366)
(45/367)
عصرُ الإلحاد .. خلفيته التاريخية وبداية نهايته
تأليف :محمد تقي الأميني الندوي
عرض وتحليل: الأستاذ الدكتور إبراهيم عوضين
هذا الكتاب ـ كما يشير عنوانه ـ يقدم وصفًا لعصر الإلحاد في أوروبا ودوافعه وآثاره ونهايته في نحو ثمانين صفحة من القطع المتوسط مضيفًا حلقة إلى حلقات تلك السلسة الممتدة ، التي نهض بها كثير من مفكري المسلمين في شبه القارة الهندية وباكستان .
وقد اضطر المؤلف إزاء ضخامة الصورة وتعدد عناصرها التي تغطي عصر الثورة الصناعية ومحدودية المساحة التي قدمت فيها .. إلى أن يكثف عباراته لتقدم كل عبارة منها أكبر قدر ممكن من الأفكار المتزاحمة بما تضمنه من آثار .
ومؤلف الكتاب له جولات كثيرة في ميدان الدراسات العقدية والفكرية والمقارنة ، قدم خلالها نحو عشرين كتابًا ، وهو من مواليد الهند سنة 1926م ، وتخرج من الجامعات الإسلامية ، وعُيّن أستاذًا بدار العلوم ندوة العلماء بـ " لكهنو " ثم أصبح مسؤولاً عن التدريس والإشراف على الشؤون الدينية بجامعة " عليكرة " الإسلامية .
وقد ترجم الكتاب إلى اللغة العربية الدكتور " مقتدى حسن ياسين " وكيل الجامعة السلفية بالهند ، وقام الدكتور " عبد الحليم عويس " بمراجعته وإعداده للطبع سنة 1404هـ الموافق 1984م .
والمؤلف إنما رأى في عصر الثورة الصناعية عصرًا للإلحاد ، لأنه لاحظ أن الإلحاد في هذا العصر أصبح علمًا ومنهج حضارة وفلسفة يبشر بها ، ولم يعد سلوكًا فرديًا ولا حتى سلوكًا جماعيًا عارضًا ؛ فقد وجد بالنظر الفاحص أن أوروبا ما اعتنقت النصرانية قلبيًا ورسميًا فحسب لكنها إلى ذلك قد اعتنقت عقليًا وفكريًا وتنظيميًا ما أفاءته عليها الوثنية اليونانية الرومانية والفكر الفلسفي الدائر في هذا المحور ، كما وجد أن فلاسفة كثيرين قد بذروا بذور الإلحاد في نظريات ومذاهب وحاولوا تلفيق أديان جديدة لها بعض السمات الشكلية للدين ، ولكنها من صنع الإنسان نفسه ، ولا علاقة للوحي السماوي بها .
وتحت هذا الستار نفثوها سمومًا في شتى مناحي الحياة الأوروبية جيلاً بعد جيل معتمدين على الهيمنة الإعلامية والثقافية في التبشير بها ، مع إخفاء مضارها الفتاكة .
والكتاب يضم مقدمة وتمهيدًا وأربعة فصول ، عمل المؤلف في أثنائها على أن يقدم لأوروبا في هذا العصر الممتد الصورة العقلية في علاقتها بالروح والقلب، والسلوك الإنساني .
وكانت المقدمة نافذة تلفت القارئ إلى دور السياسة ـ حين تستبد بالأمر ـ في تزييف الدين وإبرازه في هيئة منفرة تتراكم فيها العقائد البالية والعادات والتقاليد القديمة على الرغم مما بين السياسة والدين من توافق إذا كانا متوازنين ، كما تلفته إلى لجوء السياسة لاختراع دين مصنوع يؤازرها ويعينها في إزهاق روح الدين السماوي الخالص والتنفير منه وعزله عن الحياة ؛ حتى يفقد فعالياته الفطرية ، وتلفته إلى منهج المؤلف في استعراض ذلك .
مقررات قرآنية تكشف دور الدين المزيف في هدم الحضارات :
تحت هذا العنوان مهَّد المؤلف لدراسته ، فقدم من الآيات الكريمة ما ينبه إلى تلك النتائج الهدَّامة التي بلغت خمسين أثرًا ، كل أثر منها يكفي وحده في زلزلة كيان البشرية ، وختم هذا التمهيد مقررًا : أن هذه الآثار المدمرة التي بين القرآن الكريم أنها تنشأ عن تزييف الدين ، قد أصابت مسلمي العصر الحاضر ، كما أصابت من قبل النصارى واليهود وغيرهما من الديانات السابقة ، وكانت أبرز هذه الإصابات وقوع المسلمين بين براثن التأويل والتزوير والاغترار والانخداع والاحتكار الديني والطائفي التي وقع فيها من سبقهم من أهل الديانات الأخرى ، على وعد منه بأن يضمن بقية الكتاب الشهادات التاريخية التي تؤكد وقوع هذه الآثار وتوضحها .
الدين قبل النشأة الثانية :
تحت هذا العنوان قدم الفصل الأول ، ويقصد المؤلف بالنشأة الثانية ، النشأة الثانية لأوربا التي سبقت بتسلل عبادة الأوهام النصرانية فانحرفت بها وجعلت منها دينًا ضعيفًا هشًا منقطع الصلة بالإنسان ، من كل ما هيأ الفرصة لتحريف النصوص ، وتمكين العقل البشري من إخضاع الدين لرغباته لمدة تجاوزت ألف عام من سنة 486 إلى سنة 1495م .
ويذكر المؤلف أن عبادة الأوهام تلك قد بدت في عدة مظاهر من أهمها :
1- توهم أن غاية التدين ومنتهى الأخلاق يتمثل في قتل الجسد .
وقد نشأ هذا الوهم من الحكم على الإنسان بأنه مجبول على المعصية مفطور على الشر ؛ فسادت الرهبنة والزهد .
2- وفي مقابل هذا الوهم ساد وهم آخر يعتمد على المكر والخداع ، ليحول الدين إلى طقوس ومظاهر شكلية يتمكن بها من اختراق وهم الرهبنة والزهد ليسود الترف والانحلال فيملأ الفراغ الذي نشأ عن اعتزال الحياة باسم الرهبنة .
3- وفي ظل هذين الوهمين المتقابلين تحول الدين إلى مظاهرة فارغة تحتمي بسلطان الكنيسة لتوفر لمن يبدون التزامهم بها أيسر السبل التي توفر لهم حاجات الحياة من غير جهد ولا عمل .
وباسم نشر الدين انتشرت الحفلات الدينية التي استغلت للتسلية وتحقيق المتع المادية وإشباع النهم الجنسي .(45/368)
4- الاهتمام بالاختلافات في الفروع وتعصب كل لما يراه ؛ من كل ما فرق شمل الدين وجعله ديانات كثيرة يخاصم كل دين منها ما سواه من الديانات الأخرى حتى انتشرت عبادة الأولياء والتماثيل استجابة لروح الصراع المتعصب .
5- سيادة وهم جمود الإنسان ومقاومة كل من يخرج على ذلك بشتى وسائل القهر والمقاومة ؛ من لعن وطرد وسجن وتعذيب بالغ العنف ينتهي بالشخص إما إلى الموت أو إلى التوبة والرجوع عن آرائه كما جاء في توبة " جاليليو " حين قال : إن الأرض تتحرك فواجه من أسباب القهر ما اضطره إلى أن يعلن توبته ورجوعه عن أقواله تلك . قائلاً : " أنا المدعو بـ " جاليليو " في سن السبعين أركع وأنا سجين أما صاحب القدس وأقبل الإنجيل وأعترف بخطأ القول بحركة الأرض وأكره الإلحاد وألعنه " ، وهكذا أفرغ الجو من الدين السماوي الخالص لا ليسود الدين السياسي فحسب ؛ بل ليسود ، وليتعاون مع الفساد البشري والاجتماعي كي يظل محتفظًا بسلطانه وتسيده .
حركة الإصلاح الديني :
وفي الفصل الثاني تعرض لحركة الإصلاح الديني في أوروبا ، فلم يكن ممكنًا أن ينال هذا الفساد كل التأييد والرضا من جميع الناس ؛ فالفطرة البشرية المستقيمة تظل تبحث - مهما بلغ ضعفها - عن وسيلة للخلاص من الشذوذ والانحراف السائد .
1- وقد رأى الباحثون الأوروبيون أن أوروبا استفادت كثيرًا من الاتصال بالمسلمين والوقوف على الدين الإسلامي في أثناء الحروب الصليبية وما أمدتهم به مراكز الأندلس العلمية ، وتمثلت تلك الإفادات في اقتباس علوم الطبيعة والنجوم والفلسفة والرياضيات من المدارس العربية ثم أخذت تنتشر في أوروبا منذ القرن الرابع عشر كما صرح بذلك " جان ديوت يورث " و " رينان " وغيرهما .
2- وكان من أبرز ثمار ذلك ظهور شخصيات أوروبية عنيت بالإصلاح الديني مثل " جان كالفن " 1509 ـ 1564م و " إيراسمس " 1466 ـ 1536م" و " مارتن لوثر " 1483 ـ 1546م ، وعلى الرغم من تعرض هؤلاء الإصلاحيين للطرد واللعن والسب بناء على أحكام محاكم التفتيش أثمرت جهودهم الإصلاحية تأسيس فرقة " البروتستانت " في ألمانيا ، ثم انتشرت في أوروبا حتى سيق قادتها ومعتنقوها إلى محاكم التفتيش ؛ لمعارضتهم طريقة حياة البابا لإسهامهم في التقدم العلمي والحضاري المناهض للدين الجامد الذي كان يسود أوروبا ، ولم يكن هؤلاء الإصلاحيون -الذين نهضوا بحركات الإصلاح الديني- مقطوعي الصلة بعامة الناس ، فقد صادفت هذه الحركات اتجاهاً أوروبياً يميل إلى الإصلاح وينشده ؛ فكانت البداية الإصلاحية في أوروبا قائمة على الدين الصحيح ، حتى ذهب بعض المفكرين إلى أن أساس جميع الحركات التقدمية في أوروبا قد قام على الدين الصحيح ، وذهبوا إلى ما هو أعمق من ذلك وأبعد وهو أن الغريزة الدينية طبيعة في الإنسان .
3- ومع هذا وقعت حركات الإصلاح الأوروبية في أخطاء كان من أبرزها :
(أ) الفشل في إيجاد توازن بين العقل والعواطف .
(ب) العجز عن التوصل إلى كيفية صحيحة للإيمان .
(ج) عدم بذل الجهود المخلصة لتوضيح التوافق بين الإصلاح والسنن الطبيعية .
(د) عدم الاهتمام بربط الإصلاح بالناحية الإيجابية للشؤون الاجتماعية
والحضارية.
(هـ) عدم المزج في الإصلاح بين العقل والقلب ولا الاهتمام بإيجاد التوازن بين الدين والدنيا حتى تحل مشكلات الحياة وكان نتيجة ذلك أن جاء الإصلاح محدودًا جدًا .
ويدعم المؤلف ملاحظاته تلك بعدة شهادات تاريخية صدرت عن " هـ . و ويكمن " و " أ . ج . جرانت " .
4- وفي استعراض المؤلف لمقومات حركة الإصلاح ذكر أن ضعف الدين وفشله كان أهم مقومات نجاح حركة الإصلاح .
هذا إلى أنها وسعت نطاق الفكر واتجهت إلى إعادة عصر الترف اليوناني السابق وتغيير صورة المجتمع بما فرضت عليه من اختلاط مشين فيما تبنته من حفلات ومجالس تشتمل على الرقص والغناء والعروض السافرة وتوجيه المناهج الدراسية إلى كل ما يتصل بالنفس الإنسانية وإنشاء أساليب جديدة للصناعة وإضعاف سلطة الملوك والأغنياء ، وتشجيع حركة الكشوف الجغرافية ، وما تمخضت عنه من تأسيس المستعمرات الأوروبية .
5- ومع تغير صورة أوروبا ونشوء عالم جديد فيها نتيجة هذا الإصلاح .. أصبحت الحاجة ماسة إلى دين شامل للتوجيه والإرشاد بما يحتويه من تعاليم شاملة ، ولكن هذا العالم الجديد لم يحظ بهذا الدين ؛ إذا اكتفى بتلك الصورة الباهتة الضعيفة للدين ؛ فلم يتوفر له من أسباب التوازن ما يحميه من تغلب الجانب المادي على الجانب الروحي ، بل زاد من عنف الانحراف إلى الجانب المادي أن الدين النصراني الذي فُرِّغ من أهم خصائصه .. وأصبح مقصورًا على الرهبنة ومعاداة التطور وأصبح ملهاة يتسلى بها القائمون على العالم الجديد ، ففقد كل أدواره الحيوية لتخلفه التام عن التطور ، ولفقدانه ما يقدمه لحركات الإصلاح من دعم يتلاءم مع ما جد من تغير .(45/369)
مع هذا كله .. أصبحت الحاجة ماسة إلى دين يتخلى عن بعض مبادئه الأساسية ويتفاهم مع الأفكار الحديثة ويتفاعل مع الحياة الاجتماعية بكل جوانبه على أن لا يتدخل في الشؤون الأخرى ؛ فكانت النصرانية الجديدة التي طورها " بولس " هي التي تستطيع أن تقوم بذلك الدور ، وما زالت أوروبا تعيش إلى اليوم في ظل هذه التركيبة الغريبة التي تقوم على التمسك بدين ذي عقيدة ميتة وبعض عادات وسلوكيات لا تحقق للنفس إلا التسلية والمتع الجسدية التي استمدها في أوروبا من هيمنة آثار الحضارة الرومانية عليها كما أوضح ذلك " جيبون " في كتاب سقوط الإمبراطورية الرومانية .
وبذلك لم تتوافر أية قوة للتفكير الديني في نشأته الثانية على يد حركة الإصلاح اللوثرية ؛ فانتشر التفكير اللاديني .
العصر الحديث وأحواله الخاصة :
وفي الفصل الثالث تحدث المؤلف عن أوروبا في العصر الحديث الممتد من القرن السابع عشر إلى القرن التاسع عشر فذكر أن أوروبا في هذا العصر كان يسيطر عليها الاتجاهات اللادينية على اختلاف مظاهرها ، وذلك لأن الدين الحقيقي لم يكن ممكنًا أن يتفاهم مع ما نشأ فيها من اتجاهات ونظريات تتلخص في :
1- نظرية القومية والوطنية .
2- المذهب الطبيعي .
3- الحضارة المادية .
أما النظرية القومية فتنسب إلى " ماكيا فيللي " الذي استوردها من روما مع ما استورد منها من العلوم والفنون الأخرى .
ولكنه عرضها بأسلوب جديد مقررًا أن الدولة القومية هي أعلى كيان في الكون وأن الدولة لذلك ليست أخلاقية ولا قانونية ، بل هي سياسية فقط ؛ فهي غير محتاجة إلى الأخلاق ولا إلى الدين ولا إلى القانون .
ولا مانع في الدولة القومية من أن يبقى الدين تابعًا للسياسة وخادمًا لها.
ولإصابة الحياة في أوروبا بالجدب رحبت بنظرية القومية الميكيافيلية ؛ليبقى الدين آلة مستخدمة في يد السياسة كمتعة نفسية أو زينة لمجالس السمر على الرغم من سطحية النظرية القومية بما تقوم عليه من إهمال للأخلاق والسلوكيات .
ولم يقف هذا الترحيب الأوروبي بالميكيافيلية على رجال السياسة ، بل لقد انضم إليهم رجال الدين هناك فأثمر ، ذلك دينا جديدًا هو " الدين الطبيعي " الذي لم يلبث طويلاً حتى حل محل الدين السماوي .
وفي مبحث مستقل عمل المؤلف على التعريف بهذا الدين الجديد ؛ فذكر أنه الذي يبقى حرًا من جميع العادات والتقاليد ، وينبني على الطبيعة الإنسانية فقط وقد نهض بالتبشير به كثيرون مثل : " بودن " و " تورالبا " و " لورد هربرت " ويلاحظ أن هؤلاء جميعًا كانوا حريصين على تحرير الإنسان من سلطة رجل الدين الذي كان يهيمن على كل مقدرات الحياة الأوروبية ؛ ولذلك قام هذا الدين الطبيعي على مقولة : " إن الإنسان يتلقى وحيًا باطنيًا مستمرًا يوجهه ويحرره مع نصائح الموجهين الدينيين ".
مناقشة وتقويم :
ثم أخذ المؤلف يناقش هذه الفكرة تحت عنوان " أخطاء الدين الطبيعي " منبها إلى ما في " الوحي الباطني " من خداع مضلل ؛ إذ لا يمكن أن يصان الإنسان في ميدان الحياة عن الهوى والشهوة الشخصية التي تصيب الفطرة بالانحراف .. وموضحًا أن فكرة " الدين الطبيعي " فكرة قد تخدع في الظاهر ، ولكنها أمام الواقع الإنساني قادته إلى الإلحاد واللادينية ، وذلك لاستحالة بقاء الفطرة مصونة من الزيف والغش بعد وقوعها تحت تأثير الوراثة والتربية .
ومع أن انتشار الدين الطبيعي استلزم التنفير من دين الوحي ، وجدت طائفة أخرى لا ترى حاجة حتى إلى تعاليم الدين الطبيعي ، طلبًا لمزيد من الحرية .
وكان من أثر ذلك أن ظهر في بداية القرن الثامن عشر مصطلح " حرية التفكير " في الأدب الإنجليزي ؛ قصدًا إلى تحرير التفكير من جميع القيود .
وتحت عنوان " أسلوب سيطرة الدين الطبيعي على دين الوحي " ذكر المؤلف أن الدين الطبيعي قد اختار أسلوبًا سياسيا للتغلب على دين الوحي حيث تدرج من الدعوة إلى اختبار كل شيء بالمقياس العقلي فبدا متوافقًا مع الكتب المقدسة .
ثم بالمقياس العقلي قرر أنه " لا يعقل أن يوحي الله إلى بعض الناس مباشرة بينما يحرم البعض الآخر من الوحي بينما هناك من يجهلون الوحي تمامًا " ، ويخلص الدين الطبيعي من ذلك إلى أنه لا حاجة للوحي ؛ لكفاية الدين الطبيعي من جهة ، ولأن الوحي ليس ممكنًا من الناحية النفسية والخلقية .
وهنا يعرض المؤلف لجعل العقل مقياسا في الحكم على شؤون الدين والحياة؛ مقررًا أن التسليم بما للعقل من دور في إثبات الحقائق والأشياء لا يعني أن هذه القدرة مطلقة فالتجربة والمشاهدة تثبتان أن دور العقل في الدين والحياة محصور في مدى محدود ، لا يستطيع الخروج عليه ولو تجاوزه لأصبح تدخله مضرا .
بل إن العقل ليبدوا عاجزًا في أكثر من أوقات الحياة حتى إنه لينحط إلى أودية العواطف والشهوات وينسى دوره في التوجيه ، وإذا وجد توجيهًا ، فإنه لا ينفع ، ولا يؤدي إلى نتيجة .
فمحدودية العقل تحول بينه وبين الأشياء والأمور التي تخرج عن حدوده .. ومن أبرزها أمور الدين ، فالنقطة التي ينتهي عندها عمل العقل ، يبدأ منها عمل الدين .(45/370)
هذا إلى جانب أن العقل بطبيعته سريع التغير والتلون تأثرًا بما يكشفه وما يقف عليه كل يوم ، مما كان يجهله ، بحيث يقع هذا التغير من جيل إلى جيل ، بل في الفرد الواحد من عام إلى عام ، من كل ما يقرر أن العقل لا يصلح مقياسًا لتنظيم الحياة الإنسانية .
ومن هنا يتقرر أن العقل لا يمكن أن يقوم بتحليل دين الوحي ، ولا يمكن أن يعارض أموره الأساسية .
وتقريرًا لهذا قدم المؤلف نماذج تمثل العصور المختلفة ، وتوضح مظاهر الانخداع في قيمة العقل وقدرته ، بدءاً باستحالات الفيلسوف " زينون " المولود في القرن الخامس قبل الميلاد ، والتي استند فيها إلى عقله ، فحكم بأن الحركة خداع ووهم ، وأنها مستحيلة الوجود .
ومرورًا بالفيلسوف " بيركلي " 1685م - 1753م الذي أوصله عقله إلى القول بأن جميع الموجودات إنما هي تصورات ذهنية ، وليس هناك شيء موجود خارج الذهن .
ووقوفاً أمام " هيجل " سنة 1770م _ 1831م الذي وصل بعقله إلى أن وجود الكون قام على أساس التناقض ، واجتماع الشيء وضده . بعد أن كانت عقول السابقين تجزم باستحالة اجتماع الشيء وضده .
وبهذه النماذج الفكرية يثبت أن المقياس العقلي ضعيف ، وأن الشيء الذي يوافق هذا المقياس لا يكون حقيقة قوية ثابتة . ويتقرر بالتالي أن المقياس العقلي لا يصلح لاختبار حقيقة الدين الثابتة .
ويستدرك المؤلف ، فيذكر أن عدم صلاحية العقل لاختبار حقيقة الدين لا يعني تعارض العقل مع الدين ، ولا يعني استغناء الحياة عن العقل ، بل إن للعقل دوراً مهما في شؤون الدين والحياة معًا ، لقيامه ببسط الأدلة التي تدعم المعتقدات الدينية، والتي تمد الحياة بكل جديد .
وهكذا يتقرر أن الدين الطبيعي ، ومذهب حرية التفكير لا يستطيعان أن يقودا سفينة الحياة التي تلعب بها أمواج بحر الشهوات والعواطف إلى ساحل النجاة .
مع الحضارة الحديثة :
ويذكر المؤلف أن الوقوف على حقيقة الدين الطبيعي ، وإصابة العقل والفطرة بالخلل والتشويه ، واستبداد الشهوات والغرائز بسفينة الحياة حتى أصيبت باليأس من الوصول إلى الشاطىء ... كل ذلك كان من نتيجة ظهور الشعور بضرورة الإصلاح وأهميته ، ونظرا لفقد القيادة القوية والبرامج المتوازنة التي تنهض بعبء الإصلاح المطلوب ، فتح المجال أمام بعض الإصلاحيين غير المؤهلين التأهيل المناسب ، فلم يتمكن هؤلاء من الوصول إلى العلاج الحاسم واكتفوا بتقديم المهدئات والمسكنات ، وبرز من بين هؤلاء الإصلاحيين اثنان من المفكرين ، هما " جان جاك روسو " سنة 1712 - 1778م ، و" إيمانويل كانت " سنة 1724- 1804م وهما - كما يقرر الواقع - لم يتجاوزا دور المفكر إلى دور القائد ، ولذلك جاءت إصلاحاتهما محدودة للغاية .
أما " روسو " فقد فرض عليه توجهه الإصلاحي أن يسبح ضد تيار الحياة الجارف في ذلك الحين ، حيث كان الدين والأخلاق في وضع متدهور ، لما ساد من سوء الاعتقاد عن الدين النصراني في البلاد البروتستانية والكاثوليكية بسبب اتهام معظم القساوسة بالانحلال ، وتحول النصرانية إلى مجرد أخلاق شخصية جذابة ، لاتقوم على أصول دينية .
لذلك لم يجد " روسو " مفرًا من أن يواجه تطرف عشاق الحضارة الحديثة بالتطرف في تقويمها ، فلم يلتفت إلا إلى سلبياتها كي يبرز مساوئها في مواجهة الدين والأخلاق ، ومع ذلك كان الدين الذي يدافع " روسو " عنه هو الدين الطبيعي الذي ظهر خلله وقصوره .
ولكنه حاول أن يرفع من قيمته بما قدم من إيضاحات و تفسيرات لم يستطع بها أن يجلي الغموض في هذا الدين ، ولا في حل لغز النصرانية .
كما لم يستطع أن يبين السبيل لصيانة الفطرة من الوراثة وغيرهما من المؤثرات ، حتى يستطيع الإنسان بها أن يصل إلى الدين الطبيعي .
بل إن حياة " روسو " نفسه الأخلاقية قد راحت ضحية الهوى والنزوات ، فكانت حياته مليئة بالمخزيات الفاضحة ، والأعمال القبيحة السوداء .
وأما " كانت " فقد حاول أن يوجه الحياة والفلسفة وجهة جديدة. وكذلك انتهى الحال بـ " كانت " الذي حاول أن يخلص الدين من عيوبه القاتلة : فقد دخل هذا الميدان فاقداً التصور الواضح للدين لانحصاره في الرؤية النصرانية فحسب،ولذلك قرر أن الأخلاق حرة غير مقيدة بقيود الطبيعيات وما بعد الطبيعيات والنفسيات والقضايا الدينية ، فجرد النصرانية من مقومها الأساسي ، وهو الأخلاق.
ولعدم وقوف " كانت " على التصور الواضح للدين ، اضطر إلى الاعتماد على بعض المقولات التي أوقعته في تناقضات خطيرة ، فعلى الرغم من إعلانه الحفاظ على الدين ، نجده لا يولى العبادات الدينية أي نوع من الأهمية ، ولذلك فإن أفكار " كانت " لم تنجح في إخراج الدم الفاسد من جسم الحضارة الحديثة .
ويختم المؤلف هذا الفصل مقررًا أن الشخصيات التي برزت في العصر الحديث ، مع محاولات الإصلاح لم تكن قادرة على أن تنفخ روح الإيمان والعقيدة في القلوب والنفوس ، بعد أن تغيرت طبيعتها الداخلية ، وشوهت فطرتها الإنسانية.
كما فشلت هذه الشخصيات في أن تقود سفينة الحياة المعرضة للطوفان ، كي تصل بها إلى ساحل النجاة .
بعض نظريات الإلحاد :(45/371)
وفي الفصل الرابع قدم المؤلف أربع نظريات ، رأى أنها كانت من أبرز النظريات التي عرفها القرنان التاسع عشر ، والعشرون ، لما أحدثته من آثار في التفكير الأوروبي في هذا العصر ، وهي نظرية التطور لـ " دارون " 1809 ـ 1882م ، التي رأت أن أصل الإنسان حيواني وليس علويًا ، ونظرية الغريزة لـ " مكدوجل " سنة 1817م ، التي حولت دفة الفطرة الإنسانية ونقاءها إلى ظلمة الغريزة ونظرية الجنس لـ " فرويد " 1856 ـ 1939م التي حولت العفة والشرف إلى الجنس المستهتر ، ونظرية الاشتراكية لـ " ماركس " 1818 ـ 1883م التي كسرت المرآة الروحية للإنسان بحجارة الاشتراكية الجامدة .
وفي سبيله إلى ذلك قدم عن كل نظرية دراسة موضحة ، فتتبع نشأة الدارونية ، وحقيقتها ، والإنسان في ميزانها ، ومكانها من الفلسفات السابقة والمعاصرة ، ومكانة الفطرة فيها ، وأثرها في البيئة والإنسان ، وموقف " دارون " من الدين ، وكيف أنه اضطرب في أمر الدين ، فلم يستطع أن ينكره إنكارًا صريحًا على الرغم من أن نظريته تفرض ذلك ، من كل ما يوضح أن فلسفته قد فشلت في حل كثير من مشكلات الحياة .
ومع ذلك عمل بعض رجال الدين النصراني في أوروبا على إيجاد توافق بين نظرية " دارون " وبين نصرانيتهم المحرفة ، فالنصرانية التي ترى أن الإله حل في المسيح وأنه ـ تعالى ـ تحول إلى إنسان لا تختلف كثيرًا عن الدارونية التي ترى الإنسان في صورة متحولة عن الحيوان .ولم يقف في وجه " الدارونية " إلا الإسلام الذي لا يعترف بتحول الإنسان.
وفي حديثه عن نظرية الغريزة ، بين المقصود بالغريزة ، وأقسام الأفعال الغريزية ، موضحًا أنها تقوم على تقرير أن الإنسان صورة متطورة للحيوان ، ولذلك فالغريزة فيه تماثل الغريزة في الحيوان ، وعلى هذا فالدين فيها ليس من أصول الفطرة الإنسانية ، ولكنه وليد عواطف عديدة ، فهو من اختراع الإنسان ،إذ الدين إنما ظهر نتيجة شعور الإنسان بالعجز ، وخضوعًا لعاطفة الخوف .
وفي حديثه عن نظرية الجنس عرض لأصول تلك النظرية ، وما أقامها عليه من مسلمات ، مقررًا أن نظرية " فرويد " لا تنتظم حياة الإنسان بكاملها ، ولا تجري في طبقات الحياة المختلفة ، وأحوالها العامة ، ولكن الفوضى الجنسية لعصر الإلحاد قد جعلت من هذه النظرية العرجاء محور علم النفس الحديث ، فأعطت فرصة كبيرة لتحقيق الفوضى الحيوانية ، والتحرر الغرائزي ، والتفلت من تعاليم الدين ، وقيود الشرف والأخلاق .
وكذلك صنع مع نظرية الاشتراكية ، فذكر أنها حرب دائمة ضد الدين ، وضد جميع ما وراء الطبيعيات ، وأنها على علاقة وثيقة بنظرية " دارون " ، ونظريتي الغريزة والجنس ، فلقد نظر " ماركس " في الاشتراكية إلى الإنسان والكون من وجهة نظر خاصة ، لا يوجد فيها إله ، ولا روح ، ولا دين ، ولا أخلاق ، ولا قيم إنسانية ، بل إنها جميعًا من وضع الإنسان الذي يتبع الأحوال الاقتصادية ، فكانت صورة مكررة للمزدكية التي جعل فيها زعيمها " مزدك " المجوسي المال والأرض مشتركة مثل الهواء ، والماء ، وكان شعارها " الإباحية العامة " و " حرية القول والفعل " .
إفلاس .. وتطلع إلى البديل :
من هذا العرض المزدحم بالصور الجزئية ، يخلص المؤلف إلى أن كل نظريات الإلحاد قد أفلست ـ على الرغم مما واكبها من التقدم العلمي والصناعي المذهل ـ وأن كل المحاولات لتلفيق دين ، أو اختراع دين طبيعي يجد الإنسان المكدود في كنفه راحته واطمئنانه .. كل هذه المحاولات قد فشلت .
ولم تستطع إلا أن تستند في انتشارها إلى أسباب العنف والقهر ، حتى استعانت بالقوة البوليسية لفرضها على الإنسان في بعض الأجزاء من العالم ، واعتمدت في الغالب على الإعلان والدعاية المكذوبة الخادعة " عالية الصوت " .
وكان هذا الفشل المتوالي لهذه النظريات الإلحادية نذيرًا بأن ساعة الانفجار قد أوشكت ، وأن شمس الإيمان قد قاربت أن تشرق من جديد ، في عالم آخر يحكمه المتواضعون لله ، الذين تنبأت الكتب السماوية الصحيحة بأنهم ورثة الأرض : ( ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرضَ يرثُها عباديَ الصالحون * إن في هذا لبلاغًا لقومٍ عابدين )[الأنبياء:105 ، 106 ] .
بهذه الرؤية المتفائلة ـ بعد تلك الجولة الشاقة المرهقة ـ ختم المؤلف الأستاذ " محمد تقي الأميني " ، فجاءت خاتمته بصمة إسلامية يمتاز بها الإسلام من دون غيره ، حيث أشاع الطمأنينة في نفوس القارئين إلى أن الإنسان مهما ضلت به أقدامه في مسيرة الحياة .ومهما شطحت به أفكاره واضطربت .. لابد من أن يعود في النهاية إلى بوابة الأمان والتوازن .
ولقد بذل المؤلف جهدًا شكورًا في ربط أطراف الأحداث على تشتتها وتوزعها ، ليشكل منها تلك الصورة المتكاملة ، مستهينًا في سبيل ذلك بما تحمله من جهد مضن .
ثم ضاعف ما بذل من جهد في تحميل نفسه عناء إجمالها في تلك الحدود التي تفرضها مساحة الكتاب بدلاً من أن يشغل بها مئات الصفحات التي قد تتجاوز الألف .(45/372)
ولكنه بذلك التكثيف فرض على قارئه أن يشاركه في تحمل الجهد المضني الذي يجعله يخرج من الكتاب ـ بعد الإعادة والتأمل ـ لاهثًا ، متلاحق الأنفاس ، مكدود الفكر ، فلعل فيما قدمت ما ييسر على القارىء أمره ، والله المستعان .
==============(45/373)
(45/374)
الأساس الإلحادي للمفاهيم الغربية
د. أحمد إبراهيم خضر
الإلحاد كما يقول (القرطبي): هو التكذيب. وأصل الإلحاد في لغة العرب هو العدول عن القصد، والجوْر عنه والإعراض، ويستعمل للإشارة إلى كل معوج غير مستقيم، وقيل: إنه الكفر والشرك.
والإلحاد نتيجة لازمة لحالة النفس التي استنفدت كل إمكانياتها الدينية، فلم يعد في وسعها أن تؤمن. والإلحاد في الغرب كما يقول (عبد الرحمن بدوي) يتجه مباشرة إلى «الله» وينكر الدين. وعلى هذا الأساس نجد أن المفاهيم الغربية: كالتنوير، والعقلانية، والنفعية، والعلمانية، والوضعية: التجريبية والمنطقية والإمبيريقية والبراجماتية والحداثة وما بعد الحداثة...إلخ: كلها مفاهيم أساسها إلحادي، ومن ثم فهي غير محايدة.وهي شديدة التداخل بعضها مع بعض، وفدت إلينا من الغرب، وانفعل وتفاعل معها بعض باحثينا، رغم أنها جميعاً وبلا استثناء تصب في نهر واحد: هو معاداة الدين، ومحاولة فصل الأخلاق عنه.
التنوير كما يصفه (عاطف أحمد): هو مركز الحداثة الغربية، وهو مرحلة من مراحل الفكر الأوروبي تميزت بالتأكيد على الخبرة والعقل الإنساني، وظاهرياً ليس في ذلك شيء، لكنه ارتبط بعدم الثقة بالدين، وبسلطة التقاليد، ورفض الوصاية الدينية على الفكر وشؤون الحياة. وارتبط التنوير أيضاً بالنشأة التدريجية للأفكار التي تبنتها المجتمعات الغربية: كالليبرالية، والعلمانية، والديموقراطية.
ينظر التنوير إلى الكائنات البشرية نظرة مادية، ويؤمن بقدرة الإنسان على تحقيق التقدم من خلال التعليم والبحث العلمي الهادف للسيطرة على الطبيعة؛ في الوقت الذي يُعلي من قيمة المنفعة في المجال الاجتماعي والأخلاقي. و «النفعية» هنا تقوم على مبدأ: أن اللذة أحسن وأفضل من الألم، والمنفعة هي السعادة الكبرى لأكبر عدد من الأفراد، والوصول بالسعادة إلى أقصى حد ممكن هو الهدف الأساسي والنهائي للجنس البشري، ولا يتم ذلك إلا عن طريق اللذة، فلا شيء مرغوب لذاته سوى اللذة، وليس هناك نوع من اللذة أفضل من الآخر. وترتبط النفعية «بالبراجماتية» وهي النظرية التي ترى الآثار الملموسة تجريبياً والمتضمنة في فكرة ما أو في قضية ما، هي التي تكوِّن معنى القضية، وتعتبر في نفس الوقت معياراً لصدقها. وتنظر «البراجماتية» إلى «المنفعة» على أنها المعيار الأساسي لكل قيمة.
أما أساس الفكر التنويري كما يرى (غانم) هنا فهي المقولة المعروفة: «لا سلطان على العقل إلا العقل». وقد شغلت قضية العقل الفلسفة الغربية لألفي سنة؛ مما أدى إلى التطرف في تأكيد مكانة العقل وسلطته في المجتمع البشري، وأعلت من قيمته ليقف في مواجهة الإيمان والسلطة الدينية والمسائل الروحية، ويرى (سمارت) في الموسوعة الفلسفية أن روح عصر التنوير العقلانية النقدية وجهت ضد الحقائق المنزلة في الكتب المقدسة، ويرى أيضاً: «أن أفضل استخدام للعقلانية على المستوى الديني سلبي تماماً، وأنها في نهاية المطاف حركة مضادة للدين ذات نظرة نفعية، لا تلقي بالاً للقيم الأخلاقية، وتعطي وزناً أكبر للمناقشات العلمية والتاريخية المضادة للإيمان.
ومن هنا تحددت «العقلانية» على أنها مذهب فلسفي، يرى أن كل ما هو موجود مردود إلى مبادئ العقل. وتداولت المعاجم والدراسات هذه الصيغة العقلانية، وتكررت في مؤلفات مؤرخي الفكر في شتى اللغات، وأضحى مفهوم «التنوير» ملازماً لمفهوم «العقلانية»؛ على أنها العمل بمبادئ العقل. سُمّي القرن الثامن عشر في فرنسا بـ (عصر التنوير). واعتاد مؤرخو الفكر على أن يطلقوا لقب «فيلسوف» على كل من كتب بروح جديدة في هذا القرن، سواء أكانت كتاباته في التاريخ أو العلوم أو الدين أو القانون أو السياسة. وسُمّي هذا القرن أيضاً بـ «قرن الفلاسفة» كرديف لمن خالف الشائع، فترسخ معنى «العقلانية» على أنها بناء كل الإنتاج الذهني ممحوراً حول العقل وقدراته، وتحولت «العقلانية» لتعني الثقة الكلية بالعقل، والإيمان بقدرته ورفض ما عداه من سلطة بما فيها السلطة الدينية.
هناك تطورات اقتصادية واجتماعية رافقها تقدم نوعي في مختلف العلوم مهدت لظهور العقلانية والتنوير، ودفعت من ثَم إلى قطيعة شبه كاملة مع الدين. وحين حدث الانقلاب الواضح في أسس وآلية المنهج العلمي، وحين استتبت التجربة والاستقراء كمنهج في علوم كثيرة: كالرياضيات، والهندسة، والميكانيكا، انتقل هذا المنهج بتأثير التحولات الاجتماعية إلى الميادين الأخرى، وأهمها الدين والأخلاق، وأضحى أداة اليقين والعلمية، فشاع بعد ذلك «أن كل معرفة يقينية لا بُدّ أن تستمد يقينها من الواقع ومن قابليتها للتعميم عليه، وليس الدين». ومن هنا طالب المفكرون الغربيون بتأسيس الأخلاق على العقل وحده وليس الدين، مؤمنين باستحالة التوفيق بين الوحي والعقل، وبين الإيمان والعلم، وبَشَّر بعضهم بدين جديد أسماه «الدين الطبيعي» الذي لا يقوم على وحي ولا هو بحاجة إلى هرمية كهنوتية، ولا إلى عناية إلهية أو تناسق مسبق، بل على ما فطرت عليه طبيعة الإنسان ووهبته من أخلاق تمكنه من إقامة مجتمع تحكمه الأخوة والمساواة.(45/375)
وهناك بعض التعريفات التي تربط العقلانية «بالإمبيريقية» بصورة مباشرة، منها أن العقلانية هي كل تفكير، أو فعل واع منبثق من قواعد المنطق والمعرفة الإمبيريقية؛ حيث تترابط الأهداف ارتباطاً منطقياً، وتتحدد وسائل أكثر ملاءمة، وتعرَّف الإنبيريقية أو «التجريبية»: بأنها كل ما يقوم على الملاحظة والتجربة، ويُستخدم هذا المصطلح ليشير إلى الملاحظات والقضايا التي تعتمد أساساً على الخبرة الحسية، أو التي تشتق من الخبرات التي يتم التوصل إليها عن طريق «المنهج الاستقرائي» وهو العملية المنطقية التي تستنبط عن طريقها التعميمات من وقائع جزئية؛ أي الانتقال من الحكم والأمثلة الفردية إلى المبادئ العامة. وقد ذهب المفكرون الغربيون بـ «التجريبية» إلى جميع الحقول في العلم والمعرفة وحتى الدين، ثم إلى عمق ما يُسمّونه «بالوضعية» بحيث تكون الحواس والتجربة المصدر الوحيد لكل معرفة يقينية، مبقية للعقل القدرة على الربط بين معطيات الحواس وتذكرها، ويرون أن الأفكار تنشأ من هنا، ومن بين هذه الأفكار ما يطلقون عليه «فكرة الله». ويرى مفكرو الغرب كذلك أنه لا وجود لقوانين أو معطيات قَبْلية سابقة على التجربة، والتكرار هو الذي يجعل المعرفة عادة، وعلى هذا الأساس لا يعترفون بكل المعطيات الدينية؛ لأنها تمثل معطيات سابقة على التجربة. وخلاصة ذلك: أنه لا حقائق معرفية في مجال الدين؛ لأن الحقائق الدينية في نظر مفكري الغرب هي موضوع إيمان وليست موضوع معرفة. وحسبنا هنا في بيان تعارض الإمبيريقية مع العقيدة ما اعترف به الباحثون العرب من أن الإمبيريقية تستند إلى ما يسود العلوم الاجتماعية من اتجاه علماني، ومن اهتمام بمسائل علمانية، ولأن «الإمبيريقية» تعتمد فقط على الأساليب الفنية؛ فإنها ترفض أي فكر، وترى بصراحة أن كل ما لا يخضع للتجريب فهو باطل.
و «الوضعية»: فلسفة ظهرت على يد المفكر الفرنسي «أوجست كونت» الذي ولد في «مونبيليه» لأسرة تقليدية كاثوليكية فقد الإيمان وهو في السادسة عشرة من عمره، وتحول إلى شاب متحرر يقرأ لـ «فولتير»، وسعى لإبعاد الله باسم الدين، وكان يقول إنه مستعد لتقدير الله تاريخياً بشرط الانتهاء منه ومن ذكره نهائياً.
سَمّى الشيخ (مصطفي صبري) فلسفة كونت بـ «الفلسفة الإثباتية» ووصمها بالإلحاد. استغرق تأليف هذه الفلسفة من «كونت» اثني عشر عاماً، وخلاصتها: إحلال الروح العلمية محل الروح الدينية، وحل مشكلات الأخلاق والدين. رأى «كونت» أن فلسفته الوضعية لن تجعل هناك حاجة إلى الدين، كما حاول أن يصطنع أخلاقاً وضعية بعيدة كل البعد عن أي فكرة دينية، وخالية تماماً من أي مصدر إلهي. المطلق عند «كونت» لا وجود له في العالم، والمطلق الوحيد عنده هو أن كل شيء نسبي. والأديان عنده ولدت من الخزعبلات القديمة، وفي رأيه أن الدين يجب أن يبقى شكلاً، ولا بُدّ أن يتغير محتواه، ولهذا انشغل في أواخر عمره في صياغة دين عالمي بلا إله، أبقى فيه على الطقوس، وبدلاً من أن يتجه الناس إلى عبادة إله غير مرئي جعلهم يتجهون إلى الإنسانية لعبادتها، وأعلن نفسه البابا الأعلى للإنسانية. المرأة عند «كونت» هي الأجدر بالعبادة؛ لأنها محل لتحقيق أماني الصداقة والعشق. وتاريخ كونت الشخصي يكشف أنه أنه كان مصاباً بأمراض نفسية وعقلية، كما كان متزوجاً من بغي كان يقوم بالتستر عليها من الشرطة. كما يكشف تاريخه أيضاً أن فلسفته الوضعية هذه كانت ثمرة علاقته بامرأة سجين فرنسي أحبها، وكتب لها ما نصه: «لقد بدأت الوضعية الدينبة فعلاً في لقائنا الأول يوم الجمعة 16 مايو 1845م». والحقيقة هنا هي أن الفلسفة الوضعية ليست أصلاً من بنات أفكار «كونت» وإنما هي من أفكار أستاذه (سان سيمون) الذي تتلمذ على يديه ست سنوات. عرَّف (سان سيمون) الوضعية بأنها تطبيق المبادئ العلمية على جميع الظواهر الطبيعية والإنسانية وفهمها في ضوء هذه المبادئ فقط (لا الدين)؛ فالدين عنده يمثل طفولة الإنسانية، أما العلم فهو إطار محقق وصادق من المعتقدات الراسخة التي تحل محل الدين، والعلوم الوضعية هي التي ستتصدى في نظره للنفوذ الرجعي للأديان. التفكير الغيبي عند (سان سيمون) تفكير مزيف يجبر العقول على الطاعة العمياء.(45/376)
وتكمن خطورة (سان سيمون) في اتصالاته القوية باليهود والماسونية؛ مما يوحي بالدور اليهودي والماسوني في إطلاق هذه االمفاهبم. ويقول «جي نورمانو» الأستاذ في جامعة هارفارد كاشفاً النقاب عن خطورة هذا الرجل: «كل العلوم الاجتماعية خصبتها كتابات (سان سيمون): الاشتراكية من صنعه، وهو في نفس الوقت نبي الرأسمالية. أثر (سان سيمون) في الاقتصاد والفلسفة والتاريخ والدين وللسياسة، وهو الذي صاغ مسودة عصبة الأمم في عام 1814م، وهو فوق ذلك كله يعتبر قائداً للنخبة الجديدة من السياسيين والصحفيين ورجال التقنية والصناعة، وهو المتحدث الرسمي باسم الجيل الذي يحمل روح التحديث الثائرة. كان (سان سيمون) منذ طفولته ميالاً إلى التحرر من الدين الذي رأى فيه اختراعاً قامت به الإنسانية، وكان يرى أن الإنسان هو الذي اخترع الله مدفوعاً بدوافع مادية، وأن فكرة الله ناتجة عن دورة السائل العصبي في المخ. (تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً)(1).
أثرت الفلسفة الوضعية على الإسلام والمسلمين تأثيراً مدمراً؛ وقد انخدع بها بعض شيوخ الأزهر، ولم يعرفوا كنه حقيقتها. امتدحها الشيخ (فريد وجدي)، وكانت وراء كتاب علي عبد الرازق (الإسلام وأصول الحكم) كما أنها كانت وراء أفكار (طنطاوي جوهري)، ولا نعتقد أننا نجانب الصواب إذا قلنا إنها كانت أحد المعاول الرئيسة في القضاء على الخلافة الإسلامية بعد أن تبنتها جمعية (الاتحاد والترقي) في تركيا التي آمنت بمبدأ الفصل بين السلطة الزمنية والسلطة الروحية وهي الدعامة التي تغلغلت بها الفلسفة الوضعية إلى الشرق. رحبت المحافل الماسونية، وخاصة محفل «سلانيك» بإيطاليا بجمعية (الاتحاد والترقي) وكانت جلسات هذه الجمعية تعقد في غرف هذه المحافل التي يستحيل على الجواسيس أن يصلوا إليها.
أما «الوضعية المنطقية» كما يصفها (محمد المياري) فقد تطورت من وضعية كُوِّنت وتأسست على يد جماعة تسمى بـ «جماعة فيينا». وما يهمنا من هذه الفلسفة هو عداؤها للدين الذي بنطوي تحت محاربتها للميتافيزيقا؛ فهي ترفض لغة الميتافيزيقا، وتصفها بأنها لغة زائفة، يمكن تكذيبها، ولا تخرج عن كونها مجرد لغو، وتشكل أشباه قضايا، وليست قضايا، كما ترى أن الخبرة الحسية هي المجال الوحيد الذي يمكن أن تبحث فيه أي قضية والذي يمكن للإنسان أن ينهل منه أحكامه العملية، وما لا يرتد إلى الخبرة الحسية عند هذه الوضعية لا معنى له.
أما «العلمانية» فلا تحتاج إلى كثير بيان؛ إنها كما شرحها (شريف يونس): ذلك المبدأ الذي ينادي بفصل الدين عن الدولة وعن التعليم العام، وتحويل الدين إلى شأن خاص بالفرد، وكفالة حق الأفراد في تغيير عقائدهم كيفما شاؤوا. وتنطلق «العلمانية» من رؤية إنسانية غير دينية للعالم تحرر الفرد من الخضوع لما هو غيبي ومطلق. ويرى (محمد الحارثي): أن مفهوم فصل الدين عن السياسة هو المفهوم السائد للعلمانية عند العرب. إلا أنه يوضح أن العلمانية الآن تحاول أن تظهر أنها ليست منكرة لوجود مسلَّمات دينية بمعناها الشمولي. ويوضح (الحارثي) كذلك: أن الخطاب العلماني في منطقتنا العربية مساير للخطاب السياسي، وهو خطاب موجه في أساسه إلى عقلنة المجتمع فكرياً، واجتماعياً، وسياسياً. وكان هذا من أبرز الأسباب التي أدت إلى إثارة الخطاب الديني وحوَّلته إلى خطاب تصادمي مع الخطاب العلماني في المنطقة العربية، وخاصة أن العلمانيين كانوا قد اتجهوا إلى وسيلة ما يسمى بـ «بنقد التراث من داخله» بقصد تفعيله في تجديد الفكر العربي، كما انصب على ما يُسَمّى «بفقه الواقع» من تلك المواد التراثية وعدم استصحاب «فقه النص» بل كانوا يحاكمون فقه النص. كما كانوا يقابلون بين الواقع بكل مدخلاته المحلية والخارجبة وبين التراث والنص اليقيني بصفة خاصة، تمهيداً لما يُسَمّى «بأنسنة الدين»؛ أي اعتباره إنسانياً منقطع الصلة بالله، وعد التراث جميعه المقدس، وغير المقدس منتجَ الخبرة الإنسانية.
أما «الحداثة» فمن أبرز صفاتها عدم القدرة على تعريفها، حتى إن الحداثيين أنفسهم أخفقوا في تحديد مفهوم دقيق لها، وعرَّفوا الحداثة بعد الجهد بالحداثة. ظهر المفهوم أولاً مرتبطاً بفن العمارة في عام 1945م؛ حيث كانت تعني الخروج على كل ما هو نمطي ومألوف برؤية ثورية تعيد صياغة العمارة؛ باعتبارها نشاطاً فنياً وإنسانياً، يتمتع بحرية تامة، ولا تحده قيود. ثم امتد المفهوم كغيره من المفاهيم إلى ميادين الحياة الأخرى، فأعيد تعريفه ليعني: وجهة نظر خاصة تدور حول إمكانات الحياة الاجتماعية البشرية، تجد جذورها في التنوير، وتتأسس على الإيمان بالتفكير العقلاني، ومن ثم تنظر إلى الحقيقة والجمال والأخلاق كحقائق موضوعية يمكن اكتشافها ومعرفتها وفهمها من خلال التفكير العقلاني والوسائل العلمية، وليس عن طريق الدين.(45/377)
المجالات الثقافية المختلفة من المنظور الحداثي تتمايز ويستقل بعضها عن بعض استقلالاً تاماً؛ بحيث ينفصل كل مجال عن غيره، ويضع لنفسه معاييره حسب طبيعته ذاتها، وليس من أي شيء خارجها؛ بحيث يكون هناك تمايز واضح بين الثقافة العلمانية والثقافة الدينية. وهذا يعني أنه لا ارتباط بين الدين من ناحية، والتعليم أو الفن أو السياسة أو الاقتصاد من ناحية أخرى، فلا يستطيع الدين أن يفرض معاييره على الفن أو السياسة أو الاقتصاد. وتؤكد الحداثة هنا على الأخلاق بصفة خاصة، وترى أنه لا يجب أن تستند إلى الدين وألا بفرض الدين معاييره عليها؛ لأنها من المنظور الحداثي تقوم على قوانين الطبيعة أو العقل.
ومن ناحية أخرى تعرِّف «الموسوعة البريطانية» الحداثة بأنها: حركة ظهرت في أواخر القرن التاسع عشر، وأوائل القرن العشرين، تدعو إلى إعادة تفسير التعاليم الكاثوليكية التقليدية في ضوء النظريات التاريخية والفلسفية والنفسية، وتدعو إلى حرية الضمير، وترى أن العهدين القديم والجديد مقيدان بزمانهما، وأن هناك تطوراً في تاريخ الديانة الإنجيلية. تبنّى المثقفون العرب هذا المفهوم للحداثة، واعترف بعضهم بعدم فصل الحداثة العربية عن الحداثة الغربية، ونظروا إلى الحداثة على أنها وحدة متجانسة مشعة عالمياً من الغرب، ولهذا حاولوا إسقاط الفهم الغربي للحداثة على الإسلام والقرآن؛ فقاموا بتفسير الإسلام في ضوء النظريات التاريخية والفلسفية والاجتماعية التي تقوم أصلاً على أساس إلحادي فوقي للدين، كما نظروا إلى الإسلام والقرآن على أنهما مقيدان بفترة تاريخية معينة لا تمتد إلى غيرها، وقام العديد منهم بإحداث ما يُسَمّىه بـ «الإصلاح والتجديد» في الإسلام وفق هذه النظريات، مطلِقاً لنفسه حرية التفسير دون أدنى التزام بأي ثوابت عقدية. وتعبر «الموسوعة الأمريكية» عن هذا الموقف العدائي للحداثة من الدين بصورة أشد وضوحاً فتقول: «إن الحداثة نظرة تقوم على الاقتناع بأن العلم والتقدم العلمي الحديث يتطلب إعادة تقويم أساسي للعقائد التقليدية»، ومن ثم لا ينظر إلى الدين على أنه صياغة دقيقة لسلطة جديرة باعتماد وقبول الحقائق المنزلة من الله، وإنما ينظر إليه على أنه مقولات لمشاعر وخبرات دينية عاشها بعض الرجال عبر حقبة تاريخية معينة، وعلى هذا الأساس تكون الحقائق الدينية عرضة لعملية تطوير مستمر كجزء من الخبرة المتقدمة للجنس البشري. وتستلزم هذه العملية إدخال مفاهيم عديدة وجديدة كشيء ضروري للتعبير عن الفكر والتقدم الحديث؛ فالوحي مثلاً في مفهوم الحداثة مجرد خبرة حسية لمجموعة حقائق عن الله أكثر منها موضع اتصال لحقيقة شاملة من الله. أما موسوعة «نيو كولومبيا» فهي ترى أن الله ـ - تعالى -ـ في «مفهوم الحداثة» ليس فوق الوجود المادي. ويقرّ (جون ديوي) في «الموسوعة الأكاديمية الأمريكية» بأن مصطلح «الحداثة» في العصر الحديث استخدم لنقد الدين بصفة عامة. وبمعنى آخر: تميل إلى الفرار مما يسمى «بالدوجما»، وتفتح المجال للعقل للتمحيص والوصول إلى اليقين. كما تنطوي الحداثة على فكرة «نسبية المعرفة»، وترفض النظرة التي ترى أن العلم يقوم على أساس صلب من الحقائق المتيقنة التي يمكن للحواس ملاحظتها.
ومن أبرز المثقفين العرب الأحياء الذين تبنوا هذه النظرة للحداثة (حسن حنفي) أستاذ الفلسفة الإسلامية. انعكس هذا التأثير على العديد من الأفكار التي تُخرج من يعتقدها ـ وهو يعلم ويقصد ـ من دائرة الإسلام. دعا «حنفي» إلى إخضاع القرآن للنقد وللمنهج النقدي مثلما فعل (أسبينوزا) مع التوراة والإنجيل، ورفض تفسير قوله ـ - تعالى -: {إنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: 9] بأنه حفظ للنص، معلقاً بأن هذا التفسير «نظرة لاهوتية صرفة تهرب من النقد، وتلجأ إلى السلطة الإلهية». الله عند (حسن حنفي) وظيفة وليس رباً، الله هو التقدم، والصلاة والصيام ليست عبادات معقولة، الإيمان التقليدي بالله وملائكته وكتبه ورسله هو إيمان ميت، الإيمان الحقيقي عنده هو الإيمان بالتقدم ومصلحة الشعوب. «الدين» عند (حنفي) هو العمل وليس الاعتقاد، الشك في العقيدة ليس بخطيئة؛ لأن الدين في رأيه مرض نفسي، واهتزاز شعوري، وارتجاج في المخ، وهوس واضطراب، ولهذا يجب تحويله إلى إيديولوجية(1).
ويرى (محمد الحارثي) في تحليله الدقيق لتأثير الحداثة الغربية على الخطاب الحداثي العربي، أن (طه حسين) هو المؤسس الحقيقي للخطاب الحداثي العربي وواضع منطلقانه الفكرية؛ نظراً لرؤيته الشمولية لقضايا التحديث في العالم العربي، ولروحه العلمية الناقدة وقدرته على التحاور، واعتداده بالذهنية في المنهج العلمي، ولطرحه الصريح لآرائه التي رأى أنها إصلاحية والتي لا تقلّ جرأة عن آراء «قاسم أمين» وكذلك لأثره على من أتوا بعده، ولهذا يراه (الحارثي) صوتاً مفرداً في مجموعة أصوات من النخبة.(45/378)
أما العناصر الواضحة في أصول الخطاب الحداثي العربي عند (طه حسين) فهي: التشكيك في المقدس، والتشويش عليه، والدعوة إلى التحول من فكر قديم إلى فكر حديث يحكمه شرط المعاصرة، يقوم على نشاط العقل العملي، ويعتمد البرهان؛ مما يسهم في قطع الوشائج بين العلم والدين إذا أريد للعلم أن ينجح، وإعادة قراءة النص الديني من خلال معطيات العصر؛ من حيث مواجهة النص الديني بالواقع. كان (طه حسين) يقول نفس ما قاله الغربيون من أن الإسلام كان متأثراً بالتوراة والإنجيل، فاتّهم القرآن بأنه قد تعمد طمس ذكر الأديان السابقة. ورأى أن القصص القرآني يحتمل أكثر من فهم، وأكثر من توجيه قرائي. ورأى كذلك أن العرب ليست لديهم القدرة على الابتكار، وأن غير العرب هم الأقدر على صنع المدنية. وأن وحدة الدين ووحدة اللغة لا يصلحان أساساً للوحدة السياسية، ولا قواماً لتكوين الدول. وأن نظام الحكم، وقيام الدول وتكوينها يقومان على المنافع العملية قبل أي شيء آخر، وعلى هذا الأساس يكون الدين شيء والسياسة شيء آخر، وهذا هو ما تقوم عليه الحياة الحديثة في أوروبا.
كان (طه حسين) كما يقول (الحارثي) يعتد بالصوت الأحادي، ويصادر ما عداه، ويطرح كل قيمة ثابتة. من هنا اكتسب مفهوم «الحداثة» شكلاً جديداً غير ذلك الذي كان عند القدماء الذين نظروا إليها على أنها «التجديد» بمعنى «تنبيه الناس لما غفلوا عنه من أمور دينهم» كما جاء في الحديث: «يبعث الله على رأس كل مائة سنة من يجدد على الناس أمر دينهم». حوَّل (طه حسين) مفهوم «الحداثة» ليصبح «البحث عن طرائق التحول من معرفة إلى معرفة، ومن مدنية إلى أخرى». ويذكر (محمد قطب) أن (طه حسين) لم يتخلَّ عن آرائه هذه حتى عام واحد قبل وفاته.
حين نقل الباحثون العرب مفهوم الحداثة الغربي إلى المنطقة العربية لم يفرغوه من مضامينه الأيديولوجية المتمثلة في فلسفة التنوير الفرنسية التي كانت ترى «أن الهدم هو طريق البناء، وأن هذا الهدم ينبغي أن يبدأ من رفض المقدس أياً كان مصدره، وتمجيد الحقيقة العلمية» ولهذا كانوا يروِّجون لمضامين مسّت المسلَّمات، وهزت الخصوصيات اليقينية، وتستَّر بعض منهم وراء الأدب والشعر والنثر لزعزعة اليقيني في الذاكرة العربية، وتحويل الذائقة العربية عن تراكماتها الحسية التي تأصلت منذ أكثر من خمسة عشر قرناً؛ فاعتبر بعضهم ـ كما يقول الحارثي ـ الكتابة القرآنية نصاً لغوياً خارجاً من كل بُعْد ديني، ويجب أن يُقرأ كما يُقرأ أي نص أدبي، وحاولوا إعادة الخطاب الشعري العربي؛ بحيث يتمرد على الماثل من القيم عن طريق الخروج على ضوابط البيان العربي وقوانين اللغة المعيارية في نحوها، وصرفها، وبلاغتها، ثم تُستغل في تعضيد دعاوى التغيير في نمط التفكير، وفي أصول المرجعية العربية.
أصبحت «الحداثة» وفقاً لهذه الغايات رفضاً صريحاً للقديم، وانقطاعاً عنه؛ فكل قيمة تراثية دينية وغير دينية، لغوية وإيقاعية ومعرفية، وأدبية لا بُدّ من رفضها، للوصول إلى التغيير في الفكر وفي الحياة، وهو تغيير لا يقتصر على هدم تقاليد الأدب العربي، واستنبات تقاليد جديدة، ولكنه دعوة إلى تغيير شمولي في مناشط الحياة جميعها وفقاً لمبدأ «الهدم طريق البناء».
أما «ما بعد الحداثة» التي وصفها منتقدوها كما يقول (السيد إبراهيم): بأنها هَوَس عارض، أو اختراع خلاَّب اخترعه أهل الفكر بحثاً عن خطاب جديد يُكسبهم امتيازاً ثقافياً؛ فهي كما عبر عنها (عاطف أحمد) نقلاً عن «وبستمر سيدمان»: اتجاه فكري يرفض الحداثة، كما يرفض النظريات والأنساق التفسيرية الكبرى (ويدخل الإسلام تحت هذه الأنساق بالطبع) التي تحاول تفسير كل الظواهر، وتتنبأ بالمستقبل الإنساني وتصنعه، وتعتبر أن ذلك هو الذي يحقق التحرر والتقدم. وتمارس (ما بعد الحداثة) تفكيرها ـ مثلها مثل الوضعية المنطقية ـ عبر نطاق اللغة؛ على اعتبار أن اللغة هي كل شيء، وهي لا تنظر إلى الظواهر على أنها قائمة في الواقع وإنما تبحث في الصياغات اللغوية ذاتها المتعلقة بالواقع الذي لا يتجاوز نطاقها. وتشرح (خالدة تسكام) هذه الجزئية بقولها: إنه ينظر إلى مفهوم اللغة التقليدي على أنه أسطورة تنطوي بداخلها على شيء غامض، هذا العنصر الغامض في اللغة هو العنصر الميتافيزيقي. وبصورة أوضح: إذا طبقنا ذلك على ثقافتنا العربية؛ فإن ما تريد «تسكام» أن تقوله صراحة هو: تحرير اللغة العربية من الأسطورة الميتافيزيقية، وبعدها يتم إزالة هذه الأسطورة تماماً؛ أي: الدين، ومن هنا نجد تفسيراً لكل محاولات الباحثين العرب في مهاجمة اللغة العربية ومحاولة الوثوب على قواعد الصرف والنحو والبيان العربي أملاً في تحريرها من الدين الذي يستبدلونه بمصطلح الأيديولوجية.(45/379)
وينفي اتجاه (ما بعد الحداثة) وجود معانٍ أو حقائق معينة، يعمل التفكير على اكتشافها، بل ترى أن ما نتعامل معه على أنه حقائق ومعانٍ إنما يتمثل في الطريقة التي نفكر فيها، والتي هي دائمة التغير والاختلاف. ويحتفي هذا الاتجاه احتفاءً خاصاً بالاختلاف وبالجزئي، وما هو يومي، وبالرغبة والجسد، والممارسات الحسية عموماً، وبالصور المباشرة والحضور المباشر للأشياء الذي ينطوي على غياب أية حقائق وراءها. ويرفض اتجاه ما بعد الحداثة القول بوجود أساس أولي وثابت لا يقبل النقض يرتكز عليه الفكر. وقد عبر عن ذلك «نيتشه» في مقولته المشهورة: «موت الحقيقة المطلقة» أو «أن الله قد مات» - تعالى -الله عما يقولون. شرح الباحثون هذه المقولة بقولهم: «إنها مجاز، أريدَ به أنه قد ضاع الأساس الذي يضمن لأي مقولة أن تكون مبنية على الحق، ولا يوجد أساس يمكن أن يقال به: هذا خطأ، وهذا صواب».
ويُعتبر (جاك دريدا) أبرز فلاسفة (ما بعد الحداثة) المعاصرين، وقد رحل عن هذه الدنيا منذ بضعة أيام، وهو من أكثر الفلاسفة المعاصرين تأثيراً على الباحثين العرب. ويُسمّى بفيلسوف التفكيك أو التقويض. وخلاصة فلسفته التي قام الباحثون العرب بتطبيقها على النصوص القرآنية هي: (لا حدود فاصلة بين النص والتفسير) مما يعني تقويض مرجعية صاحب النص من جذورها، بمعنى أن صاحب النص لا يستطيع أن يفرض على النصوص المعاني التي يريدها؛ فالعقل يجدد النصوص على نحو دائم، والنصوص ليست إنتاج أصحابها وحدهم؛ فهي تتقاطع مع نصوص أخرى لها هيمنة عليها على أنحاء لا يمكن أن نميط عنها اللثام، والتفكيك هنا هو استراتيجية من شأنها أن تثير أسئلة لا تهدأ حول النصوص، ومهمتها إنكار أن أي نص له وجود ثابت ومستقر. وقد وضعت «تسكام» في ترجمتها لما قاله «رافيندران» عن «دريدا» ولما شرحه (السيد إبراهيم) عن فلسفة «دريدا» النقط فوق الحروف بإعلان البُعد الإلحادي لهذه الفلسفة. تقول (تسكام): تعريف التفكيك بأنه رفض لأولوية الروح وسلطة الوسيط، وأنه تحدًّ لما هو أخلاقي؛ إنه الانغمار في الحياة الدنيوية، إنه يعني اختفاء الرب... الحقيقة فَبْركة وخداع كبير... التفكيك يمتد إلى كتبنا المقدسة، لا يعترف بشيء اسمه كتاب... شرع (دريدا) في إطاحة الأديان عن عروشها في ممالك مثلت فيها حصانات، وفرت الحماية للمفاهيم الميتافيزيقية.. ينبغي تحرير الذهن من الضغوط والضوابط التي فرضت باسم الرب أو الأديان... ». ولبيان تأثير (دريدا) على الباحثين العرب، ومن ثم هجومهم الشرس على الدين ننقل هنا فقرة واحدة لـ (محمد شقرون) يقول فيها: «إن ضرورة تفكيك الدين من أجل التحرير الضروري لمجال الفكر؛ وذلك لإنتاج تأويل علمي عن الاجتماعي لم تطرح بصراحة وبجرأة في الوطن العربي كضرورة واضحة لممارسة العلم بصفة عامة».
هذه هي أبرز المفاهيم التي يتغنى بها ثلة من المثقفين العرب في أيامنا هذه، وهذا بيان للأساس الإلحادي الصارخ فيها، وبيان كذلك لمدى وحجم تأثيرها على هؤلاء الصنف من المثقفين، ودَوْرهم في هدم المسَلّمات العقدية وما يرتبط بها عند المسلمين.
http://www.albayan-magazine.com المصدر:
===============(45/380)
(45/381)
الله جل جلاله واحد أم ثلاثة ؟
مبررات تجسد الابن
كما تساءل المحققون عن سبب تجسد الابن دون الأب وروح القدس؟ وتساءلوا لم كان التجسد الإلهي على صورة بشر؟ ما ضرورته؟ لماذا نزل الابن من عليائه ليدخل جوف امرأة ثم يخرج من فرجها؟ لم كان هذا كله؟
اجتهد رجال الكهنوت في الإجابة عن هذه الأسئلة، ولما لم يجدوا لها إجابة في ثنايا كتابهم أعملوا عقولهم، فصدرت عنهم أقوال مختلفة، كل بحسب ما أداه إليه عقله، إذ كما لم يجدوا في العهد الجديد ما يؤكد قول بولس بأن الإله قد تجسد أيضاً لم يجدوا في هذه الأسفار تبريراً له.
وقد انحصرت إجاباتهم في ثلاثة أقوال:
أولها: أن هذا السر لا نفهمه، وينبغي أن نؤمن به.
ثانيها: أن التجسد كان لردم الهوة بين الله والبشرية وإيناسها برؤية الإله.
ثالثها: أن التجسد كان ضرورة للتوفيق بين عدل الله ورحمته، حيث اقتضى عدل الله موت البشرية وتسلط الموت عليها واقتضت رحمته حياتها، فكان المسيح كبش الفداء.
وفي ذلك يقول أثناسيوس وهو أحد أهم رجال مجمع نيقية : "لهذا كان أمام كلمة الله أن يأتي بالإنسان الفاسد إلى عدم فساد، وفي نفس الوقت أن يؤمن مطالب الأب العادل المطالب به الجميع، وحيث أنه هو كلمة الأب ويفوق الكل، فكان هو وحده الذي يليق بطبيعته أن يجدد خلقه كل شيء وأن يتحمل الآلام عن الجميع لدى الآب…لأجل ذلك نزل إلى عالمنا كلمة الله الخالي من الجسد، العديم الفساد وغير المادي…و إذ لم يتحمل أن يرى الموت تصير له السيادة لئلا تفنى به الخليقة، وتذهب صنعه أبيه في البشر هباء، فقد أخذ لنفسه جسداً لا يختلف عن جسدنا…لأنه لو لم يكن الرب مخلص الجميع ابن الله قد جاء إلينا وحل بيننا ليوفي غاية الموت لكان الجنس البشري قد هلك".
ويرفض المسلمون هذا التبرير لأنه يظهر الإله العظيم عاجزاً عن العفو والغفران حائراً بين عدله ورحمته، ومثل هذا لا يقع به الحكماء من الناس فضلاً عن رب العالمين.
ثم ماذا بعد الجسد هل تغير حال البشر فلم يعد الموت متسلطاً عليهم؟
فيجيب أثناسيوس: "بحسد إبليس دخل الموت إلى العالم…و عندما تم ذلك بدأ البشر يموتون، وصار عليهم من الفساد في ذلك الوقت فصاعداً، وصار له سلطان على الجنس البشري أكثر من سلطانه الطبيعي، لأنه أتى نتيجة تهديد الله في حال العصيان".
لكنا لم نعرف ما هو السلطان الطبيعي للموت؟ ولا ندري ما الفرق بين موت الناس قبل المسيح وبعده… كما يحق لنا أن نتساءل هنا عن سر تسلط الموت على غيرنا كأنواع الحيوانات المختلفة.
كما يذكر أثناسيوس سبباً آخر للتجسد فيقول: "عندما خلق الله الضابط للكل الجنس البشري بكلمته، ورأى ضعف طبيعتهم، وأنها لا تستطيع من نفسها أن تعرف خالقها، أو أن تكون فكرة عن الله على الإطلاق…لهذا تحنن الله على الجنس البشري على قدر صلاحه ولم يتركهم خالين من معرفته لئلا يروا أن لا منفعة على الإطلاق من وجودهم في الحياة".
لقد كان الهدف من التجسد إذاً أن تأنس البشرية برؤية ومعرفة ربها وأن تنهدم الهوة الواسعة بين الخالق والمخلوق وهو ما عبر عنه سنوت في كتابه "المسيحية الأصلية" حيث يقول: "توجد فقط هوة واسعة لا حد لها… ولو لم يكن الله بادر وتدراك الأمر لبقيت الحالة على ما هي عليه، ولظل الإنسان بلا رجاء يتخبط في دياجير اللا إرداية، ولكن الله تكلم، ولقد بادر وأعلن عن نفسه".
وهنا نتساءل كيف كانت صلة الأنبياء بربهم مع هذه الهوة؟ هل عرفوا ربهم المعرفة التي تدفعهم لعبادته وطاعته؟ أم كان إيمانهم باهتاً؟ وماذا تغير في حياة البشرية بعد تجسد الإله هل آمن الناس وعرفوا ربهم؟ وهل زال الإلحاد من البشرية؟
ثم أين الإيناس للبشرية في رؤيتها للرب وهو يصفع ويضرب ويجلد. إن هذا من شأنه أن يقلل من مقام الألوهية عندهم، فالنفس البشرية طلعة تتوقد أشواقها إلى المجهول، وتتحرك نزعاتها إلى عالم الغيب، فإذا انكشف لهم المجهول أو ظهر لهم ما وراء الغيب سكنت نزعاتها وبردت أشواقها نحو هذا الشيء الذي كانت تسعى إليه وتجدُّ في البحث عنه.
ثم ماذا عن باقي أجيال البشرية التي لم تأنس بمعرفة هذا المتجسد.هل من العدل أن تحرم منه؟ وكيف لها أن تعرف ربها ولم تراه ؟!
ثم لم كان أنسنا بالإله حال طفولته وشبابه فقط، ولم نأنس به أيضاً حال كهولته وهرمه. فلماذا؟!
ويرى شارل جنيبر ضعف هذه التبريرات، ويقرر أن بولس هو الذي قرر تجسد الإله، وجاء بالفكرة بعد أن أدرك " أن الأتباع الجدد من المشركين لم يكونوا ليتقبلوا كل القبول فضيحة الصلب، وأنه يجب تفسير ميتة عيسى المشينة - و التي لم يكف الأعداء بطبيعة الحال عن الرجوع إليها - تفسيراً مرضياً، يجعل منها واقعة ذات مغزى ديني عميق.
وأعمل الحواري (بولس) فكره في هذه المشكلة…ووضع حلاً كان له صدى بالغ المدى قد تجاهل فكرة عيسى الناصري التي أغرم بها الاثنا عشر، ولم يتجه إلا إلى عيسى المصلوب، فتصوره شخصية إلهية تسبق العالم نفسه في الوجود، وتمثل نوعاً من التشخيص…و قد عثر الحواري على العناصر الجوهرية في الأسرار، عثر عليها في غالب الظن دون أن يبحث عنها…"(45/382)
وثمة حرج آخر واجهه بولس وغيره، وهو كيف انتهت حياة المسيح على الصليب، والتوراة تنص على لعن كل مصلوب (انظر التثنية 21/23).
كيف يصبح السيد المسيح ملعوناً، فرأى بولس أن يجعل من الملعون مثلاً أعلى في التضحية، وأن يجعل منه إلهاً نزل وتجسد ليفدي البشرية من خطاياها فصار لعنة ليفتديهم من لعنة الناموس، وكما قال بولس: "ولكن الله من محبته لنا، لأنه ونحن بعد خطاة مات المسيح لأجلنا، فبالأولى كثيراً ونحن متبررون الآن بدمه نخلص به من الغضب، إنه وإن كنا ونحن أعداء قد صولحنا مع الله بموت ابنه.." (رومية 5/8-10).
وأخيراً فإن هذا الذي تقوله النصارى في الرب جل وعلا من تعدد وتجسد نوع من العبث الإنساني وجرأة صارخة على مقام الرب جل وعلا وتطاول مستغرب، فإن المثّال كما يقول الأستاذ المهتدي محمد مجدي مرجان "حين يصنع تمثالاً فإنه يستطيع أن يهدمه، ولا يتصور أحد أن يدعي التمثال أنه من جبلة صانعه، أو أنه جزء أو عنصر من هذا الصانع.
ولكن الإنسان الضعيف أحد مخلوقات الله تطاول على صانعه، ثم أخذه الغي ولعبت برأسه نشوة الضلال، فقلب الوضع وعكس الآية، فقام بإعادة تكوين وتشكيل صانعه، ثم راح يعيد تقسيم خالقه إلى أقسام ثلاثة ابتدعها خياله جاعلاً كل قسم منها إلهاً قائماً بذاته، محولاً الإله الواحد إلى ثلاثة…ثم قام بتقسيم الأعمال والأعباء والوظائف بين آلهته الثلاثة التي صنعها عطفاً وإشفاقاً من أن يتحمل كل تلك الأعمال والأعباء والوظائف إله واحد. حقاً ما أشقى الإنسان".
والحق أن فكرة التجسد النصرانية أحد أسباب انتشار الإلحاد بين البشر، فإن الإنسان يميل بفطرته وعقله إلى تعظيم الخالق وتنزيهه عن الشبيه والمثيل، فيما تجعله النصرانية إنساناً خرج من فرج امرأة من بني إسرائيل…
يقول كيرانس ايرسولد: "أما من وجهة نظر العلم فإنني لا أستطيع أن أتصور الله تصوراً مادياً بحيث تستطيع أن تدركه الأبصار أو أن يحل في مكان..".
وعندئذ يخير الناس بين المعتقد الخاطئ والفطرة الصحيحة المؤيدة بسلطان العقل، فلا يجد كثير منهم مفراً من الكفر بإله الكنيسة المصفوع والمصلوب، فيكثر الإلحاد. تعالى الله عما يقول هؤلاء علواً كبيراً.
ومن الآثار السيئة التي تتركها عقيدة التجسد إضعاف المثل والقيم التي جاء بها المسيح ودعا إليها، ثم كان بسبقهم إليها قدوة صالحة لأتباعه، لكن أثر هذا الخلق يضيع مع القول بالألوهية، إذ لن يتصور البشر إمكانية تطبيق هذه المثل التي سبقهم إليها إله.
وصدقت دائرة المعارف الأمريكية في قولها: "لو كان إلهاً فإن المثل التي ضربها لنا بعيشته الفاضلة يفقد كل ذرة من القيمة حيث إنه يمتلك قوى لا نملكها. إن الإنسان لا يستطيع تقليد الإله".
ويقول توماس أكمبسفي كتابه "على خطى المسيح": "إذا كان المسيح إلهاً فإن المرء لا يستطيع اقتفاء أثره والسير على منهجه".
كتبه
د. منقذ بن محمود السقار
=============(45/383)
(45/384)
وسيعلم الكفار لمن عقبى الدار
قبل عام تقريبا تلقيت رسالة من أخ عزيز - أعزّه الله بطاعته - أحسن الظن بي ، فاقترح أن أكتب في معنى قوله تعالى : ( لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ (196) مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ )
فلم أنشط وقتها لذلك
وقبل أيام قرع مسامعي - ونحن في صلاة العشاء - قوله سبحانه وتعالى : ( قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ )
وكأني أسمعها لأول مرة ، ولا عجب فهذا الكتاب العزيز لا يَخلق من كثرة الترداد
غير أني لما سمعت هذه الآية تداعت نظائرها وتواردت في ذهني .
فأخذت أتأمل قول ربي جل جلاله : ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ )
فقلت : سبحان الله !
هذا وعد من لا يُخلف الميعاد
وهذا قول من لا أصدق من قوله ( وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا ) ، ( وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلا )
أمَا والله ما نحن في شك منه ، ولكننا غفلنا عنه .
أمَا والله
( إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ ) .
أمَا والله إنه لصِدق .
أمَا والله ليكونن ما وعد به ربي ، وإن غرّ أناس صولة الكفر ، وإن بَهَرَت أقوام حضارته .
وإنّ انتفاش الباطل كانتفاخ الهِرّ يحكي صولة الأسد !
أو كَمَنْ رأى وَرَماً فظنّه سِمنا !
أو كانتفاخ جِلد البوِّ يُحشى ثُماما ويُخيّل به للناقة فتحسبه ولدها !
وقول الله أصدق وأبلغ ( لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ (196) مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ )
إن دولة الكفر ساعة ، وإن دولة الحق إلى قيام الساعة
وإن جولة الكفر لم تظهر إلا في ضعف دولة الحق [ دولة الإسلام ]
ولم تضعف دولة الحق إلا ببعدها عن دينها
ويوم أن تمسّكت دولة الإسلام بدينها دانت لها أمم الأرض ، حتى قال عظيم الروم وقائدها عن نبي الرحمة :
فإن كان ما تقول حقا فسيملك موضع قدمي هاتين ، وقد كنت أعلم أنه خارج لم أكن أظن أنه منكم ، فلو أني أعلم أني أخلص إليه لتجشمت لقاءه ، ولو كنت عنده لغسلت عن قدمه . رواه البخاري ومسلم .
هكذا نطق هرقل ، بل هكذا أنطقه الله بكلمة الحق !
لقد أدرك هرقل أن دولة الإسلام إذا قامت لا يقف في وجهها أحد
وقال مقولته ودولة الإسلام في بداية قيامها ، لم تتعدّ جزيرة العرب ، بل لم تفئ ظلالها على كامل جزيرة العرب .
كيف لو قال اليوم قائلنا : إن أعظم دول الكفر سوف تزول ، وأن رئيسها سوف يولّي الأدبار هاربا من جحافل الإسلام ؟!
لو قيل ذلك : لقيل كلام في الأحلام !
ولكن هذا الأمر وقع عندما صدق أصحاب صلى الله عليه وسلم في الإيمان ، فولّى هرقل هارباً ، ووقف على مشارف سوريا يودّعها ، وينظر إليها النظرة الأخيرة !
أمَا والله لو عُدنا إلى ديننا وتمسّكنا به لرأينا بأعيننا صدق موعود الله بالنصر والغلَبة والتّمكين لأوليائه
ولرأينا صدق موعود الله بالهزيمة والذلّ والخزي والهوان لأعدائه
ألم يقل رب العزة سبحانه :
( وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ) ؟
لكن متى يتحقق هذا الموعود ؟
عندما يتحقق التوحيد ، ويرسخ الإيمان ، وشرط ذلك : ( يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا )
فلا يتحقق المشروط إلا بتحقق الشرط
ولا ينفذ الموعود إلا بتحقيق شرطه
( َلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلا )
قال ابن القيم رحمه الله :
فالآية على عمومها وظاهرها ، وإنما المؤمنون يصدر منهم من المعصية والمخالفة التي تضادّ الإيمان ما يصير به للكافرين عليهم سبيل بحسب تلك المخالفة ، فهم الذين تسببوا إلى جعل السبيل عليهم . اهـ .
كيف نريد النصر والعِزّة والتمكين وكثير من الجيوش حالها لا يسرّ !
قال والد علي بن المديني : خرجنا مع إبراهيم بن عبد الله بن حسن فعسكرنا بِبَاخَمْرا ، فطفنا ليلة فسمع ابراهيم أصوات طنابير وغناء ، فقال : ما أطمع في نصر عسكر فيه هذا !(45/385)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : فلما ظهر النفاق والبدع والفجور المخالف لدين الرسو صلى الله عليه وسلم سُلِّطت عليهم الأعداء فخرجت الروم النصارى إلى الشام والجزيرة مرة بعد مرة ، وأخذوا الثغور الشامية شيئا بعد شيء إلى أن أخذوا بيت المقدس في أواخر المائة الرابعة ، وبعد هذا بمدة حاصروا دمشق ، وكان أهل الشام بأسوأ حالٍ بين الكفار النصارى والمنافقين الملاحدة إلى أن تولّى نور الدين الشهيد وقام بما قام به من أمر الإسلام وإظهاره والجهاد لأعدائه ، ثم استنجد به ملوك مصر بنوا عبيد على النصارى فانجدهم ، وجرت فصول كثيرة إلى أن أُخذت مصر من بنى عبيد أخذها صلاح الدين يوسف بن سادي وخطب بها لبنى العباس ، فمن حينئذ ظهر الإسلام بمصر بعد أن مكثت بأيدي المنافقين المرتدين عن دين الإسلام مائة سنة ، فكان الإيمان بالرسول والجهاد عن دينه سببا لخير الدنيا والآخرة ، وبالعكس البدع والإلحاد ومخالفة ما جاء به سبب لشر الدنيا والآخرة .
فلما ظهر في الشام ومصر والجزيرة الإلحاد والبدع سُلِّط عليهم الكفار ، ولما أقاموا ما أقاموه من الإسلام وقهر الملحدين والمبتدعين نصرهم الله على الكفار تحقيقا لقوله :
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (10) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (11) يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12) وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ) .
وكذلك لما كان أهل المشرق قائمين بالإسلام كانوا منصورين على الكفار المشركين من الترك والهند والصين وغيرهم ، فلما ظهر منهم ما ظهر من البدع والإلحاد والفجور سلط عليهم الكفار .
ثم تكلّم رحمه الله عن تسلّط هولاكو على العراق فقال :
وكان من أسباب دخول هؤلاء ديار المسلمين ظهور الإلحاد والنفاق والبدع حتى أنه صنف الرازي كتابا في عبادة الكواكب والأصنام وعمل السحر سماه " السر المكتوم في السحر ومخاطبة النجوم " ويقال أنه صنفه لأمِّ السلطان علاء الدين محمد بن لكش بن جلال الدين خوارزم شاه ، وكان من أعظم ملوك الأرض ، وكان للرازي به اتصال قوى حتى إنه وصى إليه على أولاده ، وصنف له كتابا سماه " الرسالة العلائية في الاختيارات السماوية " وهذه الاختيارات لأهل الضلال بدل الاستخارة التي علّمها صلى الله عليه وسلم المسلمين . اهـ .
والله المستعان .
محرم 1425 هـ
كتبه
عبد الرحمن بن عبد الله السحيم
==============(45/386)
(45/387)
ضعف الإلحاد الصريح فبرز النفاق القبيح
هذا الكوكب الأرضي فيه ثلاث فئات رئيسة في مواقفها الصريحة أو الملتوية: فريقان صريحان، وإن تباينا وتصارعا:
الفريق الأول: فريق المؤمنين بالله - تعالى -الإيمان الحق الصادق، وهم المسلمون من عهد آدم - عليه السلام - إلى يومنا هذا، لأن الإسلام هو الاستسلام الكامل لله - تعالى -، وإن اختلفت الشرائع بين الأنبياء والرسل وأممهم، وقد بينت ذلك في كتابي "الإيمان هو الأساس"
وأشير هنا إلى بعض الآيات الدالة على أن كل الأنبياء والرسل وأممهم هم على الإسلام بهذا المعنى:
{وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدْ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنْ الصَّالِحِينَ (130) إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (131) وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمْ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (132) أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ إِلَهاً وَاحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (133)} [البقرة]
فإبراهيم الأب الثاني للبشرية -{قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} وهو ويعقوب إسرائيل وصيا بنيهما فقالا: {فَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}
وعندما أراد يعقوب أن يطمئن على تمسك بنيه بوصيته سألهم عما سيموتون عليه، فـ{قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ إِلَهاً وَاحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ}
وقال - تعالى -في سياق إنزاله التوراة وحكم أنبياء بني إسرائيل بها:
{إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ....} [المائدة (44)]
وقال عن حواريي عيسى صلى الله عليه وسلم : {وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ} [المائدة (111)]
وبتتبع القرآن الكريم نجد أن جميع الأنبياء كانوا يدعون أممهم إلى الإسلام.
وقد ختم الله تلك الأديان بهذا الدين الخاتم الشامل الذي يهيمن على جميع الأديان، ولم يبق دين غيره يرضى به الله - تعالى -، كما قال: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلاَّ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمْ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (19) فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِي لِلَّهِ وَمَنْ اتَّبَعَنِي وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدْ اهْتَدَوا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (20}) [آل عمران]
وقال عن ملكة سبأ: {قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [النمل (44)]
وهو - تعالى - لا يرضى بأي دين سوى الإسلام، كما قال - تعالى -: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِيناً.. } [المائدة(3)]
هذا الفريق الأول الصريح في موقفه من هذا الدين يعلن بلسانه ويعمل بجوارحه ويعتقد بقلبه أنه مسلم، لا يلف ولا يدور ولا يداهن ولا تأخذه في الله لومة لائم، كما قال - تعالى - عنه في مطلع سورة البقرة: {ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاة وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (3) وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالآخرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4) أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ (5)} [البقرة]
وقال عنه في خواتيمها: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (285)} [البقرة]
وقال عنهم في سورة النساء: {وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُوْلَئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيما} [النساء (152)](45/388)
ولا أحد يصل إلى منزلة هذا الفريق المستقيم الملتزم بالإسلام الذي يعتز به ويصرح باعتزازه به، كما قال - تعالى -: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنْ الْمُسْلِمِينَ} [فصلت (33)]
هذا هو دأب هذا الفريق وموقفه لا يحيد عنه ولا يميل.
وهذا الفريق صنفان:
الصنف الأول: قد يبتلى بالأذى الشديد في نفسه وماله وعرضه، ليكفر بدينه ويعود عنه إلى غيره من الكفر.
وهو قوي الإيمان شديد التحمل والصبر في ذات الله، فلا يستجيب لمن آذاه وعذبه ولو أدى ذلك إلى قتله وإزهاق روحه، مع أن الله قد أذن له في اتقاء شر عدوه بإظهار موافقته في الظاهر مع ثبات قلبه على إيمانه في الواقع، كما قال - تعالى - في أمثاله:
{لا يَتَّخِذْ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنْ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمْ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ} [آل عمران (28)]
ومن هؤلاء بلال بن أرباح - رضي الله عنه - الذي اشتد عليه أذى المشركين، فتحمل الأذى الذي لم يزده إلا ثباتا على دينه، فلم يجدوا منه إلا قوله: "أحد أحد" وكذا سمية أم عمار بن ياسر - رضي الله عنهما - التي ثبتت على دينها ولم ترجع حتى قتلها أبو جهل لعنه الله.
الصنف الثاني: لا قدرة له على الصبر على شدة الأذى وتكرره عليه، ومن هذا الصنف عمار بن ياسر - رضي الله عنه - الذي أظهر للكفار الذين عذبوه ما أرادوا من سب الرسول صلى الله عليه وسلم وسب الإسلام مع ثبات قلبه على الإيمان.
وفي أمثاله نزل قول الله - تعالى -:
{مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنْ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [النحل (106)]
هذا هو الفريق الأول من الفريقين الصريحين في موقفهما.
الفريق الثاني الصريح في موقفه من الإيمان: فريق الكافرين بالإسلام الذين يجاهرون بكفرهم به، سواء كانوا وثنيين، كمشركي قريش ومشركي الهندوس ومشركي البوذيين ومن شابههم، ممن يعبدون الأصنام والأوثان، أو كانوا في الأصل على الإسلام مؤمنين بكتب سماوية مثل التوراة التي نزلت إلى موسى و الإنجيل الذي نزل على عيسى صلى الله عليهما وعلى جميع رسل الله - تعالى -، ثم كتموا ما في كتبهم من البشارة بالرسول صلى الله عليه وسلم ووجوب الإيمان به وبما جاء به من الإسلام، أو حرفوا تلك الكتب تحريفا أخرجها من أن تكون هي الكتب المنزلة من عند الله - تعالى -.
هذا الفريق مع تعدد أصنافه وتنوع ملله هم كفار صرحاء يعلنون كفرهم ولا يحيدون عنه لا في معتقدهم ولا بألسنتهم ولا بجوارحهم، كما قال - تعالى -عنهم: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ ءأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ} [البقرة (6)]
وقال - تعالى -: {بَلْ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ (2) كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ فَنَادَوْا وَلاتَ حِينَ مَنَاصٍ (3) وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ (4) أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ (5) وَانطَلَقَ الْمَلأ مِنْهُمْ أَنْ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ (6) مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلاَّ اخْتِلاقٌ (7)} [ص]
و كما قال - تعالى - عن قول قوم هود لنبيهم صلى الله عليه وسلم :
{قَالُوا سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنْ الْوَاعِظِينَ (136) إِنْ هَذَا إِلاَّ خُلُقُ الأَوَّلِينَ (137) وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (138)} [الشعراء]
الفريق الثالث: كفار شديدو الحرص على تحقيق مصالحهم المادية التي يتلونون ويتقلبون بتقلبها، وهم الذين يظهرون أنهم مسلمون إذا كان المسلمون أقوياء، فيظهرون للمسلمين أنهم منهم ليتخذوا ذلك وسيلة للحصول على منافعهم قِبَلَ المسلمين، ويظهرون للكفار خفية عن المسلمين أنهم منهم، حتى إذا قويت شوكتهم على المسلمين، نالوا منهم مآربهم، وهؤلاء هم المنافقون الذين قد يتخذون مسميات شتى تتناسب مع العصر الذين يعيشون فيه.
وفي هذا الفريق قال - تعالى -: {وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (8) يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (9)} [البقرة]
وكشفت آيات الكتاب المبين والسنة المطهرة صفاتهم ودسائسهم ومكرهم بالمسلمين وموالاتهم لإخوانهم الصرحاء الكافرين في حقيقة الأمر، وإن تظاهروا بالولاء للمسلمين حرصا على مصالحهم المادية، عندما يكون المسلمين أقوياء.(45/389)
ومن أهم ما ذكره الله - تعالى - عنهم في ذلك تربصهم بالمؤمنين وانتظار انتصارهم على الكفار أو انتصار الكفار عليهم، فإذا انتصر المؤمنون طلبوا منهم أن يشركوهم في ثمرات ذلك النصر من غنائم ومنح ووظائف في دولتهم، لأنهم كانوا بزعمهم معهم، وإن كان لإخوانهم الكفار نصيب من النصر العاجل على المسلمين، ألحوا عليهم في إشراكهم معهم كذلك، محتجين عليهم بأنهم أيدوهم على المؤمنين، كما قال - تعالى -:{الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنْ اللَّهِ قَالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً (141) إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلاَّ قَلِيلاً (142) مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لا إِلَى هَؤُلاءِ وَلا إِلَى هَؤُلاءِ وَمَنْ يُضْلِلْ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً} (143) [النساء]
وذكر - تعالى -عنهم بأنهم يحاولون خداع بدعواهم الإيمان بما يؤكدون لهم من الأيمان الكاذبة، من أجل أن يستروا كفرهم بها، كما قال - تعالى -:{إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ (1) اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (2)} [المنافقون]وقد بسطت القول عن المنافقين وما تجب من معاشرة المسلمين لهم في مبحث آخر.
والمقصود هنا كشف منافقي عصرنا.
فقد صدع كثير من ذراري المسلمين بكفرهم بالإسلام، وكفرهم بالله وكتبه ورسله واليوم الآخر، وكونوا أحزابا تنوعت أسماؤها ولكن غالبها كانت تتفق في العداء للإسلام وحربه وحرب أهله، وقامت لبعضهم دول على أساس الإلحاد الصريح، وبخاصة الشيوعيين الملحدين.
هؤلاء وصفوا الإسلام بالرجعية والتأخر، ووصفوا أهله بالرجعيين والمتأخرين، وقتلوا دعاة الإسلام واعتقلوهم وسجنوهم وشردوهم وأهانوهم.
وقاموا في بعض بلدان المسلمين بانقلابات عسكرية نجحوا في بعضها وأخفقوا في بعضها الآخر، وأذاقوا شعوبهم ما أذاقوها من فقر وبذلوا جهدهم في إفساد تلك الشعوب في عقائدها وسلوكها، وسلبوها حريتها، وتبع بعضهم أسيادهم في المعسكر الشرقي الملحد، ويمم بعضهم وجهه شطر المعسكر الغربي الرأسمالي، تبعوهم في عقائدهم وسلوكهم المشين، ولم يتبعوهم في تنظيم بلدانهم وحسن إدارتها وتقدم صناعتها ونهضتها المادية النافعة لشعوبهم.
وجربوا كل مبدأ هدام ليطبقوه في بلدانهم، فباءوا بالخيبة والخسران، وتساقطت تلك المبادئ المنحرفة وتهدمت عروش الإلحاد والكفر الصريحين في بلدان المسلمين وكشف الله عوار أهلها وبدت للناس سوآتهم، فأقبل شباب الأمة الإسلامية في مشارق الأرض ومغاربها إلى الإسلام، وعادوا ينهلون من نبعه الصافي ويتمسكون بدينهم الحنيف، وأصبحوا يسخرون من مبادئ الكفر والإلحاد بعد كانوا مبهورين بها.
فلجأ أهل تلك المبادئ الكافرة الملحدة إلى ما سار عليه أسلافهم في العصور السابقة، كعبد الله بن أبي وأتباعه، وسلكوا نفس سبيلهم الذي سلكوه مع المسلمين يظهرون أنهم منهم ويحرصون على نيل ما ينفعهم من أحكام الإسلام التي لا ينالونها لو أعلنوا كفرهم صراحة، ويحاولون الهرب من تكاليفه المالية والجهادية وغيرها مما يرون أن فيه مشقة عليهم، ومع اليهود والنصارى.
فإذا خلوا مع المسلمين قالوا: {إنا معكم} وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا: {إنا معكم إنما نحن مستهزئون}.
المنافقون وشبهة الكهنوت:
لقد أزعج هؤلاء المنافقين ما فضحهم الله - تعالى - به من الخداع والمكر والكذب، وما خصه به الله - تعالى -عباده الصالحين من علماء هذه الأمة الذين أفنوا أعمارهم في دراسة كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وما أصلوه من قواعد لفقه هذا الدين واستنباط أحكامه على ضوئها في كل عصر وجيل.
فأثاروا شبهة خبيثة قد تنطلي على بعض جهلة أبناء المسلمين وغيرهم، وهي أن علماء الإسلام ما هم إلا رجال كهنوت أرادوا أن يستأثروا بفهم القرآن والسنة، ويفسرونهما تفسيرا يوافق كهنوتهم، ويحول بين عامة المسلمين وبين حقهم في فهم دينهم مباشرة بدون وساطة، كما فعل رجال الكنيسة عندما استأثروا بفهم الدين المسيحي وحجروا على عقول عامة المسيحيين من أن يفهموا دينهم مباشرة بدون وساطتهم، أصبحوا يتكلمون باسم الله، ويوجبون على الناس ما شاءوا ويحرمون عليهم ما أرادوا اتباعا لأهوائهم ورغباتهم، وتدخلوا في علوم الكون المفيدة للبشرية، كالفيزياء والكيمياء والفلك والطب، التي برع فيها متخصصون اجتهدوا في دراستها وتجاربها، حتى أحرزوا القيني منها.(45/390)
وتلك شبهة مفتراة من قبل هؤلاء المنافقين الذين استقوها من أساتذتهم المستشرقين أدوات المؤسسات التنصيرية، أرادوا من ورائها تخريب هذا الدين وتحريف معاني القرآن والسنة، وإخراج المسلمين من دينهم إلى زبالات أذهانهم الفاسدة التي عشعش فيها الشيطان وباض وفرخ.
فالإسلام لا يحجر على عقول المتخصصين في علوم الكون فيما أحرزوه من العلوم، بل هو يدعو إلى التخصص فيها وإلى عمارة الكون بها ويشيد بأهلها في الدنيا، ويثيبهم عليها في الآخرة، وليس فيه أدنى شبه بما فعله رجال الكنيسة في القرون الوسطى التي كانت مظلمة عندهم، مشرقة منيرة عند المسلمين، كما شهد بذلك المنصفون من علماء الغرب من خلال تتبعهم لواقع كل من الإسلام والمسيحية، ومن هؤلاء الأستاذ "غوستاف لوبون" الفرنسي، في كتابه "حضارة العرب" والأستاذة "زغريد هونكه" الألمانية في كتابها "شمس الله تسطع على الغرب" وغيرهما كثير.
والذي يتتبع القرآن الكريم والسنة النبوية وسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم ، وسيرة المسلمين من عهد الخلفاء الراشدين إلى كل العصور التي قويت فيها دولة الإسلام، لا بد أن يخرج بنتيجة خلاصتها أن هذا الدين هو دين التقدم والحضارة الشاملة: حضارة الإيمان والعمل والعلم الذي يعمر الكون ويقدم للأمم من السعادة والطمأنينة في الدنيا والآخرة، مالا يمكن أين يقدمه له دين أو مبدأ آخر في الأرض.
وإنما تأخر المسلمون في حياتهم في الأرض، بسبب من أنفسهم، يعود إلى جهلهم بالقرآن والسنة والسيرة الزكية، وإلى عدم عملهم بما في هذا الدين مما يؤدي إلى عزتهم وشرفهم وقيادتهم للبشرية إلى عمارة الأرض عمارة شاملة للمادة من علم شامل نافع للعالم كله، وعمارة شاملة للمعنى من إيمان وبر وتقوى وعدل ورحمة ومساواة، ودفع عدوان وظلم.
ولقد أبان ذلك إبانة كاشفة علماء الإسلام قديما وحديثا، ومنهم من الكتاب المعاصرين: كل من: "الأمير شكيب أرسلان" - رحمه الله - في كتابه "لما ذا تأخر المسلمون وتقد غيرهم؟! " والشيخ العلامة "أبو الحسن علي الندوي" الهندي - رحمه الله - في كتابه القيم: "ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين؟! "
فالإسلام ليس مثل المسيحية التي حكمت الناس كذبا وزورا باسم الله، وحالت بينهم وبين التمتع بنعمة ثمار عقولهم التي منحهم الله - تعالى -ليعمروا بها الأرض وينعموا بخيراتها.
ولقد ذكر الله عي كتابه أنه سخر السماوات والأرض لهذا الإنسان؟!
وليس معنى تسخير ذلك له، أن ينام على فراشه وينتظر مجيء رزقه منه إليه بدون كد وعمل منه، بل لا بد أن يقدح عقله ويفكر به في نيل خيرات ما سخره له في السماوات والأرض، ويتخذ الأسباب التي ينال به ذلك.
قال - تعالى -: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (21) الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ الأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنْ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة (22)]
وتأمل الآيات الآتية في تسخير الله الكون وما فيه لهذا الإنسان: قال - تعالى -:
{وَسَخَّرَ لَكُمْ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (12) وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الأَرْضِ مُخْتَلِفاً أَلْوَانُهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ (13) وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِيّاً وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (14) وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَاراً وَسُبُلاً لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (15) وَعَلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ (16) أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (17) وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} (18) [النحل]
فمن اتخذ الأسباب المؤدية إلى انتفاعه بما سخر الله - تعالى -له في هذا الكون، نال نصيبه منه، لا فرق بين مؤمن وكافر، إلا أن المؤمنين مع قد ح عقولهم و عملهم، يشكرون الله على ما سخره لهم ويتذكرون، ولا يستعملون ما سخر لهم في معصيته وظلم عباده، بل في طاعته وإسعاد خلقه، وغيرهم لا يشكرون ولا يتذكرون، بل إن غالبهم يطغون في الأرض، ويستعملون ما سخره الله لهم في معصيته والتكبر على عباده وظلمهم والعدوان عليهم، كما نشاهده اليوم من ظلم وعدوان وكبرياء.
دعوى الإحسان والتوفيق:(45/391)
هذا ومن صفات هؤلاء المنافقين أنهم إذا انكشف خداعهم ومكرهم وظهرت القرائن على كفرهم و عداوتهم للمؤمنين بميلهم إلى الكافرين، ادعوا أنهم إنما يفعلون ذلك إحسانا منهم وتوفيقا بين الإسلام ومصالح المسلمين، وليس قصدهم موالاة الكافرين، كما قال - تعالى -: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً (61) فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ إِحْسَاناً وَتَوْفِيقاً (62) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً} (63) [النساء]
قال ابن كثير - رحمه الله -:
"ثم قال - تعالى -في ذم المنافقين (فكيف إذا أصابتهم مصيبة بما قدمت أيديهم) أي فكيف بهم إذا ساقتهم المقادير إليك في مصائب تطرقهم بسبب ذنوبهم واحتاجوا إليك في ذلك، {ثم جاؤوك يحلفون بالله إن أردنا إلا إحسانا وتوفيقا} أي يعتذرون إليك ويحلفون ما أردنا بذهابنا إلى غيرك وتحاكمنا إلى أعدائك، إلا الإحسان والتوفيق، أي المداراة والمصانعة لا اعتقادا منا صحة تلك الحكومة... "[تفسير القرآن العظيم (1/520)]
وهذا دأب إخوانهم اليوم يميلون إلى أعداء المسلمين من اليهود والنصارى، ويتعاونون معهم ضد الإسلام والمسلمين في الخفاء، فإذا افتضح أمرهم وانكشف خداعهم، دافعوا عن أنفسهم بأنهم إنما فعلوا ذلك لجلب مصالح للمسلمين، و دفع ما قد يحصل من مفاسد علهم، بسبب ضعفهم وقوة أعدائهم.
ولهذا تجدهم يبرمون مع أعداء المسلمين العقود والمحالفات وينضمون إلى جواسيسهم ومخابراتهم، لينقضوا بهم في الوقت المناسب على بلدان المسلمين، ليعيثوا فيها فسادا ويبدون ما كانوا يضمرون من عدائهم للإسلام والمسلمين وموالات أعدائهم والتعاون معهم، كما قال - تعالى -:
{فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ} [الأحزاب (19)]
محاربة النصوص باسم الاجتهاد:
لقد ابتلي الإسلام بفريقين من المنتسبين إليه:
الفريق الأول: هجم على بعض النصوص والاستدلال بها على آرائه، وهو خليٌّ من قواعد فهمها واستنباط معانيها الصحيحة، فأفسد من حيث ظن أنه يصلح، كبعض صغار طلبة العلم الذين قرءوا بعض النصوص من القرآن الكريم والسنة النبوية قراءة عجلى، وفهموا مما قرءوا فهما أعوج غير مبني على دراسة واعية على أيدي المتخصصين من أهل العلم، وانطلقوا يصولون ويجولون بتلك الفهوم السقيمة، يطبقونها على المسلمين أفرادا وجماعات، يكفرون ويفسقون ويبدعون، ويصدرون فتاوى يحلون بها ما حرم الله ويحرمون ما أحل الله، يحقرون من خالفهم من علماء الأمة ويسفهونهم، خارجين عن نهج السلف الصالح من أصحاب رسول الله ومن تبعهم بإحسان ممن كانوا يتورعون عن الفتوى وهم لها أهل، خوفا من إثم القول على الله بلا علم، وورعا وتقوى.
إذا وجدوا نصا بدا لهم من ظاهره عندهم دلالته على ما يعتقدون، طاروا به فرحا، وإذا نبههم على سوء فهمهم أحد، وذكر لهم ما فهمه من النص علماء الإسلام، قطبوا وجوههم وقالوا: وما حاجتنا إلى أقوالهم ونحن مأمورون باتباع الكتاب والسنة، ونحن رجال وهم رجال!
مع أن النص الذي فهموا منه فهمهم الأعوج، قد يكون عاما مخصوصا بغيره، أو مطلقا مقيدا بسواه، أو مجملا بينه نص آخر، أو منسوخا لم يعد معمولا به، وهم لا يعرفون عاما ولا خاصا، ولا يعلمون مطلقا ولا مقيدا، ولا مجملا ولا مبينا، ولا ناسخا ولا منسوخا، وقد يكونون درسوا تلك القواعد والمصطلحات نظريا، ولكنهم يجهلون كل ذلك من الناحية العملية.
ولهذا تجدهم يخبطون في الفتاوى والأحكام خبط عشواء، ويضيفون إلى ذلك تجهيل العلماء ونبزهم، دون أن يتواضعوا ويبحثوا بجد في كتب أهل العلم ويطلعوا على قواعدهم وأرائهم وأوجه استدلالاتهم، مع ودعوى الاجتهاد لأنفسهم، وهم على جهل فاضح بما دون الاجتهاد من مبادئ العلوم.
هذا هو الفريق الأول ممن أساءوا الأدب مع نصوص القرآن والسنة، بسبب جهلهم المركب، وهو أنهم يجهلون ويجهلون أنهم يجهلون.
الفريق الثاني: هم أولئك المنافقون الذين كانوا - في الأصل يحاربون الإسلام حربا سافرة لا هوادة فيها، عندما كانت سوق كفرهم وإلحادهم نافقة، معتمدين على دول الغرب أو الشرق المحاربة لهذا الدين، وكانوا يجدون من شباب المسلمين أتباعا يقلدونهم و يتخذونهم قدوة في أفكارهم وعقائدهم.
فلما انتشرت الدعوة الإسلامية في الأرض، وتبين لشباب المسلمين في بلدان المسلمين وفي البلدان الأخرى في الشرق والغرب زيف معتقدهم وعمت الصحوة الإسلامية مشارق الأرض ومغاربها، وسقطت دول كانت تمدهم مع المعتقدات والأفكار الفاسدة بالمادة من مال وسلاح وغيرهما، وأصبح الناس يسخرون من الإلحاد وأهله، فكسدت سوق إلحادهم وكفرهم، لجئوا - كدأب أسلافهم المنافقين في عهد النبوة إلى النفاق الذي أهله في الدرك الأسفل من النار.(45/392)
فظهروا بمظهر المصلحين الذين يريدون للمسلمين الخير ويجلبون لهم المصالح، ويدفعون عنهم الشر والمفاسد، فقالوا: إن الإسلام صالح لكل زمان في صلة أهله بربهم فيما بينهم وبينه في العبادة، وقصروا العبادة على بعض الشعائر التعبدية كالصلاة والصيام والأذكار ونحوها، أما الأمور السياسية و الأحكام التي تضمنها القرآن والسنة من معاملات كالبيوع وما يتعلق بها من الربا ونحوه، وبعض نظام الأسرة كتعدد الزوجات والمواريث، وكالحدود والقصاص، فتلك كانت مناسبة للعصور الإسلامية الأولى، وليس مناسبة لهذا العصر الذي شب عن الطوق وأصبحت تلك الأحكام غير مناسبة له.
وتطبيقها يؤدي إلى نفور الناس من الإسلام، ولا ينبغي البقاء على ما تضمنته النصوص من ذلك، وللنصوص جسم وروح ونحن ينبغي أن نستلهم روح النص لا جسده، والذين يتشبثون بظاهر النصوص يسيئون على الإسلام ويقحمونه في لشئون السياسية، والشئون السياسية تتغير وتتبدل، وفيها ما فيها من المخادعة والمناورة التي تنطلق من المكيافللية التي يجب تنزيه الإسلام عنها عدم تدنيسه بها.
هؤلاء يزعمون أنهم مسلمون، وهم ينهجون نهج أهل الكفر الذين حكى الله عنهم في كتابه إنكار تدخل الإسلام في شئون حياتهم، كما قال - تعالى -عن قوم شعيب عندما أمرهم بإيفاء الكيل والوزن، ونهاهم إنقاصهما، وعن الاعتداء على أشياء الناس:
{قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَ لأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ} [هود (87)]
وغالب الملحدين اليوم اتجهوا إلى المعسكر الغربي الذي تفرغ بعد انتصاره على العدو الأحمر "النظام الشيوعي" للقضاء على "العدو الأخضر" وهو الإسلام الذي يظنه سيسهل هضمه كما سهل هضم الآخر.
فهم بعد أن كانوا شيوعيين، غيروا جلودهم فأصبحوا ليبراليين، آملين أن يمكنهم صديقهم الجديد من تحقيق أهم مآربهم قديما وحديثا، وهو إبعاد الإسلام من طريقهم.
وهم يظهرون في شعوبهم، إرادة الإصلاح والقضاء على الفساد، مع أنهم أشد فسادا من سواهم، ولكنها عادتهم: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ (11) أَلا إِنَّهُمْ هُمْ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ} (12) [البقرة]
وتلك بعض بلدان المسلمين اليوم يعيثون فيها فسادا مع أعداء الإسلام، فساد الحروب وإزهاق الأرواح، وفساد العقائد والأخلاق، وإفساد الزرع والنسل، وإفساد المال والاقتصاد، وهم يرددون: {إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ}
واجب العقلاء
ولهذا يجب على علماء الأمة ومفكريها وعقلائها الذين عرفوا خطر هؤلاء المنافقين، أن يبينوا للناس خطرهم، ويوضحوا خداعهم ومكرهم، ويكشفوا مخططاتهم، ويفضحوهم كما فضحهم الله - تعالى -في كتابه، وفضحهم الرسول صلى الله عليه وسلم في سنته، يحذروا منهم من يجلهم ويجهلوا كيدهم ومكرهم، حتى لا يغتروا بهم ويظاهروهم على تعاونهم مع أعداء دينهم وأوطانهم من طغاة الكفر الذين ينخذونهم مطايا لاحتلال شعوبهم ومحاربة دينهم ونهب خيراتهم.
كيف نعالج الفساد؟
ولا يفهمن أحد من كلامنا هذا أننا ننكر وجود فساد خطير في لشعوب الإسلامية، فقد عم الفساد فيها السهل والجبل، والجو والبحر، وشمل العدوان على ضرورات الحياة: من الدين والنفس والنسل والعقل والمال، وكل ما يحمي تلك الضرورات من الحاجيات والتكميليات.
ولكن معالجة هذا الفساد لا يكون بجلب ما هو أكثر فسادا منه من تسلط أعداء الأمة الإسلامية عليها بوساطة من يدعي من أبنائها إرادة الإصلاح وهو من أفسد الفاسدين، ولا هدف لهم إلا انتقال السلطات من أيدي فاسدين قبلهم قد يكونون أقل فسادا منهم إلى أيديهم ليهلكوا الحرث والنسل بقوة الأجانب المتربصين بهذه الأمة، كما هو حاصل الآن.
إن الإصلاح الحق إنما يأتي من العمل بتوجيهات الخالق التي أودعها لهذه الأمة في آخر كتاب ختم الله به كتبه المنزلة، نزل على آخر رسول ختم به في أرضه رسله.
وإن الإصلاح الذي تضمنه هذا الكتاب بنصوصه العامة الشاملة، وآيات أحكامه الخاصة المفصلة، وما تضمنته السنة النبوية من البيان والإيضاح لما تحتاجه الأمة من الخير والصلاح، وما استنبطه علماء الأمة في الماضي والحاضر، وما سيستنبطونه من ذلك في المستقبل، وما يحرزه أهل الاختصاص من أبناء هذه الأمة المعتصمين بهذا الدين من وسائل خادمة للإنسان في هذه الحياة، إن كل ذلك لجدير بإذن الله أن يحقق الإصلاح في الشعوب الإسلامية، ما التزم رعاتها ورعيتها بهذا الدين الحنيف.
فعلى علماء الإسلام وحكامه، ودعاة الخير إليه ومفكري المسلمين وأدبائهم وشعرائهم و ومن يتولى منابر تعليمهم و أجهزة إعلامهم، تقع مسئولية الإصلاح الذي يرضي الله - تعالى -وينفع عباده ويعمر بلاده، كل منهم فيما تحته ويتيح له اختصاصه فيه القيام بمسئوليته.
هذا يبين ويوضح ما ينفع الناس وما يضرهم من عقيدة وعمل وأصدقاء وأعداء، وذاك يدعو ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، والآخر يعمل وينفذ.(45/393)
وينبغي مع الحذر من أهل النفاق الذين يعرف نفاقهم في لحن القول ألا ييأس دعاة الخير والإصلاح من رجوعهم إلى الحق وتوبتهم إلى الله من نفاقهم، فالكافر والمنافق والبشر قابل لتغيير نفسه من شر إلى خير ومن خير إلى شر، والله - تعالى - يدعو عباده إلى التوبة ويفتح لهم بابها ليلا ونهارا، وكم من أفراد أو جماعات حاربوا الله ورسوله وصفوة خلقه ودينه الحنيف، ثم هداهم الله فأصبحوا من أنصار الله وكتائب الإسلام.
ومن بشريات هذه الفئة التي تتخفى وراء الإسلام عند قوة أهله، وتمالئ أعداءه سرا، فإذا قويت شوكة الكفر ناصبت الإسلام العداء جهارا، قول الله - تعالى -:{لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَحِيماً} [الأحزاب (24})
فليلجئوا إلى الغفور الرحيم الذي يقبل توبة الكفر الصريح والنفاق القبيح وقت الفسحة والاختيار:
{قُلْ يَا عِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر (53)]
{إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُوْلَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً}(17) [النساء]
لا وقت فوات الأوان والاضطرار، عندما يتمنون أن يتوبوا فلا يقبل الله توبة منهم ولا من غيرهم، عندما يوقنون أن أجلهم قد حان ولا خيار لهم في الرجوع إلى الله، الذي أتاح لهم ذلك طول حياتهم:
{وَلَيْسَتْ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمْ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً} (18) [النساء]
ومن أهم وسائل الإصلاح اعتصام المسلمين كلهم حاكمين ومحكومين، بحبل الله واجتماع كلمتهم على الحق، وبعد الحكام عن الاستبداد، وبعد الرعية عن الفوضى.
ومن أهم وسائل الإصلاح تعاون المسلمين على إحراز القوة المادية التي يستغني بها المسلمون عن أعدائهم الذين يتربصون بهم في مأكلهم ومشربهم ومركبهم ومسكنهم، فلا يد يجوز للمسلمين أن يخضعوا لأعدائهم في ذلك كله، بل يجب أن يكونوا أقوياء في تجارتهم، وفي صناعتهم وفي زراعتهم، وفي سائر شئونهم.
إن الذين يزعمون أن غير المسلمين يريدون لهم الخير ويريدون أن يصلحوا شئونهم في السياسة والاقتصاد والتعليم والإعلام وفي لشئون الثقافية والاجتماعية وغيرها، يجب أن يقلعوا عن هذا الزعم إن كانوا صادقين فيه مع أنفسهم، وأن يتوبوا إلى الله منه، إن كانوا يضللون بذلك جهلة أمتهم.
فعدوك لا يرغب إلا في إضعافك وإنزال أكبر ما يقدر على إنزاله بك من الضر، وإن طلا ما يضرك بطلاء خادع من مزاعمه، فليعتمد المسلمون على ربهم ثم على أنفسهم في جلب الصلاح والإصلاح لأمتهم وشعوبهم.
http://www.al صلى الله عليه وسلمawdah.net المصدر:
==============(45/394)
(45/395)
هذه مشاعري في أول يوم لي في ظلال هذا الدين الحنيف
أخوتي وأخواتي المسلمون : اليوم بحمد الله يوم تاريخي في حياتي ... تركت فيه وللأبد شكوكي الماضية، اليوم بحمد الله تعالى حصلت ـ أخيرا ـ على الركن المتين لنفسي.. وأشرقت شمس يومي والتي ستشرق في حياة كل باحث عن الحقيقة.
وحتى انقل لكم مشاعري عندما اعتنقت الإسلام بعد أن ولدت في بيئة الإلحاد الشيوعي.. وبعد أن تنازعني أفكار التيارات التنصيرية الغربية المختلفة ، فمرة أتسائل عن وجود الله عز وجل وكيفية خلقه لنا ؟ وهل خلقنا أم خلقتنا الطبيعة كما يدعي الاشتراكيون ؟ ثم هل أصل خلقنا آدم عليه السلام أم القرد الذي جعله داروين جدّا له ولمن وافقه ؟ ثم ما هي غاية خلق الله تعالى لنا ؟ وكثير من الأسئلة التي تدور في بالنا .
عندما كنت أدرس في المدرسة سالت نفسي لماذا يؤمن كثير من الناس بالله في حين أن نظرية داروين تقول عكس ما يؤمن الكثير ؟ .. وما هي إلا سنوات حتى سقطت نظرية داروين ونظرية الإلحاد ، كما سقطت الشيوعية التي كانت تدعو لنظريته .
وقد كان لكتاب " لموريس بوكاي " ( الإنجيل ، القرآن والعلم ) أثرا كبيرا على حيث أنه أرشدني إلى كثير من المعلومات التي ساهمت في هدايتي وإجابتي عن كثير من الأسئلة الغامضة التي لم أجدلها إجابة قبل دخولي الإسلام .
ومن خلال عملي تعرفت على أحد المسلمين وتعجبت للسبب الذي يجعلهم لا يأكلون لحم الخنزير ولا يشربون الخمر ... وتغيرت عندي كثير من المعلومات المغلوطة عن الإسلام والمسلمين والتي كان للإعلام الغربي الدور الكبير في إشاعتها من وصف الإسلام والمسلمين بالإرهاب وقد رأيت غير ذلك ووجدت أن التعصب موجود ليس عند بعض المسلمين فقط بل عند كل أصحاب الديانات والمذاهب بما فيها المسيحية واليهودية ووصف الإسلام وحده بهذه الصفة وهو عنها بريء مجرد تحريف وأباطيل وشبهات تثار حوله حتى لا يتقبل الناس الإسلام كدين أو المسلمين كأناس حضاريين . وضعت لنفسي المسائل الأساسية : الله هو إله واحد ، محمد رسول الله ، عيسى وموسى ـ أنبياء الله ولا يجتمع الإسلام والإرهاب .
ها أنا في الطائرة المتوجهة إلى دبي .. العالم المجهول يثير الحذر تارة ، ورغبة متولدة من عدم المعرفة تارة أخرى . عالم الإسلام والمسلمين الذين تنبض في قلوبهم حياة الإيمان بالله الأحد . المسجد مع المنارة الذي يصدع منها صوت المؤذن ، الرجال مرتدون الثياب شديدة البياض . بلا شك إن في هذا العالم لسحرا قوة جاذبة الدهشة ليست في ذلك ، بل جو العلاقات الإنسانية التي تحيطك بالصداقة والإخلاص وملاك أمرها الإيمان المطلق بالله .
عندها تفكرت بالجد عن معنى عميق لهذه العبارات التي تدور على ألسنة الناس حولي ، " لا إله إلا الله " ، بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد الله .
كان يتجلى شيء ما في عيون الناس الذين ينطقون هذه الكلمات . كان فيها علم بشيء غير محسوس . ولما طلبت منهم أن يشرحوا لي مغزاها ، قالوا " ليس بأمر يسير " .
بعد العودة وجدت تفسير معاني القرآن وأصبح ستر الجهالة ينزل هرولة . مضت الأيام وبعدها عرفت عن المركز الإسلامي الثقافي . زرته فإذا بالفراغ الإعلامي غير موجود .
سعي الإنسان إلى الحق في كثير من الأحيان متعلق بالجهد الذي يقدمه في تحقيق غايته. كتاب للشيخ الغزالي رحمه الله " من الذكر والدعاء عند خاتم الأنبياء " ، أثر علي تأثيرا شديداً . هذا الكتاب هو الذي فتح عيوني أمام صورة النبي صلى الله عليه وسلم بسبب هذا الكتاب وكتب أخرى كثيرة تيسرت لي مثل كتاب " النبي صلى الله عليه وسلم " أصبح النبي الكريم صلى الله عليه وسلم أكبر مكانة عندي من أقرب الأقربين .. حياة الرسول معجزة بذاتها فعلينا أن نحمد الله حمدا مؤبدا بان مثل هذا الإنسان أتى إلى الوجود .
لقد أدركت أن مثل هذا الإنسان يستحق الإعجاب وأولى بالإتباع . والأهم أني تيقنت بأن القرآن كلام الله المباشر وأن الله حافظه على امتداد السنين من التحريف واللإضافات هذا الإكتشاف قلب حياتي كلها . وبالطبع صار عزمي القيام بدراسة اللغة العربية ، وكشف السيرة النبوية خطوة بعد خطوة أمرا محتوما لا رجعة عنه .. لا يمكن الإدراك بالعقل عظم هذا الكون الذي يعطينا حكماً من المحال تصور عظمة وكمال خالقة ولا يستطيع أن يقترب إلى هذه المعرفة إلا القلب الذي هداه الله للحصول علىها .
هذه المعرفة سعادة ، لو نقتسمها مع العالم كله ونصدح بها في كل مكان وزمان ، ولبلغها لكل بني آدم في الأرض . تفتحت عيوني قبل فترة بسيطة .. أعرف أقل القليل ، أمامي طريق طالب العلم الطويل ولكن أنا على بينة من سبيل الحق أعلم إلى أين سأسعى .(45/396)
رب قاريء تبدو له هذه القصة ساذجة وعاطفية مع أني أملي هذه السطور في اليوم الذي أسلمت فيه لّمّا ولج في صدري بعد النطق بالشهادتين ما يشبه تيار الأوكسجين الضخم . صدقوني : ليست الشهادة مجرد كلمات . الكلمات المجردة لن تحسها بكل خلية في جسمك ، بل حالة الابتهاج والراحة وأدعو الله ان لا يتركني هذا الشعور أبداً ما حييت ، في حياة كل إنسان ثمة معالم واضحة وينبغي أن تبصر في آوانها وحسب . الحق قريب منا ولن تغلب الشكوك القلوب المتيقنة منه .
وأتقدم بجزيل الشكر للذين ساعدوا ومازالوا يساعدونني ويعاونني في سبيلي ، أعضاء المركز الإسلامي الثقافي . أنتم عون للناس في البحث عن غاية وجودنا الحق في تيار عالمنا المعاصر .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
أخوكم في الله / بوريس ( كييف)
=================(45/397)
(45/398)
حول الإلحاد والملحدين
محسن محمد
إن المدخل لفهم ومناقشة ثم إقناع إنسان ملحد هو الوقوف موقفه في الملاحظة والتأمل ثم الذهاب مذهبه في التحليل والاستنتاج، ولكن بعد هذا كله الخروج من ذلك بإيمان أكثر رسوخا، وهذا لن يكون متاحا إلا إذا كان الرصيد الإيماني قويا في الأصل، مستعدا للصمود أمام هذه الاِختبارات، وإلا فستكون النتيجة عكسية.
إن المرجو والمفروض في كل مؤمن أن يكون قادرا على مقارعة الملحدين بالحجة العقلية والدليل المنطقي، قبل التعنت والهروب من المواجهة التي قد تفضح إيمانا هشا بالياً فارغاً من كل ما يعززه من براهين العقل أو حتى من أحاسيس صادقة نابعة من قلب مخلص.
صرح أحد الملحدين: "لو كان الله موجودا لتبينته، ثم إن هناك وقائِعَ ما كانت لتقع لو أن الله موجود. " قبل أي تعقيب على هذا الكلام، لا بأس من أن أورد ـ مع بعض التصرف ـ تحليلا للفيلسوف الفرنسي غبريال مارسيل: " لا يمكن الشك لحظة بأن عقبة وجود الشر بكل أشكاله هي أساس الإلحاد، لكن يجب تحليل هذا الحكم التضادي (في عبارة الملحد) يوجد هنا، بالفعل لو نظرنا عن كثب مناقضة، عندما أقول وأنا أتحدث عن شخص معين لو أنه كان هناك لما حدث هذا الأمر، أنطلق من معرفة دقيقة أو مزعومة للشخص المعنيّ، على سبيل المثال كان هذا الشخص حال دون لعب الولد بالكبريت، إلا أن لا يفترض فقط وجود الشخص بل أيضا أننا نعرف طريقة وجوده وعمله. نلاحظ طبعا وفي الحال أن هذا غير ممكن. لو كان الله موجوداً لكانت له هذه الخصائص وتلك ولأن له هذه الخصائص لم يكن ليسمح بـ...إلخ.(... ) ما نريد قوله في الواقع إن التفكير في الله هو عدم التفكير بشيء أبداً، فهو الاكتفاء بقول كلمة الله ـ إن لم يكن في الوقت نفسه تأكيد وجود " كائن" في غاية الخير وغاية القوة. أعود إلى المثل الذي أخذته من صعيد المنتهي أو المخلوق، لو كانت الجدة هناك لما تركت الولد يلعب بالكبريت، أرتكز لتأكيد هذا على حالات مماثلة، حيث تظهر الجدة حصيفةً أما إذا لم تكن هذه الحالة حدثت فسأرتكز إلى وعيِ ما أفعله لو كنت محلها (... ) هل بإمكاني أن أضع نفسي محل الله بحيث أصرح بأنني في هذه الحالة أو تلك، كنت تصرفت على هذا النحو، كنت سمحت أولا لهذا الحدث، إلخ؟ يجري هنا شيء فريد. فحيث يتناول الأمر شخصية مهمة مدعوة للقيام بالمبادرة في ظرف صعب، ندرك راضين أننا لا نستطيع وضع أنفسنا محلها، إننا لا نعرف نحن أنفُسنا ماذا سنفعل لو كنا محلها. لكن رجل الدولة (مثلا) يبدو لنا كأنه في صراع مع وضع لم يخلقه هو لكنه يحاول السيطرة عليه، بالعكس سنقبل أن الله المعقول كخالق، ليس تجاه تعقيد لا متناهٍ معيّن، يُعتبر منذ الحين ذا امتيازٍ، ليس عليه حرج سوى أن يُريدَ بحيث أن الملحد لا يشعر بأي تردد أو بأي تشكك تُجاه النطق بما نستطيع تسميته حكم الانعدام".
إنها إرادة الله التي تسري في الكون لا يستشعرها المنكر الذي يترقب الأفعال في غفلة عن المبدع. قيل لي إن أحد المؤمنين عندما يريد تشغيل التلفاز أو المذياع بغية معرفة أخبار العالم يقول لجليسه "دعنا نسمع ماذا صنع الله في كونه. " إنه نوع من الإلهام يفصل بين مؤمن وملحد، كيف أن الأول يربط كل شيء في الكون بإيمانه، فيصبح كل ما يلتقطه بحواسه وعقله ووجدانه من صور وحوادث وأفكار وتصرفات، كل هذا ينطق بالحقيقة الكبرى، حقيقة الخالق العظيم الواحد الأحد الفرد الصمد...
من الطبيعي جداً أن نجد إنساناً يطرح مثل هذه الأسئلة: من أنا؟ أين وكيف "كنت" قبل أن أكون؟ وإلى أين أسير؟ لماذا أموت؟ ما هو الموت؟ أين يذهب الأموات وما مصيرهم؟... إلخ. ولكن الغريب واللامعقول هو أن يقنع نفسه بأجوبة لا معنى لها، أجوبة تصب كلها في اتجاهِ عدم دوغمائي لا أدري إنكاري...
قرأت مؤخرا أن الإنسان هو الكائن الوحيد الذي لا يعتبر وجوده ضروريا لاستمرار (بقاء) منظومة بيئية معينة (Ecosystem) وبالتالي استمرار حياة باقي الكائنات، في حين لو أقصينا من هذا الوجود أسرار الكائنات، البكتريا مثلا، تكون النتيجة اختلال التوازن وبالتالي القضاء على باقي الكائنات (يمكن للقارئ الكريم التوسع في البحث عن أهمية البكتريا التي تدخل في تفاعلات بيوكيميائية داخل أوساط مختلفة، بما في ذلك جسم الإنسان، فبعض الأنواع تتدخل في عملية بعض المواد الأساسية مثل جسم الإنسان والتي تعجز آليات الجسم عن هضمها... ). ما أريد قوله أن القيام بدراسة علمية; إيكولوجية وبيولوجية لمختلف أو لعدة أنواع من الكائنات ستؤكد أن الإنسان هو الوحيد الذي يبدو من الواضح تماما أنه مجرد عابر سبيل، وفي عبوره يحتاج لمجموعة من الأشياء من بينها هذا النظام الإيكولوجي الذي سخره الله الخالق له. هذا ينسجم تماماً مع ما جاء في القرآن من كون المكان الأول والأصلي للإنسان هو الجنة وليس الأرض (أحيل القارئ على قصة نزول سيدنا آدم من الجنة).(45/399)
عند ملاحظة مجموعة من الكائنات نجدها تملك بنيات بيولوجية في مرحلة من مراحل نموها لا تؤدي أية وظيفة في تلك المرحلة، لكنها مهيأة للمرحلة التي ستأتي مستقبلا هذا واضح عند الشرغوف مثلا (صغير الضفدع). عند الإنسان هاجس البحث عن السعادة، عن الحب، عن الخير، عن الراحة النفسية... هذا العقل الذي يملكه الإنسان يبحث عن أشياء ما ورائية وأو ميتافيزيقية يبدو مستحيلا إعطاء أجوبة قطعية حولها، كل هذا يؤكد أن الإنسان هو الآخر مُعد لحياة أخرى أو مرحلة أخرى من حياته يحتاج فيها هذا الوجدان العميق وهذا العقل الممتد وهذه الخصائص الإنسانية...
الإنسان كائن استثنائي لأنه هو المعني بهذا الوجود، إنه في حالة اختبار في هذا الكون تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1) الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ. الملك- الجزء التاسع والعشرون.
يتخبط الملحد في أفكار قاصرة واستنتاجات عقيمة والتي لا ولن تثمر إيمانا، ما دام المبدأ الخفي أو المعلن هو إنكار وجود الله..
إنكار وجود الله هو المبدأ عند الشيوعية وليس حقيقة يتم إثباتها. يقول ج. ماريتان "معنى الالحاد الماركسي": "إن الله مرفوض قطعيا بموجب دوغمائية ما ورائية مطلقة... وهذا باسم الجماعة الاجتماعية، الإنسان الجمعي أو المشيع... يبدو المثال الاجتماعي الشيوعي كخاتمة إلحاد أصلي مطروح مبدئياُ"
إن ما جعل فكرة الشيوعية تستأثر بكثير من الأذهان هو تأكيدها أن الإنسان لن يحقق كل طبيعته إلا في عالم أفرغ من الله. إن مثل هذه الكاذبة الخاطئة نجحت في صنع نموذج ظل يصول ويجول في العالم وحوله أنصاره التائهون معه ومن دونه.
الإيمان ليس كلاماً تلوكه الألسن، إنه حياة لوحده، فيكفي الملحد أن يتابع مؤمنا يعيش إيمانه قولاً وفعلاُ، لكي يدرك فداحة ما هو عليه من ضلال.
نحن مدعوون لمزيد من التأمل في أحوال الملحدين والمؤمنين على السواء، فيكون ذلك لكشف ما في إيماننا من لا إيمان، وبالتالي تعزيز موقعنا في حوارنا المستمر مع الملحد.
والله أعلم.
http://www.da3ya.net المصدر:
==============(45/400)
(45/401)
الفلوجة فالجة رأس الكفر والإلحاد ..
جاء في لسان العرب لابن منظور:
فلج: فِلْجُ كلِّ شَيءٍ: نِصْفُه..
وفَلَج الشيءً بينهما يَفْلِجُه، بالكسر، فَلْجاً: قَسَمَه بنِصْفَيْنِ.
والفَلْجُ: القَسْمُ.
وفي حديث عمر: أَنه بَعَثَ حُذَيْفَةَ وعثمانَ بنَ حُنَيفٍ إِلى السّوادِ فَفَلَجَا الجِزْيةَ على أَهْلِهِ؛ الأَصمعي: يعني قَسَماها، وأَصْلُه من الفِلْج، وهو المِكْيَالُ الذي يقال له الفالِجُ، قال: وإِنما سميت القِسْمةُ بالفَلْجِ لأَن خراجهم كان طعاماً. شمر: فَلَّجْتُ المالَ بينهم أَي قَسَمْتُه؛
وقال أَبو دواد:
فَفَرِيقٌ يُفَلِّجُ اللَّحْمَ نِيئاً.... وفَرِيقٌ لِطابِخِيهِ قُتارُ
وهو يُفَلِّج الأَمر أَي ينظر فيه ويُقَسِّمُه ويُدَبِّرهُ.
الجوهري: فَلَجْتُ الشيء بينهم أَفْلِجُه، بالكسر، فَلْجاً إِذا قسمته. وفَلَجْتُ الشيء فلِْجَيْنِ أَي شَقَقْتُه نِصفين، وهي الفُلُوجُ؛ الواحد فَلْجٌ وفِلْجٌ. وفَلَجْتُ الجِزْيَةَ على القوم إِذا فرضتها عليهم؛
قال أَبو عبيد: هو مأْخوذ من القَفِيز الفالِجِ. وفَلَجْتُ الأَرضَ للزراعة؛ وكل شيء شَقَقْتَه، فقد فَلَجْتَه.
والفَلُّوجَةُ: الأَرض المُصْلَحَةُ لِلزَّرْع، والجمع فَلالِيجُ، ومنه سمي موضعٌ في الفُرات فَلُّوجةَ. وتَفَلَّجَتْ قدَمه: تَشَقَّقَتْ.
أقول: إن الفلوجة العراقية إذا دخلها دخيل يريد بأهلها سوء فإنها تصبح فالجة للرأس تفرض على الدخيل الهزيمة وتفلج الأرض لتدفن فيه الغزاة.. نسأل الله أن يقسِم مجاهدي الفلوجة رأس الأمريكان نصفين..
يا أهل الفلوجة: لقد رفعتم رأس المسلمين، وأثبتم للناس أن النصر بالدعوات لا بالطائرات والدبابات، فليهنكم ما أنتم فيه من جهاد وتضحيات.. أنتم والله أصحاب البيع الرابح: لقد عجّلتم بالأمريكان إلى النار وهم يزفّون أبنائكم إلى الجنة "إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ " (التوبة: 111)
والله إن وجودنا معكم أحب إلينا من الدنيا وما فيها، وإن كنا لم نتشرّف بمعيتكم ولم نستطع الوصول إليكم فنحن معكم بأرواحنا وقلوبنا ودعواتنا.. اثبتوا ثبّت الله فؤادكم في الدنيا والآخر، فإن مقام أحدكم ساعة في الثغر خير من أعمار أكثر المسلمين في الأرض، واعلموا أن الجنة تحت ظلال السّيوف..
اللهم انصر المجاهدين في الفلوجة ومن نصرهم، واخذل أعداء المجاهدين في الفلوجة ومن خذلهم.
==============(45/402)
(45/403)
الاتحاد قوة فما السبيل إليه
تاريخ الإستشارة : …2005-10-24 13:19:32
الموضوع : …استشارات الأسرة والمجتمع
السائل : …نبوى حسين
السؤال
نريد أن نتحد تحت لواء واحد، وفكر جديد.
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ نبوي حسين حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،
فنسأل الله أن يقدر لك الخير ويسدد خطاك ويلهمنا جميعاً رشدنا ويعيذنا من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا!
فإن الوحدة الحقيقية لا تكون إلا في ظلال العقيدة، وقد أحسن شاعر الإسلام إقبال رحمه الله في قوله:
وفي التوحيد للهمم اتحاد ** ولن تبنوا العلا متفرقين
ألم يبعث لأمتكم نبي ** يوحدكم على نهج الوئام
ومصحفكم وقبلتكم جمعياً** منار للأخوة والوئام
وكيف لا نتحد ونحن نؤمن بإله واحد عظيم ونتأس برسول كريم ونصلى لقبلة واحدة ونتعبد لله بكتاب خالد!؟ وقد اجتمع حول صلى الله عليه وسلم بلال الحبشي وصهيب الرومي وسلمان الفارسي وأبو بكر القرشي في إخاء وصفاء وكان قائلهم يردد:
أبى الإسلام لا أب لي سواه ** إذا افتخروا بقيس أو تميم
وقد أحسن الشاعر المسلم في قوله :-
يا أخي في الهند أو في المغرب ** لا تسلني عن عنصري أو نسبي
إنه الإسلام أمي وأبي
وقد جربنا الأفكار القومية، والإلحادية، والأنظمة المستوردة فما زادتنا إلا تفرقاً وعداء، وقد خدعونا فقالوا: وحدة التراب ثم اقتتلنا على التراب في المشاكل الحدودية بين كل دولتين، ثم قالوا تجمعنا اللغة المشتركة ثم تحزب كل قوم للهجات المحلية وهجروا لغة القرآن، وقالوا يوحدنا التاريخ المشترك ثم أصبح كل بلد يفتخر بتاريخه الوثني فهذا فرعوني، وذاك نوبي وهذا حميري وذاك آشوري وآخر بابلي، أما أهل الإسلام في كل بلد وقطر فلسان حالهم ومقالهم:
تاريخنا من رسول الله مبدؤه ** وما سواه فلا عز ولا شان
محمد أنقذ الدنيا بدعوته ** ومن هداه لنا روح وريحان
وعليه فإن الاتحاد على منهج الإسلام وعلى خطى خير الأنام، أما الأفكار الجديدة فلن تزيدنا إلا فرقة واختلافاً، والإنسان لا يستطيع أن يرسم الطريق لنفسه فكيف يضع أفكاراً لغيره وهو الذي لا يعرف ما يصلحه ولا يطلع على الغيب، وهو قاصر في فهمه وعلمه، وأناني بطبعه ولكن منهج الله يجمع الناس لأنه من عند خالقهم (ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير) وقد أمتن الله على نبيه فقال :{ لو أنفقت ما في الأرض جميعاً ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم إنه عزيز حكيم}.
والله ولي توفيق والسداد!
المجيب : …د. أحمد الفرجابي
===============(45/404)
(45/405)
سافرنا إلى ألمانيا ؛ وتكاد حياتنا الاجتماعية تكون صفرا
تاريخ الإستشارة : …
الموضوع : …استشارات الأسرة والمجتمع
السائل : …
السؤال
أنا أم لطفلين، مرتاحة مع زوجي، مشكلتي أني أصبحت غير واثقة بنفسي! علما أني لم أكن كذلك؛ لكن بسبب مجيئنا إلى ألمانيا، ونظرة الناس لنا - خاصة الحجاب - أثرت فينا!
لا أعرف! تكاد حياتنا الاجتماعية تكون صفرا! وذلك مما أثر في أولادي؛ لأنهم لا يملكون أصدقاء! إني لا أستطيع عمل شيء! فداخلي مهزوز جدا! ساعدوني!
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الكريمة الفاضلة/ مرام المحترمة حفظها الله!
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد،،،
فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك استشارات الشبكة الإسلامية! فأهلا وسهلا ومرحبا بك! وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت، وفي أي موضوع! ونسأله جل وعلا أن يثبتك على الحق! وأن يربط على قلبك! وأن يرزقك الثقة التامة بنفسك! وأن يحفظك من الضعف والانهيار!
وبخصوص ما ورد برسالتك، فما تذكرينه شيء طبيعي في بداية حياة الغربة والبعد عن الأهل والوطن، وانعدام التفاهم مع مجتمع لا تعرفين لغته، أو لا تجدين فيه من هو مستعد لمد جسور العلاقات الاجتماعية الصادقة التي تعودتها؛ ولذلك أرى أن المسألة مسألة وقت، وعما قريب سوف تتعرفون إلى إخوانكم من المسلمين العرب المهاجرين من أمثالكم، وستشعرين بتلاشي هذا الشعور مع الأيام.
ولكني أحذرك من الاستجابة لداعي النفس والشيطان بخلع الحجاب بحجة أنك مثار سخرية واشمئزاز واستخفاف المجتمع، فهذه كلها أوهام، حتى ولو كانت موجودة فعلا فليس معنى ذلك أن نتخلى عن ديننا؛ ليرضى عنا أعداؤنا! وما قيمة الحياة المادية الفارهة في ظل الفسق والفجور والإلحاد!؟
فحذار حذار ـ أختي مريم ـ من الضعف الذي يؤدي بك إلى التخلي عن دينك ومبادئك! وعليك أنت وزوجك بالبحث عن أقرب مسجد، أو مركز إسلامي، وربط أنفسكم به وبنشاطاته؛ حتى لا تذوبوا في هذا المجتمع الكافر!
وكم أتمنى أن تراجعوا أنفسكم في موضوع الإقامة في هذه البلاد! خاصة وأنتم ما زلتم في أول الطريق تقريبا؛ لأن الشرع ينهى عن الهجرة إلى بلاد الكفر، إلا في حالات الضرورة القصوى التي يحددها أهل العلم، أما مجرد الهجرة بدافع الحرية والنداء والتقدم فهذه كلها ليست مبررات شرعية، ولا قيمة لها في نظر الشرع، وأنتم بذلك مخالفون لشرع الله بلا شك.
والأمر كذلك بالنسبة لأولادك، فلا بد أن تشعريهم بالعزة والكرامة، وأنكم أبناء الإسلام العظيم، وأنكم أفضل من هؤلاء الألمان الكفار، وأنكم من أهل الجنة، أما هم فهم من أهل النار ما داموا غير مسلمين، وحاولي أن تزرعي فيهم العزة والكرامة والاعتزاز بالإسلام!
ولا تنسي نفسك أنت وزوجك من المحافظة على تعاليم الإسلام، والورد القرآني اليومي، والاطلاع على بعض الكتب الشرعية الميسرة لديكم؛ حتى تظلوا قريبن من الله ورسوله، وإن شاء الله سوف تكونون أحسن مستقبلا!
وبالله التوفيق!
المجيب : …الشيخ / موافي عزب
============(45/406)
(45/407)
تطهير الاعتقاد من أدران الإلحاد
محمد بن الأمير الصنعاني
الصفحة الرئيسية التوحيد
بسم الله الرحمن الرحيم
وهو المستعان
الحمد لله الذي لا يقبل توحيد ربوبيته من العباد حتى يفردوه بتوحيد العبادة كل الإفراد من اتخاذ الأنداد فلا يتخذون له ندا ولا يدعون معه أحدا ولا يتكلون إلا عليه ولا يفزعون في كل حال إلا إليه ولا يدعونه بغير أسمائه الحسنى ولا يتوصلون إليه بالشفعاء (من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه)
وأشهد أن لا إله إلا الله ربا ومعبودا وأن محمدا عبده ورسوله، الذي أمره أن يقول (قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله)، وكفى بالله شهيدا. صلى الله عليه وعلى آله والتابعين له في السلامة من العيوب وتطهير القلوب من اعتقاد كل شيء يشوب.
وبعد، فهذا (تطهير الاعتقاد من أدران الإلحاد) وجب علي تأليفه وتعين علي ترصيفه لما رأيته معلمته من اتخاذ العباد الأنداد في الأمصار والقرى وجميع البلاد من اليمن والشام ومصر ونجد وتهامة وجميع ديار الإسلام، وهو الاعتقاد في القبور وفي الأحياء ممن يدعي العلم بالمغيبات وهو من أهل الفجور، لا يحضر للمسلمين مسجدا ولا يرى لله راكعا أو ساجدا، ولا يعرف السنة ولا الكتاب ولا يهاب البعث ولا الحساب.
فوجب علي أن أنكر ما أوجب الله إنكاره، ولا أكون من الذين يكتمون ما أوجب الله إظهاره. فاعلم أن ههنا أصولا هي قواعد للدين، ومن أهم ما تجب معرفته على الموحدين:
الأصل الأول
أنه قد علم من ضرورة الدين أن كل ما في القران فهو حق لا باطل وصدق لا كذب وهدى لا ضلالة وعلم لا جهالة ويقين لا شك فيه. فهذا الأصل أصل لا يتم إسلام أحد ولا إيمانه إلا بالإقرار به. وهذا مجمع عليه لا خلاف فيه.
الأصل الثاني
أن رسل الله وأنبياءه ـ من أولهم إلى آخرهم ـ بعثوا لدعاء العباد إلى توحيد الله بتوحيد العبادة. وكل رسول أول ما يقرع به أسماع قومه قوله (يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره) (أن لا تعبدوا إلا الله) ( أن اعبدوا الله واتقوه وأطيعون)ز وهذه الذي تضمنه قول "لا إله إلا الله". فإنما دعت الرسل أممها إلى قول هذه الكلمة واعتقاد معناها، لا مجرد قولها باللسان. ومعناها: هو إفراد الله بالإلهية والعبادة، والنفي لما يعبد من دونه والبراءة منه. وهذا الأصل لا مرية فيما تضمنه، ولا شك فيه وفي أنه لا يتم إيمان أحد حتى يعلمه ويحققه.
الأصل الثالث
أن التوحيد قسمان:
القسم الأول: توحيد الربوبية والخالقية والرازقية ونحوها، ومعناه: أن الله وحده هو الخالق للعالم وهو الرب لهم والرازق لهم. وهذا لا ينكره المشركون ولا يجعلون لله فيه شريكا، بل هم مقرون به، كما سيأتي في الأصل الرابع.
القسم الثاني: توحيد العبادة ومعناه: إفراد الله وحده بجميع أنواع العبادات الآتي بيانها. فهذا هو الذي جعلوا لله فيه شركاء. ولفظ الشريك يشعر بالإقرار بالله تعالى.
فالرسل عليهم السلام بعثوا لتقرير الأول ودعاء المشركين إلى الثاني، مثل قولهم في خطاب المشركين: (أفي الله شك فاطر السموات والأرض يدعوكم ليغفر لكم من ذنوبكم) 14:10 (هل من خالق غير الله يرزقكم من السماء والأرض لا إله إلا هو) 35:3 ونهيهم عن شرك العبادة، ولذا قال الله تعالى (ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت) 16:36 أي قائلين لأممهم أن اعبدوا الله. فأفاد بقوله (في كل أمة) أن جميع الأمم لم ترسل إليهم الرسل إلى لطلب توحيد العبادة، لا للتعريف بأن الله هو الخالق للعالم وأنه رب السموات والأرض، فإنهم مقرون بهذا. ولهذا لم ترد الآيات فيه ـ في الغالب ـ إلا بصيغة استفهام التقرير، نحو: (هل من خالق غير الله) 35:3 (أفمن يخلق كمن لا يخلق) 16:17 (أفي الله شك فاطر السموات والأرض) 6:14 (أغير الله أتخذ وليا فاطر السموات والأرض) 6:14 (هذا خلق الله فأروني ماذا خلق الذين من دونه) 31:11 (أروني ماذا خلقوا من الأرض أم لهم شرك في السموات) 46:4 استفهام تقرير لهم لأنهم به مقرون.
وبهذا تعرف أن المشركين لم يتخذوا الأصنام والأوثان ولم يعبدوها ولم يتخذوا المسيح وأمة ولم يتخذوا الملائكة شركاء لله تعالى لأنهم أشركوهم في خلق السموات والأرض، بل اتخذوهم لأنهم يقربونهم إلى الله زلفى، كما قالوه. فهم مقرون بالله في نفس كلمات كفرهم وأنهم شفعاء عند الله. قال الله تعالى: (ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله. قل أتنبئون الله بما لا يعلم في السموات ولا في الأرض سبحانه وتعالى عما يشركون) 10:18 فجعل الله تعالى اتخاذهم للشفعاء شركا ونزه نفسه عنه لأنه لا يشفع عنده أحد إلا بإذنه، فكيف يثبتون شفعاء لهم لم يأذن الله لهم في شفاعة ولا هم أهل لها ولا يغنون عنهم من الله شيئا؟
الأصل الرابع(45/408)
أن المشركين الذين بعث الله الرسل إليهم مقرون أن الله خالقهم (ولئن سألتهم: من خلقهم ليقولن الله) 43:87، (ولئن سالتهم: من خلق السموات والأرض؟ ليقولن: خلقهن العزيز العليم) 43:9 وأنه الرازق الذي يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي وأنه الذي يدبر الأمر من السماء إلى الأرض وأنه الذي يملك السمع والأبصار والأفئدة، (قل من يرزقكم من السماء والأرض أم من يملك السمع والأبصار والأفئدة ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ومن يدبر الأمر؟ فسيقولون: الله فقل أفلا تتقون) (قل لمن الأرض ومن فيها إن كنتم تعلمون؟ سيقولون لله. قل أفلا تذكرون؟ قل من رب السموات السبع ورب العرش العظيم؟ سيقولون لله، قل أفلا تتقون؟ قل من بيده ملكوت كل شيء وهو يجير ولا يجار عليه إن كنتم تعلمون؟ سيقولون لله، قل فأنى تسحرون) 23:84-98 وهذا فرعون مع غلوه في كفره ودعواه أقبح دعوى ونطقه بالكلمة الشنعاء، يقول الله في حقه حاكيا عن موسى عليه السلام (لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السموات والأرض بصائر) 17:102 وقال إبليس (إني أخاف الله رب العالمين) 59:16 وقال (رب بما أغويتني) 17:39 وقال (رب فأنظرني) 15:36 وكل مشرك مقر بأن الله خالقه وخالق السموات والأرض وربهن ورب ما فيهما ورازقهم، ولهذا احتج عليهم الرسل بقولهم (أفمن يخلق كمن لا يخلق) 16:17 وبقولهم ( إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له) 22:73 والمشركون مقرون بذلك لا ينكرونه.
الأصل الخامس
أن العبادة أقصى باب الخضوع والتذلل، ولم تستعمل إلا في الخضوع لله. لأنه مولى أعظم النعم. وكان لذلك حقيقا بأقصى غاية الخضوع، كما في (الكشاف).
ثم إن رأس العبادة وأساسها التوحيد لله التوحيد الذي تفيده كلمته التي إليها دعت جميع الرسل، وهي قول (لا إله إلا الله) والمراد اعتقاد معناها والعمل بمقتضاها لا مجرد قولها باللسان.
ومعناها: إفراد الله بالعبادة والإلهية والنفي والبراءة من كل معبود دونه. وقد علم الكفار هذا المعنى لأنهم أهل اللسان العربي، فقالوا: (أجعل الآلهة إله واحدا إن هذا لشيء عجاب) 38:5.
فصل
إذا عرفت هذه الأصول فاعلم أن الله تعالى جعل العبادة له أنواعا:
اعتقادية: وهي أساسها، وذلك أن يعتقد أنه الرب الواحد الأحد الذي له الخلق والأمر وبيده النفع والضر وأنه الذي لا شريك له ولا يشفع عنده أحد إلا بإذنه، وأنه لا معبود بحق غيره، وغير ذلك من لوازم الألوهية.
ومنها اللفظية: وهي النطق بكلمة التوحيد، فمن اعتقد ما ذكر ولم ينطق بها لم يحقن دمه ولا ماله، وكان كإبليس، فإنه يعتقد التوحيد بل ويقر به كما أسلفنا عنه، إلا أنه لم يمتثل أمر الله فكفر. ومن نطق ولم يعتقد حقن ماله ودمه وحسابه على الله، وحكمه حكم المنافقين.
وبدنية، كالقيام والركوع والسجود في الصلاة. ومنها الصوم وأفعال الحج والطواف.
ومالية، كإخراج جزء من المال امتثالا لما أمر الله تعالى به. وأنواع الواجبات والمندوبات في الأموال والأبدان والأفعال والأقوال كثيرة، لكن هذه أمهاتها.
وإذا تقررت هذه الأمور، فاعلم أن الله تعالى بعث الأنبياء عليهم الصلاة والسلام من أولهم إلى آخرهم يدعون العباد إلى إفراد الله تعالى بالعبادة، لا إلى إثبات أنه خلقهم ونحوه، إذ هم مقرون بذلك، كما قررناه وكررناه، ولذا قالوا (أجئتنا لنبد الله وحده ) 7:69 أي لنفرده بالعبادة ونخصه بها من دون آلهتنا، فلم ينكروا إلا طلب الرسل منهم إفراد العبادة لله. فلم ينكروا الله تعالى ولا قالوا إنه لا يعبد، بل أقروا بأنه يعبد وأنكروا كونه يفرد بالعبادة، فعبدوا مع الله غيره وأشركوا معه سواه واتخذوا له أندادا، كما قال تعالى (فلا تجعلوا لله أندادا وأنتم تعلمون) 2:22 أي وأنتم تعلمون أنه لا ند له. وكانوا يقولون في تلبيتهم للحج: " لبيك لا شريك لك إلا شريكا هو لك تملكه وما ملك". وكان يسمعهم صلى الله عليه وسلم عند قولهم "لا شريك لك" ويقول: قد افردوه جل جلاله لو تركوا قولهم "إلا شريكا هو لك". فنفس شركهم بالله تعالى إقرار به. قال تعالى (أين شركاؤكم الذين كنتم تزعمون) 6:22 (وقيل ادعوا شركاءكم فدعوهم فلم يستجيبوا لهم) 28:4 (قل ادعوا شركاؤكم ثم كيدون فلا تنظرون) 7:194 فنفس اتخاذ الأنداد إقرار بالله تعالى، ولم يعبدوا الأنداد بالخضوع لهم والتقرب بالنذور والنحر لهم إلا لاعتقادهم أنها تقربهم إلى الله زلفى وتشفع لهم لديه.
فأرسل الله الرسل تأمر بترك عبادة كل ما سواه وتبين أن هذا الاعتقاد الذي يعتقدونه في الأنداد باطل وأن التقرب إليهم باطل، وأن ذلك لا يكون إلا لله وحده. وهذا هو توحيد العبادة. وقد كانوا مقرين ـ كما عرفت في الأصل الرابع ـ بتوحيد الربوبية، وهو أن الله هو الخالق وحده والرازق وحده.
ومن هذا تعرف أن التوحيد الذي دعتهم إليه الرسل من أولهم وهو نوح عليه السلام إلى آخرهم وهو صلى الله عليه وسلم هو توحيد العبادة، ولذا تقول لهم الرسل (ألا لا تعبدوا إلا الله) (اعبدوا الله مالكم من إله غيره).(45/409)
وقد كان المشركون منهم من يعبد الملائكة ويناديهم عند الشدائد ومنهم من يعبد أحجارا ويهتف بها عند الشدائد، فبعث الله محمدا r يدعوهم إلى عبادة الله وحده وبأن يفردوه بالعبادة كما أفردوه بالربوبية، أي بربوبيته للسموات والأرض وان يفردوه بمعنى ومؤدى كلمة " لا إله إلا الله" معتقدين لمعناها عاملين بمقتضاها وأن لا يدعوا مع الله أحدا. وقال تعالى (له دعوة الحق والذين يدعون من دونه لا يستجيبون لهم بشيء) 13:14 وقال تعالى( وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين) 5:22، أي من شرط الصدق في الإيمان بالله أن لا يتوكلوا إلا عليه وأن يفردوه بالتوكل كما يجب أن يفردوه بالدعاء والاستغفار. وأمر الله عباده أن يقولوا (إياك نعبد) ولا يصدق قائل هذا إلا إذا أفرد العبادة لله تعالى، وإلا كان كاذبا منهيا عن أن يقول هذه الكلمة، إذا معناها: نخصك بالعبادة ونفردك بها دون كل أحد، وهو معنى قوله (فإياي فاعبدون) 29:56 (وإياي فاتقون) 2:41 كما عرف من علم البيان أن تقديم ما حقه التأخير يفيد الحصر، أي لا تعبدوا إلا الله ولا تعبدوا غيره ولا تتقوا غيره كما في (الكشاف). فإفراد الله تعالى بتوحيد العبادة لا يتم إلا يتم إلا بأن يكون الدعاء كله له والنداء في الشدائد والرخاء لا يكون إلا لله وحده، والاستعانة بالله وحده واللجأ إلى الله والنذر والنحر له تعالى، وجميع أنواع العبادات من الخضوع والقيام تذللا لله تعالى والركوع والسجود والطواف والتجرد عن الثياب والحلق والتقصير كله لا يكون إلا لله عز وجل. ومن فعل شيئا من ذلك لمخلوق حي أو ميت أو جماد أو غير ذلك فقد أشرك في العبادة. وصار من تفعل له هذه الأمور إله لعابديه، سواء كان ملكا أو نبيا أو وليا أو شجرا أو قبرا أو جنيا أو حيا أو ميتا. وصار العابد بهذه العبادة أو بأي نوع منها عابدا لذلك المخلوق مشركا بالله، وإن أقر بالله وعبده، فإن إقرار المشركين بالله وتقربهم إليه لم يخرجهم عن الشرك وعن وجوب سفك دمائهم وسبي ذراريهم وأخذ أموالهم غنيمة. قال الله تعالى [في الحديث القدسي] (أنا أغنى الشركاء عن الشرك) لا يقبل الله عملا شورك فيه غيره، ولا يؤمن به من عبد معه غيره.
فصل
إذا تقرر عندك أن المشركين لم ينفعهم الإقرار بالله مع إشراكهم الأنداد من المخلوقين معه في العبادة ولا أغنى عنهم من الله شيئا وأن عبادتهم هي اعتقادهم فيهم أنهم يضرون وينفعون وأنهم يقربونهم إلى الله زلفى وأنهم يشفعون لهم عند الله تعالى، فنحروا لهم النحائر وطافوا بهم ونذروا النذور عليهم، وقاموا متذللين متواضعين في خدمتهم وسجدوا لهم، ومع هذا كله فهم مقرون لله بالربوبية وأنه الخالق ولكنهم أشركوا في عبادته، جعلهم مشركين ولم يعتد بإقرارهم هذا، لأنه نافاه فعلهم، فلم ينفعهم الإقرار بتوحيد الربوبية. فمن شأن من أقر لله تعالى بتوحيد الربوبية أن يفرده بتوحيد العبادة. فإن لم يفعل ذلك فالإقرار الأول باطل. وقد عرفوا ذلك وهم في طبقات النار فقالوا (تالله إن كنا لفي ضلال مبين إذ نسويكم برب العالمين) 26:97-98 مع أنهم لم يسووهم به من كل وجه ولا جعلوهم خالقين ولا رازقين، لكنهم علموا وهم في قعر جهنم أن خلطهم الإقرار بذرة من ذرات الإشراك في توحيد العبادة صيرهم كمن سوى بين الأصنام وبين رب الأنام. قال الله تعالى (وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون) 12:106 أي ما يقر أكثرهم في إقراره بالله وبأنه خلقه وخلق السموات والأرض إلا وهو مشرك بعبادة الأوثان.
بل سمى الله الرياء في الطاعات شركا. مع أن فاعل الطاعة ما قصد بها إلا الله تعالى، وإنما ألااد طلب المنزلة بالطاعة في قلوب الناس. فالمرائي عبد الله لا غيره لكنه خلط عمله بطلب المنزلة في قلوب الناس، فلم يقبل له عبادة وسماها شركا، كما أخرج مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: (يقول الله تعالى: أنا أعنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه) بل سمى الله التسمية بعبد الحارث شركا، كما قال تعالى (فلما آتاهما صالحا جعلى له شركاء فيما آتاهما) 7:159 فإنه أخرج الإمام أحمد والترمذي من حديث سمرة أن صلى الله عليه وسلم قال: "لما حملت حواء ـ وكان لا يعيش لها ولد ـ طاف بها إبليس، وقال: لا يعيش لك ولد حتى تسميه عبد الحرث. فسمته فعاش. وكان ذلك من وحي الشيطان وأمره. فأنزل الله الآيات وسمى هذه التسمية شركا، وكان إبليس تسمى بالحرث". والقصة في الدر المنثور وغيره.
فصل(45/410)
وقد عرفت من هذا كله أن من اعتقد في شجر أو حجر أو قبر أو ملك أو جني أو حي أو ميت أنه ينفع أو يضر أو أنه يقرب إلى الله أو يشفع عنده في حاجة من حوائج الدنيا، بمجرد التشفع به والتوسل إلى الرب تعالى، إلا ما ورد في حديث فيه مقال، في حق نبينا صلى الله عليه وسلم أو نحو ذلك، فإنه قد أشرك مع الله غيره. واعتقد ما لا يحل اعتقاده، كما اعتقد المشركون في الأوثان، فضلا عمن ينذر بماله وولده لميت أو حي أو يطلب من ذلك الميت ما لا يطلب إلا من الله تعالى من الحاجات، من عافية مريضه أو قدوم غائبه أو نيله لأي مطلب من المطالب، فإن هذا هو الشرك بعينه الذي كان ويكون عليه عباد الأصنام.
والنذر بالمال على الميت ونحوه والنحر على القبر والتوسل به وطلب الحاجات منه هو بعينه الذي كانت تفعله الجاهلية. وإنما كانوا يفعلونه لما يسمونه وثنا وصنما، وفعله القبوريون لما يسمونه وليا وقبرا ومشهدا. والأسماء لا أثر لها ولا تغير المعاني، ضرورة لغوية وعقلية وشرعية. فإن من شرب الخمر وسماها ماء، ما شرب إلا خمرا وعقابه عقاب شارب الخمر، ولعله يزيد عقابه للتدليس والكذب في التسمية.
وقد ثبت في الأحاديث أنه يأتي قوم يشربون الخمر يسمونها بغير اسمها، وصدق r فإنه قد أتى طوائف من الفسقة يشربون الخمر ويسمونها نبيذا. وأول من سمى ما فيه غضب الله وعصيانه بالأسماء المحبوبة عند السامعين إبليس لعنه الله، فإنه قال لأبي البشر (يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى) [20:120] فسمى الشجرة التي نهى الله آدم عن قربانها شجرة الخلد، جذبا لطبعه إليها وهزا لنشاطه لقربانها وتدليسا عليه بالاسم الذي اخترعه. كما يسمي إخوانه المقلدون له الحشيشة بلقمة الراحة. وكما يسمي الظلمة ما يقبضونه من أموال عباد الله ظلما وعدوانا أدبا، فيقولون أدب القتل وأدب السرقة وأدب التهمة، بتحريف اسم الظلم إلى اسم الأدب. كما يحرفونه في بعض المقبوضات إلى اسم "النفاعة" وفي بعضها إلى اسم "السياقة" وفي بعضها أدب المكاييل والموازين.
وكل ذلك اسمه عند الله ظلم وعدوان، كما يعرفه من شم رائحة الكتاب والسنة. وكل ذلك مأخوذ عن إبليس حيث سمى الشجرة المنهي عنها شجرة الخلد.
وكذلك تسمية القبر مشهدا ومن يعتقدون فيه وليا لا تخرجه عن اسم الصنم والوثن، إذ هم معاملون لها معاملة المشركين للأصنام ويطوفون بها طواف الحجاج ببيت الله الحرام ويستلمونها استلامهم لأركان البيت ويخاطبون الميت بالكلمات الكفرية، من قولهم: على الله وعليك، ويهتفون بأسمائهم عند الشدائد ونحوها.
وكل قوم لهم رجل ينادونه. فأهل العراق والهند يدعون عبد القادر الجيلاني. وأهل التهائم لهم في كل بلد ميت يهتفون باسمه، يقولون: "يا زيلعي، يا ابن العجيل". وأهل مكة وأهل الطائف: "يا ابن العباس". وأهل مصر: "يا رفاعي، يا بدوي، والسادة البكرية". وأهل الجبال: "يا أبا طير". وأهل اليمن: "يا ابن علوان".
وفي كل قرية أموات يهتفون بهم وينادونهم ويرجونهم لجلب الخير و دفع الضر. وهذه هو بعينه فعل المشركين في الأصنام، كما قلنا في الأبيات النجدية:
أعادوا بها معنى سواعا ومثله يغوث وود، بئس ذلك من ود
وقد هتفوا عند الشدائد باسمها كما يهتف المضطر بالصمد الفرد
وكم نحروا من سوحها من نحيرة أهلت لغير الله جهرا على عمد
وكم طائف حول القبور مقبلا ويستلم الأركان منهن باليد
فإن قال: إنما نحرت لله وذكرت اسم الله عليه. فقل له: إن كان النحر لله فلأي شيء قربت ما تنحره من باب مشهد من تفضله وتعتقد فيه؟ هل أردت بذلك تعظيمه؟ إن قال: نعم! فقل له: هذه النحر لغير الله بل أشركت مع الله تعالى غيره، وإن لم ترد تعظيمه، فهل أردت توسيخ باب المشهد وتنجيس الداخلين إليه؟ أنت تعلم يقينا أنك ما أردت ذلك أصلا، ولا أردت إلا الأول، ولا خرجت من بيتك إلا قصدا له. ثم كذلك دعاؤهم له.
فهذا الذي عليه هؤلاء شرك بلا ريب.
وقد يعتقدون في بعض فسقة الأحياء، وينادونه في الشدة والرخاء، وهو عاكف على القبائح والفضائح، ولا يحضر حيث أمر الله عباده المؤمنين بالحضور هناك، ولا يحضر جمعة ولا جماعة ولا يعود مريضا ولا يشيع جنازة، ولا يكتسب حلالا، ويضم إلى ذلك دعوى التوكل وعلم الغيب، ويجلب إليه إبليس جماعة قد عشش في قلوبهم وباض فيها وفرخ، يصدقون بهتانه ويعظمون شأنه ويجعلون هذا ندا لرب العالمين ومثلا.
فيا للعقول أين ذهبت؟ ويا للشرائع كيف جهلت؟ (إن الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم) [7:154]
فإن قلتَ: أيصير هؤلاء الذين يعتقدون في القبور والأولياء والفسقة والخلعاء مشركين كالذين يعتقدون في الأصنام؟ قلت نعم، وقد حصل منهم ما حصل من أولئك وساووهم في ذلك، بل زادوا في الاعتقاد والانقياد والاستعباد فلا فرق بينهم.
فإن قلت هؤلاء القبوريون يقولون: نحن لا نشرك بالله تعالى ولا نجعل له ندا والالتجاء إلى الأولياء والاعتقاد فيهم ليس شركا!(45/411)
قلتُ: نعم (يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم) لكن هذا جهل منهم بمعنى الشرك، فإن تعظيمهم الأولياء ونحرهم النحائر لهم شرك والله تعالى يقول (فصل لربك وانحر) أي: لا لغيره، كما يفيده تقديم الظرف. ويقول الله تعالى (,ان المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا) [72:18] وقد عرفت بما قدمناه قريبا أن صلى الله عليه وسلم قد سمى الرياء شركا، فكيف بما ذكرناه؟!
فهذه الذي يفعلونه لأوليائهم هو عين ما فعله المشركون وصاروا به مشركين، ولا ينفعهم قولهم: نحن لا نشرك بالله شيئا، لأن فعلهم أكذبَ قولهم.
فإن قلتَ: هم جاهلون أنهم مشركون بما يفعلونه. قلتُ: قد صرح الفقهاء في كتب الفقه في باب الردة أن من تكلم بكلمة الكفر يكفر، وإن لم يقصد معناها*، وهذا دال على أنهم لم يعرفوا حقيقة الإسلام ولا ماهية التوحيد، فصاروا حينئذ كفارا كفرا أصليا. فالله تعالى فرض على عباده إفراده بالعبادة (أن لا تعبدوا إلا الله) وإخلاصها له (وما أمروا إلا لعبدوا الله مخلصين له الدين) [98:5] ومن نادى الله ليلا ونهارا وسرا وجهارا وخوفا وطمعا ثم نادى معه غيره فقد أشرك في العبادة. فإن الدعاء من العبادة، وقد سماه الله تعالى عبادة في قوله تعالى (إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين) [40:60] بعد قوله (ادعوني أستجب لكم).
فإن قلت: فإذا كانوا مشركين وجب جهادهم والسلوك فيهم ما سلك رسول ا صلى الله عليه وسلم في المشركين. قلتُ: إلى هذا ذهب طائفة من أهل العلم، فقالوا: يجب أولا دعاؤهم إلى التوحيد وإبانة أن ما يعتقدونه ينفع ويضر، لا يغني عنهم من الله شيئا وأمهم أمثالهم وأن هذه الاعتقاد منهم فيه شرك لا يتم الإيمان بما جاءات به الرسل إلا بتركه والتوبة منه. وإفراد التوحيد اعتقادا وعملا لله وحده. وهذا واجب على العلماء، أي بيان أن ذلك الاعتقاد الذي تفرعت عنه النذور والنحائر والطواف بالقبور شرك محرم، عين ما كان يفعله المشركون لأصنامهم. فإذا أبان العلماء ذلك للأئمة والملوك وجب على الأئمة والملوك بعث دعاة إلى الناس يدعونهم إلى إخلاص التوحيد لله، فمن رجع وأقر حقن عليه دمه وماله وذراريه، ومن أصر فقد أباح الله منه ما أباح لرسول صلى الله عليه وسلم من المشركين.
فإن قلتَ: الاستغاثة قد ثبتت في الأحاديث، فإنه قد صح أن العباد أن العباد يوم القيامة يستغيثون بآدم أبي البشر ثم بنوح ثم بإبراهيم ثم بموسى ثم بعيسى وينتهون إلى صلى الله عليه وسلم بعد اعتذار كل واحد من الانبياء، فهذا دليل على أن الاستغاثة بغير الله ليست بمنكر. قلتُ: هذا تلبيس، فإن الاستغاثة بالمخلوقين الأحياء فيما يقدرون عليه لا ينكره أحد، وقد قال الله تعالى في قصة موسى مع الإسرائيلي والقبطي (فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه) [28:15] وإنما الكلام في استغاثة القبوريين وغيرهم بأوليائهم وطلبهم منهم أمورا لا يقدر عليها إلا الله تعالى من عافية المرض وغيرها، بل أعجب من هذا أن القبوريين وغيرهم من الأحياء من أتباع من يعتقدون فيه قد يجعلون له حصة من الولد إن عاش ويشتروا منه الحمل في بطن أمه ليعيش ويأتون بمنكرات ما بلغ إليها المشركون الأولون. ولقد أخبرني بعض من يتولى قبض ما ينذر القبوريون لبعض أهل القبور أنه جاء إنسان بدراهم وحلية نسائية وقال هذه لسيده فلان ـ يريد صاحب القبر ـ نصف مهر ابنتي، لأني زوجتها وكنت ملكت نصفها فلانا ـ يريد صاحب القبر.
وهذه النذور بالأموال وجعل قسط للقبر كما يجعلون شيئا من الزرع يسمونه (تلما) في بعض الجهات اليمينة. وهذا شيء ما بلغ إليه عباد الأصنام، وهو داخل تحت قول الله تعالى (ويجعلون لما لا يعلمون نصيبا مما رزقناهم) [16:56] بلا شك ولا ريب.(45/412)
ثم استغاثة العباد يوم القيامة وطلبهم من الأنبياء إنما يدعون الله تعالى ليفصل بين العباد بالحساب حتى يريحهم من هول الموقف، وهذا لا شك في جوازه، أعني طلب دعاء الله تعالى من بعض عباده لبعض، بل قال صلى اللع عليه وسلم لعمر رضي الله عنه لما خرج معتمرا: "لا تنسنا يا أخي من دعائك". وأمرنا سبحانه أن ندعو للمؤمنين وأن نستغفر لهم في قوله تعالى (ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان) [59:10] وقد قالت أم سليم رضي الله عنها: يا رسول الله، خادمك أنس أدع الله له. وقد كان الصحابة رضي الله عنهم يطلبون الدعاء من صلى الله عليه وسلم وهو حي. وهذا أمر متفق على جوازه. والكلام في طلب القبوريين من الأموات أو من الأحياء الذين لا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا أن يشفوا مرضاهم ويردوا غائبهم وينفسوا عن حبلاهم وأن يسقوا زرعهم ويدروا ضروع مواشيهم ويحفظوها من العين ونحو ذلك من المطالب التي لا يقدر عليها أحد إلا الله. هؤلاء هم الذين قال الله تعالى فيهم(والذين تدعون من دونه لا يستطيعون نصركم ولا أنفسهم ينصرون) [7:197] (إن الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم) [7:194] فكيف يطلب الإنسان من الجماد أو من حي ـ الجماد خير منه ـ لأنه لا تكليف عليه، وهذا يبين ما فعله المشركون الذين حكى الله ذلك عنهم في قوله تعالى (وجعلوا لله ما ذرأ من الحرث والأنعام نصيبا فقالوا هذا لله بزعمهم وهذا لشركائنا..) الآية [6:136] وقال (ويجعلون لما لا يعلمون نصيبا مما رزقناهم تالله لتسألن عما كنتم تفترون). [16:56]
فهؤلاء القبوريون والمعتقدون في جهال الأحياء وضلالهم سلكوا مسالك المشركين حذو القذة بالقذة، فاعتقدوا فيهم ما لا يجوز أن يعتقد إلا في الله، وجعلوا لهم جزء من المال وقصدوا قبورهم من ديارهم البعيدة للزيارة، وطافوا حول قبورهم وقاموا خاضعين عند قبورهم وهتفوا بهم عند الشدائد، ونحروا تقربا إليهم. وهذه هي أنواع العبادات التي عرفناك ولا أدري هل فيهم من يسجد لهم؟ لا أستبعد أن فيهم من يفعل ذلك. بل أخبرني من أثق به أنه رأى من يسجد على عتبة باب مشهد الولي الذي يقصده تعظيما له وعبادة، ويقسمون بأسمائهم. بل إذا حلف من عليه حق باسم الله تعالى لم يقبلوا منه، فإذا حلف باسم ولي من أوليائهم قبلوه وصدقوه. وهكذا كان عباد الأصنام (إذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة وإذا ذكر الذين من دونه إذا هم يستبشرون) [39:45] وفي الحديث الصحيح: "من كان حالفا فليحلف بالله أو لصمت" وسمع رسول ا صلى الله عليه وسلم رجلا يحلف باللات فأمره أن يقول: "لا إله إلا الله" وهذا يدل على أنه ارتد بالحلف بالصنم، فأمره أن يجدد إسلامهن فإنه قد كفر بذلك، كما قررناه في سبل السلام شرح بلوغ المرام وفي منحة الغفار. فإن قلت: لا سواء، لأن هؤلاء قد قالوا "لا غله إلا الله" وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم 'لا بحقها." وقال لأسامة بن زيد:"لم قتلته بعدما قال لا إله إلا الله؟" وهؤلاء يصلون ويصومون ويزكون ويحجون بخلاف المشركين. قلتُ: قا صلى الله عليه وسلم " إلا بحقها" وحقها إفراد الإلهية والعبودية لله تعالى. والقبوريون لم يفردوا الإلهية والعبادة، فلم تنفعهم كلمة الشهادة، فإنها لا تنفع إلا مع التزام معناها، كما لم ينفع اليهود قولها لإنكارهم بعض الأنبياء.
وكذلك من جعل غير من أرسله الله نبيا، لم تنفعه كلمة الشهادة. إلا ترى أن بني حنيفة كانوا يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ويصلون ولكنهم قالوا: إن مسيلمة نبي. فقاتلهم الصحابة وسبوهم. فكيف بمن يجعل للولي خاصة الإلهية ويناديه للمهمات؟ وهذا أمير المؤمنين على بن أبي طالب رضي الله عنه حرق أصحاب عبد الله ابن سبأ، وكانوا يقولون نشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله. ولكنهم غلوا في علي رضي الله عنه واعتقدوا فيه ما يعتقد القبوريون وأشباههم، فعاقبهم عقوبة لم يعاقب بها أحدا من العصاة، فإنه حفر لهم الحفائر وأجج لهم نارا وألقاهم فيها وقال:
لما رأيت الأمر أمر منكرا أججت ناري ودعوت قنبرا
وقال الشاعر في عصره
لترم بي المنية حيث شاءت إذا لم ترم بي في الحفرتين
إذا ما أججوا فيهم نارا رأيت الموت نقدا غير دين
والقصة في فتح الباري وغيره من كتب الحديث والسير.
وقد وقع إجماع الأمة على أن من أنكر البعث كفر وقتل ولو قال لا إله إلا الله، فكيف بمن يجعل لله ندا؟(45/413)
فإن قلت قد أنكر r على أسامة قتله لمن قال لا إله إلا الله كما هو معروف في كتب الحديث والسير، قلتُ: لا شك أن من قال: "لا إله إلا الله" من الكفار حقن دمه وماله حتى يتبين منه ما يخالف ما قاله، ولذا أنزل الله في قصة محلم بن جثامة آية (يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا ..) الأية [4:94] فأمرهم الله تعالى بالتثبت في شأن من قال كلمة التوحيد، فإن تبين التزامه لمعناها كان له ما للمسلمين وعليه ما عليهم. وإن تبين خلافه فلم يحقن دمه وماله بمجرد التلفظ. وهكذا كل من أظهر التوحيد وجب الكف عنه إلى أن يتبين منه ما يخالف ذلك. فإذا تبين لم تنفعه هذه الكلمة بمجردها. ولذلك لم تنفع اليهود ولا نفعت الخوارج مع ما انظم إليها من العبادة التي يحتقر الصحابة عبادتهم إلى جنبها، بل أمر r بقتلهم، وقال: "لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد" وذلك لما خالفوا بعض الشريعة وكانوا شر القتلى تحت أديم السماء، كما ثبتت به الأحاديث. فثبت أن مجرد كلمة التوحيد غير مانع من ثبوت شرك من قالها لارتكابه لما يحالفها من عبادة غير الله.
فإن قلت: القبوريون وغيرهم من الذين يعتقدون في فسقة الناس وجهالهم من الأحياء يقولون نحن لا نعبد هؤلاء ولا نعبد إلا الله وحده ولا نصلي لهم ولا نصوم ولا نحج. قلتُ: هذا جهل بمعنى العبادة، فإنها ليست منحصرة في ما ذكرتَ، بل رأسها وأساسها الاعتقاد، وقد حصل في قلوبهم ذلك، بل يسمونه معتقدا، ويصنعون له ما سمعته مما تفرع عن الاعتقاد من دعائهم وندائهم والتوسل بهم والاستغاثة والاستعانة والحلف والنذر وغير ذلك.
وقد ذكر العلماء أن من تزيا بزي الكفار صار كافرا، ومن تكلم بكلمة الكفر صار كافرا. فكيف بمن بلغ هذه الرتبة اعتقادا وقولا وفعلا.
فإن قلت: هذه النذور والنحائر ما حكمها؟ قلتُ: قد علم كل عاقل أن الأموال عزيزة عند أهلها يسعون في جمعها لو بارتكاب كل معصية ويقطعون الفيافي من أدنى الأرض والقاصي، فلا يبذل أحد من ماله شيئا إلا لجلب نفع أكثر منه أو دفع ضرر. فالناذر للقبر ما أخرج ماله إلا لذلك، وهذا اعتقاد باطل، ولو عرف الناذر بطلان ما أراده ما أخرج درهما، فإن الأموال عزيزة عند اهلها. قال تعالى: (ولا يسالكم أموالكم إن يسألكموها فيحفكم تبخلوا ويخرج أضغانكم) [47:36:37]
فالواجب تعريف من أخرج النذر بأنه إضاعة لماله وأنه لا ينفعه ما يخرجه ولا يدفع عنه ضررا، وقد قال صلى الله عليه وسلم "إن النذر لا يأتي بخير، وإنما يستخرج به من البخيل) ويجب رده إليه. وأما القابض للنذر فإنه حرام عليه قبضه لأنه أكل لمال الناذر بالباطل لا في مقابلة شيء، وقد قال تعالى ( ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل) [:188] ولأنه تقرير للناذر على شركه وقبح اعتقاده ورضاه بذلك، ولا يخفى حكم الراضي بالشرك. (إن الله لا يغفر أن يشرك به) الآية [4:48] فهو مثل حلوان الكاهن ومهر البغي، ولأنه تدليس على الناذر وإيهام له أن الولي ينفعه ويضره. فأي تقرير لمنكر أعظم من قبض النذر على الميت؟ وأي تدليس أعظم؟ وأي رضا بالمعصية ابلغ من هذا؟ وأي تصيير لمنكر معروفا أعجب من هذا؟ وما كانت النذور للأصنام والأوثان إلا على هذه الأسلوب، يعتقد الناذر جلب النفع في الصنم ودفع الضرر فينذر له جزوا من ماله ويقاسمه في غلات أطيانه ويأتي به إلى سدنة الأصنام فيقبضونه منه ويوهمونه حقيقة عقيدته وكذلك يأتي بنحيرته فينحرها بباب الصنم. وهذه الأفعال هي التي بعث الله السل لإزالتها ومحوها وإتلافها والنهي عنها.
فإن قلتَ: إن الناذر قد يدرك النفع ودفع الضرر بسبب إخراجه للنذر وبذله! قلتُ: كذلك الأصنام، قد يدرك منها ما هو أبلغ من هذا، وهو الخطاب من جوفها والإخبار ببعض ما يكتمه الإنسان. فإن كان هذا دليلا على حقية القبور وصحة الاعتقاد فيها فليكن دليلا على حقية الأصنام. وهذا هدم للإسلام وتشييد لأركان الأصنام.
والتحقيق أن لإبليس وجنوده من الجن والإنس أعظم العناية في إضلال العباد وقد مكن الله إبليس من الدخول في الأبدان والوسوسة في الصدور والتقام القلب بخرطومه. وكذلك يدخل أجواف الأصنام ويلقي الكلام في أسماع الأقوام. ومثله يصنعه في عقائد القبوريين. فإن الله تعالى قد أذن له أن يجلب بخيله ورجله على بني آدم وأن يشاركهم في الأموال والأولاد. وثبت في الأحاديث الصحيحة "أن الشيطان يسترق السمع بالأمر الذي يحدثه الله، فيلقيه إلى الكهان ـ وهم الذين يخبرون بالمغيبات ويزيدون فيما يلقيه الشيطان من عند أنفسهم مائة كذبة. ويقصد شياطين الجن شياطين الإنس من سدنة القبور وغيرهم فيقولون: إن الولي فعل وفعل، يرغبونهم فيه ويحذرونهم منه. وترى العامة ملوك الأقطار وولاة الأمصار معززين لذلك ويولون العمال لقبض النذور وقد يتولاها من يحسنون فيه الظن من عالم أو قاض أو مفت أو شيخ صوفي، فيتم التدليس لإبليس وتقر عينه بهذا التلبيس.(45/414)
فإن قلت هذا أمر عم البلاد واجتمعت عليه سكان الأغوار والأنجاد وطبق الأرض شرقا وغربا ويمنا وشاما وجنوبا وعدنا، بحيث لا تجد بلدة من بلاد الإسلام إلا وفيها قبور ومشاهد وأحياء يعتقدون فيها ويعظمونها وينذرون لها ويهتفون بأسمائها ويحلفون بها، ويطوفون بفناء القبور، ويسرجونها ويلقون عليها الأوراد والرياحين ويلبسونها الثياب ويصنعون كل أمر يقدرون عليه من العبادة لها وما في معناها من التعظيم والخضوع والخشوع والتذلل والافتقار إليها. بل هذه مساجد المسلمين غالبها لا يخلوا عن قبر أو قريب منه أو مشهد يقصده المصلون في أوقات الصلاة يصنعون فيها ما ذكر أو بعض ما ذكر. ولا يسع عقل عاقل أن هذا منكر يبلغ إلى ما ذكرت من الشناعة ويسكت عليه علماء الإسلام الذين ثبتت لهم الوطأة في جميع جهات الدنيا.
قلتُ: إن أردت الإنصاف وتركت متابعة الأسلاف وعرفت أن الحق ما قم عليه الدليل لا اتفق عليه العوام جيلا بعد جيل وقبيلا بعد قبيل، فأعلم أن هذه الأمور التي ندندن حول إنكارها ونسعى في هدم منارها صاردة عن العامة الذين إسلامهم تقليد الآباء بلا دليل ومتابعتهم لهم من غير فرق بين دني ومثيل ينشأ الواحد فيهم فيجد أهل قريته وأصحاب بلدته يلقنونه في الطفولية أن يهتف باسم من يعتقدون فيه، ويراهم ينذرون عليه ويعظمونه ويرحلون به إلى محل قبره ويلطخونه بترابه ويجعلونه طائفا على قبره، فينشأ وقد قر في قلبه عظمة ما يعظمونه، وقد صار أعظم الأشياء عنده من يعتقدونه. فنشأ على هذا الصغير وشاخ عليه الكبير ولا يسمعون من أحد عليهم من نكير. بل ترى ممن يتسم بالعلم ويدعي الفضل وينتصب للقضاء والفتيا والتدريس أو الولاية أو المعرفة أو الإمارة والحكومة معظما لما يعظمونه مكرما لما يكرمونه قابضا للنذور آكلا ما ينحر على القبور، فيظن العامة أن هذا دين الإسلام وأنه رأس الدين والسنام، ولا يخفى على أحد يتأهل للنظر ويعرف بارقة من علم الكتاب والسنة والأثر أن سكوت العالم على وقوع منكر ليس دليلا على جواز ذلك المنكر.
ولنضرب لك مثلا من ذلك وهي هذه المكوس المسماة بالمجابي المعلوم من ضرورة الدين تحريمها، قد ملأت الديار والبقاع وصارت أمرا مأنوسا لا يلج 'نكارها إلى سمع من الأسماع وقد امتدت أيدي المكاسين في اشرف البقاع في مكة أم القرى يقبضون من القاصدين لأداء فريضة الإسلام، ويلقون في البلد الحرام كل فعل حرام وسكانها من فضلاء الأنام، والعلماء والحكام ساكتون على الإنكار معرضون عن الإيراد والإصدار. أفيكونالسكوت دليلا على حل وإحرازها؟ هذا لا يقوله من له أدنى إدراك.
بل أضرب لك مثلا آخر. هذا حرم الله الذي هو أفضل بقاع الدنيا، بالاتفاق وإجماع العلماء، أحدث فيه بعض ملوك الشراكسة الجهلة الضلال هذه المقامات الأربعة التي فرقت عبادة العباد واشتملت على ما لا يحصيه إلا الله عز وجل من الفساد، وفرقت عبادات المسلمين وصيرتهم كالملل المختلفة في الدين بدعة قرت بها عين إبليس اللعين، وصيرت المسلمين ضحكة للشياطين، وقد سكت الناس عليها ووفد علماء الآفاق والأبدال والأقطاب إليها وشاهدها كل ذي عينين، وسمع بها كل ذي أذنين. أفهذا السكوت دليل على جوازها؟ هذا لا يقوله من له إلمام بشيء من المعارف. كذلك سكوتهم على هذه الأشياء الصادرة من القبوريين.
فإن قلت يلزم من هذا أن الأمة قد اجتمعت على ضلالة حيث سكتت عن إنكارها لأعظم جهالة. قلتُ: حقيقة الإجماع اتفاق مجتهدي أمة صلى الله عليه وسلم على أمر بعد عصره. وفقهاء المذاهب الأربعة يحيلون الاجتهاد من بعد الأربعة، وإن كان هذا قولا باطلا وكلاما لا يقوله إلا من كان للحقائق جاهلا. فعلى زعمهم لا إجماع أبدا من بعد الأئمة الأربعة. فلا يرد السؤال. فإن هذا الابتداع والفتنة بالقبور لك يكن على عهد أئمة المذاهب الأربعة. وعلى ما نحققه فالإجماع وقوعه محال. فإن الأمة المحمدية قد ملأت الآفاق وصارت في كل أرض وتحت كل نجم، فعلماؤها المحققون لا ينحصرون ولا يتم لأحد معرفة أحوالهم. فمن ادعى الإجماع بعد انتشار الدين وكثرة علماء المسلمين فإنها دعوى كاذبة، كما قاله أئمة التحقيق.
ثم لو فرض أنهم علموا بالمنكر وما أنكروه بل سكتوا هن إنكاره لما دل سكوتهم على جوازه، فإنه قد علم من قواعد الشريعة أن وظائف الإنكار ثلاثة.
أولها الإنكار باليد، وذلك بتغيير المنكر وإزالته.
وثانيها الإنكار باللسان مع عدم استطاعة التغيير.
ثالثها الإنكار بالقلب عند عدم استطاعة التغيير باليد واللسان.(45/415)
فإن انتفى أحدها لم ينتفِ الآخر. ومثاله: مرور فرد من أفراد علماء الدين بأحد المكاسين وهو يأخذ أموال المظلومين. فهذا الفرد من علماء الدين لا يستطيع التغيير على هذا الذي يأخذ أموال المساكين باليد ولا باللسان لأنه يكون سخرية لأهل العصيان، فانتفى شرط الإنكار بالوظيفتين. ولم يبق إلا الإنكار بالقلب الذي هو أضعف الإيمان. فيجب على من رأى ذلك العالم ساكتا على الإنكار مع مشاهدة ما يأخذه ذلك الجبار أن يعتقد أنه تعذر عليه الإنكار باليد واللسان وأنه قد أنكر بقلبه. فإن حسن الظن بالمسلمين أهل الدين واجب والتأويل لهم ما أمكن ضربة لازب. فالداخلون إلى الحرم الشريف والمشاهدون لتلك الأبنية الشيطانية التي فرقت كلمة الدين وشتتت صلوات المسلمين معذورون عن الإنكار إلا بالقلب كالمارين على المكاسين وعلى القبوريين.
ومن هنا يعلم اختلال ما استمر عند أئمة الاستدلال من قولهم في بعض ما يستدلون عليه أنه "وقع ولم ينكر فكان إجماعا"، ووجه اختلاله أن قولهم "ولم ينكر" رجم بالغيب. فإنه قد يكون أنكرته قلوب كثيرة تعذر عليها الإنكار باليد واللسان. وأنت تشاهد في زمانك أنه كم من أمر يقع لا تنكره بلسانك ولا بيدك وأنت منكر له بقلبك، ويقول الجاهل إذا رآك تشاهده "سكت فلان عن الإنكار" يقوله إما لائما أو متاسيا بسكوته، فالسكزت لا يستدل به عارف. وكذا يعلم اختلال قولهم في الاستدلال: "فعلَ فلان كذا وسكت الباقون فكان إجماعا" مختلا من جهتين.
الأولى: دعوى أن سكوت الباقين تقرير لفعل فلان، لما عرفت من عدم دلالة السكوت على التقرير.
الثانية: قولهم: "فكان إجماعا" فإن الإجماع اتفاق أمةمحمد صلى الله عليه وسلم ، والساكت لا ينسب إليه وفاق ولا خلاف حتى يعرب عنه لسانه.
قال بعض الملوك ـ وقد أثنى الحاضرون على شخص من عماله وفيهم رجل ساكت ـ مالك لا تقول كما يقولون؟ فقال: إن تكلمت خالفتهم.
فما كل سكوت رضى. فإن هذه منكرات أسسها من بيده السيف والسنان، ودماء العباد وأموالهم تحت لسانه وقلمه وأعراضهم تحت قوله وكلمه. فكيف يقوى فرد من الأفراد على دفعه عما أراد؟ فإن هذه القباب والمشاهد التي صارت أعظم ذريعة إلى الشرك والإلحاد وأكبر وسيلة إلى هدم الإسلام وخراب بنيانه، غالب ـ بك كل ـ من يعمرها هم الملوك والسلاطين والرؤساء والولاة إما على قريب لهم أو على من يحسنون الظن فيه من فاضل أو عالم أو صوفي أو فقير أو شيخ أو كبير، ويزوره الناس الذين يعرفونه زيارة الأموات من دون توسل به ولا هتف باسمه بل يدعون له ويستغفرون، حتى ينقرض من يعرفه أو أكثرهم فيأتي من بعدهم فيجدوا قبرا قد شيد عليه البناء وسرجت عليه الشموع وفرش بالفراش الفاخر وأرخيت عليه الستور وألقيت عليه الأوراد والزهور، فيعتقد أن ذلك لنفع أو لدفع ضر ويأتيه السدنة يكذبون على الميت بأنه فعل وفعل وأنزل بفلان الضرر وبفلان النفع، حتى يغرسوا في جبلته كل باطل. ولهذا الأمر ثبت في الأحاديث النبوية اللعن على من أسرج على القبور وكتب عليها وبنى عليها. وأحاديث ذلك واسعة معروفة. فإن ذلك في نفسه منها عنه، ثم هو ذريعة إلى مفسدة عظيمة.
فإن قلت هذا قبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد عمرت عليه قبة عظيمة أنفقت فيها الأموال. قلت هذا جهل عظيم بحقيقة الحال. فإن هذه القبة ليس بناؤها من صلى الله عليه وسلم ولا من أصحابه ولا من تابعيهم ولا تابعي التابعين ولا من علماء أمته وأئمة ملته، بل هذه القبة المعمولة على قبر صلى الله عليه وسلم من أبنية بعض ملوك مصر المتأخرين وهو قلاوون الصالحي المعروف بالملك المنصور في سنة ثمان وسبعين وستمائة. ذكره في (تحقيق النصرة بتلخيص معالم دار الهجرة) فهذه أمور دولية لا دليلية، يتبع فيها الآخر الأول.
وهذا آخر ما اردناه مما أوردناه لما عمت البلوى واتبعت الأهواء وأعرض العلماء عن النكير الذي يجب عليهم ومالوا إلى ما مالت العامة إليه، وصار المنكر معروفا والمعروف منكرا، ولم نجد من الأعيان ناهيا عن ذلك ولا زاجرا.
فإن قلت: قد يتفق للأحياء وللأموات اتصال جماعة بهم يفعلون خوارق من الأفعال يتسمون بالمجاذيب، فما حكم ما يأتون به من تلك الأمور؟ فإنها مما جلبت القلوب إلى الاعتقاد بها.(45/416)
قلتُ: أما المتسمون بالمجاذيب الذين يلوكون لفظ الجلالة بأفواههم ويقولونها بألسنتهم ويخرجونها عن لفظها العربي فهم من أجناد إبليس اللعين، ومن أعظم حمر الكون الذين ألبستهم الشياطين حلل التلبيس والتزيين. فإن إطلاق الجلالة منفردا عن إخبار عنها بقولهم ( الله الله) ليس بكلام ولا توحيد، وإنما هو تلاعب بهذا اللفظ الشريف بإخراجه عن لفظه العربي ثم إخلاؤه عن معنى من المعاني ولو أن رجلا عظيما صالحا يسمى بزيد وصار جماعة يقولون (زيد زيد) لعد ذلك استهزاء وإهانة وسخرية، ولا سيما إذا زادوا إلى ذلك تحريف اللفظ، ثم انظر هل أتى في لفظة من الكتاب والسنة ذكر الجلالة بانفرادها وتكريرها؟ أو الذي في الكتاب والسنة هو طلب الذكر والتوحيد والتسبيح والتهليل، وهذه أذكار رسول ا صلى الله عليه وسلم وأدعيته وأدعية آله وأصحابه خالية عن هذا الشهيق والنهيق والنعيق الذي اعتاده الذي من هو عن الله وعن هدي رسول ا صلى الله عليه وسلم وسمته ودله في مكان سحيق. ثم قد يضيفون إلى الجلالة الشريفة أسماء جماعة من الموتى، مثل (ابن علوان) و (أحمد بن الحسين) و(عبد القادر) و(العيدروس) بل قد انتهى الحال إلى أنهم يفرون إلى أهل القبور من الظلم والجور كعلي رومان وعلي الأحمر وأشباههما وقد صان الله سبحانه وتعالى رسول صلى الله عليه وسلم وأهل الكساء وأعيان الصحابة عن إدخالهم في أفواه هؤلاء الجهلة الضلال، فيجمعون أنواعا من الجهل والشرك والكفر.
فإن قلت إنه قد يتفق من هؤلاء الذين يلوكون الجلالة ويضيفون غليها عمل أهل الخلاعة والبطالة خوارق عادات وأمورا تظن كرامات، كطعن أنفسهم بالآلات الحادة وحملهم لمثل الحنش والحية والعقرب وأكلهم النار ومسهم غياها بالأيدي وتقلبهم فيها بالأجسام، قلت هذه أحوال شيطانيه وإنك لملبس عليك أن ظننتها كرامات للأموات أو حسنات للأحياء لما هتف هذا الضال بأسماءهم وجعلهم أندادا وشركاء لله تعالى في الخلق والأمر فهؤلاء الموتى أنت تفرض أنهم أولياء الله تعالى فهل يرضى ولي الله أن يجعله المجذوب أو السالك شريكا له تعالى وندا؟ أن زعمت ذلك فقد جئت شيئا إدا، وصيرت هؤلاء الأموات مشركين وأخرجتهم وحاشاهم ذلك عن دائرة الإسلام والدين، حيث جعلتهم أندادا لله راضين فرحين، وزعمت أن هذه كرامات لهؤلاء المجاذيب الضلال المشركين التابعين لكل باطل، المنغمسين في بحار الرذائل الذين لا يسجدون لله سجدة ولا يذكرون الله وحده. فإن زعمت هذا فقد أثبت الكرامات للمشركين الكافرين وللمجانين وهدمت بذلك ضوابط الإسلام وقواعد الدين المبين والشرع المتين. وإذا عرفت بطلان هذين الأمرين علمت أن هذه أحوال شيطانية وأفعال طاغوتية وأعمال إبليسية يبعلها الشياطين لإخوانهم من هؤلاء الضالين، معاونة من الفريقين على إغواء العباد، وقد ثبت في الأحاديث أن الشياطين والجان يتشكلون بأشكال الحية والثعبان وهذا أمر مقطوع بوقوعه فهم الثعابين التي يشاهدها الإنسان في أيدي المجاذيب. وقد يكون ذلك من باب السحر وهو أنواع، وتعلمه ليس بالعسير، بل بابه الأعظم الكفر بالله وإهانة ما عظمه الله من جعل مصحف في كنيف ونحوه. فلا يغتر من يشاهد ما يعظم في عينية من أحوال المجاذيب من الأمور التي يراها خوارق، فإن للسحر تأثيرا عظيما في الأفعال. وهكذا الذين يقلبون الأعيان بالأسحار وغيرها، وقد ملأ سحرة فرعون الوادي بالثعابين والحيات حتى أوجس في نفسه خيفة موسى عليه السلام. وقد وصفه الله بأنه سحر عظيم. والسحر يفعل أعظم من هذا فإنه قد ذكر ابن بطوطة وغيره أنه شاهد في بلاد الهند قوما توقد لهم النار العظيمة فليبسون الثياب الرقيقة ويخوضون في تلك النار ويخرجون وثيابهم كأنها لم يمسها شيء. بل ذكر أنه رأى أناسا عند بعض ملوك الهند أتى بولدين معه ثم قطعمها عضوا عضوا ثم رمى بكل عضو إلى جهة فرقا حتى لم ير أحد شيئا من تلك الأعضاء ثم صاح وبكى فلم يشعر الحاضرون إلا وقد نزل كل عضو على انفراده وانظم إلى الآخر حتى قام كل واحد منهما على عادته حيا سويا. ذكر هذا في رحلته، وهي رحلة بسيطة وقد اختصرت، طالعتها بمكة عام ست وثلاثين ومائة وألف، وأملاها علينا العلامة مفتي الحنفية في المدينة السيد محمد بن أسعد رحمه الله.(45/417)
وفي الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني بسنده أن ساحرا كان عند الوليد بن عقبه فجعل يدخل في جوف بقرة ويخرج، فرأه جندب رضي الله عنه فذهب إلى بيته فاشتمل على سيفه فلما دخل الساحر في البقرة قال جندب (أتأتون السحر وأنتم تبصرون) ثم ضرب وسط البقرة فقطعها وقطع الساحر معها، فانذعر الناس، فحبسه الوليد وكتب بذلك إلى عثمان رضي الله عنه، كان على السجن رجل نصراني، فلما رأى جندبا يقوم الليل ويصبح صائما، قال النصراني والله إن قوما هذا شرهم لقوم صدق. فوكل بالسجن رجلا ودخل الكوفة فسأل عن افضل أهلها فقالوا: الأشعث بن قيس، فاستضافه فرأى أبا محمد يعني الأشعث ينام الليل ويصبح فيدعو بغدائه، فخرج من عنده وسأل: أي أهل الكوفة أفضل؟ فقالوا: جرير بن عبد الله، فوجده ينام الله ثم يصبح فيدعو بغدائه. فاستقبل القبلة فقالك ربي رب جندب وديني دين جندب، وأسلم. وأخرجها البيهقي في السنن الكبرى بمغايرة في القصة، فذكر بسنده إلى الأسود أن الوليد بن عقبة كان في العراق يلعب بين يديه ساحر فكان يضرب رأس الرجل ثم يصيح به، فيقوم صارخا فيرد إليه راسه. فقال الناس: سبحان الله! يحي الموتى! ورأه رجل من صالحي المهاجرين فما كان من الغد اشتمل على سيفه فذهب يلعب لعبه ذلك فاخترط الجل سيفه فضرب عنقه وقال: إن كان صادقا فليحي نفسه! فأمر به الوليد دينارا صاحب السجن فسجنه.
بل أعجب من هذا ما أخرجه الحافظ البيهقي بإسناده في قصة طويلة وفيها أن امرأة تعلمت السحر من الملكين ببابل هاروت وماروت، وأنها أخذات قمحا فقالت له بعد أن ألقته في الأرض: اطلع، فطلع، فقالت: أحقل، فأحقل، ثم تركته، ثم قالت إيبس، فيبسن ثم قالت له: اطحن، فاطحن، ثم قالت له: اختبز فاختبز. وكانت لا تريد شيئا إلا كان.
والأحوال الشيطانية لا تنحصر، وكفى بما يأتي به الدجال. والمعيار اتباع الكتاب والسنة ومخالفتهما.
انتهى ما أوردناه ولله الحمد أولا وآخرا، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا، كلما ذكره الذاكرون وغفل عن ذكره الغافلون.
تم الكتاب والحمد لله.
===============(45/418)
(45/419)
: …كيف نحمي أبناء المسلمين من الانحلال الخلقي
تاريخ الإستشارة : …
الموضوع : …استشارات الأسرة والمجتمع
السائل : …كاوه شفيق
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم
نعلم بأن الله سبحانه وتعالى أعطى الإنسان ثلاث ميزات رئيسية ليميزه عن بقية المخلوقات الأخرى وهي:
1- جعل الله تعالى للإنسان نسبا، أي أن الإنسان يجب أن يعرف من هو أبوه؟ ومن هي والدته؟ ومن هي أخته؟ ومن هي عمته؟ ومن هي خالته؟ ومن هي بنته؟ ومن هو أخوه...إلخ، فيجب أن يعرف نسبه، لقوله تعالى في سورة الحجرات: ( وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ).
2- أن الله سبحانه وتعالى أوجب وألزم على الإنسان ارتداء اللباس، أي الملابس، لقوله تعالى في سورة الأعراف من القرآن الكريم: ( يا بني آدم قد أزلنا عليكم لباسا يواري سوآتكم وريشا ولباس التقوى )، أي أن ارتداء اللباس وستر العورة هي صفة خاصة بالإنسان فقط؛ لأن الدواب لا ترتدي اللباس ولا تستر عوراتها، فقط الإنسان يجب عليه ارتداء اللباس ويستر عوراته وبدنه.
3- أن الله تعالى علم الإنسان بالقلم أي علمه القراءة والكتابة دون بقية المخلوقات لقوله تعالى في سورة العلق بالقرآن الكريم: ( الذي علم بالقلم علم الإنسان مالم يعلم )، حيث القراءة والكتابة خاصة بالإنسان، وأن أيا من بقية المخلوقات الأخرى لا يمكن لها أن تتعلم القراءة والكتابة، ربما تتعلم سياقة الدراجة الهوائية أو سياقة السيارات، وكما نشاهد بعض القرود المتدربة تسطيع سياقة الدراجة الهوائية أو سياقة السيارات، وتتعلم بعض الأعمال الأخرى، ولكن لا يمكنها أن تتعلم القراءة والكتابة والتعبير عن أفكارها وما يدور في عقلها بواسطة القلم، أي عن طريق الكتابة لأن القراءة والكتابة فقط خص الله تعالى بها الإنسان دون بقية المخلوقات.
فالبقرة التي نشرب حليبها أو لبنها يوميا هي أيضا تجوع وتخاف وتموت وتتناسل وتتزاوج وترحم صغارها وتبرد وتمرض، ولكن البقرة لا تعرف نسبها، أي من هي أختها ومن هو أخوها ومن هو أبوها ومن هو ابنها...إلخ، وهي لا تستر عورتها ولا تلبس الملابس، وهي أيضا لا تعرف ولا تتعلم القراءة والكتابة لتعبر عن ما يدور في فكرها وعقلها من مشاعر وأفكار؛ لأن ميزة القلم ـ أي القراءة والكتابة ـ هي فقط علمها الله سبحانه وتعالى الإنسان.
السؤال: أن الغرب أخذ يتجرد فعليا من ميزتين من هذ الميزات ألا وهي ضياع الأنساب بسبب كثرة الزنا والفواحش، والثانية بسب التعري التام أو الشبه التام من اللباس وعدم ستر البدن والعورات، فما هو العمل الذي يجب أن نعمله نحن المسلمين لمواجهة هذين الفعلين الشنيعين والتي ربما تدخل إلى بلادنا أو ديارنا عن طريق هؤلاء؟ وما هي الأساليب الفعالة في الوقاية من انجراف أبناء المسلمين لهذين العملين الشنيعين وغيرها من الأعمال؟ وما هو دور الآباء في هذ المرحلة؟ وكيف يجب أن يكون ذلك؟ أرشدونا أرشدونا أرشدونا.
وجزاكم الله تعالى ألف خير.
فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ كاوه شفيق حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،
فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك استشارات الشبكة الإسلامية، فأهلاً وسهلاً ومرحباً بك في موقعك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأله جل وعلا أن يجزيك عن الإسلام والمسلمين خيراً، وأن يزيدك توفيقاً وهدى وصلاحاً واستقامة على دينه.(45/420)
وبخصوص ما ورد برسالتك، فإن المشكلة التي عرضتها لا يقوى فرد أو مؤسسة على حلها أو التغلب عليها، وإنما لا بد للقضاء على آثار هذه الحملة الشرسة من وقوف الدول والأفراد والمؤسسات الرسمية والأهلية في وجه هذا التيار الجارف، الذي يكاد أن يقتلع الإسلام وقيمه ومبادئه من قلوب المسلمين، بل ويؤدي إلى فقدهم لهويتهم، وذوبانهم في المجتمعات الغازية التي تقوم على الكفر والإلحاد والتحلل من القيم والمبادئ والأخلاق، وهذا وبلا شك هدف استراتيجي للدول الكبرى، والتي تسعى إلى فرض قيمها ومبادئها ونمط حياتها على الشعوب الفقيرة والضعيفة، ومما يؤسف له أنه ليس بمقدور الدول أو الشعوب منع تسرب هذه المواد الإعلامية إلى بلادهم، إذ أن الأقمار الصناعية العملاقة، والتي تزيد على الخمسمائة قمراً صناعياً جعلت من المستحيل على أي دولة مهما كانت أن تحول دون وصول هذا الغزو إلى شعوبها، ولقد خدمت هذه الأجهزة المتطورة من إنترنت وإعلام بجميع صوره تلك الشعوب الكبرى بصورةٍ لم يسبق لها مثيل، حيث يقولون تدليل العقول البشرية وعمل مساج لها يصيبها بنوع من التخدير، ويسمح لها باستقبال هذه المواد الإعلامية دون أدنى مقاومة، وللحق أقول: ليس بمقدور الدول وحدها وقف هذا التيار الجارف، وإنما لا بد للأسر والأفراد من المساهمة في المقاومة، ووقف أو الحد من آثار هذه الحرب الشرسة التي لا تبقي ولا تذر، ومن أهم أسلحة المواجهة ضرورة تحكم الأسرة في فترات استعمال هذه الأجهزة، وتحديد المواد الصالحة من غيرها، وعدم السماح لأبنائهم بالاطلاع أو مشاهدة هذه المواد المعروضة دونما ضابط أو رقيب، وهذا حقيقة يأتي على رأس الإجراءات الوقائية التي لا بد من توعية المسلمين بأهميتها وعظيم تأثيرها، وإلا فلا يمكن لأي أجهزة مهما تطورت أن تحول دون وصول هذا الغزو إلى عقر دارنا، وإنما لا بد للأفراد والأسر من الوقوف بأنفسهم كما ذكرت، ولا بد من حملة توعية ببيان خطورة هذه الحملة، وضرورة مساهمة الأسرة والمؤسسات الأهلية في مقاومتها، كما أنه لا بد من توفير بديل إسلامي يحمل قيم الإسلام ومبادئه، على أن يكون على نفس المستوى من التقنية والإبداع؛ حتى نقنع المجتمع المسلم خاصة الأبناء من قدرة المسلمين على المواجهة والتصدي، وهذا يحتاج إلى جهود علمية جبارة ورأس مال كبير، حيث تذكر الإحصاءات أن أمريكا تُنفق على بعض الأفلام التي تنتجها هيوليود ما لا يقل عن المئة ميلون دولار، وهذا في حد ذاته يمثل أعظم وأخطر تحدي للأمة الإسلامية نظراً لتخلفها العلمي والتقني، ولقلة موارد الكثيرين منها، ولانعدام الوعي بخطر هذه الحملة من جهة أخرى، إلا أنه ورغم ذلك فلقد ظهرت عدة محاولات لا بأس بها، يمكنها أن توفر بديلاً معقولاً أمثال قناة المجد والفجر وغيرها، فينبغي علينا دعم هذا القنوات الإسلامية النقية، وتشجيع الناس على اقتنائها والتعامل معها، واعتبارها البديل الأمثل، وتشجيع الأثرياء من المسلمين على الاستثمار في هذا الميدان، ونادي بأعلى صوتك بين أهلك وإخوانك، وعما قريب سيبزغ فجر الإعلام الإسلامي، ونحيا في ظل الإسلام النقي الطاهر.
مع تمنياتنا لكم بالتوفيق.
المجيب : …الشيخ / موافي عزب
=============(45/421)
(45/422)
أعاني من الشك في الدين والنبي فساعدوني
تاريخ الإستشارة : …2005-11-27 11:33:56
الموضوع : …استشارات ومشاكل الشباب
السائل : …عامر
السؤال
أنا شاب في السابعة عشر من عمري، وقصتي هي أنني أعاني من شك في ديني، وفيمحمد صلى الله عليه وسلم ، وكنت أحسب أن هذه وسوسات ولا بد من أن تنتهي، وها قد مضى عامان وهي ما زالت تراودني وتردني حتى جعلت في رأسي صداعا لا يمكن احتماله، وفي نفسي ألما لا يمكن نسيانه، فوالله لا أعرف ما أفعل من أجل أن أنتهي من هذا المشكلة العظيمة؟
الشك يكاد يذبحني، كل حديث عن رسول الله بت أشك فيه، كل كلمة كل فعل بات يحدث في نفسي شك، نعم شككت بالقرآن الكريم وبحمد r وبالإسلام، وبت متوترا لا أستطيع التفكير، ولا مواجهة الناس، فبت مثل المنافق أظهر الإيمان وأبطن ما بداخلي من شك، وأنا بين حدي السيف فماذا أفعل؟
كنت قد دخلت إلى أحد المواقع التي يتم بها الحوار بين الإلحاديين والمسلمين، ويبدو أني تأثرت بأولئك الإلحاديين, حاولت الاستماع إلى أخلاق الرسول من أشرطة المحاضرين والقراءة أيضا، ولكني عجزت أن أجد حلا، كل ما أستطيع قوله أنني فاسق منافق حقير.
في بعض الأحيان تراودني شكوك في وجود الله تبارك وتعالى، فأحاول طردها بمعجزات الأنبياء من خلال استذكارها، وكنت ما إن أذكر معجزات المسيح عليه السلام حتى أستعيد صوابي, ولم أحاول أبدا استذكار ما جاء به الرسول عليه الصلاة والسلام؛ بسبب ما برأسي من شكوك.
وأريد أن أفضي لكم بكل ما يجول برأسي, صرت كلما أقرأ بأحد المواقع عما داخل الإنجيل أجد له في نفسي سبيلا وأحسه وأعتبره مقنعا للغاية، هل أنا مسلم؟ ماذا أفعل؟ أنجدوني بالله عليكم أنجدوني بالله عليكم أنجدوني بالله عليكم أنجدوني، فلقد احتملت لعامين ما لا يطيق أحد احتماله، أتمنى منكم المساعدة وأن تعطوني من الحل ما يشفي غليلي ويطفئ ناري التي باتت تحرقني وتحرق حياتي وكياني.
والسلام.
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عامر حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،
فإننا عندما نتأمل كلماتك التي ذكرت لتعبر عن الحال التي تعيشها، والتي تعصف بحياتك في هذا الحين، نستطيع أن نستشعر تماماً مدى الألم الذي تجده، ومدى هذا القلق وهذا العذاب الذي تحسه في نفسك وحياتك، فليس الأمر مُتعلقاً بأمر عادي كالمال أو الدراسة مثلاً، بل هو متعلق بأعظم شيء في حياة الإنسان، إنه الدين الذي به تكون سعادة الإنسان أو شقائه في الدنيا والآخرة، ومع هذا نقول لك ونحن مطمئنون: أبشر برحمة الله وفرجه، نعم، فأبشر برحمة الله الواسعة، فأنت بحمد الله عبدٌ مسلم مؤمن، ولست منافقاً فاسقاً كما تظن في نفسك وتذكر ذلك عنها.
وأيضاً: فأنت في الحقيقة لا تشك في دينك، ولست شاكاً أيضاً في صدق صلى الله عليه وسلم أو في القرآن، بل أنت مؤمنٌ بذلك كله، وموقنٌ بذلك كله، لا ريب عندنا في ذلك، وأما الدليل على صدق إيمانك وإسلامك فهو ظاهرٌ جلي، فإنك لو كنت مُنافقاً أو مكذباً شاكاً في الله وفي رسوله لما حصل لك الخوف وهذا الفزع وهذا القلق على دينك، إن هذا الحزن الذي يُصيبك بسبب خوفك من هذه الشكوك لهو دليلٌ صريح على إيمانك وصدق يقينك، بل إنك مأجورٌ ومثاب إن شاء الله على هذا الهم وهذا الجهد الذي تبذله لدفع هذه الخطرات وهذه الشكوك، وأيضاً فإن هذا الأمر الذي يُصيبك لم يسلم منه كبار الصالحين وكبار العلماء والأولياء، بل قد وقع لخير الناس بعد الأنبياء، صحابة النبي صلى الله عليه وسلم ، فكان أحدهم يجد في نفسه هذه الوساوس وهذه الخطرات الشيطانية، فلما أخبروا رسول ا صلى الله عليه وسلم بذلك، بشرهم صلى الله عليه وسلم بأن هذه الخطرات لا تضرهم، بل إنها دليلٌ على صدق إيمانهم وقوة يقينهم؛ لأن الشيطان لما عجز عن إضلالهم وإيقاعهم في الكفر، قصد إلى الوسوسة بهذه الخطرات وهذا التشكيك، فحاولوا كما تفعل أنت تماماً أن يدفعوا هذه الوساوس عن أنفسهم، فشهد لهم صلوات الله وسلامه عليه بأن هذا دالٌ تماماً على صحة إيمانهم وقوة يقينهم وسلامة اعتقادهم، كما أخرجه مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: (جاء أناسٌ من أصحاب صلى الله عليه وسلم فسألوه: إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به، فقال صلى الله عليه وسلم (وقد وجدتموه؟ قالوا نعم، قال: ذاك صريح الإيمان).
فهذه شهادةٌ من صلى الله عليه وسلم لك ولأمثالك ممن ابُتلوا بهذا الوسواس بأنهم عندما كرهوا هذا الخاطر وحاولوا دفعه عن أنفسهم بأنهم مؤمنون موقنون ليس في إيمانهم خلل يضره، فهذه البشرى النبوية هي خير علاج لهذا الهم وهذا القلق الذي تعيشه بسبب هذا الوسواس، وقد قال تعالى عن الشيطان: {ليحزن الذين آمنوا وليس بضارهم شيئاً إلا بإذن الله وعلى الله فليتوكل المؤمنون }.(45/423)
والمقصود أن الواجب عليك أن لا تلتفت إلى هذه الوساوس وهذه الخطرات بحيث تظن في نفسك الكفر أو النفاق، بل أنت وبحمد الله على إيمانك وعلى إسلامك، ومحاولتك دفع هذه الوساوس هي أعظم دليل على إيمانك بشهادة النبي صلى الله عليه وسلم
وأيضاًَ: فقد ثبت عن صلى الله عليه وسلم أنه أمر من ابُتلي بمثل هذه الوساوس أن يكف نفسه عن التفكير فيها بحسب قدرته، وأن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، وأن ينفث عن يساره ثلاثاً، وكلها أحاديث صحيحة ثابتة عن الرسو صلى الله عليه وسلم .
وأما ما ذكرته من حصول شيء من الشك نتيجة دخولك إلى بعض المواقع التي تدور فيها محاورة بين أهل الكفر والضلال وبين أهل الإسلام، فهذا في الحقيقة ليس شكاً وإنما هو ضعف في العلم والمعرفة يحتاج منك أن تكتب بما تستشكله إلينا -في الشبكة الإسلامية مثلاً- لتجد الجواب الواضح المبسوط على ما تريد.
ونحن نؤكد عليك عدم إتعاب نفسك وقلبك بالدخول على مثل هذه المواقع، وذلك بسبب أن كثيراً ممن يتصدر للمحاورة مع أهل الكفر ربما كان غير قادر في الحقيقة على دفع شبههم وأباطيلهم لنقصٍ في علمه، أو لعدم معرفته أصلاً، فيحدث بذلك ضرر عظيم من عدم دفع الشبهة التي أوردت على لسان أهل الكفر كاليهود والنصارى وأمثالهم، مع أن إبطال شبه أمثال هؤلاء أمرٌ سهل وميسور لمن كان متمكناً في العلم والمعرفة ولديه الخبرة بأقاويلهم وشبهاتهم.
والمقصود أن عليك اتباع هذه الخطوات لكي يحصل لك بإذن الله كل خير ورشاد، وأيضاً لتُبعد عن نفسك هذه الوساوس والخطرات.
وأما ما ذكرته أنك إذا ما دخلت على بعض المواقع التي تتكلم عن دين النصارى فتقرأ في الإنجيل فتجده مقنعاً للغاية، وتجد في نفسك لذلك ميولاً، فهذا لا بد فيه من تفصيل الكلام.
فمن المعلوم أن الإنجيل الذي بيد النصارى ليس هو إنجيلاً واحداً بل هو أناجيل عديدة لا تتفق مع بعضها البعض، بل هي مُضطربة فيما بينها محرّفة غاية التحريف، والحق الذي فيها قليلٌ جداً، وهو الذي سلم من تحريف النصارى واليهود الذين حرفوا كلام الله تعالى، كما قال تعالى: {يحرفون الكلم من بعد مواضعه}، قال تعالى عنهم: {فويلٌ للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمناً قليلاً}.
ولك أن تتأمل مثلاً: كيف يصرح إنجيلهم المحرف الذي حرفوه بأيديهم بأن الله هو عيسى بن مريم، وأن مريم هي والدة الرب، تعالى الله عما يقول علواً كبيراً، وكقولهم: إن الله ثالث ثالثة، وكتصريحهم بأن عيسى ابن مريم هو الرب والإله المتوفى الذي صلبه الرومان لأجل تخليص البشر من الذنوب والخطيئة، وهذا شيءٌ قليلٌ مما يحتويه الإنجيل من الأكاذيب والأباطيل التي هي من أعظم الكفر ومن أعظم الضلال المبين .
فلا بد أن تتفطن إلى هذا المعنى، وأن تكون حذراً من دخول الشيطان عليك، بحيث مثلاً أنك تستحسن بعض مظاهر الحضارة المادية التي عند النصارى، فيؤدي ذلك بك إلى ميلٍ نحو اعتقادهم ودينهم الباطل المشوه المحرف.
ونحن نوصيك بمطالعة الكتب التي تتناول الرد على عقيدة النصارى وتبين ضلالها وبطلانها، مع أن بطلان هذه الملة لا يستريب فيه ولا يشك فيه إلا من طمس الله على بصيرته وحرمه الهدى الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم
ومن الكتب النافعة في هذا الباب الكتب التي ألفها الشيخ الداعية أحمد ديدات رحمه الله، والتي تناول فيها الرد على شبه النصارى وضلالهم، وكذلك محاوراته المسجلة التي كان يُديرها معهم.
نسأل الله تعالى أن يوفقك لكل خير، وأن يشرح صدرك، وأن يرزقك حُسن الاستعانة به، فإن من استعان بالله وفقه وألهمه رشده، وقد علمنا صلى الله عليه وسلم أن ندعو ربنا بهذه الدعوات: (اللهم ألهمني رشدي وأعذني من شرف نفسي).
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
المجيب : …أ/ أحمد مجيد الهنداوي
===============(45/424)
(45/425)
هل افتدانا المسيح على الصليب ؟
صلب المسيح
صلب المسيح عند النصارى:
يعتبر النصارى حادثة صلب المسيح أحد أهم أحداث المعمورة، حيث يرون صلب السيد المسيح، ليتحمل عن البشر خطيئة أبيهم آدم، بل وخطاياهم جميعاً.
وتؤكد الأناجيل - في إصحاحات مطولة - صلب المسيح، ذاكرةً الكثير من تفاصيل القبض عليه، ومحاكمته، وصلبه، ثم دفنه، ثم قيامته، فصعوده إلى السماء.
وهكذا يرى النصارى أيضاً أن تجسد الإله في المسيح هذا الحدث العظيم -كان من أجل أن يصلب الإله، ويصور هذا توما الأكويني فيقول: " توجد أراء مختلفة، فيزعم البعض أن ابن الله كان سيتجسد حتى لو لم يخطئ آدم، ويرى البعض خلاف ذلك، ويبدو من الأصوب الانتماء إلى الرأي الثاني... الكتاب يقول لنا دائماً: إن خطية الإنسان الأول هي الدافع لتجسد ابن الله، وعليه يظهر أن هذا السر إنما رتبه الله كدواء للخطيئة ؛ بحيث إنه لولا الخطيئة لما كان التجسد ".
ويصور الكاردينال الإنجليزي (منينغ) أهمية حادثة الصلب في كتابه " كهنوت الأبدية" فيقول: " لا تخفى أهمية هذا البحث الموجب للحيرة، فإنه إذا لم تكن وفاة المسيح صلباً حقيقية، فحينئذ يكون بناء عقيدة الكنيسة قد هدم من الأساس، لأنه إذا لم يمت المسيح على الصليب، لا توجد الذبيحة، ولا النجاة، ولا التثليث.. فبولس والحواريون وجميع الكنائس كلهم يدعون هذا، أي أنه إذا لم يمت المسيح لا تكون قيامة أيضاً ".
ويقول جوردن مولتمان في كتابه " الإله المصلوب " : " إن وفاة عيسى علي الصليب هي عصب كل العقيدة المسيحية.
إن كل النظريات المسيحية عن الله، وعن الخليقة، وعن الخطيئة، وعن الموت، تستمد محورها من المسيح المصلوب ".
وهذا ما أكد عليه (بولس) حين ألغى دور الناموس معتمداً على أن المسيح صلب عن الخطيئة، وأنه افتدانا بذلك من لعنة الناموس، فيقول: " وإن لم يكن المسيح قد قام، فباطل كرازتنا، وباطل أيضاً إيمانكم " ( كورنثوس (1) 15/14).
صلب المسيح عند المسلمين
وأما الرأي الإسلامي فيتلخص في أن المسيح عليه السلام لم يصلب كما يدعي اليهود والنصارى.
وقد استند علماؤنا - في هذا الرأي المخالف لما أجمعت عليه الأناجيل - إلى آيات القرآن الكريم وهي تقرر ذلك.
فقد أشارت الآيات إلى المؤامرة التي جرت للمسيح، وقررت أموراً يلحظها قارئ الآيات، فقد أشارت الآيات لنجاته في قوله:{ ويكلم الناس في المهد وكهلاً } (آل عمران : 46) والمعلوم أن المسيح رفع وهو في الثلاثينيات من عمره، والكهولة في اللغة مقترنة بالمشيب، ولما يدركه المسيح حال وجوده الأول، فدل على أنه سيعيش ويبلغ الكهولة، ويكلم الناس حينذاك، ولو صرفت عن هذا المعنى لما بقي لذكر الكهولة - وكلامه فيها - وجه، إذ ذكرت بين معجزات المسيح، والكلام في الكهولة كل أحد يطيقه، ولا معجزة في ذلك.
وقد أشارت آية أخرى لنزوله في آخر الزمان وهي قوله { وإنه لَعِلْم للساعة فلا تمترن بها} (الزخرف: 61).
ومثله قوله تعالى { وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته ويوم القيامة يكون عليهم شهيداً } (النساء : 159).
وتتحدث الآيات أيضاً عن نجاة المسيح من مؤامرة أعدائه، فقد قال تعالى - في معرض تعداده لنعم الله على المسيح:{ وإذ كففت بني إسرائيل عنك } (المائدة: 110).
{ ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين } (آل عمران: 54 ). فقد أنجى الله نبيه -المسيح- من مؤامرتهم وكيدهم.
وتخبر الآيات عن بعض ملامح هذه المؤامرة التي حاكها اليهود { وقولهم إنا قتلنا المسيح عيسى بن مريم رسول الله وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه ما لهم به من علم إلا اتباع الظن وما قتلوه يقيناً ( بل رفعه الله إليه وكان الله عزيزاً حكيماً}. (النساء: 157-158).
وثمة آية أخرى تشير إلى رفعه ونجاته، وهي قوله تعالى: { إني متوفيك ورافعك إلى ومطهرك من الذين كفروا وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة } (آل عمران: 55).
إذاً القرآن ناطق بنجاة المسيح من مكر الماكرين، ورفعه إلى السماء، وأن أعداءه الذين أرادوا صلبه وقعوا في الشك، فرفع المسيح، ثم يعود قبيل الساعة، فيكون علامة على قرب انقضاء الدنيا.
ولا تذكر النصوص القرآنية ولا النبوية أي تفصيل عن كيفية نجاة المسيح، لذا فقد حاول علماؤنا تلمس الحقيقة التي أخبر عنها القرآن في النقول التي نقلها إلينا مسلمة أهل الكتاب أو نقبوا بحثاً عن الحقيقة في طيات أسفار أهل الكتاب بحثاً عن هذه الكيفية التي نجى بها المسيح،
قوله تعالى { وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه مالهم به من علم إلا اتباع الظن وما قتلوه يقيناً } فالشك في الآية منصرف إلى شخصية المصلوب.
أهمية إبطال صلب المسيح عند المسلمين.
يعتقد المسلمون أن الأنبياء كسائر البشر يموتون، وقد يكون موتهم قِتلةَ، ويحكي القرآن عن بني إسرائيل بأنهم كانوا يقتلون الأنبياء بغير حق، وعليه فلا حرج عندنا في موت نبي بأي قتلة قتله بها سفهاء قومه ومجرموهم، فالقتل لا يضر النبي المقتول، بل هو من اصطفاء الله له.(45/426)
فلماذا ذكر القرآن نجاة المسيح، وأصر على تكذيب النصارى في هذه المسالة ؟
ذكر القرآن الكريم نجاة المسيح لمجرد إثبات الحقيقة، وإثبات ضعف وعجز اليهود عن بلوغ مرامهم.
وثمة أسباب أخرى دعتهم لهذا المبحث منها: إدراكهم لخطر هذه العقيدة، وعظيم شأنها عند النصارى، فتقويضها يعني خواء النصرانية عن كل معنى، لذا يؤكد العلامة ديدات أن النصرانية لا تستطيع أن تقدم للناس أي فضيلة، سوى ما تزعمه من الخلاص بدم المسيح، فهي مثلاً لا تستطيع أن تقدم لنا نحن المسلمين الكرم أو النظافة أو.... فإذا ما بطل صلب المسيح، لم يبق للنصرانية مبرر للدعوة والوجود.
وفي الآثار العقدية لفكرة الصلب ما بجعلها هدفاً ينبغي التركيز عليه، ومن هذه الآثار الاضطراب في نظرة المسيحية للإله.
فقد ظهر في القرن الثاني الميلادي تلميذ شهير لبولس، اسمه مركيون، وكان يعتقد بأن إله اليهود الذي أعطى الناموس لموسى، وخالق العالم كان شريراً، وأما إله المحبة فقد ظهر في المسيح، وهو معارض تماماً لخالق العالم.
ويتصور مركيون محاكمة من المسيح لخالق العالم فيقول: " نزل يسوع إلى رب المخلوقات في هيئة لاهوته، ودخل معه في قصاص بسبب موته على الصليب قتلاً... قال له يسوع: إن الدينونة بيني وبينك، لا تدع أي شخص آخر يكون قاضياً، إنما شرائعك ذاتها تقضي لي... ألم تكتب في ناموسك أن من قتل يقتل ؟
وعندئذٍ أجاب ( إله المخلوقات ): لقد كتبت هذا.. قال له يسوع: سلم نفسك إذن ليدي..قال خالق العالم: لأني قد ذبحتك، فإني أعطيك عوضاً، كل أولئك الذين يؤمنون بك، تستطيع أن تفعل بهم ما يرضيك.
عندئذٍ تركه يسوع، وحمل بولس بعيداً، وأراه الثمن، وأرسله ليكرز بأننا اشتُرينا بهذا الثمن، وأن كل من يؤمن بيسوع قد بيعوا عن طريق هذا الإله العادل إلى الإله الطيب ".
فهذا الشطط في المعتقد إفراز طبيعي متجدد. يسببه تناقض العدل والرحمة، والقول بنجاة المسيح من القتل يضع الأمور في ميزانها الصحيح، فتعبد البشرية ربها، وهي موقنة بأنها تعبد الرب العفُوّ الرحيم.
فقصة النصارى في الخطيئة والفداء والشريعة تشبه قصة ملك تمرد عليه شعبه فأرسل إليهم رسلا يدعونهم إلى الخير والرجوع لسلطانه والإذعان لقوانين العدل والسلام التي وضعها.
لكن هؤلاء قتلوا رسله واستهزءوا بهم وزادوا عتواً فزاد غضب الملك عليهم ثم ما لبث الملك أن أصدر قراراً بأنه سيبعث ابنه الوحيد ليضربوه ويقتلوه ويهينوه كفارة عن معاصيهم، فمن صدق ذلك فهو عنده الكريم المغفور له.
كما أصدر أمراً آخر بإلغاء كل قوانين العدل والرخاء السابقة.
وأصدر أمراً باعتبار الرضا بالقرارات السابقة كافياً للحكم على الراضي بأنه مواطن صالح مهما ارتكب من آثام وموبقات وجرائم.
وقد كانت حيثيات هذا القرار: أن الملك عادل، ومن عدله يقتص من المجرمين المخربين المفسدين في مملكته، ولكنه حباً لهم، وحتى لا يهلك كل من في المملكة رضي بأن يقتص من ابنه الوحيد البريء، الذي يعدل القصاص منه كل جرائم شعبه، وأمر بأن يعذب ثم يصلب فما رأي النصارى بهذا الملك ؟
ومثل هذا الملك لا يقال في حقه عادل أو ظالم، وإنما الأليق به أن يقال عنه: إنه غبي سفيه معتوه".
هذه هي صورة الإله الذي تريد النصرانية المحرفة أن نعبده.
وعقيدة الصلب والخطيئة والفداء وما تعلق بها سبب لنفور الناس من الدين وانتشار الإلحاد، إذ لم يرضَ الناس بعبادة رب ظالم، أو رب مصلوب كالذي تريد الكنيسة من الناس أن يعبدوه.
ولعل من صور هذا الإلحاد والذي سببته عقيدة موت الإله بسبب الفداء ما قاله نيتشة: " إن كان من شأن فكرة الله أن تسقط ضلال الخطيئة على براءة الأرض، فإنه لابد للمؤمنين بالحس الأرضي أن يهووا بمعاولهم على تلك الفكرة ".
ويقول: " طوبى لأتقياء القلب، لأنهم لا يعاينون الله... لقد صرنا بشراً، ولهذا فإننا لا نريد إلا ملكوت الأرض، إلى أين مضى الله ؟ سأقول لكم إلى أين مضى؟ لقد قتلناه، أنتم وأنا، أجل، نحن الذين قتلناه، نحن جميعاً قاتلوه، ألا تشمون رائحة العفن الإلهي؟ إن الآلهة أيضاً تتعفن، لقد مات الله وسيظل ميتاً ".
بل إن فكرة الخطيئة والفداء وغرابتها جعلها محلاً للسخرية والهزء كما يقول ج. ر سنوت في كتابه " المسيحية الأصلية": " ومن المدهش أن هذه القضية الخاصة بيسوع ابن الله ليس محبوبة في العصر الحاضر، ويقال عن حمله خطايانا، ورفعه قصاصها عنا: إنه عمل غير عادل وغير أدبي وغير لائق، وبمكن تحويله إلى سخرية وهزء ".
كتبه
د. منقذ بن محمود السقار
مكة المكرمة - صفر - 1424هـ
===============(45/427)
(45/428)
العيد في فطاني!
الخميس: 10/12/1409هـ ـ 13/7/1989م.
(((((((أنشئت هذه القصيدة منذ 12 سنة.
واليوم - ونحن في تاريخ 29/9/1422هـ تحكي هذه القصيدة مأساة الشعوب الإسلامية، مثل أفغانستان، وفلسطين، والشيشان.
أما فطاني فقد أصبحت تحت حكم الوثنيين أحسن حالا، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم)))))
في صباح هذا اليوم بعث إلي الأخ الدكتور إسماعيل لطفي أحد إخوانه في الفندق، لينقلني إلى المدرسة الرحمانية التي يديرها الأخ إسماعيل، وكان ذلك في الساعة السابعة إلا ربعاً، لأشاركهم في الصلاة معهم-صلاة عيد الأضحى-وكنت أنظر إلى الشوارع وأنا مار بوسط المدينة يمنة ويسرة، فأرى المسلمين رجالاً ونساء- صغاراً وكباراً-كل مجموعة منهم أو واحد في اتجاههم إلى الصلاة في أحد جوامع المدينة، يرتدون ملابس العيد، كل على حسب طاقته، وتبدو الفرحة على وجوههم بهذه المناسبة السعيدة.
أما أنا فكنت أفكر قبل خروجي من الفندق في مظاهر العيد في فطاني، بلاد المسلمين التي كانت في يوم من الأيام تلبس حلل الفرحة والسرور في مثل هذه المناسبة الدينية العظيمة، يتقدم المسلمين إلى مصلياتهم سلاطينهم، يستعدون جميعاً لتعظيم شعيرة من شعائر الله، يجتمع في استقبال العيد ومباهجه وأفراحه وأداء شعائره الحاكم والمحكوم، فتظهر السلطنة كلها فرحة مسرورة مبتهجة، يتبادل فيها الأفراد والأسر والعلماء والطلاب والسلطان والرعية التهاني والتحيات والهدايا والعطيات، ومضى على ذلك وقت طويل، حتى وقعت هذه السلطنة الإسلامية العريقة في يد حكومة وثنية، فتبدلت الأحوال.
أخذت أقارن بين مظاهر العيد في السلطنة في غابر الأيام، وكذلك مظاهره في البلدان الإسلامية التي يحكمها منتسبون إلى الإسلام ، ولو كان بعضهم عدواً لشريعة الله ، وبين مظاهر العيد في بلدان لا يحكمها منتسبون إلى الإسلام ، وإنما يدينون بأديان أخرى: سماوية محرفة، أو وثنية أصيلة، فألحظ الفرق بين الحالين:
فالأعياد في البلدان الأولى لها مظاهر كبيرة ، تجند لها الدولة طاقاتها في الشعب كله فقد يخرج رئيس الدولة في الغالب ، ليشارك الناس في الصلاة في عاصمة الدولة ، ويفتح بابه لكبار زواره المهنئين له، وتحصل استعراضات عسكرية، ويشارك المحافظون أو الأمراء رعيتهم في بقية المدن والقرى، ويستقبلون كبار زوارهم، فترى من مظاهر البهجة والفرح والسرور الشيء الكثير، وإن كان بعض العلماء والمفكرين من المسلمين يشعرون بالأسى والحزن في داخل نفوسهم، لما يرون من إضاعة لهذا الدين وبعد عنه و ذلة حلت بأهله بسبب ذلك، ولما يرون من مصائب ومحن بالمسلمين في كل مكان، وبخاصة أولئك المستضعفين الذين أذاقهم أعداء الإسلام أصنافاً من التعذيب والقهر والقتل والإخراج من الديار ونهب الأموال وهدم المنازل، كما هو الحال في كثير من بلدان المسلمين ، وفي فلسطين وأفغانستان والفليبين وفطاني والحبشة وإرتريا وغيرها ما يبين الحال، بل وفي بعض البلدان التي يتربع على كراسي حكمها من يزعم أنه مسلم ، وهو يحارب الإسلام ومن دعا إلى تطبيقه في حياة الناس ، وهي معروفة لا تحتاج إلى ذكر.
أما في البلدان التي يحكمها من ليسوا بمسلمين ولا منتسبين إلى الإسلام، فإن مظاهر العيد-وإن بدت في ظاهرها سارة-فإن المسلمين في تلك البلدان مثل الأيتام الذين فقدوا آباءهم وهم في أمس الحاجة إلى رعايتهم، لأن الدولة وكبار موظفيها من وزراء وأمراء وأغنياء وجيش، لا يشاركون المسلمين في فرحتهم، بل قد يعملون ما يكدر عليهم سرورهم.
فإذا جاء عيد وطني أو ديني لهذا البلد عم الفرح البلد كلها حاكمها ومحكومها، و أظهرت ذلك وسائل الإعلام لإظهار الفرحة والسرور، وقد يجبر المسلمون على المشاركة في ذلك وإن كانوا غير راضين.
لذلك كنت في هذا العيد حزيناً غير مسرور، ليس لبعدي عن أسرتي وأولادي وزملائي، وليس لبعدي عن المسجد الحرام أو المسجد النبوي فحسب، وإن كان ذلك محزناً، ولكني كنت حزيناً جداً لما أرى من حال المسلمين في هذه البلدة المسلمة المسلوبة، مع أنهم لا زالوا أكثرية، فلا توجد فيها تلك الحفاوة التي تقوم بها الدولة.
ومما يزيد النفس حسرة وألماً أن هؤلاء المسلمين الذين لا دولة لهم،لم يفكروا في رفع معنوياتهم بإظهار وحدتهم في كل مدينة بحيث يجتمعون في ساحة واحدة كلهم، يقفون صفوفاً متراصة وراء إمام واحد يرفعون التكبير والذكر، فيشعرون بالوحدة الجامعة والأخوة الصادقة، ويشعرون عدوهم بعزتهم وقوة إيمانهم واجتماع كلمتهم.
وإنما كل أسرة أو مجموعة يتجهون متفرقين من حارة إلى أخرى إلى مساجد متفرقة، تحقيقاً للولاءات الحزبية الضيقة، وعامتهم مقلدون لأفراد يحركونهم كما يريدون، وقد يكون الهدف من تحريكهم لهم تحقيق مصالح شخصية لأولئك المتبوعين وهذا هو الغالب.
وليس معنى هذا أنه لا يوجد من علماء المسلمين وقادتهم من يفكرون في جمع الكلمة والاعتصام بحبل الله وإظهار الوحدة والأخوة، ولكن هؤلاء قليل والغالب على غير مرادهم.(45/429)
وإذا كان هذا هو شأن العيد في فطاني التي أغلب سكانها مسلمون، فما شأنه في البلدان التي يكون المسلمون فيها أقلية، بل ما شأنه في مدينة أو قرية لا يوجد فيها إلا أسرة أو أسر قليلة ولا تقام فيها صلاة العيد؟!
ولهذا عبرت عن مشاعري هذه وغيرها في هذه قصيدة طويلة بعنوان ببنت الملوك، وهذا نصها:
ولكن فطاني اليوم أحسن حالا من بلدان المسلمين التي تعيش شعوبها في قلب العالم الإسلامي!
بل أقول اليوم: كيف حال المسلمين في البلدان التي لا يوجد فيها إلا المسلمو، كأفغانستان، والتي يغلب فيها المسلمون كفلسطين المسلمة؟؟؟!!!
(((( بنت الملوك!)))
الشعر إن ناديته يأباني=============== وإذا أراد وإن أبيت أتاني
ولقد أتاني ليلة فأهبني============== ودعا إلى طرد الكرى أجفاني
وجعلت أستلقي وأنشد راحتي ========== فأثار نفسي واستطار جناني
ولقد عهدت من اليراع تباطؤاً======= إن رمت قرض الشعر في الجريان
فإذا اليراع اليوم مزن ممطر========== شعراً تدفق صبه وجداني
فأخذت أبحث عن دوافع قرضه========= وخروجه عن عادة العصيان
فإذا المليحة قد بدت من خدرها========== تبدو عليها آية الأحزان
فسألت من هذي فقالت إنني========== بنت الملوك المسلمين فطاني
كانت رُبوعيَ كلها معمورة============ بالعلم والتوحيد والإيمان
ومنائري تختال في أفق السما========== لا شئ يعلوها سوى القرآن
واستحيت الأصنام عند سماعها========== صوت المؤذن عالياً بأذان
فأبت على عبادها أن ينحنوا=========== إلا لخالق صانعي الأوثان
واليوم تعلو في سمائي راية============ هي راية الإشراك والبهتان
في ظلها صم الصخور لها انحنى========= صناعها من زمرة الشيطان
وغدت أوامر أهلها مرعية=========== بالحكم والتغرير والسلطان
وانحط أهلي عن مكان قيادة=========== كانوا به في سابق الأزمان
فذللت بعد العز وازدادت على======== إثر المصائب والبِلَى أشجاني
وتمزقت أوصال قومي عنوة=========== أو غفلة فتصدعت أركاني
ورمقت من بعد بطيبة فتية=========== والأزهر الميمون من فتياني
فسررت يا بشراي تلك سحائب======= ستعود بالخير العظيم الشان
وتعيد أمجادي وتوقظ نائمي=========== وتزيل غفلة غافل متوان
لكن آمالي العظام تبددت============= بتقاسم الأهواء للشبان
فئة تميل إلى اليسار وتنتمي=========== وإلى اليمين يميل حزب ثان
وترى فريقاً حاملاً لسلاحه========= في الغاب محروماً من استيطان
ذا قلة في عده وعتاده============== وجهالة بالدين والديان
أما الصراط فما أقل مريده ======== وعلى الصراط سعادتي وأماني
يا زائري من أين جئت وما الذي ====== تهديه للثكلى من الإحسان
أو ما تراني عرضة لتآمر =========== تحكيه أندلس لذي النسيان
فعرفت أن الشعر كان وراءه ======= ما قد يصيب الصخر بالذوبان
أختاه إني زائر من طيبة ============ أضنتنيَ الأسفار في الأوطان
ورأيت في شرق البلاد وغربه ========== ما لم أطق توضيحه ببيان
فالقدس في أرض الرسالة دنست ======== بعصابة الإفساد والطغيان
قوم توافقت العوالم أنهم =========== أصل الرزايا في بني الإنسان
ما حل فرق منهم في بقعة ============ إلا لبذر مفاسد الشيطان
وبهم تحيط عواصم مشهورة ========== في غابر التاريخ بالشجعان
ذلت وحل بها الهوان لفقدها ========== أهلَ الجهاد وطاعة الرحمن
وهنالك الأحباش لاقوا محنة ========== من قادة الإلحاد والصلبان
وسلي الجريحة كابلاً عما جرى ======== من قادة الإلحاد في الأفغان
وجيوش ما نيلا أبادوا أمةً ========== بالسجن والتشريد والنيران
والمسلمون تخاصموا وتدابروا ========= وتقاتلوا بالظلم والعدوان
وسلي عن البلوى دمشق وأختها ====== بيروت بل بغداد مع طهران
الخطب يا أختاه أنا أمة ============= لم نستجب لأوامر القرآن
فأذاقها ما تستحق إلهها ============== من ذلة وتصدع وهوان
لكنني أهديك بشرى مؤمن ======= بشروق شمس النصر في الأكوان
فلقد تصدى بالحجارة فتية =========== ليهود فارتاعوا من الفتيان
وجحافل السوفييت ولت عندما ========= قام الجهاد بزمرة الإيمان
وشبابنا في كل أرض مقبل ============ لهدى الإله برغبة وتفان
فاستبشري ودعي التشاؤم واصبري ===== فالنبت يغرس في ربوع فطاني
كتبه
د . عبد الله قادري الأهدل
==============(45/430)
(45/431)
النفخة على النفحة والمنحة
لمؤلفها
الشيخ ناصر الدين الحجازي الأثري
رحمه الله تعالى
عُني به عبد العزيز بن محمد بن علي آل عبد اللطيف
شبكة نور الإسلام
www.islamlight.net
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على خاتم النبيين والمرسلين
وعلى آله وصحبه أجمعين .
فإنّ هذه الرسالة الموسومة بـ ( النفخة على النفحة والمنحة ) ذبٌّ عن دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله تعالى - وردٌّ على دعاوى وأكاذيب سوّدها عبد القادر الاسكندراني 1 في رسالته ( النفحة الزكية في الردِّ على شبه الفرقة الوهابية ) وقد تميّز هذا الرد الموجز بمزايا عديدة منها : قوة الرد ، وإفحام الخصم ، والاحتجاج عليه بكلامه ، وسعة اطلاع المؤلف على المطبوع والمخطوط ، كما كان الرد موضوعيَّاً وبعيداً عن الحدة وغَلَبَة العاطفة ، وتميَّز الرد أيضاً بالتثبت في النقل والدليل في الدعوى - إن كنت ناقلاً فالصحة ، أو مُدَّعِياً فالدليل - .
ونلحظ في الردّ العظة والتذكير للمخالف بلقاء الله تعالى ، وأن الله مطَّلع على السرائر ، كما يظهر في ثنايا الردّ الشفقة والرحمة بالمخالف والدعاء له بالهداية ، كما سلك المؤلف مسلك الشدَّة والصرامة في بعض المَواطن ، واستعمل أسلوب التنزل مع المخالف .
وقد طُبِعَت هذه الرسالة لأول مرَّة سنة (1340هـ ) ، وها هي الطبعة الثانية سنة (1421هـ ) مع تصحيح لأخطائها ، وتعليق على مواضع منها .
وأما عن مؤلف هذه الرسالة ، فقد ذَكَر الشيخ عبد الله البسَّام أن ناصر الدين الحجازي هو الشيخ العلامة محمد بن علي بن تركي رحمه الله ( ت 1380هـ ) 2 والله أعلم .
أسأل الله أن يرحم صاحب هذه الرسالة ، وأن ينفع بها ، وبالله التوفيق .
****
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي لم يتخذ ولداً ، ولم يكن له شريك في الملك ، ولم يكن له ولي من الذل وكبره تكبيراً ، سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلامٌ على المرسلين والحمد لله رب العالمين ,
وصلى الله علي سيدنا محمد الذي أمرنا تعالى بالصلاة عليه بقوله : ((إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً )) (الأحزاب :56) .
وعلى آله الكرام وصحبه مدى الدوام ، وبعد :
فإنني بينما كنت سائراً في إحدى طرق مدينة دمشق إذ بصرت برجل عليه سيما العلم وبيده رسائل يوزعها على من لقيه في طريقه ، فقلت : يا للغربة ، إن هذا لنبأ غريب . وكل غريب للغريب نسيب ، فدنوت منه فأهداني رسالة وهو يرتجف ويحرك شفتيه ويصوب نظره ، ويشير إلى أنه أبدع فيما كتب ، وتناول مقال الحق من كثب ، فقلت : لا بأس هذا شأن من يفرح إذا كتب سطراً ، ومن بعد الحصر والعي قال شعراً ، فذهبت إلى مسجد من مساجد البلد وإذا رجل من أهل العلم جالس به ، فلما أبصرني والرسالة بيدي ، هزَّ رأسه ، وقال لي : ما هذه الرسالة ؟ فقلت له : رأيت عنوانها ، وإن من حاكها أسماها ( النفحة الزكية في الردِّ على شبه الفرقة الوهابية ) ، ومؤلفها يزعم أنه من أكابر علماء دمش ، يقال له : الشيخ عبد القادر الاسكندراني المنتحل لنفسه لقب الكيلاني ، فقال لي : يا أخي : إنك لست من أهل البلد ، وليس لك خبرة فيما هناك ، إن مدَّعي هذه الرسالة شن الغارة على كتاب ( الفجر الطالع ) لجميل صدقي الزهاوي (3) ، وعلى ما لفَّقه الشيخ دحلان 4
فأخذ ما اختراه منهما ، ولم يزد من عنده إلا أحرفاً يسيرة ، فدهشت لذلك ، وأخذت الرسالة أتصفحها ، وأملي على مواضع منها ، تنبيهاً لمؤلفها عساه إذا رجع إلى تأليف غيرها أن يعلم قاعدة المحققين في الردِّ أنهم ينزهون أنفسهم عن السباب والشتم لمن يردن عليه ، ويجعلون نصب أعينهم قوله تعالى : ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ )) ( الحجرات : 6) .
ثم يأخذ جملة من كلامه فيبين الغلط فيها ، ثم جملة حتى يستوفي الكلام بلا تحامل ولا اعتساف ، وأن يتلو قوله تعالى : ((ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِندَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ )) (الزمر :31) .
وليعلم أنه إذا اشتم تلك النفخة وثاب إليه رشده قابل الضد بالضد ، ورجع من بعد وصالها إلى الصد ، ولكن
وكلٌّ يدَّعى وصلاً لليلى وليلى لا تقرُّ لهم بذاكا
وحيث إن ذلك الفاضل لم يسلك في ردِّه مسلك فن الجدل والأصول والمنطق ، جاريناه على مسلكه وقلنا إننا نلوي العنان عن ذلك ، ونرجع إلى المقصود خدمة للحقيقة فنقول : صدَّر صاحب النفحة رسالته بما لفَّقه الشيخ أحمد دحلان في آخر تاريخ أمراء البيت الحرام فسلك موطئ قدمه حذو النعل بالنعل بلا تأمل ولا تدبر ، ولا شك أن الله تعالى يجمع الكل يوم القيامة ثم ينبئهم بما كانوا يعملون .
وقبيح بمؤلف يملأ كتابه بالافتراء والتعدي ، وفي قصة الإفك أعظم رادع لمن كان يؤمن بالله ورسوله ويطلب النجاة لنفسه فيحاسبها خالياً ((وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ )) (الذاريات:21) .(45/432)
ومهما تملق المتملقون واستتر المرواءون فإن الله لا تخفى عليه خافية ، ولا بد أن يشف الباطل عن الحق فيظهر ناصعاً واضحاً .
وإليك جملاً من كلام صاحب الرسالة تدل على افترائه بما ادعاه :
قال مستدلاً على جواز السبِّ والشتم بحديث : (( اذكروا الفاسق بما فيه يحذره الناس )) 5
أقول : أخرج هذا أبو يعلى الموصلي وغيره بلفظ : (( اذكروا الفاجر بما فيه )) وذكره السخاوي في المقاصد الحسنة ، وقال : هذا الحديث لا يصح . وقال ملا علي القاري في كتابه (( الموضوعات )) : قال : العقيلي : ليس لهذا الحديث أصل ، وقال القلانسي : إنه منكر ، وقال المنوفي : وحسّنه الهروي وليس كذلك ، فقد صرح جمع من محققي الحفاظ بأنه منكر موضوع لا أصل له ، وصاحبنا زاد عليه : يحذره الناس . ولو أنصف المستدل لعدل عن هذا اللفظ الموضوع إلى ما رواه البخاري في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول ا صلى الله عليه وسلم : (( لا تسبوا الأموات ، فإنهم أفضوا إلى ما قدَّموا )) انتهى .
ومن طبعه الوقوع في أعراض الناس يرى لذلك لذة ولا يحلو في ذوقه إلا الغيبة والنميمة واتباع الهوى .
قال عن محمد بن سعود أمير الدرعية بلاد مسيلمة .
أقول : هب أننا سلمنا أنها بلاد مسيلمة ، فما الذي تراه من ذمها 6؟ أليست مصر كانت بلاد فرعون وهامان وقارون ؟ وما الاسكندرية إلا من بعض بلاد مصر 7 .
أليست بابل كانت بلاد نمرود ؟ أليست مكة كانت موطن أبي جهل وأبي لهب وأضرابهما ؟ ألسيت فلسطين كانت بلاد قوم لوط ؟ هل ضر هذه البلاد شيء من ذلك أم هل تناقص قدرها ؟ ألم تعلم أن أول من أسس هذا القياس مَنْ أخبر الله عنه أنه قال : (( أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ )) (الأعراف :12) .
وما إخالك يا رعاك الله إلا أنك بعد هذا تتبع الحق وتحسن النظر في القضية .
قال : وممن أخذ عنهم الشيخ محمد حياة السندي ، والشيخ محمد بن سليمان الكردي 8 ، وكانا يتفرسان فيه الإلحاد ويحذران الناس من دسائسه .
أقول : لو أنصف الكاتب لعلم أنه يطعن في هذين العالمين ، وذلك أن كلاً منهما أجاز ابن عبد الوهاب بإجازة مطولة ، وأجاز له أيضاً الشيخ عبد الله بن إبراهيم 9 نزيل المدينة والمشهور بها ، كما ذكره صاحب كتاب التوضيح عن توحيد الخلاق 10 وأخذ أيضاً عن الشيخ إسماعيل العجلوني محدث الديار الشامية ، والشيخ علي أفندي الداغستاني ، وكلهم أجاز له ، فكيف يتفرسان فيه الإلحاد ويجيزانه ويمدحانه في إجازتهما ، وهل هذا إلا مكابرة إلى غير ذلك من مما افتراه من غير دليل ولا ثبت سوى سوء الظن بذلك الرجل، فالله يلهمنا رشدنا ويهدينا سوءا السبيل .
(( ادعي ذلك الكاتب أنه يتعجب من شرذمة تروِّج في دمشق العقيدة الفاسدة والآراء المضللة .. إلخ )) .
أقول : يا لله العجب ، هل من يدعو إلى الله ورسوله وإلى عقيدة السلف يُعَدّ ضالاً مضلاً ، والذي يدعو إلى التُرَّهات يعدّ صالحاً ؟ على رسلِك ، تمهل وانظر ما كان عليه السلف الصالح والأئمة المجتهدون من الاعتقاد ، وتأمّل مقالات أبي الحسن الأشعري في (( الإبانة )) وعقيدة الإمام الطحاوي ، وما قاله الإمام البيهقي في كتاب (( الأسماء والصفات )) وما قاله الإمام الذهبي وغيرهم من أساطين العلماء في التوحيد ، ثم ارجع إلى نفسك وقل ما شئت ، وتأمّل أيضاً ما قاله علماء المذاهب الأربعة الموثوق بهم فيما الناس عليه من البدع ، ثم احكم بما شئت (( ألم يأتيك والأنباء تنمى )) بما قال الإمام الشاطبي وابن الحاج في ( المدخل ) وأبو شامة في كتابه ( الباعث ) ، وابن وضّاح وغيرهم من الأئمة ، فإن كنت تعد أمثال هؤلاء وهابية فيا برد الذي قالت على كبدي .
قال : كان ابن عبد الوهاب مولعاً بمطالعة أخبار من ادَّعى النبوة كاذباً كمسيلمة الكذاب والأسود العنسي وطليحة الأسدي وسجاح وغيرهم ، وكان يضمر في نسفه دعوى النبوة ، إلا أنه لم يتمكن من إظهارها .(45/433)
أقول: ( من كان يخلق ما يقول فحيلتي فيه قليلة ) ولكني أقول : كأن صاحب الرسالة ذهل عن قاعدة : (( إن كنت ناقلاً فالصحة ، أو مدعياً فالدليل )) ، فإن كنت مقلداً لدحلان في نقلك ، أليس لك ما تميز به بين الغث والسمين ، فتعلم أنه ما نقل عن هؤلاء القول إلا فكاهات تضحك الثكلى ، ويهزأ بها الطفل الصغير ، فكيف يقبلها عقل رجل بلغ من الذكاء أن أرجع أمة من الجهل إلى العمل بالكتاب والسنة ، وإن كنت تنكر عليه بعض مبالغات وُجِدت في رسائله ، فإنما هي لحكمة تعلمها أنت وهي أنه إذا تمكنت البدع من النفوس وصعب استئصالها ، قاومها الناصح بالشدة وهوّل أمرها ؛ ليتمكن من قلع أصولها ، ألا ترى إلى قوله عليه الصلاة والسلام : (( مَنْ أتى عرَّافاً أو كاهناً فصدَّقه بما يقول فقد كفر11 بما أُنزِل على محمد )) أن أساطين العلماء حمله على التغليظ 12 ولا يعاملون معاملة الكافر 13 المعاند ، وإنما هوّل الأمر لينكف الفاعل عن فعلته ، وتأمل أمثال ذلك في الكتاب العزيز وفي السنة الغرَّاء ، فإنك تجد الأمر جلياً واضحاً ، وابن عبد الوهاب لمَّا رأى قوماً تمَكَّنَت الجاهلية من نفوسهم قبَّحها أشد تقبيح ، وهوّل أمرها حتى تمكَّن من استئصالها ، وقد وفَّقه الله تعالى لذلك ، فيا أيها العزيز الكريم : احمل الناس ولا سيما العلماء على أحسن المحامل ، ولا تظن أن رجلاً مثل هذا يكفِّر المسلمين ، ولكن قل : إنه سلك مسلك الحديث الآتي : (( من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك )) 14 في التغليظ ، وليس يريد كفراً أو شركاً ككفر المشركين الخُلَّص ، وانظر في كتب الصوفية كيف يجعلون الرياء شركاً خفيّاً ، وطالع كتب المَهَرة منهم كيف يشددون النكير على من مال قلبه في صلاته إلى غير الله ، تَعْلَم مقاصد العلماء ، وما إخالك إلا أنك تعلم ذلك ، لا تريد التكلم به لأمر يعلمه الله تعالى .
وأما قولك : وكان يضمر في نفسه دعوى النبوة إلا أنه لم يتمكن من إظهارها . فهذه دعوى كشف واطلاع على ما في القلوب ، فهي بين أمرين : إما تصريح بالكذب ، وإما مشاركة الله تعالى في قوله : (( يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ )) (غافر :19) .
فاختر أي الشقين شئت ، وإن كنت مدَّعيا فعليك الدليل من كتبه التي طُبِعت في الهند وفي مصر ، وسارت في الأقطار ، وأما باقي ما نسبته إليه فأشياء التقطتها من أفواه الأعداء والرعاع ، والعاقل لا يقيم لذلك وزناً ، وهَبْ أن بعضها صحيح ، فإنها جارية على النمط الذي قدَّمناه ، وما يوضِّح ذلك افتراء مَنْ نَسَبَه إلى دعوى النبوة أن الاجتهاد أدنى من دعوى النبوة بلا شك ، ومع ذلك فإنه لم يدِّع الاجتهاد في الفقه ، ونادى على نفسه أنه مقلِّد في الفروع للإمام أحمد بن محمد بن حنبل رضي الله عنه وألّف في مذهبه كتاباً مستمداً من ( الشرح الكبير ) لشمس الدين المقدسي ، ومن كتاب ( الإنصاف ) للقاضي المرداوي ، وليس له فيه ترجيح ولا دعوى اجتهاد ، والكتاب موجود في خزانة الكتب الخدوية 15 في مصر ، وليس له بعده سوى رسائل تشبه المكاتبات ، فيالله والإنصاف .
أما دعواك أنه كان يكفِّر جماعة من أكابر العلماء كالغزالي والشيخ الأكبر16 والبوصيري ، فهذا شيء لم نَرَه في كتبه ، وهَبْ أن الأمر كذلك في حق الأولين ، فتلك مناقشات تجري بين العلماء ولا يريدون بها إلا إظهار الحق ، وإن كنت في ريب من ذلك ، فانظر ما كتبه البقاعي صاحب (( التفسير )) وغيره على كلمة الغزالي : (( ليس في الإمكان أبدع مما كان )) وما اعترض به الجمُّ الغفير من فطاحل العلماء على مقالات الشيخ الأكبر وما انتصر به محبوه له ، وهذا شأن العلماء ، فدخول المقصرين بينهم بمجرد الميل القلبي والمحبة دخول على حد المثل العامي (( جاء الأمراء يحدون خيلهم فمدت الخنفساء رجلها )) ، نعم ، لك في الدخول عذر وهو أنك رأيت العامة يميلون لهذين الرجلين فقصدت إلقاء عدواة الرجل في القلوب بسببهما ، مع أنه لم يناقشهما ولم يعترض لهما ، وإنما المعترض غيره .
وأما البوصيري فالمتكلم عليه غير ابن عبد الوهاب في رسالة صغيرة مطبوعة في تجمع رسائل بمبطع هندي ، وذلك الرجل لم يتكلم إلا على بيت واحد في البردة وهو قوله :
يا أكرم الخلق ما لي مَنْ ألوذ به سواك عند حلول الحادث العمم
وخلاصة الاعتراض أنه ناقشه في بحث بياني فقال : إن الاستثناء بعد النفي يفيد الحصر 17 وهذا لا تنكره أنت ولا غيرك ، وإذا كان الأمر كذلك ، فالبوصيري حصر المطلوب في صلى الله عليه وسلم ،ولم يتجاوزه إلى الله جلَّ وعلا ، ومثل هذا ينكره السيد الأعظم r ، وما إخالك تسلم بأن يكون الله تعالى في مثل ذلك الوقت العظيم نسياً منسياً ، وإن كنت تحبُّ ذلك فلك رأيك .
وأما إيمائك بأنه اعترض على البوصيري في مدح صلى الله عليه وسلم فتلك مغالطة يُراد بها التمويه وتضليل الأفكار ، ومثل هذا يستحيل وقوعه من عاقل ، بعد أن مدحه الله تعالى في كتابه العزيز ، فالحذر من تفريق الكلمة بالمغالطات أيها الناصح الأمين .(45/434)
وأما دعواك بأنه كان يصرح بتكفير الأمة منذ ستمائة سنة ويُكَفِّر كل من لا يتبعه ، ويثبت الإيمان لمن اتَّبعه ، وكان ينقص قدر صلى الله عليه وسلم بعبارات أُنَزِّه نفسي عن كتابتها ، وأنه كان يكره الصلاة على صلى الله عليه وسلم ، وأنه أحرق كثيراً من كتب أهل السنة والحديث ، إلى غير ذلك مما لا أريد أن يكتبه قلمي ، فبالله عليك تثبت في النقل وكن منصفاً خائفاً من الله عز وجل ، واعلم بأنك مُحَاسَب غداً على جميع ما يصدر عنك ، فإنّ الرجل قد قدم على ربِّه ولم نجد شيئاً من هذا في كتبه ، ولا أخبر به الثقات عنه ، وهؤلاء الذين تدَّعى أنهم من أتباعهم إذا خاطبت العامي منهم وجدته إما حافظاً لكتاب الله تعالى جميعه ، وإما حفاظاً لأكثره ، ولوجدته مستحضراً لكثير من الأحاديث المروية في الصحيحين وفي السنن ما لم يستحضره أكبر عالم في مسقط رأسك .
وإذا قابلت عامتهم بعامة بلادك لم يسعك إلا أن تنادي بأنهم علماء ، فأنصف من نفسك ولا تخطَّ بيدك إلا شيئاً يسرك في القيامة أن تراه ، وإذا نقبت عن خزائن الكتب في بلادهم وجدت أكثرها كتب الحديث الموثوق بها ، ووجدتها قد ضمَّت في بطونها تفاسير القرآن الكريم المبنية على الأثر كتفسير الطبري ، وما كان موجوداً قبل طبعه إلا في بلادهم 18 وكتفسير ابن كثير ذلك الحافظ المشهور وأمثال هذه النفائس .
ولو تأملت صلاتهم لوجدتهم يجعلون الصلاة على صلى الله عليه وسلم ركناً من أركان الصلاة في التشهد الأخير ، وغيرهم يجعلها سنة ، فكيف تدَّعي أنهم يكرهون الصلاة على صلى الله عليه وسلم ، بل قد قال كثير من علماء مذهبهم أن الصلاة على صلى الله عليه وسلم واجبة كلما ذكر .
أما إنه كان يمنع من زيارة الرسول ولا يأخذ بأقوال المجتهدين إلى آخر ما ادعيته فأظنك تصوَّرت رجلاً خياليّاً على سبيل التجريد ، ونسبت إليه ما قلت ، سامحك الله ، ألم أقل فيما سبق أنه له كتاباً في الفقه وأخبرتك عن محل وجوده ؟ فإن كنت تحب الحق فاكتب إلى مَنْ شئت يتصفح الكتاب ويخبرك هل يجد فيه شيئاً من ذلك ؟ على أن من ينكر أقوال المجتهدين لا يؤلف كتاباً في مذهب أحدهم ، ولكن بعض الناس أسراء لتقليد بعضهم بعضاً في النقل من غير تمحيص ، وإذا قام في ذهنهم بغض شخص نسبوا إليه كل نقيصة ، وألصقوا به كل افتراء ، وليس هذا من مذهب المسلمين ولا المسيحيين ولا موسويين ، على أننا لا ندَّعي العصمة للرجل ولا ندافع عنه ، وإنما قصدنا إظهار الحق ، وكل إنسان لا يخلو من هفوات ، ويأبى الله العصمة إلا لكتابه ، غير أن ا لافتراء شديد الوطأة على العقلاء ، وأكل لحوم الناس موتى نهى عنه الله تعالى في كتابه العزيز ، بل وأي مسلم يمنع من زيارة الرسول ، فاتق الله يا هذا واترك مسائل قد فرغ منها ودعنا من التُرَّهات والأباطيل.
من أنبأك أنه كان ينهى عن الدعاء بعد الصلاة ؟ وهب أن الأمر كان كذلك ، فأنت أقمت له العذر من نفسك وقلت أنه كان يقول : تطلبون أجراً على الصلاة ! فأقمته مقام العارفين بالله تعالى وأنت لا تشعر ، ولا يَعْزُب عن ذهنك أن هذا مقام يحوم حوله العارفون حتى نقل عن رابعة العدوية أنها كانت تقول : (( إلهي ، ما عبدت خوفاً من نارك ولا طمعاً في جنتك ، ولكن عبدتك ابتغاء وجهك الكريم )) 19 وقال تعالى :
((وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ )) ( البينة : 5) .
وإذا دققت أقوال الصوفية الحقيقيين تراهم يجعلون الصلاة لأجل الأجر شِركاً ، وأظن أنك كثيراً ما تذكر هذا في دروسك العامة ، فكيف تنكره على غيرك ؟ .
تدَّعي أنه كان يحقر الأئمة ويقول إن الشريعة واحدة ، فما بال هؤلاء جعلوها مذاهب أربعة ، فلو أصغيت لكلامك وتأملته لدخل ميدان قلبك شيء ، فأما دعوى التحقير فدعوى بلا دليل ، وأما كون الشريعة واحدة فهذا حق عند كل عاقل ، فاجعلها أنت متعددة ولك الخيار ، وأما ادعاء أن كل مذهب شريعة كما يلوح من خلال كلامك فذلك لا أصل له ، ومتى رأيت المذاهب يخالف بعضها بعضاً في الأصول ، أو رأيت أحد الأئمة يقول : الشريعة كذا وكذا ويخالفه الآخر ، وما الأئمة كلهم إلا يخدمون شريعة واحدة ، غاية ما اختلفوا فيه فروع اجتهادية ، هذا يقول : ظهر لي أن الحكم كذا ،وهذا يقول : ظهر لي أن الحكم على خلافه ، وما أحد منهم قال: إن مذهبي هو الشريعة ، وخالفه الآخر فقال : لا ، إن الشريعة هي مذهبي . معاذ الله أن يصدر منهم ذلك ، فأنت الذي حقرت الأئمة لا غيرك .
قال بعد أن وصف أكثر أهل جزيرة العرب بالجهل والجفاء وخشونة الطبع : اتفق لي أن مفتي تيمة وهو عبد الله بن خلف 20 طلب منه أن يقرأ عليه في النحو والصرف ، فكان يحضره مع صغار الطلبة ، وكذلك القاضي الشيخ عبد الله بن مرعي 21 قرأ عنده من الكتب العربية ما هو أدنى من كتاب القطر 22 إلى آخر ما أطال به .(45/435)
أقول : واعجباً من هذا القياس ، أما ابن خلف فما أكثر المسميين بهذا الاسم في البلاد النجدية ، وهب أنه هو الذي عناه ، فما هو إلا رجل رماه الدهر بمن لا يحسن التعليم أياماً ، ثم لمَّا لم يجد نفعاً ترك القراءة ففتح الله عليه عند معلم آخر فليت شعري هل قراءة قطر الندى من الذنوب التي لا تغتفر ، أم قراءته من الأفعال التي يُعاب فاعلها ، وأما ابن مرعي فإنه دمشقي الأصل لا نجدي ، ولو سلمَّنا أن هذين من الأغبياء ، هل يُقاس عليهما كل نجدي ، وهل إذا رأينا عشرة من الأغبياء في الاسكندرية نجعل أهل الاسكندرية كلهم أغبياء ، والذي يظهر أن عدم استفادة المتعلم من المعلم يكون إما من عدم معرفة المعلم بذلك العلم ، وإما من عدم إخلاصه ، فتأمَّل ، لكن فات المصنف أن يتذكر قضاة القضوات في سوريا ومفاتيهم ، كذا ظهر لي والله أعلم .
إن المصنف للنفحة ناقض نفسه بنفسه فقال أولاً إن ابن عبد الوهاب لمَّا سوَّلت له نفسه أن يبتدع ديناً جديداً صنَّف رسالة فذكر أوصافها ، ثم قال: تقرأ هذه الرسالة فتراها مفعمة بالآيات القرآنية إلى آخر ما قاله ، فانظر التناقض فإن الذي يستدل بالآيات القرآنية لم يبتدع ديناً جديداً وإنما المبتدع لدين جديد هو من ينبذ القرآن ظهرياً ، ويجعل العادات والبدع ديناً .
وناقض نفسه ثانياً فإنه زَعَمَ أولاً بأن صاحب (( الكشف )) 23 كفَّر من يتوسَّل بالرسول عليه الصلاة والسلام 24 ، ثم قال : إن المسلم المتوسل بالرسول لم يعبده ، ولم يتخذه إلهاً .. إلى آخر كلامه ... فانظر إلى هذا التباين وأخبرني مَن الذي يكفر مَنْ يتوسل بالرسول على سبيل التبرك ؟ وهل ندد ابن عبد الوهاب وغيره من العلماء إلا بمن يلوح من فعله وخلال كلامه اعتقاد أن المتوسل به قادر على النفع والضر ، وأنه يغيث عند الشدائد ، ويفرج الكربات ، ويقضي الحوائج 25 ، ولو أنصفت من نفسك ودققت مقالات مَنْ يتكلم في هذا الموضوع لناديت بالإنصاف ملء فيك ، وعلمت أنهم لم يقولوا إلا طبق ما تعتقده في قلبك ، ولو تأملت ألفاظ كثير من العوام خالية عن نداء الله تعالى ، ومفعمة بنداء غيره ، لربما ساءك ذلك ، فبالله عليك هل كان الصحابة على ما بعض الناس عليه اليوم ؟ أم كان عليه التابعون أم الأئمة المجتهدون ؟ فإن جنحتم إلى تأويل ألفاظ العوام الذين لا يعرفون الحقيقة من المجاز ولا فهموا أن في الكلام محذوفاً في قولهم يا فلان ، بأن معناه يا رب فلان رددناه بأن العبرة في الأحكام باللفظ 26 ، ألا يرى أنه لو قال قائل لزوجته : أنت طالق ، ولمَّا دُعِيَ إلى الحاكم لإثبات الطلاق عليه قال : أردت في نفسي إن صعدت إلى السماء ، هل يقبل منه ذلك حكماً ، كذلك من قال عند القيام أو غيره : يا فلان ، لم يقصد سوى أنه ناداه ليعينه ، ولو فرضنا أنه حين ناداه يعلم بأنه لا ينفع ولا يضر ، أليس مقاصد القوم أن يجعلوا العوام معلقين ثقتهم بالله تعالى ، وأن يُعَوّدوا لسانهم على ندائه خوفاً من أن يتسرب إليهم ما تسرب إلى الأمم قبلهم .
ومن قواعد الشرع منع الوسائل خوف الوقوع في المقاصد ، فمنع من مغازلة الأجنبية خوف الوقوع في الزنا ، لأن المغازلة سبب له ، إلى غير ذلك مما هو معلوم ، فتأمل وأنصف . ثم إن صاحب النفحة حكى كلاماً طويلاً أجاد فيه ، ولكنه في آخر الأمر جرَّته الحمية إلى أن نسب لجماعة من المسلمين أنهم يعتقدون بأن الله جسم ، فوقع في أعظم مما وقع به ابن عبد الوهاب ؛ لأنه إن كان قال ذلك بأنهم قالوا هذا القول بطريق الدلالة الالتزامية واعتبرها مقبولة ، فيُقال مثلها في حق من دافع عنهم بأن فعلهم يدل على الشرك بطريق الدلالة الالتزامية ، ونحن لا نوافقه على ذلك على أنه لم يبلغنا أن المشركين اعتقدوا أن الله تعالى جسم ، فضلاً عن المؤمنين ، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً ، وإن قال ذلك نقلاً عن عقائدهم وكتبهم فليُبيّن لنا النقل ، ثم أتى بالطامة فقال : ( نعم إن الوهابية لمَّا اعتقدوا أن الله جسم استوى على عرشه في السماء لم تجد للتبرك الذي يقصده المسلمون بتوسلهم معنى غير التقرب الذي يكون للأجسام )) .
أقول : كأنه لم يقرأ قوله تعالى : ((الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى )) ( طه : 5) .
حتى قال : إن الوهابية نسبوا هذه الصفة لله تعالى ، فاعترض بأنه يلزم من الاستواء الجسمية ، وحيث إن دلالة الالتزام معتبرة عنده في الاعتقاد ، يكون قد نسب القول بالجسمية إلى سائر السلف حتى إلى الصحابة والتابعين والأئمة رضوان الله عليهم ، بل وإلى الإمام الأشعري ، فإن ذلك الإمام صنَّف آخر أمره كتاباً سمَّاه (( الإبانة )) بيَّن فيه عقيدته ، والكتاب طبع في مطبع الهند ونقل معظمه الحافظ ابن عساكر في كتابه (( الانتصار )) 27 .(45/436)
ومما قال الأشعري في هذا الكتاب : (( وجملة قولنا : أن نُقر بالله ، وملائكته ، وكتبه ، ورسله ، وبما جاء من عند الله ، وما رواه الثقات عن رسول ا صلى الله عليه وسلم ، لا نرد من ذلك شيئاً )) ثم قال : (( وأن الله استوى على عرشه كما قال : ((الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى )) ، وأن له وجهاً كما قال : ((وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ )) (الرحمن :27) .
وأنه له يدين كما قال : (( بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ)) ( المائدة : 64) .
وأن له يدين كما قال : ((لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ )) ( ص 75) .
وأن له عينين كما قال : ((تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا )) (القمر : 14) . إلى أن قال - : نثبت لله علماً ونثبت لله قوة كما قال :(( أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً )) ( فصلت : 15) .
ونثبت له السمع والبصر ولا ننفي ذلك ما نفته المعتزلة والجهمية والخوارج ، ونقول : إن كلام الله غير مخلوق ، وأنه لم يخلق شيئاً إلا وقد قال له : ((كُن فَيَكُونُ )) ( البقرة : 117) .
، وأنه لا يكون شيء من خير وشر إلا ما شاء الله ، وأن أحداً لا يستطيع أن يفعل شيئاً قبل أن يفعله الله ، ولا يستغني عن الله ، ولا يقدر على الخروج من علم الله ، وأنه لا خالق إلا الله ، وأن أعمال العبد مخلوقة لله، مقدورة له ، كما قال تعالى : (( وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ )) ( الصافات : 96) . إلى أن قال : - وإن الخير والشر بقضاء الله وقدره ، وأنَّا لا نملك لأنفسنا نفعاً ولا ضراً إلا ما شاء الله ، وأنا نلجأ في أمورنا إلى الله ، ونثبت الحاجة والفقر إليه في كل وقت ، وندين بأن الله يرى بالأبصار يوم القيامة كما يرى القمر ليلة البدر - إلى أن قال - : وندين الله بأن الأئمة الأربعة راشدون مهديون ،ونصدق بجميع الروايات التي أثبتها أهل النقل من النزول إلى السماء الدنيا ، وأن الربَّ يقول : ( هل من سائل ، هل من مستغفر) ،وسائر ما نقوله وأثبتوه ، ونُعَوِّل فيما اختلفنا فيه على كتاب الله وسنة نبي صلى الله عليه وسلم وإجماع المسلمين
. ، وما كان في معناه ، ولا نبتدع في دين الله بدعة لم يأذن الله بها ، ونقول : إن الله يجيء يوم القيامة كما قال تعالى : ((وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً )) ( الفجر : 22) .
وأن الله يقرب من عباده كيف شاء ، كما قال تعالى : ((وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ )) ( ق : 16) .
وكما قال تعالى : ((فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى )) ( النجم : 9) .
ثم قال الإمام الأشعري في الردِّ على المعتزلة : (ودفعوا أن يكون لله وجه مع قوله : : ((وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ )) (الرحمن :27) .
وأنكروا أن يكون له يدان مع قوله جل وعلا : ((لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ )) ( ص 75) .
وأنكروا أن يكون له عينان مع قوله تعالى : ((تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا )) (القمر : 14) . وقوله تعالى : (( وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي )) ( طه : 39) .
وإلى غير ذلك مما ذكره في كتابه (( الإنابة )) وكأني بمجازف يدَّعي أن الكتاب المذكور المطبوع في الهند مدسوس على الأشعري ويقيم دليلاً على ذلك نسبة التأويل إليه ، فنقول : إن الحافظ علي بن عساكر من أكثر أتباعه انتصاراً له حتى ألّف في الانتصار له كتاباً سمَّاه (( تبيين رد المفتري على الأشعري )) وقد رأيته في إحدى خزائن الكتب في دمشق ، وقد أثبت أن هذا الكتاب له ، ونقل منه نحو خمس ورقات ، ونقل عنه في أثنائها أنه قال : (( فإن قال قائل : قد أنكرتم قول المعتزلة والقدرية ، والجهمية والحرورية والرافضة والمرجئة فعرِّفونا قولكم الذي تقولون ، وديانتكم التي تدينون بها ؟ قيل له : قولنا الذي به نقول وديانتنا التي ندين بها التمسك بكتاب الله وسنة نبي صلى الله عليه وسلم : وما روي عن الصحابة والتابعين وأئمة الحديث ، ونحن بذلك معتصمون ، وبما قاله أحمد بن حنبل نضَّر الله وجهه ورفع درجته وأجزل مثوبته قائلون ، ولمن خالف قوله مجانبون )) ، ثم سرد عقيدته كما تقدم بعضها .
ثم قال ابن عساكر : (( فتأملوا رحمكم الله هذا الاعتقاد ما أوضحه وأبينه )) ، فاعترفوا بفضل هذا الإمام العالم الذي شرح وبيَّن ، ثم قال : (( إن أصحاب الأشعري يعتقدون ما في (( الإنابة )) أشد اعتقاد ، ويعتمدون عليها أشد اعتماد ، وأنهم يثبتون لله تعالى ما أثبته لنفسه من الصفات ، ويصفونه بما اتصف به في محكم الآيات ، وبما وصفه به نبي صلى الله عليه وسلم في صحيح الروايات ، وينزهونه عن سمات النقص والآفات ، فإذا وجدوا من يقول بالتجسيم والتكييف ، فحينئذٍ يسلكون طريق التأويل خوفاً من وقوع من لا يعلم في ظلم التشبيه ، فإن أمنوا من ذلك رأوا أن السكوت أسلم ، وترك الخوض في التأويل إلا عند الحاجة أحزم 28 .(45/437)
وقد كان الإمام أبو إسماعيل بن عبدالرحمن الصابوني من أعيان أهل الأثر بخراسان ، قلَّما كان يخرج إلى مجلس درسه إلا وبيده كتاب (( الإنابة )) لأبي الحسن ، ويظهر الإعجاب به ، ويقول : ماذا الذي ينكر علي من هذا الكتاب شرح مذهبه ؟ )) .
ثم قال ابن عساكر : (( ولسنا نرى الأئمة الأربعة الذين عينهم في أصول الدين مختلفين ، بل نراهم في القول بتوحيد الله وتنزيهه في ذاته وصفاته مؤتلفين ، وعلى نفي التشبيه عن القديم سبحانه مجتمعين ، والأشعري رحمه الله تعالى في الأصول على مناهجهم أجمعين )) هذا كلام ابن عساكر ، وهذه عقيدة الأشعري إمام أهل السنة ، فيمكنك أن تنسب إليه التجسيم من لازم مذهبه ، وهذا كتاب الله تعالى قد نصَّ على الاستواء فقال: ((هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ )) ( البقرة : 29) .
((إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً )) (الأعراف: 54)
((إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الأَمْرَ مَا مِن شَفِيعٍ إِلاَّ مِن بَعْدِ إِذْنِهِ )) ( يونس : 3) .
((تَنزِيلاً مِّمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَى * الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى )) ( طه : 4-5) .
وقال: ((الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيراً )) ( الفرقان : 59) .
وقال : ((هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاء وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ )) ( الحديد : 4) .
وقال أبو الحسن الأشعري محتجّاً على الجهمية بقوله تعالى حاكياً عن فرعون قوله : ((وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحاً لَّعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ * أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِباً)) (غافر : 36-37) .
لمَّا قال موسى : إن الله فوق سمواته أنكر فرعون ذلك ، وقال ما قال : نقل ذلك عنه (( الجيوش الإسلامية )) 29 .
فالذين ينكرون ما جاء به القرآن الكريم من صفة الاستواء إنما حذوا حذو فرعون في التكذيب ، وما أرى صاحب النفحة إلا معتزليّاً ، يتزيا بزي أهل السنة ليروج مذهبهم ، لكنه مقلِّد لهم غير متقن لقواعدهم ، وأما الأحاديث الواردة في ذلك فمنها قصة المعراج ، وهي متواترة ، وأخرج البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه عن صلى الله عليه وسلم أنه قال : (( يقبض الله الأرض يوم القيامة ويطوي السماء بيمينه ، ويقول : أن الملك أين ملوك الأرض )) إلى غير ذلك من الأحاديث الواردة في الصحاح ، ومصداق هذا الحديث قوله تعالى : ((وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ )) ( الزمر : 67) .
وقال البخاري : قال أبو العالية : ((اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء)) ارتفع ، قال العلامة محمود العيني الحنفي في (( شرح البخاري )) 30 : (( اختلف العلماء في معنى الاستواء ، فقالت المعتزلة : هو بمعنى الاستيلاء والقهر والغلبة كما في قول الشاعر :
قد استوى بشر على العراق من غير سيف أو دم مهراق
بمعنى قهر وغلب ، وأنُكر عليهم بأنه لا يُقال استولى إلا إذا لم يكن مستولياً ثم استولى ، والله عز وجل لم يزل مستولياً قاهراً غالباً ، وقال أبو العالية : معنى استولى ارتفع ، وفيه نظر 31 ؛ لأنه لم يصف به نفسه - إلى أن قال - : والصحيح تفسير استوى بمعنى علا على العرش كما قاله مجاهد ، قال : وهو المذهب الحق وقول معظم أهل السنة ؛ لأن الله سبحانه وتعالى وصف نفسه بالعلي ، واختلف أهل السنة هل الاستواء صفة ذات أو صفة فعل ؟ فمن قال : : معناه علا ، قال :هي صفة ذات ،
ومن قال غير ذلك قال: هي صفة فعل )) 32 . هذا كلامه ، وحيث إن صاحب النفحة يدَّعي الانتساب للشيخ عبد القادر الجيلاني رضي الله عنه ، كان عليه أن يتصفح كتاب (( الغنية )) فإنه يجد الشيخ أثرياً بحتاً جنبليّاً على مذهب السلف في الاعتقاد ، فما أبشع ذلك العقوق إن صحَّت النسبة ، ومن كان في ريب من ذلك فليُطالع كتاب(( العلو للعلي العظيم )) للحافظ الذهبي ، وكتاب (( الأسماء والصفات )) للبيهقي ، بل عليه بكتاب الله وسنة نبيه ، وإطالة البحث لا تليق بهذا المكان خوفاً من التشويش على العوام .
لكننا نقول : روى اللالكائي في السنة عن أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها أنها قالت : في قوله تعالى : ((الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ))(45/438)
( طه :5) (( الاستواء معلوم ، والكيف مجهول ، والإيمان به واجب ، والسؤال عنه بدعة ، والبحث عنه كفر )) 33 .
أقول : مَنْ لم يطَّلع على كتاب (( السُّنَّة )) فليراجع (( شرح البخاري )) للعيني في كتاب ((التوحيد )) فإنه يجد ذلك مسطوراً .
وفي لفظ آخر أنها قالت : (( الكيف غير معقول ، والاستواء غير مجهول ، والإقرار به من الإيمان ، والجحود به كفر )) ، هذا ومثل هذا القول من الصحابي لا يُقال من قِبَل الرأي ، فيكون له حكم المرفوع .
وروى يحيى بن آدم عن أبيه وابن عيينة قال : سُئل ربيعة الرأي شيخ مالك عن قوله تعالى : ((الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى )) كيف استوى ؟ فقال : (( الاستواء غير مجهول ، والكيف غير معقول ، ومن الله الرسالة ، وعلى الرسول البلاغ ، وعلينا التصديق )) 34 .
وروى ابن عبد البر في ( التمهيد ) أن مالكاً رضي الله عنه سُئِل عن الاستواء فقال : (( استواؤه معقول ، وكيفيته مجهولة ، وسؤالك عن هذا بدعة ، وأراك رجل سوء )) 35.
وسُئِل الشعبي عن الاستواء ، فقال : (( هذا من متشابه القرآن ، نؤمن به ولا نتعرض لمعناه )) .
وسئل الإمام الشافعي أيضاً عنه قال : (( آمنت بلا تشبيه ، وصدقت بلا تمثيل ، واتهمت نفسي في الإدراك ، وأمسكت عن الخوض غاية الإمساك )) .
وسُئِل الإمام أحمد أيضاً عن الاستواء ، فقال : (( استوى كما ذكر ، لا كما يخطر للبشر )) .
هذا ومن استبرأ لدينه عَلِمَ أن مذهب الصحابة والتابعين والأئمة المجتهدين والأشعري وسائر المحققين يثبتون آيات الصفات ، وما صح عن رسول ا صلى الله عليه وسلم ، ويقولون : نؤمن بها ولا نعلم حقيقتها ولا نخوض فيها ، وكما أن ذاته لا تشبه الذوات ، كذلك صفاته لا تشبه الصفات ، هذه هي العقيدة التي أجمع عليها الصحابة والتابعون وأهل القرون الثلاثة والأئمة المجتهدون وأهل الحديث قاطبة والصوفية المحققون كابن عربي 36 في فتوحاته وغيره وآخرهم الأمير عبد القادر الجزائري 37 في كتابه (( المواقف ))
أولئك آبائي فجئني بمثلهم إذا جمعتنا يا جرير المجامع .
واعلم أن الحافظ ابن عساكر نادى بالحق ملء فيه فقال : إننا معاشر الأشاعرة نذهب كإمامنا الأشعري مذهب السلف ، ومتى تكلمنا مع خصومنا ذهبنا مذهب التأويل لإفحام الخصم لا للاعتقاد كما رأيته بمعناه فيما تقدم 38 .
ولما كان مذهب المعتزلة التأول المحض وإنكار الصفات ، وسموا أهل السنة بالتجسيم ونكتوا عليهم 39 ، في قولهم : استوى بلا كيف ، بقولهم : فتستروا بالبلكفة ، وصاحب النفحة أخذته نزعة اعتزالية فنسب إلى مَنْ سماهم وهابية ذلك .
واعلم والحق أحق أن يُتَّبَع ، أن أولئك القوم لمَّا كانوا على غاية التمسك بالكتاب والسنة وعلى شدة في إنكار المنكر وكانوا فيما مضى حاربوا بعض البلاد قام أعداؤهم يختلقون لهم ما يختلقه العدو لعدوه ، كما يظهر ذلك في كل زمان ، وأخذ أحباب الحق ينصفونهم كالجبرتي 40 وغيره ، ثم اختلقوا لهم اسم الوهابية ونسبوا إليهم ما يقوله الرعاع ، منهم أهل البداوة والجهل 41 ، فشاع ذلك فيما بين الناس ثم اتسع المكابرون ، فأطلقوا اسم الوهابية على كل مَنْ خالف ما هو مركوز في طباعهم ، فأطلقوا على الزنادقة هذا اللفظ ، كما أطلقوه على المبتدعة ، واشتبه الأمر حتى عَدّوا مَنْ هو على مذهب السلف في الاعتقاد منهم ، ولو تركوا التعصب الذميم وأذعنوا للحق لعلِموا أن القوم هم في الفروع على مذهب الإمام أحمد ، وبه يحكمون ويفتون ، وإلى ما قاله يرجعون ،ولكتب مذهبه وكتب السلف يطبعون ، وعليها ينفقون الأموال الطائلة مع أنهم ليسوا بأغنياء وليسوا بأصحاب ثروة ، وأنهم في الاعتقاد على مذهب السلف ، وتراهم يحفظون القرآن وأحاديث سيد المرسلين ، وعندهم الأمانة في المعاملات والصدق والوفاء ، ومن كان في شك من ذلك فليسبر أحوالهم ومعاملاتهم في الأقطار ولا سيما في دمشق ومصر والعراق والهند ، وليسأل التجار عنهم 42 ، فإنهم أدرى بأحوالهم وهم يشهدون لهم بأنهم لا يعاملون أحداً بالربا ، وهم أبعد خلق الله عنه ، ولا يعرفون الخيانة في معاملاتهم ، ولا يكذبون ، ويخرجون زكاة أموالهم ، ولا يؤخرون الصلاة عن أوقاتها ، ويحافظون على ما افترضه الله عليهم ، وهم أبعد خلق الله عن الدع المستحدثة ، وينفِّرون الناس عنها بالشدة ، وأما أفعال أمرائهم والدخول بتلك المضائق فهذا لا دخل لي به ولا أنت ، وما أجمل ما قاله الإمام أحمد حيث قال - لمَّا سُئِل عما حدث بين الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين - : هي أمور طهّر الله منها سيوفنا فلنطهر منها ألسنتنا ، فما لنا ولهذا المأزق الحرج الذي يثير الفتنة ويفتح علينا باب واقعة الحرة المشهورة وما جرى أيام بني أمية ، وتكون أنت يا صحاب النفحة السبب لأغراض تافهة تبتغيها ولمقاصد شخصية تترقبها ، فاتق الله وكن مع الحق ، وأنا لك من الناصحين .
قال صاحب النفحة في صحيفة (10، 11) ما خلاصته : أنّ من كان فيه خصلة من الكفر لا يكفر ، حتى تُقام عليه الحُجَّة - إلى أن قال - : والكفر لا يكون إلا بإنكار الضروريات .(45/439)
نقول له : أولاً : لِمَ كَفّرت أنت قوماً يبلغون الملايين من المسلمين بلا دليل ولا حجة ولا برهان ؟ وهل أقمت عليهم الدليل بالإجماع القطعي ، وهل أنت إما أو نائب إمام ، ومَنْ الذي أعطاك هذا المنصب ، و أقامك ذلك المقام ؟
ثانياً : أرجوك أن تتأمل كلامك هنا بعد أن يَهْدأ روعك ويرجع إليك فهمك وتكون خالياً ، وحينئذٍ تُنْصَف من نفسك ، وتعلم أن كلامك يناقض بعضه بعضاً ، وتعلم أنك بنيت ذلك على التوسل ومَنْ الذي يمنع منه 43. إذا كان على مقتضى ما يقوله الأئمة رضوان الله عليهم .
ثم تأمّل أقوال السادة الحنفية ، والشافعية ، والمالكية فيما عليه أكثر الناس اليوم ، واترك المجازفة فإني لا أراك بعد ذلك إلا أن تنصف من نفسك ، ثم تقرأ قوله تعالى : ((أَلاَ لَعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ )) ( هود : 18) .
وأما قولك : (( وبالجملة فإن ابن عبد الوهاب وجماعته الذين تمذهبوا دَيْدَنهُم تكفير المسلمين الذين على كرة الأرض ، لتوسلهم بجاه نبيّهم وغيره ، ولتقليدهم الأئمة ، ولزيارتهم لقبور الأنبياء والأولياء ، حتى قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم . إلخ )).
نقول لذلك الفاضل : من أين علمت أنهم يكفرون المسلمين ؟ وفي أي كتاب وجدتَ ذلك ؟ فإن كان في (( كشف الشبهات )) فحاصله تكفير مَنْ اعتقد أن مخلوقاً يشارك الله تعالى في صفاته 44 وأفعاله ، وحاشا أن يكون المسلمون في جميع أقطار الأرض يعتقدون ذلك ، وأنت لا تخالف في هذا ، بل هو ثابت في كلامك ، وأما كونه صرّح بكفر جميع المسلمين فهذا شيء لم يقله أحد ، وأنت مطالب بالدليل ، لكن بعد الهدوء والتأمل ولا إخالك تظفر بذلك .. والله أحكم الحاكمين .
وأما كونه كفَّرهم لتقليدهم الأئمة ، فأظنك أخبرتَ عن قوم صوّرتهم في مخيلتك ، ليس لهم وجود في الخارج ، ألم ننبئك بأن ابن عبد الوهاب له كتاب في الفقه لم يتجاوز به مذهب الإمام أحمد في مسألة من المسائل ، فكيف يكون مقلداً ويكفِّر المقلدين ؟ وأخبرناك بأن الرجل ليس بمجتهد ولا ادَّعى الاجتهاد ، فإن كنت ترى أن بعضاً من الناس ادَّعى الاجتهاد ثم سميته وهابياً فهذا اصطلاح خاص بك ، والقوم براء من ذلك .
وأما ما نسبته إلى أتْباع ابن عبد الوهاب ، مِنْ أنهم يُكَفِّرون مَنْ كان مقلداً ، فذلك أمر وهمي ، كيف وهم ينفقون الأموال الطائلة على طبع كتب الإمام أحمد ويجعلونها وقفاً ، وهي الآن بأيدي الناس ، وهذا الأمير ابن سعود نفسه أَمَرَ بطبع (( كتاب المُغني )) وهو أعظم كتاب في الفقه على نفقته ليجعله وقفاً ، وهذا كتاب (( الفروع لابن مفلح )) الذي جمع غالب أقوال أهل المذاهب يطبع الآن في مصر ، فهل أحد من مقلدة المذاهب طبع كتاباً في مذهبه وجعله وقفاً لمن ينتفع به ، وفيهم من تقاوم ثروته ربع ثروة أهل نجد ؟
وأما أنهم يُكَفِّرون بالزيادة ، فهذا كذب لا أصل له ، ولم يسطّر في كتاب أحد منهم ، ولا قاله عالِم من علمائهم ، غاية الأمر أن مسألة شد الرحل مسألة اجتهادية تكلم بها العلماء من جميع المذاهب من قبل أن يُخلق ابن عبد الوهاب وأتباعه بمئات من السنين ، ومن كان في شك فليراجع شروح الصحيحين في حديث : (( لا تُشَدُّ الرحال )) فإنك ترى العلماء مختلفين منهم من قصر
منع الشد على المساجد ، ومنهم من قاس عليها زيارة القبور ، والخلاف في ذلك حتى قبل ابن تيمية وابن القيم .
وأما الزيادة فإنها بمعزل عن ذلك الخلاف - ولا سيما زيارة قبر الرسو صلى الله عليه وسلم - فلا تظن أحداً يدين بدين الإسلام يقول إنها مكروهة ، فضلاً أن أن يقول إنها مُحرَّمة ، وكُتُب الفقه تشهد بذلك 45، وأما المصطفى صلى الله عليه وسلم فلا تظن أيضاً أن أحداً من المسلمين على كرة الأرض يهم بتنقيصه أو ببغضه ، كيف وفي مذهب الحنابلة أن شاتم الرسول يُقْتَل تاب أم لم يتب .
وأما قولك أنهم يكفرون جميع المسلمين لزيارتهم الأنبياء والأولياء ، فإن هذا منك إما نوع من الماليخوليا 46 ، وإما رقة دين تريد أن تخدع بها أفكار العوام بالتمويه ؛ لتحصل على جلب مال أو على لقمة تأكلها وقت العشاء ، وما أظن أن أحداً عنده نوع من الإدراك إلا ويفهم مقاصدك وينتبه لها ، اللهم إلا مَنْ كان بحيث لا يفهم ما يقول ولا ما يُقال ، فإنها ضرب من المُحال .
ثم قال : وقد أخبر رسول ا صلى الله عليه وسلم عن هؤلاء الخوارج في أحاديث كثيرة ، فكانت من أعلام نبوته ، منها : قوله عليه الصلاة والسلام : (( الفتنة من هاهنا ، الفتنة من هاهنا )) وأشار إلى المشرق .
وقوله: أيضاً : (( يخرج ناس من قِبَل المشرق يقرءون القرآن ، لا يُجاوز تراقيهم ، يَمْرُقون من الدين كما يَمْرُق السهم من الرمية ، لا يعودون فيه حتى يعود السهم إلى فوقه 47 ، سيماهم التحليق )) وفي رواية : (( هم شر الخليقة ، طوبى لمن قتلهم وقتلوه ، يدعون إلى كتاب الله تعالى وليسوا منه في شيء )) .
أقول : أدَّعيت فيما سبق أن ابن عبد الوهاب عَمَد إلى آيات نزلت في حق المشركين فحوّلها إلى غيرهم ، ثم لم يلبث أن وقعت في مثل ما عبت به ، وذلك لوجوه :(45/440)
أولها : أنك أخذت من إشارت صلى الله عليه وسلم إلى المشرق أنه أشار إلى نجد ، و صلى الله عليه وسلم لما أشار تلك الإشارة كان بالمدينة ، وليست نجد شرقي المدينة وإنما هي إلى الجنوب منها ، وإنما الذي يسامتها إلى الشرق العرق 48. ، ولا يخفاك ما وقع في العراق من الفتن التي مبدؤها الحروب بين علي رضي الله عنه ومَنْ ناوأه ، ثم واقعة الحسين بن علي رضي الله عنه ، إلى غير ذلك مما لا أُريد أن أعدّه فأُثير على الناس حزناً ، فإن هذا يهمني وإن كان لا يهمك .
ثانيهما : أن الشرق اسم عام نهايته مطلع الشمس ، وقد ظهر فيه فتن كثيرة ، كفتنة جنكيز خان ، وهولاكو ومن بعده من التتار ، واستطال الأمر وقُتِلَت الأُلوف المؤلَّفة من المسلمين كما يعلم ذلك من له اطلاع على التاريخ ، فما الذي حملك على أن تخصّه بأولئك المساكين الذين يضربون في الأرض ليُحَصِّلوا قوتهم من حلال .
فإن قلت : إنهم احتلوا المدينة وفعلوا وفعلوا .
أقول لك : إذا سبرت الصحيح وتخليت عن التشفي رأيت أن ما فعلوه أقل مما فعله صاحبك إبراهيم باشا في سورية وغيرها من البلدان ، ولعل أحد أجدادك كان جندياً مع طوسون باشا فقتل في حروبه ، فنقمت على أولئك القوم كما نقم عليهم السيد دحلان زاعماً أنهم قتلوا جدّه ، فاتق الله يا هذا .
ثالثها : أن الشرق يومئذٍ كان مسكن الأديان المتباينة كالمجوس وغيرهم ، ولمَّا فُتِح اندسَّ كثير من الزنادقة بين المسلمين وأظهروا الإسلام واخترعوا الأحاديث الموضوعة ، وخلطوها بالاحاديث الصحيحة ، وأسسوا من البدع التي تسعى في إحيائها ما زلنا نتعب في مناهضتها إلى اليوم وإلى ما بعده ، وأظمأ علماء ا لحديث نهارهم وأسهروا ليلهم حتى انتشلوا تلك الموضوعات كما تنسل الشعرة من العجين ، ولعلّ هذا الذي دعاك إلى الانتقام ، فانتبه رحمك الله ، ولا تكن ممن تحلو في ذوقه البدع ، وسر مع الحق كيفما سار فسُنَّة نبيك أولى من الابتداع ، وكن صالحاً حقّاً فإن زمنك محتاج إلى المرشدين المخلصين ، وإذا رأيت قوماً مالوا فادعهم إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة ، واترك التشفي جانباً فإنه ليس من أخلاق العلماء .
والعجب ممن يرى مسلماً قد تزيّا في لباسه بزي المشركين ، فيقيم عليه النكير ويكفِّره ، ثم إذا رآه يفعل أفعال المشركين ، يملأ الأرض صراخاً بالمدافعة عنه ويحسّن أفعاله ، وتارة يحمل كلامه على المجاز العقلي في الوقت الذي يكون فيه المدافع لا يفهم شروط ذلك المجاز ، فضلاً عن العامي ، فانتبه والله يتولى هداك .
وأما حديث (( يخرج ناس من قِبَل المشرق .. )) إلخ . فأنت أطلقته بلا زِمام ولا خطام ، ولعلّك وجدته مسطوراً في كتب دحلان التي انتحلتها وسميتها باسمك . وأيا ما كان فإن المشرق مبهم فيما نقلته ويفسره ما رواه البخاري في الصحيح قال : (( حدثنا موسى بن إسماعيل ، حدثنا عبد الواحد ، حدثنا الشيباني ، حدثنا يسير بن عمرو قال : قلت لسهل بن حنيف : هل سمعت صلى الله عليه وسلم يقول في الخوارج شيئاً ؟ قال : سمعته يقول - وأهوى بيده قِبَل العراق - : (( يخرج منه قوم يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم ، يمرقون من الإسلام مروق السهم من الرمية )) وهذا الحديث أخرجه مسلم في الزكاة ، والنسائي في فضائل القرآن ، ومنه تعلم أن الحديث في الخوارج الذين قاتلهم علي رضي الله عنه يوم النهروان ، لا في أهل نجد ، وفي رواية للبخاري : (( يخرج في هذه الأمة )) ولم يقل منها ، وفي رواية للبخاري قال أبو سعيد : (( أشهد أن عليّاً قتلهم وأنا معه )) .
وذلك يؤيد أنهم هو الخوارج الذين قالوا : كَفَر عليٌّ وكفر معاوية ، فدعنا من أشياء مفروع منها ، وتكلّم عليها من قبلنا بما يكفي ويشفي .
وأما حديث : (( اللهم بارك لنا في شامنا ))... إلخ . فأنا أدلك على من أخرجه ، أخرجه الترمذي 49 فقال : (( حدثنا بشر بن آدم بن بنت أزهر السمان ، حدثني جدي أزهر السمان ، عن ابن عون ، عن نافع ، عن ابن عمر أن رسول ا صلى الله عليه وسلم قال: (( اللهم بارك لنا في شامنا ، اللهم بارك لنا في يمننا )) قالو : وفي نجدنا . قال : (هناك الزلازل والفتن وبها _ أو قال : ومنها - يخرج قرن الشيطان )) قال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه من حديث ابن عون ، وقد رُوِي هذا الحديث أيضاً عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم اهـ .
أقول : بشر بن آدم قال أبو حاتم : ليس بقوي ، وقال النسائي : لا بأس به ، وذكره ابن حبان في كتاب (( الثقات )) ، وباقي رجاله ثقات .
وأدلك أيضاً على معنى الحديث وأقول لك : لا تفسر الأحاديث إلا على مصطلح العرب زمن النبوة .
فقد نقل العيني عن الكلبي في أسماء البلدان قال : (( نجد ما بين الحجاز إلى الشام إلى العذيب إلى الطائف ، فالطائف من نجد ، وأرض اليمامة والبحرين إلى عمان )) .
وقال أبو عمروً الشيباني : (( نجد ما بني جرش إلى سواد الكوفة ، وحدّه مما يلي المغرب الحجاز ، وعن يسار الكعبة اليمن ونجد كلها من عمل اليمامة )) .(45/441)
وقال ابن الأثير : (( نجد بين العذيب إلى ذات عرق وإلى اليمامة وإلى جبل طيء وإلى وجرة وإلى اليمن )) والمدينة لا تهامية ولا نجدية فإنها فوق الغور ودون نجد .
وقال الحازمي : (( نجد اسم للأرض العريضة التي أعلامها تهامة واليمن والعراق والشام )) .
وقال السكري : (( حدُّ نجد ذات عرق من ناحية الحجاز كما تدور الجبال معها إلى جبال المدينة ، وما وراء ذلك ذات عرق إلى تهامة )) .
وقال الخطابي : (( نجد ناحية المشرق ومن كان بالمدينة كان نجده بادية العراق ونواحيها وهي مشرق أهل المدينة )) .
فقد أعلمناك اختلاف العلماء في نجد .
وحيث إن صلى الله عليه وسلم تكلم بذلك وهو بالمدينة ومشرق أهلها ونجدها بادية العراق كما قاله أبو سليمان الخطابي ، فيكون المقصود من الحديث بادية العراق ، ولا يخفاك ما حصل بها من الزلازل والفتن كواقعة صفين وغيرها، كواقعة الحسين بن علي رضي الله عنهما ، وما كان بها من الفتن والحروب بعد ذلك ، وعلى قول الكلبي أن الطائف من نجد فيكفيك أنه خرج منها الحجاج بن يوسف الثقفي وما فعل ، وكيف رمى الكعبة بالمنجنيق ، وكان أَمْر الحجاج معروفاً قبل وجوده ، فروى ابن عساكر أن عليّاً رضي الله عنه لمَّا انتقض عليه أمر العراق كان يقول :
(( اللهم سلط عليهم غلام ثقيف يحكم في دمائهم وأموالهم ، ويحكم فيهم بحكم الجاهلية )) ، وأخباره معلومة ، وروى مسلم والترمذي عن ابن عمر قال :قال رسول ا صلى الله عليه وسلم في ثقيف : (( كذاب ومبير )) ، وله في تاريخ ابن عساكر ترجمة مطولة فيها العجائب ، فمن أين لك اختصاص الحديث فيما صًوَّرته لك مخيلتك من جغرافية نجد ، وقلت لك مراراً دعنا من الطعن والعناد حتى لا يفتح الناس علينا أبواباً من تاريخنا الماضي لا نقدر على تغليقه ، وإذا ذكرونا بواقعة الحرة ما يكون جوابنا ، فإن أجهل الناس من ينسى عيوب نفسه ويقع في عرض غيره ثم بعد هذا وهذا ، قل لي : ما تقول في الحديث الصحيح عن أبي الدرداء عن صلى الله عليه وسلم قال : (( إن الشيطان قد يئس أن يُعْبَد في جزيرة العرب )) ونجد من تلك الجزيرة ، ولكن ابتاع الهوى من أكبر البلوى ، ولا أشد ضرراً على الإنسان من ميله إلى الهوى واتِّباعه ، وقد روى الإمام أحمد في المسند : عن أبي الدرداء قال : بينما نحن عند رسول ا صلى الله عليه وسلم نتذاكر ما يكون ، إذ قال رسول ا صلى الله عليه وسلم : (( إذا سمعتم بجبل زال عن مكانه فصدقوا ، وإذا سمعتم برجل تغير عن خلقه فلا تصدقوا به ، وأنه يصير إلى ما جُبِلَ عليه )) 50 .
أما ما ذكرته من التحليق ، فذاك (( كلام خرافة يا أم عمرو )) 51 .
قال في النفحة : (( ومن الأحاديث قوله عليه الصلاة والسلام : (( يخرج آخر الزمان في بلد مسيلمة رجل يغير دين الإسلام )) ، وقول صلى الله عليه وسلم : (( سيظهر من نجد شيطان تتزلزل له جزيرة العرب من فتنته )) .
إلى غير ذلك من الأحاديث التي ذكرتها العلماء )) .
أقول : سلمنا أنك اجترأت على القوم ونسبت إليهم من الإفك ما نسبت ، ولكن هل بلغ بك الحال أن تكذب على رسول ا صلى الله عليه وسلم بعد علمك بقوله : (( مَنْ كذب عليَّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار )) وهذا الحديث أجمع المسلمون على صحته وتواتره .
وقال النووي في شرح مسلم : تحرم رواية الحديث الموضوع على من عرف كونه موضوعاً أو غلب على ظنه وضعه ، فمن روى حديثاً علم وضعه فهو مندرج في الوعيد .
وقال السيوطي : لا أعلم شيئاً من الكبائر قال أحد من أهلِ السنةِ بتكفير مرتكبه إلا الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم
وقال الجويني : نخرجه لذلك عن الملة ، وتبعه على ذلك طائفة ، منهم ابن المنير المالكي .
وكان عليك أن تذكر من روى تلك الأحاديث وتبيّن من خرّجها من الأئمة ، وفي أي كتاب موثوق به وجدت ، ومَنْ روى هذه الأحاديث من الصحابة ، على أننا قد بيَّنا لك ما هو المقصود من نجد ، فقل ما شئت بعد ذلك سامحك الله ، وليكن خصمك من افتريت عليه ، وسمّ ما شئت إجماعاً وهوّل ما شاءت لك نفسك أن تهول .
قال : ( ويجدر بنا أن نذكر هنا خلاصة ما تمذهبت به الوهابية التي اشتملت عليه عقيدتهم عشرة أشياء :
( أولها : إثبات اليد والوجه والجهة للباري وجعله جسماً يصعد وينزل ) .
هذا أعظم ما تمسَّك به ذلك المعترض ، وقد علمت فيما سبق عقيدة السلف ، فالوهابية لم يثبتوا ذلك ، وإنما أثبته الله تعالى لنفسه ، غاية الأمر أن الوهابية كغيرهم من السلف يؤمنون بذلك ويكلون علمه 52 إلى الله تعالى من غير تشبيه ولا تمثيل ولا تعطيل ، وبذلك نَطَقَتْ كتب عقائدهم ، ولقد كانت المعتزلة ترمي أهل السُّنََة بأنهم مجسمة ، وذلك مسطور في كتبهم ، وصاحبنا سلك هذا المسلك ، فإن كان المؤلف ينكر إثبات تلك الصفات لله تعالى فلينكر على من أثبتها ، وأما الجسمية 53 فمُحال أن يعتقدها مسلم ، ومن ادَّعاها لأمة مسلمة فعليه أن يبرهن عليها بنقل من كتبهم لا بمجرد الإفك والافتراء .
قال : (( ثانيها : تقديم النقل على العقل ، وعدم جواز الرجوع إليه في الأمور الدينية )) .(45/442)
أقول : لا يُعلم من معنى النقل إلا ما نقل من كتاب الله وسنة رسوله ، فأي ذنب لقوم يقدِّمون كتاب الله وسنة رسوله على الرأي الفاسد ، وخصوصاً في معرفة الله تعالى وإثبات صفاته التي يظل العقل حائراً فيها كما حار الفلاسفة الأقدمون والقرامطة ، ولو سلَّمنا أن مراده بالنقل ما يُنْقَل عن كتب الأئمة ، فكذلك العقل لا يقدَّم على النقل عنهم ، ولعلَّ المؤلف أدَّاه اجتهاده إلى تقديم العقل على كتاب الله وسنة رسوله وأقوال الصحابة والأئمة الكرام ، فحينئذٍ يكون اجتهاده له ، ولا نظن أن أحداً من علماء المذاهب يوافقه على ما أدَّاه إليه اجتهاده ، ولو كانت الشرائع تُدْرَك بالعقل لَمَا أرسل الله الرُّسل وأنزل الكتب ، ولعلَّ صاحبنا ينصر مذهب البراهمة المنكرين للنبوات ؟
وأما قولك : إنه حَظَرَ على الناس استعمال العقل ، ثم هوَّلت بما هوَّلت به فإن الرجل لا كلام له إلا في التوحيد ، ولا تَطَرَّقَ إلى ذكر أسرار الشريعة ، بل لزم الأدب مع غيره من كبار أئمة الإسلام ، ومَنْ ادعَّى غير ذلك فهو مطالب بالبيان .
قال : (( ثالثها : نفي الإجماع وإنكاره )) .
أقول : إنْ كان مرادك بالإجماع الذي ينكره هؤلاء إجماع العوام وما أنت وهم عليه الآن فهذا باطل من وجوه :
* أولها : أنه لا عبرة بإجماع العوام على فرض وقوعه .
* ثانيها : أن العوام كلهم لا يوافقونك على ما لفَّقته وادَّعيته .
* ثالثها : أن عقيدة العوام إذا سبرناها ودققنا نجد أكثرها كما قال الله تعالى :(( فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا )) ( الروم : 30) .
وإن أردت بالإجماع الإجماع المعروف في فن الأصول ، فالبحث عنه وظيفة المجتهد ، وهم لم يدَّعوا الاجتهاد ، فإن قلت : إن علماءهم أنكروه ، قلنا : هذه كتب أصول الفقه بين أيدي الناس فأخبرنا في أي كتاب صرَّح وأخذ منهم بنفي الإجماع ، ثم ائتنا بمسألة واحدة خالفوا فيها الإجماع ولو بمثال واحد تثبت به ما ادعيته .
قال : (رابعاً : نفي القياس ) .
أقول : هذه كالتي قبلها ، فنقول له : إذا أردت به نفي قياس الخالق على المخلوق وهو الذي يلوح من خلال كلامك ، فهذا ينكره كل مسلم ، بل وكل عاقل على كرة الأرض ونسبتك إنكار ذلك إلى القوم مدح لا يقابله مدح قال تعالى : ((لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ )) ( الشورى : 11) .
وإن أردت القياس الأصولي الذي هو (( إلحاق فرع بأصل بعلَّة جامعة )) فهذا أيضاً وظيفة المجتهد ، والمقلد معزول عن هذه المباحث بالكلية ، لا حظَّ له إلا الأخذ بقول من قلَّده ، ولا يطالب ببرهان ولا بدليل ، وإن كنت مدعياً الاجتهاد فخاطب بالإجماع وبالقياس المجتهدين لا العامة الذين ليست هذه المناقشات من وظيفتهم ولا هم مطالبون بها ، ولله درُّك حيث أنزلت أولئك القوم منزلة المجتهدين ، ثم أخذتَ تناقشهم ، فلك الفضل في ذلك ، لكن أثبت أولاً توفر شروط الاجتهاد فيك ، ثم تَكلَّم ؛ لأن المحققين قالوا : لا يناظر مجتهداً إلا مجتهد مثله.
قال: (( خامساً : عدم تقليد المجتهدين وتكفير من قلَّدهم )) .
أقول : إن أردت بذلك أنهم ينكرون تقليد أمثالك من المجتهدين فهذا يمكن أن ينسب إليهم ، وإن أردتَ أنهم ينكرون تقليد المجتهدين حقيقة فهذه بلادهم من أقصاها إلى أدناها لا يحكم قضاتهم ولا أمراؤهم إلا بمذهب الإمام أحمد رضي الله عنه ، لا يتعدونه قيد شبر 54 .
ولا قانون عندهم ولا نظام غيره ، وهم يقيمون الحدود طبق الشرع ، وكلهم يصلون ويزكون ويحجون ويحفظون القرآن الكريم والأحاديث الصحيحة من سنة سيد المرسلين ، وإذا سبرت مشارق الأرض ومغاربها لا تجد عملاً بالشرع في الأحكام باقياً على حاله من جميع الوجوه إلا في بلادهم ، فكيف يكفِّرون أنفسهم وهم مقلدون ، وإن أردت التقليد في العقائد ، فهذا محل خلاف وأنا أدلك على شرح الجوهرة فراجعه 55، فيلتق الله المصلحون .
قال : ( سادساً : تكفيرهم كل من خالفهم من المسلمين ) .
هذه دعوى بلا دليل ولا برهان أيضاً ومغالطة ، ولو دقق النظر لعلم أنهم لا يكفرون أحداً من المسلمين ولكنهم يشددون النكير على من جعل إلهه هواه واطرح كتاب الله وسنة رسوله ظهرياً ، وينكرون بدعاً لم تكن زمن الصحابة ولا زمن التابعين والأئمة رضوان الله عليهم ، ويقولون : إن مثل هذا شرك ويحذرون الناس منه ، وهذه المزية ليس لهم فقط بل هي لكل مؤمن يحافظ على شريعة نبي صلى الله عليه وسلم ، وتلك الفئة تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله ، وبما جاء من عند الله وصح عن رسول ا صلى الله عليه وسلم من غير تأويل 56 ولا تحريف ولا تبديل ، ولا تشبيه ، وهذا يجب على كل مسلم أن يعتقده ، ولا شك أن كلَّ من حاد عن هذا المعتقد لا يعدّ مسلماً ، فهل تريد أنت أن تخالف في ذلك ، فالله يتولى هدانا أجمعين .
قال: ( سابعاً : النهي عن التوسل إلى الله تعالى بنبي أو ولي ) .(45/443)
أقول : هذه المسألة أُلِّفت فيها التآليف من قبلك من الجانبين ، وفُرِغ منها ، ولكن جَرَّد عن مخيلتك أقواماً توهمت أنهم وهابية ، وأَذْعِن للحق حتى أقول لك إن محبة الرسو صلى الله عليه وسلم لا تكون إلا باتباع سنته ، وعلماء أولئك القوم مرَّنوا أنفسهم على ذلك ، فلا يقنعون إلا بما قاله الله تعالى أو قاله رسول صلى الله عليه وسلم ، وهذا هو تمام المحبة ، وفي الصحيح أن الناس أجدبوا على عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه فاستسقى بالعباس ، واستسقى معاوية بيزيد بن الأسود ، وأخرج البخاري في المناقب من صحيحه عن أنس رضي الله عنه أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كانوا إذا قحطوا استسقى بالعباس بن عبد المطلب ، فقال : اللهم كنا نتوسل إليك بنبيّنا r فتسقينا ، وإنَّا نتوسل إليك بعمِّ نبيّنا فاسقنا ، قال : فيسقون . انتهى .
قال المحققون ومنهم الشيخ مرعي الكرمي في ( شفاء الصدور ) : المراد أنهم توسلوا بدعاء العباس وشفاعته وليس المراد أننا نقسم عليك به ، وقد أشار إلى نحو هذا العيني والقسطلاني في شرح البخاري ، وإلى أن عمر قدَّم العباس رضي الله عنهما على نفسه في الدعاء ، وأن العباس كان هو الداعي ، وأما حديث : (( إذا سألتم الله فاسألوه بجاهي فإن جاهي عند الله عريض )) فهو حديث كذب مفترى على رسول ا صلى الله عليه وسلم ثم إنني أنقل لك بعضاً من كلام علماء الحنابلة في كتب فقههم .
قال ابن مفلح في كتابه ( الفروع ) : ويجوز التوسل بصالح ، وقيل : يستحب .
قال أحمد رضي الله عنه في منسكه الذي كتبه للمروزي : أنه يتوسل ب صلى الله عليه وسلم في دعائه وجزم به في ( المستوعب ) وغيره .
وجعلها شيخنا - يعني شيخ الإسلام ابن تيمية - كمسألة اليمين به ، قال : والتوسل بالإيمان به وطاعته ومحبته والصلاة والسلام علي صلى الله عليه وسلم وبدعائه وشفاعته ونحوه مما هو من فعله أو أفعال العباد المأمور بها في حقه مشروع إجماعاً ، وهو من الوسيلة المأمور بها في قوله تعالى : ((اتَّقُواْ اللّهَ وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُواْ فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ )) ( المائدة : 35) .
وقال الإمام أحمد وغيره في قوله : (( أعوذ بكلمات الله التامة من شر ما خلق )) الاستعاذة لا تكون بمخلوق ِ.
وقال إبراهيم الحربي ( من أصحاب أحمد ) : الدعاء عند قبر معروف الترياق المجرب .
وقال شيخنا - يعني ابن تيمية - قصده للدعاء عنده رجاء الإجابة بدعة لا قربة باتفاق الأئمة . وقال أيضاً : يحرم بلا نزاع بين الأئمة .
وقال أبو الوفاء علي بن عقيل البغدادي في كتاب (( الفنون )) : لا تخلق القبور بالخلوق والتزويق والتقبيل لها والتوسل بهم إلى الله .
قال : ولا يكفيهم ذلك حتى يقولوا بالسر الذي بينك وبين الله ، وأي شيء من الله يسمى سرّاً بينه وبين خلقه ، قال : ويُكره استعمال النيران والتبخير بالعود والأبنية الشاهقة الباب ، سموا ذلك مشهداً ، واستشفعوا بالتربة من الأسقام ، وكتبوا إلى التربة الرقاع ودسوها في الأنقاب ، فهذا يقول : جِمالي قد جَرَبَت ، وهذا يقول : أرضي قد أجدبت . كأنهم يخاطبون حيّاً ويدعون إلهاً )) انتهى . وابن عقيل توفي سنة ثلاث عشر وخمسمائة فهل تقول عنه كان وهابيّاً ؟
وقال في ( المنتهى ) : ويسن التوسل بالصالحين .
وقال في ( الإقناع ) : ولا بأس بالتوسل بالصالحين .
وقال أبو عبد الله محمد الرعيني المعروف بالحطاب المالكي في شرحه لمختصر خليل : قال مالك أنكر أبو مسلمة على رجل رآه قائماً عند المنبر رفع صوته بالدعاء ورفع يديه ، قال ابن رشد : إنما أنكر الكثير منه ؛ لأنه فعل اليهود .
هذه نقول علماء تلك الفئة التي تزعم أهم ينهون من التوسل فتأملها ثم قال ما شئت .
قال : (( ثامنها : تحريم زيارة قبور الأنبياء والصالحين )) .
أنا لا أطيل معك الكلام في هذا الموضوع ، ولكن أحليك إلى كتب السادة الحنفية هل تجد فيها أن البدع الموجودة اليوم في الزيارة يجيزها أحد منهم .
أما مطلق الزيارة فما سمعنا أن أحداً حرَّمها 57 غير أناس وجدوا في مخيلتك ، وليس لهم وجود في الخارج ، فإن كنت تجيز الحكم على المعدوم فقل ما شئت .
قال : ( تاسعها : تكفير من حلف بغير الله وعده مشركاً ) .
أقول: اتفق العلماء على أنه لا يجوز الحلف إلا بالله أو بصفة من صفاته ، وفي الصحيحين عن ابن عمر أن صلى الله عليه وسلم سمع عمر رضي الله عنه وهو يحلف بأبيه ، فقال : (( إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم ، فمن كان حالفاً فليحلف بالله )) .
وقال الترمذي في جامعه : حدثنا قتيبة ، حدثنا أبو خالد الأحمر ، عن الحسن بن عبيد الله ، عن سعد بن عبيدة ، أن ابن عمر سمع رجلاً يقول : لا والكعبة ، فقال ابن عمر : لا يُحْلَف بغير الله فإني سمعت رسول ا صلى الله عليه وسلم يقول : (( مَنْ حَلَفَ بغير الله فقد كفر أو أشرك )) . قال الترمذي : هذا حديث حسن . فانظر يا صاحب النفحة على مَنْ تعترض ؟! .(45/444)
فإن قلت : حمله بعض العلماء على التغليظ ، قلنا : واحمل قول من ترد عليهم على التغليظ 58 ، وهناك يرتفع النزاع والظاهر أن هذا الرجل من بعض الفرق الذين يجوّزون وضع الأحاديث نصرة لمقالتهم ، ومن الذين يحرِّفون القرآن حسب مشتهياتهم وأغراضهم ويسمونه تأويلاً ليقضوا على كتاب الله وسنة رسول صلى الله عليه وسلم كما يظهر لك من قوله :
قال : ( عاشراً : تكفير من نذر أو ذبح لغير الله عند مراقد الصالحين ) .
هذا افتراء من جهة 59 واجتهاد جديد منه غير أنه مصادم لقوله تعالى : (( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ )) ( المائدة : 3) .
فالله تعالى حرَّم ما أهلَّ لغيره به ولم يخصص ذلك بمراقد الصاحين ، ولا بغيرهم ، وقد عدّ هذا الفاضل تحريم ذبح ما أهل لغير الله ذنباً ، وعلى مقتضى اجتهاده أن ذلك قربة ، فخالف الكتاب والسنة والإجماع ، وكلامه في هذا المقام غني عن البيان زيفه ، ومنه تعلم أن هذا الشيخ تأخذه الحدة حتى لا يعلم ما يقول ، ولعله يصل إلى درجة يسقط عنه بها التكليف والله يتولى الإعانة .
قال : ( إن الوسيلة كل ما يُتَقَرَّب به إلى الله تعالى ) .
نقل في هذا المقام كلاماً طويلاً يناقض بعضه بعضاً ، ونحن نغضي عنه لكثرة ما أُلِّف فيه من التأليف ، ثم نَقَضَ ذلك بقوله : الوسيلة كل ما يُتَقَرَّبُ به إلى الله تعالى ، وعلى زعمه ولو كان شجراً أو حجراً أو تراباً أو بناءً أو وثناً أو صمناً ، ولم يعلم أنه لا يتقرب إلى الله تعالى إلا بما أمر الله تعالى به ، وصحَّ الأمر به عن نبي صلى الله عليه وسلم : (( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا )) ( الحشر : 7) .
وأما تلك البدع التي يريد أن يجعلها سُنَّة ، فكل مؤمن ينكرها عليه وعلى غيره ، وفطرة الله التي فطر الناس عليها تأباها ، ثم إن باقي ما ذكره في رسالته قد كثر فيه القليل والقال ، وكثرت فيه المؤلفات والردود ، وقد أسلفنا لك قول بعض أئمة الحنابلة في ذلك فلا حاجة لنا في الإطالة هنا ، وعلى الله قصد السبيل .
النفخة الثانية
الحمد لله وحده ، وصلى الله على من لا نبيَّ بعده ، وبعد :
فإن رسالة المنحة لما سماها صاحبها المنحة الإلهية ، وكانت المنح الربانية لا تكون إلا بالحق ، لا جرم حداني البيان إلى مناقشته في أشياء لا يحق لها أن تسمى منحة إلهية كما سيرى ذلك من له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد .
أستدلَّ بقوله تعالى : ((وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ )) ( النساء : 115) .
أقول : أليس سبيل المؤمنين هو سبيل الرسو صلى الله عليه وسلم وسبيل الصحابة والتابعين ، وما درج عليه أهل القرون الثلاثة ، وكلهم كانوا يؤمنون بآيات الصفات على قاعدة قوله تعالى : (( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ )) ( الشورى : 11) . من غير تأويل 60 ولا تعطيل ولا تشبيه ولا تمثيل ، كما أوضحنا ذلك فيما سلف ، هذا هو سبيل المؤمنين ، وأما تكل البدع التي تحوم حولها تأييدها فأخبرنا متى كانت في زمان السلف ، وفي أي وقت حسَّنوها ؟ ولو منح الله تعالى ذلك الكاتب منحة إلهية لعَلِمَ أن الآية دليل عليه لا له ، وهذا كتاب الله ينطق بالحق وهو الحكم قال تعالى : ((قُلْ أَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ اِئْتُونِي بِكِتَابٍ مِّن قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِّنْ عِلْمٍ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ * وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَن لَّا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَومِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَن دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ )) (الأحقاف : 4-5) .
قال : ( لو كانوا كانوا يزعمون أنهم على الحق لَمَا حاربوا أهل الإيمان في بيت الله الحرام وارتكبوا أعظم القبائح بقتلهم الناس حين دخلوا الطائف قتلاً عامّاً حتى استأصلوا الكبير والصغير إلى آخر ما قاله ) .
نقول : هذه قضية تاريخية ، وليس أحد من المؤرخين سواء كان من أعدائهم أو من غير أعدائهم ، قال : إنهم قاتلوا في البيت الحرام ولا دخلوه في قتال ، اللهم إلا ما كان من دحلان فإنه زعم أنهم قتلوا جده لأمر ما ، فاشتدَّ حنقه عليهم مع أنه ذكر في كتابه أشياء كثيرة مِنْ قتل ونهب وغارات ألصقها بأمراء البيت الحرام ، وناقضه الجبرتيُّ 61 وما وسعه إلا التكلم بالحق ، وإنَّا إن شاء الله سنفرد جميع ما ذكره الجبرتي في رسالة ليظهر أنك المفتري ، فإن كان يزعم أن الطائف من الحرم فذلك اجتهاد منه ، ولكن طاش سهم الكاتب ، ومن يتأمَل كلامه بإنصاف تظهر له المناقضات والتحامل لا سيما في قوله : إنهم أحرقوا المصاحف والصحيحين وغير ذلك .
ثم إني أدل القارئ على من فعل ذلك الفعل الذي نسبه لغير أهله معتمداً على أصح الكتب التاريخية ، ولا أتجرَّأ على نسبة فعل لغير فاعله خوفاً من الله تعالى الذي قبَّح الكذب والافتراء وأعدَّ لصاحبه ما أعد.(45/445)
أقول : وكنت أود أن يكون ذلك الخبر مطويّاً ، لكن جرأة ذلك الكاتب ووقاحته أوجبت ذلك قال ( قال الإمام الفقيه ابن قتيبة في كتابه (( الإمامة والسياسة )) 62 : إنَّ يزيد بن معاوية لمَّا وُلي المُلك وامتنع أهل مكة والمدينة عن بيعته أجمع على إرسال الجيوش إليهما ، فعسكر من بلده وعرض الأجناد فلم يخرج معه أصغر من ابن عشرين ولا أكبر من ابن خمسين ، وكان الجيش على خيل عراب وسلاح شاك ، وجعل على الجيش مسلم بن عقبة ، وأرسل معه عشرة آلاف بعير تحمل الزاد ، وأوصاه أن يتخذ المدينة طريقاً إلى ابن الزبير وهو بمكة ، وقال له : إن صدوك أو قاتلوك فاقتل من ظفرت به منهم وانهبها ثلاثاً ، قال ابن قتيبة : وذكروا أنَّ أهل الشام لمَّا انتهوا إلى المدينة عسركوا بالجرف وأحدقوا بها من كل ناحية . وخلاصة الأمر أنهم دخلوا المدينة بحيلة من بعض أهلها فاقتتلوا مع أهلها ، وجعل مسلم يقول : من جاء برأس رجل فله كذا وكذا ، فجعل يغري قوماً لا دين لهم ، فقتلوا وظهروا على أكثر المدينة وقتلوا بشر بن حنظلة ومحمد بن عمرو بن حزم الأنصاري فرؤي بعد قتله ساجداً ، ثم دخل الجيش المدينة فجالت خيولهم فيها يقتلون وينهبون وقتلوا عبد الله بن زيد بن عاصم وكان يومه صائماً فضربه رجل من أهل الشام بفأس بيده فخرج منه نور ساطع في السماء ، وقُتِلَ عبد الله بن حنظة فرؤي بعد موته مادّاً أصبعه السبابة ، وإبراهيم بن نعيم فغطي فرجه بيده ، وعبد الله بن زيد صاحب حديث الأذان .
ودخلوا دور بني الأشهل فما تركوا في المنازل من أثاث ولا حُلي ولا فراش إلا نقد صوفه حتى الحمام والدجاج كانوا يذبحونها ونتفوا لحية أبي سعيد الخدري وضربوه ضربات ثم أخذوا كل ما وجدوه في بيته والرجل لم يخرج لقتال ، وكان سعيد بن المسيب لم يبرح من المسجد ولم يكن يخرج إلا من الليل إلى الليل ، وكان يسمع إذا جاء وقت الآذان أذاناً يخرج من قبل القبر الشريف .
وبلغ عدد قتلى الحرة يومئذ من قريش والأنصار والمهاجرين ووجوه الناس ألفاً وسبعمائة ومن سائرهم من الناس عشرة آلاف سوى النساء والصبيان ، ودخل رجل من أهل الشام على امرأة نفساء من نساء الأنصار ومعها صبي لها ، فقال لها : هل من مال ؟ فقالت : لا والله ما تركوا لي شيئاً ، فقال : والله لتخرجن إلي شيئاً أو لأقتلنك وصبيك هذا ، فقالت : ويحك إنه ولد ابن أبي كبش الأنصاري صاحب رسول ا صلى الله عليه وسلم ، ولقد بايعت رسول ا صلى الله عليه وسلم معه يوم بيعة الشجرة على ألا أزني ولا أسرق ولا أقتل ولدي ولا آتي ببهتان أفتريه ، فما أتيت شيئاً ، فاتق الله ، ثم قالت لابنها : يا بني ، والله لو كان عندي شيء لافتديتك به، قال ، فأخذ برجل الصبي والثدي في فمه فجذبه من حجرها فضرب الحائط فانتثر دماغه في الأرض .
قال : فلم يخرج من البيت حتى اسودَّ نصف وجهه فصار مثلاً ، وذكروا أنه قتل يوم الحرة من أصحاب صلى الله عليه وسلم ثمانون رجلاً ولم يبق بدري بعد ذلك .
وكانت الواقعة في ذي الحجة لثلاث بقين منها سنة ثلاث وستين من الهجرة .
وفي تاريخ أحمد بن يوسف الدمشقي المعروف بالقرماني أن مسلماً دخل المدينة وانتهبها ثلاثة أيام وافتض فيها ألف عذراء والقصة أعجب من ذلك ، وقد أطال المؤرخون في فظاعتها ووصفها .
وفي تاريخ القرماني أن ذلك الجيش سار حتى أتى مكة سنة أربع وستين من الهجرة فنصب أميره الحصين بن نمير المنجيق على أبي قبيس ورمى به الكعبة المعظمة واحترقت من شرارة نيرانها أستار الكعبة وقرنا الكبش الذي فدي به إسماعيل وكان بالسقف ، وجاء رجل في طرف رمحه نار واستعملها بالفسطاط فوقعت النار على الكعبة فاحترق الخشب وانصدع الركن ، واحترقت الأستار وتساقطت إلى الأرض وذلك سنة أربع وستين من الهجرة ، والقصة مسطورة في التاريخ معلومة 63 ، وصاحب المنحة أعزَّه الله نقل تلك الوقائع وزاد عليها من عنده ، ونسبها إلى قوم أتوا بعدها بما يزيد عن الألف ومائة سنة فالله يجزيه جزاء المفترين .
وعلى فرض أن ما ذكره له أثر فما يجيب به عن واقعة الحرة وغيرها من الوقائع فهو جوابنا ، فليتأمل من يطالع رسالته وليطالبه بالنقل وعند ذلك يتجلى الحق على أن فن التاريخ قد وصل اليوم إلى درجة عالية ولا يعانيه إلا من عنده حذق وتمحيص وتدقيق كما نراه اليوم في كتب الأوربيين ، أفيكون أولئك أولى منا بالصدق ، والمدعون للعلم لا يبالون بالإفك والتعدي والافتراء وابتاع الأغراض وأهواء النفوس ، كأنهم لم يعرفوا الحديث الصحيح (( كفى بالمرء إثماً أن يحدث بكل ما سمع )) .
على أننا نقول : إن في الأخبار مبالغة وليُطلع صاحب النفحة كتاب أستاذه دحلان من أوله إلى آخره ، ولينظره بعقل فإنه يجده قد نسب إلى الأشراف أمراء البيت الحرام من القتل والتعدي وسفك الدماء أكثر مما افتراه على من سماهم وهابية ، فيعلم حينئذٍ أن الرجل لا ثقة بما ينقله ولا بما يقوله ، وإنما يبني بنيانه على شفا جرف هار .(45/446)
إن صاحب المنحة أعاد بعد ذلك معنى ما ذكره في رسالته الأولى وأنزل نفسه منزلة الثكلى ينوح تارة ، ويموِّه أخرى ، ويلفق ويمخرق وما أعرفه بذلك العلم وما قصده إلا إثارة الفتن والتوجه عند العوام لمآرب يعلمها علام الغيوب .
دسَّ نفسه بين الصوفية وتكلم على الذِكر ثم تدرَّج إلى أن نسب للقوم أنهم اخترعوا من الذِكر ما يناسب الوقت ، حيث قال : ( تفنن الشيوخ المرشدون من أتقياء الأمة في تعليم المريدين طرائق الذكر بحسب ما رأى كل مرشد حال أهل الوقت الذي كان فيه ) .
فانظر كيف نسب الشيوخ إلى الابتداع ومخالفة كلام الرسو صلى الله عليه وسلم ، وهل بلغه ذلك بنقل صحيح عن الشيخ عبد القادر الجيلاني أو السيد أحمد الرفاعي والدسوقي والبدوي وأضرابهم أم عن الشيخ أرسلان وأبي البيان أم عن رجال الرسالة القشيرية 64 ، أم عن أساتذة حلية الأولياء لأبي نعيم فإن كان بلغه ذلك فليخبرنا به من غير تحريف ولا تبدليل ، فإن أخبار أولئك القوم بلغت من بعدهم بطرق كادت أن تكون متواترة ، وما بلغنا أن واحداً منهم أنشأ عبادة لم يأذن الله بها ، فالله يتلوى هُدانا ويلهِمنا الرُّشد .
وأزيدك على هذا أن الشيخ عبد القادر الجيلاني لا يهمنا انتسابك إليه ، فإن نسله قد ملأ البلاد وهم أعرف الناس بأنساب بعضهم ، ولكن يهمنا أن نقول : نحن أولى الناس به من جهة علمه وصلاحه الذي صار كالمجمع عليه ، فإن الشيخ رضي الله عنه حنبلي المذهب سلفي الاعتقاد كما تشهد له بذلك كتبه ، أبعد الناس عن البدع وهو الصارم المسلول على من خالف سنة الرسول .
ولقد أخذ عنه العلمَ مَنْ هو مثل الشيخ موفق الدين المقدسي مجتهد المذهب الحنبلي ، والحافظ عبد الغني المقدسي إمام أهل الحديث في وقته وغيرهم ، وانتصر أهل السنة بظهوره كما ذكره الحافظ ابن رجب في الطبقات وغيره ، ووصفه بأنه شيخ العصر وقدوة العارفين وسلطان المشايخ وسيد أهل الطريقة في وقته ، وكان بارعاً في المذهب والخلاف والأدب والأصول ، أفيليق بقدر هذا الإمام أن ينسب إليه المخرفون بأنه كان صاحب طبل وزمر وبدع ما أنزل الله بها من سلطان ، توصلاً إلى غايات سافلة وميل إلى أقوال افتراها عليه من يريد بها عيب هذا الدين ، وهو والله برئ منها كما أن الرفاعي والبدوي والدسوقي وغيرهم من الكمل 65 . بريئون من جميع ما ينسبه إليهم أهل الخلاعات والمجون .
مساكين أيها السادة ، زهدتم في الدنيا وأظمأتهم نهاركم وأسهرتم ليلكم في عبادة ربكم ، ثم لقيتم وجه الله فخلف من بعدكم خلف جعلوا حياضكم مورداً لكل متحيل ، ومنهلاً لمن يروج بدعة يبتغي من روائها الطعام والشراب ، يلفق كلاماً يشبه كلامكم ولم يجاهد نفساً لتكون مثل أنفسكم .
ثم إن كرامات الأولياء ما سمعنا من أحد إنكارها ، فإنما هو على أشياء مكذوبة لا تطابق عقلاً ولا نقلاً ، وكيف ينكرها قوم يتلون كتاب الله وسنة رسوله ،لكن صاحبنا أخذ يلتقط أشياء من أفواه العامة ويسوّد به صحيفته ، ومثل هذا يكون الكلام معه ضائعاً ، فلا يُلتفت إليه وإن أطال مهما أطال ، ونحن نكلفه أن يثبت مدعاه بالنقل من كتاب موثوق به ، فإن وجد شيئاً من ذلك فنحن نشاركه في الرد على المنكر لكن على طبق الشرع وصحة النقل .
وحاصل الأمر أن هذا الرجل لشغفه بالظهور وإن كان فيه الخروج عن الشرع يتسرع إلى تكفير من سماهم وهابية ، ثم يحمله الحقد أن ينسب إليهم ما ليس لهم به علم ، ويستعين على تأييد مدعاه بالسبِّ والشتم ، فإن كان أولئك باءوا بذنب التكفير فقد باء هو بذلك الذنب وزاد عليهم بذنوب الافتراء والإفك والسبِّ والشتم والتعدي على الشرع وتحريفه ، ومَنْ طالع رسالته بإمعان علم منه ذلك ، فنعوذ بالله من الرياء والنفاق .
أما الكلام على الخضر فقد كفانا مؤنة الكلام عليه الحافظ ابن حجر العسقلاني في كتابه (( الإصابة )) والحافظ ابن الجوزي وغيرهما من كبار العلماء وما يذكره الصوفية من حياة الخضر وإلياس فهي رموز66 قد حلَّها صاحب الفتوحات المكية في السؤال الثالث والخمسين والمائة من المجدل الأول من فتوحاته ، حيث قال : الخضر عبارة عن البسط ، وإلياس عبارة عن القبض ، فكُتُب الصوفية أُلِّفَت لمن يعرف مصطلحهم لا للجاهل الغبي الذي لم يشم شيئاً من مداركهم ، ثم يتكلم على حد قول القائل :
كلامك با هذا كبندق فارغ خلي من المعنى ولكن له طقش
ولله در المعري حيث قال :
فما يال هذا العصر ما فيه آية من المسخ إن كانت يهود رأت مسخاً
وقال بأحكام التناسخ معشر غلوا فأجازوا الفسخ في ذاك والرسخا
وقال :
أحسن بهذا الشرع من ملة يثبت لا ينسخ فيما نسخ
جاءت أعاجيب فويح لنا كأننا في عالم قد مسخ
خاتمة(45/447)
لفَّق ذلك المدَّعى رسالة ثالثة كرر فيها ما ذكره في الأولى والثانية من الإفك ، والذي نعرفه لو أن ابن سعود أرسل ألف دينار لتوزع على أهل العلم ممن كان على طريقة ابن عبد الوهاب لرأيت ذلك الفاضل أول من يدعي ذلك ، ولأطلق لسانه وألَّف في مدحهم ؛ ليحصل له القسم الأوفر من ذلك المال ولتبعه أولئك المشاغبون ، ولحَصَلَ نزاع فيها بينهم ، ثم لو أرسل الإمام يحيى 67 ألفين لتُعطى لمن كان على مذهب زيد لرأيتهم أعلنوا بأنهم زيدية حبّاً بالمال ، فالله يوفقنا وإياهم .
أغار الاسكندري على ما لفًّقه دحلان في آخر تاريخه فمسخه وزاد عليه ؛ لتكون صحيفته كثيرة السواد ، ثم رأى رسالة للحافظ السيوطي سمَّاها (( مسالك الحنفاء في إسلام أبوي المصطفى )) فدخل بين الرسو صلى الله عليه وسلم وبين أبويه بوقاحة وسوء أدب، لينتحل تلك الرسالة ويسرقها ويفتح باب تلك المسألة مفترياً على أولئك القوم ، ولو أنْصَفَ لَطَالَعَ كتاب (( الفقه الأكبر )) الذي ينسبونه للإمام أبي حنيفة 68 - وهو بريء منه - ولطالع رسالة ملا علي القاري 69 . فيا أيها الفاضل هب أنها راجت المسائل المفروغ منها ، ومالك ولهذه الدعوى ، هب أنها راجت عند العوام والجموديين فهل تروج عند من له أدنى ملكة من العلم ، وما الموجب لدخولك بين الرسو صلى الله عليه وسلم وأبويه ؟ ! وهل وكَّلوك بذلك ؟! ولكن .
ومن البلية عذل من لا يرعوي عن جهله وخطاب من لا يفهم .
وبالجلمة فإن غاية ما يُقال في هذا الفاضل أنه يسعى السعي الحثيث في إبعاد العوام عن خالقهم ورازقهم ومدبر أمرهم ، ويربطهم بالمخلوقين ويلهيهم بما لا يجلب لهم نفعاً ولا ضرّاً ، ويبعدهم عن سُنَّة نبيهم وعما جاء في القرآن من الآيات البينات ، ويتحيل لذلك بفتح التحريف الذي يسميه التأويل ، وعما جاء في القرآن من الآيات البيّنات ليتسنى له أن يكون مشاراً إليه عند العوام ، وعقلاء القوم من كل مذهب لا تروق لهم تلك الخزعبلات ، ولا يميلون إلى ذلك الحشو والجمود ، وكأني بهم وقد رفعوا أصواتهم بالحق ومزَّقوا بمرهفات أقلامهم وسهام ألسنتهم أستار الباطل ، والحق مهما تغلب عليه المبطلون لا يعدم نصيراً .
إن من جملة التعدي نقل أخبار الخوارج وإلصاقها بغيرهم ، ولو كان لأولئك اطلاع لعلموا أن الخوارج موجودون إلى اليوم وهم ما يزيد عن عشرة ملايين ، ولهم مذهب خاص بهم وكُتُت من الفقه والتفسير ، وجلّهم في جاوى ، ومنهم الإباضية في تونس والجزائر ، وبقية المغرب ، وهم يجاهرون بمذهبهم ويطبعون منه المجلدات ، ولكن جمود بعض قومنا أبعدهم عن الاطلاع على ما في العالم من المذاهب ، وحصروا أنفسهم في دائرة ضيقة ، وقاسوا علوم العالم على ما تعلَّموه ، وسوَّلت لهم أنفسهم أنه لا يوجد أذكى ولا أعلم ولا أفقه منهم . فالله يُلهمنا وإياهم الصواب .
خاتمة :
اجتمع جماعة ممن دأبهم ترويج الخرافات على العوام وأسرُّوا النجوى بينهم قائلين : كاد الذين يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر أن يقضوا على حرفتنا الساسانية قضاءً مبرماً ، فقال لهم رئيسهم: لا ضير ، الأمر أسهل ما يكون ، موهوا ما شئتم وارقصوا واغنوا ولا تتقيدوا بمذهب ، فإن اعترض عليكم معترض نادوا بأعلى صوتكم : أنت وهابي مبغض للرسول منكر للأولياء ، واحفظوا هذا الطلسم ، فإنه يجلب لكم المال ، ويدسكم في الوظائف ويحضركم الموائد اللذيذة والمآكل الشهية ، وتنهال الهدية عليكم ، وإذا جلستم في المجالس فقولوا : نحن أخذنا اللب وتركنا لغيرنا القشور ، وإذا وجد عالم متفنن مصلح فاطلقوا ألسنتكم بذمّه والافتراء عليه لتموّهوا على العوام أنكم أعلم منه، واستحلوا الكذب ما دمتم تريدون إصلاح جيوبكم ومعيشتكم ، واعلموا أنه كلما كثر الجهل وقع العوام في عماء ، فكلما لاح لكم طريق لنشر العلم فبادروا إلى طمس معالمه ، وكلما أتاكم ذو بصيرة فناصبوه بالعدواة ، وألقوا في الأذهان أن العلوم الدنيوية أجمعها كفر وضلال ، وما ذلك إلا أنكم لا تشموا رائحتها ؛ ولانها تقضي على خرافاتكم بالدمار، وكلما رأيتم صاحب فكر مستنير قابلوه بالمكر والخداع حتى إذا غاب عنكم تلذذوا بغيبته ونميمته ونصب المكايد له ، وحينئذٍ يتم ما تريدون : فأذعنوا لما أمر به وقام الكل متعاهدين على ذلك ومهما كان الأمر .
ومهما تكن عند امرئ من خليقة وإن خالها تخفى على الناس تُعلم
انتهت الرسالة .
==============(45/448)
(45/449)
عقيدة الشيعة وتاريخهم الأسود
جمع وإعداد
وليد كمال شكر
بسم الله الرحمن الرحيم
مما لا يخفى أن هذا العصر شاع فيه الإلحاد والزيغ والفسوق والبدع والطعن في الإسلام وشعائره وفي سلف الأمة من أصحاب رسول ا صلى الله عليه وسلم والتابعين لهم بإحسان رضي الله عنهم وانتشرت الفتن وقام أهل الباطل يضلون العباد بآرائهم الفاسدة ويغيرون دين الله ويحرفون كتاب الله باسم الإسلام بدون حياء أو مروءة وينشرون الإلحاد والزندقة والفسق والفجور باسم الدين الإسلامي الحنيف.
وأخطر هذه الفتن وأخبثها فتنة الرفض والتشيع يفتن بها الجهال وسفهاء الناس بشعار حب أهل البيت والأئمة. وقد قام أهلها لترويجها ونشرها بصورة خطيرة وبدءوا يستخدمون لغرضهم هذا كل الوسائل الحديثة. ويبذلون لباطلهم الغالي والنفيس ويستعلمون له جميع المكايد والحيل. اللهم إنا نجعلك في نحورهم ونعوذ بك من شرورهم.
والواجب على دعاة المسلمين ووعاظهم ومصلحيهم وعامة علمائهم أن يكشفوا حقيقة هذه الفتنة الخبيثة ويبينوا زيغها وبطلانها للناس ليحفظوا إيمانهم ويصونوا عقائدهم.
ومما لا يخفى أنه قد بدأت فتنة الشيعة بجهود عبدالله بن سبأ اليهودي عدو الإسلام والمسلمين وأتباعه: زرارة وأبي بصير وعبدالله بن يعفور وغيرهم من الكذابين المارقين ليطمسوا بها حقائق الإسلام ويمزقوا بين صفوف المسلمين.
ونسبوا هذه العقائد الشيعية إلى سيدنا علي رضي الله عنه وآله الطيبين افتراء منهم مع أنهم رضي الله عنهم براء منها، فإن عليا وآله كانوا من أعلام أهل السنة والجماعة.
وقد عاش علي وآله إلى جعفر الصادق رضي الله عنهم في بيئة المدينة المنورة وبيئة الإيمان والإسلام والكتاب والسنة وكانت عباداتهم وسائر أعمالهم وفق أعمال عامة أهل السنة والجماعة
عقائدهم الفاسدة
الأمر الأول :عقيدة الشرك بالله
يذكر محمد بن يعقوب الكليني في أصول الكافي وهو من أشهر كتبهم (باب أن الأرض كلها للإمام)
عن أبي عبدالله عليه السلام( يعنى سيدنا عليا ) قال إن الدنيا والآخرة للإمام- يضعها حيث يشاء ويدفعها إلى من يشاء-جائز له من الله ) فماذا يستنبط المسلم المنصف من هذه العبارة، مع أن الله تعالى يقول في محكم آياته ((إن الأرض لله يورثها من يشاء )) أصول الكافي ص259-طبعة الهند.
والشيعة يكتبون (قال علي:.....أنا الأول وأنا الآخر وأنا الظاهر وأنا الباطن وأنا وارث الأرض) رجال الكشي ص 138-طبعة الهند. وهذه العقيدة أيضا باطلة مثل الأولى. وعلي رضي الله عنه بريء منها وما هذا إلا افتراء عظيم عليه وحاشاه أن يقول ذلك. والله يقول جل جلاله ((هو الأول والآخر والظاهر والباطن.((
الأمر الثاني: عقيدة البداء :
وهو بمعنى الظهور بعد الخفاء، كما في قوله تعالى: ((وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون)) سورة الزمر. أو بمعنى: نشأة رأي جديد لم يكن من قبل كما في قوله تعالى ((ثم بدا لهم بعد ما رأوا الآيات ليسجننه حتى حين)) سورة يوسف .
والبداء بمعنييه يستلزم سبق الجهل وحدوث العلم وكلاهما محال على الله عز وجل فإن علمه تعالى أزلي وأبدي لقوله تعالى: ((وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين((.
والشيعة ذهبوا إلى أن البداء متحقق في الله عز وجل كما تدل عليه العبارات الآتية من مراجعهم
ذكر محمد بن يعقوب الكليني في كتابه "أصول الكافي" بابا كاملا في البداء وسماه (باب البداء) وأتى فيه بروايات منها ( بدا لله في أبي محمد بعد أبي جعفر ما لم يعرف له، كما بدا له في موسى بعد مضي إسماعيل ما كشف به عن حاله وهو كما حدثتك نفسك وإن كره المبطلون. وأبو محمد ابني الخلف من بعدي وعنده علم ما يحتاج إليه ومعه آلة الإمامة) أصول الكافي ص40.
وقد كذبوا على الله في ذلك وعلى أئمتهم-يظنون في الله غير الحق ظن الجاهلية- يدعون أن الله كان يريد الإمامة لأبي جعفر ثم لما مات قبل أن يصبح إماما حينئذ بدا لله العلي القدير أن يكون الإمام أبومحمد ففعل، وذلك كما أنه قد كان يريد الله أن يجعل إسماعيل إماما ثم (والعياذ بالله) بدا لله الرأي الجديد فغير رأيه السابق فجعل موسى الكاظم إماما للناس- وهكذا يفترون على الله الكذب سبحانه اتباعا لأهوائهم فلهم الويل لما يصفون.
ونسوا قاتلهم الله أنه ينتج من أكاذيبهم هذه نسبة الجهل إلى الله العليم الخبير الحكيم الجليل، وهو كفر بواح.
ثم إن أقوالهم وادعاءاتهم هذه كلها ظاهرة البطلان فإنه يلزم من عقيدة البداء (نعوذ بالله) أن الله تعالى شأنه كان يجهل هذه الأشياء التي جاءت مؤخرا ثم لما حدثت وعلم بها الله غير سبحانه رأيه القديم وأنشأ رأيا جديدا حسب الظروف والأحوال الجديدة ونسبة الجهل إلى الله تعالى كفر صحيح كما مقرر في محله
الأمر الثالث :عقيدة عصمة الأئمة الاثنى عشر:(45/450)
ذكر محمد بن يعقوب الكليني في "أصول الكافي" عن أبي عبدالله عليه السلام قال (( ما جاء به علي عليه السلام أخذ به وما نهى عنه انتهي عنه جرى له من الفضل مثل ما جرى ل صلى الله عليه وسلم ولمحمد الفضل على جميع من خلق الله المتعقب عليه في شيء من أحكامه كالمتعقب على الله وعلى رسوله والراد عليه في صغيرة أو كبيرة على حد الشرك بالله.....وكذلك يجري لأئمة الهدى واحدا بعد واحد جعلهم الله أركان الأرض أن تميد بأهلها-حجته البالغة على من فوق الأرض ومن تحت الثرى وكان أمير المؤمنين صلوات الله عليه كثيرا ما يقول أنا قسيم الله بين الجنة والنار أنا الفاروق الأكبر أنا صاحب العصا والميسم ولقد أقرت لي جميع الملائكة والروح والرسل بمثل ما أقروا به لمحمد ولقد حملت على مثل حمولته وهي حمولة الرب )) أصول الكافي كتاب الحجة ص117 .
ونقل الكليني أيضا (قال الإمام جعفر الصادق: نحن خزان علم الله نحن تراجمة أمر الله نحن قوم معصومون-أمر الله تعالى بطاعتنا ونهى عن معصيتنا ونحن حجة الله البالغة على من دون السماء وفوق الأرض)) المرجع السابق ص165.
الأمر الرابع : عقيدة أن القرآن الموجود محرف ومبدل فيه :
- إن الشيعة لا يؤمنون بالقرآن الموجود بين أيدي المسلمين لأنه حسب عقيدة الشيعة الصحابة كلهم كذابون وكذا أئمة أهل البيت كاذبون وأصحاب تقيةوكانوا يعتقدون أن الكذب عبادة".
فإذا صار سائر الصحابة وأئمة أهل البيت كاذبين فمن الذي يبلغهم هذا القرآن المجيد من رسول ا صلى الله عليه وسلم على حقيقته.
- كما أن روايات الشيعة الصحيحة عندهم المروية في كتبهم المعتمدة التي تتجاوز عن ألفي رواية (والتي تعتبر عندهم متواترة) وكلها تصرح بأن القرآن الموجود بين أيدينا محرف ومبدل نقص منه وزيد فيه ولا نجد رواية واحدة صحيحة في سائر كتب الشيعة والتي تدل على أن القرآن (الموجود بين أيدينا) غبر محرف وأما ما يحتج بعض الشيعة بأقوال العلماء الأربعة منهم فقط وهم الشريف المرتضى وأبوجعفر الطوسي وأبوعلي الطبرسي والشيخ الصدوق.بأنهم جحدوا ثبوت التحريف في القرآن الكريم فاحتجاجهم بهؤلاء الأربعة احتجاج باطل فإن مدار مذهب الشيعة على مذهب الأئمة المعصومين وجمهور المحدثين منهم ورواياتهم التي تتجاوز عن ألفين ذهبت كلها إلى التحريف فما وزن أقوال هؤلاء المساكين الأربعة أمام أقوال الأئمة المعصومين وجمهور المحدثين منهم وأعلام الشيعة الكبار القدماء. ثم أيضا فإن هؤلاء الأربعة ما قالوا بعدم التحريف إلا تقية لأجل الظروف التي كانت لا تسمح لهم فيها بالقول بالتحريف-وخاصة إذا علم فضيلة التقية وعظم مرتبتها عندهم وسنذكر شيئا منه في هذا الكتاب في محله إن شاء الله. وحتى أن محققي الشيعة نقدوا أقوال هؤلاء الأربعة كما قال الحسين بن محمد تقي النوري الطبرسي في كتابه ( فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب) ص33 ما نصه: (لم يعرف من القدماء موافق لهم) ونود أن نقدم نبذة يسيرة من الروايات الدالة على تحريف القرآن مع توثيقها وتصحيحها من كتب الشيعة المعتمدة.
أخرج الكليني في أصول الكافي تحت (باب أنه لم يجمع القرآن كله إلا الأئمة وأنهم يعلمون علمه كله): (عن جابر قال: سمعت أباجعفر عليه السلام يقول ما ادعى أحد من الناس أنه جمع القرآن كله كما أنزله الله إلا كذاب وما جمعه وحفظه كما أنزله الله إلا علي بن أبي طالب والأئمة من بعده).
وذكر الكليني أيضا في أصول الكافي ص670 طبعة الهند: (عن أحمد بن محمد بن أبي نصر قال: دفع إلي أبوالحسن عليه السلام مصحفا وقال لا تنظر فيه ففتحته وقرأت فيه "لم يكن الذين كفروا" فوجدت فيه سبعين رجلا من قريش بأسمائهم وأسماء آبائهم.
وذكر الكليني في أصول الكافي ص 263: (باب فيه نكت ونتف من التنزيل في الولاية): عن أبي عبدالله عليه السلام "ولقد عهدنا إلى آدم من قبل كلمات في محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين والأئمة من ذريتهم فنسي" هكذا والله أنزلت على محمد صلى الله عليه وآله.
ونقل الكليني أيضا في أصول الكافي ص264: (عن أبي عبدالله عليه السلام قال: نزل جبريل على محمد بهذه الآية هكذا "يا أيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزلنا في علي نورا مبينا(.
وبعضهم يقولون أن عثمان أحرق المصاحف وأتلف السور التي كانت في فضل علي وأهل بيته عليهم السلام منها هذه السورة: (("بسم الله الرحمن الرحيم يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالنورين أنزلناهما يتلوان عليكم آياتي ويحذرانكم عذاب يوم عظيم نوران بعضهما من بعض وأنا السميع العليم" ((
الأمر الخامس : عقيدة إهانة الرسو صلى الله عليه وسلم وإهانة الحسن والحسين رضي الله عنهما:
نسبت الشيعة كذبا وزورا إلى صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من تمتع مرة كانت درجته كدرجة الحسين، ومن تمتع مرتين فدرجته كدرجة الحسن، ومن تمتع ثلاث مرات كانت درجته كدرجة علي بن أبي طالب، ومن تمتع أربع مرات فدرجته كدرجتي) تفسير منهج الصادقين،ص 356، لمصنفه محمد الملا الكاشاني.
انظروا إلى هؤلاء الحمقى أفدرجة الحسين رضي الله عنه هينة إلى هذا الحد- إننا أهل السنة والجماعة(45/451)
نعتقد أن الرجل مهما عبد الله بشتى أنواع العبادات العظيمة فإنه لا يستطيع بحال أن يبلغ درجة أدنى فرد من أصحاب رسول ا صلى الله عليه وسلم فكيف بسيد شباب أهل الجنة وسبط رسول ا صلى الله عليه وسلم ثم كيف بدرجة أخيه الأكبر الحسن ودرجة والده أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رابع الخلفاء الراشدين المهديين رضي الله عنه. وأما عن بهتانهم ووقاحتهم في شأن سيد الأولين والآخرين وأفضل الرسل أجمعين أن من تمتع أربع مرات تصبح درجته كدرجته صلى الله عليه وسلم فاللهم إنا نبرأ إليك مما يدعي هؤلاء الخبثاء ونكل أمرهم إلى الله الجبار القهار-ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
الأمر السادس :عقيدة إهانة أمهات المؤمنين أزواج صلى الله عليه وسلم :
يقول محمد الباقر المجلسي في حق اليقين ما ترجمته بالعربية)):وعقيدتنا الشيعة في التبرؤ: أننا نتبرأ من الأصنام الأربعة: أبي بكر وعمر وعثمان ومعاوية، والنساء الأربع: عائشة وحفصة وهند وأم الحكم، ومن جميع أتباعهم وأشياعهم، وأنهم شر خلق الله على وجه الأرض، وأنه لا يتم الإيمان بالله ورسوله والأئمة إلا بعد التبرؤ من أعدائهم)) وهذا واضح في إهانة عائشة وحفصة زوجات صلى الله عليه وسلم مع غيرهن، والله سبحانه وتعالى يقول عنهن "النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم" الآية..
الأمر السابع :إهانتهم لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم :
ذكر المجلسي بالفارسية مامعناه بالعربية: (قال سلمان: ارتد الناس جميعا بعد رسول الله إلا الأربعة، وصار الناس بعد رسول الله بمنزلة هارون وأتباعه وبمنزلة العجل وعباده، فكان علي بمنزلة هارون، وأبوبكر بمنزلة العجل وعمر بمنزلة السامري) .
وذكر الكشي صاحب معرفة أخبار الرجال (رجال كشي) قال: (قال أبوجعفر عليه السلام: ارتد الناس إلا ثلاثة نفر، سلمان وأبوذر والمقداد، قال: قلت: فعمار؟ قال: قد كان حاص حيصة ثم رجع، ثم قال: إن أردت الذي لم يشك ولم يدخله شيء فالمقداد، وأما سلمان فإنه عرض في قلبه عارض.. وأما أبوذر فأمره أمير المؤمنين بالسكوت ولم يكن تأخذه في الله لومة لائم فأبى أن يتكلم )).
الأمر الثامن :عقيدة التقية وفضائلها عندهم :
ومعنى التقية عند الشيعة: الكذب المحض أو النفاق البين كما هو ظاهر من رواياتهم.وإليك بعض هذه الروايات عن عقيدة الشيعة في التقية وفضائلها من كتبهم المعتبرة:
ونقل الكليني أيضا : (قال أبو جعفر عليه السلام: التقية من ديني ودين آبائي ولا إيمان لمن لا تقية له(
ونقل الكليني أيضا: (عن أبي عبدالله عليه السلام قال: اتقوا على دينكم واحجبوه بالتقية فإنه لا إيمان لمن لا تقية له) .
وينقل الكليني أيضا: (عن أبي عبدالله عليه السلام في قول الله عز وجل (لا تستوي الحسنة ولا السيئة) قال: الحسنة: التقية، والسيئة: الإذاعة، وقوله عز وجل: (ادفع بالتي هي أحسن السيئة) قال: التي هي أحسن: التقية) .
ونقل الكليني: (عن درست الواسطي قال: قال أبو عبدالله عليه السلام: ما بلغت تقية أحد تقية أصحاب الكهف، أن كانوا يشهدون الأعياد ويشهدون الزنانير فأعطاهم الله أجرهم مرتين) كذا في أصول الكافي في باب التقية.
ونقل الكليني (عن سليمان خالد قال: قال أبوعبدالله عليه السلام: إنكم على دين من كتمه أعزه الله ومن أذاعه أذله الله).
اعلم أن ما تقدم من عقيدة الشيعة ورواياتهم فإنها تخالف نصوص القرآن:
قال تعالى: "يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته".
وقال تعالى: "هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله".
وقال تعالى: "اتل ما أوحي إليك من كتاب ربك".
وقال تعالى: "فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين".
وقال تعالى: "اليوم يئس الذين كفروا من دينكم فلا تخشوهم واخشون".
وقال تعالى: "يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين".
وقال تعالى: "إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون".
حكم التقية في الإسلام :
إن التقية في الإسلام أشد حرمة من أكل لحم الخنزير، إذ يجوز للمضطر أكل لحم الخنزير عند الشدة،
وكذلك التقية تجوز في مثل تلك الحالة فقط فلو أن إنسانا تنزه عن أكل لحم الخنزير في حالة الاضطرار أيضا ومات فإنه آثم عند الله، وهذا بخلاف التقية فإنه إذا لم يلجأ إليها عند في حالة الاضطرار ومات فإن له درجة وثوابا عند الله، فكأن رخصة أكل لحم الخنزير تنتقل إلى العزيمة لكن لا تنتقل رخصة التقية إلى العزيمة. بل إنه إن مات لدين الله ولم يحتم بالتقية فإنه سيؤجر على موته هذا أجرا عظيما والعزيمة فيها على كل حال أفضل من التقية، والتاريخ الإسلامي من تحمل الرسو صلى الله عليه وسلم إيذاء المشركين وكذا الصديق وبلال وغيرهما رضي الله عنهما وشهادة سمية أم عمار وشهادة خبيب وغيرهم رضي الله عنهم كلها وإلى غير ذلك من وقائع وقصص نادرة في البطولة والعزيمة في مسيرة هذه الأمة الطويلة لخير دليل على أن العزيمة هي الأصل والأفضل والأحسن.(45/452)
الأمرالتاسع :عقيدة المتعة وفضائلها عنده
وذكر فتح الله الكاشاني في تفسيره عن رسول ا صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من تمتع مرة كان درجته كدرجة الحسين عليه السلام، ومن تمتع مرتين فدرجته كدرجة الحسن عليه السلام، ومن تمتع ثلاث مرات كان درجته كدرجة علي ابن أبي طالب عليه السلام، ومن تمتع أربع مرات فدرجته كدرجتي" )
وذكر الكاشاني أيضا: عن صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ومن خرج من الدنيا ولم يتمتع جاء يوم القيامة وهو أجدع" (2)، ونقل الكاشاني في تفسيره أيضا بالفارسية وترجمته بالعربية: عن رسول ا صلى الله عليه وسلم أنه قال جاءنى جبريل فقال يا محمد إذا عقد المؤمن من المؤمنة عقد المتعة فلا يقوم من مكانه إلا وقد غفر الله له ويغفر للمؤمنة أيضا....".
روى عن الصادق عليه السلام بأن المتعة من ديني ودين آبائي فالذي يعمل بها يعمل بديننا والذي ينكرها ينكر ديننا بل إنه يدين بغير ديننا. وولد المتعة أفضل من ولد الزوجة الدائمة ومنكر المتعة كافر مرتد ) تفسير منهج الصادقين، ص 356، مصنفه ملا فتح الله كاشاني.
الأمر العاشر : عقيدة جواز استعارة الفرج :
نقل أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي في الاستبصار (عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: قلت له: الرجل يحل لأخيه فرج جاريته؟ قال:نعم لا بأس به له ما أحل له منها))
ونقل الطوسي في الاستبصار أيضا (عن محمد بن مضارب قال: قال لي أبو عبدالله عليه السلام: يا محمد خذ هذه الجارية تخدمك وتصيب منها فإذا خرجت فارددها إلينا) الاستبصار،ج3،ص136،أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي.
الأمرالحادى عشر: عقيدة جواز اللواطة بالنساء :
وفي الاستبصار أيضا (عن علي بن الحكم قال: سمعت صفوان يقول: قلت للرضا عليه السلام: أن رجلا من مواليك أمرني أن أسألك عن مسألة فهابك واستحيا منك أن يسألك، قال: ما هي؟ قال: للرجل أن يأتي امرأته في دبرها؟ قال: نعم ذلك له)
وفي الاستبصار أيضا (عن يونس بن عمار قال: قلت لأبي عبدالله عليه السلام أو لأبي الحسن عليه السلام أني ربما أتيت الجارية من خلفها يعني دبرها وهي تفزرت فجعلت على نفسي إن عدت إلى امرأة هكذا فعلي صدقة درهم وقد ثقل ذلك علي، قال: ليس عليك شيء وذلك لك) الاستبصار،ج3،ص243. اللهم جنبنا الفواحش والمعاصي والفتن ما ظهر منها وما بطن...آمين....
الأمر الثانى عشر :عقيدة الرجعة
أى رجعة الإمام الغائب الذى دخل السرداب وسوف يخرج منه وهو المهدى المنتظرعندهم لذلك كلمة المنتظر خاصة بالشيعة لأن أهل السنة لا ينتظرون المهدى بخلاف الشيعة فإنهم يعطلون كثيرا من الفرائض انتظارا للإمام الغائب
وذكر الملا محمد الباقر المجلسي في حق اليقين كلاما طويلا بالفارسية حاصله أنه إذا ظهر المهدي عليه السلام (قبيل القيامة) فإنه سينشق جدار قبر الرسو صلى الله عليه وسلم ويخرج أبا بكر وعمر من قبريهما فيحييهما ثم يصلبهما (والعياذ بالله) فإنه لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور".
تاريخ الشيعة
يقول البعض إن التشيع قد ارتبط ـ تاريخيا ـ بالثورة والمقاومة لحكام الجور ... وأن أهل السنة قد كانوا مستسلمين، أو أقل مقاومة من الشيعة عبر تاريخ الإسلام !..وهذه المقولة ..التي يروج لها الخبثاء في صفوف الجهلاء ـ هي واحدة من الأوهام، المضادة للحقائق الصلبة التي امتلأت بها صفحات التاريخ ...
لقد فتح المسلمون الأوائل في ثمانين عام أوسع مما فتح الرومان في ثمانية قرون ... وأزالوا القوى العظمى التي استعمرت الشرق وقهرته ...دينيا ... وثقافيا ... ولغويا ... وحضاريا ... لأكثر من عشرة قرون، من الإسكندرالأكبر {356-324 ق م} إلى "هرقل" {610-641م} في القرن السابع للميلاد ...
وبهذا الفتح الإسلامي المبين، فتح هؤلاء الفاتحون الطريق أمام انتشار الإسلام من المغرب ـ غرباـ إلى الصين ـ شرقا .ومن حوض نهر الفولجا ـ شمالا ـ إلى جنوبي خط الاستواء ...وجميع هؤلاء الفاتحين ـ من الخلفاء والصحابة والمجاهدين ـ يتولاهم أهل السنة ، ويصلون ويسلمون عليهم ، ويعتبرونهم الأئمة والقادة الذين أقاموا الدين ونشروه ، وأسسوا الدولة ومدوا لها الحدود ...وأتم الله على أيديهم هذه النعمة التي نعيش فيها وعليها حتى يومنا هذا ...كما كانوا هم المؤسسين لقواعد الحضارة الإسلامية التي أنارت العالمين ...
بينما الشيعة ـ باستثناء الزيدية ـ قد حرموا أنفسهم ـ مع شديد الأسف ـ من هذا الرصيد التاريخي المجيد، وذلك عندما حكموا على جمهور هذا الجيل الفريد ـ من الصحابة ـ بالكفر والردة .. بل وأوجبوا لعنهم والبراءة منهم ـ والعياذ بالله ...
إن عمر بن الخطاب الذي رفع أسس الدولة الإسلامية، وقاد الفتوحات العظمى التي أزالت طاغوت الفرس والروم ...والذي لولاه ـ بتوفيق من الله ـ لكان الشيعة يعبدون حتى الآن النار التي كان يعبدها أجدادهم المجوس ..(45/453)
إن عمر بن الخطاب هذا هو ـ في الفكر السني ـ الفاروق ...والملهم ... وأحد أعظم عظماء الإسلام .. بينما هو في رأي الشيعة :الكافر ..المرتد ..وابن الزنى .. وابن الشيطان ..حتى لقد أقاموا ـ في إيران ـ مزار لقاتله "أبو لؤلؤة المجوسي" يزورونه ويحجون إليه فأين المجد التاريخي ؟..وأين الفقر والبؤس والخواء ؟..أهو في تاريخ السنة ؟..أم في تاريخ هذا القطاع من الشيعة الذين حرموا أنفسهم من أمجد أمجاد تاريخ الإسلام ؟!..
تلك واحدة ـ مجرد واحدة ..من الحقائق التي يجب أن يعيها الشباب الذين يجري التغرير بهم والذين يجب أن يعرفوا الرصيد التاريخي لمذهب أهل السنة والجماعة ، الذي هو رصيد الإسلام والفتوحات الإسلامية والحضارة الإسلامية ..أما الذين يكفرون بجمهور الصحابة ويلعنونهم ، فإنهم الفقراء في التاريخ ..والفقراء في الأمجاد ..والفقراء في كل ما يعتز به الإسلام والمسلمون ...اللهم إلا إذا أعادوا النظر في هذا التراث البائس المعادي لأعظم وأجمل ما في تاريخ الإسلام والمسلمين .
أما تاريخ الشيعة فهو التاريخ الأسود امتلأ بدماء أهل السنة وخيانة الأمة والوقوف إلى جانب الأعداء ومن شك فى ذلك فليسأل التاريخ
- من الذي تآمر مع التتار ؟ حتى استولوا على بغداد وقتلوا الخليفة المستعصم، وقتلوا معه- غدرا وفي ساعة واحدة- مائتي وألف شخصية من العلماء والوجهاء والقضاة، واستمرت المذابح فيها بضعا وثلاثين يوما، قتل فيها ثمانمائة ألف مسلم ومسلمة؟.
- من الذي تسبب في انحسار المد الإسلامي العثماني ؟ في أرجاء أوروبا، وطعن الخليفة العثماني في ظهره بزحفه على عاصمة الخلافة بينما كان يتغلغل بجيوشه في أحشاء النمسا إلى أن دخل قلب "فيينا"، وكادت أوربا تدخل في حظيرة الإسلام لولا اضطرار الجيش العثماني إلى الانسحاب والرجوع إلى الرافضة لدحرهم ودفعهم؟ "
- من الذي تحالف مع ملك المجر ضد الدولة العثمانية.
- من الذي سلم أرض المسلمين في باكستان الشرقية لقمة سائغة للهندوس ؟ حتى يقيموا عليها الدولة المسخ "بنجلاديش "؟(4). يقول الشيخ إحسان إلهي ظهير: "وهاهي باكستان الشرقية ذهبت ضحية بخيانة أحد أبناء"قزلباش " الشيعة يحيى خان في أيدي الهندوس (5) وقد عارض شيوخ الشيعة في باكستان تطبيق الشريعة الإسلامية ، وقال زعيم مفتي جعفر حسين في مؤتمر صحفي بأن الشيعة يرفضون تطبيق الحدود الإسلامية ، لأنها ستكون على مذهب أهل السنة . ( الأنباء الكويتية في 1/5/1979م().
- ماذا فعلت الدولة الصفوية التي أسسها الشاه إسماعيل الصفوي فُرِض التشيع الاثنى عشري على الإيرانيين قسرا وجُعل المذهب الرسمي لإيران.ولقد أعمل سيفه في أهل السنة، وكان يتخذ سب الخلفاء الثلاثة وسيلة لامتحان الإيرانيين، فمن يسمع السب منهم يجب عليه أن يهتف قائلا: "بيش باد كم باد"، هذه العبارة تعني في اللغةالأذربيجانية أن السامع يوافق على السب ويطلب المزيد منه، أما إذا امتنع السامع عن النطق بهذه العبارة قطعت رقبته حالا، وقد أمر الشاه أن يعلن السب في الشوارع والأسواق وعلى المنابر منذرا المعاندين بقطع رقابهم .
- أما حسن نصر الله فإنه يهنأ بشيوخه من الرافضة الذين أقاموا الدولة الصفوية.. التي تعاونت مع الأعداء من البرتغال ثم الإنجليز ضد المسلمين وتشجيعها لبناء الكنائس ودخول المبشرين والقسس مع محاربتهم للسنة وأهلها .وما يقول حسن نصر الله في أسياده بطهران الذين لم يسمحوا ببناء مسجد واحد لأهل السنة حتى اليوم على الرغم من أنها تضم على مرأى ومسمع من الحكومة الإيرانية اثني عشر كنيسة ، وأربع معابد يهودية وعددا من معابد المجوس عبدة النار ؟
أمام الحقائق ينهار هذا المديح الفارغ،لنعد إلى الوراء قبل أن نتكلم عن حلم حزب الله بتكوين دولة تقوم على تبني المذهب الجعفري الاثنى عشري منهجا ونظاما .
- من الذى قتل قادة المجاهدين ضد الصليبيين قتلوا الأمير مودود صاحب الموصل ، قتلوه بعد فراغه من صلاة الجمعة في مسجد دمشق وهو صائم، وجاء كتاب من الفرنج إلى المسلمين فيه: "إن أمة قتلت عميدها في يوم عيدها في بيت معبوده لحقيق على الله أن يبيدها".
وقتلوا قائدا آخر من قادة الجهاد ضد الصليبيين وهو الأمير قسيم الدولة آقسنقر البرسقي سنة 520 هـ قتلوه في المسجد الجامع بعد صلاة الجمعة .
وحاولوا قتل صلاح الدين الأيوبي سنة 570 هـ داخل معسكر جيشه، ومرة أخرى سنة 571 هـ وهو محاصر لحلب ... وحاربوا صلاح الدين ونور الدين محمود زنكي .
وتحالفوا مع الفرنجة أيام أن كانت لهم دولة في مصر وهي الدولة الفاطمية .
- ماضي منظمة أمل الشيعية التي خرج منها "حزب الله " أسود فلقد: قتلوا المئات من الفلسطينيين وأهل السنة في المخيمات الفلسطينيةعندما فتحوا الطريق أما الجيش الإسرائيلى لينفذ أشهر مذبحة فى تاريخ فلسطين وهى صابرا وشاتيلا ودفعوا أهل السنة من الفلسطينيين لأكل القطط والكلاب
وفعلوا ما لم تفعله إسرائيل وسقط من الفلسطينيين 3100 بين قتيل وجريح وذبحوهم من الأعناق
المصادر(45/454)
1- بطلان عقائد الشيعة وبيان زيغ معتنقيها ومفترياتهم على الإسلام من مراجعهم الأساسية /للعلامة: محمد عبدالستار التونسوي .
2- جرائم وغدر الشيعة الإثني عشرية بالمسلمين عبر التاريخ ( نقلا من شبكة أنصار الحسين )
3- مقال الدكتور محمد عمارة حول الشيعة ( صحيفة المصريين
============(45/455)
(45/456)
الرياض على خطى بيروت !
الدكتور رياض بن محمد المسيميري
كنا نسمع ونحن أطفال صغار أن بلدة تُسمّى " بيروت " هي نسخةٌ- طبق الأصل- لأفجر عواصم أوروبا الغربية , حيث حانات الخمور, وعلب الليل, وبائعات الهوى , ومكتبات الإلحاد التي تخصصت في عرض وتسويق كتب الملاحدة من شيوعية حمراء أو إمبريالية بلهاء .!
ولم يكن ثمة كتاب على وجه الأرض يتصور أن تمتد إليه يد الرقيب في تلك العاصمة اللبنانية المنكوبة بالعقائد الباطلة , والأخلاق الهابطة !!
كنا نسمع بكلِّ ذلك ونحمد الله أن عافانا في الرياض مما ابتلى به كثيراً من خلقه ونقول حمداً لك اللهم على نعمة الإسلام والدين !!
حمداً لك اللهم فليس في مكتباتنا إلاّ " فتح المجيد " و " صحيح البخاري " و"مسند أحمد" و كتب "ابن قدامة " وفتاوى "ابن تيمية" وتفسير "ابن كثير" .
وليس ثمة ملاحدةٌ مجاهرون أو تجار أخلاق مستعلنون !
ولكن يا حسرتاه على عقول بلهاء , ونفوس خرقاء !!
فها هي الرياض على خُطى بيروت وها هي كتب " عبد العزيز المقالح " و " أمل دنقل " و " محمد عابد الجابري " و " آدونيس " وغيرهم من الحداثين الحُمر, تملاْ رفوف معرض الكتاب الدولي وتتلقفها أيدي أبناء الرياض, وبنات نجد, الذين كانوا إلى عهد قريب مضرب المثل في نقاء العقيدة ,وسلامة الفطرة, وصفاء المنهج!
فما الذي حدث حتى أصبحت عاصمة السلفية, بؤرة الانحراف العقدي , ومصدر الإرهاب الفكري متمثلاً في تلك الكتب الخبيثة, والروايات الهابطة التي غص بها المعرض الدولي ؟!
ما الذي حدث حتى غدت الرياض وريثة غير شرعية لكل الصحافة المارقة ؛ فاستولت صحف السديري والمالك على كلِّ إمبراطورية الشر, التي بناها صحافيو بيروت حتى لم يكادوا يتركوا شيئا ذا بال "لسياسة" الكويت أو " أهرام" مصر؟!
ما الذي جرّأ شرذمة من الفساق القائمين على معرض الكتاب أن يتلاعبوا بمصير أكثر من عشرين مليونا من الموحدين من خلال عرض الإلحاد والزندقة, والانحلال والإباحية بأسعار لا يعجز عنها أحد ؟!
إن عقائد الأمة في خطر ، وأخلاق الشباب في مهب الريح وطوفان التمرد على الدين والقيم يوشك أن يغرق الجميع ما دام علمانيو البلاد وسماسرة الأخلاق بلا حسيب ولا رقيب ؟!
إنَ على علماء الأمة , ورجال الإصلاح, وشباب الصحوة, ألا ييأسوا من الأوضاع الراهنة ، والأحوال المريبة ، والتحدي الصارخ الذي يمارسه المنافقون الدجّالون في غفلة من الزمن, بل عليهم أن يشحذوا هممهم, ويوحدوا جهودهم, ويضعوا أيديهم في أيدي إخوانهم, ويقاوموا تيار الانحراف والفساد, بقلوب واثقة بربها, ومستعلية بإيمانها, وأن يكثفوا تواصلهم مع ولاة الأمر ، وصناع القرار لمعاقبة أولئك الضُلّال المجرمين واستئصال شأَفة هاتيك الشرذمة المنافقين !
كما إن من واجبهم تجاوز خلافاتهم, وتوحيد خنادقهم, وتصويب سهامهم, في نحور عدوهم الرابض بين ظهرانيهم -لا أقام الله له راية ولا حقق له غاية -
اللهم لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منّا, واكفناهم بما شئت يا عزيز يا جبار !
=============(45/457)
(45/458)
ترجمة الفيلسوف الطبيب ابن سينا
الحمد لله
ابن سينا
أ . هو: أبو علي الحسين بن عبد الله البلخي ثم البخاري ، الطبيب الفيلسوف الملحد توفي (عام 428ه). وكان أبوه من دعاة "الإسماعيلية الباطنية".
ب . قال الإمام الذهبي رحمه الله: وله كتابٌ "الشفاء" وغيره، وأشياء لا تحتمل، وقد كفّره "الغزّالي" في كتاب "المنقذ من الضلال". أ.هـ"سير أعلام النبلاء" (17/535).
- وقال أيضا: وهو رأس الفلاسفة الإسلاميَّة، لم يأتِ بعد "الفارابي" مثله. فالحمد لله على الإسلام والسنَّة. أ.هـ"المرجع السابق".
- وقال أيضاً: ما أعلمُه روى شيئاً من العلم، ولو روى ما حلّت الروايةُ عنه لأنَّه فلسفيُّ النِّحلةِ ضالٌّ (لا رضي الله عنه(1) )،. أ.هـ "ميزان الاعتدال" (1/539).
ج. قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: وقال ابن أبي الحموي الفقيه الشافعي... وقد اتفق العلماء على أن "ابن سينا" كان يقول بِقِدَمِ العالَم ونفيِ المعاد الجسمانيِّ، ونقل عنه أنَّه قال إن الله لا يعلم الجزئيات بعلمٍ جزئيٍّ بل بعلمٍ كليٍّ، فقطع علماءُ زمانِه ومَن بعدهم مِن الأئمة - ممن يعتبر قولهم أصولاً وفروعاً- بِكفْرِه وبكفرِ أبي نصر الفارابي(2) من أجل اعتقاد هذه المسائل وأنَّها خلافُ اعتقادِ المسلمين. أ.هـ "لسان الميزان " (2/293).
د. قال شيخ الإسلام رحمه الله - وذكر فرقةً من المتفلسفة فيهم "ابن رشد" -: ولهذا كان هؤلاء أقربَ إلى الإسلام من ابن سينا وأمثاله، وكانوا في العمليات أكثرَ محافظةً لحدود الشرع من أولئك الذين يتركون واجبات الإسلام ويستحلُّون محرَّماته، وإن كان في كلٍّ من هؤلاء مِن الإلحاد والتحريف بسبب ما خالف الكتاب والسنة، ولهم من الصواب والحكمة بحسب ما وافقوا فيه ذلك. أ.هـ"منهاج السنة" (1/356).
- وقال أيضا:... ومَن دخل في أهل الملل منهم كالمنتسبين إلى الإسلام كالفارابي وابن سينا ونحوهما من ملاحدة المسلمين... أ.هـ "منهاج السنة" (3/287).
- وقال أيضا: و"إشارات(3) " ابن سينا، يعرف جمهور المسلمين الذين يعرفون دين الإسلام أنَّ فيه إلحاداً كثيراً أ.هـ " منهاج السنة " (5/433).
هـ. وقال ابن القيم رحمه الله: قوله تعالى { خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ}
[ السجدة/ 4]: يتضمَّن إبطالَ قولِ الملاحدة القائلين بِقِدَمِ العالَم، وأنَّ الله سبحانه لم يخلقه بقدرته ومشيئته. ومن أثبتَ منهم وجودَ الربِّ جعله لازماً لذاته أزلاً وأبداً غيَر مخلوقٍ، كما هو قول ابن سينا والنصير الطوسي وأتباعهما من الملاحدة الجاحدين لما اتفقتْ عليه الرسلُ عليهم الصلاة والسلام، والكتبُ، وشهدتْ به العقولُ والفِطرُ. أ.هـ "اجتماع الجيوش الإسلامية" (ص86).
وفي "إغاثة اللهفان" له (2/267) قال إنه "إمام الملحدين".
- عقيدته
ذكر شيخُ الإسلامِ رحمه الله في كتابه المستطاب "منهاج السنَّة" بعضَ عقائد ابن سينا وردّ عليها، وذلك في مواضعَ متفرقةٍ من كتابه(4)، وسأذكرها - إن شاء الله- مع الإحالة إليها.
1. القول بقدم العالم(5). "المنهاج" (1/154).
قلت: والعجب من بعض النَّوْكى الذين نسبوا هذا القول ظلماً وزوراً لشيخ الإسلام رحمه الله، وألَّفوا في ذلك رسائل، وهو الذي أجاد وأفاد رحمه الله في نسف هذا الاعتقاد فخرَّ عليهم من فوقهم. وانظر في ردِّ هذه الفرية كتاب أخينا الفاضل مراد شكري" دفع الشُّبَهِ الغَوِيَّة" (ص11-21). و "نواقض الإيمان القوليَّة والعمليَّة" لعبد العزيز العبد اللطيف (ص98-105).
2. قوله " كلام الله هو ما يفيض على النُّفوس من المعاني التي تفيض إما من العقل الفعّال وإما من غيره". "المنهاج" (2/359).
3. قوله " إنَّ الله يعلم الكليات ولا يعلم الجزئيات". "المنهاج" (2/575).
4. قوله " إنَّ العالَم صدر عن ذاتٍ بسيطةٍ لا يقوم بها صفةٌ ولا فعلٌ ". "المنهاج" (1/182).
5. نفيُه لصفات الله تعالى. (1/268) و (1/402)، لذا وصَفَهُ شيخُ الإسلام رحمه الله في (1/334) بأنَّه مِن "جهمية الفلاسفة".
6. قولُه بِبَعضِ عقائد القرامطة الباطنية. (2/197).
7. ذَكَرَ ابنُ سينا بعضَ صفاتٍ للنَّبيِّ وقال " مَن حصّلت له فهو نبي" فردَّ عليه شيخ الإسلام رحمه الله فقال: وهذا القَدْر الذي ذكروه يحصل لخلقٍ كثيرٍ مِن آحادِ النَّاسِ ومِن المؤمنين وليس هو مِن أفضل عموم المؤمنين فضلا عن كونه نبيّاً. أ.هـ(8/24).
قلت: وبعد هذا، فهل يصحُّ أنْ يُنسبَ هذا الرجلُ إلى الإسلام فضلاً عن وصفه بأنَّه مِن "علماء التربية الإسلامية"! والحمد لله على الإسلام والسنَّة ونعوذ بالله من الإلحاد والبدعة.
==========
الهوامش
(1) أثبتها عن الذهبي الحافظُ ابن حجر في "لسان الميزان" (2/291).
(2) وقد ذكر ابن كثير رحمه الله هذه العقائد وأنها سبب تكفير "الغزالي" له في "البداية والنهاية" (12/46) وقال عن "أبي نصر الفارابي" - لما ذكر بعض اعتقاداته الفلسفية -: فعليه- إن مات على ذلك- لعنة رب العالمين. ولم أر الحافظ ابن عساكر ذكره في "تاريخه" لنتنه وقباحته. أ.هـ "البداية والنهاية" (11/238).(45/459)
(3) أي: كتابه "الإشارات والتنبيهات".
(4) وقد استفدتها من "الفهرس" في آخر الكتاب الذي صنعه الدكتور محمد رشاد سالم رحمه الله - محقق الكتاب - ومن معه، فرحمه الله وجزاهم الله خيراً.
(5) ومعناه: أن العالم مخلوق لله، لكنه لازم لذات الله لزوم العلة للمعلول.
كتبه
إحسان بن محمد بن عايش العتيبي
أبو طارق
===============(45/460)
(45/461)
كيف أدعو صديقتي التي لا تعترف بالصلاة ولا بالرسول الكريم
تاريخ الإستشارة : …2006-06-15 10:11:18
الموضوع : …استشارات ومشاكل الشباب
السائل : …iman
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم.
بعد شكري على النصيحة الأولى أطلب نصيحة ثانية! صديقتي مسلمة ولكنها لا تعترف بدينها أبدا لا بصلاة ولا بحجاب، والأخيب من ذلك لا تحترم رسولها وهذا ما جعلني أقف محتارة فيها ولا أعرف كيف أنصحها.
أطلب منكم أن تساعدوني على حل هذه المشكلة وجزاكم الله كل الخير.
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ إيمان حفظها الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،،،وبعد
فإن هذه الأوصاف التي ذكرتها عن صاحبتك المذكورة تدل على أنها مسلمة بحسب الظاهر فقط (اسميًا)، وأما واقعًا فهي في وادٍ، والإسلام في وادٍ آخر بعيد عنها، فإن المسلم لا يقع منه أبدًا عدم الإقرار والاعتراف بدينه وبشعائر مِلَّته، والأدهى والأعظم أن لا تحترم الرسول الكريم - صلوات ربي وسلامه عليه - فهذه الفتاة تحتاج منك إلى معاملة واعية متفهمة بطبيعتها، فإنها لا تقرُّ أصلاً بالدين ولا بشعائره، ولا تحترم رسول ا صلى الله عليه وسلم ، إذن فلابد لك من أن تبدئي معها من أول خطوة، وهي شرح معنى توحيد الله تعالى، ومعنى الإيمان به، ومعنى أن يكون صلى الله عليه وسلم رسول الله ونبيه الذي بعثه إلى الخلق عامة.
وطريق البدء معها في الكلام أن تعتمدي معها الوسيلة الهادئة الرقيقة؛ بحيث تشرحين لها (معنى الإسلام) عن طريق توجيه سؤال لها مفاجئ لا تتوقعه (ما هو الإسلام في نظرك، وماذا تعرفين عنه)؟ ومن المقطوع به أن مثل هذه الفتاة التي تملك جوابًا قائمًا، ولو أجابت فستكون إجابتها مشتتة قلقة مضطربة، لأنها في الحقيقة لا تعرف من الإسلام إلا اسمه، ولا من الإيمان إلا ما تلقفته عن بعض وسائل الإعلام الفاسدة المفسدة التي تزرع الشبهات والشكوك، فتنشر الإلحاد والتصورات المحرفة عن هذا الدين الكريم.. فإذا تبين جهلها بحقائق هذا الدين فاشرحي لها أنت بدورك حقيقة هذه الملة المستقيمة، التي بعث الله بها نبيه صلوات الله وسلامه عليه.
وطريق شرح هذه الأمور، أن تذكري لها مثلاً أن الله جل وعلا قد أرسل رسوله - صلوات الله وسلامه عليه - بهذا الدين ليقوم بتعريف الناس بالسبيل الوحيد الذي فيه نجاتهم في الدنيا والآخرة، فهو دين يبين وينظم ويحدد:
(أ) علاقة الإنسان بخالقه.
(ب) علاقته بمن حوله من الخلق كأهله ومجتمعه وزوجته.
(ج) علاقته بنفسه، وما هي حقوقها عليه، وكيف يتأدب بالآداب السامية.
فهو دين جاء ليخرج الناس من ظلمات الشبهات والجهالات إلى نور اليقين والعلم والطمأنينة.
مضمومًا إلى ذلك أن في هذا الدين الكريم الإجابة عن كل سؤال، يتيه فيه التائهون ويضيع فيه الحائرون، فهو يبين للإنسان من أين جاء؟ ولماذا جاء؟ وما هو مصيره؟ وإلى أين سيذهب؟
وأيضًا فهو دين يعامل الإنسان بحسب فطرته، فلا يحرمه ما تدعوه إليه فطرته، من أمور الدنيا والتمتع بالطيبات، والزواج، وإنجاب الذرية.
ثم اعقدي لها مثلاً مقارنة بين انحراف النصرانية الصليبية، وبين هذا الدين العظيم - الذي لا وجه للمقارنة فيه أبدًا مع أي دين آخر - فاشرحي لها نظرة الكفار من النصارى كيف ينظرون إلى علاقة الرجل بالمرأة على أنها (دنس) لابد أن تتطهر منها المرأة والرجل كلاهما، فلذلك تصبح الفتاة في الكنيسة (راهبة محرومة من الزواج) والرجل راهبًا أو قسيسًا لا يتزوج ولا يقوم بأقل ما تدعوه إليه فطرته.
بينما نجد الإسلام يأمر بهذه العلاقة بل ويحث عليها، ولكن ومع هذا يضع لها الضوابط التي تحفظها وذلك بالزواج الشريف النظيف العفيف التي تبنى فيه أسمى علاقات الإنسان بالإنسان.
والمقصود أن مخاطبتك هذه الفتاة لابد أن تراعي فيها أنها لا تحمل من الإسلام إلا اسمه، فلابد من مخاطبتها بأصل وقواعد الدين التي يدعى إليها من لا يعرف الإسلام ولا الإيمان ولا أهلهما.
وأيضًا فإننا نشير عليك بأن تجعلي جل همك أولاً في شرح حقائق هذا الدين لها، وأن تؤجلي الكلام في الحجاب معها، حتى تجدي منها استعدادًا أكثر لتلقي مثل هذا الكلام معها، فالكلام في الحجاب في غاية الأهمية، ولكن لابد من اختيار الوقت المناسب للكلام فيه، فاجعلي أول كلامك وجل اهتمامك هو بيان حقائق الدين والتوحيد والإيمان لها، ثم دعوتها إلى إقامة الصلاة والمحافظة عليها، وبعد ذلك يكون الكلام في أمور الحجاب الواجب عليها.
ومما يعينك كثيرًا في هذا الباب ويختصر عليك الكلام كثيرًا، إعطاؤها بعض الوسائل الدعوية، كالأشرطة الدينية المناسبة، والكتيبات اللطيفة الحجم، ونحو ذلك من الوسائل التي تجعلها تفهم أمر هذا الدين على الوجه المستقيم الذي لا عوج فيه.
ونوصيك أيضًا بالاستعانة بالله على دعوتها، وبالدعاء لها بالهداية، فإن الدعاء سلاحك، وسلاح كل مؤمنة ومؤمن، وقد ثبت عن صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ليس شيء أكرم على الله من الدعاء).(45/462)
ونسأل الله بكرمه ورحمته أن يجزيك عن جميع المسلمين وعن دعوتك لدين الله خير الجزاء: {ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحًا وقال إنني من المسلمين}.
المجيب : …أ/ أحمد مجيد الهنداوي
============(45/463)
(45/464)
السلفية ((حركة قائمة في وجه الإلحاد، والشرك، والضلال، والطغيان))
بقلم: زهير الشاويش
حفل معهد الدراسات الإسلامية للمعارف الحكمية، بيروت 13 ذو القعدة 1424=5/1/2004
* * *
إن الحمد لله، والصلاة على رسل الله، وآل كل واحد منهم، وصحب وحواري الجميع، من الذين اتبعوا ما أنزل الله على كل رسول من الوحي، وآمنوا بما جاء عنهم من الحكمة والموعظة الحسنة، حتى آخر ما أرسل به سيدنا محمد بن عبدالله خاتم الأنبياء، وحامل راية التوحيد، والقيام بالعبادة، والتفقه الحق، وذلك الدين القيِّم، إلى يوم الدين. وبعد
فإن البحثَ الذي عُرض عليَّ أن أتكلمَ به وعنه، في هذا الجمع الكريم، واللقاءِ العلميِّ، من الذين أحترمُ وأقدِّرُ من أهلِ العلمِ والجهادِ والدعوة، والصحوةِ الإسلاميةِ العامةِ والشاملة، ولا أستطيع لهم مخالفة.
وفيهم من يوافقني في خطِّي ومنهجي، ومنهم من يخالِفُني في بعضِ ذلكَ أو أكثرِه، ولكنَّ اختلافَ الرأيِ لا يُفسدُ للودِّ قضية.
وإننا جميعاً -كما عهدتهُم- ننشدُ الحقَّ ونسعى إليه، والحقُّ أحقُّ أن يُتَّبع.
وكنّا في حياتنا نبتغي عندَ الوفاقِ والخلافِ الرجوعَ إلى الجملةِ -القاعدة- التي وُجِدَ أصلُها عندَ شيخِ الإسلامِ ابن تيميةَ (ت 728هـ) من كتابِ "رفعِ الملام"، وفي كلامِ تلميذهِ العلامة ابن قيِّم الجوزية (ت 751هـ) في كتاب "إعلامِ الموقعين"، ووجدتُ العددَ الكبيرَ من مشايخي قد أخذ بها، وهي:
"نتعاونُ فيما اتفقنا عليه، ويَعذُرُ (وينصَحُ) بعضُنا بعضاً فيما اختلفْنا فيه"
السلفية
والسلفيةُ لم يكن لها أصلٌ من هذه التسميةِ إلا بعدَ زمنٍ طويلٍ من عصرِ الدعوةِ التي حملَ رايتها وأَرسَىَ قواعِدَها سيدُنا وقدوتُنا جميعاً رسولُ الله محمدٌ ( وصحبُهُ الكرام (، وقد كانوا يوصَفوُنَ بأنَّهُم "السَّلَفُ الصالِح".
وتسميةُ (السلفيةِ) لا بُدَّ لها مِن سَلفٍ يَسبِقُها تنتهي إليه، وهي تكونُ خلفاً لسلف. وكان هذا السلفُ من تابعيِ التابعين. وقد تَبِعَ كُلُ السلفيين وغيرُهُم من المذاهِبِ من كل الفِرق. بعضاً من التابعينَ حتى أصبحَ الفِقهُ بل والعقيدةُ، وحتى الأخلاقُ أنواعاً كثيرةً جداً، وفي بعضها اختلافٌ ظاهرٌ من اتباعِ الأثر، أو التمسّكِ بالنَّصِ والدليل، أو الجنوح إلى الرأيِ وقولةِ: "نحنُ رجالٌ وهُم رجال"، بعضُهُم اقتصرَ على ما دلَّتهم عليهِ عُقُولُهُم.
وكان مثلُ ذلكَ عنَد كُلِّ المَذاهِبِ الإسلاميةِ المنقَرِضَةِ أو الباقيةِ حتى اليوم: من الحنفية، والمالكيةِ، والشافعيةِ، والحنابلةِ، والظاهريةِ.
والسلفية: أثبتت أكثر ما تقدم، أخذت من كل فرقة ما صحّ عندها عنهم.
والبعض بالبعض اكتفى
……ومن حوى الكل حاز الشرفا
ووجدْنا مِثلَ ذلكَ تماماً في عُهُودٍ أقدمَ من ذلكَ وأقربَ إلى عهدِ الصحابة، كما وجد عند الخوارج، والعثمانيِة، والشيعة، وما تفرق عن كلِّ فِرقَةٍ منها من الجماعات والأتباع. وكذلك ما ترسَّبَ من عقائد المعتزلة، ومن ذلك تقديم العقل على النقل، وهو من أخطر ما عندهم !، وكذلك الأشاعرة، وقد توسطوا في كل ذلك، والماتريدية الذين خالفوا الأشاعرة بعشرات المسائل من غير دليل راجح غالباً!، وكلهم اعتمد التأويل، ولكن على درجات مختلفة، والحق أنها كلها باطلة، وهي مبنية على علم الكلام، ويجمع كل ذلك قولهم على القاعدة عندهم هي: "طريقة السلف أسلم، وطريقة الخلف أعلم وأحكم"، والحق أن طريقة السلف أسلم وأعلم وأحكم".
والسلفيون ينكرون التأويل اللفظي والباطني. وقل على مثل ذلك كان هؤلاء السلفيون، مع أن كل المذاهب والفرق الباطنية، وحتى عند الديانات المنحرفة، وما أوجدَ الناس من أحزابٍ مُخترعة مثل ذلك.
ولا بد من صرف النظر عما كان من فُرقة واختلافات بعد الصحابة الكرام رضي الله عنهم أجمعين، وما ترسب بين المسلمين من أقوال وفرق في مسائل الحكم، والعقائد، والفقه، وكان منهم عدد كبير من مختلف الفرق، وكان منهم من سمي: "السلفيون".
إذن فالسلفية: طريقة في المعتقد، والفقه، مفادها: الرجوع إلى ما كان عليه الجيل الأول -السلف الصالح- في العقيدة، والعبادة، والأخلاق، والسلوك -كما في باقي المذاهب أنها ترجع إلى من انتسبت إليه، وبقيت هكذا حتى اليوم-. تتسع حيناً، وتضيق حيناً آخر، لعوامل مختلفة. وفيها الصواب كل الصواب من جانب، وفيها بعض الخطأ من جانب آخر، وهو مغفور لهم إن شاء الله. لأنه من الاجتهاد الذي يؤجر صاحبه أجرين عند الصواب، ويؤجر أجراً واحداً أيضاً عند الخطأ، وأرجو الله أن تكون كل المذاهب الإسلامية كذلك.
وأما اتساع السلفية فقد كان في فترات، كما أن ضيقها كان في فترات أخرى، وهذا كله لعوامل متعددة.
والسلفية معتمدة على الصحيح الواضح من الكتاب والسنة، والوقوف عند اتفاق الصحابة، وما تتابع بعد ذلك بعمل وفهم التابعين من القرون الثلاثة التي شهد لها سيدنا محمد ( بالخيرية،وتتابعت بعد ذلك بأقوال أهل العلم، والمعتقد، والحديث، والدعوة.(45/465)